تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد

ناظر الجيش

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[مقدمة التحقيق]

مقدمة الحمد لله الذي علم بالقلم .. علم الإنسان ما لم يعلم .. والصلاة والسّلام على من أوحى إليه أن: اقرأ .. فقرأ وهو خير من قرأ، ونطق وهو خير من نطق، وأفصح وهو سيد من أفصح ... اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .. وبعد .. فلقد اهتم علماؤنا الأوائل بدراسة اللغة العربية .. لغتهم العزيزة التي بها يتكلمون وبها يتخاطبون، وزاد اهتمامهم بها حين وجدوا الأيدي العابثة قد امتدت عليها ودبّ اللحن على الألسنة، فخشي الغيورون على لغة القرآن الكريم من ضياعها، وإمحاء آثارها، فأرسوا قواعدها، ونظموا أصولها، حتى كثرت المؤلفات التي تعنى بقواعد النحو والصرف، فوضع سيبويه «كتابه» الذي يعد بمثابة المنارة التي يهتدي بنورها الدارسون لهذا الفن .. ولا يزال التأليف مستمرّا حتى وجدنا المبرّد يقدم بين أيدي الدارسين كتبه: المقتضب والكامل وغيرهما من نفائس الكتب والمؤلفات .. وتتابعت حركة التأليف حتى جاء القرن السابع الهجري ليسعد بعلم من أبرز علماء النحو والصرف، ذلكم هو العالم الجليل الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك، صاحب الألفية التي اشتهرت في الأوساط العلمية وفاقت كل مؤلف، وأقبل عليها طلاب العلم حفظا وفهما، حتى استولت على عقولهم وأفهامهم. هذا إلى جانب الكافية الشافية وشرحها، والتسهيل، وغيرها من المؤلفات التي وضعها ابن مالك. وإذا كانت الألفية قد حظيت باهتمام كثير من العلماء، فتسابقوا إلى شرحها والتعليق عليها - فإن «التسهيل» أيضا قد حظي بهذا الاهتمام نفسه؛ حتى وجدناه يسيطر على العقول ويأخذ بمجامع الألباب، فهبّ الجميع يتسابقون إلى شرحه وحلّ الغموض الذي اكتنفه؛ لأن إيجازه بلغ

حد الغموض كما جاء في دائرة المعارف الإسلامية (¬1) .. ولهذا السبب؛ فإن ابن مالك نفسه أحسّ أن هذا الكتاب لا يكمل نفعه، ولا يعم خيره إلا إذا أكمل بشرح يزيل غموضه، ويبين المراد من عباراته واصطلاحاته وقواعده؛ فقام بشرحه حتى يسهل الانتفاع به (¬2). وتتابعت شروح هذا الكتاب بعد شرح مصنفه من أمثال: الشيخ أبي حيان (ت 745 هـ) والمرادي (ت 749 هـ) والسمين الحلبي (ت 756 هـ) وابن هشام (ت 761 هـ) وابن عقيل والدماميني، ومحب الدين محمد بن يوسف بن أحمد المعروف بناظر الجيش .. ولقد استوقفتنا شخصية هذا العالم الأخير الذي جمع بين دراسة هذا الفن ومنصب «ناظر الجيش». ولما كان إحياء تراثنا العربي الخالد من موجبات الحياة ومقتضيات الزمن - فقد شمرنا عن ساعد الجد؛ لننفض الغبار الذي تراكم على هذا الشرح، الذي نعتقد أنه من أعظم شروح التسهيل كما سنرى إن شاء الله تعالى، وقد أحببنا أن يخرج إلى الحياة ويشهد نورها بعد أن ظل حبيسا في بطون المكتبات؛ فاخترنا بعون الله وتوفيقه - نحن الستة - هذا الشرح؛ ليكون تحقيقه ودراسته سبيلا لنيل درجة العالمية «الدكتوراه» من كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة .. هذا، ويمكننا أن نلخص الدوافع التي حفزتنا إلى تحقيق هذا السفر العظيم فيما يلي: 1 - الإسهام والمشاركة في إحياء جزء من تراثنا العربي الخالد الذي يسهم بدوره في المحافظة على لغة القرآن الكريم دستور الإسلام العظيم. 2 - التعرف على شخصية ابن مالك عن قرب بدراسة مؤلف من مؤلفاته وهو «التسهيل»، من خلال شرح ناظر الجيش له. 3 - التعرف على شخصية ناظر الجيش التي لم تحظ بعناية كثير من العلماء أو الدارسين؛ فأردنا أن نكشف الغموض الذي اكتنف هذه الشخصية العظيمة ¬

_ (¬1) انظر دائرة المعارف الإسلامية (1/ 381). (¬2) ذكرت المصادر التي ترجمت لابن مالك أنه وصل في شرحه إلى باب: «مصادر الفعل الثلاثي» ثم أكمله ولده بدر الدين.

ذات القدرة الفائقة على فهم القواعد النحوية والصرفية. 4 - أنه إذا كان القرن الثامن الهجري قد حظي بالأفذاذ من العلماء من أمثال: أبي حيان والمرادي والسمين الحلبي وابن هشام وابن عقيل - فإننا قصدنا إلى معرفة مكان شرح ناظر الجيش بين هذه الشروح. 5 - أننا وجدنا صاحب «كشف الظنون» وغيره حين تحدث عن هذا الشرح لناظر الجيش - ذكر أنه اعتنى بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان على ابن مالك .. فأردنا أن نقف على تلك الإجابات والتعرف عليها والاستفادة منها. 6 - أن هذا الشرح يعد لونا من ألوان النقد في النحو العربي .. فهو لم يكتف بسرد آراء السابقين ومذاهبهم .. وإنما تعرض لها بالشرح والتعليق؛ وبخاصة شرح ابن مالك وشرح الشيخ أبي حيان الذي تعقبه مع كل فكرة وكل رأي .. فأردنا أن يتعرف معشر الدارسين لهذا الفن على هذا اللون الجديد من هذه الدراسة. لهذه الأسباب مجتمعة اخترنا تحقيق هذا الكتاب ودراسته؛ إسهاما إيجابيّا منّا في هذا العمل النبيل، في إضافة شرح من أرقى شروح التسهيل إلى المكتبة العربية. ولقد ساعدنا في طبع هذا الكتاب الكبير والسفر العظيم الذي يجمع ثلاثة شروح للتسهيل (ابن مالك - أبو حيان - ناظر الجيش) هذا الرجل الذي يعنى بنشر التراث العربي في مختلف مجالاته من لغة وأدب ودين وهو الأستاذ/ عبد القادر محمود البكار، صاحب ومدير مكتبة دار السّلام بشارع الأزهر تلك المكتبة التي حازت على جائزة أفضل ناشر للتراث في مصر لثلاثة أعوام متتالية (1999 - 2000 - 2001 م) هي عمر الجائزة. وكان عملنا الكبير هذا مقسما إلى قسمين: قسم للدراسة كشفنا فيه النقاب عن الكتاب وعن صاحبه، وقسم للتحقيق أخرجنا فيه الكتاب الذي حجب عن طلاب العربية طوال سبعة قرون؛ أخرجناه إلى النور؛ لينتفع به الناس.

أما قسم الدراسة فقد جعلناه في: تمهيد وعشرة فصول.

أما قسم الدراسة فقد جعلناه في: تمهيد وعشرة فصول. ذكرنا في التمهيد الحالة السياسية والعلمية في عصر ناظر الجيش وأما الفصول العشرة فكانت كالآتي: الفصل الأول: كان حديثا موجزا عن ابن مالك صاحب التسهيل؛ فلا يجوز أن نشرح المتن دون أن نعرف بصاحبه. وأما الفصل الثاني: فكان حديثا عن ناظر الجيش صاحب الشرح: من اسمه ومولده وشيوخه وتلاميذه وصفاته وأخلاقه ومؤلفاته والمناصب التي تولاها، ثم وفاته. وأما الفصل الثالث: فكان عن كتاب التسهيل وقيمته العلمية وشروحه الكثيرة. وأما الفصل الرابع: فكان عن كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش وقيمته العلمية أيضا، وسبب تأليفه، وزمن التأليف في حياة صاحبه، وصحة نسبته إليه. وأما الفصل الخامس: فكان عن مصادر ومراجع كتاب التسهيل من رجال كثيرين وكتب مختلفة. وأما الفصل السادس: فكان عن منهج ناظر الجيش في شرحه للتسهيل. وقد سردنا فيه ما يقرب من عشر نقاط في ذلك. وأما الفصل السابع: فكان عن شخصية ناظر الجيش النحوية؛ حيث عرضنا عشرة أعلام من رجال النحو صحبهم ناظر الجيش دائما في كتابه على مدى سنين طويلة. ثم كان الفصل الثامن: عن موقف ناظر الجيش من قضية الاستشهاد والأدلة النحوية. وكان الفصل التاسع: عن مذهبه النحوي وبعض اختياراته. والعاشر: في تأثر الشرح بمن قبله، وتأثيره فيمن بعده، ثم خاتمة أتبعناها منهج التحقيق ووصف نسخ التحقيق وصورا منها.

وأما القسم الثاني وهو «التحقيق» فقد سرنا فيه وفق الخطوات التالية

وأما القسم الثاني وهو «التحقيق» فقد سرنا فيه وفق الخطوات التالية: 1 - قمنا بتقويم النص تقويما سليما؛ وفق القواعد النحوية والصرفية والإملائية، وضبط ما يحتاج منه إلى ضبط. 2 - قمنا أيضا بمطابقة النسخة الأصل التي اعتمدنا عليها في التحقيق على غيرها من النسخ، وقد أشرنا إلى مواطن الزيادة، والنقص بينها حتى خرج النص متكاملا. 3 - قمنا بتوثيق الشواهد على اختلافها، وتخريجها من مصادرها الأصلية على النحو التالي: أ - الشواهد القرآنية: نسبنا كل آية إلى سورتها وذكرنا اسم السورة ورقم الآية فيها. ب - القراءات القرآنية: قمنا بتخريجها وتوثيقها من مصادرها الأصلية؛ معتمدين في ذلك على أمهات كتب القراءات مثل: الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب القيسي، والنشر في القراءات العشر لابن الجزري، وحجة القراءات لابن زنجلة، والسبعة لابن مجاهد، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه، والبديع في مختصر شواذ القرآن لابن خالويه، والمحتسب في القراءات الشاذة لابن جني، وغيرها من الكتب التي اهتمت بهذا الشأن. جـ - شواهد الحديث الشريف: قمنا بتوثيقها وتخريجها من الكتب الصحاح مثل: صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وغيرها. د - أقوال العرب وأمثالهم: قمنا أيضا بتخريجها وتوثيقها من مصادرها الأصلية مثل: مجمع الأمثال للميداني والمستقصي في الأمثال للزمخشري. هـ - الشواهد الشعرية: وقد اتبعنا فيها المنهج الآتي: 1 - الإشارة إلى اسم قائل البيت إذا كان له قائل معروف، أو الإشارة إلى أن قائله مجهول.

2 - الإشارة إلى موضعه في الديوان إذا كان لقائله ديوان، وذكر موضوع القصيدة وغير ذلك. 3 - تعيين البحر العروضي لكل شاهد. 4 - ضبط البيت ضبطا صحيحا. 5 - شرح الألفاظ الغربية والغامضة في الشاهد؛ معتمدين في ذلك على كتب شرح الشواهد مثل: شرح أبيات سيبويه للأعلم بهامش الكتاب، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي، والمفضل لأبي فراس الغساني بهامش المفصل للزمخشري، وغيرها، كما اعتمدنا في شرح بعض الألفاظ على المعاجم مثل: لسان العرب، والصحاح للجوهري، والقاموس المحيط، ومختار الصحاح، وأساس البلاغة للزمخشري، وغيرها. 6 - الإشارة إلى موطن الشاهد في البيت. 7 - ذكر بعض المصادر التي ورد فيها الشاهد ليعود إليها من يريد ذلك. 4 - قمنا بالترجمة للأعلام التي وردت في الشرح وكذا الأماكن مع ذكر البيانات والتفصيل لهذه التراجم. 5 - تتبعنا بدقة كل ما ورد في النص من آراء وأقوال وإحالات طرحها المؤلف، وذلك بالإشارة إلى أماكنها في مصادرها الأصلية من مؤلفات أصحابها إن وجدت، وإن لم توجد فمن كتب نحوية أخرى. 6 - قمنا بالتعليق على كثير من المسائل التي ذكرها المؤلف مع الوقوف أمام بعض القضايا التي احتاجت إلى ذلك. 7 - قمنا بالتعليق على بعض إجابات المؤلف عن اعتراضات أبي حيان على ابن مالك، وبخاصة الإجابات التي تمحل فيها للدفاع عن ابن مالك ورددناها عليه، وتركنا الإجابات الجيدة دون تعليق لأنها واضحة وظاهرة. 8 - قمنا بشرح الألفاظ الغامضة الواردة في الشرح وتوضيح المسائل المبهمة

ليقف القارئ عليها. ثم ذيلنا كل جزء بفهرس للموضوعات التي يحتويها؛ ليسهل الرجوع إليها مراعين في ذلك وضع عنوان لكل جزء مشروح من المتن ليكون فهرسا مشتملا على بعض التفصيل ثم ذيلنا الكتاب كله بالفهارس الفنية التي تعين الباحث على الوصول إلى بغيته من هذا الشرح؛ لأن الفهارس مفاتيح الكتب فوضعنا فهرسا للشواهد القرآنية، وآخر للحديث الشريف، وثالثا للشواهد الشعرية، ثم فهرسا للمصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها في الدراسة والتحقيق مرتبة ترتيبا أبجديّا حسب اسم الكتاب. ثم ختمنا هذه الفهارس بوضع فهرس مجمل لما احتواه هذا الشرح العظيم وما ضمته أجزاؤه من الأبواب ليسهل أيضا الرجوع إلى الموضوع والباب في مكانه من الأجزاء. وبعد: فمن الإنصاف والإقرار بالفضل لأهله وذويه، أن نقدم خالص الشكر وعظيم التقدير إلى هذا الرجل الذي كان سببا في نشر هذا الكتاب، والذي يحمل في سبيل ذلك أعباء مادية ضخمة؛ ليرى كتابنا النور ولينتفع به الباحثون وهو الأستاذ/ عبد القادر البكار، الذي لو لاه ما طبع الكتاب، كما لا يفوتنا - نحن الخمسة - أن ننوه بعمل أخينا الدكتور علي محمد فاخر؛ حيث جمعنا من أماكن مختلفة ومدن متفرقة؛ لنتفق جميعا على طبع الكتاب والذي ما نام له جفن حتى تحقق له ذلك؛ ثم بعد ذلك كله أشرف على عملية الطباعة من تنقيح وتهذيب ونخل وغربلة، ووضع مراجع وكتب حديثة مكان مراجع ومخطوطات قديمة، تلك المرحلة التي استمرت عامين طويلين والتي ندب نفسه إليها ولم يكل أو يمل منها؛ بل كان يعمل وهو راض كل الرضا مع الجهد المبذول ليلا ونهارا وكان هدفه الوحيد أن يخرج الكتاب إلى النور ذلك الحلم الذي ظل يراودنا جميعا عشرين عاما، فجزاه الله أيضا عن ذلك العمل الجليل خير الجزاء وجعله في ميزان حسناته.

ويجب أن ننوه هنا أن هذا الكتاب بأجزائه الكثيرة كان ست رسائل دكتوراه سجلناها وحصلنا عليها من جامعة الأزهر بتقدير مرتبة الشرف الأولى، كان هذا من عشرين عاما مضت وبتنا نحلم بطبع الكتاب وكيف يطبع وكل منا في مكان وكلّ منا انصرف لحياته الخاصة؟ فوق التكاليف المادية للطباعة، إلى أن تحقق حلمنا واستجاب الله دعانا ووفقنا - نحن الستة الذين حققوا الكتاب - فاجتمعنا جميعا وكان سابعنا صاحب المكتبة الذي تحمس لطبع الكتاب وإخراجه للنور حين عرضنا عليه الفكرة ولم يأل جهدا ماديّا أو أدبيّا في ذلك. وأخيرا: فمن العيب أن يزهو الإنسان بعلمه .. ولكن من الحسن بمكان أن يذكر نعم الله عليه ويحدث بها .. فلقد هدانا الله إلى هذا العمل الشريف الذي بذلنا فيه قصارى جهدنا .. ولم ندخر وسعا في سبيل إخراجه على صورة تليق بمكانته .. ولسنا ندعي لجهدنا هذا العصمة من الخطأ؛ فالكمال لله وحده، والعصمة لأنبيائه ورسله .. فإن نكن قد وفقنا فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .. وإن كانت الأخرى فحسبنا أننا لم نتعمد التقصير ونرجو الله تعالى أن يغفر لنا خطايانا وأن يهدينا إلى سواء السبيل؛ إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المحققون المحرم سنة 1424 هـ القاهرة في: مارس سنة 2003 م * * *

شرح التّسهيل المسمّى تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد القسم الأول «الدراسة» وتتكون من تمهيد وعشرة فصول

تمهيد

تمهيد العصر الثقافي أو الحياة العلمية في عصر ناظر الجيش: في الوقت الذي سقطت فيه بغداد سنة 656 هـ على يد التتار - أصبح المسلمون في حيرة من أمرهم، فإذا بهم يلتفتون في مشارق الأرض ومغاربها يبحثون لأنفسهم عن ملجأ يلجأون إليه ومأوى يأوون إليه؛ فلم يجدوا أمامهم غير مصر والشام؛ حيث أسس المماليك لهم ملكا وأقاموا لأنفسهم سلطانا، وكونوا لعرشهم جندا يذود عنه ويدفع كيد الأعداء. وكان من حسن سياسة سلاطين المماليك أن أفسحوا في مصر مكانا للخلافة جديدا يؤوون فيه أحد سلائل خلفاء بني العباس بعد ثبوت نسبه وبذلك أعادوا للخلافة سيرتها. وبذلك كله اكتسبت مصر مكانا جديدا في الحياة .. وانتقل النشاط العلمي من العراق وبغداده إلى مصر وقاهرتها، ونشرت القاهرة زعامتها العلمية وقيادتها الأدبية على البلاد الإسلامية تقريبا زهاء هذه القرون الثلاثة التي عاشت فيها دولة المماليك (¬1). ولقد تجمعت عدة عوامل (¬2) جعلت مصر رائدة للثقافة في هذا العصر نوجزها فيما يلي: 1 - وقوع كثير من البلاد الإسلامية في يد المغول: طغى سيل المغول الجارف من أواسط آسيا إلى شمالها، مكتسحا ما أمامه من بلاد المسلمين حتى وصل العراق وبلاد الشام، وعمل بها الكثير مما تقشعر له الأبدان؛ فكان لا بد للمسلمين من أن تلتف قلوبهم حول المدافعين عنهم من سلاطين المماليك ملتمسين فيهم الزعامة التي تدافع عنهم، وأن يشد أزرهم ويدعموا ملكهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ومن أهم وسائل تدعيم الملك ¬

_ (¬1) انظر: عصر سلاطين المماليك (3/ 10 - 13). (¬2) المرجع السابق (3/ 17، 18).

إحياء العلوم والمعارف، فجهد في ذلك علماء المسلمين آنذاك وأتوا بما يعد مزيدا في بابه عجيبا في صنعه. 2 - قتل العلماء وإتلاف الكتب العلمية: لقد لقي العلماء الفارون من وجه التتار أن المقام لا يستقر بهم إلا في كنف سلاطين مصر، وقد لقواهم ومن لف لفهم من رجال الأمم الأخرى في جوار هؤلاء السلاطين - الأمن والدعة والسلامة والعيش الهادئ، كما وجدوا أنفسهم بعد هذه الكارثة العلمية الرهيبة؛ مسئولين أمام الله عن دينه فدفعهم ذلك إلى الجد في العمل. 3 - وفود العلماء والأدباء إلى مصر والشام؛ حيث كان الأمن والأمان لهم عوضا عما لاقوه في البلاد الأخرى. 4 - زوال الخلافة العباسية وسقوط بغداد في أيدي التتار. 5 - غيرة السلاطين والأمراء على هذا التراث الضائع الذي لم يعرف قيمته هؤلاء الغزاة، ثم تعظيم هؤلاء السلاطين لأهل العلم وحبهم أياهم. 6 - شعور العلماء بواجبهم وتنافسهم في أداء هذا الواجب المنوط بهم وهو إحياء التراث العربي. 7 - انصراف العناية إلى اللغة العربية. 8 - إنشاء دور التعليم ونظامها وإنشاء دور الكتب. 9 - العناية باختيار العلماء وتشجيع المؤلفين (¬1). وكان من نتائج هذه الحركة العلمية أن وفد طلاب العلم إلى دور التعليم، وأدى ذلك أيضا إلى كثرة العلماء والأدباء، ونشطت حركة التأليف. وبذلك يبدو لنا أن الدراسات النحوية في مصر بدأت في وقت مبكر ولم تتقاعس تقاعس غيرها من الأمصار الأخرى. ¬

_ (¬1) راجع عصر سلاطين المماليك (3/ 18 - 85).

خصائص المدرسة النحوية في عصر «ناظر الجيش»

خصائص المدرسة النحوية في عصر «ناظر الجيش»: 1 - وضع المتون النحوية: لقد كثر في هذا العصر وضع المتون النحوية، وربما كان مرجع ذلك إلى سقوط بغداد وذهاب كثير من المؤلفات النحوية، فأراد علماء النحو أن يحفظوا أصول هذا العلم؛ فوضعوا هذه المختصرات حتى لا تضيع المصادر النحوية التي يستمدون منها نحوهم (¬1). 2 - كثرة الشروح: يمكن القول بأن هذا العصر عصر الشروح، شروح المؤلفات النحوية التي وضعها مشاهير العلماء السابقين من أمثال: سيبويه، وابن عصفور، والجرجاني، والزجاجي، وأبي علي الفارسي، وابن بابشاذ، والجزولي، والزمخشري، وشروح المؤلفات النحوية التي وضعها النحاة المعاصرون من أمثال: ابن الحاجب، وابن مالك، وابن هشام (¬2). 3 - كثرة المنظومات النحوية: فقد نظم ابن معط ألفيته، ثم جاء ابن مالك ونظم ألفيته على مثالها، وهذا يعد لونا من ألوان الحفاظ على أصول هذا الفن (¬3). 4 - نثر المنظومات: كما نظموا المنثور كانوا كذلك ينثرون المنظوم؛ من أجل إظهار البراعة وتسهيل النحو كما يبدو لهم. 5 - التدريب على الإعراب: من هؤلاء الذين أعربوا الألفية الشيخ: شهاب الدين أحمد بن الحسن الرملي الشافعي المتوفى سنة (844 هـ) (¬4). 6 - الألغاز النحوية: لقد كثرت الألغاز النحوية في هذا العصر والتباري في وضعها، ولكثرتها ألف فيها رسائل ووضعت من أجلها كتب، ومن تراث ابن هشام في هذا الميدان رسالته في الألغاز التي ألفها لخزانة السلطان الملك الكامل، وله أيضا شرح للقصيدة اللغزية في الحسان النحوية، طبعت ضمن كتاب السيوطي «الأشباه والنظائر». ¬

_ (¬1) انظر: المدرسة النحوية في مصر والشام (ص 442) ونشأة النحو (ص 272، 273). (¬2) انظر: المدرسة النحوية (ص 443) ونشأة النحو (272، 273). (¬3) المدرسة النحوية (ص 445). (¬4) المرجع السابق (ص 448).

7 - الاهتمام بشواهد الشعر النحوية: مثل: شرح أبيات سيبويه لأبي جعفر النحاس، وشرح شواهد جمل الزجاجي لابن هشام، وشرح شواهد شروح الألفية للعيني. 8 - الاستشهاد بالقراءات: ومن أهم الدعائم التي استند إليها علم القراءات بمصر ما نظم الشاطبي المشهور المتوفى سنة (590 هـ). وكثر علماء فن القراءات، وأكب كثير منهم على تدريسه بدور العلم، وأكب بعضهم أيضا على التأليف فيه وتوضيح مسائله، ومن كتب هذا الفن (¬1): أ - كتاب القراءات: لمعين الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله أبي بكر النكراوي الإسكندراني المتوفى سنة (683 هـ). ب - شرح الشاطبية: لشهاب الدين أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي السمين المتوفى سنة (756 هـ). جـ - شرح الشاطبية: لشهاب الدين أبي شامة المتوفى سنة (665 هـ). د - المقدمة الجزرية: وهي منظومة في التجويد، وضعها شمس الدين أبو الخير محمد بن الجزري الدمشقي القرشي المتوفى سنة (833 هـ)، وله أيضا كتاب «النشر في القراءات العشر» وقد كان لهذه المؤلفات الأثر الكبير في المؤلفات النحوية والصرفية؛ حيث استشهد علماء النحو والصرف بالقراءات القرآنية على صحة القواعد وتخريج الآراء، وكان هذا واضحا في مؤلفات أبي حيان والمرادي وابن هشام والسمين الحلبي وناظر الجيش. 9 - الاحتجاج بالحديث الشريف: وكان الإمام جمال الدين بن مالك أول من جوز الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف، وتبعه في ذلك كثير من أئمة النحو بعده؛ من أمثال العلامة المحقق الرضي (¬2)، وقد تبعهما كثير من المتأخرين كالمرادي وناظر الجيش والدماميني (¬3). ¬

_ (¬1) راجع عصر سلاطين المماليك (3/ 150 - 152). (¬2) انظر: خزانة البغدادي (1/ 4). (¬3) انظر: شرح العمدة (ص 265).

10 - الموازنة والاختيار: وهذه سمة واضحة من سمات هذا العصر - عصر ناظر الجيش - فليس هناك من جديد؛ فاتجه النحاة إلى الاعتماد على المتقدمين ينقلون عنهم ثم يعقدون الموازنات وأخيرا يتم اختيار الآراء الصحيحة وطرح الفاسد منها، وخير مثال على ذلك ما نراه في شرح التسهيل لناظر الجيش، وكذا ما نراه في مؤلفات المرادي وابن هشام والدماميني. 11 - الاجتهاد (¬1): وأيضا هذه سمة ظاهرة من سمات هذا العصر جاءت نتيجة للموازنات والاختيارات؛ فلم يكن بد من الاجتهاد في هذه الاختيارات؛ حتى يصل العلماء إلى بغيتهم، ولعل خير مثال على ذلك ما نراه في شرح التسهيل لناظر الجيش وهو الكتاب الذي بين أيدينا. * * * ¬

_ (¬1) راجع فيما تقدم: المدرسة النحوية في مصر والشام (ص 448) وما بعدها.

الفصل الأول حديث موجز عن ابن مالك صاحب «التسهيل»

الفصل الأول حديث موجز عن ابن مالك صاحب «التسهيل» * لا نريد في هذا الفصل أن نتحدث عن الإمام جمال الدين بن مالك حديثا مستفيضا؛ فهذا أمر مضى أوانه .. حيث سبقنا ببحث ودراسة هذه الشخصية العظيمة الفذة علماء أجلاء وأساتذة أفاضل، اهتموا بشأن هذا الرجل ووفوه حقه من البحث والدراسة وأظهروه في ثوبه اللائق به .. ومع ذلك فقد قصدنا إلى ذكر حديث موجز عن العلامة ابن مالك؛ لئلا يقال: إنه صاحب التسهيل صاحب المتن المشروح الذي ملأ الدنيا وشغل الناس فأين المرور عليه والترجمة القصيرة له؟ اسمه ونسبه: لقد اختلف العلماء في سلسلة نسب ابن مالك (¬1) .. واختصارا للكلام كما نريد من هذه العجالة السريعة فنقول: هو أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجيّاني المالكي حين كان بالمغرب، الشافعي حين انتقل إلى المشرق (¬2). كنيته ولقبه: أجمعت المراجع التي ترجمت لابن مالك على أن كنيته: «أبو عبد الله»، ولقبه: «جمال الدين». مولده وموطن ولادته: اضطرب المؤرخون في تحديد السنة التي ولد فيها ابن مالك على نحو فصله ¬

_ (¬1) انظر في ترجمة ابن مالك المصادر الآتية: نفح الطيب (2/ 222)، وفوات الوفيات (3/ 407)، والوافي بالوفيات (3/ 359)، والنجوم الزاهرة (7/ 243)، والسلوك لمعرفة دول الملوك (1/ 613)، والمدرسة النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن من الهجرة (ص 146)، والمدارس النحوية لشوقي ضيف (ص 309)، ودائرة المعارف الإسلامية (1/ 381) (ط دار الشعب)، ودائرة معارف البستاني (1/ 674) وبغية الوعاة (1/ 130) وتاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان (5/ 275). (¬2) انظر نفح الطيب (2/ 222) ودائرة المعارف الإسلامية (1/ 381) ودائرة معارف البستاني (1/ 674).

ثناء الناس على ابن مالك

أحد الباحثين، وانتهى إلى أن ابن مالك لا يستحق كل هذه الاختلافات الكبيرة. والذي يعنينا من هذا الميلاد، أنه ولد في نهاية القرن السادس الهجري ومفتتح القرن السابع ليكون نجمه الساطع وبريقه اللامع (¬1). وبناء على ما ذكر يمكن أن نطمئن إلى أن الأقرب إلى الصواب أن ابن مالك ولد في سنة (600 هـ). وهذا ما عليه أكثر الروايات، أو سنة (601 هـ) كما ذكر الشيخ يس في حاشيته على شرح التصريح (¬2)، والسبكي في طبقات الشافعية (¬3)، والمقري في نفح الطيب (¬4). هذا وقد اتفق المؤرخون على أن ابن مالك ولد بمدينة: جيّان (¬5)، ونسب إليها في جميع المراجع التي ترجمت له. ثناء الناس على ابن مالك: لقد ذكر أحد الباحثين أنه لا ينكر أحد قدر ابن مالك ولا سمو منزلته؛ فقد كان رحمه الله أسطع نجم لمع في سماء العلم في القرن السابع الهجري، وكان إماما له منزلة كبرى يقدرها علماء عصره كل التقدير رغم حساده وعوازله (¬6). وقال عنه السيوطي: «هذا مع ما هو عليه من الدين المتين، وصدق اللهجة، وكثرة النوافل، وحسن السمت، ورقة القلب، وكمال العقل، والوقار والتؤدة» (¬7). وقال عنه صلاح الدين الصفدي: «وكان كثير العبادة، كثير النوافل، حسن السمت، كامل العقل، وانفرد عن المغاربة بشيئين: الكرم ومذهب الإمام الشافعي» (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: مقدمة شرح الكافية الشافية تحقيق الدكتور/ أحمد عبد المنعم الرصد (ص 16). (¬2) انظر: شرح التصريح (1/ 14). (¬3) انظر: طبقات الشافعية للسبكي (5/ 28). (¬4) انظر: نفح الطيب (2/ 222). (¬5) جيان: بفتح الجيم وتشديد الياء من مدن الأندلس الوسطى، بينها وبين قرطبة سبعة عشر فرسخا. انظر: معجم البلدان (3/ 185). (¬6) انظر: المدرسة النحوية في مصر والشام للدكتور/ عبد العال سالم مكرم (ص 164). (¬7) انظر: بغية الوعاة (1/ 130). (¬8) انظر: الوافي بالوفيات (3/ 360).

مؤلفات ابن مالك (النحوية فقط)

وكان الشيخ ركن الدين بن القويع يقول: «إن ابن مالك ما خلى للنحو حرمة» (¬1). ورثاه الشيخ بهاء الدين بن النحاس بقوله: قل لابن مالك إن جرت بك أدمعي ... حمراء يحكيها النجيع القاني فلقد جرحت القلب حين نعيت لي ... فتدفقّت بدمائه أجفاني لكن يهوّن ما أجنّ من الأسى ... علمي بنقلته إلى رضوان (¬2) وخلاصة القول في هذا الرجل العظيم: أنه كان أول مؤسس لمدرسة النحو في مصر والشام منذ أن أصبح هذان الإقليمان قبلة العلماء ومهد الحضارة الإسلامية بعد سقوط بغداد (¬3). مؤلفات ابن مالك (النحوية فقط): لقد تعددت مؤلفات هذا العالم الجليل الذي يعد بحق أعظم نحاة القرن السابع شهرة؛ فقد رزقه الله قدرة فائقة على القراءة والبحث والاطلاع، فصنف مصنفات كثيرة العدد، مختلفة الفنون، ولسنا بصدد الاتساع في هذه الدراسة ولكننا - كما سبق أن ذكرنا - أردنا ألا نخلي كتابنا من حديث عن صاحب التسهيل. أما عن هذه المؤلفات: فأولها: كتاب «التسهيل» وهو الكتاب الوحيد من مؤلفات ابن مالك الذي يعنينا ذكره؛ لأنه محل الدراسة والتحقيق، فالموضوع يعالج شرحا من شروحه المتعددة، وقد أفردنا فصلا خاصّا من هذه الدراسة للحديث عن «التسهيل» وقيمته العلمية بين كتب النحو وشروحه المختلفة وقد نشر بتحقيق محمد كامل بركات سنة (1967 م). ثانيها: كتاب شرح التسهيل الذي حققه د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد ¬

_ (¬1) انظر: الوافي بالوفيات (3/ 363). (¬2) انظر: بغية الوعاة (1/ 137). (¬3) المدرسة النحوية في مصر والشام (ص 145).

وفاته

بدوي المختون وطبع في أربعة أجزاء كبيرة كان الرابع منها (باب إعراب الفعل وعوامله) بشرح ابنه بدر الدين (686 هـ). ثالثها: شرح الكافية الشافية وهو سفر كبير في خمسة أجزاء طبع بتحقيق: د/ عبد المنعم هريدي. رابعها: شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ. وهو سفر كبير هو الآخر طبع في جزأين كبيرين بتحقيق: عبد الرحمن الدوري. خامسها: شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح (في إعراب مشكلات الحديث) وهو مطبوع مشهور. سادسها: الخلاصة المشهورة بالألفية والتي طبقت شهرتها الآفاق بشروحها الكثيرة. وغير ذلك من الكتب والمنظومات في النحو. وفاته: اتفق المؤرخون على أن ابن مالك توفي في شعبان سنة (672 هـ) في مدينة دمشق وصلّي عليه بالجامع الأموي ودفن بسفح قاسيون. * * *

الفصل الثاني حديث عن ناظر الجيش صاحب «شرح التسهيل»

الفصل الثاني حديث عن ناظر الجيش صاحب «شرح التسهيل» * اسمه ونسبه: قال عنه ابن حجر: «محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي الأصل المصري محب الدين» (¬1). وقال ابن تغري بردي: «القاضي محب الدين، أبو عبد الله محمد بن القاضي نجم الدين أبي المحاسن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التميمي المصري ناظر الجيوش المنصورة بالديار المصرية» (¬2). وقال السيوطي: «ناظر الجيش محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي» (¬3). وفي كشف الظنون: «محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبيد الدائم؛ المعروف بناظر الجيش الحلبي» (¬4). من هنا يمكن أن نقول: إن هناك اتفاقا بين الذين ترجموا لناظر الجيش في سلسلة نسبه على هذا النحو: «محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم الحلبي» (¬5). لقبه وكنيته: اتفقت جميع المصادر التي ترجمت لناظر الجيش على أن لقبه: «محب الدين»، أما عن كنيته فلم يشر إلى ذلك إلا مصدران: النجوم الزاهرة، قال: «القاضي محب الدين أبو عبد الله» (¬6). ¬

_ (¬1) انظر: الدرر الكامنة (5/ 61). (¬2) انظر: النجوم الزاهرة (11/ 143). (¬3) انظر: حسن المحاضرة (1/ 537). (¬4) انظر: كشف الظنون (1/ 477). (¬5) وانظر في ترجمته: معجم المؤلفين (12/ 121)، وبغية الوعاة (1/ 275، 276) وشذرات الذهب (6/ 259) وهدية العارفين (2/ 169). (¬6) انظر: النجوم الزاهرة (11/ 143).

مولده وموطن ولادته

ومعجم المؤلفين، قال: «محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم التميمي المصري الحلبي؛ المعروف بناظر الجيش محب الدين أبو عبد الله» (¬1). ناظر الجيش: أما عن هذا اللقب، فقد عرف به بعد أن تولى نظارة الجيش، أي أنه اكتسبه في أخريات حياته. ولكن ما طبيعة هذا العمل؟ وما هي وظيفة ناظر الجيش؟. وملخص ذلك: أن عمل ناظر الجيش: «النظر في أمر الإقطاعات بمصر والشام، والكتابة بالكشف عنها، ومشاورة السلطان في أمرها، ويتصل بالنظر في شؤون المماليك السلطانية وله أتباع» (¬2). مولده وموطن ولادته: ولد ناظر الجيش سنة (697 هـ) بالقاهرة، ولم يختلف في ذلك أحد ممن ترجموا له. ويبدو أن ناظر الجيش بعد أن ولد بالقاهرة انتقل إلى حلب مع أسرته واشتغل بها مدة من الزمان، ثم عاد إلى القاهرة محل ميلاده، وقد يفهم هذا من كلام السيوطي في: حسن المحاضرة حيث يقول: «واشتغل ببلاده ثم قدم القاهرة» (¬3). وهذا ما تطمئن إليه النفس. شيوخه: لقد تتلمذ ناظر الجيش على علماء أجلاء كثيرين في شتى الفنون .. فقد أتاحت له قدرته على الاستيعاب مع ذكائه النادر، وصلاحه وفضله - أن يلازم كثيرا من العلماء والاستفادة من علومهم، ولقد ذكرت لنا المصادر التي ترجمت لناظر الجيش أنه تتلمذ على كثير من العلماء: قال ابن حجر (¬4): «وسمع من الرشيد بن المعلم، والشريف موسى بن علي الموسوي، والشريف الزينبي، وابن هارون، وست الوزراء، وابن الشحنة، ¬

_ (¬1) انظر: معجم المؤلفين (12/ 121). (¬2) انظر: عصر سلاطين المماليك (1/ 88). (¬3) انظر: حسن المحاضرة للسيوطي (1/ 537). (¬4) انظر: الدرر الكامنة (5/ 61).

1 - أبو حيان

وحسن الكردي، وموسى بن عطوف وآخرين». ثم قال (¬1): «وقرأ بالسبع على التقي الصائغ، وتخرج بالبرهان الرشيدي، وأخذ العربية عن أبي حيان والتلخيص عن الجلال مصنفه، وأخذ عن التقي السبكي، والقطب السنباطي، والتاج التبريزي». وقال السيوطي (¬2): «ولازم أبا حيان والجلال القزويني، والتاج التبريزي، وتلا على التقي الصائغ». وقال ابن العماد (¬3): «ولازم أبا حيان، والتاج التبريزي، وغيرهما» ثم قال (¬4): «وتلا بالسبع على الصائغ» وقال (¬5): «وسمع من الشريف موسى وست الوزراء وغيرهما»، وهذه ترجمة موجزة لبعض شيوخه: 1 - أبو حيان: هو محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان أثير الدين، الغرناطي المغربي المالكي ثم الشافعي. ولد بغرناطة في مدينة من مدنها تسمى: مطخشارش (¬6) في شوال سنة 654 هـ. ولقد تعددت مؤلفات الشيخ أبي حيان وتنوعت، وحسبنا من هذه المؤلفات كتابه في التفسير المسمى بـ «البحر المحيط» وكتاباه في النحو: التذييل والتكميل في شرح التسهيل، وارتشاف الضرب من كلام العرب - مشهوران معروفان وله كتب أخر غير ذلك: كالتذكرة، والنكت الحسان، وتلخيص المقرب والممتع لابن عصفور. توفي الشيخ أبو حيان في الثامن عشر من شهر صفر سنة 745 هـ (¬7). ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر: حسن المحاضرة (1/ 537). (¬3) انظر: شذرات الذهب (6/ 259). (¬4) المرجع السابق. (¬5) المرجع السابق. (¬6) مطخشارش: مدينة من حاضرة غرناطة. انظر بغية الوعاة (1/ 280). (¬7) انظر في ترجمة أبي حيان: الوفيات لتقي الدين السلامي (1/ 482 - 484)، وفوات الوفيات (2/ 555 - 562)، والنجوم الزاهرة (9/ 111 - 114)، وبدائع الزهور (1/ 501) وريحانة الأدب (7/ 81، 82) والبدر الطالع (2/ 288) وطبقات المفسرين (2/ 286 - 291)، وذيل تذكرة الحفاظ (ص 23)، ونفح الطيب (2/ 535)، وبغية الوعاة (1/ 280 - 285).

2 - تاج الدين التبريزي

2 - تاج الدين التبريزي: علي بن عبد الله بن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي الشيخ تاج الدين - كان عديم النظير في عصره، أحد الأئمة الجامعين لأنواع العلوم، عالما كبيرا مشهورا في: الفقه والمعقول والعربية والحساب، وغير ذلك. وكان من خيار العلماء دينا ومروءة فانتفع به الناس، وحدث وصنف في أنواع العلوم. ولقد صم التبريزي في آخر حياته وتوفي في (17 من رمضان سنة 746 هـ) (¬1). 3 - التقي السبكي: علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد ابن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسوار بن سوار بن سليم السبكي تقي الدين أبو الحسن، الفقيه الشافعي المفسر الحافظ الأصولي النحوي اللغوي المقرئ البياني الجدلي الخلافي، النظار البارع شيخ الإسلام. ولد مستهل (صفر سنة 683 هـ)، وصنف نحو: مائة وخمسين كتابا مطولا ومختصرا. توفي التقي السبكي سنة (755 هـ) (¬2). 4 - التقي الصائغ: محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي، الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي النحوي .. ولد قبل سنة (710 هـ)، واشتغل بالعلم وبرع في اللغة والنحو والفقه. وله من التصانيف: شرح المشارق في الحديث، شرح ألفية ابن مالك في غاية الحسن، والجمال والاختصار، التذكرة عدة مجلدات في النحو، المنهج القويم في القرآن الكريم، وغير ذلك. توفي التقي الصائغ سنة (776 هـ) وخلف ثروة واسعة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: بغية الوعاة (2/ 171). (¬2) البغية (2/ 176 - 178). (¬3) انظر: بغية الوعاة (1/ 155، 156).

5 - الجلال القزويني

5 - الجلال القزويني: محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي دلف العجلي أبو المعالي، قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي العلامة. ولد سنة (666 هـ) .. واشتغل وتفقه حتى ولي قضاء ناحية بالروم، وله دون العشرين، ثم قدم دمشق واشتغل بالفنون، وأتقن الأصول والعربية، والمعاني والبيان. له من التصانيف: تلخيص المفتاح في المعاني والبيان، وله أيضا التلخيص، والسور المرجاني في شعر الأرجاني. توفي جلال الدين القزويني في منتصف جمادى الأولى سنة (739 هـ) (¬1). تلاميذه: لم تحدثنا كتب التراجم عن أحد من تلاميذ ناظر الجيش .. ويبدو من عدم وجود تلاميذ له، أنه كان مشغولا بمناصب الدولة فلم يتفرغ للتدريس طويلا؛ اللهم إلا ما ذكره السيوطي من أنه درس التفسير بالمنصورية (¬2). ولكن إذا فتشنا في بطون الكتب نجد أن هناك كثيرين ممن نقلوا عنه وتتلمذوا على مؤلفاته من أمثال: الشيخ خالد (¬3) والسيوطي (¬4) والصبان (¬5) والشنقيطي (¬6) والبغدادي (¬7) وغير ذلك وهم كثير. ثقافته: إن رجلا تتلمذ على علماء أفذاذ لهم من الشهرة ما لهم؛ من أمثال: أبي حيان والتقي السبكي والجلال القزويني والتقي الصائغ والتاج التبريزي وغيرهم ممن ¬

_ (¬1) بغية الوعاة (1/ 156، 157). (¬2) انظر: حسن المحاضرة (1/ 537) وبغية الوعاة (1/ 275). (¬3) نقل عنه في شرح التصريح (2/ 266). (¬4) نقل عنه في الأشباه والنظائر (2/ 161). (¬5) نقل عنه في حاشيته على الأشموني (4/ 55). (¬6) نقل عنه في الدرر اللوامع (2/ 54). (¬7) نقل عنه في خزانة الأدب (4/ 212، 536، 537).

مؤلفاته

أسلفنا ذكرهم .. لا بد أن يكون تلميذا ذا ثقافة عالية نظرا لمجالسته لهؤلاء العلماء وملازمته لهم ينهل من علومهم ويرشف من فنونهم ويتغذى من ثقافاتهم الواسعة .. فاستفاد منهم الكثير الذي أودعه مؤلفاته النحوية والبلاغية وغيرها. هذا، وقد أشار السيوطي إلى أنه حدث، وأفاد، وكانت له يد طولى في الحساب (¬1). وهذا يدل على تنوع ثقافة الرجل، وأنه لم يترك شيئا من العلوم إلا أقبل عليه وحصل منه. مؤلفاته: لقد اتفقت جميع المصادر التي ترجمت لناظر الجيش على أنه لم يؤلف سوى كتابين: أحدهما في النحو والآخر في البلاغة. أما الأول فهو: شرح التسهيل الذي نحن بصدد تحقيقه. وقد أشارت بعض المصادر إلى أنه لم يتمه (¬2). وأما الثاني: فهو: شرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان (¬3). هذان هما الكتابان اللذان أشارت إليهما جميع المصادر التي ترجمت لناظر الجيش وأنهما من تأليفه. وفي أثناء اطلاعنا على كتاب: عصر سلاطين المماليك - وجدنا أن المؤلف يشير إلى أن محب الدين محمد بن يوسف المعروف بناظر الجيش له «شرح على الألفية» (¬4). ويبدو أن قلة مؤلفات ناظر الجيش ترجع إلى اشتغاله بالمناصب التي تولاها. ويوضح ذلك ما ذكره في مقدمة هذا الشرح؛ حيث ذكر أنه توقف عن إتمامه قال (¬5): «وقد كنت شرعت في ذلك والزمان غض، والشباب غير مبيض، ¬

_ (¬1) انظر: بغية الوعاة (1/ 275) وشذرات الذهب (6/ 259). (¬2) انظر: بغية الوعاة (1/ 276) وشذرات الذهب (6/ 259) وكشف الظنون (1/ 407). (¬3) انظر: كشف الظنون (1/ 477) وحسن المحاضرة (1/ 537) والنجوم الزاهرة (11/ 144) وبغية الوعاة (1/ 276). (¬4) انظر: عصر سلاطين المماليك (2/ 154). (¬5) انظر: مقدمة كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش (الجزء الأول من الكتاب الذي معك).

صفاته وأخلاقه

فلما عاقت عنه العوائق، وتقاصر العزم لما نبا الطلبة عن تلك الطرائق، وشغلتني الخدم (¬1)، وتحققت ما رأيته من قصور الهمم - أحجمت عن إتمامه من غير فترة، وتركت العمل فيه؛ وإن كانت الرغبة في ذلك مستمرة». صفاته وأخلاقه: لقد تحلى ناظر الجيش بصفات غاية في الحسن والروعة .. فها هو ذا ابن حجر يقول عنه: «وترقى إلى أن ولي نظر الجيش بالديار المصرية، ففاق من قبله من الأكابر؛ فضلا عن أقرانه في المروءة والعصبية لجميع الناس ممن يقصده؛ خصوصا طلبة العلم، فكان لهم في أيامه من المكارم والأفضال ما لا يعبر عنه ولا يحصى كثرة؛ حتى إني لم أدرك أحدا من المشايخ إلا ويحكي عنه في هذا الباب ما لا يحكيه الآخر، ولم يزل في عزه وجاهه ومهابته إلى أن مات» (¬2). وقال عنه ابن تغري بردي: «وكان القاضي محب الدين رجلا صالحا فاضلا، وله سماع عال» (¬3). وقال عنه ابن العماد في شذرات الذهب: «وكان كثير الظرف والنوادر، وبلغت مرتباته في الشهر ثلاثة آلاف، وكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة» (¬4). المناصب التي تولاها: لقد ذكرت المصادر أن ناظر الجيش ترقى إلى أن ولي نظر الجيش بالديار المصرية (¬5)، وهذا يدل على أنه تولى وظائف كثيرة كان آخرها نظر الجيش، ويشهد لذلك ما ذكره ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة حيث قال: «وكان في ابتداء أمره تولى ديوان «چنكلي» بن البابا، ثم خدم عند الأمير ¬

_ (¬1) يبدو أنها جمع: خدمة كنعمة ونعم ونقمة ونقم، ولكنه غير مستعمل، ومما يؤكد هذا المعنى أن ابن تغري بردي حين ذكره قال عنه: «وكان في ابتداء أمره تولّى ديوان جنكلي بن البابا، ثم خدم عند الأمير منكلي الفخري». انظر النجوم الزاهرة (11/ 143). (¬2) انظر: الدرر الكامنة (5/ 61). (¬3) انظر: النجوم الزاهرة (11/ 144). (¬4) انظر: شذرات الذهب (6/ 259). (¬5) انظر: الدرر الكامنة (5/ 61).

«منكلي» الفخري فكتب إليه الشيخ صلاح الدين الصفدي يقول: من چنكلي صرت إلى منكلي ... فكل خير أرتجي منك لي وأنت لي كهف وما مقصدي ... من هذه الدنيا سوى أنت لي (¬1) وقد سبق أن ذكرنا أن عمل «ناظر الجيش» هو: «النظر في أمر الإقطاعات بمصر والشام بالكشف عنها، ومشاورة السلطان في أمرها، ويتصل بالنظر في شؤون المماليك السلطانية؛ وله أتباع». وبالبحث عرفنا أن مثل هذه الوظائف لا تكون إلا للأمراء، وهم من معتوقي المماليك الذين سمت بهم همتهم وحظهم إلى مرتبة الإمارة، فيعطى لكل واحد من هؤلاء إقطاع يمنحه فيستغله وفق هواه، أو يتناول منه مالا معينا: ويتغير إقطاعه ويعطى أوسع منه كلما ترقى، ويرد الإقطاع إلى السلطان ليمنحه لأمير آخر إذا توفي صاحبه أو عطل (¬2). ومن الوظائف التي يتولاها هؤلاء الأمراء وظيفة «ناظر الجيش». ولنتساءل هل كان محب الدين محمد بن يوسف واحدا من هؤلاء الأمراء الذين هم من معتوقي المماليك حتى يتولى هذا المنصب؟ أو أنه تولاه نظرا لتفوقه العلمي؟. أغلب الظن أن ناظر الجيش كان أميرا من أمراء المماليك؛ لأن هذه الوظيفة كانت مقصورة عليهم (¬3)، أما طبقة المثقفين - وكان يطلق عليهم في عهد المماليك اسم: المتعممين، وهم من أبناء الشعب المتخرجين في المساجد النابغين في علم أو أدب - فهؤلاء كان يختار منهم: قضاة القضاة ونوابهم ومساعدوهم، وكتاب الدواوين ومعاونوهم، وكتاب السر، وشيوخ المدارس والخوانق، إلى غير ذلك؛ أي تركت لهم مناصب القضاء والكتابة والتعليم وما يتصل بها، ولهؤلاء أجور ورواتب وضروب من المعونة يمنحونها من أوقاف أو نحوها لقاء ¬

_ (¬1) انظر: النجوم الزاهرة (11/ 143). (¬2) انظر: عصر سلاطين المماليك (1/ 84). (¬3) انظر: المدرسة النحوية في مصر والشام (ص 39).

وفاته

أعمالهم (¬1). يضاف إلى ذلك؛ ما ذكره ابن تغري بردي (¬2) نقلا عن الشيخ صلاح الدين الصفدي من أنه خدم عند الأمير منكلي الفخري وهذا خاص بالمماليك .. وعلى أية حال، فإن محب الدين محمد بن يوسف تولى نظر الجيش، سواء أكان من معتوقي المماليك، أم كان واحدا من مثقفي الشعب. وفاته: اتفقت جميع المصادر على أن وفاة «ناظر الجيش» كانت في ثاني عشر من ذي الحجة سنة (778 هـ) عن إحدى وثمانين سنة، وكان ذلك في يوم الثلاثاء، في السنة الرابعة من سلطنة الملك الأشرف شعبان بن حسين، على مصر وهي السنة التي قتل فيها في ذي القعدة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر: عصر سلاطين المماليك (1/ 84). (¬2) انظر: النجوم الزاهرة (11/ 143). (¬3) انظر: الدرر الكامنة (5/ 62) والنجوم الزاهرة (11/ 143) وحسن المحاضرة (1/ 537).

الفصل الثالث كتاب التسهيل لابن مالك وقيمته العلمية

الفصل الثالث كتاب التسهيل لابن مالك وقيمته العلمية * قيمة التسهيل العلمية: أشاد بقدر كتاب التسهيل كثير من العلماء، الحساد قبل الأصدقاء لما له من قيمة عظيمة بين المؤلفات النحوية. وتأتي هذه القيمة لذلك الكتاب من عدة نواح أهمها: 1 - ترتيب ابن مالك للنحو؛ هذا الترتيب الذي لا نجده عند غيره. 2 - ذكره للخلافات والمذاهب النحوية والآراء المختلفة الكثيرة. 3 - تفضيله بعض الآراء على بعض ورفضها أو قبولها (¬1). 4 - جمعه لأبواب النحو والصرف المختلفة. لهذا وجدنا أصحاب هذا الفن يكتفون به عن المطولات التي يصعب فيها جمع القواعد وحصرها. ومن العلماء الذين أشادوا بهذا الكتاب: أبو حيان، فقد قال في تفسيره البحر المحيط: «أحسن كتاب موضوع في علم النحو وأجله، كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر سيبويه رحمه الله تعالى، وأحسن ما وضعه المتأخرون من المختصرات وأجمعه للأحكام، كتاب: تسهيل الفوائد لأبي عبد الله محمد بن مالك الجياني الطائي المقيم في دمشق» (¬2). وقال ناظر الجيش: «وكان - أي أبو حيان - يقول: من عرف هذا الكتاب حق المعرفة لا يكون تحت السماء أحد أعلم منه بهذا الفن» (¬3). وابن خلدون يقرر أن كتاب «التسهيل» استوعب فيه ابن مالك جميع ما نقل من القواعد» (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: أبو حيان النحوي للدكتورة خديجة الحديثي (ص 112). (¬2) البحر المحيط (1/ 6). (¬3) انظر: شرح التسهيل لناظر الجيش. (¬4) انظر: مقدمة ابن خلدون (516) (ط. دار الشعب) والمدرسة النحوية في مصر والشام (ص 181).

شروح التسهيل

والحق أن هذا الكتاب وهو «التسهيل» يعد من أهم مؤلفات ابن مالك والذروة التي وصل إليها في دراساته النحوية، وتأتي أهميته أيضا من أنه يمثل في دقة بالغة خلاصة التجربة النحوية الطويلة العميقة الخصبة، التي وقف ابن مالك حياته عليها ووهبها كل جهده وطاقته. شروح التسهيل: ولأجل هذه القيمة العظيمة التي كانت لكتاب التسهيل؛ وجدنا علماء النحو يتسابقون إلى شرحه وكشف غموضه؛ لأنه كما سبق أن ذكرنا آنفا بلغ حد الإيجاز الشديد، وأجملت عباراته حتى صعب فهمها على كثير من النحويين واللغويين. وقد أشار صاحب كشف الظنون إلى هذه الشروح، غير أنه سردها غير مرتبة ترتيبا زمنيّا، وسوف أذكرها هنا مرتبة على حسب سنيّ وفيات أصحابها: 1 - شرح ابن مالك نفسه الذي وصل فيه إلى باب (مصادر الفعل) (¬1). (ت 672 هـ). 2 - شرح الإمام بدر الدين ابن المصنف وهو تكملة شرح والده (ت 686 هـ). 3 - شرح محمد بن علي المعروف بابن هانئ السبتي (¬2) (ت 733 هـ). 4 - شرح محمد بن علي الأربلي الموصلي (ت 736 هـ). 5 - شرح شمس الدين محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت 744 هـ). 6 - شرح الشيخ أبي حيان المسمى «التذييل والتكميل» (¬3) (ت 745 هـ). ¬

_ (¬1) ذكر في كشف الظنون: «يقال: إنه كمله وكان كاملا عند تلميذه الشهاب الشاغوري؛ فلما مات المصنف ظن أنهم يجلسونه مكانه فلما خرجت عنه الوظيفة تألم فأخذ الشرح معه وتوجه إلى اليمن غضبا على أهل دمشق، وبقي الشرح مخروما بين أهلها» كشف الظنون (1/ 405)، هذا وقد قام الأستاذ الدكتور/ عبد الرحمن السيد، والدكتور/ محمد بدوي المختون، بتحقيق هذا الشرح وهو الآن مطبوع متداول. (¬2) ذكر في كشف الظنون (1/ 406) أن ابن هانئ توفي (363 هـ) فليتأمل، ورجعنا إلى بغية الوعاة فوجدنا أنه توفي (733 هـ). انظر البغية (1/ 192: 193). (¬3) حققت منه الأجزاء، الأول والثالث والسادس في كلية اللغة العربية بالقاهرة.

7 - شرح الشيخ بدر الدين أبي علي الحسن بن قاسم المرادي (¬1) (ت 749 هـ). 8 - شرح الشيخ أبي العباس أحمد بن سعد السكري النحوي (ت 750 هـ). 9 - شرح الشيخ علاء الدين علي بن الحسين المعروف بابن الشيخ عوينة (ت 755 هـ). 10 - شرح الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف الشهير بالسمين الحلبي (ت 756 هـ). 11 - شرح الشريف أبي عبد الله محمد بن أحمد الحسني السبتي (ت 760 هـ). 12 - شرح العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام (ت 762 هـ). 13 - شرح أبي أمامة محمد بن علي بن النقاش (ت 763 هـ). 14 - شرح الشيخ عبد الرحمن بن عقيل المصري (ت 769 هـ) (¬2). 15 - شرح محمد بن حسن المالقي (ت 771 هـ). 16 - شرح أبي العباس أحمد بن محمد الأصبحي العناني (ت 776 هـ). 17 - شرح عماد الدين محمد بن الحسين الأسنوي (ت 777 هـ). 18 - شرح محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد المعروف بناظر الجيش (ت 778 هـ). وهو موضع الحديث. 19 - شرح أبي عبد الله محمد بن أحمد بن مرزوق التلمساني (ت 781 هـ). 20 - شرح صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (ت 794 هـ) (تكملة شرح المصنف). 21 - شرح الشهاب أحمد بن محمد الزبيري الإسكندري (ت 801 هـ) (لم يكمله). ¬

_ (¬1) قام الأستاذ الدكتور/ أحمد محمد عبد الله بتحقيق الجزء الأول منه، وصل فيه إلى نهاية باب «التنازع»؛ وذلك لنيل درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بالقاهرة. هذا وقد سجل زميلان فاضلان ما تبقى من هذا الشرح؛ لنيل درجة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بأسيوط. (¬2) هذا الشرح سماه ابن عقيل: «المساعد على تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد» وقد حقق هذا الشرح وطبع في المملكة العربية السعودية، وهو شرح ممزوج بتحقيق د/ محمد كامل بركات.

أثر التسهيل في المؤلفات النحوية بعده

22 - شرح عبد القادر بن أبي القاسم بن أحمد السعدي العبادي الأنصاري (ت 820 هـ) تقريبا (لم يكمله). 23 - شرح بدر الدين محمد بن محمد الدماميني (ت 837 هـ) (¬1). 24 - شرح شمس الدين أبي ياسر محمد بن عمار (ت 844 هـ). 25 - شرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (864 هـ) (لم يكمله). 26 - شرح محمد بن علي بن هلال الحلبي (ت 933 هـ). يضاف إلى ذلك ما ذكره صاحب كشف الظنون أن للشيخ أبي حيان شرحا آخر لخص فيه شرح المصنف وتكملة ولده وسماه: «التنخيل الملخص من شرح التسهيل». وكذلك ما ذكره من أن للدماميني شرحين آخرين: أحدهما كالشرح المذكور. وثانيهما: شرح ممزوج وصل إلى حرف الفاء (¬2). أثر التسهيل في المؤلفات النحوية بعده: بعد أن عرفنا قيمة كتاب «التسهيل» العلمية بين كتب النحو، نستطيع أن نقول: لقد كان لهذا الكتاب من التأثير في المؤلفات النحوية التي ألفت بعده ما لا ينكره منكر، وقد وضح هذا التأثير جليّا في مؤلفات أولئك الذين تناولوه بالشرح والتعليق؛ فقد اعتمدوا عليه في مؤلفاتهم، ونقلوا عنه الكثير في مؤلفاتهم الأخرى التي هي بعيدة عن شرح هذا الكتاب. وحسبنا في ذلك ما نقله ابن هشام في كتابه «مغني اللبيب» صراحة أو تضمينا، ومثله صنع السيوطي في «الأشباه والنظائر» و «همع الهوامع»، وكذلك رأينا الأشموني في شرحه على الألفية ينقل كثيرا عن «التسهيل»، مما يؤكد تأكيدا لا مراء فيه أن «التسهيل» كان له الأثر الكبير في المؤلفات التي ألفت بعده. ¬

_ (¬1) حققت بعض الأجزاء من هذا الشرح في كلية اللغة العربية بالقاهرة؛ لنيل درجة الدكتوراه. تحت رقم (1311، 2218) بمكتبة الكلية (رسائل) واسم هذا الشرح: تعليق الفرائد للدماميني، وهو شرح ممزوج وقد طبع منه عدة أجزاء بتحقيق د/ محمد عبد الرحمن المفدي. (¬2) راجع فيما سبق من هذه الشروح كشف الظنون (1/ 405: 407) وقد اعتمدت عليه في ذكرها.

وسنذكر أمثلة توضح ذلك: 1 - في مغني اللبيب قال ابن هشام - عند حديثه عن «أو» العاطفة وما تأتي له: «والسابع: التقسيم نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف ذكره ابن مالك في منظومته الصغرى وفي شرح الكبرى، ثم عدل عنه في التسهيل وشرحه فقال: تأتي للتفريق المجرد من الشك والإيهام والتخيير» (¬1). 2 - وفي الكتاب نفسه قال ابن هشام عند حديثه عن «حتى» الجارة: «وأقول: إن شرط الجارة التالية ما يفهم الجميع أن يكون مجرورها بعضا أو كبعض، وقد ذكر ذلك ابن مالك في باب: حروف الجر» (¬2). وما قاله ابن مالك في التسهيل هو: «ومجرورها - أي حتى - إما بعض لما قبلها من مفهم جمع إفهاما صريحا أو غير صريح وإما كبعض» (¬3). 3 - وفي الكتاب نفسه قال ابن هشام: «وقال ابن مالك في شرح باب النعت من كتاب التسهيل: اللام في سقيا لك متعلقة بالمصدر وهي للتبيين» (¬4). وفي «الأشباه والنظائر» للسيوطي نقول كثيرة عن «التسهيل» منها: 1 - قال السيوطي: «يستحيي بياءين في لغة الحجاز، وأما تميم فتقول: يستحي بياء واحدة قال في التسهيل: فيحذفون إحدى الياءين» (¬5). 2 - وفي الكتاب نفسه قال السيوطي: «لا يحكى المتبع بتابع غير العطف: من نعت أو بيان أو تأكيد أو بدل اتفاقا، وأما المتبع بعطف النسق ففيه خلاف حكاه في التسهيل من غير ترجيح» (¬6). وفي كتاب «همع الهوامع» نقل السيوطي عن التسهيل كثيرا ومن أمثلة ذلك: 1 - قال السيوطي وهو يتحدث عن الوجوه المعتبرة في شبه الاسم الحرف والتي من أجلها بني: «زاد ابن مالك في التسهيل: والجمودي» (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: مغني اللبيب (ص 65). (¬2) المغني (ص 128). (¬3) التسهيل (ص 146). (¬4) انظر: مغني اللبيب (ص 21. 2، 222). (¬5) الأشباه والنظائر (1/ 42). (¬6) الأشباه والنظائر (2/ 243). (¬7) الهمع (1/ 18).

باحث معاصر حقق الكتاب

2 - وقال وهو يتحدث عن العدل المانع من الصرف: «وما ذكرته من أن المسموع اثنا عشر بناء هو المذكور في التسهيل» (¬1). 3 - وقال في أثناء حديثه عن الجمع الذي لا واحد له من لفظه: «وهذا الرأي صححه ابن مالك في التسهيل» (¬2). مما سبق يتبين لنا كثرة نقول العلماء من هذا الكتاب، وتأثيره فيما جاء بعده من كتب، وما تلاه من مؤلفات في النحو. باحث معاصر حقق الكتاب: وفي التسهيل وقيمته بين كتب النحو يقول الدكتور محمد كامل بركات وقد حقق الكتاب المذكور (¬3): بعد هذه الموازنة السريعة بين أهم كتب ابن مالك النحوية: الكافية والألفية والتسهيل، أرى في غير مغالاة أن التسهيل من أعظم كتب النحو أثرا وأدومها ذكرا منذ أخرجه ابن مالك إلى اليوم، وها هي شروحه خير مؤيد لهذا الرأي؛ فقد بقي التسهيل بجانب الألفية في جميع البيئات التي تعنى بدراسة العربية - مرجعا للنحاة ومقصدا للدارسين والباحثين. فعلى هذين المصنفين قامت دراسة النحو، ومنهما اقتبست أعظم المؤلفات النحوية بعد ابن مالك: كالتذييل والتكميل وملخصه ارتشاف الضرب وهمع الهوامع للسيوطي وكتب ابن عقيل وابن هشام والأزهري والأشموني ومن خلفوهم في دراسة النحو حتى يومنا هذا لا نكاد نجد كتابا في النحو يخلو من التأثر بالألفية والتسهيل. ثم يستمر قائلا: ولهذا كله أستطيع في غير تحرج أن أقرر أن التسهيل خير كتب ابن مالك النحوية؛ إن لم يكن أعظمها جميعا بعد كتاب سيبويه. وأرجو أن يتهيأ للمهتمين بالدراسات اللغوية والنحوية الانتفاع بتسهيل ابن مالك كما تهيأ لهم الانتفاع بألفيته. ¬

_ (¬1) المرجع السابق (1/ 26). (¬2) الهمع (2/ 185). (¬3) انظر (ص 100) من الكتاب المذكور (دراسة) طبعة وزارة الثقافة بالاشتراك مع المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. نشر دار الكاتب العربي (1967 م).

الفصل الرابع كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش المسمى «تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد»

الفصل الرابع كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش المسمى «تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد» * اسم الكتاب: أشار المؤلف في مقدمة الكتاب أنه أسماه: «تمهيد القواعد»؛ حيث قال: فشرعت في ذلك مستمدّا من الله تعالى أن يوفقني لسبيل الرشاد، وأن يهديني إلى التبصير والسداد، وأن يعينني بتوفيقه على بلوغ الغرض، وإكمال المراد وسميته: تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد (¬1) ولقد وجدنا عناوين الكتاب في جميع مخطوطاته، ومنها ما قرأه الناسخ على مؤلفه، وجدناه يسمى شرح التسهيل والأمر جد قريب. نسبة الكتاب لناظر الجيش: أما نسبة هذا الكتاب لصاحبه فلم يشك فيها أحد، وإن الباحث لا يجد عناء في تحقيق هذه النسبة، فلقد اتفقت جميع المصادر التي ترجمت للمؤلف على أنه «شرح التسهيل»، كما أن بعض المصادر (¬2) ذكرت أنه «اعتنى بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان على المصنف». وإذا قورن هذا الكلام بمادة الكتاب العلمية، وجدنا أنها تتفق معه تمام الاتفاق، ولو أضفنا إلى ذلك اعتراف المؤلف نفسه في مقدمة الكتاب (¬3) بأنه ألف شرح التسهيل وسماه تمهيد القواعد، لكنا قد أضفنا سندا قويّا في تحقيق هذه النسبة، ويضاف إلى ذلك أيضا ما وجدناه في المؤلفات التي ألفت بعده منقولا عن هذا الشرح لناظر الجيش؛ مما يقوي أيضا تحقيق نسبة الكتاب إليه. 1 - ففي شرح التصريح قال الشيخ خالد في باب «الإخبار بالذي وفروعه» وفي أثناء حديثه عن شروط ما يخبر عنه: «لم يذكره الناظم في التسهيل بهذا اللفظ وذكره بلفظ غيره فقال: منوبا عنه بضمير، قال شراحه ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لناظر الجيش. (¬2) انظر: كشف الظنون (1/ 407). (¬3) انظر: شرح التسهيل لناظر الجيش.

أبو حيان ومتابعوه المرادي وابن عقيل وناظر الجيش والسمين واللفظ له: قوله: منوبا عنه بضمير، أي: عن ذلك الاسم الذي تريد أن تخبر عنه ...» (¬1). 2 - وفي الأشموني قال: «وهذا القيد لم يذكره في التسهيل»، قال الصبان في الحاشية: «قوله: لم يذكره في التسهيل، أي: استغناء عنه بالشرط الرابع الآتي المعبر عنه في التسهيل بقوله: منوبا عنه بضمير قال شراحه أبو حيان ومتابعوه المرادي وابن عقيل وناظر الجيش ....» إلخ النقل السابق (¬2). 3 - وفي الدرر اللوامع قال الشنقيطي عند شرح بيت الهمع: يا عمرك الله إلا قلت صادقة ... أصادقا وصفه المجنون أو كذبا بعد أن ذكر كلام ابن مالك في «عمرتك الله» وأمثاله: قال: «قال ناظر الجيش: ويدل له أيضا قولهم: لعمرك إن زيدا لقائم، وقال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (¬3) التقدير: لعمرك قسمي؛ إلى أن قال: والاسم المعظم في عمرك الله ينصب ويرفع ...» إلخ (¬4). 4 - وفي الخزانة ذكر البغدادي كلام ناظر الجيش السابق (¬5). 5 - وفي الخزانة أيضا قال البغدادي عند شرح بيت الكافية للرضي وهو: لئن منيت بنا عن غبّ معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننفتل بعد أن نقل كلاما عن الفراء قال: «ووافقه ابن مالك قال في التسهيل: وقد يغني جواب الأداة مسبوقة بالقسم، وإن لم يتقدم مبتدأ. ومن شواهد ذلك قول الفرزدق: لئن بلّ لي أرضي بلال بدفقة ... من الغيث في يمنى يديّ انسكابها أكن كالّذي صاب الحيا أرضه التي ... سقاها وقد كانت جديبا جنابها ¬

_ (¬1) انظر: شرح التصريح (2/ 266). (¬2) انظر: الأشموني وحاشية الصبان (4/ 55). (¬3) سورة الحجر: 72. (¬4) انظر: الدرر اللوامع (2/ 54) وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش. (¬5) انظر: الخزانة (4/ 212) وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش.

الغاية من تأليفه

مع أبيات أخر قال ناظر الجيش: وهذه الأبيات أدلة ظاهرة على المدعى؛ غير أن المصنف لم ينسب هذا المذهب لبصري ولا كوفي؛ جريا منه على طريقته المألوفة، وهي أنه إذا قام الدليل عنده على شيء اتبعه، ثم إنه قد ينبه على خلاف في ذلك إن كان، وقد لا يتعرض إلى ذلك، والجماعة يذكرون أن هذا القول إنما هو قول الفراء، قال ابن عصفور: ولا يجوز جعل الفعل جوابا للشرط إذا توسط بينه وبين القسم، فأما قول الأعشى: لئن منيت ... البيت، وقوله: لئن كان ما حدثته ... البيت، فاللام في: لئن ينبغي أن تكون زائدة كالتي في قوله: أمسى لمجهودا، ومن ثم قال أبو حيان: وهذا الذي أجازه ابن مالك هو مذهب الفراء وقد منعه أصحابنا والجمهور، ثم نقل كلام ابن عصفور. وأقول: إن ابن عصفور لم يذكر دليلا على امتناع ما ذكره المصنف؛ بل عمد إلى الأدلة على هذا الحكم فأخرجها عن ظاهرها بغير موجب، وحكم بزيادة اللام مع إمكان القول بعدم الزيادة، وبعد، فلا يخفى على الناظر وجه الصواب، فالوقوف مع ما ورد عن العرب حيث لا مانع يمنع من الحمل على ظاهر ما ورد عنهم. اهـ. كلام ناظر الجيش» (¬1). الغاية من تأليفه: لقد أوضح لنا ناظر الجيش الغاية من تأليفه لهذا الشرح، وذلك في مقدمة الكتاب؛ حيث قال بعد أن أشار إلى كتاب «التسهيل» وأنه جامع مفيد مختصر: وقلّ أن تسمح به القرائح أو تطمح إلى النسج على منواله المطامح، ثم أشار إلى أن المؤلف قد شرع في شرح هذا الكتاب؛ إلا أنه لم يكمله، وأنه تركه مختلّا فاقد التمام، لا يتوصل إلى حل غير المشروح من أصله إلا بعد إعمال فكر ومراجعة كتب .. إلى أن قال: «إلى أن أتاح الله تعالى إكمال ذلك على يدي إمام زمانه وعالم أوانه، وحيد دهره في علم العربية، وفريد عصره في الفنون الأدبية ¬

_ (¬1) انظر: الخزانة (4/ 536: 537) وانظر: شرح التسهيل لناظر الجيش، باب عوامل الجزم.

شيخنا الشيخ: أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الجياني الغرناطي. أمتع الله تعالى بفوائده الجمة، وأهدى إلى روحه روح الرضا والرحمة، ففتح مغالقه المعضلة، وفكّ تراكيبه المشكلة، وأجمل في تفصيل مبانيه المجملة؛ فتم بذلك التكميل الأرب، وأقبل المشتغلون ينسلون إليه من كل حدب، ثم اقتضت نعمه العلية، ومقاصده المرضية أن يضيف إلى ما وضعه شرح بقية الكتاب ليكون مصنفا مستقلّا، وغماما على المتعطشين مستملّا، فوضع كتابا كبيرا سائغ الذيول جم النقول عزيز الفوائد، كثير الأمثلة والشواهد، أطال فيه الكلام، ونشر الأقسام إلا أنه جمع فيه بين الدّرّ والصّدف، ومزج بسنا ضوئه غبش السّدف، وتحامل في الرد والمؤاخذات تحاملا بينا، وبالغ حتى صارت المناضلة عن المصنف لازمة، والانتصار له متعينا. ولقد خرج الكتاب المذكور بسبب الإطالة عن مقصود الشرح، وصار فيه للمتأمل سبيل إلى القدح، مع أن المعتني بحمل الكتاب لا يحظى منه بطائل، ولا يظفر ببغيته إلا بعد قطع مهامه وطي مراحله. وأما شرح المصنف فالناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه، ولا يقنعه ما يجده لديه؛ بل تتشوف نفسه إلى زيادات الشرح الكبير، ويرى أنه لم يحط بها علما كان منسوبا إلى التقصير؛ فرأيت أن أضرب بقدح وأرجو أن يكون القدح المعلى بين القدحين، وأن أضع على هذا التصنيف ما هو جامع لمقاصد الشرحين وأتوخى الجواب عمّا يمكن من مؤاخذات الشيخ، ومناقشته بالبحوث الصحيحة، والنقود الصريحة مع ذكر زيادات انفرد بها هذا الكتاب وتنقيحات يرغب فيها المتيقظون من الطلاب» (¬1). من هنا نستطيع أن نقول: إنّ ناظر الجيش قد عرف قيمة التسهيل، وأدرك أنه كتاب ذو فائدة عظيمة، كما أنه لم يغفل شرح المصنف عليه؛ إلا أنه مختصر لا يقنع الطالب ولا يرضي الباحث، وهو أيضا لم يغفل شرح الشيخ أبي حيان؛ حيث أشار إلى أنه شرح عظيم الفائدة يستحق التقدير. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لناظر الجيش (الجزء الأول ومقدمة الشرح المذكور).

زمن تأليف الكتاب

غير أن هناك بعض الدوافع التي دفعت ناظر الجيش إلى تأليف هذا الشرح أشار إليها فيما يلي: 1 - أنه رأى شرح الإمام جمال الدين بن مالك لا يرضى عنه الناظر فيه؛ لاختصاره وغموض بعض موضوعاته؛ فأراد أن يضع شرحا أكثر بسطا وأعم نفعا. 2 - أنه رأى شرح الشيخ أبي حيان قد خرج عن المقصود؛ بسبب الإطالة والاتساع، كما أنه رأى الشيخ قد تحامل على المصنف - وهو ابن مالك - في الرد والمؤاخذات، فأراد أن ينتصر له ويجيب عن مؤخذات الشيخ، وأن يضرب بقدحه بين الأقداح، فيضع شرحا يجمع بين الشرحين، مضافا إليه ما يراه من زيادات وما يفتح الله به عليه من تنقيحات تنفع طلاب العلم. زمن تأليف الكتاب: ذكر الشيخ محب الدين محمد بن يوسف ناظر الجيش، في مقدمة كتابه: أنه بدأ في تأليف هذا الشرح في مقتبل عمره وريعان شبابه وأوائل صباه؛ غير أن هناك عوائق عاقت عن إتمامه ووقفت حائلا دون إكماله، فتوقف عن مواصلة التأليف فيه لكثرة مشاغله؛ حيث تولى مناصب مهمة في الدولة كما سبق أن ذكرنا، وإليك نص ما ذكره في مقدمة الكتاب يقول: «وقد كنت شرعت في ذلك والزمان غض، والشباب غير مبيض، فلما عاقت عنه العوائق، وتقاصر العزم لما نبا الطلبة عن تلك الطرائق، وشغلتني الخدم، وتحققت ما رأيته من قصور الهمم، أحجمت عن إتمامه من غير فترة، وتركت العمل فيه؛ وإن كانت الرغبة في ذلك مستمرة، إلى أن منّ الله تعالى على الإسلام والمسلمين بمن أحيا موات العلم في العالمين وغمر بصدقاته جميع الطالبين، واعتنى بأمور العلماء وإن كانوا عن مصالحهم غافلين، ومن أضحى وأزر الدين به قوي، وظمأ الإسلام بملاحظته روي، وزند النجح بآرائه السعيدة وري؛ وهو المعز الأشرف العالي المولوي السيدي المالكي المخدومي الكهفي

قيمة الكتاب العلمية

الأتابكي السيفي، كافل أمور المسلمين، سيد ولاة أمور الدين، أتابك العساكر المنصورة، نظام الملك الشريف والد الملوك والسلاطين، ولي أمر المؤمنين يلبغا العمري الأشرفي». ثم قال: «فلما أقبل الناس بفضله على الطلب، وتأكدت أسباب إقبالهم على هذا الفن بإنعامه الذي يبلغ به الآمل منتهى الأمل والأرب، وتجددت به معاهد العلم بعد الدروس، وتبين بإحسانه معالم الفضائل وملازمة الدرس والدروس - فعند ذلك بادرت إلى الشروع في إتمام هذا الكتاب؛ رغبة في انتفاع الطلاب وجزيل الأجر والثواب» (¬1). وإذا عرفنا أن «يلبغا العمري» الذي أشار إليه قد تولى الزمام في سنة (762 هـ) (¬2)، وقد عرفنا أن «ناظر الجيش» توفي سنة (778 هـ) عن إحدى وثمانين سنة، يمكن أن نقول إن «ناظر الجيش» انتهى من تأليف هذا الشرح في أواخر حياته «بعد الخامسة والستين من عمره تقريبا» وإن كان قد بدأ العمل فيه في صباه وشبابه. قيمة الكتاب العلمية: يعد كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش هذا موسوعة نحوية جمع فيه صاحبه آراء المتقدمين والمتأخرين إلى زمنه، ويظهر ذلك بجلاء حين نقول: إن هذا الكتاب الذي بين أيدينا - وهو تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - ذو قيمة علمية عظيمة تتمثل في أنه مرجع مهم لكل باحث أراد الوقوف على رأي للنحاة المتقدمين أو المتأخرين إلى عصره على حد سواء، فقد حرص صاحبه على جمع آراء النحاة ما أمكنه: من بصريين وكوفيين وأندلسيين ومغربيين وغيرهم. فالمتصفح لهذا الكتاب يرى أنه ضم آراء الخليل ويونس وسيبويه في كتابه، ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لناظر الجيش (الجزء الأول - مقدمة الكتاب). (¬2) انظر: عصر سلاطين المماليك (1/ 121: 122).

والشلوبين في شرح المقدمة الجزولية والتوطئة وغير ذلك من مؤلفاته وابن عصفور في المقرب وشرحه وشرح الجمل والإيضاح وابن الضائع في شرح الجمل والزجاج في معاني القرآن والزجاجي في جمله وأماليه وابن أبي الربيع في شرح الإيضاح والسيرافي والصفار وابن خروف في شروحهم على كتاب سيبويه، وابن هشام الخضراوي وابن الطراوة في كتابيهما البسيط والإفصاح، وغيرهم من هؤلاء الأعلام وكتبهم؛ حتى إننا نستطيع أن ندعي هنا أن هذا الكتاب ربما لا يخرج الباحث فيه عن رأي إلا وقد وجد ضالته واهتدى إلى ما يريد. كما تتمثل قيمة هذا الكتاب العلمية في أنه مرشد لكل من ينشد الحق والصواب والدقة في تحري المسائل النحوية؛ حيث إنه يرد اعتراضات أبي حيان على ابن مالك بالحجة القوية والبرهان الساطع والدليل القاطع؛ لأن أبا حيان كان متجنيا على ابن مالك في كثير من المسائل. وقد يظن كثيرون أن أبا حيان مصيب فيما ادعاه، فإذا قرأ إجابات ناظر الجيش عن ابن مالك عرف الصواب ووصل إلى الحقيقة. ويكفينا لإظهار قيمة هذا الكتاب العلمية أن نقول: إنه مزاج ثلاثة كتب كبيرة في النحو وثلاثة شروح عظيمة للتسهيل وهي: شرح ابن مالك وأبي حيان وناظر الجيش. * * *

الفصل الخامس مصادر ومراجع كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش

الفصل الخامس مصادر ومراجع كتاب شرح التسهيل لناظر الجيش * لم يكن لناظر الجيش - وهو يشرح تسهيل ابن مالك - إلا أن يكون منه ما كان؛ فهو يقف بين علمين شامخين هما ابن مالك وأبو حيان اللّذان ذاع صيتهما، أو امتلكا من هذا الفن ناصيته غايته، حتى صارت لهما فيه نقود، ومناقشات، وأقوال، وآراء. وقد حاول الناظر إنصاف ابن مالك من أبي حيان كما قلنا؛ فلم يكن بد - وهو يقف أمام شيخه - إلا أن يستعين بمصادر كثيرة لا تكاد تقف عند حد؛ حتى يرد الشيخ - في أكثر المواطن - إلى صوابه كما يرى. ومثل ذلك من الوجه الآخر، فقد وجد ناظر الجيش أن ابن مالك في بعض الأمور كان لا يوافق الصواب. وصاحبنا غيور على دينه، ولغة دينه؛ فبات، وأصبح، وأضحى، وظل، يأتي بمصادر من هنا وهناك؛ حتى يحقق ما أراد. من هنا تعددت مصادر هذا الشرح الكبير طوال أبواب هذا الكتاب، وهي أبواب النحو كلها التي ضمّها هذا السفر الكبير في هذه الأجزاء الكثيرة. نقول: اشتمل هذا الكتاب العظيم على كثير من النحاة، واللغويين، ورجال الحديث، والمفسرين والقراء، والشعراء. أما النحاة فنجد من أبرزهم: الأخفش (ت 215 هـ)، وابن أبي الربيع (ت 688 هـ)، وأثير الدين أبو حيان (ت 745 هـ)، وأبو بكر بن طلحة البابري (ت 643 هـ)، والأصمعي (ت 216 هـ)، وابن أصبغ (ت 516 هـ)، وابن الأنباري (ت 327 هـ)، وابن برهان (ت 456 هـ)، وابن الباذش (ت 538 هـ)، وبهاء الدين بن النحاس (ت 698 هـ)، وأبو الفضل البطليوسي (ت 637 هـ)، وبدر الدين بن مالك (ت 686 هـ)، وابن بري (ت 582 هـ)، وثعلب (ت 291 هـ)، وابن جني (ت 392 هـ)، والجرمي (ت 225 هـ)، والجزولي (ت 607 هـ)، والجرجاني (ت 471 هـ)،

ومن اللغويين

وابن الحاجب (ت 646 هـ)، وابن مضاء أبو جعفر (ت 592 هـ)، والحريري (ت 516 هـ)، وأبو حاتم السجستاني (ت 255 هـ)، والخليل (170 هـ)، وابن خروف (609 هـ)، وابن الخشاب (567 هـ)، وابن درستويه (347 هـ)، وابن الدهان (569 هـ)، والرماني (ت 384 هـ)، والرياشي (257 هـ)، والزمخشري (ت 538 هـ) والزجاج (ت 310 هـ)، وأبو زيد الأنصاري (215 هـ)، والزجاجي (337 هـ)، والزيادي (249 هـ)، وابن السراج (316 هـ)، وسيبويه (180 هـ)، والسيرافي (368 هـ)، وابن سعدان (ت 231 هـ)، وابن السكيت (244 هـ)، والسهيلي (ت 581 هـ)، وابن السيد (521 هـ)، والشلوبين (645 هـ)، والصيمري، والغزني (ت 421 هـ)، وابن الضائع (680 هـ)، وابن طاهر (580 هـ)، وابن الطراوة (528 هـ)، وابن عصفور (669 هـ)، وأبو علي القالي (356 هـ)، وعيسى بن عمر (149 هـ)، وأبو عثمان بن حبيب المازني (ت 248 هـ)، وأبو عمرو بن العلاء (154 هـ)، وأبو عبيدة (209 هـ)، والفارسي (377 هـ)، والفراء (207 هـ)، وابن قتيبة (276 هـ)، وقطرب (206 هـ)، والكسائي (189 هـ)، وابن كيسان (320 هـ)، ولكذة الأصبهاني، وابن مالك (672 هـ)، والمبرد (286 هـ)، ومعاذ الهراء (187 هـ)، ومبرمان (345 هـ)، والمطرزي (610 هـ)، والمعري (449 هـ)، وابن هشام الخضراوي (646 هـ)، وهشام (209 هـ)، وابن هشام الأنصاري (761 هـ)، ويونس (183 هـ)، وابن يسعون (540 هـ)، ويحيى بن وثاب (103 هـ)، وكذلك الأعلم (476 هـ)، والأخفش الصغير (315 هـ)، وابن ولّاد (298 هـ)، والفرغاني، وابن يعيش (643 هـ). ومن اللّغويين: الجوهري المتوفى (398 هـ)، وابن سيده المتوفى (458 هـ). ومن كتب هؤلاء وأولئك التي نص عليها بالذكر: 1 - الارتشاف لأبي حيان. 2 - الأصول لابن السراج. 3 - الألفية - الخلاصة لابن مالك. 4 - شرح بدر الدين على الألفية.

5 - الانتصار لابن ولاد. 6 - الأوسط للأخفش. 7 - الإيضاح للفارسي. 8 - وشرح ابن أبي الربيع عليه. 9 - وشرح ابن هشام الخضراوي له. 10 - وشرح ابن عصفور. 11 - البصريات للفارسي. 12 - التبيان للعكبري. 13 - التذكرة للفارسي. 14 - التسهيل. 15 - وشرح ابن مالك عليه. 16 - وشرح أبي حيان (التذييل). 17 - التعليقة لبهاء النحاس. 18 - الجمل للزجاجي. 19 - وشرح الجمل لابن عصفور. 20 - الحجة للفارسي. 21 - الحلبيات للفارسي. 22 - الرسالة الرشيدية للأعلم. 23 - الصحاح للجوهري. 24 - صحيح البخاري. 25 - صحيح مسلم. 26 - العسكريات للفارسي. 27 - الكافية الشافية لابن مالك. 28 - الكتاب - لسيبويه. 29 - وشرحه للبطليوسي. 30 - الكشاف للزمخشري. 31 - اللّباب. 32 - اللّمع لابن جني. 33 - وشرح اللّمع لابن برهان. 34 - المحتسب لابن جني. 35 - المسائل للأخفش. 36 - المسائل الصغرى للأخفش. 37 - المسائل المشروحة للمبرد. 38 - معاني الأخفش. 39 - معاني الزجّاج. 40 - معاني الفراء. 41 - المفصل للزمخشري. 42 - وشرحه لابن عمرون. 43 - وشرحه لابن يعيش. 44 - والمقتضب للمبرد. 45 - مقدّمة ابن الحاجب. 46 - المقرب لابن عصفور.

وأما رجال الحديث، والمفسرون، والقراء، والصحابة، فمنهم

47 - نتائج الفكر للسهيلي. هذا: وهناك كتب أشار إليها بوجه عام نحو: 48 - في التفسير. أو أشار إليها بأصحابها ومنها: 49 - صاحب البديع. 50 - صاحب البسيط. 51 - صاحب العين. 52 - صاحب الملخص. 53 - صاحب المستوفي. 54 - صاحب النهاية والجامع (¬1). وأما رجال الحديث، والمفسرون، والقراء، والصحابة، فمنهم: أبي بن كعب (ت 22 هـ)، الأعمش (ت 148 هـ)، أبو أمامة (ت 81 هـ)، البخاري (ت 256 هـ)، مسلم ت (261 هـ)، أبو برزة (65 هـ). أبو بكر الشيباني (193 هـ)، أبو البقاء العكبري (616 هـ)، ابن جماز، أبو بكر الصديق (13 هـ)، عمر بن الخطاب (23 هـ)، عثمان بن عفان (35 هـ)، علي بن أبي طالب (40 هـ)، أبو جعفر النحاس (130 هـ)، حمزة (156 هـ)، الحسن (110 هـ)، أبو حنيفة (150 هـ)، ابن الحنفية (81 هـ)، أبو الدرداء (32 هـ)، أبو ذر الغفاري (32 هـ)، وأبو رزين (241 هـ) أو (253 هـ)، سعيد بن زيد (51 هـ)، أبو السمال، الشعبي (103 هـ)، الإمام الشافعي (204 هـ)، ابن الأثير (606 هـ)، ابن عباس (68 هـ)، ابن الزبير (73 هـ)، أبو العالية (90 هـ)، ابن عامر (118 هـ)، عكرمة (105 هـ)، عاصم (127 هـ)، عبد الوارث (180 هـ)، قنبل (291 هـ)، قتادة (118 هـ)، الجحدري (231 هـ)، سعيد بن جبير (95 هـ)، مكي (437 هـ)، زيد بن علي (122 هـ)، أبو عبيدة بن الجراح (18 هـ)، رافع بن خديج (74 هـ)، عاتكة بنت عبد المطلب، عائشة رضي الله عنها (58 هـ)، أنس رضي الله عنه (93 هـ)، زيد بن ثابت (45 هـ)، ¬

_ (¬1) يمكن تتبع ذلك من صفحات فهارس «الكتب».

وأما الشعراء والرجاز

الأعرج (117 هـ)، معاوية بن خديج (52 هـ)، مجاهد (104 هـ)، المهدوي (440 هـ)، نافع (169 هـ)، النخعي (194 هـ)، هند أم معاوية (14 هـ)، هشام بن عمار (245 هـ)، يحيى بن وثاب (103 هـ)، يعقوب (205 هـ)، و: يحيى بن ثابت (460 هـ). وأما الشعراء والرجاز: فهم - كذلك - كثيرون، ومن مختلف الطبقات: وها هم أولاء: أبو النجم، رؤبة، عتي العقيلي، مسلم الوالبي، المجنون، علقمة الفحل، حسّان بن ثابت، ذو الرّمة، الأحوص، أعشى همدان، النابغة الذبياني، النابغة الجعدي، ضابئ البرجمي، صالح بن عبد القدوس، امرؤ القيس، ابن عادية السلمي، نهشل بن جرير، علي بن أبي طالب، سليم القشيري، عمارة ابن عقيل، لبيد الغنوي، ربيعة بن مقروم الضبي، ابن هرمة، عبد الله بن رواحة، الفرزدق، الكميت، أبو طالب، أبو الغمر الكلابي، أبو الطفيل، سواد بن قارب، علقمة الفحل، هشام بن معاوية، معاوية بن أبي سفيان، عدي بن زيد، أبو الغريب، جرير، ابن زيابة، الأسود بن يعفر، الأخطل، أبو الصلت، أبو ذؤيب الهذلي، الأغلب العجلي، معديكرب «غلفاء» - أبو الحدرجان، السموءل - لبيد بن ربيعة العامري، الحطيئة، الأسد الطائي، الشنفرى، ابن قيس الرقيات، الراعي، كثير، سالم بن دارة، طالب بن أبي طالب، سويد اليشكري، جندل بن المثنى، عبيد الله بن الحر، عمر بن أبي ربيعة، سعد بن مالك، زياد الأعجم، سويد بن أبي الصامت الأنصاري، مسكين الدارمي، تميم بن مقبل العجلاني، أوس بن حجر، الأفوه الأودي، الأعشى ميمون بن قيس، حريث بن أسد القيسي، أبو العطاء السندي، زيد الفوارس بن حصين، أمية بن أبي عائذ الهذلي، الفضل بن العباس، أنس بن مدركة، جميل، المرقش الأكبر، عمرو بن قميئة، أبو زبيد الطائي، إبراهيم بن سفيان، الأشعر الرقبان، ابن المعتز، النمر بن تولب، عوف بن عطية، الخرنق بنت بدر بن هفان، ثابت قطنة، أبو شهاب الهذلي، نصيب، عامر بن

الطفيل، زهير، قيس بن زهير، أمية بن أبي الصلت، أديبة السلمي، أبو صخر الهذلي، ابن الزبير الأسدي، مروان بن أبي حفصة، عدي بن زيد، سعد بن قرط، عمران ابن حطان، نهشل بن ضمرة، دريد بن الصمة، أبو مسافع اليشكري، ابن لنكك، هدبة بن خشرم، مهلهل، عمرو بن كلثوم، العجاج، حميد الأرقط، قيس بن ذريح، ابن عتاب الطاكي، سويد بن أبي كاهل، الكميت ابن معروف، أم حاتم الطائي، عامر بن قدامة، سويد بن كراع، نقيع ابن جرموز، حميد بن ثور، ضرار بن الخطاب، متمم بن نويرة، الصلتان العبدي، السفاح بن بكبير، العباس بن مرداس، القطامي، عبد الله بن الزبعرى. وكذلك: جذابة بنت خالد النخعية، سالم بن وابصة، يزيد بن مفرغ الحميري، ابن قنان، زميل، عبد المطلب بن هاشم، زيد الخيل، مرداس، الحارث بن عباد، أبو كبير الهذلي، أبو ثروان، عدي بن الرعلاء الغساني، غوية بن سلمى، عبد الله بن الزبير، المرار بن سعيد الأسدي، ابن ميادة، خطام المجاشعي، جندل بن المثنى، سلمى الهذلية، شماء الهذلية، طفيل الغنوي، عنترة بن شداد العبسي، زياد الأعجم، عمر بن براقة، ضمرة بن ضمرة النهشلي، عمرو بن يربوع، سويد بن كراع، عبد الله بن رواحة، قيس بن العيزارة، طرفة، المسيب بن علس، يزيد بن عمرو بن الصعق، عبد الله بن يعرب، عبدة بن الطيب، قطري بن الفجاءة، البرج بن مسهر، عبد بني عبس، أبو حيان الفقعسي، عبيد بن الأبرص، أوس بن حبناء، ذو الإصبع العدواني، خطام المجاشعي، سلامة العجلي، عمرو الجنبي، جحدر بن مالك اللص، عمرو بن العاص، أبو طالب، عبيد الله بن قيس الرقيات، عامر بن الأكوع، كعب بن مالك، عبد الرحمن بن حسان، أبو حية النميري، بشامة بن حزن، عروة بن حزام، الطرماح، الفند الزماني، خطام المجاشعي، أبو بجيلة، وداك ابن ثميل المازني، ابن الرومي، أفنون التغلبي، المثقب العبدي، أبو بكر الصديق، القحيف العجلي، أبو مروان النحوي، المتلمس، قيس الرقيات،

كعب بن زهير، العباس بن مرداس، يزيد بن الحكم، هند بنت عتبة، عبد الله ابن جعفر، سواد بن المضرب، عبيدة بن الحارث المطلبي، منظور بن سحيم، عبد يغوث بن وقاص، فرار الأسدي، قران الأسدي، قيس بن الملوح، والمتنبي (¬1). هذه هي مصادر شرح التسهيل لناظر الجيش إجمالا، من نحويين ولغويين ومحدثين ومفسرين وقراء وشعراء، وهذه هي كتبهم ومؤلفاتهم التي حشي بها ذلك الشرح العظيم. أما الكتب التي اعتمد عليها ناظر الجيش اعتمادا كبيرا ونهل منها منهلا عظيما ولا تكاد تخلو صفحة في هذا الشرح منها فهي كالآتي وسنسردها حسب أهميتها وكثرة النقول منها وشدة الاعتماد عليها: أولا: الكتاب لسيبويه: وجدنا أن ناظر الجيش اعتمد عليه كثيرا في توثيق آرائه والاستئناس به في حل ما يعترضه من مشكلات؛ لذا كان كتاب سيبويه من المصادر الأصلية التي اعتمد عليها وآراؤه منتشرة في ثنايا هذا الشرح العظيم. ثانيا: كتب ابن مالك: اعتمد ناظر الجيش على كتب ابن مالك اعتمادا كليّا؛ وبخاصة شرحه على التسهيل؛ فلا يكاد يأخذ في شرح متن التسهيل إلا ويبدأ بنقل شرح ابن مالك لهذا المتن. وقد سار على هذا المنهج طوال شرحه، وكأنه كان يستأنس بهذا الشرح، ويرى أنه يفسر كلام ابن مالك بكلامه نفسه، وبعد أن ينتهي من ذلك يأخذ في شرحه هو، ويستكمل ما فات ابن مالك، أو يجيب على اعتراضات أبي حيان عليه. ومن الكتب التي اعتمد عليها أيضا وهي لابن مالك، كتابه شرح الكافية الشافية. وقد أخذ منه كثيرا هو الآخر حيث وجد فيه ضالته من توضيح المسألة، أو ذكر ابن مالك لرأي فيه مخالف لما ذهب إليه في شرح التسهيل، وهكذا. ¬

_ (¬1) هؤلاء الشعراء جميعا بعضهم ورد في صلب التحقيق، وبعضهم ورد في الهامش عند تحقيقنا شواهد الشعر والرجز.

ولا تحصر هذه النقول لكثرتها وغزارتها وانتشارها في ثنايا الشرح كله، كما أنه لم ينس لابن مالك شرح عمدة الحافظ أو الألفية وغير ذلك. ثالثا: كتب ابن عصفور: وابن عصفور من النحويين الذين عرف قيمتهم ناظر الجيش، أو وقف على كتبهم. وقد أعجب به ناظر الجيش وبآرائه أيما إعجاب؛ فلا تكاد تخلو صفحة من ذكر ابن عصفور وآرائه وكتبه ونقول منها ليس سطرا أو سطرين؛ وإنما صفحة أو صفحتان وبخاصة نقوله من شرح الإيضاح المفقود، أو شرح المقرب الذي لم يعثر له على أثر، أما المقرب، وشرح الجمل، والضرائر، وغيرها من كتب ابن عصفور فحدث عنها ولا حرج، من نقول كثيرة ووقوف على آراء هذا العالم الذي كان يجله ويفضله على غيره، وعلى ابن مالك نفسه في كثير من الأحيان. رابعا: كتب أبي حيان: وهذا علم آخر، وكتبه من الذين اعتمد عليهم ناظر الجيش في شرحه، كما اعتمد عليه في تلقي العلم مشافهة منه، وقد كان لشرح أبي حيان للتذييل والتكميل نصيب أكبر من نقول ناظر الجيش، وإعجابه به ورده لاعتراضات الشيخ على ابن مالك، وشرح أبي حيان مصدر مهم من مصادر ناظر الجيش فقد أخذ أحسن ما فيه من آراء وأفضل ما فيه من مسائل وضمنها كتابه، فوق رد الاعتراضات وغيرها. والشواهد الشعرية لناظر الجيش في كتابه هي شواهد أبي حيان. ولا يتميز شرح ناظر الجيش عن أبي حيان إلا بنقول مطولة من كتب المغاربة والأندلسيين مما لم يقف عليه أبو حيان أو يضمنها كتابه، ولكتب أبي حيان الأخرى غير التذييل والتكميل كشرح الألفية، والبحر المحيط وارتشاف الضرب - نصيب من شرح ناظر الجيش؛ فقد كان ناظر الجيش يجل أبا حيان إجلالا كبيرا، ويرى أنه عالم عصره ووحيد دهره في علم النحو والإعراب. خامسا: كتب ابن الحاجب: يعد ابن الحاجب وكتبه من المصادر المهمة في شرح التسهيل لناظر الجيش؛ فلا تعدم نقلا بين الحين والحين من شرح ابن الحاجب على المفصل أو كتابه المشهور المسمى بالكافية في النحو، والشافية في

الصرف أو إملاءاته المختلفة في إعراب آية قرآنية أو بيت من الشعر، وكثيرا ما كان يعقد مقارنات بين ابن الحاجب وابن مالك وفي بعض الأحيان كان يفضل ابن الحاجب على ابن مالك، وأحيانا أخرى كان يفضل ابن مالك. سادسا: كتب الزمخشري وآراؤه في المفصل والكشاف وغيرهما. سابعا: شرح الجمل لابن الضائع. ثامنا: تعليقات ابن النحاس على المقرب. تاسعا: شرح ابن الناظم على الألفية وشرح التسهيل له في آخر الكتاب. عاشرا: شرح الإيضاح لابن هشام الخضراوي المسمى بالإفصاح. حادي عشر: شرح الإيضاح لابن أبي الربيع والملخص له. ثاني عشر: شرح المفصل لابن عمرون. هذه كتب كان ينقل منها كثيرا وينص عليها وهناك كتب أخرى كان ينقل منها بين الحين والحين ويشير إليها أو يأخذ الرأي منها ويسند لصاحبه دون أن يشير إلى الكتاب وهي كثيرة نذكر منها: - المقتضب للمبرد. - شرح كتاب سيبويه للسيرافي. - التبيان للعكبري. - الصحاح للجوهري. - كتب ابن جني. - شرح كتاب سيبويه لابن خروف. - وكتب التفاسير المختلفة. - الأصول لابن السراج. - نتائج الفكر للسهيلي. - القانون للجزولي. - الغرة لابن الدهان. - كتب أبي على الفارسي. وغير ذلك وهو كثير. * * *

الفصل السادس منهج ناظر الجيش في شرحه للتسهيل وأسلوبه فيه

الفصل السادس منهج ناظر الجيش في شرحه للتسهيل وأسلوبه فيه * أولا: منهجه في التأليف: ترسم ناظر الجيش في شرحه للتسهيل منهجا لم يحد عنه طوال صحبته لهذا الكتاب الكبير وهو التسهيل. ويتلخص هذا المنهج في عدة أمور: 1 - ترسم خطى ابن مالك في الأبواب والفصول التي جاءت في التسهيل؛ فهو يعرضها دون تقديم أو تأخير؛ حيث يذكر القطعة من المتن طالت أو قصرت من التسهيل، ثم يأخذ في شرحها مشيرا إلى المتن بـ (ص) وإلى الشرح بـ (ش) (¬1). 2 - إيراد ما جاء في شرح التسهيل لابن مالك، وتصدير ذلك بقوله: قال المصنف، على قدر المتن الذي يشرحه فقط، وقد استمر على هذا المنهج طوال الكتاب؛ لأنه كان يعلم أن ابن مالك هو الوحيد الذي يعرف ما يقصده من كتابه وما يريد من متنه، ثم يختم النقل بقوله: انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى، وإذا أعجب بما قاله ابن مالك وما فتح الله عليه - مدحه بالنثر والشعر من قبل قوله: وحديثها السحر الحلال لو انّه ... لم يجن قتل المسلم المتحرز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ودّ المحدّث أنّها لم توجز شرك العقول ونزهة ما مثلها ... للمطمئن وعقلة المستوفز وغير ذلك من ألفاظ الغزل والحب والإعجاب، وما أكثرها في الكتاب! ومن هنا قلنا: إن شرح ناظر الجيش تضمن شرح ابن مالك كله أو يزيد. 3 - بعد سرد كلام ابن مالك يأخذ ناظر الجيش في مناقشته، ومناقشة أبي حيان لهذا الكلام، واعتراضه عليه، ويورد الاعتراض منقولا من كتاب التذييل، ¬

_ (¬1) وقد قمنا بحذف ال (ص) و (ش) فجعلنا مكان ال (ص) عبارة (قال ابن مالك)، ومكان ال (ش) عبارة (قال ناظر الجيش).

وهو شرح أبي حيان، ثم يجيب على هذه الاعتراضات ويبطلها بالحجة والدليل القوي دون غرور أو استعلاء، ويدافع عن ابن مالك إذا قذفه أبو حيان بألفاظ خارجة أو أمور جارحة، ثم يمدح ابن مالك وأن كتبه وصيته في المشرق والمغرب، وأن الشمس لا يستطيع أن يطفئ ضوءها أحد. 4 - بعد سرد كلام ابن مالك واعتراض أبي حيان عليه، إذا وجد ناظر الجيش أحد العلماء قد سرد المسألة بتوضيح أكثر وبيان أوضح - فلا يتردد في نقله، وقد حشا الكتاب بنقول مختلفة من كتب ضاعت على مر السنين مثل: شرح الإيضاح وشرح المقرب، وكلاهما لابن عصفور، والإفصاح في شرح الإيضاح لابن هشام الخضراوي، وشرح المفصل لابن عمرون. ومن كتب باقية مثل: كتب ابن عصفور والزمخشري وابن الحاجب، كان يسرد ذلك تحت عنوان: أبحاث أو أمور أو تنبيهات قد تصل أحيانا إلى عشرة في كثير من المتن المشروح. كما كان يعقد مقارنات بين كلام ابن مالك وكلام غيره، فينصف ابن مالك أو ينصف غيره، وأحيانا تكون المقارنة بين رأيين مختلفين لابن مالك في شرح التسهيل وغيره، ولابن عصفور في شرح الجمل وغيره. 5 - أظهر ناظر الجيش براعة فائقة في مناقشة القضايا والآراء والمذاهب المختلفة، مما دل على اطلاعه الواسع ووقوفه على كثير من كتب التراث، وهو يناقش القضية أو يذكر المسألة. 6 - أكثر الشارح من الاستشهاد بالقرآن الكريم وأشعار العرب وأقوالهم وأمثالهم، وكان يقتدي بابن مالك، ذلك الراوية المضروب به المثل في الاطلاع الواسع على دواوين العرب والوقوف على أشعارهم. وأيضا كان يقتدي بأبي حيان العالم الكبير فريد عصره ووحيد دهره. 7 - ربط ناظر الجيش أبواب الكتاب بعضها ببعض؛ حيث كان لا يكرر الكلام؛ وإنما كان يحيل على أبواب متقدمة سبق الكلام عنها، أو يؤخر الحديث حتى يصل إلى باب كذا مما سيأتي؛ فرارا من تكرار لا داعي إليه.

8 - لم يكن ناظر الجيش مجرد ناقل من هنا وهناك؛ وإنما كان يقارن ويوازن ويختار الأقرب إلى الصواب في المسألة معللا ومدللا. والأمثلة على ما ذكر هنا وفيما قبله كثيرة منتشرة في الشرح كله. 9 - ينص ناظر الجيش - في كثير من نقوله - على الكتب التي ينقل منها، كان يقول: وقال ابن عصفور في شرح الإيضاح أو شرح الجمل، وقال ابن مالك في شرح الكافية، وقال أبو حيان في الارتشاف، وإذا أطلق فقال: ابن مالك أو أبو حيان، فإنما يقصد شرحهما على التسهيل، بل لقب ابن مالك بالمصنف وأبا حيان بالشيخ. هذا هو المنهج العام الذي كان يسير عليه ناظر الجيش في شرحه طوال الكتاب. وأما منهجه في عرض المسائل فكان يتبع الآتي: 1 - الميل في أكثر الأحيان إلى التقسيم والتنظيم؛ إيثارا للفهم والضبط. وهذه الطريقة أخذها من ابن عصفور في تآليفه المختلفة وبخاصة المقرب. 2 - التفصيل بعد الإجمال، وهو امتداد للأمر الأول؛ حيث يعرض المسألة مجملة؛ ليقف عليها القارئ ثم يأخذ في ذكر التفاصيل والمناقشة الواسعة، وهذه هي الطريقة المثلى للفهم والتحصيل، وأحيانا كان يعكس فيجمل بعد تفصيل ويوجز بعد إطناب للغرض نفسه، وهو جمع المسألة؛ ليحفظها القارئ ويقف عليها الطالب. 3 - طريقة السؤال والجواب: وقد اشتهر بها صاحب الإنصاف وأسرار العربية أبو البركات الأنباري، كما اشتهر بها الزمخشري في كتبه وهي قولهم: وهنا سؤال، أو قولهم: فإن قيل، أو قولهم: وهنا اعتراض وهكذا. 4 - تحري الدقة قبل إبداء الرأي: أي أنه كان لا يقول بقول إلا بعد أن يطمئن إليه ويقف عليه فإذا لم يظهر له الصواب كان يعلن ذلك، وقد كثر في شرحه مثل هذه الألفاظ: ولا أفهم مقصود المصنف بذلك، وقوله: والشيخ قد التبس عليه هذا الأمر، وقوله: وقد كان هذا الأمر يدور بخاطري؛ لكن لم

ثانيا: أسلوبه في شرح التسهيل

أذكره حتى رأيت الشيخ قد ذكره وأجازه فقلت به. 5 - إجاباته عن اعتراضات أبي حيان: وهذا أمر تميز به شرح ناظر الجيش دون شروح التسهيل كلها. وقد أخذ ناظر الجيش على عاتقه ذلك من أول كتابه وذكره في مقدمته؛ حيث رأى تجني أبي حيان على ابن مالك واتهامه إياه بالجهل أو النسيان أو عدم الوقوف على كتاب سيبويه؛ فانبرى يدافع عن الرجل ويرد اتهام البريء وينصر المظلوم. ثانيا: أسلوبه في شرح التسهيل: امتاز أسلوب ناظر الجيش في هذا الكتاب بالعذوبة والرقة والسلاسة؛ حيث أنه بعد عن التعقيد اللفظي ومال إلى السهولة في التعبير، منوعا في أسلوبه بين الإيجاز والإطناب. وقد بينا ذلك حينما تعرضنا لمنهجه في عرض الشرح عامة وطريقته في عرض المسائل خاصة. والذي يجب أن ننوه به هنا: أن الشارح تأثر تأثرا كبيرا في أسلوبه بالأندلسيين بصفة عامة وبابن عصفور بصفة خاصة؛ فقد مال إلى التحليل والإسهاب وذكر عدد كبير من آراء النحاة في المسألة الواحدة، كسيبويه والأخفش والخليل وابن عصفور وابن الضائع وابن خروف وابن هشام وبهاء الدين النحاس وعلم الدين السخاوي والزجاجي والكسائي والفراء، وغيرهم من هؤلاء الأعلام الذين حفل الكتاب بذكر أسمائهم. وبذلك نستطيع أن نقول: إن كتابنا هذا موسوعة نحوية استطاع الشارح أن يضمنه آراء معظم النحاة، والحقيقة التي لا تنكر أنه اعتمد في نقل هذه الآراء على كتاب شرح التسهيل لابن مالك؛ لأنه صاحب المتن، كما اعتمد أيضا في كثير من الأحيان على كتاب أستاذه أبي حيان (التذييل والتكميل)، وليس هذا بعيب، فهو الكتاب الذي تعرض فيه أبو حيان لشن هجومه على ابن مالك. وكان كتاب تمهيد القواعد هو الكتاب الذي تولى صاحبه فيه مهمة الرد على هذه الاعتراضات؛ فمن الطبعي إذن أن يكون هذا الكتاب معتمدا في

آرائه على كتاب التذييل والتكميل. ولكن إنصافا للحق نقول: إن ناظر الجيش كانت له شخصية واضحة في هذا الكتاب، فهو لم يقتصر في نقل آرائه على التذييل فقط، بل إنه نقل نصوصا متعددة من كتب ربما لم يذكرها أبو حيان في كتابه مثل: كتب ابن جني وابن عصفور وابن الضائع وابن هشام الخضراوي. وعلى كلّ فأسلوب ناظر الجيش في شرحه للتسهيل يتسم بالآتي: 1 - السهولة والعذوبة والرقة: فأنت لا تسأم من قراءة الكتاب أبدا، مهما طال بك ذلك. 2 - البعد عن المعقدات اللفظية؛ لأن صاحبه كان أديبا بلاغيّا؛ فانعكس ذلك على أسلوبه. 3 - التأثر بالأساليب البلاغية في بعض الأحيان، واستخدام تعبيرات البلاغيين، مثل: المسند والمسند إليه والمجاز وأصحاب البيان وأرباب المعاني. 4 - التأثر بالأساليب المنطقية: ويتمثل ذلك في ذكره بعض المصطلحات المنطقية؛ كالعموم والخصوص والاختصاص والمشاركة والاجتماع، وغيرها من هذه الأساليب. 5 - إظهار التواضع والاستفادة من السابقين: ظهر في أسلوب ناظر الجيش التواضع، وعدم الميل إلى الفخر والاعتداد بالنفس والغرور. وقد تجلى ذلك في كثير من التعبيرات التي عبر بها. وفي مقدمة الكتاب ما يبين ذلك. 6 - كثر استخدامه لعبارات معينة: من أبرزها: انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى، والظاهر أنّ، والذي يظهر أن يقال، ولقائل أن يقول، وكلامه يعضّد، ولا شك أن، ويتعلق به أبحاث، ولنورد ذلك في مباحث، ولنورد ذلك في مباحث تشتمل على أمور، ويتعلق به تنبيهات، وهو كلام عجيب، فعجيب، لا يخفى ضعفه، و: السحر الحلال .... * * *

الفصل السابع شخصية ناظر الجيش النحوية

الفصل السابع شخصية ناظر الجيش النحوية * حرص ناظر الجيش في تأليفه «تمهيد القواعد» أو شرح التسهيل أن يجعل المطلع عليه في غنى عن غيره من شروح التسهيل، لهذا فصّل القول، وناقش، واستقصى - ما استطاع - آراء النحاة ونصوصهم. نقل عنهم، وحلّل قولهم ونقد رأيهم. كما نراه - في أثناء ذلك - يؤيد قولا، ويدفع آخر، ويحتج لرأي، أو يستدرك عليه، وأحيانا لا يرضى عن رأي من الآراء؛ فيأتي بآراء أخرى هي منه على النقيض، محاولا بهذه الكثرة الانتقاص من ذلك الرأي الأول، وأحيانا أخرى نجده لا يظهر له تجويز بعضهم لمسألة ما، أو يشكل عليه رأيهم فيها، فيردها ويبطل الرأي دون نظر إلى قدر ذلك النحوي، أو ذيوع صيته، مستندا - فيما يقول ويقرر - إلى أدلة وتعليلات يصل إليها بطول باعه في هذا الفن. وإذا كان صاحبنا قد قصد - فيما قصد - بهذا الشرح أن يقف قاضيا بين العالمين أو العلمين الشامخين - ابن مالك وأبي حيان - فإنا قد وجدناه - من خلال شرحه - ناقدا بصيرا يمتد نظره ونقده إلى أبعد من ذلك، فيتناول النحاة المغاربة، وغيرهم، ومن على شاكلتهم بالنقد النحوي الموضوعي. رأينا له - في ذلك - مواقف من سيبويه، وابن السراج، والفارسي، وابن جني، والزمخشري، والسهيلي، وأبي البقاء، وابن يعيش، وابن الحاجب، وابن هشام الخضراوي، وابن عصفور، وابن مالك، وابن الضائع، وبدر الدين ابن مالك، وابن أبي الربيع، وأبي حيان، وغيرهم، وهم كثير. وسنحاول اختصار ذلك وذكر بعض المناقشات والمواقف لعدد قليل جدّا وموقف ناظر الجيش تأييدا أو معارضة، موافقة أو مخالفة، والكتاب يمتلئ بالكثير؛ فمن يريد التوسع في ذلك فليرجع إليه. أولا: ناظر الجيش وسيبويه إمام النحاة: في المسائل والقضايا النحوية كان ناظر الجيش يقدم سيبويه، وآراءه على

ثانيا: ناظر الجيش وأبو علي الفارسي

غيره كما كان يوقّره في نفسه، وفي شروحه، لكنه - مع ذلك - إذا التبس عليه فهم لكلامه، أو رأيه أوضح لنا ذلك في صراحة دون غموض أو التواء. فقد كان الناظر يقول عن سيبويه: «إمام الصناعة سيبويه رحمه الله تعالى»، «وكفى بقول سيبويه قولا» ويقول «ويكفي أن سيبويه قال به»، ثم يقول في جعل سيبويه الفعل المقدر الناصب للاسم المخصوص: أعني «ويظهر أن تقديره أولى من تقدير أخص»، ثم يعلل لذلك الذي استظهره. وعن الجانب الآخر يقول في بعض المسائل: لكن أشكل عليّ ما ذكر عن سيبويه، وقوله: ولا يظهر لي تجويز سيبويه. ثانيا: ناظر الجيش وأبو علي الفارسي: لإيضاح الفارسي، وبصرياته، وتذكرته، وحلبياته مكانة عند ناظر الجيش. وقد ترددت هذه الكتب في أكثر من موضع في هذا الشرح. وعلى الرغم من ذلك قال في رأي أبي علي في زيادة مثل: أما جعل الفارسي كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ [الأنعام: 122] ومَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ [الرعد: 35] من قبيل ما ألغي، فغير مسلم؛ لأن المثل يستعمل مرادا به الصفة والحال إذا كان لكل منهما شأن، وفيه غرابة وذلك على سبيل الاستعارة كما قرر ذلك أصحاب علم البيان. ثالثا: ناظر الجيش وابن جني: لابن جني، وكثير من آرائه، وتوجيهاته - منزلة عند النحاة، وقد اعتدّ به صاحبنا في مواضع غير قليلة من تمهيده؛ لكنه قال في بعضها: «و .... ابن جني ذهب إلى أن المضاف إلى الياء لا يتصف بإعراب ولا بناء. فأثبت قسما من الأسماء لا معربا، ولا مبنيّا. ولا يخفى ضعف هذا الرأي، وأنه لا ينبغي التشاغل بمثله ..».

رابعا: ناظر الجيش والزمخشري

رابعا: ناظر الجيش والزمخشري: يعد الزمخشري واحدا من الذين أثروا العربية، وفنونها بكثير من المؤلفات، والآراء. وهو كذلك واحد من الذين دارت بين ابن مالك وبينهم معارك لغوية وصلت في بعض الأحيان - من ابن مالك - إلى منبوذ القول، أو شديد اللهجة والتعبير. وقد كان ناظر الجيش معتدلا بحق في مواقفه من هذا العالم المعتزلي العقيدة المتعصب لعقله، كان ناظر الجيش منصفا له مجلّا إياه مدافعا عنه. يقول عقب مسألة ذكر فيها رأي الزمخشري: «فانظر إلى هذا الرجل كيف يهديه الله تعالى إلى سبيل الرشاد، ويطلعه على الأسرار، وينطق لسانه بما فيه الحكمة والصواب، وبهذا المعنى الذي قرّره يظهر لك التفاوت بين في والباء في هذا المحل؛ لأن الباء لا تفيد ما أفادته في من كون هذا التدبير كالمنبع والمعدن، وإنما تفيد السببية لا غير». وفي مسألة أخرى يقول ناظر الجيش: قال ابن مالك «وقال الزمخشري في: م الله: ومن الناس من يزعم أنها من أيمن، قلت: لم يعرف من الذي زعم ذلك وهو سيبويه رحمه الله تعالى. وفي عدم معرفة الزمخشري بأن صاحب هذا القول سيبويه، دليل على أنه لم يعرف من كتابه إلا ما يعرف بتصفح، وانتقاء لا بتدبر واستقصاء؛ فما أوفر تبجحه، وأيسر ترجحه عفا الله عنّا وعنه!» فقال ناظر الجيش في ذلك: «.. وليس فيه إلا تعرضه إلى الغضّ من الزمخشري، وتجهيله إياه بكتاب سيبويه. وليس هذا من طريقة المصنف؛ فإنه - بحمد الله تعالى - مكفوف اللسان عمن هو دون الزمخشري في الرتبة، فكيف بمن هو عالي الرتبة؟ ولكن - كما قيل - الجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو، والعجب أن ما قاله في حق الزمخشري من أنه لا يعرف من الكتاب إلا ما يعرف بتصفح وانتقاء، لا بتدبر واستقصاء، قاله الشيخ أثير الدين في حقه إما بهذا اللفظ، أو بمعناه، أو ما يقرب منه حسب ما تقف عليه في باب إعراب الفعل إن شاء الله تعالى وهذا يحقق قول القائل: كما تدين تدان.

خامسا: ناظر الجيش وابن الحاجب

فكأن المصنف جوزي بالوقوع في حقه عما وقع به في حق الزمخشري». خامسا: ناظر الجيش وابن الحاجب: كتب ابن الحاجب، من كافيته في النحو وشرحه عليها، وشافيته في الصرف، وأماليه المختلفة وشرحه على مفصل الزمخشري، كل ذلك كان له قدره عند النحويين عامة وعند ناظر الجيش خاصة. وقد وقف ناظر الجيش من ابن الحاجب موقف المجلّ في بعض الأحيان، وموقف المعارض. فمن مواقف الإجلال قوله في حد التمييز: وحدّ ابن الحاجب أفضل من حدّ ابن مالك، وقوله: وقد نبه ابن الحاجب على ذلك بأخصر عبارة وألطف إشارة؛ حيث قال بعد يا أيها الرجل، ويا هذا الرجل ويا أيهذا الرجل: والتزموا رفع الرجل لأنه المقصود وتوابعه لأنها توابع معرب. وفي موقف آخر قال عنه: ورأي ابن الحاجب في هذه المسألة كرأي المصنف فيها وقد استدرك المنتقدون على ابن الحاجب رحمه الله تعالى. سادسا: ناظر الجيش وابن عصفور: أما ابن عصفور فهو أكثر النحويين إجلالا لدى ناظر الجيش، وقد وقف على كتبه كلها؛ وقف على مقربه وشرحه، وشرحه لجمل الزجاجي، وشرحه لإيضاح الفارسي فانتقى منها ما وافق المقام ولكن مع يقظة وانتباه؛ فحينا كان يحكم بالصواب وقوة الرأي وحينا كان يحكم بغير ذلك وحينا كان يدفع رأي ابن عصفور وحينا كان يقره ويرضاه. ومن هنا طال وقوف ناظر الجيش مع ابن عصفور مادحا أو قادحا. فمن المدح قوله: ويقال: إن بعض ملوك العرب سأل ابن عصفور عن هذه المسألة - وكان ذلك بحضرة جمع من النحاة - فشرع في ذكر ما ينتصب بعامل واجب الحذف إلى أن أتى على جميع ما تضمنته أبواب العربية من ذلك في مجلسه على الفور دون تروّ فقضى له حينئذ بالعجب وشهد له بالتبريز في هذا الفن. وكثيرا ما كان يقول: والذي ذكره ابن عصفور أقرب إلى الحق،

سابعا: ناظر الجيش وابن مالك

أو يقول: وحدّ ابن عصفور أحسن من حدّ ابن مالك. وأما قوله قادحا إياه: فهو قوله: وهو كلام عجيب لا يخفى ضعفه. سابعا: ناظر الجيش وابن مالك: نظر صاحبنا في شرح ابن مالك على تسهيله، فوجد أن الناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه ولا يقنعه ما يجده لديه، بل تتشوق نفسه إلى زيادات ... يضاف إلى ذلك أن صاحبنا وجد من أبي حيان تحاملا شديدا على ابن مالك، حتى صارت المناضلة عن المصنف لازمة والانتصار له متعينا؛ ومع ذلك كله لم يكن ناظر الجيش مقتصرا على المناضلة والانتصار للمصنف؛ بل إنه كان يقف من ابن مالك خصما إذا رآه بعيدا عن صواب القول، وأحيانا كان يفضل الشيخ عليه، أو غيره من النحاة. وهذه - أولا - بعض ملامح توقير ابن مالك: قال ناظر الجيش: أ - هذا كله كلام المصنف رحمه الله تعالى ولا مزيد عليه في الحسن واللطف. ب - وإذا اعتبرت ما فعله المصنف علمت أنه سلك مسلكا حسنا وأنه موفق معان. جـ - انتهى كلام المصنف، وهو - كما قيل - كالماء؛ إلا أنه زلال، والسحر؛ إلا أنه حلال، فرحمه الله تعالى، ورضي عنه، وأرضاه، بمنه، وكرمه. د - انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهو كما قيل: من السّحر الحلال لمجتنيه ... ولم أر قبله سحرا حلالا وما أكثر ترديده صدر هذه العبارة السابقة إثر كل كلام ينقله عنه. وأما ملامح غير التوقير: فمن أمثلتها قوله: وقد أشكل عليّ هذا الموضع، وتعذّر عليّ الجمع بين ما قاله في التسهيل وما قاله في شرح الكافية وما قاله في الألفية. وقوله: هذا هو الصحيح، ولا يعرف ذلك من كلام المصنف لا في المتن ولا في الشرح. وقوله: فأنا أورد كلام ابن عصفور في هذا الموضع فإنه أوضح من كلام المصنف.

ثامنا: ناظر الجيش وأبو حيان

ثامنا: ناظر الجيش وأبو حيان: في مقدمة «تمهيد القواعد» أوضح لنا «ناظر الجيش» أن شيخه أبا حيان تحامل في الرد والمؤخذات تحاملا بيّنا على ابن مالك، وأنه بالغ في ذلك حتى صارت المناضلة عن المصنف لازمة، وخرج شرح أبي حيان - التذييل والتكميل - بسبب هذه الإطالة عن مقصود الشرح، فتفتحت فيه - كما رأى الناظر - الثغرات، وصار في حاجة إلى تقويم. ونظرة فاحصة متأنية في أبواب التحقيق تقرر لنا ذلك، أو تؤكده، وتضيف شيئا آخر: هو أن ناظر الجيش لم تكن كل غايته تخطئة أبي حيان، ولكنه كان ينقده نقدا موضوعيّا: يؤيده حين يراه على صواب، ويرفض رأيه حين يجده قد خالف القوم، أو انحرف عنهم. ولا نعدم في كثير من الأحيان تعليلات ناظر الجيش لذلك. وسيأتي قريبا موقفهما من الاستشهاد بالحديث الشريف. فأبو حيان قد ردّ استشهادات ابن مالك، وتعنف في الرد، والقول، فجاء الناظر، ودافع باعتدال عن ابن مالك مبينا ما في ذلك من آراء، وتوجيهات، ووقف مع ابن مالك موقف المطمئن. وفي أبواب الكتاب والشرح كله كثير من المسائل والقضايا التي ناقش الناظر فيها شيخه أبا حيان، ووقف منه مواقف مختلفة إما مادحا وإما قادحا. وهذه بعض منها: فمن المدح قوله: والذي ذكره الشيخ في الآية الشريفة ظاهر، وقوله: وهذا التعليل الذي ذكره الشيخ أحسن من تعليل المصنف، وقوله: وقد أكثر المصنف من ذكر الشواهد على ذلك ولا حاجة إلى إيرادها؛ لأن هذا كما قال الشيخ لا يحتاج إلى مثال؛ لأن دواوين العرب ملأى منه. وقوله: ما ذكره الشيخ حق لا شبهة فيه. وقد كنت أيام الاشتغال وقفت على كلام المصنف رحمه الله في شرح الكافية فرأيته ذكر هذه المسألة كما ذكرها هنا واستشهد بالبيت المذكور؛ فحصل في خاطري أن القسم وجوابه هو جواب الشرط وأنه لا حذف أصلا وجزمت بذلك؛ لكن لما رأيت الشيخ ذكره في شرحه اقتصرت على نسبته إليه.

ومن القدح قوله: ولا أعلم ما الذي أوجب له مخالفة النحاة فيما قالوه، مع أنه لم يستدل على ذلك بشيء. ومن ذلك ما قاله أبو حيان وقذفه لابن مالك بأنه لم يعرف له شيخ، انبرى ناظر الجيش ورمى أبا حيان بمثل ما رمى به ابن مالك يقول ناظر الجيش: وقد كان الشيخ يلمزه - ابن مالك - أيضا بأنه لا يعرف له شيخ أخذ عنه هذا الفن، أعني فنّ العربية، وهو عجب؛ فإن ذلك يدل على علوّ رتبته وسموّ همته، وعلى قوة أتاها الله تعالى له .... وقد كان الشيخ مكبّا على هذا الكتاب - التسهيل - بعد أن كتبه بخطه، وشحن هوامشه بالأمثلة والشواهد. وكان عمدته وغالب أوقاته ينظر فيه وطالما شاهدته وهو يخرجه من كمّه حين يسأل عن مسألة، فينظر فيه ويجيب ... ثم إن الناس يذكرون أن الشيخ لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد أيضا ببلاد المغرب، وأنه بعد قدومه إلى الديار المصرية قرأه على الشيخ بهاء الدين بن النحاس مصححا ألفاظه، ومحررا لها مع قصد الرواية، أما قراءة بحث وتدبّر فلا. وأما قوله عن الزمخشري: إنه وافر التبجح كثير الترجح معظم نفسه، فالزمخشري في صوب آخر يضاد ما ذكره الشيخ عنه .... وبعد: فرضي الله تعالى عنهم أجمعين ... وبعد .... فهذه نماذج مختلفة سقناها؛ لنبين موقف صاحبنا ناظر الجيش من - بعض - النحاة منذ أول كتاب جمع قواعد النحو - وهو كتاب سيبويه - حتى أبي حيان شيخ ناظر الجيش، وقد عكست لنا طريقته في العرض والمناقشة وتقرير المسألة واستخلاص الجواب - طول باعه، وغزارة مادته، وسعة اطلاعه، ودقة منهجه، ونقده الذي يقصد به الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن الهوى لعالم معين أو لآخر. بقي أن نتعرف موقف صاحبنا من الأدلة النحوية ومذهبه النحوي وما لشرحه من ميزات وما عليه من مآخذ. وهذا هو حديث الفصول القادمة.

الفصل الثامن موقف ناظر الجيش من قضية الاستشهاد والأدلة النحوية

الفصل الثامن موقف ناظر الجيش من قضية الاستشهاد والأدلة النحوية * معروف بين النحاة والمتخصصين أن مصادر الاستشهاد في لغتنا هي القرآن الكريم، والقراءات القرآنية، والحديث الشريف، والشعر، وأمثال العرب، وأقوالهم. وقد أكثر المتقدمون في الاستشهاد بها في مؤلفاتهم واقتصر آخرون على بعضها. حتى جاء المتأخرون وفسّروا هذا بما يرضي ميولهم. فمثلا في الاستشهاد بالحديث قال بعضهم: لا يجوز الاستشهاد به؛ لأنه قد روي بالمعنى، كما قالوا: إن بعض الشعر لا يجوز الاستشهاد به؛ لأن قائله من طبقة أو عصر لا يجوز الاحتجاج به. أمّا ناظر الجيش وموقفه من هذه القضايا فقد كان موفقا أيما توفيق فيما ذهب إليه. أولا: القرآن الكريم: لا مرية بين القوم في أن القرآن الكريم منذ أن وجد - وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها - هو قمة الفصاحة وغاية البيان؛ لذا لم تختلف كلمتهم حول صحة أن يحتج بكلمه وآياته من غير فرق بين ما وافق الاستعمال الجاري فيما وصل إلينا من شعر العرب، ومنثورهم، وما جاء على وجه انفرد به. إن ألفاظ القرآن الكريم - كما قال الراغب في مفرداته - هي لبّ كلام العرب، وزبدته، وواسطته، وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء، وما عداها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة. وقد وقف بعضهم في قضية الاستشهاد بالقرآن الكريم، وقالوا: إنه يشتمل على ألفاظ غير قياسية. ونحن نعجب من هؤلاء؛ يثبتون اللغة بشعر مجهول ولا يثبتونها بالقرآن العظيم! قال ابن حزم: «ولا عجب أعجب ممّن إن وجد لامرئ القيس، أو لزهير، أو لجرير، أو الحطيئة، أو الطرماح، أو لأعرابي أسدي، أو سلمي، أو تميمي، أو من سائر أبناء العرب - لفظا في شعر، أو نثر

ثانيا: القراءات القرآنية

جعله في اللغة، وقطع به، ولم يعترض فيه، ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها - كلاما لم يلتفت إليه، ولا جعله حجة وجعل يصرفه عن وجهه، ويحرفه عن موضعه، ويتحيل في إحالته عما أوقعه الله عليه» (¬1). أما موقف ناظر الجيش من شواهد القرآن الكريم: فقد أخذ منه قمة شواهده، فكثرت لديه تلك الشواهد كثرة واضحة، واشتمل شرحه على الآلاف من الآيات القرآنية. وكانت له مواقف مع بعض النحاة في تخريج بعض الآيات والشواهد القرآنية من ذلك قوله في باب الاستغاثة: قال المصنف في الشرح «والمعروف في اللغة تعدي فعله بنفسه نحو: استغاث زيد عمرا قال الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ .. [الأنفال: 9] وقال تعالى: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ .. [القصص: 15]، والنحويون يقولون: استغاث به فهو مستغاث به وكلام العرب بخلاف ذلك ..». قال ناظر الجيش بعد إيراده ذلك: «... ولك أن تقول: قد تعرض النحاة إلى ذكر الأفعال التي تتعدى بنفسها تارة وبالحرف أخرى، ولم يذكروا أن فعل الاستغاثة من تلك الأفعال، ثم قد ثبت بالكتاب العزيز تعديه بنفسه، فوجب أنه إذا ورد متعديا بحرف أن يدعى فيه التضمين - استعان -». ثانيا: القراءات القرآنية: إذا كانت القراءات القرآنية قد جاءت وفق اللهجات العربية فإن بعض النحاة واللغويين قد رمى بعضها بالخطأ، وأبعدها عن الصواب انطلاقا من قياسها بمقاييسهم التي وضعوها وذلك حينما لا يجدون لها في العربية وجها تخرّج عليه. قال السيوطي: «كان قوم من النحاة المتقدمين يعيبون على عاصم، وحمزة، وابن عامر قراءات بعيدة في العربية، وينسبونهم إلى اللحن وهم مخطئون في ذلك؛ فإن قراءاتهم ثابتة بالأسانيد المتواترة الصحيحة التي ¬

_ (¬1) البحث اللغوي، ودراسات في العربية وتاريخها: القياس الأصلي (ص 31).

ثالثا: الحديث الشريف

لا مطعن فيها، وثبوت ذلك دليل على جوازه في العربية (¬1). وكان ناظر الجيش معتدلا في هذا الجانب واستشهد بالقراءات الواردة كلها، متواترها وشاذها، من ذلك قوله: اختار المصنف جواز قراءة ابن عامر ... قتل أولادهم شركائهم [الأنعام: 137]، وقال أبو حيان: «هو الصحيح وإن كان أكثر النحويين لا يجيزونه في الكلام وذكروا أنه مختص بالشعر». قال أبو حيان: «وأما من صرح بأنها غلط فهو قدح في التواتر؛ بل جميع القراءات السبع متواترة فعلى كل قراءة منها جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، ومنكر التواتر فيها يكون في إسلامه دخل». قال ناظر الجيش: «وهو كلام حسن صادر عن حسن الاعتقاد صحيح الاستمساك حافظ لنظام الشريعة المطهرة ...». ثالثا: الحديث الشريف: اختلفت نظرة اللغويين والنحاة إلى الحديث الشريف المروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مما جعل بعضهم يستشهدون به في قضاياهم، وبعضهم الآخر يستبعدونه فلا يستندون إليه في إثبات ألفاظ اللغة، ووضع قواعدها. قال العلامة السكندري: «مضت ثمانية قرون والعلماء من أول أبي الأسود الدؤلي إلى ابن مالك لا يحتجون بلفظ الحديث في اللغة إلا الأحاديث المتواترة» (¬2). وقضية الاستشهاد بالحديث الشريف قد أخذت على يد ابن مالك اهتماما لم يتحقق لها من قبل. وجاء أبو حيان فأشعلها - كما يقولون - ثورة، وقال في ابن مالك ما قال. وهيأ الله لابن مالك من القوم من يردّ إليه حقه فكان ناظر الجيش تلميذ أبي حيان. ونرى أن نبرز للبحث والباحثين تلك النصوص التي وردت بين ابن مالك، وأبي حيان، وناظر الجيش في هذه القضية. ¬

_ (¬1) الاقتراح (ص 49). (¬2) مجلة مجمع اللغة العربية (1/ 299).

ونودّ أن نقرر أولا أن ناظر الجيش كان يجلّ شيخه، ويوقره، لكن لمّا وقع من الشيخ ما وقع، رد عليه الناظر بنية إحقاق الحق وتقرير الصواب. نصّ ردّ أبي حيان على ابن مالك في استشهاده بالحديث: قال أبو حيان (¬1): «فأما استدلاله بالأثر فنقول: قد لهج هذا المصنف في تصانيفه كثيرا بالاستدلال بما وقع في الحديث في إثبات القواعد الكلية في لسان العرب بما روي فيه، وما رأيت أحدا من المتقدمين، ولا المتأخرين سلك هذه الطريقة غير هذا الرجل؛ على أن الواضعين الأولين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب - كأبي عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر، والخليل، وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي، والفراء، وعلي بن مبارك الأحمر، وهشام الضرير من أئمة الكوفيين - لم يفعلوا ذلك، وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين، وغيرهم من نحاة الأقاليم، كنحاة بغداد وأهل الأندلس. وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء، فقال: إنما ترك العلماء ذلك؛ لعدم وثوقهم أن ذلك نفس لفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ وذلك أن الرواة جوّزوا النقل بالمعنى. قال: وقد وقع اللحن كثيرا في ما روي في الحديث؛ لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو فوقع اللحن في نقلهم وهم لا يعلمون. وأطال الكلام في ذلك إلى أن قال: إن المصنف يستدل بالآثار متعقبا بزعمه على النحويين، وما أمعن النظر في ذلك ولا صحب من [له] التمييز في هذا الفنّ والاستبحار والإمامة؛ ولذلك تضعف استنباطاته من كلام سيبويه، وينسب إليه مذاهب، ويفهم من كلامه مفاهيم لم يذهب سيبويه إليها، ولا أرادها. وقال لي قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي، وكان ممن قرأ على المصنف وقد جرى ذكر ابن مالك واستدلاله بما أشرنا إليه، قال: ¬

_ (¬1) انظر ذلك في باب عوامل الجزم (آخر الباب) في شرح التسهيل لناظر الجيش.

قلت: يا سيدي هذا الحديث روته الأعاجم، ووقع فيه بروايتهم ما تعلم أنه ليس من لفظ الرسول صلّى الله عليه وسلّم فلم يجب بشيء. قال: وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة؛ لئلا يقول مبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما ورد في الحديث بنقل العدول كالبخاري، ومسلم وأضرابهما؟! فإذا طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث» (¬1) انتهى. ردّ ناظر الجيش على شيخه أبي حيان في هذه القضية: قال ناظر الجيش: وأقول: أما إنكاره على المصنف الاستدلال بما ورد من الأحاديث الشريفة معتلّا لذلك بأن الرواة جوزوا النقل بالمعنى: فيقال فيه: لا شك أن الأصل في المروي أن يروى باللفظ الذي سمع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والرواية بالمعنى وإن جازت فإنما تكون في بعض كلمات الحديث المحتمل لتغيير اللفظ بلفظ آخر يوافقه معنى؛ إذ لو جوزنا ذلك في كل ما يروى لارتفع الوثوق من جميع الأحاديث بأنها هي بلفظ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أمر لا يجوز توهمه فضلا عن أن يعتقد وقوعه. ثم إن المصنف إذا استدل على مسألة بحديث لا يقتصر على ما في الحديث الشريف؛ بل يستدل بكلام العرب من نثر، ونظم، ثم يردف ذلك بما في الحديث إما تقوية لما ذكره من كلام العرب، وإما استدلالا على أن المستدل عليه لا يختص جوازه بالشعر؛ بل إنه يجوز في الاختيار أيضا. ولا يخفى عن اللبيب أن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر رضي الله تعالى عنه في ابن صياد: «إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» يبعد فيه أن يكون مغيرا، وكذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ملّككم إيّاهم ولو شاء ملّكهم إيّاكم». وبعد: فرحمهم الله تعالى بمنه، وكرمه (¬2). ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لناظر الجيش (باب عوامل الجزم) وانظره في التذييل في الجزء الخامس ورقة (72) (مخطوط) والاقتراح (ص 52). (¬2) تمهيد القواعد باب عوامل الجزم.

رابعا: الشعر

وبعد: فقد ظهر لنا مما تقدم من الحجج التي ركن إليها كل من الفريقين. الذين يجوزون، والذين لا يجوزون الاستشهاد بالحديث. ويعدّ ناظر الجيش - في رده هذا على أبي حيان - أول من كشف القناع أو النقاب عن وجه هذه القضية، وأول من فصّل فيها وعلّل. هذا، وإذا كان أبو حيان قد سار مع ابن الضائع فإن ناظر الجيش قد وافق ابن مالك في مذهبه هذا ... ولكل من الفريقين - بعد ذلك - أتباع (¬1). بقي أن نذكر أن شواهد الحديث الشريف في هذا الشرح الكبير بلغت أو قاربت الخمسمائة حديث، وهذا نموذج منها مقرون بشرح وتخريج ناظر الجيش له: قال المصنف: وممن رأى زيادة من في الإيجاب الكسائي وحمل على ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» فقال: أراد: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون، وكان المصنف قد قال في المتن: «وتزاد لتنصيص العموم، أو لمجرد التوكيد بعد نفي، أو شبهه» قال الناظر: «وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» فقد كفى المصنف مؤونة الجواب عنه إذ قال في باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر لما ذكر أن ضمير الشأن يكون اسما لإن، وأنه يحذف معها كثيرا قال: وعليه يحمل «إن من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون» لا على زيادة من خلافا للكسائي» (¬2). رابعا: الشعر: لقيت الشواهد الشّعرية - كغيرها - من النحاة تفضيلا، ورفضا، وقبولا، واهتم بعضهم بها اهتماما لم يتحقق لغيرها فإذا ما جاء - بعضهم - يشرح شواهد كتاب في النحو، أو الصرف - جعل جلّ اهتمامه - أو كلّه - ¬

_ (¬1) وانظر: الاقتراح (ص 52 - 55)، والبحث اللغوي (ص 32 - 39)، ودراسات في العربية وتاريخها (ص 34 - 40)، ومقدمة خزانة الأدب للبغدادي. (¬2) انظر ذلك في باب حروف الجر.

بالشواهد الشعرية حتى كدنا إذا قيل: هذا كتاب يشرح الشواهد عرفنا أنه في شرح الشواهد الشعرية. وقد ذهب علماء اللغة - وهم يستشهدون بشعر العرب - إلى تقسيم الشعراء أربع طبقات: الأولى: طبقة الشعراء الجاهليين، وهم من كانوا قبل الإسلام، ومن هؤلاء: امرؤ القيس، وزهير، وطرفة، وعدي بن زيد، وعلقمة الفحل .. الثانية: طبقة الشعراء المخضرمين، ويعنى بهم الّذين أدركوا الجاهلية والإسلام. ومنهم: الأعشى ميمون بن قيس، وحسان بن ثابت. الثالثة: طبقة الشعراء الإسلاميين، وهؤلاء هم الذين كانوا في صدر الإسلام، وفي طليعتهم جرير، والفرزدق. أما الطبقة الرابعة والأخيرة: فهي طبقة المولدين، وهم شعراء ما بعد الطبقة الثالثة إلى زماننا هذا، ومنهم: بشار، والمتنبي، وأبو نواس. وقد أجمع علماؤنا على الاستشهاد بشعر الطبقتين الأولى، والثانية، وأما الثالثة فقد اختلفوا في شعرها. والصحيح جواز الاستشهاد بشعر هذه الطبقة. أما الطبقة الأخيرة فالصحيح أنه لا يستشهد بكلام شعرائها. وأما صاحبنا - ناظر الجيش - فقد وجدناه - في أثناء دراستنا وتحقيقنا - قد أورد، واستشهد بشعر من تلك الطبقات على اختلافها، وأنه قد أكثر من الاستشهاد بالشعر؛ حتى بلغت شواهد الشعر عنده أربعة آلاف بيت أو زادت على ذلك. وكان موقفه من تلك الشواهد كالآتي: 1 - الإشارة غالبا إلى الشاهد في البيت الذي يورده في أكثر الأبيات المستشهد بها. 2 - توضيح معاني بعض مفردات البيت.

خامسا: النثر

3 - ذكر قائل البيت إذا ذكره ابن مالك أو أبو حيان. 4 - الاكتفاء بذكر شطر واحد أحيانا إذا كان فيه الشاهد. وهذا مثال من الشواهد الشعرية يبين موقف ناظر الجيش من تلك الشواهد. يقول: واعلم أن ابن عصفور حكم على «عن وعلى» بالاسمية إذا باشرهما حرف جرّ كما قال المصنف، كقول القائل: [فـ] دع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديثا ما حديث الرّواحل وكقول الآخر: [و] هوّن عليك فإنّ الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها وفي ما ذكره نظر. فإن «عنك» في «دع عنك» و «عليك» في «هوّن عليك» ليسا مفعولي الفعلين اللّذين هما: دع وهوّن وإن كانا من متعلقاتهما؛ إنما مفعول دع: نهبا، وأما مفعول هوّن فمحذوف يدل عليه المعنى. التقدير هوّن عليك ما تلقاه. ولو كانت «عن» في البيت لتعدية الفعل الذي قبلها إلى ما بعدها لكان التقدير: دع إياك أي: نفسك، وليس المعنى على هذا. وكذا كان يكون التقدير في البيت الآخر: هون إياك أي: نفسك. وهذا لا يقال (¬1). خامسا: النّثر: قال أبو نصر الفارابي في أول كتابه المسمى «الألفاظ والحروف»: «كانت قريش أجود العرب انتقادا للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعا وأبينها إبانة عمّا في النفس، والذين عنهم نقلت اللغة العربية، وبهم اقتدي، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب، وهم: قيس، وتميم، وأسد؛ فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب، وفي الإعراب، والتصريف، ثم هذيل، وبعض ¬

_ (¬1) انظر ذلك في باب حروف الجر في هذا الكتاب الذي بين يديك.

كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم» (¬1). أما الشواهد النثرية فتشمل نوعين من اللغة: الأول: ما جاء في شكل خطبة، أو وصية، أو مثل، أو حكمة أو نادرة. ويعدّ هذا النوع من آداب العرب ذات الأهمية ويأخذ في الاستشهاد مكانة مكانة الشعر، وشروطا كشروطه. الآخر: ما نقل عن بعض الأعراب ومن يستشهد بكلامهم في حديثهم دون أن يتحقق له ذيوع وانتشار كالذي تحقق للأول. ولهذا شروط في الزمان وفي المكان: فمن ناحية الزمان: حددت نهاية الفترة التي يستشهد بها بآخر القرن الثاني الهجري بالنسبة لعرب الأمصار. وأما عرب البادية فآخر القرن الرابع. ويرتبط المكان بفكرة البداوة والحضارة؛ فكلما كانت القبيلة بدوية أو أقرب إليها كانت لغتها أفصح، والثقة فيها أكبر، وكلما كانت متحضرة أو قريبة منها كانت أساليبها وألفاظها محلّ شك، ومثار شبهة؛ ولذلك تجنّبوا الأخذ عنها؛ ذلك لأن انعزال القبيلة في بطن الصحراء يصون لغتها عن أي مؤثر خارجي، واختلاط قبيلة يفسد لغتها ويحرف لسانها (¬2). وقد استشهد ابن مالك وتبعه ناظر الجيش - بكل ما ورد عن العرب من نثر فصيح: سواء ما جاء في شكل خطبة أو حكمة وما جاء في صورة نقل عن بعض الأعراب وإن لم يشتهر؛ فكله فصيح وكله يحتج به، ولا تكاد تخلو صفحة - أو صفحتان - من شرح التسهيل لابن مالك أو ناظر الجيش إلا وفيها قول مأثور عن العرب أو حكمة وردت عنهم، من ذلك قولهم: إن الذود إلى الذود إبل، وقول عمر رضي الله عنه: لا يمنعنك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك - أن ترجع إلى الحق. * * * ¬

_ (¬1) المزهر: (1/ 211). (¬2) وانظر الخصائص (2/ 2 - 12)، واللغة والنحو (ص 24).

الفصل التاسع ناظر الجيش مذهبه النحوي- بعض اختياراته

الفصل التاسع ناظر الجيش مذهبه النحوي - بعض اختياراته * أولا: مذهبه النحوي: بالبحث والتنقيب في شرح التسهيل لناظر الجيش رأينا أن موقفه من مذاهب النحو كان كنحاة عصره، ينظر في مدارس البصرة، والكوفة، وبغداد - تلك التي اختارت قضاياها من المدرستين السابقتين عليها - ويختار منها ما يراه يوافق اتجاهه ويتبعه ما استطاع من أدلة، وشواهد أو حجج، وبراهين، وتعليلات. وجدير بالذكر أن نقول: إن صاحبنا أكثر ما ارتضاه كان من المذهب البصري وهو - غالبا - يعلل لما يختار، وأخرى لا يفعل، وأحيانا نلمح المذهب الذي أراد وإن لم يشر، وفي بعض مسائله كان يتخير أحد الرأيين - البصرة والكوفة - دون أن يعرض أمامنا الرأي الآخر. وهذه نماذج من المسائل التي أخذ فيها برأي البصريين: 1 - الفعل مشتق من المصدر. 2 - الاسم بعد «لولا» يرتفع بالابتداء. 3 - إذا أضيفت غير إلى متمكن لم يجز بناؤها. 4 - المنادى المفرد المعرفة مبني على الضم. 5 - لا يجوز بناء ما فيه «أل» في الاختيار. 6 - الميم المشددة في اللهم عوض من «يا» في أول الاسم. 7 - لا يجوز ترخيم المضاف. 8 - لا يجوز ترخيم الثلاثي بحال. 9 - لا يحذف في الترخيم من الرباعي إلا آخره.

10 - لا يجوز ندبة النكرة، ولا الموصول. 11 - لا تلحق علامة الندبة الصفة. 12 - لا تكون من لابتداء الغاية في الزمان. 13 - ربّ حرف جر. 14 - الجر بعد واو ربّ بربّ المقدرة. 15 - «منذ» بسيطة. 16 - المرفوع بعد «مذ» و «منذ» مبتدأ. 17 - لا يجوز حذف حرف القسم وإبقاء عمله من غير عوض إلا في اسم «الله» خاصة. 18 - «اللام» في قولك: لزيد أفضل من عمرو لام الابتداء. 19 - أيمن الله في القسم مفرد. 20 - لا يجوز إضافة الشيء إلى نفسه مطلقا. 21 - «كلا» و «كلتا» مفردان لفظا مثنيان معنى. 22 - لا يجوز توكيد النكرة توكيدا معنويّا. 23 - لا يجوز زيادة واو العطف. 24 - لا يجوز العطف على الضمير المتصل المرفوع إلا مع الفصل أو التوكيد. 25 - لا تقع «أو» بمعنى الواو ولا بمعنى بل. 26 - لا يجوز العطف بـ «لكن» بعد الإيجاب. 27 - «كي» تكون ناصبة، وجارة. 28 - الضمير في «لو لاي» و «لو لاك» و «لو لاه» في موضع جر. 29 - لا يجوز حذف نون التثنية لغير الإضافة.

ثانيا: اختياراته النحوية

ومما أخذ فيه برأي الكوفيين: 1 - يجوز الفصل بين المتضايفين بالمفعول. 2 - جواز العطف على الضمير المجرور بغير إعادة الجارّ. وهناك مسائل وافق فيها المذهبين معا، ومن أبرزها: 1 - قوله: «باب حروف الجر»، ثم قوله: «حروف الإضافة». 2 - قوله: «الاسم مشتق من السمو» وهو العلو، ثم قوله: «الاسم مشتق من السمة» وهي العلامة. ثانيا: اختياراته النحويّة: أخذ النحاة - أيام ناظر الجيش - نحوهم من أئمة النحو ورجاله المبرزين، فتخصصوا في قراءة كتبهم، والتنقيب فيها، ومناقشتها ... وإذا كانت بعض هذه الكتب تموج بآراء البصرة، والكوفة، وبغداد، إلى جانب آراء خاصة واجتهادات انفرد بها بعضهم - فإنه لم يكن أمام هؤلاء النحاة إلا أن يوازنوا بين ما يجدون. فما وجدوه مستقيما - في رأيهم - أخذوا به، وأيدوه مستندين في ذلك إلى القرآن الكريم والحديث الشريف، وشواهد الشعر، والنثر، والقياس، والسماع والتعليل. وإلا لم يلتفتوا إليه دون نظر إلى قدر صاحب هذا الرأي، أو منزلته عند غيرهم. ينضاف إلى ذلك أنهم لم يكونوا يقتصرون على تأييد، أو توجيه آراء سواهم، وإنما كانوا - أحيانا - يصدرون آراء خاصة، وبحوثا ينفردون بها مما أعطى النحو، والنحاة في تلك الفترة طابعا مميزا. وناظر الجيش واحد من هؤلاء .. وتلك أبرز اختياراته، واجتهاداته (¬1): 1 - «معنى «من» هو ابتداء الغاية، وهذا المعنى لازم لها، ثم قد يقصد بها معنى آخر منضمّا إلى معنى الابتداء، ويدل على ذلك المعنى الزائد سياق ¬

_ (¬1) انظر المبحث السابق.

الكلام». 2 - «من» المصاحبة لأفعل التفضيل للبيان؛ لأن المذكور بعدها بيّن به المفضل عليه. 3 - «من، في قوله تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة: 9] ليست بمعنى في، وإنما هي باقية على معناها من ابتداء الغاية، والجار والمجرور في موضع الحال من الصلاة، وهذا هو المراد، ولا يتأتى المراد إذا جعلت بمعنى في. والله أعلم». 4 - «في قوله تعالى: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ [النور: 30] من للتبعيض، وليست زائدة؛ لأنهم لم يؤمروا بغض الأبصار، وإنما يغض منها ما كان في النظر به امتناع شرعي». 5 - «ليست الباء للتعليل في قوله تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص: 20] بل التعليل هو: لِيَقْتُلُوكَ، وإنما الباء ظرفية أي: يأتمرون فيك أي: يتشاورون في أمرك لأجل القتل، ولا يكون للائتمار علتان». 6 - «معنى الحرف إنما يكون حاصلا لما باشره الحرف». 7 - «والذي يظهر أن ربّ للتكثير، وأنها تستعمل للتقليل قليلا». 8 - «ولو قيل: إن سيبويه قد سوّى بين ربّ وبين كم الخبرية. ولا شك أن «كم» لها صدر الكلام؛ فلتكن ربّ لشبهها بها كذلك - لكان قولا!». 9 - «لا حاجة إلى التخريجات المتكلفة بعد ثبوت الكلام بنقل الأئمة المعتبرين». 10 - «القسم: جملة إنشائية يؤتى بها لتوكيد جملة خبرية». 11 - «والحق أن النصب - في القسم - إنما هو بفعل القسم المقدر تعدى بنفسه إلى ما كان تعديا إليه بالحرف على القاعدة المعروفة».

12 - «إضافة الأعداد إلى المعدودات، والمقادير إلى المقدرات بمعنى من، نحو: ثلاثة أثواب، ومائة درهم، وذراع حرير؛ لأن الثلاثة، والمائة، والذراع يحتمل كل منها أن يكون من جنس ما أضيف له، ويحتمل أن يكون من غيره». 13 - «.. وكلام الرجل الواحد إذا كان مطلقا في موضع، ومقيدا في آخر حمل المطلق على المقيد». 14 - «والذي يظهر أن التبعية في العطف على الجوار لا مانع منها، من حيث الصناعة. وأقوى الأدلة عليها الآية الشريفة أعني آية الوضوء؛ لأن قراءة وأرجلكم [المائدة: 6] بالجر ثابتة بالتواتر، وغسل الأرجل واجب بالأدلة القاطعة، فوجب أن يكون (وأرجلكم) في قراءة من جرّ معطوفة على ما تقدم من منصوب (فاغسلوا) فيكون مستحقّا للنصب مع أنه قد جر، ولا وجه لجرّه إلا أن يكون على الجوار». 15 - «ثبت بالكتاب العزيز تعدي الفعل استغاث، بنفسه؛ فوجب أنه إذا ورد متعديا بحرف أن يدّعى فيه التضمين». 16 - في وزن: أسماء قال: «والحقّ أن دعوى أن الوزن فعلاء لا يدفع دعوى أن الوزن أفعال، وكذا العكس ولكل وزن اعتبار، لكن الخلاف قد نقل، والنقول لا ترد». * * *

الفصل العاشر شرح ناظر الجيش- بين التأثر والتأثير- ما له وما عليه

الفصل العاشر شرح ناظر الجيش - بين التأثر والتأثير - ما له وما عليه * أولا: التأثر: ذكرنا في الفصل الخامس مصادر شرح التسهيل لناظر الجيش، ومراجعه التي استقى منها مادته العلمية، وكيف تأثر بمن سبقوه، وهم كثير قد انعكست مؤلفاتهم وكتبهم وآراؤهم في هذا الشرح. وكان منهم البصريون والكوفيون والبغداديون والأندلسيون والمصريون، وغيرهم. فمن أعلام المذهب البصري الذين تأثر بهم: سيبويه والخليل والأخفش والمازني والمبرد والسيرافي. ومن أعلام المذهب الكوفي: الكسائي والفراء وثعلب والطوال. ومن أعلام المذهب البغدادي، أو ممن جمع بين النزعتين: ابن كيسان والزجاج وابن شقير وابن السراج. وأما أعلام المذهب الأندلسي: فقد ظهر تأثيرهم في شرح التسهيل لناظر الجيش كثيرا منهم: الأعلم وابن طاهر والسهيلي وابن خروف والصفار والشلوبين وابن هشام الخضراوي وابن عصفور وابن الضائع وابن أبي الربيع. وأما أعلام المدرسة المصرية الشامية: فكان على رأسهم: ابن الحاجب وابن مالك وأبو حيان وابن النحاس. كل هؤلاء تجد آراءهم وأسماء كتبهم منثورة على طول هذا الكتاب. وأما من كان له اليد الطولى والنصيب الأوفر في هذا الشرح، فهم: ابن مالك وابنه وأبو حيان وابن عصفور. أما ابن مالك - وابنه - فقد نقل كتابه كله وهو شرح التسهيل وضمنه شرحه، وكذلك الجزء الذي شرحه ابنه بدر الدين أيضا. ولم يكتف بشرح التسهيل؛ بل كان يرجع بين الحين والحين إلى شرح الكافية الشافية له ويأخذ أحسن ما فيه. وأما أبو حيان وكتابه التذييل والتكميل في شرح التسهيل، فإن ناظر الجيش

ثانيا: التأثير

قد أخذ أحسن ما فيه من علم، واستحوذ على لبه، ووضعه في كتابه، وترك الغث منه والتطويل الذي لا قيمة له. وفوق ذلك أخذ اعتراضاته على ابن مالك ليجيب عنها ويرد عليها. وأما ابن عصفور فقد كان ناظر الجيش يجله إجلالا شديدا ويحبه حبّا كبيرا، ويرى أنه حامل راية النحو في بلاد الأندلس، وأنه العلم الذي لا يبارى؛ فاقتنى كتبه كلها، واستحوذ عليها، وقرأها قراءة الفاهم الواعي، وأخذ أحسن ما فيها وضمنه كتابه. وتظهر قيمة شرح التسهيل لناظر الجيش أن سفرين كبيرين لابن عصفور قد ضاعا. وهما: شرح الإيضاح له وشرح المقرب؛ فلم يبق منهما إلا النقول التي نقلها محب الدين محمد بن يوسف الملقب بناظر الجيش، وضمنها كتابه. ولا تكاد تعدم في تأثر ناظر الجيش بمن سبقوه من كتب في اللغة والبلاغة والأدب، كالتهذيب للأزهري، والصحاح للجوهري، والنوادر لأبي علي القالي، ومفتاح العلوم للسكاكي. وهناك كتب كثيرة أخذ منها وانتفع بها؛ وإن لم يشر إليها مثل: كتب أبي علي الفارسي، وكتب ابن الحاجب، وشرح الجمل لابن الضائع. ثانيا: التأثير: أما تأثير ناظر الجيش وشرحه فيمن جاء بعده من أعلام وكتب، فهو كبير. وهناك نقول كثيرة مبثوثة في ثنايا كتب النحو التي جاءت بعد شرح التسهيل. وسنشير هنا إلى بعض هذه الكتب وإلى أماكنها وصفحاتها وأجزائها؛ لأن الهدف من وراء ذلك هو إثبات أن شرح التسهيل لناظر الجيش قد عرف طريقه إلى كتب وتآليف النحويين من بعده في عصر لم تكن فيه مطابع ولم يكن للكتاب إلا نسختان أو ثلاثة. أما اليوم - وبعد طبع الكتاب - فإننا سنجد له تأثيرا كبيرا وانتشارا عظيما. والآن إلى الدلالة على هذه النقول وأماكنها: 1 - بدر الدين الدماميني، في شرحه على التسهيل المسمى: تعليق الفرائد.

انظر نقلا عن ناظر الجيش في باب الظروف (الجزء الخامس)، تحقيق د/ محمد عبد الرحمن المفدي. 2 - السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر جـ 2 ص 161. 3 - السيوطي في كتابه همع الهوامع جـ 1 ص 12، 13. 4 - الشيخ خالد الأزهري في كتابه التصريح جـ 2 ص 266. 5 - الشنقيطي في الدرر اللوامع جـ 2 ص 54. 6 - الأمير في حاشيته على مغني اللبيب جـ 1 ص 87. 7 - الصبان في حاشيته على الأشموني جـ 4 ص 55. 8 - الشيخ ياسين في حاشيته على التصريح جـ 1 ص 116. 9 - عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب (طبعة هارون). جـ 1 ص 18، جـ 4 ص 170 - 174. جـ 4 ص 180، جـ 6 ص 73 - 286 - 328. جـ 10 ص 51 - 82، جـ 11 ص 319 - 332. 10 - عبد القادر البغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب (عبد العزيز رباح). وقد نقل من شرح التسهيل لناظر الجيش أكثر من أربعين موضعا. وهذه بعضها في أماكنها من الكتاب. جـ 1 ص 115 - 154 - 212 - 221 - 235. جـ 3 ص 97 - 101 - 191 - 199 - 212 - 217 - 241. جـ 4 ص 87 - 152 - 157 - 169 - 175. جـ 5 ص 115 - 150 - 159 - 322. جـ 7 ص 28 - 146 .... إلخ.

ميزات الكتاب

ميزات الكتاب: بعد أن ذكرنا تأثر هذا الشرح بما سبقه من كتب، وتأثيره فيما جاء بعده - نذكر له بعض المميزات كالآتي: 1 - اعتناؤه بالأجوبة الجيدة عن اعتراضات أبي حيان على ابن مالك؛ فقد كان أبو حيان متجنيا في كثير من المسائل والمناقشات والاعتراضات على ابن مالك؛ فجاء ناظر الجيش ورد هذه الاعتراضات وصحح رأي ابن مالك وما اتجه. وقد بنى الكتاب على هذا وألف من أجله. ولم يترك ناظر الجيش أي اتهام من أبي حيان إلا أخذه ورد عليه. وأحيانا كان يصوب النقد. وعلى ذلك فلا تكاد تخلو صفحة من الكتاب إلا وفيها ذكر الرجلين أو أحدهما. 2 - امتاز الكتاب بثراء علمي واسع؛ فهو موسوعة كبيرة في النحو العربي؛ حيث لم يترك صاحبه شاردة أو واردة إلا وقد تحدث فيها. ومن هنا لا يقرأ هذا الكتاب ولا يقف على فهمه إلا متخصص دقيق في النحو واللغة. جاء ذلك من الكتاب المشروح أولا، وهو التسهيل وصعوبته، وجاء ثانيا من صبر المؤلف على العلم، وطول نفسه في التأليف والكتابة والنقول. 3 - اشتمل الكتاب على مباحث كثيرة منقولة من كتب مفيدة في موضعها. وبعض هذه الكتب قد ضاع، كانت موجودة لدى مؤلف الكتاب، فأخذ منها وضمنها كتابه، وعلى مرّ الزّمن فقدت. ومن أمثلة ذلك: الإفصاح في شرح الإيضاح لابن هشام الخضراوي، وشرح المفصل لابن عمرون، وشرح الإيضاح لابن عصفور، وشرح المقرب له، والتذكرة لأبي علي الفارسي، وغير ذلك من الكتب. 4 - يمتاز شرح التسهيل لناظر الجيش بجودة الأسلوب وقوة العبارة؛ فقد أوتي صاحبه قوة البيان، ما جعل أسلوبه سهلا بعيدا عن التكلف سلسا واضحا يفهمه كثير من الناس؛ مع ثقل القاعدة النحوية وجفافها، وما ذلك إلا لأنه كان متأثرا بالبلاغة في أسلوبه؛ فأضفت عليه جمالا وبهاء. 5 - يمتاز شرح التسهيل المذكور بقدرة صاحبه على مناقشة القضايا المختلفة،

مآخذ الشرح

وتأييد هذا الرأي أو رفضه بالحجة والبرهان، وقبوله أو رده بالدليل والبيان. 6 - يمتاز الكتاب بحسن التنسيق والتنظيم لما يكتب من المسائل أو ينقل من الكتب الأخرى فهو يمهد للموضوع ليقف القارئ عليه أو يجمله له بعد أن يطول الكلام. وكثيرا ما كان يقسم المسائل إلى مباحث أو أمور أو تنبيهات؛ حتى يقف القارئ على ما يريد، كل على حدة؛ فلا اختلاط ولا تداخل وإنما ترتيب وتنسيق. 7 - كان ناظر الجيش دقيقا في نقوله فلا تحريف ولا تبديل، أمينا فيها: يسند الحق لأهله وينسب الرأي لصاحبه. وهذه سمة العلماء الأجلاء. 8 - لم نجد في الكتاب كله على طوله عبارات قذف أو سب، كما فعل أبو حيان مع ابن مالك أو غيره. وإنما اشتملت عبارات ناظر الجيش على تقدير وإكبار للعلماء واحترام. وكم دعا بالرحمة لابن مالك وبالهداية لأبي حيان وكم مدح وأثنى على ابن عصفور وغيره. 9 - يشتمل الكتاب على استدراكات كثيرة على ابن مالك أو غيره، وعلى موازنات بين رأي ابن مالك وغيره، وعلى مختصرات اختصرها من أبي حيان وشرحه الطويل للتسهيل، وعلى مسائل علمية دقيقة ومناقشات مفيدة تنفع طلاب العلم والمتخصصين في الدراسات النحوية والصرفية واللغوية. 10 - اشتمل الكتاب على شواهد نحوية لا حصر لها، سواء من القرآن أو الحديث أو الشعر أو كلام العرب المنثور. ففي مجال الحديث تضمن الشرح ما لا يقل عن أربعمائة حديث. وفي مجال الاستشهاد بالقرآن وجد ما لا يقل عن أربعة آلاف آية. ومثل ذلك - أو يزيد - شواهد الشعر وأبيات الاستشهاد؛ فالكتاب موسوعة علمية كبيرة. وهو أول كتاب في النحو ينشر مشتملا على هذه السعة وهذا الحجم. وللشرح ميزات أخرى كثيرة وفيما ذكرناه كفاية. مآخذ الشرح: وقبل أن نذكر هذه المآخذ نذكر القارئ بما قاله مؤلف الكتاب في مقدمته، حيث يقول: وأنا أسأل الواقف عليه أن يصفح عما فيه من الزلل وأن ينعم

بإصلاح ما يشاهده من خلل. والله سبحانه وتعالى المرغوب إليه في العصمة من الخطل والتوفيق في كلا الأمرين: القول والعمل. وما نذكره من مآخذ ما هو إلا خال في وجه الحسناء يزيدها حسنا وجمالا، وسحابة تمر تحت قرص الشمس عن قليل تقشع وتذهب، ثم يبقى النور يملأ الأرض والضياء يزين الحياة. 1 - وقوع أخطاء في بعض آي القرآن الكريم، كتداخل آيتين أو كلمتين في آية، أو سقوط حرف عطف، أو وضع حرف عطف كالفاء مكان الواو. 2 - عدم العناية بذكر قائلي أبيات الشواهد، أو الخطأ في نسبة بعض الأبيات كأن يكون البيت لجرير وينسب للفرزدق. 3 - عدم إسناد بعض النقول إلى أصحابها والنص عليهم. 4 - تمحله في بعض الأحيان للدفاع عن ابن مالك. 5 - كثرة النقول من الكتب وبخاصة كتب ابن مالك وأبي حيان وابن عصفور؛ مما جعل شخصيته تكاد تذوب بين هذه النقول. 6 - استعماله بعض الألفاظ اللغوية في غير موضعها كلفظ: يعتبر أو اعتبار بمعنى يعد أو له اهتمام. ومعنى الكلمة في اللغة غير ذلك. وأخيرا نود أن نقول: إن هذه المآخذ أو غيرها لم تتكرر كثيرا أو تنتشر في الكتاب؛ وإنما هي مواضع معدودة في هذا الخضم الهائل واليم الواسع. * * *

خاتمة

خاتمة عشنا نحن الستة في صحبة ناظر الجيش وكتابه: تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - فترة طويلة بلغت خمس سنوات لكل واحد منا، استطعنا من خلالها التعرف على شخصية هذا العالم الكبير. وراعنا بعد هذه الصحبة أنه ليس لهذا الرجل إلى الآن أثر قد حقق، أو دراسة قد عقدت؛ من أجل إظهار جوانب هذه الشخصية التي بهرت أساتذته، ومعاصريه. ونتوجه بالشكر إلى الله أن جعلنا أول باحثين في شخصية هذا الرجل وأول محققين لكتاب من أعظم كتبه؛ فهذا شرف كبير لنا. ولعل انصراف الباحثين عن هذا الرجل وعن آثاره هو الذي وضعنا في هذا الموضع، فليس لنا أن ندعي أننا حزنا قصب السبق في هذا المجال. فلو أن يدا قد امتدت إلى هذا المخطوط قبلنا وقامت بتحقيقه ما كان لنا أن نضطلع بهذه المهمة؛ ولكن يجوز لنا أن نقول: إن سبب الانصراف عن مثل هذا المخطوط إلى الآن هو - كما قال بعض الباحثين - ضعف الهمم وفتور العزائم عن التعامل مع أمثال هذه الموسوعات النحوية؛ فلجأ الجميع إلى السهل الموجز متهيبا الدخول في أعماق كتاب مثل هذا الكتاب وهو تمهيد القواعد؛ خوف الضلال. وقد خرجنا من البحث بالنتائج التالية: 1 - يعد ناظر الجيش من الشخصيات البارزة في مجال النحو واللغة والبيان. فله شرح على التلخيص لجلال الدين القزويني كما رأينا. كما يعد ناظر الجيش أيضا من الشخصيات التي برزت في ميادين أخرى غير ميدان العلم كميدان السياسة؛ فهو أحد الأعلام المشهورين في عصر المماليك البحرية؛ حيث تولى نظر البيوت السلطانية ونظر الدواوين وغير ذلك، حتى أصبح في عهد الملك الأشرف لا يقطع أمر دونه (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: درة الأسلاك (ص 487) وعقد الجمان للعيني حوادث سنة (778 هـ).

2 - يعد كتاب تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد موسوعة نحوية ضمت آراء المتقدمين والمتأخرين في توسط بين التطويل والتقصير؛ فليس فيه التطويل الممل كما في التذييل والتكميل، ولا التقصير المخل كما في التسهيل وشرحه لابن مالك. وقد بين ذلك ناظر الجيش نفسه في مقدمة هذا الكتاب حينما قال: ولقد خرج الكتاب المذكور - أي التذييل - بسبب الإطالة عن مقصود الشرح، وصار فيه للمتأمل سبيل إلى القدح؛ مع أن المعتني بحمل الكتاب لا يحظى منه بطائل ولا يظفر ببغيته؛ إلا بعد قطع مهامه وطي مراحله. وأما شرح المصنف فالناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه، ولا يقنعه ما يجده لديه؛ بل تتشوق نفسه إلى زيادات الشرح الكبير، ويرى أنه إذا لم يحط بها علما كان منسوبا إلى التقصير؛ فرأيت أن أضرب بقدح وأرجو أن يكون القدح المعلى بين القدحين، وأن أضع على هذا التصنيف ما هو جامع لمقاصد الشرحين، وأتوخى الجواب ما يمكن عن مؤخذات الشيخ ومناقشاته بالبحوث الصحيحة والنقود الصريحة، مع ذكر زيادات انفرد بها هذا الكتاب وتنقيحات يرغب فيها المتيقظون من الطلاب (¬1). 3 - يعد هذا الكتاب مرآة صادقة انعكست فيها آراء المذهب البصري بصفة عامة، وآراء الأندلسيين بصفة خاصة. 4 - ظهرت في هذا الكتاب مقدرة صاحبه الفائقة على إيراد الآراء والموازنة بينها أو الترجيح، واختيار ما يراه صوابا منها، فهو لم يكتف بسرد الآراء؛ بل كان يوازن ويرجح ويختار ويفند. 5 - لم يبخس ناظر الجيش واحدا من هذين العلمين الكبيرين - ابن مالك وأبي حيان - حقه؛ فقد كان يرد رأي أبي حيان حينما يراه قد جانبه الصواب، ويقف بجانبه ضد ابن مالك حينما يراه مصيبا. وعلى ذلك فإن ناظر الجيش قد جعل من نفسه قاضيا عادلا بين خصمين في ميدان العلم. ¬

_ (¬1) انظر ذلك في مقدمة الشارح قريبا بعد قسم الدراسة (الجزء الأول).

منهجنا في التحقيق بإيجاز بعد أن ذكرناه بالتفصيل في المقدمة

6 - اعتمد ناظر الجيش على السماع أكثر من اعتماده على القياس. ويظهر ذلك في كثرة الشواهد الواردة في هذا الكتاب نثرية أو شعرية. 7 - أجاد ناظر الجيش في رده اعتراضات أبي حيان على ابن مالك؛ حيث بنى إجاباته عن هذه الاعتراضات على الحجة القوية، والبرهان الساطع، والقواعد الصحيحة. 8 - هذا الكتاب - كما قلنا قبل ذلك - مزيج ثلاثة كتب هي من أمهات الكتب في علم النحو وهذه الكتب: التسهيل، وشرح التسهيل لابن مالك، والتذييل والتكميل لأبي حيان. هذه هي النتائج التي استطعنا الخروج بها من خلال دراستنا لهذا الكتاب ولشخصية صاحبه. وندعو الله أن نكون قد وفقنا فيما قمنا به من عمل، داعين المولى سبحانه أن ينفعنا به؛ إنه نعم المولى ونعم النصير. وأخيرا نعود ونقرر: أننا أمام موسوعة جدّ كبيرة، وأمام عالم بين عالمين شامخين آخرين، هما ابن مالك وأبو حيان. وقد كان صاحبنا موفقا في أكثر ما قال غاية التوفيق، كما نقرر ونقول: قد تلاقت في هذا الكتاب كتب فأغنى عنها جميعها في حين أنه لا يغني عنه واحد منها. والله الموفق. منهجنا في التحقيق بإيجاز بعد أن ذكرناه بالتفصيل في المقدمة: سرنا في تحقيق هذا الكتاب على المنهج التالي: 1 - قمنا بتقويم النص تقويما سليما، وفق القواعد النحوية والصرفية والإملائية، دون تدخل في النص بزيادة أو نقص؛ إلا ما اقتضته الضرورة، مع التنبيه على ذلك في الهامش. 2 - قابلنا النسخ بعضها ببعض، مع الإشارة إلى مواطن الزيادة أو النقص فيها. 3 - قمنا بتخريج الآيات القرآنية. وذلك بذكر سورتها ورقمها وتوجه القراءات ونسبتها أو توثيق نسبتها من الكتب المختصة بذلك.

4 - قمنا بتخريج الأحاديث النبوية الشريفة من مصادرها المختصة. 5 - قمنا بتخريج الشواهد الشعرية، ونسبتها إلى أصحابها إذا لم تكن منسوبة، وتوثيقها من دواوين أصحابها كلما أمكن ومن أمهات الكتب الأخرى، كما شرحنا بعض المفردات التي تحتاج إلى شرح. 6 - قمنا بتخريج الأمثال العربية والأقوال من مظانها الأصلية. 7 - قمنا بتخريج الآراء المنسوبة من كتب أصحابها إن وجدت، أو من المصادر الأخرى ما أمكن ذلك. كما قمنا بنسبة بعض الآراء التي لم تنسب إلى أصحابها بقدر الإمكان. 8 - قمنا بالربط بين هذا الكتاب - وهو تمهيد القواعد - وبين كتاب التذييل والتكميل؛ حيث إن هذا الكتاب هو الذي ضم اعتراضات أبي حيان على ابن مالك. وكذلك الأمر بالنسبة لشرح التسهيل لابن مالك؛ حيث اعتمد عليه ناظر الجيش أيضا. 9 - قمنا بالتعليق على بعض المسائل التي ذكرها المصنف أو الشارح، مع الوقوف أمام بعض القضايا التي تحتاج إلى ذلك. 10 - قمنا بترجمة يسيرة للأعلام من خلال كتب التراجم المختصة. 11 - قمنا بتمييز الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة عن غيرها من النصوص. 12 - قمنا بضبط الآيات والأحاديث والأشعار ومتن التسهيل؛ لينطقها القارئ صحيحة سليمة. 13 - وضعنا عناوين مختلفة قبل كل متن تشير إلى ما يحتويه المتن من معلومات في الباب. 14 - قمنا بعمل فهارس مفصلة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية

وصف النسخ التي اعتمدنا عليها في التحقيق

والشواهد الشعرية؛ لينتفع بها القارئ ويفيده في الكشف السريع عما يريد، كان ذلك في الجزء الأخير. ثم أعدنا فهرس الموضوعات للأجزاء كلها في الجزء الأخير الخاص بالفهرس؛ لينتفع به القارئ في معرفة الباب الذي يريده. وأخيرا ذيلنا الكتاب بالمراجع الحديثة المختلفة التي أفادتنا واستفدنا منها، سواء في قسم الدراسة أو قسم التحقيق. وصف النسخ التي اعتمدنا عليها في التحقيق: من العجيب أن هذا الكتاب - وهو شرح التسهيل لناظر الجيش - لا توجد منه نسخة كاملة في مكان واحد من بلاد العالم مع أنه موجود في أربعة أماكن منها، وهي: مصر والمغرب والسعودية وتركيا، وكان علينا أن نأتي بأجزائه المختلفة من كل مكان ليس للمقارنة فقط، ولكن ليكتمل الكتاب أولا ثم تأتي مرحلة مقارنة النسخ. أما الموجود منه بمصر فليس بالعسير الحصول عليه من القاهرة أو الإسكندرية، وأما الموجود من بلاد المغرب فقد كفانا مؤنة الحصول عليه معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية؛ حيث صور ما كان موجودا بالبلد الشقيق. وأما الموجود في تركيا فكان الحصول عليه هو الانتصار العلمي الكبير لأمرين: الأول: صعوبة الحصول عليه لدرجة تصل إلى الأمر المحال؛ لأن مثل هذه الأمور التي تكون بين دولتين وتهم فردا أو أفرادا يكون تحقيقها أمرا عسيرا. الثاني: أن نسخة تركيا لا بد من الحصول عليها؛ لأنها تحتوي على أبواب يكمل بها الكتاب ويكمل الموجود في مصر والمغرب بها أيضا. وبدون الحصول على هذه النسخة سيظل الكتاب ناقصا أربعة أبواب كبيرة (آخر الاستثناء - الحال - التمييز - أول العدد). وبتوفيق الله سبحانه وتعالى، وإخلاص نيتنا للعمل العلمي في تقديم كتاب ينفع الناس

والعلماء - حصلنا على نسخة تركيا لا بشجاعة منّا ولا وعي أو ذكاء وإنما للأمرين المذكورين: التوفيق من الله وإخلاص النية للعمل العلمي. دعك مما أنفقنا على هذه النسخة من مال في زمن كنا فيه في حاجة إلى المال (من عشرين عاما)؛ فهذا كله لا قيمة له بجانب الحصول على النسخة المذكورة التي تعادل الكنز الثمين والذهب الغالي. والله وحده يعلم كم كان سرورنا ونحن نخرج من سفارة تركيا حاملين هذه النسخة في أيدينا، بعد أن بحثنا عنها ثلاثة أعوام كاملة. وقد دلنا عليها بروكلمان في كتابه تاريخ الأدب العربي. النسخة الأولى: وهي نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم (349 نحو) وقد رمزنا إليها بالرمز (جـ) وهي نسخة قديمة خطها جميل مكتوبة من خمسمائة عام أو يزيد، وهي مكونة من ستة أجزاء كبيرة، ولها عنوان واحد مكرر في الأجزاء الستة وهو: الجزء الأول من شرح التسهيل (أو الثاني أو الثالث) تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة محب الدين ناظر الجيوش، تغمده الله برحمته. وهذه النسخة الجزء الأول منها ضاع أكثر من نصفه، فلا يوجد منه إلا ثمان وثمانون ورقة (حتى باب الضمير). والجزء الثاني منها تظن لأول وهلة أنه مفقود كله؛ ولكنه في مكان آخر مع التذييل والتكميل (62 نحو)؛ لكنه لناظر الجيش وخط هذا الجزء وأوراقه هي خط وأوراق النسخة كلها بأجزائها الستة. وأما الجزء الثالث فهو ينقص ما ذكرناه من أبواب الاستثناء والحال والتمييز والعدد ثم بقية الأجزاء: الرابع والخامس والسادس أجزاء كاملة في هذه النسخة وتنتهي النسخة حتى باب مخارج الحروف وهو آخر ما شرحه ناظر الجيش من التسهيل. النسخة الثانية: وهي نسخة تركيا والتي جاءتنا على ميكروفيلم، ثم

صورناها أوراقا فكانت كالآتي: خمسة أجزاء تبدأ بالجزء الثاني من أول باب كان وأخواتها وتنتهي بالسادس حتى باب مخارج الحروف. وخطها أيضا جميل كبير واضح كتبت منذ أكثر من خمسمائة عام، وعنوانها كعنوان نسخة دار الكتب (الجزء الثاني من شرح التسهيل لناظر الجيش). وتمتاز هذه النسخة بأنها النسخة الوحيدة التي تحتوي على الأبواب الناقصة من نسخ دار الكتب على اختلاف أنواعها. النسخة الثالثة: وهي نسخة المغرب، والتي صورها معهد المخطوطات وقد رمزنا إليها بالرمز (أ) وأوصافها كالآتي: مكونة من ثلاثة أجزاء فقط وتحمل أرقام (264 - 265 - 266) مصنف غير مفهرس بالمعهد وقد صورناها فكانت كالآتي: الجزء الأول منها ينتهي عند آخر باب المبتدأ والخبر، والجزء الثاني يبدأ بعده وينتهي عند باب المفعول معه، والجزء الثالث يبدأ من مكان آخر بعيد؛ حيث يبدأ بباب الاختصاص وينتهي حتى باب عوامل الجزم. فهذه النسخة تنقص من الوسط أبوابا كثيرة وكذا من الطرف. وتمتاز هذه النسخة عن غيرها بأنها أقدم النسخ حيث كتبت في حياة المؤلف (شوال سنة 773 هـ) وأنهى كاتبها وقارئها تصحيحها على المؤلف أيضا في حياته (775 هـ) وقبل وفاته بثلاثة أعوام. وهي مكتوبة بخط مغربي واضح وخط نسخ جميل. النسخة الرابعة: وهي نسخة بدار الكتب المصرية أيضا تحت رقم (5012 هـ) وقد رمزنا إليها بالرمز (ب) ويوجد منها جزآن فقط: الأول والسادس.

الأول: من أول الكتاب حتى آخر باب كان. والثاني: من آخر الكتاب يبدأ بباب تتميم الكلام حتى باب مخارج الحروف وهو آخر ما شرحه المؤلف. وهذه النسخة اعتمدنا عليها أيضا؛ لأن خطها حديث؛ حيث كتبت من مائة عام تقريبا؛ فليس عليها تاريخ ولا اسم ناسخ. النسخة الخامسة: وهي النسخة الموجودة بالمملكة العربية السعودية، مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وهي مكونة من ثلاثة أجزاء فقط، تبدأ من أول باب حروف الجر وتنتهي عند آخر الكتاب. وهي نسخة خطها رديء لا يقرأ إلا بصعوبة بالغة، صورناها من مكانها أيضا للرجوع إليها عند الحاجة. النسخة السادسة: وهي نسخة الإسكندرية (جامع الشيخ إبراهيم باشا) دلتنا عليها فهارس دار الكتب من قديم. ويومها عقدنا العزم عليها في اكتمالها ووجود الناقص فيها؛ وإذ بنا لا نجد إلا الجزء السادس فقط من هذه النسخة وهو كالجزء السادس في نسخة دار الكتب بدءا ونهاية!. هذه هي نسخ شرح التسهيل لناظر الجيش الموجودة في بلاد العالم، وبمجموعها تكتمل نسخة كاملة. وكلها تتفق أن الكتاب والشرح لناظر الجيش، وكلها تتفق في النهاية إلى باب مخارج الحروف. وهو آخر ما شرح المؤلف. ولم يبق إلا خمسة أبواب فقط في الكتاب كله قد أكملنا بها شرح ناظر الجيش على متن ابن مالك. ومما سبق أيضا يتضح لنا أن هناك أجزاء كان لها ثلاث نسخ، كالأول والثاني والخامس والسادس. وبعضها كان له نسختان، كالثالث والرابع. وهذا كان في التحقيق.

وكان اعتمادنا على النسخ المعتمدة في هذا التحقيق على النحو التالي: والآن إلى نماذج وصور للمخطوط من نسخة المختلفة:

عرض صور مختلفة من نسخ المخطوط صورة من نسخة دار الكتب (349 نحو) مكتوب فيها ([الجزء] الثالث من شرح التسهيل)

صفحة من نسخة دار الكتب المصرية (349 نحو) وفيها يظهر للقارئ جودة الخط المكتوبة به وقدمه. وهي من الجزء الخامس ورقة: 171 وفيها دفاع ناظر الجيش عن ابن مالك

عنوان نسخة المخطوط (الجزء السادس) التي صوّرت من ميكروفيلم للمخطوط ورد إلينا من تركيا تحت رقم: 1683 والخاتم الموجود مكتوب فيه: وقف لوجه الله تعالى أفقر الورى أبو الخير الشهير بداماد زادة، عفا الله عنه وعن أسلافه وأخلافه سنة 1170 هـ

صفحة ثالثة من نسخة تركيا السابقة وهي آخر الجزء السادس وفيها يظهر للقارئ آخر ما كتبه ناظر الجيش من شرحه على التسهيل وهو نفس نهاية نسخة دار الكتب المصرية (349 نحو)

صورة من نسخة بلاد المغرب المصورة بمعهد المخطوطات (264 مصنف غير مفهرس)

صفحة من نسخة بلاد المغرب وفيها يظهر تاريخ كتابة النسخة

عنوان نسخة المخطوط (الجزء الأول) التي بدار الكتب المصرية تحت رقم 5012 رمز: هـ

الصفحة الأولى من نسخة المخطوط (الجزء الأول) والتي بدار الكتب المصرية تحت رقم: 5012 رمز: هـ

شرح التسهيل المسمى «تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد» القسم الثاني «التحقيق»

[مقدمة المؤلف]

[مقدمة المؤلف] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (*) وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. قال سيدنا وأستاذنا وشيخنا الإمام العلامة حجة العلماء، قدوة البلغاء، إمام القراء والنحاة والأدباء، لسان العرب، ترجمان الأدب، عمدة المفسرين، محب الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف التميمي الشافعي. بارك الله فيه ونفع المسلمين به وختم له بخير ولآله وعترته الطاهرين (¬1). الحمد لله مطلق ألسنة الحامدين بأحلى مقال، ومبعد كلام الراشدين عن التحريف من غير اعتقال (¬2)، الرافع رتب ذوي العلم في سماء الشرف والجلال، الناصب لهم ألوية (¬3) الفخر عالية الظهور سابغة الظلال، المنعم على المجدين في طلبه بتسهيل الفوائد ونيل الآمال، وتنويل الفرائد (¬4) من عوارف فضله وإفضاله في الحال والمآل. نحمده حمدا نواليه على مرّ الأيام والليال، ونشكره على نعمه التي لا تزال دائمة الاسترسال، آمنة بدوام الشكر من الانقطاع والزوال. والصلاة والسّلام على صاحب القدر الأعز الأعلى، والفخر الأسمق، المؤيد بالنصر الأنجز (¬5)، والكلام المفحم الأوجز، سيدنا ونبينا محمد مبلغ رسالة ربه ¬

_ (*) بداية الصفحة الثانية من الجزء الأول من مخطوطة معهد إحياء المخطوطات العربية وهي هنا الأصل. (¬1) هذه المقدمة من نسخة الأصل فقط (معهد إحياء المخطوطات مصورة من بلاد المغرب)، وقد خلت منها نسخة دار الكتب المصرية (5012 هـ) التي بدئت بقوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رب يسر ووفق وأعن بفضلك، الحمد لله مطلق ألسنة الحامدين ... إلخ. (¬2) في المصباح المنير (عقل) ... واعتقل لسانه بالبناء للفاعل والمفعول إذا حبس عن الكلام، أي: منع فلم يقدر عليه، ومنه العقال وهو الرباط الذي يعقل به، وجمعه: عقل. (¬3) في القاموس (لوي): اللواء واللواي: العلم جمعه ألوية وجمع الجمع ألويات، وألواه: رفعه. (¬4) تنويل الفرائد: تحقيق الآمال العظيمة، وفي القاموس (نول): نوّلته ونوّلت عليه وله: أعطيته، والنائل: العطاء. وفيه أيضا (فرد): الفريد، والفريدة: الجوهرة النفيسة والدر، إذا نظم وفصل. (¬5) قوله: الفخر الأسمق: أي العالي، والنصر الأنجز: هو الحاضر، من قولهم: نجز الوعد: حضر، ونجز حاجته: قضاها، فهو لازم ومتعدّ (القاموس: نجز).

بأفصح لسان، وأفسح مجال، وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ذوي التقدم والإقدام، في الحرب السجال، صلاة دائمة بلا انتقال، موصولة من غير انفصال ما انحصر الكلم العربي في الحروف والأسماء والأفعال. وبعد: فإن كتاب تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، للعلّامة حجة العلماء، قدوة البلغاء إمام القراء والنحاة والأدباء؛ جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله ابن مالك الطائي الجيّانيّ (¬1)، رحمة الله عليه - جامع مفيد ومختصر سعيد، قل أن تسمح بمثله القرائح أو تطمح إلى النسج على منواله المطامح، بهر مصنفه به الألباب، وأتى فيه بالعجب العجاب، وأبرز مخبآت المسائل بيض الوجوه كريمة الأحساب، أبدع فيه التأليف، ووشاه بحسن الترصيع والترصيف (¬2)، وجمع فيه متفرقات علم النحو الشريف؛ فرتب قواعده، وأحكم معاقده، وأوضح مراشده، وسهل مصادره وموارده، وأودع المعاني العزيزة الألفاظ الوجيزة، وقرب المقاصد البعيدة بالأقوال السديدة؛ فهو يساجل المطولات على صغر حجمه، ويباهل المختصرات؛ لغزارة علمه (¬3)، ويطلع كالقمر سنا، ويشرق كالشمس بهجة وضيا، جزى الله مؤلفه عن صنيعه جزاء موفورا وجعل عمله متقبلا وسعيه مشكورا. هذا .. ولقد أردفه بشرح (¬4) كشف منه المغمّى وجلا المعمّى، وفتح به مقفل أبوابه، ويسر لطالبيه (¬5) سلوك شعابه، وضمنه ما يملأ الأسماع والنواظر (¬6)، ¬

_ (¬1) هو ابن مالك المشهور، والذي قال عنه السيوطي (بغية الوعاة: 1/ 136): شهرته واسعة تغني عن التعريف به، ومن أراد أن يذكره للناس ويعرفهم به كمن أراد أن يذكر لهم الشمس في وضح النهار، ولد سنة (600 هـ) على الأصح، وتوفي سنة (672 هـ). انظر في ترجمته: بغية الوعاة (1/ 136)، الأعلام للزركلي (7/ 111)، وترجمته مفصلة في قسم الدراسة وسيلقيه شارحنا بالمصنف. (¬2) المراد: زينه ونمقه وألفه أحسن تأليف وهو من قولهم: سيف مرصّع بالجواهر أي محلى. وقولهم: تراصفوا في الصف: أي تراصوا، والرّصف: حجارة مرصوف بعضها إلى بعض (القاموس: رصع، رصف). (¬3) قوله: يساجل المطولات: أي يباريها ويفاخرها، وهما يتساجلان: أي يتباريان (القاموس: سجل) وقوله: يباهل المختصرات، من قولهم: باهل القوم بعضهم بعضا وتباهلوا وابتهلوا: تلاعنوا. (¬4) في نسخة دار الكتب (ب): ولقد قام بشرح، وهما سواء. (¬5) في نسخة (ب): ومهد لطالبيه، وهما سواء أيضا. (¬6) في نسخة (ب): وضمنه بما يملأ ... إلخ

ولم يسمع مقال القائل: كم ترك الأول للآخر؟ (¬1). إلا أن القدر لم يساعده على إتمامه وعاقه عن ذلك المقضي من محتوم حمامه؛ فتركه مختل النظام [1/ 3] فاقد التمام، لا يتوصل إلى حل غير الشروح من أصله إلا بعد إعمال فكر ومراجعة كتب، ولا يظفر بتمثيل ما استغلق منه إلا بعد استفراغ الجهد في الطلب، إلى أن أتاح الله تعالى إكمال ذلك على يدي إمام زمانه (¬2) وعالم أوانه، وحيد دهره في علم العربية، وفريد عصره في الفنون الأدبية، شيخنا أثير الدين أبي حيان: محمد بن يوسف الجيّاني الغرناطي (¬3). أمتع الله تعالى بفوائده الجمة، وأهدى إلى روحه روح الرضا والرحمة، ففتح مغالقه المعضلة، وفك تراكيبه المشكلة، وعمل على تفصيل مبانيه المجملة، فتم بذلك التكميل الأرب، وأقبل المشتغلون ينسلون إليه من كل حدب، ثم اقتضت هممه العلية ومقاصده المرضية أن يضيف إلى ما شرح شرح بقية الكتاب (¬4)؛ ليكون مصنفا مستقلّا وغماما على المتعطشين مستهلّا؛ فوضع كتابا كبيرا سابغ الذيول جمّ النقول، غزير الفوائد كثير الأمثلة والشواهد أطال فيه الكلام ونشر الأقسام، إلا أنه جمع فيه بين الدر والصدف، ومزج بسنا ضوئه غبش السّدف (¬5)، وتحامل في الرد والمؤاخذات تحاملا بيّنا وبالغ حتى صار المناضلة عن المصنف لازمة والانتصار له متعينا. ولقد خرج الكتاب المذكور بسبب الإطالة عن مقصود الشرح، وصار فيه للمتأمل سبيل إلى القدح، مع أن المعتني بحمل الكتاب لا يحظى منه بطائل ¬

_ (¬1) الاستفهام هنا: مقصود به النفي، والجملة شطر بيت لأبي تمام سيأتي في خطبة الكتاب. (¬2) أول النسخة (جـ) والناقصة من أولها وآخرها، وهي بدار الكتب تحت رقم: 349 نحو، وهي في خمسة مجلدات. (¬3) هو أبو حيان الشهير والذي يعرفه كل من درس النحو، صاحب البحر المحيط في التفسير والتذييل والتكميل في النحو الذي اعتمد عليه شارحنا كثيرا ولشهرته في زمانه، وبعد زمانه، سيلقبه شارحنا بالشيخ حين يتحدث عنه. قال فيه الصفدي: إن مات فالذكر له خالد ... يحيا به من قبل أن ينشرا انظر ترجمته في بغية الوعاة: (1/ 280)، الأعلام: (8/ 26) وترجمته مفصلة في قسم الدراسة. (¬4) في نسخة (ب): أن يضيف إلى ما وضعه شرح بقية الكتاب. (¬5) الغبش: محركة، بقية الليل أو ظلمة آخره، كالغبش بالضم، والسدف: الظلمة أو اختلاط الضوء والظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى الإسفار. (القاموس: غبش، سدف).

ولا يظفر ببغيته إلا بعد قطع مهامه وطي مراحله. وأما شرح المصنف: فالناظر فيه لا يرضيه الاقتصار عليه ولا يقنعه ما يجده لديه؛ بل تتشوف نفسه إلى زيادات الشرح الكبير، ويرى أنه إن لم يحظ بها علما كان منسوبا إلى التقصير؛ فرأيت أن أضرب بقدح وأرجو أن يكون القدح المعلّى (¬1) من القدحين، وأن أضع على هذا التصنيف ما هو جامع لمقاصد الشرحين وأتوخى الجواب عما يمكن من مؤاخذات الشيخ ومناقشته بالبحوث الصحيحة والنقود الصريحة، مع ذكر زيادات انفرد بها هذا الكتاب وتنقيحات يرغب فيها المتيقظون من الطلاب؛ فشرعت في ذلك مستمدّا من الله تعالى أن يوفقني لسبيل الرشاد، وأن يهديني للتبصر والسداد، وأن يعينني بتوفيقه على بلوغ الغرض وإكمال المراد. وسميته: تمهيد القواعد (¬2)، راجيا أن المقتصر عليه يستغني به عن مراجعة سواه ويدرك منتهى أمله من هذا العلم وغاية متمنّاه. وأنا أسأل الواقف عليه أن يصفح عما فيه من الزلل، وأن ينعم بإصلاح ما يشاهده من خلل، والله سبحانه وتعالى المرغوب إليه في العصمة من الخطل، والتوفيق في كلا الأمرين القول والعمل. وقد كنت شرعت في ذلك والزمان غض، والشباب غير مبيض (¬3)، فلما عاقت عنه العوائق، وتقاصر العزم لما نبا الطلبة عن تلك الطرائق، وشغلتني الخدم (¬4)، وتحقق ما رأيته من قصور الهمم، أحجمت عن إتمامه من غير فترة (¬5) وتركت العمل فيه وإن كانت [1/ 4] الرغبة في ذلك مستمرة، إلى أن ¬

_ (¬1) في اللسان (علا): المعلّى: بفتح اللام: القدح السابع في الميسر وهو أفضلها إذا فاز حاز سبعة أنصباء من الجزور. (¬2) في اللسان (مهد): تمهيد الأمور: تسويتها وإصلاحها، فكأنه يقصد بتسميته: تمهيد القواعد، أي: إصلاح قواعد النحو وتفسيرها للدارسين. (¬3) يقصد أول حياته حين فتوته وشبابه، والغض من الأشياء: الناضر الطري، والغضة من النساء: الرقيقة الجلد الظاهرة الدم. وهو يشير إلى أنه ألف كتابه في زمانين: زمان الشباب وزمان الشيب والأخير كان بعد أن جاوز الستين عاما. انظر ذلك مفصلا في قسم الدراسة. (¬4) الخدم: بكسر الخاء وفتح الدال جمع خدمة وهو ما يقدم الرجل للناس مروءة. (¬5) الفترة: الانكسار والضعف، وفتر الشيء يفتر فتورا: سكن بعد حدة.

منّ الله تعالى على الإسلام والمسلمين بمن أحيا موات العلم في العالمين، وغمر بصدقاته جميع الطالبين، واعتنى بأمور العلماء وإن كانوا عن مصالحهم غافلين. ومن أضحى وأزر الدين به قويّ، وظما الإسلام بملاحظته رويّ (¬1)، وزند النجم بآرائه السعيدة وريّ، ذي المقر الأشرف العالي المولوي السيدي المالكي المخدومي الكاملي الأتابكي، كافل أمور المسلمين (¬2)، سيد ولاة أمور الدين، أتابك العساكر المنصورة، نظام الملك الشريف، والد الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين: يلبغا العمري الأشرفي (¬3). لا زال عصره فاضلا، ونصره متواصلا، وحكمه عادلا، وبره شاملا، ولا برحت أموره مقتبلة ممتثلة، والقلوب بمحبته ومهابته ممتلية، والنفوس بعوارفه وعواطفه متملية: 1 - من شرّد الإعدام عن أوطانه ... بالجود حتّى استطرف الإعدام وتكفّل الأيتام عن آبائهم ... حتّى وددنا أنّنا أيتام (¬4) ¬

_ (¬1) الظما: بلا همز: ذبول الشفة من العطش ويقصد بما ذكره بعد ذلك انتعاش البلاد وصلاح أحوال الناس وقيامهم بأمور دينهم. (¬2) في نسخة (ب)، (جـ): المخدومي الكاملي الأتابكي السيفي حامل أمور المسلمين .... إلخ. (¬3) هو يلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري الأمير الكبير المشهور، أول ما أمره الناصر حسن، وصار أتابك السلطنة ونائبها سنة (762)، ثم كان يلبغا رأس من قام على أستاذه الناصر حسن، حتى قتل فتسلطن بعده المنصور محمد ابن حاجي، ثم خلعه يلبغا، وجعل في السلطنة السلطان الأشرف شعبان بن حسن، وصار يلبغا صاحب الأمر والنهي والحل والعقد، وهو السلطان في الباطن والأشرف بالاسم، ثم حدث خلاف بينه وبين السلطان شعبان، حتى تحاربا وانتصر السلطان عليه وأسره ثم أمر بقتله، فقتله بعض مماليكه. وكان ذلك سنة (768 هـ). وكان ليلبغا صدقات كثيرة على طلبة العلم ومعروف كثير في بلاد الحجاز، وقد استكثر من المماليك وأكرمهم وجعلهم أعوانه، وكان في زمانه غزو الفرنج لبلاد الإسكندرية. اقرأ ترجمته وأخباره في: الدرر الكامنة (5/ 215)، النجوم الزاهرة (11/ 1، 7، 40)، الخطط التوفيقية (1/ 105، 106). (¬4) البيتان من بحر الكامل لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي من قصيدة يمدح فيها الخليفة المأمون ومطلعها: دمن ألمّ بها فقال سلام ... كم حلّ عقدة صبره الإلمام اللغة: الإعدام: الفقر والحاجة. استطرف الإعدام: عدّه الناس طريفا؛ لأن الممدوح يغنيهم. والبيتان غاية في المدح والكرم والإحسان، ويستشهد بهما هنا لذلك، وانظر القصيدة بتمامها في ديوان أبي تمام (2/ 73) طبعة دار الكتاب العربي. وستأتي ترجمة يسيرة له بعد قليل، في الكلام على خطبة الكتاب.

فلما أقبل الناس بفضله على الطلب وتأكدت أسباب إقبالهم على هذا الفن بأنواعه، الذي يبلغ به الآمل منتهى الأمل والأرب. وتجددت به معاهد العلم بعد الدروس، وتبينت بإحسانه معالم الفضائل وملازمة الدرس والدروس (¬1). وأصبحت الأمة إلى الطلب يهرعون، وتباشر بصدقاته العميمة الشاغلون والمشتغلون (¬2)، وعزا كل منهم وليس شأنه بعد طلب الرزق إلا طلب العلم؛ لأنه قد أغنته هذه الصدقات الجمة فشمر عن الساعد وأرهف العزم، فعند ذلك بادرت إلى الشروع في إتمام هذا الكتاب رغبة في انتفاع الطلاب، وجزيل الأجر والثواب، وأسهرت الجفن في إكماله، وأيقظت العزم من سنة الكرى، وإن كان لم يقف في سائر أحواله، وتوجهت إلى ذلك مستعينا بالله تعالى؛ فإنه ذو الفضل الجزيل وهو حسبنا ونعم الوكيل. * * * ¬

_ (¬1) الدروس: الأولى مصدر درس الرسم دروسا: عفا، ودرسته الريح. والثانية: جمع مفرده درس ويكون للعلم. (¬2) في الأصل: وتباشر بصدقاته المشتغلون. والزيادة من نسخة (ب)، (جـ).

الكلام على خطبة الكتاب

الكلام على خطبة الكتاب (¬1) (هذا) إنما أشار إلى ما أجمع عليه رأيه ووجه إليه عزمه؛ لأنه رتب في نفسه أمرا وقصد إيراده على وجه مخصوص، وكيفية معتبرة فصار مقصوده من ذلك لقوة أسبابه عنده وتمكنه من إبرازه - في حكم الوجود الحاضر فعومل في الإشارة إليه معاملته. وقد تكلم الناس على كلمة (هذا) من قول سيبويه - رحمه الله «تعالى» (¬2) -: هذا باب علم ما الكلم من العربيّة (¬3). فقيل: استعملها غير مشير بها؛ ليشير بها عند الحاجة وقيل: أشار إلى شيء وإن لم يكن موجودا؛ لأنه متوقع قريب، وقيل: أشار إلى ما في نفسه من مقصود الباب. وذلك حاضر عنده (¬4). فقد يقال: هذه الأقوال هنا أيضا، ولكن الأولى ما أشرنا إليه (¬5)، وإياه قصد صاحب القول الثالث. وأما ما قيل من أن سيبويه وضع الباب أولا ثم وضع الترجمة، فلا يتأتى هذا؛ لقول المصنف في آخر الخطبة: (وها أنا ساع فيما انتدبت إليه)، فدل على أنه وضعها أولا. (كتاب) هو مصدر في الأصل فقد يقال: المراد به هنا المكتوب [1/ 5] ¬

_ (¬1) شرح ناظر الجيش هذه الخطبة المثبتة في التسهيل شرحا عظيما وافيا بالمراد، بلا اختصار مخل أو تطويل ممل، لم يثبتها ابن مالك في شرحه على التسهيل وبالتالي لم يشرحها، وكان الأولى بأبي حيان في شرحه أن يثبتها ويشرحها، ولكنه لم يفعل. (¬2) كلمة «تعالى» من نسخة (ب)، (جـ). وسيبويه إمام النحاة بلا مجادل وعلمهم المشهور يعرفه كل من خطا خطوة في طريق النحو، وهو عمرو بن عثمان أبو بشر الملقب بسيبويه. كتبت فيه كتب كثيرة، وشرح كتابه شراح كثيرون، ولد بإحدى قرى شيراز سنة (148 هـ) ورحل إلى بغداد والبصرة وكان إمام النحاة البصريين إلا أنه مات شابّا سنة (180 هـ). ترجمته مفصلة في كتب التراجم كلها. وانظر: نزهة الألباء (ص 60)، بغية الوعاة (2/ 229) الأعلام (5/ 252). (¬3) انظر: كتاب سيبويه (1/ 12)، (طبعة هارون) وقد صدّر سيبويه أبواب الكتاب كلها بكلمة: هذا. (¬4) انظر في هذه الآراء الثلاثة شرح كتاب سيبويه للسيرافي (1/ 45) الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق د/ رمضان عبد التواب. وانظر أيضا هامش كتاب سيبويه (1/ 12) تحقيق عبد السّلام هارون. (¬5) وهو أن ابن مالك يريد ما في نفسه من مقصود الباب، وما عقد عليه عزمه من تأليف العلم وتصنيفه.

فهو مصدر أريد به المفعول، والظاهر أن الكتاب اسم لما يصنف؛ سمي كتابا لجمعه مقاصد العلم الذي صنف فيه. (في النّحو) هو علم بأصول يتعرف منها أحوال الكلمة العربية، التي بها يعرف أحكام التكلم إفرادا وتركيبا (¬1). وإنما قيل: علم بأصول يتعرف منها، ولم يقل: علم أحوال الكلم ليدخل فيه العلم بما هو، كالمقدمات، كالكلمة والكلم والكلام والإعراب والبناء وأنواعهما وأقسام المعارف والنكرات، ونحو ذلك؛ فإن هذه الأمور أصول يتعرف منها الأحوال، وليست علما بالأحوال أنفسها. وإنما قيل: التي يعرف بها أحكام التكلم؛ ليخرج علم المعاني وعلم العروض مثلا؛ فإن الأول: يتعرف منه أحوال الكلم بالنسبة إلى المطابقة لمقتضى الحال وعدم المطابقة، والثاني: يتعرف منه أحوال الكلم بالنسبة إلى كونها موزونة بأوزان خاصة. وإنما قيل: إفرادا وتركيبا؛ ليشمل علمي الإعراب والتصريف (¬2). (جعلته) أي صيرته لأن الأمر (¬3) الكلي الذي في نفسه من العلم (¬4) قد كان يمكن أن يصيره على غير هذه الصفة، ويحتمل أن يريد معنى وضعته واخترعته. (بعون الله) أي إعانته، والباء فيه إما للاستعانة، كما في: كتبت بالقلم، وإما للحال، أي مستعينا بالله، والأول أظهر. (مستوفيا) أي غير تارك شيئا. يقال: استوفى حقه، إذا أخذه تامّا، ويقال: توفى حقه أيضا، فاستفعل فيه بمعنى تفعل كاستكبر وتكبر. (لأصوله) أصل الشيء ما ينبني عليه ذلك الشيء. فالكتاب المذكور حاو للأصول، أي للقوانين وهي الأمور الكلية المنطبقة على جزئياتها فالجزئيات إذا مبنية عليها. ¬

_ (¬1) انظر في هذا التعريف: التذييل والتكميل لأبي حيان (1/ 14)، تحقيق د/ حسن هنداوي (دار القلم - دمشق). وقد نسب أبو حيان هذا التعريف إلى القاسم بن الموفق الأندلسي (575 - 661 هـ). (¬2) كان الأولى أن يقول: علمي التصريف والإعراب، وهو النحو؛ ليكون اللف والنشر مرتبا. (¬3) تعليل لتفسير جعل بمعنى صير. (¬4) كلمة: من العلم ساقطة من نسخة (ب).

(مستوليا) أي بالغا الغاية في الإحاطة بالمقصود. (على أبوابه وفصوله) الأبواب: المداخل لغة، والمراد بها هنا ما تضمنه من أحكام المسائل. والفصل: هو الحاجز بين شيئين لاختلافهما بوجه ما. وأصله لغة: القطع، كأنه يفصل ما بعده عما قبله أي يقطعه. والمراد به هنا ما تضمنه من أحكام تفرد عن غيرها لاختلاف ما، ولو اقتصر على الأبواب لشملت الأحكام أجمع، فيكون عطف الفصول على الأبواب لهذا الاعتبار من عطف الخاص على العام. وفي قوله: مستوفيا، ومستوليا، وكذا في أصوله، وفصوله - الجناس اللاحق لاتفاق الكلمتين في عدد الحروف والهيئات والترتيب واختلافهما في حرف واحد وليس بين المختلفين تقارب في المخرج (¬1) إلا أن الاختلاف بين: مستوفيا، ومستوليا في حرف أوسط، فهو نظير قوله تعالى: ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (¬2) وبين: أصوله وفصوله، في حرف أول: فهو نظير قوله تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (¬3). وفي: أصوله وفصوله أيضا، السجع المتوازي لتواطؤ الفاصلتين على حرف واحد مع اتفاقهما في الوزن فهو نظير قوله تعالى: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [1/ 6] (13) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (¬4). (فسمّيته لذلك) أي لما اتصف الكتاب بهذه الصفة استحق أن يسمى هذه التسمية فالتسمية بهذا الاسم مسببة عن الاتصاف بهذا الوصف (¬5)، ولذلك أتى ¬

_ (¬1) فإذا كان بينهما تقارب في المخرج كقوله تعالى: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ [الأنعام: 26] فإنه يسمى الجناس المضارع وسيذكره. وإن اتفقت الكلمتان في كل شيء سمي الجناس التام، وهو إما مماثل إن اتفقا في النوع كاسمين، وإما مستو إن كانا في نوعين. (¬2) سورة غافر: 75. (¬3) سورة الهمزة: 1. والجميع يطلق عليه جناس لاحق. (¬4) سورة الغاشية: 13، 14. وإن اختلفت الفاصلتان في الوزن سمي السجع المطرف كقوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً [نوح: 13، 14]. (¬5) كلمات: بهذا الوصف: ساقطة من الأصل وهو تحريف.

بالفاء لإشعارها بترتيب الثاني على الأول، وبقوله (¬1): لذلك، للدلالة على العلّيّة. (تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد) الأولى أن لا يؤول المصدران باسم فاعل؛ بل يجريان على ظاهرهما؛ ليجعل متن الكتاب نفس هذين المعنيين فتحصل المبالغة. وفي هاتين الفقرتين (¬2) السجع المرصّع لتقابل كلماتها وزنا وتقفية فهو نظير قوله تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (¬3)، ومنه قول الحريري (¬4): فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه (¬5). (فهو جدير) يقال: فلان جدير بكذا، أي: يستحق ذلك استحقاقا لا منازعة فيه، ومثله: حقيق وخليق، والفاء في قوله: فهو، تشعر بالسببية؛ فيكون جعل تسمية الكتاب بما تقدم، علة لما ذكر وليس في التسمية مناسبة لذلك. والذي يظهر أن المصنف كأنه يقول: إنما سميته بذلك؛ لاشتماله على معنى الاسم المسمى به حقيقة. وإذا كان مشتملا على ذلك كان جديرا بما يذكره. (بأن يلبّي دعوته الألبّاء) معنى يلبي أي: يجيب دعوته بقوله: لبّيك. وفي قوله: دعوته: استعارة مكني عنها واستعارة تخييلية؛ وذلك أنه شبه ¬

_ (¬1) أي: وأتى بقوله، فهو معطوف على ما قبله، ومعنى قوله: للدلالة على العلية، أي: من أجل ذلك. (¬2) في نسخة (ب): القرينتين، وهي الفقرتان أيضا. (¬3) سورة الغاشية: 25، 26. ولا يشترط في السجع المرصع عدد معين من الكلمات، كما لا يشترط التساوي بين الفقرتين. (¬4) هو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان بن الحريري أبو محمد، ولد بالبصرة في حدود (446 هـ). قرأ الأدب والنحو وكان غاية في الذكاء والفطنة والفصاحة. تولى ديوان الخلافة طوال حياته، ثم أسند هذا المنصب لأولاده من بعده. وله مصنفات عجيبة في الأدب والنحو، منها: كتاب المقامات الذي شهر به، وكتاب: درّة الغوّاص في أوهام الخواصّ، وكتاب ملحة الإعراب، وهي قصيدة في النحو، ثم شرح هذا الكتاب. توفي عن سبعين عاما سنة (510 هـ). والتلقيب بالحريري نسبة إلى عمل الحرير أو بيعه. انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 379)، معجم الأدباء (16/ 261)، الأعلام (6/ 12). (¬5) الفقرتان من المقامة الأولى للحريري (1/ 53)، وفيها يتحدث عن شخص فيقول: رأيت في بهرة الحلقة شخصا سخت الخلقة عليه أهبة السياحة وله رنة النياحة فهو يطبع الأسجاع بجواهر لفظه ويقرع الأسماع بزواجر وعظه. وقد أحاطت به أخلاق الزمر إحاطة الهالة بالقمر والأكمام بالثمر؛ فدلفت إليه؛ لأقتبس من فوائده وألتقط بعض فرائده ... إلخ شرح مقامات الحريري للشريشي (المؤسسة المصرية).

الكتاب بالإنسان وأضمر التشبيه في النفس، فلم يذكر سوى المشبه خاصة، وهو الضمير المضاف إليه دعوة. وهذا هو الاستعارة المكني عنها، ودل على أن مراده التشبيه المذكور بإثبات شيء من خصائص المشبه به للمشبه، وهو الدعوة التي لا تكون إلا للإنسان. وهذا هو الاستعارة التخييلية. ويجوز أن يجعل ما اشتمل عليه الكتاب: من حسن الاختيار، وجودة السبك، وكثرة المسائل، وتبريزه على غيره من الكتب المختصرة في جذب النفوس إليه، واستمالة الأهواء نحوه - مشبها بدعوة إنسان ذي كمال يدعو الناس إلى الاشتمال عليه؛ فتكون الاستعارة حينئذ تخييلية، ثم يكون قوله: يلبي، ترشيحا لها؛ لأنه قرنها بما يلائم المستعار منه. (وتجتنب منابذته النّجباء) الاجتناب: الترك. والنبذ: الإلقاء من اليد، ومنه المنبوذ للصبي تلقيه أمه في الطريق، والمنابذة: مفاعلة من: تنابذوا الأمر، إذا ألقاه كل منهم على الآخر؛ تنكبا عنه وإعراضا. والنجابة: الكرم والرشد في الأفعال. والنجيب: البيّن النجابة، والمعنى: وتترك الرغبة عنه النجباء أي: المتّسمون بسمات الفلاح. (ويعترف العارفون برشد المغرى بتحصيله) الرشد: ضد الغي، والمغرى: اسم مفعول من أغري بكذا إذا ألصق به والمراد به هنا العاكف على الشيء الملازم الذي هو كاللاصق بالشيء العكوف عليه. ومثل: ويعترف العارفون، مما ألحق عند علماء البديع بالجناس؛ لاشتراك اعترف وعارف، في الحروف الأصول. ومنه قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ (¬1). (وتأتلف قلوبهم على تقديمه وتفضيله)، وتأتلف أي: وتجتمع قلوبهم، وتتفق على أن محصله ذو [1/ 7] تقدم وفضل. (فليثق متأمّله ببلوغ أمله) هذا منه ترغيب في الاشتغال بهذا الكتاب، وتطييب لنفس العاكف عليه ووعد له بحصول مقصوده من هذا العلم؛ لأن ¬

_ (¬1) سورة الروم: 43.

من علم بحصول مقصوده من هذا العلم جد واجتهد وأقبل على ذلك الشيء، فهذا الكلام يهز السامع ويجذب الراغب في اقتضاء العلم، ويحثه على الاستمساك بالكتاب المذكور، وفي طيه مدحه هذا التصنيف والتفخيم لقدره، ولهذا أردفه بقوله: (وليتلقّ بالقبول ما يرد من قبله). وأما قوله: (وليكن لحسن الظّنّ آلفا ولدواعي الاستبعاد مخالفا) فكأنه - رحمه الله تعالى - لما وصف كتابه بما وصف، ووعد متأمله بما وعد، ملزما له بقبول ما يرد عليه منه، استشعر من النفوس منازعته في هذه الدعوى، وأنها لا توافق فيما ذكره - بل تستبعد - اشتمال الكتاب على هذه الصفات الجلى. وتنكر أن يرتقي رتبة متأخر في العلم إلى هذا الحد، فقصد العظة والإرشاد لمن يتلجلج ذلك في صدره، وأمره بالإلف لحسن الظن، والمخالفة لما تحدث النفس به من استبعاد صدور مثل ذلك من متأخر. ويجوز أن يكون قوله: (وليكن لحسن الظّنّ آلفا) مقصودا به ما قلناه، وأن يكون قوله: (ولدواعي الاستبعاد مخالفا) مقصودا به تحريك طالب العلم، فهو يحذره أن تتقاعس نفسه مستهولا ما يقدم عليه من المصنفات المعتبرة، فأمره أن يخالف ما عنده من دواعي الاستبعاد؛ لأنه إذا استبعد أمرا تقاعد عن تعاطيه فيفوته بسبب ذلك شيء كثير ولا يحصل على طائل. ويرجح هذا المعنى قوله بعد: (فقلّما حلي متحلّ بالاستبعاد - أي: باستبعاد حصول العلم له - إلا بالخيبة والإبعاد)، لكن قوله بعد ذلك: (وإذا كانت العلوم منحا إلهيّة) إلى آخره، يرجح المعنى الأول (¬1)؛ فينبغي التعويل عليه؛ ليحصل ارتباط الكلام ويكون كله نسقا وعلى هذا يكون المراد بالاستبعاد في كلامه استبعاد لظان وفاء صاحب الكتاب بما التزمه في كتابه المذكور. (فقلّما حلي متحلّ بالاستبعاد إلّا بالخيبة والإبعاد) المراد بقلما: النفي ولهذا فرغ العامل معها لما بعد إلا والمعنى: ما حلي متحلّ بالاستبعاد إلا بكذا وكذا. ¬

_ (¬1) وهو أنه يجب على طالب العلم ألا يكسل عن طلبه ظانّا منه أنه - وهو متأخر - لن يبلغ به المجد والعلا.

قال في الصحاح (¬1): «حلي بعيني وفي عيني - بالكسر - يحلى حلاوة إذا أعجب» قال: «وقولهم: لم يحل منه بطائل أي لم يستفد منه كبير فائدة، ولا يتكلّم به إلّا مع الجحد» انتهى. ولا يظهر واحد من هذين المعنيين هنا، فإن كان (حلي) يستعمل بمعنى: تحلّى بكذا أي اتصف به - فلا إشكال، وإلا فقد يكون أصل التصنيف، فقلما تحلّى ثم عرض التغيير للكلمة في الكتابة. (وإذا كانت العلوم منحا إلهيّة ومواهب اختصاصيّة، فغير مستبعد أن يدّخر لبعض المتأخّرين ما عسر على كثير من المتقدّمين). العلوم هنا جمع علم مرادا به اسم ذات المعلوم لا المصدر. ولذلك جمعه، ويدّخر: يفتعل، من دخر الشيء إذا أحرزه وحفظه. وهذا الكلام كالجواب عما هو كالسؤال المقدر، وذلك أنه لما ادعى في كتابه دعوى يلزم منها أنه اشتمل [1/ 8] في هذا الفن على ما لم يشتمل عليه غيره، والتزم للمقبل عليه بحصول أمله من هذا العلم، آمرا له أن يتلقى كل ما يرد عليه منه بالقبول. توهم أن قائلا يقول: يبعد أن يفوق متأخر على متقدم، وأن يأتي بمصنف لم يسبق إليه، مع عظمة قدر من تقدم من علماء هذه الصناعة. فرد هذا الوهم بأن المواهب من الله عزّ وجلّ والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، لا مانع لما أعطى. وهذا الكلام وإن كان مطلقا بالنسبة إلى كل ذي موهبة من العلم، فيه رمز وإشارة إلى أنه، أعني المصنف - رحمه الله تعالى - من المتأخرين الذين ذخر لهم ذلك. وإنما ترك التصريح بذلك أدبا؛ لأن الإنسان لا ينبغي له تزكية نفسه. فإن قيل: إذا كان الإنسان لا ينبغي له ذلك فكيف أشار إليه ولوح به؟ قلت: لإيراده الكلام مورد الاعتراف؛ فإن الله سبحانه وتعالى تفضل عليه بأن جعله من المختصين بمواهبه المشرفين بمنحه، بعد إسناد المواهب كلها إلى الله تعالى، وأنه يختص بها من أراد، ففي طي كلامه إقرار بنعم الله تعالى عليه واعتراف ¬

_ (¬1) هو كتاب الصحاح للجوهري (توفي سنة 398 هـ)، معجم كبير من ستة أجزاء ومواده مرتبة على نظام القافية؛ بل يعد هذا المعجم إمام هذه المدرسة. وانظر ما اقتبسه الشارح منه مادة حلا: (6/ 2719) طبعة بيروت. وقد حذف الشارح منه شيئا قليلا.

بما خصه به منها. ونظير هذا الرمز والتلويح ما فعله شيخ الإسلام وعلّامة الوقت، الشيخ: تقيّ الدّين، عرف بابن دقيق العيد (¬1) - رحمه الله تعالى، ورضي عنه - في خطبة شرحة للإلمام (¬2)؛ حيث قال في أثنائها: «والأرض لا تخلو من قائم لله بالحجّة. والأمّة الشّريفة لا بدّ فيها من سالك إلى الحقّ على واضح المحجّة». فالظاهر أنه ما عنى إلا نفسه بالنسبة إلى زمانه الذي هو فيه وإنه لجدير بذلك. ثم في هذا الكلام من المصنف حث وترغيب في النظر في كلام المتأخرين والاشتغال به، ونهي عن أن يقتصر المحصل على كلام المتقدمين ويرفض كلام من بعدهم؛ فإنه قد يعثر في كلام المتأخر على ما لا يعثر عليه في كلام المتقدم، ولا شك أن للمتقدم فضيلة السبق والاختراع والتدوين، وللمتأخر فضيلة الجمع والإكثار وتقييد ما لعله أطلق وتفصيل ما لعله أجمل، مع الاختصار التام وتيسير ما هو على المحصل صعب المرام، فيتعين الجنوح إلى كلامهم، والتعريج على مصنفاتهم؛ فربما فات من لم يشتمل عليها مقصود كبير، ولهذا قال الجاحظ (¬3) ما معناه: «من أضرّ ¬

_ (¬1) هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع، أبو الفتح تقي الدين القشيريّ، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العيد. قاض مجتهد من أكابر العلماء بالأصول، أصل أبيه من منفلوط بمصر، انتقل إلى قوص، وولد له ابنه محمد. فنشأ بقوص وتعلم بدمشق والإسكندرية والقاهرة، وولي قضاء الديار المصرية سنة (695 هـ)، واستمر فيها إلى أن توفي سنة (702 هـ). من مصنفاته: الإلمام في أحاديث الأحكام، الإمام في شرح الإلمام، شرح الأربعين النووية، شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه، وكان مع غزارة علمه ظريفا. له أشعار وملح وأخبار. انظر ترجمته في الأعلام (7/ 173). (¬2) كتاب الإلمام في أحاديث الأحكام للشيخ تقي الدين محمد بن علي المعروف بابن دقيق العيد، جمع فيه متون الأحاديث المتعلقة بالأحكام مجردة عن الأسانيد ثم شرحه وبرع فيه وسمي الشرح بالإمام. ويقال إن بعض الحسدة أعدمه؛ لأنه كتاب جليل القدر لو بقي لأغنى الناس عن تطلب كثير من الشروح. وقد شرح الإلمام شراح كثيرون ولخصه بعضهم انظر: (كشف الظنون 1/ 158). و (لوحة رقم 122 من كتاب: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون). (¬3) هو أبو عثمان: عمرو بن بحر الجاحظ من أهل البصرة. ولد سنة (150 هـ)، كان كثير الاطلاع صابرا عليه. له أساتذة مشهورون كالأصمعي والأخفش. قال عنه عالم: لا أحسد الأمة العربية إلا على ثلاثة أنفس: عمر بن الخطاب وأبو الحسن البصري والجاحظ. ومصنفاته كثيرة جدّا، حتى كتبها ياقوت في معجمه في أربع صفحات ومن أشهرها: البيان والتبيين، -

ما يرد على الأسماع قولهم: لم يدع الأوّل للآخر شيئا». وما أحسن قول حبيب بن أوس الطّائيّ (¬1) - رحمه الله تعالى -: 2 - لا زلت من شكري في حلّة ... لابسها ذو سلب فاخر يقول من تقرع أسماعه ... كم ترك الأول للآخر (¬2) وبالغ المعرّي (¬3) في مدح نفسه؛ حيث قال: ¬

_ - الحيوان، البخلاء، وغيرها. وعاش الجاحظ محبوبا في الأوساط الأدبية ولدى الملوك والأمراء، وله نوادر كثيرة معهم. وامتد به العمر حيث مات سنة (255 هـ). انظر في ترجمته: نزهة الألباء (192)، معجم الأدباء (16/ 74). وانظر فيما نقله عنه الشارح: معجم الأدباء في ترجمته، ونصه: «وممّا قاله الجاحظ: إذا سمعت الرّجل يقول: ما ترك الأوّل للآخر شيئا فاعلم أنّه ما يريد أن يفلح». وقد نقل هذا ابن جني أيضا عن الجاحظ في كتابه الخصائص: (1/ 190) طبعة بيروت. (¬1) هو أبو تمام الشهير بكنيته الشاعر الأديب، ولد بقرية جاسم من قرى سوريا سنة (188 هـ)، ثم رحل إلى مصر، ثم عاد إلى بغداد؛ ليمدح المعتصم فأجازه وقدمه على شعراء وقته، وفي شعره قوة وجزالة؛ لأنه كان يحفظ الآلاف من أشعار العرب، وقد جمعها في ديوانه المشهور بالحماسة، وقد كتبت في سيرته وأخباره كتب كثيرة، توفي بالموصل سنة (231 هـ). انظر في ترجمته: نزهة الألباء (ص 155)، الأعلام (2/ 170). (¬2) البيتان من بحر السريع من قصيدة لأبي تمام يمدح بها أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي ويستميحه. ديوان أبي تمام (1/ 315) (دار الكتاب العربي). والبيت الأول اعتراف بالجميل والثاني يذكر فيه أبو تمام أن ممدوحه عظيم لم يترك لمن بعده شيئا من العظمة. والاستفهام فيه بمعنى النفي، ومن فيه إما بمعنى الذي أو نكرة موصوفة. والشاهد: في البيت الثاني في معنى: وهو أنه يجب بعث الهمة والنشاط وطرد اليأس والكسل. (¬3) هو أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان بن داود التنوخي، ولد بمعرة النعمان سنة (363 هـ)، وذهب بصره بعد مولده بأربع سنين، وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة، ورحل إلى بغداد ولزم منزله إلى أن مات سنة (449 هـ). كان أبو العلاء غزير الفضل شائع الذكر، وافر العلم. ترجم له ياقوت في حوالي نصف جزء من كتابه معجم الأدباء (3/ 107) وما بعدها، اشتهر أبو العلاء في الوسط العلمي بالأدب والشعر، ولا يعرف الناس عنه أنه كان عالما بالنحو وأن له مؤلفات فيه، وقد صنفت في أبي العلاء المعري رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحت عنوان: النّحو في آثار أبي العلاء المعريّ، تأليف (د/ محمد أبو المكارم قنديل). أما مصنفاته النحوية فمنها: تعليق الجليس مما يتصل بكتاب الجمل لأبي القاسم الزجاجي، إسعاف الصديق: ثلاثة أجزاء تتعلق بالجمل أيضا. كتاب شرح لكتاب سيبويه، ظهير العضدي، وهو كتاب في النحو يتصل بالكتاب المعروف بالعضدي لأبي علي الفارسي. -

3 - وإنّي وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل (¬1) وهو من أحسن ما قيل [1/ 9] في مدح المتأخرين نفوسهم. والمنصف هو أبو العباس المبرد (¬2) حيث يقول في «الكامل» له: «وليس لقدم العهد يفضّل القائل ولا لحدثانه يهتضم المصيب ولكن يعطى كلّ ما يستحق» (¬3). (أعاذنا الله من حسد يسدّ باب الإنصاف ويصدّ عن جميل الأوصاف)، أعاذنا: حمانا وحفظنا. والحسد: أول ذنب عصي الله به في السموات وفي الأرض. فأما في السماء فحسد إبليس آدم، وأما في الأرض فحسد قابيل هابيل، فالحسد حمل إبليس على الكفر، وحمل قابيل على قتل أخيه (¬4). وكفى الحسود إتعاب نفسه. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا راحة لحسود (¬5). ¬

_ - وله كتب أخرى في الأدب، كشرح ديوان المتنبي، وله رسالة الغفران في الأدب والفقه والمواعظ، وله دواوين شعر كثيرة مشهورة. انظر في ترجمته: معجم الأدباء (3/ 107)، بغية الوعاة (1/ 333)، الأعلام (1/ 150). (¬1) البيت لأبي العلاء المعري من بحر الطويل من قصيدة مشهورة له مطلعها: ألا في سبيل المجد ما أنا فاعل ... عفاف وإقدام وحزم ونائل وبيت الشاهد غاية في الفخر والاعتزاز بالنفس. انظر القصيدة والبيت في شروح سقط الزند (ص 519) طبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة. (¬2) هو محمد بن يزيد الأزدي البصري أبو العباس الملقب بالمبرد بكسر الراء. وهو لقب أطلقه عليه المازني لما سأله عن دقيق في النحو وعويص فيه فأجابه أبو العباس، ومعنى المبرد: أي المثبت للحق، إمام العربية في بغداد في زمانه وزعيم الطبقة السابعة عند البصريين، كان فصيحا بليغا مفوها ثقة علامة صاحب نوادر ولا سيما في صباه، حفلت كتب الأدب والنحو بمناظرات له بينه وبين ثعلب معاصره من زعماء الكوفيين. من مصنفاته: المقتضب وهو كتاب عظيم في النحو مشهور، والكامل وهو في الأدب مشهور أيضا وله غير ذلك ولد سنة (210 هـ) وتوفي ببغداد سنة (285 هـ). انظر في ترجمته بغية الوعاة (1/ 269)، الأعلام (8/ 15)، نشأة النحو (ص 45، 95). (¬3) انظر في هذا النص: الكامل للمبرد: (1/ 35) طبعة دار الجيل بيروت (حنا الفاخوري). (¬4) في الأول نزل قوله تعالى: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص: 76]. وفي الثاني نزل: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ [المائدة: 30]. (¬5) انظر في هذا المعنى قوله كرم الله وجهه: صحّة الجسد من قلّة الحسد (نهج البلاغة (ص 398) طبعة كتاب الشعب).

ولقد أحسن التّهاميّ (¬1) حيث قال: 4 - إنّي لأرحم حاسديّ لفرط ما ... ضمّت صدورهمو من الأوغار نظروا صنيع الله بي فعيونهم ... في جنّة وقلوبهم في نار لا ذنب لي قد رمت كتم فضائلي ... فكأنّما برقعتها بنهار (¬2) وفي قول المصنف: يسد ويصد، الجناس المضارع. وهو كالجناس اللاحق إلا في شيء واحد وهو تقارب الحرفين المختلفين في المخرجين، كما رأيت من تقارب السين والصاد. (وألهمنا شكرا يقتضي توالي الآلاء ويقضي بانقضاء اللّأواء). والإلهام: الإلقاء في الروع، يقال: ألهمه الله كذا أي: ألقى في روعه. والشكر: الثناء على المحسن بما أولى من المعروف، وليس هذا موضع بسط الكلام فيه. وتوالي: ترادف وتتابع، والآلاء: النعم، واحدها ألي بالفتح وقد يكسر كمعي وأمعاء. ولقضى معان منها: حكم: قال الله تعالى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (¬3). فالمعنى: ويحكم بانقضاء اللأواء وهي الشدة. وفي الحديث: «من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهنّ كنّ له حجابا من النّار» (¬4). ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن محمد بن نهد التهامي، شاعر مشهور من أهل تهامة بين الحجاز واليمن. زار الشام والعراق، وولي خطابة الرمي، ثم رحل إلى مصر متخفيا ومعه كتب من حسان بن مفرح الطائي أيام استقلاله ببادية فلسطين إلى بني مرة قبيل عصيانهم بمصر، فعلمت به حكومة مصر فاعتقلته وحبسته بالقاهرة ثم قتل سرّا في سجنه وكان ذلك سنة (416 هـ)، له ديوان شعر مطبوع، وشعره سهل ميسور. انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (5/ 145). (¬2) الأبيات من بحر الكامل وهي من القصيدة المشهورة لأبي الحسن التهامي في رثاء ابن صغير له ومطلعها: حكم المنيّة في البريّة جار ... ما هذه الدّنيا بدار قرار ومعنى الأبيات واضح، وهي في ذم الحسد ووصف حال الحاسد وفيها هجو للناس. انظر ديوان أبي الحسن التهامي (ص 31) مطبعة الأهرام (الإسكندرية). (¬3) سورة الإسراء: 23. (¬4) الحديث في صحيح مسلم (8/ 38) (كتاب التحرير بالقاهرة) وروايته فيه: من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كنّ له سترا من النار. وهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 154): من كان له ثلاث بنات فصبر عليهنّ فأطعمهن وسقاهنّ وكساهنّ من جدّته كنّ له حجابا من النّار، =

والقاعدة الكلية: قلب همزة التأنيث المنقلبة عن حرف زائد في التثنية واوا، كحمراوان، إلا في هذه الكلمة - أعني لأواء - وفي كلمة أخرى وهي حواء، فإن الهمزة فيهما لا تقلب بل تقر في التثنية كالأصلية، فيقال: لأواءان وحواءان، كما يقال: قرّاءان (¬1). (وها أنا ساع فيما انتدبت إليه مستعينا بالله عليه) أي: وها أنا مجدّ. وأصل السعي العدو فجعل توجهه إلى هذا التصنيف بوجه مجد، كما أن الساعي هو المجد في المشي. ويقال: ندبه إلى كذا وانتدبه: دعاه إليه فانتدب، أي: أجاب، فقوله: انتدب - بالبناء لما لم يسم فاعله - إعلام بأنه طلب منه ذلك ودعي إليه. (ختم الله لي ولقارئيه بالحسنى وحتم لي ولهم الحظّ الأوفى في المقرّ الأسنى)، ختم: جعل آخر أمرنا وخاتمته، والمراد بالحسنى: الحسن وهو الموت على الإسلام، وحتم: معناه أوجب قاله في الصحاح (¬2). وبين ختم وحتم جناس التصحيف لاتفاق الكلمتين وذوات بعضها مع اتحاد الكتابة؛ فهو نظير قوله تعالى: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (¬3). ومنه قول ابن المعتز (¬4): 5 - له وجه به يصبي ويضني ... ومبتسم به يشقي ويشفي (¬5) ¬

_ = ومعناه أيضا في سنن الترمذي (4/ 318) (طبعة بيروت). (¬1) القرّاء: بالفتح: الحسن القراءة وجمعه قراءون، وبالضم: الناسك المتعبد وجمعه قراءون أيضا (القاموس: قرأ). (¬2) انظر (5/ 1892) من المعجم المذكور طبعة بيروت، ونصه: وحتمت عليه الشيء: أوجبته. (¬3) سورة الكهف: 104. وأول الآية أو الآيتين: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. (¬4) هو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي ولد سنة (246 هـ)، كان أديبا بليغا وشاعرا مطبوعا تعلم على أيدي المبرد وثعلب، واتفق جماعة على خلع الخليفة المقتدر سنة (296 هـ) ثم تولية ابن المعتز. ولكن أنصار المقتدر استطاعوا أن يقضوا على ابن المعتز ومن معه ويقتلوهم جميعا وعلى رأسهم عبد الله. ومن مصنفاته: كتاب البديع في البلاغة، وطبقات الشعراء، وديوان شعر وغير ذلك. انظر في ترجمته: وفيات الأعيان (3/ 76)، نزهة الألباء (ص 233). (¬5) البيت من بحر الوافر في ملحقات شعر ابن المعتز في رسالة بجامعة القاهرة (ص 116) وهو أيضا في =

والحظ: النصيب، والأسنى: الأعلى، والمقر الأسنى: هو الجنة، جعلنا الله تعالى من أهلها بمنه وكرمه!. وصلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. * * * ¬

_ = العمدة لابن رشيق (1/ 327) والبيت ثاني بيتين فقط أولهما: لئن نزّهت سمعك عن كلامي ... لقد نزّهت في خدّيك طرفي والبيتان ليسا في ديوان ابن المعتز طبعة القاهرة. والبيت شاهد لجناس التصحيف وفيه شاهدان: أولهما: بين يصبي ويضني، والثاني: بين يشقي ويشفي.

الباب الأول باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلق به

الباب الأول (*) باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلّق به * [تعريف الكلمة] قال ابن مالك: (الكلمة لفظ مستقلّ دالّ بالوضع تحقيقا أو تقديرا أو منويّ معه كذلك). ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 10] قال ناظر الجيش: الترجمة واضحة، وعدل المصنف عن لفظ الحد إلى لفظ الشرح؛ لأنه أعم فهو يصدق على التعريف الحدي والتعريف الرسمي (¬1). والضمير في: به: يرجع إلى شرح لا إلى الكلام، كما توهمه بعضهم، وقد وقفت على هذه الترجمة في نسخة من نسخ هذا الكتاب، ذكر المصنف بخطه عليها أنها النسخة الأولى فقال فيها: «باب شرح الكلمة والكلام وما يتعلّق بذلك من العلامات والأقسام». فأبان المقصد بما عاد عليه الضمير هنا. الكلمة: تقال في اللغة بطريق الاشتراك لمعنيين: أحدهما: الكلام التام أي المفيد كقوله تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (¬2). وكقوله صلّى الله عليه وسلّم «الكلمة الطّيّبة صدقة» (¬3)، و «أصدق (¬4) كلمة قالها شاعر، كلمة لبيد: - ¬

_ (*) كلمات: الباب الأول، الباب الثاني .... إلخ، من عملنا في التحقيق. (¬1) التعريف الحدي: ما كان بالذاتيات، أو: هو ما كان بالجنس والفصل القريبين، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق. والتعريف الرسمي: ما كان بالعرضيات، أو هو ما كان بالجنس القريب والخاصة اللازمة، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك. قال أبو حيان: «ذكر المصنف باب شرح الكلمة ولم يذكر باب حدّ الكلمة؛ لأن الحدّ بالشيء عسير الوجود؛ فعدل عن لفظ حد إلى لفظ شرح وكلاهما يشترك في كشف المحدود وبيانه» (التذييل والتكميل 1/ 13). (¬2) سورة التوبة: 40. (¬3) الحديث في صحيح البخاري: (8/ 11) في كتاب الأدب (طبعة صبيح). وهو حديث مستقل مروي عن أبي هريرة. وجعله أحمد بن حنبل في مسنده: (2/ 316) (دار صادر بيروت) جزءا من حديث ونصه مرويّا عن أبي هريرة أيضا: قال عليه السّلام: «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشّمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابّته تحمله عليها أو تدفع له متاعه عليها صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة». والحديث جاء أيضا في المسند المذكور (2/ 350، 374). (¬4) الحديث في صحيح مسلم (7/ 49) وقد روي بروايات مختلفة منها: أشعر كلمة تكلم بها العرب كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، ومنها: أصدق بيت قالته الشعراء: ألا كل شيء .. إلخ. والحديث في صحيح البخاري (8/ 120)، وفي مسند الإمام (2/ 248، 393).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 6 - ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل: ... [وكلّ نعيم لا محالة زائل] (¬1) ثانيهما: أحد مفردات الكلام وهو الاسم وحده أو الفعل وحده أو الحرف وحده وهذا هو المصطلح عليه في علم النحو. واعلم أن اللّفظ هو الصوت الذي يعتمد على مقاطع الحروف، واحترز بذلك من الصوت الساذج. وأن المستقل (¬2): هو الذي لا يفتقر في الدلالة على معناه إلى غيره. وأن الدال: هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء واحد. وأن الوضع: تخصيص شيء بشيء؛ بحيث يفهم المراد من ذلك الشيء. فقوله: لفظ: جنس يدخل تحته كل ملفوظ به، مهملا كان أو مستعملا. وهو أولى بالذكر من: لفظة؛ لأمرين: أحدهما: أن التاء للوحدة وهي إنما تتحقق في الحرف الواحد. ولا يستقيم ذلك؛ إذ الكلمة ليست محصورة فيه، واللفظ يقع على كل ملفوظ به، حرفا كان أو أكثر. الثاني: أن لفظا مصدر مراد به المفعول، كقولهم للمخلوق خلق، وللمنسوج نسج. والمعهود في هذا استعمال المصدر غير المحدود بالتاء. وأكثر ما يوجد في عبارات المتقدمين: لفظ لا لفظة، كعبارة سيبويه في الباب المترجم بباب اللّفظ للمعاني حيث قال (¬3): - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة العامري، يرثي فيها النعمان بن المنذر وكلها في الحكم والمواعظ (الديوان ص 131). ويستشهد بالبيت: على أن الكلمة قد تطلق على الكلام الكثير. ترجمة لبيد: هو لبيد بن ربيعة بن مالك العامري، من شعراء الجاهلية وفرسانهم، كان على رأس مائة فارس قتلوا المنذر ابن ماء السماء، واشتهر لبيد بالسخاء كأبيه وأدرك الإسلام وأسلم. ولم يقل في الإسلام إلا قوله (من البسيط). الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى كسيت من الإسلام سربالا له شعر قبل إسلامه يشير إلى البعث والحساب والإيمان بالله. طلب منه عمر بن الخطاب شعرا فتلا عليه سورة البقرة فزاده عمر في العطاء. عاش مائة وسبعا وخمسين عاما. ومات في خلافة معاوية ودفن بالكوفة. انظر ترجمته في الشعر والشعراء: (1/ 280)، خزانة الأدب (2/ 246) بتحقيق عبد السّلام هارون. (¬2) معناه: واعلم أن المستقل وكذا ما بعده، أي: واعلم أن الدال هو الذي .. واعلم أن الوضع ... إلخ. (¬3) انظر كتاب سيبويه: (1/ 24) وفيه زيادة على ما ذكره: واختلاف اللفظين والمعنى واحد. ومثّل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «واعلم أنّ من كلامهم اختلاف اللّفظين لاختلاف المعنيين» ومثّل ذلك بـ «جلس وذهب». ولم يقل: اختلاف اللفظتين. فتصدير حد الكلمة بلفظة، مخل ومخالف للاستعمال المشهور، بخلاف تصديره بلفظ. وقوله: مستقلّ: فصل مقدم لفظا والنية به التأخير عن ما بعده، وأراد به هنا ما ليس بعض اسم كياء [1/ 11] زيدي وتاء مسلمة ولا بعض فعل كهمزة أعلم وألف ضارب. قال المصنف (¬1): «فإنّ كلّ واحد من هذه المذكورات لفظ دالّ بالوضع وليس بكلمة لكونه غير مستقلّ. وقوله: دال بالوضع: فصل أخرج به المهمل، كديز مقلوب زيد؛ فإنه لم يوضع لشيء، وإن دل السامع على حضور الناطق به وغير ذلك، فتلك دلالة عقلية لا وضعية (¬2) وليست بمقصودة هنا. وقوله: تحقيقا أو تقديرا: تقسيم للدال وليس تتمة للحد، أي الدال بالوضع: إما أن يدل تحقيقا وإما أن يدل تقديرا، أي يقدر أنه دال وإن لم تكن له دلالة. وإنما ذكر: تحقيقا؛ توطئة لقوله: تقديرا. أما الدال تحقيقا: فنحو زيد ورجل؛ لأن كلّا منهما دال على معناه دلالة متحققة. وأما الدال تقديرا: فكأحد جزأي العلم المضاف، نحو امرئ القيس، ونحو غلام زيد إذا جعلته علما، فإن امرأ فقط أو القيس فقط من هذا الاسم ليست لهما دلالة على شيء، فيقدر أنهما دالان فمجموع اللفظين من حيث هو اسم لمسمى واحد كلمة واحدة باعتبار المعنى ومن حيث هو مضاف ومضاف إليه كلمتان باعتبار - ¬

_ - بذهب وانطلق، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين ومثّل لذلك بوجدت عليه من الموجدة، ووجدت، إذا أردت وجدان الضالة. (¬1) يقصد بالمصنف هنا وطوال شرحه: ابن مالك؛ فهو الذي صنف كتاب التسهيل وشرح بعضه، انظر ما ذكره فيه: (1/ 4) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬2) الدلالة الوضعية: فهم أمر من أمر بالوضع، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، والأسد على الرجل الشجاع، ودلالة الإشارات على معانيها الوضعية، كدلالة الإشارة باليد على معنى تعال أو اذهب. والدلالة العقلية: فهم أمر من أمر بالعقل، كدلالة اللفظ على حياة لافظه والأثر على المؤثر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ؛ لأن المتضايفين لا يكونان إلا اسمين أو في تقدير اسمين (¬1)، ولولا أنهما في تقدير اسمين لما أعرب الاسم الأول؛ إذا الإعراب لا يكون وسط الكلمة فامرؤ القيس اسم واحد تحقيقا؛ لأن مسماه لا يدرك بأحد جزئيه، وهو اسمان تقديرا؛ لأنه في اللفظ بمنزلة غلام زيد إذا لم يصر علما. قال المصنف: والحاصل أن إطلاق الكلمة على ثلاثة أقسام: حقيقي: وهو الذي لا بد من قصده. ومجازي مهمل في عرف النحاة: وهو إطلاق الكلمة على الكلام التام. فلا يتعرض لهذا بوجه. ومجازي مستعمل في عرفهم: وهو إطلاقها على أحد جزأي العلم المضاف؛ فترك التعرض له جائز، والتعرض له أجوز؛ لأن فيه مزيد فائدة (¬2). وقوله: أو منوي معه كذلك تقسيم للمحدود. أي الكلمة إما لفظ أو غير لفظ لكنه منوي مع اللفظ. قال المصنف: «لما كان الاسم بعض ما تتناوله الكلمة وكان بعض الأسماء لا يلفظ به كفاعل أفعل وتفعل (¬3) دعت الحاجة إلى زيادة في الرسم ليتناول بها ما لم يتناوله اللفظ، فقيل: أو منويّ معه، أي: مع اللفظ». ومنوي: صفة قامت مقام موصوفها، والتقدير: الكلمة لفظ مقيد بما ذكر (¬4)، أو غير لفظ منوي مع اللفظ، فالهاء في معه عائدة على اللفظ مقيدا بفصوله. و: كذلك مشار به إلى الاستقلال والدلالة المنبه عليهما، أي المنوي لا يكون كلمة حتى يتصف بالاستقلال والدلالة بالوضع. - ¬

_ (¬1) مثال الاسمين واضح، وما في تقدير الاسمين: ما مثّل به: من امرئ القيس وعبد الله، علمين، ومنه إضافة الظروف إلى الجمل كـ: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة: 119]. (¬2) انظر شرح التسهيل: (1/ 5). ملحوظة: إذا قلنا: انظر: شرح التسهيل؛ بدون نسبة لأحد؛ فهو لابن مالك. (¬3) يصح أن يكون بالتاء، ويصح أن يكون بالنون. وكلاهما فيه مراد الشارح. (¬4) أي: بالاستقلال والدلالة بالوضع. وهو ما سيعبر عنه بفصول التعريف بعد قليل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بهذا القيد من الإعراب المقدر في نحو: يا فتى؛ فإنه يصدق عليه أنه منوي مع اللفظ المقيد ولكنه غير مستقل، هذا شرح الحد المذكور. ثم ها هنا أبحاث: البحث الأول: أورد الشيخ (¬1) على المصنف أن اللفظ جنس بعيد (¬2) لصدقه على المهمل والمستعمل. والقول [1/ 12] أقرب منه لعدم صدقه على المهمل فكان الإتيان به أولى (¬3). والجواب: أنه إنما يلزم الإتيان بالجنس القريب في الحد التام (¬4). ولم يذكر ذلك المصنف على أنه تام بل لم يتمحض كونه حدّا، فقد سماه رسما، وبتقدير كونه حدّا تامّا فالإتيان باللفظ أولى؛ لأن القول يطلق على الرأي، والاعتقاد مجازا وغلب حتى صار كأنه حقيقة، فرفض ذكره في الحد؛ لئلا يوهم دخول غير المراد فيه، وعدل إلى الجنس البعيد لعدم الإيهام. ولا يكفي في الجواب أن يقال: القول يطلق على المهمل أيضا كما هو رأي بعضهم؛ لأن المصنف لا يرى ذلك والقول عنده مخصوص بالمستعمل (¬5). - ¬

_ (¬1) يقصد بالشيخ هنا وطوال شرحه: أبا حيان محمد بن يوسف شارح كتاب التسهيل أيضا، والذي سماه بالتذييل والتكميل، وقد كان شيخا لناظر الجيش ولغيره. وانظر ما نقله عنه شارحنا في التذييل والتكميل (1/ 15) بتحقيق الدكتور/ حسن هنداوي (دار القلم - دمشق). والتذييل والتكميل: سفر ضخم حققه زملاؤنا في عدة أجزاء، وكل جزء في عدة مجلدات. وهو موجود كله في كلية اللغة العربية بالقاهرة، وقد حقق عدة أجزاء منه الدكتور حسن هنداوي (جامعة الإمام بالسعودية) إلى أول باب إن وأخواتها (أربعة أجزاء). (¬2) الجنس البعيد: هو ما لا جنس فوقه وتحته أجناس: كالجسم فإنه لا شيء فوقه وتحته جنس آخر، وهو الحيوان. والجنس القريب: ما لا جنس تحته وفوقه أجناس: كالحيوان بالنسبة للإنسان والفرس. والذي فوقه جنس بعيد، والذي تحته نوع. (¬3) ما أخذه أبو حيان على ابن مالك هو ما أخذه شراح الألفية عليه أيضا حين قال: كلامنا لفظ مفيد كاستقم. انظر حاشية الصبان (1/ 27). (¬4) الحد التام: ما كان بالجنس والفصل القريبين، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ناطق. والحد الناقص: ما كان بالفصل القريب فقط، كناطق في تعريف الإنسان. والتعريف بالرسم: ما كان بالجنس القريب والخاصة اللازمة، كتعريف الإنسان بأنه حيوان ضاحك. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الثاني: قال المصنف: تصدير الحد باللفظ مخرج للخط، ونحوه مما هو كاللفظ في تأدية المعنى (¬1). فنوقش في قوله: مخرج؛ لأن الجنس لا يؤتى به للإخراج، فلا يقال في الحيوان الناطق: إنّا أخرجنا بالحيوان ما ليس بحيوان. والجواب: أن الجنس إذا كان أعم من الفصل مطلقا يذكر لتقييد الذات لا للاحتراز. وأما إذا كان أعم من الفصل من وجه، فيجوز أن يحترز به. والجنس الذي هو اللفظ هنا أعم من الفصل الذي هو الوضع من وجه؛ لأن اللفظ قد يوجد بغير وضع كما في المهملات. والوضع قد يوجد بغير لفظ كما في النّصب وغيرها (¬2). فبين الجنس والفصل هنا عموم من وجه فجاز أن يخرج بالجنس؛ لأنه قد يتصور فيه (¬3) أن يكون فصلا بعد جعل الفصل المذكور معه جنسا. فبهذه الحيثية ساغ فيه ذلك. البحث الثالث: قد تقدم قول المصنف أنّ المعهود عند إطلاق المصدر مرادا به المفعول استعمال غير المحدود بالتّاء، قالوا: وقد جاء المصدر المحدود بمعنى المفعول، قال الله تعالى: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬4)، أي: مقبوضته. والجواب: أن قبضته هنا ليست مصدرا، وإنما هي اسم أنث بالتاء لوقوعه خبرا عن مؤنث وهو الأرض. وأما وجهة، في قوله تعالى: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها (¬5): إن قيل: إنها بمعنى المفعول هنا فغير وارد؛ لأن التاء فيها ليست للوحدة والمصدر موضوع عليها، كما في - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 4). (¬2) النّصب: جمع نصبة وهي الحال الناطقة بغير اللفظ، والمشيرة بغير اليد. وذلك ظاهر في خلق السموات والأرض، بالنسبة إلى وجود الله، ومن ذلك أيضا: الإشارات والعلامات التي تدل على شيء: كإشارات المرور للسيارات والقطارات، وقصبة السبق وغير ذلك. (¬3) كلمة: قد ساقطة من نسخة (ب)، (جـ). (¬4) سورة الزمر: 67. (¬5) سورة البقرة: 148.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمة ونشدة. فالتاء في هذه الألفاظ لازمة، والحكم المذكور إنما هو في المصدر الذي لم يوضع على التاء. البحث الرابع: تقدم أن المصنف أراد بقوله: مستقلّ ما ليس بعض اسم، كياء زيدي وتاء مسلمة، ولا بعض فعل، كهمزة أعلم وألف ضارب، فلم يفصح عن تفسير المستقل، وإنما مثّل لغير المستقل، وتمثيله له بياء النسب وهمزة أعلم ونحوهما (¬1) يقتضي أن يكون مراده بالمستقل ما دل على المعنى المقصود بتلك الكلمة؛ لأن الألفاظ التي مثل بها لغير المستقل ليس شيء منها دالّا بنفسه على المعنى، أما الدال فمجموع الكلمة التي ذلك اللفظ جزء منها، وإذا كان مراده ذلك لم [1/ 13] يحتج إلى قيد الاستقلال في حد الكلمة وكان قيد الدلالة كافيا؛ لأن هذا القيد يخرج ما قصد هو إخراجه مستقل، إذ ليس ما ذكر من ياء النسب وألف ضارب دالّا بل الكلمة بتمامها هي الدالة على المعنى المقصود بها. وقد يشكل جعل ياء النسب وتاء التأنيث كالهمزة في أعلم والألف في ضارب، فيقال: إن المجموع في: مسلمة ليس هو الدال على المعنى المراد؛ بل مسلم دال على المتصف بهذا المعنى والتاء دلت على التأنيث. وكذا يقال في نحو زيدي. ولا شك أن ياء النسب وتاء التأنيث ليسا في الامتزاج بما هما فيه كالألف والهمزة المذكورتين وهو واضح. والجواب عن هذا الإشكال أن يقال: استعمال العرب دل على امتزاج التاء والياء بما صحباه، وأن الدال إنما هو المجموع لا ذلك اللفظ وحده، وهو كونهم جعلوا الحرفين المذكورين حرفي الإعراب والتزموا الكسر قبل الياء والفتح قبل التاء، فلو لم يجعلا مع ما هما فيه شيئا واحدا لم يعاملا المعاملة المذكورة. البحث الخامس: قال الشيخ: «إنّما احتاج المصنّف للاحتراز عن بعض اسم وبعض فعل؛ لأنّه أخذ الجنس البعيد وهو اللّفظ ولو أخذ القريب وهو القول لم يحتج إلى التّحرز - ¬

_ (¬1) أي مما يزاد في الكلمة لمعنى، كتاء مسلمة وألف ضارب وياء رجيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمستقلّ؛ لأنّ بعض اسم وبعض فعل لا يقال له قول» (¬1) انتهى. وليس كما ذكره؛ لأنه إذا صدق عليه أنه لفظ دال بالوضع كما يراه المصنف صدق عليه أنه قول جزما، فلو ذكر القول عوض اللفظ لم يستغن عن مستقل أيضا. وقال الشيخ أيضا: «قول المصنّف إنّه احترز بقوله: دالّ بالوضع عن المهمل ليس بجيّد؛ لأنّه قبل هذا الفصل فصل الاستقلال واللّفظ المهمل لا يدخل تحت قوله: مستقلّ؛ فيحتاج أن يحترز عنه بما ذكر» (¬2) انتهى. وهذا عجب من الشيخ: فإن الفصل الذي هو مستقل مقدم لفظا، والنية به التأخير. وقد تقدم أن المصنف حكم على ياء النسب وأخواتها بأن كل واحد منها لفظ دال بالوضع وليس بكلمة لكونه غير مستقل فبيّن أن مراده ما قلناه (¬3). وإذا كان كذلك لا يتوجه ما ذكره الشيخ. فإن قيل: إذا كان المراد ما ذكرت، فلأي شيء قدم لفظ مستقل؟ أجيب عنه: بأنه لو لم يقدمه لوليه تحقيقا أو تقديرا، فيوهم ذلك أنهما راجعان إليه وهما قسمان للدال لا للمستقل. وقد كان يمكنه أن يقول: لفظ دال بالوضع تحقيقا أو تقديرا مستقل؛ لكن يلزم تأخير أحد فصلي الحد عن تقسيم الفصل الآخر وهو غير مناسب. البحث السادس: قيل: الحد المذكور غير مطرد لدخول الكلام فيه؛ إذ يصدق عليه أنه لفظ دال بالوضع مستقل. وغير منعكس (¬4)؛ لخروج بعض أفراد الكلمة عنه، وهو الكلمة المجازية والمنقولة نحو: أسد، المراد به الشجاع والأعلام المنقولة (¬5) لأنهما اذ ذاك غير دالين بالوضع. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل: (1/ 18). (¬2) انظر المرجع السابق (الجزء والصفحة). (¬3) وهو أن الدال بالوضع غير المستقل - كياء النسب - ليس بكلمة. وحتى يكون كلمة فلا بد من استقلاله. (¬4) المراد بكون الحد غير مطرد أي: غير مانع من دخول غير المحدود فيه كما مثله، والمراد بكونه غير منعكس أي: غير جامع لأفراد المحدود، ويشترط في الحدود أن تكون مانعة جامعة. (¬5) مثل: صابر المنقول من اسم الفاعل، ومثله: مسعود وحسن وفضل. وهي أسماء منقولة من اسم المفعول والصفة المشبهة والمصدر (انظر حديث النقل والارتجال في باب العلم من هذا التحقيق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجيب عن عدم الاطراد بأن الكلام خرج بقوله [1/ 14]: بالوضع إذ الكلام ليست دلالته وضعية على الأصح. وعن عدم الانعكاس بأن الحد إنما هو للكلمة الحقيقية الباقية على موضوعها من غير نقل؛ فليست المجازية والمنقولة بمقصودين بل هما خارجان عن الحد (¬1). ويقال فيهما: كلمة مجازية وكلمة منقولة بالتقييد. أو يقال: إن الكلمة لا تخرج بالتجوز فيها والنقل عن الوضع؛ لأن الواضع تجوز وأجاز التجوز بشرطه، ونقل وأجاز النقل أيضا، والوضع حاصل في المجاز والمنقول، وهو استعمال الكلمة استعمالا استعملته العرب ومكنت لاستعماله أيضا. البحث السابع: قد يتوهم أن من حد الكلمة بأنها لفظ دال بالوضع واقتصر عليه يكون حده غير منعكس؛ لخروج الأسماء التي لا يلفظ بها؛ كفاعل أفعل منه، وحينئذ تتعين الزيادة التي زادها المصنف وهي قوله: أو منوي. وليس كما يتوهم؛ فإن المقتصرين على ذلك أرادوا اللفظ إما حقيقة وإما حكما؛ ليدخل فيه ما أشير إليه من الأسماء الواجبة الاستتار؛ فإنها في حكم الملفوظ بها. ويؤيد هذا تسميتهم أنت في نحو: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ (¬2) توكيدا لفظيّا لذلك المستكن، والتوكيد اللفظي إعادة اللفظ؛ فلو لم يجعلوا المقدر في حكم الملفوظ لما ساغت التسمية المذكورة. البحث الثامن: قال الشيخ: «ادّعاء التّركيب في نحو أفعل (¬3) مشكل وكذا ادّعاء الإفراد فيه». أما الأول: فلأن التركيب من عوارض الألفاظ، ويستدعي تقدم وجود ولا وجود (¬4). - ¬

_ (¬1) في نسخة (ب)، (جـ): خارجان عن الحد دون: هما. (¬2) بعض آية من سورة البقرة: 35 وأولها: وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ. (¬3) وزن لفعل مضارع مع فاعله الضمير المستتر وجوبا، مضموم العين كأقتل، أو مكسورها كأضرب، أو مفتوحها كأسعى. (¬4) بمعنى أن كل مركب أقله كلمتان وهنا كلمة واحدة. قال أبو حيان في بقية الاعتراض: «فلو كان وجد ثمّ عرض له حذف لم يشكل». وانظر في الاعتراض كله: التذييل والتكميل (1/ 21).

[تقسيم الكلمة]

[تقسيم الكلمة] قال ابن مالك: (وهي اسم وفعل وحرف). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الثاني: فلأن أفعل يفيد إفادة المركب الذي هو الكلام فلا يمكن دعوى الإفراد فيه. انتهى. والجواب: أنه مركب ولا إشكال؛ فإن غير الملفوظ به في حكم ما لفظ به كما تقدم؛ فيحكم له بحكم اللفظ. قال ناظر الجيش: الكلمة جنس تحته ثلاثة أنواع، وهي المذكورة، والكلمة منحصرة فيها. وللحصر أدلة، منها: الاستقراء (¬1). ومنها: أن الكلمة إما أن تدل على معنى في نفسها أو لا. والثاني الحرف، والأول إما أن يدل على الاقتران (¬2) بأحد الأزمنة الثلاثة أو لا. والثاني الاسم. ومنها: ما ذكره المصنف. وهو أن الكلمة إن لم تكن ركنا للإسناد فهي الحرف وإن كانت ركنا له (¬3) فإن قبلت الإسناد بطرفيه فهي الاسم وإلا فهي الفعل (¬4). ويتعلق بهذا الموضع الكلام على معنى قولهم: الاسم يدل على معنى في نفسه، والحرف يدل على معنى في غيره، والمراد به أن الاسم مستقل بالمفهومية، وأن الحرف غير مستقل بها. ومعنى ذلك: أن نحو من وإلى مشروط في وضعها دالة على معناها الإفرادي ذكر متعلقها، ونحو الابتداء والانتهاء غير مشروط فيها ذلك (¬5). - ¬

_ (¬1) ومعناه: أن أئمة النحو واللغة تتبعوا ألفاظ العرب وكلامهم، فلم يجدوا غير هذه الثلاثة. (¬2) في النسخة (جـ): الإقران. (¬3) في الأصل: وإن كانت ركنا للإسناد. وما أثبتناه من نسخة (ب) وشرح التسهيل وهو أولى حتى لا يتكرر الظاهر الواضح. (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 5). وزاد أبو حيان دليلا رابعا وهو أن المعاني ثلاثة: ذات، وحدث، ورابطة بين الحدث والذات: فالأول الاسم والثاني الفعل والثالث الحرف (التذييل والتكميل: 1/ 22). (¬5) معناه: أن لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر بل مدلوله معناه الذي في نفسه مطابقة. ومعنى من: مضمون لفظ آخر. فيضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي. ولهذا جاز الإخبار عن لفظ الابتداء، نحو: الابتداء خير ولم يجز الإخبار عن معنى من (انظر: شرح الرضي على الكافية: 1/ 10).

[تعريف الكلام]

[تعريف الكلام] قال ابن مالك: (والكلام ما تضمّن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته). ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن الضمير في قولهم: ما دلّ على معنى في نفسه، يرجع إلى معنى أي: ما دل على معنى كائن في نفسه أي: باعتباره في نفسه وبالنظر إليه في نفسه لا باعتبار أمر خارج. وكذا الضمير في غيره في حد الحرف أي: ما دل على معنى كائن في غيره أي [1/ 15] باعتبار متعلقه لا باعتباره في نفسه. وقيل: الضمير في: نفسه يرجع إلى ما دل لا إلى معنى أي: اللفظ الدال على معنى بنفسه من غير ضميمة يحتاج إليها في دلالته الإفرادية؛ بخلاف الحرف؛ فإنه يحتاج إلى ضميمة في دلالته على معنى الإفرادية. وردّ هذا القول بأمرين: أحدهما: أن في لا تستعمل بهذا المعنى (¬1). الثاني: أن المقابل وهو الحرف لا يجري فيه النقيض؛ إذ يصير المعنى: الحرف: ما دل على معنى بغيره، أي: بلفظ آخر معه، وإذا جعل في غيره صفة لمعنى، كان المعنى: ما دل على معنى حاصل في غيره، أي: باعتبار متعلقه فيتطابق الحدان في مقصود التقابل (¬2). قال ناظر الجيش: اشتمل كلام المصنف في المتن والشرح على خمسة ألفاظ، وهي: اللفظ، والقول، والكلمة، والكلم، والكلام. فلنذكرها أولا ثم نعود إلى تفسير الحد. أما اللفظ: فهو مصدر في الأصل. وقد تقدم أنه الصوت الذي يعتمد على مقاطع الحروف. وهو أعم الخمسة لصدقه على المستعمل والمهمل. - ¬

_ (¬1) وهو الإلصاق، وإنما معناها الظرفية. (¬2) معناه: أن الاسم والفعل مستقلان بالمفهومية غير محتاجين لشيء آخر مطلقا؛ بخلاف الحرف؛ فلا يدل على معنى في نفسه بمفرده أو معه كلمة أخرى، وإنما معناه في غيره دائما، سواء كان ذلك الغير مفردا، كلام التعريف في الرجل، أو جملة كالنفي والاستفهام في قولك: ما قام زيد. وهل قام زيد؟

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما القول: فهو اللفظ الدال على معنى؛ فهو أخص من اللفظ؛ لصدقه على المستعمل فقط. لكنه أعم من الثلاثة الباقية؛ لصدقه على الكلمة، والكلم، والكلام. وقد يطلق على ما يفهم من حال الشيء، وعلى الإشارة، وعلى الرأي والاعتقاد. وكل ذلك على سبيل المجاز. وأما الكلمة: فقد علمت أنها تطلق لغة على أمرين (¬1). وإنما خصت في الاصطلاح بأحدهما. وقد تقدم حدها. وهي أخص من القول؛ لإطلاقها على المفرد خاصة؛ فأخصيتها باعتبار الإطلاق؛ لأنه كلما أطلقت الكلمة أطلق القول، وليس كلما أطلق أطلقت الكلمة. وأما الكلم: فقد يستعمل في اللغة مرادا به الكلام. قال الله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ (¬2)، وقال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ (¬3). وأما في الاصطلاح: فهو عبارة عن ثلاث كلمات، سواء أحصلت فائدة أم لا. واختلف النحاة فيه: هل هو جمع للكلمة أو اسم جنس لها (¬4)؟ فذهب جماعة منهم الجرجاني (¬5): إلى أنه جمع وكذا يقولون في كل ما الفرق بينه وبين واحده التاء كنبق وتمر. - ¬

_ (¬1) أحدهما في اللغة: وهو إطلاقها على الكلام المفيد. والثاني في الاصطلاح: وهو أحد مفردات الكلام ... الاسم أو الفعل أو الحرف. وحدّها: لفظ مستقل دال بالوضع تحقيقا أو تقديرا أو منوي معه كذلك. (¬2) سورة فاطر: 10. (¬3) سورة المائدة: 13. (¬4) الفرق بينهما أن الجمع: ما دل على أكثر من اثنين أو اثنتين بزيادة خاصة في السالم أو بأوزان خاصة في المكسر. أما اسم الجنس: فهو ما دل على ما يدل عليه الجمع؛ لكن يفرق بينه وبين واحده بالتاء؛ فتكون في المفرد، ثم تجرد من الجمع غالبا، مثل: بلحة وبلح، وليست له أوزان خاصة. (¬5) هو الإمام المشهور أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني والنحوي. واضع أصول البلاغة وكبير أئمة العربية والبيان. وتصانيفه كثيرة وطويلة: منها في النحو: المغني في شرح الإيضاح، لأبي علي الفارسي، والمقتصد في شرحه أيضا. وهو مشهور، وكتاب الجمل وشرحه، والعوامل المائة، ومنها في البلاغة: دلائل الإعجاز، وأسرار البيان. وأكثر كتبه موجودة. توفي بجرجان التي لم يفارقها سنة (470 هـ). انظر في ترجمته نزهة الألباء (ص 363)، بغية الوعاة (2/ 106)، الأعلام (4/ 174). وانظر في رأيه الذي نقله عنه الشارح كتابه المحقق في النحو والمسمى: المقتصد في شرح الإيضاح (1/ 69) طبعة العراق. قال عبد القاهر: الكلم جمع كلمة، والكلمة تقع على كلّ جزء حرفا كان أو اسما أو فعلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر كلام ابن جني (¬1) يقتضي أنه جمع؛ لأنه قال (¬2): «قال سيبويه (¬3): هذا باب علم ما الكلم من العربيّة، ولم يقل: ما الكلام؛ لأنّه أراد نفس ثلاثة أشياء: الاسم والفعل والحرف. فجاء بما لا يكون إلّا جمعا وترك ما لا يخصّ الجمع وهو الكلام». وذهب الفارسي (¬4) وغيره من المحققين: إلى أنه اسم جنس، وكذلك كل ما شابهه كنبق وسدر (¬5). ويدل على ذلك تصغيرهم إياه على لفظه. ولو كان جمعا لكان للكثرة وجموع الكثرة لا تصغر على لفظها (¬6). - ¬

_ (¬1) هو أبو الفتح عثمان بن جني، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف. وعلمه بالصرف أكثر؛ لأن أبا علي الفارسي عيره بجهله مسألة في الصرف، فلزمه أربعين سنة يتعلم منه، ولما مات أبو علي تصدر مكانه ابن جني في بغداد. لقي المتنبي وكان المتنبي يجله وقد شرح ابن جني ديوانه شرحين. ومصنفاته كثيرة وعظيمة: أهمها: الخصائص وهو في النحو والصرف واللغة، سر صناعة الإعراب، شرح تصريف المازني، اللمع في النحو، المحتسب في القراءات الشاذة وغير ذلك وكلها مطبوعة. ولد قبل سنة (330 هـ) وتوفي سنة (392 هـ). انظر ترجمته في نزهة الألباء: (ص 342)، بغية الوعاة: (2/ 132)، الأعلام (4/ 364). (¬2) انظر: الخصائص (1/ 25) طبعة بيروت. (¬3) انظر: الكتاب (1/ 12) وهو عنوان أول باب من أبواب كتاب سيبويه. (¬4) هو أبو علي الحسين بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل، ولد في فسا من أعمال فارس. ودخل بغداد سنة (307 هـ) وتجول في كثير من البلدان، وأقام عند سيف الدولة في حلب مدة سنة (341 هـ)، ثم عاد إلى فارس، وصحب عضد الدولة وعلمه النحو وصنف له كتبا. مصنفاته: صنف لعضد الدولة كتاب الإيضاح في النحو الذي شرحه كثيرون. ولما استصغره عضد الدولة عمل له أبو علي التكملة، كما صنف الحجة في القراءات وهو مطبوع في سوريا ومصر. كما صنف التذكرة وهي مفقودة، وسئل في حلب وبغداد والبصرة وشيراز أسئلة كثيرة، فصنف في أسئلة كل بلد كتابا سماه باسمها. وكلها بدور العلم في مصر، توفي ببغداد سنة (377 هـ). انظر في ترجمته: نزهة الألباء (ص 315)، بغية الوعاة (1/ 497)، الأعلام (2/ 194). (¬5) النبق: فيه الأوزان الثلاثة التي في: كتف. وهو ثمر شجر معروف. الواحدة نبقة وفي معناه السدر أيضا. (¬6) انظر كتاب التكملة لأبي علي (ص 155) رسالة ماجستير بجامعة القاهرة. قال أبو علي: «باب في دخول التاء الاسم فرقا بين الجمع والواحد منه: وذلك نحو: تمر وتمرة وشعير وشعيرة وجراد وجرادة؛ فالتاء إذا لحقت في هذا الباب دلّت على المفرد، فإذا حذفت دلت على الجنس والكثرة. ثم قال: فإذا حذفت التاء ذكر الاسم وأنث، وجاء في القرآن الأمران جميعا. وبعد تمثيله قال: ومؤنث هذا الباب لا يكون له مذكر من لفظه لما كان يؤدي إليه من التباس المذكر الواحد بالجمع. فإذا أرادوا المذكر قالوا: هذا حمامة ذكر، وهذا بطة ذكر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم القائلون بأنه اسم جنس اختلفوا فيه على ثلاثة مذاهب: أحدها: وهو قول الأكثرين أنه لا يقع إلا على ما فوق العشرة. وإذا قصد به ما دون ذلك جمع بألف وتاء لأنه جمع قلة (¬1). الثاني: أنه يقع على القليل والكثير. قال بعضهم: «وهذا مقتضى كونه اسم جنس كعسل» [1/ 16]. وأما الثالث: أنه لا يقع على أقل من ثلاث. وهو رأي ابن جني إن كان لا يقول بجمعيته، ورأي المصنف أيضا فإنه قال: «الكلم اسم جنس جمعيّ؛ كالنّبق واللّبن وأقلّ ما يتناول ثلاث كلمات» (¬2). وكأنه احترز بجمعي من اسم الجنس الذي ليس بجمعي؛ كعسل وماء فإنه يقال على القليل والكثير. فالجمعي: هو الذي له أفراد تعد، وغير الجمعي بخلافه. ومن هنا يظن فساد تعليق المذهب الثاني في إطلاق الكلم على القليل والكثير كعسل؛ لظهور الفرق (¬3). والمصنف يوافق الكثيرين في أن اسم الجنس لا يطلق إلا على ما فوق العشرة؛ فإنه قال في باب جمع التكسير من هذا الكتاب (¬4): «تكسير الواحد الممتاز بالتّاء محفوظ استغناء بتجريده في الكثرة وبتصحيحه في القلّة». وهذا صريح في الموافقة، وليس في قوله هنا: وأقلّ ما يتناول ثلاث كلمات، مناقضة؛ فإن القائلين بهذه المقالة معترفون بأن الكلام يطلق مرادا به - ¬

_ (¬1) أي: لأن المجموع بالألف والتاء أو الجمع السالم كله جمع قلة. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 7). وانظر فيما يطلق عليه لفظ الكلم: الهمع (1/ 12) فقد لخص ما قاله شارحنا هنا. يقول السيوطي: «وفي شرح التّسهيل لناظر الجيش: اختلف النّحاة في الكلم: فذهب جماعة منهم الجرجاني إلى أنه جمع للكلمة وذهب الفارسيّ وغيره من المحققين إلى أنه اسم جنس لها. ثم اختلفوا على مذاهب: أحدها وعليه الأكثر: أنّه لا يقع إلّا على ما فوق العشرة. وإذا قصد به ما دونها جمع بألف وتاء والثّاني: أنّه يقع على القليل والكثير والثّالث: أنه لا يقع على أقلّ من ثلاث وعليه ابن مالك». (¬3) وهو أن الكلم له أفراد تعد. وهي الاسم والفعل والحرف؛ فلا يطلق عليه اسم جنس جمعي ذلك الذي يصدق على القليل والكثير بلفظ واحد كعسل وإنما يطلق عليه اسم جنس إفرادي. (¬4) انظر: تسهيل الفوائد (ص 268) تحقيق: محمد كامل بركات. وزارة الثقافة (1967 م).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثلاث، ويعتذرون عن ذلك بما سنذكره؛ فاستقام كلام المصنف ثم، وهنا. وقد اعتذر الشّلوبين (¬1) عن إطلاق الكلم على الثلاث التي هي الاسم والفعل والحرف بأن قال: «أرادوا الأجناس والأجناس لا تنحصر أفرادها» (¬2). وردّ عليه (¬3) بأن آحاد الكلم إنما هي الكلمة التي يراد بها جنس الأسماء، والكلمة التي يراد بها جنس الأفعال، والكلمة التي يراد بها جنس الحروف، فالكلم إذا لم يقع مما يقع عليه واحده إلا على ثلاث خاصة. واعتذر ابن عصفور (¬4) عن ذلك بـ «أنّ العرب إنّما أوقعت اسم الجنس على ما فوق العشرة وجمعته بالألف والتّاء فيما دون ذلك؛ تفرقة بين القليل والكثير؛ حتّى لا يلتبس أحدهما بالآخر، وهذه التفرقة لا تتصوّر هنا، لأن الكلم إذا كان جمعا للكلمة الواقعة على كل واحد من الأجناس الثّلاثة لم يكن لها جمع قليل - ¬

_ (¬1) هو الأستاذ أبو علي الإشبيلي عمر بن محمد المعروف بالشلوبين. وهو لقب أبيه ومعناه الأبيض الأشقر. إمام العربية في عصره بالمشرق والمغرب تتلمذ على الأبذي (الهمع 2/ 100) وغيره، وتخرج على يديه كثيرون كالسهيلي وابن عصفور وأبي الحسن بن الضائع. مصنفاته: التوطئة، محقق مرتين، شرح على الجزولية بمعهد المخطوطات وقد طبع بتحقيق د/ تركي العتيبي شرح على المفصل بمعهد المخطوطات أيضا، تعليق على كتاب سيبويه. عاش أبو علي أكثر من ثمانين سنة فقد ولد سنة (562 هـ) وتوفي سنة (645 هـ) انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 225)، الأعلام (5/ 224). (¬2) جاء في شرح الجزولية لأبي علي قوله عن صاحب الجزولية (أبو موسى الجزولي): «وقسمته الجنس إلى أنواعه ممكنة، وأمّا قسمته الجنس إلى أشخاصه أو النّوع إلى أشخاص فغير ممكنة في الحقيقة؛ لأن الأشخاص لا تنحصر ... ثم قال: فالقسمة إلى الأشخاص مسامحة وإلّا فالقسمة حقيقة إليها غير ممكنة لما ذكر من عدم انحصارها» انظر شرح الجزولية (1/ 202) بتحقيق د/ تركي العتيبي (مؤسسة الرسالة - بيروت). (¬3) انظر: التذييل والتكميل. (¬4) هو أبو الحسن علي بن مؤمن بن محمد بن علي بن عصفور الحضرمي الإشبيلي، إمام أهل الأندلس وحامل لواء النحو عند المغاربة، تخرج على يديه كثيرون ولم يكن عنده إلا النحو ليؤخذ عنه، ولم يكن عنده ورع؛ بل كان يحضر مجالس اللهو، ولد سنة (597 هـ) وتوفي سنة (663 هـ). مصنفاته: المقرب، وهو مطبوع مشهور. وقد شرحه الدكتور/ علي محمد فاخر في عدة أجزاء، وشرح الجمل وهو مطبوع أيضا. الممتع في التصريف وهو مطبوع مشهور. وكتب أخرى مفقودة. ترجمته في بغية الوعاة (2/ 210)، الأعلام (5/ 179). ولم أجد رأيه هذا في المقرب ولا في شرح الجمل وهو في التذييل والتكميل (1/ 29) منسوبا لابن عصفور أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا كثير فيفرّق بينهما، ألا ترى أنّه ليس للكلم ولا للكلمات ما يقعان عليه إلّا الأجناس الثّلاثة خاصّة، فلمّا لم تتصوّر التّفرقة شاع وقوع اسم الجنس موقع الجمع بالألف والتّاء؛ لأنّ اللّبس إذ ذاك قد أمن» (¬1). وأما الكلام فهو في اصطلاح النحاة: عبارة عن الجمل المفيدة كما سيتضح عند تفسير قيود حده. وقد اختلف فيه قبل نقله وتخصيصه بما ذكر: هل هو مصدر أو اسم مصدر؟ فمذهب البصريين: أنه اسم مصدر كالعطاء اسم للمعطى وهو الصحيح؛ لأن الفعل المستعمل من هذه المادة مرادا به معنى الحديث ليس إلا ثلاثة أبنية: كلم وتكلم وكالم، ومصادرها الجارية: التّكليم والتّكلّم والمكالمة والكلام (¬2). وليس الكلام جاريا على واحد من الأفعال الثلاثة. ومذهب الكوفيين: أنه مصدر. قال الشيخ بهاء الدين النحاس (¬3) رحمه الله: «واستدلّوا على ذلك بإعماله في قولك: كلامك زيدا حسن. وقال الشّاعر: - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل: (1/ 29) وبعد كلام شارحنا قال أبو حيان موضحا: «وأيضا فإنك إن جمعت بالألف والتّاء فلأن الثّلاثة قليل، وإن أتيت باسم الجنس فلأنّ هذه الثّلاثة هي جميع ما يقع عليه كلم». انتهى. ومعنى كلام ابن عصفور: أن ما صدق عليه لفظ كلم من أفراد في الخارج هو ما صدق عليه كلمات؛ فلا تناقض. (¬2) قال في اللسان (كلم): «تكالما: إذا تحدّثا بعد تهاجر، ومن المصدر: تكلّام بكسر الأول والثّاني وتشديد الثّالث». (¬3) انظر التعليقة على المقرب المسمى شرح المقرب لبهاء الدين النحاس (مخطوطة بالأزهر - 4947 - ورقة 3). ترجمة النحاس: هو الإمام أبو عبد الله بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر بن النحاس الحلبي النحوي شيخ الديار المصرية ولد سنة (627 هـ)، وتعلم العربية على يد ابن عمرون وغيره وتخرج على يديه كثيرون منهم أبو حيان، كان كريما ثقة حجة فيما يرويه، فاضلا يسعى في مصالح الناس، عاش في مصر وفوض إليه تدريس التفسير بالمدرسة المنصورية والجامع الطولوني. قال عنه السيوطي: «لم يصنف شيئا إلا ما أملاه شرحا لكتاب المقرّب» وتوفي سنة (698 هـ). انظر ترجمته في: بغية الوعاة: (1/ 13)، الأعلام (6/ 187).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 7 - ألا هل إلى ريّا سبيل وساعة ... تكلّمني فيها من الدّهر خاليا [1/ 17] فأشفي نفسي من تباريح ما بها ... فإنّ كلاميها شفاء لما بيا (¬1) فأعمل كلامي في الضّمير». انتهى. ولا يظهر لي هذا الذي ذكره؛ فإن الكوفيين لا يمنعون إعمال اسم المصدر؛ بل لا يعمله إلا هم. قال ابن عصفور لما ذكر اسم المصدر: «مذهب الكوفيين العمل وعند البصريّين لا يعمل إلا في ضرورة» (¬2). وإذا كان كذلك فكيف يستدل الكوفيون على المصدرية بالعمل؟ وأشكل من ذلك قول الشيخ بهاء الدين مجيبا عن استدلال الكوفيين المذكور: «إنّ اسم المصدر يعمل عمل المصدر بإجماع». وقد علمت خلاف الفريقين؛ اللهم إلا أن يقال: كون البصريين أجازوا عمله - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الطويل وهما لذي الرمة في ملحقات ديوانه (ص 676) إلا إن الذي في الديوان بيت واحد ملفق من هذين البيتين. وفيه ميّ مكان ريّا. والتباريح: جمع تبريح وهو شدة الشوق. والشاهد في البيت الثاني: على أن لفظ الكلام مصدر، بدليل عمله النصب في ضمير الغيبة بعد إضافته إلى ضمير الفاعل، ورده ناظر الجيش قائلا: إنه اسم مصدر عامل واسم المصدر يعمل في الشعر عند جميع النحاة، وانظر شرح هذا الموضع بالتفصيل في شرح المفصل لابن يعيش (1/ 21) والبيتان في التذييل والتكميل. وفي معجم الشواهد (ص 425). ترجمة ذي الرمة: هو أبو الحارث غيلان بن عقبة عربي أصيل، أحد فحول الشعراء، وأحد عشاق العرب المشهورين. وصاحبته مي بنت عاصم وكانت من أجمل النساء فجن بها ذو الرمة وسار شعره فيها. وأخباره كثيرة وله ديوان شعر كبير، وكتبت فيه كتب وعاش أربعين سنة فقط حيث توفي سنة (117 هـ). وللدكتور علي محمد فاخر كتاب كبير يسمى: دراسات نحوية وصرفية في شعر ذي الرمة مطبوع سنة (1996 م). انظر ترجمته في وفيات الأعيان (4/ 11)، الشعر والشعراء (2/ 531). (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 119) يقول: «فأمّا الاسم الّذي في معنى المصدر فلا يعمل إلّا حيث سمع وذلك في مثل قول الشّاعر: أكفرا بعد رد الموت عنّي ... وبعد عطائك المائة الرّتاعا» ثم قال: «وأهل الكوفيّين يجيزون ذلك ويجعلونه مقيسا وهذا خطأ عندنا؛ لأنّه لم يكثر كثرة توجب القياس»، وانظر المذهبين في الهمع: (1/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرورة يقتضي صحة جواز نسبة ذلك إليهم في الجملة؛ فلا يمتنع دعوى الإجماع. ويطلق الكلام في اللغة على أشياء: منها: نفس الفعل الذي هو التكلم، وهو الأصل فيه، وهذا الإطلاق على خلاف فيه (¬1): أهو مصدر أم اسم مصدر؟ كما تقدم. ومنها: ما يفهم من حال الشيء. ومنها: الإشارة. ومنها: الخط. ومنها: المعاني التي في النفس. ومنها: الجمل المفيدة. ولا خلاف بين النحاة أن إطلاق الكلام في اصطلاحهم على ما سوى الأمرين الأخيرين مجاز. وأما إطلاقه على المعاني التي في النفس وعلى الجمل المفيدة، فهل هو بطريق الاشتراك (¬2) فيكون حقيقة فيهما أو يكون حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر؟ ثلاثة مذاهب نقلها الشيخ (¬3). وفي ظني أني وقفت على ذلك في كلام ابن هشام شارح الإيضاح (¬4). وفي إطلاق الكلام حقيقة على المعاني النفسية بالنسبة إلى اصطلاح النحاة بعد. وقد قال المصنف (¬5): «صرّح سيبويه في مواضع من كتابه بما يدلّ على أنّ الكلام لا يطلق حقيقة إلا على الجمل المفيدة». وذكر عنه نصوصا: منها: قوله وقد مثّل بهذا عبد الله معروفا (¬6): - ¬

_ (¬1) كلمة فيه، ساقطة من نسخة (ب)، (جـ). (¬2) المشترك: هو اللفظ الدال على معنيين فأكثر دلالة متساوية، كإنسان للفرد من البشر ولإنسان العين، والخال لأخ الأم وللشامة في الخد وللسحابة الصغيرة وللبعير الضخم. وهو بخلاف المتضاد الذي يدل على معنيين متقابلين، كالصارخ للمغيث والمستغيث. وبخلاف المترادف الذي تدل فيه عدة ألفاظ على معنى واحد. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 27، 28). (¬4) هو محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي الأندلسي، من أهل الجزيرة الخضراء ويعرف بابن البرزعي، كان رأسا في العربية، عاكفا على التعليم، أخذ عن ابن خروف وأبي علي الرندي وأخذ عنه الشلوبين وغيره. ولد سنة (575 هـ) وتوفي بعد سبعين عاما عاشها سنة (646 هـ). مصنفاته: له كتاب الإفصاح في شرح الإيضاح وهو مخطوط بدار الكتب (16 نحو)؛ إلا أنه ينقص منه الكثير، وله غرر الإيضاح في شرح أبيات الإيضاح، والنقض على الممتع لابن عصفور. انظر في ترجمته بغية الوعاة (1/ 267)، الأعلام (8/ 7). (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 5). (¬6) انظر: كتاب سيبويه (2/ 78) ولا يوجد نص سيبويه في شرح التسهيل كما ذكر الشارح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «فهذا اسم مبتدأ يبنى عليه ما بعده وهو عبد الله ولم يكن ليكون هذا كلاما حتّى يبنى عليه أو يبنى على ما قبله». ومنها: قوله (¬1): «واعلم أنّ: قلت في كلام العرب إنّما وقعت على أن يحكى بها ما كان كلاما لا قولا». عنى بالكلام الجمل وبالقول المفردات. إذا تقرر ذلك وعلم أن مدار إطلاق الكلام الصناعي على حصول الفائدة، علم أن ما لم يفد ليس بكلام مفردا كان أو مركبا دون إسناد أو مركبا بإسناد غير مفيد؛ لكونه لا يجهل أحد معناه، فاشتمل الحد المذكور (¬2) على الإشارة إلى قيود يفهم منها ذلك وتضمن الحد زيادة قيدين آخرين على الإفادة. وهما: أن يكون الإسناد مقصودا، وأن يكون القصد لذات الإسناد لا لشيء آخر. فقول المصنف: ما تضمن من الكلم إعلام بالجنس الذي منه الكلام، وأنه ليس خطّا ولا رمزا ولا نحو ذلك (¬3)، وإنما هو لفظ أو قول أو كلم، إلا أن اللفظ أبعد الثلاثة؛ لوقوعه على المهمل والمستعمل فعدل عنه، والقول مثل الكلم في القرب؛ لتساويهما في عدم تناول المهمل، لكن قد يقع القول على الرأي والاعتقاد، كما تقدم وإن كان ذلك مجازا؛ فقد قال المصنف: «إنّه شاع حتّى صار كأنّه حقيقة [1/ 18] ثابتة». قال: «ولم يعرض هذا للكلم فكان تصدير حدّ الكلام به أولى لكن على وجه يعمّ المؤلّف من كلمتين فصاعدا»، فلذلك لم يقل: الكلم المتضمن. لأن الكلم أقل ما يتناول ثلاث كلمات كما تقدم، بل قال: ما تضمّن من الكلم. فصدر الحد بما؛ لصلاحيتها للواحد فما فوقه. ثم خرج بذكر تضمّن الإسناد: الواحد كزيد، والمركب دون إسناد كعندك وخير منك. وخرج بمفيد: ما لا فائدة فيه؛ لكونه غير مجهول لأحد، نحو: النار حارة، - ¬

_ (¬1) انظر: كتاب سيبويه (1/ 122). (¬2) وهو تعريف المصنف للكلام بقوله: «ما تضمّن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته». (¬3) في نسخة (ب): ولا غير ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والسماء فوق الأرض، وتكلم إنسان. وخرج بمقصود: ما هو غير مقصود كحديث النائم والساهي. وخرج بقوله: لذاته: ما هو مقصود لغيره، كإسناد الجملة الموصول بها والمضاف إليها؛ فإن الإسناد فيهما لم يقصد هو ولا ما تضمنه لذاته؛ بل قصد لغيره، وليس كلاما؛ بل هو جزء كلام. وذلك نحو: قاموا من قولك: رأيت الذين قاموا، وقمت حين قاموا. وزاد بعض العلماء في حد الكلام: من ناطق واحد، احترازا من أن يصطلح اثنان على أن يذكر أحدهما فعلا أو مبتدأ ويذكر الآخر فاعل الفعل أو خبر المبتدأ؛ فإن مجموع النطقين مشتمل على ما اشتمل عليه مثله إذا نطق به واحد، وليس بكلام لعدم اتحاد الناطق؛ لأن الكلام عمل واحد فلا يكون عامله إلا واحدا (¬1). قال المصنف: «وللمستغني عن هذه الزيادة جوابان: أحدهما: أن اتحاد الناطق لا يعتبر كما لا يعتبر اتحاد الكاتب في تسمية المكتوب خطّا. ولا يعترض على ذلك بعدم تساويهما في الحكم؛ إذ لا يترتب على نطق المصطلحين ما يترتب على نطق الواحد: من إقرار وتعديل وتجريح وقذف وغير ذلك. لأنّا نقول: انتفاء ترتب الحكم على الكلام لمانع لا يمنع كونه كلاما؛ فهو كلام لتركّبه من اللفظين؛ لكنه غير صريح بالنسبة إلى كل من الناطقين، إذ لا يعلم السامع ارتباط أحد جزأيه بالآخر، كما يعلم من نطق الناطق الواحد، فلذلك اختلفا في الحكم. الجواب الثاني: أن يقال: إنما اقتصر كلّ منهما على كلمة واحدة؛ اتكالا على نطق الآخر بالأخرى، فمعناها مستحضر في ذهنه، فكأنه متكلم واحد نطق بكلمة وقدر الأخرى. كما يقول الرائي شبحا: زيد، أي: المرئيّ زيد، فكل من الناطقين صادر منه كلام. وقد تبين أن من الكلام ما يكون أحد جزأيه غير منطوق به» انتهى ملخصا (¬2). - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 7) ولم يشر إليه الشارح. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 8)، وقد نقل الشارح منه بتلخيص كما قال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ها هنا أبحاث: الأول: قال الشيخ: «لا دليل في كلام سيبويه على اشتراط الإفادة والتمثيل بالمفيد لا يلزم منه الاشتراط بل ظاهر كلام سيبويه أنه لا تشترط الإفادة. قال: وما أظنّ أحدا يمنع قال زيد: النار حارة، ولا قال زيد: الجزء أقلّ من الكل». انتهى (¬1). وهذا الذي ذكره من عدم اشتراط الإفادة خلاف ما يفهم من كلام النحاة، وقد نقل هو في شرحه حدودا للكلام عن جماعة من أئمة النحو. وكلها مشتمل على ذكر الإفادة (¬2). وأما كلام سيبويه: فقد فهم المصنف منه خلاف ما فهمه الشيخ كما تقدم فليرجح [1/ 19] أحد الفهمين بالأدلة الخارجية (¬3). البحث الثاني: نقل الشيخ عن أبي الحسن بن الضائع (¬4) ما معناه: «أنّه لا حاجة إلى ذكر - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 34) ونص سيبويه الذي قامت عليه هذه المعركة هو قوله - وقد ذكره الشارح - عن مثال: هذا عبد الله معروفا: ولم يكن ليكون كلاما حتّى يبنى عليه أو يبنى على ما قبله. فهمه أبو حيان: أي حتى يحصل بينهما إسناد فيكون مبتدأ وخبرا. والإسناد أعم من أن يكون مفيدا أو غير مفيد، والاحتراز إنما هو من المفرد الذي لا يسمى كلاما؛ لأنه لا إسناد فيه. وفهمه ابن مالك: على أن الكلام لا يطلق حقيقة إلا على الجمل المفيدة. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 38، 39) وكلها تعريفات لا تخرج عما ذكره ابن مالك منها قوله: «قال ابن هشام: ما قام من مسند ومسند إليه واستقلّ بمعناه». ومنها قوله: «وحدّه الجزولي وتبعه ابن عصفور: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع». (¬3) الرأي مع أبي حيان، فلا تشترط الإفادة في كل كلام؛ بل يكفي أن يكون مركبا وعلى هيئته المفيدة. ثم انظر إلى أبي حيان وهو يسخر من شرط النحاة الإفادة فيقول: «إنّ الكلام إنما طرق سمع الإنسان فاستفاد منه شيئا، ثم طرقه ثانيا وهو قد علم مضمونه أولا أنه لا يكون كلاما باعتبار المرة الثانية؛ لأنه لم يفده علم ما لم يكن؛ فيكون الشيء الواحد كلاما غير كلام، بحسب إفادة السامع هذا خلف» (التذييل والتكميل 1/ 34، 35). (¬4) هو علي بن محمد بن يوسف الكتامي الإشبيلي المعروف بأبي الحسن بن الضائع، بلغ الغاية في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القصد في حدّ الكلام؛ لأنّه إنّما يحترز به عن حديث السّاهي والنّائم والمجنون، والصّادر من هؤلاء يخرج بقيد الإفادة؛ لأنّ مثل هذا لا يفيد بوجه. ولو قال النّائم: زيد قادم مثلا ووافق ذلك قدومه، فالفائدة لم تحصل من إخباره، وإنما حصلت من مشاهدة القدوم». انتهى (¬1). ومناقشة ابن الضائع لا تبعد عن الصواب، إلا أن يقال: المراد بالكلام المفيد ما صورته صورة ما يحصل منه فائدة، أي: ما من شأنه أن يفيد، ولا يلزم إفادته من ذلك المحل بخصوصه. ولا شك أن قول النائم: قام زيد مثلا شأنه ذلك؛ فهو داخل إلى أن يخرج بقيد القصد. وقال الشيخ: «قد فهم من كلام ابن الضائع أنّه لا تشترط في الإفادة قصد المتكلم إيّاها. إنّما يشترط فيها أن تكون على هيئة التركيب الموضوع في لسان العرب، وكثير من النحويين لم يعتبروا في حدّ الكلام سوى التركيب الإسنادي فقط، ولم يشترطوا الإفادة ولا القصد». انتهى (¬2). وما ذكره من الفهم المذكور غير ظاهر؛ لأن من جعل القصد قيدا إنما احترز به عما يفيد بغير قصد مثل كلام النائم. وابن الضائع منع أن يكون ذلك مفيدا؛ فلم يحتج إلى ذكر القصد، ولا شك أن كلام غير النائم والساهي والمجنون يصحبه القصد، فلا يقال: إنه لا يشترط القصد؛ لأن ذلك يوهم أن الكلام قد يخلو عنه، وليس كذلك. وأوهم استدراجه في الكلام إلى أن الفائدة غير مشروطة عند كثير من النحويين أن ابن الضائع لا يشترطها أيضا، وقد تبين خلاف ذلك. - ¬

_ - النحو وكان متقدما فيه. ومن أساتذته الشلوبين. عاش في القرن السابع الهجري وقارب السبعين عاما، حيث توفي سنة (680 هـ). مصنفاته: له مخطوط كبير عظيم، وهو شرح الجمل بدار الكتب المصرية، وهو أجزاء ثلاثة من عدة نسخ يكمل بعضها بعضا؛ لأنها مهلهلة. قال السيوطي: وله شرح كتاب سيبويه وهو عجيب، جمع فيه بين شرح السيرافي وابن خروف، كما أن له كتبا أخرى فيها اعتراضات وردود على ابن عصفور وابن الطراوة والبطليوسي، انظر في ترجمته: بغية الوعاة (2/ 204) الأعلام (5/ 154). (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 36). (¬2) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الثالث: قال الشيخ: «لم أر هذا القيد لأحد من النّحويين غير المصنّف» يعني قوله: لذاته، قال: «ويمكن منازعته فيه من وجهين: أحدهما: أنّ الصلة كلام. ويدل عليه اشتراطهم فيها أن تكون جملة خبرية. والخبر أحد أقسام الكلام. الثاني: منازعته في أن هذه الجملة تضمنت إسنادا مفيدا مقصودا؛ حتّى يحترز منها بقوله: لذاته؛ لأن جملة الصلة كجزء من الاسم الموصول، ولم ينهض أن يكون من قبيل الكلمة؛ بل هي والموصول قبلها كلمة، وأما الجملة المضاف إليها فهي في تقدير المفرد؛ لأنّ معنى قمت حين قاموا: حين قيامهم، فصورتها صورة ما فيه إسناد والمعنى على التّركيب التّقييدي»، انتهى (¬1). وفي هذه المنازعة نظر: أما أن جملة الصلة شرطها أن تكون خبرية، والخبر أحد أقسام الكلام، فمسلّم، ولكن إنما تعتبر الخبرية قبل جعل الجملة صلة، وإذا وصل بها صار لها حكم أخر، كما أن: قام زيد، كلام تام غير مفتقر، وإذا دخلت عليه إن الشرطية صار غير تام مفتقرا، فعلى هذا لا منافاة في قولنا (¬2): شرط جملة الصلة أن تكون خبرية مع أنها حال الوصل بها لا يصدق عليها أنها كلام. وأما دعواهم أن هذه الجملة لم تتضمن إسنادا مفيدا مقصودا، فممنوع، بل قد تضمنت الإسناد المفيد المقصود، وإنما حكم لها بحكم الجزء من الاسم الموصول [1/ 20] من حيث أنها لا تتقدم عليه ولا يفصل بينها وبينه بالأجنبي. وغير ذلك من الأحكام المذكورة في باب الموصول. والحكم عليها بذلك (¬3) لا يخرجها عن أن يكون فيها تركيب إسنادي (¬4)، ولولا ذلك لما حكم على أفرادها بالإعراب - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل. ومعنى التركيب التقييدي: أنك إذا قلت: قمت حين قاموا، فمعناه أن قيامك مقيد بوقت قيامهم. (¬2) في النسخ: بين قولنا. وما أثبتناه من عندنا؛ لأن بين تقتضي شيئين والذي معنا حال. (¬3) أي بالجزئية. (¬4) في جميع النسخ: تركيبا إسناديّا وهو خطأ. والصحيح ما أثبتناه؛ لأنه اسم كان.

[تعريف الاسم]

[تعريف الاسم] قال ابن مالك: (فالاسم: كلمة يسند ما لمعناها لنفسها أو نظيرها). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعربت (¬1). وأما قوله في الجملة المضاف إليها: إنها في تقدير المفرد؛ لكن صورته صورة ما فيه الإسناد، فتسليم منه أن الإسناد حاصل، وهذا هو المقصود ولهذا احترز المصنف عنه، والتأويل بالمفرد لا يمنع وجود الإسناد؛ لأنه إنما أول لتصح الإضافة. قال ناظر الجيش: تفسير هذا الحد متوقف على تصور الإسناد. وقد عرفه المصنف بأنه: «عبارة عن تعليق خبر بمخبر عنه أو طلب بمطلوب منه» (¬2)، وهو جيد. وجعله الشيخ غير حاصر لأنواع الإسناد، قال: «لأنّ بعض الإنشاءات كالقسم والعقود يخرج عنه» (¬3). والجواب: أن جمل الإنشاء التي لا يراد بها الطلب منقولة من الجملة الخبرية. فما اشتملت عليه من الإسناد داخل في قوله: تعليق خبر بمخبر عنه، وخروج الجمل على الخبرية يعارض النقل إلى معنى الإنشاء لا يخرج ما تضمنته من الإسناد من الحد. ثم الإسناد قسمان: لفظي ومعنوى. فاللفظي: ما عضد به الحكم على اللفظ فقط. ويشترك فيه الثلاثة، أعني: الاسم والفعل والحرف. ويشاركها فيه الجملة أيضا، كقولك: زيد معرب، وقام مبني على الفتح، ومن حرف جر «ولا حول ولا قوّة إلّا بالله كنز من كنوز الجنّة» (¬4). والمعنوي: ما قصد به الحكم على معنى الكلمة، أي: مدلولها لا على لفظها. ويسمى وضعيّا وحقيقيّا أيضا. وهذا هو المختص بالأسماء. فقول المصنف: كلمة: جنس يشمل الثلاثة. - ¬

_ (¬1) أي إن أجزاء جملة الصلة تعرب كأنها غير صلة. وينطبق هذا على قولك: جاء الذي يقول الحق. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 9). (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 44). (¬4) قوله: لا حول ولا قوة ... إلخ حديث في سنن الترمذي (5/ 580) في كتاب الدعوات، باب: فضل لا حول ولا قوة إلا بالله. ونصه مرويّا عن أبي هريرة أنه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكثر من قول لا حول ولا قوّة إلّا بالله فإنّها كنز من كنوز الجنّة» ... وله بقية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: يسند ما لمعناها: فصل يفصل الاسم عن الفعل والحرف، إذ كل منهما يسند ما للفظه إليه لا ما لمعناه. وأما الاسم فيسند ما لمعناه إليه، أي: يسند إلى لفظه شيء هو لمدلول ذلك اللفظ، فإذا قلت: قام زيد، فالقيام هو ذلك الشيء وهو لمعنى زيد، أي: لمدلوله وهو المسند، واللفظ الذي هو زيد مثلا هو المسند إليه. ولما كان من الأسماء ما لا يقبل الإسناد، كأسماء الأفعال، والأسماء الملازمة للنداء والمصدرية والظرفية أتى في الحد بزيادة وهو قوله: أو نظيرها. فمه ومكرمان وسبحان مثلا لا تقبلن الإسناد لكن يقبله نظيرهن. قال المصنف (¬1): «وليس المراد هنا بالنظير ما وافق معنى دون نوع، كالمصدر والصفة بالنسبة إلى الفعل، بل المراد ما وافق معنى ونوعا، كموافقة قول الآمر بالصمت السكوت؛ لقوله: صه، لكن صه لا يقبل الإسناد الوضعيّ ويقبله السكوت، فالمسند إلى السّكوت بمنزلة المسند إلى صه؛ ليوافقها معنى ونوعا، وكذا المسند إلى كريم وفلان بمنزلة المسند إلى مكرمان وفل، وإن كان مكرمان وفل لم يستعملا إلّا في النّداء، وهذا سبيل محاولة الإسناد إلى نظير ما تعذر الإسناد إليه بنفسه». ثم ها هنا أبحاث: البحث الأول: [1/ 21] قال الشيخ: «إنما حدّ المصنف الإسناد بما ذكره ليخرج الإسناد اللّفظيّ» (¬2). وهذا عجب من الشيخ، فإن الحد المذكور شامل لقسمي الإسناد، ولما ذكر المصنف حد الإسناد قال (¬3): «فإن كان باعتبار المعنى اختصّ بالأسماء. وقيل فيه وضعيّ وحقيقيّ. وإن كان باعتبار اللفظ صلح للاسم ولغيره». فقسمه إلى القسمين بعد أن ذكر حده وكيف يقال: إن الحد مخصوص بأحدهما؟. البحث الثاني: قيل: قول المصنف: «إن الإسناد اللّفظيّ يشرك الاسم فيه غيره» خطأ، بل - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 9). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 44). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 9).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد اللفظي مختص بالأسماء، كاختصاص المعنوي بها، وذلك أنّا إذا قلنا: قام مبني على الفتح، ومن حرف جر، كان قام ومن، في هذين التركيبين، مبتدأين، والمبتدأ لا يكون غير اسم، فلم يسند إلى الفعل وهو باق على الفعلية، ولا إلى الحرف وهو باق على الحرفية؛ بل صير كل منهما اسما، وأسند إليه. والجواب عن ذلك: أن قام، إنما وضعته العرب فعلا، وكذا من، إنما وضعته العرب حرفا، وإنما الكلام فيما هو اسم بالوضع لا فيما أدت ضرورة التركيب إلى الحكم عليه بالاسمية لعارض، وإذا كان كذلك صدق أن الإسناد إلى فعل وإلى حرف أي: إلى ما وضعته العرب كذلك. ولا يلزم من الحكم عليها بالاسمية؛ لضرورة الحكم عليهما بالابتدائية خروجهما عن الوضع الأصلي، ولو خرجا عن وضعهما لما صحّ قولنا: قام فعل ماض ومن حرف جر. البحث الثالث: قد يتوجه على المصنف مؤاخذة في قوله: يسند ما لمعناها. فيقال: إن الذي لمعنى الكلمة وهي زيد، القيام مثلا، وليس القيام بمسند، إنما المسند قائم المتضمن لمعنى القيام. فإن أجيب بأن المسند وإن كان لفظ قائم إنما هو القيام من حيث المعنى، فيندفع الإيراد، توجهت مؤاخذة أخرى وهي: أنه إذا اعتبر المعنى في جانب المسند، وجب اعتباره في جانب المسند إليه، فلا نقول: إلى نفسها أي إلى لفظها. لأن المسند إلى اللفظ إنما هو قائم، وأما القيام فإنما هو لمدلول الاسم؛ فهو مسند إلى المعنى لا إلى اللفظ. إلا أن يريد أنه يسند ما للمعنى بلفظ يتضمنه إلى نفس ذلك المعنى فيصح. البحث الرابع: نوقش المصنف في قوله: «وليس المراد بالنّظير ما وافق معنى دون نوع؛ بل المراد ما وافق معنى ونوعا». فقيل: إذا كان الأمر موقوفا على الموافقة في المعنى والنوع، كانت معرفة كونه نظيرا مستلزمة لمعرفة اسميته، فلا يحتاج إلى أن يعرف بالإسناد إلى نظيره. ثم ذلك مستلزم للدور؛ لأن معرفة كونه اسما متوقفة على معرفة نظيره وكونه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يسند إليه، ومعرفة كون ذلك نظيرا، متوقفة على معرفة كون هذا اسما. والجواب: أن المصنف لم يجعل معرفة اسمية الشيء موقوفة على معرفة كونه نظيرا؛ ليلزم منه أن معرفة كونه نظيرا موقوفة على معرفة اسميته، بل لما حد الاسم بقبوله للإسناد المعنوي، وكان بعض الأسماء [1/ 22] الذي علمت اسميته من خارج لا يقبل ذلك، أراد أن يزيد هذه الزيادة؛ لئلا يصير الحد غير منعكس. فهو يقول: إن قيل بأن لنا أسماء مقطوعا باسميتها وهي لا تقبل ما ذكرت. قلت: إن هي لم تقبله قبله نظيرها، ثم بيّن المراد بالنظير ليسلم من الدخل. البحث الخامس: لقائل أن يقول: لا حاجة إلى قول المصنّف: أو نظيرها. بل الاقتصار على قوله: يسند ما لمعناها إلى نفسها - كاف، وتكون الأسماء التي أشار إليها مما لزم في الاستعمال طريقة واحدة، من مصدرية أو ظرفية مثلا، داخلة في الحد غير خارجة عنه؛ لأن المراد إنما هو صحة الإسناد إلى الكلمة وقبول معناها له. ولا شك أن معاني هذه الأسماء قابلة للإسناد، ولا يلزم من استعمالها غير مسند إليها ألا يصح الإسناد إليها؛ فإن المراد إنما هو قبول معنى الكلمة لذلك من حيث الجملة. وجاز أن يسند إليها وألا يسند لعارض الاستعمال اللازم الذي لا تسع مخالفته (¬1). ¬

_ (¬1) وفي آخر هذا البحث قال أبو حيان في شرحه: وقد عدل المصنف في حد الاسم عما حدّه النحويون إلى هذا الحدّ الذي ذكره، وهذا الذي اختاره غير مختار؛ لأنّ النحويين حدوا الاسم بالأمور الذاتيات التي هي فيه قبل التركيب، والمصنف حدّه بأمر عارض له حالة التركيب وهو الإسناد المعنوي. وليس هذا شأن الحدود مع ما في حده من غموض اللفظ والإبهام والترديد والمجاز الذي هو مناف للحدّ. إذ الحدّ إنما يؤتى به لإيضاح المحدود وبيانه. وصار كلّ قيد فيه يحتاج إلى شرح طويل؛ فتحتاج إلى أن تشرح الإسناد والمعنى والنظير، وهذه أمور فيها غموض لا تناسب المحدود. والإبهام في قوله: ما لمعناها، والترديد في قوله: أو نظيرها، والمجاز في قوله: إلى نفسها، والكلمة لا يقال لها نفس إلا بمجاز. ويستمر أبو حيان قائلا: وأحسن ما حدّ به الاسم أن يقال: الاسم: كلمة دالة بانفرادها على معنى غير متعرضة ببنيتها للزمان. فقولنا: كلمة، جنس يشمل الاسم والفعل والحرف. وقولنا: دالة بانفرادها على معنى، احتراز من الحرف؛ فإنه لا يدل على معنى إلا بضميمه. وقولنا: غير متعرضة ... إلخ احتراز من الفعل. انظر: التذييل والتكميل (1/ 46).

[تعريف الفعل]

[تعريف الفعل] قال ابن مالك: (والفعل كلمة تسند أبدا قابلة لعلامة فرعيّة المسند إليه). قال ناظر الجيش: كلمة: جنس يعم الثلاثة. وتسند: أخرج به ما لا يسند وهو الحرف وبعض الأسماء، كياء الضمير والأسماء الملازمة للنداء. وأبدا: فصل ثالث أخرج به ما يسند من الأسماء وقتا دون وقت؛ فتارة يسند وتارة يسند إليه وذلك كثير. وقابلة لعلامة فرعيّة المسند إليه: فصل ثالث أخرج به بقية الأسماء. وهي أسماء الأفعال؛ لأنها تشارك الفعل في أنها مسندة أبدا؛ لكن لا تقبل علامة فرعية ما أسندت إليه بخلاف الفعل فإنه يقبل. وبيّن المصنف أن هذه العلامة هي تاء التأنيث الساكنة وياء المخاطبة. فشتان لا يقبل التاء ويقبلها افترق، ودراك لا يقبل الياء ويقبلها أدرك (¬1). ولا يخفى أنه لو سكت عن تبيين ما أراد لزم دخول أسماء الفاعلين والمفعولين والصفة المشبهة في حدّ الفعل؛ لأنها مسندة أبدا وتقبل علامة الفرعية، وهي تاء التأنيث المتحركة وعلامتا التثنية والجمع؛ لأن التثنية والجمع فرعا الإفراد. ثم ها هنا تنبيه: وهو أن المصنف قال (¬2): «ومثل الياء في الدّلالة على فرعيّة المسند إليه، وكون قبولها مميّزا لفعل الأمر من اسمه: الألف والواو والنّون في أدركا وأدركوا وأدركن، وقد حكم سيبويه (¬3) بفعليّة هلمّ على لغة بني تميم لقولهم: هلمّي وهلمّا وهلمّوا وهلممن. وحكم باسميتها على لغة الحجازيين؛ لأنّهم يلزمونها التّجريد كلزومه عند الجميع في دراك وأخواتها». انتهى. وفسر الشيخ قول المصنف: قابلة لعلامة فرعيّة المسند إليه - بأنّ هذه العلامة هي تاء التّأنيث السّاكنة، وياء المخاطبة، وألف الاثنين، وواو الجماعة، ونون - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 10). (¬2) انظر المرجع السابق. (¬3) انظر: الكتاب، فيما ذكر: (3/ 332، 529، 534).

[تعريف الحرف]

[تعريف الحرف] قال ابن مالك: (والحرف كلمة لا تقبل إسنادا وضعيّا بنفسها ولا بنظير). ـــــــــــــــــــــــــــــ النّسوة). فأدرج الشيخ الألف وأخواتها مع التاء الساكنة والياء؛ بناء منه على أن المصنف شرح العلامة بذلك كله، ويلزم من هذا الإدراج ورود أسماء الفاعلين وما ذكر معها على حد الفعل. والذي ينبغي: أن تفسر العلامة بالتاء والياء المتقدمين فقط. ولا يلزم من قول المصنف: ومثل التاء في الدلالة كذا وكذا جعل الألف والواو كالتاء في إرادتها [1/ 23] بقوله: علامة فرعية المسند إليه، وإنما لما بين العلامة المرادة نظر بينها وبين ما ذكر باشتراكهما في الدلالة على الفرعية، وليكون ذلك تمهيدا لما ذكره من حكم هلمّ، واختلاف اللغتين فيها. على أنّا نقول أيضا: لم يطلق الألف والواو بل قال: الألف والواو في أدركا وأدركوا. فنبه بذلك على أن مراده ألف الضمير وواوه؛ فلا يرد عليه أسماء الفاعلين وما ذكر معها؛ لأن الألف والواو اللاحقتين لها حرفان فلم يكونا بمرادين ولا داخلين في عبارته (¬1). قال ناظر الجيش: كلمة: جنس يشمل الثلاثة. ولا تقبل إسنادا وضعيّا بنفسها: فصل أخرج به الاسم والفعل؛ لأنه نفى قبول الإسناد مطلقا، أي: لا يسند إليه ولا يسند. وقيد الإسناد بكونه وضعيّا لأن غير الوضعي (¬2) يقبله الحرف كما تقدم. - ¬

_ (¬1) وكانت تنفض هذه المعركة لو زاد ابن مالك في شرحه: الألف والواو والنون بشرط كونها ضمائر؛ لأن تلك العلامات إذا لحقت الأسماء كانت حروفا. ثم إن أسماء الفاعلين وما ذكر معها خرجت بقوله: تسند أبدا؛ لأنها تارة تسند كما في قولك: محمد ناجح، وتارة يسند إليها كما في قولك: الناجح محبوب. وفي حد ابن مالك للفعل قال أبو حيان في شرحه: (التذييل والتكميل: 1/ 47، 48) «وقد عدل المصنف في حدّ الفعل عمّا حدّه به النحويون إلى هذا الحد الذي ذكره، كما عمل ذلك في حد الاسم وحدّه بأمر عارض للفعل حالة التركيب، لا بما هو ذاتي للماهية، مع غموض قوله: قابلة لعلامة فرعية المسند إليه. ثم حدّ أبو حيان الفعل فقال فيه: كلمة متعرضة ببنيتها لزمان معناها. وشرحه بأن كلمة جنس، وما بعدها مخرج للاسم والحرف». (¬2) أي: وهو الإسناد اللفظي، وقوله: يقبله الحرف، أي: كما في قولنا: من حرف جر، وعلى للاستعلاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: ولا بنظير، فصل ثالث أخرج به هنا من الأسماء ما قصد دخوله في حد الاسم بقوله: أو نظيرها (¬1). فإن تلك الأسماء يصدق عليها أنها لا تقبل الإسناد المذكور، فعلى هذا لو اقتصر في حد الحرف على قوله: لا يقبل إسنادا، لدخلت في الحد؛ فاحتاج أن يخرج بقوله: ولا بنظيرها؛ فإنها إذا لم تقبل الإسناد بنفسها قبلته بنظيرها. بخلاف الحرف، فإنه غير قابل بنفسه ولا بنظيره. وها هنا بحثان: الأول: قد تقدم أن الأسماء التي قصد دخولها في حد الاسم بقوله: أو نظيرها، قابلة للإسناد إليها، وأنه لا يلزم من عدم استعمالها مسندة إليها عدم صحة ذلك، وأنه لا حاجة إلى قول المصنف: أو نظيرها، فعلى هذا لا حاجة في حد الحرف إلى أن يزيد قوله: ولا بنظير؛ ليحترز عن دخول الأسماء المذكورة؛ إذ لم يصدق عليها أنها لا تقبل الإسناد؛ فهي خارجة بقوله: لا تقبل إسنادا؛ لأن هذه قابلة وإن لم تستعمل مسندة إليها. البحث الثاني: أورد الشيخ أن في الحد المذكور صيغة النفي: «وهو لا يقبل، فهو عدميّ والعدميّ لا يكون في الحدّ؛ لأنّ الحدّ لا يكون إلّا بما تقوّمت منه الماهيّة (¬2). والأعدام سلوب لا تتقوّم منها ماهيّة. وإنّ فيه أيضا تجوّزا (¬3)؛ لأنه قال: ولا بنظير؛ احترازا من الأسماء اللّازمة للنداء فإنّها تقبل الإسناد بنظير، وهذا مجاز؛ لم تقبل هي إسنادا لا بنفسها ولا بنظير، إنّما نظيرها هو الذي قبل» (¬4). والجواب عن الأول: أن الفصول الوجودية إنما تعتبر في الحدود الحقيقية، أي: التي تحد بها الماهيات الحقيقية وهي التي لها وجود في الخارج. أما الحدود الاصطلاحية، - ¬

_ (¬1) وهي أسماء الأفعال كصه، والأسماء الملازمة للنداء كفل، واللازمة للمصدرية كسبحان. (¬2) في النسخة (جـ): لأن الحد إنما يكون بما تقومت منه الماهية. (¬3) في نسخة (ب): وإن فيه تجوزا أيضا. (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 50).

[علامات الاسم]

[علامات الاسم] قال ابن مالك: (ويعتبر الاسم بندائه، وتنوينه في غير رويّ، وبتعريفه، وصلاحيته بلا تأويل لإخبار عنه أو إضافة إليه أو عود ضمير عليه أو إبدال اسم صريح منه، وبالإخبار به مع مباشرة الفعل، وبموافقة ثابت الاسميّة في لفظ أو معنى دون معارض). ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: التي تحد بها الماهيات الاعتبارية، فيجوز في الفصول التي فيها أن تكون عدمية. والجواب عن الثاني: أن القابل للإسناد المعنوي إنما هو مدلول الكلمة. فتارة يقبل الإسناد بذلك اللفظ الدال عليه، وتارة يقبله بنظير ذلك اللفظ، وقد عرفت المراد بالنظير ما هو، وإذا كان كذلك صح أن يقال: إن الأسماء اللازمة للنداء مثلا تقبل الإسناد بمعنى أن مدلولها قابل له [1/ 24] لكن ذلك المدلول لا يقبل بذلك اللفظ. إنما يقبل بالنظير فلا مجاز إذا (¬1). قال ناظر الجيش: لما ذكر حدود الثلاث شرع في ذكر خصائص الاسم وخصائص الفعل. والفرق بين دلالة الحدود ودلالة الخاصة: أن دلالة الحد تطّرد وتنعكس، ودلالة الخاصة تطّرد ولا تنعكس، أي يلزم من وجودها الوجود ولا يلزم من عدمها العدم (¬2). - ¬

_ (¬1) فائدة: قال أبو حيان: «وحصر المتأخرون معاني الحروف. قالوا: إنّ منها ما يدل على معنى في الاسم خاصة، كلام التعريف وحرف النداء، أو في الفعل خاصة، كالسّين، أو للربط بين اسمين أو بين فعلين أو بين جملتين، كحروف العطف، أو بين فعل واسم كحرف الجر، أو لقلب معنى جملة تامة، كما النافية وهل، أو لتأكيده نحو إن، أو لزيادة معنى في آخر الاسم، كألف النّدبة والتعجب، أو للزيادة، أو للجواب، أو للتنبيه أو للخطاب ومثّل لكل». انظر: التذييل والتكميل (1/ 49، 50). (¬2) معنى أن دلالة الحد تطرد وتنعكس: أنك إذا عرفت الإنسان مثلا، فقلت: حيوان ناطق، اطرد هذا التعريف، فتقول: كل حيوان ناطق إنسان، وانعكس أيضا تقول: كل إنسان حيوان ناطق، ولكن إذا خصصته بالاختراع فقلت: الإنسان مخترع اطرد ذلك حين تقول: كل مخترع إنسان، ولا ينعكس؛ فلا يلزم أن تقول: وكل إنسان مخترع، ويصح أن يطبق هذا على تعريف الاسم وغيره، هذا عند المناطقة. وعند النحاة: المراد بالانعكاس: هو أن تدخل النفي على القضيتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبر المصنف عن ذكر الخواص بقوله: ويعتبر. ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر أن اعتبار الاسم بأشياء: منها النداء: ويستدل به على اسمية ما له علامة غيره، نحو: أيا زيد، وعلى اسمية ما لا علامة له غيره، نحو: أيا مكرمان. قال المصنف (¬1): «واعتبار صحّة النّداء بأيا وهيا وأي أولى من اعتبارها بيا؛ لأنّ يا قد كثرت مباشرتها الفعل والحرف نحو: يا حبّذا ويا لَيْتَنِي» (¬2). قال الشيخ: «هذا ليس بجيّد؛ لأنّ هذه الأحرف يقلّ النداء بها؛ فالأولى اعتبار النداء بحرفه المشهور الذي هو يا، وإذا باشرها الفعل والحرف فليست للنداء على الأصحّ وإنّما هي للتّنبيه فهي مشتركة بينهما» (¬3) انتهى. وكون هذه الأحرف يقل النداء بها لا يكون صحة اعتبار النداء بها مرجوحا، ولا أولوية ليا لكثرة استعمالها؛ إذ لا أثر لذلك في تمييز الاسم من غيره، بل غير يا أولى لعدم الاشتراك، كما قال المصنف. ثم قوله: إنها حال مباشرتها الفعل أو الحرف إنما هي للتنبيه على أصح القولين، يقوي عدول المصنف عنها؛ إذ لو كانت حينئذ للنداء لم يكن بينها وبين غيرها فرق. وإنما اختص الاسم بالنداء؛ لأنه مطلوب به الإقبال، والمقبل إنما يكون اسما، ولأن المنادى مفعول والمفعولية لا تليق بغير اسم. ولما قال المصنف هنا: «لأنّ المنادى مفعول في المعني» (¬4) ناقشه الشيخ فقال: «ظاهر هذا الكلام أنّ المنادى ليس بمفعول صحيح من جهة اللّفظ والمعنى، وهي مسألة خلاف: - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل. (¬2) جزء آية من سورة النساء: 73. وبقيتها: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 52) مع تصرف الشارح في النقل. وقيل في أدوات النداء التي تباشر الفعل والحرف: إنها للنداء والمنادى محذوف. وطبقوا هذا على قوله تعالى: قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ [يس: 26]، وعلى قول الشاعر: ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 11).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الكوفيون ومن تبعهم: إنّه مفعول من جهة المعنى فقط. وقال سيبويه ومتابعوه، وهم الجمهور: إنه مفعول صحيح من جهة اللّفظ والمعنى. فإن كان المصنف وافق الكوفيين فقد ناقض قوله في باب النداء: المنادى منصوب لفظا أو تقديرا، ويكون اختار المذهب الفاسد أيضا وإن كان وافق سيبويه فقد أساء العبارة؛ حيث خصّ جانب المفعوليّة بالمعنى دون اللّفظ» (¬1) انتهى. والجواب: أن المصنف إنما أتى بهذه العبارة؛ ليشمل قسمي المنادى من معرب ومبني. والمفعول لفظا يصدق عليه أنه مفعول معنى، ولو لم يقيد المفعولية بالمعنى لم يكن نصّا في مقصوده؛ إذ يتبادر الذهن إلى المفعولية لفظا، فإذا لا مفهوم لقوله: مفعول في المعنى، وإذا كان كذلك لم تتوجه مناقشة الشيخ [1/ 25]. ومنها: التنوين وهو أضرب: تنوين الترنّم: وهو الذي يكون عوضا عن مدة الإطلاق في رويّ مطلق (¬2) فالمراد تنوين ذي الترنم. والتّنوين الغالي: وهو اللاحق الروي المقيد (¬3). وهذان التنوينان يشترك فيهما الاسم والفعل والحرف؛ لأن الروي قد يكون آخر فعل وآخر حرف كما يكون آخر - ¬

_ (¬1) انظر في مناقشة أبي حيان لابن مالك: التذييل والتكميل (1/ 52، 53). وانظر في كلام ابن مالك: تسهيل الفوائد (ص 179)، قال: «باب النّداء: المنادى منصوب لفظا أو تقديرا بأنادي لازم الإضمار». وانظر فيما قال سيبويه: الكتاب: (2/ 182)، قال: «هذا باب النّداء: اعلم أنّ النداء كلّ اسم مضاف فيه، فهو نصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره. والمفرد رفع وهو في موضع اسم منصوب». (¬2) الروي المطلق أو القافية المطلقة: هي التي آخرها حرف مد. والتنوين الذي يلحقها يسمى تنوين الترنم، ومن أمثلته المشهورة: أقلّي اللّوم عاذل والعتابن ... وقولي إن أصبت لقد أصابن (¬3) والروي المقيد أو القافية المقيدة: هي التي رويها ساكن وتنوينها يسمى التنوين الغالي، ومن أمثلته المشهورة قول رؤبة يصف مفازة: وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ولما كان يجوز أن يكون حرف الروي المطلق أو المقيد اسما أو فعلا أو حرفا، قال النحاة: إن هذين التنوينين غير خاصين بالاسم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم، وعنهما احترز المصنف بقوله: في غير روي. وبقية أضربه يختص الاسم بها وهي: تنوين الصّرف والتّنكير والعوض والمقابلة: وإنما كان كذلك؛ لأن تنوين الصرف دال على بقاء الأصالة، كرجل وزيد، فلا يلحق غير اسم؛ إذ لا أصالة له فيدل على بقائها. وأما تنوين التنكير، فلأنه دال على تنكير ما هو صالح للتعريف، كصه، وأف، وسيبويه لغير معين، فلا يلحق غير اسم لعدم الحاجة إليه. وأما تنوين العوض، فلأنه إما عوض عن مضاف إليه (¬1) كحينئذ، فلا يلحق غير اسم؛ لأن المضاف لا يكون إلا اسما، وإما عوض عن حركة أو حرف على القولين في اسم لا ينصرف (¬2) واختصاصه بالاسم ظاهر. وأما تنوين المقابلة: فلأنه دال على مقابلة جمع بجمع، كمسلمات المقابل لمسلمين. فلا يلحق غير اسم؛ لأن الجمع من خصائصه. ومنها: التّعريف (¬3): ويتناول تعريفه بالأداة، نحو: الرجل وأم غلام، وبالإضافة نحو: مَعاذَ - ¬

_ (¬1) هذا المضاف إليه الذي عوض عنه التنوين إما أن يكون مفردا حقيقيّا، كتنوين كل وبعض في قوله تعالى: كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ [الأنبياء: 93] وقوله: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ [البقرة: 253]. وإما جملة في تأويل المفرد كقوله تعالى: فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ [الواقعة: 83، 84] تقديره: حين إذ بلغت، أي: حين بلوغ. (¬2) قوله: وإما عوض عن حركة ... إلخ يشير الشارح إلى أنه اختلف في تنوين جوار ونحوه: ذهب سيبويه: إلى أنه تنوين عوض عن الياء المحذوفة لا تنوين صرف. وذهب المبرد والزجاج: إلى أنه عوض عن حركة الياء، ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين. وذهب الأخفش: إلى أنه تنوين صرف؛ لأن الياء لما حذفت تخفيفا زالت صيغة مفاعل وبقي اللفظ كجناح فانصرف. والصحيح مذهب سيبويه (حاشية الصبان: 3/ 245). وقوله: واختصاصه بالاسم ظاهر؛ لأن الملحق به جمع. والجمع لا يكون إلا اسما. (¬3) أي: من علامات الاسم: التعريف. وقوله: أم غلام، أصله الغلام. ففيه إبدال لام التعريف ميما على لغة حمير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللَّهِ (¬1) ويا ويح من ليس له ناصر. قال الشيخ: «ويتناول أيضا تعريف الإضمار والعلميّة والإشارة» انتهى (¬2). وإنما خصّ الاسم به ليختص؛ فيصح الإخبار عنه ويفيد الإسناد إليه. ومنها: صلاحيته بلا تأويل لإخبار عنه أو إضافة إليه: فمثال الإخبار: أنت ذاهب، واختص به لأن معناه لا يتصور إلا فيه، ومثال الإضافة إليه: غلامي وغلامنا. واختص الاسم بذلك؛ لأن المضاف إليه يخصص المضاف أو يعرفه، والفعل لا يخصص ولا يعرف؛ ولأن المضاف إليه يملك المضاف أو يستحقه والأفعال لا تملك ولا تستحق. وقوله: بلا تأويل: قيد في الإخبار والإضافة. واحترز بذلك عما يخبر عنه، أو يضاف إليه وليس باسم. وحينئذ يجب تأويله بالاسم، فالإخبار عنه: نحو قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ (¬3) وقوله تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (¬4). ومنه قولهم: «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (¬5). والإضافة نحو قوله تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (¬6)، وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ (¬7). والتقدير: سواء عليكم دعاؤكم، وصومكم خير لكم، ويوم نفع الصادقين صدقهم، ويوم تسيير الجبال، وتقدير تسمع بالمعيدى: أن تسمع، أي: سمعك بالمعيدي. وتبين من هذا: أن غير الاسم لا يخبر عنه إلا بتأويله باسم، سواء أكان فعلا أم جملة وهو الصحيح. - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 23. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 53). (¬3) سورة الأعراف: 193. (¬4) سورة البقرة: 184. (¬5) مثل من أمثال العرب يضرب لمن أخباره ومآثره خير من منظره ومرآه، والمثل وأصله وهو طويل - في مجمع الأمثال (1/ 227) وما بعدها. ودخلت الباء على المعيدي لتضمين تسمع معنى تحدث مبنيّا للمجهول. والمثل روي بروايات ثلاث ذكرت واحدة وتوجيهها في الشرح، والثانية: لأن تسمع. والثالثة: وهي المختارة: أن تسمع وتوجيههما ظاهر. (¬6) سورة المائدة: 119. (¬7) سورة الكهف: 47.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من أجاز الإخبار عن الفعل من غير تأويل (¬1). وأما الإخبار عن الجملة فنقل ابن عصفور فيه ثلاثة مذاهب (¬2): «المنع وهو الصّحيح، والجواز وهو رأي بعض الكوفيّين، والتّفصيل بين أن تكون الجملة في موضع فاعل أو مفعول لم يسم فاعله لفعل من أفعال القلوب وقد علّق ذلك الفعل عنها؛ فيجوز نحو: ظهر لي أقام زيد أم عمرو، وعلم أقام عبد الله أم خالد، أو غير ذلك فلا يجوز». والاستدلال لذلك أو عليه يذكر في باب الفاعل إن شاء الله تعالى (¬3). ومنها: عود ضمير عليه (¬4): [1/ 26] كعوده على مهما في قوله تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ (¬5) وعلى ما، في: ما أحسن زيدا، إلا أن الضمير اسم ومدلوله ومدلول ما يعود عليه واحد فلا يكون العائد إليه الضمير غير اسم. وزعم السهيلي (¬6) أن مهما حرف وزعمه مردود بما ذكر. - ¬

_ (¬1) ذهب بعض النحويين إلى أن الفعل يجوز الإخبار عنه. واستدلوا على ذلك بقول العرب: تسمع بالمعيدى ... إلخ وبقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً [الروم: 24]. وقال آخرون: إنه ليس إخبارا عن الفعل وإنما هو إخبار عن الجملة، والصحيح أن الفعل لا يخبر عنه، ومنع بعضهم الإخبار عن الجملة أيضا، وتأولوا ما سبق فقالوا: تسمع على تقدير أن تسمع، ومن آياته متعلق بيريكم. انظر التذييل والتكميل. (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 94) بتحقيق إميل يعقوب، دار الكتب العلمية (بيروت)، باب الفاعل والمفعول به، ففيه إشارة إلى هذه المذاهب الثلاثة. (¬3) قال ناظر الجيش في باب الفاعل: «المنقول أن من النحاة من يجيز وقوع الجملة فاعلا، ثم ذكر عن ابن عصفور المذاهب الثلاثة التي ذكرها هنا وأسندها إلى أصحابها، وذكر أدلة كل في بحث طويل شيق، ثم قال: والصحيح أن وقوع الجملة موقع الفاعل لا يجوز بدليل أنه لا يوجد في كلامهم: يعجبني يقوم زيد، ولا صحّ: أقام زيد أم لم يقم. وختم بحثه قائلا: ويبعد في النظر والعقل كون الجملة فاعلة. ولكن أقوال الأئمة لا ترد، وإنما ذكرت هذه المسألة مع استبعادي تصورها واعتقادي عدم صحتها لئلّا يخلو الكتاب عن ذكرها فيظنّ عدم الاطلاع عليها». (¬4) في نسخة (ب): عود الضمير عليه. (¬5) سورة الأعراف: 132. (¬6) هو أبو زيد وأبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي المالقي. ولد سنة (508 هـ) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: إبدال اسم صريح منه: نحو: كيف أنت أصحيح أم سقيم؟ فصحيح اسم صريح؛ لقبوله علامات الاسم كلها، وهو مبدل من كيف إبدال الشيء من الشيء على سبيل التفصيل، فكيف اسم. وكذلك: من جاءك أزيد أم عمرو؟ ولا أعلم مم احترز المصنف بقوله: صريح (¬1)؟ واعلم أنه كما استدل على الاسمية بإبدال اسم صريح من ذلك اللفظ، يستدل عليها بعكسه، وهو إبدال ذلك اللفظ من اسم صريح، نحو: جئت يوم الجمعة إذ جاء زيد، وأجيء يوم الأحد إذا يجيء عمرو، فإذ وإذا اسمان لإبدالهما من اسم صريح، أي: قابل لعلامات الاسمية، ذكر المصنف ذلك في باب الظروف (¬2). ومنها: الإخبار به مع مباشرة الفعل: نحو: كيف كنت؟ وخروج زيد إذا خرجت، فكيف خبر كان، وإذا خبر المبتدأ الذي هو خروج زيد، وكلاهما مباشر لفعل؛ فالإخبار بهما ينفي الحرفية ومباشرة الفعل تنفي الفعلية فتعينت الاسمية. - ¬

_ - وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة، كان واسع العلم غزير المعرفة بالعربية واللغة والقراءات وعالما بالتفسير وصناعة الحديث حافظا للتاريخ والرجال والأنساب، تصدر للإقراء والتدريس وبعد صيته في مراكش وغيرها، وكان شاعرا ومن شعره مناجيا ربه: يا من يرجّى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع ما لي سوى قرعي لبابك حيلة ... فلئن رددت فأيّ باب أقرع مصنفاته: له في النحو: نتائج الفكر. وهو كتاب محقق بكلية اللغة (رسالة دكتوراه) وقد طبع في ليبيا، وله شرح الجمل لم يتم ولم أعثر عليه، وله الروض الأنف في شرح السيرة وهو مطبوع، وله كتب في التفسير. وقد توفي السهيلي سنة (581 هـ). وانظر في ترجمته: بغية الوعاة (2/ 82)، والأعلام (4/ 86). وقوله: وزعمه مردود بما ذكر أي: مردود بعود الضمير عليها في الآية الكريمة، وانظر رأي السهيلي في مهما ودليله ورد الدليل في مغني اللبيب (1/ 330). (¬1) لما كان من علامات الاسم: إبداله من غيره وكانت هذه العلامة خافية على كثير؛ حتى إنه لم يذكرها كثير من النحاة، انظر الهمع (1/ 5، 6)، شرح الرضي على الكافية (1/ 12)، شرح المفصل لابن يعيش (1/ 24) أكد تلك العلامة بأن يكون الاسم صريحا فلا احتراز من شيء. (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 207 - 210).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: موافقة ثابت الاسمية في لفظ أو معنى دون معارض: فمثال الموافقة لفظا: وشكان وبطآن (¬1) فإنهما موافقان سكران وشكران. وهو وزن لا يوجد في الأفعال. قال المصنف (¬2): «والحرفيّة منتفية بكونهما عمدتين. والحرف لا يكون إلّا فضلة». ومثال الموافقة معنى: قد في نحو: قدك، وقد زيد درهم فإنهما موافقان لحسب في المعنى وحسب ثابت الاسمية؛ فوجب كون قد التي بمعناها اسما. وقوله: دون معارض، قيد في الموافقة معنى، واحترز به من واو المصاحبة في نحو: استوى الماء والخشبة؛ فإنها بمعنى مع، ولا تلحق بها في الاسمية؛ لأن الموافقة المعنوية عارضها كون الأسماء ليس فيها ما هو على حرف واحد إلا ومحله العجز، كتاء الضمير ويائه وكافه، لا الصدر. والواقع صدرا وهو على حرف واحد إنما هو حرف، كباء الجر ولامه، وواو العطف وفائه. فلو حكم على واو المصاحبة بالاسمية لزم عدم النظير بخلاف الحكم عليها بالحرفية (¬3). قال المصنف (¬4): ومما يخرج بذكر المعارض من الموافق لثابت الاسمية: من؛ فإن نسبتها من بعض نسبة الواو من مع، إلا أن ذا معارض بكون من لا يليها مع مجرورها بعد إنّ إلا اسمها، كقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً (¬5)، بخلاف بعض فلا يليها إلا الخبر. بقي أن من إذا وقعت بعد إنّ كانت هي ومجرورها (¬6) في موضع خبر إنّ، وما - ¬

_ (¬1) وشكان: بتثليث الواو وسكون الشين وفتح النون وهو اسم فعل بمعنى سرع، تقول: وشكان ما يكون ذلك أي سرع (القاموس: 3/ 334). وبطآن بضم الباء وفتحها: اسم فعل بمعنى بطؤ تقول فيه: بطآن ذا خروجا أي: بطؤ (القاموس: 1/ 9). (¬2) انظر شرح التسهيل: (1/ 13) ولم ينقل الشارح منه نصّا وإنما نقل بالمعنى. (¬3) انظر شرح التسهيل: (1/ 13). (¬4) ما سيذكره غير موجود بشرح التسهيل، لعله سقط من النسخة اليتيمة بدار الكتب: (10 ش نحو) وبالتالي غير موجود في تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ المختون. (¬5) سورة آل عمران: 78. (¬6) كلمة: هي ساقطة من الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدها ينتصب على أنه اسم إن، وإذا وقعت بعض كانت هي اسم إن وما بعد بعض هو الخبر (¬1). وها هنا بحثان: الأول: أورد الشيخ على قول المصنف في وشكان وبطآن: «وانتفت الحرفيّة بكونهما عمدتين»، فقال: «العمدة في الاصطلاح: ما كان مرفوعا، ولا يصحّ ذلك في هذين الاسمين [1/ 27] لأنه لم يذهب أحد إلى أنهما في موضع رفع، ومن جعل لأسماء الأفعال موضعا من الإعراب إنما جعله نصبا، قال: ويحتمل أن يريد بالعمدة هنا أحد ركني الإسناد لكنّه ليس المصطلح، ويلزم منه أن يكون قام من قولنا: قام زيد، عمدة» (¬2) انتهى. أما قوله: إنه لم يذهب أحد إلى أنهما في موضع رفع فقد ذكر ابن الحاجب (¬3) رحمه الله تعالى، في موضع أسماء الأفعال أنه يجوز أن يكون رفعا وأن يكون نصبا - ¬

_ (¬1) أي إن هذين المذكورين حروف. وهما واو المصاحبة ومن التبعيضية، وإن وافقت الأولى اسما باتفاق وهو مع، ووافقت الثانية اسما كذلك وهو لفظ بعض، إلا أنّ هذه الموافقة: عارضها في الأولى: تصدير الكلمة وهي على حرف واحد. وذلك لا يكون اسما. والثانية: خالفت بعضا في موضع ذكره الشارح فانتفت عنها الاسمية. (¬2) انظر التذييل والتكميل (1/ 58). (¬3) هو أبو عمرو جمال الدين عثمان بن عمر الكردي الأصل. واشتهر بابن الحاجب؛ لأن أباه كان حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي بالقاهرة. ولد ابن الحاجب بإسنا من صعيد مصر سنة (570 هـ) وتعهده أبوه بالقاهرة فحفظ القرآن وتلقى العلوم وسافر إلى دمشق فعرف الناس فضله هناك. وتبحر في العربية وغلب عليه النحو، كان فاضلا شاهد عدل. عرفه القاضي ابن خلكان من خلال شهادات له. ولما عاد إلى القاهرة درس بالمدرسة الفاضلية، فتخرج على يديه كثيرون واستقر به المقام في الإسكندرية، حتى مات بها سنة (646 هـ). تصانيفه: كثيرة جدّا ورزقت الشهرة، فمنها الكافية في النحو والشافية في الصرف وقد شرحهما كثيرون. انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (5/ 309)، وله شرح المفصل للزمخشري (رسالة دكتوراه) وله شرح على كافيته. وله الأمالي النحوية عدة أجزاء، منها إملاء على آيات قرآنية، وآخر على أبيات شعرية وكله مطبوع مشهور. انظر ترجمة ابن الحاجب في الأعلام (4/ 374)، بروكلمان: (5/ 308)، نشأة النحو (ص 186).

قال ابن مالك: (وهو لعين أو معنى اسما أو وصفا). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقدر ذلك بما يوقف عليه من كلامه (¬1): والتزام أن قام، من قام زيد، عمدة لا يضر؛ لأن العمدة هنا المراد بها ما لا يستغنى عنه في التركيب الإسنادي، وقام: أحد ركني الإسناد. البحث الثاني: لقائل أن يقول: ما ذكره المصنف من المعارض في من التبعيضية، إنما يترتب على كونها لم يثبت اسميتها. ولو ثبت لكانت كبعض في أنها إذا وليت إنّ كان اسما لها. فكيف يحسن جعل ما يترتب وجوده على عدم ثبوت الاسمية، مانعا منها؟ فظهر أن جواز جعل من اسما لإنّ موقوف على ثبوت اسميتها، والمصنف عكس فجعل ثبوت اسميتها موقوفا على أنه لا يليها مع مجرورها بعد إنّ إلا الخبر (¬2). واعلم أن العلامات اللفظية (¬3) مرجحة على المعنوية ولذلك حكم على وشكان وبطآن بالاسمية مع موافقتها في المعنى لوشك وبطؤ، وحكم على عسى بالفعلية لاتصالها بضمائر الرفع البارزة وتاء التأنيث الساكنة، مع موافقتها في المعنى للعلّ، نبه على ذلك المصنف (¬4). قال ناظر الجيش: لما فرغ من ذكر علامات الاسم، أراد أن يذكر ما وضع له على سبيل الإجمال. فالضمير في قوله: وهو، راجع إلى الاسم المرتفع بقوله: ويعتبر. ومراده أن مدلول الاسم قسمان: عين ومعنى. - ¬

_ (¬1) قال ابن الحاجب في شرحه على الكافية في باب أسماء الأفعال: وللنّحويين في موضعها من الإعراب مذهبان: أحدهما: أنها في موضع نصب على المصدر، كأنك قلت في رويد زيدا إروادا زيدا أي: أرود إروادا زيدا. الثاني: أن تكون في موضع رفع بالابتداء، وفاعلها ضمير مستتر والجملة وإن كانت مبتدأ وفاعلا يستغني فيها عن الخبر، كما استغنى في: أقائم الزيدان؟ لما كانت بمعنى أيقوم الزيدان؟ قال: والثاني أوجه؛ لأنه اسم جرد عن العوامل اللفظية؛ فوجب أن يحكم بالابتداء فيه، والفاعل سادّ مسد الخبر، كما في قولك: أقائم الزيدان؟ والوجه الأول ضعيف (وقد علله). انظر شرح الكافية لابن الحاجب: (3/ 744) المسمى شرح المقدمة الكافية في علم الإعراب. تحقيق د/ جمال مخيمر (مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة). (¬2) أترى أنه لا فرق بين التعبيرين. بل ما ذكره المصنف أوضح مما ذكره الشارح. (¬3) في نسخة (ب): واعلم أن العلامة اللفظية. (¬4) انظر شرح التسهيل: (1/ 13).

[علامات الفعل]

[علامات الفعل] قال ابن مالك: (ويعتبر الفعل بتاء التّأنيث السّاكنة، ونون التّوكيد الشّائع ولزومه مع ياء المتكلّم نون الوقاية؛ وباتصاله بضمير الرّفع البارز). ـــــــــــــــــــــــــــــ فالعين: هو ما يقوم بنفسه، والمعنى: هو ما يقوم بغيره، وكل من العين والمعنى إما اسم وإما وصف؛ لأن الدال على العين إما دال عليها دون تعرض لقيد، وهو المعبر عنه باسم عين، وإما دال عليها مع قيد، وهو المعبر عنه بوصف العين. وكذا الدال على المعنى يقال فيه ذلك فالأقسام أربعة: الأول: كرجل وامرأة، الثاني: كعالم وحاكم، الثالث: كعلم وحكم. الرابع: كجلي وخفي. وعلم من هذا: أن المراد بقوله: اسما: قسيم الوصف، والاسم المقسم هو قسيم الفعل والحرف. فهما أمران ولهذا يصح أن يقال: الاسم ينقسم إلى اسم وصفة. والمعنى المذكور هنا غير المعنى في قولهم: الاسم يدل على معنى في نفسه، فالمعنى الذي في الحد أعم من المعنى الذي هو قسيم العين، إذ يطلب على العين، وقسيمه الذي هو المعنى، فللمعنى مدلولان كما أن للاسم مدلولين (¬1). قال ناظر الجيش: اعتبار الفعل أيضا بأشياء: منها: تاء التأنيث الساكنة: وقيدت بالسكون؛ تحرزا من المتحركة؛ فإنها تلحق الاسم، وهي علامة تميز - ¬

_ (¬1) في النسخ: مدلولان وهو خطأ، إلا أن يجعل اسم أن ضمير الشأن والجملة بعده خبرا. أما مدلولا الاسم فهما: 1 - اسم دل على معنى نفسه كزيد وجمل. ونظيره الفعل والحرف. 2 - اسم دل على عين وهو ما يقوم بنفسه: إما بغير قيد كرجل وامرأة، وإما بقيد كعالم وحاكم، ويطلق على هذا النوع الاسم القسيم للوصف. أما مدلولا المعنى فهما: 1 - معاني الأسماء أي مسمياتها. ويشمل اسم العين كزيد، واسم المعنى كعلم فهو عام. 2 - ما دل على غير ذات، كعلم وقيام. وهذا أخص مما قبله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل الماضي، كما سيأتي، متصرفا كان أو غير متصرف، نحو: إن زكت هند فعست تفلح (¬1)، ونعمت المرأة هي [1/ 28]. قال المصنف (¬2): «ما لم يكن أفعل للتّعجّب». واستقصر الشيخ هذه العبارة، وقال: كان ينبغي أن يقول: ما لم يلزم تذكير فاعله؛ ليدخل فيه أفعال الاستثناء: عدا وأخواتها. انتهى (¬3). وهو نقد جيد. ومنها: نون التوكيد: وتلحق من الأفعال: المضارع والأمر وقد تلحق من الماضي: اللفظ المستقبل المعنى، كقول الشاعر: 8 - دامنّ سعدك إن رحمت متيّما ... لو لاك لم يك للصّبابة جانحا (¬4) ومنه ما ورد في الحديث: «فإمّا أدركنّ واحد منكم الدّجّال» (¬5). فدامنّ مستقبل؛ لأنه دعاء، وكذا أدركنّ؛ لوقوعه بعد إن الشرطية. وقد تلحق أفعل في التعجب. ويذكر ذلك في مكانه إن شاء الله تعالى (¬6). وقيد المصنف النون المذكورة بالشائع؛ تحرزا من لحوقها الاسم شذوذا في قول الراجز: - ¬

_ (¬1) لو قال: فعست أن تفلح، لكان أحسن، قال ابن مالك في خبر عسى: وكونه بدون أن بعد عسى ... نزر ........... إلخ. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 15). (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 64). (¬4) البيت من بحر الكامل، وهو في الغزل لقائل مجهول. اللغة: دامن: دام لك السعد أبدا، المتيم: من تيمه الحب إذا أذله. جانحا: من جنح إلى الشيء أي مال إليه. والشاعر يدعو لفتاته بأن تهنأ وتسعد، بشرط أن تعطف عليه وترحمه؛ لأنها السبب في بلائه. وجواب إن رحمت، محذوف دل عليه ما قبله. ولو لاك: كان الأفصح أن يقول فيه: لولا أنت (الإنصاف: 2/ 688). والبيت ورد شاهدا على اقتران الماضي بنون التوكيد شذوذا؛ لأنها خاصة بالمضارع والأمر؛ لاستقبالهما الذي هو معناها. والذي سهله أنه ماضي اللفظ مستقبل المعنى. والبيت في شرح التسهيل (1/ 14)، التذييل والتكميل (1/ 65)، معجم الشواهد (ص 81). (¬5) الحديث في صحيح مسلم (8/ 195) كتاب الفتن، باب ذكر الدجال وصفته. (¬6) إنما قال: وقد تلحق أفعل في التعجب، أي تلحقه نون التوكيد؛ لأنه سبق أن بيّن أن تاء التأنيث لا تلحقه مطلقا. وذلك للزوم تذكير فاعله، وما ذكر في باب التعجب هو أن ابن مالك قال: وربما أكد أفعل بالنون (انظر تسهيل الفوائد ص 130).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 9 - أقائلنّ أحضروا الشّهودا (¬1) فإنه غير شائع. وهذا الاحتراز يوهم بظاهره أن ثمّ نونين، وقد كان يغنيه أن يقول: وشذ لحوقها الاسم. ومنها: لزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية: ويلحق المتعدي من الأفعال ماضيا ومضارعا وأمرا. وقيد اللزوم مخرج للحروف التي تلحقها النون المذكورة؛ فإن لحوقها إياه على سبيل الجواز وليس لازما. قال الشيخ: «قد وجدنا نون الوقاية تلزم مع ياء المتكلّم في غير الفعل ووجدنا فعلا تتّصل به الياء، ولا تلزم معه النّون، فالأول: عليكي، ولا يجوز عليكي فيه، ولا فيما أشبهه؛ فقد لزمت اسم الفعل، والثاني: فعل التعجب؛ فإن النون فيه غير لازمة فيقال: ما أكرمي» انتهى (¬2). أما الأول: فقد يجاب عنه بمنع لزوم النون فيه مع الياء؛ لأن لنا أن نعمل هذا - ¬

_ (¬1) بيت من الرجز المشطور لرؤبة في زيادات ديوانه (انظر مجموع أشعار العرب وهو يشتمل على ديوان رؤبة ص 173) وقبل هذا البيت قوله: أريت إن جاءت به أملودا ... مرجلا ويلبس البرودا ومعنى الأبيات: أن رجلا من العرب أتى أمة له، فلما حبلت خشي أن تكون بنتا فجحدها، فأنشدت الأبيات قائلة له: لو كبرت هذه البنت وجاءها شاب حسن يخطبها، أتعترف بها وتطلب شهودا لنكاحها. والأملود: الغصن الناعم. ويقصد به هنا الشاب الفتي، والمرجل: نظيف الشعر. وقائلن: أصله: أقائلونن بواو الرفع وثلاث نونات. ويستشهد بالبيت على شذوذ إلحاق نون التوكيد لاسم الفاعل وهي خاصة بالفعل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 14)، والتذييل والتكميل (1/ 65)، ومعجم الشواهد (ص 463). ترجمة رؤبة: هو رؤبة بن العجاج. كان هو وأبوه شاعرين راجزين مشهورين. ورؤبة أكثر شعرا من أبيه وأفصح منه، قال لأبيه: أنا أفصح منك لأني شاعر وابن شاعر وأنت شاعر فقط. أقام رؤبة بالبصرة، ولحق الدولة العباسية، ومدح المنصور وأبا مسلم، كان بصيرا باللغة وغريبها. ولما مات قال الخليل فيه: دفنّا اللغة والشعر والفصاحة. مات بالبادية سنة (145). انظر: ترجمته في معجم الأدباء (11/ 149)، الشعر والشعراء (2/ 598)، خزانة الأدب (1/ 38). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 66).

[أقسام الفعل]

[أقسام الفعل] قال ابن مالك: (وأقسامه: ماض، وأمر، ومضارع). ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم في الياء بطريق آخر؛ فنقول في عليكني: عليك بي حكاه سيبويه (¬1). وكذا يقال في: رويدني رويد لي؛ فعلى هذا لا مندوحة في الفعل عن النون، وأما في اسم الفعل فثم مندوحة. وفي هذا الجواب نظر: وهو أن يقال: لزوم النون إنما هو مع اتصال الياء بالكلمة. وحيث اتصلت بعليك أو برويد لزمت النون مطلقا. وأما الثاني: فيجاب عنه بأن المذكور خاصة وليس من شرط الخاصة الانعكاس، أي: لا يلزم من عدمها العدم، فلا يلزم من عدم لزوم النون في فعل التعجب عدم فعليته. وهو ظاهر (¬2). ومنها: اتصاله بضمير الرفع البارز: فقيد الضمير بالرفع احترازا من ضميري النصب والجر؛ لجواز اتصال الاسم والحرف بهما. وقيد بالبارز؛ لأن المستتر يتصل بالاسم أيضا (¬3). وأما البارز إذا كان مرفوعا، فمختص بالفعل نحو: قاما ويقومان وقوما. قال ناظر الجيش: لما فرغ من ذكر علامات الفعل، أراد أن يذكر أقسامه الأولية التي يترتب عليها معرفة ما هو مبني، وما هو معرب، وما هو منها مبهم، وما هو مختص بأحد الأزمنة الثلاثة. واعلم أن الأفعال في الحقيقة إنما هي المعاني القائمة بالفاعلين، أو الصادرة عنهم. ولها ألفاظ تدل عليها، كالقعود والضرب مثلا. وهي تستلزم زمانا غير معين. والأزمنة ثلاثة: متقدم ومنتظر بالنسبة إلى زمن الإخبار: وهما الماضي والمستقبل، - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (1/ 361) بتحقيق الأستاذ عبد السّلام هارون. (¬2) معناه أن وجود النون في الكلمة واتصالها بها، يوجب فعليتها ولا عكس، فقد تكون الكلمة فعلا دون اتصال النون بها، كما مثّل بما أكرمي في التعجب، مع أن هذا التعبير قليل نادر. والصحيح فيه اتصال النون، فتقول: ما أكرمني، وما أحسنني. ولم تقل العرب ما أكرمي وما أحسني (انظر شرح المفصل لابن يعيش: 7/ 143). (¬3) مثال اتصال الضمير المنصوب بالاسم: الضاربك، عند سيبويه. ومثال اتصاله بالحرف: اتصاله بإن وأخواتها، وأما المجرور فيهما فهو كثير. ومثال اتصال الضمير المستتر بالاسم: الضمائر المستترة في الصفات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزمن الإخبار [1/ 29] وهو الحال، ولنا حاجة إلى الدلالة على الزمان المعين؛ فاشتق من الألفاظ الدالة على هذه المعاني صيغ تفيد المعنى الذي تفيده تلك. ويفيد مع ذلك زمانا معينا، ولزم أن تكون ثلاثة ألفاظ بحسب الزمان. وسميت الألفاظ المشتقة أفعالا، وأما الألفاظ المشتق منها فسميت أحداثا ومصادر، وقد تسمى أفعالا باعتبار الأصل. ولو قيل: إنما انقسمت الأفعال إلى ثلاثة لأن دلالة الكلام منحصرة في الطلب والخبر، فلا بد من صيغ تميز بينهما، فوضعوا للطلب صيغة الأمر، والخبر إما عن ماض أو حال أو مستقبل؛ فوضعوا للأول صيغة الماضي، وللآخرين صيغة واحدة وهي المضارع - لكان أحسن. وحذا المصنف في ذلك: الماضي أولا ثم الأمر ثم المضارع، حذو سيبويه؛ فإنه قال (¬1): «وأمّا الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، فبنيت لما مضى، ولما يكون ولم يقع، ولما هو كائن لم ينقطع» (¬2). ومثل للأول بذهب، والثاني باذهب ويذهب، ثم بيّن أن يذهب وشبهه يراد به الحال أيضا. قال المصنف: «وكأنّ سيبويه لحظ في هذا التّرتيب أنّ المضارع لا يخلو من زيادة، وأن الماضي والأمر يخلوان منها كثيرا، والمتجرد من الزّيادة متقدم على المتلبس بها؛ فقدّم ما له من التجرد نصيب على ما لا نصيب له فيه، وتجرد الماضي أكثر من تجرد الأمر فقدّم عليه» (¬3). وعند الكوفيين أن الأمر مقتطع من المضارع؛ فإذا تكون القسمة ثنائية (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (1/ 12) (هارون). (¬2) نص سيبويه: وما هو كائن لم ينقطع. وهو أفضل حتّى يصحّ قوله بعد: ومثّل للأول بذهب والثاني باذهب ويذهب (الكتاب: 1/ 12). (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 15) وقد حذف الشارح الأمثلة لسهولتها. (¬4) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 525) تحت عنوان «فعل الأمر معرب أو مبنيّ». فائدة: قال أبو حيان: «والفعل ينقسم انقسامات غير هذا: منها انقسامه إلى التعدي واللزوم، وإلى التصرف والجمود، وإلى التمام والنّقصان، وإلى الخاصّ والمشترك -

[علامات الفعل الماضي والمضارع]

[علامات الفعل الماضي والمضارع] قال ابن مالك: (فيميز الماضي التّاء المذكورة، والأمر معناه ونون التّوكيد، والمضارع افتتاحه بهمزة للمتكلّم مفردا، أو بنون له عظيما، أو مشاركا، أو بتاء للمخاطب مطلقا وللغائبة والغائبتين، أو بياء للمذكّر الغائب مطلقا، والغائبات). قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الفعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام، شرع في ذكر ما يميز كل قسم منها. أما الماضي: فيميزه: تاء التأنيث الساكنة. وإليها الإشارة بقوله: التاء المذكورة. وقد تقدم أنها تميز الماضي متصرفا كان أو غير متصرف. ولم تلحق فعل الأمر؛ للاستغناء عنها بياء المخاطبة ولا المضارع للاستغناء عنها بتاء المضارعة، نحو: هي تفعل (¬1)، ولأنها ساكنة والمضارع يسكن للجزم. فلو لحقته التقى فيه ساكنان، ولأن لحاقها الاسم أصل؛ إذ مدلولها فيه. ولحاقها الفعل فرع؛ لأن مدلولها ليس فيه، إنما هو فيما أسند إليه. ولما فتح ما قبلها لزوما في الذي هي أصل فيه، وكان الماضي مفتوح الآخر وضعا - ناسب اختصاصه بها دون غيره لذلك. وبهذه التاء يتميز الفعل الماضي من اسمه. ومن أجل ذلك حكم بفعلية افترق وباسمية شتان (¬2). وأما الأمر: فيميزه مجموع أمرين: معنى الأمر ونون التوكيد. ولا يكفي أحدهما؛ لأن اسم فعل الأمر يشارك الأمر في معناه، كصه ونزال وشبههما. ولا يحكم بفعليته لعدم صلاحيته لنون التوكيد، والمضارع يشارك الأمر في قبول النون، نحو: هل تقومن؟ ولا يحكم عليه بأنه أمر؛ لعدم معنى الأمر فيه. - ¬

_ - (خلا وعدا)، وإلى المفرد والمركب (حبذا). وفي علم التصريف: إلى صحيح ومهموز، ومثال، وأجوف، ولفيف، ومنقوص، ومضعف، وغير ذلك من الانقسامات. انظر التذييل والتكميل (1/ 68). (¬1) لم يمثل للأمر؛ لسهولته، وقال: هي تفعل، ولم يقل تفعل؛ لأن التاء تكون للغائبة والمخاطب. (¬2) أي إن افترق فعل ماض؛ لقبوله تاء التأنيث. وشتان اسم فعل ماض بمعنى افترق؛ لعدم قبوله تاء التأنيث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المضارع: فيميزه: أمور: السين، وسوف، ولم، ولن، وكي، وافتتاحه بأحد أحرف نأتي، وهي الهمزة بشرط أن تشعر بمدلول أنا، والنون بشرط إشعارها بمدلول نحن، والتاء بشرط إشعارها بحضور أو تأنيث، والياء بشرط إشعارها بغيبة. قال المصنف: «والإحالة على الافتتاح بأحد هذه الأحرف المشعرة بما ذكر، أولى من الإحالة على سوف وأخواتها؛ لأن افتتاحه بها لازم لكل مضارع، وليست الصّلاحية لسوف وأخواتها؛ إذ من المضارع ما لا يدخل عليه شيء منها، كأهاء وأهلمّ، ولا يقعان غالبا إلا بعد لا أو لم (¬1). وتقييد الأحرف الأربعة بالمعاني المذكورة واجب؛ لأن أمثالها في اللّفظ قد يفتتح بها الماضي، نحو: أكرم وتكرم ونرجس الدواء، إذا جعل فيه نرجسا، ويرنأ الشيب إذا خضبه باليرناء وهو الحناء (¬2). ونعود إلى لفظ المتن: [1/ 30] قوله: بهمزة للمتكلم، مثاله: أقوم وأكرم وسواء أكان المتكلم مذكرا أم مؤنثا لا يختلف الحال. وقوله: أو مشاركا، يجوز فيه كسر الراء وفتحها. والمشاركة قد تكون من واحد مذكرا كان أو مؤنثا ومن أكثر كذلك. وقوله: أو بتاء للمخاطب مطلقا، أي: سواء أكان مذكرا، أم مؤنثا، أم مفردا، أم مثنى، أم مجموعا. وقوله: وللغائبة، أي: سواء أكانت ظاهرة أم مضمرة، حقيقية التأنيث أو مجازيته نحو: تقوم هند، وهند تقوم، وتنفطر السماء، والسماء تنفطر. - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 17) ومعنى أهاء، أي: أرتفع إلى المعالي يقال: هاء بنفسه إلى المعالي: رفعها، والهوء: الهمة والرأي الماضي (القاموس 1/ 36) ومعنى أهلم: أنه إذا قيل لك: هلم كذا وكذا، قلت: لا أهلمه، بمعنى لا أعطيكه، وهلمم به: دعاه (القاموس 4/ 193). (¬2) انظر المرجع السابق: شرح التسهيل (1/ 17) والنرجس: نبات معروف مانع للزكام والصداع. واليرنا: بضم الياء وفتحها وتشديد النون مقصورة، واليرناء بالضم والفتح: الحناء. ويرنأ: صبغ به كحنا وهو من غريب الأفعال (القاموس: 1/ 36).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: والغائبتين هو كما تقدم، نحو: تقوم الهندان والهندان تقومان، وتدمع العينان والعينان تدمعان. وذكروا ها هنا صورة: وهي إذا قلت: الهندان هما يقومان، والعينان هما يدمعان، فهل يكون بالتاء حملا على الظاهر، وبالياء حملا على هما؛ لأن لفظه لفظة ضمير الغائبين المذكرين؟ منهم من قال بالأول ومنهم من قال بالثاني. قال الأبذي (¬1): القول بأن يكون بالياء باطل؛ لا تستعمل العرب الفعل هنا الا بالتاء؛ لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها، يعني أن الضمير يجري مجرى ظاهره؛ فكما يقال: الهندان تخرجان كذلك يقال: هما تخرجان. ثم أنشد قول عمر بن أبي ربيعة (¬2). 10 - أقصّ على أختيّ بدء حديثنا ... وما لي من أن يعلما متأخّر لعلّهما أن تبغيا لك حيلة ... وأن ترحبا سربا لما كنت أحصر (¬3) - ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحيم الخشني، الملقب بالأبذي. من أحفظ أهل زمانه، كان فقيرا؛ ولكنه كان إماما في العلم. عاش في غرناطة، وكان نحويّا حافظا للخلاف بين النحاة، ومن أهل المعرفة بكتاب سيبويه والواقفين على غوامضه وأقرأه لتلاميذه. سأل يوما أبو حيان أبا إسحاق إبراهيم بن زهير - والأبذي حاضر - ما حد النحو؟ فقال هذا الشيخ: هو حد للنحو، استقر بغرناطة إلى أن مات في رجب سنة (680 هـ). ومن مؤلفاته: شرح المقدمة الجزولية لأبي موسى الجزولي (توفي سنة 610 هـ) وسينقل منه الشارح عدة نقول. وانظر ترجمة الأبذي في بغية الوعاة (2/ 199)، ولم أعثر على شرحه المذكور. (¬2) هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة القرشي المخزومي أبو الخطاب، شاعر مشهور لم يكن في قريش أشعر منه؛ كثير الغزل والمجون والخلاعة، صور من نفسه معشوقا، وجعل من نفسه فتى تتسابق إليه النساء، ولد سنة (23 هـ) في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب، ولذلك قال الحسن البصري فيها: أي حق رفع وأي باطل وضع. ولعمر ديوان شعر كبير مطبوع دون شرح. وقد شرحه الشيخ محيي الدين عبد الحميد في طبعة أخرى، وعاش عمر سبعين عاما؛ حيث توفي سنة (93 هـ). (الأعلام: 5/ 211، الأغاني: 1/ 35 - دار التحرير). (¬3) البيتان من بحر الطويل من قصيدة مشهورة لعمر بن أبي ربيعة مطلعها: أمن آل نعم أنت غاد فمبكر ... غداة غد أو رائح فمهجّر انظر الديوان (ص 66). ويستشهد بالبيت الثاني على أن ضمير الغائبتين كالظاهر؛ فالواجب تأنيث الفعل له؛ حملا على أصل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: أن تبغيا، وأن ترحبا بالتاء، وقد تقدم لفظهما، وهو ضمير الأختين. ثم ها هنا بحثان: الأول: قال الشيخ: «كان ينبغي للمصنف أن يزيد هنا: وللغائب إن حمل على مؤنّث، نحو: تجيء كتابي على معنى الصحيفة، أو أضيف إلى مؤنث، يجوز أن يلفظ بذلك المؤنث وأنت تريد المذكر، نحو: تجتمع أهل اليمامة، وتذهب بعض أصابعه. أو كان فيه علامة تأنيث، نحو: تقوم طلحة وتعدل الخليفة [1/ 31] وهذا قليل. أو أسند إلى ظاهر الجمع المذكر غير السالم وأردت معنى جماعة، أو إلى ضميرهم أو ضمير غائبات» انتهى (¬1). وهذا الذي ذكره بعينه استدركه الأبذي على الجزولي (¬2) فنقله منه (¬3). - ¬

_ - لفظه وهو الظاهر، كما استشهد به على جواز اقتران خبر لعل بأن (الدرر: 1/ 113). والبيتان في التذييل والتكميل (1/ 75) وفي معجم الشواهد (ص 53). (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 75). (¬2) هو أبو موسى عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت. ومعناه بالعربية ذو الحظ. ويلقب بالجزولي بضم الجيم، وهي بطن من البربر، وهو مغربي مراكشي، قرأ النحو على محمد بن بري في مصر، وعاد إلى المغرب فلمع نجمه هناك. ودرس لخلق كثير منهم أبو علي الشلوبين وابن معط. كان للجزولي منزلة كبيرة في بلاد المغرب؛ حيث كان يتولى الخطابة بجامع مراكش، وكان إماما في النحو واللغة والقراءة. وله مؤلفات كثيرة: أشهرها كتاب القانون، وسنفرده بحديث الآن، وله أيضا كما قال ابن خلكان، شرح أصول ابن السراج، وله الأمالي في النحو، وقد عملت فيه وفي مؤلفاته رسالة دكتوراه بكلية اللغة. توفي الجزولي سنة (610 هـ). انظر ترجمته في وفيات الأعيان (3/ 488)، بغية الوعاة (2/ 236)، الأعلام (5/ 236)، بروكلمان (5/ 349). كتاب القانون للجزولي: رسالة ماجستير محققة بجامعة القاهرة، يسمى بالمقدمة الجزولية في النحو. وقد طبع بالقاهرة بتحقيق شعبان عبد الوهاب محمد سنة 1988 م. وهو في غاية الإيجاز مع الاشتمال على كثير من النحو، قيل فيه: مقدمة في النّحو ذات نتيجة ... تناهت فأغنت عن مقدمة أخرى حبانا بها بحر من العلم زاخر ... ولا عجب للبحر أن يقذف الدّرّا وغالبه رموز وإشارات ويكثر فيه المنطق. ومن هنا شرحه كثيرون منهم الشلوبين. وشرحه بمعهد المخطوطات (حققه د/ تركي العتيبي)، والأندلسي (سنة 661 هـ) وشرحه رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحت عنوان: المباحث الكاملية في شرح المقدمة الجزولية (د/ حمدي المقدم)، كما شرحه ابن مالك وابن عصفور وابن الخباز. ولم أعثر على تلك الشروح. وشرحه الأبذي أيضا كما أشار إليه شارحنا. وانظر شراحا آخرين وحديثا عن هذا الكتاب في كشف الظنون لوحة (1800)، وذيل كشف الظنون لوحة (543). (¬3) قال الجزولي: حروف المضارعة أربعة: يجمعها قولك نأيت، فالهمزة للمتكلم وحده، والنون للواحد ومعه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: ليس هذا استدراكا على الجزولي، ولا على المصنف؛ وذلك أنهما أعطيا قانونا كليّا أن التاء للغائبة، فمتى كان الفعل للغائبة جيء بالتاء فيه، وهذه المواضع المذكورة إنما جيء بالتاء في أفعالها؛ لتأولها بمؤنث كما تقدم؛ فلم تدخل التاء إلا في فعل مؤنث؛ فالصور التي أشار إليها مندرجة فيما ذكر. وليس في كلام المصنف أن التاء لا تكون إلا في فعل المؤنث بالوضع؛ بل التأنيث أعم من أن يكون بالوضع أو بالتأويل، أو يقال: التاء في الأصل إنما هي لفعل المؤنث بالوضع. وأما المؤنث بالتأويل فدخول التاء في فعله فرع. وهو بالحمل على ما تأنيثه بالأصالة. والمصنف إنما يشير هنا إلى ما يستحق التاء بطريق الأصالة. وأما ما يحمل على ذلك، فقد ذكره في غير هذا الموضع، فقال في باب الفاعل: «وتلحق الماضي المسند إلى مؤنّث أو مؤوّل به أو مخبر عنه أو مضاف إليه مقدّر الحذف تاء ساكنة» (¬1). ونبه في الباب أيضا على حكم يقوم الزيود، ويقوم الزيدون (¬2). وقال في باب المضمر (¬3): «ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة كثيرا لتأولهم بجماعة فأتى بكلّ شيء في مكانه». البحث الثاني: ينبغي أن يقول المصنف: والغائبات، بعد قوله: والغائبتين، نحو: تقوم الهندات وتقوم الهنود. وقد يجاب عنه بأنه إنما يذكر ما تكون التاء في فعله ظاهرا أو مضمرا، وهذا القسم ليس كذلك. وليس هذا الجواب بشيء. قوله: أو بياء للمذكّر الغائب مطلقا أي: سواء كان مفردا أو مثنى أو مجموعا، - ¬

_ - غيره، وللواحد المعظم نفسه، والياء للغائب المذكر مطلقا وللغائبات، والتاء للمخاطب مطلقا، وللغائبة والغائبتين. انظر (ص 34) من كتاب: المقدمة الجزولية في النحو، تحقيق شعبان عبد الوهاب محمد. (¬1) انظر تسهيل الفوائد (ص 75) وقوله: تاء ساكنة فاعل تلحق، والماضي المسند مفعوله. (¬2) قال: «وحكمها مع جمع التّكسير وشبهه وجمع المذكّر بالألف والتّاء حكمها مع الواحد المجازي التأنيث» (تسهيل الفوائد ص 75). (¬3) انظر تسهيل الفوائد (ص 24).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهرا أو مضمرا، عاقلا كان أو غير عاقل. وقوله: والغائبات، يشمل كل جمع لهن، وهو صحيح في المكسر عاقلا أو غير عاقل، مظهرا كان أو مضمرا (¬1) وفي المسلم إن كان التأنيث فيه غير حقيقي مظهرا كان أو مضمرا. نحو: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ (¬2). وأما في المسلم الحقيقي الظاهر نحو: يقوم الهندات، فمذهب البصريين أن الياء لا تجوز، وهو يختار مذهبهم، أما في المضمر، فنعم؛ بل لا تجوز أصلا التاء، نحو: الهندات يقمن. وقال الشيخ هنا أيضا: «كان ينبغي للمصنف أن يزيد: وللغائبة إن كانت مضافة إلى مذكّر هي بعضه، ويجوز أن تلفظ بالمذكر وأنت تريد المؤنث، نحو: يقطع يد زيد؛ لأنك تقول: تقطع زيد، وأنت تريد يد زيد، أو كانت فصل بينها وبين الفعل بشيء، نحو: يحضر القاضي اليوم امرأة» إلى آخر كلامه (¬3)، وهو بعينه استدراك الأبذي على الجزولي. والجواب عن المصنف والجزولي ما تقدم في التاء فلا نعيده. واعلم أنه قد ذكر لزيادة هذه الأحرف الأربعة دون غيرها من حروف الزيادة مناسبة: قالوا: أولى الأحرف بالزيادة أحرف العلة [1/ 32] لخفتها؛ لكن الألف لا تزاد أولا فعوضوا منها الهمزة لاشتراكهما في المخرج. وجعلت للمتكلم؛ لأنها من أول المخارج والمتكلم أخص؛ فناسب كونها له، واشترك فيها المذكر والمؤنث؛ لعدم اللبس. وأما الواو: فامتنع من زيادتها أولا؛ لأنها معرضة لدخول واو عليها للعطف، وقد تكون آخر الكلمة المعطوف عليها واوا أيضا؛ فتجتمع ثلاث واوات، وقد تكون أول الماضي واوا كوعد فتجتمع أربع واوات (¬4) فيستثقل ذلك، وهي مقابلة للهمزة؛ إذ هي من آخر المخارج والهمزة من أولها، فاستحقها المخاطب مطلقا؛ لأنه يقابل المتكلم. لكنها رفضت لما ذكر وعوضوا منها التاء؛ لأن التاء تبدل من الواو كثيرا في الأفعال. وتكون التاء للغائبة والغائبتين والغائبات؛ فقد شارك المخاطب غيره في التاء؛ وحينئذ يبطل التعليل الذي ذكروه لاستحقاق المخاطب إياها، لأنّا نقول: - ¬

_ (¬1) والأمثلة كالتالي: يقوم الهنود، ينكسر الأشجار، الهنود يقمن، الأشجار ينكسرن. (¬2) سورة مريم: 90. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 78). (¬4) كلمة واوات: ليست موجودة إلا في النسخة الأصل.

[زمن الأمر]

[زمن الأمر] قال ابن مالك: (والأمر مستقبل أبدا). ـــــــــــــــــــــــــــــ التاء التي للغائبة والغائبتين والغائبات غير التاء التي للمخاطب؛ لأن هذه تدل على الخطاب، وتلك تدل على التأنيث عوضا من التاء الساكنة اللاحقة آخر الماضي؛ فهما إن اشتركتا لفظا فمدلولهما مختلف. وتبين بهذا: أن التاء التي للمضارعة ثنتان: تاء خطاب وتاء تأنيث. وكذا يقال: أنت تفعلين فالتاء لمحض الخطاب والتاء للتأنيث. وأما الياء: فجعلت للغائب مطلقا، توفية للقسمة؛ لأن المتكلم خص بالهمزة، والمخاطب خص ببدل الواو، ولم يبق من حروف العلة إلا الياء، ولم يبق إلا الغائب فأعطيها. ولما كان الفرق بين المفرد وضديه يحصل في المخاطب والغائب بالضمير، ولم يجعلوا في التكلم بين المفرد وضده ضميرا للفرق، أتي بالنون؛ لتدل على المتكلم غير المفرد (¬1)، وكانت النون أولى من غيرها؛ لما بينها وبين أحرف العلة من الشبه؛ لأنها تدغم في الياء والواو، وتبدل منها الألف، ولهذا أعربت الأمثلة الخمسة بها عند تعذر الحركات وتعذر أحرف العلة. قال ناظر الجيش: لما تقرر أن الأفعال ثلاثة، وأن مدلول الفعل حدث وزمان، وأن الأزمنة ثلاثة، شرع المصنف في ذكر صيغة صيغة، وما وضعت له من الأزمنة، وما يجوز أن يتجوز فيه من تلك الصيغ بالقرائن، فيستعمل مرادا به زمان آخر وما لا يجوز فيه ذلك، والكلام على هذا الموضع يستدعي ذكر مقدمة وهي أن يقال: الكلام نوعان: خبر وإنشاء: والطلب نوع من الإنشاء. ومنهم من جعله خبرا - ¬

_ (¬1) معناه: أنك تقول في المخاطب: أنت تقرأ، وفي مثناه: تقرآن، وفي جمعه: تقرؤون، وفي الغائب: هو يقرأ، ويقرآن، ويقرؤون، وفيه بدأت المضارع بالتاء للمخاطب مطلقا والياء للغائب كذلك، وجعلت الفرق بين المفرد وضديه بالضمير؛ فهو في الواحد واحد مستتر، وفي المثنى ألف وفي الجمع واو، أما في المتكلم وضده فأنت لا تلحق ضميرا للفرق وذلك لأنك تقول: أنا أقرأ ونحن نقرأ. فلما لم يكن ضمير في آخر المضارع يفرق، جعل الفرق في أوله؛ فكان المتكلم بالهمزة وجمعه بالنون. وهو تعليل عقلي قاله النحاة. ترى هل لاحظت العرب ذلك وهي تنطق؟ ما أعجب النحاة!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وطلبا. ومنهم من جعله ثلاثة أنواع: خبرا وطلبا وإنشاء وهو رأي المصنف وعليه قرر كلامه. ولسنا الآن بصدد تحرير الأقوال المذكورة وتبيين الصحيح منها؛ إذ الأمر في ذلك موكول إلى نظر غير صاحب هذا العلم (¬1). غير أنّا نمشي مع المصنف هنا على رأيه. أما الطلب (¬2)، فيلزم كون زمانه مستقبلا، وأما الخبر فيجوز كون زمانه حالا، ومستقبلا وماضيا، وأما الإنشاء فيلزم كون زمانه حالا. ولكل من الطلب والخبر صيغة واحدة مختصة به وضعا، وأما الإنشاء فليس له صيغة مختصة به؛ بل يستعمل فيه الصيغة الدالة على الخبر بقرينة. ثم إن كلّا من صيغتي الطلب والخبر إما أن ينقل عن موضعه الأصلي، فيراد بالطلب الخبر وبالخبر الطلب، وإما أن لا ينقل. والذي ينقل: منه ما لا يجوز التجوز فيه بالنسبة إلى زمانه، ومنه ما يجوز أن يتجوز فيه بالنسبة [1/ 33] إلى زمانه، فيراد به زمان غير زمانه المقصود بالوضع بقرينة، فإن حصل نقل صار الحكم في زمان الصيغة المنقولة حكم ما نقلت إليه. فإذا استعملت صيغة الطلب في الخبر، صار الاستقبال جائزا بعد أن كان لازما. وإذا استعملت صيغة الخبر في الطلب، انعكس الحكم؛ فيصير الاستقبال لازما بعد أن كان جائزا، وهذا القسم لم يتعرض له المصنف هنا؛ إذ ليس مقصوده، وقد تعرض لشيء من ذلك في باب التعجب، فقال بعد ذكره صيغة أفعل وأن معناها الخبر ما نصه: «واستفيد الخبر من الأمر هنا وفي جواب الشرط، كما استفيد الأمر من مثبت الخبر، والنهي من منفيّه» (¬3). - ¬

_ (¬1) قال الخطيب القزويني، في كتابه الإيضاح (ص 10): الكلام إما خبر أو إنشاء؛ لأنه إما أن يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه أو لا يكون لها خارج. الأول: الخبر، والثاني: الإنشاء، ثم تحدث عن الخبر وما يخصه. وفي حديثه عن الإنشاء قال (ص 78): «الإنشاء ضربان: طلب وغير طلب. والطلب يستدعي مطلوبا غير حاصل وقت الطلب؛ لامتناع تحصيل الحاصل. وهو المقصود بالنظر هنا. وأنواعه كثيرة» ثم شرحها، فظهر من ذلك أنه جعل الإنشاء قسيما للخبر وهو المشهور. (¬2) في هامش نسخة (ب)، كتب قارئ عن البحث الآتي هذه العبارة: مطلب نفيس. (¬3) انظر تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (ص 130).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما القسم الثاني، وهو الذي لم تنقل فيه الصيغة عن موضوعها وإنما أريد بها زمان غير زمانها المقصود بالوضع فهو الذي قصده المصنف بالذكر هنا. إذا تقرر هذا فاعلم أن صيغ الفعل الثلاث: منها ما هو للطلب وهو الأمر، وما هو للخبر، وهو الماضي والمضارع. فالأمر مستقبل الزمان، والماضي ماضي الزمان، والمضارع زمانه للحال والاستقبال بالوضع كما سيأتي: فالأمر: لا يجوز التجوز فيه بتغيير زمانه، وإلى ذلك الإشارة بقول المصنف: والأمر مستقبل أبدا، أي: وزمان مطلوب الأمر مستقبل أبدا. وأما المضارع: فيجوز أن ينصرف زمانه إلى المضي وكذا الماضي يجوز أن ينصرف زمانه إلى الاستقبال. كل ذلك بالقرائن (¬1). والسبب في أن لزم الأمر الاستقبال ولم يلزم قسيميه (¬2) أحد الزمانين: أن معنى الطلب يفوت بمفارقة دلالة صيغته على الاستقبال، والأمر موضوع للطلب؛ فلا يجوز التجوز في زمانه؛ لئلا يفوت المقصود منه. وأما معنى الخبر فلا يفوت بمفارقة دلالة صيغة الماضي على المضي، ولا بمفارقة دلالة صيغة المضارع على الحال والاستقبال. وكلاهما موضوع للخبر كما تقدم؛ فجاز التجوز في زمانيهما؛ لأنه لا يفوت المقصود منها بالدلالة عند تغيير الدلالة على ما وضعا له من الزمان. وقال المصنف (¬3): «لما كان الأمر مطلوبا به حصول ما لم يحصل، كقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ (¬4)، ودوام ما حصل كقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ (¬5) لزم كونه مستقبلا، وامتنع اقترانه بما يخرجه عن ذلك. وأيضا فإنّ الفعل فعل بدلالته على الحدث والزمان المعيّن، وكونه أمرا (¬6) أو خبرا معنى - ¬

_ (¬1) بمعنى أن يتغير الوضع؛ فيراد الاستقبال من الفعل الماضي الموضوع للزمن الماضي، ويراد الزمن الماضي من الفعل المضارع الموضوع للحال والاستقبال. وانظر أمثلة وأحوال انصراف المضارع إلى المضي، والماضي إلى الاستقبال في الصفحات القادمة من التحقيق. (¬2) أي الماضي والمضارع. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 17 - 18). (¬4) سورة المدثر: 2. (¬5) سورة الأحزاب: 1. (¬6) يقصد بالأمر هنا الطلب وهو أحد نوعي الإنشاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زائد على ذلك مطلوب بقاؤه؛ إذ لا يمتاز أحد النوعين على الآخر إلّا به. والاستقبال لازم للأمرية. فلو انتفى بتبدله انتفت الأمرية؛ بخلاف الخبرية المستفادة من الماضي والمضارع؛ فإنها لا تنتفي بتبدل المضي باستقبال ولا الاستقبال بمضي» انتهى وهو كلام جيد. قال الشيخ (¬1) بعد نقله هذا الكلام: «قد وجدنا الفعل الدالّ على الخبر خرج عن الخبرية إلى غيرها كما قيل في قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ (¬2)، وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ (¬3): إنه أمر في المعنى. فكذلك كان يكون الأمر يخرج عن الأمرية إلى معنى الخبرية. وقد خرج على ذلك قوله تعالى: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا (¬4) أي فيمد. وقال الشاعر: 11 - وكوني بالمكارم ذكّريني ... [ودلّي دلّ ماجدة صناع] (¬5) أي تذكريني. ومقتضى تعليل المصنف: أن كلّا من الأمر والخبر لا يخرج [1/ 34] عن بابه وقد بيّنّا خلاف ذلك. والرجوع في هذا إلى وضع العرب واستعمالها، فلو استعملت صيغة الأمر في الخبر الذي صيغته ليست مستقبلة تدل على ذلك، لساغ لها كما استعملت صيغة الخبر الماضي في غير الخبر، وغير زمانه. وذلك في الدعاء، نحو: غفر الله لي؛ فإنه خرج عن الخبر وعن الزمان الماضي بقرينة استعماله في الدعاء. فكذلك كان يسوغ استعمال صيغة الأمر في غير الخبر وفي غير زمانه وهو الاستقبال بقرينة تدلّ عليه» (¬6) انتهى. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 80). (¬2) سورة البقرة: 228. (¬3) سورة البقرة: 233. (¬4) سورة مريم: 75. (¬5) البيت: من بحر الوافر قائله كما في معجم الشواهد بعض بني نهشل. اللغة: دلي: بفتح الدال من باب ضرب وتعب، يقال: دلت المرأة دلّا ودلالا وتدللت إذا أظهرت المخالفة وليس بها خلاف. الصناع: بزنة كلام، يقال: امرأة صناع إذا كانت رقيقة اليدين. ومعنى البيت واضح. ويستشهد به النحاة على وقوع الجملة الطلبية خبرا لكان شذوذا. وسيأتي البيت في باب كان. واستشهد به أبو حيان هنا على أن الأمر قد يخرج عن الأمرية إلى معنى الخبرية، فمعنى ذكريني. أي: تذكرينني وروي البيت برواية أخرى هكذا: دعي ماذا علمت سأتقيه ... وكوني بالمكارم ذكّريني والبيت في التذييل والتكميل (1/ 80) وفي معجم الشواهد (ص 232). (¬6) انظر: التذييل والتكميل (1/ 80) ولم يتصرف الشارح في النقل إلا قليلا لتوضيح أو بيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: إن الذي ذكره المصنف لم يبطله الشيخ وإن الذي ذكره الشيخ لم يمنعه المصنف، وذلك أن الذي قاله المصنف: «إنّ الاستقبال لازم للأمريّة؛ فما دامت موجودة فالاستقبال واجب، وإنّ الاستقبال غير لازم للخبريّة، وكذا المضي؛ بل يجوز تبدّل كلّ منهما بالآخر». وهذا حق لا يمكن إبطاله بوجه. والذي ذكره الشيخ: أن كلّا من صيغتي الخبر والأمر يجوز أن يخرج عن موضوعه الأصلي إلى غير موضوعه وهو صحيح، والمصنف لم يمنعه؛ بل لم يتعرض في هذا الباب إلى ذلك أصلا. والحاصل: أنهما قسمان، كما قررناه في الكلام المتقدم، وقد أدخل الأمر على الشيخ، فخلط أحد القسمين بالآخر، وظن أن كلام المصنف غير متجه، وقد بان لك أن الذي قرره المصنف لا شبهة فيه (¬1). غير أنه يتجه على المصنف مؤاخذة. وهي كونه ذكر في هذا الفصل أن الماضي ينصرف إلى الحالي بالإنشاء، كبعت، وإلى الاستقبال بالطلب، كغفر الله لزيد (¬2)؛ لأن مقتضى تقريره المتقدم (¬3) لا يورد هنا إلا ما كان فيه معنى الخبر باقيا، وإنما تغير زمانه فقط. أما ما نقل عن موضوعه الأصلي إلى غيره، فلا. ولا شك أن الإنشاء والطلب المدلول عليهما بالماضي، صارفان لصيغته عن ما وضعت له؛ لأنه موضوع للخبر، وهما قسيماه، فلا يناسب ذكرهما مع القرائن الصارفة للزمان دون معنى الخبر. وأما قوله في المضارع (¬4): إنه يتخلص للاستقبال باقتضائه طلبا، فهو وإن كان الاستقبال - ¬

_ (¬1) كل من الإمامين نظر إلى الموضوع من ناحية، فاختلفت وجهة النظر عندهما: فابن مالك: نظر إلى أن زمن الاستقبال مستفاد من الأمر حتما، ومن المضارع جوازا، وزمن الماضي مستفاد من الماضي. وأبو حيان: نظر إلى الخبر والطلب المستفادين من الأفعال كلها، إما لفظا ومعنى وإما معنى فقط. (¬2) انظر (ص 5) من تسهيل الفوائد، وانظر الصفحات القادمة في هذا الموضوع. (¬3) وهو أن الاستقبال لازم للأمرية ويزول بزوالها، والخبرية لازمة للماضي والمضارع. ولا تزول بتبديل هذا مكان ذاك. (¬4) انظر (ص 5) من تسهيل الفوائد، والصفحات القادمة أيضا في هذا الموضوع.

[زمن الفعل المضارع]

[زمن الفعل المضارع] قال ابن مالك: (والمضارع صالح له وللحال ولو نفي بلا؛ خلافا لمن خصّها بالمستقبل). ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد موضوعيه ويتخلص له بقرائن؛ لكن ذكره غير مناسب أيضا؛ لأن الصيغة عند اقتضاء الطلب بها، خرجت عن موضوعها الأصلي وهو الخبر إلى معنى آخر وهو الطلب. قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الأمر مستقبل وأنه لازم له الاستقبال، قال: والمضارع صالح له وللحال. أي للاستقبال وللحال، فبين أنه يجوز أن يراد به كل واحد من الزمانين. وهو رد على من خصه بالاستقبال، وعلى من خصه بالحال. واعلم أن المذاهب في المضارع، بالنسبة إلى كونه مستقبلا أو حالا أو مشتركا بين الزمانين، أو حقيقة في أحدهما، مجازا في الآخر - خمسة. فمنهم من ذهب إلى أنه مستقبل، وأنكر أن يكون للحال وهو مذهب الزجاج (¬1). واستدل بأمرين: أحدهما: أن زمن الحال لقصره لا يتسع للنطق بالفعل؛ لأنك بقدر ما تنطق بحرف منه، صار الزمان ماضيا. الآخر: أن فعل الحال لو كان موجودا في كلامهم، لكانت له بنية تخصه؛ إذ لا يوجد شيء في كلامهم إلا وله لفظ يخصه. وقد يكون له مع ذلك لفظ يشترك فيه مع غيره، نحو: جون؛ فإنه يقع على الأبيض والأسود (¬2) ويخص أحدهما لفظ الأبيض، والآخر لفظ الأسود. - ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق، كانت مهنته خرط الزجاج قبل النحو وبعده. ومن هنا لقب بالزجاج. تعلم على المبرد وكان يعطيه كل يوم أجرة تعليمه من كسبه فوق خدمته، وظل كذلك حتى بلغ من العلم مبلغا كبيرا، فاستقل بنفسه وأرسله المبرد إلى أولاد بعض الأمراء ليعلمهم. كان من أهل الدين والفضل والتقوى، عاش نحوا من سبعين سنة حيث توفي سنة (310 هـ). مؤلفاته: إعراب القرآن، وهو مطبوع ببيروت منسوبا إليه، وله أيضا: سر النحو وهو مخطوط صغير بدار الكتب المصرية، وله: ما ينصرف وما لا ينصرف، وهو مطبوع مشهور، وفي معهد المخطوطات ميكروفيلم تحت عنوان: شرح شواهد الزجاج لابن هشام. وذكر السيوطي له مؤلفات أخرى غير ذلك. انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 411)، وانظر رأيه هذا في التذييل والتكميل (1/ 81) والهمع (1/ 7). (¬2) في نسخة (ب): فإنه يقع للأسود والأبيض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وردّ الأول: بأن زمان الحال عند النحويين، ليس بالآن الفاصل بين الماضي والمستقبل وإنما هو الماضي غير المنقطع. [1/ 35] وقال المصنف: «كثير من الناس يعتقدون أن الحال هو المقارن وجود معناه لوجود لفظه. وليس كذلك؛ بل مقصود النحويين أنّ الحال ما قارن وجود لفظه وجود جزء من معناه، كقولنا: هذا زيد يكتب، فيكتب هنا: حال، ووجود لفظه مقارن لوجود بعض الكتابة لا جميعها. وعبر بالحال عن اللّفظ الدالّ على الجميع؛ لاتصال أجزاء الكتابة بعضها ببعض» (¬1). ورد الثاني (¬2) بأنه قد وجد ذلك في كلامهم، وهو رائحة؛ فإنها تقع على جميع الروائح وليس لها اسم إلا ذلك اللفظ المشترك. فإن قيل: إنها تخصص بالإضافة، كرائحة المسك ورائحة العنبر. قيل: وكذلك يفعل، يتخصص بالسين وسوف وبالآن، وما في معناها. وفي هذا الرد الثاني نظر: فإن رائحة من قبيل اللفظ المتواطئ لا المشترك (¬3). ثم إن المنكرين لفعل الحال، منهم من أنكر زمانه أيضا محتجّا بأنه إن وقع، فهو ماض وإن لم يقع فهو مستقبل، ولا سبيل إلى ثالث. والدليل على وجود زمن الحال: أن الموجود في محال وجوده لا بد له من زمان، وهو منحصر في الماضي والمستقبل، على ما زعمت، وهما معدومان ولا يتصور وجود موجود في زمن معدوم؛ فثبت زمن الحال. - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل: (1/ 18) ومن تعليله في ذلك أيضا قوله: لأن مدة وجود اللفظ لا تتسع لوجود معنى الفعل، وذكر أن المخبر بالفعل الماضي يتقدم شعوره بمضيه على التعبير عنه، والمخبر بالمستقبل يتقدم شعوره باستقباله على التعبير عنه. فكذا المخبر بالحال، لا بد من تقدم شعوره بحاليته على التعبير عنه. وذلك موجب لعدم المقارنة المتوهمة. (¬2) انظر التذييل والتكميل: (1/ 82). (¬3) المشترك: هو اللفظ الواحد الذي يطلق على عدة معان إطلاقا وضعيّا حقيقيّا، كإطلاق العين على الباصرة والبئر وغيرهما. والمتواطئ: هو المتفق والألفاظ المتواطئة هي المتفقة في المعنى، ثم تخصص بالإضافة أو بالوصف. ومن أمثلتها كما مثل الشارح: لفظ رائحة، فإنها تطلق على كثير، ثم تخصص بالإضافة، فيقال: رائحة المسك ورائحة العنبر، ومن ذلك أيضا: لفظ الفعل؛ فإنه يطلق على أنواع ثم يتخصص بالزمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والدليل على وجود فعل الحال أمران: أحدهما: أنهم يقولون: نفعل الآن، في فصيح الكلام، ولا يقولون: سنفعل الآن، إلا قليلا على طريق المجاز، وتقريب المستقبل من الحال، نحو قول الشاعر: 12 - فإنّي غير خاذلكم ولكن ... سأسعى الآن إذ بلغت إناها (¬1) فلو كان نفعل للمستقبل، لما صلح معه الآن، كما لا يصلح ذلك مع سنفعل. الآخر: قول الشاعر: 13 - وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنّني عن علم ما في غد عم (¬2) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر من مقطوعة صغيرة، عدتها ثلاثة أبيات، وجدتها في ديوان عنترة بن شداد (ص 204). اللغة: إناها: بكسر الهمزة منتهاها. والاستشهاد بالبيت: على أن الشاعر جمع بين السين التي تجعل الفعل مستقبلا وبين لفظ الآن الذي للحال، وذلك قليل من باب المجاز وتقريب المستقبل من الحال. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (1/ 82) وهذا البيت من الأبيات التي اكتشفت قائلها. ترجمة عنترة: هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي صاحب عبلة التي ألهبت حماسه في القتال، ولسانه في الشعر، كان ابن أمة سوداء، وأنكره أبوه صغيرا، ولما وجد شجاعته نسبه إليه وأعتقه، كان عنترة أشجع أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يده، وقد شهد حرب داحس والغبراء، وحمدت مشاهده فيها، وله معلقة مشهورة سماها النقاد بالمذهبة وهي جيدة، وانظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 256)، خزانة الأدب (1/ 128). (¬2) البيت من بحر الطويل لزهير بن أبي سلمى من معلقته المشهورة التي تمتلئ بالحكم والمواعظ وتصور عادات العرب في الجاهلية وحروبهم والسّلام والصلح بينهم، وهي في ديوان زهير (ص 4). والشاهد في البيت: أن الظروف المذكورة فيه ليست على حقيقتها، وإنما هي كناية عن الأزمنة الثلاثة. والبيت ليس في التذييل والتكميل، وهو في معجم الشواهد (ص 361). ترجمة زهير بن أبي سلمى: هو زهير بن ربيعة بن قرط المزني، من الشعراء المتقدمين في الجاهلية ولم يدرك الإسلام، وإنما أدركه ولداه كعب وبجير وأسلما. كان جيدا في شعره حتى كانت قصائده تسمى الحوليات لاعتنائه بها، وأجود شعره ما قاله في هرم بن سنان، أعجب عمر بن الخطاب بشعره، قال لأنه: كان لا يتبع حوشي الكلام ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه. وأعجب عمر بشعره في هرم بن سنان، فقال له أحد أولاده: إنا كنا نعطيه فنجزل، فقال له عمر: ذهب ما أعطيتموه وبقي ما أعطاكم. انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (1/ 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووجه الدليل منه: أن هذه الثلاثة ليست على حقائقها وإلا اختل معنى البيت؛ لأنه لا يعلم من علم اليوم إلا ما هو فيه. ولا فائدة في الاقتصار على أمس وغد؛ فإنه يعلم علم ما قبل الأمس، ويجهل علم ما بعد غد؛ فهي كنايات عن الأزمنة، فاليوم عما هو فيه والأمس عما مضى والغد عما يستقبل، والأفعال كنايات عن الأحداث بالنظر إلى الزمان؛ فينبغي إذا أن تكون ثلاثة. ومنهم من ذهب إلى أن يفعل لا يكون إلا للحال حيث وقع وهو ابن الطراوة (¬1). واستدل على ذلك بأنه لا يخبر بالمستقبل نحو سيفعل، عن المبتدأ إلا أن يكون عامّا أو مؤكدا بإن نحو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (¬2) ونحو قول الشاعر: 14 - وكلّ أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفرّ منها الأنامل (¬3) فإن عري منها لم يجز؛ فيمتنع زيد سيفعل، وإذا قلنا زيد يفعل كان جائزا، فدل على أن يفعل حال. فأما قولهم: زيد يفعل غدا فمعناه زيد ينوي الآن الفعل غدا. وشبهته في منع ذلك أنه مستقبل فلا يتصور الإخبار عنه؛ لأنه غير متحقق الوجود. وقد أبطل مذهبه بورود نحو زيد سيفعل ولا توكيد ولا عموم، قال النّمر بن تولب (¬4): - ¬

_ (¬1) هو أبو الحسين سليمان بن عبد الله المالقي المشهور بابن الطراوة. كان نحويّا وأديبا، سمع كتاب سيبويه من الأعلم وروى عنه السهيلي والقاضي عياض، له آراء في النحو خالف فيها جمهور النحاة منثورة في كتب النحو. ومن هنا عظمه بعضهم وعابه آخرون على هذه المخالفة. لم نعثر له على مطبوع أو مخطوط إلا أن السيوطي ذكر له مؤلفات منها: الترشيح في النحو، المقدمات على كتاب سيبويه، عاش طويلا وتوفي سنة (528 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 602)، الأعلام (2/ 196). (¬2) سورة مريم: 96. (¬3) البيت من بحر الطويل للبيد بن ربيعة من قصيدة سبق الحديث عنها في الشاهد رقم (5). وشاهده هنا: الإخبار بالمستقبل عن المبتدأ لكونه عامّا. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 83)، ومعجم الشواهد (ص 283). (¬4) هو النمر بن تولب العكلي شاعر جواد يسمى الكيس لحسن شعره، كان جاهليّا حتى أدرك الإسلام فأسلم ووفد على النبي عليه الصلاة والسّلام؛ وقال له (من الرجز): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 15 - فلمّا رأته آمنا هان وجدها ... وقالت أبونا هكذا سوف يفعل (¬1) وقال آخر: 16 - قضوا آجالهم فمضوا وكانوا ... على وجه وأنت ستلحقينا (¬2) وبقول الله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً (¬3)؛ لأن النفس تدري ما تنوي كسبه، إلا أنها لا تدري هل تكسبه أو لا. [1/ 36] ويرد عليه أيضا قول سيبويه (¬4): «وأمّا بناء ما لم يقع فقولك آمرا: اذهب واقتل واضرب، ومخبرا: يذهب ويقتل ويضرب»، فهذا نص منه على أن يفعل للاستقبال. ومذهب الجمهور: أن يفعل يكون للحال والاستقبال، وهل هو حقيقة فيهما فيكون مشتركا، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر، ثلاثة مذاهب: القول بالاشتراك مذهب الجمهور، وهو الصحيح وهو ظاهر كلام سيبويه؛ فإنه قال (¬5): «وأمّا الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء وبنيت لما مضى، - ¬

_ - إنّا أتيناك وقد طال السّفر ... نقود خيلا دمّرا فيها عسر كان لسانه كريما فلم يمدح أحدا ولم يهج أحدا، وشعره يشبه شعر حاتم الطائي. وهو القائل: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي هاجر إلى الكوفة وعاش هناك حتى بلغ مائة سنة، وخرف عقله في آخر حياته وألقي على لسانه، انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 315). (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة للنمر بن تولب بدأها بالغزل ووصف حالته ونظرته إلى الحياة. وانظر بيت الشاهد والقصيدة في ديوانه المحقق (ص 213). والبيت: يرد مذهب ابن الطراوة وفيه يجوز الإخبار بالفعل المقترن بالسين أو سوف وإن لم يكن المبتدأ مؤكدا أو عامّا، والبيت في التذييل والتكميل: (1/ 83)، وفي حاشية الشيخ يس: (1/ 160)، وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الوافر لم أعثر على قائله، وشاهده كالبيت السابق. وهو في التذييل والتكميل: (1/ 84) وليس في معجم الشواهد أيضا. (¬3) سورة لقمان: 34. (¬4) انظر الكتاب: (1/ 12). ووجه الدليل في كلام سيبويه: عطفه الأخبار على الأمر والأمر مستقبل، فكذا يكون المضارع، وانظر كيف جعل الشارح كلام سيبويه حجة ودليلا تاركا السماع والقياس. (¬5) انظر الكتاب: (1/ 12).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما يكون ولم يقع، ولما هو كائن لم ينقطع». وقال بعد ذلك (¬1): «وأمّا بناء ما لم يقع فقولك آمرا: اذهب، ومخبرا: يذهب» ثم قال: «وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت». فكونه ذكر أنه مبني لهذا ولهذا دليل على الاشتراك. ودليل مذهب الجمهور: أنه يقع على الحال تارة وعلى المستقبل تارة، ولم يقم دليل على أنه أظهر في أحدهما فكان مشتركا. وقال المصنف (¬2): «لما كان بعض مدلول المضارع المسمّى حالا مستأنف الوجود أشبه المستقبل المحض في استئناف الوجود فاشتركا في صيغة المضارع اشتراكا وضعيّا فحكم بالاشتراك». وذهب الفارسي (¬3) إلى أنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال، وصححه الأبذي. قالوا: ومستند الفارسي أن اللفظ إذا صلح للقريب والبعيد كان القريب أحق به؛ بدليل أنك تقول: أنا وزيد قمنا، وأنت وزيد قمتما؛ فتغلب المتكلم والمخاطب لقربهما، وزمن الحال أقرب من المستقبل فهو أحق» وفي هذا الاستدلال والتنظير أيضا نظر (¬4). وذهب ابن طاهر (¬5) إلى أنه حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال. واستدلاله - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (الجزء والصفحة). (¬2) انظر شرح التسهيل: (1/ 18). (¬3) هذا هو المذهب الرابع من الخمسة في كون المضارع مستقبلا أو حالا أو مشتركا، والثاني من الثلاثة وهي: هل دلالة المضارع على الحال والاستقبال حقيقة أو مجازا. وانظر في رأي الفارسي: التذييل والتكميل: (1/ 85) والهمع: (1/ 7). (¬4) أما النظر في الاستدلال فوجهه أن زمن الحال قصير؛ لأن الحال ما قارن وجود لفظه لوجود جزء من معناه، ثم يمتد المعنى بعد ذلك وهو الاستقبال الطويل، وأما النظر في التنظير فوجهه أن هذه قاعدة في الإخبار عند اجتماع الضمير مع الاسم الظاهر، فالواجب مراعاة أعرف الضمائر والأسماء؛ فالمتكلم أولا ثم المخاطب وهكذا. (¬5) هذا هو المذهب الأخير من الخمسة والثلاثة، وانظر فيه التذييل والتكميل: (1/ 81 - 86) والهمع: (1/ 7). وابن طاهر: هو أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي المعروف بالخدبّ وهو الرجل الطويل، نحوي مشهور أيضا موصوف بالحذق والنبل، أستاذ لابن خروف وغيره، درس كتاب سيبويه لتلاميذه. مصنفاته: له تعليقاته على كتاب سيبويه ضمنها ابن خروف شرحه عليه، قال السيوطي: وقفت على حواشيه على الكتاب بمكة المكرمة، كما ذكر أن له تعليقا على الإيضاح. توفي سنة (580 هـ)، انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 28).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعيف مردود [1/ 37] فلا نطول بذكره (¬1). وأشار المصنف بقوله: ولو نفي بلا خلافا لمن خصّها بالمستقبل إلى أن المضارع وإن اقترن بلا النافية باق على صلاحيته للحال والاستقبال، ولا يتعين الحكم باستقباله وهذا مذهب الأخفش والمبرد (¬2). قال المصنف: وهو لازم لسيبويه وغيره من القدماء لإجماعهم على صحة قول القائل: قاموا لا يكون زيدا، بمعنى إلا زيدا، ومعلوم أن المستثني (¬3) منشئ للاستثناء، والإنشاء لا بد من مقارنة معناه للفظه، ولا يكون هنا استثناء فمعناه مقارن للفظه؛ فلو كان النفي بلا مخلصا لاستقبال المضارع لم تستعمل العرب لا يكون في الاستثناء لمباينته الاستقبال. ومثل هذا الإجماع إجماعهم على إيقاع المضارع المنفي بلا في مواضع تنافي الاستقبال، نحو: أتظنّ ذلك كائنا أم لا تظنّه، وأتحبه أم لا تحبّه، وما لك لا تقبل، وأراك لا تبالي، وما شأنك لا توافق، ومثل ذلك في القرآن كثير، كقوله تعالى: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (¬4)، لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (¬5)، وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً (¬6)، ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ (¬7)، ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ (¬8)، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ (¬9). - ¬

_ (¬1) أما دليله في أن الاستقبال حقيقة في المضارع، فلأن أصل أحوال الفعل أن يكون منتظرا ثم حالا ثم ماضيا، فالمستقبل أسبق فهو أحق بالمثال. وأما رد الدليل فهو أنه لا يلزم من سبق المعنى سبق المثال. (التذييل والتكميل: 1/ 86، الهمع: 1/ 7). (¬2) انظر المقتضب: (1/ 47، 2/ 335) بتحقيق الشيخ عضيمة (طبعة المجلس الأعلى). والأخفش: هو سعيد بن مسعدة أبو الحسن أوسط الأخافشة الثلاثة المشهورين، قرأ النحو على سيبويه وانتصر لسيبويه من الكساء في المناظرة التي راح سيبويه ضحيتها. وهو إمام الطبقة الخامسة البصرية، وعلم من أعلام النحو المشهورين، توفي سنة (221 هـ) على أصح الآراء. مصنفاته: أشهر كتاب له هو معاني القرآن وهو مطبوع في مجلدين، وكتبت في الأخفش وآرائه كتب منها رسالة في جامعة القاهرة وكتاب طبع في بغداد تحت عنوان «منهج الأخفش الأوسط في الدراسات النحوية». انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 590)، الأعلام (3/ 155). وقد سبق ترجمة المبرد قبل ذلك. (¬3) المستثني: اسم فاعل من استثنى. (¬4) سورة المائدة: 84. (¬5) سورة التوبة: 92. (¬6) سورة النحل: 78. (¬7) سورة نوح: 13. (¬8) سورة النمل: 20. (¬9) سورة يس: 22.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو في غير القرآن، ومنه قول الشاعر: 17 - يرى الحاضر الشّاهد المطمئنّ ... من الأمر ما لا يرى الغائب (¬1) وقول الآخر: 18 - إذا حاجة ولّتك لا تستطيعها ... فخذ طرفا من غيرها حين تسبق (¬2) وقول الآخر: 19 - كأن لم يكن بين إذا كان بعده ... تلاق ولكن لا إخال تلاقيا (¬3) قال الشيخ (¬4): «لا حجّة في شيء ممّا أورده المصنّف؛ لأنّ كلّ مثال من الأمثلة الّتي ذكرها، اقترنت به قرينة صرفته عن الاستقبال إلى الحال، والمدّعي أنّ ما صلح لهما ولا مرجّح لأحدهما إذا نفي بلا يتخلص للاستقبال» ثم بين القرائن. ويمكن المنازعة في بعضها بل في أكثرها عند التأمل (¬5). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المتقارب، قالت مراجعه: إنه مجهول القائل. انظر شرح التسهيل (1/ 18) - التذييل والتكميل (1/ 83) وقد وجدناه في الشعر والشعراء منسوبا لخويلد بن فطحل أحد شعراء هذيل المعدودين، ويستشهد بهذا البيت وما بعده على أن المضارع لا يتخلص للمستقبل إن نفي بلا. بل هو باق على صلاحيته للحال والاستقبال، يشير إلى ذلك معنى الأبيات وما قبل الفعل المنفي من كلام، والبيت ليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للأعشى يمدح فيها المحلق بن خثعم بن شداد بن ربيعة. وقد أكثر فيها من الألفاظ الغربية والفارسية. كما يخلط المدح بالغزل فيها (انظر الديوان ص 116) وقد استوفى الشارح الحديث عن البيت. ترجمة الأعشى: اسمه ميمون بن قيس، جاهلي وأدرك الإسلام في آخر عمره، ورحل إلى النبي عليه السّلام ليسلم، فقيل له إنه يحرم الخمر والزنا، فقال: أتمتع بهما سنة ثم أسلم، فمات في تلك السنة، ولقب بالأعشى لضعف بصره مات سنة (7 هـ)، سنة (626 م). له ديوان شعر مطبوع. انظر ترجمته في الشعر والشعراء: (1/ 263)، الأعلام (8/ 300). (¬3) البيت من بحر الطويل وليس في معجم الشواهد وهو في ديوان الحماسة (3/ 1346)، ولم ينسب ونسبه محقق شرح التسهيل (1/ 19) إلى ابن الدمينة وليس في ديوانه بشرح محمد الهاشمي. وكان في البيت تامة، وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن ومفعول إخال الثاني محذوف أي لا إخال تلاقيا بعده، ويستشهد به لما في البيت قبله. والبيت في التذييل والتكميل: (1/ 89). (¬4) انظر التذييل والتكميل: (1/ 89). (¬5) أما قرينته في مقال الاستثناء فقد قال: إنه لا يكون فعل جرى مجرى إلا، ولم يكن قبل دخول لا صالحا للحال والاستقبال. وحجة ابن مالك فيه أقوى من تلك. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال: «وأمّا قول الشّاعر: إذا حاجة ... البيت فحمله على الحال وهم فاحش؛ لأنّ إذا ظرف لما يستقبل، فولّتك مستقبل وإن كان لفظه ماضيا. فلا تستطيعها جملة في موضع نصب على الحال، والعامل فيها ولّتك المستقبل، فلا تستطيعها جملة مستقبلة». انتهى. وفيه حذف. والظاهر أن الذي قاله المصنف عار عن الوهم، وذلك أن استطاعته للحاجة وعدم استطاعته إنما هو بالنسبة إلى وقت توليها، فالتولي وإن كان مستقبلا فلا تستطيعها حال، وجعلها جملة مستقبلة إنما هو بالنظر إلى وقت التلفظ بهذا الكلام. وليس المراد إذا حاجة ولتك وأنت لا تستطيعها في المستقبل؛ بل المراد إذا ولتك حاجة وأنت لا تستطيعها حين توليها، وهذا ظاهر من البيت. ثم قال المصنف: «والذي غرّ الزمخشريّ (¬1) وغيره من المتأخّرين قول سيبويه في نفي الفعل (¬2): وإذا قال هو يفعل أي: هو في حال فعله، فإنّ نفيه ما يفعل، وإذا قال هو [1/ 38] يفعل ولم يكن الفعل واقعا، فإنّ نفيه لا يفعل، فاستعمل ما في نفي الحال ولا في نفي المستقبل، وهذا لا خلاف في جوازه، وليس في عبارته ما يمنع من إيقاع غير ما موقع ما، ولا من إيقاع غير لا موقع لا» انتهى (¬3). - ¬

_ - وأما حجته في الأمثلة التي بعده فقد قال: إن الحال فيه جاءت من خارج عن لا، وهو الاستفهام المراد به الحال، ثم انسحب الحال فيه إلى الفعل المنفي، ويمكن رده بأن المثال - أو الآية - يجب النظر إليه وفهمه مرة واحدة. (¬1) أي دفعه بأن يقول: إن لا لنفي المستقبل (انظر المفصل 1/ 306)، يقول فيه: فصل: «ولا لنفي المستقبل في قولك: لا يفعل، قال سيبويه: وأمّا لا فتكون نفيا لقول القائل: هو يفعل ولم يقع الفعل». والزمخشري: هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن أحمد جار الله الزمخشري، ولد سنة (467 هـ). كان واسع العلم كثير الفضل متفننا في كل علم معتزليّا في مذهبه مجاهرا به حنفيّا، وله آراء كثيرة مشهورة في كتب النحو وتصانيفه مشهورة أيضا، منها الكشاف في التفسير والمفصل في النحو، وله الفائق في غريب الحديث. وله المستقصي في الأمثال وله أساس البلاغة في اللغة والأنموذج في النحو وكتب أخرى، توفي سنة (538 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 279). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 117)، وهو باب طريف في معنى الفعل فارجع إليه. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 20).

[ترجح زمن الحال في المضارع]

[ترجح زمن الحال في المضارع] قال ابن مالك: (ويترجّح الحال مع التّجريد). ـــــــــــــــــــــــــــــ وظاهر كلام سيبويه المنع، وإلا فلا فائدة في التخصيص (¬1). قال ناظر الجيش: للفعل المضارع قرائن تخلصه للحال، وقرائن تخلصه للاستقبال، وقرائن تصرفه إلى المضي. فشرع المصنف في ذكر ذلك وقدم على ما ذكره مسألة وهي: «أنّ الفعل إذا تجرّد عن القرائن الحاليّة والقرائن الاستقباليّة وغير ذلك، رجح كونه للحال». وعلل المصنف ذلك بأنه: «لمّا كان للماضي في الوضع صيغة تخصّه كفعل، وللمستقبل صيغة تخصّه كافعل (¬2) ولم يكن للحال صيغة تخصّه؛ بل اشترك مع المستقبل في المضارع جعلت دلالته على الحال راجحة عند تجريده من القرائن؛ ليكون ذلك جابرا لما فاته من الاختصاص بصيغة» (¬3). وأقول: إن في كلام المصنف اضطرابا في المتن والشرح، وذلك أنه قال: والمضارع صالح له وللحال أي للاستقبال وللحال؛ فحكم بالصلاحية لهما وأطلق، فدل على التساوي في الدلالة عليهما، فيكون مشتركا، ثم قال: ويترجّح الحال مع التّجريد. وهذا ينفي الاشتراك، ولا يقال إن الصلاحية لهما لا يلزم منها الاشتراك (¬4)؛ إذ لا تمتنع الصلاحية مع كونه حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر، لأنّا نقول إيراده ذلك بعد قوله: والأمر مستقبل أبدا. وسياق كلامه يقتضي أنه إنما - ¬

_ (¬1) ليس تخصيصا، وإنما هو توضيح فقط وبيان أولوية. والواجب في نفي أي أسلوب مراعاة معنى حرف النفي نفسه: فلن: للاستقبال ثم للتأبيد على رأي. ولم: يجوز فيها لم يكن ثم كان. ولمّا: لا يجوز فيها ذلك. وما: لنفي الماضي كثيرا، ولا: الغالب في نفيها المستقبل. وهكذا. (¬2) الأول وزن للماضي الثلاثي، والثاني وزن للأمر منه. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 21)، وقد أخذ هذه العلة صاحب الهمع (1/ 8) ولكنه هضم ابن مالك حقه. ويضاف إلى ذلك ما ذكره الفارسي قريبا، وهي: أن اللفظ إذا صلح للقريب والبعيد، كان القريب أحق به. (¬4) في نسخة (ب): يلزم منها الاشتراك، وصحته لا يلزم كما في الأصل.

[تعيين زمن الحال للمضارع]

[تعيين زمن الحال للمضارع] قال ابن مالك: (ويتعيّن عند الأكثر بمصاحبة الآن أو ما في معناه وبلام الابتداء ونفيه بليس وما وإن). ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر ما هو بالوضع للفعل، فلا يناسب أن يذكر المدلول عليه بالمجاز مع المدلول عليه بالحقيقة. وأما اضطراب كلامه في الشرح؛ فإنه قال أولا (¬1): «ولمّا كان بعض مدلول المضارع المسمّى حالا مستأنف الوجود أشبه المستقبل المحض في استئناف الوجود فاشتركا في صيغة المضارع اشتراكا وضعيّا». وقال ثانيا (¬2): «إنّ دلالته على الحال راجحة» وهذا ينافي القول بالاشتراك، والحق أنه لا يحكم بترجح الحال عند التجريد من القرائن؛ لما تبين من أن أصح المذاهب أنه مشترك بين الحال والاستقبال؛ فلا يتعين لأحدهما إلا بقرينة كسائر المشتركات. قال ناظر الجيش: هذا شروع في ذكر القرائن المخلصة لكل من الزمانين، وذكر أن القرائن التي تخلصه للحال خمس. ونازع المصنف في كل منها؛ فالظاهر أنه ليس عنده قرينة تخلصه للحال. فمن القرائن المذكورة: الآن وما في معناه وهو الحين والساعة وآنفا. قال المصنف (¬3): «وبعض العلماء يجيز بقاء المقرون بالآن مستقبلا؛ لأنّ الآن قد يصحب فعل الأمر مع أنّ استقباله لازم. قال الله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ (¬4). فعبّر عن المدّة التي رفع فيها الحرج عن المباشرين نساءهم ليالي الصّوم وعن مدة بلوغ ذلك إلى المخاطبين، وعن المدة التي تقع فيها المباشرة؛ لأن الآن ليس عبارة عن المدة المقارنة لنطق الناطق فحسب [1/ 39] بل الآن عبارة عن مدة ما حضر كونه. فلو أن الكائن لا يتم إلا في شهر فصاعدا، جاز أن يقال فيه الآن وهو كائن، ومنه قوله تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (¬5). - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 18). (¬2) المرجع السابق: (ص 21). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 21). (¬4) سورة البقرة: 187. (¬5) سورة الجن: 9، قال في شرح التسهيل: ومنه أيضا قول علي رضي الله عنه في الخضاب: «كان ذلك والإسلام قلّ؛ فأمّا الآن فقد اتسع نطاق الإسلام، فامرؤ وما اختار».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا ثبت هذا فقد يقال: الآن يكون كذا وكذا بقصد التعبير بالآن عن المدة التي يقع الكون في بعضها أو بقصد المبالغة في القرب إلا أنّ هذا خلاف الظاهر» (¬1) انتهى. والجواب: أن الآن حقيقة في الزمان الحاضر؛ فإذا صحب الفعل المستقبل كان ذلك قرينة صارفة له عن إرادة الحال ويكون استعماله في المستقبل مجازا بالقرينة؛ فالتجوز حينئذ في الظرف. وإذا لم يكن الفعل مستقبلا ولا ماضيا كان على حقيقته؛ إذ لا قرينة تصرفه فيتعين أن يكون الفعل معه للحال كما ذهب إليه الأكثر. ويؤيد هذا قول الأبذي: «ويعني بالآن المستعملة على حقيقتها؛ لأنّها إن تجوّز فيها واستعملت تقريبا صلحت مع الماضي والمستقبل، نحو قوله تعالى: قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ (¬2)، الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ (¬3)، ونحو قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ، (¬4) فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ (¬5). لأن فعل الشرط مستقبل. وقال الشاعر: 20 - فإنّي غير خاذلكم ولكن ... سأسعى الآن إذ بلغت إناها (¬6) وقول المصنف: «إلا أنّ هذا خلاف الظّاهر» يحتمل أن يرجع إلى قوله: «أو بقصد المبالغة في القرب» وهو الأقرب. ويحتمل أن يرجع إلى ما ذكره بأثره فيكون مختارا لقول الأكثر في هذه الصورة. ومن القرائن: لام الابتداء: نحو إني لأحبك. قال المصنف: «هي مخلصة للحال عند أكثرهم وليس كما ظنّوا؛ بل جائز أن يراد الاستقبال بالمقرون بها، كقوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬7)، - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 22) مع حذف يسير. (¬2) سورة البقرة: 71. (¬3) سورة يوسف: 51. (¬4) سورة البقرة: 187. (¬5) سورة الجن: 9. (¬6) البيت من بحر الوافر لعنترة بن شداد، سبق الحديث عنه في الشاهد رقم (12)، وقد استشهد به هنا مرة أخرى على أن لفظ الآن لم يقصد به الحال؛ وإنما تجوز فيه واستعمل في المستقبل. (¬7) سورة النحل: 124.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ (¬1)؛ فيحزنني مقرون بلام الابتداء وهو مستقبل؛ لأنّ فاعله الذهاب وهو عند نطق يعقوب عليه الصلاة (¬2) والسّلام بيحزنني غير موجود. فلو أريد بيحزنني (¬3) الحال لزم سبق معنى الفعل لمعنى الفاعل في الوجود وهو محال»، انتهى (¬4). وشرط الأبذي وغيره في تخليص اللام الفعل للحال: ألا تقترن بالفعل قرينة تشهد للاستقبال؛ فعلى هذا لا ينهض استدلال المصنف على ما ادعاه (¬5) بقوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬6)؛ لأن عمله في الظرف المستقبل الذي هو يوم القيامة قرينة تخلصه للاستقبال كما سيأتي، وكذا الآية الثانية أيضا لوجود القرينة الصارفة له إلى الاستقبال، وهو كون المسند إليه متوقعا كما سيأتي (¬7). وقال ابن الحاجب (¬8): «إنّ كون اللّام مخلّصة للحال هو مذهب الكوفيّين»، واعتذر عن الزمخشري في كونه جعله هنا بما يوقف عليه من كلامه. ثم قال: «وقد صرّح بذلك يعني الزّمخشري في قوله في الحرف: ويجوز عندنا: إن زيدا لسوف يقوم، ولا يجيزه الكوفيّون» (¬9). - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 13. (¬2) كلمة الصلاة ناقصة من الأصل. (¬3) في نسخة (ب)، (جـ): فلو أريد بيحزن. (¬4) انظر شرح التسهيل: (1/ 22). (¬5) في نسخة (ب)، (جـ): على مدعاه. (¬6) سورة النحل: 124. (¬7) انظر ذلك قريبا (بعد عدة صفحات). (¬8) انظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (جـ 2 ص 6) تحقيق الدكتور موسى بناي العليلي (العراق). (¬9) معناه أن ابن الحاجب جعل من كلام الزمخشري مذهبا ثالثا مخالفا الكوفيين والبصريين، وذلك أن الزمخشري عند ما قال: «ويجوز عندنا: إن زيدا لسوف يقوم ولا يجيزه الكوفيون» (المفصل ص 328)، شرحه ابن الحاجب فقال: «وإنما جاز عند البصريين لأن اللام عندهم ليست للحال، وإنما هي لام الابتداء أخرت؛ فجاز أن تجامع ما معناه الحال والاستقبال؛ إذ لا مناقضة بينهما وبينها. وعند الكوفيين أنّها للحال فإذا جامعت سوف تناقض المعنى؛ لأنه يصير حالا باللام مستقبلا بسوف، وهو متناقض فكان يلزمه ألا يجيزه أيضا؛ لأنه قد تقدم من قوله أنها للحال، فقد وافق الكوفيين في كونها للحال؛ وخالفهم في مجامعتها لسوف». ثم قال: والذي يدل على ما ذكره البصريون قوله تعالى: لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم: 66]؛ فقد دخلت اللام مع وجود سوف (انظر الإيضاح في شرح المفصل 2/ 273 - 274 قسم التحقيق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن القرائن: نفيه بليس وما وإن: فمثال نفيه بما في قوله تعالى: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ (¬1). ومثاله بإن في قوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (¬2). ومثاله بليس قول الشاعر: 21 - فلست وبيت الله أرضى بمثلها ... ولكنّ من يمشي سيرضى بما ركب (¬3) [1/ 40] قال المصنف (¬4): «والأكثرون أيضا على أن النفي بهذه الثلاثة قرينة مخلصة للحال مانعة من إرادة الاستقبال. وليس ذلك بلازم، بل الأكثر كون النفي بها حالا، ولا يمتنع كونه مستقبلا، كما قال حسّان (¬5) في وصف الزبير: 22 - وما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدّهر ما دام يذبل (¬6) أي ما مثله في هذا العصر، ولا كان فيما مضى ولا يكون فيما يستقبل. وهذا جليّ غير خفي. ومثله قول الآخر: 23 - والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شحّ وإشفاق وتأميل (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف: 9. (¬2) سورة الأنبياء: 109. (¬3) البيت من بحر الطويل لعبد الله بن العباس، ذكر ذلك صاحب معجم الشواهد وهو من الحكم ومعناه: إنّ من لم يجد إلّا القليل رضي به. ويستشهد به على أن المضارع يتخلص للحال بدخول ليس عليه. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 21)، والتذييل والتكميل (1/ 93) ومعجم الشواهد (ص 26). (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 22، 23). (¬5) هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري وكنيته أبو الوليد، جاهلي إسلامي وفد على ملوك الغساسنة قبل إسلامه ومدحهم وأجزلوا له العطاء. ثم أسلم ولكنه لم يشهد مع النبي عليه السّلام غزوة؛ إلا أنه دافع عن الإسلام بشعره وهو القائل في لسانه: ما يسرني به مقول أحد من العرب والله لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه. عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، ومات في خلافة معاوية. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 311). (¬6) البيت من بحر الطويل من مقطوعة لحسان بن ثابت يمدح بها الزبير بن العوام. والشاهد في البيت: قوله: وليس يكون وفيه أن المضارع المنفي بليس لا يتخلص للحال بل يكون للاستقبال أيضا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 22) والتذييل والتكميل (1/ 94) ومعجم الشواهد (ص 279). (¬7) البيت من بحر البسيط قائله عبدة بن الطبيب وهو يزيد بن عمرو بن وعلة، شاعر مخضرم أدرك الإسلام فأسلم وشهد مع المثنى بن حارثة قتال هرمز (انظر ترجمته في الشعر والشعراء: 1/ 705). والاستشهاد به على ما في البيت قبله، وسيأتي هذا الشاهد مرة أخرى في باب: تعدد الخبر. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال تعالى في استقبال النفي بما وإن: قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ (¬1). وقال أبو ذؤيب (¬2): 24 - أودى بنيّ وأودعوني حسرة ... عند الرّقاد وعبرة ما تقلع (¬3) وقال النابغة (¬4) الجعدي يمدح النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: 25 - له نافلات ما يغبّ نوالها ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا (¬5) - ¬

_ - والبيت في شرح التسهيل (1/ 22) وفي التذييل والتكميل (1/ 94) وهو فيهما بلا نسبة في الشرح والتحقيق، وهو مما اكتشفت قائله، وليس في معجم الشواهد. (¬1) سورة يونس: 15. (¬2) هو خويلد بن خالد الهذلي، وكنيته أبو ذؤيب: شاعر مجيد مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وأسلم وحسن إسلامه. أشهر قصائد أبي ذويب قصيدته التي يرثي فيها أولاده والتي منها الشاهد، وشعره كله على نمط من الجودة وحسن السبك، توفي بمصر وهو عائد مع عبد الله بن الزبير من غزوة في إفريقية وكانوا يحملون بشرى الفتح إلى عثمان بن عفان. انظر ترجمته في معجم الأدباء لياقوت (11/ 83). والشعر والشعراء (2/ 657). (¬3) البيت من بحر الطويل لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدته التي اشتهر بها في رثاء أولاده الخمسة الذين ماتوا في عام واحد نتيجة للطاعون الذي أصابهم في مصر، وهي في ديوان الهذليين منسوبة لأبي ذؤيب، (ص 2). ويستشهد بالبيت على أن النفي بما لا يجعل المضارع للحال فقط، بل يراد به الاستقبال كما هنا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 23) والتذييل والتكميل (1/ 94) ومعجم الشواهد (ص 227). (¬4) هو عبد الله بن قيس بن جعدة، وكنيته أبو ليلى وسمي النابغة لنبوغه في الشعر بعد انقطاعه عنه. جاهلي ثم أسلم ووفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأنشده قصيدة طويلة في مدحه وكان النبي يدعو له كل عدة أبيات منها. ولما قال النابغة: بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا قال له الرسول: «إلى أين يا أبا ليلى» فقال: إلى الجنة يا رسول الله، قال له الرسول: «نعم إن شاء الله». عمر طويلا جدّا ولقي عمر بن الخطاب وخرج مع علي بن أبي طالب إلى صفين ولقى معاوية وأنشده معاتبا. ثم دخل على ابن الزبير المسجد الحرام ومدحه ثم دخل بيته ولزمه حتى مات وعمر طويلا. وغالب شعره في الوصف والفخر والهجاء، انظر ترجمته في الشعر والشعراء: (1/ 295). (¬5) البيت من بحر الطويل، نسبته بعض مراجعه إلى الأعشى (معجم الشواهد: ص 93)، وهو كذلك في ديوان الأعشى (ص 46). وفي سيرة النبي لابن هشام (1/ 412) أنه من قصيدة للأعشى يمدح بها النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا أنه لم ينشدها أمامه. اللغة: النافلات: العطايا ويروى نائلات وصدقات وكل بمعنى واحد. ما يغب نوالها: ما يتأخر. والشاهد فيه: كما في البيت السابق، واستشهد به ابن هشام (المغني 1/ 293) على أن ليس تدل على نفي الحال، وتنفي غيره بالقرينة كما في هذا البيت. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 23) وفي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال رجل من طيئ: 26 - فإنك إن يعروك من أنت محسب ... ليزداد إلّا كان أظفر بالنّجح (¬1) أي ما ينزل بك من أحسبته بالعطاء أي أعطيته عطاء كافيا ليزداد على الكفاية إلّا كان أظفر بالنجح؛ فالمنفي هنا بأن مستقبل لا شكّ في استقباله. انتهى (¬2). وذكر الأبذي وغيره: أن هذه القرائن إنما تكون مخلصة للحال إن لم تكن ثمّ قرينة تخلّص للاستقبال. فعلى هذا لا ينهض استدلال المصنف (¬3). إلا أن لقائل أن يقول: قد وجدت قرينتان: إحداهما تخلص للحال والأخرى للاستقبال؛ فلأي شيء رجحت قرينة الاستقبال وجعلت غالبة للقرينة الأخرى (¬4). وزاد الأبذي في القرائن المخلصة للحال: أن يعطف على الحال أو يعطف الحال عليه، نحو: يقوم زيد الآن ويخرج، ويقوم زيد ويخرج الآن. والمصنف استغنى عن ذكر ذلك؛ لأنه يشترط في عطف الفعل على الفعل اتفاقهما في الزمان فالمعطوف والمعطوف عليه متفقان (¬5). وزاد أيضا (¬6): أن يقع في موضع نصب على الحال، نحو: جاء زيد يضحك، وهو واضح؛ فلهذا لم يتعرض إليه المصنف. - ¬

_ - التذييل والتكميل (1/ 94) وفي معجم الشواهد (ص 93). (¬1) البيت من بحر الطويل. لم تذكر المراجع التي اطلعت عليها قائلا له. ومعناه واضح من الشرح. ويستشهد به على أن نفي المضارع بإن لا يوجب تخليصه للحال؛ بل يجوز أن يكون مستقبلا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 23) والتذييل والتكميل (1/ 94) وليس في معجم الشواهد. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 23). (¬3) أي بالآيات القرآنية وأبيات الشعر السابقة التي يستدل بالجميع على أن النفي بليس وما وإن تخلص المضارع للاستقبال. (¬4) يقال في مثل هذا: إذا تعارضت القرينتان سقطتا؛ فإذا اقترن المضارع بما يخلصه للحال ثم عمل في ظرف مستقبل وجب أن يرجع إلى ما يدل عليه حقيقة وهو الحال والاستقبال معا. (¬5) قال ابن مالك في باب المعطوف عطف النسق، من شرحه على التسهيل: «ويجوز عطف الفعل الماضي على المضارع والمضارع على الماضي إذا كان زمانهما واحدا، نحو: إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً [الفرقان: 10]، وإِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [الشعراء: 4]. انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 383) (باب المعطوف عطف النسق). (¬6) فاعل زاد ضمير الأبذي.

[الأمور التي تخلص المضارع للاستقبال]

[الأمور التي تخلص المضارع للاستقبال] قال ابن مالك: (ويتخلّص للاستقبال بظرف مستقبل وبإسناد إلى متوقّع، وباقتضائه طلبا أو وعدا، وبمصاحبة ناصب أو أداة ترجّ أو إشفاق أو مجازاة أو لو المصدريّة أو نون التّوكيد (¬1) أو حرف تنفيس وهو السّين أو سوف أو سف أو سو أو سي). -[1/ 41] قال الشيخ: «أهمل المصنف ما يعين المضارع للحال وهو الإنشاء نحو: أقسم لأضربنّ عمرا» انتهى (¬2). وهذا ليس بشيء لأنه قد علمت مما تقدم أنه لا يجوز إيراد ذلك في هذا الباب؛ إذ ليس الكلام هنا في نقل صيغ الفعل من معنى إلى معنى؛ إنما الكلام في تغيير الزمان مع بقاء معنى الصيغة. وإذا أريد بالفعل الموضوع للخبر معنى الإنشاء فقد نقلت الصيغة عن معناها إلى معنى آخر. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن القرائن التي تعينه للحال شرع في ذكر القرائن التي تخلصه للاستقبال، وهي أمور منها: الظرف المستقبل: وإطلاق هذه العبارة تشمل صورتين: إحداهما: أن يكون الفعل عاملا في الظرف المذكور نحو: أقوم إذا قام زيد. الثانية: أن يكون الظرف مضافا إلى الفعل نحو: القتال إذا يجيء العدو، ومثل المصنف (¬3) بما يشمل الصورتين وهو: أزورك إذا تزورني. فأزورك: عامل في ظرف مستقبل مضاف إلى تزورني وتخلصا به للاستقبال. ومنها: إسناده إلى متوقع: كقول الشاعر: 27 - يهولك أن تموت وأنت ملغ ... لما فيه النّجاة من العذاب (¬4) - ¬

_ (¬1) في نسخة التسهيل المحققة: أو نون توكيد. (¬2) انظر التذييل والتكميل (1/ 95). (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 24). (¬4) البيت من بحر الوافر لقائل مجهول. والاستشهاد بالبيت على أن إسناد المضارع إلى متوقع (يهولك أن تموت) من القرائن التي تخلصه للاستقبال. وانظر البيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 24)، والتذييل والتكميل (1/ 96)، ومعجم الشواهد (ص 93).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: اقتضاؤه طلبا: نحو: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ (¬1). هكذا قال المصنف. وقد علمت أن صيغة الفعل في مثل هذا خرجت عن معناها الموضوعة هي له وهو الخبر إلى معنى آخر وهو الطلب، وإذا كان كذلك فليس هذا موضع إيراد هذا الحكم. ومنها: اقتضاؤه وعدا: نحو قوله تعالى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ (¬2). ومنها: مصاحبة ناصب أو ما بعده من الأمور التي ذكرها: والناصب: أن، ولن، وإذن، وكي، وسواء كان الناصب ظاهرا نحو قوله تعالى: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (¬3) أم مقدرا نحو قوله تعالى: لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ (¬4). وأما أداة الترجي: فمثالها قوله تعالى: لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (¬5). وقال الشاعر: 28 - فقلت أعيروني القدوم لعلّني ... أخطّ بها قبرا لأبيض ماجد (¬6) وأما أداة الإشفاق فمثالها قول الشاعر: 29 - فأمّا كيّس فنجا ولكن ... عسى يغترّ بي حمق لئيم (¬7) ولا فرق بين الرجاء والإشفاق في اللفظ بل في المعنى؛ لأن الرجاء محبوب - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 233. (¬2) سورة العنكبوت: 21. (¬3) سورة البقرة: 184. وسقط من الأصل كلمة قوله تعالى. (¬4) سورة النساء: 26 وأولها: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. (¬5) سورة يوسف: 46. (¬6) البيت من بحر الطويل، ورد في مراجع كثيرة بلا نسبة. ويستشهد به على تخليص المضارع للاستقبال بدخول أداة الترجي عليه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 24) والتذييل والتكميل (1/ 97)، ومعجم الشواهد (ص 115). (¬7) البيت من بحر الوافر، وهو من الخمسين المجهولة في كتاب سيبويه، ونسبه محقق شرح التسهيل لابن مالك (1/ 25) إلى هدبة بن خشرم العذري ونسبه صاحب معجم الشواهد (ص 353) إلى المرّار بن سعيد الأسدي وهو في التذييل والتكميل بلا نسبة (1/ 97). وقد اختلف الاستشهاد به: فسيبويه على إسقاط أن في خبر عسى (الكتاب 3/ 159) وابن جني على أن حمق بمعنى الأحمق (المحتسب: 1/ 119) وشراح التسهيل على أن المضارع يتخلص للاستقبال بعد أدوات الترجي والإشفاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشفق منه مكروه. وأما أداة المجازاة: فمثالها قوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * (¬1). قال الأبذي: «سواء في ذلك ما يجزم كإن وأخواتها وما لا يجزم نحو: كيف تقول: كيف تصنع أصنع فكيف معناها الجزاء ولم تجزم بها العرب». وأما لو المصدرية: فمثالها قوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ (¬2)، وعلامتها: أن يحسن في موضعها أن. واحترز بهذا التقييد من لو الامتناعية؛ فإنها تؤثر ضد ما تؤثر هذه كما سيأتي، وفي إثبات المصدرية خلاف سيجيء في باب الموصول إن شاء الله تعالى. وأما نون التوكيد: فمثالها قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ... (¬3) الآية. [1/ 42] وأما حرف التنفيس: فمثاله قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (¬4)، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (¬5). وجاء عن العرب: سف أفعل، وسو أفعل وسي أفعل وهي أغربهن، حكاها صاحب المحكم (¬6). وأنشد الشيخ في شرحه (¬7): 30 - فإن أهلك فسو (¬8) يجدون فقدي ... وإن أسلم يطب لكم المعاش (¬9) - ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم: 19، سورة فاطر: 16. (¬2) سورة البقرة: 96. (¬3) سورة البقرة: 155. (¬4) سورة الأعلى: 6. (¬5) سورة الضحى: 5. وكان الأولى أن يقول: وقوله تعالى، لأنهما آيتان من سورتين. (¬6) هو المشهور بابن سيده علي بن أحمد الأندلسي، عالم كبير بالنحو واللغة وأشعار العرب وأيامها، حافظ لهذا كله، أخذ ذلك كله عن أبيه وعن أساتذة آخرين. مصنفاته: له الكتاب المذكور في الشرح، وهو سفر كبير في اللغة، طبع بعضه محققا والباقي ما زال مخطوطا بدار الكتب، وله أيضا المخصص وهو كتاب عظيم في اللغة مطبوع، وله أيضا غير ذلك، ذكرت مراجعه: كتاب إصلاح المنطق، كتاب شاذ اللغة، شرح الحماسة، شرح كتاب الأخفش. مات سنة (458 هـ). انظر ترجمته في معجم الأدباء (12/ 235)، بغية الوعاة (2/ 143). (¬7) انظر: التذييل والتكميل (1/ 93). (¬8) في النسخة (جـ): فسوف وهو خطأ. (¬9) البيت من بحر الوافر وهو في الفخر لشاعر مجهول، وشاهده واضح من الشرح: وهو أن سو مقطوعة من -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واتفقوا (¬1) على أن أصل سف وسو وسي: سوف، وزعموا أن السين أصل برأسها غير مفرعة على سوف؛ لكنها منها كنون التوكيد الخفيفة من نون الثقيلة، وقد رد المصنف ذلك، ثم ناقشه الشيخ في بعض الرد (¬2) بما يحتمل الدفع. وليس في ذلك كبير فائدة فأضربت عنه (¬3). وأقرب ما قال المصنف: «إنّا قد أجمعنا على أنّ سف وسو وسي فروع سوف، فلتكن السين أيضا فرعها؛ لأنّ التخصيص دون مخصص أيضا مردود». وقال المصنف: «قال بعضهم: لو كانت السين بعض سوف لكانت مدّة التسويف بهما سواء وليس كذلك؛ بل هي بسوف أطول؛ فكانت كل واحدة منهما أصلا برأسها». ثم قال: قلت: هذه دعوى مردودة بالقياس والسماع: فالقياس: أن الماضي والمستقبل متقابلان، والماضي لا يقصد به إلا مطلق المضي دون تعرض لقرب الزمان وبعده فينبغي ألا يقصد بالمستقبل إلا مطلق الاستقبال دون تعرض لقرب الزمان وبعده؛ ليجري المتقابلان على سنن واحد، والقول بتوافق سيفعل وسوف يفعل مصحح؛ فكان المصير إليه أولى. وأما السماع: فتعاقب سيفعل وسوف يفعل على المعنى الواحد الواقع في وقت واحد؛ قال الله تعالى: وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (¬4). وقال - ¬

_ - سوف كما تقطع كي من كيف. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 93) ومعجم الشواهد (ص 202). (¬1) هم البصريون كما سنبين في التحقيق بعد. (¬2) انظر التذييل والتكميل (1/ 92) وما بعدها، وشرح التسهيل (1/ 26، 27). (¬3) انظر المسألة بتمامها في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 646) (مطبعة السعادة سنة 1955 - المكتبة التجارية) وملخصها: «أن الكوفيين - ومعهم ابن مالك - ذهبوا إلى أن السين التي تدخل على الفعل المستقبل نحو سأفعل أصلها سوف، واحتجوا بأن الحذف كثير في استعمالهم نحو: لم يك، كما أنهم يحذفون الفاء وحدها من سوف، والجميع يراد به الاستقبال. وذهب البصريون: إلى أن السين أصل برأسها؛ لأن الأصل في كل حرف يدل على معنى ألا يدخله الحذف، والسين حرف يدل على معنى». ورجح صاحب الإنصاف رأي البصريين ورد حجج الكوفيين. (¬4) سورة النساء: 146، وتمامها: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (¬1). وقال تعالى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ. في سورة النبأ (¬2)، وقال في سورة التكاثر: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (¬3). ومنه قول الشاعر: 31 - وما حالة إلّا سيصرف حالها ... إلى حالة أخرى وسوف تزول (¬4) فقد بان توافقهما إلا أن سيفعل أخف، فكان استعماله كثيرا. انتهى (¬5). وذكر الجزولي في المخلصات للاستقبال: لام القسم (¬6) ولا يتمحض ذلك للام المذكورة إلا حيث لا يؤتى في الفعل بنون التوكيد. وذلك لا يجوز عند البصريين إلا في ضرورة وإنما يجوز تعاقبهما الكوفيون. قال الشاعر: 32 - تألّى ابن أوس حلفة ليردّني ... إلى نسوة كأنّهنّ مفائد (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 162 وتمامها: لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ ... إلخ. (¬2) آية رقم: 4. (¬3) آية رقم: 3. (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة لأبي وهب العبسي يرثي ابنه وقبله: لئن كان عبد الله خلّى مكانه ... على حين شيبي بالشّباب بديل لقد بقيت منّي قناة صليبة ... وإن مسّ جلدي نهكة وذبول وما حالة ............. إلخ وانظر القصيدة بتمامها في شرح ديوان الحماسة (3/ 1071) وهو مما اكتشفت قائله. ويستشهد به على أن السين وسوف يتعاقبان على المعنى الواحد، وفيه رد على من قال: إن زمن المضارع مع السين أضيق. وانظر الشاهد في شرح التسهيل (1/ 27) والتذييل والتكميل (1/ 101) وهو في معجم الشواهد (ص 85). (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 27). (¬6) انظر (ص 33) من كتاب المقدمة الجزولية في النحو، تصنيف أبي موسى الجزولي (د/ شعبان عبد الوهاب). (¬7) البيت من بحر الطويل، وهو مطلع مقطوعة قصيرة لزيد الفوارس في ديوان الحماسة: (جـ 2 ص 557). اللغة: تألى: حلف. ابن أوس: هو قيس بن أوس بن حارثة الطائي. مفائد: جمع مفأد وهو السفود. والشاهد فيه قوله: ليردني: يروى بكسر اللام على أنها للتعليل ولا شاهد فيه، ويروى بفتحها على أنها للقسم وقد استغنى بهذه اللام عن نون التوكيد، وهذا قليل وضرورة عند البصريين. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 95) وفي الشواهد (ص 105). ترجمة زيد الفوارس: هو زيد الفوارس بن حصين بن ضرار الضبي، فارس شاعر جاهلي، وسمي بذلك؛ لأن جده ضرارا شهد معركة ومعه ثمانية عشر من ولده يقاتلون معه. وكان زيد هذا فارسهم، له -

[انصراف الفعل المضارع إلى زمن المضي]

[انصراف الفعل المضارع إلى زمن المضي] قال ابن مالك: (وينصرف إلى المضيّ بلم ولمّا الجازمة ولو الشّرطيّة غالبا، وإذ وربّما وقد في بعض المواضع). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما إذا أتى بالنون في الفعل نحو: والله ليقومن زيد، فيمكن أن يقال إنه إنما استفيد الاستقبال من النون؛ لأنها من القرائن الاستقبالية. قال الأبذي: «وهذا الّذي ذهب إليه - يعني الجزولي - في اللّام هو مذهب أكثر النّحويين. ومنهم من ذهب إلى أنّك إذا أقسمت على قيام في الحال، تقول: والله ليقوم زيد، وهو عندي جائز». انتهى. يعني أن اللام لا تخلص للاستقبال (¬1). وزاد الأبذي أيضا في قرائن الاستقبال: عطفه على المستقبل وعطف المستقبل عليه، نحو: سيأكل زيد ويشرب، ويشرب زيد وسيأكل، وقد تقدم نظير ذلك في القرائن الحالية، وأنه قد يستغنى عنه. وكان ينبغي للمصنف أن يذكر في القرائن المخلصة للاستقبال: لو الشرطية في أحد استعمالها، كما سيأتي بيانه. قال ناظر الجيش: شرع في ذكر القرائن الصارفة له إلى المضي، وإنما قال: وينصرف ولم يقل ويتعين أو يتخلص كما قال قبل؛ لأن المضارع لا دلالة له على المضي بالوضع، فكأنه انصرف عن مدلوله بالوضع وهو الحال [1/ 43] أو الاستقبال إلى مدلول آخر بقرينة بخلاف ما إذا تعين لأحد مدلوليه الذي هو موضوع لهما. فمن القرائن الصارفة له: لم ولمّا: ولا خلاف أن المضارع المقترن بهما ماضي المعنى، وهل كان ماضي اللفظ فتغير لفظه دون معناه، أو لم يزل مضارعا فتغير معناه دون لفظه؟ - ¬

_ - مختارات في ديوان الحماسة. وانظر ترجمته في الأعلام (3/ 97). (¬1) يريد أن يذكر أن الفعل يجب تأكيده بالنون عند البصريين إذا اقترن بلام القسم. وعليه: فإذا اقترن بالنون فالواجب تخليصه للاستقبال بها، فإحدى الأداتين خلصته؛ فإذا اقترن بإحداهما فلا داعي للأخرى وهو غير جائز؛ لأنه لا بد من اجتماعهما؛ إلا أن الرد عليه من وجهين: أن الكوفيين لا يوجبون الاجتماع، وأن مذهب بعض النحويين أن اللام لا تخلص للاستقبال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: مذهب طائفة منهم الجزولي (¬1). قال الأبذي: «وهو مذهب سيبويه (¬2) لأنّه جعل لم نفي فعل ولمّا نفي قد فعل». والثاني: مذهب المبرد وأكثر المتأخرين واختاره المصنف ومن ثمّ قال: وينصرف إلى المضيّ يعني أن معناه هو الذي تغير، وأن لم ولما إنما دخلتا على لفظ المضارع (¬3). واستدل لمذهب سيبويه (¬4) بأنك إذا ناقضت من أوجب قيام زيد، فقال قام زيد قلت: لم يقم زيد، وإن قال قد قام زيد، قلت: لمّا يقم زيد، والمناقضة إنما تكون بإدخال أداة النفي على ما أوجبه الذي قصدت مناقضة كلامه. وأيضا فإن صرف التغيير إلى جانب اللفظ أولى من صرفه إلى جانب المعنى؛ لأن المحافظة على المعنى أولى. قال المصنف (¬5): «وثاني القولين هو الصحيح - يعني ما ذهب إليه المبرد (¬6) - قال: لأنه نظير ما أجمع عليه في الواقع بعد لو وربّما وإذ فإنها صرفت المعنى دون اللّفظ اتفاقا». وقال أيضا: «إنما قيدت لمّا بالجازمة؛ لأنها إذا لم تكن جازمة لا يليها فعل مضارع بل ماضي اللفظ والمعنى إن كانت بمعنى حين، أو ماضي اللفظ مستقبل المعنى إن كانت بمعنى إلا، كقول الشاعر: 33 - قالت له بالله يا ذا البردين ... لمّا غنثت نفسا أو اثنتين (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر (ص 34) من كتاب: المقدمة الجزولية في النحو، للجزولي (607 هـ). (¬2) انظر الكتاب (3/ 117). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 28) ورجح المذهب الثاني الرضي في شرحه على الكافية (2/ 232)، وقال: هو أولى؛ لأن قلب المعنى أولى وأكثر في كلامهم، كما ضعف الأول السيوطي في الهمع (1/ 8)، وانظر تلميحا لرأي المبرد في المقتضب: (1/ 46). (¬4) القائل: إن الفعل المضارع كان ماضي اللفظ، وعند دخول لم أو لما عليه تغير لفظه دون معناه. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 27). (¬6) وهو الرأي القائل: إن معناه هو الذي تغير دون لفظه. (¬7) البيتان من السريع المشطور الموقوف وهما في معجم الشواهد (ص 543) مجهولا القائل. اللغة: البردان: مثنى برد وهو ثوب مخطط من أكسية العرب، وذو البردين: لقب عامر بن أحيمر. غنثت: يقال: غنث غنثا إذا شرب ثم تنفس وهو غير العب؛ لأن العب هو أن تشرب ثم لا تتنفس. قال الشيباني: الغنث هنا كناية عن الجماع (لسان العرب ص 3305 مادة: غنث). وشاهده: وقوع لما بمعنى إلا في جواب القسم، ومن هنا كان الفعل ماضي اللفظ مستقبل المعنى. والبيت في شرح التسهيل (1/ 28)، والتذييل والتكميل (1/ 103).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطلقت لم تنبيها على أنها صارفة إلى المضي أبدا ولو لم يكن الفعل مجزوما بعدها، كقول الشاعر: 34 - لولا فوارس من ذهل وأسرتهم ... يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (¬1) فرفع الفعل بعدها وهي لغة لقوم» (¬2) انتهى. قال الشيخ: «لا يحتاج إلى تقييد لمّا بالجازمة؛ لأنّها لا تدخل على المضارع إلّا وهي جازمة. ولو كانت تدخل عليه جازمة وغير جازمة ولا تصرفه إلى المضي إلا الجازمة - لاحتيج إلى ذلك التقييد، وأما أن يحترز بذلك من دخولها على الفعل الماضي فلا يصح؛ إذ التقييد إنما يكون في شيء مشترك» انتهى (¬3). والجواب: أن المصنف لم يحترز بذلك من شيء؛ بل نبه على أن لما جازمة وغير جازمة، وأن المضارع يختص بالجازمة دون غيرها. ويشعر بذلك قوله: وقيدتها بالجازمة؛ لأنها إذا لم تكن جازمة لا يليها فعل ماض؛ ولم يقل احترازا من كذا وكذا. ومنها: لو الشرطية: واعلم أن لو قسمان: مصدرية: ويتخلص المضارع بها للاستقبال، كما تقدم. وشرطية: وهي نوعان: شرط في المستقبل، فتكون إذ ذاك بمعنى إن كقوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ (¬4). وقوله تعالى: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو في معجم الشواهد (ص 182) في مراجع كثيرة ولم ينسب لقائل. اللغة: فوارس: جمع فارس على غير قياس. ذهل: حي من بكر ويروى مكانه نعم وقيس. وأسرتهم: يروى مكانه وإخوتهم وفيه الجر عطفا على المجرور قبله والرفع عطفا على فوارس. الصليفاء: أرض صلبة. كان فيها قتال بين هوازن وقيس وهو من أيام العرب. لم يوفون: من الوفاء وفيه الشاهد، قال ابن يعيش (شرح المفصل 7/ 9): هو شاذ لرفع الفعل بعد لم وسبيله عندنا على تشبيه لم بلا، ومثله قول الآخر: أن تهبطين بلاد قو ... م يرتعون من الطّلاح فهذا على تشبيه أن بما المصدرية وهو طريق الكوفيين. وأما البصريون فيحملونه وأشباهه على أنها المخففة من الثقيلة. وانظر الشاهد في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 28) ولأبي حيان (1/ 104). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 28). (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 104). (¬4) سورة النساء: 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ (¬1)، ومنه قول الشّاعر: 35 - قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بأطهار (¬2) فالماضي ينصرف بعدها كما في هذه الأمثلة إلى الاستقبال. وسيبين. وإذا وقع بعد لو هذه مضارع [1/ 44] كان مستقبل المعنى كما يكون حكمه بعد إن كقول الشاعر: 36 - لا يلفك الرّاجيك إلّا مظهرا ... خلق الكرام ولو تكون عديما (¬3) وكان ينبغي للمصنف أن يذكرها مع القرائن الاستقبالية كما تقدم التنبيه عليه. وقد يقال: يمكن أن يدخل تحت قول المصنف فيما تقدم: أو مجازاة أي بمصاحبة أداة مجازاة. ولا شك أن لو إذا كانت بمعنى إن صدق عليها أنها للمجازاة. وشرط في المضي: وهي المسماة بالامتناعية (¬4)، وينصرف المضارع بها إلى المضي؛ ومثالها قوله تعالى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ (¬5). ومثله قول كثير (¬6): - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 91. (¬2) البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة للأخطل يمدح فيها يزيد بن معاوية، وبيت الشاهد آخرها. انظر ديوان الأخطل (ص 83). اللغة: المآزر: جمع مئزر وهو الإزار وشده كناية عن ترك الجماع. أطهار: جمع طهر وهو النقاء من دم الحيض. ومعناه واضح. واستشهدوا به على أن لو بمعنى إن، فيكون الفعل بعدها مستقبلا في المعنى. والبيت في معجم الشواهد (ص 180) وليس في شرح التسهيل لابن مالك أو أبي حيان. ترجمة الأخطل: هو غياث بن غوث من بني تغلب، ولد عام (19 هـ)، أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم: جرير والفرزدق. مدح خلفاء بني أمية: معاوية ويزيد، ومن بعدهم وأقام معهم في دمشق حينا ومع أهله في الجزيرة العربية حينا وتوفي سنة (90 هـ) (انظر: الشعر والشعراء 1/ 490، الأعلام 5/ 318). (¬3) البيت من بحر الكامل لشاعر مجهول ينصح ممدوحه بأن يكون باشّا مع الذين يرجون إحسانه حتى ولو كان فقيرا. والراجيك: طالب معروفك، ويروى مكانه الراجوك وهو جمعه، وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 28) وفي التذييل والتكميل (1/ 105) وفي معجم الشواهد (ص 337). (¬4) سميت بذلك لأن معناها امتناع الجواب لامتناع الشرط. (¬5) سورة النحل: 61. (¬6) هو أبو صخر كثير بن عبد الرحمن، أحد عشاق العرب المشهورين، صاحب عزة بنت جميل بن حفص، وله معها حكايات ونوادر مشهورة، وأكثر شعره فيها، وكان قد تزوجها وانفصل عنها، وملأ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 37 - رهبان مكّة والّذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خرّوا لعزّة ركّعا وسجودا (¬1) وقول الآخر: 38 - لو يقوم الفيل أو فيّاله ... زلّ عن مثل مقاسي وزحل (¬2) فتقييد المصنف لها بالشرطية احترازا من المصدرية (¬3). ثم احترز من التي بمعنى إن بقوله: غالبا وكأنه يقول: إن ورود لو بمعنى إن ليس غالبا؛ وإنما الغالب استعمالها في المضي؛ لكن ظاهر العبارة يوهم أنها الامتناعية وأنها تارة تصرف المضارع إلى المضي وتارة تصرفه إلى الاستقبال؛ لكن الغالب صرفها إلى المضي، وليس كذلك لما تبين من أنها نوعان (¬4). وقد وافق المصنف الجزولي (¬5) في تسمية لو الامتناعية شرطية. وناقش الأبذي - ¬

_ - الدنيا عليها شعرا في حياتها وبعد موتها مدح كثيرا من خلفاء بني أمية كعبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز، واستقر به المقام في مصر بعد الإقامة في المدينة ودمشق وكان قبيح المنظر إلا أن شعره رفع مجلسه إلى الملوك. له ديوان مشروح. توفي سنة (105 هـ). انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 510)، وفيات الأعيان (4/ 113)، الأعلام (6/ 72). (¬1) البيتان من بحر الكامل وهما من مقطوعة صغيرة لكثير عزة (انظر ديوانه ص 441)، ومعناهما واضح، وهما في العشق والهيام بالمحبوب. ويستشهد النحاة بالبيت الثاني: على أن الفعل المضارع إذا وقع بعد لو الشرطية صرفته إلى المضي؛ فمعنى لو يسمعون كما سمعت: لو سمعوا كما سمعت. والبيت في شرح التسهيل (1/ 27) والتذييل والتكميل (1/ 104) ومعجم الشواهد (ص 98). (¬2) البيت من بحر الرمل من قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة صدرها ابن قتيبة في الشعر والشعراء (1/ 286) بقوله: وممّا يستجاد له. وذكر أبياتا منها. والقصيدة في الديوان (ص 139). وزحل: في معنى زل أيضا. والشاهد فيه كما في البيت قبله. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 99) وليس في معجم الشواهد. (¬3) وهي التي يتخلص المضارع معها للاستقبال، كقوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ... [البقرة: 96]. (¬4) شرطية في المستقبل وهي التي بمعنى إن، وشرطية في الماضي وهي المسماة بالامتناعية. (¬5) وافق الأول الثاني؛ لأن ابن مالك توفي سنة (672 هـ)، والجزولي توفي سنة (610 هـ). وانظر رأي الجزولي في تسمية لو الامتناعية شرطية، كتابه المسمى بالمقدمة الجزولية (ص 33) تحقيق د./ شعبان عبد الوهاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجزولي في ذلك، فقال: ليست - يعني الامتناعية - شرطا لا في اللفظ؛ لأنها لا تجزم، ولا في المضي؛ لأن الشرط إنما يكون بالنظر إلى الاستقبال. ومنها إذ: نحو قوله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (¬1) المعنى: وإذ قلت. ومنها ربما: نحو قول الشاعر: 39 - ربّما تكره النّفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال (¬2) أي ربما كرهت. وإنما صرفت معنى المضارع إلى المضي (¬3)؛ لأنها قبل اقترانها بما مستعملة في المضي، فاستصحب بعد الاقتران ما كان لها قبله؛ بل هي بذلك أحق؛ لأن ما - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 37. (¬2) البيت من بحر الخفيف وهو في معجم الشواهد العربية (ص 323) مذكور في مراجع كثيرة جدّا. وقد اختلف في قائله، فقيل: لأبي قيس اليهودي وقيل لابن صرمة الأنصاري وقيل لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب، وقد وجدته في معجم الشعراء (ص 72) منسوبا لعمير الحنفي مع قصة له. كما وجدته في ديوان أمية بن أبي الصلت (ص 49)، وأيضا في ديوان عبيد بن الأبرص (ص 111) ثالث أبيات ثلاثة وقبله: لا تضيقنّ بالأمور فقد تك ... شف غمّاؤها بغير احتيال اللغة: الفرجة: بالفتح المرة من الفرج وبالضم في الحائط ونحوه، واقرأ قصة فتح الفاء وضمها في الدرر: (1/ 4). والشاهد في البيت هنا قوله: ربما تكره؛ حيث جعل ربما صارفة المضارع إلى المضي بعد أن جعل ربما كلها كلمة واحدة، واستشهد سيبويه بالبيت على أن رب لا يليها إلا نكرة؛ فما فيه بمعنى شيء والجملة بعدها صفة (الكتاب: 1/ 109، 309) وانظر هذا البيت لهذا الشاهد في باب الموصول. وانظر البيت في التذييل والتكميل (1/ 106) وفي معجم الشواهد (ص 323). ترجمة عبيد بن الأبرص: هو عبيد بفتح العين وكسر الباء ابن الأبرص، أحد شعراء الجاهلية المشهورين ويعد من المعمرين، قتله النعمان بن المنذر في يوم بؤسه، وكان عبيد يريد أن ينشده شعرا، فقال له النعمان: حال الجريض دون القريض. فسارت مثلا والجريض هي الغصة، والمعنى: حال الموت دون الشعر ثم قتله. انظر ترجمته في وفيات الأعيان (3/ 329)، الشعر والشعراء (1/ 273). (¬3) انظر في التعليل: شرح التسهيل (1/ 29) ولم يشر إليه الشارح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للتوكيد فيتأكد بها معنى ما يتصل به ما لم يقلبه من معنى إلى معنى كما فعلت بإذ حين قيل فيها إذما. ومفارقتها في الدلالة على المضي وحدث فيها معنى المجازاة. وقد ذكر المصنف في باب حروف الجر من هذا الكتاب أنه لا يلزم مضي ما يتعلق بربّ؛ بل قد يكون مستقبلا، وأنشد أبياتا منها قول جحدر اللص (¬1): 40 - فإن أهلك فربّ فتى سيبكي ... على مهذّب رخص البنان (¬2) وقول سليم القشيري (¬3): 41 - ومعتصم بالحيّ من خشية الرّدى ... سيودي وغاز مشفق سيئوب (¬4) قال: وقد يكون حالا، انتهى (¬5). - ¬

_ (¬1) هو جحدر بن مالك الحنفي، شاعر أموي عاصر الحجاج، وكان يقطع الطريق على هجر وناحيتها، فأمر به الحجاج، فأتي به إليه، فسأله عما حمله على ذلك فقال جحدر: جراءة الجنان، وجفوة السلطان، وكلب الزمان ... فجمعه الحجاج بأسد ليقتله، فقتل جحدر الأسد، وخلّى الحجاج سبيله. (¬2) البيت من بحر الوافر، قائله جحدر بن مالك اللص من قصيدة طويلة. (انظر القصيدة كلها وخبر ذلك في الأمالي لأبي علي (1/ 332). وبعد بيت الشاهد قوله: ولم أك قد قضيت حقوق قومي ... ولا حقّ المهنّد والسّنان ويستشهد به هنا على أن ما بعد ربّ قد يكون مستقبلا. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 106)، وفي شرح التسهيل: (3/ 179) (باب حروف الجر). (¬3) لم أعثر له على ترجمة أبدا في كتب التراجم أو الطبقات على الرغم من كثرة ما رأيته .... معجم الأدباء لياقوت، معجم الشعراء للمرزباني. طبقات الشعراء لابن قتيبة وابن المعتز وابن سلام، الأعلام للزركلي، معجم المؤلفين لكحالة، وفيات الأعيان. فوات الوفيات. الوافي بالوفيات ... إلخ. (¬4) البيت من بحر الطويل نسبه الشارح وهو من الحكم، ومعناه من قوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78] كما أن الأمر هو: كم من خائض سبيل الموت ثم ينجو. وشاهده قوله: ومعتصم .. سيودي حيث جاء الفعل بعد الواو النائبة عن ربّ مستقبلا والبيت في شرح التسهيل (3/ 179) (باب حروف الجر). (¬5) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 179). ومما أنشده أيضا من مجيء ما يتعلق بربّ مستقبلا قول هند أم معاوية (مجزوء الكامل): يا ربّ قائلة غدا ... يا لهف أمّ معاوية ومثله (من البسيط): يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منّا وحرمانا ومما أنشده من مجيئه حالا قول عمر بن أبي ربيعة (من الطويل): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقائلون بأن ربما تصرف معنى المضارع إلى المضي يوردون على أنفسهم قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬1). فيقولون: ظاهره أن الفعل بعد ربما مستقبل [1/ 45]؛ لأنهم لا يودون ذلك إلا في الآخرة. ويجيبون بأن التقدير ربما ودّ؛ فيكون من قبيل ما جعل فيه المستقبل بمنزلة الماضي؛ فربّ صارفة معنى يود إلى الماضي. وجاز التعبير بالماضي عن المستقبل لصدق الوعد به، ولقصد التقريب لوقوعه، فجعل كأنه وقع مجازا، كما قال الله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ (¬2). وفي كلام المصنف ما يشعر بأنه لا يلتزم السؤال الذي أورد هنا، وأنه يحمل الآية الكريمة على ظاهرها من الاستقبال؛ لأنه قال: قال ابن السراج (¬3) في قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬4) بأنه لصدق الوعد، كأنه قد كان، كما قال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ (¬5). والصحيح عندي: أن إذ قد يراد بها الاستقبال كما يراد بها - ¬

_ - تقول ولم تعلم عليّ خيانة ... ألا ربّ باغ الرّبح ليس برابح وقول الآخر: ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين (¬1) سورة الحجر: 2. (¬2) سورة النحل: 1. وقوله: وجاز التعبير ... إلخ أي بناء على أن ما يلي ربّ هو الماضي في الأصل لفظا ومعنى أو معنى فقط كهذه الآية وعليه يصح التعليل في قوله السابق. وإلا فالفعل في الآية: رُبَما يَوَدُّ مستقبل لفظا ومعنى. (¬3) انظر كتابه المشهور له: أصول النحو: (1/ 511) بتحقيق عبد الحسين الفتلي (بغداد - العراق). وابن السراج: هو محمد بن السري البغدادي النحوي أبو بكر، قرأ كتاب سيبويه على المبرد ثم انصرف عن النحو إلى الاشتغال بعلم الموسيقى. وذات يوم حضر مجلس الزجاج فأخطأ في مسألة فوبخه الزجاج فيها فعاد إلى النحو ونظر في دقائق مسائله حتى برع فيه، توفي شابّا سنة (316 هـ). مصنفاته: كتاب الأصول في النحو، وهو مطبوع مشهور في ثلاثة أجزاء. وهو كتاب عظيم، قيل فيه قديما: ما زال النحو مجنونا حتى عقله ابن السراج بأصوله. وذكرت المراجع له كتبا أخرى وهي: شرح كتاب سيبويه، جمل الأصول، الشعر والشعراء .. إلخ. وانظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 109)، الأعلام (7/ 6). (¬4) سورة الحجر: 2. (¬5) سورة سبأ: 51.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضي فمنه قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (¬1) وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (¬2) فأبدل يومئذ من إذا (¬3)؛ فلو لم تكن صالحة للاستقبال ما أبدل يوم المضاف إليها من إذا، انتهى. ومنها قد: قال المصنف: إذا دخلت قد على المضارع فهي كربما في التقليل والصرف إلى معنى المضي. هذا ظاهر قول سيبويه؛ فإنه قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم (¬4): وأمّا قد فجواب لقوله لمّا يفعل فتقول قد فعل ثم قال: فتكون قد بمنزلة ربّما. قال الهزلي: 42 - قد أترك القرن مصفرّا أنامله ... كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (¬5) كأنه قال ربما. هذا نصه. فإطلاقه القول بأنها بمنزلة رب موجب للتسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضي (¬6) فإن خلت من التقليل خلت غالبا من الصرف إلى معنى المضي وتكون - ¬

_ (¬1) سورة غافر: 70، 71. (¬2) سورة الزلزلة: 4. (¬3) أي في قوله تعالى: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة: 1]. (¬4) انظر: الكتاب (4/ 223). (¬5) البيت من بحر البسيط قاله عبيد بن الأبرص من قصيدة يفتخر فيها بنفسه وبقومه (انظر ديوانه ص 49، ومختارات ابن الشجري ص 407). اللغة: القرن: الشجاع الكفء في الشجاعة، مصفرّا أنامله: ميتا. مجت بفرصاد: رشت به وهو ماء التوت؛ يريد أن الدم على ثيابه كماء التوت؛ وفي البيت فخر بالشجاعة والحماس في القتال. وتداول الاستشهاد على أن قد بمنزلة ربّما، قال ابن مالك: في التقليل والصرف إلى المضي، ورده أبو حيان وانظر تعليقنا بعد قليل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 29) والتذييل والتكميل (1/ 107) ومعجم الشواهد (ص 120). (¬6) اعترض أبو حيان على ابن مالك في هذا الفهم فقال: لم يبين سيبويه الجهة التي فيها قد بمنزلة ربما وعدم التبيين لا يدل على التسوية في الأحكام؛ بل يستدل بكلام سيبويه على نقيض ما فهم منه المصنف وهو أن قد بمنزلة ربما في التكثير فقط؛ ويدل عليه إنشاد البيت؛ لأن الإنسان لا يفتخر بشيء يقع منه على سبيل القليل والندرة؛ وإنما يفتخر بما يقع منه على سبيل الكثرة فتكون قد هنا بمنزلة ربما في التكثير كقول امرئ القيس (من الطويل): ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنّها خطّ تمثال انظر: التذييل والتكميل (1/ 108).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حينئذ للتحقيق، كقوله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ (¬1). ومنه قول الشاعر: 43 - وقد يدرك الإنسان رحمة ربّه ... ولو كان تحت الأرض سبعين واديا (¬2) وقد تخلو من التقليل وهي صارفة لمعنى المضي، كقوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ (¬3)، (¬4). فثبت لها مع المضارع معنيان وهما التقليل والتحقيق وأنها مع التقليل تصرف معنى الفعل إلى المضي ومع التحقيق لا تصرفه غالبا وقد تصرفه (¬5). وقوله: في بعض المواضع (¬6) قيد في قد فقط. وقد يوهم إظهار حرف الجر مع إذ؛ حيث قال: وبإذ وربما وقد أن ذلك قيد في الثلاثة، وليس كذلك لما تبين من أن إذ وربما يصرفانه إلى المضي، ولا يكفي أن يقال: قد يخلصانه للمستقبل كما هو اختيار المصنف؛ لأن ذلك قليل والصرف إلى المضي هو الكثير فلا يقيده بقوله: في بعض المواضع. قال الأبذي: «ومن القرائن الصّارفة معنى المبهم إلى المضيّ عطفه على الماضي نحو قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً (¬7) أي فأصبحت، وعطف الماضي عليه كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 33. (¬2) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ذكر من مراجع. ومعناه من قوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156]. وشاهده: وقوع قد للتحقيق وإن دخلت على المضارع. والبيت في شرح التسهيل (1/ 29) والتذييل والتكميل (1/ 108) وليس في معجم الشواهد. (¬3) سورة البقرة: 144. (¬4) هذا آخر ما نقله الشارح من المصنف. وانظر شرح التسهيل (1/ 29). (¬5) وعليه فأحوال قد مع المضارع ثلاثة: 1 - مفيدة للتقليل والصرف إلى المضي، كقول الشاعر: قد أترك القرن، أي قد تركت. 2 - مفيدة للتحقيق مع بقاء الاستقبال، كقوله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ. 3 - مفيدة للتحقيق مع صرفه إلى المضي، كقوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ. والاستعمال الثالث هو القليل. (¬6) أي في المتن، وذلك لأنه قال فيه: وينصرف المضارع إلى المضي بلم ولما الجازمة ولو الشرطية غالبا، وبإذ وربما وقد في بعض المواضع. (¬7) سورة الحج: 63.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 44 - ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني ... فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (¬1) [1/ 46] يريد: ولقد مررت». قال (¬2): «ومنها لمّا المحتاجة إلى جواب نحو قولهم: لمّا يقوم زيد قام عمرو. وقال تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا (¬3) أي جادلنا. هكذا قال، وأطلق؛ فيفهم منه أنه ينصرف بها إلى المضي سواء اتصل بها كما مثل به، أم كان جوابا لها كما في الآية الكريمة. لكن في تمثيله بلما يقوم زيد قام عمرو نظر: وهو أنه قد تقدم في كلام المصنف (¬4) أن لما غير الجازمة لا يليها إلا الماضي لفظا ومعنى إن كانت بمعنى حين، أو الماضي لفظا المستقبل معنى إن كانت بمعنى إلا. وأما جواب لما في الآية الكريمة ففيه وجهان: أحدهما: ما ذكره وهو (يجدلنا) فهو مستقبل لفظا ماض معنى. والثاني: أنه محذوف تقديره: أقبل يجادلنا ويجادلنا حال، فلم يتعين ما ذكره في الآية الكريمة، ولم يتحقق صحة المثال الذي ذكره؛ فلا استدراك حينئذ. قال: ومنها: وقوعه خبرا لكان وأخواتها، نحو كان زيد يقوم؛ فأما وقوعه حالا من اسم قد عمل فيه عامل معناه المضي، نحو جاء زيد يضحك؛ فإنما ذلك على حكاية الحال الماضية فليس إذا مصروفا عن معناه. قال: ومنها أيضا عندي إعماله في الظرف الماضي: نحو: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل من مقطوعة عدتها أربعة أبيات لشمر بن عمرو الحنفي أحد شعراء بني حنيفة الذي قتل المنذر بن ماء السماء مع جماعة وهي في الأصمعيات (ص 126) وبعده: غضبان ممتلئا عليّ إهابه ... إني وربّك سخطه يرضيني ونسبه صاحب الدرر (1/ 4)، البيت لرجل من بني سلول يصف نفسه بالحكمة والوقار. وقد اختلف الاستشهاد بالبيت: فابن هشام رأى فيه شاهدا على تعدي مر بعلى، وإن كان الأكثر فيه التعدي بالباء (المغني: 1/ 102). وغيره على أن التعريف بأل الجنسية لفظي لا يفيد التعيين، فاستشهدوا به في أبواب الحال والنعت والمعرف بأل. وهو شاهد هنا على تعين المضارع للمضي إذا عطف الماضي عليه. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 109) وفي معجم الشواهد (ص 411) في مراجع كثيرة. (¬2) القائل هو الأبذي. وهي مستدركات استدركها على الجزولي عند شرحه لكتابه القانون في النحو. (¬3) سورة هود: 74. (¬4) انظر شرح أول هذا المتن.

[صرف الماضي إلى الحال والاستقبال]

[صرف الماضي إلى الحال والاستقبال] قال ابن مالك: (وينصرف الماضي إلى الحال بالإنشاء، وإلى الاستقبال بالطّلب والوعد، وبالعطف على ما علم استقباله، وبالنّفي بلا وإن بعد القسم). ـــــــــــــــــــــــــــــ 45 - يجزيه ربّ العالمين إذ جزى ... جنّات عدن في العلاليّ العلا (¬1) كأنه قال: جزاه رب العالمين إذ جزى، وجعل الوعد بالجزاء جزاء. وهذا أولى من أن يعتقد في إذ أنها بمنزلة إذا؛ لأن صرف معنى المبهم إلى المضي لقرينة قد ثبت في كلامهم، ولم يثبت بقاطع وضع إذ موضع إذا. قال ناظر الجيش: قال المصنف: «الإنشاء في اللغة مصدر أنشأ فلان يفعل كذا، أي ابتدأه، ثم عبر به عن إيقاع معنى بلفظ يقارنه في الوجود كإيقاع التزويج بزوجت، والتطليق بطلقت والبيع والشراء ببعت واشتريت؛ فهذه الأفعال وما شابهها ماضية اللفظ حاضرة المعنى بقصد الإنشاء بها؛ فهذه قرينة تصرف الماضي إلى الحال» انتهى (¬2). وقد علمت مما تقدم: أن الكلام هنا ليس في نقل الصيغ من معنى إلى آخر؛ إنما هو في تغيير زمانها مع بقائها على المعنى الذي هي موضوعة له، وأن المصنّف - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز المشطور والأول منهما في معجم الشواهد (ص 565) قائلهما أبو النجم العجلي، وقد رويا برواية أخرى (الأمالي الشجرية: 1/ 45، 102). ثمّ جزاه الله عنّا إذ جزى ... جنّات عدن في العلاليّ العلا واستشهد به ابن الشجري: على أن الشاعر وضع إذ التي للظرف الماضي مكان إذا التي للمستقبل؛ وذلك لتحقق الوقوع. والاستشهاد به هنا: أن المضارع منصرف إلى المضي إذا عمل في ظرف ماض وهو هنا يجزيه العامل في إذا. وانظر البيت في التذييل والتكميل (1/ 109) وفي معجم الشواهد (ص 565). ترجمة «أبو النجم»: هو الفضل بن قدامة من عجل، كان ينزل بسواد الكوفة في موضع يقال له الفرك أقطعه إياه هشام بن عبد الملك لما مدحه بأرجوزته التي أولها: الحمد لله الوهوب المجزل. كانت بينه وبين العجاج منافرات، وكان وصّافا للفرس. انظر ترجمته في الشعر والشعراء: (2/ 607) والخزانة: (1/ 48). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 30).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ توجهت عليه المؤاخذة في ثلاثة مواضع من هذا الفصل. أحدها: قوله في المضارع: إنه يتخلص للاستقبال باقتضائه طلبا (¬1). الثاني: ما ذكره هنا من انصراف الماضي إلى الحال بالإنشاء (¬2). وذكر أنه ينصرف إلى الاستقبال بأمور منها: الطلب (¬3): نحو: غفر الله لي ونصر الله المسلمين وخذل الكافرين وعزمت عليك إلّا فعلت ولمّا فعلت، ومن كلامهم: «اتّقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه» هذه مثل المصنف. قال: فغفر وما يليها دعاء، وإلا فعلت ولما فعلت معناه إلا أن تفعل، ومعنى اتقى: ليتق. ولذلك جزم يثب، انتهى (¬4) [1/ 47] وهذا هو الموضع الثالث من مواضع المؤاخذة (¬5). ثم في كون الماضي في: إلا فعلت ولما فعلت يقتضي طلبا نظر، ولا يلزم من كون معناه إلا أن تفعل الدلالة على الطلب الصناعي، اللهم إلا أن يريد أن الفعل المذكور بعد إلا ولما في هذا التركيب مطلوب للمخاطب، فيكون ذلك طلبا معنويّا لم يستفد من الفعل فقط، إنما استفيد من الكلام بمجموعه. ومنها: الوعد: نحو: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (¬6) وكذا: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها (¬7)، ويمكن أن يقال في إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ: إنه ليس وعدا وإن الإعطاء قد حصل فليس نظير وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها. ومنها: عطفه على ما علم استقباله؛ كقوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ (¬8)، وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ (¬9) أي فيوردهم ويفزع. ومنها: نفيه بلا وإن بعد القسم: فمثال إن قوله تعالى: وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ (¬10) أي ما يمسكهما. - ¬

_ (¬1) انظر ما مضى من هذا التحقيق، وقد مثل له بقوله تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ [البقرة: 233]. (¬2) ومثاله: بعت واشتريت عند إيقاع ذلك. (¬3) هذا هو الموضع الثالث من مواضع المؤاخذة كما سيبينه. (¬4) انظر شرح التسهيل: (1/ 30). (¬5) كلمة مواضع في الأصل فقط. (¬6) سورة الكوثر: 1. (¬7) سورة الزمر: 69. (¬8) سورة هود: 98. (¬9) سورة النمل: 87. (¬10) سورة فاطر: 41.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال لا قول الشاعر: 46 - ردوا فوالله لا ذدناكم أبدا ... ما دام في مائنا ورد لنزّال (¬1) قال الشيخ: «ليس هذا الحكم بصحيح والماضي المنفي بإن أو بلا بعد قسم باق على المضي معنى؛ وإنما انصرف إلى الاستقبال في الآية الكريمة والبيت بقرينة غير ذلك. أما الآية الكريمة فإنما انصرف فيها لأنه في المعنى معلق على فعل مستقبل وهو الشرط؛ لأن: إن أمسكهما جواب للقسم المحذوف، وجواب الشرط المحذوف مستقبل مطلقا فكذلك ما دل عليه وهو جواب القسم. وأما البيت فإنما انصرف الفعل فيه إلى الاستقبال بإعماله في الظرف المستقبل، وهو قوله: أبدا» انتهى (¬2). وما قاله الشيخ في الآية الكريمة والبيت ظاهر، ولكنه فهم أن المصنف يوجب صرف الماضي إلى الاستقبال بهاتين القرينتين وليس كذلك؛ لأن المصنف قد صرح في باب القسم بأن ذلك جائز؛ فإنه قال حين ذكر: ما ولا وإن: «إلّا أنّ المنفيّ بها في القسم لا يتغيّر عمّا كان عليه دون قسم (¬3)، إلا إن كان فعلا موضوعا للمضيّ؛ فقد يتجدّد له الانصراف إلى معنى الاستقبال»، ومثل بقوله تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ (¬4) وبالآية الكريمة المذكورة هنا وبالبيت المذكور (¬5)، فيحمل المطلق من كلام المصنف على المقيد من كلامه في باب القسم (¬6). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط لم ينسب فيما ورد من مراجع. اللغة: ردوا: من الورود ويكون في الماء وغيره. وصاحبه يتمدح بالكرم وبلوغ النهاية فيه. وقد استشهد به على أن الفعل الماضي ينفى بلا وإذا نفي بلا تعين للاستقبال على ما قاله ابن مالك ورده أبو حيان كما في الشرح. وانظر البيت والتعليق عليه في شرح التسهيل (1/ 31). وفي التذييل والتكميل: (1/ 111). وفي معجم الشواهد (ص 314). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 111). (¬3) في (ب)، (جـ): عما كان عليه دون إن وما أثبتناه من الأصل ومن شرح التسهيل لابن مالك أيضا. (¬4) سورة البقرة: 145. (¬5) أما الآية فهي قوله تعالى: وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما [فاطر: 41] وأما البيت فهو الذي أوله: ردوا فوالله ... إلخ. (¬6) انظر كلام الشارح هذا في الباب المذكور من شرح التسهيل لابن مالك ورقة 170 بـ (مخطوط بدار الكتب رقم 10 ش نحو).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن القرائن الصارفة الماضي إلى الاستقبال، وذكرها الأبذي: أدوات الشرط: نحو إن قام زيد قام عمرو، ولا خلاف في شيء من ذلك إلا كان زعم المبرد (¬1) أنها لقوتها في الزمان الماضي من حيث تجردت للدلالة عليه لم تتغير دلالتها بأدوات الشرط كغيرها، فتقول: إن كان زيد قد قام فيما مضى، فقد قام عمرو. وقال الله تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ (¬2) معناه عند المبرد: إن كنت قلته فيما تقدم فقد علمته. والصحيح مذهب الجمهور بدليل ورودها في بعض المواضع، والمعنى على الاستقبال. قال الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (¬3). وأما الآية المتقدمة فتحتمل تقديرين: أحدهما: إضمار أكون أي: إن أكن فيما يستقبل موصوفا بأني كنت قلت ذلك فيما مضى، فقد علمته. والآخر: إضمار أقول أي: إن أقل كنت قلته [1/ 48] وفي هذا الثاني من حيث المعنى نظر. ومنها أيضا: لو (¬4) في أحد قسميها (¬5)؛ كقوله تعالى: وَلَوِ افْتَدى بِهِ (¬6)، وما تقدم من قول الشاعر: 47 - قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بأطهار (¬7) ومنها: إعماله في الظرف المستقبل؛ كقول الشاعر: 48 - وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت إذا تغوّرت النّجوم (¬8) - ¬

_ (¬1) لم أعثر عليه في المقتضب ولا رأيت أحدا - فيما رأيت - نسبه إليه. والآية وشاهدها في هامش شرح الكافية: (2/ 225) للرضي ولم تسند للمبرد. (¬2) سورة المائدة: 116. (¬3) سورة المائدة: 6. (¬4) أي من القرائن الصارفة الماضي إلى الاستقبال. (¬5) وهي التي بمعنى إن والمسماة بالشرطية. (¬6) سورة آل عمران: 91. (¬7) البيت من بحر البسيط للأخطل يمدح به يزيد بن معاوية. وشاهده: هو أن الفعل الماضي بعد لو ينصرف بها إلى الاستقبال؛ لأنها بمعنى إن. (¬8) البيت من بحر الوافر وهو مطلع قصيدة للبرج بن مسهر في الغناء والكأس والنديم والشراب، وهي في شرح ديوان الحماسة (3/ 1272). والشاهد فيه قوله: سقيت إذا .. إلخ. حيث انصرف الماضي إلى الاستقبال بقرينة عمله في الظرف المستقبل. ومثل الشاهد قولك: نجحت إذا ذاكرت، أي تنجح إذا ذاكرت. كما استشهد به في باب الممنوع من الصرف -

[احتمال الماضي للحال والاستقبال]

[احتمال الماضي للحال والاستقبال] قال ابن مالك: (ويحتمل المضيّ والاستقبال بعد همزة التّسوية وحرف التّحضيض وكلّما وحيث وبكونه صلة أو صفة لنكرة عامّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ أي أسقيته إذا تغورت النجوم. ومنها: إضافة اسم الزمان المستقبل إليه، نحو خروج زيد إذا قام عمرو أي إذا يقوم عمرو. ومنها: عطفه على المستقبل وعطف المستقبل عليه، نحو قعد زيد وسيقوم، أي سيقعد زيد وسيقوم، وكذا سيقوم زيد وقعد أي: وسيقعد (¬1) وهذه الثانية (¬2) قالها المصنف (¬3). ومنها: وقوعه في صلة لما المصدرية إذا كان العامل فيها المستقبل، كقولك: افعل خيرا ما دمت حيّا أي ما تدوم حيّا؛ إلا أن العرب لا تستعمل بعدها إلا الماضي (¬4)؛ لأن معنى الكلام كمعنى الشرط المحذوف الجواب لدلالة ما تقدم عليه، كأنك قلت: افعل هذا ما دمت حيّا وهم لا يحذفون جواب الشرط إلا إذا كان فعل الشرط ماضيا كقولهم: أنت ظالم إن فعلت، ولا يقولون: إن تفعل. قال ناظر الجيش: اعلم أن المراد بالاحتمال أن الماضي إذا وقع بعد ما ذكره جاز أن يراد به المضي في محل، وأن يراد به الاستقبال في محل آخر. وذلك بحسب ما يفهم من السياق؛ وقد يحتملهما في محل واحد ويختلف حينئذ التأويل. - ¬

_ - على صرف ندمان لأن مؤنثه بالتاء (شذور الذهب: ص 490). ترجمة الشاعر: هو البرج بن مسهر بن جلاس بن الأرت الطائي، شاعر من معمري الجاهلية، كانت إقامته في بلاد طيّئ (بلاد شمر اليوم) مات قبل الهجرة بنحو ثلاثين سنة، له شعر في ديوان الحماسة. انظر ترجمته في الأعلام (2/ 16). (¬1) في التمثيل لف ونشر مشوش: المثال الأول للقاعدة الثانية والمثال الثاني للقاعدة الأولى. (¬2) أي المسألة الثانية من مسائل صرف الماضي إلى المستقبل، وهي عطف الماضي على المستقبل. (¬3) انظر شرح التسهيل: (1/ 30)، وقد مثل المصنف لتلك المسألة بقوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ ... إلخ، وقوله: ... وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ... إلخ، وهو أحسن من تمثيل ناظر الجيش. (¬4) أي بعد ما المصدرية، ومنه قول الشاعر (من الوافر): يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي ...... إلخ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمثال الواقع بعد همزة التسوية قولك: سواء عليّ أقمت أم قعدت؛ فيجوز أن يكون المراد: سواء عليّ ما كان منك من قيام أو قعود، وأن يكون سواء على ما يكون منك منهما، وسواء أكان المعادل فعلا كما مثل أم جملة اسمية، كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (¬1). فإن كانت لم يعد أم تعين المضي كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬2)؛ لأن المعادل المنفي بلم تعين صرفه بها إلى المضي فوجب مضي ما قبله. ومثال الواقع بعد حرف التحضيض قولك: هلّا فعلت فتجوز إرادة المضي فتكون لمجرد التوبيخ، ولا يكون اقترانه بحرف التحضيض مغيرا للفعل عن وصفه، وتجوز إرادة الاستقبال فيكون بمنزلة الأمر. قال المصنف: ولذلك احتج العلماء على وجوب العمل بخبر الواحد، بقوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ (¬3) جعلوه بمنزلة لينفر، وهذان المثالان من المواضع التي يحتمل فيها الفعل المضي والاستقبال في محل واحد. ومثال الواقع بعد كلما والمعنى ماض: قوله تعالى: كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ (¬4). ومثاله والمعنى مستقبل قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها (¬5). ومثال الواقع بعد حيث والمعنى على المضي: قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ (¬6). ومثاله والمعنى على الاستقبال قوله تعالى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ * (¬7). ومثال الواقع صلة والمعنى ماض قوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ (¬8). ومثاله والمعنى مستقبل قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ (¬9). وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر: 49 - وإنّي لآتيكم يذكّر ما مضى ... من الأمر واستنجاز ما كان في غد (¬10) - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 193. (¬2) سورة البقرة: 6. (¬3) سورة التوبة: 122. (¬4) سورة المؤمنون: 44. (¬5) سورة النساء: 56. (¬6) سورة البقرة: 222. (¬7) سورة البقرة: 149 وأيضا: 150. (¬8) سورة آل عمران: 173. (¬9) سورة المائدة: 34. (¬10) البيت من بحر الطويل قاله الطرماح بن حكيم كما في مراجعه (معجم الشواهد ص 113). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 49] فمضى ماض وكان مستقبل. ومثال الواقع صفة للنكرة العامة والمعنى على المضي: قول الشاعر: 50 - ربّ رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشر أقتال (¬1) ومثاله والمعنى على الاستقبال قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فأدّاها كما سمعها» (¬2). فإن هذا منه - عليه الصلاة والسّلام - ترغيب لمن أدركه في حفظ ما يسمعه، ومعناه: نضر الله امرأ يسمع مقالتي فيؤديها كما يسمعها. وناقشه الشيخ (¬3) في المثال الأول: بأن رفدا ليس بنكرة عامة؛ إذ ربّ على ما ينسب لسيبويه للتقليل (¬4) والتقليل ينافي العموم، قال: - ¬

_ - والشاهد فيه واضح؛ حيث وردت ما موصولة في البيت مرتين صلة كل منهما مختلفة في المعنى وإن اتفقتا في اللفظ. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 32) وفي التذييل والتكميل: (1/ 113). ترجمة الطرماح: هو الطرماح بن حكيم بن الحكم من طيئ شاعر إسلامي فحل، ولد ونشأ بالشام وانتقل إلى الكوفة فكان معلما فيها، واعتقد مذهب الشراة من الأزارقة، واتصل بخالد بن عبد الله القسري، فكان يكرمه ويستجيد شعره، وكان هجاء معاصرا للكميت صديقا له لا يكادان يفترقان. انظر ترجمته في الأعلام للزركلي (3/ 325). (¬1) البيت من بحر الخفيف آخر بيت من قصيدة طويلة للأعشى، يمدح فيها الأسود بن المنذر اللخمي، بدأها بوصف الديار والأطلال والناقة: (ديوان الأعشى ص 163) مطلعها: ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي وهل ترد سؤالي اللغة: الرفد: بفتح الراء القدح الضخم ويكن بإراقته عن الموت وبكسر الراء العطاء، أسرى: جمع أسير. أقتال: جمع قتل وهو المقاتل والشجاع والقرن. وروي مكانه أقيال جمع قيل بفتح أوله وثانيه ومعناه الملك. والأعشى: يمدح صاحبه بالشجاعة وقتل الأعداء وأسر الملوك. وشاهده: وقوع الجملة الماضوية صفة للنكرة في قوله: ربّ رفد هرقته. والبيت في شرح التسهيل (1/ 32)، وفي التذييل والتكميل (1/ 113)، وفي معجم الشواهد (ص 323). (¬2) انظر الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 80) ونصه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالخيف من منى، فقال: «نضّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، ثمّ أدّاها إلى من لم يسمعها؛ فربّ حامل فقه لا فقه له، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه». وكرر الحديث مرة أخرى في: (4/ 82). (¬3) الضمير في ناقشه لابن مالك ولم يجر له ذكر ولكنه مفهوم من المقام؛ لأن الأمثلة السابقة كلها من شرح التسهيل له، وانظره: (1/ 35). (¬4) لم ترد ربّ مفيدة للتقليل في كتاب سيبويه. كل ما جاء فيه: اختصاصها بالنكرات (2/ 54، 56). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمّ لا يتعين كون هرقته صفة لرفد؛ إذ يجوز أن يكون هو الجواب العامل في موضعه ربّ رفد على مذهب من لا يشترط وصف مخفوض ربّ، وهو الأصحّ. انتهى (¬1). ولا تتوجه هذه المناقشة على المصنف؛ لأنه يرى أن ربّ للتكثير (¬2)، وقد استشهد في باب حروف الجر على ذلك بأبيات منها البيت المذكور (¬3). على أنا نقول: ليس المراد بالعموم هنا عموم الشمول؛ بل المراد أن النكرة باقية على صلاحيتها لكل مسمى لم يتخصص بشيء من مخصصات النكرة. وأما قوله: إنّ هرقته لا يتعين كونه صفة فمسلم ولا يضر المصنف ذلك؛ لأنه إنما استشهد بذلك على تقدير أن يكون الفعل صفة؛ فإذا لم يقدر صفة فلا يكون الفعل الماضي وقع صفة للنكرة العامة في البيت المذكور فيطلب الاستشهاد بغيره. * * * ¬

_ - وزيادة ما بعدها وهو كثير: (3/ 115). ومباحث أخرى فيها: انظر: (5/ 311). (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 113). (¬2) قال ابن مالك في التسهيل (ص 148): وربّ ليست اسما ... بل هي حرف تكثير وفاقا لسيبويه والتقليل بها نادر. (¬3) انظر شرح التسهيل (3/ 176) (د/ عبد الرحمن السيد، د/ بدوي المختون).

الباب الثاني باب إعراب الصحيح الآخر

الباب الثاني باب إعراب الصّحيح الآخر * [تعريف الإعراب] قال ابن مالك: (الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل من حركة أو حرف أو سكون أو حذف). قال ناظر الجيش: لما فرغ من شرح الكلمة وذكر أقسامها، وشرح الكلام وما يتعلق بذلك، وكان المقصود من علم النحو تصحيح الكلام، وكان ذلك لا يتم إلا بالإعراب شرع في ذكره، ويلزم من ذلك التعرض لذكر المعرب والمبني من الكلمات الثلاث. ولما كان المعرب مفردا وغير مفرد وهو المثنى والمجموع على حده، والمفرد منه ما آخره صحيح ومنه ما آخره معتل، أفرد المصنف لكلّ بابا. فبدأ بذكر المفرد الصحيح الآخر، وثنى بذكر المعتل الآخر، وثلث بذكر المثنى والمجموع. والمراد بالصحيح الآخر: ما ليس آخره حرف علة وحروف العلة في باب الأعراب ثلاثة: الواو المضموم ما قبلها والياء المكسور ما قبلها والألف. فما آخره واو ليس قبلها ضمة كدلو، وياء ليس قبلها كسرة كظبي، حكمه حكم الصحيح لقبوله للحركات. وقد ذكر الأئمة أن الإعراب في اللغة يطلق لمعان ثلاثة: الإبانة عن الشيء: أعرب الإنسان عن حاجته إذا أبان عنها، ومنه: والثيب تعرب عن نفسها (¬1) أي تبين. والتحسين (¬2): أعربت الشيء حسنته، قال الله تعالى: عُرُباً أَتْراباً (¬3) أي - ¬

_ (¬1) جعله ابن منظور في لسان العرب (مادة: عرب) حديثا. ونصه في كتب الأحاديث غير ذلك وهو فيها: «الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر وإذنها سكوتها» (صحيح البخاري: 7/ 17)، (صحيح مسلم: 4/ 141)، (مسند الإمام: 1/ 269). (¬2) هو المعنى الثاني، وقوله: والتغيير: هو المعنى الثالث. (¬3) سورة الواقعة: 37.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حسانا. والتغيير: عربت معدة الرّجل إذا تغيّرت، وأعربها الله: غيّرها. وأما الإعراب في الاصطلاح: فذهب جماعة إلى أنه معنوي: [1/ 50] وهو التغيير العارض للكلم أي الانتقال عن الحالة التي وضعت عليها إلى الحالة التي أحدثها العامل. وهو رأي أكثر المتأخرين من المغاربة (¬1). قيل: وهو ظاهر قول سيبويه (¬2). وذهب جماعة منهم ابن خروف (¬3)، وأبو علي (¬4) إلى أنه لفظي، وهو اختيار صاحب المفصل (¬5) والمصنف أيضا؛ وكذا قال في حده (¬6): - ¬

_ (¬1) كابن عصفور وغيره: قال في المقرب (1/ 47): «الإعراب اصطلاحا: تغيير آخر الكلمة لعامل يدخل عليها في الكلام الذي بني فيه لفظا أو تقديرا عن الهيئة التي كان عليها قبل دخول العامل إلى هيئة أخرى». وانظر شرح الجمل (1/ 31)، والبسيط (1/ 171). ومن المغاربة أيضا الأعلم، انظر التذييل والتكميل (1/ 116)، الهمع (1/ 14)، حاشية الصبان (1/ 48). (¬2) يقول سيبويه (1/ 13): «هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربيّة: وهي تجري على ثمانية مجار: على النصب والجر والرفع والجزم، والفتح والضم والكسر والوقف. وهذه المجاري الثمانية يجمعهنّ في اللفظ أربعة أضرب: فالنصب والفتح في اللفظ ضرب واحد، والجرّ والكسر فيه ضرب واحد وكذلك الرفع والضمّ والجزم والوقف ...» إلخ. (¬3) هو أبو الحسن علي بن محمد المشهور بابن خروف أندلسي من إشبيلية وأقام في حلب مدة، كان إماما في العربية. أخذ النحو من ابن طاهر المعروف بالخدب، لم يتزوج قط وكان يسكن الحانات واختل في آخر عمره؛ حتى مشى في الأسواق بادي العورة. أقرأ النحو بعدة بلاد وعاش حتى بلغ خمسا وثمانين سنة؛ حيث توفي سنة (610 هـ) لوقوعه في جبّ ليلا. مصنفاته: له كتاب مطبوع يسمى كتاب تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب، وله شرح الجمل للزجاجي مفقود. انظر في ترجمته معجم الأدبا (15/ 76)، بغية الوعاة (2/ 203)، الأعلام (5/ 151). وذكر أبو حيان تعريف ابن خروف للإعراب فقال: صوت يحدثه العامل في آخر الكلمة، ثم أفسد هذا التعريف بقوله: إن الإعراب قد يكون بحذف لا بصوت. (التذييل والتكميل 1/ 116). (¬4) هو الأستاذ أبو علي الشلوبين وتلقبه المراجع دائما بالأستاذ ولا أدري لم جرده الشارح هنا وقد سبقت ترجمته في هذا التحقيق، وقد نقل أبو حيان تعريفه للإعراب فقال: حكم يحدثه العامل في آخر الكلمة. (التذييل والتكميل: 1/ 116). (¬5) هو محمود بن عمر جار الله الزمخشري، سبقت ترجمته في هذا التحقيق. وكتاب المفصل كتاب في النحو صار عمدة بأسلوبه المحكم الواضح ألّف سنة (515 هـ)، وقد شرحه كثيرون. (انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 5/ 225). وانظر فيما ذكره الشارح (ص 16) من كتاب المفصل. (¬6) انظر: شرح التسهيل (1/ 33).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «ما جيء به لبيان مقتضى العامل، أي لبيان ما يقتضيه العامل من فاعليّة أو مفعوليّة أو إضافة في الاسم، ومن طلب أو استئناف أو تعليل في الفعل» (¬1). وأفاد بقوله: من حركة أو حرف أو سكون أو حذف أمرين (¬2): أحدهما: إيضاح الإجمال الذي في لفظ ما. الثاني: الإعلام بأن الإعراب منحصر فيما ذكره. وقال في الشرح (¬3): «هو أي الإعراب عند المحققين من النحويين عبارة عن المجعول آخر الكلمة مبينا للمعنى الحادث فيها بالتركيب من حركة أو سكون أو ما يقوم مقامهما». ثم قال: «وذلك المجعول قد يتغير لتغير مدلوله وهو الأكثر كالضمة والفتحة والكسرة في نحو: ضرب زيد غلام عمرو، وقد يلزم للزوم مدلوله كرفع لا نولك أن تفعل ولعمرك، وكنصب سبحان ورويدك وكجر الكلاع وعريط من ذي الكلاع وأم عريط» (¬4). ثم قال: «وبهذا الإعراب اللازم يعلم فساد قول من جعل الإعراب تغيرا». ثم قال: «وقد اعتذر عن ذلك بوجهين: أحدهما: أنّ ما لزم وجها واحدا من وجوه الإعراب فهو صالح للتغيير، فيصدق عليه متغير وعلى الوجه الذي لازمه تغير. الثاني: أن الإعراب تجدد حالة التركيب فهو تغير باعتبار كونه منتقلا إليه من السكون الذي قبل التركيب». انتهى (¬5) وهو اعتذار جيد صحيح. - ¬

_ (¬1) الأول في الاسم يقتضي الرفع والثاني النصب والثالث الجر، والأول في الفعل يقتضي الجزم، والثاني الرفع؛ والثالث النصب. (¬2) قال أبو حيان: قوله: أو سكون أو حذف: وهذي عندي ليس كذلك؛ بل يكفي الحذف؛ لأن الحذف على قسمين: حذف حركة نحو يضرب وحذف حرف نحو لم يذهبا (التذييل والتكميل: 1/ 121). (¬3) أي شرح التسهيل للمصنف، وانظر ذلك في (1/ 33). (¬4) قوله: لا نولك أن تفعل أي لا ينبغي لك أن تفعل. وقوله ذي الكلاع بفتح الكاف هما اثنان: ذو الكلاع الأكبر وهو زيد بن النعمان، والأصغر حفيد له، وهما من أزواء اليمن. (القاموس: 1/ 82) وأم عريط: كنية العقرب. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 33).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد طعن المصنف في الوجهين المذكورين: أما الأول: فبأن الصالح لمعنى لم يوجد بعد لا ينسب إليه ذلك المعنى حقيقة حتى يصير قائما بذاته. ألا ترى أن رجلا صالح للبناء إذا ركب مع لا، وخمسة عشر صالح للإعراب إذا فك تركيبه؟ ومع ذلك لا ينسب إليهما إلا ما هو صالح في الحال من إعراب رجل وبناء خمسة عشر؛ فكذا لا ينسب تغيير إلى ما لا تغير له في الحال. وأما الثاني: فلأن المبني على حركة مسبوق بأصالة السكون فهو متغير أيضا وحاله تغير، فلا يصلح أن يحد بالتغيير الإعراب؛ لكونه غير مانع من مشاركة البناء. انتهى (¬1). والجواب عن الأول: أن يقال: إنما يصدق البناء على رجل مع صلاحيته له إذا ركب مع لا والإعراب على خمسة عشر مع الصلاحية له عند الفك؛ لأن شرط البناء وهو التركيب مفقود في الأول، وشرط الإعراب وهو الفك مفقود في الثاني؛ ويلزم من عدم الشرط عدم المشروط. وأما الكلمات التي لزمت رفعا أو نصبا أو جرّا فكل منها صالح للتغير دون شرط؛ فلا يلزم أن يصدق عليه (¬2) ما لا يصدق على ما انتفى شرط ذلك الحكم فيه. وعن الثاني [1/ 51]: بأن المبني على حركة وإن كان مسبوقا بأصالة السكون، فليست حركته مجتلبة بعامل؛ فالتغير الحاصل له ليس كالتغير الذي حصل للمعرب؛ فإن تغيره إنما هو بعامل؛ فلا يرد على حد الإعراب بأنه تغير أنه غير مانع لدخول البناء؛ لأن التغير الحاصل للمبني إنما هو تغير دون عامل بخلاف تغير المعرب. قال المصنف: وقال بعضهم: لو كانت الحركات وما يجري مجراها إعرابا لم تضف إلى الإعراب؛ لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، وهذا قول صادر عمن لا تأمل له؛ لأن إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى أو تقاربهما واقعة في كلامهم بإجماع. وأكثر ذلك فيما يقدر أولهما بعضا أو نوعا والثاني كلّا أو جنسا وكلا التقديرين في حركات الإعراب صالح؛ فلم يلزم من استعماله خلاف ما ذكرنا. انتهى (¬3). - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (ص 33). (¬2) في نسخة (ب)، (جـ): فلا يلزم ألا يصدق، وما أثبتناه من الأصل هو الصحيح في المعنى. (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 34).

[الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال]

[الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال] قال ابن مالك: (وهو في الاسم أصل لوجوب قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة والفعل والحرف ليسا كذلك فبنيا إلّا المضارع فإنه شابه الاسم بجواز شبه ما وجب له فأعرب). ـــــــــــــــــــــــــــــ ونازعه الشيخ في دعوى الإجماع على صحة إضافة أحد الاسمين إلى الآخر مع توافقهما معنى، وقال: «إنّ البصريّين لا يجوّزون ذلك» انتهى (¬1). قال ناظر الجيش: اعلم أن المعاني التي تعرض للكلم على ضربين: أحدهما: ما يعرض قبل التركيب: كالتصغير والجمع والمبالغة والمفاعلة والمطاوعة والطلب، وهذا الضرب بإزاء كل معنى من معانيه صيغة تدل عليه؛ فلا حاجة إلى الإعراب بالنسبة إليه. والثاني من الضربين: ما يعرض مع التركيب: كالفاعلية والمفعولية والإضافة، وكون الفعل المضارع مأمورا به أو علة أو معطوفا أو مستأنفا. وهذا الضرب تتعاقب معانيه على صيغة واحدة فيفتقر إلى إعراب يميز بعض معانيه من بعض. والاسم والفعل المضارع شريكان في قبول ذلك مع التركيب، فاشتركا في الإعراب؛ لكن الاسم عند التباس بعض ما يعرض له ببعض ليس له ما يغنيه عن الإعراب، كما في: ما أحسن زيدا إذا أريد [1/ 52] به أحد معانيه الثلاثة التي هي التعجب والنفي والاستفهام (¬2) وذلك لأن معانيه مقصورة عليه فجعل قبوله لها واجبا؛ لأن الواجب لا محيص عنه. والفعل المضارع وإن كان قابلا بالتركيب لمعان يخاف التباس بعضها ببعض، فقد يغنيه عن الإعراب تقدير اسم مكانه نحو: لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا؛ فإنه يحتمل أن يكون نهيا عن الفعلين مطلقا وعن الجمع بينهما وعن الجفاء وحده مع استئناف الثاني، فالجزم دليل على الأول، والنصب دليل على الثاني، والرفع دليل على الثالث. ويغني عن ذلك وضع اسم موضع كل واحد من المجزوم والمنصوب - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (1/ 113)، وانظر المسألة رقم 61 في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف: (1/ 437). ملحوظة: يوجد فراغ أبيض بعد ذلك حوالي نصف صفحة في النسخ الثلاث، وأرى أنه لم يسقط شيء. (¬2) انظر تفصيل ذلك والتمثيل له بعد صفحات من هذا التحقيق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمرفوع نحو أن تقول: لا تعن بالجفاء ومدح عمرو (¬1)، ولا تعن بالجفاء مادحا عمرا، ولا تعن بالجفاء ولك مدح عمرو. فقد ظهر بهذا تفاوت ما بين سببي إعراب الاسم وإعراب الفعل في القوة والضعف؛ فلذا جعل الاسم أصلا والفعل المضارع فرعا فهذا كلام المصنف. وهو جيد (¬2). وإذا تقرر ذلك فقوله: وهو أي الإعراب أصل في الاسم لوجوب قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة وهي الفاعلية والمفعولية والإضافة. وقوله: والفعل والحرف ليسا كذلك أي. ليس الإعراب فيهما أصلا؛ بمعنى أنهما لا يستحقانه؛ لأنهما لا يجب أن يقبلا بصيغة واحدة معاني مختلفة. ونفي وجوب قبولهما لذلك تحته أمران: أحدهما: نفي القبول من أصله كما في الحرف والفعل الماضي وفعل الأمر؛ فهذه (¬3) لا مدخل للإعراب فيها البتة؛ إذ لا مقتضى له في شيء منها. الثاني: نفي الوجوب بخصوصه؛ فلا ينتفي أصل القبول كما في الفعل المضارع؛ فإنه يقبل بصيغته الواحدة عدة معان كما تقدم؛ لكن قبوله لذلك ليس واجبا بل جائزا؛ لأنه قد يقع اسم مكانه ويفيد إفادته فيستغنى عن الفعل بخلاف الاسم؛ إذ لا يتأتى ذلك فيه؛ ومن حيث كان ذلك القبول واجبا في الاسم جائزا في الفعل المضارع، جعل الإعراب في الاسم أصلا وفي الفعل فرعا (¬4). ولما كان قوله: والفعل والحرف ليسا كذلك محتملا لنفي القبول من أصله قال: فبنيا. أي كما أن الاسم استحق الإعراب للقبول استحق الفعل والحرف البناء لعدم القبول. - ¬

_ (¬1) بجر مدح عطفا على الجفاء، ويكون المراد النهي عنهما. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 34، 35). (¬3) الإشارة إلى الحرف والفعل الماضي وفعل الأمر، والمعنى: فهذه الأشياء. (¬4) هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء والأفعال معا (انظر البحث الثاني من الأبحاث التي سيذكرها الشارح آخر هذا الحديث). وانظر المسألة بالتفصيل وحجة كل من الفريقين في التذييل والتكميل (1/ 121 - 123)، والهمع: (1/ 15)، قال أبو حيان: وهذا من الخلاف الذي ليس فيه كبير منفعة (ارتشاف الضرب 1/ 413) تحقيق د/ مصطفى النماس (1984 م). وقال ناظر الجيش: ومثل هذا ينبغي ألّا يتشاغل به. ولم يذكر هذه المسألة صاحب الإنصاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم استثنى المضارع لكونه يقبل كالاسم، لكنه بين أن الإعراب ليس أصلا فيه، بل فرع؛ لكون القبول ليس على سبيل الوجوب؛ فقال: فإنه شابه الاسم بجواز شبه ما وجب له أي أعرب الفعل المضارع لمشابهة الاسم في جواز قبول ما أوجب الإعراب فيه. وظاهر عبارته تقتضي أن الفعل أعرب لمشابهته الاسم في القبول؛ فتكون العلة في الإعراب المشابهة. والذي علمناه من تقريره في الشرح (¬1): أن العلة في إعراب المضارع إنما هي القبول نفسه كما في الاسم لا المشابهة. وكان الأولى أن يقول إلا المضارع فإنه جاز فيه ما وجب في الاسم من القبول فأعرب، ولا شك أن هذا مراده. ويمكن الرجوع بعبارته إليه ولكن بتكلف. ولا أعلم لم قال بجواز شبه ما وجب، ولم يقل بجواز ما وجب؟ وقال [1/ 53] الشيخ: «إنّما قال بجواز شبه؛ لأن المعاني التي أوجبت للاسم الإعراب ليست المعاني التي جوزت الإعراب للفعل بل هذه شبه لتلك؛ لأن الفاعلية والمفعولية والإضافة لا تكون للفعل؛ فلذلك قال: بجواز شبه ولم يقل بجواز ما وجب له» انتهى (¬2). وما قاله غير ظاهر؛ لأن الذي أوجب الإعراب في الاسم وجوزه في الفعل إنما هو القبول بلفظ واحد لمعان تعتور عليهما؛ وهذا أمر واحد مشترك بينهما، وإن كانت المعاني المعتورة على الاسم غير المعاني المعتورة على الفعل؛ لكن المقتضي للإعراب لما هو الأمر المشترك وهو القبول. وعلى هذا لا يتم كلام الشيخ. وكان الأولى أن يقول المصنف: بجواز ما وجب له، وأن يسقط لفظ شبه؛ إذ لا فائدة به. ثم ها هنا أبحاث: الأول: اعترض الشيخ على المصنف في قوله: إن الحرف لا يقبل بصيغة واحدة معاني - ¬

_ (¬1) أي شرح التسهيل انظره: (1/ 35). (¬2) انظر التذييل والتكميل (1/ 126).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مختلفة بأنا نجد كثيرا من الحروف تكون لمعان كثيرة يفهم من كل معنى منها حالة التركيب، وذلك نحو من؛ فإنها تكون لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين ولم يعرب شيء منها. انتهى (¬1). والجواب: أن المعاني المعتورة على الاسم أمور زائدة على مدلوله؛ فمدلول الاسم واحد، وتعتور عليه معان ثلاثة مختلفة تحتاج إلى أمر يدل عليها ويفصل بعضها من بعض، وذلك الأمر هو الإعراب. وأما الحرف إذا دل على معان متعددة فكل معنى منها هو مدلول الحرف حال دلالته عليه؛ فالمعاني التي له هي مدلولاته، وليس ثم أمر زائد يحتاج بسببه إلى الإعراب، ولا يفتقر الدال في دلالته على معناه إلى الإعراب؛ بل ولا إلى التركيب أيضا. فظهر أن اعتراض الشيخ ساقط (¬2). البحث الثاني: قد تقرر أن الإعراب أصل في الاسم فرع في الفعل. وهذا هو مذهب البصريين؛ إلا أنهم لم يجعلوا علة إعراب الفعل ما ذكره المصنف (¬3). بل العلة عندهم ما سنذكره بعد. ومذهب الكوفيين أن الإعراب أصل في الفعل كما هو أصل في الاسم؛ واحتجوا بأن موجب الإعراب في الاسم هو كونه يفتقر إليه لتبيين المعاني المعتورة عليه في بعض المواضع هو بعينه موجود في الأفعال في بعض المواضع نحو: لا تأكل السّمك وتشرب اللبن؛ فإنما يفهم من الجزم النهي عن الفعلين مجتمعين ومفترقين. ومن النصب النهي عن الجمع بينهما. ومن الرفع النهي عن الأول وإباحة - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل: (1/ 121) وأمثلة معاني من التي ذكرها أبو حيان هي كالآتي بالترتيب: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الإسراء: 1]، لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج: 30]. (¬2) يذكر أبو حيان - معترضا على ابن مالك - أن كثيرا من الحروف لها معان كثيرة، ومع ذلك فالحروف كلها مبنية. ويجيب ناظر الجيش قائلا: إن هذه المعاني التي تأتي للحرف هي مدلول الحرف ومعناه؛ فليس هناك أمر زائد على المعنى يحتاج الحرف بسببه إلى الإعراب بخلاف الأسماء للأسماء؛ فإن معانيها في نفسها أولا كزيد الدال على إنسان صفته كذا وكذا، وجمل الدال على حيوان صفته كذا وكذا ثم تصير للأسماء معان أخر زائدة يحتاج بسببها إلى الإعراب كالفاعلية والمفعولية والإضافة وهكذا. (¬3) وهو قبول الفعل بصيغة واحدة معاني مختلفة نحو: لا تعن بالجفاء وتمدح عمرا، ونحو ما سيذكره الشارح: لا تأكل السّمك وتشرب اللّبن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني. وبهذا علل المصنف إعراب الفعل فوافق الكوفيين؛ إلا أنه لم يوافقهم في كون إعرابه أصلا كما هو في الاسم وقد تقدم ذلك. ونقل الشارح مذهبا ثالثا وهو عكس مذهب البصريين، قال: «وحكى بعض المتأخرين أن الفعل أحقّ بالإعراب من الاسم؛ لأنه وجد فيه بغير سبب؛ فهو له بذاته؛ بخلاف الاسم فهو له لا بذاته فهو فرع» انتهى (¬1). ومثل هذا ينبغي ألا يتشاغل به. البحث الثالث: الذي تمسك به البصريون في كون الإعراب أصلا في الاسم هو ما تقدم من أنه يقبل بصيغة واحدة معاني مختلفة، وتقريره في نحو: ما أحسن زيدا إذا تعجبت منه، وما أحسن زيد إذا نفيت عنه الإحسان، وما أحسن زيد؟ إذا استفهمت. قالوا: فلولا الإعراب [1/ 54] لالتبست هذه المعاني، ثم حمل ما لا لبس فيه من الأسماء على ما فيه لبس نحو: شرب زيد الماء كما حملت أخوات يعد في الحذف عليه (¬2) قالوا: ولا كذلك الأفعال؛ لأنه لو زال الإعراب منها ما التبست معانيها. وأجابوا عما ذكره الكوفيون في نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، بأن النصب على إضمار أن والجزم على إرادة لا والرفع على القطع. قالوا: فلو ظهرت العوامل المضمرة لكانت دالة على المعاني ولم يحتج إلى الإعراب؛ فالإعراب إنما دل على المعاني لما حذفت العوامل وجعل هو دليلا عليها؛ وذلك فرع والأصل ما ذكرنا (¬3) انتهى. وضعف هذا الوجه غير خفي. البحث الرابع: جعل البصريون العلة في إعراب المضارع مشابهة الاسم في الإبهام والتخصيص - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 122). (¬2) أخوات يعد هي: أعد ونعد وتعد. وإنما كانت يعد هي الأصل لوجود علة حذف الواو فيها، وهي الثقل الناشئ من اجتماع ما يشبه أحرف العلة الثلاثة؛ حيث وقعت الواو بين الياء المفتوحة والكسرة، والفتحة بعض الألف والكسرة بعض الياء، ثم حمل على ذلك ما ليس مبدوءا بالياء من المضارع. (¬3) أي من إظهار العوامل في المثال المذكور وهي أن في النصب ولا في الجزم، ومن العامل المعنوي في الرفع وهو القطع (انظر التذييل والتكميل 1/ 122 - 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ودخول لام الابتداء ومجاراته اسم الفاعل في الحركة والسكون (¬1). قال المصنف: وهذه المشابهة التي اعتبروها بمعزل عن ما جيء بالإعراب لأجله، ثم نقض بالفعل الماضي، فقال: إن فيه من مشابهة الاسم ما يقاوم المشابهة المعزوة للمضارع ولعلها أكمل. فمن ذلك أن الماضي إذا ورد مجردا من قد، كان مبهما في بعد المضي وقربه، وإذا اقترن بقد تخلص للقرب؛ فهذا شبيه بإبهام المضارع عند تجرده من القرائن وتخلصه للاستقبال بحرف التنفيس. وأما لام الابتداء وإن كان للمضارع بها مزيد شبه بالاسم لكونها لا تدخل إلا عليهما فتقاومها اللام الواقعة بعد لو؛ فإنها تصحب الاسم والفعل الماضي خاصة، كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ (¬2)، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا (¬3). وليس اعتبار تلك أحق من اعتبار هذه، ولو لم يظفر بهذه لقاوم تلك تاء التأنيث؛ فإنها تتصل بآخر الفعل الماضي كما تتصل بآخر الاسم؛ فحصل للفعل الماضي بذلك من مشابهة الاسم مثل ما حصل للمضارع بلام الابتداء. ويقاوم لام الابتداء أيضا مباشرة مذ ومنذ؛ فإن الماضي يشارك الاسم فيها دون المضارع. وأما مجاراة المضارع اسم الفاعل في الحركة والسكون؛ فالماضي غير الثلاثي شريكه فيها (¬4)؛ وإنما يختص بها المضارع إذا كان الماضي على فعل مطلقا أو فعل متعديا (¬5). وللماضي ما يقاوم الفائت من اتحاد وزنه ووزن الصفة والمصدر وتقاربهما. فالاتحاد نحو: طلب طلبا، وجلب جلبا، وغلب غلبا، وفرح وأشر وبطر، وهو فرح وأشر وبطر، والمقاربة نحو: تعب تعبا وحسب حسبا وكذب - ¬

_ (¬1) ذكر الشارح لمشابهة المضارع للاسم أربعة أوجه: أولها وثانيها: الإبهام ثم التخصيص بمعنى أن الاسم يكون نكرة ثم يتخصص بوصف أو بتعريف، وكذلك المضارع يحتمل الحال والاستقبال، ثم يتخصص للأول بأشياء منها: الآن. وللثاني بأشياء منها: حروف التنفيس. والوجهان الثالث والرابع واضحان. وقوله: في الحركة أي مطلقها. (¬2) سورة البقرة: 103. (¬3) سورة الأنفال: 23. (¬4) دون اعتبار الميم الزائدة في الوصف في مثل مقاتل من قاتل. (¬5) وذلك لأن الوصف من هذين (فاعل) يجاري المضارع في الحركات والسكنات بخلاف غيرهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كذبا. ولا ريب في أن التوازن في هذا الضرب أكمل منه في يضرب فهو ضارب؛ فبان بما ذكرناه تفضيل ما اعتبرناه. انتهى كلام المصنف وهو كلام جيد (¬1). وما ذكره من إبهام الماضي وتخصيصه أقرب شبه من إبهام المضارع وتخصيصه. وذلك أن دلالته على الزمانين أعني القريب والبعيد بالتواطؤ، كما أن دلالة الاسم على مسماه كذلك. وأما المضارع إنما يدل على الحال والاستقبال بطريق الاشتراك. وليس في كلامه شيء غير أن اللام التي استشهد بدخولها في جواب لو - قد [1/ 55] ينازع فيها، فيقال: إن الجملة الاسمية وهي: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ (¬2) ليست جوابا؛ بل هي مستأنفة والجواب محذوف فتكون اللام لام الابتداء. على أن للمعربين فيها قولين: أحدهما: أنها لام الابتداء. الثاني: أنها اللام الداخلة في جواب لو. فعلى القول الثاني يتم كلام المصنف جميعه (¬3). البحث الخامس: قد تبين مما تقدم أن المصنف وافق البصريين في أن الإعراب أصل في الاسم فرع في الفعل، وخالفهم في التعليل فلم يجعل فرعيته من جهة المشابهة للاسم، وأنه جنح إلى تعليل الكوفيين، ولم يوافقهم في الحكم الذي ادعوه من أصالة الإعراب في الفعل. ووافق البصريين في الحكم والكوفيين في التعليل؛ فكان اختياره مركبا من المذهبين ولا يبعد ما اختاره من الصواب. وقال الشيخ: الذي يظهر أن المعاني التي تعتور على الاسم والفعل مشتركة بينهما، فكما دخل الإعراب الاسم كذلك دخل الفعل (¬4). ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 35، 36). (¬2) سورة البقرة: 103. (¬3) انظر الوجه الثاني في إعراب القرآن للعكبري: (1/ 101)، ومثوبة مبتدأ، ومن عند الله صفته، وخير هي الخبر، والجملة لا محل لها من الإعراب لأن لو غير جازمة؛ لأنها تعلق الفعل الماضي بالفعل الماضي والشرط خلاف ذلك. وقرئ «مثوبة» قاسوه على مفعلة من الصحيح. (¬4) من هذه المعاني ما يدخل عليهما قبل التركيب: كالتصغير والجمع في الاسم وكالمضي والاستقبال -

[متى يعرب المضارع ومتى يبنى؟]

[متى يعرب المضارع ومتى يبنى؟] قال ابن مالك: (ما لم يتّصل به نون توكيد أو إناث). قال ناظر الجيش: شرط إعراب المضارع ألا يتصل به إحدى النونين وهما نون التوكيد ثقيلة كانت أو خفيفة ونون الإناث؛ خلافا لمن لم يشترط ذلك، فحكم بإعرابه مطلقا اتصل به ذلك أو لم يتصل. وأشعر قوله: ما لم يتّصل به: أن المضارع لا يحكم ببنائه لتوكيده بالنون مطلقا. كما هو رأي الأخفش (¬1)؛ بل لا يحكم ببناء ما اتصلت به، فالمضارع المسند إلى ضمير اثنين أو جمع أو مخاطب نحو: هل يفعلان وهل يفعلون وهل تفعلين معرب. وما عدا ذلك مبني. قال المصنف: «وإنما كان كذلك لأن المؤكد بالنون إنما بني لتركبه معها وتنزله معها منزلة صدر المركب من عجزه، وذلك منتف من يفعلان وأخويه». هذا مذهب المحققين، قال: «ويدل على صحته أن البناء المشار إليه إما للتركيب وإما لكون النون من خصائص الفعل فضعف بلحاقها شبه الاسم؛ إذ لا قائل بغير ذلك والثاني باطل؛ لأنه مرتب على كون النون من خصائص الفعل، ولو كان ذلك مؤثرا (¬2) لبني المجزوم والمقرون بحرف التنفيس والمسند إلى ياء المخاطبة؛ لأنهن مساوية للمؤكد في الاتصال بما يخص الفعل، بل ضعف شبه هذه الثلاثة بالاسم أشد من ضعف شبه المؤكد بالنون؛ لأن النون وإن لم يلق لفظها بالاسم فمعناها به لائق بخلاف لم وحرف التنفيس وياء المخاطبة؛ فإنها غير لائقة بالاسم لفظا ومعنى». «ولو كان موجب البناء المؤكد بالنون كونها مختصة بالفعل، لكان ما اتصل به أحد الثلاثة مبنيّا لأنها أمكن في الاختصاص، وفي عدم بناء ما اتصلت به دلالته على أن موجب البناء التركيب؛ إذ لا ثالث لهما. وإذا ثبت أن موجب البناء التركيب لم يكن فيه ليفعلان وأخويه نصيب؛ لأن - ¬

_ - في الفعل. ومنها ما يدخل عليهما بعد التركيب: كالفاعلية والمفعولية في الاسم وكالأمر والنهي والشرط في الفعل (انظر التذييل والتكميل 1/ 126). (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 126). (¬2) كلمة مؤثرا ناقصة سهوا من نسخة (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفاعل البارز حاجز وثلاثة أشياء لا تركب» (¬1). «وأيضا فإن الوقف على نحو هل يفعلن بحذف نون التوكيد وثبوت نون الرفع؛ فلو كان قبل الوقف [1/ 56] مبنيّا لبقي بناؤه؛ لأن الوقف عارض، فلا اعتداد بزوال ما زال لأجله كما لا اعتداد بزوال ما زال لالتقاء الساكنين نحو: هل تذكر الله والأصل تذكرن، فحذفت النون الخفيفة لالتقاء الساكنين وبقيت فتحة الراء الناشئة عن النون مع كونها زائلة؛ لأن زوالها عارض فلم يعتد به، ولا فرق بين العروضين فلو كان ليفعلن ونحوه قبل الوقف بناء لاستصحب عند عروض الوقف كما استصحب بناء هل تذكر الله، عند عروض التقاء الساكنين»، انتهى (¬2). وتقرر أن المذاهب في المؤكد بالنون ثلاثة: البناء مطلقا والإعراب مطلقا والتفصيل بين أن تتصل به فيبنى أو لا تتصل به فيعرب وهو الصحيح. وأما نون الإناث: فالمتصل بها مبني، وبناؤه على السكون. وذهب بعضهم إلى أنه معرب، وهو ابن درستويه (¬3) ومتابعوه (¬4). قال المصنف: والأصح من أسباب بنائه ما ذهب إليه سيبويه (¬5): من أنه يبنى حملا على الماضي المتصل بها؛ لأن أصل كل واحد منهما البناء على السكون، فأخرج عنه المضارع إلى الإعراب للمناسبة التي تقدم ذكرها، وأخرج عنه الماضي إلى الفتح؛ تفضيلا له على الأمر لشبهه بالمضارع في وقوعه صفة وصلة وحالا وشرطا ومسندا بعد كان وإن وظن وأخواتها بخلاف الأمر؛ فاشتركا في العود إلى الأصل بالنون كما اشتركا في الخروج عنه بالمناسبتين المذكورتين (¬6). وقيل: إنما بني المتصل بنون الإناث لتركبه معها؛ لأن الفعل والفاعل كشيء - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 36). (¬2) انظر المرجع السابق. (¬3) هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن المرزبان، اشتهر بالنحو وعلا قدره وانتصر للبصريين، صحب المبرد ولقي ابن قتيبة وأخذ عن الدارقطني، عمر طويلا حيث ولد سنة (252 هـ) ومات سنة (347 هـ) ببغداد. مصنفاته: صنف الإرشاد في النحو، شرح فصيح ثعلب، غريب الحديث، معاني الشعر، المقصور والممدود، ولم أعثر له على كتاب. انظر ترجمته في بغية الوعاة: (2/ 36)، الأعلام (4/ 204). (¬4) هم السهيلي وابن طلحة وطائفة من النحويين. انظر التذييل والتكميل (1/ 129)، الهمع (1/ 18)، حاشية الصبان (1/ 25). (¬5) انظر: الكتاب (1/ 20). (¬6) انظر: شرح التسهيل (1/ 37).

[وجوه الشبه بين الاسم والحرف]

[وجوه الشبه بين الاسم والحرف] قال ابن مالك: (ويمنع إعراب الاسم مشابهة الحرف بلا معارض والسّلامة منها تمكّن). ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد معنى وحكما؛ فإذا انضم إلى ذلك أن يكون مستحقّا للاتصال لكونه على حرف واحد، تأكد امتزاجه وجعل مع ما اتصل به شيئا واحدا. ومقتضى هذا أن يبنى المتصل بألف الضمير وواوه ويائه؛ لكن منع من ذلك شبهه بالاسم المثنى والمجموع على حده، كما منع من بناء أي مع ما فيها من تضمن معنى الحرف شبهها ببعض وكل معنى واستعمالا (¬1). وقيل (¬2): إنما بني المتصل بنون الإناث لنقصان شبهه بالاسم؛ لأنها لا تلحق الأسماء وما لحقته من الأفعال إن باين الاسم ازدادت به مباينته، وإن شابهه نقصت به مشابهته (¬3). قال ناظر الجيش: لما تقرر أن الإعراب في الاسم أصل تعين التعرض لذكر موجب البناء فيما بني من الأسماء. أما ذكر المبنيات أنفسها فهو في تفاصيل أبواب الكتاب (¬4). وقد عدد غير المصنف لبناء الاسم أسبابا، ومنها: ما إذا حقق لم يكن له تأثير في البناء، وخلطوا أيضا أسباب المبني جوازا كغير وحين إذا أضيف إلى غير متمكن بأسباب المبني وجوبا. وأما المصنف فلم يجعل سبب البناء إلا أمرا واحدا: وهو شبه الحرف، ولم يشرك البناء الجائز مع البناء الواجب؛ بل أفرده وخصه بعلة تناسبه كما سيأتي في أماكنه إن - ¬

_ (¬1) أما الشبه في المعنى: فإن أيّا تكون بمعنى بعض إن أضيفت إلى معرفة تقول: لأضربن أيكم يهمل أي الذي، وتكون بمعنى كل إن أضيفت إلى نكرة تقول: أي شيء صنعته محسوب عليك، أي كل شيء. أما الشبه في الاستعمال فإن الثلاثة تلزم الإضافة والمضاف إليه مذكور لفظا ومعنى أو محذوف في اللفظ ويقوم التنوين مقامه، والأمثلة ظاهرة. (¬2) علة ثالثة لبناء المضارع عند اتصاله بنون النسوة. (¬3) انظر شرح التسهيل: (1/ 37). (¬4) انظر باب المضمر وباب الموصول وباب اسم الإشارة في تحقيقنا. وسيأتي الحديث بعد ذلك عن لا العاملة عمل إن والحديث عن الظروف المبنية وأسماء الأفعال إلى آخر المبنيّات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله تعالى. ولا تبعد طريقته في ذلك عن الصواب (¬1). على أنه قرر تقريرا حسنا يتضمن الرد على من جعل علة البناء في أسماء الأفعال وقوعها موقع [1/ 57] الأفعال بأن قال: «الحرف أمكن في عدم الإعراب من الفعل؛ لأنّ من الأفعال ما يعرب وليس من الحروف ما يعرب، وما لا يعرب من الأفعال شبيه بما يعرب. وأما الماضي: فلمشاركته المضارع في وقوعه مواقعه المذكورة آنفا (¬2) وفي كونهما مخرجين عن الأصل (¬3) مردودين إليه بنون الإناث، ولشبهه بالمعرب لم يجز أن تلحقه هاء السكت وقفا؛ إذ لا تلحق متحركا بحركة إعرابية ولا شبيهة بإعرابية كاسم لا التبرئة والمنادى المضموم. وأما الأمر: فشبهه بالمجزوم بين؛ لأنه يجري مجراه في تسكين آخره إن كان صحيحا، وفي حذفه إن كان معتلّا. ولا يعامل هذه المعاملة غيره من المبنيات المعتلة؛ بل يكتفى بسكون آخره كالذي والتي. إذا ثبت أن المبني من الأفعال شبيه بالمعرب ضعف جعل مناسبته سببا لبناء بعض الأسماء المبنية، فهذا يبين ضعف القول بأن أسماء الأفعال بنيت لمناسبة الأفعال التي هي واقعة موقعها كنزال وهيهات فإنهما بمعنى انزل وبعد، وواقعان موقعهما. ويزيده ضعفا أيضا: أن مثل هذه المناسبة موجودة في المصادر الواقعة دعاء، كسقيا له؛ فإنه بمعنى سقاه الله، وفي الواقعة أمرا كقوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ (¬4) فإنه بمعنى اضربوا الرقاب وهما معربان بإجماع. وأيضا فمن أسماء الأفعال: ما هو بمعنى المضارع وواقع موقعه كأف وأوه بمعنى - ¬

_ (¬1) أما البناء الواجب في بعض الأحوال فمن أمثلته: بناء اسم لا النافية للجنس، وقد تحدث عنه ابن مالك في شرحه على التسهيل (الجزء رقم: 5)، ومنه أيضا المنادى في بعض أحواله، وتحدث عنه في شرحه الجزء (رقم: 13) وأما البناء الجائز فمن أمثلته بناء غير وحين، وقد تحدث عنه في شرحه (الجزء السابع). (¬2) وهي وقوع كل منهما صفة وصلة وحالا وشرطا ومسندا. (¬3) وهو البناء على السكون، فالماضي يبنى على الفتح والمضارع أعرب. (¬4) سورة محمد: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أتضجر وأتوجع (¬1) فلو كان بناء نزال وهيهات لوقوعهما موقع مبنيين لكان أف وأوه معربين لوقوعهما موقع مضارعين؛ فثبت أن بناء أسماء الأفعال ليس لمناسبة الأفعال، بل لمناسبة الحروف»، انتهى (¬2). ثم مشابهة الحرف على خمسة أنواع: شبه في الوضع، وشبه في المعنى، وشبه في النيابة عن الفعل وعدم التأثر بالمنوب عنه، وشبه في الافتقار إلى الجمل، وشبه في الإهمال. أما الشبه في الوضع: فالمراد به أن يكون الاسم على حرف واحد أو حرفين كغالب ألفاظ الضمائر مثلا، وإنما كان ذلك موجبا للبناء؛ لأن الموضوع على حرف واحد أو حرفين حقه ألا يكون إلا حرفا؛ لأن الحرف يجاء به لمعنى في غيره، فهو كجزء لما دل على معنى فيه، فإذا وضع على حرف أو حرفين ناسب ذلك معناه بخلاف الاسم والفعل؛ فأي اسم وضع على حرف أو حرفين فقد أشبه الحرف في وضعه. ولا يدخل في هذا ما عرض له النقص كيد ودم؛ فإن وضعه إنما هو على ثلاثة أحرف، ولهذا يعود ثالث هاتين الكلمتين في التصغير والتكسير وغيرهما. وأما الشبه في المعنى: فالمراد به أن يكون الاسم متضمنا معنى من معاني الحروف كمتى؛ فإنها تتضمن معنى (¬3) الهمزة إن كانت استفهاما، ومعنى إن إن كانت شرطا، وكأين أيضا فإنها مثلها، وكأسماء الإشارة فإنها تضمنت معنى الإشارة، ولا شك أنه معنى من معاني الحروف وإن لم يوضع له لفظ يدل عليه، ولكنه كالخطاب [1/ 58] والغيبة. وإنما كان الشبه المعنوي موجبا للبناء؛ لأن حق الاسم أن يدل على معنى في نفسه؛ فإذا وجد مع ذلك (أنه) (¬4) قد دل على معنى في غيره كان مشبها للحرف في ذلك؛ إذ الدلالة على معنى في الغير إنما هي من شأن الحروف. - ¬

_ (¬1) في الأصل: أتوجع وأتضجر، فيكون فيه لف ونشر مشوش، وما أثبتناه من غير الأصل، ومن شرح التسهيل لابن مالك. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 38). (¬3) كلمة معنى ساقطة من نسخة (ب)، (جـ) وإثباتها أفضل. (¬4) ما بين القوسين وضعته من عندي لاستقامة الكلام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الشبه في النيابة وعدم التأثر: فالمراد به أن يكون ذلك الاسم نائبا عن فعل وهو مؤثر غير متأثر كأسماء الأفعال؛ فإنها نابت عن أفعالها وهي مسندة أبدا؛ فهي عاملة في المسند إليه ولا شيء يعمل فيها؛ فأشبهت إن وأخواتها في أنها تعمل عمل الفعل ولا يعمل فيها عامل لا لفظا ولا تقديرا. وبهذا امتاز اسم الفعل من المصدر النائب عن فعل الأمر، فإن قوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ (¬1) واقع موقع اضربوا الرقاب، كما أن دراك زيدا واقع موقع أدرك زيدا؛ إلا أن ضرب الرقاب متأثر بعامل مقدر صار هو بدلا من اللفظ به، ولم يمنع من تقديره، ودراك نائب عن أدرك ومنع من تقديره. فهو مؤثر غير متأثر. وأما الشبه في الافتقار إلى الجمل: فالمراد به أن يكون ذلك الاسم لا تتم دلالته المقصودة منه حال الاستعمال حتى تذكر معه جملة كإذ وإذا وحيث، وكالأسماء الموصولة؛ فإن الحرف مفتقر حال الاستعمال إلى جملة يتم بها إفادة معناه، فأي اسم كان شأنه ذلك فهو مشبه له ومعطى حكمه فى البناء. وأما الشبه في الإهمال: فالمراد به أن يكون الاسم غير عامل ولا معمول، وذلك كالأسماء الواردة دون تركيب كأسماء حروف الهجاء المفتتح بها السور، وكأسماء العدد مثلا، إذا سردت دون تركيب: كواحد اثنان ثلاثة أربعة؛ فإنها أشبهت الحروف المبهمة في أنها لا عاملة ولا معمولة (¬2). واعلم أن في الأسماء المذكورة ثلاثة أقوال: أحدها: أنها مبنية والعلة في بنائها ما ذكر من شبه الحرف، وقد ضعف القول ببنائها بسبب تسكين أواخرها وصلا بعد ساكن، وليس في المبنيات ما هو كذلك. - ¬

_ (¬1) سورة محمد: 4. (¬2) من أمثلة الحروف المهملة: هل ولو ولولا؛ فهذه لا عاملة ولا معمولة، وهناك حروف عاملة فقط كحروف الجر العاملة في الأسماء، وحروف النصب والجزم العاملة في الأفعال. ولا يوجد من الحروف ما هو عامل لغيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجيب عن هذا: بأنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما بني لقيام المانع (¬1) كأين وكيف فحركوه وصلا وبين ما بني لعدم المقتضى كسين وقاف وصاد فسكنوه وصلا؛ لأن ما بني لعدم المقتضى أضعف مما بني لقيام المانع فناسبه استمرار السكون حال الوصل. والثاني: أنها معربة وهو رأي الزمخشري (¬2) وجنح المصنف إليه، وعلل بأنه لم يكن ثم موجب للبناء، فوجب الحكم بأنها معربة لقبولها الإعراب. قالوا: ولا يلزم من عدم الإعراب لفظا عدمه حكما. ولو لزم ذلك لم يعل في الإفراد فتى ونحوه؛ لأن سبب الإعلال في مثله فتح ما قبل آخره مع تحركه أو تقدير تحركه (¬3)، ولكان الموقوف عليه مبنيّا، وكذا المحكي والمتبع (¬4). ولك أن تقول: إن عنى بكونها معربة أنه لا مانع يمنع من إعرابها حال التركيب [1/ 59] فصحيح، وإن عنى بها أنها الآن معربة فغير ظاهر؛ إذ الإعراب دون تركيب ممتنع. والجواب عما ألزموا به من إعلال فتى ونحوه أن يقال: إنه ركب فأعل ثم استمر له حال إفراده ما له حال تركيبه. أو يقال: إنه قدر بحركة حال الإفراد، فجعل للمقدر حكم الموجود فأعل. وأما الموقوف عليه والمحكي والمتبع فالعوامل التي معها توجب الحكم عليها بالإعراب، بخلاف الأسماء المبهمة؛ إذ لا عامل معها يوجب ذلك. القول الثالث: أنها ليست معربة ولا مبنية. أما عدم إعرابها: فلأنها لم تركب مع عامل، وشرط الإعراب التركيب. أما عدم بنائها: فلسكون آخرها وصلا بعد ساكن، وليس في المبنيات ما هو كذلك. - ¬

_ (¬1) أي من الإعراب، والمانع من إعراب أين وكيف هو الشبه المعنوي؛ حيث أشبها الهمزة في إفادتهما الاستفهام مثلها. وكان حقهما البناء على السكون لأصالته في البناء، ثم حركا لالتقاء الساكنين، بخلاف ما ذكره من سين وقاف فحقه الإعراب. (¬2) انظر تفسيره المسمى بالكشاف (1/ 80) (طبعة مصطفى الحلبي، سنة 1973). (¬3) معناه أن فتى - وكذا ما ذكره - معرب بحركة مقدرة ولو كان مبنيّا وسيكون البناء على السكون لم يكن ثم داع للإعلال، لأن إعلال مثله مشروط بتحرك حرف العلة وانفتاح ما قبله، كما في فتى المعرب وليس في فتى المبني. (¬4) انظر شرح التسهيل (1/ 38، 39) وهو آخر كلام ابن مالك في هذا الموضع وما بعده من كلام الشارح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تقدم الجواب عن هذا التعليل. والذي يظهر أن هذه الأسماء لا يحكم عليها بإعراب ولا بناء. أما عدم الحكم بالإعراب فلعدم مقتضيه وهو التركيب. وأما عدم الحكم بالبناء فلأن الحكم به إنما يكون لوجود مانع يمنع تأثير المقتضي للإعراب. ولو وجد المقتضي للإعراب فيها لم يكن له مانع، فلا يتصور الحكم به مع عدم موجبه. وأشار المصنف بقوله: بلا معارض إلى نحو أي فإنها في جميع أحوالها تشابه الحرف استفهامية أو شرطية أو موصولة، إلا أن المشابهة تعارضها مخالفة أي لسائر الموصولات، ولأدوات الاستفهام والشرط لإضافتها، وكونها بمعنى بعض إن أضيفت إلى معرفة، وبمعنى كل إن أضيفت إلى نكرة؛ فعارضت مناسبتها للمعرب مناسبتها للحرف فغلبت مناسبة المعرب؛ لأنها داعية إلى ما هو مستحق بالأصالة، ولأن حمل أي على كل وبعض من باب حمل الشيء على ما هو من نوعه للاشتراك في الاسمية؛ فهو أولى من حمل أي على الحرف لتخالفهما في النوعية. وقوله: والسّلامة منها تمكّن: أي سلامة الاسم من مناسبة الحرف المؤثرة تمكن أي تثبت في مقام الأصالة. فالاسم ضربان: متمكن وهو المعرب. وغير متمكن وهو المبني. والتمكن ضربان: أمكن وهو المنصرف، وغير أمكن وهو ما لا ينصرف. ثم ها هنا أبحاث: الأول: قد يقال إذا كان موجب البناء عند المصنف منحصرا في شبه الحرف، لم يكن للمنادى المبني علة توجب بناءه، وكذا لأي الموصولة إذا كانت مضافة وصدر صلتها محذوف؟. والجواب: أن المصنف إنما تكلم في سبب البناء اللازم في سائر أحوال الكلمة، وأما البناء الجائز كما في غير وحين، فقد تقدم أنه لم يقصده وأنه سيذكر ذلك في أماكنه ويعلله، وأما البناء اللازم في بعض الأحوال كبناء المنادى وأي مثلا، فلم يقصده أيضا. وسيذكر كلّا في مكانه ويعلل البناء فيه بما يناسبه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الثاني: ناقش الشيخ كلام المصنف في الشرح في شيئين: أحدهما: قوله في الماضي (¬1) ولهذا لم يجز أن تلحقه هاء السكت وقفا فقال (¬2): «في إلحاق هاء السكت الماضي حال الوقف عليه ثلاثة مذاهب: يفرق في الثالث بين أن يكون متعديا فلا تلحق، وبين أن يكون لازما فتلحق». ثانيهما: قوله في أسماء الأفعال: إنها عاملة غير معمولة [1/ 60] فقال: «كأن المصنف لم يعرف في ذلك خلافا ومذهب سيبويه والمازنيّ (¬3)، وأبي علي الدّينوريّ (¬4) والفارسيّ في تذكرته: أنّ أسماء الأفعال منصوبة بأفعال مضمرة. - ¬

_ (¬1) أي في شبه الماضي المبني بالمضارع المعرب. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 131). (¬3) هو أبو عثمان بكر بن محمد المازني، بصري من رجال الطبقة السادسة، كان إماما في العربية حيث روى عن الأصمعي وأبي عبيدة وأبي زيد كما روى عنه المبرد والفضل بن محمد اليزيدي وجماعة، قال المبرد عنه: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان، ومع ذلك فقد كان المازني يقدر سيبويه وهو الذي قال: من أراد أن يصنف كتابا كبيرا في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح. وآراؤه منثورة في كتب النحو. اتصل بالخليفة الواثق بسبب بيت غنته جارية أمامه وهو قول الشاعر (الكامل): أظلوم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم ثم أمر له الخليفة بعد ذلك بمنحة قدرها ثلاثون ألف درهم. من مؤلفاته: كتاب في التصريف، شرحه ابن جني وهو مطبوع، وكتاب علل النحو، وله أيضا تفاسير كتاب سيبويه، وله ما تلحن فيه العامة، وله كتاب في القرآن. عملت فيه وفي آثاره رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحت عنوان: المازنيّ المجدّد ومؤلفاته وأثره (د/ عبد العزيز فاخر) وتوفي سنة (230 هـ) وقيل سنة (249 هـ). وانظر: ترجمته في بغية الوعاة (1/ 463)، الأعلام (2/ 44). (¬4) هو أبو علي أحمد بن جعفر وأصله من دينور. قدم البصرة وأخذ عن المازني وحمل عنه كتاب سيبويه، ثم دخل بغداد فقرأ الكتاب على المبرد وكان قد تزوج ابنة ثعلب، ومع ذلك كان يقرأ كتاب سيبويه على المبرد فيعاتبه ثعلب في ذلك قائلا له: ماذا يقول الناس إذا رأوك تمضي وتقرأ على هذا الرجل وتتركني، فلم يكن أبو علي يلتفت إلى قوله. ثم قدم مصر وكان أحد المبرزين. من مؤلفاته: كتاب المهذب في النحو، ذكر فيه مسائل اختلاف بين البصريين والكوفيين، ثم ثار على مذهب البصريين، وكتاب مختصر في ضمائر القرآن، وله أيضا كتاب إصلاح المنطق، وعاش أبو علي في مصر حتى توفي سنة (289 هـ). انظر ترجمته في معجم الأدباء (2/ 239)، بغية الوعاة (1/ 301).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: هي في موضع رفع بالابتداء، والضّمير الذي فيها يسدّ مسدّ الخبر، نحو: أقائم الزيدان. ومذهب الأخفش، والفارسي في حلبياته: أنها لا موضع لها من الإعراب». انتهى (¬1). والأمر في المناقشتين قريب (¬2). البحث الثالث: ناقض الشيخ أيّا بلدن، قال: «لأنها ملازمة للإضافة؛ بل هي أقوى لأنّها لا تنفكّ عنها لفظا وهي بمعنى عند، وعند معربة ولدن مبنية فكان ينبغي أن تعرب لدن كما أعربت أيّ؛ إذ قد اشتركا في المعنى الّذي أوجب الإعراب لأي» (¬3). - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 131) والمسائل الحلبيات (ص 211) وما بعدها، تحقيق د/ حسن هنداوي. (¬2) أما في الأولى: فيمكن الرد عليه بأن ابن مالك اختار المذهب الأول، وهو أن هاء السكت لا تلحق الماضي مطلقا. وكذا يقال في الثانية: إن ابن مالك اختار كون أسماء الأفعال عاملة غير معمولة. ومن أين ذكر أبو حيان: أن مذهب سيبويه في أسماء الأفعال أنها منصوبة بأفعال مضمرة. وليس ذلك في كتابه. وكل ما ذكره هو قوله: منها ما يتعدى المأمور به كقولك: حيهل الصّلاة. ومنها ما لا يتعدى كقولك: مه وصه (كتاب سيبويه: 1/ 242). وكثيرا ما حكم بأنها ليست أسماء «وينبغي لمن زعم أنّهم أسماء»، «وممّا يدلّ على أنه ليس باسم قول العرب» (الكتاب: 1/ 245). وأقصى ما قاله قوله: «وأما بله زيد فيقول دع زيدا، وبله ههنا بمنزلة المصدر كما تقول: ضرب زيد» (الكتاب: 4/ 232). وليس في ذلك كله ما يوحي بأن لأسماء الأفعال موضعا فضلا عن أن يكون منصوبا، والأمر الحاسم في ذلك هو ما قاله الرضي في شرحه على الكافية (2/ 67)، قال: «ثم اعلم أن بعضهم يدّعي أن أسماء الأفعال مرفوعة المحلّ على أنها مبتدأة لا خبر لها كما في أقائم الزيدان وليس بشيء ... وما ذكره بعضهم من أن أسماء الأفعال منصوبة المحل على المصدرية ليس بشيء؛ إذ لو كانت كذلك لكانت الأفعال قبلها مقدرة فلم تكن قائمة مقام الفعل». ثم حكم بأنه لا موضع لها من الإعراب كضمير الفصل لما انتقلت إلى معنى الفعلية، والفعل لا محل له من الإعراب. (¬3) وهو لزومها الإضافة لفظا ومعنى أو معنى فقط وشبه أيّ لكل وبعض معنى واستعمالا. وانظر: التذييل والتكميل (1/ 136).

[أنواع الإعراب]

[أنواع الإعراب] قال ابن مالك: (وأنواع الإعراب: رفع ونصب وجرّ وجزم وخصّ الجرّ بالاسم؛ لأنّ عامله لا يستقلّ فيحمل غيره عليه، بخلاف الرّفع والنّصب وخصّ الجزم بالفعل لكونه فيه كالعوض من الجرّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب: أنه لا يلزم من اعتبار لزوم الإضافة في أي، اعتباره في لدن؛ لجواز أن يمنع منه مانع (¬1)، وبتقدير التسليم فليس شبه لدن بعند كشبه أي بكل وبعض. ولو سلم فليس لدن بمعنى عند. وقد قال المصنف في باب الظروف (¬2): «وليست لدى بمعناها بل بمعنى عند على الأصحّ»، فدل على أن معنى لدن ومعنى عند غيران (¬3). قال ناظر الجيش: إنما قال: وأنواع الإعراب لما علم من أن الإعراب عنده لفظي. ومن الإعراب عنده معنوي (¬4)، يقول: ألقاب الإعراب وعلامات الإعراب. «ولما كان المضارع شريك الاسم في الإعراب، وكان الكلام في الإعراب عموما لم يستغن عن ذكر الأنواع الأربعة. وقدم الرفع لأن الكلام قد يستغني به عن غيره، وقدم الجر لأنه خاص بما هو أصل وأخر الجزم لأنه خاص بما هو فرع (¬5). - ¬

_ (¬1) وهو مجيء غدوة بعدها منصوبة (كتاب سيبويه: 1/ 59)، واستشهدوا له بقول الشاعر (من الطويل): فما زال مهري مزجز الكلب منهمو ... لدن غدوة حتّى دنت لغروب (¬2) انظر تسهيل الفوائد (ص 97). والضمير في بمعناها يعود على لدن بالنون. ومعنى كلامه: أن لدى ليست بمعنى لدن وإنما لدى بمعنى عند؛ فينتج أن لدن ليست بمعنى عند وهو المقصود. وانظر ستة أمور تختص بها لدن دون عند في حاشية الصبان (2/ 264). (¬3) قوله: غيران: هكذا ورد في المخطوطة الأصل ومعناه متغايران. أما ضبطه فهو غريب: هل هو مثنى غير كبعل لم يرد، وإنما الذي ورد أن يجمع غير التي بمعنى سوى على أغيار. ولعل ضبطه بكسر أوله وفتح ثانيه، ففي اللسان قولهم: لا أراني الله بك غيرا. والغير من تغير الحال وهو اسم بمنزلة القطع والعتب وما أشبههما. وفيه أيضا الغير من قولك: غيرت الشيء فتغير (اللسان: مادة غير). (¬4) انظر الاختلاف في ذلك في أول هذا الباب. (¬5) المقصود بالأصل هو الاسم وبالفرع هو الفعل، وهذا معلوم مما تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما كان الاسم في الإعراب أصلا للفعل كانت عوامله أصلا لعوامله، فقيل: رافع الاسم وناصبه أن يفرع عليهما لاستقلالهما بالعمل وعدم تعلقهما بعامل آخر. بخلاف عامل الجر فإنه غير مستقل لافتقاره إلى ما يتعلق به من فعل أو ما يقوم مقامه، فموضع المجرور نصب بما يتعلق به الجار. ولذلك إذا حذف الجار نصب معموله وإذا عطف على المجرور جاز نصب المعطوف وربما اختير النصب. فشارك المضارع الاسم في الرفع والنصب لقوة عامليهما بالاستقلال وإمكان التفريع عليهما، وضعف عامل الجر لعدم استقلاله عن تفريع غيره عليه، فانفرد به الاسم وجعل جزم الفعل عوضا عما فاته من المشاركة في الجر، وانفرد به ليكون لكل واحد من صنفي المعرب ثلاثة أوجه من الإعراب بتعادل، وذلك أن الجزم راجح باستغناء عامله عن تعلق غيره والجر راجح بكونه ثبوتيّا؛ بخلاف الجزم فإنه حذف حركة أو حرف فتعادلا». هذا كلام المصنف وهو جيد (¬1). ولما كانت العوضية في الفعل غير متحققة، قال: كالعوض من الجر، ولم يقل عوضا من الجر، وفي جعل الجزم في الفعل كالعوض من الجر [1/ 61] استغناء عن ذكر علة عدم دخوله في الاسم. وقد ذكر لعدم دخول الجر في الفعل تعليل حسن وهو: أن الرفع في الأسماء وجد أصلا في بعضها وفرعا في بعضها وكذلك النصب بخلاف الجر فإنه أصل في المجرور جميعه (¬2)؛ فلما وجدت فرعية كل من الرفع والنصب فيما هو مستحق للإعراب بطريق الأصالة، وكان إعراب الفعل فرعا أمكن دخولهما في الفعل. ولما لم توجد في الجر فرعية في الاسم لم يجز أن يفرع الفعل على الاسم. ثم أتى - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 42). (¬2) في شرح ذلك يقول الزمخشري «الرّفع والنّصب والجرّ علم على معنى فالرفع علم الفاعليّة والفاعل واحد ليس إلّا، وأمّا المبتدأ وخبره وخبر إنّ وأخواتها ولا الّتي لنفي الجنس واسم ما ولا المشبّهين بليس فملحقات بالفاعل على سبيل التّشبيه والتّقريب، وكذلك النصب علم المفعوليّة والمفعول خمسة أضرب: المفعول المطلق والمفعول به والمفعول فيه والمفعول معه والمفعول لأجله، وأمّا الحال والتمييز والمستثنى المنصوب والخبر في باب كان والاسم في باب إنّ والمنصوب بلا التي لنفي الجنس وخبر ما ولا المشبهتين بليس فملحقات بالمفعول والجرّ علم الإضافة». انظر المفصل للزمخشري (ص 18) طبعة بيروت، دار الجيل.

[علامات الإعراب الأصلية]

[علامات الإعراب الأصلية] قال ابن مالك: (والإعراب بالحركة والسّكون أصل وينوب عنهما الحرف والحذف. فارفع بضمّة وانصب بفتحة وجرّ بكسرة واجزم بسكون إلّا في مواضع النّيابة). ـــــــــــــــــــــــــــــ بالجزم في الفعل عوضا عن الجر (¬1). قال ناظر الجيش: مراده: أن الإعراب بالحركة أصل في غير المجزوم وينوب عنها الحرف، والسكون أصل في المجزوم وينوب عنه الحذف. وإنما كانت أصالة الإعراب في غير الجزم للحركة لأنها أخف من الحرف وأبين: أما أخفيتها فظاهر، وأما كونها أبين فلأنها لا تخفى زيادتها على بنية الكلمة لإدراك مفهوم الكلمة بدونها. بخلاف الحرف فإن مفهوم الكلمة لا يدرك بدونه في الغالب. وإنما كان السكون في الجزم أصلا لأن بنية الفعل لا تنقص به بخلاف حذف آخره - ولذلك قد يستغنى عن حذف آخره بتقدير ظاهر الحركة قبل الجزم (¬2). وإذا كان الإعراب بالحركة والسكون هو الأصل، فالرفع بالضمة والنصب بالفتحة والجر بالكسرة والجزم بالسكون إلا في مواضع النيابة كما سيأتي. قال الشيخ: «كان القياس على مذهب البصريّين أن يقال بدل ضمّة رفعة وبدل فتحة نصبة وبدل كسرة جرّة؛ لأنّ تلك للمبنيّ وهذه للمعرب» انتهى (¬3). وما قاله غير ظاهر؛ لأن المصنف لم يطلق على الرفع ضمّا ولا على النصب فتحا ولا على الجر كسرا، بل قال: فارفع بضمة، فجعل الحكم هو الرفع وبيّن أن هيئة الرفع ضمة أي صورة المرفوع أن يكون مضموما، وكذا صور المنصوب أن يكون مفتوحا، والمجرور أن يكون مكسورا. ولا يلزم من ذلك إطلاق الضم على الرفع ولا الفتح على النصب ولا الكسر على الجر. ¬

_ (¬1) انظر: كتاب سيبويه في ذلك (1/ 19). والتذييل والتكميل (1/ 142). (¬2) هذا رأي من ثلاثة تأتي بعد عند ثبوت حرف العلة مع الجازم في مثل قول الشاعر: ألم يأتيك والأنباء تنمى ....... إلخ وهو أن الحركة كانت ثابتة قبل دخول الجازم، فلما دخل حذفها وبقي الحرف كما هو. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 144).

[ما ينوب عن الفتحة]

[ما ينوب عن الفتحة] قال ابن مالك: (وتنوب الفتحة عن الكسرة في جرّ ما لا ينصرف؛ إلّا أن يضاف أو يصحب الألف والّلام أو بدلها، والكسرة عن الفتحة في نصب أولات والجمع بزيادة ألف وتاء، وإن سمّي به فكذلك، والأعرف حينئذ بقاء تنوينه، وقد يجعل كأرطاة علما). قال ناظر الجيش: شرع في ذكر مواضع النيابة: واعلم أنه إما أن تنوب الحروف عن الحركات، والحذف عن السكون، وإما أن تنوب بعض الحركات عن بعض. ويمكن الرجوع بقول المصنف فيما تقدم: إلّا في مواضع النّيابة، إلى نيابة الحركات عن الحركات فقط، لا إلى المجموع من نيابة الحركات ونيابة الحروف. لأن نيابة الحروف قد تقدم ذكرها في قوله: وينوب عنهما الحرف والحذف، وهذا أولى حتى لا يكون في كلامه تكرير، ولا شك أن نيابة حركة عن حركة أقرب إلى الأصل من نيابة حرف عن حركة؛ فلذلك قدم المصنف ذكر نيابة الحركات عن بعضها. وهذه النيابة جاءت في موضعين [1/ 62]: الموضع الأول: الاسم الذي لا ينصرف: فإنه إذا جر نابت فيه الفتحة عن الكسرة، فقيل: لأنه لما أشبه الفعل وامتنع تنوينه امتنع فيه ما يمتنع في الفعل أيضا وهو الكسر. وهذا باطل لأنه يجر بالكسرة حال وجود الألف واللام معه أو الإضافة وشبه الفعل باق (¬1). والعلة الصحيحة لجره بالفتحة: أنه لو جر بالكسرة مع عدم التنوين لتوهم أنه مضاف إلى ياء المتكلم وقد حذفت لدلالة الكسرة عليها، أو بني على الكسر لأن الكسرة لا تكون إعرابية إلا مع تنوين أو مع ما يعاقبه من الإضافة والألف واللام. ولذلك إذا أضيف الاسم المذكور ودخل عليه الألف واللام، جر بالكسرة لزوال الموهم، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: إلا أن يضاف، إلى آخره. وأطلق الألف واللام لتشمل المعرفة والزائدة والموصولة فإنهن متساوية في إيجاب - ¬

_ (¬1) يمكن دفعه بأن الألف واللام أو الإضافة قرباه من الاسمية أو يقال: وجد فيه شبهان: شبه بالاسم في ذلك وشبه بالفعل في امتناع التنوين، فسقطا وعاد إلى إعرابه الأصلي وهو جره بالكسرة عند وجودهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جر ما لا ينصرف بالكسرة. فالمعرفة: كقوله تعالى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ (¬1). والزائدة: كقول الشاعر: 51 - رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله (¬2) والموصولة: كقول الآخر: 52 - وما أنت باليقظان ناظره إذا ... رضيت بما ينسيك ذكر العواقب (¬3) والضمير في قوله: أو بدلها عائد إلى اللام، وأشار بذلك إلى لغة من يبدلها ميما، كقول بعضهم: 53 - أأن شمت من نجد بريقا تألّقا ... تكابد ليل ام أرمد اعتاد أولقا (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة هود: 24. (¬2) البيت من بحر الطويل وهو مطلع قصيدة لابن ميادة يمدح بها الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وبعده: أضاء سراج الملك فوق جبينه ... غداة تنادى بالنّجاح قوابله اللغة: مباركا: ميمون الطليعة. شديدا بأعباء الخلافة: قائما بأمورها الشاقة. كاهله: الكاهل ما بين الكتفين. قوابله: جمع قابلة، وهي من تتلقى الوليد عند خروجه. وقد دار هذا البيت في كتب النحاة كثيرا مستشهدين به على زيادة أل في الأعلام، وهي في الوليد زائدة للمح الأصل كالحسن والعباس وفي اليزيد زائدة لا لشيء، وقيل معرفة بعد تنكير العلم ثم بعد دخول أل على العلم الممنوع من الصرف يجر بالكسرة كاليزيد. وانظر مراجع البيت الكثيرة في معجم الشواهد (ص 287) وانظره أيضا في شرح التسهيل (1/ 41) وفي التذييل والتكميل (1/ 139). ترجمة ابن ميادة: هو الرماح بن أبرد بن ثوبان المعروف بابن ميادة وهي أمه وكانت فارسية. شاعر مجيد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، مدح خلفاء بني أمية. مات في خلافة المنصور سنة (149 هـ) وقد عملت فيه رسالة تحت عنوان: ابن ميادة وشعره، في جامعة عين شمس. وانظر ترجمته في معجم الأدباء (11/ 143)، الشعر والشعراء (2/ 775). (¬3) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه. اللغة: اليقظان: المتنبه الحذر. ناظره: ناظر العين النكتة السوداء فيها وقيل العين كلها. العواقب: نتائج الأمور. وشاهده كالذي قبله. والبيت في معجم الشواهد (ص 59) وفي شرح التسهيل (1/ 41) والتذييل والتكميل: (1/ 148). (¬4) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه إلا لرجل من طيئ ولم يعين. اللغة: شمت: تقول: شمت السحاب والبرق شيما إذا نظرت إليه أن يسقط مطره. بزيقا: تصغير برق. تألق: لمع وأضاء. أم أرمد: هو الأرمد الذي في عينه وجع. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد ليل الأرمد فجر أرمد بكسرة مع الميم كما يجر بها مع اللام. الموضع الثاني: ما جمع بألف وتاء كمسلمات: فإنه إذا نصب نابت فيه الكسرة عن الفتحة؛ والعلة في ذلك حمله على جمع المذكر وتشبيهه به في حمل نصبه على جره؛ هكذا ذكروا. ولا يتجه ذلك إذا قلنا بمذهب سيبويه، وهو أن جمع المذكر معرب بالحركات كما سيأتي (¬1). وقدم المصنف على الجمع المذكور أولات لمشاركتها له في الحكم مع أنها ليست بجمع إنما هي اسم جمع. وقال المصنف: «أولو وأولات بمعنى ذوي وذوات إلّا أن هذين جمعان؛ لأن مفرديهما من لفظيهما بخلاف أولو وأولات؛ فلذلك لم يغن عن ذكرهما ذكر جمعي التّصحيح». وإنما قال المصنف: بزيادة ألف وتاء؛ فقيدهما بالزيادة احترازا من قضاة وأبيات؛ فإن كلّا منهما يصدق عليه أنه جمع بألف وتاء؛ لكن ألف قضاة منقلبة عن أصل لا زائدة، وتاء أبيات أصل. لكن قد ورد على كلامه في الألفية ما احترز عنه هنا؛ لأنه قال فيها: وما بتا وألف قد جمعا (¬2) ... ولم يقيد بالزيادة. ويجاب عنه: بأن التاء في قوله: بتاء متعلقة بقوله: جمع. أي حصلت جمعيته - ¬

_ - الأولق: ما يشبه الجنون ووزنه أفعل وقيل فوعل. معنى البيت: يقول لصاحبه (أو لنفسه): هل تبيت مسهد الجفن قريح العين مستطار القلب كمن به خبل أو جنون؛ لأنك أبصرت السحاب قادما من جهة نجد التي فيها أحباؤك؟. أأن شمت: يروى بفتح همز أن على أنها مصدرية حذفت قبلها لام التعليل. وهو علة لما بعده ومتعلق به، ويروى بكسرها على أنها شرطية وجوابها تبيت؛ ورفع لأن فعل الشرط ماض وهو جائز. والشاهد فيه: جر الاسم الممنوع من الصرف بالكسرة لدخول أم المعرفة عليه التي هي بدل من أل على لغة حمير وذلك في قوله: أم أرمد. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 42) ولأبي حيان: (1/ 148) وفي معجم الشواهد (ص 242). (¬1) انظر: كتاب سيبويه (1/ 18). ومعناه أنه إذا كان جمع المذكر ينصب بالفتحة فكيف يحمل عليه نصب جمع المؤنث بالكسرة؟. (¬2) بقيته: يكسر في الجر وفي النصب معا. (انظر باب المعرب والمبني في الألفية).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالألف والتاء، ولا شك أن قضاة وأبيات إنما جمعيتهما بالصيغة؛ لأنهما جمعا تكسير وليست بالألف والتاء، بخلاف مسلمات؛ فإن الجمعية فيه إنما هي بالألف والتاء. نعم لو علقنا الباء بمحذوف على معنى: وما جمع مصحوبا بألف وتاء لورد نحو قضاة وأبيات [1/ 63]. وكأن المصنف في التسهيل خشي من هذا فدفع الوهم بذكر قيد الزيادة، ولو قال: والجمع بألف وتاء، وقصد تعليق الباء بلفظ الجمع لاستغنى عن ذلك؛ فكلامه في المصنفين صحيح، رحمه الله تعالى ورضي عنه. ولم يتعرض المصنف لتأنيث واحد هذا الجمع ولا لسلامة نظمه؛ لأن هذا الجمع قد يكون لمذكر كحسامات ودريهمات وأَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (¬1)، وقد لا يسلم فيه نظم الواحد: كتمرات وغرفات وكسرات (¬2). وأشار المصنف بقوله: وإن سمّي به فكذلك إلى أنه إذا سمي بهذا النوع الذي تنوب فيه الكسرة عن الفتحة، فله بعد التسمية به ثلاثة أحوال (¬3): الأول: ثبوت تنوينه ونصبه بالكسرة، كما كان قبل التسمية. وإليها أشار بقوله: فكذلك. قال المصنف: «لأنه سلك بمسلمات ونحوه سبيل مسلمين ونحوه، فقوبل بالتنوين النون، ولولا قصد هذه المقابلة لساوى عرفات عرفة في منع التنوين والكسرة؛ لتساويهما في التعريف والتأنيث، مع زيادة ثقل عرفات بعلامة الجمعية». الحالة الثانية: حذف تنوينه مع بقاء الإعراب على حاله اكتفاء بتقابل الكسرة والياء، فيقال: هذه عرفات ورأيت عرفات ومررت بعرفات. وفهمت هذه الحالة من قوله: والأعرف حينئذ بقاء تنوينه. وأفهم كلامه: أن حذف التنوين قليل. الحالة الثالثة: معاملته معاملة الاسم الذي لا ينصرف، فيحذف تنوينه وينصب ويجر بالفتحة، وإليه أشار بقوله: كأرطاة علما أي كواحد زيد في آخره ألف وتاء - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 197. (¬2) عين الجمع في الأول والثالث مفتوحة، وفي الثاني مضمومة، وهي ساكنة في مفرد كلّ. وهذا هو عدم السلامة. (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 42).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأرطاة وسعلاة وبهماة. ونقل المصنف أن هذه الأحوال الثلاثة لغات للعرب (¬1). ثم ها هنا تنبيهات: الأول: ذهب الأخفش والمبرد إلى أن الفتحة في الاسم الذي لا ينصرف حال الجر، والكسرة في المجموع بالألف والتاء حال النصب، حركتا بناء وأن هذين الاسمين لهما حالتان: حالة إعراب وحالة بناء، وهو مذهب مرغوب عنه والجمهور على خلافه (¬2). الثاني: نقل الشيخ أن الكوفيين يجيزون نصب ما جمع بألف وتاء بالفتحة، فقيل: سواء أكان تامّا نحو: استأصل الله عرقاتهم (¬3) أم ناقصا نحو: سمعت لغاتهم، وقيل: إنما يجوز في الناقص فقط. الثالث: ناقض الشيخ المصنف في شيئين (¬4): أحدهما: «أنّه جعل مسلمات بعد التسمية كأرطاة علما (¬5) ليس مذهب البصريين، وأن الكوفيين إنما أجازوا ذلك في الشعر، قال: وناهيك من مذهب البصريين وقد جهله». - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 42). (¬2) حققت هذا الرأي الذي نسبه ناظر الجيش للمبرد، فلم أجده فيما اطلعت عليه من كتبه؛ بل إن المبرد يقول بعكسه، ويوافق الجمهور في إعراب جمع المؤنث السالم. وقد قال بهذا محقق كتاب المقتضب (3/ 331)، يقول الشيخ محمد عضيمة: «تحدث المبرد في غير موضع من المقتضب عن إعراب جمع المؤنث السالم، وكان حديثا صريحا في أنه معرب في كل أحواله، فيقول هنا: واستوى خفضه ونصبه كما استوى ذلك في مسلمين». وقال المبرد في الجزء الأول (ص 7): «فإذا أردت رفعه قلت: مسلمات فاعلم ونصبه وجره مسلمات يستوي الجر والنصب كما استويا في مسلمين». وقال الشيخ: «إن ابن جني هو الذي نسب إلى المبرد هذا الرأي في سر الصناعة (ص 428)، وإن هذا الزعم نظير ما نسب إليه فيما سبق من أن الممنوع من الصرف مبني في حالة الجر». والسبب في نسبة ناظر الجيش هذا الرأي لهذين العالمين هو متابعته لأبي حيان إمامه، وانظر التذييل والتكميل (1/ 148). وانظر في رأي الأخفش أيضا الهمع (1/ 19) وحاشية الصبان (1/ 92). (¬3) مثل من أمثال العرب، يقال في الدعاء على الواحد أو الجماعة ومعناه: قطع الله أصله (انظر مجمع الأمثال: 1/ 107). وهو فيما ذكره الشارح جمع مؤنث بكسر أوله وسكون ثانيه، وقد نصب بالفتحة على المذهب المذكور، كما ضبط بفتح أوله وثانيه أيضا. وقيل: هو مفرد مؤنث مثل سعلاة. (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 156). (¬5) الحالة الثالثة من الأحوال التي ذكرها.

[ما ينوب عن الضمة]

[ما ينوب عن الضمة] قال ابن مالك: (وتنوب الواو عن الضّمّة، والألف عن الفتحة، والياء عن الكسرة، فيما أضيف إلى غير ياء المتكلّم من أب وأخ وحم غير مماثل قروا وقرءا وخطأ وفم بلا ميم، وفي ذي بمعنى صاحب، والتزام نقص هن أعرف من إلحاقه بهنّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: «أن البصريين إنما أجازوا حذف التنوين وبقاء الكسرة في الشّعر (¬1) وهو قد ذكر أن ذلك لغة للعرب» انتهى. وعجبا من الشيخ! كيف يصدر منه مثل هذا؟! ولكن الموجب له التحامل، وكيف تتوجه هاتان المناقشتان على المصنف وهو إنما ذكر ما للعرب من اللغات في الاسم المذكور بعد التسمية، وهو رجل مطلع ثبت فيما ينقله، فكيف يرد النقل أو يبطل اللغات بالمذاهب إن كانت المذاهب المنقولة هي الصحيحة؟!. وأعجب من هذا أنه نقل في كتابه عن صاحب البسيط (¬2) أن للعرب فيه عند التسمية مذهبين: أحدهما: أن يعامل معاملة فاطمة، فيحذف التنوين ويفتح نصبا [1/ 64] وجرّا فرد على نفسه، وعضد نقل المصنف بنقل هذا الرجل الكبير وهو لا يدري (¬3). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن نيابة بعض الحركات عن بعض، شرع في ذكر نيابة الحروف عن الحركات، وذلك في أربعة أشياء: الأسماء الستة والأمثلة الخمسة، وذكرهما في هذا الباب. والمثنى والمجموع على حدّه، وسيأتيان في باب. - ¬

_ (¬1) هذه هي الحالة الثانية من الأحوال المذكورة، وانظر التذييل والتكميل (1/ 156). (¬2) هو ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن علي الإشبيلي ويعرف بابن العلج، قال عنه السيوطي في فهرس بغية الوعاة: لم أقف له على ترجمة، وقال عنه أبو حيان في البحر المحيط (8/ 74): وهو ممن أقام باليمن وصنف بها. وقد نقل عنه أبو حيان نقولا كثيرة في شرحه على التسهيل، وكذلك فعل السيوطي في الأشباه والنظائر وسائر كتبه، وكذلك فعل ابن عقيل. (¬3) الثاني من المذهبين: إثبات التنوين ومعاملته معاملة النكرة، وهي حالة غير الثلاثة السابقة. وانظر ذلك في التذييل والتكميل (1/ 156).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس الإعراب بالحروف مما أجمع عليه، بل في كل من الأربعة خلاف كما ستعرفه. ومذهب سيبويه: أن ليس معربا منها بالحروف إلا الأمثلة الخمسة (¬1)، وأن الأسماء الستة والمثنى والمجموع معربات بحركات مقدرة كما سيأتي. أما الأسماء الستة: فذكر المصنف فيما هي معربة به، خمسة مذاهب: منها المذهبان المذكوران في متن الكتاب، وثلاثة في الشرح. وذكر الشيخ فيها تسعة أقوال، وقال: إن إحداها وهو قول الأخفش فسر بتفسيرين، فآلت الأقوال فيها إلى عشرة، وضبطها أن يقال: اختلف فيها فقيل: معربة ولا إعراب فيها لا ظاهر ولا مقدر (¬2)، وهذا أحد مفهومي قول الأخفش: إنّ الإعراب فيها دلائل الإعراب. وقيل: فيها إعراب (¬3)، فقيل: معنوي: وهو التغير والانقلاب حالة النصب والجر وعدم ذلك حالة الرفع، وهذا مذهب الجرمي (¬4)، وهشام (¬5) في أحد قوليه. - ¬

_ (¬1) يقصد بالأمثلة الخمسة هنا ما يعرف عند الدارسين بالأفعال الخمسة، وسيأتي الحديث عنها. وقد عبر عنها سيبويه بتثنية الأفعال المضارعة وجمعها وتأنيثها، أو إلحاق علامة الاثنين والجمع والمؤنث بها. وحديثه عنها حديث طريف، ارجع إليه في كتابه: (1/ 19، 20) (تحقيق هارون). (¬2) هذا هو المذهب الأول من العشرة التي سيذكرها وهو للأخفش، وانظره في التذييل والتكميل: (1/ 178) والهمع: (1/ 39) وقد نسب هذا التفسير لابن السراج وابن كيسان: (1/ 178). (¬3) هذا هو المذهب الثاني وهو للجرمي، وانظره في التذييل والتكميل (176 - 178) والهمع (1/ 39)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 27). (¬4) هو أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي بفتح الجيم النحوي، فقيه عالم بالنحو واللغة، من أهل البصرة، أخذ النحو عن الأخفش، وقرأ عليه كتاب سيبويه ولقي يونس بن حبيب والمازني وأخذ اللغة عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي، وله مناظرات كثيرة مع الأصمعي والفراء. مصنفاته: مفقودة. وعد المؤرخون منها: كتاب مختصر النحو، كتاب الأبنية، غريب سيبويه، كتابا في السير، توفي عام (225 هـ). انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 143)، الأعلام (3/ 274). (¬5) هو هشام بن معاوية أبو عبد الله النحوي الكوفي الضرير. كان مصاحبا للكسائي، ومن أخباره أن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب كلم المأمون يوما فلحن في بعض كلامه، فنظر إليه المأمون فخرج من عنده وجاء إلى هشام المذكور فتعلم عليه النحو. مصنفاته: مختصر النحو، الحدود، القياس، ولم أعثر على شيء منها، توفي سنة (209 هـ) انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 164)، وفيات الأعيان (6/ 85) بغية الوعاة (2/ 327).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: لفظي، فقيل: بالحروف (¬1) وهذا مذهب قطرب (¬2)، والزيادي (¬3)، والزجاجي (¬4) من البصريين، وهشام من الكوفيين في قوله الآخر. وقيل: بالحركات والحروف (¬5) معا، وهذا مذهب الكسائي (¬6) والفراء (¬7) وهو - ¬

_ (¬1) هذا هو المذهب الثالث وهو لقطرب والزيادي، وانظره في التذييل والتكميل (1/ 176)، والهمع (1/ 38). (¬2) هو أبو علي محمد بن المستنير الملقب بقطرب، وهي دابة تدب ولا تفتر. وأول من لقبه به سيبويه؛ لأنه كان يخرج من بيته فيراه على بابه مبكرا للأخذ عنه، فيقول له سيبويه: ما أنت إلا قطرب ليل. أحد أئمة النحو واللغة، أخذ ذلك عن سيبويه وعن علماء البصرة، وكان يتكلم بمذهب المعتزلة. ولما ألف كتابه في التفسير استعان بالسلطان ليقرأه على الناس بالمسجد. توفي ببغداد سنة (206 هـ) وله أشعار في معجم الأدباء. مصنفاته: ذكرت له مصنفات كثيرة منها معاني القرآن، إعراب القرآن، مجاز القرآن، العلل في النحو، المثلث، كتاب غريب الحديث، غريب اللغة ... إلخ. انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 91)، إنباه الرواة (3/ 219)، معجم الأدباء (19/ 52)، الأعلام (7/ 315). (¬3) هو أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الزيادي نسبة إلى زياد بن أبيه لأنه من أحفاده، أديب راوية كان يشبه بالأصمعي في معرفته للشعر ومعانيه، وكان شاعرا فيه دعابة ومزاح، أخذ عن الأصمعي وغيره وأخذ عنه المبرد وغيره. له على كتاب سيبويه نكت وخلافات ذكرها أبو سعيد السيرافي في شرحه، وله كتاب الأمثال وكتاب تنميق الأخبار وأسماء الرياح والسحاب والأمطار، توفي سنة (249 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة: (1/ 414)، الأعلام: (1/ 34) نزهة الألباء (ص 205). (¬4) منسوب إلى العالم النحوي المشهور بالزجاج إبراهيم بن السري لملازمته له، وهو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق، أخذ النحو عن أئمة منهم ابن السراج والأخفش والزجاج، ألف كتبا حسنة منها كتاب الجمل المشهور والذي شرحه كثيرون منهم ابن عصفور والأعلم وابن السيد البطليوسي، كما صنف كتاب الإيضاح في علل النحو وهو مطبوع محقق (د/ مازن المبارك). وكتاب الأمالي الصغرى والوسطى والكبرى، والكافي في النحو واللغة والأدب، توفي بدمشق سنة (337 هـ). انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 306)، نشأة النحو (ص 149). (¬5) هذا هو المذهب الرابع وهو للكسائي والفراء وانظره في التذييل والتكميل (1/ 177)، والهمع (1/ 38) وأسنده الرضي إلى الكوفيين عامة (شرح الكافية: 1/ 27). (¬6) هو علي بن حمزة المشهور بأبي الحسن الكسائي، إمام أهل الكوفة في النحو واللغة، كما أن سيبويه إمام أهل البصرة، والكسائي أحد القراء السبعة المشهورين، له مناظرات مشهورة مع سيبويه وناصرته السياسة والملك ولعظمة فضله قال فيه الرشيد وفي محمد بن الحسن، وكانا توفيا في يوم واحد: دفنّا الفقه واللغة في هذا اليوم، توفي سنة (189 هـ). صنف معاني القرآن وقد جمع نتفا منه (د./ عيسى شحاتة) في كتاب مطبوع، مختصرا في النحو، القراءات، النوادر، وعملت فيه رسالة تحت عنوان: الكسائي إمام الكوفيين وأثره في الدراسات النحوية (جامعة القاهرة: 1514). أخباره طويلة في نزهة الألباء (ص 67)، بغية الوعاة (2/ 162)، الأعلام (5/ 93). (¬7) هو أبو زكريا يحيى بن زياد، يلقب أبوه بالأقطع؛ لأن يده قطعت في الحرب مع الحسين بن علي. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي يعنون به أنها معربة من مكانين. وقيل: بالحركات فقط ثم اختلفوا: فقيل: بحركات مقدرة (¬1) في الحروف التي قبل حروف العلة. وهذا المفهوم الثاني من قول الأخفش المتقدم. [1/ 65] وقيل: بالحركات (¬2) التي قبل الحروف، والحروف إشباع. وهذا مذهب المازني وأصحابه وهو اختيار الزجاج. وقيل: بالحركات (¬3) المذكورة لكنها منقولة من الحروف. وهذا مذهب الربعي (¬4) ومن وافقه. وقيل: بالحركات (¬5) المذكورة لكنها الحركات التي كانت لها قبل أن تضاف. - ¬

_ - إمام الكوفيين بعد الكسائي وقد أخذ عنه وعن يونس البصري، كان ينام وتحت رأسه كتاب سيبويه، تفلسف في النحو وغاص فيه وهو القائل: أموت وفي نفسي شيء من حتّى. طمع في نوال الخلفاء فاتصل بالمأمون وأدب ولديه وأقام ببغداد والكوفة وتوفي بمكة سنة 207 عن سبعة وستين عاما. مصنفاته: اشتهر بمعاني القرآن له، وله كتاب الحدود وفي هذا الشرح نقل عنه وله المصادر في القرآن، وله الجمع والتثنية فيه، وله المقصور والممدود، وعملت فيه رسائل وكتب. اقرأ ترجمته في نزهة الألباء (ص 98)، بغية الوعاة (2/ 333)، نشأة النحو (ص 101). (¬1) هذا هو المذهب الخامس وهو للأخفش، انظره في التذييل والتكميل (1/ 178)، والهمع (1/ 39). وقد نسب هذا التأويل إلى السيرافي. (¬2) هذا هو المذهب السادس وهو للمازني. انظره في التذييل والتكميل (1/ 177)، وشرح الرضي (1/ 27)، والهمع: (1/ 38)، وانظر المسألة بالتفصيل في: الزجاج وأثره في النحو مع تحقيق كتابه المخطوط (سر النحو ص 139، بجامعة عين شمس). (¬3) هذا هو المذهب السابع وهو للربعي، انظر التذييل والتكميل (1/ 177)، وشرح الرضي (1/ 27)، والهمع (1/ 38). (¬4) هو أبو الحسن علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي، ولد سنة (328 هـ)، أخذ النحو عن أبي سعيد السيرافي، ثم انتقل إلى شيراز فلازم أبا علي الفارسي عشرين سنة، حتى أقر له أبو علي بالإمامة والعلم، ثم رجع إلى بغداد وعاش بها، كان يحفظ الكثير من أشعار العرب إلا أنه لطول لسانه وجفاء طبعه كانت الناس تتحاشاه والطلاب ينفرون منه. مصنفاته: شرح كتاب سيبويه ثم غسله بماء؛ لأن أحد أولاد التجار أغضبه في مسألة، كما شرح الإيضاح لأبي علي، وله كتاب البديع في النحو، كما أن له كتاب ما جاء من المبني على فعال، وغير ذلك. بلغ التسعين عاما حيث توفي سنة (420 هـ). اقرأ ترجمته في نزهة الألباء (ص 341) معجم الأدباء (14/ 78)، الأعلام (5/ 134). (¬5) هذا هو المذهب الثامن وهو للأعلم. وانظر التذييل والتكميل (1/ 177)، والهمع (1/ 38).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا مذهب جماعة من المتأخرين منهم الأعلم (¬1) وابن أبي العافية (¬2). وقيل: بالتفصيل (¬3) فيها: ففوك وذو مال معربان بحركات (¬4) مقدرة في الحروف والأربعة الباقية معربة بالحروف، وهذا مذهب السهيلي وتلميذه أبي علي الرندي (¬5). وقيل: إنها جميعها معربة بحركات مقدرة في الحروف (¬6) واتبع فيها ما قبل الآخر للآخر. وهذا مذهب سيبويه والفارسي وجمهور البصريين، وهو الصحيح وإليه أشار المصنف آخرا: ونحوهما فوك وأخواته على الأصحّ. وسيأتي الاستدلال لهذا القول عند ذكر المصنف له. - ¬

_ (¬1) هو أبو الحجاج يوسف بن سليمان المعروف بالأعلم، لانشقاق شفته العليا، ولد بشنتمرية في غرب الأندلس سنة (410 هـ) ثم رحل إلى قرطبة وتلقى عن الإقليلي وغيره، اشتهر بالنحو واللغة وكانت تضرب إليه أكباد الإبل، كف بصره في آخر حياته، وتوفي سنة (476 هـ) بإشبيلية. مصنفاته: اشتهر بشرح شواهد سيبويه المسمى بتحصيل عين الذهب وله أيضا شرح الجمل وشرح شواهد الجمل وغير ذلك، وكتبت فيه رسالة تحت عنوان: الأعلم الشنتمري وتحقيق كتابه شرح أبيات الجمل، اقرأ في ترجمته نشأة النحو (ص 195)، الأعلام للزركلي (9/ 308). (¬2) هو أبو عبد الله محمد بن أبي العافية النحوي المقري الإشبيلي، كانا إماما بجامع إشبيلية، أخذ الأدب وغيره عن أبي الحجاج الأعلم وكان من أهل المعرفة والأدب، وأخذ الناس عنه ذلك عمل فيه وفي آرائه بحثا طويلا د./ المهدي إبراهيم عبد العال، توفي ابن أبي العافية سنة (509 هـ). انظر في ترجمته إنباه الرواة (3/ 73). (¬3) هذا هو المذهب التاسع وهو للسهيلي، وانظر التذييل والتكميل (1/ 178) والهمع (1/ 38). (¬4) في نسخة (ب): بحركة مقدرة ونسخة الأصل أولى لدقة الأسلوب العلمي. (¬5) هو أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي بضم الراء وسكون النون. من تلاميذ السهيلي، له شرح على جمل الزجاجي وهو من مقرئي كتاب سيبويه. انظر في ترجمته بغية الوعاة (2/ 220). (¬6) هذا هو المذهب العاشر والأخير وهو لسيبويه. قال في الهمع: (1/ 38): وهو مذهب سيبويه والفارسي وجمهور البصريين وصححه ابن مالك وأبو حيان وابن هشام وغيرهم من المتأخرين. ولم أقف في كتاب سيبويه على نص صريح في مذهبه هذا في الأسماء الخمسة؛ بل لم يتعرض لها في كتابه كثيرا كما فعل في الأبواب الأخرى فضلا عن أن يكون مذهبه في إعرابها ما ذكر. والذي وجد له في إعرابه بالحركات المقدرة وهو معرب بالحروف: المثنى والمجموع على حدّه، فلعل العلماء قاسوا رأيه في الأسماء الخمسة على رأيه فيما ذكر من المثنى والمجموع على حده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ضعف غيره من الأقوال: أما القول بأن الحركات منقولة من حروف المد، فسلمت الواو في الرفع لوجود التجانس وانقلبت في غيره بمقتضى الإعلال (¬1) - فبأن فيه مخالفة النظائر من ثلاثة أوجه: أحدها: النقل في غير وقف إلى متحرك. والثاني: جعل حرف الإعراب غير آخر، والثالث: التباس فتحة الإعراب بالفتحة التي تستحقها البنية. وأما القول بأنها معربة بالحركات والحروف معا (¬2) فبالوجه الثالث الذي رد به القول بالنقل مع ما فيه من نسبة دلالة واحدة إلى شيئين. وأما القول بأن حروف المد إشباع بعد حركات الإعراب (¬3)، فبأنه يلزم منه وجوب ما لا يجوز إلا في ضرورة أو ندور. وأما القول بأنها معربة بالحركات التي قبل حروف المد وأنها ليست بمنقولة من حروف المد، وإنما هي الحركات التي كانت لها قبل أن تضاف، فثبتت الواو في الرفع لأجل الضمة وانقلبت ياء لأجل الكسرة وألفا لأجل الفتحة (¬4) - فبأنه إما أن تكون الحروف لا مات الكلمة ردت إليها حالة الإضافة، أو تكون إشباعا فإن كان الثاني فقد تقدم رده وإن كان الأول فيلزم من ذلك جعل الإعراب في عينات الكلمة أو فاءاتها مع وجود اللامات التي هي حروف الإعراب أو العينات التي هي محل الإعراب عند فقد اللامات؛ وذلك لا يجوز؛ لأن الإعراب إنما يكون في آخر الكلمة (¬5). وأما القول بأنها معربة بالتغير والانقلاب حالة النصب والجر وبعدم ذلك حالة الرفع (¬6)، فبأنه يلزم منه عدم النظير؛ إذ لم يوجد في الأسماء المفردة معتلة الآخر كانت أو صحيحة ما إعرابه كذلك. - ¬

_ (¬1) هذا هو المذهب السابع من العشرة المذكورة وهو للربعي ومن وافقه. (¬2) هذا هو المذهب الرابع وهو للكسائي والفراء. (¬3) هذا هو المذهب السادس وهو للمازني ومن تبعه. (¬4) هذا هو المذهب الثامن وهو للأعلم ومن تبعه. (¬5) عينات الكلمة التي يكون عليها الإعراب هي: أبوك وأخوك وحموك، أما الفاءات فتكون في: فوك وذو. (¬6) هذا هو المذهب الثاني وهو للجرمي ومن تبعه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما القول بأن فاك وذا مال معربان بحركات مقدرة في الحروف، وأن بقيتها معربة بالحروف (¬1) فيرد كون البقية معربة بالحروف بما يرد به قول من قال: إنها جميعها معربة بالحروف. وأما القول بأنها معربة بحركات مقدرة في الحروف التي قبل حروف العلة، وهو أحد مفهومي قول الأخفش (¬2)، فمردود بما رد به قول من قال بأنها معربة بالحركات التي قبل حروف المد، وأنها ليست منقولة من حروف المد. وأما القول بأنه لا إعراب فيها لا ظاهر ولا مقدر وهو المفهوم الآخر من قول الأخفش (¬3)، فظاهر الفساد؛ إذ لا يكون شيء معرب ولا إعراب فيه. وأما القول بأنها معربة بالحروف وهو الذي ذكره المصنف في المتن أولا (¬4)، فقد قال المصنف فيه: «إنه أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف؛ لأن الإعراب إنما جيء به لبيان مقتضى العامل، ولا فائدة في جعل مقدر متنازع فيه دليلا وإلغاء ظاهر واف بالدلالة المطلوبة، ولا يمنع من ذلك أصالة الحروف؛ لأن الحرف المختلف الهيئات صالح للدلالة أصلا كان أو زائدا، مع أن في جعل الحروف المشار إليها نفس الإعراب، مزيد فائدة، وهو كون ذلك توطئة لإعراب المثنى والمجموع على حده؛ لأنهما فرعان على الواحد وإعرابهما بالحروف لا مندوحة عنه. فإذا سبق مثله في الآحاد أمن من الاستبعاد [1/ 66] ولم يحد عن المعتاد» انتهى (¬5). وقوله (¬6): ولا فائدة في جعل مقدر إلى آخره، إشارة إلى مذهب سيبويه الذي سيأتي (¬7). وأما قوله: ولا يمنع من ذلك أصالة الحروف، فقد يمنع؛ والظاهر أن الأصالة مانعة. وأما قوله في المثنى والمجموع: إنه لا مندوحة فيهما عن الإعراب بالحروف، - ¬

_ (¬1) هذا هو المذهب التاسع وهو للسهيلي ومن تبعه. (¬2) هذا هو المذهب الخامس من العشرة السابقة. (¬3) هذا هو المذهب الأول من العشرة. (¬4) هذا هو المذهب الثالث وهو لقطرب ومن تبعه. (¬5) انظر شرح التسهيل (1/ 43). (¬6) ثلاث مناقشات وتضعيفان: أوردهما أبو حيان على المذهب المشهور وهو الإعراب بالحروف الذي اختاره ابن مالك، وقد لخص ذلك كله ناظر الجيش فيما سيأتي. وانظر التذييل والتكميل (1/ 169) وما بعدها. (¬7) هو العاشر من المذاهب السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فممنوع (¬1) أيضا، وسيأتي أن مذهب سيبويه فيهما أنهما معربان بالحركات المقدرة، وسيأتي من كلام المصنف عند استدلاله لمذهب سيبويه ما يدل على ضعف القول بأنها معربة بالحروف. ومما ضعف به هذا القول: أن الواو توجد في هذه الأسماء قبل دخول العامل عليها؛ فلو كانت إعرابا لم توجد إلا بعد دخول العامل، وأن الإعراب (¬2) زائد على الكلمة، فيؤدي ذلك إلى بقاء فيك وذي مال على حرف واحد وهما معربان وصلا وابتداء؛ وذلك لا يوجد إلا في شذوذ حكي: شربت ما يا فتى أي ماء. وإنما قالوا: وصلا وابتداء؛ لأنه قد يبقى المعرب على حرف واحد في الوصل دون الابتداء، نحو أن يقال: من اب لك في لغة من ينقل. ولنرجع إلى لفظ المتن: قوله: فيما أضيف إلى غير ياء المتكلّم من أب وأخ وحم - إشارة إلى أن لإعراب الأسماء المذكورة هذا الإعراب شرطا وهو أن تكون مضافة إلى غير الياء فإما إلى الظاهر وإما إلى المضمر غير الياء. واكتفى المصنف بلفظ أب وما معه، عن ذكر شرطين آخرين ذكرهما غيره وهما: ألا تكون مصغرة وألا تكون مثناة ولا مجموعة؛ لأنه علق الحكم على ما لفظ به، فلا يتجاوز غيره. أما إذا لم تضف أصلا فإعرابها بالحركات الظاهرة، وأما إذا أضيفت إلى الياء فحكمها في الإعراب حكم المضاف إلى الياء؛ وسيأتي مكانه إن شاء الله تعالى (¬3). - ¬

_ (¬1) في نسخة (ب)، (جـ): فيمنع وفيها اضطراب. (¬2) هذا هو التصنيف الثاني. (¬3) انظر شرح التسهيل لناظر الجيش في باب الإضافة (فصل المضاف إلى ياء المتكلم)، قال ناقلا عن ابن مالك: والصحيح أن المكسور الآخر للإضافة معرب تقديرا في الرفع والنصب؛ لأن حرف الإعراب منه في الحالين قد شغل بالكسرة المجلوبة توطئة للياء، فتعذر اللفظ بغيرها، فيحكم بالتقدير كما فعل في المقصور، وأما حال الجر فالإعراب ظاهر للاستغناء عن التقدير، هذا عندي هو الصحيح. ومن قدر كسرة أخرى فقد ارتكب تخلفا لا مزيد عليه ولا حاجة إليه، ولم أوافق الجرجاني في بناء المضاف إلى الياء وإن كان في تقدير إعرابه تكلف يخالف الظاهر؛ لأن لبناء الأسماء أسبابا كلها منتفية منه. ثم قال ناظر الجيش: إن ابن جني ذهب إلى أن المضاف إلى الياء لا يتصف بإعراب ولا بناء فأثبت قسما -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بقوله: وحم غير مماثل قروا - إلى ثلاث لغات يكون فيها معربا بالحركات مفردا كان أو مضافا، يقال: هذا حمو وحموك وحمؤ وحمؤك وحمأ وحمؤك، فيعامل معاملة قرو وقرء وخطأ (¬1). ويلزم المصنف أن يقول في أخ أيضا: غير مماثل قرو؛ لأنه يقال فيه: أخو كما سيذكره بعد، فيعرب إذ ذاك بالحركات. وقوله: وفم بلا ميم، يعم صور الاستعمال كلها (¬2)؛ بخلاف أن يقال فوك ونحوه. ولما كان ذو لا تضاف إلى ياء المتكلم بخلاف ما ذكر قبله لم يعطفه المصنف على المجرور بمن، بل عطفه على المجرور بفي وهو ما (¬3) ولذلك أعاد في فقال: وفي ذي حرصا على البيان. واعلم أن في إضافة ذي إلى الضمير خلافا: سيبويه يمنعها والمبرد يجيزها. قال المصنف: وقيد لفظ ذي بمعنى صاحب؛ لئلا يذهب الوهم إلى ذي المشار به إلى مؤنث (¬4). قال الشيخ: ويرد عليه ذو الطائية في بعض لغات طيئ؛ فإنها تعرب، انتهى (¬5). ولا أعرف كيف يرد عليه ذلك؛ لأنه ذكر حكم ذي بمعنى صاحب، فلا يلزمه أن يذكر حكم ذو الموصولة، ولو لم يقل المصنف ما قال لكان أولى، فإن قوله: وفي ذي بمعنى صاحب، لا مفهوم له؛ لأنه تفسير لدى وتبيين لمعناها. وقوله: والتزام نقص هن أعرف من إلحاقه بهنّ - أي من إلحاقه بهذه الأسماء - ¬

_ - من الأسماء لا معربا ولا مبنيّا ولا يخفى ضعف هذا الرأي وأنه لا ينبغي التشاغل بمثله. ثم بين كيفية إضافة هذه الأسماء إلى ياء المتكلم فقال: واللغة الجيدة أن يقال في إضافة أب وأخ مضافين إلى الياء: أبي وأخي من غير رد اللام كما جاء في القرآن العزيز، ويجوز عند أبي العباس: أبي وأخي برد اللام وإدغامها في ياء المتكلم. وإذا أضيف الفم إلى ظاهر أو ضمير جاز أن يضاف بالميم ثابتة وجاز أن يضاف عاريا من الميم. (¬1) ضبطها كالآتي: الأول: حمو بحاء مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم واو، والثاني: حمؤ بحاء مفتوحة ثم ميم ساكنة ثم همزة، والثالث: حمؤ بحاء وميم مفتوحتين ثم همزة. (¬2) أي المضاف إلى الظاهر كفو زيد والمضاف إلى الضمير. (¬3) نص عبارته والمجرور بفي والمجرور بمن هي قوله: وتنوب الواو عن الضمة والألف .. إلخ فيما أضيف إلى غير ياء المتكلم من أب وأخ وحم. (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 44). (¬5) انظر: التذييل والتكميل (1/ 161).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخمسة المذكورة. وذهب الفراء [1/ 67] إلى أنه ليس من هذه الأسماء. قال الفراء: «وأمّا ما لم يتمّ في حال وجاء منقوصا، فقولهم دم ومثله هن وهنة، قال: فهذا لم نجد له في الواحد تماما» (¬1). وذهب سيبويه إلى أنه من هذه الأسماء، قال سيبويه (¬2): «ومن العرب من يقول: هنوك وهناك وهنيك. ويقولون. هنوان فيجرونه مجرى الأب» انتهى. قال الشيخ (¬3): «ومن حفظ حجة على من لم يحفظ». قال المصنف (¬4): «جرت عادة أكثر النحويين أن يذكروا الهن من هذه الأسماء؛ فيوهم ذلك مساواته لهن في الاستعمال، والمشهور إجراؤه مجرى يد من ملازمة النقص إفرادا وإضافة في إعرابه بالحركات، كما روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من تعزّى بعزاء الجاهليّة فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا» (¬5). وقال علي رضي الله عنه: «من يطل هن أبيه ينتطق به» (¬6). ومن ذلك قول الشاعر: 54 - رحت وفي رجليك ما فيهما ... وقد بدا هنك من المئزر (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 163)، والهمع (1/ 38)، وحاشية الصبان (1/ 69). (¬2) انظر الكتاب (3/ 360). (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 163). (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 47، 48). (¬5) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (5/ 136)، ونصه: أنّ أبيّ بن كعب رأى رجلا تعزّى بعزاء الجاهليّة أي افتخر بأبيه، فقال: إنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ... وحكى الحديث ومعنى فأعضوه بهن أبيه أي قولوا له: عض بأير أبيك. والحديث في لسان العرب: مادة هنا، حاشية الصبان (1/ 69). (¬6) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 3/ 311) معناه: من كثر إخوته تقوى بهم، وهو في لسان العرب مادة (هنا) غير مسند، ومعناه من قول الشاعر (من الطويل): فلو شاء ربي كان أير أبيكمو ... طويلا كأير الحارث بن سدوس وهو الحارث بن سدوس بن ذهل بن شيبان، كان له واحد وعشرون ولدا ذكرا. (¬7) البيت من بحر السريع، نسبه ابن الشجري إلى الفرزدق، (الأمالي: 2/ 37)، وليس في ديوانه. -

[اللغات في الأسماء الستة]

[اللغات في الأسماء الستة] قال ابن مالك: (وقد تشدّد نونه وخاء أخ وباء أب، وقد يقال أخو، وقد يقصر حم، وهما أو يلزمها النّقص كيد ودم، وربّما قصرا أو ضعّف دم). ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد هنك فشبهه بعضد فسكن النون كما تسكن الضاد. ومن العرب من يقول: هذا هنوك ورأيت هناك ومررت بهنيك، وهو قليل، فمن لم ينبه على قلته فليس بمصيب. قال ناظر الجيش: قصد المصنف أن ينبه على لغات في هذه الأسماء، فذكر أن هنا قد تشدد نونه، وأنشد عليه قول سحيم عبد بني الحسحاس (¬1). 55 - ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... وهنّي جاذ بين لهزمتي هنّ (¬2) - ¬

_ - وأكثر مراجعه تنسبه للأقيشر الأسدي وهو المغيرة بن عبد الله، ويروى في مناسبته أن الأقيشر قد سكر، فبدت عورته، فضحكت منه امرأته فقال: تقول يا شيخ أما تستحي ... من شربك الخمر على المكبر فقلت لو باكرت مشمولة ... صفرا كلون الفرس الأشقر رحت وفي رجليك ... إلخ ... ... وشاهده: تسكين نون هن في الإضافة تشبيها له بعضد وأنكره المبرد قائلا: الرواية وقد بدا ذلك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 44)، وفي التذييل والتكميل (1/ 164). وفي معجم الشواهد (ص 191). وستأتي ترجمة الفرزدق. (¬1) شاعر مقل من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام، ولا يعرف له صحبة، لقي عمر بن الخطاب وأنشده قصيدته التي أولها (من الطويل): عميرة ودع إن تجهزت غاديا ... كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا كان سحيم عبدا حبشيّا أسود، أبى عثمان بن عفان أن يشتريه بعد أن عرض عليه قائلا: لا حاجة لنا به؛ إنما حظ أهل العبد الشاعر إذا شبع أن يشبب بنسائهم وإذا جاع أن يهجوهم. ومن أخبار سحيم أنه مات مقتولا وذلك لأنه هوي امرأة وطلبها لنفسه فأطاعته فقتله قومها. وهو القائل عن نفسه (من البسيط): إن كنت عبدا فنفسي حرّة كرما ... أو أسود اللّون إني أبيض الخلق وبني الحسحاس بمهملات من بني أسد بن خزيمة. وانظر ترجمة سحيم في الخزانة (2/ 102)، والشعر والشعراء (1/ 415). (¬2) البيت من بحر الطويل، وقد نسب لسحيم وليس في ديوانه لا في قافية الدال برواية: هند، ولا قافية النون برواية: هن، وهو بلا نسبة في الدرر: (1/ 11). اللغة: الهن: بالتشديد كناية الذكر. جاذ: بالجيم والذال: ثابت على القيام. اللهزمتان: عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين، واستعملهما الشاعر في جانبي الفرج على جهة الاستعارة. وشاهده واضح من -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن أخا وأبا قد يشددان: قال المصنف (¬1): قال الأزهري (¬2): «إنّ تشديد خاء أخ وباء أب لغة وأنّه يقال استأببت فلانا أي اتخذته أبا» (¬3). وأما أخو: فشاهده قول رجل من طيئ: 56 - ما المرء أخوك إن لم تلفه وزرا ... عند الكريهة معوانا على النّوب (¬4) وأنشد الفراء: 57 - لأخوين كانا أحسن النّاس شيمة ... وأنفعه في حاجة لي أريدها (¬5) - ¬

_ - الشرح. وكذا معناه أيضا واضح. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 48)، وفي التذييل والتكميل (1/ 164)، وفي معجم الشواهد (ص 395). (¬1) انظر شرح التسهيل. (¬2) هو أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة بن نوح. ولد سنة (282 هـ) ورد بغداد، وأسرته القرامطة فبقي فيهم دهرا طويلا ثم اتجه إلى العلم ورواية اللغة والأدب، فأخذ عن ابن السراج ونفطويه والربيع ابن سليمان ولقي ابن دريد ولم يأخذ عنه؛ لأنه وجده سكران. وظل كذلك حتى صار رأسا في اللغة وألف التصانيف المشهورة. مصنفاته: صنف الكتاب المشهور وهو كتاب تهذيب اللغة، قال صاحب نزهة الألباء فيه: وهو أكبر كتاب صنف في اللغة وأحسنه. وهو مطبوع في خمسة عشر مجلدا مشهورة وله مصنفات أخرى: التقريب في التفسير، وكتاب علل القراءات وهو مطبوع في جزأين وشرح شعر أبي تمام، وكتاب تفسير إصلاح المنطق، مات سنة (370 هـ). انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 323)، معجم الأدباء (17/ 164)، بغية الوعاة (1/ 19)، الأعلام (6/ 202). (¬3) انظر تهذيب اللغة للأزهري (7/ 623) (الدار المصرية للتأليف والنشر تحقيق د/ سرحان) إلا أنه عقب على ذلك بقوله: ذكره ابن الكلبيّ ولا أدري ما صحّته. (¬4) البيت من بحر البسيط نسب - كما في الشرح - لرجل من طيئ دون أن يعين، وقال صاحب الدرر فيه: (1/ 11): لم أقف على قائل هذا البيت. اللغة: أخوك: أخو على وزن ولو لغة في الأخ. تلفه: من ألفاه إذا وجده. وزرا: عونا وملجأ. معوانا: منصفا. النّوب: الشدائد جمع نوبة بفتح وسكون. المعنى: لا يكون الأخ أخا صدوقا إلا إذا وقف بجانبك عند الشدائد، ويستشهد به على أن أخو لغة في أخ. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 45)، وفي التذييل والتكميل (1/ 158)، وفي معجم الشواهد (ص 62). (¬5) البيت من بحر الطويل وهو في لسان العرب مادة (أخا)، وفيه يقول ابن منظور: الأخا: مقصور والأخو لغتان في الأخ حكاهما ابن الأعرابي، وأنشد لخليج الأعيوي: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ذكروا في أب وأخ وحم لغتين أخريين: إحداهما: القصر: وهذا هو الأصل لأن آخر كلّ منها واو متحركة وقبلها فتحة فيجب قلبها ألفا فيجيء القصر سواء أكانت مضافة أو غير مضافة. أما قصر أب فشاهده: 58 - إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها (¬1) وأما قصر أخ فشاهده قولهم في المثل: «مكره أخاك لا بطل» (¬2) ويروى بالواو. وقال الشاعر: 59 - أخاك الّذي إن تدعه لملمّة ... يجبك لما تبغي ويكفيك من يبغي - ¬

_ - قد قلت يوما والرّكاب كأنّها ... قوارب طير حار فيها ورودها لأخوين كانا خير أخوين شيمة ... وأسرعه في حاجة لي أريدها وخير هنا أفعل تفضيل بدليل ما بعده، ويلاحظ اختلاف رواية الشاهد في الشرح وفي اللسان. وشاهده كما في البيت قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 45)، وفي التذييل والتكميل (1/ 158). وليس في معجم الشواهد. (¬1) البيتان من الرجز المشطور، قيل: لأبي النجم الفضل بن قدامة العجلي، وقيل لرؤبة (انظر ملحقات ديوان رؤبة (ص 168)، ملحقة رقم: 11) والضمير في أباها يعود على ريا أو ليلى أو سلمى في أبيات قبل ذلك وهي أبيات مشهورة: واها لسلمى ثمّ واها واها ...... إلخ ويستشهد به على أن هناك لغة تلزم الأسماء الستة الألف ثم تعربها بحركات مقدرة، وقد ينطبق هذا على أباها الثالثة أما ما قبلها فقد يقال فيه ذلك، وهو أولى ليكون الإعراب كله من جهة واحدة، وقد يقال إعرابه بالألف. وغايتاها: مثنى منصوب بالفتحة المقدرة أيضا على لغة من يلزم المثنى بالألف. انظر البيت ومراجعه الكثيرة في معجم الشواهد (ص 556) وهو أيضا في شرح التسهيل (جـ 1 ص 45)، وفي التذييل والتكميل (جـ 1 ص 165). (¬2) مثل من أمثال العرب يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه (مجمع الأمثال: 3/ 341) قاله أبو حنش خال بيهس الملقب بنعامة عند ما دفعه بيهس على أن يقتل جماعة من أشجع قتلوا إخوته فلما فاجأهم أبو حنش بالقتل قال بعضهم: إن أبا حنش لبطل، فقال المثل وانظر القصة في مجمع الأمثال: (1/ 268) والمثل يروى برفع أخاك على اللغة الفصحى. أما إعرابه: فعلى مذهب البصريين: مكره خبر مقدم وأخاك أو أخوك مبتدأ مؤخر، وعلى رأي الكوفيين: مكره مبتدأ وما بعده خبر. ولا بطل معطوف على مكره في الرأيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن تجفه يوما فليس مكافئا ... فيطمع ذا التّزوير والوشي أن يصغي (¬1) قال الشيخ (¬2): «وزعم الفراء أنّ قصر أخ لم يسمع كما سمع في أب وأجاز ذلك هشام». ثم قال: «ولا دليل فيما أنشده المصنف؛ لأنه يحتمل أن يكون منصوبا بإضمار فعل، التقدير: الزم أخاك» انتهى. واعلم أننا إذا جعلنا [1/ 68] أخاك منصوبا بإضمار فعل كما قدره ضعف المعنى؛ لأن مراد الشاعر أن يحصر الأخوة فيمن هذه صفته أي: أخوك هو من كان بهذه المثابة لا غيره. فالمعنى على الإخبار عن أخاك بذلك فهو مبتدأ لا مفعول. وأما قصر حم فمشهور. وعلى قصره قيل للمرأة حماة والحم أبو زوج المرأة أو غيره من أقاربه. هذا هو المشهور، وقد يطلق على أقارب الزوجة. اللغة الثانية: النقص في الثلاثة: وإليها الإشارة بقوله: أو يلزمها النّقص والمراد به النقص اللغوي وهو أن تحذف لاماتها ويجعل الإعراب على العينات لا النقص العرفي كما في قاض ونحوه، ولذلك قال المصنف: كيد ودم أي كنقص يد ودم. واستعمال هذه الكلمات منقوصة أقل من استعمالها مقصورة. أما نقص أب فشاهده قول الراجز: 60 - بأبه اقتدى عديّ في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم (¬3) - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الطويل غير منسوبين فيما اطلعت عليه من مراجع. اللغة: الملمة: النازلة. تبغي: تقصد وتطلب. يكفيك من يبغي: أن يقوم بنصرتك وحمايتك ممن يريد ظلمك. ذو التزوير والوشي: المفسد بين الأحباب واختلف في إعراب أخاك على ما هو في الشرح وهو موضع الشاهد. ويكفيك معطوف على جواب الشرط ففيه الرفع والنصب والجزم (حاشية الصبان: 4/ 24) والبيتان في شرح التسهيل (1/ 49)، وفي التذييل والتكميل (1/ 166). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 166). (¬3) البيتان من الرجز المشطور قالهما رؤبة من قصيدة يمدح بها عدي بن حاتم الطائي الصحابي رضي الله عنه (انظر ملحقات ديوان رؤبة ص 182) وقبل بيت الشاهد قوله: أنت الحليم والأمير المنتقم ... تصدع بالحقّ وتنفي من ظلم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذه اللغة قيل في التثنية يدان. وأما نقص أخ فحكى أبو زيد (¬1): جاءني أخك (¬2). وأجاز الفراء (¬3): «هذا أبك وأخك» فدل ذلك على أنه لغة لا ضرورة. وأما نقص حم فحكى الفراء (¬4) أنه يقال: هذا حمك وأنكر هذه اللغة البصريون. قال سيبويه (¬5): في النّسب إلى حم حمويّ، قال: ولا يجوز إلّا ذا. - ¬

_ - قوله: فما ظلم كثر الكلام فيه وأحسن ما قيل أن مفعوله محذوف والتقدير: فما ظلم أمه. والشاهد في البيتين واضح من الشرح (نقص أب). وقيل: إن الأصل بأبيه وأباه فحذفت الياء والألف للضرورة، وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 529). وهو في شرح التسهيل (1/ 46)، وفي التذييل والتكميل (1/ 166). (¬1) هو سعيد بن أوس بن ثابت بن بشير الأنصاري، جده ثابت شهد أحدا والمشاهد بعدها، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وأبو زيد إمام نحوي لغوي أديب غلبت عليه اللغة والنوادر والغريب. من مشايخه: أبو عمرو بن العلاء ورؤبة بن العجاج وأبو حاتم السجستاني. كان ثقة من أهل البصرة وكان سيبويه إذ قال سمعت الثقة يقصد أبا زيد الأنصاري، أخذ العلم عنه كثيرون منهم: المازني وخلف الأحمر وجاء الأصمعي إلى حلقته وأكب على رأسه وجلس، وقال: هذا عالمنا ومعلمنا منذ عشرين سنة. وقيل: كان الأصمعي يحفظ ثلث اللغة والخليل نصفها وأبو زيد ثلثيها. تصانيفه: له النوادر في اللغة، وهو مشهور مطبوع، وله اللغات في القرآن والأفعال والمصادر. وخلق الإنسان والوحوش. مات عن ثلاث وتسعين سنة في خلافة المأمون سنة 215 بالبصرة. انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 125) وبغية الوعاة (1/ 582) ومعجم الأدباء (11/ 212). (¬2) جاء في كتاب النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري (دار الشروق: 1981) قوله: وقد يقال: أخ وأخان وأخون وأب وأبان وأبون (انظر ص 357). وفي (ص 507) أنشد قول عقيل بن علفة المري (من الوافر): وكان لنا فزارة عمّ سوء ... وكنت له كشرّ بني الأخينا قال: أراد الإخوة. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 131)، الهمع (1/ 39). (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 156). (¬5) انظر الكتاب: (3/ 359) في باب تحت عنوان: هذا باب ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين إلا الرد، قال: وذلك قولك في أب أبوي وفي أخ أخوي وفي حم حموي ولا يجوز إلا إذا من قبل أنك ترد من بنات الحرفين التي ذهبت لاماتها إلى الأصل ما لا يخرج أصله في التثنية ولا في الجمع بالتاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو جاز أن تقول: هذا حمك، لجاز أن تقول في النسب حمي كما تقول في يد يدي (¬1). ولما جرى ذكر يد ودم أشار إلى ما سمع فيهما من القصر وإلى ما سمع في دم من التضعيف، وأنشد المصنف (¬2) على ذلك قول الراجز: 61 - يا ربّ سار بات ما توسّدا ... إلّا ذراع العنس أو كفّ اليدا (¬3) وقول الشاعر: 62 - كأطوم فقدت برغزها ... أعقبتها الغبس منه عدما غفلت ثمّ أتت تطلبه ... فإذا هي بعظام ودما (¬4) وقول الآخر: 63 - أهان دمّك فرغا بعد عزّته ... يا عمرو بغيك إصرارا على الحسد - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: فتلخص في أب وأخ وحم القصر والنقص ومصاحبة الحروف حالة الإضافة وفي أب وأخ التشديد، وفي أخ وحم بناؤه على فعل، وفي حم بناؤه مهموزا على فعل أو فعل وفي هن النقص والتشديد ومصاحبة الحروف حالة الإضافة (انظر التذييل والتكميل: 1/ 167). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 46). (¬3) البيتان من الرجز المشطور وردا غير منسوبين. اللغة: سار: اسم فاعل من سرى أي مشى ليلا. توسدا: اتخذ وسادة. العنس: الناقة الشديدة ويروى العيس وهي الإبل البيض الشقر. وشاهده ومعناه واضحان. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 461) وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 46)، وللمرادي (1/ 40)، ولأبي حيان (1/ 167) ولسان العرب: مادة يدي. (¬4) البيتان من بحر الرمل مجهولا القائل. وهو فيهما يصف بقرة وحشية لهت عن ابنها، ثم طلبته فوجدته قد مات. اللغة: الأطوم: البقرة الوحشية وهي في الأصل سمكة غليظة شبهت بها البقرة. البرغز: بفتحتين أو ضمتين ولدها. الغبس جمع أغبس وهو الذئب. وشاهده قوله: بعظام ودما: حيث جاء لفظ دم مقصورا أي ردت إليه لامه في الشعر ضرورة وكانت ياء ثم تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، ومثله قول الآخر في رواية (من الطويل): فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ... ولكن على أعقابنا يقطر الدّما فالدم في موضع رفع فاعل بيقطر وهو اسم مقصور (لسان العرب: مادة برغز، جـ 1 ص 26) والشاهد في معجم الشواهد (ص 337) وفي شرح التسهيل (1/ 47)، وفي التذييل والتكميل (1/ 167)، وفي جمهرة اللغة (3/ 484).

[اللغات في: فم]

[اللغات في: فم] قال ابن مالك: (وقد يثلّث فاء فم منقوصا أو مقصورا أو يضعّف مفتوح الفاء أو مضمومها أو تتبع فاؤه حرف إعرابه في الحركات كما فعل بفاء مرء وعيني امرئ وابنم ونحوهما فوك وأخواته على الأصحّ. وربّما قيل «فا» دون إضافة صريحة نصبا ولا يخصّ بالضّرورة نحو: يصبح ظمآن وفي البحر فمه؛ خلافا لأبي عليّ) [1/ 69]. ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد شقيت شقاء لا انقضاء له ... وسعد مرديك موفور على الأبد (¬1) قال الشيخ (¬2): «ويحتمل أن تكون اليدا تثنية على لغة من يثني بالألف مطلقا وحذفت النون على حدّ قولهم: بيضك ثنتا وبيضي مائتا (¬3)، فلا يكون في البيت الذي أنشده المصنف حجة فيحتاج في إثبات قصر اليد إلى دليل آخر» انتهى. فعلى ما قاله يكون المراد وكفي اليدا ويبعد أن يكون مراد الشاعر ذلك؛ فإن المتوسد لا يتوسد كفين وإنما يتوسد كفّا واحدا. ففي ما ذكره الشيخ تكلف من جهة اللفظ وبعد من جهة المعنى. قال ناظر الجيش: في الفم عشر لغات: النقص بالحركات الثلاث في الفاء، والقصر أيضا كذلك، وتضعيف الميم - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر البسيط وهما مجهولا القائل. اللغة: أهان دمك: ضد أعزه. فرغا: أصله مخرج الماء من الدلو وهو بمعنى أهان فهو نائب عن مصدره. بغيك: ظلمك وهو فاعل أهان ودمك مفعوله مقدما، وإصرارا مفعول لأجله. المعنى: يوبخ الشاعر عمرا على أن ظلمه وحقده جر عليه الموت ورماه بالشقاء الأبدي، وأن سعدا الذي أردى سعيدا فرح؛ لأنه خلص الناس من ظلمه وعتوه. واستشهد به: على أن كلمة دم يجوز فيها تشديد الميم على لغة. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 47)، وللمرادي (1/ 41)، ولأبي حيان (1/ 168)، وفي معجم الشواهد (ص 119). (¬2) انظر التذييل والتكميل (1/ 157). (¬3) أعطى له الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رقما وجعله بيتا من الشواهد عند تحقيقه للمغني: (1/ 17)، ثم قال: ولا يتم له وزن من الرجز إلا بثبوت النون في ثنتا وحذفها في مائتا ولم يرد كذلك، وهو من كلام الحجلة (طير لحمه وكبده مفيد) تخاطب القطا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحركات الثلاث في الفاء أيضا (¬1). ولم يذكر المصنف مع التضعيف إلا فتح الفاء (وضمها (¬2)، ونقل الشيخ (¬3) الوجه الثالث عن أهل اللغة، قال المصنف) (¬4): وأنشد الفراء: 64 - يا حبّذا عين سليمى والفما ... [والجيد والنّحر وثدي قد نما] (¬5) وحكى ابن الأعرابي (¬6) في تثنيته: فموان وفميان. وهذا يدل على أن الفرزدق (¬7) ليس مضطرّا في قوله: - ¬

_ (¬1) فهذه تسع لغات والعاشرة سيذكرها قريبا. (¬2) ما بين القوسين سقط سهوا من نسخة الأصل وهو في (ب)، (جـ) وإثباته هو الصواب. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 169). (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 47). (¬5) بيتان من الرجز مجهولا القائل، وهما في الغزل الحسي ومدح الجسد. والشاهد قوله: والفما حيث جاء مقصورا فيرفع بضمة مقدرة، هذا فهم ابن مالك من إنشاد الفراء ولكن صاحب اللسان نقل عن الفراء غير ذلك، قال بعد أن أنشد البيت: قال الفراء: أراد: والفمان يعني الفم والأنف فثناهما بلفظ الفم للمجاورة، وأجاز أيضا أن ينصب على أنه مفعول معه كأنه قال مع الفم. قال ابن جني: وقد يجوز أن ينصب بفعل مضمر كأنه قال وأحب الفما ويجوز أن يكون الفم في موضع رفع إلا أنه اسم مقصور بمنزلة عصا (اللسان: مادة فوه). والبيت في شرح التسهيل (1/ 47)، والتذييل والتكميل (1/ 169)، ومعجم الشواهد (ص 532)، وجمهرة اللغة (3/ 484). (¬6) هو أبو عبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي، كان ربيبا للمفضل الضبي فأخذ عنه وعن الكسائي. وأخذ عنه الكثير وأولهم ثعلب وأعجب به ثعلب أيما إعجاب، قال عنه: كان يحضر مجلسه زهاء مائة إنسان، كل يسأله أو يقرأ عليه ويجيب من غير كتاب ولزمته بضع عشرة سنة. وقال أيضا: انتهى علم اللغة والحفظ إلى ابن الأعرابي. ولا شك أنه كان كذلك. مصنفاته: النوادر، الفاضل في الأدب، معاني الشعر، الأنواء، الخيل ... إلخ. عاش أكثر من ثمانين سنة حيث ولد سنة (150 هـ) وتوفي سنة (231 هـ). وانظر في ترجمة ابن الأعرابي: نزهة الألباء (ص 150)، بغية الوعاة (1/ 105)، الأعلام (6/ 125). (¬7) هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة شاعر مشهور أخباره كثيرة، جده وأبوه من سراة قومهم. لقي أبوه علي بن أبي طالب فسأله علي عن أبله فقال: أذهبتها نوائب الدهر وتحمل الديات وأوصاه علي أن يحفظ ابنه القرآن فقيد الفرزدق نفسه حتى حفظ القرآن. قال الشعر عمرا طويلا، وله ديوان كبير مطبوع أكثر من مرة، قال يونس عن شعره: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث اللغة، معاركه مع جرير والأخطل مشهورة وله في ذلك النقائض التي تعد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 65 - هما نفثا في فيّ من فمويهما ... [على النّابح العاوي أشدّ رجام] (¬1) بل هو مختار؛ لأنه قد ثبت القصر في الإفراد. وثبت بنقل ابن الأعرابي أن العرب قالت في تثنيته: فموان وفميان، وأطلق القول فعلم أن ذلك غير مختص بنظم دون نثر. وحكى اللّحياني (¬2) أنه يقال: فم وأفمام فعلم بهذا النقل أن التشديد لغة صحيحة لثبوت الجمع على وفقها (¬3). - ¬

_ - غرة في جبين الأدب العربي؛ ومع ذلك فعندما مات الفرزدق رثاه جرير. ويكفي في فضله قول هذه المرأة عند ما مات هو وجرير والحسن البصري وابن سيرين في عام واحد، قالت: كيف يفلح بلد مات فقيهاه وشاعراه في سنة. وكان ذلك سنة (110 هـ). له محاسن في الفخر والهجاء والمدح من شعره. انظر ترجمته في معجم الشعراء (ص 465)، الشعر والشعراء (1/ 478). الأعلام (9/ 96). (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للفرزدق يتوب فيها إلى الله ويهجو في أكثرها إبليس الشيطان: أطعتك يا إبليس سبعين حجّة ... فلمّا انتهى شيبي وتمّ تمامي فررت إلى ربّي وأيقنت أنّني ... ملاق لأيام المنون حمامي انظر القصيدة في ديوان الفرزدق: (2/ 212). اللغة: نفثا: ألقيا على لساني. وروي في مكانه كفلا وهما بمعنى. العاوي: النابح وأراد به من يتعرض للهجو والسب له من الشعراء وأصله في الكلب. الرجام: مصدر راجمه بالحجارة أي راماه. والمعنى: أن إبليس وأعوانه عذبوا الناس وسقوهم لبن الشر والمعصية ومن هؤلاء الفرزدق. وشاهده واضح: حيث ثنى لفظ الفم برد لامه فدل على أنه يستعمل مقصورا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 48)، وفي التذييل والتكميل (1/ 169). وفي معجم الشواهد (ص 366) وجمهرة اللغة (3/ 484). (¬2) هو أبو الحسن علي بن حازم وقيل علي بن المبارك، لقب باللّحياني بكسر اللام قيل لعظم لحيته، وقيل بل هو من بني لحيان بن هذيل بن مدركة. إمام في العربية ومن كبار أهل اللغة وهو في الطبقة الثانية من اللغويين الكوفيين، أخذ عن الكسائي وأبي زيد وأبي عمر الشيباني والأصمعي وأبي عبيدة وأخذ عنه القاسم بن سلام وابن السكيت، وكان اللحياني أحفظ الناس للنوادر من الكسائي والفراء والأحمر، فمن نوادره أنه حكى عن بعض العرب: أنّهم ينصبون بلم ويجزمون بلن وخرج على نصب لم فتح الحاء في قراءة من قرأ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: 1] بالنصب. له كتاب النوادر ولم أره. وقد توفي سنة (220 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة: (2/ 175)، نزهة الألباء (ص 176)، نشأة النحو (ص 102). (¬3) انظر في تخريج رأي اللحياني: التذييل والتكميل (1/ 171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف (¬1): فليس بمصيب من زعم أن التشديد مخصوص بالضرورة، بل الصحيح أن للفم أربع مواد: إحداها: فـ م ي، الثانية: فـ م و، الثالثة: فـ م م، الرابعة: فـ وهـ، ولكنها أصول متوافقة في المعنى لا أن أصلها فوه كما زعم الأكثرون؛ لأن ذلك مدعى لا دليل عليه. واللغة العاشرة: النّقص وإتباع الفاء للميم في الحركات، وإليها الإشارة بقوله: أو تتبع فاؤه حرف إعرابه في الحركات: قال الشيخ: «هذا - يعني الإتباع - حكاه الفراء قال: والأفصح في فم المخفّف فتح الفاء ثم ضمها ثم كسرها ثم الإتباع وهي أضعف اللغات؛ لأن سبب الإتباع إنما هو الإضافة (¬2) فإذا زالت الإضافة فينبغي أن يزول الإتباع، وكان الضمّ دون الفتح؛ لأنه يلزم فيه الخروج من ضمّ إلى كسر حالة الجر؛ ولولا أن الكسرة عارضة لما جاز ذلك، وكان الكسر دون الضم؛ لأنه يلزم فيه الخروج من كسر إلى ضم (¬3) ولا يوجد ذلك البتة في اسم ولا فعل بخلاف الخروج من ضمّ إلى كسر، انتهى» (¬4). ولما ذكر المصنف لغة الإتباع في الفم أراد أن يذكر ما وافق الفم في ذلك، فقال: كما فعل بفاء مرء وعيني امرئ وابنم أي حصل الإتباع في فم كما أتبع في مرء وامرئ وابنم وهو تنظير حسن، واعلم أنّ في مرء ثلاث لغات: إحداها: فتح الميم مطلقا وهي لغة القرآن الكريم، قال الله تعالى: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (¬5). الثانية: ولم يذكرها المصنف إنما ذكرها الشيخ: «كسر الميم مطلقا» (¬6). الثالثة: إتباع الميم الهمزة في حركات الإعراب. وعلل المبرد جواز الإتباع مع فصل الراء بين المتبع والتابع بأن الهمزة قد تخفف - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 48). (¬2) أي في مثل: فوك وفاك وفيك. (¬3) أي في حالة الرفع مثل: هذا فم. (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 172). (¬5) سورة الأنفال: 24. (¬6) انظر: التذييل والتكميل (1/ 172).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحذف، فتحرك الراء بحركتها التي هي حركة الإعراب فكأن لا فصل (¬1). وأما امرؤ وابنم ففيهما لغتان: إحداهما: فتح الراء من امرئ والنون من ابنم مطلقا. الثانية: إتباعهما الهمزة والميم في حركات الإعراب وهذه أفصح اللغتين، قال الله تعالى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ (¬2). وعلى اللغة الأولى في امرأ جاء التأنيث، قالوا امرأة وهي الأصل. وحكى الجوهري (¬3): «أنّ من العرب من يضمّ الرّاء على كلّ حال، ولا يدخل أل على امرئ استغنوا بدخولها على مرء» (¬4). وقال الفراء: «بعض نويس يقولون الامرأ الصّالح والامرأة الصّالحة فيدخلون اللّام على المرء». - ¬

_ (¬1) أما التعليل فحسن وأما نسبته إلى المبرد ففيها شك؛ فالذي في المقتضب له حديث عن امرؤ لا عن مرء، فعندما تحدث عن همزة الوصل وذكر أنها تلحق الأسماء المنقوصة مثل ابن واسم، سأل نفسه قائلا: فان قلت: امرؤ لم ينقص منه شيء، فما بال ألف الوصل لحقته؟ وأجاب: فإنما ذاك لتغيره في إتباع ما قبل آخره من أجل الهمزة التي يجوز تخفيفها (المقتضب: 1/ 128) وله حديث في مواضع أخرى عن إتباع الراء للهمزة وليس إتباع الميم (المقتضب: 1/ 82، 2/ 93، 4/ 231). وانظر اللغتين الثانية والثالثة وشواهد ذلك في لسان العرب (مادة: مرء). (¬2) سورة النساء: 176. وعللوا لهذا الإتباع الذي يقتضي الإعراب من مكانين بأن امرءا آخره همزة والهمزة قد تترك في كثير من الكلام (بالحذف أو الإبدال) فأتبعوها الراء ليكونوا إذا تركوا الهمزة آمنين من سقوط الإعراب (اللسان: مادة مرء) وعللوا الإتباع في ابنم بأن الميم قد تسقط فيبقى الإعراب على النون كما كان. (¬3) هو أبو نصر الفارابي إسماعيل بن حماد الجوهري، من أئمة اللغة وأشهر كتبه الصحاح. دخل العراق صغيرا وسافر إلى الحجاز وعاد إلى خراسان ثم أقام في نيسابور، وهو أول من حاول الطيران ومات في سبيله؛ حيث صنع جناحين من خشب وصعد فوق سطحه وطار ولكنه ما لبث أن مات وكان ذلك سنة (393 هـ). (ترجمته في الأعلام: 1/ 309)، (بغية الوعاة: 1/ 446). (¬4) انظر الصحاح مادة مرء: (1/ 72) وجاء فيه: «المرء الرّجل يقال هذا مرء صالح ومررت بمرء صالح ورأيت مرءا صالحا وضمّ الميم لغة وهما مرآن صالحان ولا يجمع على لفظه. وبعضهم يقول: هذه مرأة صالحة ومرة أيضا بترك الهمزة وتحريك الرّاء بحركتها، فإن جئت بألف الوصل كان فيه ثلاث لغات: فتح الراء على كلّ حال وضمّها على كلّ حال والإتباع». وقول الشارح: على كل حال: أي في الرفع والنصب والجر وهو واضح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو علي: «لعلّ هذا الّذي سمعها منه لم يكن فصيحا؛ لأن قول الأكثر على خلافه» (¬1). وابنم هو ابن زيدت عليه الميم. وقد ثنوا ابنما، فقالوا: ابنمان ولم يجمعوه، فيقولون ابنمون [1/ 70] وإن كانوا قد جمعوا ابنا، قالوا: ابنون، ولم يسمع تأنيثه وإن كان قد سمع تأنيث ابن. قال الشيخ: «وكون حركة الراء والنون إذا وافقت الآخر حركة إتباع هو مذهب البصريين، وذهب الفراء وغيره من الكوفيين إلى أنها حركة إعراب وأنّ الاسم معرب من مكانين كما قالوا في الأسماء الستة: إنّها معربة من مكانين» انتهى (¬2). ولما ذكر المصنف الإتباع في مرء وامرأ بحركة الإعراب قال: ونحوهما فوك وأخواته على الأصحّ أي إن فوك وأخواته وهي بقية الأسماء الستة معربة بحركات في آخرها كغيرها من المعربات وإنه أتبع فيها ما قبل الآخر للآخر كما أتبع في مرء وامرأ فأشار إلى الحق من المذاهب العشرة في الأسماء الستة وهو القول العاشر الذي تقدم الوعد بالكلام عليه، وتقدم أنه مذهب سيبويه وأنه الصحيح. وتقريره: أنه إذا قيل هذا فوك فالأصل فوك بفتح الفاء وضم الواو التي هي عين الكلمة فأتبعوا الفاء للعين فقيل فوك ثم استثقلت الضمة على الواو فحذفت فبقي فوك. وإذا قيل: نظرت إلى فيك فالأصل إلى فوك بكسر الواو فأتبعنا فصار فوك ثم استثقلت الكسرة على الواو فحذفت فبقي الواو ساكنة بعد كسرة فقلبت ياء فبقي فيك. وإذا قيل: رأيت فاك فالأصل فوك تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا. ومنهم من يقول: الأولى أن تقدر حركة الفاء حركة إتباع بعد حذف حركة الأصل لتوافق الأحوال كلها رفعا ونصبا وجرّا في الإتباع. وكذا التقرير في: جاءني ذو مال ورأيت ذا مال ومررت بذي مال. والكلام على عينات أبوك وأخوك وحموك وهنوك - بالنسبة إلى إتباعها لحرف - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 173). (¬2) انظر: المرجع السابق. وقوله: معربة من مكانين أي بالحركات والحروف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العلة بعدها في حركات الإعراب - كالكلام على فاء فوك وذو مال سواء (¬1). وجعل الشيخ الضمير في: ونحوهما عائدا على امرئ وابنم (¬2)، وليس بجيد؛ بل الضمير عائد على مرء وامرئ؛ لأن هذه الأسماء الستة منها ما أتبعت فيه الفاء لحركة الإعراب وهو فوك وذو مال، ومنها ما أتبعت فيه العين للحركة المذكورة وهو بقيتها كما أن مرءا أتبعت فيه الفاء وامرأ أتبعت فيه العين، فقصد المصنف التنظير بهاتين الكلمتين في الإتباعين المذكورين، وإذا أعدنا الضمير على امرئ وابنم فات هذا المقصود. ولولا قصد المصنف ذلك لاقتصر على ذكرهما ولم يحتج لذكر مرء (¬3). فإن قيل: فلم ذكر ابنما مع امرئ، وهل اقتصر على امرئ؟ قيل: أراد أن ينبه على فائدة وهي أن امرءا شاركه في الإتباع كلمة أخرى وهي ابنم. ثم قال المصنف مستدلّا لصحة مذهب سيبويه: «وهذا مذهب قويّ من جهة القياس؛ لأن أصل الإعراب أن يكون بحركات ظاهرة أو مقدرة؛ فإذا أمكن التقدير على وجه يوجد معه النظير فلا عدول عنه، وقد أمكن ذلك في الأسماء المذكورة فوجب [1/ 71] المصير إليه، وانتصر المعول عليه» (¬4). «وإذا كان التقدير مرعيّا في المقصور وفي المحكي وفي المتبع مع عدم ظاهر تابع - ¬

_ (¬1) أسند النحاة - وابن مالك - إلى سيبويه القول بإعراب الأسماء الستة بالحركات المقدرة فوق حروف العلة الثلاثة، وتحقيق المسألة أن حديث الأسماء الستة وعلامة إعرابها بالحركات المقدرة لم يرد في كتاب سيبويه وإنما الذي ورد له إعرابه بالحركات المقدرة مما يعرب بالحروف إنما هو المثنى والمجموع على حده؛ فأسند النحاة إليه طريقة إعراب هذه الاسماء قياسا على تلك؛ حيث لم تظهر في الجميع حركات الإعراب. كما أن حديثه عن إعراب المثنى والجمع بالحركات المقدرة ليس واضحا، وكل ما ذكر أن حروف اللين فيهما (الألف والواو والياء) حروف الإعراب بمنزلة التاء في مسلمات ولم يزد على هذا (انظر الكتاب: 1/ 17، 18) وفسره النحاة بما رأيت من الإعراب بالحركات المقدرة على حروف اللين. انظر إسناد هذا الرأي في إعراب الأسماء الستة لسيبويه صريحا في الهمع (1/ 38)، ورأيه في إعراب المثنى والجمع على حده في الهمع أيضا: (1/ 48). (¬2) انظر التذييل والتكميل: (1/ 175). (¬3) في نسخة (ب)، (جـ): ولم يحتج إلى ذكر. (¬4) انظر شرح التسهيل لابن مالك. وما بعده كلام ابن مالك أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للمقدر، فهو عند وجود ذلك أحق بالرعاية وأولى، وهذا هو حال الأسماء الستة على القول المشار إليه». «ولهذا القول أيضا مرجح آخر، وهو أن من الأسماء الستة ما يعرض استعماله دون عامل، فيكون بالواو كقولك: أبو جاد هوّز. فلو كانت الواو من الأسماء المذكورة قائمة مقام ضمة الإعراب لساوتها في التوقف على عامل. وفي عدم ذلك دليل على أن الأمر بخلافه» انتهى (¬1). ثم نبه المصنف على أنه أفرد الفم لفظا دون ميم، وأشار أيضا إلى قلته بقوله: وربما قيل فا. ومثاله قول الراجز: 66 - خالط من سلمى خياشيم وفا ... [صهباء خرطوما عقارا قرقفا] (¬2) أراد خياشيمها وفاها فحذف المضاف إليه ونوى الثبوت، وأبقى المضاف على الحال التي كان عليها (¬3). ولو لم يذكر المصنف ذلك لكان أولى؛ لأن الإضافة المقدرة في حكم الملفوظ بها (¬4). ثم قول المصنف بعد ذلك: ومثله قول الشاعر: 67 - وداهية من دواهي المنو ... ن يرهبها النّاس لا فا لها (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل. (¬2) البيت من أرجوزة طويلة للعجاج بن رؤبة وما بين القوسين بعده (ديوانه ص 452). اللغة: خياشيم: جمع خيشوم وهو أقصى الأنف باعتبار أجزائه وأطرافه. وفا: هو الفم. والصهباء وما بعده: هي الخمر في أوقات مختلفة. والشاعر: يصف طيب نكهة سلمى كأن فيها خمرا. وشاهده واضح من الشرح. وانظر تعليقنا على البيت بعد ذلك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 50) وفي التذييل والتكميل (1/ 185)، وفي معجم الشواهد (ص 501). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 53). (¬4) بدليل أنه يحذف لها التنوين والنون في مثل: قطع الله يد ورجل من قالها، وقول الآخر: بين ذراعي وجبهة الأسد (¬5) البيت من بحر المتقارب نسب إلى الخنساء وليس في ديوانها، وفي سيبويه (1/ 316) منسوب لعامر بن الأحوص. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأقحم اللام ونوى الإضافة كقولهم: لا أبا لك يحقق ما قلته؛ لأنه جعل لافا لها المضاف نظير ما أنشده من خياشيم وفا؛ فدل على أن الآخر مضاف. ووجه الشبه بينهما: أن كلّا منهما ليس مضافا إضافة صريحة؛ بل الأول إضافته مقدرة والثاني لا يعد مضافا في الصورة للحاجز وهو اللام. وزعم الفارسي أن قول من قال: 68 - [كالحوت لا يرويه شيء يلهمه] ... يصبح ظمآن وفي البحر فمه (¬1) من الضرورات بناء على أن الميم حقها ألا تثبت حال الإضافة إلا في الشعر (¬2). - ¬

_ - اللغة: المنون: الدهر والمنية. لا فا لها: أي ليس لها مدخل تعالج منه، فهي داهية مشكلة. واستشهد به على أن المراد بفا لها: أي لا فم لها. وانظر الشاهد في شرح التسهيل (1/ 49) وفي التذييل والتكميل (1/ 186)، وفي معجم الشواهد (ص 273). (¬1) البيتان من الرجز المشطور لرؤبة بن العجاج من قصيدة طويلة يمدح فيها أبا العباس السفاح وقبله: أتاك لم يخطئ به ترسّمه ... كالحوت لا يرويه شيء يلهمه انظر ديوان رؤبة (ص 159). اللغة: ترسمه: طريقه. لا يرويه: بضم حرف المضارعة. يلهمه: من باب سمع يبتلعه مرة أخرى. وفاعل أتاك ضمير السائل قبل ذلك. وروي يلقمه مكان يلهمه وروي عطشان مكان ظمآن. المعنى: يصف رؤبة الرجل السائل بالذكاء أولا؛ حيث قصد الممدوح ثم يصفه بعد ذلك بالشراهة والنهم، والممدوح أهل بأن يعطيه ويشفي غلته. وشاهده واضح من الشرح وانظر تعليقنا عليه بعد ذلك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 49) وفي التذييل والتكميل (1/ 187)، وفي معجم الشواهد (ص 536)، والأمثال للميداني: (2/ 342) ضربه مثلا لمن عاش بخيلا مثريا. (¬2) قال أبو علي في حديث عن بيت الفرزدق: هما نفثا في فيّ من فمويهما، وكيف جمع بين الواو التي هي عين الكلمة والميم التي تأتي بدلا من الواو بعد حذفها قال: ويحتمل أن يكون أضاف الفم مبدلا من عينه الميم للضرورة كقول الآخر: يصبح ظمآن وفي البحر فمه. ثم أتى بالواو التي هي عين والميم عوض عنه، فجمع بين البدل والمبدل منه للضرورة، ومثل للجمع بين العوض والمعوض عنه بقول الشاعر: إنّي إذا ما حدث ألمّا ... أقول ياللهمّا ياللهمّا انظر (ص 182) من تحقيق كتاب المسائل العسكريات (د/ الشاطر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وهذا من تحكّماته العارية عن الدّليل (¬1). والصحيح: أن ذلك جائز في النظم والنثر، وفي الحديث الصحيح: «لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك» (¬2). ولنذكر بعد ذلك زنات هذه الأسماء: أما أب وأخ: فزنتهما فعل عند البصريين بدليل أبوان وأخوان وآباء وآخاء. قال سيبويه: هذا جماع فعل (¬3). وزعم الكسائي والفراء (¬4) أن وزنهما فعل بسكون العين. وأما حم: فمثلهما عند البصريين؛ لأن جمعها أحماء، وقال الفراء: حمو بإسكان الميم (¬5). وأما فم، بلا ميم، فوزنه عند الخليل وسيبويه فعل بدليل أفواه كسوط وأسواط (¬6). وذهب الفراء إلى أنه فعل بضم الفاء (¬7). واستدل لسيبويه بقول الفصحاء: فم بفتح الفاء حالة التعويض. ونظير هذا استدلال سيبويه على أن أبناء مفتوح الفاء بقولهم بنون (¬8). - ¬

_ (¬1) أسند ابن مالك وتبعه شارحنا - والنحاة - إلى أن أبا علي يرى أن بقاء الميم في الفم عند إضافته من الضرائر، والصحيح أن أبا علي له رأيان في ذلك: واحد بالضرورة كما نقلناه في الهامش السابق ورأي يحكم بجوازه لكنه قليل. وهذا نص كلامه: علل حذف حرف العلة في أب وأخ وحم عند إضافته ثم علل بقاءه مع الميم، فقال: فأما في فيّ فإنما أثبتت لما ذكرت من بقاء الاسم على حرف واحد، وقوى ذلك أن الياء في فيّ لا تلزم لزوم التي كانت تكون في أب لو أضيفت، ولم يحذف منها حرف العلة ألا ترى أنهم قد يقولون فمي وفمه وقال: يصبح ظمآن وفي البحر فمه. انظر المسائل الشيرازية (ص 388). (¬2) انظر الحديث في صحيح البخاري: (3/ 24 - 26) من كتاب الصوم وفي (9/ 126) من كتاب التوحيد، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (1/ 446)، (2/ 393). وفي صحيح مسلم (3/ 158) باب فضل الصيام. (¬3) الكتاب: (3/ 363). (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 158) والهمع (1/ 40) وحاشية الصبان (1/ 72) ونسب الرأي في الأخيرين للفراء وحده. (¬5) انظر المراجع السابقة. (¬6) انظر الكتاب: (3/ 264). (¬7) انظر: التذييل والتكميل (1/ 160)، والهمع (1/ 40) وحاشية الصبان (1/ 72). (¬8) انظر: كتاب سيبويه (3/ 364): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ذو: فوزنه عند سيبويه فعل محرك العين وأصله ذوي ثم أعلت اللام بقلبها ألفا فصارت ذوي ثم حذفت. ويدل على الحذف قولهم في التثنية: ذواتا فردوا اللام فهو عنده من باب طويت. وذهب الخليل (¬1) إلى أن وزنه فعل وأنه من باب قوة فأصله ذوّ مثل قو (¬2). وجعله ابن كيسان (¬3) محتملا للوزنين (¬4) وخدش مذهب سيبويه بشيء [1/ 72] وهو أنه لو كان كما قال، لم يقولوا: ذوو مال، بل كانوا يقولون: ذوو مال، كما قالوا: مصطفو زيد فكانت الألف تسقط لمكان واو الجمع وينفتح ما قبل الواو ليدل على المحذوف (¬5). وأما هن: فوزنه فعل، قال الشيخ: «عند البصريّين» (¬6). ¬

_ - قال في حديث عن است وهن، وأنهما على وزن فعل بالتحريك: فإن قيل لعله فعل أو فعل فإنه يدلك على ذلك قول بعض العرب: سه ولم يقولوا سه ولا سه وقولهم: ابن ثم قالوا: بنون يدلك أيضا. (¬1) هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد البصري، سيد أهل الأدب في علمه وزهده والغاية في تصحيح القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله، وكان من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء. ويكفي الخليل فخر أن إمام العربية سيبويه من تلاميذه وعامة الحكاية في كتاب سيبويه عن الخليل وهو أول من اخترع علم العروض، وأخذ عنه، وأول من ضبط اللغة ومعاجمها. مصنفاته: له الكتاب المشهور في اللغة المسمى بالعين، وله أيضا فائت العين، وله كتاب النغم والجمل والعروض، وله أشعار غاية في الزهد والتقوى وامتد به العمر فعاش أربعا وسبعين سنة حيث توفي سنة (175 هـ). انظر ترجمته وأخباره في نزهة الألباء (ص 45) وبغية الوعاة (1/ 558). (¬2) انظر في تحقيق رأي سيبويه والخليل كتاب سيبويه: (3/ 262، 263). (¬3) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان النحوي أحد المشهورين بالعلم وممن خلطوا في مذهبهم بين النزعة البصرية والنزعة الكوفية، وذلك لأنه أخذ عن العباس المبرد وأبي العباس ثعلب، وقال عنه أبو بكر ابن مجاهد: كان ابن كيسان أنحى من شيخيه أي السابقين. مصنفاته: منها المهذب في النحو، المختار في علل النحو، مسائل في الخلاف بين البصريين والكوفيين. ولم أقف على واحد منها وله ميكروفيلم بمعهد المخطوطات بعنوان: الموفق في النحو لابن كيسان (204 نحو). واختلف في وفاته وأصح الآراء في ذلك أنه توفي سنة (299 هـ). انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 235) بغية الوعاة (1/ 18) نشأة النحو (ص 151). وانظر ترجمة مفصلة له في كتاب عنه للدكتور محمد إبراهيم البنا تحت عنوان: ابن كيسان النحوي: حياته وآثاره وآراؤه. (¬4) انظر التذييل والتكميل (1/ 163) والهمع (1/ 40) وحاشية الصبان (1/ 72). (¬5) انظر التذييل والتكميل (1/ 164). (¬6) انظر المرجع السابق.

[إعراب الأمثلة الخمسة عند الرفع]

[إعراب الأمثلة الخمسة عند الرفع] قال ابن مالك: (وتنوب النّون عن الضّمّة في فعل اتّصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة مكسورة بعد الألف غالبا مفتوحة بعد أختيها، وليست دليل إعراب خلافا للأخفش). قال ناظر الجيش: هذا هو القسم الثاني مما ذكر أنه معرب بالحروف، وهو الأمثلة الخمسة، وقد تقدم أنه ليس عند سيبويه معرب بالحروف غيرها (¬1). وزاد الأخفش: أنّها معربة بحركات مقدّرة كما سيأتي. ونقل الشيخ عن الفارسي: أنها معربة ولا إعراب فيها (¬2). وتناول قول المصنف: ألف اثنين أو واو جمع - كونهما ضميرين نحو: أنتما تذهبان وأنتم تذهبون، وكونهما علامتي تثنية الفاعل وجمعه، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار» (¬3). قال المصنف (¬4): «فالنون الواقعة بعد الألف بحاليها وبعد الواو بحاليها نائبة عن الضمة الإعرابية وكذا المتصلة بياء المخاطبة نحو: أنت تفعلين، وقد كان ينبغي أن يستغنى بتقدير الإعراب قبل الأحرف الثلاثة عن هذه النون كما استغني بتقديره قبل ياء المتكلم نحو: غلامي، لكن سهل الاستغناء بالتقدير في نحو غلامي كون الاسم أصله الإعراب؛ فلا يذهب الوهم إلى بنائه دون سبب قوي بخلاف الفعل فإن أصله البناء، فلم يستغن فيه متصلا بهذه الأحرف بتقدير الإعراب؛ لئلّا يذهب الوهم إلى مراجعة الأصل كما روجع مع نون الإناث؛ بل جيء بعد هذه الأحرف بالنون المذكورة - ¬

_ (¬1) انظر: كتاب سيبويه (1/ 19). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 191) قال أبو علي في تعليل ذلك: «لأن حرف الإعراب لا يكون النون لسقوطها للعامل وهو حرف صحيح، ولا يكون الضمير لأنه الفاعل ولأنه ليس في آخر الكلمة، ولا ما قبل الضمائر من اللامات لملازمتها لحركة ما بعدها من الضمائر وحرف الإعراب لا يلزم الحركة، فلم يبق إلا أن تكون معربة ولا إعراب فيها». وانظر حديث أبي علي أيضا في الأفعال الخمسة في كتابه الإيضاح (ص 7). (مخطوط بدار الكتب رقم 1979 نحو). (¬3) الحديث في صحيح البخاري: (9/ 126) في باب التوحيد. والحديث أيضا في مسند الإمام أحمد: (2/ 257، 312). (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 50).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قائمة بثبوتها مقام الضمة وبسقوطها مقام الفتحة والسكون حملا للنصب على الجزم؛ لأن الجزم في الفعل نظير الجر في الاسم، وقد حمل النصب على الجر في المثنى وجمعي التصحيح، فحمل أيضا النصب على الجزم هنا» انتهى كلامه وهو حسن (¬1). غير أن التعليل الذي ذكره في حمل النصب على الجزم لا يتمشى على مذهب سيبويه بالنسبة إلى المثنى وجمع التصحيح للمذكر؛ لأن الإعراب عنده فيهما ليس بالحروف كما ستعرف. وعلل كسر النون بعد الألف بأمرين: أحدهما: أنه الأصل في التقاء الساكنين. ثانيهما: الحمل على نون التثنية للشبه الذي بينهما في الصورة. وأشار بقوله: غالبا إلى أن بعض العرب قد تفتح وقد قرئ: (أتعدانني أن أخرج)، (¬2) بفتحها. وإنما فتحت بعد الواو والياء طلبا للتخفيف فلم يكسروها على أصل التقاء الساكنين؛ استثقالا للجمع بين الواو والكسرة أو بين الياء وبينها أو حملا على نون الجمع للشبه. قال المصنف: «وزعم الأخفش أنّ هذه النون دليل إعراب مقدّر قبل الأحرف الثلاثة؛ وهو قول ضعيف لأنّ الإعراب مجتلب للدلالة على ما يحدث بالعامل والنون وافية بذلك، فادعاء الاعراب لغيرها مدلول عليه بها مردود لعدم الحاجة إليه» (¬3). قال الشيخ: «وهذا [1/ 73] المحكي عن الأخفش محكيّ عن السهيليّ أيضا» (¬4). - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 50، 51). (¬2) سورة الأحقاف: 17، وانظر أيضا النشر في القراءات العشر (جـ 2 ص 303) وقال أبو حيان في تفسيره الكبير المسمى بالبحر المحيط (8/ 62): «قرأ الجمهور بنونين والأولى مكسورة: أتعدانني». «وقرأ الحسن وعاصم وأبو عمرو بإدغام نون الرفع في نون الوقاية». «وقرأ نافع في رواية وجماعة بنون واحدة». «وقرأ شيبة وأبو جعفر وهارون بن موسى بفتح النون الأولى كأنهم فروا من الكسرتين والياء إلى الفتح؛ طلبا للتخفيف، ففتحوا، كما فر من أدغم ومن حذف». وقال أبو حاتم: فتح النّون باطل غلط. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 51). (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 191 - 192) في تحقيق رأي الأخفش والسهيلي، وانظر الهمع أيضا (1/ 51).

[الأمثلة الخمسة عند النصب والجزم]

[الأمثلة الخمسة عند النصب والجزم] قال ابن مالك: (وتحذف جزما ونصبا ولنون التّوكيد، وقد تحذف لنون الوقاية أو تدغم فيها وندر حذفها مفردة في الرّفع نظما ونثرا). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الفارسي فلا يقوم له دليل على ما ادعاه في هذه المسألة (¬1). قال ناظر الجيش: اعلم أن نون الرفع تحذف كثيرا ونادرا وحذفها كثيرا قسمان: واجب وجائز، فأما الواجب فالمقتضي له ثلاثة أمور: الجزم والنصب ونون التوكيد. وأما الجائز فالمقتضي له أمر واحد: وهو نون الوقاية فيجوز معها إثبات نون الرفع وحذفها، وإذا أثبتت فقد تدغم في نون الوقاية وقد لا تدغم، فصار لنون الرفع مع نون الوقاية ثلاثة أحوال: الفك والإدغام والحذف، وقرئ بالأوجه الثلاثة قوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي (¬2). واختار المصنف أن المحذوف هو نون الرفع لا نون الوقاية وهو مذهب سيبويه (¬3). وقال الأخفش والمبرد وأكثر المتأخرين: إنّ المحذوف نون الوقاية لا نون الرّفع (¬4). وصحح المصنف مذهب سيبويه بوجوه (¬5): - ¬

_ (¬1) والذي ادعاه هو قوله: إنها معربة ولا إعراب فيها، وهو مردود لأنه لا بد من علامة تدل على الإعراب. (¬2) سورة الزمر: 64. وانظر في تخريج هذه القراءات الثلاثة والتفصيل فيها كتاب النشر لابن الجزري: (2/ 363)، والكشف عن وجوه القراءات لمكي (2/ 240). وانظر أيضا: التبيان في إعراب القرآن للعكبري (2/ 1113). قال: «قرأ ابن عامر بنونين ظاهرتين. وقرأ نافع بنون واحدة، وهي إما نون الرّفع وإمّا نون الوقاية، وقرأ الباقون بنون مشدّدة»، وانظر أيضا كتاب سيبويه (3/ 519). (¬3) الكتاب: (3/ 519) قال في حذف نون الرفع بعد أن تكلم في حذفها مع نون التوكيد: وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا، بلغنا أن بعض القراء قرأ: أتحاجوني [الأنعام: 80] وكان يقرأ: فبما تبشرون [الحجر: 54] وهي قراءة أهل المدينة وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف. (¬4) انظر في تخريج رأي الأخفش والمبرد: التذييل والتكميل (1/ 194). وانظر في تخريج رأي المبرد أيضا كتابه المقتضب (1/ 252) وعلل حذف الثانية بأنها منفصلة عن الأولى. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: أن نون الرفع قد تحذف دون سبب مع عدم ملاقاتها لنون الوقاية، ولا تحذف نون الوقاية المتصلة بفعل محض غير مرفوع بالنون، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه. ثانيها: أن نون الرفع نائبة عن الضمة، وقد حذفت الضمة تخفيفا في فعل واسم، كقراءة السوسي (¬1): وما يشعركم (¬2). وقراءة مسلمة بن محارب (¬3): وبعولتهن (¬4)، وكرواية أبي يزيد (¬5): (ورسلنا لديهم يكتبون) (¬6) بسكون اللام. فحذف النون النائبة عنها تخفيفا أولى وليؤمن بذلك تفضيل الفرع على الأصل (¬7). - ¬

_ (¬1) هو صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن الجارود الملقب بالثقة مقرئ ضابط للقراءة ثقة أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبي محمد الزيدي وهو من أجلّ أصحابه، كما قرأ على حفص عن عاصم وروى القراءة عنه ابنه محمد وموسى بن جرير النحوي وأبو الحارث الطرسوسي، عاش ما يقرب من تسعين سنة؛ حيث ولد سنة 173 هـ وتوفي سنة 261 هـ. ترجمته في الأعلام (3/ 276)، غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 332). (¬2) سورة الأنعام: 109، وبقيتها: ... أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ، وانظر القراءة في المحتسب لابن جني (1/ 227)، قال: «هو من إسكان المرفوع تخفيفا» ثم أتى بأمثلة كثيرة من كلام العرب: سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم ... ونهر تيرى فلا تعرفكم العرب فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل ورد على المبرد ردّا عنيفا حين اعترض على سيبويه في هذه الشواهد. (انظر ذلك كله في المحتسب: 1/ 110). (¬3) هو أبو عبد الله مسلمة بن عبد الله بن محارب الفهري البصري النحوي له اختيار في القراءة. قال فيه ابن الجزري: قال محمد بن سلام: كان مسلمة بن عبد الله مع ابن أبي إسحاق وأبي عمرو بن العلاء، وقال ابن مجاهد: كان من العلماء بالعربية وكان يقرأ بالإدغام الكبير كأبي عمرو وروى حروفا لم يدغمها أبو عمرو (غاية النهاية: 2/ 228). (¬4) سورة البقرة: 228، وبقيتها قوله: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. وانظر القراءة في المحتسب لابن جني (1/ 122). (¬5) لم أعثر له على ترجمة في كتب تراجم العلماء عامة كالأعلام للزركلي، وكتب تراجم القراء خاصة كغاية النهاية لابن الجزري، ولم أقف على اسمه. (¬6) سورة الزخرف: 80، وبعدها قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ. وانظر القراءة في المحتسب لابن جني: (1/ 109)، وهو من باب التسكين للتخفيف أيضا. (¬7) جعل ابن عصفور من الضرائر: تسكين المضارع دون ناصب أو جازم وذكر أن المبرد والزجاج أنكرا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثالثها: أن حذف نون الرفع يؤمن معه حذف نون الوقاية؛ إذ لا يعرض لها سبب آخر يدعو إلى حذفها، وحذف نون الوقاية لا يؤمن معه حذف نون الرفع عند الجزم والنصب، وحذف ما يؤمن بحذفه حذف أولى من حذف ما لا يؤمن بحذفه حذف. رابعها: لو حذفت نون الوقاية لاحتيج إلى كسر نون الرفع بعد الواو والياء، وإذا حذفت نون الرفع لم يحتج إلى تغيير ثان، وتغيير يؤمن معه تغيير أولى من تغيير لا يؤمن معه تغيير (¬1). وأما حذفها النادر فهو إذا لم يكن سبب من الأسباب المتقدمة الذكر. فمن حذفها في النظم قول الراجز: 69 - أبيت أسري وتبيتي تدلكي ... وجهك بالعنبر والمسك الزّكي (¬2) ومنه قول أبي طالب (¬3): - ¬

_ - هذه الأمثلة وتلك الروايات. ثم قال: «والصحيح أنّ ذلك جائز سماعا وقياسا: أما القياس فإن النحويين اتّفقوا على جواز ذهاب حركة الإعراب للإدغام. وأما السّماع فقد قرأ ابن محارب وبعولتهن [البقرة: 228]: بإسكان التاء. وقرأ الحسن: وما يعدهم [الإسراء: 64]: بإسكان الدال. وقرأ مسلمة بن محارب: وَإِذْ يَعِدُكُمُ [الأنفال: 7] بإسكان الدال ثم قال: «والذي حسّن مجيء هذا التخفيف في حالة السعة شدة اتّصال الضمير بما قبله من حيث كان غير مستقلّ بنفسه، فصار التّخفيف كأنه واقع من كلمة واحدة كعضد (الضرائر الشعرية: ص 74). (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 52). (¬2) البيتان: من الرجز المشطور، وقد ذكرا في مراجع كثيرة غير منسوبين. اللغة: أسري: من السرى وهو السير ليلا. تدلكي: من الدّلك وهو الدعك باليد. والشاعر: يقرع امرأته على شقائه وتنعمها. قال ابن منظور: (لسان العرب مادة دلك): «حذف النّون من تبيتي كما تحذف الحركة للضرورة في قول امرئ القيس (من السريع): فاليوم أشرب غير مستحقب .. إلخ. وحذفها من تدلكي أيضا لأنه جعلها بدلا من تبيتي أو حالا قال: وقد يجوز أن يكون في موضع النصب بإضمار أن في غير الجواب كما جاء في بيت الأعشى (من الطويل): لنا هضبة لا ينزل الذل وسطها ... ويأوي إليها المستجير فيعصما والبيت في معجم الشواهد (ص 515) وفي شرح التسهيل (1/ 53) وفي التذييل والتكميل (1/ 195). (¬3) عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، والد علي رضي الله عنه وعم النبي صلّى الله عليه وسلّم وكافله ومربيه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 70 - فإن يك قوم سرّهم ما صنعتم ... ستحتلبوها لاقحا غير باهل (¬1) ومن حذفها في النثر قراءة أبي عمرو (¬2) من بعض طرقه: قالوا ساحران تظاهرا (¬3)، بتشديد الظاء، أصله تتظاهران فأدغم أي: قالوا - ¬

_ - وناصره ضد أعدائه من قريش، دعاه النبي إلى الإسلام، فامتنع خوفا من أن تعيره قريش فنزل فيه قوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56] وقيل: كان مسلما ولكنه أخفى الإسلام لصالح النبي، عاش أكثر من ثمانين سنة حيث ولد سنة 85 قبل الهجرة وتوفي قبلها بثلاث سنين. له ديوان شعر مطبوع. (انظر ترجمته في الأعلام: 4/ 315). (¬1) البيت من بحر الطويل قاله أبو طالب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم من قصيدة في الديوان (ص 127)، قالها عند ما تحالفت قريش وكتبت صحيفة علقتها في الكعبة تنص على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب ومحاصرتهم في شعب أبي طالب (انظر القصيدة أيضا في خزانة الأدب: 2/ 59). اللغة: اللاقح: الحامل من النوق، الباهل: الناقة التي لا صرار عليها، والصرار ككتاب ما يشد على ضرع الناقة لئلا تحلب ولئلا يرضعها ولدها. وأبو طالب يهدد قريشا بقيام حرب تعمهم جميعا. وشاهده قوله: ستحتلبوها حيث حذفت نونه دون ناصب أو جازم وهو نادر. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 53) وفي التذييل والتكميل (1/ 195). (¬2) هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن عبد الله المازني، ولد بمكة سنة (68 هـ)، وهو أحد القراء السبعة المشهورين، قرأ القرآن على سعيد بن جبير ومجاهد وروى عن أنس بن مالك وطائفة، وكان أعلم الناس بالنحو والقراءات واللغة وأيام العرب والشعر والأدب وكان من أشراف العرب ووجهائها وقد مدحه الفرزدق، وقال سفيان بن عيينة: رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم في النوم، فقلت: يا رسول الله قد اختلفت عليّ القراءات فبقراءة من تأمرني؟ فقال: «بقراءة أبي عمرو بن العلاء». زهد في الدنيا وكتب على خاتمه: وإنّ امرأ دنياه أكبر همّه ... لمستمسك منها بحبل غرور امتد به العمر حتى مات بالكوفة سنة (159 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 231)، معجم الأدباء (11/ 156)، غاية النهاية (1/ 288)، نزهة الألباء (ص 24). (¬3) سورة القصص: 48، قال أبو حيان (البحر المحيط: 7/ 124): «قرأ الجمهور: (ساحران)، وفسر بموسى ومحمد صلّى الله عليه وسلّم وقرأ عبد الله وزيد بن علي والكوفيون: سحران وفسر بالتوراة والفرقان». وقال: «تظاهرا: تعاونا. قرأ الجمهور (تظهرا:) فعلا ماضيا على وزن تفاعل، وقرأ طلحة والأعمش: اظاهرا بهمزة وصل وشد الظاء وأصله تظاهرا فأدغم التاء في الظاء فاجتلبت همزة الوصل لأجل سكون التاء المدغمة وقرأ محبوب عن الحسن، وأبو خلاد عن اليزيدي: تظاهرا بالتاء وتشديد الظاء قال: قال ابن خالويه: وتشديده لحن لأنه فعل ماض وإنما يشدد في المضارع فقط. وقال: وله تخريج في اللسان: ذلك أنه مضارع حذفت منه النون وقد جاء حذفها في قليل من الكلام -

[حد البناء وأنواعه]

[حد البناء وأنواعه] قال ابن مالك: (وما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب وليس حكاية أو إتباعا أو نقلا أو تخلّصا من [1/ 74] سكونين فهو بناء. وأنواعه: ضمّ وفتح وكسر ووقف). ـــــــــــــــــــــــــــــ أنتما ساحران تظاهرا. وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفس محمّد بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا» (¬1). قال ناظر الجيش: قصد المصنف بهذا الكلام ثلاثة أمور: أحدها: ذكر حد البناء كما ذكر حد الإعراب. ثانيها: تبيين أن هيآت أواخر الكلمة ليست محصورة في الإعراب والبناء، بل ثم أقسام أخر لا يصدق على هيآت أواخرها إعراب ولا بناء. ثالثها: حصر هيآت أواخر الكلم فيما ذكره. والأقسام التي تضمنها كلامه منطوقا ومفهوما ستة: الإعراب والبناء، والحكاية، والإتباع، والنقل، والتخلص من السكونين. وإنما قال: من شبه الإعراب لأن هيآت المبني من حركة أو سكون، وهيآت الأقسام الأربعة تشبه هيآت المعرب في الصورة. وإنما الفرق بين هيآت المعرب وهيآت غيره: أن هيآت المعرب جيء بها لبيان مقتضى العامل وهيآت غيره لم يجأ بها كذلك. قال المصنف: شبه الإعراب يعم البناء اللازم والعارض، والوارد منه بسكون كمن وقم ولن (¬2)، وبفتحة كأين وذهب وسوف، وبكسرة كأمس وجير، وبضمة - ¬

_ - وفي الشعر. وساحران خبر مبتدأ محذوف أي أنتما ساحران». (¬1) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (1/ 165) وهو في صحيح مسلم (1/ 53) ونصه فيه: «لا تدخلون الجنّة حتّى تؤمنوا ...» وبهذه الرواية لا شاهد فيه. (¬2) يشير إلى أن البناء على السكون يدخل أنواع الكلم الثلاث وكذلك ما بعده، وأما البناء على الكسر والضم فيدخل الاسم والحرف فقط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كنحن ومنذ، وبنائب عن ضمة كيا زيدان ويا زيدون وبنائب عن فتحة كلا رجلين، وبنائب عن سكون كاخش وافعلا. ويعم الحكاية نحو: من زيد لقائل مررت بزيد، ومنون لقائل: جاءني رجال. ويعم الإتباع نحو: الْحَمْدُ لِلَّهِ (¬1) ولِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا (¬2). والأولى قراءة زيد بن علي (¬3). والثانية قراءة أبي جعفر المدني (¬4). والنقل: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ (¬5). والتخلص من سكونين: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ (¬6) ولكل موضع يبين فيه إن شاء الله تعالى (¬7). قال الشيخ: «نقص المصنف حركة سابعة وهي حركة المضاف إلى ياء المتكلم - ¬

_ (¬1) سورة فاتحة الكتاب: 2، وانظر في القراءة المحتسب: (1/ 37)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 3)، وفي تأويل القراءة قيل: إن جملة الحمد لله كثرت في كلامهم حتى صارت كالاسم الواحد فثقل عليهم أن يجتمع في اسم واحد كسر بعد ضم ووجدوا الكسرتين قد يجتمعان في الاسم الواحد مثل إبل، فكسروا الدال ليكون على المثال من أسمائهم. وفي الآية قراءات أخرى (المحتسب: 1/ 37). (¬2) سورة البقرة: 34، وانظر في القراءة المحتسب: (1/ 71). قال ابن جني: وهذا ضعيف عندنا. (¬3) هو زيد بن علي بن أحمد بن محمد بن عمران بن أبي بلال أبو القاسم العجلي الكوفي شيخ العراق، إمام حاذق ثقة، قرأ على عبد الله بن عبد الجبار والحسين بن جعفر اللحياني وكثيرين، وقرأ عليه بكر بن شاذان وأبو الحسن الحمامي وأحمد بن الصقر. توفي زيد ببغداد سنة (358 هـ). انظر ترجمته في غاية النهاية: (1/ 298). (¬4) هو يزيد بن القعقاع المخزومي بالولاء المدني من التابعين، كان مولى أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان أحد القراء العشرة، وعرف بالقارئ فقد كان يقرئ الناس في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد أخذ القراءة عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة وروى عنه نافع بن أبي نعيم، كان ثقة قليل الحديث من المفتين والمجتهدين، رؤي في المنام بعد وفاته على صورة حسنة، فقال للذي رآه: بشر أصحابي وكل من قرأ قراءتي أن الله قد غفر لهم وأجاب فيهم دعوتي. توفي بالمدينة سنة 132 على أصح الآراء وللدكتور علي محمد فاخر كتاب كبير في توجيه قراءات الثلاثة بعد السبعة نحويّا وصرفيّا. انظر ترجمته في (وفيات الأعيان: 7/ 274، غاية النهاية في طبقات القراء: 2/ 382، الأعلام 9/ 341). (¬5) سورة البقرة: 106 وأولها: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها والقراءة المذكورة لورش. (¬6) سورة الأنعام: 39 وأولها: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ ... إلخ. (¬7) انظر: شرح التسهيل (1/ 53، 54).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غير مثنى ولا مجموع على حده على مذهب الجمهور؛ فإنها ليست حركة بناء عندهم ولا هي من الحركات التي عدها» (¬1) انتهى. والظاهر: أن حركة ما قبل ياء المتكلم حال الإضافة كأنها تصير من الكلمات التي بنيت الكلمة عليها لشدة امتزاج الكلمة المضافة إلى الياء بها، ولهذا لزم ما قبل الياء حركة واحدة وهي الكسرة؛ فلم تعد حركة مستقلة لأنها ليست مقصودة في نفسها بخلاف الحركات فيما تقدم ذكره. وأنواع البناء أربعة كما أن أنواع الإعراب أربعة؛ لكنهم يعبرون عن هذه الأربعة بالضم والكسر والفتح والوقف؛ ليعلم عند الإطلاق من أول وهلة حال الكلمة المعبر عنها بذلك: هل هي معربة أم مبنية. فإذا قيل رفع علم أنه ضمة في معرب، وإذا قيل ضمة علم أنه ضمة في مبني، وكذلك البواقي. والناس في هذا الإطلاق تبع لسيبويه؛ حيث قال: «وإنّما ذكرت ثمانية مجار لأفرّق ...» إلخ كلامه (¬2) ومراده: لا فرق بين المعرب والمبني. واختلف النحاة رحمهم الله تعالى (¬3): هل يطلق أحد أنواع القسمين على الآخر، فيقال مثلا للمعرب مضموم وللمبني مرفوع أو لا؟ على ثلاثة مذاهب: فمنهم من قال: لا يجوز الإطلاق؛ لأن المراد الفرق وتجويز الإطلاق يعدم الفرق. ومنهم من قال: يجوز؛ لأن الإطلاق مجاز والقرينة تبينه. ومنهم من قال: يطلق أنواع [1/ 75] البناء على أنواع الإعراب ولا تنعكس، فتقول في: هذا زيد مثلا: زيد مرفوع وإن شئت: زيد مضموم. وتقول في حيث مثلا: مضموم ولا تقول مرفوع. ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 198). (¬2) انظر الكتاب: (1/ 13). ونص كلامه هو قوله: «وإنما ذكرت لك ثمانية مجار؛ لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة لما يحدث فيه العامل، وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه وبين ما يبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل ...» إلخ. (¬3) جملة: رحمهم الله تعالى، ناقصة من نسخة (ب)، (جـ).

الباب الثالث باب إعراب المعتل الآخر

الباب الثالث باب إعراب المعتلّ الآخر * [كيفية إعراب المضارع المعتل الآخر] قال ابن مالك: (يظهر الإعراب بالحركة والسّكون أو يقدّر في حرفه وهو آخر المعرب؛ فإن كان ألفا قدّر فيه غير الجزم وإن كان ياء أو واوا يشبهانه قدّر فيهما الرّفع وفي الياء الجرّ، وينوب حذف الثّلاثة عن السّكون). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على إعراب الصحيح الآخر شرع في الكلام على إعراب مقابله وهو المعتل الآخر، وقد تقدم أن نحو دلو وظبي حكمها حكم الصحيح الآخر، فالمراد بالمعتل الآخر في باب الإعراب ما آخره ألف، أو ياء قبلها كسرة، أو واو قبلها ضمة. وإلى ذلك الإشارة بقوله: وإن كان ياء أو واوا يشبهانه أي يشبهان الألف في كون حركة ما قبلهما مجانسة لهما كما أن حركة ما قبل الآخر مجانسة لها. فقوله: يظهر الإعراب بالحركة والسّكون أي في الصحيح الآخر. وقوله: أو يقدّر في حرفه أي في المعتل الآخر. فالمعنى: أو يقدر في حرف الإعراب. وحرف الإعراب في المعتل هو آخره كما في الصحيح؛ فلا يذهب الوهم إلى أنا نقدر الإعراب في موضع الكلمة المعتلة المعربة، كما يحكم على المحل بالإعراب في الكلمة المبنية، وإن اشتركا في عدم ظهور الإعراب لفظا (¬1). وعلم من كلام المصنف أن الإعراب إما ظاهر، أو مقدر، فلا واسطة بينهما. وذكر الشيخ عن بعضهم أن الإعراب ظاهر، ومقدر، ومنوي، ومعتبر. فالظاهر: هو الملفوظ به. والمقدر: في نحو ملهى؛ لأن ألفه منقلبة عن ياء متحركة. - ¬

_ (¬1) معناه أن الفعل المضارع المعتل يعرب بحركات مقدرة فوق حرف العلة نفسه: الألف أو الواو أو الياء، ولا يقال إن الحركة مقدرة فوق الكلمة كلها، كما يقال في الكلمة المبنية مثل هؤلاء: إنها مبنية على الكسر في محل جر، وإن اشترك المعتل والمبني في عدم ظهور الإعراب لفظا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمنوي: في نحو حبلى وأرطى؛ لأن ألفيهما لم ينقلبا عن شيء، وكذلك غلامي؛ لأن تقدير حركة يؤول إلى اجتماع حركتين ولا يصح، فالإعراب منوي لا مقدر. والمعتبر: هو ما يحكم به على موضع الاسم المبني (¬1). ثم إن كان آخر المعتل ألفا قدر فيه الرفع والنصب والجر. وإليه الإشارة بقوله: فإن كان ألفا قدّر فيه غير الجزم نحو الفتى رفعا ونصبا وجرّا ويخشى رفعا ونصبا. وإن كان الآخر ياء أو واو يشبهان الألف قدّر فيهما الرّفع نحو: القاضي يرمي ويغزو، وقدر في الياء الجر نحو: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ (¬2) وإنما خص الياء بالجر؛ لأن الواو المشبهة الألف لا تكون حرف إعراب في غير الأفعال. وسكوت المصنف عن النصب يدل على أنه يظهر في الياء والواو نحو: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ (¬3)، ونحو: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ (¬4). فالحاصل: أن الرفع يقدر في الثلاثة والجر يقدر في الألف وفي الياء، ولا يتصور مع الواو، والنصب يقدر في الألف ويظهر في الياء والواو، وأما الجزم فيحذف بسببه الثلاثة، كما أشار إليه بقوله: وينوب حذف الثّلاثة عن السّكون، نحو: من يهد الله يخشه ويرجه. ثم ها هنا أبحاث: الأول: استدرك الشيخ على المصنف نحو معدي كرب إذا أضفنا الجزء الأول إلى الثاني؛ فإننا نقدر الفتحة حالة النصب، ولم يستثن المصنف ذلك (¬5). والجواب: أن الشيء إذا كان خارجا عن قانونه اكتفي بالتنبيه عليه [1/ 76] في محله وقد نبه المصنف على ذلك حيث ذكره في باب ما لا ينصرف فاستغنى بذلك عن التعرض له هنا (¬6). - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 199). (¬2) سورة القمر: 8. (¬3) سورة الأحقاف: 31. (¬4) سورة البقرة: 237. (¬5) انظر: التذييل والتكميل (1/ 200). (¬6) انظر: تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد (ص 221 - 222)، وفيه يقول عن معدي كرب وأمثاله: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أجمع النحاة على أن الحروف الثلاثة تحذف عند وجود الجازم، واختلفوا في حذفها، لماذا؟ فالمحققون على أنها حذفت عند الجازم لا بالجازم (¬1). قيل: وهو الذي فهم من كلام سيبويه رحمه الله تعالى (¬2) وعلل بأن هذه الحروف ليست علامة للرفع والجازم إنما يحذف ما كان علامة له (¬3). ومذهب ابن السراج وأكثر النحاة أن حذف هذه الحروف علامة للجزم (¬4). وهذا الخلاف مبني على أن حروف العلة التي في الفعل في حال الرفع هل فيها حركات مقدرة أو لا؟ فمذهب سيبويه: أن فيها حركات مقدرة في الرفع وفي الألف في النصب، فهو إذا جزم يقول: الجازم حذف الحركات المقدرة ويكون حذف حرف العلة عنده؛ لئلا يلتبس الرفع بالجزم. فإن قيل: الفرق يحصل بينهما بالعامل كما يحصل الفرق في المقصور من - ¬

_ - «قد يضاف صدر المركّب فيتأثّر بالعوامل ما لم يعتلّ، وللعجز حينئذ ما له لو كان مفردا. وقد لا يصرف كرب مضافا إليه معدي، وقد يبنى هذا المركّب تشبيها بخمسة عشر». (¬1) أي والذي حذفه الجازم إنما هي الحركات المقدرة فوق حروف العلة، ثم كان حذف هذه الحروف؛ لئلا يلتبس الرفع بالجزم كما سيذكره. (¬2) جملة (رحمه الله تعالى) ناقصة من (ب)، (جـ). وانظر رأي سيبويه في كتابه: (1/ 23). يقول: «واعلم أنّ الآخر إذا كان يسكّن في الرّفع حذف في الجزم لئلّا يكون الجزم بمنزلة الرّفع فحذفوا كما حذفوا الحركة ونون الاثنين والجمع، وذلك قولك: لم يرم ولم يغز ولم يخش، وهو في الرّفع ساكن الآخر تقول: هو يغزو ويرمي ويخشى». (¬3) كحذف النون في الأفعال الخمسة والضمة في الأفعال الصحيحة الآخر. كما علل أيضا بأن الأعراب زائد على ماهية الكلمة، وهذه الحروف من أصلها. (¬4) قال ابن السراج في حديث له عن إعراب المضارع المعتل: «فإن دخل الجزم قلت: لم يغز ولم يرم فحذفت الياء والواو في الوقف، وكذلك في الوصل تقول: لم يغز عمر ولم يرم بكر. وإنّما حذفت الياء والواو في الجزم إذ لم يصادف الجازم حركة يحذفها، فحذفت الياء والواو؛ لأنّ الحركة فيهما وليكون للجزم دليل، والأمر كالجزم» (الأصول في النحو لابن السراج (2/ 170) تحقيق عبد الحسين الفتلي).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسماء؟ أجيب بأنه يلتبس في مثل قولنا: زرني أعطك؛ فإنه لو لم يحذف عند الجازم، لما عرف هل أعطيك جواب الأمر أو مستأنف ولا يفيد الفرق إلا حذف الياء. فأفاد حذف حرف العلة الفرق بين الجزم والرفع والمعنى المطلوب بكل واحد منهما وطرود الباب في الحذف حيث لا لبس. وعند ابن السراج أنه لا حركة مقدرة في الرفع، قال: «ولمّا كان الإعراب في الأسماء لمعنى حافظنا عليه بأن نقدّره إذا لم يوجد في اللّفظ ولا كذلك الإعراب في الفعل؛ فإنه لم يدخل في الفعل إلا لمشابهة الاسم لا للدّلالة على معنى فلا نحافظ عليه بأن نقدّره إذا لم يكن في اللفظ فالجازم لمّا لم يجد حركة يحذفها حذف الحرف». ويدل على صحة مذهب سيبويه (¬1) أن الفعل يعرب على ما قد عرف والمعرب من الأسماء متى لم يظهر فيه علائم الإعراب إما للتعذر كعصا أو للاستثقال كالقاضي رفعا وجرّا قدرت فكذلك أيضا في الأفعال. البحث الثالث: قيد ابن عصفور حرف العلة المحذوف للجزم بكونه غير مبدل من همزة، ثم قال: فإن كان مبدلا من همزة نحو يقرا ويقري ويوضو جاز فيه وجهان: حذف حرف العلّة إلحاقا بالمعتلّ المحض. وإثباته إجراء له مجرى الصّحيح. وعلى الحذف قوله: 71 - جريّ متى يظلم يعاقب بظلمه ... سريعا وإلّا يبد بالظّلم يظلم (¬2) انتهى (¬3). - ¬

_ (¬1) القائل: إن في هذه الحروف حركات مقدرة في الرفع وفي الألف في النصب. (¬2) البيت من بحر الطويل وهو من معلقة زهير بن أبي سلمى التي سبق الحديث عنها. وبيت الشاهد في وصف أسد وذلك حيث جاء قبله: لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم انظر شرح ديوان زهير (ص 24). وشاهده قوله: وإلا يبد؛ حيث حذفت الألف المبدلة من الهمزة عند دخول الجازم، وذلك لأن الإبدال وقع قبل الجزم كما ذهب إليه ابن عصفور. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 205)، وهو في معجم الشواهد (ص 360). (¬3) انظر: المقرب لابن عصفور (1/ 50) من المطبوع المحقق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراد ابن عصفور بذلك أن البدل حصل قبل دخول الجازم، وهي لغة ضعيفة حكاها الأخفش (¬1). أما إذا كان البدل بعد دخول الجازم فلا حذف أصلا لأن الجازم قد عمل عمله في حذف الضمة من الهمزة قبل الإبدال. وقد رد على ابن عصفور ما ذكره من جواز الحذف، وقالوا: لا يجوز إلّا الإقرار. وقال ابن الضائع: «حكم الهمزة المسهّلة حكم الهمزة المخفّفة، فلا يجوز إلّا: لم يقرا زيد بألف ساكنة على لغة من سهّل. وأمّا قوله: وإلّا يبد بالظّلم يظلم فضرورة. ووجهها مراعاة اللّفظ بعد التّسهيل، كما أنّ منهم من يدغم [1/ 77] رويا بعد التّسهيل». انتهى (¬2). وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى (¬3): «الوجهان اللّذان ذكرهما ابن عصفور مبنيّان على إبدال حرف العلّة: هل هو بدل قياسيّ أو غير قياسي؟ فإن قلنا: إنه بدل قياسي ثبت حرف العلّة مع الجازم؛ لأنّه همزة كما كان قبل البدل، وإن قلنا: إنه بدل غير قياسي صار حرف العلة متمحضا، وليس بهمزة فيحذف كما يحذف حرف العلّة المحض في يغزو ويخشى» انتهى (¬4) وهو كلام جيد. وقد رد استشهاد ابن عصفور بأنه يقال في بدأ يبدأ: بدي يبدى كبقي يبقى (¬5) فعلى هذا يكون قوله: «وإلّا يبد» من هذه اللغة فلا تكون ألفه إذ ذاك بدلا من همزة. ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 204). والذي حكاه الأخفش هو قولهم: قريت وتوضّيت ورقوت في قرأت وتوضّأت ورقأت. (¬2) انظر شرح الجمل لابن الضائع (مخطوط بدار الكتب رقم 19 نحو، جـ 1 ورقة 10)، وفيه بحث مفيد عن حكم الهمز بأنواعه وبقية تعليقه على البيت، يقول: «حذف ألف يبدأ بعد التّسهيل للجزم فكأنّه جزمه مرّتين لأنّه لولا الجزم الأوّل لم تسكّن الهمزة». (¬3) جملة الدعاء ناقصة من نسخة (ب)، (جـ). (¬4) انظر التعليقة لبهاء الدين بن النحاس (باب معرفة علامات الإعراب) وهو إملاء كتبه ابن النحاس على مقرب ابن عصفور. (¬5) في لسان العرب مادة بدأ (1/ 223): «بديت بالشّيء قدّمته وبديت بالشّيء وبدأت: ابتدأت.

[بناء حرف العلة مع الجازم للضرورة]

[بناء حرف العلة مع الجازم للضرورة] قال ابن مالك: (إلّا في الضّرورة فيقدّر لأجلها جزمها). قال ناظر الجيش: هذا استثناء من قوله: وينوب حذف الثّلاثة عن السّكون، يعني أن الأحرف المذكورة قد لا تحذف حال الجزم بل تقر للضرورة. قال المصنف (¬1): اكتفي بتقدير طرآن السكون مسبوقا بحركة، وأنشد قول الشاعر: 72 - إذا العجوز غضبت فطلّق ... ولا ترضّاها ولا تملّق (¬2) وقول الآخر: 73 - ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 55). (¬2) البيتان من رجز رؤبة المشطور (ملحقات ديوان رؤبة ص 189)، وهما أيضا في معجم الأدباء لياقوت (11/ 150) في ترجمة رؤبة. وهو ينصح الرجال وبعدهما قوله: واعمد لأخرى ذات دلّ مؤنق ... ليّنة اللّمس كلمس الخرنق اللغة: تملق: من معنى ترضى. دل مؤنق: أي معجب اسم فاعل من أنق. الخرنق: بكسر أوله وثالثه: ولد الأرنب. وشاهده: واضح. وقال بعضهم: ليست لا الناهية الجازمة، وإنما هي النافية والواو فيه للحال (حاشية يس على التصريح: 1/ 87) والتمثيل بالأبيات الثلاثة للألف والياء والواو. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 207)، ومعجم الشواهد (ص 508). (¬3) البيت من بحر الوافر مطلع قصيدة لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة العبسي قالها في قصة شحناء وقعت بينه وبين بني زياد بسبب درع أخذها الربيع بن زياد منه فأخذ قيس إبلهم، فباعها لعبد الله ابن جدعان القرشي بمكة، وذلك قوله بعد بيت الشاهد: ومحبسها على القرشيّ تشرى ... بأدراع وأسياف حداد انظر القصيدة في أمالي ابن الشجري (1/ 85). اللغة: الأنباء: الأخبار، تنمي: تشيع وتنشر. لبون: الناقة الشابة ويروى مكانها قلوص. بنو زياد: هم الربيع وإخوته: عمارة وقيس وأنس وأمهم فاطمة بنت الخرشب الأنمارية إحدى المنجبات في العرب. وقيس يفتخر بشجاعته وقوته على بني زياد حيث اغتصب إبلهم. وشاهده كالذي قبله وقوله: بما لاقت: فاعل يأتيك زيدت فيه الباء ضرورة وقيل الفاعل مضمر وهذا يتعلق به، والبيت في شرح التسهيل (1/ 56)، وفي التذييل والتكميل (1/ 206)، وفي معجم الشواهد (ص 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 74 - هجوت. زبّان ثمّ جئت معتذرا ... من هجو زبّان لم تهجو ولم تدع (¬1) فاكتفى قائل ذلك بحذف الحركة المقدرة. وهذا مما يقوى به مذهب سيبويه، وهو أن الفعل المعتل يقدر فيه الحركات كما يقدر في الاسم المعتل. ومنع بعضهم إثبات الألف، وعلله بأن الألف لا تقبل الحركة فلا يجوز لذلك إجراء ما هي فيه مجرى الصحيح. وبأن الجازم (¬2) إذا حذف الحركة المقدرة فيها، وجب رجوع الألف إلى أصلها لفقد الموجب لانقلابها وهو الحركة، فيقال: لم يخش؛ فلما لم يقولوا ذلك دل على أنهم لا يحذفون الحركة المقدرة في الألف. وقد استدل على إثبات الألف حال الجزم بقوله تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى (¬3) وبقول القائل: «ولا ترضّاها» في البيت المتقدم. وبقول الآخر: 75 - وتضحك منّي شيخة عبشميّة ... كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو لأبي عمرو بن العلاء، وقد احتج به صاحب نزهة الألباء على أن أبا عمرو اسمه زبان وأن الفرزدق كان قد هجاه، ثم جاء يعتذر إليه، فقال له أبو عمرو هذا البيت (نزهة الألباء ص 24). اللغة: زبان: أصله من الزبب وهو كثرة الشعر وطوله وهو أحد ألقاب أبي عمرو أو أحد أسمائه. ولم تدع: لم تترك الهجو. ومعناه واضح. والشاهد في هذه الأبيات الثلاثة: بقاء حرف العلة في المضارع المجزوم للضرورة وهو في الأول: الألف وفي الثاني: الياء وفي الثالث: الواو. ومثل ذلك قوله (من الوافر): فإنك إن ترى عرصات جمل ... بعافية فأنت إذا سعيد وقول امرئ القيس (من الطويل) وهو في الأمر: ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي. وبيت الشاهد في شرح التسهيل (1/ 56)، وفي التذييل والتكميل (1/ 206)، وفي معجم الشواهد (ص 230). (¬2) علة ثانية لوجوب حذف الألف عند دخول الجازم. (¬3) سورة طه: 77. وفي نسخة (ب): لا تخاف، والاستشهاد على أن لا فيه ناهية فيجب جزمه. قال ابن خالويه (الحجة في القراءات ص 245): «أجمع القراء على الرفع في: لا تخاف إلا حمزة؛ فإنه قرأه بالجزم على طريق النّهي فالحجة لمن رفع أنه جعل لا فيه بمعنى ليس. فإن قيل: فما حجّة حمزة في إثبات الياء في تخشى وحذفها علم الجزم؟ قيل: له في ذلك وجهان ....» انظر الشرح وانظر القراءات في كتاب النشر (2/ 321). (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة قالها عبد يغوث بن وقاص الحارثي، وكان أسر يوم الكلاب مطلعها: ألا لا تلوماني كفى اللّوم ما بيا ... فما لكما في اللّوم خير ولا ليا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتأول السيرافي الآية الكريمة: على أن: ولا تخشى مجزوم بحذف الألف، وأن هذه الألف جيء بها لمراعاة الفواصل، وتأوله بعضهم على أنه مرفوع على الاستئناف أي: ولأنت لا تخشى (¬1). وأما: ولا ترضّاها فيؤول على أنه فعل مرفوع خبر لمبتدأ محذوف، والجملة حالية أو مستأنفة. وأما: كأن لم ترى قبلي، في رواية من رواه بالألف: فقيل: الألف إشباع. وتأوله الفارسي: على أن أصله ترأى على لغة من قال: رأى يرأى بإثبات الهمزة في المضارع، فلما دخل الجازم حذف الألف، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء وأبدلت الهمزة ألفا، كما قالوا في المرأة والكمأة: المراة والكماة. ولم تحذف الهمزة على قياس النّقل، والتخفيف الكثير في كلامهم (¬2). - ¬

_ - وبعد بيت الشاهد قوله: وظلّ نساء الحيّ حولي ركّدا ... يراودن منّي ما تريد نسائيا وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معديّا عليه وعاديا انظر القصيدة في المفضليات: (2/ 607) (الآباء اليسوعيين - بيروت سنة 1920). اللغة: شيخة عبشميّة: أي من بني عبد شمس، وقد ضحكت منه لأن ابنها الأهوج أسره، وكان عبد يغوث سيد قومه. وشاهده: بقاء حرف العلة مع الجازم فقيل ضرورة وقيل الياء ليست حرف علة وإنما هي ياء المخاطبة وفي البيت التفات من الغيبة إلى الخطاب والفعل مجزوم بحذف النون. وانظر رأي الفارسي أيضا في الشرح. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 197)، وفي معجم الشواهد (ص 423). ترجمة الشاعر: هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي، شاعر من أهل بيت شعر معروف في الجاهلية والإسلام. كان فارسا وسيدا لقومه بني الحارث بن كعب وكان قائدهم في يوم الكلاب وفي هذا اليوم أسر وقتل. انظر ترجمته وأخبار أسره وقتله وقصة بيت الشاهد في الخزانة (2/ 172). (¬1) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (4/ 459) (رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية) وتقول: «ذره يقل ذاك وذره يقول ذاك فالرفع من وجهين: أحدهما على الابتداء والآخر على قوله: ذره قائلا ذاك فتجعل يقول في موضع قائل. فمثال الجزم قوله تعالى: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ [الحجر: 3]. ومثال الرفع قوله جل ثناؤه: ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ [الأنعام: 91]، وقال الله تعالى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى فالرفع على الوجهين على الابتداء وعلى قوله: اضرب غير خائف ولا خاش». (¬2) انظر في تخريج رأي أبي علي الفارسي: المسائل العسكريات له (ص 264) د/ الشاطر.

[الضرورة وإعراب الأفعال والأسماء]

[الضرورة وإعراب الأفعال والأسماء] قال ابن مالك: (ويظهر لأجلها جرّ الياء ورفعها ورفع الواو ويقدّر لأجلها كثيرا، وفي السّعة قليلا نصبهما ورفع الحرف الصّحيح وجرّه، وربّما قدّر جزم الياء في السّعة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد روي: كأن لم تري على أن التاء للخطاب على طريق التفات إليه من الغيبة، فلا شاهد في البيت على هذا. وذهب بعضهم عند إثبات الحروف الثلاثة حال الجزم إلى أن المحذوف هو الضمة الظاهرة، وأن ذلك على لغة من ضم الياء والواو [1/ 78] حال الرفع، كما سيأتي أن رفعهما قد يظهر في الضرورة. والقائلون بذلك منعوا إقرار الألف مع الجازم؛ لأن الألف لا يظهر فيها الضمة ولا غيرها من الحركات. وليس هذا القول بصحيح؛ لأن إثبات هذه الأحرف مع الجازم قد جاء كثيرا. وتحريك الياء والواو بالضم إنما هو لغة ضعيفة على أن ذلك مسموع من غير أصحاب تلك اللغة أيضا. واعلم أنه يجوز في الشعر الجزم بعد حذف هذه الأحرف تشبيها بما لم يحذف منه شيء تقول: لم يغز، ولم يخش، ولم يرم؛ فيسكن بعد الحذف كما يسكن يضرب إذا دخل عليه جازم. ومنه قول الشاعر: 76 - ومن يتّق فإنّ الله معه ... ورزق الله مؤتاب وغادي (¬1) حذف حركة القاف من يتق بعد حذف الياء. قال ناظر الجيش: أي: ويظهر لأجل الضرورة جر الياء ورفعها ورفع الواو، - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر ومع دورانه في كتب النحو واللغة لم ينسب إلى أحد. اللغة: ومن يتق: من التقوى وهو موضع الشاهد حيث سكنت القاف وحقها الكسر. مؤتاب وغادي: آت ورائح، والبيت في لسان العرب (مادة: أوب) (1/ 167) مستشهدا به على أن آب وائتاب بمعنى واحد. ومعنى البيت من قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2، 3]. وانظر البيت في التذييل والتكميل (1/ 210) وفي معجم الشواهد (ص 124).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فظهور جر الياء كقول أبي طالب: 77 - كذبتم وبيت الله نبزي محمّدا ... ولم تختضب سمر العوالي بالدّم (¬1) وقول الآخر: 78 - ما إن رأيت ولا أرى في مدّتي ... كجواري يلعبن في الصّحراء (¬2) وظهور رفعها في الاسم كقول جرير: 79 - وعرق الفرزدق شرّ العروق ... خبيث الثّرى كابي الأزند (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل قاله أبو طالب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم من قصيدة يسفه فيها أحلام قريش؛ حيث طلبوا منه أن يسلم لهم محمدا ليقتلوه. اللغة: نبزي: نبطش به أو نقهره. تختضب: تتلون. العوالي: جمع عالية وهي رأس الرمح. وأبو طالب يهدد قريشا بالحرب ويذكر أنه لن يسلم لهم محمدا إلا بالسيف وقتل الفرسان. وقد روي البيت برواية أخرى. يرجون أن نسخى بقتل محمّد ... ولم تختضب سمر العوالي بالدّم كما روي برواية ثالثة (لسان العرب مادة (بزا): كذبتم وبيت الله يبزى محمد ... ولما نطاعن دونه ونناضل ولا شاهد في البيت على هذه الرواية وشاهده قوله: سمر العوالي حيث ظهرت الكسرة فوق المعتل بالياء ضرورة. والبيت في معجم الشواهد (ص 362) وفي شرح التسهيل (1/ 56) وفي التذييل والتكميل (1/ 211). (¬2) البيت من بحر الكامل قال عنه محقق شرح المفصل لابن يعيش: (10/ 104): لم أقف على نسبة هذا البيت ولا وجدت أحدا ذكر له سابقا أو لاحقا. اللغة: مدتي: أي مدة عمري. الجواري: جمع جارية وهي الشابة. وفي البيت ضرورتان: إثبات الياء وتحريكها، وكان حقه أن يحذفها فيقول: جوار. الثانية: أنه صرف ما لا ينصرف؛ وكان الوجه لما أثبت الياء إجراء لها مجرى الصحيح أن يمنع من الصرف فيقول: كجواري (شرح الشافية: 4/ 404). والبيت في معجم الشواهد (ص 24) وفي التذييل والتكميل (1/ 211). (¬3) البيت من بحر المتقارب من قصيدة طويلة لجرير يهجو فيها الفرزدق مطلعها: زار الفرزدق أهل الحجاز ... فلم يحظ فيهم ولم يحمد وأخزيت قومك عند الحطيم ... وبين البقيعين والفرقد انظر الديوان (ص 102). اللغة: الحطيم: ما بين الركن وزمزم والمقام. البقيعين والفرقد: من بقاع المدينة. خبيث الثرى: لئيم الأصل. كابي الأزند: أي زنده لا يقدح ومعناه: لا خير فيه. والبيت من أقذع أنواع الهجاء حيث إن المهجو لئيم في نفسه ولئيم في آبائه وأجداده. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الفعل كقول الآخر: 80 - فعوضني منها غناي ولم تكن ... تساوي عندي غير خمس دراهم (¬1) وظهور رفع الواو كقول رجل من طيئ: 81 - إذا قلت علّ القلب يسلو قيّضت ... هواجس لا تنفكّ تغريه بالوجد (¬2) وتقدر لأجل الضرورة كثيرا نصب الياء والواو، فمثال الياء قول الشاعر: 82 - كأنّ أيديهنّ بالقاع القرق ... أيدي جوار يتعاطين الورق (¬3) وقول زهير: - ¬

_ - واستشهد به على ما في البيت قبله؛ حيث حركت الياء بالضمة وهذا لا يجوز. والبيت في شرح التسهيل (1/ 57) وفي التذييل والتكميل (1/ 212). وهو في معجم الشواهد (ص 130). (¬1) البيت من بحر الطويل لرجل من الأعراب يمدح عبد الله بن العباس رضي الله عنهما وكان عبد الله نزل به وهو متوجه إلى معاوية بالشام فأضافه الإعرابي وذبح له عنزا لا يملك سواها، فأعطاه عبد الله ما أغناه، فمدحه بأبيات مطلعها: توسّمته لما رأيت مهابة ... عليه وقلت المرء من آل هاشم انظر خبر ذلك والأبيات في الدرر اللوامع: (1/ 30). والبيت واضح بعد ذلك معنى وشاهدا. وانظر مراجعه في معجم الشواهد (ص 365) وفي التذييل والتكميل: (1/ 212). (¬2) البيت من بحر الطويل ولم ينسب إلا لرجل من طيئ كما في الشرح. اللغة: قيضت: سلطت. الهواجس: الخواطر. لا تنفك: لا تزال. تغريه: تدفعه. والشاعر يمني نفسه بنسيان أحبابه ولكنه لا يستطيع. وشاهده واضح. وانظر: البيت في شرح التسهيل (1/ 57). وفي التذييل والتكميل (1/ 207). وهو في معجم الشواهد (ص 110). (¬3) البيتان من رجز رؤبة في ملحقات ديوانه (ص 179) وهما بيتان مفردان يصف فيهما إبلا. اللغة: القاع: المكان المستوي. القرق: بفتح القاف وكسر الراء الأملس أو الذي فيه الحصى. جوار: جمع جارية وهي الشابة: يتعاطين الورق: يناول الدراهم بعضهن بعضا. المعنى: يشبه رؤبة حذف مناسم الإبل للحصى بحذف الجواري للدراهم وهن يلعبن بها. ويستشهد بالبيت على إسكان الياء في حالة النصب وهو جائز في الضرورة (الضرائر لابن عصفور: ص 165) بل من أحسن الضرورات. انظر البيت في شرح التسهيل (1/ 57) وفي التذييل والتكميل (1/ 213) وفي معجم الشواهد (ص 505).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 83 - ومن يعص أطراف الرّماح فإنّه ... يطيع العوالي ركّبت كلّ لهذم (¬1) وقول الآخر [1/ 79]: 84 - ولو أنّ واش باليمامة داره ... وداري بأعلى حضر موت اهتدى ليا (¬2) وقول الآخر: 85 - وكسوت عار لحمه فتركته ... جذلان يسحب ذيله ورداه (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من معلقة زهير التي سبق الحديث عنها، والبيت من حكمه المشهورة في تلك القصيدة التي أعجب بها عمر بن الخطاب وهي مشهورة. ويلاحظ اختلاف رواية الشاهد في الديوان والشرح. اللغة: اللهذم: القاطع والمقصود السيف الباتر. والمعنى: من أبى الصلح وعصاه أطاع العوالي وجاء بالحرب. وهو كسابقه في الشاهد. والبيت ليس في معجم الشواهد، ولكنه في شرح التسهيل (1/ 57) وفي التذييل والتكميل (1/ 213). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو لمجنون ليلى من قصيدة له اسمها المؤنسة وهي أطول قصائده قيل: كان يحفظها دون أشعاره وينشدها إذا خلا بنفسه، وهي من السيولة والرقة بمكان، انظرها في الديوان (ص 204، ص 294) طبعة دار الكتاب العربي ومطلعها: تذكرت ليلى والسّنين الخواليا ... وأيام لا نخشى على الدّهر ناهيا ويستشهد بالبيت على عدم ظهور النصب في واش وهو عند أكثرهم ضرورة. أقول: وتسكين المنقوص النكرة في حالة النصب قبيح؛ حيث يخلو الاسم من الحركة والألف واللام بخلاف المعرفة الذي يفقد الحركة فقط (انظر الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي، رسالة ما جستير للدكتور/ علي محمد فاخر بكلية اللغة ص 123). والبيت في معجم الشواهد (ص 124) وفي التذييل والتكميل (1/ 213). ترجمة الشاعر: هو قيس بن معاذ ويقال له قيس بن الملوح من بني عقيل بن كعب، لقب بالمجنون لذهاب عقله من شدة عشقه، تعلق حبه بليلى وهما صبيان حتى كبر فكبر حبه معه ونسي كل شيء إلا حبه لليلى، وقد شبب بها حتى هدر السلطان دمه. ولما خطبها من أبيها أبى؛ لأنه فضحها في شعره وكانت ليلى تبادله الحب وتحفظ شعره - هجر قيس الناس وعاش في الصحراء. وفي يوم طلبه أبوه وإخوته فوجدوه ميتا بها، وكان ذلك سنة (68 هـ). انظر ترجمة قيس في الشعر والشعراء (2/ 568)، الأعلام (6/ 60). (¬3) البيت من بحر الكامل لم ينسب في مراجعه، وقائله يفتخر أنه كسا عاريا وألبسه لباسا حسنا؛ مما جعل ذلك المكسو مسرورا جذلا. وشاهده قوله: عار وكان الأولى أن يقول عاريا، فقدر الفتحة على المنقوص النكرة وهو قبيح. والبيت في معجم الشواهد (ص 119) وفي التذييل والتكميل (1/ 214).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل: وتقدير نصب الياء من الضرورات الحسنة. ومثال الواو قول كعب بن زهير (¬1): 86 - أرجو وآمل أن تدنو مودّتها ... وما إخال لدينا منك تنويل (¬2) وقول الآخر: 87 - إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها ... [رفعن وأنزلن القطين المولّدا] (¬3) ومن ورود ذلك في السعة قراءة جعفر الصادق (¬4) رضي الله عنه: من أوسط ما تطعمون أهاليكم (¬5) بسكون الياء. - ¬

_ (¬1) هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني، شاعر عالي الطبقة من أهل نجد، من أعرق الناس في الشعر؛ حيث كان أبوه وأخوه وابنه وحفيده شعراء. ومن هنا اشتهر بيتهم بالشعر أيام الجاهلية. ولمّا ظهر الإسلام أخذ كعب هذا يشبب بنساء المسلمين ويهجو النبي صلّى الله عليه وسلّم فهدر النبي دمه فجاءه يطلب منه الأمان ويعلن أمامه الإسلام وأنشده مادحا لاميته المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد؛ فعفا عنه النبي وخلع عليه بردته، وعاش إلى ما بعد خلافة عمر حيث توفي سنة (26 هـ). انظر ترجمته في الأعلام (6/ 81)، الشعر والشعراء (1/ 162). (¬2) البيت من بحر البسيط وهو من القصيدة المشهورة التي أنشدها كعب للنبي - عليه الصلاة والسّلام - في مدحه والتي بدأها بالغزل وبيت الشاهد في الغزل والتشبيب بمحبوبته سعاد، وبيت الشاهد في الديوان هكذا: أرجو وآمل أن يعجلن في أبد ... وما لهنّ طوال الدّهر تعجيل أي ما لهن تصديق في وعد؛ وهو بهذه الرواية لا شاهد فيه. وانظر الديوان (ص 6). وشاهده واضح. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 57) وفي التذييل والتكميل (1/ 215) وفي معجم الشواهد (ص 294). (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للأخطل يمدح بها يزيد بن معاوية، ويبدؤها بالغزل (الديوان ص 86). اللغة: رفعن: أسرعن، القطين: الخدم، المولد: الذي نشأ في العرب وليس منهم. المعنى: يذكر الشاعر أنه إذا ما عزم على اللهو بسماع حديث النساء فإنهن ينفرن منه ويسرعن في سيرهن وينزلن الخدم لئلا يسمعوا حديثهن. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 92) وهو أيضا في التذييل والتكميل: (1/ 214). (¬4) هو جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط الهاشمي القرشي أبو عبد الله. ولقب بالصادق؛ لأنه لم يعرف عنه الكذب قطّ كان جريئا في الحق صداعا به، وله مع خلفاء بني العباس أخبار في ذلك. وقد ولد بالمدينة سنة (80 هـ) ومات بها سنة (148 هـ). انظر ترجمته في الأعلام (2/ 121)، غاية النهاية (1/ 196). (¬5) سورة المائدة: 89. وانظر القراءة في المحتسب (1/ 217).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقراءة غيره: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ (¬1)، بسكون الواو. وتقدير رفع الحرف الصحيح كقراءة مسلمة بن محارب: وبعولتهن أحق بردهن (¬2) بسكون التاء. وحكى أبو زيد: (ورسلنا لديهم) (¬3) بإسكان اللام. وذكر أبو عمرو أن لغة بني تميم تسكين المرفوع من: يعلمهم ونحوه (¬4). وتقدير جر الحرف الصحيح كقراءة أبي عمرو: فتوبوا إلى بارئكم (¬5). وقراءة حمزة (¬6): ومكر السيء (¬7). وهذا الذي حكاه المصنف من تقدير حركة الحرف الصحيح فيه ردّ على المبرد؛ لأنه زعم أن ذلك لا يجوز في شعر ولا غيره (¬8)، وعلى من زعم أن ذلك إنما يجوز - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 237، وهي قراءة الحسن، قال ابن جني: «أصل السّكون للألف؛ لأنّها لا تحرّك أبدا ثمّ شبّهت الياء بالألف لقربها» (المحتسب: 1/ 125). (¬2) سورة البقرة: 228، وانظر القراءة في المحتسب (1/ 122). (¬3) سورة الزخرف: 80، وانظر القراءة في المحتسب (1/ 109). (¬4) انظر التذييل والتكميل (1/ 215). (¬5) سورة البقرة: 54. وانظر في القراءة الحجة لابن خالويه (ص 77) قال: «رواه اليزيديّ عن أبي عمرو بإسكان الهمزة فيه وفي قوله: يأمركم وينصركم ويلعنهم ويجمعكم وأسلحتكم. يسكّن ذلك كلّه كراهة لتوالي الحركات، كقول امرئ القيس: فاليوم أشرب غير مستحقب .... وقد خرّج الإسكان على أنّ أصل القراءة باختلاس الهمزة والحركة؛ لأنّ أبا عمرو كان يميل إلى التّخفيف فيرى من سمعه يختلس أنّه يسكّن». وأبو عمرو: هو أبو عمرو بن العلاء من القراء السبعة. (¬6) هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل التيمي الزيات، أحد القراء السبعة، كان من موالي التيم فنسب إليهم. كان عالما بالقراءات، انعقد الإجماع على تلقي قراءته بالقبول، قال الثوري: ما قرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر. وقد عمل بالتجارة بين الكوفة والعراق. ولد سنة (80 هـ) وتوفي سنة (156 هـ). انظر ترجمته في الأعلام: (2/ 108). غاية النهاية: (1/ 161 - 163). (¬7) سورة فاطر: 43، وانظر في القراءة الحجة لابن خالويه (ص 297)، وقد قال فيه: إنما فعل حمزة ذلك تخفيفا للحرف لاجتماع الكسرات وتواليها مع الهمزة، كما خفف أبو عمرو في قوله: بارِئِكُمْ. * (¬8) انظر: التذييل والتكميل (1/ 205).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الشعر؛ لأن من حفظ كلامه حجة على من لم يحفظ. كيف وقد ذكر أبو عمرو أن ذلك لغة لبني تميم؟ قال الشيخ: «وقد أغفل المصنف ذكر مسائل تقدّر فيها الحركات الثّلاث مع أن الحرف الذي يقدّر فيه صحيح، منها الحرف المدغم كقوله تعالى: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ (¬1)، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى (¬2)، وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (¬3). ومنها المحكي: نحو من زيدا؟ لمن قال لك: ضربت زيدا، ومنها المضاف إلى ياء المتكلم نحو قام غلامي» انتهى (¬4). والجواب: أن الذي يقدر فيه حركة الإعراب مما آخره صحيح قسمان: - قسم امتنع فيه النطق بالحركة لعارض، فلزم فيه التقدير؛ فهذا لا يحتاج إلى التنبيه عليه لوضوح الأمر فيه. وذلك كالمدغم والمحكي والمضاف إلى الياء. - وقسم يمكن فيه الإتيان بالحركة فسكن جوازا كتسكين تاء وَبُعُولَتُهُنَّ [البقرة: 228] ولام وَرُسُلُنا [الزخرف: 80] والأصل يقتضي ألا يسكن؛ فهذا يجب التنبيه عليه لخروجه عن الأصل. وأيضا فالحق أن المصنف لم يقصد ذكر الأماكن التي فاتت الكلمة الصحيحة الآخر فيها الحركة؛ لأن هذا أمر واضح لا يحتاج إلى تبيين، وإنما قصد الإشارة إلى كلمات من حقها الحركة فسكنت دون مقتض يوجب التسكين. وعلى هذا فلا يتوجه على المصنف استدراك. وأما قوله: وربّما قدّر جزم الياء في السّعة فالإشارة به إلى قراءة قنبل (¬5) رضي الله عنه: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 251. (¬2) سورة الحج: 2. (¬3) سورة العاديات: 1. (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 217). (¬5) هو أبو عمر قنبل بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن سعيد المكي. وقنبل لقب غلب عليه وسمي بذلك؛ لأنه كان يستعمل دواء يقال له قنبيل شاف للبصر. ولد في أيام الأمين سنة (195 هـ). وقرأ على عبد الله بن كثير. وممن قرأ عليه ابن مجاهد، وكان قنبل يلي الشرزة وكان لا يليها إلا أهل العلم والفضل لتقوم بواجبها، عاش ستّا وتسعين سنة وقطع الإقراء في آخرها لاضطراب عقله، ومات سنة (291 هـ). انظر ترجمته في معجم الأدباء (17/ 17)، غاية النهاية (3/ 165).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ (¬1). وقال الشيخ: «يمكن أن تكون من موصولة ويتقي مرفوع وهو صلتها ويكون «ويصبر» معطوفا على التوهم لا على مجزوم في اللّفظ؛ فكأنه توهّم أنه تقدم اسم شرط وجزم به وعطف على مجزوم» انتهى (¬2). ولا يخفى ما في هذا التخريج من التكلف ولا بد في عطف التوهم من صلاحية المعطوف عليه لقبول ما توهم فيه لفظا، كقوله تعالى: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ (¬3)، أو محلّا كقوله تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ (¬4). ويتقي ليس صالحا لذلك إذا قيل بموصولية من؛ فالتوهم الذي اعتبره الشيخ ليس هو التوهم المعتبر عند النحاة. * * * ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 90. والقراءة المشهورة بكسر القاف وحذف الياء علامة للجزم بالشرط؛ وقرأ قنبل بإثبات الياء وله في ذلك وجهان: أحدهما: أن من العرب من يجري الفعل المعتل مجرى الصحيح، فيقول: لم يأتي زيد. والاختيار حذف الياء للجازم. الثاني: أنه أسقط الياء ثم أبقى الكاف على كسرتها وأشبعها لفظا، مثل: أنظور في أنظر. وتوجيه الشارح غير ذلك وهو أن الفعل مجزوم بسكون مقدر على الياء إجراء للمعتل مجرى الصحيح. ووجهه أبو حيان بتوجيه آخر في الشرح، وانظر في قراءة قنبل وتوجيهها الحجة لابن خالويه (ص 198). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 218). (¬3) سورة المنافقون: 10. والقراءة بجزم أكن عطفا على فأصدق بتقدير سقوط الفاء وجزم أصدق، وأن معناه: إن أخرتني أصدق وأكن ويسمى العطف على المعنى في القرآن؛ ويقال له في غير القرآن العطف على التوهم. كما قرئ بنصب أكن عطفا على اللفظ. (¬4) سورة الأعراف: 186. قرئ ويذرهم بالرفع على الاستئناف وبالجزم عطفا على موضع «فلا هادي له» لأنه جواب الشرط وقيل: سكن لتوالي الحركات (التبيان: 1/ 606).

الباب الرابع باب إعراب المثنى والمجموع على حده

الباب الرابع باب إعراب المثنّى والمجموع على حده * [تعريف المثنى وإعرابه] قال ابن مالك: (التّثنية جعل الاسم القابل دليل اثنين متّفقين في اللّفظ غالبا، وفي المعنى على رأي بزيادة ألف في آخره رفعا وياء مفتوح ما قبلها جرّا ونصبا تليهما نون مكسورة فتحها لغة، وقد تضمّ وتسقط للإضافة أو للضّرورة، أو لتقصير صلة ولزوم الألف لغة حارثيّة). قال ناظر الجيش: هذا آخر أبواب الكلام على الإعراب، وأراد بقوله: والمجموع على حدّه: ما جمع بالواو والنون؛ لأنه كالمثنى في كون دلالته على ما زاد على الواحد بزيادة في الآخر وكون الزيادة حرفين، وكون الحرف الأول منهما يتغير في حالتي النصب والجر. وقدم المصنف على ذكر إعرابيهما (¬1) ذكر حدي التثنية والجمع [1/ 80]. وإنما قال: جعل الاسم، ولم يقل جعل الواحد؛ لأن المجعول مثنى يكون واحدا كرجل ورجلين، ويكون جمعا واسم جمع واسم جنس كجمالين وركبين وغنمين. أما كون تثنية هذه الثلاثة غير مقيس فهو شيء آخر؛ وإنما أراد المصنف أنها تثنى في الجملة. قال المصنف: «والمراد بالجعل تصرّف النّاطق بالاسم على هذا الوجه المذكور، وليس المراد به وضع الواضع فيدخل في الحدّ نحو زكا من الموضوع لاثنين» (¬2). وهذا ليس بجيد؛ لأن الإرادات في الحدود مردودة، وأيضا فالمثنى والمجموع من قبيل الكلمات المفردة المعتبر فيها الوضع، فالحق أن لا يراد بالجعل خلاف ما يفهم منه ابتداء وهو الوضع. ولا يضر دخول نحو زكا في الحد؛ لأنه يخرج بقوله بعد: بزيادة ألف في آخره. ونبه بقوله: القابل على أن من الأسماء غير قابل للتثنية كالمثنى والمجموع على - ¬

_ (¬1) انظر إلى قوله: إعرابيهما من تثنية المضاف إلى ما يتضمنه من مثنى والمختار فيه الجمع: أعاريب، ثم المفرد: إعراب. (¬2) الزكا: بفتح الزاي مقصور الشفع من العدد، وانظر في كلام المصنف: شرح التسهيل (1/ 62).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حدّه والمجموع الذي لا نظير له في الآحاد (¬1). وأسماء العدد غير المائة والألف وليس للتثنية. على أن من الأسماء ما لا يقبل التثنية فدخل في الحد، فكان الأولى إهمال لفظ القابل. وقوله: دليل اثنين هو متعلق جعل؛ فهو تبيين لمعنى المثنى. وجعله الشيخ احترازا عن الجمع المسلم (¬2)، وليس بجيد؛ لأنه لم يتقدم ما يدخل فيه الجمع فيخرجه. وأشار بقوله: متّفقين في اللفظ إلى أن شرط المثنى أن يكون مفرداه متفقي اللفظ كرجلين. وأما غالبا فاحترز به من نحو القمرين في الشمس والقمر. وليس بجيد؛ فإنه يقتضي إطلاق المثنى على نحو القمرين وهو الذي يقتضيه كلامه في الشرح أيضا؛ لأنه قال (¬3): «ولما كان من المثنى ما مفرداه متفقا اللفظ وهو المقيس كرجلين وما مفرداه مختلفا اللفظ وهو محفوظ كالقمرين نبهت على ذلك بقولي: غالبا». والحق أن القمرين ليس بمثنى، وقد قال المصنف بعد أن قيل فيه مثنى في مقتضى اللغة لا الاصطلاح: كما يقال لاسم الجمع جمع. وأما اتفاق مفردي المثنى في المعنى ففي اشتراطه خلاف: ذهب الجمهور إلى اشتراطه كما أنه يشترط الاتفاق في اللفظ، وذهب بعضهم إلى عدم اشتراطه فأجاز تثنية المختلفي المعنى، وإليه جنح المصنف (¬4). ولهذا قال: وفي المعنى على رأي، فأشعر أن مختاره خلاف ذلك وهو عدم الاشتراط. قال المصنف: كعين ناظرة وعين نابعة؛ فأكثر المتأخّرين على منع تثنية هذا النّوع وجمعه والأصح الجواز. - ¬

_ (¬1) مثل أبابيل بمعنى فرق فهو جمع بلا واحد. ولم يجز تثنية ما ذكره للزوم الثقل بجمعه وتثنيته وانظر في هذا الباب: بحث: من الأسماء ما لا يثنى. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 225). قال أبو حيان بعده: «وخرج بذلك ما لفظه لفظ تثنية وليس بتثنية في المعنى وذلك أشياء: ما أريد بلفظ التثنية فيه التكثير نحو حنانيك، ما جعل لفظ التثنية فيه لشيء واحد نحو المقصين والجلمين. ما كان إلحاق العلامة فيه تأكيدا لمعنى التثنية نحو اثنان واثنتان». (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 59). (¬4) قال السيوطي في الهمع (1/ 43): «وهل يشترط اتفاق المعنى؟ فيه أقوال: أحدها: نعم وعليه أكثر المأخرين فمنعوا تثنية المشترك والمجاز وجمعهما، والثّاني: لا، وصحّحه ابن مالك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: بزيادة ألف في آخره رفعا وياء مفتوح ما قبلها نصبا وجرّا متعلق بقوله دليل اثنين أي دلالته على الاثنين بزيادة كذا وكذا. قال المصنف (¬1): وقيّد بالزّيادة لئلّا يدخل المصدر المجعول للاثنين خبرا أو نعتا نحو: هذان رضا ومررت برجلين رضا. وهذا ليس بجيد؛ فإن المصدر لم يجعل دليل اثنين حتى يحترز عنه، إنما أطلق على اثنين، ولا يلزم من الإطلاق كونه دالّا عليهما. وعلى هذا ينبغي أن يكون بزيادة مخرجا لنحو زكا كما تقدم التنبيه عليه. وقوله: تليهما نون مكسورة أي تلي الألف والياء وسيأتي الكلام على الألف والياء وعلى النون [1/ 81] أيضا. هذا شرح الحد. وقد علمت ما فيه وما توجه على كلامه في المتن والشرح من المناقشة. ثم ها هنا أبحاث: الأول: قد علمت أن من الأسماء ما لا يثنى: وذلك إما لأمر يرجع إلى المعنى: وهو عدم الفائدة لو ثني نحو كلّ وبعض وواحد وعريب (¬2). وهذا النوع لم يتعرض المصنف إلى النص على عدم تثنيته لوضوح الأمر فيه. وإما لأمر يرجع إلى اللفظ: وهو إما الاستغناء عن تلك الكلمة بغيرها كأجمع وجمعاء في مذهب البصريين للاستغناء عن تثنيتهما بكلا وكلتا (¬3)، أو بلفظ موضوع للمعنى الذي يقصد الدلالة عليه بالاسم الذي يراد تثنيته: كأسماء العدد؛ فإنه استغني عن تثنية خمسة بعشرة وعن تثنية عشرة بعشرين مثلا. - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 59). (¬2) يقال: دار ما بها عريب ومعرب: أي ما بها أحد. (¬3) قال ابن مالك في ألفيته: واغن بكلتا في مثنّى وكلا ... عن وزن فعلاء ووزن أفعلا قال الأشموني: (3/ 78): «فلا يجوز جاء الزيدان أجمعان ولا الهندان جمعاوان. وأجاز ذلك الكوفيّون والأخفش قياسا معترفين بعدم السّماع». وقال السيوطي في الهمع: (1/ 43): «ممّا لا يثنّى لتعريفه أجمع وجمعاء في التّوكيد وأخواته خلافا للكوفيّين».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما لمشابهة ما لا يثنى (¬1) كأفعل من؛ فإنه جار مجرى فعل التعجب. وإما لكون الكلمة مطلوبة الحكاية كالجمل المسمى بها نحو تأبط شرّا. وإما للاستثقال كما في المثنى والمجموع على حده؛ لاستلزامه إعرابين في كلمة. وإما لأنه لا يشبه المفرد كالجمع الذي لا نظير له في الآحاد. وقد ذكر المصنف كلّا من هؤلاء المسائل في بابه (¬2)، وذكر المثنى والمجموع على حده هنا، والجمع الذي لا نظير له أيضا؛ لأن هذا الباب موضع ذكرها، وضم إليها أسماء العدد؛ ليشعر أن الحكم المذكور ليس مقصورا على المذكورات، وإلا فهذا الباب ليس موضع ذكرها، ولهذا ذكرها في باب العدد. البحث الثاني: استدل المصنف على جواز تثنية ما اختلف معناه وجمعه بأن «أصل التثنية والجمع العطف وهو في القبيلين جائز باتفاق والعدول عنه اختصار، وقد أوثر استعماله في أحدهما فليجز في الآخر قياسا» انتهى (¬3) ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال (¬4). ثم قال: «وقال بعضهم: اختصار التثنية كاختصار الخبر فكما جاز: زيد ضارب وعمرو فحذف خبر عمرو اكتفاء بخبر زيد لتوافقهما معنى، كذلك جاز أن يقال: جاء الضاربان في المتوافقين معنى؛ وكما لم يجز حذف خبر عمرو إذا خالف خبر زيد معنى وإن وافقه لفظا، كذلك لا يجوز أن يقال زيد وعمرو ضاربان مع تخالف المعنى». قال المصنف: والجواب عن ذلك من وجوه (¬5): - ¬

_ (¬1) النوع الثالث من الأنواع التي لا تثنى. (¬2) انظر الحديث عن الجمل المسمى بها في باب العلم، قال الشارح: وأما النقل من الفعل الماضي فنحو شمر وكعسب، فالأول من: شمر إزاره إذا رفعه أو شمر في الأمر خف والثاني من: كعسب إذا أسرع أو قارب الخطا. وأما الفعل المضارع فنحو تغلب ويشكر. وأما الأمر فنحو اصمت. وقال ابن مالك في تسهيل الفوائد (ص 119): في باب العدد: فصل: «لا يثنّى ولا يجمع من أسماء العدد المفتقرة إلى تمييز إلا مائة وألف». وقال في باب أفعل التفضيل (ص 133): «ويلزم أفعل التفضيل عاريا الإفراد والتذكير». وقال في باب التوكيد (ص 165): «ولا يثنى أجمع ولا جمعاء خلافا للكوفيين ومن وافقهم». (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 60). (¬4) وجه الضعف: أنه لا يشترط في المتعاطفين اتفاق أي اتفاق. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 63) واعلم أن المصنف يجوز تثنية المتحدين لفظا المختلفين معنى، تقول: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: «أن حذف الخبر المخالف معنى لم يجز؛ لأنه حذف بلا عوض في اللفظ، ولا دليل على معناه وأحد مفردي المثنى معوض عنه علامة التثنية ومقدور على الدلالة عليه بقرينة». الثاني: «أن ذكر عمرو في المثال المذكور يوقع في محذورين: أحدهما: توهم المحذوف مماثلا للمذكور. والآخر: توهم إلغاء ذكر عمرو والمثنى لا يتوهم فيه إلغاء». الثالث: «أن التخالف في اللفظ لا بد فيه من تخالف المعنى ولم يمنع من التثنية (¬1) فأن لا يمنع منها التخالف في المعنى مع عدم التخالف في اللفظ أحقّ وأولى» انتهى. وفيما ذكره من الأوجه الثلاثة نظر: أما الوجه الأول وقوله فيه: إن أحد مفردي المثنى [1/ 82] معوض عنه علامة التثنية فغير ظاهر؛ لأن العوضية لا تتحقق؛ إذ الاسم برمته هو الدال على المثنى، ومقتضى كلامه أن لفظ زيد مثلا في نحو الزيدين دال على أحد الاسمين، والعلامة دالة على الاسم الآخر. وبتقدير تحقق العوضية يجب أن يكون معنى ما هي عوض عنه معنى الاسم المقرون بها وإلا انتفت الدلالة عليه للمخالفة. وأما الوجه الثاني: فغير مسلم؛ لأنا كما نتوهم أن المحذوف مماثل للمذكور كذلك نتوهم أن المعنيين متفقان فيما ثني، فالمحذور حاصل في التثنية عند المخالفة كما هو حاصل عند حذف الخبر المخالف. وأما الوجه الثالث فقوله فيه: إن التخالف في اللفظ لا بد معه من تخالف المعنى ولم يمنع من التثنية يقتضي جواز (¬2) تثنية المختلفي اللفظ، وذلك ممنوع؛ لأنه لا تثنية - ¬

_ - هذان عينان، تقصد الناظرة والنابعة، ومنعه بعضهم وقاسوا ذلك على الخبر؛ فلا يجوز مثلا: زيد ضارب وعمرو أي كذلك على أن الضرب الأول من العقاب والثاني من السفر، وعليه فلا يصح: هذان ضاربان بالمعنيين السابقين، ورد المصنف ذلك ونقض هذه المناظرة بما سيذكره من وجوه. وقد أبطل ناظر الجيش هذه الوجوه ومنع تثنية المتحدين لفظا المختلفين معنى. (¬1) يشير بذلك إلى جواز تثنية الشمس والقمر بالقمرين والأب والأم بالأبوين، وأبي بكر وعمر بالعمرين. (¬2) هذا جواب أما وكان الواجب دخول الفاء عليه، ولكنه أدخلها على ما ليس بجواب في أول كلامه والصحيح أن يقال: وأما الوجه الثالث وقوله فيه .... فيقتضي جواز .... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع التخالف في اللفظ، وقد تقدم أن نحو القمرين ليس بمثنى صناعي؛ فلا يتوجه الاستدلال به على ما قصده. ثم قال المصنف: «وممّن صرّح بجواز ذلك ابن الأنباري رحمه الله (¬1) واحتجّ بقوله - عليه الصّلاة والسّلام -: «الأيدي ثلاث فيد الله تعالى العليا ويد المعطي ويد السّائل السفلى إلى يوم القيامة» (¬2). قال: ويؤيّد ذلك قول العرب: «خفّة الظّهر أحد اليسارين والغربة أحد السّبائين واللبن أحد اللّحمين والحمّة أحد الموتين» (¬3). ويمكن أن يكون من ذلك قول الشّاعر: 88 - يداك كفت إحداهما كلّ يائس ... وأخراهما كفّت أذى كلّ معتدي (¬4) - ¬

_ (¬1) هو محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسين الإمام أبو بكر بن الأنباري النحوي اللغوي، ولد سنة (270 هـ)، وكان من أعلم الناس بالأدب والنحو، غلبت عليه النزعة الكوفية، كان يملي في ناحية وأبوه يملي مقابله، وكان مع علمه وأدبه زاهدا متواضعا إلا أنه كان بخيلا لا يعطي مع ثرائه. سمع من ثعلب وغيره وكان من أهل السنة. مصنفاته: كثيرة منها غريب الحديث، أدب الكاتب، الواضح في النحو، الأضداد، شروح شعر الأعشى والنابغة وزهير، توفي ببغداد سنة 327 هـ، انظر ترجمته في بغية الوعاة: (1/ 212) الأعلام (7/ 226) نشأة النحو (ص 151). (¬2) انظر في ذلك الهمع: (1/ 43)، قال السيوطي: «للتثنية والجمع شروط: الإفراد والإعراب وعدم التركيب والتنكير والخامس: اتفاق اللفظ ... وهل يشترط اتفاق المعنى فيه أقوال أحدها: نعم وعليه أكثر المتأخرين ... والثاني: لا وصححه ابن مالك تبعا لأبي بكر بن الأنباري قياسا على العطف». والحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (4/ 137)، ونصه فيه هكذا: عن مالك بن نضلة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى فأعطين الفضل ولا تعجز عن نفسك». (¬3) انظر الأمالي لأبي علي القالي: (2/ 64)، وزاد فيه: وتعجيل اليأس أحد اليسرين، والشعر أحد الوجهين والرواية أحد الهاجيين. وفي الأمالي وغيره (التذييل والتكميل: 1/ 217) الحمية بكسر أوله وياء وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه بضم أوله دون ياء ومعناه السم أو الإبرة التي تضرب بها الحية، لسان العرب (2/ 1015). وقوله: الغربة روي بالغين والراء فتكون بمعنى البعد عن الأهل، كما روي بالعين والزاي فتكون بمعنى من لم يتزوج، وكلا المعنيين صحيح فيما يعود عليه من الخبر. (¬4) البيت من بحر الطويل مجهول القائل والقصيدة التي منها وهو في المدح، وفيه يصف الشاعر ممدوحه في الشطرة الأولى بالكرم وفي الثانية بالشجاعة. وشاهده قوله: يداك: حيث أراد بواحدة النعمة وبالثانية -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد يد النعمة ويد الجارحة، ويؤيد ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (¬1) فإن الواو إما عائدة على المعطوف والمعطوف عليه، أو على المعطوف وحده مستغنى بخبره عن خبر المعطوف عليه؛ فهذا ممتنع؛ لأنّه من باب الاستدلال بالثاني على الأول كقول الشاعر: 89 - نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف (¬2) وهو ضعيف وإنما الجيد الاستدلال بالأول كقوله تعالى: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ (¬3). وصون القرآن العزيز عن الأوجه الضعيفة واجب. ولو سلم استعمال هذا الوجه مع ضعفه لمنع من استعماله هنا تخالف (¬4) المستدلّ به والمستدلّ عليه في المعنى، وذلك لا يجوز بإجماع فتعين عود الواو إلى المعطوف والمعطوف عليه، وكون الصلاة معبرا بها عن حقيقتين مختلفتين وهو المطلوب (¬5) انتهى. والحق أن تثنية ما اختلف معناه وجمعه لا يجوزان إلا سماعا؛ بل ينبغي أن - ¬

_ - الجارحة المعروفة؛ وعليه فلا يشترط في التثنية اتحاد المعنى، ويكفي الاتحاد في اللفظ كما في هذا البيت. والبيت في شرح التسهيل (1/ 61) وفي التذييل والتكميل (1/ 230). (¬1) سورة الأحزاب: 56. (¬2) البيت من بحر المنسرح، واختلف في قائله، فقيل: قيس بن الخطيم، والبيت في ديوانه (ص 63، 173) من قصيدة مطلعها شاهد آخر وهو: الحافظو عورة العشيرة لا ... يأتيهم من ورائنا نطف وقيل: قائله عمرو بن امرئ القيس من بني الحارث بن الخزرج جاهلي؛ قالها في بني مالك بن العجلان البخاري. انظر معجم الشعراء (ص 55، 56). ويستشهد بالبيت على حذف الخبر من المبتدأ الأول لدلالة خبر الثاني عليه، وهو ضعيف كما ذكره الشارح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 61)، وفي التذييل والتكميل (1/ 230) وفي معجم الشواهد (ص 239) في مراجع كثيرة. ترجمة قيس بن الخطيم: هو قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي أبو يزيد شاعر الأوس له في وقعة بعاث التي كانت بين الأوس والخزرج قبل الهجرة أشعار كثيرة، أدرك الإسلام وتريث في قبوله فقتل قبل أن يدخل فيه، وكانت وفاته قبل الهجرة بعامين. له ديوان شعر مطبوع وشعره جيد ومن الأدباء من يفضله على حسان. انظر ترجمته في الأعلام (6/ 55). (¬3) سورة الأحزاب: 35. (¬4) في النسخ: خلاف مكان تخالف وما أثبتناه - وهو أولى - من شرح التسهيل (لابن مالك) (1/ 61). (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 61).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحكم على ما ورد من ذلك بأنه تثنية وجمع لغويان لا صناعيان (¬1)، كما حكم على نحو العمرين والأبوين والقمرين مما دل على اثنين، والخبيبين مما دل على جمع بذلك وإن أطلق على الوارد من المختلف المعنى بتثنية أو جمع من حيث الصناعة النحوية فإنما ذلك بطريق المجاز لا الحقيقة. وأما إثبات مطلوبه بكون الصلاة معبرا بها عن حقيقتين مختلفتين فصحيح، وقد ذكر ابن الحاجب أن الأكثر على أن جمع المختلف المعنى مبني على صحة إطلاق ذلك اللفظ على معانيه المختلفة دفعة؛ ولكن ذلك الإطلاق مجاز لا حقيقة، فليكن ما انبنى عليه مجازا أيضا (¬2) [1/ 83]. البحث الثالث: لم يذكر المصنف حد المثنى وكان بالذكر أحق من ذكر حدّ التثنية؛ لأنه هو المقصود بالكلام عليه ولأن ترجمة الباب له. فالمثنى: هو ما دل على اثنين بزيادة صالحا للتجريد منها وعطف مثله عليه. وسيأتي الكلام على قيود الحد المذكور عند الكلام على قوله: وما أعرب إعراب المثنّى. أما الكلام عن الألف والياء فسيأتي عند قوله: وليس الإعراب انقلاب الألف. وأما النون فيأتي الكلام على كونها عوضا أو غير عوض عند الكلام على أحرف العلة المذكورة. أما أحكامها اللفظية: فمنها الحركة وقد ذكر أنها مكسورة، وأن فتحها لغة لقوم من العرب، وأنها قد تضم (¬3). - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: «والذي ينبغي أنه لا يجوز تثنية المشترك ولا تثنية الحقيقة والمجاز لقلة ما ورد ممّا يوهم ذلك ولاحتمال تأويله ولا تبنى القواعد إلا على جملة من المستقرات الجزئية» .. انظر التذييل والتكميل: (1/ 233). (¬2) قال ابن الحاجب في كتابه الأمالي (ص 459): «القمران والعمران وشبه ذلك تثنية على خلاف القياس؛ لأنّ القياس في كل مثنّى أن يكونا مشتركين في الاسم ومسمّيا هذا الاسم لا يشتركان في الاسم. ووجه خروجهما عن القياس كثرة ذكرهما معا؛ فاقتضى تخفيف اللّفظ لهما؛ لأنه قد كثر قولهم: «أبو بكر وعمر، كما كثر قولهم: الشمس والقمر فهذا وجه مخالف للقياس». انظر أمالي ابن الحاجب (2/ 709) تحقيق فخر قدارة. (¬3) في حركة نون المثنى والجمع كلام وخلاف طويلان يذكرهما الشارح الآن وفيما بعد. وقد لخص -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الكسر: فقد اختلف في علته فقيل: كسرت للفرق بينهما وبين نون الجمع، وقيل: لالتقاء الساكنين، ونسب كلّ منهما إلى سيبويه (¬1) والقول الثاني أقرب. وأما الفتح: فاستشهد له بما أنشده الفراء (¬2) من قول حميد بن ثور (¬3): 90 - على أحوذيّين استقلّت عشيّة ... فما هي إلّا لمحة وتغيب (¬4) وبقول الآخر: 91 - يا ربّ خال لك من عرينه ... حجّ على قليّص جوينه فسوته لا تنقضي شهرينه - ¬

_ - ذلك السيوطي في الهمع فقال: «الشائع في هذه النون الكسر في المثنّى والفتح في الجمع؛ وإنما حرّك لالتقاء السّاكنين وخولف بينهما للفرق، وخص كلّ بما فيه لخفة المثنى وثقل الكسر وثقل الجمع وخفة الفتح فعودل بينهما، وورد العكس وهو فتحها مع المثنى وكسرها مع الجمع، فقيل: هو لغة، وقيل: فتح نون المثنى لغة وكسر نون الجمع ضرورة ... وقال ابن جني: ومن العرب من يضم النّون في المثنّى وهو من الشّذوذ بحيث لا يقاس عليه» (الهمع: 1/ 49). (¬1) قال سيبويه (الكتاب: 1/ 18): إذا جمعت على حدّ التّثنية لحقتها زائدتان: الأولى منهما حرف المدّ واللّين، والثّانية نون. وحال الأولى في السّكون وترك التنوين وأنها حرف الإعراب حال الأولى في التّثنية؛ إلا أنّها واو مضموم ما قبلها في الرفع وفي الجر والنصب ياء مكسور ما قبلها ونونها مفتوح فرقوا بينها وبين نون الاثنين. (¬2) قال الفراء في كتابه معاني القرآن: (2/ 423): «قال الكسائي: سمعت من العرب ما هيّ إلّا ضربة من الأسد فيحطم ظهره وفيحطم قال: وأنشدني الأسدي: «على أحوذيين .... إلخ». (¬3) هو حميد بن ثور بن عبد الله الهلالي أحد الشعراء المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام وقيل: إنه قد رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذكر ياقوت عن ابن منده: أن حميدا قد أسلم وأتى النبي وأنشده بعض شعره مادحا له، ومن أخباره أنه لما منع عمر بن الخطاب الشعراء في عهده من التشبيب بالنساء، قال حميد من قصيدة له: فهل أنا إن علّلت نفسي بسرحة ... من السّرح مسدود عليّ طريق كنى عن المرأة بالسرحة. وقال الأصمعي: «الفصحاء من شعراء العرب أربعة في الإسلام: راعي الإبل النميريّ، وتميم بن معقل، وابن أحمر، وحميد بن ثور». توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه. وله ديوان شعر صغير مطبوع متداول. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 397). معجم الأدباء (11/ 8). (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة في الوصف لحميد بن ثور الهلالي في ديوانه (ص 55). اللغة: أحوذيين: جناحين. استقلت: ارتفعت في الهواء. عشية: ما بين الزوال إلى المغرب. والبيت شاهد على: فتح نون المثنى والقياس كسرها وهذا ليس بضرورة بل هو لغة لبني أسد. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 62)، والتذييل والتكميل (1/ 238). ومعجم الشواهد (ص 38).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شهر ربيع وجماديينه (¬1) قال الشيخ (¬2): «نصّ الكسائي والفرّاء على أنّ فتح النّون لا يجوز مع الألف؛ إنما هو في حالة النّصب والخفض» فجعل ذلك استدراكا على المصنف. وقد أنشدوا شاهد الفتح مع الألف قول الشاعر: 92 - أعرف منها الأنف والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا (¬3) ورد بأنه لا يعرف قائله. قال ابن عصفور (¬4): «من العرب من يفتحها مع الألف إلّا أنّ ذلك لم يجئ إلّا في حالة النّصب وكأنّهم أجروا الألف في ذلك مجرى الياء». وأنشد البيت المتقدم، وقال ابن جني: «فتحها بعضهم في الثلاثة حملا للواحد على الحالتين» (¬5). وأما الضم: فقال المصنف (¬6): «حكى الشيبانيّ عن العرب: هما خليلان (¬7)، وقال: ضمّ نون التّثنية لغة». - ¬

_ (¬1) أربعة أبيات من الرجز المشطور نسبت لامرأة من فقعس كما في مراجعها. اللغة: عرينة: قبيلة باليمن. قليص: تصغير قلوص وهي الناقة الشابة. جوينة: مصغر جون وهي من الإبل والخيل الشديد السواد. الفسوة: ريح تخرج بغير صوت، والكلام على تقدير مضاف أي ريح فسوته. جماديان: هما الأولى والثانية من الشهور العربية. وهي في الأبيات تهجو رجلا بريحته المنتنة. والاستشهاد: على أن نون المثنى قد تفتح كما في شهرين وجماديين، والهاء فيهما للسكت. وانظر الأبيات في التذييل والتكميل (1/ 239) وفي معجم الشواهد (ص 549). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 239). (¬3) البيتان من رجز رؤبة المشطور من قصيدة قصيرة يهجو بها امرأة عجوزا تدعى سلمى في بيت قبل ذلك (انظر ملحقات ديوان رؤبة ص 187). اللغة: أعرف: روي مكانها أحب. الأنف: روي مكانها الجيد، منخرين: مثنى منخر وأصله موضع النخير وهو الصوت من الأنف، ويقال له نخر ينخر. ظبيان: اسم رجل لا مثنى ظبي. والشاهد في البيتين: قوله: العينان حيث فتح نون المثنى مع الألف، كما يستشهد به على إلزام المثنى الألف في كل أحواله. وانظر البيت في مراجعه في معجم الشواهد (ص 547). والتذييل والتكميل (1/ 239). (¬4) انظر شرح الجمل له: (1/ 87) (فواز الشغار - إميل يعقوب). وقد علق على البيت السابق بقوله: «وهذا البيت لا حجّة فيه؛ لأنّه لا يعرف قائله». وإنما جهل القائل؛ لأن البيت نسب في مراجعه لرجل مجهول من ضبة وقيل لرؤبة إلا أني وجدته في ديوان رؤبة كما سبق ذكره. (¬5) انظر: التذييل والتكميل (1/ 240). (¬6) شرح التسهيل (1/ 65). (¬7) في الهمع (1/ 49): «قال الشّيبانيّ: ضمّ نون التّثنية لغة قال أبو حيّان: يعني مع الألف لا مع -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: «ومن ذلك قول فاطمة رضي الله عنها: يا حسنان يا حسينان تريد الحسن والحسين رضي الله عنهما فغلّبت لفظ أحدهما على الآخر». وقال: «كان ينبغي للمصنف أن يقيد المثنى بكونه بالألف؛ لأن الضمّ مع الياء لا يجوز. وقال بعضهم: من العرب من يجعل الإعراب في النون إجراء للتّثنية مجرى المفرد وذلك قليل جدّا» انتهى (¬1). فعلى هذا لا يكون قولهم هما خليلان من ضم نون التثنية في شيء. ومن أحكامها أيضا: الحذف وعبر عنه بقوله: وتسقط للإضافة أو للضّرورة أو لتقصير صلة. أما الإضافة: فكقوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ (¬2). وأما سقوطها للضرورة: فشاهده قول الشاعر: 93 - هما خطّتا إمّا إسار ومنّة ... وإمّا دم والقتل بالحرّ أجدر (¬3) - ¬

_ - الياء؛ لأنّها شبّهت بألف عثمان وغضبان، أنشد المطرز في اليواقيت (من الرجز): يا أبتي أرّقني القذّان ... فالنّوم لا تألفه العينان والشيباني: هو إسحاق بن مرار الكوفي وكنيته أبو عمرو، سكن بغداد ومات بها؛ وأصله من الموالي إلا أنه جاور بني شيبان وأدب بعض أولادهم فنسب إليهم، وكان الشيباني واسع العلم باللغة والشعر ثقة في الحديث عالما بكلام العرب وأخذ عنه جماعة كبار منهم أحمد بن حنبل. له مناظرات مع الأصمعي (نزهة الألباء ص 94) تدل على براعته في اللغة. من مصنفاته: كتاب كبير جمع فيه أشعار القبائل العربية، وله كتاب في غريب الحديث والنوادر والخيل وغير ذلك، عمّر طويلا حيث ولد سنة (94 هـ) ومات سنة (206 هـ). انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 93)، بغية الوعاة (1/ 439). الأعلام (1/ 289). (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 241) بتلخيص من الشارح. (¬2) سورة المائدة: 64. (¬3) البيت من بحر الطويل وهو لتأبط شرّا من مقطوعة قصيرة مطلعها (الحماسة: 1/ 74): إذا المرء لم يحتل وقد جدّ جدّه ... أضاع وقاسى أمره وهو مدبر ولكن أخو الحزم الّذي ليس نازلا ... به الخطب إلّا وهو للقصد مبصر والأبيات في الشجاعة والصعلكة وقد كان صاحبها كذلك. الشاهد فيه: قوله: هما خطّتا حيث حذفت النون منه للضرورة، وقد وجهوه على رفع إسار باستطالة الاسم كأنه استطال خطتا مع بدله وهو قوله: إما إسار ومنة، كما استطال الشاعر الموصول مع الصلة والموصوف مع الصفة في الشواهد الآتية بعد. وإذا جررت إسار كان حذف النون لنية الإضافة، والتقدير: هما خطتا إسار ومنّة (الحماسة: 1/ 81). ومثل بيت الشاهد في حذف النون قول الآخر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 94 - لنا أعنز لبن ثلاث فبعضها ... لأولادنا ثنتا وما بيننا عنز (¬1) ونقل عن الكسائي أنه يجيز حذف هذه النون دون ضرورة، فيجيز: قام الزّيدا بغير نون (¬2). وقد جاء في كلام العرب مما عزي إلى الحجلة تخاطب [1/ 84] القطا: قطا قطا بيضك ثنتا وبيضي مائتا أي ثنتان ومائتان. أما سقوطها لتقصير الصلة: فقد تكون في صلة الألف واللام، وقد تكون في صلة ما ثني من الموصول نحو الذي والتي. فمثال الأول ما أنشده المصنف من قول الشاعر: 95 - خليليّ ما إن أنتما الصّادقا هوى ... إذا خفتما فيه عذولا وواشيا (¬3) - ¬

_ - (من الرمل): ولقد يغني به جيرانك ال ... ممسكو منك بأرباب الوصال وانظر الشاهد في شرح التسهيل (1/ 62) والتذييل والتكميل (1/ 242)، ومعجم الشواهد (ص 952). ترجمة الشاعر: هو ثابت بن جابر بن سفيان أحد لصوص العرب وأحد عدائيها المشهورين، كان يغزو على رجليه وكان إذا جاع نظر إلى الظباء فيقع نظره على أسمنها ثم يجري خلفه فلا يفوته حتى يأخذه. وفي تلقيبه بهذا اللقب أقوال كثيرة. انظر ذلك في خزانة الأدب (1/ 66) وانظر أخباره في الشعر والشعراء (1/ 318). (¬1) البيت من بحر الطويل لم ينسب في مراجعه وصاحبه يقسم فيه أملاكه. اللغة: أعنز: جمع عنز وهي الأنثى من المعز مضى عليها حول. لبن: جمع لبون وهي ذات اللبن غزيرة كانت أم لا. ثنتا: أي اثنتان. وشاهده: حذف النون من ثنتا للضرورة. والبيت في معجم الشواهد (ص 194) وهو في شرح التسهيل (1/ 62). والتذييل والتكميل (1/ 242). (¬2) في التذييل والتكميل: (1/ 242): «وأمّا الكسائي فإنّه يجوز عنده حذف هذه النّون ولا يعتدّ حذفها ضرورة فيجوز عنده: قام الزّيدا بغير نون». وفي نسخة (ب)، (جـ): قام اللذا مكان قام الزيدا. وما أثبتناه أفضل. وهو في الأصل؛ لأن الموصول سيأتي بعد. (¬3) البيت من بحر الطويل مجهول القائل وهو في العتاب بين الأصحاب. ويستشهد به على حذف نون المثنى لتقصير صلة الألف واللام. ورده أبو حيان وذكر أن حذف النون فيه للإضافة كما سيبينه الشارح. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الثاني قول الشاعر: 96 - أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (¬1) وذهب أبو العباس المبرد إلى أنه لا يجوز حذف النون إلا مع موصول غير ألف ولام لطول الاسم (¬2) قيل: ولم يحفظ حذف النون في صلة الألف واللام في المثنى، إنما سمع في الجمع فقاسوا المثنى عليه. وقال الشيخ (¬3): «يجوز في البيت الذي أنشده أن تكون نون الصّادقا حذفت للإضافة وهو مخفوض بإضافة اسم الفاعل إليه؛ لأنه مثنّى فتجوز إضافته إلى ما ليس فيه ألف ولام» انتهى وهو ظاهر. وقال الشيخ: «النّون تحذف لشبه الإضافة: وذلك في اثنا عشر واثنتا عشرة وفي لا غلامي لك (¬4) على رأي المصنف فيه» فنقص المصنف ذلك (¬5). والجواب: أنه إذا كان الحذف لشبه الإضافة استغني عن ذكره؛ لأن الإضافة - ¬

_ - والبيت في شرح التسهيل (1/ 62)، والتذييل والتكميل (1/ 243)، ومعجم الشواهد (ص 426). (¬1) البيت من بحر الكامل قاله الأخطل من قصيدة طويلة بدأها بالغزل يهجو فيها جريرا، ويفتخر بقبيلته على بني كلب قوم جرير وهي في ديوان الأخطل (ص 387). وعمّا الأخطل هما: عمرو، ومرة ابنا كلثوم قتل الأول عمرو بن هند وقتل الثاني المنذر بن النعمان بن المنذر. والأغلال: جمع غل: وهو طوق من حديد يجعل في عنق الأسير. والأخطل يمدح قومه بالشجاعة والمروءة. وشاهد البيت واضح. وقد دار هذا الشاهد في كتب النحو واللغة ونسب في بعضها للفرزدق (شرح التصريح (1/ 132). وهو في شرح التسهيل (1/ 62)، والتذييل والتكميل (1/ 244). ومعجم الشواهد (ص 271). (¬2) انظر المقتضب (4/ 145)، وملخص رأيه في ذلك قال: «نقول هذان الشّاتمان عمرا، فإذا أسقطت النّون أضفت: هذان الشّاتما عمرو، وأما الحافظو عورة العشيرة بالنصب فهذا لم يرد الإضافة فحذف النون لغير معنى فيه وذلك لطول الاسم إذا صار ما بعد الاسم صلة له، والدليل على ذلك حذف النون مما لم يشتق من فعل ولا تجوز فيه الإضافة فيحذفون لطول الصلة. فمن ذلك قول الأخطل وأنشد بيت الشّارح ثم أتبعه بقول الآخر: وإن الّذي حانت بفلج دماؤهم ... إلخ». (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 244). (¬4) أصله: لا غلامين لك فحذفت منه النون لشبه الإضافة. (¬5) انظر: التذييل والتكميل (1/ 245).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هي الأصل وما أشبهها حكمه حكمها. وجعل الأعلم مما حذفت فيه النون لشبه الإضافة: لبّيك وسعديك وأخواتهما؛ فالكاف عنده حرف خطاب كما هي في قولهم: أبصرك زيدا (¬1). وذهب الأخفش وهشام إلى أن النون تحذف لإضافة الضمير في نحو ضارباك؛ لأن هذا الضمير عندهما منصوب المحل، وسيأتي الكلام على الأول في باب الإضافة وعلى الثاني في باب اسم الفاعل إن شاء الله تعالى (¬2). وأشار المصنف بقوله: ولزوم الألف إلى أن لغة بني الحارث بن كعب إلزام المثنى وما جرى مجراه الألف في كل حال ووافقهم في ذلك بنو الهجيم وبنو العنبر وغيرهم أيضا أجروا المثنى مجرى الاسم المقصور، قال الشاعر: 97 - إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها (¬3) وقال الآخر: 98 - وأطرق إطراق الشّجاع ولو رأى ... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما (¬4) - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: «ذهب أبو الحجاج الأعلم إلى أنّ نون التثنية تحذف لغير ما ذكر المصنف من الإضافة والضرورة وتقصير الصلة وذلك هو حذفها في شبه الإضافة في قولك: لبّيك وسعديك فالكاف عنده ليست ضميرا وإنما هي حرف خطاب كما هي في قولك: أبصرك زيدا. وحذفت النون في لبيك وأمثاله لشبه الإضافة؛ لأن الكاف تطلب الاتصال بالاسم كاتصالها باسم الإشارة نحو ذلك والنون تمنع من ذلك فحذفت لذلك» (التذييل والتكميل 1/ 248). (¬2) قال ناظر الجيش في باب اسم الفاعل: «وزعم الأخفش وهشام الكوفيّ أن كاف مكرمك وشبهه في موضع نصب؛ لأن موجب النصب المفعوليّة وهي محققة وموجب الجر الإضافة وهي غير محققة؛ إذ لا دليل عليها إلا حذف التنوين ونون التثنية والجمع. ولحذفها سبب غير الإضافة وهو صون الضّمير المتصل من وقوعه منفصلا وهذه شبهة تحسب قوية وهي ضعيفة ثم علّل وجه الضّعف». انظر باب إعمال اسم الفاعل وباب الإضافة في هذا التحقيق. (¬3) البيتان من الرجز المشطور قيل لأبي النجم وقيل لرؤبة، وقد سبق الحديث عنهما في الأسماء الستة. وشاهده هنا قوله: بلغا في المجد غايتاها حيث جاء المثنى منصوبا بالفتحة المقدرة على لغة من يلزمه الألف في كل أحواله. (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة للمتلمس يعاتب فيها خاله الحارث بن التوأم اليشكري وكان قد -

[الملحق بالمثنى وأنواعه]

[الملحق بالمثنى وأنواعه] قال ابن مالك: (وما أعرب إعراب المثنّى مخالفا لمعناه أو غير صالح للتّجريد وعطف مثله عليه فملحق به وكذلك كلا وكلتا مضافين لمضمر ومطلقا على لغة كنانة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذه اللغة قراءة من قرأ: إن هذن لسحرن (¬1). وأنكر أبو العباس هذه اللغة وهو محجوج بنقل الثقات أنها لغة لطوائف من العرب (¬2). قال ناظر الجيش: من الكلام ما صورته صورة المثنى وليس بمثنى صناعي؛ لكنه محمول في إعرابه على المثنى. والكلام على هذا الموضع يظهر فائدة قيود حد المثنى - ¬

_ - عيره بأمه مطلعها: يعيّرني أمّي رجال ولن ترى ... أخا كرم إلّا بأن يتكرّما وهل لي أمّ غيرها إن تركتها ... أبى الله إلّا أن أكون لها ابنما وانظر القصيدة والشاهد في هذه المراجع: الأصمعيات (ص 244)، الشعر والشعراء (1/ 186)، مختارات ابن الشجري (ص 151). اللغة: أطرق: سكت. الشجاع: ضرب من الحيات عظيم. مساغا: مدخلا. صمما: عض. ومعناه: أنه يسكت سكوت الحية التي إذا رأت مكانا لنابيها قتلت ولدغت. ويستشهد به في قوله: لناباه حيث ألزم المثنى الألف في حالة الجر. والبيت في معجم الشواهد (ص 321) وفي شرح التسهيل (1/ 63)، والتذييل والتكميل (1/ 246). ترجمة المتلمس: هو جرير بن عبد المسيح بن عبد الله ولقب بالمتلمس لبيت قاله فيه هذا اللقب وهو خال طرفة بن العبد، وقصتهما مع عمرو بن هند مشهورة - وملخصها أنهما قد هجياه ثم مدحاه فكتب لهما كتابا إلى عامله بالحيرة ظنّا فيه الخير وكان فيه حتفهما، ففض المتلمس كتابه وفهم ما فيه ثم هرب إلى الشام. أما طرفة فركب رأسه ومضى إلى عامل الحيرة فقتله وأصبحت صحيفة المتلمس يضرب بها المثل لكل من قرأ صحيفة فيها قتله. وانظر ترجمة المتلمس في هذه المراجع: وفيات الأعيان (6/ 92)، الشعر والشعراء: (1/ 185)، خزانة الأدب (6/ 345). (¬1) سورة طه عليه السّلام: 63. وانظر الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ص 242) قال: «أجمع القراء على تشديد نون إنّ إلّا ابن كثير وحفص عن عاصم فإنهما خففاها. وأجمعوا على لفظ الألف في قوله: (هذن) إلا أبا عمرو فإنه قرأها بالياء وأجمعوا على تخفيف النون في التثنية إلا ابن كثير فإنه شدّدها». ثم احتج ابن خالويه لهذه القراءات كلها وبين أوجهها. وخرّج تشديد نون إن ولزوم الألف في (هذن) على لغة بلحارث بن كعب كما ذكر الشارح. (¬2) قال أبو حيان: «وذهب أبو العباس إلى إنكار هذه اللغة ولا يجيز مثلها في كلام ولا شعر، وهو محجوج بنقل النحاة الثقات من هؤلاء الطوائف من العرب». (التذييل والتكميل 1/ 248).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدم الذكر (¬1). فمن المحمول على المثنى: ما قصد به التكثير: وإليه الإشارة بقوله: مخالفا لمعناه أي لمعنى المثنى لدلالته على أكثر من اثنين وإن صلح للتجريد وعطف مثله عليه وذلك ككرتين من قوله تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ (¬2) المعنى كرات لأن بعده: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (¬3) [1/ 85] أي مزدجرا وهو كليل ولا يكون ازدجار وكلال بكرتين فحسب بل بكرات. ولقائل أن يقول: إن كرتين إنما دل على اثنين والكثرة إنما فهمت من السياق. وفائدة العدول عن لفظ الجمع وهو كرات إلى لفظ التثنية: الدلالة على أن المقصود إتباع كل رجعة من رجع البصر بأخرى؛ فالمراد نظرة تتبعها نظرة، ثم نظرة تتبعها نظرة. وكذا كل ما ذكر أنه يراد به التكثير يمكن تخريجه على هذا. وإذا كان كذلك فهو مثنى حقيقة لا محمول عليه. قال المصنف: «ومنه أي من المثنى الّذي يراد به التكثير: قولهم: سبحان الله وحنانيه وقولهم: 99 - ومهمهين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور التّرسين جبتهما بالسّمت لا بالسّمتين (¬4) قال الفراء: «أراد ومهمه بعد مهمه» (¬5). - ¬

_ (¬1) وقد حدّه بقوله: هو ما دل على اثنين بزيادة صالحا للتجريد منها، وعطف مثله عليه. (¬2) سورة الملك: 4. (¬3) السورة السابقة والآية. (¬4) أبيات من مشطور السريع نسبت لخطام المجاشعي ولغيره. اللغة: مهمه: بزنة جعفر، الصحراء المقفرة. وقذفين (متحركات): البعيد من الأرض. مرتين: مثنى مرت وهي أرض لا ماء فيها ولا نبات. ظهراهما: ما ارتفع منهما. الترسين: مثنى ترس بضم فسكون من أدوات الحرب يتقى به الضرب، ووجه الشبه الصلابة في كل. جبتهما بالسمت: سرت فيهما بالظن. والشاعر يصف نفسه بالحذق والمهارة والعرب تفتخر بمعرفة الطرق وتعير الجاهل بها. والواو في أوله واو رب وجوابها قوله: جبتهما. وما بعد المجرور بالواو نعوت له. ويستشهد بالأبيات على أن المراد بالمثنى فيها الجمع والتكثير. وهي في شرح التسهيل (1/ 64)، وفي التذييل والتكميل (1/ 250) وفي معجم الشواهد (ص 543). (¬5) لم يقل الفراء ذلك ولكنه جعل البيت شاهدا لإرادة المفرد من المثنى، قال بعد أن أنشد البيتين: يريد مهمها وسمتا واحدا. انظر معاني القرآن له: (2/ 118).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا النوع قد يغني عنه التجريد وعطف مثله عليه وهو مع ذلك دال على أكثر من اثنين، كقول جرير: 100 - إنّا أتيناك نرجو منك نافلة ... من رمل يبرين إنّ الخير مطلوب تخدي بنا نجب أفنى عرائكها ... خمس وخمس وتأويب وتأويب (¬1) وكقول الأفوه الأودي (¬2): 101 - إنّ النّجاة إذا ما كنت ذا بصر ... من ساحة الغيّ إبعاد فإبعاد (¬3) وقول الآخر: 102 - لو عدّ قبر وقبر كنت أكرمهم ... ميتا وأبعدهم عن منزل الذّام (¬4) - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر البسيط من قصيدة لجرير يمدح فيها أيوب بن سليمان بن عبد الملك وفيها يقول: إنّ الإمام الّذي ترجى نوافله ... بعد الإمام ولي العهد أيّوب وانظر القصيدة والشاهد في الديوان. اللغة: نافلة: يريد العطايا. يبرين: موضع في جزيرة العرب كثير الرمال. تخدي: تسرع يقال: خدت الناقة تخدي من باب ضرب أي أسرعت وروي تجري. نجب: جمع نجيبة وهي الناقة الكريمة. عرائكها: جمع عريكة وهي أسنمة الجمال. خمس وخمس: الخمس بكسر الخاء الإبل ترعى ثلاثة أيام وترد اليوم الرابع. التأويب: الرجوع. ويستشهد بالبيت على جواز تجريد الكلمة من التثنية وعطف مثلها عليها، ويكون المعنى على التكثير. والبيت في معجم الشواهد (ص 47) وشرح التسهيل (1/ 64)، والتذييل والتكميل (1/ 250). (¬2) هو صلاءة بن عمرو من مذحج ويكنى أبا ربيعة شاعر جاهلي يماني كان سيد قومه وقائدهم في حروبهم وهو أحد الكماة الشعراء في عصره. لقب بالأفوه لأنه غليظ الشفتين ظاهر الأسنان وهو القائل: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سراة إذا جهّالهم سادوا له ديوان مطبوع أو بعض منه في كتاب الطرائف الأدبية. وانظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 229) الأعلام (3/ 298). (¬3) البيت من بحر البسيط من قصيدة للأفوه الأودي أكثرها في الحكم ومنها البيت الذي ذكر في ترجمته. وانظر القصيدة في كتاب الطرائف الأدبية وفيه ديوان الأفوه ص 10. ويستشهد به على ما في البيت قبله. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل (1/ 64)، والتذييل والتكميل (1/ 251). (¬4) البيت من بحر البسيط من مقطوعة قصيرة لعصام بن عبيد الزماني اليماني. من بني زمان ابن مالك ابن صعب وقبل بيت الشاهد قوله يعاتب رجلا يدعى أبا مسمع: أبلغ أبا مسمع عنّي مغلغلة ... وفي العتاب حياة بين أقوام أدخلت قبلي قوما لم يكن لهم ... في الحقّ أن يدخلوا الأبواب قدّامي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يغني في هذا النوع التكرير عن العطف: ومنه قوله تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (¬1) أي دكّا بعد دك وصفّا بعد صف. ومن المعرب كمثنى وهو في المعنى جمع: قوله تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (¬2) وقوله عليه السّلام: «البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا» (¬3). ومنه قول الشاعر: 103 - تلقى الأوزون في أكناف دارتها ... تمشي وبين يديها البرّ منثور (¬4) أراد بين أيديها. انتهى كلام المصنف (¬5). ويمكن أن يكون بين أخويكم، والبيعان بالخيار مثنيين حقيقة؛ فلا يكونان من - ¬

_ = لو عدّ قبر وقبر .... ... ................ ... إلخ انظر شعره وأخباره في معجم الشعراء (ص 114) وديوان الحماسة (3/ 1120). وهو في بيت الشاهد يقول: لو عد أصحاب القبور كنت أكرمهم أبا وأشرفهم بيوتا وأبعدهم عن منزل العيب والذم. والبيت في شرح التسهيل (1/ 64)، وفي التذييل والتكميل (1/ 250)، وليس في معجم الشواهد. (¬1) سورة الفجر: 21، 22. (¬2) سورة الحجرات: 10. (¬3) الحديث في صحيح مسلم (5/ 9) كتاب البيوع. وهو أيضا في سنن ابن ماجه (2/ 736) كتاب التجارات. وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (2/ 4، 9، 311). (¬4) البيت من بحر البسيط من قصيدة للنابغة الذبياني في ديوانه (ص 76)، وهو مما اكتشفت قائله. وهو في البيت يصف أمامة ابنته وهي في دارها. ورواية الديوان: تلقى الإوزّين في أكناف دارتها ... بيضا وبين يديها التّبن منشور اللغة: الأوزون: جمع أوزة وهي البط. دارة: هي الدار. البرّ: القمح، واستشهد بالبيت هنا على أن المثنى قد يراد به الجمع وهو قوله: بين يديها كما استشهد به في موضع آخر وهو جمع إوزة جمع مذكر سالم. والبيت في شرح التسهيل (1/ 65)، والتذييل والتكميل (1/ 251)، وشرح المفصل (5/ 5)، وليس في معجم الشواهد. ترجمة النابغة: هو زياد بن معاوية ويكنى أبا أمامة نبغ في الشعر بعد ما كبر وهو من أحسن الشعراء ديباجة وأكثرهم رونقا؛ فضله عمر بن الخطاب على الشعراء ببيت له. له في النعمان بن المنذر مدائح مشهورة وله فيه أيضا اعتذاريات مختلفة، توفي قبل بعثة النبي عليه السّلام سنة (604 م). له ديوان شعر مطبوع وعملت فيه كتب ومقالات كثيرة. انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (1/ 163). (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 65).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القبيل الذي ذكره. وأما وبين يديها البر منثور: فاليدان فيه كناية عن الأمام؛ إذ لا أيدي للأوز، فليس ذلك مما ذكره في شيء. ومن المحمول على المثنى أيضا: ما هو غير صالح للتجريد وعطف مثله عليه: نحو الكلبتين لآلة الحداد، ونحو البحرين والدونكين علمين لموضعين؛ فإن هذه الكلمات غير صالحة للتجريد. ونحو القمرين والعمرين والأبوين فإنها وإن صلح كل منها للتجريد لا يصلح لعطف مثله عليه بل لعطف مباينه عليه. قال المصنف (¬1): «فإن قيل في نحوها مثنّى فبمقتضى اللّغة لا الاصطلاح، كما يقال لاسم الجمع جمع». قال المصنف: «ومن المعرب إعراب المثنى وليس مثنى في الاصطلاح لعدم الصلاحية للتجريد: اثنان واثنتان والمذروان وقول بعض العرب: جنبك الله الأمرّين: أي الفقر والعري، وكفاك شر الأجوفين: أي البطن والفرج، وأذاقك البردين: أي الغنى والعافية» انتهى (¬2). ودعواه أن المذروين والأمرّين، والأجوفين، والبردين غير صالح للتجريد ممنوعة، ولا يلزم من عدم الاستعمال عدم الصلاحية [1/ 86] والظاهر أن هذه الكلمات مثناة لا محمولة على المثنى. وقال المصنف أيضا: ومن المعرب إعراب المثنى ما يصلح للتجريد ولا يختلف معناه: كحول وحوال. فتجريدهما كقوله تعالى: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ (¬3) وكقول الراجز: 104 - وأنا أمشي الدّألى حوالكا (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 71). (¬2) المرجع السابق. (¬3) سورة البقرة: 17. (¬4) بيت من الرجز المشطور لشاعر مجهول، قاله على لسان ضب يخاطب ابنه وقبله: أهدموا بيتك لا أبا لكا ... وزعموا أنّك لا أخا لكا والدّألى: نوع من المشي فيه تثاقل. وشاهده: تجريد حول من التثنية وإفادتها ما تفيده التثنية. والبيت في شرح التسهيل (1/ 65). والتذييل والتكميل (1/ 252)، ومعجم الشواهد (ص 512).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتلبسهما بعلم التثنية، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ حوالينا ولا علينا» (¬1). وكقول الراجز: 105 - يا إبلي ما ذامه فتأبيه ... ماء رواء ونصيّ حوليه (¬2) قال: وندر هذا الاستعمال في متمحض الإفراد كقول الشاعر: 106 - على جرداء يقطع أبهراها ... حزام السّرج في خيل سراع (¬3) وكقول الآخر: 107 - تربّع وعس الأخرمين وأربلت ... له بعد ما ضاقت جواء المكامن (¬4) - ¬

_ (¬1) نصه في صحيح مسلم (3/ 25) كتاب الصلاة. باب الدعاء في الاستسقاء: مروي عن أنس بن مالك. (¬2) بيتان من الرجز المشطور قائلهما الزفيان السعدي يخاطب إبله: اللغة: الذام: العيب. تأبيه: فعله أبى يأبى أي امتنع وهو مضارع منصوب مسند لياء المخاطبة. نصي: النبت ما دام رطبا. والشاعر يدعو إبله إلى المرعى السهل من ماء ونبات. واستشهد به هنا على أن حوليه مثنى حول وانظر اللسان (مادة: حول) والبيت في معجم الشواهد (ص 561)، وشرح التسهيل (1/ 65). ترجمة الشاعر: هو عطاء بن أسيد أحد بني عرافة بن سعد بن زيد مناة وسمي الزفيان لبيت قال فيه الفعل تزفى. وهو شاعر إسلامي رجاز (انظر ترجمته وأخباره في معجم الشعراء ص 159). وانظر أشعارا له في لسان العرب مواد: أبى. حول. سبد. (¬3) البيت من بحر الوافر ولم ينسب في مراجعه. اللغة: الجرداء: الناقة التي لا شعر لها أو لها شعر ولكنه قليل. أبهراها: مثنى أبهر وهو عرق في الظهر وهو موضع الشاهد حيث وقع المثنى موقع المفرد؛ لأن الدابة لها أبهر واحد. وهو في البيت يصف ناقته بشدة الإعياء. والبيت في شرح التسهيل (1/ 66) وفي معجم الشواهد (ص 232). (¬4) البيت من بحر الطويل مجهول القائل ولم يرد في مراجع اطلعت عليها إلا في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 66). اللغة: تربع: ترعى. الوعس: السهل اللين من الرمل. الأخرمين: مثنى أخرم وهو موضع. أربلت: يقال أربلت الأرض كثر ربلها وهو نوع من الشجر. والشاعر يصف إبلا ترعى في مكان كثير النبات والشجر بعد ما ضاقت بأمكنة أخرى ولم تجد فيها ما تريده. وشاهده: قوله الأخرمين فهو مثنى مقصود به الواحد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأبهر عرق والأخرم موضع فثنيا مجازا قال: وأنشد ابن سيده (¬1): 108 - فجعلن مدفع عاقلين أيامنا ... وجعلن أمعز رامتين شمالا (¬2) وقال: أراد عاقلا وهو جبل، انتهى (¬3). وملخص ما ذكره المصنف أن المحمول على المثنى في الإعراب بالنسبة إلى المدلول: ثلاثة أقسام: ما مدلوله واحد وما مدلوله اثنان وما مدلوله أكثر من اثنين. فما مدلوله واحد: اسم جنس: كالمقصّين والجلمين والكلبتين وهذه لا تجرد، والأبهرين وحواليكا ويجوز تجريدهما دون عطف. وعلم: وهو قسمان: قسم مسمى بلفظ المثنى كالبحرين. وقسم عرضت له التثنية لفظا بعد التسمية به مفردا؛ كالأخرمين وعاقلين؛ فالبحران كالمقصين في أنه لا يجرد، والأخرمان وعاقلان كالأبهرين في أنهما يجردان دون عطف لعدم مثل يعطف. وما مدلوله اثنان: كالقمرين والعمرين ويجردان دون عطف وكاثنين واثنتين ولا يصلحان للتجريد. وما مدلوله أكثر من اثنين: نحو: كَرَّتَيْنِ (¬4) وحنانيه وفَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (¬5). وهذا القسم صالح للتجريد والعطف. ومن المحمول على المثنى في الإعراب أيضا: كلا وكلتا: قال المصنف: «هما مفردا اللفظ مثنيا المعنى واعتبار اللفظ في خبرهما وضميرهما أكثر من اعتبار المعنى قال تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها (¬6) ولو اعتبر المعنى لقال آتتا، وقد جمع الشاعر الاعتبارين في قوله: - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) البيت من بحر الكامل ولم ينسب في مراجعه. وهو يصف قافلة تسير جعلت مدفع عاقل - اسم جبل - ناحية اليمين وأمعز رامتين - جبل آخر - ناحية الشمال. وشاهده: كالذي قبله حيث ثني ما لا يثنى ضرورة. وانظر البيت في اللسان: (مادة: عقل)، شرح التسهيل (1/ 66)، وليس في معجم الشواهد. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 66). (¬4) سورة الملك: 4. (¬5) سورة الحجرات: 10. (¬6) سورة الكهف: 33.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 109 - كلاهما حين جدّ الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي (¬1) وكونهما مفردي اللفظ مثنيي المعنى أعربا إعراب المفرد في موضع وإعراب المثنى في موضع إلا أن آخرهما معتل؛ فلم يلق بهما من إعراب المفرد إلا المقدر فجعل ذلك لهما مضافين إلى ظاهر؛ ليتخلص من اجتماع إعرابي تثنية في شيئين (¬2) كشيء واحد وجعل الآخر لهما مضافين إلى المضمر؛ لأن المحذور (¬3) إذ ذاك مأمون. وقد أجرته كنانة مجرى المثنى مع الظاهر أيضا: فيقولون: جاء كلا أخويك، ورأيت كلي أخويك، ومررت بكلي أخويك. وبهذه اللغة التي رواها الفراء معزوة إلى كنانة (¬4) يتبين صحة قول من جعل كلا من المعرب [1/ 87] بحرف لا بحركة مقدرة. فإن القائل: إن كلا معرب بحركة مقدرة يزعم أن انقلاب ألفه ياء مع المضمر هو كانقلاب ألف لدى وإلى وعلى، ولو كان الأمر كما قال لامتنع انقلاب ألفها مع الظاهر في لغة كنانة كما يمتنع عندهم وعند غيرهم انقلاب ألف لدى وإلى وعلى مع الظاهر، على أن مناسبة كلا للمثنى أقوى من مناسبته للدى وعلى وإلى. ومراعاة أقوى المناسبتين أولى من مراعاة أضعفهما. وأيضا فإن تغير ألف كلا حادث عن تغير عامل وتغير ألف لدى وإلى - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط قاله الفرزدق: ديوانه (1/ 34) مطبعة الصاوي نشر المكتبة التجارية، وليس في طبعة بيروت المشهورة؛ وذلك لأن محقق الديوان ذكر في مقدمته أنه حذف أبيات الهجاء الفاحشة. قال صاحب الدرر (1/ 17): الضمير في كلاهما ... إلخ لعضيدة بنت جرير وزوجها الأبلق ولم يصب من جعله لفرسين لأن الشعر للفرزدق يعير به جريرا بتزويج ابنته للأبلق. وشاهده: عود الضمير من خبر كلا إليها مرة مثنى مراعاة لمعناها ومرة مفردا مراعاة للفظها؛ ومثله قول الأسود بن يعفر (من الكامل). إنّ المنية والحتوف كلاهما ... يوفي المخارم يرقبان سوادي وبيت الشاهد في شرح التسهيل (1/ 67) ومعجم الشواهد (ص 62). (¬2) هما المضاف: (كلا وكلتا) والمضاف إليه: (الاسم الظاهر بعدهما). (¬3) وهو اجتماع إعرابي تثنية في شيئين كشيء واحد. (¬4) قال السيوطي في الهمع (1/ 41): بعد أن حكى اللغة المشهورة في إعراب كلا وكلتا: وبعض العرب يجريهما مع الظاهر مجراهما مع المضمر في الإعراب بالحرفين وعزاها الفراء إلى كنانة، وبعضهم يجريهما معهما بالألف مطلقا. وانظر أيضا التذييل والتكميل (1/ 259).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى حادث بغير تغير عامل فتباينا، وامتنع أن يلحق أحدهما بالآخر» انتهى (¬1). ونقل الشيخ: أن الفراء زعم أنهما قد يضافان إلى مضمر ويكونان بالألف على كل حال. وأن كلا في قول العرب: كلاهما وتمرا في موضع نصب (¬2). قال: فعلى هذا يكون في كلا وكلتا ثلاث لغات: إلحاقهما بالمقصور مطلقا، إلحاقهما بالمثنى مطلقا. التفرقة بين أن يضافا إلى ظاهر فيكونان بالألف أو إلى مضمر فتنقلب ألفه ياء في حالتي النصب والخفض. انتهى (¬3). ثم ما ذكره المصنف من أنهما مفردا اللفظ مثنيا المعنى هو مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أنهما مثنيان لفظا كما أنهما مثنيان معنى، واعتذر عن سلامة الألف في: رأيت كلا أخويك، ومررت بكلا أخويك (¬4) بأن الكلمة شبهت بالواحد (¬5). وقال البغداديون: إنّ كلتا قد نطق لها بمفرد (¬6) وهو قول الشاعر: 110 - في كلت رجليها سلامى واحده ... كلتاهما قد قرنت بزائده (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 68). (¬2) قوله: كلاهما وتمرا ... مثل من أمثال العرب وأصله: أن رجلا أضر به العطش والجوع فنزل عند كريم مضياف وكان عنده زبد وتمر وتامك (لحم سنام) فدنا منه الجائع وقال له: أطعمني من هذا الزبد والتامك فقال له الكريم: نعم كلاهما وتمرا فذهب قوله مثلا. وقد روي المثل برفع كلاهما أي لك كلاهما ونصب تمرا على معنى أزيدك تمرا. وروي بنصبه (كلاهما - كليهما) على معنى أطعمك كليهما وتمرا. وانظر المثل وقصته في مجمع الأمثال: (2/ 38). (¬3) انظر التذييل والتكميل: (1/ 259) وما قبلها. (¬4) في نسخ المخطوطة: ومررت بكلي أخويك وهو خطأ والصحيح ما أثبتناه. (¬5) انظر المسألة بالتفصيل وحجج كل من الفريقين في الإنصاف (1/ 439). (¬6) في قول البغداديين هذا دليل للكوفيين على أن كلا وكلتا مثنيان لفظا ومعنى. ووجه الدليل في البيت: أنه قد نطق لهما بمفرد أي بدون ألف فظهر أن ألفهما للتثنية كألف الزيدان. وهو مردود بعدم الانقلاب في حالتي النصب والجر عند الإضافة إلى الظاهر. (¬7) بيتان من الرجز المشطور في وصف نعامة ولم أقف على قائلهما فيما وردا من مراجع. والسلامى: عظام تكون بين كل مفصلين من مفاصل الأصابع من اليد والرجل. والشاهد فيهما واضح من الشرح. وانظرهما في معجم الشواهد (ص 464) والتذييل والتكميل (1/ 257).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وردّ بأن هذا من الحذف بالضرورة، كقول الآخر: 111 - درس المنا بمتالع فأبان ... [فتقادمت بالحبس فالسّوبان] (¬1) أراد المنازل. واعلم أن الأكثرين على أن كلا وكلتا لم يعربا بالحروف أصلا، وأنهما حال إضافتهما إلى المضمر معربان بحركات مقدرة كحالهما إذا أضيفا إلى مظهر، وأن ألفهما إنما انقلبت ياء مع المضمر تشبيها لها بألف لدى وعلى وإلى ولهذا قال سيبويه (¬2): «وسألت الخليل عمن قال: رأيت كلا أخويك ومررت بكلا أخويك ثم قال: مررت بكليهما ورأيت كليهما، فقال: جعلوها بمنزلة عليك في الجرّ والنّصب». ثم اعتذر الخليل عن كونهم لم يقلبوا الألف في الرفع فيقولوا قام كليهما بأن قال: «إنما تستعمل لدى وعلى مجرورين أو منصوبين يعني تقول: من لديه ومن عليه وقعدت لديه ونزلت عليه ولا تقول يعجبني لديه ولا عليه». فلم يشبه كلاهما حال الرفع بل أجريت على أصلها من سلامة الألف. وقد علمت أن المصنف لم يرتض ذلك، وأنه قد رده بما جاءت به لغة كنانة من القلب مع الظاهر، وبما ذكره من العلة المقتضية لمنع الإلحاق ومن مناسبة كلا وكلتا للمثنى دون لدى وعلى. وقد نقل الشيخ عن صاحب الإفصاح أنه قال (¬3): «فأمّا كون كلا يقلب آخره مع الظّاهر (¬4)، فلا أعرف للبصريين اعتذارا عنه». - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل مطلع قصيدة طويلة للبيد بن ربيعة كلها من الغريب المعقد كشعر لبيد كله، وهي في وصف الأطلال والصحراء والظباء والطرد (انظر الديوان ص 206). اللغة: المنا: قيل: إنه المنازل وحذف الشاعر منه الزاي واللام، وقيل: لا حذف فيه وهو كذلك اسم موضع. متالع وأبان: اسما جبلين وكذا الحبس. السوبان: كطوفان واد لبني تميم. ومعنى البيت وكذا ما بعده: أن منازل الأحباب قد درست وتقادم عليها العهد وصارت أطلالا مثل الكتابة على العسب التي مضى عليها الزمن فهي غير واضحة. ويستشهد بالبيت على الحذف من الكلمة دون ترخيم أو غيره للضرورة. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 410). والتذييل والتكميل (1/ 257). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 413). وقد نقل الشارح اعتذار الخليل المؤخر بالمعنى. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 257). (¬4) أي في لغة كنانة التي تجري الإضافة إلى الظاهر كالإضافة إلى الضمير في إعرابهما بالحروف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن الشيخ جعل اختيار المصنف غير مذهب البصريين وغير مذهب الكوفيين؛ لأنه وإن وافق البصريين في كونهما مفردي اللفظ مثنيي المعنى، فقد خالفهم في جعلهما معربين بالحروف حال الإضافة إلى المضمر. وإن وافق الكوفيين في كونهما معربين بالحروف فقد خالفهم في الحكم عليهما بالإفراد لفظا (¬1) [1/ 88]. واعلم أن لام كلا واو قلبت تاء في كلتا عند سيبويه، فألفها عنده للتأنيث، والتاء بدل من لام الكلمة، والأصل كلوى (¬2). وعللوا إبدالها تاء بأن في التاء علم التأنيث، والألف في كلتا قد تصير ياء مع المضمر، فتخرج من علم التأنيث فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث. وقال الجرمي: «التّاء ملحقة والألف لام الكلمة ووزنها عنده فعتل» (¬3). وردّ قوله بأنهم يقولون في النسبة إليه: كلوي فيسقطون التاء فدل ذلك على أنها كتاء أخت حيث قالوا فيها: أخوي. ولو كان الأمر كما قال الجرمي لقالوا فيها كلتوي. قال الشيخ: «الذي يقطع ببطلان مذهب المصنف في دعواه أن كلا وكلتا معربان بالحروف مع أنهما مفردان في اللفظ، أنه كان يلزم على قوله قلب ألفهما - ¬

_ (¬1) فتلخص أن المذاهب في معنى وإعراب كلا وكلتا ثلاثة: مذهب البصريين: أن كلا وكلتا مفردان لفظا مثنيان معنى، وأنهما يعربان في كل الأحوال بحركات مقدرة كالمقصور، وأما انقلاب ألفهما في حالتي النصب والجر مع المضمر فلأنها أشبهت ألف لدى وعلى التي تنقلب ياء أيضا في هاتين الحالتين. مذهب الكوفيين: أنهما مثنيان لفظا ومعنى وأنهما يعربان بالحروف عند الإضافة إلى المضمر، وبالحركات عند الإضافة إلى الظاهر. مذهب ابن مالك: أنهما مفردان لفظا مثنيان معنى (مذهب البصريين) وأنهما يعربان بالحروف عند الإضافة إلى المضمر وبالحركات عند الإضافة إلى الظاهر (مذهب الكوفيين) وهذا المذهب هو المشهور وهو الذي يسير عليه النحاة والمعربون. وحاول إبطاله أبو حيان (التذييل والتكميل: 1/ 254 - 257) ولكن هل يستطيع أحد أن يطفئ نور الشمس؟ (¬2) انظر الكتاب: (3/ 364) وفيه يقول: «ومن قال: رأيت كلتا أختيك فإنّه يجعل الألف ألف تأنيث فإن سمّى بها شيئا لم يصرفه في معرفة ولا نكرة وصارت التاء بمنزلة الواو في شروى». (¬3) قال في الهمع (1/ 41) في حديث عن التاء: «وذهب بعضهم إلى أنّ التاء زائدة للتأنيث بدليل حذفها في النسب وقولهم كلوي كما يقال في أخت أخوي وردّ بأن تاء التأنيث لا تقع حشوا ولا بعد ساكن غير ألف. وذهب آخرون إلى أنّها زائدة للإلحاق والألف لام الكلمة وعليه الجرمي».

[حكم العطف دون التثنية]

[حكم العطف دون التثنية] قال ابن مالك: (ولا يغني العطف عن التّثنية دون شذوذ أو اضطرار إلّا مع قصد التّكثير أو فصل ظاهر أو مقدّر). ـــــــــــــــــــــــــــــ حالة التثنية فتنقلب ألف كلا إلى الواو كما تنقلب ألف عصا، وتنقلب ألف كلتا إلى الياء (¬1) كما تنقلب ألف ذكرى فكنت تقول: قام الزيدان كلواهما ورأيتهما كلويهما ومررت بهما كلويهما، وقامت الهندان كلتياهما ورأيت الهندين كلتييهما ومررت بهما كلتييهما» انتهى (¬2). والجواب: أنه إنما كان يلزم ذلك أن لو ادعى أن كلا وكلتا قد ثنيا؛ وهو لا يدعي ذلك، وإنما حكم عليهما بأنهما مثنيان معنى مع أنهما مفردان لفظا. ثم إن المصنف قد قام عنده الدليل بلغة كنانة وبغيرها أن الأعراب بالحروف؛ فوجب له القول به؛ وهذا الإلزام المذكور إن تم إنما كان يلزم العرب لا المصنف. والعجب أن الشيخ ألزم ذلك في لغة كنانة ولا أدري كيف يلزم أصحاب اللسان. قال ناظر الجيش: استعمال التثنية بدلا من العطف تخفيف يشبه الإعلال الملتزم؛ فكما لا يراجع التصحيح في مثل أعان واستعان إلا في شذوذ واضطرار (¬3)، كذا لا يراجع العطف بعد التثنية إلا في شذوذ واضطرار كقول الراجز: 112 - كأنّ بين فكّها والفكّ ... فأرة مسك ذبحت في سكّ (¬4) - ¬

_ (¬1) في الأصل: إلى التاء وهو خطأ. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 260). وكلمة انتهى ساقطة من نسخة (ب)، (جـ). (¬3) مثال الشذوذ قولهم: استحوذ واستنوق الجمل وأعول الرجل (كثرت عياله) وأغيلت المرأة إذا أرضعت طفلها وهي حامل. ومثال الاضطرار قول عمر بن أبي ربيعة (من الطويل): صددت فأطولت الصّدود وقلّما ... وصال على طول الصّدود يدوم (¬4) البيتان من الرجز المشطور في وصف امرأة بطيب رائحة الفم نسبا لمنظور بن مرثد شاعر إسلامي (انظر ترجمته وأخباره في معجم الشعراء ص 281) وقد وجدتهما أيضا منسوبين لرؤبة في ملحقات ديوانه (ص 191). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد بين فكيها، فجاء بالأصل المتروك إما شذوذا بحيث لو كان في غير شعر لم يمتنع، وإما لضرورة إقامة الوزن. ومثله قول الآخر: 113 - كأنّ بين خلفها والخلف ... كشّة أفعى في يبيس قفّ (¬1) وقول الآخر: 114 - ليث وليث في محلّ ضنك ... [كلاهما ذو أنف ومحك] (¬2) وقول الآخر: 115 - [بين ابن مروان قريع الإنس ... وبنت عباس قريع عبس] أنجب عرس ولدا وعرس (¬3) - ¬

_ - اللغة: فأرة المسك: رائحته أو وعاؤه. ذبحت: شقت: السّك: بالضم نوع من الطيب. واستشهد به على أن أصل المثنى العطف بالواو ولذلك يرجع إليه للضرورة والأصل: بين فكيها. وانظر الشاهد في شرح التسهيل (1/ 68) والتذييل والتكميل (1/ 261) ومعجم الشواهد (ص 511). (¬1) البيتان من الرجز المشطور أيضا يشبه فيهما الشاعر صوتا بصوت. اللغة: كشة أفعى: كشيش الأفعى صوتها من جلدها لا من فيها ويقال فيه: كش يكش وكشكش. اليبس: ما كان رطبا فجف. القفّ: يقال قف العشب قفوفا إذا يبس ويقال قف أيضا إذا انضم بعضه إلى بعض ومن معاني القف: الشجرة العالية اليابسة (القاموس: 1/ 192). وشاهده كالذي قبله. وانظر البيت في شرح التسهيل: (1/ 68) وفي التذييل والتكميل (1/ 261). (¬2) البيتان من الرجز المشطور أيضا قيل هما لواثلة بن الأسقع. والصحيح أنهما لجحدر بن مالك الحنفي قالهما مع أبيات أخر في قصة رواها صاحب الدرر (1/ 18) وملخصها أن الحجاج بن يوسف أطلق ليثا على جحدر حين تجرأ عليه وعصاه، ويروى أن جحدرا ضرب الليث بالسيف ففلق هامته، فعفا عنه الحجاج. اللغة: الضنك: الضيق. الأشر: الأنف والاستكبار. المحك: بالسكون اللجاج. وشاهده: عطف الليث على الليث والمقصود بأحدهما الإنسان وبالآخر الحيوان والشاعر لولا الضرورة لقال ليثان. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 514) والتذييل والتكميل (1/ 261). (¬3) الأبيات من الرجز المشطور وهي في الشعر والشعراء (2/ 599) منسوبة لرؤبة يعلم فيها ابنه الشعر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يستعمل العطف في موضع الجمع؛ لأنه أشق من استعماله في التثنية ولأن الجمع ليس محدودا فتذكر آحاده معطوفا بعضها على بعض كما فعل بالمثنى [1/ 89] فلو كان الجمع مدلولا عليه ببعض ألفاظ العدد جاز استعمال العطف في موضعه. كقول الشاعر: 116 - ولقد شربت ثمانيا وثمانيا ... وثمان عشرة واثنتين وأربعا (¬1) وكقول الآخر: 117 - وردن اثنتين واثنتين وأربعا ... يبادرن تغليسا ثمال المداهن (¬2) ومثال قصد التكثير ما تقدم من قول الشاعر: لو عدّ قبر وقبر ... البيت، وما ذكر معه من الأبيات. - ¬

_ - وليست في ديوانه. وهي في المديح ومعناها: إن هذا الخليفة أبوه عبد الملك بن مروان، وأمه ولادة ابنة عباس العبسية. وعرس الرجل امرأته وهو أيضا عرسها لأنهما اشتركا في الاسم لمواصلة كل واحد منهما صاحبه وإلفه إياه. ومعنى أنجب عرس وعرس أي أنجب رجل وامرأة حيث ولدا هذا الرجل الممدوح. وبيت الشاهد رواه صاحب اللسان (مادة عرس) وذكر أن تثنية الفعل تدل على أن ما عطف بالواو بمنزلة ما جاء في لفظ واحد؛ لأن الصفة لا تتقدم على الموصوف. وضبط بعضهم: ولدا بالتنوين (التذييل والتكميل: 1/ 262) وهو خطأ لأن الكلمة فعل مسند إلى ألف الاثنين. وبيت الشاهد في التذييل والتكميل: (1/ 262)، وفي معجم الشواهد (ص 487). (¬1) البيت من بحر الكامل نسبته مراجعه إلى الأعشى (معجم الشواهد ص 214) وليس في ديوانه وليست له قصيدة عينية من بحر الكامل مما يشكك في نسبته إليه، وإن كان فيه روح الأعشى في كثرة شرب الخمر، ومجموع ما شربه وحدثنا به في هذا البيت أربعون مرة. واختلف الاستشهاد بهذا البيت: فصاحب اللسان (ثمن) على أنه يكتفى بالكسرة في ثمان عن الياء. وحاشية الصبان: (4/ 72) على أنه يجوز الفتح بعد حذف الياء في الموضع نفسه. أما هنا فشاهده غير ذلك وهو استعمال العطف في موضع الجمع لأنه مدلول عليه بألفاظ العدد. والبيت في شرح التسهيل (1/ 69)، والتذييل والتكميل (1/ 263)، ومعجم الشواهد (ص 214). (¬2) البيت من بحر الطويل ولم يرد في معجم الشواهد وورد في شرح التسهيل (1/ 69)، والتذييل والتكميل (1/ 263)، غير منسوب ولم أقف على قائله. اللغة: الثمال: بالضم جمع ثمالة وهو الماء القليل في الحوض أو في أي مكان. المداهن: جمع مدهن بضمتين ومن معانيه مستنقع الماء. والشاعر يصف في البيت ركبا من الإبل يشرب على فترات من ماء قليل. واستشهد به على ما في البيت قبله.

[تعريف جمع المذكر السالم]

[تعريف جمع المذكر السالم] قال ابن مالك: (والجمع جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين كما سبق بتغيير ظاهر أو مقدّر وهو التّكسير أو بزيادة في الآخر مقدّر انفصالها لغير تعويض وهو التّصحيح). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الفصل الظاهر: قولك: مررت بزيد الكريم وزيد البخيل ولو ثنيت وأخرت الصفتين مفترقتين لجاز. ومثال الفصل المقدر قول الحجاج (¬1) وقد نعي له في يوم واحد محمد أخوه ومحمد ولده: سبحان الله محمّد ومحمّد في يوم (¬2) وإياهما قصد الفرزدق بقوله: 118 - إن الرّزيّة لا رزيّة مثلها ... فقدان مثل محمّد ومحمّد (¬3) قال ناظر الجيش: قد تقدم بيان مراد المصنف بالجعل وأن المعني به: «تجديد - ¬

_ (¬1) هو الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي أبو محمد قائد داهية سفاك، خطيب مفوه، ولد بالطائف سنة (40 هـ)، وتدرج في المناصب حتى قلده عبد الملك بن مروان أمر عسكره وأمره بقتال عبد الله بن الزبير فقتله، ثم ولاه عبد الملك مكة والمدينة والطائف والعراق فأمات الفتنة في تلك البلاد وثبتت له الإمارة عشرين سنة، أول من ضرب درهما عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله. أجاب نداء امرأة مسلمة سبيت في الهند حتى حررها. ومات سنة (95 هـ) بمدينة واسط التي بناها بين البصرة والكوفة، وكتبت في سيرته وحياته كتب كثيرة ومدحه الشعراء. (انظر ترجمته في الأعلام 2/ 175). (¬2) انظر القصة في الكامل للمبرد: (1/ 303) ونصها: أن الحجاج رأى في منامه أن عينيه قلعتا فطلق زوجته (سماها المبرد) فلم يلبث أن جاءه نعي أخيه من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد. فقال: هذا والله تأويل رؤياي ثم قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، محمّد ومحمّد في يوم. ثم قال: من يقول شعرا يسلّيني به؟ فأنشده الفرزدق بيت الشاهد الآتي وغيره. (¬3) البيت من بحر الكامل أول بيتين يرثي بهما الفرزدق محمد بن الحجاج بن يوسف ومحمد بن يوسف أخا الحجاج وقد ماتا في جمعة والبيت الثاني هو قوله (وانظر الديوان جـ 1 ص 161): ملكين قد خلت المنابر منهما ... أخذ المنون عليهما بالمرصد وقد استشهد به على أن العطف أغنى عن التثنية لوجود فاصل مقدر؛ لأن المعنى: فقدان مثل محمد بن الحجاج ومحمد أخيه. وذهب أبو حيان إلى أن العطف فيه للضرورة وأنه أصله التثنية كما قال: إن أكثر أصحابنا ذهبوا إلى أنه لم يثن لأنه باق على علميته. وانظر البيت في التذييل والتكميل (1/ 264)، وفي شرح التسهيل (1/ 69)، وفي معجم الشواهد (ص 136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناطق حالة للاسم لم يوضع عليها ابتداء». قال: «وبهذا تخرج أسماء الجموع ونحوها» وقد تقدم أن ذلك ليس بجيد، فالأولى أن يراد بالجعل ما تقدم (¬1). وأما أسماء الجموع فتخرج بقوله بعد: بتغيير وبزيادة. ونبه بالقابل على أن من الأسماء ما لا يجمع كما أن منها ما لا يثنى. ولا شك أن ما لا يقبل التثنية لا يقبل الجمع وقد تقدم ذكره (¬2). نعم أجمع وجمعاء يجمعان، وإن كانا على مذهب البصريين لا يثنيان. وقوله: دليل ما فوق اثنين تحرز من التثنية وفي ذلك إشارة إلى أن أقل الجمع ثلاثة. فإن استعمل لفظ الجمع في أقل منها فليس جمعا بل هو مثنى أو مفرد استعير له لفظ الجمع نحو: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (¬3)، وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (¬4). وقوله: كما سبق إشارة إلى أن حكم اتفاق الأسماء الدالة على ما فوق اثنين في اللفظ والمعنى على نحو ما ذكر في التثنية، وقد تقدم في ذلك بما فيه غنية (¬5). ونظير قولهم القمران في التثنية (¬6): الخبيبون في خبيب وأصحابه وخبيب لقب - ¬

_ (¬1) الذي تقدم هو أن مراده بالجعل: الوضع لا تصرف الناطق بمعنى أن المثنى والمجموع من قبيل الكلمات المفردة المعتبر فيها الوضع. (¬2) وذكر هناك أن المانع من تثنية بعض الأسماء وجمعها أسباب منها: عدم الفائدة لو ثني نحو كل وبعض، الاستغناء عن تثنية الكلمة بغيرها نحو أجمع وجمعاء فقد استغني عن ذلك بكلا وكلتا، أن هناك لفظا يدل على هذا المعنى فلا داعي للتثنية أو الجمع كأسماء العدد، مشابهة ما لا يثنى ولا يجمع كأفعل التفضيل المجرد، الاستثقال لو ثني وجمع كما في المثنى والمجموع، كون الكلمة مطلوبة الحكاية، أن الكلمة لا تشبه المفرد، أن المفردات مختلفة اللفظ كما في القمرين، أو مختلفة المعنى كما في الخبيبين. (¬3) سورة التحريم: 4. (¬4) سورة الحجر: 23 وأولها: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ ... إلخ. (¬5) وقد ذكر أن من شرط المثنى أن يكون مفرداه متفقي اللفظ كرجلين، وأما اتفاق المعنى ففيه خلاف: ذهب الجمهور إلى اشتراطه، وذهب بعضهم إلى عدم اشتراطه وإليه جنح ابن مالك. (¬6) أي مما مفرداه مختلفا اللفظ، فالقمران مثنى شمس وقمر وكذا العمران ... إلخ. وقد حكم ابن مالك على هذا وأمثاله بأنه مثنى ولا يضر اختلاف لفظ مفرديه. ثم رجع قائلا: والحق أن القمرين ليس بمثنى في الاصطلاح وإنما هو مثنى بمقتضى اللغة. انظر: شرح التسهيل (1/ 60).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبد الله بن الزبير (¬1) رضي الله عنهما. قال الراجز: 119 - قدني من نصر الخبيبين قدي ... [ليس الإمام بالشّحيح الملحد] (¬2) يروى بكسر الباء على ما ذكر وبفتحها على أن المراد خبيب وأخوه مصعب رحمهما الله تعالى (¬3). - ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن الزبير بن العوام قرشي أسدي فارس قريش في زمنه ومن خطبائها المعدودين، أول مولود في المدينة بعد الهجرة، شهد فتح إفريقية في زمن عثمان بن عفان. وبويع له بالخلافة تسع سنين عقب وفاة يزيد بن معاوية فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق وأكثر الشام وجعل قاعدة ملكه المدينة وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة حتى سيروا إليه الحجاج الثقفي في أيام عبد الملك بن مروان فانتقل إلى مكة وعسكر الحجاج في الطائف ونشبت بينهما حروب انتهت بمقتل عبد الله بن الزبير سنة 73 هـ. له في كتب الحديث ثلاثة وثلاثون حديثا. انظر ترجمته في الأعلام (4/ 218). (¬2) البيتان من الرجز المشطور وقائلهما يذم عبد الله بن الزبير وأصحابه ويمدح الخليفة عبد الملك ابن مروان، ووجه الذم أن الشاعر يقول: حسبي من نصرة عبد الله أي لا أنصره بعد ذلك، وسألجأ إلى عبد الملك بن مروان الكريم الذي لم ينتهك حرمة البيت الحرام. اللغة: قدني وقدي: قال ابن هشام (المغني: 1/ 170): تحتمل قد الأولى أن تكون مرادفة لحسب على لغة البناء وأن تكون اسم فعل مرادفة ليكفي. وأما الثانية فتحتمل الأول وهو واضح وتحتمل الثاني على أن النون حذفت للضرورة. الخبيبين: مثنى خبيب وأراد به عبد الله بن الزبير وابنه خبيبا أو عبد الله وأخاه مصعبا، وقيل: إنه جمع والمراد عبد الله وأصحابه وهو موضع الشاهد وقد ذكر ذلك كله الشارح. كما استشهد به النحاة في باب إلحاق نون الوقاية لأسماء الأفعال مثل قد وقط. والبيت في معجم الشواهد (ص 466)، وفي التذييل والتكميل (1/ 268)، وشرح التسهيل (1/ 71). قائل البيتين وترجمته: نسب هذا الشعر في مراجعه لأكثر من شاعر فقيل لحميد بن ثور وقيل: أبو نخيلة واسمه يعمر وسمي كذلك لأن أمه ولدته بجانب نخلة وكانت بينه وبين العجاج منافرة (انظر ترجمته وأخبارا عنه في الشعر والشعراء: 2/ 606). وقيل: القائل: حميد بن مالك الأرقط وهو شاعر إسلامي مجيد، شعره جزل يمتلئ بالغريب؛ وسمي بالأرقط لآثار كانت بوجهه وكان بخيلا قال أبو عبيدة: بخلاء العرب أربعة: الحطيئة، وحميد الأرقط وأبو الأسود الدؤلي وخالد بن صفوان. انظر ترجمة حميد وشعرا له في معجم الأدباء (11/ 13). (¬3) يشير إلى أن لفظ خبيب يحتمل التثنية والجمع على نحو ما ذكرناه في الشاهد وقوله: وكذا قولهم الأشاعثة ... إلخ معناه أنه غلب لفظ واحد من الجماعة ثم جمع مقصودا به تلك الجماعة مع أن أسماءهم مختلفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا قولهم: الأشاعثة في الأشعث وقومه (¬1)، والمهالبة في المهلّب وبنيه (¬2). والباء في قوله: بتغيير متعلقة بدليل ما فوق اثنين ليفيد الكلام أن الدلالة المذكورة إذا كان الجمع مكسرا إنما يكون بالتغيير بخلاف ما إذا كان الجمع مصححا؛ فإن الدال على جمعيته إنما هي الزيادة التي في آخره كما سنذكره. فعلى هذا لا يدخل نحو مصطفين ومصطفيات في حد المكسر وإن حصل فيهما تغيير وهو الحذف والقلب (¬3)؛ لأن تغيرهما ليس هو المشعر بالجمعية بل المشعر بها الزيادة اللاحقة؛ إذ لو قدر انفرادها ولا حذف ولا قلب لم تجهل الجمعية. ولو قدر العكس لجهلت الجمعية؛ بخلاف تغيير رجل حين قيل فيه رجال؛ فإن الجمعية لا تدرك إلا به وهذا هو التغيير الظاهر. والتغيير المقدر كفلك فإنه يقع على الواحد والجمع؛ فإذا كان واحدا فهو كقفل وإذا كان جمعا فهو كبدن [1/ 90] فيقدر زوال الضمة الكائنة في الواحد وتبدلها - ¬

_ (¬1) هو الأشعث بن قيس بن معدي كرب الكندي أبو محمد أمير كندة في الجاهلية والإسلام، كانت إمامته في حضر موت، وقد وفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد ظهور الإسلام في جمع من قومه فأسلم ثم حسن إسلامه بعد ذلك. وشهد الوقائع وأبلى بلاء حسنا مع سعد بن أبي وقاص في حروب العراق. ولما آل الأمر إلى علي كان الأشعث معه يوم حنين على راية كندة، ثم استقر في الكوفة وتوفي فيها على أثر اتفاق الحسن ومعاوية سنة (40 هـ) بعد ثلاثة وستين عاما عاشها. وقد روى له البخاري تسعة أحاديث. انظر ترجمته في الأعلام: (1/ 334). (¬2) هو المهلب بن أبي صفرة وبنوه هم يزيد وزياد ومدرك وقد ولدوا في سنة واحدة وقتلوا في سنة واحدة وكانت أعمارهم لا تتجاوز ثمانية وأربعين عاما وهو من العجائب. وأبوهم وهو المهلب يدعى ظالم بن سراق الأزدي أمير جواد نشأ بالبصرة وقدم المدينة مع أبيه في أيام عمر وولى إمارة البصرة لمصعب بن الزبير، وانتدب لقتال الأزارقة وكانوا قد غلبوا على البلاد، وشرط له أن كل بلد يجليهم عنه يكون له التصرف في خراجه، فأقام يحاربهم تسعة عشر عاما لقي فيها منهم الأهوال وأخيرا تم له الظفر بهم فقتل منهم الكثير وشرد بقيتهم في البلاد، ثم ولاه عبد الملك بن مروان ولاية خراسان سنة (79 هـ). ومات فيها سنة (83 هـ)، وكان مولده سنة (7 هـ). انظر ترجمته في الأعلام (8/ 260). (¬3) الحذف في مصطفين: وأصله مصطفيون - بعد قلب الواو ياء - حذفت لام الكلمة بعد حذف حركتها والتقائها ساكنة مع الواو. والقلب في مصطفيات: وأصله مصطفوات قلبت الواو ياء لوقوعها رابعة فأكثر بعد فتح (دراسات صرفية في الإبدال والإعلال والإدغام ص 55) ولا يجوز جمع مصطفى على مصطفيات إلا بعد إطلاق المفرد على مؤنث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بضمة مشعرة بالجمع هذا هو مذهب سيبويه (¬1). ومثل فلك دلاص وهجان؛ فإن كلّا منهما واحد وجمع فالتغيير فيهما حال الجمعية مقدر. وقوله: أو بزيادة معطوف على بتغيير فهو متعلق بدليل ما فوق اثنين. وقيد الزيادة في جمعي التصحيح بقيدين: أحدهما: أن تكون مقدرة الانفصال واحترز بذلك من زيادة نحو صنوان (¬2) فإنها كزيادة زيدين في زيادة النظم معها إلا أن زيادة زيدين مقدر انفصالها لوجهين: أحدهما: أن نونه تسقط للإضافة. والثاني: أنه لو سمي به ونسب إليه لحذفت المدة والنون؛ وزيادة صنوان ونحوه بخلاف ذلك القيد. الثاني (¬3): أن تكون لغير تعويض واحترز بذلك من سنين ونحوه. قال المصنف: فإنه جمع تكسير جرى في الإعراب مجرى الصحيح، ومعنى التعويض فيه أنّ واحده منقوص يستحق أن يجبر بتكسير كما جبر يد ودم حين قيل فيهما: أيد ودماء، فزيدت آخره زيادتا جمع التصحيح عوضا من الجبر الفائت بعدم التكسير؛ لأنهما يجعلانه شبيها بفعول لو كسرا عليه. ولكون هذا النوع تكسيرا في - ¬

_ (¬1) في الكتاب لسيبويه: (3/ 577) قال: «وقد كسّر حرف منه (من فعل) على فعل وذلك قولك للواحد هو الفلك فتذكّر وللجميع هي الفلك وقال الله عزّ وجلّ: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [الشعراء: 119] فلما جمع قال: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [البقرة: 164]. وقوله: ومثل ذلك دلاص وهجان ... إلخ قال سيبويه: (3/ 639) «قالوا: درع دلاص وأدرع دلاص ويدلك على أن دلاص وهجان جمع لدلاص وهجان وأنه كجواد وجياد ليس كجنب قولهم: هجانان ودلاصان فالتثنية دليل في هذا النّحو» انتهى. والدرع الدلاص: الملساء اللينة، والإبل الهجان: البيض منها. ويمثل لهما في حال الإفراد بكتاب وفي حال الجمع برجال. (¬2) ذكر في القرآن في قوله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ [الرعد: 4]. وقيل في تفسيره: الصنوان: المجتمع. وغير الصنوان: المتفرق. وفي اللسان (صنو). وقال أبو زيد: هاتان نخلتان صنوان، ونخيل صنوان وأصناء. (¬3) أي القيد الثاني من قيود زيادة جمعي التصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم غير فاؤه غالبا فقيل في سنة سنون بكسر السين وقد روي ضمها. انتهى (¬1). وقد عرف أن جمع التكسير هو جعل الاسم القابل (¬2) دليل ما فوق اثنين بتغيير ظاهر أو مقدر. وأن جمع التصحيح هو جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين بزيادة في آخره مقدرة الانفصال لغير تعويض. ثم جعل التصحيح نوعين لمذكر ولمؤنث كما سيذكره. وهاهنا أبحاث: الأول: أورد الشيخ على قول المصنف: جعل الاسم ... الجمع الذي لم ينطق له بواحد كعباديد (¬3)، قال: لأنه ليس فيه جعل؛ إذ الجعل يستدعي وجود المجعول. وجوابه: أنه لا يلزم من عدم التلفظ بشيء عدم تقديره؛ فالاسم الذي هذا جمعه مقدر وكم من مقدر في أبواب النحو يحكم له بحكم الملفوظ. الثاني: قال المصنف: التغيير الظاهر إما بزيادة كصنو وصنوان (¬4) أو بحذف كتخمة وتخم أو بتبدل شكل كأسد وأسد؛ أو بزيادة وتبدل شكل كرجل ورجال أو بنقص وتبدل شكل كقضيب وقضب؛ أو بزيادة ونقص وتبدل شكل كغلام وغلمان (¬5). ونقل الشيخ أن أصل هذا التقسيم للجرمي فإنه قال (¬6): «التغيير ثلاثة أقسام: قسم فيه زيادة كعبد وعباد، وقسم فيه نقص كرغيف - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 71). (¬2) كلمة المقابل هنا وفي تعريف جمع التصحيح بعده ساقطة من النسخ وهو خطأ. (¬3) نص الاعتراض قال أبو حيان: التذييل والتكميل (1/ 266): ويرد عليه أنه يوجد جمع التكسير بدون جعل الجاعل الاسم القابل إلى آخر ما شرط فيه وذلك الجمع المكسر الذي لم ينطق له بواحد نحو عباديد (الفرق من الناس) وشماطيط (الجمع المتفرقون). (¬4) في اللسان: (4/ 2513)، مادة: صنا، الصنو: الأخ الشّقيق والعم والابن والجمع أصناء وصنوان. وفيه أيضا: الصنو: المثل وجمعه صنوان. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 74). (¬6) انظر: التذييل والتكميل (1/ 269).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورغف، وقسم لا زيادة فيه ولا نقص بل تغير حركات كأسد وأسد». واعترض ذلك الأستاذ أبو علي بأنه يقتضي أن تغيير الحركات ليس في الأولين وليس كذلك؛ لأن الحركات التي في الجمع غير الحركات التي في المفرد ففي التقسيم تداخل. قال أبو علي: «وإصلاحه أن يقول في الثالث: وقسم لا زيادة فيه ولا نقص»، ثم يقول: وجميع هذه الأقسام لا بدّ فيه من تغيير الحركات (¬1). الثالث: قال المصنف: «الذي دعا سيبويه إلى القول بجمعية نحو فلك [1/ 91] وأنه مغير تقديرا، أنهم قالوا في تثنيته فلكان فعلم أنهم لم يقصدوا به ما قصدوا بجنب ونحوه مما أشرك فيه بين الواحد وغيره حين قالوا: هذا جنب وهذان جنب؛ وهؤلاء جنب؛ فالفارق عنده بين ما يقدر تغييره وبين ما لا يقدر تغييره مما لفظه في الإفراد والجمع واحد: التثنية وعدمها» (¬2). الرابع: قال الشيخ: «لا يحتاج المصنف إلى الاحتراز بقوله: مقدّر انفصالها عن زيادة صنوان؛ لأن الحركات التي في جمع التكسير غير الحركات التي في المفرد فليس صنوان أصله صنو زيد عليه ألف ونون» انتهى (¬3). - ¬

_ (¬1) انظر نصه في التذييل والتكميل (1/ 269) وانظر في كلام أبي علي: الإيضاح له (ص 131)، في التغيير بين المفرد والجمع. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 70). (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 269)، قال أبو حيان في بقية الاعتراض: وقد رد هو - أعني المصنف - على من زعم أن رفع المثنى والمجموع على حده بلا علامة وإن ترك العلامة علامة بوجوه منها قوله: إنا نقدر مغايرة الألف والواو في نحو عندي اثنان وعشرون للألف والواو فيهما قبل التركيب. كما نقدر مغايرة الحركات في مواضع مختلفة. ونقدر كذلك ضمة فلك في الجمع غير ضمته في الإفراد. ثم قال: وإذا كان المصنف قد قدر مغايرة الحروف على حسب ما وقعت في الأماكن المختلفة وقدر مغايرة الحركات فكذلك نقول في هذا إن حركات صنوان الجمع غير حركات صنو المفرد. ثم قال: وليس كذلك الجعفرون والهندات لا يعتقد أن الحركات فيهما حين جمعا غير الحركات التي في المفرد. انظر: التذييل والتكميل (1/ 269) بتصرف واختصار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني أن دلالة صنوان على الجمعية ليست بالزيادة فقط حتى يحترز منها؛ إنما هي بالزيادة وبتغيير الحركات. وهذا صحيح إلا أن الدال على الجمعية في الصورة إنما هو الزيادة؛ فلذلك احترز عنها. وقد يمنع المصنف أن الحركات في جمع التكسير غير الحركات في الواحد، ولا يلزمه نحو فلك لأنه يقول: إنما قدر تغيير الحركات فيه لضرورة تميز الجمع عن الواحد. الخامس: ناقش الشيخ المصنف في الكلام على سنين في شيئين: أحدهما: قوله: إنه جمع تكسير جرى في الإعراب مجرى التصحيح، قال: «لأنه من حيث هو جمع تكسير ينبغي أن يكون معربا بالحركات» (¬1). الثاني: أن في كلامه تناقضا وذلك أنه بعد أن جعله جمع تكسير نفى ذلك عنه بقوله: بعد أن فعل به ذلك (¬2) عوضا من الجبر الفائت بعدم التكسير. انتهى (¬3). أما المناقشة الأولى فغير لازمة؛ إذ لا منافاة بين كونه جمع تكسير وكونه حمل في الإعراب على جمع التصحيح. وأما الثانية فظاهرة إلا أن يقال إنما أراد بنفي التكسير عنه نفي مجيئه على الصيغ المعروفة للتكسير لا نفي كونه مكسرا في نفسه. فحاصله: أنه مكسر لكنه لم يجئ على صيغة من صيغ التكسير المخصوصة ويدل على أن مراده هذا قوله (¬4): ولكون هذا النوع مكسرا في الحكم غير فاؤه ... ولا شك أن كلام المصنف هنا غير ناصع. وذكر ابن الباذش (¬5) أن مذهب سيبويه في سنين أنّه جمع سلامة بالواو والنّون - ¬

_ (¬1) انظر: كلام المصنف في شرح التسهيل (1/ 70) وكلام أبي حيان في التذييل والتكميل (1/ 275). (¬2) الإشارة إلى أنه زيد في آخره زيادتا جمع التصحيح. (¬3) انظر المرجعين السابقين. (¬4) أي قول ابن مالك. انظر: شرح التسهيل (1/ 71). (¬5) ذكر أبو حيان في التذييل والتكميل (1/ 276)، أنه الأستاذ أبو جعفر ابن الأستاذ أبي الحسن بن الباذش. وعليه فهو أحمد بن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري الغرناطي النحوي ابن النحوي عارف بالآداب -

[إعراب جمع المذكر السالم]

[إعراب جمع المذكر السالم] قال ابن مالك: (وإن كان لمذكّر فالمزيد في الرّفع واو بعد ضمّة وفي الجرّ والنّصب ياء بعد كسرة تليهما نون مفتوحة تكسر للضّرورة، وتسقط للإضافة أو للضّرورة أو لتقصير صلة؛ وربّما سقطت اختيارا قبل لام ساكنة غالبا). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وهذا شيء قد كثر في الأسماء المحذوفة اللام المؤنثة بالهاء؛ لأن هذا الجمع له مزية وبابه ما يعقل فجعل في هذا الباب عوضا من اللام المحذوفة (¬1). وأما ابن عصفور فعنده أن سنين ونحوه اسم جمع قال (¬2): وليس بجمع سلامة لتغير لفظ سنة ولا جمع تكسير لكونه غير مطرد في نظائره نحو هنة وشفة. فالمذاهب إذا في نحو سنين ثلاثة (¬3). والظاهر منها ما ذكره ابن الباذش؛ فهو جمع سلامة لما لم يستوف الشروط جمع على غير قياس، وأما التغيير الذي حصل له فمثله محتمل في جمع السلامة بدليل تغيير جفنات وسدرات ونحوهما. قال ناظر الجيش: تقدم أن جمع التصحيح نوعان، [1/ 92] فها هو يذكر زيادة كل نوع ما هي: - ¬

_ - والإعراب إمام نحو متقدم أخذ عن أبيه وأكثر الرواية عنه، وشاركه في كثير من شيوخه. قال السيوطي: ألف الإقناع في القراءات لم يؤلف مثاله. لم يتجاوز الخمسين عاما حيث ولد سنة (491) ومات سنة (540 هـ). انظر: ترجمته في بغية الوعاة (1/ 338)، الأعلام (1/ 167). (¬1) انظر: نصه في التذييل والتكميل (1/ 276). وقال سيبويه في الكتاب: (3/ 598): «وأما ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتأنيث فإنك إذا أردت الجمع لم تكسره على بناء يرد ما ذهب منه، وذلك لأنها فعل بها ما لم يفعل بما فيه الهاء مما لم يحذف منه شيء، وذلك أنهم يجمعونها بالتاء والواو والنون كما يجمعون المذكر نحو مسلمين فكأنه عوض فإذا جمعت بالتاء لم يتغير البناء وذلك قولك: هنة وهنات وفئة وفئات وشية وشيات وثبة وثبات وقلة وقلات؛ وربما ردوها إلى الأصل إذا جمعوها بالتاء وذلك قولهم: سنوات وعضوات، وإذا جمعوا بالواو والنون كسروا الحرف الأول وغيروا الاسم. وذلك قولهم: سنون وقلون وثبون ومئون فإنهم غيروا أول هذا لأنهم ألحقوا آخره شيئا ليس هو في الأصل للمؤنث. ولا يلحق شيئا فيه الهاء ليس على حرفين؛ فلما كان كذلك غيروا أول الحرف كراهية أن يكون بمنزلة ما الواو والنون له في الأصل. (¬2) انظر شرح الجمل له: (جـ 1 ص 85). (¬3) أولها - وهو لابن مالك - أنه جمع تكسير جرى في الإعراب مجرى الصحيح. ثانيها - وهو لابن الباذش - أنه جمع سلامة بالواو والنون وتغييره لحذف اللام منه وتعويض هاء عنها. ثالثها - وهو لابن عصفور - أنه اسم جمع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما كون الزيادة في جمع المذكر واوا بعد ضمة حال الرفع وياء بعد كسرة حال الجر والنصب فواضح. ولا يخرج عن ذلك جمع المقصور نحو: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ * (¬1)، وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (¬2)؛ لأن قبل الواو والياء ضمة وكسرة مقدرتين في الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين كتقدير الضمة والكسرة الإعرابيتين في نحو: أسنى الحلى العلم. وأما حركة النون بالفتح فقال المصنف: «كان السكون أحق بها لأنها بمنزلة التنوين في كونها مسبوقة بالإعراب فحركت لالتقاء السّاكنين، وكان الفتح أولى لأنه أخفّ من الضمّ والكسر، ولأن توالي الأمثال للكسر بعد الياء وللضم بعد الواو لازم، وأمن ذلك في الفتح فتعيّن» انتهى (¬3). ولو قيل: إنما حركت بالفتح للفرق بينها وبين نون التثنية لكان أولى. ومثال كسرها للضرورة قول الشاعر: 120 - عرين من عرينة ليس منّا ... برئت إلى عرينة من عرين عرفنا جعفرا وبني عبيد ... وأنكرنا زعانف آخرين (¬4) وسقوطها إما للإضافة وهو كثير؛ ومنه قوله تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ (¬5). - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 139، سورة محمد: 35. (¬2) سورة ص: 47. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 72) بنصه. (¬4) البيتان من بحر الوافر وهما مطلع مقطوعة قصيرة لجرير بن عطية الخطفي يخاطب بها فضالة العربي وقد توعده فضالة بالقتل (انظر المقطوعة في ديوان جرير ص 475) والبيتان ليسا متتاليين في الديوان ولكن يفصلهما آخر وهو قوله: قبيلته أناخ اللّوم فيها ... فليس اللؤم تاركهم لحين اللغة: عرين: بفتح فكسر علم وهو عرين بن ثعلبة بن يربوع وهو من آباء فضالة المهجو. عرينة: بطن من بجيلة. جعفر: أخو عرين فهو ابن ثعلبة أيضا. بني عبيد: يروى مكانه: بني أبيه وهم إخوته. زعانف: جمع زعنفة بالكسر والفتح: القصير والقصيرة وطائفة من كل شيء والرذل والقطعة من القبيلة تشذ وتنفر (القاموس المحيط: 3/ 152) وهذه المعاني مقصودة هنا. ويستشهد بالبيت على كسر نون الجمع ضرورة ولا يصح أن يقال إن هذه الكسرة للإعراب؛ لأن الكلمة صفة للمنصوب فهي منصوبة بالياء. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 407) وهو في شرح التسهيل (1/ 72) وفي التذييل والتكميل (1/ 278). (¬5) سورة المائدة: 1 وسقط قوله: وَأَنْتُمْ حُرُمٌ من نسخة (ب)، (جـ) وهو في الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما للضرورة كقول الشاعر: 121 - لو كنتمو منجدي حين استعنتكمو ... لم تعدموا ساعدا منّي ولا عضدا (¬1) وقول الآخر: 122 - ولسنا إذا تأتون سلما بمذعني ... لكم غير أنّا إن نسالم نسالم (¬2) وإما لتقصير الصلة كقراءة من قرأ: (والمقيمي الصّلاة) (¬3) بالنصب. وقال الشاعر: 123 - الحافظو عورة العشيرة لا ... يأتيهم من ورائهم وكف (¬4) وقال الآخر: 124 - قتلنا ناجيا بقتيل عمرو ... وخير الطّالبي التّرة الغشوم (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو في العتاب والنصح، وقد ذكر في الدرر (1/ 24)، والهمع (1/ 50)، ومعجم الشواهد (ص 96) والتذييل والتكميل (1/ 282) ولم ينسب في الجميع. وقد استشهد به هنا على حذف النون دون إضافة وهو ضرورة وأصله أن يكون منجدين. (¬2) البيت من بحر الطويل وقائله مجهول ولكن تبدو فيه روح شر الجاهلية. واستشهد به على ما في البيت قبله من حذف نون الجمع للضرورة. والبيت ليس في معجم الشواهد وإنما هو في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 72)، وللمرادي (1/ 74)، ولأبي حيان (1/ 282). (¬3) سورة الحج: 35، وانظر المحتسب (1/ 80) قال ابن جني: «أراد المقيمين فحذف النّون تخفيفا لا لتعاقبهما الإضافة وشبّه باللذين والذين في قوله: وأنشد: وإنّ الذي حانت بفلج ...... إلخ كما أنشد: أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا ... إلخ». (¬4) البيت من بحر المنسرح مطلع قصيدة سبق الحديث عنها وعن الاختلاف في قائلها، وانظر البيت في ديوان قيس بن الخطيم: (ص 63، 172). اللغة: العورة: كل مخوف وعورة الرجل في الحرب ظهره، وكف: بفتحتين العيب والإثم ومثله النطف بوزنه ومعناه وقد روي مكانه، كما روي من ورائها مكان من ورائهم. قال المبرد في البيت: أنشد هذا البيت منصوبا ولم يرد الإضافة ولكنه حذف النون لطول الاسم. إذ صار ما بعد الاسم صلة له (المقتضب 4/ 145). والبيت في شرح التسهيل (1/ 77) وفي التذييل والتكميل (1/ 283) وفي معجم الشواهد (ص 239). (¬5) البيت من بحر الوافر وهو بهذه الرواية غير منسوب لأحد إلا أن الشطرة الثانية رويت مع أبيات -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنشده ابن جني بنصب الترة (¬1). وأما سقوطها في الاختيار قبل لام ساكنة فكرواية أبي زيد: (واعلموا أنّكم غير معجزي الله) (¬2) بنصب الجلالة المعظمة، وما حكاه ابن جني من قراءة من قرأ: (إنّكم لذائقوا العذاب الأليم) (¬3) بالنصب. وأنشد ابن جني (¬4): 125 - ومساميح بما ضنّ به ... حابسو الأنفس عن سوء الطّمع (¬5) - ¬

_ - خمسة لصدر آخر في الأمالي لأبي علي: (1/ 316) ثم نسبت الأبيات كلها لعبد الرحمن بن زيد، وقد أوردها أبو علي في معرض حديثه عن الأخذ بالثأر. وهي أبيات جاهلية تدعو إلى الجرأة والشر وطلب الثأر، والترة في البيت معناها الثأر. ويستشهد به على ما في الأبيات قبله من حذف النون دون إضافة ثم نصب الترة على المفعولية. انظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 352) وهو أيضا في شرح التسهيل (1/ 72)، والتذييل والتكميل (1/ 283). (¬1) انظر المحتسب له: (2/ 80). والفرق بين هذين البيتين وما قبلهما أن هذين الوصف فيهما صلة لأل بخلاف ما قبلهما، ومن هنا حكم الشارح بالضرورة على سقوط النون في الأولين. (¬2) سورة التوبة: 2. وانظر في القراءة المحتسب (2/ 80)، قال ابن جني فيها: «فهذا يكاد يكون لحنا؛ لأنه ليست معه لام التعريف المشابهة للذي ونحوه غير أنه شبه معجزي بالمعجزي». (¬3) سورة الصافات: 38. وانظر المحتسب (1/ 81)، قال ابن جني: ومثله قراءة عمارة: (ولا اللّيل سابق النّهار) [يس: 40] بحذف التنوين والنصب. (¬4) انظر المحتسب له (2/ 80). (¬5) البيت من بحر الرمل من قصيدة طويلة لسويد بن أبي كاهل اليشكري كلها في الحكم والأمثال، وقد فضلها واختارها النقاد (انظر المفضليات 1/ 700). (الشعر والشعراء 1/ 428) ومطلعها: بسطت رابعة الخيل لنا ... فوصلنا الحبل منها ما اتّسع وبيت الشاهد في المدح وقبله: لا يخاف الغدر من جاورهم ... أبدا بل هو لا يخشى الطّبع اللغة: الطبع: ما يعاب به. مساميح: جمع مسماح وهو الكريم الجواد. الضن: البخل. حابسو الأنفس: مبعدوها عن الطمع وهو خبر لمبتدأ محذوف. وقد استشهد بالبيت على مثل ما قبله، والاستشهاد به إنما يكون على رواية فتح السين وأما على رواية كسرها كما في المفضليات فلا شاهد فيه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 73)، والتذييل والتكميل (1/ 285) ومعجم الشواهد (ص 208). ترجمة الشاعر: هو سويد بن عطيف من بني يشكر شاعر مخضرم عاش في الجاهلية دهرا ومات بعد سنة ستين من الهجرة. وكانت العرب تسمي قصيدته العينية التي منها الشاهد باليتيمة لما اشتملت عليه من الأمثال. وقد تمثل الحجاج بأبيات منها في مواقف له وسيأتي منها شاهد آخر. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح سين الأنفس. واحترز بقوله: غالبا من سقوطها في الاختيار دون لام ساكنة، كقراءة الأعمش (¬1): (وما هم بضارّي به من أحد) (¬2)، قال المصنف: وهذا في غاية من الشذوذ بخلاف الذي قبله فلا يليق بالاختيار وإنما يليق بالاضطرار نحو: بمذعني لكم. انتهى (¬3). وزعم الزمخشري (¬4): أنّ حذف النون في قراءة الأعمش للإضافة وأنّ (بضارّي) مضاف إلى قوله: (من أحد) بجعل من جزءا من أحد ثم فصل بين المتضايفين بقوله: (به). كما قال الشاعر: 126 - هما أخوا في الحرب من لا أخا له ... [إذا خاف يوما نبوة فدعاهما] (¬5) - ¬

_ - وانظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (1/ 428)، الخزانة (6/ 125). المفضليات (2/ 732). (¬1) هو أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي بالولاء والملقب بالأعمش، تابعي مشهور أصله من بلاد الري، ولد سنة (61 هـ) من الهجرة بالكوفة ونشأ بها، كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض، وقد روى نحو ألف وثلاثمائة حديث، قال الذهبي عنه: كان رأسا في العلم النافع والعمل الصالح، وقال السخاوي: «لم ير السّلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدّة حاجته وفقره». توفي بالكوفة سنة (148 هـ). انظر ترجمته في وفيات الأعيان (1/ 213)، الأعلام (3/ 198). غاية النهاية (1/ 315، 316). (¬2) سورة البقرة: 102. وانظر في القراءة المحتسب (1/ 103). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 73) وقوله: بمذعني لكم يشير إلى الشاهد السابق وهو قوله: لو كنتمو منجدي حين استعنتكمو ... لم تعدموا ساعدا منّي ولا عضدا (¬4) انظر الكشاف (1/ 129) وما قاله الزمخشري سبقه به ابن جني، يقول ابن جني في القراءة المذكورة في الآية: «هذا من أبعد الشّاذ أعني حذف النون ها هنا وأمثل ما يقال فيه: أن يكون أراد: وما هم بضاري أحد ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجر. وفيه شيء آخر: وهو أنّ هناك أيضا من في: من أحد غير أنه أجرى الجار مجرى جزء من المجرور فكأنه قال: وما هم بضاري به أحد وفيه ما ذكرنا» (المحتسب: 1/ 103). (¬5) البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة لعمرة الخثعمية في رثاء ولدين لها قتلا في بعض الغزوات ومطلعها: لقد زعموا أني جزعت عليهما ... وهل جزع إن قلت وا بأباهما والقصيدة وبيت الشاهد في شرح ديوان الخنساء ومراثي ستين شاعرة من شواعر العرب (ص 167) وهي أيضا في شرح ديوان الحماسة (1/ 1083). ويستشهد بالبيت على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 333)، وهو في التذييل والتكميل (1/ 286).

[الآراء في إعراب المثنى وجمع المذكر والأسماء الستة]

[الآراء في إعراب المثنى وجمع المذكر والأسماء الستة] قال ابن مالك: (وليس الإعراب انقلاب الألف والواو ياء ولا مقدّرا في الثّلاثة ولا مدلولا بها عليه، ومقدّرا في متلوّها ولا النّون عوض من حركة الواحد ولا من تنوينه ولا منهما ولا من تنوينين فصاعدا خلافا لزاعمي ذلك، بل الأحرف الثّلاثة إعراب والنّون لرفع توهّم الإضافة أو الإفراد). ـــــــــــــــــــــــــــــ[1/ 93] وقد رد الشيخ ذلك بما يوقف عليه في كلامه (¬1). قال ناظر الجيش: ذكر المصنف في إعراب المثنى والمجموع أربعة مذاهب، أبطل ثلاثة منها واختار الرابع، وذكر في النون أربعة مذاهب لكنه أبطلها واختار أمرا خامسا، فقال (¬2): زعم قوم أن رفع المثنى والمجموع على حده بلا علامة وأن ترك العلامة له علامة؛ فإذا حدث عامل جر أو نصب أوجب الانقلاب ياء كان إعرابا لحدوثه عن عامل، وهذا ظاهر قول الجرمي واختيار ابن عصفور (¬3) وهو مردود بوجوه: أحدها: أن ترك العلامة لو صح جعله علامة الإعراب لكان النصب به أولى؛ لأن الجر له الياء وهي به لائقة لمجانسة الكسرة، والرفع له الواو وهي به لائقة لمجانسة الضمة وهي أصل ألف المثنى فأبدلت ألفا كما قيل في يوجل ياجل وفي يوتعد ياتعد فلم يبق للنصب إلا مشاركة الجر أو الرفع (¬4). - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: «وهذا التخريج ليس بجيد؛ لأنّ الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظّرف والجار والمجرور من ضرائر الشّعر، ولا يمكن أن تكون هذه القراءة من هذا أيضا؛ لأنّ الّذي ادعاه أنه أضيف إليه هو مشغول بعامل آخر فهو المؤثر فيه لا الإضافة. وأما جعل حرف الجرّ جزءا من المجرور فليس بشيء؛ لأنه مؤثر فيه وجزء الشّيء لا يؤثر في الشيء؛ فالأحسن تخريجه على حذف النّون منه تخفيفا وإن لم يكن اسم الفاعل في صلة الألف واللام ولحذفها نظير في نظم العرب ونثرها». (التذييل والتكميل 1/ 286). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 74). (¬3) انظر: شرح الجمل له (1/ 31)، وقال السيوطي في الهمع (1/ 48): «وقيل الإعراب ببقاء الألف والواو رفعا. وانقلابها نصبا وجرّا وعليه الجرمي والمازني وابن عصفور وهذا بناء على أنّ الإعراب معنوي لا لفظيّ قال ابن عصفور: وكان الأصل قبل دخول العامل: زيدان وزيدون كاثنان وثلاثون؛ فلما دخل العامل لم يحدث شيئا وكان ترك العلامة مقوما مقام العلامة فلما دخل عليها عامل النصب والجر قلب الألف والواو ياء فكان التغيير والانقلاب وعدمه هو الإعراب ولا إعراب ظاهر ولا مقدر». (¬4) ناقشه أبو حيان في قوله: إن الواو أصل ألف المثنّى فقال: غير مسلّم بل جاءت الألف على الأصل وهي كألف حبلى (التذييل والتكميل: 1/ 290).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني من وجوه الرد: أن ذلك يستلزم مخالفة النظائر؛ إذ ليس في المعربات غير المثنى والمجموع على حده ما ترك العلامة له علامة وما أفضى إلى مخالفة النظائر دون ضرورة فمتروك (¬1). الثالث: أن الرفع أقوى وجوه الإعراب؛ فالاعتناء به أولى وتخصيصه بجعل علامته عدمية مناف لذلك فوجب اطّراحه (¬2). الرابع: أن تقدير الإعراب إذا أمكن راجح على عدمه بإجماع، وقد أمكن فيما نحن بسبيله فلا عدول عنه، وذلك أننا نقدر مغايرة الألف والواو في نحو: عندي اثنان وعشرون للألف والواو فيهما قبل التركيب، كما نقدر مغايرة الألف والواو والياء في نحو: نعم الزيدان أنتما يا زيدان ونعم الزّيدون أنتم يا زيدون، ومررت برجلين لا رجلين مثلهما. وكما نقدر ضمة حيث مرفوعا بعد تسمية امرأة به غير ضمته قبل التسمية به، وضمة يضربون غير ضمة يضرب. وفتحة يا هندبنة عاصم غير فتحة ناد هندبنة عاصم وكسرة قمت أمس غير كسرة قمت بالأمس، وكما نقدر ضمة فلك في الجمع غير ضمته في الإفراد وياء بخاتي مسمى به غير يائه منسوبا إليه ولذلك صرف في النسب وأمثال ذلك كثيرة (¬3). أما كون الإعراب مقدرا في الثلاثة (¬4) فمردود أيضا؛ إذ لازمه ظهور الفتحة في نحو: رأيت بنيك لأن ياءه كياء جواريك مع ما في جواريك من زيادة الثقل (¬5)، - ¬

_ (¬1) ناقشه أبو حيان فيه، فقال: مذهب الجرمي في الأسماء الستة أنها معربة بالتغير والانقلاب حالة النصب والجر وبعدم ذلك حالة الرفع (المرجع السابق). (¬2) ناقشه أبو حيان فيه فقال: لا يعني بالعدم العدم الصرف؛ بل معناه بقاء الألف في المثنى وبقاء الواو في المجموع غير مغيرين؛ فالإعراب هو بقاء اللفظ على حاله (المرجع السابق). (¬3) الألف والواو في اثنان وعشرون بعد التركيب علامتا إعراب، وأما قبل التركيب فانظر الآراء في أسماء العدد، باب إعراب الصحيح الآخر. والألف والواو والياء في نعم الزيدان ... إلخ علامات إعراب تارة وعلامات للبناء تارة أخرى، وهو واضح؛ وحيث علما معرب وظرفا مبني وفتحة يا هند للبناء وفتحة ناد هند للإعراب وهكذا ... إلخ. (¬4) هذا هو المذهب الثاني من المذاهب في إعراب المثنى والمجموع على حده وهو أن الإعراب مقدر على أحرف العلة وهو مذهب سيبويه كما سيبينه. وفي النسخ الثلاثة: وأما كون الإعراب مقدرا في التثنية فمردود وهو خطأ والصواب ما أثبتناه وهو من شرح التسهيل لابن مالك (1/ 74). (¬5) لعل زيادة الثقل في الثاني - مع أنهما جمعان - صيغة منتهى الجموع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما انتفى اللازم وهو ظهور الفتحة علم انتفاء الملزوم وهو تقدير الضمة والكسرة. وأما القول الثالث وهو أن الإعراب مقدر في الحرف الذي كان حرف الإعراب قبل طروء التثنية والجمع وأن حروف اللين المتجددة دلائل عليه، فهو قول الأخفش والمبرد (¬1) وهو مردود أيضا من ثلاثة أوجه [1/ 94]: أحدها: أن الحروف المتجددة مكملة للاسم؛ إذ هي مزيدة في آخره لمعنى لا يفهم بدونها كألف التأنيث وتائه وياء النسب. فكما لم يكن ما قبل هذه محلّا للإعراب كذلك لا يكون ما قبل الأحرف الثلاثة محلّا له إذا الإعراب لا يكون إلا آخرا. الثاني: أن الإعراب لو كان مقدرا فيما قبلها لم تحتج إلى تغييرها كما لم تحتج إلى تغيير بعد الإعراب المقدر قبل ياء المتكلم وفي ألف المقصور. الثالث: أن الإعراب إنما جيء به للدلالة على ما يحدث بالعامل والحروف المذكورة محصلة لذلك فلا عدول عنها. وإذا بطلت الثلاثة تعين الحكم بصحة الرابع: وهو أن الأحرف الثلاثة هي الإعراب، انتهى كلام المصنف (¬2). واعلم أن هذا المذهب الذي اختاره هو مذهب الكوفيين وقطرب. وقد رد المذهب المذكور بأن الإعراب زائد على الكلمة ولو قدر إسقاطه لم يخل بمعناها، ولو - ¬

_ (¬1) انظر المقتضب: (2/ 153) وما بعدها. وقد نسب ابن مالك وأبو حيان وناظر الجيش هذا الرأي للمبرد وهو أن المثنى والمجموع معربان بحركات مقدرة على الحرف الذي كان حرف الإعراب قبل طروء التثنية والجمع. وفي المقتضب (1/ 5) غير ذلك، يقول المبرد: إذا ثنيت الواحد ألحقته ألفا ونونا في الرفع أما الألف فإنها علامة الرفع ... أما إذا كان الاسم مجرورا أو منصوبا فعلامته ياء مكان الألف ... وإذا جمعته على حد التثنية ألحقته في الرفع واوا ونونا، أما الواو فعلامة الرفع ... ويكون معه في الجر والنصب ياء مكان الواو. هذا رأيه عرضه صريحا وهو واضح. وأعاد الكلام مرة أخرى في (2/ 153). هذا أقصى ما قاله المبرد في كتابه ولا أرى فيه ما رأى العلماء. والسيوطي يحشر في إعراب المثنى خمسة عشر علما منهم الأخفش ولا يذكر فيهم رأيا للمبرد. (الهمع 1/ 47، 48). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 75). ومعنى قوله: إن الأحرف الثلاثة إعراب أي أن الألف في الزيدان والواو في الزيدون والياء في الزيدين والزيدين علامات الإعراب وهو المشهور في أعاريب الناس إلى يومنا هذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قدر زوال هذه الأحرف لاختل معنى التثنية والجمع؛ لأن هذه الأحرف دالة عليهما كما لو قدر زوال تاء التأنيث وألفه وياء النسب لاختل معنى الكلمة الذي هو المقصود بدلالة هذه الأحرف عليه. ومذهب سيبويه والخليل رحمهما الله تعالى: أنّ الإعراب مقدّر في الأحرف الثّلاثة (¬1). وهو القياس ولا يرد عليه سوى ما تقدم من لزوم ظهور الفتحة في نحو: رأيت بنيك. وقد أجيب عنه بأنهم لما حملوا حالة النصب على حالة الجر في التثنية والجمع في الياء جعلوا الحكم في الياء حكما واحدا. فلما قدروا الكسرة في الياء حالة الجر كذلك قدروا الفتحة حالة النصب. وأما ما ألزمه ابن عصفور من أنه يجب أن تكون تثنية المنصوب والمخفوض بالألف لتحرك الياء فيهما وانفتاح ما قبلها (¬2) - فليس بشيء لأن الحركة هنا عارضة والمعتبر في مثل هذا أصالة الحركة؛ ولهذا لم تنقلب في نحو جيل مخفف جيأل. وأما النون فقال المصنف: ليست عوضا من حركة الواحد؛ لأن الأحرف الثلاثة - ¬

_ (¬1) أخذ الناس رأي سيبويه هذا من قوله في الكتاب (1/ 17 - 18)، قال: «واعلم أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان: الأولى منهما حرف المد واللين وهو حرف الإعراب غير متحرك ولا منون يكون في الرفع ألفا ولم يكن واو ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون في الجر ياء مفتوحا ما قبلها ولم يكسر ليفصل بين التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون في النصب كذلك، ولم يجعلوا النصب ألفا ليكون مثله في الجمع. وكان مع ذا أن يكون تابعا لما الجرّ منه أولى؛ لأن الجرّ للاسم لا يجاوزه والرفع قد ينتقل إلى الفعل فكان هذا أغلب وأقوى. وتكون الزيادة الثانية نونا كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين وهي النون وحركتها الكسر، وذلك قولك: هما الرّجلان ورأيت الرّجلين ومررت بالرجلين. وإذا جمعت على حد التثنية لحقتها زائدتان. الأولى منهما حرف المد واللين والثانية نون. وحال الأولى في السكون وترك التنوين وأنها حرف الإعراب حال الأولى في التثنية إلا أنها واو مضموم ما قبلها في الرفع، وفي الجر والنصب ياء مكسور ما قبلها ونونها مفتوحة فرقوا بينها وبين نون الاثنين كما أن حرف اللين الذي هو حرف الإعراب مختلف فيهما وذلك قولك: المسلمون ورأيت المسلمين ومررت بالمسلمين. ومن ثم جعلوا تاء الجمع في الجر والنصب مكسورة؛ لأنهم جعلوا التاء التي هي حرف الإعراب كالواو والياء والتنوين بمنزلة النون؛ لأنها في التأنيث نظيرة الواو والياء في التذكير فأجروها مجراها» .. كتاب سيبويه: (1/ 18). (¬2) انظر: ما قاله ابن عصفور في شرح الجمل له (1/ 31).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نائبة عن الحركات وقائمة مقامها في بيان مقتضى العامل؛ فلا حاجة إلى التعويض. وليست عوضا من تنوينه لثبوتها فيما لا تنوين في واحده نحو: يا زيدان ولا رجلين فيها (¬1). وإذا لم تكن عوضا من أحدهما (¬2) فأن لا تكون عوضا منهما معا أو من تنوينين فصاعدا أحق وأولى. وأشير بالتعويض من تنوينين فصاعدا إلى ما رآه ثعلب (¬3) من أن نون التثنية عوض من تنوينين، ونون الجمع عوض من تنوينات على حسب الآحاد. وضعف هذا القول غير خاف، عفا الله عن قائله وعنا. وإذا بطلت الأوجه المتقدمة ثبت صحة ما قلناه: وهو كون النون رافعة لتوهم إضافة أو إفراد. فرفع توهم الإضافة بيّن، وذلك أنه لو لم يكن بعد الأحرف المذكورة نون لم يعلم إضافة من عدمها في نحو: رأيت بني كرماء وعجبت من ناصري باغين (¬4). ورفع توهم الإفراد أيضا بيّن في مواضع: منها: تثنية اسم الإشارة وبعض المقصورات نحو: هذان والخوزلان في تثنية الخوزلى (¬5). ومنها: جمع المنقوص [1/ 95] في حال الجر نحو: مررت بالمهتدين وانتسبت إلى أبين كرام، فلولا النون في هذه وما أشبهها لكان لفظ الواحد كلفظ الجمع. - ¬

_ (¬1) وثبوتها أيضا مع الألف واللام والتنوين لا يثبت معهما (الهمع: 1/ 48). (¬2) أي: من الحركة والتنوين. (¬3) في النسخ: إلى ما رواه ثعلب وما أثبتناه من شرح المصنف نفسه وهو أولى. وانظر إسناد هذا الرأي لثعلب في التذييل والتكميل (1/ 291). (¬4) أي تعين بحذف النون أن الأول مضاف إلى الثاني وأن المقصود: رأيت أبناء رجال كرماء. وعجبت من قوم ينصرون الباغين، فإذا لم يكن المقصود بحذف النون الإضافة فإن المعنى على الوصف أي: رأيت أبناء كرماء. وعجبت من ناصرين باغين. وفرق كبير بين المعنيين. (¬5) الخوزلى: مشية فيها تثاقل. وفي النسخ اضطراب في هذا السطر، صححناه من شرح التسهيل (1/ 75).

[تعريف جمع المؤنث السالم]

[تعريف جمع المؤنث السالم] قال ابن مالك: (وإن كان التّصحيح لمؤنّث أو محمول عليه فالمزيد ألف وتاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى كلام المصنف (¬1). وقال ابن عصفور (¬2): «إن مذهب سيبويه أن النون زيدت في الأحرف ليظهر فيها حكم الحركة والتنوين اللذين كانا في المفرد وليست بعوض قال: وهو الصحيح، فأثبتت مع الألف واللام كالحركة ولم تحذف؛ لبعدها عن موجب الحذف وهو الألف واللام؛ وحذفت مع الإضافة كالتنوين لمجاورتها لموجب الحذف وهو الاسم المضاف إليه لحلوله محلّ التنوين». قال ناظر الجيش: هذا الكلام قسيم لقوله: وإن كان لمذكّر (¬3). وقد تقدم أن الجمع نوعان؛ فلما ذكر الزيادة الدالة على الجمع في النوع الأول ذكر الدالة عليه في النوع الثاني. وإنما قال: أو محمول عليه ليدخل في ذلك ما جمع بألف وتاء وآحاده مذكرة؛ وسيأتي ذلك مفردا في فصل في آخر: باب كيفيّة التّثنية وجمعي التّصحيح إن شاء الله تعالى (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل له (1/ 75). (¬2) انظر ما قاله ابن عصفور حتى آخر الشرح في شرح الجمل له (1/ 90) من التحقيق (إميل يعقوب) وهو بنصه. وانظر ما قاله سيبويه في هذا الأمر، الذي سبق ذكره قريبا جدّا. (¬3) انظر ما ذكر في هذا التحقيق: زيادة جمع التصحيح وما تقتضيه تلك الزيادة. (¬4) انظر لاحقا في هذا التحقيق أن من ذلك: صفة المذكر الذي لا يعقل نحو جبال راسيات وأيام معدودات، مصغر المذكر الذي لا يعقل نحو دريهمات وكتيبات، بعض المذكرات الجامدة نحو حمامات وسرادقات.

[شروط جمع المذكر السالم]

[شروط جمع المذكر السالم] قال ابن مالك: (وتصحيح المذكّر مشروط بالخلوّ من تاء التّأنيث المغايرة لما في نحو عدة وثبة علمين، ومن إعراب بحرفين، ومن تركيب إسناد أو مزج، وبكونه لمن يعقل أو مشبّه به علما أو مصغّرا أو صفة تقبل تاء التّأنيث إن قصد معناه خلافا للكوفيين في الأول والآخر). قال ناظر الجيش: لا يجمع الاسم بالواو والنون إلا بشروط. واشتمل كلامه على أنها في الاسم غير الصفة ستة: وهي تذكير المسمى، والخلو من تاء التأنيث، ومن إعراب بحرفين، ومن تركيب إسناد أو مزج، وكونه لعاقل، ثم السادس أحد أمور ثلاثة: إما كونه علما أو مصغرا أو صفة. وإذا كان صفة اشترط سابع: وهو أن تقبل الصفة تاء التأنيث. واعلم أن المصنف اقتصر هنا على ذكر شروط ما يجمع جمع التصحيح بالواو والنون، وبعض ما ذكره مشروط فيما جمع غير هذا الجمع أيضا. ومفهوم كلامه: اختصاص الأمور المذكورة بالجمع المذكور، وليس ذلك إلا أن يقال مجموعها هو المختص لا كل منها. ونحن نذكر الشروط مستوفاة بالنسبة إلى ما يثنى وما يجمع مطلقا، ثم نذكر ما يختص به المصحح بالواو والنون من زيادة الشروط، ثم نرجع إلى شرح لفظ الكتاب فنقول: الاسم لا يثنى ولا يجمع إلا بشروط ستة: الأول: أن يكون الاسم مفردا أي غير مركب ولا مشبه بالمركب؛ فلا يثنى نحو: تأبط شرّا لتركيب الإسناد، ولا نحو سيبويه ومعدي كرب لتركيب المزج، ولا نحو بزيد ولعمرو، ولا نحو: وعمرو، ولا نحو إنما، ولا كأنما إذا سميت بشيء منها لشبهه بالمركب. الثاني: أن يكون معربا وأما اللذان وذان فإنهما جاءا على طريقة التثنية وليسا بمثنيين. الثالث: ألا يكون معربا بحرفين نحو: زيدين وزيدين واثنين وعشرين إذا سميت بها. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع: أن يكون منكرا فلا تثنى المعرفة ولا تجمع. وقد تقدم الجواب عن ذين واللذين. الخامس: اتفاق الاسمين أو الأسماء [1/ 96] في اللفظ. السادس: الاتفاق في المعنى. فهذه الأمور لا بد منها في التثنية وكذا في الجمع مكسرا كان أو مصححا. ثم المصحح إن كان بالألف والتاء فسيأتي الكلام على ما يطرد منه وما لا يطرد عند ذكر شروطه في الفصل الذي تقدمت الإشارة إليه إلى أنه سيذكر (¬1). وإن كان بالواو والنون فيشترط في مفرده أمور زائدة على ذلك، وهي أربعة في الاسم غير الصفة وخمس في الصفة: الأول: أن يكون مسماه مذكرا فلا يجمع نحو زينب وهند لامرأتين. الثاني: أن يكون خاليا من تاء التأنيث فلا يجمع نحو طلحة وحمزة. الثالث: أن يكون لعاقل فلا يجمع نحو لاحق اسم لفرس، ولا نحو سابق صفة له. الرابع: أحد أمور ثلاثة: إما كونه علما كزيد أو مصغرا كرجيل أو صفة كمسلم؛ فلا يجمع نحو رجل لعروه عن العلمية والتصغير والوصف. لكنه إذا كان صفة اشترط أمر خامس: وهو: ألا يمتنع جمع مؤنثه بالألف والتاء، فلا يجمع بالواو والنون نحو أحمر وصبور وسكران، بخلاف نحو الأفضل فإنه يقال فيه الأفضلون. وذكر ابن الضائع: أن نحو أحمر وصبور وسكران إذا صغّر يجوز جمعه بالواو والنّون قياسا فيقال: رجال أحيمرون وصبيّرون وسكيرانون، وإن كانت هذه الأسماء لا يجوز جمعها مكبّرة. وذكر أن مؤنثاتها تجمع بالألف والتّاء قياسا أيضا إذا كانت مصغّرة. فيقال: نساء صبيّرات وإن لم يجز صبورات وسكيرات وإن لم يجز سكرات وحميراوات وإن لم يجز حمراوات (¬2). - ¬

_ (¬1) انظر: تعريف جمع المؤنث السالم الذي سبق ذكره قريبا جدّا في هذا التحقيق. (¬2) انظر شرح الجمل لابن الضائع مخطوط رقم 20 بدار الكتب المصرية قسم النحو، قال في باب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان المؤنث يجمع بالألف والتاء فنحو أحيمر وصبير داخل في الضابط الذي ذكروه. أما ألفاظ الكتاب: فقوله: وتصحيح المذكّر أفاد أن الكلام فيه لا في المؤنث فاستغنى عن إيراد التذكير شرطا. والمراد بالمذكر هنا المسمى لا اللفظ؛ لأن تذكير اللفظ ليس شرطا في صحة هذا الجمع، ولهذا لو سمي رجل بزينب أو سعدى أو أسماء لجاز بإجماع أن يقال فيه: زينبون وسعدون وأسماوون. ولو سميت امرأة بزيد مثلا امتنع فيه الجمع لتأنيث مسماه، وإن كان لفظه مذكرا. وقوله: بالخلو من تاء التّأنيث إشارة إلى أحد الشروط فما فيه التاء لا يجمع هذا الجمع علما كان كطلحة أو غير علم كهمزة. قال المصنف: «ولأجل الحاجة في النّوعين إلى الخلوّ من التّاء قدّم على سائر الشّروط» (¬1). وعبر بتاء التأنيث دون هائه ليدخل في ذلك نحو أخت ومسلمات (¬2) علمي رجلين؛ فإنه لا يجمع هذا الجمع كما لا يجمع نحو طلحة وهمزة. ونبه بقوله: المغايرة لما في نحو عدة وثبة علمين على أن ما صار علما من الثلاثي المعوض من لامه أو فائه هاء التأنيث فإنه يجمع بالواو والنون، وإن كان يجمع بالألف والتاء ما لم يكسر قبل العلمية كشفة فيلزم تكسيره بعد التسمية أو يعتل ثانيه - ¬

_ - التثنية والجمع (جـ 1 ورقة 147 أ): «لا يجوز جمع صبور من قولهم رجل صبور بالواو والنّون، فلا يقال: رجال صبورون؛ لأنّ صبورا لا يجمع بالألف والتّاء فلا يقال نساء صبورات». ثم قال في باب التصغير من الشرح المذكور: (جـ 2 ورقة 98 أ): «إن كان الواحد يجوز أن يجمع جمع سلامة من غير تصغير لم يلزم تصغيره ... وإن كان لا يجوز جمعه جمع السّلامة لزم تصغيره؛ لأنّ كلّ اسم مصغّر فإنّه يجوز جمعه جمع السّلامة». (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 77). والمراد بالنوعين: العلم كطلحة وغيره كهمزة. (¬2) في النسخ: ومسلمان وليس بالمقصود وما أثبتناه من شرح التسهيل لابن مالك (1/ 77).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كشية [1/ 97] فيلزم جمعه بالألف والتاء أيضا (¬1) فيقال فيمن اسمه عدة وثبة: جاء عدون وثبون ورأيت عدين وثبين، ذكر ذلك ابن السراج في الأصول (¬2). قال المصنف: «وهو مأخوذ من كلام سيبويه رحمه الله تعالى» (¬3). وأجاز سيبويه - رحمه الله تعالى - في ربت مسمى به رجل مخففة أن يقال فيها: ربون وربات (¬4). وقد استشكل ذلك من حيث أن التاء ليست عوضا من فاء ولا لام. وأما قوله: ومن إعراب بحرفين ومن تركيب إسناد أو مزج فقد علم أن ذلك شرط التثنية والجمع مطلقا لا بقيد كونه بالواو والنون وقد قال المصنف هنا بعد تمثيله بزيدين وزيدين واثنين وعشرين وبتأبّط شرّا وسيبويه: «إنّ هذه الأنواع لا تثنّى ولا تجمع، فإن احتيج إلى تثنية شيء منها أضيف إليه ذو. وإن احتيج إلى جمعه أضيف إليه ذوو». وبعض النحويين يعامل الممزوج في التثنية والجمع على حدها معاملته في النسب، فيحذف العجز ويولي آخر الصدر العلامة فيقول: جاء السّيبان والسّيبون، ومررت بالسّيبين والسّيبين ومنهم من ألحق العلامة الاسم بكماله فيقول: سيبويهان وسيبويهون (¬5). - ¬

_ (¬1) ومعناه: أن شرطي جمع المعوض من لامه أو فائه جمع مذكر سالم: ألا يكسر قبل العلمية، وألا يكون ثانيه معتلّا. (¬2) انظر: الأصول في النحو لابن السراج، تحقيق: عبد الحسين الفتلي (2/ 444). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 77) وانظر كتاب سيبويه (3/ 399) يقول سيبويه: «ولو سمّيت رجلا أو امرأة بسنة لكنت بالخيار إن شئت قلت سنوات وإن شئت قلت سنون لا تعدو جمعهم إياها قبل ذلك ... ولو سميته ثبة لم تجاوز أيضا جمعهم إيّاها قبل ذلك ثبات وثبون. ولو سميته بشية أو ظبة لم تجاوز شيات وظبات لأنّ هذا الاسم لم يجمعه العرب إلا هكذا». (¬4) انظر: نصه في كتاب سيبويه (3/ 401). (¬5) قال المبرد في المقتضب (4/ 31): «وأما قولهم عمرويه وما كان مثله فهو بمنزلة خمسة عشر في البناء إلا أن آخره مكسور وسبب كسره؛ لأنه أعجمي فحطّ عن العربي» ثم قال: «وتثني وتجمع فتقول فيه اسم رجل: عمرويهان وعمرويهون؛ لأن الهاء ليست للتأنيث ولو كان كذلك لكانت في الأصل تاء». -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: وبكونه لمن يعقل فقد قال المصنف (¬1): «لا حاجة إلى تنكّب التعبير بمن يعقل واستبداله بمن يعلم كما نص قوم، لأن باعثهم على ذلك قصد دخول أسماء الله تعالى فيما يجمع هذا الجمع، والعلم مما يخبر به عن الله تعالى دون العقل. وباعثهم على ذلك غير مأخوذ به إلا فيما سمع نحو: وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (¬2)؛ فليس لغير الله تعالى أن يجمع اسما من أسمائه. فقادرون ونحوه من المعبر به عن الله تعالى مقصور على السماع، فإذا لم يدع داع إلى تنكب لفظ العقل فذكره أولى من لفظ العلم (¬3) لأنه أدلّ على المقصود». وأما قوله: أو مشبّه به فأشار بذلك إلى نحو: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (¬4)؛ لأن المراد به ما لا يعقل إلا أنه بنسبة السجود إليه أشبه ما يعقل فعومل معاملته في الجمع والإضمار. وهذا مطرد فيما جرى هذا المجرى مما لا يعقل (¬5). ومنه قول الشاعر يصف قوسا ونبلا: 127 - فحالفني دون الأخلّاء نبعة ... ترنّ إذا ما حرّكت وتزمجر لها فتية ماضون حيث رمت بهم ... شرابهمو قان من الدّم أحمر (¬6) - ¬

_ - وقال السيوطي في الهمع (1/ 42): «جوّز الكوفيون تثنية نحو بعلبكّ وجمعه واختاره ابن هشام الخضراوي وأبو الحسن بن الربيع وبعضهم بتثنية ما ختم بويه وجمعه وهو اختياري. وذهب بعضهم إلى أنه يحذف عجزه فيقال: سيبان وسيبون». (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 78). (¬2) سورة المؤمنون: 18. (¬3) في النسخة (جـ): فذكره أولى من ذكر العلم. (¬4) سورة يوسف: 4. (¬5) قال الزمخشري في هذه الآية: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ: «فإن قلت فلم أجريت مجرى العقلاء؟ قلت: لأنّه لما وصفها بما هو للعقلاء وهو السجود أجرى عليها حكمهم كأنها عاقلة وهذا كثير شائع وفي كلامهم أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه فيعطى حكما من أحكامه إظهارا لأثر الملابسة». تفسير الكشاف (2/ 303). (¬6) البيتان من بحر الطويل وهما في الفخر ولم أقف على قائلهما، وقد وردا في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 78) ولأبي حيان (1/ 307) وللمرادي (1/ 79). وليسا في معجم الشواهد. اللغة: النبع: شجر قوي تتخذ منه القسيّ ومن أغصانه السهام، الواحد نبعة. الفتية: السهام، قان: بمعنى أحمر. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن المشبه بما يعقل: الدواهي والعجائب والأشياء المستعظمة نحو: أصابهم الأمرّون والفتكرون والبرحون (¬1)، وعمل بهم العملّين أي الأعمال العجيبة التي كأنها تعلم غاية ما أريد منها، وقالوا للمطر الذي يعظم شأنه ويعم نفعه: وابلون. وقوله: علما واضح فنحو رجل وفتى لا يجمع بالواو والنون وإن اجتمعت الشروط لخلوه من العلمية. ونقل الشيخ على المازني: «أنّه يمنع جمع العلم المعدول كعمر وتثنيته، فلا يجمع جمع سلامة ولا جمع تكسير وإنه إذا قصد الجمع أو التثنية يقال: جاءني رجلان كلاهما عمر ورجال كلهم عمر» (¬2). وأما قولهم في الحكاية: أيّون. وإنه ليس بعلم فقيل: إنه من باب حرّون فجمع بالواو والنون عوضا عن [1/ 98] النقص المتوهم بالإدغام (¬3). قال الشيخ أيضا (¬4): «أما لو صغّر نحو غلام وفتى لقيل غليّمون وفتيّون وكذا سكران وأحمر إذا صغّرا قيل فيهما: سكيرانون وأحيمرون». - ¬

_ - وهو يصف تفرق الإخوان عنه وبقاء سيفه الماضي معه وسهمه الباتر. ويستشهد بهما على وصف ما لا يعقل بوصف العاقل في قوله: لها فتية ماضون. (¬1) انظر: مجمع الأمثال (3/ 113) ونصه فيه: لقيت منه الأقورين والفتكرين والبرحين والأمرّون: بفتح الميم وتشديد الراء مضمومة أي الشر والأمر العظيم، والفتكرون: بكسر الفاء وسكون التاء وفتح الكاف ومعناه الداهية والأمر العجيب. والبرحون بضم الباء وفتح الراء بمعنى ما سبق. والأقورين في المثل بمعناه أيضا. وقوله: عمل بهم العملّين: هو بكسر العين والميم وتشديد اللام ومعناه: بالغ في أذاهم (انظر القاموس المحيط مواد الكلمات السابقة) وفيها ضوابط أخرى غير ما ذكر. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 309) قال أبو حيان بعده: ولا أعلم أحدا منع من تثنيته ولا جمعه؛ بل يجوز أن تقول: عمران وعمرون. وقالت العرب: سنوا بنا سنّة العمرين ... وإذا كان يثنّى على سبيل التّغليب فلأن يثنّى مع اتفاق اللّفظ والمعنى أولى وأحرى. (¬3) الحرّون: بفتح الحاء وتشديد الراء جمع حرة ولها معان كثيرة. انظر القاموس المحيط: مادة حرر (2/ 7) منها الكلمة الكبيرة والعذاب الموجع وموضع وقعة حنين ويروى بالهمزة «أحرّة» مفتوحة ومكسورة. وفي كتاب سيبويه: (3/ 599): «وزعم يونس أنهم يقولون حرّة وحرّون يشبّهونها بقولهم: أرض وأرضون» وفيه (3/ 600): «وزعم يونس أنهم يقولون أيضا: حرّة وإحرون يعنون الحرار كأنه جمع إحرة ولكن لا يتكلم بها». (¬4) انظر: التذييل والتكميل (1/ 309) وهو منقول بالمعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما في الأسماء فلأن التصغير وصف في المعنى، وأما في الأوصاف التي كان يمتنع جمع مكبرها فلتعذر تكسيرها؛ لأن التكسير يؤدي إلى حذف ياء التصغير فيذهب المعنى الذي جيء بها لأجله. وقد يجعل هذا علة لنحو رجل أيضا فتكون العلة في الأسماء والصفات واحدة. ونبه الشيخ على أن الكلمة إذا كانت مبنية على التصغير جاز تكسيرها، نحو كميت وكعيت فيقال: كمت وكعتان، لأن المعنى الذي أوجب التصغير ملازم لهما بخلاف نحو رجيل وأحيمر؛ فإنك إذا قلت فيهما رجال وحمر، لم يدر هل هما جمع المكبر أو المصغر (¬1). وأما قوله: أو صفة تقبل تاء التّأنيث فنبه به على أن الصفة إذا لم تقبل التاء لم يلحق بها هذا الجمع كأحمر وسكران في لغة غير بني أسد (¬2)، وكصبور وقتيل؛ ويرد على هذه العبارة أفعل التفضيل؛ فإنه لا يقبل تاء التأنيث ويجوز جمعه كالأفضلين. والعبارة الجيدة ما قاله الجزولي (¬3): «وهو ألا يمتنع جمع مؤنّث ذلك الاسم بالألف والتّاء» فلا يرد أفعل التفضيل، وتشمل هذه العبارة الأقسام كلها. وأما قوله: إن قصد معناه فلا أدري مما احترز به، إلا أن الشيخ أورد على المصنف نحو خصيّ وهو ما كان من الأوصاف مختص المعنى بالمذكر؛ فإنه يجمع هذا - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 309). والكميت كزبير من لون الكمتة وهو الذي خالط حمرته سواد. والكعيت: قال في اللسان (مادة كعت): إنه البلبل مبني على التصغير كما ترى والجمع كعتان ... إلخ. وفي نسخ المخطوطة: كتيع وهو خطأ. وانظر في جمع كميت وكعيت، كتاب سيبويه: (1/ 477). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 79). ومعناه أن لغة بني أسد لا تمنع التاء وصفا للمؤنث في سكران؛ وعليه لا مانع من جمعه جمع مذكر سالم. (¬3) هو أبو موسى عيسى بن عبد العزيز سبقت ترجمته، وانظر ما نقله عنه الشارح في كتابه القانون المسمى بالمقدمة الجزولية في النحو (ص 22). يقول فيه: «المجموع جمع السّلامة من المذكّر إمّا أن يكون جامدا أو صفة؛ فإن كان جامدا اشترط فيه أربعة شروط: الذّكوريّة والعلميّة والعقل وخلوّه من هاء التّأنيث. وإن كان صفة اشترط فيه ثلاثة شروط: الذّكوريّة والعقل وألّا يمتنع مؤنّثه من الجمع بالألف والتّاء».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمع وهو لا يقبل التاء (¬1). فيمكن الجواب عن هذا الإيراد بأن يقال: خصيّ يقبل تاء التأنيث عند قصد معنى التأنيب فلو قصد لقبل. فاللفظ صالح للقبول عند الإرادة؛ لكن لا يراد ذلك لانتفاء المقتضي لإرادته في المؤنث. وقوله: خلافا للكوفيين في الأوّل والآخر أي في الشرط الأول وهو الخلو من تاء التأنيث وفي الشرط الآخر وهو قبول تاء التأنيث. فأجازوا أن يقال في هبيرة: الهبيرون، وفي أحمر أحمرون. والبصريون لا يجيزون ذلك (¬2) فإن سمع منه شيء عدوه نادرا كقول العرب: علانون في جمع علانية وهو الرجل المشهور. وقولهم: رجال ربعون في جمع ربعة وهو المعتدل القامة. وكذا قول الشاعر: 128 - منّا الّذي هو ما إن طرّ شاربه ... والعانسون ومنّا المرد والشّيب (¬3) فجمع عانسا وهو لا يقبل التاء. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (1/ 310). وقوله خصيّ على فعيل ويجوز فيه مخصيّ أيضا على مفعول. انظر القاموس المحيط (مادة: خصا). (¬2) انظر في المسألة الأولى الإنصاف (1/ 40)، والهمع (1/ 45). قال ابن الأنباري: «ذهب الكوفيون إلى أن الاسم الذي آخره تاء التأنيث إذا سميت به رجلا يجوز أن يجمع بالواو والنون وذلك نحو طلحة وطلحون .. وذهب البصريون إلى أن ذلك لا يجوز، أما الكوفيون فاحتجوا بأن قالوا: إنما قلنا إنه يجوز جمعه بالواو والنون؛ وذلك لأنه في التقدير جمع طلح ... إلخ. أما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على امتناع جواز هذا الجمع بالواو والنون؛ وذلك لأن في الواحد علامة التأنيث والواو والنون علامة التذكير ... إلخ. وانظر في المسألة الثانية التذييل والتكميل (1/ 292) والهمع (1/ 45) وهي بنص شارحنا. (¬3) البيت من بحر البسيط قاله قيس بن رفاعة وهو شاعر جاهلي كان معاصرا للنعمان بن المنذر اللخمي والحارث بن أبي شمر الغساني وكان يفد عليهما. اللغة: طرّ: نبت وطلع. العانسون: جمع عانس وهي الجارية يطول مكثها في أهلها حتى تخرج من عداد الأبكار ولم تتزوج ويقال فيها عنست وأعنست والرجل عانس أيضا (القاموس: عنس). المرد: جمع أمرد وهو الشاب يبلغ خروج لحيته ولا تخرج. الشيب: جمع أشيب وهو المبيض الرأس؛ وأصله في الجمع فعل بالضم وكسرت فاؤه لتسلم عينه. والشاعر: يفتخر بوجود أصناف الناس في قبيلته. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 314). وفي معجم الشواهد (ص 47).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 129 - فما وجدت نساء بني نزار ... حلائل أسودين وأحمرينا (¬1) وأسود وأحمر لا يقبلان التاء أيضا. قيل: وإنما لم يجمع ما فيه التاء بالواو والنون لما يؤدي إليه الحال: أما من أثبت التاء فيلزم الجمع بين علامتين متضادتين وهما التاء الدالة على التأنيث والواو الدالة على التذكير؛ وأما من حذفها فيلزم حصول الإخلال من جهة أنها حرف معنى وقد صارت بالعلمية لازمة للكلمة. فأما ورقاوون فالواو فيه ليست بعلامة تأنيث؛ إنما هي بدل من الهمزة المبدلة من ألف التأنيث. وإنما اشترط قبول التاء في جمع الصفة لأنهم قالوا: إنما جمعت الصفة بشروطها المذكورة دون الاسم [1/ 99] الجامد لشبه الصفة بالفعل من جهة أن الصفة فيها معنى الفعل؛ وإذا كانت للمذكر لم تلحقها التاء، وإذا كانت للمؤنث لحقتها كما أن الفعل كذلك. فلما كانت الصفة التي للمذكر والمؤنث بغير تاء لا تشبه الفعل لم تجمع إذا كانت لمذكر بالواو والنون. فأما جمعهم أفعل التفضيل مع أنه لا يشبه الفعل فيما ذكر فعللوه بأن هذه الصفة لا يجوز تنكيرها إلا في ضرورة، فلما لزمت التعريف وهو فرع أشبهت لذلك - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر من قصيدة لحكيم الأعور أحد شعراء الشام يهجو فيها الكميت بن زيد، وكان قد هرب في ثياب امرأته من حبس خالد القسري له بأمر هشام بن عبد الملك لما كان يهجو بني أمية. انظر خبر ذلك في خزانة الأدب في الشاهد رقم: 24 (1/ 178). اللغة: نزار: هو نزار بن معد بن عدنان والد مضر، الحلائل: جمع حليل وهو الزوج وتسمى الزوجة حليلة وسميا بذلك لأن كلّا منهما يحل للآخر. أسودين وأحمرين: جمع أسود وأحمر أي لما فر الكميت لابسا ثيابا سودا وحمرا كشأن النساء. وهو موضع الشاهد حيث جمعه جمع مذكر سالم وهو لا يجمع لأن مذكره أفعل ومؤنثه فعلاء؛ وهذا الجمع خاص بما في مؤنثه التاء وأجازه الكوفيون. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 386)، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 85) ولأبي حيان (1/ 394).

قال ابن مالك: (وكون العقل لبعض مثنّى أو مجموع كاف، وكذا التّذكير مع اتّحاد المادّة؛ وشذّ ضبعان في ضبع وضبعان). ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل؛ لأن الفعل فرع على الاسم فلما أشبهته في الفرعية جمعت بالواو والنون. قالوا: ولهذه العلة نفسها جمع الاسم الجامد إذا كان علما دون النكرة لأن التعريف فرع والتنكير أصل. ولا يخفى ضعف ما ذكروه من العلل. قال ناظر الجيش: قال المصنف: «إذا قصدت تثنية أو جمعا فيما لم يعمّه العقل غلب ذو العقل وجعل ثبوته له مغنيا عن ثبوته لما زاد عليه فتقول في رجل سابق وفرسين سابقين: سابقون، وكذا يفعل في تثنية أو جمع فيما لم يعمه التذكير مع اتحاد المادة فيقال في امرئ وامرأة: امرآن، وفي مسلم ومسلمة وأحمر وحمراء وسكران وسكرى وابن وابنة وأخ وأخت، وفتى وفتاة: مسلمان وأحمران وسكرانان وابنان وأخوان وفتيان. ولا يقال في رجل وامرأة رجلان، ولا في ثور وبقرة ثوران، ولا في غلام وجارية غلامان. إلا في لغة من قال: رجلة وثورة وغلامة (¬1) - لأن المادة واحدة. وأما من لم يقل إلا: رجل وامرأة وثور وبقرة وغلام وجارية فلا يقول رجلان ولا ثوران ولا غلامان إلا في: رجل ورجل وثور وثور وغلام وغلام ويفهم الكلام على الجمع من الكلام على التثنية». انتهى (¬2). وفي كلامه مناقشتان: إحداهما قوله: وكون العقل لبعض مثنّى كاف. ولا شك أن العقل ليس شرطا في التثنية فلا حاجة إلى ذكره بالنسبة إلى المثنى (¬3). الثانية: قوله: وكذا التّذكير مع اتحاد المادة؛ إذ لا حاجة إلى التقييد باتحاد - ¬

_ (¬1) في اللسان (رجل) يقول: والأنثى رجلة قال: كلّ جار ظلّ مغتبطا ... غير جيران بني جبلة خرقوا جيب فتاتهم ... لم يبالوا حرمة الرّجلة قال: وفي الحديث: كانت عائشة رضي الله عنها رجلة الرّأي. وفي مادة (علم) ذكر أن الأنثى يقال لها غلامة، وروى شعرا لذلك في وصف فرس: ومركضة صريحيّ أبوها ... يهان لها الغلامة والغلام (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 80). (¬3) في هامش نسخة (ب) جاء: الشيخ لم يجعله شرطا. وأرى أن نقد شارحنا صحيح؛ فكلام الشيخ يشير إليه.

[الملحق بجمع المذكر السالم]

[الملحق بجمع المذكر السالم] قال ابن مالك: (وما أعرب مثل هذا الجمع غير مستوف للشّروط فمسموع كنحن الوارثون، وأولي وعلّيّين وعالمين وأهلين وأرضين وعشرين إلى التّسعين). ـــــــــــــــــــــــــــــ المادة؛ لأن من شرط التثنية والجمع الاتفاق في اللفظ. وتصحيح الكلام أن يقال: وكون التّذكير لبعض مثنّى أو مجموع كاف وكذا العقل في الجمع (¬1). وقد شذوا في كلمة فغلبوا فيها المؤنث على المذكر فقالوا ضبعان في ضبع للمؤنث وضبعان للمذكر. وعلل ذلك بما يعرض من الثقل لو قالوا: ضبعانان؛ على أنه قد قيل: ضبعانان، بتغليب المذكر على الأصل. قال الشيخ: «وكذلك غلّبوا في الجمع، فقالوا: ضباع ولم يقولوا ضباعين» (¬2). قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على شروط الجمع المصحح بالواو والنون، شرع في ذكر ما أعرب [1/ 100] إعراب الجمع المذكور ولم يستوف الشروط المذكورة؛ لكنه حمل على الجمع في إعرابه، ولذا كان موقوفا على السماع. فمن ذلك الوارد بصورة الجمع من أسماء الله تعالى: مثل: وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (¬3)، وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (¬4)، فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (¬5)؛ لأن معنى الجمعية فيها ممتنع. وما ورد منها بلفظ الجمع فتعظيم مقتصر فيه على السماع. ومنه: أولو: وهو اسم جمع ومعناه ذوو كما تقدم. ومنه: عليّون: وهو اسم مفرد وكأنه لما أخذ الغاية في الارتفاع. قال المصنف (¬6): هو اسم لأعلى الجنة جعلنا الله من أهله بمنه وكرمه - كأنه في الأصل فعيل من العلو فجمع جمع ما يعقل وسمي به، وله نظائر من أسماء الأمكنة: - ¬

_ (¬1) في هامش النسخة (جـ) جاء: فيه نظر تصحيحه أن يقال: وكون التذكير والعقل لبعض مجموع كاف، ويغلبان في التثنية فليتأمل. وأرى أنهما سواء. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (1/ 318). (¬3) سورة الحجر: 23. (¬4) سورة الذاريات: 47. (¬5) سورة الذاريات: 48. (¬6) شرح التسهيل (1/ 80، 81).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: صرّيفون وصفّون ونصّيبون وقنّسرون وفلسطون ويبرون ودارون؛ فهذه كلها أسماء لأشياء مفردة ولا واحد لها من لفظها (¬1). ومنه: عالمون؛ وجعله المصنف اسم جمع مخصوصا بمن يعقل، قال: وليس جمع عالم لأن العالم عام والعالمين خاص، وليس ذلك شأن الجموع. وكذلك أبى سيبويه أن يجعل الأعراب جمع عرب؛ لأن العرب يعم الحاضرين والبادين والأعراب خاص بالبادين (¬2). وجعله بعضهم جمع عالم مرادا به من يعقل؛ وفعل به ذلك ليقوم جمعه مقام ذكره موصوفا بما يدل على عقله. ورد ذلك المصنف بأنه لو جاز في عالم هذا الذي زعم، لجاز في غيره من أسماء الأجناس الواقعة على ما يعقل وعلى ما لا يعقل، فكنا نقول في جمع شيء إذا أريد به من يعقل: شيئون وفي امتناع ذلك دليل على فساد ما أدى إليه (¬3). ومنه أهلون: وهو جمع أهل وأهل ليس بعلم ولا صفة؛ لكنه استعمل استعمال مستحق في قولهم: هو أهل كذا وأهل له فأجري مجراه في الجمع. قال الله تعالى: شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا (¬4)، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله أهلين من النّاس» (¬5). - ¬

_ (¬1) أما صريفون: فهو بفتح الصاد وكسر الراء وهو موضع بالعراق (اللسان: 4/ 2436) وصفون: بكسر الصاد وتشديد الفاء موضع بالعراق أيضا كانت فيه حرب مشهورة بين علي ومعاوية سنة (37 هـ). ذكر في صفف (اللسان: 4/ 2463) قالوا: لأن نونه زائدة بدليل قولهم صفون فيمن أعربه بالحروف. ونصّيبون: بفتح النون وتشديد الصاد بلد لربيعة بالجزيرة العربية. قنّسرون: بكسر القاف وتشديد النون مكسورة كورة بالشام. فلسطون: بكسر الفاء وفتح اللام هي فلسطين المشهورة. يبرون: قرية قرب حلب، دارون: موضع بالشام. انظر حديثا عن إعراب هذه الأماكن والنسب إليها في لسان العرب (مادة: قنسر: 5/ 3751). (¬2) قال سيبويه (3/ 379): وتقول في الأعراب: أعرابي لأنه ليس له واحد على هذا المعنى، ألا ترى أنك تقول العرب فلا تكون على هذا المعنى فهذا يقويه وشرحه السيرافي (في هامش الكتاب) كشارحنا. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 81) بتغيير وحذف قليلين جدّا. (¬4) سورة الفتح: 11. (¬5) نص الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 127، 128) مرويّا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لله أهلين من الناس» فقيل: من أهل الله منهم؟ قال: «أهل القرآن هم أهل الله وخاصته».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول الشاعر: 130 - وما المال والأهلون إلّا ودائع ... ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع (¬1) قال المصنف: «ومثل أهلين في مخالفة القياس جمع مرء على مرئين في قول الحسن البصري رضي الله عنه: أحسنوا أملاءكم أيّها المرءون» (¬2). ومنه أرضون (¬3): جمع أرض وهي اسم جنس جامد مؤنث دال على ما لا يعقل. قال المصنف: «هذا النوع من الجمع قد صار عندهم دليلا على ما يستعظم ويتعجّب منه؛ لأن أعجب الأشياء ذو العقل فألحق به في هذا الجمع الأشياء العجيبة في نفع أو ضر تنبيها على استعظامها وبذا علل الفراء عليين» (¬4). وقيل: إنما قالوا أرضون في أرض على سبيل التعويض كما فعل ذلك بسنة ونحوها؛ لأن الأرض مثلها في التأنيث المجازي وعدة الأصول ونقص ما حقه ألا ينقص؛ لأن الأرض اسم ثلاثي مؤنث فحقه أن يكون بتاء تأنيث؛ فلما خلا منها - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة للبيد بن ربيعة يرثي بها أخاه أربد صدرها ابن قتيبة في الشعر والشعراء بقوله: ومن جيّد شعره. ومطلعها كما في الديوان: بلينا وما تبلى النّجوم الطّوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع والقصيدة كلها جيدة؛ انظر الديوان (ص 88) والشعر والشعراء (1/ 248). وشاهده واضح وهو جمع أهل على أهلون. والبيت في معجم الشواهد (ص 221) ولم يذكر له إلا مرجعا واحدا هو أسرار البلاغة (ص 136). ولم يرد في التذييل والتكميل. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 82)، والأملاء جمع ملأ ومعناها هنا الخلق. وانظر الأثر في القاموس: (1/ 30). وعقب أبو حيان عليه بقوله: وهو شاذّ. (¬3) بفتح الراء في الجمع، قيل: ليدخل الكلمة ضرب من التكسير استيحاشا من أن يوفروا لفظ التصحيح ليعلموا أن أرضا مما كان سبيله لو جمع بالتاء أن تفتح راؤه فيقال أرضات. (اللسان: أرض). (¬4) في معاني القرآن (3/ 247) قال: «يقول القائل: كيف جمع علّيون بالنّون وهذا من جمع الرجال والعرب إذا جمعت جمعا ولم يكن له بناء من واحده ولا تثنية قالوا في المذكر والمؤنث بالنون فمن ذلك هذا وهو شيء فوق شيء غير معروف واحده ولا اثناه. ثم عرض بعض الجموع الّتي قصد بها الكثرة وبخاصة الأعداد. ثم قال في آخر كلامه: وكذلك علّيون ارتفاع بعد ارتفاع وكأنّه لا غاية له».

[حكم سنين وبابه]

[حكم سنين وبابه] قال ابن مالك: (وشاع هذا الاستعمال فيما لم يكسّر من المعوّض من لامه هاء التّأنيث بسلامة فاء المكسورها وبكسر المفتوحها وبالوجهين في المضمومها، وربّما نال هذا الاستعمال ما كسّر ونحو رقة وحرّة وأضاة وإوزّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ نزل نقصها منزلة نقص لام سنة فاستويا في جمع التعويض (¬1). ومنه عشرون وأخواته إلى تسعين: وشذوذها بيّن لأنها ليست بجموع [1/ 101] ولانتفاء شروط الجمعية منها. وقال بعضهم: ثلاثون وأخواتها جموع على سبيل التعويض كما ذكر في أرض؛ لأن تاء التأنيث من مفرداتها سقطت حين عد بها المؤنث وكان من حقها ألا تسقط؛ فجمعت هذا الجمع تعويضا وعوملت العشرة بذلك وإن لم يكن في عشرين معنى الجمعية؛ لأن المثنى قد يعرب إعراب هذا الجمع. وغيرت عينها كما غيرت سين سنة وراء أرض. قال المصنف: وهذا قول ضعيف لأن ذلك لو كان مقصودا لم يكن واحد من هذه الأسماء مخصوصا بمقدار؛ إذ لم يعهد ذلك في شيء من الجموع قياسية كانت أو شاذة (¬2). قال ناظر الجيش: هذا الاستعمال إشارة إلى الرفع بالواو والنصب والجر بالياء وزيادة النون بعدهما. ومراده: أن الاستعمال المذكور شاع أي كثر فيما حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث؛ لكن شرطه: ألا يكون كسر فنحو شفة وشاة لم يستعملا كذلك لأنهما قد كسرا على شفاه وشياه؛ فلأجل تكسيرهما لم يجمعا جمع سلامة لا بالألف والتاء ولا بالواو والنون. أما ما لم يكسر نحو سنة وثبة فجعل لهما ولأمثالهما هذا الاستعمال عوضا فيقال: سنون وثبون وسيأتي أنهما يجمعان بالألف والتاء أيضا (¬3). وخرج بذكر الهاء: بنت وأخت لأنهما وإن كانت اللام منهما محذوفة معوضا عنها فلا يجمعان هذا الجمع. - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 82). (¬2) المرجع السابق. (¬3) قال ابن مالك: فصل: يجمع بالألف والتّاء قياسا ذو تاء التأنيث مطلقا ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بكسر الفاء وفتحها وضمها إلى ما حكى ابن كيسان عن الكسائي: إن المعوّض من لامه هاء التأنيث إن كان مضموم الأول كقلة وثبة جاز في جمعه الضمّ والكسر وإن كان مفتوح الأول أو مكسورها كسنة ومائة لم يجز في جمعه إلا الكسر (¬1). ثم أشار المصنف إلى أن هذا الاستعمال قد يجيء فيما كسر لكنه قليل، وذلك نحو برة فإنه يقال: برى وبرات وبرون (¬2)، وكذلك ظبة فإنه قيل في جمعها ظبى وظبات وظبون. وذكر أنه يقال في نحو رقة، وأراد بذلك ما حذفت فاؤه وعوض عنها: رقون. قال المصنف: «وهو قليل، والمحفوظ منه رقة ورقون ولدة ولدون وحشة وحشون. والرقة: الفضة، واللدة: القرب، والحشة: الأرض الموحشة» (¬3). ومن الوارد على هذا الاستعمال على قلة: أضاة وإضون، وإوزة وإوزون، والأضاة: الغدير ويجمع على إضين بكسر الهمزة وحذف الألف: قال الشاعر: 131 - خلت إلّا أياصرا أو نؤيّا ... محافرها كأسرية الإضين (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر فيما حكاه ابن كيسان عن الكسائي: شرح التسهيل (1/ 83)، التذييل والتكميل (1/ 323) وفي علة تغيير حركة الفاء قيل: ليعلم بذلك أنه قد خرج عن بابه إلى الجمع بالواو والنون. وفي جمع سنة على سنون جاء الكسر وهو أشهر والضم أيضا (اللسان مادة: سنو). وأما الأمثلة لما ذكره من كلمات وما سيذكره ستأتي في هذا التحقيق. (¬2) ذكر ذلك كله ابن منظور في لسان العرب: (برى) وقال في معناه: البرة: الخلخال والبرة: الحلقة في أنف البعير. والظبة بعده: حد السيف أو السنان، قال في القاموس (مادة: ظبي) جمعه: أظب وظبات وظبون بالضم والكسر وظبا كهدى. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 84). (¬4) البيت من بحر الوافر ورد في معجم الشواهد (ص 410) ولم يذكر له إلا مرجعا واحدا، التصريح على التوضيح (2/ 310)، والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 84)، وفي التذييل والتكميل (1/ 327) وهو أيضا في أساس البلاغة (مادة: نأي)، وفي لسان العرب (مادة: أضا) وقد نسب فيهما إلى الطرماح بن حكيم، سبقت ترجمته. والشاعر في البيت يصف أطلالا. اللغة: إلّا: أداة استثناء. أياصر: منصوب على الاستثناء وهو جمع أيصر بفتح أوله وثالثه ومعناه: حبل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد كسرت أضاة على آضاء. وأما إوزون فقد تقدم قول الشاعر: 132 - تلقى الإوزّون في أكناف دارتها ... ...... البيت (¬1) وقد جمعوا إحرة فقالوا: إحرّون وحرّون (¬2) [1/ 102]. قال الشيخ (¬3): «وقد طول النحاة في تعليل ما جمع هذا الجمع مما لم يستوف الشروط» وملخص ما حوموا عليه: أن العرب لم يجمعوا هذا الجمع إلا عوضا من شيء نقص حقيقة كالذي حذف لامه أو فاؤه أو ما كان يجب له من كونه مؤنثا بالتاء أو نقص توهما كإوزة وإحرة فكأنهما نقصا بالإدغام (¬4). ¬

_ - صغير يشد به أسفل الخباء كالإصار (القاموس أصر) نؤي: بضم أوله وكسر ثانيه جمع نؤي بنون مضمومة وهمزة ساكنة بعدها وأصل الجمع على وزن فعول عمل فيه ما يعمل في عسى ونحوه. محافرها: جمع محفر وهو الحفرة. أسرية: جمع سري كغني وهو نهر صغير يجري إلى النخل. الإضين: جمع أضاة وهو الغدير. وشاهده واضح من الشرح. ونون الإضين إن كسرت فالإعراب عليها وإن فتحت فالإعراب بالياء. (¬1) البيت من بحر البسيط وهو للنابغة الذبياني وقد سبق الحديث عنه والشاهد فيه بالتفصيل في هذا التحقيق .. وأما شاهده هنا: فهو جمع إوزة على إوزون كما ذكره الشارح. (¬2) انظر الحديث عن إحرة ومعناها وكيفية جمعها في التعليق على هذا الشرح الذي سبق ذكره. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 328 - 329). (¬4) بقي بعد ذلك التمثيل من كلام العرب لبعض هذه الكلمات وقد تركها الشارح اختصارا؛ فمن أمثلة ثبة وهو مضموم الفاء محذوف اللام وجمعه على ثبين بالكسر أو الضم قول الشاعر (من الرجز): والخيل تعدو عصبا ثبينا ومثال ظبة وهو كثبة وجمعه على ظبين قول الشاعر (من المتقارب): تعاور أيمانهم بينهم ... كئوس المنايا بحدّ الظبينا ومثال برة قول الشاعر (من الطويل): كأنّ البرين والدّماليج علّقت ... على عشر أو خروع لم يخضّد ومثال إحرة وجمعه على إحرين قول الشاعر (من الرجز): لا خمس إلا جندل الإحرين ... والخمس قد أجشمتك الأمرّين ومن ذلك جمع مائة على مئين في قول الشاعر (من الطويل): ثلاث مئين للملوك وفى بها ... ردائي وجلت عن وجوه الأهاتم وجمع رئة على رئين في قوله (من الطويل): -

[إعراب المعتل اللام من جمع المذكر وجمع المؤنث]

[إعراب المعتل اللام من جمع المذكر وجمع المؤنث] قال ابن مالك: (وقد يجعل إعراب المعتلّ اللّام في النّون منوّنة غالبا، ولا تسقطها الإضافة وتلزمه الياء وينصب كائنا بالألف والتاء بالفتحة على لغة ما لم يردّ إليه المحذوف، وليس الوارد من ذلك واحدا مردود اللّام؛ خلافا لأبي عليّ). قال ناظر الجيش: من العرب من يشبه سنين ونحوه من المعتل اللام المعوض عنها هاء التأنيث، بغسلين فتلزمه الياء وتعربه بالحركات منونا فتقول: إن سنينا يطاع فيها الله لسنين من خير السنين، وسنينك أكثر من سنيني. وبعض هؤلاء لا ينون فتقول: مرت عليه سنين فيترك التنوين؛ لأن وجوده مع هذه النون كوجود تنوينين في حرف واحد (¬1). وإنما اختص هذا النوع بهذه المعاملة لأنه أعرب إعراب جمع التصحيح، وكان الأحق به إعراب جمع التكسير لخلو واحده من شروط جمع التصحيح، ولعدم سلامة نظمه؛ فكان جديرا بأن يجري مجرى صنوان وقنوان (¬2)، فلما كان ذلك مستحقّا ولم يأخذه، نبه عليه بهذه المعاملة، وكان بها مختصّا. وقد فعل ذلك ببنين كقول الشاعر: 133 - وكان لنا أبو حسن عليّ ... أبا برّا ونحن له بنين (¬3) - ¬

_ - فغظناهم حتى أتى الغيظ منهم ... قلوبا وأكبادا لهم ورئينا وجمع ثدي على ثدين وهو غريب لعدم الحذف منه في قوله (من الوافر): فأصبحت النّساء مثلّبات ... لها الويلات يمددن الثّدينا (¬1) في همع الهوامع (1/ 47) يقول السيوطي: إعراب هذا النوع إعراب الجمع لغة الحجاز وعلياء قيس، وأما بعض بني تميم وبني عامر فيجعلون الإعراب في النون ويلزمون الياء قال: أرى مرّ السنين أخذن منّي ... إلخ ثم الأولون يتركونه بلا تنوين والآخرون ينونونه فيقولون في المنكر: أقمت عنده سنينا بالتنوين. (¬2) أي في الإعراب بالحركات؛ لأنه جمع تكسير. (¬3) البيت من بحر الوافر ذكر صاحب معجم الشواهد (ص 393) أن قائله سعيد بن قيس الهمداني. وقال صاحب شرح التصريح (1/ 77): إن قائله أحد أولاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه أشبه سنين في حذف لامه وتغير نظم واحده. ولتغير نظم واحده قيل فيه: فعلت البنون (¬1) ولا يقال فعلت المسلمون؛ ولو عومل بهذه المعاملة عشرون وأخواته لكان حسنا؛ لأنها ليست جموعا فكان لها حق في ذا الإعراب بالحركات كسنين. ويمكن أن يكون هذا معتبرا في الأربعين من قول جرير: 134 - وماذا تدّري الشّعراء منّي ... وقد جاوزت حدّ الأربعين (¬2) - ¬

_ - ويستشهد به على إعراب بنين بالحركات على النون، وهو خبر مرفوع بالضمة الظاهرة، والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 85)، وللمرادي (1/ 75)، ولأبي حيان (1/ 333) وهو في معجم الشواهد (ص 393). (¬1) أي بإلحاق الفعل تاء تأنيث وهي لا تلحق إلا الفاعل المؤنث أو جمع التكسير من المذكر. (¬2) البيت من بحر الوافر يروى لجرير بن عطية من مقطوعة سبق ذكر مطلعها في هذا التحقيق وقبل بيت الشاهد قوله: أكلّ الدّهر حلّ وارتحال ... أما يبقي عليّ وما يقيني انظر ديوان جرير (ص 475). والصحيح أن الشاهد لسحيم بن وثيل الرباحي، أحد شعراء بني حمير من قصيدة مطلعها مشهور وهو قوله: أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني والقصيدة كلها في خزانة الأدب (1/ 126)، والأصمعيات (ص 19) وبعد بيت الشاهد قوله: أخو خمسين مجتمع أشدي ... ونجّزني مداورة الشّئون اللغة: يدري: يبتغي وقد روي مكانه أيضا. مجتمع أشدي: قوي في العقل والبدن. نجزني مداورة الشئون: حنكتني الأشياء ومعالجات الأمور. ومعنى البيت: كيف يطمع الشعراء في خديعتي وقد جاوزت أربعين سنة؟. ويستشهد بالبيت على كسر نون الجمع في لغة وإعراب الكلمة بالحروف، وقيل: إنها كسرة إعراب. انظر مراجع البيت الكثيرة في معجم الشواهد (ص 408). وانظر البيت أيضا في التذييل والتكميل (1/ 334)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 93). ترجمة سحيم بن وثيل: هو سحيم بن وثيل بن عمرو، شاعر جاهلي إسلامي، كان رئيس قومه ودخل مع غالب والد الفرزدق في منافرات في الكرم وذبح النوق، إلا أنه لم يلحق به فعيره قومه بذلك ثم جمعوا له النوق ليذبحها إلا أنه قيل بحرمتها لأنها ذبحت بقصد المنافرة والمباهاة. وهو خطا طبعا. وانظر ترجمة سحيم في وفيات الأعيان (6/ 87)، والشعر والشعراء (2/ 647).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون الكسر كسر إعراب لا ضرورة (¬1). وإذا جاز لهم الانقياد (¬2) إلى الشبه اللفظي في الخروج من فرع إلى أصل، فالانقياد إليه من أصل إلى فرع أحق بالجواز، وذلك أنهم قالوا في ياسمين وسرجين وشياطين: ياسمون وسرجون وشياطون، وأعربوها إعراب جمع التصحيح تشبيها للآخر بالآخر، وإن كان نون بعضها أصليّا مع أن هذا الأعراب فرع. والإعراب بالحركات أصل؛ فأن يشبه باب سنين وظبين بباب قرين ومبين (¬3) أقرب وأنسب. وإنما ألزموه إذ أعربوه بالحركات الياء دون الواو؛ لأنها أخف ولأن باب غسلين أوسع مجالا من باب عربون، ولأن الواو كانت إعرابا صريحا؛ إذ لم يشترك فيها شيآن؛ فلو لزمت عند الإعراب بالحركات لكان الرفع بالضمة معها كرفعين، وليست الياء كذلك؛ إذ لم ينفرد بها شيء واحد. والضمير من قوله: وينصب كائنا بالألف والتّاء عائد إلى المعتل اللام [1/ 103] المعوض منها تاء التأنيث. فإذا جمع هذا النوع بالألف والتاء جاز عند بعض العرب نصبه بالفتحة، كقول بعضهم: سمعت لغاتهم بفتح التاء. قال الشاعر: 135 - فلمّا جلاها بالأيام تحيّزت ... ثباتا عليها ذلّها واكتئابها (¬4) - ¬

_ (¬1) رده أبو حيان قائلا: لا يجوز ما ذكر في عشرين؛ لأن إعرابها بالواو والنون على جهة الشذوذ، فلا يضم إليه شذوذ آخر، وخرج بيت جرير على الضرورة. (¬2) استمرار في التعليل لجواز معاملة عشرين وأخواته معاملة سنين في الإعراب بالحركات ومقصوده بالفرع: الإعراب بالحروف، وبالأصل: الإعراب بالحركات. (¬3) وفي نسخة الأصل: بباب برين ومبين؛ وما أثبتناه من شرح التسهيل (1/ 87) وهو الأصح. وفي نسخة (ب)، (جـ) كتب مكانهما: هنا بياض يسير. (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لأبي ذؤيب الهذلي انظر الديوان (ص 9) وديوان الهذليين (1/ 79). وهو في هذا البيت يصف رجلا يقطف جنى النحل. اللغة: جلاها: طردها. الأيام: بضم الهمزة وكسرها: الدخان. تحيزت: اجتمع بعضها إلى بعض ويروى مكانه تحيرت. المعنى: يقول الشاعر: إن هذا الرجل حين أراد قطف جنى النحل منها أخرج النحل من بيوتها بالدخان الذي دخن به عليها لئلا تلسعه؛ وحين فعل ذلك تضامت جماعات النحل يبدو عليها الذل والاكتئاب لهيجانها. وقد روي البيت بكسر ثبات على أنه جمع مؤنث سالم منصوب بالكسرة وهو حال، كما روي بالفتح على أنه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رواه الفراء هكذا بفتح التاء (¬1). ولا يعامل هذه المعاملة إلا إذا لم يرد إليه المحذوف؛ فإن رد كسنوات وعضوات رجع إلى ما هو به أولى وهو النصب بالكسرة؛ لأن نصبه بالفتحة قبل الرد كان لشيئين: أحدهما: الشبه بباب قضاة في أنه جمع آخره تاء مزيدة بعد ألف في موضع لام معتلة. والثاني: أن ثبات بإزاء ثبين وكسرته بإزاء يائه؛ فكما جاز على لغة أن يراجع الأصل بثبين تشبيها بمبين، جازت مراجعته بثبات تشبيها بنبات. وكل واحد من السببين منتف مع رد المحذوف فبقي على الإعراب الذي هو به أولى. ولا يعامل عدات من المعتل الفاء (¬2) معاملة ثبات لانتفاء السببين المذكورين. وزعم أبو علي (¬3) أن قول من قال: سمعت لغاتهم بالفتح لا يحمل إلا على أنه مفرد ردت لامه وقلبت ألفا. وهذا الذي ذهب إليه مردود من أوجه: أحدها: أن جمعية لغات في غير: سمعت لغاتهم، ثابتة والأصل عدم الاشتراك لا سيما بين أفراد وجمع. الثاني: أن التاء في هذا الجمع (¬4) عوض من اللام المحذوفة؛ فلو ردت لكان - ¬

_ - جمع أيضا منصوب بالفتحة، كما جاء ذلك عن العرب مطلقا، أو لأنه محذوف اللام التي لم ترد إليه في الجمع كما حكى الكسائي: سمعت لغاتهم بفتح التاء. وكما يحكي ابن سيده: رأيت بناتك بفتحها أيضا. وانظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 87)، والتذييل والتكميل (1/ 151 - 335). واستشهد به ابن جني على أن تحيزت وزنه تفيعلت من حاز يحوز (المحتسب: 1/ 118). (¬1) انظر معاني القرآن له: (2/ 93) عند حديثه عن قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر: 91]. ومثل هذا يعرب منصوبا بالفتحة وحينئذ فلا فرق بين ثبات ودعاة. (¬2) في نسخ المخطوطة: ولا يعامل نحو عدة من المعتل الفاء ... إلخ وما أثبتناه أولى حتى يكون نصّا في المراد وهو من شرح التسهيل أيضا (1/ 88). (¬3) انظر: التذييل والتكميل (1/ 337). وفي الهمع (1/ 22): «وأجاز الكوفية نصب هذا الجمع بالفتحة مطلقا وأجازه هشام منهم في المعتل خاصة كلغة وثبة وحكي: سمعت لغاتهم» وانظر الرأي مسندا لأبي علي في شرح التصريح (1/ 80). قال: وأصله لغية أو لغوة تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفا فصار لغات. (¬4) في نسخ المخطوطة: أن التاء في هذا النوع، وما أثبته - وهو أوضح - من شرح التسهيل لابن مالك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جمعا بين العوض والمعوض عنه وذلك ممنوع. والثالث: أن بعض العرب قال: رأيت بناتك بفتح التاء، حكاه ابن سيده (¬1)، وهذا نص في الجمعية التي لا يمكن فيها ادعاء الإفراد (¬2) فبطل قول أبي علي بطلانا جليّا غير خفي. هذا كله كلام المصنف نقلته بنصه (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر في رأي ابن سيده: شرح التصريح على التوضيح: (1/ 80). (¬2) ترك ناظر الجيش رابعا وهو أن معنى البيت الذي رواه الفراء بالنصب لا يستقيم إلا إذا كان ثباتا جمعا، يقول ابن مالك: «الثالث: أن قائل «تحيّزت ثباتا» يصف مشتار عسل من شق جبل والعادة جارية بأن النحل التي تكون هناك إذا نفرت بالأيام وهو الدخان، اعتزلت مع يعاسيبها ثبة ثبة، فمعنى ثبات إذن جماعات؛ لا يستقيم المعنى بغير ذلك». (¬3) كتب في نسخة الأصل بجواره: بلغت قراءة على مصنفه أبقاه الله.

الباب الخامس باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح

الباب الخامس باب كيفيّة التّثنية وجمعي التّصحيح * [تعريف المقصور والمنقوص والممدود] قال ابن مالك: (الاسم الّذي حرف إعرابه ألف لازمة مقصور، فإن كان ياء لازمة تلي كسرة فمنقوص، وإن كان همزة تلي ألفا زائدة فممدود). قال ناظر الجيش: إنما بدأ بتعريف المقصور والمنقوص والممدود؛ لأن تبيين كيفية التثنية وجمعي التصحيح مفتقر إلى معرفتها؛ لكيلا يجهل المعنى بها عند جريان ذكر بعضها في الباب. فالمقصور: الاسم الذي حرف إعرابه ألف لازمة. فذكر الاسم ليعلم أن الفعل الذي حرف إعرابه ألف نحو يرضى لا يسمى مقصورا. وذكر اللزوم ليخرج المثنى المرفوع على اللغة المشهورة والأسماء الستة في حالة النصب. والمنقوص: الاسم الذي حرف إعرابه ياء لازمة تلي كسرة. فذكر الاسم ليعلم أن الفعل الذي حرف إعرابه ياء تلي كسرة نحو يعطي لا يسمى منقوصا. وذكر اللازم مخرج لنحو الزيدين والأسماء الستة في حالة الجر؛ وهذا هو المنقوص العرفي؛ لأن المنقوص في اللغة متناول لكل ما حذف منه شيء كيد وعدة [1/ 104]. أما العرف الصناعي فإنه غلب إطلاق المنقوص على نحو شج وقاض. والممدود: الاسم الذي حرف إعرابه همزة تلي ألفا زائدة. وهنا لم يذكر الاسم تنبيها على أن الفعل لا يسمى ممدودا إذ لا يوجد فعل آخره همزة تلي ألفا زائدة؛ وإنما تلي ألفا منقلبة كيشاء. قال المصنف: «ولكن ذكر الاسم ليعلم من أول وهلة أن الممدود ليس من أصنافه غيره». وذكر الإعراب ليعلم من أول وهلة أن الممدود معرب. وذكر زيادة الألف -

[تثنية الاسم غير المقصور والممدود]

[تثنية الاسم غير المقصور والممدود] قال ابن مالك: (فإذا ثنّي غير المقصور والممدود الّذي همزته بدل من أصل أو زائدة لحقت العلامة دون تغيير ما لم تنب عن تثنيته تثنية غيره). ـــــــــــــــــــــــــــــ احترازا من داء وماء ونحوهما؛ فإن الألف في مثل هذا لا تكون زائدة؛ لأن الحكم بزيادتها يوجب نقصا عن أقل الأصول؛ وإنما هي بدل من أصل فنحو ماء من قبيل المهموز لا الممدود كما سيأتي (¬1). وناقش الشيخ المصنف في قوله: احترازا باللزوم عن نحو الزيدان والزيدين، فإن الألف والياء في المثنى ليستا حرفي إعراب عنده إنما هما أنفسهما الإعراب؛ فكيف يحترز عنهما (¬2)؟ وشنع عليه بأنه يقول شيئا ثم ينساه (¬3). والجواب: أن حرف الإعراب يطلق على الحرف الذي يقدر فيه الإعراب وعلى الحرف الذي هو الإعراب نفسه، على أن يكون إضافة الحرف إلى الإعراب من باب إضافة العام إلى الخاص. فبتقدير إطلاقه حرف الإعراب على الإعراب ساغ للمصنف الاحتراز عما ذكر. قال ناظر الجيش: الكلام على أحكام مسائل هذا الباب يقتضي البداءة بذكر تقسيم، وهو أن الاسم صحيح كرجل وامرأة، ومعتل لكنه جار مجرى الصحيح كمرمي ورمي ومغزو وغزو، ومهموز كرشاء وماء ومكلوء، ومقصور، ومنقوص وممدود. ثم الممدود أربعة أقسام: ما همزته أصلية كقرّاء ووضاء (¬4)، وما همزته بدل من حرف أصلي نحو كساء - ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: شرح التسهيل (1/ 89). (¬2) معنى الاعتراض: أن ابن مالك يرى أن المثنى معرب بالألف رفعا وبالياء نصبا وجرّا فهذان الحرفان عنده علامتا إعراب، وأن آخر الاسم عنده هو الحرف الذي قبل الألف والياء، إذا كان الأمر كذلك فلماذا يحترز عن المثنى في تعريف المقصور. قد يحترز عنهما ذلك الذي يجعل الألف والياء محل إعراب كالدال من زيد ويعرب المثنى بحركات مقدرة وهو الخليل وسيبويه. وانظر المذاهب في إعراب المثنى والمجموع، وما قاله ابن مالك في ذلك، في باب إعراب المثنى والمجموع على حدّه. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (2/ 14) ونصه: وهذا الرجل كثيرا ما يقول الشيء ثم ينساه. (¬4) القراء: بفتح القاف: الحسن القراءة ويجمع على قراءون. وبضم القاف: الناسك المتعبد (القاموس: قرأ). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورداء. وما همزته بدل من حرف إلحاق نحو علباء ودرحاء (¬1) وما همزته بدل من حرف زائد نحو حمراء وصحراء. فالمقصور يأتي الكلام على كيفية تثنيته وكذا الممدود الذي همزته ليست أصلية؛ وأما الممدود الذي همزته أصلية فهو المراد الآن. فقوله: والممدود هو المعطوف على المجرور بغير، أي: وغير الممدود الذي همزته بدل من أصل أو زائدة وذلك هو الذي همزته أصلية. وأراد بقوله: الّذي همزته بدل من أصل نحو كساء وعلباء، أما همزة كساء فبدل من أصل، وأما همزة علباء فلما كانت بدلا من حرف إلحاق وهو في الكلمة الملحقة يقابل حرفا أصليّا في الكلمة الملحق بها تجوز في ذلك الحرف فجعله أصلا لمقابلة الأصلي. والهمزة مبدلة منه. إذا تقرر هذا فقد دخل تحت قوله: غير المقصور والممدود إلى آخره الصحيح والمعتل الجاري مجراه والمهموز والمعوض والممدود الذي همزته أصلية. وذكر أن حكم هذه الخمسة إذا ثنيت إلحاق علامة التثنية لها دون تغيير يلحقها سوى فتح آخرها، ولم يحتج إلى التنبيه عليه؛ لأنه مع الألف ضروري. وأما مع [1/ 105] الياء فقد تقدم أن ما قبلها يكون مفتوحا. ونبه المصنف بقوله: ما لم تنب عن تثنيته تثنية غيره، على أن العرب قد تعدل عن تثنية بعض الأسماء إلى تثنية ما يرادفها. فمن ذلك قولهم: سيّان مرادا به تثنية سواء؛ استغنوا عن تثنيته بتثنية سي وقد روي سواءان أيضا (¬2). - ¬

_ - الوضاء: بضم الواو وصف من وضؤ فهو وضيء من أوضياء ووضاء من وضائين. (انظر القاموس: وضؤ). (¬1) في اللسان (2/ 1354): رجل درحاية كثير اللحم ضخم البطن لئيم الخلقة وزنه فعلاية. انتهى. ولعلهم أبدلوا الياء همزة بعد ذلك. وأما علباء فهو علباء البعير أي عصب عنقه وجمعه علابي. (¬2) في اللسان (سوا) يقال فلان وفلان سواء أي متساويان وقوم سواء ... قال الجوهري: وهما في هذا الأمر سواء وإن شئت سواءان وهم سواء للجمع، وهم أسواء وهم سواسية أي أشباه.

[تثنية المقصور]

[تثنية المقصور] قال ابن مالك: (وإذا ثنّي المقصور قلبت ألفه «واوا» إن كانت ثالثة بدلا منها أو أصلا أو مجهولة ولم تمل و «ياء» إن كانت بخلاف ذلك، لا إن كانت ثالثة واويّ مكسور الأوّل أو مضمومه خلافا للكسائيّ، والياء في رأي أولى بالأصل والمجهولة مطلقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قولهم: أليان وخصيان استغنوا بهما عن تثنية ألية وخصية على أنه يقال ألى وخصى فقد يكون أليان وخصيان تثنية لهما وقد جاء أليتان وخصيتان أيضا (¬1). وناقش الشيخ المصنف فقال: «الكلام الآن في الممدود الّذي همزته أصلية. وسواء: همزته بدل من أصل وأصله سواي فلم يدخل تحت الذي يريد تثنيته وهو ما همزته أصل فلا يستثنى» انتهى (¬2). فجعل الشيخ الضمير في: ما لم تنب عن تثنيته تثنية غيره راجعا إلى الممدود والمدلول عليه بغير في قول المصنف: وغير الممدود وهو الذي همزته أصلية. والظاهر أن الضمير إنما هو راجع إلى مطلق الاسم الذي يراد تثنيته لا إلى الممدود المذكور؛ فالمعنى ما لم ينب عن تثنية الاسم تثنية غيره فإنك لا تثنيه. ويدل على ذلك: أن المصنف لم يقتصر على ذكر الاستغناء عن تثنية سواء؛ بل ذكر الاستغناء عن تثنية ألية وخصية بتثنية ألى وخصى؛ فظهر أنه لم يقصد بعود الضمير اسما مخصوصا؛ لكن الحق أن هذا ليس موضع إيراد هذا الحكم. فالمصنف إنما يتوجه عليه أنه أورد الشيء في غير موضعه؛ وكان الأليق بهذا أن يذكر في الباب الذي فرغ منه عند ما ذكر أن من الأسماء ما لا يثنى. قال ناظر الجيش: لما كان آخر الاسم إذا ثني مستحقّا للحركة، لزم في المقصور - ¬

_ (¬1) في اللسان (خصي) «الخصية البيضة وإذا ثنيت قلت: خصيان لم تلحقه التاء وكذلك الألية بفتح الهمزة إذا ثنيت قلت أليان، لم تلحقه التاء وهما نادران». قال الفراء: «كل مفردين لا يفترقان فلك أن تحذف منهما هاء التأنيث». قال ابن بري: «قد جاء خصيتان وأليتان بالتاء فيهما». (¬2) انظر: التذييل والتكميل (2/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا ثني إبدال ألفه حرفا يقبل الحركة؛ ولم يجز حذفها لئلا يوقع في الإلباس بالمفرد حال الرفع والإضافة (¬1)؛ ثم الحرف الذي تقلب إليه الألف المذكورة: تارة يكون ياء وتارة يكون واوا. فإن كانت ثالثة بدلا من واو أو أصلا لكونها في حرف أو شبهه ولم تمل أو مجهولة ولم تمل أيضا قلبت واوا. فمثال الأول: عصا لقولهم عصوته أي ضربته بالعصا. ومثال الثاني (¬2): ألا الاستفتاحية وإذا مسمى بهما. ومثال الثالث: خسا بمعنى قرد ولقا بمعنى ملقى لا يعبأ به. وذكر الشيخ (¬3) عن ابن جني أن ألف لقى منقلبة عن ياء فليست مجهولة. قال: «وهو على وزن فعل بمعنى مفعول كالقبض والنّقض بمعنى المقبوض والمنقوض فلقى بمعنى ملقيّ لا بمعنى ملقى» (¬4). وذكر عن بعضهم أن خسا مهموز الأصل قال: «فألفه ليست مجهولة الأصل؛ وإنما ينبغي أن تمثل الألف المجهولة الأصل بالدّدا وهو اللهو» [1/ 106]. قال: «وهذا الاسم استعمل منقوصا كما جاء في الحديث: «لست من دد ولا الدّد منّي» (¬5) واستعمل صحيحا متمما بنون فقالوا: ددن، وبدال فقالوا: - ¬

_ (¬1) معناه: أنك إذا قلت: عصا محمد لم يعرف هذا مفرد أو مثنى؛ ولكن إذا قلبت ألف المقصور، فقلت: عصوا محمد لزم أن يكون هذا مثنى والأول مفرد. (¬2) أي الموضع الثاني أي الذي تقلب فيه الألف واوا لكونها في حرف أو شبهه ولم تمل؛ إنما جعل إذا من شبه الحرف؛ لأن النحاة اختلفوا فيها فقيل حرف وعليه الأخفش، وقيل ظرف مكان وعليه المبرد، أو زمان وعليه الزجاج وهذه إذا التي للمفاجأة؛ أما التي لغير المفاجأة وهي الظرفية فاتفقوا على اسميتها. (انظر بحث إذا ونوعيها في المغني: 1/ 87). (¬3) انظر نصه في: التذييل والتكميل (2/ 19). (¬4) في القاموس: (4/ 389): «ورجل لقى وملقى وملقّى وملقيّ ولقّاء في الخير والشّر وهو أكثر وفيه: واللّقى كفتى ما طرح». (¬5) انظر نص الحديث في اللسان (مادة: ددا)، وهو أيضا في كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: (2/ 109) ونصه: «ما أنا من دد ولا الدّد منّي». ثم شرحه بما ذكر في الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ددد؛ واستعمل مقصورا فقالوا: ددا (¬1) فهذه الألف مجهولة لا يدرى ما هي منقلبة عنه» انتهى. وذكر ابن عصفور (¬2) في الألف الثالثة الأصلية أنها تنقلب ياء وإن لم تمل إذا انقلبت ياء في حال من الأحوال نحو: إلى وعلى ولدى، كقولهم: إليه وعليه ولديه. وهي داخلة في كلام المصنف في ضابط ما تقلب واوا. ونص سيبويه على تثنية إلى وعلى ولدى بالواو فلم يعتبر القلب (¬3). وأشار بقوله: وياء إن كانت بخلاف ذلك، إلى أنها تقلب ياء إن كانت ثالثة بدلا من ياء كهدى أو أصلا وأميلت كمتى وبلى أو مجهولة وأميلت ولم يمثلوه. أو كانت رابعة فصاعدا سواء كانت بدل ياء كمرمى ومشترى أو زائدة كحسنى وسبطرى (¬4). وأجاز الكسائي: في نحو رضى وعلا من ذوات الواو المكسور الفاء والمضمومها أن تثنى بالياء قياسا على ما ندر كقول بعض العرب: رضى ورضيان (¬5). قال المصنف: «وشذوذ هذا صارف عن إشارة إليه لقياس عليه» (¬6). وأشار بقوله: والياء في رأي أولى إلى آخره إلى أن بعض النحويين لا يعدل عن الياء فيما ألفه أصلية أو مجهولة ثبتت الإمالة أو لم تثبت (¬7). قال المصنف: «ومفهوم قول سيبويه عاضد لهذا الرّأي»: - ¬

_ (¬1) وعليه فاللغات أربعة: النقص والقصر والصحة بالنون أو بالدال. (¬2) انظر نص رأيه هذا في شرح الجمل له (1/ 77) (تحقيق الشغار وإشراف يعقوب). (¬3) قال في الكتاب (3/ 388): «فإذا جاء شيء من المنقوص ليس له فعل تثبت فيه الواو ولا له اسم تثبت فيه الواو وألزمت ألفه الانتصاب فهو من بنات الواو؛ لأنّه ليس شيء من بنات الياء يلزمه الانتصاب لا تجوز فيه الإمالة إنما يكون ذلك في بنات الواو وذلك نحو لدى وإلى وما أشبههما؛ وإنما تكون التثنية فيهما إذا صارتا اسمين وكذلك الجمع بالتّاء». (¬4) السّبطرى: بكسر ثم فتح مشية فيها تبختر، والسبطر: الماضي الشهم. (¬5) انظر رأي الكسائي في: التذييل والتكميل (2/ 22) وحاشية الصبان (4/ 114). (¬6) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 92). (¬7) وعلى ذلك فإنه يقول في متى علما - وألفه أصل: متيان، وفي ددا وإلى ولدى أعلاما - وألفاتها مجهولة الأصل لم تمل - دديان وإليان ولديان. وأما المجهولة الممالة فلم يمثلوا لها.

[تثنية الممدود]

[تثنية الممدود] قال ابن مالك: (وتبدل واوا همزة الممدود المبدلة من ألف التّأنيث وربّما صحّحت أو قلبت ياء وربّما قلبت الأصليّة واوا. وفعل ذلك بالملحقة أولى من تصحيحها، والمبدلة من أصل بالعكس، وقد تقلب ياء، ولا يقاس عليه خلافا للكسائيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ «لأنّه أصّل في الألف المجهولة أصلا يقتضي ردّها إلى الواو إذا كانت موضع العين، وردّها إلى الياء إذا كانت موضع اللّام، وعلل ذلك بأن انقلابها ثانية عن واو أكثر من انقلابها عن ياء وأمر الثالثة بالعكس» (¬1). قال ناظر الجيش: تقدم أن الممدود أربعة أقسام. وتقدم الكلام على ما همزته أصلية منها. وها هو يتكلم عن ثلاثة الأقسام الأخر: وهي ما همزته زائدة أو بدل من حرف أصلي أو من حرف ملحق بالأصلي. أما القسم الأول فأشار إليه بقوله: وتبدل واوا همزة الممدود المبدلة من ألف التأنيث. وعلم منه أن الهمزة في صحراء وحمراء وزرقاء مبدلة من ألف هي للتأنيث. وذهب الكوفيون والأخفش (¬2) إلى أن الهمزة موضوعة للتأنيث وأبطله المصنف بثلاثة أوجه (¬3): أحدها: «أن كون الألف حرف تأنيث ثابت في غير هذه الأمثلة بإجماع، - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 91) بنصه. وفي كتاب سيبويه: (3/ 388) جاء قوله بعد حديث عن تثنية المقصور اليائي والواوي: «فإذا جاء شيء من المنقوص (المقصور) ليس له فعل تثبت فيه الياء ولا اسم تثبت فيه الياء وجازت الإمالة في ألفه فالياء أولى به في التثنية». (¬2) جاء في الهمع (2/ 169): «قال البصرية: والممدودة فرع عن المقصورة أبدلت منها همزة لأنهم لما أرادوا أن يؤنثوا بها ما فيه ألف لم يمكن اجتماعهما لتماثلهما والتقائهما ساكنين؛ فأبدلت المتطرفة للدلالة على التأنيث همزة لتقاربهما. وخصت المتطرفة لأنها في محل التغيير ويدل لذلك سقوطها في الجمع كصحارى ولو لم تكن مبدلة، قال الكوفية: بل هي أصل أيضا». (¬3) شرح التسهيل (1/ 92).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكون الهمزة للتأنيث في غير هذه الأمثلة منتف بإجماع. (¬1) وإبدال همزة من حرف متطرف بعد ألف زائدة ثابت بإجماع (¬2). والحكم على الهمزة المشار إليها بأنها مبدلة من الألف مانع من مفارقة الإجماع المذكور فتعين الأخذ به». الوجه الثاني: «أن القول بذلك مكمل لما قصد من توافق هاء التأنيث وألفه، وتركه مفوت لذلك فوجب اجتنابه. وذلك أنهم ألحقوا هاء التأنيث بألفه في التزام فتح ما قبلها وجواز إمالته وألحقوا ألفه بهائه في مباشرة المفتوح تارة وانفصالها بألف زائدة [1/ 107] تارة فسكرى نظير ثمرة، وصحراء نظير أرطاة، وتوصل بذلك أيضا إلى إبدال الألف همزة لتوافق الهاء بظهور حركة الإعراب. وهذه حكمة لم يبدها إلا القول بأن الهمزة المشار إليها بدل الألف فوجب اعتقاد صحته». الثالث: «أن الهمزة لو كانت غير بدل لساوت الأصلية في استحقاق السلامة في التثنية والجمع والنسب» (¬3). إذا تقرر هذا فالهمزة المشار إليها لما كانت بدل ألف كره بقاؤها في التثنية؛ لأن وقوعها بين ألفين كتوالي ثلاث ألفات. فتوقى ذلك ببدل مناسب، وهو إما واو وإما ياء فكانت الواو أولى؛ لأنها أبعد شبها من الألف، وإنما تركت الهمزة لقربها من الألف والياء مثلها في مقاربة الألف فتركت وتعينت الواو. وأشار بقوله: وربّما صحّحت إلى آخره - إلى أن بعض العرب يبقي الهمزة، وبعضهم يؤثر الياء لخفتها وكلاهما نادر (¬4). - ¬

_ (¬1) سقط من نسخة (ب)، (جـ) ست كلمات قبل الرقم. (¬2) أمثلة الألف حرف تأنيث: ليلى وحبلى وذكرى. وأمثلة إبدال الهمزة من الحرف المتطرف بعد الألف: سماء ودعاء ونداء. (¬3) فكان يقال بدلا من صحراوين وصحراوات وصحراوي: صحراءان وصحراءات وصحرائي كما يقال: قثاءان وقثاءات وقثائي بل كانت همزة صحراء أحق بالسلامة؛ لأن فيها ما في همزة قثاء من عدم البدلية كما زعموا وتزيد عليها أنها دالة على معنى. وسلامة ما يدل على معنى أحق من سلامة ما لا يدل على معنى. (¬4) وعليه فنقول في الأول: صحراءان وفي الثاني: صحرايان، وقال فيه الأشموني (4/ 112): «وشذ حمرايان بقلب الهمزة ياء وحمراءان بالتصحيح. كما شذ قاصعان وعاشوران بحذف الهمزة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنه قد استثني من الأصل المذكور مما همزته زائدة نحو لأواء وعشواء وهو كل كلمة لامها واو فأوجب فيه التصحيح كالأصلية كراهة أن تقلب الهمزة واوا فيؤدي إلى اجتماع واوين بينهما حاجز غير حصين وهو الألف. نبه على ذلك السيرافي (¬1). ونقل صاحب الإفصاح عن ابن الأنباري ما يقتضي جواز الإبدال مرجوحا (¬2). وأشار بقوله: وربّما قلبت الأصليّة واوا إلى أنّ بعضهم قال في تثنية قراء: قراوان وهو نادر، ولم يذكر سيبويه إلا الإقرار (¬3). وأشار بقوله: وفعل ذلك بالملحقة أولى من تصحيحها والمبدلة من أصل بالعكس: إلى أن في كل منهما وجهين: الإبدال واوا والإقرار همزة إلا أن الأولى في الملحقة الإبدال، والأولى في المبدلة من أصل الإقرار فعلباوان أولى من علبايين وكساءان أولى من كساوين وكذا رداءان أولى من رداوين. فالحاصل: أن المقيس عليه سلامة الأصلية كقراءين وقلب المبدلة من ألف التأنيث واوا كصحراوين وإجازة وجهين في الملحقة مع ترجيح القلب كعلباوين وعلباءين وإجازة الوجهين في المبدلة من أصل مع ترجيح السلامة ككساءين وكساوين - ¬

_ - والألف معا، والجيد الجاري على القياس: قاصعاوان وعاشوران». (¬1) قال أبو حيان: «وقال أبو سعيد: ممّا استثقل وقوع الألف بين واوين فعدلوا به عن القياس قولهم في تثنية لأواء وعشواء: لأواءان وعشواءان وهمزة التّأنيث تقلب في التثنية واوا فيقال حمراوان وكرهوا لأواوان لأجل الواوين فهمزوا». التذييل والتكميل (2/ 25). وانظر مثله في: حاشية الصبان (4/ 112). ثم قال بعده: «وجوّز الكوفيّون في ذلك الوجهين». (¬2) قال أبو حيان: «وفي الإفصاح إذا ثنيت حواء فالاختيار حواءان؛ لأن قبل الهمزة واوا مشددة والواو المشددة واوان فكرهوا الجمع بين ثلاث واوات. وكذلك لأواءان بالهمز ولأواوان بالواو. والهمز أكثر في كلام العرب قاله ابن الأنباري» التذييل والتكميل (2/ 25). (¬3) لم يذكره سيبويه صراحة في كتابه وإنما ذكر حكم الممدود كله: أي الذي همزته بدل من أصل ومثّل له بكساء وغطاء والذي همزته للتأنيث ومثل له بخنفساء والذي همزته للإلحاق ومثل له بعلباء. ثم ترك ما همزته أصلية فعلم أنه كالصحيح لا يجوز تغيير همزته. وانظر ذلك كله في كتاب سيبويه: (3/ 391، 392) تحت عنوان: «هذا باب تثنية الممدود».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورداءين ورداوين. ونقل الشيخ (¬1) عن أبي موسى فيه أنه قال: «وما انقلبت فيه عن أصل أو عن زائد ملحق بالأصل فأجره إن شئت على الأصل وإن شئت على الزائد والأول أحسن» قال: «فسوّى بين المسألتين وجعل الإقرار فيهما أحسن وهكذا نصّ عليه سيبويه» قال (¬2): «وذلك قولك: رداءان وكساءان وعلباءان، فهذا الأجود والأكثر» ثم قال: «واعلم أن ناسا كثيرا من العرب يقولون: علباوان». ثم قال: «وقال ناس: كساوان ورداوان». ثم قال: «وعلباوان أكثر من قولك كساوان في كلام العرب» انتهى (¬3). وفهم من كلام سيبويه أن الإقرار فيهما أكثر وأجود وأنه إذا حصل القلب كان في الملحقة أكثر منه في المبدلة من أصل. وأشار بقوله: وقد تقلب ياء إلى أنه يقال في كساء ورداء: كسايان وردايان وقاس [1/ 108] الكسائي على ذلك. قال الشيخ: حكى أبو زيد أنّها لغة لبني فزارة، قال: فيصح قياس الكسائي عليه؛ لأنها لغة لقبيلة من العرب (¬4). ¬

_ (¬1) هو أبو حيان. وانظر التذييل والتكميل له: (2/ 27). وأبو موسى الذي نقل عنه هو عيسى بن عبد العزيز الملقب بالجزولي (سبقت ترجمته). وهو صاحب كتاب المقدمة الجزولية في النحو تحقيق شعبان عبد الوهاب. وانظر النص المنقول في هذا الكتاب (ص 47). (¬2) أي سيبويه. وانظر النصوص المنقولة عن سيبويه في كتابه: (3/ 391، 392). (¬3) بنصه في التذييل والتكميل (2/ 27). (¬4) قال الأشموني في شرحه على الألفية (4/ 114): «والذي شذّ من الممدود خمسة أشياء؛ وذكر منها كسايان» ثم قال: «وقاس عليه الكسائي ونقله أبو زيد عن لغة فزارة». ومعناه أنه يجوز في تثنية الممدود الذي همزته بدل من أصل أن تقلب ياء عند الكسائي والجمهور على قلبها واوا وبقائها والأخير أرجح. وانظر نصه أيضا في: التذييل والتكميل (2/ 28).

[تثنية خاصة لبعض الأسماء]

[تثنية خاصة لبعض الأسماء] قال ابن مالك: (وصحّحوا مذروين وثنايين تصحيح شقاوة وسقاية للزوم علمي التّثنية والتّأنيث). قال ناظر الجيش: المذروان: طرفا الألية وطرفا القوس وجانبا الرأس ولا يستعمل مفردهما، كذا قال أبو علي القالي (¬1) في الأمالي (¬2). والمشهور إطلاقه على طرفي الألية. قال عنترة: 136 - أحولي تنفض استك مذرويها ... لتقتلني فها أنا ذا عمارا (¬3) وهي في الأصل تثنية مذرى إلا أنه لا يفرد فشبه بمفرد في حشوه واو مفتوحة - ¬

_ (¬1) هو أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي المعروف بالقالي نسبة إلى قالي قلا من أعمال أرمينية. ولد سنة (288 هـ) وقدم بغداد سنة (303 هـ). قرأ النحو على ابن درستويه والزجاج ونفطويه وابن دريد وابن السراج وابن شقير؛ فكان أعلم الناس بنحو البصريين وأحفظ أهل زمانه للغة والأخبار ورحل إلى قرطبة سنة (330 هـ) وظل بها حتى مات سنة (356 هـ) بعد عمر حافل بالعلم والتعليم. مصنفاته: صنف الأمالي وهو الكتاب المذكور في الشرح وهو سفر ضخم من أجزاء طبع مرارا (الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1975 م) وهو كتاب عظيم في الأدب واللغة. وانظر ترجمة أبي علي في بغية الوعاة (1/ 453). (¬2) انظر (1/ 245) من الكتاب المذكور (الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال أبو علي: «المذروان ناحيتا الرأس وأطراف الأليتين وأنشد بيت عنترة المذكور ثم قال: «وليس لهما واحد لأنه لو كان لهما واحد فقيل مذرى لقيل في التثنية مذريان بالياء وما كانت بالواو». (¬3) البيت من بحر الوافر مطلع قصيدة لعنترة بن شداد يهجو فيها عمارة بن زياد وكان هذا ذكر عنترة بسوء والقصيدة في ديوان عنترة (ص 178) وفي الأمالي الشجرية أيضا: (1/ 21). وبعد بيت الشاهد قوله: متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا اللغة: المذروان: طرفا الألية ومن كلامهم: جاء ينفض مذرويه إذ جاء يهدد. وثنى بالواو وكان حقه أن يثنى بالياء كملهيان؛ لأنها رابعة إلا أنها صحت لأنهم بنوه على التثنية فلم يقولوا مذرى كما قالوا ملهى وهو موضع الشاهد. عمارا: منادى بنداء محذوف مرخم. فردين: منفردين وهو حال من الفاعل والمفعول. الروانف: جمع رانف وهو ما استرخى من الأليين. تستطارا: تطير وفي نصبه أو جزمه حديث ممتع انظره في الأمالي الشجرية (1/ 21) وملخصه أن فيه ما في الفعل المعطوف بعد الشرط والجواب. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 94)، وفي التذييل والتكميل (2/ 28)، وفي معجم الشواهد (ص 144).

[جمع المقصور والمنقوص الجمع الصحيح]

[جمع المقصور والمنقوص الجمع الصحيح] قال ابن مالك: (وحكم ما ألحق به علامة جمع التّصحيح القياسيّة حكم ما ألحق به علامة التّثنية؛ إلّا أنّ آخر المقصور والمنقوص يحذف في جمع التّذكير، وتلي علامتاه فتحة المقصور مطلقا؛ خلافا للكوفيين في إلحاق ذي الألف الزّائدة بالمنقوص). ـــــــــــــــــــــــــــــ كشقاوة، ولو أفرد لقيل في تثنيته مذريان، كما يقال في تثنية ملهى ملهيان؛ لأن ألف المقصور إذا كانت رابعة فصاعدا، قلبت في التثنية ياء مطلقا. والثنايان: طرفا العقال لا يستعمل إلا بلفظ التثنية. هكذا قال الأئمة الموثوق بقولهم؛ ولو أفرد لقيل في إفراده ثناء وفي تثنيته ثناءان وثناوان كما يفعل بكل ممدود همزته مبدلة من أصل؛ لكنه لم يفرد فشبه بمفرد في حشوه ياء كسقاية (¬1). قال ناظر الجيش: لما ذكر أن من الأسماء ما يسلم آخره عند لحاق علامة التثنية وأن منها ما يتغير آخره - أردف ذلك بذكر حكم الأسماء إذا لحقتها علامة جمع التصحيح بالنسبة إلى التغيير وعدمه، وأحال الأمر في ذلك على التثنية. فالحكم في التغيير وعدم التغيير عند لحاق علامة الجمع كالحكم عند لحاق علامة التثنية، فما سلم آخره حال التثنية سلم آخره حال الجمع، وما حصل له تغيير حال التثنية حصل له نظيره حال الجمع؛ ولم يحصل المخالفة بين البابين إلا في ثلاثة أشياء: المقصور والمنقوص إذا جمعا بالواو والنون وقد استثناهما. والمؤنّث بالتّاء وسنذكره. إذا علم هذا علم أن الصحيح الآخر غير المؤنث بالتاء والمعتل الجاري مجرى الصحيح والمهموز والممدود الذي همزته أصل، تلحقه علامة جمع التصحيح دون تغيير، كما تلحقه علامة التثنية، وأن الممدود الذي همزته غير أصل ينال همزته ما نالها في التثنية؛ فيقال في: زيد وهند وعلي وأمر مقضيّ ورجل محبو وأمر مرجوّ - ¬

_ (¬1) في لسان العرب: (ثنا): «وعقلت البعير بثنايين غير مهموز؛ لأنه لا واحد له إذا عقلت يديه جميعا بحبل أو بطرفي حبل، وإنما لم يهمز لأنه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال ثناء». وفي كتاب سيبويه: (3/ 392): يقول: «وسألت الخليل عن قولهم: عقلته بثنايين (بمعنى الأول): لم لم يهمزوا؟ فقال: تركوا ذلك حيث لم يفرد الواحد».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجل مرجأ وأمر مرجأ وقرّاء وزكريّاء وصحراء علما لرجل وسماء: زيدون وهندات وعليّون وأمور مقضيّات ورجال محبوّون وأمور مرجوات ورجال مرجوّون وأمور مرجآت وقرّاءون في قرّاء اسم رجل، وقرّاءات فيه اسم امرأة وزكرياوون وصحراوات وعطاوون بالقلب وعطاءون بالتصحيح [1/ 109] وسماوات وسماءات بالتصحيح؛ فيصح ما صح في التثنية، ويعل ما أعل فيها. وأما المقصور والمنقوص فيحذف آخرهما في جمعي التذكير ويلي الياء والواو فتحة المقصور. ويستوي في ذلك ما ألفه منقلبة عن أصل كالأعلى، وما ألفه زائدة كحبلى اسم رجل. فيقال: جاء الأعلون والحبلون ومررت بالأعلين والحبلين؛ هذا مذهب البصريين. وأما الكوفيون فيضمون ما قبل الألف الزائدة مع الواو، ويكسرونه مع الياء فيقولون: جاء الحبلون ومررت بالحبلين. فإن كان المقصور أعجميّا أجازوا فيه الوجهين لاحتمال الزيادة وعدمها، نحو موسى (¬1). وأما المنقوص فيضم ما قبل يائه مع الواو ويترك على حاله مع الياء (¬2) نحو: جاء القاضون ومررت بالقاضين. وللمقصور والمنقوص مع ألف جمع التأنيث ما لهما مع ألف التثنية، كقولك في: حبلى وأمر باد: حبليات وأمور باديات. ولهذا قيد المصنف حذف آخرهما بقوله: في جمع التّذكير. وقوله: علامة جمع التّصحيح يشمل المذكر والمؤنث. وأما القياسية فقال المصنف: «احترز بها من نحو: بنين وعلانين وربعين في جمع - ¬

_ (¬1) لم تذكر هذه المسألة من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين. وانظر ما ذكره في الأشموني (4/ 114). قال بعد أبيات ابن مالك: واحذف من المقصور في جمع على ... حدّ المثنّى ما به تكمّلا والفتح أبق مشعرا بما حذف ...... إلخ قال: «أفهم إطلاقه أنه لا فرق فيما ذكره بين ما ألفه زائدة وما ألفه غير زائدة وهذا مذهب البصريّين. وأما الكوفيون فنقل عنهم أنهم أجازوا ضمّ ما قبل الواو وكسر ما قبل الياء مطلقا. قال في شرح التّسهيل: «فإن كان أعجميّا نحو عيسى أجازوا فيه الوجهين لاحتمال الزيادة وعدمها». (¬2) مراده بالواو والياء هنا علامتا الرفع والنصب والجر في الجمع.

[تثنية خاصة لأسماء مخصوصة]

[تثنية خاصة لأسماء مخصوصة] قال ابن مالك: (وربّما حذفت خامسة فصاعدا في التّثنية والجمع بالألف والتّاء، وكذا الألف والهمزة من قاصعاء ونحوه، ولا يقاس على ذلك؛ خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن ورجل علانية وربعة؛ فإن مقتضى القياس أن يقال في ابن ابنون، كما يقال في التثنية: ابنان وأن يقال في علانية وربعة علانيات وربعات، كما يفعل بكل ما فيه تاء التأنيث». انتهى (¬1). أما احترازه بالقياسية من نحو بنين فظاهر، وأما احترازه من نحو علانية وربعة فلا يظهر؛ لأن جمع علانية وربعة بالواو والنون وإن كان على غير قياس (¬2)، ليس في لحاقهما علامة جمع التصحيح لمذكر أو لمؤنث مخالفة للتثنية بتغيير كما في بنين وابنين؛ ولا يفيده أن تقول إن التاء من علانية وربعة تحذف في الجمع دون التثنية. فقد حصل تغيير لأن حذف التاء لا خصوصية لعلانية وربعة به؛ إذ هو عام في كل ذي تاء قصد جمعه فإذا لا فائدة في ذكر علانية وربعة هنا. قال ناظر الجيش: الضمير في «حذفت» عائد على الألف الزائدة، قال المصنف (¬3): «والإشارة بذلك إلى ما روى الفراء من قول بعض العرب في تثنية: الخوزلى وخنفساء وباقلّاء وعاشوراء: خوزلان وخنفسان وباقلّان وعاشوران، وأنشد (¬4): 137 - تروّح في عمّيّة وأغاثه ... على الماء قوم بالهراوات هوج (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 94). وقولهم: رجل علانية يقال: رجل علانية من علانين وعلانيّ من علانيين أي ظاهر أمره (القاموس: علن) ويقال: رجل ربعة بسكون الباء وفتحها أي مربوع الخلق لا بالطويل ولا بالقصير (اللسان: ربع). (¬2) وذلك لوجود التاء فيهما ولا يجمع هذا الجمع ما فيه التاء. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 95) والخوزلى المذكور بعده: مشية فيها تثاقل وتراجع. (¬4) أي الفراء وانظر معاني القرآن له (2/ 81) وأنشد بعده (من الطويل): مؤخّر عن أنيابه جلد رأسه ... لهنّ كأشباه الزّجاج خروج وشاهد الفراء في البيت الثاني حيث فصل الشاعر بين المضاف والمضاف إليه بوصف (مؤخّر عن أنيابه جلد رأسه). (¬5) البيت من بحر الطويل ولم أعثر عليه إلا في معاني القرآن للفراء (2/ 81) وفي التذييل والتكميل (2/ 36) وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 96) والشاعر في البيت يصف رجلا غارقا في الضلال -

[جمع بعض الأسماء الجمع الصحيح]

[جمع بعض الأسماء الجمع الصحيح] قال ابن مالك: (وتحذف تاء التّأنيث عند تصحيح ما هي فيه؛ فيعامل معاملة مؤنّث عار منها لو صحّح، ويقال في المراد به من يعقل من ابن وأب وأخ وهن وذي: بنون وأخون وهنون وذوو، وفي بنت وابنة وأخت وهنت وذات: بنات وأخوات وهنات وهنوات وذوات؛ وأمهات في الأمّ من النّاس أكثر من أمّات وغيرها بالعكس). ـــــــــــــــــــــــــــــ بفتح هاء الهراوات وهو جمع هراوى، وهراوى جمع هراوة وهذا يدل على أن الألف قد تحذف وإن لم تكن زائدة؛ لأن ألف هراوى مبدلة من لام الكلمة، والكوفيون يقيسون على هذا. والمنصفون من غيرهم يقبلون ما سمع منه ولا يقيسون عليه؛ لقلّته». هذا كلام المصنف (¬1) [1/ 110]. قال ناظر الجيش: ما فيه تاء التأنيث مما خالفت فيه كيفية جمع التصحيح كيفية التثنية كفاطمة وقائمة؛ فإن التأنيث يبقى في التثنية ويحذف في الجمع؛ وهذا هو الأمر الثالث الذي تقدم الوعد بذكره وأنه مما حصلت فيه المخالفة بين البابين. وأشار بقوله: فيعامل معاملة مؤنّث عار منها لو صحّح إلى حكم الاسم بعد حذف التاء ما هو حال الجمع فقال: «يفرض أن الاسم كان بغير تاء فتعامله بما يستحقه اسم مؤنث بغير تاء من - ¬

_ - وهو مجهول القائل. اللغة: تروّح: راح. العمّيّة: بضم العين أو كسرها ثم ميم وياء مشددتين: الكبر أو الضلال (القاموس المحيط: عمي). أغاثه: يروى مكانه أعانه. الهراوات: جمع هراوة وهي العصيّ. هوج: جمع أهوج والجمع على وزن فعل بسكون عينه ولا يجوز تشديدها وذلك ليستقيم مع البيت الذي بعده؛ فهو من ضرب الطويل المحذوف. والأهوج هو المتسرع العجل. الزجاج: جمع زج وهي الحديدة في أسفل الرمح. واستشهد به الشارح هنا تبعا لابن مالك - وكذلك ذهب أبو حيان - إلى أن لفظ الهراوات جمع سالم مفرده جمع تكسير آخر هو هراوى وأنه حين أريد جمعه جمعا سالما حذفت ألفه، وكان يجب أن تقلب ياء وأن المفرد لهذا الجمع هو هراوة بكسر الهاء. وأرى أنه لا داعي إلى ارتكاب هذه الصعوبات ثم تكون هراوات جمعا سالما لهراوة بالتاء، وهو جمع قياسي غاية ما فيه فتح الهاء في الجمع - إن روي - ومثله في التغيير لا مانع منه. (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 96).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سلامة الآخر أو تغييره حسبما عرف مما تقدم. فعلى هذا ما قبل التاء المحذوفة إن لم يكن ألفا ولا همزة ممدودة مبدلة لم يغير كقولك في: مسلمة وجارية وعرقوة وقارئة وقراءة: مسلمات وجاريات وعرقوات وقارئات وقراءات. وإن كان ما قبل التاء ألفا أو همزة ممدودة مبدلة أجري على ما تقدم من القاعدة فيقال في فتاة فتيات وفي قناة قنوات وفي باقلاء باقلاوات وفي سقاءة سقاوات وسقاءات» (¬1). وقد تكلم المصنف على خمس كلمات وهي: ابن وأب وأخ وهن وذو وعلى مؤنثاتها وهي: بنت وابنة وأخت وهنة وذات، ولما لم يكن للأب مؤنث من لفظه ذكر المؤنث الذي يقابله من غير لفظه وهو الأم. وإنما تكلم على هذه الكلمات؛ لأن في جمعها عملا تصريفيّا فذكر كيفيته، وناسب ذكرها بعد المؤنث بالتاء لمشابهة الأربعة الأول في أنه يحذف منها في الجمع ما لا يحذف في التثنية وهو الهمزة من ابن والواو من أب وأخ وهن فكأنها مستثنيات أيضا من قوله قبل: وحكم ما ألحق به علامة جمع التّصحيح إلى آخره. فأما ابن وابنة فكان حقهما أن يقال في تصحيحهما: ابنون وابنات كما قيل في تثنيتهما: ابنان وابنتان إلا أن المسموع في ابن بنون وفي بنت بنات. قال المصنف (¬2): «وحاملهم على ذلك الإشعار بأن أصل الباء في الإفراد الفتح». وأما أب وأخ وهن وإن قيل في تثنيتهما أبوان وأخوان وهنوان فإنهم قالوا في جمعها: أبون وأخون وهنون (¬3) وذلك أن التصريف أدى إلى حذف الواو التي هي - ¬

_ (¬1) أما فتاة: فإنه بعد حذف تائها تقع ألفها ثالثة فترد إلى أصلها وهو الياء فقيل في جمعها فتيات، وأما قناة: فألفها ثالثة أيضا فترد إلى أصلها أيضا وهو الواو فقيل قنوات، وأما باقلاء: فهمزته للتأنيث فتقلب واوا؛ فيقال فيها: باقلاوات، وأما سقاءة: فهمزته مبدلة من أصل فيجوز فيها التصحيح ويجوز فيها القلب. والباقلاء: مخففة ممدودة الفول الواحدة بهاء أو الواحد والجميع سواء. ويقال: هو سقاء من سقائين أي يسقي الماء وهي سقاءة وسقاية. (¬2) أي في شرح التسهيل وانظر القول فيه: (1/ 96). (¬3) قال سيبويه (1/ 405): وسألت الخليل عن أب فقال: «إن ألحقت به النون والزيادة التي قبلها قلت: أبون وكذلك أن تقول أخون لا تغير البناء إلّا أن تحدث العرب شيئا كما تقول دمون ولا تغيّر بناء الأب عن حال الحرفين؛ لأنه عليه بني ثم أنشد قول الشاعر (من المتقارب): فلمّا تبيّن أصواتنا ... بكين وفدّيننا بالأبينا»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لام الكلم الثلاث؛ لأن أصله أبوون وأخوون وهنوون؛ فأتبعت حركة العين فيها اللام، ثم حذفت ضمة الواو تخفيفا؛ فالتقى ساكنان فحذف سابقهما وبقيت ضمة العين مباشرة في اللفظ واو الجمع. ويقال في غير الرفع: أبين وأخين وهنين، والأصل أبوين بالإتباع ثم عرض سكون الواو وقلبها وحذفها؛ وكذا فعل في أخوين وهنوين [1/ 111] (¬1). ومن شواهد أبين قراءة بعض السلف: (قالوا نعبد إلهك وإله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) (¬2). ومنها (¬3) قول أبي طالب: 138 - ألم ترني من بعد همّ هممته ... بفرقة حرّ من أبين كرام (¬4) - ¬

_ (¬1) أبين: أصله أبوين أتبعت حركة العين (الباء) فيها اللام فكسرت الباء، ثم سكنت الواو ثم قلبت ياء لسكونها وكسر ما قبلها كما في ميزان ثم حذفت الياء الأولى (لام الكلمة) لالتقاء الساكنين فصارت أبين. ومثل ذلك يقال في أخين وهنين. (¬2) سورة البقرة: 133 والقراءة لابن عباس والحسن ويحيى بن يعمر وآخرين، وهي من الشواذ ذكرها ابن جني في كتابه: (المحتسب: 1/ 112). وخرجها ابن جني فقال: أكثر القراءة: وإله آبائك جمعا كما ترى فإذا كان أبيك واحدا كان مخالفا لقراءة الجماعة فتحتاج حينئذ إلى أن يكون أبين هنا واحدا في معنى الجماعة. فإذا أمكن أن يكون جمعا كان كقراءة الجماعة ولم يحتج فيه إلى التأول لوقوع الواحد موقع الجماعة وطريق ذلك أن يكون أبيك جمع أب على الصحة على قولك للجماعة: هؤلاء أبون أحرار أي آباء أحرار وقد اتسع ذلك عنهم. ثم ذكر شواهد على ذلك وهي بعض ما ذكره الشارح. ولأبي حيان رأي في الآية يخالف ما ذهب إليه ابن جني فضل فيه أن تكون كلمة أبيك في القراءة مفردا. انظره بالتفصيل في كتابه: التذييل والتكميل (2/ 41). (¬3) أي من شواهد أبين وأخين وهنين. (¬4) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة لأبي طالب يذكر فيها ما جرى بينه وبين ابن أخيه محمد - عليه الصلاة والسّلام - حين عزم أبو طالب على السفر إلى الشام دون محمد؛ فبكى محمد وتعلق بعمه فاستصحبه معه في السفر وبعد بيت الشاهد قوله: بأحمد لمّا أن شددت مطيّتى ... برحلي وقد ودّعته بسلام والشاهد فيه: جمع أب على أبين جمع مذكر سالم بدليل وصفه بالجمع. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 366). وهو أيضا في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 97) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد ابن دريد (¬1): 139 - كريم طابت الأعراق منه ... وأشبه فعله فعل الأبينا كريم لا تغيّره اللّيالي ... ولا الّلأواء عن عهد الأخينا (¬2) وأنشد الفراء: 140 - فقلنا أسلموا إنّا أخوكم ... وقد برئت من الإحن الصّدور (¬3) - ¬

_ - ولأبي حيان (2/ 39). وقد روي البيت برواية أخرى لا تختلف كثيرا عما ذكرناه، وانظر القصيدة في ديوان أبي طالب (ص 159). (¬1) هو محمد بن الحسن بن دريد يمتد نسبه حتى يصل إلى يعرب بن قحطان، ولد بالبصرة في خلافة المعتصم سنة 223 هـ وقرأ فيها ثم انتقل الى عمان ثم إلى فارس، حتى استقر به المقام في بغداد. كان أحفظ الناس وأوسعهم علما، تصدر للتدريس ستين عاما ومن تلاميذه: أبو سعيد السيرافي وأبو الفرج الأصفهاني وغيرهما. ومع علمه الغزير كان كثير الشراب طويل السكر. عمر ابن دريد طويلا حتى جاوز التسعين حيث مات سنة 321 هـ ببغداد. مصنفاته: له كتاب الجمهرة في اللغة وهو مشهور به، وكتاب الأمالي، وكتاب أدب الكاتب على مثال كتاب ابن قتيبة، وكتاب غريب القرآن. وانظر ترجمته في: كتاب معجم الأدباء (11/ 127). (¬2) البيتان من بحر الوافر وهما لقائل مجهول يمدح رجلا بالكرم والإخلاص والوفاء، لم يستشهد بهما في كتب النحو؛ ولذلك لم يردا في معجم الشواهد وقد وردا في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 97) ولأبي حيان (2/ 40) وفي جمهرة اللغة لابن دريد (3/ 484). وفي لسان العرب (1/ 16) ورد البيت الأول وحده هكذا. كريم طابت الأعراق منه ... يفدّى بالأعمّ وبالأبينا والاستشهاد به هنا على جمع الأب والأخ جمع مذكر سالم. (¬3) البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة للعباس بن مرداس قالها يذكر فرار قارب بن الأسود يوم حنين ويذكر ثقيفا بهزيمتها من هوازن. والإحن: جمع إحنة وهي البغضاء والعداوة، وأسلموا: ادخلوا في السلم. ويستشهد بالبيت على أن أخا في البيت جمع مذكر سالم وقد حذفت نونه للإضافة؛ وقيل المراد: إنا إخوتكم فوضع الواحد موضع الجمع (المقتضب: 2/ 174). وانظر مراجع البيت الكثيرة في معجم الشواهد (ص 167) وهو أيضا في شرح التسهيل (1/ 97) وفي التذييل والتكميل (2/ 40) وفي جمهرة اللغة لابن دريد (3/ 484). ترجمة الشاعر: هو العباس بن مرداس السلمي، صحابي أسلم قبل فتح مكة، وحضر مع النبى صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح في تسعمائة فارس من قومه سليم. واشترك في موقعة حنين وأعطاه النبي عليه السّلام يومها أقل من مائة ناقة وأعطى أبا سفيان وصفوان بن أمية كل واحد منهما مائة، فقام العباس فأنشد قصيدة في ذلك جاء -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد غيره: 141 - وما رحم الأهلين إن سالموا العدى ... بمجدية إلّا مضاعفة الكرب ولكن أخو المرء الذين إذا دعوا ... أجابوا بما يرضيه في السّلم والحرب (¬1) وقال آخر في هنين: 142 - أريد هنات من هنين ويلتوي ... عليّ وآتي من هنين هنات (¬2) قال المصنف: «ولو قيل حمون في حم لم يمتنع؛ لكن لا أعلم أنّه سمع» (¬3). وأمّا ذو: فقيل فيه ذوو بتصحيح العين بعد فتحة ولم يفعل به من الإتباع ما فعل بأخواته؛ لإفضاء ذلك إلى حذف عينه بعد حذف لامه؛ فتخلص من ذلك برد فائه إلى حركتها الأصلية كما فعل في التثنية. وأما بنت (¬4) وأخت: فكان حقهما أن يقال فيهما بنتات وأختات؛ لأن تاءهما قد غيرت لأجل البنية، وسكن ما قبلها فأشبهت تاء ملكوت. ولأجل ذلك جمع - ¬

_ - في آخرها (من المتقارب): وما كنت دون امرئ منهما ... ومن تضع اليوم لا يرفع فأتم له النبي المائة. اقرأ أخباره في الشعر والشعراء (2/ 750). (¬1) البيتان من بحر الطويل وهما من الحكم الاجتماعية غير أن قائلهما مجهول. يقول: إن الأهل إذا سالموا الأعداء ازداد المرء حزنا على حزن ولم يكونوا بأهل، لأن الأهل هم الذين يكونون مع المرء فيحبون ما يحب ويبغضون ما يبغض. وقد استشهد ابن مالك بهما مرتين: الأولى: (1/ 88): على جمع أهل على أهلين، والثانية: على جمع أخ على أخون. وعلى ذلك استشهد أبو حيان: (2/ 40)، وكذلك فعل شارحنا. ولم يرد البيتان في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الطويل ولم أجد له قائلا فيما ورد من مراجع. ومعناه: أن الرجل يريد نساء من رجال؛ لكنه لا يصل إلى ذلك؛ بينما أمامه نساء من رجال غير أنه زاهد عنهن. ويستشهد بالبيت على جمع هن على هنين جمعا مذكرا وعلى هنات جمعا مؤنثا، والبيت في لسان العرب (هن) وفي شرح التسهيل (1/ 98) وفي التذييل والتكميل (1/ 40). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 98). (¬4) بعد أن انتهى من الحديث على جمع ابن وأب وأخ وهن وذو، وما في ذلك من تغيير، بدأ الآن يتكلم على جمع مؤنثات هذه الكلمات كما وعد بذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يونس (¬1) بينها وبين ياء النسب فقال: بنتيّ وأختيّ (¬2)؛ لكنه وافق هنا على الامتناع من بنتات وأختات؛ لأن تاء بنت وأخت وإن خالف لحاقها لحاق تاء التأنيث، فهي مخصوصة ببنية لا يراد بها إلا مؤنث، ولفظها كلفظ المستقلة بالدلالة على التأنيث، فكان اجتماعها مع تاء الجمع أثقل من اجتماعها مع ياء النسب؛ فلذلك اتفق على حذفها. لكنهم ردوا المحذوف من أخت، فقالوا أخوات ولم يردوه في بنت؛ لأنهم قالوا بنات؛ ولهذا كان أخوات جمعا مسلما، وأما بنات فليس بجمع سلامة؛ لأن اللفظ لم يسلم فيقال بنتات، ولا ردت الواو لما حذفت التاء كما فعل في أخوات قبل، وإنما الألف والتاء في بنات عوض من المحذوف، كما أن الواو والنون في بنون عوض من المحذوف، فهو ليس بجمع سلامة أيضا. وأمّا هنة: فقيل فيها هنات بغير رد، ونظيره لثات وشيات في: لثة وشية، وهنوات بالرد ونظيره سنوات وعضوات في سنة وعضة (¬3). وأمّا ذات: فقيل في جمعها ذوات كقناة وقنوات؛ لأن تاء ذات وجب لها من الحذف ما وجب لتاء قناة؛ فباشرت الألف المبدلة من العين ألف الجمع، فاستحقت - ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب الضبي مولى بني ضبة، أخذ عن أبي عمرو وغيره، وواجه العرب فسمع منهم حتى غدا مرجع الأدباء والنحويين في المشكلات، وكانت له حلقة دراسة في المسجد الجامع بالبصرة يؤمها الأدباء والعلماء وفصحاء الأعراب. وليونس مذاهب خاصة في النحو ومسائله، انظر ذلك في كتاب: يونس البصري للدكتور أحمد مكي الأنصاري من (ص 213) إلى (ص 323). وله مسائل كثيرة في كتاب سيبويه. وقد سمع منه الكسائي والفراء، عاش أكثر من تسعين سنة؛ لم يتزوج ولم يتسرّ مات سنة (182 هـ) وكان قد ولد عام (90 هـ). انظر ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 365)، ونشأة النحو (ص 65). (¬2) قال سيبويه (3/ 360): وإذا أضفت إلى أخت قلت أخويّ هكذا ينبغي له أن يكون على القياس ... ثم قال: وأما يونس فيقول أختيّ وليس بقياس. وفي موضع آخر (3/ 363) في النسب إلى بنت يقول: وأما يونس فيقول بنتيّ. (¬3) في كتاب سيبويه (3/ 361): وسمعنا من العرب من يقول في جمع هنت: هنوات، قال الشاعر (من الطويل): أرى ابن نزار قد جفاني وملّني ... على هنوات كلّها متتابع وفي القاموس (هن): «وهن المرأة فرجها وهما هنان وهنوان ويجمع على هنات وهنوات».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح والرد إلى الأصل، ولم يردوا اللام. ولو ردت لقيل ذوتات أو ذاتات. وأمّا أمّ: فكان حقها ألا يجمع بالألف والتاء؛ لأن ذلك حكم ما لا علامة فيه من أسماء الأجناس المؤنثة كعنز وعناق؛ ولكن العرب [1/ 112] جمعته بهما، فلحق بما بابه السماع كسموات وأرضات، وزادوا الهاء قبل العلامة في الأناسي، وتركوها في غير الغالب وفعلوا في البهائم بالعكس. وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر: 143 - إذا الأمّهات قبحن الوجوه ... فرجت الظّلام بأمّاتكا (¬1) ومن ورود أمّات في الأناسي قول كلثوم بن عياض (¬2): 144 - حماة الضّيم آباء كرام ... وأمّات فأنجد واستغارا (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المتقارب قاله مروان بن الحكم، ذكر ذلك صاحب معجم الشواهد (ص 256) وشراح شواهد الشافية: (4/ 308). اللغة: قبحن الوجوه: يقال: قبحه يقبحه بفتح العين فيهما أخزاه وشوّهه والوجوه مفعوله. فرجت الظلام: كشفته. أمات: جمع أم وهو موضع الشاهد. والشاعر يصف أمهات المخاطب بنقاء الأعراض، بينما أمهات أخر يقبحن وجوه أولادهن عند الناس بفجورهن. والشاهد فيه: جمع الشاعر بين أمّهات وأمّات في الأناسي والأول كثير والثاني قليل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 108) وفي التذييل والتكميل (2/ 44). ترجمة الشاعر: هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك ولد بمكة ونشأ بالطائف، تولى ولاية المدينة في زمن معاوية: سنة (42 - 49 هـ) وتولى خلافة المسلمين مدة تقل عن عام ثم توفي بالطاعون سنة (65 هـ)، وهو أول من ضرب الدنانير الشامية وكتب عليها: قل هو الله أحد. عاش أكثر من ستين عاما حيث ولد سنة (2 هـ)، انظر ترجمته في الأعلام (7/ 95). (¬2) هو كلثوم بن عياض أمير إفريقية وأحد الأشراف الشجعان القادة ولاه هشام بن عبد الملك إمارة جيش عظيم وسيره إلى إفريقية بعد عزل عبيد الله بن الحبحاب، إلا أنه قتل في معركة مع البربر سنة (123 هـ) في وادي سيوة. من أعمال طنجة بالمغرب. انظر ترجمته في الأعلام (6/ 90). (¬3) البيت من بحر الوافر قائله كلثوم بن عياض في المدح. اللغة: حماة: جمع حام. الضّيم: الذل. أمّات: أمهات. أنجد: ارتفع. استغار: هبط. والشاعر يمدح صاحبه أمهات وآباء. وشاهده: على ما في البيت قبله. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 99)، وفي التذييل والتكميل (2/ 44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عبد الله بن عمرو اللخمي (¬1): 145 - أولئك أمّاتي رفعن منابتي ... إلى يافع في ذروة المجد صاعد (¬2) ومن وروده في البهائم قول حميد بن ثور: 146 - وأمّات أطلاء صغار كأنّها ... دمالج يجلوها لينفق بائع (¬3) ومن ورود أمهات في البهائم أيضا قوله (¬4): 147 - [قوّال معروف وفعّاله ... عقّار مثنى أمّهات الرّباع] (¬5) - ¬

_ (¬1) لم أعثر له على ترجمة في كتب التراجم التي اطلعت عليها: معجم الأدباء لياقوت، معجم الشعراء للمرزباني، يتيمة الدهر، طبقات الشعراء، الشعر والشعراء ... إلخ. (¬2) البيت من بحر الطويل قائله عبد الله بن عمرو اللخمي، كما في الشرح، وكما في شرح التسهيل أيضا (1/ 108). والشاعر يفتخر بأصله. اللغة: أمات: أمهات. منابتي: غرسي وأصلي. يافع: بمعنى صاعد وروي مكانه طالع. وشاهده: كما في البيت قبله وهو استعمال أمات في الأناسي وذلك قليل. والبيت في التذييل والتكميل وليس في معجم الشواهد. (¬3) البيت من بحر الطويل نسب إلى حميد بن ثور هنا وفي شرح التسهيل (1/ 99)، ولكنه ليس في ديوانه. والشاعر يصف سربا من البهائم الكبار والصغار. اللغة: أمات: جمع أم في البهائم. أطلاء: جمع طلا وهو الولد من ذوات الخف والظلف، الدمالج: جمع دملج وهو ما يوضع في العضد من الحلي. يجلوها: يظهرها. ينفق: يدفع. وشاهده: استعمال أمات في البهائم بلا هاء وهو الكثير. (¬4) في جميع النسخ يوجد بياض بعد قوله: ومن ورود أمهات في البهائم أيضا. وكذلك وجد هذا البياض في نسخ التذييل والتكميل، هكذا قال محقق المخطوط (1/ 338) (د/ مصطفى حبالة) ومحقق المطبوع: (2/ 45) (د/ حسن هنداوي). وبحثت عن شاهد لذلك في كتب النحو واللغة فوجدت الشاهد السابق ووضعته بين معقوفين. وفي لسان العرب شواهد كثيرة لذلك (اللسان: أمم). (¬5) البيت من بحر السريع من قصيدة للسفاح بن بكير اليربوعي يرثي بها يحيى بن ميسرة، وقبله: يا سيّدا ما أنت من سيّد ... موطّأ البيت رحيب الذّراع اللغة: قوال وفعال وعقار: صفات مبالغة لقائل وفاعل وعاقر. مثنى: واحدة بعد أخرى. الرباع: جمع ربع وهو ما نتج في أول النتاج. وصفه بالكرم والوفاء. وشاهده: استعمال لفظ أمهات في البهائم وهو قليل والكثير أمات. والبيت في معجم الشواهد (4/ 208).

[جمع فعلة جمعا مؤنثا وحكم العين فيه]

[جمع فعلة جمعا مؤنثا وحكم العين فيه] قال ابن مالك: (والمؤنّث بهاء أو مجرّدا ثلاثيّا صحيح العين ساكنة غير مضعّفة، ولا صفة تتبع عينه فاءه في الحركة مطلقا، وتفتح وتسكّن بعد الضّمة والكسرة، وتمنع الضّمّة قبل الياء والكسرة قبل الواو باتفاق وقبل الياء بخلف، ومطلقا عند الفرّاء فيما لم يسمع. وشذّ جروات والتزم فعلات في لجبة، وغلّب في ربعة؛ لقول بعضهم: لجبة وربعة، ولا يقاس على ما ندر من كهلات خلافا لقطرب. ويسوغ في لجبة القياس، وفاقا لأبي العبّاس، ولا يقال فعلات اختيارا فيما استحقّ فعلات إلّا لاعتلال اللّام أو شبه الصّفة. وتفتح هذيل عين جوزات وبيضات ونحوهما واتّفق على عيرات شذوذا). ـــــــــــــــــــــــــــــ وربما قيل في أم أمّهة قال قصي بن كلاب (¬1): 148 - إنّي لدى الحرب رخيّ لببي ... عند تناديهم بهال وهبي معتزم الضّربة عال نسبي ... أمّهتي خندف والياس أبي (¬2) قال ناظر الجيش: مراده أن يذكر حكم الاسم الثلاثي المؤنث إذا جمع بألف وتاء - ¬

_ (¬1) هو قصي بن كلاب بن مرة سيد قريش في عصره ورئيسها، وهو الأب الخامس في سلسلة النسب النبوي. وسمي قصيّا لبعده عن دار قومه؛ حيث انتقل إلى أطراف الشام مع أمه، ولما كبر عاد إلى الحجاز وكان موصوفا بالدهاء، هدم الكعبة وجدد بناءها، ولقب مجمعا؛ لأنه جمع قومه وأسكنهم مكة لتقوى بهم عصبيته، وكانت له الحجابة والسقاية على البيت الحرام، لم ينازعه أحد في الرئاسة على قريش، وقد اتخذ لنفسه دار الندوة التي كانت قريش تقضي أمورها فيها، وكان أمره في قومه كالدين المتبوع، مات بمكة ودفن بالحجون. انظر ترجمته في الأعلام (6/ 43). (¬2) الأبيات أربعة من الرجز المشطور قالها قصي بن كلاب يفتخر بشجاعته وبأصله في العرب. اللغة: رخيّ لببي: كناية عن كثرة مبارزته للأقران. هال: اسم فعل زجر للخيل. هبي: اسم فعل دعاء لها. أمهتي: أمي. خندف: هي ليلى بنت عمران زوجة إلياس بن مضر من أجداد النبي عليه السّلام. وقد استشهد النحاة بهذه الأبيات في مواضع مختلفة: فابن جني: يستشهد بها في المحتسب: (2/ 224): على أن همزة إلياس قد تأتي وصلا. والرضي: في شواهد الكافية (ص 301): على أن الهاء في أمهتي زائدة فوزن أمهة فعلهة. وشراح التسهيل: على أنه قد يقال في أم أمهة. والأبيات في معجم الشواهد (ص 445)، وفي شرح التسهيل (1/ 99) وفي التذييل والتكميل (2/ 46).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنسبة إلى إتباع عينه لفائه وعدمه. والإتباع في مسائل هذا الفصل واجب وممتنع وجائز على ما يبين. وقد أورد المصنف ذلك في المتن والشرح أحسن إيراد؛ فلنقتصر على كلامه - رحمه الله تعالى - إذ لا مزيد عليه، قال (¬1): المراد بذي الهاء نحو تمرة وغرفة وكسرة، وبالمجرّد نحو دعد وجمل وهند؛ فإن سيبويه سوى بينهن فيما ذكرته؛ فلدعد وجمل وهند ما لتمرة وغرفة وكسرة إذا جمعن بالألف والتاء (¬2). واحترز بصحيح العين من معتله نحو جوزة وديمة ودولة. وبساكن العين من متحركه كشجرة وسمرة ونمرة. وبنفي التضعيف من نحو حجّة وحجّة وحجّة. وبنفي الوصفية من نحو ضخمة وجلفة وحلوة (¬3). وأشير بإطلاق الإتباع إلى عدم الفرق فيه بين المفتوح الفاء والمضمومة والمكسورة من ذي الهاء، والمجرد: نحو تمرات وغرفات وكسرات ودعدات وجملات وهندات. والضمير في تفتح وتسكن عائد إلى العين، أي: ويجوز مع ضم العين في المضموم الفاء الفتح والتسكين وهما أيضا جائزان في المكسور الفاء فيكون في كل واحد منهما ثلاثة أوجه (¬4). وسكت عن ذكر عدم الإتباع في المفتوح الفاء، فعلم أن الإتباع فيه لازم، فلا يعدل عن فتح عينه وهو مستوف للشروط إلا إذا اعتلت لامه. فإن ذلك يسكن عند قوم من العرب لتسكين العين في الاختيار. ومن ذلك ظبيات وشريات في جمع ظبي وشرية، حكاه أبو الفتح، واللغة المشهورة ظبيات وشريات. [1/ 113] وربما عدل عن الفتح إلى السكون لشبه الصفة كقولهم: أهل - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 100). (¬2) قال سيبويه (3/ 599): «وسألت الخليل عن قول العرب: أرض وأرضات فقال: لمّا كانت مؤنثة وجمعت بالتّاء ثقلت كما ثقلت طلحات وصفحات». ومراد ابن مالك أن ذا الهاء وغيره يجيء فيه إتباع العين للفاء. (¬3) أي فإن حكم هذه الأسماء كلها عند جمعها عدم إتباع العين للفاء بل تظل العين في الجمع كما كانت في المفرد. (¬4) هي الفتح والتسكين والإتباع «وهو الضم أو الكسر» وينطبق ذلك على جمل وهند وغرفة وكسرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأهلات وأهلات بالفتح أشهر (¬1). وأنشد سيبويه (¬2): 149 - وهم أهلات حول قيس بن عاصم ... إذا أدلجوا باللّيل يدعون كوثرا (¬3) وقيل أيضا أهلة بمعنى أهل، حكاه الفراء (¬4)، فالأولى بأهلات أن يكون جمعا له لا لأهل. وقد تسكن عين فعلات جمع فعلة إذا كان مصدرا كحسرات تشبيها بجمع فعل صفة؛ لأن المصدر قد يوصف به. وقال أبو الفتح: ظبيات أسهل من رفضات لاعتلال اللام، ورفضات أسهل من ثمرات؛ لأن المصدر يشبه الصفة (¬5). قلت: فإذا قيل امرأة كلبة ففي جمعه الفتح باعتبار الأصل والتسكين باعتبار العارض (¬6)، ولا يعدل عن فعلات إلى فعلات فيما سوى ذلك إلا في ضرورة وهو - ¬

_ (¬1) في شرح الأشموني: (4/ 117) يقول: «أفهم كلامه أن نحو دعد وجفنة لا يجوز تسكين عينه مطلقا واستثنى من ذلك في التسهيل معتلّ اللام كظبيات، وشبه الصفة نحو أهل وأهلات فيجوز فيهما التّسكين اختيارا». (¬2) انظر: الكتاب (3/ 600). (¬3) البيت من بحر الطويل قاله المخبل السعدي (انظر اللسان: أهل) وانظر أبياتا قبل بيت الشاهد في شرح المفصل: (5/ 33) وهي أبيات في المدح. اللغة: وهم أهلات: أي هم أقارب. حول قيس بن عاصم: أي محيطون به حيث كان سيدهم. أدلجوا: ساروا الليل كله. كوثرا: قيل: الجواد الكثير العطاء وقيل: إن كوثرا كان شعارا لهم وهم سائرون بالليل. ويستشهد بالبيت في فتح هاء أهلات لاسميته. انظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 140)، وورد البيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 101). ترجمة الشاعر: المخبل هو المجنون وبه سمي المخبل الشاعر واسمه ربيعة بن مالك من بني شماس بن لأي ابن أنف الناقة، شاعر مخضرم عمر طويلا عاش في الجاهلية والإسلام ومات في خلافة عثمان، انظر بعض أخبار له في الشعر والشعراء (1/ 427) وخزانة الأدب (6/ 93). (¬4) في اللسان (أهل) والأهل: أهل الرجل وأهل الدار وكذلك الأهلة، قال أبو الطمحان: وأهلة ودّ قد تبرّيت ودّهم ... وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي (¬5) في النسخ روضات والصحيح ما أثبتناه بمقتضى التعليل بعده، وهو أيضا كذلك في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 101) ومنه قول الشاعر: أتت ذكر عودن أحشاء قلبه ... خفوقا ورفضات الهوى في المفاصل وانظر: شرح المفصل لابن يعيش (5/ 28). (¬6) الأصل هنا: هو الاسمية للحيوان المعروف، والعارض: هو الوصفية ومعناه الذلة أو الإيذاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من أسهل الضرورات (¬1)؛ لأن العين المفتوحة قد تسكن في الضرورة وإن لم تكن في جمع ولا ساكنة في الأصل (¬2) فلأن تسكن إذا كانت في جمع وكانت ساكنة في الأصل أحق وأولى (¬3). قلت: وإلى تسكين نحو ظبيات وأهلات أشار المصنف بقوله في أخريات الفصل: ولا يقال فعلات اختيارا فيما استحقّ فعلات إلا لاعتلال اللّام أو شبه الصّفة. واحترز بالاختيار من التسكين في الضرورة دون اعتلال لام ولا شبه صفة نحو قوله: 150 - وحمّلت زفرات الضّحى فأطقتها ... وما لي بزفرات العشيّ يدان (¬4) ونبهت بقولي: وتمنع الضّمّة قبل الياء والكسرة قبل الواو على أن نحو زبية لا يجوز ضم عينه ونحو ذروة لا يجوز كسر عينه، بل يقتصر فيهما على التسكين أو الفتح تخييرا؛ لأن الضمة قبل الياء والكسرة قبل الواو مستثقلتان، لا سيما إذا كانت الياء والواو لامين مع وجدان مندوحة عن ذلك (¬5). - ¬

_ (¬1) وأمثلته قول الشاعر: فتستريح النّفس من زفراتها ... ومنه قول المتنبي مادحا: إلى القابض الأرواح والضّيغم الّذي ... تحدّث عن وقفاته الخيل والرّجل انظر أبياتا أخرى دخلتها هذه الضرورة في رسالتي: (الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي: ص 449). (¬2) ومنه قول الشاعر (من الرجز): يا عمرو يا ابن الأكرمين نسبا ... قد نحب المجد عليك نحبا انظر أمثلة أخرى في: شرح التسهيل (1/ 101). (¬3) هذا آخر كلام المصنف (شرح التسهيل: 1/ 101) وقوله: قلت، أول كلام ناظر الجيش. (¬4) البيت من بحر الطويل قاله عروة بن حزام العذري وهو في الغزل: اللغة: حمّلت: كلفت. زفرات: جمع زفرة من زفر يزفر إذا أخرج نفسه. يدان: المراد بهما القوة. والبيت غاية في الحب والعشق: يتسلى بالنهار وبالليل تقطعه اللوعات. وشاهده واضح وهو الضرورة الحسنة في تسكين عين فعلات. والبيت في معجم الشواهد (ص 397) وهو أيضا في التذييل والتكميل (2/ 55). ترجمة الشاعر: هو عروة بن حزام العذري أحد العشاق المشهورين الذين قتلهم العشق، وصاحبته عفراء بنت مالك العذرية، أحبها حبّا عفيفا وخطبها من أبيها، وكان عمّا له فأبى وزوجها لابن عم لها آخر، فحزن عروة على ذلك حزنا شديدا، وقال فيها شعرا كثيرا، وكانت عفراء تحبه، ويروى أنه لما مات ماتت بعده، فبلغ الخبر معاوية بن أبي سفيان فقال: لو علمت بحال هذين الشريفين لجمعت بينهما. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 626). خزانة الأدب (1/ 533). (¬5) المندوحة هنا هي التسكين على أصل الاسم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو كانت لام المكسور الفاء ياء كلحية ففي كسر عينه خلاف: فمن البصريين من منعه لاستثقال الياء بعد كسرتين (¬1) ومنهم من أجازه. ومنع الفراء فعلات مطلقا: (يعني سواء كان من باب ذروة أو من باب لحية أو من باب كسرة وهند فلا يجيزه في الصحيح الآخر أيضا إلا إن سمع فيقتصر عليه) (¬2). واحتج بأن فعلات يتضمن فعلا. وفعل وزن أهمل إلا ما ندر كإبل وبلز ولم يثبت منه سيبويه (¬3) [1/ 114] إلا إبلا، وما استثقل في الإفراد حتى كاد يكون مهملا حقيق بأن يهمل ما يتضمنه من أمثلة الجموع؛ لأن الجمع أثقل من المفرد. والجواب من أربعة أوجه: أحدها: أن المفرد وإن كان أخف من الجمع، فقد يستثقل فيه ما لا يستثقل في الجمع؛ لأنه معرض لأن يتصرف فيه بتثنية وجمع ونسب. وإذا كان على هيئة مستثقلة تضاعف استثقالها بتعرض ما هي فيه إلى استعمالات متعددة بخلاف الجمع، فإن ذلك فيه مأمون. الثاني: أن فعلا أخف من فعل فمقتضى الدليل أن تكون أمثلة فعل أخف من أمثلة فعل؛ إلا أن الاستعمال اتفق وقوعه بخلاف ذلك، فأي تصرف أفضى إلى ما هو أحق بكثرة الاستعمال، فلا ينبغي أن يجتنب، بل يجوز أن يؤثر جبرا لما فات من كثرة الاستعمال. ويؤيد هذا أنهم لا يكادون يسكنون عين إبل بخلاف فعل فإنه يسكن كثيرا (¬4). الثالث: أن فعلات يتضمن فعلا وهو من أمثلة الجمع، وفعلات يتضمن فعلا وليس من أمثلة الجمع، وهو أحق بالجواز؛ لأنه جمع لا يشبه جمع الجمع، بخلاف - ¬

_ (¬1) انظر مثل هذا في كتاب سيبويه (3/ 581): قال في لحية لحى، وفرية فرى، ورشوة رشى، ولا يجمعون بالتاء كراهية أن تجيء الواو بعد كسرة واستثقلوا الياء هنا بعد كسرة فتركوا هذا استثقالا واجتزءوا ببناء الأكثر ومن قال كسرات قال لحيات. (¬2) ما بين القوسين كلام لناظر الجيش تخلل نقله كلام ابن مالك، وهي زيادة موضحة. (¬3) قال في الكتاب ذاكرا أوزان الاسم الثلاثي (4/ 244): «ويكون فعلا في الاسم نحو إبل وهو قليل لا نعلم في الأسماء والصفات غيره». والبلز: المرأة الضخمة الممتلئة. (¬4) ومن أمثلة تسكين عين فعل قولهم في عنق ورسل: عنق ورسل وهو مشهور. وهذا الوجه في النسخ المخطوطة مضطرب وفيه عدة مواضع كتب بهامشها: هنا بياض في الأصل، وقد صححته من شرح ابن مالك وهو الأصل المنقول عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلات فإنه جمع يشبه جمع الجمع، والأصل في جمع الجمع الامتناع؛ فما لا يشبهه أحق بالجواز مما يشبهه. الرابع: أن فعلات قد استعملته العرب جمعا لفعلة كنعمة ونعمات، وقد أشار سيبويه إلى أن العرب لم تجتنب استعماله، كما لم تجتنب استعمال فعلات (¬1). وقد رجح بعض العرب فعلات على فعلات؛ إذ قال في جمع جروة جروات فاستسهل النطق بكسر عين فعلات فيما لامه واو، ولم يستسهل النطق بضم عين فعلات فيما لامه ياء كزبيات. فبان مما ذكرته أن فعلات في جمع فعلة كفعلات في جمع فعلة، أو أحق منه بالجواز (¬2). وحكى يونس في جمع جروة جروات بكسر الراء، وهو في غاية من الشذوذ (¬3). ويقال للشاة إذا قل لبنها: لجبة بسكون الجيم وفتح اللام وكسرها وضمها، ويقال لها أيضا لجبة بفتح الجيم واللام. ولم يقل في جمعها إلا لجبات بفتح الجيم واللام. وأكثر النحويين يظنون أنه جمع لجبة الساكن الجيم، فيحكمون عليه بالشذوذ؛ لأن فعلة صفة لا يجمع على فعلات، بل على فعلات؛ وحملهم على ذلك عدم اطلاعهم على أن فتح الجيم في الإفراد ثابت (¬4). وكذلك اعتقدوا أن ربعات بفتح الباء جمع ربعة بالسكون؛ وإنما هو جمع ربعة بمعنى ربعة للمعتدل القامة. ذكر ذلك ابن سيده (¬5). - ¬

_ (¬1) يقول سيبويه: وما كان فعلة فإنك إذا كسرته على بناء أدنى العدد أدخلت التّاء وحركت العين بكسرة؛ وذلك قولك قربات وسدرات وكسرات، ومن العرب من يفتح العين ... إلخ (كتاب سيبويه: 3/ 580). (¬2) هذا آخر الأوجه الأربعة التي ذكرها ابن مالك في شرحه، انظر (1/ 103). وأما قوله: وحكى يونس فهو كلام آخر. (¬3) انظر رأي يونس في شرح التسهيل (1/ 102) وهو بنصه وكذلك في شرح الأشموني (4/ 117) قال: «وشذّ كسر جروة فيما حكاه يونس من قولهم جروات بكسر الراء، وهو في غاية من الشّذوذ لما فيه من الكسرة قبل الواو». (¬4) والقول ما قالت حذام، قال سيبويه (3/ 626): «وقالوا شياه لجبات فحرّكوا الحرف الأوسط؛ لأنّ من العرب من يقول شاة لجبة؛ فإنما جاءوا بالجمع على هذا». (¬5) انظر المحكم له (2/ 100، 101) قال: «ورجل مربوع ومرتبع ومرتبع وربع وربعة لا بالطويل ولا بالقصير، وصف المذكر بهذا الاسم المؤنث كما وصف المذكر بخمسة ونحوها حين قالوا: رجال خمسة والمؤنث ربعة وربعة كالمذكر وأصله له وجمعها ربعات حركوا ثانيه وإن كان صفة لأن أصل ربعة اسم مؤنث وقع على المذكّر والمؤنث فوصف به وقد يقال ربعات بسكون الباء فيجمع على ما يجمع هذا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: إذا كان لجبات وربعات إنما هما جمعان لمتحرك العين فكان الأولى أن يقول المصنف: واستغني في لجبات وربعات بجمع المتحرك العين عن جمع الساكنها؛ فإن عبارته في المتن تقتضي أنهما جمعان للساكن العين. وإن العلة فيه تحريك عينهما في لغة أخرى وليس الأمر كذلك. واختار قطرب فعلات في فعلة صفة كضخمة وضخمات قياسا على ما ليس صفة. ويعضد قوله ما روى أبو حاتم (¬1) من قول بعض العرب كهلة وكهلات بالفتح، والسكون أشهر وأعرف (¬2). [1/ 115] وأجاز أبو العباس المبرد أن يقال في جمع لجبة لجبات بالسكون (¬3). والتزم غير هذيل في نحو جوزة وبيضة سكون العين فسووا في ذلك بين الأسماء والصفات؛ وأما هذيل فسلكوا بهذا النوع سبيل ما صحت عينه، فقالوا: جوزات وبيضات، كما قال جميع العرب: ثمرات وجفنات، وقالوا في الصفات: جونات وعبلات بالسكون، كما قال الجميع: ضخمات وصعبات. وأما عيرات في جمع عير، وهي الإبل التي عليها الأحمال، فجائز عند جميع العرب، مع شذوذه عن القياس؛ لأنه مؤنث مكسور الفاء، فلم يكن في تحريك يائه بفتحة بعد الكسرة ما في بيضات بتحريك الياء؛ لأن تحريك الياء بعد فتحة يوجب إبدالها ألفا؛ فتحريكها إذا كان أصلها السكون بعد فتحة تعريض لها إلى الإبدال - ¬

_ - الضرب من الصفة. قال الفراء: إنّما حركوا ربعات؛ لأنه جاء نعتا للمؤنث والمذكّر فكأنه اسم نعت به». (¬1) هو سهل بن محمد، أبو حاتم السجستاني البصري، كان إماما في غريب القرآن واللغة والشعر، أخذ عن أبي زيد الأنصاري والأصمعي وأبي عبيدة وقرأ كتاب سيبويه مرتين على الأخفش، وأخذ عنه المبرد وابن دريد وغيرهما. توفي سنة (255 هـ). مصنفاته: إعراب القرآن، كتاب في القراءات، ما تلحن فيه العامة، وغير ذلك. انظر ترجمته في: معجم الأدباء (11/ 263). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (2/ 54). وشرح الأشموني (4/ 117). وإنما حركوا في الاسم دون الصفة؛ لأن الاسم أخف من الصفة فاحتمل الثقل والصفة ثقيلة، فوجب لها الخفة بالسكون، وبذلك يتعادلان. (¬3) في المقتضب (2/ 191) قال المبرد: «وأما قولهم شاة لجبة وشاء لجبات فزعم سيبويه أنّهم يقولون لجبة ولجبة وإنما قالوا لجبات على قولهم لجبة. وقال قوم: بل حرّك؛ لأنه لا يلتبس بالمذكر؛ لأنه لا يكون إلّا في الإناث. ولو أسكنه مسكّن على أنّه صفة كان مصيبا».

[تثنية محذوف اللام وحكمه]

[تثنية محذوف اللام وحكمه] قال ابن مالك: (فصل: يتمّ في التّثنية من المحذوف اللّام ما يتمّ في الإضافة لا غير، وربّما قيل: أبان وأخان ويديان ودميان ودموان وفميان وفموان. وقالوا في ذات: ذاتا على اللّفظ وذواتا على الأصل). ـــــــــــــــــــــــــــــ أو إلغاء سبب الإعلال. إلا أن هذيلا لم تكترث بذلك لعروضه، ومنه قول بعضهم: 151 - أخو بيضات رائح متأوّب ... رفيق بمسح المنكبين سبوح (¬1) قال ناظر الجيش: المحذوف اللام يتناول المنقوص العرفي المنون إذا كان مرفوعا أو مجرورا (¬2) والأسماء الستة، واسما، واستا، ويدا، ودما، وفما، وحرا، وغدا، وظبة، وشية، ونحو ذلك. وأحال المصنف الحكم في رد المحذوف في تثنية هذه الأسماء وعدمه على الحكم حال إضافة هذه الأسماء؛ فما رد في الإضافة رد في التثنية، وما لا فلا. والذي يتم منها في الإضافة أي يرد محذوفه المنقوص العرفي. وكذا أب وأخ وحم في أكثر الكلام، وهن في لغة بعض العرب؛ فيرد ذلك في التثنية أيضا. وبقية الأسماء لا يرد محذوفها في الإضافة، فلا يرد في التثنية؛ فيقال: اسمان واستان وحران وغدان وظبتان وشيتان. وقد تقدم أن في الأب والأخ والحم لغة النقص حال الإضافة؛ فعلى تلك اللغة - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، وقد نسب لأحد الهذليين كما في مراجعه. وقد بحثت عنه في ديوانهم الكبير فلم أجده، وكذلك لم يجده صاحب معجم الشواهد. والبيت في وصف ذكر النعام. اللغة: أخو بيضات: أي له بيض أو أفراخ وذلك ادعي لشدة سرعته. رائح: الذي يسير ليلا. المتأوب: الذي يسير نهارا. رفيق بمسح المنكبين: أي يتحرك يمينا وشمالا. سبوح: حسن الجري. وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 84) وفي شرح التسهيل (1/ 104) وفي التذييل والتكميل (2/ 58). واللسان (بيض). وقال ابن جني فيه كلاما كثيرا في المحتسب (1/ 58). (¬2) إنما حده بذلك لأنه في حالة النصب ترد لامه مطلقا أضيف أم لم يضف؛ لخفة الفتحة عليها فيقال: رأيت قاضيا وداعيا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يرد المحذوف في التثنية، فيقال: أبان وأخان وحمان. ومنه قول رجل من طيئ: 152 - إذا كنت تهوى الحمد والمجد مولعا ... بأفعال ذي غيّ فلست براشد ولست وإن أعيا أباك مجادة ... إذا لم ترم ما أسلفاه بماجد (¬1) أي أبان لك (¬2). وتقدم أيضا أن في يد ودم وحم لغة القصر؛ فعلى هذا تقلب الألف في التثنية؛ لكنها في يدا أصلها الياء، فيرد إليها، وفي دما وفما يحتمل أن يكون من ياء، وأن يكون من واو [1/ 116] فلهذا يقال في تثنيتها: يديان ودميان ودموان وفميان وفموان (¬3). والمشهور في تثنية ذات ذواتا بالرد إلى الأصل (¬4)، قال الله تعالى: ذَواتا أَفْنانٍ (¬5)، ذَواتَيْ أُكُلٍ (¬6)؛ فالألف التي قبل التاء هي لام الكلمة المنقلبة عن الياء، وقد ثني على لفظه بالنقص، فقيل ذايا؛ يعني أنه لم يرد المحذوف الذي هو لام الكلمة، والألف الموجودة منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة وهي التي - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الطويل ونسبا لرجل من طيّئ - كما في الشرح - وتلك أقصى نسبة لهما. اللغة: مجادة: المجد. ما أسلفاه: ما قدماه. بماجد: بفعل عظيم. والمعنى: أن من يريد المجد والحمد يجب أن يسلك طريقهما بالعمل والجد. الإعراب: مجادة: فاعل أعيا. أباك: مفعوله وأصله أبواك فثني على لغة النقص؛ وهو موضع الشاهد. بماجد: خبر ليس في أول البيت. والبيتان في التذييل والتكميل (2/ 61) وفي شرح التسهيل (1/ 104) وليسا في معجم الشواهد. (¬2) خرجه أبو حيان: (2/ 62): فقال: «ويحتمل أن يكون أباك مفردا ويكون مقصورا؛ إذ في الأب لغة القصر، ويكون الضمير في أسلفاه عائدا على الأب والأم، وتكون الأمّ معطوفا على الأب وحذف لدلالة المعنى عليه». (¬3) انظر في الفم عشر لغات في باب إعراب الصحيح الآخر من تحقيقنا. وانظر في اللسان (2/ 1429) الحديث عن دم حيث جاء فيه: «وتثنيته: دمان ودميان وأما الدموان فشاذ». (¬4) جاء في هذا التحقيق: «وأما ذات فقيل في جمعها ذوات كقناة وقنوات؛ لأن تاء ذات وجب لها من الحذف ما وجب لتاء قناة فباشرت الألف المبدلة من العين ألف الجمع؛ فاستحقت الفتح والرد إلى الأصل». (¬5) سورة الرحمن: 48. (¬6) سورة سبأ: 16.

[تثنية اسم الجمع وجمع التكسير]

[تثنية اسم الجمع وجمع التكسير] قال ابن مالك: (ويثنّى اسم الجمع والمكسّر بغير زنة منتهاه). ـــــــــــــــــــــــــــــ قدر الإعراب فيها في ذو (¬1) وتحركت في تثنيته، فقالوا: ذوا مال. ومن مجيء ذاتا قول الراجز: 153 - يا دار سلمى بين ذاتي العوج (¬2) قال ناظر الجيش: قال المصنف: «مقتضى الدليل ألا يثنى ما دل على جمع؛ لأن الجمع يتضمن التثنية، إلا أن الحاجة داعية إلى عطف جمع على جمع، كما كانت داعية إلى عطف واحد على واحد؛ فإذا اتفق لفظا جمعين مقصود عطف أحدهما على الآخر، استغني فيهما بالتثنية عن العطف، كما استغني بها عن عطف الواحد على الواحد ما لم يمنع من ذلك عدم شبه الواحد، كما منع في نحو مساجد ومصابيح. وفي المثنى والمجموع على حده مانع آخر، وهو استلزام تثنيتهما اجتماع إعرابين في كلمة واحدة، ولأجل سلامة نحو مساجد ومصابيح من هذا المانع الآخر جاز أن يجمع جمع تصحيح، كقولهم في أيامن أيامنون وفي صواحب صواحبات. وامتنع ذلك في المثنى والمجموع على حده. والمسوغ لتثنية الجمع مسوغ لتكسيره. والمانع من تثنيته مانع من تكسيره. ولما كان شبه الواحد شرطا في صحة ذلك، كان ما هو أشبه بالواحد أولى به؛ فلهذا كان تثنية اسم الجمع أكثر من تثنية الجمع، كقوله تعالى: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ (¬3)، وكقوله تعالى: يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ (¬4). - ¬

_ (¬1) أي على مذهب سيبويه القائل بأن هذه الأسماء معربة بالحركات المقدرة على حروف العلة. (¬2) البيت من مشطور السريع أقصى نسبة له أنه لبعض بني سعدة (انظر اللسان: سهج). وذاتي العوج: موضع. وشاهده واضح على هذه الرواية. وقد روي بإفراد ذات كما روي: يا دار سلمى بين دارات العوج وعليهما لا شاهد فيه. كما روى صاحب اللسان بعد البيت أبياتا أخرى. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 105) وفي التذييل والتكميل (2/ 63). (¬3) سورة آل عمران: 13. (¬4) سورة آل عمران: 155.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة بين الغنمين» (¬1). انتهى (¬2). ولم يصرح المصنف بقياس في الحكم الذي ذكره. وصرح ابن عصفور بأنّ جمع التّكسير لا يثنّى إلّا في ضرورة أو نادر كلام (¬3) وأنشد: 154 - لأصبح النّاس أوبادا ولم يجدوا ... عند التّفرّق في الهيجا جمالين (¬4) وعلى هذا قال الشيخ: «ظاهر كلام المصنف قياس جواز تثنية اسم الجمع وجمع التكسير ما لم يكن لفظ الجمع الذي لا نظير له في الآحاد. وظاهر كلامه في الشرح أن هذا الجمع يجوز أن يجمع جمع تصحيح بالواو والنون فيمن يعقل من المذكر، وبالألف والتاء في المؤنث؛ وذلك مخالف لما عليه الناس من اقتياس ذلك. بل نصّوا على أن تثنية اسم الجمع وجمع التكسير مسموع لا مقيس، وكذا جمع الجمع لا ينقاس سواء أجمع جمع تصحيح أم جمع تكسير لقلة أو كثرة» انتهى (¬5) [1/ 117]. - ¬

_ (¬1) انظر الحديث في صحيح مسلم: (8/ 125) من كتاب صفات المنافقين وأحكامهم؛ ونصه: حدثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل المنافق كمثل الشّاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرّة وإلى هذه مرّة». وهو في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (2/ 82) ونصه أيضا: «مثل المنافق كمثل الشاة بين الغنمين؛ إن أقبلت إلى هذه الغنم نطحتها، وإن أقبلت إلى هذه نطحتها». وهو بنص المخطوطة في مسند الإمام أيضا في: (2/ 88). والشاة العائرة: المترددة الحائرة لا تدري من تتبع. ومعنى تعير: تتردد وتذهب. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 105). (¬3) انظر المقرب في النحو لابن عصفور (ص 438) وهو بنصه والمقرب ومعه مثل المقرب مطبوع (بيروت) بتحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض. (¬4) البيت من بحر البسيط قائله عمرو بن العداء الكلبي. وكان معاوية قد بعث إلى كلب ابن أخيه عمرو بن عقبة بن أبي سفيان ليجمع منهم الزكاة فجمعها عن آخرها، واعتدى عليهم فقال عمرو بن العداء هذا الشعر وقبله: سعى عقالا فلم يدرك لنا سبدا ... فكيف لو قد سعى عمرو عقالين اللغة: سعى عقالا وعقالين: عنى به صدقة عام وعامين. سبدا: شعرا ووبرا. أوباد: جمع وبد وهو شدة العيش وسوء الحال. الهيجا: الحرب. جمالين: تثنية جمال وهو موضع الشاهد، وفيه جعل الجمال صنفين واحد لحمل الأثقال وآخر للركوب والحرب. والمعنى: تولى عمرو علينا سنة فظلمنا ونهب أموالنا؛ فكيف حالنا لو تولى علينا سنتين لا شك أننا سنصير فقراء. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 402) وهو في التذييل والتكميل (1/ 222). (¬5) انظر ذلك بنصه في: التذييل والتكميل (2/ 65).

[الأوجه الجائزة في المضاف إلى المثنى]

[الأوجه الجائزة في المضاف إلى المثنى] قال ابن مالك: (ويختار في المضافين لفظا أو معنى إلى متضمّنيهما لفظ الإفراد على لفظ التّثنية ولفظ الجمع على لفظ الإفراد، فإن فرّق متضمّناهما اختير الإفراد، وربّما جمع المنفصلان إن أمن اللّبس، ويقاس عليه وفاقا للفرّاء. ومطابقة ما لهذا الجمع لمعناه أو لفظه جائزة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد علمت أن المصنف لم يصرح بقياس ولا غيره؛ بل قوله (¬1): مقتضى الدّليل ألّا يثنّى ... مشعر بعدم القياس فيه (¬2). قال ناظر الجيش: المراد من هذا الكلام: أنه إذا أضيف جزآن إلى ما يتضمنهما من مثنى المعنى وإن لم يكن مثنى اللفظ، فإنه يجوز في لفظ المضافين المذكورين ثلاثة أوجه: الجمع، والإفراد، والتثنية. وسواء كانت الإضافة صريحة أو غير صريحة. فقوله: في المضافين لفظا إشارة إلى الصريحة؛ ومثال ذلك قوله تعالى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (¬3). وقوله: أو معنى إشارة إلى غير الصريحة، كقول الشاعر: 155 - رأيت ابني البكريّ في حومة الوغى ... كفاغري الأفواه عند عرين (¬4) - ¬

_ (¬1) أي في أول شرحه لهذا الأمر ونصه: مقتضى الدليل ألا يثنى ما دل على جمع؛ لأن الجمع يتضمن التثنية ... إلخ. انظر الشرح في الصفحة السابقة من هذا التحقيق. (¬2) الحق هو ما قاله وما فهمه ناظر الجيش من كلام ابن مالك وملخصه: أن المثنى والمجموع على حده لا يثنيان؛ وأما جمع التكسير (غير صيغتي مفاعل ومفاعيل) وأسماء الجمع والجنس فإنه يجوز تثنية هذه الثلاثة ندورا وفي ضرورة الكلام كما سمع في القرآن والحديث والشعر السابق. قال ابن يعيش: شرح المفصل (4/ 153). «القياس يأبى تثنية الجمع؛ وذلك أن الغرض من الجمع الدّلالة على الكثرة والتثنية تدل على القلة؛ فهما معنيان متدافعان، ولا يجوز اجتماعهما في كلمة واحدة؛ وقد جاء شيء من ذلك عنهم على تأويل الإفراد، قالوا: إبلان وغنمان وجمالان ذهبوا بذلك إلى القطيع الواحد وضموا إليه مثله فثنّوه». (¬3) سورة التحريم: 4. (¬4) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه، وهو في المدح وهو غاية في التشبيه والوصف الحسن، حيث يصف الشاعر ممدوحيه في الحرب كأنهما أسدان مفترسان يدافعان عن عرينهما. اللغة: حومة الوغى: شدة الحرب. كفاغري الأفواه: يقال: فغر فوه انفتح وفغرته فتحته يتعدى ولا يتعدى (المصباح المنير: 2/ 734). عرين: عرين الأسد بيته. والشاهد فيه واضح من الشرح. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 400). وفي شرح التسهيل (1/ 106). والتذييل والتكميل (2/ 66).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن الأفواه غير مضافة في اللفظ وهي في المعنى مضافة، والتقدير: كفاغرين أفواههما يعني أسدين فاتحين أفواههما عند عرينهما ذابين عن أشبالهما. وقوله: إلى متضمنيهما إعلام بأن المضافين جزآن مما أضيفا إليه. وبقي شرط آخر (¬1) لم يذكره المصنف وهو: ألا يكون لكل من المضاف إليهما من المضاف إلا شيء واحد؛ إذ لو كان أكثر لالتبس حال الجمع؛ فإنه لو قيل قطعت آذان الزيدين يريد أذنيهما لم يجز لأجل اللبس. فأما قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬2) فقد أجيب عنه بأن المراد أيمانهما. قالوا: وكذلك قرأ ابن مسعود (¬3) رضي الله عنه (¬4). والظاهر أن المصنف لا يشترط ذلك؛ فإنه قال: ولما استقر التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع عند وجود الشرط المذكور صارت إرادة الجمع به متوقفة على دليل من خارج. ولذلك انعقد الإجماع على أن لا يقطع في السرقة إلا يد من السارق ويد من السارقة. فلو قصد قاصد الإخبار عن يدي كل واحد من رجلين، لم يكتف بلفظ الجمع، بل يضم إليه قرينة تزيل توهم غير مقصوده، كقوله: قطعت أيديهما الأربع (¬5). - ¬

_ (¬1) الشرط الأول هو ما ذكره من كون المضاف جزءا من المضاف إليه، كما سيمثل برأس شاتين، فإن لم يكن جزءا كالثوب والدرهم فإن له حكما آخر سيأتي قريبا. (¬2) سورة المائدة: 38. ووجه الاعتراض بهذه الآية على أنه لا يجمع المضاف إلى المثنى مما تضمنه إلا بشرط هو: ألا يكون لكل من المضاف إليهما من المضاف إلا شيء واحد، وهنا لكل من السارق والسارقة يدان فكيف جمع؟ وأجيب بأن المراد قطع اليمين من كل واحد كما فصلته الشريعة بعد ذلك بالقول والفعل. وقد أشار المصنف إلى ذلك، كما سيأتي، وقد بينه الشارح أيضا. (¬3) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن، صحابيّ جليل ومن أكابر الصحابة فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو من أهل مكة ومن السابقين في الإسلام وأول من جهر بقراءة القرآن في مكة. كان خادم رسول الله الأمين وصاحب سره ورفيقه في حله وترحاله، وروى عنه عددا كبيرا من الأحاديث بلغت 848 حديثا. وتعد قراءته من الشواذ. تولى بعد وفاة الرسول بيت مال الكوفة، له خطب ومختارات في البيان والتبيين للجاحظ، توفي في خلافة عثمان سنة 32 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (4/ 280). (¬4) انظر القراءة المذكورة في: معاني القرآن للفراء (1/ 306) وشرح المفصل (4/ 155) والهمع (1/ 173). (¬5) انظر نص ذلك في شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 117).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار المصنف إلى أن لفظ الإفراد مختار على لفظ التثنية، ولفظ الجمع مختار على لفظ الإفراد. فعلم منه أن لفظ الجمع مختار أولا ثم يليه لفظ الإفراد، ثم يليه لفظ التثنية؛ قال المصنف: وذلك أنهم استثقلوا تثنيتين في شيئين هما كشيء واحد لفظا ومعنى؛ فعدلوا إلى غير لفظ التثنية، فكان الجمع أولى؛ لأنه شريكهما في الضم وفي مجاوزة الإفراد، وكان الإفراد أولى من التثنية؛ لأنه أخف منها والمراد به حاصل؛ إذ لا يذهب وهم في نحو: أكلت رأس شاتين إلى أن معنى الإفراد مقصود، ولكن لفظ الجمع جاء في الكتاب العزيز نحو: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما (¬1)، وفَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬2). وفي قراءة ابن مسعود: (فاقطعوا أيمانهما) (¬3)، وفي الحديث: «إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه» (¬4). وجاء لفظ الإفراد أيضا في الكلام الفصيح دون ضرورة، ومنه الحديث في وصف وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ومسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما» (¬5). ولم يجئ لفظ التثنية إلا في شعر، كقوله: 156 - فتخالسا نفسيهما بنوافذ ... كنوافذ العبط التي لا ترقع (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة التحريم: 4. (¬2) سورة المائدة: 38. (¬3) انظر تخريج القراءة المذكورة قريبا. (¬4) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 5، 6) وهو أيضا في الموطأ للإمام مالك بن أنس (ص 57) (كتاب اللباس) وهو بنصه في سنن ابن ماجه: (2/ 1183) وهو كذلك في كتاب: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 44) الإزرة: الحالة وهيئة الائتزار مثل الركبة والجلسة. (¬5) نص الحديث في سنن ابن ماجه في كتاب الطهارة: باب ما جاء في مسح الأذنين: (1/ 151) وهو كذلك في مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/ 358). (¬6) البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة لأبي ذؤيب الهذلي، سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يصف شجاعين يتبارزان كل واحد منهما يريد أن يصرع الآخر. اللغة: فتخالسا: أي كل واحد طلب اختلاس نفس صاحبه بطعنات نافذة. العبط: جمع عبيط والعبط: شق الجلد الصحيح، وقال: لا ترقع؛ تعظيما لشأن الطعنة وأنه لا يرتجى شفاؤها. والبيت وشرحه في ديوان الهذليين (ص 20) والشاهد في البيت قوله: نفسيهما، حيث ثنى المضاف إلى ما يتضمنه المثنى والأصل فيه الإفراد ثم الجمع. والبيت في معجم الشواهد (ص 227) وهو في شرح التسهيل (1/ 107) وفي التذييل (2/ 69).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 118] أو في كلام (¬1) نادر كقول سيبويه (¬2): وزعم يونس أنهم يقولون ضربت رأسيهما وزعم أنه سمع ذلك من رؤبة. انتهى. وجعل ابن الضائع وابن عصفور التثنية مقدمة على الإفراد، وقالا: إن الإفراد أيضا لم يأت إلا في ضرورة أو نادر كلام (¬3)، كقول الشاعر: 157 - كأنّه وجه تركيّين قد غضبا ... مستهدف لطعان غير تذبيب (¬4) والظاهر ما اختاره المصنف من تقديم الإفراد على التثنية، ومنه قراءة من قرأ فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما (¬5). - ¬

_ (¬1) قوله: أو في كلام نادر ... إلخ ليس في شرح ابن مالك في النسخة المحققة التي بين أيدينا وإنما آخر الشرح هو بيت أبي ذؤيب. ولعل ناظر الجيش وأبا حيان نقلا من نسخة فيها بقية الكلام بدليل قولهم معا: انتهى. وانظر التذييل والتكميل. (¬2) انظر: الكتاب (3/ 622) قال: وزعم يونس أنهم يقولون ضربت رأسيهما، وزعم أنه سمع ذلك من رؤبة؛ أجروه على القياس، قال هميان بن قحافة (من السريع): ظهراهما مثل ظهور التّرسين وقال الفرزدق (من الطويل): هما نفثا في فيّ من فمويهما ... على النّابح العاوي أشدّ رجام وقال أيضا (من الطويل): بما في فؤادينا من الشّوق والهوى ... فيجبر منهاض الفؤاد المشعّف (¬3) انظر شرح الجمل لابن عصفور المحقق (1/ 412)، (3/ 25) تحقيق الشغار ومراجعة إميل يعقوب، والتذييل والتكميل (1/ 358) وكذلك شرح الجمل لابن الضائع المخطوط، يقول ابن الضائع في شرحه: «إنّ التعبير بالجمع عن التثنية أولى من المفرد لصحّة حقيقة الجمع في التّثنية فلذلك اطّرد - وكثر لفظ الجمع وقل لفظ المفرد فلم يأت إلا في ضرورة أو نادر كلام». وأنشد البيت المذكور: كأنه وجه تركيين ... إلخ. (انظر شرح الجمل لابن الضائع مخطوط رقم 20 نحو جـ 2 ورقة 260 أ). وانظر هذا القول في التذييل والتكميل (2/ 69). (¬4) البيت من بحر البسيط وهو للفرزدق في هجاء أم جرير أو زوجته، وهو من أفحش الهجاء. والبيت ليس في ديوان الفرزدق الطبعة الحديثة (بيروت) وهو في الطبعة المصرية القديمة (ص 371) من مقطوعة طويلة على قافية الراء. والمقطوعة في الهجاء الفاحش حيث يصف الفرزدق عضو التناسل في المرأة. وقد روي الشطر الثاني في بيت الشاهد هكذا: مستهدف لطعان غير منحجر. وشاهده: قوله: وجه تركيين، حيث أفرد الشاعر المضاف إلى ما يتضمنه المثنى وهو نادر. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 358) وفي معجم الشواهد (ص 63، 169). (¬5) هي قراءة الحسن البصري وهي بعض آية من سورة طه رقم: 121، وأولها: فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزعم بعض المتأخرين أنه لم يؤت بلفظ التثنية إلا مع الإضافة إلى ضميرها، وسببه أن ضمير التثنية اسم مفرد في اللفظ، فكأنه لم يضف إلى مثنى؛ وهذا مما يقوي اختيار المصنف. وإذا فرق المضاف إليه كان الإفراد مختارا وإليه أشار بقوله: فإن فرق متضمناهما وذلك كقوله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (¬1) وفي حديث زيد بن ثابت (¬2) رضي الله عنه: «حتّى شرح الله صدري لما شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما» (¬3). قال المصنف: «ولو جيء في مثل هذا بلفظ الجمع أو لفظ التثنية لم يمتنع» (¬4). وفي كلام الشيخ ما يقتضي أن التثنية في مثل هذا مقدمة على الإفراد وعلى الجمع، وأنها هي القياس، وأنه يقتصر في الجمع والإفراد على مورد السماع. قال: «وأما قوله تعالى: عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فيحتمل أن يراد باللسان هنا الرسالة أو الكلام لا الجارحة. فلا يكون جزءا من المضاف إليهما، فلا يتم دليل المصنف» انتهى (¬5). ولا يخفى ما في هذا التخريج من التكلف مع البعد. - ¬

_ - لَهُما سَوْآتُهُما وانظر القراءة في: المحتسب لابن جني (1/ 243) وإعراب القرآن للنحاس (1/ 119) والبحر المحيط (4/ 279) والهمع (1/ 51) والتذييل والتكميل (2/ 69). (¬1) سورة المائدة: 78. (¬2) هو زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الخزرجي أبو خارجة، من أكابر الصحابة، كان كاتب الوحي، ولد بالمدينة سنة (11 هـ) ونشأ بمكة وقتل أبوه وهو ابن ست سنين، وهاجر مع النبي عليه السّلام. كان رأسا بالمدينة في القضاء والفتوى والقراءة والفرائض، وكان أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم من الأنصار، وهو الذي كتبه في المصحف لأبي بكر ثم لعثمان حين جهز المصاحف إلى الأمصار. ولما توفي قال فيه أبو هريرة: اليوم مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن يجعل في ابن عباس خلفا له. روى 92 حديثا وتوفي سنة (45 هـ) (الأعلام: 3/ 95). (¬3) الحديث في صحيح البخاري: (6/ 225) في باب جمع القرآن وفي: (9/ 74) في كتاب الأحكام. والحديث أيضا في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (5/ 188). (¬4) انظر نصه في: شرح التسهيل (1/ 107). (¬5) انظر نصه في: التذييل والتكميل (2/ 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن لم يكن المضافان جزأي المضاف إليه (¬1) لم يعدل عن لفظ التثنية، نحو: قبضت درهميكما؛ لأن العدول في مثل هذا عن لفظ التثنية إلى لفظ الجمع يوقع في اللبس؛ فإن أمن اللبس جاز العدول إلى الجمع سماعا عند غير الفراء وقياسا عنده (¬2). قال المصنف: «ورأيه في هذا أصح لكونه مأمون اللبس مع كثرة وروده في الكلام الفصيح كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «ما أخرجكما من بيوتكما» (¬3) وقوله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ وفاطمة رضي الله عنهما: «إذا أويتما إلى مضاجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين ..» الحديث (¬4) وفي حديث آخر: «فلانة وفلانة تسألانك عن إنفاقهما على أزواجهما: ألهما فيه أجر؟» (¬5). وفي حديث علي وحمزة رضي الله عنهما: «فضرباه بأسيافهما» (¬6) وأمثال ذلك كثيرة (¬7). ومثال مطابقة ما لهذا الجمع لمعناه دون لفظه (¬8) قول الشاعر: 158 - قلوبكما يغشاهما الأمن عادة ... إذا منكما الأبطال يغشاهما الذّعر (¬9) - ¬

_ (¬1) هو نظير ما ذكره أول كلامه من كون المضافين جزأي المضاف إليه. (¬2) انظر في تحقيق رأي الفراء: التذييل والتكميل (2/ 76) وشرح التسهيل (1/ 107). (¬3) الحديث في صحيح مسلم: (6/ 117) في كتاب الأشربة في باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه بذلك واستحباب الاجتماع على الطعام. (¬4) الحديث في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار من صحيح مسلم: (8/ 84) باب التسبيح أول النهار وعند النوم، ونصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (1/ 96، 107، 136، 146). (¬5) الحديث في صحيح مسلم: (3/ 80) في كتاب الزكاة باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين. (¬6) الحديث في صحيح مسلم (5/ 149) في كتاب الجهاد باب استحقاق القاتل سلب القتيل؛ وأصله بعد مقدمة طويلة ... فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتّى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبراه فقال: أيكما قتله؟ فقال كلّ واحد منهما: أنا قتلت، فقال: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا فنظر في السيفين، فقال: كلاكما قتله. (¬7) انظر: شرح التسهيل. (¬8) معناه: إذا عاد ضمير من كلام تال على هذا الاسم المضاف المجموع والمقصود به المثنى أو أخبر عنه أو وصف، هل يراعى اللفظ فيعود الضمير جمعا أو يراعى المعنى فيعود مثنى. ثم ذكر أنه يجوز مراعاة هذا وذاك. (¬9) البيت من بحر الطويل لم يذكر صاحب معجم الشواهد (ص 152) مرجعا له إلا حاشية التصريح (2/ 122) وهو أيضا في شرح التسهيل وفي التذييل والتكميل والبيت في المدح بالشجاعة والجرأة ولم ينسب فيما ذكر من مراجع. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 159 - وساقان كعباهما أصمعان ... أعاليهما لكّتا بالدّيم (¬1) وقول الآخر: 160 - رأوا جبلا هد الجبال إذا التقت ... رءوس كبيريهنّ ينتطحان (¬2) ومثال مطابقة ما لهذا الجمع للفظه دون معناه قول الشاعر: 161 - خليليّ لا تهلك نفوسكما أسى ... فإنّ لها فيما به دهيت أسا (¬3) - ¬

_ - والشاهد في البيت واضح من الشرح: حيث أعاد الضمير مثنى إلى المضاف وهو جمع؛ لأن المقصود به التثنية وهو قوله: قلوبكما. (¬1) البيت من بحر المتقارب وهو بهذه الرواية غير منسوب لشاعر في شروح التسهيل إلا أن الشطرة الأولى وجدتها في ديوان امرئ القيس من قصيدة يصف فيها ناقته والبيت كله هكذا: وساقان كعباهما أصمعا ... ن لحم حماتيهما منبتر وعلى ذلك فلا شاهد فيه. اللغة: أصمعان: ضامران صغيران. لكتا بالديم: اكتنزتا باللحم، والحماة في بيت امرئ القيس عضلة الساق ومعنى منبتر أي ممتلئ. والشاهد فيه كما في البيت السابق حيث أعاد الضمير مثنى إلى المضاف وهو جمع، ورد الاستشهاد به أبو حيان قائلا: ليس فيه دليل لاحتمال أن يكون أعاليهما مرفوعا بأصمعان وثني على لغة أكلوني البراغيث ويكون الضمير في لكتا عائد على ساقان أو على كعباهما لا على أعاليهما. والبيت في شرح التسهيل، وفي التذييل والتكميل. (¬2) البيت من بحر الطويل ولم ينسب في معجم الشواهد (ص 399) وقد وجدته في ديوان الفرزدق من قصيدة طويلة كلها في الفخر إلا عشرة أبيات في وصف ذئب لقيه فصاحبه. وانظر القصيدة في الديوان: (2/ 331). وبيت الشاهد من أبيات الفخر وهو فيه يتحدث عن جد من أجداده. وسيأتي منها شاهد آخر في باب الموصول. والشاهد فيه كالذي قبله. ورده أبو حيان وقال: يجوز أن يكون ينتطحان حالا من كبيريهنّ لا من رؤوس. والبيت في شرح التسهيل (1/ 109)، والتذييل والتكميل (2/ 78). (¬3) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع، والشاعر فيه يأمر صاحبيه بالصبر على مكايد الزمان؛ فإن الناس كلها تصاب بهذه المكايد. اللغة: أسى: حزنا. دهيت: أصيبت. أسا: بضم الهمزة وكسرها جمع أسوة بضم الهمزة وكسرها أيضا وهو ما يأتسي به الحزين. القاموس: (أسى). وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت فى شرح التسهيل: (1/ 108) وفي التذييل والتكميل: (2/ 79). وهو في معجم الشواهد (ص 195).

[الأوجه الجائزة في مثل: عيناه حسنتان]

[الأوجه الجائزة في مثل: عيناه حسنتان] قال ابن مالك: (ويعاقب الإفراد التّثنية في كلّ اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر. وربّما تعاقبا مطلقا، وقد يقع افعلا ونحوه موقع افعل ونحوه). ـــــــــــــــــــــــــــــ[1/ 119] فقال: لها ودهيت فراعى اللفظ؛ ولو راعى المعنى لقال: لهما ودهيتا. قال ناظر الجيش: المراد بالمعاقبة: وقوع المفرد موقع المثنى وعكس ذلك. والمراد بالاثنين اللذين لا يغني أحدهما عن الآخر: كل اثنين لا بد لأحدهما من الآخر سواء كانا جزأين لشيء أم لم يكونا - ثم المعاقبة قد تكون في المسند إليه، وقد تكون في المسند وقد تكون فيهما. قال المصنف (¬1): «المراد بكل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر: العينان والأذنان والخفّان والجوربان ونحو ذلك، فيقال: عيناه حسنتان وعيناه حسنة، وعينه حسنة وعينه حسنتان. فالأول كثير؛ لأنه الأصل، ومنه قول الشاعر: 162 - وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولان بالألباب ما تفعل الخمر (¬2) ومن الثاني (¬3) قول امرئ القيس: 163 - لمن زحلوقة زلّ ... بها العينان تنهلّ (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 109) وهو بنصه. (¬2) البيت من بحر الطويل من رائية طويلة لذي الرمة أكثرها في الغزل ومطلعها: ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى ... وما زال منهلّا بجرعائك القطر وسيأتي هذا المطلع شاهدا آخر في باب كان. وقبل بيت الشاهد قوله: لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رقيق الحواشي لا هراء ولا نزر وانظر القصيدة في ديوان ذي الرمة (ص 213). اللغة: لا هراء ولا نزر: أي كلامها لا كثير ولا قليل. كونا: أي كونا حسنتين. الألباب: العقول. ما تفعل الخمر: أي من السحر والسكر. وشاهده واضح؛ حيث أخبر عن العينين بالمثنى وهو الكثير. والبيت في معجم الشواهد (ص 371) وفي شرح التسهيل (1/ 109). والتذييل والتكميل (2/ 85). (¬3) أي المسند إليه مثنى والمسند مفرد. (¬4) البيت من بحر الهزج وهو لامرئ القيس في ملحق بالشعر المنسوب إليه. قال المحقق: مما لم يرد في أصول الديوان المخطوطة، وانظر الشاهد في ديوان امرئ القيس (ص 471). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 164 - وكأنّ في العينين حبّ قرنفل ... أو سنبلا كحلت به فانهلّت (¬1) ومن الثالث (¬2) قول الشاعر: 165 - ألا إنّ عينا لم تجد يوم واسط ... عليك بجاري دمعها لجمود (¬3) - ¬

_ - وبعد بيت الشاهد قوله: ينادي الآخر الألّ ... ألا حلّوا ألا حلّوا اللغة: الزحلوقة: أرجوحة الصبيان. زل: أي ينزل بها من وقف على حافتها. الألّ: الأول. ألا حلوا: أي انزلوا. المعنى: بيتان قالهما امرؤ القيس عند ما رأى - وهو مريض - قبرا يحفر له. فهو يشبه قبره الذي سيتدلى به بالزحلوقة التي يتدلى عليها الصبيان؛ وليس ذلك فقط، بل إن السابقين يدعون من بعدهم. وشاهده قوله: بها العينان تنهل، حيث أخبر عن الاثنين اللذين لا يغني أحدهما عن الآخر بالمفرد، والبيت في معجم الشواهد (ص 298) وفي شرح التسهيل (1/ 109) وفي التذييل والتكميل (2/ 80). (¬1) البيت من بحر الكامل من قصيدة لعمرو بن أرقم في الأصمعيات (ص 161) وهي لسلمى بن ربيعة في شرح ديوان الحماسة: (2/ 546) والشاعر يعاتب امرأته؛ لأنها فارقته استهانة به، فهو يقول: إنه ألف البكاء لتباعدها. والقرنفل والسنبل: نباتات طيبة الرائحة. انهلت: سالت. وشاهده كالذي قبله. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 75) وهو في شرح التسهيل (1/ 109) وفي التذييل والتكميل (2/ 80). وسلمى بن ربيعة شاعر جاهلي له شعر في ديوان الحماسة لأبي تمام، كما أن من سلالته من تولى مناصب عالية في الإسلام. (انظر ترجمته في الأعلام: 3/ 175). (¬2) أي المسند إليه والمسند مفردان. (¬3) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة لأبي عطاء السندي يرثي فيها يزيد بن عمر بن هبيرة، وقد قتله المعتصم سنة 132 هـ وبعد بيت الشاهد قوله: عشيّة قام النّائحات وشقّقت ... جيوب بأيدي مأتم وخدود انظر شرح ديوان الحماسة: (2/ 799). وشاهده واضح من الشرح. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 103). والبيت في شرح التسهيل (1/ 110) وفي التذييل والتكميل (2/ 82). ترجمة أبي عطاء: هو أفلح بن يسار، شاعر فحل قوي البديهة من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، ولد بالكوفة لرجل من السند. كان يجمع بين اللثغة واللكنة فكان لا يفهم كلامه؛ ولذلك أمر له سليمان ابن سليم بوصيف بربري فصيح فسماه عطاء وتكنى به ورواه شعره. شهد حرب بني أمية والعباسيين، وهو القائل في مدح العباسيين وهجاء الأمويين: إنّ الخيار من البرية هاشم ... وبني أميّة أرذل الأشرار توفي عقب أيام المنصور سنة (158 هـ). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 166 - أظنّ انهمال الدّمع ليس بمنته ... عن العين حتّى يضمحلّ سوادها (¬1) ومن الرابع (¬2) قول الشاعر: 167 - إذا ذكرت عيني الزّمان الّذي مضى ... بصحراء فلج ظلّتا تكفان (¬3)» انتهى (¬4). وتقول: لبست نعلي وخفّي تريد نعليّ وخفّيّ. قال الشيخ (¬5): «كلام المصنف يدل على أنّ هذا الذي ذكره من المعاقبة بين - ¬

_ - ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 652)، الأعلام (3/ 342)، بروكلمان (1/ 245). (¬1) البيت من بحر الطويل، قاله جرير من قصيدة يرثي بها قيس بن ضرار. انظر ديوان جرير (ص 91). اللغة: انهمال العين: بكاؤها. يضمحل سوادها: يذهب ويتساقط، وشاهده كالذي قبله. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 110). ترجمة جرير: هو جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي من بني كليب بن يربوع من تميم، أشعر أهل عصره، ولد باليمامة سنة (28 هـ) وكان له ثمانية من الذكور فيهم الشعراء. كان جرير من فحول شعراء الإسلام، وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل. والعجيب أنه لما مات الفرزدق حزن جرير عليه ورثاه: فجعنا بحمّال الدّيات ابن غالب ... وحامي تميم عرضها والبراجم فسئل في ذلك فقال: «والله ما كان اثنان مثلنا أو مصطحبان أو زوجان إلا كان أمد ما بينهما قريبا». التقى جرير بالحجاج بن يوسف فمدحه وأوفده الحجاج إلى عبد الملك بن مروان، فمدحه أيضا: ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح وشعره كله قوي جزل يستشهد به النحاة والنقاد وأصحاب البيان. وقد طبع ديوانه مرارا، عمر جرير أكثر من ثمانين عاما، حيث توفي باليمامة سنة 110 هـ. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 471)، والأعلام (2/ 111). (¬2) أي المسند إليه مفرد والمسند مثنى. (¬3) البيت من بحر الطويل، وقد ورد في معجم الشواهد (ص 400)، ولم تذكر مراجعه نسبة له. اللغة: فلج: بلد، وقيل واد بطريق البصرة إلى مكة ينزل به الحجاج. تكفان: تمطران وتبكيان. والشاعر يتحسر على زمن حلو مضى. وشاهده واضح وهو في شرح التسهيل (1/ 110) وفي التذييل والتكميل (2/ 80). (¬4) انظر شرح التسهيل: (1/ 121) وهو بنصه. (¬5) انظر التذييل والتكميل: (2/ 82) وقد اختصر ناظر الجيش كلام أبي حيان اختصارا مفيدا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإفراد والتثنية ينقاس. وذهب بعض أصحابنا إلى أنّ هذا إنما جاء في الشّعر. وأورد أشياء من غير هذا الباب وقع فيها المفرد موقع المثنى، كقول الشاعر: 168 - ولكن هما ابن الأربعين تتابعت ... [أناييبه مردى حروب على ثغر] (¬1) يريد ابنا الأربعين. وموقع الجمع كقول الآخر: 169 - [بها جيف الحسرى] فأمّا عظامها ... فبيض وأمّا جلدها فصليب (¬2) وكقول الآخر: 170 - [لا تنكروا القتل وقد سبينا] ... في حلقكم عظم وقد شجينا (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق من مقطوعة عدتها ثلاثة أبيات يصف فيها لقاء كان بينه وبين ابني جحير من بني عدي وهي في الديوان: (1/ 300). اللغة: الأنابيب: جمع أنياب والأخير جمع ناب فهو جمع الجمع. ويستشهد به على وقوع المفرد موقع المثنى. والبيت في التذييل والتكميل (2/ 83)، وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة لعلقمة بن عبدة يمدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني وهي طويلة ومطلعها (انظر ديوانه ص 14): طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشّباب عصر حان مشيب اللغة: جيف: جمع جيفة وهي جثة الميت إذا نتنت. الحسرى: جمع حسير، وهي الدابة التي ماتت إعياء من حسر بفتح وكسر. (المصباح المنير: 2/ 9) صليب: يابس لم يدبغ. والشاعر يصف ناقته بالإعياء من طول الطريق إلى الممدوح. والشاهد فيه: وقوع المفرد (جلدها) موقع الجمع (جلود). والبيت في التذييل والتكميل (2/ 83). وليس في معجم الشواهد. ترجمة علقمة: هو علقمة بن عبدة التميمي الملقب بالفحل، قيل: للتمييز بينه وبين رجل من قبيلته يقال له علقمة الخصي، وقيل: لأنه تزوج بامرأة امرئ القيس أم جندب بعد أن فضلت علقمة على زوجها في مطارحات بالشعر. وهو شاعر بدوي أصيل اشتهر بوصف النعام، وقد نادم أبا قابوس اللخمي والحارث الغساني وقد مدح الأخير بقصيدة مشهورة منها الشاهد السابق وهو القائل: فإن تسألوني بالنساء ... إلخ. انظر ترجمة علقمة في: الشعر والشعراء (1/ 225). بروكلمان (1/ 96). (¬3) البيتان من الرجز المشطور منسوبان في مراجعهما للمسيب بن زيد مناه، إلا أن ابن جني ذكر الثاني ونسبه لطفيل (المحتسب: 2/ 87). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال: «ولم يقس النحويّون على هذا وهو عند سيبويه (¬1) من أقبح الضرورات وحكى الأخفش عن العرب: ديناركم مختلفة، يريد دنانيركم وحملوه على الشّذوذ» انتهى (¬2). وهذا عجب من الشيخ؛ فإن كلامه يقتضي أن المصنف أجاز وقوع المفرد موقع المثنى مطلقا [1/ 120] وكذا وقوع المثنى موقع المفرد. والمصنف إنما أجاز ذلك في شيء خاص وهو كل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر. ثم إنه قول المصنف بالقياس، ولم يتعرض المصنف؛ لأن ذلك مقيس أو غير مقيس؛ غاية ما يشعر به كلامه: أن معاقبة الإفراد التثنية فيما ذكره مستعمل وارد كثيرا، أما أنه ينقاس أو لا ينقاس فليس في كلامه إشعار به (¬3). وأشار المصنف بقوله: وربما تعاقبا مطلقا إلى أنه قد تحصل المعاقبة بين الإفراد والتثنية في غير ما تقدم الكلام عليه: فمن وقوع المفرد موقع المثنى قوله تعالى: فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬4)، وقوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (¬5). - ¬

_ - اللغة: سبينا: مبني للمجهول من السبي وهو الأسر. شجينا: يقال: شجي بالعظم يشجى من باب علم، أي اعترض العظم في حلقه. المعنى: يقول الشاعر لقوم: لا تنكروا قتلنا لكم، فقد سبيتم منا؛ فإن كان في حلوقكم عظم من القتل، فقد غصصنا بالسبي. وشاهده: وضع الحلق موضع الحلوق، وهو جائز لوضوحه. والبيت في معجم الشواهد (ص 548) وفي التذييل والتكميل (2/ 83) وطفيل: هو طفيل بن عوف الغنوي، جاهلي أقدم من النابغة، وهو من الوصافين للخيل. ترجمته في بروكلمان (1/ 199). (¬1) انظر الكتاب: (1/ 209) ولم يقل سيبويه إن وضع المفرد موضع الجمع من أقبح الضرورات كما قال أبو حيان عنه؛ وإنما نص كلامه هكذا: وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جميع؛ حتى قال بعضهم: في الشعر من ذلك ما لا يستعمل في الكلام. ثم مثل ببيتي علقمة وطفيل. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (2/ 84). (¬3) أخذ أبو حيان القياسية في كلام ابن مالك من الإخبار وسرد الكلام دون تعليق، وذلك عند ما قال في المتن: ويعاقب الإفراد التثنية في كل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر. ثم قال بعد ذلك: وربما تعاقبا مطلقا. قال أبو حيان معلقا: هذا يدل على أن الحكم الذي أورده قبل ذلك مقيس عنده - لقوله في هذا وربما. وهي تدل على التقليل. (التذييل والتكميل: 2/ 85). (¬4) سورة الشعراء: 16. (¬5) سورة ق: 17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشبيه به قول حسان (¬1) رضي الله عنه: 171 - إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأس ... ود ما لم يعاص كان جنونا (¬2) ومن وقوع المثنى موقع المفرد قول الشاعر: 172 - إذا ما الغلام الأحمق الأمّ سافني ... بأطراف أنفيه استمرّ فأسرعا (¬3) قال الشيخ: ويمكن تأويل جميع هذا. أما الآية الأولى: فقد ذكروا أن رسولا يكون مصدرا بمعنى الرسالة؛ فعلى هذا يكون من باب: الزيدان خصيم. وأما الآية الثانية: فتحتمل وجهين: أحدهما: الحذف، أي عن اليمين قعيد وعن الشّمال قعيد. والثاني: أن يكون قعيد مما يخبر به عن المفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد نحو صديق. وأما إنّ شرخ الشّباب ... فأكثر النحويين خرجه على الحذف، أي إن شرخ الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا. وأما سامني بأطراف أنفيه، فإنه عبر عن الأنف بقوله: أنفيه على سبيل المجاز ولم يرد الإفراد، ولذلك جمع بأطراف لإضافته إلى ما هو مثنى. انتهى (¬4). - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمة حسان. (¬2) البيت من بحر الخفيف لحسان بن ثابت من مقطوعة عدتها أربعة أبيات (ديوانه ص 282)، وهي في الوعظ والدعوة إلى الصلاح، وعدم اتباع الهوى. والشاهد فيه: وقوع المفرد (ما لم يعاص) موقع المثنى (ما لم يعاصيا) ورده أبو حيان وخرجه تخريجا آخر غير ذلك وهو في الشرح. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 390) وشرح التسهيل (1/ 110) والتذييل والتكميل (2/ 86). (¬3) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع. اللغة: سافني: يقال ساف الشيء يسوفه ويسافه سوفا إذا شمه. ويروى سامني ومعناه أذلني. ويستشهد بالبيت على أن الشاعر وضع المثنى (أنفيه) موضع المفرد (أنفه). وخرج بأن المقصود بالأنف ثقباها. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك، وللمرادي (1/ 103) ولأبي حيان (2/ 86). وليس في معجم الشواهد. (¬4) انظر نص ذلك في: التذييل والتكميل (2/ 87).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا التخريج لا يدفع تخريج المصنف (¬1)؛ غايته أن الشواهد المذكورة محتملة لما ذكر. وأشار بقوله: وقد تقع افعلا إلى آخره ... أنه قد يقع الفعل المسند إلى ضمير واحد مخاطب بلفظ المسند إلى ضمير مخاطبين إذا كان أمرا أو مضارعا، والقصد بذلك التوكيد أو الإشعار بإرادة التكرار. ومن ذلك ما روي من قول الحجاج: يا حرسي اضربا عنقه. ومنه قول الشاعر: 173 - فإن تزجراني يابن عفّان أزدجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا (¬2) وجعل بعض العلماء من ذلك قوله تعالى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (¬3) هذا كلام المصنف (¬4). قال الشيخ (¬5): «هذا الّذي ذهب إليه قاله ابن جنّي في قول امرئ القيس: 174 - قفا نبك [من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدّخول فحومل] (¬6) - ¬

_ (¬1) وهو وقوع المفرد موقع المثنى ووقوع المثنى موقع المفرد. (¬2) البيت من بحر الطويل قائله سويد بن كراع العكلي، وهو شاعر جاهلي إسلامي هجا قومه فاستعدوا عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه فأوعده وأخذ عليه ألّا يعود للهجاء. والشاهد في البيت واضح حيث خاطب المفرد بخطاب المثنى. وانظر ترجمة سويد وأبيات من القصيدة في الشعر والشعراء (2/ 639)، الأغاني (18/ 131) طبعة بيروت. والبيت في شرح التسهيل (1/ 111) وفي التذييل والتكميل (2/ 88). وفي معجم الشواهد (ص 210). (¬3) سورة ق: 24. (¬4) أي في شرح التسهيل (1/ 111). (¬5) أي في التذييل والتكميل (2/ 88). (¬6) البيت من بحر الطويل مطلع معلقة امرئ القيس المشهورة التي كثرت الشواهد منها في النحو والبلاغة، وموضوعها في الغزل والوصف (انظرها في الديوان ص 8 - 26) ولامرئ القيس قصيدة أخرى مطلعها: قفا نبك أيضا (الديوان ص 89). ولكن المشهور في هذا المطلع أن ينصرف إلى المعلقة. والشاهد فيه: تثنية ضمير الفاعل ونيابة ذلك عن تكرير الفعل. والبيت مراجعه كثيرة في معجم الشواهد (ص 302) وهو في التذييل والتكميل (1/ 374).

قال ابن مالك: (وقد تقدّر تسمية جزء باسم كلّ، فيقع الجمع موقع واحده أو مثنّاه). ـــــــــــــــــــــــــــــ ثنّى ضمير الفاعل وناب ذلك عن تكرير الفعل، وقال أبو عثمان نحوا مما قال ابن جني. وذهب البغداديون إلى نحو مما ذهب إليه المصنف، ثم قال: وما استشهد به محتمل للتأويل: أما ما روي عن الحجاج فإنه يحتمل أنه وقف على النون الخفيفة، فأبدلها ألفا ثم أجرى الوصل مجرى الوقف؛ وقد حمل قول امرئ القيس على هذا على تقدير ألا يكون خطابا لاثنين (¬1) [1/ 121]. فأما قوله: فإن تزجراني يابن عفّان ... فيجوز أن ينادى واحد ويخاطب اثنان، كما يجوز: إن تضربوني يا زيد أغضب» انتهى (¬2). ولا يخفى أن ما ذكره المصنف في الشواهد المذكورة أقوى مما ذكره الشيخ وأولى. قال ناظر الجيش: مثال وقوع الجمع موقع واحده على تقدير تسمية كل جزء باسم الجمع - قول الشاعر: 175 - قال العواذل ما لجهلك بعد ما ... شاب المفارق واكتسين قتيرا (¬3) ومثال وقوع الجمع موقع مثناه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) وفي هذا التخريج يقول ابن مالك في ألفيته: وأبدلنها بعد فتح ألفا ... وقفا كما تقول في قفن قفا (¬2) انظر: التذييل والتكميل (2/ 91). (¬3) البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة لجرير يهجو فيها الأخطل (ديوان جرير ص 222). وقبل بيت الشاهد قوله يخاطب حبيبته: هلّا عجبت من الزمان وريبه ... والدّهر يحدث في الأمور أمورا اللغة: العواذل: جمع عاذلة وهي اللائمة في الحب. المفارق: جمع مفرق بكسر الراء وفتحها، وهو وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر. قتيرا: القتير الشّيب أو أوله. المعنى: يقول جرير: إن اللوائم يلمنه على حبه وعشقه بعد أن كبر وعلاه الشيب. وشاهده: قوله: شاب المفارق حيث عبر بالجمع وأراد المفرد؛ لأن المرء له مفرق واحد. والبيت في معجم الشواهد (ص 145) وفي شرح التسهيل (1/ 122) وفي التذييل والتكميل (2/ 91).

[ما يجمع بالألف والتاء]

[ما يجمع بالألف والتاء] قال ابن مالك: (فصل: يجمع بالألف والتّاء قياسا ذو تاء التّأنيث مطلقا، وعلم المؤنّث مطلقا، وصفة المذكّر الّذي لا يعقل، ومصغّره، واسم الجنس المؤنّث بالألف إن لم يكن فعلى فعلان أو فعلاء أفعل غير منقولين إلى الاسميّة حقيقة أو حكما وما سوى ذلك مقصور على السّماع). ـــــــــــــــــــــــــــــ 176 - فالعين بعدهم كأنّ حداقها ... سملت بشوك فهي عور تدمع (¬1) أراد بالعين: العينين. وبالحداق: الحدقتين، وأراد بقوله: فهي عور: فهما عوراوان. ومنه قول الآخر: 177 - أشكو إلى مولاي من مولاتي ... تربط بالحبل أكيرعاتي (¬2) ومن كلام العرب: رجل عظيم المناكب والثّنادي وغليظ الحواجب والوجنات وشديد المرافق وماش على كراسيعه (¬3). وفي قول المصنف: وقد تقدّر إلى آخره - إشارة إلى أن ذلك قليل لا يقاس عليه. قال ناظر الجيش: تقدم الوعد بالكلام على ما يجمع تصحيحا بالألف والتاء، وذكر ما يطرد منه وما لا يطرد، وها هو قد شرع فيه. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل من عينية أبي ذؤيب المشهورة التي يرثي فيها أولاده (انظرها في ديوان الهذليين ص 3) وقبل بيت الشاهد قوله: وإذا المنية ... إلخ. ومعنى البيت والشاهد فيه واضحان. وهو في معجم الشواهد (ص 227)، وفي شرح التسهيل (1/ 112)، وفي التذييل والتكميل (2/ 92). (¬2) البيتان من الرجز المشطور ولم ينسبا لقائل. اللغة: أكيرعاتي: الكرع: دقة مقدم الساقين والاسم فيه كراع كغراب، ويجمع على أكرع وأكارع؛ وفي بيت الشاهد جمع على أكرع ثم صغر على جمعه، ثم جمعه بعد ذلك جمع مؤنث سالم، وهو موضع الشاهد حيث جمعه وللمرء كراعان اثنان. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (2/ 92) وفي شرح التسهيل (1/ 112). (¬3) المناكب: جمع منكب وهو مجتمع الرأس والكتف. والثنادي: جمع ثندوة بفتح الثاء وواو، وهي مغرز الثدي فإذا ضممت همزت. اللسان (ثدي). الكراسيع: جمع كرسوع كعصفور، وهو طرف الزند الذي يلي الخنصر الناتئ عند الرسغ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر المصنف أن المطرد منه خمسة أنواع: الأول: ذو تاء التأنيث: وهذه العبارة تعم ذا التاء المبدلة هاء في الوقف كتمرة، وذا التاء السالمة من ذلك كبنت وأخت. فلا يقال في جمعهما إلا بنات وأخوات، سمي بهما مؤنث أو مذكر (¬1) أو لم يسم. وكذلك زيت وكيت لو سمي بهما لقيل في جمعهما: زيات وكيات مذكرا كان المسمى بهما أو مؤنثا. وذكر مطلقا ليدخل في ذلك العلم واسم الجنس والمدلول فيه بالتاء على تأنيث ومبالغة كفاطمات وطلحات وسنبلات وبنات ورجال نسابات. قال الشيخ (¬2): «مما فيه تاء التأنيث أسماء لا يجوز جمعها بالألف والتاء؛ ومن تلك الأسماء: شفة، وشاة، وأمة، ومرآة، وامرأة وفلة مؤنث فل المختص بالنداء. فقد أطلق في مكان التقييد». ويمكن الجواب عن المصنف بأن يقال: ما لم يجمعه العرب لا يلزم استثناؤه لا سيما ما لم يكن فيه مانع يمنعه من الجمعية. الثاني: ما كان علما لمؤنث: وإنما ذكر مطلقا ليتناول العاري عن علامة والملتبس بعلامة كزينب وسلمى وسعدى وعفراء، فيقال: زينبات وسلميات وسعديات وعفراوات [1/ 122]. قال الشيخ: «قد أطلق أيضا في مكان التقييد؛ فإن علم المؤنث المعدول عن فاعلة في لغة من بناه (¬3) لا يجوز جمعه بالألف والتاء. وذلك نحو: قطام ورقاش وحذام. فأما لغة من منعه الصرف فيجوز تقول: قطامات ورقاشات» انتهى (¬4). ولا يرد ذلك على المصنف؛ فإن الاسم المبني لا يجوز جمعه؛ إذ من شرط الجمع أن يكون الاسم معربا كما تقدم. الثّالث: صفة المذكّر الّذي لا يعقل: نحو راسيات ومعدودات من جبال راسيات - ¬

_ (¬1) في النسخة (جـ): سمي بهما مذكرا أو مؤنث. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (2/ 93). (¬3) وهم الحجازيون: إجراء له مجرى فعال الواقع موقع الأمر كنزال لشبهه به في الوزن والعدل والتعريف. وأكثر بني تميم يوافقون الحجازيين فيما آخره راء كصفار. وأما الباقون من بني تميم فإنهم يمنعونه الصرف كله للعلمية والعدل عن فاعلة وهو المذهب الثاني فيه. (¬4) انظر: التذييل والتكميل (2/ 94).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيام معدودات (¬1). الرّابع: مصغّر المذكّر الّذي لا يعقل: نحو دريهم ودريهمات، ودنينير ودنينيرات وكتيب وكتيبات. قال المصنف في شرح الكافية: «واطّرد هذا الجمع في تصغير غير الثلاثيّ من أسماء المذكرات التي لا تعقل نحو دريهمات» (¬2) ولم يذكر هذا القيد هنا ولم يذكره غيره أيضا. والظاهر أن التقييد بغير الثلاثي غير معتبر فليتأمل ذلك. الخامس: اسم الجنس المؤنث بالألف: نحو بهمى وبهميات، وحبلى وحبليات، وصحراء وصحراوات وقاصعاء وقاصعاوات (¬3). إلا أن يكون الاسم المؤنث بالألف فعلى المقابل لفعلان، أو فعلاء المقابل لأفعل نحو سكرى وحمراء؛ فإنهما لا يجمعان بالألف والتاء كما لا يجمع مذكراهما بالواو والنون، فلا يقال سكريات ولا حمراوات، كما لا يقال سكرانون ولا حمراؤون. أما إذا صغر نحو سكرى وحمراء، فإنه يجوز جمعها بالألف والتاء قياسا، ذكر ذلك ابن الضائع - رحمه الله تعالى - فيقال: سكيريات وحميراوات، وقد تقدم عنه أن مذكرهما يجمع بالواو والنون إذا كان مصغرا أيضا، فيقال: سكيرانون وأحيمرون. قال المصنف: «ولا يلزم هذا المنع فيما كان من الصفات على فعلاء ولا مذكر لها على أفعل، نحو: عجزاء وهطلاء وسيراء (¬4)؛ لأن منع الألف والتاء في نحو حمراء تابع لمنع الواو والنون من أحمر، وذلك مفقود في عجزاء وأخواتها، فلا مانع - ¬

_ (¬1) في القرآن: وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ: 13] وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ [البقرة: 203]. (¬2) انظر تحقيق شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 204) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. قال: واطّرد هذا الجمع في تصغير غير الثّلاثي من أسماء المذكرات التي لا تعقل نحو دريهمات وفي صفات المذكرات التي لا تعقل كقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ قال: وعلى هذا نبهت بقولي: ... وعلى ... جمعك راسيات تريد الجبلا (¬3) البهمى: نبات تأكله الدواب، والقاصعاء: جحر اليربوع. (¬4) يقال: امرأة عجزاء: كبيرة العجز. وديمة هطلاء: أي شديدة المطر. ويقال: حلة سيراء بكسر السين: أي فيها خطوط صفراء وحمراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من جمعها بالألف والتاء على أن الجمع بالألف والتاء مسموع في: خيفاء وهي الناقة التي خيفت أي اتسع جلد ضرعها، وكذا سمع في: دكّاء (¬1) وهي الأكمة المنبسطة. وكلاهما نظير ما ذكرت من عجزاء وهطلاء وسيراء في أنهن صفات على فعلاء لا مقابل لها على أفعل فثبت ما أشرت إليه» (¬2). قال الشيخ: «قال أصحابنا: قد يكون فعلاء وصفا وليس له أفعل، ولا يجمع من ذلك بالألف والتاء نحو عذراء لا يقال أعذر، وعجزاء لا يقال أعجز؛ ومع ذلك لا يقال عذراوات ولا عجزاوات، قال: فالذي ينبغي أن يقال: أن الذي ذكره المصنف لا يجوز، وأما جمع خيفاء ودكاء بالألف والتاء فشاذ وإجراء لهما مجرى الأسماء؛ ألا ترى إلى جريان دكاء على المذكر في قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا (¬3) في قراءة من قرأ بالمد». انتهى (¬4). أما إذا نقل فعلى فعلان أو فعلاء أفعل، إلى الاسمية الحقيقية أو الحكمية، فإنه يجوز جمعهما إذ ذاك. أما نقل فعلى إلى الاسمية فلم يمثل له المصنف. ومثل الشيخ للنقل الحقيقي فيها بسكرى إذا سمي بها مؤنث منقول [1/ 123] سكريات. قال: وأما النقل الحكمي فلم يحفظ؛ إذ لم تعامل فعلى فعلان معاملة الأسماء؛ فإن وجد كان تقسيم المصنف صحيحا، وإلا كان قاصرا (¬5). وأما نقل فعلاء إلى الاسمية الحقيقية، فمثاله حواء وهو أحسن من تمثيل الشيخ له بحمراء إذا سمي بها. - ¬

_ (¬1) في اللسان: ناقة خيفاء بينة الخيف: واسعة جلد الضرع. والجمع خيفاوات، وخيف الأولى نادرة؛ لأن فعلاوات إنما هي للاسم أو الصفة الغالبة غلبت الاسم، (اللسان: خيف). وفي اللسان أيضا: الدكّاء: الرابية من الطين ليست بالغليظة، والجمع دكاوات أجروه مجرى الأسماء لغلبته (اللسان: دكك). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 113). (¬3) سورة الأعراف: 143 والقراءة هي قراءة حمزة والكسائي وخلف (النشر في القراءات العشر 1/ 271) وهو يشير بهذه القراءة إلى أن دكاء جرى مجرى الاسم. وخرج ابن خالويه القراءة على أنها صفة قامت مقام الموصوف (الحجة، ص 163). (¬4) انظر: التذييل والتكميل (2/ 97) وما بعدها. (¬5) أي على فعلاء أفعل دون فعلى فعلاء، انظر التذييل والتكميل (2/ 97).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: «فإن حوّاء علم امرأة منقول من حوّاء أنثى أحوى». وأما نقله إلى الاسمية الحكمية، فمثاله بطحاء؛ فإنها صفة مقابلة في الأصل لأبطح؛ إلا أنها غلب استعمالها مستغنية عن موصوف، فأشبهت الأسماء، فجاز أن تعامل في الجمع معاملة صحراء. وما سوى هذه الأنواع الخمسة لا ينقاس جمعه بالألف والتاء؛ فإن ورد منه شيء كذلك اقتصر فيه على السماع. قال المصنف: والمراد بما سوى ذلك: ما لا علمية فيه ولا علامة من أسماء المؤنث وصفاته، فيدخل في ذلك نحو شمس ونفس وأتان وعناق وامرأة صبور وكف خضيب وجارية حائض ومعطار. فلا يجمع شيء من هذه الأسماء والصفات ونحوها بالألف والتاء؛ إلا إذا سمع فيعد شاذّا عن القياس ولا يلحق به غيره. فمن الشاذ: سماء وسماوات، وأرض وأرضات، وعرس وعرسات، وعير وعيرات، وشمال وشمالات، وخود وخودات، وثيب وثيّبات. وأشدّ من هذا جمع بعض المذكرات الجامدة، كحسام وحسامات، وحمّام وحمّامات، وسرادق وسرادقات. وكل هذا شاذ مقصور على السّماع. انتهى (¬1). واعلم أن ابن الضائع ذكر في نحو صبور أنه إذا صغر جاز جمعه بالألف والتاء قياسا، فيقال صبيّرات. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. وأما نحو حسام وحمّام من المذكرات الجامدة، فذهب ابن عصفور في قوله الآخر إلى أن جمعها بالألف والتاء قياس مطرد إذا لم تكسر (¬2). - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 114). (¬2) لابن عصفور في جمع المذكرات الجامدة جمع مؤنث سالم مذهبان: الأول وهو الجواز: ما حكاه في المقرب (ص 447) ومعه المثل بتحقيق/ عادل عبد الموجود. يقول في ذكر ما يطرد فيه جمع المونث: وكلّ اسم لا علامة فيه أيضا للتأنيث لمذكر كان أو لمؤنث غير علم إذا لم تكسره العرب، نحو حمامات وسجلات وسرادقات؛ فإن كسرته لم يجز جمعه بالألف والتاء ... ثم قال: ولذلك لحن المتنبي في قوله: إذا كان بعض النّاس سيفا لدولة ... ففي النّاس بوقات لها وطبول جمع بوقا على بوقات مع أن (أبواق) جائز (المرجع السابق). والرأي الآخر: وهو المنع واقتصار ذلك على المسموع فقط، حكاه في شرحه على الجمل (1/ 85). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ: «ظاهر كلام سيبويه أن المذكر المكبر إما أن يكون جمع جمع تكسير فلا يجوز جمعه بالألف والتاء، وذلك نحو جوالق (¬1) لا يقال فيه جوالقات؛ لأنهم كسروه. فقالوا فيه: وشذ من ذلك بوانات وعرسات وضفدعات؛ لأنهم كسروها وقالوا: أبوان وأعراس وضفادع، ولذلك لحن المتنبي (¬2) في قوله: 178 - إذا كان بعض النّاس سيفا لدولة ... ففي النّاس بوقات لها وطبول (¬3) - ¬

_ - تحقيق الشغار وإشراف يعقوب، قال بعد أن عد ما يطرد فيه جمع المؤنث: وما عدا ذلك لا يجوز جمعه بالألف والتاء إلا حيث سمع، نحو حمامات وسرادقات وإصطبلات وسجلات، وكذلك لحن المتنبي في قوله ... وحكى البيت ثم قال: فجمع بوقا على بوقات، وليس ذلك بابه - المرجع السابق. (¬1) الجوالق بكسر الجيم واللام وبفتح الجيم أيضا ثمّ فتح اللام: اسم للوعاء وجمعه جوالق بفتح الجيم، ومده سيبويه فقال: جواليق. الكتاب (3/ 615). وزاد صاحب القاموس: جوالقات (3/ 225). والبوان بضم الباء وكسرها: عمود للخباء جمع: أبونة وبون، والعرس بكسر السين امرأة الرجل ورجلها ولبؤة الأسد جمع: أعراس. والعرس بالفتح ويضم له معان منها: الإقامة في الفرح والحبل والفصيل الصغير، ويجمع على أعراس (القاموس: 2/ 238). (¬2) هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الكندي الكوفي، المشهور بالمتنبي، ولد سنة 303 هـ، ولما شب تعلم العربية والشعر واللغة والإعراب في مدارس الكوفة وبغداد، ثم انتقل بعد بلوغه العشرين إلى الشام ووجد الأمر متهيئا للقيام بثورة - أو نبوة - فاعتقله والي حمص ثم عفا عنه واستقر به المقام أخيرا عند سيف الدولة في حلب فمدحه بشعر غزير طوال تسعة أعوام. ولما لم يطب له المقام عند سيف الدولة هجره إلى مصر، حيث كان كافور الإخشيدي هناك حاكما عليها، فمدحه ما يقرب من خمسة أعوام، ثم تغير عليه كافور، فترك المتنبي مصر وسافر إلى بغداد، ومنها إلى فارس حيث سمع به ابن العميد فمدحه المتنبي، ثم انتقل إلى شيراز فمدح عضد الدولة بأجمل قصائده، وختمها بهذا البيت: أروح وقد ختمت على فؤادي ... بحبك لن يحلّ به سواكا وهو ما وقع حيث قتله جماعة وهو عائد إلى بغداد قرب نهر دجلة سنة 354 هـ. له ديوان شعر كبير مطبوع عدة مرات وقد شرحه كثيرون ابتداء من ابن جني في القديم حتى عبد الرحمن البرقوقي في الحديث. (انظر ترجمته في الأعلام: 1/ 10، 11) وقد كتبت فيه كتب ورسائل كثيرة منها رسالة ماجستير بعنوان: الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي للدكتور علي محمد فاخر. (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للمتنبي يمدح فيها سيف الدولة. (ديوان أبي الطيب المتنبي - بشرح أبي البقاء العكبري: 3/ 95). اللغة: بعض الناس: يقصد سيف الدولة. بوقات: جمع بوق وهو آلة ينفخ فيها فتزمر. طبول: جمع طبل وهو ما يضرب به. والبيت في مدح سيف الدولة وهجاء غيره من الملوك. واستشهد به ابن جني على جواز جمع مذكر الذي لا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهم كسروا بوقا فقالوا: أبواق (¬1). وإما ألا يكون جمع جمع تكسير، فيجوز جمعه بهما قياسا مطردا. فيقال في حمام وسجل وسرادق وإصطبل: حمامات وسجلات وسرادقات وإصطبلات» انتهى (¬2). فعلى ما ذكره ابن الضائع وظهر من كلام سيبويه، يكون الذي يجمع بالألف والتاء قياسا سبعة أنواع (¬3). * * * ¬

_ - يعقل بالألف والتاء (المحتسب: 1/ 295) ورده النحاة بأن ما يجمع منه جمع تكسير لا يجوز أن يجمع بالألف والتاء، وبوق جمع على أبواق فلا يجمع على بوقات. وأما شاهده هنا فواضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 285) وفي التذييل والتكميل (2/ 100). (¬1) انظر حديثا مفصلا عن هذا اللحن الذي وقع فيه المتنبي، وكيف دافع عنه بعضهم، وخرجوا البيت على وجه صحيح في رسالة (الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي ص 449 وما بعدها) للدكتور/ علي محمد فاخر. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (2/ 100)، وكتاب سيبويه: (3/ 615) وفيه يقول: هذا باب ما يجمع من المذكر بالتاء لأنه يصير إلى تأنيث إذا جمع. فمنه شيء لم يكسر على بناء من أبنية الجمع فجمع بالتاء إذ منع، وذلك قولهم: سرادقات وحمامات وإيوانات ... إلخ. (¬3) الخمسة الأول التي ذكرت وهي: ما فيه التاء، علم المؤنث، صفة المذكر غير العاقل، مصغره، اسم الجنس المؤنث بالألف، والسادس الصفة التي يستوي فيها المذكر والمؤنث إذا صغرت، وهذا عند ابن الضائع، والسابع المذكر المكبر إذا لم يكسر. وهو رأي ابن عصفور وظاهر مذهب سيبويه. والله أعلم.

الباب السادس باب المعرفة والنكرة

الباب السادس باب المعرفة والنّكرة * [أنواع المعرفة] قال ابن مالك: (الاسم معرفة ونكرة؛ فالمعرفة مضمر وعلم ومشار به ومنادى وموصول ومضاف وذو أداة). قال ناظر الجيش: لم يحدّ المصنف المعرفة واستغنى عن ذكرها بذكر أنواعها، ولا النكرة؛ لأنه لما حصل أنواع المعرفة بالعد بين أن النكرة ما عدا ذلك، والحامل له على ترك ذكر الحد ما ذكره في الشرح، وهو أنه قال (¬1): «من تعرض لحد المعرفة عجز عن الوصول إليه [1/ 124] دون استدراك عليه؛ لأن من الأسماء ما هو معرفة معنى، نكرة لفظا، وما هو نكرة معنى، معرفة لفظا، وما هو في استعمالهم على وجهين: فالأول: نحو قولهم: كان ذلك عاما أوّل وأوّل من أمس، فإن مدلول كل واحد منهما معين لا شياع فيه؛ ولكنهما لم يستعملا إلا نكرتين. والثاني: نحو قولهم للأسد: أسامة، فإنه يجري في اللفظ مجرى حمزة في منع الصرف والاستغناء عن الإضافة، والألف واللام، وفي وصفه بالمعرفة دون النكرة، واستحسان مجيئه مبتدأ وصاحب حال، وهو في الشياع كأسد. والثالث (¬2): كواحد أمّه، وعبد بطنه؛ فإن أكثر العرب يجعلهما معرفتين بمقتضى الإضافة، وبعض العرب يجعلهما نكرتين ويدخل عليهما ربّ وينصبهما على الحال، ذكر ذلك أبو علي. ومثلهما في إعطاء حكم المعرفة تارة وحكم النكرة أخرى - ذو الألف واللام الجنسيتين؛ فإنه من قبيل اللفظ معرفة، ومن قبيل المعنى لشياعه نكرة؛ فلذلك يجوز أن يوصف بمعرفة اعتبارا بلفظه وهو الأكثر، ويجوز أن يوصف بنكرة اعتبارا بمعناه نحو: مررت بالرجل خير منك. وعلى ذلك حمل المحققون قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 115). (¬2) الثالث من تقسيمه الأسماء القسمة السابقة، وهي معرفة معنى نكرة لفظا، نكرة معنى معرفة لفظا، وما هو في الاستعمال على وجهين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (¬1) فجعلوا نسلخ صفة لليل، والجمل لا يوصف بها إلا النكرات. وإذا ثبت كون الاسم معرفة بهذه المثابة، فأحسن ما يبين به ذكر أقسامه مستقصاة. ثم يقال: وما سوى ذلك فهو نكرة» انتهى (¬2). وناقشه الشيخ فيما ذكره فقال: «أما قوله إن عاما أوّل، وأوّل من أمس في التركيب الذي أشار إليه مدلولهما معين لا شياع فيه بوجه، ولم يستعملا إلا نكرتين، ففرق بين الوضع والاستعمال. أما لفظ عام فلا شك في أنه نكرة ومدلوله شائع (¬3) في جنسه كرجل؛ وإنما اكتسب التعيين عند السامع باستعماله عند صفته للعام الذي كان قبل عامك. وكذلك أول من أمس معناه: يوما أول من أمس فحذف يوما وقامت صفته مقامه ومدلول يوم شائع في جنسه؛ ولما وصفته بأول وعنيت عاما أول من عامك، ويوما أول من يومك - اكتسب بالاستعمال والوصف انطلاقه على العام الذي يلي عامك، واليوم الذي يلي يومك (¬4). ولا شك أنه يعرض للنكرات أن تعيين المراد ببعض أفرادها لقرينة لفظية أو حالية» انتهى (¬5). والذي ذكره الشيخ حق؛ ولا شك أن بين الوضع والاستعمال فرقا واضحا؛ فلا يلزم من التعيين في الاستعمال التعيين في الوضع (¬6). ثم قال الشيخ: «وأما قولهم للأسد أسامة ونحو ذلك، فقد يطلق عليه أنه معرفة على طريق المجاز؛ إذ لا يخالف في معناه دلالة أسد؛ إنما يخالفه في أحكام لفظية» انتهى (¬7). - ¬

_ (¬1) سورة يس: 37. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 126). (¬3) في التذييل والتكميل: ومدلوله معنى شائع في جنسه كرجل ... إلخ. (¬4) في الفقرات الأخيرة اضطراب أو سقوط بعض ألفاظ صححتها من شرح أبي حيان نفسه: (2/ 107). (¬5) انظر التذييل والتكميل: (2/ 107). ومن أمثلة تعيين المراد بالقرينة ما مثل به أبو حيان من قولك: لقد قتل ابن ملجم رجلا عظيما؛ فيفهم من قولك: رجلا عظيما أنه علي بن أبي طالب. وقوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ [التكوير: 19] فيفهم منه أنه محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ فذلك لا يحتمل الشياع ولكنه نكرة في الصناعة النحوية. (¬6) أي: فلا يلزم من التعيين في الاستعمال الذي يوجب تعريف الاسم التعيين في الوضع الذي يوجب تنكيره. (¬7) انظر: التذييل والتكميل (2/ 108). وأما الأحكام اللفظية التي يخالف فيها أسد وأسامة فستأتي بعد ذلك في باب العلم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: ويؤيد ما ذكره الشيخ قول المصنف في ألفيته: (ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم) ثم قال الشيخ: «وأما قوله يعني [1/ 125] المصنف: كواحد أمّه وعبد بطنه، فهذا له اعتبارات كما ذكر، لا يدخل أحد الاعتبارين على الآخر. ومن تأول واحد أمه بمنفرد أمه، وعبد بطنه بخادم بطنه، اعتقد تنكيرهما لتأولهما باسم الفاعل، ومن لم يتأولهما باسم الفاعل أقرهما على التعريف بالإضافة، وهذا لا يبعد نظيره في اللفظ الواحد باعتبار تأويلين. ألا ترى أن مثلك نكرة عند أكثر العرب، ومعرفة عند بعضهم؟» انتهى (¬1). والذي ذكره الشيخ من الاعتبارين صحيح. ثم قال: وأما قوله: ومثلهما ذو الألف واللام الجنسيتين - فلا يقوم دليل على أن الذي هي فيه نكرة، ولا يقوم دليل على أنها تنعت بالنكرة. وأما قولهم: مررت بالرجل خير منك، فيحتمل أن تكون اللام زائدة، أو يكون (خير منك) بدلا لا وصفا. وأما قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (¬2) فنسلخ جملة حالية لا نعت. انتهى (¬3). قلت: وقد قال المصنف في باب المعرف بالأداة: «والبدليّة في نحو: ما يحسن بالرّجل خير منك - أولى من النّعت والزّيادة» (¬4). وإذ قد عرفت هذا فلنذكر حدي المعرفة والنكرة، وأحسن ما قيل إن المعرفة: هي ما وضع لشيء بعينه، فما وضع لشيء: يشمل المعرفة والنكرة. وبعينه: يخرج النكرة، ولا يعني بالتعريف أن يكون المدلول معينا للمخاطب حتى لا يلتبس بغيره، وإنما يعني به أن يكون اللفظ موضوعا لمعين، على خلاف وضع النكرات في كونها موضوعة لواحد لا بعينه من آحاد مشتركة في معنى كلي. وإن النكرة: هي ما وضع لشيء لا بعينه، أي لواحد شائع في أمته لا يخصّ - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (2/ 109). (¬2) سورة يس: 37. (¬3) انظر المرجع السابق. (¬4) سيأتي في هذا التحقيق آراء النحاة في نحو: ما يحسن بالرّجل خير منك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدا دون آخر باعتبار الوضع وبخلاف المعرفة. وفي كلام المصنف إشارة إلى شيء من هذا، حيث قال في الكافية الشافية: ما شاع في جنس كعبد نكرة ... وغيره معرفة كعنترة (¬1) والمراد بالمنادى في كلام المصنف: النكرة المقبل عليها؛ لأن النكرة غير المقبل عليها باقية على التنكير، والعلم باق في النداء على تعريف العلمية، خلافا لمن ادعى أنه ينكر ثم يعرف بالنداء. والمراد بالمضاف: ما أضيف إلى معرفة إضافة معنوية لا لفظية؛ وإنما سكت عن تبيين ذلك لوضوحه. وعند المصنف: أن أقسام المعرفة سبعة كما ذكرها. وأكثرهم يذكرون أنها خمسة أقسام؛ لأنهم لا يعدون المنادى والموصول، ومنهم من يغفل المنادى خاصة فيكون الأقسام عنده ستة، لكن يعدها خمسة؛ لأنه يجعل منها قسما هو المبهم، ويعبر به عن اسم الإشارة والموصول. والسبب في أن منهم من يعد المنادى والموصول، ومنهم من لا يعدهما، أو لا يعد أحدهما: أنهم اختلفوا في الموجب لتعريفهما. وأما المنادى: فقيل: إنه معرفة بألف ولام محذوفتين. وناب حرف النداء منابهما؛ فهو من قبيل ما عرف باللام. قال الشيخ: «وهو الّذي صحّحه أصحابنا» (¬2). وقيل: إنه معرفة بالإقبال عليه والقصد والخطاب، فهو قسم برأسه. قال المصنف: «قال قوم: تعريفه بحرف [1/ 126] حذف لفظا وبقي معنى، كما بقي معنى الإضافة في نحو: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ (¬3). وقال قوم: بل تعريفه بالمواجهة والإشارة إليه، وهذا المعنى مفهوم من ظاهر قول سيبويه، وهو أظهر وأبعد من التكلف» انتهى (¬4). - ¬

_ (¬1) انظر تحقيق شرح الكافية الشافية لابن مالك (جـ 1 ص 222) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي - جامعة أم القرى. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (2/ 111). (¬3) سورة الفرقان: 39 وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً. (¬4) انظر: شرح التسهيل (1/ 116). وقول ابن مالك (وهذا المعنى مفهوم من ظاهر قول سيبويه) لم أجده في الكتاب. وقد ذكر سيبويه أنواع المعرفة وعدها خمسة، ولم يذكر منها المنادى. انظر -

[ترتيب المعارف]

[ترتيب المعارف] قال ابن مالك: (وأعرفها ضمير المتكلم، ثمّ ضمير المخاطب، ثمّ العلم، ثمّ ضمير الغائب السّالم عن إبهام، ثمّ المشار به، والمنادى، ثمّ الموصول وذو الأداة؛ والمضاف بحسب المضاف إليه). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الموصول: فذهب الأخفش (¬1) إلى أنه معرف باللام، وما ليس فيه لام كمن وما، فهو في معنى ما هي فيه، وأما أيهم فإنه معرف بالإضافة، وعلى هذا الأكثرون من النحاة؛ فالموصول على هذا من قبيل المعرف باللام أيضا. وذهب الفارسي (¬2) إلى أن تعريفه بالعهد الذي في الصلة؛ وهذا هو رأي المصنف، ولذا عده قسما برأسه. وقد رد هذا المذهب بأن الصلة تتنزل من الموصول منزلة الجزء، فكما أن جزء الشيء لا يعرف الشيء، كذلك ما نزل منزلته. وفي هذا الرد نظر لا يخفى (¬3). قال ناظر الجيش: اعلم أن معنى كون بعض المعارف أعرف من الآخر، أن يكون أقل اشتراكا من الذي أعرف منه، فيكون تطرق الاحتمال إلى الأعرف أقل من تطرقه إلى غير الأعرف، وعلى هذا يندفع ما ذكر عن ابن حزم الظاهري (¬4) - ¬

_ - الكتاب: (2/ 5 - 8). وقد أسقط أبو حيان العبارة السابقة من شرحه؛ فدل ذلك على دقته؛ لكن شارحنا ذكرها تبعا لابن مالك. عفا الله عن الجميع. (¬1) انظر: التذييل والتكميل (2/ 111)، والهمع (1/ 55). (¬2) قال أبو علي - في المسائل الشيرازيات (ص 419) بعد كلام في الموصول -: «... وهكذا ينبغي أن يكون في القياس؛ لأن الذي إنما يتعرف بالصلة وليس يتخصص بلام المعرفة؛ ألا ترى أن أخوات الذي معارف ولا ألف ولام فيهن، وإنما اختصصن بصلاتهن، ولو اختص الذي بلام المعرفة للزم أن يكون في الاسم تعريفان. وهذا خلف». (¬3) هذا النظر يقال فيه: إن الصلة وإن تنزلت من الموصول منزلة الجزء، إلا أنها مستقلة في اللفظ والوضع، ولها شروط خاصة تدل على استقلالها، مما يمنع أن تكون سببا في تعريف موصولها. وعلى فرض جزئيتها من الموصول فلا يمتنع التعريف بها أيضا، ألا ترى أن أل في الاسم سبب في تعريفه وأنها جزء منه بدليل أن العامل يتخطاها (الهمع: 1/ 79) وأكثر المعارف تعريفها بالمعاني؛ فالضمائر بالتكلم والخطاب والغيبة، وأسماء الإشارة بالإشارة والمنادى بالقصد ... إلخ. (¬4) هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، ولد بقرطبة بالأندلس، وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة؛ فزهد فيها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من فضلاء الباحثين -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله تعالى، من أن المعارف كلها مستوية الرتبة، فلا يصح أن يقال: هذا أعرف من هذا؛ لأن المعرفة لا تتفاضل. ولا يصح أن يقال: عرفت هذا أكثر من هذا؛ لأنه يكون في حق المرجوح المعرفة جهلا؛ فالذي أشار إليه ابن حزم وإن كان صحيحا في نفسه هو غير ما أراده أهل الصناعة النحوية (¬1). ثم إن المنادى والموصول لم يخصا بالذكر عند التعرض لذكر التفاضل بين المعارف: أما على رأي من لا يعدهما قسمين برأسيهما فظاهر، وأما على رأي من يعدهما كالمصنف، فلأنه جعل المنادى في رتبة المشار إليه، والموصول في رتبة ذي الأداة؛ فعلى هذا إنما يذكر التفاضل بين الخمسة الباقية وهي: المضمر، والعلم، والمشار به، وذو الأداة (¬2)، والمضاف إلى أحدهما. واعلم أنه ما من شيء من المعارف المذكورة إلا قيل إنه أعرف من بقيتها إلا المضاف. وسببه أن المضاف إنما يكتسب التعريف من الذي أضيف إليه، فلا يمكن جعله أعرف مما اكتسب منه التعريف. إذا تقرر هذا: فقيل: المضمر أعرفها، وعلى ذلك الجمهور وهو مذهب سيبويه، وقيل: العلم أعرفها، وعزي إلى الكوفيين والصيمري (¬3)، وقيل: اسم الإشارة أعرفها، ونسب إلى ابن السراج، وقيل: المعرف بأل أعرفها. والأصح: أن الضمير أعرفها، ثم يليه العلم، ثم اسم الإشارة، ثم ذو الأداة، وهذا هو الذي أورده المصنف. وقد تقدم أن المنادى في رتبة المشار به؛ وأن الموصول - ¬

_ - والمؤلفين والعلماء. من مؤلفاته: طوق الحمامة في الأدب، وجمهرة الأنساب في التراجم، وغير ذلك من الكتب، وتوفي سنة (456 هـ)، ترجمته في الأعلام (5/ 59). (¬1) الهمع (1/ 55). (¬2) ويدخل في المشار به وفي مرتبته: المنادى، كما يدخل الموصول في ذي الأداة ويكون في مرتبته. (¬3) هو عبد الله بن علي بن إسحق الصيمري النحوي أبو محمد، قال السيوطي: له التبصرة في النحو، وهو كتاب جليل أكثر ما يشتغل به أهل المغرب. وقال: أكثر أبو حيان من النقل عنه. انظر ترجمته وأخباره في بغية الوعاة (2/ 49). وكتاب التبصرة المذكور طبع في دار الفكر بدمشق سنة (1982 م) بتحقيق الدكتور فتحي أحمد مصطفى علي الدين (جزآن في مجلدين). وانظر رأي الصيمري في أعرف المعارف، كتابه المذكور (1/ 95، 172).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في رتبة ذي الأداة (¬1). وأما المضاف إلى أحدها ففيه ثلاثة مذاهب: أحدها: أن ما أضيف إلى شيء فهو في رتبة ذلك الشيء، وهو رأي جماعة منهم المصنف. الثاني: أن ما أضيف [1/ 127] إلى شيء فهو دون ما أضيف إليه في الرتبة وهو قول المبرد. الثالث: التفصيل وهو إن أضيف إلى غير المضمر فهو في رتبته، وإن أضيف إلى المضمر فهو في رتبة العلم (¬2). وذكر ابن عصفور (¬3) أنه مذهب سيبويه. واختار الشيخ أن العلم أعرف المعارف، ثم المضمر، ثم المبهم، ثم ذو الأداة؛ - ¬

_ (¬1) في أعرف المعارف وآراء النحاة في ذلك وإسناد كل رأي إلى صاحبه، ما قرره ناظر الجيش هنا تابعا لأبي حيان في شرحه: (2/ 112، 113، 114). وجاء بعد ذلك صاحب الهمع (1/ 55) وقرر ما قرراه، وبعد تحقيق هذه الآراء ونسبتها إلى أصحابها ظهر لي: 1 - أن سيبويه لم ينص على أن أعرف المعارف هو الضمير؛ وإنما حين ذكر أنواع المعرفة الخمسة بدأ بالعلم وختم بالضمير. انظر الكتاب (2/ 5 - 8). 2 - قال محقق التذييل والتكميل (د. مصطفى حبالة) في نسبة أعرف المعارف العلم إلى الصيمري بعد نقول عنه من كتابه التبصرة: وبذلك يتبين لنا أن الصيمري يرى أن المضمر هو أعرف المعارف، وليس كما يقول أبو حيان ها هنا عنه (التذييل والتكميل (1/ 394) - رسالة دكتوراه بكلية اللغة بالقاهرة). 3 - قال محقق التذييل والتكميل أيضا في نسبة أعرف المعارف اسم الإشارة إلى ابن السراج، قال: لم أجد في أصول ابن السراج ما يفيد ذلك. تنظر الأصول في النحو (1/ 176) وفيها يقول: والمعرفة خمسة أشياء: الاسم المكنى عنه وهو الضمير والمبهم والعلم، وما فيه الألف واللام، وما أضيف إليهن (التذييل والتكميل: 1/ 394 - الرسالة). (¬2) انظر في المذهب الأول شرح التسهيل (1/ 117) والجماعة هم ابن طاهر وابن خروف؛ وانظر المذهب الثاني في المقتضب: (4/ 143) وفيه حديث للمبرد عما توصف به المعارف من أنواع المعارف، وذكر أن المضاف إلى شيء لا يوصف بذلك الشيء بل بأدنى منه، ومثل له بقوله: مررت بأخيك الطويل، وجاء غلام زيد القاتل، ومررت بأخيك ذي المال، ورأيت أخاك ذا الجمة، وجاءني أخوك هذا. وانظر في المذهب الثالث التذييل والتكميل (1/ 397)، وأصحاب التفصيل هم الأندلسيون. وانظر في المذاهب الثلاثة الهمع (1/ 56). (¬3) انظر شرح الجمل له: (1/ 153) تحقيق الشغار؛ قال ابن عصفور: وهو الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فجرى على الترتيب المذكور آنفا، غير أنه قدم العلم على المضمر، قال: «وإنما ذهبت إلى تقديم العلم؛ لأنه جزئي وضعا واستعمالا، وباقي المعارف كليات وضعا، جزئيات استعمالا. فأنا مثلا لكل متكلم، وكذا أنت لكل مخاطب، وهو لكل غائب؛ فوضعت كلية وبالاستعمال تصير جزئية، وكذا اسم الإشارة وضع لكل من يشار إليه» انتهى (¬1). وهذا الذي ذهب إليه الشيخ من أن المضمر وبقية المعارف غير العلم كليات وضعا - ذهب إليه بعض المتأخرين من علماء الأصول، فاستشكل كونهم جعلوا الضمير أعرف المعارف. والحق أن المضمر جزئي وضعا؛ وذلك أن أنا مثلا وضع للمتكلم، والمتكلم حال التكلم معين. وأنت للمخاطب والمخاطب حال الخطاب معين، وكذا بقية الضمائر. واسم الإشارة أيضا وضع للمشار إليه، وهو معين حال الإشارة إليه، فلم يوضع كل من الضمير واسم الإشارة إلا لمعين. ثم إذا كان المضمر أعرف من بقية المعارف، فإن تعريفه في نفسه متفاوت بالنسبة إلى أنواعه، فضمير المتكلم أعرف. قال المصنف: لأنه يدل على المراد به بنفسه، وبمشاهدة مدلوله، وبعدم صلاحيته لغيره وبتميز صوته (¬2). ثم ضمير المخاطب؛ لأنه يدل على المراد به بنفسه وبمواجهة مدلوله. ويقتضي قولهم: إن الضمير أعرف المعارف أن يلي ضمير المخاطب في الرتبة ضمير الغائب، وقد صرح ابن عصفور بذلك (¬3). لكن المصنف جعل رتبة العلم قبل رتبة ضمير الغيبة، قال: لأن العلم يدل على المراد به حاضرا وغائبا على سبيل الاختصاص. قال الشيخ: «لا أعلم أحدا جعل العلم أعرف من ضمير الغائب إلّا المصنف» (¬4). وقيد المصنف ضمير الغائب بكونه سالما عن إبهام ومثله بقوله: زيد رأيته، قال: - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (2/ 114). (¬2) في النسخة (جـ): (وبتميز صورته) وكلاهما مفيد. (¬3) انظر شرح الجمل له (2/ 239) بتحقيق الشغار. (¬4) انظر: التذييل والتكميل (2/ 114) ونص ما قاله أبو حيان: لا أعلم أحدا ... إلا هذا الرجل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «فلو تقدمه اسمان أو أكثر نحو: قام زيد وعمرو كلمته - لتطرق إليه إبهام، ونقص تمكنه في التّعريف» انتهى (¬1). وعلى ما قرره لم تعرف رتبة الضمير المتطرق إليه الإبهام ما هي في التعريف؛ والظاهر أنها دون رتبة الضمير السالم عن الإبهام، وفوق رتبة المشار إليه (¬2). وقول المصنف: ثمّ المشار به والمنادى - قد تقدم أن المشار به دون العلم في الرتبة وأن المنادى في رتبته؛ وقوله: ثم الموصول وذو الأداة تقدم أن ذا الأداة بعد المشار إليه في الرتبة، وأن الموصول في رتبته. قال المصنف: «وهو بحسب صلته يتكمل تعريفه بكمال وضوحها وينقص بنقصانها» (¬3) وكلامه في الشرح يشعر بتقديم الموصول في الرتبة على ذي الأداة [1/ 128] (¬4). قال ابن عصفور - بعد أن ذكر أعرف المضمرات - (¬5): «وأعرف الأعلام أسماء الأماكن، ثم أسماء الأناسي، ثم أسماء الأجناس. وأعرف الإشارات ما كان للقريب ثم للمتوسط ثم للبعيد؛ وأعرف ذي الأداة ما كان فيه للحضور ثم للعهد في شخص، ثمّ للعهد في جنس. وأسماء الأجناس لا يعرف تعريفها من تنكيرها إلا بالاستقراء. فمما هو معرفة ابن آوى وابن قرة (¬6)، ومما هو نكرة ابن لبون وابن مخاض، ومما جاء معرفة ونكرة ابن عرس. وأما ابن أوبر فزعم سيبويه أنه معرفة لامتناعه من الصرف (¬7)، وقال المبرد: هو نكرة لدخول اللام (¬8) عليه في قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 116). (¬2) في نسخة (ب)، (جـ): المشار به. (¬3) شرح التسهيل: (1/ 116، 117). (¬4) وذلك لأنه تحدث عن ذي الأداة بعد الموصول في الشرح وعطف عليه بثم، أما في المتن فعطفه بالواو، وكان يعطف بثم عند الانتقال إلى الرتبة الأخرى. قال أبو حيان: وثبت في بعض النسخ ثم ذو أداة، فجعل ذا الأداة في التعريف بعد الموصول. (التذييل والتكميل: 2/ 116). (¬5) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 239). (¬6) ابن آوى: دابة صغيرة، وابن قرة: ابن الضفدع، وابن أوبر: كمأة صغيرة مزغبة في لون التراب. (¬7) الكتاب: (2/ 94): يقول: هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في الأمة ثم يقول: ومنه أبو جخادب وهو ضرب من الجنادب، كما أن بنات أوبر ضرب من الكمأة وهي معرفة. (¬8) المقتضب: (1/ 48، 49) ثم خرج دخول الألف واللام عليه بأنها للمح الأصل مثلها في الفضل والعباس، أو أن الكلمة صارت مثل هذا ابن عرس وابن عرس آخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 179 - [ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا] ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (¬1) وعند من يرى مذهب سيبويه تكون أل في هذا الاسم زائدة». انتهى ملخصا (¬2). وقوله: والمضاف بحسب المضاف إليه قد تقدم ذكر المذاهب فيه، وأن مذهب سيبويه أن المضاف في رتبة المضاف إليه؛ إلا المضاف إلى المضمر فإنه في رتبة العلم. وإنما جعلوا المضاف إلى المضمر دونه في الرتبة؛ لئلا يكون مساويا للمضمر في التعريف؛ والغرض أن المضمر فقط أعرف المعارف، فلا يشاركه غيره؛ وليس بعد المضمر رتبة تليه إلا رتبة العلم؛ فقالوا: هو في رتبة العلم، ولا يخفى ضعف هذا التعليل (¬3). وأما من جعل المضاف في رتبة المضاف إليه مطلقا، فعمدته في ذلك أن سيبويه حكم بذلك فيما أضيف إلى ذي الأداة، فعمم هؤلاء الحكم (¬4). وقد قيل إن سيبويه لم يطلق التسوية إلا في المضاف إلى ذي الأداة؛ وموجب ذلك أن ذا الأداة أقل وجوه التعريف، فلا انحطاط بعده. وأما أبو العباس المبرد فإنه حمل المضاف إلى كل واحد من الثلاثة غير المضمر على - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل، وقد ورد في مراجع كثيرة من كتب النحو واللغة (انظر ذلك في معجم الشواهد ص 188) ولم ينسب فيها. اللغة: جنيتك: أصلها جنيت لك ومثله كثير، وهو تعدى اللازم بنفسه وحذف حرف الجر. أكمؤا: مفرده كمء واسم جمعه كمأة على العكس من باب تمرة وتمر، ومعناه ضرب من النبات. وعساقلا: جمع عسقل بزنة جعفر أو عسقول وهو ضرب من الكمأة أبيض. بنات الأوبر: كمأة صغيرة رديئة الطعم تلسع. والشاعر يأمر صاحبه بأكل نوع وينهاه عن نوع. ودار هذا البيت في كتب النحاة، مختلفين على بنات أوبر: معرفة أو نكرة؟ فقيل: معرفة لامتناعه من الصرف وأل فيه زائدة، وقيل: نكرة لدخول الألف واللام عليه. (التذييل والتكميل: 2/ 126، وشرح التسهيل: 1/ 259). (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (جـ 2، ص 239) وقد لخصه الشارح كما قال بحذف الأمثلة. (¬3) أي: ما المانع أن يكون المضاف إلى الضمير كالضمير في الرتبة؟. (¬4) كتاب سيبويه: (2/ 6) قال: «واعلم أنّ المعرفة لا توصف إلّا بمعرفة كما أنّ النكرة لا توصف إلّا بنكرة، واعلم أنّ العلم الخاص من الأسماء يوصف بثلاثة أشياء: بالمضاف إلى مثله وبالألف واللّام وبالأسماء المبهمة، والمضاف إلى معرفة يوصف بثلاثة أشياء: بما أضيف إلى الألف واللّام؛ لأنّ ما أضيف إلى الألف واللّام بمنزلة الألف واللّام فصار نعتا». ثم مثل لذلك أثناء كلامه. وتوضيح كلامه في الشرح.

[تفوق الأقل في التعريف]

[تفوق الأقل في التعريف] قال ابن مالك: (وقد يعرض للمفوق ما يجعله مساويا أو فائقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاف إلى المضمر، فجعل المضاف إلى كل منها دونه في التعريف، ورد عليه بقوله تعالى: وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ (¬1) فوصف المضاف إلى ما فيه اللام بما فيه اللام؛ والمتقرر أن النعت لا بد أن يكون مساويا للمنعوت في التعريف أو أقل منه تعريفا، ويلزم من قول المبرد أن يكون النعت فائقا للمنعوت في التعريف، وهو لا يجوز. وأنشد ابن عصفور في شرح الجمل ردّا على المبرد، قول الشاعر: 180 - فأدرك لم يجهد ولم يثن شأوه ... يمرّ كخذروف الوليد المثقّب (¬2) وقول الآخر: 181 - كتيس الظّباء الأعفر انضرجت له ... عقاب تدلّت من شماريخ ثهلان (¬3) ووجه الرد فيما قرر في الآية الكريمة. قال ناظر الجيش: لم يمثل المصنف لمفوق جعل مساويا؛ بل مثل لمفوق جعل فائقا، قال: «كقولك لرجلين حضراك دون ثالث: لك مبرّة بل لك، فإنهما - ¬

_ (¬1) سورة طه: 80. (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة لامرئ القيس في الغزل والوصف، وهي مليئة بالغريب كشعر امرئ القيس كله ومطلعها (الديوان ص 41 - 55): خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... نقضّي لبانات الفؤاد المعذّب وهو في بيت الشاهد يصف شدة عدو فرسه وتحريكه له. وأن زجره يلهبه حتى يصير في شدة جريه كخذروف الوليد إذا أداره؛ ومع ذلك فقد أدرك الفرس صيده دون مشقة. والبيت يحتج به ابن عصفور على المبرد القائل: إن المضاف إلى أحد المعارف دون المضاف إليه في التعريف، بأنه يلزم منه أن يكون النعت فائقا المنعوت في التعريف في مثل هذا البيت (حيث وصف الخذروف بالمثقب) وهو لا يجوز؛ فدل على أن المضاف إلى أحد المعارف مساو للمضاف إليه. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في التذييل والتكميل: (2/ 118). (¬3) البيت من قصيدة لامرئ القيس أيضا من بحر الطويل ومطلعها (الديوان ص 89 - 93): قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ... ورسم عفت آياته منذ أزمان وبيت الشاهد في وصف فرس له. اللغة: تيس الظباء: الذكر من الظبي. الأعفر: ما يعلو بياضه حمرة. انضرجت له: انقضت عليه. العقاب: بالضم طائر قوي. تدلّت: ظهرت. شماريخ ثهلان: أعالي الجبل المسمى بثهلان. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يعرفان بمجرد هذا اللفظ المعطوف من المعطوف عليه ما لم يعضد اللفظ بمواجهة أو نحوها؛ بخلاف قولك: للكبير منكما مبرّة بل للصّغير أو بالعكس، أو تقول: للّذي سبق منكما مبرّة، بل للّذي تأخّر، فإنهما لا يرتابان في مراده بالأول والثاني فقد عرض لذي الأداة والموصول ما جعلهما فائقين في الوضوح لضمير الحاضر. وكذلك يعرض للعلم ما يجعله أعرف من ضمير المتكلم [1/ 129] كقول من شهر باسم لا شركة فيه لمن قال له: من أنت؟ أنا فلان، ومنه قوله تعالى: أَنَا يُوسُفُ (¬1) فالبيان لم يستفد بأنا بل بالعلم بعده. وقد يعرض للموصول مثل ما عرض للعلم، كقول من شهر بفعل لا شركة فيه لمن قال له: من أنت؟ أنا الذي فعل كذا. ومن هذا القبيل سلام الله على من أنزل عليه القرآن، وعلى من سجدت له الملائكة. ومنه: وا من حفر بئر زمزماه» انتهى (¬2). وفيما ذكره نظر؛ وذلك أن ضمير المخاطب إنما يدل على معناه بالمواجهة. وقول المصنف: ما لم يعضد اللفظ بمواجهة، يدل على أن المواجهة في إيراد المثال الذي ذكره مفقودة، وإذا فقدت المواجهة فقد الخطاب، وإذا فقد الخطاب فقدت دلالة اللفظ على ما يقصد به. ولا شك أن قولنا للكبير أو للصغير أو للذي سبق أو تأخر، يتطرق إليه من الاحتمال ما لا يتطرق إلى الضمير في قولنا: لك بل لك إذا حصلت المواجهة من المتكلم للمخاطب، فكيف يكون ما يتطرق إليه الاحتمال أعرف من الذي لا يتطرق إليه احتمال، أو يكون النظر إليه أقل، فلم يظهر أن ذا الأداة والموصول فاقا ضمير الحضور في الوضوح. وأما قوله: إن العلم قد يكون أعرف من ضمير المتكلم كقول القائل: أنا فلان - فغير ظاهر، وذلك أن العلم لم يذكر بعد الضمير للإيضاح؛ لأن دلالة الضمير على - ¬

_ - وامرؤ القيس يصف فرسه بالقوة وأنه يشبه في عدوه تيس ظباء ظهرت له عقاب من أعالي الجبل، فخاف وذعر واشتد في الجري. والشاهد فيه: كما في البيت السابق. والبيت في معجم الشواهد (ص 396)، وهو في التذييل والتكميل (2/ 118). (¬1) سورة يوسف: 90. (¬2) شرح التسهيل (1/ 117).

[تعريف النكرة]

[تعريف النكرة] قال ابن مالك: (والنّكرة ما سوى المعرفة). ـــــــــــــــــــــــــــــ معناه لا لبس فيها، فيحتاج إلى الإزالة. وإنما ذكر ليعلم المخاطب أن المتكلم صاحب هذا الاسم، أي الذي يطلق عليه هذا الاسم؛ فإن المخاطب قد كان يعرف اسما ولا يدري من هو المراد به، فأفاده المتكلم أنه هو المراد بذلك الاسم، فالمخاطب إنما كان يجهل المراد بذلك الاسم، ولم يجهل المتكلم أصلا، وفي قوله تعالى: قالَ أَنَا يُوسُفُ بعد قول إخوة يوسف - عليه وعليهم السّلام -: قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ (¬1) ما يشعر بما ذكرته. قال ناظر الجيش: قال المصنف: «تمييز النكرة بعد عد المعارف بأن يقال: وما سوى ذلك نكرة - أجود من تمييزها بدخول رب والألف واللام، لأن من المعارف ما تدخل عليه الألف واللام كفضل وعباس، ومن النكرات ما لا يدخل عليه رب ولا الألف واللام، كأين وكيف وعريب وديّار» انتهى (¬2). واعلم أن غير المصنف تعرض لذكر رتب الأسماء في التنكير، كما ذكر رتبها في التعريف، فقالوا: «أنكر النّكرات شيء ثمّ متحيز ثم جسم ثم نام ثم حيوان ثم ماش ثم ذو رجلين ثم إنسان ثم رجل». فهذه تسعة أشياء. وحكم ما يقابل كل واحد من هذه الأسماء حكم ما هو في مرتبته؛ فأما شيء فليس له ما هو في مرتبته؛ لأنه أعم النكرات؛ ومتحيز في مرتبته غير متحيز، وجسم في مرتبته هيئة، ونام في مرتبته غير نام، وحيوان في مرتبته جماد، وماش في مرتبته سابح وطائر، وذو رجلين في مرتبته [1/ 130] غير ذي رجلين، وذو أرجل وإنسان في مرتبته بهيمة، ورجل في مرتبته امرأة (¬3). قال ابن عصفور (¬4) - لما رد على أبي القاسم (¬5) تقسيمه -: «والصحيح أنّ كلّ نكرة يدخل غيرها تحتها ولا تدخل هي تحت غيرها فهي - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 90. (¬2) شرح التسهيل (1/ 117). (¬3) التذييل والتكميل (2/ 102) وقد نقل الشارح منه دون أن يشير. (¬4) شرح الجمل له: (2/ 236 - 237) بتحقيق الشغار ويعقوب. (¬5) هو عبد الرحمن بن إسحاق المشهور بالزجاجي صاحب الجمل (سبقت ترجمته).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنكر النّكرات؛ فإن دخلت تحت غيرها، ودخل غيرها تحتها؛ فهي بالإضافة إلى ما يدخل تحتها أعمّ وبالإضافة إلى ما تدخل تحته أخصّ». وقال ابن الضائع - ما معناه -: «إن قول النحاة: أنكر النكرات كذا ثم كذا، إنما يكون في الأمور التي ينسب بعضها إلى بعض بالعموم والخصوص المطلق، فالأمور المتباينة أو المتساوية في العموم والخصوص، أو التي ينسب بعضها إلى بعض بالعموم والخصوص من وجه لا يكون فيها ذلك». قال بعد تقسيم ذكره: «فمعنى قولهم: أنكر النكرات شيء - يعنون أنكر النكرات الداخل بعضها تحت بعض المتفاضلة في العموم والخصوص». قال: «ولذلك لا يرد عليهم أن يقال ليس شيء أنكر من موجود». ثم قال: «فإن قيل: معلوم أنكر من شيء؛ لأن المعلوم يقع على المعدوم. قيل: ربّ شيء ليس بمعلوم لنا؛ فلفظة معلوم من حيث هي فقط لا بالنظر إلى العالم ليست بأعم من شيء على الإطلاق. ولا يرد علينا أن كلّ شيء معلوم لله تعالى؛ فإن من الأشياء ما هو مجهول عندنا فيصدق عليه أنه ليس بمعلوم. فلفظة معلوم إضافية لا ينبغي أن تقرن بما هو موضوع على ذاته من حيث هي تلك الذات لا بالنظر إلى غيرها» انتهى كلام ابن الضائع (¬1). واعلم أن مذهب سيبويه (¬2) أن النكرة أول والمعرفة بعدها وطارئة عليها؛ وزعم الكوفيون وابن الطراوة (¬3) أن الأمر ليس على ما ذهب إليه سيبويه، قالوا: «لأن من الأسماء ما التعريف فيه قبل التنكير، نحو مررت بزيد وزيد آخر، ومنها ما لا يفارقه التعريف كالمضمرات، ومنها ما التنكير فيه قبل التعريف، كما قال سيبويه؛ فضم الجميع إلى هذا الضرب الواحد غير صحيح». - ¬

_ (¬1) انظر نص ذلك في شرح الجمل لابن الضائع، مخطوط بدار الكتب (رقم 19 نحو، جزء 2، ورقة 10) وقد نقله صاحب التذييل والتكميل (2/ 104) دون أن يشير إلى ابن الضائع. (¬2) انظر الكتاب: (1/ 22). وفيه يذكر سيبويه بحوثا طريفة يبين فيها أن الاسم أخف على لسان العرب من الفعل، والنكرة أخف عليهم من المعرفة. والواحد أخف من الجمع، والمذكر أخف من المؤنث. (¬3) التذييل والتكميل (2/ 105)، والهمع (1/ 55).

[اختلاف النحويين في ترتيب المعارف]

[اختلاف النحويين في ترتيب المعارف] قال ابن مالك: (وليس ذو الإشارة قبل العلم؛ خلافا للكوفيّين، ولا ذو الأداة قبل الموصول، ولا من وما المستفهم بهما معرفتين؛ خلافا لابن كيسان في المسألتين). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الأستاذ أبو علي الشلوبين: «لم يلتفت سيبويه هنا في التعريف والتنكير إلا إلى حال الوجود لا إلى ما تخيله الكوفيون، وإذا نظر إلى حال الوجود كان التنكير قبل التعريف صحيحا؛ لأن الأجناس هي أول ثم الأنواع ووضعها على التنكير؛ إذ كان الجنس لا يختلط بالجنس، والنوع لا يختلط بالنوع، والأشخاص هي التي حدث فيها التعريف لاختلاط بعضها ببعض. فالذي قاله سيبويه صحيح لا اعتراض عليه» (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): «اسم الإشارة عند الكوفيين أعرف من العلم، ولهم في ذلك شبهتان (¬3): إحداهما: أن اسم الإشارة ملازم للتعريف غير قابل للتنكير، والعلم بخلاف ذلك؛ فكان تعريفه دون تعريف اسم الإشارة (¬4). والثانية: أن تعريف اسم الإشارة حسي وعقلي، وتعريف العلم عقلي لا غير. وتعريف من جهتين أقوى من تعريف من جهة واحدة. والجواب عن الأولى أن يقال [1/ 131]: لزوم الشيء معنى لا يوجب له مزية على ما له ذلك المعنى دون لزوم. بل قد تثبت المزية لغير ذي اللزوم على ذي اللزوم كما تثبت لنقيضك على غيرك مزية، فيتعرف بالإضافة مع عدم لزومه لها، ولم يتعرف غيرك بها مع لزومه لها. وكما يثبت للجميع مزية على الجماء في قولهم: جاءوا الجماء الغفير، بحيث عد الجميع - ¬

_ (¬1) المرجعان السابقان. (¬2) شرح التسهيل: (1/ 117). (¬3) انظر إلى قول الشارح هنا: قال المصنف: اسم الإشارة عند الكوفيين أعرف من العلم، ثم قوله قبل عند ما ذكر أعرف المعارف فقال: وقيل: أعرفها العلم وعزي إلى الكوفيين والصيمري؛ والذي ذكر هنا هو الصحيح لأن كلمة عزي التي وردت هنا وفي الهمع: (1/ 56) تدل على الشك في النسبة. (¬4) مثال تنكير العلم أن تقول: مررت بسيبويه وسيبويه آخر؛ فالثاني من الاسمين نكرة لا خلاف في ذلك؛ حتى قالوا: إنه إذا نكر العلم في مثل هذا وجب تنوينه ويسمى تنوين التمكين (حاشية الصبان: 1/ 34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معرفة غير مؤولة بنكرة مع عدم لزوم الألف واللام، وأول الجماء الغفير بنكرة مع لزوم الألف واللام. والجواب عن الثانية أن يقال: المعتبر في كون المعرفة معرفة الدلالة المانعة من الشياع، سواء حصل ذلك من جهة أو جهتين. والمعتبر في ترجيح التعريف قوة منع الشياع وزيادة الوضوح. ومعلوم أن اسم الإشارة وإن عين المشار إليه فحقيقته لا تستحضر به على التمام، وذلك لا يستغني غالبا عن صفة تكمل دلالته؛ بخلاف العلم، لا سيما علم لم تعرض فيه شركة كإسرافيل وطالوت وأدد ونزار ومكة ويثرب. وذهب ابن كيسان (¬1) إلى أن ذا الأداة أعرف من الموصول؛ وشبهته أن ذا الأداة يوصف بالموصول كقوله تعالى: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى (¬2) والموصوف به إما مساو وإما دون الموصوف؛ ولا قائل بالمساواة، فثبت كون الذي أقل تعريفا من الكتاب. والجواب أن يقال: لا نسلم كون الذي في الآية صفة بل هو بدل أو مقطوع على إضمار فعل ناصب أو مبتدأ، وعلى تقدير كون الذي صفة، فالكتاب علم بالغلبة؛ لأن المعنيين بالخطاب بنو إسرائيل، وقد غلب استعمال الكتاب عندهم مرادا به التوراة، فالتحق في عرفهم بالأعلام، فلا يلزم من وصفه بالذي جواز وصف غيره مما يلحق بالأعلام. وبالجواب الأول يجاب من أورد نحو قوله تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (¬3). وقد تقدمت الإشارة إلى أن الموصول قد تتضح صلته وضوحا يجعله في رتبة العلم، ولا يكون ذلك في ذي الأداة غالبا، إلا إذا عرض له ما عرض للنجم والصّعق من الغلبة الملحقة - ¬

_ (¬1) الكلام لابن مالك في شرح التسهيل (1/ 118)، وانظر الهمع (1/ 56). (¬2) سورة الأنعام: 91. (¬3) نحو قوله تعالى: زيادة من شرح التسهيل (لابن مالك) (1/ 118). والآيات رقم 15 إلى 18 من سورة الليل. والجواب هو أن يعرب اسم الموصول بدلا أو مقطوعا على إضمار فعل ناصب أو مبتدأ؛ وعلى الرأي المشهور بأن الموصول وذا الأداة متحدان في الرتبة، يكون الموصول نعتا لذي الأداة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالأعلام الخاصة. انتهى (¬1). وهذا الجواب الذي أجاب به المصنف ابن كيسان - يدل منه على أن الموصول ليس مساويا في التعريف ذا الأداة؛ بل رتبة الموصول أعلى. قال الشيخ: «ثبت في بعض نسخ هذا الكتاب أن ذا الأداة بعد الموصول؛ فصارت المذاهب ثلاثة: أحدها: أن الموصول وذا الأداة سواء. الثاني: أن الموصول أعرف. الثالث: أن ذا الأداة أعرف» (¬2). وناقش المصنف في قوله: ولا قائل بالمساواة؛ قال: فإن مذهب أصحابنا أن الموصول من قبيل ما عرف باللام فيجوز أن [1/ 132] يوصف كل منهما بالآخر لتساويهما. فمن وصف ذي الأداة بالموصول الآيات الكريمة التي ذكرت، ومن قول الشاعر: 182 - أأنت الهلاليّ الّذي كنت مرّة ... [سمعنا به والأرحبيّ المعلّق] (¬3) ومن وصف الموصول بذي الأداة قوله تعالى: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ... (¬4) الآيات. فوصف الذين بقوله: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 129). والنجم: كوكب الثريا، والصعق: صفة تقع على كل من أصابه الصعق؛ ولكنه غلب عليه حتى صار بمنزلة زيد وعمر علما كالنجم (اللسان: صعق). (¬2) انظر التذييل والتكميل: (2/ 122). والأول: مذهب الجمهور، وهو المشهور بدليل جواز وصف أحدهما بالآخر، كما جاء في القرآن. والثاني: مذهب ابن مالك بدليل أنه أبطل ما ذهب إليه ابن كيسان القائل بالعكس. والثالث: مذهب ابن كيسان الذي خطأه المصنف ثم رد عليه. (¬3) البيت من بحر الطويل، وقد ورد في مراجعه دون نسبة وهو في المدح. وشاهده قوله: أأنت الهلالي الذي، حيث وصف المقترن بأل بالموصول؛ فدل ذلك على تساويهما في التعريف ولأن الموصول قد وصف بالمقترن بأل، كما سيذكره في الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 37) برواية: والأرحبي المهلب و (ص 245) برواية: والأرحبي المعلق، وهو في التذييل والتكميل: (2/ 124). (¬4) الآيات: 15 - 17 من سورة آل عمران، وهي قوله تعالى: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ انتهى (¬1). وألحق ابن كيسان (¬2) بالمعارف من وما الاستفهاميتين نظرا إلى أن جوابهما يكون معرفة، والجواب مطابق للسؤال. فإذا قيل: من عندك؟ فجوابه: زيد ونحوه؛ وإذا قيل: ما دعاك إلى كذا؟ فجوابه: لقاؤك أو نحوه؛ فدل تعريف الجواب على تعريف المجاب. قال المصنف: «وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أن تعريف الجواب غير لازم؛ إذ لمن قيل له: من عندك؟ أن يقول: رجل من بني فلان، ولمن قيل له: ما دعاك إلى كذا؟ أن يقول: أمر مهم. والثاني: أن من وما في السؤالين قائمان مقام أي إنسان وأي شيء وهما نكرتان؛ فوجب تنكير ما قام مقامهما، والتمسك بهذا أقوى من التمسك بتعريف الجواب؛ لأن تطابق شيئين قائم أحدهما مقام الآخر، ألزم وآكد من تطابق الجواب السؤال. وأيضا فالتعريف فرع؛ فمن ادعاه فعليه الدليل بخلاف ادعاء التنكير» (¬3). * * * ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 124). (¬2) التذييل والتكميل (2/ 125)، والهمع (1/ 55)، وشرح التسهيل (1/ 119). (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 119).

الباب السابع باب المضمر

الباب السابع باب المضمر * [تعريف الضمير] قال ابن مالك: (وهو الموضوع لتعيين مسمّاه مشعرا بتكلّمه أو خطابه أو غيبته). قال ناظر الجيش: لما ذكر المعارف مجملة شرع في إيرادها مفصلة. وإنما أخر المنادى والمضاف فذكرهما في أثناء الكتاب؛ لأن الأول منصوب، والثاني يجر ما بعده؛ فناسب ألا يذكرا إلا بعد الدخول في أبواب المعربات وذكر المرفوعات والمنصوبات. وبدأ المصنف بالمضمر؛ لأنه الأعرف (¬1). والوضع قد تقدم تفسيره (¬2). وأما التعيين فقد قال المصنف المراد به: «جعل المفهوم معاينا أو في حكم المعاين» قال: فذكره مخرج للنكرات، وذكر الوضع مخرج للمنادى والمضاف وذي الأداة، وذكر الإشعار بالتكلم أو الخطاب أو الغيبة - مخرج للعلم واسم الإشارة والموصول؛ لأن كل واحد منها (لا يختص بواحدة من الأحوال الثلاث؛ بل هو صالح لكل واحدة منها) (¬3) على سبيل البدل؛ بخلاف المضمرات فإن المشعر منها بإحدى الأحوال الثلاث لا يصح لغيرها، هذا كلام المصنف. وفيه بحثان: الأول: كونه ذكر الوضع مخرجا للمنادى وما ذكر معه، ليس لأن الثلاثة غير موضوعة كما فهمه الشيخ (¬4)؛ بل المراد به أنه لم يكن المقصود بوضعها تعيين مسماها إنما - ¬

_ (¬1) يسميه البصريون المضمر والضمير؛ والكوفيون: الكناية والمكني. (¬2) تقدم تفسيره؛ ومعناه: تخصيص شيء بشيء بحيث يفهم المراد من ذلك الشيء. (¬3) ما بين القوسين ساقط من النسخة الأصلية ونسخة (جـ) وهو من نسخة (ب). (¬4) يقول أبو حيان فيه: «وليس الوضع مخرجا للمنادى والمضاف وذي الأداة كما زعم المصنف. بل يا رجل وغلام زيد والرجل موضوعات لتعيين المسمّى. والمسمّى في هذا التركيب وضع له هذا اللفظ المركب، وكل من هذه التراكيب تفيد تعيين المسمّى، وكأن الوضع عند المصنف بالمفرد قبل التركيب؛ وليس كما زعم». (التذييل والتكميل: 2/ 129).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المقصود شيء آخر. وتعيينها المسمى إنما حصل بطريق التبع. فالمقصود بالنداء: طلب إقبال المنادى، ويلزم من قصده بالطلب التعيين [1/ 133]. والمقصود بالإضافة: إفادة الملك أو الاختصاص؛ ويلزم منها إذا كانت إلى معرفة - التعيين. والمقصود بالأداة: الإحالة على شيء للمخاطب به شعور إما خارجي أو ذهني، فينجر التعيين بوساطة ذلك الشيء المشعور به. الثاني: ما شرح به المصنف كلامه يقتضي أن يكون التعيين جنسا، والوضع فصلا؛ وقد اعتمد هذا وهو جعل المذكور في مرتبة الجنس فصلا، وما يليه جنسا في بعض الحدود المذكورة في هذا الكتاب (¬1). ولا يضره ذلك؛ إذ ليس فيه غير تقديم فصل في الذكر على الجنس؛ ولو جعل المصنف الوضع جنسا والتعيين فصلا لاستقام، وذلك بأن قوله: الموضوع: يشمل النكرة والمعرفة؛ وقوله: لتعيين مسماه يخرج النكرة والمعارف الثلاثة التي هي المنادى والمضاف وذو الأداة. أما النكرة فلأنها موضوعة دون تعيين. وأما الثلاثة فإنها وإن عينت لم توضع لتعيين، أي ليس القصد من وضعها التعيين بل أمر آخر كما تقدم (¬2). بخلاف بقية المعارف؛ فإنها وضعت لتعيين المسمى. وأما جعله التعيين مخرجا مع جعله إياه جنسا، فمن حيث صلاحيته لأن يكون فصلا ساغ فيه ذلك. ¬

_ (¬1) وبفصل ابن مالك هذا فتح على نفسه كثيرا من المعارك، هذا أبو حيان يقول فيه: إن عادة المصنف أنه أصبح يذكر الجنس في الحدود للاحتراز (التذييل والتكميل: 2/ 129). وسبب ذلك أن ابن مالك حاول خلق تعريفات جديدة خاصة به مخالفة للنحاة؛ فمثلا لو عرف الضمير كما عرفه ابن الحاجب - وتبعه الرضي - حين قال: والمضمر ما وضع لمتكلم أو مخاطب أو غائب تقدم ذكره لفظا أو معنى أو حكما (شرح الرضي: 2/ 3) لسلم من أبي حيان وغيره. (¬2) وهو أن المقصود بالنداء طلب الإقبال؛ والمقصود بالإضافة إفادة الملك أو الاختصاص؛ والمقصود بالأداة الإحالة على شيء للمخاطب به شعور خارجي أو ذهني.

[مواضع استتار الضمير وجوبا]

[مواضع استتار الضمير وجوبا] قال ابن مالك: (فمنه واجب الخفاء وهو المرفوع بالمضارع ذي الهمزة أو النّون، وبفعل أمر المخاطب، ومضارعه، واسم فعل الأمر مطلقا). قال ناظر الجيش: اعلم أن المضمر إما مستكن وإما بارز، والبارز قسمان: متصل ومنفصل، والمستكن قسمان: واجب الاستكنان وجائزه. وبدأ المصنف بالكلام على المستكن، وبدأ منه بما يجب استكنانه؛ فكأنه قال من المضمر مستكن؛ بدليل قوله بعد: ومنه بارز؛ ثم قال: فمنه، أي فمن المستكن واجب الخفاء؛ والمراد بالواجب الخفاء: ما لا يزال مستكنّا ولا يغني عنه ظاهر ولا مضمر بارز. وذكر أن الخفاء واجب في مواضع خمسة (¬1) وهي: المضارع ذو الهمزة والنّون كأفعل ونفعل، وفعل أمر المخاطب كافعل. وأراد بالمخاطب المفرد المذكر؛ فاستغنى عن التقييد باللفظ؛ فلو كان فعل الأمر لمؤنث أو مثنى أو جمع، برز الضمير كافعلي وافعلا وافعلوا. ومضارع المخاطب (¬2) والمراد المفرد المذكر أيضا كتفعل واسم فعل الأمر كنزال. قال المصنف: «فكلّ واحد من هذه الأمثلة الخمسة رافع اسم استغنى بمعناه عن لفظه؛ فإن قصد توكيده جيء بالبارز المطابق له، وهو أنا بعد أفعل، ونحن بعد نفعل، وأنت بعد افعل وتفعل ونزال يا زيد» انتهى (¬3). فعلى هذا أنت في قوله تعالى: اسْكُنْ أَنْتَ * (¬4) توكيد؛ ولو كان فاعلا لما قيل في خطاب الاثنين والجمع اسكنا أنتما واسكنوا أنتم؛ بل كان يقال اسكن أنتما واسكن أنتم. وذكر مطلقا بعد اسم الفعل تنبيها على أنه يستوي فيه خطاب الواحد المذكر - ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): في خمسة مواضع. وهما سيان. (¬2) هذا هو الموضع الرابع من الخمسة التي يجب فيها خفاء الضمير؛ والخامس ما ذكره بعد، واسم فعل الأمر كنزال. (¬3) شرح التسهيل (لابن مالك): (1/ 120) إلا أن كلمة يا زيد غير موجودة في النسخة المحققة. (¬4) سورة البقرة: 35، والأعراف: 19، وانظر في هذا الإعراب تفسير الكشاف (1/ 273)، والتبيان للعكبري (1/ 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمؤنث ومثناهما ومجموعهما. ولم يذكر (مطلقا) مع فعل أمر المخاطب ومضارعه؛ تنبيها على أن وجوب خفاء مرفوعهما مخصوص بالإفراد والتذكير [1/ 134]. واستدرك الشيخ على المصنف قسما سادسا يجب فيه خفاء الضمير، وهو اسم الفعل المضارع للمتكلّم نحو أوّه بمعنى أتوجع وأفّ بمعنى أتضجر ونحوهما (¬1). والحق أن اسم الفعل مستغنى عن ذكره؛ لأن حكمه في وجوب الاستتار وعدمه حكم الفعل الذي هو بمعناه، فكان ذكر الفعل كافيا. وإنما خص المصنف اسم فعل الأمر بالذكر لمخالفته حكم فعله؛ وذلك أن فعله إنما يجب استتار مرفوعه إذا كان مسندا لمفرد مذكر. واسم الفعل إذا كان بمعنى الأمر يجب استتار مرفوعه مطلقا كائنا من كان، كما تقدم (¬2). وإذا ذكر اسم فعل الأمر لموجب لا يلزمه ذكر اسم فعل غيره، ولو لم يذكر اسم الفعل أصلا لاستغني عنه؛ لأن حكم اسم كل فعل حكم فعله؛ ولا يضر كون الضمير مع فعل الأمر إذا كان لغير مفرد (مذكر) (¬3) يبرز بخلاف اسم الفعل؛ لأنه قد علم أن الأسماء لا يبرز معها ضمير رفع؛ فلا حاجة إلى التعرض إليه بالذكر. وقد استدرك غير الشيخ أيضا المصدر الآتي بدلا من فعل الأمر؛ فإنه يجب معه استتار الضمير (¬4). والجواب: أن حكمه في وجوب الاستتار حكم الفعل الذي هو بدل عنه؛ فلذا لم يذكره (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (2/ 130). (¬2) أي قريبا جدّا في شرح هذا الموضع. (¬3) ما بين القوسين مأخوذ من النسخة (جـ) وهو أولى للتوضيح. (¬4) من مثاله قوله تعالى: فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: 4] أي اضربوا. وقول الشاعر: (فصبرا في مجال الموت صبرا) أي اصبروا. (¬5) ترك الشارح مواضع أخرى يجب فيها استتار الضمير وهي: فاعل أفعل التعجب، كما أحسن زيدا، وفاعل أفعل التفضيل كزيد أحسن من عمرو، وفاعل أفعال الاستثناء على خلاف في ذلك، مثل: قام الطلاب ما خلا عمرا (انظر الهمع: 1/ 62).

[مواضع استتار الضمير جوازا]

[مواضع استتار الضمير جوازا] قال ابن مالك: (ومنه جائز الخفاء، وهو المرفوع بفعل الغائب والغائبة أو معناه من اسم فعل وصفة وظرف وشبهه). قال ناظر الجيش: أي ومن المستكن. والجائز الخفاء: هو الذي يخلفه ظاهر أو مضمر بارز، كقولك: زيد حسن؛ ففي حسن ضمير منوي مرفوع به، ليس خفاؤه واجبا بل جائزا؛ لأنه قد يخلفه ظاهر نحو: زيد حسن وجهه، ومضمر بارز نحو: زيد ما حسن إلا هو. وكذا حكمه مع فعل الغائبة نحو: هند حسنت وحسنت صورتها، وما حسن إلا هي. وأطلق المصنف فعل الغائب والغائبة، فدخل فيه الماضي والمضارع. وبقيد الإفراد (¬1) خرج ضده وهو التثنية والجمع. ومثال المرفوع باسم الفعل المشار إليه: هند هيهات؛ فهيهات رافع ضميرا عائدا على هند، وليس خفاؤه واجبا وإن كان لا يثنى ولا يجمع؛ لكنه قد يخلفه ظاهر نحو: هند هيهات دارها. وعدم تمثيل المصنف مع اسم الفعل المضمر البارز، يدل على أنه لا يرفعه. قال الشيخ: «ولا يرفع اسم الفعل الضّمير البارز؛ فلا يقال هند ما هيهات إلّا هي؛ لأنّه لم يتّسع في اسم الفعل، فينفى كما ينفى الفعل» (¬2). ومثال المرفوع بصفة وظرف وشبهه: زيد حسن وعمر عندك أو في الدار؛ فحسن وعندك وفي الدار قد ارتفع بكل منهما ضمير مستكن جائز الخفاء؛ لأنه قد يخلفه ظاهر وضمير بارز نحو: زيد حسن وجهه، أو ما حسن إلا هو، وعمرو عندك مقامه، أو ما عندك إلا هو، وبشر في الدار شخصه، أو ما فيها إلا هو [1/ 135]. - ¬

_ (¬1) أي بقوله: الغائب والغائبة حيث ذكرهما بلفظ المفرد في التعريف. (¬2) هذا نقد وجهه أبو حيان لابن مالك ملخصه: أن ابن مالك عرف الضمير الجائز الخفاء (أنه هو الذي يخلفه ظاهر أو مضمر بارز) وذكر أنواعه في المتن، وهو المرفوع بفعل الغائب والغائبة، وما في معناه من اسم فاعل وصفة وظرف وشبهه. نقده أبو حيان فقال: لا يرفع اسم الفعل الضمير البارز فلا يقال: ... إلخ. (انظر الشرح وانظر التذييل والتكميل: 2/ 131). وقد أجاب ناظر الجيش عن هذا الاعتراض بقوله قبل: وعدم تمثيل المصنف مع اسم الفعل بالضمير البارز يدل على أنه لا يرفعه.

[الحديث عن الضمير المتصل المرفوع]

[الحديث عن الضمير المتصل المرفوع] قال ابن مالك: (ومنه بارز متّصل: وهو إن عني به المعنيّ بنفعل «نا» في الإعراب كلّه، وإن رفع بفعل ماض فتاء تضمّ للمتكلّم، وتفتح للمخاطب، وتكسر للمخاطبة، وتوصل مضمومة بميم وألف للمخاطبين والمخاطبتين، وبميم مضمومة ممدودة للمخاطبين، وبنون مشدّدة للمخاطبات. وتسكين ميم الجمع إن لم يلها ضمير متّصل أعرف، وإن وليها لم يجز التّسكين؛ خلافا ليونس). (وإن رفع بفعل غيره فهو نون مفتوحة للمخاطبات، أو الغائبات، وألف التّثنية في غير المتكلّم، وواو للمخاطبين أو الغائبين، وياء للمخاطبة، وللغائب مطلقا مع الماضي ما له مع المضارع، وربما استغني معه بالضّمّة عن الواو، وليس الأربع علامات، والفاعل مستكنّ خلافا للمازنيّ فيهنّ، وللأخفش في الياء). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد عرفت مما ذكر أن جملة الضمائر المستكنة خمسة، وهي: المدلول عليها بأنا، ونحن، وأنت، وهو، وهي، وكلها في موضع رفع؛ إذ الضمير المستكن لا يكون غير مرفوع. وأما المدلول عليها بأنت وأنتما وأنتم وأنتن، وهما وهم وهن - ففروع عن الخمسة المذكورة. وقد يجعل كلمة هي من الفروع أيضا؛ فتكون الأصول على هذا أربعة لا غير. قال ناظر الجيش: الضمير في قوله: ومنه - راجع إلى المضمر، أي: ومن المضمر بارز، والبارز قسيم المستكن، وقال المصنف هنا: البارز ضد المستكن. فدل ذكره المستكن على أن مراده ما تقدمت الإشارة إليه، وهو تقسيم المضمر أولا إلى مستكن وبارز، ثم تقسيم المستكن إلى واجب الخفاء وجائزه. وقد علمت أن البارز متصل ومنفصل. فالمتصل: ما لا يقع أولا، ولا يستغني عن مباشرة العامل لفظا وخطّا. والمنفصل: بخلافه. وسيأتي الكلام عليه في فصل مفرد. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم المتصل على أربعة أقسام: إما مرفوع الموضع، وإما منصوبه، وإما مجروره، وإما صالح للثلاثة. أما الصالح لها فكلمة نا خاصة؛ وهي المستعملة إما للمتكلم المعظم نفسه، أو المبين بكونه مشاركا بواحد أو أكثر، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: وهو إن عني به المعنيّ بنفعل نا في الإعراب كلّه؛ لأنه قد تقدم التنبيه على أن نون نفعل تدل على المتكلم معظما أو مشاركا. ثم هذا المضمر أعني نا، لا يرفع إلا بالفعل الماضي خاصة، وينصب بالأفعال الثلاثة وبما يعمل عملها من الأسماء والحروف، ويجر بالإضافة وبالحرف. وأما المنصوب الموضع والمجروره فيأتي الكلام فيه في هذا الفصل. وأما المرفوع الموضع فاعلم أن أصوله خمسة، وهي: تاء ونون مفتوحة وألف وواو وياء؛ وبضم كلمة نا المرفوعة إليها تصير ستة. ثم هذه الخمسة منها ما يسند إليه الماضي خاصة، ومنها ما يسند إليه المضارع والأمر، ومنها ما يسند إليه الثلاثة. فالأول: التّاء: ويشترك فيها المتكلم والمخاطب؛ فضمها دليل [1/ 136] على المتكلم، وفتحها دليل على المخاطب، وكسرها دليل على المخاطبة، وضمها متلوة بـ «ما» دليل على المخاطبين والمخاطبتين، وضمها متلوة بميم مضمومة ممدودة دليل على المخاطبين، وضمها متلوة بنون مشددة دليل على المخاطبات. وإلى هذا الإشارة بقوله: وإن رفع بفعل ماض فتاء إلى قوله: وبنون مشدّدة للمخاطبات. والثاني: الياء: وهي للمؤنثة المخاطبة خاصة نحو تفعلين وافعلي، وإلى هذا الإشارة بقوله: وياء للمخاطبة. والثالث: النون والألف والواو: لكنها مع المضارع والأمر للخطاب أو للغيبة، نحو: تفعلن وافعلن، وهن يفعلن وتفعلان وافعلا ويفعلان ويفعلون وتفعلون وافعلوا ويفعلون؛ وإلى هذا الإشارة بقوله: وإن رفع بفعل غيره فهو نون إلى والغائبتين أي: وإذا رفع الضمير البارز -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتصل بفعل غير الماضي فهو كذا إلى آخره. وإنما عدل مع ذكر الألف إلى قوله: لتثنية غير المتكلم للاختصار؛ فهو أولى من قوله: للمخاطبين والمخاطبتين والغائبين والغائبتين. ولما لم يكن للغائبة في الياء نصيب اقتصر على قوله: وياء للمخاطبة، وأما مع الماضي فللغيبة فقط كفعلن وفعلا وفعلوا. وإلى ذلك الإشارة بقوله: وللغائب مطلقا مع الماضي ما له مع المضارع. ولا أعرف ماذا أراد بمطلقا لكنه قال في الشرح (¬1): «وتسند الماضي في الغيبة إلى ما تسند إليه المضارع فتقول: زيد فعل، وهند فعلت، والزيدان فعلا، والهندان فعلتا، والزيدون فعلوا، والهندات فعلن» ثم قال: وإلى هذا أشرت بقولي: وللغائب مطلقا مع الماضي ما له مع المضارع، وهو كلام صحيح، غير أن إدخال زيد فعل وهند فعلت هنا ليس بجيد؛ لأن الكلام الآن إنما هو في الضمير البارز لا في المستكن. على أن الحكم في الضمير المفرد الغائب أو غائبة بالنسبة إلى ما يسند إليه من ماض أو مضارع، قد عرف مما تقدم عند ذكر جائز الخفاء. وقد عرف مما تقدم: أن أصول المضمر البارز المتصل المرفوع ستة ألفاظ، وتقدم أن أصول المستكن أربعة إذا لم يجعل كلمة هي أصلا بل فرعا لهو، فيكون مجموع أصول المضمر المرفوع من مستكن وبارز متصل عشرة ألفاظ (¬2). ثم قد بقي الكلام على ثلاثة مواضع من كلام المصنف في المتن: - ¬

_ (¬1) أي شرح التسهيل له: (1/ 122). (¬2) هي كالآتي: أصول المضمر المستكن: أنا: في فاعل المضارع المبدوء بالهمزة، نحن: في فاعله المبدوء بالنون، أنت: في المبدوء بالتاء أو فاعل فعل الأمر، هو وهي: في فاعل الماضي أو المضارع للمفرد مذكرا أو مؤنثا، ومثله المرفوع باسم فعل أو صفة أو ظرف وشبهه. وأما أصول البارز المتصل فهي: تاء الفاعل في الماضي، ياء المخاطبة في المضارع والأمر، نون النسوة مع الأفعال الثلاثة، ألف الاثنين معها أيضا، واو الجماعة معها كذلك، كلمة نا الدالة على الفاعلين وتلحق بالماضي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ - الأول: ما أشار إليه: وتسكين ميم الجمع إلى آخره. وحاصله: أن ميم الجمع المتصلة بتاء الضمير لها ثلاثة استعمالات: التسكين، وضمها باختلاس، وضمها بإشباع، لكن الإسكان أعرف من قسيميه، والإشباع أقيس وهو الأصل (¬1)، واستعماله أقل من السكون وأكثر من [1/ 137] الاختلاس ولقلة الاختلاس لم يتعرض إليه في المتن. هذا إذا لم يل الميم ضمير منصوب متصل، فإن وليها الضمير المذكور لزم الإشباع، كقوله تعالى: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (¬2)، وأجاز يونس التسكين نحو: رأيتمه (¬3). قال المصنف: «ولا أعلم له في ذلك سماعا إلا ما روى ابن الأثير (¬4) في غريب الحديث (¬5) من قول عثمان رضي الله عنه: «أراهمني الباطل شيطانا» وقياسه (¬6): أراهموني ولو جاء هكذا كان أيضا شاذّا مثل الإسكان من وجه آخر: وهو أنه إذا تعدى الفعل إلى مفعولين وكانا ضميرين، فإن ضمير المتكلم يقدم على ضمير المخاطب وعلى ضمير الغائب، وضمير المخاطب يقدم على ضمير الغائب؛ فكان القياس أن يقال أرانيهم الباطل شيطانا» انتهى. - ¬

_ (¬1) إنما كان الإشباع هو الأصل والقياس؛ لأنه قد جيء في المثنى بالميم مفتوحة، وجاء بعدها ألف، فالواجب في الجمع أن يؤتى بالميم مضمومة ومعها واو وهو الإشباع. وإنما كان هذا قليلا في الاستعمال، وكان التسكين أكثر منه؛ لثقله وخفة الآخر. (¬2) سورة آل عمران: 143. (¬3) انظر: شرح الرضي (2/ 8)، والهمع (1/ 58) وقد أسنده لسيبويه مع يونس، والتذييل والتكميل: (1/ 413) وقد أسنده أبو حيان للكسائي والفراء مع يونس، كما سيأتي في الشرح. (¬4) هو المبارك بن محمد الشيباني الجزري المحدث الأصولي ولد سنة 544 هـ وأصيب بمرض النقرس، فلزم بيته، وألف كتبه ومنها: النهاية في غريب الحديث (أربعة أجزاء) وجامع الأصول في حديث الرسول (عشرة أجزاء) توفي سنة (606 هـ) وهو أخو ابن الأثير المؤرخ وابن الأثير الكاتب. ترجمته في الأعلام: (6/ 152). (¬5) انظر ذلك الكتاب بعنوان: النّهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 178) وهو بنصه. وقد حكى ابن الأثير الشذوذين اللذين في الشرح. (¬6) من أول: وقياسه إلى قوله: انتهى، سقط من شرح التسهيل لابن مالك، وهو مسند إليه كما ترى. وانظر شرح التسهيل (1/ 122).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وناقش الشيخ المصنف في أمرين: أحدهما: كون قصر الخلاف على يونس؛ لأن الكسائي والفراء يجيزان (¬1) وقد قرئ: أنلزمكمها (¬2) بإسكان الميم، قال: وكلام سيبويه يدلّ على أنّه مسموع؛ فإنّه قال (¬3): وزعم يونس أنّك تقول أعطيتكمه كما تقول في المظهر، والأوّل أكثر وأعرف. يعني بالأول ما قدمه من قوله: أعطيتكموه. الثاني: قوله: فكان القياس أن يقال: أرانيهم الباطل شيطانا. قال الشيخ (¬4): «هذا لا يصح؛ فإن معناه عكس ما أراد عثمان رضي الله عنه؛ لأنه كان يكون هو الذي رآهم شيطانا؛ والمعنى أنهم هم رأوه شيطانا. فالقياس أن يقال في معنى ما أراد عثمان رضي الله عنه: أراهم إيّاي الباطل شيطانا. إذ هم الرّاءون قبل همزة التعدية [لا هو] (¬5) انتهى. - الموضع الثاني (¬6): قوله: «وربّما استغني معه بالضّمّة عن الواو». والإشارة بذلك إلى أنه قد يقال في نحو فعلوا فعل فالضمير في معه عائد على الماضي. وأنشد المصنف على ذلك: 183 - يا ربّ ذي لقح ببابك فاحش ... هلع إذا ما النّاس جاع وأجدبوا (¬7) - ¬

_ (¬1) كلمة يجيزان من النسخة (جـ)، وأما نسخة الأصل ونسخة (ب) فلم توجد فيهما في وسط الكلام، ووجدت فيهما بالهامش من تصرف عالم أو كاتب قال: (لعلّه يجيزان). (¬2) سورة هود: 28. قال الزمخشري: «وحكي عن أبي عمرو إسكان الميم، ووجهه أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة، فظنّها الراوي سكونا، والإسكان الصريح لحن عند الخليل وسيبويه وحذاق البصريين؛ لأن الحركة الإعرابيّة لا يسوغ طرحها إلّا في الشّعر» (الكشاف: 2/ 266). (¬3) انظر نصه في كتابه: (2/ 377). (¬4) أي الشيخ أبو حيان، وانظر: التذييل والتكميل (1/ 134). (¬5) ما بين المعقوفين من شرح أبي حيان وهي زيادة موضحة. (¬6) أي من المواضع الثلاثة التي وعد بالحديث عنها ومناقشة المصنف فيها، وذلك عند ما قال: ثم قد بقي الكلام على ثلاثة مواضع من كلام المصنف في المتن. (¬7) البيت من بحر الكامل غير منسوب في مراجعه. وقائله يهجو رجلا بخيلا يخاف سؤال الناس. اللغة: لقح: بضمتين جمع لقوح وهي الحلوب. هلع: خائف فزع. أجدبوا: من الجدب وهو الفقر. وشاهده واضح. وانظر البيت في التذييل والتكميل (1/ 415)، وشرح التسهيل (1/ 123)، ومعجم الشواهد (ص 37).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وأنشد السيرافي (¬1): 184 - لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل ... على الجبال الصّمّ لانهدّ الجبل (¬2) أراد حملوا فحذف الواو اكتفاء بالضمة ثم وقف فسكن (¬3). قال الشيخ (¬4): «ويجوز أن يكون أخبر عن القوم إخبار المفرد؛ لكونه اسم جمع؛ فراعى اللفظ فيه كما يقال: الرّهط صنع والركب سافر؛ فراعى الشّاعر المعنى في أدعوهم وراعى اللفظ في حمل». وأنشد غير المصنف: - ¬

_ (¬1) هو القاضي أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي. ولد بسيراف قبل سنة 207 هـ وفيها ابتدأ طلب العلم وخرج إلى عمان، وتفقه بها ثم انتقل إلى بغداد وظل بها، كان شيخ الشيوخ وإمام الأئمة معرفة بالنحو واللغة والفقه والشعر والعروض والقرآن والحديث والكلام. من أساتذته في اللغة ابن دريد، وفي النحو ابن السراج ومبرمان، وفي القراءة أبو بكر بن مجاهد، والتقى بأبي الفرج الأصفهاني وهجاه أبو الفرج لمناقشة كانت بينهما: لعن الله كلّ شعر ونحو ... وعروض يجيء من سيرافي وكان الرجل زاهدا عابدا خاشعا ذا دين وورع وتقوى. من مصنفاته المشهورة: شرح كتاب سيبويه الذي حسده عليه أبو علي الفارسي؛ وهو شرح كبير حققه زملاؤنا بكلية اللغة في عدة رسائل دكتوراه وطبع منه أجزاء بالهيئة العامة للكتاب. وله مؤلفات كثيرة أخرى غير هذا الشرح، توفي أبو سعيد ببغداد سنة (368 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 507)، معجم الأدباء (8/ 145). (¬2) البيتان من الرجز المشطور وقائلهما مجهول وبعدهما وهو شاهد آخر: شبّوا على المجد وشابوا واكتهل أراد: اكتهلوا فحذف الواو اكتفاء بالضمة ثم وقف فسكن. والشاعر يشكو قومه وتخاذلهم عنه مع أنهم أمجاد أبطال. والبيت كالذي قبله في الشاهد، وليس في معجم الشواهد، وإنما هو في شرح الكتاب للسيرافي (2/ 162)، وفي التذييل والتكميل (2/ 139)، وفي شرح التسهيل (1/ 123)، وفي شرح المفصل لابن يعيش: (9/ 80). (¬3) انظر شرح السيرافي على كتاب سيبويه (2/ 162) تحقيق د/ رمضان عبد التواب (الهيئة العامة للكتاب). (¬4) التذييل والتكميل (1/ 417).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 185 - فلو أنّ الأطبّا كان حولي ... وكان مع الأطبّاء الأساة (¬1) قال المصنف: وربما فعل مثل هذا مع فعل الأمر، كقول الشاعر: 186 - إنّ ابن الأحوّص معروف فبلّغه ... في ساعديه إذا رام العلا قصر (¬2) - الموضع الثالث: قوله: وليس الأربع علامات ... إلخ. اعلم أن المازني (¬3) زعم أن النون والألف والواو والياء المشار إليها حروف تدل على أحوال الفاعل كالتاء من فعلت. والفاعل مستكن كاستكنانه في زيد فعل وهند فعلت. قال المصنف: «وما زعمه المازني غير صحيح، وإنما هي أسماء أسند الفعل إليها دلّت على مسمياتها كدلالة نا من فعلنا، والتاء من فعلت (¬4)؛ لأن المراد مفهوم بها - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر، وقد ورد في عدة مراجع، ولم ينسب فيها وبعده وهو جواب لو: إذا ما أذهبوا ألما بقلبي ... وإن قيل الأساة هم الشّفاة اللغة: الأطباء: جمع طبيب وهو الحاذق الماهر. الأساة: جمع آس وهو من يعالج الجرح. والشاعر يشكو هواه وحبه، وشاهده واضح هنا، كما استشهدوا به في قصر الممدود، وهو من الضرورات الحسنة. والبيت في التذييل والتكميل (1/ 137)، وفي معجم الشواهد (ص 70). (¬2) البيت من بحر البسيط قائله أبو حية النميري (انظر معجم الشواهد ص 196) وقد روي: الأحوص بالألف واللام كما روي بدونها، والبيت في الهجاء الشنيع. وشاهده قوله: فبلغه؛ فإنه فعل أمر مسند إلى واو الجماعة؛ وأصله فبلغوه فحذفت الواو واكتفي بالضمة قبلها. قال أبو حيان: «وهذا التّخريج لا يلزم ويحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون أتبع حركة الغين حركة الهاء وهو يريد فبلغه. الثاني: أن يكون نقل حركة الهاء إلى الغين الساكنة فصار فبلغه ناويا الوقف. والبيت في التذييل والتكميل (2/ 139)، وفي شرح التسهيل (1/ 123). وأبو حيّة النّميري: هو الهيثم بن الربيع، كان يروي عن الفرزدق وكان كذابا. انظر أخباره وأخبار كذبه في الشعر والشعراء (2/ 778). (¬3) انظر رأي المازني في: التذييل والتكميل (2/ 140)، والهمع (1/ 57)، وشرح الكافية للرضي (2/ 9). قال الرضي: «ومذهب المازنيّ أن الحروف الأربعة في المضارع والأمر؛ أعني الألف في المثنيات، والواو في جمعي المذكر، والياء في المخاطبة، والنون في جمعي المؤنّث علامات كألف الصفات وواوها في نحو ضاربان وحسنون؛ وهي كلّها حروف والفاعل مستكنّ عنده؛ ولعل ذلك حملا للمضارع على اسم الفاعل، واستنكارا لوقوع الفاعل بين الكلمة وإعرابها أي النّون». (¬4) في شرح التسهيل (1/ 134): كالتّاء من فعلت وفعلت وفعلت، وفيه توضيح أكثر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل عدم الزيادة؛ لأنها لو كانت حروفا [1/ 138] تدلّ على أحوال الفاعل المستكنّ كالتاء من هي فعلت لجاز حذفها في نحو: الزيدان قاما والزيدون قاموا، كما جاز حذف التاء في نحو: 187 - [فإمّا تريني ولي لمّة] ... فإنّ الحوادث أودى بها (¬1) وقول الآخر: 188 - [فلا مزنه ودقت ودقها] ... ولا أرض أبقل إبقالها (¬2) بل كانت الألف وأخواتها أحق بجواز الحذف؛ لأن معناه أظهر من معنى التأنيث؛ وذلك أن علامة التأنيث اللاحقة الأسماء لا يوثق بدلالتها على التأنيث؛ إذ قد تلحق المذكرات كثيرا كراوية وعلّامة وهمزة ولمزة؛ فدعت الحاجة إلى التاء التي تلحق الفعل، وليس الأمر كذلك في علامتي التثنية والجمع؛ إذ لا يمكن أن يعتقد فيما اتصلتا به خلوّه من مدلولهما فذكر الفعل على أثر واحدة منهما مغن عن علامة تلحق الفعل، ولما لم يستغنوا بما يلحق الاسم عما يلحق الفعل - علم أن لهم داعيا إلى التزامه غير كونه حرفا، وليس ذلك إلا كونه اسما مسندا إليه الفعل، ولذلك لم يجز حذفه بوجه؛ إذ لو حذف لكان الفعل حديثا من غير محدث عنه وذلك محال. انتهى. وقد ضعف مذهب المازني بشيء آخر: وهو أنه لو كانت هذه علامات للزم أن - ¬

_ (¬1) البيت من قصيدة للأعشى من بحر المتقارب بدأها بالغزل ثم مدح سادة نجران من بني الحرث بن كعب، وبيت الشاهد ثالث أبياتها وقبله (ديوان الأعشى ص 23). لجارتنا إذ رأت لمّتي ... تقول لك الويل أنّى بها اللغة: اللمة: بالكسر الشعر المجاوز شحمة الأذن. أودى بها: ذهبت بها. والأعشى يعاتب حبيبته؛ لأنها ذمته بكبر سنه، فذكر أن الحوادث هي التي شيبته. وشاهده: قوله: فإن الحوادث أودى بها، كان القياس: أودت لأن الفاعل ضمير متصل عائد على مؤنث؛ لكنه حذف التاء. والبيت في معجم الشواهد (ص 68)، وفي شرح التسهيل (1/ 123)، وفي التذييل والتكميل (1/ 141). (¬2) البيت من بحر المتقارب قائله عامر بن جوين الطائي من كلمة يصف بها أرضا خصبة. اللغة: المزنة: القطعة من السحاب. ودقت ودقها: أمطرت مطرها. أبقلت: الأرض نبتت بقلها، وأبقل المكان فهو باقل والقياس مبقل. والشاعر يصف سحابة مليئة بالمطر، ويصف أرضا بأنها عظيمة الخضرة. وشاهده: كالذي قبله أيضا؛ حيث حذف الشاعر التاء ضرورة وكان القياس: ولا أرض أبقلت إبقالها. والبيت في معجم الشواهد (ص 276)، وهو في شرح التسهيل (1/ 123)، وفي التذييل والتكميل (1/ 141).

[حكم الفعل الماضي المسند إلى الضمائر]

[حكم الفعل الماضي المسند إلى الضمائر] قال ابن مالك: (ويسكّن آخر المسند إلى التّاء والنّون و «نا»، ويحذف ما قبله من معتلّ، وتنقل حركته إلى فاء الماضي الثّلاثيّ، وإن كانت فتحة أبدلت بمجانسة المحذوف ونقلت؛ وربّما نقل دون إسناد إلى أحد الثّلاثة في زال وكاد أختي كان وعسى، وحركة ما قبل الواو والياء مجانسة، فإن ماثلها أو كان ألفا حذف وولي ما قبله بحاله، وإن كان الضّمير واوا والآخر ياء أو بالعكس، حذف الآخر وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله). ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون نون الإناث ساكنة، ولا يسكن آخر الفعل لها كما كانت تاء التأنيث؛ فتسكين آخر الفعل لها وتحريكها يدل على اسميتها؛ إذ لا يكون ذلك إلا لما ينزل منزلة الجزء من الفعل، فكما أن التاء في ضربت اسم بلا خلاف كذلك النون في فعلن ويفعلن. قال المصنف: «وروي عن الأخفش (¬1): أن ياء المخاطبة حرف تدل على تأنيث الفعل، والفاعل مستكن كما هو مستكن في نحو: هند فعلت، وهذا القول مردود أيضا بما ردّ به قول المازني، وبشيء آخر وهو أن الأخفش جعل ياء افعلي كتاء فعلت، فيقال له: لو كانت الياء كالتاء لساوتها في الاجتماع مع ألف الاثنين. فكان يقال افعليا كما يقال: فعلتا؛ لكنهم امتنعوا من ذلك، فعلم أن مانعهم كون ذلك مستلزما اجتماع مرفوعين بفعل واحد وذلك لا يجوز» (¬2). قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على الضمائر البارزة المتصلة المرفوعة، قصد أن يبين ما يطرأ على الفعل المسند إليها حال الإسناد من تسكين آخر وحذف ما قبله أو حذف الآخر نفسه إذا كانا معتلين وتغيير حركة فاء [1/ 139]. - ¬

_ (¬1) انظر في رأي الأخفش: التذييل والتكميل (2/ 142)، الهمع (1/ 57)، شرح الكافية للرضي (2/ 8، 9). قال الرضي: «إن أفعل مشعر بأن فاعله أنا، ونفعل مشعر بنحن، الهمزة بالهمزة والنون بالنون، وكذا يفعل نص في المفرد الغائب، فلم يحتاجوا له إلى ضمير بارز، وأما تفعل فإنه وإن كان محتملا للمخاطب والغائبة لكونهم لم يبرزوا ضميره إجراء لمفردات المضارع مجرى واحد في عدم إبراز ضميرها»، ثم قال: «ولعل هذا هو الذي حمل الأخفش على أن قال: الياء في تضربين ليس بضمير بل حرف تأنيث، كما قيل في هذي والضمير لازم الاستتار، أو أنه استنكر الحكم بكون ضمير المفرد أثقل من ضمير المثنى مع أن القياس يقتضي أن يكون أخفّ». (¬2) شرح التسهيل (1/ 135).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما التسكين فأشار إليه بقوله: ويسكّن وقد تقدم أن المسند إلى نا والتاء لا يكون إلا ماضيا، وأن المسند إلى النون يكون ماضيا ومضارعا وأمرا، وشمل كلام المصنف الجميع. وإنما قال: آخر المسند، ولم يقل لام المسند؛ لأن المسكن كما يكون لاما كضربت قد يكون حرفا زائدا كسلقيت (¬1). قال المصنف (¬2): «واختلف في سبب هذا السكون، فقال أكثرهم: سببه اجتناب توالي (¬3) أربع حركات في شيئين هما كشيء واحد؛ لأن الفاعل كجزء من الفعل، وهذا السبب إنما هو في الماضي ثم حمل المضارع عليه. وأما الأمر فاستصحب له ما كان يستحقه من سكون صحيح الآخر كان كاذهبن أو معتله كاخشين. وهذا التعليل ضعيف من وجهين: أحدهما: أن التسكين عام والعلة قاصرة عن أكثر الأفعال؛ لأن توالي الحركات إنما يوجد في الصحيح من فعل وفعل وفعل وانفعل وافتعل لا في غيرهما. ومعلوم أن غيرها أكثر؛ ومراعاة الأكثر أولى من مراعاة الأقل (¬4). والثاني: أن توالي أربع حركات ليس مهملا في كلامهم؛ بل هو مستحب بالنسبة إلى بعض الأبنية، بدليل قولهم: علبط وأصله علابط وعرتن وأصله عرنتن، وجندل وأصله جنادل عند البصريين وجنديل عند الكوفيين (¬5). وعلى كل تقدير فقد حذفوا مادة منه ومن علابط، ونونا من عرنتن، مع اقتضاء ذلك إلى أربع حركات متوالية؛ فلو كان تواليها منفورا عنه طبعا ومقصود الإهمال وضعا، لم يتعرضوا إليه دون ضرورة في الأمثلة المذكورة وأشباهها، ولسدوا باب التأنيث بالتاء في نحو بركة، ومعدة، ولبؤة - فإنه موقع في توالي أربع - ¬

_ (¬1) يقال: سلقيت فلانا طعنته؛ والثلاثي منه سلقته (المصباح: 1/ 254، سلق). (¬2) شرح التسهيل (1/ 124). (¬3) بالأصل: سببه توالي اجتناب، وما أثبتناه هو الصواب. (¬4) معناه أن الحركات الأربعة المستثقلة التي سكن آخر الفعل من أجلها مفقودة في الثلاثي المعتل عند إسناده كقال ورمى، وفي الرباعي مطلقا كأعطى، وفي الخماسي غير انفعل وافتعل كتصدق، وفي السداسي كله أيضا كاستغفر واطمأن. (¬5) التذييل والتكميل (1/ 422). والعلبط: هو الضخم، والعرتن: بضم التاء شجر يدبغ به، والجندل: موضع الحجارة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حركات في كلمة واحدة، لا سيما في كلمة تلازمها التاء كملازمتها هذه الثلاثة (¬1). ومن العجب اعتذارهم عن تاء التأنيث بأنها في تقدير الانفصال، وأنها بمنزلة كلمة ثانية مع أنها جزء كلمة مفردة لا يستغنى بها فيحسن السكوت عليها. ولا يستغنى عنها فيقوم غيرها مقامها، بخلاف تاء فعلت؛ فإنها جزء كلام تام، وهي قابلة للاستغناء عنها بغيرها نحو: فعل زيد، وما فعل إلا أنا؛ فظهر بهذا ضعف القول بأن سبب سكون لام فعلت خوف توالي أربع حركات. وإنما سببه تمييز الفاعل من المفعول في نحو: أكرمنا وأكرمنا (¬2) ثم سلك بالمتصل بالتاء والنون هذا السبيل لمساواتهما لنا في الرفع والاتصال وعدم الاعتلال» انتهى (¬3). وأما حذف ما قبل الآخر إذا كان معتلّا فأشار إليه بقوله: ويحذف ما قبله من معتلّ؛ والمراد أنه إن كان ما قبل المسكن للسبب المذكور حرف علة ساكنا حذف لالتقاء الساكنين ثلاثيّا كان الفعل أو غير ثلاثي، ماضيا كان أو غير ماض (¬4). لكن يختص ماضي الثلاثي بأمر آخر غير الحذف المذكور، وهو تغيير حركة فائه. وتفصيل القول [1/ 140] في ذلك: أن حركة العين منه إما مخالفة لحركة الفاء أو موافقة؛ إن كانت مخالفة لم يفعل أكثر من أن تنقل إلى الفاء بعد إذهاب حركتها ثم يحذف الحرف الذي نقلت حركته وهو العين للعلة المتقدمة. وذلك نحو: خفت وهبت أصلهما: خوف وهيب بكسر العين؛ لأن مضارعهما يخاف ويهاب، هذا مثال مخالفة حركة العين لحركة الفاء بكسر. وأما مخالفتها بضم فمثله المصنف بقوله: جدت جعل أصله جود. ولا يظهر لي - ¬

_ (¬1) معناه: لو كان التوالي منفورا عندهم ولا بد من التأنيث، لأتوا بعلامته الأخرى وهي الألف مقصورة كانت أو ممدودة. (¬2) الأول فعل ماض مسند إلى الفاعل، وإن ذكرت مفعولا له قلت: أكرمنا محمدا بسكون آخر الفعل. والثاني ماض أيضا اتصل به نا التي تدل على المفعول، وإن ذكرت فاعله قلت: أكرمنا محمد بفتح آخر الفعل. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 125). وبعد هذا التعليل الطويل إليك قول أبي حيان: وهذه التعاليل تسويد للورق وتخرس على العرب في موضوعات كلامها، وكان الأولى أن يضرب صفحا عن هذا كله (التذييل والتكميل: 2/ 145). (¬4) يشير بهذا الحديث إلى الفعل الأجوف والتغيرات التي تكون فيه ثلاثيّا كقام وباع، وغير ثلاثي كانقاد واستقام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك؛ إذ يحتمل أن يكون أصله جود، فيكون من باب ما وافقت حركة العين فيه حركة الفاء؛ وإنما ضم للعلة التي ضم لها نحو قلت كما سيأتي (¬1). وإن كانت الحركة موافقة أبدلت بحركة من جنس العين، فتبدل كسرة إن كانت العين ياء، وضمة إن كانت العين واوا، ثم يفعل من النقل إلى الفاء والحذف ما تقدم في المخالف، وذلك نحو: بعت وقلت أصلهما قبل الإسناد: بيع وقول بفتح العين فحولا إلى بيع وقول (¬2) بكسر العين ثم نقل الحركة إلى الفاء، فقيل: بعت وبعنا وبعن بالكسر، وقلت وقلنا وقلن بالضم؛ هذا قول أكثر النحويين، وإليه جنح المصنف (¬3). وذهب بعض النحاة إلى خلافه؛ وهو ألا نقل ولا تحويل؛ وإنما غيرت حركة الفاء ابتداء لبيان ما أذكره، وهو إما بيان بنية الكلمة إن خالفت حركة العين حركة الفاء؛ فإنه إذا حصلت المخالفة راعوا بيان البنية ولم يراعوا المادة؛ فيقولون خفت بكسر الفاء، وإن كانت عين الكلمة المحذوفة واوا؛ ليبين أنه على فعل بالكسر. وإما بيان مادتها فإنه إذا حصلت الموافقة راعوا بيان المادة، فيكسرون فيما عينه ياء، ويضمون فيما عينه واو، كبعت وقلت، وهذا أقل عملا من الأول. وأما المضارع والأمر فيقتصر فيهما على الحذف، نحو خفن ولا يخفن، وصمن ولا يصمن، وقلن ولا يقلن. والنقل في هذه المضارعات ليس هو النقل الذي في ماضيها؛ ولهذا ينقل فيها دون إسناد إلى النون نحو يخاف ويصيح ويقول. وأما النقل في الماضي فموجبه الإسناد إلى أحد الثلاثة: أعني التاء ونا والنون. وأشار بقوله: وربّما نقل دون إسناد إلى أحد الثّلاثة يعني التاء والنون ونا - إلى قول بعض العرب: ما زيل زيد فاضلا وكيد زيد يفعل، قال أبو خراش الهذلي: 189 - وكيدت ضباع القفّ يأكلن جثّتي ... وكيد خراش يوم ذلك ييتم (¬4) - ¬

_ (¬1) العلة هي الدلالة على أن الفعل واوي العين. (¬2) بيع بكسر عين الفعل وقول بضمها لما تقدم من أنه إذا كانت حركة العين موافقة لحركة الفاء أبدلت حركة العين بحركة من جنس العين، فتبدل الياء كسرة كما في بيع، والواو ضمة كما في قول. (¬3) شرح التسهيل (1/ 126). (¬4) البيت من بحر الطويل؛ قاله أبو خراش الهذلي من قصيدة يذكر فيها أنه وقع في مهلكة كاد يموت فيها، فتأكل الضباع لحمه، ويصير ابنه بلا أب. انظر ديوان الهذليين. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سيبويه (¬1): «وحدّثنا أبو الخطاب أنّ ناسا من العرب يقولون: كيد زيد يفعل» كذا قال الأستاذ أبو علي؛ جسرهم على ذلك أنهم أمنوا اللبس؛ حيث كان هذا الفعل لا مفعول له، وهو مع هذا شاذ (¬2). واحترز بقوله: أختي كاد وعسى من زال [1/ 141] بمعنى ماز، وبمعنى ذهب أو تحول؛ ومن كاد بمعنى احتال، وبمعنى أراد، وبمعنى مكر؛ ويجمعها أن يقال: التي مضارعها يكيد؛ فإن مضارع تلك يكاد. وأما حذف الآخر نفسه فأشار إليه بقوله: وحركة ما قبل الياء والواو مجانسة إلى آخره؛ ومراده بالمجانسة أن تكون الحركة قبل الواو ضمة، وقبل الياء كسرة نحو: يفعلون وتفعلين؛ فإن ماثلها أي فإن ماثل الآخر الواو أو الياء بأن كان آخر المسند إلى الواو واوا، وآخر المسند إلى الياء ياء، أو كان ألفا مطلقا - حذفت الواو والياء والألف، واتصل بالمسند إليه واوا كان أو ياء ما كان متصلا بالمحذوف دون تبديل حركته، نحو: أنتم تدعون، وأنت ترمين، وأنتم تخشون وأنت تخشين، وإن لم يماثل الآخر الواو والياء بأن كان المسند إليه واو الضمير، وآخر الفعل المسند ياء؛ أو كان المسند إليه ياء الضمير، وآخر الفعل المسند واوا - حذف آخر الفعل وضم ما قبل المحذوف إن كان المسند إليه واوا، نحو: أنتم ترمون، وكسر ما قبله إن كان المسند إليه ياء، نحو أنت تعفين. - ¬

_ - اللغة: كيد: بمعنى كاد، وهو موضع الشاهد. ضباع: جمع ضبع. القفّ: ما ارتفع من الأرض. خراش: ابن الشاعر. ييتم: أي يصير بلا أب. والبيت في معجم الشواهد (ص 339)، وشرح التسهيل (1/ 126) والتذييل والتكميل (1/ 146). ترجمة الشاعر: هو أبو خراش الهذلي، خويلد بن مرة، يمتد نسبه حتى يصل إلى تميم بن سعد بن هذيل. كان له أخوان واحد يدعى عروة والآخر يدعى أبا جندب؛ أما الأول فقد مات ورثاه أبو خراش، والثاني هو أحد شعراء هذيل المعدودين، مات أبو خراش في زمن عمر بن الخطاب؛ وقيل في سبب موته: إن حية نهشته فمات (ترجمته في الشعر والشعراء: 1/ 667). (¬1) الكتاب: (4/ 342) وجاء فيه: «وحدّثنا أبو الخطّاب أنّ ناسا من العرب يقولون: كيد زيد يفعل، وما زيل زيد يفعل؛ ذاك يريدون زال وكاد؛ لأنهم كسروها في فعل كما كسروها في فعلت؛ حيث أسكنوا العين وحوّلوا الحركة على ما قبلها، ولم يرجعوا حركة الفاء إلى الأصل، كما قالوا: خاف وقال وباع وهاب». (¬2) التذييل والتكميل (1/ 146).

[نيابة بعض الضمائر عن بعض]

[نيابة بعض الضمائر عن بعض] قال ابن مالك: (ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة كثيرا، لتأوّلهم بجماعة، وكضمير الغائب قليلا؛ لتأوّلهم بواحد يفهم الجمع أو لسدّ واحد مسدّهم. ويعامل بذلك ضمير الاثنين وضمير الإناث بعد أفعل التّفضيل كثيرا ودونه قليلا). ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل: ترميون وتعفوين فاستثقلوا ضم الياء المكسور ما قبلها وكسر الواو المضموم ما قبلها، فخففتا بالتسكين، وخيف انقلابهما فحرك ما قبلهما بما يجانسهما (¬1). قال ناظر الجيش: إتيان ضمير الغائبين كضمير الغائبة، كقوله تعالى: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (¬2). ومنه قول الراجز: 190 - قد علمت والدتي ما ضمّت ... إذا الكماة بالكماة التفّت (¬3) قال المصنف: «فهذا كثير بخلاف إتيانه كضمير الغائب؛ فإنه قليل، ومنه قول - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 138)، وفي آخر هذا الكلام قال أبو حيان: قوله: ويسكن آخر المسند إلى قوله: وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله ... هو من علم التّصريف وفيه ذكره النّحاة: واستعجل المصنّف ذكره في هذا الباب وليس محلّ ذكره (التذييل والتكميل: 1/ 147). (¬2) سورة المرسلات: 11. (¬3) البيتان من مشطور الرجز، وهما لجحدر: ربيعة بن ضبيعة من قيس، قالهما في الفخر والشجاعة، من مقطوعة قصيرة في ديوان الحماسة: (1/ 507)، وهذا من الشعر الذي اكتشفت قائله. يقول جحدر: ردّوا عليّ الخيل إن ألمّت ... إن لم أناجزها فجزّوا لمّتي قد علمت والدتي ما ضمّت ... ما لفّفت في خرق وشمّت إذا الكماة بالكماة التفّت يذكر أن والدته توسمت فيه الشجاعة وهو طفل. وشاهده واضح: حيث أجرى ضمير الجمع الغائب مجرى ضمير الغائبة لتأوله بجماعة. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 139)، وفي التذييل والتكميل (2/ 148). ترجمة جحدر: جحدر هذا لقب له، ومعناه القصير، واسمه ربيعة بن ضبيعة فارس بكر في الجاهلية، وقتل في حرب تغلب يوم تحلاق اللمم، وكان من نسله عظماء، مات قبل الإسلام بنحو مائة سنة (ترجمته في الأعلام: 2/ 103).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاعر: 191 - فإنّي رأيت الصّامرين متاعهم ... يموت ويفنى فارضخي من وعائيا (¬1) أراد: يموتون، فأفرد كأنه قال يموت من ثم أو من ذكرت. وعلى ذلك يحمل قول الآخر: 192 - تعفّق بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذّت نبلهم وكليب (¬2) أي: تعفق بالأرطى رجال، وأرادها جمعهم. فبهذا التوجيه يضعف الانتصار للكسائي بهذا البيت في حذف الفاعل، وللفراء في نسبة العمل إلى العاملين (¬3). وقد أجاز سيبويه أن يقال: ضربت وضربني قومك؛ أراد: وضربوني، فأفرد - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، قاله منظور الدبيري كما في مراجعه ينصح زوجته. اللغة: الصامرين: جمع صامر، وهو البخيل المانع، يقال: صمر متاعه وصمره وأصمره: إذا منعه وجمعه (اللسان: صمر). ارضخي: الرضخ القليل من العطية. والشاعر في البيت يأمر زوجته بأن ترضى بقليل من العيش. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 127)، ولأبي حيان (2/ 148)، وللمرادي (1/ 120). وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الطويل لعلقمة بن عبدة من قصيدة سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يصف ناقته بالقوة، وأن الناس ومعهم أسلحتهم أرادوا أن يلحقوا بها، ولكنها فاتتهم. اللغة: تعفق بالأرطى: استتر بالشجر ليرميها. بذّت نبلهم: فاقت نبالهم في السرعة. كليب: جمع كلب كعبيد جمع عبد. وشاهده: واضح من الشرح، وخرجه بعضهم تخريجا آخر: فذكر أن في تعفق ضميرا مستترا تقديره هو يعود إلى الصياد. ويخرج البيت من باب التنازع، وتكون الواو في وأرادها عاطفة جملة على جملة (شرح الأشموني: 1/ 293). والبيت في معجم الشواهد (ص 39)، وفي شرح التسهيل (1/ 127)، وفي التذييل والتكميل (2/ 148). (¬3) يشير بهذا إلى مسألة في باب التنازع وهي: إذا تنازع العاملان معمولا واحدا، وكلاهما يطلبه فاعلا؛ فالبصريون يعملون الثاني لقربه، ويضمرون للأول ضميرا يعود على المتأخر، وهو من مواضع عود الضمير على المتأخر، والكوفيون يعملون الأول لسبقه، ثم اختلفوا فيم يعمل الثاني؟ فذهب الكسائي إلى أن معموله محذوف، وفيه حذف للفاعل وهو جائز عنده، وذهب الفراء إلى أنه إذا اتفق العاملان في طلب المرفوع، فالعمل لهما ولا إضمار، وجاء ابن مالك وخرج البيت تخريجا ثالثا على ما ذكر في الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على تقدير: وضربني من ثم (¬1). وأنشد أبو الحسن: 193 - وبالبدو منّا أسرة يحفظوننا ... سراع إلى الدّاعي عظام كراكره (¬2) فأفرد ضمير الأسرة؛ لأنه نسب إليهم الحفظ، فصح تأويلهم بحصن أو ملجأ؛ فجاء بالضمير على وفق ذلك؛ فكأنه قال: أسرة هم بحفظهم إيانا ملجأ عظيم كراكره. ومن كلام العرب: هو أحسن الفتيان وأجمله؛ لأنه بمعنى أحسن فتى، فأفرد الضمير حملا على المعنى، وإلى نحو هذا أشرت بقولي: أو لسدّ واحد مسدّهم. ومثل هذا قوله تعالى [1/ 142]: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ (¬3). وقال الراجز: 194 - [بال سهيل في الفصيح ففسد] ... وطاب ألبان اللّقاح وبرد (¬4) لأن النعم واللبن يسدان مسد الأنعام والألبان» انتهى (¬5). وناقش الشيخ المصنف في أمور: - ¬

_ (¬1) انظر تعليق أبي حيان على كلام سيبويه قريبا جدّا في الشرح. (¬2) البيت من بحر الطويل لشاعر مجهول وهو في الفخر. اللغة: الكراكر: الجماعات واحدها كركرة بكسرهما. وفي اللسان (مادة: كرر) الكركرة: الجماعة من الناس. وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت في شرح التسهيل: (1/ 128)، وفي التذييل والتكميل: (2/ 149) وليس في معجم الشواهد. (¬3) سورة النحل: 66. (¬4) بيتان من الرجز المشطور لم ينسبا في مراجعهما (انظر معجم الشواهد: ص 460). ومعنى الرجز: لما طلع نجم سهيل ذهب زمن البسر وأرطب، فكأنه بال فيه وصار الرطب هنيئا، وقد ذكر هذا الرجز مع أبيات أخرى في اللسان في مواد: (جبه، وحرث، وكتد). وهو كذلك في معاني القرآن للفراء (1/ 129)، وفي شرح التسهيل (1/ 127)، وفي التذييل والتكميل: (2/ 149). وشاهده: قوله: وطاب ألبان اللّقاح وبرد؛ حيث جاء الضمير مفردا وهو عائد على جمع. (¬5) شرح التسهيل: (1/ 128).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: «أن ضمير الغائبين إنما يأتي كضمير الغائبة إذا كان الضمير عائدا على جمع تكسير كما مثّله؛ أما إذا عاد على جمع سلامة نحو الزيدين، فلا يجوز أن يكون إلا بالواو، ولا يقال الزيدون خرجت، وظاهر كلام المصنف يدل على عموم الحكم في الجمعين» (¬1). قال: «وإذا عاد الضمير على اسم جمع، جاز فيه الجمع والإفراد، نحو: الرهط خرجوا والرهط خرج» (¬2). ومنها: «أنه نفى الحجة من البيت الذي أنشده شاهدا على أن ضمير الغائبين يأتي كضمير الغائب وهو: فإني رأيت الصّامرين ... البيت». قال: «لأنه يحتمل أن يكون متاعهم بدلا من الصامرين، والخبر يموت، كما تقول: إن الزيدين برهم واسع. وكنى عن نفاد متاعهم بالموت على سبيل المجاز، والتقدير: فإنّي رأيت متاع الصّامرين يبيد ويفنى» انتهى (¬3). ولا يخفى ضعف هذا التخريج الذي خرجه الشيخ (¬4). ومنها: قوله - وقد أجاز سيبويه أن يقال: «ضربت وضربني قومك» - قال: «لم يجز سيبويه ذلك على الإطلاق، ولا هذا الذي ذكره مقال سيبويه، بل قال سيبويه (¬5): وإن قال ضربني وضربت قومك فجائز، وهو قبيح أن يجعل اللفظ كالواحد، كما تقول: هو أجمل الفتيان وأحسنه وأكرم بنيه وأنبله؛ ولا بدّ من هذا، لأنّه لا يخلو الفعل من مضمر أو مظهر مرفوع من الأسماء، كأنّك قلت ضربني من ثمّ، وضربت قومك، وترك ذلك أجود وأحسن». قال الشيخ: «فحكم سيبويه بقبحه؛ وإنّما أجاز سيبويه ذلك على قبحه - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (1/ 426). (¬2) المرجع السابق. (¬3) التذييل والتكميل (2/ 150). (¬4) بل الضعف في تخريج ابن مالك. وأحسن منهما أن يقال: الصامرين مفعول رأيت، ومتاعهم بالرفع مبتدأ، وجملة يموت ويفنى خبره، وهو مفرد لأن ما قبله مفرد، وجملة الابتداء مفعول رأيت الثاني أو حالا من الفاعل؛ وعليه يكون معنى البيت: رأيت الباخلين متاعهم يفنى وضده رأيت الكرماء متاعهم يبقى، وهو معنى مجازي. (¬5) انظر: الكتاب (1/ 79، 80)، والتذييل والتكميل (2/ 251).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في مكان خاصّ وهو باب الإعمال، ولا يلزم من إجازته ذلك في هذا الباب أن يجيزه في غيره. قال: وظاهر كلام المصنف يقتضي إجازته على قلّة» (¬1). والمصنف إنما ذكر أن ذلك قد ورد أنه قليل؛ فليس في كلامه منافاة لكلام سيبويه ولا مخالفة. ومنها: كونه قال: «أو لسدّ واحد مسدّهم وحمل على ذلك قول العرب: هو أحسن الفتيان وأجمله». قال الشيخ: «هذا هو مذهب الفارسيّ، قال: إنما أفرد الضّمير؛ لأنهم تارة يقولون: هو أحسن فتى؛ فيفردون، وتارة يقولون: هو أحسن الفتيان فيجمعون فتوهّموا ذلك في حالة الجمع فأفردوه». قال الشيخ (¬2): «والّذي يدل عليه كلام سيبويه أنه إنّما أفرد كما أفرد في: ضربني وضربت قومك، وهو على معنى: من ثمّ فإنه قال: هو أحسن الفتيان، وأجمل من ذكر». قال أصحابنا: «وهذا هو الصحيح ويدلّ على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خير النّساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده» (¬3) فلو كان على ما يقوله الفارسيّ لقال أحناها؛ لأن المفرد الذي يقع هنا إنما كان يكون [1/ 143] امرأة؛ فدلّ على أنّ المراد: أحنى من ذكر». ومنها: قوله: ومثل هذا قوله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً (¬4) ... إلخ كلامه. قال الشيخ: «وليس مثله؛ لأنّ كلامه إنّما هو في جمع التكسير للعاقل، وهذا جمع تكسير لغير عاقل وفرق بينهما» انتهى (¬5). وما ذكره الشيخ من الفرق واضح، وإنما أراد المصنف أن يبين أنه قد اتفق الجمعان في أن عاد الضمير على كل منهما باعتبار الإفراد. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل: (2/ 151). (¬2) المرجع السابق أيضا. (¬3) الحديث نصه في صحيح مسلم: (7/ 182) في باب: من فضائل نساء قريش، والحديث بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل في: (1/ 319، 2/ 269، 275، 319، 393)، وهو أيضا في صحيح البخاري (7/ 6)، وهو أيضا في كتاب: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 454). (¬4) سورة النحل: 66. (¬5) التذييل والتكميل: (2/ 152).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم أشار المصنف بقوله: ويعامل بذلك ضمير الاثنين ... إلى آخره - إلى أن الضمير قد يعود على الاثنين، وعلى الإناث بلفظ الإفراد؛ لكنه جعله قسمين: كثيرا وقليلا (¬1): أما الكثير: فإذا وقع الاثنان أو الإناث بعد أفعل التفضيل: فمثال ذلك في ضمير الاثنين قول الشاعر: 195 - وميّة أحسن الثقلين جيدا ... وسالفة وأحسنه قذالا (¬2) ومنه قول الآخر: 196 - شرّ يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدج جملا (¬3) ومثال ذلك في ضمير الإناث: «خير النّساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده» كأنه قال: أحنى هذا الصنف، أو أحنى من ذكرت. - ¬

_ (¬1) في النسخة (جـ): قليلا وكثيرا. (¬2) البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة بلغت مائة بيت لذي الرمة غيلان بن عقبة، يمدح فيها بلال بن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري، وكان واليا على البصرة، وقد استغرق الوصف والغزل نصفها (الديوان ص 436). اللغة: السّالفة: صفحة العنق. القذال: خلف القفا. وشاهده: قوله: وأحسنه؛ حيث جاء الضمير مفردا وهو عائد على مثنى، وهو كثير عند ابن مالك؛ لوقوع المثنى بعد أفعل التفضيل، وخرجه أبو حيان تخريجا آخر في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 128)، والتذييل والتكميل (2/ 153)، ومعجم الشواهد (ص 369). (¬3) البيت من بحر الرمل قاله بعض شعراء جديس من مقطوعة طويلة؛ انظرها وانظر قصة هذه الأبيات في لسان العرب (مادة: عنز). والشطر الأخير يضرب مثلا: وأصله: أن امرأة من طسم يقال لها عنز أخذت سبيئة فحملوها في هودج (حدج) وألطفوها بالقول والفعل؛ فعند ذلك قالت: شر يوميها وأغواه لها. ومعنى البيت: تقول: شر أيامي حين صرت أكرم للسباء. يضرب مثلا في إظهار البر باللسان والفعل لمن يراد به الغوائل، ونصب شر يوميها بركبت على الظرف، أي ركبت بحدج جملا في شر يوميها (مجمع الأمثال: 2/ 152). وشاهده قوله: شر يوميها وأغواه؛ حيث جاء الضمير مفردا في أغواه، وهو عائد على مثنى، وذلك لوقوعه بعد أفعل التفضيل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 129)، والتذييل والتكميل (2/ 153)، وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما القليل: فأن يكون ذلك دون أفعل التفضيل؛ لكن المصنف إنما مثل للضمير العائد على اثنين؛ أما العائد على الإناث فلم يمثل له وكأنه لم يرد؛ والذي أنشده المصنف شاهدا قول الشاعر: 197 - أخو الذّئب يعوي والغراب ومن يكن ... شريكيه تطمع نفسه كلّ مطمع (¬1) أي ومن يكن الذئب والغراب شريكيه؛ فأفرد الضمير موؤلا كأنه قال: ومن يكن هذا النوع، أو ومن يكن من ذكرته. قال الشيخ: ليس معنى المثنى الذي في البيت الأول على التثنية، وكذا الذي في البيت الثاني؛ بل هو من المثنى الذي يراد به الجمع، فمعنى أحسن الثقلين أحسن الخلائق؛ ومعنى شرّ يوميها شرّ أيامها؛ وإذا كان كذلك فلا يجوز: هو أحسن ولديك وأنبله. إذ قد منع سيبويه (¬2) القياس على قولهم: هو أحسن الفتيان وأجمله؛ فالقياس على ما ورد من ذلك مثنى ويراد به الجمع - أولى بالمنع؛ فكيف يقول المصنف: إن ذلك كثير؟ (¬3). وأما البيت الثالث فذكر فيه تخريجا بعيدا، فقال: يحتمل أن يكون الضمير في يكن مفردا عائدا على من، ويكون شريكيه من المقلوب، والتقدير: ومن يكن شريكهما فلا يكون ذلك فيه دليل على دعوى المصنف (¬4). ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل ذكرت مراجعه أن قائلته غضوب، وهي امرأة من رهط ربيعة بن مالك تهجو سبيها - قال ابن الشجري في البيت: جعل الذئب والغراب بمنزلة الواحد، فأعاد إليهما ضميرا مفردا؛ لأنهما كثيرا ما يصطحبان في الوقوع على الجيف؛ ولولا ذلك لقال: ومن يكونا شريكيه (الأمالي: 1/ 309). والبيت في شرح التسهيل (1/ 129)، والتذييل والتكميل (2/ 154)، وهو في معجم الشواهد (ص 230). (¬2) انظر: الكتاب (1/ 80). قال: «قوله: هو أطرف الفتيان وأجمله لا يقاس عليه؛ ألا ترى أنّك لو قلت وأنت تريد الجماعة: هذا غلام القوم وصاحبه لم يحسن؟». (¬3) التذييل والتكميل: (2/ 154) وفيه تصرف في بعض النقل. (¬4) انظر المرجع السابق. وفي الحديث السابق: خير النساء ... قال أبو حيان: «أين كثرة هذا وهو لم يذكر منه إلّا هذا الأثر؟ مع أنّه يحتمل ألّا يكون لفظ الرّسول عليه السّلام إذ جوّز النّقل بالمعنى، ويحتمل أن يكون من تحريف الأعاجم الرّواة».

[بقية الحديث عن نيابة بعض الضمائر عن بعض]

[بقية الحديث عن نيابة بعض الضمائر عن بعض] قال ابن مالك: (ولجمع الغائب غير العاقل ما للغائبة أو الغائبات وفعلت ونحوه أولى من فعلن ونحوه بأكثر جمعه وأقلّه والعاقلات مطلقا بالعكس، وقد يوقع فعلن موقع فعلوا؛ طلبا للتّشاكل كما قد يسوّغ لكلمات أخر غير ما لها من حكم ووزن). قال ناظر الجيش: إعطاء [1/ 144] جمع الغائب غير العاقل ما للغائبة، كقوله تعالى: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ (¬1). وإعطاؤه ما للغائبات كقوله تعالى: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها (¬2)؛ وقد يعطى ما للمذكر الغائب (¬3) كقوله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ (¬4) وتقدم ذلك في كلام المصنف (¬5)، فاستغنى عن إعادته؛ لكن ذكره هنا أولى. وأشار بقوله: وفعلت ونحوه إلى آخره، إلى أن الأكثر في الاستعمال أن يعطى الكثرة ما للغائبة والقلة ما للغائبات، كقولهم: الجذوع انكسرت والأجذاع انكسرن، وكذا في الضمير غير المرفوع، وإياه عنى بقوله: ونحوه أي وفعلت أولى من فعلن في المرفوع، ونحو فعلت أولى من نحو فعلن في غير المرفوع. نحو: الجذوع كسرتها والأجذاع كسرتهن (¬6)، قال الله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ (¬7). فمنها عائد على اثنا عشر، وفيهن على أربعة أشهر؛ هذا في غير العاقلات. وأما - ¬

_ (¬1) سورة التكوير: 2، 3. (¬2) سورة الأحزاب: 72. والضمير فيه وهو نون النسوة يعود على السموات والأرض والجبال في أول الآية. (¬3) أي: وقد يعطى جمع الغائب غير العاقل ما للمذكر الغائب وهو الضمير المفرد كما مثل. (¬4) سورة النحل: 66. (¬5) وهو قوله في المتن السابق: ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة كثيرا ... إلخ. (¬6) أي: هذا التعبير أولى من غيره، وهو العكس؛ فليس بالفصيح أن تقول الجذوع كسرتهن ولا الأجذاع كسرتها. وكذا في الضمير المرفوع: فالجذوع انكسرت أولى من انكسرن، والأجذاع بالعكس. (¬7) سورة التوبة: 36.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العاقلات ففعلن وشبهه أولى من فعلت وشبهه. قال الله تعالى: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (¬1)، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عوان بينكم» (¬2). قال المصنف (¬3): «ولو قيل في الكلام موضع فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ فعلت في أنفسها؛ وموضع فإنهن عوان: فإنّها عوان، لجاز كقوله تعالى: وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ (¬4) فهذا جاء على طهّرت، ولو جاء على طهّرن لقيل مطهّرات. ومن استعمال فعلت في ضمير العاقلات قول الشاعر: 198 - وإذا العذارى بالدّخان تلفّعت ... واستعجلت نصب القدور فملّت درّت بأرزاق العفاة مغالق ... بيديّ من قمع العشار الجلّة (¬5) وإنما قال: والعاقلات مطلقا ليشمل ما كان للكثرة والقلة فلا فرق بينهما، بخلاف ما إذا كان الجمع بغير العاقل. وإلى حكم غير العاقل في القلة، وحكم العاقلات لكثرة كانت أو قلة - الإشارة بقوله: وأقلّه والعاقلات مطلقا بالعكس. - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 234، وقد كتبت الآية خطأ في النسخ حيث كانت: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن، وصحتها كما ذكرنا. (¬2) الحديث في صحيح مسلم (4/ 41) في باب حجة النبي صلّى الله عليه وسلّم. وهو أيضا في صحيح البخاري (7/ 26) من كتاب النكاح؛ باب: الوصاة بالنساء. (¬3) شرح التسهيل (1/ 130). (¬4) سورة البقرة: 25. (¬5) البيتان من بحر الطويل من قصيدة سبق الحديث عنها وعن قائلها. اللغة: العذارى: جمع عذراء وهي المرأة البكر. تلفّعت: ويروى مكانها تقنعت، ومعناه اتخذت من الدخان قناعا لها. استعجلت: من الاستعجال. القدور: جمع قدر. ملّت: معناه أدخلت اللحم في الرماد الحار. والبيت كله كناية عن اشتداد الزمان. درّت: من الدر ويكون في اللبن وغيره. العفاة: جمع عاف وهو السائل. مغالق: مفاتيح. قمع: جمع قمعاء وهي الناقة التي لها سنام كبير. العشار: جمع عشراء، وهي الناقة التي مضى على حملها عشرة أشهر. الجلّة: العظيمة. والمعنى: يفتخر الشاعر بكرمه فيقول: «إذا اشتد الزمان وجاع الناس وامتهنت الحرائر، فإنني أقوم بذبح النوق العظيمة وأوزعها على الناس». وشاهده: استعمال فعلن في ضمير العاقلات؛ والأفصح لو قال الشاعر تلفعن واستعجلن. والبيت في شرح التسهيل (1/ 130)، وفي التذييل والتكميل (2/ 157)، وفي معجم الشواهد (ص 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: «قول المصنّف مطلقا أي كان جمعا صحيحا أو مكسّرا». فمثال فعلن في الصحيح: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ (¬1)، وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ (¬2)، ومثال فعلت قولك: الهندات خرجت، وقول الشاعر: 199 - ولست بسائل جارات بيتي ... أغيّاب رجالك أم شهود (¬3) قال: رجالك ولم يقل رجالكن» انتهى (¬4). وأشار المصنف بقوله: وقد يوقع فعلن موقع فعلوا إلى آخره، إلى ما ورد في بعض الأدعية المأثورة: «اللهمّ ربّ السّموات وما أظللن، وربّ الأرضين وما أقللن، وربّ الشياطين وما أضللن». أراد [1/ 145] ومن أضلوا، لكن إرادة التشاكل حملت على إيقاع النون موقع الواو، وحملت على الخروج من حكم التصحيح إلى حكم الإعلال في قوله عليه الصلاة والسّلام: «لا دريت ولا تليت» (¬5). وإنما حقه تلوت، ومن حكم الإدغام إلى حكم الفك في قوله: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 233. (¬2) سورة البقرة: 228. (¬3) البيت من بحر الوافر قائله عقيل بن علفة المرّي، كما في ديوان الحماسة، وهو في العفة والصلاح والتقوى. وشاهده: مجيء الضمير مفردا وهو عائد على جمع. والبيت في التذييل والتكميل (2/ 156)، وفي معجم الشواهد أيضا (ص 106). ترجمة الشاعر: هو عقيل بن الحارث بن معاوية، ويمتد نسبه حتى يصل إلى مرة بن غطفان، وأمه عمرة بنت الحارث بن عوف. كان شاعرا شريفا عاصر يزيد بن عبد الملك بن مروان وهو القائل (من الطويل): وكن أكيس الكيسى إذا كنت فيهم ... وإن كنت في الحمقى فكن أنت أحمقا انظر ترجمته في معجم الشعراء (ص 164، 165). (¬4) انظر: التذييل والتكميل (2/ 156). (¬5) الحديث نصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (3/ 4) عن أبي سعيد الخدري، قال: شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جنازة فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيّها النّاس إنّ هذه الأمة تبتلى في قبورها؛ فإذا الإنسان دفن فتفرّق عنه أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده، قال: ما تقول في هذا الرّجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله، فيقول: صدقت، ثمّ يفتح الله بابا إلى النّار فيقول: هذا كان منزلك لو كفرت بربّك، فأما إن كنت فهذا منزلك فيفتح له باب الجنّة فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره. وإن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرّجل؟ فيقول: لا أدري سمعت النّاس يقولون شيئا فيقول «لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ...» إلخ وهو كذلك في (ص 126)، وأيضا في (4/ 296): «لا دريت ولا تلوت».

[الحديث عن الضمير المتصل المنصوب والمجرور]

[الحديث عن الضمير المتصل المنصوب والمجرور] قال ابن مالك: (ومن البارز المتّصل في الجرّ والنّصب ياء للمتكلّم، وكاف مفتوحة للمخاطب، ومكسورة للمخاطبة، وها للغائبة، وهاء مضمومة للغائب؛ وإن وليت ياء ساكنة أو كسرة كسرها غير الحجازيّين، وتشبع حركتها بعد متحرّك، ويختار الاختلاس بعد ساكن مطلقا وفاقا لأبي العبّاس، وقد تسكّن أو تختلس الحركة بعد متحرّك عند بني عقيل وبني كلاب اختيارا وعند غيرهم اضطرارا. وإن فصل المتحرّك في الأصل ساكن حذف جزما أو وقفا جازت الأوجه الثّلاثة). ـــــــــــــــــــــــــــــ أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب ينبحها كلاب الحوأب (¬1) وإنما حقه الأدبّ، وكما حمل على الخروج من وزن الكلمة إلى غيره، كقول العرب: أخذه ما قدم (¬2) وما حدث وهنأه ومرأه، وفعلته على ما يسوءك وينوءك. ولا يقولون في الإفراد إلا حدث وأمرأه، وأناءه ينيئه، وهذا هو المراد بقوله: وقد يسوغ لكلمات غير ما لها من حكم ووزن. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على البارز المتصل المرفوع، شرع في المتصل البارز المنصوب الموضع والمجروره. وقد تقدم أن غير المرفوع لا يكون مستكنّا إنما يكون بارزا (¬3). ولم يخص الضمائر بلفظ، بل لفظها لفظ المنصوب المتصل؛ لأنه لما كان سبب وضع الضمائر طلب الاختصار، ناسب ذلك أن يشرك بينهما؛ فكل ما هو للمنصوب هو للمجرور، وإنما يميز بينهما العوامل. - ¬

_ (¬1) نص الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/ 97). الحوأب: منزل بين البصرة ومكة، وهو الذي نزلت فيه عائشة رضي الله عنها وهي في موقعة الجمل (اللسان: حأب) والجمل الأدب: الكثير الوبر. (¬2) هو بعض حديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 404)، (6/ 2، 5). ونصه: عن أبي موسى أن النّبيّ عليه السّلام كان يحرسه أصحابه فقمت ذات ليلة، فلم أره في منامه، فأخذني ما قدم وما حدث ... إلخ. وكان عليه السّلام قد قام يدعو الله ويتشفع لأمته. (¬3) سبق أن قال الشارح بعد أن عد الضمائر المستكنة: «وكلّها في موضع رفع؛ إذ الضّمير المستكن لا يكون غير مرفوع».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصول المنصوب أعني البارز المتصل خمسة ألفاظ (¬1): وهي الياء، ونا، والكاف، والهاء، وها. وما عدا ذلك فهو متفرع عليه. أما الياء: فللمتكلم وحده، ومثاله: رَبِّي أَكْرَمَنِ (¬2): وأما نا: فقد تقدم أنها للمتكلم المعظم نفسه أو المشارك، نحو: رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193) رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬3). وأما الكاف: فللخطاب؛ فإن فتحت كانت للمخاطب نحو: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (¬4) وإن كسرت كانت للمخاطبة (¬5). وأما الهاء: فللغائب نحو: فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ (¬6). وأمّا ها: فللغائبة نحو: ... وَتَقْواها (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (¬7). ولغة الحجازيين (¬8) في هاء الغائب الضم مطلقا، وهو الأصل؛ فيقولون: ضربته ومررت به ونظرت إليه (¬9) ولغة غيرهم الكسر بعد الكسرة. أو الياء الساكنة إتباعا وبلغة غيرهم قرأ القراء إلا حفصا (¬10): ... - ¬

_ (¬1) احترز بذلك عن المنصوب المنفصل، وهو إيا وما يتصل بها، وهو اثنا عشر ضميرا وستأتي. (¬2) سورة الفجر: 15. (¬3) سورة آل عمران: 193، 194. ونا في الآيتين وقعت أكثر من مرة: تارة في محل نصب، وأخرى في محل جر. (¬4) سورة الضحى: 3، وقد وقعت الكاف فيها مرتين، واحدة في محل نصب والأخرى في محل جر. (¬5) لم يمثل لها والتمثيل كالآتي: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ [يوسف: 29]. وقد وقعت الكاف فيها مرتين، واحدة في محل نصب والأخرى في محل جر. (¬6) سورة الكهف: 37. (¬7) سورة الشمس: 8، 9. (¬8) شرع في حركات هذه الضمائر: أما ما وضع منها على حرفين كنا وها، فلا حديث فيه؛ لأنه سينطق على ما وضع عليه. وأما ما وضع على حرف واحد فهو حديثه الآن كالهاء والكاف. أما ياء المتكلم فلم يتحدث عنها هنا، ولها حديث خاص في آخر باب النداء. (¬9) قوله: مطلقا: يشير به إلى أنه سواء كان قبل الهاء ضم أو كسر أو ياء ساكنة، وقد مثل الشارح للثلاثة. (¬10) هو حفص بن سليمان بن المغيرة الأسدي بالولاء الكوفي البزاز، وكنيته أبو عمرو إمام قارئ راوي عاصم بن أبي النجود، كان ربيب عاصم من زوجته فأخذ عنه القراءة، وكان أعلم أصحابه بقراءته، ولذا أخذ الناس قراءة عاصم عن حفص، وقد نزل بغداد وجاور بمكة، وامتد عمره إلى التسعين حيث -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ (¬1)، وبِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ (¬2)، وحمزة في لِأَهْلِهِ امْكُثُوا * في الموضعين (¬3)، فإنهما قرآ بالضم على لغة الحجازيين. ومن العرب من يكسرها بعد كسرة مفصولة بساكن ومنه: أَرْجِهْ وَأَخاهُ * (¬4). في قراءة ابن ذكوان (¬5) وإشباع حركة هذه الهاء هو الأصل والتزم ذلك بعد متحرك في غير الضرورة (¬6)، إلا عند بني عقيل وبني كلاب كما سيأتي [1/ 146]. أما إذا كان ما قبل الهاء ساكنا فإن الاختلاس يختار على الإشباع. قال المصنف: «لأن اللافظ بالإشباع بعد ساكن كالجامع بين ساكنين، فلذلك كثر اختلاس الضّمة والكسرة في نحو منه ويأتيه ويرجوه». - ¬

_ - ولد سنة (90 هـ) وتوفي سنة (180 هـ). انظر ترجمته في معجم الأدباء (1/ 215)، والأعلام (2/ 291)، غاية النهاية (1/ 254). (¬1) سورة الكهف: 63. وقد قرأ حفص بضم الهاء على لغة الحجازيين وقرأ الباقون بكسرها على لغة غيرهم. قال ابن خالويه: الحجة لمن ضم أنه أتى بلفظ الهاء على أصل ما وجب لها. والحجة لمن قرأه بالكسر فلمجاورة الياء (الحجة: ص 226). (¬2) سورة الفتح: 10. وفيها ما في الآية السابقة. (¬3) أما الموضع الأول فهو قوله تعالى: وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (9) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [طه: 9، 10]. وأما الثاني فهو قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا [القصص: 29]. وقد قرأهما حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها. (¬4) موضعان في القرآن أما الأول فهو قوله تعالى: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الأعراف: 111]. وأما الثاني فهو قوله: قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ [الشعراء: 36]. قرأ ابن كثير بالهمز وضم الهاء مع إشباعها، ونافع بغير الهمز وكسر الهاء مع إشباعها، وقراءة حفص عن عاصم بغير الهمز وسكون الهاء، وقراءة ابن ذكوان بالهمز وكسر الهاء. قال ابن خالويه: وهو عند النحويين غلط لأن الكسر لا يجوز في الهاء إذا سكن ما قبلها كقوله تعالى: وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 32] ثم قال: وله وجه في العربية، وذلك أن الهمزة لما سكنت للأمر والهاء بعدها ساكنة على لغة من يسكن الهاء كسرها لالتقاء الساكنين (الحجة: ص 160). (¬5) هو عبد الرحمن بن أحمد أبو عمر بن ذكوان عالم بالقراءات، كان شيخ الإقراء بالشام ولم يكن في المشرق والمغرب في زمانه أعلم بالقراءة منه. وقد ولد سنة (173 هـ) وتوفي شابّا سنة (202 هـ). تنظر ترجمته في الأعلام (4/ 64)، غاية النهاية (1/ 364). (¬6) انظر باب ما يحمل الشعر من كتاب سيبويه (1/ 36) ومن أمثلته قول الشاعر وهو من الوافر: له زجل كأنه صوت حاد ... إلخ وسيأتي. وقول الآخر وهو من البسيط: ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجح سيبويه الإشباع إذا لم يكن الساكن حرف لين (¬1). قال المصنف: «وردّ ذلك أبو العبّاس ويعضّده السّماع الشّائع» (¬2). قال الشيخ: «والّذي يدلّ عليه السّماع الشّائع هو ما ذكره سيبويه وذهب إليه» (¬3)، ولم يستشهد الشيخ بشيء غير أنه إنما اعتمد في ذلك كلام سيبويه وهو قوله: «وقد يحذف بعض العرب الحرف الّذي بعد الهاء إذا كان ما قبل الهاء ساكنا لأنّهم كرهوا حرفين ساكنين بينهما حرف خفيّ نحو الألف، فكما كرهوا التقاء السّاكنين في آمين ونحوها كرهوا ألّا يكون بينهما حرف قويّ، وذلك قول بعضهم منه يا فتى، والإتمام أجود لأن هذا السّاكن ليس بحرف لين والهاء حرف متحرّك» انتهى (¬4). وروى الكسائي عن بني عقيل وبني كلاب الإسكان واختلاس الضمة والكسرة في الهاء بعد متحرك. قال الكسائي (¬5): «سمعت أعراب عقيل وكلاب يقولون: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (¬6) بالجزم ولِرَبِّهِ لَكَنُودٌ بغير تمام. وبهذه اللّغة قرأ - ¬

_ (¬1) قال سيبويه (4/ 189): هذا باب ثبات الياء والواو في الهاء التي هي علامة الإضمار وحذفهما: فأمّا الثّبات فقولك: ضربهو زيد وعليها مال ولديهو رجل، جاءت الهاء مع ما بعدها هاهنا في المذكّر كما جاءت وبعدها الألف في المؤنّث، وذلك قولك: ضربها زيد وعليها مال. فإذا كان قبل الهاء حرف لين فإن حذف الياء والواو في الوصل أحسن. وبعد التعليل والتمثيل: وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء: 106]، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقه: 30]؛ قال: والإتمام عربيّ ثمّ قال: فإن لم يكن قبل هاء التّذكير حرف لين أثبتوا الياء والواو في الوصل (الكتاب: 4/ 190). (¬2) شرح التسهيل (1/ 132). ولم يرد المبرد ذلك، وإنما يتفق رأيه مع رأي سيبويه، وهذا نص ما ذكره، قال في هذا الموضع (المقتضب: 1/ 36، 37، 38): وإن كانت هذه الهاء بعد واو أو ياء ساكنتين أو ألف فالّذي يختار حذف حرف اللين بعدها. تقول: عليه مال يا فتى بكسر الهاء ... ومن لزم اللّغة الحجازيّة قال: عليه مال بالضم. فإن كان قبل الهاء حرف ساكن من غير حروف المدّ واللّين فأنت مخيّر إن شئت أثبتّ وإن شئت حذفت. (¬3) التذييل والتكميل (1/ 439). (¬4) انظر: نصه في الكتاب (4/ 190). (¬5) شرح التسهيل (1/ 132). (¬6) سورة العاديات: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو جعفر (¬1) له وبه وما أشبههما». وغير بني عقيل وبني كلاب لا يوجد في كلامهم اختلاس ولا سكون في «له» وشبهه، إلا في ضرورة كقول الشاعر وهو الشماخ (¬2): 200 - له زجل كأنّه صوت حاد ... إذا طلب الوثيقة أو زمير (¬3) وقال آخر: 201 - وأشرب الماء ما بي نحوه عطش ... إلّا لأنّ عيونه سيل واديها (¬4) فإن فصل المتحرك في الأصل ساكن حذف جزما أو وقفا، جاز في الهاء التحريك مع الإشباع، والتحريك مع الاختلاس والتسكين نحو قوله تعالى: - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) هو الشماخ بن ضرار وقيل: اسمه معقل بن ضرار، كان له أخ يدعى يزيد. عاش الشماخ في الجاهلية والإسلام. قال الحطيئة: إنه أشعر غطفان وكان وصافا للسيوف والحمير وأرجزهم، وعنه أخذ ذو الرمة الأوصاف. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 321). (¬3) البيت من بحر الوافر قائله الشماخ كما في الشرح، وهو هنا يصف حمارا وحشيّا يطلب أنثاه. اللغة: الوثيقة: أنثى الحمار التى يضمها من وثقت الشيء إذا جمعته. الزّجل: صوت فيه حنين وترنم. زمير: صوت المزمار. والشاعر يصف حمارا وحشيّا هائجا فيقول: إنه إذا طلب أنثاه صوّت لها، وكان صوته من حسن الترجيع والتطريب صوت حاد بإبل أو صوت مزمار. ويستشهد بالبيت على اختلاس الضمة بعد هاء الضمير، وهو ضرورة عند الجمهور جائز عند بني عقيل وبني كلاب. انظر البيت في كتاب الشماخ بن ضرار الذبياني، حياته وشعره (ص 344). وهو أيضا في شرح التسهيل (1/ 132)، وفي معجم الشواهد (ص 145). (¬4) البيت من بحر البسيط قائله دريد بن الصمة كما في مراجعه - انظر معجم الشواهد (ص 415). وشاهده: تسكين هاء الضمير للضرورة. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 133)، وفي التذييل والتكميل (1/ 442). ترجمة الشاعر: هو دريد بن معاوية بن الحارث، والصّمّة لقب أبيه وهو بكري من هوازن شجاع من الأبطال الشعراء المعمرين في الجاهلية، كان سيد بني جشم وفارسهم وقائدهم، غزا مائة غزوة لم يهزم في واحدة منها. وعاش حتى سقط حاجباه عن عينه، وأدرك الإسلام ولم يسلم فقتل على دين الجاهلية يوم حنين سنة (8 هـ). انظر ترجمته في الأعلام (3/ 16).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (¬1)، ونحو يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (¬2)، أصلهما يرضاه ويؤديه، هذا مثال ما حذف جزما. ومثال ما حذف وقفا قوله تعالى فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ (¬3). أصله ألقيه؛ فمن أشبع نظر إلى اللفظ وأن الهاء متصلة بحركة، ومن اختلس استصحب ما كان للهاء قبل أن تحذف الألف (¬4)؛ لأن حذفها عارض والعارض لا يعتد به غالبا. ومن سكن نظر إلى أن الهاء قد وقعت موقع المحذوف الذي كان حقه لو لم يكن حرف علة أن يسكن؛ فأعطيت الهاء ما يستحقه المحل من السكون؛ وهذه هي الأوجه الثلاثة التي أشار إليها في المتن. قال الشيخ: «وثبت في بعض النّسخ بعد قوله: جازت الأوجه الثّلاثة ما نصّه: وإشباع كسرة التّأنيث في نحو ضربته وأعطيتكه لغة ربيعة» انتهى (¬5). أما ضربته فقال سيبويه (¬6): «وحدّثني الخليل أنّ ناسا يقولون: ضربتيه فيلحقون الياء وهذه قليلة». وأما أعطيتكه فقال سيبويه (¬7): «واعلم أنّ ناسا من العرب يلحقون الكاف الّتي هي علامة الإضمار إذا وقعت بعدها هاء الإضمار ألفا في التّذكير وياء في التّأنيث». ثم قال: «وذلك قولك أعطيتكيه وأعطيتكيها [1/ 147] للمؤنّث ويقولون في التّذكير: أعطيتكاه وأعطيتكاها». ¬

_ (¬1) سورة الزمر: 7. (¬2) سورة آل عمران: 75. (¬3) سورة النمل: 28. (¬4) أي في يرضاه ومثلها الياء في يؤديه وألقيه. (¬5) التذييل والتكميل (2/ 170). (¬6) انظر نصه في الكتاب (4/ 200). (¬7) المرجع السابق: الجزء والصفحة.

[أحكام ضمائر التثنية والجمع]

[أحكام ضمائر التثنية والجمع] قال ابن مالك: (ويلي الكاف والهاء في التّثنية والجمع ما ولي التّاء، وربّما كسرت الكاف فيهما بعد ياء ساكنة أو كسرة، وكسر ميم الجمع بعد الهاء المكسورة باختلاس قبل ساكن وبإشباع دونه أقيس، وضمّها قبل ساكن وإسكانها قبل متحرّك أشهر. وربّما كسرت قبل ساكن مطلقا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «قد تقدم أن تاء الضمير توصل مضمومة بميم وألف للمخاطبين والمخاطبتين، وبميم مضممومة ممدودة للمخاطبين، وبنون مشددة للمخاطبات، وإن تسكين ميم الجمع إن لم يلها ضمير متصل أعرف، وإن وليها لم يجز التسكين خلافا ليونس. فإلى جميع ذلك أشرت بقولي: ويلي الكاف والهاء في التّثنية والجمع ما ولي التّاء. فكما قيل فعلتما وفعلتم وفعلتن، يقال لكما معهما وإنكم معهم وإنكن معهن. ومن كسر هاء المفرد إتباعا للكسرة والياء الساكنة كسر هاء التثنية والجمع، ومن لم يكسر لم يكسر. وبعض العرب يكسر كاف التثنية والجمع بعد كسرة أو ياء ساكنة؛ إلحاقا بالهاء نحو: مررت بكما وبكم وبكن، ورغبت فيكما وفيكم وفيكن. قال الشاعر: 202 - وإن قال مولاهم على كلّ حادث ... من الدّهر ردّوا بعض أحلامكم ردّوا (¬2) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 133). (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة مشهورة للحطيئة في مدح بني سعد وبها عدة شواهد وأبيات محفوظة جرت مجرى الأمثال: يسوسون أحلاما بعيدا أناتها ... وإن غضبوا جاء الحفيظة والجدّ أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدّوا وانظر القصيدة في ديوان الحطيئة (ص 144). والمعنى: إذا قال ابن عمهم تفضلوا بأحلامكم عند ما يحدث جليل من الأمر فعلوا. وإذا كان ابن مالك قد قرر كسر هذه الكاف في هذا البيت دون حكم على ذلك، فإن ابن جني حكم عليه بالغلط الفاحش يقول (المحتسب: 1/ 270): «وناس من بكر بن وائل يجرون الكاف مجرى الهاء إذ كانت مهموسة مثلها وكانت علامة إضمار كالهاء، وذلك غلط منهم فاحش؛ لأنها لم تشبهها في الخفاء الّذي من أجله جاز ذلك في الهاء، وإنّما ينبغي أن يجري الحرف مجرى غيره إذا أشبهه في علّته ثمّ أنشد البيت قائلا: وهذا خطأ عند -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روي بكسر الكاف من أحلامكم» انتهى. ثم إذا كسرت الهاء فلميم الجمع بعدها حالتان: إحداهما: أن يكون بعدها ساكن، فيجوز في الميم وجهان: الكسر وهو أقيس؛ لأن الخروج من الكسر إلى الضم ثقيل، ولأنهم قصدوا الإتباع. والضم وهو أشهر، ولذا قرأ به أكثر القراء ومثال ذلك: بِهِمُ الْأَسْبابُ (¬1)، يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ (¬2). ولا يخفى أن حركة الميم قبل الساكن مختلسة؛ لأن الإسكان لا يجوز لملاقاة ساكن بعدها، والإشباع يؤدي إلى حذف الحرف لالتقاء الساكنين. الثانية: أن يكون بعدها متحرك. فحقها الإشباع (¬3) وهو أقيس، والإسكان وهو أشهر نحو: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ (¬4)، تُشَاقُّونَ فِيهِمْ (¬5). وإنما كان الإشباع أقيس لأن الضمير لما استعمل للمثنى؛ زيد على اللفظ الذي للمفرد حرفان، وهما الميم والألف، ولما استعمل للجمع المؤنث زيد عليه نون مشددة، ولا شك أنهما حرفان، فوجب أن يزاد عليه حرفان. وإذا كان للجمع المذكر وهما الواو والميم: فمن أثبتها فعلى الأصل، ومن قصد التخفيف حذف الواو وسكن الميم. - ¬

_ - أهل النّظر مردود». وبيت الشاهد في معجم الشواهد (ص 100)، وشرح التسهيل: (1/ 134)، والتذييل والتكميل: (2/ 172). ترجمة الشاعر: هو جرول بن أوس، ولقب بالحطيئة لقصره، كان من بني عبس ولكنه كان ينتسب إلى قبائل مختلفة أثناء تجواله. مدح الأشراف وأخذ عطاياهم. ومن بخل عليه هجاه. واشتهر بالهجاء لأنه هجا كل الناس حتى أباه وأمه ونفسه. مات سنة (30 هـ)، فهو جاهلى إسلامي أسلم بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. حبسه عمر بن الخطاب لهجائه الناس ثم أخرجه من الحبس عند ما أرسل إليه (من البسيط): ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 328). بروكلمان (1/ 168). (¬1) سورة البقرة: 166. قال ابن خالويه في مثله: «قرئ بكسر الهاء والميم وبضمّهما، وبكسر الهاء وضمّ الميم ثم احتجّ لكلّ». انظر الحجة في القراءات السبع له (ص 80). (¬2) سورة النور: 25. (¬3) أي مضمومة إتباعا لحركة الهاء قبلها. (¬4) سورة الأنفال: 16. (¬5) النحل: 27. وأولها: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم من قول المصنف: وكسر ميم الجمع بعد الهاء المكسورة: أن الميم بعد الهاء المضمومة لا تكسر بل تضم. أما كون الميم توصل بواو بعد الهاء المضمومة، أو لا توصل فتختلس الحركة أو تسكن، فقد عرف مما تقدم. وأشار المصنف بقوله: وربّما كسرت قبل ساكن مطلقا إلى أنه قد تكسر الميم قبل ساكن (¬1) وإن لم يكن قبلها كسرة ولا ياء ساكنة كقول القائل: 203 - فهم بطانتهم وهم وزراؤهم ... وهم القضاة ومنهم الحكّام (¬2) وقول الآخر [1/ 148]: 204 - ألا إنّ أصحاب الكنيف وجدتهم ... هم النّاس لمّا أخصبوا وتموّلوا (¬3) - ¬

_ (¬1) والأولى أن تضم إتباعا لضمة الهاء قبلها كقوله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة: 61]. (¬2) البيت من بحر الكامل وقائله مجهول وهو في المدح. قال فيه ابن جني (المحتسب: 1/ 46): قوله: وهم القضاة يحتمل كسر الميم وجهين: أحدهما أن يكون ذلك لالتقاء الساكنين، والآخر أن يكون ذلك على لغة من قال عليهمي، فحذف الياء لالتقاء الساكنين من اللفظ وهو ينويها في الوقف. ووجه ثالث أن يكون على لغة من قال عليهم بكسر الميم من غير ياء. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 134)، والتذييل والتكميل (2/ 175)، وفي معجم الشواهد (ص 354). (¬3) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة لعروة بن الورد، قدمها محقق الديوان بمقدمة طويلة. ملخصها شكوى عروة من قومه وغدرهم به بعد أن أعزهم عروة وأغناهم عن الناس. وانظر القصيدة والشاهد في «ديوانا عروة بن الورد والسّموأل» (ص 56). اللغة: الكنيف: الحظيرة من الشجر تحظر على الناس ويقصد بأصحاب الكنيف قومه. أخصبوا وتموّلوا: أي صاروا في خصب ومال وفيرين. وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 134)، وفي التذييل والتكميل (2/ 175)، وفي معجم الشواهد (ص 280). ترجمة عروة: هو عروة بن الورد من بني عبس، ويلقب بعروة الصعاليك، كان جاهليّا لئيما اشترك أبوه في حرب داحس، ومن أجل ذلك مدحه عنترة. قدّر بنو عبس عروة شاعرا وقدروا عنترة شجاعا. له ديوان شعر مطبوع مع شعر السموأل. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 679)، بروكلمان (1/ 109).

[نون الوقاية وأحكامها وماذا تلحق]

[نون الوقاية وأحكامها وماذا تلحق] قال ابن مالك: (فصل (¬1): تلحق قبل ياء المتكلّم إن نصب بغير صفة، أو جرّ بمن أو عن أو قد أو قط أو بجل أو لدن نون مكسورة للوقاية، وحذفها مع لدن وأخوات ليت جائز، وهو مع بجل ولعلّ أعرف من الثّبوت، ومع ليس وليت ومن وعن وقد وقط بالعكس، وقد تلحق مع اسم الفاعل وأفعل التّفضيل، وهي الباقية في فليني لا الأولى وفاقا لسيبويه). - قال المصنف: «كذا أنشدهما ابن جنّي في المحتسب بكسر ميم هم القضاة وهم النّاس» (¬2). قال ناظر الجيش: إيراد هذا الفصل في هذا الباب ظاهر؛ لأن النون المذكورة إنما تلحق قبل ياء المتكلم، فالكلام فيها متعلق بباب المضمر. واعلم أن الياء إذا كانت منصوبة (¬3) لحقت النون قبلها كائنا العامل فيها ما كان؛ ولا يستثنى من العوامل إلا ما كان صفة، فإنه لا يجوز معه لحاق النون ولا تلحق قبل الياء المجرورة إلا إذا كان الجر بأحد كلم ست وهي «من، وعن، وقد، وقط، وبجل، ولدن»، فعلى هذا لحاق هذه النون على ثلاثة أقسام: واجب، وجائز، وممتنع. والجائز على ثلاثة أقسام: قسم يرجح فيه اللحوق، وقسم عكسه، وقسم يستوي فيه الأمران. وتفصيل القول في ذلك: أن الناصب للياء إما فعل، وإما اسم فعل، وإما اسم هو صفة. وإما حرف وهو إن وأخواتها. فإن كان الناصب صفة امتنعت النون نحو أنت المكرمي (¬4). - ¬

_ (¬1) كلمة فصل: ناقصة من نسخة (ب). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 134)، وانظر البيتين في المحتسب لابن جني (1/ 45، 46). (¬3) قوله: إذا كانت منصوبة: أي في محل نصب لأن الضمائر كلها مبنية. (¬4) هذا عند سيبويه في الوصف المقترن بأل المضاف إلى الضمير، وعند الأخفش وهشام أيضا اللذين يريان أن الوصف عامل في الضمير النصب مطلقا. وأما عند المبرد والرماني - موافقين للفراء - فالضمير في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان فعلا وجبت، ماضيا كان الفعل أو مضارعا أو أمرا، متصرفا كان أو غير متصرف، وكذا إن كان الناصب اسم فعل، فالنون واجبة أيضا نحو رويدني وعليكني. وإن كان الناصب أحد الأحرف المتقدمة الذكر (¬1) جاز الأمران لكن الأكثر في ليت اللحوق والترك نادر. والأكثر في لعل تركها واللحوق نادر. وأما أخواتهما الباقية فيستوي فيها الأمران. وأما الياء المجرورة (¬2) فإن جرت بشيء غير الكلم الست المتقدمة الذكر (¬3) امتنع لحوق النون. وإن جرّت بشيء مما تقدم؛ فقد جعل المصنف النون معه على ثلاثة أقسام كما كانت مع الأحرف الناصبة. فثبوتها مع من وعن وقد وقط أكثر من الحذف، والحذف مع بجل أكثر من الثبوت، والأمران مستويان مع لدن. فتلخص: أن النون تمتنع مع الناصب إذا كان صفة، ومع الجار إذا كان غير الكلمات الستة، وأنها تجب مع الناصب إذا كان غير صفة وغير حرف، وأنها راجحة الثبوت على الحذف إذا نصبت بليت، أو جرت بمن أو عن أو قد أو قط، وأنها راجحة الحذف على الثبوت إذا نصبت بلعل أو جرت ببجل، وأنها مستو فيها الأمران إذا نصبت بأخوات ليت ولعل أو جرت بلدن، ولا يخفى تطبيق كلام المصنف على ما قلناه. وإنما كسرت النون المذكورة لأجل [1/ 149] الياء. وإنما سميت نون الوقاية لأنها وقت الفعل من الكسر. هذا هو المشهور ولم يرضه المصنف. - ¬

_ - موضع خفض بالإضافة. (حاشية الصبان: 2/ 246). (¬1) وهي إن وأخواتها. (¬2) مراده بالمجرورة أيضا أي التي في محل جر. (¬3) بأن تجر بالإضافة مثلا سواء كان المضاف اسما جامدا أو صفة خالية من أل عند سيبويه وعند المبرد والرماني مطلقا. ومراده بالكلمات الستة المتقدمة الذكر أنها: من وعن وقد وقط وبجل ولدن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: «لأن الكسر يلحق الفعل مع ياء المخاطبة لحاقا هو أثبت من لحاق الكسر لأجل ياء المتكلم؛ لأن ياء المتكلم فضلة فهي في تقدير الانفصال بخلاف ياء المخاطبة فإنها عمدة، ولأن ياء المتكلم قد يغني عنها الكسرة التي قبلها ثم يوقف على المكسورة بالسكون نحو: فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (¬1) وياء المخاطبة لا يعرض لها ذلك» (¬2). قال: «وإنما سميت نون وقاية لأنها وقت محذورين في فعل الأمر لو اتصل بالياء دونها: أحدهما: «التباس ياء المتكلم بياء المخاطبة». والثاني: «التباس أمر المذكر بأمر المؤنثة» (¬3). فلما صحبت النون الياء مع فعل الأمر صحبتها مع أخويه ومع اسم الفاعل وجوبا؛ ليدل لحاقها على نصب الياء، ولحقت إن وأخواتها جوازا لشبهها بالأفعال» (¬4). قال: «وقد يقال: إن لحاقها المضارع أصل، وذلك أنها صانته عن خفاء الإعراب وتوهم صيرورته مبنيّا (¬5)، فاحترز بالنون من ذلك كما احترز منه حين اتصل بالمضارع ألف الضمير وواوه وياؤه. فجيء بالنون بعدهن نائبة عن الضمة، ولم يحتج إلى ذلك في نحو غلامي، بل اكتفي بتقدير الإعراب لأصالته فيه، فلا يذهب الوهم إلى زواله دون سبب جلي» (¬6). ثم قال: «وقد يؤيد اعتبار وقاية الفعل من الكسر بأن الكسر الذي وقيه الفعل إنما - ¬

_ (¬1) سورة الفجر: 15 وفيها حذف ياءين واكتفي بالكسرة قبلهما. (¬2) شرح التسهيل (1/ 135). (¬3) معناه أنك إذا قلت: اضربي - دون نون وقاية، ومعناه أمر المخاطب أن يضربك - اضربني - فإنه يلتبس بأمر المؤنثة لأن الصيغة واحدة فيهما، ويتبع ذلك أيضا التباس ياء المتكلم بياء المخاطبة، وحين تلحق النون أحد الفعلين زال الالتباس. (¬4) المرجع السابق. وعلل أبو حيان الجواز بقوله: «وإنما لحقت نون الوقاية لإن وأخواتها؛ لأنها لمّا عملت عمل الفعل أجريت مجراه في لحاق نون الوقاية تكميلا للشبه. وإنما جاز حذفها فيما عدا ليت لأنّ لحاقها لهن أضعف من لحاقها للفعل إذ هي محمولة على الفعل ولاجتماع الأمثال في إنّ وأخواتها والمتقاربات في لعل، ولأنها طرف والطرف يسرع إليه الإعلال» (التذييل والتكميل: 1/ 453). (¬5) أي حين يقال في محمد يكرمني: محمد يكرمي. (¬6) شرح التسهيل (1/ 135).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو كسر يلحق الاسم مثله، وهو كسر ما قبل ياء المتكلم لا كسر ما قبل ياء المخاطبة؛ فإنه خاص بالفعل فلا حاجة إلى صون الفعل منه. وهذا فرق حسن لكنه مرتب على ما لا أثر له في المعنى؛ بخلاف الذي اعتبرته فإنه مرتب على صون من خلل ولبس فكان أولى» (¬1) انتهى. ثم ها هنا تنبيهات: الأول: أن النون قد لا يقصد بها الوقاية من الكسر؛ بل المحافظة على بقاء سكون آخر تلك الكلمة التي تتصل النون بها، كما في من وأخواتها. الثاني: قد تقدم أن النون كما تلحق الفعل المتصرف تلحق غير المتصرف، فتلحق هب أخت ظن، وعسى، وليس، وفعل التعجب؛ إلا أن ليس لشبه لفظها بلفظ ليت جاز خلوها منها، كما يخلو ليت أيضا؛ ولهذا سوى المصنف في متن الكتاب بينها وبين ليت في قلة الحذف معها (¬2). قال المصنف (¬3): ولم يرد ليسي إلا في نظم كقول الراجز: 205 - عددت قومي كعديد الطّيس ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي (¬4) وأما فعل التعجب فنقل الشيخ أن مذهب الكوفيين فيه لحاق النون جوازا لا لزوما. قال: «واختاره بعض أصحابنا فيقول: ما أجملني وما أجملي وما أظرفني وما أظرفي». قال الشيخ: «وما أجازه الكوفيّون هو سماع عن العرب. وقد استعمله بعض مشايخنا النّحاة الأدباء في شعره [1/ 150] فقال: - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) قال في المتن عن نون الوقاية: «وحذفها مع لدن وأخوات ليت جائز، وهو مع بجل ولعلّ أعرف من الثّبوت ومع ليس وليت ومن وعن وقد وقط بالعكس». (¬3) شرح التسهيل (1/ 149). (¬4) البيتان من الرجز المشطور، وهما في زيادات ديوان رؤبة (ص 175). اللغة: عديد: بمعنى عدد. الطيس: الرمل أو التراب. ليسي: أصله ليس الذاهب إياي، فاستتر الاسم واتصل الضمير بالخبر. والشاهد في البيتين واضح. وانظر مراجعهما في معجم الشواهد (ص 175)، وشرح التسهيل (1/ 136، 155)، والتذييل والتكميل (2/ 185). وسيأتيان بعد ذلك أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 206 - يا حسنا ما لك لم تحسن ... إلى نفوس في الهوى متعبة طرّزت بالورد وبالسّوسن ... صفحة خدّ بالسّنا مذهبة يا حسنه إذ قال ما أحسني ... ويا لذاك اللّفظ ما أعذبه قلت له كلّك عندي سنا ... وكلّ ألفاظك مستعذبة (¬1) في أبيات ذكرها (¬2). الثالث: قال المصنف: «حكى سيبويه: «عليكني وعليك بي» (¬3) وسمع الفراء بعض بني سليم يقول: «مكانك» يريد انتظرني في مكانك. وإذا أعملت رويد في الياء، قلت: رويدني أي أمهلني، وكذلك يفعل بكل متعد من أسماء الأفعال». الرابع: قال المصنف: كان مقتضى الدليل استواء ليت وأخواتها في لحاق النون لشبهها بالأفعال المتعدية، لكن استثقل لحاقها بأواخر غير ليت لأجل التضعيف، فحسن حذفها تخفيفا وثبوتها للشبه المذكور، ولم يكن في ليت معارض للشبه فلزمها ثبوتها في غير ندور (¬4)، ولم يرد الحذف إلا في نظم كقول زيد الخيل (¬5): 207 - كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأفقد بعض مالي (¬6) - ¬

_ (¬1) الأبيات من بحر الرجز التام وهي في الغزل. (انظر حياة الحيوان الكبرى لكمال الدين محمد بن موسى الدميري، طبعة دار التحرير سنة 1965 م (2/ 251) بحث عقرب). وشاهده قوله: إذ قال ما أحسني؛ حيث جاء فعل التعجب دون نون الوقاية متصلا بياء المتكلم على مذهب الكوفيين وهو عند البصريين شاذ. (¬2) التذييل والتكميل (2/ 178). وانظر طرفا من هذا الخلاف في كتاب الإنصاف (1/ 79، 80). (¬3) الكتاب (2/ 361). ونص ما قاله: «وحدّثنا يونس أنّه سمع من العرب من يقول: عليكني من غير تلقين، ومنهم من لا يستعمل ني ولا نا في ذا الموضع استغناء بعليك بي وعليك بنا». (¬4) شرح التسهيل (1/ 138). وإنما لزم ثبوتها في غير ندور مع ليت للخلو من التضعيف كما في أخواتها. (¬5) هو زيد بن مهلهل من طيئ، جاهلي أدرك الإسلام ووفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم في وفد طيئ سنة تسع من الهجرة ليسلموا جميعا، ولما أسلم زيد سماه الرسول «زيد الخير». وقال له النبي: «ما وصف لي أحد في الجاهليّة فرأيته في الإسلام إلّا رأيته دون الصّفة ليسك» يريد غيرك. وقطع له النبي أرضا. وكان لزيد ولدان شهدا حروب الردة مع خالد بن الوليد. (ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء (1/ 292)، وفيات الأعيان: 6/ 47). (¬6) البيت من بحر الوافر قاله زيد الخيل كما هو مذكور في الشرح وفي مراجع البيت. وقد استشهد بالبيت على سقوط نون الوقاية من ليت ضرورة، هذا كلام ابن مالك هنا. إلا أنه قال -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولما نقص شبه لعل بالفعل من أجل أنها تعلق في الغالب ما قبلها بما بعدها (¬1)، ومن أجل أنها تجر على لغة ضعف موجب لحاق النون المذكورة لها، فكثر «لعلّي» كقوله تعالى حكاية: لَعَلِّي أَبْلُغُ (¬2)، ولَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ (¬3). وقلّ «لعلني» ومنه قول الشاعر: 208 - فقلت أعيراني القدوم لعلّني ... أخطّ بها قبرا لأبيض ماجد (¬4) قال الشيخ: «ما ذهب إليه المصنف من حذف نون الوقاية من إنّ وأنّ وكأنّ ولكنّ هو مذهب الأكثرين. وذهب بعضهم إلى أنّ الساقط هو النون الثانية، والأولى مدغمة في نون الوقاية» (¬5). الخامس: قال المصنف (¬6): «لحاق النون مع لدن أكثر من عدم لحاقها، وزعم سيبويه أن عدم لحاقها من الضرورات وليس هو كذلك بل هو جائز في الكلام الفصيح، ومن ذلك قراءة نافع (¬7): ... - ¬

_ - في الألفية: وليتني فشا وليتي ندرا ... إلخ، وفرق بين الندور والضرورة. والبيت في معجم الشواهد (ص 315)، وفي شرح التسهيل (1/ 136)، وفي التذييل والتكميل (2/ 186). (¬1) هو معنى التعليل الذي ذكره الأخفش والكسائي في معانيها، ومثّلا له بقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: 44] انظر الهمع (1/ 134). ومثال جرها على لغة عقيل ما قاله كعب بن سعد الغنوي (من الطويل): فقلت ادع أخرى وارفع الصّوت جهرة ... لعلّ أبي المغوار منك قريب وقول الآخر (من الوافر) لعلّ الله فضّلكم علينا. انظر شرح الأشموني (2/ 204). (¬2) سورة غافر: 36. (¬3) سورة يوسف: 46. (¬4) البيت من بحر الطويل استشهد به كثيرون ولم ينسبوه. اللغة: أعيراني: روي في مكانه أعيروني من العارية وهو الانتفاع بالشيء ثم رده. القدوم: بفتح فضم مخفف آلة ينخر بها الخشب. قبرا لأبيض ماجد: أراد أن يصنع جرابا لسيفه. وشاهده واضح من الشرح ومثله قول حاتم الطائي (من الطويل): أريني جوادا مات هزلا لعلني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا وانظر الشاهد في معجم الشواهد (ص 115)، شرح التسهيل (1/ 137)، التذييل والتكميل (2/ 155). (¬5) التذييل والتكميل (2/ 184). (¬6) شرح التسهيل (1/ 136). (¬7) هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أحد القراء السبعة. كان إمام أهل المدينة والذين صاروا إلى قراءته ورجعوا إلى اختياره، وهو من الطبقة الثالثة بعد الصحابة، قرأ عليه مالك رضي الله عنه كما قرأ هو على ميمون مولى أم سلمة زوج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكان له راويان: ورش وقنبل. وتوفي نافع سنة (159 هـ) بالمدينة. تنظر ترجمته في وفيات الأعيان (5/ 368)، غاية النهاية (2/ 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (¬1) بتخفيف النون وضم الدال. ولا يجوز أن يكون نون لدني نون الوقاية ويكون الاسم لد؛ لأن لد متحرك الآخر، والنون في لدن وأخواته إنما جيء بها لصون أواخرها من زوال السكون، فلا حظ فيها لما آخره متحرك، وإنما يقال في لد مضافا إلى الياء لدي. نص على ذلك سيبويه (¬2). وقرأ أبو بكر (¬3) مثل نافع إلا أنه أشم الدال ضمّا، وقرأ الباقون بضم الدال وتشديد النون مدغمين نون لدن في نون الوقاية. السادس: قال المصنف: معنى بجل: حسب، وكذلك معنى قد وقط، ومن قال: بجلي وقدي وقطي بلا نون، فلشبهها بحسب، إلا أن بجل أشبه لأنه ثلاثيّ مثله، ولمساواته له في اشتقاق فعل منه؛ إذ قيل أبجله وأحسبه بمعنى كفاه، فلذلك فاق عدم النون مع بجل ثبوتها بخلاف قد وقط. وفي الحديث: «قط قط بعزّتك وكرمك» (¬4) يروى بسكون الطاء وبكسرها مع ياء ودون ياء، ويروى قطني قطني بنون الوقاية وقط التنوين وبالنون أشهر [1/ 151]. قال الراجز: 209 - امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلا رويدا قد ملأت بطني (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 76. وفي الآية قراءات ثلاثة ذكرها الشارح هي في الحجة لابن خالويه (ص 228)، وتقريب النشر (ص 137). (¬2) الكتاب (2/ 371) وكانت لد عنده نظير مع في التمثيل. (¬3) هو شعبة بن عياش بن سالم الأزدي الكوفي الخياط، من مشاهير القراء، وكان نظير حفص في الرواية عن عاصم، كما كان عالما فقيها في الدين، وقد ولد سنة (95 هـ) وتوفي سنة (193 هـ). ترجمته في الأعلام (3/ 242)، وغاية النهاية (1/ 325). (¬4) الحديث في صحيح مسلم (8/ 152) مرويّا عن أنس بن مالك، ونصه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد حتّى يضع فيها ربّ العزّة تبارك وتعالى قدمه، فتقول: قط قط وعزتك ويزوي بعضها إلى بعض». وهو في صحيح البخاري (3/ 119)، وفي مسند الإمام (2/ 169، 507). (¬5) البيتان من بحر الرجز المشطور، وهما بلا نسبة مع كثرة مراجعهما، وهما في وصف حوض امتلأ بالماء وفاض. وقطني بمعنى حسب، وهو موضع الشاهد حيث اتصلت به نون الوقاية وهو الكثير. والبيتان في شرح التسهيل: (1/ 137)، وهما في معجم الشواهد (ص 552).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر في قدني: 210 - قدني من نصر الخبيبين قدي ... ليس الإمام بالشّحيح الملحد (¬1) قال الشيخ (¬2): ما ذكره المصنف من أن الياء مجرورة بالإضافة إليها مع قد؛ هو مذهب سيبويه والخليل (¬3)، ونقل الكوفيون في قد وقط وجهين عن العرب: أحدهما: أنهما اسما فعل وهما مبنيان على السكون، وينصبون بهما فيقولون: قط زيدا درهم، وإذا اتصل بهما ضمير المتكلم لحقتهما نون الوقاية. والثاني: أن من العرب من يقول: قد عبد الله درهم، وقط عبد الله درهم؛ فيرفعهما ويجر ما بعدهما بإضافتهما إليه، ويكونان بمعنى حسب، وإذا أضاف إلى نفسه لا تلحق نون الوقاية كما لا تلحق حسب، وقد ذكر المصنف في باب أسماء الأفعال: أنهما يكونان اسمي فعل في أحد الوجهين (¬4)، وذكر في باب تتميم الكلام: أنّ قد تكون اسما لكفى (¬5). قال (¬6): والذي أختاره أن من قال من العرب قدني وقطني فإنهما عنده اسم فعل والياء في موضع نصب، ومن قال قدي وقطي فهما بمعنى حسب والياء في موضع جر، كما فعل الكوفيون. انتهى. ومثال الحذف مع من وعن قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الرجز المشطور، وقد سبق الاستشهاد بهما في باب الجمع. ويستشهد بهما هنا على حذف نون الوقاية من قد بمعنى حسب عند إضافتها لياء المتكلم وهو ضرورة. والبيتان في معجم الشواهد (ص 466)، وفي شرح التسهيل: (1/ 70، 137)، (4/ 107)، وفي التذييل والتكميل: (1/ 268)، (2/ 183 - 187). (¬2) التذييل والتكميل: (1/ 449). (¬3) كتاب سيبويه: (1/ 372) بتحقيق هارون. (¬4) تسهيل الفوائد (ص 212). والوجه الآخر كونها بمعنى حسب، فعلى الوجه الأول تقول: قطني وقدني بالنون بمعنى يكفيني. وعلى الثاني تحذف النون كما تقول: حسبي. وقد اجتمع الوجهان في البيت المذكور قريبا. (¬5) تسهيل الفوائد (ص 242) وفيه يقول ابن مالك: «فصل: تكون قد اسما لكفى فتستعمل استعمال أسماء الأفعال وترادف حسبا فتوافقها في الإضافة إلى غير ياء المتكلّم». (¬6) القائل هو أبو حيان. انظر التذييل والتكميل: (1/ 180).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 211 - أيّها السّائل عنهم وعني ... لست من قيس ولا قيس مني (¬1) قال الشيخ: «ظاهر كلام المصنّف أنّ حذف النّون من: من وعن وقد وقط؛ جائز في الكلام، ونصّ أصحابنا على أنّ الحذف لا يكون إلّا في الضرورة» انتهى (¬2). وبقي الكلام من الفصل على مسألتين: الأولى: أن نون الوقاية قد تلحق مع اسم الفاعل وأفعل التفضيل، وهذا كالاستثناء من الأصل المتقدم؛ وهو أن نون الوقاية لا تلحق مع الصفة ناصبة كانت أو جارة. فمثال اسم الفاعل ما أنشده الفراء (¬3) من قول الشاعر: 212 - وما أدري وظنّي كلّ ظنّ ... أمسلمني إلى قوم شراحي (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الرمل، وعدم معرفة قائله طعن في صحته ونسبته، ورمي بأنه مصنوع من بعض النحاة لهذه القاعدة. وقيس إن أريد به القبيلة فهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وإن أريد به الرجل فهو مصروف. واستشهد به على شذوذ حذف نون الوقاية من: من وعن المتصل بهما ياء المتكلم. والبيت على شهرته ليس في معجم الشواهد، وهو في الدرر (1/ 43)، وفي شرح المفصل (3/ 125)، وفي حاشية الصبان (1/ 124)، وفي شرح التسهيل (1/ 138)، وفي التذييل والتكميل (2/ 187). (¬2) كلام ابن مالك الذي أخذ منه أبو حيان ذلك هو ما قاله في المتن؛ حيث لم يحكم على الإلحاق بالوجوب، وما قاله في الشرح وهو قوله: ومن قال بجلي وقدي وقطي بلا نون شبّهها بحسب ... ثم تمثيله بالبيتين اللذين فيهما قد ومن وعن بدون نون الوقاية وتصديره لهما بقوله: وقال الشاعر في الحذف .. دون أن يذكر بعدهما وهو من الشذوذ أو الضرورة، لكنه في الألفية حكم على الحذف في من وعن بالضرورة وعليه في قد وقط بالقلة. يقول: ... واضطرارا خفّفا ... منّي وعنّي بعض من قد سلفا وفي لدنّي لدني قلّ وفي ... قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي (¬3) معاني القرآن للفراء (2/ 386). (¬4) البيت من بحر الوافر ورد في مراجعه منسوبا إلى يزيد بن محمد الحارثي. اللغة: شراحي: مرخم شراحيل دون نداء، وهو شاهد آخر في هذا البيت. وفي البيت يقول الفراء: «وإنّما تكون هذه النّون (نون الوقاية) في فعل ويفعل مثل ضربني ويضربني. وربّما غلط الشّاعر فيذهب إلى المعنى فيقول: أأنت ضاربني فيوهم أنه أراد هل تضربني؛ فيكون ذلك على غير صحّة». -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد ابن طاهر (¬1) في تعليقه على كتاب سيبويه: 213 - وليس بمعييني وفي النّاس ممتع ... صديق إذا أعيا عليّ صديق (¬2) قال: وأنشد غيرهما: 214 - وليس الموافيني ليرفد خائبا ... فإنّ له أضعاف ما كان آملا (¬3) قال المصنف (¬4): «ومعييني والموافيني يرفعان توهم كون نون مسلمني تنوينا؛ لأن ياء المنقوص المنون لا ترد عند تحريك التنوين لملاقاة ساكن نحو: أغاد ابنك أم رائح؟ وياء معييني الثانية ثابتة في: وليس بمعييني، فعلم أن النون الذي وليه ليس تنوينا وإنما هو نون الوقاية؛ ولذلك ثبت مع الألف واللام في الموافيني. وأيضا فإن التنوين إذا اتصل بما هو معه كشيء واحد، حذف تنوينه نحو: وابن - ¬

_ - ثم أنشد البيت المذكور ومعه بيت آخر وقال: «لم يقل أمسلمي وهو وجه الكلام». (معاني القرآن: 2/ 386). وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 89)، وفي شرح التسهيل (1/ 138)، وفي التذييل والتكميل (1/ 187). (¬1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري، له تعليقات على كتاب سيبويه ضمنها ابن خروف شرحه عليه. وقال السيوطي: وقفت على حواشيه على الكتاب بمكة المكرمة (بغية الوعاة: 1/ 28). سبقت ترجمته بالتفصيل. (¬2) البيت من بحر الطويل وهو في العزة والكرامة لشاعر مجهول. اللغة: معييني: من قولهم: أعياه الأمر إذا أعجزه. ممتع: بفتح أوله وثالثه اسم مكان من قولهم: رجل ماتع أي كامل في خصائل الخير، وقيل اسم فاعل من قولهم: أمتعني الله بك. ومعنى البيت: إذا صد عني بعض الأصدقاء طلبت صديقا غيره حسن العشرة وفي الناس خير كثير. والشاهد فيه واضح من الشرح. وانظر البيت في شرح التسهيل: (1/ 138)، وفي التذييل والتكميل (2/ 188)، وفي معجم الشواهد (ص 247). (¬3) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع، وهو في الفخر بالكرم. اللغة: الموافيني: اسم فاعل من وافاك يوافيك موافاة إذا جاءك وأتاك. ليرفد: بالبناء المجهول، مأخوذ من الرفد بالفتح مصدر رفدته إذا أعطيته، والرفد بالكسر هو العطاء. آملا: راجيا وطالبا. وشاهده قوله: وليس الموافيني حيث لحقت نون الوقاية اسم الفاعل المضاف إلى ياء المتكلم. ويرى ابن عصفور في ذلك رأيا آخر مذكورا في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 152)، وفي التذييل والتكميل (2/ 188)، وفي معجم الشواهد (ص 265). (¬4) انظر شرح التسهيل: (1/ 138).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيداه ولا [1/ 152] يقال: وابن زيدناه فتحرك التنوين؛ بل تحذف لأن زيادة الندبة والمندوب كشيء واحد، وكذا ياء المتكلم مع متلوها كشيء واحد؛ ولذا كسر ما قبلها كما كسر ما قبل ياء النسب. وأيضا فمقتضى الدليل مصاحبة النون الياء مع الأسماء المعربة لتقيها خفاء الإعراب؛ فلما منعوها ذلك كان كأصل متروك فنبهوا عليه في بعض أسماء الفاعلين، ومن ذلك قراءة بعض القراء: (هل أنتم مطلعون) بتخفيف الطاء وكسر النون (¬1). وفي البخاري (¬2) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لليهود: «هل أنتم صادقوني؟» (¬3) كذا في ثلاثة مواضع في أكثر النسخ المعتمد عليها» انتهى. وإنما احتاج المصنف إلى إقامة الدليل على ما ذكر؛ لأن غيره يدعي أن النون في أمسلمني نون التنوين لا نون الوقاية. قال ابن عصفور في المقرب (¬4): - ¬

_ (¬1) سورة الصافات: 54 وانظر القراءة في المحتسب لابن جني (2/ 220) قراءة عمار بن أبي عمار - قال عن القراءة: إنها لغة ضعيفة وهو أن يجري اسم الفاعل مجرى الفعل المضارع لقربه منه فيجري مطلعون مجرى يطلعون وعليه قال بعضهم: وما أدري وظنّي كلّ ظن ... أمسلمني ...... إلخ يريد أمسلمي، وهذا شاذ كما ترى؛ فلا وجه للقياس عليه. (¬2) هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري أبو عبد الله، حبر الإسلام والحافظ لحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولد في بخارى سنة (194 هـ)، ونشأ يتيما وقام برحلة طويلة في طلب الحديث سنة (210 هـ)، فزار خراسان ومصر والعراق والشام، وسمع من نحو ألف شيخ. صنف صحيح البخاري، وهو أوثق الكتب الستة المعول عليها في الحديث، وأصح كتب الأحكام الشريفة بعد القرآن الكريم. وقد طبع عدة مرات. توفي بسمرقند سنة (256 هـ). ترجمته في الأعلام (6/ 258). (¬3) الحديث في صحيح البخاري في كتاب الطب (7/ 139). ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لمّا فتحت خيبر هديت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شاة فيها سمّ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجمعوا لي من كان هاهنا من اليهود» فجمعوا له. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي سائلكم عن شيء، فهل أنتم صادقوني عنه؟». قالوا: نعم يا أبا القاسم ... إلخ. والحديث أيضا في مسند الإمام أحمد بن حنبل (2/ 451). (¬4) انظر نص ذلك في المقرب ومثل المقرب (ص 189، 190) (عادل عبد الموجود). وبقية كلامه: «بل تقول ضاربك وضارباك وضاربوك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان معمول اسم الفاعل ضميرا متصلا لم يثبت فيه نون ولا تنوين، وقد يثبتان في الضرورة نحو قوله: «وما أدري وظنّي» البيت المتقدم الإنشاد، ونحو قول الآخر: 215 - ولم يرتفق والنّاس محتضرونه ... جميعا وأيدي المعتفين رواهقه (¬1) ومثال أفعل التفضيل قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «غير الدّجّال أخوفني عليكم» (¬2). قال المصنف (¬3): «لما كان لأفعل التفضيل شبه بالفعل معنى ووزنا، وخصوصا بفعل التعجب - اتصلت به النون المذكورة، قال: والأصل في الحديث: أخوف مخوّفاتي عليكم؛ فحذف المضاف إلى الياء وأقيمت هي مقامه، فاتصل أخوف بالياء معمودة بالنون، كمل فعل بأسماء الفاعلين المذكورين، وأفعل على هذا الوجه مصوغة من فعل المفعول كقولهم: «أشغل من ذات النّحيين» (¬4)، و «أزهى من ديك»، وقوله عليه الصلاة والسّلام: «أخوف ما أخاف على أمّتي الأئمّة المضلّون» (¬5). ويجوز أن يكون من أخاف؛ لأن صوغ أفعل التفضيل من فعل على أفعل مطرد عند سيبويه، فيكون المعنى على هذا: غير الدّجّال أشدّ إخافة عليكم من الدّجّال، - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع. وفي البيت ومعناه والشاهد فيه يقول ابن يعيش: الشاهد فيه: الجمع بين النون والمضمر والوجه محتضروه، يصفه بالبذل والعطاء يقول: غشيه المعتفون وهم السائلون واحتضره الناس للعطاء. فسيبويه يجعل الهاء فيه كناية، ويزعم أن ذلك من ضرورة الشعر. وكان أبو العباس المبرد يذهب إلى أنها هاء السكت وكان حقها أن تسقط في الوصل، فاضطر الشاعر، فأجراها في الوصل مجراها في الوقف، وحركها لأنها لما ثبتت في الوصل أشبهت هاء الإضمار نحو غلامه. وكلاهما ضعيف والأول أمثل؛ لأن فيه ضرورة واحدة وفي هذا ضرورتان (شرح المفصل: 2/ 125). وانظر: البيت في التذييل والتكميل (2/ 189)، وفي معجم الشواهد (ص 247). (¬2) الحديث في صحيح مسلم في كتاب الفتن (8/ 197). وبقيته: «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كلّ مسلم ...» إلخ. (¬3) شرح التسهيل (1/ 139). (¬4) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 2/ 184) يضرب لمن هو في شغل وفي عمل منهمك. (¬5) نص الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/ 441) ... عن أبي الدرداء قال: عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الأئمّة المضلّون».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أن يكون من باب وصف المعاني على سبيل المبالغة بما يوصف به الأعيان، كما يقال: شعر شاعر، وخوف خائف، وموت مائت، وعجب عاجب، ثم يصاغ أفعال باعتبار ذلك المعنى، فيقال: شعرك أشعر من شعره، وخوفي أخوف من خوفك ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم (¬1): «أشعر كلمة تكلّمت بها العرب كلمة لبيد: 216 - ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل» ... [وكلّ نعيم لا محالة زائل] (¬2) ومنه أيضا قول الشاعر: 217 - يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظه فأمّا الّتي يرتجى خيرها ... فأجود جودا من اللّافظه وأمّا التي يتّقى شرّها ... فنفس العدوّ بها فائظه (¬3) وتقدير الحديث مسلوكا به هذا السبيل. خوف غير الدّجّال أخوف خوفي عليكم؛ فحذف المضاف إلى غير، وأقيم غير مقامه، وحذف المضاف إلى الياء، وأقيمت الياء مقامه، فاتصل أخوف بالياء - ¬

_ (¬1) الحديث في صحيح مسلم (7/ 49) وقد سبق الاستشهاد به في أول هذا التحقيق وقد روي بروايات مختلفة هناك. (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو للبيد بن ربيعة العامري، وقد سبق الاستشهاد به وشاهده هنا واضح من الشرح. (¬3) أبيات ثلاثة من بحر المتقارب، وهي لطرفة بن العبد يصف فيها ممدوحه بالكرم والشجاعة. والأبيات ليست في ديوان طرفة المحقق (طبعة بيروت). اللغة: اللّافظة: قيل البحر لأنه يلفظ بكل ما فيه من العنبر والجواهر، والهاء فيه للمبالغة. وقد فسر بتفسيرات أخرى. فائظة: من فاظت نفسه إذا قاربت الموت، ومعنى الأبيات واضح. وشاهده قوله: فأجود جودا ... إلخ، حيث وصف الجود بالجواد من باب وصف المعاني بما توصف به الأعيان على سبيل المبالغة في الوصف. والبيت في شرح التسهيل (1/ 140)، وفي معجم الشواهد (ص 207). ترجمة الشاعر: هو طرفة بن العبد بن سفيان، شاعر جاهلي له معلقة مشهورة: «لخولة أطلال ببرقة ثهمد» كان في حسب من قومه، وقد مات أبوه وهو صغير، فنهب أعمامه ماله كما نهب أخواله مال أمه، ومن هنا تحدث عن الظلم كثيرا في شعره. وقد مات طرفة بعد العشرين بقليل، وسبب موته أنه هجا عمرو ابن هند، ثم ذهب إليه في الحيرة، فكتب عمرو إلى عامله بالبحرين أن يقتل هذا الشاعر وكان معه خاله المتلمس، وكان قد ظن الرجلان أن عمرا يكتب لهما بخير، ففض المتلمس كتابه فنجا من الموت، أما طرفة فقد قتله عامل البحرين. ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 191)، معجم الشعراء (ص 5).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معمودة بالنون على ما تقرر (¬1). المسألة الثانية (¬2) [1/ 153]: بقاء نون الوقاية أو حذفها إذا لقيت مثلها ودعت الحاجة إلى حذف أحدهما: قال المصنف: «لما كان للفعل بهذه النون صون ووقاية مما ذكر، حوفظ على بقائها فيه مطلقا، أي إذا لقيها مثلها ودعت الحاجة إلى حذف فهي الباقية عند سيبويه (¬3) في قول الشاعر: 218 - تراه كالثّغام يعلّ مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني (¬4) أراد فلينني فحذفت الأولى وبقيت الثانية. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 139). (¬2) المسألة الأولى تقدم ذكرها، وهي إلحاق نون الوقاية لاسم الفاعل وأفعل التفضيل. (¬3) قال سيبويه (3/ 519). «تقول هل تفعلنّ ذاك، تحذف نون الرّفع؛ لأنّك ضاعفت النون وهم يستثقلون التضعيف فحذفوها؛ إذ كانت تحذف، وهم في ذا الموضع أشد استثقالا للنونات، وقد حذفوها فيما هو أشد من ذا. بلغنا أن بعض القراء قرأ: أتحجوني، وكان يقرأ: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ وهي قراءة أهل المدينة؛ وذلك لأنهم استثقلوا التضعيف» ثم أنشد البيت الذي سيأتي. (¬4) البيت من بحر الوافر، قاله عمرو بن معدي كرب الزبيدي يخاطب امرأته وقد عيرته بالشيب. تقول حليلتي لما رأتني ... شرائح بين قدري وجون وروي بيت الشاهد رأته مكان تراه. وضمير الغيب عائد على شعره. اللغة: شرائح: خبر مبتدأ محذوف. أي شعرك شرائح ومعناه أنواع. قدري: منسوب إلى القدرة، وهي لون معروف قريب من البياض. جون: بفتح أوله من الأضداد يطلق على الأبيض والأسود. الثغام: كسحاب جمع ثغامة وهو نبت له نور أبيض يشبه به الشيب. يعل: بالبناء للمجهول يطيب شيئا بعد شيء. الفاليات: جمع فالية وهي التي تبحث عما في رأس الصبي من قاذورات. فليني: أصلها فلينني. وهو موضع الشاهد؛ حيث اجتمعت نون النسوة ونون الوقاية في كلمة، فحذفت الأولى وهي نون النسوة للتخفيف، وذلك على مذهب سيبويه. انظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 404)، شرح التسهيل (1/ 140)، والتذييل والتكميل (2/ 191). ترجمة الشاعر: هو عمرو بن معدي كرب الزبيدي، من فرسان العرب المشهورين بالبأس في الجاهلية، أدرك الإسلام وقدم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المدينة، وأسلم ثم ارتد وأسلم مرة أخرى، شهد القادسية وأبلى بلاء حسنا، والتقى بعمر بن الخطاب. مات شهيدا في فتح نهاوند. انظر: أخباره في الشعر والشعراء (1/ 379).

[الحديث عن ضمائر الرفع المنفصلة]

[الحديث عن ضمائر الرفع المنفصلة] قال ابن مالك: (فصل: من المضمر منفصل في الرّفع منه للمتكلّم أنا محذوف الألف في وصل عند غير تميم، وقد يقال: هنا وأن، ويتلوه في الخطاب تاء حرفيّة كالاسميّة لفظا وتصرّفا، ولفاعل نفعل نحن، وللغيبة هو وهي وهم وهنّ، ولميم الجمع في الانفصال ما لها في الاتّصال). ـــــــــــــــــــــــــــــ كما أنها هي الباقية في: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي (¬1)، وقد تقدم الكلام على ذلك» انتهى (¬2). وذهب بعضهم إلى أن المحذوف في فليني نون الوقاية (¬3). ويشعر كلام المصنف بالخلاف؛ لأنه قال: «وهي الباقية في فليني لا الأولى وفاقا لسيبويه». قال الشيخ: «والّذي أختاره أنّ المحذوف نون الوقاية؛ لأن نون الإناث ضمير ونون الوقاية حرف» (¬4). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المضمر المتصل مستكنّه وبارزه، شرع في الكلام على المنفصل: وهو قسمان: مرفوع الموضع ومنصوبه، وليس لهم منفصل مجرور، بل المجرور كله متصل. أما المرفوع فأصوله خمسة ألفاظ، وهي: أنا، نحن، أن، هي، هو، وبقية الألفاظ فروع عنها كما سيبين. أما أنا فذهب البصريون (¬5) إلى أن أصله الهمزة والنون، وأن الألف فيه زائدة يؤتى بها للوقف، كما يؤتى بهاء السكت؛ بدليل حذفها في الوصل، وبأن الهاء - ¬

_ (¬1) سورة الزمر: 64. وقد سبق ذكر القراءات المختلفة في هذه الآية في هذا التحقيق. (¬2) شرح التسهيل (1/ 140)، وسبق في هذا التحقيق ذكر أدلة ترجيح أن الباقي بعد الحذف نون الوقاية. (¬3) في مغني اللبيب (2/ 620): «إذا دار الأمر بين كون المحذوف أوّلا أو ثانيا فكونه ثانيا أولى». وذكر مسألة نون الوقاية مع نون الإناث، وأنشد البيت السابق: تراه كالثغام ... إلخ، ثم قال: هذا هو الصّحيح. وفي البسيط أنّه مجمع عليه لأنّ نون الفاعل لا يليق بها الحذف. (¬4) التذييل والتكميل (2/ 192). (¬5) التذييل والتكميل (2/ 194)، الهمع (1/ 60).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعاقبها، كقول حاتم الطائي (¬1): هذا فزدي أنه (¬2). وذهب الكوفيون إلى أن الألف أصل أيضا؛ بدليل إثباتها في قول حميد بن ثور: 219 - أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميدا قد تذرّيت السّناما (¬3) قال ابن عصفور: «وحمل البصريّون ذلك على أنّه ضرورة» (¬4). قال المصنف (¬5): «الصحيح أن أنا بثبوت الألف وصلا ووقفا هو الأصل وهي لغة بني تميم، وبذلك قرأ نافع قبل همزة قطع كـ (أنا أحى) (¬6)، وإِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ (¬7). وقرأ بها أيضا ابن عامر (¬8) في قوله تعالى: - ¬

_ (¬1) هو حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي وأمه من طيئ أيضا، ضربت العرب به المثل في الكرم، حيث كانت له قدور عظام كل يوم بفنائه، وكانت الناس تأتيه ويسألونه حمل الديات والعطايا فلا يخيب ظنهم، وكان حاتم شجاعا أيضا، فإذا قاتل غلب وإذا غنم نهب. كما كان شاعرا جيد الشعر، وشعره كله سلس رقيق، ومن أولاد حاتم عدي وسفيان. وقد قدما على النبي صلّى الله عليه وسلّم وأسلما مع قومهما. (الشعر والشعراء (1/ 247)، معجم الشعراء ص 202). (¬2) فزدي معناه فصدي؛ أبدلت الصاد زايا لسكونها ووقوع دال بعدها، والفصد شق العرق، وفصد الناقة شق عرقها ليستخرج منها الدم فيشربه، وأنه أصله أنا أبدلت الألف هاء للسكت. ورواه السيوطي: هذا فروي أنه (الهمع: 1/ 60). (¬3) البيت من بحر الوافر، وهو في الفخر، وقد اختلف في قائله: فنسب إلى حميد بن ثور، وهو في ديوانه (ص 133) بيت مفرد، وكذلك نسب في لسان العرب (مادة: أنن) وفي أساس البلاغة (مادة ذري) ونسبه صاحب معجم الشواهد إلى حميد بن بجدل؛ شاعر إسلامي من بني كلب، وينتهي نسبه إلى قضاعة. اللغة: تذرّيت السّناما: ارتفع شأني وعلا أمري. والبيت يستشهد به الكوفيون على أن الألف في أنا أصل بدليل عدها من حروف الكلمة عروضيّا. (¬4) انظر نص ذلك في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 111) (الشغار ويعقوب). وقد ذكر بيت حميد بن ثور، ثم علق عليه بقوله: «إنّ ذلك ضرورة». (¬5) شرح التسهيل (1/ 141). (¬6) سورة البقرة: 258، والقراءة في تقريب النشر (ص 97) وفي الحجة لابن خالويه (ص 99) يقول: قرئ بإثبات الألف وطرحها، والحجة لمن أثبتها أنه أتى بالكلمة على أصلها؛ لأن الألف في أنا كالتاء في أنت؛ والحجة لمن طرحها أنه اجتزأ بفتحة النون، ونابت الهمزة عن إثبات الألف. قال: وهذا في الإدراج، أما في الوقف فلا خلف في إثباتها. (¬7) سورة الكهف: 39. (¬8) هو عبد الله بن عامر بن يزيد أبو عمران اليحصبي الشامي، أحد القراء السبعة، ولي قضاء دمشق في خلافة الوليد بن عبد الملك. وقد ولد بالبلقاء عام (8 هـ) في قرية رحاب، وانتقل إلى دمشق بعد فتحها. وتوفي فيها سنة (118 هـ). قال الذهبي: مقرئ الشاميين صدوق في رواية الحديث. انظر ترجمته في الأعلام (4/ 228)، وغاية النهاية (1/ 423، 425).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي (¬1) والأصل لكن أنا، ثم نقلت حركة الهمزة إلى النون وأدغمت النون في النون، ولمراعاة الأصل كان نون أنا مفتوحا في لغة من لفظ به دون ألف؛ إذ جعل الفتحة دليلا عليها، كما أن من حذف ألف أما في الاستفتاح، قال: أم والله؛ ولو كان وضع أنا في الأصل من همزة ونون فحسب لكانت النون ساكنة، لأنها آخر مبني بناء لازما وقبلها حركة، وما كان هكذا فحقه السكون؛ كمن وعن وأن ولن، ولو حرك على سبيل الشذوذ، لم يعبأ بحركته بحيث يلزم صونها في الوقف بزيادة ألف أو هاء سكت» انتهى (¬2). وهو كلام جيد [1/ 154]. ومن قال هنا فقد أبدل الهمزة هاء، وهو كثير وعكسه قليل. ومن قال آن بالمد فإنه قلب أنا، كما قال بعض العرب في رأى ونأى: راء وناء. قال المصنف (¬3): «ولا ينبغي أن يكون آن بالمدّ من الإشباع لأنّ الإشباع؛ لا يكون غالبا إلا في الضرورة. ومن قال أن بالسكون فقد أذهب الحركة». قال المصنف: «وفيه من الشّذوذ ما في قول من قال: لم فعلت؟ كما قال الشّاعر: 220 - يا أسديّا لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 38. قال ابن جني في المحتسب في القراءات الشاذة (2/ 29). «قرأ أبيّ بن كعب والحسن: لكن أنا هو الله ربي، وقرأ عيسى الثقفي: لكن هو الله ربي. ساكنة من غير ألف. وقراءة السبعة إلا ابن عامر: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي بحذف ألف أنا نطقا، وأصله لكن أنا، ثم نقلت حركة الهمزة إلى النون وأدغمت النون في النّون. وقرأ ابن عامر بإثبات الألف». قال العكبري: (التبيان: 2/ 848): «وإعرابه: أنا مبتدأ، وهو مبتدأ ثان، والله مبتدأ ثالث، وربّي الخبر، والياء عائدة على المبتدأ الأول، ولا يجوز أن تكون لكن المشددة العاملة نصبا؛ إذ لو كان كذلك لم يقع بعدها هو؛ لأنه ضمير مرفوع». (¬2) شرح التسهيل (1/ 141). (¬3) المرجع السابق. (¬4) البيتان من بحر الرجز المشطور نسبا في اللسان (مادة روح: 3/ 1767) إلى سالم بن دارة الغطفاني وهما كالآتي: يا نقسيّ لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه فما أكلت لحمه ولا دمه وأصل لم: لما، وهي ما الاستفهامية دخل عليها حرف الجر، فحذفت الألف ثم سكنت الميم للضرورة وهو الشاهد. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 535)، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 141).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعل ابن عصفور هذه لغات في أنا (¬1). ومقتضى كلام المصنف أن أنا هو الأصل وإنما يطرأ عليه تغييرات. وأشار بقوله: ويتلوه في الخطاب تاء إلى أن التاء تتلو أن، وهي الكلمة التي ذكرها آخرا. قال المصنف (¬2): «التزم في الخطاب حذف الألف والتّسكين؛ لأنّ الحاجة إلى تخفيف المركّب أشدّ من الحاجة إلى تخفيف المفرد، ونبّه على أنّ التّاء حرف». وما ذهب إليه المصنف من أن الاسم أن والتاء حرف يفيد الخطاب - هو مذهب البصريين (¬3)؛ فهو عندهم مركب من اسم وحرف، ولهذا إذا سمي به يحكى (¬4). وذهب الفراء إلى أن أنت بكماله هو الاسم. وذهب ابن كيسان إلى أن التاء هي الاسم، وهي التي كانت في فعلت وكثرت بأن (¬5). واختار الشيخ هذا المذهب، قال: لأنه قد ثبت اسمية التاء في نحو فعلت، ولم يثبت في كلام العرب أن التاء للخطاب. قال: «ولا يمكن أن يكون أن ضمير خطاب زيد عليه حرف خطاب للتّدافع، لأنّه من حيث هو موضوع للمتكلم ينافي الخطاب، ومن حيث إن التاء تدلّ على الخطاب ينافي التكلّم، فالذي نختاره أن أن هو المكثر به التّاء حتى تصير ضميرا مستقلّا منفصلا هو غير ضمير المتكلم، وأنّه وافقه لفظا لا مدلولا، وهذا نظير ما قال بعضهم في إيّاك» انتهى (¬6). أما قوله: إن التاء لا تكون للخطاب، فقد قيل: إنها للخطاب في أرأيتك بمعنى أخبرني، وهو أحد الأقوال الثلاثة فيه (¬7). - ¬

_ (¬1) انظر ذلك في شرح الجمل له (2/ 12). (¬2) شرح التسهيل (1/ 142). (¬3) التذييل والتكميل (2/ 196)، والهمع (1/ 60). (¬4) أي تقول: قام أنت ورأيت أنت ومررت بأنت. (¬5) انظر في رأي الفراء: التذييل والتكميل (2/ 196)، والهمع (1/ 60). (¬6) التذييل والتكميل (2/ 197). وما قاله بعضهم في إياك: هو أن إيا لفظ زيد على اللواحق فصيرها ضمائر منفصلات، ونسب أبو حيان هذا الرأي للفراء. (¬7) هو رأي سيبويه، ذهب إلى أن التاء فاعل، والكاف حرف خطاب، وعكس ذلك الفراء، قال: إنّ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ما أبداه من التدافع فممنوع؛ لأنّ أن موضوع للمتكلم دون زيادة، وموضوع للمخاطب بقيد زيادة التاء. وإذا دلت التاء على الخطاب خرج أن عن أن يكون للمتكلم. ومما يخدش به مذهب ابن كيسان أنه لو كان المضمر هو التاء، وأن هو المكثر به لجاز أن تضم تاؤه فيراد به المتكلم؛ إجراء للتاء هنا مجراها في نحو فعلت لتساويهما في الاسمية عنده، بل كان يتعين عنده ليكون نظير ما نظّر به الشيخ من إياك على رأي من جعل إيّا مكثرا به، فإن المستعمل في المتكلم إنما هو إياي، أي بالمكثر به، وأردف بضمير المتكلم؛ فكذا كان الواجب أن يقال أنت في التكلم بضم التاء دون أنا. وأما نحن فهو لفاعل نفعل، وهو للمتكلم المعظم أو المشارك. وأما هو وهي فللغيبة كما ذكر. وذكر ابن عصفور خلافا فيهما: هل الواو والياء زائدان والاسم الهاء فقط، أو الحرفان بجملتهما الاسم [1/ 155]؟ وصحح القول الثاني، قال: وهو مذهب البصريين (¬1). فعلى هذا تعدّ هي أصلا كما يعد هو أصلا، وعلى القول الأول يكون هي فرعا. قال ابن عصفور (¬2): «والاسم بعدهما وهم إنّما هو الهاء والواو المحذوفة (¬3)، ومن هما المؤنّث وهنّ إنّما هو الهاء والياء المحذوفة (¬4)، والميم والألف والميم والواو والنّون زوايد كما أنّهنّ زوايد في أنتما وأنتم وأنتن». ولما تقدم ما لميم الجمع مع الضمير المتصل من الإشباع والاختلاس والسكون - ¬

_ - التاء حرف خطاب والكاف فاعل، وقال الكسائي: التاء فاعل والكاف مفعول. وحكموا على الأول بالصحة وردوا على الآخرين. (مغني اللبيب: 1/ 181). (¬1) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 113). وانظر المسألة بتمامها في الإنصاف (2/ 677). قال ابن الأنباري: «ذهب الكوفيّون إلى أنّ الاسم من هو وهي الهاء وحدها، وذهب البصريون إلى أنّ الهاء والواو من هو والهاء والياء من هي هما الاسم بمجموعهما ...» إلخ. (¬2) انظر نص ما قاله في شرح الجمل له (2/ 13). (¬3) قالوا: والأصل هو ما وهومو وبعد أعمال حذفت الواو من كل منهما استخفافا ثم حذفت الواو الثانية من همو ولم تحذف الألف من هما. (¬4) على أن أصلهما ضمير الواحدة المؤنث هي.

[اللغات في هو وهي]

[اللغات في هو وهي] قال ابن مالك: (وتسكين هاء هو وهي بعد الواو والفاء واللّام وثمّ جائز. وقد تسكّن بعد همزة الاستفهام وكاف الجرّ، وتحذف الواو والياء اضطرارا وتسكّنهما قيس وأسد وتشدّدهما همدان). ـــــــــــــــــــــــــــــ أحال الأمر هنا عليه، فقال: ولميم الجمع في الانفصال ما لها في الاتّصال. قال ناظر الجيش: قال المصنف: في هو وهي مخالفة للنّظائر من وجهين (¬1): أحدهما: بناؤهما على حركة بعد حركة (¬2) وإنما يكون ذلك فيما بناؤه عارض، كالمنادى واسم لا، أو فيما حذف منه حرف كأنا. والثاني: سكون أولهما بعد الحروف المذكورة. فأما سبب بنائهما على حركة فقصد امتيازهما من ضمير الغائب المتصل، فإنه في اللفظ هاء مضمومة وواو ساكنة، أو هاء مكسورة وياء ساكنة، فلو سكن آخر هو وهي لالتبس المنفصل بالمتصل. ولم يبال بذلك قيس وأسد حين قالوا: هو قائم وهي قائمة (¬3)؛ لأن موضع المنفصل في الغالب يدل عليه؛ فيؤمن التباسه بالمتصل. وإنما قلت: في الغالب؛ لأن من المواضع ما يصلح للمتصل والمنفصل، نحو: من أعطيته زيد، ومن لم أعطه هند؛ فيجوز أن يراد بالضميرين الاتصال فيكونا مفعولين، وأن يراد بهما الانفصال على لغة قيس وأسد فيكونا مبتدأين والعائد محذوف، والأصل: من أعطيته هو زيد، ومن لم أعطه هي هند، ثم حذف العائدان لمفعوليتهما واتصالهما. وأسكن آخر هو وهي فأشبها متصلين. وأما تسكين الهاء (¬4) ففرار من مخالفة النظائر، وذلك أنه ليس في الكلمات ما هو على حرفين متحركين ثانيهما حرف لين غيرهما، فقصد تسكين أحدهما، - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 142) وما بعدها. (¬2) وذلك لأن أصل البناء أن يكون على السكون، ولا يبنى على الحركة إلا لأسباب، انظر شرح الأشموني على الألفية (1/ 64). (¬3) أي بتسكين الواو من هو، والياء من هي، وانظر في لغة قيس وأسد: الهمع (1/ 61). (¬4) أي بعد الواو والفاء واللام وثم، وهو الوجه الثاني من مخالفة هو وهي للنظائر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فكان ثانيهما أولى. إلا أنه لو سكن وقع بتسكينه في التباس المنفصل بالمتصل، فعدل إلى تسكين الأول مع الحروف المذكورة؛ لأنها كثيرة الاستعمال وبمنزلة الجزء مما يدخل عليه، أعني الواو والفاء واللام وألحقت بها ثم. وبمقتضى ذلك قرأ قالون (¬1)، والكسائي، ووافقهما أبو عمرو مع غير ثم. ولم يجئ السكون مع الهمزة والكاف إلا في الشعر؛ فمن ذلك قول الشاعر: 221 - فقمت للضّيف مرتاعا فأرّقني ... فقلت أهي سرت أم عادني حلم (¬2) وقال آخر: 222 - وقالوا اسل عن سلمى برؤية غيرها ... من النّيّرات الزّهر والعين كالدّمى وقد علموا ما هنّ كهي فكيف لي ... سلوّ وما أنفكّ صبّا متيّما (¬3) ومثال حذف الواو اضطرارا قول الشاعر [1/ 156]: 223 - بيناه في دار صدق قد أقام بها ... حينا يعلّلنا وما نعلّله (¬4) - ¬

_ (¬1) هو عيسى بن مينا بن وردان بن عيسى المدني، المعروف بقالون، وكنيته أبو موسى، قارئ مشهور وهو صاحب نافع بن أبي نعيم أحد القراء السبعة، وقد قرأ عليه. ولد سنة (120 هـ) في أيام هشام بن عبد الملك وقيل سنة (150 هـ) أيام المنصور، والثاني خطأ لأن روايته عن نافع وقراءته عليه تقتضي كبر سنه ونافع توفي سنة (159 هـ). كان قالون أصم لا يسمع، وكان إذا قرأ عليه قارئ ألقم أذنه فاه ليسمع قراءته. ترجمته في معجم الأدباء (16/ 151)، غاية النهاية (1/ 615). (¬2) البيت من بحر البسيط قاله زياد بن منقذ، وهو في الغزل حيث بلغ به الشوق ليلا أن التبس عليه طيف حبيبته بكيانها ووجودها. وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 346)، وفي شرح التسهيل (1/ 143)، وفي التذييل والتكميل (2/ 201). ترجمة زياد: هو زياد بن منقذ بن عمرو الحنظلي من تميم ويلقب بالمرار. من شعراء الدولة الأموية، كان معاصرا للفرزدق وجرير، وبينه وبين جرير مهاجاة. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 701)، والأعلام (3/ 93). (¬3) البيتان من بحر الطويل ولم ينسبا في مراجعهما، وهما في الغزل ومعناهما واضح. وشاهدهما: تسكين هاء هي بعد كاف الجر في قوله: وقد علموا ما هنّ كهي ... إلخ. والشاهد في معجم الشواهد (ص 332)، وفي شرح التسهيل (1/ 143)، وفي التذييل والتكميل (1/ 201). (¬4) البيت من بحر البسيط ولم ينسب إلى أحد في مراجعه وقائله يرثي رجلا فيقول: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال حذف الياء قول الآخر: 224 - سالمت من أجل سلمى قومها وهم ... عدى ولولاه كانوا في الفلا رمما (¬1) ومثال تسكين الواو والياء على لغة قيس وأسد قول الشاعر: 225 - وركضك لولا هو لقيت الّذي لقوا ... فأصبحت قد جاورت قوما أعاديا (¬2) وقول الآخر: 226 - إنّ سلمى هي الّتي لو تراءت ... حبّذا هي من خلّة لو تخالي (¬3) - ¬

_ - بينما هو يعدنا ويعللنا بالخير والعطاء إذ بالمنية تنزل به، فينتقل إلى دار الصدق والرضوان. وشاهده قوله: بيناه في دار صدق. أصله بينا هو فحذفت الواو ضرورة. وانظر البيت في مراجعه في معجم الشواهد (ص 295)، وفي شرح التسهيل (1/ 143)، وفي التذييل والتكميل (1/ 202). (¬1) البيت من بحر البسيط، ولم يرد في معجم الشواهد، وورد في شروح التسهيل غير منسوب. اللغة: عدى: بكسر العين أو بضمها جماعة من العدو. ولولاه: أصله لولا هي، فسكنت ثم حذفت ضرورة وهو موضع الشاهد. الفلا: جمع فلاة، وهي المكان القفر أو الصحراء التي لا ماء فيها. رمما: جمع رمة وهي الشيء البالي. والشاعر يذكر أنه سالم أعداءه من أجل حبيبته لأنها منهم. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 143)، وللمرادي (1/ 136)، وأبي حيان (2/ 201). (¬2) البيت من بحر الطويل، من قصيدة لعبيد بن الأبرص يهجو فيها امرأ القيس لما هدد الأخير قوم عبيد بأن ينتقم لأبيه منهم وكانوا قد قتلوه. وانظر البيت والقصيدة في مختارات ابن الشجري (ص 354). اللغة: الرّكض: تحريك الرجل ومنه: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ [ص: 42]. والمعنى: أنه لولا شجاعتك يا امرأ القيس لهلكت كما هلك أبوك. وشاهده قوله: لولا هو حيث سكنت واو هو ضرورة على لغة قيس وأسد. والبيت في معجم الشواهد (ص 425)، وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 144)، وللمرادي: (1/ 130)، ولأبي حيان (1/ 203). (¬3) البيت من بحر الخفيف، ولم ينسب إلا في لسان العرب لكنها نسبة لا كالنسبة، قال ابن منظور (خلل): وأما قول الهذلي ... وأنشد البيت. ثم قال في شرحه: أراد لو تخالل، فلم يستقم له ذلك، فأبدل من اللام الثانية ياء. وشاهده: تسكين هاء هي الثانية ضرورة. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 144)، وللمرادي (1/ 139)، ولأبي حيان (1/ 203).

[الحديث عن ضمائر النصب المنفصلة]

[الحديث عن ضمائر النصب المنفصلة] قال ابن مالك: (ومن المضمرات إيّا خلافا للزّجّاج. وهو في النّصب كأنا في الرّفع. لكن يليه دليل ما يراد به من متكلّم أو غيره، اسما مضافا إليه وفاقا للخليل والأخفش والمازني، لا حرفا خلافا لسيبويه ومن وافقه. ويقال: إيّاك وإياك وهيّاك وهياك). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال التشديد على لغة همدان (¬1) قول الآخر: 227 - وإنّ لساني شهدة يشتفى بها ... وهوّ على من صبّه الله علقم (¬2) وقول الآخر: 228 - والنّفس إن دعيت بالعنف آبية ... وهيّ ما أمّرت باللّطف تأتمر (¬3) قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على المنفصل المرفوع أخذ يتكلم في المنفصل المنصوب، وهو إيا أو ما اتصل بها أو مجموعهما على اختلاف الأقوال. وذكر المصنف في ذلك ثلاثة مذاهب: أحدها: أن إيّا اسم ظاهر لا مضمر، وهو مذهب أبي إسحاق الزجاج، فيكون - ¬

_ (¬1) انظر في تلك اللغة: الهمع (1/ 61)، وشرح التسهيل (1/ 144). (¬2) البيت من بحر الطويل، قائله رجل من همدان كما في مراجعه. اللغة: الشّهدة: العسل ما دام في شمعه. يشتفى بها: يشفى بها. علقم: الحنظل، وهو شجر مر كريه الطعم. ومعنى البيت: يقول الرجل: إنه طيب مع الطيبين وشرس مع غيرهم. وشاهده: تشديد الواو من ضمير الغيبة في قوله: وهو على من صبه الله. وفيه شواهد، أخرى بعضها سيأتي، وهي في الدرر (1/ 38)، وحاشية الصبان (1/ 174). والبيت في شرح التسهيل (1/ 144، 207)، وفي التذييل والتكميل (1/ 204)، وفي معجم الشواهد (ص 340). (¬3) البيت من بحر البسيط لم ينسب في مراجعه، وهو من الحكم. اللغة: العنف: ضد الرفق، آبية: ممتنعة. والشاعر يقول: إن النفوس تنقاد وتتبع غيرها بالرفق، أما العنف فينفرها. وشاهده: تشديد الياء من ضمير الغيبة في قوله: وهيّ ما أمّرت. والبيت في معجم الشواهد (ص 163)، وفي شرح التسهيل (1/ 144)، وفي التذييل والتكميل (2/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمير ما بعد إيّا (¬1)، ونسب ابن عصفور هذا المذهب إلى الخليل (¬2). الثاني: أن إيّا اسم مضمر، وأن اللواحق التي تلحق أسماء مضافا إليها إيّا. قال المصنف: «وهو مذهب الخليل والأخفش والمازني» (¬3). الثالث: أن إيّا اسم مضمر، وأن اللواحق التي تلحقها حروف دالة على المتكلم وغيره، وهو مذهب سيبويه (¬4). وذكر ابن عصفور مذهبين آخرين: أحدهما: أن إيّا دعامة، أي زيادة يعتمد عليها اللواحق؛ ليتميز المنفصل عن المتصل. قال الشيخ: «وهو مذهب الفرّاء» (¬5). الثاني: أن الاسم بجملته هو الضمير، وهو إيّا وما يتصل بها. قال الشيخ: «ونسب إلى الكوفيّين» (¬6). فأما مذهب الزجاج فقال المصنف (¬7): «الدليل على أن إيّا ضمير: أنه يخلف ضمير النصب المتصل عند تعذره لتقديم على العامل، نحو: إيّاك أكرمت، أو لإضماره، نحو: إياك والأسد، أو لانفصال بحصر أو غيره، نحو: ما أكرم إلا إيّاك، وأكرمته وإيّاك؛ فخلفه كما يخلف ضمير الرفع المنفصل ضمير الرفع المتصل عند تعذره، فنسبة المنفصلين من المتصلين نسبة واحدة، ولأن بعض المرفوعات كجزء من رافعه، وقد ثبت لضميره منفصل؛ فثبوت ذلك لضمير النصب أولى؛ إذ لا شيء من المنصوبات كجزء من ناصبه، ولأن إيّا لا تقع دون ندور في موضع رفع. [1/ 157] وكل اسم لا يقع في موضع - ¬

_ (¬1) همع الهوامع للسيوطي (1/ 61). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 110). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 145). ونسب السيوطي هذا الرأي للخليل والمازني وابن مالك (الهمع: 1/ 61). (¬4) الكتاب (2/ 355): قال: «هذا باب علامة المضمرين المنصوبين: اعلم أنّ علامة المضمرين المنصوبين إيّا ما لم تقدر على الكاف التي في رأيتك وكما الّتي في رأيتكما، وكم الّتي في رأيتكم ...» إلخ. (¬5) التذييل والتكميل (2/ 205). (¬6) المرجع السابق. (¬7) شرح التسهيل (1/ 144، 145).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفع فهو مضمر أو مصدر أو ظرف أو حال أو منادى، ومباينة إيّا لغير المضمر متيقنة فتعين كونه مضمرا، ولأن إيّا لو كان ظاهرا لكان تأخره عن العامل واتصاله به جائزا، بل راجحا على انفصاله عنه وتقدمه عليه كحال غيره من المنصوبات الظاهرة؛ والأمر بخلاف ذلك فامتنع كونه ظاهرا ولزم كونه مضمرا، لكنه وضع بلفظ واحد، فافتقر إلى وصله بما يبين المراد به من الكاف وأخواتها» انتهى (¬1). وناقشه الشيخ في هذه الوجوه المستدل بها بما يمكن المنازعة فيه (¬2). وأما مذهب الفراء فأبطل بأن الاسم لا يكون دعامة، وأما مذهب الكوفيين (¬3) بأن الاسم لا يتغير بعضه بتغير أحوال المراد به من غيبة وخطاب وتكلم. وأما مذهب الخليل ومن وافقه وهو أن الكاف وأخواتها ضمائر مجرورة بالإضافة لا حروف، فقال المصنف: «إنه هو الصحيح لأن فيه سلامة من ستة أوجه مخالفة للأصل: أحدها (¬4): أن الكاف في إياك لو كانت حرفا كما هي في ذلك لاستعملت على وجهين: مجردة من لام وتالية لها، كما استعملت مع ذا وهنا، ولحاقها مع إيا أولى لأنها كانت ترفع توهم الإضافة، فإن ذهاب الوهم إليها مع إيا أمكن منه مع ذا؛ لأن إيا - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) قال أبو حيان: «لا نسلّم أنّ إيا وحده خلف الضّمير المتصل عند تعذّره، بل مجموع إيا وما بعده من اللّواحق». ويمكن رده بأن اللواحق علامات وأن إيا هي الضمير. وقال: «أما قوله: ولأنّ إيّا لا تقع في موضع رفع وكلّ اسم إلى آخره، فلا نسلّم حصر ما لا يقع في موضع رفع فيما ذكره». والرد عليه أن ابن مالك لا يحصر ما لا يقع في موضع رفع، وإنما يذكر أن إيا ضمير لا ظاهر بدليل أنها لا تقع في موضع رفع. وقال: «وأما قوله: ولأن إيّا لو كان ظاهرا لكان ... إلى آخره، فلا نسلّم ملازمة ذلك، بل هو ظاهر؛ لكنه اقترن به ما أوجب له التقدم على العامل وهو اللّواحق». ويمكن الرد عليه بأن اللواحق لم تؤثر شيئا في التقدم أو غيره. وانظر هذه الأوجه ووجها رابعا آخر في شرح التذييل والتكميل (2/ 205)، وما بعدها. وبقي ما ذكره ابن مالك وتبعه شارحنا أن إيا ضمير. (¬3) أي القائل بأن الاسم بجملته هو الضمير وهو إيا وما يتصل بها. وقوله بأن الاسم: متعلق بمحذوف تقديره: فأبطل بأن الاسم ... إلخ. (¬4) انظر نص هذه الأوجه في شرح التسهيل (1/ 145، 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد يليها غير الكاف، ولذا لم يختلف في حرفية كاف ذاك، بخلاف كاف إياك (¬1). الثاني: أنها لو كانت حرفا لجاز تجريدها من الميم في الجمع كما جاز تجريدها مع ذا. كقوله تعالى: فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ (¬2)، ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (¬3)، (¬4). الثالث: أنه لو كانت اللواحق بإيا حروفا، لم يحتج إلى الياء في إياي، كما لم يحتج إلى التاء المضمومة في أنا (¬5). الرابع: أن غير الكاف من لواحق إيا مجمع على اسميته مع غير إيا مختلف في اسميتها معها؛ فلا يترك ما أجمع عليه لما اختلف فيه، ثم تلحق الكاف بأخواتها ليجري الجميع على سنن واحد (¬6). الخامس: أن الأصل عدم اشتراك اسم وحرف في لفظ، وفي القول باسمية اللواحق سلامة من ذلك فوجب المصير إليه. السادس: أن هذه اللواحق لو لم تكن أسماء مجرورة المحل، لم يخلفها اسم مجرور بالإضافة فيما رواه الخليل من قول العرب: إذا بلغ الرّجل السّتين فإيّاه وإيّا الشّوابّ، وروي: فإيّاه وإيّا السّوآت يعني بالسين المهملة (¬7). وهذا مستند قوي؛ لأنه منقول بنقل العدول بعبارتين صحيحتي المعنى» انتهى (¬8). - ¬

_ (¬1) رده أبو حيّان بقوله: «لا يلزم ذلك؛ ألا ترى لحاق الكاف في النّجاءك ورويدك زيدا، ولا تلحق معهما اللام؟» (التذييل والتكميل: 2/ 208). (¬2) سورة البقرة: 85. (¬3) سورة المجادلة: 12. (¬4) ردّه أبو حيّان بقوله: لا يلزم؛ ألا ترى أنّ الكاف اللّاحقة لأرأيتك هي حرف خطاب على أصح المذاهب، ولا يكتفى بها وحدها دون الميم في الجمع، بل تقول: أرأيتكم. (المرجع السابق). (¬5) ردّه أبو حيّان: بأن المنفصل المرفوع مباين بالكلّية للمتّصل المرفوع، فتميز بنفسه ولم يحتج إلى التاء، وأما الياء في إيّاي فاحتاجت إلى المتّصل بها، حتّى صار كله ضميرا منفصلا (المرجع السابق). (¬6) رجحه أبو حيان وقال: «هو صحيح وإلى ذلك نذهب، وهو مذهب الفرّاء» (المرجع السابق). (¬7) أما بالشين فهو جمع شابة والمراد به النساء. وأما بالسين المهملة فمعناه القبائح، وقد شرح هذا القول ابن مالك شرحا حسنا (شرح التسهيل له: 1/ 146). (¬8) شرح التسهيل (1/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يخفى ضعف بعض هذه الأوجه، بل أكثرها وأقواها الوجه الرابع. وأما ما رواه الخليل من: فإيّاه وإيّا الشواب، فقد حملوه على الشذوذ. قال ابن عصفور (¬1): «بل لنا أن نقول: هذه المضافة إلى الظّاهر ليست بإيّا من إيّاك، وإن اتّفقا في اللّفظ، بل هي اسم مظهر؛ لأنّ المضمر لا يضاف؛ لأنه لا يفارقه التعريف ولا يضاف إلّا ما يتنكّر» انتهى. قال بعضهم: «فإيّا فيما روى الخليل بمعنى حقيقة، كأنّه قال: فإيّاه وحقيقة الشّوابّ» ثم قال المصنف - بعد إيراد الأوجه الستة - (¬2): «فإن قيل هذه الوجوه مؤدية إلى إضافة إيا وهي ممتنعة [1/ 158] من وجهين: أحدهما: أن إيا لو كان مضافا لم تخل إضافته من قصد تخفيف أو تخصيص. فقصد التخفيف ممتنع؛ لأنه مخصوص بالأسماء العاملة عمل الأفعال وإيا ليس منها. وقصد التخصيص ممتنع أيضا، لأن إيا أحد الضمائر، وهي أعرف المعارف، فلا حاجة بها إلى تخصيص. الثاني: أن إيا لو كان مضافا لكانت إضافته إضافة شيء إلى نفسه وهي ممتنعة. والجواب أن يقال: أما إضافة التخفيف فمسلم امتناعها من إيا. وأما إضافة التخصيص فغير ممتنعة، فإنها تصير المضاف معرفة إن كان قبلها نكرة، وإلا ازداد بها وضوحا، كما يزداد بالصفة، كقول الشاعر: 229 - علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشّفرتين يماني (¬3) - ¬

_ (¬1) نصه في شرح الجمل له (2/ 11). (¬2) شرح التسهيل (1/ 146). (¬3) البيت من بحر الطويل، نسب لرجل يدعى زيدا من ولد عروة بن زيد الخيل، وهو في الفخر. اللغة: علا: يقال علاه بالسيف إذا ضربه به. النّقا: الكثيب من الرمل، وكتب بالألف لأنه من الواو بدليل ظهورها في التثنية نحو نقوان. الأبيض: السيف. الماضي: النافذ القاطع. الشّفرتين: الشفرة حد السيف، وثناه باعتبار وجهيه. والشاعر يذكر أعداءه بانتصار قومه عليهم وغلبتهم لهم يوم النّقا. واستشهد به هنا على أن إضافة العلم زادته وضوحا كوصفه تماما. واستشهد به آخرون على أنه أضاف زيدا إلى المضمر، فجرى في تعريفه بالإضافة مجرى أخيك وأبيك. (شرح المفصل: 1/ 44) وسيأتي ذلك في التحقيق. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإضافة زيد هنا أوجبت له من زيادة الوضوح مثل ما يوجب وصفه إذا قيل: علا زيد الذي منا زيدا الذي منكم. فكما قبل زيادة الوضوح بالصفة، قبل زيادة الوضوح بالإضافة من غير حاجة إلى انتزاع تعريفه. وقد يضاف علم لا اشتراك فيه على تقدير وقوع الاشتراك المحوج إلى زيادة الوضوح، كقول ورقة بن نوفل (¬1): 230 - ولوجا في الّذي كرهت قريش ... ولو عجّت بمكّتها عجيجا (¬2) وإذا جازت إضافة مكة ونحوها مما لا اشتراك فيه، فإضافة ما فيه اشتراك أولى بالجواز كإيا، فإنه قبل ذكر ما يليه صالح أن يراد به واحد من اثني عشر معنى؛ فالإضافة إذا له صالحة، وحقيقته بها واضحة، وكأن انفرادها بالإضافة دون غيرها من الضمائر كانفراد أي بها دون سائر الموصولات. ورفعوا توهم حرفية ما يضاف إليه بإضافتها إلى الظاهر في قولهم: فإيّاه وإيّا الشّوابّ. والاحتجاج بهذا للخليل على سيبويه (¬3) شبيه باحتجاج سيبويه على يونس (¬4) - ¬

_ - والبيت في معجم الشواهد (ص 396)، وشرح التسهيل (1/ 147)، والتذييل والتكميل (2/ 211). (¬1) هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، من قريش، حكيم جاهلي، اعتزل الأصنام قبل الإسلام وتنصر وقرأ كتب الأديان، وأدرك عصر النبوة ولم يدرك الدعوة، وهو ابن عم خديجة أم المؤمنين، وعند ما نزل جبريل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم أخذته خديجة إلى ورقة فطمأنها وأخبرها بأن هذا هو النبي المنتظر، وبشر محمدا بالنبوة، وتمنى أن يعيش حتى الدعوة لينصر محمدا ودين محمد، ولكنه توفي بعد بدء الوحي بقليل. وكان ذلك قبل الهجرة باثني عشر عاما. وهل هو من الصحابة أم لا؟ رأيان. وسئل عنه النبي عليه السّلام فأثنى عليه. ترجمته في الأعلام (6/ 131). (¬2) البيت من بحر الوافر، من قصيدة قالها ورقة بن نوفل لما ذكرت له أم المؤمنين خديجة ما رآه ميسرة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهما مسافران للتجارة وما قاله بحيرا الراهب في شأنه. اللغة: ولوجا: مصدر ولج أي دخل، ويقصد به هنا الدخول في الإسلام. عجّت: من العجيج وهو رفع الصوت في التلبية وغيرها. وفي البيت يذكر ورقة أنه سيدخل في الإسلام رغما عن قريش. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 147)، والتذييل والتكميل (2/ 211)، وليس في معجم الشواهد. (¬3) معناه أن إضافة إيا إلى الظاهر في القول المذكور، دل على أن اللواحق من الكاف وغيرها أسماء؛ لأن المضاف إليه لا يكون إلا اسما، وهذا هو مذهب الخليل في أن إياك اسمان بخلاف مذهب سيبويه الذي ينص على أن إيا هي الضمير الاسم، أما اللواحق بها فهي حروف دالة على التكلم وغيره. وسيبويه نفسه استدل على أن ياء لبيك للتثنية ببقائها عند الإضافة إلى الظاهر في البيت المذكور الآتي. (¬4) انظر نصه في الكتاب (1/ 351) يقول سيبويه: «وزعم يونس أن لبيك اسم واحد ولكنه جاء على -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقول الشاعر: 231 - دعوت لما نابني مسورا ... فلبّي فلبّي يدي مسور (¬1) لأن يونس يرى أن ياء لبيك ليست للتثنية، بل هي كياء لديك؛ فاحتج سيبويه بثبوت ياء لبي مع الظاهر، ولو كانت كياء لدى لم تثبت إلا مع المضمر، كما أن ياء لدى لا تثبت إلا مع المضمر. وأما إلزامهم بإضافته أيضا إضافة الشيء إلى نفسه، فنلتزمها معتذرين بما اعتذر عنها في نحو: جاء زيد نفسه وأشباه ذلك» انتهى (¬2) وهو كلام حسن. قال الشيخ: «الذي يقطع ببطلان اسمية ما أضيف إليه إيّا، أنه كان يلزم إعراب إيّا كما لزم إعراب أي؛ فإنّ سبب إعراب أي إنما هو لزوم الإضافة، وذلك موجود في إيّا» انتهى (¬3). وما ذكره غير لازم؛ إذ لا يلزم من اعتبار الإضافة في أي اعتبارها في غيرها، على أنه قد تقدم في باب الإعراب أن المقتضي لإعراب أي أمران: وهما لزوم الإضافة، وكونها بمعنى بعض مع المعرفة، وبمعنى كل مع النكرة. وإذا كان كذلك فلا يلزم المصنف بإعراب إيا؛ لأن المقتضي بتمامه لم يوجد فيه، إنما [1/ 159] وجد جزؤه وجزء العلة ليس بعلة. وذكر المصنف فيها غير اللغة المشهورة أربع لغات (¬4): - ¬

_ - هذا اللفظ في الإضافة كقولك عليك، وزعم الخليل أنها تثنية بمنزلة حنانيك؛ لأنا سمعناهم يقولون: حنان، وبعد أن أنشد بيت الشاهد قال: فلو كان بمنزلة على لقال: فلبي يدي مسور؛ لأنك تقول: على زيد إذا أظهرت الاسم». (¬1) البيت من بحر المتقارب، وهو لرجل من بني أسد لم تعينه مراجعه رغم كثرتها. اللغة: نابني: نزل بي. مسور: رجل استغاث به الشاعر فأغاثه، وكان الشاعر قد دعا مسورا المذكور ليغرم عنه دية لزمته، وخص يديه بالذكر لأنهما اللتان أعطياه المال حتى تخلص من نائبته. وشاهده: واضح من الشرح، وهو ثبوت ياء لبي مع الظاهر ساكنة، فدل على أنه مثنى. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 193)، وهو أيضا في شرح التسهيل (1/ 147)، والتذييل والتكميل (1/ 476). (¬2) شرح التسهيل (1/ 147). (¬3) التذييل والتكميل (2/ 212). (¬4) شرح التسهيل (1/ 147).

[مواضع انفصال الضمير]

[مواضع انفصال الضمير] قال ابن مالك: (فصل: يتعيّن انفصال الضّمير إن حصر بإنّما، أو رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب، أو بصفة جرت على غير صاحبها، أو أضمر العامل، أو أخّر، أو كان حرف نفي أو فصله متبوع، أو ولي واو المصاحبة، أو إلّا، أو إمّا، أو اللّام الفارقة، أو نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتّفقا رتبة، وربّما اتّصلا غائبين إن لم يشتبها لفظا). ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي أيّاك بفتح الهمزة وتشديد الياء، وإياك بكسر الهمزة وتخفيف الياء، وهيّاك بكسر الهاء وتشديد الياء، وهياك بفتح الهاء وتخفيف الياء. قال المصنف: «وأغرب لغاتها تخفيف الياء» (¬1). قال ناظر الجيش: المضمر بالنسبة إلى الاتصال والانفصال على ثلاثة أقسام: قسم يجب اتصاله، وقسم يجب انفصاله، وقسم يجوز فيه الأمران. ولما كانت مواضع الانفصال محصورة، وكذا مواضع الاتصال والانفصال، اقتصر المصنف على ذكرها، فعلم أن ما سكت عنه يجب فيه الاتصال. أما الانفصال فذكر أنه يجب في اثني عشر موضعا: الأول: إذا حصر بإنما (¬2) كقول الشاعر: 232 - أنا الذّائد الحامي الذّمار وإنّما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (¬3) - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: «وقد طال بنا الكلام في إيّا ولواحقه، وليس في ذلك كبير فائدة». (التذييل والتكميل: 2/ 213). وأحسن الأوجه في إيا هو ما ذهب إليه سيبويه: وهو أنّ إيا مضمر، واللواحق التي تلحقها حروف دالة على التكلم وغيره. وأحسن منه رأي الكوفيين وهو أن الاسم بجملته هو الضمير، وهو إيا وما يتصل بها، وما أبطلوه من أن الاسم لا يتغير بتغير أحوال المراد به، فالجواب عليه أنّ كل ضمير مستقل بنفسه فلا اشتراك. (¬2) سيأتي بحث طويل في إنما وآراء النحاة في انفصال الضمير بعدها قريبا. (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق، صدرها محقق الديوان بقوله: «بلغ نساء بني مجاشع فحش جرير بهنّ، فأتين الفرزدق وهو مقيد لحفظ القرآن فقلن له: قبّح الله قيدك؛ فقد هتك جرير عورات نسائك فأحفظنه فقام وفكّ قيده، ثمّ قال القصيدة الّتي منها ذلك الشّاهد». -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 233 - كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا (¬1) الثاني: إذا رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب (¬2) كقول الشاعر: 234 - بنصركم نحن كنتم ظافرين وقد ... أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا (¬3) الثالث: إذا رفع بصفة جارية على غير صاحبها، كقول الشاعر: 235 - غيلان ميّة مشغوف بها هو قد ... بدت له فحجاه بان أو كربا (¬4) الرابع: إذا أضمر العامل، كقول الشاعر: - ¬

_ - (ديوان الفرزدق: (2/ 152). اللغة: الذائد: من ذاد عنه أي دافع، وقد روي مكانه الفارس. الذّمار: بزنة كتاب؛ ما يلزمك حفظه وحمايته. الأحساب: مفاخر الآباء. والمعنى والشاهد واضحان. وانظر البيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص 301)، وشرح التسهيل: (1/ 147)، والتذييل والتكميل (2/ 215). (¬1) البيت من بحر الهزج، وهو لذي الأصبع العدواني (جاهلي معمر) من قصيدة يصف فيها قومه الذين أوقعوا ببني عمهم فإنهم بقتلهم كانوا يقتلون أنفسهم (انظر ذلك في خزانة الأدب: 5/ 283) وديوان ذي الأصبع (ص 78). اللغة: قرّى: موضع في بلاد بني الحارث بن كعب وقيل ماء. وشاهده قوله: إنما نقتل إيانا؛ حيث وجب انفصال الضمير المفعول عند قصد حصره بعد إنما حملا لها على إلا. وفي البيت كلام آخر يناقض هذا سيأتي. وانظر البيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص 389)، وفي شرح التسهيل (1/ 148)، وفي التذييل والتكميل (2/ 216). (¬2) قال أبو حيان: «لا يصحّ هذا على ظاهره؛ لأنّه لا يضاف المصدر إلى المنصوب؛ فإنّما تأويله إلى المنصوب معنى لا لفظا ومثاله: عجبت من ضرب زيد أنت. (التذييل والتكميل: 1/ 485). (¬3) البيت من بحر البسيط، لم ينسب في مراجعه وهو في الفخر. اللغة: ظافرين: الظفر النصر والفوز. العدا: جمع عدو، وهم الأعداء. فشلا: جبنا. والشاعر يمن على من ساعدهم بأنه لولاهم لانهزموا. وشاهده واضح. والبيت في معجم الشواهد (ص 267). وفي شرح التسهيل (1/ 149)، والتذييل والتكميل (2/ 220). (¬4) البيت من بحر البسيط، وهو بيت مفرد منسوب لذي الرمة في ملحقات ديوانه صدرها المحقق بقوله (الديوان: ص 661): «أبيات مفردات وهي منسوبة لذي الرّمّة وبعضها غير صحائح». ويستشهد بالبيت على وجوب إبراز الضمير؛ لأنه مرفوع بصفة جرت على غير صاحبها. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 29)، وشرح التسهيل (1/ 149).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 236 - فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلّك تهديك القرون الأوائل (¬1) الخامس: إذا أخر العامل، كقوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (¬2). السادس: أن يكون العامل حرف نفي، كقوله تعالى: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (¬3)، ومنه قول الشاعر: 237 - إن هو مستوليا على أحد ... إلّا على أضعف المجانين (¬4) السابع: إذا فصل بمتبوع، كقوله تعالى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ (¬5). ومنه قول الشاعر، أنشده سيبويه (¬6): 238 - مبرّأ من عيوب النّاس كلّهم ... فالله يرعى أبا حفص ويرعانا (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة للبيد بن ربيعة، وقد سبق الحديث عنها في الشاهد رقم: 6 من هذا التحقيق، وهي في الديوان (ص 131) وفي الشعر والشعراء (1/ 185). والبيت وما قبله في الرثاء والموعظة والتذكير بالموت، وأن الإنسان ميت كما مات من سبقوه. قال أبو حيان في البيت: «لم يبين المصنف (ولا ناظر الجيش) الفعل الّذي انفصل الضمير لإضماره. وظاهر كلامه أنه أضمر فعلا يفسره قوله: لم ينفعك، ولا يصحّ ذلك لأنه لو حمل أنت على السببي المرفوع الذي هو علمك، لأدّى إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، ألا ترى أنك لو وضعت أنت مكان علمك لكان التقدير: فإن لم ينفعك، ولا يجوز حمله أيضا على الكاف في ينفعك؛ لأنه لو فعل ذلك لنصب فقال: إياك، وإذا امتنع أن يحمل أنت على علمك، وعلى الكاف لما ذكرناه، فقد اختلف الناس في تخريجه: ذهب ابن عصفور إلى أنه فاعل بفعل محذوف يفسره المعنى، ويدلّ عليه، والتقدير: فإن ضللت لم ينفعك علمك. وذهب السهيليّ إلى أن أنت مبتدأ، وقد أجازه سيبويه واكتفى بوجود فعل الشرط في الجملة، وإن لم يل الأداة، كما خرجوه على أن الضمير المذكور منصوب بالعامل، وفيه وضع المرفوع موضع المنصوب». (التذييل والتكميل: 2/ 223). (¬2) فاتحة الكتاب: 4. (¬3) سورة الشورى: 31. (¬4) البيت من بحر المنسرح، ومع كثرة دورانه في كتب النحو غير منسوب لقائل. والبيت يهجو به الشاعر رجلا أتباعه من المجانين، ويستشهدون به في باب إن العاملة عمل ليس. وشاهده هنا واضح. والبيت في معجم الشواهد (ص 412)، وفي شرح التسهيل (1/ 165)، والتذييل والتكميل (2/ 225). (¬5) سورة الممتحنة: 1. (¬6) الكتاب (2/ 356). (¬7) البيت من بحر البسيط، وهو في كتاب سيبويه غير منسوب لقائل، وهو من الخمسين المجهولة القائل، ومعناه والشاهد فيه واضحان، ويروى مكان أبا حفص أبا حرب، ويروى مكان: ويرعانا (وإيانا). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثل المصنف لذلك بقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ (¬1). الثامن: إذا ولي واو المصاحبة، كقول الشاعر: 239 - فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة ... تكون وإيّاها بها مثلا بعدي (¬2) التاسع: إذا ولي إلا، كقوله تعالى: أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (¬3)، ومنه [1/ 160] قول الشاعر: 240 - قد علمت سلمى وجاراتها ... ما قطّر الفارس إلّا أنا (¬4) العاشر: إذا ولي أما كقول الشاعر: 241 - بك أو بي استعان فليك إمّا ... أنا أو أنت ما ابتغى المستعين (¬5) - ¬

_ - قال أبو حيان في الشاهد: «وقد خالف في ذلك بعض أصحابنا، والانفصال في وإيّانا لم يجز إلّا لضرورة الوزن». والبيت في معجم الشواهد (ص 488)، وشرح التسهيل (1/ 150)، والتذييل والتكميل (2/ 225). (¬1) سورة الأنبياء: 54، المتبوع هنا هو الضمير في كنتم، والتابع أنتم وهو توكيد لفظي. (¬2) البيت من بحر الطويل من مقطوعة لأبي ذؤيب الهذلي (ديوان الهذليين: ص 159) قالها حين جاءته أم عمرو تعتذر إليه، وقد أحبت عليه ابن عمه خالدا. وأولها يخاطب أم عمرو: تريدين كيما تجمعيني وخالدا ... وهل يجمع السّيفان ويحك في غمد اللغة: آليت: حلفت. لا أنفك: لا أزال. أحدو: أسوق وأكتب. وأبو ذؤيب يهدد أم عمرو وحبيبها بأن سيفضحهما في شعره طوال الزمان. وشاهده قوله: تكون وإياها؛ حيث فصل الضمير لوقوعه بعد واو المصاحبة، وهو هنا مفعول معه. والبيت في معجم الشواهد (ص 109)، وفي شرح التسهيل (1/ 150)، وفي التذييل والتكميل (2/ 225). (¬3) سورة يوسف: 40. (¬4) البيت من بحر السريع، وهو في مراجعه منسوب إلى عمرو بن معدي كرب (كتاب سيبويه: 2/ 353) من قصيدة يفتخر فيها بيوم القادسية، وكان قد قتل مرزبان وظنه رستما. اللغة: قطّر: صرعه على أحد جانبيه، والقطر: الجانب. الفارس: الشجاع. والبيت في التذييل والتكميل (2/ 225)، وفي معجم الشواهد (ص 389). (¬5) البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه. اللغة: استعان: طلب العون. فليك: مضارع كان مجزوم بلام الأمر، وحذفت نونه للتخفيف، وروي مكانه (فليل) وهو مضارع مجزوم أيضا من ولي الأمر يليه ولاية واسم كان (أو فاعل يلي) الضمير المنفصل بعد إما وهو موضع الشاهد. ما ابتغى المستعين: ما طلب ورجا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحادي عشر: إذا ولي اللام الفارقة (¬1) كقول الشاعر: 242 - إن وجدت الصّديق حقّا لإيّا ... كـ فمرني فلن أزال مطيعا (¬2) الثاني عشر: إذا نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتفق رتبة مثاله: علمتك إيّاك أي أنت في علمي الآن كما كنت من قبل. والمراد بالموافقة في الرتبة كونه لمتكلم كعلمتني إياي، أو لمخاطب كعلمتك إياك، أو لغائب كزيد علمته إياه، أو لغائبين كقولك: مال زيد أعطيته إياه (¬3). قال المصنف: «فانفصال ثاني الحاضرين متعين أبدا؛ لأنه لا يكون إلّا مثل الأول لفظا ومتحدا به معنى؛ فاستثقل اتّصالهما، ولأنّ اتّصالهما يوهم التّكرار. وانفصال ثاني الغائبين متعين أيضا إن كان هو الأول في المعنى، نحو: مال زيد أعطيته إيّاه» انتهى (¬4). واحترز بقوله: غير مرفوع: من قولهم: ظننتني قائما؛ فإن الضمير الذي هو الياء نصبه عامل في مضمر قبله، وقد اتفقا رتبة؛ فإنهما لمتكلم؛ لكن الضمير الأول مرفوع فلا يجب انفصال الثاني بل ولا يجوز انفصاله. وكذلك قولك: زيد ظنّه قائما (¬5)، قد عمل ظن في مضمر مرفوع، وهو الفاعل المستكن، وفي مضمر - ¬

_ - والشاعر يفتخر بنفسه وبصاحبه بأن من يريد الاستعانة بأحد في أمر فليستعن به أو بصاحبه. والبيت في معجم الشواهد (ص 395)، وفي شرح التسهيل (1/ 150)، وفي التذييل والتكميل (2/ 227). (¬1) سميت بذلك لأنها تفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية. وفي شرح الأشموني على الألفية: (1/ 288) يقول: تنبيه: «مذهب سيبويه أنّ هذه اللام هي لام الابتداء، وذهب الفارسيّ إلى أنها غيرها اجتلبت للفرق». (¬2) البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه إلى قائل. والشاعر يقول لصاحبه: أنت الصديق المخلص؛ ولذلك فمن حقك علي أن تأمرني بأي أمر، وأنا سأطيعك وأنفذ كل طلبك. واستشهد بالبيت على فصل الضمير لوقوعه بعد اللام الفارقة بين إن المخففة وإن النافية في قوله: إن وجدت الصديق حقّا لإياك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 151)، وفي التذييل والتكميل (2/ 227)، وفي معجم الشواهد (ص 216). (¬3) قوله: أو لغائب أو لغائبين معناه: أن الضميرين في زيد علمته إياه مقصود بهما واحد، وفي مال زيد أعطيته إياه مقصود بهما اثنان. الأول للمال والثاني لزيد ويجوز العكس. (¬4) شرح التسهيل (1/ 167). (¬5) معناه: زيد ظن نفسه قائما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منصوب وهو الهاء وقد اتفقا رتبة ولا يجوز فصل الضمير المنصوب أيضا. وأشار المصنف بقوله: وربّما اتّصلا غائبين إذا لم يشتبها لفظا إلى أنه إن غاير الثاني الأول لفظا حال الغيبة جاز الاتصال لكنه ضعيف، وبه يشعر قوله: وربّما، واستدل المصنف على ذلك بما روى الكسائي من قول العرب: «هم أحسن النّاس وجوها وأنضرهموها». وقول مغلّس بن لقيط (¬1): 243 - وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة ... لضغمهماها يقرع العظم نابها (¬2) (وأنشد الإمام بدر الدين بن مالك (¬3) ... - ¬

_ (¬1) هو مغلس - بضم الميم وفتح الغين المعجمة وكسر اللام المشددة - بن لقيط بفتح اللام وكسر القاف - ابن حبيب بن خالد بن نضلة الأسدي، شاعر من شعراء الجاهلية، كان كريما حليما شريفا. أورد البغدادي له قصيدة من جيد الشعر. وله قصيدة أخرى جيدة منها بيت الشاهد. وستذكر مناسبتها. ترجمته في خزانة الأدب (5/ 311، 312)، الأعلام (8/ 196)، معجم الشعراء (ص 308). (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة لمغلس بن لقيط يعاتب أخوين له، وكان له ثلاثة إخوة مات أحدهم وكان به بارّا، فأظهر الآخران عداوته فقال (معجم الشعراء للمرزباني: ص 308): إذا رأيا لي غرّة أغريا بها ... أعاديّ والأعداء تعوي كلابها وإن رأياني قد نجوت تلمّسا ... لرجلي مغوّاة هياما ترابها وأعرضت أستبقيهما ثمّ لا أرى ... حلومهما إلّا وشيكا ذهابها وقد جعلت نفسي تطيب ... ... ...... إلخ اللغة: الضّغمة: العضة بالناب، ومنه قيل للأسد ضيغم. يقرع: يصيب. وهو في بيت الشاهد يذكر أن نفسه طابت؛ لأن هذين الأخوين أصيبا بشدة كانا يتمنيانها له، وظاهر المعنى أنه عضهما بنابه عضة قوية وصل أثرها إلى وجع في العظم. الإعراب: جعلت نفسي تطيب: جعل واسمها وخبرها. لضغمة: متعلق بالفعل قبله. لضغمهماها: بدل مما قبله، وهو هنا مصدر فاعله محذوف ومضاف إلى مفعوله ضمير المثنى العائد على أخويه، وضمير الغيبة المؤنث الأخير مفعول مطلق. وجملة يقرع صفة للضمير وإن كان الضمير لا يوصف. والعظم: مفعول يقرع مقدم. ونابها: فاعله وضمير الغيبة فيه عائد على العضة. واستشهد بالبيت على: أن الضميرين إذا اتحدا رتبة واختلف لفظهما جاز اتصالهما على ضعف، وهو قوله: لضغمهماها. والبيت في معجم الشواهد (ص 44)، وفي شرح التسهيل (1/ 151)، وفي التذييل والتكميل (2/ 228). (¬3) بدر الدين: هو محمد بن محمد بن عبد الله بن مالك، كان إماما في النحو وفي علوم العربية كلها. أخذ عن والده، ولما مات والده طلب من أهل دمشق أن يلي وظيفة والده، لكن اللعب كان يغلب عليه وعشرة من لا يصلح. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في شرح الألفية (¬1): 244 - لوجهك في الإحسان بسط وبهجة ... أنا لهماه قفو أكرم والد (¬2) وهذا في الدلالة أصرح مما ذكره والده) (¬3). ثم هنا أبحاث: [البحث الأول]: ذكر ابن عصفور في شرح الجمل (¬4) والصفار (¬5) في شرح الكتاب (¬6) في - ¬

_ - وقد شرح ألفية والده وهو الكتاب المأخوذ منه النص المذكور. كما شرح كافيته أيضا ولاميته. وقد كمل شرح التسهيل بعد والده، من أول المصادر، لكنه لم يتم الكتاب، وله كتب أخرى في البلاغة والمنطق والعروض. توفي بدمشق سنة (686 هـ) وحزن الناس عليه حزنهم على والده. انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 225)، الأعلام (7/ 260). (¬1) انظر البيت في شرح الألفية المذكور (ص 66) تحقيق د/ عبد الحميد السيد (بيروت) وانظره في الورقة (16 ب) من الكتاب نفسه مخطوطا بدار الكتب تحت رقم: 22 نحو. (¬2) البيت من بحر الطويل، قال فيه صاحب الدرر (1/ 41): ولم أعثر على قائله مع كثرة من استشهدوا به. اللغة: بسط: طلاقة وبشاشة. بهجة: حسن وسرور. أنالهماه: أعطاهما إياه. قفو: مصدر قفاه يقفوه أي اتبعه وسار على نهجه. المعنى: يمدحه بالكرم، ويذكر أنه بشوش الوجه للسائلين، وأنه أخذ ذلك كله من والده الذي اقتدى به الممدوح. الإعراب: لوجهك: خبر مقدم. بهجة: مبتدأ مؤخر. أنالهماه: أنال فعل ماض ينصب مفعولين، وهما: ضمير الغيبة المتصل العائد على البسط والبهجة مفعول أول، والهاء وهي ضمير الممدوح مفعول ثان. قفو: فاعل أنال. أكرم والد: متضايفان. وشاهده قوله: أنالهماه وفيه ما في البيت الذي قبله. والبيت في معجم الشواهد (ص 115)، وليس في شروح التسهيل. (¬3) ما بين القوسين ناقص من نسخة (ب) وهو من الأصل. وإنما كان بيت ابن المصنف أصرح؛ لأن العامل فيه فعل وهو أمكن في العمل من المصدر المذكور في البيت الذي قبله من مثال والده. (¬4) في الجزء الثاني (ص 106) وما بعدها: «باب ما يجوز تقديمه من المضمر على الظّاهر وما لا يجوز». وفيه المذهبان المذكوران (تحقيق الشغار). (¬5) هو قاسم بن علي بن محمد بن سليمان الأنصاري البطليوسي الشهير بالصفار، صحب الشلوبين وابن عصفور. وقد شرح كتاب سيبويه شرحا حسنا يقال: إنه أحسن شروحه، وهو يرد فيه كثيرا على الشلوبين بأقبح رد. ولهذا الشرح نسخة بدار الكتب المصرية (بقسم المخطوطات تحت رقم 900 نحو). وقد توفي الصفار بعد سنة (630 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 256)، الأعلام للزركلي (6/ 12). (¬6) انظر النص المذكور المسند إلى الصفار في كتاب التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 219).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فصل الضمير بعد إنما مذهبين: أحدهما: مذهب سيبويه: وهو أن الفصل ضرورة (¬1). وذكرا أن سيبويه لم يلتفت إلى المعنى، وهو كون الضمير في معنى المفصول بينه وبين عامله بإلا. الثاني: مذهب الزجاج: وهو أن الفصل ليس بضرورة، لما ذكر من كون الكلام بمعنى إلا. وأفهم كلامهما أن الزجاج يجيز الفصل ولا يوجبه؛ ومن ثم جعل الشيخ القول الأول بتعين الانفصال في كلام المصنف مذهبا ثالثا (¬2). قال ابن عصفور: «والصّحيح أنّ الفصل ضرورة، إذ لو كان هذا الموضع موضع فصل الضّمير لوجب ألّا يؤتى به [1/ 161] متّصلا كما لا يجوز ذلك مع إلّا؛ فقول العرب: إنّما أدافع عن أحسابهم وأمثاله؛ دليل على أنّه من مواضع الاتّصال وأنّ الانفصال فيه ضرورة» (¬3). وقال الصفار: «مذهب سيبويه أسدّ؛ لأنّك تقدر على الاتّصال فلا تفصله؛ بخلاف إلّا؛ إذ لا يمكن أن يتّصل بهما ضمير وتكون القرائن تبيّن المحصور ما هو من فاعل أو مفعول على حسب المواضع» انتهى (¬4). ولا يتجه لي القول بأنه إذا كان الضمير محصورا بعد إنما لا يتعين انفصاله؛ فضلا عن أنه لا يجوز، لأنّا بالبديهة نعقل الفرق بين قولنا: إنما قام أنا، وبين قولنا: إنما قمت. إذ معنى الأول: ما قام إلا أنا، فالحصر في الفاعل، ومعنى الثاني: ما فعلت إلا القيام، فالحصر في الفعل، فلا يعلم أن الحصر في الفاعل إلا بانفصال الضمير، وسببه: أن إنما لما كانت للحصر كان معناها معنى إلا الواقعة بعد النفي. والمحصور بإلا يجب تأخره عنها؛ فيجب إذ ذاك انفصاله إن كان ضميرا متصلا بعامل قبلها، فكذلك يجب أن يكون الحال مع إنما. ولو كان الأمر على ما قال - ¬

_ (¬1) سيأتي نص سيبويه في الشرح بعد قليل. (¬2) قال أبو حيان: «ذهب سيبويه إلى أنّ فصل الضّمير بعد إنّما هو ضرورة، وأنّ الفصيح اتّصاله. وذهب الزّجاج إلى أنّ فصله ليس بضرورة، وذهب المصنّف إلى أنّه متعيّن الانفصال». (التذييل والتكميل: 2/ 218). (¬3) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور: (2/ 105). (¬4) التذييل والتكميل (2/ 219).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصفار من أن الحصر إنما يتبين بالقرائن، لما أوجب النحاة تأخير المحصور بها؛ لكنهم أوجبوا تأخير الفاعل إذا قصد حصره، وكذلك تأخير المفعول أيضا؛ فدل على أنهم لم يكتفوا بالقرائن. وأما قول ابن عصفور: إنه لو كان من مواضع الانفصال لما جاء متصلا، وقد قالت العرب: إنما أدافع عن أحسابهم فغير ظاهر؛ لأن قائل هذا الكلام لم يقصد حصر الفاعل، والفصل إنما يجب مع قصد الحصر، وإنما قصد هذا المتكلم حصر المتعلق بالفعل، أي: لا أدافع إلا عن أحسابهم لا عن شيء آخر. أما كون غيره لا يدافع فلم يتعرض إليه. والظاهر أن الجماعة إنما حكموا بأن مذهب سيبويه أن الفصل ضرورة بقوله (¬1): «هذا باب ما يجوز في الشّعر من إيّا، ولا يجوز في الكلام، فمن ذلك قول حميد الأرقط (¬2): 245 - [أتتك عنس تقطع الأراكا] ... إليك حتّى بلغت إيّاكا (¬3) وقال آخر: 246 - كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر نص ذلك في الكتاب: (2/ 362). (¬2) سبقت ترجمته في هذا التحقيق. (¬3) البيتان من الرجز المشطور، قائلهما حميد بن مالك الأرقط كما هنا وكما في مراجعهما، وهما في الوصف والمدح. اللغة: العنس: بفتح العين وسكون النون هي الناقة القوية. تقطع الأراكا: أي تقطع الأرض التي تنبت الأراك وهو شجر يستاك به. والمعنى: جاءتك إبلنا مجهدة فلا تحرمها من عطائك وأنت كريم أيها الممدوح. وشاهده: وضع الضمير المنفصل مكان المتصل في قوله: حتّى بلغت إيّاك. قال ابن يعيش: وكان أبو إسحاق الزجّاج يقول: تقديره: حتّى بلغتك إيّاك، وهذا التقدير لا يخرجه عن الضّرورة سواء أراد له التأكيد أو البدل؛ لأن حذف المؤكّد أو المبدل منه ضرورة (شرح المفصل: 3/ 102). والبيت في معجم الشواهد (ص 512)، وفي شرح التسهيل (1/ 149)، وكذلك هو في التذييل والتكميل (2/ 219). (¬4) البيت سبق الاستشهاد به والحديث عنه، وقد استشهد به هناك على وجوب فصل الضمير لوقوعه بعد إنما، وهنا استشهد به على أن هذا الفصل ضرورة. وتأويل ذلك كله مذكور في الشرح بعد البيت، قال ناظر الجيش بعد هذا التأويل: وهو محمل جيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد حمل المصنف الفصل في: إنما نقتل إيانا - على أنه ضرورة من وجه آخر غير الوجه الذي حمل الجماعة عليه وهو الذي أذكره: قال المصنف: «وقد وهم الزمخشريّ في قوله: إنّما نقتل إيّانا، فظنّ أنّه من وقوع المنفصل موقع المتصل (¬1)، وليس كذلك، لأنه لو أوقع هنا المتصل فقال: إنّما نقتلنا، لجمع بين ضميرين متّصلين أحدهما فاعل والآخر مفعول مع اتحاد المسمى، وذلك مما يختصّ به الأفعال القلبية. وغر الزمخشريّ ذكر سيبويه هذا البيت في باب: ما يجوز في الشّعر من إيّا ولا يجوز في الكلام، فذكر البيت الّذي أوله كأنّا لا لأن ما فيه لا يجوز إلا في الشعر، بل لأن إيّانا وقع فيه موقع أنفسنا فبينه وبين الأول يعني: حتى بلغت إياكا مناسبة من قبل أن إيا في الموضعين [1/ 162] واقعا موقعا غيره به أولى. لكن في الثّاني من معنى الحصر المستفاد بإنما ما جعله مساويا للمقرون بإلا، فحسن وقوع إيا فيه كما كان يحسن بعد إلا وهذا مطّرد، فمن اعتقد شذوذه فقد وهم» انتهى وهو محمل جيد (¬2). وقال الشيخ: «ما ذهب إليه المصنّف من تعيّن انفصال الضّمير بعد إنّما - خطأ فاحش وجهل بلسان العرب. قال الله تعالى: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ (¬3)، إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ (¬4)، إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ (¬5)، وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬6)، ولو كان الأمر على ما زعم لكان التركيب إنّما - ¬

_ (¬1) قال الزمخشري (المفصل: ص 127): ولأنّ المتّصل أخصر لم يسوغوا تركه إلى المنفصل إلّا عند تعذّر الوصل، فلا تقول ضرب أنت ولا ضربت إياك، إلّا ما شذّ من قول حميد الأرقط: إليك حتّى بلغت إيّاكا وقول بعض اللصوص: كأنّا يوم قرّى إنّما نقتل إيّانا. (¬2) وملخص ما قيل في هذه القضية التي أثارها هذا البيت وهو قوله: إنّما نقتل إيّانا - أن سيبويه وتبعه الزمخشري جعلا البيت من الضرورة؛ لأن الشاعر أوقع فيه الضمير المنفصل موقع المتصل؛ لأن المتصل أخصر ولا يترك إلا عند تعذر الوصل؛ فلا يجوز ضربت إياك، وإنما الواجب ضربتك، وذكر ابن مالك أن هذا باطل، وإنما الواجب انفصال الضمير هنا؛ لأنه لو قال نقتلنا لجمع بين ضميرين متصلين أحدهما فاعل والآخر مفعول مع اتحاد المسمى، كما أن المقصود الحصر، والحصر يوجب انفصال الضمير مع إنما حملا على إلا. (¬3) سورة يوسف: 86. (¬4) سورة سبأ: 46. (¬5) سورة النمل: 91. (¬6) سورة آل عمران: 185.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يشكو بثّي وحزني إلى الله أنا (¬1)، وإنّما يعظكم بواحدة أنا، وإنّما أمر أن يعبد ربّ هذه البلدة أنا، وإنّما يوفّى أجوركم أنتم» انتهى (¬2). ويا لله التعجب من الشيخ، جهّل المصنف وخطّأه وقوّله ما لم يقل، واعتقد فيه أنه يمنع من جواز ما لم يتوهم بشر منعه. لم يقل إن إنما لا يقع بعدها الضمير إلا منفصلا فيرد عليه بوقوعه متصلا، إنما قال: إن الضمير المحصور بإنما يجب انفصاله، فكيف يرد عليه بما لم يقصد فيه حصر الضمير. أما الآيات الكريمة التي رد بها الشيخ على المصنف، فلم يقصد في شيء منها حصر الفاعل، إنما قصد حصر متعلق الفعل؛ فمعنى الآية الأولى «لا أشكو بثي وحزني إلا إلى الله» أي لا أشكو إلى غيره (¬3). ومعنى الآية الثانية «لا أعظكم إلا بواحدة» أي لا أعظكم بغيرها، ومعنى الآية الثالثة «ما أمرت إلا أن أعبد رب هذه البلدة»، ومعنى الآية الرابعة «لا توفون أجوركم إلا يوم القيامة»، وهذا واضح، ولا أعرف كيف خفي هذا على الشيخ رحمه الله تعالى. البحث الثاني: ما ذكره المصنف هنا من تعين انفصال الضمير إذا رفع بصفة جارية على غير صاحبها، هو مذهب البصريين، ولم يوجب الكوفيون الإبراز إلا عند خوف اللبس (¬4)، واختار المصنف في باب المبتدأ مذهبهم؛ فإطلاقه القول هنا بوجوب الانفصال إما للاتكال منه على ما ذكر في باب المبتدأ فيقيد به هذا الإطلاق، وإما لأنه جرى هنا على مذهب البصريين، ثم نبه على مختاره في باب المبتدأ (¬5). - ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): «إنما أشكو، وإنما أعظكم، وإنما أمرت أن أعبد، وإنما توفون» والذي أثبتناه من الأصل وهو الصحيح، حتى يظهر الحصر المقصود في الكلام. وكذلك هو في شرح أبي حيان. (¬2) التذييل والتكميل (2/ 221). (¬3) في تفسير الكشاف (2/ 339) قال الزمخشري: «ومعنى إنّما أشكو أي إني لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم، إنّما أشكو إلى ربّي داعيا له وملتجئا إليه بشكايتي». (¬4) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 58) وما بعدها، ومن أمثلتها من الكلام: هند زيد ضاربته هي، ومن الشعر قول ذي الرمة: غيلان ميّة مشغوف بها هو ... إلخ. (¬5) انظر شرح التسهيل لابن مالك (1/ 307، 308) (تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ المختون) يقول في الحديث عن الخبر عند جريانه على غير من هو له: «والتزم البصريون الإبراز مع أمن اللّبس عند -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استثنى الكوفيون أيضا صورة ثانية لا يجب فيها الإبراز، وهي إذا تكررت الصفة نحو: زيد حسنة أمه عاقلة هي، فلا يوجبون هي بعد عاقلة. وفي الحقيقة هذه الصورة داخلة تحت قولهم: لا يجب الإبراز عند أمن اللبس، فلا حاجة إلى تخصيصها بالذكر. وقد ذكر النحاة أن الضمير لا يبرز إذا كان لمثنى أو جمع؛ لأن في تثنية اسم الفاعل وجمعه دلالة عليه، وذلك نحو: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، وقائم آباؤه لا قاعدين. استغنى في المثال الأول عن هما، وفي المثال الثاني عن هم بتثنية اسم الفاعل وجمعه، وسيأتي ذلك في باب المبتدأ إن شاء الله تعالى. البحث الثالث: تقدم أنه يجب انفصال [1/ 163] الضمير إذا نصبه عامل في مضمر قبله غير مرفوع عند الاتفاق في الرتبة، إلا إذا كانا للغيبة واختلفا لفظا؛ فإنه قد يتصل الضمير الثاني. وقد ذكر الشيخ أنه قد يؤتى بالثاني متصلا حال التكلّم والخطاب والغيبة دون الاختلاف لفظا فقال (¬1): «إذا اتفق الضميران في الرتبة فإما أن يكونا لمتكلم أو مخاطب أو غائب. إن كان لمتكلم فلا اتصال نحو: منحتني إياي، ويقبح الاتصال، وإن كانا لمخاطب فالاختيار الانفصال، ويجوز الاتصال ضعيفا نحو: أعطيتكما إياكما، وأعطيتكما كما، وأعطيتكم إيّاكم، وأعطيتكم كم، وأعطيتكن إيّاكن، وأعطيتكن كنّ، ومنع الاتصال الفراء (¬2). وإن كانا لغائب فإما أن يتحدا لفظا أو يختلفا (¬3): إن اتحدا فكضمير المخاطب (¬4) فيكون الانفصال مختارا نحو: الدرهم أعطيته إياه، ويجوز على ضعف: - ¬

_ - جريان رافع الضّمير على غير صاحب معناه؛ ليجري الباب على سنن واحد. وخالفهم الكوفيّون فلم يلتزموا الإبراز إلّا مع اللّبس وبقولهم أقول لورود ذلك في كلام العرب كقول الشّاعر (من البسيط): قومي ذرى المجد بانوها وقد علمت ... بكنه ذلك عدنان وقحطان (¬1) التذييل والتكميل (2/ 228). (¬2) في شرح أبي حيان: هذا مذهب أصحابنا والكسائي ومنع الاتصال الفراء (المرجع السابق). (¬3) بأن كان أحدهما مفردا والآخر مثنى أو جمعا، أو أحدهما مذكرا والآخر مؤنثا. (¬4) في النسخ: فكضميري الغائب، وما أثبتناه وهو الأسدّ من التذييل والتكميل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعطيتهوه، ومنع الفراء أيضا الاتصال. وإن اختلفا فالفصل هو الكثير، تقول: هند الدّرهم أعطيتها إيّاه، وأعطيته إياها، ويجوز: أعطيتهاه وأعطيتهوها» انتهى (¬1). وفي كتاب سيبويه ما يقتضي منع الاتصال إذا كان الضميران للمتكلم (¬2). وأما إذا كانا للغيبة فقال سيبويه: «فإذا ذكرت مفعولين كلاهما غائب، قلت: أعطاهوها وأعطاهاه جاز وهو عربيّ لا عليك بأيّهما بدأت من قبل أنّهما كلاهما غائب، وهذا أيضا ليس بالكثير في كلامهم، والكثير في كلامهم أعطاه إيّاه» انتهى كلام سيبويه (¬3). وأشعر قوله: والكثير في كلامهم أعطاه إيّاه - أن القليل جواز الاتصال وإن اتفق اللفظان؛ وعلى هذا لا يحسن قول المصنف فيما تقدم (¬4): إن لم يشتبها لفظا لإشعار كلام الإمام بخلافه. البحث الرابع: انتقد الشيخ على المصنف كونه مثّل للاتصال في الغائبين المختلفي اللفظ بما في بيت مغلس وهو (لضغمهماها) وبما روى الكسائي من (وأنضرهموها). قال: لأن أحد الغائبين مخفوض، وأصحابنا ذكروا أنه لا يجوز فيه إلا الانفصال، نحو قولك: هند زيد عجبت من ضربه إيّاها (¬5). قالوا: ولا يجوز من ضربهها إلّا في ضرورة، وأنشدوا بيت مغلّس؛ أو في - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 229). (¬2) يقول في كتابه (2/ 365) - بعد كلام عن أعطاهوك وأعطاهوني وأن العرب لم تتكلم به -: «ويدخل على من قال هذا أن يقول الرّجل إذا منحته نفسه: قد منحتنيني، ألا ترى أنّ القياس قد قبح إذا وضعت ني في غير موضعها؟». (¬3) انظر الكتاب (2/ 365). (¬4) المسألة أنه إذا اشتبه الضميران الغائبان فقد أوجب ابن مالك فصلهما، تقول: مال زيد محمد أعطاه إياه. وقال سيبويه: الكثير أعطاه إياه، على أن سيبويه عند ما مثل للاتصال مثل بضميرين مختلفين وهو أعطاهوها، وهذا لا يمنعه ابن مالك حيث قال: وربّما اتّصلا غائبين إذا لم يشتبها لفظا. كذا فليلاحظ. (¬5) في النسخ: هند عجبت ... إلخ، بحذف زيد، وما أثبتناه وهو الصحيح من التذييل والتكميل.

[مواضع جواز الاتصال والانفصال]

[مواضع جواز الاتصال والانفصال] قال ابن مالك: (وإن اختلفا رتبة جاز الأمران، ووجب في غير ندور تقديم الأسبق (¬1) رتبة مع الاتّصال؛ خلافا للمبرّد ولكثير من القدماء، وشذّ إلّاك فلا يقاس عليه). - نادر كلام، وذكروا ما رآه الكسائي (¬2). وظاهر كلام سيبويه ينفي ما انتقده الشيخ على المصنف، فإنه قال بعد قوله: والكثير في كلامهم أعطاه إياه: على أنّ الشّاعر قد قال (¬3): 247 - وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة ... ... البيت المذكور البحث الخامس: اعلم أن المصنف لما ذكر وجوب انفصال الضمير (¬4) - إنما ذكر المواضع التي يمكن فيها الاتصال، أما ما لم يمكن فيه ذلك فلم يذكره؛ لأن الانفصال فيه ضروري، ولهذا لم يتعرض إلى ما ذكره غيره من أن الضمير يجب فصله إذا كان مبتدأ أو خبرا للمبتدأ أو خبرا لإن. لكن ذكر ابن عصفور صورة يجب فيها [1/ 164] الانفصال، ولم يذكرها المصنف وهي (¬5) ما إذا كان الضمير منصوبا بمصدر مضاف إلى الفاعل، ومثل لذلك بقوله: عجبت من ضرب زيد إياك، ومن ضربك إياه. وأقول: أما ضرب زيد إياك فظاهر فيها وجوب الانفصال (¬6)، وأما ضربك إياه فالاتصال فيها جائز كما سيأتي (¬7). قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على مواضع الانفصال شرع في ذكر مواضع الاتصال والانفصال وأشار إلى ضابطها بقوله: وإن اختلفا رتبة جاز الأمران أي - ¬

_ (¬1) في نسخة الأصل: تقديم غير الأسبق وهو خطأ، والصحيح ما أثبتناه لما سيذكر في الشرح. وكذلك هو في متن التسهيل (ص 27). (¬2) التذييل والتكميل (2/ 229). (¬3) كتاب سيبويه (2/ 365). (¬4) وهي المواضع الاثنا عشر الماضية. (¬5) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 107) (بتحقيق الشغار ويعقوب). (¬6) إنما وجب الانفصال هنا للفصل بين الضمير وعامله بظاهر. (¬7) في هامش الأصل كتب هنا: بلغت قراءة أي على المؤلف كما في غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاتصال والانفصال في الثاني من الضميرين. واعلم أن المواضع التي يجوز فيها الأمران ستة، وهي ما كان فيه الضميران منصوبين وتحته قسمان؛ لأن النصب فيهما إما بفعل غير قلبي كأعطيتكه، وإما بفعل قلبي كخلتكه، وما كان فيه أول الضميرين مجرورا وتحته ثلاثة أقسام؛ لأن الجر إما بإضافة اسم فاعل نحو: الدرهم (زيد) (¬1) معطيكه، أو بإضافة مصدر. والمجرور إما فاعل به وإما مفعول نحو: فراقيها ومنعكها (¬2). وما كان فيه أول الضميرين مرفوعا؛ وهو والمنصوب بعده مبتدأ وخبر في الأصل نحو: كنته (¬3)، وإذا كان كذلك فينبغي ألا يكون الضمير في اختلفا عائدا على ما تقدم ذكره؛ إذ يلزم فيه أن تكون الإشارة إلى الضميرين المنصوبين خاصة، بل يكون الضمير المذكور عائدا على الضميرين غير مقيدين بالقيد المتقدم. أي: وإن اختلف الضميران رتبة جاز الأمران، وهذا هو الذي يقتضيه كلام المصنف في الشرح. وأما كون أول الضميرين المختلفي الرتبة منصوبا أو مجرورا أو مرفوعا بالقيود التي ذكرت فيعلم من كلامه بعد، ثم مع الفصل تقدم أي الضميرين شئت، فتقول: الدرهم أعطيتك إياه وأعطيته إياك، وهذا مستفاد بطريق المفهوم من قول المصنف: ووجب في غير ندور تقديم الأسبق رتبة مع الاتّصال. وأما مع الاتصال فعند سيبويه يجب تقديم الأسبق رتبة، فتقول: أعطيتكه، ولا يجوز أعطيتهوك، وأجاز كثير من قدماء النحويين (¬4) ووافقهم المبرد - تقديم غير الأسبق مطلقا (¬5). وأجازه الفراء إذا كان الضمير لمثنى أو لجماعة مذكرين، نحو: - ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من عندنا، ومكانه في النسخ أما ولا معنى له. (¬2) يشير بفراقيها ومنعكها إلى بيتين من الشعر يذكران بعد. (¬3) وعليه فالمواضع الستة كالآتي: (1) باب أعطيتكه. (2) باب خلتكه. (3) باب معطيكه. (4) باب فراقيها. (5) باب منعكه. (6) باب كنته. وكل باب من الستة له أحكام تخصه تذكر الآن. (¬4) إلى هنا انتهى الجزء الأول من النسخة (جـ)؛ بدار الكتب، والتي تحت رقم 349 نحو. وليس ذلك نهاية الجزء الأول حقيقة، وإنما الباقي منه ضائع، أما نهايته الصحيحة فهي وسط الحديث عن الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر، بدليل أن الجزء الثاني من النسخة المذكورة والموجودة بالدار يبدأ من تلك النهاية. (¬5) يقصد بمطلقا أي مع الاتصال والانفصال، وعليه فيجوز أعطيتهوك أو أعطيته إياك. انظر التذييل والتكميل (1/ 494)، وشرح التصريح (1/ 108).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدرهمان أعطيتهماك، والغلمان أعطيتهموك، وأجاز الكسائي ما أجازه الفراء وزاد عليه أن يكون الضمير للإناث، نحو: الدراهم أعطيتهن كن، والذي ورد به السماع مذهب سيبويه، ومن أجاز غير ذلك فإنما أجازه قياسا (¬1). قال سيبويه: «فإن بدأ بالمخاطب قبل نفسه فقال أعطاكني، أو بدأ بالغائب قبل المخاطب فقال أعطاهوك، فهذا قبيح لا تتكلّم به العرب، ولكنّ النّحويّين قاسوه» (¬2). قال المصنف [1/ 165]: «قلت: ولا يعضد قول من أجاز القياس في ذلك قول العرب: عليكني؛ لكون الكاف فيه متقدمة على الياء؛ لأن الكاف في عليك فاعل في المعنى، فينزل تقدمها على الياء منزلة تقدم التاء في قولك: أكرمتني، فلا يجوز أن يجري مجراها كاف ليس لها حظ في الفاعلية، نحو كاف أعطاك، ولكن يعضد قول من أجاز القياس في ذلك بما روى ابن الأثير في غريبه من قول عثمان رضي الله عنه: «أراهمني الباطل شيطانا»، فقدم ضمير الغائب على ضمير المتكلم المتصل» انتهى (¬3). - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان في شرح هذا الموضع: «ولا يخلو الذي يلي الفعل من أن يكون أقرب من الآخر أو أبعد، فإن كان أقرب جاز في الثاني الاتصال والانفصال، نحو: زيد ظننتك إيّاه والدّرهم أعطيتك إياه، وزيد ظننتكه، والدرهم أعطيتكه، ثم قال: وإن كان الذي يلي الفعل أبعد من الآخر، ففي ذلك أربعة مذاهب: أحدها: مذهب سيبويه: وهو أنه لا يجوز إلا الانفصال، نحو زيد ظننته إياك، والدرهم أعطيته إياك، ولا يجيز ظننتهوك ولا أعطيتهوك. الثاني: مذهب طائفة من قدماء النحويين وتبعهم أبو العباس: وهو أنه يجوز الانفصال والاتصال، والانفصال أحسن. الثالث: مذهب الفراء: وهو أنه لا يجوز عنده إلا الانفصال، إلا أن يكون ضمير مثنى، أو ضمير جماعة من المذكرين، فيجوز إذ ذاك الاتصال والانفصال. والانفصال أحسن، نحو: الدرهمان أعطيتهماك، والغلمان أعطيتهموك، والزيدان ظننتهما كما، والزيدون ظننتهموكم. الرابع: مذهب الكسائي: وهو كمذهب الفراء، إلا أن الكسائي يجيز الاتصال إذا كان الأول ضمير جماعة في المؤنثات، نحو قولك: الدراهم أعطيتهن كن. والذي ورد به السماع وتكلمت به العرب، هو ما ذهب إليه سيبويه. التذييل والتكميل (2/ 231). (¬2) انظر الكتاب (2/ 363، 364). (¬3) شرح التسهيل (1/ 152). وانظر في كلام عثمان رضي الله عنه: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 178).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: لم يكن المصنف ليحتاج إلى الاعتذار عن تقدم الكاف على الياء في عليكني؛ وذلك أن الكلام إنما هو في ضميرين قد سلط عليهما عامل واحد، ولا شك أن على وإن عمل في الكاف - ليس عاملا في الياء، بل لما عمل في الكاف جعل المجموع من الجار والمجرور عاملا في الياء، فلا يقال إن الكاف تقدمت على الياء. وأيضا فإنما يقال بتقدم واحد من الضميرين على آخر، حيث يتصور تقدم ذلك الآخر عليه، وها هنا لا يتصور تقدم الياء على الكاف، أعني في عليكني ونحوه. وأما لفظ عثمان رضي الله عنه فعنه احترز بقوله: في غير ندور. وهذا الاحتراز ليس بجيد؛ فإنه لو قدم ضمير المتكلم في هذا الكلام على ضمير الغيبة، لانعكس المراد من مقصود المتكلم كما تقدم، وإنما الواجب أن كان يؤتى بالضمير الثاني منفصلا، فيقال: أراهم إياي. فالشذوذ إنما هو في الإتيان بالضمير متصلا لا في تقدم ضمير الغيبة على ضمير المتكلم. وأشار المصنف بقوله: وشذ إلّاك فلا يقاس عليه - إلى قول الشاعر: 248 - وما نبالي إذا ما كنت جارتنا ... ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (¬1) قال: «فالأكثرون على أن الاتصال فيه لم يستبح إلا لضرورة؛ لأنّ حقّ الضّمير بعد إلا الانفصال اعتبارا بأن إلا غير عاملة، ومن حكم على إلا بأنها عاملة (¬2) لم يعدّ هذا من الضرورات، بل جعله مراجعة لأصل متروك، ويعتذر عن مثل: قاموا إلا إيّاك، بكون الاستعمال استمر بالانفصال، والأولى به الاتصال». ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط قال عنه صاحب الخزانة (5/ 380): «وهذا البيت قلّما خلا منه كتاب نحويّ، والله أعلم بقائله». اللغة: نبالي: نهتم ونكترث وأكثر استعمالاته في النفي. ديّار: أحد، وهو من الأسماء المستعملة في النفي العام ووزنه فيعال وأصله ديوار من الدار. واستشهدوا به على شذوذ وقوع الضمير المتصل بعد إلا. وخرجه آخرون على أن الرواية: ألا يجاورنا سواك، أو ألا يجاورنا حاشاك، كما أجاز ابن الأنباري وقوع المنفصل بعد إلا. اقرأ ذلك كله في مراجع البيت الكثيرة المذكورة في معجم الشواهد (ص 164)، والبيت أيضا في شرح التسهيل (1/ 152)، وفي التذييل والتكميل (2/ 233). (¬2) هم بعض الكوفيين والمبرد والزجاج من البصريين ذهبوا إلى أن العامل في المستثنى هو إلا، وذهب البصريون إلى أن العامل فيه هو الفعل أو معناه بواسطة إلا. انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (1/ 358).

[المختار في مواضع جواز الاتصال والانفصال]

[المختار في مواضع جواز الاتصال والانفصال] قال ابن مالك: (ويختار اتّصال نحو هاء أعطيتكه، وانفصال الآخر من نحو فراقيها ومنعكها وخلتكه، وكهاء أعطيتكه هاء كنته، وخلف ثاني مفعولي نحو: أعطيت زيدا درهما في باب الإخبار). قال ناظر الجيش: لما ذكر ضابط ما يجوز فيه الاتصال والانفصال، وكان بعضه مختار الاتصال وبعضه مختار الانفصال، أخذ في بيان ذلك، وقد تقدم أن الأمرين جائزان في ستة أبواب ذكر المصنف منها في المتن خمسة (¬1). والسادس ذكره في الشرح: وهو ما كان فيه أول الضميرين مجرورا (¬2)، وهما معمولان لاسم فاعل. وأما ما فيه خلف ثاني المفعولين في باب الإخبار فهو من فروع باب أعطيتكه، فلا يعد قسما زائدا. وأشار بنحو هاء أعطيتكه (¬3) إلى ما كان ثانيا من ضميرين [1/ 166] منصوبين بفعل غير قلبي، فإنه جائز فيه الاتصال والانفصال، واتصاله أجود؛ ولذلك لم يأت في القرآن إلا متصلا كقوله تعالى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ (¬4). قال المصنف (¬5): «وظاهر كلام سيبويه أنّ الاتصال لازم (¬6) ويدلّ على عدم - ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): ذكر المصنف منها خمسة في المتن. (¬2) في النسخ: مجرور (بالرفع) والصحيح ما أثبتناه (خبر كان). وما ذكره مسألة ستأتي مشروحة. (¬3) هذا هو الباب الأول من الستة التي وعد بشرحها. (¬4) سورة الأنفال: 43. (¬5) شرح التسهيل (1/ 153). (¬6) هذا هو نص كلام سيبويه والرأي كما حكاه المصنف عنه يقول (الكتاب: 2/ 363): «فإذا كان المفعولان اللّذان تعدّى إليهما فعل الفاعل مخاطبا وغائبا فبدأت بالمخاطب قبل الغائب، فإن علامة الغائب العلامة الّتي لا تقع موقعها إيّا، وذلك قولك: أعطيتكه وقد أعطاكه، وقال عزّ وجل: فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ [هود: 28]، فهذا هكذا إذا بدأت بالمخاطب قبل الغائب، وإنما كان المخاطب أولى بأن يبدأ به من قبل أنّ المخاطب أقرب إلى المتكلّم من الغائب، فكما كان المتكلّم أولى بأن يبدأ بنفسه قبل المخاطب، كان المخاطب الّذي هو أقرب إلى الغائب أولى بأن يبدأ به من الغائب». «فإن بدأت بالغائب فقلت أعطاهوك فهو في القبح، وإنّه لا يجوز بمنزلة الغائب والمخاطب إذا بدئ بهما قبل المتكلّم». كتاب سيبويه (2/ 364).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لزومه قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ الله ملّككم إيّاهم، ولو شاء ملّكهم إيّاكم» (¬1). وقال الشيخ: «لم يذكر سيبويه في هذا إلّا الاتصال (¬2) وحكى غيره «الانفصال». وقال السيرافي: «لا يجيز سيبويه فيه الانفصال» وقال الأستاذ أبو علي: «الانفصال فيه أفصح» (¬3) وتأول كلام سيبويه. وأشار بالآخر من نحو فراقيها ومنعكها (¬4) إلى ما كان من الضمائر منصوبا بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل أو مفعول أول. وأدرج المصنف هنا ما كان منصوبا باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول (¬5). فالمنصوب بمصدر مضاف إلى ضمير هو فاعل كقول الشاعر: 249 - تعزّيت عنها كارها فتركتها ... وكان فراقيها أمرّ من الصّبر (¬6) والمنصوب بمصدر مضاف إلى ضمير هو مفعول أول كقوله: - ¬

_ (¬1) لم أجده في مظانّه من كتب الأحاديث، وهو في شرح التصريح: (1/ 107). قال: ومن الفصل قوله صلّى الله عليه وسلّم ... ثم ذكر الحديث. وذكره الأشموني مجردا (1/ 17). وهو في التذييل والتكميل (1/ 498)، منسوبا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكذلك في شرح التسهيل (1/ 153). (¬2) لم يذكره الشيخ صراحة، وإنما نقل جزءا من كلام سيبويه السابق، وصدره بكلام المصنف، وعلى كل فرأي سيبويه هو ما حكى عنه (التذييل والتكميل: 1/ 498). (¬3) المرجع السابق. (¬4) هذا هو الباب الثاني والثالث من الستة التي ما زال يشرحها. (¬5) في النسخ: هو اسم مفعول أول، وقد حذفنا كلمة اسم؛ لأنه لا فائدة بها، وهذا هو الباب الرابع من الستة، وانظر شرح التسهيل (1/ 170). (¬6) البيت من بحر الطويل، قاله يحيى بن طالب الحنفي كما في مراجعه. اللغة: تعزّيت: من العزاء وهو الصبر والتأسي. فراقيها: أي فراقي إياها وبعدي عنها. واستشهد به على جواز الفصل والوصل إذا كان عامل الضمير مصدرا سواء أكان الأول فاعلا والثاني مفعولا كما هنا أم كانا مفعولين كما في البيتين بعده. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 174)، والتذييل والتكميل (2/ 237)، وشرح التسهيل (1/ 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 250 - فلا تطمع أبيت اللّعن فيها ... ومنعكها بشيء يستطاع (¬1) والمنصوب باسم فاعل مضاف إلى ضمير هو مفعول أول كقول الشاعر: 251 - لا ترج أو تخش غير الله إنّ أذى ... واقيكه الله لا ينفكّ مأمونا (¬2) والمختار في هذه الثلاثة ونحوها الانفصال. وإذا كان الضمير كهاء خلتكه (¬3) في كونه ثاني مفعولي أحد أفعال القلوب فالانفصال به أولى. قال المصنف: «لأنّه خبر مبتدأ في الأصل، وقد حجزه عن الفعل منصوب آخر» انتهى (¬4). وقال سيبويه: «وتقول: حسبتك إيّاه وحسبتني إيّاه؛ لأنّ حسبتنيه قليل في الكلام» (¬5). ومن الانفصال قول الشاعر: 252 - أخي حسبتك إيّاه وقد ملئت ... أرجاء صدرك بالأضغان والإحن (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر رابع أبيات لرجل من بني تميم يدعى عبيدة بن ربيعة، كما نسب إلى شاعر يدعى قحيف العجلي، وقد طلب منه ملك من الملوك فرسا عزيزة عليه يقال لها سكاب، فمنعه الرجل إياها، ثم أرسل إليه هذه الأبيات (شرح ديوان الحماسة: 1/ 212) بيت الشاهد آخرها، وأولها قوله: أبيت اللّعن إنّ سكاب علق ... نفيس لا تعار ولا تباع وانظر أيضا خزانة الأدب (5/ 299). وشاهده قوله: ومنعكها، حيث اتصل بالمصدر ضميران مفعولان الأول منهما مجرور بإضافة المصدر إليه والثاني منصوب، وفاعل المصدر ياء المتكلم محذوف، وأصله: ومنعيك إياها، وضمير المخاطب للملك وضمير الغيبة للفرس. انظر البيت في معجم الشواهد (ص 225)، وشرح التسهيل (1/ 153)، والتذييل والتكميل (2/ 238). (¬2) البيت من بحر البسيط، لم ينسب في مراجعه القليلة المذكورة وهو واضح المعنى والمفردات. والشاهد فيه كما في البيت قبله، إلا أن العامل هنا اسم فاعل وما قبله كان مصدرا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 153)، والتذييل والتكميل (2/ 238)، ومعجم الشواهد (ص 383). (¬3) هذا هو الباب الخامس من الستة المذكورة. (¬4) شرح التسهيل (1/ 154). (¬5) انظر الكتاب (2/ 365). ونصه: «لأنّ حسبتنيه وحسبتكه قليل في كلامهم». (¬6) البيت من بحر البسيط ولم ينسب في مراجعه. اللغة: أرجاء صدرك: نواحيه، جمع رجا كعصا. الأضغان: جمع ضغن وهو الحقد. الإحن: جمع إحنة وهي الحقد أيضا. ومعناه: كنت أظنك أخا فإذا أنت عدو لي. وإعراب أخي: إما مبتدأ والجملة بعده خبر، وإما مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، ولا يصح أن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن وروده متصلا قول الآخر: 253 - بلّغت صنع امرئ برّ إخالكه ... إذ لم تزل لاكتساب المجد مبتدرا (¬1) وأشار بقوله: وكهاء أعطيتكه هاء نحو كنته (¬2) يعني أنه يختار فيها الاتصال على الانفصال وهذا هو اختيار المصنف. قال الشيخ: «واتّبع فيه الرّمّاني وابن الطّراوة» (¬3). وفرق المصنف بين هاء خلتكه وهاء كنته، وإن اشتركا في أن كلّا منهما خبر مبتدأ في الأصل - بأن هاء خلتكه حجزه عن الفعل منصوب آخر بخلاف هاء كنته، فإنه شبيه بهاء ضربته في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع، والمرفوع كجزء من الفعل، فكأن الفعل مباشر له؛ فكان مقتضى هذا ألا ينفصل كما لا ينفصل هاء ضربته إلا أنه أجيز الانفصال فيه مرجوحا لا راجحا؛ خلافا لسيبويه ومن تبعه (¬4). - ¬

_ - يكون منادى؛ لأن المعنى على الإخبار لا على النداء والعتاب. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 155)، والتذييل والتكميل (2/ 239)، ومعجم الشواهد (ص 401). (¬1) البيت من بحر البسيط لم يعز إلى قائل في مراجعه. اللغة: بلّغت: بلغني الناس. برّ: صادق. إخالكه: أظنك إياه. وهمزة إخال مكسورة وقياسها الفتح. إذ: تعليلية بمعنى لأنك. مبتدرا: مسرعا. والمعنى: بلغني عنك أنك رجل كريم صادق في وعودك وعطاياك تبحث عن ما يكسبك الحمد والشرف. انظر البيت في شرح التسهيل (1/ 155)، والتذييل والتكميل (2/ 239)، ومعجم الشواهد (ص 143). (¬2) هذا هو الباب السادس والأخير. (¬3) التذييل والتكميل (2/ 239)، شرح التصريح (1/ 108). وقد سبقت ترجمة ابن الطراوة. وأما الرماني فهو: أبو الحسن علي بن عيسى بن علي، كان إماما في العربية في طبقة الفارسي والسيرافي، أخذ عن الزّجّاج وابن السراج وابن دريد، وله شرح كتاب سيبويه (رسالة دكتوراه بكلية اللغة، د/ متولي الدميري) وله شرح أصول ابن السراج، وشرح المقتضب، ومعاني الحروف، وبعضها مفقود. توفي سنة (384 هـ). ترجمته في بغية الوعاة (2/ 180)، الأعلام (5/ 134). (¬4) معناه: أن قولك لرجل شجاع: الفارس كنته - كثير عند ابن مالك؛ لأنه شبيه بضربته وأما كنت إياه فقليل. وعند سيبويه ومن معه: العكس، فالفارس كنت إياه كثير تشبيها بأخي حسبتك إياه؛ لأن كلا الضميرين أصلهما المبتدأ والخبر وأما كنته فقليل. وقد أخذ رأي سيبويه هذا من قوله في كتابه (2/ 358): «ومثل ذلك كان إيّاه؛ لأنّ كانه قليل، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دليلنا على ذلك من وجهين: أحدهما: أن المشار إليه ضمير [1/ 167] منصوب بفعل لا حاجز له إلا ما هو كجزء منه؛ فأشبه مفعولا لم يحجزه من الفعل إلا الفاعل، فوجب له من الاتصال ما وجب للمفعول الأول؛ فإن لم يساوه في وجوب الاتصال فلا أقل من كون اتصاله راجحا. الوجه الثاني: أن الوجهين مسموعان فاشتركا في الجواز إلا أن الاتصال ثابت في النثر والنظم. والانفصال لم يثبت في غير استثناء إلا في نظم؛ فرجح الاتصال لأنه أكثر في الاستعمال. ومن الوارد منه متصلا في النظم دون ضرورة قول الشاعر: 254 - كم ليث اغترّبي ذا أشبل غرثت ... فكانني أعظم اللّيثين إقداما (¬1) فقال: كانني مع تمكنه من أن يقول فكنته أعظم الليثين، على جعل أعظم بدلا من الضمير ومفسرا له (¬2) كما قالوا: اللهمّ صلّ عليه الرّؤوف الرّحيم. - ¬

_ - ولم تستحكم هذه الحروف ها هنا، لا تقول كانني وليسني ولا كانك فصارت إيّا هاهنا بمنزلتها في ضربي إيّاك. وتقول: أتوني ليس إيّاك، ولا يكون إيّاك؛ لأنك لا تقدر على الكاف ولا الهاء ها هنا؛ فصارت إيّا بدلا من الكاف والهاء في هذا الموضع». ثم قال: «وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنهم يقولون: ليسني وكذلك كانني». (¬1) البيت من بحر البسيط، لم يرد في معجم الشواهد، ولم أعثر على قائله في مراجعه، وهو في الفخر بالشجاعة والقوة. اللغة: اغترّ بي: أي ظن ضعفي وقوته، وروي مكانه: اعتن بي أي اعترض طريقي. ذا أشبل. جمع شبل، وهو ابن الأسد، ونصب ذا على التعظيم. غرثت: جاعت، وذلك أدعى لقوة الأسد وبأسه. فكانني: أي فكان هو أنا، أي كنا عظماء وكنت أعظم منه، بدليل الإبدال بعده. إقداما: شجاعة وقوة. والبيت يستشهد به ابن مالك على أن الاتصال في كنته أرجح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 154)، وفي التذييل والتكميل (1/ 230)، (2/ 240). (¬2) قال أبو حيان: «لولا أن سيبويه نقل جواز الاتصال قليلا، لكان هذا البيت يدّعى فيه أنه ضرورة؛ لأنه لا يتزن إلا كذا، وأما قول المصنف: إنه متمكن من أن يقول: فكنته أعظم، فكل ضرورة هكذا يمكن أن يبدّل بها الشاعر لفظا آخر لا يكون ضرورة. وليس حكم الضرورة في اصطلاح النحاة هذا الذي ذكره». «وأما قوله: فكنته أعظم، وجعل أعظم بدلا من الضمير ومفسرا له، فهذه مسألة خلاف، والجمهور لا يجيزون أن يكون البدل مفسرا للضّمير» التذييل والتكميل (2/ 244).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الوارد منه في النثر قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها «إيّاك أن تكونيها يا حميراء» (¬1)، وقوله صلّى الله عليه وسلّم لعمر رضي الله عنه في ابن صياد: «إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» (¬2). ومن ذلك قول بعض العرب عليه رجل ليسني، وقال سيبويه: «وبلغني عن العرب الموثوق بهم أنّهم يقولون: ليسني، وكذلك كانني» (¬3). هذا نصه، ولم يحك في الانفصال نثرا إلا قولهم في الاستثناء: «أتوني ليس إيّاك، ولا يكون إيّاك» (¬4). وهذا يتعين انفصاله في غير الضرورة؛ لأن ليس و (لا يكون) فيه واقعان موقع إلا؛ فعومل الضمير بعدهما معاملته بعدها، فلا يقاس على ذلك ما ليس مثله. والاتصال في قوله: 255 - [عددت قومي كعديد الطّيس] ... إذ ذهب القوم الكرام ليسي (¬5) من الضرورات؛ لأنه استثناء، ولو لم يكن استثناء لكان الاتصال أولى من الانفصال كما تقرر. انتهى كلام المصنف واستدلاله (¬6). وقد تكلم الشيخ هنا في جانب المصنف بكلام غير مناسب، وجعله مكابرا ومكاذبا لسيبويه، واعتذر عنه بأنه «قليل الإلمام بكتاب سيبويه، وأنه يلمح شيئا - ¬

_ (¬1) لم أره في كتب الأحاديث، ولم أعثر عليه، وهو في لسان العرب (حمر: 2/ 990)، ومعنى يا حميراء أي يا بيضاء. (¬2) الحديث بنصه في صحيح مسلم (8/ 189) في كتاب الفتن وأشراط الساعة، تحت باب ذكر ابن صياد: وأصله أن ابن صياد هذا آذى النبي صلّى الله عليه وسلّم بكلام، فقال النبي: «اخسأ فلن تعدو قدرك». فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال له الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «إن يكنه فلن تسلّط عليه، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله». وهو أيضا بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل (2/ 148) ولكن بفصل الضمير أي: إن يكن هو، وإلا يكن هو. (¬3) نصه في كتاب سيبويه (2/ 359). (¬4) المرجع السابق (الكتاب: 2/ 358). (¬5) البيتان من الرجز المشطور، وقد سبق الحديث عنهما في الحديث عن نون الوقاية. وشاهده هنا: اتصال ضمير النصب الواقع خبرا لليس بها، وهو ضرورة عند ابن مالك، والواجب انفصاله لأنه فعل استثناء. (¬6) شرح التسهيل (1/ 155).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه ببادئ النّظر، فيستدل به من غير تتبّع لما قبله ولما بعده. وكم شيء فاته من علم سيبويه لقلّة إلمامه به» انتهى كلام الشيخ (¬1). ولم يرد على المصنف بشيء غير أنه قال: إن سيبويه يقول: إنّ كلام العرب على الانفصال، وإنّ الاتّصال قليل. والمصنف لم يجهل أن سيبويه قال ذلك، ولو جهله لم يصرح في الشرح بخلافه؛ حيث قال: «خلافا لسيبويه ومن تبعه». ولكن هذه عادة الشيخ مع المصنف. 256 - وهبني قلت هذا الصّبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضّياء (¬2) ولقد أجاد القائل في قوله: 257 - لا تضع من عظيم قدر وإن كن ... ت مشارا إليه بالتّعظيم فالشّريف الكريم ينقص قدرا ... بالتّحري عن الشّريف الكريم ولع الخمر بالعقول رمى الخم ... ر بتنجيسها وبالتّحريم (¬3) [1/ 168] وقد علم مما تقدم أن الاتصال يختار في بابين وهما باب أعطيتكه وباب كنته، وأن الانفصال يختار في أربعة أبواب، وهي باب خلتكه، وباب فراقيها، وباب منعكه، وباب معطيكه (¬4). - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 243). (¬2) البيت من بحر الوافر من قصيدة لأبي الطيب المتنبي يمدح بها الحسين بن إسحاق التنوخي (الديوان: 1/ 9) والبيت جيء به هنا لمعناه: وهو أن الواضح من الأمور لا يحتاج إلى دليل وإن أنكره بعض الناس. (¬3) الأبيات من بحر الخفيف، قائلها الحيص بيص، كما في معجم الشواهد (ص 377)، وشرح المفصل: (1/ 5). وقد أتى بها الشارح هنا لمعناها: وهو أن شأن الواثق من نفسه وشأن الرجل العظيم، أن يترفع عن كل نقيصة، ومن هذه النقائص تحريه وبحثه عن عيوب العظماء أمثاله ليأخذها عليهم. ترجمة الحيص بيص: هو سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي، شاعر مشهور من أهل بغداد، كان يلقب بأبي الفوارس، نشأ فقيها وغلب عليه الأدب والشعر، وكان يلبس زي أمراء البادية ويتقلد سيفا ولا ينطق بغير العربية الفصحى، توفي ببغداد عن اثنين وثمانين عاما وذلك سنة (574 هـ). ترجمته في الأعلام (3/ 138). (¬4) تلك هي اختيارات ابن مالك، وأما غيره فقد عكس في بعضها كما رأيت في الشرح.

[فصل الضمير الواجب الاتصال]

[فصل الضمير الواجب الاتصال] قال ابن مالك: (ونحو: ضمنت إيّاهم الأرض، ويزيدهم حبّا إليّ هم - من الضّرورات). ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعل المصنف خلف ثاني مفعولي نحو: أعطيت زيدا درهما في باب الإخبار كهاء أعطيتكه (¬1)، فيكون الاتصال فيه مختارا. ومثال ذلك: الذي أعطيته زيدا درهم، هذا على الاتصال؛ وإن جئت به منفصلا مراعاة للترتيب الأصلي قلت: الذي أعطيت زيدا إياه درهم، والاتصال رأي أبي عثمان المازني. قال المصنف: «وباختياره أقول؛ لأنّ الاتصال هو الأصل؛ فإذا أمكن بلا محذور، فلا عدول عنه عند مراعاة الأولى؛ فلو كان بدل الدرهم مفعول لا يعلم كونه ثانيا إلا بالتأخر نحو: أعطيت زيدا عمرا فأخبر عنه - تعيّن انفصاله لأن وصله بالفعل يوهم كونه أولا؛ فلو عضد بهذا قول غير المازنيّ (¬2) لاعتضد، فيقال: إذا تعيّن الانفصال في بعض صور الإخبار فليلتزم في جميعها، ليجري الباب على سنن واحد كما فعل في غيره» (¬3). قال ناظر الجيش: لما اقتصر المصنف على ذكر مواضع انفصال الضمير، ومواضع اتصاله وانفصاله - علم أن ما سكت عنه يجب فيه الاتصال، فصار كأنه قال: «وما عدا ما ذكر من مواضع وجوب الانفصال ومواضع جواز الأمرين - يجب اتصاله» ولهذا ساغ له أن يحكم بالضرورة على ما أنشده والضمير فيه منفصل. أما ضمنت إياهم الأرض فمن قول الفرزدق: 258 - بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... إيّاهم الأرض في دهر الدّهارير (¬4) - ¬

_ (¬1) هذه هي مسألة الإخبار الملحقة بالباب الأول «أعطيتكه» الذي اختار فيه ابن مالك الاتصال. وانظر في المسألة أيضا: التذييل والتكميل. (¬2) في الأصل: فلو عضد بهذا قول المازني لاعتضد، وما أثبتناه من نسخة (ب)، وهو الصحيح؛ لأن غير المازني يختار الانفصال في باب: أعطيت زيدا درهما أيضا. (¬3) شرح التسهيل (1/ 156). (¬4) البيت من بحر البسيط من قصيدة للفرزدق يمدح فيها يزيد بن عبد الملك، ويهجو يزيد بن المهلب (ديوان الفرزدق: 1/ 213).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلولا الضرورة لقال ضمنتهم. وأما يزيدهم حبّا فمن قول الشاعر: 259 - وما أصاحب من قوم فأذكرهم ... إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم (¬1) فهم الآخر فاعل يزيد. قال المصنف: «وظن بعضهم أنّ هذا جائز في غير الشعر؛ لأن قائله لو قال يزيدونهم لصح. فيجعل المتّصل وهو الواو فاعلا والمنفصل توكيدا، وهذا وهم؛ لأنّ ذلك جمع بين ضميرين متصلين لمسمى واحد أحدهما فاعل والآخر مفعول، وذلك لا يكون في غير فعل قلبي» انتهى (¬2). قال الشيخ: الذي ظنه هذا الظّان صحيح، وما ردّ به المصنف فاسد؛ لأنه اعتقد أنّ الفاعل بيزيد هو المفعول به، وليس كذلك، بل الفاعل بيزيد عائد على قوم. وهم المتصل بيزيد عائد على من سبق ذكره في الشّعر من الّذين فارقهم. فاختلف مدلول الفاعل والمفعول. انتهى (¬3). - ¬

_ - ونسب إلى أمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه. وشاهده واضح من الشرح، ودهر الدهارير معناه الزمن الطويل. وهو في شرح التسهيل (1/ 156)، وفي التذييل والتكميل (2/ 247)، وفي معجم الشواهد (ص 183). (¬1) البيت من بحر البسيط، وقد اختلف في قائله، فقيل: زياد بن حمل، وقيل: زياد بن منقذ، وهو من قصيدة طويلة في مدح قوم بالكرم والوفاء والأخلاق، وهي في شرح ديوان الحماسة (3/ 1389)، وفي الشعر والشعراء (2/ 701) بعض أبياتها. وبعد بيت الشاهد قوله: كم فيهم من فتى حلو شمائله ... جمّ الرماد إذا ما أحمد البرم والبرم: هو الذي يتجنب الناس في الأكل والشراب لبخله. ومعنى البيت: أنه لم يخالط أحدا بعد فراقه هؤلاء الأحباب من قومه، فيذكر قومه لهم - إلا أثنوا عليهم، وبالغوا في مدحهم، فيزيده ذلك تعلقا بأهله حين يعرف أنهم أفضل الناس. وقد روي الشاهد برواية أخرى وهي: لم ألق بعدهم حيّا فأخبرهم ... إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم ومعناه: ما عرفت جماعة فانكشف لي سوء أخلاقهم إلا ازددت تعلقا بقومي لحبهم مكارم الأخلاق. والشاهد في البيت والتعليق عليه واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 346)، وهو في شرح التسهيل (1/ 156)، وفي التذييل والتكميل (2/ 248). (¬2) شرح التسهيل (1/ 156). (¬3) التذييل والتكميل (1/ 508، 509).

[مفسر ضمير الغائب وتقديمه]

[مفسّر ضمير الغائب وتقديمه] قال ابن مالك: (فصل: الأصل تقديم مفسّر ضمير الغائب، ولا يكون غير الأقرب إلّا بدليل، وهو إمّا مصرّح بلفظه، أو مستغنى عنه بحضور مدلوله حسّا أو علما أو بذكر ما هو له جزء أو كلّ أو نظير أو مصاحب بوجه ما). ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي ذكره الشيخ حق، وقد كان وقع لي هذا عند قراءة هذا الموضع، ولكن لما ذكره الشيخ تعين إسناده إليه. قال ناظر الجيش: ما دل على الحضور وهو ضمير المتكلم والخطاب مستغن عن المفسر [1/ 169] اكتفاء بالمشاهدة المقارنة الدالة على المراد به. وأما ضمير الغائب فليس له مشاهدة مقارنة فاحتاج لذلك إلى مفسر. والأصل أن يكون المفسّر مقدما على ما يفسره، ولا يكون مؤخرا إلا في أبواب محصورة (¬1)، فقول المصنف: الأصل تقديم مفسّر ضمير الغائب يفهم منه شيئان: أحدهما: أن ضمير الغائب لا بد له من مفسر، ويفهم منه أن ضمير الحضور مستغن عن ذلك. والثاني: أن الأصل في المفسّر أن يكون مقدما على الضمير المفسّر. وذكر المصنف والشيخ أن ضمير الحضور مفسر بالمشاهدة، والأمر في ذلك قريب والظاهر ما ذكرته (¬2). ثم إذا تقدم على الضمير شيئان صالح كل منهما للتفسير - فالمفسّر هو الأقرب نحو: أكرمت زيدا وعمرا في داره، فالضمير لعمرو لقربه. ولا يكون المفسّر غير الأقرب، إلا إن دل على ذلك دليل، ومثّله الشيخ بقوله تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ (¬3)، - ¬

_ (¬1) ستأتي مسائل تأخير المفسر جوازا ومسائل تأخيره وجوبا. (¬2) الخلاف بين ناظر الجيش وبين ابن مالك وأبي حيان لفظي: وما ذكره ناظر الجيش أن ضميري المتكلم والخطاب مستغنيان عن المفسر اكتفاء بالمشاهدة المقارنة الدالة على المراد بهما. وما ذكره الآخران أن ضميري التكلم والخطاب تفسرهما المشاهدة. شرح التسهيل (1/ 156)، التذييل والتكميل: (2/ 252). (¬3) سورة العنكبوت: 27.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالضمير في ذريته عائد على إبراهيم لا على إسحاق ولا على يعقوب صلوات الله عليهم أجمعين؛ لأن المحدث عنه من أول القصة إلى آخرها هو إبراهيم (¬1). قال المصنف: «جعلوا تقديم مفسر الغائب خلفا عمّا فاته من مقارنة المشاهدة؛ ومقتضى هذا القصد تقديم الشعور بالمفسر كما يتقدم الشعور بذات يصلح أن يعبر عنها بضمير حاضر. واللائق بالمفسر لكونه كجزء المفسر (¬2) في تكميل وضوحه أن يتصل به؛ فلذلك إذا ذكر ضمير واحد بعد اثنين فصاعدا، جعل للأقرب ولا يجعل لغيره إلا بدليل من خارج» انتهى (¬3). ولكون الضمير لا يعود إلا على الأقرب، قال الشيخ: «استدلّ ابن حزم على تحريم جميع الخنزير لحما وشحما وجلدا وغيرها بقوله تعالى: فَإِنَّهُ رِجْسٌ (¬4) بعد قوله تعالى: أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ لما ألزم أن يقول بتحليل شحم الخنزير. فجعل الضمير في فَإِنَّهُ عائدا على الخنزير؛ لأنّه أقرب مذكور، وإنما ذكر اللحم أولا لأنه هو المعهود أكله لمن يأكله لا على جهة حصر التحريم فيه» انتهى (¬5). ثم المفسّر قد يستغنى عن ذكره، ويدل عليه ما يفهم من سياق الكلام، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: أو مستغنى عنه بحضور مدلوله حسّا أو علما. والأكثر كونه مذكورا، وقد يستغنى عن ذكره بذكر ما يدل عليه مما بينه وبينه نسبة للجزئية أو الكلية أو غيرهما كما سيأتي. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 252). (¬2) في شرح التسهيل (لابن مالك): لكونه جزء المفسر، ولا فرق بينهما. (¬3) شرح التسهيل (1/ 157). (¬4) سورة الأنعام: 145. وأولها قوله: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. (¬5) التذييل والتكميل (2/ 253). وقال أبو حيان في تفسيره المسمى بالبحر المحيط (4/ 241): عند تفسير هذه الآية: «والظّاهر أنّ الضّمير في فَإِنَّهُ عائد على لَحْمَ خِنزِيرٍ، وزعم أبو محمد بن حزم، فقال: إنه عائد على خِنزِيرٍ فإنه أقرب مذكور، فإذا احتمل العودة على شيئين كان عوده على الأقرب أرجح. وعورض بأن المحدّث عنه إنما هو اللّحم، وجاء ذكر الخنزير على سبيل الإضافة إليه لا أنّه هو المحدّث عنه المعطوف».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولنرجع إلى لفظ الكتاب: وقوله: وهو إما مصرح بلفظه أي المفسّر، وذلك نحو: زيد لقيته. وقوله: أو مستغنى عنه أي مستغنى عن لفظه بحضور معناه في الحس كقوله تعالى: هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي (¬1)، ويا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ (¬2)، أو بحضور معناه في العلم، كقوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (¬3)، ومنه قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ (¬4)، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ (¬5). وقوله: أو بذكر [1/ 170] ما هو له جزء أي: أو مستغنى عنه بذكر ما صاحب الضمير جزؤه، فهذا عائد على صاحب الضمير، والضمير في له عائد على المذكور، وذلك كقول الشاعر: 260 - أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصّدر (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 26. قال أبو حيان: «الضّمير في (هى) عائد على قوله: بِأَهْلِكَ سُوءاً ولمّا كنّت عن نفسها بقوله: (بأهلك) ولم تقل بي، كنّى هو عنها بضمير الغيبة في قوله هِيَ راوَدَتْنِي ولم يخاطبها بقوله: أنت راودتني، ولا أشار إليها بقوله: هذه راودتني، كلّ هذا على سبيل الأدب» (التذييل والتكميل: 2/ 253). (¬2) سورة القصص: 26. (¬3) سورة القدر: 1. (¬4) سورة ص: 32. (¬5) سورة فاطر: 45. (¬6) البيت من بحر الطويل من قصيدة لحاتم الطائي ذكر جزءا منها ابن قتيبة في الشعر والشعراء: (1/ 253)، وهي كلها في ديوان حاتم (ص 51). وماوية التي ذكرت في البيت: امرأة شريفة في العرب جاءها الرجال يخطبونها، ومنهم حاتم الطائي والنابغة، فطلبت منهم جميعا شعرا يذكرون فيه مناصبهم وأفعالهم، فعادوا ثم ذهبت إليهم متخفية، لترى أفعالهم، فأعجبت بحاتم حين رأته ينصب القدور ويمد الموائد للضيوف والناس، ثم جاءها حاتم، وأنشدها هذه القصيدة التي منها بيت الشاهد وفيها يقول (قبل بيت الشاهد): أماويّ إنّ المال غاد ورائح ... ويبقى من المال الأحاديث والذّكر أماويّ إنّي لا أقول لسائل ... إذا جاء يوما حلّ في مالنا نزر اللغة: الثّراء: الغنى وكثرة المال. حشرجت: الحشرجة تكون عند صعود الروح إلى بارئها وقت الموت. والمعنى: أن المال لا يفيد في شيء حتى في طول عمر الإنسان، وهو أقصى أمنيته فلا داعي للشح به. وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 157)، وفي التذييل والتكميل (2/ 254)، وفي معجم الشواهد (ص 150).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الفتى مغن عن ذكر النفس؛ لأنها جزؤه، فعاد إليها فاعل حشرجت، والضمير المجرور بالياء ومنه قولهم: «من كذب كان شرّا له» (¬1) فأضمروا في كان ضمير الكذب؛ لأنه جزء مدلول كذب، ومثله قوله تعالى: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (¬2) فهذا عائد على العدل؛ لأنه جزء مدلول اعْدِلُوا. ومنه قول الشاعر: 261 - وإذا سئلت الخير فاعلم أنّها ... حسنى تخصّ بها من الرّحمن (¬3) فأعاد الضمير إلى المسألة؛ لأنها جزء مدلول سئلت. ومنه قول الشاعر: 262 - إذا نهي السّفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى الخلاف (¬4) فالهاء من إليه عائد على السفه؛ لأنه جزء مدلول السفيه. وقوله: أو كلّ أي: أو يذكر ما صاحب الضمير له أي للمذكور كل؛ فإن الجزء يدل على الكل كما يدل الكل على الجزء. قال المصنف: ومن ذلك - والله أعلم - وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ (¬5)؛ فإن الذهب والفضة بعض المكنوزات، فأغنى ذكرهما عن ذكر الجميع، كأنه قيل: - ¬

_ (¬1) شرح المفصل لابن يعيش (7/ 152). (¬2) سورة المائدة: 8. (¬3) البيت من بحر الكامل قاله كعب الغنوي من مقطوعة قصيرة يوصي فيها ابنه عليّا وهي في الأمالي (2/ 346). وشاهد البيت واضح. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 157)، وفي التذييل والتكميل (1/ 513). ترجمة كعب الغنوي: هو كعب بن سعد بن عمرو الغنوي، شاعر جاهلي حلو الديباجة، له أشعار كثيرة مبعثرة في كتب الأدب والتراجم، أشهر شعره بائيته في رثاء أخ له قتل في حرب ذي قار. توفي كعب سنة (10) قبل الهجرة. ترجمته في الأعلام (6/ 82). (¬4) البيت من بحر الوافر، ومع كثرة مراجعه لم ينسب إلى قائل، ولم يذكر له ثان. وروي أمر مكان نهي، وشاهده قوله: جرى إليه. قال ثعلب في مجالسه (1/ 60): قوله: جرى إليه أي جرى إلى السفه، واكتفى بالفعل من المصدر. ويقصد بالفعل اسم الفاعل. والبيت في معجم الشواهد (ص 240)، وهو في شرح التسهيل (1/ 157)، وفي التذييل والتكميل (2/ 255). (¬5) سورة التوبة: 24 وهي قوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذين يكنزون أصناف ما يكنز ولا ينفقونها. ومن هذا أيضا قول الشاعر: 263 - ولو حلفت بين الصّفا أمّ معمر ... ومروتها بالله برّت يمينها (¬1) فأعاد الضمير إلى مكة؛ لأن الصفا جزء منها. وذكر الجزء مغن عن ذكر الكل في بعض الكلام. ويمكن أن يكون من هذا قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (¬2)؛ فيكون الضمير للدنيا وإن لم يجر ذكرها في هذه السورة؛ لأن ما جرى ذكره بعضها، والبعض يدل على الكل. وقوله: أو نظيره أي: ويذكر ما هو نظير لصاحب الضمير، ومثّلوه بقولهم: عندي درهم ونصفه أي ونصف (¬3) درهم آخر، ومنه قول الشاعر: 264 - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا (¬4) ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد (¬5) أي: ونصف حمام آخر مثله في العدة. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، ولم ينسب إلى قائل. اللغة: الصّفا والمروة: من شعائر الله في الأراضي المقدسة، ويلزم الحاج السعي بينهما. برّت يمينها: صدقت فيها. قال أبو حيان ردّا على ما ذكره ابن مالك في البيت: «ولا يتعيّن هذا؛ إذ يحتمل أن يعود الضّمير على الصفا على معنى الصخرة؛ لأنهما مشتركان في معنى الطواف بهما، فهما طرفان ينتهى في الطّواف إليهما، والإضافة تكون بأدنى ملابسة» (التذييل والتكميل: 2/ 255). والبيت في شرح التسهيل (1/ 158)، وفي التذييل والتكميل (2/ 255)، وليس في معجم الشواهد. (¬2) سورة الرحمن: 26. (¬3) سيأتي ما ذكره ابن عصفور في عائد الضمير في هذا القول وأمثاله. (¬4) كلمة لنا سقطت من نسخة الأصل سهوا. (¬5) البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة للنابغة الذبياني يمدح فيها النعمان بن المنذر، ويعتذر إليه من هجاء - أو وشاية - هجاه به، وقد عد بعضهم المعلقات عشرا، وجعلوا منها قصيدة النابغة هذه، ومطلعها (وهي في الديوان ص 19): يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد وأما قصة بيت الشاهد فمشهورة، وهي أن النابغة يدعو النعمان إلى الحزم واليقظة قبل أن يبطش به، وأن يكون في حكمه كهذه التي عدت الحمام وهو طائر في السماء فكان كما عدت. وشاهده واضح من الشرح، وهو في معجم الشواهد (ص 117)، وفي التذييل والتكميل (2/ 256).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 265 - وكلّ أناس قاربوا قيد فحلهم ... ونحن خلعنا قيده فهو سارب (¬1) أي: قيد فحلنا. وقوله: أو مصاحب بوجه ما: قال المصنف: «وقد يستغنى عن ذكر صاحب الضّمير بذكر ما يصاحبه بوجه ما» وذكر لذلك صورا ثلاثا (¬2): الأولى: الاستغناء بمستلزم عن مستلزم، ومنه قوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ (¬3). فعفي يستلزم عافيا؛ فأغنى ذلك عن ذكره، وأعيدت الهاء من إليه عليه. ومن قول الشاعر [1/ 171]: 266 - فإنّك والتّأبين عروة بعد ما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع لكالرّجل الحادي وقد تلع الضّحى ... وطير المنايا فوقهنّ أواقع (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة في الفخر والعزة للأخنس بن شهاب، وهي في المفضليات: (1/ 750)، وبعضها في شرح الحماسة (2/ 720). والشاعر يصف قومه بالعزة؛ فلا أحد يستطيع أن يتعرض لهم بسوء وهم يتركون فحولهم ترعى في كل مكان دون أن يقيدوها، بينما غيرهم يقيد فحوله خوفا وجبنا. والسّارب: الذاهب في الأرض. والشاهد قوله: ونحن خلعنا قيده؛ حيث عاد الضمير على الفحل وهو نظير المذكور في البيت. والبيت في معجم الشواهد (ص 37)، وفي التذييل والتكميل. ترجمة الأخنس: هو الأخنس بن شهاب بن ثمامة التغلبي، شاعر جاهلي من أشراف تغلب وشجعانها، حضر وقائع حرب البسوس، وله فيها شعر، ويدعى فارس العصا وهي فرسه. توفي نحو (70 ق. هـ). وترجمته في الأعلام (2/ 256). (¬2) انظر في هذه الصور الثلاث: شرح التسهيل (1/ 158، 159). (¬3) سورة البقرة: 178. (¬4) البيتان من بحر الطويل لم ينسبا فيما وردا من مراجع، وهما في الوصف، وقد أتى كل بيت شاهدا منفردا. اللغة: التّأبين: من معانيه أن تعيب الإنسان في وجهه ويروى مكانه التأنيب، وهو من معانيه أيضا. دعاك: استغاث بك. شوارع: جمع شارعة أي مرتفعة ممتدة. الحادي: من الحداء، وهو سوق الإبل والغناء لها. تلع الضّحى: أي ارتفع وعلت الشمس. أواقع: جمع واقعة وأصله وواقع فأبدلت الواو همزة. المعنى: يصف الشاعر رجلا استغاث به عروة فلم يغثه، بل شمت فيه وتركه يتجرع الموت من أيدي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالحادي يستلزم إبلا محدوة، فأغنى ذلك عن ذكرهن، وأعاد ضمير فوقهن عليهن (¬1). الثانية: الاستغناء بذكرها يصاحب صاحب الضمير ذكرا أو استحضارا، كذكر الخير وحده متلوّا بضمير اثنين مقصود بهما المذكور وضده، كقول الشاعر: 267 - وما أدري إذا يمّمت أمرا ... أريد الخير أيهّما يليني (¬2) فأعاد الضمير على الشر أيضا وإن لم يذكر؛ لأنه يصاحب الخير في الذكر والاستحضار. الثالثة: الاستغناء بذكر المصاحب في الاستحضار لا في الذكر، وذلك نحو قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ (¬3). فهي عائدة على الأيدي لأنها تصاحب الأعناق في الأغلال؛ فأغنى ذكر الأعناق عن ذكرها. ومثله قوله تعالى: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ (¬4) أي من عمر غير المعمر، فأعيد الضمير على غير المعمر؛ لأن ذكر المعمر مذكر به لتقابلهما، فكان مصاحبه في الاستحضار الذهني. - ¬

_ - رجال شجعان. وصار حال هؤلاء يشبه حال رجل له إبل سلمها للموت يأكلها واحدا بعد الآخر. وقد استشهد شراح الألفية (الأشموني: 2/ 284) بالبيت الأول على عمل المصدر المقترن بأل وهو قليل، كما استشهد شراح التسهيل بالبيت الثاني على ذكر مصاحب بوجه ما على ما يعود إليه الضمير كما هو في الشرح. وانظر البيتين في شرح التسهيل (1/ 158)، وفي التذييل والتكميل (2/ 257)، وفي معجم الشواهد (ص 223). (¬1) قال ابن مالك بعده: ومثل هذا قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ [ص: 32] ففاعل توارت ضمير الشمس، ولم تذكر؛ لكن أغنى عن ذكرها ذكر العشي وأول وقت الزوال. قال: ويجوز أن يكون فاعل توارت: ضمير الصافنات (شرح التسهيل: 1/ 176). (¬2) البيت من بحر الوافر للمثقب العبدي، من قصيدة له مشهورة رقيقة في الغزل والوصف (المفضليات للضبي: ص 574) وبيت الشاهد آخر أبياتها وليس بعده إلا قوله: أألخير الّذي أنا أبتغيه ... أم الشّرّ الّذي هو يبتغيني وشاهده واضح، والبيت في شرح التسهيل (1/ 159)، وفي التذييل والتكميل (2/ 257)، وفي معجم الشواهد (ص 409)، وفي الشعر والشعراء (1/ 402). ترجمة الشاعر: المثقب العبدي هو محصن بن ثعلبة قديم جاهلي، عاش في زمن عمرو بن هند ومدحه، وله معان أخذها عنه الشعراء بعده، وله مفضليات وأبيات في الحكم والأمثال، وأشهر قصائده في ذلك القصيدة التي منها الشاهد. (انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء: 1/ 402). (¬3) سورة يس: 8. (¬4) سورة فاطر: 11.

[مفسر ضمير الغائب وتأخيره جوازا]

[مفسّر ضمير الغائب وتأخيره جوازا] قال ابن مالك: (وقد يقدّم الضّمير المكمّل معمول فعل أو شبهه على مفسّر صريح كثيرا إن كان المعمول مؤخّر الرّتبة، وقليلا إن كان مقدّمها، وشاركه صاحب الضّمير في عامله). ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ها هنا تنبيهان: ناقش الشيخ المصنف في تمثيله بقوله تعالى: هِيَ راوَدَتْنِي (¬1)، ويا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ (¬2) لما لم يذكر مفسره، قال: «فإنّ الضّمير في (هى) عائد على قوله: بِأَهْلِكَ سُوءاً (¬3) والضّمير في اسْتَأْجِرْهُ عائد على موسى صلّى الله عليه وسلّم. فالمفسّر في الاثنين مصرّح بلفظه» انتهى (¬4). الثاني: لم يجعل ابن عصفور الضمير في: عندي درهم ونصفه - عائدا على نظير المذكور كما قال المصنف؛ بل جعله عائدا على الدرهم المذكور باعتبار اللفظ، لا باعتبار المعنى، وكذا جعل الضمير في: نصفه فقد، وفي: ونحن خلعنا قيده (¬5). قال ناظر الجيش: قد تقدم الإعلام بأن مفسر الضمير قد يؤتى به مؤخرا عن الضمير، وإن كان ذلك على خلاف الأصل (¬6). وينبغي أن يعلم أن الضمير منه ما يفسره ما بعده، فعلى هذا يكون تأخير المفسر في هذا القسم واجبا لا لأمر اقتضى وجوب تأخيره؛ بل لأن من الضمير ما وضعه أن يفسره ما بعده. إذا تقرر هذا فيقال: إن تأخير المفسر منه واجب ومنه جائز. وقد بدأ بذكر مواضع الجواز، وثنى بذكر مواضع الوجوب، وإذا عرفت مواضع - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 26. (¬2) سورة القصص: 26. (¬3) سورة يوسف: 25. (¬4) التذييل والتكميل (2/ 253). (¬5) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 100). وقد وقع لي ما رآه ابن عصفور في مرجع هذه الضمائر وأنا أقرأ هذه الأمثلة، وكنت سأذكره إلا أنني وجدت النحوي الكبير سبقني به. وفي نسخة الأصل كتب هنا: بلغت قراءة. (¬6) تقدم الإعلام بذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسمين علم أن ما عداها باق على الأصل، فيمتنع فيه التأخير. أما مواضع الجواز: فاعلم أن المفسر [1/ 172] المؤخر إما أن يكون رتبته التقديم، وإما أن يكون رتبته التأخير، فهما قسمان: أما القسم الأول: فإليه الإشارة بقوله: ويقدّم الضّمير المكمّل إلى قوله: إن كان المعمول مؤخر الرّتبة؛ لأن المعمول الذي اتصل به الضمير إذا كان مؤخر الرتبة كان المفسر عن ذلك الضمير مقدم الرتبة. ومراده أنه يجوز تأخير المفسر كثيرا إذا كان الضمير مكملا معمول فعل، ورتبة ذلك المعمول التأخير عن المفسر المؤخر في اللفظ، ويدخل تحت هذه العبارة صور وهي: ضرب غلامه زيد (¬1)، وغلامه ضرب زيد، وضرب غلام أخيه زيد (¬2)، وغلام أخيه ضرب زيد، وما أراد أخذ زيد (¬3)، وضرب جارية يحبّها زيد (¬4). لأن المضاف إليه يكمل المضاف، ومعمول الصلة يكمل الموصول، كما يكمل ما بفاعل أراد الممثل به، ومعمول الصفة يكمل الموصوف كما يكمل جارية بفاعل يحبها. ونظير المثال الأول (¬5) قوله تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (¬6). ونظير الثاني (¬7) قول العرب: في بيته يؤتى الحكم (¬8)، وشتّى تؤوب - ¬

_ (¬1) في هذا المثال مفسر الضمير هو زيد، وموقعه من الإعراب فاعل، ومرتبة الفاعل التقديم، ومعمول الضمير هو غلام؛ حيث أضيف إليه وبإضافته إليه صار مكملا له، وموقعه مفعول به. ومرتبته التأخير عن الفاعل، والعامل في المفسر وفيما أضيف إليه الضمير واحد وهو الفعل المقدم، والمثال الذي بعده يشبهه. (¬2) لا يفترق عن الأولين، غير أن المفعول مضاف إلى مضاف إلى الضمير. (¬3) في هذا المثال مفسر الضمير هو زيد أيضا، والضمير فاعل أراد، وجملة أراد صلة الموصول وهو ما مفعول، والأصل فيه التأخير، والعامل في المفسر هو العامل في المفعول. (¬4) في هذا المثال جملة يحبها التي بها الضمير صفة لجارية، والصفة تكمل الموصوف والموصوف هو المفعول. (¬5) وهو قوله: ضرب غلامه زيد بتقديم الضمير على مفسره، مع تأخير عامله عن العامل. (¬6) سورة طه: 67. (¬7) وهو قوله: غلامه ضرب زيد بتقديم الضمير على العامل والمفسر معا. (¬8) مثل من أمثال العرب حكوه على لسان الحيوان، وأصله كما في مجمع الأمثال (2/ 442): أن أرنبا وثعلبا احتكما إلى ضب وهو في جحره، فطلبا منه الخروج إليهما، فقال المثل. ويضرب لمن يريد شيئا فالواجب أن يذهب إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحلبة (¬1). فإن: في بيته في موضع نصب بيؤتى، والهاء عائدة على الحكم، وقد تقدما على العامل والمفسر. وشتى حال من الحلبة، وفيها ضمير عائد عليهم، وقد تقدم على العامل والمفسر. قال المصنف: «والكوفيّون لا يجيزون مثل هذا، وسماعه من فصحاء العرب صحيح؛ فهو حجة عليهم» (¬2). ونظير المثال الرابع (¬3) قول الشاعر: 268 - شرّ يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدج جملا (¬4) لأن شر يوميها ظرف لركبت. ونظير المثال الخامس (¬5) قول رجل: 269 - ما شاء إن شاء ربّي والّذي هو لم ... يشأ فلست تراه ناشئا أبدا (¬6) - ¬

_ (¬1) مثل من أمثال العرب. وأصله في مجمع الأمثال (2/ 150): أن الحلبة يوردون إبلهم، وهم مجتمعون، فإذا صدروا تفرقوا، والمثل يضرب في اختلاف الناس وتفرقهم في الأخلاق. (¬2) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (1/ 158): هل يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها. قال ابن الأنباري: ذهب الكوفيّون إلى أنّه لا يجوز تقديم الحال على الفعل العامل فيها مع الاسم الظّاهر، نحو: راكبا جاء زيد. ويجوز مع الضّمير نحو: راكبا جئت، وذهب البصريّون إلى أنّه يجوز تقديم الحال مع العامل فيها على الاسم الظّاهر والمضمر .... ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين. (¬3) وهو قوله: غلام أخيه ضرب زيد. (¬4) البيت من بحر الرمل، قاله بعض شعراء جديس، وقد سبق الاستشهاد به. وشاهده هنا قوله: شرّ يوميها وأغواه لها - ركبت عنز. حيث فسر الضمير بمتأخر في اللفظ وجاز ذلك لأن الضمير مكمل لمعمول فعل. والتقدير: ركبت عنز في شر يوميها. (¬5) وهو قوله: ما أراد أخذ زيد. ولم يمثل المصنف وتبعه الشارح للمثال الثالث والسادس من كلام العرب. وأدرج أبو حيان الثالث في الرابع (التذييل والتكميل: 2/ 259) وانظر ذلك التقسيم في شرح التسهيل (1/ 160) وما بعدها. (¬6) البيت من بحر البسيط، وهو من الحكم. ومفرداته ومعناه واضحان، وإن كان قائله مجهولا. والشاهد فيه قوله: ما شاء إن شاء ربي؛ حيث تقدم الضمير على مفسره، وجاز هذا لأن الضمير في معمول فعل عمل في المفسر وهو ليس فيه صراحة وإنما في الصلة ومعمول الصلة يكمل الموصول. والبيت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الضمير المكمل معمول شبه الفعل قولك: هند ضارب غلامه زيد من أجلها، ومررت بامرأة ضارب غلامه أخوها. ولا أعلم ممّاذا احترز بقوله: صريح. وأما القسم الثاني: فإليه الإشارة بقوله: قليلا إن كان مقدّمها، أي: ويقدم الضمير المكمل معمول فعل أو شبهه على مفسر صريح قليلا إن كان المعمول مقدم الرتبة؛ لأن المعمول المكمل بالضمير إذا كان مقدم الرتبة كان المفسر الذي أخر عن ذلك الضمير مؤخر الرتبة، أي: واقع في رتبته التي هو فيها. ومراده: أن تقديم الضمير على مفسره إذا كان بهذه الحيثية يقل لما يلزم منه من عود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة؛ بخلاف القسم الأول؛ فإنه وإن عاد فيه الضمير على متأخر في اللفظ، فهو متقدم في الرتبة. ومثال ذلك قول حسان بن ثابت رضي الله عنه يرثي مطعم بن عدي: 270 - ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا ... من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما (¬1) [1/ 173] وقال غيره: 271 - كسا حلمه ذا الحلم أثواب سؤدد ... ورقّى نداه ذا النّدى في ذرا المجد (¬2) - ¬

_ - في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 160)، والتذييل والتكميل (2/ 260)، وليس في معجم الشواهد. (¬1) البيت من بحر الطويل، من مقطوعة لحسان بن ثابت يرثي فيها مطعم بن عدي، ومناسبتها: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يطوف بالكعبة فخشي أذى قريش بعد وفاة عمه أبي طالب، فأرسل إلى نفر من قريش ليجيره فلم يفعلوا، فأرسل إلى المطعم بن عدي، فأجاره هو وبنوه حتى طاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم إن المطعم هذا هلك، فقال حسان يرثيه ويذكر وفاءه للنبي عليه السّلام (الديوان: ص 243). ويستشهد النحاة بهذا البيت وما بعده على عود الضمير من الفاعل على مفسر متأخر في اللفظ والرتبة وهو المفعول به. ويمنع النحاة - إلا بعضهم - مثل هذا البيت مما فيه عود الضمير من الفاعل إلى المفعول، وذلك لعود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة. وفي البيت وما بعده كلام كثير في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 160)، وفي التذييل والتكميل (2/ 260) وما بعدها، وفي معجم الشواهد (ص 329). (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو في المدح بالحلم والكرم، ولم أعثر على قائله. اللغة: كسا: من الكسوة، ويكون في الملبوسات أصلا. حلمه: الحلم الأناة والعقل. والسؤدد: المجد والسيادة. رقّى: جعله يرقى أي يصعد. النّدى: الكرم. ذرا: الذرا جمع ذروة وهي أعلى الشيء. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: 272 - لمّا رأى طالبوه مصعبا ذعروا ... وكاد لو ساعد المقدور ينتصر (¬1) وقال آخر: 273 - لقد جاز من يعنى به الحمد إن أبى ... مكافأة الباغين والسّفهاء (¬2) وقال آخر: 274 - وما نفعت أعماله المرء راجيا ... جزاء عليها من سوى من له الأمر (¬3) وأنشد ابن جني: 275 - ألا ليت شعري هل يلومنّ قومه ... زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب (¬4) - ¬

_ - والمعنى: صاحب الحلم يسود قومه لعفوه عنهم، وكذلك الكريم لجوده عليهم. وشاهده: كما في البيت قبله: عود الضمير من الفاعل (حلمه) إلى المفعول (ذا الحلم). والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 260)، وفي معجم الشواهد (ص 110). (¬1) البيت من بحر البسيط قائله - كما في مراجعه - أحد أصحاب مصعب بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما يرثي به مصعبا لما قتل سنة (70 هـ). اللغة: ذعروا: خافوا وفزعوا. المقدور: القدر. المعنى: يصف الشاعر حال أولئك الذين قتلوا مصعبا وأنهم ندموا على ما فعلوا؛ بل إن مصعبا كان على وشك أن ينتصر عليهم، وفيه كما في البيت قبله من شاهد. والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 260)، وفي معجم الشواهد (ص 163). (¬2) البيت من بحر الطويل، ولم يرد في معجم الشواهد، وقد ورد في شروح التسهيل غير منسوب. المعنى: يدعو الشاعر الإنسان أن يكون جازيه على عمله الله سبحانه وتعالى؛ فيحمده وحده على كل حال، ولا ينتظر مكافأة غيره من الناس، فكثير منهم ينكر الخير. والشاهد فيه قوله: لقد جاز من يعنى به الحمد؛ حيث عاد الضمير من المفعول وهو الاسم الموصول إلى الفاعل وهو الحمد، والضمير هنا ليس في المفعول نفسه، ولكنه في صلته. والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 261). (¬3) البيت من بحر الطويل، وهو من الحكم، حيث يقول صاحبه: لا تنفع أعمال الإنسان إذا قصد بها غير الله سبحانه وتعالى: فالواجب أن يقصد المرء بعمله الله فقط. وهذا البيت شاهده كما في الأبيات قبله من عود الضمير من الفاعل إلى المفعول في قوله: وما نفعت أعماله المرء. وهذ البيت مما اختص به شرح التسهيل لناظر الجيش، فلم يرد في معجم الشواهد، ولا ورد في شرح ابن مالك أو أبي حيان. (¬4) البيت من بحر الطويل، قائله أبو جندب بن مرة الهذلي، كما في مراجعه وكما في ديوان الهذليين (ص 87) من القسم الثالث. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد أيضا: 276 - جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمّار (¬1) قال المصنف (¬2): «والنّحويون إلا أبا الفتح يحكمون بمنع مثل هذا، والصحيح جوازه لوروده عن العرب في الأبيات المذكورة وغيرها، ولأن جواز نحو: ضرب غلامه زيدا أسهل من جواز نحو: ضربوني وضربت الزّيدين، ونحو: ضربته زيدا على إبدال زيد من الهاء. وقد أجاز الأول البصريون (¬3) وأجيز الثاني بإجماع حكاه ابن كيسان (¬4). - ¬

_ - ومعنى البيت: يقول أبو جندب: على قوم زهير أن يلوموا زهيرا؛ فإنه السبب في إيذائي لهم واعتدائي عليهم. والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 261)، وفي معجم الشواهد (ص 56). ترجمة أبي جندب: هو أبو جندب بن مرة، أحد شعراء هذيل المعدودين، وهو أخو عروة وأخو خويلد بن مرة المشهور بأبي خراش الذي سبقت ترجمته. وانظر ترجمة أبي جندب وأخباره في الشعر والشعراء (2/ 668). (¬1) البيت من بحر البسيط، قائله سليط بن سعد كما في مراجعه. ولم تذكر مراجعه بيتا قبله أو بيتا بعده. اللغة: أبا الغيلان: بكسر الغين كنية رجل آذوه بنوه وأهله. سنمّار: رجل رومي بنى قصر الخورنق للنعمان بن امرئ القيس ملك الحيرة بظاهر الكوفة، فلما فرغ من بنائه ألقاه النعمان من أعلى القصر؛ لئلا يبني مثله لغيره فخر ميتا، فصار مثلا عند العرب لسوء المكافأة. والشاهد والمعنى واضحان. والبيت في شرح التسهيل (1/ 161)، وفي التذييل والتكميل (2/ 261)، وفي معجم الشواهد (ص 164). (¬2) أي في شرح التسهيل (1/ 161). (¬3) المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (1/ 58): أيّ العاملين في التّنازع أولى بالعمل؟ قال ابن الأنباري: «ذهب الكوفيّون في إعمال الفعلين نحو أكرمني وأكرمت زيدا، وأكرمت وأكرمني زيد - إلى أنّ إعمال الفعل الأول أولى، وذهب البصريّون إلى أنّ إعمال الفعل الثّاني أولى». ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين. وقد نقد أبو حيان المصنف في هذا الدليل قائلا: «لا تنظّر مسألة: ضرب غلامه زيدا بمسألة: ضربوني وضربت الزّيدين؛ لأن الأخيرة خارجة عن القياس في مسائل استثنيت بتأخّر مفسر الضّمير فيها، وما كان خارجا عن القياس لا يقاس عليه ولا يشبّه به» (التذييل والتكميل: 2/ 261). (¬4) شرح التسهيل (1/ 161)، وحاشية الصبان (1/ 61). ونقده أبو حيان أيضا في هذا الدليل قائلا: «لا إجماع في المسألة، بل فيها خلاف: ذهب الأخفش إلى جواز ذلك، وذهب غيره إلى أنّه لا يجوز». ثم قال: «وكثيرا ما يدّعي المصنّف الإجماع فيما فيه الخلاف» (المرجع السابق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكلاهما فيه ما في: ضرب غلامه زيدا، من تقديم ضمير على مفسّر مؤخر الرتبة؛ لأن مفسر واو ضربوني معمول معطوف على عاملها، والمعطوف ومعموله أمكن في استحقاق التّأخر من المفعول بالنسبة إلى الفاعل؛ لأن تقديم المفعول على الفاعل يجوز في الاختيار كثيرا، وقد يجب (¬1)، وتقديم المعطوف وما يتعلق به على المعطوف عليه بخلاف ذلك، فيلزم من أجاز: ضربوني وضربت الزّيدين - أن يحكم بأولية جواز: ضرب غلامه زيدا لما ذكرناه. وكذلك يلزم من أجاز إبدال ظاهر من مضمر لا مفسر له غيره نحو: ضربته زيدا، واللهمّ صلّ عليه الرءوف الرحيم؛ لأن البدل تابع والتابع مؤخر بالرتبة، ومؤخر في الاستعمال على سبيل اللزوم، والمفعول ليس كذلك؛ إذ لا يلزم تأخره» انتهى (¬2). وقال في شرح الكافية: الفعل المتعدّي يدلّ على فاعل ومفعول؛ فشعور الذهن بهما مقارن لشعوره بمعنى الفعل، فإذا افتتح كلام بفعل ووليه مضاف إلى ضمير - علم أن صاحب الضمير فاعل إن كان المضاف منصوبا، ومفعول إن كان المضاف مرفوعا، فلا ضرر في تقديم الفاعل المضاف إلى ضمير المفعول، كما لا ضرر في تقديم المفعول المضاف إلى ضمير الفاعل (¬3). قال الشيخ (¬4): «وأجاز ذلك قبل أبي الفتح من الكوفيّين أبو عبد الله الطّوال» (¬5). قال الشيخ: «ولعمري إنه قد كثر مجيء ذلك في الشعر، فالأحوط جوازه في الشّعر دون الكلام. وقد رام بعض النحويين تأويل ذلك كله، والتأويل فيه بعد» - ¬

_ (¬1) مثال تقديم المفعول جوازا في الاختيار قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ [القمر: 41] ومثال تقديمه وجوبا مسائل: منها: اشتمال الفاعل على ضمير يعود عليه، كقوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ [البقرة: 124]. ومنها: حصر المفعول في الفاعل، كقول الشاعر (من الطويل): تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة ... فما زاد إلّا ضعف ما بي كلامها (¬2) شرح التسهيل (1/ 162). (¬3) انظر نصه في شرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 585، 586) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي (جامعة أم القرى - مكة المكرمة) وبعده قال: وكلاهما وارد عن العرب. (¬4) أي في التذييل والتكميل (2/ 265)، وكذلك الأشموني على الألفية (2/ 59). (¬5) بتخفيف الطاء والواو، والطاء مضمومة. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). ومثال الضمير المكمل معمول شبه الفاعل في هذا القسم قولك: هند ضارب غلامه زيدا من أجلها [1/ 174]. وأما قول المصنف: وشاركه صاحب الضّمير في عامله - فهو قيد في جواز المسألة والمعنى، وشارك المعمول للفعل أو شبهه صاحب الضمير أي المفسر في عامله، أي: ويكون صاحب الضمير معمولا للعامل الذي عمل في المعمول المكمل بالضمير كالأمثلة المتقدمة (¬2). فلو لم تحصل المشاركة المذكورة لم يجز التقديم؛ نحو: ضرب غلامها جار هند؛ لأن هند مؤخر الرتبة من جهتين (¬3). ولا تعلق لها بضرب بخلاف ضرب غلامها هندا؛ فإن صاحب الضمير في هذا المثال قد شارك المكمل بالضمير في عامله، وصاحب الضمير في المثال الأول وهو ضرب غلامها جار هند - غير مشارك له في العامل. وهذا بخلاف ما إذا كان المعمول المكمل بالضمير مؤخر الرتبة؛ فإنه لا يشترط مشاركة صاحب الضمير له في العامل، فيجوز أن يقال: ضرب غلامها جار هند، ومنهم من منع التقديم في ذلك أيضا. فعلى هذا إذا اتصل الضمير العائد على الفاعل بالمفعول، فقد يشارك الفاعل المفعول في العامل وقد لا يشاركه. وإذا اتصل الضمير العائد على المفعول بالفاعل، فقد يشارك المفعول الفاعل في العامل، وقد لا يشاركه أيضا. فالصور أربع: - ¬

_ - وأبو عبد الله الطوال: هو محمد بن أحمد بن عبد الله الطوال النحوي، من أهل الكوفة، أحد أصحاب الكسائي، حدث عن الأصمعي وقدم بغداد، وسمع عنه أبو عمرو الدوري المقرئ. قال ثعلب عنه: كان حاذقا بإلقاء العربية. توفي سنة (243 هـ). (انظر ترجمته في بغية الوعاة: 1/ 50). (¬1) التذييل والتكميل (2/ 265). (¬2) المعنى أن يكون عاملهما واحدا، أي عامل المفسر وعامل المضاف إليه الضمير مثل: ضرب غلامه زيد. (¬3) الأولى: أنها مضاف إليه والمضاف إليه مؤخر في الرتبة عن المضاف. الثانية: أن المضاف إليها مفعول وهو مؤخر في الرتبة عن الفاعل. ويضاف إلى علة المنع ما ذكره الشارح من اختلاف الفاعل.

[مفسر ضمير الغيبة وتأخره لزوما]

[مفسّر ضمير الغيبة وتأخره لزوما] قال ابن مالك: (ويتقدّم أيضا غير منويّ التّأخير إن جرّ بربّ، أو رفع بنعم، أو شبهها، أو بأوّل المتنازعين، أو أبدل منه المفسّر، أو جعل خبره، أو كان المسمّى ضمير الشّأن عند البصريّين [1/ 175]، وضمير المجهول عند الكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: ضرب غلامه زيد وهي جائزة بلا خلاف (¬1). الثانية: ضرب غلامها بعل هند وفيها خلاف. فالمجيز يقول: لما عاد الضمير على ما أضيف إليه الفاعل، والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد - كان بمنزلة عود الضمير على الفاعل. والمانع نظر إلى تأخر مفسر الضمير لفظا ورتبة، مع عدم تعلق الفعل به، فمنع. لكن الصحيح الجواز، وقد أفهمه كلام المصنف؛ لأنه لما قال: إن كان المعمول مؤخر الرّتبة لم يعتد بالمشاركة، كما فعل في المسألة الثانية بل أطلق. الثالثة: ضرب غلامه زيدا وقد علمت أنها ممنوعة (¬2) إلا عند أبي الفتح والمصنف. الرابعة: ضرب غلامها بعل هند، وهي ممنوعة بلا خلاف. وقد تقدم ذكر علة المنع (¬3). وقال المصنف: «ومما حكم بجوازه لشبهه بضرب غلامه زيدا: ضربت جارية يحبّها زيدا، فتقدم يحبها وهو مسند إلى ضمير يعود إلى زيد، وإن كان متأخرا لفظا ورتبة؛ لأن يحبّها مكمل لجارية؛ إذ هو صفتها، فجاز تأخر مفسر ضميرها، كما جاز تأخّر مفسر الضمير المضاف إليه في نحو: ضرب غلامه زيدا» (¬4). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المفسر الجائز التأخير شرع في ذكر المفسر الواجب التأخير. وأفاد قول المصنف ويتقدم أيضا غير منويّ التّأخير أن الضمائر ¬

_ (¬1) لاتحاد العامل، ولأن المفسر هو الفاعل نفسه، وهو وإن كان مؤخرا في اللفظ إلا أنه مقدم في الرتبة. (¬2) لما فيها من عود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة، وهو لا يجوز إلا في مواضع ليست هذه منها. (¬3) وهي أن هندا مؤخر الرتبة من جهتين، ولا تعلق لها بضرب أي العامل، وهو شرط في المسألة. (¬4) انظر شرح التسهيل (1/ 162).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي يذكرها موضوعة على أن يفسرها ما بعدها، فرتبتها أن تكون مقدمة على المفسر. وذكر أن الضمير يفسره ما بعده في ستة مواضع: الأول: المجرور برب، مثاله قول الشاعر: 277 - واه رأبت وشيكا صدع أعظمه ... وربّه عطبا أنقذت من عطبه (¬1) الثاني: المرفوع بنعم أو شبهها يعني ببئس (¬2) مثاله قول الشاعر: 278 - نعم امرأ هرم لم تعر نائبة ... إلّا وكان لمرتاع بها وزرا (¬3) الثالث: المرفوع بأول المتنازعين (¬4) مثاله قول الشاعر: 279 - جفوني ولم أجف الأخلّاء إنني ... لغير جميل من خليلي مهمل (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط، غير منسوب في مراجعه وهو في الفخر. اللغة: واه: من وهى الحائط إذا ضعف وهم بالسقوط، وهو مجرور برب محذوفة. رأبت: من رأبت الإناء أي شعبته وأصلحته. وشكيا: سريعا وهو صفة لمحذوف أي رأبا سريعا. صدع أعظمه: أي أصلحت حاله المائل الفاسد. العطب: بكسر الطاء الهالك، وبفتحها بمعنى الهلاك. والشاعر يفتخر بنجدته، فهو يساعد المحتاج ويقف بجانب الضعيف، ويصلح الفاسد من أحوال الناس. وشاهده واضح من الشرح، والبيت في شرح التسهيل (1/ 162)، وفي التذييل والتكميل (2/ 267)، وفي معجم الشواهد (ص 63). (¬2) ويكون مفسره تمييزا مفردا كما مثل. (¬3) البيت من بحر البسيط، نسبته بعض المراجع إلى زهير بن أبي سلمى. شرح شذور الذهب (ص 191)، شرح التسهيل لابن مالك: (1 / 163)، التذييل والتكميل: (2/ 267). وورد بلا نسبة في بعضها (حاشية الصبان: 3/ 32، التصريح: 1/ 392). والبيت فيه روح هرميات زهير التي كتبها في هرم بن سنان المزني والتي بقيت وذهب ما أخذه أجرا لها، ومع ذلك فالبيت ليس في ديوان زهير. اللغة: لم تعر نائبة: لم تنزل حادثة عظيمة. المرتاع: الفزع الخائف. وزرا: ملجأ وعونا، والمعنى بعد ذلك واضح. وشاهده: عود الضمير المرفوع، بنعم على متأخر لفظا ورتبة. وذهب الكوفيون إلى أنه لا فاعل مضمر في نعم، بل الاسم المرفوع بعد نعم (المخصوص) هو الفاعل بها. والبيت في معجم الشواهد (ص 143)، وفي مراجع أخرى ذكرناها. (¬4) هذا عند البصريين، وأما الكوفيون فيمنعونه: قال الكسائي: يحذف الفاعل، وقال الفراء: يفسر ويؤخر عن المفسر. فإن استوى العاملان في طلب الرفع وكان العطف بالواو نحو: قام وقعد أخوك - فهو فاعل بهما. (¬5) البيت من بحر الطويل، وهو في مراجعه غير منسوب مع كثرة الاستشهاد به. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع: ما أبدل منه مفسره، كقوله: اللهمّ صلّ عليه الرّءوف الرّحيم (¬1)، حكاه الكسائي. وذكر ابن عصفور أن في ذلك خلافا، وأن الأخفش يجيزه وغيره يمنعه، وأن الصحيح الجواز (¬2). الخامس: ما جعل المفسر خبرا له، ومثال قوله تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا (¬3). قال الزمخشري: «هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلّا بما يتلوه من بيانه وأصله: إن الحياة إلا حياتنا الدنيا، ثم وضع هي موضع الحياة؛ لأن الخبر يدلّ عليها ويبيّنها. قال: ومنه: هي النّفس تحمل ما حمّلت، وهي العرب تقول ما شاءت» (¬4). قال المصنف: «وهذا من جيد كلامه، وفي تنظيره بهي النّفس وهي العرب - ضعف لإمكان جعل النّفس والعرب بدلين، وتحمل وتقول خبرين» انتهى (¬5). ومفسر هذه الخمسة مفرد. ولكل واحد منها موضع إن شاء الله تعالى (¬6). وأما السادس: فمفسره جملة كما سيأتي: وهو ضمير الشأن إن ذكر لفظه، - ¬

_ - اللغة: جفوني: من الجفاء وهو ترك المودة أو فعل السوء. الأخلاء: الأصدقاء. المعنى: يفتخر الشاعر بمروءته وطيب نفسه، فهو يحمل للناس الحب وللأصدقاء الإخلاص، ويتجنب كل فعل قبيح يسوءهم، أما هم فيفعلون به غير ذلك. وشاهده: عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة؛ لأنه مرفوع بأول الفعلين المتنازعين اسما واحدا. والمسألة فيها خلاف مشهور بين النحاة مذكور في باب التنازع. والبيت في معجم الشواهد (ص 282)، وفي شرح التسهيل (1/ 163)، وفي التذييل والتكميل (2/ 267). (¬1) في نسخة (ب): كقولنا. وخرج مثل ذلك الكسائي على أنه نعت لا بدل (المغني: 1/ 492). (¬2) انظر نص ذلك في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 99). ونقله عنه الأشموني (1/ 60). (¬3) سورة المؤمنون: 37. (¬4) انظر نصه في الكشاف له (3/ 32). (¬5) شرح التسهيل (1/ 163). قال ابن هشام: «وفي كلام ابن مالك أيضا ضعف؛ لإمكان وجه ثالث في المثالين لم يذكره وهو كون هي ضمير القصّة». (المغني: 2/ 490). (¬6) انظر باب التنازع، قال ناظر الجيش: «تقديم الضمير إذا كان على شريطة التفسير مجمع على جوازه في باب نعم، وفي باب ربّ، وفي باب البدل، وفي باب الابتداء، وفي باب التنازع ثم مثل لكلّ».

[ضمير الشأن وأحكامه]

[ضمير الشأن وأحكامه] قال ابن مالك: (ولا يفسّر إلّا بجملة خبريّة مصرّح بجزأيها؛ خلافا للكوفيّين في نحو: ظننته قائما زيد، وإنه ضرب أو قام). ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬1). وضمير القصة إن أنث لفظه، نحو: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ (¬2)، وهذا عند البصريين، وسماه الكوفيون ضمير المجهول؛ لأنه لا يدرى عندهم ما يعود عليه (¬3). وإنما يفتتح المتكلم كلامه بالضمير المذكور إذا قصد أن يستعظم السامع حديثه قبل الأخذ فيه. ولا خلاف في أنه اسم يحكم على موضعه بالإعراب على حسب العامل. وزعم ابن الطراوة (¬4) أنه حرف، وأنكر كونه اسما، وفي كلام الشيخ جنوح إلى مذهبه (¬5) وليس هذا مما يتشاغل به (¬6). واعلم أن ضمير الشأن كما خالف بقية الضمائر في أنه لا يفسر بمفرد، خالفها أيضا في أنه لا يعطف عليه، ولا يؤكد، ولا يبدل منه، ولا يتقدم خبره عليه (¬7). قال ناظر الجيش: شرط الجملة المفسّرة للضمير المذكور المخبر به عنه، أن تكون خبرية، فلا تكون إنشائية ولا طلبية، وأن يكون مصرحا بجزأيها، فلا يجوّز - ¬

_ (¬1) سورة الإخلاص: 1. (¬2) سورة الحج: 46. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (2/ 271)، والهمع (1/ 67). (¬4) انظر: مذهب ابن الطراوة في المرجعين السابقين. (¬5) قال أبو حيان: «وأقول: اتحاد المفهوم في كان زيد قائم، وكان زيد قائما، وإنّ زيد قائم، وإن زيدا قائم - دليل على صحة مذهب ابن الطراوة». (انظر: التذييل والتكميل 1/ 531). (¬6) تشاغل به أبو حيان فشرح ضمير الشأن في أكثر من ثلاث صفحات، وذلك في سفره الكبير (التذييل والتكميل (2/ 271) وما بعدها). (¬7) انظر فروقا خمسة حكاها ابن هشام بين هذا الضمير وبين غيره من الضمائر في المغني (2/ 490) وملخصها قال: وهذا الضمير مخالف للقياس من خمسة أوجه: 1 - عوده على ما بعده لزوما، ثم شرح ذلك. 2 - أن مفسره لا يكون إلا جملة .... 3 - أنه لا يتبع بتابع .... 4 - أنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو أحد نواسخه .... 5 - أنه ملازم للإفراد، فلا يثنى ولا يجمع ....

[أحكام أخرى تخص ضمير الشأن]

[أحكام أخرى تخص ضمير الشأن] قال ابن مالك: (وإفراده لازم وكذا تذكيره ما لم يله مؤنّث، أو مذكّر شبيه به مؤنّث، أو فعل بعلامة تأنيث، فيرجّح تأنيثه باعتبار القصة على تذكيره باعتبار الشّأن). ـــــــــــــــــــــــــــــ البصريون حذف بعض الجمل المذكورة؛ لأنها مؤكدة له، ومدلول به على فخامة مضمونها. واختصارها مناف لذلك؛ فلا يجوز [1/ 176] كما لا يجوز ترخيم المندوب، ولا حذف حرف النداء قبله. قال المصنف (¬1): «وبهذا يعلم أنّ ما أجازه الكوفيّون من: إنّه ضرب، وإنّه قام ونحوهما - غير مستقيم ولا سليم؛ لافتتاحه بمزيد الاعتناء بالمحدّث عنه، واختتامه بحذف ما لا بدّ منه» (¬2). وأما تجويزهم نحو: ظننته قائما زيد، على أن يكون الهاء ضمير الشأن - فمردود أيضا؛ لأن سامعه يسبق إلى فهمه كون زيد مبتدأ مؤخرا، وكون ظننت ومفعوليها خبرا مقدما، وذلك مفوت للغرض الذي لأجله جيء بضمير الشأن؛ لأن من شرطه عدم صلاحية الضمير لغير ذلك، حتى يحصل به من فخامة الأمر ما قصده المتكلم. قال ناظر الجيش: لا يجوز أن يكون ضمير الشأن مثنّى ولا مجموعا؛ لأنه كناية عن الشأن في التذكير، وعن القصة في التأنيث، وهما مفردان، فوجب إفراد ما هو كناية عنهما، فيقال: إنه أخواك منطلقان، وإنها جاريتاك حسنتان، وإنه إخوتك صالحون، وإنها إماؤك مطيعات. ولا تؤنث إلا إذا وليه مؤنث، كقوله تعالى: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا (¬3)، أو مذكر شبه به مؤنث نحو: «إنّها قمر جاريتك» (¬4)، أو فعل بعلامة تأنيث مسند إلى مؤنث، كقوله تعالى: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 164). (¬2) وعلل ابن هشام ضعفه، فقال: «فيه فسادان: التّفسير بالمفرد، وحذف مرفوع الفعل». (المغني: 2/ 490). (¬3) سورة الأنبياء: 97. (¬4) إعراب إنها قمر جاريتك: إنّها: إن واسمها. قمر جاريتك: خبر مقدم ومبتدأ مؤخر، والجملة خبر إن. ويجوز أن يعرب قمر مبتدأ (على رأي الكوفيين) وجاريتك فاعل سد مسد الخبر. ومثل هذا المثال الآية السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ (¬1). ومثله قول الشاعر: 280 - على أنّها تعفو الكلوم وإنّما ... يوكّل بالأدنى وإن جلّ ما يمضي (¬2) فهذا وأمثاله التأنيث فيه أجود من التذكير؛ لأن مع التأنيث مشاكلة تحسن اللفظ مع كون التأنيث لا يختلف؛ إذ القصة والشأن بمعنى واحد، والتذكير مع ذلك جائز، كما قال أبو طالب: 281 - وإلّا يكن لحم غريض فإنّه ... تكبّ على أفواههنّ الغرائر (¬3) وكما قال غيره: 282 - نخلت له نفسي النّصيحة إنّه ... عند الشّدائد تذهب الأحقاد (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة الحج: 46. (¬2) البيت من بحر الطويل، من مقطوعة قالها أبو خراش الهذلي يرثي فيها أخاه عروة، وكان قد قتل بمكان اسمه قوس ونجا ابنه خراش وكانا معا يقول (ديوان الهذليين: 2/ 58). حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا ... خراش وبعض الشّر أهون من بعض اللغة: تعفو: تبرأ وتذهب. الكلوم: جمع كلم وهو الجرح. جل: عظم. والمعنى: أن الجروح والمصائب تنسى على مر الأيام، وإن عظمت - والإنسان لا يتذكر ولا يعيش إلا مصائب الوقت وأحداثه. وشاهده واضح. والأبيات في شرح ديوان الحماسة أيضا (2/ 786) وفي الأمالي لأبي علي: (1/ 321)، كما أن الشاهد في معجم الشواهد (ص 205)، وفي شرح التسهيل (1/ 164)، وفي التذييل والتكميل (2/ 276). (¬3) البيت من بحر الطويل، قائله أبو طالب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم يرثي فيه خاله أبا أمية بن المغيرة من قصيدة له في الديوان (ص 77) وما بعدها، وقبل بيت الشاهد قوله: ضروب بنصل السّيف سوق سمانها ... إذا عدموا زادا فإنّك عاقر اللغة: نصل السّيف: حده. سوق سمانها: سيقانها السمينة. عاقر: ذابح. لحم غريض: طري. تكبّ: تصب وتلقى. الغرائر: جمع غريرة، وهي الزكيبة يكون فيها الحنطة والدقيق وغيرها. والبيتان غاية في المدح بالكرم: تعطي اللحم، فإن لم يكن لحم فمما يعيش به الإنسان من دقيق وغيره. وشاهده قوله: فإنه تكب، حيث ذكر ضمير الشأن وإن جاء بعده فعل مؤنث. والبيت في شرح التسهيل (1/ 164)، وفي التذييل والتكميل (2/ 276)، وليس في معجم الشواهد. (¬4) البيت من بحر الكامل، وهو من مقطوعة لعويف بن معاوية بن حصن، شاعر مجيد مقل من شعراء الدولة الأموية، يسمى عويف القوافي. وهذه المقطوعة قالها في عيينة ابن أسماء، وكان متزوجا أخت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو كان المؤنث الذي في الجملة بعد مذكر لم يشبه به مؤنث فضلة أو كالفضلة - لم يكترث بتأنيثه فيؤنث لأجله الضمير، بل حكمه حينئذ التذكير، كقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (¬1). وكقول الشاعر: 283 - ألا إنّه من يلع عاقبة الهوى ... مطيع دواعيه يبؤ بهوان (¬2) وكذلك لا يكترث بتأنيث ما ولي الضمير من مؤنث شبه به مذكر، نحو «إنّه شمس وجهك» ولا بتأنيث فاعل فعل ولي الضمير بلا علامة تأنيث، نحو «إنّه قام جاريتك» هذا كله كلام المصنف (¬3). وقال الشيخ (¬4): «أصحابنا ذكروا أن ضمير الأمر أو القصة يجوز أن يأتي بعدهما المذكّر والمؤنث، فتقول: هو زيد قائم، وهي زيد قائم، وهي هند ذاهبة، وهو هند ذاهبة [1/ 177] قال: وأما الكوفيون فزعموا أن المخبر عنه إن كان مذكرا فالضمير ضمير أمر، أو مؤنثا فالضمير ضمير قصة، ولا يجوز عندهم خلاف ذلك، وقد رد عليهم بقراءة من قرأ: أولم تكن لهم آية أن يعلمه علمؤا بنى إسرائيل (¬5). فآية خبر مقدم لأن يعلمه، وأن يعلمه هو المبتدأ، وهو مذكر، والضمير في تكن - ¬

_ - عويف هذا ثم طلقها فعاداه عويف. ولما سجن الحجاج عيينة في جبايات له وصله عويف وعطف عليه، وقال هذه المقطوعة. وانظر القصة بالتفصيل وبقية الأبيات في الأمالي (2/ 218)، والتنبيه على الأمالي (ص 119)، وشرح ديوان الحماسة (1/ 263). وشاهده كالذي قبله، والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 164)، وفي التذييل والتكميل (2/ 277). (¬1) سورة طه: 74. (¬2) البيت من بحر الطويل، غير مذكور في معجم الشواهد ولم ينسب فيما ورد من مراجع. اللغة: عاقبة الهوى: نتيجته التي عامة ما تكون وخيمة. مطيع دواعيه: مستجيبا لأسبابه. يبؤ بهوان: يرجع بخسران مبين. المعنى: يذكر أن العاقل من يعرف نتائج الأمور، فلا يقرب الورد حتى يعرف الصدر، بخلاف غيره فإنه يبوء بالهوان. والبيت في شرح التسهيل (1/ 165)، وفي التذييل والتكميل (2/ 277). (¬3) في شرح التسهيل (1/ 165). (¬4) في التذييل والتكميل (2/ 278). (¬5) سورة الشعراء: 197.

[حكم ضمير الشأن من بروزه أو استتاره]

[حكم ضمير الشأن من بروزه أو استتاره] قال ابن مالك: (ويبرز مبتدأ واسم ما، ومنصوبا في بابي إنّ وظنّ، ويستكنّ في بابي كان وكاد). ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمير قصة (¬1) ويقول العرب: إنّه أمة الله ذاهبة (¬2). قال ناظر الجيش: ضمير الشأن لا بد أن يكون معمولا للابتداء، أو أحد نواسخه، وهي كان وإن وظن أو إحدى أخواتهن، والجملة بعده متممة لمقتضى العامل، وهو بمنزلة ضمير غائب تقدم ذكره؛ فلذلك يستتر مرفوعا بكان أو كاد أو إحدى أخواتهما، كما يستتر ما ارتفع بهما من ضمير غائب تقدم ذكره، ويبرز إذا كان مبتدأ أو اسم ما أو منصوبا بإن أو ظن أو إحدى أخواتهما، وبروزه مبتدأ كقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬3). وذكر صاحب البسيط خلافا في المبتدأ: هل يكون ضمير شأن أو لا؟ وذكر أن الفراء وأبا الحسن منعا ذلك (¬4). وقد خرج قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ على وجهين: أحدهما: أنهم كانوا يتكلمون في توحيد الله، فقيل لهم: هو أي التوحيد الله أحد. الثاني: أن (أحد) بدل من اسم الله تعالى (¬5). - ¬

_ (¬1) القراءة المذكورة وهي قراءة التأنيث ورفع آية هي قراءة ابن عامر، وقد خرجها الشارح. وخرجها بعضهم على غير ذلك، فجعل (أولم تكن لهم آية) جملة تامة، فلهم خبر تكن، وآية اسمها، وأن يعلمه بدل من آية، وعلى هذا التخريج فلا ضمير قصة، وقرأ الباقون غير ابن عامر - بالتذكير، ونصب آية. وعليه فآية خبر ليكن مقدما وأن يعلمه هو الاسم. (¬2) انظر النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري (ص 197) (طبعة دار الشروق) قال أبو زيد: «وقال أبو الحسن: قوله: فليت دفعت الهمّ الأحسن في العربية أن يكون أضمر الهاء، كأنّه قال فليته دفعت يريد فليت الأمر هذا كما تقول: إنّه أمة الله ذاهبة، وإنّ زيد منطلق يريد إنّه الأمر. وأنشد أبو العبّاس المبرّد لعمارة يصف نخلا (من الرجز): كأنّهنّ الفتيّات اللّعس ... كأنّ في أطلالهنّ الشّمس» (¬3) سورة الإخلاص: 1. (¬4) التذييل والتكميل (2/ 280)، والهمع (1/ 67). (¬5) التذييل والتكميل (2/ 280).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبروزه اسما لما كقول الشاعر: 284 - وما هو من يأسو الكلوم وتتّقى ... به نائبات الدّهر كالدّائم البخل (¬1) وبروزه في باب إن كقوله تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (¬2). وبروزه في باب ظن كقول الشاعر: 285 - علمته الحقّ لا يخفى على أحد ... فكن محقّا تنل ما شئت من ظفر (¬3) واستكنانه في باب كان كقول الشاعر: 286 - إذا متّ كان النّاس صنفان شامت ... وآخر مثن بالّذي كنت أصنع (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، قال صاحب الدرر: لم أقف على قائله (الدرر: 1/ 46). اللغة: يأسو: يشفي ويذهب. الكلوم: الجروح. نائبات الدّهر: مصائبه وبلاياه. المعنى: يذكر الشاعر أن هناك فرقا كبيرا بين من يقف بجانب الناس فيساعد المحتاج ويشد أزر الضعيف، وبين هذا البخيل الذي يقف متفرجا على حزن هذا ودموع ذاك. وشاهده: واضح من الشرح إلا أنه يجب أن يقال: وبروزه اسما لما على رأي من يعمل ما، وهم الحجازيون، وإلا كان ضمير الشأن مبتدأ والجملة بعده الخبر. والبيت في معجم الشواهد (ص 302)، وفي شرح التسهيل (1/ 184)، وفي التذييل والتكميل (2/ 281). (¬2) سورة الجن: 19. (¬3) البيت من بحر البسيط غير منسوب في مراجعه. ومعناه: حاول دائما أن تكون على حق، فإنه إذا كان معك الحق فأنت قوي، وستنتصر في النهاية، وأما الباطل فهو ضعيف وصاحبه متعثر، بل إنه لا يستطيع المشي أصلا. وشاهده واضح: وهو بروز ضمير الشأن في باب ظن في قوله: علمته الحق لا يخفى على أحد. والبيت في شرح التسهيل (1/ 165)، وفي التذييل والتكميل (2/ 282)، وفي معجم الشواهد (ص 180). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو للعجير بن عبد الله السلولي. ومعنى البيت: أن الناس ستفترق في شأنه بعد موته إلى فرقتين: واحدة تشمت به لكثرة ما أنزل في قلوبهم من الغيظ، والأخرى ستمدحه لكثرة ما نالها منه من الخير. وروي البيت: نصفان مكان صنفان. وشاهده: واضح على رواية رفع صنفان، حيث استتر اسم كان فيها ضمير الشأن، والجملة بعدها خبر لها، وقيل: كان ملغاة والجملة بعدها مبتدأ مؤخر. وروي البيت بنصب صنفين، وعليه فلا شاهد ولا معركة في البيت. وقيل: هو منصوب، وهذه الألف جاءت على لغة من يلزم المثنى الألف. إلا أن بعض هذه التوجيهات لا تأتي في قول الشاعر الآخر، وهو هشام أخو ذي الرمة (من الطويل): -

[أسباب بناء الضمائر]

[أسباب بناء الضمائر] قال ابن مالك: (وبني المضمر لشبهه بالحرف وضعا، وافتقارا، وجمودا، أو للاستغناء باختلاف صيغه لاختلاف المعاني. وأعلاها اختصاصا ما للمتكلّم وأدناها ما للغائب، ويغلّب الأخصّ في الاجتماع). ـــــــــــــــــــــــــــــ واستكنانه في باب كاد، كقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ (¬1) في قراءة حمزة وحفص؛ فإنهما قرءا يزيغ بالياء، فهو مستند إلى قلوب، والجملة التي من الفعل والفاعل خبر كاد، واسم كاد ضمير الأمر (¬2). قال ناظر الجيش: ذكر لبناء المضمر سببين: أحدهما: شبه الحرف. والثاني: الاستغناء عن الإعراب لعدم الحاجة فيه. وجعل شبهه للحرف في ثلاثة أمور: الوضع والافتقار والجمود. ومراده أن كلّا من هذه الأمور مستقل بالعلية، كما أن مجموعها علة واحدة. والمراد بشبه الحرف وضعا: كون بعض المضمرات على حرف واحد، كتاء فعلت وكاف حديثك. وعلى حرفين كنا، وما كان [1/ 178] من المضمرات على أكثر من حرفين فمحمول على غيره؛ لأن ما هو على أقل من ثلاثة منها فهو أصل أو كالأصل، وأيضا كأنهم قصدوا جري الباب على سنن واحد. - ¬

_ - هي الشّفاء لدائي لو ظفرت به ... وليس منها شفاء الدّاء مبذول وانظر بيت الشاهد في معجم الشواهد (ص 217)، وهو في شرح التسهيل (1/ 165)، وفي التذييل والتكميل (2/ 282). ترجمة الشاعر: هو عمير بن عبد الله من بني سلول بنت ذهل بن شيبان، ولقبه عجير، ويكنى بأبي الفرزدق وأبي الفيل، عاش أيام عبد الملك بن مروان، فهو شاعر إسلامي يحتج بشعره، وجعله ابن سلام في شعراء الطبقة الخامسة من الإسلاميين، وقد أورد له أبو تمام مختارات في الحماسة. توفي سنة (90 هـ). ترجمته في الأعلام للزركلي (5/ 5). (¬1) سورة التوبة: 117. (¬2) كما حملت قراءة حمزة وحفص بالياء على غير ضمير الشأن، فتجعل القلوب اسم كاد، وذكر الفعل على تذكير كاد، أو لأنه جمع ليس لتأنيثه حقيقة. وقرأ الباقون غير حمزة وحفص بالتاء، والحجة في ذلك أنه أراد تقديم القلوب على الفعل، فدل بالتاء على التأنيث لأنه جمع (الحجة في القراءات السبع: ص 178).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمراد بالافتقار: كون المضمر لا تتم (¬1) دلالته على مسماه إلا بضميمة من مشاهدة أو ما يقوم مقامها؛ فأشبه بذلك الحرف؛ لأنه لا يفهم معناه بنفسه بل بضميمة. والمراد بالجمود: عدم التصرف في لفظه بوجه من الوجوه حتى ياء التصغير، وبأن يوصف أو يوصف به كما فعل بالمبهمات (¬2). وأما الاستغناء باختلاف صيغه لاختلاف المعاني: فالمراد به أن المتكلم إذا عبر عن نفسه خاصة فله تاء مضمومة في الرفع وفي غيره ياء، وإذا عبر عن المخاطب فله تاء مفتوحة في الرفع، وفي غيره كاف مفتوحة في التذكير ومكسورة في التأنيث؛ فأغنى ذلك عن إعرابه، لأن الامتياز حاصل بدونه. قال الشيخ: «وهذا ليس بشيء؛ لأنّ المعاني الّتي جيء بالإعراب لأجلها هي الفاعليّة والمفعوليّة والإضافة، وليست هذه الأحوال التي عرضت للمضمر من التكلم والخطاب والغيبة تدلّ على شيء من المعاني الإعرابية؛ فلا يصح الاستغناء عنها بهذه الأحوال؛ لأنّها تدلّ عليها» انتهى (¬3). وما قاله حق أن لو كان اختلاف صيغ المضمر إنما هو للدلالة على التكلم وقسيميه؛ لكن الدال منه على التكلم للمرفوع منه صيغة، وكذا للمنصوب والمجرور أيضا. وكذا الدال على الخطاب والدال على الغيبة. والمضمر وإن انقسمت صيغه بالقسمة الأولى إلى الدلالة على التكلم والخطاب والغيبة، فهي منقسمة بالقسمة الثانية إلى ما هو للمرفوع وللمنصوب والمجرور، وقد اختلفت صيغه لاختلاف المعاني الثلاثة التي جيء بالإعراب لأجلها. وأما قول المصنف: وأعلاها اختصاصا أي أعلى الضمائر، فقد تقدمت الإشارة إليه في أول باب المعرفة والنكرة حيث قال: - ¬

_ (¬1) كلمة لا تتم ناقصة من الأصل خطأ. (¬2) المعنى أن الضمائر لجمودها لا توصف ولا يوصف بها، كما فعل بالمبهمات من أسماء الإشارة والشرط والاستفهام. وهذا بخلاف ما ذهب إليه الكسائي من أن ضمير الغيبة ينعت محتجّا بقولهم: اللهم صلّ عليه الرءوف الرّحيم. وغيره يجعله بدلا كما سبق. (¬3) التذييل والتكميل (2/ 284).

[ضمير الفصل وأحكامه]

[ضمير الفصل وأحكامه] قال ابن مالك: (من المضمرات المسمّى عند البصريّين فصلا، وعند الكوفيين عمادا، ويقع بلفظ المرفوع المنفصل مطابقا لمعرفة قبل - باقي الابتداء أو منسوخه - ذي خبر بعد، معرفة أو كمعرفة في امتناع دخول الألف واللّام عليه). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعرفها ضمير المتكلم، ولكن ذكر هنا ليرتب عليها الحكم المذكور بعد، وهو قوله: ويغلّب الأخصّ في الاجتماع، والمراد بذلك أنك تقول: أنا وأنت فعلنا، وأنت وهو فعلتما، ولا يغلب غير الأخص، فيقال في الأول فعلتما وفي الثاني فعلا (¬1). قال ناظر الجيش: الضمير المسمى فصلا عند البصريين، وعمادا عند الكوفيين كهو من قولك: حسبت زيدا هو الكريم. فسمي فصلا للفصل به بين شيئين لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولانفصال السامع عن توهم الخبر تابعا. وسمي عمادا لأنه معتمد عليه في تقرير المراد ومزيد البيان (¬2). وذكر التابع أولى من ذكر النعت [1/ 179]، لأن الضمير المشار إليه قد يقع بعد ما لا ينعت وقبل ما لا ينعت به، نحو: حسبتك أنت القائم، وحسبت القائم هو زيدا. ولا بد من مطابقته لما قبله في حضوره وغيبته، وتذكيره وتأنيثه، وإفراده وتثنيته وجمعه. ولا يكون ما قبله إلا معرفة إلا عند بعضهم، فإنه أجاز تنكيره كما سيأتي (¬3). - ¬

_ (¬1) كتب هنا على هامش نسخة الأصل: بلغت قراءة. (¬2) انظر المغني لابن هشام (2/ 493) وقد شرح حال هذا الضمير، وتكلم فيه عن أربع مسائل: شروطه، فائدته، محله، ما يحتمل من الأوجه. وانظر حال هذا الضمير أيضا في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 706). (¬3) حكى سيبويه (2/ 396): أن جماعة من أهل المدينة يجيزون الفصل بين نكرتين، وقد ذكر عن جماعة من النحويّين موافقة أهل المدينة في ذلك. وانظر الحديث المفصل في هذا الموضوع في الصفحة القادمة من التحقيق.

[استثناء من بعض أحكام الضمير]

[استثناء من بعض أحكام الضمير] قال ابن مالك: (وأجاز بعضهم وقوعه بين نكرتين كمعرفتين، وربّما وقع بين حال وصاحبها، وربّما وقع بلفظ الغيبة بعد حاضر قائم مقام مضاف). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يكون عند غير الأخفش إلا مبتدأ، وما كان مبتدأ ثم دخل عليه نواسخ الابتداء وإلى هذا كله الإشارة بقوله: مطابقا لمعرفة قبل، باقي الابتداء أو منسوخه. وأما ما بعد الضمير فلا يكون إلا معرفة أو مضارعا لها في عدم قبول حرف التعريف، كحسبتك أنت مثله أو خيرا منه، ولو أوقع قبل نكرة فقبل حرف التعريف لم يجز. قال سيبويه (¬1): «واعلم أن هذا لا يحسن أن يكون فصلا حتى يكون ما بعدها معرفة أو ما أشبه المعرفة مما قال ولم تدخله الألف واللام فضارع زيدا وعمرا نحو قولك: خير منك ومثلك وأفضل منك وشرّ منك، كما أنها لا تكون في الفصل إلا وقبلها معرفة أو ما ضارعها، كذلك لا يكون ما بعدها إلا معرفة أو ما ضارعها، فلو قلت: كان زيد هو منطلقا كان قبيحا حتى تذكر الأسماء التي ذكرت لك من المعرفة أو ما ضارعها من النكرة، مما لا يدخله الألف واللام» انتهى (¬2). وقال المصنف: وقلت: مطابقا لمعرفة قبل، ذي خبر بعد ليعلم أنه لو قدم الخبر لاستغني عنه (¬3). قال ناظر الجيش: هذه ثلاث مسائل، وهي كالاستثناء من الضوابط الكلية المتقدمة. أما الأولى: وهي وقوع ضمير الفصل بين نكرتين، فكالاستثناء من قوله: لمعرفة قبل. ومثاله: ما أظن أحدا هو خيرا منك، فإن أحدا بما فيه من العموم شبيه بالمعرف باللام الجنسية، وخيرا منك شبيه معرفة في امتناع دخول حرف التعريف عليه. وحكى سيبويه «أن أهل المدينة يجيزون الفصل بين نكرتين كهاتين، وروي عن يونس أنّ أبا عمرو رآه لحنا» وقال سيبويه: «لم يجعلوه فصلا وقبله نكرة، - ¬

_ (¬1) انظر نصه في الكتاب (2/ 392). (¬2) المرجع السابق. (¬3) شرح التسهيل (1/ 167).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما أنّه لا يكون وصفا ولا بدلا لنكرة» انتهى (¬1). وقد ذكر عن جماعة من النحويين موافقة أهل المدينة في ذلك (¬2). وجعل بعضهم منه قوله تعالى: أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ (¬3). قال: فأربى في موضع نصب (¬4). وأما الثانية: وهي وقوع ضمير الفصل بين حال وصاحبها، فكالاستثناء من قوله: باقي الابتداء أو منسوخه، ومثال ذلك حكاية الأخفش عن بعض العرب أنه يأتي بالفصل بين الحال وصاحبها، فيقول: ضربت زيدا هو ضاحكا (¬5). وعلى هذه اللغة قرأ بعضهم: (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) (¬6) بنصب أطهر. قال الشيخ: «اختلفوا في دخولها بعد تمام الكلام نحو: هذا زيد هو خيرا - ¬

_ (¬1) نص ما قاله سيبويه، قال: «هذا باب لا تكون هي وأخواتها فيه فصلا، ولكن تكون بمنزلة اسم مبتدأ وذلك قولك: ما أظنّ أحدا هو خير منك، وما أجعل رجلا هو أكرم منك، وما إخال رجلا هو أكرم منك؛ لم يجعلوه فصلا ...» إلخ (الكتاب: 2/ 396). وهذا النص يضعف ما جاء عن أهل المدينة من وقوع ضمير الفصل بين نكرتين. قال الأستاذ عبد السّلام هارون محقق كتاب سيبويه معلقا على ذلك: قال السيرافي ما ملخصه: «هذا الكلام إذا حمل على ظاهره غلط وسهو؛ لأنّ أهل المدينة لم يحك عنهم إنزال هو منزلتها في النكرة والذي حكي عنهم: (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) [هود: 78] بالنصب، وهؤلاء بناتي جميعا معرفتان، وأطهر لكم منزّل منزلة المعرفة في باب الفصل». (انظر هامش الكتاب: 2/ 396). (¬2) هؤلاء الجماعة هم الفراء وهشام ومن تابعهما من الكوفيين (انظر المغني: 2/ 494) وفيه الآية المذكورة. (¬3) سورة النحل: 92. (¬4) أي خبرا لتكون، وهي ضمير فصل وهو ضعيف قال أبو البقاء العكبري أَنْ تَكُونَ مخافة أن تكون، وأُمَّةٌ اسم كان أو فاعلها إن جعلت كان التامة، وهِيَ أَرْبى جملة في موضع نصب أو في موضع رفع على الصفة، ولا يجوز أن تكون هِيَ فصلا؛ لأن الاسم الأول نكرة (التبيان في إعراب القرآن: 2/ 806). (¬5) التذييل والتكميل (2/ 295)، المغني (2/ 494)، الهمع (1/ 68). (¬6) سورة هود: 78. والقراءة لسعيد بن جبير وعيسى الثقفي وآخرين وهي شاذة (المحتسب لابن جني: 1/ 325) كما خرجت قراءة النصب على غير ضمير الفصل، فقيل: هنّ مبتدأ، ولكم: خبر، وأطهر: حال، وضعفه ابن هشام بأن الحال لا تتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم (المغني: 2/ 494) والقراءة المشهورة بالرفع على الخبرية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منك، فأجاز عيسى (¬1) ذلك، وقرأ (هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم) بالنصب، وهذا لحن عند الخليل وسيبويه [1/ 180]. قالوا: ولو جاز هذا لجاز ضربت زيدا هو أفضل منك، قالوا: وهذا خطأ على كلّ علّة قيلت في المجيء بالفصل، وزعم يونس أن أبا عمرو رآه لحنا» انتهى (¬2). وأما الثالثة: وهي وقوعه بلفظ الغيبة بعد حاضر، فكالاستثناء من قوله: مطابقا. ومثاله قول الشاعر: 287 - وكائن بالأباطح من صديق ... يراني إن أصبت هو المصابا (¬3) قال المصنف: «تقديره عند أكثرهم: يرى مصابي إن أصبت هو المصابا، فحذف المضاف إلى الياء وأقامه في اللّفظ مقامه، وطابق الفصل المحذوف لا الثّابت» انتهى (¬4). والظاهر أن معنى البيت أن المتكلم إذا أصيب، فإن صديقه يرى أنه نفسه هو - ¬

_ (¬1) هو أبو عمرو عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري، نزل في ثقيف فنسب إليهم، وكانت بينه وبين أبي عمرو بن العلاء صحبة، وقد أخذ القراءة عن عبد الله بن أبي إسحاق، وعن ابن محيصن، وسمع الحسن البصري، وروى القراءات عنه الأصمعي والخليل بن أحمد، وسهل بن يوسف، كما أخذ سيبويه عنه النحو. مصنفاته: ذكر سيبويه أن له مصنفات كثيرة ذهبت كلها ولم يبق منها إلا كتابان أحدهما يسمى الإكمال والآخر يسمى الجامع. توفي سنة 149 هـ بالعراق. ترجمته في وفيات الأعيان (3/ 486)، بغية الوعاة (2/ 237). (¬2) كتاب سيبويه (2/ 397)، والتذييل والتكميل (2/ 295). (¬3) البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة لجرير بن عطية يمدح فيها الحجاج بن يوسف (ديوان جرير: ص 20) وفيها يقول: إذا سعر الخليفة نار حرب ... رأى الحجّاج أثقبها شهابا اللغة: الأباطح: جمع أبطح وهو المسيل الواسع فيه دقاق الحصى. ومعارك النحاة في هذا البيت كثيرة، انظرها في مراجعه المذكورة في معجم الشواهد (ص 31) وقد رمى الشارح في هذه المعارك بسهم، والبيت في شرح التسهيل (1/ 187)، وفي التذييل والتكميل (2/ 297). (¬4) شرح التسهيل (1/ 168).

[مسائل وأحكام أخرى لضمير الفصل]

[مسائل وأحكام أخرى لضمير الفصل] قال ابن مالك: (ولا يتقدّم مع الخبر المقدّم خلافا للكسائي، ولا موضع له من الإعراب على الأصحّ، وإنّما يتعيّن فصليته إذا وليه منصوب وقرن باللّام، أو ولي ظاهرا، وهو مبتدأ مخبر عنه بما بعده عند كثير من العرب). ـــــــــــــــــــــــــــــ المصاب لا أن الصديق يرى مصاب المتكلم هو المصاب (¬1). وذكر الشيخ عن العكبري (¬2) أنه قال: «هو توكيد للفاعل في يراني، وفصل به بين المفعولين، والأول محذوف، وأقيم المضاف إليه مقامه، والمضاف مصدر؛ أي يظنّ مصابي هو المصاب يحقر كلّ مصاب دونه» انتهى (¬3). وما قاله العكبري أقرب مما قاله المصنف. قال ناظر الجيش: هذه أربع مسائل: الأولى: أن ضمير الفصل لا يؤتى به مع الخبر المقدم بل يترك، قال المصنف: «لما كانت فائدة الفصل صون الخبر من توهمه تابعا لزم من ذلك الاستغناء عنه إذا قدّم الخبر؛ لأنّ تقدمه يمنع من توهمه تابعا؛ إذ التابع لا يتقدم على المتبوع. فلو قدم المفعول الثاني في حسبت زيدا هو خيرا منك - لترك الفصل لعدم الحاجة إليه مع كونه في محلّه؛ فلأن يترك ولا يجاء به قبل الخبر المقدم أحقّ وأولى، فظهر بهذا بطلان ما أجازه الكسائيّ من ذلك» انتهى (¬4). - ¬

_ (¬1) هذا المعنى يذهب به الشارح إلى إبطال رأي المصنف أو تضعيفه، وقد دعمه بما نقله عن أبي حيان عن العكبري. (¬2) هو محب الدين عبد الله بن الحسين بن عبد الله النحوي البغدادي الشهير بأبي البقاء العكبري، أصله من عكبرا وقد ولد في بغداد سنة (530 هـ). تلقى مختلف العلوم على يد الأعلام حتى حاز قصب السبق في كثير منها وخاصة في العربية التي قرأها على ابن الخشاب وغيره، وكانت لا تمضي عليه ساعة من نهار أو ليل إلا في العلم ونشر علمه على كثيرين حيث كان حسن الأخلاق متواضعا. مصنفاته: كثيرة منها إعراب القرآن، وإعراب الحديث، واللباب في علل البناء والإعراب، وإعراب القراءات الشاذة، وإيضاح المفصل، وشرح أبيات الكتاب، وشرح اللمع، وشرح ديوان الحماسة، وشرح ديوان المتنبي، وأكثرها في أيدي الناس. ومات العكبري سنة (616 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 39) والأعلام (4/ 208). (¬3) التذييل والتكميل (2/ 298). (¬4) شرح التسهيل (1/ 168). وعلق أبو حيان على كلام ابن مالك فقال: «وما نقله المصنف من -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال المصنف: ولا يؤتى به مع الخبر المقدّم - لكان أولى من قوله: ولا يتقدّم. ومن فروع هذه المسألة أنه إذا تقدم مفعولا ظننت عليها جاز أن يأتي الفصل بينهما نحو: زيدا هو القائم ظننت. فإن توسطت ظننت بين المفعولين نحو: زيدا ظننت هو القائم، قال الشيخ: ففي جواز ذلك نظر (¬1). المسألة الثانية: هل لضمير الفصل موضع من الإعراب أو لا؟ وقد اختلف النحويون أولا في صيغ ضمير الفصل، فالأكثرون (¬2) على أنها حروف وأنها تخلصت للحرفية، كما تخلصت الكاف التي في أكرمك للخطاب مع أسماء الإشارة في نحو ذلك. قال المصنف في شرح الكافية: «وإذا لم يكن له موضع من الإعراب فالحكم عليه بالحرفية غير مستبعد» انتهى (¬3). وذهب الخليل (¬4) ووافقه جماعة إلى أنها باقية على الاسمية. ورجح ابن عصفور مذهب الأكثرين (¬5) واستدل على الخليل بأنها لا موضع لها من الإعراب، قال: لو كانت أسماء لكان لها موضع من الإعراب. وقد ردّ على ابن عصفور (¬6) [1/ 181] بأنه لا يلزم من كونها لا موضع لها من الإعراب نفي اسميتها؛ لأن ذلك نفي عارض من العوارض عنها، ونفي ما يعرض لا ينتفي به الأصل إنما ينتفي الشيء بانتفاء وضعه الذي أتى له. - ¬

_ - الجواز عن الكسائيّ مختلف فيه عن الكسائيّ، فالّذي حفظ عنه هشام المنع، والذي حكاه الفراء وغيره عنه الجواز. والمنع قول البصريين وهشام والفرّاء» (التذييل والتكميل: 2/ 298). (¬1) هو ما رآه ابن مالك في الأولى حين يتقدم الخبر حيث لا حاجة إلى الفصل؛ لأن التابع لا يتقدم على المتبوع هنا يقال: لا حاجة إليه ولا يجوز؛ لأنه لا يفصل بين التابع والمتبوع فالأولى عدمه. (¬2) هم أكثر البصريين (المغني لابن هشام: 2/ 496). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (جـ 1، ص 245) (تحقيق د/ عبد المنعم هريدي)، ونص ما ذكره الشارح في (ص 40) من التحقيق وبقية الكلام ... كما فعل بكاف ذلك ونحوه. (¬4) رأي الخليل في المغني (2/ 497)، وفي التذييل والتكميل (2/ 299). (¬5) وهو القول بالحرفية، ونص ما ذكره واستدلاله على الخليل في كتابه شرح الجمل (2/ 161، 162). (¬6) الراد هو أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الأنصاري المالقي المعروف بالشلوبين الصغير، توفي في حدود (660 هـ) (التذييل والتكميل: 2/ 286).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح: ما ذهب إليه الخليل من أنها أسماء ولا موضع لها من الإعراب؛ إذ لا يحتاج إلى ذلك في كل موضع؛ لأن حقيقة الاسمية ثابتة في كل منها، وهي الدلالة على المسمى مثل سائر الأسماء. وإذا ثبت أنه من الأسماء فلا بعد في أن يكون ضميرا؛ إذ دلالته بكناية كسائر الضمائر. ثم القائلون باسمية ضمير الفصل اختلفوا: هل له موضع من الإعراب أو لا؟ فالبصريون على أنه لا موضع له (¬1)، لأن الغرض به الإعلام من أول وهلة؛ ليكون الخبر خبرا لا صفة فاشتد شبهه بالحرف، إذ لم يجأ به إلا لمعنى في غيره، فلم يحتج إلى موضع من الإعراب، ولأنه لو كان له موضع من الإعراب لكان إياي أولى من أنا في نحو: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ (¬2)، ولكان إياه أولى من هو في نحو: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً (¬3). والكوفيون يرون أن له موضعا من الإعراب، فله عند الكسائي ما لما بعده، وله عند الفراء ما لما قبله: فإذا قلت: زيد هو القائم فهو في موضع رفع على مذهبيهما، وإذا قلت: ظننت زيدا هو القائم فهو في موضع نصب، وإذا قلت: كان زيد هو القائم فهو عند الكسائي في موضع نصب، وعند الفراء في موضع رفع (¬4). وقد تبين أن مختار المصنف أن الفصل لا موضع له من الإعراب، لكن لم يشعر - ¬

_ (¬1) قال أبو البركات الأنباري في مسألة ضمير الفصل (2/ 706): «ذهب الكوفيّون إلى أن ما يفصل به بين النّعت والخبر يسمّى عمادا وله موضع من الإعراب، وذهب بعضهم إلى أن حكمه حكم ما قبله، وذهب بعضهم إلى أنّ حكمه حكم ما بعده، وذهب البصريون إلى أنه يسمى فصلا؛ لأنّه يفصل بين النّعت والخبر إذا كان الخبر مضارعا لنعت الاسم ليخرج من معنى النّعت - كقولك: زيد هو العاقل ولا موضع له من الإعراب. (¬2) سورة الكهف: 39. (¬3) سورة المزمل: 20. (¬4) نص رأي الكسائي والفراء في المغني (2/ 497)، وفي التذييل والتكميل (2/ 300)، وفي الهمع (1/ 68). أما من ذهب بأن حكمه حكم ما بعده، فاحتج بأنه مع ما بعده كالشيء الواحد؛ فوجب أن يكون حكمه بمثل حكمه. وأما من ذهب بأن حكمه حكم ما قبله، فاحتج بأنه لما كان توكيدا لما قبله نزل منزلة النفس إذا كانت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلامه بحرفيته إلا ما نقلته عنه من شرح الكافية من أنه لا يستبعد القول بذلك إن قيل به. وأما كلامه في التسهيل فيشعر باسميته لقوله: من المضمرات المسمّى عند البصريّين فصلا. فظاهر هذه العبارة أن صيغ الفصل عنده من المضمرات. وإذا كان كذلك تعين القول باسميتها، ودل كلامه في الشرح على أن القائلين بأن له موضعا يجعلونه توكيدا لما قبله. ورد عليهم بقول سيبويه (¬1): «لو كان كذلك لجاز مررت بعبد الله هو نفسه»، وبأنه قال (¬2): «إن كان زيد لهو الظّريف، وإن كنّا لنحن الصّالحين». قال سيبويه (¬3) «فالعرب تنصب هذا والنّحويّون أجمعون، ولا يكون هو ونحن صفة ومعها اللّام». يعني بالصفة التوكيد. ثم قال سيبويه (¬4): «فصارت هو وأخواتها بمنزلة ما إذا كانت لغوا في أنّها لا تغيّر ما بعدها عن حالته قبل أن تذكر» انتهى. وأشعر كلام سيبويه بأن الفصل لا موضع له من الإعراب. المسألة الثالثة: في تعيين ذلك الضمير للفصلية: وذكر أنه يتعين فصليته في صورتين: إحداهما: إذا ولي ذلك الضمير منصوب وقرن الضمير باللام ظاهرا كان ذو الخبر أو ضميرا، نحو: - ¬

_ - توكيدا وكما أنك إذا قلت جاءني زيد نفسه كان تابعا لزيد في إعرابه، فكذلك العماد إذا قلت زيد هو العاقل، يجب أن يكون تابعا في إعرابه. وأما الذين ذهبوا بأنه لا موضع له من الإعراب وهم البصريون؛ لأنه إنما دخل لمعنى وهو الفصل بين النعت والخبر كما تدخل الكاف في ذلك وتلك وتثنى وتجمع ولا حظ لها في الإعراب، وما تكون للتوكيد ولا حظ لها في الإعراب. وردوا رأي الكسائي القائل بأن محله ما بعده، قالوا: هذا باطل؛ لأنه لا تعلق له بما بعده لأنه كناية عما قبله. وردوا على رأي الفراء القائل: محله ما قبله لأنه توكيد، قالوا: هذا باطل أيضا؛ لأن المكني لا يكون تأكيدا للمظهر في شيء من كلامهم. (الإنصاف: 2/ 706). (¬1) الكتاب (2/ 390). (¬2) المرجع السابق. (¬3) الكتاب (2/ 391). (¬4) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن كان زيد لهو الفاضل، وإن كنت لأنت الفاضل، وإن ظننت زيدا لهو الفاضل، وإن ظننتك لأنت الفاضل. وإنما تعينت فصليته في هذه الصورة لامتناع حمله [1/ 182] على غير الفصلية، وذلك لأن الابتدائية فيه تمتنع لنصب الواقع بعده، وكذا البدلية والتأكيد؛ لأن اللام المذكورة لا يفصل بها بين التابع والمتبوع، وإذا امتنع كونه مبتدأ وتابعا تعين كونه فصلا. الصورة الثانية: إذا ولي ذلك الضمير منصوبا أيضا كما في الأولى ولم يقرن هو باللام، لكن ولي ظاهرا نحو: ظننت زيدا هو القائم، فقول المصنف: أو ولي معطوف على قوله: وقرن باللّام لا على قوله: وليه منصوب؛ لأن شرط تعينه للفصلية في الصورتين هو أن يليه منصوب. ثم لا بد مع هذا الشرط من أحد شيئين: وهو أن يقرن الضمير باللام أو يلي هو ظاهرا وإن لم يقرن بها. وإنما تعينت فصليته في هذه الصورة أيضا؛ لامتناع حمله على غير الفصلية. أما منع الابتدائية فيه فظاهر لنصب ما بعده، وأما التوكيد فيه فممتنع أيضا؛ لأن الظاهر لا يؤكد بالضمير، وأما البدل فذلك لعدم المطابقة في الإعراب. واعلم أن المصنف يدخل عليه لكونه اقتصر في هذه الصورة الثانية على قوله: أو ولي ظاهرا نحو: كان زيد هو القائم؛ لأنه قد ولي الضمير فيه منصوب، والضمير قد ولي ظاهرا، ومع هذا لا تتعين الفصلية في هذا المثال؛ إذ يجوز أن يكون الضمير بدلا من الظاهر الذي هو زيد لاتفاقهما في الإعراب، فكان الواجب أن يقول: وولي ظاهرا منصوبا؛ ليندفع عنه هذا الداخل. أما غير هاتين من الصور التي يؤتى فيها بضمير الفصل، فلا يتعين ذلك الضمير فيها للفصلية، بل يجوز كونه فصلا وغير فصل؛ فنحو زيد هو القائم يجوز في هو أن يكون فصلا وغير فصل وأن يكون بدلا وأن يكون مبتدأ ثانيا. وإن كان المبتدأ مضمرا نحو: أنت أنت القائم، جازت الأوجه الثلاثة (¬1) وزاد رابع وهو أن يكون توكيدا. - ¬

_ (¬1) هي الابتداء والفصل والبدل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحو كان زيد هو القائم، وكنت أنت القائم، مع رفع القائم في المثالين يتعين أن يكون الضمير مبتدأ، ونحو كان زيد هو القائم بنصب القائم يجوز الوجهان (¬1). ووجه ثالث وهو التوكيد. ونحو إن زيدا هو القائم يجوز فيه الابتداء والفصل (¬2)، ونحو إنّك أنت القائم يجوز فيه الوجهان (¬3) ووجه ثالث وهو التوكيد. ونحو ظننت زيدا هو القائم، وظننتك أنت القائم بنصب القائم يجوز فيه الفصلية والتأكيد. المسألة الرابعة: هو أن كثيرا من العرب (¬4) يجعلون هذا الضمير مبتدأ، ويخبرون عنه بما بعده فيقرءون: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ (¬5)، وتجدوه عند الله هو خير (¬6) بالرفع. قال سيبويه (¬7): «بلغنا أنّ رؤبة كان يقول: أظنّ زيدا هو خير منك، وحدّثنا عيسى أنّ ناسا [1/ 183] كثيرا من العرب يقولون: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ - ¬

_ (¬1) هما الفصل والبدل: أما الفصل فهو الأصل، وأما البدل فإنه يجوز إبدال المضمر من الظاهر، وأما الوجه الثالث الذي ذكره فهو وهم وخطأ؛ حيث لا يؤكد الظاهر بمضمر، فالمثال المذكور ليس فيه إلا الوجهان المذكوران فقط. وما وهم فيه ناظر الجيش وهم فيه أبو البقاء العكبري، فقد أجاز في إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر: 3]، التوكيد ورده ابن هشام (المغني: 2/ 497). (¬2) ووجه ثالث وهو البدل عند من أجاز إبدال المضمر من الظاهر. (¬3) الابتداء والفصل، ويمتنع البدل لأن الضمير المنفصل ضمير رفع. (¬4) هم التميميون كما في البحر المحيط (8/ 27). (¬5) سورة الكهف: 39، والقراءة المشهورة نصب أقل على أنها المفعول الثاني لترى، وأنا فصل أو توكيد، وقراءة الرفع على أن تكون أنا مبتدأ وأقل خبره، والجملة في موضع المفعول الثاني. (التبيان: 2/ 848). (¬6) سورة المزمل: 20. قال أبو حيان: «قرأ الجمهور هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً بنصبهما، واحتمل هو أن يكون فصلا وأن يكون توكيدا»، قال: «وأجاز أبو البقاء أن يكون بدلا وهو وهم لأنه لو كان بدلا لكان إيا». ثم قال: «وقرأ أبو السمال وابن السميفع هو خير وأعظم برفعهما على الابتداء والخبر، قال أبو زيد: هي لغة بني تميم يرفعون ما بعد الفاصلة». ثم أنشد الشاهد الآتي (البحر المحيط: 8/ 367). (¬7) الكتاب (2/ 392) وأوله يقول: «وقد جعل ناس كثير من العرب هو وأخواتها في هذا الباب بمنزلة اسم مبتدأ وما بعده مبنيّ عليه، فكأنّه يقول: أظنّ زيدا أبوه خير منه؛ فمن ذلك بلغنا أنّ رؤبة ...» إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظَّالِمِينَ (¬1)» وأنشد: 288 - تبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت عليها بالملا أنت أقدر (¬2) قال المصنف في شرح الكافية: «البصريّون يلتزمون الرّفع في كلّ ما كان فيه الثّاني غير الأوّل، نحو: كان زيد هو القائمة جاريته؛ فإن قلت كان زيد هو القائم الجارية أجازوا النّصب» انتهى (¬3). ثم ها هنا أمران: أحدهما: أن هؤلاء العرب المشار إليهم الملتزمين لابتدائية هذا الضمير والإخبار عنه بما بعده لا يعرفون ضمير الفصل، أي لا يستعملونه في أساليب كلامهم، وإذا نطقوا بكلام غيرهم وكان مشتملا على الضمير المذكور - رفعوا ما بعده إن لم يكن مرفوعا، وجعلوه خبرا عنه؛ حتى إنهم يعدلون في الصورتين اللتين تعينت الفصلية فيهما عن نصب ما هو بعد ذلك الضمير إلى رفعه. والحاصل: أنهم لا ينطقون بالفصل أصلا. - ¬

_ (¬1) سورة الزخرف: 76، قال الفراء: «من جعل (هم) عمادا نصب الظّالمين، ومن جعلها اسما رفع وهي في قراءة عبد الله ولكن كانوا هم الظالمون». (معاني القرآن للفراء: 3/ 37). (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو لقيس بن ذريح الكناني صاحب لبنى بنت الحباب الكعبية. وكان قد تزوجها ثم طلقها وندم على ذلك، ومما قاله في ذلك بيت الشاهد وبعده: فإن تكن الدّنيا بلبنى تقلّبت ... عليّ فللدّنيا بطون وأظهر لقد كان فيها للأمانة موضع ... وللكفّ مرتاد وللعين منظر اللغة: تبكي: البكاء معروف؛ وفيه خرم وهو حذف أول الوتد المجموع، وروي بهمزة الاستفهام فلا خرم، كما روي مكانه: تحن إلى ليلى. الملا: المتسع من الأرض. وهو في البيت والقصيدة يندم على ما فعل مع زوجته. وشاهده قوله: وكنت عليها بالملا أنت أقدر؛ حيث جاء ما بعد ضمير الفصل مرفوعا وحقه النصب. والبيت في معجم الشواهد (ص 135)، وفي التذييل والتكميل (2/ 303)، وفي شرح التسهيل (1/ 169). ترجمة قيس: هو قيس بن ذريح بفتح الذال، من بني كنانة، أحد عشاق العرب المشهورين، وصاحبته لبنى التي ذكرنا طرفا من أخباره معها في بيت الشاهد. وقد أرضعت أمه الحسين بن علي، فهو أخو الحسين في الرضاعة. عاش زمن معاوية الخليفة، وقد أهدر معاوية دمه لأنه تعرض في شعره للنبي عليه السّلام. (انظر أخباره في الشعر والشعراء: 2/ 632). (¬3) شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 246) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: ذكر النحاة عند ذكرهم اشتراط تعريف الخبر تقسيما ينشأ عنه مسائل اختلف الأئمة فيها جوازا ومنعا فقالوا: لم يشترط البصريون في تعريف الخبر شرطا؛ فالمضمر والعلم والمبهم والمعرف باللام (¬1) والمضاف إلى واحد منها في ذلك سواء. وقال الفراء: «إن كان معرفة بغير اللّام: لم يجز إلّا الرّفع، ولا يجوز أن يكون فصلا» (¬2). وأما إن كان معرفة باللام: فإن كان في باب ما فلا يجوز الفراء أن يكون فصلا نحو: ما زيد هو القائم. وإن كان في باب ليس: فالرفع الوجه عند الفراء، نحو: ليس زيد هو القائم، ويجوز النصب. وأما البصريون (¬3) فالنصب عندهم هو الوجه وأجازوا الرفع. وإن كان في غير ليس: فإما أن يكون دخل على الخبر لام الفرق، أو فاء جواب أما، أو دخل على صيغة المضمر لا النافية أو إلا، أو كان في معنى ما دخل عليه إلا. فإن دخلت لام الفرق، نحو: إن كان زيد هو للقائم فلا يجوز أن يكون فصلا، وينصب القائم عند الفراء، وهو الذي يقتضيه تعليل سيبويه، لأن الفصل إنما جيء به فرقا بين النعت والخبر، فيجب ألا يجوز النصب، لأن اللام لا تدخل في النعت، وعلى قول أبي العباس يجوز النصب؛ لأن الفصل عنده إنما يؤتى به ليدل على أن الخبر معرفة أو ما قاربها (¬4). وإن دخلت على الخبر فاء جواب أما نحو قولك: أمّا زيد هو فالقائم - فذهب سيبويه والفراء إلى أنه لا يجوز الفصل؛ لأن دخول الفاء يدل على أنه ليس بنعت. - ¬

_ (¬1) يقصد بالمبهم أسماء الإشارة، ويدخل في المعرف باللام الأسماء الموصولة. (¬2) أخذ رأي الفراء من كتابه معاني القرآن (1/ 409) عند تفسير قوله تعالى: وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ [الأنفال: 32] يقول: في الحق النصب والرفع إن جعلت هو اسما رفعت الحق بهو، وإن جعلتها عمادا بمنزلة الصلة نصبت الحق، وكذلك فافعل في أخوات كان وأظن وأخواتها .... ولا بد من الألف واللام إذا وجدت إليهما السبيل، فإن جئت إلى الأسماء الموضوعة مثل عمرو ومحمد أو المضافة مثل أبيك وأخيك رفعتها فقلت: أظن زيدا هو أخوك، وإذا أمكنتك الألف واللام ثم لم تأت بهما فارفع فتقول: رأيت زيدا هو قائم ... إلخ بتلخيص. (¬3) التذييل والتكميل (2/ 289، 290). (¬4) التذييل والتكميل (2/ 290).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى قول أبي العباس يجب أن يجوز (¬1). وإن دخلت لا النافية على صيغة المضمر نحو قولك: كان عبد الله لا هو العالم ولا المقارب؛ فمذهب البصريين جواز الفصل والنصب؛ لأن (لا) لا تغير من هذا شيئا، ويفرق بها بين النعت والمنعوت لا اختلاف في ذلك. وذهب الفراء إلى أنه لا يجوز إلا الرفع فيهما جميعا (¬2). وإن دخلت (إلا) [1/ 184] على صيغة المضمر نحو: ما كان زيد إلّا هو الكريم؛ فذهب البصريون والفراء إلى أنه لا يجوز الفصل ولا النصب، وذهب الكسائي إلى جواز ذلك؛ لأن المعنى: ما كان زيد إلا الكريم. وإن كان الكلام في معنى ما دخل عليه (إلا) نحو: إنّما كان زيد هو القائم؛ فهي عند الفراء كالمسألة التي قبلها (¬3). والحجة في إجازتها أن النعت هنا يجوز. * وإن لم يدخل على الخبر ولا على صيغة الضمير شيء مما ذكر فإما أن يكون الخبر جامدا أو مشتقّا: إن كان جامدا: جاز أن يكون فصلا، نحو قوله تعالى: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ (¬4)، وإن كان مشتقّا: فإما أن يرفع ضمير الأول أو سببيه: إن رفع ضمير الأول: فإما أن يتقدم عليه ما ظاهره التعلق به من حيث المعنى أو لا يتقدم، نحو: كان زيد هو بالجارية الكفيل. فإن أردت يكون بالجارية في صلة الكفيل لم تجز المسألة بإجماع رفعت الكفيل أو نصبته. وإن أردت ألا تكون في صلة الكفيل، فمن النحاة من يجعل ذلك تبيينا، ومنهم من يقدره هو كفيل بالجارية الكفيل، ومنهم من يجعل الكفيل بمنزلة الرجل، والرفع في الكفيل هو البين. فإن - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 290)، وكتاب سيبويه (2/ 390). (¬2) أي تتعين ابتدائية الضمير عنده، وأما البصريون فجوزوا الفصل والنصب لأن (لا) لا تصلح فارقة بين النعت والمنعوت (المرجع السابق لأبي حيان). (¬3) أي مسألة ما وإلا لأن إنما تؤدي معناهما، وعليه فالفراء لا يجوز الفصل ولا النصب فيها، وأجاز الفصل غيره، لأن النعت هنا يجوز بخلاف الأولى للفصل بإلا. (¬4) سورة الأنفال: 32. وانظر ما نقلناه عن الفراء في هذه الآية في الصفحة السابقة. والنصب في الآية قراءة العامة، والرفع قراءة زيد بن علي والمطوعي عن الأعمش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نصبت الكفيل لم تجز المسألة عند الفراء بوجه، وعلى أصول البصريين إذا جعلت الجارية تبيينا جاز النصب في هذا الوجه خاصة. وإن لم يتقدم جاز الفصل نحو: كان زيد هو الكفيل بالجارية، وظننت زيدا هو القائم، وكان زيد هو الحسن الوجه (¬1). وإن كان رافعا السببي والضمير مطابق للاسم نحو: ظننت زيدا هو القائم أبوه، وهو القائمة جاريته، فلا يجوز فيه عند البصريين الفصل؛ بل يجب الرفع، وأجاز الكسائي الفصل والنصب. وفصل الفراء بين أن يكون خلفا (¬2) فيوافق الكسائي، وغير خلف فيوافق البصريين. وإن كان مخالفا نحو: كان زيد هي القائمة جاريته؛ فأجاز الكسائي النصب ومنع الفراء والبصريون هذه المسألة، فلا يجوز لا برفع ولا بنصب لتقدم المكني على الظاهر (¬3). وإذا عطفت بالواو: فإن لم يذكر الضمير بعدها نحو: كان زيد هو المقبل والمدبر جاز الوجهان: الرفع والنصب - وإن ذكر بعدها واختلف الخبران نحو: كان زيد هو القائم وهو الأمير، فلا يجوز في الأمير عند البصريين والفراء إلا الرفع، وأجاز هشام فيه النصب (¬4). وإن اتفقا نحو: كان زيد هو المقبل وهو المدبر، فالرفع في المقبل والمدبر عند البصريين فقط، وأجاز النصب الفراء وهشام (¬5). وإذا عطفت بلا وذكرت الضمير بعدها نحو: كان زيد هو القائم لا هو القاعد رفعت على قول البصريين، ونصبت على قول هشام - وإن لم يذكر نحو: كان زيد هو القائم لا القاعد جاز رفعهما ونصبهما بلا خلاف. وإذا عطفت بـ (ولكن) نحو: ما كان زيد هو القائم ولكن هو القاعد رفعت القاعد في قول البصريين وأجاز هشام النصب (¬6) [1/ 185]. واعلم أن فائدة الفصل عند الجمهور هو إعلام السامع أن ما بعده لا يكون نعتا مع - ¬

_ (¬1) انظر في هذا البيان وفي تلك التوجيهات والتخريجات (التذييل والتكميل: 2/ 292) مع توضيح وبعض تغيير من الشارح. (¬2) أي الوصف خلفا عن موصوف، فيكون معناه: ظننت زيدا هو الرّجل القائم أبوه. (¬3) التذييل والتكميل (2/ 292)، والهمع (1/ 70). (¬4) التذييل والتكميل (2/ 292، 293)، والهمع (1/ 70). (¬5) المرجعان السابقان. (¬6) المرجعان السابقان، والعجيب أن هذا التفصيل نقله الشارح من التذييل والتكميل، ولم يشر إليه على غير عادته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التوكيد (¬1). وقال السهيلي (¬2): «فائدته الاختصاص، فإذا قلت: كان زيد القائم، كان إخبارا عن زيد بالقيام، واحتمل أن يكون غيره قد شاركه فيه، وإذا قلت: كان زيد هو القائم أفاد اختصاصه بالقيام دون غيره، وعلى هذا معنى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (¬3) أنه المختص بالبتر دونك يا محمد، والآية نزلت في العاص بن وائل (¬4). وجعل من الاختصاص قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (¬5)، وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (¬6)، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (¬7)، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (¬8). لما كان ثم من يدعي أنه يضحك ويبكي، ويميت ويحيي ويفني ويغني، وأن الشعرى رب - أخبر تعالى عن نفسه بأنه هو المختص بذلك، وقال تعالى: وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ (¬9) لما لم يدّع أحد الخلق لم يحتج إلى التخصيص» انتهى. ولا يخفى (¬10) أن الخبر الواقع بعد ضمير الفصل لا يكون فعلا؛ فإدراجه ذلك في التمثيل ليس بجيد. إلا أن الشيخ حكى أن الجرجاني حكى أن بعضهم أجاز أن يكون ما بعد صيغة الضمير الذي هو فصل فعلا مضارعا نحو: كان زيد هو يقوم (¬11) وكذا في كلام - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 303)، والمغني (2/ 496) وقد سمى ابن هشام الفائدة الأولى وهي الاختصاص: لفظية، وسمى الثانية وهي التوكيد: معنوية. (¬2) انظر في رأي السهيلي: المغني (2/ 494)، والهمع (1/ 69)، والتذييل والتكميل (2/ 303). (¬3) سورة الكوثر: 3. (¬4) قال ابن كثير (توفي: 774 هـ) في تفسيره المسمى بتفسير القرآن العظيم (4/ 559) قال ابن عباس وجماعة: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له؛ فإذا هلك انقطع ذكره. فأنزل الله هذه السورة. (¬5) سورة النجم: 43. (¬6) سورة النجم: 44. (¬7) سورة النجم: 48. (¬8) سورة النجم: 49. (¬9) سورة النجم: 45. (¬10) فيه تضعيف لما ذهب إليه السهيلي في الآيات السابقة من أن هذا الضمير للفصل وأنه أفاد الاختصاص. (¬11) التذييل والتكميل (2/ 294). قال ابن هشام (المغني: 2/ 494): وتبع الجرجاني أبو البقاء فأجاز الفصل في: وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر: 10] وانظر التبيان لأبي البقاء (2/ 1073)، والمقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أصحاب علم البيان ما يشعر بجواز ذلك. لكن قد تقدم النقل عن سيبويه بأن هو لا يكون فصلا حتى يكون ما بعده معرفة أو ما أشبه المعرفة، وبأنه قال: فلو قلت: كان زيد هو منطلقا كان قبيحا (¬1). وأما إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (¬2)، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (¬3)، فمحتمل ما قاله (¬4) ووافق السهيلي في هذه الدعوى أصحاب علم البيان، فقالوا: إنّ ضمير الفصل يفيد الاختصاص (¬5). ولنختم الكلام على الفصل بمسألة ذكرها الشيخ في ارتشاف الضرب (¬6) له وهي: «ما إذا اجتمع ضميران مع الفصل ولم يفصل بينهما، نحو: زيد ظننته هو إيّاه القائم؛ فمذهب سيبويه لا يجوز ذلك، وإن فصلت وأخّرت البدل جاز نحو: ظننته هو القائم إياه سواء كان الفصل بالمفعول الثاني كما مثّلنا أم بظرف معمول الخبر نحو: ظننته هو يوم الجمعة إيّاه القائم إذا جوّزنا معمول ذي أل أن يتقدم عليها، فإن كان أحدهما إضمارا والآخر ظاهرا جاز اتفاقا، نحو: ظننته هو نفسه القائم» (¬7). * * * ¬

_ (¬1) سبق ذكر النصوص كاملة ومواضعها من كتاب سيبويه. (¬2) سورة الكوثر: 3. (¬3) سورة النجم: 49. (¬4) وهو أن هذه الضمائر للفصل، وأنها أفادت الاختصاص والتوكيد أيضا وهما متقاربان. (¬5) قال الإمام السكاكي (في كتابه مفتاح العلوم: ص 83) في معرض الحديث عن المسند إليه. «وأما الحالة الّتي تقتضي الفصل فهي إذا كان المراد تخصيصه كقولك: زيد هو المنطلق، زيد هو أفضل من عمرو أو خير منه، زيد هو يذهب». وقال الخطيب القزويني صاحب الإيضاح (بغية الإيضاح: 1/ 105): «أمّا توسّط الفصل بين المسند إليه والمسند فلتخصيصه به، كقولك: زيد هو المنطلق، أو هو أفضل من عمرو، أو خير منه، أو هو يذهب». (¬6) ارتشاف الضرب من لسان العرب، سفر كبير لأبي حيان لخص فيه ما فصله في سفره الآخر في النحو وهو التذييل والتكميل، وقد طبع الكتاب مرتين الأولى سنة (1984 م) بتحقيق الدكتور/ مصطفى النماس (جامعة الأزهر) وقد انتفع الناس بها حيث حقق الكتاب لأول مرة، والثانية سنة (1998 م) بتحقيق الدكتور/ رجب عثمان (جامعة القاهرة) وقد انتفع الناس بتعليقاتها الكثيرة، وكل له فائدة. (¬7) انظر النص المذكور في الجزء الأول (ص 495) (تحقيق الدكتور النماس) والجزء الثاني (ص 959) (تحقيق الدكتور/ رجب عثمان).

الباب الثامن باب الاسم العلم

الباب الثامن باب الاسم العلم [تعريف العلم] قال ابن مالك: (وهو المخصوص مطلقا تعليقا أو غلبة بمسمّى غير مقدّر الشّياع. أو الشّائع الجاري مجراه). قال ناظر الجيش: المخصوص: مخرج لاسم الجنس؛ فإنه شائع غير مخصوص. ومطلقا: مخرج للمضمرات؛ فإن كل واحد منها مخصوص باعتبار غير مخصوص باعتبار. وذلك أن لفظ أنا وضع ليخص به المتكلم نفسه. ولكل متكلم منه نصيب حين يقصد نفسه. فهو مخصوص باعتبار كونه لا يتناول غير الناطق به، وغير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل مخبر عن نفسه. وكذا اسم [1/ 186] الإشارة، فإن لفظ ذا وضع ليخص به مشار إليه مفرد مذكر قريب، فهو مخصوص باعتبار الحال والمحل، غير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل ما اتصف بالحال وحصل في المحل. وتعليقا أو غلبة: بيان لصنفي الأعلام لا إخراج لشيء خيف دخوله، ولا إدخال لشيء خيف خروجه؛ لأن ما سواهما مغن لكن بإجمال. والمراد بالتعليق: تخصيص الشيء بالاسم قصدا كتسمية المولود له ابن: زيدا. والمراد بالغلبة: تخصيص أحد المشتركين أو المشتركات بشائع (¬1) اتفاقا كتخصيص عبد الله بابن عمر، ويثرب بالمدينة، ومصنف سيبويه بالكتاب. وغير مقدّر الشّياع: مخرج للشمس والقمر ونحوهما؛ فإنهما مخصوصان بالفعل شائعان بالقوة. ولما كان العلم نوعين: شخصي وجنسي وأشار إلى الشخصي بما تقدم - أشار إلى الجنسي بقوله: أو الشّائع الجاري مجراه أي الجاري مجرى المخصوص، فالمعنى: العلم هو المخصوص أو الشائع الجاري مجرى المخصوص؛ فهو قسيم المخصوص لا قسم منه. وذلك نحو أسامة للأسد، وذؤالة للذئب، وشبوة للعقرب؛ فإنها أعلام في اللفظ إذ لا تضاف ولا يلحقها حرف التعريف ولا يصرف ذو سبب منها (¬2) زائد على العلمية وهي باعتبار المعنى شائعة غير مخصوصة، إلا أنها تستعمل - ¬

_ (¬1) في شرح التسهيل (1/ 170): في شائع. (¬2) في نسخة (ب): ولا يصرف منها ذو سبب. وكذا في شرح التسهيل لابن مالك، ولا فرق بينهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمال ذي الألف واللام المعهود، فيقال: هذا أسامة مفترسا كما يقال: هذا الأسد منظورا إليه، ويقال: أسامة شرّ من ذؤالة، فيقصد بها الشمول كما يقصد إذا قيل: «الأسد شر من الذئب». هذا كلام المصنف (¬1). وفيه أبحاث: الأول: ناقش الشيخ المصنف في قوله: «المخصوص مخرج لاسم الجنس؛ لأن الجنس في الحدّ لا يؤتى به للاحتراز» (¬2). والجواب: أن المخصوص هنا فصل لا جنس؛ لأنه صفة لمحذوف، التقدير: وهو الاسم المخصوص. فالاسم جنس يشمل المعارف والنكرات، والمخصوص فصل يفصل المعارف عن غيرها. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 170، 171). ينبغي أن نعرف قبل الدخول في هذا الباب «العلم» وباب المعرف بأل وكلاهما من المعارف - أن نقف على معرفة هذه المصطلحات والفرق بينها وهو دقيق فنقول: المعرفة: ما وضع لمعين كالضمائر وغيرها من أنواع المعارف. النكرة: ما وضع لغير معين كرجل وكتاب لأي رجل وأي كتاب، فهي تطلق على فرد واحد منتشر. والفرق بينهما التعيين كما ترى. علم الشخص: هو المخصوص الموضوع لمعين ذهنا بتوهم وجوده خارجا كالعلم الذي يضعه الوالد لابنه، أو علم القبيلة أو علم المدينة أو علم الحيوان. علم الجنس: هو الموضوع للحقيقة المعينة ذهنا باعتبار حضورها فيه، كوضع أسامة للحقيقة المتحدة في الذهن وهي جنس الأسود، ويطلق على الواحد منه فتقول: هذا أسامة مقبلا، ولما كان موضوعا للحقيقة كان متعددا، لكن التعدد جاء ضمنا لا باعتبار أصل الوضع. ومن هنا أخذ حكم علم الشخص لفظا في أمور كنصب النكرة بعده على الحال ... إلخ. وأخذ حكم النكرة معنى حين أطلق على كثيرين من أمته. اسم الجنس: ما وضع للحقيقة المعينة ذهنا مع عدم اعتبار الحضور فيه كإطلاق رجل على جنس الرجال، وأسد على جنس الأسود. وعلامته أن دخول أل عليه لا تؤثر فيه شيئا باعتبار اللفظ، تقول: الرجل خير من المرأة. والفرق بينه وبين النكرة أن النكرة وضعت لفرد واحد منتشر. أما هذا فوضع للجنس. وقد يعامل اسم الجنس المقترن بأل معاملة المعرفة؛ باعتبار دخول أل عليه، ومن هنا قالوا في قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: 37] إن جملة نسلخ حال أو صفة. (¬2) التذييل والتكميل (2/ 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الثاني: يظهر من كلام المصنف أنه لم يخرج بقوله مطلقا من المعارف إلا المضمرات وأسماء الإشارة. ثم إنه قال: «إنّ كلّا من المضمرات وأسماء الإشارة مخصوص باعتبار، غير مخصوص باعتبار» وفي كلا الأمرين نظر. أما الأول: فلأنه إذ ذاك يحتاج إلى ذكر قيد زائد في الحد يخرج به بقية المعارف إلّا أن يقول: إن بقية المعارف مساوية للضمير واسم الإشارة في أن لها تخصيصا باعتبار، وشياعا باعتبار آخر؛ وإنما استغنيت بذكرهما عن ذكر غيرهما، لكن عبارته تشعر بحصر المخرج فيهما. وأما الثاني: فلإشعار كلامه بأن المضمرات وأسماء الإشارة كليات وضعا، وذلك يقتضي انحطاط رتبة المضمرات في التعريف عن رتبة العلم. وقد تقدم له أن المضمر أعرف المعارف فيؤدي كلامه حينئذ إلى التدافع (¬1) والأولى أن يكون كلامه مطلقا فصلا يفصل العلم عن سائر المعارف؛ فإن كلّا منها مخصوص لا مطلقا بل بقيد. فالضمير [1/ 187] مخصوص بقيد الحضور أو الغيبة، واسم الإشارة بقيد الحضور، وذو الألف واللام بقيد العهد أو غيره من المعاني المفادة بها مع مصحوبها، وأمّا العلم فمخصوص بمسماه مطلقا، أي دون قيد، بل مجرد وضع اللفظ لذلك المعنى كاف في التخصيص. وهذا الذي أشير إليه هو ما أفهمه كلامه في الكافية، حيث قال: ما عيّن المعنى بلا قيد علم وفي الألفية حيث قال: - ¬

_ (¬1) معنى التدافع أي التناقض والاختلاف وذلك لأنه سبق له أن قال: إن الضمير أعرف المعارف؛ لأنه جزئي وضعا فأنا وضع للمتكلم والمتكلم حال التكلم معين وهكذا الخطاب. وهنا قال: إن العلم: هو المخصوص مطلقا بمسمى غير مقدر الشياع، وذكر أن المخصوص مخرج للمضمرات لأن كل واحد منها مخصوص باعتبار غير مخصوص باعتبار، فلفظ أنا وضع ليخص به المتكلم نفسه، ولكل متكلم منه نصيب حين يقصد نفسه، فيكون أقل تعريفا من العلم. وسبق له أن قال: إن الضمير أعرف المعارف. وهذا هو التناقض. وقد أجاب عنه ناظر الجيش إجابة مقنعة.

[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل]

[تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل] قال ابن مالك: (وما استعمل قبل العلميّة لغيرها منقول منه، وما سواه مرتجل. وهو إمّا مقيس وإما شاذّ بفكّ ما يدغم أو فتح ما يكسر، أو كسر ما يفتح، أو تصحيح ما يعلّ، أو إعلال ما يصحّح). ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم يعيّن المسمّى مطلقا (¬1) البحث الثالث: الظاهر أن قوله: غير مقدّر الشّياع غير محتاج إليه؛ لأنه إنما ذكره ليخرج نحو شمس وقمر كما تقدم، ولا شك أن الشمس والقمر لم يوضعا لأن يعينا مسماهما، بل على أنهما أسماء جنس وإن كان مسمى كل منهما واحدا بالشخص، فإنما هو من حيث إن الواقع في الوجود كذلك، وعلى هذا لم يدخل نحو شمس وقمر تحت قوله: وهو المخصوص بمسمّى فيحتاج إلى إخراجه بقوله: غير مقدّر الشّياع (¬2). قال ناظر الجيش: العلم يذكر له تقسيمات باعتبارات (¬3): فالأول: تقسيمه إلى منقول ومرتجل. فأما المنقول: فهو ما كان موضوعا لشيء قبل ذلك، ثم جعل اسما لشيء آخر، وهذا هو مراد المصنف بقوله: وما استعمل قبل العلميّة لغيرها منقول منه. والمرتجل: بخلافه أي الذي لم يكن موضوعا لشيء، بل اخترع للعلمية، - ¬

_ (¬1) شرح الأشموني للألفية (1/ 127). وقد شرح البيت بما ذهب إليه الشارح، وقسم القيد المذكور أو القرينة التي تعين المسمى إلى لفظية كأل والصلة أو معنوية كالحضور والغيبة. قال الصبان: «كان عليه أن يقول أو حسيّة كالإشارة الحسّيّة في اسم الإشارة؛ لأنّها القرينة الّتي بها تعين مدلول اسم الإشارة لا مجرّد الحضور» وهو خلاف ما ذهب إليه شارحنا أيضا. حيث جعل الحضور قيد اسم الإشارة. وأرى أنه لا فرق بينهما. (¬2) يوجد هامش كثير في هذه الصفحة في نسخة (ب). ولم أستطع قراءته لطمسه ولا يخرج عن كونه تعليقا على كلام الشارح. (¬3) قسم باعتبار الوضع: إلى مرتجل ومنقول. وقسم باعتبار ذاته: إلى مفرد ومركب، والمركب ثلاثة أقسام. وقسم باعتبار آخر: إلى اسم وكنية ولقب. وقسم باعتبار تخصيص الشيء بالاسم قصدا، أو تخصيص أحد المشتركين بشائع: إلى علم بالتعليق أو علم بالغلبة. كما ينقسم باعتبار الشيوع أو عدم الشيوع: إلى علم الشخص كزيد، وعلم الجنس كأسامة لجنس الأسود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تعويل على قول من جعل الأعلام كلها منقولة، وأنكر المرتجل؛ إذ الواقع بخلافه (¬1). ثم الواقع منقولا في كلام العرب اثنا عشر نوعا، وبيانه أن المنقول إما اسم أو فعل أو جملة فعلية. أما الاسم فستة أقسام: لأنه إما صوت أو غير صوت، وغير الصوت إما صفة هي اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو صفة مشبهة - وإما غير صفة: فإما اسم عين أو اسم معنى (¬2). وأما الفعل فثلاثة: ماض ومضارع وأمر. وأما الجملة الفعلية فثلاثة أقسام أيضا: لأن فاعلها إما ظاهر أو مضمر بارز أو مستتر، ولم ينقل من حرف ولا جملة اسمية. أما الصوت فنحو ببّة وهو لقب عبد الله بن الحارث بن نوفل (¬3) لقب به لأنه قال في صباه ببّة كما يقول الصبيان فسمي بذلك. قالت أمه بنت أبي سفيان ترقصه: 289 - لأنكحنّ ببّة ... جارية خدبّة مكرمة محبّة ... تجبّ أهل الكعبة (¬4) وأما اسم الفاعل فنحو: حارث وغالب واسم المفعول نحو منصور ومسعود، والصفة المشبهة نحو: سعيد وحسن، وأما اسم العين فنحو: ثور وأسد، وأما اسم - ¬

_ (¬1) ذكر السيوطي حجة المنكر قائلا: إن الوضع سبق ووصل إلى المسمى الأول وعلم مدلول تلك اللفظة في النكرات وسمي بها، وجهلنا نحن أصلها، فتوهمها من سمى بها من أجل ذلك مرتجلة (الهمع: 1/ 71). (¬2) وعليه فالصوت واحد، والصفة ثلاثة، وغير الصفة اثنان. (¬3) هو عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي القرشي وال من أشراف قريش من أهل المدينة، أمه هند أخت معاوية. ولد سنة (8 هـ)، كان ورعا ظاهر الصلاح، ولاه ابن الزبير على البصرة، ولما قامت فتنة ابن الأشعث خرج إلى عمان هاربا من الحجاج حتى توفي سنة 84 هـ، ترجمته في الأعلام (4/ 205). (¬4) الأبيات من الرجز المنهوك قالتها هند بنت أبي سفيان ترقص ابنها عبد الله وهو صغير، وكان غلاما كثير اللحم ممتلئ الجسم، والأبيات في لسان العرب مادة: ببب (1/ 202). اللغة: ببّة: بالتشديد هي في الأصل حكاية صوت صبي، ثم نقل من هذا الصوت إلى العلمية، وهو موضع الشاهد. وقيل: هو لقب لقبته به أمه لكثرة لحمه (لسان العرب: 1/ 202) الجارية الخدبّة: هي الممتلئة. مكرمة محبّة: أي يكرمها أهلها ويحبونها. تجبّ: أي تغلب، والمعنى تغلب نساء قريش في حسنها وجمالها. وقيل: الرواية تحب بالحاء من الحب ضد البغض والمعنى واضح. وانظر مراجع الأبيات في معجم الشواهد (ص 442). وهي في التذييل والتكميل (2/ 311).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى فنحو سعد وفضل، ومنه إياس مصدر آسه يؤوسه إياسا وأوسا إذا أعطاه (¬1). وأما الفعل الماضي فنحو: شمّر وكعسب، الأول من شمر إزاره إذا رفعه أو شمر في الأمر خف. والثاني من كعسب إذا أسرع أو قارب الخطى. وأما الفعل المضارع فنحو: تغلب ويشكر. وأما الفعل الأمر فنحو: إصمت في قول الشاعر [1/ 188]: 290 - أشلى سلوقيّة باتت وبات بها ... بوحش إصمت في أصلابها أود (¬2) [1/ 189] أشلى: أغرى، وسلوقيّة: نسبة إلى سلوق قرية باليمن تنسب إليها السيوف والكلاب، والضمير في باتت يرجع إلى سلوقية، وفي بات يرجع إلى الصائد. وإصمت فلاة بعينها نقل من فعل الأمر وسمي بها. وكأن إنسانا قال لصاحبه: اصمت ليسمع حسّا فسمي المكان بالفعل خاليا من الضمير، ولذا أعربه ولم يصرفه للتأنيث والتعريف. غير أن المسموع في مضارع صمت ضم الميم، والرواية في البيت بكسرها، وذلك من تغيير الأعلام. وأما قطع الهمزة فلأن القاعدة أنه متى سمي بفعل وفيه همزة وصل - ¬

_ (¬1) لسان العرب (1/ 170) مادة أوس. (¬2) البيت من بحر البسيط قاله الراعي النميري، من قصيدة يمدح بها عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان، ومطلع هذه القصيدة: طاف الخيال بأصحابي وقد هجدوا ... من أمّ علوان لا نحو ولا صدد اللغة: أشلى: دعا وأغرى وفاعله ضمير الصائد. سلوقية: نسبة إلى سلوق، وهي قرية باليمن تنسب إليها السيوف والكلاب السلوقية، والضمير في باتت يعود عليها، وفي بات يعود على الصائد. بوحش إصمت: هي الكلاب الوحشية في هذا المكان، وقيل: كله علم واحد. والمعنى: أغرى الصائد الكلاب بالصيد في هذا المكان. أصلابها: ظهورها. أود: اعوجاج والجملة صفة للكلاب. والمعنى: أغرى الصائد هذه الكلاب الشديدة بوحوش هذه البرية. وشاهده قوله: بوحش إصمت، حيث نقلت الجملة الفعلية إلى العلمية. والبيت في معجم الشواهد (ص 105) وفي التذييل والتكميل (2/ 309) ومثله هذا الشاهد في النقل من الجملة الفعلية قول الآخر (ديوان الحماسة: 1/ 315). أبوك حباب سارق الضّيف برده ... وجدّي يا حجّاج فارس شمّرا ترجمة الشاعر: هو حصين بن معاوية من بني نمير، كان أبوه سيد قومه في الجاهلية، ولقب حصين بالراعي لكثرة وصفه للإبل وراعيها، وهو شاعر فحل من شعراء الإسلام، وهو الذي قال فيه جرير: فغضّ الطّرف إنّك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا اقرأ ترجمته في الخزانة (3/ 150). والشعر والشعراء (1/ 425).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قطعت؛ لأنه بصيرورته اسما يصير له حكم الأسماء. والوحش: الخلاء، وفي البيت تقديم وتأخير تقديره: باتت الكلاب بوحش إصمت وبات هو أيضا بها (¬1). وأما الجملة الفعلية التي فاعلها ظاهر فنحو: برق نحره سمي به رجل نحره يبرق فغلب عليه، ونحو: شاب قرناها سميت به امرأة شاب جانبا رأسها، والقرن الخصلة من الشعر. قال الشاعر: 291 - كذبتم وبيت الله لا تنكحونها ... بني شاب قرناها تصرّ وتحلب (¬2) والتي فاعلها ضمير بارز كقول الشاعر: 292 - على أطرقا باليات الخيا ... م إلّا الثّمام وإلّا العصيّ (¬3) تروى هذه القصيدة مطلقة مرفوعة ومقيدة. وأطرقا: اسم بلد معروف. قال الأصمعي (¬4): «كأنّ ثلاثة قال أحدهم لصاحبه أطرقا أي اسكتا فسمّي - ¬

_ (¬1) في مجمع الأمثال (3/ 98): لقيته بوحش إصمت إذا لقيته بمكان لا أنس فيه، ويروى ببلدة اصمت. (¬2) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه، بل قال صاحب معجم الشواهد: إنه من الخمسين المجهولة. وفي اللسان مادة قرن (5/ 3609) نسبه إلى الأسدي، ولعله عبد الله بن الزبير، بفتح الزاي، الأسدي وهو شاعر كوفي من شعراء الدولة الأموية، توفي سنة (75 هـ). اللغة: بني شاب قرناها: أصله يا بني التي شاب قرناها. تصرّ: من صررت الناقة إذا شددت عليها الصرار، وهو خيط، لئلّا يرضعها ولدها في المرعى، فإذا عادت فكّ الصرار وحلبت الناقة. والبيت في الهجاء الشنيع. وهو في معجم الشواهد (ص 34)، وليس في شروح التسهيل. (¬3) البيت من بحر المتقارب، وهو إما محذوف الضرب فتسكن القافية، وإما صحيح فتشدد الياء مرفوعة؛ قاله أبو ذؤيب من قصيدة بدأها بالوصف، ثم رثى ابن عمه في آخر أبياتها (ديوان الهذليين: ص 65). اللغة: أطرقا: موضع من منازل هذيل، وقيل: موضع في مكة. الثّمام: بزنة غراب، نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت وتستر به جوانب الخيمة. العصي: جمع عصا وهي قوائم الخيمة. الإعراب: على أطرقا: جار ومجرور في محل نصب حال من الديار في بيت قبله. باليات الخيام: نصب على الحال أيضا. إلّا الثّمام: يروى منصوبا على الاستثناء من تام موجب، ويروى مرفوعا فيكون مبتدأ وخبره محذوف، أي إلا الثمام لم تبل. وإلّا العصيّ: معطوف على ما قبله. وفي إعراب البيت كلام طويل في شرح المفصل لابن يعيش (1/ 31). وشاهده قوله: أطرقا: حيث نقل من فعل الأمر المسند للاثنين إلى العلمية فسمي به موضع. والبيت في معجم الشواهد (ص 429) وفي شرح التسهيل (1/ 171). والتذييل والتكميل (2/ 309). (¬4) هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن أصمع، إمام في الأخبار والنوادر والغرائب، لغوي نحوي من أهل البصرة، ولد سنة (123 هـ)، وقدم بغداد أيام هارون الرشيد، وجالسه وناظر الكسائي في مجلسه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المكان بذلك». قال ابن عمرون (¬1): «ويروى أطرقا بضم الرّاء على أنّه جمع طريق، ويكون على أفعلا من العلوّ، ويكون باليات الخيام من صفة أطرقا ويروى بكسر الرّاء أيضا، ووجهه أنّه قصره من أطرقا كصديق وأصدقا. ولا شاهد فيه على هاتين الرّوايتين». انتهى. والتي فاعلها ضمير مستتر كقول الشاعر: 293 - نبّئت أخوالي بني يزيد ... ظلما علينا لهم فديد (¬2) سمي بيزيد: من المال يزيد لا من يزيد المال، والدليل على ذلك حكايته، ولو كان من يزيد المال ما أعرب (¬3). قال ابن الحاجب (¬4) رحمه الله تعالى: «وقول بعضهم إنّما هو نبّئت أخوالي - ¬

_ - فأفحمه، وحرص المأمون أن يجالسه، وكان يحفظ كثيرا من الشعر والأراجيز، وقد صنف كثيرا، من ذلك كتب خلق الإنسان والخيل والإبل والوحوش والسلاح والنوادر وغريب الحديث والأراجيز، وعمر الأصمعي طويلا حيث مات بالبصرة سنة (217 هـ). انظر ترجمته وأخباره وشعرا له في وفيات الأعيان (3/ 379). (¬1) هو الشيخ جمال الدين أبو عبد الله بن محمد بن أبي علي بن أبي سعيد بن عمرون الحلبي النحوي، ولد سنة (596 هـ) أخذ النحو عن ابن يعيش وغيره، وجالس ابن مالك وأخذ عنه أيضا البهاء بن النحاس، وروى عنه الشريف الدمياطي. ومن مؤلفاته: شرح المفصل ولم أره. وله في هذا التحقيق آراء سديدة، توفي ابن عمرون سنة (649 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 231). (¬2) البيتان من الرجز المشطور، وقد نسبا إلى رؤبة في ملحقات ديوانه (ص 172) الملحقة رقم: 23. اللغة: نبّئت: بالبناء للمجهول من النبأ وهو الخبر. لهم فديد: أي صياح وجلبة. المعنى: يذكر رؤبة أنه أخبر عن قومه أن لهم معارك ولهم صياح وجلبة فيما بينهم مع أن هذا لم يكن. الإعراب: أخوالي: مفعول ثان لنبّئت. بني يزيد: بدل مما قبله. ظلما: مفعول لفعل محذوف أو حال. لهم فديد: جملة المفعول الثالث. الشاهد فيه قوله: يزيد حيث نقلت الجملة الفعلية إلى العلمية. ولا يصح أن يقال فيه نقل الفعل فقط لأنه لو كان كذلك لأعرب وجر بالفتحة ومنع الصرف، ولكن لما رفع دل على أن النقل من الجملة كلها وهي الفعل والفاعل المستتر. والبيت في معجم الشواهد (ص 465) وفي شرح التسهيل (1/ 171) والتذييل والتكميل (2/ 308). (¬3) معنى أنه من المال يزيد لا من يزيد المال: أن يزيد في المثال الأول فاعله ضمير مستتر، فهو جملة ويعرب على الحكاية، ولذلك رفع كما يرفع المضارع بخلافه لو كان من يزيد المال لكان مفردا ممنوعا من الصرف للعلمية ووزن الفعل، وحينئذ يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة. (¬4) انظر نصه في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 72) بتحقيق موسى العليلي، العراق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بني تزيد بالتاء تنطّع منهم وتبجّح؛ لأنّه قد علم أنّه في العرب تزيد بالتاء وإليه تنسب البرود التّزيدية وهو مردود بوجهين: أحدهما: أن الرواية هنا بالياء. والثاني: أن تزيد بالتاء مفرد لا جملة، قال الشاعر: 294 - يعثرن في حدّ الظّبات كأنّما ... كسيت برود بني تزيد الأذرع (¬1)» انتهى. ومثل يزيد في الجملة تأبّط من تأبّط شرّا وذرّى من ذرّى حبّا، ومثله أيضا ما أنشد ثعلب: 295 - بنو يدرّ إذا مشى ... وبنو يهرّ على العشا (¬2) وأنكر المصنف كون ببة منقولا من صوت، وقال: «الصّحيح أنّ ببّة منقول من قولهم للصبي السمين: ببّة، وقد تببّب فهو ببّ وببّة إذا سمن» (¬3) [1/ 190]. وأنكر النقل من فعل الأمر دون إسناد قال: «إلا إصمت اسم للفلاة الخالية؛ فإن من العلماء من زعم أنه منقول من الأمر بالصمت. وذلك عندي غير صحيح لوجهين: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل، من قصيدة أبي ذؤيب التي يرثي فيها أولاده، وقد سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يصف الحمر الوحشية التي اصطادها، وقد تعثرت في طريقها بعد أن صوبت إليها السهام فأدمتها فصارت كأنها تلبس ثيابا حمرا من برود بني تزيد، وقد شبه طرائق الدم بطرائق البرود. وقوله: في حدّ الظبات في موضع نصب على الحال. والمعنى: يعثرن كابيات أو مجروحات في حد الظبات، هكذا استشهد به ابن جني في المحتسب (2/ 88) فهو يشبه قوله تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون: 20] أي وفيها دهنها. ويروى البيت: يعثرن في علق النّجيع، والعلق والنجيع اسمان للدم وأضافهما لأن العلق الدم قبل أن ييبس، والنجيع دم الجوف. وشاهده: نقل جملة تزيد من الفعلية إلى العلمية. والبيت في معجم الشواهد (ص 227) وليس في شروح التسهيل. (¬2) البيت من مجزوء الكامل لم أعثر له على مرجع أو قائل، ولم أجده في مجالس ثعلب، وهو الكتاب المشهور لثعلب. اللغة: يدرّ: من درّ اللبن يدرّ ويدرّ: كثر، يهرّ: من هرّ الكلب يهر هريرا: صوت دون نباح من قلة صبر على البرد. وشاهده: نقل جملتي يدر ويهر من الفعلية إلى العلمية. (¬3) لسان العرب: (بب) والمعنيان في اللسان: حكاية الصوت والشاب الممتلئ البدن نعمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن الأمر بالصمت إما أن يكون من أصمت، وإما أن يكون من صمت، فالذي من أصمت مفتوح الهمزة، والذي من صمت مضمومها ومضموم الميم. وإصمت بخلاف ذلك والمنقول لا يغير. والثاني: أنه قد قيل فيه: إصمتة بهاء التأنيث، ولو كان فعل أمر لم تلحقه هاء التأنيث، وإذا انتفى كونه منقولا من فعل أمر ولم يثبت له استعمال في غير العلمية تعين كونه مرتجلا» انتهى (¬1). أما كسر الميم فقد تقدم أن ذلك من تغير الأعلام، وأما قطع الهمزة فقال أبو الفتح ابن جني: «قطعها في إصمت لما سمّي به، وهو الّذي شجّع النّحاة على قطع هذه الهمزات إذا سمّي بما هي فيه. وأمّا لحاق التّاء فليعلموا بذلك أنّه قد فارق موضعه من الفعليّة من حيث كانت هذه التّاء لا تلحق هذا المثال فعلا» (¬2). - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 172). (¬2) قال ابن جني في كتابه: المبهج في تفسير أسماء شعراء ديوان الحماسة (مكتبة القدس والبدير بدمشق مطبعة الترقي سنة 1384) (ص 8). «وأما الفعل المستقبل المنقول إلى العلم فنحو قولهم في اسم الفلاة إصمت، وإنما هو أمر من قولهم: صمت يصمت إذا سكت، كأن إنسانا قال لصاحبه في مفازة اصمت يسكته بذلك تسمعا لنبأة أو جسها فسمي المكان بذلك. وهذا نحو ما ذهب إليه أبو عمرو بن العلاء في قول الهذلي: على أطرقا باليات الخيام ... إلّا الثّمام وإلّا العصيّ ألا تراه قال: أصله أن رجلا قال لصاحبيه هناك: أطرقا فسمي المكان به فصار علما له، كما صار إصمت علما له. وقطع الهمزة من إصمت مع التسمية به خاليا من ضميره هو الذي شجع النحاة على قطع نحو هذه الهمزات إذا سمي بما هي فيه. فإن قلت: فقد قالوا لقيته بوحش إصمتة ولو كان إصمت في الأصل فعلا لما لحقته تاء التأنيث. قيل: إنما لحقت هذه التاء في هذا المثال على هذا الحدّ ليزيدوا في إيضاح ما انتحوه من النقل، ويعلموا بذلك أنه قد فارق موضعه من الفعلية حيث كانت هذه التاء لا تلحق هذا المثال فعلا، فصار إصمتة في اللفظ بعد النقل كأجربة وأبردة نعم وآنسهم بذلك تأنيث المسمى به وهو الفلاة. وزاد في ذلك أن إصمت ضارع الصفة؛ لأنه من لفظ الفعل وفيه معناه، أعني معنى الصمت وهو جثة لا حدث، وتلك حال قائمة وكريمة ونحو ذلك ... فإصمت الذي قد تغير لفظه بقطع همزته، ومعناه يكون أقبل للتغيير». (المبهج في تفسير أسماء شعراء ديوان الحماسة لابن جني ص 8، 9).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المرتجل (¬1): فهو ما سوى المنقول كما تقدّم، وهو قسمان: مقيس وشاذ. فالمقيس: ما سلك به سبيل نظيره من النكرات، والمراد بذلك أن يكون على قياس كلام العرب. والشاذ: ما عدل به عن سبيل نظيره من النكرات، فهو ليس على قياس كلام العرب. أما المقيس: فنحو غطفان وعمران وحمدان بالفتح وفقعس (¬2) وحنتف (¬3)؛ فإن نظائرها من النكرات: نزوان وسرحان وسكران وجعفر وعنسل (¬4). وأما الشاذ: فشذوذه يكون بأحد أوجه خمسة: إمّا بفكّ ما حقّه الإدغام نحو محبب (¬5) فإنه مفعل من الحب. فالقياس يقتضي أن يكون محبّا بالإدغام؛ لأن ذلك حكم كل مفعل مما عينه ولامه صحيحان من مخرج واحد وليس كمهدد (¬6)؛ لأنه ليس في الكلام تركيب م ح ب حتى تكون الباء الثانية للإلحاق. وإمّا بفتح ما حقّه الكسر: نحو موهب (¬7)؛ فإنه مفعل من وهب، فالقياس يقتضي أن يكون موهبا بكسر الهاء؛ لأن ذلك حكم كل مفعل فاؤه واو ولامه صحيحة، ومثله موظب (¬8) وموألة (¬9). وإمّا بكسر ما حقّه الفتح: نحو معدي كرب؛ فإن القياس يقتضي أن يكون معدي لأن نظيره من النكرات المعتلة اللام يلزمه الفتح: كمرمى ومسعى ومولى. ونحو ما حكاه قطرب من أن صيقل بكسر القاف اسم امرأة من نساء العرب؛ فإن القياس يقتضي أن تكون بفتح القاف لأن نظيره من النكرات الصحيحة العين يلزمه - ¬

_ (¬1) هو القسم الثاني من تقسيم العلم باعتبار الوضع إلى منقول ومرتجل. (¬2) حي من بني أسد أبوهم فقعس بن طريف بن عمرو بن الحارث (اللسان: فقعس). (¬3) في القاموس: الحنتف كجعفر: الجراد المنتف المنقى للطبخ وابن السجف بن سعد اليافعي، والحنتفان: حنتف وأخوه سيف. (¬4) العنسل: الناقة القوية السريعة. (¬5) في القاموس (1/ 52): ومحبب كمقعد اسم (علم). (¬6) في اللسان (مهد): ومهدد اسم امرأة، وميمه أصلية بدليل فك الإدغام في الدال، ولو كانت زائدة لأدغمت كمسد ومرد. (¬7) في القاموس (1/ 143): وموهب كمقعد اسم علم. (¬8) في القاموس (1/ 142): وموظب كمقعد موضع قرب مكة شاذ. (¬9) في القاموس (4/ 64): وبنو موألة كمسعدة بطن.

[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب]

[تقسيم العلم إلى مفرد ومركب/ تقسيم المركب] قال ابن مالك: (وما عري من إضافة وإسناد ومزج - مفرد. وما لم يعر مركّب. وذو الإضافة كنية وغير كنية. وذو المزج إن ختم بغير ويه أعرب غير منصرف، وقد يضاف، وإن ختم بويه كسر، وقد يعرب غير منصرف. وربما أضيف صدر ذي الإسناد إلى عجزه إن كان ظاهرا). ـــــــــــــــــــــــــــــ الفتح كهيثم (¬1) وضيغم وصيرف (¬2). قال بعض النحاة في معدي كرب: يحتمل أن يكون مفعولا من عدا، كمرعى من رعى وحذفت لامه. وإمّا بتصحيح ما حقّه الإعلال: نحو مدين ومكوزة (¬3)؛ فإن القياس يقتضي إعلالهما بقلب الياء والواو ألفا، كما فعل بنظائرها كمنارة ومهانة ومفازة. ومما صحح وحقه الإعلال حيوة. وإما بإعلال ما حقّه التصحيح: كداران (¬4) وماهان (¬5)؛ فإن القياس يقتضي تصحيحها وأن يقال فيها: دوران وموهان كما يقال في نظائرها من النكرات كالجولان [1/ 191] والطوفان. قال الشيخ - ما معناه -: إنّ العلم المنقسم إلى القسمين المذكورين هو ما كان علما بالتّعليق، أما ما علميته بالغلبة كابن عمر والثّريا فليس منقولا ولا مرتجلا (¬6). قال ناظر الجيش: هذا تقسيم ثان للعلم باعتبار آخر، وهو انقسامه إلى مفرد ومركب فالمفرد: ما كان من كلمة واحدة، والمركب: ما كان أكثر من ذلك. ثم المركب ثلاثة أقسام: مركب الإضافة، ومركب الإسناد، ومركب المزج. وبيان الحصر في الثلاثة أن الكلمتين قبل التسمية إما أن يكون بينهما ارتباط أو لا؛ - ¬

_ (¬1) في القاموس (4/ 189) الهيثم: له معان كثيرة، منها العقاب والكثيب واسم موضع. (¬2) في القاموس (3/ 167): والصيرف والصيرفي المحتال في الأمور، وصراف الدراهم. (¬3) في القاموس (2/ 196): ومكوزة وكازة موضع بمرو. (¬4) في اللسان: (درر): وداران: موضع. وأعلت واوه للزيادة في آخره. (¬5) في القاموس (4/ 295): وماهان: اسم وهو إما من هوم أو هيم. وذكر له عشر مواد. (¬6) التذييل والتكميل (2/ 313).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن كان بينهما ارتباط قبل ذلك: فلا يخلو أن يكون بينهما ارتباط حملي أو لا؛ فإن كان ارتباطا حمليّا فهو تركيب الإسناد، وإن كان غير حملي فهو تركيب الإضافة كغلام زيد، وإن لم يكن بينهما ارتباط قبل ذلك فهو تركيب المزج نحو: بعلبك ومعدي كرب، والمراد بتركيب المزج: تنزيل عجز المركب منزلة تاء التأنيث. ثم ذو المزج قسمان: قسم مختوم بلفظ ويه كسيبويه وما شاكله. وقسم مختوم بغير ذلك كالمثالين المتقدمين. والعلم الذي هو كنية داخل في قسم المضاف. وإليه الإشارة بقوله: وذو الإضافة كنية وغير كنية. وحكم ما ختم بغير ويه: البناء. قال الشيخ (¬1): «وهو القياس لاختلاط الاسم بالصّوت وصيرورتهما شيئا واحدا، فعومل معاملة الصّوت فبني ونون إذا نكّر». وذكر أن إعرابه إنما أجازه الجرمي ويظهر من قول المصنف: قد يعرب أن ذلك مسموع. أما ما ختم بغير ويه ففيه للعرب ثلاثة استعمالات: أحدها: إعرابه غير منصرف، وهذا هو الأكثر والأغلب. ثانيها: إضافة صدره إلى عجزه وهو قليل. ثالثها: وقد ذكره المصنف في باب ما لا ينصرف (¬2): «تركيب الجزأين وبناؤهما تشبيها بخمسة عشر، وهو أقلّ ممّا قبله». قال المصنف (¬3): «وإذا كان المركّب جملة وثاني جزأيها ظاهر - فمن العرب من يضيف أوّل الجزأين إلى الثّاني فيقول: جاء برق نحره». واحترز بقوله: إن كان ظاهرا من مثل تأبط، فلا يتوهم فيه الإضافة إلى الضمير المستكن. قال الشيخ: «مقتضى كلام المصنّف انحصار المركّب في الثّلاثة الّتي ذكرها، - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 315، 316). (¬2) انظر نصه في تسهيل الفوائد (ص 222). قال ابن مالك: فصل: قد يضاف صدر المركّب فيتأثر بالعوامل ما لم يعتل، وللعجز حينئذ ما له لو كان مفردا، وقد لا يصرف كرب مضافا، إليه معدي، وقد يبنى هذا المركب تشبيها بخمسة عشر. (¬3) شرح التسهيل (1/ 173).

[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب]

[تقسيم العلم إلى اسم وكنية ولقب] قال ابن مالك: (ومن العلم اللّقب، ويتلو غالبا اسم ما لقّب به بإتباع أو قطع مطلقا، وبإضافة أيضا إن كانا مفردين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وثمّ أشياء كثيرة مسمّى بها فصارت أعلاما وهي مركّبة. وقد عريت من إسناد وإضافة ومزج، كما إذا سميت بما ركب من حرفين نحو: إنما، أو حرف واسم نحو: يا يزيد، أو حرف [1/ 192] وفعل نحو: قد قام ونحو ذلك» (¬1). انتهى. وما ذكره غير وارد على المصنف وغير لازم له أن يذكره؛ لأنه لم يقصد الإشارة إلى كل ما سمي به فجعل علما، إنما مراده ذكر العلم الذي استعملته العرب ووقع في كلامها، ولا شك أن الواقع من كلامهم إنما انقسم إلى الأقسام التي ذكرها (¬2). قال ناظر الجيش: هذا تقسيم ثالث للعلم باعتبار آخر، وهو انقسامه إلى اسم وكنية ولقب. وقوة كلام المصنف تفيد التقسيم المذكور لإفهام قوله: ومن العلم اللّقب أن الكلام الذي مر له في غيره. وقد قال: وذو الإضافة كنية وغير كنية. فأشار إلى الكنية أيضا، فبقي الكلام فيما عدا ذلك في الاسم. وبيان حصره بهذا الاعتبار في الثلاثة: «أنه إن كان مضافا مصدّرا بأب أو أمّ فهو الكنية كأبي بكر وأم كلثوم، وإن لم يكن كذلك: فإن أشعر برفعة المسمّى أو ضعته فهو اللّقب، كبطة وقفة وأنف الناقة، وإن لم يكن كذلك فهو الاسم كزيد وعمرو. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 315). (¬2) وقد نقل هذا الجواب الشيخ يس العليمي في حاشيته على التصريح (1/ 116). قال عند ذكر ابن مالك لتقسيمات المركب الثلاثة، قال: اعترضه أبو حيان بأن ثم أشياء كثيرة سمّي بها فصارت أعلاما وهي مركبة وقد عريت من إسناد وإضافة ومزج، كما إذا سمّيت بما تركّب من حرفين نحو إنما أو حرف واسم نحو يا يزيد، قال: وأجاب ناظر الجيش بأن المراد ذكر العلم الذي استعملته العرب ووقع في كلامها، ولا شك أن الواقع في كلامهم إنما انقسم إلى الأقسام التي ذكرها. ثم قال: وقد يقال عدم استعمال العرب له لا يقتضي عدم ذكره وإهمال حكمه. وقد ذكر الناظم هنا وغيره المنقول من الجملة الاسمية ولم تستعمله العرب. ثم قال: وهذا الجواب الذي أجاب به ناظر الجيش أجاب بنحوه المراديّ في شرح النّظم، وأجاب بجواب آخر، وهو أنّ ما ذكره أبو حيان مشبّه بتركيب الإسناد، فاكتفى بذكر تركيب الإسناد؛ لأنّ هذا ملحق به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا كلام الإمام بدر الدين ولد المصنف (¬1) وهو أحسن من كلام ابن عمرون حيث قال: «لأنه إمّا أن يقصد به التّعظيم أو التّحقير أو لا، فإن لم يقصد أحدهما فهو الاسم وإن قصد فهو اللّقب، ثم الاسم واللّقب إمّا أن يضاف إليهما أب أو أمّ أو لا. فإن أضيف فهو الكنية لاقتضاء هذا التقسيم تداخل الأقسام (¬2). إذا تقرر هذا فقد ذكر المصنف لاجتماع اللقب مع الاسم حكمين: أحدهما: بالنسبة إلى ما يكون مقدما منهما على الآخر. وثانيهما: بالنسبة إلى كيفية إعراب الثاني (¬3) ولم يتعرض المصنف إلى ذكر اجتماع الكنية مع اللقب، والظاهر أن حكم الكنية في ذلك حكم الاسم (¬4). أما الحكم الأول: فهو أن اللقب يؤخر عن الاسم، وقد ذكر لتعليل ذلك أمور: منها: أن اللقب أشهر من الاسم. ومنها: أن اللقب يقصد به التعظيم أو التحقير. فلو قدم وأضيف إلى الاسم لكان بعد نكرة، وتنكيره يزيل الغرض الذي قصد به بخلاف تنكير الاسم. وهذه العلة قاصرة لعدم اطرادها فيما إذا كان بينهما تركيب (¬5) إلا أن يقال: لما استقر ذلك حال كونهما مفردين أجريناه حال التركيب طردا للباب. ومنها: ما ذكره المصنف (¬6)؛ وهو أن اللقب في الغالب منقول من اسم غير إنسان كبطة وقفة وكرز (¬7)؛ فلو قدم لتوهم السامع أن المراد مسماه الأصلي وذلك مأمون بتأخيره، فلم يعدل عنه إلّا فيما ندر من الكلام كقول جنوب (¬8) أخت عمرو ذي الكلب: - ¬

_ (¬1) انظر نص ذلك في شرح ابن الناظم على الألفية (ص 73) (دار الجيل بيروت) د/ عبد الحميد السيد. (¬2) معنى تداخل الأقسام فيه: أن من لم يضف إليه أب أو أم فهو اسم أو لقب، وقد دخل الاسم في التقسيم الأول حيث لم يقصد به تعظيم أو تحقير. (¬3) في نسخة (ب): التالي مكان الثاني. (¬4) الأمر كما رآه ناظر الجيش، قال ابن مالك في الألفية: واسما أتى وكنية ولقبا ... وأخّرن ذا إن سواه صحبا ومعناه أخّر اللقب إن صحب سواه أي من الاسم والكنية. (¬5) وذلك لأن المركب منهما لا يضاف أحدهما إلى الآخر. (¬6) في شرح التسهيل (1/ 174). (¬7) في القاموس (2/ 195) وكرز كبرج: خرج الراعي. (¬8) هي جنوب بفتح الجيم وضم النون، واسمها عمرة بنت العجلان أخت عمرو بن الكلب بن العجلان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 296 - أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلّغها ... عنّي حديثا وبعض القول تكذيب بأن ذا الكلب عمرا خيرهم نسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذّيب (¬1) [1/ 193] ومن هذا احترز المصنف بغالبا من قوله: ويتلو غالبا اسم ما لقّب به. وأما الحكم الثاني: فهو إعراب الثاني بالنسبة إلى الأول: وذلك أن الاسم واللقب إما أن يكونا مفردين أو مركبين أو أحدهما مفردا والآخر مركبا. فإن وجد تركيب فيهما نحو: جاء عبد الله أنف الناقة، أو في أحدهما نحو: جاء عبد الله بطة، وزيد أنف الناقة - وجب أحد أمرين: إما إتباع اللقب للاسم على أنه عطف بيان أو بدل. وإما قطعه عنه إما إلى الرفع وإما إلى النصب. وامتنعت إضافة الأول إلى الثاني: ووجه الامتناع أن الإضافة تقتضي أن يكون ذلك اللفظ مضافا كان أو مضافا إليه مستقلّا بالمعنى، وإذا سمي بهما معا لم يكن أحدهما مستقلّا بمعنى؛ لأنهما قد نقلا وسمي بهما مضافين، فصار كل اسم منهما بمنزلة الجيم من جعفر، وذلك لا يجوز إضافته ولا الإضافة إليه لأنه ليس له معنى. لا يقال: كون كل واحد منهما بمنزلة بعض الاسم يقتضي ألا يعرب؛ لأنا نقول: لما كانا في الأصل مضافا ومضافا إليه ونقلا وسمي بهما - بقي الإعراب على حاله نظرا إلى أصله، وهذا بخلاف الإضافة. - ¬

_ - الكاهلي، شاعرة جاهلية اشتهرت برثائها لأخيها عمرو، وكان قد خرج غازيا، فهبط واديا فنام فوثب عليه نمران فأكلاه، وسمي ذا الكلب لكلب كان يلازمه يصطاد به. ولجنوب قصيدتان من أبلغ الرثاء في شرح ديوان الهذليين (2/ 578) وما بعدها. (¬1) البيتان من بحر البسيط، وهما لجنوب أخت عمرو ذي الكلب الهذلي ترثيه (انظر ديوان الخنساء ومراثي ستين شاعرة من شواعر العرب (ص 142)، وانظر شرح أشعار الهذليين ص 578 وما بعدها). كلّ إمرئ بطوال العيش مكذوب ... وكلّ من غالب الأيّام مغلوب اللغة: بطن شريان: موضع قتل فيه المرثي. يعوي حوله الذّيب: كناية عن قتله في الصحراء. وشاهده واضح: وهو تقدم اللقب على الاسم وذلك نادر. ويضاف إلى ما ذكره الشارح من أسباب تأخير اللقب: أن اللقب يشبه النعت والنعت لا يتقدم. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 47) وهو في شرح التسهيل (1/ 174) وفي التذييل والتكميل (2/ 317).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن انتفى التركيب من الجانبين (¬1) وكان الاسم واللقب مفردين نحو: جاء سعيد كرز - وجبت إضافة الأول إلى الثاني عند البصريين، ولم يجز سيبويه غير ذلك (¬2) وأما الكوفيون فنقل عنهم جواز الإتباع (¬3). وذكر ابن عمرون عن الزجاج أنه أجاز الإتباع وأنه قال: «هذا قياس وليس من كلام العرب». وأن الفراء أجاز الإتباع أيضا، روى هذا ثابت قطنة (¬4)، وقال: سمعت أبا ثروان يقول: قد جاءكم يحي عينان لرجل ضخم العينين. قال الفراء: «والإضافة أكثر». قال ابن الحاجب (¬5): «وقد جاء قيس الرّقيات بتنوين قيس وجعل الرّقيّات - ¬

_ (¬1) هذه هي الحالة الثانية إجمالا - والثالثة تفصيلا - من أحوال تركيب وإفراد الاسم واللقب. (¬2) انظر الكتاب (3/ 294) هذا باب الألقاب. يقول سيبويه: «إذا لقّبت مفردا بمفرد أضفته إلى الألقاب، وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل، وذلك قولك: هذا سعيد كرز، وهذا قيس قفة قد جاء، وهذا زيد بطّة». وفي غير ذلك قال: «وإذا لقبت المفرد بمضاف والمضاف بمفرد جرى أحدهما على الآخر كالوصف». (¬3) انظر التذييل والتكميل (2/ 317، 318) وشرح التصريح (1/ 123). وقال بعضهم: «وجوب الإضافة يردّه النظر من جهتي الصّناعة والسّماع: أما الصناعة: فلأنا لو أضفنا الأول إلى الثاني لزم إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن مسماهما واحد. وأما السّماع: فقولهم: هذا يحي عينان بغير إضافة، وإلا لقالوا عينين بالياء». وقد أجيب عن هذين الردين (انظر ذلك في شرح التصريح على التوضيح: 1/ 123). وقال أبو حيان: «إن لنا مفردين ولا تجوز الإضافة مثل أن يكون فيهما الألف واللّام أو في أحدهما؛ فإنه لا يجوز الإضافة في هذه الحال، بل يتبع نحو جاء الحارث كرز، ورأيت الحارث كرزا، ومررت بالحارث كرز». (التذييل والتكميل: 3/ 318). (¬4) من شعراء خراسان وفرسانهم، ذهبت عينه وكان يحشوها بقطنة، فسمي ثابت قطنة، فقال فيه قائل: لا يعرف النّاس عنه غير قطنته ... وما سواه من الأنساب مجهول وكان يزيد بن المهلب استعمله على بعض كور خراسان، فلما علا المنبر حصر فلم ينطق حتى نزل، فلما دخل عليه الناس قال: فإلّا أكن فيكم خطيبا فإنّني ... بسيفي إذا جدّ الوغى لخطيب فقالوا: لو كنت قلت هذا البيت على المنبر كنت أخطب الناس. ومما يستجاد له قوله في رثاء يزيد السابق: إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن ... عارا عليك وبعض قتل عار توفي سنة (110 هـ) واقرأ ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 635) وفيات الأعيان (6/ 308)، الأعلام (2/ 82). (¬5) انظر نصه في كتاب الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (2/ 80) تحقيق موسى العليلي، العراق (وزارة الأوقاف).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف بيان أو بدلا». واختار المصنف جواز الإتباع، ولهذا قال: بإتباع أو قطع مطلقا. يعني مركبين كانا أو مفردين أو مختلفين. وعقب ذلك بقوله: أو بإضافة أيضا إن كانا مفردين. فالمفردان يشاركان غيرهما في الإتباع والقطع وينفردان بالإضافة. قال المصنف: ولم يذكر سيبويه فيهما إلّا الإضافة؛ لأنها على خلاف الأصل (¬1) فبين استعمال العرب؛ إذ لا مستند لها إلّا السماع بخلاف الإتباع والقطع فإنهما على الأصل. وإنما كانت الإضافة على خلاف الأصل؛ لأن الاسم واللقب مدلولهما واحد؛ فيلزم من إضافة أحدهما إلى الآخر إضافة الشيء إلى [1/ 194] نفسه؛ فيحتاج إلى تأول الأول بالمسمى والثاني بالاسم؛ ليكون تقدير قول القائل: جاء سعيد كرز - جاء مسمى هذا اللقب، فيخلص من إضافة الشيء إلى نفسه. والإتباع والقطع لا يحوجان إلى تأول. ولا يوقعان في مخالفة أصل، فاستغنى سيبويه عن التنبيه عليهما، وإنما يؤول الأول بالمسمى؛ لأنه المعرض للإسناد إليه والمسند إليه في الحقيقة إنما هو المسمى (¬2). انتهى. وبهذا الذي اعتذر المصنف به عن سيبويه - اعتذر ابن الحاجب عن الزمخشري، حيث اقتصر على ذكر الإضافة فقط (¬3). قال ابن الحاجب (¬4): «فعل الزمخشريّ ذلك إما اعتمادا منه على ظهور الوجه الآخر، فذكر الوجه المشكل خاصة، وترك ذلك الوجه الظاهر عنده، وإما لأنه مذهبه». ثم قال: ووجه إشكاله أنهما اسمان لذات واحدة فتعذر إضافة أحدهما إلى - ¬

_ (¬1) انظر كتاب سيبويه (3/ 294). (¬2) شرح التسهيل (1/ 174). (¬3) قال الزمخشري في المفصل (ص 9): وإذا اجتمع للرجل اسم غير مضاف ولقب، أضيف اسمه إلى لقبه، فقيل: هذا سعيد كرز، وقيس قفة، وزيد بطة. (¬4) انظر هذا النقل الطويل في كتاب: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 81، 82) بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر. وسبب الامتناع أن الإضافة لغرض تخصيص الأول أو تعريفه؛ فإذا كانا لشيء واحد تعذّر أن يخصص أحدهما الآخر أو يعرفه، ووجه صحة الإضافة في هذا الكلام أمران: أحدهما: أن اللفظ قد يطلق ويراد به نفس اللفظ، ويطلق ويراد به المدلول كما في ذات زيد؛ فالذات المدلول وفيه اللفظ، فكذلك تقول: إنّ زيدا قصد به ها هنا قصد الذات، وبطة قصد به قصد اللفظ، فكأنه قال: مسمّى هذا اللفظ الذي هو بطّة. وبهذا الاعتبار تغيّر المدلولان فيه، فصحّت الإضافة، وصار بمثابة قولك: غلام زيد. والوجه الآخر: أنّه لمّا توهم التّنكير في زيد عند قصد إضافته للاختصار - صار بمثابة قولك: كل أو غلام، فأضيف للتبيين أو للتعريف، كما أضيف كلّ وغلام، وهذا يشبه باب: زيد المعارك من أنه إضافة للعلم؛ إلا أنّ هذا لازم أو أولى، وذاك ضعيف باتّفاق» انتهى (¬1). وقد تبعه في الاعتذار عن الزمخشري بما ذكر الشيخ جمال الدين بن عمرون، وهذا منهما يدل على أنهما يريان جواز الإتباع كما رآه المصنف. واعلم أن الحكمين المذكورين في تقديم الاسم على اللقب وتبعية الثاني في الإعراب للأول أو غيرها مما تقدم ذكره - مخصوصان بما إذا جمع بين الاسم واللقب دون إسناد أحدهما إلى الآخر. نبه على ذلك المصنف وهو تنبيه جيد؛ فعرف من هذا أنه إذا جمع بينهما بإسناد كان تقديم كل منهما وتأخيره بحسب ما يقصده المتكلم من إيقاع النسبة. وأما إعراب الثاني فيكون بحسب ما يقتضيه الإسناد في ذلك إلى التركيب (¬2). ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) معناه: إذا أسندت اللقب إلى الاسم أو العكس، بمعنى جعلت أحدهما مبتدأ والآخر خبرا، فقلت: شوقي أمير الشعراء وطه حسين عميد الأدب العربي - فإن التقديم والتأخير يكون بحسب القصد في إيقاع النسبة، كما أن الإعراب بحسب ما يقتضيه الإسناد.

[أحكام العلم ذي الغلبة]

[أحكام العلم ذي الغلبة] قال ابن مالك: (ويلزم ذا الغلبة باقيا على حاله ما عرّف به قبل، دائما إن كان مضافا، وغالبا إن كان ذا أداة). قال ناظر الجيش: تقدم أن العلم نوعان: معلق وذو غلبة، وقصد المصنف الآن الإشارة إلى حكم مختص بالنوع الثاني دون الأول. وذلك أن العلم بالغلبة قبل التحاقه بالأعلام معرفة إما بالإضافة أو بالأداة؛ فأراد أن يبين حكمه بعد صيرورته علما وهو أن ما عرف به قبل العلمية من هذين الأمرين لازم عليه بعد علميته، أي لا ينفك المضاف عن إضافته، ولا ذو الأداة عن أداته؛ إلا إن عرض لذي الأداة في الاستعمال ما يوجب نزع الأداة منه؛ فإنها تنزع لذلك الموجب. أما إذا لم يعرض [1/ 195] ما يوجب، فلا تنزع إلا قليلا نادرا. وهذا الذي أشرت إليه هو معنى قوله في الألفية (¬1): وقد يصير علما بالغلبة ... مضافا أو مصحوب أل كالعقبة وحذف أل ذي إن تناد أو تضف ... أوجب وفي غيرهما قد تنحذف ففهم منه أن الموجب لحذف الأداة من ذي الأداة شيئان: إما النداء، وإما الإضافة. وأما إذا انتفيا فلا تحذف الأداة إلّا نادرا. إذا عرف هذا فقول المصنف: ويلزم ذا الغلبة ما عرّف به قبل، دائما إن كان مضافا وغالبا إن كان ذا أداة: إشارة منه إلى أن ما كان معرفة قبل العلمية بالإضافة، ثم صار علما بالغلبة لا تفارقه الإضافة بحال، وإن ما كان معرفة بالأداة تلزم فيه الأداة بعد العلمية أيضا؛ إلا أن الأداة قد تفارقه؛ ولذلك قيد اللزوم عند ذكر الأداة بقوله: غالبا. ثم إن المصنف استغنى عما أشار إليه في الألفية من حذف الأداة بموجب وهو النداء وبالإضافة بقوله: باقيا على حاله. لأنه إنما يضاف إذا نكر، ومع التنكير لا يكون باقيا على حاله، وهو إنما تلزمه الأداة إذا كان باقيا على حاله. وأما إذا نودي فقال المصنف: «إنّ حاله يتغيّر بقصد النّداء فيعرى من الأداة». - ¬

_ (¬1) انظر باب المعرف بالأداة في الألفية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يظهر لي ما قاله المصنف من تغيير حاله بقصد النداء، فإن تم ما أشار إليه المصنف من أن حاله يتغير بالنداء كان قوله: باقيا على حاله وافيا بالمقصود، وإلّا كانت عبارة الألفية أسد وأولى. ومما جعله المصنف مستفادا من قوله: باقيا على حاله: أنّ المضاف إليه ابن قد يقدر زوال اختصاصه فيتغيّر حال المضاف كقولك: ما من ابن عمر كابن الفاروق وابن خليفة الصّديق (¬1)، ولم يظهر لخروج هذه الصورة بهذا التقييد وجه فيه فائدة؛ لأن المقصود من القيد المذكور أن ذا الغلبة يلزم ما كان قد عرف به من إضافة أو أداة. ومفهومه: أنه إذا لم يبق على حاله لا يلزم ذلك كما تقرر في ذي الأداة. ولا شك أن المضاف يلزمه الإضافة باقيا كان على حاله من التعريف، أو غير باق، فتغيره عن حالة التعريف بزوال اختصاص المضاف إليه إلى حالة التنكير تنفي بقاءه على حاله، لكن لا أثر لذلك في زوال إضافته؛ إذ الإضافة إليه باقية غير زائلة، إلا أن يقول المصنف: زالت الإضافة التي حصل بها التعريف وهذه إضافة أخرى، وفيه نظر. لأن ابنا المضاف إلى عمر والمنكر ليس ابنا الذي هو مضاف إلى عمر والمعرف، إذ المضاف إلى عمر المعرفة لم ينكر. وإذ قد تقرر ما قلناه فلنورد كلام المصنف لاشتماله على الأمثلة والشواهد وليطبق الواقف على هذا الموضع ما قررناه على ما ذكره المصنف. قال رحمه الله تعالى (¬2): «ذو الغلبة من الأعلام هو كلّ ما اشتهر به (¬3) بعض ما له معناه اشتهارا تامّا. وهو على ضربين: مضاف كابن عمر وابن رألان، وذو أداة كالأعشى والنابغة. فحقّ ابن عمر وابن رألان أن يكون كلّ واحد [1/ 196] منهما على إطلاقه صالحا لكل واحد من أبناء أبيه؛ إلا أن الاستعمال جعل عبد الله مختصّا بابن عمر، وجابرا مختصّا بابن رألان (¬4) حتّى إذا قصد غيرهما لم يفهم إلّا بقرينة. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 174). (¬2) شرح التسهيل (1/ 174). (¬3) في شرح التسهيل: هو كل اسم اشتهر به. (¬4) طائي جاهلي أنشد أبو زيد له في نوادره (ص 60): فإن أمسك فإن العيش حلو ... إليّ كأنّه عسل مشوب يرجّي العبد ما إن لا يلاقي ... وتعرض دون أبعده الخطوب وما يدري الحريص علام يلقى ... شراشره أيخطئ أم يصيب

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا الأعشى والنابغة حقّهما إذا أطلقا أن يصلحا لكلّ ذي عشى ونبوغ؛ إلا أنّ الاستعمال صرفهما عن الشّيوع وجعلهما مختصين، وإن عرض لشيء من هذا القبيل اشتراك اغتفر كما يغتفر في الأعلام المعلقة إما ردّا إلى التّنكير لحاجة تعرض كقول الراجز: 297 - لا هيثم اللّيلة للمطيّ ... [ولا فتى مثل ابن خيبريّ] (¬1) وكقول الراجز: 298 - إنّ لنا عزّى ولا عزّى لكم (¬2) ومثله قول الشاعر: 299 - إذا دبرانا منك يوما لقيته ... أآمل أن ألقاك غدوا بأسعد (¬3) - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز المشطور، وهما في المدح. قال صاحب معجم الشواهد (ص 563) ومحقق المقتضب: (4/ 363): إن هذا الشاهد من الأبيات الخمسين المجهولة القائل، ونسب الشاهد في الدرر (1/ 124) إلى بعض بني دبير، وذكر بعدهما عدة أبيات أخرى. اللغة: هيثم: اسم رجل كان حسن الحداء للإبل، وقيل هو هيثم بن الأشتر، وكان مشهورا بين العرب بحسن الصوت في حدائه، وكان أعرف أهل زمانه بالصحراء. ابن خيبري: هو جميل بن معمر صاحب بثينة نسب إلى جده، وكان جميل شجاعا. وفي بيت الشاهد قال سيبويه: (2/ 296): واعلم أن المعارف لا تجري مجرى النكرة في هذا الباب؛ لأنّ لا لا تعمل في معرفة أبدا فأما قول الشاعر: لا هيثم الّليلة للمطي ... ... فإنه جعله نكرة كأنه قال: لا هيثم من الهيثميّين. وقال المبرد في تخريجه (4/ 363): لا مجري ولا سائق كسوق هيثم. والبيت في معجم الشواهد (ص 563) وفي شرح التسهيل (1/ 175). (¬2) البيت من الرجز المشطور قاله بعض المشركين يوم أحد كما في مراجعه، وهو في الفخر بعبادة الأصنام، وقد رد بعض المسلمين على ذلك فقال: الله مولانا ولا مولى لكم. اللغة: عزّى: اسم صنم كان يعبده المشركون في الجاهلية، وقد ذكر في القرآن: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم: 19] وأصله أن يكون بالألف واللام كما جاء في كتاب الله، ولكنه جاء بغيرها هنا وهو موضع الشاهد. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 175)، ولأبي حيان (2/ 320)، وللمرادي (1/ 462). (¬3) البيت من بحر الطويل، قال عنه صاحب الدرر (1/ 48): إنّه لم يعثر على قائله. اللغة: الدّبران: نجم بين الثريا والجوزاء، وكنى به هنا عن الإدبار الذي هو ضد الإقبال. غدوا: المراد به غد وجاء به على أصله من الواو. أسعد: جمع سعد، ويجمع على سعود وهو ضد النحس. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إما اتكالا على تكميل الوضوح بنعت أو ما يقوم مقامه كزيد القرشيّ والأعشى الهمذانيّ. وقد يقدر زوال اختصاصه فيجرد ويضاف فيصير مختصّا كقولهم: أعشى تغلب، وأعشى قيس، ونابغة بني ذبيان، ونابغة بني جعدة. ومثله قول الشاعر: 300 - ألا أبلغ بني خلف رسولا ... أحقّا أنّ أخطلكم هجاني (¬1) وكذلك قول الآخر: 301 - ولو بلغت عوّى السّماك قبيلة ... لزادت عليها نهشل وتعلّت (¬2) وكذلك يقدّر زوال اختصاص المضاف إليه ابن فيتغيّر حال المضاف كقولك: ما من ابن عمر كابن الفاروق وابن خليفة الصّديق؛ وإلى هذا أشرت بقولي: - ¬

_ - والمعنى: لن أيأس إذا رأيت إدبارا منك في شيء أكرهه، ولكن سأنتظر خيرك وسعدك وإقبالك. وشاهده: حذف أل من الدبران في غير نداء أو إضافة وذلك قليل. والدبران علم بالغلبة تلزمه الألف واللام كالكتاب لمؤلّف سيبويه. وينصب دبران بفعل محذوف يفسره ما بعده. والبيت في شرح التسهيل (1/ 175) وفي التذييل والتكميل (2/ 320) وفي معجم الشواهد (ص 114). (¬1) البيت من بحر الوافر قاله النابغة الجعدي حسان بن قيس يهجو به الأخطل التغلبي. اللغة: بني خلف: رهط الأخطل. رسولا: رسالة، وهو مما جاء على فعول من الأسماء كالوضوء والطهور. أخطلكم: يريد به الأخطل، وقد نكره تحقيرا له؛ فلما نكره حذف منه الألف واللام وجاز بعد ذلك إضافته وهو موضع الشاهد. واستشهد سيبويه بالبيت على نصب حقّا وفتح أن بعدها (الكتاب: 2/ 137). وإعراب حقّا: بالنصب ظرف على تقدير في لأنه صرح بدخولها في غير هذا البيت، وفي إعراب المصدر بعده وجهان: قيل فاعل بالظرف لاعتماده على الاستفهام، وقيل: مبتدأ خبره الظرف قبله. والبيت في معجم الشواهد (ص 406) وفي شرح التسهيل (1/ 175). وفي التذييل والتكميل (2/ 319). (¬2) البيت من بحر الطويل نسب تارة للفرزدق وتارة للحطيئة (لسان العرب مادة: عوى) ولم أجده في ديوان الفرزدق طبعة بيروت، وهو في الفخر بالسبق والسيادة. اللغة: العوّى: مقصور ويمد، منزل من منازل القمر. السّماك: نجم معروف. نهشل: من قبائل الفرزدق. تعلّت: بمعنى علت. والشاهد فيه: كالذي قبله وهو إضافة عوى إلى السماك فنزعت أل منه. والبيت في معجم الشواهد (ص 94) وفي شرح التسهيل (1/ 175). وفي التذييل والتكميل (2/ 319).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باقيا على حاله؛ فإن هذه العوارض وما أشبهها غيّرت العلم ذا الغلبة عن حاله في المعنى، فجاز أن تغير حاله لفظا. وأشرف بقولي أيضا إلى تغيّر الحال بقصد النّداء فيعرى من الأداة كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في دعاء: «إلّا طارقا يطرق بخير يا رحمن» (¬1). وكقول الشاعر: 302 - يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنّك إن يصرع أخوك تصرع (¬2) والمراد بقولي: دائما أن إضافة المضاف من هذا القبيل دائمة غير زائلة ما لم يتغيّر حاله. وأما المعرّف بالأداة فقد يجرّد منها وإن لم يتغير حاله وذلك قليل. ومنه ما حكى سيبويه من قول بعض العرب: هذا يوم اثنين مباركا فيه (¬3). وحكى ابن الأعرابي أنّ من العرب من يقول: هذا عيّوق طالعا. - ¬

_ (¬1) نص الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 419) وأصله أن صحابيّا جليلا سئل: كيف صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة كادته الشياطين، فقال: إنّ الشياطين تحدّرت تلك الليلة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأودية والشعاب، وفيه شيطان بيده شعلة نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهبط إليه جبريل عليه السّلام فقال: يا محمد قل. قال: «ما أقول؟». قل: أعوذ بكلمات الله التّامة من شرّ ما خلق وذرأ وبرأ ومن شرّ ما ينزل من السّماء ومن شرّ ما يعرج فيها ومن شرّ فتن اللّيل والنّهار ومن شرّ كلّ طارق إلّا طارقا يطرق بخير يا رحمن - قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى. (¬2) البيتان من الرجز المشطور، قيل: إنهما لجرير بن عبد الله البجلي، وقيل لغيره، وهما في التهديد. والشاعر يخاطب الأقرع بن حابس عالم العرب في زمانه وكان قد حكم في منافرة بين الشاعر وبين خالد ابن أرطاة الكلبي. وشاهده هنا: حذف الألف واللام من أقرع دون نداء أو إضافة وهو قليل. واستشهد به سيبويه على تقديم تصرع عن مكانه، والتقدير: إنك تصرع إن يصرع أخوك والجواب محذوف (الكتاب: 3/ 67). وأما المبرد فله رأي آخر في المقتضب (2/ 72) وهو تقدير الفاء في الجواب. والبيت في شرح التسهيل (1/ 176) وفي التذييل والتكميل (2/ 320) وفي معجم الشواهد (ص 498). (¬3) الكتاب (3/ 293). فائدة، قال أبو حيان ما ملخصه: «والصّحيح أن أسماء الأيّام أعلام توهّمت فيها الصفة دخلت عليها أل: فالسّبت من القطع والجمعة من الاجتماع، وباقيها من الواحد والثّاني والثّالث والرّابع والخامس». (التذييل والتكميل: 2/ 321).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعيّوق من الأعلام التي علميتها بالغلبة. وزعم ابن الأعرابي أنّ ذلك جائز في سائر أسماء النّجوم». انتهى كلام المصنف (¬1). ولكن في إفادته لمقصود الفصل بعض قلق، فلذلك أسلفت قبله ما تقدم ذكره. ثم إن فيه أمورا يتنبه لها: منها: أن ما أنشده من قول الراجز: 303 - لا هيثم اللّيلة للمطيّ ليس هيثم فيه علما بالغلبة، إنما هو من الأعلام المعلقة، ولكن مثّل به، ثم مثل بما هو علم غلبة ليفيد أن كلّا من النوعين قد ردّ إلى التنكير. على أن في قوله: «إنّ العلم في صيرورته اسما للا [1/ 197] قد ردّ إلى التّنكير» نظرا لا يخفى (¬2). ومنها: أنه جعل لفظ الرحمن من الأعلام الغالبة وهو قول الأعلم الشنتمري والأصح أنه ليس علما وإنما هو من الصفات الغالبة. ويستفاد من كلامه أنه موافق للأعلم في كون الرحمن علما بالغلبة. ومنها: قوله: والمراد بقولي: دائما - أن إضافة المضاف من هذا القبيل دائمة غير زائلة ما لم يتغير حاله، وقد عرفت ما فيه فيما تقدم (¬3). ومنها: أنه استفيد من كلام سيبويه أن أسماء أيام الأسبوع أعلام بالغلبة. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 176) وما قبلها. والعيّوق: كوكب أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن يتلو الثريا لا يتقدمها (القاموس: 3/ 279). (¬2) هذا النظر هو أنه لا يستساغ أن يصير الاسم المعرفة نكرة وهو باق على حاله من العلمية. وإنما ذهبوا إلى ذلك؛ لأنهم اشترطوا تنكير اسم لا حتى تعمل عمل إن ثم وجدوه بعد ذلك يقع معرفة. وذهب غيرهم إلى أن الاسم المعرفة باق على حاله، وأن اسم لا مضاف لا يتعرف بالإضافة إلى المعرفة كلفظ مثل، أو يجعل اسم لا في هذا المثال: لا هيثم ... إلخ - وفي غيره من مثل: قضية ولا أبا حسن لها اسم جنس لكل من اتصف بالمعنى المشهور به مسمى ذلك العلم، والمعنى: قضية ولا فيصل لها كما قالوا: لكلّ فرعون موسى بتنوين العلمين على معنى: لكل جبار قهار. (شرح الرضي: 1/ 260 بتلخيص). ونقله الصبان (2/ 4، 5). (¬3) وهو أن تغييره عن حاله لا يزيل الإضافة، وإنما التغيير قد يزيل التعريف فقط.

[أحكام العلم ذي الأداة]

[أحكام العلم ذي الأداة] قال ابن مالك: (ومثله ما قارنت الأداة نقله أو ارتجاله، وفي المنقول من مجرّد صالح لها ملموح به الأصل وجهان). ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل الشيخ عن أبي العباس أنها معارف بالأداة؛ فإذا زالت فيها زال التعريف، قال: «وهو باطل بما حكى سيبويه من نصب الحال عنها دون ألف ولام» (¬1). ومن الأعلام الغالبة: النجم للثريا، والصعق لخويلد بن نفيل، والعقبة والبيت والمدينة (¬2). قال ناظر الجيش: أي ومثل ذي الغلبة. قال المصنف: «ويشارك ذا الغلبة المصاحب للأداة فيما نسب إليه ما قارنت الأداة نقله كالنضر والنعمان، أو ارتجاله كالسموأل واليسع؛ فلا يجرد هذان النوعان إلا لنداء أو غيره من العوارض التي يجرد لها الأعشى ونحوه من الأعلام الغالبة. بل هذان النوعان أحق بعدم التجرد؛ لأن الأداة فيهما مقصودة في التسوية قصد همزة أحمد وياء يشكر وتاء تغلب؛ بخلاف الأداة في الأعشى فإنها مزيدة للتعريف ثم عرض بعد زيادتها شهرة وغلبة أغنتا عنها؛ إلا أن الغلبة مسبوقة بوجودها وحاصله بمصاحبتها، فلم تنزع ما دام التعريف مقصودا، كما لا تنزع المقارنة للنقل أو الارتجال». انتهى كلامه (¬3). وفي قوله: ومثله ما قارنت إلى آخره - استدراك لطيف، وهو أنه من جملة أحوال ذي الغلبة المصاحب للأداة أنه قد تنزع منه الأداة دون سبب وهو قليل كما تقدم (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل (2/ 321). قال المبرد (المقتضب: 2/ 276): «وتقول فيما كان علما في الأيام كذلك في تصغير سبت: سبيت، وفي تصغير أحد: أحيد. وعلق عليه الشيخ عضيمة فقال: «كلام المبرد هنا صريح في أنّ أسماء أيام الأسبوع أعلام بدليل قوله ... وحكى هذا النقل ثم قال: «ونسب إليه السّيوطي في الهمع أنّه خالف سيبويه في علميتها» (1/ 74)، وكذلك الرضيّ في شرح الكافية (2/ 127): «والمبرد إنما خالف سيبويه في أنّه أجاز تصغيرها ولم يخالفه في علميتها». قال المبرد في الجزء الثالث (ص 336): «وأما قولهم الثّلاثاء والأربعاء يريدون الثالث والرابع فليس بمعدول؛ لأن المعنى واحد وليس فيه تكثير، ولكنه مشتقّ بمعنى اليوم كالعديل والعدل .. والمعنى في المعادلة سواء، ألا ترى أن الخميس مصروف؟ فهذان دليلان، وكذلك لزوم الألف واللام لهذه الأيام كما يلزم النجم والدّبران لأنّهما معرفة». (¬2) على هامش الأصل كتب: انتهيت قراءة. (¬3) شرح التسهيل (1/ 176). (¬4) من أمثلته ما حكاه سيبويه عن بعض العرب: هذا يوم اثنين مباركا فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك ممتنع في المنقول والمرتجل، وهو قد جعلهما مثله في الحكم. وأشار بقوله: وفي المنقول من مجرد إلى آخره - إلى أنه إذا كان العلم منقولا من صفة أو مصدر أو اسم عين وكان عند التسمية به مجردا من التعريف جاز في استعماله علما أن يلمح به الأصل فتدخل عليه الأداة، وألا يلمح به فيستدام تجريده. قال المصنف (¬1): وأكثر دخولها على منقول من صفة كحسن وعباس وحارس، ويلي ذلك دخولها على منقول من مصدر كفضل وقيس، ويليه دخولها على منقول من اسم عين كليث وخرنق (¬2). واحترز بصالح من النقول من فعل نحو يزيد ويشكر؛ فإنه لا تدخل عليه الأداة إلا لضرورة أو عروض تنكير (¬3). واعلم أن المصنف يرى أن لفظ الجلالة المعظمة من الأعلام [1/ 198] المرتجلة لا المنقولة؛ وقد تعرض في هذا الفصل لذكر هذه المسألة فأحببت إيرادها لنفاستها وما اشتملت عليه مباحثها من الفوائد. قال المصنف: ومن الأعلام التي قارن وضعها وجود الألف واللام - الله تعالى المنفرد به، وليس أصله الإله كما زعم الأكثرون، بل هو علم دال على الإله الحق دلالة جامعة لمعاني الأسماء الحسنى كلها ما علم منها وما لم يعلم، ولذلك يقال لكل اسم سوى الله من الأسماء الكريمةهو من أسماء الله تعالى ولا ينعكس. ولو لم يرد على من زعم أن أصل الله الإله إلا بكونه مدعيا ما لا دليل له - لكان ذلك كافيا؛ لأن الله والإله يختلفان في اللفظ والمعنى. أما في اللفظ فلأن أحدهما في الظاهر الذي لا عدول عنه دون دليل معتل العين (¬4). والثاني مهموز الفاء صحيح العين واللام، فهما من مادتين؛ وردّهما إلى أصل واحد - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 201). (¬2) علم يطلق على مؤنث ومنه: خرنق؛ أخت طرفة بن العبد. (¬3) شرح التسهيل (1/ 180) ومثال دخول أل على المنقول من فعل للضرورة قول الشاعر: رأيت الوليد بن اليزيد مباركا ... شديدا بأعباء الخلافة كاهله ومثال دخولها لعروض تنكير قولك في تثنية يزيد ويشكر: اليزيدان واليشكران. (¬4) أي وصحيح الفاء واللام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تحكم وزيغ عن سبيل التصريف. وأما اختلافهما في المعنى فلأن الله خاص بربنا تبارك وتعالى في الجاهلية والإسلام، والإله ليس كذلك؛ ولهذا يستحضر بذكر الله مدلولات جميع الأسماء، ولا يستحضر بالإله إلا ما يستحضر بالمعبود، وهذا بين من قول بعض (¬1) الأنصار رضي الله عنهم: 304 - باسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا (¬2) ثم مراد من زعم أن أصل الله الإله لا يخلو من أمرين: أحدهما: أن تكون الهمزة حذفت ابتداء ثم أدغمت اللام في اللام. والثاني: أن تكون الهمزة نقلت حركتها إلى اللام الأولى وحذفت هي على مقتضى النقل القياسي. فالأول باطل لأن حاصله ادعاء حذف فاء بلا سبب، ولا مشابهة ذي سبب من كلمة ثلاثية اللفظ؛ فذكر الفاء تنبيه على أن حذفها أشد استبعادا من حذف العين واللام؛ لأن الأواخر وما اتصل بها أحق بالتغيير من الأوائل. وقولي: بلا سبب تنبيه على أن الفاء قد تحذف لسبب كحذف واو عدة؛ فإنه مصدر يعد، فحمل المصدر على الفعل في الحذف طلبا للتشاكل. وقولي: ولا مشابهة ذي سبب تنبيه على رقة بمعنى ورق، فحذفت فاؤه لا لسبب كما في عدة بل لشبهه بعدة وزنا وإعلالا. ¬

_ (¬1) في الأصل: بعض قول، وما أثبتناه هو الصواب. (¬2) البيتان من بحر الرجز المشطور، من أرجوزة عدتها ثلاثة أبيات ثالثها: وحبّذا ربّا وحبّ دينا (انظر ديوان عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي: ص 107). اللغة: بدينا: بمعنى بدأنا وهي لغة الأنصار. وحبّ دينا: يقال: حب بفلان أي ما أحبه والمعنى ما أحب هذا الدين. وشاهده: واضح من الشرح؛ حيث استشهد به لمعناه وهو أنه يقصد بالإله المعبود، وقد استشهد بالبيت الثالث في باب حبذا. والبيت في معجم الشواهد (ص 548) وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 177). ترجمة الشاعر: هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري من الخزرج أبو محمد. صحابي يعد من الأمراء والشعراء الراجزين، كان يكتب في الجاهلية، وشهد بيعة العقبة مع السبعين من الأنصار، وكان أحد النقباء الاثني عشر، وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية، واستخلفه النبي عليه السّلام في إحدى غزواته على المدينة وصحبه في عمرة القضاء، وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة، واستشهد فيها سنة 8 هـ (انظر ترجمته في الأعلام: 4/ 217).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولولا أن رقة بمعنى ورق لتعين إلحاقه بالثنائي المحذوف اللام كشفة ولثة، وهذا مع تحقق محذوف لكون الاسم ثنائيّا لفظا كحر (¬1) أو ثلاثيّا مقطوعا بزيادة بعضه كلثة، وما نحن بسبيله ليس ثنائيّا لفظا ولا ثلاثيّا مقطوعا بزيادة بعضه ولا مظنونا - فكان حذف فائه أشد استبعادا. فإن قيل: قد حذفت الفاء بلا سبب في الناس؛ فإن أصله أناس فليحكم بذلك فيما نحن بسبيله؟ قلنا: لو صح كون الناس مفرعا على أناس لم يجز أن يحمل عليه غيره؛ لأن الحمل عليه زيادة في الشذوذ وتكثير من مخالفة الأصل [1/ 199] دون سبب يلجئ إلى ذلك فكيف؟ والصحيح أن ناسا وأناسا لفظان بمعنى واحد من مادتين مختلفتين: إحداهما: نوس والأخرى: أنس، كما أن ألوقة ولوقة من مادتين مختلفتين (¬2) وهما اسمان لتمر معجون بزبد أو سمن، وكما أن أوقية ووقية بمعنى واحد، وأحدهما من أوق والآخر من وقي وأمثال ذلك كثيرة. وأما ادعاء نقل حركة همزة الإله إلى اللام فأحق بالبطلان؛ لأنه يلزم مخالفة الأصل من وجوه: أحدها: نقل حركة همزة من كلمتين على سبيل اللزوم ولا نظير لذلك. الثاني: نقل حركة همزة إلى مثل ما بعدها، وذلك يوجب اجتماع مثلين متحركين، وهو أثقل من تحقيق الهمزة بعد ساكن؛ لأن اجتنابه في الكلام آكد؛ إذ هو مستلزم في أوعد وبابه بخلاف النقل فإنه لم يلتزم إلّا في أفعال الرؤية. مع أن من العرب من لا يلتزمه وهم تيم اللّات (¬3). - ¬

_ (¬1) لامه محذوفة، وأصله حرح بكسر الأول والثاني، والجمع أحراح. والحر: هن المرأة. (¬2) الأولى من ألق والثانية من لوق. (¬3) معناه أن النقل في الإله لتصير الله - غير مقبول؛ لأن النقل لم يلتزم في العربية إلّا في مضارع رأى وأمره، مع أن مع العرب من لم يلتزمه، واستعمل الفعل بلا نقل، قال الشاعر (من الوافر): أري عينيّ ما لم ترأياه ... كلانا عالم بالتّرّهات

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث من وجوه مخالفة الأصل: تسكين المنقول إليه الحركة، وذلك يوجب كون النقل عملا كلا عمل؛ لأن المنقول إليه كان ساكنا، ثم حرك بحركة الهمزة إبقاء عليها وصونا لها من محض الحذف؛ فإذا سكن فات ذلك وعاد الحرف إلى ما كان عليه قبل النقل، وكأن النقل لم يكن. ومع هذا ففاعل هذا التسكين بمنزلة من نقل في بئس فقال بئس ثم سكن بيس. ولا يخفى ما في هذا من القبح مع كونه في كلمة واحدة، والمدعى في الله من كلمتين؛ فهو أمكن في الاستقباح وأحق بالاطراح. الرابع: إدغام المنقول إليه فيما بعد الهمزة، وذلك بمعزل عن القياس؛ لأن الهمزة المنقولة الحركة في تقدير الثبوت؛ فإدغام ما قبلها فيما بعدها كإدغام أحد المنفصلين في الآخر. وقد اعتبر أبو عمرو بن العلاء (¬1) في الإدغام الكبير الفصل بمحذوف واجب الحذف نحو: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ (¬2) فلم يدغم الغين في الغين؛ فلأن يعتبر الفصل بمحذوف غير واجب الحذف أحق وأولى. ولأجل الاعتداد بالمحذوف تحقيقا جاز أن يقال في مثل: اغدودن من وأل ووّل بتصدير واوين وأصله: اوأوأل. ثم نقلت حركتا الهمزتين إلى الواوين، واغتفر بتصديرها دون قلب أولاهما همزة لانفصالهما بالهمزة تقديرا. ومثل هذه المدعى في الله قد ندر في (لكن أنا) إذا قيل فيه: لكِنَّا (¬3) إلّا أن هذا ليس ملتزما. ثم إن الذي زعم أن أصل الله الإله يقول: إن الألف واللام عوض من الهمزة، ولو كان كذلك لم يجمع بينهما في الحذف في قولهم: لاه أبوك يريدون: لله أبوك؛ إذ لا يحذف عوض ومعوض منه في حالة واحدة. - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) سورةآل عمران: 85. وبقيتها: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ. (¬3) سورة الكهف: 38 وبقيتها: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقالوا أيضا: لهي أبوك يريدون: لله أبوك، فحذفوا لام الجر والألف واللام، وقدموا الهاء وسكنوها، فصارت الألف ياء [1/ 200]. وعلم بذلك أن الألف كانت منقلبة عنها لتحركها وانفتاح ما قبلها. فلما وليت ساكنا عادت إلى أصلها وفتحتها فتحة بناء. وسبب البناء تضمن معنى حرف التعريف. هذا قول أبي علي، وهو قول ضعيف عندي؛ لأن الألف واللام في الله زائدة مع التسمية ومستغنى عن معناها بالعلمية؛ فإذا حذفت لم يبق لها معنى يتضمن. والذي أراه: أن لهي مبني لتضمن معنى حرف التعجب وإن لم يكن للتعجب حرف موضوع، كما قال الجمهور في اسم الإشارة إنه مبني لتضمن معنى حرف الإشارة، ومرادهم بذلك أن الإشارة معنى من المعاني النسبية الحقيقة بأن يوضع لها حروف، فاستغني باسم الإشارة عن وضع حرف الإشارة، فلذلك قيل في حد اسم الإشارة إنه: الاسم الموضوع لمسمّى وإشارة إليه. فكما بني اسم الإشارة لتضمنه معنى الإشارة بني لهي لتضمن معنى التعجب. إذ لا يقع لهي في غير تعجب كما لا يقع اسم الإشارة في غير إشارة، وهو مع بنائه في موضع جر باللام المحذوفة. واللام والمجرور بها في موضع رفع بمقتضى الخبرية، وأبوك مرفوع بالابتداء. انتهى كلام المصنف في هذه المسألة الشريفة، ولا مزيد عليه في الحسن والتحقيق، فرحمه الله تعالى (¬1). وفي تضعيفه قول أبي علي في سبب بناء لهي أبوك - نظر؛ لأنه حكم بزيادة الألف واللام، وليس القول بزيادتها متعينا عند أبي علي فيلزمه ما ألزمه به. ¬

_ (¬1) هذا تعقيب ناظر الجيش على هذه المسألة التي شرحها ابن مالك، وهو تعقيب لطيف. أما أبو حيان فقد قال فيها: «قال المصنّف: ومن الأعلام الّتي قارن وضعها وجود الألف واللام: الله تعالى، وليس أصله الإله. وأطال المصنف في الاستدلال على ما ذهب إليه وإبطال ما سواه - إطالة تزيد على ورقتين مدمجتين وليس هذا موضع بحث في ذلك، وقد كتبنا في ذلك ما فيه غنية في كتابنا تفسير القرآن المسمى بالبحر المحيط». (التذييل والتكميل: 2/ 322).

[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك]

[تنكير العلم بالتثنية والجمع والإضافة وأحكام ذلك] قال ابن مالك: (وقد ينكّر العلم تحقيقا أو تقديرا، فيجري مجرى نكرة ويسلب التّعيين بالتّثنية والجمع، فيجبر بحرف التّعريف إلّا في نحو: جماديين وعمايتين وعرفات). قال ناظر الجيش: قال المصنف: «قد ينكر العلم تحقيقا (¬1) كقولك رأيت زيدا من الزّيدين، وما من زيد كزيد بن ثابت، وقضيّة ولا أبا حسن لها، وكقول نوف البكالي (¬2): «ليس موسى بني إسرائيل هو موسى آخر»، وتنكيره تقديرا مثل قول أبي سفيان: لا قريش بعد اليوم، وكقول بعض العرب: لا بصرة لكم» انتهى (¬3). ولم يظهر لي وجه التفرقة بين قولهم: قضية ولا أبا حسن لها، وقولهم: لا قريش بعد اليوم؛ حيث جعل التنكير في الأول تحقيقا وفي الثاني تقديرا، على أنه لما ذكر في باب لا تأويل مباشرتها العلم، قال (¬4): «إنّ لا قريش بعد اليوم مؤول بلا بطن من بطون قريش بعد اليوم، وإنّ ولا أبا حسن مؤول بلا مثل أبي حسن». ومقتضى هذا التقرير أن يكون التنكير في الأول تقديرا وفي الثاني تحقيقا. وينبغي أن يعلم أن العلم إنما يجوز تنكيره بتأويل وهو قليل مع ذلك، وفي عبارة المصنف ما يرشد إلى قلّته، حيث أتى بقد مع الفعل المضارع في قوله: وقد ينكّر. والدليل على ضعفه: أن العلم إنما وضع لشيء بعينه غير متناول ما أشبهه؛ فإذا نكرته فقد استعملته على خلاف ما وضع له، ووجهه أنه لما وضعه الواضع [1/ 201] لمسمى ثم وضعه آخر لمسمى آخر؛ صارت نسبته إلى الجميع بعد ذلك نسبة واحدة فأشبه رجلا. - ¬

_ (¬1) في هامش الأصل جاء قول معلق «الّذي يظهر من قوله تحقيقا: أنّه قد قرّر التّسمية بزيد مثلا، فتعددت الأسماء والمسمّيات، فكان التنكير تحقيقا، وكذلك في أبا حسن قد كنّي به كثيرا بخلاف قريش (المنكر تقديرا) فإن لم يعرف أنّه سمّي بها غير القبيلة المعروفة (نسخة الأصل بمعهد المخطوطات: ص 200). (¬2) هو نوف بن فضالة الحميري البكالي، إمام أهل دمشق في عصره، من رجال الحديث، ورد ذكره في الصحيحين، ذكره البخاري في فضل من مات ما بين التسعين إلى المائة. توفي نحو سنة (95 هـ). (ترجمته في الأعلام: 9/ 31). (¬3) شرح التسهيل: (1/ 182). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك، ورقة (76 أ)، وهو مخطوط بدار الكتب رقم (10 ش نحو).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن ذكر (¬1) الشيخ جمال الدين بن عمرون - رحمه الله تعالى - أن تنكير العلم ليس على حد التنكير في الأجناس، قال: «لأنّ الجنس يفيد حقيقة مشتركة ... فالتّنكير فيه يفيد واحدا من تلك الحقيقة والعلم لشيء بعينه، ومحال وجود شخص آخر هو ذاك بعينه، لكن تنكيره (¬2) على معنى مسمّى، وحينئذ لا يفيد معيّنا، بل يفيد مسمّى ما بهذا الاسم. وهذا يمكن وقوع الشّركة فيه» ثم قال: «وينكّر العلم بطريق آخر: وهو أن يشهر بمعنى من المعاني، فيصير بمنزلة الجنس الدّال على ذلك المعنى كما في قولهم: لكل فرعون موسى، أي: لكلّ جبار مبطل قهّار محقّ». ثم قال: «ولأجل أنّ تنكير العلم بتأويل يخرجه عمّا وضع له لم يصحّ اعتباره إلّا مع قرينة: إمّا إضافة أو لام أو غير ذلك كقولهم: لا هيثم اللّيلة؛ لتنبّه القرينة على المراد لمّا كان خفيّا ومخرجا للاسم عمّا وضع له». قال: «ولما ذكرنا من أمر القرينة لما مثّل النّحاة في باب: ما لا ينصرف معرفة وينصرف نكرة: تنكير الاسم، أدخلوا ربّ، فقالوا: ربّ إبراهيم، وقالوا: جاءني إبراهيم وإبراهيم آخر؛ فوصفوا؛ بالنّكرة الاسم الثّاني دون الأوّل لأمر، وهو أنّ ذكره ثانيا بعد ذكره أوّلا يصيّر الشّركة محقّقة، فيحكم عليه أنّه نكرة ويوصف بنكرة؛ وليس مجرد الشّركة العارضة موجبة لتنكير العلم، ألا ترى أنّك تصفه بالمعرفة؟» انتهى كلامه. ثم مثل للإضافة بما مثل به الزمخشري من قولهم: مضر الحمراء (¬3)، قال: وهو - ¬

_ (¬1) لم أجد لابن عمرون مؤلفا بين أيدينا مخطوطا أو مطبوعا، كل ما ذكر في ترجمته أنه شرح المفصل (بغية الوعاة: 1/ 231) ومع ذلك لم يذكره بروكلمان حين ذكر شروح المفصل. (تاريخ الأدب العربي له: 5/ 225). (¬2) كان يوجد بهذا الكلام خلل بالمخطوطة نبه عليه قارئ لها بقوله: قف، وأصله قبل التعديل: ومحال وجود شخص آخر هو ذاك بعينه، وإلا يلزم أن يكون هو ذاك، فيكون واحدا لاثنين؛ لكن تنكيره على معنى مسمى ... إلخ. (¬3) المفصل للزمخشري (ص 12): فصل: تأويل العلم بواحد من الأمّة المسمّاة، قال: «وقد يتأوّل العلم بواحد من الأمّة المسمّاة به؛ فلذلك من التأول يجري مجرى رجل وفرس، فيجترأ على إضافته وإدخال اللّام عليه، قالوا: مضر الحمراء، وربيعة الفرس، وأنمار الشّاة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مضر بن نزار، ولما مات نزار خلف مضر وربيعة وأنمارا. وخلفوا تراثا ناطقا وصامتا، فأتوا بنجران حكيم الزمان، فجعل القبة الحمراء والذهب الأحمر لمضر، والأفراس لربيعة، والشاء لأنمار، فأضيف كل واحد إلى ما حكم له به تعريفا له بذلك. وقيل: كانت مضر تلبس في الحرب العمائم الحمر، وترفع الرايات الحمر، وكانت اليمن تجعل الأصفر في العمائم والرايات، وإلى هذا أشار حبيب في قوله: 305 - محمرّة مصفرّة فكأنّها ... عصب تيمّن في الورى وتمضّر (¬1) ومن لغتهم أن يضيفوا بأدنى ملابسة، وأنشد قول الشاعر: 306 - علا زيدنا يوم النّقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشّفرتين يماني (¬2) الشاهد فيه: إضافة زيد إلى ضمير المتكلم، وكذا إضافة زيد الثاني إلى ضمير الخطاب. ومثل للام (¬3) بقول أبي النجم (¬4): 307 - باعد أمّ العمر من أسيرها ... حرّاس أبواب على قصورها (¬5) ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل من قصيدة لأبي تمام يمدح بها المعتصم. وقد شغله الربيع وزهوره عن مدح صاحبه، فلم يذكره إلا في آخرها. يقول في مطلعها (ديوان أبي تمام: 2/ 191): رقّت حواشي الدّهر فهي تمرمر ... وغدا الثّرى في حليه يتكسّر وبيت الشاهد في وصف الزهور. ومصفرة ومحمرة حالان من الزهور في بيت سابق. والمعنى: هذه الزهور الصفراء تشبه رايات اليمن الصفراء مثلها. وكذلك هذه الزهور الحمراء تشبه رايات مضر الحمراء أيضا. والبيت جيء به لمعناه، وقد انفرد به الشارح. (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو في الفخر - منسوب لرجل يدعى زيدا من ولد عروة بن زيد الخيل، وقد سبق الحديث عنه والاستشهاد به في موضع آخر من هذا التحقيق في باب المضمر، وقد ذكر الشارح الشاهد فيه. (¬3) في نسخة (ب): ومثل اللام، وما في نسخة الأصل أولى، وما سيذكره نظير تقسيمه قبل: ثمّ مثّل للإضافة .... إلخ. (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) البيتان من الرجز المشطور، وهما في الغزل، قالهما أبو النجم العجلي كما هو في الشرح وكما في مراجعهما. والمعنى: ما أبعدني عن أم عمرو وأبعدها عني وأنا أسير حبها - إلّا هؤلاء الذين يقفون على أبواب قصرها يحرسونها ويمنعون أي قادم إليها. ويستشهد بالبيت الأول على زيادة أل في العلم المجرد حين افترض تنكيره فعرفه بها. قال الشيخ عضيمة (محقق كتاب المقتضب: 4/ 49): وإذا لحقت الألف واللّام عمرا لا تلحقه الواو المميّزة بينه وبين عمر. والشاهد في التذييل والتكميل (3/ 237) وفي معجم الشواهد (ص 483).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاهد فيه: إدخال اللام على عمرو، وأراد بأسيرها نفسه؛ لأنه بعشقه إياها قد أسرته. وأشار المصنف بقوله: ويسلب التّعيين بالتّثنية والجمع إلى أن العلم إذا ثني أو جمع ينكر، وهذا معنى قول أبي الحسن [1/ 202] بن عصفور رحمه الله تعالى (¬1): «ولا يثنّى ولا يجمع وهو باق على علميّته» (¬2). ولكن يظهر أن تعبير المصنف عنها أحسن من تعبيره. ثم بعد التثنية والجمع إن قصد البقاء على التنكير لم يؤت بأداة التعريف، كقول الشاعر: 308 - رأيت سعودا من شعوب كثيرة ... فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك (¬3) وإن قصد تعريفه قرن بالأداة، كقول الشاعر: 309 - وقبلي مات الخالدان كلاهما ... عميد بني جحوان وابن المضلّل (¬4) - ¬

_ (¬1) كلمة تعالى: ليست في نسخة (ب). (¬2) جاء في المقرب لابن عصفور: (ص 437) (المقرب ومعه مثل المقرب) يقول تحت باب التثنية وجمع السلامة: «وإن كانا معرفتين باقيتين على تعريفهما لم يثنّيا نحو قولك: زيد وزيد تريد: زيد ابن فلان وزيد بن فلان». (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة لطرفة بن العبد، قالها حين طرد فصار في غير قومه، ومطلعها (الديوان: ص 114): قفي ودّعينا اليوم يابنة مالك ... وعوجي علينا من صدور جمالك واستشهد بالبيت: سيبويه (3/ 396) والمبرد في المقتضب (2/ 222) على جمع سعد على سعود جمع تكسير للكثرة والأكثر استعمالا فيه الجمع السالم، ويزاد هنا في الاستشهاد: أن سبب جمعه هو إرادة تنكيره. والبيت في شرح التسهيل (1/ 181) وفي التذييل والتكميل (2/ 324) وفي معجم الشواهد (ص 258). (¬4) البيت من بحر الطويل للأسود بن يعفر كما في لسان العرب (مادة خلد: 2/ 226) وقال صاحب اللسان: قال ابن بري: صواب إنشاده: فقبلى بالفاء لأنه جواب الشرط في البيت الذي قبله وهو: فإن يك يومي قد دنا وإخاله ... كواردة يوما إلى ظمء منهل والخالدان من بني أسد، وهما خالد بن فضلة بن الأشتر بن جحوان، وخالد بن قيس بن المضلل بن مالك. والبيت وما قبله غاية في الاعتراف بالموت في الجاهلية. واستشهد النحاة: الزمخشري وابن يعيش وابن مالك وناظر الجيش - بالبيت على أنه لما ثني الخالدان تنكرا وحين أريد تعريفهما عرفا بالألف واللام وأصبح التعريف بلام العهد بعد أن كان بالعلمية. وغلط الشيخ أبو حيان فعد هذا البيت والذي قبله والذي بعده من الأعلام التي سلبت التعيين بالتثنية والجمع. والبيت في شرح التسهيل (1/ 181) وفي التذييل والتكميل (2/ 324) وفي معجم الشواهد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 310 - أخالد قد علقتك بعد هند ... فشيّبني الخوالد والهنود (¬1) والتزم ابن الحاجب إدخال لام التعريف على ما ثني وجمع من الأعلام، وعلل ذلك بما يوقف عليه من كلامه (¬2). وجعل كلام الزمخشري في المفصل معطيا لذلك (¬3). وخالف ابن عمرون في هذا الفهم الزمخشري، وليس في عبارته ما يقتضي اللزوم فإنه قال: «وكلّ مثنّى أو مجموع من الأعلام فتعريفه باللّام». ولم يقل فيلزم اللام؛ فعبارته تشبه عبارة المصنف حيث قال: فيجبر بحرف التّعريف. وقال سيبويه (¬4): «إذا سمّيت بزيد فإن شئت قلت زيدون وإن شئت قلت أزياد». وهذا تصريح في عدم التزام اللام. - ¬

_ - (ص 302) وفي شرح المفصل لابن يعيش (1/ 47). تعريف للأسود بن يعفر: شاعر جاهلي فصيح فحل، نادم النعمان بن المنذر. اقرأ ترجمته وأخبارا عنه في الشعر والشعراء (1/ 261). (¬1) البيت من بحر الوافر، وهو لجرير، من قصيدة هجاء طويلة بدأها بالغزل، وخالدة هذه زوجته وهو منادى مرخم، وبيت الشاهد أول أبيات القصيدة وبعده (الديوان: ص 126). فلا بخل فيوئس منك بخل ... ولا جود فينفع منك جود وشاهده: كالذي قبله. والبيت في معجم الشواهد (ص 106) وفي شرح التسهيل (1/ 181) وفي التذييل والتكميل: (2/ 324). (¬2) قال ابن الحاجب بعد أن قرر أن الاسم لم يوضع علما إلا منفردا؛ فإن قصد تثنيته أو جمعه فقد زال معنى العلمية، قال: «وإنّما التزموا إدخال اللّام في المثنّى (ومثله الجمع) تعويضا عمّا ذهب من العلميّة من مفرديه» (الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب: 1/ 102). (¬3) قال الزمخشري في المفصل (ص 14): فصل: «وكلّ مثنّى أو مجموع من الأعلام فتعريفه باللام إلّا نحو أبانين». ثم شرحه ابن الحاجب فقال: «أدخل الفاء في خبر المبتدأ تنبيها على أنّ تثنية العلم وجمعه سبب لإدخال لام التّعريف عليه فلا يكون مثنّى أو مجموع من الأ إلّا وفيه اللّام». (الإيضاح في شرح المفصل: 1/ 102) (تحقيق العليلي). (¬4) نصه في الكتاب (3/ 395) يقول: «هذا باب جمع أسماء الرّجال والنّساء: فمن ذلك إذا سمّيت رجلا بزيد أو عمرو أو بكر كنت بالخيار؛ إن شئت قلت زيدون، وإن شئت قلت أزياد كما قلت أبيات، وإن شئت قلت الزّيود».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يتعرض المصنف إلى التعريف بغير اللام، بل اقتصر على اللام كما فعل الزمخشري. قال ابن عمرون: «وتقييده التّعريف باللّام وإن كان يجوز بالإضافة نحو زيدوكم وزيودكم - لأنّ التّعريف فيه بالوضع على واحد مخصوص، ولام العهد تفيد واحدا مخصوصا بالعهد، فكان ذلك خلفا من تعريف العلميّة وهو الكثير». وذكر في موجب زوال العلمية بالتثنية والجمع وجهين: أحدهما: «أن العلم إنّما يكون معرفة إذا كان مفردا؛ لأنّه لم يجعل علما إلّا على هذه الصيغة المعروفة فإذا زالت زالت العلمية». ثانيهما: «أنّ التثنية وضعت لتدلّ على آخر، ولم يوضع العلم ليدلّ على ذلك». ثم قال: «وتنكيره باعتبار اشتراك في التسمية لا باعتبار اشتراك في الحقيقة، ولأنّه نكرة جاز وصفه بالنّكرة في قولك: جاءني زيدان كريمان». وأشار المصنف بقوله: إلّا في نحو جماديين وعمايتين وعرفات - إلى أن العلمية لا تنسلب في مثل ذلك بالتثنية والجمع. قال في شرح هذا الموضع (¬1): «فإن اشترك في العلم ما لا يفترق لم يحتج إلى الأداة في تثنية ولا جمع كجماديين في الشّهرين المعروفين، وعمايتين في جبلين، وعرفات لمواقف الحجّ واحدها عرفة. قال الشّاعر في جماديين: 311 - حتّى إذا رجب تولّى وانقضى ... وجماديان وجاء شهر مقبل (¬2) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 181). (¬2) البيت من بحر الكامل، قال فيه صاحب الدرر (1/ 17): لم أعثر على قائله، ولكنه في معجم الشواهد منسوب إلى أبي العيال الهذلي، وقد وجدته كذلك في ديوان الهذليين (ص 252) من القسم الثاني، وهو من قصيدة صدرها الشارح بقوله: وكان أبو العيال الهذلي قد حوصر في بلاد الروم في زمن معاوية، فكتب إلى معاوية كتابا فقرأه معاوية على الناس أوله قوله: من أبي العيال أبي هذيل فاعرفوا ... قولي ولا تتجمجموا ما أرسل وبيت الشاهد نصه في الديوان: حتّى إذا رجب تخلّى وانقضى ... ... وشاهده واضح: حيث ثني العلم في جماديان وهو باق على تعريفه بالعلمية، فلم يحتج إلى أداة، ذلك لأن الذي يطلق عليهما المثنى لا يفترقان. والبيت في شرح التسهيل (1/ 181) وفي التذييل والتكميل (2/ 325) وفي معجم الشواهد (ص 297). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر في عمايتين: 312 - لو أنّ عصم عمايتين ويذبل ... سمعا حديثك أنزلا الأوعالا (¬1) انتهى. واقتضى كلامه أن العلم إنما هو واحد هذه الكلمات الثلاث. ويمكن أن يقال: إن جماديين علم على هذين الشهرين، وكذا عمايتين علم على الجبلين، وعرفات علم على هذه المواقف، وعلى هذا لا يحتاج إلى استثنائها [1/ 203]. وقد رأيت في كلام الشيخ جمال الدين بن عمرون ما يدل على [ما] قلته: فإنه قال في قول الزمخشري: «إلّا نحو أبانين» (¬2): «الجيّد أنّه استثناء منقطع؛ لأنّ أبانين وضع علما على الجبلين كما لو وضع زيدان علما، فإنه لا يجوز إدخال آلة التّعريف عليه. وأذرعات كذا لأنّه ليس أذرعة معروفة، ومثله عرفات؛ وإن قيل عرفة فهي بمعنى عرفات لا واحد عرفات، وهما علمان لهذه المواضع الشّريفة» انتهى. وقول سيبويه بعد أن ذكر أبانين: «وليس هذا في الأناسيّ ولا في الدّواب، إنّما يكون هذا في الأماكن والجبال». قالوا: لا يريد به أنه لا يوضع لفظ المثنى علما، إنما يريد أن العلم لا يكون لشيئين بلفظ واحد يفهمان منه معا إلّا في الأماكن. ولذا قال: إنّ الأماكن والجبال أشياء لا تزول (¬3). ¬

_ - تعريف بأبي العيال الهذلي: هو أبو العيال بن أبي عنترة أحد بني خفاجة بن سعد بن هذيل، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، ثم أسلم فيمن أسلم من هذيل وعمر إلى خلافة معاوية، وحارب وغزا ببلاد الروم وأسر هناك كما ذكرنا في الشاهد. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (20/ 673) وغيره. (¬1) البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة لجرير بن عطية يهجو فيها الأخطل وقد بدأها بالغزل. (الديوان: ص 361): اللغة: العصم: جمع أعصم وهي الظباء والأوعال التي في سائرها سواد وفي يديها بياض. عمايتان: جبلان بالبحرين. يذبل: جبل بنجد، وقيل: عماية ويذبل جبلان بالعالية، وثنى عماية وهو جبل كما ثني رامة (معجم البلدان: 6/ 218) والشاهد واضح من الشرح. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 182) وفي التذييل والتكميل (2/ 325) وهو أيضا في شرح المفصل (1/ 46). (¬2) المفصل (ص 14) ونصه كما ذكرناه قبل: «وكلّ مثنّى أو مجموع من الأعلام فتعريفه باللّام إلّا نحو أبانين». (¬3) الكتاب (2/ 104) بتحقيق هارون ونصه هكذا يقول: -

[مسميات الأعلام]

[مسميات الأعلام] قال ابن مالك: (ومسمّيات الأعلام أولو العلم وما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات، وأنواع معان وأعيان لا تؤلف غالبا، ومن النّوعيّ ما لا يلزم التّعريف). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «أولو العلم: يعم الملائكة عليهم السّلام وأشخاص الإنس والجن والقبائل، وما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات: يعم السور والكتب، والكواكب، والأمكنة، والخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم والكلاب، والسلاح والملابس؛ فهذه وما أشبهها تدعو الحاجة إلى تعيين مسمياتها، فاستحقت أن يوضع لأفرادها أسماء تتميز بها. وأما ما لا يحتاج إلى تعيين فرد من أفراده: كالمعاني والوحوش؛ فلا يصلح أن يوضع له علم خاص، بل إن وضع لشيء منه علم فللنوع بأسره. إذ ليس بعض أشخاصه أولى به من بعض. فمثال ما وضع منه للنوع المعنوي: برّة للمبرة، وفجار للفجرة، وخيّاب بن هيّاب للخسران، ووادي تخيّب للباطل. ومثال ما وضع منه للنوع العيني: أبو الحرث وأسامة للأسد، وأبو جعدة وذؤالة للذئب. قال سيبويه (¬2): «إذا قلت: هذا أبو الحرث فإنّما تريد هذا الأسد، أي هذا الّذي سمعت باسمه، وعرفت أشباهه، ولا تريد أن تشير إلى شيء عرفته بعينه كمعرفة زيد؛ ولكنّك أردت هذا الّذي كلّ واحد من أمته له هذا الاسم». هذا نصه في باب ترجمته: «هذا باب من المعرفة يكون الاسم الخاصّ فيه شائعا في أمّته ليس واحد منها بأولى به من الآخر». فجعله خاصّا شائعا في حال واحدة - ¬

_ - «وإذا قالوا هذان أبانان، وهؤلاء عرفات فإنما أرادوا شيئا أو شيئين بأعيانهما اللّذين يشير لك إليهما وكأنهم قالوا: إذا قلنا ائت أبانين فإنما تعني هذين الجبلين بأعيانهما اللّذين نشير لك إليهما، ألا ترى أنّهم لم يقولوا: امرر بأبان كذا وأبان كذا لم يفرّقوا بينهما؛ لأنّهم جعلوا أبانين اسما لهما يعرفان به بأعيانهما. وليس هذا في الأناسيّ ولا في الدواب، وإنما يكون هذا في الأماكن والجبال، وما أشبه ذلك، من قبل أن الأماكن والجبال أشياء لا تزول ... والإنسانان والدّابتان لا يثبتان أبدا بأنهما يزولان، ويتصرّفان، ويشار إلى أحدهما، والآخر عنه غائب». (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 182). (¬2) انظر نصه في الكتاب (2/ 94).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخصوصة باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج». انتهى (¬1). وقد أشار ابن الحاجب إلى اقتباس هذا المعنى من كلام سيبويه كما أشار إليه المصنف، فقال بعد أن استشكل دخول العلم الجنس في هذا العلم (¬2): «وأجيب عن ذلك بأجوبة، والجواب المرضيّ منها أن يقال: إن العرب وضعت هذه الألفاظ وعاملتها معاملة الأعلام (¬3) في منع الصرف فيما اجتمع فيه مع العلميّة [1/ 204] علّة أخرى ومنع الألف واللام والإضافة (¬4) فلا بد من التخيل في جعلها أعلاما. قال سيبويه كلاما معناه: أنّ هذه الألفاظ موضوعة للحقائق المعقولة المتّحدة في الذهن. ومثله في المعهود بالذهن بينك وبين مخاطبك، وإذا صحّ أن يضع اسما بالألف واللام للمعهود الذهنيّ فلا بعد أن يضع العلم له. وإذا تحقق أنه لمعهود في الذهن فإذا أطلقوه على الواحد في الوجود فإنما أرادوا به الحقيقة المعقولة في الذهن. وصحّ إطلاقه على الواحد لوجود الحقيقة فيه، وجاء التعدّد باعتبار الوجود لا باعتبار موضوعه. والفرق بين قولك أسد وأسامة أنّ أسدا موضوع لواحد من آحاد الجنس في أصل وضعه، وأسامة موضوع للحقيقة المتحدة في الذّهن، فإذا أطلقت أسدا على واحد أطلقته على أصل وضعه، وإذا أطلقت أسامة على الواحد فإنّما أردت الحقيقة ولزم من إطلاقه على الحقيقة باعتبار الوجود التعدّد، فجاء التعدد ضمنا لا مقصودا باعتبار أصل الوضع» انتهى كلام ابن الحاجب (¬5). وتبعه ابن عمرون فقال: «وكون أسامة واقعا على كلّ أسد إنّما كان لأن التّعريف قيد للحقيقة، وهي موجودة فيه وقريب من هذا: يا رجل إذا أردت واحدا معيّنا، فأيّ رجل أقبلت عليه وناديته كان معرفة لوجود القصد إليه، وكذا أسامة أي أسد رأيته، فإنّك تريد هذه الحقيقة المعروفة بكذا. - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 203). (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب، تحقيق موسى العليلي (العراق) (1/ 83، 84)، وقد حذف شارحنا جزءا يسيرا في وسط الكلام. (¬3) في النسخ: العلم والجمع من نسخة ابن الحاجب وهو أفضل. (¬4) لأن الأعلام لا تقترن بالألف واللام ولا تضاف. (¬5) الإيضاح في شرح المفصل له (ص 36).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالتعدّد ليس بطريق الأصل، وإنّما احتيج إلى هذا؛ لأنّ العرب منعت بعضه الألف واللام والصّرف، ونصبت عنه الحال» انتهى. وثم طريقة أخرى في تقرير هذا الموضع جنح إليها الشيخ، وهي أن إطلاقه العلمية على هذه الأنواع مجاز؛ لأن أسامة وأسد لا تخالف بينهما في المعنى، وإنما التخالف بينهما في أحكام لفظية، والعلم الجنس داخل في حد النكرة، ولكن ما وجدت فيها أحكام المعارف أطلقنا عليها معارف (¬1). وقال الإمام بدر الدين ولد المصنف مشيرا إلى أعلام الأجناس: «هذه كلّها أسماء أجناس؛ وسميت أعلاما لجريانها مجرى العلم الشخصي في الاستعمال، وذلك أنّها لا تقبل الألف واللّام، وإذا وصفت بالنكرة بعدها انتصبت على الحال، ويمنع منها الصّرف ما فيه التأنيث والألف والنون الزائدتان لما شاركت العلم الشّخص في الحكم ألحقت به» (¬2). وفي قول المصنف في الألفية: ووضعوا لبعض الأجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم إشارة إلى هذه الطريقة. وقال الشيخ بعد إيراده قول المصنف: فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج: «ما من نكرة إلّا ويتصوّر فيها هذا الّذي ذكره المصنّف وغيره». انتهى (¬3). وما قاله [1/ 205] غير ظاهر؛ فإن النكرة كرجل مثلا لم توضع للحقيقة الذهنية، وإنما وضعت لفرد من أفراد ذكور الآدميين على سبيل الشياع. والذي ذكره المصنف وغيره: أنّ العلم الجنس موضوع للحقيقة المعقولة في الذّهن نفسها. واعلم أنهم قد وضعوا لبعض المألوفات أعلاما نوعية، كقولهم للأحمق: أبو الدّغفاء، وللمجهول شخصه ونسبه: هيّان بن بيّان، ومن ذلك قولهم لنوع - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (2/ 108، 109) وقد سبق تعليق طويل على هذه الفروق الدقيقة بين هذه المصطلحات. (¬2) انظر شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (ص 76) (بيروت دار الجيل). (¬3) انظر التذييل والتكميل (2/ 327).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمة: اقعدي وقومي، ولنوع العبد: قنّور بن قنّور، ولنوع الفرس: أبو المضاء. قال المصنف (¬1): ومن أبي الدغفاء وما بعده احترزت بقولي: لا تؤلف غالبا. وأما قوله: ومن النّوعيّ ما لا يلزم التّعريف - فقال المصنف شارحا له: ولما كان لهذا الصنف من الأعلام يعني العلم الجنس؛ خصوص من وجه وشياع من وجه - جاز في بعضها أن يستعمل تارة معرفة فيعطى لفظه ما تعطاه المعارف الشخصية، وأن يستعمل تارة نكرة فيعطى لفظه ما يعطاه النكرات. والطريقة في ذلك كله السماع (¬2). فمما جاء بالوجهين: فينة وغدوة وبكرة (¬3) وعشيّة؛ فلك أن تقول: فلان يأتينا فينة بلا تنوين، أي يأتينا الحين دون الحين، ولك أن تقول: يأتينا فينة بتنوين أي حينا دون حين، فيختلف التقديران والمراد واحد، وكذلك فلان يتعهدنا غدوة وبكرة وعشية، أي الأوقات المعبر عنها بهذه الأسماء، فلا تنوين إذا قصدت بها ما يقصد بالمقرون بالألف واللام عهديتين أو جنسيتين، كما تفعل بأسامة وذؤالة؛ إلا أن لك في بكرة وغدوة وعشية أن تنونها مؤولا لها بمجرد من الألف واللام، وليس لك ذلك في أسامة وذؤالة؛ ولا علة لذلك إلا مجرد الاتباع لما صح من السماع (¬4). ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 183). (¬2) المرجع السابق. (¬3) كلمة بكرة ساقطة من نسخة (ب)، وجاء في نفس النسخة: قينة بالقاف وهو خطأ. (¬4) شرح التسهيل (1/ 183) ويلخص الدكتور محمد يسري زعير أوجه الشبه بين علم الجنس وعلم الشخص في كتابه: أسرار النحو في ضوء أساليب القرآن الكريم (1/ 224) طبعة عيسى البابي الحلبي، فيقول: نستنتج من ذلك أن هناك نوعا من الشيوع في علم الجنس؛ لأنه وضع لأمة من الأمم لا لواحد بعينه، ومن ثم كان بينه وبين النكرة مشابهة، كما أن بينه وبين علم الشخص مشابهة أخرى. أما وجه الشبه بينه وبين النكرة فمن حيث المعنى؛ لأنه شائع في أمته وجماعته لا يختص به واحد بعينه دون آخر. أما وجه الشبه بينه وبين علم الشخص فمن حيث الأحكام اللفظية وهي: 1 - لا تدخل أل على علم الجنس كما لا تدخل على علم الشخص. 2 - لا يضاف علم الجنس كما لا يضاف علم الشخص، فلا يقال أسامتكم، كما لا يقال محمدكم. 3 - يمنع علم الجنس من الصرف كما يمنع علم الشخص فتقول: هذا أسامة، كما تقول: نظرت إلى طلحة؛ فيجر بالفتحة ومانع الصرف لهما العلمية والتأنيث اللفظي. 4 - يقع علم الجنس مبتدأ نحو: أسامة أجرأ من ثعالة كعلم الشخص. 5 - يصح مجيء الحال منه كعلم الشخص نحو: هذا أسامة مقبلا، فهو مثل: هذا محمد ضاحكا. انتهى بتلخيص.

[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام]

[حكم الصرف وعدمه لأنواع الأعلام] قال ابن مالك: (ومن الأعلام الأمثلة الموزون بها؛ فما كان منها بتاء تأنيث، أو على وزن الفعل به أولى، أو مزيدا آخره ألف ونون أو ألف إلحاق مقصورة - لم ينصرف إلّا منكرا، وإن كان على زنة منتهى التّكسير، أو ذا ألف تأنيث - لم ينصرف مطلقا؛ فإن صلحت الألف لتأنيث وإلحاق جاء في المثال اعتباران). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): الأمثلة الموزون بها كقولك وزن عامر وطلحة وأحمد وعمر: فاعل وفعلة وأفعل وفعل؛ فهذه وما أشبهها معارف؛ لأن كل واحد منها يدل على المراد دلالة تتضمن الإشارة إلى حروفه وهيئته؛ ولذلك تقع بعده المعرفة صفة والنكرة حالا، كقولك: لا ينصرف فعل المعدول بل ينصرف فعل غير معدول. والأمثلة المشار إليها بالنسبة إلى الصرف ومنعه على أربعة أقسام: - قسم ينصرف مطلقا. - وقسم لا ينصرف مطلقا. - وقسم ينصرف في التنكير دون التعريف. - وقسم له اعتباران هو في أحدهما كالثاني وفي الآخر كالثالث. فالأول: كفاعل؛ فإنه ليس فيه مع العلمية سبب ثان. والثاني: كفعلاء [1/ 206] وفعلى مما فيه ألف التأنيث ممدودة أو مقصورة، وكمفاعل ومفاعيل مما فيه زنة منتهى التكسير. والثالث: كفعلة وأفعل وفعلان وفعلى مما فيه تاء التأنيث، أو وزن الفعل، أو الألف والنون الزائدتان، أو ألف الإلحاق المقصورة؛ فهذه لا تنصرف ما دامت معارف، وتنصرف إذا وقعت موقعا يوجب تنكيرها، كقولك: كل فعلة صحيح العين فجمعه فعلات إن كان اسما، وفعلات إن كان صفة؛ وكل فعلان ذي مؤنث على فعلى لا ينصرف، وكل أفعل غير علم ولا صفة ينصرف. والرابع: الذي له اعتباران فعلى بفتح الفاء وكسرها؛ فإن ألفه صالحة للتأنيث - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 184).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصالحة للإلحاق؛ فإن حكم بتأنيثها كان ما هي فيه غير منصرف في تعريف ولا تنكير؛ وإن حكم بكونها للإلحاق كان ما هي فيه غير منصرف في التعريف منصرفا في التنكير. انتهى كلام المصنف (¬1) رحمه الله تعالى. ولابن الحاجب رحمه الله تعالى في هذه المسألة كلام وتقسيم حسن يفيد ما لا أفاده كلام المصنف، قال (¬2): «هذه الأمثلة إنما وقعت في اصطلاح النحويين، وضعوها لموزوناتها أعلاما على طريق الإيجاز والاختصار، وهي في الأعلام لموزوناتها بمنزلة باب أسامة على قول. ثم لا يخلو إما أن تستعمل وزنا للأفعال على حدتها أو لغير ذلك». «فإن استعملت للأفعال كان حكمها حكم موزوناتها، فنقول: استفعل حكمه كذا وكذا. وإن وضعت لغير الأفعال فلا تخلو إما أن توضع لجنس ما يوزن بها أو لا؛ فإن وضعت لجنس ما يوزن بها سواء كانت للأسماء أم للأفعال - كان حكمها حكم نفسها، فإن كان فيها ما يمنع الصرف منعت (وإلّا صرفت) (¬3)». «وإن لم تستعمل لجنس ما يوزن بها فلا تخلو إما أن تقع في الكلام كناية عن موزوناتها أو لا. فإن وقعت كناية عن موزوناتها كان لها حكم موزوناتها، لا حكم نفسها على الأكثر. وإن لم تكن كذلك وكانت موزوناتها مذكورا معها، كقولك: وزن قائمة فاعلة - فللنحويين فيها مذهبان: منهم: من يجريها مجرى الأول فيجعل له حكم نفسه، ومنهم: من يجعل حكمها حكم الثاني، فتقول على المذهب الأول: وزن قائمة فاعلة غير مصروف لأن فيه علتين: العلمية والتأنيث وهو مذهب الزمخشري». «وتقول على المذهب الثاني: وزن قائمة فاعلة مصروفا لأن موزونه مصروف. ووجه الأول هو أنه لما كان علما باعتبار الجنس كأسامة - وجب إجراؤه على كل واحد من مفرداته كما يجري أسامة؛ فإن أطلقته على واحد من مفرداتها كان علما، كما إذا أطلقت أسامة على واحد من الآساد كان اسما علما» [1/ 207]. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 184). (¬2) انظر نصه في: الإيضاح في شرح المفصل: (1/ 94) وما بعدها، تحقيق موسى العليلي (العراق). (¬3) ما بين القوسين مأخوذ من شرح ابن الحاجب على المفصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «ووجه الثاني هو أن باب أسامة في جريه علما على كل واحد - من المشكلات التي تتحير فيها الأفهام؛ لكونها في المعنى نكرة وحكمها حكم الأعلام، حتى احتيل في استقاميتها بأن قدرت أعلاما للحقائق المنقولة وصح إجراؤها للآحاد لوجود الحقيقة فيها. ولولا أن العرب منعت صرف أسامة عند جريه على الواحد - لم يرتب في أنه نكرة». «وإذا كان باب أسامة خارجا عن باب الأعلام؛ فإذا وضع النحويون أعلاما (¬1) فإعطاؤها حكم الأعلام القياسية أولى من إعطائها حكم أسامة الخارج من القياس؛ فعلى هذا لا يكون أفعل في قولك: وزن إصبع إفعل - علما. ويرد على هؤلاء أنه إذا لم يكن علما وجب أن يكون نكرة، فيجب أن يقال: وزن طلحة فعلة؛ إذ ليس فيه ما يمنع الصرف أصلا؛ لأن العلمية مفقودة، وتاء التأنيث شرطها في التأثير العلمية، فلا علة لهذا». «والجواب عنه أن يقال: هذا وإن لم يكن علما فليس اللفظ مقصودا في نفسه، وإنما الغرض به معرفة موزونه، فأجري مجرى موزونه» انتهى كلام ابن الحاجب (¬2). ووقفت لبعض مصنفي العجم على تقسيم تبع في أكثره ابن الحاجب: وهو أن هذه الأمثلة لا تخلو إما أن تستعمل مجردة عن الموزونات أو معها، والأول لا يخلو إما أن يكون أوزانا للأفعال على حدتها أو لغيرها، ففي الأول: حكمها حكم الأفعال، فتقول: فعل مبني على الفتح، ويفعل معرب، واستفعل للسؤال، وفي الثاني: وهو أن تكون لغير الأفعال على ثلاثة أقسام. لأنها إما أن تعتبر بالنسبة إلى جميع ما يوزن بها، أو بالنسبة إلى بعض ما يوزن بها، بأن تجعل كناية عنه، أو بالنسبة إلى أنفسها من غير ملاحظة الموزونات: فالقسم الأول: «نكرة فإن كان فيه ما يمنع صرفه وهو نكرة منع، كما تقول: كل فعلاء مؤنث أفعل، وكل فعلى تأنيث فعلان؛ وإن خلا من مانع صرفه صرف، كما نقول: فعلة إذا كانت اسما وجمعت بألف وتاء - حركت عينها، فأنت لا تريد مثلا واحدا، وإنما تريد كل ما يوزن بها كتمرة وطلحة». - ¬

_ (¬1) في أصل ابن الحاجب: فإذا وضع النحويون ألفاظا. وما في النسخ أولى لوضوحه. (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل له (1/ 94 - 96).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقسم الثاني: «وهو الذي كني بالأوزان فيه عن موزون معين غير مشترك حكمه حكم الموزون على الأكثر، فتقول: فاعلة صفة مؤنث وأنت تريد بها ضاربة فتصرف لأنها نكرة، وتقول: فاعلة بعدم الصرف كناية عن فاطمة علم. وعند الأقليين (¬1) جعل غير منصرف في الصورتين اعتبارا بالزنة لا بالموزون». والقسم الثالث: «وهو الذي اعتبرت فيه الزنات بالنسبة إلى أنفسها دون ملاحظة الموزونات؛ فالزنات بهذا الاعتبار أعلام، فإن انضم إلى العلمية ما يؤثر معها في منع الصرف - منعت الزنات الصرف وإلا فلا، فتقول: فعلة إذا كان اسما حركت عينها بالفتح في الجمع بألف وتاء بعدم الصرف، والثاني وهو الذي يذكر مع الموزون فيه قولان: منهم من يعتبر الموزون، ومنهم من يعتبر الزنة؛ فعلى الأول تقول: قائمة فاعلة بالصرف، وما يشبه فاعلة بعدم الصرف [1/ 208]، وتقول على الثاني: فاعلة بعدم الصرف في الصورتين». ثم قال (¬2): «واعتبار الزنة مع الموزون في الصرف وعدمه يوجب أربعة أقسام: الأول: كلاهما منصرف، تقول: ضارب فاعل. الثاني: كلاهما غير منصرف، تقول: حبلى فعلى. الثالث: الزنة مصروفة والموزون غير منصرف، تقول: سعاد فعال، وهذا يقوي القول الأول. الرابع: الزنة غير مصروفة والموزون مصروف، تقول: يرجع يفعل، وهذا يقوي القول الثاني» انتهى. والظاهر أن الذي جعله مقويا للأول إنما هو مقوّ للثاني، ومقوي الثاني مقوي الأول، ثم لم يتجه لي تمثيله في القسم الثالث بفعلة إذا جمعته بألف وتاء، مع تمثيله بها في القسم الأول أيضا، والظاهر أن القسم الثالث لا تحقق له، ولذا لم يذكره ابن الحاجب ولكن التقسيم الذي ذكره لا يدفعه العقل. وقال ابن هشام الخضراوي (¬3): «قد اتّفق أصحابنا في أمثلة الأوزان أنّها إن - ¬

_ (¬1) في الأصل: وعند غير الأقلين، والصحيح ما أثبتناه بدليل قوله قبل: على الأكثر، وهو الثابت في نسخة (ب). (¬2) القائل: هو بعض مصنفي العجم. (¬3) هو محمد بن يحيى الأنصاري الخرجي الأندلسي، سبقت ترجمته.

[حكم أفعل وصفا للنكرة]

[حكم أفعل وصفا للنكرة] قال ابن مالك: (وإن قرن مثال بما ينزله منزلة الموزون فحكمه حكمه). ـــــــــــــــــــــــــــــ استعملت للأفعال خاصة حكيت نحو: ضرب وزنه فعل وانطلق وزنه انفعل. وإن استعملت للأسماء وأريد بها جنس ما يوزن - فإن حكمها حكم نفسها، فهي أعلام؛ فإن كان فيها ما يمنع الصرف مع العلمية لم تنصرف، نحو قولك: فعلان لا ينصرف، وأفعل لا ينصرف. وإن لم يرد بها ذلك وأريد بها حكاية موزون مذكور معها - ففيه خلاف نحو قولك: ضاربة وزنها فاعلة؛ فمنهم من لم يصرف هنا فاعلة؛ لأن هذه الأمثلة أعلام. فهذا علم فيه تاء التأنيث. ومنهم من قال: يحكى به حالة موزونه - وهم الأكثر - فيصرف هنا فاعلة» انتهى (¬1). وقد ظهر من قوله: وإن استعملت للأسماء وأريد بها جنس ما يوزن - فإن حكمها حكم نفسها، فهي أعلام إلى آخره موافقة المصنف ومخالفة ما ذكره ابن الحاجب ومن تبعه. قال ناظر الجيش: قال المصنف: «وإن قرن بالمثال ما ينزله منزلة الموزون، فحكمه حكم ما نزل منزلته، كقولك: هذا رجل أفعل؛ فحكم أفعل هنا حكم أسود ونحوه من الصفات؛ لأن اقترانه برجل نزله منزلة الموزون متساويا في الحكم وامتناع الصرف. وخالف سيبويه المازنيّ في ذلك، فقال: ينبغي أن يصرف، وردّ عليه المبرّد وصوّب قول سيبويه». انتهى (¬2). والذي يقوله المازني: «أن أفعل هنا ليس بوصف، وإنما هو مثال للوصف؛ ولهذا لما قال سيبويه (¬3): كلّ أفعل إذا كان صفة لا ينصرف، وقال: قلت له - يعني - ¬

_ (¬1) انظر نصه في التذييل والتكميل: (2/ 329)، وفي الهمع: (1/ 73). (¬2) شرح التسهيل: (1/ 206). وانظر التفصيل في هذه المسألة وأقوال العلماء من كتبهم الصفحة القادمة وهذه الصفحة أيضا. (¬3) الكتاب: (3/ 203) قال سيبويه: هذا باب ما ينصرف من الأمثلة وما لا ينصرف: تقول: كلّ أفعل يكون وصفا لا تصرفه في معرفة ولا في نكرة، وكلّ أفعل يكون اسما تصرفه في النكرة، قلت: فكيف تصرفه وقد قلت: لا أصرفه، قال: لأن هذا مثال يمثل به. وقال: إذا قلت هذا رجل أفعل لم أصرفه على حال، وذلك لأنّك مثلت به الوصف خاصة ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخليل -: كيف تصرفه وقد قلت: لا أصرفه؟ فقال: أفعل ها هنا ليس بوصف، فإنّما زعمت أنّ ما كان على هذا المثال وكان وصفا لا ينصرف». ثم أتى سيبويه بعد ذلك بأفعل غير منصرف. قال المازني: «أخطأ سيبويه ويجب عليه أن يصرفه، وإلّا نقض جميع ما قاله» وشبهة المازني بأن سيبويه لما قال عن الخليل أن أفعل ها هنا ليس بصفة فينصرف ظن المازني أن كل وزن [1/ 209] ليس بصفة ينصرف». قال ابن الحاجب (¬1): «ولم يرد سيبويه هذا وإنّما أراد نفي تخيّل الوصفية في هذا المحل المخصوص؛ لأنه لما قال: كلّ أفعل لم تتخيّل العلميّة لدخول كل؛ فوزن الفعل متحقق فلا يبقى تخيل في منع صرفه إلّا بتقدير الصفة، فأجاب بنفي هذا التخيّل لتحقّق صرفه، فلا يلزم على هذا ألّا يمتنع من الصّرف من الأوزان إلّا ما كان صفة». قال أبو علي: «وأراد بقوله: لم يصنع المازنيّ شيئا - أن المازنيّ تخيّل هذا التخيل المذكور» انتهى. وقال المبرد في تصويب قول سيبويه: «أفعل في قولنا: هذا رجل أفعل في اللّفظ صفة، وليس في قولنا كلّ أفعل صفة في اللفظ، فليس المراعى إلا الحكم اللّفظي» (¬2). وقال السيرافي: «ما ردّ به المبرد على المازنيّ صحيح إلا أنّه مصروف؛ خلافا لسيبويه. وذلك أن أفعل هنا صفة، وكان ينبغي منع صرفه للوزن والوصف، إلا أن أفعل أقصى أحواله في الوصف أن يكون كأربع إذا وصف به، فهو اسم وصف به، وما هو كذلك لا يمتنع من الصّرف» (¬3). - ¬

_ (¬1) انظر نصه في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 97). (¬2) نص المسألة في المقتضب (3/ 384) يقول المبرد: «هذا باب الأمثلة التي يمثل بها أوزان الأسماء والأفعال: قولك: هذا رجل أفعل، فاعلم فلا يصرف أفعل؛ لأنك وضعته موضع النعت كما وضعت الأول موضع الفعل، هذا قول الخليل وسيبويه، وكان المازني يقول: هذا رجل أفعل فيصرف أفعلا هذا، ويقول: ليس بنعت معلوم، وأما أفعل زيد فيجعله فعلا لأنه قد رفع زيدا به، وهو مذهب. وقول الخليل وسيبويه أقوى عندنا. (¬3) انظر هذا النص منسوبا للسيرافي على هامش كتاب سيبويه (3/ 204) وهو أيضا في شرح أبي حيان (1/ 583).

[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره]

[حكم الأعداد من التعريف وغيره والصرف وغيره] قال ابن مالك: (وكذا بعض الأعداد المطلقة). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال أبو الحسن بن الضائع (¬1): «ما قاله أبو سعيد مختلّ. والصحيح في النظر قول سيبويه، وذلك أن أربع وضع على أن يكون اسما ليس بصفة فعرض فيه الوصف، فلم يعتد به؛ وأفعل هذا لم يستقر في كلامهم لا اسما ولا صفة، فينبغي أن يراعى فيه حكمه الحاضر له، وقد وجدنا العرب تحكم للكناية بحكم المكني عنه، ألا تراهم يمنعون صرف فلانة وليس في الحقيقة باسم علم لما كان كناية عن علم. وكذلك يحذفون التنوين في قولهم: فلان ابن فلان، إلى غير ذلك من الأحكام. وهكذا أفعل في قولنا: رجل أفعل ليس في الحقيقة بصفة، بل هو كناية عن صفة فينبغي أن يحكم له بحكم ما كني به عنه فيمنع. فإن قيل: قد تكون الصفة على هذا الوزن مصروفة كأرمل. قلت: علة صرف أرمل معدومة في أفعل هذا، ومع ذلك فإن الأكثر في أفعل الوصف ألّا ينصرف؛ لأن ما جاء دون شرطي منع صرفه، وهما ألّا يدخله تاء التأنيث، ولا يكون اسما في الأصل - قليل جدّا. فإن قيل: فأفعل أيضا في قولنا: كلّ أفعل صفة لا ينصرف - كناية عن صفة. قلت: بل هو اسم مثل به الوصف ولم يجر في اللفظ صفة على موصوف فيمنع ولا فيه معنى وصف، فيراعى وإن لم يجر صفة فصحّ مذهب سيبويه». انتهى كلام ابن الضائع (¬2). قال ناظر الجيش: المراد بالأعداد المطلقة المدلول بها على مجرد العدد دون تقييد بمعدود، كقولهم: ستة ضعف ثلاثة وأربعة نصف ثمانية، فهذه الأشياء قد حكم بعلميتها ومنع صرفها للتعريف والتأنيث، وهي جديرة بذلك؛ لأن كلّا منها يدل على حقيقة معينة دلالة مانعة من الشركة متضمنة بالإشارة إلى ما ارتسم في الذهن معها؛ ولو عومل بهذه المعاملة كل عدد مطلق لصح. ولو عومل بذلك [1/ 210]- ¬

_ (¬1) هو علي بن محمد بن يوسف الكتابي الإشبيلي، سبقت ترجمته. (¬2) انظر نص ابن الضائع في التذييل والتكميل: (2/ 330، 331)، وقد بحثت عن كلامه هذا في شرحه الكبير لجمل الزجاجي، فلم أجده. انظر الشرح مخطوطا في ثلاثة مجلدات بدار الكتب المصرية، تحت رقم (19 نحو مخطوطات) وفي اثنين كبيرين تحت رقم 20، وقد ضاع من الشرح الكثير من النسختين كما هو واضح فيهما.

[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها]

[حكم الكنايات من العلمية أو غيرها] قال ابن مالك: (وكنوا بفلان وفلانة عن نحو زيد وهند، وبأبي فلان وأمّ فلانة عن نحو أبي بكر وأم سلمة، وبالفلان والفلانة عن لاحق وسكاب، وبهن وهنة أو هنت عن اسم جنس غير علم، وبهنيت عن جامعت، وبكيت أو كيّة، وبذيت أو ذيّة، أو كذا عن الحديث، وقد تكسر أو تضم تاء كيت وذيت). ـــــــــــــــــــــــــــــ غير العدد من أسماء المقادير لم يجز؛ لأن الاختلاف في حقائقها واقع بخلاف العدد؛ فإن حقائقه لا تختلف بوجه»، قاله المصنف (¬1). قيل: وأراد بقوله: لأن الاختلاف في حقائقها واقع بخلاف العدد؛ فإن حقائقه لا تختلف بوجه - أن الرطل والقدح ونحوهما يختلف باختلاف المواضع، فلا تدل على حقيقة معينة؛ أما العدد فالثلاثة ثلاثة عند كل أحد وفي كل مكان وفي كل لغة. وذكر الشيخ أن صاحب رءوس المسائل ذكر أن بعض الشيوخ يصرف الأعداد المطلقة (¬2). واعلم أنني لم يظهر لي اقتصار المصنف على بعض الأعداد؛ لأنه إذا ثبت أن الأعداد المطلقة محكوم بعلميتها؛ فلأي شيء قصر الأمر على بعض الأعداد، وكان الأولى أن يقول: وكذا الأعداد المطلقة، ويحقق ما قلته قوله: ولو عومل بهذه المعاملة كلّ عدد مطلق لصحّ. قال ناظر الجيش: قال المصنف: «فلان وفلانة، وأبو فلان وأم فلانة أسماء يكنى بها عن أعلام أولي العلم، إلا أن فلانا كناية عن اسم مذكر علم كزيد وعبد الله. وأبو فلان كناية عن كنية كأبي زيد وأبي عبد الله، وفلانة كناية عن اسم امرأة كهند وأمة الله؛ وأمّ فلان كناية عن كنية امرأة كأم خالد وأم سليم. ودعتهم الحاجة إلى الكناية عن أعلام البهائم المألوفة، فكنوا عن مذكرها كلاحق (¬3) بالفلان، وعن - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 185). (¬2) انظر: التذييل والتكميل: (2/ 333). وكتاب رءوس المسائل المذكور منسوب للنووي، كما في حاشية يس على التصريح: (1/ 86). (¬3) في اللسان (لحق) ولاحق: اسم فرس معروف من خيل العرب، قال: وفي الصّحاح: اسم فرس كان لمعاوية بن أبي سفيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مؤنثها كسكاب (¬1) بالفلانة، فزادوا الألف واللام في هاتين الكنايتين». انتهى (¬2). واعلم أن هذه الكلمات أعلام: ويدل على إرادة المصنف لذلك إيراده لها في باب العلم، وأنه جعلها كناية عن أعلام، فكان حكمها في العلمية حكم ما كني عنه بها. قال ابن الحاجب في شرح المفصل (¬3): «والدليل على أنها أعلام أمران: أحدهما: منع فلانة من الصرف، ولولا العلمية لم يجز منع صرفه، فوجب تقديرها لذلك، وإذا وجب تقديرها في فلانة وجب تقديرها في فلان؛ لأن نسبة فلانة إلى المؤنث نسبة فلان إلى المذكر، والتذكير والتأنيث لا أثر له في منع العلمية ولا إثباتها. وإذا لم يكن لهما أثر في ذلك وقد وجبت العلمية لفلانة وجبت لفلان أيضا». الثاني: «هو أنهم امتنعوا من دخول الألف واللام عليهما، ولولا العلمية لجاز ذلك، وإذا ثبت أنها أعلام فليست كوضع زيد وعمرو، وإنما هي كوضع أسامة وبابه، والدليل عليه صحة إطلاقه كناية عن كل علم، وكذلك باب أسامة بخلاف باب زيد وعمرو ومدلولهما أعلام الأناسي، وأعلام الأناسي لها حقيقة كحقيقة الأسد، فكما صح أن يوضع لتلك [1/ 211] الحقيقة علم صح أن يوضع لهذه الحقيقة علم، ولم يثبت استعمالها إلا حكاية؛ لأنها اسم اللفظ الذي هو علم لا اسم مدلول العلم، ولذلك لا يقال: جاءني فلان، ولكن يقال: قال زيد جاءني فلان، قال الله تعالى: يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا (¬4). فهو إذن اسم الاسم». ثم ذكر أن دخول اللام في الكناية عن أعلام البهائم إنما هو للتفرقة بينها وبين أعلام الأناسي كما ذكر المصنف، قال (¬5): «وكانت هذه يعني الكناية عن أعلام البهائم - ¬

_ (¬1) في اللسان (سكب) وسكاب: اسم فرس عبيدة بن ربيعة وغيره. وقد قال عبيدة في فرسه هذه: أبيت اللّعن إنّ سكاب علق ... نفيس لا تعار ولا تباع منعّمة مكرّمة علينا ... يجاع لها العيال ولا تجاع (¬2) شرح التسهيل (1/ 208). (¬3) انظر الكتاب المذكور (1/ 107) وما بعدها، بتحقيق موسى العليلي. (¬4) سورة الفرقان: 27، 28. (¬5) القائل هو ابن الحاجب في شرحه على المفصل المسمى بالإيضاح (1/ 108) وهو بنصه كما هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى بزيادة اللام فارقة لوجهين: أحدهما: أن تلك أكثر وهذه أقل مناسب كون الزيادة في الأقل. الآخر: أن تلك هي الأصل المحتاج إليه في التحقيق، وهذه محمولة عليها. وإذا كان كذلك والأعلام تنافي الألف واللام، فإذا اضطررنا إلى دخولها على أحد القسمين كان إدخالها على الفرع أولى من إدخالها على الأصل». «وزادوا الألف واللام دون غيرها؛ لأنها معرفة، فلما اضطروا إلى زيادة أمر للفرق زادوا عليه ما لا ينافي معناه في التعريف، ألا ترى أنه في المعنى كالنكرة، فلما كان كالنكرة وقصد إلى زيادة أمر فيه للفرق بينه وبين أعلام الأناسي - كان الأولى به دخول اللّام التي كان مقتضاه في المعنى دخولها لولا منع الصرف الذي ذكرنا أن تقدير العلمية لأجله» انتهى (¬1). وأشار المصنف بقوله: وبهن وهنة «إلى أنه كما كني عن علم المذكر بفلان، وعن علم المؤنث بفلانة - كني عن مذكر اسم الجنس بهن، وعن مؤنثه بهنة أو هنت إذا كان للمتكلم غرض في الستر، ولذلك كثرت الكناية عن الفرج، وعن فعل الجماع بهنيت»، هذا كلام المصنف (¬2). وأفهم قوله: عن اسم جنس غير علم - أن شيئا من الألفاظ الثلاثة ليس بعلم، ولو كان شيء منها علما لوجب منع صرف هنة، ولوجب ألا يضاف ولا تدخله الألف واللام، ولا خلاف في صحة إضافته وإدخال اللام عليه كالنكرات، ولهذا قال النحاة في هن: إنه اسم وضع بإزاء المستقبحات. والفرق بين الكناية في فلان والكناية في هن: أن فلانا علم موضوع دال على اسم علم، وأما هن فاسم موضوع بإزاء مدلول اسم آخر لا أن مدلوله اسم، ولذلك تقول: كان بينهم هنات ولست تعني ألفاظا وإنما تعني أشياء قبيحة وكذلك يكنى بهن عن نفس الفرج لا عن لفظ الفرج، وصح كونه كناية لأنه عدل عن ذلك اللفظ إلى هذا من أجل استقباح ذلك اللفظ. واعلم أنه قد يكنى بهن عما لا يراد التصريح به لغرض، كقول الشاعر يخاطب - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 185).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حسن بن زيد (¬1): 313 - الله أعطاك فضلا من عطيّته ... على هن وهن فيما مضى وهن (¬2) يعني عبد الله وحسنا وإبراهيم بني حسن كانوا وعدوه شيئا فوفى به حسن. وأشار المصنف: وبكيت أو كيّة [1/ 212] إلى أنه قد يكنى بهذه الكلمات أيضا عن الحديث، قال: فيقال للمرسل بحديث: قل كيت وكيت أو قل: زيت وزيت بفتح التاء وكسرها وضمها، وليس مع التشديد إلّا الفتح، وقد يقع مكانها: كذا وكذا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) هو الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد أمير المدينة ووالد السيدة نفيسة، كان من الأشراف النابهين، شيخ بني هاشم في زمانه، استعمله المنصور على المدينة خمس سنين، ثم عزله وخافه على نفسه فحبسه ببغداد؛ فلما ولي المهدي أخرجه واستبقاه معه. مولده في المدينة سنة (83 هـ)، وتوفي بالحاجر على خمسة أميال منها في طريقه إلى الحج مع المهدي سنة (168 هـ). ترجمته في الأعلام (2/ 206). (¬2) البيت من بحر البسيط من مقطوعة قالها إبراهيم بن هرمة في المدح. وقصة البيت وأبيات أخرى معه مذكورة بالتفصيل في كتاب مجالس ثعلب (1/ 21) وابن هرمة في البيت يمدح صاحبه بالغنى والوفرة والوفاء بالوعد. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 401) وليس في شروح التسهيل. ترجمة ابن هرمة: هو إبراهيم بن هرمة بن علي بن سلمة، من مخضرمي الدولتين مدح الوليد بن يزيد، وأبا جعفر المنصور، وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم، كان مولعا بالشراب حتى أقام عليه الحد زياد ابن عبيد الله الحارثي. توفي في خلافة الرشيد بعد سنة (150 هـ). (ترجمته في الشعر والشعراء: 2/ 757). (¬3) شرح التسهيل (1/ 185).

الباب التاسع باب الموصول

الباب التاسع باب الموصول * [تقسيم الموصول وتعريف كل قسم] قال ابن مالك: (وهو من الأسماء ما افتقر أبدا إلى عائد أو خلفه وجملة صريحة أو مؤوّلة غير طلبية ولا إنشائيّة ومن الحروف ما أوّل مع ما يليه بمصدر ولم يحتج إلى عائد). قال ناظر الجيش: الموصول اسمي وحرفي كما أشار إليهما في الكتاب. فالاسمي: هو الّذي يفتقر في تمام مدلوله إلى جملة وذكر يعود منها إليه افتقارا مستمرّا. وهذا هو مضمون الحد الذي ذكره المصنف غير أنه عبر عن الاستمرار بقوله أبدا فكأنه قال: الموصول من الأسماء ما افتقر إلى جملة وعائد أبدا. فما افتقر إلى جملة يشمل الموصول المذكور وحيث وإذ وإذا (¬1) لافتقار كل منها إلى جملة فأخرج الكلمات الثلاث (¬2) بقوله: وعائد، إذ هي غير مفتقرة إليه. ولما أخرجها بقوله: وعائد دخل في الحد ما ليس مقصودا وهو النكرة الموصوفة بجملة فإنها حال وصفها بالجملة مفتقرة إليها وإلى العائد فاحتاج إلى إخراجها بقوله أبدا. قال المصنف: لأن الموضع بالأصالة لمفرد تؤول به الجملة ويغني ذكره عنها، فالافتقار إلى ما تؤول به لا إليها، وإن صدق في الظاهر أنها مفتقرة إليها فلا يصدق على الافتقار إليها أنه كائن أبدا بخلاف الجملة الموصول بها، فإن الافتقار إليها كائن أبدا عند ذكر الموصول (¬3). - ¬

_ (¬1) حيث وإذ وإذا أسماء مفتقرة في استعمالها إلى جملة لكنها مستغنية عن عائد فحيث اسم مكان عند غير الأخفش (انظر تفصيل الحديث في حيث في المغني (1/ 131) وما بعدها) وإذ ظرف للزمن الماضي ولها أوجه استعمالات كثيرة (انظر تفصيل ذلك في المغني (1/ 80) وما بعدها). وإذا ظرف للزمن المستقبل ولها أوجه غير ذلك (انظر المغني: 1/ 87 وما بعدها). (¬2) كلمة الثلاث غير موجودة بنسخة (ب). (¬3) معناه أن النكرة الموصوفة بجملة تحتاج إلى عائد أبدا لكن الوضع ليس للجملة بالأصالة، بل هو للمفرد فإذا قلت: مررت برجل أخلاقه فاضلة فإنه في معنى: مررت برجل فاضل الأخلاق. لكن قد تستغني النكرة عن هذه الصفة فيقال: مررت برجل وهذا هو الفرق بين النكرة الموصوفة، والاسم الموصول فإن الأخير لا يستغني أبدا عن الصلة بخلاف النكرة. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: ولقائل أن يقول لا حاجة إلى الاحتراز بقوله أبدا لأن المراد بالافتقار ما يفتقر إليه ذلك الشيء في تمام مدلوله كما تقدم. والنكرة الموصوفة بالجملة لا تفتقر في تمام مدلولها إلى شيء. والصفة المذكورة بعدها مفردة كانت أو جملة مقصودة في ذاتها لإفادة معنى في الموصوف. وإذا كان كذلك تبين أن قول المصنف: فالافتقار إلى ما تؤول بدلا إليها لا يتحقق؛ إذ ليس للنكرة افتقار إلى ذلك. وتقييده الافتقار بحال وصفها لا يفيد؛ إذ لو اعتبر ذلك لزم أن الافتقار صادق على كل كلمة تعرض؛ لأن الكلمة إذا تعلقت بأخرى صدق أن كلا منهما مفتقر إلى الآخر حال التعليق. ولا شك أن هذا ليس بمراد، بل المراد الافتقار الذاتي كما هو افتقار الموصول. وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب فنقول: قوله: إلى عائد: احترز بالعائد من حيث وإذ وإذا، فإنها أسماء مفتقرة إلى جملة مستغنية عن عائد، واحترز بأبدا من النكرة الموصوفة بجملة كما تقدم تقرير ذلك. وأشار بقوله: أو خلفه إلى أن العائد قد يغني عنه ظاهر يقوم مقامه كقول الشاعر: 314 - فياربّ ليلى أنت في كلّ موطن ... وأنت الذّي في رحمة الله أطمع (¬1) [1/ 213] أراد في رحمته أطمع. - ¬

_ - فإذا وصفت النكرة فإن هذه الصفة مقصودة لذاتها في إنشاء معنى جديد. أما جملة الصلة فإن الموصول محتاج إليها في إفادة معناه ولا قيمة له بدونها. هذا بالنسبة لجملة الصلة أو الصفة، أما العائد فيهما فلا بد من وجوده - ظاهرا أو مقدرا - أو خلفه. وقد وضحه ناظر الجيش أحسن توضيح. (¬1) البيت من بحر الطويل نسب في بعض مراجعه لمجنون بني عامر (الدرر: 1/ 46) وفي بعضها الآخر شكوك في هذه النسبة حيث لا يوجد البيت في ديوانه وقيل إنه لابن ميادة (حاشية شرح التسهيل) إلا أن البيت فيه روح ورقّة قيس بن الملوح المجنون وفيه اسم ليلاه. قال ابن هشام في البيت: (2/ 504) «تقديره أنت الّذي في رحمته، وكان يمكنهم أن يقدّروا في رحمتك فكأنهم كرهوا بناء قليل على قليل». وتفسيره أن الربط بضمير المخاطب بعد تقدم مثله على الموصول قليل والربط بالاسم الظاهر قليل بل أقل منه. أما الربط بضمير الغيبة فكثير شائع فحين قدروه في رحمتك - كما سيأتي في الشرح - كان فيه نيابة الظاهر الذي هو قليل عن ضمير المخاطب الذي هو قليل أيضا. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 186) وفي التذييل والتكميل: (3/ 6)، وفي معجم الشواهد (ص 218).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجملة الصريحة تقابل المؤولة - وهي التي صرح فيها بجزئي الإسناد اسمية كانت أو فعلية - والمراد بالمؤولة: الظرف والمجرور والصفة، فإن كلّا منها يقع موقع الجملة الصريحة فإذا وصل بالظرف أو بما أشبهه وجب تعليقه بفعل مسند إلى ضمير الموصول. وإذا وقعت الصفة صلة للألف واللام وجب تأولها بفعل ومن ثم عملت ماضية المعنى وحاضرته ومستقبلته. وإذا لم تقع صلة فلا تعمل إلا في حضور أو استقبال (¬1). وقيدت الجملة الموصول بها بكونها غير طلبية ولا إنشائية؛ لأن الغرض بالصلة تحصيل الوضوح للموصول والجملة الطلبية لم يتحصل معناها بعد، فهي أحرى ألا يتحصل بها وضوح غيرها، وأما الإنشائية فإن حصول معناها مقارن لحصول لفظها فلا يصلح وقوعها صلة؛ لأن الصلة معرفة والموصول معرف بها فلا بد من تقدم الشعور بمعناها على الشعور بمعناه. هذا آخر الكلام على الحد. ثم هاهنا أمور ينبّه عليها: الأول: قد تقدم أن صورة حد الموصول على ما ذكره المصنف أن يقال: هو ما افتقر إلى جملة وعائد أبدا، ثم إن صاحب الكتاب قدم الفصل على الجنس والفصل الثاني على الأول (¬2). والظاهر أن الذي أحوجه إلى ذلك إنما هو إرداف قوله إلى عائد بقوله أو خلفه، وإرداف قوله: أو جملة، بقوله: صريحة أو مؤولة غير طلبية ولا إنشائية، فلو أتى بالحد على النظم الأصلي لزم تأخر الفصل - ¬

_ (¬1) معناه أن اسم الفاعل - أو ما يشبهه في العمل - إذا وقع صلة لأل فإنه يعمل مطلقا في الماضي أو الحاضر أو المستقبل؛ لأنه بمعنى الفعل والفعل ماض وحاضر ومستقبل، تقول: جاءني الضارب زيدا أمس. والآن وغدا، وإذا لم يكن صلة لأل عمل في الحاضر والمستقبل فقط؛ لأنه حينئذ يكون بمعنى المضارع وهو حاضر أو مستقبل يقول ابن مالك: كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيّه بمعزل وإن يكن صلة أل ففي المضي ... وغيره إعماله قد ارتضي (¬2) ما ذهب إليه الشارح في تعريف الموصول وهو قوله: ما افتقر إلى جملة وعائد أبدا - هو الترتيب الصحيح للتعريف. وذلك لأن قوله: ما افتقر إلى جملة - جنس يشمل الموصول وغيره كحيث وإذ وإذا والنكرة الموصوفة، وقوله: وعائد - فصل أول أخرج به المذكورات غير النكرة. وقوله: أبدا - فصل ثان أخرج به النكرة المذكورة. وأما تعريف المصنف ففيه ما ذكره الشارح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن تقسيم الجملة وتقييدها. ولو لم يقدم الفصل الثاني على الأول لكان يقول وهو ما افتقر إلى عائد أو خلفه أبدا فيوهم أن قيد الأبدية يختص بالعائد فقط دون الجملة، فقدم أبدا ليعلم منه أنه قيد فيما يذكر بعده بكماله. الثاني: من ورود الظاهر خلفا عن العائد قولهم: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري. والحجاج الذي رأيت ابن يوسف. وقال أبو علي في التذكرة (¬1). وقال رجل يخاطب ربه تعالى: وأنت الذي في رحمة الله أطمع. فحمل على المعنى وكأنه قال: وأنت الذي في رحمتك أطمع. ومن الناس من لا يجيز هذا وكذا قدره غيره: وأنت الذي في رحمتك أطمع قال: فأوقع الظاهر موقع المضمر. قال: وهذا لم يجزه سيبويه في خبر المبتدأ فأحرى أن لا يجوز عنده في الصلة. الثالث: نقل الشيخ في شرحه عن الكسائي أنه يجيز وقوع جملة الأمر والنهي صلة (¬2) وأن جملة الدعاء إذا كانت بلفظ الخبر أجاز الوصل بها المازني نحو: الذي يرحمه (¬3) الله زيد، وإن مذهب الكسائي يقتضي موافقة المازني. قال: بل يكون ذلك أحرى (¬4). ولكنه لم يذكر على [1/ 214] ما نقله من ذلك استدلالا لواحد من الرجلين. الرابع: جعل الشيخ قول المصنف: ولا إنشائية مخالفا لما قسم إليه الكلام من أنه خبر وطلب قال: وهنا جعل الجملة ثلاثة: خبرا وطلبا، وإنشاء (¬5) قلت: وليس: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (1/ 588). (¬2) قال الشارح في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (الأعراف: 170). إن الرابط فيه العموم لأننا لو جعلنا اللام في المصلحين للعهد لكان الربط بالمعنى وسيبويه لا يجيزه والمصنف تبع له في ذلك. (¬3) في نسخة (ب): رحمه. (¬4) علله أبو حيان فقال: إن الكسائي إذا أجاز الوصول بصيغة الأمر والنهي فلأن يجيزه مع صيغة الخبر المراد بها الدعاء أولى وأحرى (التذييل والتكميل: 3/ 7). (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في كلام المصنف تناقض فإنه كلامه في أول هذا الكتاب اقتضى أن الكلام ينقسم إلى الثلاثة. وعلى ذلك بنى كلامه وقد تقدم لنا تقرير ذلك وتحريره (¬1). فالمصنف الآن ماش على مقتضى كلامه المتقدم. وقد أجاز هشام (¬2) أن تكون جملة الصلة مصدرة بليت ولعل وعسى، وقد يستدل له بقول الشاعر: 315 - وإنّي لرام نظرة قبل الّتي ... لعلّي وإن شطّت نواها أزورها (¬3) وقد تؤول ذلك على إضمار القول أي قبل التي أقول لعلي، أو على إضمار خبر لعلي وجعل أزورها صلة للتي، والتقدير قبل التي أزورها وإن شطت نواها لعلى أبلغ ذلك وفصل بين الصلة والموصول بجملة الاعتراض التي هي «لعلي أبلغ ذلك». والمشهور أن عسى إنشاء لأنه ترج فهي نظيرة لعل لكن دخول الاستفهام عليها في نحو قوله تعالى: قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ (¬4) ووقوعها خبرا لإنّ في قول القائل: 316 - [أكثرت في العذل ملحّا دائما] ... لا تلحني إنّي عسيت صائما (¬5) - ¬

_ (¬1) قال الشارح: الكلام نوعان خبر وإنشاء والطلب نوع من الإنشاء ومنهم من جعله خبرا وطلبا ومنهم من جعله ثلاثة أنواع: خبرا وطلبا وإنشاء وهو رأي المصنف وعليه قرر كلامه. (¬2) هو هشام بن معاوية أبو عبد الله النحوي الكوفي الضرير سبقت ترجمته. (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق يمدح فيها بلال بن أبي بردة بدأها بالغزل. والبيت بهذه القافية (أزورها) خطأ وقع فيه النحاة القدامى حتى المتمرسون منهم (أبو حيان). وصحته كما في رواية الديوان (2/ 106) .. لعلّي وإن شطّت نواها أنالها. وقد نبه على هذا الخطأ البغدادي في خزانة الأدب: (5/ 417) والشيخ محيي الدين في شرح الأشموني: (1/ 208). وبعد بيت الشاهد قوله: ألا ليت حظّي عليّة أنّني ... إذا نمت لا يسري إليّ خيالها وشاهد البيت واضح من الشرح، وما قيل فيه لا يخرج عما ذكره الشارح. والبيت في معجم الشواهد (ص 159) وفي التذييل والتكميل: (3/ 9). (¬4) سورة البقرة: 246. (¬5) هذان بيتان من الرجز المشطور قالهما رؤبة بن العجاج (انظر ملحقات ديوان رؤبة ص 185، الملحقة رقم: 91) ورواية البيت في الديوان: ... ... لا تكثرن إني عسيت صائما اللغة: العذل: اللوم والتعنيف. ملحّا: من الإلحاح وهو التتابع. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد ينفي كونها إنشاء. وإذا انتفى ذلك صح وقوعها صلة. وقد يستدل لذلك (¬1) بقوله: 317 - وماذا عسى الواشون أن يتحدّقوا ... سوى أن يقولوا إنّني لك عاشق (¬2) ويقول الآخر: 318 - وماذا عسى الحجّاج يبلغ جهده ... [إذا نحن خلّفنا حفير زياد] (¬3) - ¬

_ - المعنى: أيها العاذل الملح في عذله ولومه وإساءته إنه لا يمكن مقابلة كلامك بما يناسبه فإني صائم عن النطق المعيب وعن الفعل القبيح. وشاهده هنا: واضح غير أن النحاة استشهدوا به لشيء آخر وهو مجيء خبر عسى اسما صريحا والواجب أن يكون فعلا مضارعا مقترنا بأن (الخصائص: 1/ 91). وانظر البيت في معجم الشواهد ص 533 وفي التذييل والتكميل (3/ 9). (¬1) أي لوقوع جملة الإنشاء صلة؛ لأن عسى قد وقعت صلة وهي تدل على الرجاء وهو إنشاء. (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة في ديوان مجنون ليلى صدرت بهذه المقدمة: اجتاز رهط المجنون بحي ليلى فرأى المجنون أبيات أهل ليلى ولم يستطع الإلمام بها فقال هذه القصيدة. وبعد بيت الشاهد قوله: نعم صدق الواشون أنت حبيبة ... إليّ وإن لم تصف منك الخلائق وبيت الشاهد وما بعده في ديوان جميل إلا أنهما برواية وامق بدلا من عاشق (ديوان جميل ص 143). الشاهد هنا: وقوع جملة عسى ومعموليها صلة لاسم الموصول ذا وهو رأي هشام والكسائي وتبعه آخرون وخرجوا البيت على أن ماذا كلمة واحدة مبتدأ وخبره جملة عسى الواشون. والبيت في معجم الشواهد (ص 246) وشرح التسهيل لأبي حيان (3/ 10) وقد سبقت ترجمة قيس مجنون ليلى في هذا التحقيق. أما ترجمة جميل: هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري شاعر من عشاق العرب المشهورين افتتن ببثينة وخطبها فرد عنها وتزوجت ابن عمها فشبب بها جميل حتى استعدى عليه أبوها مروان بن الحكم عامل معاوية بالمدينة فنذر ليقطعنّ لسانه ثم رحل جميل إلى مصر فأكرمه عبد العزيز بن مروان وأمر له بمنزل فأقام فيه حتى مات سنة (82 هـ) له ديوان شعر مطبوع (ترجمته في الشعر والشعراء: 1/ 441 والأعلام: 2/ 134). (¬3) البيت من بحر الطويل من مقطوعة نسبت للفرزدق في ديوانه (1/ 160) وفي شرح الحماسة (2/ 677) يهجو فيها الحجاج بن يوسف الثقفي حين هرب منه وقد توعده بالقتل. ومعنى الشاهد: ماذا يصنع الحجاج رغم ملكه حينما يطلبنا فيجدنا قد تركنا أرضه وبعدنا عنه وجاورنا هذا النهر الذي حفره زياد ابن أبيه: وبعد الشاهد قوله: فلولا بنو مراوان كان ابن يوسف ... كما كان عبدا من عبيد إياد وشاهده هنا: وقوع عسى في جملة الصلة واستشهد به آخرون على وقوع خبر عسى غير مقترن بأن. كما استشهد به على أن خبر عسى يجوز أن يرفع السببي في رواية من رفع جهده. انظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 115) وهو في التذييل والتكميل (1/ 591).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إن جعلنا ذا في البيتين بمعنى الذي (¬1) والمانع يتأول ذلك كما تأول: 319 - وإنّي لرام نظرة قبل الّتي ... لعلّي ... البيت الخامس: لم يشترط المصنف في جملة الصلة ألا تكون تعجبية مع أنها ليست إنشاء على قول الأكثرين فيحتمل أن يكون مذهبه امتناع الوصل بها وأهمل التعرض لذكره. ويحتمل أن يكون مذهبه جواز الوصل كما هو رأي ابن خروف ومن وافقه (¬2) فإنهم أجازوا ذلك، قالوا: كما جاز الوصف بها (¬3) في قولك: مررت برجل ما أحسنه. وقد اعتل المانعون لذلك بأن الصلة موضحة وخفاء السبب في التعجب ينافي ذلك. ولا يخفى ضعف هذا الاعتلال فإنه لا يلزم من خفاء السبب خفاء مضمون الجملة الواقعة الصلة. السادس: قال المصنف: «المشهور عند النحويين تقييد الجملة الموصول بها بكونها معهودة (¬4) وذلك غير لازم لأن الموصول قد يراد به معهود فتكون صلته معهودة كقوله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (¬5). ومنه قول الشاعر: 320 - ألا أيّها القلب الّذي قاده الهوى ... أفق لا أقرّ الله عينك من قلب (¬6) - ¬

_ (¬1) إنما قال ذلك لأنها تحتمل وجها غير ذلك وهو أن تكون زائدة (شرح الكافية للرضي: 1/ 95) كما تحتمل أن تكون ذا مركبة مع ما اسم استفهام وهو مشهور. (¬2) الهمع (1/ 86) وحاشية الصبان (1/ 164). (¬3) المشبه مقدر، وأصل الكلام: أنه يجوز الوصول بجملة التعجب كما جاز الوصف بها في قولك ... إلخ. (¬4) أي معلومة لدى المخاطب لأن الموصول صفة والصفة لا بد أن تكون معلومة لأن الصفات لم يؤت بها ليعلم المخاطب بشيء يجهله وأما الصلة المبهمة أي المجهولة للمخاطب فلا يجوز الوصل بها إلا في معرض التفخيم والتهويل: فمثال الأول قوله تعالى: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى [النجم: 10] ومثال الثاني قوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ [طه: 78]. (¬5) سورة الأحزاب: 37. (¬6) البيت من بحر الطويل غير منسوب لقائل معين. وقبله: وقلت لقلبي حين لجّ به الهوى ... وكلّفني ما لا أطيق من الحبّ وشاهده: وقوع جملة الصلة معهودة معروفة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 187) وفي التذييل والتكميل (1/ 590) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 215] وقد يراد به الجنس فتوافقه صلته كقوله تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً (¬1). ومنه قول الشاعر: 321 - فيسعى إذا أبني ليهدم صالحي ... وليس الّذي يبني كمن شأنه الهدم (¬2) وقد يقصد تعظيم الموصول فتبهم صلته كقول الشاعر: 322 - فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى ... فمثل الّذي لاقيت يغلب صاحبه (¬3) وكقول الآخر: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 171. (¬2) البيت من بحر الطويل قاله معن بن أوس المزني من قصيدة طويلة فيها دعوة إلى الخلق الحسن والأدب العالي الرفيع حفظها القدماء وتباروا في إنشادها (انظر القصيدة وأخبارها في الأمالي لأبي علي القالي (2/ 115) ومطلعها: وذي رحم قلّمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه ليس له حلم يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يحلّ به الرّغم وشاهده: وقوع جملة الصلة مرادا به الجنس. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 187) ولأبي حيان: (1/ 8) وللمرادي: (1/ 184). ترجمة معن بن أوس: هو معن بن أوس بن نصر بن زياد المزني شاعر من مخضرمي الجاهلية والإسلام له مدائح في جماعة الصحابة. رحل إلى الشام والبصرة وكف بصره في آخر أيامه وكان يتردد إلى عبد الله ابن عباس وجعفر بن أبي طالب فيبالغان في إكرامه وله أخبار مع عمر بن الخطاب وكان معاوية يفضله في الشعر وهو صاحب هذه القصيدة التي أولها (من الطويل): لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل ... على أيّنا تعدو المنيّة أوّل توفي سنة (64 هـ). (الأعلام: 8/ 192). (¬3) البيت من بحر الطويل من مقطوعة قصيرة لابن ميادة في الأمالي: (1/ 205) وهي من أرق الغزل وقبل الشاهد قوله: وأشفق من وشك الفراق وإنّني ... أظنّ لمحمول عليه فراكبه فو الله ما أدري أيغلبني الهوى ... إذا جدّ جدّ البين أم أنا غالبه فإن أستطع أغلب ...... إلخ وشاهده واضح والبيت في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 187) ولأبي حيان: (1/ 590). وللمرادي: (1/ 184) وفي معجم الشواهد (ص 43).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 323 - وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا ... لقلبك يوما أتعبتك المناظر رأين الذي لا كلّه أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر (¬1) انتهى (¬2). والظاهر أن من شرط في الصلة أن تكون معهودة إنما يريد به صلة ما كان معهودا لا الصلة على الإطلاق، وقد قال النحاة من جملة الصلة أن تكون معلومة للمخاطب؛ لأن الموصول وضع صلة إلى وصف المعارف بالجمل، وقياس الصفات كلها أن تكون معلومة؛ لأن الصفات لم يؤت بها ليعلم المخاطب بشيء يجهله بخلاف الأخبار. وأما حد الموصول الحرفي: فقد أشار إليه المصنف بقوله: ومن الحروف ما أوّل مع ما يليه بمصدر ولم يحتج إلى عائد. قال (¬3): فقولي: ما أول بمصدر يتناول صه ونحوه (¬4) فإنه يؤول بمصدر معرفة إن لم ينون وبمصدر نكرة إن نون، ويتناول أيضا الفعل المضاف إليه نحو قمت حين قمت (¬5) فإن معناه حين قيامك، ويتناول أيضا نحو هو من قوله تعالى: هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى (¬6) فإنه بمعنى العدل فاحترزت من هذه الأشياء ونحوها بقولي: - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الطويل وهما في عيون الأخبار لابن قتيبة (4/ 22) وكذلك هما في الإنصاف (2/ 804) إلا أن صاحب الإنصاف نسبهما إلى امرأة لم يعينها قالتها حين تعرض لها بعض الناس في قصة طويلة ذكرها صاحب عيون الإخبار والإنصاف. اللغة: رائدا: الرائد الذي يتقدم القافلة ليتأمل حال الماء والكلأ. طرفك: عينك. المناظر: الأوجه الحسان. الإعراب: رائدا: منصوب على الحال. أتعبتك المناظر: جواب إذا. رأيت الذي ... إلخ تفصيل لما أجمل في البيت الأول. وقائلة البيتين تشفق على من يحب ويهوى بأنه لن يستطيع الصبر على دلال وهجر وتعذيب من يحب فالأولى به أن يبتعد عن الحب ولا يطاوع عينه وقلبه. وشاهده قوله: رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه حيث قصد بالصلة هنا تعظيم الموصول. والبيتان: في معجم الشواهد (ص 157) ولم يذكر إلا في مرجع الإنصاف. وهما أيضا في ديوان الحماسة (3/ 1283) وفي شرح التسهيل (1/ 188) وفي التذييل والتكميل (1/ 8). (¬2) شرح التسهيل (1/ 188). (¬3) شرح التسهيل (1/ 188). (¬4) انظر ما سيذكره المصنف الآن من الشرح. ثم انظر بعد ذلك كيف يبطل كلامه ناظر الجيش بالمنطق والحجة. (¬5) في نسخة (ب): نحو حين قمت قمت وهما سواء. (¬6) سورة المائدة: 8.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع ما يليه فإن هذه الأشياء مؤولة بمصادر لا مع شيء يليها بخلاف الحروف الموصولة فإنها تؤول بمصادر مع ما يليها من صلاحتها. ولما كان الذي يوصف به مصدر ثم يحذف المصدر ويقام هو مقامه فيصدق عليه حينئذ أنه مؤول مع ما يليه بمصدر مع أنه ليس من الحروف الموصولة احترزت منه بعدم الاحتياج إلى عائد، فإن الذي الموصوف به مصدر على ما قدر (¬1) لا يستغني عن عائد ومثال ذلك قوله تعالى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا (¬2) أي كالخوض الذي خاضوه فحذف الخوض وأقيم الذي مقامه، وحذف العائد إلى الذي لأنه منصوب متصل بفعل وحذف مثله كثير. هذا كلام المصنف (¬3). وفي قوله: إن صه مؤوّل بمصدر وكذا هو من قوله تعالى: هُوَ أَقْرَبُ [المائدة: 8] نظر فإن صه نائب عن اسكت؛ لأنه اسم له واسكت له دلالة على المصدر ولا يؤول شيء منهما بمصدر. وغاية ما ذكره المصنف من ترك التنوين إن أريد المصدر المعرف وذكره إن أريد المصدر المنكر أن تكون صه نائبا عنه ولا يلزم عن النائب من شيء أن يكون النائب مؤولا بذلك الشيء. وأما هو من هُوَ أَقْرَبُ فهو عائد على المصدر فمدلوله مدلول المصدر [1/ 216]. وأما الذي في قوله تعالى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا مؤول مع ما يليه بمصدر لأنه نعت لمصدر محذوف فغير ظاهر أيضا؛ لأنه إذا قدر الذي صفة امتنع تأويله بالمصدر وإذا أول بالمصدر امتنع كونه صفة (¬4) وإذا كان كما ذكرنا فلا يكون في - ¬

_ (¬1) أي ثم يحذف المصدر ويقام هو مقامه. (¬2) سورة التوبة: 69. (¬3) شرح التسهيل: (1/ 188). (¬4) هذا رأي وهو أن الذي مؤول مع ما بعده بمصدر، والرأي الآخر هو أن الذي موصول اسمي مفرد وقع موقع الجمع على وجهين: الأول: أنه اسم جنس كمن وما. الثاني: أنه أراد الذين فحذف النون لطول الكلام بالصلة. (التبيان في إعراب القرآن للعكبري (2/ 650) والبحر المحيط: 5/ 69). وقال الدكتور محمود يسري زعير في كتابه: أسرار النحو في ضوء أساليب القرآن (1/ 242): «والحقّ -

[الموصول من الأسماء وأنواعه- الموصولات الخاصة]

[الموصول من الأسماء وأنواعه - الموصولات الخاصة] قال ابن مالك: (فمن الأسماء: الّذي والّتي للواحد والواحدة وقد تشدّد ياءاهما مكسورتين أو مضمومتين أو تحذفان ساكنا ما قبلهما، أو مكسورا ويخلفهما في التّثنية علامتها مجوّزا شدّ نونها وحذفها. وإن عني بالذي من يعلم أو شبهه فجمعه «الّذين» مطلقا ويغني عنه الّذي في غير تخصيص كثيرا. وفيه للضّرورة قليلا. وربّما قيل: «اللّذون» رفعا وقد يقال: لذي ولذان ولذين ولتي ولتان ولاتي). ـــــــــــــــــــــــــــــ حد الموصول الحرفي احترازا عن شيء وإنما هو مبني عن شيء حقيقته وتمييزه من الموصول الاسمي. فمعنى كلامه: أن الموصول الحرفي هو الذي يؤول مع ما يليه بمصدر. وأنه لا يحتاج إلى عائد بخلاف الاسمي فإنه لا تأويل فيه ولا بد له من العائد. قال ناظر الجيش: لما ثبت أن الموصول ضربان: أحدهما من الأسماء والآخر من الحروف شرع في ذكر الأسماء فبدأ بالذي والتي لأنهما كالأصل لغيرهما فإن غيرهما إذا أشكل أمره يستدل على موصوليته بصلاحية موضعه للذي إن كان مذكرا وللتي إن كان مؤنثا (¬1). - ¬

_ - الّذي لا نرضى به بديلا لأنه هو الّذي نطقت به اللّغة وسجّله القرآن: أن الّذي يستعمل اسما موصولا ولا يكون حرفا موصولا ألبتة ولا غبار في دلالته على المفرد تارة وعلى الجمع تارة أخرى فتلك مرونة حيث لا تقف بالكلمة عند حد معين في الاستعمال. وإذا ثبت هذا استغنينا أشدّ الاستغناء عن قول الزّمخشري: وخضتم كالّذي خاضوا أي كالفوج الّذي خاضوا وكالخوض الذي خاضوه لأنه مع إثباته لاسميّة الذي يجعل الآية في حاجة إلى تقدير شيء لإفهام معناها وهي ليست محتاجة إلى هذا التقدير فقد قال الأخفش: إن الذي مشترك بين المفرد والجمع. (¬1) معناه: أن بعض هذه الألفاظ قد يستعمل في غير الموصولية كمن وما فإنهما قد يستعملان في الشرط والاستفهام وغيرهما، ولا يعرف معناهما في الموصولية إلا بوضع الذي والتي مكانهما. وعلل أبو حيان بذلك وبعلة أخرى: وهي أن المصنف إنما بدأ بالذي والتي لأنه ظهر فيهما تصرف ما بالتثنية والجمع والتصغير فصار فيهما شبه بالمعرب (التذييل والتكميل: 3/ 19). وفي كتاب الإنصاف مسألة مفيدة عن الحروف التي وضع عليها الاسم في ذا والذي يقول أبو البركات الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أن الاسم في ذا والذي الذال وحدها وما يزيد عليهما تكثير لهما وذهب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الذي والتي ست لغات: الأولى: ما بدأ به. والثانية: حذف الياء مع بقاء الذال والتاء مكسورتين كقول الشاعر: 324 - لا تعذل اللّذ لا ينفكّ مكتسبا ... حمدا ولو كان لا يبقي ولا يذر (¬1) وقول الأخير: 325 - شغفت بك اللّت تيّمتك فمثل ما ... بك ما بها من لوعة وغرام (¬2) والثالثة: حذف الياء وتسكين الذال والتاء كقول الشاعر: 326 - فلم أر بيتا كان أحسن بهجة ... من اللّذ به من آل عزّة عامر (¬3) - ¬

_ - البصريون إلى أن الذال وحدها ليست هي الاسم فيهما واختلفوا في ذا؛ فالأخفش على أن أصله ذيّ بالتشديد، وغيره ذوي. وأما الذي، فأجمعوا على أن الأصل فيه لذي نحو عمى وشجى. (الإنصاف: 2/ 666 بتلخيص). (¬1) البيت من بحر البسيط غير منسوب في مراجعه. ومعناه: لا تلم المؤمن التقي الذي يسعى في حاجات الناس باذلا كل ما يملك يبغي اكتساب الأجر والثواب من الله. وشاهده قوله: لا تعذل اللذ لا ينفك مكتسبا حيث حذفت الياء من الذي وبقيت الكسرة قبلها دليلا عليها وهي لغة في الذي. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 190)، ولأبي حيان (3/ 24) وللمرادي (1/ 186). وهو في معجم الشواهد (ص 162). (¬2) البيت من بحر الكامل وهو في الغزل غير منسوب في مراجعه. اللغة: شغفت: بالبناء للمجهول من الشغف وهو تخلل الحب شغاف القلب. تيمتك: يقال تيمه الحب: أضناه وأعياه. اللوعة: حرقة الحب وشدته. المعنى: يقول لصاحبه: لا تحزن فقد أحبتك التي تحبها، ووقعت في حبال هواك تلك التي سهرت من أجلها. وشاهده قوله: شغفت بك اللت حيث حذفت الياء من التي وبقيت الكسرة دليلا عليها. والبيت في (شروح التسهيل لابن مالك (1/ 213) ولأبي حيان (3/ 25). وللمرادي (1/ 186) وهو في معجم الشواهد ص 386). (¬3) البيت من بحر الطويل ولم يأت في معجم الشواهد مع أنه في (الهمع: 1/ 82). وفي (الدرر: 1/ 56) وهو أيضا في (شرح التسهيل لابن مالك: 1/ 189) وفي (التذييل والتكميل: 3/ 23). والبيت في الغزل. ومعناه: أن الشاعر لا يحب بيتا في الدنيا كبيت حبيبته عزة ولا ناسا كهؤلاء الذين -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 327 - ما اللّذ يسوؤك سوءا بعد بسط يد ... بالبرّ إلّا كمثل البغي عدوانا (¬1) وكقول الآخر: 328 - فقل للّت تلومك إنّ نفسي ... أراها لا تعوّذ بالتّميم (¬2) ومثله: 329 - أرضنا اللّت أوت ذوي الفقر والذّلّ ... فاضوا ذوي غنى واعتزاز (¬3) والرابعة: تشديد الياء مكسورةكقول الشاعر: - ¬

_ - يعمرون ذلك البيت. وشاهده قوله: من اللذ به من آل عزة حيث حذفت ياء الذي ثم سكنت الذال وهي لغة في الذي. (¬1) البيت من بحر البسيط وهو في النصح والدعوة إلى الاستمرار في عمل الخير حيث يقول صاحبه: لا يجوز ولا يصح أن يعكر الإنسان صفو العمل الجميل الذي يقدمه بعمل قبيح فهو إن فعل ذلك خلط الحسن بالسيئ والحلو بالمر والصداقة بالعداء. وشاهده كالذي قبله. والبيت لم ينسب إلى قائل في مرجعيه (شرح التسهيل لابن مالك (1/ 189) والتذييل والتكميل لأبي حيان: 3/ 23) ولا نسبه المحققان. وليس في معجم الشواهد. ومثل الشاهد قولهم (من الرجز): كالّلذ تزبّى زبية فاصطيدا مثل من أمثال العرب يضرب للرجل يأتي الرجل يسأله شيئا فيأخذ منه ما سأل. مجمع الأمثال: (3/ 54). (¬2) البيت من بحر الوافر أقصى نسبة له ما قاله أبو علي القالي في الأمالي: (2/ 308): وأنشد الفراء ... ثم ذكر البيت. اللغة: التّميم: جمع تميمة وهي التعويذة يفعلها أهل الشر والسحر للحب أو البغض. المعنى: جرد الشاعر من نفسه إنسانا فخاطبه قائلا: قل لحبيبتك إن نفسي لا تتأثر يالتمائم ولا بالسحر وإنما تؤمن بالحب الخالص والعمل الجاد والوفاء بين المحبين. وشاهده قوله: فقل للت حيث سكنت تاء التي بعد حذف الياء والكسرة منها. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 190) والتذييل والتكميل: (3/ 24). وخزانة الأدب: (6/ 6). وفي معجم الشواهد (ص 371). (¬3) البيت من بحر الخفيف لم يرد في معجم الشواهد وإنما ورد في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 190) ولأبي حيان: (3/ 24) وللمرادي: (1/ 186) ولم ينسب فيها لقائل. والشاعر يفتخر بأنهم أعزاء أغنياء وأنهم يؤوون الأذلاء الفقراء فيصيرون مثلهم في العزة والغنى. وشاهده كالذي قبله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 330 - وليس المال فاعلمه بمال ... وإن أرضاك إلّا للّذيّ ينال به العلاء ويصطفيه ... لأقرب أقربيه وللقصيّ (¬1) هكذا أنشده المصنف (¬2) وأنشده غيره: «وإن أنفقته إلّا الّذيّ» «تنال به العلاء وتصطفيه» «لأقرب أقربيك وللقصيّ» (¬3). والخامسة: تشديد الياء مضمومة كقول الشاعر: 331 - أغض ما استطعت فالكريم الّذيّ ... يألف الحلم إن جفاه بذيّ (¬4) [1/ 217] ولم يذكر المصنف شاهدا على تشديد ياء التي. وقد قال الشيخ: «إنه لا يحفظ ذلك في الّتي وإنّ مصنّفي كتب اللّغة لم يذكروا ذلك في كتبهم». وذكر عن أبي موسى أن الياء المشددة في الذي تجري بوجوه الإعراب الثلاثة قال: «فإن صحّ هذا عن العرب فلا يكون في إنشاد المصنّف دليل على أنّها مبنية على - ¬

_ (¬1) البيتان من الوافر التام وهما في مراجع كثيرة غير منسوبين. والمعنى: إن المال لا قيمة له إلا إذا أنفقته فيما يفيدك أو أعطيت منه لقريب لك في حاجة إليه، فإذا فعلت ذلك تكون قد بنيت لك مجدا واشتريت حمدا. وشاهده قوله: وإن أرضاك إلا للذي حيث ياء الذي مشددة مكسورةو انظر تعليق أبي حيان على ذلك في البيت القادم. والبيت في معجم الشواهد (ص 429) وفي شرح التسهيل (1/ 190). (¬2) شرح التسهيل (1/ 190). (¬3) على رواية المصنف يكون المراد بالذي الشخص الذي ينفق المال وتكون اللام فيه جارة والذي مبني على الكسر - وقيل مجرور - في محل جر. وعلى رواية غيره: يكون المراد بالذي المال وهو مستثنى من مال قبله مبني على الكسر في محل نصب. (¬4) البيت من بحر الخفيف وفيه دعوة إلى الخلق الطيب المأخوذ من قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ [الأعراف: 199] ومع هذا فإن قائله مجهول. اللغة: أغض: من الإغضاء وهو إدناء الجفون والمراد العفو والتسامح. الحلم: بكسر الحاء. الصفح والتسامح. البذيّ: اللئيم سليط اللسان. قال أبو حيان في البيت: «وظاهر كلام المصنف أنها تكون مبنية على الضّمّ مشدّدة. ولا حجة في هذا البيت على البناء إذ قد يحتمل أن تكون الحركة حركة إعراب. كما ذكروا أنّه يجوز في الّذي مشددة جريان وجوه الإعراب الثلاثة» انتهى. والبيت في شرح التسهيل (1/ 190) وفي التذييل والتكميل (3/ 22) ومعجم الشواهد (ص 429).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسر». انتهى (¬1). وليس للقول بإعراب الذي وجه؛ إذ موجب البناء قائم ولا فرق بين الياء المشددة والمخففة. واللغة السادسة: حذف الألف واللام وتخفيف الياء ساكنة وبهذه اللغة قرأ بعض الأعراب، قال أبو عمرو بن العلاء: «سمعت أعرابيّا يقرأ بتخفيف اللّام يعني (صراط لذين) (¬2)». قال المصنف: «وقد استغنوا في التثنية بقولهم اللذان واللتان عن اللذيان واللتيان واللذيين واللتين فاعتبروا أخف اللغات وإن كانت أقل من الذي والتي، وذلك أن المفرد أخف من المثنى، وقد خفف جوازا بحذف الياء، فلما قصدوا التثنية وهي أثقل من الإفراد وأحوج إلى التخفيف التزم فيها من حذف الياء ما كان في الإفراد جائزا» انتهى (¬3). واقتضى كلامه: أن التثنية إنما وردت على الذي والتي بعد الحذف يعني حذف الياء منهما. وكلامه في شرح الكافية يقتضي: أن التثنية واردة على الذي والتي دون حذف وأن الحذف إنما كان لأجل ألف التثنية ويائها فإنه قال (¬4) «يقال اللّذان واللّتان واللّذين واللّتين في الموصول، وذان وتان وذين وتين في اسم الإشارة. وكان مقتضى الأصل أن يقال اللّذيان واللّتيان واللذيين واللتيين وذيان وتيان وذيين وتيين كما يقال - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 22). (¬2) سورة الفاتحة: 7. قال أبو حيان عند تفسير قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ. «الذين اسم موصول والأفصح كونه بالياء في أحواله الثلاثة وبعض العرب يجعله بالواو في حالة الرفع، واستعماله بحذف النون جائز وخص بعضهم ذلك بالضرورة إلا إن كان لغير تخصيص فيجوز في غيرها، وسمع حذف أل منه فقيل لذين ويخص العقلاء بخلاف الذين فإنه على ذي العلم وغيره» (البحر المحيط: 1/ 26). (¬3) شرح التسهيل (1/ 191). ومعناه: لما كان حذف الياء في الذي والتي مستعملا في بعض اللغات وكان تشديد النون عوضا عن هذه الياء جاز عدم التشديد؛ لأن حذفها قد ورد أحيانا. (¬4) انظر نصه في شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 256، 257) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شجيان وفتيان لأن ياء الذي والتي وألف ذا وتا لمّا لم يكن لهما حظ في الحركة أشبهتا عند ملاقاتهما ألف التثنية بألف المقصور إذا لقي ألف الندبة فوافقاها في الحذف، فكما يقال في النّدبة: وا موساه لا واموسياه قيل هنا: اللّذان وذان لا اللّذيان وذيان. وأيضا فحذف ألف المقصور المثنى أولى من قلبه؛ لأن في حذفه تخلّصا من تصحيح حرف علّة متحرك بعد فتحة لكن عدل إلى القلب لئلّا يلتبس مثنى بمفرد حال الإضافة، واسم الإشارة لا يضاف فعومل بالحذف وحمل عليه الّذي والّتي لشبه يائهما في لزوم المدّ بالألف، ولأنهما لا يضافان فلما حذفت الياء والألف من الّذي والتي وذا وتا في التّثنية وكان لهما حقّ في الثبوت شدّدوا النون من اللّذين واللّتين وذين وتين ليكون ذلك عوضا من الياء والألف». انتهى. [1/ 218] والفرق بين ما ذكره في شرح التسهيل وشرح الكافية ظاهر (¬1). وأما حذف النون في التثنية فقيل: هو لغة بني الحرث بن كعب وبعض بني ربيعة: يقولون: هما اللّذا قالا ذلك، وهما اللتا قالتا ذلك. وعليه قول الشاعر: 332 - أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (¬2) وقول الآخر: 333 - وعكرمة الفيّاض فينا وحوشب ... هما فتيا النّاس اللّذا لم يعمّرا (¬3) - ¬

_ (¬1) هو ما ذكره قبل من أن كلامه في شرح التسهيل يقتضي أن التثنية إنما وردت على الذي والتي بعد الحذف يعني حذف الياء فيهما وأما كلامه في شرح الكافية فيقتضي أن التثنية واردة على الذي والتي دون حذف وأن الحذف إنما كان لأجل ألف التثنية أو يائها. (¬2) البيت سبق الاستشهاد به والحديث عنه في باب إعراب المثنى والمجموع على حده. وشاهده هنا قوله: إنّ عمّيّ اللّذا حيث حذفت نون اللذان على لغة بني الحرث بن كعب. (¬3) البيت من بحر الطويل مجهول القائل وهو في الفخر وفي طيه الاعتراف بالموت. اللغة: عكرمة وحوشب: رجلان. فتيا النّاس: مثنى فتى وهو الشجاع. الفياض: الكريم. والشاعر يفتخر بأن من قبيلته هذين الرجلين اللذين هما أشجع الناس ومع ذلك لم يخلدا في الحياة. وشاهده واضح وهو قوله: هما فتيا الناس اللذا حيث حذف النون من الاسم الموصول المثنى على لغة. والبيت في التذييل والتكميل (3/ 27) وليس في معجم الشواهد ولم يستشهد به ابن مالك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 334 - هما اللّتا لو ولدت تميم ... لقيل فخر لهم عظيم (¬1) ثم قال المصنف: «ولما كانت التثنية من خصائص الأسماء المتمكّنة ولحقت الّذي والّتي جعل لحاقها لهما معارضا لشبهها بالحروف فأعربا» (¬2). وهذا الكلام الذي ذكره أولا وثانيا مبناه على أن اللذين واللتين مثنيان حقيقة كما تقول الرجلان والمرأتان. والذي عليه المحققون أن اللذان واللتان واللذين واللتين صيغ تثنية وليست مثناة لأمرين: أحدهما: أن من شرط الاسم الذي يثنى أن يكون معربا وهاتان الكلمتان مبنيتان فلا يجوز الحكم عليهما؛ لأنهما مثنيان. والثاني: أنهم قالوا لو كانت هذه تثنية صحيحة للزم تنكيرها؛ لأن الاسم لا يثنى حتى ينكر؛ ولذلك جاز أن يقال في تثنية زيد وعمرو الزيدان والعمران. والموصولات لا يتصور تنكيرها؛ لأن موجب تعريفها لازم لها وهو الألف واللام على قول والصلة على قول، وإذا كان كذلك فلا يحتاج إلى الاعتذار عن حذف ياء الذي والتي (¬3). - ¬

_ (¬1) البيتان: من الرجز المشطور وهما منسوبان للأخطل في بعض المراجع، وقال صاحب الخزانة (6/ 14) قال العيني: هما للأخطل وقد فتشت في ديوانه فلم أجدهما، وما فعله صاحب الخزانة فعلته أنا وكذلك فعل صاحب معجم الشواهد. اللغة: اللّتا: صفة لموصوف محذوف أي المرأتان. تميم: أبو قبيلة من العرب. المعنى: يمدح الشاعر امرأتين بأنهما إذ انتسبتا إلى تميم افتخرت بهم على الناس جميعا. قال صاحب الخزانة: الشاهد على أن نون اللتا حذفت لاستطالة الموصول بالصلة تخفيفا، قال شراح التسهيل: حذف النون من اللذين واللذان نصر بن الحارث بن كعب وبعض بني ربيعة. وقال ابن الشجري (2/ 208) في تثنيته إلى ثلاث لغات: اللتان بتخفيف النون واللتان بتشديدهما واللتا بحذفهما وهي حديثنا. والبيت في التذييل والتكميل: (1/ 244)، (3/ 27). وفي معجم الشواهد (ص 536). (¬2) شرح التسهيل: (1/ 191) وبقية كلامه: كما جعلت إضافة أي معارضة لشبهها بالحروف فأعربت. (¬3) اعتذاره عن حذف ياء الذي والتي بأن هذه الياء شبهت عند ملاقاتها ألف التثنية بألف المقصور إذا لقي ألف الندية فوافقتها في الحذف، وكذلك الأولى بألف المقصور الحذف عند التثنية. ولا يحتاج المصنف إلى هذا الاعتذار لأن الصحيح أن اللذان واللتان واللذين واللتين صيغ تثنية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما تشديد النون حالة التثنية: فقد قيل فيه إنه يجوز أن يكون للفرق بين ما صورته صورة المثنى من المبني وبين مثنى المعرب فلا يحتاج حينئذ إلى القول بأن التشديد عوض عن الياء المحذوفة. وأشار المصنف بقوله: وإن عني بالّذي من يعلم أو شبهه إلى أن الذين جمع للذي إذا أريد بالذي من يعلم نحو إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا (¬1) أو شبه من يعلم نحو: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ (¬2) نزلت الأصنام منزلة من يعلم لكونهم عبدوها من دون الله. وأشار بقوله: مطلقا إلى أنه يكون بالياء في موضع الرفع والنصب والجر. قال المصنف: لم يعرب أكثر العرب الذّين وإن كان الجمع من خصائص الأسماء لأن الّذين مخصوص بأولى العلم والذي عام فلم يجر على سنن الجموع المتمكّنة بخلاف اللذين واللّتين فإنهما جريا على سنن المبنيات المتمكنة لفظا ومعنى. وعلى كلّ حال ففي الذي واللّذين شبه بالشّجيّ والشّجين في اللفظ وبعض المعنى. فلذلك لم تجمع العرب على ترك إعراب الّذين بل إعرابه في لغة هذيل مشهور فيقولون نصر اللّذون آمنوا على اللّذين كفروا ومن ذلك قول بعضهم: 335 - وبنو نويجية اللّذون كأنّهم ... معط مخدّمة من الخزّان (¬3) انتهى (¬4) [1/ 219]. - ¬

_ (¬1) سورةفصلت: 30. (¬2) سورة الأعراف: 194. (¬3) البيت من بحر الكامل منسوب إلى الهذليين وليس في ديوانهم. اللغة: بنو نويجية: اسم قبيلة. اللّذون: لغة هذيل في الذين رفعا وهو موضع الشاهد. معط: جمع أمعط وهو من لا شعر على جسده يقال فه معط الشعر نتفه وانمعط الشعر تساقط (القاموس: 2/ 40 معط) مخدّمة: المخدّم: الأبيض الأطراف. الخزّان: بكسر أوله وفي آخره نون مفرده ولد الأرنب وقيل هو الذكر من الأرانب والجمع أخزن وخزان مثل صرد وصردان وأرض مخزة: كثيرة الخزز. (اللسان خزز). والبيت من أقبح الهجاء حيث يشبه الشاعر القوم المهجوين بالأرانب العارية من الشعر. والبيت في شرح التسهيل: لابن مالك (1/ 191) ولأبي حيان: (3/ 31) وفي أمالي ابن الشجري (2/ 307) وفي معجم الشواهد (ص 411). (¬4) شرح التسهيل: (1/ 191).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي عليه المحققون أن الذين صيغة جمع وليس بجمع لأن المبنيات لا تجمع كما أنها لا تثنى. ومجيء اللذون رفعا كمجيء اللذان رفعا واللذين نصبا وجرّا في المثنى، فلا تكون الواو في اللذون علامة جمع كما أن الألف في اللذان لا تكون علامة تثنية (¬1). ثم أشار المصنف بقوله: ويغني عنه الّذي إلى آخره إلى أنه إذا لم يقصد بالذي مخصص جاز أن يعبر به عن جمع حملا على من كقوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (¬2). فلو لم يكن المراد به جمعا لم يشر إليه بجمع ولا عاد إليه ضمير جمع ومن ذلك قوله تعالى: كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ (¬3). فلو لم يرد به جمع لم يضرب به مثل الجمع. فإن قصد بالذي مخصص فلا محيص عن اللذين في التثنية والجمع ما لم يضطر شاعر كقوله: 336 - أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا ... قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا (¬4) - ¬

_ (¬1) ومعناه أن اللذان واللتان في حالة الرفع واللذين واللتين في حالتي النصب والجر وكذلك اللذون رفعا واللذين نصبا وجرّا ليست ألفاظا مثناة أو جمعا للذي والتي وإنما هي صيغ وضعتها العرب بما فيها من علامات الإعراب التي تشبه علامات المثنى والجمع وضعتها لمعانيها التي تدل عليها بخلاف المثنى الحقيقي والجمع الحقيقي كالمحمدان والمحمدون فإنها وضعت بعلاماتها تثنية وجمعا لمحمد. ويقول الدكتور محمد يسري زعير: «أنت تدرك أن هناك خلافا بين تثنية الّذي والتي وتثنية القاضي والداعي ولا نملك لذلك تعليلا لأن اللغة وردت هكذا فلا بدّ أن تؤخذ على ما وردت عليه ولكن النحاة قد أولعوا بالتعليل لكلّ شيء ومن تعليلهم هنا أنهم يزعمون أن العرب فرقوا بين تثنية المبني كالذي وتثنية المعرب كالقاضي فحذفوا الحرف الأخير من الذي والتي ولكن هذه العلة منقوضة إذ إنّ حذف الحرف عند التثنية ليس خاصا بالمبني بل قد يكون في المعرب كما في تثنية عاشوراء عند الفراء (أسرار النحو ص 245). (¬2) سورة الزمر: 33. (¬3) سورة البقرة: 275. (¬4) البيت سبق الاستشهاد به في باب إعراب المثنى والمجموع على حده وقد استشهد به هناك: على جواز سقوط نون المثنى لتقصير الصلة وذلك في تثنية الموصول من الذي والتي. كما استشهد به في هذا الباب مرة أخرى قبل ذلك على أن سقوط هذه النون من هذا المثنى إنما هو لغة بني الحرث بن كعب. هذه استشهادات ابن مالك وتبعه شارحنا. وأما شاهده هنا: فقد اضطرب فيه كلام ابن مالك ونقده شارحنا وانظر التفصيل في ذلك كله في الصفحة القادمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 337 - وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (¬1) هذا كلام المصنف (¬2). ومقتضاه أن النون حذفت من الموصولين في البيت الأول والثاني للضرورة. وإنما جعل ذلك ضرورة لأن المقصود بالموصول فيها مخصص، ولم يظهر لي كون ذلك ضرورة. والذي كنت أفهمه من قوله: ويغني عنه الّذي في غير تخصيص كثيرا وفيه للضّرورة قليلا: أن الذي نفسه أعني الذي هو موضوع للمفرد قد يقع موقع الذين الذي هو موضوع للجمع كما يقتضيه التمثيل بقوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ (¬3) وبقوله تعالى: كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ (¬4). وكما يفهم من البيت الذي أنشده وهو: وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم، لا أن الذي في هذه الأمثلة أصلها الذين، فحذفت النون؛ لأن حذف النون من نحو الذين واللذين إنما هو لتقصير الصلة ولو كان الأصل هو الذين في الأمثلة المذكورة ما ساغ أن يقال: ويغني عنه الذي؛ لأن الذي لم يغن عن الذين إنما هو الذين حذفت نونه لا غير، والحق أنهما يقصدان فتارة يقصد إيقاع الذي المحكوم بإفراده موقع الذين الذي هو جمع وتارة لا يقصد ذلك بل يقال: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل قائله الأشهب بن رميلة في رثاء قومه. اللغة: حانت: من الحين وهو الهلاك أو معنى حانت دماؤهم أي لم يؤخذ لهم بدم ولا قصاص. فلج: واد قرب البصرة. القوم كلّ القوم: أي الكاملون في كل شيء. والمعنى: يا أم خالد: اعلمي أن هؤلاء القوم الذين هلكوا من أعظم الناس والرجال فابكي عليهم. وشاهده قوله: وإنّ الذي حانت؛ حيث وقع الذي مكان الذين ضرورة وانظر تفصيل ذلك في الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 114) وفي شرح التسهيل (1/ 192) وفي التذييل والتكميل (1/ 283، 284، 3/ 29). ترجمة الشاعر: هو الأشهب بن ثور بن أبي حارثة، شاعر نجدي تميمي، ولد في الجاهلية وأسلم ولم يجتمع بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وعاش حتى العصر الأموي وهجا غالبا أبا الفرزدق لكن الفرزدق أسكنه، وفد على الوليد بن عبد الملك وقد نسب إلى أمه رميلة وكانت أمة اشتراها أبوه في الجاهلية توفي سنة (86 هـ) (الأعلام: 1/ 335). (¬2) شرح التسهيل: (1/ 192). (¬3) سورة الزمر: 33. (¬4) سورة البقرة: 275.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن النون من الذين حذفت فيصير لفظه حينئذ موافقا لما لم يحذف منه شيء وهو المفرد ولكن لا يقال فيه أوقع الذي موقع الذين بل هو الذين نفسه حذفت منه النون وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي ظاهر ما قررته لأنه قال (¬1): وموضع الّذين يكثر الّذي ... إن كان مفهوم الجزا به احتذي أو كان مقصودا به الجنس وما ... خالف هذين فنزرا علما نحو الّذي حانت بفلج وكذا ... ما كان مشبها لعمّيّ اللّذا ثم مثّل في الشرح لما تضمن معنى الجزاء بقوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ (¬2) الآية ولما المقصود به الجنس بقوله تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً (¬3) وبقوله تعالى: كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ (¬4). [1/ 220] قال: فهذان النّوعان يستعملان كثيرا وما سوى ذلك قليل، وأنشد البيتين، أعني البيت الّذي أوله: وإنّ الذي حانت والبيت الذي أوله: أبني كليب وقال: أراد الّذين فحذف النون وكذا حذفها من اللّذان. انتهى. فكلامه يعطي ما قلته؛ لكن إنشاده في شرح التسهيل: أبني كليب إنّ عمّيّ اللّذا ... البيت مستشهدا به في هذا الموطن - يقتضي أن مراده إنما هو حذف النون؛ لأن قول الشاعر إن عميّ اللذا ليس فيه سوى حذف النون من اللذا وليس فيه إيقاع الذي موقع اللذين وهو قد جعله ضرورة. وإذا كان هذا مراده فهو غير ظاهر لأن حذف النون لتقصير الصلة لا ينكر (¬5) وأشكل من ذلك إنشاده في شرح الكافية: وإنّ الّذي حانت ... البيت، وقوله: أراد الذين، فحذف النون ثم قال: وكذلك حذفها من اللذان، وأنشد: أبني كليب ... البيت ويحتاج كلامه إلى تأمل. فإن قيل: إنما تحذف لتقصير الصلة نون المثنى أو نون الجمع، وقد قلتم إن اللذين - ¬

_ (¬1) انظر نصه في شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 260) (تحقيق د/ عبد المنعم هريدي). (¬2) سورة الزمر: 33. (¬3) سورة البقرة: 17. (¬4) سورة البقرة: 275. (¬5) مثاله في الجمع الحقيقي: وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ [الحج: 35] في قراءة النصب وقول الشاعر وقد سبق: الحافظو عورة العشيرة ... إلخ بالنصب أيضا ومثاله من الموصول ما أنشده قبل من شعر وما سيأتي الآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذين ليسا بتثنية ولا جمع عند المحققين. فالجواب: أن القائلين بأنهما ليسا بتثنية ولا جمع قائلون بأنهما صيغ تثنية وجمع. ولا شك أن صيغة اللذين صيغة المثنى وإن لم يكن الاسم مثنى حقيقة وصيغة الذين صيغة جمع وإن لم يكن الاسم مجموعا حقيقة، وإذا كان كذلك عوملت النون فيهما معاملتها فيما هو مثنى ومجموع حقيقة. ثم إن المصنف لم يجعل حذف النون من الكلمتين في البيتين المذكورين ولا فيما أشبههما ضرورة. والظاهر أن المقتضي لإخراج ذلك من باب الضرورة ما قلناه. ويستشهدون لجواز الحذف أيضا بقول القائل: 338 - يا ربّ عبس لا تبارك في أحد ... في قائم منهم ولا في من قعد إلّا الّذي قاموا بأطراف المسد (¬1) وبقوله (¬2): 339 - فبتّ أساقي القوم إخوتي الّذي ... غوايتهم غيّي ورشدهم رشدي (¬3) وبقول الآخر: 340 - أولئك أشياخي الّذي تعرفونهم ... [ليوث سعوا يوم النّبي بفيلق] (¬4) ¬

_ (¬1) الأبيات من بحر الرجز المشطور وردت في لسان العرب أول باب الذال (3/ 1474) ولم تنسب لقائل. اللغة: عبس: قبيلة في العرب مشهورة منها عنترة العبس. المسد: الحبل المحكم الفتل. المعنى: يدعو الشاعر على قبيلة عبس بأن يهلكهم الله جميعا إلا قوما فعلوا خيرا. وشاهده قوله: إلّا الّذي قاموا بأطراف المسد حيث أن أصل الذي الذين فحذفت نونه ضرورة أو لتقصير الصلة. والأبيات لم ترد في معجم الشواهد وهي التذييل والتكميل (3/ 30). (¬2) من عندنا للحاجة إليها هي وما بعدها. (¬3) البيت من بحر الطويل لم أعثر على قائله ولا على قصيدته، ووجدت في ديوان الحماسة (2/ 731) شبيها له هو قول العديل العجلي: ظللت أساقي إخوتي الأولى ... أبوهم أبي عند المزاح وفي الجدّ والأولى فيه بمعنى اللذين. وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل لأبي حيان (3/ 30) ولم أجده في غيره. (¬4) البيت من بحر الطويل قال فيه صاحب الدرر (1/ 56) لم أعثر على قائله. وشاهده كالذي قبله. -

[جمع الذي والتي]

[جمع الذي والتي] قال ابن مالك: (وبمعنى الّذين «الأولى» و «الأولاء» و «اللّاء» و «اللّائين» مطلقا أو نصبا وجرّا و «اللّاؤون» رفعا وجمع «التي»: اللّاتي واللّائي واللّواتي وبلا ياءات واللّا واللّوا واللّواء واللّاءات مكسورا أو معربا إعراب أولات والأولى. وقد يرادف الّتي واللاتي ذات و «ذوات» مضمومتين مطلقا). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن الصيغتين المفيدتين معنى التثنية في الذي والتي وعلى صيغة الذين المفيدة معنى الجمع في الذي خاصة - شرع في ذكر بقية ما يفيد جمع الذي أيضا غير ما قدمه وذكر ما يفيد جمع التي ومجموع ما ذكره الآن خمسة عشر لفظا. فما ذكر أنه بمعنى الذي أربعة وهي: الأولى والأولاء واللّاء واللّائين وفي الحقيقة (¬1) هي ثلاثة لأن الأولاء هو الأولى لكنه مد. - ¬

_ - ومراجعه في الهمع (1/ 83) والتذييل والتكميل (3/ 30) ومعجم الشواهد (ص 571). ومثل الشواهد السابقة أيضا قول الفند الزماني (شرح ديوان الحماسة 1/ 32). صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان عسى الأيام أن يرجعن ... قوما كالذي كانوا وفي هذه الشواهد وأمثالها يقول أبو حيان (التذييل والتكميل: 3/ 30) قال الأخفش: يكون الذي للواحد وللجمع بلفظ واحد كمن. قيل: ومنه: «والّذي جاء بالصّدق وصدّق به، كمثل الّذي استوقد نارا». فعلى مذهب الأخفش الذي لا يكون المراد به الجمع محذوفا منه النون بل هو من المشترك بين الواحد والجمع ولو كان مثل «من» على ما ذهب إليه الأخفش لجاز أن يكون أيضا للمثنى فيعود عليه الضمير مثنى فتقول: جاءني الذي ضربا زيد وهذا غير مسموع. ويقول الدكتور محمد يسري زعير في هذا الموضع: (أسرار النحو 1/ 243): «وخلاصة ذلك أن الذي اسم موصول وهو من قبيل الموصول المشترك بين المفرد والجمع كما سبق عن الأخفش وهشام، ومن ثم عاد الضمير عليه مفردا تارة كما في: استوقد وحوله وجمعا تارة أخرى كما في: بنورهم، و: تركهم فهي مثل من في قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] هذا رأي النحاة القدامى والمحدثين». وأرى: أن هذا اختلاط في اللغة واستعمال الكلمة في غير ما وضعت له؛ فقد وضعت العرب الذي للمفرد والذين للجمع، فيجب اتباع ذلك، وما عداه يحكم عليه بالخطأ والمخالفة لما ورد. وأما هذه الأبيات الشعرية المسموعة فيجب البحث عن تخريج يخرجها على ما جاء وورد عن العرب، وفي اللغة متسع للتخريج وليس فيها متسع للاختلاط ودخول معنى كلمة على معنى أخرى. (¬1) في نسخة (ب): وبالحقيقة، وكذا ما بعده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما ذكر أنه يفيد جمع التي أحد عشر (¬1) وهي اللّاتي واللّائي [1/ 221] واللّواتي وقد تحذف الياءات (¬2) من الثلاثة فيقول: اللّات واللّاء واللّوات (¬3) فهذه ستة وفي الحقيقة هي ثلاثة لأن ما حذفت ياؤه فرع ما تثبت الياء فيه والخمسة الأخر هي اللّا واللّوا واللّواء واللّاءات والأولى، وفي الحقيقة هي أربعة، فإن اللواء هي اللوا لكنه مد فالذي ذكره خمسة عشر بالعدد وبالحقيقة عشرة منها للذي ثلاثة وللتي سبعة. واعلم أن الاشتراك بين جمعي الذي والتي وقع في كلمتين وهما الأولى واللاء فكل منهما مستعمل جمعا للذي، لكن استعمال الألى بمعنى الذين أكثر من استعمالها بمعنى اللاتي. ولهذا ذكرها في جمع الذي أولا وفي جمع التي آخرا. واستعمال اللاء بمعنى اللاتي أكثر من استعمالها بمعنى الذين. ثم إن المصنف حكم على بعض الألفاظ المذكورة بأنه جمع، وعلى بعض بأنه جمع للجمع، وعلى بعض بأنه اسم جمع فقال (¬4): «والصحيح أن الّذين جمع للذي مرادا به من يعقل وأن اللّائين جمع اللّاء مرادف الذين، وأن اللّاءات جمع اللّاء مرادف اللّاتي وكذلك اللوائي واللّواتي هما معان للاء واللّاتي على حدّ قولهم في الهادي وهو العنق هواد وفي الهابي وهو الغبار هواب (¬5)». وأما اللاتي فيحتمل أن يكون اسما للجمع؛ لأنه ليس على قياس أبنية الجمع، ويحتمل أن يكون جمعا لأنه يتضمن حروف التي، ويغتفر كونه مخالفا لأبنية الجموع كما اغتفر في اللّتيّا كونه مخالفا لأبنية التصغير ولم يكن ذلك مانعا من كونه تصغيرا فذكر غير الذين خمسة ألفاظ ثم حكم على الباقي بأنه أسماء جموع فقال: «وأما اللّاء والأولى وغيرهما من الموصولات الدّالة على جمع فأسماء جموع لأنها لا تتضمن حروف الواحد» هذا كلامه. - ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): عشر وما ذكر هنا أصح. (¬2) في نسخة (ب): التاءات وهو خطأ. (¬3) ما بين القوسين ناقص من نسخة (ب). (¬4) شرح التسهيل: (1/ 195). (¬5) في القاموس: (1/ 405) الهابي: تراب القبر والهباء: الغبار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد عرفت أن هذا على مختاره وأن غيره من المحققين لا يثبت الجمعية لشيء من هذه الألفاظ لكون مفرداتها مبنية والمبني لا يجمع كما أنه لا يثنى. ثم قال المصنف (¬1): «وإثبات ياءات اللّاتي واللّائي واللّواتي هو الأصل وحذفها تخفيف وتجنب للاستطالة». قال: وقد بالغوا حتى حذفوا التّاء والياء من اللّاتي واللواتي فقالوا: الّلا والّلوا. ثم قال: «والأظهر عندي أن الأصل في اللّوا اللّواء وفي اللّا اللّاء ثمّ قصرا». إذا تقرر ما ذكرناه فلنرجع إلى لفظ الكتاب وإيراد الشواهد. أما اللائي بمعنى الذين فشاهده قول الشاعر: 341 - رأيت بني عمّي الألى يخذلونني ... على حدثان الدّهر إذ يتقلّب (¬2) والأولاء فشاهده قول الآخر: 342 - أبى الله للشّمّ الأولاء كأنّهم ... سيوف أجاد القين يوما صقالها (¬3) وأما اللاء بمعنى الذين فشاهده قول الآخر: 343 - تروق عيون اللاء لا يطعمونها ... ويروى بريّاها الضّجيع المكافح (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 195). (¬2) البيت من بحر الطويل في الشكوى وهو أول خمسة أبيات في ديوان الحماسة: (1/ 213) منسوبة لمرة بن عداء الفقعسي أو عمرو بن أسد الفقعسي، وآخرها قوله وسيأتي بعد: كأنّك لم تسبق من الدّهر ليلة ... إذا أنت أدركت الّذي كنت تطلب والشاعر يشكو من أولاد عمه الذين لا ينصرونه ولا يقفون بجانبه في الشدة. والبيت في معجم الشواهد (ص 36) وفي التذييل والتكميل: (3/ 33) وشاهده واضح. (¬3) البيت من بحر الطويل وهو لكثير عزة من قصيدة له في مدح عبد الملك بن مروان في الديوان (ص 87) وقبل بيت الشاهد قوله: إذا النّاس ساموها حياة زهيدة ... هي القتل والقتل الّذي لا شوى لها اللغة: أبى: من الإباء وهو الامتناع أو أشده. الشّمّ: جمع أشم من الشمم وهو ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه وهو علامة الكرم والعزة. الأولاء: بمعنى الذين وهو موضع الشاهد. أجاد: أحكم. القين: الحداد وجمعه قيون كليث وليوث. صقالها: جلاءها. والبيت غاية في مدح القوم بالعزة وعلو الهمة وشاهده واضح من الشرح. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 226) وفي التذييل والتكميل: (3/ 35). (¬4) البيت من بحر الطويل قاله كثير عزة من قصيدة طويلة له في الغزل وهي في ديوانه (ص 187). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: 344 - فما آباؤنا بأمنّ منه ... علينا اللّاء قد مهدوا الحجورا (¬1) وأنشد المصنف بيتين آخرين وهما قول الشاعر: 345 - أرحني من اللّائي إذا حلّ بينهم ... يمشون في الدّارات مشي الأرامل (¬2) وقول الآخر [1/ 222]: 346 - من اللائي يعود الحلم فيهم ... ويعطون الجزيل بلا حساب (¬3) فلا يقال إن اللائي في هذين البيتين بالياء وهو إنما ذكر أن الذي بمعنى الذين هو - ¬

_ - اللغة: تروق: تحسن، اللاء: بمعنى الذين وهو الشاهد: ريّاها: ريقها. الضجيع: زوج المرأة. المكافح: الذي يقبل المرأة فجأة فعله كافح وكفح (القاموس: كفح). والمعنى: هذه امرأة جميلة يتمناها الذين لا يستطيعون أن يقتربوا منها بينما يتمع بها واحد فقط هو زوجها. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل (1/ 194). وفي التذييل والتكميل (3/ 35). (¬1) البيت من بحر الوافر وهو في المدح لم تزد نسبته على أنه لرجل من سليم. اللغة: أمن: أفعل تفضيل من قولهم: من عليه إذا أظهر فضله وكرمه. اللاء: بمعنى الذين وهو موضع الشاهد. مهدوا: أصلحوا. الحجورا: جمع حجر بتثليث الحاء مع سكون الجيم وهو في الأصل حصن الإنسان ومعناه هنا فراشه ومهده. المعنى: ليس آباؤنا الذين أصلحوا شأننا وسهلوا أمورنا بأشد نعمة من هذا الممدوح. واستشهد به على: جعل اللاء بمعنى الذين وقد قرئ (واللاء يئسن) [الطلاق: 4] وفي البيت فصل بين الصفة والموصوف؛ لأن اللاء صفة لآباء. والبيت في معجم الشواهد (ص 144) وفي التذييل والتكميل (3/ 35). وفي شرح التسهيل (1/ 194). (¬2) البيت من بحر الطويل قاله ابن الزبير كما في شرح التسهيل لابن مالك. اللغة: أرحني: من الراحة وهو ضد التعب. بينهم: فراقهم. الدّارات: جمع دارة بمعنى الديار. الأرامل: جمع أرمل من فقدت زوجها. والمعنى: يأمر عبد الله بن الزبير صاحبه بأن يبعد عنه وعن نصرته هؤلاء الذين لا ينفعون وقت الشدة. وشاهده: قوله: أرحني من اللائي حيث جاء فيه اللائي بمعنى الذين. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 194) وليس في معجم الشواهد ولا في التذييل والتكميل. (¬3) البيت من بحر الوافر وهو لكثير عزة من قصيدة له في مدح عبد العزيز بن مروان. (انظر القصيدة في ديوان كثير ص 281). والبيت في وصف الممدوح وقومه بالحلم والكرم. وشاهده كالذي قبله. وهو في شرح التسهيل (1/ 194) وفي التذييل والتكميل (3/ 36). وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللاء بغير ياء لأن اللاء هو فرع اللاتي فلا فرق بين إثبات الياء وحذفها لأن الكلمة واحدة. وأما اللائين فشاهده قول الشاعر: 347 - وإنّا من اللّائين إن قدروا عفوا ... وإن أتربوا جادوا وإن تربوا عفّوا (¬1) قال المصنف: و «اللاؤون» رفعا لغة هذيل ومنه قول بعضهم: 348 - هم اللّاؤون فكوا الغلّ عنّي ... بمرو الشّاهجان وهم جناحي (¬2) ثم قال: «فقول القائل: وإنّا من اللّائين إن قدروا ... البيت المتقدم - يحتمل أن يكون (على لغة من يبني وأن يكون) (¬3) على لغة من يعرب. قال الشيخ: «ونسب المصنف لهذيل لغة «اللّاؤون» رفعا ولم ينسب «اللائين» مطلقا وكلاهما لغة هذيل» (¬4). وأما شواهد ما دل على جمع التي: فقد أنشد المصنف أبياتا (¬5) منها قول الراجز: 349 - جمعتها من أينق عكار ... من اللّوا شرفن بالصّرار (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل لم تشر مراجعه إلى قائله وهو في الفخر بالأخلاق الطيبة الحميدة. اللغة: اللّائين: بمعنى الذين وهو موضع الشاهد. إن قدروا عفوا: هو بمعنى العفو عند المقدرة. وإن أتربوا جادوا: إن اغتنوا كانوا كرماء. وإن تربوا عفّوا: إن افتقروا كانوا ذوي عفة، وفسره بعضهم عفوا بمعنى أعطوا وهو خطأ (الدرر: 1/ 57 محقق التذييل والتكميل). والشاعر يفتخر هو وقومه بالحلم والكرم والعفة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 194) وفي التذييل والتكميل (3/ 36) وفي معجم الشواهد (ص 235). (¬2) البيت من بحر الوافر نسب في مراجعه إلى شاعر من هذيل ولم أجده في ديوان الهذليين. والشاعر يتمدح بقوم ويصفهم بالمروءة حيث فكوا غله وأطلقوه وكان أسيرا عند بعض الناس بالموضع المذكور. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 89) وفي شرح التسهيل (1/ 194) وفي التذييل والتكميل (3/ 37). (¬3) ما بين القوسين ساقط من نسخة (ب). (¬4) التذييل والتكميل: (3/ 37). (¬5) شرح التسهيل: (1/ 195). (¬6) البيتان من الرجز المشطور رواهما صاحب اللسان عن اللحياني (مادة لوى: 5/ 4109). اللغة: عكار: بكسر أوله وفتح ثانيه جمع مفرده عكرة محركة وهي القطعة من الإبل. اللّوا: بفتحتين مقصورا بمعنى اللاتي وهو الشاهد. الصّرار: مثل كتاب ما يشد على جزع الناقة لئلا يرضعها ولدها. والشاعر يفتخر بأن لديه نوقا حسانا من أجود أنواع النوق. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها قول الآخر: 350 - وكانت من اللّا لا يعيّرها ابنها ... إذا ما الغلام الأحمق الأمّ عيّرا (¬1) ومنه قول الآخر: 351 - فدومي على العهد الّذي كان بيننا ... أم أنت من اللّا ما لهنّ عهود؟ (¬2) وأما اللاءات فالمعروف فيها البناء على الكسر. وقد أنشد المصنف على إعراب اللاءات كما ذكر قول الشاعر: 352 - أولئك إخواني الّذين عرفتهم ... وأخدانك اللّاءات زيّنّ بالكتم (¬3) - ¬

_ - والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 195) وللمرادي (1/ 191) ولأبي حيان (3/ 38) وهو في معجم الشواهد (ص 481). (¬1) البيت من بحر الطويل قاله الكميت بن زيد الأسدي انظر كتاب: شعر الكميت بن زيد (1/ 221). والبيت في مدح أم بأن أبنها يبرها ويحسن إليها. والرواية في الديوان يغيرها بالغين المعجمة في المضارع والماضي. قال صاحب اللسان: تقول هن اللائي واللاء واللا فعلن ذلك، وشاهد اللائي بلا همز وبلا ياء وبلا مرّ قول الكميت: وأنشد بيت الشاهد وأنشد بعده أيضا البيت الآتي وهو قوله: فدومي على العهد .. إلخ. (اللسان: مادة لوى ولتا). والبيت في شرح التسهيل (1/ 195) وفي التذييل والتكميل (3/ 38) وفي معجم الشواهد (ص 140). ترجمة الكميت: هو الكميت بن زيد من بني أسد شاعر إسلامي ويكنى بشاعر آل البيت لأنه مدحهم كثيرا. ولد بالكوفة سنة (60 هـ) كان فارسا شجاعا وكان خطيبا لبني أسد فقيها للشيعة وكان معلما أصم لا يسمع شيئا. انحاز إلى أهل البيت كثيرا ومدحهم بقصائد كبيرة تسمى الهاشميات ترجمت إلى الألمانية كما كانت بينه وبين الطرماح مودة مع تباعد في الرأي والدين والتقى بالفرزدق وكان شديد التكلف في شعره كثير السرقة، وله ديوان شعر مطبوع وكتبت في سيرته بعض الكتب توفي عام (126 هـ) الأعلام (6/ 92)، الشعر والشعراء (2/ 585). (¬2) البيت من بحر الطويل رواه صاحب اللسان بلا نسبة (مادة: لوى) وصاحب الأمالي الشجرية (3/ 61) تحقيق الدكتور الطناحي. وكذلك صاحب معجم الشواهد (ص 103) وكذلك هو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 195) إلا أنه في التذييل والتكميل منسوبا إلى الكميت بن زيد (3/ 38). ولم أجده في ديوانه. والشاعر يأمر فتاته بأن تترك طبائع بني جنسها وتفي له وتعترف بفضله وهو يطلب مستحيلا كما قال، وشاهده كالذي قبله. (¬3) البيت من بحر الطويل لم ينسب في مراجعه وهو في الوصف. اللغة: إخوان: جمع أخ وهو في النسب أولا ثم كان في غيره. أخدان: جمع خدن وهو من يخادنك -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد شاهدا على مجيء الألى بمعنى اللاتي قول الشاعر: 353 - فأمّا الأولى يسكن غور تهامة ... فكلّ فتاة تترك الحجل أقصما (¬1) وقد جاء بمعنى الذين وبمعنى اللاتي في بيت واحد مشهور وهو: 354 - وتبلي الألى يستلئمون على الألى ... تراهنّ يوم الرّوع كالحدإ القبل (¬2) وأشار المصنف بقوله: وقد ترادف الّتي واللّاتي ذات وذوات مضمومتين مطلقا إلى ما ذكره في الشرح وهو أنه قال (¬3): «روى الفراء عن بعض فصحاء العرب - ¬

_ - في كل أمر ظاهر وباطن. اللّاءات: جمع التي وقد روي بكسر آخره مبنيّا وبضمه معربا وهو موضع الشاهد. الكتم: مصدر كتم السر يكتمه من باب نصر. والشاعر يصف أصدقاءه وأصدقاء صاحبه بخير. والشاهد في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 192). ولأبي حيان: (3/ 38). وللمرادي: (1/ 191). وهو في معجم الشواهد (ص 326). (¬1) البيت من بحر الطويل وهو في لسان العرب (مادة فصم) منسوب لعمارة بن راشد وقد وجدته في ديوان حميد بن ثور منسوبا إليه في الحاشية (ص 21) وهو إضافة لقصيدته الطويلة التي مطلعها: سل الرّبع أنّى يمّمت أمّ سالم ... وهل عادة للربع أن يتكلّما اللغة: الأولى: بمعنى اللات وهو موضع الشاهد. غور تهامة: الأماكن البعيدة منها. الحجل: القيد والمراد به هنا الخلخال. أفصما: الفصم بالفاء الكسر من غير إبانة وبالقاف الكسر مع الإبانة ومعناه هنا مكسور من امتلاء ساقها. والشاعر يمدح هؤلاء النساء اللاتي يسكن في تهامة ويلبسن الخلاخيل في كعوبهن. والبيت في معجم الشواهد (ص 332) وفي التذييل والتكميل: (3/ 40). (¬2) البيت من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي من بحر الطويل وهي في شرح أشعار الهذليين (1/ 88) مطلعها: ألا زعمت أسماء ألّا أحبّها ... فقلت بلى لولا ينازعني شغلي اللغة: تبلي: من الإبلاء أي تصيب وروي مكانه تفنى بالفاء والضمير يعود على الخطوب في بيت سابق وهو: فتلك خطوب قد تملّت شبابنا ... قديما فتبلينا الخطوب وما تبلي يستلئمون: يلبسون اللّأمة وهي الدرع. يوم الروع: يوم الحرب. الحدأ: جمع حدأة كعتبة، طائر معروف. القبل: بضم فسكون جمع قبلاء وهي التي في عينها قبل بالتحريك وهو الحول. والمعنى: أن المنية وحوادث الدهر تفني الناس جميعا حتى هؤلاء الدارعين والمقاتلين فوق الخيول القوية التي تشبه الحدأ في سرعتها وخفتها. وشاهده: استعمال الألى مرة لجمع الذي ومرة لجمع التي. والبيت في معجم الشواهد (ص 300) وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 193) ولأبي حيان (3/ 40) وللمرادي: (1/ 191). (¬3) شرح التسهيل (1/ 195) وانظر فيما رواه الفراء: الهمع (1/ 84) وحاشية الصبان (1/ 158).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالفضل ذو فضلكم الله به، والكرامة ذات أكرمكم الله به. أراد التي أكرمكم الله بها فحذف الألف وحرك الباء بحركة الهاء، وأنشد في ذوات بمعنى اللاتي: 355 - جمعتها من أينق موارق ... ذوات ينهضن بغير سائق (¬1) أراد اللاتي ينهضن. وتاء ذات وذوات مضمومة أبدا. انتهى (¬2). وذكر الشيخ بهاء الدين بن النحاس: أنّ استعمال ذات وذوات هذا الاستعمال هو لغة طيئ (¬3). ولم يتعرض المصنف إلى تثنية ذات المذكورة وقد تعرض إليها غيره وذكر ذلك صاحب المقرب فقال (¬4): «وذات في لغة طيئ وتثنيتها وجمعها عند بعضهم فتقول في تثنية ذات: ذواتا في الرّفع وذواتي في النّصب والخفض وفي جمعها: ذوات بضمّ التاء في الأحوال كلّها. أنشد الفرّاء ...» ثمّ ذكر البيت المتقدم الإنشاد. ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز المشطور وهما مفردان في ملحقات ديوان رؤبة (ص 180) من الديوان «الملحقة رقم: 70». اللغة: أينق: جمع ناقة وفي الجمع قلب مكاني وإعلال مشهوران. موارق: جمع مارقة من مرق السهم إذا نفذ وأسرع. ذوات: جمع ذات بمعنى اللاتي مبنى على الضم وهو موضع الشاهد. ينهضن: يسرعن ويقمن. بغير سائق: أي بغير حاد ودافع لها. والشاعر: يصف إبله بأنها عظيمات تخيرها من عظيمات قويات تمشي دون حاد لها لخفتها. والشاهد في شرح التسهيل (1/ 196) وفي التذييل والتكميل (3/ 41) وفي معجم الشواهد (ص 509). (¬2) شرح التسهيل (1/ 196). (¬3) هذا الذي نسبه الشارح إلى ابن النحاس وهو أن استعمال ذات وذوات أسماء موصولة مبنية على الضم هو لغة طيئ مشهور لا يحتاج إلى نسبة. أما الذي نسبه أبو حيان إلى بهاء الدين بن النحاس فهو: أنه حكى إعراب ذوات الموصولة إعراب ذوات بمعنى صاحب، فترفع بالضمة وتجر وتنصب بالكسرة. قال عنه: وهذا غريب والأفصح في ذات ألا تثنى ولا تجمع بل تكون ذات للمؤنثة المفردة ومثناها ومجموعها وأن تبنى على الضم حال الرفع والنصب والجر (التذييل والتكميل: 3/ 41) وقال السيوطي في الهمع (1/ 83): وذوات بالبناء على الضم في لغة طيئ وبالإعراب كجمع المؤنث السالم في لغة حكاها ابن النحاس. (¬4) نصه في المقرب هكذا: وتقول في تثنية ذو الطّائية: ذوا في الرّفع وذوي في النّصب والخفض، وتقول في تثنية ذات الطّائيّة ذواتا في الرفع وذواتي في النّصب والخفض وفي جمعها ذوات بضمّ التّاء في الأحوال كلّها. أنشد الفراء: جمعتها من أينق موارق ... ذوات ينهضن بغير سائق المقرب (1/ 57، 58) (مطبعة العاني ببغداد).

[الموصولات المشتركة ومعناها]

[الموصولات المشتركة ومعناها] [1/ 223] قال ابن مالك: (وبمعنى الّذي وفروعه: من، وما، وذا، غير ملغى ولا مشار به بعد استفهام بما أو من، وذو الطّائيّة مبنية غالبا وأيّ مضافا إلى معرفة لفظا أو نية، ولا يلزم استقبال عامله ولا تقديمه خلافا للكوفيّين، وقد يؤنّث بالتاء موافقا للتي. وبمعنى الّذي وفروعه: الألف واللّام خلافا للمازني ومن وافقه في حرفيّتها، وتوصل بصفة محضة، وقد توصل بمضارع اختيارا ومبتدأ وخبر أو ظرف اضطرارا). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن الموصولات التي هي نصوص في مدلولاتها شرع في ذكر الموصولات المشتركة وهي ست كلمات: من - وما - وذا - وذو - وأيّ - والألف واللام. ولا شك أن فروع الذي: اللذان والذين والتي واللتان واللاتي. - فمن وما وما ذكر بعدهما: صالح لمواقعها كلها كقولك في من لمن قال: مررت برجلين وبرجال وبامرأة وبنسوة: عرفت من مررت بهما ومن مررت بهم ومن مررت بها ومن مررت بهن. وكقولك في ما لمن قال: اشتريت كتابا وثوبين وعمامة وملاحف: عرفت ما اشتريته وما اشتريتهما، وما اشتريتها، وما اشتريتهن. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ذا: فكقولك ماذا عملت أخير أم شر؟ وماذا أنفقت درهمين أم دينارين؟ وماذا صليت أنافلة أم فريضة؟ ومن ذا خطبت أهندا أم دعدا؟ التقدير ما الذي وما اللذان وما التي ومن التي. وكذا إذا قلت: من ذا جاءك أو جاءاك أو جاؤوك أي من الذي ومن اللذان ومن الذين. والشرط في استعمال ذا موصولة: أن تقع بعد ما الاستفهامية أو من أختها، وألا تكون ملغاة، ولا يقصد بها الإشارة. أما إذا قصد بها الإشارة فأمرها واضح وهو أن يقال: ماذا فما استفهام مبتدأ وذا اسم إشارة خبر والاستفهام عنه. وكذا إذا قلت من ذا. وهذا كلام تام. ولك أن تنعته وتقول ماذا الكتاب ومن ذا الرجل. وأما الإلغاء: فالمراد به أن ذا تلغى فتجعل مع ما مبتدأ واحدا فيصيران معا اسم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استفهام. وحينئذ قال المصنف (¬1): «يحكم للموضع بما يستحقه أيّ الاستفهامية لو وقعت فيه ويظهر أثر ذلك في الجواب والتّفصيل يعني البدل التّفصيلي». فالجواب كقولك: خيرا، لمن قال: ماذا صنعت، والتّفصيل كقولك: أخيرا أم شرّا. فلو جعل ذا بمعنى الذي لكان الرفع أولى في الحالين كما قال الشّاعر: 356 - ألا تسألان المرء ماذا يحاول ... أنحب فيقضي أم ضلال وباطل (¬2) وعلى هذا تحمل قراءة أبي عمرو: قل العفو (¬3) بالرفع وقراءة غيره بالنصب محمولة على الوجه الآخر. وإنما كان الرفع في الجواب والتفصيل على الوجه الأول أولى؛ لأن ما في موضع رفع وكان النصب فيهما أولى على الوجه الثاني؛ لأن ما في موضع نصب فهذه ثلاثة معان لقولك ماذا (¬4). - ¬

_ (¬1) أي في شرح التسهيل: (1/ 196). (¬2) البيت مطلع قصيدة للبيد بن ربيعة يرثي فيها النعمان بن المنذر. والقصيدة بتمامها في الديوان (ص 131). ولبيد يذكر الإنسان بأن يزهد في الحياة فإنه لا بد ميت، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يتكالب على الدنيا ويجري وراء المال. الشاهد فيه قوله: ماذا يحاول؛ حيث يجوز أن تكون ماذا مبتدأ وذا فيه اسم موصول، وجملة يحاول صلة له، وقوله: أنحب بدلا من ذا الموصولة. وقال آخرون: إن ما مبتدأ وذا زائدة وجملة يحاول هي الخبر والرابط محذوف. وهل يجوز تركيب ها مع ذا ويجعلان اسما منصوبا بالفعل بعده؟ لا مانع في غير هذا البيت فيجوز أن تقول: ماذا تقرأ والمقدم مفعول، أما هنا فرفع البدل دل على أن المبدل منه مرفوع حتما وهو ماذا، كما يجوز جعل ماذا مبتدأ وخبرا وتجعل ذا إشارية والجملة بعدها حال. كما يجوز إلغاء البدل المفرد وتجعل ماذا مركبة مفعولا به ليحاول ونحب خبر مبتدأ محذوف والجملة هي البدل. والبيت في معجم الشواهد (ص 283). وفي شرح التسهيل (1/ 197). والتذييل والتكميل (3/ 44). (¬3) سورة البقرة: 219 وانظر القراءة في الحجة لابن خالويه (ص 96) يقول: «من رفع العفو جعل ذا منفصلة من ما فيكون بمعنى الّذي فكأنه قال: ما الّذي ينفقون فقال: الّذي ينفقون العفو فيرفعه بخبر الابتداء لأنّه جعل الجواب من حيث سألوا». «والحجّة لمن نصب: أنّه جعل ماذا كلمة واحدة ونصب العفو بقوله: ينفقون كأنه قال: ينفقون العفو». (¬4) الأول: أن تكون ذا اسما موصولا، الثاني: أن تكون اسم إشارة، الثالث: أن تركب مع ما وتجعل كلمة واحدة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر المصنف وغيره معنيين آخرين: فقال: وقد تكون ماذا في غير الاستفهام والإشارة اسما واحدا بمعنى الذي أو بمعنى شيء يعني إما أن يجعلا معا اسما موصولا أو نكرة موصوفة كقول الشاعر: 357 - دعي ماذا علمت سأتّقيه ... ولكن بالمغيّب ذكّريني (¬1) [1/ 224] أي دعي الذي علمت أو دعي شيئا علمت. وقد أنكر الفارسي كونها في هذا البيت موصولا قال: لأنا لم نجد في الموصولات ما هو مركب ووجدنا في الأجناس ما هو مركب (¬2). قال المصنف (¬3): وعندي أنّ جعل ماذا في البيت بمعنى الّذي أولى من جعله بمعنى شيء قال: «ومثل هذا البيت في احتمال ماذا فيه معنى شيء ومعنى الّذي في غير استفهام قول جرير: 358 - فلله ماذا هيّجت من صبابة ... على هالك يهذي بهند ولا يدري (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر نسب في مراجعه للمثقب العبدي قال صاحب الدرر: (1/ 60) إن هذه النسبة غير صحيحة. ونسب إلى غيره أيضا وهو سحيم بن وثيل الرياحي وهو في سيبويه بلا نسبة قال صاحب شواهد النحو العربي (الشاهد رقم: 3067): وقد وجدت بعد طول بحث هذا الشاهد منسوبا لمزرد بن ضرار في ديوانه (ص 68). ومعنى البيت: يقول لزوجته: لا تنصحيني بالذي خبرته وعرفته ولكن انصحي بالغائب والخافي إن كنت تعرفينه. وشاهده واضح من الشرح. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 409) برواية ينبئني مكان ذكريني وهو في التذييل والتكميل: (3/ 46) وفي شرح التسهيل: (1/ 197). (¬2) الذي قاله أبو علي في البغداديات ص 214 في هذا البيت هو قوله: «وأقول في هذا البيت: إنه لا يخلو من أن تكون ما وذا فيه اسما واحدا، أو يكون ذا بمنزلة الّذي وما أيضا بمنزلة الذي، أو أن تكون ما استفهاما وذا بمنزلة الّذي أو يكون ذا لغوا وما بمنزلة الّذي». ثم أبطل الوجوه الأخيرة كلها وأقرّ الوجه الأوّل: وهو أن ما وذا بمنزلة اسم واحد، يقول: «فصار دعي ماذا علمت بمنزلة شيئا علمت، فموضع ماذا نصب بـ «دعي»، وإذا لم يجز أن تكون ذا بمنزلة الذي لما قدّمناه ولا ما، ثبت أن قوله «علمت» صفة لماذا إذا جعلا بمنزلة اسم واحد نكرة تقديره: دعي شيئا علمت، فموضع علمت نصب». (¬3) شرح التسهيل: (1/ 197). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو لجرير بن عطية من قصيدة طويلة يهجو فيها ويفتخر بدأها بالغزل وهي في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ها هنا ثلاثة أمور: الأول: أنهم ذكروا في وقوع ذا الموصولة بعد من الاستفهامية خلافا لا يعتد به (¬1) والدليل على صحة ذلك قول أعشى ميمون (¬2): 359 - وغريبة تأتي الملوك كريمة ... قد قلتها ليقال من ذا قالها (¬3) وقول أمية بن أبي عائد الهذلي (¬4): - ¬

_ - ديوان جرير (ص 212). اللغة: هيّجت: بعثت وأتت - الصّبابة: الرقة والشوق. يهذي: من باب ضرب يضرب والمصدر هذيا تكلم بغير معقول لمرض أو غيره. ويستشهد بالبيت هنا على احتمال ماذا أن تكون بمعنى النكرة وأن تكون اسما موصولا في غير الاستفهام. والبيت في شرح التسهيل (1/ 197) وفي التذييل والتكميل (3/ 48) وفي شرح المرادي (1/ 194) وليس في معجم الشواهد. (¬1) قال أبو حيان: «لا نعلم خلافا في جعل ذا موصولة بعد ما الاستفهامية. وأما بعد من ففيه خلاف وأكثر أصحابنا أجازوا ذلك، ومن النحويين من لا يجيز ذلك». قال: «وفي البسيط لا تكون ذا موصولة مع من لأن من تخص من يفعل فليس فيها إبهام كما في ما، وإنما صارت بالرد إلى الاستفهام في غاية الإبهام، فأخرجت ذا من التخصيص وجذبتها إلى معناها ولا كذلك من لتخصيصها» (التذييل والتكميل: 3/ 43). (¬2) هو الملقب بالأعشى الكبير واسمه ميمون بن قيس سبقت ترجمته وهناك أعشى همدان واسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن الحارث ترجمته في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان، وهناك أعشى بني ربيعة المتوفى سنة (92 هـ) وترجمته (ص 238) في المرجع المذكور. وهناك أعشى تغلب وترجمته في المرجع السابق أيضا. (¬3) البيت من قصيدة للأعشى يمدح بها قيس بن معدي كرب وهي من أجود المدح وتبدأ بالغزل على عادة الشعراء الجاهليين. وبيت الشاهد في الفخر بنفسه وبشعره وبما يفعله مع ممدوحيه من الملوك وقبله قائلا عن حبيبته. حفظ النّهار وبات عنها غافلا ... فخلت لصاحب لذّة وخلا لها وسبيئة ممّا تعتق بابل ... كدم الذّبيح سلبتها جريالها السبيئة: هي الخمر المشتراة والجريال: صبغ أحمر استعير للون الخمر ويقصد بالغريبة في بيت الشاهد: القصيدة الشعرية لأنها تتغرب على ألسنة رواتها. ويستشهد بالبيت على موصولية ذا مقترنة بمن الاستفهامية. والبيت في معجم الشواهد (ص 273) وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 198) ولأبي حيان (3/ 43) وللمرادي (1/ 195). (¬4) هو أمية بن أبي عائد الهذلي شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية وقد مدح عبد الملك بن مروان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 360 - ألا إن قلبي لدى الظّاعنين ... حزين فمن ذا يعزّي الحزينا (¬1) وقول ابن أبي كاهل (¬2): 361 - ويحسب أنّ النّائبات تركنه ... ومن ذا الّذي عرّينه فهو وافر (¬3) غير أنه قد يمنع الاستدلال بهذا البيت لاستصعاب دخول موصول على موصول إلا أن يجعل الثاني توكيدا لفظيّا أو خبر مبتدأ. الأمر الثاني: قد تقدم أن ذا تلغى فتركب مع ما وتصير الكلمتان واحدة أي تفيد معنى واحدا ولم يستدل على ذلك إلا بنصب الجواب أو البدل، ولا شك أن هذا الدليل ليس بقاطع لما عرفت من أن المطابقة ليست بواجبة. وقد استدل على التركيب بثلاثة أشياء: أحدها: قول العرب: عن ماذا تسأل بإثبات ألف ما لكونها توسطت ولا يصح - ¬

_ - ووفد إلى مصر فمدح عبد العزيز بن مروان ووفد إلى مصر فمدح عبد العزيز بن مروان وطال مقامه بمصر وكان عبد العزيز يأنس به وحين اشتاق أمية إلى أهله بالبادية أذن له ووصله وبيت الشاهد من مديح عبد العزيز بن مروان. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 671)، خزانة الأدب (2/ 154). (¬1) البيت من بحر المتقارب من قصيدة لأمية بن أبي عائد الهذلي يمدح بها عبد العزيز بن مروان والي مصر وبعده: وسار بمدحة عبد العزيز ... ركبان مكّة والمنجدونا وقد ذهبوا كلّ أوب بها ... فكلّ أناس بها معجبونا انظر ذلك في خزانة الأدب (1/ 154). والبيت أيضا في ديوان أمية بن أبي الصلت (ص 63) منسوبا له وليس قبله أو بعده آخر. وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 199) وفي التذييل والتكميل (3/ 43) وفي معجم الشواهد (ص 390). (¬2) هو سويد بن أبي كاهل سبقت ترجمته. (¬3) البيت من بحر الطويل قاله سويد بن أبي كاهل اليشكري كما في الشرح. اللغة: النّائبات: مصائب الدهر. عرّينه: غفلن عنه. فهو وافر: يقال وفره عرضه ووفره له لم يشتمه. والمعنى لم تصبه حوادث الدهر. ومعنى البيت: ينصح الشاعر صاحبه أن يتنبه ولا يشمت بأحد فإن الحوادث تصيب كل الناس ولا يسلم منها مخلوق. وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل لأبي حيان: (3/ 45) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موصولية ذا لأن حرف الجر لا يدخل على الجملة. الثاني: قول الشاعر: 362 - يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم ... لا يستفقن إلى الدّيرين تحنانا (¬1) فلا يصح في ذا أن تكون موصولة لأن العرب لا تقول إلا: ما بالك، ولا تقول ما الذي بالك. الثالث: قول الآخر: 363 - وأبلغ أبا سعد إذا ما لقيته ... نذيرا وماذا ينفعنّ نذير (¬2) لأنه لو كانت ذا بمعنى الذي لم يؤكد الفعل بعدها بالنون؛ لأنه موجب وإذا لم يجعل بمعنى الذي كان الاستفهام مستوليا على الفعل بعدها فيسوغ توكيده. قال المصنف (¬3): «ويترجّح تركيبه إذا كان بعد ماذا الّذي كقول ابن الدّمينة (¬4): - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة لجرير بن عطية يهجو فيها الأخطل وبيت الشاهد آخر أبياتها وليس بعده إلا بيت واحد. وانظر ديوان جرير (ص 494). اللغة: خزر: جمع أخزر والخزر بفتحتين ضيق في العين، أو ضعف في النظر، أو حول في أحدى العينين. تغلب: قبيلة الأخطل. لا يستفقن: من الإفاقة وهي اليقظة. الديرين: مثنى دير وهو خان النصارى. وجرير يهجو قبيلة الأخطل رجالا ونساء: فيقول عن الرجال: إنهم ضعاف الأبصار، ورمى النساء بالغفلة وضعف الدين عندهن. وشاهده قوله: ماذا بال نسوتكم: حيث أن ماذا كلها هنا اسم استفهام ويجوز إلغاء ذا وجعل ما استفهاما وحدها. والبيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص 381) وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 198) ولأبي حيان (3/ 45) وللمرادي (1/ 193). (¬2) البيت من بحر الطويل غير معروف قائله. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 198)، والتذييل والتكميل (3/ 45). وليس في معجم الشواهد. (¬3) شرح التسهيل (1/ 221). (¬4) هو عبد الله بن عبيد الله بن الدمينة الخثعمي من بني عامر بن تيم الله منسوب إلى أمه الدمينة. قتل رجلا شبب بامرأته فقتله أحد أقربائه ثأرا. قال بروكلمان: لا علم لنا بشيء من تاريخه في حياته. ومن هنا قيل إنه كان معاصرا لبني أمية وقيل: كان معاصرا لهارون الرشيد وكان من شعرائه. له ديوان شعر مطبوع وأشعار متفرقة في كتب الأدب وهو شاعر رقيق في الغزل والتشبيب. انظر ترجمته في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان (1/ 199، 249) - ديوان الحماسة (3/ 1223).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 364 - فماذا الّذي يشفي من الحبّ بعد ما ... تشرّبه بطن الفؤاد وظاهره (¬1) قال: «قد يجعل ذا في هذا البيت بمعنى الّذي والّذي بعدها توكيدا أو خبر مبتدأ مضمر كقول معاوية رضي الله عنه (¬2): 365 - إن الّذين الأولى أدخلتهم نفر ... لولا بوادر إرعاد وإبراق (¬3) الأمر الثالث: قالوا لا يجوز عند البصريين أن يستعمل اسم إشارة إلا ذا، وزعم الكوفيون أن أسماء الإشارة كلها يجوز أن تستعمل موصولات [1/ 225]، وجعلوا من ذلك قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (¬4) فتلك عندهم موصولة وبيمينك صلة كأنه قيل: وما التي بيمينك يا موسى. ومما تمسكوا به قول الشاعر: 366 - عدس ما لعبّاد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة لابن الدمينة في الغزل الرقيق مطلعها: ألا حبّ بالبيت الّذي أنت هاجره ... وأنت بتلماح من الطّرف زائره فإنّك من بيت لعيني معجب ... وأحسن في عيني من البيت عامره انظر القصيدة في ديوان ابن الدمينة (ص 184) والأمالي لأبي علي (1/ 108). وقبل بيت الشاهد قوله: وقد كان قلبي في حجاب يكنّه ... وحبّك من دون الحجاب يسانده وشاهده قوله: فماذا الذي حيث يجوز أن تكون ذا بمعنى الذي ويجوز أن تركب مع ما ويجعلان كلمة واحدة وعلى الأول تكون الذي توكيدا ولكن التركيب أفضل. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 198) ولأبي حيان (3/ 45) وللمرادي (1/ 194) وليس في معجم الشواهد. (¬2) هو معاوية بن أبي سفيان عظيم من عظماء العرب وخليفة المسلمين بعد علي بن أبي طالب مشهور ولد سنة 20 قبل الهجرة وتوفي سنة (60 هـ) انظر ترجمته مفصلة في الأعلام (8/ 172). (¬3) البيت من بحر البسيط قاله معاوية بن أبي سفيان كما في مراجعه ولم أعثر على قصيدته. وشاهده قوله: إن الذين الأولى حيث جمع القائل بين موصولين وهو مرجوح وخرجوه على أن الثاني توكيد أو خبر مبتدأ محذوف. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 198)، وفي التذييل والتكميل: (3/ 46). وليس في معجم الشواهد. (¬4) سورةطه: 17. (¬5) البيت من مقطوعة ليزيد بن ربيعة بن مفرع الحميري قالها بعد أن أطلق من الحبس وكان الذي حبسه عباد بن زياد والي يزيد حين هجا أباه زيادا وفي آخرها يقول: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنّه قال: والذي تحملين. وقد أجيب عن ذلك: بأن بيمينك في موضع نصب على الحال وكذا تحملين وطليق خبر اسم الإشارة (¬1). - وأما ذو: فاستعمالها بمعنى الذي وفروعه لغة طيئ، قال حاتم (¬2): 367 - ومن حسد يجور عليّ قومي ... وأيّ الدّهر ذو لم يحسدوني (¬3) أراد: أي الدهر الذي لم يحسدوني فيه. ويتميز بعضها من بعض بالعائد أو بما هي له كقول الشاعر: - ¬

_ - لعمري لقد أنجاك من هوّة الرّدى ... إمام وحبل للأنام وثيق سأشكر ما أوليت من حسن نعمة ... ومثلي بشكر المنعمين خليق والبيت يستدل به الكوفيون على أن أسماء الإشارة تستعمل موصولة وقد خرج البيت على ما في الشرح. والشاهد في التذييل والتكميل (1/ 620) وفي معجم الشواهد (ص 546). ترجمة يزيد بن مفرغ الحميري: هو أبو عثمان يزيد بن زياد بن ربيعة الملقب بمفرغ الحميري من أهل الحجاز واستقر بالبصرة وكان هجاء مقذعا وهو القائل: العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الملامة. هجا عباد بن زياد أخا عبيد الله فأراد الأخير أن يقتله ولكن معاوية منعه وقال له: أدبه فسجنه عبيد الله ثم سقاه مسهلا وأركبه حمارا وطاف به بالبصرة حتى اتسخ ثوبه من المسهل وهو القائل في عبيد الله: يغسل الماء ما صنعت وشعري ... راسخ منك في العظام البوالي سكن الكوفة إلى أن مات سنة (69 هـ) ترجمته في الأعلام (9/ 235)، الأغاني (ص 1897). (¬1) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (1/ 717) وما بعدها المسألة رقم (103) بعنوان: هل تأتي أسماء الإشارة أسماء موصولة. قال أبو البركات الأنباري: «ذهب الكوفيّون إلى أنّ هذا وما أشبهه من أسماء الإشارة يكون بمعنى الّذي والأسماء الموصولة نحو: هذا قال ذاك زيد أي الّذي قال ذاك زيد. وذهب البصريّون إلى أنه لا يكون بمعنى الذي وكذلك سائر أسماء الإشارة لا تكون بمعنى الأسماء الموصولة ... إلخ ثم احتج لكل من الفريقين وأبطل رأي الكوفيين». (¬2) هو حاتم بن عبد الله بن سعد الطائي، سبقت ترجمته. (¬3) البيت من بحر الوافر نسبته مراجعه إلى حاتم الطائي وقد بحثت عنه في ديوانه فلم أجده. وهو يحدثنا في الشاهد عن خلقه العالي ومن خلقه أن قومه يجورون عليه ويحسدونه وهو يعفو عنهم. ويستشهد النحاة بهذا البيت على موصولية ذو عند طيئ كما يستشهدون به في موضع آخر من هذا الباب. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 199، 206)، وللمرادي: (1/ 207، 209). ولأبي حيان: (1/ 78، 82) وهو في معجم الشواهد (ص 407).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 368 - فإنّ الماء ماء أبي وجدّي ... وبئري ذو حفرت وذو طويت (¬1) أي التي حفرت والتي طويت. وبناؤها هو المشهور، وبعضهم يعربها بالحروف كما تعرب ذو بمعنى صاحب لشبهها بها لفظا. ويروى بالإعراب والبناء قول الشاعر: 369 - فإمّا كرام موسرون عرفتهم ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا (¬2) حكى ابن درستويه (¬3) أن من طيئ من يقول: «جاءني ذو يقوم، ورأيت ذا يقوم، ومررت بذي يقوم» وحكاه غيره أيضا، وعن هذا احترز في الكتاب بقوله - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر من مقطوعة قصيرة لسنان بن الفحل في شرح ديوان الحماسة (1/ 590) قالها يخاطب بها عبد الرحمن بن الضحاك والي المدينة في شأن بئر وقع فيها نزاع بين قومه وبين جماعة من العرب فيقول: وقالوا قد جننت فقلت كلّا ... وربّي ما جننت ولا انتشيت ولكني ظلمت فكدت أبكي ... من الظّلم المبيّن أو بكيت فإنّ الماء ماء أبي وجدّي ... ...... إلخ ويستشهد بالبيت على موصولية ذو عند طيئ، وهي هنا خبر عن البئر، والبئر مؤنث غير عاقل، وعليه فإن ذو الموصولية عند طيئ تستعمل بلفظ واحد في كل معانيها ويتميز معناها بالعائد أو بما هي له. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 199) ولأبي حيان: (3/ 53) وهو في معجم الشواهد (ص 70). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو لمنظور بن سحيم الفقعسي الكوفي الإسلامي، انظر ترجمته وأبياتا له مع هذا الشاهد في معجم الشعراء (ص 182) وكذلك ديوان شرح الحماسة: (3/ 1158) والمقطوعة التي منها الشاهد قوله: ولست بهاج في القرى أهل منزل ... على زادهم أبكي وأبكي البواكيا فإما كرام موسرون ... ... ... إلخ وإمّا كرام معسرون عذرتهم ... وإمّا لئام فادّخرت حيائيا وعرضي أبقي ما ادّخرت ذخيرة ... وبطني أطويه كطيّ ردائيا وشاهده كالذي قبله إلا أن هذا البيت روي بالوجهين. والبيت في شرح التسهيل (1/ 199) وفي التذييل والتكميل (3/ 52) وهو في معجم الشواهد (ص 424). ومثله قول الآخر: فقولا لهذا المرء ذو جاء ساعيا ... هلمّ فإنّ المشرقيّ الغرائض (¬3) هو أبو محمد عبد الله بن جعفر بن المرزبان سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غالبا بعد قوله مبنية. قال المصنف (¬1): «ومنهم - أي من طيئ - من يقول: رأيت ذات فعلت وذوات فعلن، بمعنى الّتي فعلت واللّاتي فعلن». قال: «وقد تقدّم التنبيه على ذلك، وأطلق ابن عصفور القول بتثنيتهما وجمعهما، وأظن حامله على ذلك قولهم: ذات وذوات بمعنى التي واللاتي فأضربت عنه لذلك». انتهى. والذي ذكره ابن عصفور ذكره الأزهري (¬2) وابن السراج. وذكر ابن السراج: أن تثنية ذو وجمعها لا يجوز فيهما إلا الإعراب (¬3)، وعلى ذلك مشى ابن عصفور في المقرب (¬4). وكل هذا إنما جاز في ذو الطائية تشبيها لها بذو التي بمعنى صاحب والشبه بها إنما هو لفظي لا معنوي. - وأما أيّ: فقد خالف في موصوليتها ثعلب وزعم أنها لا تكون إلا استفهاما أو جزاء، والجمهور على خلافه لثبوت ذلك عند العرب (¬5) قال: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 199). (¬2) هو أبو منصور محمد بن أحمد صاحب الكتاب الكبير في اللغة المسمى بتهذيب اللغة. سبقت ترجمته، يقول في هذا الموضوع من كتابه السابق: (15/ 44) في ذو التي بمعنى الذي: «إنّهم يخلطون في الاثنين والجمع، ونقل عن الفرّاء أنّ منهم من يثنى ويجمع ويؤنث وأنشد: جمعتها من أينق موارق ... ذوات ينهضن بغير سائق ثم قال: «ولا تكون في الرّفع والنّصب والجرّ إلا على لفظ واحد، وليست بالصّفة الّتي تعرب نحو قولك: مررت برجل ذي مال، وهو ذو مال، ورأيت رجلا ذا مال». (¬3) لم يتعرض ابن السراج إلى إعراب ذو التي بمعنى الذي عند طيئ وإنما كل ما ذكره أن ذو بمعنى صاحب وأخواتها يوصف بها النكرة، وذو بمعنى الذي عند طيئ يوصف بها المعرفة (الأصول لابن السراج (2/ 25، 26) تحقيق عبد الحسين الفتلي (بغداد)). (¬4) انظر (ص 57) من المقرب (الجزء الأول) يقول ابن عصفور: وتقول في تثنية ذو الطّائية ذوا في الرّفع وذوي في النّصب والخفض، وتقول في تثنية ذات الطّائية ذواتا في الرّفع وذواتي في النّصب والخفض. (¬5) التذييل والتكميل (1/ 624)، الهمع (1/ 84).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 370 - إذا ما أتيت بني مالك ... فسلّم على أيّهم أفضل (¬1) وقال آخر: 371 - أباهل لو أنّ الرجال تبايعوا ... على أيّنا شرّ قبيلا وألأم (¬2) وقال آخر: 372 - فادنوا إلى حقّكم يأخذه أيّكم ... شئتم وإلّا فإيّاكم وإيّانا (¬3) وقال آخر: 373 - أمّا النّساء فأهوى أيّهن أرى ... للحبّ أهلا فلا أنفكّ مشغوفا (¬4) وعلى ذلك قوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ (¬5). قال سيبويه (¬6): «وحدّثنا هارون (¬7) أن ناسا وهم الكوفيّون يقرؤون: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المتقارب قاله غسان بن وعلة أحد الشعراء المخضرمين بن بني مرة ابن عباد (الإنصاف (2/ 715) مطبعة السعادة - المكتبة التجارية محمد محيي الدين عبد الحميد) وهو في مدح فضلاء قوم. ويستشهد به على موصولية أي واستعمالها بمعنى الذي بإضافتها إلى معرفها وهي في البيت مبنية على الضم، كما روي بجر أي على الإعراب أيضا، وسيأتي هذا البيت مرة أخرى وشرح هذا الموضع بالتفصيل. والبيت في معجم الشواهد (ص 299) وهو في شرح التسهيل: (1/ 208) وفي التذييل والتكميل: (1/ 33)، (3/ 55، 92). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق من قصيدة له في هجاء باهلة وروايته كما في الديوان (3/ 773) مطبعة الصاوي: أباهل لو أنّ الأنام تنافروا ... على أيّهم شرّ قديما وألأم والبيت شاهده كالذي قبله. وهو في التذييل والتكميل (3/ 55) وليس في معجم الشواهد. (¬3) البيت من بحر البسيط غير منسوب فيما ورد من مراجع. وشاهده كالذي قبله وهو استعمال أي موصولة. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 200) وفي التذييل والتكميل: (3/ 55) وليس في معجم الشواهد. (¬4) البيت من بحر البسيط لم يرد في معجم الشواهد ولم ينسب فيما ورد من مراجع غيره. ومعناه واضح وشاهده كالذي قبله. وهو في شرح التسهيل: (1/ 200) وفي التذييل والتكميل: (3/ 55). (¬5) سورةمريم: 69. (¬6) نصه في الكتاب: (2/ 399). (¬7) هو هارون بن موسى بن شريك التغلبي أبو عبد الله شيخ القراء بدمشق وكان يعرف بالأخفش -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا. وهي لغة للعرب جيدة نصبوها كما جرّوها حين قالوا «امرر على أيّهم أفضل» [1/ 226] فأجرى هؤلاء مجرى الّذي إذا قلت: اضرب الّذي أفضل» انتهى (¬1). واعلم أن أيّا من الكلمات التي تلازم الإضافة موصولة كانت أو غير موصولة، وسيذكر أحكام غير الموصولة مستوفاة في فصل مفرد من فصول هذا الباب (¬2) وهو الآن يذكر أحكام الموصولة لأن الكلام فيها وقد ذكر لها أربعة أحكام: أحدها: إضافتها لفظا كقولك: أقصد أيهم هو أكرم أو نية كقولك سل منهم أيّا تلقاه ولم تكن الإضافة مختصة بالموصولة، بل أقسام أي كلها مشتركة في لزوم الإضافة فلم يذكر الإضافة لخصوصها، بل إنما ذكرها لكون المضاف إليه يلزم كونه معرفة إذا كانت أي موصولة بخلاف بقية الأقسام. وقال الشيخ تابعا لابن عصفور: «وقد يضاف إلى النّكرة فيقال أي رجل عندك وأيّ رجال عندك وأيّ امرأة وأي امرأتين» انتهى (¬3). ويحتاج إثبات ذلك إلى دليل. ثم إن المصنف إنما مثل بالإضافة إلى الضمير. وقال الشيخ: «إذا قلت يعجبني أي الرجال عندك يتبين بإضافة أي إلى الرجال - ¬

_ - الدمشقي وذلك لصغر عينيه مع ضعف بصره، كان عارفا بالتفسير والنحو والمعاني والبيان والغريب والقراءات السبع، وقد صنف كتابا في القراءات، وعنه اشتهرت قراءة أهل الشام توفي سنة (292 هـ)، وكان قد ولد سنة (201 هـ) (غاية النهاية (2/ 347) الأعلام: 9/ 45). (¬1) اقرأ المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف: (2/ 709) يقول أبو البركات الأنباري: «ذهب الكوفيون إلى أن أيهم إذا كان بمعنى الذي وحذف العائد من الصلة معرب نحو قولهم لأضربن أيهم أفضل، وذهب البصريون إلى أنه مبني على الضم وأجمعوا على أنه إذا ذكر العائد فهو معرب نحو قولهم: لأضربن أيهم هو أفضل، وذهب الخليل بن أحمد إلى أن أيهم مرفوع بالابتداء وأفضل خبرة ويجعل أيهم استفهاما ويحمله على الحكاية بعد قول مقدر، وذهب يونس إلى مثل ما ذهب إليه الخليل، إلا أنه يجعل الفعل المذكور هو العامل إلا أنه معلق عن العمل ... إلخ ثم يرجح رأي البصريين ويرد على الثلاثة الأخرى». (¬2) انظر ما سبق: فصل: وتقع أي شرطية واستفهامية وصفة لنكرة مذكورة غالبا وحالا لمعرفة، ويلزمها في هذين الوجهين الإضافة لفظا ومعنى إلى ما يماثل الموصوف ... إلخ. (¬3) التذييل والتكميل: (3/ 56). وكلام ابن عصفور في شرحه على الجمل (3/ 47) في باب مواضع أي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو إلى ضميرهم أنّ الذي أعجبك مذكر عاقل، ويحتمل أنّ يكون مفردا أو مثنى أو مجموعا. وكذلك يعجبني أي النساء عندك أو أيهنّ عندك فتبين أنّ أعجبك مؤنّث عاقل» (¬1). ثانيها وثالثها: استقبال العامل فيها أي كونه مستقبلا، وتقديمه عليها لازم على قول غير لازم على قول. ونسب المصنف القول بلزوم الأمرين إلى الكوفيين (¬2) وهذا مستفاد من قوله: ولا يلزم استقبال عامله ولا تقديمه خلافا للكوفيين كأنهم يلتزمون ذلك. وقال في الشرح (¬3): «ولا يلزم استقبال عامله ولا تقديمه كما لا يلزم مع غيره وقال الكوفيون بلزوم ذلك ولا حجة لهم إلا كون ما ورد على وفق ما قالوا كقوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ ... (¬4) الآية ونحو قول الشاعر: 374 - فادنوا إلى حقكم يأخذه أيّكم ... البيت انتهى. أما لزوم استقبال العامل: فقد ذكروا أنه صحيح، ولهذا قال الشيخ (¬5) مشيرا إلى كلام المصنف: «وهذا الذي اختاره ليس مذهب الجمهور، بل الجمهور ذهبوا إلى أن أيّا إذا كانت موصولة لم يعمل فيها الفعل الماضي لا يجوز أن يقال: أعجبني أيهم قام. قالوا: وسبب ذلك أنها وضعت على الإبهام والعموم، فإذا قلت: يعجبني أيهم يقوم فكأنك قلت: يعجبني الشخص الذي يقع منه القيام كائنا من كان، فلو جعلت معمولة للفعل الماضي أخرجها ذلك عما وضعت له من العموم، ألا ترى أنك إذا قلت أعجبني أيهم خرج لم يقع إلا على الشخص الذي خرج. وسئل الكسائي في حلقة يونس: هل يجوز أعجبني أيهم قام فمنع من ذلك فسئل عن العلة المقتضية لذلك فقال: أيّ هكذا خلقت (¬6). - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 56). (¬2) بحثت عن هذه المسألة في الإنصاف فلم أجدها وما ذكر في مسألة أي هو إعرابها أو بناؤها. (¬3) أي في شرح التسهيل (1/ 199، 200). (¬4) سورةمريم: 69. (¬5) هو أبو حيان في التذييل والتكميل (3/ 56). (¬6) المرجع السابق (3/ 57) وحاشية الصبان على الأشموني (1/ 167).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: فلم يلح له الوجه الذي لأجله امتنع ذلك، والمنقول عن الأخفش أنه يجوز فيها أن تكون معمولة للفعل الماضي إلا أن ذلك قليل» (¬1). وأما لزوم تقديمه: فيظهر من كلام غير المصنف (¬2) أن التقديم لازم، أعني تقديم العامل، ويؤيد ذلك قول المصنف: إن الوارد إنما ورد مقدما فيه العامل، [1/ 227] ولكن الشيخ وافق المصنف في هذا الحكم على ما اختاره من القول بعدم لزوم التقديم فإنه قال (¬3): «أيّ الموصولة كغيرها من الأسماء يعمل فيها العامل متقدما ومتأخّرا نحو أحبّ أيّهم قرأ وأيّهم قرأ أحبّ». رابعها: أنها إذا أريد بها التي فقد تؤنث بالتاء وإلى ذلك الإشارة بقوله: وقد تؤنّث بالتّاء موافقا للّتي أي حال كونه موافقا للتي. قال المصنف: «وتقول في أيّ قاصدا معنى الّتي: عليك من النّساء بأيّهن يرضيك وبأيّتهنّ ترضيك. قال الشاعر: 375 - أما النّساء فأهوى أيّهن أرى ... للحب أهلا فلا أنفكّ مشغوفا (¬4) وقال آخر: 376 - إذا اشتبه الرّشد بالحادثا ... ت فارض بأيّتها قد قدر (¬5) انتهى (¬6). والذين ذكروا أن أيّا الموصولة قد تؤنث بالتاء ذكروا أيضا أنها قد تثنى وتجمع وأن - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 57). (¬2) في نسخة (ب): من كلام المصنف. وما أثبتناه من الأصل وهو الأصح. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 57). (¬4) البيت سبق الحديث عنه قريبا والاستشهاد به. أما شاهده هنا فهو استعمال أيّ مرادا به المؤنث دون إلحاق تاء التأنيث به. (¬5) البيت من بحر المتقارب لم تنص مراجعه على قائله. وفيه دعوة إلى الإيمان بقضاء الله. ويستشهد به على أن بعض العرب يؤنث أيّا إذا قصد به مؤنث وهو ضعيف كما ذكره الشارح. والبيت في معجم الشواهد (ص 133) وفي شرح التسهيل (1/ 200) وفي التذييل والتكميل (3/ 58) شرح التسهيل (1/ 200). (¬6) شرح التسهيل (1/ 200).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لغة من أنّث؛ فحاصله أنه يلحق أيّا الموصولة علامات الفرعية وهي علامات التأنيث وعلامة التثنية والجمع. وقد صرح ابن عصفور بذلك في المقرب (¬1) وعلى الجملة هي لغة ضعيفة وكأنها لضعفها ذكر المصنف ما وجد له شاهدا وترك ما لم يجد شاهده (¬2). - وأما الألف واللام: فإن المصنف أطال فيها الكلام فأنا أورد كلامه ثم أتبعه بما ذكره غيره. قال المصنف (¬3): «ومن المستعمل بمعنى الذي وفروعه: الألف واللام نحو رأيت الحسن وجهه والحسن وجهها والكريم أبوهما والكريم أبوهم والكريم أبوهن. وزعم المازني أنها للتعريف (¬4) وأن الضمائر عائدة على موصوفات محذوفة وهذا ضعيف لوجهين: أحدهما: أن ذلك لو جاز مع الألف واللام المعرفة لجاز مع التنكير إذ لا فرق بين تقدير الموصوف منكرا وتقديره معرفا، بل كان ذلك مع التنكير أولى؛ لأن حذف المنكر أكثر من حذف المعرف. الثاني: أن الألف واللام لو كانت المعرفة لكان لحاقها اسم الفاعل قادحا في صحة عمله مع كونه بمعنى الحال والاستقبال. والأمر بخلاف ذلك: فإن لحاق الألف واللام به يوجب صحة عمله وإن كان ماضي المعنى فعلم من ذلك أن الألف واللام غير المعرفة وأنها موصولة بالصفة؛ لأن الصفة بذلك يجب تأولها بفعل ليكون في حكم الجملة المصرح بجزأيها ولأجل هذا - ¬

_ (¬1) انظر (ص 59) من الكتاب المذكور (الجزء الأول) (مطبعة العاني ببغداد). قال وهو يشرح الأسماء الموصولة: «وكذلك أي؛ إلا أن بعضهم إذا أراد التأنيث قال: أية، وإذا أراد التثنية قال: أيّان في المذكرين والمؤنثين، وإذا أراد الجمع قال: أيّون في المذكرين وأيّات فيما عدا ذلك». (¬2) الأمر كما ذكره ابن مالك وناظر الجيش: بحثت عن شاهد لأي مثنى أو جمعا في معجم لسان العرب وهو الجامع لكثير من الشواهد فلم أجد (لسان العرب: 1/ 182 مادة أيا). (¬3) شرح التسهيل (1/ 200). (¬4) في شرح التسهيل: أن الألف واللام للتعريف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التأويل وجب العمل مطلقا وحسن أن يعطف على اسم الفاعل الموصول به فعل صريح كقوله تعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (¬1). إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (¬2). ثم قال بعد ذلك كلام (¬3): قال الشلوبين الدليل على أن الألف واللام حرف: قولك: جاء القائم؛ فلو كانت اسما لكانت فاعلا واستحق قائم البناء، لأنه على هذا التقدير مهمل؛ لأنه صلة والصلة لا يتسلط عليها عامل الموصول. والجواب أن يقال: قد قام الدليل على أنها غير المعرفة بدخولها على الفعل كما سيأتي: وتصحيحها عمل اسم الفاعل ذي المضي فلم يبق إلا كونها اسما موصولا؛ [1/ 228] إذ لا ثالث. والجواب عن شبهة الشلوبين: أن يقال: مقتضى الدليل أن يظهر عمل عامل الموصول في آخر الصلة؛ لأن نسبتها منه نسبة عجز المركب منه لكن منع من ذلك كون الصلة جملة والجمل لا تتأثر بالعوامل. فلما كانت صلة الألف واللام في اللفظ غير جملة جيء بها على مقتضى الدليل» انتهى (¬4). وهذا الذي استدل به الشلوبين على أن أل حرف هو الذي استدل به المازني على الحرفية، وقد عرفت جوابه. ثم اعلم أن الذي ذكره المصنف في هذه المسألة، أعني كون أل حرف تعريف - نقله المغاربة عن الأخفش (¬5). قالوا: فأل في نحو الضارب عنده كأل في نحو الغلام، قالوا: وأورد عليه أنه يلزم من قوله جواز تقديم المنصوب باسم الفاعل على أل نحو هذا زيدا الضّارب. فأجاب بأن اسم الفاعل بطل عمله بدخول أل عليه كما يبطل إذا صغر أو وصف؛ لأنها من خواص الاسم كما أنهما من خواصه، وأن المنتصب بعده إنما هو منصوب على التشبيه بالمفعول، والمنصوب على التشبيه بالمفعول به لا يجوز تقديمه على الوصف. ¬

_ (¬1) سورة العاديات 3، 4. (¬2) سورة الحديد: 18. (¬3) شرح التسهيل (1/ 203). (¬4) شرح التسهيل (1/ 203). (¬5) همع الهوامع (1/ 84).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورد ذلك: بأن المنصوب على التشبيه لا بد أن يكون سببا ولا يكون إلا نكرة أو معرفا بأل أو مضافا إلى شيء خاص معلوم في بابه وزيد في هذا الضارب زيدا ليس سببيّا ولا شيئا من الثلاثة التي ذكرت. ونقل عن المازني أنه يقول بأنها حرف موصول: قال الشيخ (¬1): «والّذي حكاه المصنّف عن المازنيّ هو الّذي حكي أنّه مذهب الأخفش. والمحكيّ عن المازنيّ أن أل موصول حرفيّ قال: والجمع بين الحكايتين أنّ أل معرّفة في مذهب الأخفش ومذهب المازنيّ. إلا أنّ مذهب المازني هي عنده موصول حرفي، وعند الأخفش هي معرّفة وليست موصولة، فقد اشترك المذهبان في التّعريف واختصّ مذهب المازني بالوصل» انتهى (¬2). ولم يظهر لي فائدة من هذه التفرقة، أعني فائدة معنوية؛ غايته أنه ذكر تفرقة في العبارة والتفرقة في العبارة معلومة من حكاية المذهبين أولا. وقد أبطل قول من يقول إنه حرف موصول: بأنه لم يوجد في كلامهم حرف موصول إلا وهو مع ما بعده بمنزلة المصدر فدل على أنه اسم. وإذا تقرر هذا وثبت أن أل اسم موصول فاعلم (¬3) أنها توصل بصفة محضة كما ذكر في الكتاب. قال المصنف (¬4): «وعنيت بالصّفة المحضة أسماء الفاعلين وأسماء المفعولين والصّفات المشبّهة بأسماء الفاعلين». قال الشيخ (¬5) «واحترز بالمحضة مما يوصف به وليس بصفة كالأسد فإنّ أل فيه معرّفة وليست موصولة بأسد وإن كان يوصف به». ومثّله غير الشيخ بما غلبت عليه الاسمية من الصفات كأبطح وأجرع (¬6) ووالد وصاحب ولا بعد أن يكون التمثيل بذلك أقرب إلى المراد مما مثل به الشيخ. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 64). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 64). (¬3) في نسخة (ب): فالحكم أنهه توصل ... إلخ. (¬4) شرح التسهيل (3/ 65). (¬5) التذييل والتكميل (3/ 65). (¬6) الأبطح والبطحاء: مسيل واسع فيه دقاق الحصى. والأجرع: الرملة الطيبة المنبت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال وصل أل بفعل مضارع: قول الشاعر: 377 - ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرّأي والجدل (¬1) [1/ 229] وقول الآخر: 378 - يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا ... إلى ربّها صوت الحمار اليجدّع (¬2) وقول الآخر: 379 - ما كاليروح ويغدو لا هيا فرحا ... مشمّرا يستديم الحزم ذا رشد (¬3) وقول الآخر: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط نسب للفرزدق وليس في ديوانه، قال فيه الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (شرح الأشموني: 1/ 188): هذا بيت للفرزدق قاله يهجو به رجلا من بني عذرة كان قد دخل على عبد الملك بن مروان وعنده جرير والأخطل والفرزدق والأعرابي لا يعرفهم. وبقية القصة أنه مدح جريرا وهجا الأخطل والفرزدق فهجاه الفرزدق بهذا البيت وغيره. وقبله: يا أرغم الله أنفا أنت حامله ... يا ذا الخنى ومقال الزّور والخطل اللغة: الخنا: الفحش. الخطل: المنطق الفاسد. الحكم: الحاكم. الجدل: شدة الخصومة. وشاهده واضح وهو وصل أل بالفعل المضارع. والبيت في معجم الشواهد (ص 313)، وكذلك في شرح التسهيل (1/ 201) وفي التذييل والتكميل (3/ 66). (¬2) البيت من بحر الطويل قائله ذو الخرق الطهي دينار بن هلال شاعر جاهلي وهو من مقطوعة عدتها سبعة أبيات قالها في الهجاء (انظر الأبيات وشرحها وترجمة الشاعر في خزانة الأدب: 1/ 14). اللغة: الخنا: الفحش. اليجدع: المقطوع أذنه. والشاعر يرمي صاحبه بالفحش ونفرة الصوت وهو مأخوذ من قوله تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19] وشاهده كالذي قبله. والبيت في معجم الشواهد (ص 217) وفي شرح التسهيل (1/ 201) وفي التذييل والتكميل (3/ 66). (¬3) البيت من بحر البسيط قائله لم تنص عليه مراجعه. اللغة: اليروح: الذي يروح وهو موضع الشاهد؛ حيث دخلت أل على الفعل المضارع لمشابهته الوصف الذي تختص به وهو شاذ قبيح كما قال النحاة وهو عند ابن مالك قليل. المعنى: يمدح الشاعر العمل الجاد ويدعو إليه مبيّنا أنه لا يتساوى مع الكسل والخمول. والبيت يروى بنصب مشمرا وذا رشد على الحالية كما يروى برفعهما على الخبرية لمبتدأ محذوف. والبيت في شرح التسهيل (1/ 201) وفي التذييل والتكميل (3/ 66) وفي معجم الشواهد (ص 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 380 - ليس اليرى للخلّ دون الّذي يرى ... له الخلّ أهلا أن يعدّ خليلا (¬1) قال المصنف (¬2): واستدل ابن برهان (¬3) على موصولية الألف واللام بدخولها على الفعل واستدلاله قوي؛ لأن حرف التعريف في اختصاصه بالاسم كحرف التنفيس في اختصاصه بالفعل، فكما لا يدخل حرف التنفيس على اسم لا يدخل حرف التعريف على فعل، فوجب اعتقاد كون الألف واللام في الترضى واليجدّع واليروح والتي أسماء بمعنى الذي، لا حرف تعريف. ثم قال المصنف (¬4): «وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة لممكن قائل الأول من أن يقول: المرضيّ حكومته، وقائل الثاني من أن يقول: صوت حمار يجدّع، والثالث من أن يقول: ما من يروح، والرابع من أن يقول: وما من يرى للخلّ. فإذا لم يفعلوا ذلك مع استطاعته ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار، وأيضا فمقتضى النظر وصل الألف واللام إذ هي من الموصولات الاسمية بما يوصل به أخواتها من الجمل الاسمية والفعلية والظروف فمنعوها ذلك حملا على المعرفة؛ لأنها مثلها في اللفظ وجعلوا صلتها بما هو جملة في المعنى ومفرد في اللفظ صالح لدخول المعرفة عليه وهو اسم الفاعل وشبهه في الصفات. ثم كان في التزام ذلك فيه إيهام أن الألف واللام فيه معرفة لا اسم موصول فقصدوا التنصيص على مغايرة المعرفة فأدخلوها على الفعل المشابه لاسم الفاعل وهو - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل قائله مجهول وهو في النصح. ومعناه: من لا يرى لخليله مثل الذي يرى خليله لا يستحق أن يتخذه أحد خليلا. وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 201) وليس في معجم الشواهد. (¬2) شرح التسهيل (1/ 225). (¬3) بفتح الباء وهو أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر بن إسحاق الأسدي العكبري صاحب صاحب اللغة والنحو والتاريخ وأيام العرب وقيل ذلك كان منجما ويروى أنه كان شرسا في أخلاقه مع تلاميذه ومع ذلك كان يحضر مجالسه أولاد الأغنياء والأمراء لعلمه كما كان زاهدا وتوفي سنة (456 هـ). مصنفاته: اللمع في النحو وهو مخطوط، أصول اللغة، الاختيار في الفقه. ترجمته: في بغية الوعاة: (2/ 120) وفي الأعلام (4/ 326). (¬4) شرح التسهيل (1/ 202).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضارع. فلما كان حاملهم على ذلك هو السبب وفيه إبداء ما يحق إبداؤه وكشف ما لا يصلح خفاؤه - استحق أن يجعل مما يحكم به بالاختبار ولا يخص بالاضطرار ولذلك لم يقل في أشعارهم كما قل الوصل بجملة من مبتدأ وخبر: كقول الشاعر: 381 - من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معدّ (¬1) وبظرف: كما قال الراجز: 382 - من لا يزال شاكرا على المعه ... فهو حر بعيشة ذات سعه (¬2) التقدير: الذين رسول الله منهم وعلى الذين معه». انتهى كلام المصنف (¬3) ولا يخفى حسنه. قال الشيخ: «ولا خلاف أنّ وصل أل بالمضارع لا يختصّ بالشّعر». انتهى (¬4) فيكون وصل أل بالمضارع اضطرارا لا اختيارا. وهذا الذي ذكره مبني على تفسير الضرورة ما هي؟. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر قائله مجهول في مراجعه. والشاعر يمدح رجلا بأنه من قريش أشرف الناس والقبائل، والتي خضع لها كل العرب، وذلك لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منها وكان فيها الإسلام الأول. والشاهد فيه: قوله «الرّسول الله منهم» حيث وصلت أل بالجملة الاسمية ضرورة. وفي البيت يقول أبو حيان: «يريد الذين رسول الله منهم، ومن النّحويّين من جعل أل زائدة في الرّسول لا موصولة. ولا نعلم ورود أل داخلة على الجملة الاسميّة إلّا في هذا البيت». والبيت في معجم الشواهد (ص 122) وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 202) ولأبي حيان (3/ 68) وللمرادي (1/ 203). (¬2) البيتان من الرجز المشطور ولم أعثر على قائلهما في المراجع التي ذكرا فيها. وفيهما دعوة وحث على الاعتراف بنعمة الله والشكر عليها ثم يكون الجزاء. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [سورة الطلاق: 2، 3]. وشاهده: قوله: على المعه حيث وصلت أل بالظرف وهو قبيح. والبيت في التذييل والتكميل (3/ 69) وفي شرح التسهيل (1/ 203) وفي معجم الشواهد (ص 498). (¬3) شرح التسهيل (1/ 203). (¬4) التذييل والتكميل (3/ 65) وبقية الكلام: «وقد ذهب ابن مالك في بعض تصانيفه إلى أنّ وصل أل بالمضارع قليل وهنا أجاز ذلك في الاختيار» ثم أنشد الأبيات السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالجماعة يقولون: ما جاء في الشعر ولم يجئ في الكلام سواء اضطر إليه الشاعر أم لا. وعند المصنف: أن الضرورة هي ما يضطر إليه الشاعر، أما ما لا يضطر إليه فلا ضرورة فيه. والمنقول عن الكوفيين (¬1): أن الأسماء المعرفة بأل كلها يجوز أن تستعمل موصولة. واستدلوا بقول [1/ 230] الشاعر: 383 - لعمري لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه بالأصائل (¬2) فالبيت خبر أنت وأكرم صلة البيت كأنه قال: لأنت الذي أكرم أهله. وخرج البصريون ذلك على حذف صفة وجعل أكرم خيرا ثانيا، والتقدير: لأنت البيت المحبوب عندي أكرم أهله، وفي هذا التخريج نظر. ولو قيل بأن أنت البيت كلام تام لا يفتقر إلى شيء لجاز، وذلك بأن يجعل اللام في البيت لشمول خصائص الجنس كما قالوا في قولهم: أنت الرّجل إذا أرادوا بذلك الرجل الكامل الجامع خصال الرجال المحمودة، فكأنه قيل: أنت البيت إذ لا بيت يشبهه. وأما أكرم أهله فجملة مستأنفة أخبر عن نفسه أنه يكرم أهل هذا البيت لشرفه وعظمته. ¬

_ (¬1) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف (2/ 722) (مطبعة السعادة بالقاهرة) يقول أبو البركات تحت عنوان: «هل يكون للاسم المحلّى بأل صلة كصلة الموصول»: «ذهب الكوفيون إلى أن الاسم الظاهر إذا كانت فيه الألف واللام وصل كما يوصل الذي وذهب البصريون إلى أنه لا يوصل .. إلخ ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين. (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة في الغزل لأبي ذؤيب الهذلي (انظرها في ديوان الهزليين (1/ 141)، وفي خزانة الأدب: 5/ 491) وهي مشروحة هناك بالتفصيل. اللغة: الأفياء: جمع فيء وهو الظل. الأصائل: جمع أصيل وهو العشيّ؛ ويجمع على أصل وأصلان (اللسان: أصل). وأكثر ضبط أكرم على أن تكون مضارعا وأهله مفعوله، وفي النسخ: أفنائه مكان أفيائه. والشاعر يعظم بيت حبيبته وأهلها ويشير إلى ما كان يناله منهم ومع ذلك كان يظل ملازما له جالسا فيه. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 307) وهو في شروح التسهيل للمرادي (1/ 203) وفي التذييل والتكميل (3/ 69).

[حذف عائد الموصول بأنواعه]

[حذف عائد الموصول بأنواعه] قال ابن مالك: (ويجوز حذف عائد غير الألف واللام إن كان متصلا: منصوبا بفعل أو وصف أو مجرورا بإضافة صفة ناصبة له تقديرا، أو بحرف جرّ بمثله معنى ومتعلّقا الموصول أو موصوف به. وقد يحذف منصوب صلة الألف واللّام والمجرور بحرف وإن لم يكمل شرط الحذف. ولا يحذف المرفوع إلا مبتدأ ليس خبره جملة ولا ظرفا بلا شرط آخر عند الكوفيين وعند البصريين بشرط الاستطالة في صلة غير أيّ غالبا وبلا شرط في صلتها). قال ناظر الجيش: لما تقدم أن الموصولات لا بد لها من صلة وعائد بين الصلة بأقسامها وشروطها وكان العائد هو الضمير الذي يربط الصلة بالموصول، منه ما يجوز حذفه ومنه ما لا يجوز حذفه - شرع في الكلام على ذلك. وينبغي أن يعلم أن العائد قد يكون زائدا على جزأي الإسناد الذي اشتملت عليه الصلة وقد يكون أحد جزأي الإسناد. ثم الضمير العائد إما أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا، أي محكوما على وضعه برفع أو بنصب أو بجر وقد قدم المصنف الكلام على المنصوب وثنى بالمجرور وثلث بالمرفوع. ثم لما كان بعض الموصولات لا يجوز حذف عائده وهو الألف واللام أخرجه أولا بقوله: ويجوز حذف عائد غير الألف واللام. فعلم أن الكلام في الحذف إنما هو بالنسبة إلى الموصولات غير ما أخرجه. إذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف ذكر لجواز حذف العائد المنصوب شرطين: أن يكون متصلا وأن يكون الناصب له فعلا أو وصفا - ولجواز (¬1) حذف العائد المجرور بالإضافة شرطا واحدا وهو أن يكون جره بإضافة صفة ناصبة تقديرا. وبالحرف شرطا واحدا (¬2) وهو أن يكون الموصول جر بحرف مثل الحرف الذي جر - ¬

_ (¬1) أي ذكر المصنف لجواز حذف ... إلخ. (¬2) أي ذكر لجواز حذف العائد المجرور بالحرف ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العائد إليه معنى ومتعلقا - ولجواز حذف العائد المرفوع ثلاثة شروط إن كان الموصول غير أي: أن يكون مبتدأ، وأن يكون خبره ليس جملة ولا ظرفا وأن تكون الصلة فيها استطالة [1/ 231] وشرطية إن كان الموصول أيّا وهما ما ذكر غير الاستطالة، هذا عند البصريين. وأما عند الكوفيين فالاستطالة عندهم غير مشترطة فغير أي عندهم يجري مجرى أي عند الجميع، وإذا عرف هذا إجمالا فلنذكره مفصلا: قال المصنف (¬1): قيد العائد الذي يجوز حذفه بكونه لغير الألف واللام لأن عائدهما عند الأكثر لا يحذف؛ لأنه يكمل صلتهما تكميل صلة غيرها ويميزهما من المعرفتين ويبدي من التأنيث والتثنية والجمع ما لا يبديانه، وقيد بالنصب احترازا من غير المنصوب فإن فيه تفصيلا يأتي ذكره. وقيد المنصوب بالاتصال احترازا من المنفصل فإنه لا يجوز حذفه إذ لو حذف لجهل كونه منفصلا. واشترط في المتصل انتصابه بفعل أو وصف احترازا من نصبه بغيرهما نحو: رأيت الذي كأنه أسد فإن حذفه لا يجوز. ومثال المتصل الجائز الحذف لنصبه بفعل قوله تعالى: وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ (¬2) ومنه قول الشاعر: 384 - كأنّك لم تسبق من الدّهر ساعة ... إذا أنت أدركت الّذي كنت تطلب (¬3) ومثله قول الآخر: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل: (1/ 204). (¬2) سورة البقرة: 41. (¬3) البيت من بحر الطويل من مقطوعة سبق الحديث عنها وعن قائلها في هذا التحقيق. وقبل بيت الشاهد قوله: فلا تأخذوا عقلا من القوم إنّني ... أرى العار يبقى والمعاقل تذهب والشاعر يرغب في الحرب والقتال ويزهد في أخذ الدية معللا أن من أدرك ما طلب من الثأر فكأنه لم يصب .. وقس على طلب الثأر في الشر طلب المجد وغيره. والشاهد فيه: حذف الضمير العائد المنصوب بالفعل أي الذي تطلبه. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل: (1/ 204) وفي التذييل والتكميل: (3/ 72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 385 - وحاجة دون أخرى قد سنحت بها ... جعلتها للّذي أخفيت عفوانا (¬1) ومما جاء بوجهين يعني بالإثبات والحذف قوله تعالى: وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ (¬2) وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ (¬3). ومثال المتصل الجائز الحذف لنصبه بوصف قول الشاعر: 386 - ما الله موليك فضل فاحمدنه به ... فما لدى غيره نفع ولا ضرر (¬4) وقول الآخر: 387 - وليس من الرّاجي يخيب بماجد ... إذا عجزه لم يستبن بدليل (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط قاله سوار بن المضرب وهو في الفخر وبعده: إنّي كأنّي أرى من لا حياة له ... ولا أمانة بين النّاس عريانا اللغة: سنحت بها: عرضت لها، والبيت روي كذلك. عنوانا: وزنه فعوال من: عنّ لي الشيء إذا اعترض ويجوز أن يكون فعلانا من عناه كذا. والمعنى: يفتخر الشاعر بذكائه وحسن تأتيه للأمور وأخذه الأمر بالحيلة وأنه حيي أمين. وشاهده كما في البيت قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 204) وفي التذييل والتكميل (3/ 73)، وفي لسان العرب (سنح - عنن) ومعجم الشواهد (ص 381). (¬2) سورةيس: 35. وهذا مثال إثبات العائد، ومثال حذفه قوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران: 30]. (¬3) سورة الزخرف: 71. وهذا مثال إثبات العائد، ومثال حذفه قوله تعالى: وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ [فصلت: 31]. (¬4) البيت من بحر البسيط ورد في عدة مراجع ومع ذلك لم ينسب فيها وهو في الوعظ. والمعنى: إذا منحك الله نعمة فاشكره عليها فإن ذلك فضل منه وليس بواجب عليه، واعلم أنه هو الذي ينفع ويضر وغيره لا يملك شيئا. وشاهده: واضح وهو حذف العائد المنصوب بالوصف وأصله: الذي موليكه الله فضل فما فيه مبتدأ وفضل خبر وجملة موليكه الله صلة ما. والبيت في معجم الشواهد (ص 163) وفي شرح التسهيل (1/ 205) وفي التذييل والتكميل (3/ 73). (¬5) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه، وهو في المدح حيث يمدح الشاعر رجلا من الكرام وأن من يرجوه لا يخيب إلا إذا ظهر عجز الممدوح. وشاهده كالذي قبله وأصله الراجيه، كل ما هنالك أن الهاء في موليكه اتفق على أنها في محل نصب، أما في الراجيه فقد اختلف فيها: قال المبرد والرماني: الضمير في موضع خفض وقال الأخفش وهشام: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدير الأول: موليكه، وتقدير الثاني: من الراجيه. قال الشيخ: «وأغفل المصنف شرطين في جواز حذف الضمير المنصوب بالفعل: أحدهما: أن يكون الضمير يتعين الربط به نحو: جاءني الذي ضربته. فإن لم يتعين الربط لم يجز حذفه نحو: جاءني الذي ضربته في داره لا يجوز أن تقول: جاءني الذي ضربت في داره؛ لأنه لا يدري أهو المضروب أم غيره. الثاني: أن يكون الفعل تامّا فإن كان ناقصا لم يجز حذف الضمير المنصوب. تقول: جاءني الذي ليسه زيد ولا يجوز ليس زيد». انتهى (¬1). وهذان الشرطان اللذان استدركهما على المصنف ذكرهما أبو الحسن ابن عصفور وعبر عن اشتراط الأول بأن لا يكون في الصلة ضمير آخر عائد على الموصول (¬2) وتعبير الشيخ بقوله: «أن يتعيّن الضّمير للرّبط» أولى من تعبير ابن عصفور بألا يكون في الصلة ضمير آخر عائد على الموصول. فإن حذف الضمير المنصوب في مثل: جاءني الذي ضربته لسوء أدبه لا يمنع. وعبارة ابن عصفور تقتضي بظاهرها منعه بخلاف ما عبر به الشيخ. ثم أقول: لا استدراك على المصنف في هذين الشرطين: أما الأول: فلا شك أن قاعدة كلية وهي أن شرط الحذف في كل باب [1/ 232] أن يدل دليل على المحذوف ثم في بعض المواضع قد يحتاج الحذف إلى قيود غير ذلك فتذكر. وأنت إذا ادعيت أن ثم ضميرا حذف في نحو: جاءني الذي ضربت في داره قيل لك: ليس في الكلام ما يدل على ما أردت؛ لأن الربط قد حصل بالضمير المجرور فالقائل يقول: في مثل: جاءني الذي ضربت في داره لم يكن ثم ضمير وحذف إذ لو حذف لم يكن دليل على حذفه. وأفاد هذا الكلام أن الضرب وقع في داره ولا يلزم أن يكون الجائي هو المضروب - ¬

_ - في محل نصب، وهو رأي سيبويه (شرح الأشموني: 2/ 246). والبيت في شرح التسهيل (1/ 205)، وفي التذييل والتكميل: (3/ 73)، وليس في معجم الشواهد. (¬1) التذييل والتكميل: (3/ 73). (¬2) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 128) بتحقيق الشغار ويعقوب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قال: جاء الذي ضربته في داره أفاد مع ذلك أنه هو المضروب، ولم يكن هذا التركيب أصلا لذلك التركيب لما عرفت فامتناع الحذف هذا ليس له موجب إلا عدم الدلالة على الحذف وهذا بخلاف قولنا: جاء الذي إياه ضربته، حيث قلنا إنه يمتنع حذفه، فإن الحذف لو حصل لكان معنا دليل يدل على أن العائد محذوف إذ تقدير العائد من ضرورة صحة الكلام ولكن لا دلالة على كونه منفصلا. وقد يكون الإتيان به منفصلا مطلوبا لغرض لا يفيده إلّا الانفصال فمن ثم لزم القول بامتناع حذفه. وأما الثاني (¬1): فلأن حذف أخبار الأفعال الناقصة قد علم امتناعه في مكانه والشيء إذا كان معلوم الحكم في باب وذكر لنا حكم مناقض في باب آخر يمكن أن يشمل المذكور في ذلك الباب وجب ألا ينسحب عليه الحكم المذكور لئلا يلزم التناقض، فإذا قيل في باب كان: إن المنصوب بها وبأخواتها لا يحذف (¬2) ثم يقال في باب آخر: إن المنصوب بالفعل يجوز حذفه مثلا وجب أن يحمل ذلك على غير باب كان لما قلناه وهذا ظاهر. ثم اعلم أنهم ذكروا هنا مسألة (¬3): وهي أن هذا الضمير المنصوب إذا حذف بشرطه ففي توكيده والنسق عليه خلاف كقولك: جاء الذي ضربت نفسه وجاء الذي ضربت وعمرا فأجاز ذلك الأخفش والكسائي ومنعه ابن السراج (¬4) وجماعة واختلف النقل عن الفراء في ذلك - ¬

_ (¬1) أي الشرط الثاني من الشرطين اللذين استدركهما أبو حيان على المصنف. (¬2) قال ابن مالك في باب كان: «إن سبب تسميتها نواقص إنما هو عدم اكتفائها بمرفوع وإنما لم تكتف بمرفوع لأن حدثها مقصود إسناده إلى النسبة التي بين معموليها، فمعنى قولك: كان زيد عالما وجد اتصاف زيد بالعلم والاقتصار على المرفوع غير واف بذلك فلهذا لم يستغن عن الخبر، وكان الفعل جديرا بأن ينسب إلى النقصان» (شرح التسهيل لابن مالك). (¬3) انظر هذه المسألة بأعلامها في التذييل والتكميل (3/ 74) والهمع (1/ 91). وحاشية الصبان على الأشموني (1/ 171). (¬4) لم أجد لابن السراج حديثا عن العائد المنصوب ووجدته يقول في العائد المرفوع: «تقول: الّذي هو وعبد الله ضرباني أخوك، فإن حذفت هو من هذه المسألة لم يجز. لا تقول: الذي وعبد الله ضرباني أخوك ثم قال: والفرّاء يجيز الّذي نفسه محسن أخوك تريد هو نفسه محسن أخوك يؤكّد المضمر». (الأصول لابن السراج: 2/ 285).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واتفقوا على جواز مجيء الحال من الراجع المحذوف إذا كانت مؤخرة عنه في التقدير، واختلفوا إذا كانت في التقدير مقدمة عليه فأجازها ثعلب ومنعها هشام (¬1). - ومثال المجرور بإضافة صفة ناصبة تقديرا قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ (¬2) فهذا مثال الإثبات، ومثال الحذف قوله تعالى: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ (¬3). ومنه قول الشاعر: 388 - لعمرك ما تدري الضّوارب بالحصى ... ولا زاجرات الطّير ما الله صانع (¬4) وقول الآخر: 389 - سأغسل عني العار بالسّيف جالبا ... عليّ قضاء الله ما كان جالبا (¬5) وقول الآخر: - ¬

_ (¬1) معناه أنك إذا قلت: جاء الذي ضربت راكبا جاز باتفاق وصاحب الحال العائد المحذوف في قولك ضربت وأصله ضربته، أما إذا قلت: جاء راكبا الذي ضربت وصاحب الحال الضمير المحذوف أيضا فقيل بالجواز وقيل بالمنع. (¬2) سورة الأحزاب: 37. (¬3) سورةطه: 72. (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة للبيد بن ربيعة العامري يرثي بها أخاه أربد ومطلعها كما في الديوان (ص 90): بلينا وما تبلى النجوم الطّوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع والبيت يدعو إلى إبطال عادات قبيحة عند العرب في الجاهلية وهي الضرب بالحصى وزجر الطير ليعرف الإنسان خيره وشره ويبين أن الله وحده هو الذي يعرف ذلك. وشاهده قوله: ما الله صانع حيث حذف العائد المجرور بإضافة الصفة إليه وحقه لو ذكر أن يقال: ما الله صانعه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 205) وفي التذييل والتكميل (3/ 75) وليس في معجم الشواهد. (¬5) البيت من بحر الطويل قائله سعد بن ناشب وهو مطلع قصيدة له في الشعر والشعراء (2/ 700) وفي الحماسة (1/ 67) وبعده: وأذهل عن داري وأجعل هدمها ... لعرضي من باقي المذمّة جانبا ويصغر في عيني تلاوى إذا انثنت ... يميني بإدراك الّذي كنت طالبا والشاعر يفتخر بالقوة والشجاعة وأن طريقه إلى قضاء حاجته هو السيف حتى لو أداه ذلك إلى الموت. وشاهده قوله: ما كان جالبا حيث حذف العائد المجرور بالإضافة وأصله ما كان جالبه. والبيت في معجم الشواهد (ص 28) وهو في التذييل والتكميل (3/ 75) أما ابن مالك فقد جعل الشاهد البيت الذي أوله: ويصغر في عيني تلادي .. إلخ. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 390 - ستبدي لك الأيّام ما كنت جاهلا ... [ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد] (¬1) - ومثال المجرور بحرف جر مثله الموصول أو موصوف به: مررت بالذي مررت به أو بالرجل الذي مررت به فهذا مثال الإثبات. - ومثال الحذف قوله تعالى: وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (¬2) ومنه قول الشاعر: 391 - نصلّي للّذي صلّت قريش ... ونعبده وإن جحد العموم (¬3) [1/ 233] أي للذي صلت له. - وكذا لو كان أحد المتعلقين فعلا والآخر صفة بمعناه كقول القائل: 392 - وقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذي أنت بائح (¬4) - ¬

_ - ترجمة الشاعر: هو سعد بن ناشب من بني العنبر كان أبوه ناشب أعور وكان من شياطين العرب وكذلك كان سعد ابنه. انظر بعض أخباره في الشعر والشعراء (1/ 700). (¬1) البيت من بحر الطويل وهو لطرفة بن العبد من معلقته الطويلة المشهورة التي مطلعها (ديوان طرفة ص 86): لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد ومعنى الشاهد: ستظهر لك الأيام كل شيء فلا تتعجل ولا تلهث وراء أي خبر فسيأتيك كل ما تبحث عنه. وشاهده كالذي قبله أي كنت جاهله. والبيت في شرح التسهيل للمرادي: (1/ 205) ولأبي حيان (3/ 76) وهو في معجم الشواهد (ص 112). (¬2) سورة المؤمنون: 33. (¬3) البيت من بحر الوافر لم ينسب في مراجعه. اللغة: جحد العموم: أنكر الجميع فضله واستحقاقه للعبادة. المعنى: يقول الشاعر: إنهم يطيعون الله ويقومون بواجبهم ولا يبالون بعد ذلك بمن غطى الله على بصره وأعمى قلبه. والشاهد فيه: قوله نصلي للذي صلت قريش حيث حذف العائد المجرور بمثل ما جربه الموصول لفظا ومعنى، والتقدير نصلي للذي صلت له قريش. والبيت في شرح التسهيل (1/ 205) وفي التذييل والتكميل (3/ 77) وفي معجم الشواهد (ص 353). (¬4) البيت من بحر الطويل ثالث بيت من قصيدة لعنترة بن شداد في ديوانه (ص 211) ورواية البيت في الديوان كالآتي: تغرّبت عن ذكرى سميّة حقبة ... فبح عنك منها بالّذي أنت بائح اللغة: الحقبة: المدة من الزمن. لان: معناها الآن. البائح: المفصح عما في قلبه. وشاهده: حذف العائد المجرور بحرف جر بمثله الموصول والتقدير: فبح بالذي أنت بائح به. والبيت في شرح التسهيل (1/ 206) وفي التذييل والتكميل (3/ 78) وفي معجم الشواهد (ص 84).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهذه أمثلة انجرار الموصول بمثل الحرف الذي جر به العائد في المعنى والمتعلق. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما انجرار الموصوف بالموصول بمثل ذلك فكقول الشاعر: 393 - إن تعن نفسك بالأمر الّذي عنيت ... نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا (¬1) أي الذي عنيت به. واعلم أن ابن عصفور ذكر أن من الصور التي يجوز فيها حذف العائد المجرور بحرف: «أن يكون مثل ذلك الحرف معنى ومتعلّقا قد جرّ مضافا إلى الموصول نحو: مررت بغلام الّذي مررت (¬2)». ولكنه لم يذكر الصورة التي ذكرها المصنف وهي أن يكون الحرف قد جر الموصوف بالموصول فالذي يتحصل من كلام الرجلين ثلاث صور (¬3). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط نسب لكعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد: إنه من قصيدة أنشدها بحضرة النبي صلّى الله عليه وسلّم (شرح ابن عقيل ص 75) ومع ذلك فالبيت ليس في ديوان كعب. والبيت ليس في معجم الشواهد، أما البيت الذي استشهد به النحاة للشاهد ومن نفس القصيدة ولنفس الشاعر فهو قول كعب (حاشية الصبان علي الأشموني: 1/ 173): لا تركننّ إلى الّذي ركنت ... أبناء يعصر حين اضطرّها القدر والشاهد في البيتين: حذف الضمير المجرور بالحرف لأن الموصوف بالموصول مجرور بمثله. وبيت الشاهد في شرح التسهيل (1/ 206)، وفي التذييل والتكميل (3/ 78) وليس في معجم الشواهد. (¬2) قال ابن عصفور في المقرب (1/ 61) في الحديث عن العائد: «وإن كان مخفوضا فإن كان خفضه بالإضافة فإن المضاف إليه إن كان اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال جاز حذفه وإن كان غيره لم يجز حذفه نحو قولك: جاءني الذي أبوه قائم، وإن كان خفضه بحرف جر فإن لم يدخل على الموصول أو على ما أضيف إليه حرف مثل الحرف الذي دخل على الضمير لم يجز مثل قولك: جاءني الذي مررت به وجاءني غلام الذي مررت به، وإن دخل عليهما حرف مثل الذي دخل عليه فإن لم يكن العامل في الموصول أو ما أضيف إليه والضمير بمعنى واحد لم يجز خلافه نحو قولك: مررت بالذي مررت به وفرحت بغلام الذي مررت به وإن كان جاز إثباته وحذفه نحو قولك: مررت بالذي مررت به وإن شئت حذفته قال: نصلّي للّذي صلّت قريش ... ونعبده وإن جحد العموم (¬3) هي أن يكون الحرف الجار للعائد المحذوف قد دخل مثله على الموصول مثل: نصلي للذي صلت قريش أو الموصوف بالموصول مثل: إن تعن نفسك بالأمر الّذي عنيت .. إلخ أو المضاف إلى الموصول مثل: مررت بغلام الذي مررت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار المصنف بقوله: وقد يحذف منصوب صلة الألف واللّام والمجرور بحرف وإن لم يكمل شرط الحذف - إلى أن هذين الأمرين في غاية القلة. فأما حذف منصوب صلة الألف واللام فكقول الشاعر: 394 - ما المستفزّ الهوى محمود عاقبة ... ولو أتيح له صفو بلا كدر (¬1) التقدير: ما المستفزه. قال المازني: لا يكاد يسمع حذفه من العرب إلا أنه ربما جاء في الشعر. وأما حذف المجرور بحرف إذا فقد الشرط المتقدم الذكر ففي صور: - وذلك إما بأن لا يجر الموصول كقول حاتم: 395 - ومن حسد يجور عليّ قومي ... وأي الدّهر ذو لم يحسدوني (¬2) أي لم يحسدوني فيه. ومثله قول الفرزدق: 396 - لعلّ الّذي أصعدتني أن يردّني ... إلى الأرض إن لم يقدر الحين قادره (¬3) أراد أصعدتني به. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط غير منسوب لقائل في مراجعه. ومعناه: كل من يجري وراء هواه وما تطلبه نفسه غير مأمون العواقب وإن كان صافيا في معيشته وذلك لأن صفوه غير مأمون وشاهده: حذف العائد المنصوب بالوصف من صلة أل وهو قليل، ولأبي حيان تفصيل فيه يقول: «إن كان الاسم الواقع في صلتها مأخوذا من فعل يتعدى إلى واحد فالإثبات فصيح والحذف قليل نحو: جاءني الضاربه زيد والضارب زيد قليل وإن كان مأخوذا من فعل يتعدى إلى اثنين أو ثلاثة حسن الحذف لأجل الطول ... إلخ». (التذييل والتكميل: 3/ 84). والبيت في شرح التسهيل (1/ 207) والتذييل والتكميل (3/ 84) ومعجم الشواهد (ص 180). (¬2) البيت سبق الاستشهاد به في هذا التحقيق وشاهده هنا واضح من الشرح. (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة في الغزل للفرزدق يصف ليلة تسلل فيها إلى امرأة والتقى بها وجلس منها كما يجلس الرجل من امرأته كما كان يفعل امرؤ القيس إلا أن الفرق بينهما أن الفرزدق قال في آخر قصيدته (ديوان الفرزدق: 1/ 208): فيا ربّ إن تغفر لنا ليلة النّقا ... فكلّ ذنوبي أنت يا ربّ غافره ويستشهد به على حذف العائد المجرور دون استيفاء شروط الحذف. والبيت في شرح التسهيل (1/ 206) والتذييل والتكميل (3/ 79). وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما بأن يجر الموصول بحرف مثل الحرف الذي جر به العائد معنى لا متعلقا كقول الشاعر: 397 - فأبلغن خالد بن فضلة وال ... مرء معنّى يلوم من يثق (¬1) أي يلوم من يثق به فالمتعلق مختلف. ومثله قول الشاعر: 398 - وإنّ لساني شهدة يشتفى بها ... وهو على من صبّه الله علقم (¬2) أراد على من صبه الله عليه. - وإما أن لا يجر الموصول كالصورة الأولى لكن مثل ذلك الحرف الذي يقدر مع العائد المحذوف بعد الصلة كقول الشاعر: 399 - ولو أنّ ما عالجت لين فؤادها ... فقسا استلين به للان الجندل (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المنسرح (مستفعلن. مفعولات. مستفعلن) مجهول القائل. وشاهده قوله: معنى يلوم من يثق: حيث حذف العائد المجرور بالحرف وقد جر بمثله الموصول إلا أن متعلقهما مختلف. فالأول متعلق بمعنى والثاني متعلق بيثق، ويلاحظ أن الموصول ليس هو المجرور وإنما المجرور هو المضاف إلى الموصول وهما سواء. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 207) والتذييل والتكميل (3/ 80) وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت سبق الحديث عنه والاستشهاد به. وشاهده هنا قوله: وهو على من صبه الله علقم حيث حذف العائد المجرور بالحرف دون استيفاء شروط الحذف وذلك لأن على الداخلة على الموصول متعلقة بعلقم والداخلة على العائد متعلقة بصبه. (¬3) البيت من بحر الكامل من قصيدة مدح طويلة للأحوص يبدؤها بالغزل فيقول: يا بيت عاتكة الّذي أتغزّل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكّل إني لأمنحك الصّدود وإنّني ... قسما إليك مع الصّدود لأميل والقصيدة كلها من هذه الرقة في الغزل والمدح انظرها في ديوان الأحوص (ص 166 - 172). وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 207) وفي التذييل والتكميل: (3/ 80) معجم الشواهد (ص 296). ترجمة الأحوص: هو الأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت الأنصاري كان الأحوص يرمي بالأبنة والزنا وشكي إلى عمر بن عبد العزيز فنفاه من المدينة واستشفع فيه فلم تقبل شفاعته وقد غنت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: ولو أن ما عالجت به لين فؤادها فقسا؛ فحذف المتصل بعالجت استغناء منه بالمتصل باستلين وإن كان بعد الصلة لأنه عائد على ما والكلام واحد. قال الشيخ: «وقد نقص المصنف شروطا أخر في المسألة يعني في حذف العائد المجرور بحرف». أحدها: «ألا يكون الضمير وحرف الجر في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله فإنه إذ ذاك لا يجوز الحذف وإن استوفى [1/ 234] الشروط التي ذكرها المصنف، مثاله: مررت بالّذي مرّ به وغضبت على الذي غضب عليه لا يجوز حذف به ولا حذف عليه لأنه في موضع رفع». الثاني: «ألا يكون الضمير محصورا في موضع المحصور نحو مررت بالذي ما مررت إلا به ومررت بالذي إنما مررت به». الثالث: «ألا يكون ثم ضمير آخر يصلح للربط نحو مررت بالذي مررت به في داره فلا يجوز حذفه». انتهى (¬1). ولم ينقص المصنف شيئا من الشروط. وهذه الثلاثة التي ذكرها الشيخ لا يحتاج المصنف إلى ذكرها بل لو ذكرها كان ذكرها عيّا: أما الثالث فقد عرفت جوابه فيما تقدم عند ذكر المنصوب المتصل. وأما الأولان فالعجب من الشيخ كيف ذكرهما استدراكا ومنع حذف ما أقيم مقام الفاعل معلوم وكذا منع حذف المفعول المحصور والحكم إذا علم في بابه بشيء كان قيد الحكم الذي يذكر مطلقا في باب آخر، وقد قال المصنف في باب الفاعل (¬2): «ولا يحذف الفاعل إلا مع رافعه المدلول عليه». ثم قال في باب النائب عن الفاعل ما نصه (¬3): «قد يترك الفاعل فينوب عنه في كلّ حاله». - ¬

_ - الجاريات شعره لرقته وعذوبته (أخباره في الشعر والشعراء: 2/ 535) (خزانة الأدب: 1/ 231) وله ديوان شعر مطبوع. (¬1) التذييل والتكميل (3/ 81) وفيه تقديم الشرط الثالث على الثاني. (¬2) انظر نصه في (ص 76) من تسهيل الفوائد لابن مالك (طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب تحقيق محمد كامل بركات). (¬3) انظر (ص 77) من تسهيل الفوائد ونصه: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أن هي جملة أحكامه أنه لا يحذف فلزم من هذين الكلمتين أن القائم مقام الفاعل لا يحذف. وقال المصنف أيضا في باب تعدي الفعل ولزومه: «يحذف كثيرا المفعول به غير كذا وكذا والمحصور» (¬1) فثبت أن المحصور لا يحذف، ولا يخفى أن مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تستدرك والشيخ قدره أجل من أن يورد ما يشبه هذا الاستدراك أو غيره. وقد انقضى الكلام على العائد المنصوب والعائد المجرور. وأما العائد المرفوع: فقد عرفت شروط جواز حذفه (¬2) وما يختص به الموصول غير أي من اشتراط أمر زائد على ما يشترط في أي. قال المصنف (¬3): «وقيدت جواز حذف العائد المرفوع بكونه مبتدأ احترازا من غير المبتدأ كالفاعل فإن حذفه وحذف ما أشبهه لا يجوز. وأما المبتدأ فإن عاد على أي جاز حذفه بإجماع طالت الصلة أو لم تطل ما لم يكن خبره جملة أو ظرفا وإن عاد على غير أي ولم يكن خبره جملة ولا ظرفا جاز حذفه عند الكوفيين مطلقا كجوازه في صلة أي ولم يجز حذفه عند البصريين دون استكراه إلا إذا استطيلت الصلة كقول بعض العرب «ما أنا بالّذي قائل لك سوءا». أراد بالذي هو قائل فحسن الحذف لطول الصلة بالمجرور والمنصوب فإن زاد الطول ازداد الحذف حسنا كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ (¬4) (التقدير (¬5) والله أعلم وهو الذي هو في السماء إله وهو في الأرض - ¬

_ - «قد يترك الفاعل لغرض لفظي أو معنوي جوازا أو وجوبا فينوب عنه جاريا مجراه في كلّ ماله مفعول به أو جار مجراه أو مصدر ...» إلخ. (¬1) انظر (ص 85) من تسهيل الفوائد ونصه: «يحذف كثيرا المفعول به غير المخبر عنه والمخبر به والمجاب به والمحصور والباقي محذوفا عامله». (¬2) هذه الشروط هي المذكورة في المتن إجمالا عند قوله: ولا يحذف المرفوع إلا مبتدأ ليس خبره جملة ولا ظرفا بلا شرط آخر عند الكوفيين وعند البصريين بشرط الاستطالة في صلة أي غالبا وبلا شرط في صلتها. (¬3) شرح التسهيل (1/ 208). (¬4) سورة الزخرف: 84. (¬5) ما بين القوسين من شرح التسهيل وليس في النسخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إله) (¬1) فإن عدمت الاستطالة ضعف الحذف وإن لم يمتنع كقول الشاعر: 400 - من يعن بالحمد لا ينطق بما سفه ... ولا يحد عن طريق الحلم والكرم (¬2) [1/ 235] أراد بما هو سفه. ومثله قراءة بعض السلف (تماما على الذي أحسن) (¬3) بالرفع أي على الذي هو أحسن واشترط في جواز الحذف كون الخبر غير جملة ولا ظرف لأنه لو كان أحدهما ثم حذف المبتدأ لم يعلم حذفه؛ لأن ما يبقى من الجملة أو الظرف صالح للوصل به دون شيء آخر فامتنع الحذف. انتهى (¬4). وعن نحو «لا ينطق بما سفه، ونحو تماما على الّذي أحسن» احترز المصنف بقوله غالبا بعد قوله: بشرط الاستطالة في صلة غير أيّ. ومما حذف فيه العائد لطول الصلة قول الشاعر: 401 - وأنت الجواد وأنت الّذي ... إذا ما النّفوس ملأن الصّدورا جدير بطعنة يوم اللّقا ... ء تضرب منها النّساء النّحورا (¬5) - ¬

_ (¬1) قال العكبري (التبيان: 2/ 1142): ولا يصح أن يجعل إليه مبتدأ وفي السماء خبره؛ لأنه لا يبقى للذي عائد، وكذلك إن رفعت إليها بالظرف فإن جعلت في الظرف ضميرا يرجع على الذي وأبدلت إلها منه جاز على ضعف لأن الغرض الكلي إثبات إلهيته لا كونه في السموات والأرض. (¬2) البيت من بحر البسيط ومع شهرته في كتب النحو شاهدا لما جاء له إلا أن قائله مجهول. اللغة: يعن: بالبناء للمجهول لزوما أي يهتم. السفه: العيب. يحد: من حاد يحيد أي مال عن القصد. والمعنى: من أراد أن يحمده الناس ويشكروه فلا يؤذيهم فيكون حليما كريما معهم. والشاهد فيه: حذف العائد المرفوع بالابتداء مع قصر الصلة وهو ضعيف عند جمهور البصريين جائز عند الكوفيين. والبيت في شرح التسهيل (1/ 208)، والتذييل والتكميل (1/ 87) وفي معجم الشواهد (ص 368). (¬3) سورة الأنعام: 154. قال ابن جني في المحتسب (1/ 234): «هي قراءة ابن يعمر وهذا مستضعف في الإعراب لحذفك المبتدأ العائد على الّذي لأنّ تقديره تماما على الّذي هو أحسن، وحذف هو من هنا ضعيف». (¬4) شرح التسهيل: (1/ 233). (¬5) البيتان من بحر المتقارب من قصيدة للأعشى يمدح بها هوذة بن علي الحنفي (ديوان الأعشى ص 199). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: «وقد نقص المصنف في جواز حذف هذا المبتدأ شروطا. أحدهما: ألا يكون معطوفا على غيره نحو: جاءني الذي زيد وهو منطلقان فلا يجوز حذف هو. الثاني: ألا يكون معطوفا عليه غيره نحو: جاءني الذي هو وزيد فاضلان وفي هذا خلاف للفراء فإنه أجاز حذفه فتقول: جاءني الذي وزيد فاضلان ولم يسمع. الثالث: ألا يكون محصورا نحو: جاءني الذي ما في الدار إلا هو. الرابع: أن لا يكون في معنى المحصور. الخامس: ألا يكون بعد حرف نفي نحو: الذي ما هو قائم. السادس: ألا يكون بعد لولا نحو: جاءني الذي لولا هو لقمت. انتهى (¬1). والشرطان الأولان ذكرهما في المقرب (¬2). والحق أنه لا يحتاج إلى اشتراطهما ولا إلى اشتراط ما بعدهما؛ لأن هذه الصور المذكورة في كلّ منهما مانع يمنع الحذف وقد علم في مكانه. فإذا أطلق القول بالحذف هنا كان من المعلوم أن ذلك مقيد بانتفاء ذلك المانع الذي يمنع منه. ولا شك أنهم في باب العطف قد ذكروا أن حذف كل من المعطوف والمعطوف عليه لا يجوز وإن قيل بذلك فهو في غاية القلة على أنه في موضع خاص - ¬

_ - وهو في هذين البيتين يصف ممدوحه بالشجاعة والإقدام في أيام الهول والحرب إذا خافت النفوس وهرعت النساء تحارب مع الرجال أو صرخت من أجلهن. وشاهدهما قوله: جدير بطعنة يوم اللقاء حيث حذف عائد الموصول لطول الصلة وكان حقه أن يقول: وأنت الذي هو جدير. والبيتان في التذييل والتكميل (3/ 86). وليسا في معجم الشواهد. (¬1) التذييل والتكميل (3/ 87). (¬2) قال ابن عصفور (المقرب: 1/ 600) في حديث عن العائد المرفوع: وإن كان العائد مبتدأ وكان الخبر جملة فعليّة أو اسمية أو ظرفا أو مجرورا لم يجز حذفه وإن كان الخبر غير ذلك وكان الضّمير قد عطف على غيره لم يجز حذفه وإن كان قد عطف غيره عليه ففيه خلاف والصّحيح أنّه لا يجوز حذفه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يتعداه (¬1). وأما المحصور وما في معناه فقد تقدم أنهم نصوا على أنه لا يحذف وهو فضلة فكيف يجوز حذفه وهو عمدة؟ والسر في ذلك أنه المقصود بالذكر فإنما سبق الكلام ليذكر انحصار الحكم فيه فكيف يجوز حذفه. وأما الواقع بعد لولا فقد علمت أن خبره محذوف واجب الحذف ولا يجوز مع حذف الخبر حذف المبتدأ؛ لأن ذلك مؤد إلى الإجحاف. نعم إذا وقعت الجملة المركبة من مبتدأ وخبر وخبر لمبتدأ آخر جاز حذف تلك الجملة من حيث هي خبر ودل الدليل عليها والجملة بعد لولا ليست بخبر فلا يجوز ذلك فيها. وأما الواقع بعد حرف نفي فقد يمنع ما ذكره من منع الحذف ويدعي جوازه إذ لا يظهر فيه مانع، نعم إنما امتنع المثال الذي مثل به لأن الصلة فيه لم تطل. ثم قال الشيخ (¬2) بعد إنقضاء الكلام على حذف العائد: «هذا حكم الضّمير [1/ 236] المشتمل عليه الصلة إذا كان أحد جزأيها، فتقول: أين الرجل الذي قلت وأين الرّجل الذي زعمت، تريد: أين الرجل الذي قلت أنه يأتي، أو زعمت أنه يأتي أو نحو ذلك مما يكون المعنى عليه قال الله تعالى: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * (¬3) «أي تزعمون أنهم شركاء». ¬

_ (¬1) قال في الألفية في باب عطف النسق: والفاء قد تحذف مع ما عطفت ... والواو إذ لا لبس وهي انفردت بعطف عامل مزال قد بقي ... معموله دفعا لوهم اتقي وحذف متبوع بدا هنا استبح ..... إلخ. ومعناه: أن المعطوف بالفاء والواو قد يحذف ومنه في الواو قولهم: راكب الناقة طليحان أي والناقة وقوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: 81] أي والبرد. وكذلك المعطوف عليه فيهما. وهو في غاية القلة كما ذكره الشارح على أن أكثر مسموع. والموضع الخاص الذي ذكره هو أن الواو انفردت بأنها تعطف عاملا محذوفا بقي معموله ومثاله قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ [الحشر: 9] وقول الشاعر (من الوافر): إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزجّجن الحواجب والعيونا فالتقدير في الآية: تبوؤوا الدار وأخلصوا الإيمان، وفي البيت: زججن الحواجب وكحلن العيونا. (¬2) التذييل والتكميل (3/ 88). (¬3) سورة القصص: 62، 74.

[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب]

[حكم أي الموصولة من البناء والإعراب] قال ابن مالك: (وهي حينئذ باقية على موصوليّتها مبنيّة على الضّمّ غالبا خلافا للخليل ويونس وإن حذف ما تضاف إليه أعربت مطلقا وإن أنّثت بالتّاء حينئذ لم تمنع الصّرف خلافا لأبي عمرو). قال ناظر الجيش: اعلم أن أيّا معربة في جميع أقسامها وقد عرف هذا في أول الكتاب عند قوله: ويمنع إعراب الاسم مشابهة الحرف بلا معارض فأخرج بلا معارض أيّا لأنها تشبه الحرف في جميع أقسامها لكن عارض هذا الشبه لزومها الإضافة التي هي من خصائص الأسماء ولا شك أن من جملة أقسام أي أن تكون موصولة فهو لا يحتاج هنا إلى ذكر كونها معربة؛ لأن ذلك علم مما تقدم لكنها - أعني الموصولة - لها أربعة أحكام: لأنها إما أن يذكر العائد إليها الذي هو صدر صلتها أو لا يذكر. وعلى كلا التقديرين إما أن يذكر العائد الذي تضاف هي إليه أو لا يذكر؛ فهي في ثلاثة أحوال من هذه الأربعة معربة: وهي إذا لم تضف ذكر العائد أو لم يذكر أو أضيفت وكان العائد الذي هو صدر صلتها مذكورا وفي حالة واحدة تبنى وهي أن يذكر ما أضيفت إليه ولا يذكر العائد الذي هو صدر الصلة. والصور الثلاث الأول لا يحتاج أن يذكر أيّا فيها معربة؛ لأن كونها معربة قد علم قبل. * ولما كانت تبنى في هذه الصورة الخاصة أعني الرابعة احتاج أن ينبه على بنائها فأشار إلى ذلك بقوله: وهي حينئذ باقية على موصوليّتها مبنية على الضّمّ، والضمير يعود على أي لتقدم ذكرها. وقوله حينئذ أي حين إذ حذف العائد إليها الذي هو المبتدأ؛ لأن كلامه المتقدم يتضمن ذلك فاستغنى عن إعادته، لكنه لم يذكر الأمر الآخر وهو أن يكون ما أضيفت هي إليه مذكورا وهو لا بد منه في اقتضاء البناء كما تقدم، ولكننا نستفيد ذلك من قوله: وإن حذف ما تضاف إليه أعربت مطلقا فعلمنا بذلك أن الصورة التي ذكر أن أيّا فيها تبنى لا بد أن تكون أيّا فيها مضافة ولعل هذا هو الموجب له أن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: وإن حذف ما تضاف إليه أعربت مطلقا وإلا فهو مستغن عن التنبيه على ذلك لما قلنا إن أيّا معربة فإذا بين الصورة التي تبنى فيها كفى، فكانت بقية الصور على إعراب الذي هو ثابت لها. ولا يقال: إن المصنف أراد بقوله: وإن حذف ما تضاف إليه أعربت مطلقا أي سواء ذكر العائد الذي هو المبتدأ أو لم يذكر أن يستوعب (¬1) أحوال أي الموصولة بالذكر فبين الصورة التي تبنى فيها ثم بين الصورة التي فيها معربة، واستفيد من ذلك [1/ 237] الأمر الذي أشرت أنه لا بد منه في اقتضاء البناء؛ لأنا نقول لم يستوعب المصنف الصور جميعها إذ بقيت صورة هي فيها معربة وهو لم يتعرض إليها وهي ما إذا ذكر ما تضاف أي إليه وذكر العائد إليها الذي هو المبتدأ. والحق أنه كان مستغنيا عن أن يقول: وإن حذف ما تضاف إليه أعربت مطلقا وكان يكتفي بذكر صورة البناء فيبقى ما عداها على الأصل الذي هو إعراب أي ولكنه كان يحتاج أن يزيد قيدا فيقول: «وهي حينئذ باقية موصوليّتها مبنيّة على الضّم إن أضيفت لفظا». إذا تقرر ما قلناه فلنورد كلام المصنف ثم نتبعه بما يزيده توضيحا: قال رحمه الله تعالى (¬2): مذهب الخليل ويونس أن أيّا الموصولة معربة أبدا (¬3) وما ورد عنهم مما يوهم البناء عند حذف صدر صلتها كقوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (¬4) جعله الخليل محكيّا بقول مقدر وحكم يونس بتعليق الفعل قبلها لأن التعليق عنده غير مخصوص بأفعال القلوب. والحجة عليهما قول الشاعر: 402 - إذا ما أتيت بني مالك ... فسلّم على أيّهم أفضل (¬5) - ¬

_ (¬1) هذا المصدر المؤول مفعول أراد في قوله: ولا يقال إن المصنف أراد بقوله: وإن حذف ... إلخ، وقوله فيما بعد: لأنا نقول تعليل لما ذكر أيضا. وملخص ما يريده الشارح من هذا كله: استخراج أحوال «أي» من كلام المصنف في المتن وحكم كل حالة. (¬2) شرح التسهيل: (1/ 108). (¬3) انظر رأي الخليل ويونس في كتاب سيبويه: (2/ 399) وما بعدها. (¬4) سورةمريم: 69. (¬5) البيت سبق الحديث عنه والاستشهاد به. وشاهده هنا قوله: فسلم على أيهم أفضل. روي بضم أي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن حروف الجر لا تعلق ولا يضمر قول بينها وبين معمولها أي لا يحذف المجرور بها وتبقي هي. وإذا بطل التعليق وإضمار القول تعين البناء إذ لا قائل بخلاف ذلك. ونبهت بقولي: غالبا على أن بناء أي عند حذف صدر صلتها غير لازم وإنما هو أحق من الإعراب. ومن شواهد الإعراب: قراءة طلحة بن مصرف ومعاذ بن مسلم (ثم لننزعنّ من كلّ شيعة أيّهم أشد) بالنصب وإعرابها حينئذ مع قلته قوي لأنها في الشرط والاستفهام تعرب قولا واحدا لمخالفتها غيرها من أسماء الشرط والاستفهام بإضافتها ووفاقها في المعنى لبعض إن أضيفت إلى معرفة ولكل إن أضيفت إلى نكرة، والموصولة أيضا مخالفة لغيرها من الأسماء الموصولة بإضافتها إلا أنها لا تضاف إلا إلى معرفة فوافقت في المعنى بعضا دون كل فضعف بذلك موجب إعرابها فجعل لها حالان: حال بناء وحال إعراب. وكان أولى أحوالها بالبناء الحال التي يحذف فيها شطر صلتها مع التصريح بما تضاف إليه؛ لأن حذف شطر صلتها لم يستحسن فيها ولا في غيرها إلا لتنزيل ما تضاف إليه منزلته وذلك يستلزم تنزيلها حينئذ منزلة غير مضاف لفظا ولا نية. وإنما أعربت لإضافتها؛ فإذا صارت في تقديم ما لم يضف، ضعف سبب إعرابها فبنيت غالبا. فإن حذف ما تضاف إليه أعربت على كل حال؛ لأن ذلك يبدي تمكنها في الإضافة لاستغنائها بمعناها عن لفظها وإلحاق التنوين بها عوضا فأشبهت بذلك كلا، فإن كلا يحذف ما تضاف إليه كثيرا ويجاء بالتنوين عوضا منه. انتهى (¬1). وحاصل الأمر: أن القول ببناء «أي» إذا حذف شطر صلتها وصرح بما تضاف إليه هو مذهب سيبويه وعليه الجمهور. [1/ 238] قال سيبويه: «إنّها تغيّرت عمّا عليه أخواتها فحذف معها أحد جزأي - ¬

_ - فقيل: على الإعراب وهو رأي الخليل ويونس ورد عليهما ابن مالك في الشرح. وقيل: إنها ضمة بناء وهو رأي سيبويه واختاره ابن مالك. كما روي البيت بالجر على الإعراب قولا واحدا. (¬1) شرح التسهيل (1/ 234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملة الابتدائية فلما تغيرت كان من فعلهم أن غيروها تغييرا ثانيا إذ قد ثبت أنّ التّغيير يأنس بالتّغيير دليل ذلك يا ألله» انتهى (¬1). ولكن إعراب أي حينئذ جائز ولكنه أضعف من البناء، ولكون إعرابها في هذه الصورة جائزا أعقب قوله: مبنيّة على الضّمّ بقوله: غالبا. وأما الخليل ويونس: فلا يريان بناءها بل هي عندهم مستمرة على الإعراب في هذه الحالة التي ذهب سيبويه فيها إلى بنائها كما هي معربة في بقية أحوالها وخرّجا أيّا في الآية الشريفة على أنها استفهامية، فقد اتفق قولاهما على أن أيّا في الآية الشريفة معربة وأنها استفهامية. لكن الخليل جعلها محكية ويونس جعلها في موضع المفعول وحكم بتعليق لننزعن عنها كما عرفت. وأما التعليل الذي ذكره المصنف لكون أي الموصولة لها حالان: حال تقتضي الإعراب وحال تقتضي البناء، وأن أولى أحوالها بالبناء الحالة التي ذكر أنها تبني فيها إلى آخر كلامه .. فلا يخفى ما فيه من اللطافة. وإن الذي يعين على قبوله إنما هو الذوق. ثم قال المصنف (¬2): وإذا قيل في أي أية لإرادة معنى التي فإما أن يصرح ما تضاف إليه وإما أن يحذف وينوي فإن صرح به فحكم أي معه حكم أي حين يصرح بما تضاف إليه بلا خلاف. وإن نوى فكذلك أيضا. وكان أبو عمرو (¬3) يمنعها الصرف حينئذ للتأنيث والتعريف؛ لأن التعريف بالإضافة المنوية شبيهة التعريف بالعلمية. ولذلك منع من الصرف «جمع» المؤكد به لأن فيه عدلا وتعريفا بإضافة منوية فكان كالعلم المعدول إلا أن شبه جمع أشد من شبه أيّة لأن جمع لا يستعمل مضافا إليه بخلاف أي فإن استعمال ما تضاف إليه أكثر من عدمه فلم يشبه العلم. ¬

_ (¬1) كتاب سيبويه (2/ 400) ولم ينقله وإنما نقله بالمعنى. والتغيير الذي في يا ألله حكاه سيبويه فقال: كما إن قولك يا ألله حين خالف سائر ما فيه الألف واللام لم يحذفوا ألفه. (¬2) شرح التسهيل (1/ 234). (¬3) هو أبو عمرو بن العلاء، وانظر رأيه في التذييل والتكميل (3/ 94) وقد سبقت ترجمته.

[حكم أنت الذي فعل وفعلت]

[حكم أنت الذي فعل وفعلت] قال ابن مالك: (ويجوز الحضور أو الغيبة في ضمير المخبر به أو بموصوف عن حاضر مقدّم ما لم يقصد تشبيهه بالمخبر به فتتعيّن الغيبة ودون التّشبيه يجوز الأمران إن وجد ضميران). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «الإشارة بهذا الكلام إلى نحو: أنت الذي فعل وأنت فلان الذي فعل وأنت رجل فعل ففي فعل الأول ضمير عائد على موصول مخبر به، وفي فعل الثاني ضمير عائد على موصول موصوفه مخبر به، وفي فعل الثالث ضمير عائد على نكرة مخبر بها. والمخبر عنه في الأمثلة الثلاثة حاضر مقدم وقد جيء بمضمر خبره غائبا معتبرا به حال المخبر به (¬2) ولو جيء به حاضرا معتبرا به حال المخبر عنه جاز فكنت تقول فعلت في الأمثلة الثلاثة لأن المخبر عنه والمخبر به شيء واحد في المعنى. وفي حديث محاجة موسى آدم عليه السّلام: «أنت آدم الّذي أخرجتك خطيئتك من الجنّة، فقال آدم: أنت موسى الّذي اصطفاك الله برسالاته. وفي رواية: أنت الّذي أعطاه الله علم كلّ شيء واصطفاه على النّاس برسالاته» (¬3). ومن اعتبار حال المخبر عنه قول الفرزدق: 403 - وأنت الّذي تلوي الجنود رؤوسها ... إليك وللأيتام أنت طعامها (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 210). (¬2) في شرح التسهيل لابن مالك: حال الخبر وهما سيان. (¬3) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل مرويّا عن أبي نضرة عن ابن عباس (1/ 281)، (1/ 295) في طلب الشفاعة من الأنبياء يوم القيامة، حيث يذهب الناس إلى آدم ثم إلى نوح ثم إلى إبراهيم عليه السّلام ثم يذهبون إلى موسى قائلين له: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك فاشفع لنا فيأبى ثم يذهبون إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيشفع لهم. (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة للفرزدق يمدح فيها هشام بن عبد الملك وهي من أجود المدح (الديوان 2/ 231) وقبل بيت الشاهد قوله: وأنت لهذا الناس بعد نبيهم ... سماء يرجى للمحول غمامها ومعناه: مدح بالشجاعة والكرم. وشاهده: عود الضمير من صلة الموصول الواقع خبرا لمبتدأ هو ضمير مخاطب مراعى فيه حال هذا الضمير. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 210). ولأبي حيان (3/ 96) وللمرادي (1/ 213) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 239] ومثله قول قيس العامري: 404 - وأنت الّتي إن شئت نعّمت عيشتي ... وإن شئت بعد الله أنعمت باليا (¬1) ومن اعتبار حال المخبر به قول الفرزدق: 405 - وأنت الّذي أمست نزار تعدّه ... لدفع الأعادي والأمور الشّدائد (¬2) فلو قصد تشبيه المخبر عنه بالمخبر به تعين كون العائد بلفظ الغيبة كقولك: أنت الذي فعل بمعنى كالذي فعل، وكذلك تتعين الغيبة عند تأخير ما يدل على الحضور كقولك: الذي فعل أنت ولذلك قلت في الأصل: عن حاضر مقدّم. ومثال ما يجوز فيه الأمران إن وجد ضميران مع عدم التشبيه قول بعض الأنصار رضي الله عنه: 406 - نحن الّذين بايعوا محمّدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا (¬3) ومثله: 407 - أأنت الهلاليّ الّذي كنت مرّة ... سمعنا به والأرحبيّ المعلّق (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو لقيس مجنون ليلى من القصيدة التي تسمى المؤنسة. وبعد بيت الشاهد قوله: وأنت التي ما من صديق ولا عدا ... يرى نضو ما أبقيت إلّا رثى ليا ديوان مجنون ليلى (ص 295). وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 210) والتذييل والتكميل: (3/ 96) وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق يمدح بها عيسى بن فضيلة السلمي (ديوان الفرزدق: 1/ 167) وقبل بيت الشاهد قوله: بحقّك تحوي المكرمات ولم نجد ... أبا لك إلّا ماجدا وابن ماجد وفي البيت مدح بالشجاعة. وشاهده: عود الضمير العائد على الموصول غائبا مراعى فيه حال الخبر. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 210)، ولأبي حيان: (3/ 97) وللمرادي: (1/ 213) وليس في معجم الشواهد. (¬3) البيتان من مشطور الرجز وقد نسبته المراجع إلى بعض الأنصار ولم تعينه. وشاهده واضح من الشرح. والشاهد في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 211) ولأبي حيان: (3/ 103) وللمرادي: (1/ 214) وفي معجم الشواهد (ص 462). (¬4) البيت من بحر الطويل ولم ينسب فيما ورد من مراجع. وقد استشهد به على مراعاة المعنى أولا في العائد (كنت مرّة) ثم مراعاة اللفظ (سمعنا به). وعلق أبو حيان على البيت فقال: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي ومعه الأرحبي». انتهى (¬1). واعلم أن ها هنا أمورا ينبه عليها: - الأول: أن الحضور يشمل التكلم كما يشمل الخطاب ولا فرق بين أنت الذي فعل وأنا الذي فعل: وكذا أنا فلان الذي فعل وأنا رجل فعل لا فرق بينهما وبين أنت فلان الذي فعل وأنت رجل فعل قال: 408 - أنا الّذي فررت يوم الحرّة ... [والشّيخ لا يفرّ إلّا مرّة] (¬2) وقال الآخر: 409 - وإنّا لقوم لا نرى القتل سبّة ... [إذا ما رأته عامر وسلول] (¬3) - ¬

_ - «إلّا إنّه إذا اجتمع الحملان فالأحسن أن يبدأ بالحمل على لفظ الّذي قبل الحمل على المعنى». (التذييل والتكميل: 1/ 662). وهو عكس ما فعله الشاعر إلا أنه ينطبق على قول الآخر: نحن الّذين بايعوا محمّدا وبيت الشاهد في معجم الشواهد (ص 37) برواية المهلب و (ص 245) برواية المعلق وهو في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 211) ولأبي حيان (2/ 124)، (3/ 103). (¬1) شرح التسهيل (1/ 211). (¬2) البيتان من الرجز المشطور قالهما عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي وكان قد فر يوم الحرة من جيش مسلم بن عقبة فلما كان حصار الحجاج بمكة لعبد الله بن الزبير جعل يقاتل أهل الشام وهو يقول: أنا الّذي فررت يوم الحرّه ... والشّيخ لا يفرّ إلّا مرّه فاليوم أجزي فرّة بكرّه ... لا بأس بالكرّة بعد الفره فلم يزل يقاتل حتى قتل. انظر هذا الخبر وهذا الشعر في العقد الفريد: (1/ 104) بتحقيق محمد سعيد العريان (دار الفكر بيروت سنة 1953 م). ويستشهد به على عود الضمير من جملة الصلة مراعى فيه المخبر عنه وهو هنا ضمير تكلم. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في التذييل (3/ 97) والمرادي (1/ 213). (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة للسموأل بن عادياء اليهودي يفتخر فيها ويمتدح بالصفات الجميلة ومطلعها: إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكلّ رداء يرتديه جميل وبيت الشاهد في الفخر بالشجاعة ودخول الحرب وبعده: يقرب حبّ الموت آجالنا لنا ... ويكرهه آجالهم فتطول وما مات منّا سيد حتف أنفه ... ولا طلّ منّا حيث كان قتيل واقرأ القصيدة كلها في الأمالي (1/ 319). وفي الحماسة (1/ 110) وهي في ديواني عروة بن الورد والسموأل (ص 90) ويستشهد بالبيت وما بعده على أنه يجوز في صفة الخبر إذا كان المبتدأ ضمير تكلم أو خطاب أن يراعى الخبر فيكون ضمير الصفة غائبا، وأن يراعى المخبر عنه فيكون الضمير متكلما -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر: 410 - وأنا ابن حرب لا يزال يشبّها ... [نارا تسعّر طالبا أو أطلب] (¬1) ثم لا فرق بين الواحد وغيره. قال الله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (¬2) والحكم بعد دخول ناسخ على ضمير الحضور فيما ذكر كالحكم قبل دخوله وفي الحديث: «إنّك امرؤ فيك جاهليّة» (¬3). وقال الشاعر: 411 - وكنّا أناسا قبل غزوة قرمل ... ورثنا الغنى والمجد أكبر أكبرا (¬4) - الثاني: يفهم من قول المصنف: ويجوز الحضور أو الغيبة في ضمير المخبر به - ¬

_ - أو مخاطبا. وبيت الشاهد من النوع الأخير والشاهد الذي بعده من النوع الأول. والبيت في التذييل والتكميل: (3/ 99) وليس في معجم الشواهد. (¬1) البيت من بحر الطويل لم يرد في معجم الشواهد ولا في مرجع آخر من الكتب التي وقعت تحت يدي إلا في التذييل والتكميل: (3/ 100). اللغة: ابن حرب: شجاع مقدام. يشبّها: يوقدها ويسعرها. والشاعر يفتخر بشجاعته في الحروب وأنها إن لم تقم بنفسها أقامها هو ليعرف الناس شجاعته. (¬2) سورة النمل: 55. (¬3) الحديث في صحيح البخاري: (2/ 11) في كتاب الإيمان وأصله أن رجلا لقي أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة قال: فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه فقال لي النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا أبا ذر أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم». والحديث بنصه أيضا في مسند الإمام أحمد بن حنبل: (5/ 161). (¬4) البيت من بحر الطويل من رائية طويلة لامرئ القيس يرتل فيها نغمه الحزين وهو ذاهب إلى قيصر ملك الروم يستنجده ويحتمي به: ديوان امرئ القيس (ص 69): بكى صاحبي لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا وبيت الشاهد يذكر فيه أن شرفه متوارث ولم يلصق به عيب قبل غزوة قرمل وهو ملك من ملوك اليمن غزا قوم امرئ القيس وظفر بهم. وشاهده قوله: وكنا أناسا ... ورثنا. حيث عاد الضمير متكلما من صفة الخبر (ورثنا) على ضمير المتكلم الواقع اسما لكان (وكنا). وبيت الشاهد في التذييل والتكميل (3/ 100) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو بموصوف عن حاضر مقدّم أن الضمير للمخبر به وللموصوف لا لما وقعا خبرا عنه سواء كان بلفظ الحضور أو الغيبة، فإن كان بلفظ الغيبة فهو عائد على الظاهر الذي هو الخبر أو الموصوف ولا إشكال. وإن كان بلفظ الحضور فهو أيضا عائد على الظاهر خبرا كان أو موصوفا حملا على المعنى لأن الظاهر المذكور هو الضمير المخبر عنه في المعنى. وقال الفارسي: إذا قلت أنت الّذي فعلت لم يعد على الصّلة ضمير وإنّما عاد على أنت ومن ثم قال: إن الحمل على اللفظ أكثر في الصلة والصفة. وأكد كلامه بأن قال: «إذا قلت أنتم كلّكم بينكم درهم لم يعد على كلّ من خبره شيء». وكذلك الموصول الذي مثلنا به وهي كلها تحتاج إلى ضمائر فخلوها عن ذلك خروج عن القياس. قال: وهو قول أبي عثمان. وقال أبو عثمان: «لولا أنّه مسموع من العرب لرددناه لفساده فعلى هذا لم يعد على كل ضمير إذا خاطبت لكن صحّ الكلام للحمل على المعنى؛ لأنه إذا عاد على أنتم وهو كلّ في المعنى فكأنّه عاد على كلّ» انتهى (¬1). ولا يخفى أرجحية ما ذكرناه أولا على ما ذكره [1/ 240] أبو علي. - الثالث: قد عرف من تمثيل المصنف بأنت الذي فعل وأنت فلان الذي فعل وأنت رجل فعل أن المخبر به عن الاسم الدال عن الحضور إما موصول أو موصوف بموصول إن كان معرفة (¬2) أو بجملة إن كان نكرة ولكن ليس في عبارة المتن ذكر الموصول لكن قد يقال قد ذكر ذلك في باب الموصول يرشد إلى أن المقصود هو - ¬

_ (¬1) قال أبو علي في كتابه الإيضاح (تحقيق شاذلي فرهود) (ص 90) في باب الابتداء: يقول: «أنتم كلكم بينكم درهم فيكون كل بمنزلة أجمعين كأنك قلت: أنتم أجمعون بينكم درهم فإن جعلت كلكم ابتداء ثانيا كقراءة من قرأ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ [آل عمران: 154] قلت: أنتم كلكم بينهم درهم كأنك قلت: أنتم غلمانكم بينهم درهم لأن كلا اسم موضوع للغيبة كالغلمان وإن شئت قلت في هذا الوجه: أنتم كلكم بينكم درهم فحملت على المعنى لأن كلا هو أنتم في المعنى ولا يجوز ذلك في الغلمان لأنهم ليسوا الأول». (¬2) وذلك لأن فلانا كناية عن علم كما مر في بابه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموصول. ثم لم يظهر لي ما عطف عليه قوله: أو بموصوف، ولم يتيسر لي حل هذه العبارة أعني قوله: بموصوف (¬1) ويظهر أنه لو قال في ضمير المخبر به من موصول أو موصوف لكان أوضح وأبين مع أنه واف بتأدية مراده. - الرابع: إنما تعرض ابن عصفور إلى ذكر الموصول وأهمل ذكر الموصوف لكنه قيد الموصول بالذي والتي وتثنيتهما وجمعهما (¬2). ومن ثم قال الشيخ: «إنّ الّذي ذكره المصنف يحتاج إلى تحرير وتقييد وذكر أمرين (¬3): أحدهما: ما ذكره ابن عصفور أن ذلك إنّما يكون في الذي والتي وتثنيتهما وجمعهما ولا يجوز في غير ما ذكر فلا يقال أنا من قمت وإنما يقال: أنا من قام وكذا لا يقال: أنت من ضربت وإنما يقال: أنت من ضرب». ولا شك أنه كان ينبغي للمصنف التنبيه على ذلك وكأنه إنما لم يتعرض إليه؛ لأن الإتيان بالعائد في مثل ذلك بلفظ الحضور إنما هو بالحمل على المعنى وهو خلاف ما يقتضيه اللفظ. ومثل هذا لا ينبغي أن يتجاوز به مورد السماع. والسماع إنما ورد في الذي وفروعه فيجب الاقتصار عليه لكن عبارته في المتن شاملة فمن ثم كان ينبغي له أن يأتي بما يدفع الشمول. الثاني (¬4): أنه قال: «من شروط مراعاة الحضور أن يتأخر الخبر ولو تقدّم لم يجز - ¬

_ (¬1) نص عبارته في المتن هي قوله: ويجوز الحضور أو الغيبة في ضمير المخبر به أو بموصوف عن حاضر مقدم وهي عبارة قلقة وسيصلحها الشارح. (¬2) المقرب (1/ 63). قال ابن عصفور: «يجوز في الّذي والّتي وتثنيتهما وجمعهما إذا وقع شيء من ذلك بعد ضمير متكلم أو مخاطب الجمل على اللفظ فيكون الضّمير العائد عليهما غائبا كالضمير العائد على الأسماء الظاهرة، والحمل على المعنى فيكون الضّمير العائد عليه على حسب الضّمير الواقع قبل الموصول». (¬3) انظر: التذييل والتكميل (3/ 98، 99). (¬4) أي من الأمرين اللذين ذكرهما أبو حيان معقبا على كلام ابن مالك وناقدا له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلّا مراعاة الظاهر فيعود غائبا فتقول في أنا الّذي قمت إذا قدمت الخبر: الّذي قام أنا وكذا تقول في أنت الّذي قمت إذا قدمت: الّذي قام أنت لأن الحمل على المعنى قبل تمام الكلام لا يجوز لأنه يلزم منه الحمل على المعنى قبل حصول المعنى في اللّفظ». وهذا عجب من الشيخ كيف جعل هذا استدراكا والمصنف قد ذكر ذلك واحترز عنه بقوله: عن حاضر مقدّم وبين في الشرح أنه احترز بقوله مقدّم من أن يتقدم الخبر على المبتدأ المذكور فلا يجوز في الضمير إلا الغيبة. واعلم أن الكسائي خالف في ذلك فيجوز في تقديم الخبر أن يكون العائد مطابقا لضمير الحضور كحاله لو كان متأخرا فتقول: الّذي قمت أنا والّذي قمت أنت (¬1). - الخامس: ذكر ابن عصفور أنه «إذا اجتمع في كلام واحد الأمران أعني الحمل على اللفظ والحمل على المعنى فالأولى أن يبدأ بالحمل على اللفظ قال: ويجوز البداءة بالحمل على المعنى وأنشد: 412 - أأنت الهلالي الّذي كنت مرّة ... ... البيت وإنّ الكوفيين لا يجيزون الجمع بين الحملين إلا إذا حصل فصل فلا يقولون أنا الّذي قمت وخرج وإن البصريين أجازوا ذلك قال: والسّماع إنّما ورد [1/ 241] على وفق قول الكوفيين» (¬2). ¬

_ (¬1) انظر في رأي الكسائي: التذييل والتكميل (3/ 99) والهمع (1/ 86). (¬2) قال ابن عصفور في المقرب (1/ 63): «وإن شئت حملت في جميع ما ذكر بعض الصلة على اللفظ وبعضها على المعنى إلا أن الأولى أن يبدأ بالحمل على اللفظ ويجوز الابتداء بالعمل على المعنى ومن ذلك قوله: أأنت الهلالي الّذي كنت مرّة ... سمعنا به والأرحبي المغلّب إلا أن يؤدي حمل بعض الصلة على اللفظ وبعضها على المعنى إلى مخالفة الخبر للمخبر عنه والخبر فعل أو إلى إيقاع وصف خاص بالمذكر على المؤنث أو بالمؤنث على المذكر من الصفات التي لم يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء، فإن أدى إلى شيء من ذلك لم يجز، وكذلك إن أدى حمل الصلة كلها على اللفظ إلى إيقاع وصف خاص بالمذكر على المؤنث أو بالمؤنث على المذكر من الصفات التي لم يفصل بين مذكرها ومؤنثها من الصفات المذكورة لم يجز». وانظر أيضا فيما ذكر شرح الجمل له (1/ 87).

[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول]

[حكم وقوع شبه الجملة صلة للموصول] [1/ 241] قال ابن مالك: (ويغني عن الجملة الموصول بها ظرف أو جارّ ومجرور منويّ معه استقر أو شبهه وفاعل هو العائد أو ملابس له ولا يفعل ذلك بذي حدث خاصّ ما لم يعمل مثله في الموصول أو موصوف به وقد يغني عن عائد الجملة ظاهر). قال ناظر الجيش: قد تقدم في أول الباب أن جملة الصلة تكون مؤولة كما تكون صريحة وأن العائد له خلف. ولما تقدمت الإشارة إلى ذلك إجمالا (¬1) أشار الآن إلى ذلك مفصلا فقال في شرح هذا الكلام (¬2): «الظرف الموصول به جملة في المعنى لأنه لا بد من تعلقه بفعل. والفعل لا يستغني عن فاعل وكذا حرف الجر الموصول به فلو استغنيت بذكر الجملة عن ذكرها لكان لائقا إلا أن التصريح بذكرهما أجود وذلك نحو عرفت الّذي عندك أي الذي استقر عندك والذي في الدار أي الذي استقر فيها، وتقدير الفعل هنا مجمع عليه بخلاف تقديره في غير صلة ففيه خلاف يذكر في باب المبتدأ إن شاء الله تعالى. ولو تعلق الظرف أو الجار بذي حدث خاص كجلس أو نام لم يجز الاستغناء بتقديره؛ إذ ليس بعض المقدرات بأولى من بعض فإن عمل مثله في الموصول أو موصوف به جاز الاستغناء به فقد حكى الكسائي نزلنا المنزل الّذي البارحة والمراد نزلنا المنزل الذي نزلناه البارحة» انتهى. ومثال عمل ذي الحدث الخاص في الموصول نفسه: نزلنا الذي البارحة، أي نزلنا البارحة وكما لا يجوز تقدير الحدث الخاص في الصلة بأن يحذف ويبقى الظرف والمجرور مغنيا عنه لا يجوز ذلك في غير الصلة كالخبر والحال والصفة. وحاصل الأمر: أن متعلق الظرف وشبهه إن كان كونا خاصّا لا يجوز حذفه، - ¬

_ (¬1) ويقصد بالجملة الصريحة ما صرح بجزأي الإسناد فيها، ويقصد بالمؤولة الظرف والمجرور والصفة، ويقصد بالعائد ضمير الموصول من جملة الصلة، وخلفه هو الاسم الظاهر كما في قول الشاعر (من الكامل): سعاد الّتي أضناك حبّ سعادا ... وسيأتي. (¬2) شرح التسهيل: (1/ 237).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يحذف إلا أن يكون كونا مطلقا وهو الأمر الجاري على ألسنة المعربين ومثال الملابس للعائد جاء الذي في الدار أبوه وهذا كله واضح. قال الشيخ: (¬1) «وهذا الّذي ذكره المصنف فيه إخلال بقيد وقياس فاسد في موضعين: أمّا الإخلال بالقيد: فإنه كان ينبغي أن يقيد الظرف بكونه قريبا من زمان الإخبار فإنه إن كان غير قريب لم يجز حذف الصلة. قال الكسائي (¬2): ولا يحذفون الصلة إلا مع ما قارب من الظروف نحو نزلنا المنزل الذي أمس ونزلنا المنزل الذي البارحة ونزلنا المنزل الذي آنفا ولا يقولون نزلنا المنزل الذي يوم الخميس ولا المنزل الذي يوم الجمعة». وأمّا القياس الفاسد في موضعين: فالأول: «هو أن المصنف قاس المجرور على الظرف، والظرف يتصور فيه أن يكون قريبا وبعيدا وأما المجرور فلا يتصور فيه ذلك». والثاني: «أنّ محلّ السماع إنما هو حذف الصلة في الموصول الموصوف به غيره نحو [1/ 242] نزلنا المنزل الذي البارحة لا في الموصول الداخل عليه عامل مثل الصلة المحذوفة وهذا الذي حكاه الكسائي خارج عن القياس فلا ينبغي أن يقاس عليه وإنما يقال فيه ما قالته العرب» انتهى (¬3). والحقّ أنه لا إخلال ولا قياس فاسد، إن كان ثمّ قياس: وذلك أن المصنف لم يعط كلامه أن حذف الحدث الخاص أمر مطرد في كل موطن وإذا لم يكن كذلك وجب الاقتصار على ما ذكره من ذلك ولا يعدو الحكم فيه إلى غيره وحينئذ لا يحتاج إلى ذكر المقيد بالقرب فينسب إلى الإخلال. ولا نحكم بجواز ذلك مع المجرور لأنه إنما مثل بالظرف خاصة، وأما أن المصنف أجرى الموصول في ذلك مجرى الموصوف بالموصول فلا يخفى أن الحكم المذكور إذا ثبت مع الموصوف - ¬

_ (¬1) هو أبو حيان في التذييل والتكميل: (3/ 105). (¬2) انظر في رأي الكسائي: الهمع: (1/ 87). (¬3) التذييل والتكميل: (3/ 105).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالموصول كان ثبوته مع الموصول دون موصوف أولى بالجواز. ثم قال المصنف (¬1): ومثال ورود الظاهر مغنيا عن عائد الجملة قول الشاعر: أنشده الكسائي: 413 - فيا ربّ ليلى أنت في كلّ موطن ... وأنت الّذي في رحمة الله أطمع (¬2) أراد أنت الذي في رحمته أطمع، فاستغنى بالظاهر عن المضمر. ومثله: 414 - إنّ جمل الّتي شغفت بجمل ... ففؤادي وإن نأت غير سالي (¬3) ومثله: 415 - سعاد الّتي أضناك حبّ سعادا ... وإعراضها عنك استمرّ وزادا (¬4) أراد سعاد التي أضناك حبها فاستغنى بظاهر سعاد عن ضميرها. ومن هذا القبيل أبو سعيد الذي رويت عن الخدري، ومثل هذا في الصلة نادر، وإنما يكثر الاستغناء بالظاهر عن المضمر في الأخبار، وله موضع يأتي إن شاء الله تعالى (¬5). ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 212). (¬2) البيت سبق الحديث عنه والاستشهاد به، وشاهده هنا شاهده هناك: وهو نيابة الاسم الظاهر عن عائد الموصول المضمر. (¬3) البيت من بحر الخفيف وهو في الغزل وقائله مجهول. اللغة: جمل: فتاة الشاعر. شغفت: بالبناء للمجهول يقال شغف بالشيء أي أولع به ومنه المشغوف وهو المجنون. سال: من سلا الشيء وسلا عنه أي نسيه. والشاعر يذكر أنه شغف بحبيبته جمل وفؤاده لا يسلو عنها رغم بعدها. وفي البيت: إغناء الاسم الظاهر عن عائد الموصول وكان حقه أن يقول: إن جمل التي شغفت بها. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل (1/ 212) ولأبي حيان (3/ 106). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو مطلع قصيدة ولم تعرف القصيدة ولا قائلها ومعناه واضح. وشاهده كالذي قبله وحقه أن يقول: التي أضناك حبها. والبيت في معجم الشواهد (ص 95) وفي شرح التسهيل (1/ 212) وفي التذييل والتكميل (3/ 106). (¬5) والموضع المشار إليه هو إعادة المبتدأ بلفظه ومعناه للتفخيم والتهويل كما في قوله تعالى: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة: 1، 2].

[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها]

[من وما ومراعاة اللفظ أو المعنى فيها] قال ابن مالك: (فصل (¬1): من وما في اللّفظ مفردان مذكّران (¬2) فإن عني بهما غير ذلك فمراعاة اللّفظ فيما اتصل بهما وبما أشبههما أولى ما لم يعضد المعنى سابق فيختار مراعاته أو يلزم بمراعاة اللفظ لبس أو قبح فيجب مراعاة المعنى مطلقا خلافا لابن السّرّاج في نحو: من هي محسنة أمّك؛ فإن حذف هي سهل التّذكير، ويعتبر المعنى بعد اعتبار اللّفظ كثيرا وقد يعتبر اللّفظ بعد ذلك). قال ناظر الجيش: قد تقدم أن من الموصول كلمات حصل الاشتراك فيها بين المفرد والمذكر وفروعهما، أعني التثنية والجمع والتأنيث فيستعمل في جميع ما ذكر بلفظ واحد ولا شك أن المراد بتلك الكلمة يتبين بالعائد والخبر ونحوهما، فعلى هذا قد يوافق المعنى المراد اللفظ وقد يخالفه، وإذا خالف فقد يراعى اللفظ خاصة وقد يراعى المعنى خاصة وقد يراعيان معا فقصد المصنف الآن الإشارة إلى ذلك ولكنه قصر الحكم على من وما [1/ 243] فلم يذكر غيرهما. وابن عصفور عمم الحكم فقال (¬3): «ويجوز فيما كان من الموصولات للواحد والاثنين والجمع المذكّر والمؤنّث بلفظ واحد نحو من وما الحمل على اللفظ والحمل على المعنى». ومن ثم اعترض الشيخ على المصنف بأن تخصيصه هذا الحكم من الموصولات بمن وما ليس بجيد؛ لأن غيرهما من الموصولات مما يستعمل مفردا مذكرا يشركهما فيه، وذلك الغير ذا بعد من وما في الاستفهام، وأي في الأفصح، وذو وذات في الأفصح، وأل (¬4) وهذا الذي قاله هو كلام ابن عصفور (¬5). والذي يظهر أن المقتضي لاقتصار المصنف على ذكر من وما أمران: أحدهما: أنهما كانا كالأصل في ذلك (¬6) لغيرهما ولهذا بدأ بهما النحاة في - ¬

_ (¬1) كلمة فصل: مأخوذة من نسخة التسهيل المحققة (ص 36). (¬2) كلمة مذكران. (¬3) المقرب ص 63 قال ابن عصفور: ويجوز فيما كان من الموصولات للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد نحو من وما الحمل على اللفظ فيعامل معاملة الواحد المذكر والحمل على المعنى فيكون الحكم على حسب المعنى الذي تريد وهو أيضا في شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 134 - 136) تحقيق فواز الشغار وإميل يعقوب. (¬4) نصه في التذييل والتكميل: (3/ 107). (¬5) انظر المقرب (ص 63) وشرح الجمل: (1/ 134، 136). (¬6) كلمة في ذلك ساقطة من نسخة الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر عند غير المشترك من الموصولات، وقد اقتصر ابن عصفور في التمثيل عليهما فصار كأنهما الأصل في ذلك فكان ذكرهما مغنيا عن ذكر غيرهما. الثاني: أن مراعاة اللفظ تارة والمعنى أخرى ليس مخصوصا بمن وما الموصولتين بل هذا الحكم جائز في جميع أقسامهما فلا فرق في ذلك بين الموصولتين والشرطيتين - والاستفهاميتين فكان الواجب ذكرهما بالخصوص لأن أخواتهما من الموصولات لا يستعمل إلا موصولا فلو أن المصنف نحا إلى ما نحا إليه ابن عصفور لكان كلامه متوجها إلى من وما الموصولتين فقط ولم يفهم منه أن هذا الحكم لهما في الشرط والاستفهام أيضا. إذا تقرر هذا فاعلم أن بين كلام ابن عصفور في هذا الفصل وكلام المصنف فيه والتقسيم الذي أورداه - مخالفة: وأنا أذكر كلّا من الكلامين ثم أشير إلى وجوه المخالفه بينهما: (¬1). - أما المصنف فإنه قال (¬2): قد تقدم أن من وما يقع كل واحد منهما موقع الذي - ¬

_ (¬1) قبل أن نقرأ هذا الموضوع الطويل الكثير الخلاف إليك تقديما موجزا له وهو ما ذكره الرضيّ في شرحه على الكافية: (2/ 55) في هذا الموضوع قال الرضي: «من وما في اللفظ مفردان مذكران صالحان للمثنى والمجموع والمؤنث فإن عني بهما أحد هذه الأشياء فمراعاة اللفظ فيما يعبر به عنهما من الضمير والإشارة ونحوهما أكثر وأغلب وإنما كان كذلك؛ لأن اللفظ أقرب إلى تلك العبارة المحمولة عليهما من المعنى إذ هو وصلة إلى المعنى ... ثم قال: «وإن تقدم على المحمول على من وما وشبههما من المحتملات ما يقصد المعنى في ذلك المحمول كقولك منهن من أحبها فهو أولى من قولك أحبه لتقدم لفظة منهن فلهذا لم يختلف القراء في تذكير: ومن يقنت منكنّ - ومن يأت بخلاف قوله تعالى: وتعمل لأنه جاء بعد قوله: منكنّ وهو عاضد للمعنى فلذا قال: نؤتها أجرها. وإن حصل بمراعاة اللفظ ليس وجب مراعاة المعنى فلا تقول: لقيت من أحبه وأنت تريد من النسوان إلا أن يكونه هناك قرينة. ويجب أيضا مراعاة المعنى فيما وجب مطابقته للمحمول على المعنى نحو: من هي محسنة أمّك ولا يجوز محسن لأنه خبر لهي المحمولة على معنى من الذي بمعنى التي والخبر المشتق يجب مطابقته للمبتدأ تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا». ثم قال: «وأجاز ابن السراج من هي محسن نظرا إلى أن هي مراد به من الذي يجوز اعتبار لفظه ومعناه فإن حذف هى التي صدر الصلة كما في قولهم ما أنا بالّذي قائل لك شيئا وقيل من محسن أمّك سهل التذكير؛ لأن المقدر لم يتعين كونه بلفظ المذكر أو المؤنث والأصل الحمل على اللفظ كما مر فيقدر مذكرا. ولكون مراعاة اللفظ أكثر وأولى من مراعاة المعنى كان إذا اجتمع المراعاتان تقديم مراعاة اللفظ أكثر من العكس قال تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» حملا على اللفظ. ثم قال: (خالدين) حملا على المعنى». (¬2) شرح التسهيل: (1/ 212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتي وتثنيتهما وجمعهما والكلام الآن في أنهما في اللفظ مفردان مذكران فإذا وافق معناهما. لفظهما كفى المتكلم واستوى العالم والمتعلم وإذا خالف معناهما لفظهما فلك فيما لهما من ضمير وغيره مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى، لكن مراعاة اللفظ فيما اتصل بهما أولى كقوله تعالى: (¬1) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ (¬2)، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (¬3). ومراعاة المعنى فيما اتصل بهما جائز كقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ (¬4) ومن وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ (¬5). ومنه قول امرئ القيس: 416 - فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمأل (¬6) أي التى نسجتها منه. ومثله قول الآخر: 417 - تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (¬7) هذا إذا لم يعضد المعنى سابق فيختار مراعاته كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 212). (¬2) سورةآل عمران: 162. (¬3) سورة الحديد: 23. (¬4) سورةيونس: 43. (¬5) سورة الأنبياء: 82. (¬6) البيت من بحر الطويل وهو ثاني بيت من معلقة امرئ القيس المشهورة وهي في الديوان (ص 8 - 26). اللغة: توضح والمقراة: موضعان. لم يعف رسمها: لم يذهب أثرها. نسجتها: أتت عليها. الجنوب والشمأل: من أسماء الرياح عند العرب. والمعنى: لم يتغير مواضع أحبابه وديارهم بسبب الرياح فقط وإنما بمرور الأزمنة عليها وسقوط الأمطار. ويستشهد بالبيت على مجيء العائد على الموصول باعتبار معناه وهو المفرد المؤنث ولو اعتبر لفظ ما لقال نسجها. والبيت في معجم الشواهد (ص 303) وفي التذييل والتكميل: (3/ 108). (¬7) البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يصف موقفا بينه وبين ذئب لقيه في طريقه فرمى له الفرزدق رجل شاة ثم عاد فرمى له يدها وتصاحبا (انظر القصيدة في ديوان الفرزدق 2/ 329) وبعد بيت الشاهد قوله: وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما ... أخيّين كانا أرضعا بلبان ويستشهد بالبيت على ذكر الضمير العائد على الموصول مثنى باعتبار معناه في قوله: يصطحبان وسيأتي هذا البيت شاهدا مرة أخرى في آخر هذا الباب. وهو في معجم الشواهد (ص 398) وفي شرح التسهيل (1/ 213) وفي التذييل والتكميل (3: 108).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 418 - وإنّ من النّسوان من هي روضة ... تهيج الرّياض قبلها وتصوّح (¬1) فاعتضد اعتبار المعنى وهو التأنيث يسبق من النسوان. والإشارة بقولي: وبما أشبههما إلى نحوكم وكأين .. وأشرت بقولي: أو يلزم بمراعاة اللفظ لبس - إلى نحو قولك: أعط من سألتك لا من سألك، وأعرض عمن مررت بها لا عن من مررت به. فهذا وأمثاله يجب فيه مراعاة المعنى لئلا [1/ 244] يوقع في لبس وفهم غير المراد. وأشرت بما يلزم منه قبح إلى نحو من هي حمراء أمتك فإن مراعاة المعنى فيه متعينة إذ لو استعمل التذكير مراعاة للفظ فقيل: «من هو أحمر أمتك» لكان في غاية من القبح. ووافق ابن السراج على منع التذكير في هذا وأمثاله، وأجاز في نحو من هي محسنة أمك أن يقال: من هي محسن أمّك، ومن محسن أمك، فأما من محسن أمك فقريب (¬2) وأما من هي محسن أمّك ففيه من القبح قريب مما في هى أحمر أمتك فوجب اجتنابهما. والذي حمل ابن السراج على جواز من هي محسن أمك: شبه محسن بمرضع ونحوه من الصفات الجارية على الإناث بلفظ خال من علامة بخلاف أحمر فإن إجراء مثله على مؤنث لم يقع فلذلك اتفق على منع من هي أحمر أمتك (¬3). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة طويلة لجران العود في هجاء امرأته (انظر ديوانه ص 7). والبيت في الديوان هكذا: ولسن بأسواء فمنهنّ روضة ... ...... إلخ اللغة: أسواء: جمع مفرده سواء بمعنى مثل أي لسن سواسية. الرّوضة: الحديقة وتجمع على رياض. تهيج: من هاج النبت إذا يبس (المصباح: 1/ 221). تصوّح: من التصوح، ومعناه أن ييبس البقل من أعلاه. وجران العود يذكر أن من النساء من هن جميلات يرتاح النظر إليهن ومنهن غير ذلك كما في البيت الذي بعده. وشاهده: عود الضمير العائد على الموصول مؤنثا باعتبار معناه والذي قوى ذلك سبقه بما يناسبه. والبيت في معجم الشواهد (ص 85) وفي شرح التسهيل (1/ 213) وفي التذييل والتكميل (3/ 109). (¬2) بالقاف ووجهه أن حذف العائد أباح تذكير خبر الصلة وروي بالغين أي فغريب ووجه غرابته شيئان، أولهما: حذف العائد المرفوع من الصلة القصيرة. الثاني: ما نحن فيه وهو مراعاة لفظ من في تذكير الصلة ثم الإتيان بخبر الموصول بعدها مؤنثا. (¬3) أي وجاز على قبح من هى محسن أمك لشبه محسن بمرضع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ كقول تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (¬1). فلو عضد المعنى بعد اعتبار اللفظ تأيد (¬2) اعتبار المعنى ولذا قرأ غير حمزة والكسائي (¬3): وتعمل (¬4) بالتاء لأن معنى التأنيث قد اعتضد بسبق منكن وهو نظير اعتضاد معنى التأنيث فيمن هي روضة بسبق من النسوان. واعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى كقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً (¬5) ومنه قول الشاعر: 419 - لست ممّن يكعّ أو يستكينو ... ن إذا كافحته خيل الأعادي (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 8. (¬2) في شرح التسهيل: تعين مكان تأيد. (¬3) غير حمزة والكسائي من القراء السبعة هم: نافع وابن كثير وأبو عمرو بن العلاء وابن عامر وعاصم. (¬4) الآية: 31 من سورة الأحزاب وهي: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً. أجمع القراء على قراءة - يقنت بالياء التحتية والحجة في ذلك أن الفعل مسند إلى من ولفظ من مذكر فسبق التذكير إلى الفعل قبل ما يدل على التأنيث من قوله: منكنّ، وقوله: نؤتها أجرها. وهذا بخلاف الفعل الثاني في الآية وهو تعمل. وأما تعمل: فقد قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية وحجتهما في ذلك أنه محمول على تذكير لفظ «من» لأن لفظه مذكر. وغير حمزة والكسائي قرأ بالتاء الفوقية وحجتهم في ذلك أنهم حملوا الفعل على معنى «من» لأن المراد بها مؤنث وهو خطاب لنساء النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأيضا فإنه أتى بعد قوله «منكن» الذي يدل على التأنيث فجرى على تأنيثه (وهو موضع الشاهد في الآية) ومن هنا حسن التأنيث فيه بخلاف الفعل الأول. وأما «نؤتها» فقد قرئ بالياء وهو إخبار عن الله عزّ وجلّ لتقدم ذكره في الآية والآيات السابقة كما قرئ بالنون وفيه تعظيم لله سبحانه تعالى بإعطاء الأجر لنساء النبي عليه الصلاة والسّلام. (انظر في ذلك الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لمكي بن أبي طالب (2/ 196، 197) تحقيق د/ محيي الدين رمضان (مؤسسة الرسالة). (¬5) سورة الطلاق: 11. واعتبار اللفظ أولا في قوله: يؤمن ويعمل ويدخله؛ حيث جاء الضمير مفردا مذكرا، واعتبار المعنى ثانيا في «خالدين» حيث جمع وهو حال، واعتبار اللفظ مرة أخرى في قوله: قد أحسن الله له رزقا. (¬6) البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه وهو في الفخر بالشجاعة والقوة عند الحرب. اللغة: يكعّ: بضم الكاف وكسرها من كع يكع إذا ضعف وجبن. استكان: ذل وخار. والشاهد في البيت: ذكر العائد على الموصول مفردا في يكعّ وجمعا في يستكينون ومفردا مرة أخرى في كافحته وكلّ جائز. والبيت في شرح التسهيل (1/ 214) وفي التذييل والتكميل (3/ 116) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا ما ذكره المصنف في شرح هذا الفصل (¬1). - وأما ابن عصفور: فإنه قدر جواز الحمل في من وما على اللفظ وجوازه على المعنى ومثل لكل منهما ثم قال: (¬2). وإن شئت حملت في جميع ما ذكر بعض الصلة على اللفظ وبعضها على المعنى إلا أن يؤدي حمل بعض الصلة على اللفظ وبعضها على المعنى إلى مخالفة الخبر للمخبر عنه والخبر فعل أو إلى إيقاع وصف خاص بالمذكر على المؤنث أو بالمؤنث على المذكر من الصفات التي لم يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء فإن أدى إلى شيء من ذلك لم يجز وكذلك إن أدى حمل الصلة كلها على اللفظ إلى إيقاع وصف خاص بالمذكر على المؤنث من الصفات المذكورة لم يجز. ومثل مخالفة الخبر للمخبر عنه مع كون الخبر فعلا بقول القائل: من كان يقومان أخواك ومن كان يقومون إخوتك يعني أن الضمير المحمول على اللفظ مخبر عنه بما بعده والخبر الواقع عنه فعل. فهذا لا يجوز فيه إلا الحمل على اللفظ خاصة نحو من كان يقوم أخواك أو على المعنى خاصة نحو من كانا يقومان أخواك. أما المخالفة كالمثال المذكور أولا وهو: (من كان يقومان أخواك)، فلا يجوز. قال: «وإنما قلت والخبر فعل؛ لأن مخالفة الخبر للمخبر عنه إذا كان اسما وكان من الصفات التي يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء ففيه خلاف .. فمنهم من لم يجز الجمع بين الحملين: وإليه ذهب ابن السراج. [1/ 245] ومنهم من أجازه: وإلى ذلك ذهب الكوفيون وأكثر البصريين وهو الصحيح (¬3) فيقول: من كان قائما أخواك. ومن كانا قائمين أخواك. ومن كان قائمين أخواك. الأول على اللفظ والثاني على المعنى والثالث الاسم فيه محمول على اللفظ والخبر على المعنى. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 214). (¬2) نصه في المقرب (1/ 63) من المطبوع (مطبعة العاني ببغداد). (¬3) انظر هذه النقول بنصها في حاشية كتاب المقرب لابن عصفور (ص 18) نسخة جامعة القاهرة المحققة. تحقيق يوسف يعقوب الغنيم (كلية دار العلوم) إشراف الأستاذ عبد السّلام هارون سنة (1970 م) تحت رقم (984).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك: من كان قائما إخوتك. ومن كانوا قائمين إخوتك. ومن كان قائمين إخوتك (¬1) ومن ذلك قوله جل وعلا: وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى (¬2) وقال الشاعر: 420 - ... وأيقظ من كان منكم نياما (¬3) وكذا يقول: من كان قائما جاريتك ومن كانت قائمة جاريتك ومن كان قائمة جاريتك: على اللفظ وعلى المعنى وعليهما معا. قال: «وإنما أجازوا المخالفة بين الخبر والمخبر عنه إذا كان الخبر اسما ولم يجيزوا ذلك فيه إذا كان فعلا لأن المحافظة على المناسبة بين الخبر والمخبر عنه في الفعل أقوى منها في الاسم ولذا جاز أن يقال: زيد نسمة فاضلة وهند شخص حسن». ثم قال (¬4): «وأما ما يؤدي فيه حمل بعض الصلة على اللفظ وبعضها على المعنى إلى إيقاع وصف خاص بالمذكر على المؤنث، أو المؤنث على المذكر من الصفات التي لم يفصل بين مذكرها ومؤنثها بالتاء فلا يخلو من أن يكون صفة المذكر والمؤنث منه من لفظ واحد نحو أحمر وحمراء أو لا يكون نحو عبد وأمة». قال: فإن (¬5) كانت من لفظ واحد فإن الكسائي لا يجيز إيقاع صفة المذكر من ذلك على المؤنث ولا المؤنث على المذكر فيجوز عنده أن تقول من كانت حمراء جاريتك حملا على المعنى ومن كان حمراء جاريتك حملا للاسم على اللفظ وللخبر على المعنى ولا يجوز عنده أن تقول من كان من النساء أحمر جاريتك - ¬

_ (¬1) الأول: الاسم والخبر فيه محمولان على اللفظ، والثاني: محمولان على المعنى، والثالث: الاسم محمول على اللفظ والخبر محمول على المعنى. (¬2) سورة البقرة: 111. (¬3) الشاهد شطرة ثانية من بحر المتقارب لم أعثر لها على تتمة أو قائل. وشاهده هنا: أنه جمع فيما عاد على الموصول بين الحمل على اللفظ (اسم كان) والحمل على المعنى (خبرها). والشاهد في التذييل والتكميل (3/ 111) وليس في معجم الشواهد. (¬4) القائل هو ابن عصفور، وما نقل هنا مجمله في المقرب (1/ 63) من المطبوع و (ص 18) من المخطوط المحقق بجامعة القاهرة، وأما تفصيله والأمثلة المذكورة ففي حاشية على المقرب من النسخة المخطوطة المحققة. (¬5) كلمة (فإن) ساقطة من النسخ وهي من عندنا زيادة يقتضيها المقام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا من كان أحمر جاريتك. والفراء يجيز جمع ذلك لاتفاق صفة المذكر والمؤنث في الحروف الأصول كاتفاق قائم وقائمة في ذلك (¬1). وما ذهب إليه الكسائي هو الصحيح؛ لأن مثل قائمة قد تقع على المذكر كراوية ونافعة ومثل قائم قد يقع على المؤنث كحائض وطامث ومثل أحمر لا يقع على المؤنث ومثل حمراء لا يقع على المذكر. وإن لم يكن من لفظ واحد كأمة وعبد لم يجز عند أحد من النحويين أن يقع صفة المذكر على المؤنث ولا المؤنث على المذكر فتقول: من كانت أمة جاريتك حملا على المعنى ومن كان أمة جاريتك حملا للاسم على اللفظ وللخبر على المعنى ولا يجوز أن تقول: من كان من النساء عبدا أمتك ولا من كان عبدا أمتك، ومثال ما يؤدي فيه حمل جميع الصلة على اللفظ إلى إيقاع وصف خاص للمذكر على المؤنث من الصفات غير المفصول بين مذكرها ومؤنثها بالتاء قولك من كان أحمر جاريتك. هذا آخر كلام ابن عصفور (¬2) وبينه وبين كلام المصنف المخالفة من جهات: أحدها: أن المصنف لم ينص على مسألة من كان يقومان أخواك (¬3) ولا نبه على أنها ممتنعة وذلك إما لأن ذلك جائز عنده غير ممتنع وإما لأنه إنما ذكر أولا [1/ 246] حمل جملة الكلام على اللفظ وحمله على المعنى ولا شك أن المسألة المذكورة جائز فيها الحمل على اللفظ خاصة وعلى المعنى خاصة كما تقدم. والممتنع كما ذكر ابن عصفور إنما هو حمل البعض على اللفظ والبعض على المعنى، وإما لأنه أهمل التعرض الى المسألة المذكورة. ثانيها: أن المصنف لم يفرق في الصفات بين باب أحمر وحمراء وبين باب قائم وقائمة ويؤخذ هذا من قوله في متن الكتاب: مطلقا أي سواء فصل بين المذكر والمؤنث التاء أم لم يفصل ولهذا عقب ذلك بقوله. خلافا لابن السّراج في نحو من هي محسنة أمّك. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (3/ 112). (¬2) انظر التعليق رقم: 4 من الصفحة السابقة. (¬3) وهي التي يخالف فيها الخبر المخبر عنه مع كون الخبر فعلا وهي غير جائزة عند ابن عصفور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثالثها: إن نقل ابن عصفور عن ابن السراج مخالف نقل المصنف عنه فإن المصنف ذكر أن ابن السراج يجيز نحو من هي محسن أمّك وابن عصفور ذكر أن ابن السراج يمنع ذلك (¬1). إذا عرف هذا فالحكم أن كلام المصنف تضمن ذكر حكم لم يتضمنه كلام ابن عصفور وهو أن ثم صورة أخرى يجب فيها مراعاة المعنى كما وجب فيمن كانت حمراء أمتك وهي التي يحصل فيها بمراعاة اللفظ لبس نحو أعط من سألتك لا من سألك وأعرض عن من مررت بها لا عن من مررت به. وإن في كلام ابن عصفور أمرين: أحدهما: أن لقائل أن يقول كيف أجاز من كان حمراء أمتك مع أن فيه إيقاع وصف خاص بالمؤنث على المذكر لأن حمراء خبر عن الضمير المذكر المستتر في كان، فلا فرق بين هذا وبين قولنا: من كان أحمر أمتك لأن كلّا من حمراء وأحمر واقع خبرا عن الضمير المستتر في كان العائد على من المخبر عنه بأمتك إلا كأنهم لم يعتبروا ما ذكرته وإنما لحظوا أن مدلول من مؤنث بدليل الإخبار عنه بمؤنث وأحمر خبر عن الضمير العائد على من فكأن أحمر أخبر به عن من نفسها وهو صفة مختصة بالمذكر فلم يجز وقوعها هنا وهذا بخلاف حمراء فإنها موافقة لمن في المعنى فجاز وقوعها. - ¬

_ (¬1) قال ابن السراج في كتابه الأصول في النحو (2/ 360، 361) تحقيق عبد الحسين الفتلي تقول: «من أحمر أخوك تريد من هو أحمر أخوك ومن حمراء جاريتك تريد من هى حمراء جاريتك، وليس لك أن تقول: من أحمر جاريتك فتذكر أحمر للفظ من لأن أحمر ليس بفعل تدخل التاء في تأنيثه ولا هو أيضا باسم فاعل يجري مجرى الفعل في تذكيره وتأنيثه لا يجوز أن تقول: من أحمر جاريتك ويجوز أن تقول: من محسن جاريتك لأنك تقول: محسن - ومحسنة كما تقول ضرب وضربت فليس بين محسن ومحسنة في اللفظ والبناء إلا الهاء وأحمر وحمراء ليس كذلك للمذكر لفظ وبناء غير بناء المؤنث وهذا مجازه والأصل غيره وهو في الفعل عربي حسن يقول: من أحسن جاريتك ومن أحسنت جاريتك كله عربي فصيح ولست تحتاج أن تضمر هو ولا هي فإذا قلت: من محسن جاريتك فكأنك قلت من هو محسن جاريتك، فأكدت تذكير من بهو ثم تأتي بعد ذلك بمؤنث فهو قبيح إذا أظهرت هو وهو مع الحذف أحسن» انتهى. وما ذكره ابن عصفور في مذهب ابن السراج هو الأصح لأنه قال إذا قلت: «من محسن جاريتك فلست تحتاج أن تضمر هو ولا هي».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحاصل: أنهم لم ينظروا إلى الضمير وكأن المقتضي لعدم اعتبار الضمير مع كونه عائدا على من التي معناها مؤنث فلم تعتبر المخالفة بينه وبين ما أخبر به عنه في نحو قولنا من كان حمراء أمتك فجوزوا ذلك دون قولنا من كان أحمر أمتك. ثانيهما: إدخاله نحو أمة وعبد في تقسيم الصفات وليسا بوصفين وإنما هما اسمان. وبعد: فالذي يظهر أن كلام المصنف في هذا الفصل أنظف من كلام ابن عصفور. ثم إنه قد بقي من متعلقات الكلام المتقدم أمور: ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: أنه قد تقدم أنه قد يحمل على اللفظ خاصة وقد يحمل على المعنى خاصة وقد يحمل عليهما وأن البداءة بالحمل على اللفظ حينئذ أولى قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (¬1). وأنه يجوز أن يبدأ بالحمل على المعنى ثم يحمل على اللفظ. قال ابن عصفور (¬2): «وهذا يعني الحمل على المعنى ثم اللفظ [1/ 247] باتفاق النحويين إن وقع بين الحملين فصل فتقول من يقومون اليوم وينظر في أمرنا إخوتك فإن لم يفصل وقيل وينظر لم يجز عند الكوفيين وأجاز ذلك البصريون قالوا: والسماع في الحمل على اللفظ بعد الحمل على المعنى إنما هو مع الفصل والسيرافي ذكر أن البصريين لا يشترطون الفصل والكوفيون يشترطون ذلك (¬3). والأستاذ أبو علي الشلوبين عكس هذا النقل فجعل مذهب البصريين اشتراط الفصل ومذهب الكوفيين عدم الاشتراط». - ومنها: أنه تقدم أن سبب الحمل على اللفظ مراعاة اللفظ وسبب الحمل على المعنى مراعاة المعنى. - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 73. واسم الموصول في الآية هو ما. وعائد المفرد المحمول على لفظ ما: فاعل يملك، وعائد الجمع المحمول على معنى ما: فاعل يستطيعون. (¬2) انظر إشارة إلى ذلك في شرح الجمل له (1/ 138) وما بعدها بتحقيق الشغار ويعقوب. (¬3) انظر نصه في التذييل والتكمييل (3/ 110) وقد نقله أبو حيان بأمثلته وأعلامه دون أن يشير إلى ابن عصفور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر ابن عصفور (¬1): أن سبب الحمل على المعنى عند الكوفيين مراعاة المعنى وكون اللفظ لا يمكن ظهور المعنى فيه فلا يجوز عندهم من ضربته أجمعين إخوتك بتأكيد الضمير المنصوب على المعنى لأنه يمكن أن يظهر المعنى في اللفظ فتقول من ضربتهم أجمعين إخوتك فيجوز عندهم من ضربته أجمعون إخوتك على أن تجعله تأكيدا لمن على المعنى لأن المعنى لا يظهر في لفظه. ومذهب البصريين هو الصحيح بدليل قوله تعالى: يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ (¬2). فخالدين حال من الضمير المنصوب في يدخله وقد جمع حملا على المعنى مع أن إظهار المعنى في اللفظ ممكن. - ومنها: أنه تقدم أنه لا فرق في مراعاة لفظ من وما ومعناهما بين الموصولتين والشرطيتين والاستفهاميتين. وتقدم التمثيل بقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً (¬3) مما وجد فيه الحمل على اللفظ ثم الحمل على المعنى ثم الحمل على اللفظ. ومثله قوله تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذا جاءَنا (¬4). وأما من قرأ جاءانا على التثنية فهو ضمير العاشي والقرين (¬5). قالوا: ومما وقع فيه الحمل على اللفظ خاصة ولا يجوز الحمل على المعنى قولهم في التعجب ما أحسن زيدا. وإن كان الذي أوجب التعجب صفة مؤنثة أو صفات متعددة وعكسه أي ما وقع فيه الحمل على المعنى ولا يجوز فيه الحمل على اللفظ قولهم ما جاءت حاجتك كأنه قال: أية حاجة صارت حاجتك. ولك أن تقول: أما ما جاءت حاجتك فكلام يجب الوقوف فيه على الوارد من العرب؛ لأن «جاءت» فيه بمعنى صارت. واستعمال «جاءت» بهذا المعنى شاذ. - ¬

_ (¬1) شرح الجمل له (1/ 138) وما بعدها بتحقيق الشغار ويعقوب. (¬2)، (¬3) سورة الطلاق: 11. (¬4) سورة الزخرف: 36 - 38. (¬5) في التبيان للعكبري (2/ 1139): قال أبو البقاء: قوله تعالى: جاءَنا على الإفراد ردّا على لفظ من وعلى التثنية ردّا على القرينين الكافر وشيطانه. وفي تعليق المحقق قال: حَتَّى إِذا جاءَنا قرأه الحرميان وأبو بكر وابن عامر على التثنية.

[من وما: أنواعهما- معناهما]

[من وما: أنواعهما - معناهما] [1/ 248] قال ابن مالك: (وتقع من وما شرطيّتين واستفهاميّتين ونكرتين موصوفتين ويوصف بما على رأي ولا تزاد من خلافا للكسائي ولا تقع على غير من يعقل إلّا منزلا منزلته أو مجامعا له شمول أو اقتران خلافا لقطرب وما في الغالب لما لا يعقل وحده وله مع من يعقل ولصفات من يعقل وللمبهم أمره وأفردت نكرة وقد تساويها من عند أبي عليّ وقد تقع الّذي مصدريّة موصوفة بمعرفة أو شبهها في امتناع لحاق «أل»). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولعل هذا الكلام جرى مجرى المثل، والأمثال لا تغير (¬1). وأما ما أحسن زيدا: فما فيه بمعنى شيء ولهذا تقول النحاة: إنها نكرة تامة في هذا الموضع. وإذا كان كذلك فمعناها موافق في لفظها في الإفراد والتذكير فلا يقال إن الحمل على اللفظ خاصة بل الحمل على اللفظ والمعنى معا لاتفاقهما. ولنختم هذا الكلام بمسألة: وهي قولك: جاءني من خرج أنفسه؛ اعتبر اللفظ في الضمير والمعنى في التأكيد فجمع النفس ثم اللفظ في الضمير المضاف إليه التأكيد فأجازها الكسائي وهشام ومنعها الفراء (¬2). قال ناظر الجيش: لما ذكر أنّ من وما موصولتان وكانا يستعملان غير موصولتين شرع في تبيين ذلك، وفي ذكر ما يختص به إحدى الكلمتين عن الأخرى وختم الفصل بأمر ثالث وهو أن الذي قد تستعمل مصدرية وأنها توصف فيستغنى بالوصف عن الصلة فالكلام إذن في ثلاثة مقاصد: - الأول: أن من وما يقعان شرطيتين واستفهاميتين ونكرتين موصوفتين كما وقعتا - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في كتابه: (1/ 50) ومثل قولهم: من كان أخاك قول العرب: ما جاءت حاجتك بالنّصب كأنّه قال: ما صارت حاجتك ولكنّه أدخل التّأنيث على ما حيث كانت الحاجة كما قال بعض العرب: من كانت أمك حيث أوقع من على مؤنث وإنّما صيّر جاء بمنزلة كان في هذا الحرف وحده لأنه بمعنى المثل ... ومن يقول من العرب: ما جاءت حاجتك بالرّفع كثير كما يقول: من كانت أمّك ولم يقولوا ما جاء حاجتك كما قالوا: من كان أمّك لأنه بمنزلة المثل فألزموه التّاء كما اتفقوا على: لعمر الله في اليمين. وقد تكرر هذا المثل في كتاب سيبويه أكثر من مرة (2/ 179)، (3/ 248). (¬2) انظر المسألة بالتفصيل في التذييل والتكميل (3/ 114).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موصولتين: فمثالهما شرطيتين قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً (¬1)، وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (¬2)، وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ (¬3). ومثالهما في الاستفهام قوله تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (¬4). وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (¬5). ومثالهما نكرتين موصوفتين قولهم: مررت بمن معجب لك أي بإنسان معجب لك. ومنه قول الشاعر: 421 - ألا ربّ من تفتشه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين (¬6) وقول الآخر: 422 - ربّما تكره النّفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال (¬7) فما بمنزلة شيء، وتكره النفوس صفة له، والعائد محذوف، والتقدير رب شيء تكرهه النفوس من الأمر ولا تكون ما هذه هي المهملة (¬8) لأن تلك حرف فلا يعود عليها ضمير. - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 269. (¬2) سورة البقرة: 197. (¬3) سورةآل عمران: 115. (¬4) سورة النساء: 87. (¬5) سورةطه: 17. (¬6) البيت من بحر الطويل ومع أنه في كثير من كتب النحو واللغة وفي كتاب سيبويه (2/ 109) إلا أنه مجهول القائل. ومعناه: قاعدة من القواعد الاجتماعية وهي: رب شخص تنبه إلى الغش وهو سليم الطوية ناصح لك، ورب آخر تظنه صديقا لك أمينا على سرك بينما يتمنى لك الضرر. وشاهده: وقوع من نكرة، في قوله: ألا رب من تفتشه؛ لأن رب لا تدخل إلا على النكرات وقد وصفت «من» بالجملة بعدها. وناصح: يحتمل أن تكون صفة أخرى لمن فتجر ويكون خبر من محذوفا ويحتمل أن تكون هي الخبر فترفع. ومؤتمن وغير: يجوز فيهما الرفع والجر على التأويلات المذكورة. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 215) وفي شرح أبى حيان (3/ 117) وفي معجم الشواهد (ص 400). (¬7) البيت من بحر الخفيف سبق الحديث عنه. والشاهد فيه هنا: مجيء ما بمعنى الاسم النكرة الموصوف بجملة كما في الشرح. (¬8) أي الزائدة اللاحقة رب والتي تكفها عن عمل الجرّ وتؤهلها للدخول على الجملة بنوعيها كقوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحجر: 2]؛ لأن هذه حرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشدوا أيضا على ذلك: 423 - سالكات سبيل قفرة بدّي ... ربّما ظاعن بها ومقيم (¬1) فما بمنزلة إنسان وقعت على من يعقل؛ لأن الموضع عموم وظاعن خبر ابتداء مضمر ومقيم معطوف عليه، والجملة في موضع صفة، والتقدير رب إنسان هو ظاعن بقلبه إلى أحبته الذين ظعنوا عن هذه البلدة ومقيم بجسمه فيها. ولا يكون ما كافة لأن رب التى تلحقها ما الزائدة لا تدخل على الجملة الاسمية ويعود الضمير عليها (¬2). ثم اعلم أن الكسائي: يدعي أن العرب لا تستعمل من نكرة موصوفة إلا بشرط وقوعها في موضع لا يقع فيه إلا النكرة نحو قولك: ربّ من عالم أكرمت وربّ من أتاني أحسنت إليه (¬3) أي رب إنسان آت إليّ أحسنت إليه ومنه قول الشاعر: 424 - ربّ من أنضجت غيظا قلبه ... قد تمنّى لي موتا لم يطع (¬4) وقد رد عليه بقول الشاعر: 425 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (¬5) ¬

_ (¬1) البيت من بحر الخفيف لم أجده إلا في التذييل والتكميل (3/ 120) ولم ينسب لقائل. وصاحبه يصف إبلا سلكت صحراء مقفرة يقيم فيها بعض الناس ويرتحلون. وشاهده واضح من الشرح. (¬2) هذا كلامه، وفي المغني (1/ 310) في حديث عن رب هذه اللاحق بها ما الزائدة، قال ابن هشام: «ولا يمتنع دخولها على الجملة خلافا للفارسيّ». (¬3) انظر في رأي الكسائي التذييل والتكميل (1/ 673) والمغني (1/ 328). (¬4) البيت من بحر الطويل قائله سويد بن أبي كاهل اليشكري من قصيدة طويلة له تسمى اليتيمة سبق الحديث عنها وبعد بيت الشاهد قوله (المفضليات للتبريزي: 1/ 70): ويراني كالشّجا في حلقه ... عسرا مخرجه ما ينتزع قد كفاني الله ما في نفسه ... ومتى ما يكف شيئا لا يضع وشاهده: تنكير من وجوبا لدخول رب عليها ورب خاصة بالنكرات، وجملة أنضجت: صفة لهذه النكرة. وجملة قد تمنى: قد تكون صفة أخرى وقد تكون الخبر. والبيت في معجم الشواهد (ص 208) وفي التذييل والتكميل (3/ 118). (¬5) البيت من بحر الكامل نسب لحسان ولم أجده في ديوانه كما نسب لعبد الله بن رواحة ولم أجده أيضا في ديوانه وقيل هو لكعب بن مالك (الخزانة: 6/ 122). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه روي بخفض غير نعتا لمن. ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المقصد الثاني (¬1) ففيه مسائل: الأولى: أن ما تقع صفة دون من: وإليه الإشارة بقوله: ويوصف بما على رأي. قال المصنف: «واختلف في ما من نحو قولهم: لأمر ما جدع قصير (¬2) أنفه فالمشهور [1/ 249] أنها حرف زائد منبه على وصف مراد لائق بالمحل. وقال قوم: هي اسم موصوف به والأول لأن زيادة ما عوضا عن محذوف ثابتة في كلامهم من ذلك قولهم: «أمّا أنت منطلقا انطلقت» فزادوا ما عوضا من كان، ومن ذلك قولهم: حيثما تكن أكن فزادوا ما عوضا من الإضافة وليس في كلامهم نكرة موصوف بها جامدة كجمود ما إلا وهي مردفة بمكمل كقولهم: مررت برجل أي رجل، وأطعمنا شاة كل شاة، وهذا رجل ما شئت من رجل؛ فالحكم على ما المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية حكم بما لا نظير له فوجب اجتنابه» انتهى (¬3). والمغاربة أثبتوا وقوعها صفة، قال ابن عصفور (¬4): ومثال كونها صفة قولك: - ¬

_ - والبيت يفتخر به شاعر الأنصار أن النبي عليه السّلام آثرهم بحبه وفضلهم على غيرهم حيث هاجر إليهم. والشاهد في البيت: ورود من نكرة موصوفة دون أن تدخل عليها رب، وفي هذا البيت رد على الكسائى الذي يدعي أن من لا تستعمل نكرة موصوفة إلا في موضع لا تقع فيه إلا النكرة. ووجه الرد أن غيرنا في البيت وردت مجرورة على أنها نعت لمن فدل على أن من نكرة وهذا الموضع لا يختص بالنكرات. كما روي البيت برفع غير فتحتمل من أن تكون نكرة أيضا والجملة بعدها صفة في موضع جر وأن تكون موصولة والجملة بعدها صلة وحذف العائد. قال أبو حيان: وللكسائي أن يقول: من في البيت زائدة والتقدير: على غيرنا إذ من مذهبه جواز زيادة من. واستشهد ابن هشام بالبيت على زيادة الباء في فاعل كفى المتعدية لواحد (مغني اللبيب: 1/ 109). والبيت ومراجعه في معجم الشواهد (ص 388) وفي التذييل والتكميل (3/ 119). (¬1) وهو ذكر ما يختص به إحدى الكلمتين (من وما) عن الأخرى. (¬2) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 3/ 121) قالته الزباء لما رأت قصير بن سعد اللخمي قد قطعت أنفه وسبب ذلك أنه أراد أن يتودد للزباء لتطمئن إليه فيستطيع أن يأخذ بثأر صاحبه جذيمة ابن الأبرش من الزباء فقطع أنفه وادعى أن عمرو بن عدي عدوها هو الذي فعل به ذلك وبرع في تلك الحيلة فاطمأنت إليه الزباء فكان ذلك سببا في قتلها. (انظر مجمع الأمثال: 1/ 216) وهي قصة طريفة. (¬3) شرح التسهيل: (1/ 242). (¬4) انظر نصه في شرح الجمل له: (3/ 40) باب مواضع ما وهي تسعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلت هذا لأمر ما؛ أي لأمر عظيم فما لإبهامها ضمنت معنى عظيم لأن العرب تستعمل الإبهام في موضع التعظيم كقوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (¬1)، وكقوله تعالى: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (¬2) ومن كلامهم لأمر ما جدع قصير أنفه أي لأمر عظيم ومنه: 426 - [عزمت على إقامة ذي صباح] ... لأمر يسوّد من يسود (¬3) أي لأمر عظيم. قال: ولا يمكن أن تكون ما زائدة؛ لأن زيادتها أولا وآخرا تقل ولا يحفظ منه إلا قولهم: أفعله آثرا ما أي آثرا له على غيره، ولأنها تعطي التعظيم ولا يستعمل نعتا إلا إذا قصدته ولو كانت زائده لم يكن في الكلام معنى التعظيم. وجعلها ابن السّيد (¬4) بعد أن حكم بوصفيتها ثلاثة أقسام (¬5): قسم يراد به التعظيم: ومنه إنشاد سيبويه لأمر ما يسوّد من يسود ومنه قول - ¬

_ (¬1) سورةطه: 78. (¬2) سورة الحاقة: 1، 2. (¬3) البيت من بحر الوافر قاله أنس بن مدركة الخثمعي مفتخرا عند ما غزا أعداء قومه ذات صباح وغنم منهم فلما رجع سوده قومه عليهم (انظر ذلك في خزانة الأدب: 3/ 87). والبيت استشهد به سيبويه (1/ 227) على خروج ذي صباح عن الظرفية ثم جرها بالإضافة على لغة خثعم. وأما شاهده هنا فهو أن ما يراد بها التعظيم. فهي نكرة وصف بها ما قبلها والتقدير لأمر عظيم. والبيت في معجم الشواهد (ص 106) وفي شرح التسهيل لأبي حيان: وللمرادي (1/ 230). والشطرة الثانية جعلها الميداني من أمثال العرب في كتابه مجمع الأمثال (1/ 121) (¬4) هو عبد الله بن محمد بن السيد بكسر السين أبو محمد البطليوس نزيل بلنسية كان عالما باللغات والآداب متبحرا فيهما وقد انتصب لإقراء النحو واجتمع إليه الكثير وكان شاعرا ومن شعره: أخو العلم حيّ خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التّراب رميم وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ... يظنّ من الأحياء وهو عديم مصنفاته كثيرة: ومنها: إصلاح الخلل الواقع في الجمل للزجاجي (مطبوع: تحقيق د/ حمزة النشرتي دار المريخ بالرياض) وله كتاب: الحلل في شرح أبيات الجمل (مطبوع بتحقيق د/ مصطفى إمام - مكتبة المتنبي 1979 م). شرح أدب الكاتب وشرح سقط الزند وديوان المتنبى والموطأ وغيره. قارب ثمانين السنة في حياته حيث ولد سنة (444 هـ) ومات سنة (521 هـ) ببلنسية. ترجمته في الأعلام (4/ 268)، بغية الوعاة (2/ 55). (¬5) إصلاح الخلل الواقع في الجمل (ص 350) تحقيق مصطفى إمام وهو بنصه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القائل: 427 - [وحديث الركب يوم هنا] ... وحديث ما على قصره (¬1) أي حديث طويل وإن كان قصيرا. وقسم يراد به التحقير: كقولك لمن سمعته يفخر بما أعطاه وهل أعطيت إلا عطية ما. وقسم يراد به التنويع: نحو ضربته ضربا ما أي نوعا من الضرب ومنه قول العرب: أفعله آثرا ما كأنه قال نوعا ما من الإيثار وآثر مصدر جاء على فاعل. الثانية: أن من: قال الكسائي بجواز زيادتها (¬2): واستشهد بقول الشاعر: 428 - يا شاة من قنص لمن حلّت له ... حرمت عليّ وليتها لم تحرم (¬3) قال المصنف (¬4): ولا حجة فيه لوجهين: أحدهما: أن الرواية المشهورة يا شاة - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المديد قاله امرؤ القيس من قصيدة له مطلعها (الديوان ص 127): ربّ رام من بني ثعل ... مفلح كفّيه في قتره وشاهده واضح وهو في التذييل والتكميل (3/ 122). وجاءت الشطرة الأولى في لسان العرب (مادة هنا) شاهدا على أن كلمة هنا اسم موضع غير مصروف لأنه ليس معروفا في الأجناس فهو كجحا. والبيت ليس في معجم الشواهد. (¬2) شرح التسهيل (1/ 216)، التذييل والتكميل (3/ 124)، المغني (1/ 329). (¬3) البيت من بحر الكامل من معلقة عنترة الطويلة المشهورة التي يتحدث فيها عن شجاعته وفروسيته ويشرح جانبا من غزله ومطلعها (شرح ديوان عنترة ص 164، شرح المعلقات السبع ص 154). هل غادر الشّعراء من متردّم ... أم هل عرفت الدار بعد توهّم وبعد بيت الشاهد قوله: فبعثت جاريتي وقلت لها اذهبي ... فتحسّسي أخبارها لي واعلمي قالت رأيت من الأعادي غرّة ... والشّاة ممكنة لمن هو مرتمي اللغة: الشاة: كناية هنا عن المرأة. القنص: الصيد. الغرّة: الغفلة. لمن هو مرتمي: لمن يتجرأ ويذهب إليها، وشاهده واضح. والبيت في معجم الشواهد (ص 374) وفي شرح التسهيل (1/ 216) وفي التذييل والتكميل (3/ 124). (¬4) شرح التسهيل (1/ 216).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما قنص بزيادة ما. والثاني: أن من على تقدير صحة الرواية يحتمل أن تكون نكرة موصوفة بقنص على تقدير: يا شاة رجل قنص أي ذي قنص. والحمل على هذا راجح؛ لأنه تقدير شائع أمثاله بإجماع؛ إذ ليس فيه إلا حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وأمثال ذلك كثيرة بخلاف ما ذهب إليه الكسائي فإنه لم يثبت مثله دون احتمال فوجب اجتنابه. الثالثة: الشائع الذائع أن من لمن يعقل وأن ما لما لا يعقل ثم إن في كل خلافا. أما من: فالقول بأنها تقع على غير العاقل ضعيف واقتصر المصنف على نسبة هذا القول إلى قطرب فقال (¬1): وزعم محمّد بن المستنير الملقّب قطربا أنّ من تقع على من لا يعقل دون اشتراط ما يصحّح ذلك وجعل منه قوله تعالى: وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (¬2) [1/ 250] وهذا القول غير مرضي إذ لا دليل عليه ولا محوج إليه انتهى. ووجه الدلالة لقطرب من الآية الشريفة: أن المراد بمن لا يخلق الأوثان والأصنام (¬3) وهذا الاستدلال لا يتم لاشتراك العاقل وغير العاقل بمن لا يخلق؛ إذ قد عبد من دون الله من يعقل أيضا كما عبد من لا يعقل وسيأتي أن من تستعمل لغير العاقل إذا خالط من يعقل. والحق أنها مختصة بمن يعقل ولا تستعمل فيما لا يعقل إلا في حالتين: إحداهما: أن تنزل منزلة من يعقل كقوله تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ (¬4) فعبر بمن عن الأصنام لتنزيلها منزلة من يعقل. ومنه قول الشاعر: 429 - بكيت إلى سرب القطا إذ مررن بي ... فقلت ومثلي بالبكاء جدير ¬

_ (¬1) المرجع السابق والهمع (1/ 91). (¬2) سورة الحجر: 20. (¬3) انظر إلى هذا الخطأ الذي وقع فيه الشارح: الآية التي احتج بها قطرب على أن من تقع على غير العاقل هي قوله تعالى: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ ووجه الدلالة فيها: أن من لم يرزقه الناس هو الطيور والوحوش التي جعلها الله للناس غير عاقلة وأوقع عليها من، أما الشارح فقد شرح آيةأخرى وهي قوله تعالى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ [النحل: 17]. (¬4) سورة الأحقاف: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلّي إلى من قد هويت أطير (¬1) وقال امرؤ القيس: 430 - ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي (¬2) فأطلق من على سرب القطا وكذا على الطل لأنهما نزلا منزلة من يعقل لما. الثانية: إذا جاء مع من يعقل بشمول أو اقتران أما الشمول فكقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (¬3)، وكقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ (¬4) لأن الماشي على رجليه عاقل كالإنسان وغير عاقل كالطائر. وأما الاقتران فقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ (¬5) ثم قال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ (¬6). قال ابن الضائع: «قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ (¬7) ممّا غلّب فيه من يعقل على من لا يعقل لاختلاطهما وذلك أنّ كلّ دابة هنا يعمّ العاقل وغيره فغلّب من يعقل فقيل: فمنهم من؛ لأن هم ضمير العاقلين؛ فلما كان المذكور بعد منهم بعض هذا الضّمير الّذي هو العاقل عبّر عنه بلفظ من يعقل أيضا تتميما - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الطويل من قصيدة لمجنون ليلى في ديوانه (ص 137) صدرت بالآتي: بينما هو سائر وهو هائم على وجهه إذ مر بسرب من قطا يتطاير فقال: شكوت إلى سرب القطا وهما بيتا الشاهد، وبعدهما: فجاوبني من فوق غصن أراكة ... ألا كلّنا يا مستعير معير وأيّ قطاة لم تعرك جناحها ... فعاشت بضرّ والجناح كسير كما نسب البيتان للعباس بن الأحنف والشاهد فيهما واضح. ومراجع البيتين في معجم الشواهد (ص 157) وهما في شرح التسهيل (1/ 217) وفي التذييل والتكميل (3/ 125) وفي شرح المرادي (1/ 222). (¬2) البيت مطلع قصيدة طويلة لامرئ القيس يصف فيها لهوه وجريه وراء النساء ودخوله عليهن ليلا وبعد المطلع يقول (الديوان ص 27): وهل يعمن إلّا سعيد مخلّد ... قليل الهموم ما يبيت بأوجال ومعنى بيت الشاهد: دعاء للطل أن يسلم من عوامل الزمن والآفات ويقصد به أهله ثم استبعد كيف ينعم الطلل. وقد تفرق عنه أهله. ثم ذكر أنه لا ينعم إلا قليل الهموم فارغ البال. وشاهده واضح من الشرح. ومراجعه كثيرة في معجم الشواهد (ص 386). وهو في شرح التسهيل لأبي حيان (3/ 125). (¬3) سورة النور: 41. (¬4)، (¬5)، (¬6)، (¬7) سورة النور: 45.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للتّغليب» انتهى. وأما ما: فمذهب المصنف أنها تقع على العاقل لكن ذلك قليل ويدل على هذا قوله: وما في الغالب لما لا يعقل قال: واحترزت بالغالب من نحو قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ (¬1) ومنه قول بعض العرب: سبحان ما سخر كن لنا. والذي ذهب إليه المصنف من ذلك هو رأي ابن خروف وزعم أنه مذهب سيبويه وهو مذهب أبي عبيدة (¬2) وابن دستوريه (¬3) ومكي (¬4) واستدلوا بما استدل به المصنف وبقول العرب: سبحان ما سبّح الرّعد بحمده، وبقول الله تعالى: وَالسَّماءِ وَما بَناها (5) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (6) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (¬5) وبقوله تعالى: وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (¬6). وقد تأول المخالفون (¬7) هذه الأدلة بجعل ما مصدرية فقالوا: التقدير ما منعك أن - ¬

_ (¬1) سورةص: 75. (¬2) معمر بن المثنى البصري النحوي المولود سنة (111 هـ) ومعمر بفتح ميميه بينهما عين ساكنة والمثنى بضم الميم وتشديد النون. عالم بالغريب وأيام العرب وأخبارها تعلم على يديه الكثير منهم هارون الرشيد الخليفة ووزيره الفضل بن الربيع والمازني وأبو نواس والقاسم بن سلام وهو الذي سئل في مجلسه عن قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] فأجاب بأن العرب في التهويل تشبه بما ليس موجودا لشدة الخوف. كان سليط اللسان يؤذي به كثيرا من الناس ولذلك تحاشوه وبعدوا عنه ولما مات سنة (209 هـ) لم يحضروا جنازته. مصنفاته كثيرة جدّا: منها كتاب مجاز القرآن، وغريب القرآن، ومعاني القرآن، والشعر والشعراء، وكتب في التاريخ ووصف الحيوان. انظر ترجمته في وفيات الأعيان: (5/ 235)، نزهة الألباء (ص 104)، بغية الوعاة: (1/ 294). (¬3) هو أبو محمد المرزبان سبقت ترجمته. (¬4) هو أبو محمد مكي بن أبي طالب بن محمد بن مختار القيسي الأندلسي ولد بالقيروان سنة (355 هـ) ونشأ بها، وسافر إلى مصر ثم رجع إلى القيروان، ومنها خرج إلى مكة وارتحل إلى الاندلس، وولي خطابة جامع قرطبة حتى توفي بها سنة (437 هـ) وكان نحويّا فاضلا كما كان عالما بالقراءات وله فيها كتب كثيرة. مصنفاته: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها وهو مطبوع مشهور بتحقيق الدكتور (محيي الدين عبد الرحمن رمضان) وله الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن الكريم وتفسيره وأنواع علومه وله كتاب إعراب مشكل القرآن، وله الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه وله كتب أخرى. انظر في ترجمته معجم المؤلفين: (13/ 3). نزهة الألباء (ص 3437). بغية الوعاة: (2/ 298). (¬5) سورة الشمس: 5 - 7. (¬6) سورة الكافرون: 3. (¬7) أي القائلون بأن ما لا تكون إلا لغير العاقل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تسجد لخلقي أي لمخلوقي ولا أعبد عبادتكم أي معبودكم ولا يخفى ما في هذا من التكلف، وكذا قالوا: التقدير والسماء وبنائها وطحوها وتسويتها قالوا والضمير في بناها وما بعدها عائد على الله تعالى (¬1) [1/ 253] وإن لم يتقدم له ذكر لأن ذلك معلوم من السياق والتكلف في هذا أيضا غير خفي. وقال ابن الضائع في وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (¬2): «إن ذلك من باب المقابلة، يعني أنه جاء في مقابلة لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (¬3) وقد يجوز عند المقابلة ما لا يجوز ابتداء وهو كثير في القرآن العزيز وكلام العرب» انتهى. ثم مجيء ما لما لا يعقل وحده كثير وذكر المصنف (¬4) أنها تستعمل للعاقل إذا انضم لغير العاقل ولصفات من يعقل وللمبهم أمره. أما الأول: فكقوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ (¬5). أما الثاني: فكقوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ (¬6) المراد الطيب وهذه العبارة أولى. وأما الثالث: فكقولك وأنت ترى شبحا مقدرا إنسانيته وعدم إنسانيته: أبصر ما هناك. قال المصنف: وكذلك لو علمت إنسانيته ولم تدر أذكر هو أم أنثى. ومنه قوله تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (¬7). المسألة الرابعة: أن ما إن أفردت فهي نكرة. قال المصنف (¬8): وأردت بإفرادها نكرة إخلاصها من صفة ومن تضمين معنى شرط أو استفهام، وذلك في ثلاثة أماكن: وهو باب التعجب نحو ما أحسن زيدا (¬9). وباب نعم وبئس على - ¬

_ (¬1) سقط ترقيم صفحتين من الأصل هنا. (¬2) سورة الكافرون: 3. (¬3) سورة الكافرون: 4. (¬4) شرح التسهيل (1/ 244). (¬5) سورة النحل: 49. (¬6) سورة النساء: 3. (¬7) سورةآل عمران: 35. (¬8) شرح التسهيل (1/ 218). (¬9) أجمع النحاة على أن ما في باب التعجب مبتدأ لأنها مجردة للإسناد إليها ثم اختلفوا فقال سيبويه: «هي نكرة تامة بمعنى شيء وابتدئ بها لتضمنها معنى التعجب»، وقال الفراء: «هي استفهامية». وقال الأخفش: «هي معرفة ناقصة بمعنى الذي وما بعدها صلة فلا موضع له أو نكرة ناقصة وما بعدها صفة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رأي (¬1) يعني في نحو قوله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (¬2). وقولهم: إني مما أفعل (¬3) أي إني من أمر أن أفعل أي من أمر فعلي قال الشاعر: 431 - ألا غنّيا بالزّاهريّة إنّني ... على النّأي ممّا أن ألمّ بها ذكرا (¬4) أي إني من أمر إلمامي. قال المصنف في شرح الكافية (¬5): «وحيثما جيء بما وبعدها أن أفعل فهذا تأويلها عند قوم والصّحيح غير ذلك» (¬6) والذي ذكره في باب نعم وصححه (¬7): «أنّ ما في نعمّا فاعلة وأنها اسم تام معرفة وأن - ¬

_ (¬1) قوله على رأي: يشير إلى الخلاف بين النحاة في نوع ما إذا وقعت بعد نعم وبئس وقد ذكره مفصلا في شرحه على التسهيل. يقول في حديث عن التمييز في باب نعم وبئس: ونبهت على أن التمييز لا يكون إلا صالحا للألف واللام مع أن كل مميز لا يكون إلا كذلك بالاستقراء لأن أبا علي والزمخشري يجيزان التمييز في هذا الباب بما، ويزعمان أن فاعل نعم في قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ فنعما هي وشبهه مضمر ذلك كما هو في نعم رجلا زيد وما في موضع نصب على التمييز. وربما اعتقد من لا يعرف أن هذا هو مذهب سيبويه وذلك باطل، بل مذهب سيبويه أن ما اسم تام مكنى به عن اسم معرف بالألف واللام الجنسية مقدر بحسب المعنى كقولك في إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ إن معناه فنعم الشيء إبداؤها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. قال ابن خروف: وتكون ما تامة معرفة بغير صلة نحو دققته دقّا نعما. قال سيبويه: أي نعم الدق. شرح التسهيل (3/ 12) (عبد الرحمن السيد، وبدوي المختون). (¬2) سورة البقرة: 271. (¬3) هذا هو الموضع الثالث من مجيء ما نكرة مفردة أي خالصة من صفة ومن تضمين معنى شرط أو استفهام. (¬4) البيت من بحر الطويل لم ينسب فيما ورد من مراجع. اللغة: الزاهرية: عين عميقة كان المتوكل نزل بها وبنى بها بناء. النأي: البعد. ألمّ بها: نزل بها. ذكرا: حال أو تمييز. والشاعر: يطلب من صديقيه أن يقفا حول هذه العين وينشداه فراق أحبابه فقد كانت له في هذا المكان ذكريات مؤلمة. وشاهده: وقوع ما نكرة خالية من معنى شرط أو استفهام أو موصوفية والتقدير من أمر إلمامي. وذكر المبرد أن مما هنا بمعنى ربما واستشهد بالبيت المذكور (المقتضب: 4/ 175). والبيت في معجم الشواهد (ص 139). (¬5) انظر الكتاب المذكور (1/ 281) بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬6) قال ابن مالك بعده: وبيانه في باب نعم وبئس يستوفي. (¬7) هذا كلام ابن مالك في شرح الكافية الشافية (2/ 1111). وقد نقله ناظر الجيش بنصه من الشرح المذكور حتى قوله: انتهى، وإذا تقرر ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا ظاهر قول سيبويه قال: وندر تمامها معرفة هنا كما ندر تمامها في باب التعجّب». قال ابن خروف (¬1): «وتكون ما معرفة بغير صلة نحو دققته دقّا نعمّا». قال سيبويه (¬2) «أي نعم الدّقّ و «نعم ما هي» أي نعم الشّيء إبداؤها، ونعم ما صنعت أي نعم الشيء صنعت» هذا كلام ابن خروف معتمدا على كلام سيبويه وسبقه إليه السيرافي، وجعل نظيره قول العرب: «إنّي ممّا أن أصنع» أي من الأمر أن أصنع فجعل ما وحدها في موضع الأمر ولم يصلها بشيء، وتقدير الكلام: إني من الأمر صنعي كذا وكذا فالياء اسم إنّ وصنعي مبتدأ ومن الأمر خبر صنعي والجملة في موضع خبر إنّ. هذا كلام السيرافي. قال المصنف (¬3): «ويقوي تعريف ما في نحو مما أن أصنع كونها مجرورة بحرف مخبر به، وتعريف ما كان كذلك أو تخصيصه لازم بالاستقراء وكلام السيرافي، موافق لكلام سيبويه فإنه رحمه الله تعالى قال: (¬4) «ونظير جعلهم ما وحدها اسما قول [1/ 254] العرب إني مما أن أصنع أي من الأمر أن أصنع» فجعل ما وحدها اسما ومثل ذلك غسلته غسلا نعمّا أي نعم الغسل فقدر ما بالأمر وبالغسل ولم يقدرها بأمر ولا بغسل فعلم أنها عنده معرفة» انتهى (¬5). وإذا تقرر هذا علم أن ما لم تفرد نكرة إلا في باب التعجب وذلك على رأي - ¬

_ (¬1) في المغني (1/ 298) قال ابن هشام وزعم السيرافي وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه أنه معرفة تامة بمعنى الشيء أو الأمر. (¬2) جاء في الكتاب (1/ 73): ونظير جعلهم ما وحدها اسما قول العرب إني ممّا أن أصنع أي من الأمر أن أصنع فجعل ما وحدها اسما، ومثل ذلك غسلته غسلا نعما أي نعم الغسل. (¬3) أي في شرح الكافية (2/ 1112، 1113) لا في شرح التسهيل. (¬4) انظر نصه في التعليق رقم: 2. وقال السيرافي في شرحه على كتاب سيبويه: (2/ 428): (رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية تحقيق دكتور دردير أبو السعود) «وقد جاءت ما غير موصولة في الخبر كقولهم غسلته غسلا نعمّا يريد نعم الغسل فجعل ما بمنزلة الغسل ولم يصلها لأن نعم إنما يليها المبهم فجعل ما بعدها غير موصولة ومن ذلك قول العرب: إني مما أن أصنع ... إلخ». (¬5) شرح الكافية الشافية (2/ 1113).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه لا على رأي من خالفه. ونبه بقوله: وقد تساويها من إلى أن من قد تساوى ما في وقوعها نكرة غير موصوفة ولا مضمنة شرطا ولا استفهاما، قال المصنف (¬1): «وهذا ممّا انفرد به أبو علي الفارسي (¬2) وحجّته قول الشّاعر: 432 - وكيف أرهب أمرا أو أراع به ... وقد زكأت إلى بشر بن مروان ونعم مزكأ من ضاقت مذاهبه ... ونعم من هو في سرّ وإعلان (¬3) فمن الثانية: في موضع نصب على التمييز، وفاعل نعم مضمر مفسر بمن كما فسر بما في نعما، وهو مبتدأ خبره الجملة التي قبله، وفي سر وإعلان متعلق بنعم والصحيح غير ما ذهب إليه. وبيان ذلك مستوفى في باب نعم وبئس (¬4). - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 218). (¬2) الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني لأبي علي الفارسي (1/ 320) وهو رسالة ماجستير تحقيق محمد حسن إسماعيل بجامعة عين شمس ونص كلامه هناك كما هنا وكذلك البيتان أيضا. (¬3) البيتان من بحر البسيط ومع شهرة الاستشهاد بهما في هذا الباب لم ينسبا لقائل غير قولهم: وأنشد أبو علي. اللغة: أرهب: أخاف وفي معناه أراع بالبناء للمجهول. زكأت: لجأت. والمزكأ: الملجأ. بشر بن مروان: أخو عبد الملك بن مروان وكان بشر جوادا سمحا، ولى العراقين لأخيه وقد توفي سنة (75 هـ). والمعنى: لا أخاف شيئا وبشر ملجأ وملاذ للناس جميعا وهو عظيم في كل أموره وحيائه. الإعراب: نعم مزكأ: يروى برفعه فاعل نعم وبالنصب تمييز وفاعل نعم ضمير مستتر ومن اسم موصول، أو نكرة موصولة مضاف إليه. ونعم من هو: على رأي أبي علي من نكرة تامة تمييز وفاعل نعم ضمير مفسر بهذا التمييز وهو مخصوص بالمدح. وذهب ابن مالك وغيره: إلى أن من لا تكون نكرة تمييزا وإنما هي موصولة فاعل بنعم. والبيتان من شرح التسهيل (1/ 218)، (3/ 11) وفي التذييل والتكميل (3/ 134) وفي معجم الشواهد (402). (¬4) الحديث المستوفى الذي قاله ابن مالك في باب نعم وبئس يقول: ومما يدل على فاعل نعم قد يكون موصولا ومضافا إلى موصول قول الشاعر وأنشد: وكيف أرهب أمرا، ثم قال: فلو لم يكن في هذا إلا إسناد نعم إلى المضاف إلى من لكان فيه حجة على صحة إسناد نعم إلى من؛ لأن فاعل نعم لا يضاف في غير ندور إلا إلى ما يصح إسناد نعم إليه فكيف وفيه: ونعم من هو، فمن هذه إما تمييز والفاعل مضمر كما زعم أبو علي. وقد تقدم ذلك في باب الموصولات وأما فاعل به. فالأول: لا يصح لوجهين؛ أحدهما: أن التمييز لا يقع في الكلام بالاستقراء إلا نكرة صالحة للألف واللام ومن بخلافه فلا يجوز -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المقصد الثالث: فهو أن الذي قد يخرج عن الاسمية وقد يستغني عن الصلة بالوصف قال المصنف: حكى أبو علي الشيرازيات (¬1) عن أبي الحسن عن يونس وقوع الذي مصدرية غير محتاجة إلى عائد وتأول على ذلك قوله تعالى: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ (¬2). قال أبو علي ويقوي هذا أنها جاءت موصوفة غير موصولة، أنشد الأصمعي: 433 - حتّى إذا كانا هما اللّذين ... مثل الجديلين المحملجين (¬3) فنصب الجديلين وجعله صفة للذين. قال أبو علي: «ومجيء قوله تعالى: كَالَّذِي خاضُوا (¬4) على قياس قول يونس فيكون التقدير: وخضتم كخوضهم، فلا يعود إلى الذي شيء؛ لأنه في مثل هذا حرف». قلت (¬5): «حاصل كلام أبي علي أن الذي على ثلاثة أقسام: موصولة وموصوفة مستغنية بالصفة عن الصلة ومصدرية محكوم بحرفيتها وهذا المذهب هو - ¬

_ - كونها تمييزا. الثاني: أن الحكم عليها بالتمييز عند القائل به مرتب على كون من نكرة غير موصوفة، وذلك منتف بإجماع في غير محل النزاع فلا يصار إليه بلا دليل عليه. فصح القول بأن من في موضع رفع بنعم، إذ لا قائل بقول ثالث مع شهادة صدر البيت بأن فيه مزكأ من فأسندت نعم إلى المضاف إلى من وقد ثبت أن الذي تستند إليه لا يضاف لما لا يصح إسنادها إليه وهي هذا كفاية. انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 11) (د/ عبد الرحمن السيد، وبدوي المختون). (¬1) انظر المسائل الشيرازيات (ص 418، 419، 422) وهي رسالة دكتوراه بجامعة عين شمس تحقيق دكتور/ علي جابر منصور. (¬2) سورة الشورى: 23. (¬3) البيتان من الرجز المشطور لم ينسبا إلى قائل غير قولهم وأنشد الأصمعي، والشاعر يمدح رجلين بالقوة والشدة. اللغة: الجديلين: مثنى الجديل وهو الزمام. المحملجين: مثنى المحملج وهو المحكم الفتل. وشاهده: نعت الذي بنكرة لا تدخلها الألف واللام. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 218) وفي معجم الشواهد (ص 252) وفي التذييل والتكميل (3/ 15 - 136 - 138). (¬4) سورة التوبة: 69. (¬5) القائل هو ابن مالك في شرح التسهيل (1/ 219).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا مذهب الفراء وهو الصحيح وبه أقول». وأجاز الفراء (¬1) في قوله تعالى: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (¬2) أن تكون الذي مصدرية والتقدير تماما على إحسانه أي على إحسان موسى عليه السّلام، وأجاز أن تكون موصوفة بأحسن على أن أحسن أفعل تفضيل قال: لأن العرب تقول: مررت بالذي خير منك: ولا تقول: مررت بالذي قائم؛ لأن خير منك كالمعرفة؛ إذ لم يدخل فيهما الألف واللام. وكذا يقولون: مررت بالذي أخيك، وبالذي مثلك إذا جعلوا صفة الذي معرفة أو نكرة لا يدخلها الألف واللام جعلوها تابعة للذي، أنشد الكسائي: 434 - إنّ الزّبيريّ الّذي مثل الجلم ... مشى بأشلائك في أهل الحرم (¬3) قلت: وهذا الذي أنشده الكسائي مثل الذي أنشده الأصمعي من قول الآخر: 435 - حتى إذا كانا هما اللّذين ... مثل الجديلين المحملجين وحكى الفراء عن بعض العرب [1/ 255] أبوك بالجارية الّذي يكفل وبالجارية ما يكفل والمعنى أبوك بالجارية كفالته، وهذا صريح في ورود الذي مصدرية، ومنه - ¬

_ (¬1) انظر نصه في معاني القرآن للفراء (1/ 365). (¬2) سورة الأنعام: 154. (¬3) البيتان من بحر الرجز قل الاستشهاد بهما فلم أجدهما إلا في بعض شروح التسهيل غير منسوبين. اللغة: الزّبيري: لعله عبد الله بن الزبير أو منسوب إليه. الجلم: الذي يجز به الشعر والصوف ومثناه الجلمان أي المقرضان وهما شفرتاه. أشلائك: جمع شلو وهو العضو والجسد من كل شيء، ويروى أسلابك وأسلافك. أهل الحرم: مكة المكرمة. ومعنى البيت: أن هذا الزبيري الشجاع لم يتورع، فقد مشى على أجساد موتاك في بلد الله الحرام. واستشهد بالبيت على وصف اسم الموصول بنكرة لا يدخلها الألف واللام وهو مثل وهذا رأي الكوفيين. قال أبو حيان: «وهذا الذي ذهبوا إليه عند البصرين باطل؛ لأنه لا بد للموصول عندهم من صلة ولا حجة لهم في البيتين (هذا وما قبله) لأنه يحتمل أن تكون الصلة محذوفة لفهم المعنى والتقدير اللذين عادا مثل الجديلين والذي عاد مثل الجلم فحذف ولم يبق من الجملة إلا الحال. وإذا كانت الجملة الواقعة صلة يجوز حذفها بأسرها فالأحرى أن يجوز ذلك إذا بقى منها بعض». وبيت الشاهد في التذييل والتكميل (1/ 15 - 136، 137). شرح التسهيل للمرادي (1/ 225) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه (¬1): 436 - فثبّت الله ما آتآك من حسن ... في المرسلين ونصرا كالّذي نصروا (¬2) أي: ونصرا كنصرهم. ومثله قول جرير (¬3): 437 - يا أمّ عمرو جزاك الله مغفرة ... ردّي عليّ فؤادي كالذي كانا (¬4) ومثله قول ابن أبي ربيعة (¬5): 438 - لو أنهم صبروا عمدا فنعرفه ... منهم إذن لصبرنا كالّذي صبروا (¬6) ومثله قول الآخر: - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) البيت من بحر البسيط من قصيدة لعبد الله بن رواحة عدتها تسعة أبيات يمدح فيها الرسول عليه الصلاة والسّلام (ديوان عبد الله بن رواحه ص 94). والشاهد وما بعده في الديوان كالآتي: فثبّت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرا كالّذي نصروا أنت الرّسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر كما روي البيت: فثبت الله ما أعطاك. وروي أيضا: ونصروا ولا شاهد فيه على هذه الرواية. وشاهده قوله: كالذي نصروا حيث وردت الذي مؤولة مع ما بعدها بمصدر واقع صفة بالمصدر قبله. والشاهد في شرح التسهيل (1/ 219) وفي التذييل والتكميل (3/ 136) وليس في معجم الشواهد. (¬3) سبقت ترجمة جرير في هذا التحقيق. (¬4) البيت من بحر البسيط من قصيدة لجرير بن عطية يهجو فيها الأخطل وقد سبق منها شاهد آخر وقبل بيت الشاهد قوله ديوان جرير (ص 491): يا طيب هل من متاع تمتعين به ... ضيفا لكم باكرا يا طيب عجلانا ما كنت أول مشتاق أخا طرب ... هاجت له غدوات البين أحزانا والبيت استشهد به ابن جني وحسد عليه جريرا (المحتسب: 2/ 189) وشاهده هنا كالذي قبله. والبيت في معجم الشواهد (ص 381) وفي شرح التسهيل (1/ 220) وفي التذييل والتكميل (3/ 137). (¬5) سبقت ترجمته. (¬6) البيت من بحر البسيط قاله عمر بن أبي ربيعة كما في الشرح وكما في مراجعه وقد بحثت عنه في ديوانه فلم أجده. وشاهده: قوله كالذي صبروا حيث وقعت الذي مصدرية وهذا المصدر صفة لموصوف محذوف. وهو في شرح التسهيل (1/ 220) وفي التذييل والتكميل (3/ 137) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 439 - دعاني أبو سعد وأهدى نصيحة ... إليّ وممّا أن تغرّ النّصائح لأجزر لحمي كلب نبهان كالّذي ... دعا القاسطيّ حتفه وهو نازح (¬1) انتهى كلام المصنف (¬2). وقد ضعف ما ذهب إليه يونس بأن الذي ثبتت اسميته من وجوه كثيرة فلا تثبت حرفيته إلا بدليل قاطع. والجواب عما استدل به: أن التقدير في الآية الشريفة (¬3) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ وأصله: يبشر به فلما صار منصوبا (¬4) حذف. وأمّا وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا (¬5) (فالتقدير فيه وخضتم كالخوض الذي خاضوه) (¬6). وهذا التقدير ممكن في الأبيات التي أنشدها، أي ونصرا كالنصر الذي نصروه، والعائد محذوف، وكذا لصبرنا كالذي صبروا أي كالصبر الذي صبروه. وأما قول المصنف (¬7): أبوك بالجارية الذي يكفل فالذي على حاله موصول - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر لطويل نسبهما أبو حيان إلى جرير وقد بحثت عنهما في ديوانه فلم أجدهما. وشاهدهما قوله: كالذي دعا القاسطي حتفه من وقوع الذي مؤولة مع ما بعدها بمصدر على ما ذهب إليه ابن مالك. وقد رده أبو حيان وغيره بما سيأتي من الشرح. والشاهد في شرح التسهيل (1/ 220) والتذييل والتكميل (3/ 137) وليس في معجم الشواهد. (¬2) شرح التسهيل (1/ 220). (¬3) سورة الشورى: 23. (¬4) أي بعد حذف حرف الجر كما في قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً [البقرة: 48] أي لا تجزي فيه. ويقول الدكتور محمد يسري زعير في كتابه أسرار النحو (1/ 243) مجيبا عن هذه الآية: «ويبقى من الآيات التي زعموا أن الذي حرف موصول قوله تعالى: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ «وزعمهم هنا مبني على أن الضمير لم يعد على الذي فقالوا إن الذي مؤول مع ما بعده بمصدر والتقدير ذلك تبشير الله عباده». ثم يقول: «ومن الغريب أن يذكر الزمخشري فيها الوجهين حيث يقول: ذلك الثواب الذي يبشر الله عباده فحذف الجار كما في قوله: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا أي من قومه ثم حذف الراجع من الموصول كقوله: أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا. وذلك التبشير الذي يبشره الله عباده. ولست أدري ما وجه الحاجة إلى كل هذا التقدير الذي ذكره وهو قد ذكر أن المشار إليه هو الثواب ثم ذكر أن يبشر تنصب مفعولين وعلى ذلك يكون عائد الموصول ضميرا منصوبا من أول الأمر ويكون الذي اسما». (¬5) سورة التوبة: 69. (¬6) ما بين القوسين ساقط من نسخة (ب). (¬7) في نسخة (ب): وأما قول بعض العرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالجارية متعلق بمحذوف يدل عليه الذي يكفل، التقدير أبوك كفيل بالجارية الذي يكفل أو على إضمار أعني وإن كان أعني لا يتعدى في أصل الوضع بالباء. وأما أبوك بالجارية ما يكفل: فما مصدرية وبالجارية متعلق بمصدر محذوف التقدير أبوك كفالته بالجارية ما يكفل كقول الشاعر: 440 - وبعض الحلم عند الجه ... لـ للذّلّة إذعان (¬1) أي إذعان للذلة إذعان. وأمّا ردّي على فؤادي كالّذي كانا: فتأويله كالفؤاد الذي كان والشيء يشبه نفسه باعتبار حالين. وأما قوله: كالذي دعا القاسطيّ حتفه فإنهم قدروه كما دعا فالقاسطي مفعول بدعا وحتفه فاعل بدعا. والعائد على الذي لأنه حرف. وخرجه الشيخ (¬2) على أن كالذي دعا القاسطي في موضع نصب بمصدر محذوف والذي صفة للدعاء، التقدير دعاني أبو سعد دعاء مثل الدعاء الذي دعا القاسطي ففي دعا ضمير يعود على الذي وجعل الدعاء داعيا على حد قولهم: شعر شاعر وحتفه خبر مبتدأ محذوف وهو جواب سؤال مصدر كأنه قيل: ما الذي دعاه فقيل هو حتفه. وأما ما ذهب إليه أبو علي قال المصنف: «إنّه مذهب الفرّاء من أنّ الّذي قد يستغنى بالصّفة عن الصّلة فهو مذهب الكوفيين (¬3) ولا يخفى ضعفه». - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الهزج وهو للفند الزماني من مقطوعة قصيرة في شرح ديوان الحماسة (1/ 32) ومطلعها: صفحنا عن بني ذهل ... وقلنا القوم إخوان وبعد بيت الشاهد قوله: وفي الشرّ نجاة حين ... لا ينجيك إحسان ومعنى البيت: يعتذر الشاعر عن تركه الحلم مع أقاربه إذا كان مفضيا إلى الذل والخضوع. والبيت في معجم الشواهد (ص 394) وهو في التذييل والتكميل (3/ 138، 179). ترجمة الشاعر: الفند الزماني هو سهل بن شيبان بن ربيعة بن زمان الحنفي ويلقب بالفند وهي القطعة العظيمة من الجبل؛ لأنه قال لقومه: أما ترضون أن أكون لكم فندا تأوون إليه، وهو شاعر جاهلي قديم أحد فرسان ربيعة المشهورين شهد حرب بكر وتغلب وقد قارب المائة، وترجمته في الخزانة (3/ 434). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 139) وما بعدها. (¬3) لا توجد إشارة إلى هذه المسألة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف.

[أنواع أي وأحكام كل نوع]

[أنواع أيّ وأحكام كل نوع] قال ابن مالك: (فصل: وتقع أيّ شرطية واستفهامية وصفة لنكرة مذكورة غالبا وحالا لمعرفة، ويلزمها في هذين الوجهين الإضافة لفظا ومعنى إلى ما يماثل الموصوف لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا؛ وقد يستغنى في الشّرط والاستفهام بمعنى الإضافة إن علم المضاف إليه، وأي فيهما بمنزلة كلّ مع النّكرة وبمنزلة بعض مع المعرفة، ولا تقع نكرة موصوفة خلافا للأخفش، وقد يحذف ثالثها في الاستفهام وتضاف فيه إلى النّكرة بلا شرط وإلى المعرفة بشرط إفهام تثنية أو جمع أو قصد أجزاء أو تكريرها عطفا بالواو). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاب البصريون عن البيتين المستشهد بهما بأن الصلة محذوفة لفهم المعنى والتقدير اللذين عادوا مثل الجديلين والذي عاد مثل الجلم والحال الباقية [1/ 256] من تتمة الجملة المحذوفة. وزعم الكوفيون أيضا أن مثلا يقع صلة للموصول، مستدلين بالبيتين السابقين، وهو بناء منهم على أن مثلا تستعمل ظرفا وقد علمت أن الصلة في البيتين محذوفة وإذا كان كذلك فلا حجة لهم فيما استدلوا به (¬1). قال ناظر الجيش: كلامه في هذا الفصل واضح (¬2) ومثال وقوع «أي» شرطا قول الشاعر: 441 - أيّ حين تلمّ بي تلق ما شئ ... ت من الخير فاتّخذني خليلا (¬3) ومقال وقوعها استفهاما قوله سبحانه تعالى: فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ (¬4). وقول ابن مسعود رضي الله عنه للنبي صلّى الله عليه وسلّم (¬5): «أيّ الأعمال أحبّ إلى الله تعالى؟» - ¬

_ (¬1) لا توجد هذه المسألة أيضا في كتاب الإنصاف. (¬2) شرح التسهيل (1/ 220). (¬3) البيت من بحر الخفيف ورد في مراجعه غير منسوب لقائل وصاحبه يمدح نفسه بالكرم والمروءة. وشاهده واضح من الشرح. وهو في معجم الشواهد (ص 275) وشرح التسهيل (1/ 220) والتذييل والتكميل (3/ 140). (¬4) سورة الأنعام: 81. (¬5) نصه في صحيح البخاري (1/ 108) من كتاب الصلاة: باب فضل الصّلاة لوقتها. وأصله أنّ صحابيّا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال: «الصّلاة لوقتها» قال: ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» قال: ثمّ أيّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». قال: حدثّني بهنّ ولو استزدته لزادني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: «الصّلاة على وقتها». ومثال وقوعها صفة لنكرة قول الشاعر: 442 - دعوت امرأ أيّ امرئ فأجابني ... وكنت وإيّاه ملاذا وموئلا (¬1) وأشار بقوله: مذكورة غالبا إلى أن النكرة الموصوفة بأي قد لا تذكر وهو نادر (¬2) كقول الفرزدق: 443 - إذا حارب الحجّاج أيّ منافق ... علاه بسيف كلّما هزّ يقطع (¬3) أراد: منافقا أيّ منافق. ومثال وقوعها حالا لمعرفة قول الشاعر: 444 - فأومأت إيماء خفيّا لحبتر ... فلله عينا حبتر أيّما فتى (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل ورد في مراجعه غير منسوب. والشاعر يفتخر بنفسه وبصاحب له أنهما ملاذ وملجأ لمن يلوذ بهما. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 265) وفي شرح التسهيل (1/ 221) والتذييل والتكميل (3/ 140). (¬2) وسبب ندوره قال أبو حيان: «فارقت أيّ سائر الصّفات في أنّه لا يجوز حذف الموصوف وإقامتها مقامه، لا تقول: مررت بأيّ رجل، وذلك لأنّ المقصود بالوصف بأيّ إنما هو التعظيم والتأكيد والحذف يناقض ذلك». (التذييل والتكميل: 1/ 692). (¬3) البيت من بحر الطويل من مقطوعة للفرزدق يمدح فيها الحجاج وبيت الشاهد آخر أبياتها وقبله: فلم يدع الحجاج من ذي عداوة ... من النّاس إلّا يستكين ويضرع ديوان الفرزدق (1/ 417). والشاهد في البيت واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد: (ص 218) وفي شرح التسهيل (1/ 221) والتذييل والتكميل (3/ 141). (¬4) البيت من بحر الطويل قاله الراعي النميري كما في مراجعه. اللغة: أومات: أشرت. حبتر: ابن أخت الشاعر. أيّما فتى: أي عظيم. والمعنى: يتعجب الراعي من ذكاء ابن أخته حبتر وذلك حينما نزل بهم ضيوف، فأشار الشاعر من بعيد إليه أن يذبح لهم، ففهم حبتر دون أن يعرف الضيوف. وشاهده: واضح من الشرح إلا أن أبا حيان حمل فيه على ابن مالك فقال: «أنشده بالنصب وجعله حالا وأصحابنا أنشدوه بالرّفع على أنّه مبتدأ أو خبر مبتدأ وقدّروه أي فتى هو ولم يذكر أصحابنا كون أي تقع حالا وإنّما ذكروا لها خمسة أقسام: موصولة وشرطية واستفهامية وصفة لنكرة ومنادى». وما ذكره ابن مالك ذكره كثير من النحاة وحفظنا نحن قديما هذا البيت شاهدا لذلك، والبيت في شرح التسهيل (1/ 221) وفي التذييل والتكميل (3/ 141) وفي معجم الشواهد (ص 429).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يستغني أي في هذين الوجهين عن الإضافة لفظا ومعنى إلى نكرة تماثل ما هي له لفظا ومعنى نحو: دعوت امرأ أيّ امرئ؛ أو معنى لا لفظا نحو: دعوت امرأ أي فتى. ويتعين ذلك - يعني إضافتها إلى ما ماثل معنى لا لفظا - إذا كانت حالا كما في البيت المتقدم. [1/ 257] وأما في الشرط والاستفهام فيجوز استغناؤها بمعنى الإضافة عن لفظها إن كان المضاف إليه معلوما كقوله تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬1)، فهذا مثال حذف المضاف إليه في الشرط، ومن حذفه في الاستفهام في قول ابن مسعود رضي الله عنه (¬2): ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين» قلت: ثم أيّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله». وأي فيهما أي في الشرط والاستفهام مع النكرة بمنزلة كل، ومع المعرفة بمنزلة بعض؛ ولهذا يقال في التنكير: أي رجلين أتيا وأي رجال ذهبوا، فتثني الضمير وتجمعه كما يفعل حين تقول: كل رجلين أتيا، وكل رجال ذهبوا، ويقال في التعريف: أي الرجلين أتى. وأي الرجال ذهب، كما تقول بعض الرجلين وبعض الرجال ذهب. وأجاز الأخفش وقوع أي نكرة موصوفة نحو قولك: مررت بأي كريم، ولا حجة له إلا القياس على ما ومن في قول العرب: «رغبت فيما خير ممّا عندك». وكفى بنا فضلا على من غيرنا، والقياس في مثل هذا ضعيف (¬3). وأشار بقوله: وقد يحذف ثالثها في الاستفهام إلى قول الفرزدق: 445 - تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما ... عليّ من الغيث استهلّت مواطره (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 110. (¬2) الحديث سبق تخريجه قريبا. والمذكور الآن بقية له. (¬3) وجه ضعفه أن ما ومن كثيرتا التصرف بخلاف أي فلا يصح القياس عليهما. (¬4) البيت من بحر الطويل من قصيدة عدتها سبعة عشر بيتا للفرزدق يمدح فيها نصر بن سيار. يقول في مطلعها وهما بيتان قبل بيت الشاهد (الديوان: 1/ 281): كيف تخالف الفقر يا طيب بعد ما ... أتتنا بنصر من هراة مقادره وإن يأتنا نصر من التّرك سالما ... فما بعد نصر غائب أنا ناظره -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كلام المصنف ثم قال (¬1): وتناول قولي: وإلى المعرفة بشرط إفهام تثنية أو جمع - ما أضيف إلى مثنى لفظا ومعنى وإلى مثنى معنى لا لفظا وإلى جمع لفظا ومعنى وإلى جمع معنى لا لفظا نحو: أيّ الرجلين أفضل وأي الرجال أفضل وأيهما أكرم وأيهم أكرم. فإن كانت المعرفة التي أضيفت إليها أي مفردة اللفظ والمعنى لم يضف إليها «أي» إلا مقصودا أجزاؤهما نحو: أي ثوبك بلي، أو معطوفا عليها بالواو مثلها كقول الشاعر: 446 - فلئن لقيتك خاليين لتعلمن ... أيّي وأيّك فارس الأحزاب (¬2) قال الشيخ (¬3): «ونقض المصنف أن تكون أيّ مضافة إلى المفرد المعرفة جنسا أو معطوفا عليه غيره بالواو. ومثال ذلك: أي الدّينار دينارك وأيّ البعير بعيرك، ومثال المنعوت: أيّ زيد وعمرو وجعفر قام. قال: ونصّ أصحابنا عليهما ثم قال: ويمكن اندراج ذلك تحت قوله: أو جمع لأن اسم الجنس هنا يراد به الجمع ولأن: أيّ زيد وعمرو وجعفر [قام] هو في معنى أيّ هؤلاء قام» (¬4). ¬

_ - اللغة: طيب: اسم امرأة الفرزدق مرخم طيبة. هراة: مدينة خراسان. ناظره: منتظره. تنظّرت: انتظرت. السّماكين: نجمان أحدهما من منازل القمر. استهلّت: صبت ونزلت. مواطره: جمع ماطرة وهي المطر. والمعنى: انتظرت نصر بن سيار وهذين النجمين اللذين سيسقط فيهما المطر ولا أدري أيهما سيمطر أولا. وشاهده: حذف الحرف الثالث من أي المشددة للتخفيف وعلى ذلك استشهد به ابن جني في المحتسب (2/ 41). والبيت في معجم الشواهد: (ص 158) وشرح التسهيل (1/ 222) وفي التذييل والتكميل (3/ 145). (¬1) شرح التسهيل (1/ 249). (¬2) البيت من بحر الكامل قيل إن قائله حسان بن ثابت وراجعت ديوانه فلم أجده فيه وقيل لرجل من بني الحارث. اللغة: خاليين: أي ليس معنا أحد. فارس الأحزاب: أشجع الشجعان. والشاعر: يهدد قرنا له بأنهما إذا التقيا مفردين فإنه سيطيح به. وشاهده: وقوع أي استفهامية مضافة إلى معرفة ولذلك كررت وجملة أي في محل نصب مفعولي تعلمن بعد أن علقت عن العمل للاستفهام. والبيت في شرح التسهيل (1/ 222) وفي التذييل والتكميل (3/ 146) وفي معجم الشواهد (ص 65). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 146). (¬4) في الأصل جاء قوله: بلغت قراءة.

[الموصولات الحرفية- أن وكي وما ولو- وأحكامها]

[الموصولات الحرفية - أن وكي وما ولو - وأحكامها] قال ابن مالك: (فصل: من الموصولات الحرفيّة: أن النّاصبة مضارعا وتوصل بفعل متصرّف مطلقا، ومنها أن وتوصل بمعموليها، ومنها كي وتوصل بمضارع مقرونة بلام التّعليل لفظا أو تقديرا، ومنها ما وتوصل بفعل متصرف غير أمر وتختصّ بنيابتها عن ظرف زمان موصولة في الغالب بفعل ماضي اللّفظ مثبت أو منفيّ بلم وليست اسما مفتقرا إلى ضمير خلافا لأبي الحسن وابن السّرّاج وتوصل بجملة اسمية على رأي، ومنها لو التّالية غالبا مفهم تمنّ وصلتها كصلة ما في غير نيابة وتغني عن التّمنّي فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن الموصول الاسمي شرع في الموصول الحرفي ونظمه في هذا الفصل وختمه بمسألة وهي أن لو قد يتمنى بها ثم إنه ذكر أن الموصولات الحرفية خمسة: وهي: أن النّاصبة للفعل وأنّ المؤكّدة وكي وما ولو وسنذكر أن بعضهم لم يعد ما موصولا حرفيّا بل يدعى أنها باقية على اسميتها، وأما لو فأثبت كونها موصولا حرفيّا جماعة. ووافقهم المصنف كما سيأتي. قال المصنف (¬1): «قد تبين من كلامي في أول هذا الباب أن الموصولات الحرفية هي التي تقوم [1/ 258] بصلاتها مقام مصادر والحاجة الآن داعية إلى تعيينها. فمنها: أن: وقيدت بنصبها المضارع احترازا من التي أصلها أنّ نحو: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (¬2)، ومن الزائدة نحو: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ (¬3)، ومن التفسيرية نحو: فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ (¬4)، ولهن موضع يذكرن فيه وكذا المصدرية لاستيفاء القول فيها موضع آخر (¬5) والذي دعت الحاجة إليهما كيفية وصلها وبيان ما توصل بها. فذكر أنها توصل بفعل متصرف مطلقا ليتناول ذلك المضارع المتصرف نحو: أريد - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 223). (¬2) سورة المزمل: 20. (¬3) سورةيوسف: 96. (¬4) سورة الشعراء: 63. (¬5) انظر باب إعراب الفعل وعوامله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تفعل، والماضي المتصرف نحو: عجبت من أن أتيت، والأمر المتصرف نحو: أرسلت إليه بأن افعل، وقرنت أن بالباء بعد أرسلت لئلّا يوهم تجردها من الباء أنها التفسيرية، وعلم بذكر المتصرف قيدا لما توصل به أن وأنها لا توصل بما لا تصرف له من مضارع كينبغي في الأشهر (¬1) ولا ماض كعسى ولا أمر كهلمّ في لغة بني تميم. وإذا تقرر هذا فاعلم أن الواقعة في قوله تعالى: وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ (¬2)، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (¬3) مخففة من الثقيلة واسمها محذوف والجملة بعدها خبرها» انتهى (¬4). وقال الشيخ (¬5): لا يقوى عندي وصل أن بفعل الأمر لوجهين. أحدهما: إنه إذا سبكت من أن وفعل الأمر مصدرا فات معنى الأمر المطلوب والمدلول عليه بالصيغة ففرق بين كتبت إليه بالقيام وكتبت إليه بأن قم. الثاني: أنه لا يوجد من لسان العرب يعجبني أن قم ولا أجبت أن قم ولا عجبت من أن قم وكون ذلك مفقودا في لسانهم دليل على أنها لا توصل بفعل الأمر قال: وأمّا ما حكى سيبويه من كلامهم: كتبت إليه بأن قم (¬6) فالباء زائدة مثلها في: 447 - [هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة ... سود المحاجر] لا يقرأن بالسّور (¬7) - ¬

_ (¬1) قوله: في الأشهر يشير إلى أن استعمال الماضي لينبغي قليل. وذكر ابن منظور في لسان العرب (1/ 322). أن ينبغي يستعمل لها ماض قال: «قولهم: ينبغي لك أن تفعل كذا هو من أفعال المطاوعة. تقول: بغيته فانبغى كما تقول كسرته فانكسر ... قال الزّجّاج: انبغى لفلان أن يفعل كذا أي صلح له أن يفعل كذا». (¬2) سورة الأعراف: 135. (¬3) سورة النجم: 39. (¬4) شرح التسهيل (1/ 224). (¬5) التذييل والتكميل (3/ 148). (¬6) كتاب سيبويه (3/ 126) بتحقيق هارون. (¬7) البيت من بحر البسيط نسب للمجنون، ولم أجده في ديوانه. كما نسب لذي الرمة، ولم أجده في ديوانه أيضا. والبيت وقع في شعرين أحدهما للراعي النميري، والثاني للقتال الكلابي. (محقق التذييل والتكميل 1/ 698). اللغة: الحرائر: جمع حرة وهو ضد الأمة. ربات: كمع ربة بمعنى صاحبة. أخمرة: جمع خمار وهو النقاب الذي تستر به المرأة وجهها. المحاجر: جمع محجر وهو ما دار بالعين وبدأ من البرقع. والشاعر: يصف نساء فاجرات لا يبالين بشيء. وشاهده واضح: وهو زيادة البناء في المفعول. والبيت في معجم الشواهد (ص 179) والتذييل والتكميل (3/ 149).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى. وفيما قاله نظر: أما الوجه الثاني: فالاستدلال به ظاهر الفساد؛ لأنه لا معنى لقولك: يعجبني أن قم ولا أحببت أن قم؛ لأنه إنما تعجب أو يحب ما يمكن أن يكون له خارج. والطلب إنشاء والإنشاء لا خارج له. وأما الوجه الأول: فقد أحببت عنه بأن فوات معنى الأمر في الموصولة بالأمر عند التقدير بالمصدر كفوات معنى المضي والاستقبال في الموصولة بالماضي والموصولة بالمضارع عند التقدير المذكور، وما قرره المصنف يعتضد بما حكاه سيبويه عن العرب وهو كتبت إليه بأن قم، وحكم الشيخ بزيادة الباء غير مرضي؛ لأن حروف الجر ولو كانت زائدة إنما تباشر الأسماء الصريحة أو المؤولة. ثم قال المصنف: (¬1) ومثال وصل كي مقرونة بلام التعليل لفظا: جئت لكي أراك ومثالها مقرونة تقديرا: جئت كي أراك ولا يتعين كون كي مصدرية إلا وهي مقرونة باللام لفظا. وأما إذا لم يقارنها اللام فتحتمل أن تكون مصدرية واللام مقدرة كما تقدر مع أن في نحو: جئت أن أراك ويحتمل أن تكون حرف جر بمعنى اللام ويكون الفعل بعدها منصوبا بأن مقدرة فإذا لفظ باللام لم يجز أن تكون بمعناها لئلّا يلزم دخول حرف جر على حرف جر. وأما قول الشاعر [1/ 259]: 448 - فقالت أكلّ النّاس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (¬2) فكي فيه حرف جر لا حرف مصدري لئلّا يلزم دخول حرف مصدري على حرف مصدري. وقد أجاز الفراء ذلك، وجعل أحدهما مؤكدا للآخر وأيد مذهبه بقول - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 251). (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة لجميل بن معمر العذري في ديوانه (ص 125) تحت عنوان «حوار» وقبل بيت الشاهد قوله: فقالت أفق ما عندنا لك حاجة ... وقد كنت عنّا ذا عزاء مشيّعا فقلت لها لو كنت أعطيت عنكم ... عزاء لأقللت الغداة التّضرّعا وقد روى البيت: لسانك هذا كي تغرّ وعليه فلا شاهد فيه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 224)، ومعجم الشواهد (ص 209).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاعر: 449 - أردت لكيما أن تطير بقربتي ... فتتركها شنّا ببيداء بلقع (¬1) فجمع بين اللام وكي وأن، وهذا لا محيص فيه من أحد أمرين مستغربين: إما أن تكون كي مصدرية فيلزم اجتماعها مع أن وهما حرفان مصدريان، إلا أن اجتماع حرفين مصدريين أسهل من اجتماع حرفي جر (لأن للحرف المصدري شبها للأسماء بوقوعها مواقعها وتوكيد اسم بمثله جائز) (¬2) ولو كان موصولا كقراءة زيد بن علي رضي الله عنه: (خلقكم والذين من قبلكم) (¬3) فأكد الذين بمن وكقول معاوية رضي الله تعالى عنه: 450 - إنّ الّذين الأولى أدخلتهم نفر ... لولا بوادر إرعاد وإبراق (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل ومع كثرة الاستشهاد به والحديث عنه فهو مجهول القائل. اللغة: تطير: تذهب سريعا، مستعار من طيران الطائر. شنّا: الشن هي القربة التالية. البيداء: المفازة الواسعة التي يبيد فيها من يسلكها. بلقع: أي لا شيء فيها. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 230) وهو في شرح التسهيل (1/ 224). (¬2) ما بين القوسين ساقط من النسخ وهو من شرح التسهيل. (¬3) جزء من آيةرقم: 21 من سورة البقرة: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. وانظر القراءة في البحر المحيط لأبي حيان (1/ 95): يقول أبو حيان: «وقرأ زيد بن علي: من قبلكم بفتح ميم «من». قال الزمخشري وهي قراءة مشكلة: ووجهها على إشكالها أن يقال: أقحم الموصول الثاني بين الأول وصلته تأكيدا. قال أبو حيان: وهذا التخريج الذي خرج الزمخشري قراءة زيد بن علي هو مذهب بعض النحاة زعم أنك إذا أتيت بعد الموصول بموصول آخر في معناه مؤكدا له لم يحتج الموصول الثاني إلى صلة نحو قوله: من النّفر اللّائي الّذين إذا هم ... يهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا فإذا وجوابها صلة اللائي ولا صلة للذين لأنه إنما أتي به للتأكيد. قال أصحابنا: وهذا الذي ذهب إليه باطل، لأن القياس إذا أكد الموصول أن تكرره مع صلته؛ لأنها من كماله. وإذا كانوا أكدوا حرف الجر أعادوه مع ما يدخل عليه لافتقاره إليه ولا يعيدونه وحده إلا في ضرورة فالأحرى أن يفعل مثل ذلك بالموصول الذي الصلة بمنزلة جزء منه. وخرج أصحابنا البيت: على أن الصلة للموصول الثاني وهو خبر مبتدأ محذوف وذلك المبتدأ وخبره صلة الموصول الأول وكذلك يكون التقدير في الآية الكريمة خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. (¬4) البيت سبق الاستشهاد به، وشاهده هنا: توكيد الذين بالأولى. وهو مرجوح والذي جوزه اختلاف لفظي التوكيد والمؤكد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فكذا توكيد ما له شبه بالأسماء من الحروف بخلاف ما لا شبه له بها كحروف الجر. ويجوز جعل من في الآية الكريمةو الأولى في البيت خبر مبتدأ مضمر هو وخبره صلة للذين. وأشرت بالتنبيه على أن «كي» لا تخلو من لام التعليل - إلى أنها لا تتصرف تصرف أن. فإنّ «أن» يبتدأ بها وتكون فاعلة ومفعولة ومضافا إليها ومجرورة بأكثر حروف الجر. وكي لا تقع إلا مجرورة باللام أو مقدرا معها اللام. وأما ما المصدرية (¬1): فتوصل بفعل متصرف غير أمر وأكثر ما يكون ماضيا كقوله تعالى: إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ (¬2) قال الشاعر: 451 - يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي ... وكان ذهابهنّ له ذهابا (¬3) وتقع هي وصلتها موقع ظرف الزمان كقولك: جد ما دمت واجدا أي مدة دوامك واجدا، ولا يشاركها في هذا الاستعمال غيرها. وقد أجاز الزمخشري مشاركة أن إياها في ذلك وجعل من ذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ (¬4) أي وقت أن آتاه الله الملك (¬5) والذي ذهب إليه غير جائز عندي؛ لأن استعمال أن في موضع التعليل - ¬

_ (¬1) الكلام لابن مالك انظر شرح التسهيل (1/ 225). (¬2) سورة التوبة: 118. (¬3) البيت من بحر الوافر ومع حفظ الناس له وكثرة ترديدهم إياه فهو مجهول القائل. وشاهده واضح: وهو تأويل ما والفعل بعدها بمصدر هو فاعل يسر والمرء مفعول. وانظر مراجع البيت في معجم الشواهد (ص 32). والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 225) وللمرادي (1/ 232). ولأبي حيان (1/ 700). (¬4) سورة البقرة: 258. (¬5) العجب من ابن مالك خطأ الزمخشري وأسند إليه رأيا واحدا في الآية مع أنه - أي الزمخشري - ذكر في الآية رأيين: أحدهما: ما رواه بن مالك عنه وهو أن أن بمعنى الظرف. والثاني: ما ذهب إليه ابن مالك في الآية وهو أنها للتعليل. يقول الزمخشري: أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ متعلق بـ (حآج) على وجهين: أحدهما: (حآج) لأن آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر فحاج لذلك ... فتكون أن للتعليل. الثاني: (حآج) وقت أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ فتكون أن للظرف. انظر الكشاف للزمخشري (1/ 387) بتحقيق محمد الصادق قمحاوي، مكتبة ومطبعة عيسى البابي الحلبي (1972 م).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجمع عليه وهو لائق في هذا الموضع فلا يعدل عنه، واستعمالها في موضع الظرف لا يعترف به أكثر النحويين، ولا ينبغي أن يعترف به؛ لأن كل موضع ادعى فيه ذلك صالح للتعليل فالقول به موقع في لبس. وأجاز الزمخشري في: إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا (¬1) ما أجازه في أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ (¬2) وأن يكون حالا كأنه قيل مسلمة إليهم إلا حين يتصدقون على القائل بالعفو (¬3) ومتصدقين بالعفو وليس كما قال: بل التقدير مسلمة إليهم إلا بأن يصدقوا، وهذا التقدير موافق للمعنى والاستعمال المجمع على مثله؛ إذ ليس فيه إلا حذف حرف جر داخل على أن وهو مطرد بخلاف ما ادعاه الزمخشري (¬4). وقد استشهد بعضهم على وقوع أن وصلتها موقع [1/ 260] ظرف الزمان بقول الشاعر: 452 - فقلت لها لا تنكحيه فإنّه ... لأوّل سهم أن يلاقي مجمعا (¬5) وزعم المستشهدون به: أن معناه لأول سهم زمن ملاقاته مجمعا. ولا حجة فيه لإمكان أن يكون التقدير فإنه لأول سهم بأن يلاقي مجمعا أي سبب ملاقاته مجمعا وهذا التقدير موافق للمعنى مع الاتفاق على كثرة نظائر فهو أولى. - وإذا وقعت ما المصدرية موقع الظرف لم توصل في الغالب إلّا بفعل ماضي - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 92. (¬2) سورة البقرة: 258. (¬3) انظر فيما رواه الشارح عن الزمخشري تفسيره المشهور بالكشاف: (1/ 553)، طبعة عيسى البابي الحلبي، سنة (1972 م). (¬4) في شرح التسهيل لابن مالك بخلاف الوجهين اللذين ادعاهما الزمخشري. (¬5) من بحر الطويل مطلع قصيدة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي: (2/ 491) طبعة لجنة التأليف والنشر سنة 1968 م لتأبط شرّا وكان قد خطب أمرأة فزهدت فيه معتلة بأنه سيقتل قريبا؛ لأنه كان له في كل حي جناية. وبعد بيت الشاهد قوله: فلم تر من رأي فتيلا وحاذرت ... تأيّمها من لابس اللّيل أروعا قليل غرار النوم أكبر همّه ... دم الثأر أو يلقى كميّا مسفّعا والمعنى: لا تنكحي هذا الفتى فإنه سيقتل قريبا وستصبحين أيما. الإعراب: أن يلاقي: يحتمل الابتدائية، وخبره لأول سهم. والجملة خبر إن. ويحتمل أن يكون في موضع نصب بدلا من الضمير في فإنه. والهاء في إنه تحتمل أن تكون ضمير الشأن وأن تكون ضمير تأبط شرّا. والبيت في معجم الشواهد (ص 208) وشرح التسهيل (1/ 226) والتذييل والتكميل (3/ 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللّفظ مثبت أو منفي بلم (¬1) كقول الشاعر: 453 - ولن يلبث الجهّال أن يتهضّموا ... أخا الحلم ما لم يستعن بجهول (¬2) وقد توصل بمضارع كقول الشاعر: 454 - نطوّف ما نطوّف ثمّ يأوي ... ذوو الأموال منّا والعديم إلى حفر أسافلهنّ جوف ... وأعلاهنّ صفّاح مقيم (¬3) وأشار المصنف بقوله: وليست اسما إلى آخره - إلى أن في ما المصدرية خلافا: وأن مذهب الجمهور أنها حرف ومذهب الأخفش وابن السراج قيل وجماعة من الكوفيين أنها اسم فإذا قلت: أعجبني ما قمت فتقديره عند سيبويه والجمهور قيامك (¬4) ويقدره الأخفش ومن وافقه القيام الذي قمته ويدعون حذف العائد (¬5) - ¬

_ (¬1) المعنى أو مضارع منفي بلم لأنه في معنى الماضي. (¬2) البيت من بحر الطويل ومن العجب أن صاحب الدرر قال: لم أعثر على قائله. (الدرر: 1/ 55) وقد وجدته في قصيدة طويلة منسوبة لكعب بن سعد الغنوي وهي في الأصمعيات (ص 83) طبعة دار المعارف بتحقيق شاكر وهارون. والمعنى: أن الجهال يؤذون الحليم ويهضمونه حقه إلا إذا استعان الحليم بجاهل مثلهم فإنهم يكفون أذاهم عنه وشاهده واضح. والبيت في معجم الشواهد (ص 312) وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 226) ولأبي حيان (3/ 154). وللمرادي (1/ 231). (¬3) البيتان من بحر الوافر وهما للبرج بن مسهر من قصيدة سبق الحديث عنها. ومعنى البيتين: أننا نكثر الطواف على اللذات والتجول في الأطراف لطلب البطالة وليس مآل الجميع الفقير والغني إلا إلى حفر وهي القبور التي أسافلها جوف وأعاليها حجارة عريضة كالسقف لها. انظر البيتين في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (3/ 227). وشاهده هنا قوله: نطوف ما نطوف. ففيه وصل ما المصدرية الظرفية بفعل مضارع وذلك نادر واستشهد به ابن هشام في المغني (2/ 579). لشاهد آخر برواية أخرى. والبيت في معجم الشواهد (ص 352) وشرح التسهيل (1/ 226) والتذييل والتكميل (3/ 154). (¬4) انظر الكتاب: (3/ 11) قال سيبويه «ومن ذلك أيضا: ائتني بعد ما تفرغ فما وتفرغ بمنزلة الفراغ ... إلخ». وانظر أيضا التذييل والتكميل (3/ 154). (¬5) ذكر ابن السراج في كتابه المشهور المسمى بأصول النحو (2/ 112) «أن أن المصدريّة حرف أما ما فإنها اسم. واحتجّ بأنها لم تعمل في الفعل كعمل أن وذكر أن ذلك مذهب الأخفش قال: ويجوز أن تقول: ضربت ما ضربت أي الضّرب الّذي ضربت. كما تقول: فعلت ما فعلت أي فعلت مثل الفعل الّذي فعلت وتقول: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد رد عليهم بوصل ما بليس في قوله: 455 - [أليس أميري في الأمور بأنتما] ... بما لستما أهل الخيانة والغدر (¬1) قالوا: فلا يسوغ تقدير ما بالذي لعدم الربط. ثم أشار بقوله: وتوصل بجملة اسمية على رأي إلى أن ما قد توصل بجملة اسمية كقول الشاعر: 456 - واصل خليلك ما التواصل ممكن ... فلأنت أو هو عن قريب ذاهب (¬2) وقول الآخر: 457 - فعسهم أبا حسّان ما أنت عائس (¬3) وهذا رأي طائفة ومنهم الأعلم. واختلف قول ابن عصفور فمرة أجاز ومرة منع (¬4). - ¬

_ - فعلت ما فعل زيد، أي كالفعل الّذي فعل زيد، فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال لأن فعلك لا يكون فعل غيرك قال الله تعالى: وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا والتأويل عندهم والله أعلم: كالخوض الّذي خاضوا. (¬1) البيت من بحر الطويل مجهول القائل في مراجعه. ومعناه: اعتراف من الشاعر لرجلين أنه أتخذهما رئيسين له وهما أهل للوفاء والأمانة. وشاهده قوله: بما لستما حيث وصلت ما بفعل جامد والفعل الجامد لا يتحمل ضميرا حتى يعود على ما، فدل ذلك على حرفيتها وتأولها مع ما بعدها بمصدر. والبيت في معجم الشواهد (ص 175) وفي التذييل والتكميل (3/ 154) وفي شرح التسهيل للمرادي (1/ 231). (¬2) البيت من بحر الكامل غير منسوب في مراجعه من شروح التسهيل وشاهده ومعناه واضحان. انظر البيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 227) ولأبي حيان (3/ 156) وللمرادي (1/ 233) وليس في معجم الشواهد. (¬3) الشاهد شطرة من بحر الطويل لم تذكر مراجعه الشطر الآخر. اللغة: عسهم: أمر من عاس الشيء يعوسه أي وصفه والمعنى: صفهم يا أبا حسان. والشاهد فيه: وصل ما المصدرية الظرفية بجملة اسمية. وقال في لسان العرب (عوس): «قال ابن سيده: ما هنا زائدة كأنه قال: عسهم أبا حسّان أنت عائس أي: ما أنت عائس». والبيت في شرح التسهيل (1/ 254) والتذييل والتكميل (3/ 156) وليس في معجم الشواهد. (¬4) في شرح المقرب لابن عصفور: (1/ 60) «وأما ما فتوصل بالجملة الاسمية والفعلية» وفي شرح الجمل له: (1/ 135) يقول: وأما ما المصدرية فمذهب سيبويه أنها لا توصل إلا بالفعل نحو: يعجبني ما صنعت تريد صنعك، وتذهب طائفة من النحويين منهم الأعلم أنها توصل بالجملة الاسمية ثم مثل له بالبيت الذي أوله: أعلاقة أم الوليد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: (¬1) «وقد توصل بمضارع المصدرية غير الظّرفية فيه كقول الشاعر: 458 - وللمنيّة أسباب تقرّبها ... كما تقرب للوحشية الدّرع (¬2) وقد توصل بجملة اسمية كقول الشاعر: 459 - أحلامكم لسقام الجهل شافية ... كما دماؤكم تشفي من الكلب (¬3) وقول الآخر: 460 - أعلاقة أمّ الوليد بعد ما ... أفنان رأسك كالثّغام المخلس (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 254). (¬2) البيت من بحر البسيط لم يعرف قائله فيما ذكر من مراجع. ومعناه: أن المنية قبل نزولها بالإنسان ترسل رسلها، فهذا علة، وذاك شيب، وثالث حادثة، كما ترسل الدروع عند صيد الحيوانات البرية أو قتلها. وما في البيت: مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالكاف. وانظر البيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 227) ولم يرد في معجم الشواهد ولا في شرح أبي حيان. (¬3) البيت من بحر البسيط قاله الكميت بن زيد الأسدي، وهو في المدح، والبيت في كتاب شعر الكميت بن زيد (1/ 81). اللغة: أحلامكم: جمع حلم بالكسر وهو الأناة والعقل. الكلب: بالتحريك: داء يعرض للإنسان من عض الكلب فيصيبه شبه الجنون فلا يعض أحدا إلا كلبا، وتعرض له أعراض رديئة، ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشا، وأجمعت العرب على أن دواءه قطرة من دم ملك يخلط بماء فيسقاه وهو معنى بيت الشاهد. والشاهد في البيت: جر المصدر المؤول بما مع الجملة الاسمية بعدها بالكاف. وانظر البيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 227) ولأبي حيان (1/ 155) وللمرادي (1/ 233) ومعجم الشواهد (ص 61). (¬4) البيت من بحر الكامل قاله المرار الأسدي يوبخ شيخا كبيرا أحب امرأة شابة. اللغة: العلاقة: الحب. أمّ الوليد: بالتصغير ليدل على أن المرأة صغيرة وهو مفعول علاقة وعلاقة اسم مصدر (شاهد لسيبويه: 1/ 166) أفنان: جمع فنن وهو الغصن شبه به شعر الرأس على سبيل الاستعارة. الثّغام: بالفتح نبات يشبه الشيب في البياض. المخلس: ما اختلط فيه البياض بالسواد. الشاهد فيه: استشهد به هنا على وصل ما المصدرية غير الظرفية بجملة اسمية. وقال سيبويه: جعل «بعد مع ما» بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعده (2/ 139). وكذلك فعل المبرد (المقتضب: 2/ 54). فكأن ما عندهما كافة والجملة مستقلة والصحيح ما ذهب إليه ابن مالك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 227) وفي التذييل والتكميل (3/ 155) وفي معجم الشواهد (ص 201).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحكم على ما هذه بالمصدرية أولى من جعلها كافة؛ لأنها إذا كانت مصدرية كانت هي وصلتها في موضع جر بالكاف في البيت الأول، وبإضافة الظرف في البيت الثاني. ولم يصرف بما هو له ثابت بخلاف الحكم بأن ما كافة، وأيضا فإن النظر يقتضي أن تكون ما مصدرية لكثرة استعمالها وعدم عملها غير مقصورة على الوصل بالفعل بخلاف أن وكي ولا تستحق ذلك لو المصدرية لقلة استعمالها فإن الحاجة إلى اختلاف [1/ 261] المصحوب في صلة وغيرها دون كثرة استعمالها غير ماسة، وأيضا فمن مواقع ما المصدرية النيابة عن وقت واقع ظرفا، والوقت الواقع ظرفا قد يضاف إلى جملة اسمية كما يضاف إلى جملة فعلية فإذا وصلت ما بكلتا الجملتين حين وقوعها موقع ذلك الوقت سلك بها سبيل ما وقعت موقعه، فكان الحكم بجواز وصلها بجملة اسمية راجحا على الحكم بمنعه وهذا على تقدير عدم ذلك مسموعا فكيف وقد ظفرت به في البيتين السابق ذكرهما، وإذا ثبت وصل ما المصدرية النائبة عن ظرف بجملة اسمية لم يتبعه وصلها بها إذا لم تكن نائبة عن ظرف» انتهى (¬1) وهو كلام حسن واستدلال جيد. وأما لو المصدرية: فعلامتها أن يصلح في موضعها أن وأكثر وقوعها بعد ما يدل على تمن كقوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ (¬2) وقد تكون غير مسبوقة بتمن، وعن ذلك احترز المصنف بقوله: غالبا قبل قوله: مفهم تمنّ وذلك كقول قتيلة (¬3): 461 - ما كان ضرّك لو مننت وربّما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 228). (¬2) سورة البقرة: 96 انظر التعليق على هذه الآية بعد قليل. (¬3) هي قتيلة بنت النضر بن الحارث بن علقمة، من بني عبد الدار من قريش، شاعرة من الطبقة الأولى في النساء. أدركت الجاهلية والإسلام وأسر أبوها النضر في موقعة بدر فأمر به النبي عليه الصلاة والسّلام فقتل فرثته قتيلة بقصيدتها التي أنشدتها بين يدي رسول الله. وفيها تطلب من رسول الله العفو عن أسرى بدر وتذكر له أسفها على أبيها. وأسلمت قتيلة بعد ذلك وتوفيت في خلافة عمر سنة (20 هـ). انظر ترجمتها في الأعلام (6/ 28). (¬4) البيت من بحر الكامل من قصيدة لقتيلة - كما جاء في الشرح - ترثي بها أباها وقيل أخاها. وهي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 462 - لقد طوفت في الآفاق حتّى ... بليت وقد أنى لي لو أبيد (¬1) وكقول الآخر: 463 - وربما فات قوما جلّ أمرهم ... من التّأنّي وكان الحزم لو عجلوا (¬2) ولا توصل لو المصدرية إلا بفعل متصرف ماض أو مضارع وهذا مراد المصنف بقوله: وصلتها كصلة ما في غير نيابة (¬3). وقد فهم الشيخ هذا الموضع فهما عجيبا وحمله على غير مراد المصنف مع تصريح المصنف بمراده في شرحه، ثم إنه أورد عليه بمقتضى ذلك الفهم إيرادا وهو ساقط لترتبه على الفهم المخل بمراد المصنف. والناظر إذا وقف على شرح الشيخ حقق - ¬

_ - في ديوان الحماسة (2/ 966) بشرح المرزوقي، وفي ديوان الخنساء ومراثي ستين شاعرة من العرب (ص 187). ولما سمع رسول الله من قتيلة هذا الشعر قال: «لو سمعته قبل قتله لأطلقته لها». وشاهده: وقوع لو المصدرية غير مسبوقة بتمن. انظر البيت في معجم الشواهد (ص 248) وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 228) والتذييل والتكميل (3/ 157) وفي شرح للمرادي (1/ 234). (¬1) البيت من بحر الوافر وهو من الأبيات التي اكتشفت قائلها، والذي قاله هو مسجاح بن سباع (جاهلي معمر) من مقطوعة يشكو فيها عمره الطويل وملله العيش، وبيت الشاهد مطلعها وبعده: وأفناني ولا يفنى نهار ... وليل كلّما يمضي يعود وشهر مستهل بعد شهر ... وحول بعده حول جديد ومفقود عزيز الفقد تأتي ... منيّته ومأمول وليد اللغة: بليت: هلكت من البلي: أنى لي: حان لي. لو أبيد: لو أهلك وهو فاعل أنى. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 228) والتذييل والتكميل (3/ 157) والقصيدة في ديوان الحماسة (2/ 1009). (¬2) البيت من بحر البسيط نسب للأعشى وللقطامي ولم أجده في ديوان أحد منهما. الإعراب: قوما: مفعول فات. جل أمرهم: فاعله. الحزم: اسم كان. لو عجلوا: لو مصدرية والجملة بعدها مؤولة بمصدر خبر كان وهو موضع الشاهد. وانظر البيت في معجم الشواهد (ص 291) وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 228) والتذييل والتكميل (3/ 157). (¬3) قوله في غير نيابة معناه: أن ما تنوب عن ظرف زمان ولا تنوب لو المصدرية عن ظرف زمان فهما وإن اشتركا في الصلة فقد اختصت ما بالنيابة عن الظرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما قلته (¬1). قال المصنف: (¬2) «وأكثر النحويين لا يذكرون لو في الحروف المصدرية (¬3)». وممن ذكرها (¬4) الفراء وأبو علي ومن المتأخرين التبريزي (¬5). وأبو البقاء (¬6). - ¬

_ (¬1) قال ابن مالك في الحديث عن لو: «ولا توصل إلّا بفعل متصرف ماض أو مضارع». (شرح التسهيل: 1/ 229) وقال أبو حيان عند شرح قوله: «وصلتها كصلة ما» يعني أنها توصل بما وصلت به ما من فعل متصرف: ماض ومضارع ولا توصل بالأمر، وذكر المصنف أن ما توصل بفعل منفي بلم وظاهر كلامه أن لو توصل بذلك فتقول: وددت لو لم يقم زيد، وقد اختار المصنف في ما أنها توصل بالجملة الاسمية، واستدل لصحة ذلك، ولا يحفظ ذلك في لو. لا يحفظ مثل: وددت لو زيد قائم، فينبغي أن يقيد قوله: وصلتها كصلة ما إلا في الجملة الاسمية» (التذييل والتكميل/ 3/ 158). فما أخذه أبو حيان على ابن مالك وهو عدم استثنائه الجملة الاسمية من صلة لو. ورد عليه الشارح بأن ابن مالك حدد صلة لو في شرحه حين قال: ولا توصل لو إلّا بفعل متصرف ماض أو مضارع. (¬2) شرح التسهيل (1/ 229). (¬3) قال أبو حيان: «وممّا يبعد كون لو مصدرية أنه لا يحفظ من كلامهم دخول حرف الجر عليها فلا يوجد: عجبت من لو خرج زيد أي عجبت من خروج زيد» (التذييل والتكميل: 3/ 158). (¬4) أي من المتقدمين بدليل قوله بعد: ومن المتأخرين. (¬5) هو أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي من أئمة اللغة والأدب أصله من تبريز ولد سنة (421 هـ) ونشأ ببغداد ورحل إلى بلاد الشام فقرأ تهذيب اللغة على أبي العلاء المعري ودخل مصر ثم عاد إلى بغداد ودرس الأدب بالمدرسة النظامية وطبقت شهرته الآفاق فقصده الخلق ينهلون من علمه إلى أن مات سنة (502 هـ). مصنفاته كثيرة: منها: مقدمة في النحو، شرح اللمع لابن جني، شرح ديوان الحماسة الملخص في إعراب القرآن. شرح ديوان المتنبي، تهذيب إصلاح المنطق لابن السكيت وتهذيب إصلاح الألفاظ له. انظر ترجمته في الأعلام (9/ 197) ونشأة النحو (ص 174). (¬6) قال أبو البقاء عند تفسير قوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ [البقرة: 96]. «لو هنا بمعنى أن الناصبة للفعل ولكن لا تنصب وليست التي يمتنع بها الشّيء لامتناع غيره. ويدل على ذلك شيئان: أحدهما: أن هذه يلزمها المستقبل والأخرى معناها في الماضي. الثاني: أن يود يتعدى إلى مفعول واحد وليس مما يعلق عن العمل فمن هنا لزم أن يكون لو بمعنى أن. وقد جاءت أن بعد يود في قوله تعالى: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ [البقرة: 266] وهو كثير في القرآن والشّعر (التبيان في إعراب القرآن: 1/ 96). إلا أنه في كتابه: اللباب في علل البناء والإعراب (2/ 113) تحقيق د/ عبد الإله نبهان (مطبوعات مركز الثقافة بدبي) يقول: «باب الموصول والصّلة: الموصول أسماء وحروف: فالأسماء الذي والّتي وفروعهما ومن وما وأي: وأمّا الحروف فما وإنّ الثقيلة وإن الخفيفة ثم شرح ذلك بالتّفصيل ولم يذكر لو من الحروف المصدرية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو علي في التذكرة: وقد حكى قراءة بعض القراء: ودوا لو تدهن فيدهنوا (¬1) بنصب فيدهنوا حمله على المعنى كأنه قال: ودّوا أن تدهن فيدهنوا كما حمل أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ (¬2) على أَوَلَيْسَ .... بِقادِرٍ (¬3)، (¬4). ثم قال بعد (¬5): فإن قيل كيف دخلت لو المصدريّة على أنّ في نحو فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً (¬6) فالجواب من وجهين: الأول: أن لو داخلة على «ثبت» مقدرا رافعا لأن فلا يلزم من ذلك مباشرة حرف مصدري لحرف مصدري. الثاني: أن يكون هذا من باب التوكيد اللفظي وهو من أحسنه؛ لأنه توكيد كلمة بما يوافقها معنى دون لفظ وهذا أجود من التوكيد بإعادة [1/ 262] اللفظ بعينه ومنه توكيد السبل بالفجاج في قوله تعالى: لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً (¬7) ومنه توكيد الذين بمن في قراءة زيد بن علي: (والذين من قبلكم) (¬8). - ¬

_ (¬1) سورة القلم: 9. (¬2) سورة الأحقاف: 23. (¬3) سورةيس: 81. (¬4) قال أبو حيان في تفسيره الكبير (البحر المحيط: 9/ 39): وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ لو هنا على رأي البصريين مصدرية بمعنى أن أي ودوا إدهانكم. ومذهب الجمهور: «أن معمول ودّ محذوف أي ودوا إدهانكم وحذف لدلالة ما بعده عليه ولو باقية على بابها من كونها حرفا لما كان سيقع لوقوع غيره وجوابها محذوف تقديره لسروا بذلك». ومعناه: ودّوا لو تذهب عن هذا الامر فيذهبون معك. ثم قال: وأما قوله: «فيدهنون»: بالرفع فهو عطف على يدهن، وقال الزمخشري: عدل به عن طريق آخر وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون كقوله: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ. قال أبو حيان: «وجمهور المصاحف على إثبات النون، وقال هارون: إنه في بعض المصاحف فيدهنوا ولنصبه وجهان: أحدهما: أنه جواب ودوا لتضمنه معنى ليت. والثاني: أنه على توهم أنه نطق بأن. أي ودوا أن تدهن فيدهنوا فيكون عطفا على التوهم ولا يجيء هذا الوجه إلا على قول من جعل لو مصدرية بمعنى أن» (البحر المحيط: 3/ 39). (¬5) شرح التسهيل (1/ 230). (¬6) سورة الشعراء: 102 وهي: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. (¬7) سورةنوح: 20. (¬8) سورة البقرة: 21. وانظر في القراءة وتخريجها: البحر المحيط (1/ 95). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولتفضيل هذا النوع من التأكيد على إعادة اللفظ بعينه كان قولك: زيد كمثل عمرو شائعا مستحسنا في النظم والنثر بخلاف زيد ككعمرو فإنه مخصوص بالضرورة كقوله: 464 - وصاليات ككما يؤثفين (¬1) [1/ 263] وقد اجتمعت لو وأن المصدريتان في قول علي رضي الله عنه مخاطبا لعامله: «ما كان عليك أن لو صمت لله أياما، وتصدّقت بطائفة من طعامك محتسبا» انتهى كلام المصنف (¬2). وقد باشرت أن في قوله تعالى: وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (¬3). وهذه الآية أصرح في الدلالة على مصدرية لو من الآية الشريفة التي أوردها المصنف؛ وذلك لتقدم يود عليها. ثم الجواب عن المباشرة في تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ كالجواب عن المباشرة في فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً (¬4). واعلم أن من لم يثبت مصدرية لو جعلها في الشواهد المتقدمة الامتناعية (¬5) فقال: - ¬

_ - وقد رد ذلك ابن هشام فقال: السؤال في الآية فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً مدفوع من أصله لأن لو فيها ليست مصدرية. وفي الجواب الثاني نظر لأن توكيد الموصول قبل مجيء صلته شاذ كقراءة زيد بن علي (والذين من قبلكم) بفتح الميم (مغني اللبيب: 1/ 267). (¬1) البيت من مشطور السريع وهو لخطام المجاشعي كما في مراجعه. اللغة: الصّاليات: الأثافي لأنها صليت النار أي باشرتها. يؤثفين: ينصبن للقدر. والشاعر: يصف ديارا خلت من أهلها فنظر إلى آثارها فوجدها باقية لم تتغير بعد أن رحل عنها أهلها. وجاء هذا الشاهد في غالب كتب النحاة حتى إن سيبويه استشهد به ثلاث مرات في كتابه (1/ 32)، (1/ 408، 4/ 279). والاستشهاد بالبيت هنا على دخول أحد حرفين على الآخر مع اتحادهما لفظا ومعنى وهو مخصوص بالضرورة. والبيت في معجم الشواهد (ص 542) وفي شرح التسهيل (1/ 231). (¬2) شرح التسهيل (1/ 231). (¬3) سورةآل عمران: 30. (¬4) سورة الشعراء: 102. والجواب مذكور في الصفحة السابقة: لو داخلة على ثبت مقدرا، من باب التوكيد اللفظي. (¬5) أي التي تفيد امتناع الشرط والجواب معا كقوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها [السجدة: 13]. وسماها سيبويه: «حرف لما كان سيقع لوقوع غيره».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ (¬1) أن مفعول يود محذوف وأن جواب لو محذوف. وأن التقدير: يود أحدهم التعمير لو يعمر ألف سنة لسره ذلك، وتخرج بقية الشواهد على نحو ذلك، ولا يخفى ما في هذا التخريج من التكلف والقول بمصدرية لو أسهل منه، إذ لا مانع يمنعه من جهة الصناعة النحوية ولا كلفة فيه بل هو الظاهر. بقي ها هنا التنبيه على شيء: وهو أن قول المصنف: مفهم تمنّ - يشمل ودّ وأحبّ وآثر وتمنى واختار، ثم إنه لم يمثل إلا بود ويود قبل ولم يسمع من مفهم التمني غير ود ويود وربما أشعر اقتصار المصنف على التمثيل بذلك، أعني ودّ ويودّ على أن مفهوم التمني مقصور عليهما. ثم أشار المصنف بقوله: وتغني عن التمنّي فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء إلى معنى آخر يستفاد يذكر لو وهو التمني في بعض المواضع. وأشعر قوله: وتغني عن التّمني فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء إلى معنى آخر يستفاد بذكر لو وهو التمني مستفادا من لو نفسها وسيأتي تقرير ذلك والبحث فيه (¬2). قال المصنف (¬3): وأشرت بقولي: وتغني عن التّمني (فينصب بعدها الفعل مقرونا بالفاء) (¬4) إلى نحو قول الشاعر: 465 - سرينا إليهم في جموع كأنّها ... جبال شرورى لو نعان فننهدا (¬5) فلك في نصب ننهد أن تقول نصب؛ لأنه جواب تمنّ إنشائي كجواب ليت. وهذا عندي هو المختار. ولك أن تقول: ليس هذا من باب الجواب بالفاء، بل من باب العطف على المصدر؛ لأن لو والفعل في تأويل المصدر والمصدر قد عطف عليه الفعل فينتصب بإضمار أن كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 96. (¬2) انظر الصفحات القادمة من التحقيق. (¬3) شرح التسهيل (1/ 229). (¬4) ما بين القوسين في شرح التسهيل. (¬5) البيت من بحر الطويل ولم ينسب في مراجعه. اللغة: شرورى: بفتح أوله وضم ثانيه وفتح الراء الأخيرة: اسم موضع - فننهد من نهد إلى العدو أي نهض إليه. والشاعر يفتخر ببأسه وبأس قومه وتفوقهم على عدوهم. وشاهده واضح من الشرح الطويل فيه. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 229) ولأبي حيان (3/ 158). وللمرادي (1/ 235). وفي معجم الشواهد (ص 94).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 466 - لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم (¬1) ومنه قراءة السبعة إلا نافعا: إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا (¬2) بالنصب عطفا على وحيا. وذهب أبو علي في لو التي بعدها نعان وشبهها: إلى أنها بمعنى الأمر وأن النصب بعدها كالنصب بعد الأمر، قال في التذكرة بعد كلامه على قراءة من قرأ «فيدهنوا» بالنصب: «يجوز أن تكون لو هذه أجريت مجرى لو الّتي بمعنى الأمر في قوله «لو نعان فننهدا» أي أعنّا بالله فننهدا وقال أيضا في قوله تعالى: فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ (¬3) أي أحدث لنا كرّة فنكون». هذا نص كلامه في التذكرة. وأما الزمخشري فإنه قال: «وقد تجيء لو في معنى التّمنّي كقولك: لو تأتيني - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو للأعشى من قصيدة يهجو فيها يزيد بن مسهر الشيباني وهو في البيت يخاطب نفسه ومطلع القصيدة قوله: هريرة ودّعها وإن لام لائم ... غداة غد أم أنت للبين واجم انظر ديوان الاعشى (ص 177) وبيت الشاهد ثاني أبيات القصيدة. اللغة: الحول: العام. الثواء: الإقامة من ثوي يثوي وهو بالجر بدل اشتمال من حول على حذف الرابط (المقتضب: 1/ 27) كما روي نصبه على معنى ثويته ثواء. لبانات: جمع لبانة بالضم وهي الحاجة. والأعشى يقول لنفسه: إنه مكث مع المهجو عاما كاملا فلم ينل شيئا وكان في إمكانه في هذا العام أن تقضى كل حاجاته، بل إنه أيضا مل من الإقامة لطولها. وفي البيت قال المبرد: النحويون ينشدون هذا البيت على ضربين: برفع يسأم لأنه معطوف على فعل وهو تقضّى فلا يكون إلا مرفوعا ومن قال: تقضّي لبانات قال: ويسأم سائم بالنصب؛ لأن تقضي اسم فلم يجز أن يعطف عليه فعل فأضمر أن ليجري المصدر على المصدر فصار تقضي وأن يسأم (المقتضب: 2/ 27). والشاهد مراجعه كثيرة: في معجم الشواهد: (ص 56). والبيت في شروح التسهيل لابن مالك: (1/ 229) ولأبي حيان (3/ 159) وللمرادي (1/ 235). (¬2) سورة الشورى: 51. قرأ نافع: أو يرسل رسولا فيوحي برفع الفعلين وقرأ الباقون بنصبهما وحجة من رفع: أنه أستأنفه وقطعه عما قبله أو رفعه على إضمار مبتدأ تقديره أو هو يرسل رسولا ويجوز رفع يرسل على الحال على أن يجعل إلا وحيا حالا ويعطف عليه أو يرسل ويعطف عليه فيوحي. وحجة من نصب أنه حمله على معنى المصدر؛ لأن قوله: إلا وحيا معناه إلا أن يوحي فيعطف أو يرسل على أن يوحي. انظر الكشف عن وجوه القراءات (2/ 254) تحقيق د/ محيي الدين رمضان (مؤسسة الرسالة). (¬3) سورة الشعراء: 102.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتحدثني كما تقول ليتك تأتيني فتحدّثني» (¬1). فإن أراد بهذا الكلام ما أردته أنا فهو صحيح، وإن أراد أن لو حرف موضوع للتمني كليت فغير صحيح؛ لأن ذلك يستلزم منع الجمع بينها وبين فعل التمني كما لا يجمع بينه وبين ليت؛ وذلك لأن حروف المعاني مقصود بها النيابة عن الأفعال على سبيل الإنشاء فالجمع بينهما وبين تلك الأفعال ممتنع لامتناع الجمع بين نائب ومنوب عنه؛ ولهذا امتنع الجمع بين لعل وأترجى وبين إلا وأستثني، فلو كانت لو موضوعة للتمني كليت لساوتها في امتناع ذكر فعل التمني معها، فكان قول القائل: تمنيت لو تفعل غير جائز كما أن قوله: تمنّيت ليتك تفعل غير جائز الأمر بخلاف ذلك، فصح ما قلته والحمد لله. انتهى كلام المصنف (¬2). وتحصل منه أن في نحو قول الشاعر «لو نعان فننهد» ثلاثة أقوال: أحدها: قول أبي علي أن لو بمعنى الأمر. والثاني: أنها للتمني كما يعطيه ظاهر قول الزمخشري حيث قال: وقد تجيء لو، في معنى التمني إلى آخره. وعلى هذين القولين يكون للو معنى زائد على كونها شرطية ومصدرية وهو إما الأمر كما يقول أبو علي وإما التمني كما يعطيه كلام الزمخشري. لكن في شرح الشيخ (¬3) ما نصه: «وأما ما حكي عن أبي علي أن لو بمعنى الأمر فينبغي ألا يحمل على ظاهره، وإنما يريد أبو علي أنها أشربت معنى التمنّي، والتمنّي طلب. وأما قول الزمخشري: أنّ لو تجيء في معنى التمني فهو قول النّحويين ولا يعنون أنّها وضعت دالة على التمني. وإنما المعنى أنها تشرّبت معنى التّمني فتجاب بما يجاب به ليت، وإذا أشربت معنى التمني فهي لو التي هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره. وليست قسما موضوعا للتمني إنّما تشّربته على سبيل المجاز» انتهى. ولا يخفى ضعف ما حمل عليه قول أبي علي. وأما كون لو إذا أفادت معنى [التمني] (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر المفصل للزمخشري (ص 323) وبقية كلامه: ويجوز في: فتحدّثني النّصب والرّفع قال الله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [نون: 9] وفي بعض المصاحف: فيدهنوا. (¬2) شرح التسهيل (1/ 230). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 161). (¬4) ما بين المعقوفتين زيادة من عندنا يتطلبها المقام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهي لو الامتناعية أشربت معنى التمني ففيه نظر (¬1). والقول الثالث: وهو الذي يراه المصنف: أن لو هي المصدرية وهي واقعة بعد فعل الوداد، ولكن الفعل حذف وجعلت لو دالة عليه. ولا يتحقق هذا الذي ذكره؛ لأن تقديره يقتضي أن تكون لو مصدرية وإذا كانت مصدرية كان الفعل المقدر قبلها منصبّا على المصدر المنسبك منها ومن الفعل الذي هو [1/ 264] صلتها فلا تكون هي حينئذ مغنية عن التمني، بل إنما فهم التمني من ذلك الفعل المقدر. وإذا كان كذلك وكان ثم فعل منصوب كان النصب بسبب العطف على المصدر لا بسبب التمني المفهوم من وددنا. والظاهر أن لو هي المفيدة للتمني بنفسها كما يعطيه ظاهر كلام الزمخشري، وعند إفادتها التمني لا تكون مصدرية، وما رد به المصنف من أن ذلك يستلزم منع الجمع بينهما وبين فعل التمني فممنوع، فإن الواقعة بعد فعل التمني لا تمنى فيها؛ وإنما هي مصدرية محضة؛ فالجمع بينها وبين فعل التمني ليس جمعا بين نائب ومنوب عنه والمقيدة للتمني ليست المصدرية كما تقدم، فلا يحتاج إلى تقدير فعل قبلهما، وكما أنها حال إفادتها التمني ليست مصدرية، فكذا ليست الامتناعية وانما المفيدة للتمني قسم برأسه. وقد قال بما ذكرته ابن هشام (¬2) وابن الضائع حتى قالا: «إنّها لا تحتاج إلى جواب كجواب الشّرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب ليت» (¬3). - ¬

_ (¬1) قوله ففيه نظر: هو الذي ذكر عن ابن مالك تعليقا على الزمخشري: «وقد تجيء لو في معنى التمنّي كقولك: لو تأتيني فتحدثني» قال ابن مالك: إن أراد أن الأصل وددت لو تأتيني فتحدثني فحذف فعل التّمني لدلالة لو عليه فأشبهت ليت في الإشعار بمعنى التمني فكان لها جواب كجوابها فصحيح. أو أنّها حرف وضع للتّمني كليت فممنوع لاستلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التّمني كما لا يجمع بينه وبين ليت». وانظر المعنى (1/ 267). (¬2) هو ابن هشام الخضراوي محمد بن يحيى المتوفى سنة (646 هـ) سبقت ترجمته. (¬3) قال ابن الضائع في شرح الجمل (مخطوط بدار الكتب رقم 19 جزء 1 ورقة 62) «واعلم أنّ لو قد تكون بمعنى التّمني كقوله تعالى: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ [البقرة: 167]. وقال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [سورة القلم: 9]. ومنه: إلا ماء ولو باردا. ويحسن أن يكون منه قول امرئ القيس (من الطويل): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل من قال إن لو باقية على معنى الشرط وإنما أشربت معنى التمني - بأنه قد جمع لها بين جوابين: جواب منصوب بعد الفاء، وجواب باللام كقول الشاعر: 467 - فلو نبش المقابر عن كليب ... فيخبر بالذّنائب أيّ زير (¬1) بيوم الشّعثمين لقرّ عينا ... وكيف لقاء من تحت القبور وقد قيل إنما نصب فيخبر؛ لأنه معطوف على مصدر متوهم فالمعنى لو حصل نبش فإخبار لقر عينا وإذا كان كذلك فليس يخبر جوابا. ثم إن الشيخ ذكر في غضون كلامه أمورا: منها: أنه قال (¬2): وأما دعوى المصنف أنّ لو في قوله تعالى حكاية: لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ (¬3) هي المصدرية فلا نعلم أحدا ذهب إلى ذلك غير هذا الرجل، بل هي عندهم الامتناعية أشربت معنى التمني وجوابها محذوف وكذلك في الآية الأخرى: لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (¬4). ومنها: أنه ناقش المصنف في تقديره ثبت بعد لو، قال: «وهذا مذهب المبرد ومذهب سيبويه أنّ أن بعد لو في موضع رفع بالابتداء» (¬5). - ¬

_ - تجاوزت أحراسا عليها ومعشرا ... عليّ حراسا لو يسرون مقتلي انظر ذلك في المغني أيضا (1/ 167). (¬1) البيتان من بحر الوافر قالهما امرؤ القيس بن ربيعة الملقب بالمهلهل من قصيدة يفتخر فيها حين أخذ بثأر أخيه كليب من قبيلة جساس بن مرة في قصة مشهورة اقرأها في الأمالي: (2/ 145). اللغة: الذّنائب: هضبة بنجد فيها قبر كليب. الزير: من يكثر زيارة النساء والجلوس معهن لقب به كليب لأنه كان يفعل ذلك. وقيل: لقب به المهلهل نفسه وهو هنا كأنه ينفيه عن نفسه. الشّعثمين: هما شعثم وشعيب ابنا معاوية بن عمرو. المعنى: يطمئن مهلهل أخاه أنه أخذ بثأره وعليه أن ينام قرير العين وأن تسكن روحه. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 185) وفي التذييل والتكميل (3/ 161). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 162). (¬3) سورة البقرة: 167. (¬4) سورة الزمر: 58. (¬5) في كتاب سيبويه (3/ 139) «ولو بمنزلة لولا ولا يبتدأ بعدها الأسماء سوى أنّ نحو لو أنك ذهبت». وفي المقتضب (3/ 77) لولا في الأصل لا تقع إلّا على اسم ولولا تقع إلّا على فعل فإن قدّمت الاسم كان على فعل مضمر وذلك كقوله عزّو جل: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي [الإسراء: 100]. قال: فأنتم رفع بفعل يفسّره ما بعده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: دعوى المصنف أنّ أن ولو المصدريتين اجتمعا في قول علي رضي الله عنه: ما كان عليك أن لو صمت لله أيّاما. قال: «فليست لو هنا مصدرية بل أن هي المصدرية وهي المخففة من الثقيلة ولو صمت (¬1) جملة امتناعية وهي في موضع الخبر لأن، وجواب لو محذوف وأن لو هنا نظير وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ (¬2). والتقدير: وما كان عليك في أنه لو صمت وتصدقت لوجدت ثوابه أو لنفعك، قال: وأن في قولنا: وددت أن لو كان كذا هي المخفّفة ولو هي الامتناعية ولا يكونان مصدريتين» انتهى (¬3). وأقول: أما قوله: لم يعلم أحدا ذهب إلى ما قاله المصنف، فليس ذلك بإبطال لما ادعاه، وغاية ما ذكره أن لو في الآية الشريفة تحتمل كونها الامتناعية، ولا يلزم من ذلك إبطال ما ذكره المصنف، والظاهر أن الموجب لدعوى المصنف أنها المصدرية إنما هو نصب فيكون والتقدير [1/ 265] عنده فوددنا لو أن لنا كرة كما قدر الفعل في لو نعان فننهدا. ولكن النصب في فَنَكُونَ (¬4) يحتمل أن يكون لعطفه على كرة، فلا يتم مقصود المصنف. والحق أن دعوى مصدرية لو في فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً (¬5) بعيد محوج إلى تكلف إضمار ما لا دليل عليه، والظاهر أن لو في هذه الآية الشريفة للتمني المحض، ولا يحتاج إلى تقدير فعل قبلها كما يراه المصنف. ولك في موضع أن وما بعدها وجهان (¬6): أن تكون مبتدأ محذوف الخبر أو فاعلا بفعل مقدر. وأما مناقشته له في تقدير ثبت بعد لو وأن ذلك ليس مذهب سيبويه بل مذهب المبرد فالجواب عنها أن الخلاف بين سيبويه والمبرد إنما هو في أن الواقعة بعد لو الامتناعية. أما لو المصدرية فإنه يجب تقدير الفعل بعدها؛ لأن صلتها إنما تكون فعلا. وأما قوله: إنّ أن في: ما كان عليك أن لو صمت لله أيّا ما هي المخففة من الثقيلة فقد ينازع فيه من حيث إن أن المخففة لا تقع إلا بعد أفعال التحقيق واليقين. ¬

_ (¬1) في النسخ: ولو تصدقت وهو خطأ. (¬2) سورة الجن: 16. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 163). (¬4)، (¬5) سورة الشعراء: 102. (¬6) هما ما ذكرا قبل من مذهب المبرد وسيبويه.

[أحكام الموصول مع صلته]

[أحكام الموصول مع صلته] قال ابن مالك: (الموصول والصّلة كجزأي اسم فلهما ما لهما من ترتيب ومنع فصل بأجنبي إلّا ما شذّ فلا يتبع الموصول ولا يخبر عنه ولا يستثنى منه قبل تمام الصّلة أو تقدير تمامها. وقد ترد صلة بعد موصولين أو أكثر مشتركا فيها أو مدلولا بها على ما حذف. وقد يحذف ما علم من موصول غير الألف واللام ومن صلة غيرهما، ولا تحذف صلة حرف إلا ومعمولها باق ولا موصول حرفيّ إلا أن، وقد يلي معمول الصّلة الموصول إن لم يكن حرفا أو الألف واللام، ويجوز تعليق حرف جرّ قبل الألف واللام بمحذوف دلّ عليه صلتها، ويندر ذلك في الشّعر مع غيرها مطلقا ومعها غير مجرور بمن). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الفصل على مسائل: الأولى: بيان نسبة الصلة من الموصول: وتقرير ذلك (¬1): أن للموصول مع الصلة شبها بشطري الاسم وأشبه الأسماء منهما المركب تركيب مزج كبعلبك، فإن المفرد مباين لهما بعدم التركيب والمضاف والجملة مباينان لهما بتأثير صدريهما في عجزيهما، والمركب تركيب مزج خال من تلك المباينات فكان شبههما به أولى بالاعتبار. والضمير في قوله: فلهما عائد على الموصول والصلة، وفي قوله: ما لهما عائد على جزأي الاسم أي للموصول من التقدم ما لصدر الاسم المشار إليه وللصلة من المتأخر ما لعجزه فهذا هو المراد بالترتيب؛ لأن الصلة لا يتقدم بعض أجزائها على بعض كما لا يتقدم بعض أجزاء العجز على بعض بل يجوز في الجملة الموصول بها من تقديم وتأخير ما يجوز فيها قبل كونها صلة ما لم يعرض في الوصل مانع من بعض ما كان جائز، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى. وكما وجب الترتيب وجب منع الفصل بأجنبي سواء كان الفصل بين الصلة والموصول أم بين أجزاء الصلة والمراد بالأجنبي ما لا يتعلق بالصلة وسيذكر. وقد فهم من قوله: ومنع فصل بأجنبي أن الفصل بما ليس أجنبيّا لا يمنع. وغير الأجنبي على ما ذكره في الشرح أربعة أشياء (¬2): - ¬

_ (¬1) ما سيذكره منقول من شرح التسهيل لابن مالك (1/ 231). (¬2) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 266] الأول: القسم: وذلك على أنه يؤكد الجملة الموصولة بها كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأبّنوهم بمن والله ما علمت عليهم من سوء قطّ» (¬1). ومنه قول الشاعر: 468 - ذاك الّذي وأبيك يعرف مالكا ... والحقّ يدفع ترّهات الباطل (¬2) الثاني: جملة الاعتراض: كقول الشاهد: 469 - ماذا ولا عتب في المقدور رمت أما ... يكفيك بالنّجح أم خسر وتضليل (¬3) ففصل بين ذا ورمت بلا عتب في المقدور؛ لأن فيه توكيدا أو تشديدا لمضمون - ¬

_ (¬1) الحديث بنصه في صحيح مسلم (8/ 118) في كتاب التوبة: باب في حديث الإفك وقبول توبة التائب، وأصله حديث الإفك المشهور الذي اتهمت به عائشة والتي برأها القرآن بعشر آيات من سورة النور (آيات: 11 - 20) والذي اتهمها به عبد الله بن أبي وبعض المنافقين وصعد النبي عليه السّلام المنبر وطلب من الناس أن يأخذوا بثأره من هؤلاء. روت عائشة فقالت: لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خطيبا فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أشيروا عليّ في أناس أبّنوا أهلي (اتهموهم بسوء) وايم الله ما علمت على أهلي من سوء قطّ وأبّنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط (يقصد صفوان بن المعطل) ولا دخل بيتي إلّا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلّا غاب معي ... إلخ ويقصد بذلك صفوان الذي حمل عائشة من مكان نزولها إلى المدينة. (¬2) البيت من بحر الكامل من قصيدة لجرير بن عطية يخاطب بها يحيى بن عقبة الطهوي (ديوان جرير ص 345). اللغة: الترهات: جمع ترهة بالتشديد وهي الأباطيل. وروي البيت: يدمغ مكان يدفع، وهو بمعناه. والبيت شاهده قوله: ذاك الذي وأبيك يعرف حيث فصل بين الموصول وصلته بالقسم. والبيت في معجم الشواهد (ص 320) وهو في التذييل والتكميل (3/ 164). (¬3) البيت من بحر البسيط ورد في مراجع قليلة غير منسوب. اللغة: العتب: بضم العتين العتاب. رمت: أردت. المقدور: المقدر والمكتوب. النجح: النجاح. يقول لصاحبه: ماذا تريد وقد نلت نجاحا عظيما هل تريد الضلال والخسران وكل شيء مكتوب. وفي البيت: فصل بين جملة الصلة والموصول وأصله: ماذا رمت ولا عتب في المقدور. قال أبو حيان: ولا يتعين في ماذا أن تكون ذا موصولة إذ يحتمل أن تكون ماذا كلها استفهامية وهو أحد محاملها. والهاء زائدة في فاعل يكفي وخسر وتضليل بالرفع عطفا على محل الفاعل. والبيت في معجم الشواهد (ص 294) وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 232) ولأبي حيان (3/ 165) وللمرادي (1/ 237).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملة الموصول بها ومن ذلك قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ (¬1) فقوله تعالى: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ من كمال الصلة لأنه معطوف على كسبوا، وحصل الفصل بقوله تعالى: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها لأن في ذلك تشديدا وتبيينا. الثالث: الجملة الحالية: كقول الشاعر: 470 - إنّ الّذي وهو مثر لا يجود حر ... بفاقة تعتريه بعد إثراء (¬2) فقوله: وهو مثر جملة حالية، العامل فيها فعل الصلة وهو يجود وما عمل فيه فعل الصلة فهو من الصلة، فلا يكون أجنبيّا. ومن ثم قال المصنف: والجملة الحالية أولى ألّا تعدّ أجنبية. الرابع: النداء الذي يليه مخاطب: كقول الشاعر: 471 - وأنت الّذي يا سعد بؤت بمشهد ... كريم وأبواب المكارم والحمد (¬3) - ¬

_ (¬1) سورةيونس: 27. (¬2) البيت من بحر البسيط غير منسوب في مراجعه ولم يذكر في معجم الشواهد مع وروده في الهمع (1/ 88) والدرر (1/ 65). اللغة: المثري: صاحب الثراء. حر: حقيق. الفاقة: العوز والحاجة. تعتريه: تصيبه. وفي البيت دعوة إلى الكرم والسخاء وبخاصة إذا صار الإنسان غنيّا فمن اغتنى وظل بخيلا حقيق أن يعود إلى ما كان عليه من الفقر والحاجة. وشاهده واضح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 232) وفي التذييل والتكميل (3/ 166). (¬3) البيت من مقطوعة لحسان بن ثابت يرثي فيها سعد بن معاذ سيد الأوس الذي سمعت فيه قريش وفي سعد بن عبادة صائحا يصيح على جبل أبي قبيس يقول: فإن يسلم السّعدان يصبح محمّد ... بمكّة لا يخشى خلاف المخالف وسعد بن معاذ هو الذي رضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حكمه في بني قريظة لما غدروا به وكان الحكم أن تقتل الرجال وتسبى الذرية والنساء وإلى هذا يشير حسان بقوله هذا الشاهد مخاطبا سعدا (ديوان حسان ص 114): بحكمك في حيّي قريظة بالذي ... قضى الله فيهم ما قضيت على عمد فوافق حكم الله حكمك قاطعا ... ولم تعف إذ ذكّرت ما كان من عهد والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 232) ولأبي حيان (3/ 166) وللمرادي (1/ 238) وفي معجم الشواهد (ص 108).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعبر في شرح الكافية عن ذلك بأن قال (¬1): إن كان الّذي يلي المنادى هو المنادى في المعنى» وهو أحسن وأبين من قوله: الّذي يليه مخاطب. فإن لم يكن الفصل بشيء من هذه الأربعة بل كان بغيرها عد أجنبيّا. وكان الفصل به شاذّا فمن ذلك قول الشاعر: 472 - وأبغض من وضعت إليّ فيه ... لساني معشر عنهم أذود (¬2) ففصل بين فيه لساني وبين ما تعلق به وهو وضعت بإليّ وهو أجنبي؛ لأنه متعلق بما قبل الموصول وهو أبغض والأصل أن يقال وأبغض من وضعت فيه لساني إلى معشر. وإلى الفصل الذي في البيت الإشارة بقوله: إلّا ما شذّ. ومن الفصل بأجنبي: الفصل بالنداء الذي يليه غير المنادى في المعنى كقول الشاعر: 473 - تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (¬3) وهذا الفصل كأنه دون الفصل المذكور في البيت قبله، ولهذا قال المصنف (¬4). - ¬

_ (¬1) انظر نصه في شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 308) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) البيت من بحر الوافر من مقطوعة قصيرة لعقيل بن علفة بن الحارث المري عزف بكبرة واعتزازه بنفسه وهو من شعراء الدولة الأموية والأبيات التي قالها في شرح ديوان الحماسة (1/ 401) وبعد بيت الشاهد قوله: ولست بسائل جارات بيتي ... أغيّاب رجالك أم شهود ومعنى البيت: يقول: إنه يحسن إلى أهله وإن كانوا يسيئون إليه وهو يكرمهم وهم متحاملون عليه فإن انتقصتهم بلساني فإني أدافع عنهم وقت اللزوم وأصل ترتيب البيت: وأبغض من وضعت لساني فيه ... إليّ معشر أذود عنهم ففصل بين الصلة ومعمولها بقوله إليّ. وهو أجنبي حيث كان يتعلق بالمضاف إلى الموصول والأصل تأخيره بعد لساني. وذكر بعضهم أن من نكرة فالجملة بعدها صفة وقد فصل بينها أيضا، ولكن احتمال الفصل في الصفة أقرب منه في الصلة (المرزوقي في الحماسة). والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 233) ولأبي حيان (3/ 166) وللمرادي (1/ 238) وهو في معجم الشواهد (ص 107). (¬3) البيت من بحر الطويل سبق الاستشهاد به والحديث عنه. وأما شاهده هنا فهو قوله: من يا ذئب يصطحبان حيث فصل بين الموصول وصلته بالمنادى الذي لم يله مخاطب ضرورة. (¬4) أي في شرحه على التسهيل (1/ 233).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنّ الفصل في البيت الأول أجنبي محض. ثم إن المصنف رتب على كون الموصول والصلة كجزأي اسم أحكاما ثلاثة أشار إليها بقوله: فلا يتبع الموصول ولا يخبر عنه ولا يستثنى منه قبل تمام الصّلة ولكون ذلك مرتبا على ما قبله قرنه بالفاء المشعرة بالسببية، فعلى هذا يمتنع قبل ذكر الصلة بتمامها نعته والعطف عليه عطف بيان أو نسق وتوكيده والبدل منه وأمثلة ذلك ظاهرة (¬1). وكذا يمتنع أن يخبر عنه قبل التمام أيضا فلا يقال: الّذي مسيء ظلم زيدا أي الّذي ظلم زيدا مسيء. وكذا يمتنع أن يستثنى منه قبل التمام أيضا. [1/ 267] فلا يقال: جاء الذين إلا زيدا أحسنوا أي جاء الذين أحسنوا إلّا زيدا. ثم لما ورد قول الشاعر: 474 - لسنا كمن جعلت إياد دارها ... تكريت تمنع حبّها أن يحصدا (¬2) وكان ظاهره أن إيادا بدل من من في رواية من جر وبدل من الضمير المستكن في جعلت في رواية من رفع إيادا ويلزم من ذلك البدل قبل تمام الصلة؛ لأن دارها تكريت معمولان لجعلت الذي هو الصلة. خرج (¬3) على أن الصلة تمت عند قوله - ¬

_ (¬1) مثال نعت الموصول قبل تمام الصلة قولك: جاء الذي المجتهد نجح وأصله جاء الّذي نجح المجتهد، ومثال العطف عليه عطف بيان: جاء الذي زيد نجح، وأصله: جاء الّذي نجح زيد، ومثال عطف النسق: جاء الذي وزيد نجح وأصله جاء الّذي نجح وزيد، ومثال توكيده: جاء الذي نفسه نجح، وأصله جاء الّذي نجح نفسه ومثال البدل: جاء الّذي أخوك نجح، وأصله جاء الّذي نجح أخوك. (¬2) البيت من بحر الكامل من قصيدة للأعشى قالها لكسرى حين أراد أن يأخذ منهم رهائن لما أغار الحارث بن وعلة على بعض السواد (انظر ديوان الأعشى ص 56). اللغة: إياد: قبيلة كبيرة من معد كانوا نزلوا العراق واستقلوا بالزرع. تكريت: بلد على نهر دجلة بين بغداد والموصل. الحبّ: جنس للحبة يذكر ويؤنث. والأعشى: يفتخر في البيت بأن قومه شجعان وأقوياء ليسوا كهذه القبيلة التي كل همها الزرع وحصد الحب. والشاهد في البيت واضح من الحديث الطويل عنه في الشرح. وهو في معجم الشواهد (ص 98) وفي التذييل والتكميل (3/ 167) وفي شرح التسهيل للمرادي (1/ 238) ومعاني القرآن للفراء (1/ 428). (¬3) جواب لما في قوله: ثم لما ورد قول الشاعر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلت ثم أبدل بعد تمام الصلة وينتصب دارها تكريت بفعل محذوف يدل عليه المذكور، أي جعلت دارها تكريت، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: أو تقدير تمامها. وقد قيل: إن ذلك ضرورة يعني أنه أبدل من الموصول قبل تمام صلته. وأما قول الشاعر: 475 - كذلك تلك وكالناظرات ... صواحبها ما يرى المسحل (¬1) فقال المصنف في شرح الكافية: «التقدير كذلك الحمار الوحشيّ تلك النّاقة وصواحبها كالناظرات ما يرى المسحل ففصل بصواحبها وهو مبتدأ بين ما يرى المسحل والناظرات. والألف واللّام بمعنى اللّاتي وصلتها ناظرات وما يرى المسحل، وينبغي في مثل هذا أن يقدر تمام الصّلة ما يظهر أنه منها ويقدر له عامل مدلول عليه بالصلة فهذا أسهل من الفصل بين جزأي الصّلة» انتهى (¬2). وأشعر قوله: فهذا أسهل من الفصل أن من لا يقدر تمام الصلة عند قوله: وكالناظرات صواحبها يجعل ذلك ضرورة كما قبل في البيت المتقدم الذي أوله لسنا كمن جعلت إنه ضرورة عند من لا يقدر تمام الصلة عند قوله جعلت. واعلم أنه قد يقال: قد تضمن كلام المصنف تشبيه الموصول بالصلة بجزأي اسم - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المتقارب قاله الكميت بن زيد الأسدي في وصف ناقته (شعر الكميت: 2/ 35). اللغة: كذلك: الإشارة إلى الحمار الوحشي. تلك: إشارة إلى ناقته. الناظرات: بمعنى المنتظرات. المسحل: الحمار واشتقاقه من السحيل وهو النهيق. المعنى: هذه الناقة وصواحبها مثل الأتن المنتظرات ما يفعله الحمار الوحشي من الورود ليفعلن مثله. الشاهد فيه: زاده ابن الشجري وضوحا فقال: «قوله ما يرى المسحل كان حقّه أن يقدم على المبتدأ الذي هو صواحبها لأنه في المعنى معمول للناظرات فلما قدم صواحبها عليه لم ير أهل العربية نصبه إلّا بمضمر يدل عليه ما تقدّم لأن الفصل بينه وبين الناظرات ممتنع بعد دخوله في صلة الألف واللّام فهو مع الفصل خارج عندهم من الصلة محمول على فعل مقدر كأنه قال: وكالنّاظرات صواحبها أضمر ينتظرن». الأمالي (1/ 191). والبيت في معجم الشواهد (229) وهو في التذييل والتكميل (3/ 167). (¬2) انظر شرح الكافية لابن مالك (1/ 309، 310) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. وفيه ذكر ابن مالك أنه يجوز الفصل بين الموصول والصلة بأشياء منها المنادى والقسم ومثل ذلك ثم قال: «فالفصل بهذا لا يختصّ بضرورة بخلاف الفصل بغيره فإنه لا يستباح إلّا في الضّرورة كقوله: كذلك تلك وكالنّاظرات ... بيت الشاهد. وعلق عليه، وهو بنصه كما هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورتب على ذلك الشبه قوله: فلهما ما لهما من ترتيب ومنع فصل بأجنبي وفهم منه ألا يمنع الفصل بما ليس أجنبيّا كما تقدم، ولا شك أن الفصل بين جزأي الاسم يمتنع مطلقا سواء كان الفاصل أجنبيّا أم غير أجنبي فكيف يصح التشبيه مع مخالفة المشبه للمشبه به. ويمكن الجواب عن ذلك: بأن تشبيه شيء بشيء لا يلزم أن يكون في جميع ما هو ثابت للمشبه به فقد يكون في بعض الأشياء دون بعض ولا شك أن الفصل بالأجنبي ممتنع في جزأي الاسم فيمتنع في الموصول والصلة أيضا، وأما الفصل بغير الأجنبي فممتنع في جزأي الاسم جائز في الموصول والصلة. المسألة الثانية: أن صلة الموصول قد تحذف إذا كان ثم موصول صلته مذكورة وكانت المحذوفة بمعنى المذكورة وإلى ذلك أشار بقوله: وقد ترد صلة بعد موصولين أو أكثر مشتركا فيها أو مدلولا بها على ما حذف. ـــــــــــــــــــــــــــــ أما ورود الصلة مشتركا فمثاله قول الشاعر: 476 - صل الّذي والّتي متّا بآصرة ... وإن نأت عن مدى مرماهما الرّحم (¬1) وقد كان المصنف مستغنيا عن ذكر هذه المسألة؛ لأنه لا يرتاب في أن الموصولين إذا اشتركا في معنى الصلة اكتفى لهما بصلة واحدة. - وأما ورود الصلة مدلولا بها على ما حذف فمثاله قول الشاعر: 477 - وعند الّذي واللّات عدنك إحنة ... عليك فلا يغررك كيد العوائد (¬2) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط لم ينسب فيما ذكر من مراجع وهو في النصح والإرشاد. ومعناه: صل أهلك وأقرباءك وإن قاطعوك. اللغة: متا: أي توسلا واتصلا. بآصرة: بقرابة. الرّحم: القرابة أيضا. وفي شرح أبي حيان جاءت الشطرة الثانية هكذا: وإن نأت عن مرامي متها الرحم. وشاهده قوله: صل الذي والتي متا حيث اشترك موصولان في صلة واحدة. والبيت في معجم الشواهد (ص 348) وفي شرح التسهيل (1/ 233) وفي التذييل والتكميل (1/ 168). (¬2) البيت من بحر الطويل لم تذكر مراجعه قائله وهو في النصح أيضا. اللغة: عدنك: من العيادة وهي الزيارة. إحنة: حقد وبغض. فلا يغررك: فلا تنخدع. والشاعر يقول لصاحبه: لا تغتر بمن يزورك ويأتيك فهم حاقدون عليك. وشاهده: حذف صلة الذي لدلالة صلة اللاتي عليها وقيل بأن الصلة مشتركة ولا حذف. والبيت في شرح التسهيل (1/ 233) وفي التذييل والتكميل (1/ 169) وفي معجم الشواهد (ص 115).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي وعند الذي عادك واللاتي عدنك. قال المصنف: ومثله قول الراجز [1/ 268]: 478 - من اللّواتي والّتي واللاتي ... يزعمن أنّي كبرت لداتي (¬1) ولم يظهر لي أن هذا البيت فيه حذف وكنت أقول: إن هذه الصلة من الصلات المشترك فيها فقوله: يزعمن صلة للموصولات الثلاثة المذكورة إلى أن وقفت على شرح الشيخ فرأيته قال بعد ذكر هذا البيت: «ولو أنشد هذا دليلا على أنّ الصّلة مشترك فيها أكثر من موصولين لكان أولى» (¬2). المسألة الثالثة: أنه قد يحذف ما علم من موصول غير الألف واللام ومن صلة موصول غير الألف واللام دون أن يكون ثم صلة لموصول آخر يدل على المحذوفة. قال المصنف (¬3): «إذا كان الموصول الألف واللام لم يجز حذفه ولا حذف صلته. وإذا كان الموصول اسما (¬4) غير الألف واللام أجاز الكوفيون حذفه إذا علم وبقولهم في ذلك أقول، وإن كان خلاف قول البصريين إلا الأخفش (¬5) لأن ذلك ثابت بالقياس والسماع. فالقياس على أن؛ فإن حذفها مكتفى بصلتها جائز بإجماع مع أن دلالة صلتها عليها أضعف من دلالة صلة الموصول من الأسماء عليه؛ - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز المشطور قال فيهما صاحب خزانة الأدب (6/ 156): لا أعرف ما قبلهما ولا قائلهما مع كثرة ورودهما في كتب النحو. اللغة: اللواتي واللاتي: جمع للتي. كبرت: بكسر ثانيه من الكبر في السن. لداتي: جمع لدة، ولدة الرجل تربه الذي ولد قريبا منه والهاء عوض من الواو الذاهبة لأنه من الولادة وجمعه لدات ولدون والأخير على غير قياس. والشاعر يهجو نسوة رمينه بالطعن في السن. وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 233) وفي التذييل والتكميل (1/ 714). وفي شرح المرادي (1/ 239) وفي معجم الشواهد (ص 451). (¬2) التذييل والتكميل (1/ 715). وفيه لناسب بدل من لكان أولى. (¬3) شرح التسهيل (1/ 233). (¬4) المرجع السابق (ص 264). وانظر في الآراء الآتية بعد: الهمع (1/ 88). (¬5) لم تذكر هذه المسألة في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن صلة الاسم مشتملة على عائد يعود عليه ويميل الذهن إليه، وفي ذلك مزيد على ما يحصل بالصلة وصلة الحرف لا مزيد فيها على ما يحصل بها. فكان الموصول الاسمي أولى بجواز الحذف من الموصول الحرفي، وأيضا فإن الموصول الاسمى كالمضاف وصلته كالمضاف إليه وحذف المضاف إذا علم جائز فكذلك ما أشبهه. وأما السماع فمنه قول حسان رضي الله عنه: 479 - أمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء (¬1) أراد: من يهجو رسول الله منكم أيها المشركون ومن يمدحه وينصره منا سواء ومنه قول ابن رواحة رضي الله تعالى عنه. 480 - فو الله ما نلتم ولا نيل منكم ... بمعتدل وفق ولا متقارب (¬2) أراد: ما الذي نلتم وما الذي نيل منكم. - ¬

_ (¬1) البيت من قصيدة طويلة من بحر الوافر لحسان بن ثابت وفيها يهجو أبا سفيان بن الحارث قبل فتح مكة ويمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبعد بيت الشاهد قوله (ديوان حسان ص 76). هجوت محمّدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكفء ... فشرّكما لخيركما الفداء فإنّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمّد منكم وقاء قال عليه الصلاة والسّلام عند ما سمع البيت الأول: جزاؤك عند الله الخير يا حسّان. وقال عند ما سمع البيت الثاني: وقاك الله يا حسان النّار. وقال من سمع البيت الثالث من الصحابة: هذا أنصف بيت قالته العرب. وشاهده: حذف الموصول وإبقاء الصلة كما هو واضح من الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 20) وهو في التذييل والتكميل (3/ 170) وفي شرح المرادي (1/ 240). (¬2) البيت من بحر الطويل نسب إلى عبد الله بن رواحة كما هو في الشرح وكذلك نسبه أبو حيان وكذلك فعل صاحب الدرر ولم أجده في ديوان عبد الله. ونسبه ابن مالك إلى حسان بن ثابت، وبحثت عنه في ديوانه فلم أجده، وتوقف ابن هشام فلم ينسبه في المغني (1/ 638). وشاهده واضح من الشرح: وهو حذف الموصول وإبقاء الصلة. ونقل صاحب الدرر عن البغدادي قوله: أراد ما ما نلتم فحذف ما النافية وأبقى الموصولة ولا يجوز العكس لأنه لا يجوز حذف الموصول وإبقاء صلته عند البصريين الدرر (1/ 68). ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 57) وهو في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 235) ولأبي حيان (3/ 170) وللمرادي (1/ 240).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول بعض الطائيين: 481 - ما الّذي دأبه احتياط وحزم ... وهواه أطاع يستويان (¬1) أراد والذي أطاع هواه، وأقوى الحجج قوله تعالى: وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ (¬2) أي وبالذي أنزل إليكم ليكون مثل آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ (¬3). ومثال حذف صلة الاسم للعلم به قول الشاعر: 482 - أبيدوا الأولى شبّوا لظى الحرب وادرؤوا ... شذاها عن اللّائي فهنّ لكم إما (¬4) فحذف صلة اللائي للعلم بها وهذا من الاستدلال بالمتقدم وهو أكثر في ذا الباب وغيره. ومثله قول الآخر: 483 - أصيب به فرعا سليم كلاهما ... وعزّ علينا أن يصابا وعزّ ما (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الخفيف غير منسوب في مراجعه من شروح التسهيل والمغنى. وصاحبه يذكر أنه لا يستوي الماجد واللاهي والمجد واللهو. وشاهده واضح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 235) وفي التذييل والتكميل (3/ 170) وفي شرح المرادي (1/ 240) وفي المغني (2/ 625) وليس في معجم الشواهد. (¬2) سورة العنكبوت: 46. وأولها قوله تعالى: وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا ... إلخ. (¬3) سورة النساء: 135. وأولها قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ... إلخ. (¬4) البيت من بحر الطويل مجهول القائل في مراجعه، وفيه يأمر صاحبه قومه أن يقتلوا الرجال الذين شبوا لظى الحرب ويحافظو على النساء؛ لأنهن سيصرن إماء لهم بعد ذلك. اللغة: أبيدوا: أهلكوا. شبّوا لظى الحرب: أوقدوها. ادرؤوا: ادفعوا. شذاها: أذاها. وإما: مقصور إماء والأمة هي الجارية. واستشهد به: على حذف صلة اللائي لتقدم ما يدل عليها والتقدير عن اللائي لم يشبوها. والبيت ليس في معجم الشواهد وهو في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 236) ولأبي حيان (3/ 171). (¬5) البيت من بحر الطويل نسب إلى الخنساء في معجم الشواهد ولم أجده في ديوانها ولكنه فيه روحها. تقول راثية أخاها صخرا: إن قبيلته أصيبت بموته وإن هذه المصيبة صارت عزيزة علينا جميعا ولكن ماذا نفعل وقد نفذ القضاء. ويستشهد بالبيت على حذف الصلة وبقاء الموصول وتقدير الكلام: وعزّ ما أصبنا به. وقيل: تقديره وعز -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي وعز ما أصيب به. ومن الاستدلال في هذا الباب بالمتأخر قول الشاعر: 484 - نحن الأولى فاجمع جمو ... عك ثم وجّههم إلينا (¬1) فحذف صلة الأولى لدلالة ما بعده فكأنه قال: نحن الأولى عرفت عدم مبالاتهم بأعدائهم. [1/ 269] وفهم هذا بقوله: فاجمع جموعك ثم وجّههم إلينا. قال في شرح الكافية «ومثله قول الآخر: 485 - أتجزع أنّ نفس أتاها حمامها ... فهلّا الّذي عن بين جنبك تدفع (¬2) أي فهلا الّذي تجزع منه تدفع عن بين جنبك». - ¬

_ - ما أصيب به. والبيت في شرح التسهيل (1/ 236) والتذييل والتكميل (3/ 171) وفي معجم الشواهد (ص 330). (¬1) البيت من بحر الكامل المجزوء المرفل الضرب وهو لعبيد بن الأبرص من قصيدة يفتخر فيها بنفسه وبقومه بني أسد على امرئ القيس الذي زعم أنه سيقتلهم انتقاما لأبيه يقول في مطلعها (ديوان عبيد (ص 135) شرح وتحقيق دكتور حسين نصار - طبعة مصطفى الحلبي، ومختارات ابن الشجري (ص 330) - تحقيق علي محمد البجاوي - طبعة دار نهضة مصر). يا ذا المخوّفنا بقتل أبيه إذلالا ومينا ... أزعمت أنّك قد قتلت سراتنا كذبا ومينا ثم بيت الشاهد وبعده: واعلم بأنّ جيادنا ... آلين لا يقضين دينا ولقد أبحنا ما حميت ... ولا مبيح لما حمينا والبيت في معجم الشواهد (388) وفي شرح التسهيل (1/ 236) وفي التذييل والتكميل (3/ 172). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو لزيد بن رزين بن الملوح شاعر فارس كما في مراجعه. والشاعر يعزي رجلا قائلا له: لا تجزع أن نزل الموت بعزيز لديك فإنه إذا نزل بك هل تستطيع دفعه عن نفسك وما أصدقه. وشاهده واضح من الشرح. وخرجه ابن جني تخريجا آخر يسقط به الاستشهاد هنا لكن تخريجه بعيد (انظر المحتسب: 1/ 282). والبيت في معجم الشواهد (ص 217) وهو في شرح الكافية كما ذكر الشارح (1/ 311) وهو أيضا في التذييل والتكميل (3/ 172).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في الكافية (¬1): وحذفها في قصد الابهام استبح أي استبح حذف الصلة عند قصد الإبهام وأنشد قول الشاعر: 486 - ولقد رأبت ثأي العشيرة بينها ... وكفيت جانيها اللّتيا والّتي (¬2) المسألة الرابعة: أنه لا يحذف صلة موصول حرفي إلا ومعمولها باق ولا يحذف موصول حرفي إلا أن. أما حذف صلة الحرف (¬3) باقيا معمولها: فمثاله قول العرب: لا أفعل ذلك ما أنّ حراء مكانه وما أنّ في السّماء نجما، أي ما ثبت أن حراء مكانه وما ثبت أن في السماء نجما (¬4) فحذفوا الفعل الموصول به ما وأبقوا فاعله وهو أن وما عملت فيه. ومنه قولهم: أمّا أنت منطلقا انطلقت: أي لأن كنت فحذفوا كان وهي صلة أن وابقوا اسمها وهو أنت وخبرها وهو المنصوب وجعلوا ما عوضا من كان. - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 311) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) البيت من بحر الكامل من قصيدة سبق الحديث عنها وعن قائلها. اللغة: الثّأي: الفساد. الرّأب: الإصلاح. جانيها: الذي أتى بجناية وهو مفرد إن فتحت ياؤه وإن سكنتها فهو جمع حذفت نونه للإضافة. اللّتيا والّتي: الأولى تصغير للثانية وهما اسمان موصولان حذفت صلتهما لقصد الإبهام وهو الشاهد فيه. والشاعر يفتخر أنه يسعى لإصلاح ذات البين في العشيرة ولم شعثها ويكفي من جنى فيها الجناية الصغيرة والكبيرة بالمال والنفس والجاه والعز. والبيت في معجم الشواهد (ص 75) وشرح ديوان الحماسة لمرزوقي (2/ 552). وفي مجمع الأمثال (طبعة عيسى الحلبي: 1/ 159) جاء قوله بعد اللتيا والتي «إنه مثل من أمثال العرب يقال لمن قاسى الداهية الصغيرة والكبيرة، وأصله أنّ رجلا تزوج امرأة قصيرة فقاسى منها الشدائد فتزوج طويلة فقاسى منها ضعف ما قاسى من القصيرة فقال بعد اللتيا والتي لا أتزوج أبدا». (¬3) منقول من شرح التسهيل لابن مالك (1/ 2236) دون إشارة. (¬4) قوله: ما أنّ حراء مكانه. يقصد به لا أفعله مطلقا. وجبل حراء هو الذي كان يتعبد فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بمكة. وقوله: لا أفعله ما أنّ في السّماء نجما مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال للميداني: 3/ 178) ومعناه لا أفعله أبدا كذلك. ويروى ما عنّ في السماء نجم أي ظهر، ويجوز ما عنّ في السّماء نجما على لغة تميم فإنهم يجعلون مكان الهمزة عينا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ذلك أيضا قول العرب: كلّ شيء مهه ما النّساء وذكرهنّ. أرادوا ما عدا النساء وذكرهن، فحذفوا صلة ما وهي عدا وأبقوا المنصوب بها والمعطوف عليه (¬1). وأما حذف الموصول الحرفي فقال المصنف (¬2): «وإن كان الموصول حرفا مصدريّا لم يجز حذفه إلا إذا كان أن فإنها فاقت أخواتها بكثرة الاستعمال فأوثرت بجواز الحذف؛ لأن الشعور بها عند حذفها ممكن بخلاف أخواتها وهي في حذفها على ضربين: أحدهما: أن تحذف ويبقى عملها. الثاني: أن تحذف ولا يبقى لها عمل. فأما الحذف الباقي معه عملها فيذكر إن شاء الله تعالى في باب إعراب الفعل (¬3) وأما الثاني وهو الذي لا يبقى معها عملها فمنه قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً (¬4) فيريكم صلة لأن حذفت وبقي يريكم مرفوعا، وهذا هو القياس لأن الحرف عامل ضعيف، وإذا حذف بطل عمله ومن ذلك أيضا قول الشاعر: 487 - فجاءت به وهو في غربة ... فلولا تجاذبه قد غلب (¬5) أراد فلولا أن تجاذبه ومثله قول الفرزدق: - ¬

_ (¬1) قوله: كلّ شيء مهه ما النساء وذكرهنّ مثل من أمثال العرب. (مجمع الأمثال: 3/ 5) ونصه كل شيء مهه ما خلا النساء وذكرهن. ومعناه: أن الرجل يحتمل كل شيء حتى يأتي ذكر حرمه فيمتعض حينئذ فلا يحتمله. والمهه: معناه اليسير الحقير ويروي مهاة بالهاء في آخره ونظيره في المد الزمن والزمان. كما يروى مهات بالتاء والمثل أيضا في لسان العرب (6/ 4290). (طبعة دار المعارف الحديثة). (¬2) شرح التسهيل (1/ 236) وقد نقل منه إلى أخر المسألة أيضا. (¬3) سيذكر في هذا الباب أنّ أن تضمر لزوما بعد أو وبعد فاء السببية وبعد واو الجمع كما تضمر جوازا في مواضع ذكرها هناك. (¬4) سورة الروم: 24. (¬5) البيت من بحر المتقارب وقد ورد في مراجعه غير منسوب وشاهده واضح من الشرح، وسبب تقدير الحرف هنا حتى يصح تأويل الفعل بمصدر فتكون الجملة الاسمية التي لا بد منها في لولا الشرطية. (انظر لولا وأوجه استعمالاتها في المغني: 1/ 272) والبيت لم يرد في معجم الشواهد وهو في شرح التسهيل (1/ 234)، والتذييل والتكميل (3/ 173).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 488 - ألا إنّ هذا الموت أضحى مسلّطا ... وكلّ امرئ لا بدّ ترمى مقاتله (¬1) وقال ذو الرمة: 489 - وحقّ لمن أبو موسى أبوه ... يوفّقه الّذي نصب الجبالا (¬2) ومثله: 490 - أو ليس من عجب أسائلكم ... ما خطب عاذلتي وما خطبي (¬3) أراد أن أسألكم. ومثله قول الفرزدق: 491 - فحقّ امرئ بين الأقارع بيته ... وصعصعة البحر الجزيل المواهب يكون سبوقا للكرام إلى العلا ... إذا أفضل المقياس بين الحلائب (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل ثالث أبيات ثلاثة يرثي فيها الفرزدق أباه (الديوان: 2/ 115) يقول: سأنعي ابن ليلى للّذي راح بعده ... يرجّي القرى والدّهر جمّ غوائله وكان الّذي لا تستراث فضوله ... بخير ولا يشقى به الدّهر نازله ثم بيت الشاهد. اللغة: القرى: ما يقدم للضيف. جمّ غوائله: كثير مهالكه. لا تستراث فضوله: لا يتأخر عطاؤه. والفرزدق يعزي نفسه في أبيه بأن كل حي سبيله الموت. وشاهده واضح من البيت في شرح التسهيل (1/ 234) والتذييل والتكميل (3/ 173). (¬2) البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة لذي الرمة (ديوان ذي الرمة ص 444) يمدح فيها بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. وبعد بيت الشاهد يقول: حواريّ النّبيّ ومن أناس ... هم من خير من وطئ النّعالا هو الحكم الّذي رضيت قريش ... لسمك الّذين حين رأوه مالا اللغة: نصب الجبالا: أقامها. حواريّ النّبيّ: أهل طاعته ونصرته. وكان أبو موسى حواري النبي في يوم صفين المشهور بين علي ومعاوية. سمك الدين: بناؤه. وشاهده: حذف الموصول والتقدير وأن يوفقه أي توفيقه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 234) والتذييل والتكميل (3/ 173) وليس في معجم الشواهد. (¬3) البيت من بحر الكامل استشهد به أبو حيان ولم ينسبه ولا نسبه محقق كتابه. اللغة: الخطب: المصيبة. العاذلة: اللائمة في الحب. وشاهده: حذف الموصول الحرفي المؤول مع ما بعده بمصدر واقع اسما لليس. والبيت في شرح التسهيل (1/ 234). والتذييل والتكميل (3/ 173). وليس في معجم الشواهد. (¬4) البيتان من بحر الطويل نسبا إلى الفرزدق كما في الشرح ولم أجدهما في ديوانه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المقياس الغاية والحلائب الخيل المتسابقة. ومثله [1/ 270]: 492 - وقالوا ما تشاء؟ فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير (¬1) أراد أن ألهو. ومن كلام العرب: أذهب إلى البيت خير لي، وتزورني خير لك، وتسمع بالمعيديّ خير لا أن تراه (¬2). المسألة الخامسة: أن معمول الصلة قد يلي الموصول إن لم يكن الموصول حرفا أو الألف واللام. قال المصنف (¬3): «وقد يلي الموصول معمول الصلة نحو قولك في جاء الذي أعطى أبوه زيدا درهما، جاء الذي زيدا درهما أعطى أبوه، فجاء هذا في صلة الذي إذ لا ضرر في جوازه بخلاف صلة الحرف وصلة الألف واللام فإن معمولهما - ¬

_ - اللغة: الأقارع: اسم موضع. الصعصعة: الحركة والجلبة. المقياس: الغاية. الحلائب: الخيل المتسابقة. والشاعر يمدح رجلا بالكرم بل هو سابق للكرماء إذا اجتمعوا في ميدان الكرم. وحق امرئ مبتدأ خبره المصدر المؤول من الحرف المصدري المحذوف في أول البيت الثاني وهو موضع الشاهد. انظر البيتين في شرح التسهيل (1/ 234)، والتذييل والتكميل (3/ 173) وليسا في معجم الشواهد. (¬1) البيت من بحر الوافر من قصيدة لعروة بن الورد قالها في قصة له: إذ طلبت منه جارية كان قد سباها. فقال لمن طلبوها دعوها معي هذه الليلة ففعلوا (الدرر: 1/ 3). والقصيدة في ديوان عروة (ص 32) وهي بعنوان: أين ديار سلمى وبعد بيت الشاهد قوله: بآنسة الحديث رضاب فيها ... بعيد النّوم كالعنب العصير اللغة: إلى الإصباح: إلى الصبح. آثر ذي أثير: بمد الهمزة الأولى وكسر المثلثة بعدها وفتح الراء ومعنى العبارة كلها: أول كل شيء. تقول آتيك الصبح آثر ذي أثير فهو مركب ظرفي. وشاهده: مجيء المصدر مؤولا من الحرف المحذوف وهو هنا مفعول والتقدير أشاء اللهو. انظر البيت في معجم الشواهد (ص 185) وشرح التسهيل (1/ 234) والتذييل والتكميل (3/ 174). (¬2) من أمثال العرب (الأمثال للميداني: 1/ 227) يضرب لمن خبره خير من منظره ودخلت الباء في المفعول على تقدير تحدث بالمعيدي. وأول من قاله المنذر بن ماء السماء في رجل سمع به كثيرا وأعجب بما بلغه عنه فلما رآه استقبحه. ويروى: لأن تسمع وأن تسمع كما يروى: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه». (¬3) شرح التسهيل: (1/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يتقدم عليهما. أما الحرف فلأن امتزاجه بصلته أشد من امتزاج الاسم بصلته؛ لأن اسميته منتفية بدونها فلو تقدم معموله كان تقدمه بمنزلة وقوع كلمة بين جزأي مصدر وليس كذلك تقدم معمول صلة الاسم غير الألف واللام؛ لأن له تماما بدونها؛ ولذلك جعل إعرابه إن كان معربا قبلها والإعراب لا يجيء قبل تمام المعرب، ولما له من التمام بدونها جاز أن يستغنى عنها وعن معمولها إذا عملت بخلاف الموصول الحرفي. وأما الألف واللام فامتزاجهما بالصفة التي توصل بهما أشد من امتزاج أن بالفعل الذي يوصل به لأن أن قد تفصل من الفعل بلا النافية كقوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ (¬1)، ولا تفصل الألف واللام من الصفة بلا ولا غيرها لأنها أشبهت أداة التعريف فعوملت معاملتها لفظا» انتهى (¬2). واعلم أن المصنف أطلق القول في الموصول الحرفي بالنسبة إلى منع تقدم معمول صلته عليه. وأما غيره فإنه يفرق بين الموصول العامل وغيره: فيمنع التقديم إذا كان الموصول عاملا، ويجيزه إذا كان غير غير عامل، وعلى هذا فلا يمتنع أن يقال: عجبت ممّا زيدا يضرب عمرو، وقد تعرض ابن عصفور إلى شيء من ذلك في المقرب (¬3). وعللوا المنع في العامل: بأن الموصول متشبث بصلته من حيث اللفظ؛ لكونه عاملا فيه ومن حيث المعنى لكونه معها في تقرير اسم واحد وهو المصدر فلما قوي تشبثه امتنع الفصل. وأما الموصول غير العامل: فتشبثه إنما هو من جهة واحدة وهي المعنى فلم يقو تشبثه فلم يمتنع الفصل لذلك، والحق أن هذا يتوقف فيه على السماع فإن ورد الفصل مع غير العامل قبل وإلا فالقول ما قاله المصنف. المسألة السادسة: هل يجوز أن يتعلق حرف الحرف الواقع قبل الموصول بمحذوف - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 71. (¬2) شرح التسهيل (1/ 237). (¬3) انظر (1/ 56) من الكتاب المذكور (المطبوع) «باب الفاعل وتقديم المفعول عليه. يقول: وأما تقديمه مفعول الموصول الحرفي على العامل وحده فجائز إلا أن يكون الموصول حرفا ناصبا للفعل لا يجوز نحو يعجبني أن زيدا يضرب عمرو ...» إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تدل عليه صلته ذلك الموصول؟ في ذلك تفصيل. وذلك أن الموصول إما الألف واللام أو غيرهما والموصول الذي هو الألف واللام إما أن يجر بمن أو يجر بغيرها أو لا يجر، فهذه أربع صور منها صورة واحدة جائزة في الكلام، وهي إذا كان الموصول الألف واللام وكان مجرورا بمن، وثلاث صور لا تجوز وإن ورد شيء فإنه يكون نادرا في الشعر. وهي إذا كان الموصول الألف واللام وكان غير مجرور أو مجرورا بغير من. أو كان الموصول غير الألف واللام سواء كان مجرورا بمن أم بغيرها، وإلى ثلاث الصور الإشارة بقوله (¬1) [1/ 271]: ويندر ذلك في الشعر مع غيرها مطلقا ومعها غير مجرورة بمن. قال المصنف (¬2): ويجوز تعليق حرف جر قبل الألف واللام بمحذوف يدل عليه صلتها كقوله تعالى: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (¬3)، إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (¬4)، إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (¬5)، التقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين، وإني قال لعملكم من القالين، وإني ناصح لكما لمن الناصحين. ويكثر هذا الحذف قبل الألف واللام داخلا عليها من التبعيضية لأن في ذلك إشعارا بأن المحذوف بعض المذكورين بعد فيقوى الدلالة عليه. ويقل إذا لم تدخل من على الألف واللام ومنه قول الشاعر: 493 - تقول ودقّت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرّحى المتقاعس (¬6) - ¬

_ (¬1) كررت هذه اللوحة مرتين في الأصل (ص 269، ص 270). (¬2) شرح التسهيل (1/ 237). (¬3) سورةيوسف: 20. (¬4) سورة الشعراء: 168. (¬5) سورة الأعراف: 10. (¬6) البيت من بحر الطويل مطلع مقطوعة قصيرة في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1968 م): (2/ 696) للهزلول بن كعب العنبري قالها لامرأته حين رأته يطحن للأضياف فقالت: أهذا بعلى؟ يقول: تقول ودقّت صدرها بيمينها ... ... بيت الشاهد وبعده: فقلت لها لا تعجلي وتبيني ... بلائي إذا التفّت عليّ الفوارس ألست أرى للقرن يركب روعه ... وفيه سنان ذو غرارين يابس اللغة: المتقاعس: ما يفعل الشيء تكلفا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التقدير أبعلي هذا كائنا بالرحى أو متقاعسا. وكذا يقل الحذف قبل غير الألف واللام، وجدت من أو لم توجد: ومثال ذلك مع وجود من قول الشاعر: 494 - لا تظلموا قسورا فإنّه لكم ... من الّذين وفوا في السّرّ والعلن (¬1) ومثاله مع كون الموصول لم يجر بمن قول الشاعر: 495 - وأهجو من هجاني من سواهم ... وأعرض منهم عمّن هجاني (¬2) أراد وأعرض عن من هجاني منهم على سبيل التوكيد ثم حذف منهم من المؤكد وحذف ما سواها من المؤكد ومثل هذا والذي قبله لا يجوز إلا في الضرورة بخلاف ما تقدم. واعلم أن المصنف لم يتعرض لذكر الموصول الحرفي، ولا شك أن حكمه في منع تقديم معمول صلته عليه حكم الموصول الاسمي، وإن كانت عبارة متن الكتاب قد تشمله وهي قوله: ويندر ذلك في الشّعر مع غيرها مطلقا لكنه لم يتعرض إلى ذكر - ¬

_ - الإعراب: أبعلى هذا: مبتدأ وخبر. والمتقاعس: بيان للإشارة والجملة مقول القول وبالرحى متعلق بمحذوف دل عليه المتقاعس، ولا يجوز تعلقه به نفسه؛ لأن الألف واللام موصولتان وما تعلق بالصلة لا يتقدم. وانظر في الشرح بقية الكلام. ومراجع البيت في معجم الشواهد (ص 197) وفي شرح التسهيل (1/ 237، 261) وفي التذييل والتكميل (3/ 178). (¬1) البيت من بحر البسيط قال صاحب الدرر: لم أعثر على قائله - ومعناه واضح. وشاهده: تعلق الجار والمجرور المقدم على الموصول بما دلت عليه الصلة والتقدير: فإنه واف لكم من الذين وفوا. والبيت في معجم الشواهد (ص 402) وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 238) وللمرادي (1/ 243) ولأبي حيان (3/ 177). (¬2) البيت من بحر الوافر في معجم الشواهد (ص 407) ولم ينسبه وهو في ديوان الحماسة منسوب لهدبة بن خشرم ثالث أبيات ثلاثة هي: وإنّي من قضاعة من يكدها ... أكده وهي منّي في أمان ولست بشاعر السّفساف فيهم ... ولكن مدرة الحرب العوان اللغة: السفساف: الذي لا خير فيه من الأفعال والأقوال. مدرة الحرب: شجاعها. الحرب العوان: التي قوتل فيها مرة. والشاعر: يذكر أنه يدافع عن هذه القبيلة وإذا آذاه أحد منها فإنه سيعفو عنه وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 238). ولأبي حيان (3/ 178). وللمرادي (1/ 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك في الشرح. والحاصل: أن التقديم لا يجوز وإنه إن ورد ما يوهم التقديم قدر له عامل كقول الشاعر: 496 - ربّيته حتّى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا (¬1) وكقول الآخر: 497 - وإني امرؤ من عصبة خندفيّة ... أبت للأعادي أن تذلّ رقابها (¬2) والتقدير: كان جزائي أن أجلد بالعصا أن أجلدا، أبت أن تذل رقابها للأعادي أن تذل رقابها، وسيأتي في باب نواصب الفعل أن الفراء يجيز تقديم معمول صلة أن عليها (¬3). والمصدر الذي ينحل إلى حرف مصدري وفعل (¬4) حكمه فيما ذكر حكم الحرف المصدري ولذلك قالوا في قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز المشطور وهما لرؤبة يشكو عقوق ابنه له (ملحقات ديوان رؤبة ص 76). اللغة: تمعدد: شب وكبر. ورؤبة يذكر أنه ربى ابنه ورعاه حتى إذا كبر عقه ووصل به الأمر إلى أن ضربه. وشاهده هنا واضح. وقد استشهدوا به في مواضع أخرى منها: أن وزن تمعدد تفعلل (شرح شواهد الشافية: 4/ 285). والبيت في معجم الشواهد (ص 461) والتذييل والتكميل (3/ 176، 179). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو لعمارة بن عقيل بن بلال بن جرير كما في المقتضب (4/ 199) (شرحا وتحقيقا) والشاعر يفتخر أنه من قبيلة قوية لا تهون عند الناس ولا تخضع للأعداء. وشاهده واضح من الشرح وقد سبق مثله. قال محقق شرح المفصل في البيت «ولي فيه وقفة - أنت تعلم - أنه يغتفر في الجارّ والمجرور، وأخيه الظرف ما لا يغتفر من غيرهم من المعمولات، وذلك لكثرة دوران الظرف في الكلام فلا يكن قوله: للأعادي لازم التعلق بمحذوف لجواز أن يكون متعلقا بهذا الفعل المذكور على الاتّساع». (شرح المفصل: 7/ 29). والبيت في معجم الشواهد (ص 44) والتذييل والتكميل (3/ 176). (¬3) قال ناظر الجيش في باب نواصب الفعل: «وأجاز الفراء التقديم مستشهدا بقول الشاعر: ربّيته حتّى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا ويقول الآخر: وإني امرؤ من عصبة ... إلخ. قال: قال المصنف: ولا حجّة للفراء في ذلك لندور الوارد منه ولإمكان تقدير عامل مضمر قبل يدلّ عليه المذكور بعد، فيقدر في البيت الأول: كان جزائي أن أجلد بالعصا، وفي البيت الثّاني: أبت أن تذلّ للأعادي رقابها فحذف الأول في كلّ من البيتين لدلالة الثّاني عليه. (¬4) يقصد المصدر الصريح وهو خلاف المؤول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 498 - وبعض الحلم عند الجهل للذّلّة إذعان (¬1) إنّ التقدير إذعان للذّلّة إذعان. وكذا في قول الآخر: 499 - حلّت لي الخمر وكنت امرءا ... من شربها في شغل شاغل (¬2) إن التقدير وكنت امرءا مشغولا عن شربها. على أن في كون المصدر الذي هو إذعان في البيت الأول والذي هو شغل في البيت الثاني مقدرا بحرف مصدري نظر (¬3)، والظاهر خلاف ذلك. [1/ 272] وإذا لم يكن مقدرا بالحرف المصدري فحرف الجر متعلق به إذ لا مانع من تقديمه عليه. ثم اعلم أن النحاة ذكروا في تخريج قوله تعالى: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (¬4)، وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (¬5) وجوها: أحدها: الوجه الذي أشار إليه المصنف وهو أنه يتعلق بمحذوف يدل عليه هنا الظاهر، التقدير: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين، وأنا شاهد على ذلكم من الشاهدين وإلى ذلك ذهب المبرد وابن السراج وابن جني (¬6). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الهزج وهو للفند الزماني من مقطوعة سبق الحديث عنها. وشاهده هنا كشاهده هناك وهو قوله: للذلة إذعان حيث تقدم معمول المصدر عليه والأصل فيه عدم التقدم؛ لأنه ضعيف في العمل، وخرجوه على أن المعمول متعلق بمصدر آخر محذوف دل عليه المذكور. (¬2) البيت من قصيدة قصيرة لامرئ القيس من بحر السريع يذكر فيها أنه انتقم لأبيه من بني أسد وكان قد حرم الخمر على نفسه إلا بعد أن يأخذ بثأر أبيه فلما فعل قال: حلّت لي الخمر ... بيت الشاهد وبعده: فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل ومعنى غير مستحقب: أي غير مكتسب إثما. والواغل: الداخل على القوم ولم يدع للشراب. والبيت في التذييل والتكميل (3/ 180). (¬3) معناه أن المصدر الصريح لا يعود ولا يتحول إلى المؤول لأنه الأصل في الأسماء، وهذا بخلاف المصدر المؤول، فإنه يؤول ويعود إلى الصريح. (¬4) سورةيوسف: 20. (¬5) سورة الأنبياء: 56. (¬6) التذييل والتكميل (3/ 177) وانظر الكامل للمبرد (ص 45) والمصنف لابن جني (1/ 131) وفي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المبرد: جعل من النّاصحين ومن الشّاهدين تفسير لناصح وشاهد. ثانيها: أن أل ليست موصولة وإنما هي للتعريف وإلى هذا ذهب المازني ونسب إلى المبرد فيكون له قولان (¬1). ثالثها: أنه متعلق بفعل مضمر تقديره أعني فيه من الزاهدين، ويكون الخبر هو من الزاهدين وكذلك باقي الآيات الشريفة، وهذا هو الذي يعبرون عنه بالتبيين، وليس الجار والمجرور داخلا في الصلة بل هو على جهة البيان كما قيل في لك بعد سقيا (¬2). رابعها: أن المجرور معمول لصلة الموصول الذي هو الألف واللام وإن تقديمه إنما هو على سبيل الاتساع في الظروف والمجرورات، فإنها قد جاز فيها أشياء لا تجوز في غيرها واختار ابن الضائع هذا القول (¬3). وكان شيخي برهان الدين إبراهيم الرشيدي (¬4) رحمه الله تعالى يقول: «لو قيل: إنّ الجارّ والمجرور في ذلك متعلق بما تعلّق به حرف الجرّ الدّاخل على الموصول لكان قول، والتقدير: كانوا كائنين فيه من الزاهدين وأنا كائن على ذلكم من الشّاهدين». ¬

_ - كتاب أصول النحو لمؤلفه أبي بكر بن السراج (2/ 232) جاء: فأما قوله: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ فلا يجوز أن تجعل فيه من الصلة وقد كان بعض مشايخ البصريين يقول: إنّ الألف واللّام ها هنا ليستا في معنى الذي، وإنّهما دخلتا كما تدخل على الأسماء للتّعريف. ثم قال: والّذي عندي فيه أنّ التأويل: وكانوا فيه زاهدين من الزاهدين. فحذف زاهدين وبينه بقوله: من الزّاهدين وهو قول الكسائي». (الأصول في النحو لابن السراج (2/ 232) تحقيق عبد الحسين الفتلي (العراق) سنة 1973 م). (¬1) التذييل والتكميل (3/ 176) وانظر أيضا الكامل للمبرد (ص 45) تحقيق حنا الفاخوري. (¬2) أسند هذا الرأي ابن الضائع إلى أبي علي الفارسي وابن جني في شرح الجمل له (3/ 5). (¬3) شرح الجمل لابن الضائع (3/ 5) (مخطوط بدار الكتب رقم 19 نحو) وقد ذكر الآيات السابقة وبعض الأبيات أيضا وخرجها على ذلك. (¬4) هو إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي الأغري بفتح الغين المعجمة ولد سنة (673 هـ) كان فقيها عالما بالنحو والتفسير والقراءات والطب، وكان خيّرا متوددا كريما مع الفاقة متواضعا على طريقة السلف في طرح التكلف لا يحتفل بمأكل ولا ملبس، وعرض عليه قضاء المدينة البغوية فامتنع بعد أن اجتمع بالسلطان وفاوضه بالولاية. اشتهر بالصلاح والتقوى وسلامة الباطن. أخذ النحو عن ابن النحاس، والقراءات عن التقي الصائغ، والفقه عن العلم العراقي، وقد أخذ عنه الأعيان منهم صاحب الشرح، وذكرت له فضائل وكرامات. مات في الطاعون الكبير سنة (749 هـ). ترجمته في الدرر الكامنة: (1/ 77).

الباب العاشر باب اسم الإشارة

الباب العاشر باب اسم الإشارة [تعريفه - أنواعه] قال ابن مالك: (وهو ما وضع لمسمّى وإشارة إليه وهو في القرب مفردا مذكّرا ذا ثمّ ذاك ثمّ ذلك وآلك، وللمؤنّثة تي وتا وته وذي وذه، وتكسر الهاءان باختلاس وإشباع. وذات ثمّ تيك وتيك وذيك ثمّ تلك وتلك وتيلك وتالك). قال ناظر الجيش: ما وضع: جنس يشمل كل موضوع لمسمى نكرة كان أو معرفة. وإشارة إليه: مخرج لما سوى اسم الإشارة من الموضوعات. قال المصنف (¬1): «وللنحويين في أسماء الإشارة مذهبان: أحدهما: أن لها مرتبتين: قريبة وبعيدة كالمنادى. والثاني: أن لها ثلاث مراتب: قريبة وبعيدة ومتوسطة، وهذا هو المشهور وإن كان الأول أولى بالصواب، وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى. وقد سردته على وفق المشهور لأنه السابق إلى أكثر الأذهان، فما عطفته بالواو فهو لغة فيما عطف عليه وفي مرتبته، وما عطفته بثم فهو في المرتبة التي تلي. والحاصل: أن المشار إليه في المرتبة الأولى إن كان مفردا ولم يقصد معه تثنية: فله في التذكير لفظ واحد وهو ذا، وله في التأنيث عشرة ألفاظ: خمسة مبدوءة بتاء، وخمسة مبدوءة بذال، فالتي بالتاء: تي وتا وته بسكون أو كسر مختلس أو كسر مشبع، والتي بالذال: ذي وذات وذه بسكون أو كسر مختلس أو كسر مشبع [1/ 273]. وإن كان المشار إليه المفرد في المرتبة الثانية ولم يقصد منه تثنية: فله في التذكير لفظ واحد وهو ذاك، وله في التأنيث ثلاثة ألفاظ. وهي: تيك وتيك وذيك. وإن كان المشار إليه المفرد في المرتبة الثالثة: فله في التذكير لفظان وهما: ذلك وآلك، وله في التأنيث أربعة ألفاظ وهي: تلك وتلك وتيلك وتالك، كلها مروية عن العرب، إلا أن بعضها أشهر من بعض». انتهى (¬2) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 239). (¬2) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الشيخ: «أن الواحد المذكّر القريب يشار إليه بلفظين آخرين لم يذكرهما المصنف، وهما: ذاء بهمزة مكسورةبعد الألف، وذائه بهمزة بعد الألف وهاء تليها مكسورة» (¬1). ولا شك أن هاتين الكلمتين في غاية الندرة، فلذلك لم يذكرهما المصنف. واعلم أن الكوفيين يزعمون أن ألف ذا زائدة محتجين بقولهم في التثنية ذان، فإن الألف للتثنية فلم يبق إلا الذال. وأجيب عن هذا: بأنها ليست للتثنية، بل هي صيغة موضوعة للتثنية، ولما سلم أنها للتثنية أمكن دعوى سقوط الألف لالتقاء الساكنين. ويبطل مذهب الكوفيين بأنه ليس في الأسماء الظاهرة القائمة بنفسها ما هو على حرف واحد. وأما البصريون فألف ذا عندهم منقلبة عن أصل، ثم اختلفوا فقال بعضهم: هي منقلبة عن ياء واللام المحذوفة ياء أيضا، وهو ثلاثيّ الوضع، وقال بعضهم: الألف منقلبة عن واو، فهو من باب طويت. واحتج البصريون على أنها منقلبة بقولهم في التصغير: ذيّا (¬2). وقال السيرافي (¬3): إنّ ذا ثنائي الوضع نحو ما وإنّ الألف أصل بنفسها، فلمّا - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 184). (¬2) انظر المسألة مفصلة أكثر في كتاب الإنصاف (2/ 669) وما بعدها المسألة رقم (95). قال كمال الدين بن الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أن الاسم في ذا والذي الذال وحدها، وما زيد عليهما تكثير لهما، وذهب البصريون إلى أن الذال وحدها ليست هي الاسم فيهما، واختلفوا في ذا: فذهب الأخفش ومن تابعه من البصريين إلى أن أصله ذيّ بتشديد الياء، فيكون من باب حيت وذهب بعضهم إلى أن أصله ذوى بفتح الواو فيكون من باب شويت. واحتج الكوفيون بزيادة ألف ذا أنها تحذف عند التثنية، ولا يحذف إلا ما كان زائدا، واحتج البصريون بأن الاسم لا يوضع على حرف واحد؛ لأنه لا بد في كل كلمة من حرف يبدأ به وحرف يوقف عليه، ومما يدل على أنه ثلاثي الأصل تصغيره برد المحذوف في قولهم ذييا بثلاث ياءات، ثم حذفهم الأولى منها للتخفيف. وقول الكوفيين بحذف الألف فيهما عند التثنية جوابه أن ذان ليس مفردها ذا، وإنما هي صيغة تثنية مرتجلة. (¬3) انظر نصه في شرح كتاب سيبويه للسيرافي (1/ 121) (رسالة دكتوراه بكلية اللغة بالقاهرة. تحقيق دكتور/ سيد سعيد شرف الدين).

قال ابن مالك: (وتلي الذّال والتّاء في التّثنية علامتها، مجوّزا تشديد نونها، وتليها الكاف وحدها في غير القرب، وقد يقال: ذانيك. وفي الجمع مطلقا ألاء، وقد ينون ثمّ أولئك وقد يقصران، ثمّ أولالك على رأي، وعلى رأي أولاء، ثمّ أولاك ثمّ أولئك وأولالك وقد يقال: هلاء وأولاء، وقد تشبع الضّمة قبل اللّام، وقد يقال: هولاء وألّاك). ـــــــــــــــــــــــــــــ صغّروا ألحقوا ياء ليتمّ التّصغير. قلت: وهذا الذي قاله السيرافي هو الظاهر؛ لأن ذا كلمة مبنية، وحكم المبنيات حكم الحروف بالنسبة إلى أصالة ألفاتها على ما عرف في التعريف. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): لما أنهيت القول في مفرد المشار إليه شرعت في مثناه وجمعه باعتبار المراتب الثلاث. وأشرت بقولي: وتلي الذّال والتّاء في التّثنية علامتها - إلى أنّ ألفي ذا وتا تحذفان في التثنية وتتصل بالذال من ذا وبالتاء من تا ألف في الرفع وياء في الجر والنصب بعدهما نون مكسورةكما يفعل بالأسماء المتمكنة إذا ثنيت، إلا أن هذه التثنية مخالفة لتثنية الأسماء المتمكنة بأمرين: أحدهما: حذف الألف التي كانت آخر المفرد لزوما، ومثل ذلك لا يفعل باسم متمكن إلا شذوذا (¬2). والثاني: أن نون هذه التثنية يجوز تشديدها [1/ 274] ونون تثنية الاسم المتمكن لا يجوز تشديدها، وقد مضى الكلام على مثل ذلك في باب الموصولات. والهاء من قولي: وتليها الكاف - عائدة على نونها، وقلت: وحدها في غير القرب؛ ليعلم أن اللام لا تجتمع مع الكاف في التثنية كما اجتمعت في الإفراد، وأن - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 240). (¬2) إنما قال بالشذوذ؛ لأن تثنية المقصور تكون ببقاء ألفه مقلوبة ياء أو واوا على ما هو معروف في تثنية المقصور. وذهب الكوفيون إلى أن الاسم المقصور إذا كثرت حروفه سقطت ألفه في التثنية، فقالوا في تثنية خوزلى وقهقري خوزلان وقهقران، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز حذف شيء من ذلك في مقصور ولا ممدود. انظر المسألة مفصلة في كتاب الإنصاف: (2/ 754) مسألة رقم (110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المثنى المشار إليه في البعد ما له في التوسط؛ لأنهم استثقلوا اللام بعد النون. وزعم قوم أن من قال ذانّك بتشديد النون قصد تثنية ذلك؛ ويبطل هذا القول جواز التشديد في نون ذين وتين، بل التشديد جابر لما فات من بقاء الألف التي حقها ألا تحذف كما لا تحذف ألف المقصور. ويؤيد صحة هذا الاعتبار جواز تشديد نون اللذين واللتين؛ ليكون جابرا لما فات من بقاء ياء الذي والتي كما تبقى ياء المنقوص حين يثنى. وإذا جمع اسم الإشارة وهو في المرتبة الأولى: قيل فيه أولاء مطلقا، أي في التذكير والتأنيث عاقلا كان المشار إليه أو غير عاقل. وحكى قطرب أن أولاء بالتنوين لغة، وتسمية هذا تنوينا مجاز؛ لأنه غير مناسب لواحد من أقسام التنوين، والجيد أن يقال: إن صاحب هذه اللغة زاد بعد همزة أولاء نونا كما زيد بعد فاء ضيف نون، إلا أن ضيفنا معرب، فلما زيد آخره نون صار حرف إعراب فتحرك وأولاء مبني فلما زيد آخره نون سكن، إذ لا موجب لتحريكه؛ فإنه آخر مبني مسبوق بحركة. وإذا جمع المشار إليه مجاوزا للمرتبة الأولى: قيل فيه أولئك ثم أولالك على رأي قوم وعلى رأي آخرين إن جمع المشار إليه في المرتبة الثالثة أولئك وأولالك معا، وله في المرتبة الثالثة أولاك بالقصر. وقد حكى الفراء: أن المد في أولاء وأولئك لغة الحجازيين، وأن القصر فيهما لغة التميميين، وهذا هو المأخوذ به رواية، ومستند غيره رأي، والرواية أولى من الرأي (¬1). وهولاء في أولاء من باب إبدال الهمزة هاء، وهو باب واسع، وأما أولاء بضم الهمزتين وأولاء وأولئك بإشباع الضمة فلغتان غريبتان ذكرهما قطرب. وذكر أبو علي الشلوبين (¬2) أنّ من العرب من يقول هولاء وأنشد: - ¬

_ (¬1) قال الشيخ خالد في التصريح: (1/ 127): ولجمعهما في التذكير والتأنيث أولاء حال كونه ممدودا عند الحجازيين، نحو هولاء القوم وهولاء بناتي مقصورا عند أهل نجد من بني تميم وقيس وربيعة وأسد ذكر ذلك الفراء. (¬2) انظر شرح المفصل لأبي علي الشلوبين لقطة رقم (84) من ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم (301) مصنف غير مفهرس وهو بنصه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 500 - تجلّد لا يقل هولاء هذا ... بكى لمّا بكى أسفا عليه (¬1) وقال أبو علي أيضا: حكى بعض اللغويين أولاك بالقصر والتّشديد وأنشد: 501 - من بين ألّاك إلى أولّاكا (¬2) وقرأ ابن كثير في شاذ (فذانيك) (¬3) بتخفيف النّون وزيادة ياء انتهى (¬4). ثم ها هنا أمور ينبه عليها: منها: أن مذهب المحققين أن نحو هذان وهاتان صيغ تثنية وليس ثم تثنية، كما قالوا في اللذين واللتين، وقد تقدم ذكر ذلك في باب الموصول. ومنها: أن الشيخ ذكر في شرحه تابعا في ذلك كلام أبي الحسن بن عصفور: أنّ مذهب البصريين أنه لا يجوز تشديد النّون إلا مع الألف خاصّة وأنه لا يجوز مع الياء (¬5). وهذا عجب منهما؛ فإن التشديد ثابت مع الياء في الكتاب العزيز، والحق أحق أن يتبع، فكيف ينفى شيء قد ثبت في أفصح الكلام (¬6)؟ - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر غير منسوب في مراجعه. اللغة: تجلّد: أمر من الجلادة وهو التحفظ من الجزع. الأسف: الحزن، وروي البيت بروايات أخرى: بكى لمّا بكى أسفا وغيظا. كما روي: أسفا علينا وأسفا عليك. وقد استشهد به النحاة على أن هولاء لغة في هؤلاء. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في الخزانة (5/ 437) وشرح المفصل (3/ 136) وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 242) والتذييل والتكميل (3/ 191). (¬2) بيت من الرجز المشطور لم تنص مراجعه على قائله، ومعناه: من بين هؤلاء إلى هؤلاء. وشاهده: مجيء أولّاك بضم الهمزة وتشديد اللام بعدها كاف لاسم الإشارة المقصود به جماعة الذكور، وهم في مرتبة بين القرب والبعد وهي التوسط. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 242) وفي التذييل والتكميل: (3/ 189) وفي معجم الشواهد (ص 513). (¬3) سورة القصص: 32، وانظر في القراءة التبيان للعكبري (2/ 1020) قال أبو البقاء: وقرأ شاذّا: (فذانيك) بتخفيف النون وياء بعدها، قيل: هي بدل من إحدى النونين، وقيل: نشأت عن الإشباع. (¬4) شرح التسهيل (1/ 242). (¬5) قال أبو حيان في شرحه (3/ 186): وظاهر كلام المصنف تجويز تشديد النون مطلقا، أعني في الرفع والنصب والجر. وهذا هو مذهب الكوفيين، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز التشديد إلّا مع الألف خاصة ولا يجوز مع الياء. (¬6) من أمثلة ذلك قوله: إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ [القصص: 27] قرأ ابن كثير بتشديد النون النشر: -

[مرتبة المشار إليه]

[مرتبة المشار إليه] قال ابن مالك: (ومن لم ير التّوسّط جعل المجرّد للقرب وغيره للبعد، وزعم الفرّاء أنّ ترك اللّام لغة تميم). ـــــــــــــــــــــــــــــ أم كيف يقال إن مذهب البصريين خلاف ذلك [1/ 275]؟ ومنها: أن الشيخ قال: «سألني شيخنا الإمام بهاء الدين أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن النحاس الحلبي رحمه الله تعالى - عن قولهم: هذانّ بالتّشديد: ما النّون الزّائدة؟ فقلت له: الأولى، فقال: قال الفارسيّ في التّذكرة: هي الثّانية لئلّا يفصل بين ألف التثنية ونونها، ولا يفصل بينهما، قلت له: يكثر العمل في ذلك؛ لأنّا نكون زدنا نونا متحركة ثم سكّنّا الأولى وأدغمنا، أو زدناها ساكنة ثم أسكنّا الأولى وأدغمنا، فتحركت لأجل الإدغام بالكسر على أصل التقاء السّاكنين، وعلى ما ذكرته نكون زدنا نونا ساكنة وأدغمنا فقط؛ فهذا عندي أولى لقلّة العمل» انتهى (¬1). والأظهر ما قاله الفارسي للعلة التي ذكرناها، وأما كثرة العمل فلا يضر، وليس ذلك بمانع. ومنها: أنه قال أيضا: «ليست هذه النّون في الزيادة كنون ضيفن؛ لأن نون ضيفن زيدت للإلحاق بجعفر، فجيء بها لأجل الإلحاق، ونون ذان لم يؤت بها لشيء» انتهى (¬2). وهو كلام عجيب، فإن الزيادة ليست منحصرة في الإلحاق حتى إذا انتفى الإلحاق انتفت الزيادة. وقد ذكروا أن الزيادة تكون لأسباب من جملتها الإلحاق، فإذا تعذر الإلحاق أمكن القول بسبب آخر غيره. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): «المراد بالمجرد ما ليس معه كاف الخطاب سواء - ¬

_ - (1/ 312، 313). (¬1) التذييل والتكميل (1/ 730). (¬2) المرجع السابق. (¬3) شرح التسهيل: (1/ 242).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان معه التثنية (¬1) أم لم تكن معه. وقد تقدم أن في اسم الإشارة للنحويين مذهبين: أحدهما: أن له مرتبتين قريبة وبعيدة. والثاني: أن له ثلاث مراتب. والأول هو الصحيح: وهو الظاهر من كلام المتقدمين. ويدل على صحته خمسة أوجه: أحدها: أن النحويين مجمعون على أن المنادى ليس له إلا مرتبتان: مرتبة للقريب يستعمل فيها الهمزة، ومرتبة للبعيد أو ما هو في حكمه تستعمل فيها بقية الحروف؛ والمشار إليه شبيه بالمنادى فليقتصر فيه على مرتبتين إلحاقا للنظير بالنظير. الثاني: أن المرجوع إليه في مثل هذا النقل لا العقل، وقد روى الفراء أن بني تميم يقولون: ذاك وتيك بلا لام، حيث يقول الحجازيون: ذلك وتلك باللام، وإن الحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام، وأن التميميين ليس من لغتهم استعمال الكاف مع اللام، فلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان: إحداهما للقرب والأخرى لأدنى البعد وأقصاه. الثالث: أن القرآن العزيز ليس فيه إشارة إلا لمجرد من الكاف واللام معا، أو لمصاحب لهما معا، أعني غير المثنى والمجموع؛ فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها - لكان القرآن العزيز غير جامع لوجوه الإشارة، وهذا مردود لقوله تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (¬2). الرابع: أن التعبير بذلك عن مضمون كلام على أثر انقضائه سائغ شائع في القرآن وغيره، فلا واسطة بين نطقين كقوله تعالى: ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ (¬3)، ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ (¬4)، ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (¬5)، ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ (¬6). - ¬

_ (¬1) في نسخ المخطوطة: سواء كان معه هاء التأنيث، وهو خطأ والتصحيح من شرح التسهيل. (¬2) سورة النحل: 89. (¬3) سورة الكهف: 64. (¬4) سورةيوسف: 52. (¬5) سورة الكهف: 82. (¬6) سورة الممتحنة: 10.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامس: أنه لو كانت مراتب الإشارة ثلاثا [1/ 276] لم يكتف في باقي التثنية والجمع بلفظين؛ لأن في ذلك رجوعا عن سبيل الإفراد. وفي اكتفائهم بقولهم: هذان وذانك وهؤلاء وأولئك - دليل على أن ذاك وذلك مستويان، وأن ليس للإشارة إلا مرتبتان، ولا التفات إلى قول من قال: إن تشديد نون ذانك دليل على البعد، وتخفيفها دليل على القرب - لأنه قد سبق الإعلام بأن التشديد عوض مما حذف من الواحد؛ لأنه يستعمل مع التجرد من الكاف كما يستعمل مع التلبس بها، وكذا لا يلتفت إلى قول من زعم أن أولالك للبعد دون أولئك؛ لقلة أولالك وكثرة الحاجة إلى جمع ذلك، ولأنه يلزم منه خلو القرآن العزيز من إشارة إلى جماعة بعداء، وذلك باطل بمواضع كثيرة في القرآن العزيز، فثبت ما أردناه (¬1) والحمد لله» انتهى (¬2). (وليس النحويون مجمعين على أن للمنادى مرتبتين قربى وبعدى، وقد ذكر هو في شرح الكافية أن منهم من أثبت مرتبة ثالثة وهي التوسط) (¬3) (¬4). ثم لا يخفى ما في الوجه الثالث الذي ذكره، وأنه لا يثبت مقصوده (¬5). وقد نازعه الشيخ بالاستدلال بالأوجه التي ذكرها بما ليس يظهر طائلا، ولكن تركت إيراد ذلك خشية الإطالة (¬6). ¬

_ (¬1) في نسخة (ب): ما أوردناه، وما أثبتناه هو الصحيح. (¬2) شرح التسهيل (1/ 244). (¬3) قال ابن مالك (شرح الكافية 3/ 1289) عند عده الحروف التي ينادى بها: «مذهب سيبويه أنّ الهمزة وحدها للقريب المصغي، وغيرها للبعيد مسافة أو حكما ...» ثم قال بعد أن ذكر آراء أخرى: «وزعم ابن برهان أنّ أيّا وهيّا للبعيد، والهمزة للقريب، وأي للمتوسّط، ويا للجميع». (¬4) ما بين القوسين ساقط من الأصل وهو من نسخة (ب). (¬5) رده أبو حيان فقال: «هذا الوجه أشبه بكلام الوعّاظ، ولا يلزم من كونه لم يرد في القرآن عدم وجوده في لسان العرب، فكم من قاعدة نحوية شهيرة لم تأت في القرآن. وأما استدلاله بقول الله تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ فمعناه تبيانا لأصل كلّ شيء من أصول الدّيانات والأحكام، وإلا فعدد ركعات الصّلوات الخمس لم تبيّن في القرآن، وكذلك ما تجب فيه الزكاة ومتى تجب». (التذييل والتكميل: 3/ 193). (¬6) انظر تلك المنازعة وهذه الردود في التذييل والتكميل: (3/ 191 - 195).

[هاء التنبيه وأحكامها]

[هاء التنبيه وأحكامها] قال ابن مالك: (وتصحب هاء التّنبيه المجرّة كثيرا، والمفرد المقرون بالكاف دون اللّام قليلا) (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): قد تقدم أن المراد بالمجرد ما لم تتصل به كاف الخطاب، فدخل في ذلك ذا وذان وذي وأخواتها وتان وأولا وأولاء؛ فيقال: هذا وهذان وهذي إلى العاشرة، وهاتان وهؤلاء وهؤلا. ولا تلحق المقرون بكاف الخطاب إلا مجردا من اللام، وعدم لحاقها إياه أكثر من لحاقها. ومن لحاقها إياه قول طرفة: 502 - رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطّراف الممدّد (¬3) ومثله قول الآخر: 503 - يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا ... من هؤليّائكنّ الضّال والسّمر (¬4) - ¬

_ (¬1) سقط هذا المتن من نسخة (ب). (¬2) شرح التسهيل (1/ 244). (¬3) البيت من بحر الطويل من معلقة طرفة التي سبق الحديث عنها، وبعد بيت الشاهد قوله (ديوان طرفة: ص 54): ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي فإن كنت لا تسطيع دفع منيّتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي اللغة: بني غبراء: الغبراء الأرض وبنوها، ويقصد بهم الفقراء والصعاليك، ويدخل فيهم الأضياف، الطّراف: بزنة كتاب بساط يتخذه الأغنياء خاصة. الممدد: الواسع الممدود. وطرفة يفتخر بأنه يعرف الناس جميعا، فالفقراء لأنه يعطيهم والأغنياء لأنه يجالسهم، فهو عظيم القدر مع الجميع. وشاهده واضح من الشرح، وفيه يقول الشيخ محيي الدين عبد الحميد: ولا أدري لماذا اعتبر العلماء لحاق هذه الهاء اسم الإشارة المتصل بالكاف جائزا ما داموا لم يجدوا سوى هذا البيت، ولم يعتبروه ممتنعا كما لو كانت اللام موجودة، ثم يحكموا على هذا البيت بالشذوذ (شرح الأشموني: 1/ 153). والبيت في معجم الشواهد (ص 111) وهو في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 244) ولأبي حيان (3/ 196) وللمرادي (1/ 440). (¬4) البيت من بحر البسيط، قيل للعرجي، وقيل لكثير عزة، وقيل لمجنون ليلى، وقد وجدته في ديوان المجنون (ص 168). وقبله: بالله يا ظبيات البان قلن لنا ... ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر -

[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة]

[فصل هاء التنبيه عن اسم الإشارة] قال ابن مالك: (وفصلها من المجرّد بأنا وأخواته كثير وبغيرها قليل وقد تعاد بعد الفصل توكيدا). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تلحق المقرون باللام، فلا يقال هذالك، كرهوا كثرة الزوائد، ولا تلحق أيضا المقرون بالكاف في التثنية والجمع، فلا يقال هذانك ولا هؤلائك؛ لأن واحدهما ذاك أو ذلك، فحمل على ذلك مثناه وجمعه؛ لأنهما فرعاه، وحمل عليهما مثنى ذلك وجمعه لتساويهما لفظا ومعنى. انتهى (¬1). وعجبا من المصنف كيف منع أن يقول هؤلائك وقد تقدم له إنشاد البيت الذي فيه من «هؤليائكن الضال والسمر» وهؤليائكن تصغير هؤلائكن. قال الشيخ: وهذا الّذي ذهب إليه المصنف مبني على زعمه أنّ المشار إليه ليس له إلا مرتبتان: القرب والبعد. وهذا الّذي اختاره وذكر أنه مذهب بعض النّحويين - لم أقف عليه لأحد على كثرة مطالعتي لكتب هذا الشأن (¬2). قال ناظر الجيش: الضمير يرجع إلى هاء التنبيه، أي: وفصل هاء التنبيه من اسم الإشارة المجرد من كاف الخطاب بأنا وأخواته من ضمائر الرفع المنفصلة - كثير ليس بالقليل، بخلاف الفصل بغيرها فإنه قليل. فمثال الفصل بالضمير: قولك: ها أنا ذا، وها أنا ذي، وها نحن أولاء، وها أنت ذا، وها أنت ذي، وها أنتما ذان، وها أنتما تان، وها أنتم أولاء، وها هو ذا، وها - ¬

_ - اللغة: غزلان: جمع غزال، والمقصود به النساء. شدنّ: يقال شدن الغزال إذا قوى وطلع قرناه. ونونه الثانية للنسوة. هؤليّائكنّ: مصغر هؤلاء شذوذا وأصله أولاء بالمد، وهاؤه للتنبيه وكافه للخطاب وهو مضوع الشاهد. الضّال: جمع ضالة وهو السدر البري. السّمر: بفتح السين وضم الميم جمع سمرة وهو شجر الطلح. والمعنى: ما أجمل هؤلاء الفتيات اللاتي يقطنّ في هذه الأمكنة وبين تلك الأشجار. واستشهد بالبيت على ما سبق ذكره في اللغة من لحاق هاء التنبيه اسم الإشارة المقرون بكاف الخطاب، واستشهد به الكوفيون على اسمية فعل التعجب بدليل تصغيره في قوله: يا ما أمليح. والتصغير من خصائص الأسماء. ويا فيه للنداء، والمنادى محذوف تقديره يا صاحبي. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 244) وفي التذييل والتكميل (3/ 197) وليس في معجم الشواهد. (¬1) شرح التسهيل (1/ 245). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 197).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هي ذي، وها هما ذان، وها هما تان، وها هم أولاء، وها هن أولاء [1/ 277]. وقد قال الله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ، (¬1) ومنه قول السائل عن وقت الصلاة: ها أنا ذا يا رسول الله (¬2). ومثال الفصل بغير ذلك: قول النابغة: 504 - ها إنّ ذي عذرة إن لم تكن نفعت ... فإنّ صاحبها قد تاه في البلد (¬3) وأنشد سيبويه (¬4): 505 - ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا ... فقلت لها هذا لها ها وذا ليا (¬5) - ¬

_ (¬1) سورةآل عمران: 119، وبقيتها: وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ ... إلخ. (¬2) الحديث بنصه في صحيح مسلم: (2/ 106) في كتاب المساجد ومواضع الصّلاة، باب أوقات الصّلوات الخمس، وأصله: أنّ رجلا سأل النّبي صلّى الله عليه وسلّم عن وقت الصّلاة، فقال له عليه السّلام: «صلّ معنا هذين» يعني اليومين. وفي آخر الحديث: قال عليه الصلاة والسّلام: «أين السّائل عن وقت الصّلاة؟» فقال الرّجل: أنا يا رسول الله، قال: «وقت صلاتكم بين ما رأيتم». قال محقق الحديث وشارحه: وعبارة الموطّأ: ها أنا ذا. (¬3) البيت من بحر البسيط من قصيدة للنابغة من قصائد الاعتذار التي قالها في النعمان بن المنذر. وبيت الشاهد هذا آخر بيت فيها، وفيه يعتذر النابغة للنعمان عما بدر منه من هجاء أو غيره: أنبئت أنّ أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد مهلا فداء لك الأقوام كلهم ... وما أثمّر من مال ومن ولد وفي بيت الشاهد: يعلن النابغة أنه سيعيش منغّصا محالفا للهم إن لم يقبل النعمان اعتذاره. والعذرة: اسم للعذر. ورواية البيت في الديوان: فإنّ صاحبها مشارك النّكد. (ديوان النابغة: ص 31). وشاهده: قوله: ها إنّ ذي عذرة، حيث فصل بين هاء التنبيه وذا الإشارية بإن. وسيأتي توضيحه في الشرح. وهو في معجم الشواهد (ص 118) وشرح التسهيل (1/ 245). والتذييل والتكميل (3/ 199). (¬4) انظر: الكتاب (2/ 354) بتحقيق هارون. (¬5) البيت من بحر الطويل، وهو في ملحقات ديوان لبيد (ص 230) قال محقق الديوان: «نسبه الأعلم للبيد، ولكن ذكر غير واحد منهم صاحب الخزانة أنّهم لم يجدوه في ديوانه». والملحقات أبيات نسبت إلى الشاعر في المعاجم وكتب النحو واللغة، ولا توجد في أصول ديوانه. والبيت مفرد لا ثاني له. وفي البيت: فصل بين هاء التنبيه وذا الإشارية بالواو، وهو قليل، وعلى مثل ذلك استشهد به النحاة. وانظر البيت في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 245)، وللمرادي (1/ 250)، ولأبي حيان (3/ 199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سيبويه (¬1): «كأنّه أراد: وهذا لي، فصيّر الواو بين ها وذا، وزعم الخليل أنّ مثل ذلك أي ها الله ذا». قال سيبويه (¬2): وقد تكون ها في ها أنت ذا - غير ها المقدّمة. ولكنّها تكون للتّنبيه بمنزلتها في هذا، يدلّك على ذلك قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ (¬3). فلو كان ها المتقدمة مصاحبة أولاء لم تعد مع أولاء، وإلى نحو ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ أشرت بقولي: وقد تعاد بعد الفصل توكيدا. انتهى كلام المصنف. وها هنا بحثان: أحدهما: أن كلام سيبويه أفهم أن ها التي فيها أنت ذا - ممكن أن يكون أتى بها قبل الضمير ابتداء بقصد التنبيه كما يؤتى بها قبل اسم الإشارة، وإذا كان كذلك فليست التي تصحب الإشارة. وعلى هذا فلا يقال إن الضمير فصل بين هاء واسم الإشارة؛ ولهذا قيل: إن كلام المصنف يخالف ظاهر كلام سيبويه. والذي يظهر أن سيبويه أجاز في ها قبل الضمير أن تكون التي تصحب اسم الإشارة ثم فصل بينهما بالضمير كما قال المصنف، وأن يكون غيرها اسم الإشارة، وإنما أتى بها ابتداء؛ فعلى هذا لا فصل كما تقدم. هذا إذا لم تصحب ها اسم الإشارة الواقع بعد الضمير، فإن صحبته تعين أن تكون المتقدمة أتى بها ابتداء، وحينئذ لا يتجه قول المصنف: وقد تعاد بعد الفصل توكيدا؛ إذ لا إعادة ولا فصل لأنهما اثنان. الثاني: أن الشيخ لما أورد بيت النابغة، وهو الذي أوله: ها إن ذي عذرة، قال: «وهذا ليس من جنس ما فصل به بين هاء التنبيه (¬4) واسم الإشارة؛ لأن ذي اسم إنّ وعذرة الخبر، فلا يمكن تركيب هاء التّنبيه وذي في ذلك فتقول فصل بينهما بإنّ؛ لأنك لو قلت ها ذي إنّ عذرة - لم يكن كلاما، فها لم يدخل هنا على - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب: (2/ 354). (¬2) كتاب سيبويه: (2/ 354). (¬3) سورةمحمد: 38. (¬4) في الأصل: هاء التثنية، وفي نسخة (ب): هاء التأنيث. وكلاهما خطأ، والصحيح ما أثبته.

[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة]

[إلحاق كاف الخطاب بأسماء الإشارة] قال ابن مالك: (والكاف حرف خطاب يبيّن أحوال المخاطب بما يبيّنها إذا كان اسما، وقد يغني ذلك عن ذلكم، وربما استغني عن الميم بإشباع ضمّة الكاف). ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم الإشارة». انتهى (¬1). ولم يظهر لي ما قاله: والمصنف أورد هذا البيت على أن الأصل فيه إن هذي عذرة فقدم هاء التنبيه على أن محصل الفصل بإن بين ها وذي وهذا واضح ولا أعرف كيف قدر الشيخ إنّ مؤخرة عن اسم الإشارة ولا ما الموجب له أن فعل ذلك. واعلم أن المثال الذي تقدم عن الخليل، وهو: أي ها الله ذا - قد حصل الفصل بالقسم بين هاء التنبيه وذا ومثله [1/ 278] في الفصل بالقسم قول الشاعر: 506 - تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما ... فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك (¬2) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): «والكاف حرف خطاب كتاء أنت تدل على أحوال المخاطب في حرفيتها بما يدل عليها في اسميتها، فيقال ذاك وذاك. وذاكما وذاكم وذاكن كما يقال: رأيتك ورأيتك ورأيتكما ورأيتكم ورأيتكنّ، فيستوي اللفظ بالحرفية والاسمية، كما يستوي اللفظ بتاء أنت وتاء فعلت. وقد يقال في خطاب جماعة الذكور كما يقال في خطاب الواحد كقوله تعالى: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 199). (¬2) البيت من بحر البسيط، قاله زهير بن أبي سلمى من قصيدة يهدد بها الحارث بن ورقاء عند ما استاق هذا غلاما لزهير وإبلا له (ديوان زهير ص 182). اللغة: تعلمن: بمعنى أعلم، فهو من الأفعال اللازمة للأمر، ها: بمفردها حرف تنبيه دخلت على ذا، وفصل بينهما بالقسم المذكور، وهو موضع الشاهد. قسما: منصوب على المصدر المؤكد به معنى اليمين. فاقدر بذرعك: قدر لخطوك، وهو مثل من أمثال العرب يضرب لمن يتوعد، ومعناه: كلف نفسك ما تطيق، أي توعد بما تسعه قدرتك (الأمثال للميداني: 2/ 476). أين تنسلك: أين تسلك وتدخل. والمعنى: يتوعد زهير صاحبه بألا يكلف نفسه ما لا يطيق، وأن يسلم إليه إبله وغلامه، ويروى أن الحارث كسا الغلام وأحسن إليه ورده مع الإبل إلى زهير فمدحه زهير بعد ذلك (الخزانة: 5/ 458). البيت في معجم الشواهد (ص 656) وشرح التسهيل للمرادي (1/ 250)، ولأبي حيان (3/ 199). (¬3) شرح التسهيل (1/ 245).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ (¬1) وذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ (¬2). فأغنى ذلك عن ذلكم، ولم يغنى أنت عن أنتم، وذلك أن الذال والألف قد يستغنى بهما عن الكاف عند تقدير القرب أو قصد الحكاية، كقوله تعالى: هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (¬3)، هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ (¬4)، وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ (¬5). فجاز الاستغناء عن الكاف بمصحوبها، ولا يستغنى بالهمزة والنون عن التاء. وأشرت بقولي: وربما استغني عن الميم بإشباع ضمّة الكاف - إلى ما أسند الكوفيين من قول الراجز: 507 - وإنما الهالك ثمّ التّالك ... ذو حيرة ضاقت به المسالك كيف يكون النّوك إلّا ذلك (¬6) في قوله: كيف يكون النوك إلا ذلك أراد ذلكم فأشبع الضمة واستغنى عن الميم بالواو الناشئة عن الإشباع. قال الشيخ (¬7): «الّذي عندي في قوله: «كيف يكون النّوك إلّا ذلك» أنه من باب تغيير الحركة لأجل القافية؛ لأنّ القوافي قبله مرفوعة، فاحتاج أن غيّر حركة الكاف الّتي هي الفتحة إلى الضّمة». ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 85. (¬2) سورة المجادلة: 12. (¬3) سورةص: 53. (¬4) سورة القصص: 15. (¬5) سورةفاطر: 12. (¬6) الأبيات من بحر الرجز المشطور مجهولة القائل في مراجعها. اللغة: التالك: في القاموس (3/ 307) التالك هو الأحمق. وأحمق تائك شديد الحمق، وقد تاك يتيك. وقال الزبيدي في معجمه الكبير (تاج العروس: 7/ 116): وممّا يستدرك على صاحب القاموس تالك، وهو إتباع لهالك، هكذا أورده شرّاح التّسهيل في شرح قول الشّاعر: وإنّما الهالك ثمّ التّالك النّوك: إن كان بفتح النون كما ضبطته المراجع فمعناه الحمق. وإن كان بضمها فهو جمع لأنوك ومعناه الأحمق أيضا. والشاعر يهجو قوما. والبيت في معجم الشواهد (ص 514)، وشروح التسهيل لابن مالك (1/ 246)، ولأبي حيان (3/ 202) وللمرادي (1/ 253). (¬7) التذييل والتكميل (3/ 202).

[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى]

[إلحاق كاف الخطاب لبعض الكلمات الأخرى] قال ابن مالك: (وتتّصل بـ «أرأيت» - موافقة أخبرني - هذه الكاف مغنيا لحاق علامات الفروع بها عن لحاقها بالتّاء، وليس الإسناد إليها مزالا عن التّاء، خلافا للفرّاء. وتتّصل أيضا بـ «حيهل» و «النّجاء» و «رويد» أسماء أفعال. وربّما اتّصلت بـ «بلى». وأبصر، وكلّا، وليس، ونعم، وبئس، وحسبت). قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الكاف المتصلة بأسماء الإشارة حرف خطاب وكان ثم مواضع أخر تستعمل فيها الكاف حرفا استطرد المصنف فذكرها (¬1). فمنها (أرأيت): إذا أريد بها معنى أخبرني فإنه يجوز أن تتصل به كاف الخطاب وألا تتصل، فإن لم تتصل به وجب للتاء ما يجب لها مع سائر الأفعال: من تذكير وتأنيث، وتثنية وجمع، ومنه قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ (¬2). وإن اتصلت به استغني بما يلحق الكاف من علامة تأنيث وتثنية وجمع عن ما يلحق التاء، وألزمت التاء ما يلزمها في خطاب المفرد المذكر، ومنه قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ (¬3). ولو كان الخطاب لاثنين بهذا المعنى لقيل أرأيتكما، ولو كان لأنثى لقيل أرأيتك، ولو كان لإناث لقيل أرأيتكنّ [1/ 280] (¬4) فتلزم التاء الضمة والتجريد. والكاف في هذا كله حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب. واستدل سيبويه (¬5) على ذلك بقول العرب: أرأيتك فلانا ما حاله؟ ومنه قوله تعالى: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (¬6). وزعم الفراء أن موضعه رفع بالفاعلية، وأن التاء حرف خطاب (¬7)؛ والقول - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 246). (¬2) سورة الأنعام: 46. (¬3) سورة الأنعام: 40، 47. (¬4) سقط ترقيم (ص 279) من الأصل. (¬5) الكتاب (1/ 245). (¬6) سورة الإسراء: 62. (¬7) لخص السيوطي هذه المذاهب في كتابه الهمع (1/ 77) فقال: المسألة الرابعة: تتصل هذه الكاف - أعني الحرفية - بأرأيت بمعنى أخبرني نحو: أرأيتك يا زيد عمرا ما صنع؟ وأرأيتك يا هند، وأرأيتكما وأرأيتكم وأرأيتكن، فتبقى التاء مفردة دائما، ويغني لحاق علامات الفروع بالكاف عن لحوقها التاء وفيها حينئذ مذاهب: أحدها: أن الفاعل هو التاء، والكاف حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب، وعليه البصريّون. الثاني: أن التاء حرف خطاب وليست باسم، وإلا لطابقت، والكاف هي الفاعل للمطابقة وعليه الفراء. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول أولى؛ لأن التاء لا يستغنى عنها، والكاف يستغنى عنها، وما لا يستغنى عنه أولى بالفاعلية مما يستغنى عنه، ولأن التاء محكوم بفاعليتها مع غير هذا الفعل بإجماع والكاف بخلاف ذلك؛ فلا يعدل عما ثبت لهما دون دليل. فلو لم يرد بـ (أرأيت) معنى أخبرني وجب للتاء والكاف مجتمعين ما يجب لهما منفردين فيقال: أرأيتك قادرا، وأرأيتك قادرة، وأرأيتما كما قادرين، أرأيتموكم قادرين، أرأيتنكنّ قادرات، كما يقال: أعلمتك قادرا، وأعلمتما كما قادرين، وأعلمتموكم قادرين، وأعلمتك قادرة، وأعلمتنكن قادرات. هذا كلام المصنف (¬1). وحاصل الأمر: أن رأيت التي بمعنى علمت يدخل عليها همزة الاستفهام. ولا شك أنها تتعدى إلى اثنين؛ فإن لم يضمن معنى فعل آخر واستعملت على أصل موضعها - جاز أن يتصل بها الكاف ضميرا منصوبا، ويكون مطابقا للضمير المرفوع في إفراد وتذكير وأضدادهما، وتكون مفعولا أولا وما بعده مفعولا ثانيا. وقد ذكر المصنف أمثلة ذلك. وإن ضمنت معنى أخبرني انسلخ عنها معنى الاستفهام حتى لا تقتضي جوابا حينئذ، وجاز أن يتصل بها كاف الخطاب ويجيء فيها العمل الذي ذكره المصنف. وقد تقدم ذكر أمثلته، وقد عرفت المذهبين المذكورين: وهما مذهب البصريين وهو أن التاء فاعلة والكاف حرف خطاب، ومذهب الفراء وهو أن الكاف فاعلة والتاء حرف خطاب كما التاء في أنت. ومستنده أن التاء لما تجردت للخطاب وأفردت له - لم يجز أن تكون مرفوعة لإفرادها؛ لأن التاء إذا كانت ضميرا لم تفرد مذكرة لمثنى ومجموع ومؤنث. بل تطابق ما كانت ضميرا له، فدل ذلك على سلب الاسمية عنها. ولما ظهرت الاسمية في الكاف قال: إنها المسند إليها الفعل على جهة الفاعلية. وقد رد المصنف قول الفراء بما تقدم ذكره، وقد ذكر أن في المسألة مذهبا ثالثا. قال الشيخ (¬2): وفي محفوظي أنه مذهب الكسائي، وهو أن الكاف في موضع - ¬

_ - ورد بأن الكاف يستغنى عنها بخلاف التاء، فكانت أولى بالفاعلية. وبأن التّاء محكوم بفاعليتها في غير هذا الفعل بإجماع، ولم يعهد ذلك في الكاف. الثالث: أن الكاف في موضع نصب، وعليه الكسائي. ورد بما ذكره الشارح نقلا عن أبي حيان مما سيأتي قريبا. (¬1) شرح التسهيل (1/ 247). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 204) والمغني (1/ 181)، والهمع (1/ 77).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نصب على المفعولية، ورد هذا المذهب بأن الكاف لو كانت في موضع نصب لكانت المفعول الأول من المفعولين اللذين تقتضيهما رأيت، والمفعول الأول في المعنى هو المفعول الثاني. وأنت إذا قلت: أرأيتك زيدا ما صنع؟ [1/ 281] أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (¬1) استحال أن يكون المخاطب غائبا، فلا يكون إذن المفعول الأول، وإذا لم يكن إياه علمنا أنه لا موضع له من الإعراب، وإن زيدا هو المفعول الأول وما بعده في موضع المفعول الثاني. ومثال اتصال الكاف المذكورة بحيهل، والنّجاء، ورويد: حيّهلك، والنّجاءك، ورويدك، بمعنى إيت وأسرع وأمهل. واحترز المصنف بقوله: أسماء أفعال - من استعمال النجاء ورويد مصدرين كما سيذكر ذلك في باب أسماء الأفعال إن شاء الله تعالى (¬2). قال المصنف: وروي أيضا اتّصالها ببلى، وأبصر، وكلا، وليس، ونعم، وبئس، وحسب، وأنشد أبو علي: 508 - [لسان السّوء تهديها إلينا] ... وحنت وما حسبتك أن تحينا (¬3) وأجاز أن يكون الكاف فيه حرف خطاب، وهو غريب. وحمله على ذلك وجود أن بعدها؛ فإنه إن لم يكن الأمر كما قال لزم الإخبار بأن والفعل عن اسم عين، وذلك لا سبيل إليه في موضع يخبر عنه فيه بمصدر صريح نحو: زيد رضا، - ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 62. (¬2) قال في متن التسهيل (ص 211): «ولأمهل رويد ما لم ينصب حالا أو مصدرا نائبا عن أرود، أو مفردا مضافا إلى المفعول، أو نعتا لمصدر مذكور أو مقدّر». (¬3) البيت من بحر الوافر غير منسوب لشاعر إلا قولهم: أنشد أبو علي. اللغة: اللسان: المقول والمراد به القول هنا، واللسان يذكر ويؤنث، ولذلك جاء البيت بروايتين: تهديه وتهديها. حنت: في القاموس: (4/ 219): كل ما لم يوفق للرشاد فقد حان وهو المقصود هنا. وشاهده واضح من الشرح وهو رأي أبي علي. وقد رد عليه باحتمال كون أن وصلتها بدلا من الكاف سادة مسد المفعولين، ويحتمل البيت تخريجا آخر وهو أن تكون الكاف ضميرا مفعولا أول، وأن زائدة، وتحين في موضع المفعول الثاني، فلا تكون أن مصدرية، وهذا على مذهب الأخفش في إجازته أن «أن» الزائدة تنصب (التذييل والتكميل: 1/ 749). والبيت في معجم الشواهد (ص 387)، وفي شروح التسهيل لابن مالك (1/ 248)، ولأبي حيان (3/ 206)، وللمرادي (1/ 254).

[تبادل أسماء الإشارة]

[تبادل أسماء الإشارة] قال ابن مالك: (وقد ينوب ذو البعد عن ذي القرب لعظمة المشير أو المشار إليه، وذو القرب عن ذي البعد لحكاية الحال، وقد يتعاقبان مشارا بهما إلى ما ولياه، وقد يشار بما للواحد إلى الاثنين وإلى الجمع). ـــــــــــــــــــــــــــــ فكيف به في موضع بخلاف ذلك؟ قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): من نيابة ذي البعد عن ذي القرب لعظمة المشير قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (¬2)، ومن نيابته عنه لعظمة المشار إليه قوله تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي (¬3) ومنه قول امرأة العزيز مشيرة إلى يوسف عليه الصلاة والسّلام فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (¬4). بعد أن أشارت إليه النسوة بهذا؛ إذ قلن ما هذا بَشَراً (¬5) والمجلس واحد إلا أن مرأى يوسف عليه الصلاة والسّلام عند امرأة العزيز كان أعظم من مرآه عند النسوة، فأشارت إليه بما يشار به إلى البعد إعظاما وإجلالا. ومن نيابة ذي القرب عن ذي البعد لحكاية الحال قوله تعالى: كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ (¬6)، وقوله تعالى: فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ (¬7). وأما تعاقب ذي القرب وذي البعد على أثر ما الإشارة إليه - فكقوله تعالى متصلا بقصة عيسى عليه السّلام ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (¬8). ثم قال تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (¬9) ومنه قوله تعالى: لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (¬10)، وقوله تعالى: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ (52) هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ (¬11). ومنه: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى (¬12)، إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً (¬13). والإشارة بما للواحد إلى الاثنين كقوله تعالى: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ (¬14). أي - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 248). (¬2) سورةطه: 17. (¬3) سورة الشورى: 10. (¬4) سورةيوسف: 32. (¬5) سورةيوسف: 31. (¬6) سورة الإسراء: 20. (¬7) سورة القصص: 15. (¬8) سورةآل عمران: 58. (¬9) سورةآل عمران: 62. (¬10) سورة الزمر: 34. (¬11) سورةص: 52، 53. (¬12) سورة الزمر: 21. (¬13) سورة الأنبياء: 106. (¬14) سورة البقرة: 68.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بين الفارض والبكر. ومنه قول الشاعر: 509 - إنّ الرّشاد وإنّ الغيّ في قرن ... بكلّ ذلك يأتيك الجديدان (¬1) والإشارة بما للواحد إلى الجمع كقول لبيد (¬2) [1/ 282]: 510 - ولقد سئمت من الحياة وطولها ... وسؤال هذا النّاس كيف لبيد (¬3) ومنه قول مسكين الدارمي (¬4): 511 - وبينا الفتى يرجو أمورا كثيرة ... أتى قدر من دون ذاك متاح (¬5) ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط لم أعثر على قائله. اللغة: القرن: الاقتران والتصاحب. والمعنى: الرشاد والغي مقترنان وموجودان معا في الحياة والناس. وشاهد البيت واضح. انظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 249)، والتذييل والتكميل (3/ 209)، وليس في معجم الشواهد. (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) البيت من بحر الكامل قاله لبيد العامري من قصيدة يشكو فيها طول عمره وسأمه الحياة، انظر ديوان لبيد (ص 46). وشاهده هنا واضح، وبمثله استشهد ابن جني في المحتسب (1/ 179). ومثل هذا الشاهد قول الفرزدق يمدح هشام بن عبد الملك، ديوانه (2/ 231): وأنت لهذا النّاس بعد نبيّهم ... سماء يرجّى للمحول غمامها والبيت في معجم الشواهد (ص 107)، وهو في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 249)، وللمرادي (1/ 256) ولأبي حيان (3/ 209). (¬4) اسمه: ربيعة بن عامر من بني دارم، شاعر شجاع من أهل العراق، لقب بالمسكين لقوله (من الرمل): أنا مسكين لمن أنكرني ... ... وقوله (من الطويل): وسمّيت مسكينا وكانت لحاجة ... وإني لمسكين إلى الله راغب مدح معاوية وطلب منه تولي ابنه يزيد بعده (من الطويل): إذا المنبر الغربيّ خلّى مكانه ... فإنّ أمير المؤمنين يزيد وهو صاحب البيت المشهور في شواهد النحو (رقم 167 في خزانة الأدب): أخاك أخاك إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح وله شعر يرثي فيه زياد بن أبيه ورده عليه الفرزدق. مات مسكين في عام (89 هـ). ترجمته في: الشعر والشعراء (1/ 551) وخزانة الأدب (3/ 116). (¬5) البيت من بحر الطويل، قاله مسكين الدارمي كما في الشرح. ومعناه: أن الإنسان يخطط ويبني آمالا ضخمة في حياته، ثم يجيئه الموت غفلة فيمحو كل شيء. وشاهده: قوله: من دون ذاك، حيث أشار إلى الجمع وهي الأمور بلفظ الواحد؛ قال أبو حيان: «ويحتمل أن -

[الإشارة إلى المكان]

[الإشارة إلى المكان] قال ابن مالك: (ويشار إلى المكان بهنا لازم الظّرفيّة أو شبهها معطى ما لذا من مصاحبة وتجرّد. وكهنالك ثمّ وهنّا بفتح الهاء وكسرها، وقد يقال هنّت موضع هنّا، وقد تصحبها الكاف، وقد يراد بهناك وهنالك وهنا الزّمان. وبني اسم الإشارة لتضمّن معناها، أو لشبه الحرف وضعا وافتقارا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): من قال في الإشارة إلى الشخص القريب ذا، قال في الإشارة إلى المكان القريب هنا دون تنبيه ولا خطاب. ومن رأى مصاحبة التنبيه فقال هذا، قال ها هنا. ومن قال ذاك قال هناك، ومن قال ذلك قال هنالك، ومن سوّى ذاك وذلك ملغيا للتوسط سوّى هناك وهنالك، ومن لم يسوّهما معترفا بالتوسط لزمه مثل ذلك في هناك وهنالك، ومن قال هذاك جامعا بين التنبيه والخطاب قال ها هناك، ولا يقال ها هنالك، كما لا يقال هذالك. ويشار أيضا إلى المكان البعيد بثمّ وهنّا وهنّا كما يشار إليه بهنالك، وقد يقال هنّاك وهنّاك، وقد يقال هنّت موضع هنّا. ومن شواهد هذا قول الشاعر: 512 - كأنّ ورسا خالط اليرنّا ... خالطه من ها هنّا وهنا (¬2) ومن شواهد هنّت قول الآخر: 513 - وكانت الحياة حين حبّت ... وذكرها هنّت ولات هنّت (¬3) - ¬

_ - يكون ذاك في هذا البيت عائدا على مفرد وهو المصدر المفهوم من يرجو أي: من دون ذاك الرّجاء». انظر البيت في: معجم الشواهد (ص 84) وشرح التسهيل (1/ 250) والتذييل والتكميل (3/ 209). وتعليق الفرائد (ص 704). (¬1) شرح التسهيل (1/ 250). (¬2) البيتان من الرجز المشطور نادرا الوجود في كتب النحو واللغة، ولم أعثر على قائلهما. اللغة: الورس: نبات كالسمسم يزرع في اليمن نافع يطلى به الثياب ويشرب منه للدواء، اليرنّا: الحناء. وشاهده: الإشارة بهما إلى المكان. والبيت في معجم الشواهد (ص 547)، وهو في التذييل والتكميل (3/ 211)، وشرح التسهيل (1/ 250). (¬3) البيتان من الرجز المشطور قالهما رؤبة كما في اللسان (مادة هنا). وشاهدهما واضح. والبيتان في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 250) ولأبي حيان (3/ 211) وللمرادي (1/ 256)، وهو في معجم الشواهد (ص 451).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: هنا ولات هنا. وكل هذه الأسماء المشار إليها إلى المكان لا تفارق الظرفية إلا بدخول من أو إلى عليها. وإلى ذلك أشرت بقولي: لازم الظّرفية أو شبهها؛ لأن حرف الجر والمجرور بمنزلة الظرف. وقد يشار بهناك وهنالك وهنا إلى الزمان؛ فمن الإشارة إليه بهناك قول الأفوه الأودي (¬1): 514 - وإذا الأمور تعاظمت وتشابهت ... فهناك يعترفون أين المفزع (¬2) ومن الإشارة بهنالك قوله تعالى: هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً (¬3)، ومنه قول الشاعر: 515 - إذا هي قامت حاسرا مشمعلّة ... نخيب الفؤاد رأسها ما تقنّع وقمت إليها باللّجام ميسّرا ... هنالك يجزيني الّذي كنت أصنع (¬4) - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة للأفوه الأودي يفتخر فيها بنفسه وبقومه (انظر الطرائف الأدبية (ص 18، 19) وفيه ديوان الأفوه) ومطلع القصيدة: ذهب الّذين عهدت أمس برأيهم ... من كان ينقص رأيه يستمتع وبيت الشاهد في الفخر والشجاعة والنجدة والمروءة، وشاهده واضح. البيت في معجم الشواهد (ص 281)، وشروح التسهيل لابن مالك (1/ 251) ولأبي حيان (3/ 212) وللمرادي (1/ 256). (¬3) سورة الأحزاب: 11. (¬4) البيتان من بحر الطويل، وهما من الأبيات التي اكتشفت قائلها، وهما اثنان أخيران لأربعة في ديوان الحماسة (2/ 349) قائلهما الأعرج. المعنى: يعاتب الشاعر امرأته لأنه آثر عليها فرسا له بلبن ناقته، يقول: أرى أمّ سهل ما تزال تفجّع ... تلوم وما أدري علام توجّع تلوم على أن أعطي الورد لقحة ... وما تستوي والورد ساعة تفزع اللغة: الورد: اسم فرسه. لقحة: لبن الناقة. حاسرا: مكشوفة الرأس، مشمعلة: جادة في العدو. نخيب الفؤاد: طائرة اللبّ. رأسها ما تقنع: لا خمار عليها لدهشتها وخوفها. ميسّرا: مهيأ للدفاع والقتال. وهو في الأبيات يفضل فرسه على امرأته؛ لأنه يدافع عنها بهذا الفرس ساعة الهول والقتال. وفي هذا البيت وأمثاله وفي الآية القرآنية السابقة يقول أبو حيان: «ولا حجة في ذلك؛ لأنه يحتمل أن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الإشارة إلى الزمان بهنّا قول الشاعر: 516 - حنّت نوار ولات هنّا حنّت ... وبدا الّذي كانت نوار أجنّت (¬1) فهنّا إشارة إلى وقت، وهو منصوب على الظرفية، وحنت في موضع رفع بالابتداء، والخبر الظرف، وهذا أحد المواضع المخبر فيها عن الفعل مؤولا بمصدر. وزعم بعض المتأخرين أن هنّا اسم لات، والتقدير: ليس ذلك الوقت وقت حنّت، أي وقت حنان. وليس ما زعم صحيحا؛ لأن هذا الاستعمال مخالف لاستعمال لات الملحقة بليس ولاستعمال هنّا؛ فإن لات إنما يكون اسمها الحين [1/ 283] محذوفا كقوله تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (¬2) أي: وليس الحين حين مناص. وهنّا بخلاف ذلك فلا يكون اسم لات. وأيضا فإن هنّا لا تفارق الظرفية إلا بدخول من أو إلى عليها وارتفاعه على أن يكون اسم لات مناف لذلك، فلا يصح. والضمير من قولي: لتضمّن معناها - عائد على الإشارة؛ فإن معناها حقيق بأن يوضع له حرف يدل عليه كما وضع للتنبيه والاستفتاح وغيرهما من المعاني الزائدة على مدلولات الأسماء والأفعال، فاستغنوا عن وضع حرف إشارة يتضمن أسماء لمعناها فلذا يحدّ اسم الإشارة بأنه الدال بالوضع على مسمّى وإشارة إليه. - ¬

_ - يشار بهما إلى المكان؛ لأن الزمان يدل على المكان؛ لأنه قال في ذلك المكان الذي كان جاءكم الكفار في زمانه من فوقكم ومن أسفل منكم ابتلي المؤمنون، وكذلك تأويل الأبيات المذكورة». والشاهد في شروح التسهيل لابن مالك (1/ 251) ولأبي حيان (3/ 212)، وللمرادي (1/ 256). (¬1) البيت من بحر الكامل نسب لشبيب بن جعيل أو حجل بن نضلة بفتح الأول وسكون الثاني فيهما. اللغة: حنّت: من الحنين وهو الشوق ونزاع النفس على الشيء. نوار: من أسماء النساء: وأما آخره فمرفوع على الإعراب فاعلا، أو مكسور على البناء، وهي نوار بنت عمرو بن كلثوم، وكان الشاعر أسرها وركب بها الفلاة خوفا من أن يلحق، ولات هنا حنت: أي ليس الوقت وقت حنين. أجنت: أخفت وسترت. المعنى: حنت نوار إلى أهلها، وأظهرت ما كان خافيا، وجزعت لما رأتنا في مكان موحش، ولكن ليس ذلك الوقت وقت الحنين وإظهار الجزع. وإعراب البيت وشاهده واضحان من الشرح. والشاهد في معجم الشواهد (ص 75) وشروح التسهيل لابن مالك (1/ 251). ولأبي حيان (3/ 213) وللمرادي (1/ 256). (¬2) سورةص: 3.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستحق البناء لتضمنه معنى من المعاني الحرفية، وإذا كان الاسم يستحق البناء لتضمنه معنى حرف لم يستغن به عن وضعه كاسم الاستفهام فبناء ما تضمنه معنى حرف استغنى عنه كاسم الإشارة أحق وأولى. وهذا السبب يقتضي بناء كل اسم إشارة ولمن عارضه في ذين وتين شبههما بمسميات الأسماء المتمكنة فأعربا. وقد تقدم التنبيه على ذلك وشبهه. وأما الشبه في الافتقار: فالمراد به هنا حاجة اسم الإشارة في إبانة مسماه إلى مواجه أو ما يقوم مقامها مما ينزل منه منزلة الصلة من الموصول وهذا أيضا سبب عام. وأما الشبه في الوضع: فالمراد به كون ذا وذي وأخواتهما موضوعات على حرفين وذلك من وضع الحروف فاستحقت البناء لذلك وحملت البواقي عليها لأنها فروع أو كالفروع وإنما قلت أو كالفروع لأن منها هنا وأخواتها وليست فروعا لذا أو ذي ولكنها كالفروع ولإمكان الاستغناء عنها بذا أو ذي والمستغنى به أصل للمستغنى عنه. * * *

الباب الحادي عشر باب المعرف بالأداة

الباب الحادي عشر باب المعرّف بالأداة [اختلافهم في الأداة] قال ابن مالك: (باب المعرّف بالأداة: وهي: أل لا اللّام وحدها وفاقا للخليل وسيبويه، وقد تخلفها أم، وليست الهمزة زائدة خلافا لسيبويه). قال ناظر الجيش: ذكر المصنف في أداة التعريف ثلاثة مذاهب: الأول: أنها اللام وحدها ونسب ذلك إلى المتأخرين. الثاني: أن الأداة الهمزة واللام معا، وأن الهمزة ليست زائدة، أي مجتلبة للنطق بالساكن، بل هي أصلية؛ ومن ثم كانت همزة قطع كهمزة أم وأو، وقال: إنه مذهب الخليل. الثالث: كالثاني - إلا أن الهمزة همزة وصل، وقال: إنه مذهب سيبويه. وأنا أورد كلامه برمته، قال رحمه الله تعالى (¬1): قد اشتهر عند المتأخرين أن أداة التعريف هي اللام وحدها، وأن المعبر عنها بالألف واللام تارك لما هو أولى، وكذا المعبر عنها بأل، حتى قال ابن جني: ذكر عن الخليل أنه كان يسميها أل، ولم يكن يسميها الألف واللام، كما لا يقال في قد القاف والدال. قلت: قد عبر سيبويه عن أداة التعريف بأل كما فعل الخليل؛ فإنه قال في: باب عدّة ما يكون عليه الكلم (¬2): وقد جاء على حرفين ما ليس باسم ولا فعل. فذكر أم وأو، وهل، ولم ولن وأن وما ولا وإن، وكي [1/ 284] وبل وقد، ولو، ويا، ومن. ثم قال (¬3): «وأل تعرّف الاسم كقولك القوم والرّجل» فعبر عنها بأل، وجعلها من الحروف الجائية على حرفين كأم وأخواتها. وقال في موضع آخر: «وإنّما هما حروف بمنزلة قولك قد» ثم قال: «ألا ترى أنّ الرّجل يقول إذا نسي فتذكّر ولم يرد أن يقطع كلامه: ألي كما يقول قدي، ثمّ يقول كأل وكأل» هذا نصه (¬4). - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 253). (¬2) كتاب سيبويه (4/ 216). (¬3) كتاب سيبويه (4/ 226). (¬4) المرجع السابق: (4/ 147). ومع أن سيبويه عبر عن هذه الأداة بأل، إلا أنه كان يعبر عنها أيضا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو موافق لما روي عن الخليل؛ فلولا أنه نسبها إلى الزيادة في موضع آخر لحكمت بموافقته الخليل مطلقا، إلا أن الخليل يحكم بأصالة الهمزة، وأنها مقطوعة في الأصل كهمزة أم وأن وأو. وسيبويه مع حكمه بزيادتها يعتد بها كاعتداده بهمزة اسمع ونحوه، بحيث لا يعده رباعيّا فيعطي مضارعه من ضم الأول ما يعطي مضارع الرباعي للاعتداد بهمزته وإن كانت همزة وصل زائدة، فكذا لا يعد أداة التعريف اللام وحدها مع القول بأن همزتها همزة وصل زائدة. على أن الصحيح عندي قول الخليل (¬1) لسلامته من وجوه كثيرة مخالفة للأصل، وموجبة لعدم النظائر: أحدها: «تصدير زيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة، وهو الحرف». الثاني: «وضع كلمة مستحقة للتصدير على حرف واحد ساكن، ولا نظير لذلك». الثالث: «افتتاح حرف بهمزة وصل، ولا نظير لذلك أيضا». الرابع: «لزوم فتح همزة وصل بلا سبب، ولا نظير لذلك أيضا. واحترزت باللزوم ونفي السبب من همزة أيمن في القسم، فإنها تكسر وتفتح، وكسرها هو الأصل. وفتحت لئلا ينتقل من كسر إلى ضمتين دون حاجز حصين، ولم يضم لئلا يتوالى الأمثال المستثقلة (¬2)؛ فإن جعل سبب فتح همزة حرف التعريف طلب التخفيف لأجل كثرة الاستعمال لزم محظور آخر، وهو أن التخفيف مصلحة تتعلق باللفظ فلا يترتب الحكم عليها إلا بشرط السلامة من مفسدة تتعلق بالمعنى كخوف اللبس؛ وهو هنا لازم لأن همزة الوصل إذا فتحت التبست بهمزة الاستفهام، فيحتاج الناطق بها إلى معاملتها بما لا يليق بها من إبدال أو تسهيل؛ ليمتاز الاستفهام عن الخبر، وذلك يستلزم وقوع البدل حيث لا يقع المبدل منه؛ لأن همزة الوصل - ¬

_ - بالألف واللام، يقول في كتابه: (1/ 22): «وجميع ما لا ينصرف إذا ما أدخلت عليه الألف واللام أو أضيف انجر». وكتب بابا عنوانه: هذا باب ما يجعل من الأسماء مصدرا، كالمصدر الّذي فيه الألف واللّام نحو العراك. (الكتاب: 1/ 375). (¬1) وهو أن أداة التعريف أل كلها، وأن الهمزة فيها أصلية، أي همزة قطع مثلها في أم وأن. (¬2) في اللسان (يمن): قال ابن منظور: قال ابن الأثير: أهل الكوفة يقولون: ايمن جمع يمين القسم، والألف فيها ألف وصل تفتح وتكسر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تثبت إذا ابتدئ بغيرها، فإذا أبدلت وسهلت بعد همزة الاستفهام وقع بدلها حيث لا تقع هي، وذلك ترجيح فرع على أصل أفضى إليه القول بأن همزة أل همزة وصل زائدة فوجب اطراحه». الخامس: «أن المعهود الاستغناء عن همزة الوصل بالحركة المنقولة إلى الساكن نحو: ر زيدا والأصل ارء زيدا، فنقلت حركة الهمزة إلى الراء، واستغني عن همزة الوصل، ولم يفعل ذلك بلام التعريف المنقول إليه حركة إلا على شذوذ، بل يبتدأ بالهمزة على المشهور من قراءة ورش في مثل الآخرة (¬1)، وذلك في نحو: ر زيدا لا يجوز أصلا، فلو كانت همزة أداة التعريف همزة وصل زائدة له لم يبدأ بها مع النقل، كما لا يبدأ بها في الفعل المذكور» [1/ 285]. السادس: «أنه لو كانت همزة أداة التعريف همزة وصل لم تقطع في يا ألله، ولا في قول بعضهم: أفأ الله لأفعلن بالقطع تعويضا من حرف الجر؛ لأن همزة الوصل لا تقطع إلا في الاضطرار (¬2)، وهذا الذي ذكرته قطع في الاختيار روجع به أصل متروك؛ ولو لم يكن مراجعة أصل لكان قولهم: أفأ الله لأفعلن - أقرب إلى الإجحاف منه إلى التعويض؛ إذ في ذلك جمع بين حذف ما أصله أن يثبت وإثبات ما أصله أن يحذف، فصح أن الهمزة المذكورة كهمزة أن وأم وأو، ولكن التزم حذفها تخفيفا إذا لم يبدأ بها ولم تل همزة استفهام، كما التزم أكثر العرب حذف عين المضارع والأمر من رأى، وحذف فاء الأمر من أخذ وأكل وهمزة أم في ويلمّه». واحتج بعض النحويين لسيبويه (¬3) بأن قال: قد قيل: مررت بالرجل فتخطى العامل حرف التعريف، فلو كان الأصل أل لكان في تقدير الانفصال، وكان يجب - ¬

_ (¬1) من الآية: 94 من سورة البقرة، وكمالها: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وانظر في القراءة: تقريب النشر في القراءات العشر (ص 36) لابن الجزري. تحقيق إبراهيم عطوة (كلية اللغة العربية) طبعة مصطفى البابي الحلبي. (¬2) كقول الشاعر (من الطويل): إذا ما جاوز الإثنين سر فإنّه ... بنثّ وتكثير الوشاة قمين وقول الآخر (من الطويل): ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة ...... إلخ. (¬3) القائل بأن أداة التعريف هي الهمزة واللام معا، إلا أن الهمزة همزة وصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تقع قبل الجار كما أن الحروف التي لا تمتزج بالكلمة كذلك، ألا ترى أنك تقول: «هل بزيد مررت؟» ولا تقول: «بهل زيد مررت»؟ فلولا أن حروف التعريف بمنزلة الزاي من زيد ما تخطاه العامل. والجواب: أن تقدير الانفصال لا يترتب على كثرة الحروف، بل على إفادة معنى زائد على المعنى المصحوب، ولو كان المشعر به حرفا واحدا كهمزة الاستفهام، فإنها وإن كانت حرفا واحدا في تقدير الانفصال لكون ما تفيده من المعنى زائدا على معنى مصحوبها غير ممازج لمعنى المصحوب، وعدم تقدير الانفصال يترتب على إفادة معنى ممازج لمعنى المصحوب كـ (سوف)؛ فإنها وإن كانت على ثلاثة أحرف غير مقدرة الانفصال لكون ما تفيده من المعنى ممازجا لمعنى الفعل الذي تدخل عليه، فإنها تعينه للاستقبال وذلك تكميل لدلالته، وهكذا حرف التعريف غير مقدر الانفصال وإن كان على حرفين؛ لأن ما أفاده من المعنى مكمل لتعيين الاسم مسماه، فينزل منزلة الجزء من مصحوبه لفظا كما تنزل منزلة الجزء معنى، إلا أن امتزاج حرف التعريف بالاسم أشد من امتزاج سوف بالفعل لوجهين: أحدهما: أن معنى حرف التعريف لا يختص به بعض مدلول الاسم المقرون به، بخلاف معنى سوف؛ فإنه يختص بأحد جزأي مدلول الفعل. الثاني: أن حرف التعريف يجعل الاسم المقرون به شبيها بمفرد قصد به التعيين وضعا كالمضمر واسم الإشارة والعلم المرتجل، فلا يقدح في الامتزاج المعنوي كون أحد المتمازجين حرفين أو أكثر. وسوف وإن مازج معناها معنى مصحوبها لكن لا تجعله شبيها بمفرد قصد به وضعا ما قصد بها وبمصحوبها؛ لأن ذلك غير موجود، وقد ترتب على هذا امتناع الفصل بين حرف التعريف والمعرف به، ووقوعه بين سوف والفعل المصاحب لها كقول الشاعر: 517 - وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء (¬1) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر، قاله زهير بن أبي سلمى يهجو به جماعة ويذكر لهم أنه لا يعرف هل هم رجال أو نساء، وهذا ذم لهم وطعن في رجولتهم. وشاهده: قوله: وما أدري وسوف إخال أدري، حيث فصل بين سوف والفعل بعدها، وهذا يرجح أنهما غير ملتصقين التصاق أل بمدخولها. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفعل ذلك أيضا بقول الشاعر [1/ 286]: 518 - لقد أرسلوني في الكواعب راعيا ... فقد وأبي راعي الكواعب أفرس (¬1) أراد: فقد أفرس راعي الكواعب وحقّ أبي؛ فسكن الياء وفصل. واحتج بعضهم على الخليل بأن قال: لما كان التنكير مدلولا عليه بحرف واحد وهو التنوين كصه وصه وجب كون التعريف مدلولا عليه بحرف واحد وهو اللام؛ لأن الشيء يحمل على ضده كما يحمل على نظيره، وهذا ضعيف جدّا لأن الضدين قد يتفقان في العبارة مطلقا كصعب صعوبة فهو صعب، وسهل سهولة فهو سهل. وقد يختلفان مطلقا كشبع شبعا فهو شبعان، وجاع جوعا فهو جائع، وقد يتفقان من وجه ويختلفان من وجه كرضي رضا فهو راض، وسخط سخطا فهو ساخط، والاختلاف أولى بهما ليكون سبيلهما في المعنى واللفظ واحدا، وإن سلم حمل الشيء على ضده، فيشترط تعذر حمله على نده. وقد أمكن العمل عليه فتعيّن الجنوح إليه. ونقول: التعريف نظير التأنيث في الفرعية فاشتركا في استحقاق علامة، والتنكير نظير التذكير في الأصالة فينبغي أن يشتركا في الخلو من علامة، فإن وضع للتنكير علامة فحقها أن تنقص عن علامة التعريف تنبيها على أنه أحق بالعلامة لفرعيته - ¬

_ - والبيت في معجم الشواهد (ص 21) وشرح التسهيل (1/ 256) والتذييل والتكميل (3/ 228). (¬1) البيت من بحر الطويل لم ينسب إلى أحد سوى أن صاحب اللسان قال فيه: أنشده الأعرابي، وذكر بيتا بعده إلا أن فيه عيب الأصراف، وهو قوله: أتته ذئاب لا يبالين راعيا ... وكنّا ذئابا تشتهي أن تفرّسا وشرح صاحب اللسان البيت شرحا وافيا. اللغة: الكواعب: جمع كاعب وهي الفتاة البالغة. راعي الكواعب: وليهن الذي يقوم بأمرهن. أفرس: بالمضارع، وهو موضوع موضع الماضي فرست. المعنى: يذكر الشاعر أنهم اختاروه وليّا على بعض النساء، ولكنهم اختاروا فاجرا وخبيثا. الإعراب: راعيا: حال من مفعول أرسلوني. وأبي: الواو للقسم وأبي مقسم به مجرور، راعي الكواعب: حال من التاء المقدرة، كأنه قال فرست راعيا للكواعب (بعد أن وضع المضارع موضع الماضي) وقد يجوز أن يكون قوله: وأبي، مضافا إلى راعي الكواكب، وهو يريد به ذاته. وشاهده واضح: وهو الفصل بين قد والفعل. والبيت ليس في معجم الشواهد. وهو في شرح التسهيل (1/ 256) والتذييل والتكميل (3/ 228) وفي اللسان (مادة فرس).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصالة التنكير، وذلك موجب لكون علامة التعريف حرفين وهو المطلوب. وأيضا فإن التعريف طارئ على التنكير كطروء التثنية على الإفراد، فسوي بينهما بجعل علامة كل واحد منهما حرفين بحذف أحدهما في حال دون حال (¬1). وأيضا لما كانت من ذات حرفين ومدلولها العموم في نحو: ما فيها من رجل، وكان حرف التعريف نظيرها في العموم سوي بينهما، فكان حرف التعريف حرفين تسوية بين النظيرين (¬2). ولما كانت اللام تدغم في أربعة عشر حرفا فيصير المعرف بها كأنه من المضاعف العين الذي فاؤه همزة جعل أهل اليمن ومن داناهم بدلها ميما؛ لأن الميم لا تدغم إلا في ميم، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك. انتهى (¬3). واعلم أني إنما أوردت هذا الكلام لاشتماله على تقديرات لطيفة تشحذ ذهن الناظر وتنبهه على طرق استنباط اللطائف في هذا الفن، وأما كون الهمزة همزة قطع وصلت أو همزة وصل، وأنها هل لها مدخل مع اللام في التعريف أو لا - فهو شيء لا ينتج فائدة، ولا يترتب عليه حكم نحوي. وقد أورد الشيخ كلام سيبويه (¬4) وهو شاهد بما ذكر المصنف أنه مذهبه، ولكنه أمكن أن يكون ما ذكره المصنف عن الخليل مذهبا له، وقد رد الأوجه التي ذكرها المصنف استدلالا للخليل بما لا يقوى في النظر؛ فإن رام الناظر ذلك فليراجع كتابه، وإنما تركت إيراده خشية الإطالة (¬5). ¬

_ (¬1) حذف واحد من علامة التعريف عند الوصل وهو الألف، وحذف واحد من علامة التثنية عند الإضافة وهو النون. (¬2) هذا هو التعليل الواهي. (¬3) شرح التسهيل: (1/ 257). قال في المتن: «وتنوب الفتحة عن الكسرة في جرّ ما لا ينصرف إلا أن يضاف أو يصحب الألف واللّام أو بدلها»: وشرحه فقال: الضمير في قوله: أو بدلها عائد إلى اللام، وأشار بذلك إلى لغة من يبدلها ميما، كقول بعضهم (من الطويل): أأن شمت من نجد بريقا تألّقا ... تكابد ليل ام أرمد اعتاد أولقا أراد: ليل الأرمد. فجر أرمد بكسرة مع الميم كما يجر بها مع اللام. (¬4) التذييل والتكميل (3/ 219، 220). (¬5) وإذا كان الشارح مدح ما نقله عن ابن مالك وغيره في أل فإن أبا حيان ذم ذلك فقال: «وقد طال الكلام في أل طولا زائدا على الحد. واختلافهم فيها لا يجدي شيئا؛ لأنه خلاف لا يؤدي نطقا لفظيّا -

[أنواع أل]

[أنواع أل] قال ابن مالك: (فإن عهد مدلول مصحوبها بحضور حسيّ أو علميّ، فهي عهدية وإلّا فجنسية). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): أشرت بالحضور الحسي إلى حضور ما ذكر كقوله تعالى [1/ 287]: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (¬2)، وإلى حضور ما أبصر كقولك لمن سدد سهما: القرطاس والله، وبالحضور العلمي إلى نحو قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (¬3)، وإِذْ هُما فِي الْغارِ (¬4)، وإِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (¬5)، وإِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (¬6). ثم قلت: وإلا فجنسيّة أي: إلا يكن المدلول عليه بمصحوب الأداة معهودا بأحد الحضورين المبينين بالأداة فهي جنسية. انتهى (¬7). وعرف من كلامه أن أل قسمان: عهدية وجنسية، وأن المعهود قسمان: معهود حسا إما بالذكر أو بالأبصار. أو معهود علما والمراد به ما بينك وبين المخاطب عهد فيه. وهذا الذي ذكره المصنف من أن أل قسمان: عهدية وجنسية هو كلام أكثر النحاة، وهو مستفاد جار على ألسنة المعربين والمفسرين. وذهب أبو الحجاج يوسف بن معزوز (¬8) إلى أن أل عهدية لا غير. كذا نقل الشيخ ذلك عنه (¬9). قلت: ولا يبعد عن الصواب. - ¬

_ - ولا معنى كلاميّا، وإنما ذلك هوس وتضييع ورق ومداد ووقت تسطر فيه ذلك والخلاف إذا لم يفد اختلافا في كيفيّة تركيب أو معنى يعود إلى أقسام الكلام ينبغي ألّا يتشاغل به». (التذييل والتكميل: 3/ 230). (¬1) شرح التسهيل (1/ 257). (¬2) سورة المزمل: 15، 16. (¬3) سورة المائدة: 3. (¬4) سورة التوبة: 40. (¬5) سورة النازعات: 16. (¬6) سورة الفتح: 18. (¬7) شرح التسهيل: (1/ 258). (¬8) هو أبو الحجاج يوسف بن معزوز القيسي المرسي، عالم بالعربية من أهل الجزيرة الخضراء بالأندلس، انتقل أخيرا إلى مرسية وأقرأ بها وتوفي بها أيضا سنة (625 هـ). له: شرح الإيضاح للفارسي، والتنبيه على أغلاط الزمخشري في المفصل وما خالف فيه سيبويه. (انظر ترجمته في الأعلام: 9/ 334). (¬9) التذييل والتكميل (3/ 221).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر السكاكي (¬1) في كتابه الموسوم بالمفتاح: أن دلالة أل بالوضع إنما هي العهد لا غير وإن استفيد من الكلام غير ذلك كالاستغراق مثلا، فإنما ذلك من قرائن خارجية. وبحث ذلك وقرره أحسن تقرير، وعلى الناظر تطلبه إن رام ذلك (¬2). ثم القائلون بأنها عهدية وجنسية قالوا: يعرض للعهدية الغلبة ولمح الصفة (¬3). ويعرض للجنسية الحضور قالوا: والحضور يكون في أربعة مواضع: بعد إذا الفجائية نحو: خرجت فإذا الأسد، وبعد أسماء الإشارة نحو: مررت بهذا الرجل، وفي النداء نحو: يا أيها الرجل، وفي الزمان الحاضر نحو: الآن والساعة وما في معناهما، هكذا ذكروا. ولا يخفى أن أل لا مدخل لها في إفادة الغلبة، والذي حصلت له الغلبة إنما هو الاسم بتمامه الذي كان معرفا تعريف العهد، وكان صادقا على كل من اتصف بذلك العهد، ثم عرض له الاختصاص بأحد المدلولات من جهة الاستعمال، وإذا - ¬

_ (¬1) هو يوسف بن أبي بكر بن محمد أبو يعقوب السكاكي، من أهل خوارزم، إمام في العربية والمعاني والبيان والأدب والعروض والشعر، متكلم ثقة وهو أحد أفاضل العصر الذين سارت بذكرهم الركبان، ولد سنة (554 هـ)، وقد صنف مفتاح العلوم في اثني عشر علما أحسن فيه كل الإحسان، قال السيوطي فيه: من رأى مصنفه علم تبحره ونبله وفضله. مات بخوارزم سنة (626 هـ). انظر ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 364) معجم الأدباء (20/ 59). (¬2) قال السكاكي في معرض تعريف المسند إليه: وأما الحالة التي تقتضي التعريف باللام فهي متى أريد بالمسند إليه نفس الحقيقة كقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: 30] وكقولك: الرجل أفضل من المرأة، وكقول الشاعر (من الكامل): ولقد أمر على اللّئيم يسبّني ... فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني فعرف اللئيم، والمعنى: ولقد أمر على لئيم من اللئام، ولذلك تقدر يسبني وصفا لا حالا، أو يقصد بتعريفه العموم والاستغراق قوله عزّ وجلّ: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [العصر: 1 - 3] وقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة: 38] وقوله: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى [طه: 69] أو كان للمسند إليه حصة معهودة من الحقيقة، كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: 15، 16]. انظر: مفتاح العلوم للإمام أبي يعقوب السكاكي، طبعة مصطفى البابي الحلبي (ص 80). (¬3) مثال أل العهدية التي عرضت لها الغلبة أل التي في «البيت» المقصود به الكعبة، والتي في «النّجم» المقصود به الثريّا، و «المدينة» لطيبة، ومثال أل العهدية التي عرض لها لمح الصفة قولك: العبّاس، الضّحّاك، الحارث.

[حكم أل التي للجنس]

[حكم أل التي للجنس] قال ابن مالك: (فإن خلفها كلّ دون تجوّز فهي للشّمول مطلقا، ويستثنى من مصحوبها، وإذا أفرد فاعتبار لفظه فيما له من نعت وغيره أولى؛ فإن خلفها تجوّزا فهي [1/ 288] لشمول خصائص الجنس على سبيل المبالغة). ـــــــــــــــــــــــــــــ كان كذلك فلم يعرض للعهدية غلبة. وأما أن أل لها مدخل في لمح الصفة، فأبعد لأنها لم تفد لمح صفة، والذي لمح الصفة إنما هو المتكلم لمح ما كان عليه الاسم قبل نقله إلى العلمية، وهي حالة التنكير فأدخل أل عليه بعد العلمية لا لإفادة تعريف ولا غيره، بل شبه حاله بعد العلمية بحاله قبلها، فأجاز فيه بعد ما كان يجوز قبل، هكذا أفهم معنى قولهم: لمح الصفة. وقال الشيخ (¬1): وعن بعضهم أنها مع كونها للمح الصفة للعهد، وفيه نظر (¬2). وأما ما ذكروه من أن الجنسية يعرض لها الحضور فلم أتحققه، والذي يظهر أن أل للعهد والحضور مستفاد من الحضور، أعني من حضور من دخلت على اسمه أل بمجلس المتكلم إمّا حسّا كما في: فإذا الأسد، وبهذا الرجل، ويا أيها الرجل، وإمّا معنى كما في الآن والساعة. وكما أن العهد يتعلق بمعهود سابق هكذا يتعلق بمعهود حاضر، بمعنى أنه بسبب حضوره صار معهودا؛ لأن المراد بالمعهود تقدم شعور الذهن به قبل ذكره، ولا شك أن الحاضر حال حضوره يستشعر به الذهن، فيصير حكمه حكم من تقدم الشعور به دون حضور قبل ذكره. قال ناظر الجيش: اعلم أن أصحاب أهل المعاني (¬3) ذكروا أن أل إما أن يراد بها العهد كما في قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (¬4)، وإما أن يراد بها نفس الحقيقة كقولك: الرجل خير من المرأة، والدينار خير من الدرهم، وإما أن يراد بها الاستغراق، كقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (¬5). قالوا: وقد تأتي لتعريف شيء باعتبار عهديته في الذهن لمطابقته الحقيقة، - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 232). (¬2) النظر المذكور هو أن أل التي للعهد معرفة، وأل التي للمح الصفة زائدة. (¬3) انظر مفتاح العلوم للسكاكي (ص 80). (¬4) سورة المزمل: 15، 16. (¬5) سورة العصر: 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقولك: أدخل السوق، وليس بينك وبين مخاطبك معهود في الخارج. والحاصل: أن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لا ما يصدق عليه من الأفراد وتسمى اللام فيه لام الجنس ولام الحقيقة (¬1). قالوا: ونحوه: علم الجنس نحو أسامة، وإما فرد معين واللام فيه للعهد الخارجي (¬2)، ونحوه: العلم الخاص كزيد، وإما فرد غير معين واللام فيه للعهد الذهني (¬3)، ونحوه: النكرة كرجل، وإما كل الأفراد وهو الاستغراق (¬4). ونحوه: لفظ كل مضافا إلى النكرة، كقولنا: كل رجل. هذا كلامهم وهو أقرب إلى التحرير والضبط من الذي ذكره النحويون في هذا الفصل (¬5). وقد عرفت مختار السكاكي في المسألة، ولا شك أنه أورد ذلك في كتابه وأطال البحث فيه، والذي تلخص منه أن اللام إنما هي للعهد لا غيره. ثم العهد عنده قسمان: تحقيقي وحكمي، فالتحقيقي: نحو قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ (¬6). ونحو أن تقول: انطلق الرجل والمنطلق ذو جد. والحكمي: هو الذي تنزل منزلة الحقيقي بأحد طرق أشار إليها في كلامه. والتعريف الحقيقي عنده أحد قسمي تعريف العهد. والاستغراق إنما هو مستفاد من المقام إذا كان المقام خطابيّا على أن كلامه محتمل للبحث وبعض أدلته مخدوشة (¬7). - ¬

_ (¬1) وذلك كقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء: 30]. (¬2) وذلك كقوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: 15، 16]. (¬3) كقوله تعالى: إِذْ هُما فِي الْغارِ [التوبة: 40]. (¬4) وذلك كقول الله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1، 2]. (¬5) انظر أيضا من أنواع أل المعرفة ما ذكره في باب العلم عند شرح هذا المتن. ومثله ما قارنت الأداة نقله أو ارتجاله وفي المنقول من مجرد صالح لها ملموح به الأصل وجهان. وقال أبو حيان: وقسم بعض أصحابنا أل ستة أقسام: 1 - أن تكون لتعريف العهد في شخص أو جنس. 2 - أن تكون لتعريف الحضور. 3 - أن تكون للغلبة. 4 - أن تكون للمح الصفة. 5 - أن تكون بمعنى الذي والتي. 6 - أن تكون زائدة. (التذييل والتكميل: 3/ 235). (¬6) سورة المزمل: 15، 16. (¬7) قال السكاكي: «واعلم أن القول بتعريف الحقيقة باللام واستغراقها مشكل، فإذا قلنا: المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها وتمييزها من حيث هي هي لزم أن يكون أسماء الأجناس معارف، وهو قول لم يقل به أحد، ولزم أن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا عرفت ذلك فالمصنف قد ذكر: أن أل إما للعهد وإما للجنس، ثم شرع الآن في ذكر أنها للاستغراق. وذكر أن الاستغراق قسمان: حقيقي: وهو الذي يخلف أل فيه كلّ حقيقة، ومجازي: وهو الذي يخلفها فيه كل مجازا، فإذا كان الاستغراق حقيقيّا كانت لشمول الأفراد، ويلزم من شمول الأفراد شمول الخصائص، وإن كان الاستغراق مجازيّا كانت أل لشمول الخصائص فقط. فمثال التي يخلفها كل دون تجوز، نحو قوله تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (¬1). قال المصنف (¬2): «والمراد بكون الشمول مطلقا عموم الأفراد والخصائص بخلاف التي يخلفها كلّ على سبيل التجوز نحو: زيد الرجل، بمعنى الكامل في الرجولية الجامع لخصائصها؛ فإن هذا تجوز لأجل المبالغة، ويستعملون كلّا بهذا المعنى تابعا وغير تابع، فيقولون: زيد كلّ الرجل وزيد الرجل كل الرجل، وحكى الفراء عن العرب أطعمنا شاة كلّ شاة، والشمول الحقيقي هو الأصل، ولذلك استغنى عن قرينة ولم يستغن الثاني عنها» انتهى. وذكر المصنف: أن أل [1/ 289] إذا كانت للشمول مطلقا تختص بحكمين وهما: الاستثناء من مصحوبها، وأنه إذا كان مفردا جاز اعتبار لفظه وهو الأولى، واعتبار معناه. - ¬

_ - يكون اللام في الرجل أو نحو الضرب لتأكيد تعريف الحقيقة إذا لم يقصد العهد، وهو قول لم يقل به أحد». «وإذا قلنا: المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها حال حضورها أو تقدير حضورها لم يمتز عن تعريف العهد لوارد بالتحقيق أو بالتقدير؛ لأن تعريف العهد ليس شيئا غير القصد إلى الحاضر في الذهن حقيقة أو مجازا كقولك: جاءني رجل فقال الرجل كذا. وانطلق رجل إلى موضع كذا. والمنطلق ذو جد، وإذا قلنا: المراد بتعريف الحقيقة هو الاستغراق لزم في اللام كونها موضوعة لغير التعريف إذا تأملت، ولزم مع ذلك أن يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعا بين المتنافيين». ثم قال: «والأقرب بناء على قول بعض أئمة أصول الفقه بأن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير هو أن يقال: المراد بتعريف الحقيقة أحد قسمي التعريف، وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية إما لأن ذلك الشيء محتاج إليه على طريق التحقيق، فهو لذلك حاضر في الذهن، فكأنه معهود، أو على طريق التهكم، وإما لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم وقلما ينسى، وإما لأنه لا يغيب عن الحس فهو حاضر، وإما لأنه جار على الألسن كثيرا لوروده في الكلام، وإما لأن أسبابا في شأنه متآخذة، أو غير ذلك مما يجري مجرى هذه الاعتبارات، فتقام الحقيقة لذلك مقام المعهود ويقصد إليها بلام التعريف». (مفتاح العلوم: ص 93). (¬1) سورة النساء: 28. (¬2) شرح التسهيل (1/ 258).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمثال الاستثناء: قوله تعالى: وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (¬1)، والاستثناء مما يستدل به على أن أل للاستغراق؛ لأنها لو لم تقتض شمول الحقيقة والإحاطة بأفرادها لم يستثن الَّذِينَ آمَنُوا من المعرف بها وهو الْإِنْسانَ. وأما الحكم الثاني: وهو مراعاة اللفظ تارة والمعنى أخرى، فقد قيده بقوله: وإذا أفرد، وإنما قيده بذلك؛ لأن أل تدخل على المثنى وعلى المجموع. فمثال دخولها على المثنى قولهم: نعم الرّجلان الزّيدان. قال الشيخ (¬2): فأل فيه جنسية وقد دخلت على المثنى، ومثل الشيخ دخولها على الجمع بقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (¬3) قال: وهو كثير (¬4). ولم يظهر لي التمثيل الذي ذكره: أما نعم الرجلان فليست أل فيه للاستغراق، وإنما هي للجنس، ولا يلزم من الجنس الاستغراق (¬5). وأما الآية الشريفة وهي: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ فأل الداخلة على المؤمنين موصولة، فالعموم بالموصولية، والذي يظهر أن المصنف إنما احترز بقوله: وإذا أفرد من الجمع خاصة لا من المثنى، ومثال ذلك: أكرم الرجال، فأل فيه للاستغراق والمراد به: كل فرد، ومراعاة لفظه في نعته وغير نعته واجبة. ومثال الإفراد وقد روعي فيه اللفظ: قوله تعالى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ (¬6)، وقوله تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (¬7). ومثال الإفراد وقد روعي فيه المعنى دون اللفظ: قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ - ¬

_ (¬1) سورة العصر: 1 - 3. (¬2) التذييل والتكميل (3/ 236). (¬3) سورة المؤمنون: 1. (¬4) التذييل والتكميل (3/ 236). (¬5) انظر ما ذكره في أول الشرح لهذا الموضع من أنواع أل وأمثلته. قال: «إن المراد باسم الجنس المعرف باللام إما نفس الحقيقة لا ما يصدق عليه من الأفراد، وتسمى اللام فيه للجنس. وإما فرد معين واللام فيه للعهد، وإما كل الأفراد ولامه للاستغراق، ونحو لفظ كل مضافا إلى النكرة». (¬6) سورة النساء: 36. (¬7) سورة الليل: 15 - 18.

[أل الزائدة ومواضع الزيادة]

[أل الزائدة ومواضع الزيادة] قال ابن مالك: (وقد تعرض زيادتها في علم وحال وتمييز ومضاف إليه تمييز، وربما زيدت فلزمت، والبدلية في نحو: ما يحسن بالرّجل خير منك - أولى من النّعت والزّيادة، وقد تقوم في غير الصّلة مقام ضمير). ـــــــــــــــــــــــــــــ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ (¬1). وحكى الأخفش: أهلك النّاس الدّينار الحمر والدّرهم البيض، ومنه قولهم: ما هو من الأحد، أي من الناس، وأنشد اللحياني (¬2): 519 - وليس يظلمني في وصل غانية ... إلّا كعمرو وما عمرو من الأحد (¬3) قال اللحياني: «ولو قلت ما هو من الإنسان تريد من النّاس أصبت» (¬4). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على حكمين لأل، وهما زيادتها وأنها تقوم مقام الضمير، أما زيادتها فذكر أنها تزاد في أربعة مواضع: أحدها: في العلم: كقول الشاعر: 520 - ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر (¬5) أراد: بنات أوبر، وهو علم لضرب من الكمأة. وكقول الآخر: - ¬

_ (¬1) سورة النور: 31. (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) البيت من بحر البسيط لم ينسب فيما ورد من مراجع. اللغة: الغانية: المرأة التي تطلب ولا تطلب، أو الغنية بحسنها عن الزينة، أو الشابة العفيفة ذات زوج أم لا. من الأحد: من الناس. والمعنى: يهجو الشاعر صاحبه عمرا؛ لأنه ينافسه في حبه ويأخذ منه فتاته. وشاهده واضح من الشرح. البيت في معجم الشواهد (ص 119)، وشروح التسهيل لابن مالك (1/ 259) وللمرادي (1/ 265)، ولأبي حيان (1/ 777). (¬4) انظر فيما روي عن الأخفش واللحياني: شرح التسهيل (1/ 291)، والتذييل والتكميل (3/ 236). (¬5) البيت من بحر الكامل سبق الاستشهاد به في أول باب المعرفة والنكرة من هذا التحقيق. وشاهده هنا: زيادة أل في العلم في قوله: ولقد نهيتك عن بنات الأوبر. وانظر الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 521 - أما ودماء لا تزال مراقة ... على قنّة العزّى وبالنّسر عند ما (¬1) أراد: ونسرا وهو صنم، وكقول الآخر: 522 - باعد أمّ العمرو من أسيرها ... حرّاس أبواب على قصورها (¬2) وكقول الآخر: 523 - عوير ومن مثل العوير ورهطه ... وأسعد في ليل البلابل صفوان (¬3) [1/ 290] ثانيها: في الحال: كقراءة بعض القراء: ليخرجن الأعز منها الأذل (¬4) أي: ليخرجن الأعز منها ذليلا. وكقول بعض العرب: ادخلوا الأوّل فالأول أي: أولا فأولا ومنها قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل قاله عمرو بن عبد الجن التنوخي، كان فارسا في الجاهلية شجاعا وهو أول أبيات ثلاثة قالها مفتخرا بانتصاره، وجواب القسم في بيت الشاهد هو قوله في البيت الثالث: لقد هزّ منّي عامر يوم لعلع ... حساما إذا ما هزّ بالكفّ صمّما اللغة: قنّة العزّى: أعلاها، والعزى اسم صنم مشهور كان يعبده أهل الجاهلية، والنسر: صنم آخر. وقد جاء اسم الصنمين في القرآن. العندم: شجر يصبغ به، وقيل: هو الدم بين الأخوين. المعنى: يحلف عمرو بالدماء الغالية التي كانت تراق وتذبح على رءوس هذه الأصنام إنه كان شجاعا عند ما التقى هو وعامر للقتال والمبارزة. الإعراب: ودماء: الواو للقسم ودماء مقسم به مجرور. عند ما: منصوب على الحال من الظرف قبله، أو خبر آخر لتزال. وشاهده: زيادة أل في العلم. البيت في معجم الشواهد (ص 330) وشرح التسهيل (1/ 259) والتذييل والتكميل (3/ 237). (¬2) البيتان من الرجز المشطور وهما في الغزل، قالهما أبو النجم العجلي. والاستشهاد: قد سبق الاستشهاد بهما في باب العلم؛ لجواز دخول أل على العلم بعد افتراض تنكيره. وهنا استشهد به لنفس الغرض وهو: جواز زيادة أل في العلم. (¬3) البيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس بن حجر الكندي يمدح عوير بن شجنة بن عطارد من بني تميم من قصيدة له في الديوان (ص 83). اللغة: عوير: اسم الممدوح. رهطه: قومه وهم بنو عوف. ليل البلابل: ليل الهموم والأفكار. صفوان: علم على ممدوحه أيضا. وشاهده: زيادة أل في العلم (العوير) والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (3/ 237). (¬4) سورة المنافقون: 8. وانظر القراءة في التبيان في إعراب القرآن: (2/ 1234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 524 - دمت الحميد فما تنفكّ منتصرا ... على العدا في سبيل المجد والكرم (¬1) ثالثها: في التمييز: 525 - رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا ... صدقت وطبت النّفس يا قيس عن عمرو (¬2) ومنه الحديث: «إنّ امرأة كانت تهراق الدّماء» (¬3) والأصل: تهراق دماؤها، فأسند الفعل إلى ضمير المرأة مبالغة، وصار المسند إليه منصوبا على التمييز، ثم أدخل عليه حرف التعريف زائدة. رابعها: فيما أضيف إليه تمييز: كقول الشاعر: 526 - إلى ردح من الشّيزى ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط قال في الدرر (1/ 53): ولم أعثر على قائله. وقائله يمدح رجلا بأنه يعيش حميدا منتصرا على أعدائه مجاهدا في سبيل المجد. والشاهد فيه: زيادة أل في الحال والأصل: دمت حميدا، قال أبو حيان: وذهب بعض النحويين إلى أن الحال تكون معرفة ونكرة، فعلى مذهب هذا لا تكون أل زائدة في الحال». والبيت في معجم الشواهد (ص 368) وشروح التسهيل لابن مالك (1/ 260) وللمرادي (1/ 265)، ولأبي حيان (3/ 238). (¬2) البيت من بحر الطويل من مقطوعة قصيرة في المفضليات للتبريزي (1/ 1086) قالها راشد بن شهاب اليشكري يخاطب بها قيس بن مسعود اليشكري أيضا، وكان صديقا لرجل يدعى عمرا المذكور في البيت، وقد تركه قيس في شدة، فلما عرف أن الشاعر وقومه هم الذين قتلوه، فر عنه طيب النفس لأنه يعجز عن مقاومتهم، ومطلع هذه المقطوعة قوله: من مبلغ فتيان يشكر أنّني ... أرى حقبة تبدي أماكن للصّبر وشاهده: زيادة أل في التمييز ضرورة. قال أبو حيان: «وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيّون فيجيزون تعريف التمييز، فلا تكون أل عندهم زائدة». والبيت في معجم الشواهد (ص 173) وشروح التسهيل لابن مالك (1/ 260) وللمرادي (1/ 265). ولأبي حيان (3/ 238). (¬3) الحديث بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل (6/ 293): وأصله: عن أم سلمة زوج النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنها استفتت رسول الله في امرأة تهراق الدماء، فقال: «تنتظر قدر اللّيالي والأيّام الّتي كانت تحيضهن وقدرهنّ من الشّهر، فتدع الصّلاة، ثمّ لتغتسل ولتستثفر ثمّ تصلي». (¬4) البيت من بحر الوافر لأمية بن أبي الصلت من قصيدة يمدح فيها عبد الله بن جدعان عند ما مد للناس -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: لباب بر. وأنشد أبو علي: 527 - تولي الضّجيع إذا تنبّه موهنا ... كالأقحوان من الرّشاش المستقي (¬1) وزعم أن قائله أراد: من رشاش المستقي فزاد الألف واللام ولم يعتد بهما، فلذلك أضافة إلى ما هما فيه. قال المصنف: «وهذا الّذي ذهب إليه بعيد، ولكن يوجه البيت على أنّ قائله أراد: كالأقحوان المستقي من الرّشاش المستقي، فحذف من الأول وأبقى الثّاني دليلا عليه كما فعل من قال: 528 - تقول ودقّت صدرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرّحى المتقاعس (¬2) أراد: بعلي هذا المتقاعس بالرّحى المتقاعس ثم حذف، وهذا التوجيه نظائره - ¬

_ - موائد الفالوذج في الأبطح، وقد ختمها بقوله: وما لقيت مثلك يا ابن سعد ... لمعروف وخير مستفاد انظر القصيدة في ديوان أمية (ص 27). اللغة: ردح: جمع رداح وهي الجفنة العظيمة. الشّيزى: شجر يصنع منه القصاع والجفان. ملاء: جمع ملآنة. لباب البرّ: خياره وهو الطحين المرقق. يلبك بالشهاد: يعجن بالعسل. والشاعر يمدح صاحبه بأنه يقدم للناس والضيوف خير الطعام. والشاهد: في قوله: لباب البر، فهو تمييز مضاف إلى مميزه وحقه التنكير، فأدخل فيه أل ضرورة. والبيت في معجم الشواهد (ص 53) وشروح التسهيل لابن مالك (1/ 260) ولأبي حيان (3/ 239) وللمرادي (1/ 265). وفي الأمالي (1/ 156). (¬1) البيت من بحر الكامل من قصيدة رقيقة جدّا في الغزل للقطامي عمير بن شبيم. (انظر ديوان القطامي: ص 105 - 112). وبيت الشاهد ملفق من بيتين هما: تعطي الضّجيع إذا تنبّه موهنا ... منها وقد أمنت له من تتّقي عذب المذاق مفلجا أطرافه ... كالأقحوان من الرّشاش المستقي اللغة: الضجيع: من يضاجعها في الفراش وهو الزوج. موهنا: نصف الليل أو حين يدبر، مفلجا: الأسنان المفلجة المتسع ما بينها. وشاهده واضح من الشرح. البيت في معجم الشواهد (ص 293) وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 260). (¬2) البيت من بحر الطويل سبق الاستشهاد به في آخر باب الموصول من هذا التحقيق. وشاهده هنا: تعلق الجار والمجرور بمحذوف سابق دل عليه مذكور لاحق في قوله: أبعلي هذا بالرحى المتقاعس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كثيرة، ولا نظير لما وجّه به أبو عليّ، فلذلك لم أقل بقوله» انتهى (¬1). واعلم أن اللام في الحال وفي التمييز قد لا يعدها زائدة من أجاز تعريفهما، ولكن مذهب من أجاز التعريف فيهما غير مأخوذ فلا يعول عليه (¬2). وأشار المصنف بقوله: وربّما زيدت فلزمت - إلى نحو: اليسع والآن والذي. واعلم أن للنحاة في نحو: ما يحسن بالرجل خير منك قولين: - أحدهما: أن نحو خير منك نعت لما قبله على نية الألف واللام، وهو قول الخليل. قال سيبويه (¬3) - في باب مجرى نعت المعرفة عليها -: «ومن النّعت: ما يحسن بالرّجل مثلك أو خير منك أن يفعل ذلك. وزعم الخليل أنّه إنّما جرّ هذا على نية الألف واللّام، ولكنّه موضع لا تدخله الألف واللّام، كما كان الجمّاء الغفير منصوبا على نيّة إلقاء الألف واللّام نحو طرّا وقاطبة». قال المصنف: «فحكم الخليل في المقرون بالألف واللّام المتبع بمثلك وخير منك بتعريف المنعوت والنّعت». - القول الثاني: أن الاسم المتبع بخير منك أو مثلك نكرة، وأن الألف واللام فيه زائدة على نية الطرح، وهو قول الأخفش (¬4)، قال المصنف: «وعندي أن أسهل مما ذهبا إليه الحكم بالبدليّة، وتقرير المتبوع والتابع على ظاهرهما» انتهى (¬5). وهو تخريج حسن سهل كما قال، وليس فيه إلا أن كون البدل مشتقّا ضعيف. وكأن المصنف رأى أن القول به مع كون البدل في المشتقات ضعيفا أولى من القول بزيادة الألف واللام، ومن إجراء النكرة نعتا على المعرفة. وأما كون أل تقوم مقام الضمير: فذلك نحو: مررت برجل حسن الوجه بتنوين حسن ورفع [1/ 291] الوجه على معنى حسن وجهه، فالألف واللام عوضا عن الضمير. قال المصنف - بعد ذكر هذه الصورة - (¬6): «وبهذا التعويض قال الكوفيون وبعض - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 261). (¬2) جوز يونس والبغداديون تعريف الحال نحو جاء زيد الراكب قياسا على الخبر، وعلى ما سمع من نحو: أرسلها العراك، وجوز الكوفيون وابن الطراوة تعريف التمييز، واحتجوا بقول الشاعر: وطبت النّفس يا قيس عن عمرو (الهمع: 1/ 252). (¬3) انظر نصه في: الكتاب (2/ 13). (¬4) التذييل والتكميل (3/ 239) والهمع (1/ 81). (¬5)، (¬6) شرح التسهيل (1/ 261).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البصريين، وإن كان بعض المتأخرين قد عد هذه المسألة من مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين (¬1). وأنكر ذلك ابن خروف، وقال: لا ينبغي أن يجعل بينهما خلاف؛ لأن سيبويه قد جعل الألف واللام عوضا من الضمير في قوله في باب البدل (¬2): «ضرب زيد الظّهر والبطن» وهو يريد: ظهره وبطنه ولم يقل الظهر منه ولا البطن منه. ثم قال المصنف: «لما كان حرف التعريف مغنيا بإجماع (¬3) عن الضمير في نحو: مررت برجل فأكرمت الرجل جاز أن يغني عنه في غير ذلك لاستوائهما في تعيين الأول، ولذلك لم يختلف في جواز نحو: مررت برجل حسن وجه أبيه. واختلف في جواز نحو: مررت برجل حسن وجه أب؛ إذ ليس فيه ضمير ولا حرف تعريف، والمنع به أولى، وهو مذهب سيبويه (¬4). ومن ورود الألف واللام عوضا من الضمير قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (¬5). ذكر ذلك الأستاذ أبو الحسن بن خروف وعزاه إلى جماعة من أئمة النحو (¬6)، وعلى ذلك يحمل قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ. (¬7). وزعم أبو علي والزمخشري أن الأبواب بدل من ضمير مستكن في مفتحة (¬8)، - ¬

_ (¬1) لم يذكر الأنباري (577 هـ) هذه المسألة في كتابه المشهور: الإنصاف في مسائل الخلاف. (¬2) انظر نصه في: الكتاب (1/ 158). (¬3) في نسخة (ب): بإجماع مغنيا. (¬4) الكتاب (1/ 199). (¬5) سورة النازعات: 37 - 41. (¬6) انظر: شرح التسهيل (1/ 262). (¬7) سورةص: 50. (¬8) قال الزمخشري: «جنّات منصوبة على أنها عطف بيان لحسن مآب. ومفتّحة: حال، والعامل فيها: ما في (للمتقين) من معنى الفعل، وفي مفتحة ضمير الجنات. والأبواب: بدل من الضمير تقديره: مفتحة هي الأبواب، كقولهم: ضرب زيد اليد والرجل وهو من بدل الاشتمال، وقرئ: (جنات عدن مفتحة) بالرفع على أن جنات عدن مبتدأ ومفتحة خبره، أو كلاهما خبر مبتدأ محذوف، أي هو جنات عدن هي مفتّحة لهم» (انظر الكشاف للزمخشري: (3/ 378)، طبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1972 م). وقال أبو علي الفارسي: إن الفراء ذهب إلى أن الأبواب ترتفع بمفتحة والألف واللام خلف من الإضافة، ثم قال: وتأول ارتفاعها من هذه الجهة خطأ. فإن قلت: بما ترفع؟ فإن ارتفاعها عندي من جهتين: إحداهما أن تكون بدلا من المضمر في «مفتحة» كأنه على فتحت الجنّة أبوابها، فأبدلت الأبواب من الجنات؛ لأنها منها وبعضها كما تقول: ضرب زيد رأسه، والأخرى أن يكون الأبواب مرتفعة بمفتحة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا تكلف يوجب أن يكون الأبواب مرتفعا بمفتحة المذكورة على القول بأن العامل في البدل والمبدل منه واحد، أو بمثله مقدرا على القول بأن العامل في البدل غير العامل في المبدل منه. وعلى كل حال قد صح أن مفتحة صالح للعمل في الأبواب، فلا حاجة إلى تكلف إبدال. وأيضا فالحاجة إلى الضمير في بدل البعض كالحاجة في السببي المرفوع لما جرى على ما هو من سببه، فقد قامت الألف واللام مقام الضمير على كل تقدير. قال ابن خروف: وحمل أبو علي وغيره من المتأخرين هذا المرفوع على البدل من ضمير في الصفة، ولا يطرد لهم ذلك في مثل: مررت برجل كريم الأب، وحسن وجه الأخ، لا سبيل إلى البدل في هذا وأمثاله؛ فإذا امتنع البدل فالباب كله على ما ذهب إليه الأئمة. فقد تضمن كلام ابن خروف رحمه الله تعالى أن الحكم على المرفوع المشار إليه بغير البدل هو مذهب الأئمة. وكفى بنقله شاهدا». انتهى كلامه (¬1). وفيه مناقشتان: الأولى: للشيخ: وهي أنه قال (¬2): «هذه غفلة من المصنف يعني في قوله: إن حرف التعريف أغنى عن الضمير في نحو: مررت برجل فأكرمت الرجل، قال: فإن أل لم تغن عن الضمير في: فأكرمت الرجل، بل أل وما دخلت عليه هي التي أغنت عن الضمير وقامت مقامه، وهذا بخلاف [1/ 292] مررت برجل حسن الوجه؛ فإن أل وحدها قامت مقام الضمير» انتهى وهذه مناقشة صحيحة. الثانية: قوله في بحثه مع أبي علي والزمخشري: فلا حاجة إلى تكلف إبدال؛ فإنّ لقائل أن يقول: الموجب لأبي علي والزمخشري في القول بالبدلية - هو أنهما لا يريان إقامة أداة التعريف مقام الضمير لا أن مفتحة لا يصح عملها في الأبواب. وإذا كان كذلك فلا يتجه ما ذكره المصنف من أنه قد صح أن مفتحة صالح - ¬

_ - على نية ضمير راجع إلى الجنات محذوف كأنه في التقدير: «إن للمتقين جنّات عدن مفتحة لهم الأبواب فيها»، والتأنيث على هذا في مفتحة للأبواب دون الجنات. انظر البغداديات لأبي علي (ص 41). وانظر المسألة بالتفصيل أيضا في كتابه الإغفال (1/ 1195). (¬1) شرح التسهيل (1/ 263). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 240).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للعمل في الأبواب؛ لأنهما لا يمنعان الصلاحية، وإنما منعا ذلك للخلو من الضمير. ثم قال المصنف - بعد كلامه الذي تقدم نقله -: وقد منع التعويض بعض المتأخرين، وقال: لو كان حرف التعريف عوضا عن الضمير لم يجتمعا، إذ اجتماع العوض والمعوض عنه ممتنع. وقد اجتمعا في قول طرفة: 529 - رحيب قطاب الجيب منها رقيقة ... بجسّ النّدامى بضّة المتجرّد (¬1) والجواب من وجهين: أحدهما: أن نقول (¬2): لا نسلم أن حرف التعريف الذي في البيت عوض، بل جيء به لمجرد التعريف، فجمع بينه وبين الضمير؛ إذ لا محذور في ذلك، ونظير هذا أن التاء في وجهة لمجرد التأنيث بخلاف تاء جهة (¬3). الثاني: أن نقول: سلمنا كون حرف التعريف الذي في البيت عوضا إلا أنه جمع بينه وبين ما هو عوض منه اضطرارا كما جمع الراجز بين ياء النداء والمعوض عنه في قوله: 530 - إنّي إذا ما حدث ألمّا ... أقول يا اللهمّ يا اللهمّا (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من معلقة طرفة المشهورة، وفيه يصف قينة كانت تغنيهم وتسقيهم الخمر، يقول من بيت سابق: نداماي بيض كالنّجوم وقينة ... تروح علينا بين برد ومجسد رحيب قطاب الجيب ... الشاهد وبعده: إذا نحن قلنا اسمعينا انبرت لنا ... على رسلها مطروفة لم تشدّد ديوان طرفة (ص 181). اللغة: البرد: ثوب موشى. المجسد: ثوب كصبوغ بالزعفران. رحيب: واسع. قطاب الجيب: مخرج الرأس من الثوب. بضة المتجرد: ناعم ما يعرى من لحمها وبدنها. وطرفة يصف قينته بأفحش الأوصاف على عادته وعادة أمثاله من شعراء الجاهلية. والشاهد فيه: اجتماع العوض وهو الألف واللام في الجيب، والمعوض عنه وهو الضمير في منها، وهو قبيح؛ إذ يقبح أن تقول: زيد حسن العين منه، وقد أجيب عنه بما ذكر في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 263). ومعجم الشواهد (ص 113). (¬2) في نسخة (ب): أن يقال. (¬3) أي فإنها عوض من الواو التي هي فاء الكلمة فإن أصلها وجه. (¬4) البيتان من الرجز المشطور قالهما أمية بن أبي الصلت عند موته. وكان يقولهما أبو خراش وهو يسعى -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما يقوي كون حرف التعريف عوضا قول الشاعر في صفة صقر: 531 - يأوي إلى فئة صلفاء رائشة ... حجن المخالب لا يغتاله السّبع (¬1) أراد: حجن مخالبه، ولولا ذلك لقال: أحجن المخالب كما يقال: رجل أحمر الثياب. وأنشد الكوفيون: 532 - أيا ليلة خرس الدّجاج سهرتها ... ببغدان ما كادت إلى الصّبح تنجلي (¬2) أراد خرسا دجاجها، ولولا ذلك لقال: خرساء الدجاج كما يقال: امرأة حمراء الثياب. وإذا صح التعويض فلا يقاس عليه إلا ما سمع له نظير ولا يقدح في صحته عدم استعماله في صلة وغيرها على سبيل الاطراد، كما لا يقدح في كون تنوين حينئذ عوضا من الإضافة امتناع ذلك في إذا وغيرها من الملازمات، للإضافة لكن شرط التعويض المشار إليه أن يكون فيما يستقبح خلوه من الضمير، والألف واللام - ¬

_ - فظن أنهما له، وقد تمثل بهما النبي عليه الصلاة والسّلام، وصارا من جملة الأحاديث. انظر ذلك في: خزانة الأدب (2/ 295). اللغة: حدث: ما يحدث من أمور الدهر. ألمّا: قرب ونزل. أقول يا اللهمّ يا اللهمّا: أي: يا إلهي ارفعه واغفر لي. وشاهده: اجتماع العوض وهو الميم المشددة والمعوض عنه وهو ياء النداء ضرورة. والبيت في معجم الشواهد (ص 531) وشرح التسهيل (1/ 264). (¬1) البيت من بحر البسيط لم أقف على قائله من مراجعه القليلة. اللغة: صلفاء رائشة: قوية صلبة. حجن المخالب: معوجها، وهو حال من ضمير يأوي. وهو يصف صقرا بقوته، وأنه يذهب إلى جماعة الصقور القوية، ولا يخشى أذى من صائد أو حيوان آخر أقوى منه. وشاهده: أنه عوض أل عن ضمير الصقر، وأصله: حجن مخالبه، ولولا ذلك لقال: أحجن المخالب؛ لأنه يصف صقرا واحدا. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 264). (¬2) البيت من بحر الطويل في لسان العرب (بغدن: 1/ 318). أنشده الكسائي وفيه طويلة مكان سهرتها، وعن الصبح مكان إلى الصبح. واستشهد ابن عصفور بالبيت في المقرب (1/ 149) في موضع إيقاع الصفة للموصوف في واحد من التذكير والتأنيث، ثم قال: وأما قوله: أيا ليلة خرس الدّجاج، فخرس مفرد مخفف من خرس، يقال: ليلة خرس: إذا لم يسمع فيها صوت، وليس بجمع. والبيت في معجم الشواهد (ص 306) وشرح التسهيل: (1/ 267). والشاعر يصف ليلة طويلة صامتة ظل ساهرا فيها حتى الصباح.

[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر]

[مدلول إعراب الاسم من رفع أو نصب أو جر] قال ابن مالك: (فصل: مدلول إعراب الاسم ما هو به عمدة أو فضلة أو بينهما؛ فالرّفع للعمدة وهي مبتدأ أو خبر أو فاعل أو نائبه أو شبيه به لفظا وأصلها المبتدأ أو الفاعل أو كلاهما أصل. والنّصب للفضلة وهي مفعول مطلق أو مقيد أو مستثنى أو حال أو تمييز أو مشبه بالمفعول به. والجرّ لما بين العمدة والفضلة [1/ 293] وهو المضاف إليه. وألحق من العمد بالفضلات المنصوب في باب كان وإنّ ولا). ـــــــــــــــــــــــــــــ معا، فلا يجعل من ذلك نحو: البرّ الكرّ بستّين (¬1). لأنك لو قلت كرّ بستين فأخليته من الضمير والألف واللام معا لم يستقبح بخلاف ما تقدم. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على أقسام الكلمة وعلى الإعراب وأنواعه وعلى قسمي النكرة والمعرفة، وبوّب على أكثر المعارف وبينها - قصد أن يذكر الأحكام التي تعرض في التركيب، وقدم على الشروع في ذلك هذا الفصل لأمرين: أحدهما: تبيين العمدة من الفضلة. الثاني: التنبيه على ترتيب بعض أبواب الكتاب؛ فإنه يأتي فيها على حسب ما أورده هنا؛ ولما كان المتصف بالعمدة والفضلة إنما هو الاسم قال: مدلول إعراب الاسم ما هو أي ما الاسم به. وقال المصنف (¬2): العمدة: عبارة عما لا يسوغ حذفه من أجزاء الكلام إلا بدليل يقوم مقام اللفظ به. والفضلة: عبارة عما يسوغ حذفه مطلقا إلا لعارض. ولما كان المضاف إليه في موضع يكمل العمدة نحو: جاء عبد الله، وفي موضع يكمل الفضلة نحو: أكرمت عبد الله، وفي موضع يقع فضلة نحو: زيد ضارب عمر - حكم عليه بأنه بين العمدة والفضلة. - ¬

_ (¬1) من كلام العرب، والبر: القمح. والكر: مكيال لأهل العراق ستون قفيزا. قال ابن سيده: يكون بالمصري أربعين أردبّا. والكر: واحد أكرار الطعام. (لسان العرب: كرر: 5/ 385). (¬2) شرح التسهيل (1/ 265).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ: «الحدّ الذي ذكره للعمدة مدخول؛ لأن لنا من أجزاء الكلام ما يسوغ حذفه لدليل ولا يسمى عمدة، ولنا من أجزاء الكلام ما لا يسوغ حذفه، ولو كان عليه دليل ويسمى عمدة. فمثال الأول: الفعل؛ فإنه يسوغ حذفه لدليل ولا يسمى عمدة، ومثال الثاني: الفاعل والمفعول الذي لم يسمّ فاعله؛ فإن كلّا منهما يسمى عمدة، ولا يسوغ حذفه لدليل». قال: «وكذا حدّ الفضلة يرد عليه بعض العمد الّذي يسوغ حذفه مطلقا. فمن ذلك المبتدأ في قطع النّعت، والخبر في نحو: لولا زيد لأكرمتك» انتهى (¬1). وفيما قاله نظر: أما الدخل الذي ذكره على حد العمدة فلا يتجه. أما الشق الأول: فغير لازم؛ لأن الفعل إنما هو مقصود في مدلول إعراب الاسم. فالعمدة المحدودة أحد أقسام الاسم فلا يرد الفعل. وأما الشق الثاني: فلا يرد أيضا؛ لأن كلّا من الفاعل والمفعول الذي لم يسمّ فاعله إنما امتنع حذفه لعارض، وهو كونه يؤدي إلى بقاء حديث من غير محدّث عنه؛ والمصنف إنما حد العمدة بالنظر إلى ذاتها لا بالنظر إلى ما يعرض لها، وهذا شأن الحدود. وأما ما أورده على حد الفضلة فغير وارد؛ لأن ما مثّل به (¬2) إنما حذف دليل قام مقام اللفظ به، فهو داخل في حد العمدة ولم يدخل في حد الفضلة؛ لأنه ما ساغ حذفه مطلقا. وإذا تقرر أن الاسم بحسب مدلول إعرابه إما عمدة أو فضلة أو بين العمدة والفضلة، وقد علم أن أنواع إعرابه ثلاثة: رفع ونصب وجر، فليعلم أن الرفع للعمدة والنصب للفضلة والجر لما بينهما. وإنما كان كذلك لأن الاهتمام بالعمدة أشدّ من الاهتمام بغيره، فجعل إعرابه الرفع؛ لأن علامته الأصلية الضمة، وهي أظهر الحركات، وإنما قلنا إنها أظهر الحركات لوجهين (¬3): - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 242، 243). (¬2) وهو المبتدأ عند قطع النعت والخبر بعد أسلوب لولا. ومثال الأول: الحمد لله الحميد، ومثال الثاني: لولا زيد لأكرمتك. (¬3) انظر في ذلك: التذييل والتكميل (3/ 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أنها من الواو، ومخرجها من الشفتين، وهو مخرج ظاهر؛ بخلاف الفتحة والكسرة؛ فإنها من الألف والياء ومخرجاهما [1/ 294] من باطن الفم. والثاني: أن الضمة يمكن الإشارة إليها بالإشمام عند سكون ما هي فيه وقفا وإدغاما بخلاف غيرها. ولما كانت الكسرة تشبه الضمة جعلت علما للمضاف إليه؛ لأنه قد يكمل العمدة، ولأن الكسرة متوسطة بين الثقل والخفة، فجعلت للمتوسط بين العمدة والفضلة، ولما جعلت الضمة للعمدة، والكسرة للمتوسط بين العمدة والفضلة تعينت الفتحة للفضلة. وتبع كل واحدة من الحركات ما هو أولى بالنيابة عنها، وقد تقدم بيان ذلك في باب الإعراب. ثم إن المصنف حصر المرفوعات في خمسة أشياء: وهي: المبتدأ والخبر والفاعل ونائبه والشبيه بالفاعل، وعنى بالشبيه بالفاعل اسم كان وأخواتها وما حمل عليها، ودخل في الخبر خبر إن وأخواتها وما حمل عليها. وحصر المنصوبات في تسعة أشياء: المفاعيل الخمسة والمستثنى والحال والتمييز والمشبه بالمفعول به، وعنى بالمشبه به المنصوب في باب الصفة المشبهة باسم الفاعل. وحصر المجرورات في: المضاف إليه والمجرور بحرف داخل فيه، ولهذا سمى سيبويه حروف الجر حروف الإضافة (¬1). فجملة المرفوعات والمجرورات والمنصوبات خمسة عشر قسما. وحكم التابع حكم متبوعه كما تقرر في باب التوابع، فلا حاجة إلى ذكره (¬2). - ¬

_ (¬1) قال سيبويه تحت عنوان: هذا باب الجر: «والجر إنما يكون في كل اسم مضاف إليه، واعلم أنّ المضاف إليه ينجر بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف، وبشيء لا يكون ظرفا، وباسم لا يكون ظرفا. فأمّا الذي ليس باسم ولا ظرف فقولك: مررت بعبد الله، وهذا لعبد الله، وما أنت كزيد ...» إلخ. (الكتاب: 1/ 419). (¬2) كان الأولى أن يقول: كما سيقرر في باب التوابع؛ لأنه لم يذكره بعد؛ والذي ذكره في باب التوابع هو قوله: التابع: هو ما ليس خبرا مشاركا ما قبله في إعرابه وعامله مطلقا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكروا مرفوعين آخرين لن يتضمنهما كلام المصنف: أحدهما: الاسم المأتي به لمجرد العدد إذا كان معطوفا على غيره، أو معطوفا عليه غيره ولم يدخل عليه عامل في اللفظ ولا في التقدير نحو: واحد واثنان وثلاثة وأربعة، وكأن التركيب الذي حدث فيه بالعطف قام مقام العامل في حدوث هذه الضمة قاله الأستاذ أبو الحسن ابن عصفور (¬1). والثاني: زاده الأعلم، وهو المرفوع على الإهمال من العوامل، وجعل منه قوله تعالى: يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (¬2). وقد أجيب عنهما: أما الأول: فقال الشيخ: «الّذي ينبغي أن يذهب إليه أن هذه الحركات ليست بحركات إعراب. وإنما هي شبيهة بها، وحدثت عند حصول هذا التركيب العطفي» (¬3). وأما الثاني: «فقيل: إن إِبْراهِيمُ عليه السّلام منادى أو مفعول لـ يُقالُ، وأصله النصب؛ فلمّا بني الفعل لما لم يسم فاعله رفع وقيل فيه غير ذلك» (¬4). - ¬

_ - وهو توكيد أو نعت أو عطف بيان أو عطف نسق أو بدل. ثم شرح هذا الكلام وبين أن العامل في التابع هو العامل في المتبوع نعتا كان التابع أو غيره. (¬1) انظر المقرب في النحو له (1/ 51) قال تحت عنوان: ذكر الأماكن الّتي يدخل فيها المعرب من الأسماء والأفعال لقب من ألقاب الإعراب: أما الاسم فيرفع إذا لم يدخل عليه عامل لفظا أو تقديرا وكان مع ذلك معطوفا على غيره، أو معطوفا غيره عليه، نحو قولك: واحد واثنان إذا أردت مجرّد العدد لا الإخبار» ثم ذكر بقية الأماكن التي يرفع فيها الاسم. (¬2) سورة الأنبياء: 60، وانظر في رأي الأعلم: التذييل والتكميل (3/ 246) والبحر المحيط (6/ 324) قال أبو حيان: وذهب الأعلم إلى أنّ إبراهيم ارتفع بالإهمال؛ لأنه لم يتقدمه عامل يؤثر في لفظه؛ إذ القول لا يؤثّر إلّا في المفرد المتضمن لمعنى الجملة فبقي مهملا. والمفرد إذا ضمّ لغيره ارتفع نحو: واحد واثنان إذا عدّوا ولم يدخلوا عاملا لا في اللّفظ ولا في التقدير، وعطفوا بعض أسماء العدد على بعض» ثم قال: «والكلام على مذهب الأعلم وإبطاله مذكور في كتب النّحو». (¬3) انظر: التذييل والتكميل (3/ 245). (¬4) في البحر المحيط (6/ 324) قال أبو حيان: ارتفع إبراهيم على أنه مقدر بجملة تحكى بقال: إما على النداء أي: يقال له حين يدعى يا إبراهيم، وإما على خبر مبتدأ محذوف أي هو إبراهيم، أو على أنه مفرد مفعول لما لم يسمّ فاعله، ويكون من الإسناد للفظ لا لمدلوله، أي: يطلق عليه هذا اللفظ، وهذا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيأتي في باب ظن (¬1). وأراد المصنف بالمفعول المطلق: المصدر المؤكد والمبين للنوع أو لعدد المرات، وبالمقيد: المفعول به والمفعول فيه والمفعول له. واعلم أن النحاة اختلفوا في أن أصل المرفوعات ما هو على ثلاثة مذاهب: فقيل: المبتدأ هو الأصل وما عداه فرع. وقيل الفاعل هو الأصل وما عداه فرع. وقيل: المبتدأ والفاعل هما الأصل وما عداهما فرع عليهما، وقد أشار إليها المصنف. قال ابن الخباز (¬2): «والصّحيح أنّ الأصل الفاعل؛ لأن عامله لفظيّ وهو أقوى من المبتدأ والخبر؛ لأن عاملهما معنوي، وعامله فعل أو شبهه، فهو أقوى من خبر إنّ واسم ما، وعامله فعل حقيقيّ، فهو أقوى من اسم كان وأخواتها وعامله مبقيّ على صيغته الأصلية، فهو أقوى من الفعل الذي لم يسم فاعله [1/ 295] وأيضا - ¬

_ - الآخر هو اختيار الزمخشري وابن عطية، وهو مختلف في إجازته، فذهب الزجاج والزمخشريّ وابن خروف وابن مالك إلى تجويز نصب القول للمفرد مما لا يكون مقتطعا من جملة نحو قوله: إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة ...... إلخ ولا مفردا معناه معنى الجملة نحو: قلت خطبة، ولا مصدرا نحو: قلت قولا، ولا صفة له نحو: قلت حقّا؛ بل لمجرد اللفظ نحو: قلت زيدا، ومن النحويين من منع ذلك وهو الصحيح؛ إذ لا يحفظ من لسانهم قال فلان زيدا، ولا قال ضرب، ولا قال ليت، وإنما وقع القول في كلام العرب لحكاية الجمل. (¬1) الذي قاله الشارح في باب ظن قال: وينصب بالقول وفروعه المفرد الذي هو جملة في المعنى: كالحديث والقصّة والشّعر والخطبة فيقال: قلت حديثا وأقول قصة وهذا قائل شعرا وخطبة، وينصب أيضا بالقول وفروعه المفرد المراد به مجرد اللفظة، كقولك: قلت كلمة، ومن ذلك قوله تعالى: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ أي: يطلق عليه هذا الاسم، ولو كان يقال مبنيّا لفاعل لنصب إبراهيم، فكان يقال: يقول له الناس: إبراهيم كما يقال: أطلق الناس عليه إبراهيم. قال المصنف: وممن اختار هذا الوجه صاحب الكشاف، ورجّحه على قول من قال: التقدير: يقال له: هذا إبراهيم، أو يقال له: يا إبراهيم (انظر باب ظن في هذا الكتاب الذي بين يديك). (¬2) هو أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي بن منصور بن علي الشيخ شمس الدين بن الخباز الأربلي الموصلي النحوي الضرير، كان أستاذا بارعا علامة زمانه في النحو واللغة والفقه والعروض والفرائض. مصنفاته: صنف شرح ألفية ابن معط، وهو مخطوط مصور بدار الكتب تحت رقم (1823 نحو) وله أيضا النهاية في النحو. مات بالموصل في العاشر من رجب سنة (637 هـ). انظر ترجمته في: بغية الوعاة (1/ 304).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعامله الموصوف بالصّفات المذكورة يقتضي منصوبات كثيرة يعمل فيها، وليس كذلك بقية عوامل المرفوعات». أما عامل المبتدأ ففي غاية الضعف؛ لأنه معنوي حتى قيل: إنه لا يعمل في الحال، وإذا لم تعمل إن المكسورةفي الحال مع أنها عامل لفظي فأن لا يعمل الابتداء أولى. وأما الفعل الذي لم يسم فاعله فإنه يأخذ منصوبه فيجعل مرفوعا فتنقص منصوباته، وأما كان وأخواتها فلا تعمل في أكثر من منصوب واحد، وكذلك إن وأخواتها. وأما المنصوبات: فاتفقوا على أن المفاعيل الخمسة منها أصل، وما عداها فرع عليها ولم يتعرض المصنف للتنبيه على ذلك. وأما المجرورات: فقد علمت أنها قسم واحد، فلا يمكن فيه دعوى فرعية، بل هو أصل لم يتفرع عليه غيره، وقد ذكر ابن الخباز أن هنا في المجرورات فرعا، قال: وأصل الجرّ المضاف إليه، وينقسم إلى مجرور بحرف وإلى مجرور باسم، والأصل منهما الّذي ينجرّ بحرف لا يجوز إسقاطه، نحو: مررت بزيد، والذي ينجر بمضاف لا يجوز أن يفصل منه كقولك: غلام عمرو. والمحمول عليه الذي جرّ بحرف جرّ زائد، كقولك: ما جاءني من أحد، والّذي ينجر بمضاف يجوز أن يفصل منه، كقولك: هذا ضارب زيد وحسن الوجه، ألا ترى أنك لا تقول في الأصل مررت زيدا ولا غلام عمرا، وتقول ها هنا: ما جاءني رجل وضارب زيدا وحسن الوجه (¬1). قوله: وألحق من العمد بالفضلات ... المسألة: قال المصنف: لما تقدم أن النّصب إعراب الفضلات، وكان ما نصب في باب كان وباب إنّ وباب لا؛ عمدة لكونه أحد ركني الإسناد - نبّهت على ذلك بقولي: وألحق من العمد بالفضلات إلى آخره. انتهى (¬2). - ¬

_ (¬1) قال ابن الخباز في شرحه على ألفية ابن معط (مخطوط مصور بدار الكتب رقم 1823 نحو) (ص 40)، قال: «والجرّ من خصائص الأسماء، ويكون فيهما بشيئين: بحرف جرّ وباسم مضاف إلى اسم، والأصل حرف الجرّ؛ لأن المضاف مردود في التّأويل إليه». (¬2) شرح التسهيل (1/ 266) وهو آخر ما شرح وحقق في هذا الكتاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يقال: كان ينبغي أن يذكر مع المنصوبات الثلاثة، المنصوب في باب ظن؛ لأنه عمدة أعرب إعراب الفضلة، والدليل على أنه عمدة عند المصنف أنه يمنع حذف المفعولين أو أحدهما من غير دليل (¬1). والجواب: أنه وإن كان عمدة لكنه خرج عن حيز الإسناد إلى حيز المفاعيل صورة، فصار كأنه من قبيل الفضلات بخلاف المنصوب في الأبواب الثلاثة المذكورة؛ فإنه لم يخرج إلى حيز المفاعيل، وصورة الإسناد فيه باقية، وإذا وجد إسناد بين اسمين كانا عمدتين، فلهذا نبه عليه دون غيره (¬2). * * * ¬

_ (¬1) انظر الحديث الطويل لابن مالك في هذا أي في عدم جواز حذف المفعولين أو أحدهما من باب ظن، أو جواز ذلك في شرحه على التسهيل (2/ 73، 74) (د/ عبد الرحمن السيد، د/ بدوي المختون). وملخص ما قاله: «أنه لا يجوز حذف المفعولين أو أحدهما في باب ظن إلا بدليل قوي، وذلك مذهب سيبويه والمحققين كابن خروف وابن طاهر وأبي علي الشلوبين، وعلل عدم صحة حذف المفعولين بأن من قال: أظن أو أعلم لا فائدة فيه، بل هو بمثابة قولك: النار حارة في عدم الفائدة؛ إذ لا يخلو إنسان من ظن أو علم ما». وعلل عدم صحة حذف أحد المفعولين بأنه لا يصح أن تذكر خبرا دون مخبر عنه أو مخبرا عنه دون خبر، ثم قال: «وذهب ابن السّرّاج والسيرافي إلى جواز الاقتصار على مرفوع هذه الأفعال مطلقا، وقال: إنهما قد تبعا الأخفش في ذلك». وذكر أنهما أخطآ في فهم ما قاله في هذا الشأن. (¬2) في نسخة الأصل كتب على الهامش: «إلى هنا انتهت قراءة على مصنفه رحمه الله». وهذه الكتابة لا بد أنها من قارئ.

الباب الثاني عشر باب المبتدأ

الباب الثاني عشر باب المبتدأ (¬1) [تعريفه - نوعاه] قال ابن مالك: (وهو ما عدم حقيقة أو حكما عاملا لفظيّا من مخبر عنه، أو وصف سابق رافع ما انفصل وأغنى، والابتداء كون ذلك كذلك). قال ناظر الجيش: إنما صدر الحد بما ولم يصدره بالاسم؛ ليشمل الاسم الصريح نحو: زيد كاتب، والمؤول نحو: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (¬2). ونحو: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬3). أي صومكم خير لكم. وسواء عليهم الإنذار وعدمه. وإنما قال: أو حكما ليدخل في الحد المجرور بحرف زائد نحو: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ (¬4) فإن خالقا مبتدأ ولم يعدم عاملا لفظيّا عدما حقيقيّا؛ لكنه عدمه عدما حكميّا؛ لأن من زائدة فهي وإن [1/ 296] وجدت لفظا معدومة حكما (¬5). وقيد العامل الذي عدمه المبتدأ بكونه لفظيّا إشعارا بأن للمبتدأ عاملا معنويّا، وهو الابتداء، ولما كان ما عدم عاملا لفظيّا صالحا لتناول أسماء الأفعال ولتناول الفعل المضارع العاري من ناصب وجازم، وكان المبتدأ ينقسم إلى مخبر عنه وغير مخبر - ¬

_ (¬1) قال ناظر الجيش عند شرح قول ابن مالك: باب المستثنى: قيل: إنما عدل المصنف عن الاستثناء وإن وافق تبويب الأكثرين؛ لأنه إجراء على ما قبله من باب المفعول معه، فكما بوب لما بعد واو مع بالمفعول معه، كذلك بوب لما بعد إلا وما أشبهها بالمستثنى. ثم قال: «وأقول: إنما قال: باب المستثنى؛ لأنه يورد تراجم الأبواب على ترتيب واحد أسلف الإشارة إليه في الفصل الذي قبل باب المبتدأ حيث قال فيه: والنصب للفضلة وهي مفعول مطلق أو كذا إلى أن قال: أو مستثنى، فلا يناسب ترجمة الباب بالاستثناء؛ لأنه لم يتضمنه التقسيم المتقدم المتضمن لترتيب أبواب الكتاب، ولذلك قال في المرفوعات: باب المبتدأ ولم يقل باب الابتداء». (¬2) سورة البقرة: 184. (¬3) سورة البقرة: 6. (¬4) سورةفاطر: 3. (¬5) ومثل زيادة من في المبتدأ زيادة الباء كقول الشاعر (من الطويل): بحسبك أن قد سدت أخرم كلها ... لكل أناس سادة ودعائم وقول الآخر (من المتقارب): بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنّك فيهم غنيّ مضرّ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه ذكر مخبرا عنه والوصف المقيد منعا لدخول أسماء الأفعال والفعل المضارع وجمعا لنوعي المبتدأ. والمراد هنا بالوصف ما كان كضارب أو كمضروب من الأسماء المشتقة، وما جرى مجراها نحو: أضارب الزّيدان، وما مضروب العمران، والجاري مجراه باطراد نحو: أقرشيّ أبواك، وأقرشي قومك. وقيد الوصف بسابق احترازا من نحو: الزّيدان قائم أبواهما، وقيد أيضا برافع دون إضافة إلى فاعل؛ ليعم الوصف الرافع فاعلا والرافع مفعولا نحو: ما مضروب العمران. ونبه بقوله: ما انفصل على أن المرفوع بالوصف المذكور لا يسدّ مسد الخبر إلا إذا كان غير متصل بالوصف المذكور، أي غير مستتر، وذلك يشمل الاسم الظاهر والمضمر المنفصل. فمثال الأول قول الشاعر: 533 - أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا ... إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا (¬1) ومثال الثاني قول الآخر: 534 - خليليّ ما واف بعهدي أنتما ... إذا لم تكونا لي على من أقاطع (¬2) ومنه في أحد الوجهين قوله تعالى: أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ (¬3). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط، وهو في الغزل، ومع شهرته في هذا الباب فهو مجهول النسبة. وشاهده واضح من الشرح. وقوله: فعجيب: الفاء واقعة في جواب الشرط، وعجيب خبر مقدم، وعيش مبتدأ مؤخر، والجملة في محل جزم جواب الشرط. والبيت في معجم الشواهد (ص 380). وهو في التذييل والتكميل (3/ 253) وفي شرح التسهيل لابن مالك. ومثل الشاهد السابق قول الآخر (من الطويل): وما حسن أن يعذر المرء نفسه ... وليس له من سائر النّاس عاذر (¬2) البيت من بحر الطويل، ومع كثرة الاستشهاد به في هذا الباب فهو مجهول القائل. وقائله يذكر لصديقيه أنهما لا يرعيان حق الصداقة إلا إذا قاطعا من يقاطع وواصلا من يواصل. وشاهده: واضح من الشرح: حيث رفع الوصف ضميرا منفصلا مكتفى به عن الخبر في قوله: ما واف بعهدي أنتما. وخبر تكونا قوله: على من أقاطع. وقوله: لي تعليل يتعلق بالفعل الناقص قبله. والبيت في معجم الشواهد (ص 223) وهو في التذييل والتكميل (3/ 255) وفي شرح التسهيل (1/ 269). (¬3) سورةمريم: 46، قال أبو حيان (البحر المحيط: 6/ 159): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترز بقوله: وأغنى من أن لا يكون مغنيا نحو: أقائم أبواه زيد؛ فإن الفاعل منفصل مرتفع بوصف سابق إلا أنه غير مغن؛ إذ لا يحسن السكوت عليه، فليس مما نحن فيه، بل زيد مبتدأ وقائم خبر مقدم وأبواه مرتفع به. قال المصنف: ويجوز كون قائم مبتدأ مخبر عنه بزيد، كما قال سيبويه في: «مررت برجل خير منه أبوه، فخير منه مبتدأ وأبوه خبر مع أنّ الأول نكرة والثّاني معرفة» انتهى (¬1). ثم ها هنا تنبيهات: الأول: قال المصنف عند كلامه على الحد المذكور: «قد تقدّم ما يدلّ على أن الإخبار عن الشيء يكون باعتبار لفظه كما يكون باعتبار معناه وأن المخبر عنه بالاعتبارين يكون اسما نحو: زيد كاتب وزيد معرب، ويكون غير اسم نحو: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (¬2) فـ خَيْرٌ خبر عن أَنْ تَصُومُوا باعتبار المعنى؛ فلو قلت: أن تصوموا ناصب ومنصوب كان إخبارا باعتبار اللفظ. ومن الإخبار باعتبار المعنى والمخبر عنه في اللفظ غير اسم قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬3) أي سواء عليهم الإنذار وعدمه؛ فلهذا لم أصدر حدّ المبتدأ بالاسم لأنه بعض ما يكون مبتدأ، بل صدّرته بما عدم عاملا لفظيّا ليتناول الاسم وغيره». انتهى (¬4). أما قوله: إن الإخبار عن الشيء يكون باعتبار لفظه كما يكون باعتبار معناه، - ¬

_ - «المختار في إعرابه أن تكون راغب مبتدأ؛ لأنه قد اعتمد على أداة استفهام، وأنت فاعل سد مسدّ الخبر، ويترجح هذا الإعراب على ما أعربه الزمخشري من كون أراغب خبرا وأنت مبتدأ لوجهين: أحدهما: أن لا يكون فيه تقديم وتأخير؛ إذ رتبة الخبر أن يتأخر عن المبتدأ. والثاني: ألا يكون فصل بين العامل الذي هو راغب وبين معموله الذي هو: عن آلهتي بما ليس بمعمول للعامل؛ لأن الخبر ليس عاملا في المبتدأ بخلاف كون أنت فاعلا، فإنه معمول أراغب، فلم يفصل بين: أراغب وبين: عن آلهتي - بأجنبي، إنما فصل بمعمول له». (¬1) شرح التسهيل (1/ 269)، وكتاب سيبويه: (2/ 26). (¬2) سورة البقرة: 184. (¬3) سورة البقرة: 6. (¬4) شرح التسهيل (1/ 267).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن المخبر عنه بالاعتبارين يكون اسما فصحيح، وأما قوله: ويكون غير اسم [1/ 297] فليس بصحيح ولم يتقدم له ذلك، بل الذي تقدم نقيضه وهو أن الإخبار باعتبار المعنى يختص الاسم به، والذي يشترك الثلاثة فيه الإخبار باعتبار اللفظ، وقد تقدّم تقرير ذلك عند قوله: فالاسم كلمة يسند ما لمعناها إلى نفسها. وإنما صح الإخبار عن أَنْ تَصُومُوا ب خَيْرٌ، وعن أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ب سَواءٌ وإن لم يكونا اسمين لتأولهما بهما، ولولا التأويل لم يصح الإخبار أصلا؛ ولهذا عدلنا عن عبارته وقلنا إنما صدر الحد بما ليشمل الصريح والمؤول. الثاني: ذكر ابن عصفور (¬1): «أنّ ربّ حكمها في دخولها على المبتدأ حكم الحرف الزائد تقول: ربّ رجل عالم أفاد. فالرّجل في موضع رفع بالابتداء وهو مبتدأ وقد جرّ بحرف غير زائد. الثالث: حكم المصنف بدخول أسماء الأفعال تحت قوله: ما عدم عاملا لفظيّا؛ وهذا على ما يراه من أنها غير معمولة (¬2). الرابع: أورد الشيخ على المصنف: لا نولك أن تفعل. قال: «نولك ليس وصفا، وقد جعلوه بمنزلة أقائم الزيدان، وقد حكي نولك أن تفعل فهو من باب قائم الزيدان». انتهى (¬3). والجواب: أن هذا قليل نادر خارج عن القياس، فلهذا لم يلتفت إليه على أنه كلام محمول على معناه؛ إذ المعنى: لا ينبغي لك أن تفعل أو ينبغي لك أن تفعل إذا لم تأت بلا. - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور في شرح الجمل له (ص 528) في باب حروف الخفض (بتحقيق الشغار ويعقوب): «وينبغي أن يعلم أن الاسم المخفوض بربّ هو معها بمنزلة اسم واحد يحكم على موضعها بالإعراب فإن كان العامل الذي بعدها رافعا كانت في موضع رفع على الابتداء نحو قولك: ربّ رجل عالم قام، فلفظ رجل مخفوض بربّ، وموضعه رفع على الابتداء». وفي نفس الموضع يقول بعد كلام: «... فدلّ ذلك على أنّ ربّ كأنّها زائدة». (¬2) يرى ابن الحاجب أن لها موضعين: نصب على المصدر ورفع على الابتداء. انظر رأي ابن مالك هذا في شرحه على التسهيل. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 253).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامس: ذكر الشيخ: أنّ في رفع الوصف المذكور الضّمير المنفصل خلافا (¬1): فمذهب البصريين الجواز ومذهب الكوفيين المنع؛ فإذا قلت: أقائم أنت جعلوا قائما خبرا مقدّما وأنت مبتدأ، والبصريون يجيزون هذا الوجه، ويجيزون أن يكون أنت فاعلا بقائم. وثمرة الخلاف تظهر في التثنية والجمع: فالكوفيون لا يجيزون إلا: أقائمان أنتما وأقائمون أنتم، واحتجوا بأن هذا الوصف إذا رفع الفاعل السادّ مسد الخبر كان جاريا مجرى الفعل. والفعل لا ينفصل منه الضمير في قولك: أتقومان وأتقومون؛ فلا ينبغي أن ينفصل ما يجري مجراه، وإذا لم يجز انفصاله وجب أن يقال: أقائمان أنتما وأقائمون أنتم حتى يكون الضمير الذي في قائم متصلا به كاتصاله بالفعل في أتقومان وأتقومون إلا أن الفعل مستقل بنفسه والاسم الذي فيه ضمير متصل (¬2) غير مستقل بنفسه، ولذلك احتاج إلى رافع وهو أنتما وأنتم. والصحيح ما ذهب إليه البصريون، واستدلوا بالقياس والسماع (¬3). أما القياس: فهو أن الصفة إذا جرت على غير من هي له برز فيها الضمير المرفوع بها نحو: زيد هند ضاربها هو، بلا خلاف بين أحد من النحويين في جواز ذلك مع أنها إذ ذاك جارية مجرى الفعل، ولو وقع الفعل موقعها لم يبرز الضمير، بل كنت تقول: زيد هند يضربها، فكما خالف اسم الفاعل الفعل في هذا الموضع مع أنه جار مجراه، فكذلك لا ينكر أن يخالف اسم الفاعل الفعل بانفصال الضمير منه في: أقائم أنتما وشبهه. وأما السماع: فكقول الشاعر: «خليليّ ما واف» البيت المتقدم. وقول الآخر [1/ 298]: 535 - فما باسط خيرا ولا دافع أذى ... من النّاس إلّا أنتم آل دارم (¬4) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 254). (¬2) في التذييل والتكميل: ضمير مستتر. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 254). (¬4) البيت من بحر الطويل مجهول القائل وهو في المدح. وشاهده: إعراب كل من باسط ودافع مبتدأين لاعتمادهما على نفي، وأنتم فاعل سد مسد الخبر، وانفصال الضمير دليل على مخالفة اسم الفاعل للفعل. ولا يجوز أن يعرب الضمير مبتدأ مؤخرا حتى لا يلزم الإخبار عن ضمير الجمع بالمفرد. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السادس: إذا عطف على هذا الوصف ببل انفصل الضمير فتقول: أقائم الزّيدان بل قاعدهما. وتقول: أقائم أخواك أم قاعد، هذا القياس والوجه؛ لأن التقدير: أم قاعد أخواك وحكى أبو عثمان (¬1): أم قاعدان فأضمر على حد ما يضمر اسم الفاعل، وعلى قول الشاعر: 536 - أناسية ما كان بيني وبينها ... وتاركة عهد الوفاء ظلوم (¬2) فأيهما أعمل في ظلوم من اسمي الفاعل لزم الإضمار في الآخر منفصلا، لكن البيت جاء على ما حكاه أبو عثمان. السابع: قال الشيخ (¬3): ورد على المصنف في مسألة: أقائم أبواه زيد، وإجازته أن يكون قائم مبتدأ مخبرا عنه بزيد، فقيل: يلزم من ذلك أن يكون المبتدأ قد اشتمل متعلقه على ضمير يعود على الخبر وهو متأخر لفظا ورتبة وذلك لا يجوز. قال: وقد ذهل المصنف والرادّ عليه عن قاعدة في الباب: وهو أنّ هذا الوصف القائم مقام الفعل لا يكون مبتدأ حتّى يكون مرفوعه أغنى عن الخبر؛ لأن مرفوعه هو المحدث عنه، فلا يجتمع هو وخبره عن الوصف، وأبواه في هذه الصورة لا يغني عن الخبر؛ لأنه لا يستقلّ مع الوصف كلاما من حيث الضمير، فلا يجوز في الوصف أن يكون مبتدأ ألبتة فهو خبر مقدّم وأبواه فاعل به وزيد مبتدأ. انتهى (¬4). وما ذكره الشيخ غير ظاهر: أما قوله: إن الوصف القائم مقام الفعل لا يكون مبتدأ حتى يكون مرفوعه أغنى عن الخبر - فممنوع وإنما الشروط التي ذكرت من كون الوصف المذكور سابقا رافعا - ¬

_ - والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (3/ 255). (¬1) التذييل والتكميل (3/ 255). (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو في الغزل، وقائله مجهول، وظلوم اسم محبوبته. ويستشهد به على: أن ناسية وتاركة قد تنازعتا كلمة ظلوم، فأعمل أحد الفعلين فيها فاعلا، وأضمر في الآخر ضميرا متصلا، وكان ينبغي أن ينفصل الضمير، وجاء هذا على ما ذهب إليه المازني. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (3/ 255). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 256). (¬4) التذييل والتكميل (3/ 256).

[عامل الرفع في المبتدأ والخبر]

[عامل الرفع في المبتدأ والخبر] قال ابن مالك: (وهو يرفع المبتدأ والمبتدأ الخبر؛ خلافا لمن رفعهما به، أو بتجرّدهما للإسناد أو رفع بالابتداء المبتدأ، وبهما الخبر أو قال: ترافعا). ـــــــــــــــــــــــــــــ منفصلا مغنيا لصحة سد مرفوعه مسد الخبر. وإذا فقد بعض الشروط امتنع الاكتفاء بالمرفوع عن الخبر، وصار ذكر الخبر لازما. أما أنه يمتنع جعل الوصف حينئذ مبتدأ فلا يظهر. وإذا تقرر هذا فالإيراد الذي ذكر وهو لزوم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة - صحيح. ويبطل جعل قائم مبتدأ وزيد خبره من هذه الجهة، لا من الجهة التي أشار الشيخ إليها. إلا أن يقال: إن له موصوفا محذوفا والتقدير: إنسان قائم أبواه زيد (¬1). ويكون الضمير عائدا على إنسان، فلا يحكم إذ ذاك على ذلك بالبطلان. قوله: والابتداء كون ذلك كذلك أشار بذلك إلى ما عده عاملا لفظيّا، وبذلك إلى القيود التي قيد بها كل واحد من قسمي المبتدأ. والحاصل: أن الابتداء هو تقديم الشيء في اللفظ والنية مجردا مسندا إليه خبر، أو مسندا إلى ما يسد مسد الخبر. قال ناظر الجيش: في الرافع للمبتدأ والخبر (مذاهب ثمانية: وأرجحها أن المبتدأ مرفوع بالابتداء - والخبر مرفوع بالمبتدأ) (¬2) وهو مذهب سيبويه [1/ 299] صرح بذلك في مواضع من كتابه منها قوله (¬3): «فأمّا الّذي ينبني عليه شيء هو هو فإنّ المبنيّ يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء، وذلك قولك: عبد الله منطلق، ارتفع عبد الله؛ لأنّه ذكر ليبنى عليه المنطلق، وارتفع المنطلق لأن المبنيّ على المبتدأ بمنزلته». وعلى هذا جمهور البصريين. قال المصنف (¬4): «وهو الصّحيح لسلامته مما يرد على غيره من مواضع الصحة». وقد رد المذهب المذكور بأوجه: - ¬

_ (¬1) كلمة زيد ساقطة من الأصل. (¬2) ما بين القوسين ساقط من نسخة (ب). (¬3) كتاب سيبويه (2/ 127). وهذا المذهب قال به أيضا المبرد في كتابه (المقتضب: 4/ 12) قال: «وأما حيث كان خبرا فإنّه وقع مرفوعا بالمبتدأ كما كان المبتدأ مرفوعا بالابتداء». (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 270).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: أن المبتدأ قد يرفع فاعلا نحو: القائم أبوه ضاحك؛ فلو كان رافعا للخبر لأدى ذلك إلى إعمال عامل واحد في معمولين رفعا من غير أن يكون أحدهما تابعا للآخر، وذلك لا نظير له. الثاني: أن المبتدأ قد يكون اسما جامدا نحو زيد، والعامل إذا كان غير متصرف لم يجز تقديم معموله عليه، والمبتدأ يجوز تقديم الخبر عليه، بل يجب في بعض المواضع، فدل ذلك على أنه غير عامل فيه. الثالث: أن المبتدأ قد يكون ضميرا، والضمير لا يرفع إذا كان ضمير ما يعمل، فكيف إذا كان ضمير ما لا يعمل. قال الأبذي وابن الضائع (¬1): هذا الذي ردّ به على سيبويه لا يلزم: أما الأول: فلأن طلبه للفاعل مخالف طلبه للخبر، فقد اختلفت جهتا الطلب، ويجوز عمل رفعين أو نصبين من وجهين مختلفين؛ أما من جهة واحدة فلا. وأما الثاني: وهو أن العامل إذا لم يتصرف في نفسه لا يتصرف في معموله؛ فإنما ذلك فيما كان من العوامل محمولا على الفعل ومشبها به، والمبتدأ ليس من هذا القبيل لأن عمله متأصل؛ لأنه إنما يعمل فيه لطلبه له كما يعمل الفعل في الفاعل لطلبه له. وأما الثالث: فلا يلزم إلا لو كان المبتدأ يعمل بالحمل على الفعل أو بالنيابة منابه. وأما وهو يعمل بحق الأصالة فلا فرق فيه بين الظاهر والمضمر والجامد والمشتق، وإنما يعتبر هذا الذي ذكروه بالنسبة إلى الأفعال أو لما ينوب مناب الأفعال من الأسماء. المذهب الثاني: «أن المبتدأ والخبر كليهما مرفوعان بالابتداء» وهو قول الأخفش والرماني وابن السراج (¬2). - ¬

_ (¬1) انظر ما قالاه في: التذييل والتكميل (3/ 258) وقوله: أما الأول أي الرد على الوجه الأول، وهو أن المبتدأ قد يرفع فاعلا، وكذلك قوله: وأما الثاني، وأما الثالث. (¬2) نسب ناظر الجيش تابعا لابن مالك - لابن السراج رأيه في رافع المبتدأ والخبر بأن كليهما مرفوع بالابتداء، وهو مخالف لما ذهب إليه ابن السراج. يقول في الحديث عن المبتدأ والخبر: «وهما مرفوعان أبدا، فالمبتدأ رفع بالابتداء والخبر رفع بهما، نحو قولك: الله ربنا ومحمد نبينا» (انظر الأصول في النحو له: (1/ 63) تحقيق عبد الحسين الفتلي) وهو في (1/ 55) عند ذكر عوامل الأسماء: «قولك: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وهذا لا يصح لأربعة أوجه (¬1): أحدها: «أن الأفعال أقوى العوامل وليس فيها ما يعمل رفعين دون إتباع». الثاني: «أن المعنى الذي ينسب إليه عمل ويمنع وجوده دخول عامل على مصحوبه كالتمني والتشبيه أقوى من الابتداء؛ لأنه لا يمنع وجوده دخول عامل على مصحوبه، والأقوى لا يعمل إلّا في شيء واحد وهو الحال، فالابتداء الذي هو أضعف أحق بألّا يعمل إلا في شيء واحد». الثالث: «أن الابتداء معنى قائم بالمبتدأ؛ لأن المبتدأ مشتق منه والمشتق يتضمن معنى ما اشتق منه وتقديم الخبر على المبتدأ ما لم يعرض مانع جائز بإجماع من أصحابنا. فلو كان الابتداء عامل في الخبر لزم من جواز تقديمه على المبتدأ تقديم معمول العامل المعنوي الأضعف. وتقديم معمول العامل المعنوي الأقوى ممتنع، فما ظنك بالأضعف؟». الرابع: «أن رفع الخبر عمل وجد بعد معنى الابتداء ولفظ المبتدأ، فكان بمنزلة وجود الجزم بعد معنى الشرط والاسم الذي يتضمنه، فكما لا ينسب الجزم لمعنى الشرط بل للاسم الذي تضمنه، كذلك لا ينسب رفع الخبر للابتداء بل للمبتدأ». انتهت الأوجه التي ردّ بها المصنف هذا المذهب (¬2). ويمكن الجواب عن الأول [1/ 300] بأن الفعل لا يقتضي إلا واحدا؛ إذ لا مقتضي له غيره. وأما الابتداء فالخبر من مقتضياته؛ لأنه يقتضي مسندا ومسندا إليه، وإذا اقتضاهما صح عمله فيهما، وبمثل ذلك يجاب عن الوجه الثاني أيضا. ورد الشيخ الأوجه بما لا يقوى، فأضربت عنه خشية الإطالة (¬3). - ¬

_ - عبد الله أخوك: عبد الله مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل ابتدأته لتبني عليه ما يكون حديثا عنه، وأخوك مرتفع بأنه الحديث المبني على الاسم الأول المبتدأ». (¬1) شرح التسهيل (1/ 270). (¬2) المرجع السابق. (¬3) رد الوجه الأول: بأن بعض النحويين جعل الخبر مرفوعا بالإتباع لرفع المبتدأ. ورد الثاني: بأن التمني والتشبيه يعملان في الاسم والخبر والحال أيضا. ورد الثالث والرابع: بأن الابتداء معنى قائم بالمبتدأ والخبر معا لا بالأوّل فقط. وانظر ذلك مفصلا في التذييل والتكميل (3/ 259، 260).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذهب الثالث: وهو رأي المبرد (¬1) «أنّ الابتداء رفع المبتدأ بنفسه، ورفع الخبر بوساطة المبتدأ» ولم يذكر المصنف هذا المذهب في المتن. قال المصنف: هو أمثل من قول من قال: الابتداء رفع المبتدأ والخبر معا، وهو أيضا مردود؛ لأنه قول يقتضي كون العامل معنى متقويا بلفظ. والمعروف كون العامل لفظا متقويا بلفظ كتقوي الفعل بواو المصاحبة، أو كون العامل لفظا متقويا بمعنى كتقوي المضاف بمعنى اللام أو بمعنى من. فالقول بأن الأبتداء عامل يتقوى بالمبتدأ لا نظير له فوجب رده. وقد جعل بعضهم نظير ذلك إعمال أداة الشرط في الشرط بنفسها، وفي الجواب بواسطة فعل الشرط. وليس كما زعم لأن أداة الشرط وفعله لفظان، فإذا قوي أحدهما بالآخر لم يكن بدعا. وأما الابتداء والمبتدأ فمعنى ولفظ، فلو قوي اللفظ بالمعنى لكان قريبا بخلاف ما يحاولونه من العكس؛ فإنه بعيد ولا نظير له. المذهب الرابع: «أنّهما مرفوعان بالتجرّد للإسناد. والمراد بالتجرّد تعريتهما عن العوامل اللفظيّة» وهو مذهب الجرمي والسيرافي وكثير من البصريين (¬2). قال المصنف: وهو مردود أيضا بما رد به قول من قال: هما مرفوعان بالابتداء وفيه رداءة زائدة من ثلاثة أوجه (¬3): أحدها: أنه جعل التجرد عاملا، وإنما هو شرط في صحة عمل الابتداء، والابتداء هو العامل عند سيبويه وغيره من المحققين. والثاني: أنه جعل تجردهما واحدا؛ وليس كذلك؛ فإن تجرد المبتدأ لإسناد إليه أو لإسناده إلى ما يسدّ مسد مسند إليه، وتجرد الخبر إنما هو ليسند إلى المبتدأ؛ فبين التجردين بون فكيف يتّحدان؟ - ¬

_ (¬1) قال في المقتضب (2/ 49): «إذا قلت إن تأتني آتك؛ فتأتني مجزومة بإن وآتك مجزومة بإن وتأتني؛ ويظهر ذلك في الأسماء قولك: زيد منطلق؛ فزيد مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ معا». (¬2) التذييل والتكميل (3/ 262). (¬3) شرح التسهيل (1/ 271، 272).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أنه أطلق التجرد ولم يقيده؛ فلزم من ذلك ألا يكون مبتدأ ولا خبرا ما جر منهما بحرف جر زائد نحو: ما فيها من أحد و [نحو قول الشاعر] (¬1): 537 - [يقول إذا اقلولى عليها وأقردت ... ألا] هل أخو عيش لذيذ بدائم (¬2) قال الشيخ (¬3): «أما الوجه الأول من الثلاثة فيمكن أن ينعكس فيقال: التجرد والتعرية هو العامل والابتداء شرط في عمل التجرد». وأما الوجه الثاني: فيقال في الجواب عنه: «اتحد تجرد المبتدأ وتجرد الخبر من حيث الدلالة والاشتراك في القدر المشترك دون ما يخص كلّ واحد منهما، فليسا تجردين وإنما هما تجرد واحد». وأما الوجه الثالث: فالجواب عنه: أنه قد تقرر أن العامل الزائد كلا عامل في باب الفاعل وفي باب المبتدأ وغيرهما، فلا حاجة إلى التقييد. قال (¬4): وقد صحح ابن عصفور وبعض شيوخنا هذا المذهب، قالوا: وقد وجد التعري عاملا بشرط أن يكون المعرّى قد ركب من وجه ما حكى سيبويه (¬5): «أنّهم يقولون: واحد واثنان وثلاثة [1/ 301] وأربعة إذا عدّوا ولم يقصدوا الإخبار - ¬

_ (¬1) زيادة من عندنا. (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو في الهجاء المقذع، قال ابن منظور في لسان العرب (قرد): البيت للفرزدق يذكر امرأة إذا علاها الفحل أقرت وسكنت وطلبت أن يكون فعله متصلا، والبيت لأنه من الهجاء الشنيع حذفه محقق الديوان من شعر الفرزدق فلم أجده فيه. اللغة: اقلولى: ارتفع وعلا. أقردت: سكنت. ويستشهد بالبيت على: أن الباء قد زيدت في خبر المبتدأ، وفيه رد على أن المبتدأ والخبر مرفوعان بالتجرد. وتروى الشطرة الثانية هكذا: ألا ليت ذا العيش اللّذيذ بدائم. وشاهده: زيادة الباء في خير ليت. والبيت في معجم الشواهد (ص 394) وهو في التذييل والتكميل (3/ 262). وفي شرح التسهيل (1/ 272). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 262). (¬4) المرجع السابق، ومذهب ابن عصفور في كتابه شرح الجمل (1/ 340، 342) وقد نص على صحته واختياره. (¬5) انظر في هذا النص المسند إلى سيبويه: التذييل والتكميل (3/ 263). وقد بحثت عنه في الكتاب فلم أجده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأسماء العدد ولا عنها، فكذلك المبتدأ والخبر ارتفعا مع تركيب المبتدأ بالإخبار عنه وتركيب الخبر بالإخبار به». وذهب ابن كيسان (¬1) إلى أن هذا المذهب يفسده كون ذلك مؤديا إلى أن يكون وجود العامل أضعف من عدمه إن قدرت التعرية عن عامل نصب أو خفض؛ لأن التعرية تعمل رفعا، ووجود العامل الذي قدرت التعرية عنه يعمل نصبا أو خفضا، وعامل الرفع أقوى من عامل النصب والخفض؛ إذ قد يعمل النصب والخفض معنى الفعل وليس كذلك الرفع، وإن قدرت التعرية عن عامل رفع كان وجود العامل وعدمه سواء، وإنما ينبغي أن يكون الشيء موجودا أقوى منه معدوما. قال ابن عصفور: «وهذا باطل لأنّا لا نعني بالتعرّي أكثر من أنّ الاسم المبتدأ لا عامل له، وإنما كان يلزم ما ذكر لو قدرنا أنه قد كان له عامل ثمّ حذف» (¬2). المذهب الخامس: «أنّ المبتدأ ارتفع بالابتداء وارتفع الخبر بالابتداء والمبتدأ معا» وهو قول أبي إسحاق وأصحابه. قال الشيخ (¬3): «وقد نسب إلى أبي العبّاس» (¬4) ورد بأنه يؤدي إلى منع تقديم الخبر؛ لأنه لا يتقدم المعمول إلا حيث يكون العامل لفظا متصرفا. المذهب السادس: «أنّ المبتدأ رفع الخبر والخبر رفع المبتدأ» وهو المراد بقوله: ترافعا. وهو قول الكوفيين. قال المصنف: «وهو مردود أيضا؛ لأنه لو كان الخبر رافعا للمبتدأ كما أن المبتدأ رافع للخبر لكان لكل منهما بالتقديم رتبة أصلية؛ لأن أصل كل عامل أن يتقدم على معموله. فكان لا يمتنع: صاحبها في الدار كما لا يمتنع: في داره زيد، وامتناع الأول - ¬

_ (¬1) انظر رأي ابن كيسان في: التذييل والتكميل (3/ 263). (¬2) انظر نصه في: شرح الجمل (1/ 341). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 264). (¬4) المقتضب (4/ 126). قال: «فأمّا رافع المبتدأ فالابتداء، والابتداء والمبتدأ يرفعان الخبر». وعليه: فللمبرد ثلاثة آراء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجواز الثاني دليل على أن التقدم لا أصلية للخبر فيه». انتهى (¬1). وقد يقال: إنما كانت رتبة المبتدأ التقدم دون الخبر من جهة كونه محكوما عليه لا من جهة كونه عاملا، ويكون هذا نظير قوله تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا (¬2)؛ فكل منهما عمل في الآخر، ووجب تقديم أي من جهة أخرى غير كونها عاملة (¬3). وقال الشيخ - بعد نقل كلام بعضهم: فتلخّص عن الكوفيين مذهبان (¬4): أحدهما: أن المبتدأ رافع للخبر والخبر رافع المبتدأ مطلقا، وسواء كان في الخبر ذكر للمبتدأ أم لم يكن له ذكر. والثاني: التفصيل بين أن يكون له ذكر، فيكون المبتدأ مرفوعا بذلك الذكر، نحو: زيد ضربته - أو لا يكون فيكون مرفوعا بالخبر نحو: القائم زيد -. قال (¬5): والذي نختاره ونذهب إليه ويقتضيه النظر قول الكوفيين في أن كلّا منهما رافع الآخر (¬6)، وذلك أن كلّا منهما يقتضي الآخر فينبغي أن يكون عاملا فيه، ولأنه جار على القواعد؛ إذ أصل العمل إنما هو اللفظ ولم نجد إلا مبتدأ وخبرا ووجدناهما مرفوعين، وأمكن أن تنسب العمل لكل منهما في الآخر؛ إذ قد اختلفت جهتا الاقتضاء. كما وجدنا ذلك فيما هو متفق عليه أو كالمتفق عليه من اسم [1/ 302] الشرط وفعله، وكان في ذلك بقاء على أن العامل لفظي دون غيره. وطول الشيخ في ذلك، وأبطل ما رد به المذهب المذكور، فأضربت عنه خوف - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل. (¬2) سورة الإسراء: 110. (¬3) وهي كونها أداة شرط. (¬4) التذييل والتكميل (3/ 265). (¬5) أي أبو حيان، وانظر التذييل والتكميل له (3/ 266). (¬6) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب: الإنصاف في مسائل الخلاف: (1/ 44) المسألة الخامسة: قال أبو البركات الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أن المبتدأ يرفع الخبر والخبر يرفع المبتدأ، فهما يترافعان، وذلك نحو زيد أخوك وعمرو غلامك، وذهب البصريون إلى أن المبتدأ يرتفع بالابتداء، وأما الخبر فاختلفوا فيه: فذهب قوم إلى أنه يرتفع بالابتداء وحده، وذهب قوم إلى أنه يرتفع بالابتداء والمبتدأ معا، وذهب آخرون إلى أنه يرتفع بالمبتدأ والمبتدأ يرتفع بالابتداء ... إلخ. ثم رجح رأي البصريّين في أن العامل في المبتدأ هو الابتداء. وأما العامل في الخبر فقال فيه: والتحقيق عندي فيه أن يقال: إن الابتداء هو العامل في الخبر بوساطة المبتدأ؛ لأنه لا ينفك عنه ورتبته أن لا يقع إلا بعده؛ فالابتداء يعمل في الخبر عند وجود المبتدأ لا به كما أن النّار تسخّن الماء بواسطة القدر والحطب ... إلخ. وما اختاره هو المذهب الثالث في الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإطالة (¬1) وهذه ستة مذاهب اشتمل عليها كلام المصنف في المتن والشرح. وذكر ابن أبي الربيع (¬2) مذهبا سابعا ونسبه إلى الكوفيين: وهو أنّ الابتداء عامل في المتقدم منهما والمقدّم عامل في المؤخّر؛ فإذا قلت: زيد قائم فالابتداء عامل في المبتدأ وهو زيد، وزيد عامل في قائم، وإذا قلت: قائم زيد، فالابتداء عامل في قائم وهو الخبر، والخبر عامل في زيد. وذكر ابن عصفور مذهبا ثامنا: وهو أن المبتدأ ارتفع لشبهه بالفاعل (¬3)، ولا أعلم ما الرافع للخبر على هذا القول، والظاهر أنه المبتدأ. ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: «أما ردّ المصنف بأنهما لو كانا مترافعين لكان لكل منهما في التقديم رتبة أصلية إلى آخره - فهو منقوض باسم الشرط وفعله، فلا يلزم من ذلك أن يكون أصل كل عامل أن يتقدم على معموله». «وأما امتناع صاحبها في الدار وجواز في داره زيد فليس مبنيّا على ما ذكره المصنف من أن أصل كل عامل أن يتقدم على معموله، وإنما ذلك لأنّ وضع الخبر أن يكون ثانيا للمبتدأ لفظا أو نية لا من حيث العمل، بل من حيث ترتيب الإسناد ... فلما اتصل بالمبتدأ ضمير شيء هو في الخبر كان مفسره متأخرا عنه لفظا ونية؛ إذ وقع في موضعه ثانيا وهو أصله، فلم تجز المسألة؛ إذ ليست من المواضع المستثناة في تفسير المضمر بما بعده». «وأما جواز في داره زيد فإن مفسره وإن تأخّر لفظا فهو مقدّم رتبة؛ وفي داره وإن تقدم لفظا فهو مؤخر رتبة؛ فلما كانت النية به التأخير جاز ذلك». التذييل والتكميل (3/ 268). (¬2) هو الإمام أبو الحسين بن أبي الربيع، واسمه واسم أبيه عبيد الله بن أحمد بن عبيد الله، قرشي أموي إشبيلي، ولد في رمضان سنة (599 هـ)، وقرأ النحو على الدباج والشلوبين، وأذن له أن يتصدر لإشغاله وصار يرسل إليه الطلبة الصغار ويحصل له منهم ما يكفيه فإنه كان لا شيء له. ويروى أنه لم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه، وكانت وفاته سنة (688 هـ). مصنفاته: له الملخص في النحو وهو ملخص شرح على الإيضاح لأبي علي الفارسي، وهو مصور من المغرب على ميكروفيلم بمعهد المخطوطات العربية تحت رقم (220 نحو، مصنف غير مفهرس)، كما أن له القوانين في النحو. وشرح سيبويه وشرح الجمل في عشرة مجلدات لم يشذ عنه مسألة في العربية. وقد طبع منه جزآن بتحقيق د/ عياد الثبيثي (ترجمته في: بغية الوعاة 2/ 125). (¬3) شرح الجمل له: (1/ 230) رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة. وأبطله ابن عصفور أيضا بوجهين: الأول: «أن الشّبه معنى والمعاني كما تقدم لم يثبت لها العمل». الثاني: «أن المبتدأ والخبر أصل والفعل والفاعل فرع؛ فإذا جعلنا المبتدأ مرفوعا لشبهه بالفاعل كان فيه حمل الأصل على الفرع وهو قليل جدّا».

[الوصف الرافع للاسم وأحكامه]

[الوصف الرافع للاسم وأحكامه] قال ابن مالك: (ولا خبر للوصف المذكور لشدّة شبهه بالفعل؛ ولذا لا يصغّر ولا يوصف ولا يعرّف ولا يثنّى ولا يجمع إلّا على لغة (يتعاقبون فيكم ملائكة)، ولا يجري ذلك المجرى باستحسان إلّا بعد استفهام أو نفي؛ خلافا للأخفش، وأجري في ذلك: غير قائم ونحوه مجرى: ما قائم). قال ناظر الجيش: قد تقدم أن أحد قسمي المبتدأ وصف يرفع ما يليه ويسد مرفوعه مسد خبره وإياه عنى الآن بقوله: ولا خبر للوصف المذكور. وبين أن سبب استغنائه عن الخبر شدة شبهه بالفعل؛ لأن قولك: أضارب الزيدان بمنزلة أيضرب الزّيدان. فكما لا يفتقر أيضرب الزيدان إلى مزيد في تمام الجملة كذلك لا يفتقر ما هو بمنزلته، ولأن المطلوب من الخبر إنما هو تمام الفائدة بوجود مسند ومسند إليه، وذلك حاصل بالوصف المذكور ومرفوعه، فلم يحتج إلى خبر لا في اللفظ ولا في التقدير. ولذا خطئ من عد هذا مع المبتدآت المحذوفة الأخبار؛ لأن المبتدأ المحذوف الخبر لو قدرت له خبرا لم يلزم من تقديره ذكر ما لا فائدة فيه، وهذا بخلاف ذلك. قال الشيخ (¬1): «وكأنّ هذا التركيب - يعني أضارب الزيدان ونحوه - أخذ شبها من باب الفاعل من حيث إن فيه فاعلا مسكوتا عليه يتم الكلام به؛ ومن باب المبتدأ من حيث إنّ فيه اسما مرفوعا لم يتقدمه رافع لفظيّ؛ ولشدة شبه الوصف المذكور لم يجز تصغيره ولا وصفه ولا تعريفه ولا تثنيته ولا جمعه؛ لأن ذلك كلّه من خصائص الأسماء المحضة». قال الشيخ (¬2): وليس مختصّا بانتفاء هذه الأشياء عنه في هذا التركيب؛ بل اسم الفاعل واسم المفعول العاملان عمل الفعل حكمهما ذلك في هذا الباب وفي غيره؛ فلا يقال: أضويرب الزيدان، ولا أمضيريب العمران، ولا أضارب عاقل الزيدان، ولا آلقائم أخواك؟ (¬3). - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 271). (¬2) المرجع السابق (3/ 271). (¬3) المثال الأول فيه تصغير لاسم الفاعل، والثاني تصغير لاسم المفعول، والثالث لتعريفه بالألف واللام، وجميعها اعتمدت على استفهام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن من قال من العرب: يفعلان الزيدان ويفعلون الزيدون قال هنا: أفاعلان الزيدان، وأفاعلون الزيدون، وكأن الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر، وإلى هذا أشار بقوله: إلّا على لغة (يتعاقبون فيكم ملائكة) (¬1). وقد أشير إلى هذه اللغة في باب الإعراب وسيأتي ذكرها مستوفى في باب الفاعل إن شاء الله تعالى (¬2) [1/ 303]. والحاصل: أن الوصف المذكور إما ألا يطابق ما بعده فيتعين جعله مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد خبره كما تقدم، وإما أن يطابق في غير الإفراد نحو: أقائمان الزيدان وأقائمون الزيدون، فيجوز فيه ما جاز في القسم الأول، وذلك على اللغة التي أشار إليها المصنف. ويجوز أن يكون الوصف خبرا مقدما وما بعده المبتدأ، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجيّ هم؟» (¬3) محتمل للوجهين، وإما أن يطابق في الإفراد نحو: أقائم زيد؛ فيجوز في الوصف أن يكون مبتدأ وما بعده مرفوع به، ويجوز أن يكون خبرا مقدما وما بعده المبتدأ والوجه الأول أرجح. - ¬

_ (¬1) جزء من حديث في صحيح البخاري: (1/ 110) في: باب فضل صلاة العصر ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر. ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلّون، وأتيناهم وهم يصلّون». (¬2) قال ناظر الجيش في باب الفاعل: «إذا تقدّم الفعل على المسند إليه فاللغة المشهورة ألا تلحقه علامة تثنية ولا جمع، بل يكون لفظه قبل غير الواحد والواحدة، فلفظه قبلهما، ومن العرب من يوليه قبل الاثنين ألفا وقبل المذكرين واوا، وقبل الإناث نونا على أنها حروف مدلول بها على حال الفاعل الآتي قبل أن يأتي كما دلت تاء فعلت هند على تأنيث الفاعلة قبل أن يذكر اسمها، والعلم على هذه اللّغة قول بعض العرب: أكلوني البراغيث، وقد تكلّم بها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار». (¬3) الحديث في صحيح البخاري (1/ 2 - 4) وهو أول حديث رواه البخاري في صحيحه في باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو خبر نزول الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يتعبد في غار حراء، ثم ذهابه إلى زوجه خديجة فطمأنته وانطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان يعرف الكتب السابقة، فأخبره الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما رأى فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله: «أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: ولا يجري ذلك المجرى باستحسان إلى آخره - يريد أن الوصف المشار إليه لا يحسن عند سيبويه الابتداء به على الوجه الذي تقرر إلا بعد استفهام أو نفي. قال المصنف: وإن فعل به ذلك دون استفهام أو نفي قبح عنده دون منع. هذا مفهوم كلامه في باب الابتداء ولا معارض له في غيره، ومن زعم أن سيبويه لم يجز جعله مبتدأ إذا لم يل استفهاما ولا نفيا فقد قوّله ما لم يقل. وسرد الشيخ كلام سيبويه في باب الابتداء لينظر فيه فقال (¬1): قال سيبويه في باب الابتداء (¬2): «وزعم الخليل رحمه الله أنه يستقبح أن يقول: قائم زيد؛ وذلك إذا لم تجعل قائما مبنيّا مقدما على المبتدأ كما تؤخر وتقدم فتقول: ضرب زيدا عمرو، وعمرو على ضرب مرتفع، وكان الحد أن يكون مقدما ويكون زيد مؤخرا، وكذلك هذا الحد فيه أن يكون الابتداء فيه مقدّما، وهذا عربيّ جيد، وكذلك قولك: تميميّ أنا، ومشنوء من يشنؤك، ورجل عبد الله وخزّ صفتك. فإذا لم يريدوا هذا المعنى وأرادوا أن يجعلوه فعلا كقوله: يقوم زيد وقام زيد - قبح لأنه؛ اسم وإنما حسن عندهم أن يجري مجرى الفعل إذا كان صفة جرى على موصوف أو جرى على اسم قد عمل فيه، كما أنه لا يكون مفعولا في ضارب حتى يكون محمولا على غيره، فتقول هذا ضارب زيد وأنا ضارب زيد؛ ولا يكون ضارب زيدا على ضربت زيدا وضربت عمرا (¬3) فكما لم يجز هذا كذلك استقبحوا أن يجري مجرى الفعل المبتدأ، وليكون بين الفعل والاسم فصل وإن كان موافقا له في مواضع كثيرة، فقد يوافق الشيء الشيء ثم يخالفه؛ لأنه ليس مثله». قال المصنف - بعد تقرير مذهب سيبويه -: (¬4) وأما الأخفش فيرى ذلك حسنا، ويدل على صحة استعماله قول الشّاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 273). (¬2) نصه في الكتاب (2/ 127). (¬3) في هامش كتاب سيبويه: (2/ 126) كتب الأستاذ عبد السّلام هارون قائلا: قال السيرافي: «يريد أنّ قولك: قائم زيد قبيح إن أردت أن تجعل قائم المبتدأ وزيد خبره أو فاعله وليس بقبيح أن تجعل قائم خبرا مقدّما والنيّة فيه التأخير كما تقول: ضرب زيدا عمرو والنية تأخير زيد الذي هو مفعول وتقديم عمرو الّذي هو فاعل». (¬4) شرح التسهيل (1/ 273).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 538 - خبير بنو لهب فلا تك ملغيا ... مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت (¬1) وقول الآخر: 539 - فخير نحن عند النّاس منكم ... إذا الدّاعي المثوّب قال يا لا (¬2) فخير مبتدأ ونحن فاعل ولا يكون خير خبرا مقدما ونحن مبتدأ؛ لأنه يلزم من ذلك الفصل بمبتدأ بين أفعل التفضيل ومن، وهما كمضاف ومضاف إليه فلا يقع بينهما مبتدأ كما لا يقع بين مضاف ومضاف إليه، وإذا جعل نحن مرتفعا بخير على الفاعلية لم يلزم ذلك؛ لأن فاعل الشيء كجزء منه. قال الشيخ (¬3): «وما استدل به المصنف لا حجة فيه. أما خبير بنو لهب [1/ 304] فخبير خبر مقدم وبنو لهب مبتدأ، ولا يحتاج إلى المطابقة في الجمع؛ لأن خبيرا فعيل، ويصح أن يخبر به عن المفرد والمثنى والجمع، ولا سيما ورود ذلك في الشعر، كما أخبروا بفعول، قال الله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ (¬4). وقال بعض العرب: 540 - [نصبن الهوى ثمّ ارتمين قلوبنا ... بأعين أعداء] وهنّ صديق (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، ومع شهرته في هذا الباب فهو مجهول القائل. وقائله يمدح بني لهب، وهم حي من الأزد، بأنهم أزجر العرب للطير وأن مقالهم صادق. وشاهده: قوله: خبير بنو لهب، حيث يستدل به الأخفش والكوفيون وتبعهم ابن مالك على جواز الابتداء بالوصف دون اعتماد على نفي أو استفهام. وقد رده النحاة وأولوه، وانظر ذلك في الشرح. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 273) وهو في التذييل والتكميل (3/ 274) وفي معجم الشواهد (ص 73). (¬2) البيت من بحر الوافر، قال صاحب الدرر: (1/ 157) وصاحب معجم الشواهد: هو لزهير ابن مسعود الضبي وهو في الفخر. اللغة: المثوب: الذي يدعو الناس لينصروه، ومنه التثويب في الأذان أي إعادة بعضه. يا لا: أي يا لبني فلان ويقولها المستغيث. والشاهد في البيت: قوله: فخير نحن، وفيه كلام طويل مذكور في الشرح. والبيت في معجم الشواهد (ص 279) وهو في التذييل والتكميل (3/ 274) وفي شرح التسهيل (1/ 273). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 274). (¬4) سورة المنافقون: 4. (¬5) بيت من بحر الطويل من قصيدة لجرير بن عطية الخطفي يمدح فيها الحجاج بن يوسف، منها هذا البيت المشهور: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله (¬1): فخير نحن، فخير خبر مقدم ونحن مبتدأ، وعلى ما اخترناه من مذهب الكوفيين: أن الخبر هو رافع المبتدأ، فالمبتدأ معمول له كما أن من الداخلة على المفضل عليه متعلقة به. فلم يفصل بينهما بأجنبيّ، وليس أفعل ومن كمضاف ومضاف إليه؛ لأنه لو كان كذلك لما جاز الفصل بينهما بالتمييز وبالفاعل وبالظرف وبالمجرور. ولو سلمنا أن المبتدأ ليس معمولا للخبر لما ضرّ هذا الفصل لأنه وقع في الشّعر. وأيضا قد خرّج ابن خروف قوله: نحن - على أنه تأكيد للضمير المستكن في قوله: فخير، وخير خبر مبتدأ محذوف، التقدير: فنحن خير نحن كما تقول: أنت قائم أنت» انتهى (¬2). قال المصنف رحمه الله تعالى (¬3): «والكوفيون كالأخفش في عدم اشتراط الاستفهام والنفي في الابتداء بالوصف المذكور، إلا أنهم يجعلونه مرفوعا بما بعده، وما بعده مرفوعا به على قاعدته ويوافقونه في التزام إفراده وتجرده من ضمير، ويجيزون أيضا إجراءه مجرى اسم جامد فيطابق ما بعده، ويجيزون أيضا جعله نعتا معنويّا مطابقا للآخر في إفراده وتثنيته وجمعه، ولا بد حينئذ من كون النعت مطابقا ويسمونه خلفا» (¬4). وأطلق المصنف الاستفهام ولم يخص همزة ولا غيرها ليعلم أن أدوات الاستفهام متساوية في تصحيح الابتداء بالوصف المذكور على الوجه المذكور؛ فكما يقال: أقائم الزيدان يقال: هل معتق العبدان، وما صانع العمران، ومن خاطب البكران، - ¬

_ - ومن يأمن الحجّاج أمّا عقابه ... فمرّ وأمّا عقده فوثيق انظر ديوان جرير (ص 397). وأنشده الأشموني: (1/ 192) برواية أخرى وهي قوله: هنّ صديق للّذي لم يشب، والذي ورد في الشرح هو قوله: هن صديق، وهو الجملة الأخيرة من البيت، ولكن قول الشارح: وقال بعض العرب - ينفي أنه بيت شعر، وقد احتسبناه شعرا لوروده في بيتين. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في: التذييل والتكميل (3/ 274) وفي معجم الشواهد (ص 246) بإنشاد جرير. (¬1) الكلام لأبي حيان أيضا (انظر التذييل والتكميل: 5/ 275). (¬2) المرجع السابق. (¬3) شرح التسهيل (1/ 274). (¬4) مع شهرة هذه المسألة في النحو وفي باب المبتدأ والخبر في الخلاف بين البصريين والكوفيين، إلا أنها لم تذكر في كتاب الإنصاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومتى ذاهب العمران، وأين جالس صاحبك، وكيف مصبح ابناك، وكم ماكث صديقاك، وأيّان قادم رفيقاك. وكما أطلق الاستفهام أطلق النفي؛ ليتناول كل ناف يصلح لمباشرة الأسماء، وذلك ما ولا وإن إلا (إن) ليس يرتفع الوصف بعدها على أنه اسمها ويرتفع به ما يليه فيسد مسد خبرها، كما يسد مسد خبر المبتدأ، وكذلك الحكم بعد ما إن جعلت حجازية ولم ينتقض النفي فإن جعلت تميمية أو انتقض النفي، فالوصف بعدها مبتدأ والمرفوع بعده ساد مسد خبر المبتدأ، مثال ذلك بعد ليس: ليس قائم الزيدان، وليس منطلق إلا العمران، ومثال ذلك بعد ما: ما ذاهب عبداك وما مقيم إلا أخواك. قوله: وأجري غير قائم إلى آخره - إشارة إلى أنه إذا قصد النفي بغير مضافا إلى الوصف فيجعل غير مبتدأ ويرفع ما بعد الوصف به، كما لو كان بعد نفي صريح ويسد مسد خبر المبتدأ. وعلى ذلك وجه ابن الشجري (¬1) قول الشاعر [1/ 305]: 541 - غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهمّ والحزن (¬2) - ¬

_ (¬1) هو أبو السعادات هبة الله بن علي بن محمد بن علي، ويمتد نسبه حتى يصل إلى جعفر بن الحسن ابن علي بن أبي طالب، ولقب بابن الشجري من قبل أمه، وقيل: لأنه كان في بيته شجرة ليس في البلد غيرها، ولد في بغداد سنة (450 هـ)، قال السيوطي فيه: كان أوحد زمانه وفريد أوانه في علم العربية ومعرفة اللغة وأشعار العرب وأيامها وأحوالها متضلعا من الأدب كامل الفضل. مصنفاته: صنف الأمالي الشجرية، وهو كتاب عظيم في الأدب والنحو واللغة، حققه في ثلاثة أجزاء د/ الطناحي، كما أن له مختارات وهو الحماسة ضاهى به حماسة أبي تمام، وله شرح اللمع لابن جني، وشرح التصريف الملوكي، وله ما اتفق لفظه واختلف معناه. توفي سنة (542 هـ). ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 324)، نزهة الألباء (ص 404). (¬2) البيت من بحر المديد، نسبته مراجع كثيرة لأبي نواس، وذكرت بعده بيتا آخر وهو: إنما يرجو الحياة فتى ... عاش في أمن من المحن وقد بحثت عنه في طبعات ديوان أبي نواس المختلفة فلم أجده. وكيف يكون لأبي نواس وهو شكوى وضجر من الحياة وأبو نواس كان غير ذلك. وفي البيت يقول ابن الشجري: (الأمالي (1/ 47) تحقيق د/ الطناحي): فإن قيل: بما يرتفع غير؟ فأقول: إن قوله: مأسوف مفعول من الأسف وهو الحزن، وعلى متعلق به كقولك: أسفت على كذا أسفا وحزنت عليه حزنا، وموضع قوله: بالهم - نصب على الحال، والتقدير: ينقضي مشوبا بالهم، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 542 - غير لاه عداك فاطّرح الله ... وو لا تغترر بعارض سلم (¬1) وعلى زمن في البيت الأول في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله، وقد أغنى عن الخبر؛ لأن المعنى: ما مأسوف على زمن نحو: ما مضروب الزيدان. ولابن جني في البيت المذكور حين سأله عنه عالي (¬2) ولده - ارتباك وخرجه على حذف المبتدأ وإقامة صفته مقامه وإيقاع الظاهر موقع المضمر لحذف الظاهر المبتدأ، والتقدير: زمان ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه (¬3). ولابن الحاجب فيه كلام طويل وترديد، وخرجه على الوجه الذي ذكره ابن جني (¬4). ¬

_ - وغير رفع بالابتداء، ولما أضيف إلى اسم المفعول، وهو مسند إلى الجار والمجرور استغنى المبتدأ عن خبر كما استغنى قائم ومضروب في قولك: أقائم أخواك وما مضروب غلاماك - عن خبر. والبيت في: التذييل والتكميل (2/ 36) وفي معجم الشواهد (ص 400). (¬1) البيت من بحر الخفيف، وهو في النصح والإرشاد وبخاصة للزعماء، ومع دقة معناه فهو مجهول القائل. اللغة: لاه: من اللهو وهو اللعب. عداك: أعداؤك. بعارض سلم: أي بصلح عارض. ومعناه من قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء: 71]. ويستشهد به على: إجراء غير مجرى ما في النفي، فيرفع الاسم الذي بعد المضاف إليها على أنه فاعل به سد مسد خبرها. والبيت في: التذييل والتكميل (3/ 277) وفي معجم الشواهد (ص 377). (¬2) هو عالي بن عثمان بن جني البغدادي أبو سعد، كان مثل أبيه نحويّا أديبا حسن الخط جيد الضبط، تصدر للتدريس بمدينة صور وتوفي سنة (458 هـ). انظر في ترجمته: بغية الوعاة (2/ 24)، معجم الأدباء (12/ 39). (¬3) انظر في تخريج رأي ابن جني التذييل والتكميل (3/ 278). (¬4) قال ابن الحاجب في أماليه بعد أن أنشد البيت المذكور: «لا يصح أن يكون (غير) له عامل لفظي، وإذا لم يكن له عامل لفظي فإما أن يكون مبتدأ وإما أن يكون خبرا، ولا يصح أن يكون مبتدأ لأنه لا خبر له؛ لأن الخبر إما أن يكون ثابتا أو محذوفا، الثابت لا يستقيم؛ لأنه إما على زمن وإمّا ينقضي، وكلاهما مفسد للمعنى، وإن جعل الخبر محذوفا لم يستقم لأمرين: أنا قاطعون بنفي الاحتياج إليه، وأنه لا قرينة تشعر به، ومن شرط صحة حذف الخبر وجود القرينة. وإن جعل خبر مبتدأ لم يستقم أيضا؛ لأن حذف المبتدأ مشروط بقرينة ولا قرينة، وأنه لا بد من ضمير يعود منه إلى المبتدأ؛ لأنه بمعنى تغيير ولا ضمير فيه». ثمّ قال: -

[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

[حذف الخبر جوازا ووجوبا ومسائل ذلك] قال ابن مالك: (ويحذف الخبر جوازا لقرينة، ووجوبا بعد لولا الامتناعيّة غالبا، وفي قسم صريح، وبعد واو المصاحبة الصّريحة، وقبل حال إن كان المبتدأ أو معموله مصدرا عاملا في مفسّر صاحبها أو مؤوّلا بذلك). قال ناظر الجيش: قد يحذف المبتدأ والخبر إذا دل الدليل عليه، وقد تكلم المصنف على حذف كل منهما، وبدأ بالكلام على حذف الخبر، وحذفه قسمان: جائز وواجب: وضابط الجائز: أن يدل على ذلك الخبر دليل دون أن يحل محل المحذوف غيره، فيسد مسده، ومن القرائن الدالة: الاستفهام عن المخبر عنه كقولك: زيد لمن قال: من عندك، أي زيد عندي، والعطف عليه نحو: زيد قائم وعمرو أي: وعمرو كذلك. قال المصنف: ومن الحذف الجائز الحذف بعد إذا المفاجأة نحو: خرجت فإذا السّبع. والحذف بعد إذا قليل، ولذلك لم يرد في القرآن مبتدأ بعد إذا إلا وخبره ثابت، كقوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (¬1)، فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ (¬2)، فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ (¬3)، فَإِذا هُمْ قِيامٌ (¬4). قال الشيخ (¬5): «ليس الخبر محذوفا في مثل: فإذا السبع، بل إذا ظرف مكان وهي الخبر، والتقدير: وبالحضرة السّبع أي: فبالمكان الذي أنا حاضر فيه السّبع. - ¬

_ - وأولى ما يقال فيه: «إنه أوقع المظهر موقع المضمر حين حذف المبتدأ من أول الكلام فكأن التقدير: زمان ينقضي بالهم والحزن غير متأسف عليه. فلما حذف المبتدأ من غير قرينة تشعر به أتى به ظاهرا مكان المضمر، فصارت العبارة كذلك». ثم قال: «ويحتمل أن يقال: إنهم استعملوا (غير) بمعنى لا، فكأنه قال: لا تأسف على زمن هذه صفته، وإعرابه كإعراب: أقلّ رجل يقول ذلك، فهذا مبتدأ لا خبر له؛ لأنه في معنى: ما رجل يقول ذلك». وصار هذا مثل أقائم الزّيدان في أنه مبتدأ لا خبر له في اللفظ والتقدير، وإنما استقام؛ لأن معناه يقوم الزّيدان». انتهى باختصار. انظر أمالي ابن الحاجب (2/ 637 - 638) تحقيق فخر صالح قدارة. (¬1) سورةطه: 20. (¬2) سورة الشعراء: 33. (¬3) سورةيس: 53. (¬4) سورة الزمر: 68. (¬5) التذييل والتكميل (3/ 279).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى إلى آخر ما ذكر مما جاء في القرآن العزيز فإنّما لم يحذف الخبر لكونه لا يدلّ على حذفه دليل ولم يمكن جعل إذا في الآيات خبرا؛ لأن المقصود الإخبار عن المبتدأ الّذي بعد إذا بأشياء لم تكن معلومة للسّامع إلّا من ذكر الخبر، قال: وإنما بنى المصنف على ما اختاره هو من كون إذا الفجائية حرفا، فلا يصحّ أن يكون خبرا». انتهى. وسيأتي الكلام على (إذا) المشار إليها في باب الظروف، لكن نشير إلى ذلك الآن ملخصا: اعلم أنهم اختلفوا فيها: هل هي اسم أو حرف: فمذهب الفراء وهو رأي المصنف ونسبه إلى الأخفش أنها حرف، وذهب غيرهم إلى أنها اسم، ثم اختلفوا؛ فالأكثرون على أنها ظرف مكان. قال الشيخ: «وهو ظاهر كلام سيبويه وهو الذي تلقّيناه من الشيوخ» (¬1). وقيل: إنّها ظرف زمان، واختلف إذا كانت ظرفا: هل يلزم الإضافة [1/ 306] إلى جملة أو لا. وإذا تقرر هذا فلا يخلو إما أن يذكر بعدها مبتدأ فقط أو مبتدأ وخبر: فإن ذكر بعدها مبتدأ فقط وقلنا بأنها حرف أو اسم وتلزم الإضافة إلى جملة - لزم أن يكون الخبر محذوفا، والتقدير: فإذا السّبع حاضر أو موجود. وعلى القول بأنه لا يلزمها الإضافة إلى جملة إذا كانت اسما وقلنا: إنها ظرف مكان - كانت خبرا عما بعدها حدثا كان أو جثة، وإن قلنا: إنها ظرف زمان كانت خبرا عما بعدها إن كان حدثا نحو: خرجت فإذا القتال. وإلا فالخبر محذوف إن كانت جثة وهو العامل في إذا. وإن ذكر بعدها مبتدأ وخبر فعلى القول بالحرفية ظاهر، وعلى القول بالاسمية هي معمول بالخبر، ويجوز حينئذ نصب الخبر المذكور وجعل إذا خبرا عن المبتدأ الذي بعدها حدثا كان أو جثة إن قلنا: إنها ظرف مكان وحدثا خاصة إن قلنا: إنها ظرف زمان. وأما الحذف الواجب: فضابطه أن يدل عليه دليل، ويسد غيره مسده، وهو محصور في أربعة مواضع: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 280).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: خبر المبتدأ الواقع بعد لولا الامتناعية أي التي تدلّ على امتناع الشيء لوجود غيره، ولو ما أختها. قال المصنف (¬1): «وإنما وجب حذف الخبر بعد لولا؛ لأنه معلوم بمقتضى؛ لولا إذ هي دالة على امتناع لوجود (¬2)، والمدلول على امتناعه هو الجواب والمدلول على وجوده هو المبتدأ، فإذا قيل: لولا زيد لأكرمت عمرا لم يشك في أنّ المراد أن وجود زيد منع من إكرام عمرو، فصحّ الحذف لتعين المحذوف، ووجب لسدّ الجواب مسدّه وحلوله محلّه» انتهى (¬3). واعلم أن الأكثرين أطلقوا القول بوجوب حذف الخبر في هذه الصورة، وأن بعضهم وتبعه المصنف فصل فقال (¬4): قد يكون الحذف واجبا وقد يكون ممتنعا وقد يكون جائزا؛ وذلك لأن الوجود الذي امتنع له جواب لولا إما أن يكون كونا مطلقا، أو كونا مقيدا؛ وإذا كان مقيدا فقد لا يدل عليه دليل وقد يدل؛ ففي الصورة الأولى يجب الحذف نحو: لولا زيد سالمنا ما سلم، ولولا عمرو عندنا لهلك، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأسّست البيت على قواعد إبراهيم» (¬5). وفي الصورة الثالثة يجوز الإثبات والحذف، نحو: لولا أنصار زيد حموه لم ينج؛ فحموه خبر مفهوم المعنى فيجوز إثباته وحذفه. ومن هذا القبيل قول المعري في صفة سيف: 543 - [يذيب الرعب منه كلّ عضب] ... فلولا الغمد يمسكه لسالا (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 276). (¬2) كلمة لوجود من شرح التسهيل: وفي نسخ المخطوطة لثبوت، والأول أولى لشهرته. (¬3) المرجع المذكور في الهامش قبل السابق. (¬4) المرجع السابق. (¬5) الحديث بنصه في صحيح البخاري: (2/ 146) في كتاب الحج في باب فضل مكة وبنيانها. وأصله: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لها: «ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم؟» فقلت: يا رسول الله ألا تردها على قواعد إبراهيم، قال: «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت». (¬6) البيت من بحر الوافر، من قصيدة طويلة لأبي العلاء المعري في الغزل والمدح والوصف. انظر شروح سقط الزند (ص 104) القصيدة الأولى. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف - بعد تقرير هذا التفصيل - (¬1): وهذا الّذي ذهبت إليه هو مذهب الرمّاني والشّجري والشّلوبين (¬2)، وغفل عنه أكثر النّاس، قال: ومن ذكر الخبر بعد لولا قول أبي عطاء السّندي (¬3): 544 - لولا أبوك ولولا قبله عمر ... ألقت إليك معدّ بالمقاليد (¬4) يعني أن الامتناع في البيت المذكور لوجود مقيد؛ فلهذا ذكر الخبر، ولم ينبه المصنف على مراده بقوله: غالبا. وقال الشيخ (¬5): سقط (غالبا) من بعض النّسخ وهو أجود؛ لأن الوجوب [1/ 307] والغلبة لا يجتمعان؛ إذ الغلبة تقتضي الجواز وهو مناف للوجوب - أعني الجواز بمعنى: التّخيير. انتهى. و (غالبا): ثابت في أكثر النسخ وفي الأصل الذي قرأت وصححته على نسخة الشيخ، ويشهد لصحته هنا قوله في الألفية: وبعد لولا غالبا حذف الخبر ... حتم ... - ¬

_ - ومعناه: أن سيفك تهابه السيوف كما تهابك الرجال، وأشد ما يجوز على السيف أنه يسيل حديده، ولولا الغمد يمسكه لظهر سيلانه. وبعده - وهو من حكمه وأمثاله -: ومن يك ذا خليل غير سيف ... يصادف في مودّته اختلالا وهذا البيت مشهور في باب المبتدأ والخبر، فالذين قالوا بوجوب حذف الخبر بعد لولا لحنوا أبا العلاء المعري فيه، والذين فصلوا كابن مالك بأنه إذا دل على الخبر دليل جاز إثباته وجاز حذفه لم يلحنوه، وقال ابن هشام (المغني: 2/ 273): إن تلحين أبي العلاء ليس بجيد لاحتمال تقدير يمسكه بدل اشتمال بتقدير أن، أو يمسكه جملة معترضة، أو هو حال من الخبر المحذوف. والبيت في معجم الشواهد (ص 296) وفي شرح التسهيل. وفي التذييل والتكميل (3/ 282). (¬1) شرح التسهيل (1/ 276). (¬2) نص رأي أبي علي الشلوبين في شرحه على المفصل لقطة رقم: 52 من فيلم بمعهد المخطوطات. (¬3) سبقت ترجمته في هذا التحقيق. (¬4) البيت من بحر البسيط نسبه الشارح إلى قائله وهو في المدح. اللغة: المقاليد: المفاتيح وقيل الخزائن. والمعنيان متقاربان ويحتملهما قوله تعالى: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الزمر: 63]. ويستشهد بالبيت ابن مالك على: جواز ذكر خبر المبتدأ بعد لولا؛ لأنه كون مقيد دل عليه دليل. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 277) وفي التذييل والتكميل (3/ 282) وفي معجم الشواهد (ص 122). (¬5) التذييل والتكميل (3/ 281).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فجمع بين غالبا وحتم أيضا. ويظهر أن (غالبا) يرجع إلى استعمال لولا لا إلى وجوب الحذف، وكأنه يقول: الغالب استعمالها دالة على امتناع لوجود مطلق؛ فإذا استعملت فيه وجب الحذف، وقد تستعمل على امتناع لوجود مقيد فيجيء من أقسامه أن يجوز حذفه، فيصدق أن الخبر يحذف في هذا الاستعمال، لكن الاستعمال المذكور غير غالب، لكن هذا التقرير لا يكاد عبارة المتن تساعد عليه؛ لأن ظاهرها يعطي أن (غالبا) من متعلقات يحذف، أي إنه يحذف في الغالب وقد لا يحذف، وهذا أعم من أن يستعمل لولا في الامتناع لوجود مطلق أو لوجود مقيد، وعلى الذي تقرر يكون (غالبا) من متعلقات استعمال لولا كأنه قال فغلب استعمالها في الامتناع لوجود مطلق. ولا يخفى ما فيه من التكلف، وتقدير ما لا دليل عليه (¬1). وقال ابن أبي الربيع (¬2) بعد أن تكلم على هذه المسألة بالنسبة إلى وجوب حذف الخبر: «من الناس من قال: إن خبر هذا المبتدأ يظهر إذا كان غير ما ذكرنا ممّا لا يقتضيه الكلام فيقول: لولا زيد ضارب لأكرمتك، ولولا زيد متكلم لمشيت إليك؛ ولا يجوز حذف هذا لأنه ليس في الكلام ما يدلّ عليه لو حذف، وأكثر النحويين على أن هذا لا يقال، وإن خبر هذا المبتدأ لا يكون إلا من جنس ما يقتضيه الكلام، وإنّما يقول العرب إذا أرادت هذا المعنى: لولا ضرب زيد لأكرمتك. ولولا كلام زيد لمشيت إليك. وأما قول علقمة (¬3): 545 - فو الله لولا فارس الجون منهم ... لأبوا خزايا والإياب حبيب (¬4) - ¬

_ (¬1) وإذا كان الشارح قد استنبط ما قرره، فإن ذلك هو الصحيح وهو المراد، وقد شرحه الأشموني أيضا على ذلك، وجعل (غالبا) من متعلقات استعمال لولا، يقول: «وبعد لولا الامتناعية غالبا أي في غالب أحوالها، وهو كون الامتناع معلّقا بها على وجود المبتدأ الوجود المطلق» (حاشية الصبان: 1/ 215) والأمر كما ذكر، وإلا وجد التنافي بين قوله: غالبا وقوله: حتم. (¬2) انظر شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (مكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم (220) نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع، لقطة رقم: (35). وما نقله ناظر الجيش ليس بالملخص وإنما هو شرح الإيضاح المطول. وانظر أيضا: الهمع (1/ 105). (¬3) سبقت ترجمته في هذا التحقيق. (¬4) البيت من بحر الطويل، وهو لعلقمة بن عبدة من قصيدة سبق الحديث عنها. وهو في هذا البيت يحدث ممدوحه الحارث وبعده يقول (ديوان علقمة: ص 15). تقدمه حتّى تغيب حجوله ... وأنت لبيض الدّارعين ضروب اللغة: فارس الجون: هو الممدوح. الجون: الحصان الأسود، آبوا خزايا: رجعوا مهزومين. البيض: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فليس (منهم) خبرا لفارس، وإنما هو متعلق بفارس ومن صلته والتقدير: فلولا هذا الذي عظم منهم حاضر أو موجود لآبوا خزايا. وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله تعالى عنها: «لولا قومك حديث عهدهم بكفر لأقمت البيت على قواعد إبراهيم» فحديث عهدهم بكفر جملة مستقلة (¬1) بنفسها، وعهدهم مبتدأ، وحديث خبر، وهي مقدمة من تأخير، والتقدير: لولا قومك لأقمت البيت على قواعد إبراهيم، ثم قال: عهدهم بالكفر حديث؛ كأن ذلك الكلام جواب لم يستفهم فيقول: ما بال هؤلاء القوم يمتنع من ذلك لأجلهم؟ فقيل له: عهدهم بالكفر حديث. على أن هذه الرواية لم أرها من طريق صحيح، وإن ثبت فتوجيهها ما ذكرته. والروايات المشهورة في ذلك: لولا حدثان قومك بالكفر، ولولا حداثة قومك بالكفر، ولولا حداثة عهد قومك، ولولا حداثة عهدهم بالشرك، ولولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية إلى غير ذلك». انتهى كلام ابن أبي الربيع [1/ 308]. وإذا تقرر هذا انهدم التفصيل الذي نقله المصنف وقرره. ويشكل قول المعري: 546 - فلولا الغمد يمسكه لسالا وقد خرجه بعضهم على أن (يمسكه) حال والخبر محذوف، ورد بأن الأخفش حكى عن العرب أنهم لا يأتون بعد الاسم الواقع بعد لولا بالحال كما لا يأتون بالخبر، قال (¬2): لأن الخبر حال في المعنى. وأنشد ابن عصفور (¬3) قول الفريعة بنت همام (¬4): - ¬

_ - ما يلبس على الرأس. الدّارعين: شجعان الحرب. ضروب: كثير الضرب. والبيت أتى به ابن أبي الربيع شاهدا على أن خبر لولا واجب الحذف، وأن (منهم) في البيت من صلة المبتدأ وليست خبرا. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو مما انفرد به ناظر الجيش دون ابن مالك وأبي حيان. (¬1) في نسخة (ب): مستأنفة. (¬2) القائل هو الأخفش، وانظر رأيه في التذييل والتكميل: (3/ 282). (¬3) لم أجد هذين البيتين ولا ما نقله الشارح عن ابن عصفور في كتابيه: شرح الجمل، والمقرب. (¬4) لم أعثر لها على ترجمة أبدا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 547 - فو الله لولا الله تخشى عواقبه ... لحرّك من هذا السّرير جوانبه (¬1) وقول الآخر: 548 - فلولا سلامي عند ذاك وقوّتي ... لأبت وفي رأسيّ ماء زئير (¬2) ثم خرج البيت الأول على وجهين: أحدهما: أن تكون تخشى عواقبه جملة اعتراض كأنه قال: لولا الله لحرّك، وبين بجملة الاعتراض السبب الّذي لأجله كان الامتناع من ذلك، وهو خشية عواقب الله سبحانه وتعالى. والآخر: أن يكون تخشى عواقبه على إضمار أن وإبطال العمل عند إضمارها، ويكون تخشى عواقبه بدل اشتمال من (الله) تعالى، والتقدير: لولا الله خشية عواقبه. قال: وخرّج أبو الفتح البيت الثّاني على أن يكون (عند) متعلّقا بسلاحي بما فيه من معنى الفعل؛ لأن السلاح يتقوّى به كأنه قال: لولا قواي عند ذلك. انتهى. وسيأتي الكلام على بقية المذاهب في الاسم الواقع بعد لولا عند تعرض المصنف له. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل قالته امرأة في عهد عمر سماها الشارح. وهو واحد من أبيات ستة قالتها المرأة في قصة ذكرها السيوطي في شرحه على المغني (2/ 668) وملخصها: أن عمر بن الخطاب كان يطوف ذات ليلة بالمدينة فسمع تلك المرأة تنشد هذه الأبيات: تطاول هذا اللّيل واسود جانبه ... وأرّقني ألّا خليل ألاعبه فو الله لولا الله ... بيت الشاهد. وبقية الأبيات شكوى من الوحدة وبعد الزوج. ثم تنفست الصعداء، وقالت: هان على ابن الخطاب وحشتي في بيتي وغيبة زوجي عني، فدخل عليها عمر وقال لها: يرحمك الله. ولما أصبح الصباح أمر لها بكسوة ونفقة، وكتب إلى عامله يأمره بتسريح زوجها. وقال: لا أحبس أحدا من الجيش أكثر من أربعة أشهر. وظاهر البيت: ذكر الخبر بعد لولا، وخرج أيضا على الإبدال أو الاعتراض أو الحال عند من قال به. وقد وضحه الشارح، وعليه فالخبر محذوف. والبيت في معجم الشواهد (ص 41) وليس في شروح التسهيل الأخرى. (¬2) البيت من بحر الطويل لم أعثر له على قائل، ولم أقف له على مرجع. وهو في الفخر كما تشير إليه الشطرة الأولى. وشاهده كسابقه، وانظر حديثا عنه في الشرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضع الثاني: خبر المبتدأ المقسم به بشرط كونه قسما صريحا نحو: لعمرك وايمن الله. وإنما وجب حذف خبره لأن فيه ما في خبر المبتدأ بعد لولا من كونه معلوما مع سد الجواب مسدّه. فلو كان المبتدأ في القسم صالحا لغير القسم نحو: عهد الله - لم يجب الحذف فجائز أن يقال: عهد الله لأفعلن فيحذف الخبر، وعهد الله قسمي لأفعلنّ فيذكر؛ لأن ذكر لعمرك وايمن الله مشعر بالقسم قبل ذكر المقسم عليه بخلاف عهد الله فإنه لا يشعر بالقسم حتى يذكر المقسم عليه ففرق بينهما وجعل أحدهما واجب الحذف والآخر جائزه، ولذلك قال: أو في قسم صريح. الموضع الثالث: الخبر الواقع بعد اسم مقرون بواو المصاحبة الصريحة، نحو: أنت ورأيك، وكلّ عمل وجزاؤه، وكلّ ثوب وقيمته، وكلّ رجل وضيعته (¬1) أي مقترنان ونحوه. وشرط وجوب الحذف أن تكون الواو نصّا في قصد المصاحبة كما مثل، ولذلك قيدها المصنف بقوله: الصريحة، فلو كان الكلام مع الواو محتملا لقصد المصاحبة ولمطلق العطف لم يجب الحذف نحو قولك: زيد وعمر مقترنان، ولك أن تستغني عن الخبر اتكالا على أن السامع يفهم من اقتصارك عليهما معنى الاقتران والاصطحاب. وذكر الأخفش في الأوسط له أن في مثل: كلّ رجل وضيعته - قولين للنحاة (¬2): أحدهما: أنه لا يحتاج إلى تقدير خبر؛ إذ هو كلام تام لا يحتاج إلى زيادة، ومعناه: كل رجل مع ضيعته وأنت مع رأيك [1/ 309] وإلى هذا ذهب ابن خروف، قال: لا يحتاج إلى حذف خبر لتمامه وصحّة معناه، وإن قدّر مقرونان فلبيان المعنى. القول الثاني: أن الخبر محذوف كما تقدم وهو قول الجمهور. قال المصنف (¬3): «وإنما كان الحذف هنا واجبا؛ لأن الواو وما بعدها قاما مقام مع وما ينجرّ بها مع ظهور المعنى؛ فكما أنك لو جئت بمع موضع الواو ولم تحتج إلى - ¬

_ (¬1) في الأصل: كل رجل وصنعته، ثم شرح على ذلك، وهو أيضا صحيح، والضيعة: هي ما يملكه الإنسان من عقار ونحوه. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (3/ 283) وهو بنصه. وكتاب الأوسط من مؤلفات الأخفش النحوية. انظر نشأة النحو (ص 91). (¬3) شرح التسهيل (1/ 277).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مزيد عليها وعلى ما يليها في حصول الفائدة، كذلك لا يحتاج إليه في اللفظ مع الواو ومصحوبها» انتهى. وينبغي أن يعلم أن وجوب الحذف هنا لم يدخل تحت الضابط المتقدم، وهو أن يسد غيره مسده؛ لأن الساد مسد الشيء يحل محل ذلك الشيء، ولا شك أن المذكور بعد الواو من تمام المبتدأ؛ إذ هو معطوف عليه والخبر مقدر بعده، فلم تكن الواو وما بعدها سدا مسده، وإنما هذا الكلام محمول على معناه. ولهذا قال المصنف (¬1): لأن الواو وما بعدها قاما مقام مع وما ينجر بها مع ظهور المعنى. وقدر ابن أبي الربيع (¬2) - في مثل: كل رجل وضيعته - خبرين محذوفين، وجعل الكلام جملتين فقال: «التّقدير: كلّ رجل مع ضيعته وضيعته معه؛ فحذف من الأول ما دلّ الثّاني عليه ومن الثّاني ما دلّ الأول عليه» وهو خلاف الظاهر، ولا دليل عليه. قال ابن أبي الربيع أيضا (¬3): «ومما يجري في الاستغناء هذا المجرى: أنت أعلم وربّك، والتقدير: أنت أعلم بربّك وربّك أعلم بك» فجعل خبر المعطوف على المبتدأ محذوفا لدلالة خبر الأول عليه، وهو ظاهر، بخلاف ما قدره في: كل رجل وضيعته. وأما أنت أعلم ومالك فنقل الشيخ (¬4) عن أبي القاسم بن القاسم (¬5) أنه لا يصح عطف مالك على أنت على حد: أنت أعلم وزيد؛ لأنك تضمر له خبرا كخبر المعطوف عليه، والمال لا يعلم، ولا على أعلم لأن المعطوف على الخبر خبر يصح - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر لقطة رقم: (37) من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع، ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم (220) مصنف غير مفهرس نحو). (¬3) المرجع السابق. (¬4) التذييل والتكميل (3/ 285). (¬5) هو القاسم بن القاسم بن عمر بن منصور أبو محمد الواسطي النحوي اللغوي، ولد سنة (550 هـ)، كان أديبا فاضلا، وكان نحويّا لغويّا، قرأ النحو على مصدق بن شبيب واللغة على هبة الله بن أيوب. أقام بحلب يفيد النحو واللغة وفنون العلم وتوفي سنة (626 هـ). مصنفاته: شرح اللمع، شرح التصريف الملوكي، شرح المقامات على حروف المعجم (ترجمته في: بغية الوعاة 2/ 260).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انفراده؛ ولو قلت: أنت مالك لم يصح، ولا على الضمير المستتر في أعلم لوجوه: منها: أن استتاره غير مؤكد. ومنها: أن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر إذا وليه، فكذلك إذا عطف على مضمر رفعه. قال (¬1): «واذا استحالت هذه الأوجه كان معطوفا على أنت، لا على ذلك الوجه، بل هو بمنزلة شاة ودرهم، يعني إذا قلت: الشاة شاة ودرهم كان الشّاة مبتدأ، وشاة مبتدأ ودرهم خبره، والجملة خبر الأول». قال الشيخ (¬2): وذهب أبو بكر بن طاهر إلى أنه معطوف؛ لأن الأصل بمالك فوضعت الواو موضع الباء فعطفت على ما قبلها ورفعت ما بعدها في اللّفظ وهو بمعنى الباء متعلقة بأعلم. قال (¬3): وهذا أقرب لتفسير كلام سيبويه؛ لأنه قال في الواو: يعمل فيما بعدها المبتدأ (¬4)؛ يريد أنك تعطفه على أعلم فيعمل فيه ما عمل في أعلم وهو المبتدأ. وكما اختلفوا في: كل رجل وضيعته: هل يقدر فيه خبر أو لا، اختلفوا في قولهم: حسبك ينم النّاس؛ فذهب جماعة إلى أنه مبتدأ لا خبر له؛ لأن معناه اكفف؛ وهو اختيار أبي بكر بن طاهر (¬5). وقيل: الخبر محذوف، التقدير: حسبك السكوت ينم الناس، وهذا على قول من قال: «إنّ الحركة في حسبك حركة إعراب» وهو قول الجمهور. وحكى أبو زرعة (¬6) وهو أحد أصحاب المازني أن أبا عمرو بن العلاء قال: - ¬

_ (¬1) القائل هو أبو القاسم بن القاسم. (¬2) التذييل والتكميل (3/ 286). (¬3) القائل هو أبو حيان في سفره السابق. (¬4) كتاب سيبويه: (1/ 301). ونصه: لأنّ الواو يعمل فيما بعدها ما عمل في الاسم الّذي تعطفه عليه. (¬5) التذييل والتكميل (3/ 286)، والهمع (1/ 105). (¬6) هو أبو يعلي محمد بن أبي زرعة الباهلي النحوي ولد سنة (257 هـ)، أحد أصحاب المازني. قال عنه الزبيدي بعد ذكر طبقة المازني: ثم برع بعد هذه الطبقة محمد بن يزيد المبرد وأبو يعلى بن أبي زرعة. وقال عنه الفارسي: كان أبو يعلي أحذق من المبرّد، وإنّما قلّ عنه لأنه عوجل. له نكت على كتاب سيبويه (انظر ترجمته في: بغية الوعاة 1/ 104).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حسبك ينم النّاس مبنيّة على الضم؛ لأنّها اسم مسمّى بها الفعل مثل [1/ 310] رويد، والكاف حرف خطاب، وكان حسب معربا قبل ذلك (¬1). الموضع الرابع: الخبر الواقع قبل حال يكون المبتدأ المخبر عنه بذلك الخبر أو معمول المبتدأ مصدرا عاملا في مفسر صاحب الحال أو مؤولا بذلك نحو: ضربي زيدا قائما، وكل شربي السويق ملتوتا و «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد» (¬2)؛ فهذه ثلاثة أمثلة اشتمل عليها كلام المصنف: فالأول: مثال لما المبتدأ فيه مصدر عامل في المفسر المذكور. والثاني: مثال لقوله: أو معموله؛ فإن المبتدأ فيه لفظ كل، والمصدر معمول له بالإضافة، وهو عامل في المفسر. والثالث: مثال لقوله: أو مؤوّلا بذلك؛ يعني يكون المبتدأ مؤولا بالمصدر المذكور؛ فأن ما يكون مؤولا بالكون، وأقرب الكون كون، وأفعل التفضيل لا يضاف إلا لما هو بعضه. ومثل كل شربي السويق ملتوتا: بعض ضربك زيدا بريئا، ومعظم كلامي معلما. ومثل أقرب ما يكون: أخطب ما يكون الأمير قائما. وكمثله أيضا قول الشاعر: 549 - خير اقترابي من المولى حليف رضا ... وشرّ بعدي عنه وهو غضبان (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر هذه الرواية عن هؤلاء الأعلام في التذييل والتكميل (3/ 286). (¬2) حديث للنبي صلّى الله عليه وسلّم في مسند الإمام أحمد بن حنبل مروي عن أبي هريرة (2/ 221) وهو أيضا في سنن النسائي (2/ 116) في كتاب الافتتاح وبعده قوله: «فأكثروا من الدعاء». وكذلك هو في كتاب الترغيب والترهيب للمنذري: (1/ 145) وقال: رواه مسلم. (¬3) البيت من بحر البسيط، وهو من الحديث عن النفس والوصف، فقائله - وهو مجهول - يخبر عن نفسه أنه يكون قريبا من صديقه إذا كان صديقه صافيا فإذا غضب الصديق فإن الشاعر يبتعد عنه. ويستشهد بالبيت على: أن حليف رضا حال سدت مسد الخبر، والمبتدأ وإن لم يكن مصدرا إلا أنه مضاف إلى المصدر، والمضاف جزء وبعض من المضاف إليه حيث إنه أفعل تفضيل. وفيه شاهد آخر سيأتي بعد في هذا الموضع أيضا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن خير الاقتراب اقتراب. وتقدير ضربي زيدا قائما: ضربي زيدا إذا كان قائما، فالمبتدأ ضربي وخبره إذا، وكان تامة، وقائما حال من فاعلها وهو الضمير فهو صاحبها، وزيدا تفسيره، وهذا معنى قوله: عاملا في مفسّر صاحبها. واحترز بذلك من مصدر لا يكون كذلك نحو: ضربي زيدا قائما شديد؛ فالمبتدأ فيه مصدر عامل في صاحب الحال وفيها، فلم يصلح أن يغني عن خبره؛ لأنها من صلته (¬1). وكذلك لو جعلت عاملها كان مقدرا مضافا إليها إذا وعلقت المضاف بالمصدر - فإن الحال حينئذ لا يغني عن الخبر؛ لأنها معمولة لما أضيف إليه معمول المصدر؛ فالجميع من صلته، فلا يغني شيء منه عن الخبر (¬2). وتناول الاحتراز أيضا قولهم: حكمك مسمّطا (¬3)؛ فإن المبتدأ فيه مصدر مستغنى عن خبره بحال استغناء شاذّا؛ لأن صاحب الحال ضمير عائد على المبتدأ الذي هو حكمك، بخلاف ضربي زيدا قائما؛ فإن صاحب الحال فيه فاعل كان المقدرة، وهو ضمير عائد على زيد، وزيد معمول المصدر المجعول مبتدأ، والتقدير: حكمك لك مسمطا أي مثبتا، فصاحب الحال الضمير المستكن في لك، وهو عائد على المصدر؛ فالحذف في هذا ونحوه شاذ غير لازم، وفي نحو: ضربي زيدا قائما - ¬

_ - والبيت في: التذييل والتكميل (3/ 306) وهو في معجم الشواهد (ص 393). (¬1) معناه أن المصدر لا يعمل إلا في مفسر صاحب الحال، وهو زيد في المثال، ويكون الحال معمولا لكان المقدرة، فإذا عمل المصدر في المفسر وفي الحال معا كالمثال المذكور، فلا تغني الحال عن الخبر؛ لأنها أصبحت من صلة المصدر. (¬2) معنى هذا الكلام أنه على فرض أن جعلت عامل الحال كان المقدرة هي وفاعلها، وجعلت جملة الفعل والفاعل مضافا إليه، والمضاف إذا وجعلت إذا الظرفية متعلقة بالمصدر - فلا بد من ذكر الخبر؛ لأن الجميع تعلق بالمصدر: المصدر عامل في إذا، وإذا عملت في كان، وكان عملت في الحال، والشرط أن يعمل المصدر في مفسر صاحب الحال وحده، وهو الاسم الظاهر «زيد في المثال». (¬3) بضم الميم وفتح السين وتشديد الميم مفتوحة. مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 1/ 429) وهو في مجمع الأمثال بالرفع على الخبرية التي هي الأصل. والمسمط المرسل الذي لا يرد، ومعناه: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما تقدم معه من الأمثلة ملتزم. وليس وجود المفعول في هذه المسألة شرطا، بل يجوز سد الحال مسد خبر المصدر مع كونه من فعل لازم كقولك: قيامك محسنا، وإحسانك قائما. قال المصنف (¬1): «وهذا النّوع أيضا داخل تحت قولي: إذا كان المبتدأ عاملا في مفسّر صاحبها؛ فإنّ المضاف عامل فى المضاف إليه» انتهى. والتقدير: قيامك إذا كنت محسنا، وإحسانك إذا كنت قائما؛ فصاحب الحال ضمير المخاطب المرفوع بكان، وهو غير محتاج إلى مفسر، ويقتضي عبارة المصنف أن الكاف المضاف إليها المصدر هي المفسرة، وليس كذلك؛ إلا أن يراد بالتفسير الدلالة على المحذوف فيستقيم [1/ 311]. وقد ذكروا أن الحال في مثل: ضربي زيدا قائما - يجوز أن يكون للمتكلم وتقديره: ضربي زيدا إذا كنت قائما؛ فالحال من التاء، والمبتدأ مصدر عامل في الياء (¬2) بالإضافة، وهي مفسر التاء التي هي صاحب الحال، أي تدل عليها كما قلنا في: قيامك محسنا (¬3). ¬

_ - حكمك جائز لا يعقب، ويروى المثل: حذ حكمك مسمّطا أي: جائزا نافذا. (¬1) شرح التسهيل (1/ 279). (¬2) في نسخة (ب): مصدر عامل في التاء، وهو خطأ. (¬3) إلى هنا والكلام في هذه المسألة سهل ولا غموض فيه. وظهر في المسألة المبتدأ والخبر والمطلوب فيها. ثم انظر بعد ذلك ما كتبه النحاة وما ألفوه في وجوه هذه المسألة، وكيف اختلفوا فيها اختلافا يكد الذهن ويتعب القلب، ووصل الأمر بهم إلى أن أفردوا لها مؤلفات خاصة. قال السيوطي: (الهمع 1/ 105): وهذه المسألة طويلة الذّكر كثيرة الخلاف، وقد أفردتها قديما بتأليف مستقلّ. وأبو حيان يكتب فيها أكثر من ثلاثين صفحة في كتابه المشهور (التذييل والتكميل 3/ 287 - 313) ويتبعه شارحنا فيكتب أكثر مما كتبه أبو حيان، وينقل لنا عن بهاء الدين بن النحاس (سبقت ترجمته) نقلا طويلا يقارب العشرين صفحة. والعجب أن المسألة قليلة الاستعمال في كلامنا، وأعجب من ذلك أمثلتهم الغريبة وافتراضاتهم البعيدة، انظر إلى ما مثلوا به فيها: قيامك مسرعا نفسك نفسه نفسه، وكثير مثله. ومع أننا نجل القديم ونحترمه، إلا أن مثل هذا يفتح باب القيل والقال للمحدثين من أنصاف المتعلمين وغيرهم.

[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها]

[مسألة ضربي زيدا قائما وبقية الحديث فيها] قال ابن مالك: (والخبر الّذي سدّت مسدّه مصدر مضاف إلى صاحبها لا زمان مضافا إلى فعله؛ وفاقا للأخفش). قال ناظر الجيش: فاعل سدت ضمير عائد على الحال التي أغنت عن الخبر في: ضربي زيدا قائما ونحوه. قال المصنف: والغرض من هذا الكلام ما هو أولى الوجوه في هذه المسألة، وينبغي أولا أن يعلم أن فيها ستة أوجه (¬1): أحدها: أن يكون التقدير: ضربي زيدا إذا كان قائما، وهذا هو المشهور عند البصريين. الثاني: أن يكون التقدير: ضربي زيدا ضربه قائما، وهذا مذهب الأخفش. الثالث: أن يكون فاعل المصدر مغنيا عن الخبر، كما أغنى عنه فاعل الوصف نحو: أقائم الزيدان. الرابع: أن تكون الحال مغنية عن الخبر لشبهها بالظرف كما أغنى الظرف عنه. الخامس: أن تكون الحال منصوبة بالمصدر، وقد حذفت الخبر حذفا لأجل الاستطالة كما حذف عند أبي علي الخبر في قولهم: أوّل ما أقول إنّي أحمد الله بالكسر، والتقدير عنده: أول ما أقول إني أحمد الله ثابت (¬2)، وكذلك يكون التقدير في المسألة المشار اليها: ضربي زيدا قائما ثابت. السادس: أن يكون ضربي فاعل ثبت مضمرا ويكون المسوغ لتقديره أولا كالمسوغ لتقدير ثابت آخرا. وأجود هذه الأحوال الأول والثاني، إلا أن الثاني أقل حذفا مع صحة المعنى، إنه لم يحذف فيه إلا خبر مضافا إلى مفرد، والأول حذف فيه خبر، ثم نائب عن الخبر - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 280 - 281). (¬2) قال أبو علي في الإيضاح (ص 163): «تقول: أول ما أقول إني أحمد الله فتكسر الهمزة من إني وتفتحها؛ فإذا كسرتها كان قولك: أول ما أقول مبتدأ محذوف الخبر تقديره: أول قولي إني أحمد الله ثابت أو موجود، وإذا فتحت الهمزة من إني كان التقدير: أول قولي إني أحمد الله كأنه قال: أول قولي الحمد لله. وجاز لأن الثّاني هو الأول كما تقول: أول شأني إنّي خارج، فتفتح لأنّ الخروج شأن وأمر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع فعل وفاعل؛ لأن الأصل فيه عند من يراه ضربي زيدا مستقر إذا كان قائما. وأيضا فإن الثاني حذف فيه خبر عامل بقي معموله، ودلالة المعمول على عامله قوية، والوجه الأول بقي فيه بعد الحذف معمول عامل أضيف إليه نائب عن الخبر الأصلي الذي هو مستقر، فضعفت الدلالة لبعد الأصل وكثرة الوسايط. وأيضا فإن الحاذف على الوجه الثاني أبين عذرا في الحذف؛ لأن المحذوف لفظه مماثل للفظ المبتدأ، فيستثقل لذلك ويقوى الباعث على الحذف، وليس في قول القائل ضربي زيدا ضربه قائما تعرض لكون زيد وقع به غير الضرب المقارن لقيامه أو لما يقع، بل تعرض به لما تعرض بقولك: ضربته قائما. وأما الوجه الثالث من الخمسة، وهو أن يغني فاعل المصدر عن الخبر إغناء المرفوع بالوصف (¬1) - فضعفه بيّن لأنه لو صح لصح الاقتصار على المصدر والفاعل كما يصح الاقتصار على الوصف وفاعله، فكان يقال: ضربي، فيحسن السكوت عليه لأن فيه معنى ضربت، كما يحسن السكوت على أقائم الزيدان؛ لأن فيه معنى يقوم الزيدان؛ وفي امتناع ذلك وجواز هذا دليل على فساد القول بتساويهما (¬2). وأما الوجه الرابع [1/ 312] وهو أن تكون الحال مغنية عن الخبر لشبهها بالظرف (فهو رأي ابن كيسان) (¬3)، وهو غير صحيح أيضا؛ لأن الحال إذا أقيمت مقام الخبر لشبهها بالظرف، فإما ألا يقدر لها عامل أو يقدر: فإن لم يقدر لزم من ذلك استغناؤهما عما لا يستغني عنه الظرف، مع أنه أصل بالنسبة إليها، ولو جاز ذلك مع المصدر لجاز مع غيره، فكان يقال زيد قائما؛ لأنه بمعنى في حال قيام. وإن قدر لها عامل لم يكن ذلك العامل إلا مثل المقدر للظرف؛ فكما يقال في قولك: زيد في حال قيام تقديره: زيد مستقر في حال قيام - كان يقال في: ضربي زيدا قائما: ضربي زيدا مستقر قائما فكان يلزم من ذلك الإخبار عن الضرب بما للضارب، وذلك محال (¬4)، وما أفضى إلى المحال محال. - ¬

_ (¬1) في شرح التسهيل: إغناء الفاعل عنه في نحو: أقائم الزيدان. (¬2) شرح التسهيل (1/ 281). (¬3) ما بين القوسين زيادة من الشارح على شرح التسهيل لابن مالك. (¬4) هو اعتقاد منه أن الاستقرار لا يكون إلّا للضارب، ولكن لا مانع أن يكون الاستقرار للضرب أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الوجه الخامس، فإنه وجه يلزم أبا علي القول به لأنه أجاز في قولهم: أول ما أقول إني أحمد الله بالكسر أن يكون (إني) محكيّا بالقول، فيكون من صلته ويكون خبر المبتدأ الذي هو أول ما أقول محذوفا كأنه قال: أول قولى هذا الكلام ثابت؛ فكما جاز أن يحذف الخبر هناك بلا دليل زائد على الحاجة إليه، كذلك يلزمه تجويز حذف الخبر هنا وتقديره بمثل ما قدره هناك؛ لأن الحاجة إليهما سواء، والمخبر عنه في الصورتين مصدر؛ لأن أول القول قول، والصحيح في قولهم: أول ما أقول إني أحمد الله بالكسر أن يكون كلاما تامّا، فيجعل أول ما أقول مبتدأ تامّا، وإني أحمد الله خبرا عنه كأنه قال: مبتدأ كلامي هذا الكلام، ولا يصح أن يقدر ثابت خبرا؛ لأن ذلك يقتضي ثبوت أول هذا القول، وأول الشيء غير جميعه، فيكون الثابت أول حرف من الجملة إن نويت حروفها وأول كلمة منها إن نويت كلماتها وكلاهما ليس مقصودا فتعين كونه مردودا (¬1). وأيضا فإن تقدير ثابت خبرا بعد إني أحمد الله، وبعد ضربي زيدا قائما وأمثالهما - تقدير ما لا دليل عليه؛ إذ ليس هو بالتقدير أولى من غيره من المقدرات الممكنة، وحذف ما كان في حذفه كذلك ممنوع. وفي رد هذا الوجه الخامس إشعار برد الوجه السادس؛ لأن مبناه على تقدير ما لا يتعين تقديره وتقدير ما عدم نظيره، فثبت بمجموع ما ذكرته أن أولى الأوجه الستة بالصواب ما ذهب إليه الأخفش ويليه الأول، وما سواهما ضعفه بيّن واطراحه متعين. انتهى كلام المصنف (¬2). وذكر سيدنا الشيخ بهاء الدين بن النحاس - عفا الله تعالى عنه - المذاهب المذكورة في هذه المسألة، وتكلم فيها مذهبا مذهبا، فأحببت ذكرها كما أوردها (¬3)؛ لأن في كلامه فوائد لم يتضمنها كلام المصنف. - ¬

_ (¬1) انظر إلى ما يقوله ابن مالك، وكيف يحاسب المثال حسابا شديدا، ومن الذي ينوي أن ينطق حرفا من الجملة أو كلمة منها ثم يسكت؟ (¬2) شرح التسهيل (1/ 282). (¬3) انظر الى أمانة هذا الرجل وهو ناظر الجيش ينقل ويسند النقل، ولا يهضم حقّا لصاحبه. وتعرف أمانته إذا قلت لك أن ما نقله ناظر الجيش وأسنده نقل أكثره أبو حيان ولم يسنده، وانظر هذا النقل في التذييل والتكميل: (3/ 290) وانظره أيضا في الهمع: (1/ 105، 106) ولم يسنده هو الآخر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (¬1): اختلف الناس في إعراب ضربي فقال بعضهم: هو مرتفع بأنه فاعل فعل مضمر تقديره: يقع ضربي زيدا قائما، أو ثبت ضربي زيدا قائما وقال بعضهم: هو مبتدأ والقائلون بذلك [1/ 313] اختلفوا: هل يحتاج إلى خبر أو لا، فقال بعضهم: ليس ثمّ تقدير خبر؛ لأن المصدر هنا واقع موقع الفعل. كما في قولهم: أقائم الزيدان، فقال الكسائي وهشام والفراء وابن كيسان (رحمهم الله تعالى) (¬2): إن الحال نفسها هي الخبر؛ لأنها سادة مسده على خلاف بينهم في ذلك. قال الكسائي وهشام: إن الحال إذا وقعت خبرا للمصدر كان فيها ذكران مرفوعان (¬3) أحدهما من صاحب الحال والآخر من المصدر، وإنما احتاجوا إلى ذلك لأن الحال لا بد لها من ضمير يعود على ذي الحال وهي خبر، والخبر عندهم لا بد فيه من ضمير يعود على المبتدأ؛ لأن المبتدأ عندهم إنما يرتفع بما عاد عليه في أحد مذهبي الكوفيين، وضربي هنا مبتدأ مرفوع فلا بد من رافع، فاحتاجوا إلى القول بتحمل قائم ضميره ليرفعه حتى إنهما قالا: يجوز أن يؤكد المضمرين اللذين في قائما، فتقول: ضربي زيدا قائما نفسه نفسه، وقيامك مسرعا نفسك نفسه؛ فإن أكدت القيام أيضا مع المضمرين قلت: قيامك مسرعا نفسك نفسه نفسه، فتكرر النفس ثلاث مرات (¬4). وأما الفراء (¬5) ومن أخذ بقوله: فزعموا أن الحال إذا وقعت خبرا للمصدر فلا ضمير فيها لجريانها على صاحبها في إفراده وتثنيته وجمعه وتعريها من ضمير المصدر إذا قيل: ركوبك إن بادرت، وقيامك إن أسرعت، وضربي زيدا إن قام، فكما أن الشرط لا ضمير فيه يعود إلى المصدر فكذلك الحال. وجاز نصب قائما ومسرعا وما أشبههما على الحال عند الكسائي وهشام والفراء ومن أخذ بمذهبهم وإن كان خبرا لما لم يكن المبتدأ، ألا ترى أن المسرع هو المخاطب - ¬

_ (¬1) انظر هذا النقل الطويل في مخطوطة الأزهر رقم (4947) وهي العنوان شرح العلامة ابن النحاس على مقرب ابن عصفور (التعليقة) من ورقة (32) إلى ورقة (37) وهو ما يقرب من اثنتي عشرة صفحة استغرقت هنا صفحات طويلة. (¬2) ساقطة من الأصل وهي في نسخة (ب). (¬3) هكذا في النسخ والذكران: معناه الضميران. (¬4) التأكيد الأول: نفسك للضمير المستقر في الحال العائد على صاحبها، والتأكيد الثاني للمبتدأ وهو القيام، والثالث للضمير المستقر في الحال كما يقولون، وسيبطله ابن النحاس نفسه بعد ذلك. (¬5) انظر التذييل والتكميل: (3/ 301)، والهمع: (1/ 105).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا القيام، والقائم هو زيد أو أنا لا الضرب؟ فلما كان خلاف المبتدأ انتصب على الحال، لأن الخلاف عندهم يوجب النصب. وأما ابن كيسان (¬1) فقال: إنما أغنت الحال عن الخبر لشبهها بالظرف، والذين قالوا بتقدير خبر اختلفوا في كيفية تقديره ومكانه، فذهب البصريون في المشهور عنهم والأخفش إلى تقديره مثل قائم، واختلفوا في كيفيته: فقال البصريون: تقديره إذ كان إن أردت الماضي. وإذا كان إن أردت المستقبل. هذا إن جعلت ضمير كان عائدا على زيد، وقائما حال منه، وإن جعلت الضمير عائدا إلى ياء المتكلم وقائما حالا منه - كان تقديره: إذ كنت قائما إن أردت الماضي، وإذا كنت قائما إن أردت المستقبل. وقال الأخفش: ضربي زيدا ضربه قائما. وقال بعض الناس: تقديره بعد قائما والتقدير: ضربي زيدا قائما ثابت أو موجود أو ما أشبه ذلك، وقائم عندهم حال من زيد، والعامل فيها ضربي، وحكى أبو محمد بن السيد (¬2) أن هذا مذهب الكوفيين (¬3)، وكذلك حكاه شيخنا جمال الدين بن عمرون (¬4) عنهم. قلت: وهذا المذهب هو الذي ذكره المصنف رحمه الله إلزاما لأبي علي الفارسي ولم ينسبه لأحد. فهذه ستة مذاهب: ثلاثة والخبر محذوف واثنان وهو مبتدأ والخبر محذوف، وواحد وهو مرتفع بفعل. أما من قال: هو مرتفع بفعل فيرد عليه [1/ 314] أنه تقدير ما لا دليل على تعينه؛ لأنه كما يجوز تقدير ثبت يجوز تقدير قل أو عدم، وما لا يتعين تقديره لا سبيل إلى إضماره مع أنه إذا دار الأمر بين الحذف من أول الكلام وآخره كان الحذف من آخره أولى؛ فإن أول الكلام موضع استجمام وراحة وآخره موضع تعب وطلب استراحة فبان فساد ذلك الوجه. وأما الوجه الثاني: وهو عدم احتياجه إلى الخبر لوقوعه موقع الفعل فظاهر الفساد؛ لأنه لو وقع موقع الفعل لصح الاقتصار عليه مع فاعله، كما صح ذلك في: أقائم الزيدان، وحيث لم يصح أن يقال ضربي ويقتصر بطل ما ذكروه. - ¬

_ (¬1) انظر المرجعين السابقين. (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 301). (¬4) سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول الكسائي وهشام (¬1): فيبطله أن العامل الواحد لا يعمل في معمولين ظاهرين ليس أحدهما تابعا للآخر رفعا، فكذلك لا يعمل في مضمرين (¬2). وما ذهبا إليه من أن قولنا: زيد حيث عمرو حيث فيه رافعة لزيد وعمرو؛ لأن معناه زيد في مكان فيه عمرو. فقد نابت حيث مناب ظرفين هما في مكان وفيه في المعنى، فرفعت الاسمين اللذين كانا يرتفعان بهما - لا وجه له (¬3)؛ لأن هذا شيء لا نظير له في كلام العرب. ولأنه يلزم أن يكون كذلك إذا قلت: زيد حيث جلس عمرو؛ إذ المعنى: زيد في مكان جلس فيه عمرو، ولو كان كذلك وجب أن تكون مرفوعة منصوبة؛ لأنها نابت مناب ظرفين أحدهما مرفوع والآخر منصوب، فتكون عمدة من جهة الرفع وفضلة من جهة النصب، وفي هذا ما فيه. والصحيح أن الاسم بعد حيث مرفوع بالابتداء وخبره محذوف بدليل ظهوره إذا قلت: زيد حيث عمرو جالس؛ فلو رفعت حيث عمرو لبقي جالس لا إعراب له، ولأن حيث يلزم الإضافة إلى الجمل إلا ما جاء شاذّا من قول الشاعر: 550 - [ونطعنهم تحت الحبى بعد ضربهم ... ببيض المواضي] حيث ليّ العمائم (¬4) وقوله: - ¬

_ (¬1) وهو أن الحال نفسها هي الخبر وقد سدت مسده. وانظر في نقد رأيهما: التذييل والتكميل: (3/ 302) والهمع: (1/ 106). (¬2) إنما قال: لا يعمل في مضمرين لأنهما قالا: إن الحال لا يتحمل ضميرين الأول لصاحب الحال والثاني للمبتدأ. (¬3) قوله: لا وجه له خبر المبتدأ في قوله: وما ذهبا إليه. (¬4) البيت من بحر الطويل، وهو في الفخر نسبه صاحب معجم الشواهد إلى عملس بن عقيل، ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني: (1/ 389) إلى الفرزدق، وبحثت عنه في ديوانه فلم أجده. اللغة: الحبى: بضم الحاء وكسرها جمع حبوة وهي أواسط ظهر الإنسان. بيض المواضي: السيوف البواتر. حيث ليّ العمائم: كناية عن الرءوس. والمعنى: نضربهم فوق رؤوسهم ونطعنهم في ظهورهم. واستشهد بالبيت على: إضافة حيث للمفرد، وذلك شاذ لأن حيث من الظروف الواجب إضافتها إلى الجمل، وهي في البيت ظرف مكان مبني. والبيت لم يأت في شرح التسهيل لابن مالك في هذا الموضع، ولا في شرح أبي حيان وهو في معجم الشواهد (ص 363).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 551 - أما ترى حيث سهيل طالعا ... [نجما يضيء كالشّهاب لامعا (¬1)] فلو ارتفع الاسم بعد حيث بها لزم عروها عن الإضافة، وهذا أمر لا عهد لأحد بمثله في كلام العرب، وإذا انتفى أن يرفع الحال ضميرين انتفى كونها خبرا. ومما يبطل أيضا كون الحال رافعة ضميرين أننا لو ثنينا فقلنا: ضربي أخويك قائمين لم يمكن أن يكون في قائمين هنا ضميران؛ لأنه لو كان لكان أحدهما مثنّى والآخر مفردا، وتثنية اسم الفاعل وإفراده إنما هو بحسب ما يرفع من الضمير، فكان يلزم أن يكون اسم الفاعل مفردا مثنّى في حال واحدة، هذا ما لا يمكن بوجه، فبان بطلان ما ذهب إليه الكسائي وهشام. وأما قولهما بجواز تأكيد الضميرين، فشيء ذكروه قياسا لا سماع يعضده أصلا. وأما قول الفراء (¬2) رحمه الله تعالى: إن الحال لم تتحمل ضمير المبتدأ للزومها مذهب الشرط فالجواب عنه أن الشرط - بمفرده من غير جواب لا يصلح للخبرية؛ لأنه لا يفيد. وإذا كان كذلك تعين أن جواب الشرط محذوف فيكون الضمير محذوفا مع الجواب مع أن جميع ما ذكروه ادعاء، ولا دليل على شيء منها، فكيف يصار إليها؟ وأما تشبيه ابن كيسان (¬3) رحمه الله تعالى الحال بالظرف فكأنه قال: ضربي زيدا في حال قيام - فليس بشيء؛ لأنه لو جاز ذلك [1/ 315] بهذا التقدير لجاز مع الجثة أن تقول: زيد قائما؛ لأنه بمعنى زيد في حال قيام، وحيث لم يجز ذلك دل على فساد ما ذكروه. وأما قولهم: إنه منصوب على الخلاف: ففاسد أيضا؛ لأن الخلاف لو كان عاملا - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز المشطور، وهما في المدح وقائلهما مجهول، والشهاب هو النجم اللامع. وشاهده كالذي قبله. وقال صاحب الدرر: (1/ 180) ولا يخفى أن إعراب هذا الشعر مشكل، والذي أراه أن الرؤية بصرية، وأن حيث مفعول به لترى، وسهيل مجرور بإضافة حيث إليه، وطالعا حال من سهيل، ومجيء الحال من المضاف إليه وإن كان قليلا فقد ورد كثير منه في الشعر، قال تأبط شرّا: سلبت سلاحي بائسا وشتمتني ... فيا خير مسلوب ويا شرّ سالب والبيت كالذي قبله لم يرد إلا في معجم الشواهد (ص 497). (¬2) انظر في نقد رأي الفراء: التذييل والتكميل (3/ 303) والهمع: (1/ 106). (¬3) انظر في نقد رأي ابن كيسان المرجعين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لعمل حيث وجد، ونحن نرى العرب تقول: ليس زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد برفع قاعد على الجواز، وما زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد على الوجوب مع كونه مخالفا لما قبله، فبان فساد ما ذكروه. وفساد النصب على الخلاف مذكور في موضعه من النحو بأحسن بيان، فلا حاجة إلى الإطالة فيه (¬1). وأما المذهب المروي عن الكوفيين آخرا، وهو أن الخبر محذوف تقديره ثابت أو موجود - ففاسد أيضا (¬2)؛ لأنه تقدير ما ليس في اللفظ دليل عليه كما تقدم؛ فإنه كما يقدر ثابت جاز أن يقدر أيضا منفي ومعدوم وما أشبه ذلك، ولأنه إذ ذاك يكون حذف الخبر جائزا لا واجبا؛ لأن قائما حينئذ يكون حالا من زيد، والعامل فيه المصدر، فلا تكون الحال سادة مسد الخبر، فلا يلزم حذفه، وإنما يجب حذف الخبر في مثل هذا إذا سدت الحال مسده؛ لأن الحال إذ ذاك عوض من الخبر بدليل أن العرب لا تجمع بينهما، ولا يحذف خبر هذه المصادر إلا مع وجود الأحوال للمناسبة التي بين الحال والخبر؛ لأن أصل الخبر التنكير كالحال، ولأن الحال هي صاحبها كما أن الخبر المفرد هو المبتدأ، والحال مقيدة كما أن الخبر كذلك، ففهم من عدم اجتماعهما قصر العوضية، ولا يتصور العوضية إلا على قول من قدم الخبر قبل الحال. ولأنك إذا قدرت الخبر: ثابت أو موجود، وجعلت قائما حالا من زيد - فلا - ¬

_ (¬1) النصب على الخلاف مذهب مشهور في كتب النحو قال به الكوفيون وخرجوا عليه كثيرا من الأسماء المنصوبة. من ذلك الظرف الواقع خبرا مثل: زيد أمامك، ومن ذلك المفعول معه مثل: سرت والنيل، ومن ذلك أفعل في التعجب لما قالوا باسميته. وما قالوه من مذهب النصب على الخلاف فاسد لأنه - في باب المبتدأ - لو كان الموجب لنصب الظرف كونه مخالفا للمبتدأ لكان المبتدأ أيضا يجب أن يكون منصوبا؛ لأن المبتدأ مخالف للظرف، كما أن الظرف مخالف للمبتدأ؛ لأن الخلاف لا يكون من واحد بل من اثنين فصاعدا، وعليه كان ينبغي أن يقال: زيد أمامك، وهو لا يجوز. وفي باب المفعول معه يقال: إن ما بعد لكن وبل ولا يكون مخالفا لما قبلها ويأتي مرفوعا ومجرورا تقول: قام زيد لا عمرو، ومررت بزيد لا عمرو. فإذا كان الخلاف ليس موجبا للنصب مع هذه الأحرف وما بعدها مخالف - فلأن لا يكون موجبا للنصب مع الواو التي لا يجب أن يكون ما بعدها مخالفا أولى. وأما أفعل في التعجب فهو فعل للزومه نون الوقاية مع ياء المتكلم، وأما تصغيره فشاذ. ثم إن الخلاف معنى من المعاني ولم يثبت النصب بالمعاني. انظر فساد النصب على الخلاف كتاب الإنصاف: (1/ 247، 250) وحاشية الصبان على الأشموني: (2/ 136)، (3/ 18). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 303).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يخلو إذ ذاك من أن يخبر المخاطب عن ضرب قد عهد منك إيقاعه بزيد في حال قيامه، أو عن ضرب لم يعهده منك في تلك الحال؛ فإذا أردت الأول لم يكن لإخبارك عنه بثابت أو مستقر فائدة؛ لأنه معلوم عند المخاطب وإن كان الثاني لم يكن في الكلام دليل على ذلك المحذوف؛ لجواز أن يكون التقدير: ضربي زيدا قائما غير ثابت. ولأن في جعل قائما معمول ضربي حذف الخبر برمته كما ذكروا، وفي جعل قائما معمول الخبر حذف بعض الخبر. وحذف بعض الخبر أولى من حذف جميعه، فظهر فساد ما ذكروه. وأما مذهب الأخفش (¬1) رحمه الله تعالى: فإنه إن جعل المصدر الثاني وهو ضربه مضافا إلى المفعول، وفاعله ضمير المتكلم محذوفا على ما تقرر - فإن المصدر يحذف فاعله إذا كان ضميرا، ولا يكون مستترا فيصير كأنه قال: ضربي زيدا أضربه قائما، فأما أن يفهم من نفس الخبر عين المفهوم من المبتدأ فلا يصح، وإما أن يفهم منه أن ضربه المطلق مثل ضربه قائما، وهو غير المعنى المفهوم، وإن جعل المصدر مضافا إلى فاعله صار المفهوم منه غير المطلوب من الكلام على ما سيبين معنى الكلام حين يبين في توجيه كلام سيبويه رحمه الله تعالى، فظهر أن الصحيح ما ذهب إليه سيبويه رحمه الله تعالى دون غيره (¬2)، وذلك لما ذكرنا من أن اعتقاد الحال معمولة للخبر يجعل المحذوف [1/ 316] بعض الخبر، وهو أولى من حذف جميع الخبر. وهنا نكتة لطيفة: وهو أن الاسم العامل ومعموله ينزل منزلة المضاف والمضاف إليه في باب النداء وباب لا، فكما يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه كذلك يحذف العامل ويبقى معموله، إلا أنه لما كان الأكثر إذا حذف المضاف يعرب المضاف إليه بإعرابه ولا كذلك العامل والمعمول كثر حذف المضاف وقل حذف العامل، وهذا - ¬

_ (¬1) انظر في رد رأي الأخفش: التذييل والتكميل: (3/ 290) والهمع: (1/ 106). (¬2) قال سيبويه: (1/ 402): «وأمّا عبد الله أحسن ما يكون قائما، فلا يكون فيه إلّا النّصب؛ لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائما على وجه من الوجوه». وفي موضوع آخر يقول: (1/ 419): «وتقول: عهدي به قائما وعلمي به ذا مال فتنصبه على أنّه حال وليس بالعهد ولا العلم، وليسا هنا ظرفين، وتقول: ضربي عبد الله قائما على هذا الّذي ذكرته لك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن اشترك فيه مذهب سيبويه والأخفش فإن مذهب سيبويه ينفرد بما أذكره: قال شيخنا جمال الدين (¬1) محمد بن عمرون رحمه الله تعالى: «والّذي يوضح المسألة أن معنى ضربي زيدا قائما: ما ضربت زيدا إلّا قائما، وهذا المعنى لا يستقيم إلا على مذهب سيبويه رحمه الله تعالى؛ لأنّ العامل يتقيد بمعموله، فإذا جعلت الحال من تمام المبتدأ يكون الإخبار بأن ضربي مقيّدا بالقيام واقع وذا لا ينفي أن يقع الضرب في حال القيام، وإذا جعل الحال من جملة الخبر يكون ضربي زيدا هذا الّذي لم يقيد بحال كائن. إذا كان قائما؛ فلو قدر وقوع ضرب في غير حال القيام يكون مناقضا للأخبار؛ إذ من الحال وقوع غير المقيد بالحال في زمان وتخلف شيء منه عن ذلك الزمان إذا أريد الحقيقة». ثم قال رحمه الله تعالى (¬2) - في مسألة: أكثر شربي السويق ملتوتا -: «وما أبطلنا به مذهب من يعتقد أنّ الحال من معمول المصدر يظهر في هذه المسألة أكثر؛ لأن ملتوتا لو جعل من تمام الشّرب يكون الإخبار حينئذ عن أكثر شرب سويق ملتوت أنه حاصل، وذلك لا ينفي أكثرية في غير حال اللّتّ». والمراد من هذا الكلام أن الأكثرية تقع في حال اللت، ولو وقعت في غير حال اللت لا يكون في الإخبار كثير فائدة. انتهى كلام الشيخ بهاء الدين في نقل المذاهب المذكورة وتقريرها. ثم قال الشيخ بهاء الدين أيضا: وفي هذه المسألة أمور لا بد من التعرض لها (¬3). منها: لم قدر الخبر ظرفا دون غيره؟ لأنا نقدر الخبر محذوفا، والحذف مجاز وتوسع، والظروف أجمل لذلك من غيرها. ومنها: لم قدر ظرف الزمان دون ظرف المكان (¬4)؟ إنما نابت الحال مناب الخبر الذي هو ظرف الزمان المحذوف للمشابهة التي بين ظرف الزمان والحال لفظا ومعنى، - ¬

_ (¬1) انظر هذا النص لابن عمرون في التذييل والتكميل: (3/ 291، 292). (¬2) القائل هو ابن عمرون أيضا. (¬3) انظر التعليقة على المقرب ورقة (35) والتذييل والتكميل: (3/ 293). (¬4) في نسخة (ب): لم قدر ظرف الزمان دون المكان؟ وهما سواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا ترى أن كل واحد منهما منصوب على معنى في؟ فإنك إذا قلت: جاء زيد ضاحكا، فكأنك قلت: جاء زيد وقت ضحكه. ولذلك أكثر ما تجيء هذه الحال السادة مسد الخبر مفردة لا جملة؛ لأنها إذ ذاك تشبه الظرف. إلا أن الجملة لما كانت بتقدير المفرد حملت في النيابة عن خبر المبتدأ على الحال المفردة، وذلك لأن الحال عوض منه كما ذكرنا. والحال لظرف الزمان أنسب منها لظرف المكان؛ لأنها توقيت للفعل من جهة المعنى كما أن الزمان توقيت للفعل، وذلك قدر سيبويه الحال بإذ في قوله تعالى: وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ (¬1) فقال: «إذ طائفة في هذه الحال» (¬2). ولأن المبتدأ هنا حدث، وظرف الزمان مختص بالإخبارية عن الحدث دون الجثة فهو أخص به من ظرف المكان (¬3). ومنها: لما قدرت إذ [1/ 317] وإذا دون غيرهما؟ قال شيخنا رحمه الله: ما ولي الظروف إن أردت الماضي إذ؛ لأنها تستغرق الماضي، وإن أردت المستقبل إذا لأنها تستغرق المستقبل أيضا (¬4). ومنها: لم قدر بعد الظرف فعل؟ ولم كان كان التامة دون غيرها؟ ولما لم يقدر نصب قائم على الخبر لكان؟ وذلك لأن الظرف لا بد له من فعل أو معناه؛ ليكون ظرفا له، والحال لا بد لها أيضا من عامل، والأصل في العمل الفعل، وقدرت كان تامة لتدل على الحدث المطلق الذي يدل الكلام عليه، ولم يعتقد في قائم الخبرية للزومه التنكير (¬5). قال رحمه الله تعالى (¬6): ودخول واو الحال عليها على ما سيجيء يقوي جانب الحالية لا الخبرية، ولا يلتفت إلى قول من يجوز دخول الواو على أخبار كان - ¬

_ (¬1) سورةآل عمران: 154. (¬2) قال في الكتاب: (1/ 90): وأما قوله تعالى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ فإنّما وجّهوه على أنّه يغشى طائفة منكم وطائفة في هذه الحال، كأنه قال: إذ طائفة في هذه الحال، فإنما جعله وقتا ولم يرد أن يجعلها واو العطف، وإنما هي واو الابتداء. (¬3) التذييل والتكميل: (3/ 294). (¬4) المرجع السابق. (¬5) المرجع السابق. (¬6) غير موجودة في نسخة الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخواتها إذا كان الخبر جملة، والضمير في كان فاعلها وهو يعود إلى زيد. ومنها: هل يجوز تقدم هذه الحال على المصدر؟ منع ذلك الكسائي والفراء وهشام (¬1) إن كانت الحال من ظاهر، كما منعوا في نحو: جاء زيد راكبا - أن تقول: راكبا جاء زيد، فتقدمها. وسبب ذلك أن مبنى الحال عندهم على الشرط، فبطل: راكبا جاء زيد من حيث لم يجز: إن تركب جاء زيد. فإن كانت من مضمر جاز التقديم عند الكسائي وهشام. ومن أخذ بمذهبهما فلا يجوز تقديمها إذا لم تقع خبرا، ويجوز عندهم: مسرعا قيامك كما يجوز مسرعا قمت؛ لأن الحال لمكنيّ، ولا ينكر تقدم مضمر على مضمر كما ينكر تقدم مضمر على ظاهر. وأبطل الفراء: مسرعا قيامك ومبادرا ركوبك، وأجاز: مسرعا قمت ومبادرا ركبت؛ لأن الحال المكني يجوز تقدمها إذا لم تكن رافعة، فإذا رفعت منعت التقدم والتوسط ولزمت التأخر عنده؛ لأنها عنده مبنية على الشرط، والشرط يقع آخرا لا أولا، فيقال: شكرتك إن أنصفت، ولا يقال: إن أنصفت شكرتك؛ لأن الشرط إنما يتلقى بالفاء أو إذا أو بالفعل، ولا يتلقى بالاسم المفرد. واحتج الكسائي وهشام على جواز: مبادرا ركوبك، بأن الحال مبنية على الوقت من حيث كانت في معناه، والوقت يرفع متقدما ومتأخرا، فيقال: قيامك يوم الخميس، ويوم الخميس قيامك. قلت: جميع ما ذكروه مبني على ما تقدم من أقوالهم، وقد تقدم إفسادها، ولا نقل عندي عن مذاهب البصريين في ذلك، بل مقتضى قولهم جواز تقديم الحال إن قدر الخبر متقدما على المصدر (¬2)، ووجوب تأخيرها إن قدر الخبر مؤخرا؛ لأن العامل عندهم في الحال كان المقدرة، وهي مضاف إليها الظرف، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل: (3/ 308) والهمع: (1/ 107). (¬2) قوله: جواز تقديم الحال خبر مقتضى، وقوله: على المصدر، متعلق بتقديم الحال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن الدهان (¬1) في شرح الإيضاح: ولا يمتنع عندي في القياس: قائما ضربي زيدا؛ لأن خبر المبتدأ في هذه المسألة يتقدم على المبتدأ (¬2). ومنها: أنه لا يجوز أن يسد الحال مسد الخبر إذا كان المبتدأ جثة؛ لأن الخبر المقدر لا يكون إلا ظرف زمان كما تقدم، وظروف الزمان لا تكون أخبارا للجثة. ومنها: هل يجوز لضمير المصدر أن يسد الحال مسد خبره؟ ذهب البصريون والكسائي إلى أن ضمير المصدر يجري مجراه في ذلك [1/ 318] نحو قولك: أكلي التفاحة هو نضيجة. فأكلى مبتدأ والتفاحة مفعوله وهو مبتدأ، و (هو) ضمير المصدر الذي هو أكلي، ونضيجة حال سدت مسد خبر المصدر، والضمير وخبره خبر المصدر الذي هو أكلي. وزعم الفراء أن ضمير المصدر كالجثة نحو زيد وعمرو لا يرفعه إلا ما يرفع زيدا وعمرا عن وكأن الذي حمله على ذلك كون الحال عنده بمنزلة الشرط. والشرط إنما يخبر به المصدر لا عن ضميره، وذلك باطل، وقد تقدم تبيين بطلانه (¬3). - ¬

_ (¬1) هو سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله الإمام ناصح الدين بن الدهان النحوي، ولد في رجب (453 هـ)، من أولاده يحيى بن سعيد أبو زكريا، وكان نحويّا أيضا، ولد قبل وفاة أبيه بعامين، ولذلك قال فيه أبوه: قيل لي جاءك نشل ... ولد شهم وسيم قلت عزّوه بفقدي ... ولد الشّيخ يتيم وتوفي ابن الدهان الأب سنة (596 هـ)، وابن الدهان الابن سنة (616 هـ). مصنفات ابن الدهان (الأب): له شرح الإيضاح المذكور في الشرح، قال السيوطي: وهو كتاب كبير في عدة مجلدات، ولم أره، وله أيضا شرح اللمع لابن جني المسمى بالغرة، وهو عدة أجزاء: الأول منه مفقود، والثاني مخطوط بدار الكتب (نحو تيمور رقم: 171) والثالث ميكروفيلم بمعهد المخطوطات (رقم 93 نحو) وله أيضا الدروس في النحو والفصول فيه، وتفسير القرآن، والأضداد، وقد عملت فيه رسالة دكتوراه بعنوان «ابن الدّهّان وآراؤه في النّحو» بكلية اللغة. انظر ترجمة ابن الدهان (الأب) في بغية الوعاة: (1/ 587) وترجمة ابن الدهان (الابن) في نفس المرجع (2/ 334). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 309). (¬3) قال: «قول الفراء: إنّ الحال لم تتحمّل ضمير المبتدأ للزومها مذهب الشّرط فالجواب عنه أنّ الشّرط بمفرده من غير جواب لا يصلح للخبرية؛ لأنّه لا يفيد. وإذا كان كذلك تعين أنّ جواب الشّرط محذوف فيكون الضّمير محذوفا، مع الجواب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عصفور (¬1): وسواء في ذلك المصدر وغيره مما لم يكن جثّة؛ إلّا أنّ مجيء ذلك في المصدر أكثر كما ذكرته. ومما يدل على مجيئه في غير المصادر قول الشاعر: 552 - خيال لأمّ السّلسبيل ودونه ... مسيرة شهر للبريد المذبذب (¬2) فخيال مبتدأ، ولأم السلسبيل صفة له. ولا يكون خبرا؛ لأنه لا مسوغ للابتداء بها إلا وصفها بالمجرور، والجملة التي هي: ودونه مسيرة شهر سادة مسد خبره؛ وساغ ذلك لأن الخيال لا حقيقة له جسيمة، فجرى مجرى المصادر (¬3). ومنها: أنه لا يجوز أن تسد الحال مسد خبر أن الناصبة للفعل وإن كانت بتأويل المصدر، ووجهه أن الحال إنما تسد مسد الخبر إذا كان ظرف زمان، وظرف الزمان لا يكون خبرا لأن والفعل، وإلى ما ذكرنا من المنع ذهب الكسائي والفراء وهشام، وعلّلوه بأنها لما عملت في ما بعدها أشبهت الأدوات وبعدت عن المصادر، فلم يجز فيها ما جاز في المصادر. وفي هذا التعليل نظر: فإن المصدر عامل في ما بعده، فالصحيح ما ذكرناه من التعليل. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) لم أجده في كتبه. وهو في التذييل والتكميل (3/ 304). (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو مطلع قصيدة قصيرة في ديوان الحماسة منسوبة للبعيث بن حريث بن جابر بن سري شاعر بن شاعر، وبعده: فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا ... فردّت بتأهيل وسهل ومرحب اللغة: أم السلسبيل: عشيقته. البريد المذبذب: المسرع المتعجل. يذكر أن خيال حبيبته زاره ليلا، فصارت قريبة منه مع أنها بعيدة جدّا بجسمها وشخصها. وشاهده واضح من الشرح. قال صاحب شرح ديوان الحماسة (1/ 377): «فإن قيل: لما نكّر فقال: خيال لأم السّلسبيل؟ قلت: يجوز أن يكون كأنّه يرى خيالها على هيئات مختلفة، فاعتقد أنّه عدة خيالات، فلذلك نكّره كأنه قصد إلى واحد منها» وهو غير ما ذكره الشارح عن ابن عصفور. والبيت في معجم الشواهد (ص 54) والتذييل والتكميل (3/ 305). (¬3) رده أبو حيان فقال: «ولا حجّة في هذا البيت؛ لأنه يحتمل أن يكون خيال خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا خيال».

[رفع الحال المنصوبة على الخبرية]

[رفع الحال المنصوبة على الخبرية] قال ابن مالك: (ورفعها خبرا بعد أفعل مضافا إلى ما موصولة بكان أو يكون - جائز، وفعل ذلك بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع). قال ناظر الجيش: أي: ورفع الحال المذكورة، وأشار بذلك إلى ما أجازه الأخفش من رفع قائم على الخبرية من قولهم: أخطب ما يكون الأمير (¬1) قائما، وليعلم قبل تقدم مذهبه أنّا إذا قلنا: أخطب ما كان أو أخطب ما يكون، فما مصدرية، والتقدير: كون الأمير، وفي إضافة أخطب إلى الكون نوع تجوز؛ لأن أفعل التفضيل لا تضاف إلا إلى ما هو بعضه، وليست الخطابة بعض الكون، ثم منهم من قدر مضافا محذوفا أي: أخطب أوقات كون الأمير لا لينتفي المجاز؛ فإن الخطابة ليست بعض الأوقات أيضا، لكن لما كانت الخطابة لا تقع إلا في الأوقات سهل ذلك تأولها بها. ومنهم من لم يقدر شيئا محذوفا، وجعل أخطب كونا كما تقدم، ويترتب على الرأيين بحث: وهو أن من قدر المضاف وجعل أخطب زمانا لإضافته إلى الأوقات المحذوفة وجوز وقوع إذا غير ظرف - لم يجعل إذا متعلقة بمحذوف كما في: ضربي زيدا قائما بل جعل نفس الظرف مرفوعا على الخبرية لا معمولا للخبر، ويكون قد أخبر بزمان عن زمان. قال الشيخ بهاء الدين رحمه الله: ولا يستنكر خروج إذا من الظرفية ورفعها؛ فقد جاءت مجرورة في قول الشّاعر [1/ 319]: 553 - وبعد غد يا لهف نفسي في غد ... إذا راح أصحابي ولست برائح (¬2) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل: (3/ 295) والهمع (1/ 106). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو في التوجع ورثاء النفس نسبه صاحب شرح ديوان الحماسة (3/ 1226) وكذلك صاحب معجم الشواهد إلى أبي الطمحان القيني، ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني (1/ 274) إلى هدبة بن خشرم في قصة له طويلة ملخصها: أن هدبة قال هذا البيت من أبيات أربعة أولها: ألا علّلاني قبل نوح النّوائح ... وقبل ارتقاء النّفس فوق الجوانح ثم بيت الشاهد. وقوله: إذا راح أصحابي بدل من غد، وهو موضع الشاهد، وجوز الأخفش وقوع إذا في موضع المجرور والمرفوع. والبيت في معجم الشواهد (ص 87) والتذييل والتكميل (2/ 63). ترجمة أبي الطمحان: هو حنظلة بن الشرقي شاعر مخضرم، كان جيد الشعر وكان فاسقا فاجرا خبيث -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأبدل إذا من غد. وأجاز المبرد (¬1) الرفع الصريح فيها، وذلك إذا قلت: إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو؛ فإذا الأولى مبتدأ والثانية خبر، وعلى هذا إذا ظهر الإعراب في الظرف يرتفع فتقول: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة، وأما من لم يقدر مضافا محذوفا وجعل أخطب كونا - فإذا في موضع نصب متعلقة بمحذوف كما كان في ضربي زيدا قائما، وعلى هذا إذا قلت: أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة نصبت اليوم. وإذا تقرر هذا فاعلم أن الأخفش رحمه الله تعالى أجاز الرفع في هذه المسألة كما تقدم. قال الشيخ (¬2): «وتبعه المبرد والفارسي (¬3) وهذا المصنف». انتهى. وقال المصنف رحمه الله تعالى: «يلزم من ذلك - يعني ما أجازه الأخفش من الرّفع - ارتكاب مجازين: أحدهما: إضافة أخطب مع أنه من صفات الأعيان إلى ما يكون وهو في تأويل الكون. والثاني: الإخبار بقائم مع أنه في الأصل من صفات الأعيان عن أخطب ما يكون مع أنه في المعنى كون؛ لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه، والحامل على ذلك قصد المبالغة وقد فتح بابها بأول الجملة (¬4)، فعضّدت بآخرها مرفوعا». انتهى (¬5). قال الشيخ بهاء الدين (¬6): «ووجّه ابن الدّهان رفع الأخفش قائما بأن جعل أخطب مضافا إلى أحوال محذوفة، أي: أخطب أحوال كون الأمير فلا مجاز في قائم حينئذ». وقال الشيخ أثير الدين (¬7): «قوله: فلا مجاز في قائم حينئذ - غير مسلم بل هو مجاز لأن قائما من صفات الأعيان لا من صفات الأحوال، والمطابق للإخبار عن أخطب - ¬

_ - الدين. (انظر ترجمته وأخباره في الشعر والشعراء: 1/ 395). (¬1) انظر: رأيه في التذييل والتكميل (3/ 298) وليس في المقتضب. (¬2) التذييل والتكميل (3/ 295). (¬3) قال أبو علي (الإيضاح: ص 78): «ومما يرتفع الاسم فيه بالابتداء قولهم: ضربي زيدا قائما، وأكثر شربي السّويق ملتوتا، وأخطب ما يكون الأمير قائما. فضربي وأكثر وأخطب مرتفع بالابتداء، وقائما سدّ مسدّ خبر الابتداء، والتقدير: ضربي زيدا إذا كان قائما وإذ كان قائما». (¬4) في النسخ: وقد فتح بابها تؤول الجملة، ولا معنى له. (¬5) شرح التسهيل (1/ 282). (¬6) التذييل والتكميل (2/ 298). (¬7) أثير الدين لقب للشيخ أبي حيان محمد بن يوسف النحوي. انظر ما قاله في التذييل والتكميل (3/ 296).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحوال الأمير أن يقال القيام كما يقال: أحسن أحوال زيد السرور، ولا تقول السّارّ». وقال الشيخ بهاء الدين (¬1): ويجوز أن تجعل ما بمنزلة شيء، والجملة التي هي يكون الأمير صفته والعائد محذوف خبر يكون الأمير، ويكون ناقصة كان أصلها: أخطب أحوال يكون الأمير فيها قائما، وتكون ما للعموم والكثرة كقوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ (¬2). ودليل وقوعها للجنس الإشارة إليها بقوله تعالى: وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ (¬3) وتكون ما حينئذ كناية عن الأحوال، فيتوجه ما قاله الأخفش. وقال الشيخ أثير الدين: «ويكون الإخبار بقائم أيضا مجازا؛ إذ القائم من صفات الأعيان لا صفات الأحوال كما بيّنا» انتهى (¬4). وأشار المصنف بقوله: وفعل ذلك بعد مصدر صريح دون ضرورة ممنوع - إلى نحو قول القائل: ضربي زيدا قائم، على تقدير: وهو قائم؛ وحق هذا أن يمنع مطلقا؛ لأنه شبيه بقولك: جاء زيد راكب؛ لكن الضرورة أباحت حذف المبتدأ المقرون بالفاء في جواب الشرط، وهو أصعب، وإجازة حذف مبتدأ مقرون بواو الحال أولى. ومثال حذف المبتدأ مقرونا بالفاء قول الشاعر: 554 - بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها ... بني ثعل من ينكع العنز ظالم (¬5) أراد: فهو ظالم، هذا كلام المصنف (¬6) [1/ 320]. قال الشيخ (¬7): «كان ينبغي أن لا يقول: دون ضرورة بل يقول: وفعل ذلك - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2)، (¬3) سورةيونس: 18. (¬4) التذييل والتكميل (3/ 297). (¬5) البيت من بحر الطويل لرجل من بني أسد. في اللسان (مادة: نكع): «نكعه حقّه حبسه عنه، ونكعه الورد منعه إياه» ثم أنشد بيت الشاهد. وشربها: حظها من الماء، وبني ثعل: قبيلة. ويستشهد به على: سقوط الفاء من جواب الشرط، وما يليها أيضا من المبتدأ، وهو ضرورة، والتقدير: فهو ظالم. والبيت في شرح التسهيل (2/ 283) والتذييل والتكميل: (3/ 299) ومعجم الشواهد (ص 341). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 283). (¬7) التذييل والتكميل (3/ 299).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد مصدر صريح ممنوع؛ فإن أدّت الضّرورة إلى رفعه خبر مبتدأ محذوف، وتكون الجملة حالا جاز، قال: ولم يبين جهة الأصعبية، ونقول: بل هو في الشرط أسهل؛ لأنّ جواب الشّرط لا بد أن يكون جملة فلنا دليل على ما حذف. وأما الحال السادة مسدّ الخبر ففيها خلاف: هل تقوم الجملة مقامها؟ كما سيأتي، فلا دليل منها على ما يحذف» انتهى (¬1). واعلم أن ابن الدهان (¬2) أجاز رفع قائم في: ضربي زيدا قائما - على الخبرية لا على المعنى الذي تقدم، بل على معنى أن تريد بقائم معنى ثابت دائما لا يتغير. فيكون خبرا عن ضربي حقيقة، كما تقول: الأمر بيننا قائم، والحرب قائمة على ساق، وهذا كما تقول: ضربي زيدا شديد، ولا خلاف في جوازه (¬3). ¬

_ (¬1) المرجع المذكور في الهامش السابق وقد اختصره الشارح وحذف مهمّا في الكلام. قال أبو حيان: أتقوم الجملة مقامهما أم لا يجوز إلا أن يكون صريح الاسم؛ فعلى هذا لا مقتضى للجملة بخلاف جملة الشرط؛ فإنها تطلب جملة الجواب وتقتضيه؛ فإذا حذف منها شيء دلّ عليه الشّرط. (¬2) انظر هذا الرأي مسندا إلى ابن الدهان في التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 298). (¬3) قال ابن الدهان في كتابه شرح اللمع (2/ 111) وهو المسمى بالغرة (مخطوط بدار الكتب رقم (171) نحو تيمور، والموجود منه الجزء الثاني فقط): فأما قولهم: ضربي زيدا قائما فتقديره: ضربي زيدا إذا كان قائما، وإذ كان قائما؛ فضربي مبتدأ وإذ أو إذا الخبر، وهما ظرفان والعامل فيهما مستقر أو استقر، وقائم حال من المضمر في كان وليس بخبر لكان؛ لاستحالة وقوع المعرفة هنا فقائم الآن حال من مضمر مرفوع بفعل في موضع جر بإضافته إلى ظرف العامل فيها اسم فاعل محذوف أو فعل، وذلك الظرف المحذوف كان الخبر للمبتدأ. ولم يستجيزوا: ضربي زيدا مشيا؛ لأن الحال هنا في موضع ضعيف فلم يتصرف فيها، وأخطب ما يكون الأمير قائما تقديره: أخطب أوقات كون الأمير إذا كان قائما، فلا يحتاج إلى عامل في إذا؛ لأن أخطب وقت لإضافته إلى الوقت، وإذا وقت فهو هو؛ فإن لم تقدر الوقت محذوفا وجعلت أخطب مضافا إلى ما وجعلت ما عامة؛ لأن أفعل لا تضاف إلى واحد لفظا ومعنى، وكان تقدير ما يكون أكوانا، فكان أن جعلت الأكوان خطيبة على الاتساع كان إذا متعلقا بمستقر أو استقر؛ لأنه غير المصدر. وقد وردت واقعة على العموم كقوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا [يونس: 18] والوجه الأول أكثر؛ لأن العرب كثيرا ما تتسع في الزمان، فتجعل الفعل له. وعلى هذا قالوا: نهارك صائم، قال الشاعر (من البسيط): أمّا النّهار ففي جوف وسلسلة ... واللّيل في جوف منحوت من السّاج فأما قولهم: هذا بسرا أطيب منه رطبا فتقديره هذا الشيء إذا كان بسرا أطيب منه رطبا.

[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا]

[إعراب الاسم المرفوع بعد لولا] قال ابن مالك: (وليس التّالي لولا مرفوعا بها، ولا بفعل مضمر؛ خلافا للكوفيّين، ولا يغني فاعل المصدر المذكور عن تقدير الخبر إغناء المرفوع بالوصف المذكور، ولا الواو والحال المشار إليهما؛ خلافا لزاعمي ذلك). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن المواضع التي يجب فيها حذف الخبر، وكان في بعض الصور المتقدمة خلاف - قصد الإشارة إليه هنا، وقد تقدم الكلام على مضمون قوله: ويغني فاعل المصدر المذكور إلى آخره، وعلى إغناء الحال عن الخبر في مسألة: ضربي زيدا قائما، وعلى واو المصاحبة أيضا في مسألة: كل رجل وضيعته؛ فلا حاجة لإعادته (¬1). وأما المرفوع بعد لولا (¬2) فتقدم أنه مبتدأ، وأن خبره محذوف وجوبا (¬3) وذكر فيه هنا مذهبين آخرين: أحدهما: أنه مرفوع بلولا، وهو رأي الفراء. والثاني: أنه مرفوع بفعل مضمر، وهو رأي الكسائي، ونبه على خلافهما بقوله: خلافا للكوفيين (¬4). قال المصنف (¬5): «والصحيح مذهب البصريين؛ لأنه إذا كان مبتدأ محذوف - ¬

_ (¬1) انظر مواضع حذف الخبر وجوبا. (¬2) قال أبو حيان: «المناسب ذكر قوله: «وليس التالي لولا مرفوعا بها، ولا بفعل مضمر؛ خلافا للكوفيين» متصلا بقوله: «ووجوبا بعد لولا الامتناعيّة غالبا»، أما أن يفصل بذلك بين مسائل الحال السّادة مسدّ الخبر فغير سديد في التّصنيف». (التذييل والتكميل: 3/ 300). (¬3) انظر في هذا التحقيق مواضع حذف الخبر وجوبا. الموضع الأول: خبر المبتدأ الواقع بعد لولا الامتناعية. (¬4) انظر التذييل والتكميل (3/ 300) والهمع: (1/ 105) واقرأ ذلك بالتفصيل في المسألة العاشرة من مسائل الخلاف في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف: (1/ 70) قال الشيخ كمال الدين الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أنّ لولا ترفع الاسم بعدها نحو: لولا زيد لأكرمتك، وذهب البصريون إلى أنه يرتفع بالابتداء، ثم ذكر حجج كل فريق ورجح رأي الكوفيين، قال: والصّحيح ما ذهب إليه الكوفيّون. (¬5) شرح التسهيل (2/ 284).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبر كان نظير المقسم به في كونه مبتدأ محذوف الخبر للعلم به، وسد الجواب مسده؛ بل يكون أولى بصحة حذف الخبر؛ لأن في لولا إشعارا بالوجود المانع من ثبوت معنى الجواب، والوجود الذي يشعر به هو المفاد بالخبر لو نطق به، ففي حذف الخبر بعد لولا من العذر ما في حذف خبر المقسم به وزيادة» قال: «وأما القولان فمردودان؛ لأنهما مستلزمان ما لا نظير له؛ إذ ليس في الكلام حرف يرفع ولا ينصب ولا حرف التزم بعده إضمار فعل رافع، ولا يقبل ما يستلزم عدم النظير مع وجدان ما له نظير». وأيضا فإذا حكم على الواقع بعد لولا بالابتداء كان المحذوف من الجملة مؤخرا، وإذا حكم بفاعليته كان المحذوف منها مقدما، والأواخر بالحذف أولى من الأوائل» انتهى (¬1). ومما رد به مذهب الفراء أن الحرف لا يعمل إلا إذا اختص، ولا خصوصية للو لا بقبيل دون قبيل فإنها كما دخلت على الاسم فيما تقدم، فقد دخلت على الفعل في قول الشاعر: [1/ 321]. 555 - ألا زعمت أسماء ألّا أحبّها ... فقلت بلى لولا ينازعني شغلي (¬2) وفي قوله أيضا: - ¬

_ (¬1) المرجع السابق ثم قال ابن مالك بعد ذلك: «وأيضا فإنّ المبتدأ أصل المرفوعات على ما بين في فصل إعراب الاسم، فأي موضع وجد فيه اسم مرفوع محتمل بالابتداء وغيره فالابتداء به أولى». (¬2) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي في الغزل (ديوان أبي ذؤيب (ص 10)، ديوان الهذليين ص 34) وبعده وهو جواب لولا قوله: جزيتك ضعف الود لمّا شكيته ... وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي وأبو ذؤيب يذكر لحبيبته أنه يحبها، وليس كما ادعت عليه، وأنه لولا عمله يشغله عنها لضاعف لها الود، وجازاها به جزاء لم تره من أحد. ويستشهد بالبيت على: أن لولا غير عاملة لأنها لم تختص بالدخول على معين، وإنما كما تدخل على الاسم تدخل على الفعل، وفيه رد على الفراء القائل: إن الاسم بعد لولا مرفوع بها، وقد أجيب عن هذا الرد، وفي المسألة كلام كثير انظره في الشرح. والبيت لم يورده ابن مالك ولا أبو حيان، وهو في معجم الشواهد (ص 300).

556 - قالت أمامة لما جئت زائرها ... هلّا رميت ببعض الأسهم السّود لا درّ درّك إنّي قد رميتهم ... لولا حددت ولا عذرى لمحدود (¬1) وقد أجاب الكوفيون عن ذلك بأن لولا الامتناعية لم تدخل على الفعل، وإنما هذه لو دخلت على لا الواقعة موقع لم، و (لا) تقع موقع لم بدليل قوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (¬2) ورد هذا الجواب بمنع أن لا واقعة موقع لم، والأصل عدم ذلك. والفرق بينها وبين الآية الكريمةأن مجيء لكن بعدها في الآية الشريفة (¬3) دل على أن المراد بها لم، ولا دليل هنا في البيت، فبقي على أصله. واعلم أن دعوى عدم خصوصية لولا الامتناعية بالأسماء ممنوعة، وأما كون الفعل يليها واستشهادهم بما أنشدوه. فقد قال المصنف في قول الشاعر: 557 - ولولا يحسبون الحلم عجزا ... لما عدم المسيئون احتمالي (¬4) إن التقدير: ولولا أن يحسبوا، فحذف أن ورفع الفعل والموضع موضع المبتدأ على تقدير أن كما قالوا: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه (¬5). فكذا يكون التقدير في لولا ينازعني: لولا أن ينازعني شغلي. وأما هى في: لولا - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر البسيط، وهما في الاعتذار ووصف الحال، قالهما الجموح الظفري كما في مراجعهما، وقيل: هما لراشد بن عبد الله السلمي. اللغة: أمامة: اسم زوجته. الأسهم السود: النبال المعلمة بسواد. لا درّ درّك: دعاء عليها أي لا كان فيك خير ولا أتيت بخير. حددت: بالبناء للمجهول أي: حرمت ومنعت. عذرى: المعذرة. لمحدود: لممنوع ومحبوس عن القتال. والمعنى: تعاتبه زوجته على جبنه وانسحابه من القتال، فقال لها: لقد قاتلت أعدائي واجتهدت في قتالهم، ولكني حرمت النصر عليهم، ولا يقبل عذر المحروم. وشاهده كالذي قبله. والشاهد في معجم الشواهد (ص 121) ولم يورده ابن مالك ولا أبو حيان. (¬2) سورة القيامة: 31. (¬3) أي في الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة: 32]. (¬4) البيت من بحر الوافر قائله مجهول، وهو في الفخر بالحلم والشجاعة. وشاهده: كالذي قبله وهو دخول لولا على الجملة الفعليه وقد أولوه كما في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 284)، وليس في معجم الشواهد. (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 284)، وهذا آخر كلامه، والمثل يضرب لمن مآثره وأخباره خير من منظره ومرآه (مجمع الأمثال 1/ 227) وقد مر المثل عند ذكر علامات الاسم.

[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة]

[الحال السادة مسد الخبر ووقوعها جملة] قال ابن مالك: (ولا يمتنع وقوع الحال المذكورة فعلا؛ خلافا للفرّاء، ولا جملة اسميّة بلا واو، وفاقا للكسائي ويجوز إتباع المصدر المذكور، وفاقا له أيضا). ـــــــــــــــــــــــــــــ حددت، فقد جعل المصنف أنها بمعنى لو لم، وأن المعنى لو لم أحد، وأنها حينئذ يلزم أن يليها الفعل. قال: ومجيء لا بمعنى لم كثير، ومنه قول الراجز: 558 - لاهمّ إنّ الحارث بن جبلة ... زنا على أبيه ثمّ قتله وكان في جار له لا عهد له ... وأيّ شيء سيّئ لا فعله (¬1)، (¬2) فإذا كان كذلك فلا يثبت الرد على الفراء بعدم الخصوصية، ومما رد به مذهب الكسائي أن ما ذكره دعوى مجردة من الدليل، فكيف يصار إليها مع أن الأصل عدم الإضمار؟ وسيأتي الكلام على لولا هذه، وعلى بقية المذاهب في الاسم الواقع بعدها في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى. قال ناظر الجيش: اعلم أنهم اختلفوا: هل تقع هذه الحال السادة مسد الخبر جملة أو لا؟ فأما الجملة الفعلية فأجاز وقوعها حالا أبو الحسن والكسائي وهشام (¬3)، ونقل ابن خروف عن سيبويه المنع (¬4)، واختلف في النقل عن الفراء، فحكى ابن خروف عنه الجواز - ¬

_ (¬1) الأبيات من الرجز المشطور، قال السيوطي (شرح شواهد المغني: 2/ 624): هي لابن العفيف العبدي، أو لعبد المسيح بن عسلة، قالها في الحارث بن أبي شمر الغساني الأعرج من بني دبيلة، وكان إذا أعجبته امرأة من قيس أرسل إليها فاغتصبها، حتى قيل فيه أبيات منها: اعلم وأيقن أنّ ملكك زائل ... واعلم بأنّ كما تدين تدان اللغة: زنا على أبيه: أي ضيق عليه. ومعنى الأبيات: أنه ارتكب كثيرا من السوآت. وشاهده: قوله: وأي شيء سيئ لا فعله؛ حيث أن لا النافية إذا دخلت على الفعل الماضي لفظا ومعنى وجب تكرارها؛ فهي هنا شاذة، وأجيب بأن لا بمعنى لم، والماضي بمعنى المضارع، ومجيء لا بمعنى لم كثير. والبيت في شرح التسهيل (1/ 284)، وفي معجم الشواهد (ص 520). (¬2) انظر شرح التسهيل (1/ 284) وهو آخر كلامه. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 305) والهمع: (1/ 106). (¬4) انظر تعليقا من الشارح وتعليقا من المحقق على هذا القول في الصفحة القادمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل المصنف عنه المنع، وكذلك ابن عصفور (¬1) قال الشيخ: «وهو الصّحيح» (¬2). قال المصنف (¬3): «وإنما منع الفراء ذلك فرارا من كثرة مخالفة الأصل، وذلك أن الحال إذا سدت مسد الخبر فهو على خلاف الأصل، وإذا وقع الفعل موقع الحال فهو على خلاف الأصل؛ فلا ينبغي أن يحكم بجوازه؛ لأنه مخالفة بعد مخالفة، قال: وهذا الذي اعتبره قد دأبت العرب على أنه غير معتبر بوقوع الجملة الاسمية موقع الحال المذكورة، فلو لم تقع الجملة الفعلية موقع الحال المذكورة ثقلا - لجاز وقوعها قياسا على وقوع الجملة الاسمية، ومع ذلك فقد سمع عن العرب وقوع الجملة الفعلية موقع الحال المذكورة، ومن ذلك قول الشاعر أنشده سيبويه رحمه الله تعالى (¬4). 559 - ورأي عينيّ الفتى أباكا ... يعطي الجزيل فعليك ذاكا (¬5)» [1/ 322] انتهى (¬6). قلت: وإنشاد سيبويه هذا البيت يدفع ما ذكره ابن خروف عنه من المنع إلا أن يكون سيبويه أتى به شاهدا لغير ذلك (¬7). - ¬

_ (¬1) لم يتكلم ابن عصفور في هذا الموضع طويلا (الجمل: 1/ 336، المقرب: 1/ 85) ولم ينسب رأيا لصاحبه، فمن أين نقل عنه الشارح هذه النسبة؟ لعل كتبا أخرى كانت له لم نطلع عليها. (¬2) التذييل والتكميل: (3/ 305) أي النقل عن الفراء بمنع وقوع الجملة الفعلية حالا هو الصحيح. (¬3) شرح التسهيل (1/ 285). (¬4) الكتاب: (1/ 191). ومما رواه أيضا في ذلك مع البيت قول العرب: «سمع أذني زيدا يقول ذاك». (¬5) البيتان من الرجز المشطور وهما لرؤبة بن العجاج في المدح (ديوان رؤبة: ص 181) وقبلهما: تقول بنتي قد أنى أناكا ... يا أبتا علّك أو عساكا وفي الديوان: إياك مكان أباكا وهو خطأ. والشاعر يقول لصاحبه: إن عيني رأت أباك، وهو يعطي العطاء الجزيل فالزم طريقته وتشبه به، فإن الولد سر أبيه، ومن يشابه أبه فما ظلم، وهو من أبرع المدح. واستشهد به الشارح على: مجيء الحال الذي يسد مسد الخبر جملة فعلية: فرأي مصدر مبتدأ، ويعطي جملة فعلية حال سدت مسد الخبر. والبيتان في شرح التسهيل (1/ 285) وفي التذييل والتكميل: (3/ 306) وفي معجم الشواهد (ص 513) وفي كتاب سيبويه: (1/ 191). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 285). (¬7) نعم، أتى به سيبويه في كتابه شاهدا لغير ذلك. أتى به في معرض الحديث عن عمل المصدر عمل الفعل المضارع، وذكر أن المصدر يأتي على أنواع ثلاثة: منونا: كقوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ [البلد: 14، 15] ومقترن بأل كضعيف النكاية أعداءه، ومضاف: وهو -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عصفور: «الّذي يمنعه الفراء الفعل المضارع المرفوع» (¬1) وعلله بأن النصب الذي في المفرد عوض من التصريح بالشرط والمستقبل المرفوع ليس في لفظه ما يكشف مذهب الشرط. قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس: «وما ذكره ابن عصفور من التّعليل لمذهب الفرّاء يقتضي أنّ الفرّاء يمنع أيضا الجملة الاسميّة؛ لأنها لا يظهر في لفظها النّصب أيضا. قال الشيخ بعد نقل الخلاف في هذه المسألة: «والصحيح الجواز لورود ذلك عن العرب» (¬2) وأنشد البيت المتقدم، وقول الآخر: 560 - عهدي بها في الحيّ قد سربلت ... بيضاء مثل المهرة الضّامر (¬3) وأما الجملة الاسمية فإما أن تكون مصحوبة بالواو أو لا. إن صحبتها الواو فنقل ابن خروف أن مذهب سيبويه والأخفش المنع، قال (¬4): «مذهب سيبويه أنّ الحال لا تسدّ مسد الخبر إلّا إذا كانت منصوبة»، وكلام المصنف في الشرح يقتضي أنه لا خلاف في جواز ذلك، فإنه قال: «حكى ابن كيسان: مسرّتك أخاك قائما أبوه، ثم قال: فإن قلت: مسرتك أخاك هو قائما - ¬

_ - نوعان: مضاف للمفعول ثم يرفع الفاعل، ومثل له بقوله: عجبت من كسوة زيد أبوه، ومضافا للفاعل ثم ينصب المفعول كالبيت المذكور شاهدا (الكتاب: 1/ 191). (¬1) التذييل والتكميل (3/ 306). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 306). (¬3) البيت من بحر السريع من قصيدة طويلة للأعشى، وهي في ديوانه (ص 92)، يهجو فيها علقمة ابن علاثة، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما، وكلها من الشعر القوى وإن امتلأت بالغريب، وقد بدأها بالغزل ووصف الديار، وفي بيت الشاهد يصف فتاته وبعده: قد نهد الثّدي على صدرها ... فى مشرق ذي صبح نائر لو أسندت ميتا إلى نحرها ... عاش ولم ينقل إلى قابر حتّى يقول النّاس ممّا رأوا ... ... يا عجبا من ميّت ناشر وقوله: سربلت: أي لبست السربال، ورواية الديوان: هيفاء مكان بيضاء، وامرأة هيفاء: ضامرة البطن رقيقة الخاصرة. المهرة: أنثى المهر وهو ولد الفرس يشبهون به النساء في الرقة، والضمور: لطافة الجسم ونحافته. وشاهده قوله: عهدي بها في الحي قد سربلت، حيث وقعت الجملة الفعلية حالا، وقد سدت مسد خبر المبتدأ. والبيت في التذييل والتكميل (3/ 306). وفي معجم الشواهد (ص 192). (¬4) التذييل والتكميل (3/ 306).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبوه، أو مسرتّك أخاك هو قائم - جازت المسألة عند الكسائي وحده؛ فإن جئت قبل هو بالواو جازت المسألة فى كل الأقوال» انتهى (¬1). وقد ورد السماع بذلك، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد» (¬2). ومنه قول الشاعر: 561 - خير اقترابي من المولى حليف رضا ... وشرّ بعدي عنه وهو غضبان (¬3) وقول الآخر: 562 - عهدي بها الحيّ الجميع وفيهم ... قبل التّفرّق ميسر وندام (¬4) وإن لم تصحب الجملة الاسمية الواو، فالمشهور من قول النحاة غير الكسائي المنع. قال المصنف (¬5): «والحامل لهم على ذلك أنّ الاستعمال لم يرد بخلافه فأفتوا بالتزامه، ولم ير الكسائي ذلك ملتزما بعد سدها مسدّ الخبر كما لم يكن ملتزما قبله، وبقوله أقول. وقد كان مقتضى الدّليل أن يكون حذف الواو هنا أولى؛ لأنه موضع اختصار؛ لكنّ الواقع بخلاف ذلك، وباب القيس مفتوح» انتهى. وقال ابن عصفور: «إنّ الفراء منع حذف الواو، وإنّ المفهوم من مذهب - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 286). (¬2) الحديث سبق ذكره وتخريجه في هذا التحقيق. (¬3) البيت من بحر البسيط سبق الحديث عنه وذكر الشاهد فيه وأما شاهده هنا: فهو قوله: وشر بعدي عنه وهو غضبان، حيث وقعت جملة الحال السادة مسد الخبر اسمية في قوله: وهو غضبان، والمبتدأ قوله: وشر بعدي عنه. (¬4) البيت من بحر الكامل من قصيدة للبيد بن ربيعة، يفتخر فيها ويتحدث عن مآثر قومه، وبيت الشاهد ثالث أبياتها، وروايته في الديوان: عهدي بها الإنس الجميع. (ديوان لبيد: ص 49). اللغة: الجميع: المجتمع. الميسر: لهو في الجاهلية حرمه الإسلام. ندام: جمع نديم وندمان، وهو الصاحب على الشراب وغيره. ولبيد يذكر ما يفعله الدهر بالناس حيث يفرقهم بعد اجتماعهم. قال ابن منظور في لسان العرب (حضر): عهدي: رفع بالابتداء والحي مفعول بعهدي والجميع نعته، وفيهم قبل التفرق ميسر جملة ابتدائية في موضع النصب على الحال وقد سدت مسد خبر المبتدأ الذي هو عهدي على حد قولهم: عهدي بزيد قائما. وهذا هو الشاهد. والبيت في التذييل والتكميل: (3/ 306) وفي معجم الشواهد (ص 354). (¬5) شرح التسهيل (1/ 286).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البصريين جواز حذفها». قوله: ويجوز إتباع المصدر المذكور، أشار به إلى ما أجازه الكسائي وحده من إتباع المصدر على وجه لا يقدح في البيان، كقولك: ضربي زيدا الشديد قائما، وشربي السويق كله ملتوتا، قال المصنف: «ومن منع احتجّ بكون الموضع موضع اختصار، وأنّ السّماع لم يرد فيه إتباع، ومن أجازه تبع القياس، ولم ير عدم السماع مانعا؛ لأن الحاجة داعية إلى استعمال ما منعوه في بعض المواضع، فإجازته توسعة ومنعه تضييق» (¬1). وقد ذكر الشيخ فروعا تتعلق بمسألة ضربي زيدا قائما (¬2): الأول: أجاز السيرافي وابن السراج دخول كان الناقصة على هذا المصدر، فتقول: كان ضربي زيدا قائما وقال ابن عصفور [1/ 323]: «وهو قبيح لأنّ تعويض الحال من الخبر إنّما كون بعد حذفه، وحذف خبر كان قبيح». انتهى (¬3). وقد يقال، إنما يكون قبيحا إذا لم يسد غيره مسده، أما مع مسد الحال مسده فلا. الثاني: إذا كنيت عن المصدر المذكور قبل ذكر الحال: نحو: ضربي زيدا هو قائما أجاز ذلك البصريون والكسائي. وإعراب هو الابتداء، وقائما حال سدت مسد خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول، وعند الكسائي يرتفع ضربي بالراجع من هو، ويرتفع هو بقائما وهو جار على مذهبه (¬4)، وقد تقدمت الإشارة إلى شيء من ذلك في كلام ابن النحاس. الثالث: تقديم الحال على معمول المصدر: نحو: شربك ملتوتا السويق. أبطل ذلك الكسائي والفراء، وحكي عن البصريين الجواز، وهو مشكل؛ لأن فيه الفصل - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 286). (¬2) انظر هذه الفروع بنصها في التذييل والتكميل: (3/ 304) وما بعدها، وقد قدم لها أبو حيان بقوله: وقد أغفل المصنف ذكر مسائل تتعلق بهذه المسألة. (¬3) التذييل والتكميل: (3/ 305). (¬4) قوله: على مذهبه أي على مذهب الكوفيين القائل بأن المبتدأ رفع الخبر، والخبر رفع المبتدأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بين المصدر ومعموله بالحال التي سدت مسد الخبر (¬1). الرابع: إذا كانت الحال بالواو فهل يجوز تقديمها على المصدر؟ أبطل ذلك الكسائي وهشام والفراء، وإن كان المصدر متعديا نحو قولك: وهو ملتوت شربي السويق. وإن كان لازما جاز ذلك عند الكسائي نحو: وأنت راكب حسنك، ولم يجز عند الفراء؛ لأن الحال لا ترفع مقدمة (¬2). الخامس: أجمعوا على إبطال: أكلك متكئا الطعام؛ لأن الطعام في صلة الأكل ومتكئ ساد مسد الخبر، والصلة لا تأتي بعد الخبر، وقد تقدم الخلاف في جواز نحو: شربك ملتوتا السويق، فينظر ما الفرق بين المسألتين (¬3). السادس: اختلفوا على جواز دخول إن وفاء أما، تقول: إن حسنك راكبا، وأما حسنك فراكبا (¬4). السابع: اتفقوا على منع: ما حسنك براكب؛ لأن الباء تغير نصب الحال فتفسد المسألة لذلك (¬5). الثامن: أجازوا: أما ضربيك فإنه حسنا - على أن الهاء ترجع إلى الضرب، وخبر إن حسنا، وحكم كان وظن حكم إن في هذا المعنى، فأجازوا: إن ضربيك فكان حسنا، وأما ضربيك فظننته حسنا على أن حسنا صفة للضرب. وأبطلها الفراء على أن حسنا صفة للياء والكاف. والكسائي يجيزهن كلهن (¬6). التاسع: أجاز الكسائي وهشام: عبد الله وعهدي بزيد قديمين، وكذلك عبد الله والعهد بزيد قديمين، ولا يعلم أن الفراء أجاز شيئا من هذا، وأصحابه يردون على الكسائي وهشام ما جوزاه من هذه المسائل. وقياس البصريين يقتضي المنع، ولا يجوز في قول الكسائي وهشام: عبد الله فالعهد بزيد قديمين، ولا يعطفان هنا إلا بالواو الجامعة (¬7). - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 306، 307). (¬2) المرجع السابق. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 310). (¬4) المرجع السابق. (¬5) المرجع السابق. (¬6) المرجع السابق. (¬7) التذييل والتكميل (3/ 311).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العاشر: أجاز الكسائي والبصريون تقديم معمول الحال المذكور عليها بعد تمام المصدر وصلته نحو: ضربي زيدا فرسا راكبا أي: راكب فرسا، ومنع ذلك الفراء، قال: لأن راكبا لا يرد إلى الاستقبال، وما لم يرد إلى الاستقبال لم تقدم صلته عليه (¬1) [1/ 324]. الحادي عشر: أجاز الزجاج: عبد الله أحسن ما يكون القيام، وقال: لا يجوز غيرها، ومنعها المبرد (¬2). الثاني عشر: أكثر ضربي زيد منعها الكوفيون وأجازها البصريون قبل، ولا خلاف يعلم في جواز: أكثر لبسي الكتان (¬3). الثالث عشر: أجاز ابن كيسان: أما ضربي زيدا فكان قائما نفسه نفسه؛ فيكون الأول لذكر زيد، والثاني لذكر الضرب. وحكى أبو جعفر النحاس أن ذلك جائز على مذهب البصريين والكسائي، وغير جائز على مذهب الفراء (¬4). الرابع عشر: علمي بزيد كان ذا مال منعها أبو علي (¬5) أن يكون علمي مبتدأ، وبزيد متعلق به، وكان في موضع خبره واسمها مستتر فيها وهو عائد على متعلق علمي، وذا خبر كان من حيث إن جملة الخبر ليس فيها ما يربطها بالمبتدأ الذي هو علمي؛ لأن ذا مال ليس نفس العلم ولا منزلا منزلته. وتجويز المسألة على وجوه: منها: ما أجازه بعضهم من أن تكون من باب ضربي زيدا قائما، أي كائنا ذا مال، أو قد كان ذا مال، وذلك على تقدير الكوفيين فيما نقل عنهم أنهم يقدرون - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 311). (¬2)، (¬3)، (¬4) المرجع السابق. (¬5) قال أبو علي الفارسي في الإيضاح له (ص 93) (تحقيق د/ حسن شاذلي): «ولمّا كان خبر المبتدأ إذا كان مفردا هو المبتدأ في المعنى أو منزلا منزلته - لم يجز علمي بزيد كان ذا مال؛ لأنّ علمي يرتفع بالابتداء وبزيد في موضع نصب بالمصدر، وكان في موضع خبر المبتدأ، فيجب من أجل ذلك أن يكون في كان ضمير يعود إلى المبتدأ، وذلك الضمير هو علمي في المعنى، وذا مال هو خبر كان، فاستحالت المسألة من حيث لم يكن قولك ذا مال هو علمي». ثم قال: «ولو قلت: علمي بزيد كان يوم الجمعة، كان مستقيما؛ لأنّ يوم الجمعة يكون خبرا عن علمي؛ لأني أقول: كان علمي بزيد يوم الجمعة، فيكون ظرف الزمان خبرا عن الحدث الذي هو علمي، ولا أقول كان علمي ذا مال».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخبر متأخرا أي: علمي بزيد كان قائما واقع، أو على تقدير عضد الدولة (¬1) علمي بزيد علمي به ذا مال، وأما على تقدير من قدر إذا كان فلا يصح، ويمكن أن يكون بزيد خبر علمي أي: علمي ملتبس بزيد، أو واقع به ذا مال أي غنيّا، ويمكن أن تكون كان زائدة، ويكون المعنى: علمي بزيد ذا مال. وزعم بعضهم أن التقدير: علمي بزيد إذ كان وحذف إذ للدلالة عليها وهو ضعيف؛ لأن العرب إنما حذفت هنا الفعل والظرف معا ولم تحذف أحدهما دون الآخر. واختار الأستاذ أبو علي أن تكون كان ناقصة واسمها يعود على العلم، وذا مال حال تسد مسد خبر كان كما سد مسد خبر المبتدأ، وقد ردّ ذلك على أبي علي (¬2). الخامس عشر: لا يجوز وقوع المصدر موقع هذه الحال؛ لأنه لا يناسبه بينه وبين الزمان، وهم إنما عدلوا إلى الحال المشتقة للمناسبة، وهذه المناسبة لا تجوز إلا مع صورة الحال الأصلية، ولا تجوز في الحال لكونها كالظرف؛ لأنه لا يتجوز في الشيء الواحد مرتين. ¬

_ (¬1) هو أبو شجاع بن ركن الدولة بن ساسان، واسمه فناخسرو بن الحسن بن بويه، تولى ملك فارس ثم ملك الموصل وبلاد الجزيرة، ودانت له العباد والبلاد، لقب في الإسلام بشاهنشاه، كان رجلا كامل الفضل حسن السياسة شديد الهيبة، قصده العلماء والشعراء، وللمتنبي فيه قصائد، ومما قاله فيه (من الوافر): أروح وقد ختمت على فؤادي ... بحبّك لن يقرّ به سواكا كما كان هو شاعرا وعالما بالعربية والأدب، وله فيها أبحاث وأقوال حسنة، وقد نقل عنه ابن هشام الخضراوي في الإفصاح أشياء، ولعضد الدولة صنّف وأهدى أبو علي الفارسي كتابيه: الإيضاح والتكملة. وقد افتخر ذات يوم فقال عن نفسه (من الرمل): عضد الدّولة وابن ركنها ... ملك الأملاك غلّاب القدر ولم يفلح بعد هذا البيت، وتوفي سنة (372 هـ) ببغداد ونقل إلى الكوفة وعاش ما يقرب من خمسين عاما، ولما حضرته المنية لم ينطق إلا بقوله: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ. [الحاقة: 28، 29] انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 248). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 293).

[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك]

[حذف المبتدأ جوازا ووجوبا ومسائل ذلك] قال ابن مالك: (ويحذف المبتدأ أيضا جوازا لقرينة، ووجوبا كالمخبر عنه بنعت مقطوع لمجرّد مدح أو ذمّ أو ترحّم، أو بمصدر بدلا من اللّفظ بفعله، ومخصوص في باب نعم أو بئس أو بصريح في القسم). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على حذف الخبر جوازا ووجوبا - شرع في الكلام على حذف المبتدأ، وقد علمت أنه أيضا على قسمين: جائز وواجب. فالجائز: أن يحذف لقرينة تشعر به لحذفه بعد استفهام عن الخبر، كقولك: صحيح، وفي المسجد، وغدا، وعشرون لمن قال: كيف أنت؟ وأين اعتكافك؟ ومتى سفرك؟ وكم دراهيمك؟ وكحذفه عند شم طيب، أو سماع صوت، أو رؤية شبح كقولك: مسك، وقراءة، وإنسان بإضمار هذا ونحوه. قال امرؤ القيس [1/ 325]: 563 - إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة ... معتّقة ممّا تعتّق بابل (¬1) أي: هذا طعم مدامة. ولو كان المذكور معرفة جاز جعله مبتدأ محذوف الخبر. ومن القرائن المحسنة لحذف المبتدأ وجود فاء الجزاء داخلة على ما لا يصلح أن يكون مبتدأ كقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها * (¬2) أي: فصلاحه لنفسه وإساءته عليها. وأما الحذف الواجب: فقد ذكر المصنف أنه في أربعة مواضع أيضا كالخبر: الأول: المبتدأ المخبر عنه بنعت مقطوع لمجرد مدح نحو الحمد لله الحميد، - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة لامرئ القيس في الغزل ووصف الديار، وهي في ديوانه (ص 109) إلا أن رواية البيت في الديوان تختلف عما هنا كثيرا وهي في الديوان: إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة ... معتّقة مما يجيء به التّجر والشطر الأول صدر بيت في شعر لعبيد بن الأبرص (ديوانه: ص 30) وقائل البيت يتغزل فيشبه رائحة فم حبيبته حين بقبلها بالخمر المعتقة الغالية الثمن. وشاهده واضح من الشرح. وهو في التذييل والتكميل: (3/ 313) وفي معجم الشواهد (ص 132) بقافية التجر. (¬2) سورةفصلت: 46، والجاثية: 15.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصلّى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين. أو لمجرد ذم كقولك: أعوذ بالله من إبليس عدوّ المؤمنين، أو لمجرد ترحم كقولك: مررت بغلامك المسكين؛ فهذا ونحوه من النعوت المقطوعة لهذه المعاني الثلاثة - لك فيها النصب بفعل ملتزم إضماره، والرفع بمقتضى الخبر لمبتدأ لا يجوز إظهاره، وذلك أنهم قصدوا إنشاء المدح، فجعلوا إضمار الناصب أمارة على ذلك كما فعل في النداء؛ إذ لو أظهر الناصب لخفي معنى الإنشاء، وكونه خبرا مستأنف المعنى؛ فلما التزم الإضمار في النصب التزم أيضا في الرفع ليجري الوجهان على سنن واحد. وإنما قيد النعت المقطوع بكونه لأحد الثلاثة تحرزا من النعت المقطوع لغير ذلك؛ فإنه يجوز إظهار المبتدأ وإضماره، وكذا إظهار الناصب وإضماره نحو مررت بزيد الخياط. وقول المصنف في الشرح: بنعت مقطوع لتعين المنعوت بدونه، وقوله أيضا فهذا ونحوه من النعوت المقطوعة للاستغناء عنها لحصول التعيين بدونها - قد يوهم أن نحو: مررت بزيد الخياط داخل في ذلك إذا كان زيد معلوما، وليس كذلك؛ فإن مراده أنها مع كونها يحصل التعيين بدونها بكون للمدح أو للذم أو للترحّم وسيأتي الكلام على هذه المسألة في باب النعت إن شاء الله تعالى (¬1). الموضع الثاني: المبتدأ المخبر عنه بمصدر جيء به بدلا من اللفظ بفعله كقول الشاعر: 564 - فقالت حنان ما أتى بك هاهنا ... أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف (¬2) - ¬

_ (¬1) سيأتي الحديث عن باب النعت والحديث المفصل عن قطع النعت في هذا الكتاب الذي بين يديك، وقد ذكر أنه يقطع إلى الرفع بتقدير كونه خبرا لمبتدأ محذوف، وإلى النصب بتقدير كونه مفعولا به لفعل محذوف، وقال عن هذا الفعل: «وإذا كان المضمر أمدح أو أذمّ أو أترحّم لم يجز الإظهار، وإذا كان المضمر أعني جاز الإظهار والإضمار». (¬2) البيت من بحر الطويل نسبته مراجعه لشاعر يدعى المنذر بن أدهم الكلبي من جملة أبيات له في الغزل. النّشب: بالشين المعجمة المال، ويروى بالمهملة ومعناه: ألك قرابة هنا؟ وهو أوضح. وأحسن معنى للبيت: أن صاحبته خافت وأشفقت عليه من قومها حين رأته، فلقنته الجواب الذي يذكره إذا سأله أحد عن سبب قدومه هنا. وذو نسب: خبر مبتدأ محذوف دل عليه ما بعده من ضمير المخاطب. وشاهده واضح من الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 287) وفي التذييل والتكميل (3/ 314) وفي معجم الشواهد (ص 237).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: أمري حنان. ومنه قولهم: سمع وطاعة أي: أمري سمع وطاعة، والأصل في هذا النصب لأنه مصدر جيء به فالتزم إضمار ناصبه لئلا يجتمع بدل ومبدل منه في غير إتباع، ثم حمل المرفوع على المنصوب في التزام إضمار الرافع الذي هو المبتدأ. قال سيبويه (¬1): «وسمعت من يوثق بعربيّته يقال له: كيف أصبحت؟ فقال: حمدا لله وثناء عليه» أي: أمري حمد الله، وأنشد قول الراجز: 565 - شكا إليّ جملي طول السّرى ... صبر جميل فكلانا مبتلى (¬2) ثم قال سيبويه (¬3) رحمه الله: «والّذي يرفع عليها حنان وصبر وما أشبه ذلك لا يستعمل إظهاره وترك إظهاره كترك إظهار ما ينصب به». قال الشيخ: «وقد جاء إظهار هذا المبتدأ في الشّعر، أنشد ابن جنّي في الخصائص (¬4) [1/ 326]: 566 - فقالت على اسم الله أمرك طاعة ... وإن كنت قد كلّفت ما لم أعوّد (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر نصه في الكتاب: (1/ 319). (¬2) بيتان من الرجز المشطور قائلهما مجهول. اللغة: السّرى: السير بالليل خاصة وهو في البيت عام. مبتلى: مصاب. والمعنى: شكوى من الجمل إلى صاحبه فقال له صاحبه: الصبر أمرنا وكلانا مصاب أنت بتعبك وأنا بهمومي. وشاهده قوله: صبر جميل؛ حيث رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف واجب الحذف، كما يروى بالنصب على أنه مفعول مطلق. ونقل الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (شرح الأشموني: 1/ 150) عن الأعلم أنه قال: «والقول عندي أنه مبتدأ لا خبر له؛ لأنّه اسم ناب مناب الفعل والفاعل، ووقع موقعه وتعرّى عن العوامل، فوجب رفعه واستغنى عن الخبر لما فيه من معنى الفعل والفاعل ونظيره: حسبك ينم النّاس ومعناه اكفف». والبيت في شرح التسهيل (1/ 288) وهو في معجم الشواهد (ص 565). (¬3) انظر: في الكتاب (1/ 321). (¬4) سفر كبير من ثلاثة أجزاء ألفه ابن جني من قريحته، يشتمل على أبواب كثيرة في النحو والصرف واللغة وأصولها ومعانيها، طبعته مرارا دار الكتب المصرية بتحقيق الشيخ محمد علي النجار، كما طبعته دار الهدى للطباعة والنشر بلبنان. وانظر ما نقله عنه أبو حيان في الجزء الثاني (ص 362) من طبعة بيروت. (¬5) البيت من بحر الطويل ثاني أبيات من مقطوعة لعمر بن أبي ربيعة من غزله الفاضح ومجونه وهي في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). (ولقائل أن يقول: إن طاعة في هذا البيت لم يكن الرفع عن نصب؛ إذ لا يتعين أنه كان منصوبا على أنه مصدر ثم عدل به إلى الرفع، بل طاعة أتى به مرفوعا من أول الأمر، ومعنى أمرك طاعة أمرك مطاع، وإذا كان كذلك فليس هذا الذي في البيت مما نحن فيه) (¬2). الموضع الثالث: المبتدأ المخبر عنه بممدوح نعم وبمذموم بئس إذا جعلا خبري مبتدأين وهو أحد الأقوال وقد قيل إنه مبتدأ والخبر محذوف فعلى هذا تزاد مواضع حذف الخبر وتنقص مواضع حذف المبتدأ. وقد قيل إن الاسم المذكور مبتدأ والخبر الجملة التي قبله وهو الصحيح فعلى هذا لا حذف في المسألة. الموضع الرابع: المبتدأ المخبر عنه بما يدل على القسم صريحا كقول العرب: في ذمتي لأفعلن يريدون: في ذمتي ميثاق أو عهد أو يمين، فاقتصروا على الخبر والتزموا حذف المبتدأ كما فعلوا عكس ذلك في قولهم: لعمرك لأفعلنّ، ذكر هذه المسألة أبو علي رحمه الله تعالى (¬3). ومن شواهد هذا الاستعمال قول الشاعر: 567 - تساور سوّار إلى المجد والعلا ... وفي ذمّتي لئن فعلت ليفعلا (¬4) - ¬

_ - ديوانه (ص 59) وبعد بيت الشاهد قوله: فنا زلت في ليل طويل ملثّما ... لذيذ رضاب المسك كالمتشهّد فلما دنا الإصباح قالت فضحتني ... فقم غير مطرود وإن شئت فازدد وشاهده واضح، وانظر البيت في التذييل والتكميل (2/ 85) وهو في معجم الشواهد (ص 113). (¬1) التذييل والتكميل (3/ 315). (¬2) ما بين القوسين ساقط من الأصل، وهو من نسخة (ب). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 315). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو لليلى الأخيلية من هجائها المشهور للنابغة الجعدي. اللغة: تساور: تفاخر وتغالب. سوّار: قال محقق المقتضب (3/ 11) هو سوار بن أوفى القشيري وكان بينه وبينها مودة. وقال محقق كتاب سيبويه (3/ 512) هو الطلاب لمعالي الأمور المتجه بنفسه إليها، وعنت به سيدا من أهلها. وشاهده: حذف المبتدأ وجوبا؛ لأنه قد أخبر عنه بما يدل على القسم، وذلك في قوله: وفي ذمتي. كما -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الشيخ مواضع أخرى يجب فيها حذف المبتدأ (¬1). منها: أن يذكر الشاعر منزلا أو منازل يتغزل بها، ثم يقول: دار فلانة أو ديار فلانة. كما في قول الشاعر: 568 - أتعرف رسم الدّار قفرا منازله ... كجفن اليماني زخرف الوشي ماثله بتثليث أو نجران أو حيث تلتقي ... من النّجد في قيعان جأش مسايله ثم قال: 569 - ديار سليمى إذ تصيدك بالمنى ... وإذ حبل سلمى منك دان تواصله (¬2) أي هي ديار، أو تلك ديار. وقال الآخر: 570 - هل تعرف اليوم رسم الدّار والطّللا ... كما عرفت برسم الصّيقل الخللا - ¬

_ - استشهد به سيبويه على إبدال نون التوكيد الخفيفة ألفا في قوله: ليفعلا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 288) وفي التذييل والتكميل (3/ 315) وفي معجم الشواهد (ص 264). ترجمة ليلى: هي ليلى بنت الأخيل من عقيل بن كعب، وهي أشعر النساء لا يقدم عليها غير الخنساء، تهاجت هي والنابغة الجعدي وأحبت توبة بن الحمير وأحبها. وقيل تزوجت به ولما مات رثته بجيد الشعر تقول: لعمرك ما بالموت عار على الفتى ... إذا لم تصبه في الحياة المعاير وما أحد حيّا وإن كان سالما ... بأخلد ممّن غيّبته المقابر التقت بالحجاج وبعبد الملك بن مروان وتحدثت معهم، وتوفيت نحو (80 هـ). انظر ترجمتها وأخبارها في الشعر والشعراء: (1/ 452)، الأعلام (6/ 116). (¬1) التذييل والتكميل (3/ 315). (¬2) الأبيات من بحر الطويل مطلع قصيدة لطرفة بن العبد، وكلها في الغزل (ديوان طرفة: ص 136). اللغة: الرسم: الأثر. الجفن: غمد السيف. الوشي: النقش، ماثله: صانعه الذي يمثل التماثيل عليه، ويقال لكل من عمل شيئا على مثال شيء: ماثل. تثليث ونجران وجأش: مواضع بالحجاز. النجد: العالي من الأرض. القيعان: جمع قاع، وهي الأرض السهلة قد انفجرت عندها الجبال. مسايله: جمع مسيل وهو طريق الماء. والمعنى: هذه ديار سلمى التى صارت قفرا، وهذه مواضع لقائها ووصلها التي كانت تصلك فيها حينا وتمنيك بالوصل أحيانا أخرى. وشاهده واضح. والشاهد في التذييل والتكميل (3/ 316) ومعجم الشواهد (ص 287).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دار لمروة إذ أهلي وأهلهم ... بالقادسيّة نرعى اللهو والغزلا (¬1) ومنها: ما انتصب توكيدا لنفسه نحو: صُنْعَ اللَّهِ (¬2) ووَعْدَ اللَّهِ (¬3) وكِتابَ اللَّهِ (¬4). وصِبْغَةَ اللَّهِ (¬5). هذا كله يجوز رفعه بإضمار مبتدأ لا يجوز إظهاره (¬6). ومنها: قولهم: «من أنت؟ زيد» أي مذكورك زيد حذفت المبتدأ وجوبا؛ لأنهم قالوا: من أنت؟ زيد بالنصب، أي تذكر زيدا فأضمروا في الرفع كما أضمروا في النصب (¬7). ومنها: قول العرب: لا سواء. حكاه سيبويه (¬8) وتأوله على حذف المبتدأ تقديره: هذان لا سواء. وقال سيبويه (¬9): «إنما دخلت لا هنا لأنّها عاقبت ما بني عليه سواء، ألا ترى أنك لا تقول هذان لا سواء؟». والمبرد لا يمنع ظهوره. ويقدره بعضهم بعد لا أي: لا هما سواء. وقال الصفار: «هذه اللّفظة تستعمل عند ما يسوّى بين شيئين أو أشياء، فيقول الرادّ: لا سوى أي: هما لا سواء؛ لكن لم يظهر فيه ما ارتفعت عليه سواء وعاقبته لا، فكما أنك لو قلت: هما سواء لم يلزم تكرار فكذلك ما عاقبه» (¬10). ومنها: قولهم: لا سيّما زيد في من رفع زيدا التقدير: لا سيّ الذي هو زيد. - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر البسيط، وهما مفردان قالهما عمر بن أبي ربيعة، قال محقق الديوان (ص 177): هما من الشعر المنسوب إليه. وهما في الغزل. وشاهدهما: حذف المبتدأ جوازا لوجود دليل يدل عليه، وأصله لو ذكر: هي ديار أو هذه ديار. والبيتان في التذييل والتكميل: (3/ 316) وفي معجم الشواهد (ص 267). (¬2) سورة النمل: 188. (¬3) سورة الروم: 6. (¬4) سورة النساء: 24. (¬5) سورة البقرة: 138. (¬6) التذييل والتكميل (3/ 316). (¬7) المرجع السابق. (¬8) كتاب سيبويه: (2/ 302). تحت عنوان: «هذا باب ما إذا لحقته لا لم تغيّره عن حاله الّتى كان عليها قبل أن تلحق». (¬9) انظر نصه في الكتاب (2/ 302). (¬10) التذييل والتكميل: (3/ 317).

[حكم قولهم: زيد والريح يباريها- وقولهم: راكب الناقة طليحان]

[حكم قولهم: زيد والريح يباريها - وقولهم: راكب الناقة طليحان] قال ابن مالك: (وإن ولي معطوفا على مبتدأ فعل لأحدهما واقع على الآخر صحّت المسألة، خلافا لمن منع، وقد يغني مضاف إليه المبتدأ عن معطوف فيطابقهما الخبر). ـــــــــــــــــــــــــــــ فهذه خمسة مواضع [1/ 327] غير ما ذكره المصنف، على أن أكثر هذه المسائل تأتي في كلام المصنف في أثناء الكتاب مفرقة، وإنما قصد الشيخ جمعها لتضبط. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان، والمناسب لذكرهما هنا أن الأمر يؤول في إحداهما إلى حذف خبر وفي الأخرى إلى حذف مبتدأ. أما المسألة الأولى: فمثالها قولهم: زيد والريح يباريها، وفي هذه المسألة خلاف: فمن البصريين والكوفيين من لم يجزها، ومنهم من أجازها (¬1). فأما المجيز من البصريين فحكم بحذف الخبر، وجعل التقدير: زيد والريح يجريان يباريها. فيجريان الخبر، ويباريها في موضع نصب على الحال، واستغني بها عن الخبر لدلالتها عليه، وأما المجيز من الكوفيين فلم يقدر خبرا محذوفا، وجعل يباريها الخبر حملا على معنى يتباريان لأنّ من باراك فقد باريته. قال الشيخ: وقد أطلق المصنّف في قوله: وإن ولي معطوفا على مبتدأ، وقد قيّدوه بأن يكون العطف بالواو؛ فإن كان بالفاء أو بثم لم يجز. قال أيضا: وقيّد المصنف بقوله: فعل لأحدهما، وقد جوّزوا ذلك في الفعل، وفي اسم الفاعل. انتهى (¬2). قال المصنف (¬3): واستدلّ أبو بكر بن الأنباري على صحّة هذا الاستعمال بقول الشّاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 319)، والهمع (1/ 108). (¬2) التذييل والتكميل (2/ 92). (¬3) شرح التسهيل (1/ 289) .. ولم أجد هذه المسألة في مسائل الخلاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 571 - واعلم بأنّك والمنيّ ... ة شارب بعقارها (¬1) قال الشيخ: «ولا حجّة فيه لأنّه لا يتعيّن أن تكون الواو للعطف؛ إذ يحتمل أن تكون واو مع، وتكون شارب خبرا لأنّ، كما تقول: إنّك مع هند محسن إليها». انتهى (¬2). ولا يظهر ما قاله؛ لأن من شرط صحة النصب على المعية تقدم فعل أو ما يشبه الفعل (¬3)، وليست أن من العوامل التي تنصب المفعول معه. وأما المسألة الثانية: فمثالها: قول العرب: راكب البعير طليحان (¬4). قال المصنف (¬5): «قد يقصد اشتراك المضاف والمضاف إليه في خبر؛ فيجيء الخبر مثنّى ومثّل بهذا المثال» قال: والأصل راكب البعير والبعير طليحان؛ فحذف المعطوف لوضوح المعنى». وإذا كان الأصل راكب البعير والبعير، ثم حذفنا المعطوف، فلا يتجه قول المصنف: وقد يغني مضاف إليه المبتدأ عن معطوف فيطابقهما الخبر - إلا أن يجعل الضمير في مطابقهما عائدا على قوله المبتدأ، وعن معطوف؛ أي يطابق المعطوف عليه والمعطوف لكن يعكر على ذلك قوله في الشرح (¬6): «قد يقصد اشتراك المتضايفين في خبر فيجيء الخبر مثنّى». ونقل الشيخ عن صاحب البديع (¬7) أنه قال: «التّقدير: راكب البعير أحد - ¬

_ (¬1) البيت من مجزوء الكامل ولم تسمّ مراجعه قائله، وهو في النصح والوعظ. وشاهده: واضح من الشرح؛ حيث استدل به على أنه يجوز أن يؤتى بمبتدأ ومعطوف عليه بواو وبعدهما فعل لأحدهما هو الخبر. وانظر نقد أبي حيان لهذا الكلام في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 289) وهو في التذييل والتكميل (3/ 320) وفي معجم الشواهد (ص 190). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 320). (¬3) في شرح الأشموني على الألفية: (2/ 134) يقول: «ينصب الاسم الفضلة تالي الواو التي بمعنى مع التّالية لجملة ذات فعل أو اسم يشبهه ممّا فيه معنى الفعل وحروفه مفعولا معه». (¬4) معنى طليحان: أي أصابهما الإعياء من السفر. وانظر القول ومعناه في القاموس المحيط (مادة: طلح). (¬5) شرح التسهيل (1/ 289). (¬6) المرجع السابق. (¬7) هو محمد بن مسعود الغزني العوني صاحب كتاب البديع قال فيه ابن هشام: «هو كتاب خالف فيه أقوال النّحويين في أمور كثيرة، وذكر من ذلك قوله: «إنّ الّذي وأن المصدريّة -

[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير]

[المبتدأ والخبر من جهة التعريف والتنكير] قال ابن مالك: (والأصل تعريف المبتدأ وتنكير الخبر وقد يعرفان وينكّران بشرط الفائدة). ـــــــــــــــــــــــــــــ طليحين؛ فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ويجوز أن يكون حذف المعطوف للعلم ومثله قول الشّاعر: 572 - أقول له في النّصح بيني وبينه ... هل انت بنا في الحج مرتحلان (¬1) [1/ 328] قال ناظر الجيش: إنما كان الأصل في المبتدأ التعريف لوجهين: أحدهما: أن الغرض بالكلام حصول الفائدة، والمبتدأ مخبر عنه، والإخبار عن معين لا يفيد. الثاني: أن القصد من الكلام إعلام السامع ما يحتمل أن يجهله، والأمور العامة الكلية قل أن يجهلها واحد، وإنما تجهل الأمور الجزئية، فلو قلت: رجل منطلق لم يفد لأنه لا يحتمل جهله؛ لأن كل عاقل يعلم أن الدنيا لا تخلو من رجل منطلق. وقد أورد على هذا مجيء الفاعل نكرة وهو مخبر عنه، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ (¬2)، وقال تعالى: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ (¬3) وأجيب عنه بأن الفاعل كالجزء من فعله، والفعل مختص بأحد الأزمنة، فيتخصص الفاعل بذلك كما يتخصص المبتدأ النكرة بالوصف. - ¬

_ - يتقارضان، فيقع الّذي مصدريّة وتقع أن بمعنى الّذي» ثم مثل لذلك (المغني: 2/ 547). كما ذكر له قولا آخر في كتابه (1/ 228). وقال السيوطي عن كتابه هذا: «أكثر أبو حيّان من النّقل عنه». ومما نقله عنه أبو حيان قوله: «وقال صاحب البديع: النحو: معرفة أوضاع كلام العرب ذاتا وحكما واصطلاح ألفاظ حدّا ورسما». التذييل والتكميل وانظر النقل المذكور هنا في (1/ 14) وانظر ترجمة الغزني في بغية الوعاة (1/ 245). (¬1) البيت من بحر الطويل غير معلوم قائله، وقائله في حديث مع صاحبه. وشاهده قوله: هل أنت بناء في الحج مرتحلان؛ حيث جاء المبتدأ مفردا والخبر مثنى مراعاة للمعنى؛ لأن المعنى: هل أنا وأنت مرتحلان؟ وحذف ضمير المتكلم لدلالة هذا الضمير المتصل عليه في قوله: بنا. والبيت في التذييل والتكميل: (3/ 322)، وليس في معجم الشواهد. (¬2) سورة الحج: 73. (¬3) سورة التوبة: 50.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما كان الأصل في الخبر التنكير؛ لأنه محكوم به على المبتدأ، وإذا كان المحكوم به معلوما انتفت الفائدة المطلوبة من الكلام. وقال المصنف: «يلزم من كون المبتدأ معرفة في الأصل كون الخبر نكرة في الأصل؛ لأنه إذا كان معرفة مسبوقا بمعرفة توهّم كونهما موصوفا وصفة ومجيء الخبر نكرة يدفع ذلك التوهّم فكان أصلا، وأيضا فإن نسبة الخبر من المبتدأ نسبة الفعل من فاعله. والفعل يلزمه التنكير (¬1) فاستحق الخبر لشبهه أن يكون راجحا تنكيره على تعريفه». انتهى (¬2). ومقتضى ما قررناه امتناع مجيء المبتدأ نكرة ومجيء الخبر معرفة، لكن قد تتخصص النكرة العامة المراد بها العموم، فيجوز الابتداء بها حينئذ لحصول الفائدة، وقد يقصد الإخبار بحصول نسبة مجهولة بين معلومين، فيجوز أن يأتي الخبر معرفة، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: وقد يعرفان وينكّران فمثال تعريفهما قوله تعالى: اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ (¬3) ومثال تنكيرهما قوله تعالى: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ (¬4). ونبه بقوله: بشرط الفائدة على أنه إذا لم يحصل فائدة عند تنكير المبتدأ بأن يكون نكرة غير مخصصة، نحو رجل قائم، أو عند تعريف الخبر بأن تكون النسبة التي بينه وبين المبتدأ معلومة امتنع فيهما ما ذكره. ¬

_ (¬1) قال السيوطي: (الأشباه والنظائر في النحو: 1/ 85): «الأفعال نكرات لأنها موضوعة للخبر وحقيقة الخبر أن يكون نكرة؛ لأنه الجزء المستفاد، ولو كان الفعل معرفة لم يكن فيه للمخاطب فائدة». ونقل عن أبي القاسم الزجاجي قوله: «أجمع النحويّون كلّهم من البصريين والكوفيين على أنّ الأفعال نكرات، قالوا: والدليل على ذلك أنّها لا تنفكّ من الفاعلين، والفعل والفاعل جملة تقع بها الفائدة، والجمل كلها نكرات؛ لأنّها لو كانت معارف لم تقع بها فائدة». ثم قال: «فإن قيل: فإذا كانت الأفعال نكرات فهلّا عرفت كما تعرّف النكرات؟ فالجواب: أن تعريف الأفعال محال؛ لأنها لا تضاف كما أنها لا يضاف إليها ولا يدخلها الألف واللام؛ لأنها جملة ودخول الألف والّلام على الجمل محال، وإنما الّذي يختلف هو الأشخاص فلزم تعريفها كما أن التّعريف أيضا من خصائص الأسماء وعلاماتها». (¬2) شرح التسهيل (1/ 290) وقد تصرف الشارح في النقل. (¬3) سورة الشورى: 15. (¬4) سورة البقرة: 221.

[مواضع الابتداء بالنكرة]

[مواضع الابتداء بالنكرة] قال ابن مالك: (وحصولها في الغالب عند تنكير المبتدأ بأن يكون وصفا، أو موصوفا بظاهر أو مقدر، أو عاملا أو معطوفا أو معطوفا عليه، أو مقصودا به العموم أو الإبهام، أو تالي استفهام أو نفي أو لولا أو واو الحال أو فاء الجزاء أو ظرف مختصّ أو لاحق به، أو بأن يكون دعاء أو جوابا أو واجب التّصدير أو مقدّرا إيجابه بعد نفي). قال ناظر الجيش: شرع المصنف في تعداد المواضع التي يفيد فيها الابتداء بالنكرة، وينبغي أن يعلم قبل ذلك: الضابط في جواز الابتداء بالنكرة ما هو؟ وقد اختلفت فيه عباراتهم. فقال ابن السراج: «المعتبر حصول الفائدة، فمتى حصلت في الكلام جاز الابتداء بالنّكرة وجد شيء من الشّروط أو لم يوجد» (¬1) [1/ 329]. وقال الجرجاني: يجوز الإخبار عن النكرة بكل أمر لا تشترك النّفوس في معرفته، نحو: رجل من بني تميم شاعر أو فارس». فالمجوز عنده شيء واحد وهو جهالة بعض النفوس (¬2). - ¬

_ (¬1) نص كلامه في كتابه (الأصول 1/ 63 تحقيق عبد الحسين الفتلي) هو قوله: «وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة، فأما المعرفة فقولك: عبد الله أخوك وزيد قائم. وأما ما قارب المعرفة من النكرات نحو قولك: رجل من تميم جاءني وخير منك لقيني وصاحب لزيد جاءني، وإنما امتنع الابتداء بالنكرة المفردة المحضة؛ لأنه لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فلا معنى لنتكلم به، ألا ترى أنك لو قلت رجل قائم أو رجل عالم لم يكن في هذا الكلام فائدة لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائم أو عالم، فإذا قلت: رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة». وفي موضع آخر يقول: «وإنّما يراد في هذا الباب وغيره الفائدة، فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام جائز، وما لم يفد فلا معنى له في كلام العرب ولا في كلام غيرهم». (أصول النحو: 1/ 21). (¬2) انظر المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر: (1/ 305) يقول: «اعلم أن للمبتدأ والخبر انقساما إلى التنكير والتعريف، فإما أن يكون أحد الجزأين معرفة والآخر نكرة، وإما أن يكونا معرفتين، وإما أن يكونا نكرتين، فهما بهذه على ثلاثة أضرب: الأول: ما كان معرفة فنكرة نحو: زيد منطلق، ثم شرح أحكامه. الثاني: أن يكونا معرفتين، كقولك: زيد أخوك، ثم شرح أحكامه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال جمال الدين بن عمرون: «الضّابط في جواز الابتداء بالنّكرة قربها من المعرفة لا غير» وحصر قربها من المعرفة بأحد شيئين: «إما باختصاصها كالنّكرة الموصوفة، أو بكونها فى غاية العموم كقولنا: تمرة خير من جرادة». وما ذكره ابن السراج أولى؛ لأنه أضبط وأعم، وهو الذي اعتبره سيبويه، فإنه لم يشترط في الابتداء بالنكرة إلا شيئا واحدا وهو حصول الفائدة (¬1). قالوا: ويدخل على سيبويه إجازة مثل: رجل في الدار؛ لاستواء الفائدتين فيه، وفي قولنا: في الدار رجل، وهو جائز مع تقدم الظرف، فينبغي أن يجوز مع تأخره، وقد أجمعوا على أنه لا يجوز، وأنه ليس بمسموع من كلام العرب. وأجيب عن ذلك: بأنه إنما امتنع: رجل في الدار؛ لعروض اللبس الحاصل بتأخر الظرف أهو صفة أم خبر، وأنه ينبغي حمله على الصفة، لأن النكرة محتاجة إلى النعت؛ لشدة إيهامها بخلاف ما إذا تقدم الظرف. ولا يرد على هذا التعليل نحو: زيد القائم، فيقال: هو يحتمل الصفة والخبر، فينبغي منعه؛ لأن النكرة أحوج من النعت إلى المعرفة؛ فلذلك كان اللبس إليها أسرع منه إلى المعرفة. قال ابن عصفور (¬2): وقد يجوز دخول امتناع: رجل في الدّار تحت عموم قول سيبويه إنه لا يخبر عن النكرة إلا حيث كان فيها فائدة؛ لأنه إذا أدّى إلى اللّبس - ¬

_ - الثالث: أن يكونا نكرتين كقولك: رجل من قبيلة كذا عالم والإخبار، بالنّكرة عن النّكرة غير مستقيم في الأصل؛ إذ إسناد المجهول لا نصيب له في الإفادة؛ فإنما تأتي النّكرتان إذا وجد تخصيص كما فعلت في تخصيصك رجلا بقولك: من قبيلة كذا. ونحو أن نقول: رجل من آل فلان فارس، فتصفه بكونه من تلك القبيلة، وتحصل الفائدة؛ لأن المخاطب قد يجهل ذلك، ولو قلت: رجل ذاهب لم يجز؛ لأنّ كلّ أحد يعلم أنّ الدّنيا لا تخلو من ذاهب ما، فإن قلت: رجل ذاهب من داري أو ذهب من داري جاز؛ لأن ذلك لا يعرفه كلّ أحد». (المرجع السابق ص 308). (¬1) في كتاب سيبويه: (1/ 329): «ولو قلت: رجل ذاهب لم يحسن حتّى تعرفه بشيء، فتقول: رجل من فلان سائر». وقد عد سيبويه كثيرا من مواضع الابتداء بالنكرة في كتابه بعد ذلك. انظر (1/ 54، 55، 56) هذا باب تخبر فيه عن النكرة بالنكرة، وانظر أيضا (1/ 328، 334). (¬2) انظر شرح الجمل له (1/ 336) رسالة دكتوراه جامعة القاهرة وهو بنصه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صار غير مفيد؛ لأنه لا يعلم المراد به» انتهى. وإذا تقرر ضابط المسألة بأمر كلي فلا حاجة إلى تعدد الأماكن؛ لأن الصور الجزئية لا تكاد تنحصر، ولكن المصنفين قصدوا ذكرها تنبيها على بيان حصول الفائدة وحرصا على التعليم، ثم منهم من اقتصر على بعض الأماكن، ومنهم من قصد الاستقصاء، وقد أنهاها بعض المتأخرين إلى اثنين وثلاثين موضعا، وأكثرها يدخل تحت المسوغات التي ذكرها المصنف. ولنبدأ بالمواضع التي ذكرها المصنف، وهي ثمانية عشر موضعا، ثم نتبعها بعض المواضع الباقية التي لم تدخل تحت ضابط صاحب الكتاب. الأول: كونها وصفا، كقول العرب: ضعيف عاذ بقرملة أي: إنسان ضعيف أو حيوان ضعيف التجأ إلى ضعيف، والقرملة: شجرة ضعيفة. الثاني: كونها موصوفة إما بظاهر، نحو: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ (¬1). وإما بمقدر نحو: السّمن منوان بدرهم أي: منوان منه بدرهم، فمنه في موضع الصفة للمنوين، وبدرهم الخبر عن منوان، والجملة خبر عن السمن. وجعل المصنف (¬2) من هذا قوله تعالى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ (¬3). قال: فالواو واو الحال، وطائفة مبتدأ خبره ما بعده، وجاز الابتداء بها لأنها موصوفة بمقدر، كأنه قيل: وطائفة من غيركم وهم المنافقون. قال: ومنه أيضا قول الشاعر [1/ 330]: 573 - إنّي لأكثر ممّا سمتني عجبا ... يد تشجّ وأخرى منك تأسوني (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 221. (¬2) شرح التسهيل (1/ 290). (¬3) سورةآل عمران: 153. (¬4) البيت من بحر البسيط، وهو في العتاب منسوب لصالح بن عبد القدوس، وهو يعجب من صاحبه أو صاحبته بأنه يهجره ثم يصله ويؤذيه ثم يعتذر له. اللغة: سمتني: أصبتني. تشجّ: تقطع. تأسو: تعالج وتضمد. ويستشهد بالبيت على: جواز الابتداء بالنكرة لوصفها بصفة مقدرة حذفت للعلم بها. البيت في شرح التسهيل (1/ 291). والتذييل والتكميل: (2/ 99) وليس في معجم الشواهد. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي يد منك تشج؛ فيد مبتدأ وخبره تشج، ومنك صفة مخصصة حذفت للعلم بها - ومنه أيضا قول الآخر: 574 - وما برح الواشون حتّى وشوا بنا ... وحتّى قلوب عن قلوب صوادف (¬1) أي قلوب منا عن قلوب منهم. الثالث: كونها عاملة كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة» (¬2). ويدخل في هذا المضاف إلى نكرة نحو: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد» (¬3). الرابع: كونها معطوفة كقول الشاعر: 575 - عندي اصطبار وشكوى عند قاتلتي ... فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا (¬4) الخامس: كونها معطوفا عليها نحو قوله تعالى: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ (¬5) - ¬

_ - ترجمة الشاعر: هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله الأزدي أبو الفضل، شاعر حكيم، كان متكلما يعظ الناس بالبصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، وشعره كله أمثال وحكم وآداب، اتهم عند المهدي العباسي بالزندقة فقتله بيده ثم علقه للناس بضعة أيام، ثم دفن ببغداد سنة (160 هـ)، وعمي في آخر حياته. (ترجمته في الأعلام: 3/ 277). (¬1) البيت من بحر الطويل في الشكوى من اللائمين في الغزل والحب، وقائله مجهول. اللغة: الواشي: من يفسد ويسعى بالشر بين المحبين. صوادف: جمع صادفة من صدف عنه أي أعرض. وشاهده: الابتداء بالنكرة أيضا للوصف المقدر فيها في قوله: وحتى قلوب عن قلوب، أي قلوب منا عن قلوب منهم. والبيت في شرح ديوان الحماسة للتبريزي (3/ 322) وهو أيضا في شرح التسهيل (1/ 291) والتذييل والتكميل (3/ 326) وليس في معجم الشواهد. (¬2) الحديث في صحيح مسلم (3/ 82) في كتاب الزكاة: باب بيان أنّ اسم الصدقة يقع على كلّ نوع. (¬3) الحديث في صحيح مسلم (1/ 31) من كتاب الإيمان: باب بيان الصّلوات التي هي أحد أركان الإسلام. (¬4) البيت من بحر البسيط وهو في الشكوى كما يشير إليه معناه. وشاهده: الابتداء بالنكرة؛ لأنها عطفت على أخرى، وذلك في قوله: عندى اصطبار وشكوى. وأخطأ أبو حيان حين ظن أن النكرة المحدث عنها هي اصطبار فقال: ولا يتعين ما ذكره المصنف؛ لأنه قد تقدم على النكرة ظرف، وهو مسوغ لجواز الابتداء بالنكرة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 292) والتذييل والتكميل (3/ 328) ومعجم الشواهد (ص 213). (¬5) سورةمحمد: 21.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن يكون التقدير: طاعة وقول معروف أمثل، أو نحو ذلك، وهو أحد تقديري سيبويه (¬1). ومنه قول الشاعر: 576 - غراب وظبي أعضب القرن آذنا ... بصرم وصردان العشيّ يصيح (¬2) وجعل المصنف منه ذلك قول العرب: شهر ترى وشهر مرعى (¬3). وقول الشاعر: 577 - فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسرّ (¬4) وما ذكره غير ظاهر؛ فإن الآية الكريمةو البيت المتقدم وجد في المعطوف مسوغ للابتداء به وهو الوصف، فصح الابتداء بالمعطوف عليه لذلك. وأما شهر ثرى - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب: (1/ 141)، (2/ 136). والتقدير الآخر يقول فيه: أضمر الاسم وجعل هذا خبره كأنه قال: أمري طاعة وقول معروف (الكتاب: 1/ 141). (¬2) البيت من بحر الطويل، وهو لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أول أربعة أبيات في الأمالي لأبي علي القالي: (2/ 179) وهي في الشكوى من الفراق والبعد، ورابع هذه الأبيات قوله: فإن كنت أغدو في الثّياب تجمّلا ... فقلبي من تحت الثّياب جريح اللغة: أعضب القرن: مكسوره. آذنا: أعلما. بصرم: بهجر وقطيعة. صردان: جمع صرد وهو طائر فوق العصفور. وشاهد البيت: الابتداء بالنكرة المجردة للعطف عليها بنكرة أخرى موصوفة، وذلك في قوله: غراب وظبي أعضب القرن. والبيت في شرح التسهيل (1/ 292) والتذييل والتكميل: (2/ 100) وليس في معجم الشواهد. (¬3) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 2/ 173) ونصه فيه «شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى» وفي كتاب سيبويه: (1/ 86) قال: «شهر ثرى أي ذو ثرى وهو التّراب الندي، وشهر ثرى أي ترى فيه أطراف العشب، وشهر مرعى أي ذو مرعى». (¬4) البيت من بحر المتقارب من قصيدة للنمر بن تولب العكلي (سبقت ترجمته). وقد قدمت بهذا التمهيد. قال النّمر بن تولب يصف تصابيه لجمرة التي أحبّها، وتعذّب فى حبها، ويتحدث عن الشيب مشيرا إلى ما حدث من خلاف وجدل حول الخلافة والعقائد ... إلخ. والبيت والقصيدة في ديوانه المحقق (ص 183) وما بعدها. والشاهد في البيت والاختلاف فيه أوضحهما الشارح، ويستشهد به أيضا على حذف رابط الجملة المخبر بها؛ إذ الأصل: نساء فيه ونسر فيه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 293) والتذييل والتكميل (3/ 327) ومعجم الشواهد (ص 136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشهر مرعى والبيت الذي أنشده فليس في المعطوف مسوغ يصحح ابتدائيته، بل المعطوف والمعطوف عليه سواء إلا أن يقول المصنف: مطلق العطف كاف، فيكون مسوغا ابتدائية المعطوف عليه والمعطوف. وهو بعيد في النظر وإنما المسوغ لهذين المثالين التفصيل كما سيأتي. السادس: كونها مقصودا بها العموم، كقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه: تمرة خير من جرادة، ومن قول بعض العرب: خبأة خير من يفعة سوء (¬1). السابع: كونها مقصودا بها الإبهام، نحو: ما أحسن زيدا. الثامن: كونها تالية استفهام نحو: أرجل في الدّار؟ التاسع: كونها تالية نفي نحو: ما رجل في الدّار. العاشر: كونها تالية لولا نحو قول الشاعر: 578 - لولا اصطبار لأودى كلّ ذي مقة ... حين استقلت مطاياهنّ للظّعن (¬2) الحادي عشر: كونها تالية واو الحال نحو قول الشاعر: 579 - عرضنا فسلّمنا فسلّم كارها ... علينا وتبريح من الوجد خانقه (¬3) - ¬

_ (¬1) من أمثال العرب وأصله في مجمع الأمثال: (1/ 429): خبأة صدق خير من يفعة سوء والخبأة: المرأة التي تطلع ثم تختبئ. ويقال: غلام يافع ويفعة وغلمان يفعة في الجمع، ومعناه: جارية خفرة خير من غلام سوء. والمثل يضرب للرجل يكون خامل الذكر، فيقال: لأن يكون كذلك خير من أن يكون مشهورا مرتفعا في الشر. (¬2) البيت من بحر البسيط مجهول القائل. اللغة: أودى: هلك. المقة: المحبة. استقلّت: نهضت وقامت. مطاياهنّ: ركائبهن. للظّعن: للسير والرحيل. والبيت في الغزل: يقول صاحب لولا الصبر وتحمل العاشق لهلك عند فراق أحبابه. وشاهده: الابتداء بالنكرة لوقوعها بعد لولا. وكان وقوع النكرة مسوغا للابتداء بها بعد لولا؛ لأنها تستدعي جوابا يكون معلقا على جملة الشرط التي يقع المبتدأ نكرة فيها، فيكون ذلك سببا في تقليل شيوع النكرة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 294) والتذييل والتكميل: (3/ 328) ومعجم الشواهد: (ص 401). (¬3) البيت من بحر الطويل، وهو لعبد الله بن الدمينة الخثعمي، وفيه يتكلم عن قيّم النساء والمحامي دونهن، وبعده: فسايرته مقدار ميل وليتني ... بكرهي له ما دام حيّا أرافقه انظر البيت وغيره في شرح ديوان الحماسة (3/ 1263) وكذلك في أمالي القالي (1/ 194). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا دليل فيه، لأنه إن كان من الوجد في موضع الصفة، فهو مسوغ وإن لم يكن صفة فهو متعلق بالمصدر، فيكون المبتدأ عاملا، وذلك من جملة المسوغات كما تقدم. وإنما يستشهد لهذه الصورة بقول الآخر [1/ 331]: 580 - سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا ... محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق (¬1) الثاني عشر: كونها تالية فاء الجزء كقول العرب في مثل: «إن ذهب عير فعير في الرّباط» (¬2). الثالث عشر: كونها تالية ظرفا مختصّا نحو: أمامك رجل وعندك مال. وقيد بالاختصاص تنبيها على أنه إن كان غير مختص لم يجز نحو أماما رجل وعند رجل مال. الرابع عشر: كونها تالية لاحقا بالظرف المختص، والمراد بذلك الجار والمجرور المختص نحو: لك مال (¬3)، ومثله الجملة المشتملة على فائدة نحو: قصدك غلامه رجل. - ¬

_ - والمعنى: لما لحقنا بالظعائن عرضنا لهن وسلمنا على قيمهن والمحامي دونهن فأجابنا جواب الكاره لنا والمنكر لتسليمنا وقد حنقه غيظ مبرح. والبيت في ديوانه (ابن الدمينة) (ص 44)، وفي القصيدة شاهد آخر هو قوله: رمتني بطرف لو كميّا رمت به ... لبلّ نجيعا نحره ونبائقه والشاهد في البيت: مجيء النكرة مبتدأ بعد واو الحال. وإنما جاز ذلك، لأن جملة الحال وصف لصاحبه، وهو هنا الضمير المستتر في الفعل سلم. والبيت في شرح التسهيل (1/ 294). والتذييل والتكميل (3/ 329). ومعجم الشواهد (ص 247). (¬1) البيت من بحر الطويل وهو في المدح إن كان الخطاب لمذكر وفي الغزل إن كان لأنثى وهو أفضل لرقته. اللغة: السّرى: المشي ليلا. محيّاك: وجهك. الشّارق: النجم وكل مضيء. ومعناه: كانت النجوم تهدينا الطريق وتنيره لنا فحين رأيناك نستطيع أن نستغني عن هذه النجوم؛ لأن نور وجهك الجميل غطى كل نور وضوء. وشاهده كالذي قبله ومثل بيت الشاهد قول الشاعر الآخر: تركت ضأني تودّ الذئب راعيها ... وأنّها لا تراني آخر الأبد الذّئب يطرقها فى الدّهر واحدة ... وكلّ يوم تراني مدية بيدي (ديوان الحماسة: 157). وبيت الشاهد في التذييل والتكميل (3/ 329) وشرح التسهيل (1/ 294) ومعجم الشواهد (ص 251). (¬2) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 1/ 40) والرّباط: ما تشد به الدابة. وهو مثل يقال للصائد ومعناه: إن ذهب غير فلم يعلق في الحبالة فاقتصر على ما علق. والمثل يضرب في الرضا بالحاضر وترك الغائب. (¬3) قال أبو حيان (التذييل والتكميل: 3/ 330): «وشرط السّهيليّ أن يكون المجرور معرفة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: لأن في تقديم هذه الجملة خبرا ما في تقديم الظرف من رفع توهم الوصفية مع عدم قبوله الابتدائية (¬1). الخامس عشر: كونها دعاء، كقول الشاعر: 581 - لقد ألّب الواشون إلبا لبيضهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل (¬2) ومنه: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (¬3). وكذا: ويل لزيد، وأمت في الحجر لا فيك (¬4)، وخير بين يديك (¬5). السادس عشر: كونها جوابا كقولك: درهم لمن قال لك: ما عندك؟ والتقدير: درهم عندي. قال المصنف (¬6): ولا يجوز أن يكون التقدير عندي درهم إلا على - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: «ولا أعلم أحدا أجرى هذه الجملة مجرى الظّرف والمجرور إلّا هذا المصنف (التذييل والتكميل: 3/ 330). (¬2) البيت من بحر الطويل، قال الأستاذ عبد السّلام هارون: «إنّه من الخمسين المجهولة القائل». اللغة: ألّب ألبا: جمع. الواشي: من يفسد بين المحبين. البين: الفراق والبعد. ترب لأفواه الوشاة: دعاء عليهم بالخيبة وعدم تحقيق الآمال. المعنى: أن الواشين يريدون أن يفسدوا بيننا، ولكنهم لن يبلغوا ما يريدون. وشاهده: قوله: فترب لأفواه الوشاة وجندل. قال سيبويه: (1/ 314): هذا باب ما جرى من الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها، وذلك قولك: تربا وجندلا .. كأنّه قال: أطمعك الله تربا وجندلا. قال: وقد رفعه بعض العرب فجعله مبتدأ مبنيّا عليه ما بعده، ثم أنشد بيت الشاهد، وقال: وفيه ذلك المعنى الّذي في المنصوب كما كان ذلك في الأوّل. وأما مجيء المبتدأ في البيت نكرة فلأنه مقصود به الدعاء. والبيت في معجم الشواهد (ص 281) وفي شرح التسهيل (1/ 295). وفي التذييل والتكميل: (3/ 330). (¬3) سورة الصافات: 130. (¬4) مثل من أمثال العرب، انظر كتاب سيبويه: (1/ 329) قال: وأمّا قوله: شيء ما جاء بك؛ فإنه يحسن وإن لم يكن على فعل مضمر، لأن فيه معنى: ما جاء بك إلا شيء، ومثله: شر أهرّ ذا ناب وقد ابتدئ في الكلام على غير ذا المعنى، وعلى غير ما فيه معنى المنصوب، وليس بالأصل. قالوا في مثل: أمت في الحجر لا فيك. والأمت: العوج، قال تعالى: لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه: 107] وهو مثل يضرب في الدعاء للمخاطب بالخير. (¬5) في كتاب سيبويه: (1/ 330) هذا باب من النّكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللّام من المصادر والأسماء، وذلك قولك: سلام عليك، ولبّيك، وخير بين يديك، وويل لك، وويح لك ... إلخ. ثم قال: «فهذه الحروف كلها مبتدأة مبنيّ عليها ما بعدها». (¬6) شرح التسهيل (1/ 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعف؛ لأن الجواب ينبغي أن يسلك به سبيل السؤال، والمقدم في السؤال هو المبتدأ فكان هو المقدم في الجواب، ولأن الأصل تقديم المبتدأ (¬1) فترك في مثل: عندي درهم لأن التأخير يوهم الوصفية، وذلك مأمون فيما هو جواب، فلم يعدل عن الأصل بلا سبب. السابع عشر: كونها واجبة التصدير كقولك: من عندك؟ وكم درهما لك؟ فمن وكم نكرتان، وجاز الابتداء بهما لأنهما بمنزلة نكرة مسبوقة باستفهام لتضمنها معنى معرفة. الثامن عشر: كونها مقدرا إيجابها بعد نفي كقولهم: شرّ أهرّ ذا ناب (¬2) لأنه بمعنى ما أهر ذا ناب إلا شر، وشيء ما جاء بك إن جعلنا ما زائدة. أما إن جعلنا صفة كقولهم: ائتني بدرهم ما، فلا تكون المسألة مما نحن فيه، ومنه قول الشاعر: 582 - قدر أحلّك ذا المجاز وقد أرى ... وأبيّ ما لك ذو المجاز بدار (¬3) وقال الآخر: 583 - قضاء رمى الأشقى بسهم شقائه ... وأغرى بسبل الخير كلّ سعيد (¬4) - ¬

_ (¬1) في نسخة الأصل: ولأن الأصل تأخير الخبر، وهما سواء. (¬2) انظر كتاب سيبويه: (1/ 329) ومجمع الأمثال (1/ 370). (¬3) البيت من بحر الكامل وهو لمؤرج السلمي شاعر إسلامي، من شعراء الدولة الأموية، وهو في الهجاء كما يظهر من معناه. اللغة: قدر: قضاء الله. ذا المجاز: موضع سوق للعرب. وفي كلمة أبيّ كلام كثير (أمالي ابن الشجري: 2/ 37) أحسنه أنه جمع مذكر سالم مضاف لياء المتكلم. ما لك: أي ليس لك. بدار: أي بمكان للإقامة. والمعنى: ما نزلت بذي المجاز إلا لقضاء الله وقدره، ثم حلف بآبائه إن هذا المكان عظيم، ولا يستحقه صاحبه، ولا يجوز أن يكون دارا له. الشاهد فيه: جواز الابتداء بالنكرة؛ لأن النفي داخل عليها في المعنى، وأصل الكلام: ما أحلك ذا المجاز إلا قدر. والبيت في شرح المصنف: (48) وفي التذييل والتكميل (3/ 331) وفي معجم الشواهد (ص 179). (¬4) البيت من بحر الطويل غير معروف قائله. والمعنى: أن القضاء المقدر من الأزل هو الذي يدفع الشقي إلى فعل الشقاء والشر، وكذلك يدفع السعيد إلى فعل الخير والعمل الجميل. وشاهده: كالذي قبله، وهو الابتداء بالنكرة لتقدير إيجابها بعد نفي، والمعنى: ما رمى الأشقى إلا قضاء. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (1/ 296) والتذييل والتكميل (3/ 331).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: ما أحلك ذا المجاز إلا قدر، وما رمى الأشقى إلا قضاء. وسيبويه قدر المسألة كما قدرها المصنف، فقال: «إنما جاز أن يبتدأ به لأنّه في معنى ما جاء بك إلّا شيء» (¬1). ونقل الشيخ عن بعضهم: أنه لا يقال: شيء ما جاء بك إلا لمن جاء في وقت ما جرت العادة بأن يجيء في مثله إلا لأمر مهم، وكذلك: شرّ أهر ذا ناب لا يقال إلا في وقت لا يهر الكلب فيه إلا لشيء جرت العادة بذلك، وإلا فالكلب يهر لغير الشر كثيرا (¬2). وقد انتهت المسوغات التي ذكرها المصنف، وبقي مما ذكره غيره مما لم يندرج تحت عبارة الكتاب مواضع منها: أن تفيد النكرة تعجبا نحو قول الشاعر: 584 - عجب لتلك قضيّة وإقامتي ... فيكم على تلك القضيّة أعجب (¬3) ولو قال المصنف بدل قوله: مقصودا به الإبهام: مقصودا به التّعجّب - لاندرج ذلك فيه مع حصول مقصوده الذي أتى بلفظ الإبهام لأجله، وهي ما التعجبية. ومنها: أن تكون في موضع تفصيل نحو: النّاس رجلان رجل أكرمته ورجل أهنته، وكقول امرئ القيس: 585 - فأقبلت زحفا على الرّكبتين ... فثوب نسيت وثوب أجرّ (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 329). قال: وأما قوله: شيء ما جاء بك فإنه يحسن وإن لم يكن له فعل مضمر؛ لأن فيه معنى ما جاء بك إلا شيء، ومثله مثل للعرب: شرّ أهرّ ذا ناب. (¬2) التذييل والتكميل (3/ 331). (¬3) البيت من بحر الكامل، ومع كثرة دورانه في هذا الباب فلم يستشهد به ابن مالك ولا أبو حيان، واختلف في قائله، وأصح الآراء ما قاله صاحب الخزانة (2/ 38): إنه لضمرة بن جابر بن قطن بن نهشل بن دارم، وكان يبر أمه ويخدمها، وكانت مع ذلك تؤثر عليه أخا له يقال له جندب وهو القائل: وإذا تكون كريهة أدعى لها ... وإذا يحاس الحيس يدعى جندب وشاهده: الابتداء بالنكرة لإفادة التعجب، وروي بنصبه على أنه مصدر نائب عن أعجب، ونصب قضية على التمييز. والبيت في معجم الشواهد (ص 50). (¬4) البيت من بحر المتقارب من قصيدة طويلة لامرئ القيس (الديوان: ص 153 - 157) وقد ذكر محقق الديوان بأن امرأ القيس قالها في حروبه، بينما القصيدة في لهو امرئ القيس وغزله حتى بيت -

[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد؟]

[إعراب قولهم: كم مالك؟ وقولهم: ما أنت وزيد؟] قال ابن مالك: (والمعرفة خبر النّكرة عند سيبويه في نحو: كم مالك واقصد رجلا خير منه أبوه). ـــــــــــــــــــــــــــــ[1/ 332] ومنها: أن تكون النكرة يراد بها واحد مخصوص، نحو ما حكي أنه لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قالت قريش: صبأ عمر فقال أبو جهل أو غيره: مه رجل اختار لنفسه أمرا فما تريدون؟ ونبه المصنف بقوله أولا: وحصولها يعني الفائدة، في الغالب على أن الفائدة قد يندر حصولها في الإخبار عن نكرة خالية من جميع ما ذكر، كقول من خرقت له العادة برؤية شجرة ساجدة أو سماع حصاة مسبحة: شجرة سجدت وحصاة سبّحت. وقد خرج الشيخ ذلك على أن المسوغ له التعجب، قال (¬1): «لأنّ النّاطق بذلك تعجّب من هذا الفارق العظيم». وقد تقدم أن التعجب من جملة المسوغات، وإن لم ينبه المصنف عليه. قال ناظر الجيش: عكس سيبويه رحمه الله تعالى الأمر في هاتين المسألتين فجعل المبتدأ نكرة والخبر معرفة، قال المصنف: «لأن وقوع ما بعد أسماء الاستفهام نكرة وجملة وظرفا أكثر من وقوعه معرفة، وعند وقوعه غير معرفة لا يكون إلّا خبرا نحو: من قائم ومن قام ومن عندك. فحكم على المعرفة بالخبرية ليجري الباب على سنن واحد، وليكون الاقل محمولا على الأكثر - قال: والكلام على أفعل التفضيل كالكلام على أسماء الاستفهام» انتهى (¬2). وقال الشيخ (¬3): قال بعضهم: ما أنت وزيد. ما عند سيبويه مبتدأ وأنت الخبر - ¬

_ - الشاهد. ومعنى فثوبا نسيت: أي ذهبت بفؤادي حتى نسيت ثوبي وهو كما قال: ومثلك بيضاء العوارض طفلة ... لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي ورواية الديوان بنصب ثوبا. قال المحقق: ولو رفعت ثوبا لأصبت تضمر الهاء (الديوان: ص 159). وشاهده: الابتداء بالنكرة لأنها في موضع التفصيل. والبيت في التذييل والتكميل (3/ 332) ومعجم الشواهد (ص 136). (¬1) التذييل والتكميل (3/ 333). (¬2) شرح التسهيل (1/ 296). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 335).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نص على هذا (¬1)، وغيره يعكس ويقول: قدم الخبر لأجل الاستفهام، وما ذكره سيبويه أولى؛ لأن معنى الاستفهام كالتعريف فحسن الابتداء بالنكرة، وإذا تقدم على المعرفة صار كالمعرفتين نحو زيد أخوك والمتقدم فيهما هو المبتدأ. وقال أيضا: كان القياس يقتضي أن يكون أفعل التفضيل صفة للنكرة قبله، لكن منع من ذلك أن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر فصيحا إلا في مسألة: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل. ولو جعلت مكان أفعل وصفا لا للتفضيل لرفع الظاهر فكنت تقول: أقصد رجلا محسن لك أبوه، فكان كونه صفة أحسن من كونه مرفوعا، فلما كان محل أفعل التفضيل محل ما يرفع به ما بعده؛ ترك مرفوعا بالابتداء ليرفع به ما بعده، وجعل ما بعده خبرا حتى لا يخلو أفعل التفضيل من العمل فيه (¬2). قال جمال الدين بن عمرون: «قد جعل ابن جنّي المبتدأ نكرة والخبر معرفة في قول شاعر الحماسة: 586 - أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها (¬3) - ¬

_ (¬1) لم ينص سيبويه على مسألة: كم مالك في كتابه وإنما الذي ذكره أن كم لا تكون إلا مبتدأة ولا تؤخر فاعلة ولا مفعولة. (الكتاب: 2/ 158). وفي مسألة أقصد رجلا خير منه أبوه، ورفع خير على الابتداء حكى هذا المقال: ما رأيت رجلا أبغض إليه الشّر كما بغض إلى زيد قال: لو رفعت أبغض إليه الشر لم يجز، ولو قلت: خير منه أبوه جاز. (الكتاب: 2/ 31، 32) قال الدماميني (شرح التسهيل: 1/ 767): ولم أر ما يثلج به الصدر في توجيه ما ذهب إليه سيبويه من أن المعرفة خبر النكرة في هذا المثال. انظر في المسألتين الهمع (1/ 100). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 336). (¬3) البيت من بحر الطويل، وهو في الغزل الرقيق الذي اختاره أبو تمام في ديوان الحماسة (3/ 1363). ونسبه إلى نصيب بن رباح وبعده: وما هجرتك النّفس إنّك عندها ... قليل ولكن قلّ منك نصيبها انظر القصيدة في ديوان نصيب (ص 68). ومفرداته واضحة، ومعناه: أنه يهاب حبيبته ويحترمها لا لأنها ذات صولة وقدرة عليه، ولكن لأنه يحبها فامتلأت عينه بها، فكانت له المهابة منها. واستشهد النحاة بهذا البيت كثيرا لتقدم الخبر وجوبا لالتباس المبتدأ بضمير يعود على بعض الخبر. وعليه فيكون ملء عين خبرا مقدما وحبيبها: مبتدأ مؤخر. وذهب ابن جني إلى أنه لا تقديم ولا تأخير في -

[بعض مسائل تقديم الخبر]

[بعض مسائل تقديم الخبر] قال ابن مالك: (والأصل تأخير الخبر، ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائيّة الخبر أو فاعلية المبتدأ أو يقرن بالفاء أو بإلّا لفظا أو معنى في الاختيار، أو يكن لمقرون بلام الابتداء [1/ 333] أو لضمير الشّأن أو شبهه، أو لأداة استفهام أو شرط أو مضاف إلى إحداهما). ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: ملء عين مبتدأ وحبيبها خبر وجاز ذلك لمعناه (¬1). قال ابن عمرون: «معناه يبنى عليه قاعدة صديقي زيد وزيد صديقي، من أن الخبر يكون أعمّ من المبتدأ أو مساويا له وإذا جعل حبيبها الخبر لا يكون ملء العين أعمّ من الحبيب لاستحالة كون المبتدأ أعمّ من الخبر». انتهى (¬2). وسيأتي الكلام على مسألة صديقي زيد وعكسها. قال ناظر الجيش: الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر وإنما كان كذلك لأنه قد تقدم الإعلام بأن المبتدأ عامل في الخبر، وإذا كان كذلك فحقه أن يتقدم كما تتقدم سائر العوامل على معمولاتها لا سيما عامل لا يتصرف، ومقتضى ذلك التزام تأخير الخبر، لكن أجيز تقديمه لشبهه بالفعل في كونه مسندا، ولشبه المبتدأ بالفاعل في كونه مسندا إليه، وبمقتضى هذا الأصل جاز: في داره زيد. وامتنع: صاحبها في الدار كما سيأتي (¬3). وقد يجب التزام الأصل، وقد يجب تركه، وقد لا يجب واحد منهما، فالأقسام ثلاثة. وقد أشار المصنف إلى الأول، وهو التزام الأصل بقوله: ويجوز تقديمه إن لم يوهم ابتدائية الخبر إلى قوله: أو مضاف إلى إحداهما، فذكر أنه يجب تأخير الخبر في صور (¬4): - ¬

_ - البيت، وأن المبتدأ هو ما ذكر أولا وإن كان نكرة، والخبر هو ما ذكر ثانيا وإن كان معرفة. البيت في شرح التسهيل (1/ 302) والتذييل والتكميل (3/ 351) ومعجم الشواهد (ص 45). (¬1) انظر في تحقيق رأي ابن جني حاشية يس على التصريح (1/ 176). (¬2) انظر في تحقيق رأي ابن عمرون حاشية يس على التصريح (1/ 176). (¬3) علة جواز الصورة الأولى: أن الضمير فيها وإن عاد على متأخر في اللفظ - وهو لا يجوز - إلا أنه متقدم في الرتبة لأنه مبتدأ ورتبة المبتدأ التقديم وعلة امتناع الثانية أن الضمير فيها عاد على متأخر في اللفظ والرتبة وهذا لا يجوز. (¬4) شرح التسهيل (1/ 96 - 99) وقد نقل الشارح بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: أن يوهم تقديمه كونه مبتدأ، وذلك إذا كان الجزآن معرفتين نحو: زيد أخوك، أو نكرتين نحو أفضل منك أفضل مني؛ إذ لا يتميز المبتدأ من الخبر حينئذ إلا بذكر كل منهما في مرتبته، فإن كان ثم قرينة معنوية يحصل بها التمييز لم يجب تقديم المبتدأ، وذلك نحو قول حسان رضي الله عنه: 587 - قبيلة ألأم الأحياء أكرمها ... وأغدر النّاس بالجيران وافيها (¬1) ونحو قول الآخر: 588 - وأغناهما أرضاهما بنصيبه ... وكلّ له رزق من الله واجب (¬2) فألأم الأحياء وأغناهما خبران مقدمان، وأكرمها وأرضاهما مبتدآن مؤخران مع التساوي في التعريف؛ لأن المعنى إنما يصح بذلك. ومثل ذلك قول الآخر: 589 - بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط من قصيدة لحسان بن ثابت كما ذكر الشارح، والعجيب أن صاحب معجم الشواهد لم ينسب البيت، وهذه المقطوعة يهجو فيها حسان قبيلة هوازن. انظر ديوان حسان (ص 256). والشاهد في البيت: تقدم الخبر على المبتدأ في موضعين، وهذا التقديم جائز مع تساويهما في التعريف، وذلك لوجود القرينة المعنوية لأن المراد أن أكرم هذه القبيلة هو ألأم الأحياء، وأن أوفاها هو أغدر الناس، وذلك شر هجاء. والبيت في شرح التسهيل (1/ 296) والتذييل والتكميل (3/ 337) ومعجم الشواهد (ص 415). (¬2) البيت من بحر الطويل: وهو دعوة للزهد والقناعة لشاعر مجهول. واستشهد به على: تقدم الخبر على المبتدأ جوازا مع تساويهما في التعريف؛ لأن المراد الحكم على الراضي بالنصيب بأنه غني. هذا ما ذكره الشارح تابعا لابن مالك (شرح التسهيل: 1/ 297) وأبي حيان: (التذييل والتكميل: 3/ 337). وأرى أن كلا الاسمين يجوز الحكم بأحدهما على الآخر ولا فرق بينهما، وإذا كان من ترجيح فيجب ترجيح الأصل، وجعل المقدم مبتدأ والمؤخر خبرا، وإنما لم يجز هذا في البيت الذي قبله والذي سيأتي بعده لإرادة الهجاء في الأول، واستقامة المعنى في الثاني على ما ذكر من تقدم الخبر مع أن ابن هشام أجاز في الثاني أن يكون الأول مبتدأ عند إرادة المبالغة (المغني: 2/ 452) والبيت ليس في معجم الشواهد. (¬3) البيت من بحر الطويل، وشهرته في هذا الباب واضحة، ولم يستشهد به النحاة فقط، وإنما استشهد به الفقهاء في باب الميراث على أن أبناء كالأبناء في العصب، كما استشهدوا به في باب الوصية، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فبنونا خبر مقدم، وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر؛ لأن مراد القائل الإعلام بأن بني أبنائهم كبنيهم. فالمؤخر مشبه والمقدم مشبه به. لا يستقيم المعنى إلا بهذا التأويل. وعلى هذا يجوز في: زيد زهير شعرا، وعمرو عنترة شجاعة، وأبو يوسف أبو حنيفة فقها - تقديم زهير وعنترة وأبي حنيفة وإن كانت أخبارا مشبها بها المبتدأ لوضوح المعنى. والمسلم بأن الأعلى لا يشبه بالأدنى عند قصد الحقيقة، وكذلك قول الشاعر: 590 - جانيك من يجني عليك وقد ... تعدي الصّحاح مبارك الجرب (¬1) أي: كاسيك الذي تعود جنايته عليك، فمن يجني مبتدأ لأن المعنى عليه. ومن تقدم الخبر لوضوح المعنى مع مساواته المبتدأ في التنكير قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مسكين مسكين رجل لا زوج له» (¬2). واعلم أن هذا الذي قيده المصنف فيما إذا تساوى الخبر مع المبتدأ في تعريف أو تنكير، وكان ثم قرينة تميز أحدهما من الآخر جاز التقديم، وإن لم يكن ثم قرينة امتنع، ولزم ذكر كل منهما في رتبته وهو الحق. وقد وقع في كلام غيره ما يقتضي مخالفة ما ذكر في التسهيل، فقال بعضهم: إذا تساويا في التعريف امتنع التقديم، وأطلق القول بذلك، ولم يقيده بما قيده المصنف (¬3). وقال آخر: يجوز تقديم الخبر [1/ 334] مع المساواة وإن لم يكن ثم قرينة، وقالوا: الفائدة تحصل للمخاطب سواء قدمت الخبر أو أخرته حتى وقع الخلاف في قول الشاعر: 591 - وأنت الّتي حبّبت كلّ قصيرة ... إليّ وما تدري بذاك القصائر عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطا شرّ النّساء البحاتر (¬4) - ¬

_ - واستشهد به أهل البيان في التشبيه المقلوب. وشاهده واضح من الشرح، وانظر ما قلناه في الشاهد الذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 297) والتذييل والتكميل (3/ 337) ومعجم الشواهد (ص 115). (¬1) البيت من بحر الكامل، وهو من الحكم. قالت مراجعه: إنه لذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم قبله: ولربّ مأخوذ بذنب عشيرة ... ونجا المقارف صاحب الذّنب وشاهده كالأبيات قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 297). والتذييل والتكميل (3/ 337). وليس في معجم الشواهد. (¬2) لم أجده في كتب الأحاديث التي اطلعت عليها طويلا، ولم أستطع تخريجه. (¬3) أي بوجود القرينة التي تجوز التقديم والتأخير. (¬4) البيتان من بحر الطويل، وهما لكثير عزة كما جاء في ديوانه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال بعضهم: «شرّ النساء خبر مقدم، والبحاتر مبتدأ مؤخّر، ولا يجوز غيره؛ لأن الشّاعر أراد أن يحكم على البحاتر أنهن شرّ النساء». وقال بعضهم: «لا يجوز ذلك لئلّا ينقلب المبتدأ خبرا والخبر مبتدأ» وجوز ابن السيد في البيت الأمرين (¬1). والحق أنه إذا لم يكن قرينة تفصل المبتدأ من الخبر لزم ذكر كل منهما في رتبته، ولو عكست انعكست النسبة. وبيان ذلك فيما إذا كانا معرفتين أن الشيء قد يكون له صفتان من صفات التعريف، ويكون السامع عالما باتصافه بإحداهما دون الأخرى إذا أردت أن تخبر بأنه متصف بالأخرى، فتعمد إلى اللفظ الدال على الأولى، وتجعله مبتدأ، وتعمد إلى اللفظ الدال على الثانية وتجعله خبرا، فتفيد السامع ما كان يجهله من اتصافه بالثانية. كما إذا كان للسامع أخ يسمى زيدا وهو يعرف بعينه واسمه، ولكن لا يعرف أنه أخوه وأردت أن تعرفه أنه أخوه، فتقول له: زيد أخوك سواء عرف أن له أخا ولم يعرف أن زيدا أخوه: أو لم يعرف أن له أخا أصلا، وإن عرف أن له أخا في الجملة وأردت أن تعينه عنده قلت: أخوك زيد. أما إذا لم يعرف أن له أخا أصلا فلا يقال - ¬

_ - اللغة: قصيرة: قال صاحب اللسان (مادة قصر) «امرأة قصيرة ومقصورة مصونة محبوسة في البيت لا تترك أن تخرج». الحجال: جمع حجلة وهي ثياب العروس وأصله بيت يزين بالثياب والأسرة والستور. البحاتر: قال في اللسان (مادة بحترة) «البحتر بالضّمّ القصير المجتمع الخلق والأنثى بحترة والجمع البحاتر». وكثير يمدح فتاته بأنها مصونة محبوسة عن أعين الناس، وذكر أن حبيبته فارعة طويلة وليست بالقصيرة؛ لأن القصير في النساء مذموم. وفي البيت كلام كثير في الشرح، هل يكون قوله: شر النساء خبرا مقدما وما بعده مبتدأ مؤخرا؟ أم يكون العكس؟ والصحيح كما حكاه ابن السيد جواز الأمرين. واستشهد النحاة: بالبيت الأول لإعادة ضمير الخطاب على الموصول. والبيتان في التذييل والتكميل (3/ 98، 324، 339) ومعجم الشواهد (ص 155). (¬1) انظر كتاب المسائل والأجوبة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليموسي دراسة وتحقيق (ص 199) تحقيق المسألة الثانية عشرة. يحكي ابن السيد أن تلميذا سأل أستاذه: ماذا يجوز في قول كثير السابق، فيقول على لسان التلميذ: قال بعضهم: البحاتر مبتدأ وشر النساء خبر. وقال بعضهم: شرّ النّساء هو المبتدأ، والبحاتر خبر. وأنكرت أنا هذا القول وقلت: لا يجوز إلا أن يكون البحاتر هو المبتدأ وشرّ النساء هو الخبر. يقول ابن السيد: فقلت له الّذي قلت هو الوجه المختار، وما قاله النّحويّ الذي حكيت عنه جائز غير ممتنع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لامتناع الحكم بالتعيين على من لا يعرفه المخاطب أصلا، فظهر بهذا الفرق بين قولنا: زيد أخوك، وقولنا: أخوك زيد، وكذا إذا عرف السامع إنسانا يسمى زيدا بعينه واسمه، وعرف أنه كان من إنسان انطلاق ولم يعرف أنه كان من زيد أو، غيره فأردت أن تعرفه أن زيدا هو ذاك المنطلق، فتقول: زيد المنطلق، وإن أردت أن تعرفه أن ذلك المنطلق هو زيد قلت: المنطلق زيد. وقد أشار ابن الخباز إلى شيء من هذا، فقال (¬1): زيد المنطلق يقال لمن كان عارفا بزيد وله عهد بأنّ رجلا قد انطلق ولا يعرف أن المعهود بالانطلاق زيد. فإذا قلت: زيد المنطلق فقد عرفته أنه هو المعهود، وكذا إذا قلت: زيد أخوك، فقد عرفته الأخوة، وهو يعلم أن اسم الرجل زيد، وإذا قلت: أخوك زيد فقد عرّفته الاسم وهو يعرف الأخوة. ثم كأنه استشكل في صورة زيد أخوك أن يكون السامع يجهل الأخوة، قال: فإن قلت: ما المسوغ لهذا قلت: هذا يقال في موضعين: أحدهما: أن يكون المخاطب قد نسي فيذكر. والثاني: أن تريد إيقاع المساءة به، فيقال: زيد أخوك فيذكّر بالقرابة ليعفو. انتهى. ومما يتصل بهذا مسألة: زيد صديقي وصديقي زيد، فمع تقديم زيد لا يلزم انحصار الصداقة فيه، ومع تقديم صديقي يلزم انحصار الصداقة فيه. والذي ذكره النحاة أن ذلك إنما كان من حيث أن الخبر لا بد أن يكون أعم من - ¬

_ (¬1) انظر تحقيق كتاب توجيه اللمع لابن الخباز (ص 49) وفيه قسم ابن الخباز صور المبتدأ والخبر إلى أربعة، وجعل الصورة الثالثة أن يكونا معرفتين، ثم قال: «والجيد أن تخبر بالأضعف عن الأقوى تعريفا، فإن اجتمع المضمر وغيره جعلت المبتدأ هو المضمر كقولك: أنت زيد. وإن اجتمع العلم وغيره جعلت المبتدأ هو العلم كقولك: زيد أخوك. والأمر مسوق على هذا. قال: فإن قلت: فما الفائدة في الإخبار بالمعرفة عن المعرفة؟ قلت: هي نسبة الخبر إلى المبتدأ، وكان ذلك مجهولا قبل الإخبار. فإن قلت: فما الفرق بين قولنا: زيد أخوك، وقولنا: أخوك زيد؟ قلت: الفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن قولنا: زيد أخوك تعريف للقرابة، وأخوك زيد تعريف للاسم. الثاني: أن قولنا «زيد أخوك» لا ينفي أن يكون له أخ غير زيد؛ لأنك أخبرت بالخاص عن العام. انظر: كتاب توجيه اللمع لابن الخباز (ص 49) رسالة دكتوراه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبتدأ أو مساويا له؛ فإذا قيل: زيد صديقي كان الخبر [1/ 335] صالحا لأن يكون أعم من المبتدأ فتجعله كذلك. ومن ثم لم يلزم انحصار الصداقة في زيد في هذه الصورة. وإذا قيل: صديقي زيد امتنع أن يجعل الخبر الذي هو زيد أعم من المبتدأ، فلم يبق إلا أن يجعل زيد مساويا لصديقي الذي هو المبتدأ، وإلّا لكان الخبر أخص من المبتدأ وأنه غير جائز، وإذا ثبت أنه مساو لزم انحصار الصداقة في زيد ضرورة أن كل من هو صديقي مساو لزيد، فيكون قد حصر. الصورة الثانية: من الصور التي يمتنع فيها تقديم الخبر: أن يوهم تقديمه فاعلية المبتدأ وذلك إذا كان المبتدأ مخبرا عنه بفعل فاعله ضمير مستتر، نحو: زيد قام، فإنه لا يجوز تقديم الخبر؛ لأن تقديمه يوهم كون الجملة مركبة من فعل وفاعل. وفهم من قول المصنف: إن لم يوهم فاعلية المبتدأ - أن فاعل الفعل الواقع خبرا لو كان بارزا جاز التقديم لعدم الإيهام كقولك في الزيدون قاموا: قاموا الزيدون، ومثله قاما الزيدان في: الزيدان قاما - على أن قاموا وقاما خبران مقدمان. قال المصنف: «ولا يمتنع احتمال كونه على لغة أكلوني البراغيث؛ لكنّ تقديم الخبر أكثر في الكلام من تلك اللغة، والحمل على الأكثر راجح» (¬1) انتهى. وقد قال الشيخ (¬2): «إن في تقديم الخبر إذا كان فعلا رافعا لضمير بارز خلافا، وإن منهم من يمنع ذلك إجراء لضمير التثنية والجمع مجرى الضمير المفرد؛ لأنهما فرعه» قال: «فيجري الباب مجرى واحدا، وإذا ورد مثل قاما الزيدان كانت الألف عند المانع إما علامة وإما ضميرا، والاسم بعدها بدل منها». قلت: ولا يخفى ضعف هذا القول وضعف مستنده، وإن الحق ما ذكره المصنف. وإذا كان مرفوع الفعل ضميرا منفصلا أو ظاهرا سببيّا فلا خلاف في جواز تقديم الخبر على الفعل الرافع لذلك الضمير، أو الظاهر نحو: ما قام إلا هو زيد، وقام أخوه زيد فإن كان المرفوع ظاهرا غير سببي جاز التقديم على قبح نحو ضرب أبو بكر زيد أي - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 298). (¬2) التذييل والتكميل: (3/ 340).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد ضربه أبو بكر، وقد قرئ (وسع كرسيه السماوات والأرض) (¬1) على معنى السموات والأرض وسعهما كرسيه، والظاهر أن نحو ضرب أبو بكر زيد لم يقبح من جهة التقديم؛ لأننا لو لم نقدم وقلنا: زيد ضرب أبو بكر لكان قبيحا من جهة حذف العائد، فلما قدم استمر قبحه. الصورة الثالثة: أن يقرن الخبر بالفاء أو بإلا لفظا أو معنى. أما الأول: فنحو الذي يأتيني فله درهم، والعلة في ذلك أن سبب اقترانه بالفاء شبهه بجواب الشرط فلم يجز تقديمه كما لا يجوز تقديم جواب الشرط. وأما الثاني: فنحو قوله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (¬2). وأما الثالث (¬3): فنحو قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ (¬4) لأنه في معنى ما أنت إلا نذير، وعلة ذلك أن الحصر مقصود، وإنما يستفاد بالتأخير. وأشار بقوله: في الاختيار: إلى أن تقديم الخبر المقترن بإلا قد يرد في الشعر [1/ 336] كقول الكميت: 592 - فيا ربّ هل إلّا بك النّصر يرتجى ... عليهم وهل إلّا عليك المعوّل (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 255، والقراءة في التذييل والتكميل (3/ 340) وقد أسندها أبو حيان إلى أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن السكيت (توفي سنة 244 هـ) ولم أجدها في كتب القراءات والتفسير. وفيها قراءات أخرى غير المشهورة - منها فتح الواو من وسع، وسكون السين، ورفع العين؛ فيكون اسما مبتدأ، وكرسيه بالجر مضاف إليه، والسموات والأرض بالرفع خبره (انظر البحر المحيط 2/ 279، التبيان 1/ 204). (¬2) سورةآل عمران: 144. (¬3) أي اقتران الخبر بإلا معنى. (¬4) سورةهود: 12. (¬5) البيت من بحر الطويل أسندته مراجعه للكميت كما هنا، وهو في البيت يطلب النصر والقصاص لآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بني أمية. والمعوّل. معناه: الملجأ والملاذ. والشاهد فيه قوله: وهل إلا عليك المعول؛ حيث قدم الخبر على المبتدأ مع أن المبتدأ مقصور على الخبر، فالواجب تأخيره لكنه قدم ضرورة. وقوله: هل إلا بك النصر يرتجى قد يكون فيه شاهد آخر بشرط أن يعرب الجار والمجرور خبرا مقدما، وجملة يرتجى حال، ويخرج من الشاهد إذا أعربت جملة يرتجى خبرا. وقال قوم: ليس بشاذ وإن المبتدأ أو الخبر الواجب التأخير في القصر حين تكون الأداة إنما. والبيت في شرح التسهيل (1/ 298) والتذييل والتكميل (3/ 341) ومعجم الشواهد (ص 28).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصورة الرابعة: أن يكون الخبر لمبتدأ بقرون بلام الابتداء، أو لمبتدأ هو ضمير الشأن أو شبه ضمير الشأن، أو لمبتدأ هو أداة استفهام أو شرط، أو لمبتدأ مضاف إلى إحدى الأداتين. أما الأول: فنحو لزيد عندك؛ وذلك لأن اقتران اللام المذكورة به تؤكد الاهتمام بأوليته، وتقديم خبره عليها مناف لذلك، ولأن اللام لها الصدر، ولاستحقاقها التصدير امتنع تأثر مصحوبها بأفعال القلوب في نحو علمت لزيد كريم (¬1). قال المصنف (¬2): «فإن وقع ما يوهم تقديم غير مصحوبها حكم بزيادتها، أو بتقدير مبتدأ بينها وبين مصحوبها الظاهر كقول الشاعر: 593 - خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا (¬3) فلك أن تجعل اللام من قوله لأنت زائدة في الخبر كزيادتها في قول الراجز: 594 - أمّ الحليس لعجوز شهربه ... [ترضى من اللحم بعظم الرّقبه] (¬4) ولك أن تجعلها لام ابتداء داخلة على مبتدأ خبره أنت كأنه قال: خالي لهو أنت - ¬

_ (¬1) معناه أن دخول اللام في علمت لزيد كريم يعرب مبتدأ وخبرا ثم الجملة تسد مسد مفعولي علمت، ولولا هذه اللام لنصب الاسمان على المفعولية المباشرة. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 299). (¬3) البيت من بحر الكامل وهو في المدح، ومع شهرته وذكر علم من الشعراء فيه فهو مجهول القائل. ومفرداته ومعناه واضحان. الإعراب: خالي لأنت: مبتدأ وخبر دخلت لام الابتداء على الخبر شذوذا، وكان أصلها أن تدخل على المبتدأ، وقد خرجوه على زيادة اللام أو تقدير مبتدأ آخر بعدها، أي: خالي لهو أنت، وهو موضع الشاهد. ومن جرير خاله: من اسم موصول مبتدأ والجملة بعده صلة له. ينل العلاء: فعل وفاعل ومفعول والجملة خبر. وجزم الفعل هنا بلا جازم تشبيها لاسم الموصول باسم الشرط، ولا يصح جعل من شرطية، لأن الجملة بعدها اسمية، والاسمية لا تكون شرطا. ويكرم الأخوال: الفعل مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير من، والأخوال تمييز على زيادة أل كما هو الرأي عند الكوفيين وهو أحسن الآراء. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) ومعجم الشواهد (ص 271). (¬4) البيتان من الرجز المشطور، وهما يتيمان في ديوان رؤبة بن العجاج في ملحقات الديوان (ص 170). وشاهده كما في البيت السابق. الشّهربة: العجوز الكبيرة، والعامة يقلبونها فيقولون: شهبرة، وقد يقلبون الهاء حاء. والبيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) ومعجم الشواهد (ص 443).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزيادتها أولى؛ لأن مصحوب لام الابتداء مؤكد بها، وحذف المؤكد مناف لتوكيده. ومن زيادتها مع الخبر قول كثير: 595 - أصاب الرّدى من كان يهوى لك الرّدى ... وجن اللواتي قلن عزّة جنّت فهنّ لأولى بالجنون وبالخنا ... وبالسّيّئات ما حيين وحيّت (¬1) ومن زيادتها مع المبتدأ (¬2) قول الخنساء: 596 - وبنفسي لهموم ... فهي حرّى أسفه (¬3) وأما الثاني: أعني الخبر الذي هو لمبتدأ، وذلك المبتدأ هو ضمير الشأن، فنحو هو زيد منطلق، وإنما امتنع تقديم الخبر عليه؛ لأنه لو قدم لقيل: زيد منطلق هو لم يعلم كونه ضمير الشأن، ولتوهم كونه مؤكدا للضمير المستكن في الخبر. وأما شبه ضمير الشأن: فنحو قول القائل: كلامي: زيد منطلق، وإنما امتنع التقديم فيه لأن سامع قولك: زيد منطلق قد علم أنه كلامك إذا قلت زيد منطلق كلامي، - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الطويل، وهما مما نسب إلى كثير عزة نسبة مشكوكا فيها، فقصيدته التائية المشهورة التي مطلعها: خليليّ هذا ربع عزّة فاعقلا ... قلوصكما ثمّ ابكيا حيث حلّت وليس فيها إلا البيت الأول فقط وأبيات أخرى قال محقق الديوان فيها: إنها مما نسبت لكثير، وأما البيت الثاني وهو بيت الشاهد فلم يذكر مطلقا لا في هذه القصيدة ولا في غيرها. انظر القصيدة في ديوان كثير (ص 95) والبيت الأول (ص 107). وشاهده قوله: فهن لأولى بالجنون، حيث زيدت اللام في الخبر. البيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) وليس في معجم الشواهد. (¬2) أي مع تأخره وتقدم الخبر. (¬3) البيت من مجزوء الرمل من قصيدة للخنساء تفيض باللوعة والأسى على أخيها صخر (انظر: شرح ديوان الخنساء ص 59). وقبل بيت الشاهد قولها: إنّ نفسي بعد صخر ... بالرّدى معترفه وبها من صخر شيء ... ليس يحكى بالصّفه وبنفسي لهموم ... فهي حرّى أسفه وبذكرى صخر نفسي ... كلّ يوم كلفه الشاهد في البيت: دخول لام الابتداء على المبتدأ، ومع ذلك فقد تأخر والواجب تقدمه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 299) والتذييل والتكميل (3/ 341) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيتنزل قولك كلامي بعد ذلك منزلة قولك كلامي هو كلامي، ولا فائدة في ذلك. وأما المبتدأ الذي هو أداة استفهام فنحو: أيّهم أفضل؟ والذي هو أداة شرط: من يقم أقم معه. والمضاف إلى إحداها: غلام أيهم أفضل وغلام من يقم أقم معه، والعلة في هذه الأربعة واحدة، وهي أن أداة الاستفهام والشرط لها صدر الكلام، وكذا المضاف إلى كل منهما. فهذه الصور التي ذكر المصنف أن المبتدأ واجب التقديم فيها، وهي في الحقيقة اثنتا عشرة (¬1) صورة، لكنها منظومة تحت أربع إجمالا، فلهذا ذكرتها في العد أربعة. وذكر ابن عصفور وغيره صورا أخرى، وهي (¬2): أن يكون الخبر لكم الخبرية أو لما التعجبية [1/ 337] أو يكون المبتدأ شبيها بالخبر أو يكون المبتدأ قد استعمل خبره مؤخرا عنه في مثل أو كلام جار مجراه نحو: الكلاب على البقر. فقد يستدرك على المصنف بذلك ولا استدراك عليه. أما كم الخبرية: فمن المعلوم أن حكمها حكم الاستفهامية، فقد اندرجت في كلامه حيث ذكر أداة الاستفهام، وقد نصّ المصنف في هذا الكتاب أعني التسهيل على أن كم لزمت التصدير ولم يقيدها بالاستفهامية (¬3). وأما التعجبية، فقد علم منع تقديم خبرها عليها من قوله: إن لم يوهم فاعلية - ¬

_ (¬1) وإن شئت فقل إنها ثلاث عشرة صورة وهي كالآتي (مسائل وجوب تأخير الخبر): 1 - أن يكون المبتدأ والخبر معرفتين ولا تمييز لأحدهما. 2 - أن يكون المبتدأ والخبر نكرتين ولا تمييز لأحدهما. 3 - أن يكون الخبر جملة فعلية فاعلها ضمير مستتر. 4 - أن يكون الخبر مقترنا بالفاء. 5 - أن يكون الخبر مقترنا بإلا لفظا. 6 - أن يكون الخبر مقترنا بإلا معنى. 7 - أن يكون المبتدأ مقرونا بلام الابتداء. 8 - أن يكون المبتدأ ضمير شأن. 9 - أن يكون المبتدأ شبيها بضمير الشأن. 10 - أن يكون المبتدأ أداة استفهام. 11 - أن يكون المبتدأ أداة شرط. 12 - أن يكون المبتدأ مضافا إلى أداة الاستفهام. 13 - أن يكون المبتدأ مضافا إلى أداة شرط. (¬2) انظر المقرب لابن عصفور (1/ 85) من المطبوع، وكذلك التذييل والتكميل (3/ 342) وهي بنصها. (¬3) انظر تسهيل الفوائد (ص 125). قال ابن مالك: فصل: لزمت كم التصدير ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبتدأ؛ لأن الخبر فعل رافع ضميرا مستترا. وأما كون المبتدأ مشبها بالخبر - فقد تقدم في أول هذا الفصل ما يدل على أن تقديم الخبر في مثل ذلك غير ممتنع ومن ذلك قول حسان: قبيلة ألأم الأحياء أكرمها ... لأن التقدير أكرمها ألأم الأحياء. وكذا قول الآخر: بنونا بنو أبنائنا ... أي بنو أبنائنا بنونا. وأما المبتدأ المستعمل خبره مؤخرا فلا يحتاج إلى التنبيه عليه؛ لأنه قد تقرر أن المثل لا يغير، وكذا ما هو جار مجراه. ونقل الشيخ رحمه الله أن بعضهم (¬1) زاد أن الخبر لا يقدم في مثل: الحمد لله، والويل لزيد، ولعنة الله على الظالمين، والخيبة لزيد وكذا ويح لزيد وويل له، وخير بين يديك وسلام عليك، وضابطه: أن يكون المبتدأ فيه معنى الدعاء معرفة كان أو نكرة كما مثل حتى قال هذا القائل: إن نحو لله الحمد وقول الشاعر: 597 - له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم ... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا (¬2) خرج مخرج الخبر الثابت الذي لا يرجى ولا يطلب. قلت: وفي منع ذلك نظر (¬3)، والظاهر أن تقديم الخبر في مثل ذلك لا يمتنع. قال: وكذا لا يقدم إذا كان جملة لا تحتمل الصدق والكذب، نحو: زيد اضربه، وزيد هلا ضربته. ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل: (3/ 343). وكلمة رحمه الله ليست في الأصل. (¬2) البيت من رائية امرئ القيس التي مطلعها: سما لك شوق بعد ما كان أقصرا ... وحلّت سليمى بطن قوّ فعرعرا انظر الديوان (ص 68) قوله: له الويل إن أمسى أتى بحرف الشرط، وهو يقتضي الاستقبال، وهو قد أمسى نائبا عن أم هاشم اتساعا ومجازا. وشاهده: تقديم الخبر على المبتدأ المقصود به الدعاء؛ لأن المراد الإثبات لا إنشاء الدعاء. والبيت في التذييل والتكميل (3/ 343) وليس في معجم الشواهد. (¬3) والنظر هنا معناه أنه لا مانع من تقديم الخبر في هذه المثل قياسا والذي منع احتج أنها وردت كذلك، فصارت كالأمثال التي لا تتغير. قال الزمخشري: «وأما سلام عليك، وويل لك، وما أشبههما من الأدعية فمتروكة على حالها؛ إذ كانت منصوبة منزلة منزلة الفعل» (المفصل: ص 25).

[حكم «في داره زيد» وأشباهه]

[حكم «في داره زيد» وأشباهه] قال ابن مالك: (ويجوز نحو في داره زيد إجماعا، وكذا في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند عند الأخفش). قال ناظر الجيش: قد علمت أن المبتدأ والخبر بالنسبة إلى تقديم أحدهما على الآخر وتأخيره عنه ثلاثة أقسام. وقد ذكر القسم الذي يجب فيه تقديم المبتدأ، وسنذكر القسم الذي يجب فيه تقديم الخبر، ولا شك أنه إذا أتى على القسمين وجب الاكتفاء بهما عند ذكر الثالث وهو قسم الجواز، فمن ثم لم يحتج إلى ذكره. لكن لما كان في بعض الصور منه خلاف، وهو ما إذا اشتمل على ضمير عائد على ما أضيف إليه المبتدأ لا إلى المبتدأ نفسه أراد أن ينبه على ذلك، وأنا أورد الكلام فيه عقب القسم الأول؛ لأن من لا يجيز التقديم في مثل: في داره قيام زيد تكون هذه الصورة عنده واجب فيها تقديم المبتدأ فينظمها مع الصور التي يجب فيها تقديم المبتدأ، فكأن المخالف يقول: ولا تلتحق بالصور التي ذكرت أنها يجب فيها التقديم المذكور بالصورة الفلانية، بل تكون من صور القسم الجائز فيها التقديم والتأخير. إذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف إنما ذكر مسألة في داره زيد توطئة للمسألة التي فيها الخلاف من حيث أن الثانية فرع الأولى فكأنها مبنية عليها، ولم يذكرها لأنها مقصودة في نفسها [1/ 338]. وحاصل الأمر أن الخبر إذا اشتمل على ضمير عائد على المبتدأ نحو: في داره زيد جازت المسألة بلا خلاف؛ إذ ليس في ذلك إلا تقديم خبر مشتمل على ضمير عائد على مبتدأ متأخر، ولا بأس بذلك لأنه مقدم رتبة فأجمع على جوازه كما أجمع على جواز، ضرب غلامه زيد في داره. فإن كان الخبر مشتملا على ضمير عائد على ما أضيف إليه المبتدأ نحو: في داره قيام زيد جازت المسألة أيضا على الأصح، وسواء في ذلك ما كان صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه نحو المثال المذكور، وما لا يصلح لذلك نحو: في دارها عبد هند، هذا مذهب البصريين. والكوفيون لا يجيزون ذلك، ولكن المصنف نسب القول بجواز هذه المسألة إلى الأخفش خاصة. قال: وبقوله أقول؛ لأنّ المضاف والمضاف إليه كشيء واحد؛ فإذا كان المضاف مقدر التّقديم بوجه ما كان المضاف إليه مقدّرا معه؛ إلا أنّ تقديم ضمير ما يصلح أن يقام مقام المضاف أسهل، ومنه قول العرب: في أكفانه درج الميّت، وقول الشاعر: -

[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا]

[بقية مسائل تقديم الخبر وجوبا] قال ابن مالك: (ويجب تقديم الخبر إن كان أداة استفهام، أو مضافا إليها، أو مصحّحا تقديمه الابتداء بالنّكرة، أو دالّا بالتقديم على ما لا يفهم بالتّأخير أو مسندا دون أمّا إلى أنّ وصلتها، أو إلى مقرون بإلّا لفظا أو معنى، أو إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر، وتقديم المفسّر إن أمكن مصحّح خلافا للكوفيين إلا هشاما ووافق الكسائي في جواز نحو: زيدا أجله محرز لا في نحو: زيدا أجله أحرز). ـــــــــــــــــــــــــــــ 598 - بمسعاته هلك الفتى أو نجاته ... فنفسك صن عن غيّها تك ناجيا (¬1) قال ناظر الجيش: هذا هو القسم الذي يجب فيه ترك الأصل، وهو تقديم الخبر، وذكر أنه واجب في ثماني صور: الأولى والثانية: إذا كان الخبر أداة استفهام أو مضافا إليها. نحو أين زيد وصبيحة أي يوم سفرك، وذلك لأن الاستفهام، له صدر الكلام كما تقدم. الثالثة: إذا كان تقديم الخبر يصحح الابتداء بالنكرة، وقد تقدم أن من مصححات الابتداء بنكرة أن يخبر عنها بظرف مقدم مختص نحو: عندك رجل. وإنما كان تقديمه مصححا؛ لأن تأخيره يوهم كونه نعتا وتقديمه يؤمن من ذلك، وكذا النكرة المخبر عنها بجار ومجرور مختص نحو لك مال، أو بجملة متضمنة لما تحصل به الفائدة نحو: قصدك غلامه رجل؛ فلولا الكاف من قصدك لم يفد الإخبار بالجملة، كما أنه لولا اختصاص الظرف والمجرور (¬2) لم يفد الإخبار بهما وإلى الظرف المختص واللاحق - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، وهو في النصح والإرشاد، ولم يسم قائله. وشاهده: تقديم الخبر المشتمل على ضمير يعود على المبتدأ وهذا التقدم جائز، وفيه عود الضمير على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 300). والتذييل والتكميل. وليس في معجم الشواهد. (¬2) اختصاص الظرف والمجرور معناه إضافتهما إلى ما يصح أن يكون مبتدأ وهو المعرفة، فيصح في الدار رجل؛ لأنه يجوز الدار فيها رجل، ويصح عند محمد مال، لأنه يجوز محمد عنده مال، أما إذا كانا غير ذلك كما إذا قيل: في دار رجل: وعند رجل مال، فلا يجوز هذا الكلام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به من الجار والمجرور والجملة أشار بقوله: أو مصححا تقديمه الابتداء بالنّكرة. الرابعة: إذا كان الخبر دالّا بالتقديم على المبتدأ على ما لا يفهم بالتأخير عنه نحو: لله درّك من الجمل التعجبية؛ فإن تعجبها لا يفهم إلا بتقديم الخبر وتأخير المبتدأ، وكذا نحو: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ [1/ 339] أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬1). من الجمل الاستفهامية المقصود بها التسوية فإن الخبر فيه لازم التقديم وذلك أن المعنى: سواء عليهم الإنذار وعدمه، فلو قدم أأنذرتهم لتوهم السامع أن المتكلم يستفهم حقيقة، وذلك مأمون بتقديم الخبر فكان ملتزما (¬2). الخامسة: إذا كان الخبر مسندا إلى أن المفتوحة وصلتها كقولك: معلوم أنك فاضل، وكقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ (¬3) وسبب ذلك خوف التباس إنّ المكسورة بالمفتوحة، أو خوف التباس أن المصدرية بأنّ الكائنة بمعنى لعل، أو خوف التعرض لدخول إن على أن مباشرة، وفي ذلك من الاستثقال ما يخفي؛ فلو ابتدئ بأن وصلتها بعد أما لم يلزم تقديم الخبر؛ لأن المحظورات الثلاثة مأمونة بعد أما؛ إذ لا يليها إن المكسورةو لا أن التي بمعنى لعل، فجاز أن يقال: أما معلوم فإنك فاضل وأما أنك فاضل فمعلوم، ومنه قول الشاعر: 599 - دأبي اصطبار وأمّا أنني جزع ... يوم النّوى فلوجد كاد يبريني (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 6. (¬2) قال أبو حيان: وما ذكره المصنّف من أن سواء خبر مقدم واجب التّقديم هو قول جماعة، وذهب بعضهم إلى أنه مبتدأ والخبر جملة، وذهب بعضهم إلى أن سواء مبتدأ والجملة فاعل (التذييل والتكميل). (¬3) سورةيس: 41. (¬4) البيت من بحر البسيط ومع رقة معناه فهو مجهول القائل. ويروى: عندي اصطبار. مفرداته: اصطبار: صبر. جزع: ضد صبور. النوى: البعد. الوجد: الحب. يبريني: يهزلني ويضعفني. يذكر الشاعر أن من عاداته الصبر، وإذا كان قد جزع يوم فراق أحبابه فلحبه الشديد لهم وخوفه عليهم. الإعراب: دأبي اصطبار: مبتدأ وخبر. أنني جزع: في تأويل مصدر مبتدأ. فلوجد: جار ومجرور خبر المبتدأ السابق. كاد يبريني: جملة في محل جر صفة لوجد. الشاهد فيه قوله: وأمّا أنّني جزع. قال النحاة: إذا كان المبتدأ أنّ وصلتها يجب تقديم الخبر خوفا من -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السادسة والسابعة: أن يكون الخبر مسندا إلى مقرون بإلّا لفظا أو معنى نحو قولك: ما فى الدّار إلّا زيد وإنّما عندك عمرو وقد تقدمت الإشارة إلى العلة الموجبة لتأخير المقترن بإلا (¬1). الثامنة: أن يكون الخبر مسندا إلى ملتبس بضمير ما التبس بالخبر (¬2) كقول الشاعر: 600 - أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها (¬3) فحبيبها ملتبس بضمير العين، وملء عين خبر واجب التقديم؛ لأنه لو أخر عن المبتدأ لزم عود الضمير إلى شيء ملتبس بالخبر، وهو متأخر لفظا مع أنه متأخر رتبة، وذكر الالتباس أولى من ذكر الإضافة؛ لأن الالتباس يعم الإضافة وغيرها، فمثال الالتباس بالإضافة ما في البيت من قول الشاعر: ولكن ملء عين حبيبها. ومثال الالتباس بغير إضافة قولك: معرض عن هند المرسل إليها. وأشار المصنف بقوله: وتقديم المفسّر إن أمكن مصحح إلى آخر الفصل - إلى أنه إذا التبس المبتدأ بضمير اسم ملتبس بالخبر، وأمكن تقديم صاحب الضمير صحت المسألة عند البصريين وهشام الكوفي (¬4) نحو زيدا أجله محرز، وزيدا أجله أحرز. ووافق الكسائي في مسألة اسم الفاعل لا في مسألة الفعل. وعضد أبو علي قول الكسائي بأن قال (¬5): المبتدأ وخبره المفرد بمنزلة الفعل والفاعل، فكما لا يمتنع: - ¬

_ - التباس المكسورة بالمفتوحة، أو من التباس المصدريّة التي بمعنى لعل ما لم يكن المبتدأ المذكور بعد أمّا، فإنّه يجوز فيه التقديم والتأخير، والبيت في شرح التسهيل (1/ 302) والتذييل والتكميل (3/ 351) ومعجم الشواهد (ص 404). (¬1) قال: وعلّة ذلك أنّ الحصر مقصود، وإنّما يستفاد بالتّأخير. (¬2) انظر الأسلوب المذكور وما فيه من ثقل، وهو موضع يحتاج إلى خفة ليضبط. وهكذا شأن ابن مالك دائما في كتبه وبخاصة المتون المنثورة أو المنظومة منها، ثم يتبعه الشراح في كثير من ذلك ولا يتصرفون. وماذا عليهم لو قالوا في هذا الموضع: أن يكون في المبتدأ ضمير يعود على الخبر، ويدخل في المبتدأ أيضا المتعلق به، وكذلك يدخل في الخبر الملتبس به. (¬3) البيت من بحر الطويل، وقد سبق الحديث عنه والاستشهاد به. وشاهده هنا: تقديم الخبر وجوبا لالتباس المبتدأ بضمير يعود على بعض الخبر. (¬4) انظر الهمع (1/ 103). (¬5) التذييل والتكميل (3/ 355) والهمع (1/ 103).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيدا أحرز أجله لا يمتنع زيدا أجله محرز؛ لأنه لم يفصل بين المنصوب وناصبه أجنبي بخلاف: زيدا أجله أحرز؛ فإن الأجل وإن كان الفعل خبره فالإخبار بالفعل على خلاف الأصل؛ لأن الفعل وفاعله أصلهما أن يستقل بهما كلام، فعدّ المبتدأ قبلهما أجنبيّا بخلاف وقوعه قبل اسم الفاعل؛ فإن اتصال المبتدأ به على الأصل لأنه مفرد. قال المصنف (¬1): وقد يفرق بين الصورتين بأن اسم الفاعل لا يجب تأخيره، فلا يمتنع تقديم معموله بخلاف الفعل؛ فإن تأخيره إذا وقع خبر مبتدأ واجب، فلا يجوز تقديم معموله [1/ 340] فإن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل، وهذه شبهة شهرت عند النحويين، وفيها إذا لم تقيد ضعف؛ لأن تقديم معمول العامل العارض منع تقديمه منبه على ما كان له من جواز قبل عروض العارض، فالحكم بجوازه أولى من الحكم بمنعه ما لم يكن في ذلك إخلال بلازم؛ لأن منعه مفوت للتنبيه على الأصل، ولأجل ذلك جاز أن يقدم على لن ولم ولا واللام الطلبيتين معمولات معمولاتهن، نحو: زيدا لن أضرب، وعمرا لم أكرم، والعلم لتطلب والجاهل لا تعجب. وقول أبي علي: إن الفعل وفاعله أصلهما أن يستقل بهما كلام، فعد المبتدأ قبلهما أجنبيّا تخيّل جدلي لا ثبوت له عند التحقيق؛ لأن الجملة لا تقع موقع المفرد إلا لتؤدي معناه وتقوم مقامه، فلا يعد ما هي له خبرا أجنبيّا كما لا يعد أجنبيا ما الفرد له خبر. فالحاصل: أن الصحيح ما ذهب إليه البصريون من التسوية في الجواز بين زيد أجله محرز وزيد أجله أحرز بل المثال الآخر أولى بالجواز؛ لأن العامل فيه فعل، وفاعل المثال الأول اسم فاعل. فمن لم يمنع الأول دون الآخر فقد رجح فرعا على أصل، ومن منعهما فقد ضيق رحيبا وبعد قريبا. ومن حجج البصريين قول الشاعر: 601 - خيرا المبتغيه حاز وإن لم ... يقض فالسّعي في الرّشاد رشاد (¬2) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 302). (¬2) البيت من بحر الخفيف مجهول القائل ومع التقديم والتأخير فيه فإنه يحمل معنى جميلا يقول صاحبه: الذي يريد الخبر والنجاح يصل إليه، وإن لم يصل إليه فيكفيه أنه طلبه: عليّ طلاب العزّ من مستقرّه ... ولا ذنب لي إن عارضتني المقادر وحتى يتضح معناه والشاهد فيه فإن أصله المبتغي خيرا حازه ثم صار المبتغى خيرا حاز خيرا ثم صار خيرا المبتغيه حاز وهكذا فقد قدم معموله الخبر الفعل على المبتدأ كقولك الدار صاحبها باع. انظر توضيحه والخلاف في الشرح. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا مثال زيدا أجله أحرز، انتهى كلام المصنف ولا يخفى حسنه (¬1). واعلم أنه كما يتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول أو على ما أضيف إليه، وبالمفعول ضمير يعود على الفاعل، أو على ما أضيف إليه، وقد تقدم ذلك في باب المضمر، وأن المتصور فيه بالنسبة إلى تقديم المفعول على الفاعل وتأخيره عنه أربع مسائل: هي: ضرب غلامه زيد، وضرب غلامها بعل هند، وضرب غلامه زيدا، وضرب غلامها بعل هند. وإن المثال الأول لا خلاف في جوازه، والمثال الثاني جائز على القول المتصور، والثالث ممتنع عند الأكثرين، وجائز على رأي جماعة منهم المصنف، وإن القول بالجواز هو الصحيح، وأما المثال الرابع فممتنع بلا خلاف قد يتصور (¬2) بين المبتدأ والخبر إذا اتصل الضمير العائد على أحدهما، أو على ما أضيف إليه، أو على شيء يلتبس به الآخر، فيقال: إن ضرب غلامه زيد نظيره هنا في داره زيد (¬3) ومن ثم كانت جائزة إجماعا كتلك. وإن ضرب غلامها بعل هند نظير في داره قيام زيد، وفي دارها عبد هند (¬4) والأصح أنها جائزة كما أن الأصح في تلك الجواز وأن ضرب غلامه زيدا نظيره صاحبها في الدار (¬5). لكن هذه هنا ممتنعة بلا خلاف، وتلك في جوازها خلاف، والسبب في ذلك أن الضمير في مسألة ضرب غلامه زيدا عائد على نفس المفعول، والمفعول مستحضر بذكر الفاعل، فلما كان مشعورا به نزل منزلة ما هو متقدم ذكرا، فروعي فيه ذلك وإن كان متأخرا لفظا ورتبة. وأما الضمير في نحو صاحبها في الدار فلم يعد على الخبر نفسه حتى يقال إن الشعور به قد حصل بذكر المبتدأ لو قيل صاحبها في الدار مثلا [1/ 341] بل إنما عاد - ¬

_ - البيت في شرح التسهيل (1/ 303) وفي التذييل والتكميل (3/ 356) وليس في معجم الشواهد. (¬1) شرح التسهيل (1/ 303). (¬2) هذا هو خبر إن في قوله قبل ستة أسطر: واعلم أنه كما يتصل بالفاعل ضمير ... إلخ، وفي النسخ: قد يصدر، وقد أثبتناه كما ترى للوضوح. (¬3) أي إن الضمير فيهما عائد على متأخر في اللفظ لكنه متقدم في الرتبة وهو جائز. (¬4) أي إن الضمير فيهما عائد على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة. غاية الأمر أنه لم يعد في المثال الأول على الفاعل نفسه كما سبق فيما قبله، وإنما عاد على ملتبس به، وفي الثاني لم يعد على المبتدأ نفسه، وإنما عاد على ملتبس به أيضا. (¬5) في نسخ المخطوطة: في الدار صاحبها، وليس مرادا في التمثيل.

[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه]

[الخبر: تعريفه وأنواعه وحديث طويل عنه] قال ابن مالك: (فصل - الخبر مفرد وجملة والمفرد مشتقّ وغيره، وكلاهما مغاير للمبتدأ لفظا متّحد به معنى، ومتّحد به لفظا دالّ على الشّهرة وعدم التّغيّر، ومغاير له مطلقا دالّ على التّساوي حقيقة أو مجازا، أو قائم مقام مضاف، أو مشعر بلزوم حال تلحق العين بالمعنى والمعنى بالعين مجازا). ـــــــــــــــــــــــــــــ على شيء يلتبس بالخبر والمبتدأ، وإن أشعر بالخبر لا إشعار له بما التبس بالخبر، فمن ثم لم يكن لجواز صاحبها في الدار مسوغ، ومن أجل أن الضمير المتصل بالمبتدأ لا يعود على الخبر نفسه، إنما يعود على شيء ملتبس به - كان تقديم ما يعود عليه الضمير ممكنا، فلهذا قيل: إن المفسر للضمير إذا أمكن تقديمه وقدم جازت المسألة نحو: زيدا أجله محرز، وزيدا أجله أحرز. وأما المسألة الرابعة وهي ضرب غلامها بعل هند فلم يذكر لها هنا ما يصلح أن يكون نظيرا، ويمكن أن يزاد في نحو هذا المثال مضاف، فيكون نظيرا، وذلك نحو أن يقال: غلام هند إحسانها قيد، والظاهر أن ذلك لا يجوز. وإذا كان نحو: ضرب غلامها بعل هند ممتنعا فهذا أولى بالمنع. قال ناظر الجيش: اعلم أن الخبر هو محل الفائدة، والأقرب أن يقال في حده (¬1): إنّه المجرّد من العوامل اللفظية الفعلية (¬2) وما شابهها المسند إلى مبتدأ. وإنما قيد المسند بكونه إلى مبتدأ ولم يقتصر على المسند، لئلا يدخل في حد الخبر الصفة الواقعة مبتدأة من نحو: أقائم الزيدان، فإنه يصدق عليها أنها مجردة من العوامل المذكورة مسندة وليست الخبر. ثم الخبر إما مفرد وإما جملة والمفرد قسمان: مشتق وغير مشتق أي جامد، والجملة قسمان: اسمية وفعلية. والمراد بالمفرد هنا ما لعوامل الأسماء تسلط على لفظه عاريا كان من إضافة وشبهها أو ملتبسا بأحدهما نحو: زيد منطلق وعمر صاحبك (¬3) وبشر قائم أبواه. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 304) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬2) في نسخة الدار: إنه المجرد من العوامل الفعلية وما شابهها. (¬3) في الأصل: ضاحك، وما أثبتناه من نسخة (ب)، وهو الصحيح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجملة: ما تتضمن جزأين ليس لعوامل الأسماء تسلط على لفظ أحدهما نحو: زيد أبوه عمرو، وبشر حضر أخوه؛ فنحو قائم أبواه من المثال الثالث ليس بجملة عند المحققين لتسلط العوامل على أول جزأين. قال المصنف (¬1): والمراد بالمشتق هنا ما دل على متصف مسوغا من مصدر مستعمل أو مقدر، فذو المصدر المستعمل نحو: ضارب ومضروب وحسن وأحسن، وذو المصدر المقدر نحو: ربعة وحزوّر. وقفاخر من الصفات التي لا مصادر لها ولا أفعال (¬2) فيقدر لها مصادر كما تقدر للأفعال التي لم يستعمل لها مصادر. وغير المشتق: ما عري مما وسم به المشتق. وكل واحد من النوعين إذا أخبر به عن مبتدأ فالأكثر أن يغايره لفظا ويتحد به معنى، نحو: هذا زيد، وزيد فاضل. فالشخص المشار إليه بهذا هو المعبر عنه بزيد فقد اتحدا معنى وتغايرا لفظا، وكذا زيد فاضل. وقد يقصد بالخبر المفرد بيان الشهرة وعدم التغير، فيتحد بالمبتدأ لفظا، ويكون أيضا على نوعين: مشتق كقول رجل من طيئ [1/ 342]: 602 - خليلي خليلي دون ريب وربّما ... ألان امرؤ قولا فظنّ خليلا (¬3) وغير مشتق كقول أبي النجم: 603 - أنا أبو النّجم وشعري شعري ... [لله درّي ما أجنّ صدري] (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 304). (¬2) الربعة: بفتح الراء وسكون الباء أو فتحها: الرجل بين الطول والقصر (القاموس: ربع). الحزوّر: بفتح الحاء والزاي وتشديد الواو: الغلام القوي والرجل القوي والضعيف ضد (القاموس: حزر). القفاخر: بضم القاف وكسر الخاء: الضخم الجثة (القاموس: 2/ 125) والقفاخرة: المرأة الحسنة الخلق. (¬3) البيت من بحر الطويل لم أعثر له على قائل، ومعناه أن الخليل الحق هو المصافي والمخلص في الحب والود والمتفاني في مساعدة صاحبه قولا وفعلا لا قولا كما يفعل بعض الأخلاء. وشاهده قوله: خليلي خليلي حيث اتحد الخبر بالمبتدأ لفظا لا معنى إذ الخليل الثاني معناه المصافي والمخلص في الود وهو مشتق. والبيت في شرح التسهيل (1/ 304) والتذييل والتكميل (4/ 9) تحقيق د/ حسن هنداوي، وليس في معجم الشواهد. (¬4) الرجز كما قال صاحبه لأبي النجم العجلي من قبيلة عجل وهو، في الفخر والاعتزاز بالنفس والعمل. وفيه شاهدان: حيث اتحد المبتدأ والخبر لفظا، وذلك إنما كان للدلالة على الشهرة، ومعناه في الأول: أنا ذلك المعروف الموصوف بالكمال، وشعري هو الموصوف بالفصاحة والبلاغة لا شعر غيري. البيت في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: خليل من لا أشك في صحة خلته، ولا يتغير في حضوره ولا غيبته، وشعري على ما ثبت في النفوس من جزالته، والتوصل به من المراد إلى غايته، وقد يفعل مثل هذا بجواب الشرط (¬1) كقولك: من قصدني فقد قصدني، أي فقد قصد من عرف بنجاح قاصده، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله» (¬2). يعني أن المعنى: فقد وقعت موقعها لما حصل فيها من جزيل الثواب. وقد يكون مغايرا للمبتدأ في لفظه ومعناه، والحامل على ذلك الإعلام بالتساوي في الحكم حقيقة كقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (¬3) أو مجازا كقول الشّاعر: 604 - ومجاشع قصب هوت أجوافها ... لو ينفخون من الخؤرة طاروا (¬4) وقد يكون المغاير لفظا ومعنى قائما مقام مضاف كقوله تعالى: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ (¬5)، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ (¬6) ويدخل في هذا أيضا الدال على التساوي مجازا، فيقدر فعل مضاف إلى الخبر في قولهم: زيد زهير ومجاشع قصب، ونحو ذلك، وقد يكون المغاير لفظا ومعنى مشعرا بحال تلحق العين بالمعنى - ¬

_ - شرح التسهيل: (1/ 304) والتذييل والتكميل: (4/ 10) ومعجم الشواهد (ص 478). (¬1) معناه أن جواب الشرط لا بد أن يكون مغايرا لفعله وهو الكثير المشهور، ولكنهما قد يتحدان للمعاني التي يذكرها. (¬2) الحديث في صحيح البخاري: (1/ 16) من كتاب الإيمان وأيضا في (7/ 4) من كتاب النكاح. (¬3) سورة الأحزاب: 6. (¬4) البيت من رائية طويلة لجرير بن عطية يرثي بها زوجته نوار، ثم انتقل بعد الرثاء إلى هجاء الفرزدق، ونص البيت كما في ديوان جرير (ص 207) طبعة بيروت يقول: لا يخفينّ عليك أنّ مجاشعا ... لو ينفخون من الخؤور لطاروا اللغة: قصب: نبات معروف. هوت: يقال: هوى صوره إذا خلا. الخؤرة: الضعف. معناه: أن هذه القبيلة ضعيفة لا خير فيها، وهي بمنزلة عيدان القصب الخالية من الداخل، وصدورهم خالية كالهواء أيضا، والأمر كما قال الله تعالى في الظالمين: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم: 43]. والشاهد فيه: قوله: ومجاشع قصب حيث غاير الخبر المبتدأ في لفظه ومعناه، ولكنه ساواه مجازا حيث المراد تشبيه الأول بالثاني، والبيت في شرح التسهيل (1/ 305) والتذييل والتكميل: (4/ 11) وليس في معجم الشواهد. (¬5) سورةآل عمران: 163. (¬6) سورة البقرة: 177.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو المعنى بالعين، فالأول: نحو قولك زيد صوم تريد المبالغة كأنك جعلته نفس الصوم، ولا يراد بذلك ذو صوم؛ لأن ذا الصوم يصدق على القليل الصوم وكثيره، وهو صوم لا يصدق إلا على المدمن الصوم، وكذلك ما أشبهه (¬1). والثاني: نحو نهار فلان صائم وليله قائم، ومنه: وَالنَّهارَ مُبْصِراً * (¬2) وكقول الشاعر أنشده سيبويه (¬3): 605 - أمّا النّهار ففي جوف وسلسلة ... واللّيل في جوف منحوت من السّاج (¬4) ومن هذا القبيل قولهم: شعر شاعر وموت مائت. انتهى كلام المصنف (¬5). ويتعلق به أبحاث: الأول: أفهم كلامه أن الخبر الواقع ظرفا أو مجرورا ليس قسما برأسه كما ذهب إليه ابن السراج (¬6) فقال: إنه ليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة بل إنه منطو في أحد القسمين إما المفرد وإما الجملة وسيأتي الكلام في ذلك عند تعرض المصنف له. الثاني: نازعه الشيخ في: ربعة وحزوّر وتفاخر مصوغة من مصادر أهملت، وأنها تقدر لها مصادر، فقال (¬7): - ¬

_ (¬1) من مثل قولك: زيد عدل وفضل ورضا. (¬2) يونس: 67، النمل: 86، غافر: 61. (¬3) انظر الكتاب (1/ 161). (¬4) البيت من بحر البسيط وهو من شواهد سيبويه (1/ 161). قال الأستاذ عبد السّلام هارون: هو من الخمسين المجهولة القائل. والشاعر يتحدث عن نفسه فيقول: إنه يقضي النهار مقيدا ومغلولا في سلسلة كما يوضع بالليل في خشيبة من الساج، وهو شجر غليظ ينبت في الهند، وإنما قلنا: يتحدث عن نفسه لأن الشعر لرجل من اللصوص كما ذكرت مراجعه. والشاهد فيه: المجاز في جعل النهار والليل مقيدين، وإنما يريد نفسه. والشاهد في شرح التسهيل (1/ 306) والتذييل والتكميل: (4/ 12). ومعجم الشواهد (ص 78). (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 306). (¬6) التذييل والتكميل (4/ 5)، والهمع (1/ 99). (¬7) التذييل والتكميل (4/ 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يلزم ذلك وإن كانت تستعمل أوصافا؛ لأن الإخبار بها لا يستلزم اشتقاقها، وإن استعملت نعوتا أو أخبارا ورفعت ما بعدها فإنما ذلك لإجرائها مجرى المشتق. قال: وقد ذكر المصنف ذلك في باب النعت؛ فإنه لما قسم النعت إلى مفرد وجملة قسم المفرد إلى مشتق لفاعل أو مفعول، وإلى جار مجرى المشتق أبدا، أو جار مجراه في حال دون حال. فذكر من الجاري أبدا لوزعيّ بمعنى فطن، وجرشع بمعنى غليظ، وصمحمح بمعنى شديد، وشمردل بمعنى طويل (¬1) [1/ 343]. قال الشيخ: «فكذلك تكون ربعة وحزوّر وقفاخر جارية مجرى المشتقّ» انتهى (¬2) والذي ذكره الشيخ هو الظاهر والأقرب. الثالث (¬3): قسم المصنف الخبر المغاير للمبتدأ لفظا ومعنى أربعة أقسام: ما دل على التساوي حقيقة كقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (¬4). وما دل على التساوي مجازا نحو: «ومجاشع قصب هوت أجوافها». وما حذف منه مضاف هو الخبر في الأصل، وأقيم المضاف إليه مقامه نحو قوله تعالى: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ (¬5). وما يفيد إلحاق عين بمعنى أو معنى بعين نحو: زيد صوم، ونحو نهار زيد صائم. والذي ذكره النحاة أن الخبر إما أن يكون هو المبتدأ في المعنى كزيد قائم، وهذا - ¬

_ (¬1) قال ابن مالك في باب النعت (تسهيل الفوائد: ص 167): «فصل: المنعوت به مفرد أو جملة كالموصول بها منعوتها نكرة أو معرف بأل الجنسية، والمفرد: مشتق لفاعل أو مفعول أو جار مجراه أبدا أو في حال دون حال. فالجاري أبدا: كلوزعي وجرشع وصمحمح وشمردل، وذي بمعنى صاحب وفروعه وأولي وأولات، وأسماء النسب المقصود. والجاري في حال دون حال: مطرد وغير مطرد، فالمطرد: أسماء الإشارة غير المكانية، وذو الموصولة وفروعها، ورجل بمعنى كامل، وأي وكل وجد وحق مضافات إلى اسم جنس مكمل معناه للمنعوت. وغير المطرد: النعت بالمصدر والعدد .. إلخ. (¬2) التذييل والتكميل (4/ 9). (¬3) كلمات الأول والثاني والثالث ساقطة من نسخة الأصل. (¬4) سورة الأحزاب: 6. (¬5) سورةآل عمران: 163.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الذي أراده المصنف بقوله: متّحد به معنى بعد قوله: مغاير له لفظا: وإما أن يكون منزلا منزلته كقولنا: أبو يوسف أبو حنيفة، وزيد الأسد، وكقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (¬1) أي تنزلن منزلة الأمهات في حرمة التزوج، ونحو: ما أنت إلا سير. ثم قالوا: ولذلك تأويلان: أحدهما: على أنه حذف مضاف أي مثل أبي حنيفة، ومثل الأسد، وصاحب سير، وكذا زيد صوم أي صاحب صوم. الثاني: أن يجعل أحدهما الآخر مبالغة كما قال أبو علي (¬2) في قول الشاعر: 606 - [ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت] ... فإنّما هي إقبال وإدبار (¬3) جعلها نفس الإقبال والإدبار مبالغة لكثرة وقوع ذلك من فاعله. وأما المصنف فكأنه نحا إلى شيء، وهو أن الخبر إذا كان مغايرا للمبتدأ معنى فقد تقصد المبالغة بجعل العين نفس المعنى، أو بجعل المعنى نفس العين إذا كان في الكلام إشعار بلزوم حال تلحق أحدهما بالآخر، وحينئذ فلا يقدر مضاف - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 6. (¬2) في كتاب سيبويه جاء قوله: (1/ 337) بعد كلام له: وإن شئت رفعت هذا كلّه فجعلت الآخر هو الأول، فجاز على سعة الكلام، ثم أنشد بيت الخنساء، وقال: جعلها الإقبال والإدبار. فجاز على سعة الكلام، كقولك: نهارك صائم وليلك قائم. وفي المقتضب: (3/ 230) يقول المبرد تعليقا على البيت المذكور: أي ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنّه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذلك منها. (¬3) البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة للخنساء ترثي فيها أخاها صخرا، وقد غنى ابن سريج بعض أبياتها ومطلعها كما في الديوان (ص 26). قذا بعينك أم بالعين عوّار ... أم ذرّفت إذ خلت من أهلها الدّار وقبل بيت الشاهد قولها تصف حزنها على أخيها. فما عجول لدى بوّ تطيف به ... لها حنينان إصغار وإكبار ترتع ما رتعت ... بيت الشاهد وبعده: يوما بأوجع منّي يوم فارقني ... صخر وللدّهر إحلاء وإمرار اللغة: العجول من النساء والإبل: الواله التي فقدت ولدها وهي الثكلى لعجلتها في مجيئها وذهابها جزعا. البوّ: ولد الناقة، وجلد يحشى تبنا، ويقرب من أم الفصيل فتعطف عليه وتدر اللبن. ادّكرت: أي تذكرت ولدها. والشاهد في البيت: الإخبار عن الذات بالحدث في قولها فإنما هي إقبال وإدبار وقد خرجوه على المبالغة كأن الحدث هو الذات، وقيل بحذف المضاف أي ذات إقبال وإدبار، وقيل بتأويل المصدر باسم الفاعل أي مقبلة ومدبرة. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 324) وهو في معجم الشواهد (ص 164).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف؛ لأن تقديره مضاف لهذا القصد، وقد تقدم أن نحو: زيد ذو صوم يصدق على القليل الصوم، والكثير وزيد صوم لا يصدق إلا على المدمن الصوم. وإن لم يقصد المبالغة فإما ألا يكون بين المبتدأ والخبر مشاركة في حكمه، فيجب تقدير مضاف كقوله تعالى: هُمْ دَرَجاتٌ (¬1) أي ذو ودرجات، وإما أن يكون بينهما مشاركة فيه، وحينئذ إما أن تكون المشاركة في ذلك الحكم ثابتة فيكون الخبر (¬2) وإلا على التساوي حقيقة كقوله تعالى: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ (¬3) فإن المشاركة بين المبتدأ (¬4) في الحكم الذي هو حرمة التزوج ثابت قطعا. وإما أن تكون المشاركة بالدعوى دون تحقق ثبوت، فيكون الخبر دالّا على التساوي مجازا نحو قول الشاعر: 607 - ومجاشع قصب ... ... ... البيت نعم، ويجوز في هذا أعني ما دل على التساوي مجازا - أن يقدر مضاف محذوف، ولا شك أن المجاز ينتفي حينئذ ويصير اللفظ حقيقة، والظاهر أن تقدير المضاف أولى من عدم التقدير، ولو قيل بتقدير المضاف فيما دل على التساوي حقيقة لم يكن بعيدا، بل ربما يترجح لأنه الأصل، وعلى هذا يرجع [1/ 344] الحال عند مغايرة الخبر المبتدأ في المعنى إلى أمرين: أحدهما: تقدير مضاف محذوف. والثاني: أن يجعل الثاني نفس الأول إذا قصدت المبادأة، وحينئذ يرجع ما قاله المصنف إلى ما قاله غيره من النحاة من أنه عند المغايرة لنا تأويلان: إما أن يقدر مضاف محذوف إن لم يقصد المبالغة. وإما أن يجعل أحدهما الآخر مبالغة. وعلى هذين التأويلين حمل العلماء قوله صلّى الله عليه وسلّم لما سئل عن الجنين في بطن الناقة المذبوحة أو البقرة أو الشاة فقالوا: نلقيه أم نأكله؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «كلوه إن شئتم فإنّ - ¬

_ (¬1) سورةآل عمران: 163. (¬2) في الأصل: فيكون الحكم وما أثبتناه من نسخة (ب). (¬3) سورة الأحزاب: 6. (¬4) هكذا في الأصل.

[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ]

[الخبر المشتق وغيره، وحكمهما في تحمل ضمير المبتدأ] قال ابن مالك: (ولا يتحمّل غير المشتقّ ضميرا ما لم يؤوّل بمشتقّ؛ خلافا للكسائي، ويتحمّله المشتقّ خبرا أو نعتا أو حالا ما لم يرفع ظاهرا لفظا أو محلّا). ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكاته ذكاة أمّه» (¬1) روي برفع ذكاة الثانية ونصبها، والرفع هو الكثير، فقدره أبو حنيفة ذكاة الجنين مثل ذكاة أمّه، وأوجب ذبح الجنين، وحمله الشافعي على أن ذكاة أمّه تغني عن ذكاته إن لم يمكن ذبحه على أن إحدى الذكاتين هي الأخرى، فأغنت عنها، وأما النصب فعلى أن الذكاة الأولى عملت في الثانية؛ لأنها مصدر، ويكون الخبر محذوفا أي واجبة. قال ناظر الجيش: قبل الشروع في الكلام على هذا الموضع ينبغي أن تعلم أن المفرد الواقع خبرا لا يحتاج إلى ضمير يربطه بالمبتدأ؛ لأن ارتباطه يكون بإعرابه، مع أن المفرد لا يستقل بنفسه، فإذا أتى اسم مبتدأ علم أنه يطلب الخبر، وإذا جاء بعده اسم مرفوع علم أنه خبره كما إذا جيء باسم مرفوع بعد الفعل. علم أنه الفاعل ومما يحقق لك عدم احتياج المفرد إلى ضمير للربط صحة وقوع الجامد المحض خبرا، إلا أن الخبر المفرد إذا كان مشتقّا يتحمل الضمير لا من جهة كونه خبرا، بل من أجل الاشتقاق خاصة؛ لأن المشتق شارك الفعل في اشتقاقه من المصدر فأشبهه، فتحمل الضمير من هذا الوجه. ثم اعلم أن الأسماء بالنسبة إلى الاشتقاق وعدمه أربعة أقسام: مشتق، وجامد، ومشتق أجري مجرى الجامد، وجامد أجري مجرى المشتق: فأما الجامد والمشتق الذي أجري مجراه فلا يتحملان ضميرا، الأول نحو: زيد أسد، وعمرو أخ، والثاني نحو: بكر والد، وخالد صاحب. وأما المشتق والجامد الذي أجري مجراه فإنهما يتحملان الضمير كما ستعرف. قال المصنف (¬2): مثال الخبر الذي لا يتحمل ضميرا لكونه غير مشتق ولا مؤولا بمشتق قولك مشيرا إلى الأسد المعروف: هذا أسد. فأسد لا ضمير فيه؛ لأنه خال - ¬

_ (¬1) الحديث بنصه في مسند الإمام أحمد بن حنبل (3/ 31) وأصله: عن أبي سعيد الخدري قال: سألنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة، فقال: «كلوه إن شئتم، فإنّ ذكاته ذكاة أمه». (¬2) شرح التسهيل (1/ 306).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من معنى الفعل، فلو وقع موقع مشتق لجرى مجراه في تحمل الضمير كقولك مشيرا إلى رجل شجاع: هذا أسد؛ ففي أسد حينئذ ضمير مرفوع به؛ لأنه مؤول بما فيه معنى الفعل، ولو أسند إلى ظاهر لرفعه كقولك: رأيت رجلا أسدا أبوه، ومنه قول الشاعر [1/ 345]: 608 - وليل يقول النّاس من ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها كأنّ لنا منه بيوتا حصينة ... مسوحا أعاليها وساجا كسورها (¬1) فرفع الأعالي والكسور بمسوح وساج لإقامتهما مقام سود. وإذا جاز ارتفاع الظاهر بالجامد لتأوله بمشتق كان ارتفاع المضمر به أولى؛ لأنه قد يرفع المضمر ما لا يرفع الظاهر كأفعل التفضيل في أكثر الكلام (¬2). وإذا رفع الجامد القائم مقام مشتق ضميرا أو ظاهرا جاز أن ينصب بعد ذلك به تمييز أو حال كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الطويل وهما في وصف ليل طويل مظلم قالهما الأعشى (ديوان الأعشى: ص 68) وجواب واو رب مذكور في البيت الذي بعد ذلك، وهو قوله: تجاوزته حتى مضى مدلهمّه ... ولاح من الشّمس المضيئة نورها اللغة: العور: جمع عوراء. المسوح: جمع مسح بكسر الميم وهو الثوب الخشن المنسوج من الشعر. السّاج: الطيلسان الأخضر أو الأسود. الكسور: جمع كسر بالفتح وهو الشقة السفلى من الخباء، أو ما تكسر وتثنى منها على الأرض. المعنى: يصف الشاعر ليلا طويلا مظلما ظلمة لا يبصر فيها أحد، ثم شبهه بالبيوت الحصينة أو الثياب التي تنسج بقماش سميك غليظ. وشاهده: رفع الاسم الظاهر مرتين بأسماء جامدة، وذلك لتأويلها بمشتق. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 306) وفي التذييل والتكميل: (4/ 13) وفي معجم الشواهد (ص 160). (¬2) يريد أن يذكر أنه لما كان العمل ضعيفا في الضمير المستتر، حيث لا يظهر أثره لفظا لم يحتج إلى قوة العامل فيرفعه كل فعل وكل وصف، بخلاف الضمير البارز والاسم الظاهر، فيحتاجان إلى قوة العامل لقوتهما وظهور أثر العامل فيهما لفظا، وبخاصة في الاسم الظاهر، فرفعهما كل فعل لقوة الفعل في العمل، ولم يرفعهما كل وصف، وذلك لأن أفعل التفضيل لا يرفعهما؛ لأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل من قبل أنه في حال تجريده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، إلا ما حكاه سيبويه من قلة العمل في مثل قولهم: مررت برجل أكرم منه أبوه. وهذا بخلاف المسألة المشهورة في باب أفعل التفضيل بمسألة الكحل، فإنه يرفع الظاهر كثيرا لصحة قيام الفعل مقامه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 609 - تخبّرنا بأنّك أحوذيّ ... وأنت البلسكاء بنا لصوقا (¬1) البلسكاء: حشيشة تلصق بالنبات كثيرا. وإذا ثبت تحمل الجامد ضميرا ورفعه ظاهرا لتأوله بمشتق لم يرتب في أن المشتق أحق بذلك. وقد حكم الكسائي (¬2) وحده بذلك للجامد المحض نحو قولك: هذا زيد، وزيد أنت. وهذا القول وإن كان مشهورا انتسابه إلى الكسائي دون تقييد - فعندي استبعاد لإطلاقه؛ إذ هو مجرد عن دليل ومقتحم بقائله أوعر سبيل، والأشبه أن يكون الكسائي قد حكم بذلك في جامد عرف لمسماه معنى لازم لا انفكاك له ولا مندوحة عنه؛ كالإقدام والقوة للأسد، والحرارة والحمرة للنار فإن ثبت هذا المذكور فقد كان المحذور، وأمكن أن يقال: معذور، وإلا فضعف رأيه في ذلك (¬3) بين، واجتنابه متعين. وأما الخبر المشتق إذا لم يرتفع به ظاهر لا لفظا نحو: زيد قائم غلامه، ولا محلّا نحو: عمرو مرغوب فيه، فلا بد من رفعه ضميرا. انتهى كلام المصنف (¬4). وعرف منه أن الجامد لا يتحمل ضميرا إلا عند الكسائي، وأن المشتق والجامد المؤول بالمشتق يتحملان الضمير، وأما الجاري مجرى الجامد فلم يتعرض إليه، وكأنه يقول: إذا جرى المشتق مجرى الجامد فحكمه حكمه، وهو قد ذكر الجامد فاكتفى به (¬5). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر وهو في الهجاء، وعن قائله قال ابن منظور: (بلسك: 1/ 343): (البلسكاء): نبت إذا لصق بالثوب عسر زواله عنه، ثم قال: كتبه أبو العميثل وجعله بيتا من الشعر ليحفظه. الأحوذي: الرجل السريع في كل ما أخذ فيه وأصله في السفر. والمعنى: تظهر لنا أنك عظيم تحسن الأمور وتسوقها بنفسك، وأنت لاصق بنا لا تعرف شيئا. وشاهده: نصب التمييز بعد الاسم الجامد لتأوله بالمشتق كأنه قال: وأنت ملازم لنا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 306) وفي التذييل والتكميل: (4/ 14) وليس في معجم الشواهد. (¬2) التذييل والتكميل: (4/ 14) والهمع: (1/ 95)، وقال الرضي (شرح الكافية: 1/ 97): «وإن لم يكن الجامد مؤولا بالمشتق لم يتحمل الضمير؛ خلافا للكسائي، فكأنه نظر إلى أن معنى زيد أخوك: متصف بالأخوة، وهذا زيد أي يتصف بالزيدية، فالجامد كله متحمل للضمير عند الكسائي. (¬3) كلمة ذلك ساقطة من الأصل. (¬4) شرح التسهيل (1/ 307). (¬5) من أمثلة المشتق الجاري مجرى الجامد: إطلاق الوالد على الأب، والصاحب على الرفيق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ها هنا أبحاث: الأول (¬1): نسب المصنف الخلاف في أن الجامد لا يتحمل ضميرا - إلى الكسائي، والذي ذكره النحاة في كتبهم (¬2) أن المخالف في ذلك الكوفيون والرماني من البصريين. وحجة الكوفيين أن الجامد في معنى المشتق؛ فإذا قلت: جعفر غلامك تريد إسناد الغلامية وهي الخدمة إليه، وإذا قلت: جعفر أخوك تريد إسناد الأخوة والقرابة. ورد ذلك بأن تحمل الضمير يكون من جهة اللفظ لا من جهة المعنى، ولو تحمل ضميرا لجاز العطف عليه وتأكيده (¬3). ولما لم يسمع من العرب شيء من ذلك دل على عدم تحمله الضمير. الثاني: تقدم أن المشتق إنما تحمل الضمير لشبهه بالفعل، ورد ابن أبي الربيع فقال: ووقوعه موقعه. أما الشبه ففي الاشتقاق من المصدر كما عرفت، وأما الوقوع موقع الفعل فإنك إذا قلت: زيد قائم تريد بقائم ما تريد بيقوم حتى كأنك نطقت بيقوم، وكذلك إذا قلت: زيد مضروب كأنك قلت: زيد يضرب، قال: ولا يكون الوقوع في الصفات كلها إنما يكون منها في اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد حسن فليس المعنى زيد يحسن. قال: فيتحصل [1/ 346] من هذا أن تحمل اسم الفاعل وما يجري مجراه أقوى من تحمل حسن وما أشبهه لأن الموجب لاسم الفاعل وما يجري مجراه الاشتقاق والوقوع، - ¬

_ (¬1) كلمة الأول والثاني والثالث والرابع ساقطة من الأصل. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (4/ 14) والهمع (1/ 95) والإنصاف في مسائل الخلاف، وقد شرح الأنباري المسألة بتمامها في كتابه فقال (الإنصاف: 1/ 55): «ذهب الكوفيون إلى أنّ خبر المبتدأ إذا كان اسما محضا يتضمّن ضميرا يرجع إلى المبتدأ، نحو: زيد أخوك وعمرو غلامك، وإليه ذهب علي بن عيسى الرماني من البصريين، وذهب البصريّون إلى أنه لا يتضمّن ضميرا، وأجمعوا على أنه إذا كان صفة تتضمن الضّمير نحو: زيد قائم، وعمرو حسن، وما أشبه ذلك». ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين. (¬3) فكنت تقول: زيد أخوك هو كما تقول: زيد قام هو، وتقول: زيد أخوك وعمرو، يعطف عمرو على الضمير في أخوك كما تقول: زيد قام وعمرو. فلما لم يجز ذلك دل على أن الجامد لا يتحمل الضمير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والموجب لحسن وما أشبهه الاشتقاق. هذا كلام ابن أبي الربيع، وهو دال على توفيق في الصناعة ولطف في الاعتبارات، وإن كان لا يترتب على ذلك الفرق شيء في الخارج. الثالث: قال الشيخ: «قول المصنف: ويتحمله المشتقّ لا يصح على إطلاقه لأن لنا مشتقات لا تتحمّل ضميرا كالآلات نحو: مفتاح ومكسحة، واسم المكان والزمان كمرمى ومغزى، وما بني على مفعلة للتكسير نحو: مسبعة ومأسدة، وإنما يتحمل الضّمير من المشتقات ما جاز أن يعمل عمل الفعل» انتهى (¬1). ولا يتوجه هذا الإيراد على المصنف؛ لأنه حد المشتق أول الكلام بأنه ما دل على متصف، أي شيء متصف، فالمراد بالمشتق في كلامه ما دل على ذات متصفة بوصف. وما ذكره الشيخ ليس كذلك؛ لأنه دال على ذات فقط أو معنى فقط (¬2). الرابع: قال المصنف في شرح الكافية: «لو أشرت إلى رجل وقلت: هذا أسد لكان لك فيه ثلاثة أوجه: أحدها: تنزيله منزلة الأسد مبالغة دون التفات إلى تشبيه. والثاني: أن تقصد التّشبيه فتقدر مثلا مضافا إليه. ففي هذين الوجهين لا ضمير في أسد. والوجه الثالث: أن تؤول لفظ أسد بصفة وافية بمعنى الأسديّة وتجريه مجرى ما أولته فيتحمّل حينئذ ضميرا، وترفع به ظاهرا إن جرى على غير ما هو له، كقولك: هذا أسد ابناه» انتهى (¬3). أما الوجه الثاني وهو الذي قصد فيه التشبيه، فكل من المبتدأ الذي هو الرجل المشار إليه بهذا، والخبر الذي هو أسد باق فيه على حقي كذا أسد باق على حقيقته - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 15). (¬2) ما دل على ذات فقط كمفتاح ومكسحة ومرمى ومغزى، وما دل على معنى فقط كمأسدة ومسبعة. (¬3) انظر: شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 340، 341) بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي (مكة المكرمة). ولم يحذف الشارح من نقله إلا مثالا مذكورا للوجه الأول.

[استكنان الضمير الرابط وبروزه]

[استكنان الضمير الرابط وبروزه] قال ابن مالك: (ويستكنّ الضّمير إن جرى متحمّله على صاحب معناه وإلّا برز، وقد يستكنّ إن أمن اللّبس وفاقا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ في الوجه الأول، والتجوز إنما هو في المبتدأ الذي هو الرجل؛ لأنه أريد به معنى الأسد ولا شك أنه مجاز مرسل، ويظهر أن العلاقة فيه هي اللزوم (¬1) كما تقول في نحو: زيد صوم وزيد عدل عند قصد المبالغة. وأما الوجه الثالث: فالمبتدأ باق على حقيقته، والتجوز إنما هو في الخبر الذي هو أسد؛ لأنه أريد به الرجل الشجاع، ولا شك أن ذلك مجاز استعارة؛ لأن العلاقة بينه وبين الحقيقة إنما هي التشبيه، ولكن يظهر أن في ذلك إشكالا من جهة أن الاستعارة لا يذكر فيها الطرفان، إنما يذكر أحدهما، وها هنا قد ذكر المشبه به وهو أسد، فيجب ألا يذكر المشبه وهو الرجل المشار إليه بهذا، والظاهر أن التشبيه هنا ليس بين الرجل وأسد، إنما هو بين أسد وشجاع، فالشجاع هو المشبه وأسد المشبه به، وأصل التركيب: هذا شجاع، ثم شبه الشجاع بالأسد، فأوقع موقعه لقصد المبالغة في التشبيه على ما عليه مبنى الاستعارة عند أصحاب علم البيان. قال ناظر الجيش: الخبر المفرد (¬2) الرافع ضميرا إن جرى على صاحب معناه استكن الضمير المرفوع به [1/ 347] دون خلاف، فإن برز فالبارز مؤكد للمستكن (¬3). وإن جرى على غير صاحب معناه لزم إبرازه عند البصريين والكوفيين عند خوف اللبس كقولك: زيد عمرو ضاربه هو، والزيدان العمران ضاربهما هما، فهو فاعل مسند - ¬

_ (¬1) يوجد بياض في نسخة (ب) مكان كلمة اللزوم. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 307) وقد نقله الشارح بنصه، وسينبه عليه آخر النقل. انظر المسألة بتمامها في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 57). قال ابن الأنباري «ذهب الكوفيون إلى أنّ الضّمير في اسم الفاعل إذا جرى على غير من هو له نحو قولك: هند زيد ضاربته هي لا يجب إبرازه، وذهب البصريون إلى أنّه يجب إبرازه، وأجمعوا على أنّ الضّمير في اسم الفاعل إذا جرى على من هو له لا يجب إبرازه» ثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين، وأجاب على أدلة الكوفيين. (¬3) نقل الشارح عن أبي حيان قوله: أجاز سيبويه في نحو: مررت برجل مكرمك هو أن يكون هو تأكيدا للضّمير المستكن في مكرمك، وأن يكون فاعلا بالصّفة، قال: والفرق بين التّقديرين يظهر في التثنية والجمع فتقول: مررت برجلين مكرميك هما على التأكيد، وبرجلين مكرمك هما على الفاعلية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه ضاربه وهو عائد على زيد، والهاء عائدة على عمرو، وهما فاعل مسند إليه ضاربهما، وهو عائد على الزيدان. والمضاف إليه عائد على العمران. وأفرد ضارب المسند إليه المثنى؛ لأنه واقع موقع فعل مجرد مسند إلى فاعل بارز، فالإبراز في مثل هذا مجمع عليه لكون المعنى ملتبسا بدونه. فلو كان المراد صدور الضرب من المبتدأ الثاني ووقوعه على الأول - لاستكن الضمير بإجماع لعدم الحاجة إلى إبرازه، ومثال الإبراز المجمع عليه قول الشاعر: 610 - لكلّ إلفين بين بعد وصلهما ... والفرقدان حجاه مقتفيه هما (¬1) والتزم البصريون الإبراز مع أمن اللبس عند جريان رافع الضمير على غير صاحب معناه؛ ليجري الباب على سنن واحد، وخالفهم الكوفيون فلم يلتزموا الإبراز عند أمن اللبس، وبقولهم أقول (¬2)؛ لورود ذلك في كلام العرب كقول الشاعر: 611 - قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت ... بكنه ذلك عدنان وقحطان (¬3) فقومي مبتدأ، وذرا المجد: مبتدأ ثان، وبانوها خبر جار على ذرا المجد في اللفظ، وهو في المعنى لقومي، وقد استغنى باستكنان ضميره عن إبرازه لعدم اللبس. ومثله قول الشاعر أيضا: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو في النصح والإرشاد لشاعر مجهول. اللغة: الإلف: الصديق. البين: البعد. الفرقدان: نجمان يضيئان في السماء لا يفترقان. الحجا: حجا كل شيء ناصيته وجانبه وطرفه وهو بفتح الحاء. مقتفيه: من اقتفاه أي تبع أثره. يقول: كل صديقين وحبيبين اجتمعا لا بد من افتراقهما حتى الفرقدان. والشاهد فيه قوله: والفرقدان حجاه مقتفيه هما؛ حيث جرى مقتفيه على حجاه؛ وهو في المعنى للفرقدين، فوجب إبراز الضمير عند الجميع لخوف اللبس. انظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 307) والتذييل والتكميل (4/ 23). وليس في معجم الشواهد. (¬2) المتكلم والموافق للكوفيين هو ابن مالك الذي ينقل عنه الشارح. (¬3) البيت من بحر البسيط ومع شهرته في هذا الباب فهو مجهول القائل. والشاعر يمدح قومه ببلوغ الفضل والكرم، وقد شهد لهم بذلك العرب جميعا. وشاهده قوله: قومي ذرا المجد بانوها، حيث جرى الوصف وهو بانوها على ذار المجد، وهو في المعنى لقومي؛ لأنهم البانون، ولم يبرز الضمير المستتر في بانوها لأمن اللبس، وهو شاهد للكوفيين وابن مالك على جواز استتار الضمير إذا جرى الوصف على غير من هو له وأمن اللبس. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 308). والتذييل والتكميل (4/ 21). ومعجم الشواهد (ص 393).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 612 - إنّ الّذي لهواك آسف رهطه ... لجديرة أن تصطفيه خليلا (¬1) ومثله قول الآخر: 613 - ترى أرباقهم متقلّديها ... إذا حمي الحديد على الكماة (¬2) وتكلف بعض المتعصبين فقال: تقدير البيت الأول: قومي بانو ذرا المجد بانوها، وتقدير البيت الثاني: لأنت جديرة أن تصطفيه. وتقدير البيت الثالث: ترى أصحاب أرباقهم متقلديها. والصحيح حمل الأبيات على ظاهرها دون تكلف كما يتم المعنى بعدمه. والكلام على المشتق الواقع نعتا أو حالا كالكلام عليه إذا وقع خبرا. فمن التزم إبراز الضمير عموما مع الخبر الجاري على غير صاحب معناه التزمه مع النعت والحال الجاريين على غير ما هما له أمن اللبس أم لم يؤمن، ومن لم يلتزم الإبراز إلا عند خوف أمن اللبس لم يلتزمه في النعت والحال إلا عند خوف اللبس. ومن النعت الجاري على غير ما هو له دون إبراز ضمير - قراءة ابن أبي عبلة (¬3): - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل لشاعر مجهول يعاتب صاحبته قائلا لها: إنه أغضب أهله من أجلها، وضحى بكل شيء في سبيلها، فالواجب أن تصطفيه وتعشقه. الإعراب: إنّ الّذي: إن واسمها والجملة بعده صلة الموصول. لجديرة: خبر إن، وليس وصفا لاسمها، بل هو وصف للمرأة المخاطبة، ومع ذلك لم يبرز الضمير المرفوع بالوصف، فيقول: لجديرة أنت؛ لأمن اللبس وهو موضع الشاهد. أن تصطفيه خليلا: مصدر مجرور بجار مقدر متعلق بالوصف قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 308) والتذييل والتكميل (4/ 21). وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الوافر وهو في الوصف لشاعر مجهول. اللغة: أرباقهم: جمع ربق بكسر الراء وفتحها وهو الحبل. متقلّديها: جاعليها في أعناقهم في موضع القلادة. الكماة: جمع كمي وهو الشجاع. المعنى: يذكر أنه شاهد هؤلاء الناس وهم مقيدون ومربوطون بالحبال في أعناقهم لمدة طويلة كما يفعل الشجعان حين يضعون على رءوسهم حديدا يحميهم من أعدائهم. والشاهد فيه قوله: ترى أرباقهم متقلديها؛ فإن متقلديها وقعت خبرا (مفعولا ثانيا) لأرباق، وقد جرت على غير المبتدأ؛ لأنها في الأصل وصف للابسين لا للأرباق، ومع ذلك لم يبرز الضمير، ولو برز لقيل: متقلديها هم، فهو دليل للكوفيين على استتار الضمير عند أمن اللبس إذا جرى الوصف على غير من هو له. والبيت في شرح التسهيل (1/ 308) والتذييل والتكميل (4/ 21) وفي معاني القرآن للفراء (2/ 277) ومعجم الشواهد (ص 74). (¬3) هو إبراهيم بن أبي عبلة، واسمه شمر بن يقظان بن المرتحل أبو إسماعيل ثقة كبير تابعي، له حروف في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) بخفض غير (¬1). وإن كان الجاري على غير ما هو له من خبر ونعت وحال فعلا وأمن اللبس اغتفر ستر الضمير كقولك: الخبز زيد يأكله، فلو خيف اللبس وجب الإبراز كقولك: غلام زيد يضربه هو إذا كان المراد أن زيدا يضرب الغلام. هذا بجملته كلام المصنف (¬2) ثم هاهنا أمور ينبغي التعرض إليها [1/ 348]: الأول (¬3): المفهوم من قول المصنف: ويستكنّ الضّمير إن جرى على صاحب معناه أنه لا يجوز إبرازه، وكذا يعطيه قوله في الشرح: إن جرى على صاحب معناه استكن الضمير المرفوع به دون خلاف، فإن برز فالبارز مؤكد للمستكن. قال الشيخ (¬4): «وليس الأمر كذلك، فقد أجاز سيبويه في نحو: مررت برجل مكرمك هو - أن يكون هو تأكيدا للضّمير المستكن في مكرمك، وأن يكون فاعلا بالصّفة. والفرق بين التقديرين يظهر في التثنية والجمع، فتقول: مررت برجلين مكرميك هما على التأكيد، وبرجلين مكرمك هما على الفاعلية». الأمر الثاني: إذا جرى متحمل الضمير على غير صاحب معناه، فليس من شرط الاسم الذي يعود عليه الضمير الذي هو الفاعل أن يكون مبتدأ كما سبق إلى الأذهان من التمثيل - ¬

_ - القراءات واختيار خالف فيه العامة في صحة إسنادها إليه نظر، أخذ القراءة عن واثلة بن الأسقع والزهري، وأخذ عنه موسى بن طارق ومالك بن أنس، ومن كلامه: من حمل شاذّ العلماء حمل شرّا كبيرا، توفي سنة (153 هـ). (ترجمته في غاية النهاية: 1/ 19). (¬1) سورة الأحزاب: 53 وفي الآية قال أبو حيان (البحر المحيط: 7/ 246) «قال الزمخشريّ: إلّا أن يؤذن في معنى الظّرف تقديره: وقت أن يؤذن لكم، وغير ناظرين حال من لا تدخلوا أو من الاستثناء على الوقت والحال معا، وقرأ الجمهور غير بالنصب على الحال، وابن أبي عبلة بالكسر صفة لطعام، قال الزمخشري: ليس بالوجه؛ لأنه جرى على غير من هو له، فحق ضمير ما هو له أن يبرز منه إلى اللفظ، فيقال: غير ناظرين إناه أنتم، كقولك: هند زيد ضاربته هي، وحذف هذا الضمير جائز عند الكوفييّن إذا لم يلبس، وقرأ الجمهور إناه مفردا. والأعمش إناءه بهمزة بعد النّون». (¬2) شرح التسهيل (1/ 309). (¬3) كلمة الأول والثاني والثالث ساقطة من نسخة الأصل. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 16) ولم أجد ما ذكره عن سيبويه في كتابه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقولنا: زيد عمرو ضاربه هو، وهند زيد ضاربته هي، بل الشرط أن يكون الاسم العائد عليه الضمير الذي هو فاعل مذكورا في الجملة على أي وجه كان، فإذا قلت: غلام زيد ضاربه هو وكانت الهاء للغلام، وغلام هند ضاربته هي كان كقولك: زيد عمرو ضاربه، وهند زيد ضاربته هي سواء في الحكم، ويدل على ذلك التمثيل بقول الشاعر: 614 - إنّ الّذي لهواك آسف رهطه ... ... البيت وبقول الآخر: 615 - أرباقهم متقلّديها ... ... وبقراءة ابن أبي عبلة (إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) وتمثيل المصنف (¬1) حين ذكر الإلباس في جريان الفاعل بقوله: غلام زيد يضربه هو إذا كان المراد أن زيدا يضرب الغلام. الأمر الثالث: قد عرف من كلام المصنف أن الحكم في الفعل إذا جرى على غير من هو له كالحكم في الوصف سواء إن أمن اللبس اغتفر ستر الضمير، وإن خيف اللبس وجب الإبراز، لكن قال الشيخ (¬2): «لو كان الخبر فعلا فلا نأتي بالضمير نحو زيد: هند يضربها، وهند بشر تضربه إلا على التأكيد لا على أن يكون فاعلا. هكذا أطلق معظم النحويين. ويعرض اللبس في الفعل كما يعرض في الصفة». ثم قال: «فإذا خيف اللبس في الفعل كرر الظاهر الذي هو الفاعل، فتقول: زيد عمرو يضربه زيد، فيضربه زيد في موضع خبر عمرو، والرابط له الضمير العائد عليه، وعمرو مبتدأ، وهو وخبره في موضع خبر زيد، والرابط له تكرار المبتدأ الذي هو زيد». الأمر الرابع: ذكروا أن العلة في إبراز الضمير مع الوصف هو أن الصفة إذا تحملت الضمير لم يكن له ما يبينه إلا جريان الصفة على من هي له من حيث أن الضمير يستتر فيها، فاحتيج إذا جرت على غير من هي له إلى إبرازه؛ إذ ليس له ما يبينه إذ ذاك إلا خروجه إلى اللفظ وظهوره، وإذا خرج إلى اللفظ لزم انفصاله؛ لأن الصفات - ¬

_ (¬1) معطوف على قوله: ويدل على ذلك التمثيل بقول الشاعر. (¬2) التذييل والتكميل: (4/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يتصل بها ضمير الرفع البارز؛ إذ لم تستحكم استحكام الفعل في ذلك، فلما لزم إظهاره في حال جريانه على غير من هي له لزم انفصاله (¬1)، وليس الفعل كذلك؛ إذ لا يعدم مبينا له، إما جريانه على من هو له وإما ضمائر تتصل به [1/ 349] بارزة نحو: قاما وقاموا، وإما علامات نحو: أقوم ونقوم ويقوم وتقوم، وهذا التعليل يقتضي قصر وجوب الإبراز على الوصف. وقال ابن أبي الربيع ما معناه (¬2): إنّ حكم الضّمير في الصّفة مخالف لحكم الضّمير في الفعل، يعني أنه يبرز متّصلا بالأفعال، ولا يبرز متصلا بالصفات، وأنه قد يستتر في بعض الأفعال، ولا يبرز كما يستتر في الصفات. ثم قال: «فلمّا كانت الصفة إذا جرت على من هي له في المعنى يستتر فيها الضمير مطلقا، ولم تكن كالضّمير في الفعل في الكمون والظّهور واستتر في الصّفة في مواضع ظهر فيها في الفعل - جعلوها إذا جرت على غير من هي له يظهر ضميرها مطلقا؛ ليظهر فيها في مواضع كمن فيها في الفعل، كما استتر في مواضع ظهر فيها في الفعل فكأن هذا معاوضة». ثم نبه ابن أبي الربيع على أن هذا يعني إبراز الضمير إذا جرت الصفة على غير من هي له أنها تكون في الصفة التي ترفع الظاهر، قال: «ولا يكون هذا في اسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا بمعنى الماضي؛ لأنهما لا يرفعان الظّاهر، وذلك لأن الضمير المنفصل يتنزل منزلة الظاهر، فلا يرفعه إلّا ما يرفع الظّاهر، ومن ثم كان حكمه إذا رفع هذا المضمر حكمه إذا رفع الظاهر، فلا يثنّى ولا يجمع إذا أسند إلى مثنّى أو مجموع إلّا على لغة من قال: - ¬

_ (¬1) أقول: وقد قلت في كتابي: توضيح شرح الأشموني (ص 91) في نهاية شرح هذا الموضع: ومن المستحسن عدم محاكاة هذه الأساليب المشتملة على هذا النوع الذي يجري فيه الضمير على غير من هو له، وإن أردت معاني الأمثلة السابقة فاجعل أحد المبتدأين فاعلا وارفعه، والآخر مفعولا وانصبه، فتقول في مثل (الفارس الحصان متعبه هو) و (الكلب الثعلب مخيفه هو): يتعب الفارس الحصان، ويخيف الكلب الثعلب وهكذا، وإن أردت عكس ذلك فقل: يتعب الحصان الفارس، أو الحصان يتعب الفارس، وبذلك تأمن اللبس. وقد وقع اللبس في باب الابتداء لاتفاق الاسمين في الإعراب. (¬2) ما نقله الشارح عن ابن أبي الربيع ملخصه في شرح الإيضاح له، ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات لقطة رقم 34، 35).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 616 - [ولكن ديافيّ أبوه وأمّه ... بحوران] يعصرن السّليط أقاربه (¬1)» الأمر الخامس: قد عرفت أن مذهب البصريين وجوب إبراز الضمير المرفوع بالصفة الجارية على غير صاحب معناها سواء ألبس الأمر أم لم يلبس؛ لكنهم استثنوا من ذلك مسألة واحدة وهي قولك: مررت برجل حسن أبواه جميلين. فجميلين صفة جارية على رجل وليست له، بل للأبوين، ولم يبرز الضمير فيها فيقال: جميل هما، فأجروا الضمير الرابط هنا مجراه في الصفة الجارية على الموصوف فاستتر، وساغ ذلك وإن لم يعد على الموصوف من حيث كان عائدا على الأبوين المضافين إلى ضميره، فصار لذلك كأنه من جهة المعنى قد قال: مررت برجل حسن أبواه جميل أبواه (¬2). الأمر السادس: استدل الكوفيون ومن وافقهم على جواز استتار الضمير عند أمن اللبس بأمور منها: ما تقدم ذكره في كلام المصنف وهو: 617 - قومي ذرا المجد بانوها ... ... ... و: 618 - إنّ الّذي لهواك آسف ... ... ... البيت و: 619 - ترى أرباقهم متقلّديها ... ... - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، وهو للفرزدق في هجاء رجل يدعى عمرو بن عفراء الضبي (ديوان الفرزدق: 1/ 46). اللغة: ديافيّ: بكسر الدال قرية بالشام تنسب لها الإبل ومن يسكنها من الناس فهو رديء مبتذل. حوران: مدينة بالشام. السّليط: الزيت. أقاربه: أهله وذووه. المعنى: يهجو الرجل وأهله بأنه من قرية لئيمة ورديئة في القرى، ومن يسكن منهم المدينة فهو يحترف ليكسب عيشه، هجاه بالابتذال والخدمة ونفي عنه ما عليه العرب من تجارة وحرب. وشاهده: إلحاق علامة بالفعل وهي نون النسوة لتدل على أن الفاعل جمع، وهو ما يسمى عند العرب بلغة أكلوني البراغيث، وليس ذلك بالمشهور عندهم، وإنما المشهور تجرد الفعل من العلامات، وسبب إلحاقه نون النسوة والأقارب مذكر أنه شبههم بالنساء وهو أقذع في الهجاء. والبيت في معجم الشواهد (ص 41) وليس في شروح التسهيل. (¬2) انظر في هذه المسألة: التذييل والتكميل (4/ 20) والهمع (1/ 96).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله تعالى في قراءة من قرأ: (إلى طعام غير ناظرين إناه) (¬1) بالجر. ومنه قول الشاعر أيضا: 620 - وإنّ امرءا أسرى إليك ودونه ... سهوب وموماة وبيداء سملق لمحقوقة أن تستجيبي لصوته ... وأن تعلمي أنّ المعان موفّق (¬2) ومنها: ما حكى الفراء عن العرب: كلّ ذي عين ناظرة إليك (¬3) ومنها قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (¬4). فلم يبرز الضمير في شيء من ذلك، فيقال: قومي ذرا المجد بانوها (¬5) هم، وإنّ الذي لهواك آسف رهطه لجديرة أنت [1/ 350] وترى أرباقهم متقلديها هم و: (إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)، و: لمحقوقة أنت، و: كل عين ناظرة هي إليك، - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 53. (¬2) البيتان من بحر الطويل من قصيدة طويلة للأعشى يمدح فيها الملحق بن خثعم بن ربيعة، وقد سبق الحديث عنها. انظر ديوان الأعشى (ص 120). وقد روي البيتان بروايات مختلفة، فروي من الأرض مكان سهوب وروي دعاءه مكان لصوته. اللغة: أسرى: سار ليلا. سهوب: جمع سهب وهي الأرض الواسعة. موماة: الأرض التي ليس فيها ماء، وقيل الفلاة. سملق: الأرض المستوية، ويقال للعجوز إذا كانت سيئة الخلق: سملق. لمحقوقة: لجديرة وخليقة. المعنى: يدعوها أن تحبه وتهواه؛ لأنه بذل الكثير وقطع من أجلها كل سبيل. الشاهد فيه قوله: لمحقوقة حيث وقعت هذه الكلمة خبرا لإن في أول البيتين، وهي وصف لغير المبتدأ الذي وقعت خبرا عنه، ومع ذلك لم يبرز الضمير على النحو الذي شرحناه في الأبيات التي قبل ذلك. انظر البيتين في: التذييل والتكميل (4/ 20) ومعجم الشواهد (ص 244). (¬3) انظر معاني القرآن للفراء: (2/ 277) والمسألة هناك بالتفصيل وأدلتها وأمثلتها، قال: «ألا ترى أنّ العرب تقول: كلّ ذي عين ناظر إليك، وناظرة إليك؛ لأن قولك: نظرت إليك عيني، ونظرت إليك بمعنى واحد». (¬4) من الآية رقم: 4 من سورة الشعراء، قال الفراء فيها: الفعل للأعناق فكيف لم يقل خاضعة؟ ثم أجاب فقال: جعل الأعناق الرّجال الكبراء، أو جعل الأعناق الطوائف ثم قال: وأحبّ إليّ من هذين الوجهين في العربية أن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعل الفعل أولا للأعناق، ثمّ جعلت خاضعين للرجال. (معاني القرآن: 2/ 277). (¬5) صحته أن يقال: فيقال: قومي ذرا المجد بانيها هم؛ لأن الوصف عند إسناده إلى الضمير البارز أو الاسم الظاهر يلزم الإفراد كالفعل الذي يحل محله. ومثله في الصحة أيضا أن يقال: ترى أرباقهم متقلدها هم، وأيضا يقال: إلى طعام غير ناظر إناه هم، ويقال: فظلت أعناقهم لها خاضعا هم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و: فظلت أعناقهم لها خاضعين هم. وقد تأول البصريين ذلك كله بما فيه تكلف: فقالوا في الثلاثة الأولى ما تقدم ذكره في كلام المصنف. وقالوا في لمحقوقة: إنه ليس فيه ضمير وإن المرفوع فيه قوله: أن تستجيبي، وأنث على المعنى؛ التقدير: لمحقوقة استجابتك (¬1). وكذا ذكروا ذلك في لجديرة أيضا. ولا شك أن تقديره: لأنت محقوقة ولأنت جديرة أسهل من هذا. وقالوا في كل ذي عين ناظرة إليك: إن التقدير ألحاظ كل عين ناظرة إليك. وأما قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (¬2) فقالوا: ليس خاضعين حالا من الهاء فتكون الصفة جارية على غير من هي له، وإنما هو حال من الفاعل المستتر في المجرور. قيل على هذا فينبغي أن تكون خاضعة؟ فأجيب أن هذا محمول على المعنى، وعلى ما يصلح أن يقع في هذا الموضع مما معناه كمعناه. وكان الذي حمل عليه هذا كونه بمعنى: فظلوا لها خاضعين كما جاء: 621 - [فإمّا تري لمّتي بدّلت] ... فإنّ الحوادث أودى بها (¬3) لأنه في معنى الحدثان، وقالوا: إن ذلك على إقحام الأعناق؛ لأنه يجوز: فظلوا لها خاضعين في معنى: فظلت أعناقهم لها خاضعين، وقالوا: يجوز أن يراد بالأعناق الجماعات، ولا يخفى وجه التكلف في هذه التأويلات، فالظاهر أن الصواب هو ما اختاره المصنف من قول الكوفيين. ¬

_ (¬1) انظر هذا الرأي مسندا لأبي علي الفارسي في الأمالي الشجرية (2/ 56) (الطناحي) قال: وقد أجروا اسم المفعول وهو قوله: لمحقوقة على اسم إنّ خبرا وهو للمرأة المخاطبة، ودفع أبو عليّ هذا الاعتراض بأن قال: ليس في قوله لمحقوقة ضمير لأنه مسند إلى المصدر الذي هو أن تستجيبي، فالتقدير لمحقوقة استجابتك، فجعل التأنيث في قوله لمحقوقة للاستجابة. (¬2) سورة الشعراء: 4. (¬3) البيت من بحر المتقارب وهو للأعشى من قصيدة يمدح بها رهط عبد المدان بن الديان سادة نجران من بني الحرث بن كعب، وهي في ديوان الأعشى (ص 23)، وبيت الشاهد ثالثها. اللغة: اللّمّة: الشعر الذي يلم بالمنكب. بدّلت: غيرها الدهر. الحوادث: الأحداث التي تصيب الإنسان. أودى بها: ذهب بها وغيّرها. والمعنى: يقول الأعشى لحبيبته: إذا رأيت الشيب قد ظهر عليّ، فابيض شعري، وتغير وجهي - فلا تستبعدي ذلك، فإن حوادث الدهر الكثيرة تصيبني من حين إلى حين فتهلكني. وشاهده قوله: فإن الحوادث أودى بها، حيث حذفت التاء ضرورة من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي، والواجب تأنيثه، وقد خرج على أن الحوادث في معنى الحدثان، والحدثان مذكر، فذكر الفعل. والبيت في معجم الشواهد (ص 68).

[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا]

[أنواع الخبر الجملة، وحكم بعض الجمل في وقوعها أخبارا] قال ابن مالك: (والجملة اسميّة وفعلية، ولا يمتنع كونها طلبيّة خلافا لابن الأنباريّ وبعض الكوفيين، ولا قسميّة خلافا لثعلب، ولا يلزم تقدير قول قبل الجملة الطلبيّة خلافا لابن السّرّاج). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام عن الخبر المفرد شرع في الكلام على الخبر الواقع، جملة وتقسيمه الجملة إلى قسمين هو التقسيم الصحيح (¬1)، ومثال الجملة الاسمية؛ الله فضله عظيم، ومثال الفعلية: اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ (¬2) ويدخل في الاسمية المصدرة بحرف عامل في المبتدأ، والشرطية، والمصدرة باسم غير معمول للشرط، ويدخل في الفعلية الشرطية المصدرة بحرف أو باسم معمول للشرط. فمثال الإخبار بجملة مصدرة بحرف عامل في المبتدأ: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ (¬3) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (¬4). ومثال الإخبار بشرطية مصدرة باسم غير معمول للشرط: الله من يطعه ينج. ومثال الإخبار بشرطية مصدرة بحرف: الله إن تسأله يعطك، ومثال الإخبار بشرطية مصدرة باسم معمول للشرط: الله من يهد فلا مضلّ له. ومنع أبو بكر بن الأنباري وبعض الكوفيين (¬5): الإخبار بجملة طلبية نظرا إلى أن الخبر حقه أن يكون محتملا للصدق والكذب، والجملة الطلبية ليست كذلك. قال المصنف (¬6): وهذا نظر واه لأن خبر المبتدأ لا خلاف أن أصله أن يكون مفردا، والمفرد من حيث هو مفرد لا يحتمل الصدق والكذب [1/ 351] فالجملة الواقعة موقعه حقيقة بألا يشترط احتمالها الصدق والكذب؛ لأنها نائبة عما يحتملهما، وأيضا فإن وقوع الخبر مفردا طلبيّا نحو: كيف أنت - ثابت باتفاق، فلا يمتنع ثبوته جملة طلبية بالقياس لو كان غير مسموع، ومع ذلك فهو مسموع - ¬

_ (¬1) أي: ويندرج تحت كل قسم من قسمي الجملة ما سيذكره، وذلك حتى لا تكثر الأقسام، ومثل: زيد قائم أبوه ليس جملة عند المحققين. (¬2) سورة الشورى: 13. (¬3) سورة البقرة: 255. (¬4) سورة الأعراف: 170. (¬5) التذييل والتكميل (4/ 26) والهمع (1/ 96). (¬6) شرح التسهيل (1/ 310).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شائع في كلام العرب كقول رجل من طيئ: 622 - قلب من عيل صبره كيف يسلو ... صاليا نار لوعة وغرام (¬1) انتهى. والشّبه التي تمسك بها ابن الأنباري ضعيفة من جهة أخرى، وهي أن الخبر لفظ مشترك فيه، فتارة يطلق ويراد به ما يقابل الإنشاء من الجمل المحتملة للصدق والكذب، ويطلق أيضا على الجزء المسند إلى مبتدأ مفردا كان أو جملة سواء كانت الجملة خبرية أو طلبية (¬2). وكان ابن السراج يجنح إلى ما جنح إليه ابن الأنباري من التعليل، لكنه لما رأى ورود ذلك في الكلام جعل الخبر محذوفا، والجملة الطلبية معمولة لذلك المحذوف، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: ولا يلزم تقدير قول قبل الجملة الطّلبيّة؛ خلافا لابن السّرّاج (¬3). فالتقدير في نحو: زيد اضربه عندهم: زيد مقول فيه: اضربه، أو زيد أقول لك: اضربه، ويضعف هذا التقدير أن المعنى يختلف بسببه، وذلك أنك إذا قلت: زيد اضربه فأنت آمر ومنشئ للاقتضاء، وإذا قلت: زيد مقول فيه: اضربه، أو أقول لك: اضربه فأنت مخبر، وإذا كان كذلك فكيف يقدر ما يؤدي إلى معنى غير المعنى المراد من الكلام أولا. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الخفيف لرجل من طيئ، ولم يعين في مراجع البيت. اللغة: عيل صبره: ذهب وفرغ. صاليا: من صلى النار إذا تقلب فيها واحترق بها، قال تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى [الليل: 15]. وهو يتعجب من نفسه: كيف يسلو قلبه عن حبها، وقد أراد ذلك ولم يستطع؛ لأن قلبه اكتوى بنارها وذاب في حبها. وشاهده: وقوع الخبر وهو قوله: (كيف يسلو) جملة إنشائية، وفيه رد على ابن الأنباري ومن وافقه الذي منع ذلك. البيت في: شرح التسهيل (1/ 310)، والتذييل والتكميل (4/ 27) ومعجم الشواهد (ص 377). (¬2) وفي الإخبار بالجملة الطلبية قال سيبويه: (1/ 138): وقد يكون في الأمر والنّهي أن يبنى الفعل على الاسم، وذلك قولك: عبد الله اضربه، ابتدأت عبد الله، فرفعته بالابتداء، ونبهت المخاطب له لتعرفه باسمه. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 27) والهمع (1/ 96).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي عن ثعلب منع الإخبار بجملة قسمية (¬1). قال المصنف (¬2): «وهو أيضا منع ضعيف؛ إذ لا دليل عليه مع ورود الاستعمال بخلافه كقوله تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً (¬3) وقوله: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (¬4) وقوله: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (¬5) وقال الشاعر: 623 - جشأت فقلت اللّذ خشيت ليأتين ... هو إذ أتاك فلات حين مناص (¬6) ثم ها هنا أمر ينبه عليه (¬7): وهو أنه قد علم أن أصل الخبر أن يكون مفردا، وأن الجملة إذا وقعت خبرا فهي واقعة موقع المفرد ومؤولة به، حتى إنهم ذكروا أنك إذا قلت: زيد ضربته أن الجملة ليست مسندة إلى زيد بالأصالة، وإنما وقعت موقع المسند إلى زيد، والأصل: زيد مضروب لي، وإذا قلت: عمرو أكرمته فالأصل عمرو مكرم، ثم وضع ضربته موضع مضروب، وأكرمته موضع مكرم، فلما وقعت الجملة موقع المسند إلى المبتدأ قيل: إنها مسندة إليه، وهذا كلام مقبول؛ لكنهم عللوا ذلك بأن الفعل في نحو: زيد ضربته مسند إلى ضمير المتكلم، وقد استقل بالإسناد إليه الكلام، وحصلت منه الإفادة، ومن شرط المسند والمسند إليه أن يكون كل واحد منهما لا يستقل بالإفادة، وإنما تحصل الإفادة من إسناد أحدهما إلى الآخر، نحو: زيد قائم وعمرو أخوك، قالوا: فعلى هذا ليس ضربته من زيد ضربته مسندا إلى زيد. وفيما ذكروه نظر: لأن إسناد ضرب إلى التاء لا يمنع إسناد الجملة إلى ما هي خبر - ¬

_ (¬1) المرجعان السابقان. (¬2) شرح التسهيل (1/ 310) إلا أنه لم يذكر الآية الثانية والثالثة. (¬3) سورة النحل: 41. (¬4) ناقصة من الأصل هي والتي بعدها سورة العنكبوت: 69. (¬5) سورة العنكبوت: 9. (¬6) البيت من بحر الكامل لقائل مجهول كما قالت مراجعه. ومعنى: جشأت: أي فزعت. يذكر أن نفسه فزعت من الأحداث وما يأتي به الدهر، فقال لها: لا تفزعي ولا تجزعي، فكل ما هو مقدر واقع، وإذا وقع فلا فرار منه. وشاهده قوله: اللّذ خشيت ليأتين، حيث وقع الخبر جملة قسمية، وهو جائز عند الجمهور غير جائز عند ثعلب. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 310)، والتذييل والتكميل (2/ 27) ومعجم الشواهد (ص 207). (¬7) هذا الكلام لناظر الجيش، وانظر إلى براعته ودقة كلامه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 352] عنه لاختلاف جهتي الإسناد، فالحق أن الجملة برمتها مسندة إلى ما وقعت خبرا عنه إسناد الخبر إلى مبتدأ به، نعم الموضع بالأصالة للمفرد، وهي واقعة موقعه ومؤولة به كما تقدم. وإذا تقرر أن الجملة إذا أخبر بها عن مبتدأ كانت واقعة موقع المفرد - فاعلم أنهم إنما ذكروا ذلك بالنسبة للجملة الخبرية - وأما الجملة الطلبية كالأمر والنهي وما جرى مجراهما، فقالوا: إنها شبيهة بما وقع موقع المفرد يعني بالجملة الخبرية، وقدروا ذلك بأنك إذا قلت: زيد اضربه وعمرو لا تكرمه، فالفعل إنما هو مسند إلى ضمير المخاطب، والهاء مبنية على الفعل (¬1) ومعمولته ومتصلة به، قالوا: وليس معك مسند إلى المبتدأ، ولا يقال: الجملة كلها مسندة إلى المبتدأ لما تقدم من أن شرط المسند والمسند إليه ألا يفيد أحدهما إلا بصاحبه، ولا يجد المنشئ كلاما من الإتيان بهما بدّا، وأنت إذا قلت: اضرب من غير أن تأتي بمبتدأ كان كلاما مستقلّا، قالوا: ولا يقال هنا ما قيل في زيد ضربته؛ لأن ضربته في موضع مضروب، وكذلك أنا أضرب في موضع أنا ضارب، وكذلك أنت أكرمتك معناه أنت مكرم، ولا تجد في زيد اضربه لفظا مفردا إذا وضع موضعه أعطى معناه. لكن قال ابن أبي الربيع: «الّذي يظهر لي في هذه المسألة (¬2) أنّ زيدا من قولك: زيد اضربه جاء مجيء زيد ضربته؛ لأن الأصل في زيد ضربته: ضربت زيدا؛ لكنّك قدّمت زيدا وأضمرته؛ ليكون في ذلك توكيد بذكر زيد مرتين. وكذلك زيد اضربه، الأصل: اضرب زيدا، ثم قدموا زيدا، وشغلوا الفعل بضميره؛ ليكون زيد قد ذكر مرتين ظاهرا ومضمرا، فقد صار زيد في زيد اضربه بمنزلة زيد في زيد ضربته في أن كلّا منهما اسم تعرّى (¬3) عن العوامل اللفظية ضمّ إليه بعده ما يكون الأول به كلاما مؤكدا؛ فلما صار مثله ارتفع ارتفاعه وأعرب إعرابه». قال: فجاء رفع زيد اضربه على هذا نائبا عن زيد ضربته، ولذلك ضعف الرّفع - ¬

_ (¬1) في نسخة الأصل: مبنية على المفعول، وما أثبتناه وهو الصحيح من نسخة (ب). (¬2) انظر ملخص كلامه المذكور في اللقطة رقم: 51 من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع. (¬3) عرى، وتعرى بمعنى واحد (القاموس: عري).

[روابط الخبر الجملة- جمل لا تحتاج إلى رابط]

[روابط الخبر الجملة - جمل لا تحتاج إلى رابط] قال ابن مالك: (وإن اتّحدت بالمبتدأ معنى هي أو بعضها، أو قام بعضها مقام مضاف إلى العائد استغنت عن العائد، وإلّا فلا). ـــــــــــــــــــــــــــــ في زيد اضربه، وقوي النصب، عكس زيد ضربته يعني في باب الاشتغال؛ لأن المشبه لا يقوى قوة المشبه به. قال ناظر الجيش: لما كانت الجملة مفيدة (¬1) مستقلة بنفسها لزم أن يكون بينها وبين ما وقعت خبرا عنه ارتباط؛ ليعلم أنها خبر عن ذلك المبتدأ؛ إذ لو لم يكن ذلك وقلت: زيد قام عمرو لكان قام عمرو كلاما مستقلّا، ولم يعلم تعلقه بزيد ولا ارتباطه به. إذا عرف هذا فنقول: الجملة الواقعة خبرا إما أن تكون نفس المبتدأ فيكون ذلك كافيا في الربط، ولا يحتاج إلى شيء آخر، وإما ألا يكون كذلك فلا بد [1/ 353] لها من رابط يربطها بالمبتدأ، والرابط إما ضمير يعود على المبتدأ، أو ما يقوم مقام الضمير، والذي يقوم مقام الضمير أحد ثلاثة أشياء: إما إعادة المبتدأ بلفظه، وإما إشارة مشار به إلى المبتدأ، وإما عموم في الخبر يدخل تحته المبتدأ. وقد اشتمل كلام المصنف على الأقسام كلها كما سأبينه، وأنا أذكر كلامه في الشرح أولا ثم أعود إلى البيان. قال رحمه الله تعالى (¬2): «الجملة المتحدة بالمبتدأ معنى كلّ جملة مخبر بها عن مفرد يدل على جملة كحديث وكلام، ومنه ضمير الشأن والقصة، كقوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬3)، وكقوله تعالى: فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا (¬4) ومن الإخبار بجملة عن مفرد اتحدت به معنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل ما قلته أنا والنّبيون من قبلي (قول) لا إله إلّا الله (محمّد رسول الله) (¬5)» (¬6). - ¬

_ (¬1) كلمة مفيدة ناقصة من نسخة الأصل، وهي في نسخة الدار. (¬2) شرح التسهيل (1/ 310، 311). (¬3) سورة الإخلاص: 1. (¬4) سورة الأنبياء: 97. (¬5) ما بين القوسين ساقط من نسخة الأصل. (¬6) جعله الأشموني في شرحه على الألفية حديثا: (1/ 197) ونسبه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، وذكره السيوطي في الهمع شاهدا، ولم ينسبه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم: (1/ 96) وكذلك فعل أبو حيان (التذييل والتكميل: 2/ 168) ولم أستطع أن أعثر عليه في كتب الأحاديث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجملة المتحد بعضها بالمبتدأ معنى كل جملة تتضمن ما يدل على ما يدل عليه المبتدأ بإشارة أو غيرها كقوله تعالى: وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ (¬1) في قراءة من رفع: ولباس التقوى (¬2) وكقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (¬3) لأن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة، فيحصل به ما كان يحصل بضميره مع تأكيد الاعتناء ومزيد الثناء. ويكثر الاتحاد لفظا ومعنى تعظيما لأمر المحدث عنه أو المحدث به كقوله تعالى: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (¬4) فإن لم تتحد بالمبتدأ معنى الجملة ولا بعضها لم تستغن عن ضمير، وإلى هذا أشرت بقولي: وإلّا فلا» انتهى (¬5). فعنى بقوله: إن اتّحدت بالمبتدأ معنى هي، ما الجملة فيه نفس المبتدأ هي، وبقوله: أو بعضها ثلاثة أشياء التي تقوم مقام الضمير: وهي إعادة المبتدأ بلفظه، واسم الإشارة، والعموم الذي يدخل تحته المبتدأ. ويدل على أنه أراد ذلك تمثيله بالثلاثة بعد قوله: والجملة المتّحدة بالمبتدأ معنى كل جملة تتضمن ما يدل على ما يدل عليه المبتدأ بإشارة أو غيرها. وبقوله: وإلّا فلا يعني وإلا تتحد بالمبتدأ معنى هي ولا بعضها فلا يستغني عن عائد ما يلزم فيه ذكر الضمير، فكان كلامه مع اختصاره مفيدا بمنطوقه جميع الصور إفادة صريحة. غير أن في قوله في الشرح: لأن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب وأقاموا - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 26. (¬2) قال أبو حيان (البحر المحيط: 4/ 282): «قرأ الصاحبان والكسائي: ولباس التّقوى بالنصب عطفا على المنصوب قبله، وقرأ باقي السبعة بالرفع فقيل: هو على إضمار مبتدأ محذوف أي: وهو لباس التقوى، وقيل: هو مبتدأ وخبره محذوف أي: ولباس التقوى ساتر عوراتكم، وقيل: هو مبتدأ وجملة ذلك خير هي الخبر، والرابط اسم الإشارة، وقيل: خير هي الخبر وذلك بدل من لباس أو نعت له أو عطف بيان. وقرأ عبد الله وأبي: ولباس التّقوى خير، بإسقاط ذلك. (¬3) سورة الأعراف: 170. (¬4) سورة الواقعة: 27. (¬5) شرح التسهيل (1/ 311).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة - بحثا وهو أن ظاهر هذا الكلام يقتضي ألا عموم في الخبر، وأن اللام في المصلحين للعهد؛ لأنه حكم بأن المصلحين هم الذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة. والظاهر أن هذا منه - رحمه الله تعالى - تجوز في الكلام ويتعين أن يكون مراده ما ذكره غيره من العموم؛ لأننا لو جعلنا اللام في المصلحين للعهد لكان الربط بالمعنى، وسيبويه لا يجيزه، والمصنف تبع له في ذلك. وأما دخول إعادة المبتدأ بلفظه في كلامه فظاهر؛ لأنه يصدق عليه نحو: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (¬1) أن بعض الجملة متحد بالمبتدأ معنى، وازداد الاتحاد بالموافقة للمبتدأ في اللفظ أيضا. واعلم أن ابن عصفور (¬2) ذكر في الذي يقوم مقام الضمير أمرا رابعا وهو: أن يقترن بالجملة جملة أخرى متضمنة لضمير عائد على المبتدأ معطوفة عليها بالفاء [1/ 354] كقوله: 624 - وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق (¬3) - ¬

_ (¬1) سورة الحاقة: 1، 2. (¬2) انظر المقرب: (1/ 83) قال: «والجملة تنقسم قسمين: اسمية وفعلية، ويشترط فيهما أن يشتملا على رابط يربطهما بالمبتدأ. إما ضمير يعود على المبتدأ أو تكرير المبتدأ بلفظه أو إشارة إليه، ومنه وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ في قراءة من قرأ برفع اللباس، أو عموم يدخل تحته المبتدأ، أو يقترن بالجملة جملة أخرى متضمنة لضمير عائد على المبتدأ معطوفة عليها بالفاء نحو قوله: وإنسان عيني يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجمّ فيغرق (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة لذي الرمة مليئة بالغريب، وهي في الغزل والوصف ومطلعها: أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق (انظر القصيدة في ديوان ذي الرمة: ص 386). اللغة: يحسر: من باب ضرب يضرب، ومعناه غضب عن موضعه وغار، وفاعله ضمير مسند إلى الماء. يجمّ: يكثر بضم الجيم وكسرها. المعنى: يصف ما يفعله حب حي فيه، وأنه كثير البكاء على فراقها، وأن إنسان عينه يغرق في هذا البكاء. ويستشهد بالبيت بأن فيه عطف جملة فيبدو وهي المشتملة على ضمير المبتدأ على جملة يحسر الماء وهي الواقعة خبرا، وقد كانت خالية من الرابط، وهذا يكفي في الربط. والبيت في معجم الشواهد (ص 245)، والتذييل والتكميل (4/ 33).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ثم استدرك الشيخ على المصنف ذلك، والظاهر أن الذي ذكره ابن عصفور مدخول؛ لأن الكلام إنما هو فيما يقوم مقام الضمير. ولا شك أن الرابط في البيت الذي أنشده ونحوه إنما هو الضمير لا شيء قائم مقامه؛ غاية الأمر أنه اكتفى في الجملتين بضمير واحد لتعاطفهما بالفاء، ثم إن هذا ليس أمرا يرجع إلى الخبر من حيث هو خبر، إنما يرجع إلى الفاء بدليل جريان مثل ذلك في بابي الصلة والصفة. وقد ذكر المصنف هذه المسألة في موضعها الحقيق بها، فقال في باب المعطوف عطف النسق (¬1): «وتنفرد الفاء بكذا وبكذا وبتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمّن جملتين من صلة أو صفة أو خبر». والذي فعله المصنف هو الحق. ثم إنه رحمه الله تعالى ذكر مسألة أخرى مع المسائل التي يقوم فيها غير الضمير، وهي التي أشار إليها بقوله: أو قام بعضها مقام بعض مضاف إلى العائد وقد مثل كذلك بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ (¬2). فقيل: التقدير يتربص أزواجهم. فأقيم ضمير الأزواج مقام الأزواج المضافة إلى ضمير الذين، فحصل الربط بهذا المضمر الواقع مكان المظهر الذي هو أزواج، وأزواج متصل بضمير المبتدأ. وهذا الذي ذكره المصنف في هذه الآية الشريفة هو رأي الأخفش والكسائي (¬3) قيل: ولكنه خلاف ما عليه الجمهور. وحاصل الأمر في الآية الشريفة أقوال: أحدها: هذا القول، فاختاره المصنف. وأما بقية الأقوال (¬4) فقيل: ثم مضاف محذوف معتدّ به. التقدير: ونساء الذين يتوفون - ¬

_ (¬1) انظر تسهيل الفوائد (ص 175) قال ابن مالك في الحديث عن ثم: «وتشركها الفاء في الترتيب، وتنفرد ثم بالمهلة، والفاء العاطفة جملة أو صفة بالسببية غالبا، وقد يكون معها مهلة، وتنفرد أيضا بعطف مفصل على مجمل متحدين معنى، وبتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة أو صفة أو خبر». (¬2) سورة البقرة: 234. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 29). (¬4) انظر في الآية وتقدير الخبر: التبيان في إعراب القرآن للعكبري (1/ 186) وما بعدها. وقد ذكر ما ذكره الشارح هنا، وزاد عليه خامسا وهو: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منكم ويذرون أزواجا يتربصن، فيكون كالاعتداد بالمحذوف في قول حسان رضي الله عنه: 625 - يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل (¬1) يريد ماء بردى، وقيل: التقدير ومما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم (¬2) ثم ابتدأ يتربصن لتفسير المتلوّ، وقيل: التقدير يتربصن بعدهم، وقيل: التقدير أزواجهم يتربصن. وإذ قد تلخص هذا الموضع وتبين معنى كلام المصنف، فأنا أورد ما أوردوه من ذكر الروابط المتفق عليها والمختلف فيها جملة كما أوردوه من غير تفسير، قالوا: الروابط المتفق عليها خمسة أشياء: ضمير المبتدأ، وتكرار المبتدأ بلفظه، وأكثر ما يكون ذلك في مواضع التهويل والتفخيم وإشارة إلى المبتدأ والعموم نحو: زيد نعم الرجل، وقول القائل: - ¬

_ - أنه ترك الإخبار عن الذين، وأخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن بالذين؛ لأن الحديث يعمهن في الاعتداد بالأشهر، فجاء الإخبار عما هو المقصود. قال: وهو قول الفراء. (¬1) البيت من بحر الكامل من قصيدة طويلة لحسان بن ثابت يتحدث فيها عن أيام لهوه وشبابه وشربه الخمر، وقبل بيت الشاهد يقول حسان: لله درّ عصابة نادمتهم ... يوما بجلّق في الزمان الأوّل أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل يسقون من ورد ... بيت الشاهد. (انظر ديوان حسان: ص 122). اللغة: البريص: موضع بدمشق وقيل: نهر بها. يصفّق: يحول من إناء لإناء ليصفى. الرّحيق السلسل: الرحيق الصافي والسهل من الخمر. وحسان يمدح هؤلاء القوم بالكرم، وأنهم لا يسقون الماء إلا ممزوجا بالخمر لسعتهم وكرمهم وتعظيم من يرد عليهم. الإعراب: بردى: مفعول ثان ليسقون، ويصفق: جملة حالية منه. الشاهد فيه قوله: بردى يصفق، حيث قام المضاف إليه مقام المضاف؛ لأن الشاعر أراد ماء بردى، ولو لم يرد الماء لقال: يصفق؛ لأن بردى مؤنث. والبيت في معجم الشواهد (ص 318). وفي شرح التسهيل (3/ 366). (¬2) هو ما قدره سيبويه في آيةالاشتغال المشهورة الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور: 2]. انظر الكتاب (1/ 142).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 626 - فأمّا القتال لا قتال لديكم ... ولكنّ سيرا في عراض المواكب (¬1) وقول الآخر: 627 - ألا ليت شعري هل إلى أم معمر ... سبيل فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا (¬2) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل للحارث بن خالد المخزومي يهجو به بني أسد من بني عبد شمس بأنهم جبناء لا يعرفون القتال، وبعد الانتصار يمشون في مواكب الفرح والزينة يهللون فوق جمالهم. اللغة: عراض: جمع عرض بضم العين وسكون الراء وهو الناحية. المواكب: جمع موكب وهم الجماعة يمشون أو يركبون للزينة. الإعراب: ولكن سيرا: لكن من أخوات إن واسمها محذوف، وسيرا مفعول مطلق بفعل محذوف هو الخبر. وتقدير الكلام: ولكنكم تسيرون سيرا، وقيل: سيرا: اسم لكن والخبر محذوف. والتقدير ولكن سيرا لكم. الشاهد فيه قوله: لا قتال لديكم حيث وقعت هذه الجملة خبرا للمبتدأ، والرابط فيها العموم لأن المنفي بلا التي للجنس يكون عامّا فيدخل فيه المعرف بأل. وفيه شاهد آخر سيأتي وهو سقوط الفاء من جواب أما. والبيت في شرح التسهيل (1/ 328) والتذييل والتكميل (4/ 32) ومعجم الشواهد (ص 56). ترجمة الشاعر: هو الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي من قريش، شاعر غزل من أهل مكة نشأ في آخر أيام عمر بن أبي ربيعة، وكان يذهب مذهبه في اللهو والغزل، وكان يهوى عائشة بنت طلحة، ويشبب بها، وله معها أخبار كثيرة. ولاه يزيد بن معاوية إمارة مكة فظهرت دعوة عبد الله بن الزبير، فاستتر الحارث خوفا، ثم رحل إلى دمشق وافدا على عبد الملك بن مروان، فلم ير عنده ما يحب، فعاد إلى مكة وتوفي بها حوالي (80 هـ). (انظر ترجمته في: الأعلام 2/ 155). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو للرماح بن أبرد المعروف بابن ميادة (سبقت ترجمته) وميادة هي أمه. يتغزل في محبوبته أم معمر، وقالت مراجع البيت: صوابه أم جحدر التي صنع فيها شعره. وابن ميادة يتمنى أن تصله أم معمر، وأن تسمح بلقائه، فقد نفد صبره ولم يعد يستطيع بعدها عنه وجفاءها له. الإعراب: ألا: أداة استفتاح وتنبيه. ليت شعري: ليت واسمها والخبر محذوف وجوبا، أي ليت شعري أي علمي موجود. لا صبرا: لا نافية للجنس وصبرا اسمها مبني على الفتح في محل نصب والخبر محذوف، والجملة خبر الضمير الأول، والرابط بينهما العموم وهو الشاهد فيه. قال ابن هشام (المغني: 2/ 501) بعد هذا البيت: «ويلزمهم أن يجيزوا زيد مات النّاس وخالد لا رجل في الدّار، ثم قال: إنّ الرّابط في مثل البيت إعادة المبتدأ بلفظه، وليس العموم مرادا؛ إذ المراد أنه لا صبر له عنها؛ لأنه لا صبر له عن شيء». والبيت في شرح التسهيل (2/ 330) والتذييل والتكميل (4/ 32) ومعجم الشواهد (ص 137).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعطف جملة بالفاء فيها ضمير المبتدأ على جملة عارية منها هي خبر المبتدأ نحو: 628 - وإنسان عيني ... ... ... البيت ونحو: 629 - إنّ الخليط أجدّ البين فانفرقا ... [وعلّق القلب من أسماء ما علقا] (¬1) في رواية من رفع البين. والروابط المختلف فيه أربعة وهي تكرار المبتدأ بمعناه لا بلفظه نحو: زيد جاء أبو بكر؛ إذ كان أبو بكر [1/ 355] كنية لزيد، فهذا نص سيبويه على منعه، وأجاز ذلك الأخفش وتبعه ابن خروف (¬2). وعطف جملة بالواو مكان الفاء فيها ضمير المبتدأ على جملة عارية من الضمير وقعت خبرا نحو: الخيل جاء زيد وركبها أجاز ذلك هشام ومنعه الجمهور (¬3) ووقوع المضمر مكان مظهره الذي اتصل به الذكر العائد على المخبر عنه نحو قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ (¬4). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط، وهو مطلع قصيدة لزهير بن أبي سلمى يمدح فيها هرم بن سنان بدأها بالغزل كما ترى. انظر: ديوان زهير (ص 33) ومختارات شعراء العرب لابن الشجري (ص 311). اللغة: الخليط: الذين يخالطونك وهو واحد وجمع. أجدّ: يقال: جد فلان في أمره وأجد إذا أخذ فيه فهو جاد ومجد. انفرق: انقطع، وعلق القلب: أي هوى وأحب. يذكر أن أهل أسماء قد جدوا في الرحيل من أنه علقها وأحبها، وبعد بيت الشاهد قوله: وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى رهنها غلقا والشاهد فيه قوله: إن الخليط أجد البين فانفرقا، حيث عطفت جملة فانفرق بالفاء، وهي التي فيها ضمير المبتدأ على جملة أجد البين التي وقعت خبرا وكانت خالية من الرابط، وجاز هذا لأن جملة المعطوف والمعطوف عليه في حكم الواحدة. وقول الشارح: في رواية من رفع البين، أي ليكون فاعلا؛ فإذا نصب البين بأن يكون مفعولا فالفاعل ضمير المبتدأ، فلا حاجة إلى جملة أخرى بعد. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 33) وليس في معجم الشواهد. (¬2) التذييل والتكميل (4/ 33) والهمع (1/ 98) في الأخفش وحده. (¬3) لأنهم اشترطوا أن يكون العطف بالفاء وحدها؛ لإفادتها الترتيب والتعقيب، فكأن الضمير في الأولى. انظر المرجعين السابقين. (¬4) سورة البقرة: 234.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تقدم الكلام على هذه الآية الشريفة، وأن هذا القول هو قول الأخفش والكسائي، وأنه ربط بالمعنى والربط بالمعنى لا ينقاس، ولذلك لما قالت العرب: مررت برجل حسن أبواه جميلين، وربط الصفة التي هي جميلين بالموصوف الذي هو الرجل الضمير المستتر فيها، وهو عائد على الأبوين لا على الموصوف؛ لكون ذلك الضمير يفيد ما يفيده قولك: جميل أبواه - لم يجز النحويون قياسا عليه أن يقال: مررت برجل حسنين جميل أبواه على إعمال الصفة الثانية والإضمار في الصفة الأولى. وقيل: الضمير العائد على الأبوين من الصفة الأولى رابط للموصوف كما جعل في الصفة الثانية من قولك: مررت برجل حسن أبواه جميلين؛ لأن الربط بالمعنى إنما سمع عن العرب في الصفة الثانية لا في الأولى، فلم يتعد به موضع السماع. ولذلك أجاز سيبويه (¬1) أن تقول: مررت برجل عاقلة أمّه لبيبة على أن تجعل اللبيبة مضمر فيها الأم. ووقوع المضمر عائدا على المبتدأ مبدلا من بعض ما في الجملة الموضوعة موضع خبره مثاله: حسن الجارية أعجبتني هو، فحسن مبتدأ والجملة بعده خبر ولا رابط فيه، لكنه ربط بالبدل الذي هو هو (¬2) إذ هو بدل من ضمير الجارية، وفي الربط بهذا خلاف مذكور في باب البدل (¬3). ¬

_ (¬1) انظر الكتاب: (2/ 51) وفيه جر عاقلة على الوصف، ونصب لبيبة على الحال. (¬2) كلمة هو الثانية ساقطة من نسخة الدار وهي في الأصل، وفي إثباتها وضوح وجلاء. (¬3) انظر ذلك في (التوابع) باب البدل من الكتاب الذي بين يديك، قال ناظر الجيش في معرض تقسيم البدل إلى أربعة أقسام بالنظر إلى الإظهار والإضمار وأن بدل المضمر من غيره فيه تكلف، قال: «وهذه المسائل التي تؤدّي إلى تكرار الظّاهر فيها خلاف بين النّحويين: فمنهم من منع ومنهم من أجاز، فالذي منعه حمله على ذلك خلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير يعود على المخبر عنه؛ لأن البدل على قصد تكرار العامل والاستئناف، وعلى هذا تخلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير المبتدأ، والذي أجاز اعتدّ بالضمير المبدل لما كان العامل فيه غير موجود في اللفظ، فصار لذلك من تمام الجملة المتقدّمة؛ ولذلك لا يتكلم بالبدل وحده كما يتكلم بالجمل المستأنفة».

[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه]

[حكم الضمير الرابط من جواز حذفه أو بقائه] قال ابن مالك: (وقد يحذف إن علم ونصب بفعل أو صفة، أو جرّ بحرف تبعيض أو ظرفيّة، أو بمسبوق مماثل لفظا ومعمولا، أو بإضافة اسم فاعل، وقد يحذف بإجماع إن كان مفعولا به والمبتدأ كلّ أو شبهه في العموم والافتقار، ويضعف إن كان المبتدأ غير ذلك، ولا يخصّ جوازه بالشّعر خلافا للكوفيين). قال ناظر الجيش: حاصل ما تضمنه كلام المصنف أن الضمير العائد على المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا عنه - إما مرفوع أو منصوب أو مجرور. أما المرفوع: فلا يحذف أصلا، ويدل على ذلك أنه طوى ذكره، فيكون واجب الذكر على الأصل. أما المنصوب: فلا يجوز حذفه إن كان منصوبا بحرف. وإن كان منصوبا بفعل أو وصف جاز حذفه لكنه قليل. وأما المجرور: فإن كان بحرف جار جاز حذفه في ثلاثة مواضع، وإن كان بإضافة جاز إن كانت الإضافة لفظية (¬1). واعلم أن النحاة ذكروا أن حذف العائد من جملة الصلة كثير، ومن جملة الصفة قليل، ومن جملة الخبر أقل، وقد تعرض [1/ 356] المصنف لذلك في باب النعت، فقال: «وحكم عائد المنعوت بها أي بالجملة حكم عائد الواقعة صلة أو خبرا؛ لكنّ الحذف من الخبر قليل، ومن الصّفة كثير، ومن الصّلة أكثر» انتهى (¬2). وكأنهم جعلوا الصفة لقربها من الصلة بين المرتبتين، فكان الحذف من الصفة أكثر من الحذف من الخبر. واعلم أن ظاهر كلام المصنف في هذا الموضع مخالف لكلام غيره من المغاربة؛ فإنهم ذكروا أن المنصوب لا يحذف إلا في الشعر، وأن المجرور بالإضافة لا يحذف مطلقا، وأن المخفوض بحرف يجوز حذفه نحو: السّمن منوان بدرهم أي منوان منه، إلا أن - ¬

_ (¬1) الشواهد والأمثلة على كلامه آتية بعد ذلك قريبا. (¬2) انظر نص كلامه هذا في تسهيل الفوائد (ص 167).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يؤدي الحذف إلى تهيئة العامل للعمل والقطع عنه، فلا يجوز نحو زيد مررت (¬1). وحاصل الأمر: أن الاتفاق بين المصنف وغيره واقع على جواز الحذف في نحو: السمن منوان بدرهم، والبرّ قفيزان بدرهم، وهو ما لم يكن فيه تهيئة العامل للعمل والقطع عنه، فهم قد نصوا على عدم جواز الحذف فيه إلّا في الشعر، والمصنف لم يقصد جواز الحذف على ذلك، بل أجازه في الكلام أيضا، ولكنه حكم بقلته حيث قال: وقد يحذف إن علم ونصب ... إلخ. والظاهر أن الحق في ذلك مع المصنف؛ لأن عمدته فيما أورده السماع الذي سنورده. وقد ذكر سيبويه (¬2) أن الضمير لا يحذف من خبر المبتدأ إلا في الشعر أو في قليل (¬3) من الكلام. وفسر الناس كلامه بأنه إنما أراد أن ذلك قليل حيث يؤدي إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه، فظهر بذلك أن الذي ذكره المصنف موافق لما ذكره سيبويه، وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب وتمثيل المسائل. فمثال المنصوب بفعل قولك: زيد ضربت، وشاهده قول الراجز: 630 - ثلاث كلّهنّ قتلت عمدا ... فأخزى الله رابعة تعود (¬4) - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور (المقرب 1/ 84): «والضّمير إن كان مرفوعا لم يجز حذفه، وإن كان منصوبا لم يجز حذفه إلّا في الشّعر نحو قول ابن يعفر: وخالد يحمد ساداتنا ... بالحقّ لا يحمد بالباطل التقدير يحمده ساداتنا. وإن كان مخفوضا بالإضافة لم يجز حذفه، وإن كان محفوضا بحرف جر جاز إثباته وحذفه نحو قولك: السّمن منوان بدرهم، أي منوان منه ما لم يؤد إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، لا يقال: زيد مررت». (¬2) انظر الكتاب: (1/ 85). قال سيبويه: «ولا يحسن في الكلام أن يجعل الفعل مبنيّا على الاسم، ولا يذكر علامة إضمار الأول حتى يخرج من لفظ الإعمال ومن حالة بناء الاسم عليه ويشغله بغير الأول حتى يمتنع من أن يكون يعمل فيه، ولكنه قد يجوز في الشعر، وهو ضعيف في الكلام، قال الشاعر: قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي ... عليّ ذنبا كله لم أصنع فهذا ضعيف وهو بمنزلته في غير الشعر؛ لأن النصب لا يكسر البيت، ولا يخلّ به ترك إظهار الهاء، وكأنه قال: كله غير مصنوع». (¬3) في الأصل: أو قليل من الكلام. (¬4) البيت من بحر الوافر، قال الأستاذ عبد السّلام هارون (كتاب سيبويه: 1/ 86): «هو من الخمسين التي لا يعرف قائلها». -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي قتلتهن. وأما المنصوب بوصف فأنشد المصنف شاهدا عليه قول الراجز: 631 - غنيّ نفس العفاف المغني ... والخائف الإملاق لا يستغني (¬1) التقدير: العفاف المغنيه أي الذي يغنيه هو غنى نفس. فالعفاف مبتدأ والمغني مبتدأ ثان وخبره غني نفس، وفي المغني ضميران أحدهما عائد على العفاف، وهو الفاعل باسم الفاعل، والآخر ضمير نصب، وهو المحذوف العائد على أل، والمغني وصف جرى على غير من هو له، ولم يبرز الضمير، ولو برز لقال: المغنيه هو، ومعنى هذا الكلام الذي يغنيه العفاف غني نفس. قال الشيخ (¬2): «ويحتمل وجها آخر من الإعراب وهو أظهر وأقلّ تكلّفا»: وهو أن يكون غنيّ نفس مبتدأ، وسوغ الابتداء به وإن كان نكرة كونه متخصّصا بالإضافة، أو كونه نعتا لمنعوت أي إنسان غني نفس، والعفاف مبتدأ ثان، وخبره المغني وهو وصف جار على من هو له؛ إذ هو خبر عن العفاف، والجملة من قوله: العفاف المغني في موضع خبر [1/ 357] المبتدأ الذي هو غني - ¬

_ - ومعنى البيت: يجوز أن يريد ثلاث نسوة تزوجتهن فقتلتهن، وأن مصير الرابعة سيكون مصيرهن، أو يريد أنهن هوينه فقتلهن هواه. والشاهد فيه قوله: ثلاث كلهن قتلت، حيث حذف الرابط، وهو الضمير المنصوب العائد على المبتدأ، وأصله قتلتهن. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 311) وفي التذييل والتكميل (4/ 37) وفي معجم الشواهد (ص 107). (¬1) بيتان من الرجز لشاعر مجهول. ومعناهما: أن غني النفس الذي يغنيه العفاف وهو القناعة، وأن الذي يجمع المال خوفا من الفقر لا يكون غنيّا أبدا. الإعراب: غنيّ نفس: مبتدأ ومضاف إليه، وسوغ الابتداء بالنكرة: إضافتها أو كونها صفة لموصوف مقدر أي إنسان غني نفس. العفاف: مبتدأ ثان. المغني: خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول، والرابط بين المبتدأ وجملة الخبر الضمير المنصوب بالوصف المذكور (على مذهب سيبويه) وتقدير الكلام: غني نفس العفاف المغنيه، ثم حذف الضمير، وهو موضع الشاهد. والخائف الإملاق: مبتدأ ومضاف إليه، أو مبتدأ ومفعول به، والجملة بعده خبر له. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 312) وفي التذييل والتكميل (4/ 38). وليس في معجم الشواهد. (¬2) التذييل والتكميل (4/ 38).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نفس، والعائد من الجملة محذوف وهو الضّمير المنصوب؛ إذ التقدير: المغنيه، والمعنى غنيّ النّفس العفاف يغنيه». انتهى. وإنما حكم في الوجه الأول بأن المغني وصف جرى على غير من هو له؛ لأن أل فيه موصولة ومدلولها الذي يغنيه العفاف، فمدلولها المغني بالعفاف والواقع صلة له وهو مغني هو العفاف نفسه، فاختلفا. ومثال المجرور بحرف تبعيض قولهم: السّمن منوان بدرهم أي منوان منه، فمنوان مبتدأ ثان، وسوغ الابتداء به هذا الوصف المحذوف وهو منه، وبدرهم خبره، والجملة خبر عن السمن، والعائد هو منه المحذوف، وهو ضمير مجرور بمن وهو حرف تبعيض. ومثال الظرفية قول الشاعر: 632 - فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسرّ (¬1) أي: نساء فيه ونسر فيه. ومثال ما جر بمسبوق مماثل لفظا ومعمولا قول الشاعر: 633 - أصخ فالّذي توصي به أنت مفلح ... فلا تك إلّا في الفلاح منافسا (¬2) أراد: أنت مفلح به، فحذف به لأنه مسبوق بمماثل لفظا ومعمولا، وهو نظير قوله تعالى: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (55) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ (¬3). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المتقارب من قصيدة للنمر بن تولب العكلي، وقد سبق الاستشهاد به في مواضع الابتداء بالنكرة، وهو في شرح التسهيل (1/ 312). وأما شاهده هنا فقوله: ويوم نساء ويوم نسر، حيث حذف رابط الجملة المخبر بها، وهو ضمير مجرور بحرف. والتقدير: نساء فيه ونسر فيه. (¬2) البيت من بحر الطويل وقائله مجهول. اللغة: أصخ: أمر من أصاخ إليه أي استمع وأنصت. منافسا: متسابقا. المعنى: يقول الشاعر: لا تأمر إلا بخير، ولا توص إلا بشيء فيه صلاح وفلاح للناس، ولا تتنافس إلا بما فيه ذلك أيضا. الإعراب: أصخ: فعل أمر. الّذي توصي به: مبتدأ وجملة الصلة. أنت مفلح: جملة من مبتدأ ثان وخبره وهي خبر الأول، والرابط بينهما الضمير المجرور المحذوف؛ لأنه مسبوق بمثله لفظا ومعمولا والتقدير: أنت مفلح به. والبيت في: التذييل والتكميل (4/ 39). وليس في معجم الشواهد. (¬3) سورة المؤمنون: 55، 56.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي نسارع لهم به. ومثال ما جر بإضافة اسم فاعل قول الشاعر: 634 - سبل المعالي بنو الأعلين سالكة ... والإرث أجدر من يحظى به الولد (¬1) أي سالكتها وأنت سالكه، وكان القياس سالكون؛ لأن بني مؤنث نحو قالت بنو عامر. ثم إن المصنف أشار بقوله: وقد يحذف بإجماع إن كان مفعولا به والمبتدأ كلّ - إلى قراءة ابن عامر وكل وعد الله الحسنى (¬2) أي وعده (¬3). وعلى ذلك قول أبي النجم: 635 - قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي ... عليّ ذنبا كلّه لم أصنع (¬4) أي لم أصنعه. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط ولم ينص على قائله. ومعناه: أن سبل المعالي والشرف والمجد لا يسلكها إلا الشرفاء وبنوهم؛ لأن الولد يجب أن يتبع أباه. الإعراب: سبل المعالي: مبتدأ ومضاف إليه. بنو الأعلين: مبتدأ ثان ومضاف إليه أيضا. سالكة: خبر الثاني، وذكر سبب تأنيثه في الشرح، والجملة خبر الأول، والرابط بينهما الضمير المجرور بهذا الوصف أي سالكها وهو موضع الشاهد. والبيت في شرح التسهيل (1/ 312) وفي التذييل والتكميل (4/ 39) وليس في معجم الشواهد. (¬2) سورة الحديد: 10. (¬3) قال مكي بن أبي طالب القيسي (355 - 437 هـ): «قرأ ابن عامر: وكلّ - بالرفع، وقرأ الباقون بالنّصب، وحجة من رفع أنه لما تقدّم الاسم على الفعل رفع بالابتداء، وقدر مع الفعل هاء محذوفة اشتغل الفعل بها وتعدّى إليها، والتقدير: وكل وعده الله الحسنى. وحجة من نصبه أنّه عدّى الفعل وهو وعد إلى كلّ فنصبه به كما تقول: زيدا وعدت خيرا (الكشف عن وجوه القراءات لمكي 2/ 307)، وانظر أيضا الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ص 341). (¬4) البيتان من الرجز المشطور وهما مطلع قصيدة لأبي النجم العجلي أثبتها السيوطي في شرحه. (شواهد المغني: 2/ 545). والبيت والقصيدة كلها في عتاب زوجته التي لامته على أنه قد شاب وصار شيخا كبيرا، وهو معنى الذنب الذي ذكره في بيت الشاهد. الشاهد فيه قوله: كله لم أصنع، حيث حذف الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر، وهو الضمير المنصوب بالفعل أصنع، والتقدير: لم أصنعه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 312) وفي التذييل والتكميل (4/ 40). وفي معجم الشواهد (ص 449).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بقوله: أو شبهه في العموم والافتقار يعني إلى متمم إلى نحو: أيّهم يسألني على جعل أي موصولة، وإلى نحو آمر بخير ولو كان صبيّا أطيع. وأشار بقوله: ويضعف إن كان غير ذلك إلى أن المبتدأ إذا كان غير كل وغير ما يشبهه في العموم والافتقار يضعف حذف عائده، فأفاد قوله أولا: وقد يحذف إلى أن الحذف قليل، وأفاد قوله هنا: بإجماع، ويضعف، أن القليل منه ما هو قوي وهو ما كان المبتدأ فيه كلّا، ومنه ما هو ضعيف، وهو ما كان المبتدأ فيه غير كل، فهذا الكلام الثاني تفصيل لما أجمل أوّلا. ثم قال: ولا يخصّ جوازه بالشّعر خلافا للكوفيّين أي جواز الحذف، بل يجوز في الكلام على مثله كما تقدم. قال المصنف (¬1): فلو كان المبتدأ غير كل والضمير مفعول به لم يجز عند الكوفيين حذفه مع بقاء الرفع إلا في الاضطرار، والبصريون يجيزون ذلك في الاختيار ويرونه ضعيفا، ومنه قراءة السلمي (أفحكم الجاهلية يبغون) (¬2) ومثل هذه القراءة قول الشاعر: 636 - وخالد يحمد أصحابه ... بالحقّ لا يحمد بالباطل (¬3) [1/ 358] هكذا رواه ابن الأنباري برفع خالد وأصحابه. انتهى (¬4). - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 312). (¬2) سورة المائدة: 50، قال ابن جني (المحتسب: 1/ 210): «إنّها قراءة يحيى وإبراهيم والسّلمي، قال ابن مجاهد: وهو خطأ، وقد ردّ ذلك ابن جني، وذكر أن ذلك جائز في الشّعر. وأنشد بيت أبي النجم السّابق ثم قال: ولو نصب فقال: كلّه لم ينكسر الوزن، فهذا يؤنسك بأنه ليس للضرورة مطلقا بل لأن له وجها من القياس». (¬3) البيت من بحر السريع نسبته مراجعه إلى الأسود بن يعفر (انظر المقرب: 1/ 84) وهو في المدح. واختلفت رواياته فروي في المقرب والمغني (2/ 611): وخالد يحمد ساداتنا ... ... وفيه الشاهد أيضا. والشاهد فيه قوله: وخالد يحمد أصحابه، وفيه أيضا حذف الضمير المنصوب من جملة الخبر والمبتدأ غير كل، وهو ضرورة عند الكوفيين ضعيف عند البصريين. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في شرح التسهيل (1/ 312) وفي التذييل والتكميل (4/ 40). (¬4) شرح التسهيل (1/ 313).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر أن البصريين هم الذين يجيزون الحذف في الاختيار، وأن الكوفيين لا يجيزونه إلا في الاضطرار، وكلام ابن عصفور يقتضي عكس ذلك. وقد تقدم النقل عن سيبويه أنه يجيز الحذف في الشعر وفي قليل من الكلام. فالظاهر أن الذي ذكره المصنف من إجازة البصريين ذلك في الكلام هو النقل الصحيح، وفي تقييد المصنف جواز الحذف في قوله: إن علم فالظاهر أنه أراد بذلك أن يكون على حذفه دليل، فعلى هذا لو قيل: زيد ضربت في داره وأريد زيد ضربته في داره لم يجز؛ إذ لا دليل يدل على الضمير لو حذف؛ لأن الربط قد حصل بغيره فجاز ألا يكون هو موجودا في أصل التركيب، وقد ذكر ابن عصفور ذلك في شرح المقرب (¬1). ثم قد بقي الكلام في أمور: الأول: لما تكلم ابن أبي الربيع على حذف الضمير من جملة الخبر، وأن ذلك قليل إن أدى إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه، قال (¬2): وعلى حسب قوة التهيؤ وضعفه يكون القبح، فإذا كان العامل متقدّما كان التهيؤ قويّا، فلا يجوز في الشعر ولا في غيره. وإذا كان العامل متأخّرا كان التهيؤ ضعيفا، فهذا يجوز في الشّعر وفي قليل من الكلام وذلك نحو: زيد ضربته، فإنك إذا حذفت الضمير فقلت: زيد ضربت كان الفعل متهيئا للعمل في زيد لعدم اشتغاله بالضمير وجواز عمل العامل فيه مؤخرا، فلم يجز إلّا في الشّعر وفي قليل من الكلام، وجاز لأنه وإن كان العامل ممّا يصح أن يعمل في الاسم، فقد ضعف عن عمله فيه بتأخّره عنه، وإن قلت: ضربته زيد لم يجز حذف الضمير بوجه لا في الشعر ولا في غيره؛ لأن العامل مقدم، فالذي جاز في زيد ضربت على ضعفه معدوم في ضربت زيد، ثم قال: - ¬

_ (¬1) بحثت عن هذا الكتاب كثيرا لحاجتي إليه في شرح المقرب، فلم أجده، ووجدت مخطوطة له في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ففرحت بها ثم صورتها فوجدتها مطموسة جدّا لا يستطيع أحد قراءتها. (¬2) انظر لقطة رقم: 33 من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم: 220 نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قلت: زيد إن أكرمت أكرمتك تريد إن أكرمته أكرمتك كان قبحه دون قبح زيد ضربت؛ لأنّه وإن أشبهه من جهة أن زيدا بعده فعل وفاعل هو متعلقه من جهة المعنى، لكنه لا يصحّ أن يعمل فيه العامل الذي بعد الفعل لأجل حرف الشّرط». الأمر الثاني: قد عرفت قول المصنف: وقد يحذف بإجماع إن كان مفعولا به والمبتدأ كلّ أو شبهه في العموم والافتقار، وتمثيل ذلك بقراءة ابن عامر: وكل وعد الله الحسنى (¬1) وبما تقدم ذكره. لكن قال ابن عصفور بعد التمثيل بهذه الآية الشريفة: وحكمه بأنّ ذلك يحفظ ولا يقاس عليه (¬2). وقوله: فإن جاء شيء منه في الشعر فضرورة، وإنشاده: وخالد يحمد أصحابه - هذا مذهب البصريين. وزعم الفراء ومن أخذ بمذهبه من الكوفيين أن حذفه جائز في الكلام إذا كان المبتدأ اسم استفهام أو كلا أو كلّا، وإن أدى حذفه إلى التهيئة والقطع، فأجاز أن يقال: أيهم ضربت؟ برفع أي [1/ 359] تريد: أيهم ضربته. ومما جاء من ذلك في كلا قوله: 637 - أرجزا تطلب أم قريضا ... أم هكذا بينهما تعريضا كلاهما أجد مستريضا (¬3) - ¬

_ (¬1) سورة الحديد: 10، وقوله: وبما تقدم ذكره يشير إلى قول أبي النجم: قد أصبحت أم الخيار ... إلخ. (¬2) قال ابن عصفور في كتابه الضرائر الشعرية: «ومن الضرائر حذف الضمير الرابط للجملة الواقعة خبرا بالمخبر عنه إذا كان حذفه يؤدي إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه نحو قول أسود بن يعفر: وخالد يحمد أصحابه .. البيت. وأنشد ابن عصفور عدة أبيات أوضح فيها المبتدأ والخبر، وكيف قطع الخبر عن العمل في ضمير المبتدأ. ثم قال: فحذف الرابط في هذه الأبيات وأمثالها يحسن في الشعر، ولا يحسن في سعة من الكلام، بل إن جاء منه شيء يحفظ ولا يقاس عليه. ثم قال: فمما جاء من ذلك قراءة يحيى: (أفحكم الجاهليّة يبغون). برفع حكم والتقدير: يبغونه. هذا مذهب المحققين من البصريين، وأما الكوفيون ومن أخذ بمذهبهم فإنهم يجيزون حذفه في سعة من الكلام بشرط أن يكون المبتدأ كلّا أو اسم استفهام نحو قولك: كل الدراهم قبضت، وأي رجل ضربت؟ والصحيح أنه لا فرق بين اسم الاستفهام وكل وبين غيرهما من الأسماء إذا أدى حذف الرابط إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه. انظر كتاب ضرائر الشعر لابن عصفور (تحقيق السيد إبراهيم محمد) (ص 176 - 178). (¬3) أبيات من الرجز نسبت في اللسان (مادة: روض) إلى حميد الأرقط، وقيل: للأغلب العجلي. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: أجده مستريضا. قال (¬1): «وإنما جاز ذلك مع هذه الأسماء خاصة؛ لأن اسم الاستفهام من أسماء الصّدور، ولا يجوز أن يتقدم ما بعده عليه فأشبه بذلك الموصول، ألا ترى أن الموصول لا تتقدم صلته عليه؟». وكما جاز الحذف من الصلة جاز الحذف من الجملة الواقعة خبرا لاسم استفهام، وكذلك كل وكلا إذا أخبر عنهما يدخل في الكلام معنى ما، وما من أدوات الصدور، فإذا قلت: كل القوم ضربته فالمعنى: ما من القوم إلا من ضربته، وكذا كلا الرجلين ضربته المعنى: ما من الرجلين إلا من ضربته. واستدل على أن الكلام يدخله معنى ما بقول الشاعر: 638 - وكلّهم حاشاك إلّا وجدته ... كعين الكذوب جهدها واحتفاؤها (¬2) - ¬

_ - ومناسبتها أن عمر كتب إلى المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة أن يستنشد الشعراء عنده ما قالوه في الإسلام، فلما سأل الأغلب قال له هذا الرجز. اللغة: القريض: الشعر من غير الرجز. التعريض: ضد التصريح. أجد: من الوجود، وروي في مكانه: أجيد من الإجادة وهي الإتقان. مستريضا: واسعا ممكنا. ومعناه بعد ذلك واضح. وشاهده قوله: كلاهما أجد حيث حذف العائد وهو مفعول أجد، والمبتدأ لفظ كلا، وهو جائز عند الفراء والكوفيين كما ذكر في الشرح. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 43) وفي معجم الشواهد (ص 492). (¬1) أي للفراء، وانظر نص ما قاله في التذييل والتكميل (4/ 43) وفي معاني القرآن للفراء (1/ 139) جاء قوله: «وممّا يشبه الاستفهام مما يرفع إذا تأخر عنه الفعل الذي يقع عليه قولهم: كلّ الناس ضربت، وذلك أن في كل مثل معنى: هل أحد إلا ضربت، ومثل معنى أيّ رجل لم أضرب، وأي بلدة لم أدخل، ألا ترى أنك إذا قلت: كل الناس ضربت كان فيها معنى ما منهم أحد إلا قد ضربت ومعنى أيهم لم أضرب؟. وأنشد أبو ثروان (من الطويل): وقالوا تعرّفها المنازل من منى ... وما كلّ من يغشى منى أنا عارف رفعا ولم أسمع أحدا نصب كلّا». (¬2) البيت من بحر الطويل وهو في المدح لقائل مجهول. وشاهده قوله: وكلهم حاشاك إلا وجدته حيث أدخل أداة الاستثناء على ما ولي لفظ كل، فدل على أنّ معناه: ما منهم إلّا من وجدته. والبيت ليس في معجم الشواهد، وهو في التذييل والتكميل (4/ 44) ومعاني القرآن للفراء (1/ 140). والخزانة (9/ 250) وضرائر الشعر لابن عصفور (ص 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإدخالهم إلّا على خبر كل دليل على أن المعنى ما منهم إلا من وجدته، فلما دخل الكلام معنى ما - وهي من الأدوات التي لا يتقدم ما بعدها عليها - أشبهت لذلك الموصول؛ لأن الصلة لا تتقدم على الموصول، فساغ حذف الضمير لذلك. ثم قال ابن عصفور: «والأصح مذهب البصريين، وفرق بين الصلة والخبر بأن الحذف منهما لا يؤدي إلى التهيئة والقطع؛ إذ الصلة لا تعمل في الموصول، وليس كذلك أسماء الاستفهام وكلّ وكلا؛ لأن ما بعد هذه الأسماء يجوز أن يعمل فيها، وأيضا فالصلة والموصول كالشيء الواحد، فطال بذلك الموصول بصلته، والطول موجب للتخفيف بالحذف، وليست هذه الأسماء مع أخبارها كذلك». انتهى كلام ابن عصفور (¬1). وقد انتقد الشيخ على المصنف دعوى الإجماع في هذه المسألة، وقال كما قال ابن عصفور: إن هذا ليس مذهب البصريين (¬2). والعجب من الشيخ؛ كيف وافق ابن عصفور على ما ذكر بعد ثبوت هذه القراءة المتواترة التي لا محيص عنها ولا بد من الاعتراف بها (¬3) وليس بعد الحق إلا الضلال. ودعوى المصنف الإجماع في هذه المسألة لا ينكر؛ لأن هذه القراءة ثابتة بالإجماع، وليس لها محمل غير ما ذكره المصنف، فلا يمكن أن يدفع ذلك بصري ولا كوفي. وإذا كان كذلك فقد صدق أن الضمير حذف من الجملة الواقعة خبر كل بإجماع، يعني أن أحدا لا يسعه المخالفة في ذلك. أما كون ذلك قليلا أو غير قليل فشيء آخر لم يتعرض المصنف إليه، وكيف يجوز أن يقال: هذا مذهب قال به طائفة مع الثبوت الذي لا محيد عنه. الأمر الثالث: انتقد الشيخ كلام المصنف في المتن والشرح من وجوه: أحدها: ما تقدمت - ¬

_ (¬1) لم أجد هذه النقول المنسوبة لابن عصفور بنصها في كتابيه المشهورين في هذا الباب: شرح الجمل - المقرب، وأقصى ما وجدته له ما نقلته عنه قريبا من كتابه: الضرائر الشعرية. (¬2) قال أبو حيان: «وأين ما ادّعى المصنف من الإجماع في كل وما أشبهه في العموم، ولم يقل به في كل إلّا الفراء في نقل، وإلّا الفراء والكسائي في نقل آخر». (التذييل والتكميل 4/ 45). (¬3) أي قراءة ابن عامر برفع كل في قوله تعالى: وكلا وعد الله الحسنى [الحديد: 10].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإشارة إليه، وقد عرفت ما فيه (¬1). ومنها: أنه قال: «إن المنصوب قد يحذف، قال (¬2): وذلك لا يجوز عند البصريين إلّا في الشعر». قلت: وقد تقدم أن البصريين [1/ 360] يجيزون ذلك في الكلام؛ لكنهم يحكمون بقلته، وتقدم النقل عن سيبويه بأنه يجيزه في قليل من الكلام (¬3). ومنها: «أنه إذا جر العائد بحرف تبعيض فقد يحذف، قال: وليس كما ذكر إذ لا يجوز الحذف في نحو: الرغيف أكلت منه مع أنه حرف تبعيض لما يؤدي إليه الحذف من التهيئة والقطع» (¬4). قلت: الحذف عند المصنف في نحو: زيد أكرمت - جائز وإن حكم بقلته، وقد تقدم أن سيبويه يجيزه أيضا، وتقدم قبل ذلك كلام ابن أبي الربيع وهو الصحيح. ولا شك أن في نحو: زيد أكرمت التهيئة والقطع، فكما جاز ذلك هنا جاز في: الرغيف أكلت إذا دل دليل على المحذوف. أما إذا لم يدل دليل فلا يجوز لما يؤدي إليه من اللبس، وذلك لتوهم أن يكون أصل الكلام: الرغيف أكلته، ثم حذفت الهاء المفعولة. ومنها: أنه إذا كان منجرّا باسم الفاعل فإنه ذكر أنه يحذف، قال: وذلك لا يجوز عند أصحابنا (¬5). - ¬

_ (¬1) أي مسألة حذف الضمير الرابط المنصوب إذا كان المبتدأ كلّا أو كلا أو اسم استفهام، وقول المصنف: إن هذا جائز بإجماع محتجّا بقراءة: وكل وعد الله الحسنى. قال أبو حيان: إن هذا ليس مذهب البصريين. قال ناظر الجيش: «الإجماع في هذه المسألة لا ينكر؛ لأن هذه القراءة ثابتة بالإجماع». (¬2) القائل الأول هو ابن مالك، والقائل الثاني هو أبو حيان، وانظر التذييل والتكميل (4/ 47). (¬3) قال الشارح: وقد ذكر سيبويه أن الضّمير لا يحذف من خبر المبتدأ إلا في الشّعر أو في قليل من الكلام». وقال: قال المصنف: «فلو كان المبتدأ غير كلّ والضمير مفعول به لم يجز عند الكوفيين حذفه مع بقاء الرفع إلا في الاضطرار، والبصريون يجيزون ذلك في الاختيار ويرونه ضعيفا، ومنه قراءة السلمي: (أفحكم الجاهلية يبغون) أي بالرفع على الابتداء. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 47). (¬5) انظر: التذييل والتكميل (4/ 47). والعجب من الشارح ينتصر لابن مالك: إن أبا حيان قال في المسألة: وذلك لا يجوز عند أصحابنا، وإن جاء منه شيء فبابه الشعر. قال الشارح: وقد استدل ابن مالك على جواز ذلك بما تقدم ذكره. -

[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك]

[مجيء الخبر ظرفا والآراء في ذلك] قال ابن مالك: (ويغني عن الخبر باطّراد ظرف أو حرف جرّ تامّ معمول في الأجود لاسم فاعل كون مطلق وفاقا للأخفش تصريحا ولسيبويه إيماء، لا لفعله ولا للمبتدأ ولا للمخالفة؛ خلافا لزاعمي ذلك، وما يعزى للظرف من خبريّة وعمل فالأصحّ كونه لعامله، وربّما اجتمعا لفظا). ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: قد استدل ابن مالك على جواز ذلك بما تقدم ذكره، ومن حفظ كلامه حجة على من لم يحفظ (¬1). قال ناظر الجيش: قد عرف أن الخبر قسمان (¬2) وهذا هو المعمول عليه، وهو قول الجمهور؛ فعلى هذا لا يعد الظرف المخبر به قسما ثالثا، بل يحكم بأنه داخل في أحد القسمين: إما المفرد إن قدرت عامله اسما، وإما الجملة إن قدرت عامله فعلا. ونقل عن ابن السراج أنه يجعله قسما برأسه (¬3) ليس من قبيل المفرد، ولا من قبيل الجملة. ولا يعلق الظرف بشيء محذوف، واستدل على ذلك بقول المعرب: إنّ أمامك بكرا وإنّ في الدّار زيدا، قال: فلو كان الظّرف بمنزلة مستقرّا واستقر لم يجز تقديمه على اسم إن، كما لم يجز تقديم مستقر أو استقر عليه. - ¬

_ - وما تقدم ذكره هو بيت من الشعر أيضا هو قوله: سبل المعالي بنو الأعلين سالكة. ولم يأت ابن مالك بشيء من النثر يدل على جواز الحذف، ولذا فإن نقد أبي حيان لابن مالك يظل قائما، ويبقى دفاع ناظر الجيش عن صاحبه ناقصا. والحق أن ذلك جائز، قال السيوطي في الهمع (1/ 97): يجوز حذف المجرور إذا كان أصله النصب بأن كان المضاف اسم فاعل نحو: زيد أنا ضارب أي ضاربه، بخلاف غيره. (¬1) انظر مسائل أخرى في هذا الموضع عابها أبو حيان على ابن مالك (التذييل والتكميل: 4/ 47). منها: أنه ذكر أن ما أشبه كلّا في العموم والافتقار يجوز حذف الضمير من الخبر معه، ومثل بأيهم الموصولة، ولا أعلم له سلفا في ذلك، بل ذلك إن وجد عند أصحابنا ففي الشعر. ومنها: أنه ذكر أنه فصل بين زيد ضربت وبين كل ضربت، فالرفع في كل جائز عنده بالإجماع، والرفع في زيد ضربت ضعيف، ولا فصل بينهما عند أصحابنا. وأرى أن أبا حيان على حق في هذين النقدين. (¬2) هما الخبر المفرد والخبر الجملة كما ذكره وسيذكره. (¬3) انظر: همع الهوامع للسيوطي (1/ 99).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد رد هذا الاستدلال بأن العامل في الظرف وشبهه لا يقدر متقدما عليهما، بل يقدر بعد الاسم. قالوا: ولذلك لم يجز في الدّار نفسه زيد، ولا فيها أجمعون قومك (¬1)؛ لأن التوكيد لا يقدم على المؤكد (¬2). وجاز إن في الدار زيدا؛ لأن الظرف ليس هو الخبر في الحقيقة، إنما هو متعلق الخبر، والخبر مقدر في موضعه، ولذلك عدل سيبويه (¬3) في نحو: 639 - لميّة موحشا طلل ... [يلوح كأنّه خلل] (¬4) - ¬

_ (¬1) أي يجعل نفسه وأجمعون توكيدين للضمير المستتر في مستقر ومستقرون المحذوف الذي تعلق به الظرف. (¬2) العجيب أن ابن السراج لم يقل ما نسب إليه من جعل الظرف قسما برأسه في كتابه المشهور له، وهو الأصول في النحو، وإنما قال عكس ما نسب إليه تماما، وكما يقول النحاة. يقول: «وخبر المبتدأ الذي هو الأول في المعنى على ضربين: ضرب يظهر فيه الاسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك: زيد أخوك وزيد قائم، وضرب يحذف منه الخبر ويقوم مقامه ظرف له، وذلك الظّرف على ضربين: إما أن يكون من ظروف المكان، وإمّا أن يكون من ظروف الزّمان. أمّا الظروف من المكان فنحو قولك: زيد خلفك وعمرو في الدّار، والمحذوف معنى الاستقرار والخلود وما أشبههما، كأنك قلت: زيد مستقر خلفك وعمرو مستقر في الدار، ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه». ومثل لظرف الزمان وشرحه كما سبق، ثم قال: فإن لم ترد هذا المعنى فالكلام محال (الأصول في النحو: 1/ 68). وختم الحديث عن الخبر خاصة بقوله: «فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء: الاسم أو الفعل أو الظرف أو الجملة». (الأصول في النحو لابن السراج: 1/ 71). وقال ابن يعيش في شرح المفصل: (1/ 90): «وقال قوم منهم ابن السراج: إن المحذوف المقدر اسم وإن الإخبار بالظّرف من قبيل المفردات؛ إذ كان يتعلّق بمفرد، فتقديره مستقر أو كائن أو نحوهما. (¬3) انظر: الكتاب (2/ 122) وما بعدها. (¬4) البيت كما أثبتناه من الوافر المجزوء، وروته بعض مراجعه هكذا: لميّة موحشا طلل قديم ... عفاه كلّ أسجم مستديم وعليه فهو من الوافر التام، وانظر الروايتين في التصريح: (1/ 375). وهو كما أثبتناه في الشرح في ديوان كثير عزة (ص 506) وهو بيت مفرد هناك. وقيل: هو لذي الرمة، بسبب ذكر اسم مية محبوبة ذي الرمة فيه. المفردات: الطّلل: ما شخص من آثار الديار. الخلل: بكسر الخاء جمع خلة بالكسر أيضا، وهي: بطانة يغشى بها أجفان السيوف. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى أن جعل موحشا حالا من النكرة، ولم يجعلها حالا من الضمير الذي في الخبر؛ لأن الخبر مؤخر في النية وهو العامل في الحال وهو معنوي، والحال لا يتقدم على العامل المعنوي. هكذا قرروا هذا البحث في: لمية موحشا طلل، وهو حسن؛ إلا أنه ينخدش بشيء: وهو أن العمل هل ينسب إلى الظرف أو إلى [1/ 361] ما يتعلق به الظرف؟. إن قلنا: إن العمل لذلك المحذوف تم البحث المذكور، وإن قلنا: إن العمل صار ينسب إلى الظرف نفسه؛ فلا يتم لأن الحال لم يتقدم حينئذ على العامل المعنوي. واعلم أن النحاة يطلقون الظرف على الجار والمجرور؛ لأنه يجري مجرى الظرف في تعلقه بالاستقرار، وحكم مجروره حكم الظرف إن كان مكانا جاز أن يكون الجار والمجرور خبرا عن الجثة، وإن كان المجرور زمانا لم يقع خبرا إلا عن الحدث إلا ما استثني، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى. فلا جرم أننا نستغني بذكر الظرف عن الجار والمجرور. وإذ قد تقرر هذا فأنا أورد كلام المصنف برمته في شرح هذا الموضع أولا، ثم أتبعه بما يتعلق به من المباحث. قال رحمه الله تعالى (¬1): ذهب الكوفيون إلى أن الظرف من نحو: زيد خلفك منصوب بمخالفته، حكاه ابن كيسان والسيرافيّ (¬2)، وهذا القول فاسد من أربعة أوجه: - ¬

_ - الشاهد فيه: نصب موحشا على الحال، وكان أصله أن يكون صفة لطلل، فلما قدم على الموصوف صار حالا، وعلى ذلك استشهد سيبويه بالبيت (الكتاب: 2/ 122، 123) والبيت في معجم الشواهد (ص 296). (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 313). (¬2) انظر المسألة التاسعة والعشرين من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين في كتاب الإنصاف (1/ 245) (القول في عامل النصب في الظرف الواقع خبرا). قال كمال الدين أبو البركات الأنباري: «ذهب الكوفيّون إلى أن الظرف ينتصب على الخلاف إذا وقع خبرا للمبتدأ نحو: زيد أمامك وعمرو وراءك، وما أشبه ذلك، وذهب أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب من الكوفيين إلى أنه ينتصب؛ لأن الأصل في قولك: أمامك زيد حل أمامك، فحذف الفعل وهو غير مطلوب، واكتفي بالظرف منه فبقي منصوبا على ما كان عليه من الفعل». «وذهب البصريون إلى أنه ينتصب بفعل مقدّر، والتقدير فيه: زيد استقر أمامك، وعمرو استقرّ وراءك، وذهب بعضهم إلى أنه ينتصب بتقدير اسم فاعل، والتقدير: زيد مستقر أمامك، وعمرو مستقر وراءك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: أن تخالف المتباينين في معنى نسبته إلى كل واحد منهما كنسبته إلى الآخر، فإعماله في أحدهما ترجيح من غير مرجح. الثاني: أن المخالفة بين الجزأين محققة في مواضع كثيرة، ولم يعمل فيها بإجماع نحو: أبو يوسف أبو حنيفة، وزيد زهير، ونهارك صائم، وأنت فطر، وهُمْ دَرَجاتٌ (¬1) فلو صلحت المخالفة للعمل في الظرف المذكور لعملت في هذه الأخبار ونحوها؛ لتحقق المخالفة فيها. الثالث: أن المخالفة معنى لا تختص بالأسماء دون الأفعال، فلا يصح أن تكون عاملة؛ لأن العامل عملا مجمعا عليه لا يكون غير مختص. هذا إذا كان العامل لفظا مع أنه أقوى من المعنى؛ فالمعنى إذا عدم الاختصاص أحق بعدم العمل لضعفه. الرابع: أن المخالفة لو كانت صالحة للعمل للزم على مذهب الكوفيين ألا تعمل في الظرف عند تأخره؛ لأن فيه عندهم عائدا هو رافع المبتدأ مع بعده بالتقدم؛ فإعمال ذلك العائد في الظرف لقربه منه أحق، فبان بهذه الأوجه فساد ما ذهب إليه الكوفيون. وذهب ابن خروف (¬2) إلى أن عامل النصب في الظرف المذكور المبتدأ نفسه، وقال: هو مذهب سيبويه، وحمله على ذلك أن سيبويه قال في باب ما ينتصب من الأماكن والوقت (¬3): «فانتصبت لأنّها موقوع فيها، ومكون فيها، وعمل فيها ما قبلها كما أنّ العلم إذا قلت: أنت الرّجل علما - عمل فيه ما قبله، وكما عمل في الدّرهم عشرون إذا قلت: عشرون درهما». ثم قال سيبويه: فالمكان هو خلفك. ثم أردفه بنظائر، وقال: «فهذا كلّه انتصب على ما هو فيه وهو غيره، وصار بمنزلة المنوّن الّذي عمل في ما بعده نحو العشرين، وهو خير منك عملا، فصار زيد خلفك بمنزلة ذلك، والعامل في خلف الذي هو في موضعه، والّذي هو في موضع خبره، كما أنّك إذا قلت: عبد الله - ¬

_ (¬1) سورةآل عمران: 163. (¬2) شرح التسهيل (1/ 314) والتذييل والتكميل (4/ 50) والهمع (1/ 98). (¬3) انظر الكتاب (1/ 403).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخوك، فالآخر رفع الأول وعمل فيه، وبه استغنى الكلام وهو منفصل منه». هذا نصه (¬1) [1/ 362] وهو يحتمل أربعة أوجه (¬2): أحدها: كون الظّرف منصوبا بعامل معنوي، وهو حصول المبتدأ فيه لقوله: فانتصبت لأنها موقوع فيها، ومكون فيها، ويحتمل قوله: عمل فيها ما قبلها على عمل المبتدأ في المحل، فيكون للظرف على هذا التقدير عامل نصب في لفظه، وهو المعنى المذكور، وعامل رفع في محله وهو المبتدأ، وهذا الوجه باطل إذ لا قائل به. ولأن الحصول لو عمل في الظرف الصرفي وهو الخلف وشبهه لعمل في الظرف اللغوي (¬3)، كالكيس والكوز، فكان يقال: المال الكيس والماء الكوز بالنصب، بل الحصول المنسوب إلى الكيس والكوز ونحوهما أولى بالعمل؛ لأنه حصول إحاطة وإحراز، وإذا لم يصلح للعمل وهو أقوى فغيره بعدم العمل أولى. والوجه الثاني: كون الظرف منصوبا بالمخالفة كقول الكوفيين، فإنه يوهمه سيبويه بقوله في الباب المذكور: فهذا كلّه انتصب على ما هو فيه وهو غيره؛ فظاهر هذا القول شبيه بما حكاه ابن كيسان من قول الكوفيين: إن الظرف منصوب بالمخالفة؛ لأنك إذا قلت: زيد أخوك، فالأخ هو زيد، وإذا قلت: زيد خلفك فالخلف ليس بزيد، فمخالفته له عملت فيه النصب، وقد تقدم إبطال هذا القول فسيبويه بريء ممن عول عليه وجنح إليه؛ لأنه قال حين مثل بظروف بعد مبتدآت: وعمل فيها ما قبلها. وهذه العبارة لا يصلح أن يراد بها إلا شيء متقدم على الظرفية، والمخالفة بخلاف ذلك، فتيقن أن مراده غير مراد الكوفيين. والوجه الثالث: ما ذهب إليه ابن خروف من أن عامل النصب في الظرف المذكور المبتدأ نفسه، واحتماله أظهر من الوجهين المتقدمين، وهو أيضا مخالف لمراد سيبويه، وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى (¬4). ولو قصد ذلك سيبويه نصّا لم يعول عليه؛ لأنه يبطل من سبعة أوجه (¬5): - ¬

_ (¬1) كتاب سيبويه (1/ 406). (¬2) شرح التسهيل. (¬3) في نسخة الأصل: لعمل في الظرف المعنوي، وما أثبتناه أولى، وهو من نسخة (ب). (¬4) أي فيما يورده من كلام الآن ومن إبطال هذا الرأي بالأوجه السبعة الآتية. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 315).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: أنه قول مخالف لأقوال البصريين والكوفيين مع عدم دليل فوجب اطّراحه. الثاني: أن قائله يوافقنا على أن المبتدأ عامل رفع، ويخالفنا بادعاء كونه عامل نصب، وما اتفق عليه إذا أمكن أولى مما اختلف فيه، ولا ريب في إمكان تقدير خبر مرفوع ناصب للظرف، فلا عدول عنه. الثالث: من مبطلات قول ابن خروف أنه يستلزم تركيب كلام تام من لفظين ناصب ومنصوب لا ثالث لهما، ولا نظير له، فوجب اطراحه. الرابع: أنه قول يستلزم ارتباط متباينين دون رابط، ولا نظير لذلك، ومن ثم لم يكن كلام نحو: زيد قام عمرو حتى يقال إليه أو نحو ذلك. الخامس: أن نسبة الخبر من المبتدأ كنسبة الفاعل من الفعل، والواقع موقع الفاعل من المنصوبات لا يغني عند تقدير الفاعل، وكذا الواقع موقع الخبر من المنصوبات لا يغني عن تقدير الخبر (¬1). السادس: أن الظرف الواقع موقع الخبر من نحو: زيد خلفك - نظير المصدر نحو: ما أنت إلا سيرا في أنه منصوب مغن عن مرفوع، والمصدر منصوب بغير المبتدأ، فوجب أن يكون الظرف كذلك إلحاقا للنظير بالنظير. السابع: أن عامل [1/ 363] النصب في غير الظرف المذكور بإجماع من ابن خروف ومنّا لا يكون إلا فعلا أو شبهه، أو يشبه شبهه، والمبتدأ لا يشترط فيه ذلك، فلا يصح انتصاب الظرف المذكور به (¬2). الوجه الرابع من محتملات كلام سيبويه، وهو الصحيح: أنه ينتصب الظرف المذكور بمستقر أو استقر أو شبههما، وكلام سيبويه قابل لاستنباط ذلك منه؛ لأنه قال: قاصدا للظروف الواقعة بعد المبتدأ، وعمل فيها ما قبلها، كما أن العلم إذا قلت: أنت الرجل علما عمل فيه ما قبله. فما قبلها: يحتمل أنه يريد به الذي قبلها في اللفظ وهو المبتدأ، ويحتمل أن يريد به الذي قبلها في التقدير، وهو مستقر أو استقر أو شبههما؛ إلا أن الاحتمال الأول - ¬

_ (¬1) في هذا الوجه اضطراب في النسخ أصلحته من التذييل والتكميل. (¬2) انظر إبطال أبي حيان لهذه الأوجه السبعة في شرحه المشهور للتسهيل (4/ 51، 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يفضي إلى المحذورات المتقدم ذكرها. والاحتمال الثاني لا يفضي إليها، فكان أولى بمراده، ويؤيد أولويته في إرادته أنه شبه ناصب الظرف بما نصب التمييز في قوله: خير عملا، وناصب التمييز خبر لا مبتدأ فينبغي أن يكون ناصب الظرف خبرا لا مبتدأ؛ فإن ذلك أليق بالنظير وأوفق بالتقدير. وكذلك قوله: فهذا كلّه انتصب على ما هو فيه وهو غيره؛ ويحتمل أن يريد بما هو فيه المبتدأ، ويحتمل أن يريد به ما حذف من مستقر ونحوه، وهو الأولى لما ذكرت من أن تقديره لا يفضي إلى المحذورات السابقة. ويؤيد ذلك أيضا قوله: وهو غيره أي ما هو عامل في الظرف غير المبتدأ، واحتاج إلى هذه العبارة لينبه على أن بين المبتدأ والظرف مقدرا وهو خبر المبتدأ وعامل في الظرف، وأنه غير المبتدأ، ولا يصح أن يعاد هو إلى المبتدأ والهاء من غيره إلى الظرف؛ لأن الإعلام بذلك إعلام بما لا يجهل، بخلاف الإعلام بأن ثم مقدرا هو غير المبتدأ وعامل في الظرف؛ فإن الحاجة داعية إليه، ويتأيد ذلك أيضا بقوله: وصار بمنزلة المنوّن الّذي عمل فيما بعده نحو العشرين، ونحو خير منك عملا؛ فإن في صار ضميرا عائدا على ما هو فيه وهو غيره، وقد ثبت أنه ما يقدر من مستقر ونحوه، وجعلت نسبة هذا المقدر من الظرف كنسبة خير من عمل، وفيه أيضا إشعار بأنه لا يريد بما المبتدأ، بل الخبر المقدر؛ لأن خيرا من قوله: خير عملا خبر مبتدأ محذوف تقديره: أنت أو هو خير عملا، وجعل ما هو خبر نظير الخبر أولى من جعله نظير المبتدأ. ثم قال: فصار زيد خلفك بمنزلة ذاك، أي صار زيد قبل خلفك بمنزلة مستقر؛ لأنه يدل عليه ويجعله في الذهن مشارا إليه (¬1). ثم قال (¬2): والعامل في خلف الّذي هو في موضعه أي الذي خلف في موضعه، والذي خلف في موضعه هو مستقر أو نحوه من أسماء الفاعلين؛ فإنه الخبر في الحقيقة، والظرف في موضعه؛ لأنه عمدة والظرف فضلة. ثم قال: والّذي هو في موضع خبره يعني استقر ونحوه من الأفعال الدالة على كون مطلق؛ فإن الظرف إذا علق بفعل، فذلك الفعل في موضع الخبر الأصلي وهو - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 316). (¬2) القائل ليس ابن مالك وإنما هو سيبويه، انظر الكتاب (1/ 406).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم الفاعل، فأشار سيبويه بهذا إلى جواز تعليق الظرف [1/ 364] باسم فاعل وبفعل. ونبه على أن تقدير اسم الفاعل أولى بأن أضاف الموضع إلى ضميره، ولو قال: أو الذي هو في موضع خبره لكان أبين، لكن من كلام العرب وقوع الواو موقع أو؛ حيث لا تصلح الجمعية كقوله تعالى: مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ * (¬1). ووقوع أو موقع الواو حيث تتعين الجمعية كقول الشاعر: 640 - [قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم] ... ما بين ملجم مهره أو سافع (¬2) ويدل على أن تقدير اسم الفاعل أولى أربعة أمور (¬3): أحدها: أن اجتماع اسم الفاعل والظرف قد ورد كقول الشاعر: 641 - لك العزّ إن مولاك عزّ وإن يهن ... فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (¬4) ولم يرد اجتماع الفعل والظرف في كلام يستشهد به، وإلى هذا البيت ونحوه (¬5) أشرت بقولي: وربّما اجتمعا لفظا. - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 3، وسورةفاطر: 1. (¬2) البيت من بحر الكامل، وهو بيت مفرد منسوب إلى حميد بن ثور الهلالي (ديوان حميد: ص 111). اللغة: الصريخ: المستغيث. ملجم مهره: واضع في فمه اللجام. سافع: آخذ بناصية مهره ليلجمه. والشاهد في البيت قوله: أو سافع حيث جاءت أو فيه بمعنى الواو؛ لأنه لا بد من جمع النوعين المذكورين لما ذكر من لفظ بين، وهي لا تكون إلا مع اثنين مجتمعين. والبيت في معجم الشواهد (ص 232) وليس في شرح ابن مالك ولا أبي حيان. (¬3) انظر: شرح التسهيل (1/ 317). (¬4) البيت من بحر الطويل قائله مجهول. اللغة: العزّ: الهناء والسعادة. يهن: من هان أي ضعف وذل. بحبوحة الهون: بضم الباءين وسطه، وفي معناه بحبوحة الدار أي وسطها، وبحبوحة كل شيء: وسطه واختياره. الهون: بالضم مصدر هان يهون إذا ذل وخزي. ومعنى البيت: أنت عزيز إن كان سيدك عزيزا، وإن هان سيدك صرت هينا. والشاهد فيه قوله: فأنت لدى بحبوحة الهون كائن، حيث اجتمع الظرف وعامله الواجب الحذف، وقد ظهر العامل اسم فاعل، فدل على أن تقديره حين يستتر اسم فاعل أولى من تقديره فعلا. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 317) وفي التذييل والتكميل: (4/ 58) وفي معجم الشواهد (ص 391). (¬5) يقصد بنحوه ما خرج عليه بعض النحويين هذه الآية: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ [النمل: 40] حيث ذكر متعلق الظرف فيها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أن الفعل لا يغني تقديره عن تقدير اسم الفاعل ليستدل على أنه في موضع رفع، واسم الفاعل مغن عن تقدير، وتقدير ما يغني أولى من تقدير ما لا يغني. الثالث: أن كل موضع يقع فيه الظرف المذكور صالح لوقوع اسم الفاعل، وبعض مواضعه غير صالح للفعل نحو: أما عندك فزيد، وجئت فإذا عندك زيد؛ لأن أما وإذا المفاجئة لا يليهما فعل. الرابع: أن الفعل المقدر جملة بإجماع، واسم الفاعل عند المحققين ليس بجملة، والمفرد أصل وقد أمكن، فلا عدول عنه. فلهذه المرجحات وافقت الأخفش بقولي في الأصل: معمولا في الأجود لاسم فاعل كون مطلق؛ وفاقا للأخفش تصريحا ولسيبويه إيماء. وخالفت ما ذهب إليه أبو علي والزمخشري من جعل الظرف جملة (¬1). ورجح بعضهم تقدير الفعل (¬2) بأنه متعين في وصل الموصول، وهذا ليس بشيء؛ لأن الظرف الموصول به واقع موقعا لا يغني عنه المفرد؛ بل إذا وقع فيه مفرد تؤول بجملة، والظرف المخبر به واقع موقعا هو للمفرد بالأصالة، وإذا وقعت الجملة فيه تؤولت بمفرد، فلا يصلح أن يعامل أحدهما معاملة الآخر. ونبهت بقولي: لاسم فاعل كون مطلق على أن اسم فاعل كون مقيد كمعتكف وقارئ لا يغني عنه مجرد ذكر الظرف إذا قصد البيان. والذي اخترته من تعرية الظرف من الخبرية والعمل هو مذهب أبي الحسن بن كيسان، والظاهر من قول السيرافي (¬3). وتسميته خبرا في الحقيقة (¬4) غير صحيح، وكذا إضافة العمل إليه لا تصح إلا على سبيل المجاز، وللكلام في هذا مواضع يأتي - ¬

_ (¬1) قال الزمخشري: (المفصل ص 24): فصل: «والخبر على نوعين: مفرد وجملة، فالمفرد على ضربين: خال من الضّمير ومتضمّن له، وذلك زيد غلامك وعمرو منطلق، والجملة على أربعة أضرب: فعلية واسمية وشرطية وظرفية، وذلك زيد ذهب أخوه، وعمرو أبوه منطلق، وبكر إن تعطه يشكرك، وخالد في الدار. (¬2) قال السيوطي (الهمع: 1/ 98): ورجح ابن الحاجب تبعا للزمخشري والفارسي تقدير الفعل؛ لأنه الأصل في العمل ولتعينه في الصلة. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 54) والهمع (1/ 99). (¬4) في شرح التسهيل: على الحقيقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكرها إن شاء الله تعالى معتضدا بعضها من بعض. والكلام على حرف الجر المستغنى به كالكلام على الظرف. وقيدته بالتمام تنبيها على أن الناقص لا يغني، وهو ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معمول ما يتعلق به نحو: زيد عنك وعمرو بك، فلا بد نحو هذين من ذكر المتعلق به نحو: زيد عنك معرض، وعمرو بك واثق؛ فإن فهم المراد بدليل جاز الحذف نحو قولك: أما زيد فبعمرو مأخوذ، وأما بشر فبخاله أي بخاله مأخوذ، فحذف مأخوذ لدلالة الأول عليه. وحرف الجر التام ما يفهم ما يتعلق به بمجرد ذكره نحو: الْحَمْدُ لِلَّهِ (¬1)، وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ (¬2) [1/ 365] ومَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ (¬3) انتهى (¬4) كلام المصنف رحمه الله تعالى. ويتعلق في هذا الموضع أبحاث: الأول: قد عرف أن الظرف الواقع خبرا معمول لشيء، وإن العامل فيه إما المبتدأ نفسه، وإما المخالفة، وإما شيء مقدر هو الخبر في الحقيقة، ثم منهم من يقول: المقدر اسم، ومنهم من يقول: المقدر فعل. فأما القول الأول (¬5) فهو لابن خروف وادعى أنه مذهب سيبويه، وقد رد قول ابن خروف في هذه المسألة، وأول الناس كلام سيبويه رحمه الله تعالى. فأما المصنف فقد عرفت ما ذكره وما أول به كلام سيبويه. وأما غيره فقال السيرافي: لا أعلم خلافا بين البصريين أنك إذا قلت: زيد خلفك، وكذلك سائر ما يجعل الظرف خبرا له أنه منصوب بتقدير فعل هو استقر أو وقع أو حدث أو كان أو نحو ذلك، فوجب تأويل كلام سيبويه. قال ابن عمرون: «والذي يدفع عن سيبويه ما توهّمه ابن خروف قول سيبويه في بعض أبواب الكتاب (¬6): وإنما ينتصب خلفك بالذي فيه، قال: ومعلوم أن الّذي - ¬

_ (¬1) سورة الفاتحة: 2. (¬2) سورة النمل: 33. (¬3) سورة النور: 35. (¬4) شرح التسهيل (1/ 318). (¬5) أي القائل: إن العامل في الظرف هو المبتدأ نفسه. (¬6) الكتاب: (1/ 406).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه هو استقر أو مستقر ثم قال: والعجب منه - يعني من ابن خروف - وهو يرفع الظّاهر بالظرف إذا كان عامل الظرف المبتدأ، فمن أين للظرف أن يرفع ولم ينب عن عامل، وفي هذا خرم للقاعدة، فوجب الكفّ عنه» انتهى. وأما القول الثاني (¬1) وهو قول الكوفيين، فقد تقدم ذكر الأوجه الدالة على بطلانه. وأما القول الثالث بأن العامل شيء مقدر، وأن ذلك المقدر فعل - فقد تقدم أنه رأي أبي علي الفارسي والزمخشري. وأما القول الرابع بأن العامل مقدر كما تقدم، لكن المقدر اسم - فقد ذكر المصنف أنه مذهب الأخفش، وأن كلام سيبويه يعطي ذلك، ويومئ إليه وتقدم استدلال المصنف على أن تقدير اسم الفاعل أولى. وقد ذكر ابن عمرون ما ذكره المصنف عن بعضهم من أن تقدير الفعل متعين في صلة الموصول إذا كانت ظرفا، وأجاب بمعنى ما أجاب به المصنف من الفرق بين بابي الصلة والخبر، ثم قال: «هذا الفرق ملغي بوقوع الظّرف صفة، ويصح أن يوصف بالمفرد والجملة، والمفرد هو الأصل. وإلا لم يكن للجملة إذا كانت صفة موضع من الإعراب، ومع ذلك قدّرنا الفعل بدليل جواز دخول الفاء إذا كان المبتدأ نكرة موصوفة بالظرف أو شبهه نحو: كل رجل عندك أو في الدّار فله درهم، ولا يصح دخول الفاء إذا كانت الصفة مفردة على الأصح». ثم أجاب عن ذلك بأن قال: «ما ذكرت وإن دلّ فهو معارض بصحّة وقوع الظّرف وشبهه بين أمّا وفائها نحو: أما في الدار فزيد، ولا يفصل بينهما بجملة، فوجب تقدير المفرد». البحث الثاني: قيد المصنف حرف الجر الواقع مع مجروره خبرا بكونه تامّا، فأفهم ذلك أن الناقص لا يغني، والناقص: ما لا يفهم بمجرد ذكره وذكر معمول ما يتعلق به نحو: زيد عنك وعمرو بك. والتام: ما يفهم ما يتعلق به بمجرد ذكره كما تقدم، - ¬

_ (¬1) أي القائل: إن عامل النصب في الظرف هو المخالفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والضابط [1/ 366] في ذلك كما ذكره ابن عصفور (¬1): «وهو أن حرف الجرّ إذا كان له معنى خاصّ يغلب استعماله فيه كان تامّا؛ لأنه بمجرّد ذكره وإدراك معناه يفهم ما تعلق به من الحدث، وإذا كان له معنى عام صالح مع كل شيء على السواء، وليس هو في أحد المعاني أظهر من الآخر كان ناقصا. فالتّامّ: نحو زيد في الدار، التقدير: زيد مستقر: في الدار؛ لأن في للوعاء، فمعناها موافق للاستقرار، ومن ثم اشترط أن يكون ما تعلّق به حرف الجر المذكور كونا مطلقا كالاستقرار والحصول والكون ونحوها. فلو كان كونا خاصّا بأن تريد بقولك: زيد في الدّار، زيد ضاحك، أو جالس في الدّار - لم يجز الحذف بل لا بدّ من ذكره؛ لأنه لا يعلم من في أنّ المحذوف ضاحك مثلا كما يعلم منها الاستقرار، ولذلك جاز أن تقول: زيد لك إذا أردت أنه مملوك لك أو مستحق لك؛ لأن الملك والاستحقاق مفهوم من اللام. ولو قلت: زيد لك وأردت أنه محب لك لم يجز؛ لأنّ ذلك لا يفهم من اللّام. ولما كان كل ظرف على تقدير في لزم أن متعلق الظرف أبدا الاستقرار، فلذلك يجوز أن تقول: زيد خلفك إذا أردت أنه يستقر خلفك، ولو أردت أنه ضاحك أو كاتب لم يجز إلا أن تأتي بذلك الحدث». «وأما الناقص: فنحو زيد بك، وهذا لا يجوز أن يكون خبرا؛ لأنه لا يعلم هل المراد زيد واثق بك، أو مسرور بك أو غير ذلك؛ لأن الباء معناها الإلصاق فهي صالحة مع كلّ محذوف؛ لأنها تلصقه بالمجرور، ومن ثم امتنع الإخبار بالزمان عن العين، فلا يقال: زيد اليوم؛ لأن التقدير مستقر اليوم، وليس في الإخبار بذلك فائدة، فإن كلّ موجود يكون اليوم زمنا له» (¬2). البحث الثالث: قد أفاد المصنف بقوله: ويغني عن الخبر باطّراد ظرف أو حرف جرّ أن الذي تعلق به الظرف أو حرف الجر لا يجوز ذكره، ولهذا يقول المعربون: إذا وقع الخبر ظرفا أو مجرورا تعلق بمحذوف لا يجوز ذكره. وكأن الموجب لذلك طلب الاختصار - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 330) بتحقيق فواز الشغار وإميل يعقوب. (¬2) هذا آخر كلام ابن عصفور بتلخيص يسير من الشارح. انظر شرح الجمل له: (1/ 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسهولة الكلام بحذف ما لا فائدة لذكره مع وجود ما دل عليه وسد مسده؛ إذ من المعلوم ضرورة إذا قلت: زيد خلفك، أو زيد في الدار أن نفس الخلف ونفس في الدار ليس شيء منهما صادقا على المبتدأ، والمبتدأ لا بد له من الخبر، وحرف الجر المذكور والحرف المقدر مع الظرف دالان على الاستقرار والحصول كما عرفت، فكان ذكر الظرف والمجرور اللذين هما متعلقا الخبر دالين على الخبر المحذوف دلالة قطعية مغنيين عنه من حيث أن الذي تعلقا به كون عام، ولهذا إذا كان المتعلق به كونا خاصّا وجب ذكره، قال أبو علي: «إظهار عامل الظّرف شريعة منسوخة» (¬1). ثم ليس هذا الحكم مختصّا بالظرف والمجرور الواقعين خبرين، بل حكم كل منهما [1/ 367] إذا وقع حالا أو صلة أو صفة فيما ذكر حكمه إذا وقع خبرا. وأما قول المصنف: وربّما اجتمعا لفظا فأشار به إلى البيت الذي أنشده، وهو: 641 م - لك العزّ إن مولاك عزّ وإن يهن ... فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (¬2) وقد جعلوا من هذا الباب وذكره الشيخ قوله تعالى: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ (¬3)، قالوا: فمستقرّا حال، ولو لم يكن لكان عنده حالا والعامل فيها محذوف، قالوا: وقد ظهر العامل في هذا، وهو اسم فاعل لا فعل كما ظهر اسم فاعل في البيت المتقدم الإنشاد. ونقل ابن يعيش شارح المفصل عن ابن جني جواز إظهاره (¬4)، ثم قال: «والقول - ¬

_ (¬1) قال في الهمع: (1/ 99): ذهب الفارسي وابن جني إلى أن الظرف حقيقة وأن العامل صار نسيا منسيّا. (¬2) سبق ذكره قريبا. (¬3) سورة النمل: 40، وانظر ما ذكره في التذييل والتكميل (4/ 58) وفي البحر المحيط: (7/ 77) قال أبو حيان: «انتصب مستقرّا على الحال وعنده معمول له، والظّرف إذا وقع في موضع الحال كان العامل فيه واجب الحذف، قال ابن عطيّة: وظهر العامل في الظّرف من قوله مُسْتَقِرًّا وهذا المقدّر أبدا في كل ظرف وقع في موضع الحال، وقال أبو البقاء: مستقرّا أي ثابتا غير متقلقل، وليس بمعنى الحضور المطلق؛ إذ لو كان كذلك لم يذكر» انتهى. قال أبو حيان: «فأحدث في مستقرّا أمرا زائدا على الاستقرار المطلق وهو كونه غير متقلقل حتى يكون مدلوله غير مدلول الضّدية، وهو توجيه حسن لذكر العامل في الظرف الواقع حالا». وفي شرح الكافية للرضي: (1/ 93): «وأما قوله تعالى: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ فمعناه ساكنا غير متحرّك وليس بمعنى كائنا» وسيذكره الشارح بعد. (¬4) انظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 90).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عندي أنه بعد حذف استقرّ ونقل الضّمير إلى الظّرف لا يجوز إظهار المحذوف؛ لأنه قد صار أصلا مرفوضا؛ فإن ذكرته قبل نقل الضمير لم يمنع منه مانع» (¬1). وكأنه يقول: إن الظرف قبل نقل الضمير إليه فضلة محضة؛ لأنه معمول الخبر، وإذا كان كذلك فلا مانع من ذكر الخبر مع معموله، بل ينبغي أن يتعين ذكره، أما بعد نقل الضمير إليه فإنه يقوم مقام الخبر، وإذا قام مقام الخبر سد سده، فيمتنع حينئذ ذكره، وهذا الذي لحظه حسن، لكنهم لم يذكروه. ولك أن تدعي في مستقرّا من الآية الشريفة أنه كون مقيد لا كون مطلق؛ لأن المراد بالاستقرار هنا الثبوت وعدم الانتقال لا مجرد الحصول والكون، وعلى هذا يكون ذكره واجبا، فلا يكون مما نحن فيه. ولابن الدهان في الآية الشريفة إعراب آخر (¬2): وهو أن مستقرّا ليس عاملا في الظرف، وإنما عنده ظرف للرؤية، ومستقرّا حال من الهاء، وأما قول الشاعر: لدى بحبوحة الهون كائن، فيمكن أن يقال في كائن: إن المراد به الكون المقيد، وهو الثبوت والديمومة لا الكون المطلق وهو مجرد الحصول، وإذا كان كذلك كان ذكره واجبا. البحث الرابع (¬3): قد عرفت من كلام المصنف أن الأصح عنده أن الخبرية والعمل لا ينسبان إلى الظرف، إنما ينسبان إلى العامل فيه يعني إلى المحذوف الذي تعلق به الظرف، لكنه لم يستدل على ذلك بشيء، واقتضى هذا الكلام منه أن الضمير العائد إلى المبتدأ لم ينقل إلى الظرف، بل الخبرية والعمل وتحمل الضمير إنما يتصف بها ذلك المحذوف. وقد اختلف في نقل الضمير إلى الظرف: فذهب بعضهم إلى أنه لم ينقل قبل، وهو مذهب السيرافي (¬4)، ونسبه المصنف إلى ابن كيسان أيضا (¬5). - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر: التذييل والتكميل (4/ 58). (¬3) هذا الترقيم من البحث الأول إلى الرابع ساقط من نسخة الأصل، ومكانه فيها خال. (¬4) انظر شرح الكافية للرضي: (1/ 93) ونصه قال الرضي: «ذهب السيرافي إلى أنّ الضّمير حذف مع المتعلق» (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 318).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب الأكثرون (¬1) إلى أن الضمير نقل من المحذوف إلى الموجود، وأن الظرف في موضع الخبر، وقد استدل على نقله بتأكيده في قول كثير: 642 - فإن يك جثماني بأرض سواكم ... فإنّ فؤادي عندك الدّهر أجمع إذا قلت هذا حين أسلو ذكرتها ... فظلّت لها روحي تتوق وتنزع (¬2) ووجه الدليل: أن أجمع يلي العوامل، والتأكيد لا يكون لمحذوف. قالوا: ولولا نقله لما امتنع: قائما في الدار زيد؛ لأن الحال حينئذ تكون من فاعل ذلك المقدر، وهو متصرف؛ لأنه إما فعل أو اسم فاعل، فوجب ألا يمتنع [1/ 368] وفي امتناعه دليل على المقصود، وأيضا لو لم ينقل لما عطف عليه في قوله: 643 - [ألا يا نخلة من ذات عرق] ... عليك ورحمة الله السّلام (¬3) ولا يمكن دعوى أن رحمة الله معطوف على السّلام، وقدم لأنه يلزم منه تقديم - ¬

_ (¬1) في شرح الكافية للرضي قال: «وذهب أبو علي ومن تابعه إلى أنّ الضّمير انتقل إلى الظّرف؛ لأنه يؤكّد ويعطف عليه، وينتصب عنه الحال». ثم ذكر أمثلة الشارح (شرح الكافية: 1/ 93). (¬2) البيتان من بحر الطويل وهما في الغزل الرقيق العفيف، واختلف في قائلهما؛ لأنهما في ديوانين: فقيل: لكثير عزة، وانظر البيتين في ديوانه (ص 404) وقيل: لجميل بثينة، وانظر البيتين في ديوانه أيضا (ص 118) إلا أن الثاني يروى في ديوان جميل هكذا: إذا قلت هذا حين أسلو وأجتري ... على هجرها ظلّت لها النّفس تشفع الإعراب: بأرض سواكم: يروى بلا تنوين فيكون على الإضافة ويروى بالتنوين، فيكون على الوصف، وأصله: بأرض سوى أرضكم، فحذف المضاف إلى ضمير المخاطبين. عندك: ظرف مكان يتعلق بمحذوف خبر إن. الدّهر: ظرف زمان منصوب. أجمع: توكيد للضمير المستتر الذي انتقل من الخبر إلى الظرف بعد حذفه، ولا يصح أن يظل الضمير في العامل المحذوف؛ لأن الحذف والتوكيد يتنافيان، وهذا هو الشاهد. والشاهد في التذييل والتكميل (4/ 55) وفي معجم الشواهد (ص 217). (¬3) البيت من بحر الوافر وهو للأحوص - وهي نسبة مشكوك فيها - في حواشي ديوانه (ص 190) قيل: إنه مطلع القصيدة التي منها هذا البيت المشهور: سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السّلام وسبب إنشائه هذه القصيدة: أن مطرا هذا كان متزوجا بامرأة وكانت تبغضه، وكان الأحوص يهواها، والمقصود بقوله: يا نخلة هنا هي المرأة التي يتغزل فيها. وذات عرق: موضع بالحجاز. والشاهد في قوله: عليك ورحمة الله: حيث عطف على الضمير المستتر المستكن في الظرف الذي انتقل إليه بعد حذف عامله، وفي البيت شواهد أخرى وكلام آخر غير ذلك. انظر: الهمع (1/ 173، 220) - (2/ 130، 140) والبيت في معجم الشواهد (ص 350).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعطوف على العامل في المعطوف عليه؛ لأنه قدم على المبتدأ والعامل فيه الابتداء، وتقديم المعطوف على عامل المعطوف عليه لا يجوز. ولكن يشكل على ذلك مسألة (¬1) وهي: أن يقال: إذا قدرتم الظرف في موضع، وقدرتم فيه ضميرا يعود على المبتدأ وجب أن تجيزوا: في الدار نفسه زيد، وفيها أجمعون إخوتك، وهذا لا يجيزه أحد. وقد أجيب عن ذلك بأنه إنما قبح توكيد الضمير؛ لأن الظرف في الحقيقة ليس هو الحامل للضمير، إنما هو متعلق بالاسم الحامل للضمير، وذلك الاسم غير موجود في اللفظ حتى يقال: إنه مقدم في اللفظ مؤخر في المعنى، وإذا لم يكن ملفوظا به فهو في المعنى والرتبة بعد المبتدأ والمجرور المقدم قبل المبتدأ دال عليه. والدال على الشيء غير الشيء، فلهذا قبح: فيها أجمعون الزيدون؛ لأن التوكيد لا يتقدم على المؤكد. قال الشيخ: «والمنقول عن البصريين أنّ الظرف يتحمّل ضمير المبتدأ سواء تقدّم على المبتدأ أم تأخّر، وأنّه يرفع ذلك المضمر ويرفع الظّاهر أيضا إذا خلف المضمر نحو: زيد خلفك أبوه، ويجوز أن يكون خلفك أبوه مبتدأ وخبرا، والجملة خبر عن زيد، والوجه الأول أولى؛ لأنه إخبار بمفرد، وقال: هكذا تلقّينا هذا الإعراب من شيوخنا» انتهى (¬2). ومنع السهيلي ارتفاع الظاهر الواقع بعد الظرف بالظرف، وأوجب رفعه بالابتداء، وفرق بين الظرف واسم الفاعل بأن اسم الفاعل مشتق وفيه لفظ الفعل موجود، والظرف لا لفظ للفعل فيه (¬3). وقال ابن عمرون: «وإذا ثبت رفعه الضمير فهو غير رافع للظّاهر في صورة؛ خلافا لمدعيه مطلقا، وإذا جرى صفة أو خبرا أو حالا أو صلة لأنه أضعف في العمل من أفعل من، وأفعل من لا يرفع الظّاهر، فالظّرف أولى». - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (4/ 57). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (4/ 55). (¬3) قال السهيلي في كتابه نتائج الفكر (ص 358): فصل: «إذا أثبت هذا (تعلق الظرف وأخيه باسم الفاعل فقط) فلا يصح ارتفاع اسم بهذا الظّرف والمجرور بالاستقرار على أنه فاعل، وإن كان في موضع خبر أو نعت، وإنّما يرتفع بالابتداء كما يرتفع في قولك: قائم زيد بالابتداء لا بقائم ... إلخ».

[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى]

[حكم وقوع ظرف الزمان خبرا عن اسم العين والمعنى] قال ابن مالك: (ولا يغني ظرف زمان غالبا عن خبر اسم عين ما لم يشبه اسم المعنى بالحدوث وقتا دون وقت أو تعمّ إضافة معنى إليه، أو يعمّ. واسم الزّمان خاصّ أو مسؤول به عن خاصّ [1/ 369]). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: «ولو كان يرفع الظّاهر لما عملت إنّ في زيدا في قولك: إنّ عندك زيدا» قال: «ولو كان عاملا في ظاهر ما جاز إلغاؤه مع تقدّمه في نحو: في الدّار زيد قائم» انتهى. ولا يخفى ضعف ما ذكره؛ لأن (أفعل من) لم ينب عن عامل يرفع الظاهر، وهذا الظرف قد ناب عن شيء يرفع الظاهر، فهو يعمل عمله بالنيابة. وأما نحو: إن عندك زيدا فالطلب فيه لإنّ لا للظرف، فكيف يترك عمل ما هو طالب ويعدل إلى غير الطالب؟ وأما نحو: في الدار زيد قائم فإنما لم يعمل فيه الظرف لعدم الاعتماد؛ لأن الظرف إنما يعمل بالنيابة عن اسم الفاعل مثلا، والمنوب عنه إنما يعمل إذا اعتمد، فكذلك النائب حكمه حكمه. والحق أن الظرف والمجرورات إذا اعتمدت جاز أن يرتفع ما بعدها بها على الفاعلية، وجاز فيها أن تكون أخبارا، وما بعدها مبتدآت، والوجه الأول أولى كما علمت. قال ناظر الجيش: شرع المصنف في ذكر وقوع الظروف أخبارا، وذكر ما يجوز أن يخبر عنه بشيء منها وما لا يجوز، وذكر ما يجوز في الظرف الواقع خبرا من رفع أو نصب ونحوه. والحاصل أن ظرف الزمان لا يخبر به عن اسم العين، وإنما يخبر به عن المعنى، وأما ظرف المكان فإنه يخبر به عن كل منهما، كما يأتي ذلك كله مفصلا وأنا أذكر كلام المصنف أولا: قال رحمه الله تعالى (¬1): لا يفيد الاستغناء بظرف زمان عن خبر اسم عين غالبا إلا إذا كان العين مثل المعنى في حدوثه وقتا دون وقت كالرطب والكمأة؛ فإن الاستغناء عن خبر هذا النوع بظرف الزمان مفيد كقولك: الرّطب في شهر كذا، والكمأة في فصل الرّبيع، وكذا إذا دل دليل على إضافة معنى إلى العين كقولك: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 319).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أكلّ يوم ثوب تلبسه؟ وأكلّ ليلة ضيف يؤمّك؟ ومنه قول الراجز: 644 - أكلّ عام نعم تحوونه ... يلقحه قوم وتنتجونه؟ (¬1) أي: أكل يوم تجدّد ثوب تلبسه؟ وأكل ليلة إتيان ضيف يؤمك؟ وأكل عام إحراز نعم؟ وكذا إذا عم المبتدأ وكان اسم الزمان خاصّا أو مسئولا به عن خاص كقولك: نحن في شهر كذا، وفي أي الفصول نحن؟. وأشرت بقولي: غالبا إلى أنه قد يخبر عن اسم عين بظرف زمان في غير ذلك إن ثبت دليل كقول امرئ القيس: اليوم خمر وغدا أمر (¬2). وكقول الشاعر: 645 - جارتي للخبيص والهرّ للفأ ... ر وشاتي إذا أردت نجيعا (¬3) - ¬

_ (¬1) بيتان من الرجز المشطور نسبتهما المراجع لرجل من بني ضبة يدعى قيس بن حصين بن يزيد الحارثي في قصة طويلة مذكورة في خزانة الأدب (1/ 407) مع شرح البيتين. اللغة: النعم: الإبل والبقر والغنم وقيل: الإبل خاصة. تحوونه: تستولون عليه وتملكونه. يلقحه: من ألقح الفحل الناقة إذا أحبلها. تنتجونه: من نتج الناقة أهلها أي استولدوها. المعنى: يصف الشاعر قوما بالاستطالة على أعدائهم وشن الغارة عليهم، وكلما ألقح عدوهم إبلهم أغاروا عليهم فنهبوها ثم تلد عندهم. الشاهد فيه: رفع نعم على الابتداء وجعل كل عام خبره، وهو وإن كان ظرفا أخبر به عن اسم الحدث إلا أن اسم الحدث على تأويل مضاف هو اسم معنى، والتقدير إحراز نعم أو نهب نعم، وجملة تحوونه صفة للنكرة قبلها. والشاهد في شرح التسهيل (1/ 319) وفي التذييل والتكميل (4/ 61) وفي معجم الشواهد (ص 549). (¬2) مثل لامرئ القيس قاله عند ما قتل بنو أسد أباه وكان يشرب الخمر، والمثل يضرب للزمن الجالب للمحبوب والمكروه (مجمع الأمثال: 3/ 546) وموضع الشاهد في قوله: اليوم خمر، أما قوله: وغدا أمر فهو إخبار بزمان عن اسم معنى وهو جائز. (¬3) البيت من بحر الخفيف وهو لشاعر مجهول. اللغة: الخبيص: الحلوى المخبوصة أي المخلوطة بأشياء كثيرة، ومنه خبص الشيء بالشيء أي خلطه (اللسان: خبص). النّجيع: الدم والماء وطعام للإبل، وهو هنا يريده طعاما للإنسان. والشاعر في البيت يقسم الأكل على الآكلين فيقول: إن زوجته لها الحلوى والهر له الفأر، وإن شاته لنفسه حين يريد ويشتهي لحما. والشاهد في البيت قوله: وشاتي إذا أردت نجيعا، حيث أخبر بظرف الزمان وهو إذا عن الذات ولا يصح، وإنما صح هنا لوجود دليل على ذلك، وهو وضوح المعنى، وانظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 320) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى كلام المصنف (¬1). وفيه أمور: منها: أن قوله: غالبا مع قوله في شرحه إنه أشار بذلك إلى أنه قد يخبر عن اسم عين بظرف زمان في غير ذلك، يعني في غير ما ذكره غير ظاهر؛ فإن المضاف الذي قدره في: أكل يوم ثوب تلبسه - يقدر مثله في: اليوم خمر أي اليوم شرب خمر كما قدر المضاف في اللّيلة الهلال. ومنها: أن قوله في المتن: أو يعمّ إضافة معنى إليه لم يفهم معناه، والظاهر أن المراد: أو تنو إضافة معنى، بل يتعين ذلك لأن لفظ تنو ثابت في بعض النسخ، ولقوله في الشرح: وكذا إذا دل دليل على إضافة معنى إليه. ومنها: قوله: أو يعمّ واسم الزّمان خاص وتمثيله لذلك بقوله: نحن في شهر كذا؛ فإن العموم لا يعقل في نحن إلا أن يكون أراد بذلك أمرا بخصوصه، وحاصل الأمر أن كلام المصنف في هذا المكان غير واضح متنا وشرحا. وقد أورد ابن أبي الربيع الكلام في الإخبار بظرف الزمان عن العين أحسن إيراد فقال (¬2): «متى جاء الزمان خبرا عن الشخص فلا يكون إلّا على أحد ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون على حذف مضاف نحو: الهلال اللّيلة التقدير: حدوث الهلال الليلة، وعلى هذا يتصور أن يقال: زيد غدا أي ولادته غدا إذا كان معك ما يدلّ على ذلك. الثاني: أن يكون الشخص موصوفا فتخبر عنه بظرف الزمان فتقول: أكلّ يوم رجل مضروب لك وعليه قوله: 646 - أكلّ عام نعم تحوونه ... ... (¬3) وكأنه قال: أكلّ يوم ضرب رجل؟ [1/ 370] لأن الصفة والموصوف كالشيء - ¬

_ - وليس في التذييل والتكميل ولا في معجم الشواهد. (¬1) شرح التسهيل (1/ 320). (¬2) انظر اللقطة رقم: 35، 36 من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع. (¬3) بيت من الرجز المشطور سبق الاستشهاد به قريبا. وشاهده هنا: الإخبار بالزمان عن الذات، وجاز لأن الذات موصوف وهو قوله: نعم تحوونه، وهذا غير التخريج السابق.

[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره]

[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه وجره] قال ابن مالك: (ويغني عن خبر اسم معنى مطلقا؛ فإن وقع في جميعه أو أكثره وكان نكرة رفع غالبا ولم يمتنع نصبه ولا جرّه بفي، خلافا للكوفيين، وربّما رفع خبرا الزّمان الموقوع في بعضه). ـــــــــــــــــــــــــــــ الواحد، ولذلك جاز أنت رجل صالح، ولا يجوز أنت رجل؛ لأن هذا لا فائدة به. الثالث: أن يكون الكلام مخرجا عن حده كقول القائل: في أيّ يوم نحن؟ وفي أي شهر نحن؟ وفي أي عام نحن؟ وقولك في الجواب: نحن في يوم الجمعة، ونحن في شهر المحرّم، ونحن في عام كذا، فأنت بلا شكّ تعلم أن السؤال إنما وقع عن تعيين اليوم أو الشّهر أو العام. فأمّا كوننا في يوم أو في شهر أو في عام فمما لا يجهل؛ فكان الأصل أن يقال في السؤال: أي يوم هذا؟ وأي شهر هذا؟ فتقول: يوم كذا أو شهر كذا أي يومنا يوم الجمعة وشهرنا شهر المحرّم. ومنه أن يقال: زيد حين طرّ شاربه (¬1) لكن لمّا كان هذا الوصف لا يكون إلا في زمان تجوز واتّسع، وقيل: في زمان كذا ولم يرد أن يخبر عنه بأنّه، في زمان إنّما المراد الإخبار عنه بالصفة، قال: «وكان الأستاذ أبو علي يأخذ بهذه الثلاثة ويرتضيها» انتهى (¬2). وعلى هذا الذي ذكره يخرج جميع ما قاله المصنف. فقولهم: الرطب في شهر كذا يكون تقديره: حدوث الرطب في شهر كذا، وحدوث الكمأة في فصل الربيع، وكذا أكل يوم ثوب تلبسه تقديره: أكل يوم لبس ثوب، وأكلّ ليلة أمّ ضيف. قال ناظر الجيش: الضمير في: ويغني عائد على ظرف الزمان أي: ويغني ظرف الزمان عن خبر اسم المعنى يعني أنه لا يتقيد الإخبار عن اسم المعنى بحال دون حال كما كان ذلك في الإخبار به عن اسم العين، وذلك لحصول الفائدة. - ¬

_ (¬1) قوله: زيد حين طرّ شاربه فيه إخبار بالزمان عن الذات، وجاز ذلك لأن هناك قرينة تبين المراد، والمعنى: زيد كان رجلا حين طرّ شاربه. (¬2) شرح الإيضاح لابن أبي الربيع لقطة رقم: 36.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف (¬1): «اسم المعنى يغني عن خبره ظرف الزمان الموقوع في جميعه، والموقوع في بعضه، لكن الموقوع في جميعه إن كان نكرة فرفعه أكثر من نصبه كقوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (¬2) وكقوله (عزّ وجل) (¬3): غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ (¬4)، وكذا الموقوع في أكثره كقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (¬5). ولو جر هذا النوع بفي أو نصب على مقتضى الظرفية - لم يمتنع عند البصريين، وامتنع عند الكوفيين، وحجتهم في المنع من ذلك صون اللفظ عما يوهم التبعيض فيما يقصد به الاستغراق، وهذا مبني على قول بعضهم: إن في للتبعيض (¬6) حكاه السيرافي، وليس ذلك بصحيح (¬7). وإنما في حرف مفهومه الظرفية بحسب الواقع في مصحوبها. فإن كان الواقع يستلزم استغراقا كالصوم بالنسبة إلى النهار فلا يمنع منه معنى في ولا لفظها. وإن كان صالحا للاستغراق وغيره فصلاحيته لذلك موجودة قارنته أو لم تقارنه؛ ولذلك صح في الاستعمال أن يقال: في الكيس درهم، وأن يقال: في الكيس ملؤه من الدراهم؛ فعلم بهذا أن القول ما قاله البصريون، والله تعالى أعلم. ومثال رفع الزمان الموقوع في بعضه [1/ 371] كقولك: الزّيارة يوم الجمعة. ولا فرق في هذا بين المعرفة والنكرة، وروي قول النابغة: 647 - زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا ... وبذاك خبّرنا الغراب الأسود (¬8) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 320). (¬2) سورة الأحقاف: 15. (¬3) ما بين القوسين ساقط من نسخة الأصل. (¬4) سورةسبأ: 12. (¬5) سورة البقرة: 197. (¬6) انظر: شرح الكافية (1/ 95) وأسنده الرضي إلى الكوفيين. (¬7) ذكر صاحب المغني عشرة معان لفي ولم يذكر منها التبعيض. انظر المغني (1/ 168) وما بعدها. وفي شرح الكافية (1/ 95) قال الرضي: «ولا يعلم إفادة في للتّبعيض». (¬8) البيت من بحر الكامل من قصيدة للنابغة الذبياني كلها في الغزل (ديوان النابغة ص 144) مطلعها: أمن آل ميّة رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزوّد وبيت الشاهد بهذه الرواية: فيه إقواء لأن القافية كلها مكسورةو بعده أيضا: لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان تفريق الأحبّة في غد ويروى أن النابغة أصلح بيت الشاهد وغيّره إلى قوله: وبذاك تنعاب الغراب الأسود. والبوارح: جمع بارح وهو ما مر من الطير والوحش من يمينك إلى يسارك، والعرب تتطير به. والشاهد في البيت قوله: أنّ رحلتنا غدا حيث رويت كلمة غد بالرفع على الخبرية وبالنصب على الظرفية، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بنصب غدا ورفعه، ذكر ذلك السيرافي (¬1). والوجهان في هذا النوع جائزان بإجمال، إلا أن النصب أجود لأن الحذف معه أقيس واستعماله أكثر، وإلى هذا أشرت بقولي: وربّما رفع خبرا الزّمان الموقوع في بعضه. انتهى (¬2). وإنما قيد الظرف الموقوع في جميعه أو أكثره بكونه نكرة؛ لأنه إذا كان معرفة جاز فيه الرفع والنصب باتفاق من الكوفيين والبصريين، نحو: سيرك يوم الخميس وصومك اليوم، إلا أن النصب هو الأصل والغالب. ثم ها هنا بحثان: الأول: مقتضى كلام المصنف مما استشهد به من الآيات الشريفة أن المرفوع الواقع خبرا خبر عن اسم المعنى نفسه، فيكون أشهر معلومات خبرا عن الحج، وشهر خبرا عن غدوها ورواحها، وثلاثون شهرا خبرا عن حمله وفصاله، وفي ذلك نظر: فإن الخبر المفرد غير الظرف إذا لم يقصد التشبيه كان نفس المبتدأ في المعنى. ولا شك أن الخبر في هذه الآيات الشريفة نفس المبتدأ الذي قبله في المعنى. أما قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (¬3) فلا بد فيه من تقدير مبتدأ محذوف، وهو وقت أو زمن، وإذا كان كذلك فأشهر معلومات خبر عن ذلك - ¬

_ - وكله جائز؛ لأن غدا ظرف زمان وقع الحدث في بعضه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 321) وفي التذييل والتكميل (4/ 65) وفي معجم الشواهد (ص 107). (¬1) قال السيرافي في شرحه على كتاب سيبويه: (3/ 225): «أجمع البصريون والكوفيون أن الوقت يرفع وينصب إذا كان خبرا لمرفوع ابتداء في حال تعريف الوقت وتنكيره، فالتعريف نحو قولك: القتال يوم الجمعة واليوم، وإن شئت قلت: يوم الجمعة واليوم، والتنكير كقولك: رحيلنا غدا وغد كما قال النابغة: زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا ... وبذاك خبّرنا الغراب الأسود ويروى: غد. فإذا رفعت الخبر صار التّقدير في الأولّ أن يكون الوقت مضافا إليه ومحذوفا منه كأنك قلت: وقت القتال اليوم، وإذا نصبت فبإضمار فعل كأنك قلت: القتال يقع اليوم أو وقع». (شرح كتاب سيبويه للسيرافي، جـ 3، رسالة دكتوراه بكلية اللغة رقم: 1665) تحقيق محمد حسن محمد سنة (1978 م). (¬2) شرح التسهيل (1/ 321). (¬3) سورة البقرة: 197.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المقدر الذي حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، وكذا قوله تعالى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (¬1) التقدير: زمن حمله وفصاله، وإذا كان كذلك فلم يقع الإخبار في الآيتين الشريفتين بظرف إنما وقع باسم ليس بظرف. وفي الحقيقة أن الإخبار في قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ (¬2) وفي: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً بزمان عن زمان، فيكون ذلك نظير الإخبار بقائم عن زيد في قولنا: زيد قائم؛ إذ الخبر في ذلك كله هو نفس المبتدأ لا غيره (¬3). ومقتضى كلام المصنف أن الحج واقع في الأشهر، وأن الحمل والفصال واقعان في ثلاثين شهرا، ولا يظهر أن هذا هو المراد، بل الظاهر أن المراد الإخبار بأن زمن الحج هو هذه الأشهر، وأن زمن الحمل والفصال هو هذه المدة المذكورة. وأما قوله تعالى: غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ (¬4) فالظاهر أنه ليس من هذا الباب؛ لأن الغدوّ والرواح ليسا واقعين في الشهر المذكور كما يقع الحج في الأشهر ولا كما يقع الحمل والفصال في الثلاثين شهرا، بل المعنى أنها تقطع في غدوها مسافة شهر وكذا في رواحها، وإذا كان كذلك فيكون التقدير: مسافة مسير غدوها قدر مسافة مسير شهر، وكذا مسافة مسير رواحها قدر مسافة مسير شهر، ثم حصل الحذف وإقامة ما أضيف إليه المحذوف مقامه. البحث الثاني: قال الشيخ - كالمستدرك على المصنف -: «إنّ ظرف الزمان كما يقع خبرا عن الجثة وعن [1/ 372] المصدر يقع خبرا لزمان أيضا» قال: «فإن كان على قدر المبتدأ فالرفع فقط تقول: زمان خروجك السّاعة، وإن كان أعمّ جاز الرفع والنصب، تقول: زمان خروجك يوم الجمعة، فيوم الجمعة بالنصب حقيقة ويوم بالرفع مجاز يجعل الخروج طويلا قد استغرق اليوم أجمع، هذا في غير أيام الأسبوع» انتهى (¬5). - ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف: 15. (¬2) سورة البقرة: 197. (¬3) حمل ناظر الجيش على ابن مالك في هذا، وليس له الحق فيه، وذلك لأن المجاز بالحذف كثير في اللغة العربية، وبخاصة في مثل هذا الكلام البليغ، ولو لم يقدره ناظر الجيش ويشر إليه لفهم. وبعد أن كتبت هذا الكلام وجدت على هامش نسخة الأصل ما يأتي: «قد يقال: إنه مجاز علاقته الحالية والمحلية، ولكونه مسموعا شائعا ألحق بالحقيقة فاستغني عن التأويل والتّقدير». (¬4) سورةسبأ: 12. (¬5) التذييل والتكميل (4/ 62، 63) وهو بنصه.

[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه]

[جواز رفع ظرف المكان الواقع خبرا ونصبه] قال ابن مالك: (ويفعل ذلك بالمكانيّ المتصرّف بعد اسم عين: راجحا إن كان المكانيّ نكرة، ومرجوحا إن كان معرفة، ولا يخصّ رفع المعرفة بالشعر، أو بكونه بعد اسم مكان خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: إن المصنف مستغن عن ذكر ذلك. أمّا القسم الأوّل: فظاهر لأنه لم يكن الخبر فيه ظرفا موقوعا فيه، إنما الخبر هو نفس المبتدأ ولا ظرفية هناك، وإذا كان كذلك فلا يقال: إن ظرف الزمان وقع خبرا لزمان، إنما وقع زمان غير ظرف خبرا لزمان، وهذا أمر واضح. فحكم قولنا: زمان خروجك السّاعة حكم قولنا: زيد قائم في المبتدأية والخبرية. وأما القسم الثّاني: وهو ما يكون الظرف فيه أعم نحو: زمان خروجك يوم الجمعة؛ فإن رفعت كان الزمان مخبرا به عن زمان كما في القسم الأول، ولكن أردت بيوم الجمعة بعض يوم الجمعة مجازا، وإن نصبت فلا بد من التأويل (¬1) ولأنك إذا أخذت الأمر على ظاهره لزم أن يكون الزمان ظرفا للزمان. وقد ذكر الشيخ فروعا في مسائل الإخبار بظرف الزمان عن المصدر تركتها خوف الإطالة، مع أن الذي ذكره المصنف فيه غنية عن أكثرها (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف: «ذلك من قولي: ويفعل ذلك إشارة إلى الرفع المفهوم من قولي: وربّما رفع خبرا الزّمان الموقوع في بعضه. وراجحا ومرجوحا حالان من ذلك المشار به إلى الرفع. - ¬

_ (¬1) أي تقدير في أو تقدير مضاف محذوف أي زمان خروجك بعض يوم الجمعة. (¬2) ملخص ما قاله أبو حيان: «أنّ ظرف الزّمان إن وقع خبر المصدر وكان معرفة فالرفع والنّصب تقول: الامتحان اليوم واليوم، وإن كان نكرة قال هشام: بالرّفع فقط، وقال الفراء بالوجهين: الامتحان يوم ويوما، وقيل: إن كان معدودا فالاختيار الرّفع، تقول: الامتحان يومان، والقتال يومان؛ لأنه صار في معنى ما الثّاني فيه الأول. والمعنى فيه أمد ذلك يومان، فالأول هو الثّاني، وإن كان غير معدود فالاختيار النّصب لأن ذلك ليس بأمد». ثم قال: «والمضاف للمصدر كالمصدر نحو: أفضل قيامك يوم الجمعة، برفع يوم الجمعة ونصبه، والمصادر كلها تنتصب على الأوقات؛ فإذا وقعت خبرا لزمان وكان أعمّ من الزمان جاز الرفع والنصب نحو: زمان خروجك خفوق النّجم». (التذييل والتكميل: 4/ 64 وما بعدها).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال ما قصد مما يكون الرفع فيه راجحا لتنكير الظرف المكاني مع كونه مؤقتا متصرفا (¬1) مخبرا به عن اسم عين قولهم: المسلمون جانب والمشركون جانب ونحن قدّام وأنتم خلف، والنصب جائز عند البصريين وعند الكوفيين، ومن زعم أن مذهب الكوفيين في مثل هذا التزام الرفع فقد وهم. فإن كان اسم المكان معرفة متصرفا اختير النصب، وجاز الرفع عند البصريين، ولم يجز عند الكوفيين إلّا في الشعر، وإذا كان المخبر عنه اسم مكان كقولك: داري خلفك ومنزلي أمامك». انتهى (¬2). واحترز بالمتصرف من الذي لا يتصرف نحو عند، وكأن هذا الحكم الذي ذكره يختص بالظرف المكاني المبهم لا الظرف المختص (¬3) على ما يدل عليه تمثيله. وقد ذكر الشيخ تقسيما في هذا الموضع فقال (¬4): «الظرف المكاني المتصرف إما أن يقع خبرا عن أسماء الأماكن، أو عن المصادر أو عن الأسماء غير الأماكن والمصادر: فإن وقع خبرا عن أسماء المكان المبهمة جاز فيه الرفع والنصب، نحو مكاني خلفك، ومن كلام العرب: منزله شرقيّ الدّار [1/ 373] برفع شرقي ونصبه. فإن كان اسم المكان من الظروف المختصة؛ فالرفع نحو موعدك ركن الدار والمسجد أو المقصورة». قال: «فأما قولهم: موعدك باب البرادن أو باب الطّاق فقد روي النصب قليلا على معنى ناحية باب البردان وناحية باب الطاق، ولا يقاس على ذلك». قلت: واستثناؤه الظروف المختصة من جواز النصب يدلّ على أنه أراد بالظّرف الواقع خبرا في أصل التقسيم إنّما هو الظرف المبهم، كما قلنا: إن ذلك هو - ¬

_ (¬1) الظرف المتصرف: هو ما يفارق النصب على الظرفية إلى غيرها، فيرفع على الفاعلية أو الابتداء، وينصب على المفعولية كالذي يذكره. وغير المتصرف: هو ما يلزم النصب على الظرفية، أو يجر بمن كقبل وبعد ولدن وعند. (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 322) وجواب إذا لم يذكر في الشرحين (ناظر الجيش وابن مالك) وهو مفهوم من جواب إن المذكور في قوله: فإن كان اسم المكان معرفة متصرفا اختير النصب وجاز الرفع عند البصريين ... إلخ. (¬3) المراد بالظرف المكاني المختص: ما له صورة وحدود محصورة، نحو الدار والمسجد والبلد. والمراد بالمبهم: ما ليس كذلك نحو الجهات الست، وهي أمام ووراء ويمين وشمال وفوق وتحت، وما أشبهها في الشياع كناحية ومكان وجانب، وقد اختلف في المقادير كفرسخ هل هي من المختص أو من المبهم. (حاشية الصبان: 2/ 129). (¬4) التذييل والتكميل (4/ 66 - 68).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر من كلام المصنف. ثم كمل الشيخ التقسيم، فقال (¬1): «وإن وقع خبرا عن المصادر فالنصب نحو: القتال خلفك والضّرب قدامك. وإن وقع خبرا لغير الأماكن والمصادر وكان مضافا إلى نكرة نحو: زيد خلف حائط وبكر وراء جبل، فالاتفاق على جواز الرفع والنصب، أو إلى معرفة فالرفع والنصب عند البصريين مطلقا والنصب عند الكوفيين إن لم يملأه فإن ملأه فالرفع عندهم أحسن من النصب، أو كان غير مضاف وكان مصحوبا بمن فالنصب والرفع نحو: زيد قريبا منك، وقريب منك وناحية من الدّار وناحية من الدار. وقال سيبويه (¬2): قال يونس: العرب تقول: هل قريبا منك أحد، وقال الكسائي والفراء وهشام (¬3): يقال: عبد الله قريب منك وقريبا منك وبعيد منك، ويقلّ في كلامهم: بعيدا منك، وإنما قلّ لأنهم لما قالوا: عبد الله قربك وبقربك حسن ذلك مذهب المحلّ في قريبا منك. وإن كان غير مصحب بمن وفيه أل فالرّفع والنّصب عند البصريين والرفع فقط عند الكوفيين نحو: زيد الأمام أو اليمين أو الشمال. وإن كان بغير أل وعطف عليه منكور مثله فالاختيار عند الكوفيين الرفع، والبصريون يسوّون بينهما نحو: القوم يمين وشمال، وزيد مرأى ومسمع رفعا ونصبا، أو لم يعطف عليه مثله رفعه الكوفيّون لا غير، وجوّز البصريّون رفعه ونصبه، قالوا: زيد خلفا وخلف وأماما وأمام. فإن كان الظرف مختصّا لم يجز أن يقع خبرا لا برفع ولا بنصب نحو: زيد دارك إلا في ما سمع نحو قولهم: زيد جنبك يعنون ناحية جنبك ولا يقاس عليه: زيد ركن الدّار لا برفع ولا بنصب (¬4). وقالت العرب (¬5): زيد قصدك نصبوا على المحلّ، المعنى: مكان قصدك، ولم يقولوا: زيد قيامك ولا عمرو قعودك وهم يعنون المكان، وقصدك لا يقاس عليه غيره. - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر الكتاب: (1/ 409) ونصه قال: «حدّثنا يونس أنّ العرب تقول في كلامها: هل قريبا منك أحد كقولهم: هل قربك أحد». (¬3) التذييل والتكميل (2/ 215). (¬4) المرجع السابق. (¬5) لم أجد ذلك في التذييل والتكميل حتى آخر النقل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز سيبويه (¬1): زيد قصدك بالرّفع من حيث أجاز زيد خلفك ولم يجزه الفرّاء (¬2). وقال سيبويه: يقال: هو صددك وسقبك وقربك، صددك وسقبك وقربك، والرّفع جائز عنده على قول من يقول: زيد خلفك» انتهى كلام الشيخ. وقد تبين منه أن البصريين يجوزون الرفع والنصب في المكاني المتصرف المبهم إذا وقع خبرا عن اسم عين سواء أكان الظرف نكرة أم معرفة بأل أم بالاضافة، وسواء أكانت النكرة مضافة أم لا مذكورا معها من أم غير مذكور (¬3). وهذا الذي ذكره يؤخذ [1/ 374] من كلام المصنف حيث قال: ويفعل ذلك بالمكانيّ المتصرّف بعد اسم عين إلى آخره؛ لأنه بإطلاقه يدخل تحت كلامه الأقسام كلها. ثم إذا تأملت علمت أن بين كلام المصنف وكلام الشيخ مخالفة ما بالنسبة إلى أرجحية النصب ومرجوحيته، فإن الشيخ حكم بالتساوي في صور اقتضى كلام المصنف فيها أرجحية أحد الأمرين على الآخر (¬4). ¬

_ (¬1) انظر في هذا النقل وما بعده الكتاب: (1/ 407) قال سيبويه: «باب ما ينتصب من الأماكن والوقت، واعلم أن هذه الأشياء كلّها انتصابها من وجه واحد، ومثال ذلك: هو صددك وهو سقبك وهو قربك، واعلم أن هذه الأشياء كلّها قد تكون أسماء غير ظروف بمنزلة زيد وعمرو، سمعنا من العرب من يقول: دارك ذات اليمين، وقال الشاعر وهو لبيد (من الكامل): فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه ... مولى المخافة خلفها وأمامها (¬2) في معاني القرآن له: (1/ 119) يقول: ومن كلامهم المسلمون جانب والكفّار جانب. فإذا قالوا: المسلمون جانب صاحبهم نصبوا، وذلك أنّ الصاحب يدلّ على محل كما تقول: نحو صاحبهم وقرب صاحبهم؛ فإذا سقط الصاحب لم تجده محلّا تقيده قرب شيء أو بعده. وقال ذلك الكلام مرة أخرى في (2/ 203) وعلله قائلا: «وإنما أختاروا النصب في المعرفة؛ لأنه حين معلوم مسند إلى الّذي بعده فحسنت الصفة». (¬3) والأمثلة على الترتيب بالرفع: زيد يمين واليمين ويمينك، ويمين حائط، ويمين من عليّ ويجوز النصب. (¬4) مثال ذلك قولنا: نحن قدّام وأنتم خلف رجح ابن مالك فيه الرفع. وقولنا: زيد أمامك أو يمينك أو الأمام أو اليمين رجح ابن مالك فيه النصب، وحكم أبو حيان بتساوي الوجهين في المسألتين.

[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه]

[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ووجوب نصبه] قال ابن مالك: (ويكثر رفع المؤقّت المتصرّف من الظّرفين بعد اسم عين مقدّر إضافة بعد إليه، ويتعيّن النّصب في نحو: أنت منّي فرسخين، بمعنى أنت من أشياعي ما سرنا فرسخين). قال ناظر الجيش: المؤقت من الظروف هو المحدود كيومين وثلاثة أيام في الزمان، وفرسخ وميل في المكان. والمتصرف هو الذي لم يلتزم فيه النصب على الظرفية، والذي التزم فيه النصب نحو ضحوة معينا في الزمان وعند في المكان، وحاصل ما أشار إليه المصنف أن الوقت المتصرف من ظرفي الزمان والمكان يجوز أن يرفع خبرا بعد اسم عين نحو قولهم: زيد منّي يومان أو فرسخان، وحينئذ يتعين تقدير اسم معنى إلى اسم العين؛ ليكون الظرف خبرا عنه، ولذلك قال: مقدّر إضافة بعد إليه أي إلى اسم العين (¬1). بقي أن يقال: فإذا نصبنا فرسخين هل يقدر المضاف الذي هو بعد كما قدر حال الرفع؟ الظاهر أنه يقدر؛ لأن حرف الجر الذي هو من لا بد له من شيء يتعلق به، وليس ثم إلا المصدر المقدر. قال المصنف - لما ذكر هذه المسألة ومثل لها بقوله: زيد مني يومان وفرسخان -: «أي (¬2) بعد زيد منّي يومان أو فرسخان» وقريب منه قولك: دارك خلف داري فرسخان». ثم قال: «ونصب فرسخين في نحو: دارك خلف داري فرسخين وشبهها في مثل هذا أجود منه في نحو: زيد مني فرسخان، ونصب فرسخين في نحو: دارك خلف داري فرسخين على التمييز أجود من نصبه ظرفا». وأشار بقوله: ويتعيّن النّصب إلى أنك إذا قلت: أنت مني فرسخين على تأويل أنت من أشياعي ما سرنا فرسخين تعين النصب، وكان أنت مبتدأ ومتى خبره، وفرسخين ظرف، ومعنى منّي من أشياعي وأصحابي وأهلي كقول الله تعالى حاكيا عن إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي (¬3) انتهى (¬4). - ¬

_ (¬1) كلمة بعد هي اسم المعنى المضاف الذي صحح الإخبار، والتقدير في: زيد مني يومان أو فرسخان: بعد زيد مني مسيرة يومين ومسافة فرسخين. (¬2) هذا هو مقول القول (انظر شرح التسهيل: 1/ 323). (¬3) سورةإبراهيم: 36. (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 323).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما تعين النصب على الظرفية في أنت مني فرسخين؛ لأن قوله: أنت مني مبتدأ وخبر، أي أنت من أشياعي، بخلاف أنت مني فرسخان وأنت تريد بعدك مني؛ فإن مني متعلق بذلك المقدر المحذوف وليس في موضع الخبر، وإنما الخبر فرسخان؛ فمن رفع فالتقدير: بعد مكانك مني فرسخان، ومن نصب فعلى الظرف وهو في موضع الخبر، وانتصاب فرسخين في أنت مني فرسخين بالخبر الذي يتعلق به مني، أي أنت تابع من أتباعي في فرسخين أي في سيرنا فرسخين. قال الشيخ (¬1): «وظاهر كلام المصنف أنّ فرسخين منصوب بذلك الّذي قدّره وهو ما سرنا فرسخين، وليس بجيّد؛ لأن ما سرنا: ما فيه مصدرية ظرفية، وسرنا صلة ما، وفرسخين معمول لصلة ما، ولا يجوز حذف الموصول والصلة وإبقاء معمولها». وقال سيبويه (¬2): «أنت مني فرسخين تقديره: أنت منّي ما دمت تسير فرسخين». قال الشيخ: «وهو شبيه بتقدير المصنّف؛ إلا أن سيبويه جعل صلة ما دام النّاقصة، وحذف ما ودام وخبرها وأبقى معمول الخبر، فهو أبعد من تقدير المصنف. وقد رد أحمد بن يحيى (¬3) على سيبويه قوله، فقال (¬4): ليس على هذا الإضمار دليل ولا يدعو إليه [1/ 375] اضطرار، ولا ينبغي أن يطلب الإضمار إذا قام الكلام الظّاهر بنفسه». والذي ينبغي أن يخرّج عليه كلام سيبويه وتقديره - أنه تفسير معنى لا تفسير إعراب؛ لأنه إذا كان تابعا من أتباعه في فرسخين دلّ على أنه لا يكون تابعه في أكثر منها، فهذا معنى قول سيبويه: ما دمت تسير فرسخين، وإذا كان تفسير معنى بطل ردّ ابن يحيى. ¬

_ (¬1) هو أبو حيان، وانظر التذييل والتكميل (4/ 72) وقد نقل منه الشارح هذا الموضع إلى آخر شرحه. (¬2) الكتاب: (1/ 417) ونصه: «وتقول: أنت مني فرسخين أي أنت مني ما دمنا نسير فرسخين، فيكون ظرفا كما كان ما قبله مما شبّه بالمكان». (¬3) يقصد به أبا العباس ثعلبا شيخ الطبقة الخامسة من الكوفيين ولد سنة (200 هـ)، عني بالنحو أكثر من غيره، فحفظ كتب الفراء كما حفظ كثيرا من الشعر والمعاني والغريب، لزم ابن الإعرابي وسمع من محمد بن سلام الجمحي حتى فاق أصحابه، وروى عنه اليزيدي ونفطويه وأبو عمر الزاهد، جاءت له بشرى من النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه صاحب العلم المستطيل وهو علم النحو. له مجالس ثعلب وهو مطبوع مشهور (دار المعارف) كما صنف: فصيح ثعلب، والمصون في النحو، والأمالي، وغريب القرآن. توفي سنة (291 هـ). ترجمته في: بغية الوعاة (1/ 356). (¬4) التذييل والتكميل (4/ 73).

[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه]

[جواز رفع ظرف الزمان الواقع خبرا ونصبه] قال ابن مالك: (ونصب اليوم إن ذكر مع الجمعة ونحوها ممّا يتضمّن عملا - جائز لا إن ذكر مع الأحد ونحوه ممّا لا يتضمّن عملا؛ خلافا للفراء وهشام، وفي الخلف مخبرا به عن الظّهر رفع ونصب وما أشبههما كذلك، فإن لم يتصرف كالفوق والتّحت لزم نصبه). قال ناظر الجيش: قد تقدم أن ظرف الزمان يقع خبرا عن الزمان، لكن الزمان المخبر عنه قد يكون غير أيام الأسبوع، ولم يتعرض المصنف إلى ذكره لوضوحه، وقد تقدم الكلام عليه. وقد يكون المخبر عنه أيام الأسبوع، وها هو قد شرع في ذكر ذلك. وإنما ذكر المصنف هذا القسم دون الأول لينبه على أن النصب جائز في بعض هذه الصور بتأويل، فلو كان الرفع على الخبرية لازما في الصور كلها لم يحتج إلى ذكره، كما أنه لم يحتج إلى ذكر القسم الأول. قال المصنف (¬1): إذا قلت: اليوم الجمعة واليوم السّبت جاز نصب اليوم؛ لأن الجمعة بمعنى الاجتماع، والسبت بمعنى الراحة، وكذا اليوم العيد واليوم الفطر واليوم النيروز كلّ هذه يجوز معها نصب اليوم بلا خلاف؛ لأن ذكرها منبه على عمل يقع في اليوم بخلاف قولك: اليوم الأحد واليوم الاثنان واليوم الثلاثاء واليوم الأربعاء واليوم الخميس، فإنها بمنزلة اليوم الأول واليوم الثاني واليوم الثالث واليوم الرابع واليوم الخامس؛ فلذلك لا يجوز في اليوم معها إلا الرفع، هذا مذهب النحويين إلا الفراء وهشاما؛ فإنهما أجازا النصب على معنى الآن الأحد والآن الاثنان (¬2) ومعنى هذا أن الآن أعم من الأحد والاثنين، فيجعل الأحد والاثنان واقعا في الآن كما تقول: في هذا الوقت هذا اليوم. وقد قال سيبويه ما يقوي ذلك؛ لأنه قد أجاز: اليوم يومك بنصب اليوم بمعنى الآن، وقال: لأن الرجل قد يقول: أنا اليوم أفعل ذلك ولا يريد يوما بعينه (¬3) فهذا مما يقوي قول الفراء. وللمحتج لسيبويه أن يقول: إن قول القائل: اليوم يومك بمعنى اليوم شأنك وأمرك - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 323). (¬2) همع الهوامع (1/ 100) والتذييل والتكميل (4/ 75). (¬3) كتاب سيبويه: (1/ 419) ونصه يقول: «ومن العرب من يقول: اليوم يومك، فيجعل اليوم الأول بمنزلة الآن؛ لأن الرجل قد يقول: أنا اليوم أفعل كذا ولا يريد يوما بعينه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي تذكر به، فأجريا مجرى واقع وموقوع فيه بخلاف: اليوم الأحد، انتهى (¬1). والتأويل الذي أول المصنف به كلام سيبويه تأويل حسن غير بعيد عن الصواب، والذي ينبغي مراجعة الكتاب واعتبار ما ساق سيبويه هذا الكلام لأجله وحمله على ما يقتضيه السياق. وأما قول المصنف: وفي الخلف مخبرا به إلى آخره فقد ذكر (¬2) شرحه بأن قال (¬3): وتقول: ظهرك خلفك بنصب الخلف على الظرفية، ويجوز رفعه لأنه الظهر في المعنى مع أنه متصرف، ومثله في جواز الوجهين: رجلاك أو نعلاك أسفلك وأسفلك، وقرئ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ (¬4) وأسفل منكم [1/ 376]. فلو كان الظرف غير متصرف تعين نصبه، وإن كان هو الأول في المعنى؛ ولذلك قال أبو الحسن (¬5) الأخفش: «اعلم أن العرب تقول: فوقك رأسك فينصبون الفوق؛ لأنهم لم يستعملوه إلّا ظرفا، والقياس أن يرفع لأنه هو الرأس، وهو جائز؛ غير أن العرب لم تقله، قال: تقول: تحتك رجلاك لا يختلفون في نصب التّحت» (¬6) انتهى. وفي شرح الشيخ (¬7): «قال بعض النّحويين: إنّه يجوز هذا فيما كان في الجسد كقولك: فوقك رأسك، وخلفك ظهرك، وأمامك صدرك، وتحتك رجلاك. فهذا كله مبتدأ وخبر، ويعنون بالخلف الظهر، وبالأمام الصدر، وبالفوق الرأس، وبالتحت الرجلين. والأكثر أن تكون ظروفا في الجسد كانت أو في غيره، وهذا قول الأخفش» (¬8). ثم قال: قال خطّاب المارديّ (¬9): إن أخبرت عن شيء من هذه الظروف بخبر - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 323). (¬2) كلمة: ذكر ساقطة من الأصل، ويستوي وجودها وسقوطها. (¬3) شرح التسهيل (1/ 324). (¬4) سورة الأنفال: 42، وانظر القراءة في معاني القرآن للفراء: (2/ 411). وفي البحر المحيط: (4/ 500) يقول أبو حيان: وأسفل ظرف في موضع الخبر، وقرأ زيد بن علي أسفل بالرفع، اتسع في الظرف فجعله نفس المبتدأ مجازا. (¬5) التذييل والتكميل (4/ 76). (¬6) شرح التسهيل (1/ 324). (¬7) التذييل والتكميل (4/ 77). (¬8) المرجع السابق. (¬9) هو خطاب بن يوسف بن هلال القرطبي أبو بكر الماردي. من جلة النحاة ومحققيهم والمتقدمين في المعرفة بعلوم اللسان على الإطلاق، تصدر لإقراء العربية طويلا وصنف بها، اختصر الزاهر لابن الأنباري، وله حظ من قرض الشعر، قال السيوطي عنه: «هو صاحب كتاب التّوشيح الّذي ينقل عنه أبو حيّان وابن هشام كثيرا، مات بعد سنة (450 هـ)». ترجمته في: بغية الوعاة (1/ 553).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفعته بالابتداء، وكانت أسماء لا تتضمّن شيئا كسائر الأسماء، فنقول: خلفك واسع وأمامك ضيّق كما تقول: زيد قائم انتهى (¬1). وهذا الذي ذكره عن بعض النحويين وعن خطاب لا يبعد عن الصواب، فإن الذي يلتزم فيه النصب كالفوق والتحت مثلا إنما هو إذا كان ظرفا. أما إذا كان اسما غير ظرف فهذا يمنعه من التصرف. وهنا مسائل ذكرها الشيخ في شرحه (¬2): الأولى (¬3): أجاز يونس وهشام: زيد وحده، ومنعه الجمهور، أجراه يونس وهشام مجرى عنده، وتقديره: زيد موضع التفرد، وعلى هذا يجوز تقديمه، فيقال: وحده زيد كما يقال: في داره زيد، وقد أوله هشام تأويلا آخر، وهو أن الأصل: زيد وحد وحده، فنصب وحده بفعل مضمر محذوف إقامة لمعموله وهو وحده مقامه كما قيل: زيد إقبالا وإدبارا، أي يقبل إقبالا ويدبر إدبارا. وعلى هذا لا يجوز تقديمه، فلا يقال: وحده زيد كما لا يقدم إقبالا في زيد إقبالا وإدبارا، وحجة الجمهور أن وحده اسم جرى مجرى المصدر، وهو منصوب على الحال، وإذا كان كذلك فلا يصح وقوعه خبرا عن زيد، ولكن قد نقل عن العرب أنهم يقولون: زيد وحده، وذلك فيه رد لقول الجمهور وتقوية ليونس وهشام (¬4). الثانية: قال الكسائي: «العرب تقول: القوم (¬5) خمستهم وخمستهم، وكذلك عشرتهم، من رفع رفع بالقوم ومن نصب ذهب بها مذهب وحدهم». وقال سيبويه (¬6): «مررت بالقوم خمستهم وخمستهم؛ فالأول على معنى: مررت بالقوم كلّهم لم أدع فيهم أحدا إلّا مررت به، والثاني على معنى: مررت بهم وحدهم أي إفرادا، التقدير: أفردتهم بالمرور دون غيرهم». - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 77). (¬2) المرجع السابق (ص 227) وما بعدها. (¬3) كلمة الأولى والثانية ساقطة من نسخة الأصل. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 79). (¬5) كلمة القوم محذوفة من نسخة (ب). (¬6) الكتاب (1/ 373، 384).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «وعلى ما قدّره سيبويه لا يصح أن تكون خمستهم خبرا سواء كان بمعنى كلّهم أو بمعنى وحدهم على مذهب سيبويه في وحدهم من جهة أنه لا يصحّ أن تقول: زيد وحده، والقوم خمستهم بالرفع يعني في خمستهم. وقد نقلوا أن العرب قالت: زيد وحده والقوم خمستهم بالرّفع والنّصب، فوجب قبوله وإن خالف رأي سيبويه أو غيره». الثالثة: لا يجوز: زيد [1/ 377] دونك بالرفع عند سيبويه وأنت تريد المكان وأجازه غيره. قال ابن إصبع (¬2): وقال الفرّاء: سواك ومكانك وبدلك ونحوك ودونك لا تجعل أسماء مرفوعة، فإذا قالوا: قاموا سواك وبدلك ومكانك ونحوك ودونك نصبوا ولم يرفعوا على اختيار وربّما رفعوا (¬3)». وقال سيبويه (¬4): «أما دونك فلا يرفع أبدا؛ لأنّه مثل، وإن قيل: هو دونك في السّنّ والنّسب؛ لأن هذا مثل كما أن قولهم: هذا مكان هذا في البدل ذكر مثلا». الرابعة: لا يجوز: زيد مثل عمرو بالنصب عند أحد من البصريين، وأجازه الكوفيون (¬5)، وذلك أن مثلك عندهم من القسم الثاني من قسمة الحال، وهو قرنك وسنّك وشبهك ولدتك ومثلك إذا وقع طلبا أو نعتا جاز أن يعرب إعراب الأسماء، وجاز أن ينصب، تقول: زيد سنّك وسنّك، ومررت برجل مثلك ومثلك؛ فإذا وقع فاعلا رفع ولم ينصب نحو: قام مثلك وسنك؛ ولتجويزهم أن مثلك يكون محلّا أجازوا أن يقع صلة لموصول، ولا ينصب شيء من ذلك عند البصريين إلا إذا كان تابعا لمنصوب أو معمولا لناصب، وليس نصبه نصب الظرف. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 79). (¬2) هو أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى بن محمد بن أصبغ القرطبي الأزدي المعروف بابن المناصف شيخ العربية وواحد زمانه بإفريقية، ولي قضاء دانية وغيرها، روى عنه القاضي أبو القاسم بن ربيع. قال السيوطي: أملى علي قول سيبويه «هذا باب علم ما الكلم من العربية» عشرين كراسة. توفي سنة (627 هـ) وقيل: سنة (621 هـ) (ترجمته في بغية الوعاة: 1/ 421). (¬3) التذييل والتكميل (4/ 80) ولم أجد هذا النص المنسوب للفراء في معاني القرآن له. (¬4) الكتاب (1/ 409) وهو بنصه تقريبا. (¬5) التذييل والتكميل (4/ 80).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والخامسة: الظرف المقتطع نحو قبل وبعد لا يخبر به، ولا يوصف به، ولا يوصل به، ولا يكون حالا، ولم يعتلوا لذلك إلّا بضعفها (¬1) حسب، وشبهها سيبويه بالأصوات (¬2). قال ابن الدهان (¬3): والصّحيح عندي أنّهم لم يجمعوا عليها حذف العامل فيها ومعمولها وجعلها معتمد الفائدة. فأما قول القائل: 648 - فأمست زهير في السّنين الّتي خلت ... وما بعد لا يدعون إلّا الأشائما (¬4) فما زائدة وبعد منصوب الموضع عطفا على موضع الجار والمجرور. قال الشيخ (¬5): «ووهم الزّمخشري في جعل ما فَرَّطْتُمْ (¬6) مبتدأ وما مصدرية، و (من قبل) في موضع الخبر تقديره: ومن قبل تفريطكم في يوسف (¬7). ¬

_ (¬1) المرجع السابق، وحسب هنا بمعنى فقط. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 81): وشبهها سيبويه والفارسي بالأصوات. وانظر كتاب سيبويه: (3/ 285) يقول سيبويه: «هذا باب الظّروف المبهمة غير المتمكنة، وذلك لأنّها لا تضاف ولا تتصرّف تصرف غيرها، ولا تكون نكرة، وذاك أين ومتى وكيف وحيث وإذ وإذا وقبل وبعد، فهذه الحروف وأشباهها لمّا كانت مبهمة غير متمكنة شبّهت بالأصوات وبما ليس باسم ولا ظرف». (¬3) لم أجد هذا النص في شرح اللمع لابن الدهان (مخطوط تحت رقم: 171 بدار الكتب نحو تيمور) والموجود منه الجزء الثاني فقط، وانظره في التذييل والتكميل (2/ 231). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو في شرح ديوان الحماسة للتبريزي: (2/ 29)، وقد نسب لشاعر يدعى كفلان بن مروان بن الحكم بن زنباع. اللغة: الأشائم: في القاموس (شأم): الشؤم ضد اليمين، ورحل مشؤوم ومشوم، والأشائم ضد الأيامن. والشاهد في البيت قوله: وما بعد: حيث جاء بعد مبنيّا على الضم؛ لأنه ظرف مقتطع لا يقع صلة أو غيرها، وهو في محل نصب عطفا على موضع الجار والمجرور قبله وهو قوله: في السنين. والبيت في التذييل والتكميل: (4/ 81) وليس في معجم الشواهد. (¬5) التذييل والتكميل: (4/ 82). (¬6) سورةيوسف: 80، وأولها قوله تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ. (¬7) في تفسير الزمخشري المسمى بالكشاف: (2/ 337) خرج الزمخشري الآية على عدة أوجه: منها: الوجه الذي رواه عنه أبو حيان، قال الزمخشري: ومعناه: ووقع من قبل تفريطكم في يوسف. ومنها: أن تكون ما صلة أي، ومن قبل هذا قصرتم في شأن يوسف، ولم تحفظوا عهد أبيكم.

[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه]

[جواز رفع المصدر الواقع خبرا ونصبه] قال ابن مالك: (ويغني عن خبر اسم عين باطّراد مصدر يؤكّده مكرّرا، أو محصورا، وقد يرفع خبرا، وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر من مصدر أو مفعول به أو حال). قال ناظر الجيش: الاستغناء عن خبر اسم عين بمصدر مكرر نحو قولهم: زيد سيرا سيرا، وبمصدر محصور كقولهم: إنّما أنت سيرا، والأصل زيد يسير سيرا، فحذف الفعل واستغني عنه بمصدره، وجعل تكريره بدلا من اللفظ بالفعل، فامتنع إظهاره لئلا يجتمع عوض ومعوض عنه، وكذلك الأصل إنما أنت تسير سيرا، فحذف الفعل واستغني عنه بمصدره، وقام الحصر مقام التكرار في سببية التزام الإضمار. وقد يجعل هذا النوع من المصادر خبرا قصدا للمبالغة فيرفع نحو: 649 - ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار (¬1) هذا كلام المصنف (¬2). وتمثيل المصنف الحصر بإنما مشعر بأن الحذف واجب مع ما وإلا نحو: ما أنت إلّا سيرا من طريق الأولى. والمصدر المعرف فيما ذكره كالمصدر المنكر كقولك: ما أنت إلّا الضّرب، وما أنت إلّا ضرب النّاس، وما أنت إلّا سيرا لزيد. واعلم أن الفعل إنّما يجب إضماره إذا كان الإخبار عن سير متصل بزمان - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط من قصيدة للخنساء ترثي بها أخاها صخرا. وهذا البيت في وصف ناقة ذكرت في البيت الذي قبله وهو: فما عجول على بوّ تطيف به ... قد ساعدتها على التّحنان أظآر اللغة: العجول: الناقة. البوّ: جلد يحشى تبنا تراه الناقة فتظنه ولدها فتدر اللبن. التّحنان: الحنين. الأظآر: جمع ظئر وهي التي تعطف على ولد غيرها. ترتع: ترعى. ادّكرت: تذكرت ولدها. والمعنى: تصف الخنساء حزنها الشديد على أخيها صخر، فتذكر أن حزنها فاق حزن ناقة مات ولدها، فهي لا تهنأ بطعام أو شراب حين تذكره. وشاهده قوله: فإنما هي إقبال وإدبار، حيث أخبر بالمصدر عن اسم العين، وفيه توجيهات: 1 - المبالغة بجعل المعنى نفس العين. 2 - تأويل المصدر باسم الفاعل. 3 - أن هناك مضافا محذوفا أي ذات إقبال. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 324) وفي معجم الشواهد (ص 164). (¬2) شرح التسهيل (1/ 324).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإخبار لم ينقطع [1/ 378] وإذا أريد أنه سار ثم انقطع السير، أو أخبر أنه يسير في المستقبل - فإن الفعل يظهر نحو ما أنت إلّا تسير سيرا، ذكر ذلك سيبويه (¬1) وإذا كان كذلك فكلام المصنف يحتاج إلى التقييد بما ذكر. وأشار المصنف بقوله: وقد يغني عن الخبر غير ما ذكر إلى آخره - إلى ثلاث مسائل: الأولى: ما أغنى فيه عن الخبر مصدر يعني من غير تكرير ولا حصر نحو: زيد سيرا أي يسير سيرا. الثانية: ما أغنى فيها عنه مفعول به كقول بعض العرب: إنّما العامريّ عمامته أي: إنما العامري يتعهد عمامته؛ فأما من روى: إنّما العامريّ عمّته فنصب على المصدر، التقدير: إنما العامري يتعمم عمامته، فيكون نظير: إنما أنت سيرا، فلا يكون من القليل بل من الكثير المطرد (¬2). قال المصنف (¬3): «ومن الاستغناء عن خبر المبتدأ بالمفعول به أن يكون الخبر قبل قول محذوف، ويستغنى عنه بالمفعول كقوله تعالى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (¬4) أي يقولون: ما نعبدهم فيقولون خبر وما نعبدهم في موضع نصب به فأغنى عنه وحذف، ومثله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (¬5). أي فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟». ثم قال: «ومن الاستغناء عن خبر المبتدأ بالمفعول به ما رواه الكوفيون من قول العرب: حسبت العقرب أشدّ لسعة من الزّنبور فإذا هو إيّاها أي: فإذا هو يساويها، - ¬

_ (¬1) الكتاب: (1/ 335)، قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب فيه المصدر كان فيه الألف واللام أو لم يكن فيه على إضمار الفعل المتروك إظهاره؛ لأنه يصير في الإخبار والاستفهام بدلا من اللفظ بالفعل كما كان الحذر بدلا من احذر في الأمر، وذلك قولك: ما أنت إلّا سيرا، وما أنت إلا الضّرب الضّرب ... فكأنه قال في هذا كله: ما أنت إلا تفعل فعلا، وما أنت إلا تفعل الفعل، ولكنهم حذفوا الفعل لما ذكرت لك. ثم قال بعد كلام: «واعلم أن السّير إذا كنت تخبر عنه في هذا الباب فإنما تخبر بسير متصل بعضه ببعض في أي الأحوال كان، وأما قولك: إنّما أنت سير، فإنما جعلته خبرا لأنت ولم تضمر فعلا». (¬2) إنما كان من الكثير المطرد للحصر الذي فيه. (¬3) شرح التسهيل (1/ 325). (¬4) سورة الزمر: 3. (¬5) سورةآل عمران: 106.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يجوز أن يكون إياها قد شذ وقوعها في موضع رفع كما شذّ في موضع جر قول العرب: مررت بإيّاك، حكاها الفراء عنهم، ثم قال: وأنشد الكسائي: 650 - وأحسن وأجمل في أسيرك إنّه ... ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر (¬1) انتهى (¬2). وهذه المسألة التي ذكرها أعني: فإذا هو إياها هي المسألة التي جرت بين الكسائي والفراء وبين سيبويه بحضرة هارون الرشيد وقيل: بل بحضرة يحيى بن خالد البرمكي (¬3) وتسمى المسألة الزنبورية وقضيتها عجيبة. وقد أوردها الشيخ بهاء الدين ابن النحاس في تعليقه على المقرب، ومن وقف عليها عرف ما حصل من التحامل على سيبويه، وأنه كيد وغبن، نعوذ بالله من قهر الرجال (¬4). والمشهور أن سيبويه أجاب بقوله: فإذا هو هي، وأن الكوفيين قالوا: فإذا هو إياها، وهذا هو الظاهر وهو نقل البصريين، ولهذا لما ذكر المصنف فإذا هو إياها أسند ذلك إلى رواية الكوفيين، لكن قال الشيخ بعد ذكر المسألة: «وقد اختلف القول فيها فقيل: أجاب سيبويه بقوله: فإذا هو إيّاها، وقال الكوفيون: فإذا هو هي. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، وهو دعوة بالإشفاق والرحمة من الآسر للمأسور إذا كان المعنى حقيقيّا، وإذا كان مجازيّا فهو دعوة بأن يصل المحبوب حبيبه، ويرحم المعشوق عشيقه. والشاهد فيه قوله: ولم يأسر كإياك آسر، حيث وقع ضمير النصب بعد حرف جر شذوذا كما يقع أحيانا في موضع الضمير المرفوع كقول العرب: فإذا هو يساويها. انظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 325) والتذييل والتكميل (4/ 85) ومعجم الشواهد (ص 156). (¬2) شرح التسهيل: (1/ 325) وفيه تقديم وتأخير، وبالنسخة اليتيمة في دار الكتب نقص في هذا الموضع أتي به شارحنا ووضحه. (¬3) من رجالات الدولة العباسية كان هارون الرشيد يعظمه ويناديه بأبي؛ لأن هارون كان تحت رعايته صغيرا، وقد أنجب أولادا ذاع صيتهم في دولة هارون الرشيد، وتقلدوا المناصب العظيمة منهم الفضل وجعفر ومحمد وموسى. وأبو يحيى وهو خالد كان جنديّا من جنود أبي مسلم، وكان سببا في انتصاراته. نال يحيى وأولاده مدائح الشعراء، وكان الشعراء يقصدونهم دون الخلفاء لكثرة أعطيتهم. ومن كلام يحيى: ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهديّة والكتاب والرّسول. ولما نكب هارون بالبرامكة حبس يحيى وظل في سجنه حتى مات فجأة من غير علة وعمره سبعون سنة، وكان ذلك عام (190 هـ). ترجمته في وفيات الأعيان: (6/ 219). (¬4) انظر المسألة بالتفصيل في أمهات كتب النحو فهي مشهورة هناك: المغني (1/ 88)، التذييل والتكميل (4/ 85). الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 702).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: أجاب سيبويه بقوله: فإذا هو هي، وقال الكوفيون: فإذا هو إياها (¬1)، وكلا الجوابين له توجيه من العربية؛ فمن قال: فإذا هو إياها فإياها مفعول بفعل محذوف يدل عليه المعنى، فلما حذف الفعل انفصل الضمير، ومن قال: فإذا هو هي فليس المعنى أن الزنبور هو العقرب حقيقة، وإنّما هو من باب: زيد زهير أي: فإذا هو مثلها في اللسع» انتهى (¬2). و [الثالثة] (¬3): أشار المصنف [1/ 379] بقوله: أو حال إلى أنه قد يستغنى عن خبر المبتدأ بحال مغايرة لما تقدم ذكره كما روى الأخفش من قول العرب: زيد قائما، والأصل زيد ثبت قائما (¬4) والأسهل منه ما حكاه الأزهري من قول بعض العرب: حكمك مسمّطا أي حكمك لك مثبتا فحكمك مبتدأ خبره لك ومسمطا حال استغني بها وهي عارية عن الشروط المعتبرة في نحو: ضربي زيدا قائما (¬5) وعلى مثل هذا يحمل على الأجود قول النابغة الجعدي: 651 - وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا عن حبّها متراخيا (¬6) - ¬

_ (¬1) قد يكون الفيصل في مثل هذه المسألة من مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين ما قاله صاحب الإنصاف (2/ 702). قال أبو البركات: ذهب الكوفيّون إلى أنّه يجوز أن يقال: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو إياها، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز أن يقال: فإذا هو إياها، ويجب أن يقال: فإذا هو هي. ثم احتج لكل من الفريقين وحكى الحكاية المشهورة بين الكسائي وسيبويه في مجلس يحيى بن خالد، وكيف انتصر العرب للكسائي ظلما. وقد رجح صاحب الإنصاف مذهب البصريين ومال إليه، ورد مذهب الكوفيين وأبطل حججهم. وانظر أيضا: المغني (1/ 88). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 85). (¬3) ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 87). والهمع (1/ 100). (¬5) المرجعان السابقان. والتصريح (1/ 181). والمثل في: لسان العرب (3/ 2094). (¬6) البيت من بحر الطويل قاله النابغة الجعدي، وهو في الغزل الرقيق. سواد القلب: حبته كسودائه وأسوده. والشاهد فيه: قوله: لا أنا باغيا حيث وقعت باغيا حالا سادة مسد الخبر دون استيفاء شروط حذف الخبر وإقامة الحال مقامه. وأصله: لا أنا أرى باغيا. وإنما فعلوا ذلك خروجا من عمل لا عمل ليس في المعارف. انظر البيت في: شرح التسهيل (1/ 325، 377)، والتذييل والتكميل (4/ 87). ومعجم الشواهد (ص 424).

[تعدد الخبر وأنواعه]

[تعدد الخبر وأنواعه] قال ابن مالك: (وقد يكون للمبتدأ خبران فصاعدا بعطف وغير عطف، وليس من ذلك ما تعدّد لفظا دون معنى، ولا ما تعدّد لتعدّد صاحبه حقيقة أو حكما). ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا أنا أرى باغيا، فحذف الفعل الذي هو أرى وهو خبر أنا، وجعل باغيا دليلا عليه، وهذا أولى من جعل لا رافعة لأنا اسما ناصبة لباغيا خبرا، فإن إعمال لا في معرفة غير جائز بإجماع. انتهى (¬1). وعن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه و) (¬2) رضي الله تعالى عنه أنه قرأ ونحن عصبة (¬3) بالنصب. قال ناظر الجيش: تعدد الخبر على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يتعدد لفظا ومعنى لا لتعدد المخبر عنه كقوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (¬4) ومنه قول الراجز: 652 - من يك ذا بتّ فهذا بتّي ... مقيّظ مصيّف مشتّي (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 325). وقوله: غير جائز بإجماع، قال العيني في شرح شواهده على الألفية (حاشية الصبان: 1/ 253): «وقد ذهب إليه أبو الفتح وابن الشّجري». وسيأتي ذكر آراء النحاة في عمل لا عمل ليس في المعرفة في هذا التحقيق. (¬2) ما بين القوسين ساقط من نسخة الأصل، وهو من نسخة (ب). (¬3) سورةيوسف: 14. وفي البحر المحيط (5/ 283) قال أبو حيان: «وروى النزّال بن سبرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: وَنَحْنُ عُصْبَة بالنصب وقيل: معناه: ونحن نجمع عصبة، فيكون الخبر محذوفا وهو عامل في عصبة وانتصب عصبة على الحال، وهذا كقول العرب: حكمك مسمّطا حذف الخبر. قال المبرد: وقال الفرزدق: يالهذم: حكمك مسمّطا». (¬4) سورة البروج: 14 - 16. (¬5) البيتان من رجز رؤبة في مدح كساء له، وهما من ملحقات الديوان (ص 189) وكذلك هما أيضا في معجم الأدباء (11/ 151) في ترجمة رؤبة. اللغة: البتّ: كساء غليظ وقيل طيلسان من خز. مقيظ: بكسر الياء المشددة أي يصلح للاستعمال في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 653 - ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع (¬1) وعلامة هذا النوع صحة الاقتصار على واحد من الخبرين أو الأخبار. والثاني: أن يتعدد لفظا ومعنى لتعدّد المخبر عنه حقيقة كقولك: بنو زيد فقيه ونحويّ وكاتب ومنه قول الشاعر: 654 - يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى لأعدائها غائظة (¬2) أو لتعدد المخبر عنه حكما كقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ (¬3) ومنه قول الشاعر: 655 - والمرء ساع لأمر ليس يدركه ... والعيش شحّ وإشفاق وتأميل (¬4) - ¬

_ - وقت القيظ. مصيّف مشتّي: أي يصلح للاستعمال في الصيف والشتاء. وقد استشهد بالبيت على تعدد الخبر لمبتدأ واحد لفظا ومعنى بلا عاطف. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 326) وفي التذييل والتكميل (4/ 88) وفي معجم الشواهد (ص 450). (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة طويلة لحميد بن ثور في وصف ذئب، وهي في ديوانه (ص 105) ويوجد كثير منها في الشعر والشعراء: (1/ 398) وقد صدرها ابن قتيبة بقوله: «ومما يستجاد لحميد قوله في وصف ذئب». وحميد في بيت الشاهد: يصف ذئبه بالحذر والانتباه واليقظة. والشاهد في البيت قوله: فهو يقظان نائم، حيث أخبر عن المبتدأ الواحد بخبرين مختلفين في اللفظ والمعنى. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 326) وهو كذلك في: التذييل والتكميل (4/ 88) وفي معجم الشواهد (ص 341). (¬2) البيت من بحر المتقارب، وهو لطرفة بن العبد يصف ممدوحه بالكرم، وقد سبق ذكره مع بيتين آخرين لشاهد آخر في باب الضمير. وهو في: شرح التسهيل (1/ 326) وفي التذييل والتكميل (4/ 88). أما شاهده هنا: فهو تعدد الخبر لفظا ومعنى لتعدد المخبر عنه، وذلك في قوله: يداك يد خيرها يرتجى ... وأخرى ...... إلخ (¬3) سورة الحديد: 20. (¬4) البيت من بحر البسيط قائله عبدة بن الطبيب، وهو من الحكم، وقد سبق الاستشهاد به عند الحديث عن تعيين المضارع للحال بدخول أدوات عليه ومنها ليس. وشاهده هنا: مجيء الخبر متعددا؛ الأن المخبر عنه متعدد حكما أيضا. وهو في: شرح التسهيل (1/ 326).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أن يتعدد لفظا دون معنى لقيامه مقام خبر واحد في اللفظ والمعنى كقولك: هذا حلو حامض، بمعنى مزّ، وكقولك: هو أعسر أيسر بمعنى أضبط أي عامل بكلتا يديه، فما كان من النوع الأول صح أن يقال فيه خبران وثلاثة بحسب تعدده، وما كان من النوع الثاني والثالث فلا يعبر عنه بغير الواحدة إلا مجازا؛ لأن الإفادة لا تحصل فيه عند الاقتصار على بعض المجموع، ويجوز استعمال الأول بعطف ودون عطف بخلاف الثاني، فلا يستعمل دون عطف. وأما الثالث: فلا يستعمل فيه العطف؛ لأن مجموعه بمنزلة مفرد؛ فلو استعمل فيه العطف لكان كعطف بعض كلمة على بعض. وقد أجاز العطف أبو علي، فعنده أن قول القائل: هذا حلو وحامض جائز (¬1)، وليس كذلك لما ذكرته. هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو [1/ 380] في غاية النظافة (¬2). بقيت هنا الإشارة إلى أمرين: الأول: أن من النحاة من منع تعدد الخبر دون حرف العطف. قال ابن عصفور في المقرب (¬3): «ولا يقتضي المبتدأ أزيد من خبر واحد من غير عطف؛ إلّا أن يكون الخبران فصاعدا في معنى خبر واحد» (¬4)، وقال في شرحه لذلك: وإذا قلت: زيد ذاهب راكب كان الاسمان في معنى اسم واحد، وكأنك قلت: زيد جامع بين الذّهاب والرّكوب بخلاف إذا قلت: زيد ذاهب وراكب؛ فإنه يجوز لأنك أخبرت عن زيد بخبرين مستقلّين». وتبعه على ذلك الشيخ، وقال (¬5): «هذا هو اختيار من عاصرناه من الشّيوخ». - ¬

_ (¬1) قال في التصريح: «ويمتنع العطف على الأصحّ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة، فلا يقال: الرمان حلو وحامض خلافا للفارسيّ في أحد قوليه». (التصريح: 1/ 182). (¬2) شرح التسهيل: (1/ 327) وقد لخصه أبو حيان في شرحه: (4/ 89) وما بعدها. (¬3) انظر نصه في الكتاب المذكور: (1/ 86). (¬4) وبقية كلامه أن مثّل فقال: نحو قولهم: هذا حلو حامض أي مزّ، وانظر أيضا شرح الجمل له: (1/ 343، 344) - بتحقيق الشغار وإميل يعقوب. (¬5) التذييل والتكميل (4/ 89).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: «وقد أجاز سيبويه: هذا رجل منطلق على أنّهما خبران على الجمع، وكذلك أجاز: هذا زيد منطلق على الجمع (¬1)». انتهى. وعلى هذا إذا أخبر عن المبتدأ بأزيد من واحد، فإن قلنا بجواز تعدد الخبر كان كل واحد من الخبرين أو الأخبار بانفراده خبرا عن المبتدأ المذكور، وإن منعنا جواز التعدد فقد ذكروا أن في إعرابه وجهين: أحدهما: أن يكون كل واحد منهما أو منها خبر مبتدأ محذوف، فإذا قلت: زيد نحوي كاتب شاعر كان التقدير: هو شاعر هو كاتب. الثاني: أن يجعل المجموع خبرا واحدا كأنك قلت: زيد الجامع لهذه الأوصاف. وإذا حقق الناظر نظره لا يجد على منع تعدد الخبر دون عطف لمبتدأ واحد دليلا؛ فالحق أنه جائز كما قال المصنف. وإذا قلنا بجواز التعدد مع كون المبتدأ واحدا جاز في المتعددين أن يتفقا في الإفراد وغيرها، وجاز أن يختلفا، فيكون أحدهما من قبيل المفرد والآخر من قبيل الجملة، وهو الذي يقتضيه إطلاق النحويين ولكن أبا علي منع ذلك، وقد يستدل على الجواز بقوله تعالى: فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (¬2) وقوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (¬3). الأمر الثاني: للناس بحث في مثل: هذا حلو حامض هل فيهما ضميران، أو الثاني هو - ¬

_ (¬1) قال سيبويه: (2/ 83) «هذا باب ما يجوز فيه الرّفع ممّا ينتصب في المعرفة، وذلك قولك: هذا عبد الله منطلق، حدثنا بذلك يونس وأبو الخطّاب ممّن يوثق به من العرب. وزعم الخليل رحمه الله أن رفعه يكون على وجهين: فوجهه أنك حين قلت: هذا عبد الله أضمرت هذا أو هو، كأنّك قلت: هذا منطلق. أو هو منطلق والوجه الآخر أن تجعلهما جميعا خبرا لهذا كقولك: هذا حلو حامض لا تريد أن تنقض الحلاوة، ولكنك تزعم أنه جمع الطّعمين، وقال الله عزّ وجل: كَلَّا إِنَّها لَظى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوى [المعارج: 15، 16] وزعموا أنها في قراءة أبي عبد الله (كنية عبد الله بن مسعود): (وهذا بعلي شيخ) [هود: 72] قال: سمعنا ممن يروي هذا الشعر من العرب يرفعه: من يك ذا بتّ فهذا بتّى ... مقيّظ مصيّف مشتّي» (¬2) سورة النمل: 45. (¬3) سورةطه: 20.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتحمل للضمير دون الأول، ونقل عن الفارسي (¬1) أنه ليس إلا ضمير واحد تحمله الثاني؛ لأن الأول تنزل من الثاني منزلة الجزء منه، وصار الخبر إنما هو بتمامها. والذي عليه المحققون أن كل واحد منهما فيه ضمير من جهة كونه مشتقّا؛ قالوا: ولا يلزم من تحمل المشتق ضميرا أن يكون ذلك المشتق مستقلّا؛ لأن ضمير المشتق ليس معتدّا به كل الاعتداد، بل هو شيء يثبت تقديرا، ولذا ثنوا اسم الفاعل وجمعوه وإن كان فيه ضمير. ولو روعي الضمير فيه لم يثن ولم يجمع كما لو رفع ظاهرا، ومقتضى هذا التقرير أن العائد على المبتدأ هما الضميران معا، والفائدة حصلت بالرافعين والمرفوعين (¬2). لكن الذي يقتضيه كلام ابن عمرون أن العائد على جهة الاستقلال هو من طريق المعنى. وكان الشيخ بهاء الدين بن النحاس أوضح كلامه، فقال في تعليقه على المقرب: «إن العائد على جهة الاستقلال هو في طريق المعنى ضمير آخر غير الضّميرين اللّذين تحمّلهما المشتقّ من طريق المعنى؛ لأن المعنى: هذا مزّ، قال (¬3): ولا يكون ذلك الضمير العائد في حلو [1/ 381] على انفراده؛ لأنه حينئذ يكون مستقلّا بالخبريّة وليس المعنى عليه، ولا في حامض على انفراده لذلك أيضا، ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك الضّمير، فيلزم اجتماع العاملين على معمول واحد، وإنّه لا يجوز» انتهى. وقوله (¬4): ولا فيهما لأنهما حينئذ يكونان قد رفعا ذلك الضمير فيلزم ... إلى آخره ممنوع؛ لأن كلّا منهما قد رفع الضمير الذي هو مستتر فيه، والضميران عائدان معا إلى المبتدأ، ويمتنع أن ثم ضميرا ثالثا يعود على المبتدأ؛ ليلزم منه ما ذكره. وأما إذا قلت: هذا حلو حامض طعمه فهل يكون الظاهر مرفوعا بالثاني أو بالأول فالحق أن طعمه مبتدأ مخبر عنه بما تقدم؛ لأن التنازع في سببي مرفوع غير جائز، - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 90) وانظر بحثا لطيفا في هذا الموضوع في كتاب الحجة لأبي علي الفارسي (1/ 198) وما بعدها (طبعة دمشق). (¬2) انظر شرح الرضي على الكافية: (1/ 100) قال بعد أن ذكر آية وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ: ففي كل واحد ضمير يرجع إلى المبتدأ إن كان مشتقّا، ولا إشكال فيه. (¬3) أي ابن النحاس في تعليقه على المقرب، وانظر التعليقة ورقة 38، مخطوطة مكتبة الأزهر رقم 4947 من رواق المغاربة. (¬4) أي ابن النحاس في تعليقه على المقرب أيضا.

[تعدد المبتدأ ونوعاه]

[تعدد المبتدأ ونوعاه] قال ابن مالك: (وإن توالت مبتدآت أخبر عن آخرها مجعولا هو وخبره خبر متلوّه، والمتلوّ مع ما بعده خبر متلوه إلّا أن يخبر عن الأوّل بتاليه مع ما بعده، ويضاف غير الأول إلى ضمير متلوّه، أو يجاء بعد خبر الآخر بروابط المبتدآت أوّل لآخر وتال لمتلوّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ كما ستعرفه في بابه إن شاء الله تعالى (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): «توالي المبتدآت على ضربين: أحدهما: بتجرد. والآخر: بإضافة. فمع التجرد يخبر عن آخرها، ويجعل هو وخبره خبر متلوه، والمتلو مع ما بعده خبر متلوه إلى أن يخبر عن الأول بتاليه مع ما بعده، ويؤتى بعد خبر الآخر بروابط مجعولا أولها للأقرب وتاليه لمتلو الأقرب إلى أن يكون آخرها لأول المبتدآت نحو بنوك الزيدان هند عمرو الدراهم أعطيته بها عندهما في دارهم. ومع الإضافة يخبر عن الآخر، ويجعل هو وخبره خبر متلوه، والمتلو مع ما بعده خبر متلوه؛ إلى أن يخبر عن الأول بتاليه مع ما بعده نحو: زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم؛ فقائم خبر الأب، والأب وخبره خبر الأخ، والأخ وخبره خبر الخال، والخال وخبره خبر العم، والعم وخبره خبر زيد، والمعنى أبو أخي خال عم زيد قائم» انتهى (¬3). - ¬

_ (¬1) قال ناظر الجيش في باب التنازع، في الكتاب الذي بين يديك (شرح التسهيل لناظر الجيش) نقلا عن ابن مالك: «ونبهت بقولي: غير سببي مرفوع على أن نحو زيد منطلق مسرع أخوه لا يجوز فيه تنازع؛ لأنك لو قصدت فيه التنازع لأسندت أحد العاملين إلى السببي وهو الأخ وأسندت الآخر إلى ضميره، فيلزم عدم ارتباطه بالمبتدأ؛ لأنه لم يرفع ضميره ولا ما التبس بضميره، ولا سبيل إلى إجازة ذلك؛ فإن سمع مثله حمل على أن المتأخر مبتدأ مخبر عنه بالعاملين المتقدمين عليه، وفي كل واحد منهما ضمير مرفوع وهما وما بعدهما خبر عن الأول، ومنه قول كثير (من الطويل): قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها أراد: وعزة غريمها ممطول معنّى. وفي تقييد السببي بمرفوع تنبيه على أن السببي غير المرفوع لا يمنع من التنازع. كقولك: زيد أكرم وأفضل أخاه». (¬2) شرح التسهيل (1/ 327). (¬3) المرجع السابق.

[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك]

[اقتران الخبر بالفاء وجوبا وجوازا الأحكام وشروط ذلك] قال ابن مالك: (فصل - تدخل الفاء على خبر المبتدأ: وجوبا بعد أمّا إلّا في ضرورة أو مقارنة قول أغنى عنه المقول. وجوازا بعد مبتدأ واقع موقع من الشّرطيّة أو ما أختها وهو أل الموصولة [1/ 382] بمستقبل عامّ، أو غيرها موصولا بظرف، أو شبهه، أو بفعل صالح للشّرطيّة، أو نكرة عامّة موصوفة بأحد الثّلاثة، أو مضاف إليها مشعر بمجازاة، أو موصوف بالموصول المذكّر، أو مضاف إليه). ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلم منه أن الحكم في كلا الضربين اللذين ذكرهما واحد بالنسبة إلى أن الخبر يكون عن المبتدأ الآخر، ثم يجعل هو وخبره خبر ما قبله إلى أن يخبر عن المبتدأ الأول بتاليه مع ما بعده، وكذا إذا أردت بيان المعنى في الضربين جعلت مكان كل ضمير الظاهر الذي يعود عليه ذلك الضمير، فكما قلنا في نحو: زيد عمه خاله أخوه أبوه قائم؛ لأن المعنى أبو أخي قال: عم زيد قائم، هكذا في نحو: بنوك الزيدان هند عمرو الدراهم أعطيته بها عندها في دارهم يكون المعنى: الدراهم أعطيت عمرا بهند عند الزيدين في دار بنيك. قال الشيخ (¬1): «وهذه من المسائل الموضوعة للاختبار، ولا يوجد لها نظير في لسان العرب». قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): «نسبة خبر المبتدأ من المبتدأ كنسبة الفعل من الفاعل، فحق الخبر ألا تدخل عليه الفاء كما لا تدخل على الفعل؛ فإذا أدخلت فلا بد لدخولها من سبب، والسبب على ضربين: موجب ومجوز: فالموجب تقدم أما كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ (¬3). ولا يحذف بعد أما إلّا في ضرورة كقول الشاعر: 656 - فأمّا القتال لا قتال لديكم ... ولكنّ سيرا في عراض المواكب (¬4) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 94). (¬2) شرح التسهيل (1/ 328). (¬3) سورة البقرة: 26. (¬4) البيت من بحر الطويل قائله الحارث بن خالد المخزومي، وقد سبق الاستشهاد به في هذا الباب أيضا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مع قول مخبر به مستغنى عنه بمقوله كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (¬1) أي فيقال لهم: أكفرتم؟ والمجوز لدخول الفاء على الخبر كون المبتدأ واقعا موقع من الشرطية أو ما أختها (¬2) صاول ذلك أل الموصولة بما يقصد به الاستقبال والعموم كقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬3). فلو قصد به مضي أو عهد فارق أل شبه من وما، فلم يؤت بالفاء. ومثال غير أل موصولا بظرف قول الشاعر: 657 - ما لدى الحازم اللّبيب معارا ... فمصون وماله قد يضيع (¬4) ومثال الموصول بشبه الظرف قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ (¬5). ومثال الموصول بفعل صالح للشرطية قوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما - ¬

_ - في ذكر روابط جملة الخبر بالمبتدأ. وأما شاهده هنا: فهو سقوط الفاء من خبر المبتدأ الواقع جوابا لأمّا ضرورة. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 328). وفي معجم الشواهد (ص 56). (¬1) سورةآل عمران: 106. (¬2) أما حكم هذه الفاء من الزيادة وعدمها فقال المرادي الحسن بن قاسم: «أصول أقسام الفاء ثلاثة: عاطفة وجوابيّة وزائدة». ثم شرح الأولى والثانية وقال: «وأما الفاء الزائدة فهي الفاء الداخلة على خبر المبتدأ إذا تضمن معنى الشرط نحو: الّذي يأتيني فله درهم؛ فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشرط؛ لأنها دخلت لتفيد التنصيص على أن الخبر مستحق بالصلة المذكور، ولو حذفت لاحتمل كون الخبر مستحقّا بغيرها: فإن قلت: كيف تجعلها زائدة وهي تفيد هذا المعنى؟ قلت: إنّما جعلتها زائدة؛ لأن الخبر مستغن عن رابط يربطه بالمبتدأ، ولكن المبتدأ لمّا شابهه اسم الشّرط دخلت الفاء في خبره تشبيها له بالجواب، وإفادتها هذا المعنى لا تمنع تسميتها زائدة، وبالجملة فهذه الفاء شبيهة بفاء جواب الشّرط». (الجني الداني في حروف المعاني: ص 70 - 171). (¬3) سورة المائدة: 38. (¬4) البيت من بحر الخفيف، وهو من الحكم والأمثال، ومعناه أن ما يودع عند الأمين اللبيب محفوظ ومصون، ولكن ماله الخاص قد يضيع في كرم أو غيره، وهو مجهول القائل. الشاهد في البيت قوله: ما لدى الحازم .. فمصون؛ حيث اقترن خبر المبتدأ الواقع اسما موصولا غير أل وصلته ظرف بالفاء جوازا لشبه الموصول بالشرط. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 329). (¬5) سورة النحل: 53، وبقيتها قوله: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (¬1). وقرأ نافع وابن عامر بما كسبت أيديكم بحذف الفاء (¬2)، فدل ذلك على أمرين: أحدهما: أن ما هذه موصولة لا شرطية؛ إذ لو كانت شرطية للزمت الفاء؛ لأن بما كسبت لا يصلح أن يكون شرطا؛ فإن الفاء لا تفارقه إلا في الضرورة. والثاني: أن اقترن الفاء بخبر المبتدأ الذي نحن بصدده جائز لا لازم؛ لأنها لم تلحقه إلا لشبهه بالجواب، فلم تساوه في لزوم لحاقها؛ ليكون للأصل على الفرع مزية. وقد خلا الخبر المشار إليه من الفاء بإجماع القراء في قوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (¬3). وقيدت الصلة التي تقع بعدها الفاء بكونها فعلا صالحا للشرطية؛ ليعلم أنها لو كانت فعلا خالص المضي لم تدخل الفاء، وكذا لو اقترن بما لا يدخل عليه من الشرطية ولا ما أختها نحو: الّذي إن حدّث صدق مكرم، والّذي ما يكذب أو لن يكذب مفلح. ومثال النكرة العامة الموصوفة بأحد الثلاثة: رجل عنده حزم فسعيد، وعهد لكريم فما يضيع، ونفس تسعى في نجاتها فلن تخيب. ومثال المضاف إلى النكرة العامة مشعرا بمجازاة: كلّ رجل عنده حزم فسعيد، وكلّ غلام لكريم فما يضيع، وكلّ نفس تسعى في نجاتها فلن تخيب. ومثال دخول الفاء على خبر موصوف بالموصول بالمذكور قوله تعالى: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً [1/ 383] فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ (¬4). ومنه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الشورى: 30. (¬2) في كتاب الكشف عن وجوه القراءات لمكي: (2/ 251) جاء قوله في توجيه هذه الآية: «قوله: بما كسبت قرأه نافع وابن عامر بغير فاء، ووجه ذلك أن تكون ما في قوله: وَما أَصابَكُمْ * بمعنى الّذي في موضع رفع بالابتداء، فيكون قوله: بما كسبت في موضع خبر الابتداء، فلا تحتاج إلى فاء. وقرأ الباقون فبما بالفاء، ووجه القراءة بالفاء أن تكون ما في قوله: وما أصابكم للشرط، والفاء جواب الشرط، ويجوز في هذه القراءة أن تكون ما بمعنى الّذي، وتدخل الفاء في خبرها لما فيها من الإبهام الّذي يشبه الشّرط». وانظر أيضا: البحر المحيط (7/ 518). (¬3) سورة الزمر: 33. (¬4) سورة النور: 60.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 658 - صلوا الحزم فالخطب الّذي تحسبونه ... يسيرا فقد تلفونه متعسّرا (¬1) وقد دخلت على خبر الموصوف بالموصول بعد دخول إن في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ (¬2). فدخولها عليه مع عدم إن أحق. ومثال دخولها على غير مضاف إلى الموصول قول امرأة ترثي أخاها: 659 - يسرّك مظلوما ويرضيك ظالما ... وكلّ الّذي حمّلته فهو حامله (¬3) انتهى (¬4). وفي كلامه أمران: الأول: أنه أثبت سببا موجبا لدخول الفاء على الخبر، وهو تقدم أما، وهذا لا يتحقق؛ - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل مجهول القائل. اللغة: الحزم: ضبط الأمور والأخذ بالحيطة فيها. الخطب: الأمر والشأن العظيم. تلفونه: تجدونه. والشاعر يدعو إلى اليقظة في الامور كلها، فقد يكون الأمر يسيرا وبدون أخذ الحذر والحيطة يصبح عسيرا شديدا. والشاهد فيه قوله: فالخطب الذي .. فقد تلفونه، حيث اقترن بالفاء خبر المبتدأ الموصوف بموصول صلته فعل صالح للشرطية. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 330) وهو كذلك في: التذييل والتكميل (4/ 103) وليس في معجم الشواهد. (¬2) سورة الجمعة: 8. (¬3) البيت من بحر الطويل من قصيدة عظيمة في المراثي قالتها زينب بنت الطثرية ترثي بها أخاها يزيد الشاعر المشهور، وقد قتل سنة (126 هـ)، وقبل بيت الشاهد قولها: فتى ليس لابن العمّ كالذّئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله يسرك مظلوما ... بيت الشاهد وبعده: إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ... على الحيّ حتّى تستقلّ مراجله تصفه بالنجدة والمروءة والكرم. والعذوّر: السيئ الخلق، وهو هنا مع قومه ليكرموا الأضياف. والقصيدة في شرح ديوان الخنساء، ومراثي ستين شاعرة من العرب (ص 155)، وهي أيضا في الأمالي لأبي عليّ القالي (2/ 96)، وفي شرح ديوان الحماسة: (2/ 921). قال: «وفيها أبيات تنسب للعجير السّلولي». والشاهد في البيت قوله: وكل الذي حملته فهو حامله؛ حيث اقترن الخبر بالفاء؛ إذ كان المبتدأ مضافا إلى اسم موصول بصلة هي فعل صالح للشرطية. والبيت في: التذييل والتكميل (4/ 104) وفي معجم الشواهد (ص 287). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك: (1/ 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الفاء لم تباشر الخبر في نحو أما زيد فقائم لكونه خبرا، وإنما الفاء واجب دخولها بعد أما على الإطلاق خبرا كان أو غير خبر، ولو اعتبر دخول الفاء على الخبر بعد أما لاعتبر دخولها على المبتدأ بعدها أيضا في نحو أما قائم فزيد، فكان يقال: ويجب دخول الفاء على المبتدأ عند تقدم أما وتأخر المبتدأ عما يليها، وذلك لا يقال بخصوصية المبتدأ. وحاصل الأمر: أنه لا بد من الفاء داخلة على ما يلي أمّا، مبتدأ كان أو خبرا، أو فعل أمر ونهي، أو غير ذلك، وإذا كان كذلك فلم يكن لذكر دخول الفاء على الخبر عند تقدم أما مناسبة، وحينئذ لا يكون لدخول الفاء على الخبر سبب موجب (¬1). الأمر الثاني: أنه أدرج في الموصول الذي يجوز دخول الفاء في خبره أل الموصولة، وصدر بها الباب، ومثّل لذلك بقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬2) وهذا الذي ذكره هنا مخالف لما ذكره في باب الاشتغال، فإنه ذكر هناك حكما، ومثل له، ثم قال: وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬3). وهذا الذي ذكره هنا مخالف تقدير سيبويه؛ لأن تقديره عنده: وفيما يتلى عليكم السارق والسارقة (¬4). ولولا ذلك لكان النصب مختارا؛ لأن الفعل المشتغل إذا كان أمرا أو نهيا يترجح النصب، فلم يجعل: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما - جملة واحدة، بل جعل الكلام جملتين والفاء عاطفة، وها هنا أعني في هذا الفصل جعل الكلام جملة واحدة، والفاء رابطة كالفاء في جواب الشرط، والمسألة فيها خلاف بين النحاة أعني دخول الفاء في خبر اسم الفاعل إذا كان صلة أل وكان - ¬

_ (¬1) فيه تحامل من ناظر الجيش على ابن مالك، إنما ذكر الرجل ما يخصه، وهو دخول الفاء على الخبر لسبب ما، وهو موضع الحديث، وترك ما لا يخصه من الأمور المذكورة. (¬2) سورة المائدة: 38. (¬3) قال ابن مالك في باب الاشتغال: (شرح التسهيل: 2/ 136، 137): وملابس الضمير هو العامل فيه بإضافة نحو: أزيدا ضربت غلامه، أو بغير إضافة نحو: أزيدا ضربت راغبا فيه. وقيد السابق بمفتقر لما بعده؛ ليخرج المستغني عمّا بعده كزيد من قولك: في الدّار زيد فاضربه، وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما على تقدير سيبويه، فإن تقديره عنده وفيما يتلى عليكم السّارق والسّارقة. ولولا ذلك لكان النصب مختارا؛ لأن الفعل المشتغل إذا كان أمرا أو ونهيا ترجّح النّصب». وعليه فقد جعل ابن مالك الآية في هذا الباب مما اقترن فيها الخبر بالفاء، وفي باب الاشتغال جعل الخبر محذوفا، وهو نقد ناظر الجيش. (¬4) انظر نص ذلك في: كتاب سيبويه (1/ 142) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مبتدأ؛ فذهب المبرد إلى جواز ذلك، قيل: وهو مذهب الكوفيين (¬1). لأن اسم الفاعل في صلة أل في تأويل الفعل؛ ولذلك عمل وإن كان ماضيا، وعطف الفعل عليه في قوله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (¬2) وعلى ذلك حمل قوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬3) وقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (¬4). وذهب جمهور البصريين إلى أن ذلك لا يجوز؛ لأن المسوغ لدخول الفاء في خبر الذي والتي غير موجود فيما دخلت عليه أل بمعنى الذي والتي، ولهذا حمل سيبويه الآيتين الشريفتين على تقدير خبر محذوف [1/ 384] وجعل التقدير: فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما، وفيما فرض عليكم الزانية والزاني أي حكمهما. ودل على ذلك قوله تعالى قبل: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها (¬5). وقد عرفت أن الذي يدل على أن التقدير كذلك رفع أكثر القراء لهما، ولولا أن التقدير كما قال سيبويه لكان المختار النصب، والظاهر أن المصنف جنح هنا في هذه المسألة إلى قول المبرد، ووافق سيبويه في باب الاشتغال. والظاهر أن المختار في هذه المسألة مذهب سيبويه وعليه التعويل. وقد انتقد الشيخ على المصنف أمرين: أحدهما (¬6): أنه قال: بعد مبتدأ، ثم قال: وهو أل الموصولة، قال: وليس أل هو المبتدأ، بل هو وصلته هو المبتدأ، ولذلك ظهر الإعراب في الصلة. الثاني (¬7): أنه قال: بمستقبل عام، قال: والعموم في الوصف إنما استفيد من أل وقد وصف أل بقوله: الموصولة بمستقبل عام؛ فتوقفت معرفة أل على وصفها بما ذكر، وتوقف معرفة وصف مستقبل بالعموم على قوله: عام؛ فلا يعرف عموم المستقبل إلا بدخول أل، ولا يعرف أل إلا بوصفه بالمستقبل، وهو المستفاد عمومه من أل، فلزم كل منهما أن تتوقف معرفته على معرفة ما يتعرف به، وذلك لا يصح. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 98) والهمع (1/ 109). (¬2) سورة الحديد: 18. (¬3) سورة المائدة: 38. (¬4) سورة النور: 2. (¬5) سورة النور: 1. (¬6) التذييل والتكميل (4/ 97). (¬7) التذييل والتكميل (4/ 97).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا عرفت هذا فنقول: الجواز دخول الفاء في خبر المبتدأ على مذهب البصريين غير المبرد شروط: أحدها: أن يكون المبتدأ موصولا لا يراد به الخصوص أو نكرة عامة. الثاني: أن تكون الصلة أو الصفة للموصول والموصوف المذكورين ظرفا أو جارّا ومجرورا أو فعلا. الثالث: أن يكون الفعل الواقع صفة أو صلة غير مقرون بأداة شرط. الرابع: أن يكون الفعل المذكور على هيئة لا تنافي أداة الشرط. الخامس: أن يكون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة، وقد يعبر بغير ذلك فيقال: أن تكون الصلة أو الصفة متضمنة للشرط، ويكون الخبر متضمنا للجزاء، والمقصود من العبارة الأولى والعبارة الثانية واحد، وهو أن تكون الصلة أو الصفة سببا والخبر مسببا عن الصلة أو الصفة. ومن هذا الشرط الخامس يعلم أن من شرط الفعل الواقع صلة أو صفة أن يكون مستقبل المعنى. واعلم أن هذه الشروط تؤخذ عن كلام المصنف: أما الموصولية والموصوفية فقد صرح بهما، وقيد الموصوف بكونه عامّا، وأما الموصول فهو عام بالوضع. وأما كون الصلة أو الصفة أحد الأمور الثلاثة فقد صرح به أيضا. وأما كون الفعل غير مقرون بأداة شرط وكونه على هيئة لا تنافي أداة الشرط فمستفاد من قوله: صالح للشّرطية؛ لأنه إذا قرن بأداة شرط لا يكون صالحا للشرطية كما إذا كان على هيئة تنافي أداة الشرط. وأما كون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة فيستفاد من قوله: بعد مبتدأ واقع موقع من الشرطية أو ما أختها؛ لأن من وما الشرطيتين [1/ 385] شأنهما ذلك مما وقع من الأسماء موقع شيء منهما فحكمه حكمه. والموجب لالتزام هذه الشروط المذكورة تحقق شبه المبتدأ لاسم الشرط وشبه صلته أو صفته بفعل الشرط، وشبه الخبر لجواب الشرط. فإذا حصلت هذه الأشباه الثلاثة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ساغ دخول الفاء في الخبر؛ لإفادة الربط كما يحصل بالفاء ربط الجزاء بالشرط، ومن ثم وجب كون المبتدأ عامّا، وأن تكون صلته أو صفته فعلا؛ لأن اسم الشرط لا يوصل بجملة اسمية. وإنما ساغ الوصل أو الوصف بالظرف وشبه الظرف؛ لأنهما يؤولان بالفعل، وأن يكون الخبر مستحقّا بالصلة أو الصفة بمعنى أن المتكلم لا يدخل الفاء حتى يقصد ترتب الخبر على الصلة أو الصفة كما يترتب الجزاء على الشرط. وأما كون الفعل على هيئة لا تنافي أداة الشرط فظاهر؛ لأن الفاء إنما تدخل لشبه هذا الفعل بفعل الشرط فكأنه شرط. وإذا كان كذلك فلا بد من صلاحيته لأن يكون شرطا. وأما كونه غير مقرون بأداة شرط فقد علل بتعليلين: أحدهما: أن المبتدأ إذا دخلت الفاء في خبره كان منزلا منزلة اسم الشرط، واسم الشرط لا يجوز دخوله على أداة الشرط، فكذلك ما كان منزلا منزلته. الثاني: أنك إذا قلت: الذي إن يكرمني يكرمك فمحسن كان الخبر أيضا مستحقّا بالصلة وجوابا لها في المعنى، وإن يكرمني من الصلة فيلزم أن يكون فمحسن جوابا لإن يكرمني، وهو قد أخذ جوابه، فيلزم من ذلك أن يكون للشرط جوابان، وذلك غير جائز. وقال ابن عمرون: فإن كانت الصلة شرطا فلا تدخل الفاء في الخبر؛ لأنه قد أخذ الشرط جوابه في الصلة، فلا حاجة إلى جزاء آخر. وقد بقي التنبيه على أمور: الأول (¬1): زعم هشام (¬2) أن الموصول إذا وصف أو أكد لم يجز دخول الفاء في خبره مع استيفاء الشروط فلا يجوز عنده أن تقول: الذي يأتيك هو نفسه فله درهم، قال: لأنك لا تريد أن تخص رجلا بعينه، وإنما تريد كل من كان منه إتيان إليك فله درهم، فإذا قلت: نفسه، ذهب معنى الجزاء، وكذلك الذي يأتيك الظريف فأكرمه لا يجوز عندهم. - ¬

_ (¬1) كلمات الأول والأمر الثاني والأمر الثالث والأمر الرابع ساقطة من الأصل ومكانها خال. (¬2) التذييل والتكميل (4/ 96) والهمع (1/ 109).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن عصفور: «وهذا الّذي ذهب إليه يعضده أنّه لا يحفظ دخول الفاء مع التّأكيد أو النّعت في كلام العرب» (¬1). الأمر الثاني: ذهب بعضهم إلى أن الاسم الموصوف بالموصول لا يجوز دخول الفاء في خبره، وتأول الآيات الشريفة تأويلا بعيدا (¬2)، والظاهر أن هذا لا يعتد به، فإن الجمهور على خلافه، والأدلة عاضدة لهم. الأمر الثالث: قال أبو الفارسي في الإيضاح له: «فإذا دخلت الفاء في خبر المبتدأ الموصول والنّكرات الموصوفة آذنت بأنّ ما بعدها مستحقّ للفعل المتقدّم أو معناه» (¬3) فقال ابن أبي الربيع في شرحه (¬4): «اعلم أنك إذا أدخلت الفاء في خبر الموصول علم أن الخبر مستحق للصلة إن كانت علة، ومستحق لمعناها إن كانت متضمنة العلّة، ومثال ذلك أن تقول: الّذي يرعاني فأنا أحبّه، فرعايته لك بلا شك علة في المحبّة وسبيلها، وكذلك [1/ 386]: الّذي يحسن إليّ فأنا أودّه؛ لأن النفوس جبلت على حبّ من أحسن إليها، فإن قلت: الذي يأتيني فله درهم فليس نفس الإتيان يوجب الدّرهم بنفسه؛ إنما هو متضمّن للعلة في استحقاق الدّرهم؛ لأن في الإتيان - ¬

_ (¬1) لم أعثر على هذا النص المنسوب لابن عصفور في شرح الجمل له ولا في المقرب. (¬2) إنّما هما آيتان فقط وبيت: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى: وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ .. إلخ [النور: 60] فقد قال أبو حيان فيها: ويمكن تأويلها على أن يكون القواعد مبتدأ واللّاتي خبره، والجملة من قوله: فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ مرتبطة بالفاء بالجملة التي قبلها» (التذييل والتكميل: 4/ 103). وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فقد خرجها العكبري على زيادة الفاء بعد أن ذكر أنّ الأولى فيها أن تكون رابطة. لما في الّذي من شبه الشّرط، وبأنّ الصفة والموصوف كالشيء الواحد. (التبيان: 2/ 1222) وأما البيت المذكور: صلوا الحزم ... إلخ فقد قال أبو حيان: «يخرّج على زيادة الفاء أي قد تلفونه كما قال ... والصّغير فيكبر» (التذييل والتكميل: 4/ 104). (¬3) انظر الإيضاح لأبي علي (ص 99) (حسن شاذلي) وبقية كلامه: «وإذا لم تدخل الفاء في خبرها احتمل أن يكون مستحقّا بفعله المتقدم وبغيره». (¬4) شرح الإيضاح لابن أبي الربيع مفقود، والموجود هو الملخص من شرح الإيضاح للمؤلف المذكور، وهو بمعهد المخطوطات العربية (ميكرو فيلم رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس).

[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء]

[مسائل مختلفة في اقتران الخبر بالفاء] قال ابن مالك: (وقد تدخل على خبر كلّ مضافا إلى غير موصوف، أو إلى موصوف بغير ما ذكر، وعلى خبر موصول غير واقع موقع من الشّرطيّة ولا ما أختها، ولا تدخل على خبر غير ذلك خلافا للأخفش. وتزيلها نواسخ الابتداء إلّا إنّ وأنّ ولكنّ على الأصحّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ ميزة وكرامة ورعاية وخدمة استوجب بها صلته عنك بذلك». قال ابن أبي الربيع: «فهذا معنى قول أبي عليّ: آذنت بأنّ ما بعدها مستحق للفعل المتقدم أو معناه». الأمر الرابع: أورد على قول النحاة أن الخبر يكون مستحقّا بالصلة قوله تعالى: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ (¬1) فإن هذا المعنى الذي ذكروه لا يتحقق في الآية الشريفة؛ لأن كون هذه النعم من الله غير مستحق باستقرار نعمه بنا، وأجيب عن ذلك بجوابين: الأول: أن السبب أقيم في الآية الشريفة مقام المسبب؛ فالمعنى في الآية الشريفة: وما بكم من نعمة فمن الله، فاشكروا الله عليها؛ لأنها منه. فأقيم سبب الشكر على النعمة وهو كونها منه مقام المسبب عنه وهو الشكر، واستغني به عنه. الثاني: أن هؤلاء قد عرفوا النعمة وجهلوا المنعم، فنبهوا أن الاستقرار الأول سبب للعلم بالاستقرار الثاني. قال ناظر الجيش: هذا الكلام يتضمن الإشارة إلى مسائل خمس: الأولى: أن الفاء قد تدخل على خبر كل مضافا إلى غير موصوف، ومثال ذلك قول الأفوه: 660 - وكلّ قرينة فإلى افتراق ... ولكن فرقة تنفي الملاما (¬2) - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 53. (¬2) البيت نسب هنا وفي التذييل والتكميل إلى الأفوه الأودي وليس في ديوانه. ومعناه: كل قرينة تفارق قرينها بالموت، وفراق الموت لا لوم فيه؛ لأنه يطوف على كل حي. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله ما جاء في معنى بعض الأذكار المأثورة عن بعض السلف وهو: «باسم الله ما شاء الله، كلّ نعمة فمن الله، لا قوّة إلّا بالله، الخير كلّه بيد الله، ما شاء الله لا يصرف السّوء إلّا الله، ما شاء الله، لا قوّة إلّا بالله». والظاهر أن الوصف مقدر يرشد إليه المعنى؛ فإن المعنى كل نعمة في الوجود فمن الله، وكذا يقدر في البيت، وكل قرينة تقرن بقرينها. الثانية: أن الفاء قد تدخل أيضا على خبر كل مضافا إلى موصوف بغير ما ذكر، أي بغير الظرف وشبهه والجملة، ومثاله قول الشاعر: 661 - كلّ أمر مباعد أو مدان ... فمنوط بحكمة المتعالي (¬1) الثالثة: أن الفاء قد تدخل أيضا على خبر موصول غير واقع موقع من الشرطية ولا ما أختها، وذلك كما في قوله: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ (¬2) وكذا - ¬

_ - والشاهد في البيت قوله: وكل قرينة فإلى افتراق؛ حيث اقترن خبر كل المضافة إلى النكرة غير الموصوفة بالفاء. والبيت في: التذييل والتكميل (4/ 105) وليس في معجم الشواهد. (¬1) البيت من بحر الخفيف، وهو دعوة إلى الرضا بقضاء الله وحكمه سبحانه وتعالى، وقائله مجهول. والشاهد فيه قوله: كل أمر مباعد .. فمنوط، حيث اقترن بالفاء خبر المبتدأ كل المضاف إلى نكرة موصوفة بنكرة مثلها. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 330) وفي التذييل والتكميل (4/ 105) وفي معجم الشواهد (ص 324). (¬2) سورةآل عمران: 166. وفي هذه الآية وما بعدها قال أبو حيان (البحر المحيط: 3/ 108): «ما موصولة مبتدأ والخبر قوله: فبإذن الله، وهو على إضمار: أي فهو بإذن الله، ودخول الفاء هنا قال الحوفي: لما في الكلام من معنى الشّرط لطلبته للفعل، وقال ابن عطية: رابطة مسدّدة، وذلك للإيهام الذي في ما فأشبه الكلام الشرط، وهذا كما قال سيبويه: الذي قام فله درهمان، فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء. انتهى كلامه وهو أحسن من كلام الحوفي؛ لأنّ الحوفيّ زعم أن في الكلام معنى الشّرط، وقال ابن عطية: فأشبه الكلام الشّرط. قال أبو حيان: ودخول الفاء على ما قاله الجمهور وقرروه قلق هنا، وذلك أنّهم قرروا في جواز دخول الفاء على خبر الموصول أن الصلة تكون مستقلة، فلا يجيزون الذي قام أمس فله درهم؛ لأن هذه الفاء إنما دخلت في خبر الموصول لشبهه بالشرط؛ فكما أن فعل الشرط لا يكون ماضيا من حيث المعنى فكذلك الصلة. والذي أصابهم يوم التقى الجمعان هو ماض حقيقة؛ فهو إخبار عن ماض من حيث المعنى؛ فعلى ما قرروه يشكل دخول الفاء هنا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ (¬1) ولا شك أن هذا ماض لفظا ومعنى مقطوع بوقوعه صلة وخبرا. وقد تأولوا هذا على معنى التبين كأنه قيل: وما يتبين إصابته إياكم [1/ 387] وما يتبين إفاءة الله على رسوله منهم، ونظير ذلك قوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ (¬2) أي إن يتبين كون قميصه قد من قبل. الرابعة: أن الفاء لا تدخل على خبر شيء غير الذي ذكر في هذا الفصل، وقد خالف الأخفش في ذلك، وأجاز دخول الفاء على خبر المبتدأ الذي لا يشبه أداة الشرط نحو: زيد فمنطلق، وزعم أنهم يقولون: أخوك فوجد (¬3). ومثل ما زعم قول الشاعر: 662 - [يموت أناس أو يشيب فتاهم] ... ويحدث ناس والصّغير فيكبر (¬4) قال المصنف (¬5): ورأيه في ذلك ضعيف (¬6)؛ لأنه لم يرد به سماع ولا حجة له - ¬

_ - قال: والذي نذهب إليه أنه يجوز دخول الفاء في الخبر والصلة ماضية من جهة المعنى؛ لورود هذه الآية، ولقوله تعالى: وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ [الحشر: 6] ومعلوم أن هذا ماض مقطوع بوقوعه صلة وخبرا، ويكون ذلك على تأويل وما يتبين إصابته إياكم كما تأولوا: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ [يوسف: 26] أي إن تبيّن كون قميصه قدّ ... إلخ، ثم ذكر عدة آيات أخرى. (¬1) سورة الحشر: 6. (¬2) سورةيوسف: 26. (¬3) قال الأخفش في كتابه: معاني القرآن (ص 93) تحقيق عند تفسير قوله تعالى: أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 54]. قال: «يشبه أن تكون الفاء زائدة كزيادة ما ويكون الّذي بعده الفاء بدلا من التي قبلها، وأجوده أن تكسر إن وأن تجعل الفاء جوابا للمجازاة، وزعموا أنهم يقولون: أخوك فوجد بل أخوك فجهد يريدون: أخوك وجد بل أخوك جهد فيزيدون الفاء». (¬4) البيت من بحر الطويل، وهو من تأملات الشاعر في الحياة، ولم أعثر له على قائل. ويستشهد به على زيادة الفاء في خبر المبتدأ في قوله: والصغير فيكبر دون أن يكون المبتدأ اسما موصولا أو مضافا إلى اسم موصول أو موصوفا به، وهو المبتدأ الذي يشبه اسم الشرط. والبيت في: التذييل والتكميل (4/ 104) ومعجم الشواهد (ص 152). (¬5) شرح التسهيل (1/ 330). (¬6) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه: (2/ 705) (رسالة دكتوراه بكلية اللغة): «قد تقدّم من قول سيبويه أنه لا يجوز أن تقول: زيد فاضربه كما لا يجوز أن تقول: زيد فمنطلق وزيد فله درهم. والذي أبطل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في قول الشاعر: 663 - وقائلة خولان فانكح فتاتهم ... وأكرومة الحيّين خلو كما هيا (¬1) ولا في قول الآخر: 664 - أرواح مودّع أم بكور ... أنت فانظر لأيّ ذاك تصير (¬2) - ¬

_ - هذا أنّ دخول الفاء لا معنى له ها هنا، فإذا كان اسم موصول بفعل ما ولم تقصد به إلى شخص بعينه وكان الفعل مستقبلا أو في معنى الاستقبال وإن كان ماضيا جاز أن تدخل الفاء في خبره، وتذهب بالاسم الأول مع صلته مذهب المجازاة، وذلك قولك: الّذي يأتيني فله درهم إذا لم تكن قاصدا إلى واحد بعينه». (¬1) البيت من بحر الطويل، ولم ينسب في كتاب سيبويه: (1/ 139) قال محققه: وهو من الخمسين التي لم يعرف قائلوها. اللغة: خولان: حي من اليمن. الأكرومة: المرأة الكريمةالفاضلة. الحيّين: حي أبيها وحي أمها. خلو: خالية من الزواج. والمعنى: كيف أسمع كلام هذه القائلة بالزواج من بنات خولان والحال أن في أقارب أبي وأمي بنات لم تتزوج. والشاهد فيه قوله: خولان فانكح، حيث أجاز الأخفش زيادة الفاء في خبر كل مبتدأ محتجّا بهذا ومثله. ولكن سيبويه منع ذلك، وخرج البيت على أن خولان خبر مبتدأ محذوف أي هذه خولان (الكتاب: 1/ 139) وانظر بقية الكلام في الشرح. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 331) وفي التذييل والتكميل) (4/ 106) وفي معجم الشواهد (ص 426). (¬2) البيت من بحر الخفيف قاله عدي بن زيد الشاعر الجاهلي الحكيم، وهو مطلع قصيدة في الموعظة والتذكير بالموت يعاتب فيها النعمان بن المنذر، كان قد حبس عديّا بلا ذنب ثم قتله، وذكر في كثير من المراجع أبياتا منها انظر: أمالي ابن الشجري (1/ 134) الطناحي - شرح شواهد المغني (1/ 469) معجم الشعراء للمرزباني ص 81) ومن هذه القصيدة قوله: أيّها الشّامت المصيّر بالدّه ... ر أأنت المبرّأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأيّ ... ام أم أنت جاهل مغرور أين كسرى كسرى أبو ساس ... ان أم أين قبله سابور ثم بعد الفلاح والملك والأمّ ... ة وارتهم هناك القبور ثم أضحوا كأنهم ورق جـ ... فـ فألوت به الصبا والدبور اللغة: الرّواح: السير بالعشي. البكور: السير أول النهار. لأي ذاك: الواجب أن يقول: لأي ذينك، ولكنه مثل عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ [البقرة: 68]. وقوله: أرواح مودع مثل عِيشَةٍ راضِيَةٍ [القارعة: 7] أي ذات رضا؛ لأن الرواح لا يودع، ولكن فيه التوديع، قال ابن الشجري: «لو أنشد مودّع جاز، وكان التّقدير مودّع فيه». ومعنى بيت الشاهد: أن الموت لا يفوته شيء إن لم يأت المرء نهارا أتاه ليلا، ولا يدري المرء ما قدر له. والشاهد فيه قوله: أنت فانظر، حيث زيدت الفاء في خبر المبتدأ كما هو مذهب الأخفش، ولكنهم أولوه: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن معنى الأول: هذه خولان، فخولان خبر مبتدأ محذوف، ومعنى الثاني: انظر أنت؛ فأنت فاعل فعل محذوف على أن زيادة الفاء في مثل هذا قد سهلها كون الخبر أمرا كما سهلها كون العامل أمرا مفرغا في نحو: زيد فاضرب، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (¬1)؛ لأن الأمر يتطرق إلى ما تعلق به معنى المجازاة، فالقائل زيدا فاضرب، أو زيدا فاضربه كأنه قال: مهما يكن من شيء فزيدا اضرب، ومهما يكن من شيء فزيدا اضربه، فلا يلزم من جواز هذا جواز: زيد فمنطلق؛ إذ ليس الخبر أمرا فيتطرق إلى ما تعلق به معنى المجازاة. انتهى (¬2). قال ابن عصفور (¬3): وأجاز أبو الحسن دخول الفاء في الخبر وإن لم توجد الشروط، وأجاز أن تقول: زيد فمنطلق، والصّحيح أن ذلك لا يجوز؛ لأن الفاء - ¬

_ - قال السيرافي: أوله سيبويه على أوجه ثلاث وعندي فيه رابع. أما أوجه سيبويه فهي: الأول: ترفع أنت بفعل مستتر يفسره الظاهر. الثاني: ترفع أنت على الابتداء، ويضمر له خبر، والفاء جواب الجملة. الثالث: أن تجعل أنت خبر المبتدأ أي: الراحل أنت. قال السيرافي: والوجه الرابع الذي عندي أن ترفع أنت ببكور؛ لأن المصادر تعمل عمل الأفعال كأنك قلت: أنت تروح أنت. انتهى بتلخيص. (انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي: 2/ 710). والبيت في معجم الشواهد (ص 171) وهو في: التذييل والتكميل (4/ 106) وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 331). ترجمة عدي بن زيد: هو عدي بن زيد ويكنى أبا عمير نصراني عبادي ينتمي إلى بيت من البيوتات القديمة في الحيرة، وقد سكن فيها، فلان لسانه وسهل منطقه، وكان عدي كاتبا لكسرى، وكان كسرى مكرما له محبّا، ولو أراد عدي أن يملكه كسرى على الحيرة لملّكه، ولكنه كان يحب الصيد واللهو ولم يكن راغبا في ملك العرب، كان وصيّا على النعمان بن المنذر وهو صغير، ولما كبر النعمان وملك الحيرة غدر بعدي، فحبسه ثم قتله، وقد اقتص ابن عدي لأبيه من النعمان. وعدي هو القائل يعاتب النعمان: لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري انظر ترجمة عدي بن زيد في معجم الشعراء للمرزباني (ص 80 - 82). وكذلك في تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: (1/ 124) وما بعدها. (¬1) سورة الشرح: 8. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 331). (¬3) لم أعثر على هذا النقل الطويل عن ابن عصفور في سفريه المشهورين في النحو، وهما شرح الجمل والمقرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إما عاطفة أو رابطة، ولا يصح كونها في: زيد فمنطلق عاطفة؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المبتدأ بغير خبر ولا رابطة؛ لأن الخبر مرتبط بالمبتدأ من غير دخول الفاء، ولا تجوز دعوى الزيادة؛ لأن زيادة الحروف خارجة عن القياس، فلا يقال به إلا أن يرد بذلك سماع قياس مطرد، كما فصل بالباء في خبر ما وليس، ولم يجئ في الفاء إلا قولهم: أخوك فوجد، وقولهم: ويحدث ناس والصّغير فيكبر. وأجاز بعض الكوفيين دخول الفاء في الخبر إذا كان أمرا أو نهيا نحو قولك: زيد فاضربه، وعمرو فلا تشتمه، ومنعوا دخولها في نحو قولك: زيد فقائم، وإنما أجازوا ذلك حملا للرفع على النصب، وذلك أن العرب تقول: زيدا فاضرب وبزيد فامرر، فيتقدم معمول ما بعد الفاء عليها، ووجه ذلك أن الأصل: تنبه فاضرب زيدا، أو تنبه فامرر بزيد، فحذفت الجملة الأولى لدلالة المعنى عليها، فبقيت الفاء أول الكلام، وهي موضوعة على ألا تكون كذلك، فقدم ما بعدها عليها إصلاحا للفظ. فأجازوا على ذلك أن يقال: زيد فاضربه على أن يكون الأصل: تنبه فزيدا اضربه، ثم حذف تنبّه، فبقيت الفاء أولا فتقدم المبتدأ عليها إصلاحا للفظ. قال (¬1): والصحيح أن ذلك لا يقال به إذا وجد في كلامهم: زيد فاضربه؛ إذ لم تدع ضرورة [1/ 388] إلى تقدير حذف جملة، وتقديم ما بعد الفاء عليها، إذ قد يمكن جعل زيد خبرا لمبتدأ محذوف، ويكون التقدير: هذا زيد فاضربه، وتكون الفاء رابطة لجملة الأمر بالجملة التي قبلها أو عاطفة لها عليها، وإذا نصبت أو جررت والفعل بعد الفاء مفرغ لم يكن بد من ادعاء التقديم، إذ لا عامل له إلا الفعل الذي بعدها، فتبين إذن أن قول العرب: زيد فاضربه لا ينبغي أن يحمل على زيادة الفاء في الخبر كما ذهب إليه أبو الحسن؛ لأن زيادتها لا تنقاس للعلة التي تقدم ذكرها، ولا على ما ذهب إليه الكوفيون، وهو أن الأصل: تنبه فزيد اضربه لما في ذلك من تقدير حذف جملة، وتقديم ما بعد الفاء عليها، ولم تدع إلى ذلك ضرورة؛ إذ قد يمكن الحمل على ما ذكرناه» انتهى (¬2). - ¬

_ (¬1) القائل هو ابن عصفور أيضا، وانظر التعليق السابق. (¬2) أي كلام ابن عصفور، وانظر التعليقين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن أبي الربيع: «اختلف النحويون في دخول الفاء في خبر المبتدأ على ثلاثة مذاهب (¬1): فسيبويه وأكثر النحاة من البصريين: على أنها لا تدخل في الخبر إلا بالشروط (¬2) التي قد عرفت. وأبو الحسن الأخفش: يرى دخولها على الذي يراه سيبويه ومن تبعه، وعلى وجه آخر وهو الزيادة نحو: زيد فمنطلق. والثالث: ما ذهب إليه بعض الكوفيين، وهو أنها تدخل على الوجه الذي يراه البصريون، وعلى وجه آخر: وهو أن تدخل على تقدير جواب شرط محذوف، فتقول: زيد فمنطلق على تقدير: مهما يكن شيء فزيد منطلق كما يقال: زيدا فاضرب على معنى (¬3) مهما يكن من شيء فاضرب زيدا. وكما يقال: فامرر على معنى مهما يكن من شيء فامرر بزيد. فقد اتفق النحويون على ما ذهب إليه سيبويه، فلا كلام في ذلك. وأما ما ذهب إليه أبو الحسن من الزيادة فيقال فيه: إن الزيادة في الحرف لا بد لها من دليل، ولا يكون الدليل إلا غير محتمل، ولم يأت بشيء إلا محتمل التأويل، فمنه قول الشاعر: 665 - وقائلة خولان فانكح فتاتهم ... ... البيت فقال المعنى: خولان انكح فتاتهم، وليس هذا بصحيح؛ لأنه لو كان كذلك لكان النصب أحسن، والمروي في البيت الرفع، وإنما خولان خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه خولان فانكح فتاتهم كما تقول: هذا زيد فاضربه، ومما يستدل به لأبي الحسن قول الشاعر: 666 - أرواح مودّع أم بكور ... أنت ... فانظر البيت. - ¬

_ (¬1) انظر لقطة رقم: 39 و 40 من شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكرو فيلم بمعهد المخطوطات رقم 220 نحو مصنف غير مفهرس) ويسمى بالملخص لابن أبي الربيع. (¬2) في نسخة (ب): إلا في الشروط. (¬3) في نسخة (ب): على تقدير مهما يكن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تأول سيبويه البيت على ثلاثة أوجه (¬1): أحدها: أن يكون أنت فاعلا بفعل مضمر تقديره انظر، وتكون الفاء قد دخلت دخولها في قولك: زيدا فاضربه كأنه قال: مهما يكن من شيء فانظر لأي ذاك تصير أي: لا يصدنك شيء في النظر؛ لأنه أمر لازم ولا بد منه. الثاني: أن يكون مبتدأ والخبر محذوف تقديره: أنت مرادي. الثالث: أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره: المراد أنت؛ فلم يكن لأبي الحسن دليل قاطع على الزيادة. وأما ما ذهب إليه بعض الكوفيين من أنها تدخل لما في الكلام من الشرط المقدر، وجعلوه بمنزلة: زيدا فاضرب [1/ 389] فلا يثبت، وأنا أبين ذلك فأقول (¬2): اعلم أن العرب إذا حذفت الشرط، جعلت مكانه ما يتضمن حذف الشرط فتقول: أما زيد فمنطلق، وأما زيدا فاضرب، وأما بزيد فامرر. الأصل: مهما يكن من شيء فزيد منطلق، أو فاضرب زيدا، أو فامرر بزيد، ثم حذفت العرب الشرط وجعلت مكان الجملة كلها (أمّا) فصار: أما فزيد منطلق، فجاءت الفاء تلي الحرف الذي يدل على الشرط، فقبح اللفظ؛ لأن حرف الشرط لا تليه الفاء التي تلقى بها الشرط، فقدموا شيئا من جملة الجواب على الفاء، ليزول قبح اللفظ، فقالوا: أما زيد فمنطلق، وأما منطلق فزيد. وكذلك أما زيدا فاضرب، وأما بزيد فامرر، ولم يسمع حذف الشرط، ولم يجعل مكانه أمّا، واكتفي بالفاء إلا بشرطين: أحدهما: أن تكون الجملة فعلية. والثاني: أن تكون اقتضائية نحو: زيدا فاضرب، وبزيد فامرر. قال الله سبحانه وتعالى: لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (¬3) وقال تعالى: وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (¬4). انتهى، وهو أكثر تنقيحا من كلام ابن عصفور في هذا الموضع. - ¬

_ (¬1) انظر كتاب سيبويه: (1/ 140، 141) وانظر حديث سيبويه عن اقتران الخبر بالفاء في كتابه: (1/ 138، 139، 140) وانظر كلام المبرد عنه في المقتضب: (3/ 195) وما بعدها. (¬2) الكلام لأبي الحسن عبيد الله بن أحمد بن أبي الربيع، سبقت ترجمته. (¬3) سورة الصافات: 61. (¬4) سورة المدثر: 7.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الخامسة: أن المبتدأ الذي يجوز دخول الفاء في خبره إذا دخل عليه ناسخ من نواسخ الابتداء غير أن وإن، ولكن منع دخول الفاء بالاتفاق، وذلك لزوال شبه المبتدأ حينئذ باسم الشرط. ولأن بعض النواسخ كليت ولعل تخرج الكلام من كونه خبرا والشرط خبر بدليل وقوعه صفة للنكرة؛ فلو دخلت الفاء لكان الكلام خبرا غير خبر، وذلك محال. أما إذا كان الناسخ إن أو أن أو لكن فإن الفاء لا يمتنع دخولها. قال المصنف (¬1): فإنها ضعيفة العمل؛ إذ لم يتغير بدخولها المعنى الذي كان مع المبتدأ (¬2). ولذلك جاز العطف معها على معنى الابتداء (¬3) ولم تعمل في الحال (¬4)؛ بخلاف كأن وليت ولعل؛ فإنها قوية العمل مغيرة بدخولها المعنى الذي كان مع الابتداء مانعة بدخولها من العطف على معنى الابتداء، وصالحة للعمل في الحال تقوي شبهها بالأفعال، وساوتها في المنع من الفاء المذكورة. ومن بقاء الفاء مع دخول إن قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (¬5). وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (¬6). ومن شواهد بقائها مع أن المفتوحة قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (¬7). - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (1/ 331). (¬2) في نسخة (ب): الذي كان مع الابتداء، وما أثبتناه من الأصل وهو أفضل. (¬3) أي يجوز أن تقول: إن زيدا قائم وعمرو برفع الأخير على الابتداء والخبر محذوف، أو عطفه على محل إن واسمها ومحلهما الرفع. (¬4) أي لا يجوز أن تقول: إن زيدا قائما في الدار على أن خبر إن الجار والمجرور وقائما حال لضعف إن في العمل. وقوله: بخلاف كأن وليت ولعل .. إلخ معناه أنه لا يجوز العطف على أسماء هذه النواسخ إلا بالنصب، كما يجوز أن يأتي منها الحال لقوة تأثيرها في الجملة. (¬5) سورةمحمد: 34. (¬6) سورة الأحقاف: 13. (¬7) سورة الأنفال: 41.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول الشاعر: 667 - علمت يقينا أنّ ما حمّ كونه ... فسعي امرئ في صرفه غير نافع (¬1) ومن شواهد بقائها بعد دخول لكن قول الشاعر: 668 - بكلّ داهية ألقى العداة وقد ... يظنّ أنّي في مكري بهم فزع كلّا ولكنّ ما أبديه من فرق ... فكي يغرّوا فيغريهم بي الطّمع (¬2) ومثله قول الآخر: 669 - فو الله ما فارقتكم قاليا لكم ... ولكنّ ما يقضى فسوف يكون (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، وهو مجهول القائل. ومعناه: أن ما قدره الله سوف يقع، ولن يستطيع الإنسان دفعه مهما كانت حيلته وقوته. ويستشهد به على اقتران خبر أن المفتوحة بالفاء؛ وذلك لأن اسمها موصول، فأشبه اسم الشرط. والأصل في دخول هذه الفاء على خبر المبتدأ. ودخلت على خبر أن هنا؛ لأنها لا تغير معنى الجملة كثيرا لضعفها في العمل. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 332). وفي التذييل والتكميل: (4/ 111) وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيتان من بحر البسيط، وهما لشاعر مجهول. اللغة: الدّاهية: الرجل العظيم البصير بعواقب الأمور، وهاؤه للمبالغة. العداة: بضم العين وتاء في الآخر كرماة وقضاة جمع عاد. المكر: الخديعة. الفزع: الخوف والجبن. الفرق: الخوف والجزع. الطّمع: ضد اليأس. المعنى: يخبر الشاعر أنه شجاع وأنه يعد الشجعان مثله لأعدائه، وإذا كان قد أبدى خوفا منهم فانسحب بجنوده فإنما ليغري أعداءه ويطمعهم فيه، ثم بعد ذلك ينقض عليهم. وشاهده: اقتران خبر لكن بالفاء، لأن اسمها موصول والموصول يشبه الشرط. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 332) والتذييل والتكميل (4/ 111) ومعجم الشواهد (ص 225). (¬3) البيت من بحر الطويل، نسب في بعض مراجعه (معجم الشواهد) إلى الأفوه الأودي، وبحثت عنه في ديوانه فلم أجده، وهو ثالث أبيات ذكرت في طول الليل في الأمالي لأبي علي القالي: (1/ 131) وهي: ألا هل على اللّيل الطّويل معين ... إذا نوّحت دار وحنّ حزين أكابد هذا اللّيل حتّى كأنّما ... على نجمه ألّا يغور معين فو الله ما فارقتكم ...... إلخ ومعنى بيت الشاهد: أنه لا يفارق أحبابه كارها لهم، ولكنه فراق بقضاء الله وقدره. والشاهد فيه قوله: ولكن ما يقضى فسوف يكون، حيث اقترن خبر لكن بالفاء أيضا. والبيت في: شرح التسهيل (1/ 332) وفي التذييل والتكميل (4/ 112). ومعجم الشواهد (ص 391).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [1/ 390] وقال في شرح الكافية (¬1): إذا دخل شيء من نواسخ الابتداء على المبتدأ الذي اقترن خبره بالفاء أزال الفاء إن لم يكن إنّ أو أنّ أو لكنّ بإجماع المحققين؛ فإن كان واحدا منهن جاز بقاء الفاء نص على ذلك في إن وأنّ سيبويه (¬2)، وهو الصحيح الذي ورد القرآن به كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (¬3). وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً (¬4). وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (¬5)، (¬6). وقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ (¬7). ثم ذكر شواهد لكن (¬8) ثم قال: «وروي عن الأخفش أنه منع من دخول الفاء بعد إن (¬9). وهذا عجيب؛ لأن زيادة الفاء على رأيه جائزة وإن لم يكن المبتدأ يشبه أداة الشرط نحو: زيد فقائم؛ فلو دخلت إن على اسم يشبه أداة الشرط فوجود الفاء في الخبر أسهل وأحسن من وجودها في خبر زيد وشبهه. وثبوت هذا عن الأخفش مستبعد، وقد ظفرت له في كتابه معاني القرآن العزيز أنه موافق لسيبويه في بقاء الفاء بعد دخول إن، وذلك أنه قال (¬10): وأما وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما (¬11) فقد يجوز أن يكون هذا خبر المبتدأ؛ لأن الذي إذا كان صلته فعلا جاز أن يكون خبره بالفاء نحو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ - ¬

_ (¬1) انظر نص هذا النقل الطويل في (1/ 376) وما بعدها من الشرح المذكور، بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) انظر: الكتاب (3/ 103) ولم ينص سيبويه كما ذكر، ولكنه مثّل فقط. (¬3) سورة الأحقاف: 13. (¬4) سورةآل عمران: 91. (¬5) سورةآل عمران: 21. (¬6) في شرح الكافية بعد هذه الآية آيةأخرى تركها شارحنا هي قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة: 8]. (¬7) سورة الأنفال: 41. (¬8) هما الشاهدان المذكوران قبل ذلك تماما. (¬9) انظر في رأي الأخفش: شرح الرضي على الكافية (1/ 103) وشرح الأشموني على الألفية (1/ 225). (¬10) انظر نص مقاله هذا في كتابه معاني القرآن له: (2/ 60). رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة. (¬11) سورة النساء: 16.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ (¬1) ثم قال: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ (¬2)». انتهى (¬3). ونقل ابن عمرون عن عبد القاهر أنه قال (¬4): مذهب أبي الحسن أنّ الفاء لا تمنع يعني مع أن، قال: وأظنّ الزّمخشري عوّل على كلام عبد القاهر. فقال في الحواشي: «يجوز دخول الفاء في خبر الاسم المتضمّن لمعنى الشّرط إذا دخل عليه أن على مذهب الأخفش، ولا يجوز على مذهب سيبويه (¬5). لكن قال المبرد في المسائل المشروحة من الكتاب (¬6): «كان الأخفش يضعّف (إن الّذي يأتيني فله درهم) لدخول إنّ على الّذي. ولا أدري ما قال إلّا غلطا». وكذا نقل السيرافي عن الأخفش أنه يضعف ذلك. قال ابن عمرون: والّذي يظهر أنّ الأخفش هو الّذي يمنع؛ لأنّه يجوّز زيادة الفاء، فيمكن إذا ورد عليه شيء من ذلك أن يخرّجه على زيادة الفاء، وسيبويه لا يعتقد ذلك» انتهى (¬7). - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة النساء: 97. (¬3) شرح الكافية الشافية لابن مالك: (1/ 377) (مكة المكرمة). (¬4) انظر كتاب المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر: (1/ 324) يقول: وقد اختلفوا في أن هل تمنع من الفاء أم لا؟ فمذهب أبي الحسن أنها لا تمنع، وعلى ذلك تقول: إنّ الّذي في الدّار فمكرم ... إلخ. (¬5) قال الزمخشري في المفصّل: (ص 27): «إذا تضمّن المبتدأ معنى الشّرط جاز دخول الفاء على خبره، وذلك على نوعين: الاسم الموصول والنكرة الموصوفة إذا كانت الصّلة أو الصفة فعلا أو ظرفا، ثم مثل لذلك وقال: «وإذا دخلت ليت أو لعلّ لم تدخل الفاء بالإجماع، وفي دخول إن خلاف بين الأخفش وصاحب الكتاب». وشرحه ابن يعيش فقال: «وأما إن فذهب سيبويه إلى جواز دخول الفاء في خبرها مع هذه الأشياء؛ لأنها وإن كانت عاملة فإنها غير مغيرة معنى الابتداء والخبر؛ ولذلك جاز العطف عليها بالرفع على معنى الابتداء. وقال الأخفش: لا يجوز دخول الفاء مع إن؛ لأنها عاملة كأخواتها، والأول أقرب إلى الصّحّة، وقد ورد به التنزيل» شرح المفصل (1/ 101). (¬6) من مؤلفات المبرد ولم أعثر عليه. انظر: بغية الوعاة (1/ 219) وقد سماه السيوطي: الرد على سيبويه. والمطبوع هو كتاب الانتصار لسيبويه على المبرد لابن ولاد المتوفى سنة (332 هـ). (¬7) والتحقيق في المسألة أن النص الذي نقله ابن مالك عن الأخفش في كتابه المذكور، والذي وجدته أنا أيضا هو المعتمد، كذا ما حكاه عبد القاهر عن مذهب أبي الحسن: أن الفاء ليست بممنوعة مع إن، وكيف يخالف عالم مشهور كالأخفش نصوص القرآن واستعمالاته؟.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي عبارة المصنف أمران: أحدهما: قوله في المتن: وتزيلها نواسخ الابتداء. وفي الشرح: إذا دخل بعض النواسخ على مبتدأ دخلت الفاء في خبره أزال شبهه بأداة الشرط، فامتنع دخول الفاء على الخبر. قال الشيخ: «هذا يقتضي أن الناسخ يدخل على مبتدأ دخلت الفاء في خبره، وليس كذلك؛ بل إذا دخل النّاسخ فلا يدخل إلّا على مبتدأ لا يكون الفاء في خبره، وليس المعنى أنّه إذا دخل الناسخ أزال الفاء» انتهى (¬1). وما قاله الشيخ ظاهر، لكن يمكن حمل كلام المصنف على أن ثم مضافا محذوفا، التقدير ويزيل دخولها أي: ويمنع دخولها نواسخ الابتداء. الثاني: الظاهر من قوله [1/ 391]: على الأصحّ أنه راجع إلى الثلاثة. أما إنّ فقد عرف الخلاف الذي ذكر فيها بين الإمامين الكبيرين (¬2). وأما أنّ ولكنّ فالظاهر أن من منع دخول الفاء مع إن المكسورةيمنع مع أن ولكن؛ بل ربما يكون منعه منهما أولى. على أن ابن عصفور صرح بالمنع؛ فإنه قال (¬3): «الموصول الّذي يجوز دخول الفاء في خبره إن دخلت عليه ليت أو لعلّ أو ما أشبههما من نواسخ الابتداء لم يجز دخول الفاء في خبره؛ لأن الموصول إذ ذاك لا يشبه اسم الشرط ما لم يكن الناسخ إن؛ فإن كان إن جاز دخول الفاء في الخبر، وجاز ذلك معها وحدها من بين سائر أخواتها؛ لأن العرب تعامل إن زيدا قائم معاملة زيد قائم لما كانا في معنى واحد بدليل قولهم: إن زيدا قائم وعمرو، ولا كذلك النواسخ» انتهى (¬4). واقتضى كلامه أن دخول الفاء مخصوص بأن وحدها. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 109). (¬2) أي سيبويه والأخفش، وقد ظهر أنه لا خلاف بينهما. (¬3) لم أعثر على هذا النقل في شرح الجمل لابن عصفور - مع طوله - ولا في المقرب، وهو غريب، ووجه الغرابة أنه مخالف للنصوص السابقة التي أوردها الشارح من القرآن والشعر. (¬4) أي كلام ابن عصفور، وانظر التعليق السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ختم الشيخ هذا الفصل بمسألتين (¬1). الأولى: «إن أعملت هذه العوامل في اسم آخر جاز دخول الفاء نحو: إن الّذي يأتيني فله درهم، وإن زيدا كل رجل يأتيه فله درهم». وهي واضحة (¬2). الثانية: «إذا جئت بالفاء في خبر ما فيه معنى الجزاء لم يجز العطف عليه قبلها عند الكوفيين، وأجازه ابن السّراج» (¬3). والله أعلم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 113). (¬2) قوله: وهي واضحة من كلام ناظر الجيش. (¬3) قال ابن السراج (الأصول: 2/ 356): إذا قلت: الذي يأتيني فله درهم على معنى الجزاء فقد أردت: كل من يأتيني، فلا معنى للصفة هنا، والعطف يجوز عندي كما تقول: الذي يجيء مع زيد فله درهم، فعلى هذا المعنى تقول: الذي يجيء هو وزيد فله درهم، أردت الجائي مع زيد فقط. (¬4) هذا آخر الجزء الأول في النسخة التي جعلتها أصلا، والثابتة بمعهد المخطوطات تحت رقم: 64 نحو مصنف غير مفهرس، والمصورة من بلاد المغرب. وقد كتب بعد قوله: والله أعلم: الحمد لله رب العالمين، صلّى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. يتلوه أول الجزء الثاني: باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر. علقه محمد بن محمد بن محمد الباهي في يوم الخميس بعد العصر بالمدرسة المنصورية بالقاهرة المعزية، سابع عشر شوال، واتفق دوران المحمل فيه سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، أحسن الله إليه، وجعله في خير وعافية بلا محنة، راجيا من الله أن يبلغه هو وإخوانه في الله ومشايخه ووالديه ما يأملوه من خير الدنيا والآخرة وفوق ما يأملوه؛ إنه واسع العطاء كريم جواد، فهو حسبنا ونعم الوكيل. أنهيته قراءة عليه أبقاه الله في منزله بالقاهرة المحروسة في يوم الثلاثاء، ثاني عشر ذي القعدة، سنة خمس وسبعين وسبعمائة. ثم كتب في صفحة لاحقة هذه العبارة: يمنع طبع هذا الكتاب بدون إذن ذويه يسر وحمزة. رقم الكتاب: 5.

الباب الثالث عشر باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر

الباب الثالث عشر باب الأفعال الرّافعة الاسم النّاصبة الخبر (¬1) [سردها وشروط عملها] قال ابن مالك: (فبلا شرط: كان وأضحى وأصبح وأمسى وظلّ وبات وصار وليس، وصلة لما الظّرفيّة: دام، ومنفيّة بثابت النّفي مذكور غالبا متّصل لفظا أو تقديرا أو مطلق النّفي: زال ماضي يزال وانفكّ وبرح وفتئ وفتأ وأفتأ وونى ورام مرادفتاها). قال ناظر الجيش: هذا شروع منه في أبواب نواسخ الابتداء أي نواسخ عمله وهي ثلاثة: باب كان وأخواتها ويتبعه ما جرى مجراها من أفعال المقاربة، وما جرى مجرى ليس وهو ما ولا ولات وإنّ. وباب إنّ وأخواتها ويتبعه ما جرى مجرى إنّ وهو لا التي لنفي الجنس. وباب ظننت وأخواتها ويتبعه ما جرى مجراها وهو قال على لغة من ينصب بها الجزأين. وللأئمة سؤال هاهنا وهو أن يقال: إن شأن العوامل أن تحدث العمل في المفردات السالم أواخرها من الحركات نحو زيد وعمرو وما أشبههما وليس للعوامل تأثير في الجمل فكيف نسخت هذه الأفعال حكم الابتداء أو المبتدأ فأزالت عملهما (¬2) والجملة ليست محلّا لتأثير العوامل؟ ويجيبون عن ذلك: بأن كان وأخواتها لها شبه بالفعل المتعدي لواحد كضرب ووجه الشبه الذي ذكروه يحتاج إلى تقدير وهو أن الأفعال المذكورة في هذا الباب المقصود من وضعها الدلالة على تلبس الفاعل الذي أسندت هي إليه بصفة وتلك الصفة مقيدة بمعنى الفعل المسند من إثبات أو نفي أو صيرورة أو تقييد بزمان مخصوص ونحو ذلك. فمعنى قولنا: أمسى زيد مسافرا أن زيدا متلبس بالسفر في وقت المساء ومن ثمّ - ¬

_ (¬1) هذا أول الجزء الثاني من النسخة الثابتة بمعهد المخطوطات تحت رقم 65 نحو مصنف غير مفهرس والمصورة عن بلاد المغرب وقد جعلتها أصلا؛ لأنها كتبت في حياة المؤلف وصححت عليه فكانت بذلك أقدم النسخ وأفضلها، أما نسخة (ب) فإن الباب الآتي داخل ضمن الجزء الأول. (¬2) أي عمل الابتداء في المبتدأ وعمل المبتدأ في الخبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان ذكر الخبر لازما؛ لأنه هو المقصود. ووجب رسم الأفعال المذكورة بالنقص فسميت ناقصة من حيث أنها لم تكتف بمرفوعها إذ ليس المقصود من قولنا كان زيد ذاهبا، وأمسى زيد مسافرا نسبة الفعل إلى الفاعل لا باعتبار شيء آخر كما هو المقصود من الأفعال التامة إذا أسندت إلى فاعليها نحو: ضرب، بل المقصود نسبتها إلى الفاعل باعتبار صفة اتصف بها وثبتت له مقيدة بمعنى ذلك الفعل (¬1) فبمقتضى هذا التقرير صار كل من هذه الأفعال من حيث إنه يستدعي صفة وصاحبها يشبه الفعل التام المتعدي إلى واحد لاستدعائه شيئين كضرب، والفعل المتعدي إلى واحد يرفع الفاعل وينصب المفعول فكانت هذه الأفعال الناقصة كذلك ترفع المبتدأ تشبيها بالفاعل وتنصب الخبر تشبيها بالمفعول. وحينئذ يقال: إنما عملت كان وأخواتها في الاسمين بعدها تشبيها بضرب [2/ 3] مثلا، فلذلك أثرت في أجزاء الجملة. وإذا تقرر هذا في كان وأخواتها فنقول: ستعرف في باب إن وأخواتها أن عملها إنما هو لشبهها بكان فهي إذن محمولة في العمل عليها (¬2) وستعرف في باب ظن أنها إنما عملت هي وأخواتها لشبهها بالأفعال الطالبة مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر كأعطيت. فمن ثمّ ساغ تأثير إن وأخواتها وظننت وأخواتها في أجزاء الجملة (¬3). ثم اعلم أن المصنف أفاد بقوله في ترجمة الباب: بـ (الرّافعة النّاصبة) أن رفع - ¬

_ (¬1) الصفة المشار إليها والتي اتصف بها الفاعل هي الخبر، ومعنى الفعل المشار إليه والذي يقيد تلك الصفة هو معنى كان وأخواتها. (¬2) جاء في شرح التسهيل لناظر الجيش في باب إن وأخواتها نقلا عن ابن مالك جاء قوله: وسبب إعمال هذه الأحرف اختصاصها بمشابهة كان الناقصة في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما، وقال بعضهم: إن وجه الشبه هو سكون الوسط وفتح الآخر، وقد رده بعضهم. وقال الزجاجي: المشابهة المعتبرة اتصال هذه الأحرف بالضمائر المنصوبة. وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش (2/ 42 أ) المنسوب خطأ إلى أبي حيان. مخطوط بدار الكتب المصرية رقم: 62 نحو. (¬3) قال ناظر الجيش في باب ظن وأخواتها: وحق هذه الأفعال ألا تعمل، قالوا: ولكنها شبهت بأفعال باب أعطيت في أنها أفعال كما أن تلك أفعال وتطلب اسمين كطلبها فلذلك نصب المفعولين. وانظر شرح التسهيل لناظر الجيش (2/ 82) منسوبا إلى أبي حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبتدأ منسوخ بهذه الأفعال وأنها هي الرافعة للاسم كما أنها الناصبة للخبر، وهذا هو المعروف والمشهور وهو الحق. والمنقول على الكوفيين أنها إنما نصبت الخبر وأن المبتدأ باق على رفعه وليس هذا مما يعول عليه (¬1) ولا يشتغل به لأن الضمائر تتصل بها والضمير لا يتصل بغير عامل ولأنه لا أثر للعامل المعنوي مع وجود العامل اللفظي. وقال الفراء: إن الاسم يرتفع لشبهه بالفاعل. وأما المنصوب فالجمهور على أنه خبر مشبه بالمفعول كما أن المرفوع اسم مشبه بالفاعل وعن الفراء أنه نصب تشبيها بالحال (¬2). وقال بعض الكوفيين: إن انتصابه على الحال ولا يخفى ضعف هذه الأقوال (¬3) والاشتغال بها استدلالا وإبطالا فيه إطالة مع قلة الجدوى. ثم إن المصنف رحمه الله تعالى افتتح الكلام في هذا الباب بأن قال (¬4): «شرط الفعل المنسوب إلى هذا الباب أن يدخل على جزأي إسناد مباين ثانيهما للحالية بتمحّض تعريف أو بتحمض جمود أو بعدم الاستغناء عنه دون عارض (¬5) كقولك صار الذي آمن أخانا بعد أن كان عدونا وكان مالك فضة فصار ذهبا، ففي منصوب كان وصار من مباينة الحال ما ذكرته فمن ألحق بها فعلا لا يساويها في هذا الاعتبار (¬6) فهو محجوج وسيأتي القول في ذلك مبسوطا إن شاء الله تعالى». - ¬

_ (¬1) الإشارة إلى مذهب الكوفيين لا إلى الحديث في المسألة، لأنه علل بعد ذلك للمذهب المعتمد والذي اختاره. (¬2) انظر رأي الفراء في التذييل والتكميل (4/ 116) تحقيق د/ حسن هنداوي، والهمع (1/ 111). وهناك إشارة إلى هذا الرأي في كتاب الفراء المشهور: معاني القرآن (1/ 281). (¬3) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (2/ 821) المسألة رقم 119 علام ينتصب خبر كان وثاني مفعولي ظننت قال الإمام كمال الدين أبو البركات: ذهب الكوفيون إلى أن خبر كان والمفعول الثاني لظننت نصب على الحال وذهب البصريون إلى أن نصبهما نصب المفعول لا على الحال وثم احتج لكل من الفريقين ورجح رأي البصريين. (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 333) تحقيق: د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬5) إنما اشترط هذه الثلاثة؛ لأن الأصل في الحال أن تكون نكرة منصرفة مستغنى عنها. (¬6) في الأصل: في هذا الباب، وما أثبتناه من نسخة (ب) وهو أولى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولأفعال هذا الباب انقسامات بنسب مختلفة: فأول انقساماتها إلى ما يعمل بلا شرط أي موجب وغير موجب وصلة وغير صلة (¬1) وهو الثمانية الأول. وإلى ما يعمل بشرط كونه صلة لما الظرفية أي المصدرية التي يقصد بها وبصلتها التوقيت وهو دام كقولك لا تجامل ما دام الله ملجأك. قال الله تعالى: وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (¬2). التقدير مدة دوامي حيّا فلو خلت دام من ما المصدرية لم يكن لها اسم ولا خبر، فلو وقع بعدها مرفوع ومنصوب جعل المرفوع فاعلا والمنصوب حالا نحو دام زيد صحيحا (¬3) وكذا لو كان معها ما المصدرية ولم تكن في موضع ظرف زمان نحو عجبت مما دام زيد صحيحا فزيد فاعل وصحيحا حال ولهذا لا يجوز تعريفه. وقد تستعمل دام بعد ما المصدرية النائبة عن ظرف الزمان تامة تشبيها ببقى فلا يكون لها خبر كقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ * (¬4). وإلى ما يعمل بشرط كونه منفيّا أو منهيّا عنه: وهي أربعة أفعال مشهورة ملحق [2/ 4] بها اثنان، فالأربعة: زال، وانفك، وبرح، وفتئ وقد يقال فقأ وأفقأ. والملحقات بها: وني ورام التي مضارعها يريم. ومعنى الستة إذا بقيت داخلة على الجملة الإعلام بلزوم مضمون الجملة في المعنى أو في الاستقبال نحو ما زال العلم حسنا ولن يزال الجهل قبيحا. وقد تناول قولي: منفيّة (¬5) المنفي بليس كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) أشار بغير الموجب إلى الأربعة التي تعمل بشرط تقدم نفي أو شبهه وستأتي، وأشار بالصلة إلى دام التي تعمل بشرط أن تكون صلة لما كما سيذكره، إلا أنه لم يراع الترتيب في كلامه، وكان الأولى أن يقدم الحديث عن الأربعة أو يقول في كلامه .. انقسامها إلى ما يعمل بلا شرط أي صلة وغير صلة وموجب وغير موجب. (¬2) سورة مريم: 31. (¬3) يوجد بياض صغير قدر كلمة أو كلمتين بين قوله: (حالا نحو) وبين قوله: (دام زيد صحيحا) في جميع النسخ: نسخة (ب)، ونسخة تركيا، ونسخة (أ)، ومع ذلك فالكلام صحيح ولا نقص فيه، ولكن هذا يشير إلى أن النسخ كلها نقلت، وروجعت على أصل واحد. (¬4) سورة هود عليه السّلام: 107، 108. (¬5) أي قول ابن مالك في المتن ونصه: فبلا شرط كان وأضحى ... ومنفية بثابت النفي مذكور غالبا متصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 670 - ليس ينفكّ ذا غنى واعتزاز ... كلّ ذي علّة مقلّ قنوع (¬1) والمنفي بغير كقول الشاعر: 671 - غير منفكّ أسير هوى ... كلّ وان ليس يعتبر (¬2) وكقول الآخر: 672 - إن امرءا غير منفكّ معين حجا ... على هوى فاتح للمجد أبوابا (¬3) والمنفي بقلّ نحو قلما يزال عبد الله يذكرك لأن قلما يزال بمعنى ما يزال. وقال الشاعر: 673 - قلّما يبرح اللّبيب إلى ما ... يورث المجد داعيا أو مجيبا (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الخفيف لم تذكر مراجعه قائله. ومعناه: أن كل صاحب عفة وإقلال وقناعة سيعيش عزيز النفس كريما غنيّا. الإعراب: ليس: فعل ماض دال على النفي وهو هنا مهمل حملا على ما النافية ويحتمل أن يكون عاملا واسمه ضمير الشأن أو اسمه كل مؤخر وخبره فيهما جملة ينفك. ينفكّ: من أخوات كان. ذا غنى: ذا خبر ينفك مقدم على اسمها منصوب بالألف وغنى مضاف إليه. كل: اسم ينفك مرفوع ويحتمل أن يكون اسم ليس. مقلّ قنوع: أحسن الآراء فيهما بعد اجتهاد أن يرفعا على الوصفية لكل. والشاهد في البيت قوله: «ليس ينفكّ»؛ حيث عملت ينفك عمل كان لاعتمادها على النفي وأداة النفي هنا ليس وهي فعل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 334) وفي التذييل والتكميل (4/ 119) وفي معجم الشواهد (ص 234). (¬2) البيت من مجزوء المديد وقائله مجهول ومعناه: كل أسير لهواه لا يفكر بعقله سيظل بطيئا متأخرا. والشاهد في البيت قوله: «غير منفك أسير هوى كل وان»؛ حيث أعمل اسم الفاعل من انفك عمل كان وقد سبقه نفي بالاسم وهو غير. وانظر البيت في التذييل والتكميل (4/ 119). وفي معجم الشواهد (ص 160). (¬3) البيت من بحر البسيط قائله غير معروف. ومعناه: كل امرئ لا يتبع هواه أبدا وإنما يفكر بعقله فإنه يفكر صحيحا ويفعل سليما ولا بد أنه سيصل في يوم ما إلى المجد. والشاهد فيه كالبيت السابق. والبيت ليس في شرح التسهيل لابن مالك، ولا في معجم الشواهد ولا في التذييل والتكميل. (¬4) البيت من بحر الخفيف لم تذكر مراجعه قائله ولا عثرت عليه. ومعناه: أن العاقل الحكيم دائما يبحث عن المجد ويحققه لنفسه أو يدعو الناس إليه. والشاهد فيه قوله: «قلّما يبرح اللّبيب»؛ حيث أعمل يبرح عمل كان وقد تقدم عليه فعل دالّ على النفي وهو قلما. وإنما كان فيه معنى النفي؛ لأن قلما خلع منه معنى التقليل وصير بمعنى ما النافية. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ودخل تحت «منفية» قول العرب: «لا ينشأ أحد ببلد فيزال يذكره» لأن معناه إذا أنشأ أحد ببلد لا يزال يذكره. ذكر ذلك كله الفراء في كتاب الحدود (¬1) ومن أمثلته: ما يعترينا أحد فنزال نعينه، وقال: ألا ترى أن المعنى إذا اعترانا أحد لم نزل نعينه. وقيدت زال بكون مضارعها يزال احترازا من زال بمعنى تحول فمضارعه يزول وهو فعل لازم واحترازا من زال الشيء بمعنى عزله فمضارعه يزيل. وقيدت وني ورام الملحقين بهن بمرادفتهما لهن احترازا من ونى بمعنى فتر ومن رام بمعنى حاول وبمعنى تحول ومضارعها التي بمعنى حاول يروم ومضارع التي بمعنى تحول يريم وهكذا مضارع المرادفة زال. وهي ووني بمعنى زال غريبتان ولا يكاد النحويون يعرفونها إلا من عني باستقراء الغريب (¬2). ومن شواهد استعمالهما قول الشاعر: 674 - لا يني الخبّ شيمة الخبّ ما دا ... م فلا تحسبنّه ذا ارعواء (¬3) - ¬

_ - والبيت في معجم الشواهد (ص 32). (¬1) هو من الكتب المفقودة للفراء وقيل في سبب تأليفه: أنّ الفراء عند ما اتصل بالخليفة العباسي المأمون ليؤدب بنيه اقترح عليه الخليفة أن يؤلف كتابا يجمع أصول النحو وأنه هيأ له دارا خاصة، فيها وسائل النعيم كاملة فعكف الفراء على تأليف هذا الكتاب للمأمون وأخرجه بعد سنتين (نشأة النحو: ص 102). وفي بغية الوعاة (2/ 333) أن كتاب الحدود - وهو للفراء - مشتمل على ستة وأربعين حدّا في الإعراب. وذكره أبو حيان بالإفراد: كتاب الحد. التذييل والتكميل (14/ 121). وفي نسخة (ب): ذكر ذلك كله الفراء في كتاب الجد بالجيم وفي نسخة (أ): كتاب الحدوث وكلاهما خطأ. (¬2) انظر لسان العرب (ريم) فقد جاء فيه المعنى الذي ذكره ابن مالك قال ابن منظور: الريم: البراح والفعل رام يريم، يقال ما يريم يفعل كذا أي ما يبرح، وأما مادة ونى فلم تأت بالمعنى المذكور وانظر اللسان والقاموس (ونى). (¬3) البيت من بحر الخفيف مجهول القائل. اللغة: الخبّ، بكسر الخاء: الخداع والخبث. شيمة: طبيعة وصفة. الخبّ: بفتح الخاء الخداع الخبيث وهو صفة مشبهة من خببت فأنت خب بفتح الخاء وكسرها (القاموس: خبب). ذا ارعواء: صاحب انتهاء وخوف. والمعنى: لا يزال الخداع شيمة المخادع أبدا ولا ينتهي عنه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر في إعمال يريم العمل المشار إليه: 675 - إذا رمت ممن لا يريم متيّما ... سلوّا فقد أبعدت في رومك المرمى (¬1) وأشرت بقولي فيها وفي أخواتها: منفية بثابت النّفي إلى أن نحو: ألست تزال تفعل وألم تزل تفعل لا يجوز إن قصد بالهمزة التقرير لأن التقرير إثبات ويجوز إن أريد مجرد الاستفهام عن النفي. وأشرت بقولي: مذكور غالبا إلى أن نافيها قد يحذف؛ كقوله تعالى: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (¬2) أي لا تفتأ تذكر يوسف. ومن حذف نافيها قول الشاعر: 676 - تنفكّ تسمع ما حيي ... ت بهالك حتّى تكونه (¬3) أي لا تنفك. ومنه قول امرأة من العرب: 677 - تزال حبالي مبرمات أعدّها ... لها ما مشى يوما على خفّه الجمل (¬4) - ¬

_ - الشاهد فيه قوله: لا يني الخب شيمة الخب حيث استعمل لا يني استعمال لا يزال في المعنى والعمل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 334) وهو في التذييل والتكميل (4/ 125). وفي معجم الشواهد (ص 25). (¬1) البيت من بحر الطويل وهو في النصح. ومعناه: إذا طلبت من العاشق نسيان معشوقه، والسلو عنه فقد طلبت مستحيلا وأردت بعيدا. والشاهد في البيت: استعمال لا يريم بمعنى لا يزال في المعنى والعمل. وانظر تعليق الشارح على هذا البيت والبيت الذي قبله مرة أخرى. والبيت في شرح التسهيل (1/ 334) وهو في التذييل والتكميل (4/ 125) وفي معجم الشواهد (ص 25). (¬2) سورة يوسف: 85. (¬3) البيت من الكامل المجزوء وهو لشاعر يدعى خليفة بن براز. وذكرت مراجعه بيتا آخر بعده وهو: والمرء قد يرجو الحيا ... ة مؤمّلا والموت دونة ومعنى البيتين: أن الإنسان يظل طوال حياته يسمع: مات فلان وهلك فلان حتى يكون هو الميت الهالك، وهو يرجو الحياة دائما، ولكن الموت يحول بينه وبين البقاء. والشاهد في البيت هنا قوله: تنفكّ تسمع ما حييت حيث استعمل الشاعر تنفك دون نفي لفظي ولكنه قدره وأصله لا تنفك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 335) وفي التذييل والتكميل (4/ 119) وفي معجم الشواهد (ص 389). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو لليلى امرأة سالم بن قحفان كما ذكرت ذلك مراجعه (شرح المفصل: 7/ 109 حاشية). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي لا تزال. وأشرت أيضا بقولي: متّصل، إلى أن النافي قد يوجد منفصلا كقول الشاعر: 678 - ما خلتني زلت بعدكم ضمنا ... أشكو إليكم حموّة الألم (¬1) أراد خلتني ما زلت بعدكم. وخلت هنا بمعنى أيقنت وهو أيضا غريب. ومن الفصل بين النافي والمنفي في هذا الباب قول الآخر [2/ 5]: 679 - ولا أراها تزال ظالمة ... تحدث لي قرحة وتنكؤها (¬2) - ¬

_ - والبيت ثاني أبيات ثلاثة قالتها عند ما لامت زوجها على كرمه حين قال لها: «عليّ إعطاء الجمال وعليك إعداد الحبال لها» ثمّ ثابت إلى رشدها ووافقته على الكرم إلى أن خلعت خمارها وجعلته حبلا لبعضها وقالت: حلفت يمينا يابن قحفان بالّذي ... تكفّل بالأرزاق في السّهل والجبل تزال حبالي مبرمات أعدّها ... ...... إلخ وبعده: فأعط ولا تبخل إذا جاء سائل ... فعندي لها عقل وقد زالت العلل وقد روي البيت بتنكير حبالي وجعل مبرمات صفة لها وجملة أعدها هي الخبر وجاءت في المخطوطة بالإضافة إلى ياء المتكلم وعليه فمبرمات هي الخبر وجملة أعدها حال. والبيت في شرح التسهيل (1/ 335) وفي التذييل والتكميل (4/ 120) وفي معجم الشواهد (ص 259). (¬1) البيت من بحر المنسرح لشاعر مجهول وهو من المعقدات حيث كثرت فيه الاعتراضات والفواصل. اللغة: خلت: بمعنى أيقنت وهو شاهد آخر غير شاهدنا (التصريح: 1/ 249) وقد ذكره شارحنا. الضّمن: في اللسان (مادة ضمن): الضمن: الذي به ضمان (مرض) في جسده من زمانة أو بلاء أو كسر أو غيره تقول منه: رجل ضمن. قال الشاعر: ... ثم أنشد بيت الشاهد. حموّة الألم: بضم الحاء والميم وتشديد الواو أي شدته. إعراب البيت: ضمنا: مفعول ثان لخلتني وبعدكم متعلق به وأشكو خبر زلت. وشاهده: الفصل بين ما وزلت بفعل ناسخ ولكنهما متصلان تقديرا وتقدير البيت بعد هذا: خلت نفسي ضمنا بعدكم ما زلت أشكو شدة الألم. والبيت في شرح التسهيل (1/ 335) وفي التذييل والتكميل (4/ 121) وفي معجم الشواهد (ص 377). (¬2) البيت من بحر المنسرح قاله إبراهيم بن هرمة من قصيدة همزية هذا مطلعها: إنّ سليمى والله يكلؤها ... ضنّت بشيء ما كان يزرؤها أي ينقصها. وقيل: إن سبب إنشائه لها أنه قيل له: إن قريشا لا تهمز. فقال: لأقولن قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش. وانظر القصيدة في ديوان إبراهيم بن هرمة (ص 48). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: وأراها لا تزال. قال الفراء في كتاب الحدود: يجوز أن يقوّم نفي زال على ظنّ وأخواتها، فيقال: لا أظنك تزال تقول ذلك. قال: وكذلك ما أظنك تبالي بشدة معناه أظنك ما تبالي. قلت: فالنفي المفصول بـ «ظنّ» وإحدى أخواتها متصل تقديرا وكذا المفصول بما الفعل ومعمولاه خبر كقولك: ما عبد الله زال محسنا؛ لأن المعنى: عبد الله ما زال محسنا فالنفي متصل بزال تقديرا. وكذا المنفصل بقسم كقوله: 680 - فلا وأبي دهماء زالت عزيزة ... على أهلها ما فتّل الزّند قادح (¬1) - ¬

_ - وانظرها أيضا أو جزءا كبيرا منها في شرح شواهد المغني للسيوطي (2/ 826). اللغة: القرحة: الجرح وروي مكانها: نكبة. تنكؤها: في القاموس (نكأ) نكأ القرحة قشرها قبل أن تبرأ فنديت. والمعنى: أن حبيبته المذكورة لا تعطيه ما يريد بل تزيد في هجرانها وتشتد في جفائها وقد تعطي وعدا ولكنها لا تفي به. وشاهده: الفصل بين لا النافية وتزال أخت كان في قوله: ولا أراها تزال، وقيل: لا فصل، وإنما هناك لا مقدرة قبل الفعل ولا الأولى زائدة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 335). وفي التذييل والتكميل (4/ 121) وفي معجم الشواهد (ص 22). (¬1) البيت من بحر الطويل وهو لتميم بن أبي بن مقبل في الغزل. اللغة: دهماء: اسم معشوقة الشاعر التي يتغزل فيها. فتّل الزّند: أداره بكفه ليشتعل فيه النار والقادح هو من يفعل ذلك. والشاعر يقسم بأبي دهماء أن دهماء فتاة عزيزة في أهلها دائما. والشاهد فيه قوله: «فلا وأبي دهماء زالت» حيث فصل بين لا النافية وزال بقسم ولكنه متصل تقديرا لأن الفصل بالقسم كلا فصل. وروي البيت «لعمر أبي دهماء زالت» وعليه يكون النفي مقدرا قبل زال فيكون كقوله تعالى: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ [يوسف: 85] إلا أن الحذف في الآية مقيس لكون الناسخ مضارعا. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 121، 290) وفي معجم الشواهد (ص 84). ترجمة الشاعر: هو تميم بن أبي بن مقبل أبو كعب من بني العجلان شاعر جاهلي أدرك الإسلام فهو من المخضرمين وكان يبكي أهل الجاهلية عاش مائة سنة وتوفي سنة (37 هـ) وقد رثى عثمان بن عفان. (ترجمته في الأعلام: 2/ 71).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشرت بقولي: أو مطلق النّفي إلى وقوعها مع نهي أو دعاء: فالنهي كقول الشاعر: 681 - صاح شمّر ولا تزل ذاكر المو ... ت فنسيانه ضلال مبين (¬1) والدعاء كقول الآخر: 682 - ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلا ... ولا زال منهلّا بجزعائك القطر (¬2) وأنشد الفراء (¬3): 683 - لن يزالوا كذالكم ثمّ لا زل ... ت لهم خالدا خلود الجبال (¬4) ... هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬5). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الخفيف وهو في الوعظ وصاحبه مجهول. اللغة: شمّر: من التشمير وهو الجد والاجتهاد في الأمور. ومعنى البيت وإعرابه واضحان. والشاهد فيه قوله: «ولا تزل»؛ حيث اقترنت تزل - وهي أخت كان - بلا الناهية والنهي أخ للنفي. والبيت في شرح التسهيل (1/ 334) وفي التذييل والتكميل (4/ 122) ومعجم الشواهد (ص 390). (¬2) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة طويلة لذي الرمة في الغزل وهي في ديوانه (ص 406). اللغة: ألا يا اسلمي: دعاء للدار وأصله يا هذه اسلمي. ميّ: اسم معشوقته. البلى: مصدر بلي الثوب ونحوه. منهلّا: منسكبا منصبّا. بجزعائك: الجرعاء رملة مستوية لا تنبت شيئا. القطر: المطر. وللنحاة في هذا البيت شاهدان: أولهما: حذف المنادى قبل الدعاء، وتقديره: ألا يا هذه اسلمى، والثاني: اقتران زال بلا الدالة على الدعاء وهو المقصود هنا. والبيت في شرح التسهيل (3/ 389)، (4/ 14) وفي التذييل والتكميل (4/ 122، 124) وفي معجم الشواهد (ص 150). (¬3) بعد قوله: وأنشد الفراء إلى قوله: هذا آخر كلام المصنف (البيت) يوجد بياض قدر ثلاثة أسطر في نسخ المخطوطة كلها كذا في شرح التسهيل لابن مالك، وقد نقلت البيت الذي أنشده الفراء من التذييل والتكميل (4/ 122) بعد أن وجدته فيه. (¬4) البيت من بحر الخفيف من قصيدة طويلة للأعشى يمدح بها الأسود بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان أولها: ما بكاء الكبير بالأطلال ... وسؤالي وما تردّ سؤالي وقد استشهد النحاة بكثير من أبياتها وبيت الشاهد آخرها. وانظر القصيدة في ديوان الأعشى (ص 163). والشاهد في البيت قوله: «ثم لا زلت لهم» حيث أعمل زال عمل كان مع اقترانها بلا التي للدعاء. والبيت ساقط من شرح التسهيل لابن مالك وهو في التذييل والتكميل (4/ 122) وفي معجم الشواهد (ص 323). (¬5) انظر شرح التسهيل (1/ 335).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحن بعد هذا نشير إلى أمور: الأول (¬1): ذكر المصنف من الأفعال المنسوبة إلى هذا الباب خمسة عشر فعلا وسيذكر عشرة أفعال أخر معناها معنى صار فيكون المجموع خمسا وعشرين كلمة. وبقيت أفعال أخر فيها خلاف. منهم من ألحقها بأفعال هذا الباب ومنهم من لم يلحقها وهو اختيار المصنف وسنذكر ذلك كله بعد إن شاء الله تعالى. إلا أن وني منهم من لم يجعلها من أفعال الباب. قال ابن عصفور: «وزاد بعض البغداديين في هذا الباب ما وني لأنّ معناها معنى ما زال وهذا لا يلزم لأنّ الفعل قد يكون بمعنى فعل آخر ولا يكون حكمه كحكمه. ألا ترى أن ظلّ زيد قائما معناه: أقام زيد قائما النّهار كلّه ولم تجعل العرب لأقام اسما ولا خبرا كما فعلت ذلك في ظلّ ويدل أيضا على أنها ليست من أفعال هذا الباب التزام تنكير الخبر فدلّ على أنه منتصب على الحال» انتهى (¬2). والبيت الذي أنشده المصنف وهو: 684 - لا يني الخب شيمة الخب ... فيه تعريف الخبر لكن الشيخ قال: «الّذي يظهر أن شيمة الخبّ منصوب على إسقاط حرف الجرّ لا على أنّه خبر، التقدير لا يني الخبّ شيمة الخبّ وطبيعته أي لا يفتر عن التّحلّي بها» انتهى (¬3). فجعلها الشيخ فعلا تامّا ولهذا فسرها بلا يفتر ومعنى البيت ينبو عن تخريج الشيخ فالظاهر ما قاله المصنف (¬4). - ¬

_ (¬1) كلمات الأول والثاني والثالث: لا توجد في نسخة الأصل. (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 360) باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر بتحقيق فواز الشغار ومراجعة إميل يعقوب. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 126) وبقية كلامه يقول: ألا ترى أن شيمة الخب لا ينعقد منه والمرفوع قبله مبتدأ وخبر. (¬4) قال محقق التذييل والتكميل (د/ سيد تقي) (2/ 288) موضحا ذلك ناصرا ابن مالك على أبي حيان: «بنى الشيخ كلامه على أن الخب الأولى في البيت بفتح الخاء ومعناها المخادع وأن الثانية بكسر الخاء ومعناها الخداع والخبث فيكون المعنى لا يفتر المخادع عن شيمة الخداع، وعلى هذا التقدير لا ينعقد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن الشيخ كأنه لا يرى عد رام من أفعال هذا الباب أيضا فإنه قال: وأما ما استدل به يعني المصنف على أن رام ناقصة من قول الشاعر: 685 - إذا رمت ممّن لا يريم متيّما ... ... البيت فلا حجة فيه لتنكير متيما واحتمال أن يكون حالا (¬1). [2/ 6] الأمر الثاني: أن الكلمات المذكورة في هذا الباب مما نسب إليه العمل المذكور أفعال بلا خلاف إلا ليس فإن فيها خلافا؛ منهم من قال بحرفيتها مستدلّا على ذلك بأنها لا مصدر لها ولا تتصرف وأنها ليست على وزن الأفعال ولا دليل لهم في ذلك فإن كثيرا من الأفعال لا يتصرف، وقد وجد منها ما لا مصدر له كفعل التعجب. وأما كونها ليست على وزن الفعل فالجواب عنه أنها مخففة وأن الأصل فعل كصيد وفعل مخفف كما عرفت في موضعه ولكنهم التزموا هذا التخفيف فيها لنقل الكسرة في الياء. والدليل على فعليتها اتصال ضمائر الرفع البارزة بها واتصال تاء التأنيث أيضا (¬2). الأمر الثالث: أن أفعال هذا الباب منها ما لازمه النقص وهو قليل. وأكثرها قد يستعمل تامّا وحينئذ يصير حكمها في العمل حكم ما هي بمعناه. وسيذكر المصنف معاني كل فعل إذا أريد به التمام (¬3). أما معانيها حال استعمالها ناقصة: فلم يتعرض إلى ذكره المصنف ولكن النحاة تعرضوا لذلك وها أنا أذكر ما ذكروه لتتبين دلالة كل منها: - ¬

_ - من مرفوع يني، ومن شيمة الخب كلام لا يقال المخادع شيمة المخادع، ولكن المصنف بنى استدلاله على أن الخب الأولى بكسر الخاء والثانية بفتحها فيكون المعنى: لا يزال الخداع والخبث شيمة المخادع فيستقيم استدلاله ولا يتوجه ما قاله الشيخ». (¬1) التذييل والتكميل (4/ 126) وبقية كلامه يقول: وهو أظهر إذ رام لم يستقر فيها أن تكون ناقصة في غير هذا البيت المتنازع فيه فيحمل هذا البيت عليه بل الثابت من لسان العرب أنها تامة كما قال (من الوافر). لمن طلل براقة لا يريم ... عفا وخلاله حقب قديم وأقول: إن الظاهر في معنى لا يريم أي لا يبرح فتكون ناقصة. ومعنى البيت إذا أردت سلوا ممن لا يبرح متيما فقد طلبت محالا وقد سبق أن نقلنا نصّا عن لسان العرب: أن معنى ما يريم يفعل كذا أي ما يبرح والريم معناه البراح. (¬2) انظر في تعليل فعلية ليس بالتفصيل: المقتضب (4/ 87). (¬3) سبق شرحه.

[المبتدآت والأخبار التي لا تدخل عليها]

[المبتدآت والأخبار التي لا تدخل عليها] قال ابن مالك: (وكلّها تدخل على المبتدأ إن لم يخبر عنه بجملة طلبيّة ولم يلزم التّصدير أو الحذف أو عدم التّصرّف أو الابتدائية لنفسه أو مصحوب لفظيّ أو معنويّ وندر: وكوني بالمكارم ذكّريني). ـــــــــــــــــــــــــــــ أما كان: فتغير الدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمان (الماضي) (¬1) هذا إن لم تكن بمعنى صار وإن كانت بمعنى صار فتفيد ما تفيده صار وسيأتي (¬2). وأما أصبح وأمسى وأضحى: فهي للدلالة على اقتران مضمون الجملة بالزمان الذي يشاركها في الحروف وإن كانت بمعنى صار فمعناها معناها. وأما ظل: فللدلالة على مصاحبة الصفة للموصوف نهاره كما أن بات لمصاحبته إياه ليله وإن كانت بمعنى صار فمعناهما معناها. وأما صار: فللدلالة على تحول الموصوف عن صفته التي كان عليها إلى صفة أخرى. وأما ليس: فلانتفاء الصفة عن الموصوف. وأما ما دام: فللدلالة على مقارنة الصفة للموصوف في الحال. وأما ما زال وأخواتها: فللدلالة على ملازمة الصفة للموصوف مذ كان قابلا لها على حسب ما قبله. وقد قال المصنف: إن معناها الإعلام بلزوم مضمون الجملة في المضي أو في الاستقبال (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): «جرت عادة النحويين بإطلاق القول في كون هذه الأفعال تدخل على المبتدأ فلا يبينون امتناع بعض المبتدآت من دخولها عليها وقد تعرض لذلك بعضهم دون حصر وقد بينت ما أغفلوه من ذلك فإن الحاجة داعية إلى معرفته. فمن ذلك المبتدأ المخبر عنه بجملة طلبية نحو زيد اضربه وعمرو لا تصحبه وبشر - ¬

_ (¬1) ما بين القوسين زيادة من عندنا يتطلبها المقام غير موجودة في النسخ. (¬2) سبق شرحه. (¬3) شرح التسهيل (1/ 333). (¬4) شرح التسهيل (1/ 335).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هل أتاك لا تدخل عليه هذه الأفعال ولا غيرها من العوامل اللفظية وقول من قال: 686 - وكوني بالمكارم ذكّريني ... [ودلّي دلّ ما جدة صناع] (¬1) نادر لأن الخبر فيه جملة طلبية. ومن المبتدآت التي لا تدخل عليه هذه الأفعال: كل مبتدأ تضمن معنى الاستفهام أو الشرط فللمستحق لذلك أن يكون مصدرا نحو أي القوم أفضل وأيهم يأتي فله حق وكذا المبتدأ [2/ 7] المضاف إلى ما تضمن ذلك. ومما يجب تصديره فيمتنع دخول هذه الأفعال عليه: المقرون بلام الابتداء لأن لها صدر الكلام فلا يعمل فيما اقترنت به غير الابتداء. ومما لا يدخل عليه هذه الأفعال: ما لزم حذفه كالمبتدأ المنوي قبل النعت المقطوع كقولك الحمد لله الحميد بالرفع وقد تقدم الإعلام بما يحذف من المبتدآت على سبيل اللزوم. ومما لا تدخل عليه هذه الأفعال: ما لا يتصرف نحو: طوبى للمؤمن وسلام عليك وويل للكافر، وما لزم الابتدائية لنفسه نحو: قولك: أن تفعل أقاموه مقام ينبغي لك أن تفعل فلم تدخل الأفعال عليه كما لا تدخل على ما أقيم مقامه وكذا قولهم أقل رجل يقول ذلك إلا زيد أقاموه مقام ما يقول ذلك الرجل إلا زيد فعاملوه معاملته في امتناع دخول الفعل عليه ومجيء إلا بعده. ومما لزم الابتدائية لمصحوب لفظي المبتدأ الواقع بعد لولا الامتناعية والواقع بعد إذا المفاجأة. ومما لزم الابتدائية لمصحوب معنوي: ما التعجبية وما بعد لله في التعجب نحو لله درك. ومن اللازم الابتدائية لمصحوب معنوي: ما جرى مثلا نحو قولهم الكلاب على - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر وهو لبعض بني نهشل كما في مراجعه. وقد سبق الاستشهاد به عند الحديث عن خروج الجمل الطلبية إلى الخبرية. وشاهده هنا: وقوع الجملة الطلبية خبرا لكان وهو نادر. والبيت رواه أبو حيان كما أثبتناه في المخطوطة بترتيبه وقافيته وذكر أن قبله بيتا آخر وهو قوله: ألا يا أمّ فارع لا تلومي ... على شيء رفعت به سماعي والبيت في شرح التسهيل (1/ 336) وفي التذييل والتكميل (4/ 130). وفي معجم الشواهد (ص 232).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البقر (¬1) والعاشية تهيج الآبية (¬2) والإيناس قبل الإبساس (¬3) فهذه وأمثالها من المبتدآت التي وردت أمثالا لا تفارقها الابتدائية لأن الأمثال لا تغير» انتهى (¬4). وقد نوقش (¬5) في تمثيله بقولهم: نولك أن تفعل لما لزم الابتدائية فقيل إنه لم يلزمها وقد استعمل اسما لكان. قال النابغة: 687 - فلم يك نولكم أن تشقذوني ... ودوني عازب وبلاد حجر (¬6) وأنشد الزمخشري في كتاب أساس البلاغة (¬7): 688 - أأن حنّ أجمال وفارق جيرة ... عنيت بنا ما كان نولك تفعل (¬8) يريد أن تفعل فحذف أن وارتفع الفعل. ونص ابن هشام على جواز دخول كان على نولك، قال: فيقال: ما كان نولك - ¬

_ (¬1) مثل من أمثال العرب يضرب عند تحريش بعض القوم على بعض من غير مبالاة يعني لا ضرر عليك فخلهم. ونصب الكلاب على معنى أرسل الكلاب. (وانظر المثل في مجمع الأمثال 3/ 22). (¬2) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 2/ 329) والعاشية من عشوت بمعنى تعشيت والآبية الممتنعة عن تناول الطعام وغيره. وأصله أن رجلا سأل ولده: هل عشيت الإبل فقال الولد: إنّها أبت العشاء، فقال الأب: «العاشية تهيج الآبية» فذهب قوله مثلا. وكنت أقرؤها الغاشية (بالغين المعجمة بمعنى المغشية) تهيج الآبية بمعنى أن الممتنعة عن طرق الفحل إياها إذا رأت الأخرى التي يطرقها حنت ورضيت. (¬3) مثل من أمثال العرب (مجمع الأمثال: 1/ 376). الإيناس: مصدر آنسه أوقعه في الأنس وهو نقيض أوحشه. الإبساس: الرفق بالناقة عند الحلب وهو أن يقول لها: بس بس قال الشاعر: ولقد رفقت فما رجعت بطائل ... لا ينفع الإبساس بالإيناس والمثل يضرب في المداراة عن الطلب. (¬4) شرح التسهيل (1/ 337) وهو بنصه. (¬5) الذي ناقشه هو أبو حيان. وانظر التذييل والتكميل (2/ 128). (¬6) البيت من بحر الوافر قائله النابغة الذبياني من مقطوعة قصيرة له يرد بها على قوم رووا شعرا له في هجائه وبيت الشاهد رابعها وآخرها. وانظر المقطوعة في ديوان النابغة (ص 76). (¬7) انظر (ص 996) من الكتاب المذكور طبعة كتاب الشعب مادة (نول). (¬8) البيت من بحر الطويل أنشده الزمخشري في كتابه أساس البلاغة (مادة نول: ص 996) ولم ينسبه، وهو في العتاب بين الأحباب. واستشهد به هنا على ما في البيت السابق من عدم لزوم لفظ النول الابتدائية بل يجوز عمل النواسخ فيه. -

[عملها في الجملة الاسمية]

[عملها في الجملة الاسمية] قال ابن مالك: (فترفعه ويسمّى اسما وفاعلا وتنصب خبره ويسمّى خبرا ومفعولا ويجوز تعدّده خلافا لابن درستويه). ـــــــــــــــــــــــــــــ أن تفعل أي ما كان الواجب أن تفعل (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): الشائع في عرف النحويين التعبير عن مرفوع هذا الباب ومنصوبه باسم وخبر وعبر سيبويه عنهما باسم الفاعل واسم المفعول فقال قاصدا هذا الباب (¬3): هذا باب الفعل الذي يتعدى اسم الفاعل إلى اسم المفعول والمفعول فيه لشيء واحد. وكذا فعل المبرد فإنه ذكر هذه الأفعال في بابها ثم قال (¬4): وهذه الأفعال صحيحة كضرب ولكننا أفردنا لها بابا إذ كان فاعلها ومفعولها يرجعان إلى معنى واحد (¬5). فأي التعبيرين استعمل النحوي أصاب لكن الاستعمال الأشهر أولى. وإذا دخل شيء من هذه الأفعال على خبر متعدد نصب الجميع كما ينصب الخبر الذي لم يتعدد فيقال في هذا حلو [2/ 8] حامض كان هذا حلوا حامضا وذلك أن ارتفاع الخبرين فصاعدا أثبت فعامل كان وأخواتها أقوى منه ولذلك انتسخ عمله بعملها فكما جاز للعامل الأضعف أن يعمل في خبرين فصاعدا كذلك يجوز للعامل - ¬

_ - والبيت في التذييل والتكميل (4/ 128) وليس في معجم الشواهد. (¬1) انظر التذييل والتكميل (4/ 128) وانظر هناك إعرابين لهذا المثال رآهما أبو حيان وملخصهما: (مع رفع نولك) يكون اسما لكان وأن تفعل هو الخبر ومعناه ما كان الواجب أن تفعل كما يجوز أن يكون اسم كان ضمير الشأن ونولك أن تفعل جملة الخبر المفسرة لضمير الشأن. و (مع نصب نولك) يكون خبرا مقدما لكان وأن تفعل هو الاسم. (¬2) شرح التسهيل (1/ 337) وهو بنصه. (¬3) نصه في كتاب سيبويه (1/ 45). (¬4) انظر نص عبارته في المقتضب (4/ 86) يقول: «هذا باب الفعل المتعدّي إلى مفعول واسم الفاعل والمفعول فيه لشيء واحد، وذلك الفعل كان وصار وأصبح وأمسى وظل وبات وأضحى ومادام ومازال وليس وما كان في معنا هنّ». «وهذه أفعال صحيحة كضرب ...» إلخ. (¬5) هذا آخر كلام المبرد وما بعده لابن مالك.

[ما تختص به دام وأفعال الاستمرار الماضية]

[ما تختص به دام وأفعال الاستمرار الماضية] قال ابن مالك: (وتختصّ دام والمنفي بما بعدم الدّخول على ذي خبر مفرد طلبيّ) (¬1). - الأقوى بل هو بذلك أولى (¬2). وذهب ابن درستويه إلى منع تعدد الخبر في هذا الباب (¬3) لأنه شبيه بمفعول ما يتعدى إلى مفعول واحد فكما لا يتعدى (¬4) الفعل المتعدي إلى واحد إلى أكثر من واحد كذلك لا ينصب بأفعال هذه الباب الأخير واحد وهذا منع لا يلتفت إليه ولا يعرج عليه (¬5). قال ناظر الجيش: لما أفهم قول المصنف المتقدم: وكلها تدخل على المبتدأ إن لم يخبر عنه بجملة طلبية أنه لا يمتنع دخولها على المبتدأ المخبر عنه بمفرد طلبي نحو أين كان زيد ومتى صار القتال وكيف كان لقاء عمرو، وكان بعض هذه الأفعال لا يجوز فيه ذلك إما لذاته وإما لأجل شيء باشره - أشار بهذا الكلام إلى ما يمتنع فيه ذلك وهو ما دام وما ينفى بما من بقية أفعال الباب، فلا يقال أين ما دام زيد ولا أين ما كان زيد ولا كيف ما أصبح عمرو ولا متى ما صار القتال والعلة في ذلك أن المفرد الطلبي إذا وقع خبرا وجب تقديمه وأنه ممتنع فيما ذكره. أما في ما دام فلأن ما في حيز الصلة لا يتقدم على الموصول وأما في ما نفي بما - ¬

_ (¬1) هذا المتن ساقط من شرح التسهيل لابن مالك المخطوط والمطبوع وبالتالي سقط الشرح أيضا، وذلك مما يجعل قيمة لشرحنا. وقد شرحه أبو حيان أيضا دون أن ينقل نصوصا عن ابن مالك. (انظر التذييل والتكميل: 4/ 132). (¬2) معناه أن الابتداء وهو عامل معنوي ضعيف يعمل الرفع في الخبر أو الأخبار (هو قول الأخفش والرماني وابن السراج وأبطله ابن مالك) فمن باب أولى أن يعمل العامل اللفظي الأقوى وهو كان وأخواتها عمله في المبتدأ والخبر بحالتيه: الإفراد والتعدد. (¬3) انظر رأي ابن درستويه في التذييل والتكميل (4/ 131) والهمع (1/ 114). قال أصحابهما: وممن منعه أيضا أبو الحسن بن أبي الربيع. (¬4) في نسخة الأصل: فكما لا يعدى وهما سواء في المقصود. (¬5) شرح التسهيل (1/ 338).

[علة تسميتها أفعالا ناقصة]

[علة تسميتها أفعالا ناقصة] قال ابن مالك: (وتسمّى نواقص لعدم اكتفائها بمرفوع لا لأنّها تدلّ على زمن دون حدث فالأصحّ دلالتها عليهما إلّا ليس). ـــــــــــــــــــــــــــــ فلأن ما النافية لها الصدر فيتدافع الأمر بينهما وبين المفرد الطلبي. قال المصنف: «ولا يمتنع دخول غير دام ما لم ينف بما على ذي خبر مفرد طلبي نحو أين كان زيد وأين لم يزل زيد إذا أردت أنه في كل مكان وهذا ينبني على جواز تقديم الخبر. وأما ما دام فلا يدخل على نحو: أين زيد؛ لأن خبرهما صلة وكذا زال وأخواتها إذا نفيت بما لا إذا نفيت بغيرها لأن ما وحدها لها صدر الكلام» انتهى. وحاصل الأمر: أن ما دام يمتنع دخولها على ما خبره مفرد طلبي. وأما غيرها فحكمه حكمها في ذلك إن نفيت بما وإن لم تنف بما بأن كانت غير منفية أو منفية بغير ما من أدوات النفي فلا يمتنع دخولها على المبتدأ الذي خبره كذلك نحو أين كان زيد وأين لم يكن زيد وأين لم يزل عمرو. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «زعم جماعة منهم ابن جني (¬2) وابن برهان (¬3) والجرجاني (¬4) أن كان وأخواتها تدل على زمن وقوع الخبر ولا تدل على - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 338) وقد نقل فيه الشارح نصّا. (¬2) يقول في كتابه اللمع في العربية (ص 119): باب كان وأخواتها وهي كان وصار ... وما تصرف منهنّ وما كان في معناهنّ مما يدل على الزمان المجرّد من الحدث. (¬3) يقول في كتابه شرح اللمع (ص 49) تحقيق د/ فائز فارس (طبعة أولى - الكويت) «العرب جعلت من كان الدلالة على المصدر وألزمتها الخبر جبرا لكسرها ورتقا لفتقها فصار كان زيد قائما بمنزلة قام زيد وقام زيد وقع قيام زيد في الزّمان الماضي فمن كان يعلم الزمان فقط ومن خبرها يعلم المصدر ومن كان التامة يعلم المصدر والزمان جميعا كما يعلم ذلك من ضرب». ثم كرر هذا الكلام بأسلوب آخر في (ص 50). (¬4) يقول في كتابه المقتصد في شرح الإيضاح (1/ 398): «وهي أفعال غير حقيقة ومعنى ذلك أنها سلبت الدلالة على الحدث وإنما تدلّ على الزمان فقط فإذا قلت كان زيد قائما كان بمنزلة قولك: قام زيد في أنّه يدل على قيام في زمان خاص فلما سلبت هذه الأفعال -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حدث ودعواهم باطلة من عشرة أوجه»: أحدها: «أن مدعي ذلك معترف بفعلية هذه العوامل والفعلية تستلزم الدلالة على الحدث والزمان معا إذ الدال على الحدث وحده مصدر والدال على الزمان وحده اسم زمان والعوامل المذكورة ليست مصادر ولا أسماء زمان فبطل كونها دالة على أحد [2/ 9] المعنيين دون الآخر. الثاني: «أن مدعي ذلك معترف بأن الأصل في كل فعل الدلالة على المعنيين فحكمه على العوامل المذكورة بما زعم إخراج لها عن الأصل فلا يقبل إلا بدليل». الثالث: «أن العوامل المذكورة لو كانت دلالتها مخصوصة بالزمان لجاز أن تنعقد جملة تامة من بعضها ومن اسم معنى كما تنعقد منه ومن اسم زمان وفي عدم جواز ذلك (¬1) دليل على بطلان دعواه». الرابع (¬2): «أن الأفعال كلها إذا كانت على صيغة مختصة بزمان معين فلا يمتاز بعضها من بعض إلا بالحدث كقولنا: أهان وأكرم فإنهما متساويان بالنسبة إلى الزمان مفترقان بالنسبة إلى الحدث فإذا فرض زوال ما به الافتراق وبقاء ما به التساوي لزم أن لا يكون بين الأفعال المذكورة فرق ما دامت على صيغة واحدة». «ولو كان الأمر كذلك لزم تناقض قول من قال أصبح زيد ظاعنا وأمسى مقيما لأنه على ذلك التقدير بمنزلة قوله زيد قبل وقتنا ظاعن مقيم وإنما يزول التناقض بمراعاة دلالة الفعلية على الإصباح والإمساء وذلك هو المطلوب». الخامس: «أن من جملة العوامل المذكورة انفك ولا بد معها من ناف فلو كانت لا تدل على الحدث الذي هو الانفكاك بل على زمن الخبر لزم أن يكون معنى قولنا ما انفك زيد غنيّا ما زيد غنيّا في وقت من الأوقات الماضية وذلك نقيض المراد فوجب بطلان ما أفضى إليه». السادس (¬3): «أن من جملة العوامل المذكورة: دام ومن شرط إعمالها عمل - ¬

_ - الدلالة على الحدث عوضت الخبر فلم يسكت على فاعليها لو قلت: كان زيد لم يجز حتّى تأتي بالخبر فتقول منطلقا أو قائما وكذا تقول: يكون زيد منطلقا وسيكون زيد منطلقا لأن كان ويكون يدلّ على الزمان فقط، فلا تحصل الفائدة إلّا بعد الإتيان بالخبر. (¬1) في شرح التسهيل لابن مالك: وفي جواز عدم ذلك. (¬2) شرح التسهيل (1/ 338). (¬3) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان كونها صلة لما المصدرية ومن لوازم ذلك صحة تقدير المصدر في موضعها كقولك جد ما دمت واجدا أي جد مدة دوامك واجدا فلو كانت دام مجردة عن الحدث لم يقم مقامها اسم الحدث». السابع: «أن هذه الأفعال لو لم يكن لها مصادر لم تدخل عليها أن كقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ (¬1) لأن أن هذه وما وصلت به في تأويل مصدر وقد جاء مصدرها صريحا في قول الشاعر: 689 - ببذل وحلم ساد في قومه الفتى ... وكونك إيّاه عليك يسير (¬2) وقد حكى أبو زيد في كتاب الهمز مصدر فتئ مستعملا (¬3) وحكى غيره ظللت أفعل كذا ظلولا (¬4) وجاءوا بمصدر كاد في قولهم: لا أفعل ذلك ولا كيدا أي ولا أكاد كيدا (¬5) وكاد فعل ناقص من باب كان إلا أنها أضعف من كان إذ لا يستعمل لها اسم فاعل واسم فاعل كان مستعمل ولا يستعمل فيها أمر والأمر من كان مستعمل، وإذا لم يمتنع استعمال مصدر كاد وهي أضعف من كان فأن لا يمتنع استعمال مصدر كان أحق وأولى (¬6). - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 20. (¬2) البيت من بحر الطويل ومع أنه يحمل معنى جميلا في المدح والتوجيه إلا أنه مجهول القائل. يقول قائله: إذا أردت أن تسود قومك فتحمل فقيرهم بالجود والعطاء وتحمل سفيههم بالحلم والصفح وهذه الأمور يسيرة على من يريد السيادة على قومه ويريد المجد لنفسه. ويستشهد بالبيت على استعمال المصدر من كان الناقصة ثم عمله عمل كان في قوله: وكونك إياه فالكاف فيه اسم كان من إضافة المصدر إلى اسمه وإياه ضمير النصب خبر وكونك مبتدأ ويسير خبره. وفي البيت بحث لطيف للشيخ محمد محيي الدين في شرح الأشموني (1/ 387) في استعمال المصدر لكان، يقول (بتلخيص): قال بعضهم: «إن هذا المصدر لكان التامة والمنصوب بعدها في قولك كونك مهذّبا حال قال: وهو مردود بهذا البيت لأنّ الضمير لا يكون حالا ولأن الحال صفة والضمير لا يوصف به. وذكر أن هذا الضمير لا يكون مفعولا لفعل محذوف لأنه لا دليل على ذلك ولأنه يعود على أقرب مذكور وهو الفتى». والبيت في شرح التسهيل (1/ 339) وفي التذييل والتكميل (4/ 135). وفي معجم الشواهد (ص 158). (¬3) في لسان العرب (فتأ): وروي عن أبي زيد قال: تميم تقول: أفتأت وقيس وغيرهم يقولون: فتئت تقول: ما أفتأت أذكره إفتاء وذلك إذا كنت لا تزال تذكره وما فئت أذكره أفتأ فتئا. (¬4) في لسان العرب (ظلل): ظلّ نهاره يفعل كذا وكذا يظلّ ظلّا وظلالا .. وظللت أعمل كذا بالكسر ظلولا إذا عملته بالنهار دون الليل. (¬5) في لسان العرب (كيد): كاد يفعل كذا كيدا: قارب ... ولا أفعل ذلك ولا كيدا ولا همّا. (¬6) جعل أبو حيان هذا الوجه أقوى الوجوه العشرة قال: «وهو دليل سمعيّ ثابت من لسان العرب» -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثامن: أن هذه الأفعال لو كانت لمجرد الزمان لم يغن عنها اسم الفاعل [2/ 10] كما جاء في الحديث: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن عليكم وزرا» (¬1). وقال سيبويه (¬2): قال الخليل: هو كائن أخيك على الاستخفاف والمعنى هو كائن أخاك». هذا نصّه. وقال الشاعر: 690 - وما كلّ من يبدي البشاشة كائنا ... أخاك إذا لم تلفه لك منجدا (¬3) لأن اسم الفاعل لا دلالة فيه على الزمان بل هو دال على الحدث وما هو به قائم وما هو عنه صادر (¬4). ومثل ذلك قول الآخر: 691 - قضى الله يا أسماء أن لست زائلا ... أحبّك حتّى يغمض العين مغمض (¬5) - ¬

_ - (التذييل والتكميل: 4/ 136). (¬1) الحديث في سنن الدارمي في كتاب فضائل القرآن (2/ 434) ونصه: «إنّ هذا القرآن كائن لكم أجرا وكائن لكم ذكرا وكائن لكم نورا وكائن عليكم وزرا اتّبعوا هذا القرآن» ... إلخ. (¬2) نصه في الكتاب (1/ 66)، وفي باب ترجمته: «هذا باب من اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى، فإن أردت فيه من المعنى ما أردت في يفعل؛ كان نكرة منوّنا». (¬3) البيت من بحر الطويل وهو كالبيت السابق يحمل معنى جميلا لشاعر مجهول. ومعناه: ليس كل من يلقاك ضاحكا مبتسما أخا لك ما دمت لا تجده في وقت الشدة فالأخ المخلص من تجده من الملمات. والشاهد فيه قوله: «كائنا أخاك» حيث استعمل اسم الفاعل من كان وأعمله عملها فدل هذا على أن كان تدل على الحدث لأن اسم الفاعل يدل على الحدث والوصف. والبيت في شرح التسهيل (1/ 340) وفي التذييل والتكميل (4/ 137) وفي معجم الشواهد (ص 94). (¬4) في نسخة الأصل: وما هو صادر عنه. (¬5) البيت من بحر الطويل من قصيدة في الغزل الرقيق للحسين بن مطير بن مكمل الأسدي. انظر جزءا منها في مجالس ثعلب (1/ 220) وبعد بيت الشاهد قوله: فحبّك بلوى غير أن لا يسوءني ... وإن كان بلوى أنّني لك مبغض وفي بيت الشاهد يقول لمعشوقته أسماء: إنها ستظل بقلبه دائما إلى أن يموت. وفي البيت ثلاثة نواسخ: أن: واسمها ضمير الشأن وخبرها جملة لست زائلا. لست: ليس واسمها زائلا خبرها مع صلته. زائلا: اسم فاعل من زال يعمل عمل فعله وقد تقدمه النفي بليس واسمه الضمير المستتر العائد على -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد أن لست أزال أحبك فأعمل اسم الفاعل عمل الفعل. التاسع (¬1): «أن دلالة الفعل على الحدث أقوى من دلالته على الزمان لأن دلالته على الحدث لا تتغير بقرائن ودلالته على الزمان تغيير بالقرائن، فدلالته على الحدث أولى بالبقاء من دلالته على الزمان». العاشر: «أن هذه الأفعال لو كانت مجردة عن الحدث مخلصة للزمان لم يبن لها أمر كقوله تعالى: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ (¬2) لأن الأمر لا يبني مما لا دلالة فيه على الحدث». وما ذهبت إليه في هذه المسألة من كون هذه الأفعال دالة على مصادرها هو الظاهر من قول سيبويه (¬3) والمبرد (¬4) والسيرافي (¬5). - ¬

_ - المتكلم والخبر جملة أحبك وهو موضع الشاهد. والبيت في شرح التسهيل (1/ 240) وفي التذييل والتكميل (4/ 137) وفي معجم الشواهد (ص 204). ترجمة الشاعر: هو الحسين بن مطير بن مكمل مولى بني أسد من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، فصيح متقدم في الرجز والقصيد يعد من فحول الشعراء مدح معن بن زائدة الشيباني بكثير من مدائحه كما رثاه بعد موته، ومما قاله فيه: فيا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البرّ والبحر مترعا انظر ترجمته في معجم الأدباء (10/ 167) وأخبارا كثيرة عنه. (¬1) شرح التسهيل (1/ 340). (¬2) سورة النساء: 135. (¬3) قال سيبويه في الباب الذي تحدث فيه عن كان وأخواتها (الكتاب: 1/ 46): «تقول: كناهم كما تقول: ضربناهم وتقول إذا لم تكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول: إذا لم تضربهم فمن يضربهم ... فهو كائن ومكون كما تقول: ضارب ومضروب ... إلخ. فقد أخذ من كان اسمي الفاعل والمفعول وهما يدلان على الحدث فكذلك الفعل كما ذهب إليه في الوجه الثامن. (¬4) انظر المقتضب (4/ 86): يقول المبرد: «وكونها أفعالا صحيحة يقتضي أن تدلّ على الحدث كما يدل عليه ضرب». (¬5) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (2/ 292) (رسالة دكتوراه بكلية اللغة، تحقيق د/ دردير أبو السعود): «أوجه استعمالات كان ثلاثة: 1 - وقوع الحدث في الزمان الماضي. 2 - أن تكون بمعنى حدث. 3 - أن تكون زائدة، وقولنا أن تكون زائدة ليس المعني بذلك أن دخولها كخروجها في كل معنى وإنما يعني بذلك أنها ليس لها اسم لها اسم ولا خبر ولا هي لوقوع شيء مذكور ولكنها دالة على زمان وفاعلها كمصدرها وذلك قولك: زيد كان قائم أو زيد قائم كان تريد كان ذلك الكون. وقال أيضا في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز السيرافي الجمع بين كان ومصدرها توكيدا ذكر ذلك في شرح الكتاب (¬1) وإذ قد ثبت بالدلائل المذكورة أن هذه الأفعال - غير ليس - دالة على الحدث والزمان كغيرها من الأفعال فليعلم أن سبب تسميتها نواقص إنما هو لعدم اكتفائها بمرفوع وإنما لم تكتف بمرفوع لأن حدثها مقصود إسناده إلى النسبة التي بين معموليها فمعنى قولك كان زيد عالما: وجد اتصاف زيد بالعلم والاقتصار على المرفوع غير واف بذلك فلهذا لم يستغن به عن الجزء الثاني وكان الفعل جديرا بأن ينسب إلى النقصان. وقد أشار إلى هذا المعنى سيبويه بقوله (¬2): كان عبد الله أخاك فإنّما أردت أن تخبر عن الأخوة. فبين أن كان مسندة إلى النسبة فمن ثم نشأ عدم الاكتفاء بالمرفوع» انتهى. انتهى كلام المصنف (¬3) ولا يخفى وجه حسنه. لكن قوله في الأفعال المذكورة أن حدثها مقصود إسناده إلى النسبة التي بين معموليها غير ظاهر؛ فإن الإسناد ظاهره إنما هو إلى الاسم الواقع بعدها لكنه إسناد إليه بقيد تلبسه بصفة كما تقدم تقريره ومن ثم كان الإخبار بالصفة هو المقصود. وقول سيبويه في كان عبد الله أخاك إنما أردت أن تخبر عن الأخوة يحقق ذلك. ثم اعلم أن من ذهب إلى أن هذه الأفعال سلبت الدلالة على الحدث وتجردت للدلالة على الزمان، قال: إنها لا يتعلق بها حرف جر، ولا عمل لها في ظرف الزمان ولا ظرف المكان، ومن ذهب إلى أنها لم تسلب الدلالة على الحدث أجاز لها العمل في ذلك كله [2/ 11] وهذا هو الصحيح ولذلك علق بعضهم المجرور في قوله تعالى: أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً (¬4) بكان (¬5) وقد تقدم نقل المصنف عن السيرافي أنه - ¬

_ - (2/ 433): إذا قلت: ما كان أحسن زيدا، فلك في كان وجهان: أن تكون زائدة وتجعل فيها ضمير الكون من معنى كان ولك أن تجعل فيها ضمير ما وهو اسم لكان». (¬1) قال السيرافي (المرجع السابق: 2/ 204) إذا قلت: كان زيد منطلقا كونا ثم نقلته إلى ما لم يسم فاعله أقمت الكون مقام الفاعل وجعلت الجملة تفسيرا للكون فقلت: كين الكون زيد ينطلق ويجوز إضمار الكون لدلالة الفعل عليه إذا كان مصدرا وذكر إعرابه فقال: الكون اسم ما لم يسم فاعله لكين وزيد منطلق جملة هي تفسير الكون». (¬2) انظر: الكتاب (1/ 45) وبقية كلامه يقول: «وأدخلت كان لتجعل ذلك فيما مضى وذكرت الأول كما ذكرت المفعول الأول في ظننت». (¬3) شرح التسهيل (1/ 341). (¬4) سورة يونس: 2. (¬5) هذا رأي وفي الآية آراء أخرى قال أبو حيان (البحر المحيط: 5/ 622): اسم كان أن أوحينا وعجبا الخبر، وللناس قيل هو في موضع الحال من عجبا لأنه لو تأخر لكان صفة، فلما تقدم كان حالا. وقيل -

[معاني هذه الأفعال وهي تامة]

[معاني هذه الأفعال وهي تامة] قال ابن مالك: (وإن أريد بكان ثبت أو كفل أو غزل وبتواليها الثّلاث دخل في الضّحى والصّباح والمساء وبظلّ دام أو طال وببات نزل ليلا وبصار رجع أو ضمّ أو قطع وبدام بقي أو سكن وببرح ذهب أو ظهر وبونى فتر وبرام ذهب أو فارق وبانفكّ خلص أو انفصل وبفتئ سكّن أو أطفأ سمّيت تامة وعملت عمل ما رادفت وكلّها تتصرّف إلّا ليس ودام ولتصاريفها ما لها وكذا سائر الأفعال). ـــــــــــــــــــــــــــــ أجاز الجمع بين كان ومصدرها لكن الجمهور على أن ذلك لا يجوز وذلك لأنهم عوضوا عن النطق بمصدرها الخبر إذ كان هو المسند (¬1) في الحقيقة لاسمها. قال ناظر الجيش: تقدمت الإشارة إلى أن من أفعال هذا الباب ما يستعمل تامّا وهو الأكثر منها، وأن منها ما لازمه النقص والذي لازمه النقص منها ثلاثة أفعال وهي ليس وزال وفتئ والمصنف اقتصر في متن الكتاب على ذكر ما استعمل تامّا فعلم أن ما لم يذكره منها يكون ملازما للنقص. وحاصله: أن الذي ذكره خمسة عشر فعلا؛ منها ثلاثة لازمها النقص والباقي وهو اثنا عشر فعلا يستعمل تامّا وقد صرح المصنف في شرح هذا الموضع بالذي قلته فقال (¬2): «جميع هذه الأفعال تكون ناقصة وتامة إلا ليس وزال التي مضارعها يزال وفتئ بكسر التاء وكذا فتأ وأفتأ مرادفاتها وحكم ما ينسب إلى التمام حكم ما هو في معناه وشذ أبو علي فأجاز وقوع زال تامة (¬3). فتتم كان بأن يراد بها أحد ثلاثة معان: الأول: أن يراد بها معنى ثبت وثبوت كل شيء بحسبه فتارة يعبر عنه بالأزلية - ¬

_ - يتعلق بقوله عجبا وليس مصدرا بل هو بمعنى معجب، والمصدر إذا كان بمعنى المفعول جاز تقدم معموله عليه كاسم المفعول وقيل هو تبين أي أعني للناس وقيل يتعلق بكان وإن كانت ناقصة وهذا لا يتم إلا إذا قدرت دالة على الحدث فإنها إن تمحضت للدلالة على الزمان لم يصح تعلق بها. (¬1) في نسخة الأصل: إذ هو المسند وما أثبتناه من (ب). (¬2) شرح التسهيل (1/ 341). (¬3) انظر: الهمع (1/ 155). وفي شرح التسهيل لابن مالك: وأجاز أبو علي في الحلبيات وقوع زال تامة ثم مثل لذلك ببيت ثقيل من الشعر مما جعل شارحنا يحذفه ويختصر الكلام، وانظر في جواز أبي علي وقوع زال تامة المسائل الحلبيات (ص 274) تحقيق د/ حسن هنداوي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو كان الله ولا شيء معه. وتارة يعبر عنه بحدث كقول القائل: 692 - إذا كان الشّتاء فأدفئوني ... فإنّ الشّيخ يهدمه الشّتاء (¬1) وتارة يعبر عنه بحضر كقوله تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ (¬2) وتارة يعبر عنه بقدر أو وقع نحو: ما شاء الله كان. ولا يخفى لزوم كان في هذه المعاني الثلاثة (¬3). الثاني: أن يراد بها معنى كفل يقال كنت الصّبيّ أي كفلته ومصدرها كيانة. الثالث: أن يراد بها معنى غزل يقال كنت الصّوف أي غزلته حكى ذلك أبو محمد البطليوسي (¬4). وتتم توالي كان الثلاث: وهي أضحى وأصبح وأمسى بأن يراد بهن الدخول في الضحى والصباح والمساء كقول الله سبحانه وتعالى: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (¬5) ومنه قول الشاعر: 693 - ومن فعلاتي أنّني حسن القرى ... إذا اللّيلة الشّهباء أضحى جليدها (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر ومعناه يشير إلى أن قائله من المعمرين وهو كذلك؛ فقائله الربيع (بالتصغير) ابن ضبع الفزاري الذي يروى أنه عاش أكثر من ثلاثمائة سنة وهو مخضرم. وروى ابن هشام البيت في شذور الذهب (ص 380): ... ... فإنّ الشّيخ يهرمه الشتاء والشاهد في البيت: استعمال كان دالة على الحدث ومعناه إذا وجد الشتاء أو حدث. وروي مكان كان: إذا جاء الشتاء وحينئذ إذ لا شاهد فيه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 342) وهو في التذييل والتكميل (4/ 138) وفي معجم الشواهد (ص 10). (¬2) سورة البقرة: 280. (¬3) العبارة الأخيرة وهي قوله ولا يخفى .. إلخ من كلام ناظر الجيش. (¬4) قال في كتابه: إصلاح الخلل الواقع في الجمل (ص 155) تحقيق الدكتور حمزة النشرتي وذكر اللغويون في غريب اللغات أن كان تكون بمعنى كفل، يقال: كان الرجل الصّبيّ إذا كفله. وذكروا أنه يقال: كان الصّوف إذا غزله وكان في هذين الموضعين ليست مما تدخل على مبتدأ وخبر وإنما هي فعل صحيح بمنزلة ضرب وقتل ونحوهما مما يتعدى إلى مفعول واحد. (¬5) سورة الروم: 17. (¬6) البيت من بحر الطويل وهو لشاعر يدعى ابن أمامة. اللغة: فعلاتي: بفتحات جمع فعلة بفتح فسكون وهي المرة الوحيدة من الفعل. القرى: ما يقدم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتتم ظل بأن يراد بها معنى دام أو طال وذكر ابن عصفور أنها أيضا بمعنى الإقامة نهارا (¬1). [2/ 12] وتتم بات بأن يراد بها معنى عرّس، يقال بات بالقوم وبات القوم إذا نزل بهم ليلا. قال المصنف: «فتستعمل متعدية بنفسها وبالباء». وتتم صار بأن يراد بها معنى رجع فتتعدى بإلى قال: 694 - فصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا ... ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (¬2) ومعنى ضم أو قطع فتتعدى بنفسها إلى مفعول واحد وذكر ابن عصفور أنها تكون بمعنى انتقل (¬3). وتتم دام بأن يراد بها معنى بقي كقوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ * (¬4) أو معنى سكن، ومنه الحديث: «نهي عن أن يبال في الماء الدّائم» (¬5) أي الساكن. وتتم برح بأن يراد بها معنى ذهب أو معنى ظهر وقد فسر قولهم برح الخفاء بالوجهين. وتتم ونى بأن يراد بها معنى فتر وهو أشهر من استعمالها بمعنى زال الناقصة. - ¬

_ - للضيف. الليلة الشّهباء: المجدبة الباردة. الجليد: ما يسقط من الندى فيجمد. المعنى: يصف الشاعر نفسه بالكرم وأنه حسن القرى للأضياف في عزة الطعام واشتداد البرد. والشاهد فيه: استعمال أضحى فعلا تامّا والمراد دخول الجليد وقت الضحى وبقاؤه بلا ذوبان وحينئذ فهي ليست في حاجة إلى خبر. والبيت في شرح التسهيل (1/ 342) وفي التذييل والتكميل (4/ 139) ومعجم الشواهد (ص 104). (¬1) انظر شرح الجمل له (1/ 281). (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة مشهورة لامرئ القيس في اللهو والغزل والفجور وهي في الديوان (ص 32) وقبل بيت الشاهد قوله: حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت ... هصرت بغصن ذي شماريخ ميّال والشاهد في البيت قوله: «فصرنا إلى الحسنى» حيث استعملت صار تامة وعديت بإلى. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 141). وليس في معجم الشواهد. (¬3) انظر شرح الجمل له (1/ 407) يقول: تقول صار زيد إلى موضع كذا أي انتقل. (¬4) سورة هود: 107، 108. (¬5) الحديث في صحيح مسلم في كتاب المسح على الخفين باب النهي عن البول في الماء الراكد (1/ 62) وهو عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم ويغتسل منه». وهو أيضا في صحيح البخاري في كتاب الوضوء، باب الماء الدائم (1/ 53).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتتم انفك بأن تكون مطاوع فك الخاتم وغيره فصله والأسير خلصه. وتتم فتأ بأن يراد بها معنى سكن أو أطفأ. قال الفراء (¬1): فتأته عن الأمر سكّنته والنّار أطفأتها. انتهى (¬2). ولم يذكر المصنف في الشرح دام مع أنه قد ذكرها في الأصل وأنها تكون بمعنى ذهب أو فارق وذكر فتأ في المتن والشرح مع أنه قد استثناها أولا من الذي يستعمل تامّا كما استثنى ليس وزال. ومن ثم قال الشيخ (¬3): «وهذا الذي ذكره المصنف من أن فتأ تكون تامة بمعنى سكن أو أطفأ وهم وتصحيف قال: نبه على ذلك الأمير العالم علاء الدين علي ابن الفارسي (¬4) وكشف مادة فتأ في الصّحاح وغيره فلم يجد أحدا منهم ذكر أن فتأ تكون تامة بمعنى سكن أو أطفأ، وإنما ذكر ذلك في مادة فثأ بالثاء المثلثة. قال في الصحاح (¬5): فثأت القدر سكّنت غليانها وفثأت الرّجل فثأ كسرته عنك وسكّنت غضبه» (¬6). ثم قال: وما سوى ليس ودام من أفعال هذا الباب يتصرف أي يستعمل فيه ماض ومضارع وأمر واسم فاعل ومصدر إلا أن المصدر لا يتأتى صوغه من ملازمات النفي. ولمضارعها والأمر ما لماضيها وكذلك جميع الأفعال المتصرفة. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (1/ 143) والهمع (1/ 116). (¬2) شرح التسهيل (1/ 343). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 143). (¬4) هو علاء الدين علي بن بليان الفارسي الحنفي. قال السيوطي: قال الصفدي: ولد سنة (675 هـ) وقرأ النحو على أبي حيان وأتقنه وتقدم فيه كما قرأ الأصول والفقه على الفخر بن التركماني والسروجي. شرح الجامع الكبير ورتب صحيح ابن حبان على الأبواب وكان جيد الفهم حسن المذاكرة، تقدم أمام بيبرس الجاشنكير وتوفي سنة 739 بعد عمر زاد على الستين. أقرأ ترجمته في الوعاء (2/ 152). (¬5) انظر مادة فثأ في الصحاح (1/ 62) وقد استشهد للمعنى المذكور بقول الشاعر وهو الجعدي (من الطويل): تفوز علينا قدرهم فتديمها ... ونفثؤها عنّا إذا حميها غلا (¬6) هذا كلام أبي حيان وغيره في القاموس (1/ 23): وفتأ كمنع كسر واطفأ، عن ابن مالك في كتابه جمع اللغات المشكلة وعزاه للفراء وهو صحيح وغلط أبو حيان وغيره في تغليطه. ونقل محقق التذييل والتكميل (2/ 312) (د/ سيد تقي) ما وجده بخط ابن مكتوم على هامش الشرح. وملخصه: أن أبا حيان تجنى على ابن مالك في هذا وذكر أن الفراء وغيره حكاه، وكون ابن الفارسي لم يجد ذلك لا يدل على عدم وروده؛ فابن الفارسي ليس حجة في اللغة، والكتب التي رجع إليها مليئة بالتصحيف.

[امتناع بعض الأفعال من مجيء الخبر ماضيا]

[امتناع بعض الأفعال من مجيء الخبر ماضيا] قال ابن مالك: (ولا تدخل صار وما بعدها على ما خبره فعل ماض وقد تدخل عليه ليس إن كان ضمير الشّأن ويجوز دخول البواقي عليها مطلقا خلافا لمن اشترط في الجواز اقتران الماضي بقد). ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنهم قالوا: إنما لم تتصرف ما دام لأنها في معنى ما لا يتصرف، وذلك أنك إذا قلت: أفعل هذا ما دام زيد قائما كان في المعنى مثل قولك: أفعل هذا إن دام زيد قائما لأن الفعل المتقدم معلق على وجود الدوام في الموضعين، فلما كانت في معنى شرط قد تقدم ما يدل على جوابه لم تكن إلا بصيغة الماضي لأن الفعل إذا كان كذلك إنما يكون بصيغة الماضي تقول العرب: أنت ظالم إن فعلت ولا تقول: أنت ظالم إن تفعل. وينسب هذا التعليل للفراء وفيه نظر (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): صار وليس ودام وزال وأخواتها [2/ 13] مستوية في عدم الدخول على مبتدأ خبره فعل ماض لأن ذلك مناف لما يراد منها (¬3) وقد تدخل عليه ليس كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس قد صلّيت معنا» (¬4). - ¬

_ (¬1) قوله: وفيه نظر أي إنه يجوز أن يستعمل لدام مضارع في معناها ولا يصح القياس قال أبو حيان (الشرح: 4/ 147): التعليل الذي ذكره الفراء لا يصح لأن ما المصدرية الظرفية توصل بالمضارع كما قال الشاعر (من الوافر): أطوّف ما أطوّف ثمّ آوي ... ...... إلخ وذكر الصبان أنه لا مانع أن يستعمل لدام مضارع قائلا: لعدم ظهور الفرق بين قولك لا أكلمك ما دمت عاصيا وقولك لا أكلمك ما تدوم عاصيا بل الصحيح عندي أن لها مصدر أيضا ... إلخ (حاشية الصبان على الأشموني: 2/ 230). والتحقيق في المسألة: أنه لا يجوز استعمال المضارع من دام لأنه لا معنى له لأن مدة الدوام تنطبق على الماضي والحاضر والمستقبل والقرآن قد ورد بالماضي فقط في آياته وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31]. وقال ابن الدهان: لا يستعمل في موضع دام يدوم لأنه جرى كالمثل عندهم (الهمع: 1/ 114). (¬2) شرح التسهيل (1/ 344). (¬3) ذلك أن صار ومادام ومازال وأخواتها تعطي الدوام على الفعل واتصاله بزمن الإخبار والأفعال الماضية تعطي الانقطاع فتدافعا. وانظر توضيح ذلك قريبا من خلال الشرح. (¬4) الحديث في صحيح البخاري (8/ 167) في كتاب المحاربين من أجل الكفر والردة باب إذا أقر بالحد ولم يبين: هل للإمام أن يستر عليه؟ ونصه: «عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت عند النّبي صلّى الله عليه وسلّم فجاءه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى سيبويه قول بعض العرب (¬1): ليس خلق الله أشعر منه، وليس قالها زيد. والوجه في هذا أن يكون في ليس ضمير الشأن والجملة بعده خبر. وإلى الحديث الشريف والمثالين أشرت بقولي: وقد تدخل عليه ليس إن كان ضمير الشّأن أي إن كان ما خبره فعل ماض ضمير الشأن فقد تدخل عليه ليس ثم نبهت على أن ما سوى صار وما بعدها يجوز دخوله على ما خبره فعل ماض مطلقا وإن من النحويين من لا يجيز ذلك إلا بشرط اقتران الفعل الماضي بقد (¬2) والصحيح جواز ذلك مطلقا وقد جاء ذلك في القرآن الكريم وغيره. فمن الجائي في القرآن الكريم قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا (¬3)، وقوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ (¬4)، وقوله تعالى: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ (¬5)، وقوله تعالى: وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ (¬6)، وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي (¬7). ومن الجائي في الشعر قول الشاعر: 695 - وكان طوى كشحا على مستكنّة ... فلا هو أبداها ولم يتجمجم (¬8) - ¬

_ - رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبت حدّا فأقمه عليّ، قال: ولم يسأله عنه، قال: وحضرت الصّلاة فصلّى مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما قضى النبي صلّى الله عليه وسلّم الصّلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدّا فأقم فيّ كتاب الله قال: أليس قد صلّيت معنا، قال: نعم. قال: فإنّ الله قد غفر لك ذنبك أو قال: حدّك». (¬1) كتاب سيبويه (1/ 147) قال: «وقد زعم بعضهم أنّ ليس تجعل كما وذلك قليل لا يكاد يعرف فهذا يجوز أن يكون منه ليس خلق الله» ... إلخ. (¬2) قال أبو حيان: هو مذهب الكوفيين (التذييل والتكميل: 4/ 151). (¬3) سورة الأنفال: 41. (¬4) سورة يوسف: 26. (¬5) سورة إبراهيم: 44. (¬6) سورة الأحزاب: 15. (¬7) سورة الممتحنة: 1 (¬8) البيت من بحر الطويل من معلقة زهير بن أبي سلمى المشهورة يتحدث فيها عن حصين بن ضمضم وكان بنو عبس قد قتلوا أخاه وأرادوا الصلح فلم يصالحهم وأضمر في نفسه الأخذ بالثأر. اللغة: طوى كشحا: لم يطهر ما في نفسه. على مستكنّة: على أمر مكنون في صدره. لم يتجمجم: لم يتردد في أن يأخذ بالثأر. والمعنى: أنه طوى شرّا في نفسه وهو الأخذ بالثأر ولم يتردد في تنفيذه فحارب وانتقم، يقول بعده: وقال سأشفي حاجتي ثمّ أتّقي ... عدوّي بألف من ورائي ملجم والشاهد فيه: دخول كان على ما خبره فعل ما من غير مقرون بقد. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 696 - وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة ... عشيّة لاقينا جذاما وحميرا (¬1) وقول الآخر: 697 - أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الّذي أخنى على لبد (¬2) وما في القرآن الكريم كفاية». انتهى (¬3). وقال ابن عصفور (¬4): اختلف في وقوع الماضي بغير قد موقع أخبار هذه الأفعال إذا كانت ماضية فمنهم من منعه في جميعها إلا في ليس فإن ذلك يجوز فيها باتفاق إجراء لها مجرى ما. - ¬

_ - وبيت الشاهد والقصيدة في شرح ديوان زهير (ص 22) وفي التذييل والتكميل (4/ 152) ومعجم الشواهد (ص 361). (¬1) البيت من بحر الطويل وهو لزفر بن الحارث بن يزيد الكلابي من قصيدة قالها يعاتب فيها قومه يوم مرج راهط وهو موضع كانت فيه موقعة بالشام ومنها هذا البيت: سقيناهم كأسا سقونا بمثلها ... ولكنّهم كانوا على الموت أصبرا اللغة: وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة: أي كنا نطمع في أمر فوجدناه على خلاف ما كنا نظن وهو من قولهم في المثل: ما كلّ بيضاء شحمة وما كلّ سوداء تمرة. جذام وحمير: من القبائل العربية. والمعنى: كنا نحسب قومنا شجعانا سننتصر بهم يوم الحرب فإذا هم غير ذلك. والبيت شاهد على مجيء خبر كان فعلا ماضيا دون أن يقترن بقد وفيه شاهد آخر وهو دلالة حسب على رجحان اليقين (التصريح: 1/ 249). والبيت في شرح التسهيل (1/ 344) وهو أيضا في التذييل (4/ 152) وفي معجم الشواهد (ص 139). (¬2) البيت من بحر البسيط من قصيدة للنابغة من قصائد الاعتذار التي قالها في النعمان بن المنذر. وبيت الشاهد في وصف ديار وأطلال الأحباب وهو في ديوان النابغة (ص 20). اللغة: أخنى عليها: أهلكها. لبد: اسم نسر كان للنعمان بن عاد ويروى أنه عاش عمرا طويلا ثم هلك يضرب به المثل في الفناء والهلاك. والمعنى: زالت ديار الأحباب بعد أن ارتحلوا عنها وتركوها وصارت قفرا ودمنا بالية. والشاهد فيه: مجيء خبر أمسى فعلا ماضيا قال الكوفيون: لا يجوز ذلك وأولوا الشواهد السابقة على تقدير قد. والبيت في شرح التسهيل (1/ 344) وفي التذييل والتكميل (4/ 153) وفي معجم الشواهد (ص 118). (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 344) ولو قارنت بينه وبين شارحنا لوجدت شارحنا أكمل النقص وأوضح الغامض، وهذا يظهر لنا أن النسخة التي نقل منها كانت صحيحة غير النسخة اليتيمة التي في دار الكتب، والتي تنقص كثيرا وهذا مما يجعل لشرح ناظر الجيش قيمة كبيرة. (¬4) انظر نصه في شرح الجمل (1/ 364) تحقيق فواز الشغار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكى سيبويه (¬1): «ليس خلق الله مثله». واحتج صاحب هذا المذهب بأن الفعل الذي يقع خبرا إذا كان ماضيا لم يحتج إلى كان وأخواتها لأنها إنما دخلت على الجمل لتدل على الزمان فإذا كان الخبر يعطي الزمان لم يحتج إليها وكان ذكرها فضلة. ألا ترى أنك إذا قلت: زيد قام كان المفهوم منه ومن كان زيد قام واحدا فإن جاء شيء من ذلك فهو على إضمار قد لأنها تقرب الماضي من الحال فإذا قلت: كان زيد قد قام فكأنك قلت: كان زيد يقوم. والصحيح (¬2) عندي أن هذه الأفعال تنقسم ثلاثة أقسام: قسم يجوز ذلك فيه باتفاق وهو ليس. وقسم يمتنع فيه وهو ما زال وما انفك وما فتئ وما برح وما دام. وذلك أن هذه الأفعال تعطي الدوام على الفعل، واتصاله بزمن الإخبار، والأفعال الماضية تعاطي الانقطاع فتدافعا (¬3) وما بقي فيه خلاف. فمنهم من منع لما ذكرنا ومنهم من أجاز. وحجة المجيز: أنك إذا قلت: أصبح زيد قام وأمسى زيد خرج؛ أعطى ذلك من المعنى ما لم يعط زيد قام وزيد خرج، ألا ترى أن قام وخرج لا يعطيان أكثر من المعنى وأمسى وأصبح يعطيان المعنى [2/ 14] مع أن ذلك في مساء أو صباح وكذلك سائر أخواتها إلا كان فإنها لا تعطي معنى زائدا أكثر من التأكيد والتأكيد في كلامهم كثير وهو أولى من إضمار حروف المعاني لقلة ذلك في كلامهم» انتهى (¬4). وقد طابق كلامه كلام المصنف إلا في أمرين: أحدهما: أنه لم يذكر صار مع الأفعال التي ذكرها ولا بد من ذلك كما فعل المصنف. الآخر: أن (¬5) المصنف قيد ليس إذا وقع خبرها فعلا ماضيا يكون اسمها ضمير الشأن. وكلام ابن عصفور مطلق في ذلك (¬6) والظاهر ما قاله المصنف. - ¬

_ (¬1) كتاب سيبويه (1/ 147) ونصه فيه: ليس خلق الله أشعر منه. وسيأتي في هذا التحقيق. (¬2) الكلام ما زال لابن عصفور (شرح الجمل: 1/ 364). (¬3) معناه فتناقضا واختلف المراد. (¬4) أي كلام ابن عصفور (انظر المرجع السابق). (¬5) في نسخة (ب): أن ذلك المصنف. (¬6) حيث يقول: واختلف في وقوع الماضي بغير قد موقع أخبار هذه الأفعال إذا كانت ماضية، فمنهم -

[حكم قول «أين لم يزل زيد» وأشباهه]

[حكم قول «أين لم يزل زيد» وأشباهه] قال ابن مالك: (ويجوز في نحو أين زيد توسّط ما نفي بغير ما من زال وأخواتها لا توسيط ليس خلافا للشّلوبين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعل الشلوبين قول سيبويه فيما حكاه من قول العرب ليس خلق الله مثله محتملا لثلاثة أشياء: أحدها: أن تكون (¬1) ليس يشبهه بما فلا يحتاج إلى اسم وخبر لأن سيبويه قال في باب آخر (¬2): وقد زعم بعضهم أن ليس كما وذلك قليل لا يكاد يعرف. قال: ولا ينبغي أن يحمل عليه ما وجدت منه مندوحة. فلم يبق إلا الوجهان الباقيان (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): «نبهت بهذا الكلام على أنه يجوز في نحو أين زيد توسيط ما نفي بغير ما من زال وأخواتها نحو (أين لم يزل زيد) فلو كان النفي بما لم يجز لأن ما لها صدر الكلام فلا يتقدم ما في حيزها عليها. وقد أجاز أبو علي الشلوبين أن يقال: أين ليس زيد بناء على اعتقاده جواز تقديم خبر ليس وقد قامت الدلائل على أن الصحيح منع تقديم خبرها والحق أحق أن يتبع ولا مبالاة بمن منع» انتهى. واعلم أن المصنف في استغناء عن ذكر هاتين المسألتين: - ¬

_ - من منعه في جميع هذه الأفعال إلا في ليس فإنه يجوز ذلك فيها باتفاق إجراء لها مجرى ما، حكى سيبويه ليس خلق الله مثله (شرح الجمل: 1/ 364) وقد سبق في التحقيق. (¬1) في نسخة الأصل: أن ليس مشبهة ... إلخ. (¬2) انظر نصه في الكتاب (1/ 147) وبقية كلامه ... فهذا يجوز أن يكون منه ليس خلق الله أشعر منه وليس قالها زيد. (¬3) يوجد بياض حوالي ثلث صفحة في النسخ الثلاث (أ، ب، تركيا) وعلى كل حال لا نقص في الكلام. والوجهان الباقيان هما: الأول: أن تكون ليس قد دخلت على الماضي دون تأويل مطلقا كما هو مذهب - النحويين جميعا إلا ابن مالك. الثاني: أن يكون اسمها ضمير الشأن وبذلك صح دخولها على الماضي كما هو مذهب ابن مالك. (¬4) هذا الكلام ليس في شرح التسهيل لابن مالك وقد سقط منه المتن والشرح انظر (1/ 344) من الشرح المذكور مما يجعل لشرح ناظر الجيش قيمة.

[ورود بعض هذه الأفعال بمعنى صار]

[ورود بعض هذه الأفعال بمعنى صار] قال ابن مالك: (وترد الخمسة الأوائل بمعنى صار ويلحق بها ما رادفها من آض وعاد وآل ورجع وحار. واستحال وتحول وارتدّ وندر الإلحاق بصار في ما جاءت حاجتك [2/ 15] وقعدت كأنها حربة. والأصحّ ألّا يلحق بها آل ولا قعد مطلقا وألّا يجعل من هذا الباب غدا وراح ولا أسحر وأفجر وأظهر). ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الأولى: فلأن هذا الحكم قد عرف من قوله المتقدم (¬1): ويختصّ دام والمنفي بما بعدم الدخول على ذي خبر مفرد طلبيّ فإنه يفهم منه جواز أين لم يزل زيد كما يفهم منه جواز أين لم يكن زيد. وأما المسألة الثانية: فإنها ستعرف من قوله بعد (¬2): ولا يتقدّم خبر دام اتّفاقا ولا خبر ليس على الأصحّ. قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى أن من أفعال هذا الباب عشرة أفعال معناها معنى صار سيذكرها المصنف: فها هو قد شرع في سردها وقدم على ذكر ذلك شيئا آخر وهو أن من الأفعال التي تقدم ذكرها له ما يسلب الدلالة على معناه الأصلي ويستعمل بمعنى صار وهو الخمسة الأوائل يعني المذكورة أولا وهي كان وأضحى وأصبح وأمسى وظل. وقد عرفت معنى صار ما هو وهو الدلالة على التحول من وصف إلى آخر. وشاهد استعمال كان بمعنى صار: قوله تعالى: وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (5) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (6) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (¬3). ومنه قول الشاعر: 698 - بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها ... قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها (¬4) - ¬

_ (¬1) سبق من التحقيق. (¬2) سبق الحديث عن حكم تقدم خبر دام وليس، في هذا التحقيق. (¬3) سورة الواقعة آيات: 5 - 7. (¬4) البيت من بحر الطويل قاله عمرو بن أحمر من قصيدة في الغزل والوصف وقبله: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... صحيح السّرى والعيس تجري غروضها اللغة: صحيح السّرى: غير جائر عن القصد. والعيس تجري غروضها: أي مسرعة. بتيهاء قفر: أي بأرض خالية يتيه فيها السائر. قطا الحزن: القطا طير صغير سريع الطيران والحزن بفتح الحاء ما غلظ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشاهد استعمال أضحى بالمعنى المذكور: قول الشاعر: 699 - ثمّ أضحوا كأنّهم ورق جفّ ... فألوت بها الصّبا والدّبور (¬1) وقال الآخر: 700 - أضحى يمزّق أثوابي ويضربني ... أبعد ستّين عندي يبتغي الأدبا (¬2) وشاهد استعمال أصبح: قوله تعالى: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً (¬3). - ¬

_ - وصعب من الأرض. كانت فراخا بيوضها: أي فقس بيضها فراخا. المعنى: يتمنى الشاعر سرعة وصوله إلى ديار أحبابه ويرغب أن تحمله مطاياه فتسرع في السير كأنها طيور القطا تركت أولادها الصغار باحثة عن رزقها فهي تسرع لتعود إليهم. وشاهده قوله: «قد كانت فراخا بيوضها»: حيث جاءت كان بمعنى صار وسببه صحة المعنى ولو أبقيت كان على أصل معناها لفسد لاستحالة المعنى المذكور. والبيت في التذييل والتكميل (2/ 328) وفي معجم الشواهد (ص 204). ترجمة عمرو بن أحمر: هو عمرو بن أحمر بن عامر الباهلي شاعر مخضرم عاش نحو تسعين عاما كان من شعراء الجاهلية وأسلم وغزا مغازي في الروم وأصيبت إحدى عينيه ونزل بالشام مع خيل خالد بن الوليد ثم سكن الجزيرة وأدرك أيام عبد الملك بن مروان وله مدائح في عمر وعثمان وعلي وخالد وهجا يزيد فطلبه يزيد ففر منه. كان يتقدم شعراء زمانه، وعده ابن سلام في الطبقة الثالثة من الأمويين وكان يكثر من الغريب في شعره. له مختارات في ديوان الحماسة. انظر ترجمته في الأعلام (5/ 237)، خزانة الأدب (6/ 257). (¬1) البيت من بحر الخفيف من قصيدة لعدي بن زيد سبق الحديث عنها وذكر بيت الشاهد. والشاهد في هذا البيت قوله: «ثمّ أضحوا كأنّهم»؛ حيث جاءت أضحى بمعنى صار لصحة المعنى. والبيت في شرح التسهيل (1/ 346) وفي التذييل والتكميل (4/ 157) وفي معجم الشواهد (ص 171). (¬2) البيت من بحر البسيط من قصيدة في اللوم والعتاب لأم ثواب الهمذانية تعاتب ابنها وقد عقها وكانت امرأة كبيرا تقول من أبيات في الكامل للمبرد (1/ 200) تحقيق حنا الفاخوري: أنشا يخرّق أثوابي ويضربني ... أبعد ستين عندي يبتغي الأدبا أنّى لأبصر في ترجيل لمّته ... وخطّ لحيته في وجهه عجبا قالت له عرسه يوما لتسمعني ... رفقا فإن لنا في أمّنا أربا ولو رأتني في نار مسعّرة ... من الجحيم لزادت فوقها حطبا وشاهده قوله: «أضحى يمزّق أثوابي»؛ حيث جاءت أضحى بمعنى صار وعلى رواية المبرد لا شاهد في البيت. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 157) وليس في معجم الشواهد. (¬3) سورة آل عمران: 103.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول الشاعر: 701 - أصبحت لا أحمل السّلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نغرا (¬1) وشاهد استعمال أمسى: قول الشاعر: 702 - أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الّذي أخنى على لبد (¬2) والشاهد في أمست خلاء لا في أمسى أهلها احتملوا لأن صار لا تدخل على ما خبره فعل ماض فكذا ما هو بمعناها. وشاهد استعمال ظلّ بالمعنى المذكور: قوله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (¬3) وقوله تعالى: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (¬4). وقال المصنف (¬5): وزعم الزمخشري أن بات قد تستعمل بمعنى صار (¬6) وليس بصحيح لعدم شاهد على ذلك مع التتبع والاستقراء وحمل بعض المتأخرين على ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يده» (¬7). ولا حاجة إلى ذلك لإمكان حمل بات على المعنى المجمع عليه وهو الدلالة على - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المنسرح قاله الربيع بن ضبع الفزاري كما في كتاب سيبويه (1/ 89) من قصيدة قالها في الشكوى من طول عمره وضعف قوته وبعد الشاهد قوله: والذّئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرّياح والمطرا من بعد ما قوة أسرّ بها ... أصبحت شيخا أعالج الكبرا ومعنى البيت وشاهده واضحان. وهو في التذييل والتكميل: (4/ 157) وفي معجم الشواهد (ص 146). (¬2) البيت من بحر البسيط قائله النابغة الذبياني وقد سبق الحديث عنه والاستشهاد به قبل ذلك في هذا التحقيق. وشاهده هنا: مجيء أمسى الأولى بمعنى صار. وهو في شرح التسهيل وفي التذييل والتكميل بهذا الشاهد (4/ 157) وهو معجم الشواهد (ص 118). (¬3) سورة الشعراء: 4. (¬4) سورة النحل: 58. (¬5) شرح التسهيل (1/ 364). (¬6) قال الزمخشري في المفصل (ص 267): وظل وبات على معنيين: أحدهما: اقتران مضمون الجملة بالوقتين الخاصين على طريقة كان. والثاني: كينونتهما بمعنى صار ومنه قوله عز اسمه (سورة النحل: 58) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا. (¬7) الحديث في صحيح البخاري في كتاب الوضوء، باب الاستجمار وترا: (1/ 39). ونصه هكذا: عن أبي هريرة رضى الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا توضّأ أحدكم فليجعل في أنفه (ماء) ثمّ لينثر ومن استجمر فليوتر وإذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإنّ أحدكم لا يدري أين باتت يده».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبوت مضمون الجملة ليلا كما أن ظل غير المرادفة لصار لثبوت مضمون الجملة نهارا كما قال الراجز: 703 - أظلّ أرعى وأبيت أطحن ... الموت من بعض الحياة أهون (¬1) ومن أصلح ما يتمسك به جعل بات بمعنى صار قول الشاعر: 704 - أجدني كلما ذكرت كليب ... أبيت كأنّني أطوى بجمر (¬2) لأن كلما تدل على عموم الأوقات وأبيت إذا كانت على أصلها مختصة بالليل». انتهى (¬3). وأما الأفعال الملحقة بصار: فقد عرفت أنها عشرة وهي الثمانية التي أولها آض وآخرها ارتد وجاء وقعد في المثالين اللذين ذكرهما. فمثال آض: قول الشاعر: 705 - ربّيته حتّى إذا تمعددا ... وآض نهدا كالحصان أجردا (¬4) [2/ 16] ومثال عاد: قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز التام وهما في الوصف لشاعر مجهول. ومعناهما واضح. وشاهدهما: استعمال ظل في معناها وهو الدلالة على ثبوت الخبر للاسم نهارا في قوله: أظلّ أرعى. والبيت في شرح التسهيل (1/ 346) وفي التذييل والتكميل: (4/ 160). وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر الوافر وهو في الغزل قاله عمرو بن قيس المخزومي الهذلي ولم أجده في ديوان الهذليين واختلفت روايات هذا البيت وأفضلها ما أثبتناه لوضوح المعنى. والمعنى: كلما ذكرت هذه القبيلة وهي قبيلة كليب تألم لأن فيها أحباءه الذين لم يصلوه. وفي قوله: أجدني: تسكين المضارع دون جازم وله وجه في اللغة. وقيل الرواية: أجني ومعناه من أجل أني (اللسان: جنن). وشاهده: استعمال أبيت بمعنى أصير لأنها اقترنت بالكلمات التي تدل على عموم الأوقات. والبيت في شرح التسهيل (1/ 346) وفي التذييل والتكميل (4/ 261) وفي معجم الشواهد (ص 184). (¬3) شرح التسهيل (1/ 347). (¬4) البيتان من بحر الرجز المشطور وهما لرؤبة يشكو فيهما عقوق ابنه له وبعدهما وقد سبق في باب الموصول: كان جزائي بالعصا أن أجلدا (انظر ديوان رؤبة ص 76). اللغة: تمعددا: شب وغلظ، آض: بمعنى صار وهو الشاهد. نهدا: قويّا غليظا. أجردا: الحصان الأجرد القصير الشعر وهو من علات العتق في الخيل. والبيتان في معجم الشواهد (ص 461) وفي التذييل والتكميل (4/ 161).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 706 - فصار مضلّي من هديت برشده ... فلله مغو عاد بالرّشد آمرا (¬1) ومثال آل: قول الآخر: 707 - وعروب غير فاحشة ... ملّكتني ودّها حقبا ثمّ آلت لا تكلّمنا ... كلّ حيّ معقب عقبا (¬2) ومثال رجع: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض» (¬3). ومنه قول الشاعر: 708 - قد يرجع المرء بعد المقت ذا مقة ... بالحلم فادرأ به بغضا ذوي الإحن (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل نسبته أكثر مراجعه إلى سواد بن قارب (معجم الشواهد ص 141) ونسبه أبو علي القالي في الأمالي (1/ 170) إلى خنافر الحميري. وسبب القصيدة: أن الشاعر كان كاهنا في الجاهلية فأتاه رئيه من الجن ثلاث ليال وأنشده رجزا يبشره فيه برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى هدى الله خنافر للإسلام وقبل بيت الشاهد قوله: فاصبحت والإسلام حشو جوانحي ... وجانبت من أمسى عن الحقّ نائرا ومعنى البيت: يقول: إن الذي هداه إلى الإسلام وهو ما رآه من أمر الجن هو الذي أضله قبل ذلك وأبعده عن الهدى. وشاهده: استعمال عاد بمعنى صار وعملها عمل كان، وفي البيت شاهد آخر سيأتي بعد. وانظر بيت الشاهد في التذييل والتكميل (4/ 161) وهي في معجم الشواهد (ص 141). (¬2) البيتان من بحر المديد المجزوء وهما في الغزل لقائل مجهول. اللغة: العروب: العاشقة زوجها أو العاصية له. حقبا: زمنا طويلا. آلت: بمعنى صارت وهو الشاهد أو بمعنى حلفت فلا يكون فيه شاهدا. معقب عقبا: تاركا خلفه شيئا يؤثر منه. والمعنى: يقول: إن صاحبته أحبته دهرا ثمّ عصته ثانيا وحلفت ألا تكلمه ولا عجب فكل موجود فلا بد أن يكون له أثر. والشاهد في التذييل والتكميل (4/ 162) وفي معجم الشواهد (ص 28). (¬3) الحديث في صحيح البخاري في كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى (2/ 176) وهو جزء من خطبة خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم النحر كما رواه ابن عباس رضى الله عنه وهذه الخطبة هي المشهورة بخطبة الوداع وكانت آخر عام من حياته صلّى الله عليه وسلّم والخطبة مروية باختصار في صحيح البخاري. (¬4) البيت من بحر البسيط لشاعر مجهول. اللغة: المقت: البغض. المقة: الحب. الإحن: جمع إحنة وهي الحقد. ومعنى البيت: يقول الشاعر: إنك بالحلم تستطيع أن تطرد الأحقاد والبغضاء من قلوب الناس وتحببهم إليك فكن حليما. والشاهد في البيت قوله: «قد يرجع المرء .. إلخ» حيث استعمل الشاعر يرجع بمعنى يصير ثم أعملها بعمل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال حار: قول الشاعر: 709 - وما المرء إلا كالشّهاب وضوؤه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع (¬1) ومثال استحال: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فاستحالت غربا» (¬2). ومنه قول الشاعر: 710 - إنّ العداوة تستحيل مودّة ... بتدارك الهفوات بالحسنات (¬3) ومثال تحول: قول امرئ القيس: 711 - وبدّلت قرحا داميا بعد صحّة ... فيالك من نعمى تحوّلن أبؤسا (¬4) - ¬

_ - كان وجعل المرء اسمها وذا مقة خبرها. والبيت في التذييل والتكميل (2/ 162) وليس في معجم الشواهد. (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة للبيد بن ربيعة من جيد شعره وقد سبق الحديث عنها هذا التحقيق وانظر ديوان لبيد (ص 88). الإعراب: كالشّهاب: خبر المبتدأ وما ملغاة لانتقاض النفي. وضوؤه: بالرفع مبتدأ وجملة يحور خبره والجملة حال ويروى بالجر عطفا على الشهاب وتكون جملة يحور رمادا هي الحال من المعطوف أو المعطوف عليه أو من المرء وهو أفضل. بعد إذ هو ساطع: جملة هو ساطع مضافة إلى إذ، وإذ ما أضيفت إليه مضافة إلى بعد. وشاهده: استعمال يحور بمعنى يصير وعملها عملها رفعا ونصبا. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 162) وفي معجم الشواهد (ص 222). (¬2) نص الحديث في صحيح البخاري: (9/ 38) باب التعبير مرويا عن ابن عمر ونصّه: عن ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: بينا أنا على بئر أنزع منها إذ جاء أبو بكر وعمر فأخذ أبو بكر الدّلو فنزع ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف فغفر الله له، ثم أخذها عمر بن الخطاب من يد أبي بكر فاستحالت في يده غربا فلم أر عبقريّا من النّاس يفري فريه حتى ضرب الناس بعطن والغرب: معناه الدلو العظمية المتخذة من جلود البقر. يفري فريه: يجيد إجادته. (¬3) البيت من بحر الكامل يحمل معنى جميلا لشاعر مجهول. ومعناه: أن العداوة تنقلب مودة بأن يتبع الإنسان هفواته بإحسان. والشاهد فيه قوله: «تستحيل مودة» حيث استعمل تستحيل بمعنى تصير في المعنى والعمل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 347) وهو في التذييل والتكميل (4/ 163). وفي معجم الشواهد (ص 75). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة في الشكوى لامرئ القيس بدأها بذكر الأحباب والديار وختمها ببؤسه بعد أن ألبسه ملك الروم جلدا مسمومة أكلت جسمه وأدت إلى موته، يقول قبل هذا البيت (ديوان امرئ القيس ص 107). فلو أنها نفس تموت جميعة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا ومعنى تساقط أنفسا أي أنه مريض فنفسه تموت شيئا بعد شيء، ومعنى الأبيات بعد ذلك واضح. والشاهد فيه قوله: «تحولن أبؤسا» حيث استعمل تحول بمعنى صار معنى وعملا والبيت في التذييل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 712 - لا يوئسنّك سؤل عيق عنك فكم ... بؤس تحوّل نعمى أنست النّقما (¬1) ومثال ارتد: قول الله سبحانه وتعالى: أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً (¬2). وإنما استحق ارتد أن يكون بمعنى صار لأنه مطاوع رد بمعنى صير كقوله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً (¬3). ومنه قول الشاعر: 713 - فردّ شعورهن السّود بيضا ... وردّ وجوههنّ البيض سودا (¬4) ومثال جاء وقعد: ما أشار إليه بقوله: وندر الإلحاق بصار في: ما جاءت حاجتك وقعدت كأنّها حربة. أما ما جاءت حاجتك (¬5) فيروى برفع حاجتك على أن ما خبر جاءت قدم لأنه اسم استفهام والتقدير أية حاجة صارت حاجتك ويروى بالنصب على أن تكون خبر - ¬

_ - والتكميل (4/ 163) وفي معجم الشواهد (ص 195). (¬1) البيت من بحر البسيط مجهول القائل. اللغة: لا يوئسنك: أي لا تيأس ولا تجزع. سؤل: مطلب وحاجة. عيق عنك: لم يصبك. النّقما: المصائب والبلايا. ومعناه: لا تيأس إذا حيل بينك وبين النجاح أو أصابك بؤس فكل شيء إلى تغيير وتأتي النعم بعد النقم. والشاهد فيه قوله: «فكم بؤس تحوّل نعمى» حيث استعمل تحول بمعنى صار في المعنى والعمل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 347) وفي التذييل والتكميل (4/ 163) وليس في معجم الشواهد. (¬2) سورة يوسف: 96. (¬3) سورة البقرة: 109. (¬4) البيت من بحر الوافر من مقطوعة عدتها أربعة أبيات نسبت في شرح ديوان الحماسة (2/ 941) إلى عبد الله بن الزبير الأسدي (كوفي أموي مات في خلافة عبد الملك بن مروان). ونسبت هذه الأبيات في الأمالي لأبي علي (3/ 128) إلى الكميت بن معروف الأسدي وبيت الشاهد ثانيهما وقبله: رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا والسمود: الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه، والشاعر يدعو على هؤلاء النسوة بما ترى. وشاهده: استعمال رد بمعنى صير في المعنى والعمل فرفعت فاعلا ونصبت مفعولين والبيت في شرح التسهيل (1/ 347) وفي معجم الشواهد (ص 97). (¬5) في التذييل والتكميل (4/ 163) قال أبو حيان: أما ما جاءت حاجتك فقيل أول من قالها الخوارج قالوها لابن عباس حين أرسله على كرم الله وجهه إليهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جاءت واسمها مستتر فيها عائد على معنى ما، والتقدير أية حاجة صارت حاجتك وما مبتدأ والجملة بعده خبر (¬1). وأما قعدت كأنها حربة، فأصل التركيب الوارد من كلام العرب: أرهف شفرته حتّى قعدت كأنها حربة أي حتى صارت، فاسم قعد ضمير الشفرة وخبرها كأنها حربة. واعلم أن جاء بمعنى صار وقعد أيضا لم يستعملا من هذا الباب إلا في الموضعين المذكورين ومن ثم لم يتصرفا فلا يستعملان إلا بلفظ المضي لا غير لأنهما جريا مجرى المثل والأمثال لا تغير عما وضعت عليه. وقد نقل الشيخ عن بعضهم: أن جاء تستعمل بمعنى صار في غير المثل المذكور مستدلا بقولهم: جاء البرّ قفيزين وصاعين، ورد ذلك بأن قفيزين وصاعين منصوبان على الحال (¬2). والفراء يرى أيضا اطراد قعد بمعنى صار (¬3) كما نبه على الخلاف في ذلك المصنف بقوله: والأصحّ أن لا يلحق بها آل ولا قعد مطلقا. أما آل فقد عرفت أنه ذكرها في جملة الملحقات بصار [2/ 17] لكنه اختار بعد ذلك أنها لا تعد من هذا الباب فلا تكون ملحقة بصار. وما استشهد به من أنها من أفعال هذا الباب، وهو قول الشاعر: ثم آلت لا تكلمنا ... يمكن الجواب عنه بأن آلت بمعنى حلفت ولا تكلمنا جواب القسم. وأما قعد فالمنقول عن الفراء أنه يرى استعمال قعد بمعنى صار مطردا وجعل منه - ¬

_ (¬1) في كتاب سيبويه (1/ 50): ومثل قولهم: من كان أخاك قول العرب ما جاءت حاجتك كأنه قال: ما صارت حاجتك ولكنه أدخل التأنيث على ما حيث كانت الحاجة كما قال بعض العرب من كانت أمك حيث أوقع من على المؤنث. وإنما صير جاء بمنزلة كان في هذا الحرف وحده لأنه بمنزلة المثل ... ومن يقول من العرب ما جاءت حاجتك (بالرفع) كثير كما يقول: من كانت أمك. (¬2) انظر التذييل والتكميل (4/ 164) وانظر في المثل شرح الرضي على الكافية (2/ 292). وفي قوله: إن قفيزين وصاعين منصوبان على الحال قال الرضى: ليس بشيء لأنه لا يراد أن البر جاء في حال كونه قفيزين ولا معنى له. (¬3) في معاني القرآن للفراء (2/ 274) عند تفسير قوله تعالى: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً [الفرقان: 73] جاء قوله: يقال إذا تلي عليهم القرآن لم يقعدوا على حالهم الأولى كأنهم لم يسمعوه فذلك الخرور وسمعت العرب تقول: قعد يشتمني وأقبل يشتمني وأنشدني بعض العرب: لا يقنع الجارية الأبيات الآتية في الشرح. قال الفراء: يقال لموضع المذاكير ركب، ويقصد كقولك يصير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الراجز: 714 - لا يقنع الجارية الخضاب ... ولا الوشاحان ولا الجلباب من دون أن تلتقي الأركاب ... ويقعد الأير له لعاب (¬1) وحكى الكسائي: قعد لا يألو حاجة إلّا قضاها بمعنى صار (¬2). وجعل الزمخشري من ذلك قوله تعالى: لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا (¬3). ويمكن أن يكون من ذلك قول الشاعر: 715 - ما يقسم الله أقبل غير مبتئس ... منه وأقعد كريما ناعم البال (¬4) ذكر ذلك كله المصنف ثم قال (¬5): «وألحق قوم منهم الزمخشري وأبو البقاء بأفعال - ¬

_ (¬1) الأبيات من بحر الرجز المشطور وهي لامرأة مجهولة. اللغة: لا يقنع: من القناعة وهي الرضا. الخضاب: الحناء. الوشاح: ما تشده المرأة على عاتقيها وكشحيها مرصعا باللؤلؤ والجواهر. الأركاب: في اللسان (ركب) أصلا الفخذين اللذان عليهما لحم الفرج من الرجل والمرأة. الأير: ذكر الرجل ويروى مكانه الهن. والمعنى: أن المرأة لا يكفيها قضاء حاجتها من لباس وزينة وغيرها ولكنها في حاجة إلى لقاء الرجل ومجامعته. وشاهده قوله: «ويقعد الأير له لعاب» حيث استعملت يقعد بمعنى يصير كما قال الفراء. وانظر الأبيات في شرح التسهيل (1/ 348) وفي التذييل والتكميل (4/ 164) وفي معاني القرآن للفراء: (2/ 274) وفي لسان العرب (ركب - قعد) وفي البحر المحيط (6/ 22) وليست في معجم الشواهد. (¬2) انظر فيما حكاه الكسائي ورأيه: التذييل والتكميل (4/ 164) والبحر المحيط (6/ 22). وقد جاء فيها: قعد لا يسأل حاجة. (¬3) سورة الإسراء: 22. في تفسير الكشاف (2/ 657) جاء قول الزمخشري: فتقعد من قولهم: شحذ الشّفرة حتى قعدت كأنها حربة بمعنى صارت يعنى فتصير جامعا على نفسك الذّم وما يتبعه من الهلاك من الذل والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكا له. وفي المفصل (ص 263) قال الزمخشري: وقد جاء بمعنى صار ونظيره قعد. (¬4) البيت من بحر البسيط وهو في الرضا والقناعة، قاله حسان بن ثابت رضى الله عنه محدثا به نفسه من قصيدة في ديوانه (ص 147). ومعناه: لا أحزن ولا أكتئب من أي شيء فالله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر ويقسم وإذا كنت كذلك عشت كريما خالي الفؤاد من الهم. وشاهده قوله: «وأقعد كريما» حيث جاء أقعد بمعنى أصير في المعنى والعمل والبيت في شرح التسهيل (1/ 348) وفي التذييل والتكميل (2/ 343) وفي أساس البلاغة (ص 78) مادة بئس وليس في معجم الشواهد. (¬5) انظر شرح التسهيل (1/ 348).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الباب: غدا وراح (¬1)، وقد يستشهد على ذلك بقول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: «اغد عالما أو متعلّما ولا تكن إمّعة». ويقول النبي صلّى الله عليه وسلّم «لو توكلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو خماصا وتروح بطانا» (¬2). والصحيح أنهما ليسا من الباب وإنما المنصوب بعدهما حال إذ لا يوجد إلا نكرة (¬3). وذكر الفراء في كتاب الحدود: أن أسحر وأفجر وأظهر مساوية لأصبح وأمسى وأضحى ولم يذكر على ذلك شاهدا (¬4). انتهى (¬5). وقد ألحق الكوفيون بأفعال هذا الباب ثلاثة أشياء: أحدها: مررت: إذا لم يرد به المرور الذي هو انتقال الخطا، بل تكون بمنزلة كان وذلك نحو قولك: مررت بهذا الأمر صحيحا أي كان هذا الأمر صحيحا عندي. الثاني: الفعل المكرر: في قولك لئن ضربته لتضربنه الكريم ولئن أكرمته لتكرمنه العاقل فجعلوا الكريم والعاقل وأمثالهما منتصبة على أنها أفعال للفعل المكرر. - ¬

_ (¬1) قال الزمخشري في المفصل (ص 263): وممّا يجوز أن يلحق بكان عاد وآض وغدا وراح وقد جاء جاء بمعنى صار ونظيره قعد. وعند تفسير قوله تعالى: وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ [سورة ن: 25] ذكر أن قوله: على حرد خبر غدا وليس بصلة قادرين وعليه فقادرين حال وقال إن معنى الآية: وغدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع قادرين على ما عرفوا عليه من حرمان المساكين. (تفسير الكشاف: 4/ 144). (¬2) الحديث في مسند الإمام أحمد بن حنبل (1/ 30، 52) ونصه مرويّا عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لو أنكم توكلتم على الله ..» إلخ. وهو أيضا في سنن ابن ماجه (2/ 1394) في كتاب الزهد باب التوكل واليقين مرويّا عن عمر أيضا وكذلك في سنن الترمذي (4/ 573) في كتاب الزهد باب التوكل على الله ونصه: «لو أنكم كنتم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا». (¬3) قال الرضي (شرح الكافية: 2/ 292): ونقص ابن مالك من أخوات أصبح غدا وراح وقال هما تامان. ثم قال الرضي: وأقول: «إن كان غدا بمعنى مشى في الغداة أو دخل فيها، وكذلك راح بمعنى رجع في الرواح وهو ما بعد الزّوال إلى الليل فلا ريب في تمامهما. وإن كان بمعنى يكون في الغداة والرواح فلا منع إذن من كونهما ناقصتين». ثم مثل لكلّ. (¬4) انظر في رأي الفراء: التذييل والتكميل (4/ 167) والهمع (1/ 112)، ولم تذكر كتب اللغة شاهدا على ورود هذه الأفعال ناقصة: ففي لسان العرب (سحر): أسحر القوم صاروا في السحر كقولك أصبحوا وأسحروا واستحروا خرجوا في السحر واستحرنا أي صرنا في ذلك الوقت. وفي مادة (ظهر): يقال أظهرت يا رجل إذا دخلت في حد الظهر وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر كأصبحنا وأمسينا في الصباح والمساء. وبذلك يظهر لنا أن هذه الأفعال تستعمل تامة فقط. (¬5) شرح التسهيل (1/ 348).

[أحوال الخبر في جملة هذه الأفعال من التوسط أو التقديم]

[أحوال الخبر في جملة هذه الأفعال من التوسط أو التقديم] قال ابن مالك: (وتوسيط أخبارها كلّها جائز ما لم يمنع مانع أو موجب، وكذا تقديم خبر صار وما قبلها جوازا ومنعا ووجوبا. وقد يقدّم خبر زال وما بعدها منفية بغير ما، ولا يطلق المنع خلافا للفرّاء، ولا الجواز خلافا لغيره من الكوفيين. ولا يتقدّم خبر دام اتّفاقا، ولا خبر ليس على الأصحّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: اسم الإشارة: في نحو هذا زيد قائما وجعلوا هذا تقريبا وزيدا اسم التقريب وقائما خبر التقريب واستدلوا على ذلك بأنك تقول هذا زيد قائما لن يقطع بأنه قد علم أن المشار إليه زيد فلو كان هذا مبتدأ وزيد خبره لم يقل ذاك إلا لمن يجهل أن المشار إليه زيد لأن الخبر إنما يكون مجهولا عند المخاطب وحينئذ يكون مفيدا. ولم يقبل من الكوفيين ما ذكروه. أما مررت بهذا الأمر صحيحا فالمرور هنا متجوز فيه كأنه قال: مر خاطري بهذا الأمر صحيحا، ويكون انتصاب صحيحا على أنه حال. وأما لئن أكرمته لتكرمنه الكريم فالاسم المنصوب بدل من منصوب الفعل. وأما هذا زيد قائما فاستدلالهم به فاسد لأن هذا اسم فلا بد أن يكون له موضع من الإعراب وعلى مذهبهم لا موضع له. فإن قيل: فكيف جعلتم اسم الإشارة مبتدأ وما بعده خبر وليس الونى على ذلك؟ فالجواب: إن الكلام إذ ذاك محمول على معناه وذلك أنك إذا قلت: هذا زيد قائما، فاللفظ على الإخبار على المشار إليه بزيد. والكلام محمول على [2/ 18] معنى تنبه ورب كلام صورة لفظه على خلاف معناه نحو: غفر الله لزيد وكذلك: اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه اللفظ على الخبر والمعنى في الأول على الدعاء وفي الثاني على الأمر. وهكذا هذا زيد لفظه لفظ الإخبار عن هذا بزيد ومعناه الأمر بالتنبيه إلى زيد في حال ما ويدل على أن المنصوب حال التزام التنكير. قال ناظر الجيش: الخبر في هذا الباب إما أن يقدم على الاسم وإما أن يقدم على العامل وقد عبر المصنف عن القسم الأول بالتوسيط وعن القسم الثاني بالتقديم. فأما توسيطه فينقسم ثلاثة أقسام: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ممتنع، وجائز، وواجب: قال المصنف (¬1): توسيط الخبر كقوله تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا * (¬2) والاستشهاد بهذا أولى من الاستشهاد بقوله تعالى: وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (¬3) لأن بعض القراء أجاز الوقف على حقّا ناويا في كان ضميرا (¬4). وأمثلة التوسيط في غير كان من أخواتها سهلة فاستغنى عن ذكرها. والتوسيط أيضا جائز مع ليس ودام وإن كانا لا يتصرفان لأن الأقل محمول على الأكثر. ومثال ذلك مع ليس: قول الشاعر: 716 - سلي إن جهلت النّاس عنّا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل له (1/ 348). (¬2) سورة النمل: 56، والعنكبوت: 24، 29. (¬3) سورة الروم: 47. (¬4) قال أبو حيان (البحر المحيط: 7/ 178): «والظاهر أن حقّا خبر كان ونصر المؤمنين الاسم وأخر لكون ما تعلق به فاصلة للاهتمام بالجزاء إذ هو محط الفائدة». وقال الزمخشري: «وقد يوقف على حقّا ومعناه: وكان الانتقام منهم حقّا ثم يبتدئ: علينا نصر المؤمنين» انتهى. قال أبو حيان: «وفي الوقف على (وكان حقّا) بيان أنه لم يكن الانتقام ظلما بل عدلا لأنه لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلا زيادة الإثم وولادة الفاجر الكافر فكان عدمهم خيرا من وجودهم الخبيث». (¬5) البيت من بحر الطويل من قصيدة في الفخر للسموأل بن عادياء اليهودي وهي مشهورة تناولتها كتب الأدب ومختارات الشعر. انظر الأمالي لأبي علي القالي (1/ 319)، شرح ديوان الحماسة (1/ 123). وهي أيضا في ديوان عروة بن الورد والسموأل (ص 90) وقبل بيت الشاهد قوله: وأيّامنا مشهورة في عدوّنا ... لها غرر معلومة وحجول وأسيافنا في كلّ غرب ومشرق ... بها من قراع الدّار غين قلول والشاهد في البيت قوله: «فليس سواء عالم وجهول» حيث توسط خبر ليس بينها وبين اسمها. قال ابن مالك: هو جائز بإجماع، أقول: ولكن خرج من هذا الإجماع ابن درستويه فمنع توسط الخبر وانظر الشرح قريبا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 349) وفي التذييل والتكميل (4/ 170) وفي معجم الشواهد (ص 285). ترجمة السموأل: هو السموأل بن غريض بن عادياء اليهودي الأزدي شاعر جاهلي حكيم من سكان خيبر في شمال المدينة كان يتنقل بينها وبين حصن له سماه الأبلق أشهر شعره لاميته التي منها بيت الشاهد وأولها: إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه ... فكلّ رداء يرتديه جميل وهو الذي كانت له قصة وفاء مع امرئ القيس. وشعره مطبوع في ديوان واحد مع عروة بن الورد. وانظر ترجمته في الأعلام (3/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال ذلك مع دام: قول الآخر: 717 - لا طيب للعيش ما دامت منغّصة ... لذّاته بادّكار الموت والهرم (¬1) ومثله قول الآخر: 718 - ما دام حافظ سرّي من وثقت به ... فهو الّذي لست عنه راغبا أبدا (¬2) وإنما خصصت ليس ودام بالاستشهاد على توسيط خبريهما لأنهما ضعيفان لعدم تصرفهما في أنفسهما فربما اعتقد عدم تصريفهما في العمل مطلقا. وقد وقع في ذلك ابن معط (¬3) رحمه الله تعالى فضمن ألفيته منع توسيط خبر ليس ومادام (¬4) وليس له في ذلك متبوع بل هو مخالف للمقيس والمسموع. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو في الزهد والموعظة. ومعناه: أن الإنسان لا يطيب له عيش ولا يهنأ بحياة ووراءه الهرم والطعن في السن ثم بعد ذلك الموت والهلاك. وقائل هذا المعنى مجهول. والشاهد في البيت قوله: «ما دامت منغصة لذاته» حيث توسط خبر دام بينها وبين اسمها وهو جائز ومنعه ابن معط وقد وهم في ذلك وخطأه النحاة بعد وانظر ذلك في الشرح والتعليق قريبا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 349) وهو في التذييل والتكميل (4/ 171) وفي معجم الشواهد (ص 368). (¬2) البيت من بحر البسيط وقائله غير معروف. ومعناه: أن من يحفظ سري فهو صديق حميم فلا يجوز أن أتركه وأزهد فيه. والشاهد في الشطر الأول: حيث تقدم خبر دام على اسمها وذلك لأن حافظ سري هو الخبر ومن وثقت به هو الاسم والمعنى على ذلك. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 171). وفي معجم الشواهد (ص 69). (¬3) هو أبو الحسين يحيى زين الدين بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي، ولد بالمغرب من قبيلة زواوة، عام (564 هـ) كان إماما في العربية أديبا شاعرا وكان أحد أئمة عصره في النحو واللغة وكان يحفظ كثيرا وقد رحل ابن معط إلى دمشق وكان له تلاميذ كثيرون انتفعوا بعلمه في دمشق ومصر أيضا حيث استقدمه إليها الملك الأيوبي فتصدر بالجامع العتيق لدراسة النحو والأدب وقد صنف كتبا كثيرة ونظم كتابا أخرى إلا أنها ضاعت ولم يبق منها إلا ثلاثة فقط هي الألفية والفصول الخمسون والبديع في صناعة الشعر. توفي بالقاهرة سنة (628 هـ). انظر ترجمته في نشأة النحو (ص 184) وبغية الوعاة (2/ 344). (¬4) يقول ابن معط في ألفيته: ولا يجوز أن تقدّم الخبر ... على اسم مادام وجاز في الأخر وفي كتابه: الفصول الخمسون (ص 181) يقول في الفصل الثامن: في الأفعال الناقصة الداخلة على المبتدأ والخبر: «والسبعة الأول يجوز تقديم خبرها على اسمها ويجوز تقديم خبرها عليها. والأربعة التي في أولها ما النافية يجوز تقديم خبرها على اسمها ولا يجوز تقدمه عليها، وأما ليس فيجوز تقدم خبرها على اسمها وعليها في الأشهر، ثم قال: «وأما مادام فلا يجوز تقدم خبرها عليها ولا على اسمها -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما مخالفته للمقيس: فبينة لأن توسيط خبر ليس جائز بإجماع مع أن فيها ما في دام من عدم التصرف وتفوقها ضعفا لأن منع تصرفها لازم ومنع تصرف دام عارض ولأن ليس تشبه ما النافية معنى وتشبه ليت لفظا ولأن وسطها ياء ساكنة سالمة ومثل ذلك مفقود في الأفعال فثبت بهذا زيادة ضعف ليس على ضعف دام وتوسيط خبر ليس لم يمتنع توسيط خبر دام لنقصان ضعفها أحق وأولى» انتهى (¬1). وقد نسب إلى ابن درستويه منع توسط خبر ليس تشبيها لها بما (¬2) [2/ 19] ولهذا نوقش المصنف في قوله: إنّ توسيط خبر ليس جائز بإجماع. ولا شك أن المانع لذلك محجوج بالقراءة الثابتة في السبع ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب (¬3) بنصب البر. - ¬

_ - ولا تنفصل عنها ما بخلاف أخواتها». وفيما ذهب إليه ابن معط من منع توسط خبر مادام يقول محقق كتابه السابق (ص 55): «وهذا الذي ذهب إليه ابن معط قد أثار عليه ثائرة جمهور النحاة فيقول ابن إياز: أما امتناع تقدم خبرها عليها فليس فيه خلاف لأنه قد تقدم القول على أن ما فيه مصدرية ولا يجوز أن يتقدم ما في صلة المصدر عليه وأما تقديم خبرها على اسمها فجائز كقولك: لا أكلمك مادام قائما زيد وما وقفت في تصانيف أهل العربية متقدمهم ومتأخرهم على نص يمنع ذلك. وقال ابن جمعة الموصلي (توفي سنة 672 هـ) شارح ألفية ابن معط عند شرح هذا البيت: وهذا مما انفرد به المصنف ويبطله: وأحسبها مادام للزّيت عاصر ولأنها فعل كسائر أخواتها ولأنها أولى من ليس بالجواز لكون جمودها عرض بالتركيب. ولهذا إذا زال التركيب عادت إلى الأصل كقوله: ما خير ودّ لا يدوم (مجزوء الكامل). وقد اعتذر له بأنها لما لزمت طريقة واحدة وهي الماضي جرت مجرى الأمثال، والأمثال لا تغير ولأن ما معها مصدرية وهي وما في حيزها صلتها وكأنه يريد الترتيب في آخر الصلة، ولأنها لما لم تكن مصدرا صريحا كانت فرعا عليه فلم يتصرف فيها بالتقديم كما تصرف في المصدر. (شرح ألفية بن معط (2/ 861) تحقيق د/ علي موسى الشوملي (نشر مكتبة الخريجي بالرياض). (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 349). (¬2) انظر في نسبة هذا الرأي إلى ابن درستويه: التذييل والتكميل (4/ 170)، والهمع (1/ 117) والتصريح على التوضيح (1/ 186) ويقصد بما ما الحجازية التي لا يتوسط فيها الخبر بل يجب تأخيره حتى تعمل فيه النصب. (¬3) سورة البقرة: 177. وفي القراءات التي وردت في هذه الآية قال أبو حيان (البحر المحيط 2/ 2): «قرأ حمزة وحفص: ليس البر بنصب الراء وقرأ باقي السبعة برفعها». «أما قراءة النصب فعلى أن يجعل البر خبر ليس وأن وصلتها الاسم وهو أولى لأن أن وصلتها أقوى في التعريف من المعرف بأل وقراءة الجمهور أولى من وجه وهو أن توسيط خبر ليس بينها وبين اسمها قليل. وقد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن المنقول عن الكوفيين أنهم لا يجيزون كان قائما زيد كما لا يجيزون قائما كان زيد فيمنعمون توسيط الخبر كما يمنعون تقديمه وستذكر هذه المسألة بعد (¬1). ثم قال المصنف (¬2): ونبهت بقولي: ما لم يعرض مانع على أن توسيط الخبر قد يمتنع وذلك إما لسبب يقتضي وجوب تقديمه نحوكم كان مالك وأين كنت وإما لسبب يقتضي وجوب تأخيره نحو: كان فتاك مولاك وما كان زيد إلا في الدار (¬3). ونبهت بقولي: أو موجب على أن توسيط الخبر قد يجيب وذلك إذا كان الاسم مقصود الحصر نحو قوله تعالى: ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا (¬4) وقد يحمل الموجب على موجب تقديم أو توسيط على سبيل التخيير وذلك إذا اشتمل الاسم على ضمير ما اشتمل عليه الخبر نحو كان شريك هند أخوها ووليها كان أبوها فواجب في هذه المسألة وشبهها تقديم الخبر أو توسيطه وممتنع تأخيره لئلا يتقدم الضمير على مفسر مؤخر رتبة ولفظا، فلو كان في مثل هذه المسألة قبل الفعل ما له صدر الكلام تعين التوسيط نحو هل كان شريك هند أخوها» انتهى (¬5). وقد اقتصر المصنف على بعض الصور التي يمتنع فيها التوسيط أو يجب اتكالا منه على ما يذكره في باب النائب عن الفاعل من بيان صور تقديم المفعول على الفاعل منعا ووجوبا لأن الاسم والخبر في هذا الباب شبههما بالفاعل والمفعول غير خفي كما عرفت. ولكن هنا مسألتين لا بد من التعرض إليهما لعدم انطواء الكلام في باب النائب عن الفاعل عليهما: - ¬

_ - ذهب إلى المنع من ذلك ابن درستويه تشبيها لها بما، أراد الحكم عليها بأنها حرف كما لا يجوز توسيط خبرها وهو محجوج بهذه القراءة المتواترة وبورود ذلك في كلام العرب ومنه قول الشاعر (من الطويل). سلي إن جهلت النّاس عنّا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول وانظر القراءتين أيضا في كتاب السبعة في القراءت لابن مجاهد (ص 176). (¬1) ملخص المسألة: أنه إذا تقدم قائما على زيد كان قائما خبر كان وزيد مرفوعا به واسم كان ضمير الأمر والشأن هذا مذهب الكسائي وذهب الفراء إلى أن قائما خبر كان أيضا وزيد مرفوع بكان وقائم وقد أبطل الشارح هذا المذهب بنقل طويل عن ابن عصفور. (¬2) انظر شرح التسهيل (1/ 349). (¬3) أما سبب تقديم الخبر في الأول فلأنه اسم استفهام وأما سبب تأخيره في الثاني ففي المثال الأول لخفاء الإعراب، وفي المثال الثاني لإرادة الحصر في الخبر. (¬4) سورة الجاثية: 25. (¬5) شرح التسهيل (1/ 350) وسيعود الشارح إلى المثال الأخير ليذكر نقدا فيه قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: أن الخبر يجب توسيطه إذا كان ظرفا أو مجرورا والاسم نكرة لا مسوغ للإخبار عنها إلا كون الظرف والمجرور متقدمين عليهما نحو كان في الدار رجل. الثانية: اختلف في الخبر إذا كان فعلا لفاعل مضمر هل يجوز توسيطه نحو: كان يقوم زيد على أن يقوم الخبر (¬1) منهم من منع ذلك قياسا على المبتدأ والخبر فكما لا يجوز أن يقوم الخبر في نحو زيد يقوم فكذلك هنا لأن أفعال هذا الباب داخلة على المبتدأ والخبر ومنهم من أجازه محتجّا بأن المانع من ذلك في باب المبتدأ والخبر كون الفعل المتقدم عاملا لفظيّا والابتداء عامل معنوي والعامل اللفظي أقوى من العامل المعنوي ولا شك أن كان وأخواتها من العوامل اللفظية فإذا تقدم الفعل على الاسم من هذه الأفعال لم يكن إعماله إعمالها فيه لأن العرب إذا قدمت عاملين لفظيين قبل المعمول ربما أعملت الأول وربما أعملت الثاني كما سنبين ذلك [2/ 20] في باب الإعمال (¬2). قال ابن عصفور بعد إيراد هذا الكلام (¬3): «فالصّحيح إذن جواز تقديم الخبر على الاسم». واعلم أن في إيجاب المصنف توسيط الخبر في مسألة: (هل كان شريك هند أخوها) نظرا ولم يتوجه لي امتناع التقديم في هذه المسألة. هذا بالنسبة إلى تقديم مفسر الضمير عليه إلا أن يكون التقديم على نفس كان لشيء آخر وهو أن هل إذا كان بعدها اسم وفعل وجب أن يليها الفعل ويتأخر عنه الاسم فيقال هل عرفت زيدا، ولا يقال هل زيدا عرفت (¬4). هذا آخر الكلام على توسيط الخبر على الاسم. - ¬

_ (¬1) ليس الأمر كما ذكر لأن يقوم هو الخبر قدمته أو أخرته وإنما المراد على أن يكون زيد هو الاسم مؤخرا. (¬2) يقصد باب تنازع العاملين معمولا واحدا وهو خلاف مشهور بين النحاة: فالبصريون أعملوا الثاني لقربه والكوفيون أعملوا الأول لسبقه، وانظر المسألة بالتفصيل ودليل كل فريق في كتاب الإنصاف (1/ 83). (¬3) هذا أول الجزء الثاني من النسخة (جـ) الثابتة بدار الكتب المصرية تحت رقم: 349 نحو، الموجود منه ورقتان فقط في الأول والآخر، وأما الجزء كله فهو ثابت تحت رقم: 62 نحو بعنوان: التذييل والتكميل وهو منسوب لأبي حيان خطأ. (¬4) توضيح المسألة: أنه لا مانع من تقديم الخبر على كان واسمها لأن الذي جوز التقديم على الاسم وحده وهو أن الضمير عائد على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة ثابت في تقديم الخبر على كان أيضا، ولكن المانع هنا لشيء آخر وهو اقتران الفعل. بأداة الاستفهام: (هل)، التي لها الصدارة في الكلام. وأما خصوصية الفعل بهل دون الاسم فلأن السؤال بها عن التصديق وهو النسبة وقعت أم لا وذلك من شأن الأفعال فوجب دخولها عليها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما تقديمه على العامل نفسه: فاعلم أن الأفعال المذكورة تنقسم بالنسبة إلى ذلك ثلاثة أقسام: قسم يجوز فيه التقديم وقسم يمتنع فيه التقديم دون خلاف فيهما. وقسم اختلف فيه؛ فمنهم من أجاز التقديم ومنهم من منع. فالقسم الأول: سبعة أفعال: وهي كان وأضحى وأصبح وأمسى وظل وبات وصار. والقسم الثاني: دام. والقسم الثالث: ليس وكذا زال وأخواتها إذا كانت منفية بغير ما، فإن منهم من يمنع التقديم كما أن منهم من أجاز التقديم إذا كانت منفية بما. ثم إن القسم الأول وهو الذي يجوز فيه التقديم قد يعرض له ما يوجب فيه تقديم الخبر وقد يعرض له ما يوجب فيه تأخيره فيعمل بموجب كل من الأمرين. وقد أشار المصنف إلى هذا بقوله: وكذا تقديم خبر صار وما قبلها جوازا ومنعا ووجوبا. قال رحمه الله تعالى (¬1): وأشرت بقولي: وكذا تقديم خبر صار وما قبلها جوازا ومنعا ووجوبا إلى أنه يجوز تقديم الأخبار المذكورة إن لم يعرض مانع ولا موجب. فمن أسباب عروض المانع: خوف اللبس نحو كان فتاك مولاك فمثل هذا لا يتميز فيه الاسم إلا بالتقديم ولا الخبر إلا بالتأخير فالتزم وكان غيره ممنوعا (¬2) وهكذا نحو: صار عدوي صديقي. ومن أسباب عروض المانع: حصر الخبر نحو إنما كان زيد في المسجد فتأخير الخبر في مثل هذا ملتزم وغيره ممنوع لأن حصر الخبر مقصود ولا يفهم إلا بالتأخير. ومن أسباب عروض المانع: اشتمال الخبر على ضمير ما اشتمل عليه الاسم نحو كان بعل هند حبيبها فتأخير الخبر في مثل هذا ملتزم، وغيره ممنوع لأنه لو وسط أو قدم لزم عود الضمير على متأخر لا يتعلق به العامل (¬3). - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 350). (¬2) يقصد بغيره: توسيط الخبر وتقديمه. (¬3) وهو الاسم الظاهر المضاف إليه في المثال المذكور والعامل فيه هو المضاف والجائز أن يعود الضمير على متأخر لفظا متقدم رتبة إذا كان العامل واحدا مثل: كما أتى ربه موسى على قدر، وقد جوز آخرون هذا المثال الممنوع وعللوه، وانظره بعد ذلك مباشرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعض النحويين لا يلتزم تأخير الخبر في مثل هذا لأن المضاف والمضاف إليه كشيء واحد فلو وسط الخبر فقيل كان حبيبها بعل هند لم يضر لأن الضمير عائد على ما هو كجزء من مرفوع الفعل ومرفوع الفعل مقدر التقديم وما هو كجزئه مقدر التقديم معه إذ لا يتم معناه إلا به. ويلزم من جواز هذا جواز كان حبيبها الذي خطب هندا؛ لأن ما يتم به المضاف بمنزلة ما يتم به الموصول [2/ 21] وهذا يجوز فكذلك ما أشبهه. وأما عروض موجب تقديم الخبر: فإذا كان فيه معنى الاستفهام نحو: كم كان مالك، وكيف كان زيد. ولا حظّ لزال وما بعدها في وجوب تقديم الخبر لأنهن لا يدخلن على مبتدأ مخبر عنه بأداة استفهام ولا مضاف إليها وقد تقدم التنبيه على ذلك (¬1) انتهى (¬2). ولا يخفى أن ما فيه معنى الشرط والمضاف إلى ما تضمن معنى المذكور وكم الخبرية حكم ذلك كله حكم ما فيه معنى الاستفهام؛ لأن لهذه المذكورات صدر الكلام. ثم إن الأفعال السبعة، أعني التي يجوز تقديم أخبارها عليها في الأصل قد يصحبها أدوات لها صدر الكلام فيمتنع تقديم الخبر على تلك الأدوات وهي أدوات الشرط كلها وأدوات الاستفهام كلها وما النافية ولام التوكيد. نحو: إن كان زيد قائما قام عمرو، وهل كان زيد قائما، وما كان زيد قائما، وليكونن زيد قائما؛ لا يجوز تقديم الخبر في شيء من هذا وكذا إذا كان الفعل صلة لموصول أو صفة لموصوف فإنه لا يتقدم الخبر على الموصول ولا على الموصوف نحو: يعجبني أن يكون زيد قائما، ويعجبني رجل يكون قائما فحكم الموصول والموصوف في عدم التقديم عليهما حكم الأدوات التي ذكرت لأن الصلة والصفة لا يتقدم منهما شيء على الموصول ولا على الموصوف إلا من الذي ذكر ما يجوز فيه الفصل بينه وبين ما باشره من الأفعال المذكورة، فيجوز تقديم الخبر في مثل ذلك على الفعل نفسه دون الذي باشر الفعل. وذلك ما النافية وأدوات الاستفهام، فيجوز أن يقال في ما كان - ¬

_ (¬1) سبق قبل قول المصنف في المتن: وتختص دام والمنفي بما بعدم الدخول على ذي خبر مفرد طلبي. (¬2) انظر شرح التسهيل (1/ 351).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد قائما: ما قائما كان زيد، وفي هل كان زيد قائما: هل قائما كان زيد، ولا فرق في ذلك بين كان وغيرها فيجوز أن يقال ما قائما زال زيد، وبعضهم يمنع ذلك في زال وأخواتها قال: لملازمتها النفي والأصح خلافه. وبقية ما ذكر لا يجوز فيه الفصل فلا يجوز التقديم وذلك أدوات الشرط ولام التوكيد وكذا إذا كان الموصول حرفا فلا يجوز أن يقال: إن قائما كان زيد قام عمرو ولا لقائما يكونن زيد ولا يعجبني أن قائما يكون زيد لأن هذه الأحرف لا يليها إلا الفعل. على إن الذي أشير إليه لا يختص بهذا الباب الذي نحن فيه بل هو أمر محكوم به بالنسبة إلى سائر الأفعال. وأما القسم الثاني: وهو الذي يمتنع فيه تقديم الخبر إجماعا فهو دام كما تقدم وسبب ذلك أن ما موصولة ومعمول الصلة لا يتقدم على الموصول، وهل يتقدم على دام خاصة دون ما؟ أما على رأي المصنف فلا يجوز لأنه لا يجيز الفصل بين الحرف الموصول وصلته مطلقا. وابن عصفور يجيز الفصل مع الحرف الذي هو غير عامل نحو ما فيجيز أن تقول: عجبت مما زيدا [2/ 22] يضرب عمرو (¬1)، وعلى هذا فهل يجوز ذلك هنا أعني ما دام فيقال: لا أصحبك ما طالعة دامت الشمس؟ فيه نظر. والظاهر أن ذلك لا يجوز على رأي من يجيز ذلك لعدم تصرف دام (¬2)، وقد ذكر ابن عصفور مع مادام قعد أيضا (¬3) وهو صحيح غير أن ذكر ذلك غير محتاج إليه لأن قعد إنما استعملت هذا الاستعمال في مكان واحد وهو جار مجرى المثل ولا شك أن الأمثال - ¬

_ (¬1) انظر المقرب (1/ 55 - 56). وكذلك (ص 156). (¬2) قال ابن عصفور في المقرب (1/ 95): «وأفعال هذا الباب كلها متصرفة إلا ليس ومادام وقعد في المثل. وهي بالنظر إلى تقديم إخبارها عليها قسمان: قسم لا يجوز تقديم خبره عليه. وهو مادام وقعد في المثل، وما زال وأخواتها منفية بما أو بلا في جواب قسم، وقسم يجوز تقديم خبره عليه وهو ما بقي من الأفعال». وفي شرح الجمل له كان صريحا في منع تقدم خبر مادام عليها وعلله: «بأن ما مصدرية فهي من قبيل الموصولات ولا تتقدم الصلة على الموصول فلا يجوز أن تقول: أقوم قائما مادام زيد، تريد: أقوم مادام زيد قائما. (شرح الجمل: (1/ 373) - فواز الشغار). (¬3) في نسخة الأصل: وقد ذكر ابن عصفور مع مادام قعد أيضا .. وهما سواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تغير بل تستعمل على حسب ما وردت (¬1). وقد أشار المصنف إلى هذا القسم بقوله: ولا يتقدّم خبر دام اتّفاقا. وأما القسم الثالث: فقد عرفت أنه ليس وزال وأخواتها. أما ما زال فقال المصنف (¬2): ويشارك زال وأخواتها إذا نفيت بغير ما صار وأخواتها في جواز تقديم الخبر نحو قائما لم يزل زيد وفي التخيير بين تقديمه وتوسيطه عند امتناع تأخيره نحو: في الدار لم يبرح صاحبها ولا ينفك مع هند أخوها (¬3). فلو كان النفي بما لم يجز لأن ما لها صدر الكلام ولذلك جرت مجرى حرف الاستفهام في تعليق أفعال القلوب. وقياس إن النافية أن تجري مجراها في غير التعليق كما جرت فيه مجراها (¬4) كقوله عز وجلّ: وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (¬5). وأجاز ابن كيسان التقديم مع النفي بما (¬6) مع أنه موافق للبصريين في أنّ ما لها صدر الكلام لكنه نظر إلى أن ما زال زيد فاضلا بمنزلة كان زيد فاضلا في المعنى فاستويا في جواز تقديم الخبر. وهذا الذي اعتبره ضعيف لأن عروض تغيير المعنى لا يغير له الحكم ولذلك استصحب الاستفهام في نحو: علمت أزيد قام (¬7) أم عمرو ما كان له من التزام التصدير مع أن معنى الاستفهام قد تغير. وأجاز الكوفيون إلا الفراء ما أجازه ابن كيسان لأن ما عندهم ليس لها تصدير - ¬

_ (¬1) نص ما قاله ابن عصفور في شرح الجمل له (1/ 273): «وأما قعد فلأنها لم تستعمل إلا في كلام جرى مجرى المثل فلا يغير عما استعمل عليه من تأخير الخبر وذلك: شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة». (¬2) انظر نصه في شرح التسهيل (1/ 513). (¬3) في هذين المثالين وجب تقديم الخبر على الاسم لاتصال الاسم بضمير يعود على بعض الخبر فلو أخر الخبر لزم عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو لا يجوز. (¬4) أي كما جرت إن في التعليق مجرى ما، ومعناه: امتناع تقديم الخبر على زال - وأخواتها إن نفيت بإن لأن إن تجري مجرى ما في هذا وفي غيره كالتعليق والإعمال. (¬5) سورة الإسراء: 52. وشاهده: تعليق تظنون عن العمل في المفعولين بسبب دخول إن، ويقال في إعرابها: إن جملة لبثتم سدت مسد مفعولي تظنون. (¬6) انظر في إسناد هذا الرأي لابن كيسان: التصريح (1/ 189). والتذييل والتكميل (4/ 176) قال أبو حيان: غير الفراء من الكوفيين أجاز تقديم الخبر مطلقا سواء نفي بما أو بغيره فتقول: قائما ما زال زيد وهذا المذهب مشهور نقله عن ابن كيسان. (¬7) في النسخ: أزيد ثم أم عمرو ولا معنى له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مستحق حكى ذلك ابن كيسان (¬1). ومنع الفراء (¬2) مطلقا تقديم خبر زال وأخواتها فلا يجيز عالما لم أزل ولا عالما مازلت وكذا لو نفيت بلن أو أن ذكر ذلك في كتاب الحدود (¬3). ودليله على ذلك ضعيف انتهى. وثبت أن في جواز تقديم خبر زال وأخواتها ثلاثة مذاهب: الجواز مطلقا (¬4)، المنع مطلقا (¬5)، التفصيل بين أن يكون النافي ما فيمتنع، أو غيرها من أدوات النفي فيجوز وهو الصحيح (¬6) وعبارة متن الكتاب معطية ما ذكرناه دون إشكال. فأما ليس: فقال المصنف (¬7): اختلف في تقديم خبر ليس عليها فأجازه سيبويه على ما زعم من أخذ بظاهر من قول لا يلزم الأخذ به (¬8) وممن أخذ به السيرافي (¬9) والفارسي (¬10) - ¬

_ (¬1) انظر المسألة بالتفصيل في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 155) المسألة رقم (17) هل يجوز تقديم خبر ما زال وأخواتها عليهن؟. يقول أبو البركات كمال الدين الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز تقديم خبر ما زال عليها وما كان في معناها من أخواتها وإليه ذهب أبو الحسن ابن كيسان، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز ذلك وإليه ذهب أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء من الكوفيين، وأجمعوا على أنه لا يجوز تقديم خبر ما دام عليها. (¬2) سقط من شرح التسهيل من أول قوله: ومنع الفراء مطلقا حتى آخر كلام ابن مالك. (¬3) في نسخة (ب): في كتاب الحد وكثيرا ما يعبر عنه بذلك وهو خطأ. انظر حديث هذا الكتاب (ص 102) من نشأة النحو. (¬4) هو مذهب الكوفيين وابن كيسان. (¬5) هو مذهب الفراء من الكوفيين. (¬6) هو مذهب البصريين ورجحه صاحب كتاب الإنصاف. (¬7) انظر شرح التسهيل (1/ 351). (¬8) قال أبو حيان في مذهب سيبويه: وقد اختلف في ذلك عن سيبويه فنسب بعضهم إليه الجواز وبعضهم قال: ليس في كلامه ما يدل على ذلك. (التذييل والتكميل: 4/ 179). وقال صاحب الإنصاف عن سيبويه (1/ 160) في مسألة: هل يجوز تقديم خبر ليس عليها: وزعم بعضهم أنه مذهب سيبويه وليس بصحيح، والصحيح أنه ليس في ذلك نص. (¬9) انظر في نسبة هذا الرأي إلى هؤلاء الأعلام، التذييل والتكميل (4/ 179) قال أبو حيان: واختاره ابن عصفور. (¬10) انظر رأي أبي علي في المسائل الشيرازيات (ص 32، 33) وتقريره أن ليس تشبه الحرف ولو كانت كالفعل لدخل بينها وبين أن حاجز في قوله تعالى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى [النجم: 39] كما دخل الحاجز في قوله تعالى عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ [المزمل: 20] ثم قال: فإن قلت فقد جاء: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ [هود: 8] فقد تعلق الظرف بها؟ قيل: إن الظرف متعلق بقوله مصروفا وفي هذا تقوية لقول من أجاز تقديم خبر ليس عليها ويمكن أن يتعلق الظرف بمحذوف يدل عليه ما بعد ليس. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن برهان (¬1) والزمخشري (¬2). ومنعه الكوفيون (¬3) وأبو العباس (¬4) وابن السراج (¬5) والجرجاني (¬6). - ¬

_ - وليس فيما نقلته عن أبي علي صراحة كاملة لرأيه في تقديم خبر ليس عليها، ولكنه صرح بذلك في كتاب الإيضاح يقول: «ويستقيم أن تقدم الخبر على الاسم فتقول: كان منطلقا زيد. ويجوز أيضا: منطلقا كان زيد وشاخصا صار بكر لأن العامل متصرف وهكذا خبر ليس في قول المتقدمين من البصريين وهو عندي القياس فتقول: منطلقا ليس زيد. انظر الإيضاح مشروحا للإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه المسمى المقتصد في شرح الإيضاح (1/ 407) تحقيق كاظم بحر المرجان (مجلدان - بغداد). (¬1) صرح بذلك في كتابه: شرح اللمع (ص 52) يقول في جواز تقديم خبر ليس عليها: ولنا في جوازه رواية ودراية: أما الرواية فقوله تعالى أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وتقدم معمول الخبر لتقدم عامله. وأما الدراية فإن إن إذا كان خبرها غير ظرف لم يصح تقدمه لا على اسمها ولا عليها وكان يصح تقدم خبرها على اسمها وعليها فلما كانت ليس بمثابتها في أحد الوجهين كانت كذلك في الوجه الآخر. (¬2) انظر رأي الزمخشري في المفصل (ص 269) وهو دقيق في فهمه. يقول: وهذه الأفعال في تقديم خبرها على ضربين فالتي في أوائلها ما - يتقدم خبرها على اسمها لا عليها، وما عداها يتقدم خبرها على اسمها وعليها وقد خولف في ليس فجعل من الضرب الأول، والأول هو الصحيح. شرحه ابن يعيش فقال (شرح المفصل 7/ 114) قوله: والأول هو الصحيح يريد الأول من القولين وهو جواز تقديم خبرها عليها وهو الذي أفتى به، والثاني ما حكاه من قول المخالف وهو عدم جواز تقديمه. (¬3) انظر الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 160) مسألة هل يجوز تقدم خبر ليس عليها؟ قال ابن الأنباري: ذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز تقديم خبر ليس عليها وإليه ذهب أبو العباس المبرد من البصريين وزعم بعضهم أنه مذهب سيبويه وليس بصحيح، والصحيح أنه ليس في ذلك نص. وذهب البصريون إلى أنه يجوز تقديم خبر ليس عليها كما يجوز تقديم خبر كان عليها. وانظر في إسناد المنع إلى الكوفيين في التذييل والتكميل (4/ 178) والهمع (1/ 117) وشرح الكافية (2/ 297). (¬4) انظر في نسبة المنع إلى المبرد الكتب الآتية: التذييل والتكميل (4/ 178)، الهمع (1/ 177) شرح الرضي (2/ 297)، شرح المفصل (7/ 114)، وليس هناك نص صريح في المقتضب يدل على مذهبه وقال محقق التذييل والتكميل: أما المبرد فلم أعثر له على رأي في هذه المسألة لا في المقتضب ولا في الكامل. (¬5) انظر رأيه في كتابه: الأصول في النحو (1/ 102) تحقيق د/ عبد الحسين الفتلي، يقول: ولا يتقدم خبر ليس قبلها لأنها لم تتصرف تصرف كان لأنك لا تقول فيها يفعل ولا فاعل وقد شبهها بعض العرب بما فقال: ليس الطيب إلا المسك فرفع وهذا قليل. (¬6) قال الإمام عبد القاهر الجرجاني: وإذا كان ليس أضعف تصرفا من كان وأقوى أمرا من ما وجب أن يكون لها مرتبة بينهما، فلا يجوز فيها تقديم المنصوب عليها نفسها نحو منطلقا ليس زيد كما يجوز منطلقا كان زيد لتنحط درجة عن كان ويجوز تقديم المنصوب على المرفوع نحو ليس منطلقا زيد كقوله عز وجلّ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ وإن لم يجز ذلك في نحو ما منطلقا زيد ليرتفع درجة عن ما لأنها أقوى، فقد أخذت ليس شبها من كان وشبها من ما وصار لها منزلة بين المنزلتين (المقتصد في شرح الإيضاح لعبد القاهر (1/ 9). تحقيق: كاظم المرجان - بغداد).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبه أقول. لأن «ليس» فعل لا يتصرف في نفسه فلا يتصرف في عمله كما وجب لغيره من الأفعال التي لا تتصرف كعسى ونعم وبئس وفعل التعجب مع أن ليس شبيهة في المعنى بحرف لا يشبه الأفعال وهو ما بخلاف عسى لأنها تشبه حرفا يشبه [2/ 23] الأفعال وهو لعل، والوهن الحاصل بشبه حرف لا يشبه الأفعال أشد من الوهن الحاصل بشبه حرف يشبه الأفعال. وكان مقتضى شبه ليس بما وعسى بلعل امتناع توسيط خبريهما كما امتنع توسيط خبري شبيههما لكن قصد ترجيح ما له فعلية على ما لا فعلية له، والتوسط في ذلك لم يجز فلم تجز الزيادة عليه تجنبا لكثرة مخالفة الأصل. قال السيرافي: «بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس فرق لأن ليس تدخل على الأسماء كلها مظهرها ومضمرها ومعرفتها ونكرتها ويتقدم خبرها على اسمها ونعم وبئس لا يتصل بهما ضمير المتكلم ولا العلم، وفعل التعجب يلزم طريقة واحدة ولا يكون فاعله إلا ضمير ما فكانت ليس أقوى منها» (¬1). قلت: فعلية نعم وبئس أظهر من فعلية ليس بثلاثة أوجه (¬2): أحدها: أن معنى نعم وبئس يستقل باسم واحد لأن معنى نعم الرجل مدح الرجل أو كمل الرجل إلا أن الرجل مبهم والمراد تعيين ممدوح فاحتيج إلى مخصوص بعد الفاعل أو إلى ما يدل عليه قبل نعم. فالحاصل: أن مطلوب نعم إنما هو الفاعل والمخصوص بالمدح إنما يطلبه الفاعل لأنعم لأنها غير عاملة فيه بإجماع بخلاف الجزء الثاني من مصحوبي ليس فإنه معمول لها فمعنى ليس لا يستقل إلا بجز أين مسند ومسند إليه فكانت أشبه بالحروف وكانت نعم وبئس أشبه بالأفعال. - ¬

_ (¬1) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (2/ 295) (رسالة دكتوراه بكلية اللغة بالقاهرة تحقيق د/ دردير أبو السعود): في حديث عن كان وأخواتها: وما الدليل على أن ليس فعل؟ قيل الدليل على ذلك اتصال الضمائر بها التي لا تتصل إلا بالأفعال كقولنا: لسنا ولستم والقوم ليسوا قائمين. وقال في (ص 422) من الجزء نفسه مبينا ضعف أفعل التعجب: باب ما يعمل عمل الفعل ولم يجر مجراه ولم يتمكن تمكنه وذلك قولك: ما أحسن عبد الله ... إلخ. (¬2) انظر شرح التسهيل (1/ 352) قال أبو حيان: وقد طول المصنف بما لا حاجة إليه في هذه المسألة من إبداء فروق بين ليس وفعل التعجب ونعم وبئس وعسى (التذييل والتكميل: 4/ 181).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أن نعم وبئس يقوم كل واحد منهما مقام فعل صريح ويقوم الفعل الصريح مقامه، فمن كلام العرب الفصيح علم الرجل فلان بمعنى نعم العالم فلان وليس لا تقوم إلا مقام حرف ولا يقوم مقامها إلا حرف. الثالث: أن ليس ونعم وبئس مشتركة في مفارقة الأصل لأن أصل كل منها فعل ولكن «ليس» فارقت أصلها فراقا لازما على وجه عدم به النظير في الأفعال وثبت به شبه الحرف ونعم وبئس بخلاف ذلك لأنهما لم يفارقا أصلهما فراقا لازما، بل أصلهما مستعمل فلم يعدم بما فعل بهما النظير في الأفعال ولا ثبت به شبه الحرف لأن الذي فعل بهما من كسر الفاء وسكون العين مطرد في كل فعل على فعل ثانيه حرف حلق وفعلية ما روعي أصله وسلك به سبيله مطردة في الأفعال أقوى من فعلية ما لم يعامل بهذه المعاملة. وأما تفضيل ليس على نعم وبئس بإعمالها في الظاهر والمضمر والمعرفة والنكرة فشيء ثبت على خلاف الأصل لأن شبهها في اللفظ والمعنى بالحرف أقوى من شبهها بالفعل فأن يسلك بها سبيل الأشبه بها أولى ولكن فعل بها ذلك لم يبق ما يدل على فعليتها فرفعت الضمائر المتصلة لذلك وإذا كان هذا التفضيل محوجا إلى اعتذار فلا يجعل سببا لتفضيل آخر فيستباح من أجله تقديم الخبر لأن ذلك تكبير لمخالفة الأصل ومحوج إلى اعتذار ثان ومع هذا فقد شاركها نعم وبئس في رفع الضمير [2/ 24] مستترا وبارزا فإن الكسائي روى عن (بعض) (¬1) العرب: الزّيدان نعما رجلين والزّيدون نعموا رجالا (¬2). وقال الأخفش: ناس من العرب يرفعون النّكرة بنعم مفردة ومضافة (¬3). وأما فعل التعجب فيفوق ليس بأربعة أوجه (¬4): - ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من شرح التسهيل وليس في النسخ وثبوته أفضل. (¬2) انظر فيما رواه الكسائي: الهمع (2/ 84). (¬3) انظر فيما رواه الأخفش: الهمع (2/ 86). (¬4) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 353) وفيه: وأما فعل التعجب فهو وإن لزم طريقة واحدة راجح على ليس من أربعة أوجه ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: تمكنه في الفعلية لفظا ومعنى لأنه على وزن أفعل (¬1) وهمزته مقدمة كأكرم وغيره من الأفعال المعداة بهمزة وهو مع ذلك متضمن لحروف مصدر ودال على معناه و «ليس» بخلاف ذلك. الثاني: أن فعل التعجب يلزم نون الوقاية مع ياء المتكلم كما يلزم سائر الأفعال المتعدية و «ليس» بخلاف ذلك. الثالث: أن لفعل التعجب صيغتين: إحداهما كصيغة الماضي والأخرى كصيغة الأمر وذلك ضرب من التصرف وليس بخلاف ذلك. الرابع: أن فعل التعجب يعمل في الظرف والحال والتمييز بخلاف ليس فإنها لا تعمل إلا في جزأي الإسناد. وأما عسى: فتشارك ليس في إعمالها في الأسماء كلها مظهراتها ومضمراتها ومعارفها ونكراتها وتفوقها بأشياء: منها: أن فعليتها مجمع عليها وفعلية ليس مختلف فيها. الثاني: أن ليس من الأفعال المعتلة العين وعسى من الأفعال المعتلة اللام وهي جارية على ما يجب لنظائرها من الإعلال بالقلب كرمى وليس جارية على خلاف ما يجب لنظائرها من إعلال بالقلب كهاب وسلامه كسلامة صيد البعير (¬2). الثالث: أن عسى وإن لم تتصرف بأن يجعل لها مضارع وأمر واسم فاعل فقد جعل لها حظ من التصرف بأن أجيز في عينها الفتح والكسر فقيل عسيت وعسيت وبنوا منها فعل التعجب فقالوا ما أعساه بكذا وأعسى به أن يكون وقالوا: هو عسي بكذا أي حقيق به وبالعسي أن تفعل وهو مصدر عسيت (¬3) وهذا كله موجب للمزية على ليس فلو قدم خبر ليس مع كون هذه الأفعال لا يقدم عليها شيء مما - ¬

_ (¬1) قال السيوطي في الهمع (2/ 90): قال الفراء: إن صيغة أفعل في ما أفعله اسم لكونه لا يتصرف ولتصغيره ولصحة عينه. وقد ردوا عليه. (¬2) في القاموس (صيد): الصاد والصيد بالكسر داء يصيب الإبل فتسيل أنوفها فتسمو برأسها. (¬3) في القاموس (4/ 364): هو عسيّ بكذا وعس: خليق، وبالعسي أن تفعل أي بالحري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتعلق بها لكان ذلك مفضلا للأضعف على الأقوى فوجب الاقتصار عليه. وعضد قوم (¬1) جواز تقديم خبر ليس ب أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (¬2) قالوا: لأن يوم معمول مصروفا ولا يقع المعمول إلا حيث يقع العامل. ولنا أربعة أجوبة (¬3): أحدها: أن المعمول قد يقع حيث لا يقع العامل نحو أما زيدا فاضرب وعمرا لا تهن وحقك لن أضيع فكما لم يلزم من تقديم معمول الفعل بعد أما تقديم الفعل ولا من تقديم معمول المجزوم والمنصوب على لا ولن تقديمهما عليهما كذلك لا يلزم من تقديم معمول خبر ليس تقديم الخبر. الثاني: أن يجعل يوم منصوبا بفعل مضمر لأن قبله ما يَحْبِسُهُ (¬4) فيوم يأتيهم جواب كأنه قال يعرفون يوم يأتيهم وليس مصروفا جملة حالية مؤكدة أو مستأنفة. الثالث: أن يكون يوم مبتدأ مبني لإضافته إلى الجملة فذلك شائع مع المضارع كشيوعه مع الماضي. وللاحتجاج على بناء المضاف إلى المضارع موضع آخر. الرابع: أن نسلم أن انتصاب يوم بمصروفا لأن الظروف يتوسع فيها بما لا يتوسع في غيرها ولذلك جاز ما غدا زيد ذاهبا ولم يجز ما طعامك زيد آكلا (¬5). [2/ 25] وجاز: أغدا تقول: زيدا منطلقا، ولم يجز: أنت تقول: زيدا منطلقا. هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬6). - ¬

_ (¬1) هم الذين أجازوا تقديم خبر ليس عليها وهم السيرافي والفارسي وابن برهان والزمخشري. (¬2) سورة هود: 8، وهي: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 354) وفيه الأجوبة الثلاثة الأولى فقط وأما الرابع فلا يوجد في هذه النسخة اليتيمة بدار الكتب. (¬4) أي في الآية وهو قوله: لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ... (¬5) في المثال الأول فصل بين ما واسمها بالظرف المتعلق بالخبر وفي الثاني فصل بينهما بمفعول الخبر. (¬6) انظر: شرح التسهيل (1/ 354) ما عدا الوجه الرابع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استنبطت من كلام سيبويه الجواز وهو أنه أجاز في الاشتغال «أزيدا لست مثله» بنصب زيد بفعل يفسره ليس (¬1) ولا يفسر في الاشتغال إلا ما يصح له العمل. ثم ها هنا أمران: الأول (¬2): قال الشيخ (¬3): يحتاج جواز تقديم خبر كان إلى صار عليها إلى سماع من العرب ولم نجدهم ذكروا سماعا في ذلك لا يكاد يوجد قائما كان زيد وقد استدل بعضهم على جواز ذلك بقوله عز وجلّ: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (¬4) وبقوله تعالى: وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (¬5)، وبقوله تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (¬6) لأن تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل. الثاني: تقدم الوعد بذكر المسألة المنقول عن الكوفيين منعها وهي مسألة: كان قائما زيد وقائما كان زيد. قال ابن عصفور (¬7): «أهل الكوفة لا يجيزون كان قائما زيد ولا قائما كان زيد على أن يكون في قائم ضمير يعود على اسم كان المؤخر ويكون قائما خبرا مقدما لأن ضمير الرفع عندهم لا يتقدم على ما يعود عليه أصلا وأهل البصرة يقولون: الضمير مرفوع بما النية به التأخير فيكون الضمير النية به التأخير أيضا كرافعه وإذا كان كذلك لم يمتنع تقديمه ولكن الكوفيين أجازوا تقديم قائم على زيد فيقولون: كان قائما زيد على أن يكون قائما خبر كان وزيد مرفوع به واسم كان ضمير الأمر والشأن ولا يثنى قائم لرفعه الظاهر هذا مذهب الكسائي (¬8) ومن أخذ بمذهبه وهو - ¬

_ (¬1) انظر: كتاب سيبويه (1/ 101، 102) هذا باب ما ينصب في الألف (ألف الاستفهام). (¬2) كلمة الأول والثاني ساقطة من الأصل. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 182). (¬4) سورة سبأ: 40. (¬5) سورة الأعراف: 177. (¬6) سورة التوبة: 65. (¬7) انظر نصه في شرح الجمل له (1/ 379) بتحقيق فواز الشغار. (¬8) قال أبو حيان في تقديم أخبار هذه الأفعال أو توسيطها (التذييل والتكميل): توسيط أخبارها سواء كان الخبر جامدا أو مشتقّا هو مذهب البصريين ولا يجيز الكوفيون: كان قائما زيد على أن يكون في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باطل عندنا لأن ضمير الأمر والشأن لا يفسر إلا بجملة والاسم الرافع للظاهر هنا ليس بجملة وأجازه الفراء على أن يكون قائم خبر كان وزيد مرفوع بكان وقائم ولا يثنى عنده لرفعه الظاهر مع أنه يتقدر بالفعل. ألا ترى أنك تقول كان يقوم زيد وكان قام زيد ويكون في معنى قائما زيد، وهذا فاسد لأنه لا يجوز إعمال عاملين في معمول واحد. وكذلك أجاز الكسائي أن تقول: قائما كان زيد على أن يكون قائم خبرا مقدما قد رفع الظاهر وزيد مرفوع به وفي كان ضمير الأمر والشأن ولا يثنى قائم لرفعه الظاهر كما كان يفعل ذلك مع التوسط. وأما الفراء فإن حكمه عنده مع التقديم حكمه مع التوسط إلا أنه يثنى قائما ويجمعه لأنه لا يسوغ في محله الفعل فلا يقال قائما كان زيد ولا يقوم كان زيد وهو فاسد لما تقدم؛ فإن جعلت قائما وأشباهه خلفا لموصوف جاز عندهم أن يكون خبرا مقدما ومتوسطا ويكون فيه إذ ذاك ضمير يعود على الموصوف المحذوف وتثنيه إذ ذاك وتجمعه فتقول: قائما [2/ 26] كان زيد وكان قائما زيد والتقدير: رجلا قائما كان زيد وكان رجلا قائما زيد. وهذا الذي ذهبوا إليه لا يجوز عندنا إلا إذا كانت الصفة خاصة فإن لم تكن خاصة لم يجز إقامتها مقام الموصوف». انتهى كلام ابن عصفور فيما نقله عن الكوفيين في هذه المسألة (¬1). ¬

_ - قائم ضمير يعود على اسم كان المؤخر ويكون قائما خبرا مقدما على الاسم لأن ضمير الرفع عندهم لا يتقدم على ما يعود عليه أصلا. وجاز ذلك عند أهل البصرة لأن الضمير مرفوع بما النية به التأخير والضمير إذا كانت النية به التأخير عن الظاهر جاز تقديمه عليه ثم حكى رأي الكسائي والفراء المذكورين في الشرح. ثم قال في موضع آخر (4/ 173): وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز قائما كان زيد على أن يكون قائما خبر كان مقدما وزيد اسم كان للعلة التي ذكرت عنهم في منع توسطه ثم حكى رأي الكسائي والفراء كما هنا. (¬1) انظر نصه في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 379) ولم يحذف منه شارحنا إلا حشوا يسيرا وانظر أمانة ناظر الجيش في إسناد هذا النقل الطويل لصاحبه ولم يفعله أبو حيان مع نقله أيضا.

[حكم الخبر إذا كان جملة في هذا الباب]

[حكم الخبر إذا كان جملة في هذا الباب] قال ابن مالك: (ولا يلزم تأخير الخبر إن كان جملة خلافا لقوم). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): ذكر ابن السراج أن قوما من النحويين لا يجيزون تقديم الخبر ولا توسيطه إذا كان جملة، قال (¬2): والقياس جوازه وإن لم يسمع فأجاز أن يقال أبوه قائم كان زيد فهذا مثال التقديم وأجاز أيضا أن يقال كان أبوه قائم زيد. وما ذهب إليه من الجواز هو الصحيح لأنه وإن لم يسمع من كان فقد سمع مع الابتداء كقول الفرزدق: 719 - إلى ملك ما أمّه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره (¬3) أراد ما أبوه أمه من محارب فأبوه مبتدأ وأمه مبتدأ ثان ومن محارب خبر وهما خبر المبتدأ الأول فقدم الخبر وهو جملة فلو دخلت كان لساغ التقديم أيضا كقولك ما أمه من محارب كان أبوه (¬4). - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 355). (¬2) القائل هو ابن السراج وانظر الأصول في النحو له (1/ 101) (عبد الحسين الفتلي) «وقال قوم: أبوه قائم كان زيد خطأ لأن ما لا يعمل فيه كان لا يتقدم قبل كان والقياس ما خبرتك به إذ كان قولك أبوه قائم في موضع قولك منطلقا فهو بمنزلته فإذا لم يصح سماع الشيء عن العرب لجئ فيه إلى القياس. ولا يجيزون أيضا كان أبوه قائم زيد وكان أبوه زيد أخوك وكان أبوه يقوم أخوك وهذا خطأ عندهم لتقديم المكني على الظاهر وهذا جائز عندنا لأنك تقدم المكني على الظاهر في الحقيقة وقد مضى تفسير المكني أنه إذا كان في غير موضعه وتقدم جاز تقدمه لأن النية فيه أن يكون متأخرا. (¬3) البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة طويلة للفرزدق يمدح بها الوليد بن عبد الملك وهي كغالب شعر الفرزدق تمتلئ بالغريب حتى بيت الشاهد جعله علماء البيان مثالا للتعقيد المعنوي في الكلام، وانظر القصيدة في ديوان الفرزدق (1/ 248). الإعراب: إلى ملك: جار ومجرور متعلق بتسير أو تذهب محذوفة دلّ عليها قوله: لنبلغ خير النّاس إن بلغت بنا ... مراسيل خرق لا تزال تساوره وجملة: ما أمه من محارب مبتدأ وخبر وهي خبر المبتدأ بعدها (أبوه). والشاهد فيه: تقدم الخبر وهو جملة اسمية على المبتدأ وإذا جاز هذا في باب الابتداء فلا مانع من جوازه في باب كان. والبيت في شرح التسهيل (1/ 355) وهو في التذييل والتكميل (4/ 182) وفي معجم الشواهد (ص 158). (¬4) هذا آخر كلام ابن مالك في النسخة التي بدار الكتب وما سيذكره بعد ليس فيها.

[معمول الخبر المرفوع أو المنصوب في هذا الباب]

[معمول الخبر المرفوع أو المنصوب في هذا الباب] قال ابن مالك: (ويمنع تقديم الخبر الجائز التّقدّم تأخّر مرفوعه ويقبّحه تأخّر منصوبه ما لم يكن ظرفا أو شبهه). ـــــــــــــــــــــــــــــ والتوسيط أولى بالجواز كقولك ما كان أمه من محارب أبوه. ومما يدل على جواز تقديم الخبر وهو جملة قوله تعالى: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (¬1)، وقوله تعالى: وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (¬2) فإياكم وأنفسهم منصوبان بيعبدون ويظلمون وقد قدما وتقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل. انتهى. وفهم من كلامه وتقريره وتمثيله لهذه المسألة أنه لم يقصد بقوله: وإن كان جملة أن يكون الخبر فعلا مسندا إلى ضمير اسم كان نحو: كان زيد يقوم لأنه لو قصد ذلك لم يجعل الدليل على جواز التقديم مع كان جوازه في الابتداء حيث قال لأنه وإن لم يسمع مع كان فقد سمع مع الابتداء ولا شك أن الخبر إذا كان فعلا مسندا إلى ضمير الاسم السابق لا يقدم في الابتداء فدل هذا على أن مسألة كان زيد يقوم حيث يجوز فيها التقديم على الصحيح كما تقدم (¬3) فيقال كان يقوم زيد ليست مرادة هنا وهذا ظاهر. وكان الشيخ جعل كلامه يدخل فيه ذلك وعندي فيه ما ذكرته (¬4). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬5): «إذا كان للخبر المقدم معمول مؤخر امتنعت المسألة إن كان مرفوعا مفردا أو مصحوبا بغيره نحو قائما كان زيد أبوه وآكلا كان زيد أبوه طعامك فإن كان المعمول منصوبا لا مرفوع معه جازت المسألة على قبح نحو آكلا كان زيد طعامك، وإن كان المعمول ظرفا أو شبهه حسنت المسألة نحو: مقيما كان زيد عندك، وراغبا كان عمرو فيك، وسبب ذلك أن حق العامل أن لا يفصل [2/ 27] بينه وبين معموله فإن كان مرفوعا كان فصله أصعب لكونه - ¬

_ (¬1) سورة سبأ: 40. (¬2) سورة الأعراف: 177. (¬3) تقدم قول شارحنا بعد تقرير هذه المسألة: «قال ابن عصفور بعد إيراد هذا الكلام: فالصّحيح إذن جواز تقديم الخبر على الاسم». (¬4) انظر: شرح أبي حيان لهذه المسألة في التذييل والتكميل (4/ 182) وما بعدها. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 356).

[تعريف الاسم والخبر وجواز تقدم الخبر]

[تعريف الاسم والخبر وجواز تقدم الخبر] قال ابن مالك: (ولا يمتنع هنا تقديم خبر مشارك في التّعريف وعدمه إن ظهر الإعراب وقد يخبر هنا وفي باب إنّ بمعرفة عن نكرة اختيارا). ـــــــــــــــــــــــــــــ كجزء رافعه فلم يجز بوجه وإن كان مفعولا به قبح ولم يمتنع لأنه ليس كجزء ناصبه فإن كان ظرفا أو شبهه حسن فصله لا تساعهم في الظروف وشبهها». قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «إذا اشترك في هذا الباب الخبر والمخبر عنه في تعريف أو تنكير لم يلزم ما لزم في باب الابتداء من تأخير الخبر إلا إذا لم يظهر الإعراب نحو كان فتاك مولاك ولم يكن فتى أزكى منك فإن ظهر الإعراب جاز التوسيط والتقديم نحو كان أخاك زيد وأخاك كان زيد ولم يكن خيرا منك أحد وخيرا منك لم يكن أحد، ولما كان المرفوع هنا مشبها بالفاعل والمنصوب مشبها بالمفعول جاز أن يغني هنا تعريف المنصوب عن تعريف المرفوع كما جاز ذلك في باب الفاعل لكن بشرط الإفادة وكون النكرة غير صفة محضة فمن ذلك قول حسان رضي الله عنه: 720 - كأنّ سلافة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء (¬2) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 356). (¬2) البيت من الوافر من قصيدة طويلة لحسان بن ثابت يهجو فيها أبا سفيان ويمدح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد سبق منها شاهد آخر قبل ذلك، والقصيدة والشاهد في ديوان حسان (ص 72). اللغة: السّلافة: خلاصة الخمر ويروى مكانها خبيئة وهي الخمر المصونة كما يروى سبيئة وهي كلها ألفاظ لمسمى واحد وإن اختلفت صفاته. بيت رأس: موضع بالأردن خمره أطيب الخمر وحسان يمدح خمره المخلوطة بالعسل ليحليها والماء ليبردها. الإعراب والشاهد: «كأنّ سلافة»: كأن واسمها وخبرها محذوف تقديره فيها يكون مزاجها عسل وماء: أعربه ابن مالك إعرابا في الشرح ورد إعرابه جماعة وخرجوا البيت على: 1 - زيادة يكون ورفع الاسمين بعدها على الابتداء والخبر. 2 - يكون ليست زائدة وإنما اسمها ضمير الشأن والجملة بعدها خبر. 3 - الرواية تكون بالتأنيث وعليه فالاسم ضمير السلافة والجملة بعده خبر. وذهب قوم إلى أن الرواية: يكون مزاجها عسلا وماء فقد استوفت كان مرفوعها ومنصوبها على الترتيب ثم رفع ماء بفعل محذوف أي ومازجها ماء، وكون اسمها ضمير الشأن أفضل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 356) وفي التذييل والتكميل (4/ 185) وفي معجم الشواهد (ص 20).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فجعل مزاجها وهو معرفة خبر كان وعسلا وهو نكرة اسمها وليس القائل مضطرّا لتمكنه من أن يقول تكون مزاجها عسل وماء فيجعل اسم كان ضمير السلافة ومزاجها عسل وماء مبتدأ وخبر في موضع نصب بكان (¬1) ومثله قول القطامي: 721 - قفي قبل التفرّق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا (¬2) فأخبر بالمعرفة عن النكرة مختارا لا مضطرّا لتمكنه من أن يقول ولا يك موقفي منك الوداعا أو لا يك منك موقفنا الوداعا (¬3). والمحسن لهذا مع حصول الفائدة شبه المرفوع بالفاعل والمنصوب بالمفعول. وقد - ¬

_ (¬1) بنى هذا ابن مالك على أن الضرورة عنده هي ما ورد في الشعر وليس للشاعر عنه مندوحة. أما ما يمكن أن يحل غيره محله مع سلامة النظم والمعنى فليس بضرورة، وأما الضرورة عند أكثر النحاة فهي ما ورد في الشعر سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا. (¬2) البيت من بحر الوافر وهو مطلع قصيدة للقطامي يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي (سيد شريف من ولد يزيد بن الصعق) وسبب مدحه أن القطامي كان أسيرا عند بني أسد فخلصه زفر من الأسر وحمله وأعطاه مائة ناقة وقد بدأ قصيدته بغزل رقيق وبعد المطلع السابق قوله: قفي فادي أسيرك إنّ قومي ... وقومك لا أرى لهم اجتماعا وكيف تجامع مع ما استحلّا ... من الحرم العظام وما أضاعا انظر القصيدة وبيت الشاهد في ديوان القطامي (ص 31). اللغة: ضباعا: مرخم ضباعة وعلى هذا الترخيم استشهد سيبويه بالبيت (2/ 243) وهو علم على بنت زفر بن الحارث الذي مدحه هكذا قال شراح البيت ولعلها كانت صغيرة. الشاهد فيه قوله: «ولا يك موقف منك الوداعا» حيث جاء اسم كان نكرة والخبر معرفة وأجازه ابن مالك ومنعه قوم وخرجوا البيت على أن روايته: ولا يك موقفي وعليه فالاسم معرفة كالخبر. والبيت في شرح التسهيل (1/ 356) وفي التذييل والتكميل (4/ 185) ومعجم الشواهد (ص 214). (¬3) وإذا كان هذا تخريج النحاة فإن البلاغيين خرجوه على غير ذلك، قال السكاكي: وأما: ولا يك موقف منك الوداعا، وقوله: يكون مزاجها عسل وماء وبيت الكتاب فمحمول على منوال عرضت الناقة على الحوض. وأصل الاستعمال: ولا يك موقفا منك الوداع، ويكون مزاجها عسلا وماء وظبيا كان أمك أم حمارا. قال: ولا تخطئ إحداها هنا فيخطئ ابن أخت خالتك (أنت) فذلك مما يورث الكلام ملاحة ولا يشجع عليه إلا كمال البلاغة تأتي في الكلام والأشعار والتنزيل يقولون: عرضت الناقة على الحوض ويقول رؤبة: ومهمه مغبرة أرجاؤه ... كأنّ لون أرضه سماؤه وفي التذييل: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى [النجم: 8] يحمل على تدلى فدنى (مفتاح العلوم للسكاكي: ص 91).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حمل هذا الشبه في باب إن على أن جعل فيه الاسم نكرة والخبر معرفة كقول الشاعر: 722 - وإنّ حراما أن أسبّ مجاشعا ... بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم (¬1) وأجاز سيبويه: إنّ قريبا منك زيد (¬2). انتهى (¬3). والمغاربة كابن عصفور وغيره ذكروا هاهنا تقسيما وجعلوا الإخبار بالمعرفة عن النكرة في البابين أعني بابي كان وإنّ من الضرورات فخالفوا المصنف في ذلك والتقسيم الذي ذكروه هو أن قالوا (¬4): إذا اجتمع في هذا الباب اسمان فإما أن يكونا معرفتين أو نكرتين أو معرفة ونكرة؛ فهذه ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يكونا معرفتين: وحينئذ إما أن تكون إحداهما قائمة مقام الأخرى أو مشبهة بها، أو هي نفسها: إن كانت قائمة مقامها أو مشبهة بها كان الخبر ما تريد إثباته نحو: كانت عقوبتك عزلتك، وكان زيد زهيرا، فالعزلة ثابتة - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل نسب في مراجعه للفرزدق وهو في الفخر والقوة شأن الفرزدق دائما ومع ذلك لم أجده في ديوانه، وبعد بيت الشاهد يقول (وهو من شواهد سيبويه: 1/ 77 في التنازع): ولكنّ نصفا لو سببت وسبّني ... بنو عبد شمس من مناف وهاشم اللغة: مجاشعا: ويروى مكانه مقاعسا وهما من قبائل العرب الوضيعة. الشّم: جمع أشم، وهو العزيز. الخضارم: جمع خضرم، كدرهم، وهو الجواد الكثير العطاء. نصفا: بكسر النون أي عدلا، وقد روي كذلك، عبد شمس، وهاشم: من قبائل العرب العظيمة السائدة. المعنى: يقول الفرزدق: لا يصح أن أنزل بقومي ونفسي فأسب مجاشعا لأنهم ليسوا بالأشراف كقومي، وإنما الإنصاف أن أسب ويسبني الأشراف والعظام لبني عبد شمس. الشاهد فيه قوله: «وإن حراما أن أسب ... إلخ» حيث جاء اسم إنّ نكرة والخبر معرفة وعليه فيجوز قياس ذلك في باب كان. والبيت في شرح التسهيل (1/ 357) وفي التذييل والتكميل (4/ 185) وفي معجم الشواهد (ص 364). (¬2) انظر الكتاب (2/ 143) وفيه يقول سيبويه: وتقول: إنّ قريبا منك زيد والوجه إذا أردت هذا أن تقول: إنّ زيدا قريب منك أو بعيد عنك لأنه اجتمع معرفة ونكرة. وقال امرؤ القيس (من الطويل): وإن شفاء عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معوّل فهذا أحسن لأنهما نكرة. (¬3) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (1/ 357) إلا أن قول الشارح: وأجاز سيبويه ... إلخ ليس في شرح ابن مالك. (¬4) انظر هذا النقل الطويل في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 384) (بتحقيق الشغار) وهو منقول بنصه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا العقوبة والتشبيه بزهير ثابت ولو قلت: عزلتك عقوبتك كان معاقبا لا معزولا ولو قلت: كان زهير زيدا [2/ 28] ثبت التشبيه لزهير بزيد. وإن كانت المعرفة هي الأخرى نفسها فإما أن يكون المخاطب يعرفهما أو يجهلهما أو يعرف إحداهما ويجهل الأخرى. وإذا كان يعرفهما فإما أن تكون النسبة بينهما معلومة له أو مجهولة فهذه أربع صور: منها صورتان لا يحتاج إلى الكلام فيهما وهما ما إذا كانا مجهولين عند المخاطب وما إذا كان معلومين وكانت النسبة بينهما معلومة عنده وذلك لأنه لا يجوز فيهما جعل أحد الاسمين مخبرا عنه والآخر مخبرا به؛ إذ لا فائدة في ذلك. بقي الكلام في صورتين: وهما ما إذا كانا معلومين عند المخاطب وهو يجهل النسبة بينهما وما إذا كان المخاطب يعرف أحدهما ويجهل الآخر. أما الصورة الأولى وهي ما علم فيها الاسمان وجهلت النسبة فضربان: الضرب الأول: أن يستويا في رتبة التعريف وحينئذ قالوا يجوز أن يجعل أيهما شئت الاسم والآخر الخبر نحو كان زيد أخا عمرو وكان أخو عمرو زيدا إذ قدرت أن المخاطب يعلم زيدا بالسماع وأخا عمرو بالعيان لكنه لا يعلم أن ما علمه بالعيان هو الذي علمه بالسماع فلا فرق أن يجعل أحدهما الاسم والآخر الخبر، لأن المجهول إنما هو النسبة وحظ كل منهما في النسبة واحد. واستثنوا من ذلك مسألة وهي أن يكون أحد الاسمين أن أو أنّ المصدريتين وما اتصل بهما فقالوا: الاختيار جعل الحرف المصدري وصلته الاسم والآخر الخبر ولذلك قرأ أكثر القراء: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ * (¬1) بنصب جواب مع أنهما - ¬

_ (¬1) سورة النمل: 56، وسورة العنكبوت: 24 - 29 وقد تكرر في القرآن كثيرا جعل أحد معمولي كان (أو تكون) أن المصدرية وما اتصل بها من ذلك: - وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا [آل عمران: 147]. - ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ... [الأنعام: 23]. - وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ... [الأعراف: 82]. - ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ... [الجاثية: 25].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متساويا الرتبة في التعريف لأن جواب قومه مضاف إلى مضاف إلى الضمير، وأن قالوا مقدر بمصدر مضاف إلى الضمير ولكن العرب حكمت لهما بحكم المضمر وإنما حكمت لهما بذلك لشبههما به في أنهما لا ينعتان كما أن المضمر كذلك. الضرب الثاني: ألا يستويا في رتبة التعريف وحينئذ الاختيار جعل الأعرف منهما الاسم والأقل تعريفا الخبر نحو كان زيد صاحب الدار، ويجوز كان صاحب الدار زيدا إلا إذا كان أحد الاسمين اسم إشارة فإنه يجعل الاسم ويجعل غيره الخبر في هذا الباب وغيره فيقال هذا القائم وهذا زيد وهذا أخوك وكان هذا أخاك وموجب ذلك أن العرب اعتنت به لمكان التنبيه الذي فيه الإشارة فقدمته ولا يجوز أن يجعل اسم الإشارة ضميرا إلا مع المضمر فإن الأفصح أن يقدم فنقول: ها أنذا ولا يجوز هذا أنا وهذا أنت. قال الشيخ (¬1): «وفي تقرير الإخبار عن الاسم المضمر باسم الإشارة وعكسه إشكال قال: وأي شبه بينهما يجهلها المخاطب حتى يصحّ هذا الإخبار». وأما الصورة الثانية: وهي ما إذا كان المخاطب يعلم أحدهما ويجهل الآخر، فإن المعلوم يجعل الاسم والمجهول يجعل الخبر فيقال: كان زيد أخا عمرو إذا قدر أن المخاطب [2/ 29] يعلم زيدا ولا يعلم أنه أخو عمرو، فإن قدرته يعلم أخا عمرو ولا يعلم أن اسمه زيد قلت: كان أخو عمرو زيدا. وزعم ابن الطراوة (¬2) أن الذي تريد إثباته تجعله الخبر والذي لا تريد إثباته تجعله الاسم وتعلق بقول عبد الملك بن مروان (¬3) لخالد: وقد جعلت عقوبتك عزلتك قال - ¬

_ - قال أبو حيان عند تفسير الآية الأولى: (البحر المحيط: 3/ 75) «قرأ الجمهور قولهم بالنصب على أنه خبر كان وأن قالوا في موضع الاسم جعلوا ما كان أعرف الاسم لأن أن وصلتها تتنزل منزلة الضمير وقولهم مضاف للضمير يتنزل منزلة العلم وقرأت طائفة منهم حماد بن سلمة عن ابن كثير وأبو بكر عن عاصم برفع قولهم جعلوه اسم كان والخبر أن قالوا والوجهان فصيحان وإن كان الأول أكثر، وقد قرئ: «ثمّ لم تكن فتنتهم» بالوجهين في السبعة». وفي (7/ 86) قال: «قرأ الجمهور جواب بالنصب والحسن وابن أبي إسحاق بالرفع». (¬1) التذييل والتكميل (4/ 189). (¬2) انظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 384) والتذييل والتكميل (4/ 188). (¬3) من أعاظم خلفاء بني أمية ولد سنة (26 هـ) انتقلت إليه الخلافة بعد موت أبيه واجتمعت عليه كلمة المسلمين بعد مقتل مصعب وعبد الله ولدي الزبير كان أديبا كبيرا يحفظ الكثير من الشعر وفي عهده -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالعزلة هي الحاصلة لا العقوبة. قال ومن ذلك قول الشاعر: 723 - فكان مضلّي من هديت برشده ... فلله مغو عاد بالرشد آمرا (¬1) أثبت الهداية لنفسه ولو قال كان هادي من أضللت به لكان قد أثبت الإضلال قال: وقد غلط في هذا جلة من الشعراء ومنهم المتنبي فإنه قال: 724 - ثياب كريم ما يصون حسانها ... إذا نشرت كان الهبات صوانها (¬2) قال (¬3): «فذمّه وهو يرى أنه مدحه ألا ترى أنّه أثبت الصّوان ونفى عنها الهبات كأنه قال كأن الّذي يقوم لها مقام الهبات أن تصان ولو قال: كان الهبات صوانها لكان يهب ولا يصون كأنه قال: كأن الذي يقوم لها مقام الصّوان أن توهب». قال ابن عصفور (¬4): «وهذا الذي قاله لا يتصور إلا حيث يكون الخبر غير المبتدأ - ¬

_ - انتقلت الدواوين إلى العربية وضبطت الحروف بالنقط والحركات نقش على خاتمه: «آمنت بالله مخلصا». (الأعلام: 4/ 312). (¬1) البيت من بحر الطويل سبق الاستشهاد به في هذا الباب والاختلاف في قائله. وأما شاهده هنا: فهو قوله: فكان مضلي من هديت برشده حيث يذهب ابن الطراوة إلى أنه إذا كان الاسمان معرفتين في باب كان فالذي تريد إثباته تجعله الخبر وهنا يريد الشاعر إثبات الهداية لنفسه فيكون مضلي هو الاسم ومن هديت الخبر ورد عليه ابن عصفور وانظر الشرح. وانظر البيت في التذييل والتكميل (4/ 190) وفي معجم الشواهد (ص 141). وشرح الجمل (1/ 384). (¬2) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة للمتنبي في مدح سيف الدولة وكان قد أهدى له ثيابا ورمحا وفرسا وهي في الديوان: (4/ 169) وفي آخرها يقول له: ومالي ثناء لا أراك مكانه ... فهل لك نعمى لا تراني مكانها الإعراب: ثياب كريم: قال العكبري في شرحه: رفع ثياب على تقدير عندي ثياب أو أتتني ثياب. وفاعل يصون: ضمير سيف الدولة. كان الهبات صوانها: كان واسمها وخبرها على الترتيب. والبيت في مدح سيف الدولة بالكرم يقول: إنه جعل هباته الأشياء للناس صونا لهذه الأشياء. والشاهد فيه قوله: «كان الهبات صوانها» حيث عرف الاسم والخبر، قال ابن الطراوة: وعليه يكون أثبت الخبر ويكون المتنبي قد هجا سيف الدولة وقد رد عليه العلماء هذا الفهم وانظر الشرح. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 190) وفي معجم الشواهد (ص 380)، وشرح الجمل (1/ 384). (¬3) القائل هو ابن الطرواة وانظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 386). والتذييل والتكميل (4/ 190). (¬4) أي في شرح الجمل له (1/ 386).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك نحو: كان زيد زهيرا إذا أردت تشبيه زيد بزهير فيما مضى. فإن أردت عكس هذا قلت: كان زهير زيدا فأما إن كان الثاني هو الأول فإن المعنى على كل حال واحد نحو كان أخو عمرو زيدا. فأما قوله: فكان مضلي من هديت برشده فإن المعنى واحد جعلت الخبر مضلي أو من هديت. إذا أردت أن الهداية والإضلال وقعا فيما مضى ألا ترى أنك إذا قلت: كان مضلي فيما مضى من وقعت الهداية منه إليّ، وكان من وقعت الهداية منه إليّ مضلي فيما مضى كان المعنى واحدا وإنما كان يختلف المعنى لو كان زمن الخبر في الحال وزمن المخبر عنه فيما مضى. ألا ترى أنك إذا قلت كان مضلى فيما مضى من هديت به الآن كان عكس قولك من هديت به فيما مضى الآن. وأما قوله: كان الهبات صوانها فإنك إذا جعلت الهبات خلاف الصوان بطل المعنى المراد من المدح بجعل الصوان خبرا وإذا جعلت الهبات نفس الصوان كان المعنى واحدا نصبت الصوان وكأنك قلت: كان الهبات صونا لها وكان الصون هبة لها» (¬1). وقد أنشد ابن الضائع قول ابن الطراوة واعتراضه على المتنبي وإنما تركت إيراده خوف الإطالة (¬2). - ¬

_ (¬1) هذا آخر كلام ابن عصفور (شرح الجمل: 1/ 386). (¬2) لم أجد ما أشار إليه ناظر الجيش في شرح الجمل لابن الضائع وذلك لأنه قد ضاع منه كثير. وقد وجدته في التذييل والتكميل (2/ 377) وسألخصه: قال أبو حيان: وقال الأستاذ أبو الحسن بن الضائع قول ابن الطراوة فاسد واعتراضه على المتنبي فاسد لأن قوله ثياب كريم فيه نعت للممدوح بالكرم وإذا كان الاسمان معرفتين فلك أن تجعل أيهما شئت الاسم والآخر الخبر ولا بد في البيت من رفع الهبات ونصب الصوان ولو خالفت ذلك انعكس المراد لأن مراده أن الهبات للثياب تقوم مقام الصوان. وكما رد ابن عصفور وابن الضائع مذهب ابن الطراوة واعتراضه على المتنبي كذلك فعل الصفار في شرحه لكتاب سيبويه. يقول عن مذهب ابن الطراوة: وهذا المذهب في غاية التخلف لأنه إنما كان ذلك فيما أورده لأن الاسمين متغايران، والعرب إذا قالت: زيد زهير فالأول كذلك مشبه بالثاني وإذا قالت: زهير زيد فالأول كذلك مشبه بالثاني فهنا إذا قلبت انعكس المراد، فالعقوبة غير العزلة، فالذي يقدمها يكون معهما مخالفا لمعنى التأخير وكان قوله: فكان مضلي من هديت جعل الشخص الواحد ذا الصفتين بمنزلة شخصين يحصل له هذا. وأما كان الهبات صوانها فحسن جدّا لأنه جعل نفس الهبة هو الصوان لا غير فأيهما قدمت فهو على -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني (¬1) أن يكون الاسمان نكرتين: وحينئذ إما أن يكون لكل منهما مسوغ للإخبار عنه أو لا فإن كان جعلت أيهما شئت الاسم والآخر الخبر نحو: أكان رجل قائما وأكان قائم رجلا وإن لم يكن المسوغ إلا لأحدهما جعلته المخبر عنه والآخر الخبر نحو كان كل أحد قائما ولا يجوز كان قائم كل أحد. القسم الثالث: أن يكون أحدهما معرفة والآخر نكرة: وحينئذ يجب جعل [2/ 30] المعرفة الاسم والنكرة الخبر نحو: كان زيد قائما ولا يجوز عكس ذلك إلا في الشعر وحينئذ لا يخلو أن يكون للنكرة مسوغ للإخبار عنها أو لا يكون. فإن لم يكن لها مسوغ فالمسألة مقلوبة نحو: كان قائم زيدا فزيد وإن كان منصوبا هو المخبر عنه وقائم وإن كان مرفوعا هو الخبر. وإن كان للنكرة مسوغ للإخبار عنها فإنك إن بنيت الأمر (¬2) على الإخبار عن المعرفة بالنكرة كان مقلوبا وإن بنيته على الإخبار بالمعرفة عن النكرة كان غير مقلوب وذلك نحو: أكان قائم زيدا إن قدرت أن المعنى أكان زيد قائما كان مقلوبا وإن قدرت أن المعنى أكان قائما من القائمين يسمى زيدا كان غير مقلوب. والقلب للضرورة جائز باتفاق وإنما الخلاف في جوازه في الكلام ومما جاء من القلب في هذا الباب قوله: 725 - كانت فريضة ما تقول كما ... كان الزّناء فريضة الرّجم (¬3) - ¬

_ - معناه مؤخرا، وكذلك كان زيد أخاك وكان أخوك زيدا لا فرق بينهما. انظر ورقة 58، 59 من شرح الصفار لكتاب سيبويه (مخطوط بدار الكتب رقم 900 نحو). (¬1) أي من الأقسام الثلاثة التي ذكرها في أحوال الاسمين: إذا وقعا معمولين لهذه الأدوات وقد ذكر الحالة الأولى وهي ما إذا كانا معرفتين وسيذكر بعد قليل الحالة الثالثة لهما وهي ما إذا كان أحدهما معرفة والآخر نكرة. وانظر في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 388، 389). (¬2) في نسخة (ب): فإنك إن بنيت المعنى على الإخبار وهما سواء. (¬3) البيت من بحر الكامل وهو للنابغة الجعدي كما ذكرت مراجعه (لسان العرب: زفى). اللغة: الزّنا: في اللسان: الزناء: ممدود لغة لبني تميم وأنشد بيت الشاهد ثم قال: والنسبة إليه زنائي. والشاهد في البيت قوله: «كما كان الزناء فريضة الرجم» حيث قلب فجعل الاسم خبرا والخبر اسما في المعنى وأصله: كان الرجم فريضة الزنا. وروى البيت: كما أن الزناء وعلى ذلك فلا شاهد في البيت في باب كان. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كان الرجم فريضة الزنا. قال ابن عصفور بعد إيراد الأقسام (¬1): وينبغي أن تعلم أن ضمير النكرة يعامل في باب الإخبار معاملة النكرة وذلك أن تعريفه إنما هو لفظي ألا ترى أنك إذا قلت: لقيت رجلا فضربته على أنك إنما تعني بالضمير الرجل المتقدم الذكر وأن الملقى هو المضروب وأما أن يعلم من هو في نفسه فلا فلما علم من يعني به كان معرفة من هذا الطريق وأيضا فإنه ينوب مناب تكرار الظاهر. والظاهر إذا كرر كان بالألف واللام فلما ناب مناب معرفة بالألف واللام كان هو معرفة فإذا ثبت أن تعريفه لفظي والإخبار عن النكرة كما تقدم في باب الابتداء إنما امتنع من طريق معناها لا من طريق لفظها (¬2) جرى ضمير النكرة مجرى النكرة وإن كان معرفة في اللفظ على ما مر آنفا. فإن جاء شيء من الإخبار بالمعرفة عن ضمير النكرة فبابه الشعر ومن ذلك قول الشاعر: 726 - أسكران كان ابن المراغة إذ هجا ... تميما بجوف الشّام أم متساكر (¬3) فأخبر بابن المراغة عن ضمير السكران وهو من المقلوب. ألا ترى أن المعنى على الإخبار عن ابن المراغة بالسكران كأنه قال: أكان ابن - ¬

_ - وانظر الرواية الثانية وبحثا لطيفا في كتاب الإنصاف (1/ 373). والبيت في التذييل والتكميل (4/ 197) وفي شرح الجمل (1/ 389) وفي معجم الشواهد (ص 372). (¬1) انظر شرح الجمل له (1/ 389) وهو بنصه. (¬2) سبق من هذا التحقيق. (¬3) البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق كما ذكرت مراجعه (كتاب سيبويه: 1/ 49) ولم أجده في ديوانه وهو في الهجاء والزجر. اللغة: ابن المراغة يقصد به جريرا. والمراغة: هي الأتان التي لا تمنع عن الفحول. المتساكر: المدعي السكر. الشاهد فيه قوله: «أسكران كان ابن المراغة» وفيه ثلاثة أعاريب: 1 - رفعهما وزيادة كان وعطف متساكر على سكران عطف مفردات. 2 - نصب الأول خبرا لكان ورفع الثاني اسما لها وعطف متساكر عطف جمل بتقدير مبتدأ. 3 - رفع الأول ونصب الثاني وهو موضع الشاهد على أن يكون ضمير النكرة هو الاسم والمعرفة هي الخبر وذلك ضرورة. مغني اللبيب (1/ 490) والبيت في التذييل والتكميل (4/ 192) وفي معجم الشواهد (ص 155) وفي شرح الجمل (1/ 389).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المراغة سكران ولم يرد أن يقول: أكان سكران من السكارى يعرف بابن المراغة. ومثله قول الآخر: 727 - فإنّك لا تبالي بعد حول ... أظبي كان أمّك أم حمار (¬1) فأخبر عن ضمير الظبي وهو نكرة بأمك وهو معرفة ثم قال (¬2): «وينبغي أن يعلم أن النكرة المختصة تنزل من النكرة غير المختصة منزلة المعرفة من النكرة فلا يجوز كان رجلا من إخوتك غلام كما لا يجوز كان زيدا غلام وكذلك جعل سيبويه قول الشاعر: 728 - وإنّ شفاء عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معوّل (¬3) ضرورة (¬4) لأنه أخبر عن شفاء وهو نكرة غير مختصة بعبرة وهي مختصة - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر نسبه سيبويه (1/ 48) إلى خداش بن زهير. اللغة: لا تبالي: لا تعرف ولا يهمك أن تعرف. حول: عام. الظّبي والحمار: من الحيوانات التي يضرب بها المثل في الخسة. أمك: أصلك. المعنى: يصف الشاعر تغير الأحوال واختلاف الزمان فيقول: بعض الناس حين يقوم بنفسه ويستغني عن أبويه لا يهمه بعد ذلك أصله سواء كان شريفا أو وضيعا. الشاهد فيه قوله: «أظبي كان أمك أم حمار» حيث جعل اسم كان نكرة (ضمير النكرة) والخبر معرفة ضرورة. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 193) وفي معجم الشواهد (ص 166). وفي شرح الجمل (1/ 390). (¬2) أي ابن عصفور وانظر شرح الجمل له (1/ 391). (¬3) البيت من بحر الطويل سادس أبيات معلقة امرئ القيس المشهورة (سبق الحديث عنها في هذا التحقيق) وقبل بيت الشاهد قوله (ديوان امرئ القيس ص 9). كأني غداة البين يوم تحمّلوا ... لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون لا تهلك أسى وتحمّل اللغة: العبرة: الدمعة. مهراقة: مصبوبة فعلها أهرق. الرّسم الدّارس: الأثر المطموس. معوّل: مصدر عول بمعنى أعول بكى. والمعنى: فهل من باك أو هو مصدر عول على كذا اعتمد عليه والمعنى فهل من معين. المعنى: يذكر امرؤ القيس أنه يبكي على أحبابه ولا يعينه أحد فيردهم إليه فهل يجدى البكاء وينفع العويل؟ والشاهد فيه قوله: «وإن شفاء عبرة مهراقة» حيث جاء اسم إن نكرة غير مختصة والخبر نكرة مختصة وهو ضرورة كما قال سيبويه. ورواية الديوان: إن شفائي وعليها فلا شاهد في البيت. والبيت في معجم الشواهد (ص 303) وفي شرح الجمل (1/ 391). (¬4) انظر الكتاب (2/ 142) ولم يصرح سيبويه بأنه ضرورة، وإنما قال: هذا أحسن من إن قريبا منك زيد لأنهما نكرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالوصف (¬1). ومن هذا القبيل قول [2/ 31] الآخر: 729 - كأنّ سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء (¬2) فجعل عسلا وماء اسمين ليكون وهما نكرتان غير مختصتين وجعل مزاجها خبرا وهو مضاف إلى ضمير سبيئة والسبيئة نكرة مختصة وقد تبين أن ضمير النكرة يتنزل منزلة النكرة فمزاجها أخص من عسل وماء وقد جعل خبرا للضرورة». ثم قال (¬3): «هذا حكم النكرة مع المعرفة إذا اجتمعا في هذا الباب ما لم يكن للنكرة مسوغ للإخبار عنها وذلك بأن تكون النكرة اسم استفهام فإنه يجوز الإخبار عنها بالمعرفة لأن اسم الاستفهام فيه عموم، ألا ترى أنه يسأل عن الواحد فصاعدا والعموم من مسوغات الإخبار عن النكرة فكذلك الاستفهام ولذلك أجاز سيبويه (¬4) أن يكون أرضك خبرا لكم من قولهم: كم جريبا أرضك. ومما جاء من هذا الباب: من كان أخاك وما جاءت حاجتك، حكاهما سيبويه بنصب الأخ والحاجة (¬5) وهما معرفتان قد أخبر بهما عن ضمير من وما الاستفهاميتين. واسم الاستفهام نكرة وضمير النكرة كما تقدم في الإخبار بمنزلة النكرة بمنزلة النكرة» انتهى (¬6) وفي شرح الشيخ بعد أن ذكر البيت المختوم بقوله: 730 - ... أظبي كان أمّك أم حمار «وبهذا ونحوه استدلّ سيبويه على جعل الاسم نكرة والخبر معرفة» انتهى (¬7) وهذا يحقق ما قرره ابن عصفور. - ¬

_ (¬1) كلمة بالوصف غير موجودة بنسخة الأصل. (¬2) البيت من بحر الوافر من قصيدة لحسان بن ثابت وقد سبق الاستشهاد به قريبا. وشاهده هنا: مجيء خبر كان نكرة وهو وإن كان مضافا إلى ضمير إلا أن هذا الضمير ضمير نكرة ولكنها مختصة بوصف فهو نوع تعريف بخلاف الاسم فهو نكرة محضة وهذا كله في قوله: يكون مزاجها (بالنصب) عسل وماء وهذا ضرورة وابن مالك فيما سبق جعل مزاجها معرفة دون تفصيل وأجاز ذلك. (¬3) القائل هو ابن عصفور انظر شرح الجمل له (1/ 392). (¬4) بحثت عن هذا النص في كتاب سيبويه في باب كم (2/ 156) وما بعدها وفي غيره فلم أجده. (¬5) انظر الكتاب (1/ 50، 51). (¬6) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 393). (¬7) التذييل والتكميل (4/ 193) وكتاب سيبويه (1/ 48، 49).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنه تعلق بما تقدم بحثان: الأول: قولهم: إن الاسمين إذا كانا معلومين للمخاطب وكان النسبة بينهما معلومة عنده فإنه لا يجوز حينئذ جعل أحد الاسمين مخبرا عنه والآخر مخبرا به إذ لا فائدة في ذلك كما تقدم. والحاصل: أن الخبر تارة يقصد به إفادة المخاطب الحكم وهو إذا كان يجهل النسبة الواقعة بين المنتسبين وتارة يقصد به إفادة المخاطب أن المخبر عالم بالحكم وهو إذا كان المخاطب عالما بالنسبة ويسمى الأول فائدة الخبر ويسمى الثاني لازم فائدة الخبر. وإذا كان كذلك فلا يقال إن المخاطب إذا كان عالما بالنسبة الواقعة بين المعلومين فلا فائدة في الإخبار. إذ قد تبين أن الفائدة حاصلة. الثاني: قال ابن الضائع (¬1): «إذا كان الاسمان معرفتين فأنت مخيّر في جعل أيهما شئت الاسم والآخر الخبر. قال: لأنه إذا كانا معرفتين فالمجهول عن المخاطب أن إحدى المعرفتين مدلولها هو بعينه مدلول الأخرى وهذا المعنى لا يختلف، جعلت زيدا المبتدأ والأخ الخبر أو بالعكس إذا قلت: زيد أخوك وسوّى بين: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ * (¬2) بالنصب وبين قراءة الرفع من حيث المعنى ولم يجعل بينهما فرقا» انتهى. وكذا يفهم كلام ابن أبي الربيع فإنه قال (¬3) «لا فرق بين قولك كان زيد هذا وكان هذا زيدا». قال: «وأما قول العرب: كان زيد صديقي زيدا فاختلف النحويّون فيه فمنهم من قال [2/ 32] المعنى واحد وأجراه مجرى كان زيد هذا وكان هذا زيدا ومنهم - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل لابن الضائع (مخطوط بدار الكتب رقم: 20 نحو) الجزء الثاني ورقة: (11 أ) وورقة: (12 ب) وقد أخذ الشارح منه نصّا. (¬2) سورة النمل: 56، والعنكبوت: 24، 29 وقد سبق تخريج هذه القراءة في هذا التحقيق. (¬3) انظر ملخص ذلك في كتاب الملخص في شرح الإيضاح لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات) لقطة رقم: 55.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من جعل المعنيين مختلفين فقال: كان زيد صديقي يعني أنّ زيدا من الأصدقاء وليس في اللفظ تعرّض لنفي هذه الصفة عن غيره ولا إثباتها. وإذا قلت: كان صديقي زيدا يعطي أن لا صديق لك إلّا زيد بظاهر الكلام، قال: وهذا عندي هو الأظهر» انتهى. وما ذكراه غير ظاهر لأنهما لم يفصلا بين أن تستوي المعرفتان في الرتبة أو لا يستويا (¬1) وقد عرفت حكم ذلك (¬2). ولا بيّنا ما إذا كان المخاطب يعرف أحدهما ويجهل الآخر، وقد عرفت ما بين ذلك من الفرق (¬3). والحق في هذه المسألة هو ما تقدم لنا ذكره وهو الذي ذكره أبو الحسن بن عصفور. وقد ذكر أصحاب علم البيان ما ينافي ما ذكره ابن الضائع وابن أبي الربيع ويوافق ما قرره ابن عصفور، وهو أنهم قالوا: قد يكون للشيء صفتان من صفات التعريف ويكون السامع عالما باتصافه بإحداهما دون الأخرى؛ فإذا أردت أن تخبر بأنه يتصف بالأخرى فتعمد إلى اللفظ الدال على الأولى وتجعله مبتدأ وتعمد إلى اللفظ الدال على الثانية وتجعله خبرا فتفيد السامع ما كان يجهله من انصافه بالثانية كما إذا كان للسامع أخ يسمى زيدا هو يعرفه بعينه واسمه ولكن لا يعرف أنه أخوه وأردت أن تعرفه أنه أخوه فتقول له: زيد أخوك سواء عرف له أخا ولم يعرف أن زيدا - ¬

_ (¬1) في هذا السطر من الكلام قلق في النسخ عالجته بيسير من الحذف والزيادة من عندي. (¬2) سبق ذكر حكمه في هذا التحقيق فقال: الضرب الأول: إذا استوى الاسم والخبر في رتبة التعريف فالحكم أنه يجوز أن يجعل أيهما شئت الاسم والآخر الخبر نحو كان زيد أخا عمرو. قالوا لأن المجهول إنما هو النسبة وحظ كل منهما في النسبة واحد. الضرب الثاني: ألا يستويا في رتبة التعريف وحينئذ الاختيار جعل الأعرف منهما الاسم والأقل تعريفا الخبر نحو كان زيد صاحب الدار. (¬3) سبق ذكر ذلك أيضا في هذا التحقيق فقال: إذا كان المخاطب يعلم أحدهما ويجهل الآخر فإن المعلوم يجعل الاسم والمجهول يجعل الخبر، فيقال: كان زيد أخا عمرو إذا قدرت أن المخاطب يعلم زيدا ولا يعلم أنه أخو عمرو، فإن قدرته يعلم أخا عمرو ولا يعلم أن اسمه زيد، قلت: كان أخو عمرو زيدا.

[اقتران خبر هذه الأفعال بإلا وأحكام ذلك]

[اقتران خبر هذه الأفعال بإلا وأحكام ذلك] قال ابن مالك: (فصل - يقترن بإلّا الخبر المنفيّ إن قصد إيجابه وكان قابلا ولا يفعل ذلك بخبر برح وأخواتها؛ لأنّ نفيها إيجاب وما ورد منه بإلا مؤوّل). ـــــــــــــــــــــــــــــ أخوه، أو لم يعرف أن له أخا أصلا. وإن عرف أن له أخا في الجملة وأردت أن تعينه عنده قلت: أخوك زيد. وأما إذا لم تعرف أن له أخا أصلا فلا يقال ذلك لامتناع الحكم بالتعيين على من لم يعرفه المخاطب أصلا فظهر الفرق بين قولنا: زيد أخوك، وقولنا: أخوك زيد (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): «يتناول الخبر المنفي خبر ليس وما قبلها من أفعال هذا الباب إذا تلت نفيا، ويتناول أيضا ثاني مفعولي ظن وأخواتها إذا تلت نفيا أيضا فإن قصد إمضاء النفي جيء بالخبر مجردا من إلا نحو: ليس زيد قائما وما كان منطلقا وما علمته عاجزا وإن قصد الإيجاب قرن بإلا (¬3) نحو: ليس زيد إلا قائما - ¬

_ (¬1) انظر مفتاح العلوم للسكاكي (ص 92) وقد أشار إلى ذلك في بحث ممتع جاء فيه: «إذا قلت: أخوك زيد قلته لمن يعتقد أخا لنفسه لكن لا يعرفه على التعيين فيتصوره طالبا منك الحكم على أخيه بالتعيين. وإذا قلت: زيد أخوك قلته لمن يعلم زيدا وهو كالطالب أن يعرف حكما له وأنه يعتقد أن له أخا لكن لا يعلمه على التعيين. وإذا قلت: زيد المنطلق قلته لمن يطلب أن يعرف حكما لزيد إما باعتبار تعريف العهد إن كان المنطلق عنده معهودا وإما باعتبار تعريف الحقيقة واستغراقها. وإذا قلت: المنطلق زيد قلته للمتشخص في ذهنه المنطلق بأحد الاعتبارين وهو طالب لتعيينه في الخارج. ثم قال: وإذا تأملت ما تلوته عليك وقفت عند معنى قول النحويين رحمهم الله تعالى: لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إذا كانا معرفتين بل أيهما قدمت فهو المبتدأ وما قد يسبق إلى بعض الخواطر من أن المنطلق دالّ على معنى نسبي فهو في نفسه متعين للخبرية وإن زيدا دال على الذات فهو يتعين للمبتدئية تقدم أو تأخر فلا معرج عليه فإن المنطلق لا يجعل مبتدأ إلا بمعنى الشخص الذي له الانطلاق. وإنه بهذا المعنى لا يجب كونه خبرا وإن زيدا لا يقع خبرا إلا بمعنى صاحب اسم زيد ويكون المراد من قولنا المنطلق زيد: الشخص الذي له الانطلاق صاحب اسم زيد. وأما ما قد يقع من نحو قول القائل (من الطويل): لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... إلخ. مما لا يستقيم معناه إلا بالتقديم والتأخير فحقه الحمل على القلب، انظر مفتاح العلوم للسكاكي (ص 92، 93). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 357). (¬3) في شرح التسهيل: وإن قصد إيجاب قرن بإلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما كان إلا منطلقا وما علمته إلا عاجزا فإن كان الخبر مما لا يستعمل إلا في نفي لم يقترن بإلا نحو: ما كان مثلك أحد. وما كنت تعيج أي تنتفع فلو قرنت أحدا أو تعيج بإلا لم يجز لأن إلا تنقض النفي وأحد ويعيج من الكلم التي لا تستعمل إلا في نفي، فإليهما وإلى أمثالهما أشرت بقولي: إن قصد إيجابه وكان قابلا» انتهى (¬1). ومن ثم امتنع أن يقال: ما كان زيد [2/ 33] إلا زائلا ضاحكا وما أصبح عبد الله إلا منفكّا منطلقا وما أضحى زيد إلا بارحا قائما لأن زائلا ومنفكّا وبارحا لا يستعمل في الإيجاب لأن حكم أسماء الفاعلين حكم الأفعال. نعم لو قلت ما كان زال زيد زائلا ضاحكا جاز لأن ما إذا دخلت على هذه الأفعال نفت أخبارها فكأنك قلت: ما زال زيد ضاحكا، ولو قلت: ما أضحى زيد رجلا زائلا ضاحكا لم يجز لأن حرف النفي لا ينفي صفة الموصوف إذا دخل عليه ألا ترى أنك لو قلت: ما زيد العاقل قائما لم تكن نافيا للفعل عن زيد، فإذا قلت ما أضحى زيد رجلا زائلا ضاحكا كان معنى زائلا غير منفي وذلك لا يجوز استعماله قاله ابن عصفور (¬2). وقد نوقش المصنف في دعواه أن يصبح لا يستعمل إلا في النفي. قال الشيخ (¬3): «أنشد أبو عليّ القالي في النّوادر (¬4) قال: أنشدنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي: 731 - ولم أر شيئا بعد ليلى ألذّه ... ولا مشربا أروى به فأعيج (¬5) ثم قال المصنف ردف كلامه السابق (¬6): ثم قلت: «ولا يفعل ذلك بجبر برح وأخواتها أي لا يقترن خبر برح وأخواتها بإلا لأنه موجب وإنما يجاء بإلا لإيجاب ما ليس موجبا فكما لا يقال كان زيد إلا - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 357). (¬2) في شرح الجمل له (1/ 381). (¬3) التذييل والتكميل (4/ 199). (¬4) انظر كتاب الأمالي لأبي عليّ القالي البغدادي: (2/ 188) (الهيئة المصرية العامة للكتاب). وذكر بيتا آخر بعد بيت الشاهد وهو قوله: كوسطى ليالي الشّهر لا مقسئنّة ... ولا وثبى عجلى القيام خروج (¬5) البيت من بحر الطويل وهو في الغزل ونسبته كما في الشرح الأمالي (2/ 188). ومعناه: أن ليلى الشاعر صارت حياته كلها فلم يعد يجد لذة في طعام أو شراب بعد غيابها عنه. وشاهده: استعمال أعيج بمعنى أنتفع دون أن يسبق بنفي. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 199) وفي معجم الشواهد (ص 77). (¬6) انظر شرح التسهيل (1/ 357).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قائما لا يقال: ما زال زيد إلا قائما لأن مقتضى كان وما زال واحد. وأما قول ذي الرمة (¬1): 732 - حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا (¬2) ففيه أربعة أقوال: أحدها (¬3): أن ينفك فعل تام وهو مطاوع فكه إذا خلصه أو فصله فكأنه قال: ما تتخلص أو ما تنفصل من السير (¬4) إلا في حال إناختها على الخسف. الثاني: أن تكون تنفك ناقصة والخبر على الخسف ومناخة حال فكأنه قال: ما تنفك كائنة على الخسف أي الذل والتعب أو مرميّا بها بلدا قفرا إلا في حال إناختها. الثالث: أن إلا زائدة قاله ابن جني في المحتسب (¬5) وحمل عليه قراءة ابن مسعود: (وإن كل إلا ليوفينهم ربك أعمالهم) (¬6). ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة لذي الرمة؛ غيلان بن عقبة كلها في وصف الإبل والصحراء والأماكن وهي في ديوانه (3/ 1419) تحقيق د/ عبد القدوس أبو صالح (مؤسسة الرسالة). وقبل بيت الشاهد قوله: فيا ميّ ما أدراك أين مناخنا ... معرّقة الألحى يمانيّة سجرا قد اكتفلت بالحزن واعوجّ دونها ... ضوارب من حقّان مجتابة سدرا اللغة: معرّقة الألحى: قليلة لحم اللحي. سجرا: يضرب لونها إلى الحمرة. اكتفلت بالحزن: سارت في الأرض الغليظة. مجتابة: قاطعة للأرض. حقّان وسدر: موضعان. حراجيج: جمع حرجوج ولها معان كثيرة أنسبها هنا الناقة الضامرة من الهزال. مناخة على الخسف: باقية على الجوع وهو أن تبيت الجمال على غير علف. نرمي بها بلدا قفرا: نسافرا بها مكانا بعيدا. وذو الرمة يصف إبلا هزيلة من طول السفر وكثرته. والشاهد فيه قوله: «ما تنفك إلا مناخة» حيث وقع فيه ما ظاهره أن خبر تنفك الناقصة قد اقترن بأداة الاستثناء وهو لا يجوز وقد خرجوه وانظر ما ذكره في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 357) وفي التذييل والتكميل (4/ 200). وفي معجم الشواهد (ص 137). (¬3) في شرح التسهيل: أصحها. وقد تكون فيها فائدة. (¬4) في شرح التسهيل: ما تتخلص من السير أو تنفصل منه وهما سواء. (¬5) انظر (1/ 329) من الكتاب المذكور، قال: المعنى ما تنفك مناخة، وإلا زائدة وأنشد قبله على زيادة إلا (من الطويل): أرى الدّهر إلا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معلّلا (¬6) سورة هود: 111، وفي الآية قراءات سبعية وشاذة كثيرة: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع: أن ذا الرمة أخطأ بإيقاع إلا موقعا لا يصلح إيقاعها فيه وهذا أضعف الأقوال (¬1) ويساوي برح وأخواتها في منع اقتران الخبر بإلا: أليس وأما المقصود بهما التقرير لأن التقرير إثبات محض فإن قصد بالهمزة مجرد الاستفهام عن النفي جاز الاقتران بإلا كما يجوز عند عدم الهمزة» انتهى. والمنقول عن الأصمعي أنه لا يحتج بذي الرمة فطالما أكل الزيت من حوانيت البقالين يعني أنه كثرت مخالطته الحاضرة ففسد لسانه (¬2). قال الشيخ: وجمهور أهل العلم على الاحتجاج بكلامه، وأما تخريج ابن جني فضعيف لأن إلا لم تثبت زيادتها في هذا الموضع، وأما قراءة ابن مسعود فتخريجها على أن إن نافية وإلا على بابها وليوفينهم جواب قسم محذوف أي وما كل إلا أقسم ليوفينهم (¬3). واعلم أن ما امتنع فيه دخول إلا [2/ 34] امتنع فيه دخول الباء فلا يقال ما زال زيد بقائم لأن الباء إنما تدخل تأكيدا للنفي والخبر هنا ثابت وكذا يمتنع أن يكون له - ¬

_ - أما السبعية فقد قرأها حفص وحمزة بتشديد النون من إن وتشديد الميم من لمّا. وقرأ ابن كثير ونافع بتخفيفهما، وقرأ عاصم بتخفيف إن وتشديد لما، وقرأ الكسائي عكسه (انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 339). أما الشاذة: فقد قرأ الزهري وسليمان بن أرحم: لما ليوفينهم بتنوين لما وهو مصدر لمّ، أي جمع كقوله تعالى: وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا [الفجر: 19] وقرأ ابن مسعود القراءة المذكورة في الشرح وتوجيهها أنّ إن نافية والمعنى ما كل إلا والله ليوفينهم كما يجوز أن تكون مخففة من الثقيلة وتجعل إلا زائدة وهو الوجه المذكور (المحتسب: 1/ 328). (¬1) هذا آخر كلام ابن مالك في شرح التسهيل في نسخة (ب) (انظر الشرح المذكور مخطوطا ورقة 58 ب) ومحققا (1/ 358) وما ذكر بعده مما يدل على أنه كلام ابن مالك ليس في شرحه. (¬2) جاء في كتاب الخصائص لابن جني (3/ 295) ما نصه: قال ابن جني: قال أبو حاتم: كان الأصمعي ينكر زوجة ويقول: إنما هي زوج ويحتج بقول الله تعالى: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الأحزاب: 37] فأنشدته قول ذي الرمة (من الطويل): أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا فقال: ذو الرمة طالما أكل المالح والبقل في حوانيت البقالين. قال: وقد قرأنا عليه من قبل لأفصح الناس فلم ينكره (من الكامل): فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي ... والطّامعون إليّ ثمّ تصدّعوا وقال آخر (من الرجز): من منزلي قد أخرجتني زوجتي ... تهرّ في وجهي هرير الكلبة (¬3) التذييل والتكميل لأبي حيان (4/ 200).

[اختصاصات ليس وكان في هذا الباب]

[اختصاصات ليس وكان في هذا الباب] قال ابن مالك: (وتختصّ ليس بكثرة مجيء اسمها نكرة محضة وبجواز الاقتصار عليه دون قرينة واقتران خبرها بواو إن كان جملة موجبة بإلّا وتشاركها في الأول كان بعد نفي أو شبهه وفي الثّالث بعد نفي وربّما شبّهت الجملة المخبر بها في ذا الباب بالحاليّة فوليت الواو مطلقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب منصوب كما يكون في: ما كان زيد قائما فيذهب عمرو. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قد تقدم في باب الابتداء أن من أسباب تجويز كون المبتدأ نكرة وقوعه بعد نفي. واسم ليس لإفادتها النفي كالمبتدأ الواقع بعد نفي فلذلك اختصت ليس بكثرة مجيء اسمها نكرة محضة (¬2) كقول الشاعر: 733 - كم قد رأيت وليس شيء باقيا ... من زائر طيف الهوى ومزور (¬3) ولإفادتها النفي أيضا اختصت من بين أخواتها بجواز الاقتصار على اسمها دون قرينة زائدة على كون الاسم نكرة عامة؛ لأنه بذلك يشبه اسم لا فيجوز أن يساويه في الاستغناء به عن الخبر كقول الشاعر: 734 - ألا يا ليل ويحك نبّئينا ... فأمّا الجود منك فليس جود (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 358). (¬2) يقصد بالنكرة المحضة أي غير المخصصة بوصف أو بإضافة. (¬3) البيت من بحر الكامل وهو لشاعر مجهول النسبة. وشاهده: مجيء اسم ليس نكرة وهو كثير وعلته ما ذكره الشارح نقلا عن ابن مالك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 358)، وفي التذييل والتكميل (2/ 394) وفي معجم الشواهد (ص 190). (¬4) البيت من بحر الوافر قاله عبد الرحمن بن حسان بن ثابت كما ذكر سيبويه (الكتاب: 1/ 386). وهو يقول لمعشوقته: أخبرينا هل بيننا حب ومودة فنطمئن أو لا؟ أما وصلك فلا نطمع فيه لأننا عهدنا بخلك وخلفك للوعود. وشاهده: حذف خبر ليس والاكتفاء باسمها وقد وضحه الشارح بعد وذكر أن الخبر مقدر وهو منك دلّ عليه منك المذكورة قبل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 359) وفي التذييل والتكميل (4/ 204) وفي معجم الشواهد (ص 106). ترجمة عبد الرحمن بن حسان: هو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الأنصاري الخزرجي شاعر ابن شاعر ولد (سنة 6 هـ) بالمدينة وأقام بها. اشتهر بالشعر في زمن أبيه وأبوه هو القائل (من الطويل): فمن للقوافي بعد حسّان وابنه ... ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت توفي سنة (104 هـ) انظر ترجمته في الأعلام (4/ 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد فليس منك جود وليس عندك جود. ومثله قول الآخر: 735 - يئستم وخلتم أنّه ليس ناصر ... فبوّئتم من نصرنا خير معقل (¬1) وحكى سيبويه (¬2): «ليس أحد أي ليس هنا أحد». وقال الفراء (¬3): يجوز في ليس خاصّة أن تقول: ليس أحد إلّا وهو كذا؛ لأنّ الكلام يتوهّم تمامه بليس ونكرة، ألا ترى أنّك تقول: ليس أحد وما من أحد (¬4). ومثال اقتران خبرها بواو لكون جملته موجبة بإلا: قول الشاعر: 736 - ليس شيء إلا وفيه إذا ما ... قابلته عين البصير اعتبار (¬5) ومثال ذلك في كان بعد نفي: قول الشاعر أنشده الفراء (¬6): 737 - إذا ما ستور البيت أرخين لم يكن ... سراج لنا إلّا ووجهك أنور (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو مجهول القائل ومعناه واضح. والشاهد فيه: كالذي قبله: حذف خبر ليس والاقتصار على اسمها. قال ناظر الجيش بعد: إنه مقدر وليس محذوفا وأن أصل الكلام: أنه ليس لكم ناصر. والبيت في شرح التسهيل (1/ 359) وهو في التذييل والتكميل (4/ 205) وفي معجم الشواهد (ص 306). (¬2) انظر الكتاب (2/ 346) وبعده قال: فكل ذلك حذف تخفيفا واستغناء بعلم المخاطب بما يعني. (¬3) انظر معاني القرآن له (2/ 83) وهو منقول بنصه. (¬4) ما بين القوسين ساقط من شرح التسهيل لابن مالك. (¬5) البيت من بحر الخفيف وهو لشاعر مجهول أيضا ومعناه واضح. وشاهده قوله: «ليس شيء إلا وفيه ... إلخ»، حيث اقترن خبر ليس بالواو لكونه جاء جملة بعد إلا. ورده أبو حيان في آخر الشرح قائلا: يحتمل أن يكون خبر ليس محذوفا إما لأن اسمها نكرة كما زعم المصنف جواز ذلك وإما ضرورة كما يقول أصحابنا والجملة الداخلة عليها الواو جملة حالية. والبيت في شرح التسهيل (1/ 359) وفي التذييل والتكميل (4/ 207) وفي معجم الشواهد (ص 306). (¬6) انظر معاني القرآن له (2/ 83). (¬7) البيت من بحر الطويل غير منسوب فيما ورد من مراجع وهو في الغزل كما ترى. وشاهده: اقتران خبر يكن بالواو وهي منفية بلم وسبب اقترانه أنه جملة موجبة بإلا، وقد خرج على أن الخبر هو الجار والمجرور وأن الجملة قد تمت في قوله: لم يكن سراج لنا. وأما الجملة التي بعد فهي حالية والواو فيها للحال. قال الفراء: لو قال إلا وجهك أنور كان صوابا. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 208) ومعاني القرآن للفراء (2/ 83) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا قول الآخر: 738 - ما كان من بشر إلّا وميتته ... محتومة لكن الآجال تختلف (¬1) وأما مشاركة كان بعد نفي ليس في مجيء اسمها نكرة محضة: فكثير ومنه قول الشاعر: 739 - إذا لم يكن أحد باقيا ... فإنّ التّأسّي دواء الأسى (¬2) ومثال ذلك بعد شبه النفي: قول الشاعر: 740 - ولو كان حيّ في الحياة مخلّدا ... خلدت ولكن ليس حيّ بخالد (¬3) ومثله قول الآخر: 741 - فإن يك شيء خالدا أو معمّرا ... تأمّل تجد من فوقه الله غالبا (¬4) ومثال تشبيه الجملة الخبرية بالحالية في اقترانها بالواو: قول الشاعر: 742 - فظلّوا ومنهم سابق دمعه له ... وآخر يثني دمعة العين بالمهل (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو في المواعظ والحكم ومعناه واضح ولا يعرف قائله. وشاهده: اقتران خبر كان المنفية بما بالواو وذلك أيضا لأنه جملة موجبة بإلا وقد رده الشارح بعد وأجاب بأن الخبر الحقيقي محذوف ضرورة تقديره موجود. أقول: وليس هناك داع لارتكاب ضرورة أو غيرها بل جعل كان تامة أولى فلا تحتاج إلى خبر. والبيت في شرح التسهيل (1/ 359)، وفي التذييل والتكميل (4/ 208)، وفي معجم الشواهد (ص 238). (¬2) البيت من بحر المتقارب وهو كسابقه في المواعظ والحكم وقائله مجهول. وشاهده: مجيء يكن المنفية نكرة محضة وهو كثير. والبيت في شرح التسهيل (1/ 359) وفي التذييل والتكميل (4/ 207) وفي معجم الشواهد (ص 196). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو كسابقه في المواعظ والحكم. وشاهده قوله: «فلو كان حي في الحياة مخلدا»؛ حيث جاء اسم كان نكرة وقد سبقت كان بلو وهي شبيهة بالنفي لأنها حرف امتناع الجواب لامتناع الشرط وقد روي الشطر الثاني هكذا. ... ... خلدت ولكن لا سبيل إلى الخلد والبيت في شرح التسهيل (1/ 359) وفي التذييل والتكميل (4/ 208) وفي معجم الشواهد (ص 115). (¬4) البيت من بحر الطويل ومعناه كسابقه. والشاهد فيه: كسابقه أيضا وهو مجيء اسم يكن نكرة لسبقها بما يشبه النفي وهو الشرط. والبيت في شرح التسهيل (1/ 359) وهو في التذييل والتكميل (4/ 208) وليس في معجم الشواهد. (¬5) البيت من بحر الطويل وهو في البكاء على فراق الأحباب ونسب لذي الرمة ولم أجده في ديوانه. والمهل: بفتحتين السكينة والرفق. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 743 - وكانوا أناسا ينفحون فأصبحوا ... وأكثر ما يعطونك النّظر الشّزر (¬1) انتهى (¬2). أما المسألة الأولى: وهي كون اسم ليس قد يكون نكرة محضة فظاهرة وقد عرف المسوغ لذلك. وأما المسألة الثانية: وهي جواز الاقتصار عليه أي على اسم النكرة فلم يظهر في الشواهد [2/ 35] والأمثلة التي ذكرها أن ليس فيها قرينة كيف، وقد قال في: فليس جود: إن التقدير فليس منك جود، ومنك مذكورة قبل فهي دليل على المحذوف. وأما: 744 - وخلتم أنه ليس ناصر ... ... فلا شك أن سياق الكلام وبقية البيت يدلنا على المحذوف والتقدير أنه ليس لكم ناصر. وأما ما حكاه سيبويه ليس أحد، فلا بد أن هذا الكلام يكون جوابا لقول قائل: هل هنا أحد؟ ولذلك كان التقدير ليس هنا أحد وإذا كان كذلك فلا يحسن قول المصنف: دون قرينة لأن القرينة موجودة. وناقش الشيخ المصنف في قوله: «لأنّه بذلك يشبه اسم لا فيجوز أن يساويه في الاستغناء به عن الخبر» فقال (¬3): - ¬

_ - وشاهده: مجيء خبر ظل مقترنا بالواو وهو موجب، وخرج على وجه آخر وهو جعل ظل تامة وأن الجملة المقترنة بعدها بالواو حالية وليست خبرية أو أن الخبر محذوف. والبيت في شرح التسهيل (1/ 360)، وهو في التذييل والتكميل (4/ 209) وفي معجم الشواهد (ص 302). (¬1) البيت من بحر الطويل نسب في مراجعه إلى أعشى تغلب (ربيعة بن نجوان) (انظر الأمالي الشجرية (1/ 187) تحقيق د. الطناحي) وهو في الهجاء كما يشير إليه معناه وقد ذكر صاحب الأمالي معه عدة أبيات وقبل بيت الشاهد قوله: كأنّ بني مروان بعد وليدهم ... جلاميد ما تندى وإن بلّها القطر اللغة: وليدهم: هو الوليد بن عبد الملك. جلاميد: جمع جلمود وهو الصخر. ينفحون: يعطون المال يقال: نفحه بالمال إذا أعطاه ولفلان نفحات من المعروف أي عطايا. والنّظر الشّزر: نظر الغضبان بمؤخر عينه. ومعناه بعد ذلك واضح. وشاهده: اقتران خبر أصبح بالواو وخرج على وجه آخر ذكر في البيت الذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 360) وهو في التذييل والتكميل (4/ 209). وفي معجم الشواهد (ص 152). (¬2) انظر: شرح التسهيل (1/ 360). (¬3) انظر: التذييل والتكميل (4/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «هذا ليس بجيد لأنه لم يستغن به عن الخبر بل لا بد من تقدير الخبر ضرورة أن كلّ محكوم عليه لا بدّ من محكوم به». والجواب: أن معنى قول المصنف في الاستغناء به عن الخبر الاستغناء به عن ذكر الخبر لا عن تقديره فإن التقدير لا بد منه كما أن خبر لا الذي نظر به لا بد من تقديره. ثم إن حذف خبر ليس لا شك أنه وارد كما في الأمثلة المتقدمة وقد ذكر غير المصنف ذلك مستشهدا ببعض ما استشهد به هو، غير أنهم نصوا على أن ذلك ضرورة وقليل. والمصنف ليس في كلامه تعرض للكثرة ولا للقلة، غير أنه ربما يعطي جواز ذلك في الكلام والظاهر خلافه. وقد قال ابن عصفور (¬1): «وإن كلّا من الجزأين في هذا الباب لا يجوز حذفه اختصارا ولا اقتصارا. قال: أما المرفوع: وإن كان مبتدأ في الأصل والمبتدأ قد يجوز حذفه لفهم المعنى لأنه لما ارتفع بالفعل صار يشبه الفاعل والفاعل لا يحذف فكذا ما أشبهه. وأمّا المنصوب: مع أنه إذا نظرت إلى أصله وهو الخبر فحذفه جائز لفهم المعنى وإن نظرت إلى لفظه الآن وهو أنه يشبه المفعول والمفعول يجوز حذفه فيجوز حذف ما أشبهه فلأنه أي المنصوب قد صار عوضا من المصدر ولذلك لا يجوز كان زيد قائما كونا (¬2) كراهة الجمع بين العوض والمعوض عنه ولولا أنّه عوض لجاز التصريح بالمصدر فلما صار الخبر عوضا من المصدر صار كأنه من كمال الفعل وكأنه جزء من أجزائه فلم يحذف الخبر لذلك، وقد يحذف في الضّرورة نحو قوله: 745 - لهفي عليك للهفة من خائف ... يبقى جوارك حين ليس مجير (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل له (1/ 410) وما بعدها. (¬2) أجازه السيرافي. (¬3) البيت من بحر الكامل قال صاحب الحماسة (2/ 950) إنه للتيمي عبد الله بن أيوب شاعر مولد مدح الفضل بن يحيى، وهو في بيت الشاهد يرثي منصور بن زياد أحد وجوه الدولة العباسية وبعده: أمّا القبور فإنّهنّ أوانس ... بجوار قبرك والدّيار قبور وقيل إنه لشمردل الليثي (معجم الشواهد ص 169) وهو شاعر معاصر لجرير والفرزدق. الإعراب: لهفي عليك: مبتدأ وخبر. للهفة: لامه للتعليل. وجملة ليس مضافة إلى حين. وشاهده: حذف خبر ليس والاقتصار على اسمها ولو ذكره لقال: ليس في الدنيا مجير. وروي البيت: يبقى جوارك حين لات مجير ويخرج عن هذا الشاهد إلى شاهد آخر وهو رفع لات لاسم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد ليس في الدنيا مجير فحذف لفهم المعنى فأما قوله: 746 - إنّي ضمنت لكلّ شخص ما جنى ... فأبى فكان وكنت غير غدور (¬1) وقوله: 747 - رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن أجل الطّويّ رماني (¬2) فإنه يتصور أن يجعل مما حذف فيه الخبر لفهم المعنى ضرورة كأنه قال: فكان غير غدور وكنت غير غدور [2/ 36] وكأن الآخر قال: كنت منه بريئا ووالدي بريئا. ويحتمل أن يكون مما وضع فيه المفرد موضع الاثنين ضرورة فيكون نحو قوله: 748 - كأنّه وجه تركيّين قد غضبا ... [مستهدف لطعان غير تذبيب] (¬3) ويحتمل أن يكون غدورا وبريئا من الألفاظ الواقعة على المفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد كما قالوا عدو في معنى أعداء. قال الله تعالى هُمُ الْعَدُوُّ (¬4) وكما قال تعالى فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (¬5) - ¬

_ - غير زمان وخرجوه على أنه فاعل لفعل محذوف أي لات يحصل مجير (حاشية الصبان: 1/ 256) والبيت في شرح الجمل (1/ 411) وفي التذييل والتكميل (4/ 206) وفي معجم الشواهد (ص 169). (¬1) البيت من بحر الكامل نسبته مراجعه إلى الفرزدق (كتاب سيبويه: 1/ 76) وقد بحثت عنه في ديوانه فلم أجده وروايته في الكتاب: إنّي ضمنت لمن أتاني ما جنى ... ...... إلخ واستشهد به هنا وفي الكتاب على حذف خبر كان الأولى لدلالة خبر كان الثانية عليه، وانظر الشرح. والبيت في شرح الجمل (1/ 411) وفي التذييل والتكميل (4/ 206) وفي معجم الشواهد (ص 190). (¬2) البيت من بحر الطويل قائله عمرو بن أحمر الباهلي كما في كتاب سيبويه (1/ 75). والشاعر يدفع عن نفسه وعن والده جناية رماه بها خصمه وكانا قد تنازعا بئرا يسمى الطوى وبعد بيت الشاهد قوله: دعاني لصّا من لصوص وما دعا ... بها والدي فيما مضى رجلان وانظر الشاهد فيه في الشرح والبيت في شرح الجمل (1/ 411) وفي التذييل والتكميل (4/ 206) وفي معجم الشواهد (ص 140). (¬3) البيت من بحر البسيط سبق الاستشهاد به في هذا التحقيق وهو للفرزدق. وشاهده هنا: قوله: «كأنّه وجه تركيّين» حيث وضع فيه المفرد وضع الاثنين ضرورة ولو جاء على القياس لقال: كأنه وجها تركيين. والبيت في شرح الجمل (1/ 412) وفي معجم الشواهد (ص 63 - 179). (¬4) سورة المنافقون: 4. (¬5) سورة الشورى: 7.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). وأما المسألة الثالثة: وهي اقتران خبر ليس بواو وإن كان جملة موجبة بإلا: فقد قال الشيخ (¬2): «هذا لا يجوز عندنا لأن أصل هذا أنه خبر للمبتدأ فكما لا يجوز دخول الواو على خبر المبتدأ إذا كان بهذه الصفة كذلك لا يجوز إذا وقع خبرا لليس لئلّا يكون الفرع أكثر تصرفا من الأصل. وأما ما استشهد به المصنف على ذلك فليس قاطعا لأنه يحتمل أن يكون خبر ليس محذوفا، إما لأن اسمها نكرة كما زعم المصنف جواز ذلك، وإما ضرورة كما يقول أصحابنا والجملة الداخلة عليها الواو جملة حالية» انتهى (¬3). والذي قال الشيخ ظاهر من حيث الصناعة النحوية وينبغي التعويل عليه لأن فيما قاله المصنف خرقا للقواعد. وأما المسألة الرابعة: وهي مجيء اسم كان نكرة بعد نفي: فظاهرة، والمسوغ لذلك واضح غير أن الشيخ ناقش المصنف في قوله: وتشاركها في الأول كان لأنه قال: وتختص ليس بكذا. ومشاركة كان لها فيما ذكره تنفي الاختصاص (¬4). والجواب عن هذه المناقشة: أن الذي يختص به ليس هو مجموع ثلاثة الأمور التي ذكرها وكان لم تشاركها في الثلاثة وإنما شاركتها في البعض والمشاركة في بعض الأمور لا ينفي الاختصاص بكلها. وأما المسألة الخامسة: وهي مشاركة كان لليس في اقتران خبرها بواو إن كان جملة موجبة بإلا: فالكلام فيها كما تقدم في ليس (¬5). وما استدل به محمول على حذف خبر كان ضرورة في البيت الذي أوله: ما كان من بشر وعلى أن لنا خبر في البيت الآخر (¬6) والجملة حالية في البيتين. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل لمؤلفه ابن عصفور (1/ 410 - 413) وقد أدخل الشارح تعديلات يسيرة جدّا في النقل. (¬2) انظر نصه في التذييل والتكميل (4/ 207). (¬3) المرجع السابق. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 207). (¬5) هو ما نقله عن أبي حيان بأن هذا لا يجوز لأن أصل هذا أنه خبر للمبتدأ وخبر المبتدأ لا تدخل عليه الواو. (¬6) وهو قول الشاعر: إذا ما ستور البيت أرخين لم يكن ... سراج لنا إلّا ووجهك أنور

[اختصاصات كان في هذا الباب]

[اختصاصات كان في هذا الباب] قال ابن مالك: (وتختصّ كان بمرادفة لم يزل كثيرا وبجواز زيادتها وسطا باتّفاق وآخرا على رأي وربما زيد أصبح وأمسى ومضارع كان، وكان مسندة إلى ضمير ما ذكر أو بين جارّ ومجرور). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المسألة السادسة: وهي أنه ربما شبهت الجملة المخبر بها في ذا الباب إلى آخره (¬1) في إثباتها خرم للقواعد كما تقدم وقد خرج ما استدل به المصنف على ذلك بأن فظلوا وفأصبحوا تامين قال (¬2): «ويحتمل أن يكونا ناقصتين وحذف خبرهما ضرورة لفهم المعنى». قال الشيخ (¬3): «وما ذكره المصنف هو قول الأخفش (¬4) شبّه خبر كان الجملة بجملة الحال وحمله على ذلك قولهم: كان ولا مال له كما تقول: جاء ولا ثوب عليه ولا يعرف ذلك البصريّون. وقال الفارسيّ في قول الشّاعر: 749 - كنّا ولا تعصي الحليلة بعلها ... فاليوم تضربه إذا هو قد عصى (¬5) [2/ 37] أن كان تامة ولا تعصي واو الحال» (¬6). قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان: الأولى: أن كان تستعمل بمعنى لم يزل وأنها اختصت بذلك من بين أخواتها: قال المصنف (¬7): «الأصل في كان أن يدل بها على حصول معنى ما دخلت - ¬

_ (¬1) قوله: إلى آخره تكملته ... في ذا الباب بالحالية فوليت الواو مطلقا. وإنما قال: في إثباتها خرم للقواعد لأنّ أصل هذا الخبر أنه خبر للمبتدأ - كما ذكرنا - فلا يصح دخول الواو عليه لئلا يكون الفرع أكثر تصرفا من الأصل. (¬2) القائل - ولم يشر إليه - هو أبو حيان، انظر التذييل والتكميل (4/ 209). (¬3) التذييل والتكميل (4/ 210). (¬4) المرجع السابق، والهمع (1/ 116). (¬5) البيت من بحر الكامل أنشده ابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري (توفي سنة 276 هـ) في كتابه عيون الأخبار (الهيئة المصرية العامة للكتاب). وفي كتاب طبائع النساء (4/ 80) منسوبا للرخيم العبدي وبعده: ويقلن بعدا للشّيوخ سفاهة ... والشّيخ أجدر أن يهاب ويتّقى وشاهده: واضح من الشرح. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 209)، وليس في معجم الشواهد. (¬6) انظر: التذييل والتكميل (4/ 210). (¬7) انظر: شرح التسهيل (1/ 360).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه فيما مضى دون تعرض لأولية ولا انقطاع كغيرها من الأفعال الماضية فإن قصد الانقطاع ضمن الكلام ما يدل عليه كقوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ (¬1). ومنه قول الشاعر: 750 - وتركي بلادي والحوادث جمّة ... طريدا وقدما كنت غير طريد (¬2) وقد يقصد بها الدوام كما يقصد بلم يزل كقوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (¬3). ومنه قول الشاعر: 751 - وكنت امرأ لا أسمع الدّهر سبّة ... أسبّ بها إلّا كشفت غطاءها (¬4) انتهى (¬5). ولا يعقل كون الفعل الماضي لا يدل على انقطاع فإن وضعه أن يدل على وقوع مدلوله في زمن ماض، ولو لم يدل على الانقطاع لم يتميز الحال عن غيره هذا في غير كان، وأما كان فلا شك أن حكمها حكم الأفعال الماضية لكن استعمالها في موضع يقتضي الدوام والاستمرار أوجب الخلاف فيه بخصوصه. والصحيح أن حكمها حكم غيرها من الأفعال الماضية. ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 103، والذي يدل على انقطاع الحدث في كان في الآية الظرف الداخل عليها الدال على المعنى. (¬2) البيت من بحر الطويل وهو في عزة النفس لشاعر مجهول. وشاهده: دلالة كان على انقطاع الحدث في البيت يدل على ذلك قوله: وقدما. والبيت في شرح التسهيل (1/ 360). وفي التذييل والتكميل (3/ 166)، (4/ 211) وليس في معجم الشواهد. (¬3) سورة النساء: 133، والأحزاب: 27، والفتح: 21. (¬4) البيت من بحر الطويل قائله قيس بن الخطيم مفتخرا بشجاعته، وهو في ديوانه (ص 10). اللغة: السّبة: العار والفضيحة. كشفت غطاءها: أخذت بالثأر من صاحبها وقائلها وكان أبوه وجده قد قتلا فأخذ بثأرهما. وشاهده: استعمال كان مرادا بها الدوام بقرينة قوله: الدهر. والبيت في شرح التسهيل (1/ 360) وفي التذييل والتكميل (2/ 210) وليس في معجم الشواهد. (¬5) انظر: شرح التسهيل (1/ 360).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عصفور (¬1): اختلف النحويون في كان في مثل قولنا: كان زيد قائما إذا أردت أن تخبر أن قيام زيد كان فيما مضى هل يقتضي الانقطاع أو لا يقتضيه، فأكثرهم على أنها تقتضيه وأنك إذا قلت: كان زيد قائما فإن قيام زيد كان فيما مضى وليس الآن بقائم وهذا هو الصحيح بدليل أن العرب إذا تعجبت من صفة هي موجودة في التعجب منه في الحال قالت: ما أحسن زيدا فإذا قالت: ما كان أحسن زيدا كان التعجب من الحسن فيما مضى وهو الآن ليس كذلك. وزعم بعضهم أنها لا تعطي الانقطاع واستدل على ذلك بمثل قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * (¬2) أي كان وهو الآن كذلك وقوله تعالى عز وجلّ: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً (¬3) أي كان وهو الآن كذلك؟ والجواب: أن ذلك قد يتصور فيه الانقطاع وذلك بأن يكون المراد به الإخبار بأن الله تعالى كان فيما مضى غفورا رحيما كما هو الآن كذلك فيكون المقصود الإخبار بأن هذه الصفة كانت له فيما مضى ولم يتعرض إلى خلاف ذلك. ويكون معنى قوله تعالى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أي كان عندكم في الجاهلية فاحشة. فيكون المراد الإخبار عن الزنا كيف كان عندهم في الجاهلية ولم يتعرض إلى أكثر من ذلك (¬4). وقال الشيخ (¬5): والذي تلقيناه من الشيوخ [2/ 38] أن كان تدل على الزمان الماضي المنقطع وكذلك سائر الأفعال الماضية. ومن يعقل حقيقة المعنى لم يشك في الدلالة على الانقطاع لكن مثل قوله تعالى: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وإن دلّ على عدم الانقطاع فإنما علم ذلك من حيث إن هذه الصفة ثابتة في الأزمان كلها بأدلة خارجية لا من حيث وضع اللفظ. المسألة الثانية: أن كان قد تستعمل في مكان زائدة وكذا أصبح وأمسى ومضارع كان. أما كان فإنها تزاد بهذا اللفظ أعني بلفظ الماضي ومراد المصنف بقوله: وسطا: أنها تتوسط بين مسند ومسند إليه نحو ما كان أحسن زيدا وكذا لم ير كان - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الجمل له (1/ 410) وهو بنصه. (¬2) سورة النساء: 96، 100، 152، الأحزاب: 5، 50، 59، 73، الفتح: 14. (¬3) سورة الإسراء: 32. (¬4) آخر ما نقله من شرح الجمل لابن عصفور (1/ 403). (¬5) التذييل والتكميل (2/ 212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثلهم (¬1)، وكقول أبي أمامة الباهلي (¬2) رضي الله عنه: لا يا نبيّ الله أو نبيّ كان آدم (¬3) وحكى سيبويه (¬4): إنّ من أفضلهم كان زيدا وخرجه المبرد على وجه رده عليه الناس وحكموا بزيادة كان (¬5). أو بين صفة وموصوف (¬6) كقول الشاعر: 752 - في غرف الجنّة العليا الّتي وجبت ... لهم هناك بسعي كان مشكور (¬7) وقد زيدت بين المتعاطفين، قال الفرزدق: 753 - في لجّة غمرت أباك بحورها ... في الجاهلّية كان والإسلام (¬8) قال المصنف (¬9): «وزعم السّيرافي أنّ كان الزّائدة مسندة إلى ضمير مصدر - ¬

_ (¬1) مقتطع من قول العرب: ولدت فاطمة بنت الخرشب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم (المقتضب: 4/ 116). (¬2) هو صديّ (بالتصغير) بن عجلان بن الحارث الباهلي أبو أمامة، صحابي جليل له في الصحيحين 250 حديثا روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وعن عمر وعن عثمان وعلي وأبي عبيدة ومعاذ وغيرهم، أرسله النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فأسلموا جميعا وكان مع علي في صفين وسكن الشام وتوفي في أرض حمص وهو آخر من مات من الصحابة بالشام توفي سنة (86 هـ) عن ست ومائة سنة (تمييز الصحابة: 1/ 182، الأعلام: 3/ 291). (¬3) لم أستطع العثور عليه وتخريجه من كتب الأحاديث. (¬4) الكتاب (2/ 153) ونصه: قال الخليل: إنّ من أفضلهم كان زيدا على إلغاء كان. (¬5) أما تخريج المبرد فقد قال: زيدا اسم إن ومن أفضلهم خبر كان واسم كان مضمر منها وكان واسمها وخبرها في محل رفع خبر إن. (المقتضب: 4/ 115 هذا باب من مسائل باب كان وباب إن في الجمع والتفريق) استنباطا أما نصّا فالتذييل والتكميل (4/ 212). قال أبو حيان معقبا عليه: وهذا خطأ لأنه يؤدي إلى جعل الخبر جملة مقدما في إن وهذا لا يجيزه أحد. (¬6) معطوف على قوله: وتزاد كان بين مسند ومسند إليه. (¬7) البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة للفرزدق يمدح فيها يزيد بن عبد الملك ويهجو يزيد بن المهلب وقد سبق الحديث عنها. وانظر ديوان الفرزدق (2/ 214). وشاهده: زيادة كان بين الموصوف وصفته في قوله: بسعي كان مشكور. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 212) وفي معجم الشواهد (ص 183). (¬8) البيت من قصيدة من بحر الكامل وهي للفرزدق أيضا يهجو جريرا وقومه، وانظر ديوان الفرزدق (2/ 305). وشاهده: زيادة كان بين المعطوف عليه والمعطوف في قوله: في الجاهلية كان والإسلام. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 212) وفي معجم الشواهد (ص 376). (¬9) شرح التسهيل (1/ 361).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منويّ» (¬1). قال الشيخ (¬2): «ووافقه الصّيمريّ (¬3) وغيره»: قال المصنف: «ولا حاجة إلى ذلك، ولا يبالى بأن يقال خلوها من الإسناد إلى منوي يلزم منه كون الفعل حديثا من غير محدث عنه لأن كان المحكوم بزيادتها تشبه الحرف الزائد فلا يبالي بخلوها من الإسناد كما أن الضمير الواقع فصلا لما قصد به ما يقصد بالحروف من الدلالة على معنى في غيرها استجيز أن لا يكون له موضع من الإعراب، وأيضا فإن كان قد زيدت بين على ومجرورها فإذا نوي معها فاعل لزم الفصل بين الجار والمجرور بجملة ولا نظير لذلك وإذا لم ينو معها ضمير فاعل كان الفصل بكلمة واحدة فلا يمتنع كما لم يمتنع الفصل بما بين من وعن والباء وربما والكاف ومجروراتها» انتهى (¬4). والذي اختاره المصنف من أن (كان) (¬5) لا فاعل لها هو مذهب - ¬

_ (¬1) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (2/ 292. رسالة دكتوراة بكلية اللغة تحقيق د/ دردير أبو السعود) أوجه استعمال كان ثلاثة: 1 - وقوع الحدث في الزمان الماضي. 2 - أن تكون بمعنى حدث. 3 - أن تكون زائدة وقولنا زائدة ليس المعنى بذلك أن دخولها كخروجها في كل معنى وإنما يعني بذلك أنها ليس لها اسم ولا خبر ولا هي لوقوع شيء مذكور ولكنها دالة على زمان وفاعلها كمصدرها وذلك قولك زيد كان قائم أو زيد قائم كان، فكان زائدة، وقد دلت على الزمان الماضي لأنك لو قلت زيد قائم ولم تقل كان لوجب أن يكون ذلك في الحال وقال الشاعر (من الوافر): سراة بني أبي بكر تساموا ... على كان المسوّمة العراب يريد على المسومة العراب كان ذلك الكون. قال الرضي معقبا على رأي السيرافي: إن كان الزائدة مسندة إلى ضمير مصدر منوي وهو هوس، إذ لا معنى لقولك ثبت الثبوت (شرح الرضي على الكافية: 3/ 294). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 213). (¬3) قال الصيمري في كتابه التذكرة والتبصرة (1/ 191): كان تستعمل على وجهين غير ما ذكرنا: أحدها: أن تستعمل في معنى حدث الشيء ووقع. والوجه الآخر: أن تستعمل زائدة لتبيين معنى الماضي فقط من غير أن تدخل على اسم واحد ولا على جملة، ويكون فاعلها المصدر مضمرا فيها كقولك: زيد قائم كان أي كان ذلك الكون ومنه قول الشاعر: سراة بني أبي بكر تساموا ... على كان المسوّمة العراب أي تساموا على المسومة العراب كان ذلك فهي زائدة لتوكيد المعنى. (¬4) شرح التسهيل (1/ 361). (¬5) زيادة من عندنا يتطلبها المقام ليست في النسخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفارسي (¬1) نقله عنه ابن عصفور واستدل الفارسي بنحو مما أشار إليه المصنف فإنه قال (¬2): «إن الفعل إذا استعمل استعمال ما لا يحتاج إلى فاعل استغنى عن الفاعل ويدل على ذلك أن قلما فعل لكن العرب استعملته للنفي، فقالت: قلما يقوم زيد في معنى ما يقوم زيد، فلم يحتج إلى فاعل كما أن ما لا تحتاج إلى فاعل بل صارت قلما بمنزلة الحروف التي تصحب الأفعال فكذلك كان لما زيدت للدلالة على الزمان الماضي صارت بمنزلة أمسى فكما أن أمسى لا يحتاج إلى فاعل كذلك ما استعمل استعماله» (¬3) [2/ 39]. وأما زيادة كان آخرا: فلم يذكر له شاهد غير أن المصنف قال (¬4): «وأجاز بعض النّحويين زيادة كان آخرا قياسا على إلغاء ظن آخرا». قال الشيخ: «هو الفرّاء (¬5) أجاز أن تقول: زيد قائم كان». قال المصنف: والصحيح منع ذلك لعدم استعماله ولأن الزيادة على خلاف الأصل فلا تستباح في غير مواضعها المعتادة. فأما زيادة كان مسندة إلى ضمير ما ذكر: فشاهده البيت المذكور وهو: 754 - فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام (¬6) - ¬

_ (¬1) يقصد أبا علي الفارسي. وهذا الرأي مشهور إسناده إليه (انظر شرح الكافية (2/ 294)، حاشية يس (1/ 191) والهمع (1/ 120). وإنما قال الشارح إن ذلك مذهب أبي علي الفارسي لأنه قال في البغداديات (ص 62): كان أبو بكر يقول في قولهم: ما كان أحسن زيدا: إن كان ملغى لا فاعل له، وقال قائل من متقدمي أهل العربية: إن في كان ضميرا وأحسن زيدا في موضع خبره، وليس يخلو كان من أن يكون على أحد هذين الوجهين والدليل على أن الوجه الثاني لا يجوز أن فعل التعجب على أفعل دون فعل. وشيء آخر من أجله لا يجوز أن يكون كان إلا ملغى وهو أن فعل التعجب إنما يتعدى إلى الأسماء فتنتصب به نحو ما أحسن زيدا، ولم يقع شيء منه موقع المفرد جملة فيكون في موضع نصب، فكذلك لا يجوز أن يكون أحسن زيدا في قولك: ما كان أحسن زيدا في موضع نصب. (¬2) القائل هو ابن عصفور وانظر شرح الجمل له (1/ 398) (تحقيق الشغار). (¬3) هذا آخر كلام ابن عصفور. (¬4) شرح التسهيل (1/ 361). (¬5) انظر التذييل والتكميل (4/ 215) والهمع (1/ 120). (¬6) البيت من بحر الوافر من قصيدة طويلة للفرزدق يمدح فيها هشام بن عبد الملك وقد بدأها بالغزل الذي استغرق ثلث أبياتها الخمسة والستين (انظر ديوان الفرزدق: 1/ 290). وبيت الشاهد ثالث أبياتها، وبعده: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد المصنف ذلك شاهدا على زيادة كان بين الصفة والموصوف. ثم قال: ولا يمنع من زيادتها إسنادها إلى الضّمير كما لا يمنع من إلغاء ظنّ إسنادها في نحو: زيد ظننت قائم. هذا مذهب سيبويه. انتهى (¬1). وهو مذهب الخليل أيضا (¬2). وذهب أبو العباس وأكثر النحويين إلى أنها ليست زائدة فقالوا: كانوا: كان واسمها ولنا في موضع خبرها والجملة في موضع الصفة لجيران وكرام صفة بعد صفة (¬3) وذلك نظير قوله تعالى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (¬4) ومنه قول امرئ القيس: 755 - وفرع يغشّي المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النّخلة المتعثكل (¬5) - ¬

_ - أكفكف عبرة العينين منّي ... وما بعد المدامع من ملام وبيت القصيد فيها قوله لناقته: إلام تلفّتين وأنت تحتي ... وخير النّاس كلّهم أمامي وفي الشاهد كلام كثير انظره في الشرح، والبيت في شرح التسهيل (1/ 361). وفي شرح الجمل (1/ 398)، وفي التذييل والتكميل (4/ 218) وفي معجم الشواهد (ص 370). (¬1) شرح التسهيل (1/ 361). (¬2) في كتاب سيبويه (2/ 153) جاء قوله: وقال الخليل: إنّ من أفضلهم كان زيدا على إلغاء كان وشبّهه بقول الشاعر وهو الفرزدق: فكيف إذا رأيت ديار قوم ... وجيران لنا - كانوا - كرام (¬3) قال المبرد بعد إنشاء البيت السابق (المقتضب: 4/ 117): القوافي مجرورة وتأويل هذا سقوط كان على وجيران لنا كرام في قول النحويين أجمعين وهو عندي على خلاف ما قالوا من إلغاء كان وذلك أن خبر كان لنا فتقديره: وجيران كرام كانوا لنا. (¬4) سورة الأنعام: 155. (¬5) البيت من بحر الطويل من معلقة امرئ القيس المشهورة، وهو من عدة أبيات يصف فيها امرؤ القيس معشوقته وصفا حسيّا صريحا يقول قبل بيت الشاهد: وجيد كجيد الرّئم ليس بفاحش ... إذا هيّ نصّته ولا بمعطّل وفرع يغشّي المتن ... إلخ. غدائره مستشزرات إلى العلا ... تضلّ المدارى في مثنّى ومرسل وفي بيت الشاهد يصف شعر امرأته بالسواد والغزارة والطول الذي غطى ظهرها، وشاهده: وقوع وصف مفرد بعد وصف جملة لموصوف واحد. قال ابن عصفور (المقرب: 1/ 226): وإذا اجتمع في هذا الباب صفتان إحداهما اسم والأخرى في تقديره قدمت الاسم ثم الظرف أو المجرور ثم الجملة نحو قوله تعالى: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ [غافر: 28] ولا يجوز خلاف ذلك إلا في نادر كلام أو في ضرورة نحو قوله وأنشد بيت الشاهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وللفارسي في البيت كلام فيه قلق (¬1). ولابن عصفور فيه تخريج بعيد وهو أنه قال (¬2): «يتصور زيادة كان في هذا البيت على أن يكون أصل المسألة وجيران لنا هم كرام على أن يكون لنا في موضع الصفة لجيران وهم فاعل بلنا على حد مررت برجل معه صقر صائدا به غدا لأن سيبويه قد نصّ على أن صقرا مرفوع بمعه (¬3) لأنه لو قدر المجرور خبرا لصقر لكانت النية به التأخير لأن النية في الخبر أن يكون بعد المبتدأ وإذا كان صفة وصقر مرفوع به كان في موضع لا ينوي به التأخير واللفظ إذا أمكن أن يكون في موضعه لم يجز أن ينوي به الوقوع في غير موضعه ثم زيدت كان بين لنا وهم لأنها تزاد بين العامل والمعمول فصار لنا كان هم ثم اتصل الضمير بكان وإن كانت غير عاملة فيه لأن الضمير قد يتصل بغير عامله في الضّرورة كقول القائل: 756 - وما علينا إذا ما كنت جارتنا ... ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (¬4) فالأصل إلا إيّاك ثم وصل الضمير بإلا اضطرارا وإن كانت غير عاملة فيه لأن الاستثناء منتصب من تمام الكلام». انتهى (¬5). وقد نحى الشيخ إلى أن كان في البيت ليست زائدة وخرج ذلك على الوجه الذي تقدم ذكره عن أبي العباس وأكثر النحويين (¬6). والذي يظهر أنه الحق. لكن سيبويه قد حكم عليها بالزيادة في هذا البيت فيشكل الأمر حينئذ. وقد اعتذر من إطلاق الخليل وسيبويه عليهما [2/ 40] أنها زائدة بأنهما - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: وقال الفارسي في التذكرة: كان في هذا البيت لغو لأن لنا قد جرى صفة على الموصوف فلا يقدر فيه الانتزاع من موضعه قال أبو علي: فإن قلت: كيف تلغى كان وقد عملت في الضمير؟ قلنا: تكون لغوا والضمير الذي فيها تأكيد لما في لنا لأنه مرتفع بالفاعل ألا ترى أنه لا خبر له. ثم قال: وقال أبو علي في غير التذكرة: إنما قيل في كان هنا أنها غير زائدة كأنهم لم يستجيزوا أن يجعلوا لنا خبر كان فيقدروا به غير موضعه وقد جرى صفة على جيران، ويؤكد ذلك أنك إذا جعلت كان غير زائدة كنت قد فصلت بين الصفة والموصوف بجملة وذلك ضعيف (التذييل والتكميل: 4/ 220). (¬2) انظر شرح الجمل له (1/ 399) وهو منقول بنصه. (¬3) انظر الكتاب (2/ 49). (¬4) البيت من بحر البسيط وقد سبق الحديث عنه والاستشهاد به في باب الضمير. وشاهده هنا: اتصال الضمير بإلا وهي غير عاملة فيه شذوذا والواجب في الضمير اتصاله بعامله فقط. والتفصيل في الشاهد سبق من التحقيق. (¬5) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 400). (¬6) قال أبو حيان: والذي نختاره في البيت أن (كانوا لنا) كان واسمها وخبرها ومعني اللام الاختصاص والجملة في موضع الصفة (التذييل والتكميل: 4/ 221).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يعنيان بالزيادة ما فهمه النحويون عنهما، إنما أراد بالزيادة أنه لو لم تدخل هذه الجملة بين جيران وكرام لفهم أن هؤلاء القوم كانوا جيرانه فيما مضى وأنه قد فارقهم، فالجيرة كانت في الزمان الماضي فجيء بقوله: كانوا لنا على هذا المعنى فلا يستفاد منها إلا تأكيد ما فهم من المعنى قبل دخولها فأطلق عليها الزيادة بهذا المعنى. ويدل على أنه يصف حالا ماضية قبل هذا البيت: 757 - هل أنتم عائجون بنا لعنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام (¬1) ذكره الشيخ (¬2) ثم قال: ولا يمتنع أيضا أن يكون قوله: كانوا التامة ويكون على حذف مضاف أي وجدت جيرتهم في الزمان الماضي ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وتكون الجملة صفة ويكون معنى الزيادة على ما قرر بتقدير أنّها النّاقصة» انتهى (¬3). وأما مضارع كان: فقال المصنف: وشذت زيادة تكون في قول أم عقيل (¬4) ابن أبي طالب: 758 - أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهبّ شمأل بليل (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر وهو مطلع قصيدة للفرزدق سبق الحديث عنها قبل شاهدين فقط وهي في ديوانه (1/ 291). اللغة: عائجون: جمع مفرده عائج، وفعله عاج يقال عاج بالديار إذا مر بها. لعنّا: لغة في لعلنا. العرصات: جمع عرصة وهي ساحة الدار. والمعنى: يطلب الفرزدق من أصحابه أن يمروا به على ديار أحبابه لعله يراهم إن كانوا مقيمين فيها وإن كانوا قد رحلوا عنها رأى آثارهم فيها فيطمئن قلبه ويبرد شوقه، وليس في البيت شاهد نحوي إلا أن الشارح يستدل به على أن الشاعر يتحدث عن قوم كانوا جيرانا له ثم ارتحلوا. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 221) وفي معجم الشواهد (ص 370). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 221) وما بعدها. (¬3) المرجع السابق وقد تدخل الشارح ببعض اختصار وتوضيح. (¬4) هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية أول هاشمية ولدت خليفة وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وإخوته (عقيل وجعفر) نشأت في الجاهلية بمكة وتزوجت بأبي طالب وأسلمت بعد وفاته، فكان النبي يزورها ويقيل في بيتها ثم هاجرت إلى المدينة مع أبنائها وماتت بها (سنة 5 هـ) فكفنها النبي صلّى الله عليه وسلّم بقميصه، واضطجع بقبرها، وقال: لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها. وقبرها بالبقيع كان تحت قبة عثمان بن عفان. (انظر الأعلام للزركلي (5/ 13) طبعة دار العلم للملايين - بيروت). (¬5) البيتان من الرجز المشطور لفاطمة بنت أسد ترقص ابنها عقيل بن أبي طالب وتمدحه بما ترجوه منه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز الفراء زيادة يكون بين ما وفعل التعجب (¬1) نحو ما يكون أطول هذا الغلام ويشهد لقوله قول رجل من طيئ: 759 - صدّقت قائل ما يكون أحقّ ذا ... طفلا يبذّ ذوي السّيادة يافعا (¬2) قال الفراء: «وأخوات كان تجري مجراها» (¬3). قلت: ولا خلاف في زيادة كان بعد ما التعجبية كقول الشاعر: 760 - ما كان أسعد من أجابك آخذا ... بهداك مجتنبا هوى وعنادا (¬4) انتهى (¬5). وأما زيادة كان بين جار ومجرور: فشاهده قول الشاعر: 761 - سراة بني أبي بكر تسامى ... على كان المسوّمة العراب (¬6) - ¬

_ - في غده. اللغة: ماجد نبيل: كريم زكي. شمال بليل: ريح من الشمال مبلولة بالماء. وشاهده: مجيء كان زائدة بلفظ المضارع وهو شاذ. وخرجوه على عدم الزيادة وأن اسمها ضمير المخاطب مستتر والخبر محذوف، والتقدير: أنت ماجد نبيل تكونه (الدرر: 1/ 89). والبيت في شرح التسهيل (1/ 362)، وفي التذييل والتكميل (4/ 217)، وفي معجم الشواهد (ص 521). (¬1) انظر التذييل والتكميل (4/ 217). (¬2) البيت من بحر الكامل مجهول القائل ومعناه: أنك صادق حين قلت: إن هذا الطفل سيكون له مستقبل عظيم ويفوق بمجده أصحاب السيادة. وشاهده: زيادة كان بلفظ المضارع بين ما التعجبية وفعل التعجب على ما ذهب إليه الفراء والمشهور زيادتها قياسا بلفظ الماضي في هذا الموضع. والبيت في شرح التسهيل (1/ 362)، وفي التذييل والتكميل (4/ 217) وليس في معجم الشواهد. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 217) والهمع (1/ 120). (¬4) البيت من بحر الكامل منسوب إلى عبد الله بن رواحة (المقاصد الكبرى للعيني على هامش خزانة الأدب (3/ 663) (دار صادر): وقد راجعت ديوانه وبحثت عنه فلم أجده. والخطاب فيه للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وفيه مدح له. وشاهده: زيادة كان بين ما التعجبية وفعل التعجب وهو جائز قياسا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 362)، وفي معجم الشواهد (ص 98). (¬5) شرح التسهيل (1/ 362). (¬6) البيت من بحر الوافر، قال الشيخ محيي الدين عبد الحميد فيه (شرح الأشموني: 1/ 424): لم أقف لهذا البيت على نسبة ولا وجدت له سابقا ولا لاحقا مع شهرته وتداوله. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل: ولم يحفظ زيادتها بين جار ومجرور إلا في هذا البيت. وأما أصبح وأمسى: فقال المصنف (¬1): وشذ أيضا زيادة أصبح وأمسى في قول بعض العرب ما أصبح أبردها وما أمسى أدفأها. وأجاز أبو علي زيادة أصبح (¬2) في قول الشاعر: 762 - عدوّ عينيك وشانيهما ... أصبح مشغول بمشغول (¬3) وكذلك أجاز زيادة أمسى في قول الشاعر الآخر: 763 - أعاذل قولي ما هويت فأوّبي ... كثيرا أرى أمسى لديك ذنوبي (¬4) ¬

_ - اللغة: السّراة: بفتح السين جمع سرى وهو الشريف العظيم وبضمها جمع سار كقضاة وقاض وفيه من المعنى السابق أيضا. تسامى: أصلها تتسامى أي تعلو وترتفع. المسومة: الخيل المعروفة المعلمة. العراب: الخيل العربية الأصيلة. والمعنى: أن سادات بني أبي بكر يركبون الخيول العربية المعلمة بجودتها. وشاهده: زيادة كان بين الجار والمجرور شذوذا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 361)، وفي التذييل والتكميل (4/ 222)، وفي معجم الشواهد (ص 98). (¬1) شرح التسهيل (1/ 362). (¬2) انظر الهمع (1/ 120)، وحاشية الصبان (1/ 241). (¬3) البيت من بحر السريع وهو لشاعر مجهول يمدح ويصف. اللغة: عدو: يطلق على الذكر والأنثى بلفظ واحد وهو فعول بمعنى فاعل، وقيل: لا مانع من عدوة قياسا على صديقة. وشانيهما: باغضهما. والمعنى: عدوك وشانئك مشغولان عنك فلا تهتم بهما فأنت عظيم. وشاهده: مجيء أصبح زائدة بين المبتدأ والخبر، وهو شاذ وخرجه بعضهم على أن أصبح تامة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 362)، وفي التذييل والتكميل (4/ 416)، وفي معجم الشواهد (ص 322). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو أيضا مجهول القائل. اللغة: أعاذل: منادى مرخم علم امرأة من العذل وهو اللوم. هويت: أردت وأحببت. أوّبي: رجعي ما تقولين وروي مكانه: فإنني. والشاعر يقول لمن يلومونه: لا يهمني لومكم ولا يثنيني عن حبي فأنا ماض فيه مهما كثرت ذنوبي عندكم. وشاهده: استعمال أمسى زائدة بين أرى ومفعوله على ما ذهب إليه أبو علي الفارسي. قال الشيخ محيي الدين (شرح الأشموني: 1/ 429) «لا يصح جعل أمسى ناقصة لأنها ستحتاج إلى مرفوع ومنصوب وهما مفقودان ولا تامّة» لاحتياجها إلى مرفوع فاعل وهو مفقود أيضا ولا شانية لفقدان الخبر الجملة». والبيت في شرح التسهيل (1/ 362) وفي التذييل والتكميل (4/ 416) وفي معجم الشواهد (ص 65).

[أحكام خاصة بكان]

[أحكام خاصة بكان] قال ابن مالك: (وتختصّ كان أيضا بعد إن أو لو بجواز حذفها مع اسمها إن كان ضمير ما علم من غائب أو حاضر فإن حسن مع المحذوفة بعد إن تقدير فيه أو معه أو نحو ذلك؛ جاز رفع ما وليها وإلّا تعيّن نصبه وربّما جرّ مقرونا بـ «إن لا» أو بـ «إن» وحدها إن عاد اسم كان إلى مجرور بحرف، وجعل ما بعد الفاء الواقعة جواب إن المذكورة خبر مبتدأ أولى من جعله خبر كان مضمرة، أو مفعولا بفعل لائق أو حالا، وإضمار كان النّاقصة قبل الفاء أولى من التامة وربّما أضمرت النّاقصة بعد «لدن» وشبهها والتزم حذفها معوّضا منها ما بعد أن كثيرا وبعد إن قليلا ويجوز حذف لامها السّاكن جزما ولا يمنع ذلك ملاقاة ساكن [2/ 41] وفاقا ليونس). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: اعلم أن كان تختص دون أخواتها بأمور: وقد تقدم ذكر أمرين منها وهما مرادفة لم يزل وذلك على ما اختاره المصنف (¬1)، وزيادتها بالشرط الذي ذكر (¬2). وشرع الآن المصنف في ذكر أمر ثالث وهو الحذف، فإنه مما اختصت به كان إذا كان في الكلام دليل على الحذف. ثم لها في الحذف أحوال أربع: أن تحذف مع اسمها ويبقى الخبر، وأن تحذف مع الخبر ويبقى الاسم، وأن تحذف وحدها ويبقى المعمولان، وأن تحذف مع المعمولين. وحيث حذفت فالحذف جائز؛ فيجوز الذكر إلا أن يعوض عنها غيرها فلا يجوز الذكر فيكون الحذف حينئذ واجبا كما سترى ذلك مفصلا إن شاء الله تعالى، ثم إن المصنف ختم الكلام بمسألة وهي جواز حذف لام مضارع كان إذا كان ساكنا للجزم بالشرط الذي سيذكره وهذا مما اختصت به كان أيضا في مضارعها. وقد أشار المصنف إلى الحالة الأولى: وهي حذفها مع اسمها مع إبقاء الخبر بقوله: - ¬

_ (¬1) سبق من هذا التحقيق. (¬2) سبق من هذا التحقيق والشرط الذي ذكر لزيادتها ليس واحدا وإنما هما شرطان. الأول: أن تزاد بلفظ الماضي. الثاني: أن تكون بين شيئين متلازمين كالمسند إليه والمسند، والموصوف والصفة، والمعطوف عليه والمعطوف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتختصّ كان أيضا بعد إن ولو بجواز حذفها إلى قوله: أو حاضر. ونظم كلامه أربع صور وهي: أن يكون الحذف بعد إن، واسم كان ضمير غائب، أو حاضر، وبعد لو، واسم كان كذلك أيضا بشرط أن يكون الاسم معلوما. فمثال حذف كان بعد إن مع اسمها وهو ضمير غائب معلوم، قول الشاعر: 764 - انطق بحقّ وإن مستخرجا إحنا ... فإنّ ذا الحقّ غلّاب وإن غلبا (¬1) ومثال الحذف مع كون الاسم ضمير حاضر (¬2)، قول الآخر: 765 - حدبت عليّ بطون ضنّة كلّها ... إن ظالما فيهم وإن مظلوما (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط قائله المجهول يدعو إلى فضيلة الصدق والنطق بالحق وإن أغضب الحق الناس فإن صاحب الحق دائما ما يكون غالبا وأما الباطل وصاحبه فهما مهزومان وإن انتصرا مرة. والإحن: جمع إحنة وهي الحقد والغضب. وشاهده قوله: «وإن مستخرجا إحنا» حيث حذفت كان مع اسمها وبقى خبرها بعد إن الشرطية واسمها ضمير غائب عائد على النطق بالحق المفهوم مما قبله، وتقدير الكلام: انطق بحق ولو كان النطق به مستخرجا إحنا. وروي البيت: انطق بحقّ ولو مستخرجا ... ... ... وفيه الشاهد أيضا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 363)، وفي التذييل والتكميل (4/ 223)، وفي معجم الشواهد (ص 30). (¬2) يقصد به المتكلم والمخاطب والبيت الآتي بعد للمتكلم والذي بعده للمخاطب. (¬3) البيت من بحر الكامل من مقطوعة صغيرة للنابغة الذبياني يرد فيها على يزيد بن سنان الذي عيره وعرض به في قوله (من الكامل): إنّي امرؤ من صلب قيس ماجد ... لا مدّع حسبا ولا مستنكر فرد عليه النابغة قائلا: جمّع محاشك يا يزيد فإنّني ... أعددت يربوعا لكم وتميما ولحقت بالنّسب الّذي عيّرتني ... وتركت أصلك يا يزيد ذميما عيّرتني نسب الكرام وإنّما ... فخر المفاخر أن تعدّ كريما حدبت عليّ بطون ضنّة ... ... بيت الشاهد انظر ديوان النابغة (ص 131) وضنّة: بكسر الضاد وبعدها نون مشددة بطن من قضاعة. والمعنى: يقول: إن بطون ضنة كلها عطفت عليه لأنه منهم ونصرته في كل حال ظالما أو مظلوما. وشاهده قوله: «إن ظالما فيهم وإن مظلوما» حيث حذفت كان مع اسمها بعد لو الشرطية، والتقدير إن كنت ظالما وإن كنت مظلوما. والبيت في شرح التسهيل (1/ 363)، وهو في التذييل والتكميل (4/ 223)، وفي معجم الشواهد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 766 - لا تقربنّ الدّهر آل مطرّف ... إن ظالما أبدا وإن مظلوما (¬1) ومثال الحذف بعد لو والاسم ضمير غائب، قول الشاعر: 767 - لا يأمن الدّهر ذو بغي ولو ملكا ... جنوده ضاق عنها السّهل والجبل (¬2) ومثاله والاسم ضمير حاضر، قول الشاعر: 768 - علمتك منّانا فلست بآمل ... نداك ولو غرثان ظمآن عاريا (¬3) قال المصنف: «فالنّصب في مثل هذا متعين لعدم صلاحيّة تقدير ما يجعل خبرا من فيه أو معه أو نحوهما» انتهى (¬4). قال الشيخ: «ويجري مجرى لو غيرها من الحروف الدالة على الفعل إذا تقدّم ما يدل عليه نحو هلا وألا لكنه ليس بكثير الاستعمال» انتهى (¬5). - ¬

_ - (ص 337). (¬1) البيت من بحر الكامل من قصيدة لحميد بن ثور الهلالي في ديوانه (ص 130)، كما نسب أيضا لليلى الأخيلية (شرح ديوان الحماسة (ص 9، 16)، وكذلك ديوان الخنساء ومراثي ستين شاعرة من العرب ص 115) - برواية: لا ظالما أبدا ولا مظلوما. والبيت برواية حميد شاهده: كالذي قبله، وعلى الرواية الأخرى: فإن ظالما ومظلوما حالان من ضمير المخاطب قبلهما. وفي التذييل والتكميل (4/ 223)، وفي معجم الشواهد (ص 337). (¬2) البيت من بحر البسيط ذكرت مراجعه أنه لقائل مجهول ونسب في معجم الشواهد إلى اللعين المنقري، ومعناه واضح وهو في المواعظ والحكم. وشاهده قوله: «ولو ملكا»؛ حيث حذفت كان مع اسمها بعد لو الشرطية وتقدير البيت: لا يأمن الدهر ذو بغي ولو كان الباغي ملكا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 363)، وفي التذييل والتكميل (4/ 423)، وفي معجم الشواهد (ص 292). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو في عزة النفس والقناعة. اللغة: المنّان: الذي يعير بما يعطي. نداك: عطاياك. غرثان: جائع. ومعنى البيت: يقول الشاعر لصاحبه: إذا كنت تمن علي بما تعطي فلن آخذ منك ولو كنت جائعا عطشان عاريا. أقول: إنه جمع صفات الحاجة كلها. شاهده: كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 363)، وفي التذييل والتكميل (4/ 424) وفي معجم الشواهد (ص 225). (¬4) انظر شرح التسهيل (1/ 363). (¬5) التذييل والتكميل (4/ 224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم أشار المصنف إلى الحالة الثانية: وهي حذفها مع الخبر مع بقاء الاسم بقوله: فإن حسن مع المحذوفة بعد إن تقدير فيه أو معه إلى آخره. يعني إذا صلح بعد إن تقدير شيء من ذلك جاز الرفع على أن المذكور اسم كان وذلك المقدر هو الخبر وذلك نحو: «النّاس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ، والمرء مقتول بما قتل به إن سيفا فسيف وإن خنجرا فخنجر» (¬1). فانتصاب خيرا وشرّا وسيفا وخنجرا على تقدير إن كان العمل خيرا [2/ 42] أو شرّا وإن كان المقتول به سيفا أو خنجرا وارتفاعها على أنها اسم كان أي إن كان في أعمالهم خير أو شرّ وإن كان معه سيف أو خنجر ولا شك أن النصب أولى من الرفع كما سيأتي: وربما يشعر قول المصنف: جاز رفع ما وليها - بأن غير الرفع هو الراجح. وقوله: وإلّا تعيّن نصبه أي وإلا يحسن تقدير فيه أو معه أو نحو ذلك تعين النصب على أنه خبر كان المحذوفة. ومثل سيبويه ذلك بقوله (¬2): مررت برجل إن طويلا وإن قصيرا وامرر بأيّهم أفضل إن زيدا وإن عمرا ومررت برجل قبل إن طويلا وإن قصيرا. قال سيبويه (¬3): لا يكون في هذا إلّا النّصب لأنّك لا تستطيع أن تقول إن كان فيه طويل وإن كان فيه زيد. ومن أمثلة سيبويه (¬4): مررت برجل (صالح) (¬5) وإن لا صالحا فطالح، قال: ومن العرب من يقول: إن لا صالحا فطالحا، وقدره سيبويه إن لا يكن صالحا فقد - ¬

_ (¬1) مجمع الأمثال للميداني (2/ 268) وانظر كتاب سيبويه (1/ 258). يقول: هذا باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف، وذلك قولك: النّاس مجزيون .. المرء مقتول ... ثم قال: «إن شئت أظهرت الفعل، فقلت إن كان خنجرا فخنجر وإن كان شرّا فشر، ومن العرب من يقول: إن خنجرا فخنجرا وإن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا. كأنه قال: إن كان الذي عمل خيرا جزي خيرا ... والرفع أكثر وأحسن في الآخر لأنك إذا أدخلت الفاء في جواب الجزاء استأنفت ما بعدها وحسن أن يقع بعدها الاسم». ثم قال: «وإن أضمرت الرافع كما أضمرت الناصب فهو عربي حسن وذلك قولك إن خير فخير وإن خنجر فخنجر كأنه قال: إن كان معه خنجر حيث قتل فالذي يقتل به خنجر وإن كان في أعمالهم خير فالذي يجزون به خير». (¬2) انظر نصه في كتاب سيبويه (1/ 261). (¬3) المرجع السابق. (¬4) الكتاب (1/ 262). (¬5) سقطت من النسخ وهي من كتاب سيبويه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقيته طالحا على الحال (¬1). وأما قول المصنف: وربما جرّ مقرونا بإن لا إلى آخره (فإنه يشير) (¬2) إلى ما حكى يونس في هذا المثال إن لا صالح فطالح (¬3). قال المصنف: «التقدير إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح قال (¬4): وأجاز يونس امرر بأيهم أفضل إن زيد وإن عمرو على تقدير إن مررت بزيد وإن مررت بعمرو (¬5). وجعل سيبويه إضمار الباء بعد إن هذه أسهل من إضمار ربّ بعد الواو». انتهى. وكلامه يشعر بأن سيبويه يرتضي ما حكاه يونس وعبارة سيبويه تعطي خلاف هذا فإنه قال (¬6): وزعم يونس أنّ من العرب من يقول: إلّا صالح فطالح على إن لا أكن مررت بصالح فبطالح وهذا قبيح ضعيف (¬7) لأنّك تضمر بعد إن لا فعلا آخر غير الذي يضمر بعد إن لا في قولك: إن لا يكن صالحا فطالح، ولا يجوز أن يضمر الجارّ ولذلك لمّا ذكروه في أول كلامهم شبّهوه بغيره من الفعل، وكان هذا عندهم أقوى إذا أضمرت ربّ ونحوها في قولهم: 769 - وبلدة ليس بها أنيس ... [إلّا اليعافير وإلّا العيس] (¬8) ومن ثمّ قال يونس: امرر بأيّهم أفضل إن زيد وإن عمرو يعني إن مررت بزيد - ¬

_ (¬1) أي منصوبا على الحال. (¬2) زيادة يقتضيها المقام ليست في النسخ. (¬3) كتاب سيبويه (1/ 262). (¬4) أي المصنف وانظر شرح التسهيل له (1/ 364). (¬5) نصه في كتاب سيبويه (1/ 263). (¬6) انظر نصه في كتاب سيبويه (1/ 262). (¬7) علق عليه الأستاذ عبد السّلام هارون فقال: «قال السيرافي ما ملخصه: قبح سيبويه قول يونس من جهتين: إحداهما: أنك تحتاج إلى إضمار أشياء، وحكم الإضمار أن يكون شيئا واحدا. والثانية: أن حرف الجر يقبح إضماره إلا في مواضع قد جعل منه عوض» (كتاب سيبويه: 1/ 262). (¬8) البيتان من الرجز المشطور وهما لجران العود عامر بن الحارث (شاعر جاهلي) من مقطوعة لا تتجاوز سبعة أبيات (ديوان جران العود ص 52) طبعة دار الكتب تحقيق القسم الأدبي. مفرداته: الأنيس: ما يؤتنس به من إنسان أو حيوان. اليعافير: جمع يعفور وهو ولد الظباء. العيس: الإبل ومعناه هنا بقر الوحش. والشاعر يشكو الغربة والبعد عن الأهل والأوطان. وشاهده قوله: «وبلدة»: حيث أضمرت رب بعد الواو وعملت الجر في الاسم بعدها وجعله سيبويه تقوية لإضمار الفعل مع قوته إذ جاز إضمار حرف الجر مع ضعفه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 364) وفي التذييل والتكميل (4/ 226) وفي معجم الشواهد (ص 487).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مررت بعمرو» انتهى (¬1). فتبين أن سيبويه لا يرى قوة ما حكاه يونس، وإن يونس إنما أجاز امرر بأيهم أفضل إن زيد وإن عمرو بالقياس على ما حكاه ولا يسوغ القياس على ما يحكم بضعفه وقبحه. قيل ووجه جعل سيبويه إضمار رب أن الباء إنما أضمرت مع فعل ورب حرف خالص لم يضمر معها فعل وإلا فإضمار رب مطرد، وهذا لا يقال منه إلا ما سمع، فكيف يكون هذا أقوى من ذاك. وقد عرفت أن المصنف جعل التقدير فيما حكاه يونس (¬2) إن لا أمرّ بصالح وقد مررت بطالح. وتقدير سيبويه إن لا أكن مررت بصالح فبطالح. قالوا (¬3): وتقدير سيبويه هو الصواب لأنه مبني على قوله: مررت برجل إن لا صالح فطالح فهو مبني على ماض فتقديره بإن لا أكن مررت مطابق لما قبله [2/ 43] بخلاف إن لا أمر لأنه مستقبل فلا يناسب تقديره وأيضا فتقدير سيبويه يقتضي بأن المحذوف هو أكن وهي المعهود حذفها بعد إن بخلاف أمر. ثم إن المصنف لما ذكر أن في الاسم الواقع بعد إن في نحو إن خيرا فخير، وإن سيفا فسيف وجهين: النصب والرفع - ذكر أن في الاسم الواقع بعد الفاء في هذا الكلام وجهين أيضا: الرفع والنصب فذكر أن الرفع أولى وأشار إلى ذلك بقوله: وجعل ما بعد الفاء الواقعة في جواب إن المذكورة إلى قوله: أو حالا. قال في الشرح (¬4): «إن الاسم الواقع بعد الفاء في الحديثين المذكورين (¬5) ونحوهما يرتفع على أنه خبر مبتدأ وينتصب على أنه خبر كان مضمرة أو يجعل مفعولا به أو منصوبا على الحال إلا أن رفعه أجود لأن المحذوف معه شيء واحد ومع النصب شيئان فعل واسم مرفوع به ولأن وقوع الجملة الاسمية بعد الفاء المجاب بها الشرط أكثر من وقوع الجملة الفعلية ويجوز جعل ما بعد الفاء مفعولا به والتقدير إن كان عمله خيرا فيجزى خيرا أو يعطى خيرا ويجوز جعله حالا ويكون التقدير إن كان - ¬

_ (¬1) كتاب سيبويه (1/ 263). (¬2) أي من قول العرب: إن لا صالح فطالح الكتاب (1/ 262). (¬3) القائل هو أبو حيان وانظر التذييل والتكميل (4/ 227). (¬4) أي شرح التسهيل (1/ 364). (¬5) ليسا بحديثين وإنما هما من كلام الناس، وانظر الكتاب سيبويه (1/ 258).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمله خيرا فيلقاه خيرا ونحو ذلك، وقد أشار سيبويه إلى ذلك كله» (¬1). انتهى (¬2). والتقدير إذا رفع الاسم المذكور فالذي يجزونه خير. وقد علم بهذا الذي ذكرناه أن في نحو: إن خيرا فخير وإن شرّا فشر أربعة أوجه (¬3). لكن أحسنها نصب الأول ورفع الثاني وهو الوجه الذي بدأ به سيبويه (¬4). ثم قال (¬5): ومن العرب من يقول: إن خيرا فخيرا ثم ذكر أن رفعهما عربيّ حسن (¬6). وزاد النحويون: إن خير فخيرا برفع الأول ونصب الثاني قالوا: وأحسن الوجوه نصب الأول ورفع الثاني كما تقدم، ثم رفعهما ثم نصبهما ثم رفع الأول ونصب الثاني، وتعليل الأوجه المذكورة ظاهر مما تقدم. وقد زعم الأستاذ أبو علي (¬7) أن رفعهما ونصبهما متكافئان لأن ما في نصب الأول من الحسن يقابله قبح رفعه وما في نصب الثاني من القبح حسن رفعه. ولابن عصفور معه بحث في ذلك لأنه رد عليه قوله في التكافؤ تركته خوف الإطالة (¬8). وكما أضمرت كان فيما ذكرنا أضمرت في الشرط الصريح المحض تقول: أنا أفعل كذا إن لا معينا فلا مفسدا عليّ إن لا تكن معينا لي فلا تكن مفسدا عليّ، ويجوز الرفع إذا صح المعنى ومنه إن لا حظية فلا أليّة أي إن لا تكن لك في النساء حظية فإني غير ألية أي غير مقصرة في خدمتك (¬9). - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 258، 259). وقد نقلنا جزءا كبيرا منه قبل في هذا التحقيق. (¬2) شرح التسهيل (1/ 364). (¬3) هي كالآتي: نصب الأول ورفع الثاني، رفعهما، نصبهما، رفع الأول ونصب الثاني وترتيبهما كما ذكرت بحسب الأفضلية. (¬4) انظر الكتاب (1/ 258). (¬5) أي سيبويه وانظر المرجع السابق. (¬6) نصه كما في الكتاب (1/ 258) يقول: «وإن أضمرت الرافع كما أضمرت الناصب فهو عربي حسن وذلك قولك: إن خير فخير وإن خنجر فخنجر كأنه قال: إن كان معه خنجر حيث قتل فالذي يقتل به خنجر وإن كان في أعمالهم خير فالذي يجزون به خير». (¬7) هو أبو علي الشلوبين وانظر رأيه في الهمع (1/ 122) والتذييل والتكميل (4/ 229). (¬8) لم أجد هذا البحث في شرح الجمل لابن عصفور ولا في المقرب ووجدته في التذييل والتكميل (4/ 229). وملخصه: أن رفعهما أحسن لقلة الإضمار فيهما بالنسبة إلى نصبهما. (¬9) قوله: إن لا حظية فلا ألية مثل من أمثال العرب، مجمع الأمثال (1/ 30)، كتاب سيبويه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول صاحب الكتاب (¬1): «وإضمار كان النّاقصة قبل الفاء أولى من التّامّة» فهو كلام متشبث بما قبله، وذلك أنه يتعلق بقوله: فإن حسن مع المحذوفة بعد إن تقدير فيه أو معه أو نحو ذلك جاز رفع ما وليها، وكلامه إنما هو في كان لناقصة ولا شك [2/ 44] أنه يتعين حينئذ أن يكون ذلك المقدر خبرا وأن يكون المرفوع اسما ثم إنه لا يمتنع أن يكون كان المحذوفة هي التامة ويكون ذلك المرفوع فاعلا بها والمجرور المقدر يتعلق بها فأشار بهذا الكلام الآن إلى أن كون المحذوفة هي الناقصة أولى من كونها التامة. قال في الشرح (¬2): «وسبب ذلك أن إضمار الناقصة مع النصب متعين وهو مع المرفوع ممكن فوجب ترجيحه ليجري الاستعمالان على سنن واحد ولا يختلف العامل، ولأن الفعل التام إذا أضمر بعد إن الشرطية لا يستغنى عن مفسر نحو وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ (¬3) فخولف هذا في كان الناقصة لوقوع ثاني جزأيها موقع المفسر ولأنها توسع فيها بما لا يستعمل في غيرها فمقتضى الدليل ألا تشاركها التامة في الإضمار المشار إليه. لكن أجيز فيها لشبهها بالناقصة. فلا يستويان في التقدير» (¬4). ثم إن كان لما كانت قد تحذف ولو لم تقع بعد إن أو لو أشار المصنف إلى ذلك بقوله: وربما أضمرت النّاقصة بعد لدن وشبهها. فمثال إضمارها بعد لدن: قول الشاعر: 770 - من لد شولا فإلى إتلائها (¬5) - ¬

_ - (1/ 260)، لسان العرب (مادة حظا). وأصله أن المرأة تصلف عند زوجها فيقال لها: إن أخطأتك الحظوة فلا تألي أن تتوددي إليه، والمثل قالته امرأة لم تقصر في خدمة زوجها ومع ذلك لم تحظ عنده بالحب والتقدير. ويضرب المثل في الأمر بمداراة الناس ليدرك الإنسان بعض ما يحتاج إليه منهم، روي بنصبهما على أن أصله: إلا أكن حظيّة فلا أكون ألية. وروى برفعهما كما في الشرح. (¬1) يقصد ابن مالك، وأما كتابه فهو تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد وهو ما يشرحه الشارح وما يذكره عنه في متن التسهيل قبل. (¬2) أي في شرح التسهيل له (1/ 364). (¬3) سورة التوبة: 6. (¬4) آخر كلام ابن مالك (شرح التسهيل: 1/ 365). (¬5) البيت من بحر الرجز المشطور وهو من الخمسين المجهولة في كتاب سيبويه (1/ 264). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصف إبلا والتقدير من لد أن كانت شولا. قال المصنف (¬1): «وكذا يقدّره الجمهور وعندي أن تقدير أن مستغنى عنها كما يستغنى عنها بعد مذ» قال الشيخ (¬2): «كذا قدره سيبويه (¬3) وحمل الناس كلامه على أنه تفسير معنى لا تفسير إعراب والمعنى من لد كانت شولا» والشّول: التي ارتفع ألبانها من النوق والمعنى لد كانت شولا إلى لقاحها فإلى إتلائها ولذا أتى بالفاء ليحمل شيئا على شيء ولولا ذلك لم يجز دخول الفاء وإتلاؤها هو أن يتلوها ولدها ويتبعها. ومثال إضمار كان بعد شبه لدن: قول الشاعر: 771 - أزمان قومي والجماعة كالّذي ... لزم الرّحالة أن تميل مميلا (¬4) أراد: أزمان كان قومي مع الجماعة كالذي لزم الرحالة، كذا قال سيبويه (¬5) وأما - ¬

_ - اللغة: الشّول جمع شائلة وهي الإبل التي أتى على حملها أو وضعها سبعة أشهر فخف لبنها. الإتلاء: مصدر أتلت الناقة إذا تبعها ولدها وتلاها. والمعنى: يذكر الشاعر أنه ربى هذه الناقة من يوم أن حملت حتى وضعت وتبعها ولدها. الإعراب: من لد: أصله من لدن جار ومجرور متعلق بفعل محذوف في بيت قبله والتقدير: ربيتها من لدن ... إلخ. شولا: خبر لكان المحذوفة مع اسمها والتقدير: من لد أن كانت شولا وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بإضافة لدن إليه، ولا يصح جر شولا بالإضافة لأن لدن تلزم الإضافة إلى زمان كثيرا ومكان قليلا. والشول ليس منهما فلزم تقدير مصدر والمصادر من الأزمنة، فإلى إتلائها: معطوف على ما قبله. وشاهده: حذف كان مع اسمها بعد لدن وهو قليل والكثير حذفها مع اسمها بعد إن ولو الشرطيتين. والبيت في شرح التسهيل (1/ 365)، وفي التذييل والتكميل (4/ 230)، وفي معجم الشواهد (ص 439). (¬1) شرح التسهيل (1/ 365). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 230). (¬3) الكتاب (1/ 265) ونصه: كأنك قلت من لد أن كانت شولا فإلى إتلائها. (¬4) البيت من بحر الكامل وهو للراعي النميري من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان ويفتخر بأن قومه التزموا الجماعة ولم تشملهم الفتنة ولم يكونوا مع الثوار الذين خرجوا على عثمان بن عفان. والرحالة: الحل الذي يكون فوق ظهر الناقة. والبيت استشهد به سيبويه (1/ 305) على أن الواو بمعنى مع في قوله: والجماعة، وعليه فالجماعة مفعول معه واستشهد به هنا على حذف كان وبقاء اسمها وخبرها بعد ما يشبه لدن من الزمان والتقدير بعد ذلك: أزمان كان قومي مع الجماعة كالذي ... إلخ. وعلل سيبويه تقدير كان لأنه أمر قد مضى. والبيت في شرح التسهيل (1/ 365)، وفي التذييل والتكميل (4/ 231)، وفي معجم الشواهد (ص 272). (¬5) الكتاب (1/ 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول المصنف: فالتزم حذفها معوّضا منها ما بعد أن كثيرا وبعد إن قليلا فهو إشارة إلى الحالتين الأخريين أعني الثالثة والرابعة وهما أن تحذف كان وحدها ويبقى معمولاها وأن تحذف مع المعمولين ولكن الحذف عوض في الحالتين وكذا كان الحذف فيهما واجبا كما أفهمه قوله: والتزم حذفها إلى آخره أي آخره أي إن كان تحذف وجوبا معوضا منها ما بعد أن المصدرية الناصبة وبعد إن الشرطية. ولما كانت ما عوضا لم يجز حذفها. أما الحذف مع بقاء المعمولين (¬1) وذلك بعد أن المصدرية (¬2) فنحو قول الشاعر [2/ 45]: 772 - أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر ... فإنّ قومي لم تأكلهم الضّبع (¬3) أراد: لأن كنت فحذفت اللام فبقى أن كنت ثم حذف كان وجاء بالضمير المنفصل خلفا من المتصل وبما قبله عوضا من كان والتزام حذفها لئلا يجمع بين العوض والمعوض عنه. ومثل أما أنت ذا نفر: أما أنت مرتحلا من قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) وهي الحالة الثالثة من الأحوال التي ذكرها. (¬2) ذهب الكوفيون إلى أنّ أن هذه أداة شرط كإن المكسورة الهمزة. قال ابن هشام: ويرجحه عندي أمور: الأول: توارد المكسورة والمفتوحة على المحل الواحد والأصل التوافق فقد قرأ بالوجهين قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة: 282]. الثاني: مجيء الفاء بعدها كثيرا كقول الشاعر: أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... إلخ البيت الآتي بعد. الثالث: عطفها على إن المكسورة كما في قول الشاعر: أما أقمت وأما أنت مرتحلا ... ...... إلخ فلو كانت مصدرية لزم عطف المفرد على الجملة (المغني: 1/ 35، 36). (¬3) البيت من بحر البسيط قاله العباس بن مرداس وأمه الخنساء الشاعرة يفتخر على خفاف (بزنة غراب) ابن ندبة وهي أمه وبعد بيت الشاهد قوله: (ديوان العباس بن مرداس السلمي ص 128) السّلم تأخذ منها ما رضيت به ... والحرب يكفيك من أنفاسها جرع اللغة: أبا خراشة: كنية خفاف بن ندبة المهجو، أسلم وشهد فتح مكة وبقي إلى زمان عمر. ذا نفر: ذا رهط من الرجال كثير. الضبع: الحيوان المعروف ويستعار للسنين المجدبة لأن الضبع تقع على الغنم فتفسدها. والمعنى: لا تتكبر عليّ يا أبا خراشة فإن قومي شجعان أقوياء. والشاهد فيه قوله: أما أنت ذا نفر، حيث حذف الشاعر كان وعوض عنها ما وأبقى اسمها وخبرها وأصل الكلام: فخرت عليّ لأن كنت ذا نفر وانظر الباقي في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 365)، وفي التذييل والتكميل (4/ 232)، ومعجم الشواهد (ص 225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 773 - إمّا أقمت وأما أنت مرتحلا ... فالله يكلأ ما تأتي وما تذر (¬1) وأما الحذف مع حذف المعمولين (¬2) وذلك بعد إن الشرطية فنحو قول العرب: (افعل ذلك إمّا لا) أي إن كنت لا تفعل غيره (¬3). ومثله قول الآخر: 774 - أمرعت الأرض لو أنّ مالا ... لو أنّ نوقا لك أو جمالا أو ثلّة من غنم إمّا لا (¬4) أراد: إن كان لا يكون لك غيرها. وأمثال أما أنت ذا نفر كثير بخلاف إما لا فإن استعماله قليل لأن الحذف فيه أكثر. هذا كلام المصنف (¬5). وعلم من قوله: أن قائل أما أنت ذا نفر أراد لأن كنت فحذف اللام. أن اللام للتعليل وكذا قالوا في أما أنت منطلقا انطلقت معك أن أما أنت مفعول من أجله وهذا واضح، ثم ها هنا أمور: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو لشاعر مجهول في المدح. اللغة: إما أقمت وأما أنت: الأولى بكسر الهمزة ومعناها الجزاء وهي مركبة من إن وما، والثانية بفتحها وهي مركبة من أن المصدرية وما الزائدة عوضا عن كان المحذوفة. يكلأ: يحفظ ويرعى. والشاعر يدعو لممدوحه بالسلامة في الإقامة والذهاب. وشاهده كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 366) والتذييل والتكميل (4/ 232) ومعجم الشواهد (ص 163). (¬2) وهي الحالة الرابعة من الأحوال التي ذكرها. (¬3) كتاب سيبويه (1/ 294). (¬4) الأبيات من الرجز المشطور مجهولة القائل. اللغة: أمرعت الأرض: أخصبت وكثر ما عليها من كلأ. الثّلّة: الجماعة وهي هنا جماعة الغنم الكثيرة. والشاعر يخاطب أنثى فيقول لها: لقد أخصبت الأرض فهل لك أشياء ترعين فيها من جمال أو غنم. الإعراب: لو أنّ مالا: خبر إن محذوف دلّ عليه ما بعده أي لو أن ما لا لك وإن وما دخلت عليه في تأويل مصدر فاعل بفعل محذوف أي لو ثبت وجود مال لك. إمّا لا: إما مركبة من إن الشرطية وما الزائدة عوضا عن كان المحذوفة مع اسمها وخبرها ولا نافية داخلة على الخبر وتقدير الكلام: إن كنت لا تجدين غير ذلك وهو موضع الشاهد. ولا جواب للو لأنها للتمني. والأبيات في شرح التسهيل (1/ 366) وكذلك هي في التذييل والتكميل (4/ 234) وفي معجم الشواهد (ص 520). (¬5) انظر شرح التسهيل (1/ 366).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: أن من أمثلة سيبويه أما زيد ذاهبا ذهبت معه (¬1) أي لأن كان زيد ذاهبا ذهبت معه فأتى بالاسم ظاهرا وعلم منه أن مثل هذا التركيب لا يلزم منه أن يكون اسم كان مضمرا. ومنها: أن بعض النحويين يزعم أن كان في هذا التركيب تامة ويجعل المنصوب فيه حالا ويستدل بلزوم التنكير فيه (¬2). ومنها: أن أبا علي وابن جني زعما أن ما هي الرافعة الناصبة وأنها نابت مناب كان في العمل (¬3). ولا شك أن قولهما هذا مخالف لما صرح به سيبويه في المسألة من إضمار كان. ومنها: أن الفعل الذي هو كان لا يحذف مع إن المكسورة معوضا عنها ما إلا في هذا التركيب خاصة أعني قولهم إما لا. فلو قلت: إما كنت منطلقا انطلقت معك كانت ما زائدة وليست عوضا ولا يجوز أن تقول إما أنت منطلقا انطلقت معك، ومن ثم قال سيبويه: حذف الفعل لا يجوز هنا يعني مع المكسورة كما لم يجز ثمّ إظهاره يعني مع المفتوحة (¬4). وقول المصنف: ويجوز حذف لامها السّاكن جزما يشير به إلى أمر اختصت كان به أيضا وهو جواز حذف لام مضارعها إذا كان ساكنا للجزم ويذكر الساكن جزما استغنى عن ذكر المضارع إذ لا يجزم من الأفعال غيره. قال في الشرح (¬5) «مما تختص به كان جواز حذف لام مضارعها الساكن جزما كقوله تعالى: وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (¬6). وكقوله تعالى: وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (¬7) فإن وليه ساكن امتنع - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 293) وهو بنصه كما هنا. (¬2) انظر الهمع (1/ 122) ولم يسنده إلى معين. وفي نسخة (ب): واستدلوا مكان يستدل وهما سواء. (¬3) قال ابن جني في الخصائص (2/ 381): فإن قلت بما ارتفع وانتصب أنت منطلقا. قيل بما لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب فهملت عمله من الرفع والنصب. وهذه طريقة أبي علي وجلة أصحابنا من قبله في أن الشيء إذا عاقب الشيء ولي من الأمر ما كان المحذوف يليه. وانظر أيضا رأيهما في الهمع (1/ 122)، والتذييل والتكميل (4/ 233). (¬4) انظر نصه في الكتاب (1/ 294). (¬5) أي شرح التسهيل (1/ 366). (¬6) سورة النحل: 120. (¬7) سورة النحل: 127.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحذف عند سيبويه (¬1) ولم يمتنع عند يونس (¬2). وبقوله أقول [2/ 46] لأن هذه النون إنما حذفت للتخفيف وثقل اللفظ فالحذف حينئذ أولى إلا أن الثبوت دون ساكن ومع ساكن أكثر من الحذف فلذلك جاء القرآن العزيز بالثبوت مع الساكن في قوله تعالى: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ (¬3) وفي قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا (¬4). وقد استعملت العرب الحذف قبل الساكن كثيرا ومنه قول الشاعر: 775 - لم يك الحقّ سوى أن هاجه ... رسم دار قد تعفّى بالسّرر (¬5) وقول الآخر: 776 - فإن لم تك المرآة أبدت وسامة ... فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم (¬6) وقول الآخر: 777 - إذا لم تك الحاجات من همّة الفتى ... فليس بمغن عنه عقد التّمائم (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (4/ 184) قال سيبويه: قالوا لا أدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم فهو شاذ كما قالوا: لم يك شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون لم يك الرجل لأنها في موضع تحرك فلم تشبه بلا أدر. وقد أسند الرضي في شرح الكافية (2/ 300) امتناع حذف النون عند ملاقاة الساكن إلى سيبويه. وأسنده السيوطي في الهمع (1/ 122) إلى الجمهور. (¬2) اشتهر إسناد جواز حذف نون يكن عند ملاقاة الساكن إلى يونس وموافقة ابن مالك له. انظر ذلك في الهمع (1/ 122)، والتصريح (1/ 196)، والتذييل والتكميل (4/ 237). (¬3) سورة النساء: 137 وأولها: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ. (¬4) سورة البينة: 1. (¬5) البيت من بحر الرمل قائله حسيل بن عرفطة شاعر جاهلي. اللغة: تعفّى: درس واندثر. السّرر: بفتحتين اسم موضع. ويستشهد به ابن مالك على جواز حذف نون يكن حال جزمه وإن وليه ساكن وهو تابع لمذهب يونس في ذلك، ومذهب سيبويه والجمهور امتناع الحذف في مثل ذلك وهذا البيت ضرورة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 367) وفي التذييل والتكميل (4/ 236) وفي معجم الشواهد (ص 133). (¬6) البيت من بحر الطويل وهو للخنجر بن صخر الأسدي يفتخر بشجاعته وقوته وإن قبح منظره. وشاهده: كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 367) وفي التذييل والتكميل (4/ 237) وفي معجم الشواهد (ص 360). (¬7) البيت من بحر الطويل، الشاعر مجهول ينصح ويرشد فيقول: يجب على المرء أن تكون عنده العزيمة القوية لاقتحام الأمور وخوض الأمور وخوض الصعاب وإن ينبع ذلك من داخل نفسه لأن ذلك لا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ضرورة في هذه الأبيات لإمكان أن يقال في الأول لم يكن حق سوى أن هاجه، وفي الثاني فإن تكن المرآة أخفت وسامة، وفي الثالث إذا لم يكن من همة المرء ما نوى» انتهى (¬1). قال الشيخ: «ما ذكره المصنف من أنه لا ضرورة في ذلك لإمكان أن يقول الأول كذا والثاني كذا والثالث كذا يقال له في جواب ذلك: ما من ضرورة في شعر العرب إلا ويمكن تبديلها ونظم شيء مكانها وعلى هذا لا يكون في كلام العرب ضرورة» انتهى (¬2). وما ذكره الشيخ حق لا مدفع له وإذا كان كذلك فالحق أن الحذف قبل الساكن ضرورة كما ذهب إليه سيبويه. واعلم أن صيغ المضارع الأربعة (¬3) سواء في الحكم الذي تقدمت الإشارة إليه وورد الجميع في الكتاب العزيز وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (¬4)، قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (¬5)، وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (¬6) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ (¬7). ولا فرق في ذلك أيضا بين الناقصة والتامة لكن الناقصة يكثر فيها ذلك لكثرة تصرفها في الكلام والتامة يقل فيها ذلك كقراءة من قرأ وإن تك حسنة يضعفها (¬8) برفع التاء ثم حذف النون شاذ في القياس لأنها من نفس الكلمة لكن إنما سوغ الحذف كثرة الاستعمال وشبه النون بحروف العلة فكأنهم جددوا لهم جزما. وتناسوا الجزم القياسي. واعلم أن المصنف لما ذكر في باب المفعول المسمى ظرفا أن الظرف أصله أن - ¬

_ - يأتي من تميمة أو غيرها. وشاهده: كالذي قبله. والبيت في شرح التسهيل (1/ 367) وفي التذييل والتكميل (4/ 236) وفي معجم الشواهد (ص 365). (¬1) شرح التسهيل (1/ 367). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 238). (¬3) أي المبدوءة بالهمزة والنون والتاء والياء، وهذا سبب تمثيله في الأمثلة الأربعة الآتية. (¬4) سورة مريم: 20. (¬5) سورة المدثر: 43. (¬6) سورة النحل: 127. (¬7) سورة غافر: 85. (¬8) سورة النساء: 40 والقراءة سبعية وهي لنافع وابن كثير وبقية القراء بالنصب (انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 433).

[حكم معمول الخبر في هذا الباب]

[حكم معمول الخبر في هذا الباب] قال ابن مالك: (ولا يلي عند البصريّين كان وأخواتها غير ظرف وشبهه من معمول خبرها [2/ 47] واغتفر ذلك بعضهم مع اتّصال العامل وما أوهم خلاف ذلك قدّر فيه البصريّون ضمير الشأن). ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون مقرونا بفي لفظا وأنه استغنى عن لفظها بمعناها مع الظاهر ولزم الرجوع إلى الأصل مع الضمير، قال: «لأنّ الإضمار يردّ الشّيء إلى أصله ولذلك لزم من يقول من لد زيدا أن يقول من لدنه برد النون ولزم من يقول لم يك صديقا أن يقول: أما الصديق فإن لم يكنه فمن يكونه فردّ النّون أيضا». فكان هذا الكلام منه في باب الظروف تقييدا لما ذكره هنا أعني في باب كان وهو قوله: ويجوز حذف لامها السّاكن، فإنه كلام مطلق ولكن شأن العلماء أرباب المصنفات أنهم إذا أطلقوا القول في مكان وقيدوا في مكان آخر كان الكلام المقيد مقيدا للمطلق. وإنما قلنا ذلك لأن الشيخ استدرك على المصنف هذه المسألة (¬1) وقد تبين أنه لا استدراك ويظهر أن الشيخ إنما أخذ ذلك من كلام المصنف (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3) «لا يجوز عند البصريين أن يفصل بمعمول خبر كان بينها وبين اسمها والخبر متأخر نحو كان طعامك زيد يأكل وكذا لو لم يتأخر الخبر نحو كان طعامك يأكل زيد وهو أيضا غير جائز عند سيبويه (¬4) كالأول. ومن الناس من أجاز الآخر دون الأول (¬5) وكلاهما عند الكوفيين جائز ومن - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 237) ونصه قال أبو حيان: «وقد أطلق المصنف في موضع التقييد وهو أنه لا يجوز حذف النون إذا اتصل بها خبرها ضميرا متصلا نحو أنت الصديق فإن لم تكنه فمن يكونه، ولا يجوز أن تقول: فإن لم تك لأن الضمير يرد الشيء إلى أصله كما رد نون لد إذا أضيفت إلى الضمير فقيل لدنه ولا يجوز لده». (¬2) إنما قال ذلك ناظر الجيش لأنه وجد أبا حيان قد أخذ مثال ابن مالك وشرحه وتشبيهه نصّا من باب الظروف وهذا كما رأيت في التعليق السابق. (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 367). (¬4) قال في كتابه (1/ 70): «لو قلت: كانت زيدا الحمّى تأخذ، أو تأخذ الحمّى لم يجز وكان قبيحا انتهى. والمثال الأول يشبه كان طعامك زيد يأكل، والثاني يشبه كان طعامك يأكل زيد. (¬5) هما الفارسي وابن السراج وتبعهما ابن عصفور قال ابن عصفور: «لأنّ المعمول من كمال الخبر وكالجزء منه فأنت إذا إنّما أوليتهما الخبر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حجّتهم قول الشاعر: 778 - قنافذ هدّاجون حول بيوتهم ... بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا (¬1) وقول الآخر: 779 - فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم ... وليس كلّ النّوى تلقي المساكين (¬2) وهذا وما أشبهه عند البصريين محمول على أن يضمر قبل المنصوب ضمير الشأن اسما فيندفع الإشكال ويجوز جعل كان في البيت الأول زائدة ويجوز جعل ما بمعنى الذي وفي كان ضمير ما وهو اسم كان وعطية مبتدأ خبره عوّدا وهو ذو مفعولين - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة للفرزدق يهجو فيها جريرا وقومه وهي مليئة بالغريب انظرها في ديوانه (1/ 181) وبيت الشاهد في الديوان هكذا. قنافذ درّامون حول محاشهم ... ...... إلخ اللغة: قنافذ: جمع قنفذ بضمتين وهو الحيوان المعروف المضروب به المثل في سرى الليل. هدّاجون: فعله هدج ومعناه أسرع في المشي. درّامون: يقال درم القنفذ يدرم درما ودرامة إذا قارب الخطو في عجل (القاموس: 4/ 112). محاشهم: المحاش: القوم يجتمعون حول نار. المعنى: يهجو الفرزدق جريرا وقومه بأنهم كالقنافذ يسرون بالليل للسرقة والفجور وإن الذي علمهم ذلك هو عطية أبو جرير. والشاهد فيه قوله: «بما كان إياهم عطية عودا»، حيث فصل بين كان واسمها بمعمول الخبر وهو جائز عند الكوفيين غير جائز عند البصريين وقد خرجوه وانظر الشرح في ذلك. والبيت في شرح التسهيل (1/ 367)، وفي التذييل والتكميل (4/ 241)، ومعجم الشواهد (ص 94). (¬2) البيت من بحر البسيط قائله كما في كتاب سيبويه (1/ 70) حميد الأرقط يصف قوما نزلوا به فقدم لهم تمرا كثيرا فأكلوه كله حتى أكل بعضهم نواه ومطلع القصيدة قوله: لا مرحبا بوجوه القوم إذ حضروا ... كأنّها إذ أناخوها الشّياطين اللغة: النّوى: جمع نواة وهو ما في التمر من خشب في داخله. معرّسهم: موضع نزولهم ليلا. وقد كثر الكلام حول هذا الشاهد حتى كتب فيه الشيخ محيي الدين عبد الحميد خمس صفحات. شرح الأشموني (1/ 410) وملخص ما قيل فيه: «أن الكوفيين يستشهدون به على جواز الفصل بين كان أو إحدى أخواتها وبين اسمها بمعمول الخبر سواء تقدم الخبر على الاسم أيضا كهذا البيت أو لم يتقدم كالبيت الذي قبله وعليه فكل النوى مفعول تلقى والمساكين اسم ليس وتلقى بالتاء هو وفاعله المستتر خبر ليس». «ورده البصريون الذين يمنعون إيلاء معمول الخبر لكان أو إحدى أخواتها بأن اسم ليس ضمير الشأن وتلقي بالتاء أو بالياء فعل مضارع فاعله المساكين والجملة خبر ليس وكل النوى معمول الخبر. أو الرواية برفع كل فتكون اسم ليس وجملة المساكين بالتاء أو بالياء أيضا خبر ليس، ولو كان المساكين اسم ليس كما ذهب الكوفيون لجاء في رواية الياء التحتية يلقون». وانظر الشرح في ذلك في الصفحات القادمة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 368) وفي التذييل والتكميل (4/ 241) وفي معجم الشواهد (ص 239).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما إياهم والثاني هاء عائدة على ما فحذفت وهي مقدرة. فلو كان معمول الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا جاز بإجماع تقديمه على الاسم متصلا بالخبر نحو كان عندك مقيما زيد ومنفصلا نحو كان عندك زيد مقيما لأن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما توسعا لا يكون لغيرهما ولذلك فصل بهما بين المضاف والمضاف إليه كقول الشاعر: 780 - كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ يقارب أو يزيل (¬1) وبين الاستفهام والقول الجاري مجرى الظن نحو أغدا تقول زيدا منطلقا ولو قلت أنت تقول لبطل النصب ولزمت الحكاية في اللغة المشهورة (¬2). وقد أجيز ما غدا زيد ذاهبا بإيلاء الظرف ما وهو معمول خبرها (¬3) فإجازة ذلك أولى. ووجد في نسخة أخرى من الشرح للمصنف أيضا بعد تضعيف الاحتجاج بالبيت الذي أوله: قنافذ هدّاجون ما نصّه: وإنما يقوى الاحتجاج للكوفيين بقول الشاعر: 781 - لئن كان سلمى الشّيب بالصّدّ مغريا ... لقد هوّن السّلوان عنها التّحلّم (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر، وقائله كما في كتاب سيبويه (1/ 178) أبو حية النميري، وهو في البيت يشبه رسوم دار الأحباب بعد رحيلهم بالكتاب المكتوب في دقته. وخص اليهود لأنهم أهل كتاب. ومعنى يقارب أو يزيل: أي يقرب الخط فيما بينه ويباعده. ويستشهد بالبيت على الفصل بين المضاف والمضاف إليه بظرف وهو أجنبي، وذلك في قوله: (بكف يوما يهودي)، وهذا ضرورة وسببه أن الظروف يتوسع فيها كثيرا. والشاهد في شرح التسهيل (1/ 368) وفي معجم الشواهد (ص 295). (¬2) قوله في اللغة المشهورة يخرج غيرها وهي لغة سليم التي تجري القول في نصب المفعولين مجرى الظن مطلقا أي بلا شروط من تقدم استفهام وعدم فصل بينه وبين المفعولين. ومن شواهدهم: (من الرجز): قالت وكنت رجلا فطينا ... هذا لعمر الله إسرائينا (¬3) سبق من التحقيق، قال الشارح: فلو كان معمول الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا لم يبطل عمل ما كقولك ما عندك زيد مقيما. (¬4) البيت من بحر الطويل لشاعر مجهول وهو في السلوان والصبر عن المحبوب. اللغة: الشّيب: طعن الرجل في السن وهو ضد الشباب. الصّدّ: الإعراض. مغريا: دافعا ومؤديا. السّلوان: الصبر. التّحلّم: تكلف الحلم من غير إرادته. والمعنى: يعزي الشاعر نفسه فيقول: إذا كانت سلمى معشوقته قد هجرته لأن الشباب قد هجره فإن يستطيع الصبر عنها بسبب ما يتكلفه من الحلم عليها. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد لئن كان الشيب مغريا سلمى بالصد فقدم سلمى وهو منصوب بخبر كان على اسمها ولا سبيل إلى ضمير الشأن لظهور النصب في الخبر فسلم الدليل ولم يوجد لمخالفته سبيل. ويشهد لصحة ما ذهب إليه الكوفيون في هذه المسألة قول الشاعر: 782 - باتت فؤادي ذات الخال سالبة ... فالعيش إن حمّ لي عيش من العجب (¬1) أراد باتت ذات الخال سالبة لفؤادي لكنه جعل سالبة حالا من ذات الخال والعامل فيها باتت قال: فقدم منصوب الحال على مرفوع عاملها وهو شبيه بما منعه البصريون من تقديم منصوب كان على مرفوعها» انتهى (¬2). والظاهر أن باتت فؤادي من البين لا باتت التي هي أخت كان لجعله سالبة حالا. وكنت قبل ذلك أظن أن الشعر إنما هو باتت أخت كان وأن سالبة خبرها لكن جعل المصنف سالبة حالا يوجب أن يكون باتت بالنون من البين فليتأمل ذلك. ثم ها هنا مباحث: الأول: [2/ 48] قول المصنف: من معمول خبرها يشمل كل ما ينتصب بالخبر من مفعول به ومفعول من أجله وحال وغير ذلك كما تعطيه عبارته ولا يستثنى من ذلك إلا الظرف وشبهه كما عرفت. - ¬

_ - والبيت ينصر به ابن مالك مذهب الكوفيين ويقويه في جواز إيلاء معمول خبر كان لكان حيث إن سلمى مفعول لمغريا الواقع خبرا لكان، والشيب اسمهما ولا يصح هنا أن يقال: إن اسم كان ضمير الشأن وذلك لظهور النصب في الخبر. وخرج البصريون ذلك على الضرورة. وخرجه أبو حيان تخريجا ثالثا فقال: إن سلمى ليس معمول الخبر وإنما هو منادى بنداء محذوف، ورده ناظر الجيش انظر ذلك في الصفحات القادمة من التحقيق. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 241) وفي معجم الشواهد (ص 340). (¬1) البيت من بحر البسيط لشاعر مجهول وهو في الغزل. وصاحبه يذكر أن معشوقته سلبت فؤاده فهو يعيش بلا فؤاد ومن يعيش كذلك فعيشه عجيب. وشاهده: كالذي قبله وفيه كلام كثير في الشرح في أماكن مختلفة فانظره هناك. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 241) وفي معجم الشواهد (ص 62). (¬2) نسخة شرح التسهيل اليتيمة بدار الكتب لابن مالك لا يوجد فيها هذا النقل والأمر هو ما ذكره الشارح أولا ووجد في نسخة أخرى من الشرح للمصنف ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن هذا الحكم غير مختص بكان وأخواتها بل كل عامل لا يجوز أن يليه معمول غيره دون معموله، تقول: جاء زيد راكبا فرسا، ولا يجوز أن تقول: جاء فرسا زيد راكبا ولا جاء فرسا راكبا زيد ومن ثم لم يفرق سيبويه في المنع بين كان طعامك زيد آكلا وكان طعامك آكلا زيد (¬1) وكان مذهبه في ذلك هو الصحيح. والذي فرق بين المسألتين فأجاز الثانية دون الأولى الفارسي وابن السراج (¬2) وتبعهما ابن عصفور، قال: «لأنّ المعمول من كمال الخبر وكالجزء منه فأنت إذا إنّما أوليتها الخبر وهو الصّحيح» انتهى (¬3). ورد هذا القول بأن الذي ادعوه ليس مسموعا فأورد بأن قيل إذا كان السماع لم يرد بالمسألة عينها فقد ورد بمثلها قال الله تعالى: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬4) وقال تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً (¬5) ومنه قول الشاعر: 783 - فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا كأن لم يكونوا رميما (¬6) فأولى يوم القيامة ما بخلوا به، وأبدا مات، ورميما يكونوا، وليست معمولات لما وليته. وأجيب عن هذا الإيراد: بأن جميع ذلك ليس بمنزلة كان طعامك آكلا زيد لأنك لم تولها الفعل إنما أوليتها الفاعل وهو الضمير الذي في بخلوا ومات ويكونوا. - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 70) وقد نقلناه قريبا. يقول: لو قلت كانت زيد الحمّى تأخذ أو تأخذ الحمّى لم يجز وكان قبيحا. وإنما كان ذلك قبيحا في الأمثلة كلها لإيلاء كان معمول الخبر وهو لا يجوز كما سيذكره. (¬2) التذييل والتكميل (4/ 239) والتصريح (1/ 189). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 378). (¬4) سورة آل عمران: 180. وشاهدها أن يوم القيامة متعلق بالفعل: سيطوّقون وقد ولي فعلا غيره كما يرى من أورده. (¬5) سورة التوبة: 84 وشاهدها أيضا أن أبدا متعلق بالفعل: لا تصلّ وقد ولي فعلا غيره. (¬6) البيت من بحر المتقارب وهو مما وقفت على قائله وقصيدته: أما قائله: فهو ربيعة بن مقروم بن قيس بن جابر شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام وشهد القادسية وغيرها من الفتوح (خزانة الأدب: 8/ 438). وأما قصيدته فهي طويلة تبدأ بالغزل وتنتهي بالفخر بالشجاعة والانتصار في الحرب. وبيت الشاهد من هذا النوع وهي في المفضليات (2/ 680). وقبل بيت الشاهد قوله: وساقت لنا مذحج بالكلاب ... مواليها كلّها والصّميما وشاهده قوله: كأن لم يكونوا رميما حيث جاءت رميما وهي حال والية ليكونوا وهي ليست عاملة فيها وإنما العامل هو الفعل عادوا فدل على أنه يجوز أن يلي المعمول غير عامله وقد أجاب عليه الشارح في الشرح. والبيت في التذييل والتكميل (2/ 441) وفي الأمالي لأبي علي (1/ 30) وليس في معجم الشواهد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: ولو قيل في الجواب أن الممتنع إنما هو بأن يلي العامل معمول غيره دون معموله أما أن يأتي معمول الغير بعد عامل آخر قد ولي ذلك العامل معموله فلا يمتنع لكانت العبارة أخلص (¬1). المبحث الثاني: ساق المصنف البيت الذي أوله: «فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم» على أنه دليل الكوفيين، ثم أجاب عنه وعن قول الآخر: «بما كان إياهم عطية عوّدا» بما تقدم (¬2) ولا يظهر أن للكوفيين دليلا في البيت الأول بل يتحتم أن يكون اسم ليس ضمير الشأن لأن المساكين يتعين أن يكون فاعل يلقي. ولو لم يكن اسم ليس ضمير الشأن لوجب أن يكون المساكين اسمها ولو كان المساكين اسمها وجب أن يقال يلقون لأنه الخبر حينئذ وإذا كان كذلك فقد سقط استدلال الكوفيين رأسا. وأما استدلالهم بقول الآخر: «بما كان إيّاهم عطية عوّدا» فمتجه ظاهرا. وقد عرفت أن البصريين يقدرون فيه وفي أمثاله ضمير الشأن اسما لكان وعلى هذا يسقط الاستدلال. وقد جعل ابن عصفور ذلك ضرورة وأبى أن يقدر فيه ضمير الشأن اسما. قال: «لأنّ هذا التّقدير يؤدّي إلى ما لا يجوز وذلك أن خبر المبتدأ لا يتقدمّ معموله على المبتدأ إذا كان فعلا» انتهى (¬3). وإنما يمنع تقديم معمول الخبر على المبتدأ الكوفيون ومذهب البصريين الجواز وقد تقدمت المسألة في باب المبتدأ (¬4). وأن البصريين يجيزون التقديم مطلقا وأن الكوفيين يمنعون مطلقا إلا هشاما منهم، وأن الكسائي يوافق البصريين في إجازة التقديم إذا كان الخبر اسم فاعل ويوافق الكوفيين في منع التقديم إذا كان الخبر فعلا. لكن وقع من كلام الشيخ أنه قال في هذا الباب - أعني باب كان - حين ذكر عن - ¬

_ (¬1) انظر إلى دقة هذه الإجابة التي انفرد بها الشارح. ومعناها: أنه إذا استوفى العامل الأول معموله فلا مانع أن يأتي بعده معمول لعامل آخر والممنوع إيلاء العامل معمول غيره دون معموله. (¬2) سبق أن قال: وهذا وما أشبهه عند البصريين محمول على أن يضمر قبل المنصوب ضمير الشأن اسما فيندفع الإشكال ويجوز جعل كان إلى آخره. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 378) وعليه فلا يصح أن تقول: الطعام محمد أكل وهو مذهب كوفي. (¬4) سبقت المسألة بالتفصيل في هذا التحقيق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض النحاة المنع - أعني منع تقديم معمول الخبر على المبتدأ إذا كان الخبر فعلا -: «وهذه مسألة خلاف (¬1): المنع مذهب سيبويه والكسائي والإجازة مذهب هشام». قال: وقد تقدم [2/ 49] الكلام على هذه المسألة في باب المبتدأ. انتهى (¬2). فنسب المنع إلى سيبويه، والمعروف خلاف ذلك ونسب المنع إلى الكسائي مطلقا وليس كذلك لأنه يفصل كما عرفت والذي تقدم له في باب المبتدأ موافق لما ذكرته لا لما ذكره فليتأمل كلامه (¬3). المبحث الثالث: قد عرفت أن المصنف أنشد البيتين المفتتح أولهما بـ: 784 - لئن كان سلمى الشيب بالصد مغريا ... ... وثانيهما بـ: 785 - باتت فؤادي ذات الخال سالبة ... ... وذكر أن فيهما احتجاجا للكوفيين على مذهبهم ولا شك أن الاستدلال بهما ظاهر (¬4). وقد رام الشيخ أن يخرجهما عن ذلك فقال: «يحتمل أن يكون فؤادي ليس معمولا لسالبة ولا سلمى معمولا لقوله مغريا. بل هما مناديان كأنه قال: مناديا لسلمى: لئن كان يا سلمى الشّيب بالصّدّ مغريا. وقال مناديا لفؤاده: باتت يا فؤادي ذات الخال سالبة أي سالبة لك قال: ومع الاحتمال يسقط الاستدلال» انتهى (¬5). ولا يخفى ضعف هذا التخريج المؤدي إلى سماجة الشعر المذكور وركته والشيخ - ¬

_ (¬1) أول كلام أبي حيان انظر التذييل والتكميل (4/ 242). (¬2) المرجع السابق. (¬3) قال أبو حيان في باب المبتدأ: «تقول: زيدا أبوه ضرب أو يضرب جائزة من قول البصريين وهشام وخطأ من قول الكسائي والفراء، والحجة لهما أن تقدير زيد أن يكون بعد الفعل فيصير التقدير أبوه ضرب زيدا فيتقدم المكني علي الظاهر». فإن قلت: زيدا أبوه ضارب أجازه البصريون والكسائي وأحالها الفراء وعضد هذا الكلام بآخر وبأمثلة أخرى (التذييل والتكميل 3/ 355 - 357 وما بعدها). وفي هذه المسألة تظهر دقة ناظر الجيش وفهمه لما يقال. (¬4) وذلك لظهور نصب الخبر فيهما أما الأول فظاهر، حيث ظهر نصب المنقوص وأما الثاني فالرواية بالنصب «سالبة». (¬5) التذييل والتكميل (4/ 243، 244).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان ذائقا فن الأدب فالعجب منه كيف يرتضي أن يقول مثل ذلك. المبحث الرابع: لم يتكلم المصنف على تقديم معمول أخبار هذه الأفعال على الأفعال نفسها وقال ابن عصفور: «إن قدّمت معمول الخبر قبل هذه الأفعال فلا يخلو أن تقدمه وحده أو مع الخبر فإن قدمته جاز في كل موضع يجوز فيه تقديم الخبر وذلك نحو في الدار قائما كان زيد، فإن قدمته وحده لم يجز ظرفا كان أو مجرورا أو غير ذلك فلا تقول في الدار كان زيد قائما ولا يوم الجمعة كان عمرو منطلقا ولا طعامك كان زيد آكلا لكثرة الفصل بين المعمول الذي هو صلة الخبر (¬1) والعامل الذي هو الخبر» (¬2). انتهى. وفي منعه تقديم معمول خبر هذه الأفعال عليها نظر. وقد قال ابن السراج: «وأصحابنا يجيزون غلامه كان زيد يضرب فينصبون الغلام بيضرب (ويقدّمونه) لأن كلّ ما جاز أن يتقدّم من الأخبار جاز تقديم معموله» (¬3). وقال صاحب البسيط (¬4): «وأما تقديم معمول الخبر على هذه الأفعال الّتي يتقدم خبرها عليها إذا كان غير ظرف نحو زيدا كان عمرو ضاربا وغلامه كان زيد يضرب فقيل لا يجوز لأنه قد حيل بين المعمول وعامله بجملة أجنبية وإن كانت محتاجة إلى خبر لكنها في الصّورة كالفعل والفاعل وفيه نظر. قال الله تعالى: أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (¬5)، وقال عز وجلّ: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (¬6) وقال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (¬7) والصحيح عند النحويين جوازه ظرفا كان أو غير ظرف [2/ 50]. ونصّ النّحويون عليه ولا تراعى الصّورة بل يلاحظ المعنى». انتهى (¬8). وظهر - ¬

_ (¬1) في نسخ المخطوطة: الذي هو فضلة وما أثبتناه في شرح الجمل لابن عصفور. (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 377، 378) (نقل باختصار). (¬3) انظر الأصول لابن السراج (1/ 99) تحقيق عبد الحسين الفتلي (العراق) وما بين القوسين في النص مأخوذ منه وفيه مفعوله مكان معموله وبقية النص كما هنا. (¬4) انظر نص صاحب البسيط في التذييل والتكميل (4/ 244). (¬5) سورة سبأ: 40 وفيها كان المعمول المقدم مفعولا به. (¬6) سورة هود: 8 وفيها كان المعمول المقدم ظرفا. (¬7) سورة التوبة: 65 وفيها كان المعمول المقدم جارا ومجرورا. (¬8) التذييل والتكميل (4/ 245).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الذي منعه ابن عصفور غير موافق عليه وأن الأدلة من القرآن العزيز ترد قوله. المبحث الخامس: قد تقدم ذكر مذهب الكوفيين في منعهم تقديم الخبر وتوسيطه إذا كان يتحمل الضمير وتخريج مثل كان قائما زيد، وقائما كان زيد على مذهب الكسائي والفراء (¬1). بقي ذكر التفريع على مذهبهم في تقديم المعمول على الاسم أو على الفعل قال ابن عصفور واصلا كلامه هذا بالكلام المتعلق بتقديم الخبر (¬2): «فإن اتصل بالخبر معمول وقدمته على الاسم فإما إن يكون المعمول قبل الخبر أو بعده، فإن كان بعده نحو قائما في الدّار كان زيد وكان قائما في الدار زيد، فإن الأمر فيه عندهم على ما كان عليه لو لم يكن له معمول (¬3). وإن كان قبله نحو في الدار قائما كان زيد وكان في الدّار قائما زيد فإن الأمر فيه عندهم على ما كان عليه إلا أنه لا يجوز أن يكون خلفا من الموصوف لأن الصفة إذا تقدمها معمولها لم يجز أن تخلف الموصوف عند الكسائي كان المعمول ظرفا أو غير ظرف. وأما الفراء فيفصل لن كان معمول الخبر ظرفا أو مجرورا أجاز أن يكون الصفة خلفا وإن كان غير ظرف ولا مجرور لم يجز أن يكون خلفا نحو طعامه آكلا كان زيد وكان طعامك آكلا زيد». قال: «والصحيح عندنا في جميع ذلك أنه خبر مقدم لم يخلف موصوفا يثنّى ويجمع» (¬4). ولنختم الكلام بمسائل ذكرها ابن عصفور (¬5): الأولى: إذا قدمت الخبر وأخرت المعمول نحو آكلا كان زيد طعامك فإنه لا يجوز لفصلك بين العامل الذي هو آكل والمعمول الذي هو طعامك بأجنبي يعني بما ليس بمعمول لآكل قال: وهذا الذي فعلوه هو مقتضى مذهب البصريين إلا أن يجعل طعامك مفعولا بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر كأنك قلت بعد قولك: آكلا - ¬

_ (¬1) سبق من التحقيق. وخرجه الكسائي على أن قائما خبر كان (مقدما أو مؤخرا) وزيد مرفوع بقائم واسم كان ضمير الأمر والشأن. وخرجه الفراء على أن قائما خبر كان وزيد مرفوع بكان وقائم معا. (¬2) انظر كلامه هذا في شرح الجمل (1/ 379) وهو بنصه. (¬3) أي يعرب قائما خبر كان وزيد مرفوع به واسم كان ضمير الشأن هذا عند الكسائي. (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 380). (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان زيد يأكل طعامك فإنه يجوز على كل مذهب (¬1). الثانية: «إذا قلت: كان كائنا زيد قائما فالكسائي يجعل في كان ضمير الشأن وكائنا خبر كان، وزيد اسم كائن، وقائما خبر كائن. والفراء يجعل كائنا خبر كان وزيد مرفوع بكان وكائن على أنه اسمها وقائما خبر كائن ويكون حكمه في التقديم والتأخير كحكم ما تقدم إلا أنه لا يجوز عندهما أن تقول: كائنا كان زيد قائما، فتفصل بين كائنا وخبرها وهو قائم بأجنبي ولا يجوز حمله على فعل مضمر يدل عليه كائن كما كان ذلك في آكلا كان زيد طعامك لأن كائنا ناقص لا يتم إلا بخبره وإنما يتصور قطع الاسم عن العامل الأول إذا كان مما يتم دونه». وهذه ذكرها ابن عصفور أيضا (¬2). الثالثة: «لا يجوز عند أهل الكوفة كان يقوم زيد على أن يكون يقوم خبرا مقدما لأنه لا يتصور أن يكون خلفا لأن الفصل لا يخلف الموصوف فيلزم إذا جعل خبرا أن يكون فيه ضمير يعود على الاسم والضمير المرفوع لا يتقدم عندهم على ما يعود عليه فلا يجوز عندهم إلا على أن يكون في كان ضمير الشأن [2/ 51] ويقوم في موضع الخبر على مذهب الفراء وزيد مرفوع بيقوم، ولا يجوز عندهم تقديم يقوم على الفعل فتقول: يقوم كان زيد على وجه من الوجوه لأن هذه الأفعال لا يدخل عليها الفعل. والظرف والمجرور جاريان مجرى الفعل لكونهما لا يخلفان الموصوف وإن كان الخبر اسما لا يتحمل ضميرا جاز تقديمه وتوسيطه عندهم نحو: كان أخاك زيد، وأخاك كان زيد إذا أردت أخوة النسب لا أخوة الصداقة» انتهى (¬3). وقد لخص الناس من كلام أبي بكر بن شقير (¬4) في كان واسمها وخبرها ومعموله وما يتصور فيه من التراكيب (¬5): - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر شرح الجمل له (1/ 380)، وهي بنصها كما هنا. (¬3) المرجع السابق (الجزء والصفحة). (¬4) هو أحمد بن الحسن بن العباس بن الفرج بن شقير أبو بكر البغدادي في طبقة ابن السراج روى كتب الواقدي عن أحمد بن عبيد بن ناصح وروى عنه أبو بكر بن شاذان، ألف مختصرا في النحو والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود، وفي مكتبة كلية اللغة رسالة ماجستير بعنوان «وجوه النصب» أثبت محققها د. سعد جحا أن هذا الكتاب «الرسالة» لأبي بكر بن شقير وليس للخليل. توفي ابن شقير (سنة 317 هـ). انظر ترجمة ابن شقير في بغية الوعاة (1/ 302)، نشأة النحو (ص 152). (¬5) انظر نص ما قاله ابن شقير في التذييل والتكميل (4/ 252).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان زيد آكلا طعامك، كان آكلا طعامك زيد. آكلا طعامك كان زيد (¬1)، كان زيد طعامك آكلا. طعامك كان زيد آكلا، طعامك كان آكلا زيد. كان آكلا زيد طعامك، زيد كان آكلا طعامك. زيد آكلا طعامك كان، آكلا طعامك زيد كان. زيد كان طعامك آكلا، طعامك زيد كان آكلا. زيد طعامك كان آكلا (¬2). قال ابن شقير: كل هذا جائز من كل قول: - كان طعامك آكلا زيد، كان طعامك زيد آكلا، جائزتان من قول الكوفيين، وخطأ من قول البصريين (¬3). - آكلا كان زيد طعامك، زيد آكلا كان طعامك، وآكلا زيد كان طعامك، الثلاثة جائزة من قول البصريين وخطأ من قول الكوفيين (¬4)، إلا على كلامين من قول الكسائي. - طعامك آكلا كان زيد، زيد طعامك آكلا كان، طعامك آكلا زيد كان (¬5)، هذه الثلاثة جائزة من قول البصريين والكسائي وخطأ من قول الفراء لأنه لا يقدم معمول خبر كان عليه إذا كان خبر كان مقدما من قبل أنه لو أراد رده إلى فعل ويفعل لم يجز عنده، والكسائي يجيز تقديمه كما يجيز تقديم الحال. - طعامك زيد آكلا كان، جائزة من قول البصريين وخطأ من قول الكوفيين (¬6). - ¬

_ (¬1) إنما كانت هذه الثلاثة الأولى جائزة لأن معمول الخبر قد ولي الخبر فيها وإذا كان الخبر قد تقدم في بعضها فقد تقدم مع معموله. (¬2) إنما كانت هذه المسائل من الرابعة حتى الثالثة عشرة جائزة لأن معمول الخبر لم يل كان فيها وهو المحظور، وقد تقدم الخبر مع معموله أيضا. (¬3) إنما كانت هاتان المسألتان الرابعة عشرة والخامسة عشرة خطأ عند البصريين لأنه قد ولي كان فيهما معمول الخبر ولا يليها إلا أحد معموليها (غير الظرف وأخيه). (¬4) إنما كانت هذه المسائل الثلاثة (16 - 17 - 18) خطأ عند الكوفيين لتقدم خبر كان عليها دون المعمول وهم يمنعون ذلك. (¬5) مسائل ثلاثة أخرى (19 - 20 - 21). (¬6) هذه هي المسألة الثانية والعشرون وإنما كانت خطأ من قول الكوفيين لتقدم خبر كان عليها وتقديم -

[الحروف العاملة عمل ليس: ما الحجازية وشروط عملها]

[الحروف العاملة عمل ليس: ما الحجازية وشروط عملها] قال ابن مالك: (فصل: ألحق الحجازيّون بليس ما النّافية بشرط تأخّر الخبر وبقاء نفيه وفقد إن وعدم تقدّم غير ظرف أو شبهه من معمول الخبر. وإن المشار إليها زائدة كافّة نافية خلافا للكوفيّين، وقد تزاد قبل صلة ما الاسمية والحرفية وبعد ألا الاستفتاحية وقبل مدّة الإنكار. وليس النّصب بعد ما لسقوط باء الجرّ خلافا للكوفيّين، ولا يغني عن اسمها بدل موجب خلافا للأخفش وقد تعمل متوسّطا خبرها وموجبا بإلّا وفاقا لسيبويه في الأوّل وليونس في الثّاني). ـــــــــــــــــــــــــــــ آكلا كان طعامك زيد، خطأ من كل قول (¬1). قال ناظر الجيش: قد ذكر النحاة ها هنا ما ملخصه: أن أصل العمل للأفعال (¬2)، لأن كل فعل لا بد له من مرفوع إلا ما قام مقام الحرف نحو قلّما (¬3)، أو ما كان زائدا غير كان على القول الأصح (¬4) أو ما تركب مع غيره على قول [2/ 52] نحو - ¬

_ - معموله عليه. (¬1) هذه هي المسألة الثالثة والعشرون وإنما كانت خطأ على قول البصريين لإيلاء كان معمول الخبر. وللفصل بين العامل ومعموله بأجنبي عن المعمول وهو كان. وأما على قول الكوفيين فلتقدم الخبر دون معموله. وقد غاب عن ابن شقير وأبي حيان وناظر الجيش المسألة الرابعة والعشرون من التقسيم العقلي الذي يحتمله اجتماع كان واسمها وخبرها ومعمول الخبر وهي: آكلا زيد طعامك كان. وهي جائزة من كل قول ولا مانع فيها. وهذا آخر الجزء الأول من نسخة دار الكتب المصرية والتي تحت رقم: 5012 هـ نحو، وكان عنوان المخطوط فيها: كتاب تمهيد القواعد على تسهيل الفوائد للإمام العالم ناظر الجيوش المنصورة. (¬2) قال صاحب الإنصاف الإمام كمال الدين أبو البركات (1/ 78) المسألة رقم 11 وهي مسألة عامل النصب في المفعول: «قال البصريون: الناصب للمفعول هو الفعل دون الفاعل وذلك لأنّا أجمعنا أن الفعل له تأثير في العمل، وأما الفاعل فلا تأثير له في العمل لأنه اسم والأصل في الأسماء ألا تعمل». وانظر ذلك أيضا في الهمع للسيوطي (1/ 123). (¬3) قال ابن يعيش في شرحه على المفصل (8/ 131): «وقلّ فعل كان حقّه أن يليه الاسم لأنه فعل فلما دخلت عليه ما كفته عن اقتضائه الفاعل وألحقته بالحروف وهيأته للدخول على الفعل كما تهيّئ ربّ (ربما) للدخول على الفعل». (¬4) سبق من هذا التحقيق. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حبّذا (¬1)، وما عمل من الأسماء إنما يعمل لشبهه بالفعل (¬2). وأما الحروف فالمستحق منها للعمل ما كان مختصا بشرط ألا يكون كالجزء مما باشره، فما اختص بالأسماء استحق العمل فيها، وما اختص بالأفعال استحق العمل فيها أيضا (¬3). وخرج بقولهم: ألا يكون كالجزء: اللام وقد والسين وسوف فاللام مختصة بالاسم والثلاث مختصة بالفعل ولا يعمل شيء منها كأنها صارت كالجزء مما باشرته. وأما ما لا يختص كهل والهمزة فلا عمل له. قالوا: وما النافية من الحروف التي لا تختص فلا تستحق عملا ولذا أهملها التميميون، وأما الحجازيون فإنما أعملوها لشبهها بليس في إفادة النفي ومباشرة المبتدأ والخبر وتخليص الفعل المحتمل للحال وهو كلام حسن (¬4) غير أنه لا يفيد في هذا الموضع ما قصدوه وذلك أنا نقول: على تقدير أن تكون ما مختصة بالأسماء إنما تستحق العمل في المفرد كسائر الحروف المختصة بها وما إنما عملت في جزأي الجملة، وقد تقدم لنا في أول الباب المفروغ منه: «أن شأن العوامل أن تحدث العمل في المفردات وأنه ليس - ¬

_ - وقد ذكر هناك أن كان تزاد بلفظ الماضي وسطا بين مسند ومسند إليه وبين الموصوف والصفة وبين الجار والمجرور وبين المتعاطفين ولا خلاف في زيادتها بعد ما التعجبية كما أجاز بعضهم زيادتها آخرا. وجاء زيادتها بلفظ المضارع شذوذا. وقوله على الأصح إشارة إلى بعضهم وهو السيرافي أجاز أن تكون كان الزائدة مسندة إلى ضمير مصدر منوي، قال أبو حيان: ووافقه الصيمري وغيره (سبق من التحقيق). (¬1) والقول الآخر وهو الصحيح: أن حب فعل ماض وذا فاعله. انظر حاشية الصبان على الأشموني (3/ 40). (¬2) وهي اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل فهذه كلها تعمل بالحمل على الفعل تعديا ولزوما وغير ذلك. (¬3) فمن النوع الأول وهو المختص بالأسماء: حروف الجر، ومن النوع الثاني، وهو المختص بالأفعال: حروف النصب والجزم. (¬4) قال السيوطي ناقلا عن ابن جني: «اللغات على اختلافها كلّها حجة ألا ترى أن لغة الحجاز في إعمال ما ولغة تميم في تركه، كل منهما يقبلها القياس فليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحقّ بذلك من الأخرى لكن غاية ما لك في ذلك أن تتخيّر إحداهما فتقويها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها وأشد أنسا بها فأما رد إحداهما بالأخرى فلا، ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم «نزل القرآن بسبع لغات كلها شاف كاف» (الاقتراح (ص 77) طبعة دار المعارف بسوريا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للعوامل تأثير في الجملة لأنها ليست محلّا لتأثير العوامل فيها» (¬1). فالحق الذي قرروه غير محتاج إليه في إثبات عمل ما وأن يقال ابتداء: إن ما إنما عملت حملا على ليس للشبه الذي بينهما، وليس إنما عملت لما عملت له كان وأخواتها وقد تقدم ذلك (¬2). ولا شك أن حمل الشيء على الشيء ليس بواجب فمن ثم لم يحمل بنو تميم فأهملوا وحمل الحجازيون فأعملوا. قال المصنف (¬3): «للعرب في ما النافية الداخلة على المبتدأ والخبر مذهبان: أحدهما: مذهب أهل الحجاز وهو إلحاقها في العمل بليس وعلى مذهبهم نزل قوله تعالى: ما هذا بَشَراً (¬4)، وقوله تعالى: ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ (¬5). والثاني: مذهب غير أهل الحجاز وهو إهمالها، وهو مقتضى القياس لأنها غير مختصة فلا تستحق عملا كما لا تستحقه هل وغيرها من الحروف التي ليست مختصة (¬6). - ¬

_ (¬1) سبق في هذا التحقيق، قال الشارح: «للأئمة سؤال ها هنا وهو أن يقال: إن شأن العوامل أن تحدث العمل في المفردات السالم أواخرها من الحركات نحو زيد وعمرو وما أشبههما وليس للعوامل تأثير في الجمل فكيف نسخت هذه الأفعال حكم الابتداء أو المبتدأ فأزالت عملهما والجملة ليست محلّا لتأثير العوامل». قال: «ويجيبون عن ذلك بأن كان وأخواتها لها شبه بالفعل المتعدي إلى واحد كضرب». (¬2) سبق في هذا التحقيق، قال الشارح: «قالوا: صار كل من هذه الأفعال من حيث إنه يستدعي صفة وصاحبها يشبه الفعل التام المتعدي إلى واحد لاستدعائه شيئين كضرب». «والفعل المتعدي لواحد يرفع الفاعل وينصب المفعول فكانت هذه الأفعال الناقصة كذلك ترفع المبتدأ تشبيها بالفاعل وتنصب الخبر تشبيها بالمفعول». (¬3) شرح التسهيل (1/ 369). (¬4) سورة يوسف: 31. (¬5) سورة المجادلة: 2. (¬6) قال سيبويه (الكتاب 1/ 57) بتحقيق هارون: «هذا باب ما أجري مجرى ليس في بعض المواضع بلغة أهل الحجاز ثم يصير إلى أصله وذلك الحرف ما، تقول: ما عبد الله أخاك وما زيد منطلقا. وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل أي لا يعملونها في شيء وهو القياس لأنه ليس بفعل وليس ما كليس ولا يكون فيها إضمار». «وأما أهل الحجاز فيشبهونها بليس إذ كان معناها كمعناها كما شبّهوا بها لات في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصة ... قال: ومثل ذلك قوله عز وجلّ: ما هذا بَشَراً في لغة أهل الحجاز، وبنو تميم يرفعونها إلا من درى كيف هي في المصحف. ثم ذكر شروط عملها فقال: فإذا قلت: ما منطلق عبد الله أو ما مسيء من أعتب رفعت ولا يجوز أن يكون مقدما مثله مؤخرا ... -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الفراء أن أهل نجد يجرون بعدها الخبر بالباء كثيرا ويدعون الباء فيرفعونه فجعل بعض النحويين هذا مذهبا ثالثا في ما (¬1). وضعف هذا الرأي بيّن؛ لأن دخول الباء على الخبر بعد ما في لغة بني تميم معروف لكنه أقل منه في لغة أهل نجد فمذهبهما واحد. ولما كان عمل ما استحسانيّا لا قياسيّا اشترط فيه تأخر الخبر وتأخر معموله وبقاء النفي وخلو ما من مقارنة إن، لأن كل واحد من هذه الأربعة حال أصلي فالبقاء عليها تقوية والتخلي عنها أو عن بعضها توهين». وأحق الأربعة بلزوم الوهن عند عدمه الخلو من مقارنة إن؛ لأن مقارنة إن لما يزيل شبهها بليس لأن ليس لا يليها إن [2/ 53] فإذا وليت ما تباينا في الاستعمال وبطل الإعمال دون خلاف. ولا تلزم هذه المباينة بنقض النفي ولا بتوسط الخبر لأن ليس - ¬

_ - قال: وتقول ما زيد إلا منطلق تستوي فيه اللغتان ومثله قوله عز وجلّ: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا لم تقو ما حيث نقضت معنى ليس كما لم تقو حين قدمت الخبر». (الكتاب: 1/ 59). وقال المبرد (المقتضب: 4/ 188) هذا باب ما جرى في بعض اللّغات مجرى الفعل لوقوعه في معناه وهو حرف جاء لمعنى ويجري في غير تلك اللغة مجرى الحروف غير العوامل وهو ما. وقال: إنها تعمل عمل ليس عند أهل الحجاز لأنها تشبهها في النفي، وأما بنو تميم فيرفعون الاسم والخبر بعدها ويدعونها حرفا بمنزلة إنما إذا قلت إنما زيد منطلق. ثم ذكر شروط عملها عند أهل الحجاز من وجوب تأخير الخبر لأنها حرف عامل مثل إن فهي ضعيفة «بخلاف ليس، وإن من شروطها أيضا: عدم نقض نفي الخبر في نحو ما زيد إلّا منطلق (المقتضب: 4/ 190). (¬1) انظر فيما ذكره الفراء كتابه: معاني القرآن (2/ 42)، (3/ 139)، قال عند شرح قوله تعالى ما هذا بَشَراً [يوسف: 31] قوله: ما هذا بَشَراً نصبت بشرا لأن الباء قد استعملت فيه فلا يكاد أهل الحجاز ينطقون إلا بالباء فلما حذفوها أحبوا أن يكون لها أثر فيما خرجت منه فنصبوا على ذلك ألا ترى أن كل ما في القرآن أتى بالباء إلا هذا وقوله تعالى: ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ [المجادلة: 2]. وأما أهل نجد فيتكلمون بالباء وغير الباء فإذا أسقطوها رفعوا، وهو أقوى الوجهين في العربية أنشدني بعضهم (من الطويل): لشتّان ما أنوي وينوي بنو أبي ... جميعا فما هذان مستويان فإن قدمت الفعل (الخبر) قبل الاسم رفعت الفعل واسمه، فقلت: ما سامع هذا وما قائم أخوك وذلك أن الباء لم تستعمل ها هنا ولم تدخل. ألا ترى أنه قبيح أن تقول: ما بقائم أخوك (معاني القرآن للفراء: 2/ 43) وقال مثل ذلك عند تفسير قوله تعالى: ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ (المرجع السابق: 3/ 139).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد ينتقض نفيها ويتوسط خبرها ولذلك لم ينعقد الإجماع على إبطال العمل بنقض نفي ما ولا بتوسط الخبر كما سيأتي ذلك مبينا إن شاء الله تعالى. ومثال إبطال العمل لنقض النفي: قوله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ (¬1). ومثال إبطاله لتوسط الخبر: قول الشاعر: 786 - وما خذّل قومي فأخضع للعدى ... ولكن إذا أدعوهمو فهمو همو (¬2) ومثال إبطاله لتوسط معمول الخبر: قول الشاعر: 787 - وقالوا تعرّفها المنازل من منى ... وما كلّ من وافى منى أنا عارف (¬3) - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 144. (¬2) البيت من بحر الطويل مجهول القائل وهو في الشجاعة والفخر بالقوم. اللغة: خذّل: جمع خاذل وهو من يتأخر عن نصرتك حين تطلبه. فهم هم: أي هم الكاملون في الشجاعة والشهامة. المعنى: يقول: ليس قومي بالضعفاء حتى أخضع للأعداء وأذل لهم ولكنهم شجعان مجيبون عند النداء والنجدة. الشاهد فيه قوله: «ما خذّل قومي»؛ حيث أهملت ما ولم تعمل ليس وذلك لتقدم الخبر على الاسم. وهذا رأي الجمهور. والبيت في شرح التسهيل (1/ 370)، وفي التذييل والتكميل (4/ 256)، وفي معجم الشواهد (ص 340). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو مطلع قصيدة لمزاحم العقيلي كما في كتاب سيبويه (1/ 72). المعنى: يصف الشاعر أنه اجتمع بمحبوته في الحج ثم فقدها فجعل يسأل عنها فقيل له: تفقدها لدى النازلين بمنى فقال: إنه لا يعرف كل من وافي منى حتى يسأل عنها وذلك لأنه لا يسأل إلا من يعرفها ويعرفه وبعده: فوجدي بها وجد المضلّ بعيره ... بمكّة لم تعطف عليه العواطف الشاهد فيه قوله: «وما كل من وافى منى أنا عارف»، حيث أهملت ما النافية العاملة عمل ليس لأن معمول الخبر وهو قوله كل قد تقدم على الاسم وليس ظرفا ولا جارّا ومجرورا وإنما هو مفعول به منصوب. وروي البيت يرفع كل فتكون اسما لما وجملة أنا عارف في محل نصب خبرها. قال سيبويه بعد أن حكى رواية الرفع: «لزم اللّغة الحجازيّة فرفع كأنّه قال: ليس عبد الله أنا عارف فأضمر الهاء في عارف» (الكتاب: 1/ 72). كما يجوز في رواية الرفع أن تكون ما تميمية مهملة. والبيت في شرح التسهيل (1/ 370) وفي التذييل والتكميل (4/ 259) وفي معجم الشواهد (ص 237).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على رواية من روى «كل من» بالنصب وأما على رواية الرفع فكل اسم ما وأنا عارف خبرها وكان ينبغي أن يقول: أنا عارفه لكنه حذف الضمير ونواه كما فعل من قال: 788 - [قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي ... عليّ ذنبا] كلّه لم أصنع (¬1) فلو كان معمول الخبر ظرفا أو جارّا ومجرورا لم يبطل عمل ما كقولك: ما عندك زيد مقيما. وكقول الشاعر: 789 - بأهبة حرب كن وإن كنت آمنا ... فما كلّ حين من توالي مواليا (¬2) ومثال إبطال العمل لاقتران ما بإن: قول الشاعر: 790 - بني غدانة ما إن أنتمو ذهب ... ولا صريف ولكن أنتمو خزف (¬3) - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز المشطور سبق الحديث عنهما وذكر الشاهد فيهما في باب المبتدأ. وشاهده هنا قريب من هناك وهو قوله: كلّه لم أصنع حيث حذف الضمير الرابط العائد على المبتدأ من جملة الخبر وهو جائز لأن المبتدأ لفظ كل. (¬2) البيت من بحر الطويل قائله مجهول وهو في النصح والإرشاد. يقول: كن دائما مستعدّا وعلى يقظة من أمرك معك أسلحة الحرب والدفاع وإن كنت في أمان وسلام لأن الصديق قد ينقلب عدوّا في لحظة. والشاهد في البيت قوله: «فما كلّ حين ... إلخ» حيث أعمل ما عمل ليس مع تقدم معمول الخبر على الاسم وذلك لأن المعمول ظرف. والبيت روي في مراجعه هكذا: بأهبة حرب لذ ... إلخ. وهو في شرح التسهيل (1/ 370) وفي التذييل والتكميل (2/ 259) وفي معجم الشواهد (ص 426). (¬3) البيت من بحر البسيط وهو في الهجاء لشاعر مجهول. اللغة: الصّريف: الفضة. الخزف: ما أخذ من الطين وشوي بالنار «الفخار». والبيت روي في لسان العرب. مادة صرف (4/ 2435) بثلاث روايات: بني غدانة حقّا لستم ذهبا: ولا شاهد فيه. بني غدانة ما إن أنتم ذهب: وهي موضع الشاهد حيث اقترنت ما بإن الزائدة فبطل عملها. بني غدانة ما إن أنتم ذهبا: على أنّ إن نافية مؤكدة لما العاملة عمل ليس وهو مذهب كوفي. سبق من التحقيق. وقوله: ولا صريف معطوف على ما قبله على الأحوال الثلاثة. والبيت في شرح التسهيل: (1/ 370) وفي التذييل والتكميل (4/ 257، 258)، وفي معجم الشواهد (ص 238).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 791 - فما إن طبّنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا (¬1) فإن هذه زائدة كافة لما كما أن ما كافة لإن وأخواتها في نحو: إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ (¬2). وزعم الكوفيون أن إن المقرونة بما هي النافية جيء بها بعدها توكيدا (¬3). والذي زعموه مردود بوجهين: أحدهما: أنها لو كانت نافية مؤكدة لم تغير العمل كما لا يتغير بتكرير ما إذا قيل: ما ما زيد قائما كما قال الراجز: 792 - لا ينسك الأسى تأسّيا فما ... ما من حمام أحد معتصما (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر من مقطوعة عدتها خمسة أبيات لذي الأصبع العدواني (ديوان ص 83) وأولها قوله: إذا ما الدّهر جرّ على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا فقل للشّامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشّامتون كما لقينا وقد نسبته مراجعه إلى شاعر يدعى فروة بن مسيك (معجم الشواهد ص 386). والطب معناه: العادة والشهوة. والشاعر يدافع عن نفسه وعن قومه فيقول: ليس سبب هزيمتنا الجبن والضعف ولكن سببها أن المنايا حتم على الناس وأن الدهر دول. والشاهد في البيت: إهمال ما لاقترانها بإن الزائدة. والبيت في معجم الشواهد (ص 386) وفي شرح التسهيل (1/ 371) وفي التذييل والتكميل (4/ 257). (¬2) سورة النساء: 171. قال سيبويه (2/ 220): «وإن للجزاء وتكون لغوا في قولك: ما إن يفعل، وما إن طبّنا جبن. وأما إن مع ما في لغة أهل الحجاز فهي بمنزلة ما في قولك: إنّما الثّقيلة تجعلها من حروف الابتداء وتمنعها أن تكون من حروف ليس وبمنزلتها». (¬3) قال الرضيّ في شرحه على الكافية (1/ 267): وإن العازلة عند الكوفيين نافية لا زائدة ولعلهم يقولون: هي نافية زيدت لتأكيد نفي ما وإلا فإن النفي إذا دخل على النفي أفاد الإيجاب ورد عليهم بأنه لا يجوز الجمع بين حرفين متفقي المعنى إلا مفصولا بينهما كما في إن زيدا لقائم. (¬4) البيتان من الرجز المشطور في الوعظ لقائل مجهول. ومعناهما: لا ينسك الحزن الذي يصيبك على من فقدته أن تتأسى بمن سبقك ممن فقد أحبابه، فليس أحد ممنوعا من الموت. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فكرر ما النافية توكيدا وأبقى عملها. الثاني: أن العرب قد استعملت إن زائدة بعد ما التي بمعنى الذي وبعد ما المصدرية التوقيتية لشبههما في اللفظ بما النافية، فلو لم تكن زائدة المقترنة بما النافية لم يكن لزيادتها بعد الموصولتين مسوغ. ومثال زيادتها بعد الموصولتين قول الشاعر: 793 - يرجّي المرء ما إن لا يراه ... وتعرض دون أدناه الخطوب (¬1) أراد يرجي المرء الذي لا يراه. ومثله قول الآخر: 794 - ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته ... على السّنّ خيرا لا يزال يزيد (¬2) فما في هذا البيت مصدرية توقيتية، فزادوا إن بعدها لشبهها في اللفظ بما النافية فتعين الحكم بالزيادة على التي بعد النافية». انتهى كلام المصنف (¬3). - ¬

_ - والشاهد فيه: تكرير ما النافية ومع ذلك عملت عمل ليس، وهذا يدل على أن التكرير لا يلغي العمل وهو مذهب ابن مالك مستدلا على أن إن إذا جاءت بعد ما ليست نافية وإنما هي زائدة مبطلة لعمل ما ولو كانت نافية لبقي عملها. والبيت في شرح التسهيل (1/ 371) وفي التذييل والتكميل (4/ 261) وفي معجم الشواهد (ص 533). (¬1) البيت من بحر الوافر قاله جابر بن رألان شاعر جاهلي من طيئ، وقيل: الشاهد لإياس بن الأرت من طيئ أيضا. المعنى: يقول: إن الإنسان تمتد أطباعه إلى الأمور المغيبة التي لا يراها ويعترض دون أقربها حصولا لديه المصائب الشديدة التي تقطع رجاؤه فما الظن بأبعد الأشياء. والشاهد فيه: زيادة إن بعد ما الموصولة وهو جائز. والبيت في شرح التسهيل (1/ 371) وفي التذييل والتكميل (2/ 262) وفي معجم الشواهد (ص 48). (¬2) البيت من بحر الطويل قائله كما في مراجعه المعلوط القريعي. اللغة: رجّ: أمر من الترجية وهي الرجاء. الفتى: الشاب. السّن: العمر. المعنى: يقول: إذا رأيت إنسانا كلما زاد عمره زاد خيره فأمل عنده الفضل ورجه للخير. والشاهد فيه قوله: «ما إن رأيته»؛ حيث زيدت إن جوازا بين ما المصدرية الظرفية وبين صلتها والتقدير: ورج الفتى للخير مدة رؤيته ... إلخ. واستشهد به أبو حيان مرة أخرى في قوله: خيرا لا يزال يزيد حيث قدم معمول الخبر وهو خير على يزال المنفية بلا وتقديم المعمول مؤذن بتقدم العامل. البيت في شرح التسهيل وفي التذييل والتكميل (4/ 175، 262). وفي معجم الشواهد (ص 103). (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 371).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الوارد على لغة الحجازيين قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (¬1). قالوا: ولم يحفظ ذلك في كلامهم إلّا في بيت من الشّعر، قال [2/ 54]: 795 - وأنا النّذير بحرّة مسودّة ... تصل الجيوش إليكمو أقوادها أبناؤها متكنّفون أباهمو ... حنقو الصّدور وما همو أولادها (¬2) وقد عرفت أن الشروط التي ذكرها المصنف لعمل ما أربعة (¬3). قال الشيخ (¬4): «ونقص المصنف من الشّروط شرطين: أحدهما: ألّا تؤكد ما بما فإن أكدت بطل العمل تقول: ما ما زيد ذاهب ولا يجوز ذاهبا على مذهب عامة النحويين. الثاني: ألا يبدل من الخبر بدل مصحوب بإلا نحو: ما زيد شيء أو بشيء إلّا شيء لا يعبأ به قال: فهنا تستوي اللغتان الحجازية والتميمية ذكر ذلك سيبويه (¬5). وعلة ذلك: أن البدل موجب بإلا فلا يكون منصوبا فهو إذ ذاك واجب الرفع، وحكم البدل والمبدل منه في الإعراب واحد» انتهى (¬6). أما عدم تأكيد ما يمثلها: فقد عرفت أن المصنف لا يرى ذلك (¬7) وأنه أنشد البيت - ¬

_ (¬1) سورة الحاقة: 47. (¬2) البيتان من بحر الكامل من قصيدة في الوصف لعدي بن الرقاع وهي في الطرائف الأدبية (ص 88) (بيروت دار الكتب العلمية) والبيتان ليسا في ديوان عدي وعدي بن الرقاع شاعر إسلامي وقعت بينه وبين جرير مهاجاة وجرير هو الذي حسده على هذا البيت الذي من تلك القصيدة: تزجي أغنّ كأنّ إبرة روقه ... قلم أصاب من الدّواة مدادها اللغة: الحرّة المسودّة: المراد الكتيبة الكثيرة العدد والآلات. أقوادها: جمع قود وهي الجماعة من الخيل. أبناؤها متكّنفون أباهم: المراد أن جنود هذه القبيلة يتبعون قائدهم. حنقو الصّدور: مغيظون. والمعنى بعد ذلك واضح. والشاهد فيه قوله: «وما هم أولادها»؛ حيث أعمل ما عمل ليس فرفع الاسم ونصب الخبر وهي لغة أهل الحجاز. والشاهد في التذييل والتكميل (4/ 255). وفي معجم الشواهد (ص 198). (¬3) هي باختصار: ألا ينتقض النفي بإلا، وألا تقترن بإن الزائدة، وأن يتأخر الخبر عن الاسم، وأن يتأخر معمول الخبر عنه غير الظرف والجار والمجرور. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 260). (¬5) انظر الكتاب (2/ 316). (¬6) التذييل والتكميل (4/ 260). (¬7) أي لا يرى بطلان عمل ما عند تكريرها، وقوله: وأنه أنشد البيت المتقدم: هو قول الراجز: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدم المستدل به على أن تكريرها لا يبطل العمل، ولم يتعرض ابن عصفور ولا ابن أبي الربيع لاشتراط ذلك، ولكن الشيخ نقله والنقول لا تدفع. وأما عدم الإبدال من الخبر على الوجه الذي ذكره: فلم يتجه لي أن يكون ذلك شرطا: لأن البدل المقترن بإلا لا يكون إلا مرفوعا لكونه موجبا والمرفوع إنما يبدل من مرفوع فإبدال اسم مقترن بإلا بعد ما النافية إنما يتصور من اسم مرفوع وعلى هذا فالإبدال المذكور متوقف على رفع ما أبدل منه وهو خير الاسم الواقع بعد ما فمتى لم يكن مرفوعا لا يبدل منه وإذا كان كذلك كان هذا الإبدال أعني المقترن بإلا متوقفا على رفع المبدل منه الذي هو الخبر فإذا رفعنا أبدلنا وإن نصبنا لا يجوز الإبدال المذكور. والحاصل: أن النصب مع البدل المقترن بإلا لا يجتمعان لكن النصب لم يمتنع لأجل الإبدال بل الإبدال هو الممتنع لأجل النصب إذ لا يبدل مرفوع من منصوب. وإذا كان كذلك كان شرط هذا الإبدال ألا يكون الاسم المبدل منه منصوبا لأن شرط نصب الخبر ألا يبدل منه البدل الخاص (¬1). وقد عرفت أيضا من كلام المصنف أن إن إذا وليت ما بطل العمل دون خلاف لكن ذكر الشيخ أن الكوفيين يجيزون النصب. قال: وروي: 796 - بني غدانة ما إن أنتم ذهبا ... ولا صريفا ولكن أنتم خزف (¬2) - ¬

_ - لا ينسك الأسى تأسّيا فما ... ما من حمام أحد معتصما والعجب أن أبا حيان رد على نفسه بنفسه فقد قال في كتابه: «وحكى أبو علي الفارسيّ عن بعض الكوفيين إجازة النصب، وفي الغرة: كفّوا ما بما. فقالوا: ما ما زيد قائم وأجاز النصب جماعة من الكوفيين، والبصري يأبى ذلك». (¬1) نقل هذا الرد للشارح على أبي حيان محقق الجزء الثاني من التذييل والتكميل: دكتور/ سيد تقي (كلية اللغة العربية بالمنصورة) (2/ 468). (¬2) البيت من بحر البسيط لشاعر مجهول في الهجاء وقد سبق الاستشهاد به قريبا في هذا التحقيق على أن اقتران ما النافية بإن الزائدة مبطل عملها فيرفع الاسمان على الابتدائية والخبرية (أنتم ذهب) قال أبو حيان: إن الكوفيين يجيزون نصب الخبر بعد اقتران ما بأن وإن البيت روي منصوبا (ما إن أنتم ذهبا). (التذييل والتكميل 4/ 258).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بنصب ذهب وصريف: قال: «وخرّج هذا على أن إن نافية وأنّها العاملة وأتي بها لتأكيد النّفي بما» انتهى (¬1). والظاهر أن هذا النقل عن بعض الكوفيين وكأنه قول لا يعتد به فلهذا لم يجعله المصنف خارقا لإجماعهم. ثم إن المصنف ذكر أربع مسائل (¬2): الأولى: أنّ إن قد تزاد أيضا في أربعة أماكن: قبل صلة ما الاسمية، وقبل صلة ما الحرفية، وبعد ألا الاستفتاحية، وقبل مدة الإنكار. أما زيادتها قبل الصلتين المشار إليهما: فقد تقدم الاستشهاد عليه (¬3). وأما زيادتها بعد ألا الاستفتاحية: فكقول الشاعر: 797 - ألا إن سرى ليلي فبتّ كئيبا ... أحاذر أن تنأى النّوى بغضوبا (¬4) وأما زيادتها قبل مدة الإنكار: فكقول رجل من العرب قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية فقال: «أأنا إنيه» منكرا أن يكون رأيه على خلاف ذلك (¬5) [2/ 55]. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 258). (¬2) انظر هذه المسائل الأربعة في شرح التسهيل (1/ 371، 372). (¬3) سبق من هذا التحقيق وقد مثل هناك لزيادة إن قبل صلة ما الاسمية، يقول الشاعر (من الوافر): يرجّي المرء ما إن لا يراه ... وتعرض دون أدناه الخطوب ومثل لزيادة إن قبل صلة ما الحرفية يقول الآخر (من الطويل): ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته ... على السّنّ خيرا لا يزال يزيد (¬4) البيت من بحر الطويل قائله مجهول وهو مطلع قصيدة في الغزل. اللغة: سرى ليلي: سرى بمعنى سار وإسناده إلى الليل مجاز. الكئيب: السيء الحال. تنأى: تبعد. النّوى: الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد وهي مؤنثة لا غير. غضوب: بمعجمتين بوزن صبور: اسم امرأة ولذا لم يصرفه. ومعنى بيت الشاهد: أن الشاعر يخشى الدهر أن يأخذ منه محبوبته. والشاهد فيه قوله: «ألا إن سرى ليلى»؛ حيث زيدت إن بعد ألا الاستفتاحية وهو جائز. والبيت في شرح التسهيل (1/ 372)، وفي التذييل والتكميل (4/ 262)، وفي معجم الشواهد (ص 28). (¬5) انظر هذه المواضع الأربعة في ذكر زيادة إن: مغني اللبيب (1/ 25)، والتذييل والتكميل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: أن الكوفيين يزعمون أن ما لا عمل لها وأن نصب ما بعدها ينصب لسقوط الباء (¬1). قال المصنف رحمه الله (¬2): «وما قالوه لا يصحّ لأن الباء قد تدخل بعد هل وبعد ما المكفوفة بإن وإذا سقطت الباء تعين الرفع بإجماعهم فلو كان سقوط الباء ناصبا لنصب في هذين الموضعين، ومثل تعين الرفع في هذين الموضعين عند سقوط الباء تعينه عند سقوطها في نحو: كفى بزيد رجلا وبحسب عمرو درهم وتعينه عند سقوط من في نحو: ما فيها من أحد. الثالثة: أجاز الأخفش في نحو: ما أحد قائما إلّا زيد بحذف اسم ما والاستغناء عنه ببدله لموجب بإلا (¬3). - ¬

_ - (4/ 262). وقال أبو حيان بعد ذكر هذه المواضع: «وذكر زيادة إن في هذه المواضع وليس من مسائل ما النّافية وذلك على عادة المصنف». (¬1) انظر المسألة رقم: 19 من مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين يقول أبو البركات كمال الدين: «ذهب الكوفيون إلى أن ما في لغة أهل الحجاز لا تعمل في الخبر وهو منصوب بحذف حرف الخفض وذهب البصريون إلى أنها تعمل في الخبر». واحتج للكوفيين فقال: «إن القياس في ما ألا تعمل لعدم اختصاصها وشبهها بليس شبه ضعيف فلا تعمل والمنصوب بعدها منصوب بحذف حرف الخفض بدليل أنه لا ينصب إذا قدم أو دخل عليه حرف الاستثناء لامتناع الجارّ حينئذ». واحتج للبصريين بأن ما أشبهت ليس في الدخول على المبتدأ والخبر وفي نفي الحال فعملت عملها ورجح ابن الأنباري رأي البصريين ورد على الكوفيين بعمل ما في القرآن الكريم وكلام العرب وأنه ليس الأصل في خبرها النصب على نزع الخافض بدليل أن الخافض قد ينزع ولا ينصب مدخوله كما في: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * فيجوز في غير القرآن كفى الله وهو مرفوع. انظر كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 165). (¬2) انظر شرح التسهيل (1/ 372). (¬3) في شرح الكافية للرضي (1/ 268): «وأجاز الأخفش حذف اسم ما استغناء ببدل موجب نحو ما قائما إلا زيد أي ما أحد قائما إلا زيد وليس بشيء لما ذكرنا أن المستثنى في المفرغ قائم مقام المتعدد المقدر فيكون قد عمل ما على هذا في الاسم مع تأخره عن الخبر وانتقاض النفي وأحدهما مبطل فكيف إذا اجتمعا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف (¬1): «لو سمع من العرب لكان جديرا بالرد لأن المراد منه مجهول لاحتمال أن يكون أصله ما أحد قائما إلا زيد وأن يكون أصله ما كان قائما إلا زيد وما كان هكذا فالحكم بمنعه أولى من الحكم بجوازه لأن شرط جواز الحذف أن يكون المحذوف متعينا لا محتملا ولذلك لا يجوز لمن قال: 798 - تمرّون الدّيار [ولم تعوجوا ... كلامكمو عليّ إذن حرام] (¬2) أن يقول: رغبت زيدا لأن المراد مجهول لاحتمال أن يكون أراد: رغبت في زيد وأن يكون أراد رغبت عن زيد». انتهى. وقد قال بعضهم في نحو: ما قائما إلّا زيد: إن الواقع بعد إلا هو الاسم نفسه وإن الأخفش يجيزها. وفيه بعد، لأنه يلزم منه توسط الخبر وهو غير جائز، وحمل هذا التركيب على ما ساقه المصنف له أولى بل واجب وقد عرفت ما رده به مع أنه غير مسموع كما أشار إليه المصنف. الرابعة: أن ما قد تعمل مع توسط الخبر ومع نقض النفي. أما العمل مع توسط الخبر فقال المصنف: «من العرب من ينصب خبرها متوسطا بينها وبين اسمها، أشار إلى ذلك سيبويه (¬3)، وسوّى بينه وبين قول من قال ملحفة - ¬

_ (¬1) أي في شرح التسهيل (1/ 372). (¬2) البيت من بحر الوافر وهو في الغزل من قصيدة لجرير مطلعها (ديوان جرير ص 512 طبعة بيروت): متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيّتها الخيام وقيل بيت الشاهد قوله: أقول لصحبتي وقد ارتحلنا ... ودمع العين منهلّ سجام والعجب أن الشطر الأول في الديوان هكذا: أتمضون الرّسوم ولا تحيّا ... إلخ. اللغة: لم تعوجوا: من العوج وهو عطف رأس البعير بالذمام أي لم تميلوا إلينا. والشاهد فيه قوله: «تمرون الديار» حيث حذف حرف الجر من الفعل شذوذا، وأصله: تمرون بالديار والذي سوغ حذفه كونه معلوما وروي البيت: مررتم بالديار ولا شاهد فيه على هذه الرواية. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 256) وفي معجم الشواهد (ص 350). (¬3) هذا هو نص كلام سيبويه وهو صريح في رفع الخبر إذا تقدم فضلا عن جواز النصب يقول: «فإذا قلت ما منطلق عبد الله أو ما مسيء من أعتب رفعت ولا يجوز أن يكون حقد ما مثله مؤخرا ... إلخ. ثم نص على رفع الخبر إذا انتقض النفي بإلا فقال: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جديدة بالتاء، وبين قول من قال: (ولات حين مناص) (¬1) بالرفع فإن المشهور ملحفة جديد بلا تاء وَلاتَ حِينَ مَناصٍ «بالنصب». وأنشد سيبويه مستشهدا على نصب الخبر متوسطا قول الفرزدق: 799 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (¬2) واستشهد أبو علي في التذكرة (¬3) على نصب خبر ما مقدمة على اسمها بقول الشاعر: 800 - أما والله عالم كلّ غيب ... وربّ الحجر والبيت العتيق لو انّك يا حسين خلقت حرّا ... وما بالحرّ أنت ولا الخليق (¬4) - ¬

_ - فإذا قلت: ليس زيد إلا ذاهبا أدخلت ما يوجب كما أدخلت ما ينفي فلم تقو ما في باب قلب المعنى كما لم تقو في تقديم الخبر وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر وهذا لا يكاد يعرف كما أن لات حين مناص كذلك (بالرفع) ورب شيء هكذا وهو كقول بعضهم: هذه ملحفة جديدة في القلة (الكتاب: 1/ 60) وقد أشار إليه ناظر الجيش وانظر ما يأتي من الشرح. (¬1) سورة ص: 3. وأولها: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ. فنادوا ولات ... إلخ وسيأتي ذكر القراءات المختلفة وتخريجها في هذه الآية هذا التحقيق. (¬2) البيت من بحر البسيط من قصيدة طويلة للفرزدق يمدح فيها عمر بن عبد العزيز ويبين فيها فضله وعدله في المسلمين وفي قريش. والمعنى: أن الله قد أعاد لقريش ما كانوا قيد من الخير حين كان مروان جد عمر واليا وخليفة على المسلمين، وعند ما صار عمر بن عبد العزيز خليفة للمسلمين. وأصبحوا فيه بمعنى صاروا وهي تحتمل التمام أو النقصان ويكون خبرها: قد أعاد الله نعمتهم وإذ للتعليل مضافة إلى الجملة بعدها في الشطرة الثاني مرتين. والشاهد في البيت قوله: «وإذ ما مثلهم بشر». استشهد به سيبويه وبعض النحاة على ما ذهب إليه ابن مالك من جواز نصب خبرها إذا تقدم على اسمها (الكتاب: 1/ 60) والصحيح أن ما لا تعمل إلا بشرط الترتيب بين معموليها وأجيب عن هذا البيت بإجابات كثيرة ستأتي في الشرح قريبا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 373) وفي التذييل والتكميل (4/ 266) وفي معجم الشواهد (ص 162). (¬3) انظر نصه في التذييل والتكميل (2/ 484). (¬4) البيتان من بحر الوافر وهما في التهديد والوعيد لقائل مجهول، وذكر الفراء (معاني القرآن: 2/ 44) البيت الثاني وصدره بقوله: وأنشدتني امرأة من غنى. اللغة: الحجر: حجر الكعبة وهو اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي. البيت العتيق: بيت الله -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بناء على أن الباء لا تدخل على الخبر إلا وهو مستحق للنصب. وسيأتي الكلام على هذه المسألة إن شاء الله تعالى. ورد على سيبويه الاستدلال لأنه سمع من لغتهم منع نصب الخبر مطلقا ولكنه رفع بشر بالابتداء وحذف الخبر ونصب مثلهم على الحال (¬1). أو يكون تكلم الفرزدق بهذا معتقدا جوازه عند الحجازيين فلم يصب (¬2). والجواب عن الأول [2/ 56]: أن الحال فضلة فحق الكلام أن يتم بدونها ومعلوم أن الكلام لا يتم بدون مثلهم فلا يكون حالا وإذا انتفت الحالية تعينت الخبرية. والجواب عن الثاني: أن الفرزدق كان له أضداد من الحجازيين والتميميين ومن مناهم أن يظفروا منه بذلة يشنعون بها عليه مبادرين إلى تخطئته ولو جرى شيء من ذلك لنقل لتوفر الدواعي على التحدي بمثل ذلك إذا اتفق، ففي عدم نقل ذلك دليل على إجماع أضداده من الحجازيين والتميميين على تصويب قوله، فثبت بهذا صحة استشهاد سيبويه بما أنشده والله أعلم» انتهى كلام المصنف (¬3). وفي نسبة جواز نصب الخبر مع توسطه بين ما والاسم إلى سيبويه نظر؛ لأن سيبويه قال: «وإذا قلت: ما منطلق عبد الله وما مسيء من أعتب رفعت ولا يجوز أن يكون مقدما مثله مؤخرا كما أنه لا يجوز أن تقول: إنّ أخوك عبد الله على حدّ - ¬

_ - الحرام في مكة. الخليق: الجدير، وروي في مكانه الطليق. وجواب لو محذوف والتقدير: لو أنك يا حسين كذا وكذا. والشاهد فيه قوله: «وما بالحر أنت» حيث يستدل به أبو علي الفارسي على جواز نصب خبر ما إذا كان مقدما ووجه الاستدلال أن الباء لا تزاد على الخبر إلا وهو مستحق للنصب وقد رده ابن مالك. وسيأتي ذلك بالتفصيل في هذا التحقيق. والبيتان في شرح التسهيل (1/ 373) وفي التذييل والتكميل (4/ 257، 264) وفي معجم الشواهد (ص 252). (¬1) معناه أن الفرزدق تميمي والتميميون لا يعملون «ما» سواء استوفت الشروط أو لم تستوف فالخبر عندهم مرفوع تقدم أو تأخر فكيف ينصب كما في البيت على الخبرية. ورد النصب على الخبرية وإنما هو منصوب على الحال وبشر مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: إذ هم قريش وإذا ما بشر موجود مثلهم. (¬2) تخريج آخر لنصب مثلهم في بيت الفرزدق وهو أن الفرزدق مخطئ حيث اعتقد أن ما تهمل عند الحجازيين مطلقا تأخر الخبر أو تقدم. (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 373).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك إنّ عبد الله أخوك لأنها ليست بفعل». فهذا نص صريح منه على أن النصب لا يكون في الخبر مقدما على الاسم. وأما: وإذ ما مثلهم بشر فإنّ سيبويه لم يورده مستشهدا به بل قال: «وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق: 801 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (¬1) وهذا لا يكاد يعرف». وأما بيت الفرزدق ففيه أقوال للنحاة: ذكر ابن عصفور أنها سبعة (¬2): قال: «منهم من جعله شاذّا وهو سيبويه» (¬3). قلت (¬4): ويعضد كونه شاذّا تسوية سيبويه بينه وبين قول من قال: ملحفة جديدة بالتاء وبين قول من قال: «ولات حين مناص» بالرفع (¬5). ومنهم من قال (¬6): البيت للفرزدق فاستعمل لغة غيره فغلط لأنه قاس النصب مع التقديم على النصب مع التأخير وهو باطل لأن العربي إذا جاز له القياس على لغة غيره جاز له القياس في لغته فيؤدي ذلك إلى فساد لغته». ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط. سبق الاستشهاد به قريبا ومعركة النحاة فيه طويلة عند قوله: وإذ ما مثلهم بشر حيث نصب الفرزدق خبرها مقدما على اسمها وانظر توجيهات ابن عصفور لهذا البيت في الشرح، وقال المبرد بعد أن أنشده: «الرفع الوجه، وقد نصبه بعض النحويين وذهب إلى أنه خبر مقدم وهذا خطأ فاحش وغلط بين ولكن نصبه يجوز على أن تجعله نعتا مقدما وتضمر الخبر فتنصبه على الحال مثل قولك: فيها قائما رجل وذلك أن النعت لا يجوز قبل المنعوت والحال مفعول فيها والمفعول يكون مقدما ومؤخرا». المقتضب (4/ 192). (¬2) انظر هذه التخريجات السبعة في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 56) وما بعدها وهي بنصها كما هنا (تحقيق فواز الشغار). (¬3) الكتاب (1/ 60) وسبق قريبا من التحقيق. (¬4) القائل هو ناظر الجيش لا ابن عصفور. (¬5) نصه كما ذكرناه قبل ذلك، قال بعد أن أنشد بيت الفرزدق: وهذا لا يكاد يعرف كما أن «لات حين مناص» كذلك ورب شيء هكذا وهو كقول بعضهم هذه ملحقة جديدة في القلة». الكتاب (1/ 60). (¬6) التخريج الثاني للبيت كما ذكره ابن عصفور ونسبه أبو حيان إلى أبي علي الرندي. التذييل والتكميل (4/ 267).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من قال (¬1): «إنما نصب ضرورة لئلا يختلط المدح بالذم لأنك إذا قلت ما مثلك أحد فنفيت عنه الأحدية احتمل أن يكون مدحا وذمّا، فإذا نصبت مثلك ورفعت أحدا كان الكلام مدحا، فلذلك نصب مثلهم في البيت وهذا باطل لأن ما قبله وما بعده يدل على أنه قصد المدح». ومنهم من قال (¬2): «هو منصوب على الحال والخبر محذوف وهو العامل في الحال تقديره وإذ ما مثلهم بشر في الوجود وهو باطل لأن معاني الأفعال لا تعمل مضمرة». ومنهم من جعله ظرفا بمنزلة بدل (¬3) وهم أهل الكوفة واستدلوا على صحة مذهبهم بقول المهلب بن أبي صفرة: «ما يسرّني أن يكون لي ألف فارس مثل بيهس» (¬4). فقالوا: «محال ألا يسره أن يكون له ألف فارس كل واحد منهم مثل بيهس وإنما المعنى أنه لا يسره أن يكون له ألف فارس بدل بيهس لشجاعته وإقدامه على الحروب». وهذا الذي قالوه لا حجة فيه لأن العرب إذا قالت: مررت برجال مثلك، كان لهم في ذلك وجهان [2/ 57]: أحدهما: أن يكون المعنى مررت برجال كل واحد منهم مثلك. والآخر: أن يكون المعنى مررت برجال كلهم إذا اجتمعوا مثلك. فعلى هذا يكون: ما يسرني أن يكون لي ألف فارس مثل بيهس وحده لأن - ¬

_ (¬1) التخريج الثالث للبيت ونسبه أبو حيان للأعلم (التذييل والتكميل: 4/ 278). (¬2) التخريج الرابع للبيت ونسبه أبو حيان للمازني والمبرد (التذييل والتكميل: 4/ 277). (¬3) التخريج الخامس للبيت. (¬4) هو بيهس الملقب بنعامة وهو رجل من بني فزارة بن ذبيان وكان سابع سبعة أخوة أغار عليهم ناس من أشجع كانت بينهم عداوة فقتلوا إخوته جميعا ولم يقتلوه لصغره فلما عاد إلى أمه عنفته وطالبته بأن يأخذ بثأر إخوته ففعل فكان شجاعا ومما قيل في ذلك قول المتلمس (من الطويل): ومن طلب الأوتار ما حزّ أنفه ... قصير وخاض الموت بالسّيف بيهس نعامة لما صرّع القوم رهطه ... تبيّن في أثوابه كيف يلبس انظر ذلك كله في مجمع الأمثال (1/ 268) (طبعة عيسى البابي الحلبي).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شجاعة ألف فارس إذا كانت مجتمعة في فارس كان أولى من افتراقها في أشخاص كثيرة لأنه متى حضر كان بمنزلة ألف فارس وألف فارس إذا تفرقوا قد يكون ذلك سببا لضعفهم. ومنهم من قال (¬1): «مثل منصوب على الظرفية فكأنه في الأصل صفة لظرف تقديره قبل الحذف: وإذ ما مكانا مثل مكانهم بشر ثم حذف الموصوف وقامت الصفة مقامه فأعربت بإعرابه فصار إذ ما مثل مكانهم بشر في الوجود وهذا باطل لأن الموصوف لا يحذف إلا إذا كانت الصفة خاصة، ومثل ليس من الصفات الخاصة. وأن يتقدم ما يدل على المحذوف، ولم يتقدم هنا ما يدل على المحذوف» (¬2). ومنهم من قال (¬3): «إن ما هنا لم تعمل شيئا ولا شذوذ في البيت وذلك أن مثلا أضيفت إلى مبني (فبنيت على الفتح) (¬4) فصارت بمنزلة قولك: يومئذ وحينئذ وهو الصحيح». هذا آخر كلام ابن عصفور (¬5). وعلم منه أنه لم يوافق المصنف في جواز تقديم خبرها على اسمها لكنه إنما يمنع ذلك حيث يكون الخبر اسما صريحا ويجيز التقديم إذا كان ظرفا أو مجرورا (¬6). - ¬

_ (¬1) هذا هو التخريج السادس للبيت كما خرجه ابن عصفور. (¬2) قوله: ولم يتقدم هنا ... إلخ ساقطة من شرح الجمل. (¬3) هذا هو التخريج السابع والأخير للبيت قال أبو حيان: وصححه ابن عصفور. (¬4) ما بين القوسين من شرح الجمل لابن عصفور. (¬5) انظر شرح الجمل له (2/ 57) وهو رسالة دكتوراه في مجلدين كبيرين بجامعة القاهرة. تحقيق د. صاحب جعفر أبو جناح. وتوجد منه نسخة بجامعة عين شمس. وقال ابن عصفور في المقرب (1/ 102) في حديث عن ما: وإنما لم يعملها الحجازيون إلا بشروط ثلاثة: أحدها: أن يكون الخبر غير موجب والثاني: أن لا يتقدم الخبر على اسمها وليس بظرف ولا مجرور. والثالث: ألا يفصل بينهما وبين الاسم بإن الزائدة فإن فقد شيء من ذلك رجعوا إلى اللغة التميمية فأما قول الفرزدق: فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر فمثلهم مرفوع إلا أنه مبني على الفتح لإضافته إلى مبني نحو قول الآخر (من الرمل): فتداعى منخراها بدم ... مثل ما أثمر حمّاض الجبل (¬6) قال ابن عصفور: لا يجوز تقديم خبر ما عليها إذا كان اسما صريحا وغيره يجوز (شرح الجمل: 2/ 54).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد نقل المصنف عنه هذه المسألة في شرح الكافية (¬1). وقد ذكر هو (¬2) أن في التقديم إذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا خلافا: قال: «منهم من أجاز، ومنهم من منع، والذين أجازوا هم البصريون قياسا على أن التي يقدم خبرها على اسمها إذا كان ظرفا أو مجرورا. والذي منع هو أبو الحسن الأخفش ومنع القياس على إنّ لأنها أقوى من ما وذلك لأنها اختصت بما دخلت عليه وما ليست كذلك (¬3). والصحيح أن ذلك يجوز بدليل قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (¬4) فحاجزين خبر ما وهو منصوب فثبت أنها حجازية وقد فصل بينهما وبين اسمها بالمجرور الذي هو منكم. فإذا فصل بين ما واسمها بمجرور ليس في موضع خبرها الذي لا يجوز في إن إلا قليلا كقول الشاعر: 802 - فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (¬5) فبالأحرى أن يجوز بالمجرور الذي هو في موضع الخبر الجائز في إن في فصيح العرب - ¬

_ (¬1) قال ابن مالك في الشرح المذكور (1/ 432): الشرط الثالث من شروط إلحاق ما بليس: تأخر الخبر فلا عمل غالبا عند تقدمه كقولك: ما قائم زيد ثم قال: ومن النحويين من يرى بقاء عمل ما إذا تقدم خبرها وكان ظرفا أو جارا ومجرورا وهو اختيار أبي الحسن بن عصفور. (¬2) الضمير يعود على ابن عصفور وانظر ما ذكره في شرح الجمل (2/ 57). (¬3) انظر التذييل والتكميل (4/ 269). (¬4) سورة الحاقة: 47. (¬5) البيت من بحر الطويل وهو من الخمسين المجهولة القائل في كتاب سيبويه (2/ 133). اللغة: تلحني: يقال لحاه يلحاه ويلحوه لحيا ولحوّا إذا لامه وعزله. وأصله من لحوت العود إذا قشرت لحاءه. جمّ: كثير. بلابله: جمع بلبال وهو الحزن وشغل البال. المعنى: يرجو الشاعر صاحبه ألا يلومه في حبه أو يأمره بالبعد عن محبوبته فذلك لن يكون فقد ابتلي قلبه بحبها وانشغل به. والشاهد فيه قوله: «فإنّ بحبها أخاك ... إلخ» حيث قدم معمول خبر إن على اسمها وظل عمل إن باقيا، فمن باب أولى إذا فصل بين ما واسمهما بجار ومجرور هو معمول الخبر أو غيره فيبقى عمل ما، وأولى من ذلك كله إذا كان الجار والمجرور هو الخبر نفسه. والبيت في معجم الشواهد (ص 288) وليس في شروح التسهيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو إن في الدار زيدا» انتهى (¬1). وأما العمل مع نقض النفي يعني إذا أوجب الخبر بإلا فقال المصنف: «روي عن يونس من غير طريق سيبويه إعمال ما في الخبر الموجب بإلا (¬2) واستشهد على ذلك بعض النحويين بقول الشاعر: 803 - وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (¬3) [2/ 58] وتكلف في توجيه هذا البيت بأن قيل: منجنونا منصوب نصب المصدر الذي يستغنى به الدهر عن الخبر المبتدأ المقصود حصر خبره فكأنه قال: وما الدهر إلا يدور دوران منجنون أي دولاب ثم حذف الفعل على حد حذف تسير إذا قيل: ما أنت إلا سير البريد ثم حذف المصدر وهو دوران وأقيم المضاف إليه مقامه وهو منجنون. وأما إلا معذبا فمثل إلا تعذيبا مفعل من فعل بمنزلة تفعيل ومنه قوله تعالى: وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ (¬4)، وهذا عندي (¬5) تكلف؛ فالأولى أن تجعل منجنونا - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 58). (¬2) انظر الهمع (1/ 123) والتذييل والتكميل (4/ 273) وانظر كتاب (يونس البصري: حياته وآثاره وآراؤه ص 219) قال مؤلفه دكتور/ أحمد مكي الأنصاري: ونقل عن يونس أنه يجوز إعمالها مع انتقاض نفيها بإلا وأنشد في ذلك: وما الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلّا معذّبا (¬3) البيت من بحر الطويل وهو من الحكم والمواعظ لشاعر مجهول. والمنجنون: الدولاب التي يستقى عليها والميم والنون في أوله أصل وجمعه مناجين. ومعنى البيت: أن الدهر كالدولاب دائم الدوران على الناس فمرة لهذا ومرة لذلك ولا شيء دائم والإنسان الذي يعيش فيه له حاجة يسعى إليها أبدا ويتعذب في سبيلها. والشاهد فيه: في الشطرين حيث أعملت ما عمل ليس مع انتقاض النفي بإلا وأجازه ابن مالك تابعا ليونس والشلوبين، وقد رده الجمهور وأولوه بما هو مذكور في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 374) والتذييل والتكميل (4/ 273) ومعجم الشواهد (ص 28). (¬4) سورة سبأ: 19. وقال ابن عصفور بعد أن أنشد البيت: وما الدهر ... إلخ: «يتخرج على أن يكون معذب مصدر كممزق وكذلك منجنون التقدير: وما الدهر إلا دوران منجنون، وما صاحب الحاجات إلا تعذيبا فيكون من باب ما أنت إلا سيرا». (المقرب: 1/ 103). (¬5) الكلام لابن مالك في شرح التسهيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعذبا خبرين لما منصوبين بها إلحاقا لها بليس في نقض النفي كما ألحقت بها في عدم النقض. وأقوى من الاستشهاد بهذا البيت الاستشهاد بقول مغلس (¬1): 804 - وما حقّ الّذي يعثو نهارا ... ويسرف ليله إلّا نكالا (¬2) وما اخترت من حمل منجنونا وإلا نكالا على ظاهرهما من النصب بما هو مذهب الشلوبين (¬3) ذكر ذلك في تنكيته على المفصل» انتهى (¬4). وأقول: أما كون مذهب يونس إعمال ما في الخبر الموجب بإلا فمسلم لكن يلزم القائل به إقامة الدليل على مذهبه ولا دليل في هذين البيتين: أما البيت الأول فقد ذكر تخريجه، وأما البيت الثاني فيوجه بما وجه به الأول من أن نكالا منصوب نصب المصدر بفعل مقدر هو الخبر، والتقدير: إلا ينكل نكالا والتوجيه في البيتين توجيه سهل لا تكلف فيه مقبول لجريانه على القواعد، ومع الاحتمال المذكور يسقط الاستدلال. وأما قول المصنف «إنّ ذلك يكون في ما إلحاقا لها بليس في نقض النّفي كما ألحقت بها في عدم النقض» فليس بمرضي منه لأن ما إنما ألحقت بليس لشبهها بها في إفادة النفي فلم يكن عملها لذاتها بل لحملها على ليس من أجل الشبه المذكور، ولا شك أنه إذا انتقض النفي زال الشبه فيزول ما كان من أجله وهو العمل. - ¬

_ (¬1) هو المغلس بن لقيط من شعراء الجاهلية. سبقت ترجمته من هذا التحقيق. (¬2) البيت من بحر الوافر قائله المغلس بن لقيط - كما في الشرح - وهو في النصح والإرشاد. اللغة: يعثو: بالثاء المثلثة: يفسد وروي: يعتو بالتاء المثناة ومعناه يستكبر وهما متقاربان. النّكال: العذاب الشديد. ومعنى البيت: أن الذي يعيش لاهيا مفسدا ولا يعمل حسابا لوقته ودهره يصيبه الخسران والهلاك في حياته وبعد موته. وشاهده قوله: «وما حق الذي يعثو ... إلا نكالا» حيث أعمل ما في الخبر الموجب وقد أجازه ابن مالك تابعا مذهب يونس والأستاذ أبي علي الشلوبين. وقد رده ناظر الجيش على ما ذكره في الشرح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 374) وفي التذييل والتكميل (4/ 273) وفي معجم الشواهد (ص 270). (¬3) نص عليه صاحب الهمع (السيوطي) (1/ 123) وصاحب التذييل والتكميل (أبو حيان) (4/ 273). (¬4) انظر شرح التسهيل (1/ 374) وما اخترت إلى آخره ساقط من شرح التسهيل.

[حكم المعطوف على خبر ما]

[حكم المعطوف على خبر ما] قال ابن مالك: (والمعطوف على خبرها ببل ولكن موجب فيتعيّن رفعه). ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: كما أن عمل ليس لا يبطل بإيجاب الخبر فينبغي ألا يبطل عمل ما بالإيجاب أيضا حملا لها على ليس. أجيب بأن عمل ليس لذاتها لكونها فعلا فهي تستحق العمل من أصل الفعلية استمر معنى النفي أو انتقض. وأما عمل ما فبالحمل على ليس لمشاركتها في إفادة النفي فإذا زال ما به المشاركة زال ما كان من أجلها. وقد علم من هذا الذي ذكر أولا وآخرا أن ما لم يثبت لها عمل مع توسط الخبر بينها وبين اسمها ولا مع إيجاب الخبر بإلا. قال ناظر الجيش: قال المصنف: «إذا عطف على خبر ما المنصوب ببل أو لكن لم يجز في المعطوف إلا الرفع كقولك: ما زيد قائما بل قاعد وما خالد مقيما لكن ظاعن، وإنما لم يجز في المعطوف إلا الرفع لأنه بمنزلة الموجب بإلا، وقياس مذهب يونس (¬1) ألا يمتنع نصب المعطوف ببل ولكن» انتهى (¬2) [2/ 59]. وستعرف في باب العطف إن شاء الله تعالى: «أن بل إذا تقدّمها نفي أو نهي فهي لتقرير حكم ما قبلها وجعل ضدّه لما بعدها» (¬3) وعلى هذا وجب أن يرفع الواقع بعدها في نحو ما زيد قائما بل قاعد لأنه موجب لا منفي لكن المبرد مع اعترافه بذلك أجاز كون بل ناقلة حكم النفي والنهي إلى ما بعدها وتقرير قوله (¬4): إن بل يكون بعد النفي على حسبها بعد الإيجاب وهي بعد الإيجاب لزوال - ¬

_ (¬1) القائل بجواز إعمال ما في الخبر الموجب بإلا. (¬2) شرح التسهيل (1/ 374). (¬3) قال ابن مالك (تسهيل الفوائد ص 177): والمعطوف ببل مقرّر بعد تقرير نهي أو نفي صريح أو مؤوّل لمذكور موطّأ به أو مردود أو مرجوع عنه ... ولكن قبل المفرد بعد نهي أو نفي كبل». (¬4) قال المبرد (المقتضب: 1/ 12): هذا باب حروف العطف ومعانيها: ومنها بل: ومعناها الإضراب عن الأول والإثبات للثاني نحو قولك: ضربت زيدا بل عمرا وجاءني عبد الله بل أخوه وما جاءني رجل بل امرأة». وقال في (4/ 297): «بل ولا من حروف الإشراك». وكرر الكلام في كتابه كثيرا وانظر: (1/ 150)، (3/ 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الغلط والنسيان لأنك إذا قلت قام زيد بن عمرو أي عمرو هو الذي قام. قالوا: «ويجري هذا مجرى بدل الغلط؛ فلذلك تقول: ما قام زيد بل عمرو كأنك أردت أن تقول: ما قام عمرو فغلطت فعلقت النفي بزيد ثم أضربت فقلت: بل عمرو أي عمرو هو الذي قام». قالوا: ويجري هذا مجرى قولك: ما قام زيد عمرو. وعلى هذا يجوز أن يقال: ما زيد قائما بل قاعدا كأنه أراد أن يقول: ما زيد قاعدا، فغلط أو نسي؛ فقال: ما زيد قائما ثم أضرب فقال: بل قاعدا أي ما هو قاعدا فالقعود منفي غير موجب فلا يمتنع نصبه. لكن أكثر النحاة على خلاف قول المبرد في هذه المسألة (¬1). واعلم أنهم نصّوا على أن لكن وبل لا يعطف بهما إلا المفردات ولا يعطف بهما الجمل وإذا كان كذلك فالمرفوع الواقع بعدهما في نحو ما زيد قائما بل قاعد أو لكن قاعد لم يعطف على ما قبله لأن ما قبله منصوب فهو حينئذ خبر مبتدأ محذوف التقدير لكن هو قاعد وبل هو قاعد، وإذا كان كذلك فلا عطف والحالة هذه وإنما لكن لمجرد الاستدراك وبل لمجرد الإضراب، ومن ثم ناقش الشيخ المصنف في قوله: «والمعطوف على خبرها، بيل ولكن». قال (¬2): «لأنّه لا يسمّى ما بعدهما معطوفا على خبر ما إذ ليسا حينئذ حرفي عطف بل هما حرفا ابتداء لمجيء الجملة بعدهما». ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور (المقرب: 1/ 102). «وإذا أثبت بعد حرف العطف فإن كان حرف العطف يقتضي الإيجاب رفعت ليس إلا نحو قولك ما زيد قائما لكن قاعد وبل قاعد، وإن كان لا يقتضيه وعطفته على الخبر كان المعطوف على حسبه إن كان مرفوعا أو منصوبا وإن كان مخفوضا جاز فيه الحمل على الموضع فترفع إن قدرتها تميمة وتنصب إن قدرتها حجازية والحمل على اللفظ فتنخفض». وقال السيوطي (الهمع: 2/ 485): «إذا عطفت على خبر ما بلكن أو بل تعيّن في المعطوف الرفع نحو زيد قائما لكن قاعد على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ولا يجوز النصب لأن المعطوف بهما موجب وما لا تعمل إلا في المنفي. أما المعطوف بغيرهما فيجوز فيه الأمران والنصب أجود». (¬2) التذييل والتكميل (4/ 274).

[بقية الحروف العاملة عمل ليس]

[بقية الحروف العاملة عمل ليس] قال ابن مالك: (وتلحق بها «إن» النّافية قليلا و «لا» كثيرا ورفعها معرفة نادر وتكسع بالتاء فتختصّ بالحين أو مرادفه مقتصرا على منصوبها بكثرة وعلى مرفوعها بقلّة وقد يضاف إليها حين لفظا أو تقديرا وربما استغني مع التّقدير عن لا بالتّاء وتهمل لات على الأصحّ إن وليها هنّا). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «مقتضي النظر أن يكون إلحاق إن النافية بليس راجحا على إلحاق لا لمشابهتها لها في الدخول على المعرفة وعلى الظرف والجار والمجرور وعلى المخبر عنه بمحصور فيقال إن زيد فيها، وإن زيد إلّا فيها، إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ (¬2)، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (¬3)، كما يقال بما، ولو استعملت [2/ 60] لا هذا الاستعمال لم يجز ومقتضى الدليل أن يكون إلحاق لات بليس راجحا على إلحاق ما وإن ولا لأن اتصال التاء بها جعلها مختصة بالاسم وشبيهة بليس في اللفظ إذ صارت بها على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن كليس إلا أن الاستعمال اقتضى تقليل الإلحاق في إن وكثرته في لا مجردة وقصره في لات مكسوعة بالتاء على الحين أو مرادفه. وذكر السيرافي أن المرفوع بعد لات في مذهب الأخفش مرفوع بالابتداء، والمنصوب بعدها منصوب بإضمار فعل (¬4). وكلام الأخفش في كتابه المترجم بمعاني القرآن موافق لكلام سيبويه في أن لات تعمل عمل ليس على الوجه - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (1/ 375). (¬2) سورة يونس 68. (¬3) سورة فاطر: 23. والآية ليست في شرح التسهيل ولعلها سقطت منه سهوا. (¬4) قال السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه (2/ 365) رسالة دكتوراه بكلية اللغة تحقيق د/ دردير أبو السعود: «قال الأخفش: لات لا تعمل شيئا في القياس لأنها ليست بفعل وإذا كان ما بعدها مرفوعا فهو على الابتداء وإن كان منصوبا فبإضمار فعل كما قال جرير (وهو في لا): «فلا حسبا فخرت به» أي فلا ذكرت حسبا وقال في الآية: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ أي رأى حين مناص. وقال الرضي في شرحه على الكافية (1/ 271). «وعند الأخفش أن لات غير عامله والمنصوب بعدها بتقدير فعل فمعنى لات حين مناص أي لا أرى حين مناص والمرفوع بعدها مبتدأ محذوف الخبر وفيه ضعف لأن وجوب حذف الفعل الناصب أو خبر المبتدأ له مواضع بعينه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور (¬1) وخفي ذلك على السيرافي وأبي علي الشلوبين فإنه ذكر في تنكيته على المفصل مثل ما قال السيرافي (¬2). وأكثر النحويين يزعمون أن مذهب سيبويه في إن النافية الإهمال (¬3)، وكلامه مشعر بأن مذهبه فيها الإعمال وذلك أنه قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم (¬4): «وأمّا إن مع ما في لغة أهل الحجاز فهي بمنزلة ما مع إنّ الثقيلة تجعلها من حروف الابتداء وتمنعها أن تكون من حروف ليس». فعلم بهذه العبارة أن في الكلام حروفا مناسبة لليس من جملتها ما ولا شيء من الحروف يصلح لمشاركة ما في هذه المناسبة إلا إن ولا فتعين كونهما مقصودين (¬5). وصرح أبو العباس المبرد بإعمال إن عمل ليس (¬6) وتابعه أبو علي وأبو الفتح ابن جني (¬7)، ومن شواهد ذلك ما أنشده الكسائي من قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في حديث عن ليس (1/ 57): «كما شبّهوا بها لات في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصة لا تكون لات إلّا مع الحين تضمر فيها مرفوعا وتنصب الحين لأنه مفعول به. وزعموا أن بعضهم قرأ: ولات حين مناص (بالرفع) وهي قليلة .. ولا يجاوز بها الحين رفعت أو نصبت ولا تتمكن في الكلام كتمكن ليس (الكتاب: 1/ 58). (¬2) قوله: وخفي ذلك على السيرافي إلى قوله: مثل ما قال السيرافي ساقط من شرح التسهيل. (¬3) قال المبرد في معرض الحديث عن أنواع إن: «وتكون في معنى ما تقول: إن زيد منطلق أي ما زيد منطلق وكان سيويه لا يرى فيها إلّا رفع الخبر لأنها حرف نفي دخل على ابتداء وخبره، كما تدخل ألف الاستفهام فلا تغيره وذلك كمذهب بني تميم في (ما) (المقتضب: 2/ 362). (¬4) انظر نصه في الكتاب (4/ 221). (¬5) وقال أيضا (الكتاب: 3/ 153) متحدثا عن معنى إن: إنها تأتي بمعنى ما، مثل: إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ [الملك: 20] أي ما الكافرون، وتصرف الكلام إلى الابتداء كما صرفتها ما إلى الابتداء في قولك: إنما وذلك قولك ما أن زيد ذاهب قال فروة بن مسيك (من الوافر): وما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا (¬6) قال المبرد في معرض الحديث عن إن النافية بعد أن قرر أن سيبويه يهملها: وغيره يجيز نصب الخبر على التشبيه بليس كما فعل ذلك في ما وهذا هو القول لأنه لا فصل بينها وبين ما في المعنى وذلك قوله عز وجلّ إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ [الملك: 20] وقال: إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف: 5] المقتضب (2/ 362). (¬7) الهمع للسيوطي (1/ 124) وانظر في رأي ابن جني المحتسب له (1/ 270) وسيأتي نصه قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 805 - إن هو مستوليا على أحد ... إلّا على أضعف المجانين (¬1) وقال آخر: 806 - إن المرء ميتا بانقضاء حياته ... ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا (¬2) وذكر ابن جني في المحتسب (¬3): أنّ سعيد بن جبير رضي الله عنه (¬4) قرأ: إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم (¬5) على أنّ إن نافية والذين اسمها وعبادا خبرها وأمثالكم صفته. وقال: «معناه ما الذين تدعون من دون الله أمثالكم في الإنسانيّة وإنما هم حجارة ونحوها ممن لا حياة لها ولا عقل فضلا لكم بعبادتهم أشدّ من ضلالكم لو عبدتم أمثالكم» (¬6). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر المنسرح وهو لشاعر مجهول يصف قائدا كل جنوده من المجانين وروي: إن هو مستوليا على أحد ... إلّا على حزبه المناحيس وقد سبق الاستشهاد به في باب الضمير. وشاهده هنا قوله: «إن هو مستوليا» حيث أعمل إن النافية عمل ليس قال صاحب الدرر ناقلا عن ابن الشجري: كما استحسن ذلك في ما واحتج بأنه لا فرق بين إن وما إذ هما لنفي ما في الحال وتقع بعدهما جملة الابتداء كما تقع بعد ليس (الدرر: 1/ 96) والبيت في معجم الشواهد (ص 415) وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 375) ولأبي حيان (4/ 279). (¬2) البيت من بحر الطويل وقائله مجهول. ومعناه: ليس المرء ميتا بانقضاء حياته ولكن الموت الحقيقي هو أن يبغي عليه باغ ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. وشاهده: كالذي قبله: وهو في شرح التسهيل (1/ 376)، وفي التذييل والتكميل (4/ 279) وفي معجم الشواهد (ص 265). (¬3) انظر (1/ 270) من الكتاب المذكور لابن جني (طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سنة (1386 هـ) تحقيق علي النجدي ناصف وآخرين). (جزآن في مجلدين). (¬4) هو أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي من أصل حبشي وهو تابعي ولد سنة (45 هـ) وأخذ العلم عن عبد الله بن عباس وابن عمر وكان أهل الكوفة يجلونه لعلمه. قبض عليه الحجاج بن يوسف في فتنة وقتله سنة (95 هـ). ترجمته في الأعلام (3/ 145)، غاية النهاية (1/ 309). (¬5) سورة الأعراف: 194. (¬6) هذا رأي ابن مالك تابعا ابن جني وأبا علي الفارسي والمبرد، وغيرهم يرى إهمالها أو عملها في الشعر خاصة. قال ابن عصفور (المقرب: 1/ 105): «وقد أجروا إن النّافية في الشّعر مجرى ما في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن عمل لا مجردة من التاء عمل ليس: قول الشاعر: 807 - تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (¬1) ومثله قول الآخر: 808 - نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل ... فبوّئت حصنا بالكماة حصينا (¬2) ومثله قول الآخر وهو سواد بن قارب رضي الله عنه (¬3): 809 - وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (¬4) ومثله [2/ 61] قول الآخر: - ¬

_ - نصب الخبر لشبهها بها قال: إن هو مستوليا على أحد ... إلّا على أضعف المجانين ولا يجوز ذلك في الكلام لأنّها مختصة. (¬1) البيت من بحر الطويل لشاعر حكيم وهو في الوعظ. ومعناه: لا تحزن الحزن الشديد على شيء فاتك فإن كل شيء إلى زوال وكل ما قضاه الله واقع ولا مفر منه. والشاهد في البيت قوله: «فلا شيء ... باقيا، ولا وزر ... واقيا» حيث أعمل لا عمل ليس بعد استيفاء شروطها. والبيت في شرح التسهيل (1/ 376) وفي التذييل والتكميل (4/ 282). وفي معجم الشواهد (ص 426). (¬2) البيت من بحر الطويل قائله كسابقه مجهول. ومعناه: يمن الشاعر على صاحبه بأن ساعده ونصره وآواه إلى الشجعان يقصد نفسه وقومه وقد فعل معه ذلك في وقت لم يجد فيه من ينصره ويحميه. وشاهده: كسابقه: حيث عملت لا عمل ليس في قوله: لا صاحب غير خاذل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 376)، وفي التذييل والتكميل (4/ 282) وفي معجم الشواهد (ص 380). (¬3) هو سواد بن قارب الأزدي، كان كاهنا وشاعرا في الجاهلية وكان صحابيّا في الإسلام، التقى بالرسول صلّى الله عليه وسلّم كما سيأتي في معنى البيت الذي قاله وقد عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب ومات بالبصرة سنة (15 هـ) تقريبا. انظر ترجمته في الأعلام (3/ 213). (¬4) البيت من بحر الطويل وقائله كما أشار إليه في البيت سواد بن قارب. والخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان سواد كاهنا ولما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم ذهب إليه سواد وأعلن إسلامه وأنشد أبياتا منها بيت الشاهد. والفتيل: هو الخيط الأبيض الذي يكون في شق النواة. والمعنى: اشفع لي يا محمد في يوم الحشر يوم لا ينفع مال ولا بنون. ويستشهد بالبيت على عمل لا النافية عمل ليس المعمولين النكرتين كما استشهد بالبيت مرة أخرى على إضافة الظرف إلى الجملة المنفية وبقاء الجملة حالها من رفع الاسم ونصب الخبر (الدرر: 1/ 188) وعلى زيادة الباء في الخبر لا العاملة عمل ليس (الدرر: 1/ 21). والبيت في شرح التسهيل (1/ 376)، وفي التذييل والتكميل (4/ 282)، وفي معجم الشواهد (ص 56).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 810 - من صدّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (¬1) فحذف الخبر ومثله قول الآخر: 811 - والله لولا أن يحشّ الطّبّخ ... بي الجحيم حين لا مستصرخ (¬2) فهذا وأمثاله مشهور، أعني إعمال لا في نكرة عمل ليس». انتهى (¬3). - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل المجزوء قاله سعد بن مالك أحد سادات العرب وفرسانها المشهورين في حرب البسوس وهو الذي مدحه طرفة بقوله: رأيت سعودا من شعوب كثيرة ... فلم تر عيني مثل سعد بن مالك وقد مضى بيت طرفة شاهدا في باب العلم. اللغة: صدّ: أعرض ويروى في مكانه فر. نيرانها: يقصد حرب البسوس. أنا ابن قيس: أضاف نفسه إلى جده الأعلى لشهرته. ومعناه: أنا المشهور في النجدة وأنا الشجاع في الحرب. لا براح: البراح كسحاب مصدر برح كفرح إذا زال عن مكانه. وإعرابه: خبر بعد خبر أو حال وقد ينصب ابن قيس على الاختصاص فيكون هو الخبر لا محالة وهو موضع الشاهد حيث عملت لا فيه عمل ليس وخبرها محذوف أي لا براح لي. والبيت في شرح التسهيل (1/ 376) وفي التذييل والتكميل (2/ 281، 283) وفي معجم الشواهد (ص 87). (¬2) البيتان من الرجز المشطور قالهما العجاج في التهديد والوعيد من قصيدة له في ديوانه (ص 459) (طبعة بيروت مكتبة دار الشروق) وهما أيضا في لسان العرب مواد: حش، طبخ، فتح. اللغة: يحشّ: مضارع حش النار يحشها حشّا إذا جمع لها الحطب وأوقدها. الطبّخ: جمع طابخ والمراد به الملائكة الموكلون بعذاب الكفار. الجحيم: النار. المستصرخ: المغاث وجواب لولا مذكور في قوله: لعلم الأقوام أنّي مفنخ ... لهامهم أرضّه وأنفخ يقال: رجل مفنخ: بكسر الميم اذا كان يذل أعداءه ويشج رأيهم كثيرا. والمعنى: لولا خوف النار لقتلت الناس. والبيتان في معجم الشواهد (ص 459) وفي شرح التسهيل (1/ 377) وفي التذييل والتكميل (2/ 281، 282). وشاهده قوله: «لا مستصرخ» حيث عملت لا عمل ليس وخبرها محذوف تقديره: موجودا. (¬3) شرح التسهيل (1/ 377). قال أبو حيان: «ولا حجة في هذه الأبيات الثلاثة إذ يحتمل أن يكون ذو شفاعة وبراح ومستصرخ مبتدآت إذ ليس فيها خبر يظهر نصبه، إذ قوله بمغن مشغول بحرف الجر فيحتمل أن يكون في موضع رفع وبراح ومستصرخ لم يذكر لهما خبر البتة فيحتمل أن يكون المحذوف مرفوعا، فلم يبق ما يدل على أنها تعمل عمل ليس إلا البيتان السابقان وهما من القلة بحيث لا تبنى عليه القواعد». (التذييل والتكميل: 2/ 495).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أفهم كلام المصنف الخلاف بين النحاة في إعمال إن عمل ليس وأن الأكثرين يزعمون أن مذهب سيبويه فيها الإهمال وأكثر المغاربة على أن إن لا تعمل (¬1). قال ابن عصفور: «ويعطيه كلام سيبويه لأنه لم يذكرها في نواسخ الابتداء والخبر». قال الشيخ (¬2): «والصّحيح الإعمال، والدليل على ذلك القياس والسّماع»: أما القياس: فإنها شاركت ما في النّفي وفي دخولها على المعرفة والنّكرة، وفي نفي الحال. وأما السماع: فقول العرب في نثرها وسعة كلامها: «إن ذلك نافعك ولا ضارّك» «وإن أحد خيرا من أحد إلّا بالعافية» حكى ذلك الكسائي بنصب نافعك وضارك وخيرا (¬3). ومن كلامهم: إنّ قائما أي إن أنا قائما، فتركت الهمزة وأدغمت النون في النون (¬4) وأنشد البيتين المتقدمي الذكر (¬5) وذكر قراءة سعيد بن جبير إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم (¬6) لكنه قال: لا يتعين تخريجها على أن إن نافية بل يحتمل أن تكون إن هي المخفّفة وتكون قد أعملت ونصب الخبر بها على حد قول من قال: 812 - [إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن ... خطاك حثاثا] إنّ حرّاسنا أسدا (¬7) - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور: وقد أجروا إن النافية في الشعر مجرى ما في نصب الخبر لشبهها بها، قال: إن هو مستوليا على أحد ... إلخ ثم قال: ولا يجوز ذلك في الكلام لأنها مختصة. (¬2) التذييل والتكميل: (4/ 277، 278). (¬3) مغني اللبيب (1/ 22). (¬4) المرجع السابق. (¬5) الأول: الّذي أوله: إن هو مستوليا. والثاني: الّذي أوّله: إن المرء ميتا. (¬6) سورة الأعراف: 194. (¬7) البيت من بحر الطويل فيه روح عمر بن أبي ربيعة حيث جعل نفسه معشوقا للنساء ومحبوبا لهن، وقد نسبته مراجعه إليه ولكنه ليس في ديوانه. المعنى: يقول معشوقات عمر له: آتنا بعد دخول الليل وتسلل إلينا عند اشتداد الظلام ولا تدب في مشيك حتى لا يسمعك قومنا الشجعان فيقتلوك. والشاهد فيه قوله: «إنّ حرّاسنا أسدا» حيث جاء الاسم والخبر بعد إنّ منصوبين وهو مذهب كوفي ولغة غير فصيحة لبعض العرب وعمل إن وأخواتها مشهور عند النحاة، وخرج البيت على أن أسدا حال والتقدير: إنّ حراسنا يظهرون أسدا ... إلخ ما ذكروه. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 278) وفي معجم الشواهد (ص 92).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (¬1): «وهذا التخريج أحسن بل يتعيّن لتوافق القراءتين، وأما تخريج أبي الفتح ففيه تنافي القراءتين ولا يناسب هذا التنافي في القرآن العزيز بل يستحيل ذلك إذ قراءة التشديد تقتضي أن يكونوا عبادا أمثالهم وقراءة التخفيف تقتضي ألّا يكونوا عبادا أمثالهم وهو محال في كلام الله تعالى». وقد ارتكب الشيخ تعسفا كبيرا في التخريج الذي ذكره لأن إن الثقيلة لم يثبت لها نصب الجزأين فكيف يثبت للمخففة، والحق أن إن في هذه القراءة نافية كما قال ابن جني ولا تنافي بينها وبين القراءة المشهورة، لأن المعنى على قراءة التشديد أنهم عباد أمثالهم في العبودية فكيف يعبد العبد عبدا آخر؟ والمعنى على القراءة الشاذة ما الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم أي في الإنسانية بل هم عباد دونكم لأنهم حجارة فكيف يعبد الإنسان من هو دونه. فالمنفي كونهم أمثالهم لا كونهم عبادا لأن نفي المقيد بقيد إنما ينصب النفي فيه على القيد، وهذا أمر ظاهر لا منازعة فيه. وقرئ هذا الموضع يوما على الشيخ - رحمه الله تعالى - وأنا حاضر فذكرت له هذا الجواب فقبله. وقال الشيخ في الشرح (¬2): «وإذا كان ذلك يعني عمل إن عمل ما لغة لبعض العرب فلا يصح قول المصنف: إنّ إن تلحق بما قليلا». قال: «وقول المصنّف: ولا كثيرا يريد به أنّ عمل إن قليل وعمل لا كثير». قال (¬3): والعكس هو الصواب لأن إن قد عملت نثرا ونظما، ولا إعمالها قليل جدّا حتى إن أبا الحسن زعم أنها ترفع ما بعدها بالابتداء ومنع النصب وتبعه أبو العباس فهي عندهما لا تعمل عمل ليس (¬4) ولا براح [2/ 62] ولا مستصرخ - ¬

_ (¬1) أي أبو حيان، وانظر التذييل والتكميل له (4/ 278). (¬2) أي في شرح التسهيل المسمى بالتذييل والتكميل (4/ 281). (¬3) أي أبو حيان، وانظر المرجع السابق. (¬4) هذا ما رآه أبو حيان في مذهب المبرد في عمل لا عمل ليس وأن رأيه فيها الإلغاء وما أسنده أبو حيان إلى أبي العباس خطأ فقد أجاز أبو العباس إعمالها، يقول: «وقد تجعل لا بمنزلة ليس لاجتماعهما في المعنى ولا تعمل إلّا في النكرة تقول: لا رجل أفضل منك. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مبتدأ والخبر مضمر ولم يشترطوا تكريرا». انتهى (¬1). والحق أن عمل لا عمل ليس ثابت وقد تقدم الاستشهاد عليه (¬2). وقال سيبويه (¬3): وإن شئت قلت: لا أحد أفضل منك في قوله من جعلها كليس. وهذا نصّ صريح منه على الإعمال. وقال سيبويه أيضا (¬4): وزعموا أنّ بعضهم قرأ ولات حين مناص (¬5) - بالرّفع وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك: 813 - من صدّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس لا براح (¬6) فجعلها بمنزلة ليس» انتهى (¬7). قال الشيخ (¬8): «ليس في كتاب سيبويه ما يدلّ على أن إعمال لا عمل ليس مسموع من العرب لا قليلا ولا كثيرا وأما البيت الذي آخره لا براح فظاهر كلام سيبويه أنّ جعلها فيه بمنزلة ليس تأويل من ذلك البعض الذي قال عنه سيبويه: كما قال بعضهم في قول سعد بن مالك. قال: ولو كان التأويل لسيبويه لم يكن مثل هذا البيت تبنى عليه قاعدة، ألا ترى أن سيبويه شبّه رفع الحين بعد لات برفع براح بعد لا ولا ترفع لات غير الحين فكذلك لا يرفع لا غير براح» انتهى (¬9). وحاصل الأمر: أن عمل لا عمل ليس قليل وليس بكثير وأن عمل إن عمل (ما) - ¬

_ - ولا تفصل بينها وبين ما تعمل فيه لأنها تجري رافعة مجراها ناصبة (المقتضب: 4/ 382). (¬1) التذييل والتكميل (4/ 281). (¬2) وهو البيت الذي أوله: تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا. والذي أوله: إن المرء ميتا ... وهذا باتفاق. وقول الآخر: وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة بمغن ... على ما ذهب إليه ابن مالك. (¬3) انظر نصه في هذا الكتاب (2/ 300). (¬4) انظر نصه في الكتاب (1/ 58). (¬5) سورة ص: 3 وأولها: كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ ... إلخ. (¬6) البيت من بحر الكامل المجزوء سبق الاستشهاد به. ويستشهد به سيبويه وتبعه ابن مالك وناظر الجيش على أن لا فيه عاملة عمل ليس وأن الخبر المنصوب محذوف. ورده أبو حيان وقال: لا دليل فيه على ذلك لعدم وجود الخبر المنصوب إذ يحتمل أن يكون المحذوف مرفوعا خبر المبتدأ. (¬7) كتاب سيبويه (1/ 58). (¬8) التذييل والتكميل (4/ 284). (¬9) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أكثر من عمل لا عملها كما تقدمت إشارة الشيخ إلى ذلك. واعلم أن «إن» يبطل عملها بانتقاض النفي بإلا قال تعالى: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ (¬1) ويتوسط الخبر نحو: إن منطلق زيد (¬2). وإن المنقول عن بني تميم أنهم لا يعملون لا كما لا يعملون ما (¬3). وأما قول المصنف: ورفعها معرفة نادر فقد استفيد منه أن لا إنما تعمل في النكرات (¬4). ولا شك أن من أجاز إعمال لا إعمال ليس اشترط تنكير ما عملت فيه، وهذا بخلاف إن فإنها تعمل في المعرفة والنكرة (¬5). واشترط أيضا ألا يتقدم خبرها على اسمها وألا ينتقض النفي، فلو قلت: لا قائم - ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم: 10. (¬2) إنما بطل عملها بانتقاض النفي وتوسط الخبر لأنها تعمل بالحمل على ما وما يبطل عملها بذلك. (¬3) قال أبو حيان ناقلا عن صاحب كتاب المغرب المطرزي المتوفى سنة (610 هـ): «ما ولا بمعنى ليس ترفعان الاسم وتنصبان الخبر نحو ما زيد منطلقا ولا رجل أفضل منك وعند بني تميم لا يعملان، قال: وفي البسيط: وأما بنو تميم فالقياس عندهم عدم الحمل على ليس وكذلك في الثاني يعني في نحو لا رجل قائم قال: لأنهم إذا امتنعوا في الحمل الموافق فالمخالف أولى. (التذييل والتكميل: 4/ 284، 285). (¬4) عللوا عمل لا بأن لا من الحروف الداخلة على الأسماء والأفعال فحكمها ألا تعمل في واحد منها غير أنها عملت في الأسماء خاصة لعلة عارضة وهو مضارعتها إن كما عملت ما عمل ليس في لغة الحجاز لمضارعتها ليس والأصل ألا تعمل (الأشباه والنظائر: 1/ 241). كما عللوا عمل ليس في النكرات بأنها ضعيفة حيث تعمل بالحمل على ما التي تعمل بالحمل على ليس ولأن النكرة أبعد في باب المبتدأ من المعرفة والمعرفة أشد استبدادا بأول الكلام. (المرجع السابق: 1/ 244). وقال الصبان: «إنما اختص عمل لا بالنكرات لأنها عند الإطلاق لنفي الجنس برجحان والوحدة بمرجوحة وكلاهما بالنكرات أنسب، أما التي لنفي الجنس نصّا فعاملة عمل إن، وأورد على تخصيص عمل لا بالنكرات أنه وقع في أمثلة سيبويه ما زيد ذاهبا ولا أخوه قاعدا. وأجيب بأنه لا عمل للا بل هي زائدة والاسمان تابعان لمعمولي ما». حاشية الصبان (1/ 253). (¬5) مثال عملها في المعرفة قوله: إن هو مستوليا على أحد وقوله: إن المرء ميتا بانقضاء حياته، وقولهم: إن ذلك نافعك ولا ضارّك ومثاله في النكرة قولهم: إن أحد خيرا من أحد إلّا بالعافية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رجل ولا رجل إلا زيد أفضل منك بطل عملها (¬1). وكذا لا يجوز الفصل بمعمول الخبر بينها وبين ما عملت فيه (¬2). وأما عملها في المعرفة فشاذ (¬3). قال المصنف: «وشذّ [2/ 63] إعمالها في معرفة في قول النّابغة. 814 - بدت فعل ذي ودّ فلمّا تبعتها ... تولّت وخلّت حاجتي في فؤاديا وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا عن حبّها متراخيا (¬4) وقد حذا المتنبي حذو النابغة فقال (¬5): - ¬

_ (¬1) وذلك لضعفها بالعمل لعدم اختصاصها ولأنها تعمل بالحمل على ما وما يبطل عملها بذلك. (¬2) مثاله: لا أحد زيدا ضارب، وقولك: ما عندك أحد مقيم. (¬3) انظر بحثا طويلا ممتعا في عمل لا النافية عمل ليس وآراء النحاة في ذلك وتخصيصهم عمل لا بالنكرة فقط، ونقض هذا الرأي في رسالة للدكتور علي فاخر: الأخطاء النحوية والصرفية في شعر المتنبي (ص 194 - 202) (رسالة ماجستير بكلية اللغة). وقد ختم هذا البحث قائلا: «وإذا سئلت عن موقفي فأقول بجواز الإعمال والإهمال عند دخول لا على المعرفة مع وجوب التكرار كما جاء في القرآن الذي كان الخبر فيه جملة فعلية فلم يظهر فيه النصب وعلى ذلك فإذا رفع الشاعر خبر لا فهو جائز على الإهمال كما جاء في أشعار العرب ... وإذا نصبه فهو جائز على الإعمال كما جاء في بيت النابغة وبيت المتنبي وغيرهما ويلاحظ أنهما جاءا بالتكرار» ... إلخ. (¬4) البيتان من بحر الطويل وهما للنابغة الجعدي في الغزل، ومعناهما واضح. والشاهد فيهما قوله: «لا أنا باغيا» حيث عملت لا عمل ليس واسمها معرفة وشرط ذلك عند النحاة أن يكون اسمها وخبرها نكرتين، فالبيت شاذ وخرجوه على ما ذكر في الشرح بعد وقد سبق الاستشهاد بالبيت في باب المبتدأ. وأجاز العمل مع تعريف الاسم ابن مالك تابعا لابن جني وابن الشجري. وحكى الأشموني رأي ابن مالك في ذلك فقال بعد أن أنشد هذا الشاهد: «وترددّ رأي النّاظم في هذا البيت فأجاز في شرح التّسهيل القياس عليه وتأوله في شرح الكافية (حاشية الصبان: 1/ 235). والبيت في شرح التسهيل (1/ 377) وفي الكافية الشافية لابن مالك أيضا (1/ 127)، وفي التذييل والتكميل (4/ 286) وفي معجم الشواهد (ص 424). والنابغة الجعدي: عبد الله بن قيس، صحابي سبقت ترجمته. (¬5) إنما قال: وقد حذا المتنبي حذو النابغة ولم يقل: ومنه قول المتنبي لأن المتنبي لا يستشهد بشعره إذ هو من الطبقة الرابعة الذين لا يحتج بشعرهم وهم المولدون ويقال لهم المحدثون (خزانة الأدب: 1/ 13).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 815 - إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا (¬1) والقياس على هذا سائغ عندي، وقد أجاز ابن جنّي إعمال لا في المعرفة وذكر ذلك في كتاب التام (¬2)». انتهى (¬3). ومثال بيت المتنبي قول الشاعر: 816 - أنكرتها بعد أعوام مضين لها ... لا الدّار دارا ولا الجيران جيرانا (¬4) وقد قال المصنف - في شرح الكافية عند الكلام على لا (¬5) -: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من قصيدة قالها المتنبي مادحا كافورا وآسيا على أيامه التي كانت عند سيف الدولة ومطلعها (ديوانه: 4/ 281): كفى بك داء أن ترى الموت شافيا ... وحسب المنايا أن يكنّ أمانيا ومعنى بيت الشاهد: إذا لم يتخلص الجود من المن فقد ذهب مال المعطي وشكر المعطى له لأن المال ذهب بالجود والشكر ذهب بالأذى وهو مأخوذ من قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى [البقرة: 264]. والشاهد فيه: كالبيت الذي قبله حيث عملت لا في المعرفة مرتين في البيت ومثل ذلك قوله أيضا: أريك الرّضا لو أخفت النّفس خافيا ... ولا أنا عن نفسي ولا عنك راضيا (من الطويل) وقوله: غمام علينا ممطر ليس يقشع ... ولا البرق فيه خلّبا حين يلمع (من الطويل). وبيت الشاهد في شرح التسهيل (1/ 377)، وفي التذييل والتكميل (4/ 286)، وفي معجم الشواهد (ص 424). (¬2) لم أقف عليه مخطوطا أو مطبوعا ولم يذكره السيوطي في مؤلفات ابن جني (بغية الوعاة: 2/ 132) ووجدت في فهارس بعض الرسائل: كتاب التمام لابن جني تحقيق خديجة الحديثي وآخرين مطبعة العاني ببغداد. (¬3) شرح التسهيل (1/ 377)، وقوله: (وقد أجاز ابن جني) غير موجود بشرح التسهيل لابن مالك المطبوع. (¬4) البيت من بحر البسيط وهو لشاعر مجهول في وصف الأطلال والأحباب الراحلين ومعناه واضح. وشاهده كالذي قبله. وهو في التذييل والتكميل (4/ 287)، وفي معجم الشواهد (ص 382). (¬5) الشرح المذكور هو شرح الكافية الشافية لابن مالك وهو رسالة دكتوراه بكلية اللغة. تحقيق د/ أحمد الرصد. وقد حققه أيضا د/ عبد المنعم هريدي في خمسة أجزاء وانظر النص المنقول في (1/ 440) من الكتاب المذكور المطبوع. وقد نظم هذا الوضع ابن مالك في قوله: وأعلموا في النّكرات لا كما ... مثاله لا معتد مسالما -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الشّجري (¬1) أنّها عملت في معرفة وأنشد بيت النّابغة (¬2) ثم قال (¬3): ويمكن عندي أن يجعل أنا مرفوع فعل مضمر ناصب باغيا على الحال تقديره لا أرى باغيا فلما أضمر الفعل برز الضّمير وانفصل. ويجوز أن يجعل أنا مبتدأ والفعل المقدر بعده خبرا ناصبا باغيا على الحال (¬4). ويكون هذا من باب الاستغناء بالمعمول عن العامل لدلالته عليه كقولهم (¬5): حكمك مسمّطا (¬6) أي حكمك لك مسمّطا أي مثبتا فجعل مسمّطا وهو حال مغنيا عن عامله مع كونه غير فعل فأن يعامل باغيا بذلك وعامله فعل أحقّ وأولى». انتهى (¬7). وأما قول المصنف: وتكسع بالتّاء إلى آخره؛ فإنه شروع منه في الكلام على لات والكسع: ضرب الرجل مؤخر الرجل بظهر قدمه، والمراد أن التاء أتى بها في دبر لا. ويستفاد من هذا: أن لات مركبة من لا والتاء وهو مذهب سيبويه فيها (¬8)، - ¬

_ - ولا أنا باغيا آت عن ثقه ... وفيه بحث بارع من حقّقه (¬1) هو أبو السعادات هبة الله بن علي المعروف بابن الشجري، صاحب الأمالي الشجرية في النحو واللغة سبقت ترجمته. (¬2) انظر الأمالي الشجرية لابن الشجري (1/ 432) (د/ الطناحي). وانظر هذا الرأي (عمل لا: عمل ليس في المعرفة) منسوبا لابن جني وابن الشجري في مغني اللبيب: (1/ 240). (¬3) أي ابن مالك في شرح الكافية وقد نقله الأشموني في شرحه على الألفية (1/ 253). (¬4) وعليه فيكون الحال قد سدت مسد الخبر وهي مسألة مشهورة سبقت في باب المبتدأ إلا أن ضابطها لا ينطبق على هذا الذي نتحدث فيه. (¬5) قال في شرح الكافية: ... لدلالته عليه ونظائره كثيرة، منها قولهم: ... (¬6) علق عليه الصبان في حاشيته على الأشموني (1/ 254)، فقال: تقدم أن هذا شاذ فلا يناسب التنظير به. ووجه شذوذه ذكره في باب المبتدأ (1/ 220) فقال: «وشذوذه من وجهين: النّصب مع صلاحيّة الحال للخبريّة وكون الحال ليست من ضمير معمول المصدر بل من ضمير المصدر المستتر في الخبر». (¬7) شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 442). (¬8) لم ينص عليه في الكتاب صراحة وهو في الهمع (1/ 126)، وفي التذييل والتكميل (4/ 287) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا لو سميت بها حكيت كما لو سميت بإنما. ومذهب الأخفش قيل والجمهور أن لا تركيب وإنما هي لا زيدت عليها التاء كما زيدت على ثم فقيل ثمت (¬1) فكأن لا لها استعمالان: أحدهما بغير تاء والثاني بالتاء [2/ 64] كثمّ. ولا يخفى بعد هذا القول (¬2). وذهب ابن أبي الربيع إلى أن الأصل في لات ليس. قال: «فأبدل السّين تاء كما فعل ذلك في ستّ (¬3) ثم قلبت الياء ألفا لأنه كان الأصل في ليس لاس لأنها فعل إلا أنهم كرهوا أن يقولوا ليت فيصير لفظها لفظ التّمنّي، ولم يفعلوا هذا إلا مع الحين كما أن لدن لم تشبّه نونها بالتّنوين إلّا مع غدوة (¬4) انتهى (¬5). ولا يخفى ما فيه من التعسف (¬6). وأما قول ابن الطراوة: «إنّ التّاء ليست للتّأنيث وإنّما هي زائدة على لفظ الحين بدليل قول القائل: 817 - العاطفون تحين ما من عاطف ... [والمسبغون يدا إذا ما أرملوا] (¬7) - ¬

_ (¬1) المرجعان السابقان. (¬2) إنما كان بعيدا لأنه لم يعهد الزيادة على الحروف وكذلك لم يعهد تأنيثها والواجب أن تكون لات حرفا مستقلّا كلا. (¬3) أصله: سدس قلبوا السين الأخيرة تاء لتقرب من الدال التي قبلها فصارت سدت ثم قبلت الدال تاء لتقاربهما في المخرج ثم أدغمت التاء في التاء فصار ست (لسان العرب: سدس) طبعة دار المعارف. (¬4) معناه أن لدن تستعمل مضافة دائما فيكون ما بعدها مجرورا لفظا أو محلّا، فالأول نحو قوله تعالى: مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1] والثاني: وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف: 65]. إلا إذا كان ما بعدها لفظ غدوة على التمييز وعليه فإن لدن تقطع حينئذ عن الإضافة لفظا ومعنى فكأن نونها أصبحت تنوينا في هذه الحالة. (¬5) انظر نص ما نقله الشارح عن ابن أبي الربيع في كتابه شرح الإيضاح المسمى بالملخص لابن أبي الربيع (ميكروفيلم بمعهد المخطوطات لقطة رقم: 82). (¬6) قال الأشموني في شرحه على الألفية (1/ 257): «وهو ضعيف لوجهين: الأول: أنّ فيه جمعا بين إعلالين وهو مرفوض في كلامهم لم يجئ منه إلّا ماء وشاء. الثاني: أن قلب الباء السّاكنة ألفا وقلب السّين تاء شاذان». (¬7) البيت من بحر الكامل وهو المدح لأبي وجزة السعدي (اللسان: ليت). اللغة: العاطفون: جمع عاطف وهو من يعطي على شفقة وحنان. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو قول لا ينبغي التشاغل به (¬1). إذا عرفت هذا فاعلم أنهم ذكروا أن في عملها خلافا وأن مذهب الأخفش أنها لا تعمل، وما بعدها إن كان مرفوعا فهو مبتدأ محذوف الخبر أو خبر محذوف الابتداء وإن كان منصوبا فبفعل مضمر (¬2). والجمهور على أنها تعمل وهو مذهب سيبويه لكنها إنما تعمل في شيء مخصوص وهو الحين أو ما رادفه. قال سيبويه - وقد تكلم على عمل لا عمل ليس (¬3) -: «كما شبّهوا بليس لات في بعض المواضع وذلك مع الحين خاصّة لا تكون لات إلّا مع الحين تضمر فيها مرفوعا وتنصب الحين لأنه مفعول به ولم تتمكّن تمكّنها، ولم تستعمل إلا مضمرا فيها». انتهى. وقوله: وتضمر فيها أراد بذلك الحذف لأن الحرف لا يضمر فيه. وقوله: لأنّه مفعول به أي مشبه بالمفعول به، وظاهر كلامه أن عمل لات مختص بلفظ الحين فلهذا قصره بعضهم عليه وبعضهم عدى العمل إلى ما يرادف الحين من أسماء الزمان ومنهم المصنف كما صرح بذلك في متن الكتاب. - ¬

_ - تحين: هي حين بمعنى الوقت زيدت التاء في أولها أو هي بقية لات بعد حذف لا منها. وهو موضع الشاهد. المسبغون يدا: المنعمون بكثرة على الناس. والمعنى: مدح بالكرم حين يعز الكريم ويبخل الناس بالعطاء وهو كرم لا نهاية له حيث يكون في الغنى والفقر. وفي البيت كلام كثير في شاهده، فابن الطراوة يحتجّ به على أنّ (لات حين) أصلها لا النافية والتاء زائدة على لفظ حين الظرفي. ورأى ابن مالك في البيت رأيا آخر رده عليه أبو حيان سيأتي في هذا التحقيق. والبيت في شرح التسهيل (1/ 378)، وفي التذييل والتكميل (4/ 288)، ومعجم الشواهد (ص 354). (¬1) انظر في إسناد هذا الرأي لابن الطراوة: التصريح (1/ 200) والمغني (1/ 254)، والتذييل والتكميل (4/ 288) وقوله: لا ينبغي التشاغل به لعدم شهرة تحين في اللغات واشتهار لات حين وأيضا فإنهم يقولون لات - أوان ولات هنا ولا يقولون: تأوان ولا تهنا (شرح الكافية للرضي: 1/ 271). (¬2) اشتهر مذهب الأخفش هذا في لات في كتب النحو والتفسير: انظر شرح التصريح (1/ 200)، والمغني (1/ 254). والتذييل والتكميل (4/ 293). البحر المحيط (7/ 383). الكشاف (4/ 81). (¬3) كتاب سيبويه (1/ 57) بتحقيق هارون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في الشرح (¬1): ولم يستعمل لات غالبا إلّا في الحين أو مرادفه مقتصرا على الخبر، كقوله تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (¬2). ومنه قول الشاعر: 818 - غافلا تعرض المنيّة للمر ... ء فيدعى ولات حين إباء (¬3) وقال في شرح الكافية (¬4): «وأما لات فإنهم رفعوا بها الحين اسما ولا يكادون يلفظون به بآخر منصوب خبرا كقوله تعالى: فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (¬5) أي - ¬

_ (¬1) أي شرح التسهيل (1/ 377). (¬2) سورة ص: 3. وقد ورد في الآية عدة قراءات: قراءة الجمهور: بنصب النون خبر لات العاملة عمل ليس واسمها محذوف والتقدير: ولات الحين حين مناص أي قرار، قال أبو حيان: (البحر المحيط: 7/ 383) «وعلى قول الأخفش يكون حين بالنصب اسم لات على أنها عاملة عمل إن والخبر محذوف أو حين مفعول به لفعل محذوف: أي ولات أرى حين مناص». قال أبو حيان: «ولات حين بضم التاء ورفع النون قراءة أبي السمال فعلى قول سيبويه حين اسم لا والخبر محذوف وعلى قول الأخفش مبتدأ والخبر محذوف وقرأ عيسى بكسر التاء وجر النون». ووجهها الفراء (معاني القرآن: 2/ 397): «بأنّ من العرب من يجرّ بلات وأنشد (من الخفيف): طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء وانظر هذه القراءات وتوجيهها في مغني اللبيب (1/ 254). (¬3) البيت من بحر الخفيف وهو في الوعظ والنصح، قال الشيخ محيي الدين عبد الحميد (شرح الأشموني: 2/ 532): لم أقف لهذا البيت بعد بحث طويل على نسبة إلى قائل معينّ ولا عثرت له على سابق أو لاحق. ومعناه: أن الموت يعرض فجأة للإنسان فيطلبه وهو غافل عنه وحين يأتي فلا بد من إجابته ولا إباء هناك ولا امتناع. والشاهد فيه قوله: «ولات حين إباء» حيث عملت لا عمل ليس وحذف اسمها وبقي الخبر. كما استشهد به النحاة في باب الحال مرة أخرى على جواز تقديم الحال على صاحبها المجرور في قوله: غافلا تعرض المنية للمرء. والبيت في شرح التسهيل (1/ 377) وفي التذييل والتكميل (4/ 292). وفي معجم الشواهد (ص 25). (¬4) شرح الكافية الشافية لابن مالك (1/ 442) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي وهو بنصه كما هنا، وفي لات يقول ابن مالك في نظم الكافية: واسما للات الحين محذوفا جعل ... ونصب حين خبرا بعد نقل وقد يرى المحذوف بعد خبرا ... والثّابت اسما حيث مرفوعا جرى (¬5) سورة ص: 3.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس الحين حين مناص ولا بدّ من تقدير المحذوف معرفة لأن المراد نفي كون الحين الحاضر حينا ينوصون فيها أي يهربون أو يتأخرون. [2/ 65] وليس المراد نفي جنس حين المناص ولذلك كان رفع الحين الموجود شاذّا لأنّه محوج إلى تكلّف مقدّر يستقيم به المغنى مثل أن يقال: معناه ليس حين مناص موجودا لهم عند تناويهم ونزول ما نزل بهم إذ قد كان لهم قبل ذلك حين مناص فلا يصحّ نفس جنسه مطلقا بل مقيّدا» انتهى (¬1). وقد نبه على شذوذ رفع الحين بقوله: مقتصرا على منصوبها بكثرة وعلى مرفوعها بقلّة. وأشار بقوله: أو مرادفه إلى قول رجل من طيئ: 819 - قدم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم (¬2) وإلى قول الآخر: 820 - طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء (¬3) أي ليس الأوان أوان صلح فحذف المضاف إليه أوان ونوى الثبوت وبني كما - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية (1/ 128). (¬2) البيت من بحر الكامل قائله - كما في مراجعه - محمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي، له شعر في معجم الشعراء (ص 347) فيه معنى الشاهد، وهو قوله: ولا تعجل على أحد بظلم ... فإنّ الظّلم مرتعه وخيم ولا تقطع أخا لك عند ذنب ... فإنّ الذنب يغفره الكريم والشاهد فيه قوله: «ولات ساعة مندم» حيث عملت لات عمل ليس في اسم مرادف في الحين. وروي في ساعة ثلاثة أوجه: النصب خبرا للات وهو المشهور والاسم محذوف والرفع اسما لها والخبر محذوف والجر على أن لات حرف جر وهو رأي الفراء. والبيت في شرح التسهيل (1/ 377)، وفي التذييل والتكميل (4/ 292)، وفي معجم الشواهد (ص 356). (¬3) البيت من بحر الخفيف لأبي زبيد الطائي واسمه حرملة بن المنذر بن معدي كرب كان نصرانيّا ومات على دينه بعد خلافة عثمان وهو من قصيدة له في شرح شواهد المغني (2/ 640) للسيوطي يرد بها على قوم قتلوا منهم رجلا ثم طلبوا الصلح. والشاهد فيه قوله: ولات أوان حيث أعمل لات عمل ليس في مرادف الحين، وانظر الشرح في تعليل كسر النون من أوان، ورد عليه أن الفراء أجاز في لات أن تكون حرف جر لأسماء الزمان. والبيت في شرح التسهيل (1/ 378)، وفي التذييل والتكميل (4/ 294) وفي معجم الشواهد (ص 25).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل بقبل وبعد إلا أن أوانا لشبهه بنزال وزنا بني على الكسر ونوّن اضطرارا. وأما قول المصنف: وقد يضاف إليها حين لفظا أو تقديرا، فأشار به إلى قول الشاعر: 821 - لعلّ حلومكم تأوي إليكم ... إذا شمّرت واضّطرمت شذاتي وذلك حين لات أوان حلم ... ولكن قبلها اجتنبوا أذاتي (¬1) فهذا مثال الإضافة إليها لفظا. ومثال الإضافة إليها تقديرا: قول الآخر: 822 - تذكّر حبّ ليلى لات حينا ... وأمسى الشّيب قد قطع القرينا (¬2) أي حب ليلى حين لات حينا. واعلم أن في عبارة المصنف نظرا: فإن حينا لم يضف إلى لات إذ الحروف لا يضاف إليها وإنما أضيفت حين الملفوظ بها والمقدرة إلى الجملة التي باشرتها لات بأسرها ولا ريب في أن أسماء الزمان تضاف إلى الجمل. وأما قوله: وربّما استغني مع التّقدير عن لا بالتاء فأشار به إلى قول الشاعر: 823 - العاطفون تحين ما من عاطف ... والمسبغون يدا إذا ما أنعموا (¬3) - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر الوافر قالهما الطرماح بن حكيم موعدا ومهددا. المفردات: حلومكم: عقولكم. شمّرت: كنت مستعدّا. اضطّرمت شذاتي: يقال اضطرمت شذاته إذا اشتد إيذاؤه وماتت شذاه إذا كفي شره (أساس البلاغة (ص 483) شذو، طبعة دار الشعب). المعنى: يهدد الطرماح أعداءه ويأمرهم أن يثوبوا إلى رشدهم فيبتعدوا عن إيذائه قبل فوات الأوان. والشاهد فيه قوله: «وذلك حين لات أوان حلم» حيث أضيفت حين إلى لات وما دخلت عليه لفظا وذلك لأن حين من أسماء الزمان فهو مضاف إلى ما بعده من الجمل. والبيتان في شرح التسهيل (1/ 378)، وفي التذييل والتكميل (4/ 296)، وفي معجم الشواهد (ص 74). (¬2) البيت من بحر الوافر لشاعر مجهول وهو في ذكرى المحبوب حيث تذكر الشاعر محبوبته ليلى، ولكن أين ليلى منه وقد كبر وهجم عليه الشيب. ويستشهد به على إضافة حين مقدرة إلى لات، والتقدير: تذكر حب ليلى حين لات حين تذكر أي حين لا وقت للتذكر وقطع حين الثانية الواقعة خبرا للات عن الإضافة ونونها. والبيت في شرح التسهيل (1/ 378)، وفي التذييل والتكميل (4/ 296)، وفي معجم الشواهد (ص 387). (¬3) البيت من بحر الكامل وهو في المدح لأبي وجزة السعدي وقد سبق الاستشهاد به قريبا حيث يستدل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد العاطفون حين لات حين ما من عاطف فحذف حين مع لا. قال المصنف (¬1): «وهذا أولى من قول من قال: إنه أراد العاطفونه بهاء السكت ثم أثبتها وأبدلها تاء». قال الشيخ (¬2): «وتخريج البيت على ما ذكره المصنّف لا يتعقّل لأنه يكون المعنى: هم العاطفون وقت ليس الحين حين ليس ثمّ عاطف». قال: «وأحسن منه التخريج الثّاني وهو أنّ التّاء هاء السّكت وهو أولى أيضا من زعم من زعم أن التّاء زيدت على حين» انتهى. ولا يخفى ضعف دعوى الزيادة بالنسبة إلى هذا الحرف في هذا المحل (¬3). وأما قوله: وتهمل لات على الأصحّ إن وليها هنّا فأشار به إلى قول الشاعر: 824 - حنّت نوار ولات هنّا حنّت ... وبدا الّذي كانت نوار أجنّت (¬4) [2/ 66] قال في شرح الكافية (¬5): «للنّحويين في لات يعني في هذا البيت مذهبان: أحدهما: أن لات مهملة لا اسم لها ولا خبر وهنا في موضع نصب على الظّرفيّة - ¬

_ - به ابن الطراوة على أن لات أصلها لا فقط والتاء زائدة في لفظ الحين. وأما ابن مالك فيستشهد به هنا على أنه قد تضاف حين إلى لات وتكون حين مقدرة وتكون لات محذوفا منها لا، وتبقى التاء وحدها ورده أبو حيان واختار رأيا آخر ورد الشارح دعوى زيادة التاء سواء على رأي ابن الطراوة أو ما اختاره أبو حيان وتفصيل الكلام في الشرح. (¬1) في شرح التسهيل (1/ 378). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 297). (¬3) يشير إلى إبطال ما ذهب إليه ابن الطراوة وأبو حيان. (¬4) البيت من بحر الكامل منسوب لشبيب بن جعيل وهو في الغزل. وقد سبق الاستشهاد به في باب اسم الإشارة على أنه قد يشار بهنا إلى الزمان منصوبا على الظرفية. وأما شاهده هنا: في هذا الباب ففي قوله: «ولات هنا حنت» حيث أهملت لات لوقوع لفظ هنا بعدها على ما ذهب إليه ابن مالك. ثم توجيه البيت وإعرابه مذكور في الشرح بالتفصيل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 378)، وفي التذييل والتكميل لهذا الشاهد (4/ 291، 297). وفي معجم الشواهد (ص 75). (¬5) انظر الشرح المذكور (1/ 445) بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه إشارة إلى زمان. وحفت مع أن مقدرة قبلها في موضع رفع بالابتداء والتقدير حنّت نوار ولات هنالك حنين وهذا توجيه الفارسيّ (¬1). والوجه الثاني: أن يكون هنا اسم لا وحنت خبرها على حذف مضاف والتقدير: وليس ذلك الوقت وقت حنين. وهذا الوجه ضعيف لأن فيه إخراج هنّا عن الظّرفيّة وهو من الظّروف التي لا تنصرف، وفيه أيضا إعمال لات في معرفة ظاهرة وإنّما تعمل في نكرة وهو اختيار ابن عصفور» (¬2). انتهى (¬3). وقد اعترف الشيخ بأن الذي رد به المصنف على ابن عصفور رد صحيح وقال: «وقد جاءت لات غير مضاف إليها حين ولا مذكور بعدها حين ولا ما رادفه في قول الأفوه الأودي: 825 - ترك النّاس لنا أكتافهم ... وتولّوا لات لم يغن الفرار (¬4) وهذا يدلّ على أن لات لا تعمل وإنّما هي في هذا البيت حرف نفي مؤكّد بحرف النّفي الذي هو لم ولو كانت عاملة لم يجز حذف الجزأين بعدها كما لا يحذفان بعد ما ولا العاملتين عمل ليس» (¬5). ¬

_ (¬1) انظر المغني (1/ 592) وحاشية الصبان على الأشموني (1/ 256). (¬2) قال في المقرب (1/ 105): في حديث عن لات: وتعمل في الحين معرفة ونكرة لاختصاصها به ومن إعمالها فيه معرفة قول الأعشى (من الخفيف): لات هنّا ذكرى جبيرة أو من ... جاء منها بطائف الأهوال فأعملها في هنا وهو معرفة اه. وفي الهمع قال السيوطي (1/ 126) وهل تعمل في هنا كسائر مرادف الحين؟ قولان، أحدهما نعم وعليه الشلوبين وابن عصفور. (¬3) شرح الكافية الشافية (1/ 445) وفي لات هنا يقول ابن مالك في الكافية: في لات هنّا ما للات من عمل ... وبعضهم هنّا لها اسما جعل (¬4) البيت من بحر الرمل منسوب - كما في الشرح - للأفوه الأودي. وهو في الفخر حيث يفتخر الشاعر أن الناس سلموا له ولقومه أنفسهم وظهورهم واستسلموا وبعضهم أراد الفرار ولكنه لم يستطع. وشاهده كما ذكره الشارح. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 299) وفي معجم الشواهد (170). (¬5) التذييل والتكميل (4/ 299).

[إهمال ليس في لغة تميم]

[إهمال ليس في لغة تميم] قال ابن مالك: (ورفع ما بعد إلّا في نحو: «ليس الطّيب إلّا المسك» لغة تميم ولا ضمير في ليس خلافا لأبي عليّ). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «روى أبو عمرو بن العلاء في نحو «ليس الطّيب إلّا المسك» «وليس البرّ إلّا العمل الصّالح» النصب عن الحجازيين والرفع عن بني تميم. وأما النصب فعلى ما تستحقه ليس من رفع الاسم ونصب الخبر. وأما الرفع فعلى إهمال ليس وجعلها حرفا، وقد أشار سيبويه إلى جواز ذلك (¬2) وأجاز في قول من قال: «ليس خلق الله أشعر منه» كون ليس فعلا متحملا ضمير الشأن اسما وكونها حرفا مهملا (¬3). واضطرب قول أبي عليّ في ليس فرجح في بعض تصانيفه حرفيتها مع ظهور عملها والتزم في موضع آخر فعليتها وإلغاء عملها في نحو: ليس الطيب إلّا المسك وذهب إلى أنها متحملة ضمير الشأن اسما وما بعد ذلك خبرها (¬4). وما ذهب إليه غير صحيح؛ لأن الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن في حكم المفرد هو المخبر عنه في المعنى ولذلك استغنى عن عود ضمير منها إلى صاحب الخبر فإذا قصد إيجابها بإلا لزم تقدمها على جزئيها وامتنع توسطها كما يمتنع توسطها من جزئي خبر مفرد قصد إيجابه فلو كان اسم ليس في «ليس الطّيب إلا المسك» ضمير الشأن؛ لزم أن يقال ليس إلا الطيب المسك، كما يلزم أن يقال في كلامي - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 379). (¬2) قال سيبويه (1/ 147) عند تخريج قول الشاعر: هي الشّفاء لدائي لو ظفرت به ... وليس عنها شفاء الدّاء مبذول قال: هذا كله سمع عن العرب والوجه والحدّ أن تحمله على أنّ في ليس إضمارا وهذا مبتدأ كقوله: إنّه أمة الله ذاهبة إلا أنهم زعموا أن بعضهم قال: ليس الطّيب إلا المسك وما كان الطيب إلا المسك. (¬3) كتاب سيبويه (1/ 137). (¬4) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 271)، قال الرضي: «ورفع ما بعد إلا في نحو: ليس الطّيب إلا المسك لغة تميم وذلك لحملهم ليس على ما، وقال أبو علي في ليس ضمير الشأن والجملة بعدها خبرها ولا يطّرد ذلك العذر لوروده في كلامهم نحو الطّيب ليس إلا المسك بالرفع وجوز أيضا أن يكون إلا المسك إما بدلا من الطيب أو صفة له والخبر محذوف أي ليس إلا المسك في الدنيا، ويشكل ذلك بلزوم حذف خبرها بلا ساد مسدّه إذا ولم يثبت».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد قائم عند قصد حصر الخبر ليس كلامي إلا زيد قائم ولو وسطت إلا، فقيل: «ليس كلامي زيد إلا قائم» لم يجز فكذا لا يجوز ليس الطيب إلا المسك على تقدير ليس الشأن الطيب إلا المسك بل الواجب إذا قصد الحصر في خبر ضمير الشأن أن يجاء بإلا مقدمة على جزئي [2/ 67] الجملة كما قال الشاعر: 826 - ألا ليس إلّا ما قضى الله كائن ... وما يستطيع المرء نفعا ولا ضرّا (¬1) ويمكن في ليس الطيب إلا المسك إبقاء العمل على وجه لا محذور فيه وهو أن يجعل الطيب اسم ليس والمسك بدل منه، والخبر محذوف، والتقدير: «ليس الطيب في الوجود إلا المسك». ويكون الاستغناء هنا بالبدل عن الخبر كالاستغناء به في نحو: 827 - لا سيف إلّا ذو الفقا ... ر ولا فتى إلّا علي (¬2) انتهى (¬3). «وذكر ابن السيد أن هذه المسألة جرت بين أبي عمر عيسى بن عمر الثقفي وأبي عمرو بن العلاء وكان عيسى ينكر الرفع، وأبو عمرو يجيزه، فاجتمعا فقال له عيسى في ذلك، فقال له أبو عمرو: نمت يا أبا عمرو وأدلج الناس. ليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب ولا تميمي إلا وهو يرفع، ثم وجه أبو عمرو خلف الأحمر وأبا محمد اليزيدي إلى بعض الحجازيين وجهدا أن يلقناه الرفع فلم يفعل وإلى بعض - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو في الموعظة لشاعر مجهول. ومعناه: أن كل ما قدر الله واقع لا محالة والمرء لا يستطيع دفع خير أو طلب نفع. والشاهد في قوله: ألا ليس إلّا ما قضى الله كائن حيث دخلت إلا على الجملة الواقعة خبرا لضمير الشأن واسم ليس مقدم على جزأيها. والبيت في شرح التسهيل (1/ 380) وفي التذييل والتكميل (4/ 301) وفي معجم الشواهد (ص 138). (¬2) البيت من مجزوء الكامل نص عليه صاحب معجم الشواهد (ص 419) إلا أن شرح التسهيل لابن مالك (1/ 380) وشرحه لأبي حيان (4/ 302) أثبتوه مقلوبا هكذا. لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار وكذلك أثبته شارحنا ولكني جعلته بيتا ليكون موضع انتباه على الشاهد فيه وهو الاستغناء بالبدل عن الخبر وأصله لا سيف في الأرض إلّا ذو الفقار ولا فتى فيها إلّا عليّ، وانظر اللسان (فقر). (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 380).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التميميين وجهدا أن يلقناه النصب فلم يفعل ثم رجعا وأخبرا بذلك عيسى وأبا عمرو، فأخرج عيسى خاتمه من إصبعه ورمى به إلى أبي عمرو وقال هو لك، بهذا فقت الناس». انتهى (¬1). وكما أن الحجازيين أعملوا ما إعمال ليس إذا لم ينتقض النفي؛ كذلك التميميون أهملوا ليس إذا انتقض النفي حملا على ما. وإذا ثبت أن هذا لغة لقوم وهم ينو تميم لم يتجه تأويل أبي علي (¬2). وقد اعتذر عنه بأنه لم يبلغه - والله أعلم - نقل أبي عمرو أن ذلك لغة تميم. وقد استشعر أبو علي هذا الإيراد الذي أورد عليه وأنه لو كان في ليس ضمير الشأن لكان يقال: ليس إلّا الطيب المسك فقال: إن إلا دخلت في غير موضعها ونظير ذلك قوله تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا (¬3) وقال الشاعر: 828 - أحلّ به الشّيب أثقاله ... وما اغترّه الشّيب إلّا اغترارا (¬4) إذ من المعلوم أنه لا يظن غير الظن ولا يغتر الشيب إلا اغترارا وإذا كان كذلك فالمعنى: إن نحن إلا نظن ظنّا وما اغتره إلا الشيب اغترارا. - ¬

_ (¬1) انظر القصة بالتفصيل - فهي هنا مختصرة اختصارا لا يخل - في إصلاح الخلل الواقع لابن السيد البطليوس (ص 142) وما بعدها تحقيق د/ حمزة النشرتي، نشر دار المريخ بالرياض. والقصة نقلها أبو علي القالي في أماليه (3/ 44) كما نقلها أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 300) والسيوطي في الأشباه والنظائر (3/ 72). (¬2) وهو أنها متحملة ضمير الشأن اسما وما بعد ذلك خبرها. (¬3) سورة الجاثية: 32. (¬4) البيت من بحر المتقارب من قصيدة للأعشى يمدح بها قيس بن معدي كرب بدأها بالغزل ليس في الميل إلى الحبيب ولكن في الميل عنه. انظر ديوان الأعشى (ص 80). اللغة: حل به الشيب أثقاله: نزل به - اغترّه: غره ورواية الديوان: وما اعترّه: بالعين المهملة ومعناه: وما عرض له .. واستشهد به على دخول إلا في غير موضعها في قوله: وما اغترّه الشّيب إلا اغتررا كما ذهب إلى ذلك أبو علي الفارسي. وأصله: وما اغتره إلا الشيب اغترارا. ولم يعجب هذا جماعة وخرجوه على أن إلا في موضعها. وللمصدر وصف محذوف تقديره: وما اغتره الشيب إلا اغترارا بينا. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 301). وفي معجم الشواهد (ص 147).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن هذا الاستثناء مفرغ وهم قد نصوا على أن التاريخ يصح بالنسبة إلى جميع المعمولات، إلا المصدر المؤكد فإنه لا يجوز التفريغ بالنسبة إليه إذ لا فائدة في ذلك. وأجيب عن ذلك: بأننا نجعل المصدر في الآية الشريفة والبيت مبينا وذلك بأن نقدر صفة محذوفة لفهم المعنى، والتقدير: إن نظنّ إلّا ظنّا ضعيفا وإلّا اغترارا بيّنا. فبهذا الجواب الذي أجيب به هنا يجاب به عن قول أبي علي: إنّ إلّا وقعت في غير موقعها. قالوا: وهذا أولى لأنه قد ثبت حذف الصفة لفهم المعنى ولم يثبت وضع إلا في غير موضعها. والوجه الآخر الذي ذكره المصنف (¬1) قد ذكره ابن عصفور عن أبي علي أيضا (¬2). وذكر عنه وجها ثالثا وهو: أن يكون إلا المسك نعتا للطيب والخبر محذوف كأنه قال: ليس الطيب الذي هو غير المسك طيبا في الوجود حقيقة. قالوا: وحذف خبر ليس لفهم المعنى قد يجيء قليلا نحو قوله: 829 - لهفي عليك للهفة من خائف ... يبغي جوارك حين ليس مجير (¬3) [2/ 68] يريد ليس في الدنيا مجير (¬4). ولا شك أن كون ذلك لغة التميمين يبطل هذه التأويلات. ¬

_ (¬1) وهو أن الطيب اسم ليس والمسك بدل منه والخبر محذوف والتقدير: ليس الطيب في الوجود إلا المسك. (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 381، 382) تحقيق فواز الشغار. (¬3) البيت من بحر الكامل وقد سبق الحديث عنه والاستشهاد به في باب كان. والشاهد فيه هنا: حذف خبر ليس لفهم المعنى وهو قليل والتقدير: حين ليس مجير موجودا. والبيت في معجم الشواهد (ص 169)، وفي التذييل والتكميل (4/ 206، 292، 302). (¬4) انظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 283)، وانظر البيت وشاهده أيضا في شرح الجمل: (1/ 177، 411). وقد حكم على حذف الخبر فيهما بالضرورة.

[حكم النفي بليس وما]

[حكم النفي بليس وما] قال ابن مالك: (ولا تلزم حاليّة المنفي بليس و «ما» على الأصحّ). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): زعم قوم من النحويين أن ليس وما مخصوصان بنفي ما في الحال والصحيح أنهما ينفيان ما في الحال وما في المضي وما في الاستقبال وقد تنبه أبو موسى الجزولي إلى ذلك، فقال في كتابه المسمى بالقانون (¬2): «وليس لانتفاء الصّفة عن الموصوف مطلقا». قال أبو علي الشلوبين: «قال أبو موسى ذلك، وإن كان الأشهر عند النّحويين أن ليس إنّما هي لانقضاء الصّفة عن الموصوف في الحال لأن سيبويه حكى: ليس خلق الله مثله وأجاز (¬3) ما زيد ضربته على أن تكون ما حجازيّة». ثم بين الشلوبين أن مراد القائلين إن ليس لانتفاء الصفة في الحال إذا لم يكن مخصوصا بزمان دون زمان ونفي بليس فإنه يحمل نفيها على الحال كما يحمل الإيجاب عليه أيضا، فإن اقترن الخبر بالزمان أو ما يدل عليه فهو بحسب المقترن به موجودا كان أو منفيّا بليس (¬4). ثم قال المصنف: «وقد ورد استقبال المنفي بليس في القرآن العزيز وأشعار العرب كثيرا وكذا ورد استقبال المنفي بما. فمن استقبال المنفي بليس: قوله تعالى: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ (¬5). وقوله تعالى: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ (¬6) وقوله تعالى: لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (¬7) ومنه قول حسان: - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (1/ 380). (¬2) انظر (ص 105) من المقدمة الجزولية في النحو تحقيق شعبان عبد الوهاب محمد. (¬3) المجيز هو الشلوبين كما في التذييل والتكميل. (¬4) انظر نص ما نقله ابن مالك عن أبي علي الشلوبين في كتابه شرح القانون للجزولي (ميكروفيلم رقم 102 نحو بمعهد المخطوطات العربية، لقطة رقم 21). (¬5) سورة هود: 8. (¬6) سورة البقرة: 267. (¬7) سورة الغاشية: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 830 - وما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدّهر مادام يذبل (¬1) وقول زهير: 831 - بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ... ولا سابقا شيئا إذا كان جائيا (¬2) وقول الآخر: 832 - إنّي على العهد لست أنقضه ... ما اخضرّ في رأس نخلة سعف (¬3) ومثله: 833 - ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو لحسان بن ثابت يمدح الزبير بن العوام وقد سبق الاستشهاد به مرة أخرى قبل ذلك في موضع دلالة المضارع لزمن المستقبل وإن نفي بلا وليس وهو في معجم الشواهد (ص 279) وفي شرح التسهيل (1/ 381) وفي التذييل والتكميل (4/ 203). (¬2) البيت من بحر الطويل وقد ورد في كتاب سيبويه خمس مرات لشواهد مختلفة منسوبا في أربع منها إلى زهير بن أبي سلمى وفي واحدة (1/ 306) لصرمة الأنصاري وهو في ديوان زهير (ص 287) من قصيدة له كلها في المواعظ والحكم. ومعناه: أن الأمور تجري بيد الله والإنسان لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا. واستشهد بالبيت على أن المنفي بليس مستقبل لوجود قرينة وهي إذا الشرطية الدالة على الاستقبال. وفي البيت شواهد كثيرة ارجع إليها في المغني لابن هشام (ص 96، 288، 460، 476، 478، 551، 628). والبيت في شرح التسهيل (1/ 380)، وفي التذييل والتكميل (4/ 203) وفي معجم الشواهد (ص 421). (¬3) البيت من بحر المنسرح لشاعر مجهول يقول: إنه وفي وباق على عهده لا ينقضه ما بقي السعف الأخضر وهو ورق جريد النخل في رؤوس النخل. والشاهد فيه: كسابقه وهو أن النفي بليس مستقبل دل عليه ما المصدرية الظرفية التي للمستقبل والبيت في شرح التسهيل (1/ 381) وفي التذييل والتكميل (4/ 306). وليس في معجم الشواهد. (¬4) البيت من بحر الطويل وهو للنابغة الذبياني: ديوانه (ص: 47). من قصيدة يعتذر فيها للنعمان بن المنذر ويمدحه وقبل بيت الشاهد قوله: فإنك شمس والملوك كواكب ... إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب يقول النابغة للنعمان: إنه لن يكون لك صاحب إذا كنت ستحاسب كل من يخطئ وتعاقب كل من يهفو لأنه لا أحد مهذب أو كامل في أخلاقه أبدا. والشاهد في البيت قوله: ولست بمستبق أخا حيث جاء النفي بليس مستقبلا، دلّ على ذلك معنى البيت. والبيت في شرح التسهيل (1/ 381) وفى التذييل والتكميل (4/ 306) وفي معجم الشواهد (ص 36).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله أيضا: 834 - هوّن عليك فإن الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها فليس يآتيك منهيّها ... ولا قاصر عنك مأمورها (¬1) [2/ 69] ومثله قول الآخر: 835 - ولست لما لم يقضه الله واجدا ... ولا واجدا ما الله حمّ وقدّرا (¬2) ومن استقبال المنفي بما: قول الله تعالى: وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ (¬3). وقوله تعالى: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (¬4). وقوله تعالى: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها (¬5). وقوله تعالى: لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ (¬6)، وقوله: يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (15) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (¬7). ومن ورود ذلك في غير القرآن العزيز قول الشّاعر: 836 - وما الدّنيا بباقية لحيّ ... ولا أحد على الدّنيا بباق (¬8) - ¬

_ (¬1) البيتان من بحر المتقارب اختلط في قائلهما فقيل الأعور الشني بشر بن منقذ شاعر هجاء خبيث اللسان، شهد مع علي وقعة الجمل وقيل القائل عمر بن الخطاب وقيل غير ذلك «معجم الشواهد (ص 172) والصحيح أنهما لبشر بن منقذ. وأما عمر فكان يتمثل بهما فقط على المنبر (محقق المقتضب للمبرد: 4/ 196). ومعناهما: لا تجزع على ما فاتك ولا تفرح بما آتاك فإن الله فوقك يدبر الأمور كلها. وموضع الشاهد: في البيت الثاني وهو كسابقه وسيأتي مرة أخرى في آخر الباب. والبيتان في شرح التسهيل (1/ 381) وفي التذييل والتكميل (4/ 306) وفي معجم الشواهد (ص 172). (¬2) البيت من بحر الطويل ولم أعثر على قائله وهو من الحكم. ومعناه: أن ما قدر الله أن أناله سيأتيني وما قدر أن لن أناله لن يأتيني، وشاهده: كالذي قبله وهو في شرح التسهيل (1/ 381)، وفي التذييل والتكميل (4/ 306)، وليس في معجم الشواهد. (¬3) سورة البقرة: 96. (¬4) سورة البقرة: 167. (¬5) سورة المائدة: 37. (¬6) سورة الحجر: 48. (¬7) سورة الانفطار: 15، 16. (¬8) البيت من بحر الوافر لشاعر مجهول يذكر فيه أن كل شيء مآله الموت وأن الدنيا لن تبقى لأحد. والشاهد فيه قوله: وما الدّنيا بباقية لحيّ حيث جاء المنفي بما مستقبلا واستشهد به صاحب الإنصاف (1/ 75) على تكرير النفي مع المعطوف، والبيت في شرح التسهيل (1/ 382) وفي التذييل والتكميل (4/ 306) وفي معجم الشواهد (ص 252).

[زيادة الباء في الخبر المنفي]

[زيادة الباء في الخبر المنفي] قال ابن مالك: (وتزاد الباء كثيرا في الخبر المنفي بليس وما أختها، وقد تزاد بعد نفي فعل ناسخ للابتداء، وبعد «أو لم يروا أنّ» وشبهه وبعد لا التّبرئة وهل وما المكفوفة بإن والتّميمية خلافا لأبي علي والزّمخشري، وربّما زيدت في الحال المنفية وخبر إنّ ولكنّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول امرئ القيس: 837 - وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ... بمدرك أطراف الخطوب ولا آل (¬1) وشواهد ذلك شائعة ذائعة». انتهى (¬2). وقد تقدم ما نقله عن الشلوبين من أن مراد القائلين: «أنّ ليس لانتفاء الصّفة في الحال» إذا لم تكن مخصوصة بزمان دون زمان ونفي بليس فإنه يحمل نفيها على الحال وإذا كان كذلك فلا مخالفة بين المصنف وغيره من النحويين القائلين بذلك لأنهم يجيبون عما استدل به المصنف بأن القرائن صرفت ليس وما عن أن يراد بنفيهما الحال وهم إنما يريدون الحالية إذا لم تكن قرينة تصرف إلى غير الحال. قال ناظر الجيش: ذكر أن الباء تزاد في الأخبار المنفية لفظا أو معنى في مواضع وفي الحال المنفية: فأما زيادتها في الأخبار المنفية: فقد يكون كثيرا وقد يكون قليلا وقد يكون نادرا، - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل قائله امرؤ القيس من قصيدة مشهورة بعد المعلقة، وبيت الشاهد آخر أبياتها، ديوانه (ص 40). والبيت من الحكم ومعناه، من قول الآخر: تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي ومعنى ما دامت حشاشة نفسه: أي ما بقيت فيه حياة، ولا آل: أي غير مقصر في الطلب. وشاهده: كالذي قبله. وانظر البيت في شرح التسهيل (1/ 382)، وفي التذييل والتكميل (4/ 307)، وليس في معجم الشواهد. (¬2) شرح التسهيل (1/ 382).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما زيادتها في الحال المنفية فنادر. فأما الكثير من الأخبار: فخبر ليس وما فمثال ذلك في ليس قوله تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (¬1). ومثاله في قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (¬2). قال المصنف: «وقلت في الخبر المنفي ولم أقل في خبر ليس ليعلم أن الخبر [2/ 70] الموجب بعد ليس وغيرها لا تدخله الباء». انتهى (¬3). وأما القليل ففي مواضع، منها: خبر فعل ناسخ منفي، كقول الشاعر: 838 - وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (¬4) ومثله قول الآخر: 839 - دعاني أخي والخيل بيني وبينه ... فلمّا دعاني لم يجدني بقعدد (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة الزمر: 36. (¬2) سورة هود: 123. (¬3) شرح التسهيل (1/ 382). (¬4) البيت من بحر الطويل للشنفرى الأزدي وهو من القصيدة المشهورة عند النقاد بلامية العرب والتي مطلعها: أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم ... فإنّي إلى قوم سواكم لأميل انظرها في كتاب (موسوعة الشعر العربي ص 57). والشاعر يفتخر بقناعته وعفته يقول: إنه حين يجتمع مع جماعة على أكل لم يكن السابق إليه لأنه لا يسبق إلا النهم الحريص. والشاهد فيه: زيادة الباء في خبر مضارع كان المنفية حملا على زيادتها في ليس وما. والبيت في شرح التسهيل (1/ 382)، وفي التذييل والتكميل (4/ 308) وفي معجم الشواهد (ص 279). (¬5) البيت من بحر الطويل من قصيدة مشهورة لدريد بن الصمة وهي من أجود القصائد في الرثاء يرثي فيها أخاه عبد الله، وكان قد خرج بقومه ومعه أخوه دريد فوقعت بينهم وبين عدوهم معركة قتل فيها عبد الله فرثاه أخوه بهذه القصيدة، ومطلعها: أرثّ جديد الحبل من أمّ معبد ... بعافية أم أخلفت كلّ موعد ارجع إليها إن شئت في موسوعة الشعر العربي (ص 595). والقعدد: بضمتين وبفتحتين وبضم وفتح: وهو الجبان اللئيم القاعد عن المكارم والفضل وهو الخامل أيضا. والشاهد في البيت قوله: لم يجدني بقعدد حيث زاد الباء في خبر الفعل الناسخ وهو المفعول الثاني لوجد التي من أخوات ظن. والبيت في شرح التسهيل (1/ 383) وفي التذييل والتكميل (4/ 308) وفي معجم الشواهد (ص 111).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: خبر إن المسبوقة بأو لم يروا: كقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ (¬1). وهذا من إجراء الشيء في معناه لأن معنى: أو لم يروا الله أو ليس الله. ومنها: خبر لا التبرئة، ومنه قول العرب: لا خير بخير بعده النّار، إذا لم تجعل الباء بمعنى في. ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد هل، كقول الشاعر: 840 - يقول إذا اقللول عليها وأقردت ... ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم (¬2) والخبر هنا معنى لا لفظا. ومنها: خبر المبتدأ الواقع بعد ما المكفوفة بإن، كقول الشاعر: 841 - لعمرك ما إن أبو مالك ... بواه ولا بضعيف قواه (¬3) ومنها خبر المبتدأ الواقع بعد ما التميمية: كقول الفرزدق: 842 - لعمرك ما معن بتارك حقّه ... ولا منسئ معن ولا متيسّر (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف: 33. (¬2) البيت من بحر الطويل وقد سبق الاستشهاد به في أول باب المبتدأ. وشاهده هنا: زيادة الباء في خبر المبتدأ الداخلة عليه هل الاستفهامية التي في معنى النفي. (¬3) البيت من بحر المتقارب، وهو للمتنخل الهذلي مالك بن عوير من قصيدة يرثي بها أباه يقول في آخرها: أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه انظر ديوان الهذليين القسم الثاني (ص 29) والشعر والشعراء (2/ 660) وقد وجدته أيضا في ديوان ذي الأصبع العدواني برواية أخرى تقارب هذا البيت، ديوان ذي الأصبع (ص 102) والشاعر في البيت يحلف أن أباه كان سيدا قويّا شجاعا. وشاهده: زيادة الباء في خبر المبتدأ الواقع بعد ما المكفوفة بإن. والبيت في شرح التسهيل (1/ 383)، وفي التذييل والتكميل (4/ 311)، وفي معجم الشواهد (ص 413). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق في الهجاء. اللغة: معن: رجل بالبادية كان يبيع بالنسيئة وكان يضرب به المثل في شدة التقاضي (انظر حديثا عنه وشعرا له في الأمالي لأبي علي القالي 3/ 82) - المنسئ: الذي يؤخر المدين بدينه، المتيسر: الذي يتساهل مع مدينه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزعم أبو علي أن دخول الباء على الخبر بعدها مخصوص بلغة أهل الحجاز (¬1). وتبعه في ذلك الزمخشري (¬2)، قال المصنف: «والأمر بخلاف ما زعماه لوجوه (¬3). أحدها: أن أشعار بني تميم تتضمن الباء كثيرا بعد ما كقول الفرزدق المتقدم. الثاني: أن الباء إنما دخلت على الخبر بعد ما لكونه منفيّا لا لكونه خبرا منصوبا، ولذلك دخلت على خبر لم أكن، وامتنع دخولها على خبر كنت وإذا ثبت كون المسوغ لدخولها النفي فلا فرق بين منفي منصوب المحل ومنفي مرفوع المحل. الثالث: أن الباء المذكورة قد ثبت دخولها بعد بطلان العمل بإن وبعد هل كقوله: بواه ولا بضعيف قواه وقوله: «ألا هل أخو عيش لذيذ بدائم». وإنما دخلت على الخبر بعد هل لشبه هل بحرف نفي فلأن تدخل بعد ما التميمية أحق وأولى لأن شبه ما بها (¬4) أكمل من شبه هل بما. [2/ 71] وقد حكى الفراء (¬5) أن أهل نجد كثيرا ما يجرون الخبر بعد ما بالباء فإذا أسقطوا الباء رفعوا، فهذا دليل واضح على أن وجود الباء جارة للخبر بعد ما لا يلزم - ¬

_ - المعنى: يهجو الشاعر معنا بأنه رجل شديد لا يترك حقه ولا يتساهل مع الذين يتعاملون معه ولا يمهل صاحب الدين وقتا في سداد دينه حتى يتيسر. الشاهد فيه: زيادة الباء في خبر ما التميمية، وإنما كانت ما تميمية هنا لأن الشعر للفرزدق وهو تميمي، وفي البيت شاهد آخر سيأتي. والبيت في شرح التسهيل (1/ 383)، وفي التذييل والتكميل (4/ 322)، وفي معجم الشواهد (ص 153). (¬1) قال أبو علي الفارسي في الإيضاح له: باب ما: وممّا يجري مجرى ليس في رفعها الاسم الذي يكون مبتدأ ونصبها الخبر: «ما» في لغة أهل الحجاز. وذلك قولهم ما زيد ذاهبا وما عبد الله خارجا جعلها بمنزلة ليس لمشابهتها لها في نفي ما في الحال والدّخول على الابتداء والخبر، وقال الله تعالى: ما هذا بَشَراً، وما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، وقد دخلت على خبرها الباء كما دخلت على خبر ليس وذلك قولهم: ما زيد بذاهب وما بكر بخارج. (الإيضاح ص 145، 146) تحقيق فرهود، و (المقتصد في شرح الإيضاح: 2/ 429) تحقيق المرجان. (¬2) قال الزمخشري: (المفصل: 82): ودخول الباء في الخبر نحو قولك ما زيد بمنطلق إنما يصحّ على لغة أهل الحجاز لأنك لا تقول زيد بمنطلق. (¬3) انظر شرح التسهيل (1/ 383) وما بعدها. (¬4) أي بليس. (¬5) انظر معاني القرآن للفراء (2/ 42).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه كون الخبر منصوب المحل بل جائز أن يقال هو منصوب المحل وأن يقال هو مرفوع المحل وإن كان المتكلم حجازيّا فإن الحجازي قد يتكلم بلغة غيره وغيره قد يتكلم بلغته إلا أن الظاهر أن محل المجرور نصب إن كان المتكلم حجازيّا ورفع إن كان المتكلم تميميّا أو نجديّا. فمن دخول اللغة الحجازية في التميمية كسر هاء الغائب بعد كسره أو ياء ساكنة وإدغام نحو: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ (¬1) ورفع الله من قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ (¬2) لأن اللغة الحجازية: به وفيه بالضم (¬3) ولا يضار بالفلك وإلا الله بالنصب لأن الاستثناء منقطع، وإذا جاز للحجازي أن يتكلم باللغة التميمية جاز للتميمي أن يتكلم باللغة الحجازية بل التميمي أولى بذلك لوجهين (¬4): أحدهما: أن الحجازية أفصح وانقياد غير الأفصح (¬5) لموافقة الأفصح أكثر وقوعا من العكس. الثاني: أن معظم القرآن العزيز حجازي والتميمون متعبدون بتلاوته كما أنزل ولذلك لا يقرأ منهم: ما هذا بشر (¬6) بالرفع إلا من جهل كونه منزلا بالنصب. وأما النادر ففي مكانين: خبر إن، كقول امرئ القيس: 843 - فإن تنأ عنها حقبة لا تلاقها ... فإنّك ممّا أحدثت بالمجرّب (¬7) وخبر لكن كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 282. (¬2) سورة النمل: 65. (¬3) سبق من هذا التحقيق. (¬4) انظر شرح التسهيل (1/ 384). (¬5) في شرح التسهيل: وانقياد الأفصح وهو خطأ. (¬6) سورة يوسف: 31. (¬7) البيت من بحر الطويل وهو لامرئ القيس من قصيدة مشهورة له قالها في مناظرة مع علقمة الفحل وكانا قد حكما فيها أم جندب زوجة امرئ القيس - فلما حكمت لعلقمة طلقهما امرؤ القيس وتزوجها الآخر فسمي علقمة الفحل. والقصيدة في ديوانه (ص 42). اللغة: تنأ: تبعد. حقبة: معناها في الأصل السنة وهنا الزمن. عنها: الضمير لأم جندب، المجرّب: الخبير العالم بالأمور، وقوله: لا تلاقها: بدل من تنأ فهو مجزوم مثله. ويستشهد بالبيت على زيادة الباء في خبر إن وذلك قليل. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 844 - ولكنّ أجرا لو فعلت بهيّن ... وهل ينكر المعروف في النّاس والأجر (¬1) وأما زيادتها في الحال المنفية: فكقول الشاعر: 845 - فما رجعت بخائبة ركاب ... حكيم بن المسيّب منتهاها (¬2) وكقول الآخر: 846 - كائن دعيت إلى بأساء داهمة ... فما انبعثت بمزؤود ولا وكل (¬3) انتهى. وأما قول المصنف: وشبهه، فمراده به شبه أو لم يروا، ولم يمثل له المصنف - ¬

_ - والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، وفي التذييل والتكميل (3/ 178)، (4/ 314) وقد استشهد به أبو حيان أولا على تقدم معمول صلة الموصول بالألف واللام وليس الموصول مجرورا بفي ومن هنا وجب تقدير متعلق محذوف أي فإنك مجرب مما أحدثت بالمجرب. والبيت في معجم الشواهد (ص 53). (¬1) البيت من بحر الطويل وقائله مجهول وهو يدعو فيه إلى الخير وحب الناس. وشاهده: زيادة الباء في خبر لكن وهو قليل نادر، وقالوا: لشبه لكن بالفعل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، وفي التذييل والتكميل (4/ 178)، وفي معجم الشواهد (ص 151). (¬2) البيت من بحر الوافر وهو في المدح منسوب للقحيف العقيلي، شاعر إسلامي توفى سنة (130 هـ). اللغة: بخائبة: أي محرومة من طلبها، ركاب: الإبل التي يسار عليها، الواحده راحلة. وللمسيّب: بفتح السين وتشديد الياء. والمعنى: أن كل من يقصد حكيم بن المسيب لا يخيب. والشاهد فيه قوله: فما رجعت بخائبة ركاب حيث زيدت الباء في الحال التي عاملها منفي. والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، وفي التذييل والتكميل (4/ 313)، وفي معجم الشواهد (ص 416). (¬3) البيت من بحر البسيط وهو في الفخر والشجاعة لشاعر مجهول. يقول: كم دعيت إلى معركة قوية فكنت شجاعا غير عاجز. اللغة: بأساء داهمة: الشديدة ويريد بها هنا الحرب العظيمة. مزؤود: في اللسان: (زأد): زئد الرجل زؤدا فهو مزؤود أي مذعور إذا فزع: وكل: بفتح الكاف، الذي يكل أمره إلى غيره وهو أيضا البليد الجبان. (اللسان: وكل). وشاهده قوله: فما انبعثت بمزؤود ... إلخ حيث زيدت الباء في الحال التي عاملها منفي. وفي هذا البيت والذي قبله تخريج لأبي حيان يمنع زيادة الباء وهو جعل الأسلوب من باب التجريد. (انظر التذييل والتكميل: 4/ 314)، وما ذهب إليه ابن مالك أولى (انظر شرح التسهيل له: 1/ 385)، -

[العطف على توهم زيادة الباء]

[العطف على توهم زيادة الباء] قال ابن مالك: (وقد يجرّ المعطوف على الخبر الصّالح للباء مع سقوطها ويندر ذلك بعد غير ليس وما، وقد يفعل ذلك في العطف على منصوب اسم الفاعل المتّصل). ـــــــــــــــــــــــــــــ بشيء ولا الشيخ أيضا وكأنه لم يحقق له مثالا. وللكوفيين تفصيل في الخبر المنفي من كونه ظرفا أو مجرورا أو غيرهما بالنسبة إلى دخول الباء وعدم دخولها لا يجدي طائلا فتركت ذكره خوف الإطالة (¬1) [2/ 72]. وقال الشيخ: «أطلق المصنّف في خبر ليس وكان ينبغي أن يقيّد فيقول: إلّا الواقع في الاستثناء نحو قام القوم ليس زيدا فلا يجوز ليس بزيد». انتهى (¬2). والحق أن ليس في الاستثناء قائمة مقام إلا فالمخرج بعدها كالمخرج بعد إلا والمخرج بعد إلا لا يقال فيه منفي بالاصطلاح النحوي، بل هو مخرج مما قبله، فكذلك المخرج بليس، لا يقال إنه منفي اصطلاحا، وإذا لم يكن منفيّا اصطلاحا لا يرد على المصنف لأنه إنما حكم بجواز زيادة الباء في الخبر المنفي بليس، والغرض أن هذا ليس بمنفي كما ذكرنا (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف: «لما كثر دخول الباء على خبر ليس وخبر ما جاز للمتكلم أن يجر المعطوف بعدهما على الخبر المنصوب كقول الشاعر: 847 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... وغلا ناعب إلّا ببين غرابها (¬4) - ¬

_ - والبيت ليس في معجم الشواهد. (¬1) انظره - إذا أردت - في التذييل والتكميل (4/ 307). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 308). (¬3) نقل هذا الرد على أبي حيان محقق التذييل والتكميل (2/ 524) في رسالته للدكتوراة: د/ سيد تقي. (¬4) البيت من بحر الطويل وهو في الهجاء وقد ورد في كتاب سيبويه أكثر من مرة نسب في بعضها (1/ 165)، (306) للأحوص الرياحي شاعر إسلامي كما نسب في بعضها للفرزدق (3/ 29). اللغة: مشائيم: جمع مشؤوم، وهو من يجر الشؤم وهو الشر على قومه أو غيرهم. ناعب: النعيب هو صوت الغراب وهو نذير للفراق وتصدع الشمل عند العرب. والمعنى: يهجو الشاعر قوما فينسبهم إلى الشؤم وقلة الخير والصلاح وأنهم لا يصلحون أمر عشيرة دب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر في جر المعطوف على المنصوب بما. 848 - ما الحازم الشّهم مقداما ولا بطل ... إن لم يكن للهوى بالفعل غلّابا (¬1) فكأنه قال: ما الحازم بمقدام ولا بطل. وقد عومل بهذه المعاملة المعطوف على منصوب كان المنفية كقول الشاعر: 849 - وما كنت ذا نيرب فيهمو ... ولا منمش فيهمو منمل (¬2) وإلى ذلك أشرت بقولي: ويندر ذلك بعد خبر غير ليس وما. فجر منمشا على منصوب كان المنفية لشبهه بمنصوب ليس في صلاحيته للباء حتى كأنه قيل: وما كنت بذي نيرب ولا منمش. والنّيرب: النميمة: والمنمش: المفسد ذات البين والمنمل: الكثير النميمة. ونبّهت بقولي: الصّالح للباء على أن المعطوف على خبر لا يصلح للبناء لا يجوز جره نحو: لست تفعل ولا مقاربا. وقد يجر المعطوف على منصوب اسم الفاعل كقول امرئ القيس: 850 - فظلّ طهاة اللّحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل (¬3) - ¬

_ - بينهما خلافات إلا نعب غراب هذه العشيرة بالفراق والبين. والشاهد في قوله: ولا ناعب حيث جاء مجرورا عطفا على مصلحين على توهم زيادة الباء فيه لأنه خبر ليس، وهو تزاد فيه الباء كثيرا كما استشهد به ابن جني في الخصائص (2/ 354) على أن مراجعة الأصل وهو جر خبر ليس أولى وأجدر. والبيت في شرح التسهيل (1/ 385)، والتذييل والتكميل (4/ 315)، ومعجم الشواهد (ص 43). (¬1) البيت من بحر البسيط لقائل مجهول يقول: لا يكون الشجاع شجاعا حتى يغلب عقله على هواه. والشاهد في البيت هو قوله: ولا بطل حيث عطف بالجر على ما قبله المنصوب على توهم زيادة الباء فيه لأنه خبر ما وهو تزاد فيه الباء كثيرا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 386)، وفي التذييل والتكميل (4/ 316)، وفي معجم الشواهد (ص 30). (¬2) البيت من بحر المتقارب لم أقف على قائله في مراجعه وقد ذكرت مفرداته في الشرح. والشاعر يدفع عن نفسه تلك الصفات. وشاهده قوله: ولا منمش فيهم منمل، حيث عطفه بالجر على خبر كان المنصوب وذلك على توهم زيادة الباء فيه. والبيت في شرح التسهيل (1/ 386)، وفي التذييل والتكميل (4/ 317)، وفي معجم الشواهد (325). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو في الوصف من معلقة امرئ القيس المشهورة وانظر البيت في الديوان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن المنصوب باسم الفاعل يجر كثيرا بإضافته إليه فكأنه إذا انتصب مجرور. وجواز جر المعطوف على منصوب اسم الفاعل مشروط بالاتصال كاتّصال منضج بالمنصوب؛ فلو كان منفصلا لم يجز الجر نحو: أن يقال من بين منضج بالنار صفيف شواء لأن الانفصال يزيل تصور الإضافة المقتضية للجر، كذلك لا يجوز جر المعطوف مع انفصال اسم الفاعل من معموله. انتهى. ثم ها هنا أمور: الأول: قال الشيخ (¬1): «يظهر من المصنف أن ما ذكره يطرد، وفي ذلك خلاف: ذهب عامة النّحويين إلى أنه لا يجوز ذلك وما ورد منه فهو محمول على التّوهّم، والعطف على التوهم عندهم لا ينقاس. قال: ووجدت بخط أستاذنا أبي جعفر بن الزبير (¬2) ما نصه: إذا عطفت على الخبر وكان حرف العطف غير موجب والخبر منصوب نصبت - ¬

_ - (ص 22). المفردات: الطّهاة: جمع طاه وهو الطباخ. منضج: اسم فاعل من أنضج اللحم إذا أحكم شيه. صفيف: الصفيف من اللحم: ما صفّ على الجمر ليشوى. الشّواء: اللحم المشوي على الجمر. القدير: ما طبخ من اللحم في القدر. المعجّل: السريع. والشاعر يصف مأدبة طعام للحم صيد وأن الطهاة صنفوا اللحم صنفين: مشوي ومطبوخ. والشاهد فيه قوله: أو قدير حيث عطف بالجر على صفيف والمعطوف عليه وإن كان منصوبا إلا أنه توهم فيه الجر لأنه معمول اسم الفاعل، وذلك المعمول كثيرا ما يضاف إليه العامل. وسيأتي كلام لأبي حيان في البيت وردّ عليه من الشارح. والبيت في شرح التسهيل (1/ 386)، والتذييل والتكميل (4/ 318)، ومعجم الشواهد (ص 305). (¬1) التذييل والتكميل (2/ 535). (¬2) هو الأستاذ أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير المولود سنة (627 هـ). قال أبو حيان عنه: كان محدّثا جليلا ناقدا نحويّا أصوليّا أديبا، فصيحا مفوّها». أقرأ القرآن والنحو والحديث بمالقة وغرناطة وغيرهما. ثم عرض له أن تغير عليه السلطان فحبسه بداره ثم ولاه الخطابة والإمامة بالجامع الكبير، كان محدث الأندلس خيرا صالحا. صنف تعليقا على كتاب سيبويه، والذيل على صلة ابن بشكوال ومن شعره: حسبي ذنوبي أثقلت كاهلي ... ما إن أرى غماءها تنجلي توفي سنة (708 هـ)، ترجمته في بغية الوعاة (1/ 291، 292).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى سيبويه الخفض على التّوهّم وجعله الفرّاء قياسا» انتهى (¬1). ولا أعلم من أين ظهر للشيخ الاطراد من كلام المصنف بل ظاهر كلام المصنف أنه لا يطرد لأنه أتى فيه بقد المشعر بالتقليل حيث قال [2/ 73]: وقد يجرّ المعطوف. الثاني: لا شك أن جر المعطوف على الخبر المنصوب فيما ذكر من باب العطف على التوهم (¬2). وجعل الشيخ من العطف على التوهم قول الشاعر: 851 - أجدّك لن ترى بثعيلبات ... ولا بيدان ناجية ذمولا ولا متدارك واللّيل طفل ... ببعض نواشغ الوادي حمولا (¬3) وقال الآخر: 852 - تقيّ نقيّ لم يكثّر غنيمة ... بنهكة ذي قربى ولا بحقلّد (¬4) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 316). (¬2) العطف على التوهم معناه: العطف على اللفظ باعتبار صفة يصبح اتصافه بها وسيأتي له مزيد بيان. وأما العطف على المعنى فهو تأويل الكلام المعطوف على بعضه بكلام آخر يصح معه العطف وسيأتي لهما قريبا مزيد بيان وتطبيق على الأمثلة. (¬3) البيتان من بحر المتقارب وهما كما في اللسان (طفل ونشغ) للمرار بن سعيد الفقعسي وهما في الوصف والكلام بين الأصدقاء. المفردات: ثعيلبات وبيدان: موضعان وبيدان بزنة ميدان. النّاجية الذّمول: الناقة السريعة. واللّيل طفل: يقال طفل الليل: أقبل. وروي والشمس طفل ولا تكون كذلك إلا وقت الغروب، النّواشغ: مجاري الماء في الأودية (اللسان: نشغ). والشاهد فيهما قوله: ولا متدارك حيث جاء بالجر عطفا على توهم أنه قال في لن ترى: لست براء، وانظر بقية الحديث في الشرح وذهب أبو العباس ثعلب (291 هـ) إلى أنه مجرور حيث لا وهي تبرئة موضع غير كأنه جره بالإضافة (مجالس ثعلب) (1/ 132). وروي البيت ولا متلاقيا ولا شاهد فيه على ذلك. وانظر البيت في التذييل والتكميل (4/ 317). ومعجم الشواهد (ص 270). (¬4) البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة لزهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان (ديوان زهير) (ص 234). المفردات: النّهكة: الظلم. الحقلّد: السيئ الخلق الضيق البخيل. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: توهم أنه قال: مكان لن ترى لست براء ومكان لم يكثّر: ليس بمكثّر (¬1). وقبل الوقوف على كلام الشيخ كان في ظني أن الذي في هذه الأبيات من العطف على المعنى وأن العطف على المعنى غير العطف على التوهم وذلك أن العطف على التوهم ليس فيه إلا أن يتوهم أن المعطوف عليه على حالة يصح اتصافه بها دون تأويل في الكلام كما ترى في عطف (ولا ناعب) على مصلحين فإنه إنما جر لتوهم أن الشاعر قال: بمصلحين من حيث أن المحل صالح للباء. وأما العطف على المعنى فلا بد فيه من تأويل الكلام المعطوف على بعضه بكلام آخر يصح معه العطف كما رأيت من تأويل: لم تر بلست براء وتأويل: لم يكثر بليس بمكثر. هكذا كنت أظن والشيخ قد جعل ما في الأبيات المذكورة من العطف على التوهم ولا يمتنع أن يقال: توهّم قائل لم تر أنّه قال: لست براء وقائل: لم يكثّر أنه قال: ليس بمكثّر (¬2). لكن قد وقع في عبارات النحويين أن ما وقع في نحو هذه الأبيات عطف على المعنى أي على الكلام لا على لفظه ولم يقولوا في نحو ولا ناعب بعد ليسوا مصلحين أنه عطف على المعنى بل قالوا: عطف على التّوهّم (¬3)، على أنه لا يتحقق فيه أنه عطف على المعنى إنما هو عطف على المعنى إنما هو عطف على اللفظ باعتبار صفة يصح تلبسه بها. الأمر الثالث: العطف بالجر على منصوب اسم الفاعل المتصل من العطف على التوهم أيضا لا من العطف على المحل لأن هذا المحل بحق الفرعية لا بحق الأصالة - ¬

_ - المعنى: أن هرما رجل عظيم متخلق بالأخلاق الحسنة لم يظلم قريبا ولم يسئ إلى أحد. والشاهد فيه قوله: ولا بحقلّد: حيث جاء بالجر عطفا على قوله: لم يكثر على توهم أنه قال: ليس بمكثر. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 317) وفي معجم الشواهد (ص 111). (¬1) التذييل والتكميل (4/ 318). (¬2) انظر شرح الكافية للرضي (1/ 268). (¬3) في المغني لابن هشام (2/ 528): قال ابن هشام: وسألني أبو حيان - وقد عرض اجتماعنا علام عطف بحقلد من قول زهير. تقي نقي لم يكثر غنيمة ... بنهكة ذي قربى ولا بحقلد فقلت حتى أعرف ما الحقلد؟ فنظرناه فإذا هو سيئ الخلق فقلت: هو معطوف على شيء متوهم إذ المعنى: ليس بمكثر غنيمة فاستعظم ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما ستعرفه في مكانه إن شاء الله تعالى. ويدل على أنه على التوهم قول المصنف: لأنّ المنصوب باسم الفاعل يجرّ كثيرا بإضافته إليه فكأنّه إذا انتصب مجرور، وإنما ذكر هذه المسالة في هذا الباب استطرادا لأنه ذكر ما شأنه شأنها. والمغاربة لا يجيزون العطف بالجر على منصوب اسم الفاعل (¬1) ولهذا قال (¬2) الشيخ: «وأصحابنا لا يجيزون: هذا ضارب زيدا وعمرو» ثم قال: «وأما البيت الذي أنشده المصنف فلا شاهد فيه وإذا جعل معطوفا على مراعاة جر صفيف فسد المعنى لأنه يصير التقدير: من بين منضج صفيف أو قدير فكأنه قال: من بين منضج أحد هذين فيكون قد قسم الطهاة وهم الطباخون إلى قسمين: أحدهما منضج صفيف أو قدير والآخر لم يذكره لأن بين تقتضي وقوعها بين شيئين أو أشياء ولا تدخل على شيء واحد. وإنما تأوله شيوخنا رحمهم الله تعالى [2/ 74] على أن يكون أو قدير معطوفا على قوله منضج لا على محل صفيف ويكون على حذف مضاف وأو بمعنى الواو، والتقدير: من بين منضج صفيف شواء أو طابخ قدير معجل». انتهى (¬3). وما ذكره من الفساد على تخريج المصنف غير ظاهر: لأنا نقول: أو قدير معطوف على صفيف عطف توهم والمعنى على التعدد لأن أو بمعنى الواو فليس المعنى ما بين منضج أحد هذين بل المعنى ما بين منضج صفيف وقدير أي منضج قدير، والشيخ قد اعترف بأن أو ها هنا بمعنى الواو فيتم كلام المصنف دون فساد، ولا يحتاج إلى تقدير مضاف وهو طابخ كما قدره الجماعة الذين نقل عنهم الشيخ ذلك (¬4). - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور: (المقرب: 1/ 125) «وإذا أتبعت معمول اسم الفاعل المرفوع أو المنصوب كان التابع على حسبه في الإعراب». (¬2) التذييل والتكميل: (4/ 318). (¬3) المرجع السابق. (¬4) نقل هذا الرد من الشارح على أبي حيان محقق التذييل والتكميل: د/ سيد تقي (2/ 539). وذكر ابن هشام البيت في كتابه المغني (2/ 460) وأجاب عنه بإجابة أبي حيان وبإجابة الشارح ثم زاد ثالثة، يقول: وخرج على أن الأصل (أو طابخ قدير)، ثم حذف المضاف وأبقي جر المضاف إليه كقراءة بعضهم (والله يريد الآخرة) [الأنفال: 67] بالخفض أو أنه عطف على صفيف، ولكن خفض على الجوار أو على -

[العطف على خبر ليس الرافع السببي أو الأجنبي]

[العطف على خبر ليس الرافع السببي أو الأجنبي] قال ابن مالك: (وإن ولي العاطف بعد خبر ليس أو ما وصف يتلوه سببيّ: أعطي الوصف ما له مفردا ورفع به السّببيّ أو جعلا مبتدأ وخبرا. وإن تلاه أجنبيّ عطف بعد ليس على اسمها والوصف على خبرها وإن جرّ بالباء جاز على الأصحّ جرّ الوصف المذكور ويتعيّن رفعه بعد «ما»). ـــــــــــــــــــــــــــــ والدليل على أن أو تقع موقع الواو قول الشاعر: 853 - قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم ... من بين ملجم مهره أو سافع (¬1) قال ناظر الجيش: إذا وقع (¬2) بعد معمولي ليس أو ما عاطف يليه وصف بعده سببي نحو: ليس زيدا قائما ولا ذاهبا أبوه وما عمرو مقيما ولا ظاعنا أخوه، فلك أن تعطي الوصف من النصب والجر ما كنت تعطيه دون مذكوره بعده ويرفع به السببي، ولك أن ترفعهما مبتدأ وخبرا فتقول: ليس زيدا قائما ولا ذاهب أبوه وما عمرو مقيما ولا ظاعن أخوه. وإن تلا الوصف أجنبي والعامل ليس - جاز رفعه عطفا على الاسم ونصب الوصف عطفا على الخبر وجاز جعلهما مبتدأ وخبرا نحو: ليس زيد قائما ولا ذاهبا عمرو، وليس قائما ولا ذاهب عمرو. - ¬

_ - توهم أن الصفيف مجرور بالإضافة كما قال (من الطويل). بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (¬1) البيت من بحر الكامل وهو لحميد بن ثور الهلالي (انظر ديوانه ص: 111) اللغة: الصريخ: المستغيث والمغيث والمراد هنا الأول - السافع: الآخذ بناصية فرسه بلا لجام وهو اسم فاعل من سفع ومثله قوله تعالى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ [العلق: 15]. المعنى: يمدح الشاعر القوم أنهم ذوو نجدة ومروءة فإذا سمعوا مستغيثا نهضوا إليه فمنهم من ألجم فرسه ومنهم من ركبه وجعل ناصيته لجاما. والشاهد فيه: استعمال أو بمعنى الواو في قوله: من بين ملجم مهره أو سافع لأن بين تقتضي الإضافة إلى متعدد. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 319) وفي معجم الشواهد (ص 232). (¬2) ما سيشرحه الآن ويبينه من كلام ابن مالك وسينبه عليه آخر الشرح، وانظر شرح التسهيل (1/ 387).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان خبر ليس مجرورا بالباء جاز جر الوصف المذكور بباء مقدرة مدلول عليها بالمتقدمة وهو كثير في الكلام ومنه قول الشاعر: 854 - وليس بمدن حتفه ذو تقدّم ... لحرب ولا مستنسئ العمر محجم (¬1) وقال الآخر: 855 - فليس بآتيك منهيّها ... ولا قاصر عنك مأمورها (¬2) ومنه قول الآخر: 856 - وليس بمعروف لنا أن نردّها ... صحاحا ولا مستنكر أن تعقّرا (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو من الحكم لقائل مجهول. اللغة: مدن حتفه: مقرب يوم أجله، مستنسئ العمر: مؤجله ومؤخره. المحجم: هو الخائف الذي لا يقدم على المهالك. والمعنى: لكل أجل كتاب، فلا الشجاع الذي يقتحم المخاطر يقدم ساعة موته، ولا الخائف الجبان يؤخرها. والشاهد فيه قوله: وليس بمدن ... ولا مستنسئ ... إلخ. حيث جاء الوصف الثاني مجرورا بباء مقدرة دلت عليها الباء المذكورة في المعطوف عليه السابق وهو قوله بمدن. ولا يصح عطف مستنسئ على مدن حتى لا يكون من العطف على معمولين لعاملين مختلفين وهو غير جائز. والبيت في شرح التسهيل (1/ 387)، وفي التذييل والتكميل (4/ 321)، وليس في معجم الشواهد. (¬2) البيت من بحر المتقارب وقد سبق الحديث عنه وعن الاختلاف في قائله، والشاهد فيه. وأما شاهده هنا فهو قوله: فليس بآتيك ... ولا قاصر حيث جاء الأخير مجرورا بباء مقدرة دلّت عليها الباء المذكورة في المعطوف عليه وهو قوله: فليس يأتيك. ولا يجوز عطف قاصر على آتيك حتى لا يكون من العطف على معمولين لعاملين قال المبرد بعد أن أنشد بيت الشاهد (المقتضب: 4/ 196): «فالرّفع على مثل قولك: ليس زيد قائما ولا عمرو منطلق قطعته من الأوّل وعطفت جملته على جملته، والنّصب قد فسّرناه على الموضع». والبيت في شرح التسهيل (1/ 381، 387)، وفي التذييل والتكميل (4/ 306، 321) وفي معجم الشواهد (ص 172). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو في الفخر للنابغة الجعدي (كتاب سيبويه: 1/ 64). والشاعر يفتخر بكرمه وكرم قومه حيث إن إبلهم لا تعيش صحيحة، وإنما تذبح للضيوف وإذا ذبحت فلا ينكر أحد ما يفعلون. والتعقير: مبالغة من العقر وهو النحر. والشاهد فيه: كالذي قبله، وارجع إلى تفصيل طويل فيه للمبرد في المقتضب (4/ 194)، إلا أنه قال في آخر كلامه: «وأما الخفض فيمتنع لأنك تعطف بحرف واحد على عاملين وهما الباء وليس، فكأنك قلت: زيد في الدار والحجرة عمرو فتعطف على في والمبتدأ وكان الأخفش يجيزه». -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس هذا من العطف على عاملين بل من حذف عامل لدلالة مثله عليه. وحذف حرف الجر المعطوف لدلالة مثله عليه كثير ومنه قوله تعالى: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ ... (¬1) الآية. فحذفت في الجارة لاختلاف الليل والنهار لدلالة الجارة لخلقكم عليها. ومثله قول الشاعر: 857 - أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا (¬2) وإذا استسهل بقاء الجر بمضاف حذف لدلالة مثله عليه كان بقاء الجر بحرف الجر المحذوف لدلالة مثله عليه أحق وأولى لأن حرف الجر في عمل الجر أمكن من الاسم المضاف (¬3). ومن حذف المضاف وبقاء جر المضاف إليه: قول الشاعر [2/ 75]: 858 - أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقّد باللّيل نارا (¬4) - ¬

_ - والبيت في شرح التسهيل (1/ 387)، وفي التذييل والتكميل (4/ 321)، وفي معجم الشواهد (ص 141). (¬1) سورة الجاثية: 4، 5. (¬2) البيت من بحر البسيط ولم تذكر مراجعه قائله، ومفرداته واضحة. ومعناه: أن كل صابر ينال حاجته وكل من جد في أمر ناله. قال الصبان (2/ 234): «لم أجد حظي متعدّيا بالباء فلعلّه في البيت على تضمين معنى ظفر أو تنعّم». والشاهد فيه قوله: أخلق بذي الصّبر ... ومدمن حيث جر الأخير بحرف جر محذوف دلّ عليه حرف الجر المذكور في المعطوف عليه قبله، ولا بد من تقرير حرف الجر وإلا لزم العطف على معمولي عاملين مختلفين. والبيت في شرح التسهيل (1/ 388) وهو في معجم الشواهد (ص 77). (¬3) لأن العمل في الإضافة يكون بحرف جر مقدر، فحرف الجر الظاهر أمكن منه ولأن المضاف قد يستغني بنفسه عن المضاف إليه بخلاف حرف الجر فلا يجوز استغناؤه عن مجروره واستقلاله. (¬4) البيت من بحر المتقارب قاله أبو دؤاد الإيادي - كما ذكرت مراجعه الكثيرة - واسمه جارية بن الحجاج، وقيل قائله عدي بن زيد (معجم الشواهد ص 147). والمعنى: يقول الشاعر لفتاته: لا ينبغي أن تظني كل من رأيت له صورة الرجال رجلا لأنه لا يستحق اسم الرجل إلا من كان ذا نعوت حسنة وأفعال كريمة كما لا ينبغي لك أن تظني أن كل نار تتوقد بالليل نارا وإنما النار العظيمة هي التي توقد لقرى الضيفان وهداية السالكين بالليل، وهو معنى جميل. والشاهد فيه قوله: ... ونار توقّد باللّيل حيث جر بتقدير مضاف محذوف معطوف على كل في قوله: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قراءة بعض القراء: (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة) (¬1) على تقدير عرض الآخرة. ويستقصى الكلام على نظائر هذه المسألة إن شاء الله تعالى. وليس بعد ما في الوصف التالية أجنبي بعد عاطف إلا الرفع كقولك: «ما زيد قائما ولا ذاهب عمرو» لأن المعطوف عليه مع قربه من العامل لو قدم فيه الخبر لبطل العمل فبطلان بالتقديم في المعطوف لبعده من العامل: أحق وأولى ومثال ذلك قول الشاعر: 859 - لعمرك ما معن بتارك حقّه ... ولا منسئ عمرو ولا متيسّر (¬2) هذا كلام المصنف. ثم ها هنا أمور ننبه عليها: الأول: أن المصنف أجاز في نحو: ليس زيد قائما ولا ذاهبا أبوه الوجهين - ¬

_ - أكل امرئ. وإذا جاز حذف المضاف (الجار) لدلالة مثله عليه فمن باب أولى يجوز حذف حرف الجر لذلك لأنه أصل في هذا العمل. والبيت في شرح التسهيل (1/ 388). وفي معجم الشواهد (ص 147). (¬1) سورة الأنفال: 67. وانظر في القراءة المذكورة: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جني (1/ 281). (¬2) البيت من بحر الطويل وهو للفرزدق، وقد سبق الحديث عنه وذكر الشاهد فيه، وهو زيادة الباء في خبر ما التميمية. والشاهد فيه هنا قوله: ولا منسئ عمرو حيث يجب رفع المعطوف على خبر ما لأن مرفوعه أجنبي أي ليس مرفوع الخبر حتى يجوز فيه النصب على الموضع والجر على اللفظ. وإنما كان أجنبيّا لأن عمرا غير معن. وهنا بحث دقيق: سبق الاستشهاد بالبيت، وكانت روايته: ولا منسئ معن، وعليه فمرفوع المعطوف ليس أجنبيّا وإنما هو مرفوع الخبر غاية الأمر أنه أقام الظاهر مقام الضمير، وقرأت البيت في مراجعه فوجدتها تذكر معنا في البيت مرتين وعليه فلا شاهد فيه لما ساقه إليه ابن مالك لأن المرفوع ليس أجنبيّا حينئذ، إلا أنني وجدت رواية البيت في هذا المكان في المخطوطة عندي تقول: ولا منسئ عمرو، ووجدت محقق التذييل والتكميل: د/ سيد تقي عند ذكر هذا البيت يقول: في جميع النّسخ عمرو. إذ للبيت روايتان: معن وعمرو ولا بد أن تكون الرواية هنا عمرا حتى يصح الاستشهاد بالبيت على القاعدة التي يذكرها ابن مالك، ومن هنا أجمعت النسخ في هذا المكان على أن الرواية عمرو. ولا يهم أن تذكر في مراجع البيت: معنا، فإن شاهدها هناك وهو زيادة الباء في خبر ما لا يضر إن كانت الرواية معنا أو عمرا. والبيت في شرح التسهيل (1/ 388)، وفي معجم الشواهد (ص 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقدمي الذكر (¬1) وهما ظاهران. قال الشيخ (¬2): «ويجوز فيه وجه آخر وهو أن تعرب الوصف مبتدأ والسّييّ فاعل به أغنى عن الخبر لأنه قد اعتمد الوصف على حرف النّفي». وما قاله الشيخ غير ظاهر فإن شرط الفاعل الذي يغني عن الخبر أن يكون مغنيا أي مستقلا بنفسه يحسن السكوت عليه نحو: أقائم الزيدان؟. وما قائم العمران. وقد تقدم في باب المبتدأ أن نحو: (أقام أبواه زيد) لا يجوز فيه أن يكون الوصف مبتدأ وأبواه فاعل به سد مسد الخبر للعلة التي ذكرت ولا شك أن (ولا ذاهب أبوه) إذا أعرب ذاهب مبتدأ وأبوه فاعل به سد مسد الخبر نظير (أقائم أبواه زيد) فتكون ممتنعة (¬3). الأمر الثاني: من قدماء النحويين من لا يجيز النصب في نحو: ليس زيد قائما ولا ذاهبا عمرو بعطف عمرو على الاسم وذاهبا على الخبر قال: لان ليس لا تتقدر بعد لا فهو يوجب الرفع في مثل ذلك. وقد رد سيبويه هذا المذهب بقول العرب: ليس زيد ولا أخواه قاعدين (¬4). الأمر الثالث: ما ذكره المصنف من تعين الرفع في الوصف التاليه أجنبي بعد العاطف الواقع بعد خبر ما هو مذهب البصريين وهو الذي تقتضيه القواعد (¬5). - ¬

_ (¬1) وهما: 1 - عطف الخبر منصوبا على الخبر، والاسم مرفوعا على الاسم. 2 - كون الاسمين مرفوعين (خبرا مقدما ومبتدأ مؤخرا) ويكون من عطف الجمل. (¬2) أبو حيان: التذييل والتكميل (4/ 320). (¬3) نقل هذا الرد على أبي حيان محقق التذييل والتكميل دكتور/ سيد تقي (2/ 540) في رسالته للدكتوراه. (¬4) انظر كتاب سيبويه (1/ 60). (¬5) قال ابن عصفور: «إذا تأخر السببي فالرفع ليس إلا نحو ما زيد قائما ولا منطلق عمرو ويكون منطلق خبرا مقدما وعمرو مبتدأ والجملة معطوفة على الجملة المتقدمة، وإنما لم يجز نصب منطلق لأنك إذا ذاك لا تخلو من أن ترفع عمرا بمنطلق أو بالعطف على اسم ما، ولا يجوز أن يكون معطوفا على اسم ما لأن ذلك يؤدي إلى تقديم خبر ما الحجازية على اسمها ولا يجوز أن يكون مرفوعا بمنطلق ويكون منطلق معطوفا على خبر (ما) لأن المعطوف شريك المعطوف عليه فيلزم أن يكون خبر (ما) وذلك لا يتصور هنا لأنه ليس في الخبر ضمير يعود على المخبر عنه لأن التقدير يكون: ما زيد قائما وما زيد منطلقا عمرو» (شرح الجمل لابن عصفور (2/ 60) تحقيق فواز الشغار).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمنقول: أن الكسائي والفراء أجازا النصب (¬1) محتجين بما حكي من قول العرب: ما زيد قائما فمتخلّفا أحد. أي إذا قام لم يتخلف أحد وكذا أجاز الكوفيون الجر في الوصف المعطوف من نحو: ما زيد بمنطلق ولا خارج عمرو وقد عرفت أن ذلك ممتنع عند البصريين وهو الحق. الأمر الرابع: ذكر ابن عصفور في باب ما النافية تقسيما بالنسبة إلى كون المعطوف عليه الاسم أو الخبر أو كلاهما وذكر الشيخ أيضا وأدرج ليس مع ما بالنسبة إلى هذا التقسيم واستوفيا الكلام على ذلك (¬2). وأنت إذا نظرته وتأملت كلام المصنف وجدته قد وفى بالمقصود في البابين وذكر - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 322)، والهمع (1/ 118)، إلا أن السيوطي أسند النصب إلى الكوفيين عامة. (¬2) قال ابن عصفور (شرح الجمل: 2/ 59، 60): وإذا عطفت في هذا الباب فلا يخلو أن تعطف على الاسم أو على الخبر أو على الاسم والخبر معا. فإن عطفت على الخبر فلا يخلو أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا فإن كان مرفوعا فعلى اللفظ وإن كان منصوبا فلا يخلو أن يكون حرف العطف موجبا للخبر أو لا يكون. فإن كان موجبا للخبر رفعت مثل قولك ما زيد قائما بل قاعد وإن لم يكن موجبا نصبت مثل قولك: ما زيد قائما ولا قاعدا. وحكى سيبويه رحمه الله الخفض على توهم زيادة الباء وذلك نحو قولك: ما زيد قائما ولا قاعد وذلك قبيح. وإن كان مخفوضا فلا يخلو أن يكون حرف العطف يقتضي الإيجاب أو لا يقتضيه فإن كان يقتضي الإيجاب رفعته نحو ما زيد بقائم بل بقاعد، ولا يجوز خفض قاعد لأنك لو خفضته كان على نية الباء كأنك قلت: بل بقاعد والباء لا تزاد في الواجب قياسا وإن لم يقتض الإيجاب جاز الخفض على اللفظ والنصب على الموضع إن قدرت ما حجازية والرفع الموضع إن قدرت ما تميمية. وإن عطفت على الاسم رفعت نحو ما زيد قائما ولا عمرو. فإن عطفت على الاسم والخبر معا فلا يخلو الخبر أن يكون مرفوعا أو منصوبا أو مخفوضا فإن كان الخبر مرفوعا رفعت نحو ما زيد قائم ولا عمرو خارج. وإن كان منصوبا فلا يخلو أن يكون حرف العطف يقتضي الإيجاب أو لا يكون فإن كان يقتضي الإيجاب رفعت وإن لم يكن يقتضيه فحكمه حكم ما عطف عليه نحو ما زيد قائما ولا عمرو خارجا. فإن كان الخبر مخفوضا فلا يخلو أن يكون حرف العطف موجبا للخبر أو لا يكون فإن كان موجبا رفعت المعطوف نحو ما زيد بقائم بل عمرو خارج. وإن لم يكن موجبا فلا يخلو أن تعطف على اللفظ أو على الموضع، فإن عطفت على الموضع رفعت الاسم ونصبت الخبر في الحجازية نحو قولك: ما زيد بقائم ولا عمرو قاعدا وعلى اللغة التميمية ترفع الاسمين فتقول: ما زيد بقائم ولا عمرو قاعد (شرح الجمل: 1/ 60).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يحتاج إليه وترك ما لا يحتاج إليه مما هو بين ظاهر، فرحمه الله تعالى وحشره وإيّاي مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بمنه وكرمه إنه ذو الفضل العميم. وقد ختم الشيخ الكلام في هذا الفصل بمسائل: منها (¬1): أن أكثرهم أجاز اليوم ما زيد إياه منطلقا ومنعها بعضهم. ومنها: أنه يجوز حذف خبر ما المكفوفة بإن داخلا على المبتدأ النكرة من نحو: قول الشاعر: 860 - حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال (¬2) التقدير: فما حديث ولا صال فتنبه. وهو على حذف مضاف أي فما إن من ذي حديث ولا صال. ومنها: أنه لا يجوز حذف اسم ما لشبهه بما لا يحذف، وهو اسم ليس فلا يقال: زيد منطلقا أي ما هو منطلقا. ومنها: ما هو طعامك زيد يأكل هو ضمير الشأن فإن كانت ما حجازية لم تجز هذه المسألة. وإن كانت تميمية جازت. ومنها: أنه يجوز دخول همزة الاستفهام على ما الحجازية فتعمل. تقول: أمّا زيد منطلقا كما تقول: ألست قائما (¬3). * * * ¬

_ (¬1) انظر هذه المسائل وأخرى معها في التذييل والتكميل (4/ 324، 325، 326). (¬2) البيت من بحر الطويل لامرئ القيس من قصيدته المشهورة التي مطلعها: ألاعم صباحا أيّها الطّلل البالي ... إلخ. وهي إحدى فضائحه حيث يصف فيها كيف تسلل ليلا إلى إحدى معشوقاته غير مبال بشيء من زوج أو أهل. وهي في الديوان (ص 32). والصّالي: هو المصطلي بالنار أي المستدفئ بها. وقد استشهد النحاة بالبيت في باب القسم وغيره ... (الدرر: 1/ 96). والشاهد فيه هنا قوله: فما إن من حديث ولا صال حيث حذف خبر المبتدأ النكرة والواقع بعد ما المكفوفة بإن وقد قدره الشارح. وانظر البيت في التذييل والتكميل (4/ 325) ومعجم الشواهد (ص 309). (¬3) التذييل والتكميل لأبي حيان (4/ 326).

الباب الرابع عشر باب أفعال المقاربة

الباب الرابع عشر باب أفعال المقاربة [سردها وعملها ومعانيها] قال ابن مالك: (منها للشّروع في الفعل: طفق وطبق وجعل وأخذ وعلق وأنشأ وهبّ وقام، ولمقاربته: هلهل وكاد وكرب وأوشك وأولى، ولرجائه عسى وحرى واخلولق، وقد ترد عسى إشفاقا ويلازمهنّ لفظ المضيّ إلّا كاد وأوشك، وجعل وعملها في الأصل عمل كان، لكن التزم كون خبرها مضارعا مجرّدا مع هلهل وما قبلها ومقرونا بأن مع أولى وما بعدها وبالوجهين مع البواقي، والتجريد مع كاد وكرب أعرف وعسى وأوشك بالعكس). قال ناظر الجيش: اعلم أن الأفعال المذكورة في هذا الباب هي في التحقيق من أخوات كان وذلك لأنها تأتي لإفادة تلبس فاعلها بصفة مقيدة بمعنى الفعل المسند، وإنما خالفت كان في أن خبرها يكون شيئا خاصّا لا يخبر عنها بغيره وتسمى أفعال المقاربة مع أن منها ما هو للرجاء ومنها ما هو للشروع (¬1) فقيل هذا من إطلاق اسم البعض وإرادة الكل وهو مجاز مستعمل وكلام ابن الحاجب يقتضي أنها كلها للمقاربة فإنه قال: هي للمقاربة إما من رجاء أو حصول أو أخذ فيه (¬2) ولا يبعد ما قاله عن الصواب، فإن المقاربة قد تكون على سبيل الرجاء، وقد تكون على سبيل الحصول وقد تكون على سبيل أن المخبر قد قارب الشروع في ذلك الأمر المخبر به (¬3). ولنورد كلام المصنف، قال رحمه الله تعالى: حق أفعال هذا الباب أن تذكر في - ¬

_ (¬1) يشير إلى أن معاني هذه الأفعال ثلاثة: المقاربة وتفيدها كاد وكرب وأوشك وغيرها والرجاء وتفيده عسى وحرى واخلولق. والشروع وتفيده طفق وأنشأ وأخذ وأفعال أخرى غير ذلك. (¬2) انظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (2/ 90)، والكافية في النحو (ص 209). قال الرضي معلقا على ذلك: قوله إن دنوّ الخبر رجاء أو حصولا أو أخذا فيه، فيه خبط لأن نصب هذه المصادر على التمييز في الظاهر وهو تمييز نسبة فيكون فاعلا للدّنوّ في المعنى أي دنوّ رجاء الخبر أو حصوله أو الأخذ فيه وليس عسى لدنو رجاء خبره بل لرجاء دنو خبره على ما ذهب إليه وكذا طفق وأخواته (شرح الكافية للرضي: 2/ 301). (¬3) هذا التخريج الذي خرج به الشارح هنا كلام ابن الحاجب رده الرضي كما رأينا في تعقيبه على كلام ابن الحاجب السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب «كان» لمشاركتها لها في الدخول على مبتدأ وخبر، ورفع الاسم ونصب الخبر، إلا أن هذه الأفعال يرفض فيها غالبا ترك الإخبار بجملة فعلية فلذلك أفردت بباب (¬1). وجملتها ستة عشر فعلا، ثمانية منها للشروع وهي طفق وهب وما بينهما نحو: طفق زيد يقرأ وهب عمرو يصلي والأصل طفق زيد قارئا وهبّ عمرو مصليا إلا أنه من الأصول المرفوضة (¬2)، وأغرب الثمانية علق وهب. وخمسة منها للدنو من الفعل حقيقة وأشهرها «كاد» وأغربها «أولى» كقول الشاعر [2/ 76]: 861 - فعادى بين هاديتين منها ... وأولى أن يزيد على الثّلاث (¬3) والثلاثة البواقي للإعلام بالمقاربة على سبيل الرجاء. وأغربها (¬4) «حرى» يقال: حرى زيد أن يجيء، والتزم في غير «ندور» كون خبرها جميعا مضارعا مجردا من «أن» مع القسم الأول، لأنّ «أن» تقتضي الاستقبال، والشروع ينافيه ولا بد من مقارنة «أن» للمضارع المخبر به بعد «أولى» و «حرى» و «اخلولق» وترك ذلك بعد «كاد وكرب» أولى من فعله، وفعله بعد عسى أولى من تركه، والأمران بعد - ¬

_ (¬1) ينظر الفصول الخمسون (181)، والمطالع السعيدة (ص 216)، وشرح الألفية لابن الناظم (59)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 355)، وشرح الألفية للمكودي (ص 53). (¬2) أي الإخبار عنها بالأسماء المفردة وبالجمل غير الفعلية التي ليس فعلها مضارعا. ينظر التوطئة (301). (¬3) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل (1/ 389) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ المختون. وشرح التسهيل للمرادي (1/ 400) والتذييل، وشرح الكافية الشافية (1/ 453)، ومقاييس اللغة (6/ 141) والخزانة (4/ 89) والهمع (9/ 128) والدرر (1/ 102) واللسان (ولي). اللغة: عادى: من العداء وهو الموالاة بين الصيدين بأن يصرع أحدهما على أثر الآخر في طلق واحد - هاديتين: الهادية أول القطيع والهوادي: المتقدمات من القطيع - أولى: قارب. والشاهد فيه: استعمال الفعل «أولى» دالّا على المقاربة. (¬4) في حاشية الملوي على شرح المكودي (53): «وأنكر الشيخ أبو حيان وجود «حرى» في هذه الأفعال وقال: إنها وهم، وقال: لم أجد أحدا من النحويين نقلها ولا اللغويين وإن الموجود في كتب اللغة «حريّ» لغير هذا المعنى، تقول: هو حريّ بالأمر أي حقيق وهو مصدر وضع موضع الصفة، وقد ذكره صاحب الفصيح في باب ما جاء وصفا من المصادر. ثم قال الملوي: والشيخ ابن مالك الإمام في هذا الشأن ولعل له مستندا لم نطلع عليه وقد ذكر الشيخ أبو حيان (حرى) وعدها من أفعال هذا الباب في اللمحة، فإما أن يكون اعتمد على المؤلف، وإما أن يكون اطلع على شيء بعد ذلك وهو الظاهر. اه. وينظر التصريح (1/ 203).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو شك سواء (¬1) وورود عسى في الرجاء كثير. وورودها في الإشفاق (¬2) قليل وقد اجتمعا في قوله تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ (¬3) ومن ورودها إشفاقا قول الأسود بن يعفر: 862 - عسيتم أن تصابوا ذات يوم ... كما يستشرق الخزر العقاب (¬4) ومنه قول الآخر: 863 - عسيتم لدى الهيجاء تلقون دوننا ... تظافر أعداء وضعف نصير (¬5) وقال الشاعر في طفق: 864 - طفق الخليّ بقسوة يلحى الشّجي ... ونصيحة اللّاحي الخليّ عناء (¬6) وقال آخر في جعل: 865 - وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي فأنهض نهض الشارب الثّمل (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 326 - 330) والأشموني (1/ 260 - 263) وأوضح المسالك (1/ 77 - 80). (¬2) ورود «عسى» في الإشفاق هو مذهب سيبويه. ينظر الكتاب (4/ 233) وشرح الكافية للرضي (2/ 302). (¬3) سورة البقرة: 216. (¬4) البيت في التذييل: (4/ 332). اللغة: يستشرق: يرفع رأسه - الخزر: ذكر الأرانب. والشاهد فيه: ورود «عسى» في الإشفاق في قوله: (عسيتم أن تصابوا ذات يوم). (¬5) البيت لقائل مجهول في التذييل (4/ 332) والشاهد فيه قوله: (عسيتم لدى الهجاء تلقون دوننا) حيث استعملت «عسى» دالة على الإشفاق كما في البيت السابق. (¬6) البيت لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 390) والتذييل (4/ 328). اللغة: الخلي: الخالي من الهموم - يلحى: يلوم. والشاهد قوله: (طفق الخلي ... يلحى الشجى) حيث دلت (طفق) على الشروع في الفعل وقد رفع بها الاسم الظاهر وهو (الخلي)، وجملة (يلحى الشجي) في محل نصب خبرها. (¬7) البيت من البسيط وهو لعمرو بن أحمر الباهلي أو أبو حية النميري أو الحكم بن عبد الأعرج وهو في المقرب (1/ 101)، وتعليق الفرائد (1052)، والتذييل (4/ 328) وأمالي السهيلي (95)، والمغني (2/ 579)، وشرح شواهده (2/ 911)، والتصريح (1/ 204)، والخزانة (4/ 93)، والعيني (2/ 173)، وأوضح المسالك (1/ 75)، والأشموني (1/ 263)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 102، 109). والشاهد قوله: (وقد جعلت ... يثقلني ثوبي) حيث دلت «جعل» على الشروع في الفعل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر في أخذت: 866 - فأخذت أسأل والرّسوم تجيبني ... وفي الاعتبار إجابة وسؤال (¬1) وقال آخر في علقت: 867 - أراك علقت تظلم من أجرنا ... وظلم الجار إذلال المجير (¬2) وقال في أنشأ: 868 - لمّا تبيّن مين الكاشحين لكم ... أنشأت أعرب عمّا كان مكنونا (¬3) وقال في هبّ: 869 - هببت ألوم القلب في طاعة الهوى ... فلجّ كأنّي كنت باللّوم مغريا (¬4) وقال في هلهل: 870 - وطئنا بلاد المعتدين فهلهلت ... نفوسهم قبل الإماتة تزهق (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو في التذييل (4/ 329)، وشذور الذهب (338)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 103). والشاهد قوله: «فأخذت أسأل»؛ حيث دلت «أخذ» على الشروع في الفعل. (¬2) البيت من الوافر، مجهول القائل، وهو في تعليق الفرائد (1020) والتذييل (4/ 329)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 400)، وشواهد التوضيح (95) والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 103)، والشذور (338)، والأشموني (1/ 263). والشاهد قوله: (أراك علقت تظلم)، حيث دلت (علق) على الشروع في الفعل. (¬3) البيت من البسيط، مجهول القائل، وهو في التذييل (4/ 329)، وتعليق الفرائد (1020)، والشذور (339)، والهمع (1/ 128) والدرر (1/ 103). والشاهد قوله: «أنشأت أعرب»؛ حيث دل (أنشأ) على الشروع في الفعل. وجملة (أعرب) خبرها في محل نصب. (¬4) البيت من الطويل، مجهول القائل، وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 391) شرح التسهيل للمرادي (1/ 400)، التذييل (4/ 329)، الشذور (243)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 103)، وحاشية الخضري (1/ 123). والشاهد قوله: «هببت ألوم»؛ حيث دلت (هب) على الشروع في الفعل. (¬5) البيت مجهول القائل، من الطويل، وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 391)، والتذييل (4/ 329)، والشذور (240)، والهمع (1/ 128)، والدرر (1/ 102)، وحاشية الخضري (1/ 123). ويروى (ديار) مكان (بلاد) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كادت. والشائع في خبر كاد وروده مضارعا غير مقرون «بأن» كقوله تعالى: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (¬1) ووروده مقرونا «بأن» قليل (¬2). ما جاء في حديث عمر رضي الله عنه: «ما كدت أن أصلّي العصر حتى كادت الشّمس أن تغرب» (¬3)، ومثله قول الشاعر: 871 - أبيتم قبول السّلم منّا فكدتم ... لدى الحرب أن تغنوا السيوف عن السّلّ (¬4) وقال الشاعر في خبر كرب غير مقرون «بأن»: 872 - وما أنت أم ما رسوم الدّيار ... وستّوك قد كربت تكمل (¬5) وقال آخر: 873 - كرب القلب من جواه يذوب ... حين قال الوشاة هند غضوب (¬6) وقال في اقترانه «بأن»: - ¬

_ - والشاهد قوله: (فهلهلت نفوسهم ... تزهق) حيث جاءت (هلهل) دالة على المقاربة فرفع بها الاسم (نفوسهم) ونصبت بها جملة الخبر. (¬1) سورة الجن: 19. (¬2) ينظر الكتاب (3/ 12). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الآذان/ الباب (26)، وكتاب المواقيت/ الباب (36)، وكتاب صلاة الخوف/ الباب (4)، وهو في سنن النسائي كتاب السهو/ الباب (10)، وابن حنبل (1/ 126). (¬4) البيت مجهول القائل من الطويل وهو في التذييل (4/ 337) وشواهده التوضيح (101) وابن الناظم (60) والأشموني (1/ 261) والعيني (2/ 208). والشاهد قوله: «فكدتم أن تغنوا السيوف عن السل»؛ حيث اقترن المضارع الواقع خبرا لكاد «بأن» وهذا قليل. (¬5) البيت من المتقارب وهو للكميت بن زيد، وهو في التذييل (4/ 338) والخزانة (1/ 558) والهمع (1/ 254) والدرر (1/ 210) وديوانه (2/ 29). اللغة: ستوك: أي ستون سنة من عمرك بإضافة العدد إلى الضمير. والشاهد قوله: «قد كربت تكمل» حيث جاء خبر (كرب) مجردا من «أن» وهو الكثير. (¬6) البيت من الخفيف، وهو للكاحبة العريني أو رجل من طيئ، ينظر معجم الشواهد (1/ 52). وهو في التذييل (4/ 339)، وابن الناظم (60)، وأوضح المسالك (1/ 79)، والشذور (334)، والعيني (2/ 189)، وابن عقيل (1/ 126)، وشرح شواهده (ص 68)، والأشموني (1/ 262)، والتصريح (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 216)، والهمع (1/ 130)، والدرر (1/ 105)، والشاهد: قوله (كرب القلب ... يذوب) حيث جاء خبر (كرب) مضارعا مجردا من «أن».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 874 - ... وقد كربت أعناقها أن تقطّعا (¬1) وأول البيت: سقاها [2/ 77] ذوو الأحلام سجلا على الظّما. وقال آخر (¬2): 875 - قد برت أو كربت أن تبورا ... لمّا رأيت بيهسا مثبورا (¬3) وقال (¬4) في خبر «أوشك» غير مقرون «بأن»: 876 - يوشك من فرّ من منيته ... في بعض غرّاته يوافقها (¬5) وقال آخر في الاقتران «بأن»: 877 - ولو سئل النّاس التّراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملّوا ويمنعوا (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لأبي زيد الأسلمي وهو في الكامل (109)، والتذييل (4/ 331، 338)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 402)، وتعليق الفرائد (1031)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 329)، وابن الناظم (60)، والمقرب (1/ 99)، وابن عقيل (1/ 126)، وشرح شواهده (ص 68)، وأوضح المسالك (1/ 80)، والعيني (2/ 193)، وشرح الكودي (54)، والشذور (336)، والأشموني (1/ 262)، والتصريح (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 217). اللغة: السجل: الدلو العظيمة المملوءة ماء. والشاهد: مجيء خبر (كرب) فعلا مضارعا مقترنا «بأن» وهذا قليل. (¬2) هو العجاج. (¬3) البيت من الرجز، وهو في التذييل (2/ 337)، وابن الناظم (60)، والأشموني (1/ 262). اللغة: برت: هلكت: بيهس: اسم من أسماء الأسد، وسمي به رجل. مثبورا: مهلكا. والشاهد: مجيء خبر (كرب) فعلا مضارعا مقترنا «بأن» وهو قليل. (¬4) هو أمية بن أبي الصلت الثقفي شاعر جاهلي. (¬5) البيت من المنسرح وهو في التذييل (4/ 339)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 403)، وتعليق الفرائد (1032)، والكتاب (3/ 161)، والمقرب (1/ 98)، والكامل (43)، وابن يعيش (7/ 126)، وابن الناظم (60)، والشذور (333)، وأوضح المسالك (1/ 80)، والمكودي (55)، والمحصول (317)، والتصريح (1/ 207، 208)، والأشموني (1/ 262)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 328)، وابن عقيل (1/ 126)، والمطالع السعيدة (ص 218)، والهمع (1/ 129)، والدرر (1/ 103)، والعيني (2/ 178)، وديوانه (42). والشاهد: مجيء خبر (يوشك) فعلا مضارعا مجردا من «أن» وهو قليل. (¬6) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في أمالي الزجاجي (197)، والتذييل (4/ 339)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كلام المصنف (¬1). وإذا جعلنا «طفق» بفتح العين لغة في طفق بكسرها كانت الأفعال خمسة عشر لا غير، وقد جعلها الشيخ أربعة عشر؛ لأنه جعل «طبق» بالباء لغة في طفق أيضا (¬2) وقد ذكروا أن بعض النحويين يرى أن «عسى» حرف (¬3) وجعلها الشيخ مسألة خلاف (¬4) ولا يخفي أن مثل هذا الخلاف لا يعتد به وأن القول بحرفية الكلمة المذكورة قول لا ينبغي التشاغل به لقيام الدلائل القطعية على بطلانه (¬5). وقد نقل الشيخ عن بعض النحويين أنه زاد في أفعال هذا الباب أفعالا، وهي: قارب وكارب وقرب وأقبل وطل وأشفى وشارف وقرب ودنا وآثر وقام وقعد وذهب وازدلف ودلف وأزلف وأشرف وتهيأ وطار وانبرى وألم (¬6)، ولم يستشهد على شيء من ذلك بشيء من كلام العرب. ثم إنه ناقش المصنف في ذكر «حرى» فقال: المحفوظ أن «حرى» اسم منون. قال ثعلب: أنت حرى بذلك أي خليق وحقيق، قال: ونصوا على أنه يعني: حرى لا يثني ولا يجمع وقيل: إن «حرى» بمعنى «عسى» وقد فسروا «حرى» في قول الأعشى: 878 - إن تقل هنّ من بني عبد شمس ... فحرى أن يكون ذاك وكانا (¬7) - ¬

_ - ومجالس ثعلب (2/ 365)، والعيني (2/ 182)، وابن الناظم (60)، والشذور (331)، وأوضح المسالك (1/ 78)، والتصريح (1/ 206)، وابن عقيل (1/ 126) وشرح شواهده (ص 66)، والأشموني (1/ 261)، والهمع (1/ 130)، والدرر (1/ 106)، واللسان (وشك). والشاهد قوله: «لأوشكوا أن يملوا ويمنعوا» حيث جاء خبر (أوشك) مضارعا مقترنا «بأن» وهو الكثير. (¬1) شرح التسهيل للمصنف (1/ 390 - 392) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ المختون. (¬2) التذييل (4/ 328). (¬3) هذا مذهب الزجاج ونسب أيضا إلى ابن السراج. ينظر التذييل (4/ 327)، وشرح الرضي (2/ 302). (¬4) التذييل (4/ 327) فيه: «أطلق المصنف عليها أفعالا، وهي على قسمين: قسم مجمع عليه أنه فعل وهو ما عدا «عسى» وقسم مختلف فيه وهو «عسى» فذهب الجمهور إلى أنها فعل وذهب بعض النحويين إلى أنها حرف، ونسب ذلك إلى ابن السراج، وهو قول أبي العباس أحمد بن يحيى أيضا. اه. (¬5) الدليل على أن «عسى» فعل وليست بحرف هو اتصال ضمير المرفوع به ينظر شرح الرضي (2/ 302). (¬6) التذييل (4/ 328) حيث ذكر ذلك عن أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن يحيى البهاري. وينظر الهمع (1/ 128) أحمد بن يحيى أيضا. اه. (¬7) البيت من الخفيف وهو في التذييل (4/ 330)، والشذور (330)، والهمع (1/ 128)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمعنيين فقيل: إن معناه فحقيق، وقيل: فعسى. قال الشيخ (¬1): فذكروا في حرى الاسم أن معناه فعسى يعني أنها للرجاء كما أن عسى للرجاء فيكون «لحرى» الاسم معنيان: أحدهما: أن معناها خليق، والثاني: وأن معناها الرجاء، قال: فهؤلاء قد فسروا «حرى» المنون الذي هو اسم «بعسى» التي هي فعل (¬2). انتهى. وثبوت «حرى» بالتنوين بمعنى خليق لا ينبغي ثبوت «حرى» فعلا بمعنى «عسى» وقد قال الشيخ: إن كان ما ذكره المصنف نقلا عن اللغويين فهو صحيح (¬3) ولا شك أن المصنف من الراسخين في علم اللغة، والعجب من الشيخ كونه نسب المصنف إلى أنه تصحف عليه اللفظ. قال: فاعتقد أن «حرى» المنون غير منون وأنها فعل كما صحف في غيره (¬4)، ولا شك في قبح نسبه ابن مالك إلى التصحيف، ولقد كان قدره أجل وأعلى فرحمه الله تعالى ورضي عنه وأرضاه به وكرمه. ثم قال الشيخ - نقلا عن صاحب البسيط وغيره -: والمشهور أن هذه الأفعال من أخوات «كان» لكن خبرها لا يكون إلا مضارعا يعني كما ذكر المصنف، وذهب الكوفيون إلى أن الفعل بدل من الاسم [2/ 78] بدل المصدر (¬5) وكأنهم بنوا هذا على أن هذه الأفعال ليست ناقصة، فالمعنى عندهم: قرب قيام زيد، وكرب خروج عمرو، ثم قدمت الاسم وأخرت المصدر فقلت: قرب زيد قيامه ثم جعلته بالفعل، وذهب بعض النحويين إلى أنه مفعول؛ لأنها في معنى: قارب زيد الفعل - ¬

_ - والدرر (1/ 103)، برواية (فجر)، ويروى أيضا برواية: (إن تكن هي من عبد شمس أراها) والشاهد: قوله (فحرى أن يكون ذاك) حيث عدت (حرى) من أفعال المقاربة واستعملت بمعنى: حقيق. (¬1) في كتاب الأفعال لابن القطاع (1/ 263) «حرى أن يكون ذلك» بمعنى «عسى» فعل غير متصرف، وينظر الأفعال لابن القوطية (ص 213) تحقيق: علي فودة ط مصر 1952 م. (¬2) التذييل (2/ 554). (¬3) في حاشية ب نعم هو نقل عنهم قال ابن القوطية في أفعاله: «حرى» فعل ناقص بمعنى عسى، وكذا قال: أبو عثمان الوسقطي وابن القطاع وابن طريف. اه. (¬4) التذييل (4/ 331). (¬5) ينظر المغني (1/ 152)، والهمع (1/ 103).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي تامة وهو مذهب أبي بكر خطاب (¬1) وتقديره: عسى زيد القيام (¬2)، وذهب بعضهم إلى أن موضع الفعل نصب بإسقاط حرف الجر، إذ يسقط كثيرا مع «أن»، فمعنى: عسى زيد أن يقوم: عسى زيد القيام (¬3)، ثم قال: والقول الأول هو الصحيح. انتهى (¬4). واعلم أن خبر هذه الأفعال بالنسبة إلى اقترانه بأن وعدم اقترانه بها ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يجب فيه الاقتران، وقسم يجب فيه عدم الاقتران وقسم يجوز فيه الأمران، وهذا التقسيم ينقسم إلى ثلاثة أقسام أيضا: قسم الاقتران فيه أولى من عدم الاقتران، وقسم بالعكس، وقسم يستوي فيه الأمران، وقد عرف مما تقدم (¬5). وقد عرفت من كلام المصنف في المثمن أن الأفعال التي هي المقاربة الفعل ما هو ملحق بأفعال الشروع في التجرد من (أن) وهو «هلهل» ومنها ما هو ملحق بأفعال الرجاء في عدم التجرد وهو «أولى»، ومنها ما يجوز فيه الأمران وهو «كاد وكرب وأوشك» لكن التجرد مع كاد وكرب أعرف، كما أن الاقتران مع عسى من أفعال الرجاء أعرف (¬6)، والظاهر أن الموجب لإعطاء «هلهل» حكم أفعال الشروع في ذلك، ولإعطاء «أولى» حكم «حرى» «واخلولق» إنما هو الاستعمال أعني استعمال العرب (¬7)، وأما أوشك فقد تقدم من كلام المصنف أن الأمرين فيها على السواء. ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) نسب هذا المذهب إلى المبرد أيضا، ورد الشيخ عضيمة ذلك فقال: والذي أراه أن سيبويه والمبرد يريان أن أفعال المقاربة تعمل عمل «كان» وأخواتها فالمرفوع بعدها اسم والمصدر والمؤول خبرها، وكذلك الجملة بعدها وتفسيرهما هذه الأفعال بقارب أو دنا إنما هو تفسير معنى لا تفسير إعراب، كذلك إطلاق المبرد على اسمها بأنه فاعلها وعلى خبرها بأنه مفعولها لا يدل على أنه يعرب الخبر مفعولا، فقد عبر بذلك في باب كان أيضا. اه. المقتضب (3/ 68 - 69). (¬3) ينظر المغني (1/ 28)، والهمع (1/ 130). (¬4) التذييل (4/ 334، 335). (¬5) انظر تفصيل ذلك أول الباب. (¬6) ينظر التسهيل (59)، والكتاب (3/ 156)، وابن الناظم (59)، وشرح الرضي (2/ 301)، والتصريح (1/ 206). (¬7) نفى السيوطي في المطالع السعيدة (ص 218) كون «هلهل» من أفعال الشروع فقال: «ويلزم الوصل في خبر «اخلولق» و «حرى» ويلزم التجريد في أفعال الشروع وهي: طفق وأنشأ وأخذ وجعل وعلق، وفي هلهل، وإن لم يكن من أفعال الشروع. اه.

[حديث طويل عن خبر هذه الأفعال]

[حديث طويل عن خبر هذه الأفعال] قال ابن مالك: (وربّما جاء خبراهما مفردين منصوبين وخبر «جعل» جملة اسميّة أو فعليّة مصدّرة بـ «إذا» أو «كلّما»، وندر إسنادها إلى ضمير الشأن ودخول النّفي عليها، وليس المقرون «بأن» خبرا عند سيبويه، ولا يتقدّم هنا الخبر وقد يتوسّط وقد يحذف إن علم، ولا يخلو الاسم من الاختصاص غالبا، ويسند «أوشك» «وعسى» «واخلولق» لأن يفعل، فيغني عن الخبر، ولا يختلف لفظ المسند لاختلاف ما قبله، فإن أسند إلى ضميره اسما أو فاعلا طابق صاحبه معها كما يطابق مع غيرها، وإن كان لحاضر أو غائبات جاز كسر سين «عسى»). قال ناظر الجيش: قال المصنف: من عادة العرب في بعض ما له أصل متروك وقد استمر الاستعمال بخلافه أن ينبهوا على ذلك الأصل لأن لا يجهل، فمن ذلك جعل بعض العرب خبر «كاد وعسى» مفردا منصوبا (¬1) كقول الشاعر (¬2): في [2/ 79] أصح الروايتين. 879 - فأبت إلى فهم وما كدت آيبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر (¬3) فبقوله: «وما كدت آيبا» علم أن أصل كادُوا يَكُونُونَ (¬4) كادوا كائنين كما علم - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 325). (¬2) هو تأبط شرّا - الفهمي - واسمه ثابت بن جابر بن سفيان وكنيته: أبو زهير. (سبقت ترجمته). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 393)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 403)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 325)، والإنصاف (2/ 554) وتعليق الفرائد (1033)، وابن الناظم (59)، وشرح الحماسة (1/ 75)، وابن يعيش (7/ 123، 119، 125)، وأوضح المسالك (1/ 74)، والجامع الصغير (59)، وابن عقيل (1/ 123)، وشرح شواهده (ص 63)، والمطالع السعيدة (ص 215)، والهمع (1/ 130)، والدرر (1/ 107)، وشرح الكافية للرضي (2/ 305)، والعيني (2/ 165)، والأشموني (1/ 259)، والتوطئة (303)، وشواهد النحو في حماسة أبي تمام (324). اللغة: فهم: هم بنو فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان. تصفر: تتآسف وتتحزن. والشاهد قوله: (وما كدت آيبا) حيث جاء خبر «كاد» اسما مفردا منصوبا والقياس في خبر «كاد» أن يكون جملة فعلية فعلها مضارع، ولذلك أنكر بعض النحاة هذه الرواية زعما منهم أن الرواية الصحيحة هي «وما كنت آيبا». وعليها فلا شاهد في البيت. وهذا يقضي المصنف من قوله: على أصح الروايتين. (¬4) سورة الجن: 19.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «بالقود واستحوذ» أن أصل «مال واستعاد» مول واستعود (¬1) ومثال خبر عسى مفردا منصوبا قول العرب: «عسى الغوير أبؤسا» (¬2) يعني ذا بؤس، وقال الشاعر: 880 - أكثرت في العذل ملحّا دائما ... لا تلحني إنّي عسيت صائما (¬3) وقد يجيء خبر جعل جملة اسمية: كقول الشاعر: 881 - وقد جعلت قلوص بني زياد ... من الأكوار مرتعها قريب (¬4) وقد يجيء جملة فعلية مصدرة بإذا كقول ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: «فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا» (¬5). وليس المقرون بأن في هذا البيت خبرا عند سيبويه، بل هو منصوب بإسقاط - ¬

_ (¬1) أي أن الألف فيها منقلبة عن الواو ينظر شرح الشافية للرضي (3/ 96 - 97). (¬2) مثل قالته الزباء لقومها عند رجوع قصير من العراق ومعه الرجال وبات بالفرر على طريقه. والمعنى: لعل الشر يأتيكم من قبل الغار. والغوير: تصغير غار - والأبؤس: جمع بؤس وهو الشدة. وينظر المثل في مجمع الأمثال (2/ 17) واللسان «عسى». (¬3) البيت من الرجز لقائل مجهول وقد أنكره العلماء قديما كما ذكره البغدادي في الخزانة حيث قال: قال ابن هشام في شرح أبيات الناظم: طعن في البيت عبد الواحد الطرماح في كتابه بغية الآمل، فقال: هو بيت مجهول، ولم ينسبه الشراح إلى أحد فسقط الاحتجاج به ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتا من كتاب سيبويه اه، الخزانة (4/ 77). والبيت في التذييل (4/ 543)، وتعليق الفرائد (1034)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 404) والمقرب (1/ 100)، والخصائص (1/ 98)، وأمالي الشجري (2/ 164)، والمغني (1/ 152)، وشرح شواهده (ص 1/ 444)، وابن الناظر (59)، وابن عقيل (1/ 124)، وشرح شواهده (ص 63) وشرح الرضي (2/ 302)، والاقتراح (73)، والهمع (1/ 130)، والمطالع السعيدة (ص 216)، والدرر (1/ 107)، والأشموني (1/ 259)، وملحقات ديوان رؤبة (185)، ويروى أيضا لا تكثرن مكان (لا تلحني). والشاهد قوله: (إني عسيت صائما) حيث جاء خبر «عسى» اسما مفردا منصوبا. (¬4) البيت من الوافر لقائل مجهول، وهو في التذييل (4/ 345)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 404)، وشواهد التوضيح (93)، وشرح الحماسة للمرزوقي (1/ 301)، وتعليق الفرائد (1035)، والعيني (2/ 170)، وابن الناظم (59)، وحاشية الخضري (1/ 124)، والأشموني (1/ 259)، وأوضح المسالك (1/ 64)، والجامع الصغير (59)، والتوطئة (303)، والخزانة (2/ 336)، (4/ 92) وشواهد النحو في الحماسة (238)، ويروى أيضا (بني سهيل) مكان (بني زياد). والشاهد قوله: «وقد جعلت قلوص بني زياد ... مرتعها قريب» حيث جاء خبر جعل جملة اسمية. (¬5) أخرجه البخاري في كتاب التفسير الباب (65) واستشهد به ابن مالك في شواهد التوضيح (78).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف الجر أو بتضمن الفعل معنى قارب. قال سيبويه: تقول: عسيت أن تفعل. فأن هنا بمنزلتها في قولك: قاربت أن تفعل أي قاربت ذلك وبمنزلة دنوت أن تفعل؛ واخلولقت السماء أن تمطر أي لأن تمطر، وعسيت بمنزلة اخلولقت السماء. ولا يستعمل المصدر هنا كما لم يستعمل الاسم الذي الفعل في موضعه في قولك: بذي تسلم (¬1). هذا نصه. قلت: والوجه عندي: أن تجعل «عسى» ناقصة أبدا فإذا أسندت إلى «أن والفعل» وجه بما يوجه وقوع حسب عليهما في نحو: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا (¬2) (¬3) فكما لم تخرج حسب بهذا عن أصلها لا تخرج «عسى» عن أصلها (مثل) (¬4) وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً (¬5) بل يقال في الموضعين: سدت «أن والفعل» مسدّ الجزأين (¬6)، (ويوجه) (¬7) نحو فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ (¬8) بأن المرفوع اسم «عسى» وأن الفعل بدل سد مسد جزأي الإسناد كما يسد مسدهما لو لم يوجد المبدل منه (¬9)، فإن البدل في حكم الاستقلال في أكثر الكلام، ومثله قراءة حمزة (¬10) ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم (¬11) بالخطاب على جعل (أن) (¬12) بدلا من «الذين» وسدت مسد المفعولين في البدلية كما سدت مسدهما في قراءة الباقين «ولا يحسبن» بالياء على جعل «الذين كفروا» فاعلا (¬13)، ومثله: حتى (رئينا) (¬14) أنه لا حق لأحد منا في - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 157، 158). (¬2) سورة العنكبوت: 2. (¬3) في الإغفال (ص 1183، 1184): «قال أبو إسحاق في قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا قال: موضع «أن» الأول نصب وهي في موضع اسم «حسب» وخبره. اه. وفي املاء ما منّ به الرحمن (2/ 181) «أن يتركوا» أن وما عملت فيه تسد مسد المفعولين. اه. (¬4) في (ب) (بمثل). (¬5) سورة البقرة: 216. (¬6) هذا رأي ابن مالك وزعم بعض النحاة أن «عسى» في الآية السابقة تامة مكتفية بالمرفوع كما في «كان» التامة. ينظر المطالع السعيدة (ص 219) والهمع (1/ 131). (¬7) في (أ) (فيوجه). (¬8) سورة المائدة: 52. (¬9) ينظر إملاء ما من به الرحمن للعكبري (1/ 219). (¬10) هو حمزة بن حبيب الزيات، كان إمام القراء في عصره، ومن تلاميذه الكسائي، وقد توفي سنة (156 هـ). (¬11) سورة آل عمران: 178. (¬12) ما بين القوسين من الهامش في (ب). (¬13) ينظر إملاء ما من به الرحمن (1/ 159) والكشاف (1/ 150، 151) والإتحاف (ص 182). (¬14) في شرح التسهيل (رأينا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فضل (¬1) على رواية من رواه بالفتح في صحيح مسلم. ولا تتقدم أخبار هذه الأفعال: فلا يقال في «طفقت أفعل»: «أفعل طفقت» والسبب في ذلك أن أخبار هذه الأفعال خالفت أصلها بلزوم كونها أفعالا، فلو قدمت لازدادت مخالفتها للأصل، وأيضا فإنها أفعال ضعيفة لا تصرف لها، إذ لا ترد إلّا بلفظ الماضي، إلا «كاد وأوشك» فإن المضارع منهما مستعمل فلهن حال ضعف بالنسبة إلى الأفعال الكاملة التصرف، وحال قوة بالنسبة إلى الحروف فلم يتقدم أخبارها لتفضلها «كان» وأخواتها المتصرفة، وأجيز توسطها تفضيلا لها على «إن» وأخواتها، فيقال: طفق [2/ 80] يصليان الزيدان، وكاد يطيرون المنهزمون (¬2)، وحكى الجوهري (¬3): مضارع طفق (¬4). ويجوز في هذا الباب حذف الخبر إن علم (¬5)، ومنه ما جاء في الحديث النبوي الشريف: «من تأنى أصاب أو كاد ومن عجل أخطأ أو كاد» (¬6) ومنه قول المرقش (¬7): 882 - وإذا ما سمعت من نحو أرض ... بمحبّ قد مات أو قيل كادا فاعلمي غير علم شكّ بأنّي ... ذاك وابكي لمقصد لن يقادا (¬8) أي لن يؤخذ له بقود، وقال آخر: 883 - قد هاج سار لسار ليلة طربا ... وقد تصرّم أو قد كاد أو ذهبا (¬9) - ¬

_ (¬1) الحديث في صحيح مسلم، باب اللقطة (12/ 33). (¬2) ينظر المطالع السعيدة (ص 218)، والهمع (1/ 131). (¬3) سبقت ترجمته. (¬4) في الصحاح (2/ 101) طبعة بولاق: حكى الأخفش: طفق يطفق: كضرب يضرب وطفق يطفق: كعلم يعلم. اه. وينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 331)، والبهجة المرضية (ص 35). (¬5) ينظر شرح الرضي (2/ 304)، والأشموني (1/ 263)، والمطالع السعيدة (ص 218). (¬6) حديث شريف رواه الطبري في الكبير والأوسط عن شيخه بكر بن سهل، ينظر مجمع الزوائد (8/ 19) وقد استشهد به ابن مالك أيضا في الكافية الشافية (1/ 462). (¬7) هو عمرو بن سعد بن مالك أحد الشعراء المعدودين في الجاهلية. (¬8) البيتان من الخفيف وينظر فيهما الكافية الشافية (1/ 462)، والتذييل (4/ 353)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 456). والشاهد قوله: (أو قيل كادا) حيث حذف خبر «كاد» لدلالة المعنى عليه، والتقدير: أو قيل: كاد أن يموت. (¬9) البيت من بحر البسيط لقائل مجهول وهو في التذييل (4/ 353). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والساري الأول: البرق، ومن حذف الخبر لدليل قوله تعالى: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (¬1) فحذف الخبر وهو «يمسح» وترك مصدره دليلا عليه، وحق الاسم في هذا الباب أن يكون معرفة أو مقاربا لها كما يحق ذلك لاسم «كان» (¬2). وقد يرد نكرة مختصة: كقول الشاعر: 884 - عسى فرج يأتي به الله إنّه ... له كلّ يوم في خليقته أمر (¬3) وقد يسند «أوشك» و «عسى» و «اخلولق» إلى «أن يفعل» فيغني عن الخبر كقوله تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (¬4)، فلو وقعت «عسى» و «أن يفعل» خبر اسم قبلها، فللمتكلم بذلك أن يضمر في «عسى» ضميرا هو اسمها أو فاعلها ويحكم على موضع «أن يفعل» بالنصب، وله أن يجرد «عسى» من الضمير، ويحكم على موضع «أن يفعل» بالرفع مستغنى به عن زائد، كما استغنى به بعد حسب عن مفعول ثان، وأوشك واخلولق مثل «عسى» في هذين الاستعمالين، فيقال: الزيدان أوشكا أن يفعلا، وأوشك أن يفعلا، والعمران اخلولقا أن يفوزا، واخلولق أن يفوزا. أشار إلى ذلك في الثلاثة سيبويه (¬5) رحمه الله تعالى. وإن أسندت «عسى» إلى ضمير متكلم أو مخاطب أو إناث غائبات جاز كسر «سينها» وفتحها والفتح أشهر، ولذلك قرأ به ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر، والكوفيون، ولم يقرأ بالكسر إلا نافع (¬6). انتهى كلام المصنف. - ¬

_ - والشاهد فيه قوله: أو قد كاد حيث حذف خبر كاد لدلالة ما قبله عليه. (¬1) سورة ص: 33. (¬2) ينظر الهمع (1/ 131). (¬3) البيت من الطويل لمحمد بن إسماعيل وهو في التذييل (4/ 354)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 406)، وتعليق الفرائد (1042)، والصاحبي (237)، وابن عقيل (1/ 125)، وشرح شواهده (ص 65)، والشذور (332)، والعيني (2/ 214)، والهمع (1/ 131)، والدرر (1/ 109). والشاهد قوله: «عسى فرج يأتي به الله» حيث جاء اسم «عسى» نكرة مختصة. (¬4) سورة البقرة: 216. (¬5) ينظر الكتاب (3/ 158)، واللمع لابن جني (225 - 226)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 332، 333)، وابن الناظم (61). (¬6) الآية التي قرأها نافع بكسر السين في «عسى» هي قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ينظر ابن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد علم منه أن الضمير في خبريهما إنما هو عائد على كاد وعسى. ثم ها هنا أمور: الأول: كما جاء المصدر بعد «طفق» مغنيا عن الخبر؛ جاز ذلك بعد أوشك. قال الشاعر: 885 - لأوشك صرف الدّهر تفريق بيننا ... ولا يستقيم الدّهر والدّهر أعوج (¬1) التقدير: لأوشك صرف الدهر أن يفرق بيننا، فحذف الخبر لدلالة المصدر عليه. الثاني: قول المصنف: «أو كلّما وندر إسنادها إلى ضمير الشأن ودخول النفي عليها» لم يتعرض إلى شرحه، وكذا الشيخ أيضا معتذرا بأن المصنف لم يشرحه. وأقول: أما قوله: «أو كلما» فيحتاج إلى إيراد شاهده، وأما قوله: «وندر إسنادها إلى ضمير الشأن» فقد تقدم في باب المضمر أن كاد من قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ (¬2) أن كاد مسندة إلى ضمير الشأن في [2/ 81] قراءة من قرأ «يزيغ» بالياء (¬3)، ولكن هذه القراءة ثابته في السبعة، فلا يوصف مثلها بالندور (¬4)، وأما دخول النفي عليهما فكأنه يعني به ما عدا (كاد) - ¬

_ - الناظم (61)، وينظر في هذه المسألة أيضا شرح الألفية للمرادي (1/ 333)، والتصريح (1/ 210)، وأوضح المسالك (1/ 84)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 138). (¬1) البيت من بحر الطويل وهو لأبي دهبل الجمحي، وهو في التذييل: (4/ 344)، والشعر والشعراء (621). والشاهد قوله (لأوشك صرف الدهر تفريق بيننا) حيث استغنى بالمصدر عن «أن والفعل». (¬2) سورة التوبة: 117. (¬3) في معاني القرآن للفراء (1/ 454): وقوله: «من بعد ما كاد يزيغ»، و «كاد تزيغ»: من قال: «كاد يزيغ جعل في كاد يزيغ» اسما مثل الذي في قوله: «عسى أن يكونوا خيرا منهم» وجعل «يزيغ» به ارتفعت القلوب مذكرا كما قال الله تبارك وتعالى لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها، ولا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ. ومن قال «تزيغ» جعل فعل القلوب مؤنثا كما قال: «نريد أن نأكل منها وتطمئنّ قلوبنا» وهو وجه الكلام. اه. وينظر شرح الكافية للرضي (2/ 303). (¬4) قراءة الياء في قوله تعالى مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ لحفص وحمزة، وقراءة التاء لغيرهما. ينظر البحر المحيط (5/ 109)، وتجبير التيسير (119)، والحجة لابن خالويه (178)، وشرح طيبة النشر (310)، والإتحاف (245).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من أفعال الباب المذكورة؛ لمباشرة النفي لكاد وليكاد في القرآن العزيز (¬1) ولكثرة ذلك في كلام العرب نثرها ونظمها. الثالث: قد عرفت أن مذهب سيبويه في المقرون «بأن» الواقع بعد أسماء هذه الأفعال: أنه ليس بخبر وتقدم اختيار المصنف فيه أنه بدل من الاسم الواقع قبله، فتحصل لنا من ذلك أن المذاهب ثلاثة، أعني: في المقرون بأن الواقع بعد الاسم المسند إليه الفعل خبر، مفعول به، بدل. أما كونه مفعولا به فقد نسبه المصنف إلى سيبويه كما عرفت، وغير المصنف إنما يجعل ذلك مذهب المبرد (¬2). وأما كونه خبرا فهو مذهب الجمهور وهو الدائر على ألسنة النحاة والمعربين، ولا خفاء أنه المشهور (¬3). وأما كونه بدلا من الاسم قبله كما اختاره المصنف، فقال الشيخ: إنه مذهب الكوفيين (¬4)، وظاهر كلام المصنف أنه قال ذلك من قبل نفسه غير معول فيه على مذهب ومستند القائل بالمفعولية أن «أن» وما بعدها يتقدر بالمصدر ولا يخبر بمصدر عن جثة (¬5) ومستند القائل بالخبرية أن «أن» هنا مع ما بعدها لا يتقدر بالمصدر، لأنها إنما أتى بها لتدل أن في الفعل تراخيا، ونظير ذلك مجيئهم «بأن» في خبر «لعلّ»، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لعلّ أحدكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض» (¬6). - ¬

_ (¬1) وذلك كقوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها. (¬2) الذي جعل ذلك مذهب المبرد هو ابن عصفور وتبعه ابن هشام والسيوطي. يقول ابن عصفور: وإذا استعملت «عسى» استعمال «قارب» نحو: عسى زيد أن يقوم، فزيد فاعل، «وأن يقوم» في موضع الخبر. وعند المبرد: زيد فاعل وأن يقوم في موضع المفعول، والدليل على ذلك أن «أن» وما بعدها تتقدر بالمصدر والمصادر لا تكون أخبارا عن الجثث. اه. شرح الجمل (2/ 139)، وينظر المغني (1/ 28)، والهمع (1/ 130) وسبق شرحه. (¬3) ينظر المغني (1/ 151 - 152)، والهمع (1/ 130). (¬4) التذييل (4/ 334)، وينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 303). (¬5) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 139). (¬6) حديث شريف أخرجه البخاري في باب المظالم برواية: «فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض» وهو أيضا في الفائق للزمخشري (2/ 455) برواية: «لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من الآخر». والحديث أيضا في النهاية لابن الأثير (4/ 241).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: ومما يدل على أن المقرون «بأن» هو الخبر أنهم لما ردوه إلى الأصل نطقوا باسم الفاعل ولم ينطقوا بالمصدر نحو (¬1): «إنّي عسيت صائما» (¬2). ومن الناس القائلين بأنه خبر من زعم أنّ «أن» والفعل يتقدر بالمصدر، وقال: يجوز أن يخبر بأن والفعل؛ لأن المصدر قد يخبر به عن العين على جهة المجاز نحو: زيد عدل ورضي (¬3)، ومنه: 886 - ... فإنّما هي إقبال وإدبار (¬4) قالوا: ومن ذلك قوله تعالى: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ (¬5) أي افتراء، وأما كونه بدلا فقد أبطل من أجل أنه إبدال قبل تمام الكلام، والبدل لا يتأتى كذلك؛ لأن البدل إذا خرج من الكلام كان ما بقي بعده كلاما نحو: أعجبني عبد الله علمه، فلو اقتصر على: «أعجبني عبد الله» كان كلاما مستقلّا، ولو قيل: عسى زيد، لم يكن كلاما مستقلّا. واعلم أن في قول المصنف: بأن «عسى» إذا أسندت إلى أن والفعل يوجه ذلك بما يوجه به وقوع حسب عليهما - نظرا (¬6)، وذلك أن الفعل لا بد له من فاعل وإذا - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 139). (¬2) تقدم. (¬3) ينظر التصريح (1/ 206)، والمصنف من الكلام للشمني (1/ 301). (¬4) عجز بيت من البسيط للخنساء، وصدره: ترتع ما رتعت حتّى إذا ادّكرت وهو في الكتاب (1/ 337)، والمقتضب (3/ 230)، (4/ 305)، والخصائص (2/ 203)، (3/ 189)، والمصنف (1/ 197)، والمحتسب (2/ 43)، وأمالي الشجري (1/ 71)، وابن يعيش (1/ 144)، والخزانة (1/ 207، 240)، والتصريح (1/ 332)، وديوان الخنساء (48)، والشاهد فيه: الإخبار عن اسم العين بالمصدر مجازا. (¬5) سورة يونس: 37. (¬6) ينظر المغني (1/ 152)، وقد عقب الدماميني على ذلك في شرحه على المغني (1/ 301)، فقال: ولهم أن يقولوا: أي مانع يمنع من أن البدل قد يكون لازما مع وقوع مثل ذلك في بعض التوابع كوصف مجرور «ربّ» إذا كان ظاهرا، والبدل أولى بذلك لأنه المقصود. اه. وينظر شرح الكافية للرضي (2/ 303)، حيث استحسن الرضي هذا المذهب القائل بالبدلية. وينظر حاشية الصبان (1/ 260).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان له مفعول وجب أن يكون متميزا عن الفاعل ولا شك أنّ «أن والفعل» مع «حسب» وأخواتها إنما سدت مسد الجزأين المشتركين في المفعولية خاصة، وذلك بعد أن أسند الفعل الذي هو «حسب» مثلا إلى فاعله. وأما «عسى» في نحو: أن يقوم؛ فلم يسند إلى فاعل: أن «أن» والفعل سدّا مسد فاعل «عسى» ومفعولها. ولا نظير لذلك؛ لأن أن والفعل إما أن يسدّا مسد فاعل أو مفعول وإما أنهما يسدان مسدهما معا فلا نظير لذلك إلا أن يقول المصنف: لما كان الفاعل [2/ 82] والمفعول هنا أصلها المبتدأ والخبر كان حكمها حكم المفعولين في باب «ظننت» فكما سدّا مسدهما هناك سدّا هنا، وفيه بعد، لأنه لو جاز الاستغناء «بأن والفعل» عن الاسم والخبر في هذا الباب، لجاز الاستغناء بهما في باب «كان» فكان يقال: كان أن يقوم، وإذا لم يتم أنّ «أن والفعل» يسدّان مسدّ فاعل «عسى» ومفعولها لم يتم القول بالبدلية في عسى زيد أن يقوم. لأن المصنف إنما وجه ذلك بأن البدل في حكم الاستقلال فقال: كأن المبدل منه لم يوجد فآل الأمر إلى القول بأن «أن والفعل» سدّا مسدّ الجزأين أيضا في نحو: عسى زيد أن يقوم كما سدّا مسدهما في نحو عسى أن يقوم زيد، وقد عرفت ما فيه (¬1). وأما تنظير المصنف المسألة المذكورة أعني: «عسى زيد أن يقوم» على أن يقوم - ¬

_ (¬1) في حاشية الصبان (1/ 260) تخريج لهذه المسألة حيث رد صاحبها على احتجاج القائلين بعدم البدلية لأن البدل في حكم الاستقلال كما ذكر المصنف. يقول الصبان: «وقيل: بدل اشتمال من المرفوع وسد هذا البدل مسد الجزأين كما سد مسد المفعولين في قراءة حمزة ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خير لأنفسهم بالتاء الفوقية وفتح السين ولا محذور في لزوم البدل لأنه المقصود بالحكم، ولا ينافيه كونه تابعا فربّ تابع يلزم كتابع مجرور «ربّ» الظاهر عند الأكثر، ولم يجعل المبدل منه اسم عسى وأول مفعولي تحسب، لأن المبدل منه في حكم المطروح، و «عسى» على هذا القول ناقصة كقول الجمهور، ولك أن تقول: نصّ الزمخشري وغيره على أنه ليس معنى كون المبدل منه في حكم المطروح أنه مهدر، بل إن البدل مستقل بنفسه لا متمم لمتبوعه كالنعت والبيان، وحينئذ لا مانع من جعل المبدل منه اسم عسى، وأولى مفعولي تحسب. كما أن الفاعل في نحو: نفعني زيد علمه هو المبدل منه لا بدل الاشتمال. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بدل بقوله تعالى: ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملى (¬1) بالخطاب في قراءة حمزة فليست الآية الشريفة نظير ما ذكره، لأن «تحسبن» قد أخذ فاعله على أن المعربين لهم توجيهات في الآية الشريفة (¬2) فلم يكن ما قاله المصنف متعينا، أما إذا كان الفعل الواقع بعد اسم من أسماء هذه الأفعال غير مقرون «بأن» فلا خلاف فيه أن الفعل داخل على المبتدأ والخبر. الرابع: قد ذكر المصنف أن أخبار هذه الأفعال لا تتقدم، وأنها قد تتوسط كما عرفت ولم يشعر كلام المصنف بأن في منع تقدمها على الأفعال خلافا، لكن نقل الشيخ عن صاحب البسيط أنه قال: لا يجوز تقدم أخبار أفعال المقاربة عليها اتفاقا، وأما التوسط فلا كلام فيه، غير أن النحاة ذكروا أن الخبر إذا كان مقرونا بأن نحو: عسى زيد أن يقوم ففي جواز توسطه خلاف، منهم من أجازه وهم المبرد والسيرافي والفارسي (¬3) وصححه ابن عصفور (¬4)، ويمنع ذلك الشلوبين، فلم يجبره في عسى أن يذهب زيد، إلا أن يكون زيد فاعلا بذهب (¬5)، وعلل ذلك بأن «عسى» غير متصرف فلا يتقدم خبره على اسمه، ورد عليه «بليس» فإنها غير متصرفة والتوسط جائز فيها بإجماع، والذي يجيز توسيطه يجيز هذا الوجه الآخر. قال الشيخ: - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 178. (¬2) في روح المعاني للألوسي (1/ 727) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ وقرأ حمزة بالتاء والموصول مفعول أو أنما نملي إلخ بدل اشتمال منه، وحيث كان المقصود بالذات هو البدل وكان هنا مما يسد مسد المفعولين جاز الاقتصار على مفعول واحد ويجوز أن يكون أَنَّما نُمْلِي مفعولا ثانيا إلا أنه لكونه في تأويل المصدر لا يصح حمله على الذوات، فلا بد من تقدير إما في الأول. أي لا تحسبن حال الذين كفروا وشأنهم، وإما في الثاني أي لا تحسبن الذين كفروا وأصحاب أنما نملي لهم إلخ. اه. وينظر الكشاف (1/ 150 - 151)، وجامع البيان للطبري (4/ 115 - 116)، والحجة لابن خالويه (ص 117)، وتفسير الجلالين (69). (¬3) ينظر المطالع السعيدة (ص 218)، والهمع (1/ 131)، وأوضح المسالك (1/ 84)، وابن عقيل (1/ 127)، والتصريح (1/ 209)، والأشموني (1/ 266)، والإيضاح للفارسي (77). (¬4) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 1390). (¬5) ينظر التوطئة (300)، ففيه إشارة إلى هذا الرأي. وابن عقيل (1/ 127)، والمطالع السعيدة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «وتسد أن وصلتها» في ذلك مسد الاسم والخبر كما سدت مع صلتها مسد معمولي ظننت في ظننت أن يقوم زيد (¬1). انتهى. والظاهر أن «عسى» في هذا التركيب تكون تامة «فأن وصلتها» في موضع الفاعل بها، والاسم الواقع بعد الفعل الذي هو الصلة فاعل الفعل (¬2) واعلم أنه قد يتعين في بعض التراكيب أحد القولين لموجب كما في قوله تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (¬3) فإنه معين أن يكون: «ربك» فاعل «يبعثك» ولا يجوز أن يكون اسم عسى، لما يلزم منه من الفصل بين «أن يبعثك» وبين مَقاماً مَحْمُوداً ب رَبُّكَ وهو أجنبي من يَبْعَثَكَ لأنه مرفوع [2/ 83] «بعسى» (¬4). وثمرة خلاف المذهبين تظهر في التثنية والجمع، فعلى مذهب المبرد ومن وافقه تقول: أن يقوما أخواك وأن يقوموا إخوتك، وأن يخرجن الهندات، وعلى مذهب الشلوبين يحتم رفع ما بعد «أن وصلتها» بالفعل فلا يكون في الفعل الذي هو صلة «أن» ضمير فتقول: عسى أن يقوم أخواك، وأن يقوم إخوتك وأن تقوم الهندات (¬5). قال الشيخ: «والحق أنه يحتاج في جواز التوسط إلى سماع من العرب» (¬6). وهذا من الشيخ وقوف منه مع الظاهر وإذا كانت القواعد تقتضي جواز شيء فما المانع من القول به. ¬

_ - (ص 218)، وأوضح المسالك (1/ 84). (¬1) التذييل (2/ 579). (¬2) هذا رأي ابن جني أيضا في اللمع (225)، حيث قال: «وتقول»: «عسى أن يقوم زيد» فإن وما بعدها في موضع رفع بعسى، وزيد رفع بيقوم وكفت صلة أن من خبر عسى. اه. (¬3) سورة الإسراء: 79. (¬4) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 139)، وابن يعيش (7/ 118)، والأشموني في (1/ 226). (¬5) ينظر ابن عقيل (1/ 127)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 333)، واللمع لابن جني (225 - 226) وأوضح المسالك (1/ 84). (¬6) التذييل (4/ 352).

[حديث في عسى- نفي كاد- مضارع كاد]

[حديث في عسى - نفي كاد - مضارع كاد] قال ابن مالك: (وقد يتّصل بها الضّمير الموضوع للنّصب اسما عند سيبويه حملا على «لعلّ» وخبرا مقدّما عند المبرّد، ونائبا عن المرفوع عند الأخفش، وربّما اقتصر عليه. ويتعين عود الضمير من الخبر إلى الاسم وكون الفاعل غيره قليل، وتنفى «كاد» إعلاما بوقوع الفعل عسيرا أو بعدمه وعدم مقاربته ولا تزاد خلافا للأخفش واستعمل مضارع «كاد» «وأوشك» وندر اسم فاعل «أوشك» و «كاد» ومضارع «طفق»). قال ناظر الجيش: اشتمل الكلام على مسائل خمس: الأولى: أن العرب قالوا: عساني وعساك وعساه، فوصلوا «بعسى» الضمير الموضوع للنصب، واختلف النحاة فيه على ثلاثة مذاهب (¬1). قال المصنف: إذا كان معمول «عسى» ضميرا فحقه أن يكون بلفظ الموضوع للرفع نحو: عسيت ومنها وعست وعسيتم كما يقال: كنت وكنا وكنت وكنتم، وهذا الاستعمال هو المشهور، وبه نزل القرآن العزيز، قال الله تعالى: هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا (¬2). ومن العرب من يقول: عساني وعساك، فيستغني بالموضوع للنصب عن الموضوع للرفع كقول الشاعر: 887 - ولي نفس أقول لها إذا ما ... تنازعني لعلّي أو عساني (¬3) - ¬

_ (¬1) ينظر الهمع (1/ 131)، والأشموني (1/ 267)، وسوف يبين المصنف فيما سيأتي هذه المذاهب. (¬2) سورة البقرة: 246. (¬3) البيت من الوافر لعمران بن حطان الخارجي وهو في الكتاب (2/ 375)، وشرح شواهده للسيرافي (1/ 524)، والتذييل (4/ 358)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 408)، وتعليق الفرائد (1051)، والمقتضب (3/ 72)، والخصائص (3/ 25)، وابن يعيش (3/ 10، 118، 120، 222، 7/ 123)، والمقرب (1/ 101)، والخزانة (4/ 306)، والعيني (1/ 504)، وأوضح المسالك (1/ 86). والشاهد قوله: «أو عساني»؛ حيث أتى بعد «عسى» بالضمير المتصل الموضوع للنصب وكان حقه أن يكون ضمير رفع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 888 - ... يا أبتا علّك أو عساكا (¬1) وقول الآخر: 889 - أصخ فعساك أن يهدى ارعواء ... لقلبك بالإصاخة مستفاد (¬2) فالمتكلم بهذا وأمثاله جائز بإجماع، لكن اختلف في هذا الضمير، أهو منصوب المحل أم مرفوعه، فاتفق سيبويه والمبرد على أنه منصوب المحل، «وأن والفعل» في موضع رفع إلا أن سيبويه يجعل المنصوب اسما والمرفوع خبرا حملا على لعل، والمبرد يجعل المنصوب خبرا مقدما و «أن والفعل» اسما مؤخرا (¬3) وذهب الأخفش: إلى أن الضمير وإن كان بلفظ الموضوع للنصب محله رفع بعسى، نيابة عن الموضوع للرفع كما ناب الموضوع للرفع عن الموضوع للجر في نحو: أما أنا كأنت، وعنه وعن الموضوع للنصب في نحو: مررت بك أنت وأكرمته هو (¬4). وقول الأخفش هو الصحيح عندي لسلامته من عدم النظير، إذ ليس فيه إلا نيابة ضمير غير موضوع [2/ 84] للرفع عن موضوع له، وذلك موجود كقول الراجز: 890 - يا ابن الزّبير طالما عصيكا ... وطالما عنّيتنا إليكا (¬5) - ¬

_ (¬1) الرجز لرؤبة، وهو في الكتاب (2/ 375)، (4/ 207) وشروح شواهد الشافية (4/ 243) والمقتضب (3/ 71) والخصائص (2/ 96، 222)، وابن يعيش (2/ 12)، (3/ 120)، (7/ 132)، والمحتسب (2/ 213)، وأمالي الشجري (2/ 76، 104)، والإنصاف (1/ 222)، والخزانة (2/ 441)، والتذييل (4/ 359)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 409)، وتعليق الفرائد (1047)، وما لا ينصرف للزجاج (130)، والمغني (1/ 151، 153، 246)، (2/ 699)، وشرح شواهده (1/ 443)، والهمع (1/ 132)، والتصريح (1/ 213)، (2/ 178)، وملحقات ديوان رؤبة (181). والشاهد فيه: كالذي قبله. (¬2) البيت في التذييل وهو لقائل مجهول. والشاهد في قوله: (فعساك) كالبيتين السابقين ينظر الكتاب (2/ 374 - 375). (¬3) ينظر المقتضب (3/ 72). (¬4) ينظر التذييل (2/ 587)، والتوطئة (300)، والمغني (1/ 153)، والهمع (1/ 132). (¬5) البيت لراجز من حمير كما قال أبو زيد في نوادره، وهو في المقرب (2/ 182)، ونوادر أبي زيد (347)، والتذييل (4/ 360)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 409)، وشرح التسهيل للمصنف -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: عصيت، فجعل الكاف نائبة عن التاء، ولأن نيابة الموضوع للرفع موجودة في ما أنا كأنت، ومررت بك أنت. فلا استبعاد في نيابة غيره عنه (¬1)، ولأن العرب قد تقتصر على عساك ونحوه، فلو كان الضمير في موضع نصب يلزم الاستغناء بفعل ومنصوبه عن مرفوعه، ولا نظير لذلك بخلاف كونه في موضع رفع فإن الاستغناء به نظير الاستغناء بمرفوع «كاد» في نحو: «من تأنّى أصاب أو كاد ومن عجل أخطأ أو كاد» (¬2)، ولأن قول سيبويه يلزم منه حمل فعل على حرف في العمل ولا نظير لذلك. وقال السيرافي: وأما عساك وعساني، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: قول سيبويه وهي أن «عسى» حرف بمنزلة «لعلّ» وذكر القولين الآخرين (¬3) وفي هذا القول أيضا ضعف لتضمنه اشتراك فعل وحرف في لفظ واحد بلا دليل (¬4)، إلا أن فيه تخلصا من الاكتفاء بمنصوب فعل عن مرفوعه في نحو: عساك أو عساكا، وفي نحو: عساك تفعل بغير «أن» ولا يخلص المبرد من ذلك (¬5)، ويلزم المبرد أيضا مخالفة النظائر من وجهين آخرين: أحدهما: الإخبار باسم عين جامد عن اسم معنى (¬6). - ¬

_ - (1/ 397)، وتعليق الفرائد (1049)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 294)، وشرح الشافية للرضي (3/ 203)، وشرح شواهد الشافية (4/ 425)، والخزانة (2/ 257)، والمغني (1/ 153)، وشرح شواهده (1/ 446)، والعيني (4/ 519)، والأشموني (1/ 267). والشاهد قوله: «عصيكا»، حيث أتى بضمير النصب وهو الكاف نائبا عن ضمير الرفع وهو تاء المخاطب، وقد ذكر أبو حيان أن ذلك من باب البدل. (¬1) ذكر ابن هشام أنه لم يثبت إنابة ضمير إلا في الضمير المنفصل كما في قولهم: ما أنا كأنت وجعل البيت السابق الذي استشهد به المصنف الكاف فيه بدل من التاء بدلا تصرفيّا وليس من إنابة ضمير عن ضمير، وبذلك رد رأي الأخفش. ينظر المغني (1/ 153). (¬2) حديث شريف، رواه الطبري في الكبير والأوسط عن شيخه بكر بن سهل. ينظر مجمع الزوائد (8/ 19) وقد استشهد به ابن مالك أيضا في شرح الكافية الشافية (1/ 465). (¬3) ينظر التذييل (4/ 359) والهمع (1/ 132) وحاشية الخضري (1/ 128). (¬4) ينظر شرح الدماميني على المغني (1/ 100)، حيث نقل هذا الاعتراض على رأي السيرافي، ولكنه رد الاعتراض بقوله: «وليس بذلك». (¬5) ينظر التصريح (1/ 214) وقد رد ابن هشام هذا الاعتراض بقوله: ولهما أن يجيبا - المبرد والفارسي - بأن المنصوب هنا مرفوع في المعنى إذ مدعاهما أن الإعراب قلب، والمعنى بحاله. اه. المغني (1/ 103). (¬6) ينظر التصريح (1/ 214) وشرح التسهيل للمرادي (1/ 410).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: وقوع خبر في غير موقعه بصورة لا تجوز فيه إذا وقع موقعه، وذلك أنك لو قلت في عساك أن تفعل: عسى أن يفعل إياك، لم يجز، وما لم يجز في الحالة الأصلية حقيق بأن لا يجوز في الحالة الفرعية، فتبين بأن قول أبي الحسن في هذه المسألة هو الصحيح، والله تعالى أعلم (¬1). هذا كلام المصنف وهو حسن إلا أن التزامه بالاستغناء بفعل ومنصوبه عن مرفوعه قد يجاب عنه بأن الخبر المحذوف للدلالة عليه، وإذا كان الخبر محذوفا استقام قول سيبويه وسلم من الخدش، وأما قوله: يلزم منه حمل فعل على حرف في العمل، فهذا إنما يلزم لو لم يكن للفعل عمل أصلا، ولكن الفعل - أعني «عسى» - ثابت غاية ما في الباب أن معمولا أوقع موقع معمول حملا على الحرف الذي هو لعل فلم يحمل الفعل على الحرف في العمل. وقد صحح النحويون مذهبه رحمه الله تعالى في هذه المسألة (¬2) وأبطلوا القولين الآخرين (¬3). أما قول الأخفش: فإن بعض العرب صرح بعد «عسى» المتصل بها ضمير النصب بالاسم مرفوعا مكان «أن يفعل»، فقال: 891 - عساها نار كأس وعلّها ... تشكّى فآتي نحوها فأعودها (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (1/ 396 - 398)، وينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 410). (¬2) صحح النحويون مذهب سيبويه بأن قالوا: أن «عسى» حين نصبت الاسم ورفعت الخبر حرف كامل، وليست فعلا حتى يكون الفعل قد حمل على الحرف. ففي التصريح (1/ 214) أن من قال: أو عساها فقط، اقتصر على فعل ومنصوبه دون مرفوعه ولا نظير لذلك ولا يرد هذا على سيبويه، لأنه يرى أن «عسى» الذي ينصب الاسم حرف، فهو نظير إن ما لا وإن ولذا، ثم قال وهو - أي «عسى» - حينئذ أي إذ نصب الاسم ورفع الخبر حرف كامل، لئلا يلزم حمل الفعل على الحرف. اه. وينظر حاشية الصبان (1/ 267). (¬3) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 410). (¬4) البيت لصخر بن جعد الحضري، من البسيط، وهو في التذييل (4/ 360)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 410)، وتعليق الفرائد (1050)، والأغاني (23/ 42)، والمغني (1/ 153)، وشرح شواهده (1/ 446)، والجامع الصغير (62)، وأوضح المسالك (1/ 85)، والتصريح (1/ 213)، والهمع (1/ 132)، والدرر (1/ 110)، والعيني (2/ 227). اللغة: كأس: اسم محبوبته - تشكى: تمرض ليجعل ذلك وسيلة لزيارتها. والشاهد قوله: «عساها نار كأس» حيث جاء الاسم مرفوعا بعد (عسى) المتصل بها ضمير النصب وهذا شاهد ببطلان مذهب الأخفش وترجيح مذهب سيبويه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: فهذا قاطع ببطلان مذهب أبي الحسن إذ قال: «نار»: بالرفع، ولو كان في وضع نصب لقال نار [2/ 85] ونصب، ومن ثم قال صاحب البسيط: ولو ظهر الخبر بغير «أن» لافتضح الأخفش. وأما قول المبرد: فإن العرب إذا أسندت «عسى» إلى «أن والفعل» استغنت عن الخبر وحصل لها التمام فكانت «أن وصلتها» فاعلا بها، وشيء آخر وهو أن فيه الخروج عما استقر «بعسى» من جعل المخبر عنه خبرا، والخبر مخبرا عنه وذلك إحالة للمعنى، وليس في قول سيبويه إلا الخروج عما استقر لها من العمل وهو أمر لفظي (¬1). وقال الشيخ في: 892 - طالما عصيكا (¬2) إن قول المصنف فيه: إنه من وضع ضمير النصب موضع الرفع غير صحيح، قال: لأن الفارسي وغيره ذكروا أن هذا من إبدال «تاء» الضمير «كافا» وهو من شاذ البدل (¬3)، قال: ويدل على أنه من باب البدل تسكين آخر الفعل له في قولهم: عصيك، ولو كان ضمير نصب لم يسكن كما لم يسكن في «عساك» و «رماك» ولا شك أن القول بالبدل محتمل، والقول بنيابة ضمير عن ضمير محتمل أيضا، فلا يدفع أحد الاحتمالين بالآخر وأما التسكين فلا شك أنه يقوي دعوى الأخفش، لأن الضمير وإن كان ضمير نصب قد وضع موضع ضمير الرفع، وأسند الفعل إليه، فوجب إعطاء الفعل الحكم الذي يستحقه حين إسناده إلى الضمير الموضوع للرفع (¬4). وأما قول المصنف: وربما اقتصر عليه - فأشار بذلك إلى ما تقدم من قول القائل: 893 - يا أبتا علّك أو عساكا (¬5) وقول الآخر: 894 - تنازعني لعلّي أو عساني (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر حاشية الخضري (1/ 128). (¬2) التذييل (4/ 360 - 361)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 410). (¬3) ينظر المغني (1/ 153)، وشرح الدماميني علي المغني (1/ 303)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 408). (¬4) التذييل (4/ 360). (¬5)، (¬6) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أن الخبر محذوف ولم يمتنع حذفه، لأنها أشبهت «لعلّ»، فجاز حذفه كما جاز حذف أخبار هذه الحروف من حيث كان الكلام في الأصل مبتدأ وخبرا. المسألة الثانية: لا بد من عود ضمير من الخبر في هذا الباب إلى الاسم، كما لا بد منه في غير هذا الباب، إلا أن الضمير في غير هذا الباب لا يشترط كونه فاعلا، بخلاف الضمير في هذا الباب فإن الفاعل لا يكون غيره إلا قلة ولا يكون ما ورد على قلة إلا مؤولا بأنه هو (¬1)، فمن ذلك قول الشاعر: 895 - وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ... ثوبي فأنهض نهض الشّارب الثّمل (¬2) فجاز جعل فاعل الفعل المخبر به غير ضمير الاسم، لأن المعنى: وقد جعلت إذا ما قمت أثقل وأضعف، فصح ذلك وكذا قول الآخر (¬3): 896 - وقفت على ربع لميّة ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه ... تكلّمني أحجاره وملاعبه (¬4) فجاز هذا، لأن معناه: حتى كاد يكلمني. أورد المصنف ذلك ثم قال: وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي: وكون الفاعل غيره قليل (¬5). انتهى. وقال صاحب الإفصاح: خبر أفعال المقاربة لا يكون إلا لفاعل فعل المقاربة لا لسببه، لا تقول: طفق زيد يتحدث أخوه، لأنها إنما جاءت لتدل على أن فاعلها قد تلبس [2/ 86] بهذا الفعل وشرع فيه لا غيره ثم أول «يثقلني ثوبي» على ما - ¬

_ (¬1) ينظر في هذه المسألة المقرب (1/ 100 - 101)، والهمع (1/ 131)، وأوضح المسالك (1/ 75)، وحاشية الخضري (1/ 124). (¬2) تقدم. (¬3) هو ذو الرمة غيلان بن عقبة. (¬4) البيتان من الطويل، وينظر فيهما الكتاب (4/ 59)، وشرح أبياته للسيرافي (2/ 364)، وأمالي الشجري (2/ 92)، والمخصص (14/ 169)، والتذييل (4/ 365)، وتأويل مشكل القرآن (95)، ومجاز القرآن (1/ 350)، والجامع الصغير (60)، وأوضح المسالك (1/ 76)، وحاشية الخضري (1/ 124)، واللسان (سقى). والشاهد فيه قوله: «حتى كاد ... تكلمني أحجاره»؛ حيث تأول العلماء هذا البيت فجعلوا الفاعل ضميرا مستترا عائدا على اسم «كاد» لأن ظاهره يدل على أن خبر «كاد» قد رفع اسما مضافا إلى ضمير اسمها. وقوله «أحجاره» بدل اشتمال. (¬5) شرح التسهيل للمصنف (1/ 399)، بتحقيق د. عبد الرحمن السيد، ود. المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم، ثم قال: ويدل على هذا أنه عطف على هذا الفعل ما هو له فقال: فأنهض، وقد يكون هذا قد صح بسبب «فأنهض» لأنه المقصود، فكأنه قال: أنهض نهض الشارب الثمل لضعفي عن حمل ثوبي، لأن الفاء تربط ما بعدها بما قبلها لما فيها من معنى السببية (¬1). انتهى. وقد ناقش الشيخ المصنف في ثلاثة أشياء: أحدها: في قوله: يتعين؛ قال: لأنه قال بعد: وكون الفاعل غيره قليل؛ فدل على أنه لا يتعين فإصلاحه أن يقول: ويكثر عود ضمير من الخبر إلى الاسم. ثانيها: أنه جعل ذلك حكما في جميع هذه الأفعال، وقد ذكر أصحابنا أن «عسى» خاصة يجوز أن يكون الفاعل للفعل الذي هو خبرها ضمير اسمها وأن يكون سببا منه، وأنشدوا: 897 - وماذا عسى الحجّاج يبلغ جهده ... إذا نحن جاوزنا حفير زياد (¬2) برفع جهده ونصبه. ثالثها: أنه قال: وكون الفاعل غيره قليل؛ وهو عند أصحابنا لا يجوز وتأولوا ما ورد من ذلك، وكذا قال هو «إنه إن ورد فيكون مؤولا» قال: وكلام المصنف مثبّج (¬3)، لأنه أثبت في متن الكتاب أن كون الفاعل غير الضمير قليل، ثم ذكر أنه يكون مؤولا، وإذا كان مؤولا فلا يثبت للقلة حكم ألبتة (¬4). انتهى. والجواب عن الأولى أن يقال: إن عود الضمير متعيّن قطعا سواء أكان هو الفاعل - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (4/ 366، 367). (¬2) البيت للفرزدق من الطويل، وهو في التذييل (3/ 10)، (4/ 340، 365)، وحماسة أبي تمام (1/ 393)، والشعر والشعراء (77)، وعيون الأخبار (1/ 236)، والعيني (2/ 180)، والتصريح (1/ 205)، والأشموني (1/ 264)، وأوضح المسالك (1/ 77)، وحاشية الخضري (1/ 124)، وشرح الحماسة للمزروقي (2/ 676)، وشرح الحماسة للتبريزي (2/ 215)، وشواهد النحو في الحماسة (244)، والهمع (1/ 131)، والدرر (1 / 108). والشاهد في قوله: «وماذا عسى الحجاج يبلغ جهده» حيث إنه يجوز في «جهده» الرفع على أنه فاعل «يبلغ» والنصب على أنه مفعوله وفاعل (يبلغ) ضمير الحجاج. (¬3) كلام مثبج: لم يؤت به على وجهه. (¬4) التذييل (4/ 365).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أم غيره والقليل كون الفاعل غير الضمير، مع أنه إذا كان الفاعل غير الضمير لا بد من ضمير عائد ليحصل الربط، أعني ربط جملة (المبتدأ بالخبر) (¬1) فالفاعل في «يثقلني» غير الضمير وهو ثوب، وقد عاد الضمير إلى الاسم وهو الياء المضاف إليها الفاعل فإن مدلولها مدلول التاء المسند إليها جعلت (¬2). وعن الثانية: على تقدير صحة رواية «جهده» بالرفع: أن المصنف لا يرى ذلك، بل يؤول هذا كما أول «يثقلني ثوبي» والتقدير: وماذا عسى الحجاج يبلغ (¬3)، وقد عرفت أن صاحب الإفصاح أطلق القول، ولم يستثن «عسى» فكان كلامه موافقا لكلام المصنف. وعن الثالثة: أن كون الكلام في تأويل كلام آخر لا يهمل اعتبار ظاهره فالفاعل في الظاهر هو غير الضمير، وإذا أول الكلام رجع إلى كونه الضمير فلا منافاة بين قوله: «وكون الفاعل غيره قليل» مع أنه يؤول ما ورد من ذلك، فرحم الله تعالى الشيخ كأنه لكثرة جنوحه إلى مؤاخذة المصنف يرتكب التعسفات في إيراداته ومناقشاته. المسألة الثالثة: مباشرة النفي «لكاد» قال المصنف في شرح الكافية (¬4): قد اشتهر القول بأن «كاد» إثباتها نفي ونفيها إثبات حتى جعل هذا المعنى لغزا فقيل: 898 - أنحويّ هذا العصر ما هي لفظة ... جرت في لساني جرهم وثمود إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت ... وإن أثبتت قامت مقام جحود (¬5) ومراد [2/ 87] هذا القائل كاد. ومن زعم هذا فليس بمصيب، بل حكم «كاد» حكم سائر الأفعال في أن معناه - ¬

_ (¬1) في (ب) (الخبر بالمبتدأ). (¬2) ينظر الأشموني في حاشية الصبان (1/ 263 - 264)، وحاشية الخضري (1/ 124). (¬3) المرجعان السابقان. (¬4) ينظر شرح الكافية (1/ 467) بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬5) البيتان لأبي العلاء المعري وهما من الطويل وينظران في شرح الكافية الشافية (1/ 467)، وتعليق الفرائد (1057)، والمغني (2/ 738)، وإصلاح الخلل (352)، والأشموني (1/ 268)، والهمع (1/ 132)، والدرر (1/ 110). والبيتان شاهدان على اشتهار هذه المسألة بين النحاة حتى نظم فيها هذا الشاعر هذين البيتين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منفي إذا صحبها حرف نفي وثابت إذا لم يصحبها، فإذا قال قائل كاد زيد يبكي فمعناه قارب زيد البكاء فالمقاربة ثابته والبكاء منتف فإذا قال: لم يكد يبكي، فمعناه لم يقارب البكاء، فمقاربة البكاء منفية، ونفس البكاء منتف انتقاء أبعد من انتقائه عند ثبوت المقاربة (¬1)، ولهذا كان قول ذي الرمة: 899 - إذا غيّر النّأي المحبّين لم يكد ... رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح (¬2) صحيحا بليغا؛ لأن معناه: إذا تغير حب كل محب لم يقارب حبي التغير، وإذا لم يقاربه فهو بعيد منه، فهذا أبلغ من أن يقول: لم يبرح، لأنه قد يكون غير بارح وهو قريب من البراح بخلاف المخبر عنه بنفي مقاربة البراح، وكذا قوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (¬3) هو أبلغ في نفي الرؤية من أن يقال. لم يرها، لأن من لم ير، قد قارب الرؤية بخلاف من لم ير ولم يقارب (¬4)، وأما قوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (¬5) فكلام يتضمن كلامين مضمون كل واحد - ¬

_ (¬1) ينظر الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (717)، حيث ذكر صاحبه فساد مذهب القائلين بأن «كاد» إثباتها نفي ونفيها إثبات. (¬2) البيت من الطويل وهو في التذييل (4/ 368)، والإيضاح لابن الحاجب (717)، وابن يعيش (7/ 124، 125)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 412)، وشواهد التوضيح (80)، وتعليق الفرائد (1056)، والخزانة (4/ 74)، والعيني (3/ 378)، ودلائل الإعجاز (182)، والشواهد في النحو العربي (319)، وحاشية الخضري (1/ 125)، والأشموني (1/ 268)، وشرح الرضي (2/ 302)، وديوانه (86)، واللسان (رسس). ويروى أيضا برواية: إذا غير الهجر مكان (النأي)، (لم أجد) مكان (لم يكد). اللغة: الرسيس: الخفي والكلام الخفي. والشاهد قوله: «لم يكد رسيس .. يبرح» فإنه يدل على أن رسيس الهوى قد فارقه. (¬3) سورة النور: 40. (¬4) في شرح المفصل لابن يعيش (7/ 124)، «واضطربت آراء الجماعة في هذه الآية فمنهم من نظر إلى المعنى وأعرض عن اللفظ وذلك أنه حمل الكلام على نفي المقاربة لأن «كاد» معناها قارب، فصار التقدير: لم يقارب رؤيتها وهو اختيار الزمخشري ومنهم من قال: التقدير لم يرها ولم يكد وهو ضعيف لأن لم يكد إن كانت على بابها فقد نقض أول كلامه بآخره وذلك أن قوله: لم يرها لم يتضمن نفي الرؤية ولم «يكد» فيه دليل على حصول الرؤية وهما متناقضان، منهم من قال إن «يكد» زائدة والمراد ولم يرها وعليه أكثر الكوفيين. اه. وينظر الصاحبي (245). (¬5) سورة البقرة: 71.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منهما في وقت غير وقت الآخر (¬1)، والتقدير: فذبحوها بعد أن كانوا بعداء من ذبحها غير مقاربين له، وهذا واضح. وقد يكون نفيها إعلاما ببطء الوقوع، والثبوت حاصل كقوله تعالى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (¬2) أي يفقهون ببطء وعسر. وقال في شرح التسهيل: وزعم قوم أن كاد ويكاد إذا دخل عليهما نفي فالخبر مثبت وإذا لم يدخل عليهما نفي فالخبر منفي، والصحيح أن إثباتهما إثبات للمقاربة، ونفيهما نفي للمقاربة، فإذا قيل: كاد فلان يموت فمقاربة الموت ثابتة، وإذا قيل: لم يكد يموت فمقاربة الموت منفية ويلزم من نفي مقاربة الموت نفي وقوعه بزيادة المبالغة كأن قائلا قال: كاد فلان يموت فرد عليه بأن قيل لم يكد يموت، وقولك لم يكد يموت أبلغ في إثبات الحياة من قولك لم يمت، ولهذا قيل في قوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (¬3) أن معناه لم يرها ولم يقارب أن يراها وفي قوله تعالى يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ (¬4) أن معناه لا يسيغه ولا يقارب إساغته، وقد يقول القائل: لم يكد زيد يفعل، ويكون مراده أنه فعل بعسر لا بسهولة وهو خلاف الظاهر الذي وضع له اللفظ ولإمكان هذا رجع ذو الرمة في قوله: 900 - إذا غيّر النّأي المحبّين ... ... ... البيت (¬5) إلى أن بدّل يكد بيجد وإن كان في يكد من المبالغة والجزالة ما ليس في يجد. وأما قوله تعالى: فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [البقرة: 71] فمحمول على وقتين، وقت عدم الذبح ووقت وقوع الذبح كما يقول القائل: خلص فلان وما كاد يخلص. انتهى [2/ 88]. وهو كلام حسن منقح ليس فيه إلا قوله: إنّ «كاد» قد تنفي إعلاما بوقوع العمل عسيرا فإنه خلاف الظاهر كما قال رحمه الله تعالى، وقد قيل إنه رأي - ¬

_ (¬1) خرج الصبان قول المصنف هنا «فكلام يتضمن كلامين إلخ» فقال: إنما جعله كلاما واحدا، لأن قوله «وما كادوا يفعلون» حال من فاعل «فذبحوها» فيكون المجموع جملة واحدة، وقوله «كل واحد منهما إلخ» أي ولا تناقض بين انتفاء الشيء في وقت وثبوته في وقت آخر. اه. حاشية الصبان (1/ 269)، وينظر حاشية الخضري (1/ 125). (¬2) سورة النساء: 78. (¬3) سورة النور: 40. (¬4) سورة إبراهيم: 17. (¬5) البيت سبق الحديث عنه والاستشهاد به قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن جني (¬1)، وعليه خرج الآية الشريفة فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (¬2) وقد عرفت أن تخريج الآية الشريفة على غير هذا، وأما استدلال المصنف على ذلك بقوله تعالى: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (¬3). فقد تنوزع فيه، ويقال: إن المراد من الآية الشريفة نفي مقاربة الخبر ليكون أبلغ من نفي الخبر دون المقاربة (¬4)، وعلى هذا فلم يثبت أنها تنفي لتدل على الوقوع بعسر وبطء. المسألة الرابعة: أجاز الأخفش استعمال «كاد» زائدة (¬5) ومما استشهد به قوله تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها (¬6) وقول حسان: 901 - وتكاد تكسل أن يجيء فراشها ... في جسم جرعبة وحسن قوام (¬7) قال المصنف: والصحيح أنها لا تزاد. وأما قوله تعالى: أَكادُ أُخْفِيها (¬8) فقيل في معناه: إن الساعة آتية أكاد أخفيها فلا أقول هي آتية وقيل المعنى: أكاد أخفيها عن نفسي (¬9)، وقرأ أبو الدرداء وسعيد بن جبير رضي الله عنهما: (أكاد أخفيها) بفتح الهمزة من خفيت الشيء أخفيه إذا أظهرته (¬10)، وبه فسر قول امرئ القيس: 902 - فإن تدفنوا الدّاء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد (¬11) - ¬

_ (¬1) ينظر الهمع (1/ 132). (¬2) سورة البقرة: 71. (¬3) سورة النساء: 78. (¬4) في تفسير الجلالين: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أي لا يقاربون أن يفهموا «حديثا» يلقى إليهم، وما «استفهام» تعجب من فرط جهلهم، ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه اه. (¬5) ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 307)، والمطالع السعيدة (ص 221)، والهمع (1/ 129)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 412). (¬6) سورة طه: 15. (¬7) البيت من الكامل وهو في المحتسب (2/ 48)، وابن يعيش (7/ 120، 126)، والتذييل (4/ 370)، والغرة لابن الدهان (17)، والشواهد في النحو (308)، وديوان حسان (362). والشاهد قوله: (وتكاد تكسل) حيث يرى الأخفش أن «تكاد» هنا زائدة، لأن المراد عنده «وتكسل». (¬8) سورة طه: 15. (¬9) ينظر إملاء ما من به الرحمن (3/ 120)، والكشاف (2/ 21). (¬10) ينظر هذه القراءة في المحتسب (2/ 47)، ومختصر شواذ القرآن من البديع لابن خالويه (ص 87). (¬11) البيت في معاني القرآن للفراء (2/ 177)، والكشاف (2/ 21). والشاهد فيه قوله: (لا نخفه) حيث إنه فسر بمعنى: لا تظهره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول حسان فالمعنى فيه وصف المذكور بمقاربة الكسل دون حصوله وذلك بيّن. المسألة الخامسة: قال المصنف: ولازمت أفعال هذا الباب لفظ المضي إلا «كاد» و «أوشك» فإنهما اختصّا باستعمال مضارعهما، وكذا قال في شرح الكافية (¬1)، وزاد بأن قال: واستعمل منهما اسم فاعل قليلا فشاهد «كاد» قول كثير. 903 - وكدت وقد جالت من العين عبرة ... سما عاند منها وأسبل عاند أموت أسى يوم الرجام وإنّني ... يقينا لرهن بالّذي أنا كائد (¬2) وشاهد موشك قوله أيضا: 904 - وقال النّاصحون تخلّ عنها ... ببذل قبل شيمتها الجماد فإنّك موشك أن لا تراها ... وتغدو دون غاضرة العوادي (¬3) ومثله قول الآخر (¬4): 905 - فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الخليط وحوشا يبابا (¬5) - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية (1/ 459). (¬2) البيتان من الطويل وينظر فيهما شرح الكافية الشافية (1/ 459)، والتذييل (4/ 372)، وتعليق الفرائد (1060)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 413)، والارتشاف (475)، والتصريح (1/ 208)، وابن عقيل (1/ 127)، وشرح شواهده للجرجاوي (70)، والأشموني (1/ 265)، والعيني (2/ 98)، والهمع (1/ 129)، والدرر (1/ 104)، وديوان كثير (320). اللغة: الرجام: موضع. والشاهد قوله: «الذي أنا كائد» حيث استعمل اسم فاعل من كاد وهو قليل ويروى البيت أيضا (بالذي أنا كابد) من المكابدة على غير قياس ولا شاهد على هذه الرواية. (¬3) البيتان من الوافر وهما لكثير أيضا وينظر فيهما التذييل (4/ 372)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 412)، وشرح الكافية الشافية (1/ 460)، وتعليق الفرائد (1059)، وأوضح المسالك (1/ 82)، والعيني (2/ 205)، والتصريح (1/ 208)، والأشموني (1/ 265)، والهمع (1/ 129)، والدرر (1/ 104)، والمطالع السعيدة (ص 220). اللغة: الجماد: البخيل. غاضرة: اسم جارية أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان. والشاهد قوله: «فإنك موشك» حيث استعمل اسم الفاعل من «أوشك» وهو قليل. (¬4) هو أسامة بن الحارث الهذلي أحد بني عمرو بن الحارث ينظر الإصابة (1/ 104). (¬5) البيت من المتقارب وهو في الكافية الشافية (1/ 461)، والتذييل (4/ 372)، وشرح الألفية لابن الناظم (60)، والمكودي (55)، وأوضح المسالك (1/ 82)، وابن عقيل (1/ 126)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). وإلى هذا القليل الإشارة بقوله في الكتاب: وندر اسم فاعل أوشك وكاد (¬2). واعلم أن مضارع أوشك أكثر من الماضي، ولذلك أنكر الأصمعي الماضي (¬3)، ولكن قد حكى الخليل وغيره أوشك. قال المصنف: «وذكر الجوهري: يطفق، ولم أره لغيره (¬4)». قال الشيخ: وحكى الكسائي: إن البعير يهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجّه، وفي شعر زهير الأمر من أوشك [2/ 89]: 906 - حتّى إذا قبضت أولى أظافره ... منها وأوشك بما لم تخشه يقع (¬5) واستعمل في شعره أيضا أفعل التفضيل منه، قال: 907 - وما مخدر ورد عليه مهابة ... يصيد الرجال كلّ يوم ينازل بأوشك منه أن يساور قرنه ... إذا سال عن خفض العوالي الأسافل (¬6) * * * ¬

_ - والعيني (2/ 212)، وأشعار الهذليين (1293)، والأشموني (1/ 264)، والهمع (1/ 129)، والدرر (1/ 104). والشاهد قوله: «فموشكة أرضنا»؛ حيث استعمل اسم الفاعل من «أوشك». (¬1) شرح التسهيل (1/ 401). (¬2) ينظر ابن عقيل (1/ 126)، والتصريح (1/ 208)، والهمع (1/ 129). (¬3) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 331)، وابن عقيل (1/ 127). (¬4) ينظر أوضح المسالك (1/ 81)، والتصريح (1/ 208)، والأشموني (1/ 265)، وشرح التسهيل (1/ 401). (¬5) البيت من البسيط وهو في التذييل (4/ 371)، والهمع (1/ 129)، والدرر (1/ 104)، وديوان زهير (244). والشاهد قوله: «وأوشك بما لم تخشه يقع»؛ حيث استعمل صيغة الأمر من أوشك. (¬6) البيتان من الطويل وينظر فيهما التذييل (4/ 371)، والهمع (1/ 129)، والدرر (1/ 104)، وشرح ديوان زهير (297)، برواية: (مخذر) في البيت الأول. اللغة: ورد: اسم من أسماء الأسد. والشاهد قوله: «بأوشك منه»، حيث استعمل أفعل التفصيل من (أوشك).

الباب الخامس عشر باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر

الباب الخامس عشر باب الأحرف النّاصبة الاسم الرّافعة الخبر [سردها - معانيها - عملها] قال ابن مالك: (وهي «إنّ» للتّوكيد و «لكنّ» للاستدراك، و «كأنّ» للتّشبيه وللتّحقيق أيضا على رأي، و «ليت» للتّمنّي، و «لعلّ» للتّرجّي، والإشفاق والتّعليل والاستفهام. ولهنّ شبه بكان النّاقصة في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما، فعملت عملها معكوسا ليكونا معهنّ كمفعول قدّم وفاعل أخّر تنبيها على الفرعيّة، ولأنّ معانيها في الأخبار فكانت كالعمد والأسماء كالفضلات، فأعطيا إعرابيهما، ويجوز نصبهما بـ «ليت» عند الفرّاء وبالخمسة عند بعض أصحابه، وما استشهد به محمول على الحال أو على إضمار فعل وهو رأي الكسائيّ). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): اعتبار الأصل يقتضي كون أحرف هذا الباب خمسة لا ستة كما يقول أكثر المصنفين، فإنهم يكملون الستة «بأنّ» المفتوحة ولا حاجة إلى ذلك فإنها فرع المكسورة، وسأبين ذلك إن شاء الله تعالى، ومتبوعي فيما اعتبرته سيبويه، فإنه قال (¬2): هذا باب الحروف الخمسة التي تعمل فيها بعدها كعمل الفعل فيما بعده. وكذا قال المبرد في المقتضب (¬3)، وابن السراج في الأصول (¬4) ولو قال: باب الأحرف؛ لكان أولى من قوله: باب الحرف. لأن أحرفا جمع قلة، وحروفا جمع كثرة، والموضع موضع قلة إلا أن كل واحد من جمعي القلة والكثرة قد يقع موقع الآخر، ومنه قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (¬5) وقد قيل: إن المسوغ لوقوع «قرء» موقع «أقراء» اختلاف عوايد النساء، وباعتبار - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 5) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ بدوي المختون. (¬2) كتاب سيبويه (2/ 131). (¬3) في المقتضب (4/ 107)، «وإنّ وأنّ» مجازهما واحد فلذلك عددناهما حرفا واحدا. (¬4) يقول ابن السراج في الأصول (1/ 277): «الحروف التي تعمل عمل الفعل فترفع وتنصب خمسة أحرف وهي: إن ولكن وليت ولعل وكأنّ. اه. (¬5) سورة البقرة: 228.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النساء وباعتبار هذا يلزم حصول الكثرة (¬1) وكذلك قول سيبويه: يحمل على أنه ملحوظ فيه ما يعرض لإنّ من فتح همزتها ومن تخفيف نونها في الحالين وتخفيف نون «كأنّ» وما يستعمل في «لعل» من اللغات. فإن قيل: إذا كان تفريع «أن» سببا لعدم الاعتداد بها؛ فينبغي أن لا يعتد «بكأنّ» فإن أصل «كأنّ» زيدا أسد: إنّ زيدا كالأسد، فالجواب: أن أصل «كأنّ» منسوخ لاستغناء الكاف عن متعلق به بخلاف «أن» فليس أصلها منسوخا بدلالة جواز العطف بعدها على معنى الابتداء كما يعطف عليه بعد المكسورة فاعتبرت فرعية «أن» لذلك دون «كأنّ» (¬2)، وقد قرنت كل واحد من هذه الأحرف بمعناه، فمعنى «إنّ» التوكيد، ولذلك أجيب بها القسم نحو: والله إنك لفطن، ومعنى «لكنّ» الاستدراك ولذلك لا تكون إلا بعد كلام نحو: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ (¬3)، و «كأن» للتشبيه المؤكد نحو: كأن زيدا أسد؛ فإن أصله: إن زيدا كالأسد فقدمت الكاف وفتحت الهمزة وصار الحرفان حرفا واحدا مدلولا به على التشبيه والتوكيد (¬4). وزعم بعضهم أن «كأن» توكيد للتحقيق دون تشبيه (¬5)، واستشهد على [2/ 90] ذلك بقول الشاعر يرثي هشاما: 908 - وأصبح بطن مكّة مقشعرّا ... كأنّ الأرض ليس بها هشام (¬6) - ¬

_ (¬1) في الكشاف (1/ 93): «فإن قلت: لم جاء التمييز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء؟ قلت: يتسعون في ذلك فيستعملون كل واحد من الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجمعية، ألا ترى إلى قوله بِأَنْفُسِهِنَّ وما هي إلا نفوس كثيرة. اه. وينظر إملاء ما من به الرحمن (1/ 95)، وروح المعاني للألوسي (1/ 427 - 428). (¬2) ينظر الهمع (1/ 132). (¬3) سورة الأنفال: 17. (¬4) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 62)، والأشموني (1/ 217 - 272)، ونتائج الفكر للسهيلي (344)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 335)، والمغني (1/ 191). (¬5) هذا مذهب الكوفيين والزجاجي. وينظر الهمع (1/ 133) والتذييل (2/ 613)، والمغني (1/ 192). (¬6) البيت من الوافر وهو للحارث بن خالد بن العاص وهو في التذييل (2/ 613)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 418)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 6)، والاشتقاق (1/ 101)، وتعليق الفرائد (1068)، والكامل (313)، والأغاني (15/ 18)، والمغني (1/ 192)، وشرح شواهده (2/ 515)، والتصريح (1/ 212)، وحاشية يس (2/ 132)، والهمع (1/ 132)، والدرر (1/ 111)، والشواهد في النحو العربي (304)، واللسان (قثم) -.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستشهد أيضا بقول الآخر: 909 - كأنّني حين أمسي لا تكلّمني ... ذو بغية يبتغي ما ليس موجودا (¬1) والصحيح أن «كأن» لا يفارقها التشبيه، ويخرج البيت الأول على أن هشاما وإن مات فهو باق ببقاء من يخلفه سائرا بسيرته، وأجود من هذا أن تجعل الكاف من «كأن» في هذا الموضع كاف التّعليل المرادفة للّام (¬2)، كأنه قال: وأصبح بطن مكّة مقشعرّا ... لأنّ الأرض ليس بها هشام (¬3) وعلى هذا حمل قوله تعالى: وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (¬4) فقيل: معناه: أعجب لأنه لا يفلح الكافرون (¬5)، وأكثر ما ترد الكاف بهذا المعنى مقرونة «بما» كقوله تعالى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ (¬6)، ومنه ما حكى سيبويه من قول بعضهم: «كما أنه لا يعلم فيغفر الله له» (¬7)، وأما البيت الثاني فلا حجة فيه، لأن التشبيه فيه يتبين بأدنى تأمل وكون «ليت» للتمني و «لعل» للترجي ظاهر والفرق بينهما أن التمني يكون في الممكن وغير الممكن، والرجاء لا يكون إلا في الممكن وتكن «لعل» للإشفاق (¬8) كقوله تعالى: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ (¬9) ومنه قول الشاعر: - ¬

_ - والشاهد قوله: (كأن الأرض ليس بها هشام) حيث أريد بكأن هنا التحقيق على رأي الكوفيين ومن تبعهم إذ المعنى عندهم: لأن الأرض ليس بها هشام قال صاحب التصريح: ولا حجة لهم لأنه محمول على التشبيه، فإن الأرض ليس بها هشام حقيقة بل هو فيها مدفون. (¬1) البيت من البسيط وهو لعمر بن أبي ربيعة وقيل ليزيد بن الحكم كما في الخزانة. (3/ 96) عرضا، والمغني (2/ 369)، وشرح شواهده (2/ 788)، والمحتسب (2/ 155)، والتذييل (2/ 613)، وابن يعيش (4/ 77)، وديوان عمر بن أبي ربيعة (312)، واللسان (عود). والشاهد فيه: استعمال «كأن» مرادا بها التحقيق كما يرى الكوفيون. (¬2) ينظر المغني (1/ 192)، والهمع (1/ 133). (¬3) تقدم. (¬4) سورة القصص: 82. (¬5) ينظر معاني القرآن للفراء (2/ 312)، والكشاف (2/ 172). (¬6) سورة البقرة: 198. (¬7) الكتاب (3/ 140). (¬8) ينظر الكتاب (4/ 233)، والمغني (1/ 287)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 334)، والتصريح (1/ 213). (¬9) سورة الشعراء: 3.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 910 - أتوني فقالوا: يا جميل تبدّلت ... بثينة إبدالا فقلت لعلّها وعلّ حبالا كنت أحكمت فتلها ... أتيح لها واش رفيق فحلّها (¬1) وتكون لعل أيضا للتعليل (¬2) كقوله تعالى: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (¬3) ومنه قول الشاعر: 911 - وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا ... نكفّ ووثقتم كلّ موثق فلمّا كففنا الحرب كانت جهودكم ... كلمح سراب في الملا متألّق (¬4) قال الأخفش في المعاني: قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ (¬5) نحو قول الرجل لصاحبه: افرغ عملك لعلنا نتغدى «والمعنى لنتغدى. ويقول الرجل: اعمل عملك تأخذ أجرك أي لتأخذه» (¬6). هذا نصه. وتكون «لعل» أيضا للاستفهام (¬7)، كقوله تعالى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (¬8) وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لبعض الأنصار رضي الله تعالى عنهم وقد خرج إليه مستعجلا «لعلنا أعجلناك» (¬9). - ¬

_ (¬1) البيتان من الطويل وهما لجميل بثينة وينظر فيهما شرح عمدة الحافظ (124)، والتذييل (2/ 622) والهمع (1/ 136)، والدرر (1/ 113)، وديوان جميل (ص 57) ط. بيروت والمطالع السعيدة (ص 222). والشاهد قوله: لعلها في البيت الأول، وعل حبالا .. أتيح لها واش، في البيت الثاني حيث أفاد «لعل» فيهما معنى الإشفاق لأن ما بعدها مخوف محذور. (¬2) ينظر الصاحبي (267)، وأمالي الشجري (1/ 51)، والتصريح (1/ 213). (¬3) سورة طه: 44. (¬4) البيتان من الطويل لقائل مجهول. وهما في الأمالي الشجرية (1/ 51)، والتذييل (2/ 624)، والبحر المحيط (6/ 444). ويروى أيضا «الفلا» مكان «الملا» كما في البحر المحيط. والشاهد في قوله: (لعلنا نكف) حيث دلت (لعلّ) على التعليل أي لنكف. (¬5) سورة طه: 44. (¬6) معاني القرآن للأخفش (1/ 270). (¬7) ينظر الصاحبي (267)، والهمع (1/ 134)، وهو رأي الكوفيين. (¬8) سورة عبس: 3. (¬9) أخرجه البخاري في باب الوضوء (1/ 53)، وابن ماجه باب الطهارة (110)، ومسلم (1/ 345). وقد روى هذا الحديث سعيد الخدري رضي الله عنه في شأن رجل بعث إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجاء الرجل ورأسه يقطر ماء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسبيل إعمال هذه الأحرف اختصاصها بمشابهة «كان» الناقصة في لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما (¬1): فاللزوم مخرج لما يدخل عليها وعلى غيرها كألا وأما الاستفتاحيتين، والاستغناء بهما مخرج للو لا ولو ما والامتناعيتين، ولإذا الفجائية فإنهن يشبهن «كان» في لزوم المبتدأ والخبر ويفارقنها بافتقار «لولا» و «لو ما» إلى الجواب وافتقار إذا إلى كلام سابق (¬2) وضمّ أكثر النحويين إلى المشابهة [2/ 91] من الوجه المذكور المشابهة بسكون الوسط وفتح الآخر (¬3)، والصحيح عدم اعتبار ذلك؛ إذ لو كان سكون الوسط معتبرا لم يعتد «بلكن» لأن وسطها متحرك ولو كان فتح الآخر معتبرا لزم إبطال عمل «إن» و «أنّ» و «كأنّ» عند التخفيف. وزاد الزجاجي في المشابهة المعتبرة: الاتصال بالضمائر المنصوبة (¬4) وهذا عجيب فإن الضمائر المنصوبة لم تتصل بهذه الأحرف إلا بعد استحقاق العمل فصح أن المعتبر من المشابهة ما اقتصرت على ذكره من لزوم المبتدأ والخبر والاستغناء بهما إلا أن هذه الأحرف لما كانت فروع «كان» في عمل الرفع والنصب قدم معهن عمل النصب على عمل الرفع تنبيها على الفرعية لأن الأصل تقديم الرفع (¬5). ولم يحتج إلى ذلك في «ما» المحمولة على «ليس» لأن فرعيتها ثابتة بيّنة الثبوت بعدم اتفاق العرب على إعمالها وبطلان عملها عند نقض النفي بإلا أو تقديم الخبر أو وجود «إن» فاستغنت عن جعل عملها عكس عمل كان (¬6). وقيل: لما كان معنى كل واحد من هذه الأحرف لا يتحقق حصوله إلا في الأخبار تنزلت منهن منزلة العمد من الأفعال فأعطيت إعراب الفاعل وهو الرفع، - ¬

_ (¬1) ينظر الهمع (1/ 134)، وشرح الجمل الصغير لابن عصفور (60 خ) بدار الكتب، وفيه: «رفعت أحد الاسمين ونصبت الآخر لأنها - يعني إن وأخواتها - أشبهت من الأفعال ما يطلب الاسمين وما كان طالبا لاسمين من الأفعال يرفع أحدهما وينصب الآخر فلذلك رفعت هذه الحروف أحد الاسمين ونصبت الآخر». اه. وينظر التصريح (1/ 211). (¬2) ينظر حاشية الصبان (1/ 270). (¬3) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (62)، وشرح الجمل الكبرى لابن هشام (52). (¬4) الجمل للزجاجي (65)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 423) ط. العراق. وشرح الجمل الكبرى لابن هشام الأنصاري (ص 52). (¬5) ينظر الإنصاف (1/ 178 - 179)، والتصريح (1/ 211)، ووصف المباني (118 - 119). (¬6) ينظر حاشية الصبان (1/ 270).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونزلت الأسماء منزلة الفضلات فأعطيت إعراب المفعول وهو النصب (¬1). وأجاز الفراء نصب الاسم والخبر معا «بليت» (¬2) ومن حجته على ذلك قول الشاعر. 912 - ليت الشّباب هو الرّجيع إلى الفتى ... والشّيب كان هو البديء الأول (¬3) وأجاز بعض الكوفيين ذلك في كل واحد من الخمسة (¬4). ومن حجج صاحب هذا المذهب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ قعر جهنّم لسبعين خريفا» (¬5) ومن حججه قول الشاعر: 913 - إذا اسودّ جنح اللّيل فلتأت ولتكن ... خطاك خفافا إنّ حرّاسنا أسدا (¬6) ومنه قول الراجز: - ¬

_ (¬1) ينظر المقرب (1/ 106)، حيث إن هذا رأي ابن عصفور فيه. (¬2) في معاني القرآن (1/ 410): ويجوز النصب في «ليت» بالعماد والرفع لمن قال: ليتك قائما. أنشدني الكسائي: ليت الشباب هو الرجيع على الفتى ... ... البيت ونصب في «ليت» على العماد ورفع في كان على الاسم. اه. (¬3) البيت من الكامل وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 9)، والكافية الشافية (1/ 516)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 410)، والتذييل (2/ 628)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 421). والشاهد في البيت: هو نصب الجزأين «بليت» في قوله (ليت الشباب هو الرجيع) «فالشباب» اسمها «والرجيع» خبرها وهما منصوبان وأما هو فضمير فصل. (¬4) ذكر ابن عصفور أنه ممن ذهب إلى ذلك ابن سلام في طبقات الشعراء وزعم أنها لغة. شرح الجمل لابن عصفور (1/ 424) ط. العراق. وينظر في هذه المسألة أيضا نتائج الفكر (343)، والأشموني (1/ 269)، وحاشية الخضري (1/ 130). (¬5) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (ح 329) برواية «إن قعر جهنم لسبعون خريفا» واستشهد به ابن مالك في الكافية الشافية (1/ 518). (¬6) البيت من الطويل لعمر بن أبي ربيعة، وهو في الكافية الشافية (1/ 518)، والتذييل (2/ 489، 627)، وتعليق الفرائد (1077)، والخزانة (2/ 144) عرضا، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 421)، والمغني (1/ 37)، وشرح شواهده (1/ 122)، والأشموني (1/ 269)، وحاشية الخضري (1/ 130)، والهمع (1/ 134)، والدرر (1/ 111). ويروى أيضا (حثاثا) مكان (خفافا) كما في إحدى روايتي التذييل. والشاهد قوله: (إن حراسنا أسدا) حيث نصب «بإنّ» الاسم والخبر معا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 914 - إنّ العجوز خبّة جروزا ... تأكل كلّ ليلة قفيزا (¬1) ومثله: 915 - كأنّ أذنيه إذا تشوّفا ... قادمة أو قلما محرّفا (¬2) ولا حجة في شيء من ذلك لإمكان رده إلى ما أجمع على جوازه، أما البيت الأول فيحمل على تقدير «كان» والأصل: ليت الشباب كان الرجيع، فحذف «كان» وأبرز الضمير وبقى النصب بعده دليلا. ومثل هذا من الحذف ليس ببدع، وقد روي عن الكسائي أنه يوجه هذا التوجيه في كل موضع وقع فيه نصبان بعد شيء من هذه الأحرف (¬3) ويقوي ما ذهب إليه إظهار «كان» كثيرا بعد ليت وإنّ كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ (¬4) ويا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (¬5) وإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (¬6) وإِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (¬7) ووَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (¬8) وإِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (¬9) وإِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (¬10) فجاز إضمار «كان» [2/ 92] هنا لكثرة إظهارها، كما جاز ذلك - ¬

_ (¬1) الرجز لم يعلم قائله وهو في نوادر أبي زيد (474)، ونتائج الفكر (343)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 425)، ط. العراق. ومقاييس اللغة (1/ 441)، والتذييل (2/ 627)، والهمع (1/ 134)، والدرر (1/ 112)، ويروى أيضا (تأكل في مقعدها قفيزا). اللغة: خبة: بكسر الخاء وفتحها: خداعة. جروز: كثيرة الأكل. والشاهد قوله (إن العجوز خبة جروزا) حيث نصبت «بإنّ» الجزأين. (¬2) الرجز قائله محمد بن ذؤيب العماني، وقيل أبو نخيلة الراجز. وهو في الكافية الشافية (1/ 517)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 425) طبعة. العراق. وشرح التسهيل للمرادي (1/ 421)، وتعليق الفرائد (218)، والخصائص (2/ 430)، والعقد الفريد (5/ 367)، والخزانة (4/ 92)، وسمط اللآلئ برواية (تخال أذنيه)، والموشح للمرزباني (298)، والمغني (1/ 193)، وشرح شواهده (2/ 515)، والتذييل (2/ 628)، والكامل (2/ 109)، والأشموني (1/ 270)، والهمع (1/ 134)، والدرر (1/ 112)، والمحكم، واللسان (حرف)، وديوان العماني (1/ 36). والشاهد فيه نصب الجزأين «بكان» في قوله (كأن أذنيه ... قادمة). (¬3) لمراجعة رأي الكسائي ينظر شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 128). (¬4) سورة النساء: 73. (¬5) سورة النبأ: 40. (¬6) سورة النساء: 29. (¬7) سورة النساء: 86. (¬8) سورة النساء: 127. (¬9) سورة مريم: 47. (¬10) سورة طه: 35.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في «ما أنت وزيدا» و «كيف أنت وقصعة من ثريد» (¬1) ويحمل الحديث على أنّ القعر فيه مصدر قعرت الشيء إذا بلغت قعره وهو اسم «إنّ» و «لسبعين خريفا» ظرف مخبر به لأن الاسم مصدر ظروف الزمان يخبر بها عن المصادر كثيرا، ويقدر: إنّ حراسنا أسدا، كأنّه قال: إن حراسنا يشبهون أسدا. أو كانوا، وأما قول الراجز فمحمول على أن «تأكل» خبر إنّ و «خبة جروزا» حالان من فاعل تأكل، ولا تكلف في هذا التوجيه. وأما قول الآخر فمحمول على أنّ «قادمة» فيه و «قلما» منصوبان بفعل مضمر والتقدير: كأنّ أذنيه إذا تشوفا تحلقان قادمة (¬2). وزعم أبو محمد بن السيد أن لغة بعض العرب نصب خبر إن وأخواتها (¬3). انتهى كلام المصنف (¬4). لكن لا بد من التعرض لذكر أمور: الأول: كون هذه الأحرف رافعة الخبر هو مذهب البصريين وهو الحق وأما الكوفيون فيرون أن الخبر باق على رفعه قبل دخولها (¬5)، كما قالوا في «كان» إنها لا عمل لها في الاسم (¬6)، وقد استدل السهيلي على صحة قولهم، بأنه لو كان مرفوعا بهذه الأحرف لجاز أن يليها كما يلي كلّ عامل ما عمل فيه (¬7) ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال لأنّ التقديم فرع على التأخير، ولم يعط الحرف رتبة الفعل في القوة فيجوز فيه ما جاز في الفعل. الثاني: أنّ المفتوحة للتوكيد كالمكسورة، واستشكل ذلك بعض النحاة قال: لأنها إذا كانت للتأكيد كان معناها تحقيق الخبر وتأكيد النسبة، وإذا كانت سابكة كان في ذلك إبطال الخبر به إذ مع السبك ينتفي قبول الصدق والكذب (¬8). وأجيب عن هذا بأن المفتوحة أصلها الكير والمؤكدة هي المكسورة ليس إلّا، لكن - ¬

_ (¬1) سوف يأتي الحديث عن ذلك في باب المفعول معه إن شاء الله، وينظر الكتاب (1/ 299). (¬2) ينظر هذه التخريجات في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 425) ط. العراق. والهمع (1/ 134 - 135)، والمغني (1/ 37)، وحاشية الخضري (1/ 130)، وحاشية الصبان (1/ 269). (¬3) ينظر التذييل (2/ 627)، والهمع (1/ 134). (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 10). (¬5) ينظر الإنصاف (1/ 176 - 185). (¬6) ينظر التصريح (1/ 184) والأشموني (1/ 226). (¬7) نتائج الفكر (343). (¬8) ينظر شرح الدماميني على المغني (1/ 86)، والهمع (1/ 132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتحها إنما كان لصيرورتها في تأويل المفرد المؤكد ثبوته وملخص هذا الجواب أنّ فتح «إنّ» عارض وأصلها الكسر فهي مراعى فيها معناها حين هي مكسورة وكونها فتحت لعارض لفظي لا يخرجها عن ذلك (¬1). الثالث: معنى الاستدراك الذي وضعت له «لكنّ» أنك تنسب حكما لمحكوم عليه يخالف الحكم الذي للمحكوم عليه قبلها، ولذلك لا بد أن يتقدمها كلام ملفوظ به أو مقدر. هذا أصل معناها وقد تكون لتأكيد الأول وتحقيقه، فالأول نحو ما قام زيد لكنّ عمرا قاعد. كأنه لما قيل زيد توهم أن عمرا مثله لملابسة بينهما، فرفعت ذلك التوهم بالاستدراك. والثاني نحو: لو قام فلان لفعلت لكنه لم يقم، فأكدت ما دلت عليه «لو» وكأنها في المعنى مخرجة لما دخل في الأول توهما (¬2)، قال الله تعالى: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ (¬3) ثم قال الله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ (¬4) أي: ما أراكهم كثيرا ومذهب البصريين [2/ 93] أنها كلمة بسيطة ونقل عن الكوفيين أنها مركبة عندهم وأن الأصل «لكنّ أن» (¬5) ولا حاجة إلى الاشتغال بهذا إذ لا فائدة فيه. الرابع: قد عرفت من كلام المصنف المتقدم أن «كأنّ» مركبة من كاف التشبيه وأنّ، وهذا مذهب الجمهور، وعليه الخليل وسيبويه (¬6)، وقيل: إنها حرف بسيط، واختاره الشيخ قال: لأنّ التركيب على خلاف (¬7) الأصل ويلزم على رأيه أنها لمطلق التنبيه، وقد تقدم من كلام المصنف أنها للتشبيه المؤكد وإنما يتأتى ذلك على القول بتركيبها فتعين الجزم به، وقد ذكر «لكأنّ» ثلاثة معان أخر: - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (2/ 604)، والمطالع السعيدة (ص 226). (¬2) ينظر في هذه المسألة وحاشية الخضري (1/ 129)، ووصف المباني (278)، والهمع (1/ 132 - 133)، وابن الناظم (61)، والمغني (1/ 290 - 291). (¬3)، (¬4) سورة الأنفال: 43. (¬5) ينظر الإنصاف (1/ 209)، وإصلاح الخلل (166)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 465)، والمغني (1/ 291)، والتصريح (1/ 212)، والتذييل (2/ 609)، والهمع (1/ 133)، وشرح الجمل لابن باشاذ (1/ 120). (¬6) الكتاب (3/ 151). (¬7) التذييل (2/ 604، 611)، وينظر في هذه المسألة أيضا شرح الجمل لابن عصفور (1/ 449)، والأصول لابن السراج (1/ 278)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 120)، والكافي شرح الهادي للزنجاني (276).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: التحقيق كما أشار إليه المصنف وقد عرفت أنه لم يرتضه وتقدم من كلامه تخريج ما استشهد به صاحب هذا القول على البيت الذي استشهد به على أن «كأنّ» فيه للتحقيق يمكن حمل «كأنّ» فيه على التشبيه حقيقة دون احتياج إلى التأويل الذي ذكره وذلك أن الشاعر كأنه لا يعترف بفقد هشام لأنه لا يرضى أن يحدث نفسه بفقده لكونه عزيزا عنده، فهو عنده في حكم الموجود، وإذا كان في حكم الموجود وجب عنده أن لا تقشعر الأرض، فلما اقشعرت قال: كأن الأرض ليس بها هشام، وهذا معنى صحيح وهو أمر يرجع إلى تجاهل العارف. ثانيها: الشك وهو منسوب إلى الزجاجي والكوفيين (¬1)، وذكر ابن عصفور أنه مذهب ابن الطراوة (¬2) وذلك أنهم قالوا: إذا كان خبر «كأنّ» اسما جامدا كانت للتشبيه وإذا كان مشتقّا كانت للشك بمنزلة ظننت وتوهمت. قال ابن السيد إذا كان خبرها فعلا أو جملة أو صفة فهو للظن والحسبان (¬3) ومستند القائل بذلك أنك إذا قلت: كأنّ زيدا قائم فالقائم هو زيد والشيء لا يشبه بنفسه وأجابوا عن ذلك بأن الشيء قد يشبه في حال ما بنفسه في حال أخرى فتكون إذا قلت: كأنّ زيدا قائم مشبها لزيد غير قائم به قائما أو يكون ثم مضاف محذوف، التقدير كأنّ هيئة زيد هيئة قائم (¬4). ثالثها: التقريب وهو مذهب بعض النحويين من الكوفيين وذلك نحو قولهم: كأنّك بالشتاء مقبل وكأنك بالفرج آت. قالوا: لأن المعنى على تقريب إقبال الشتاء وتقريب إتيان الفرج، ولا يتصور التشبيه في الكلام (¬5). ومن ذلك قول الحسن البصري (¬6): «كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل» لأن المعنى على تقريب زوال الدنيا وتقريب وجود الآخرة. والمحققون على أن «كأنّ» للتشبيه فيما ذكر (¬7)، ولكن اختلف القول في تخريجه: - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (2/ 614)، والهمع (133). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 448) طبعة. العراق. (¬3) ينظر مقدمة الحلل لابن السيد (ص 35). تحقيق د/ مصطفى إمام، والمغني (1/ 192)، والتذييل (2/ 614)، والهمع (1/ 133). (¬4) ينظر حاشية الأمير (1/ 163). (¬5) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 448) طبعة. العراق. (¬6) هو أبو سعيد بن الحسن بن أبي الحسن البصري، من سادات التابعين جمع من كل العلوم والفنون، توفي سنة (110 هـ) وفيات الأعيان (1/ 128، 129). (¬7) ينظر الأشباه والنظائر (3/ 163)، (4/ 63).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل: الكاف في كأنك بالشتاء: فقيل حرف خطاب والباء في بالشتاء زائدة واسم «كأن» «الشتاء» والخبر مقبل، والتقدير: كأنّ الشتاء مقبل وكذا القول في كأنك بالفرج آت، التقدير: كأن الفرج آت [2/ 94] وكذا: كأنك بالدنيا لم تكن، التقدير كأن الدنيا لم تكن وكأن الآخرة لم تزل والضمير في تكن وتزل عائد على اسم «كأنّ» (¬1) وهذا تخريج الفارسي وقيل إن ثم مضافا محذوفا، والتقدير: كأن زمانك بالشتاء مقبل وكأن زمانك بالفرج آت. ولما لم يتأت تقدير مضاف في كأنك بالدنيا لم تكن، خرج على أنّ الكاف اسم «كأنّ» ولم تكن خبر وفي «الدنيا» متعلق بالخبر التقدير: كأنك لم تكن بالدنيا أي في الدنيا، فالضمير في «تكن» عائد على المخاطب، وكأنك لم تزل بالآخرة أي في الآخرة (¬2). وقد رجح هذا التأويل على تأويل الفارسي لأن فيه دعوى حرفية الكاف للخطاب ودعوى زيادة الباء في «الشتاء» وفي «بالفرج» وفي «بالدنيا» (¬3). وخرج الشيخ جمال الدين بن عمرون: كأنك بالدنيا تخريجا آخر، فقال: خبر «كأنّ» هو المجرور يعني بالدنيا وبالآخرة، قال: والجملة التي هي «لم تكن» «ولم تزل» في موضع الحال ثم قال: فإن قيل: إن «بالدنيا» لا يتم به الكلام والحال فضلة، فالجواب: إن من الفضلات ما لا يتم الكلام إلا به كقوله تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (¬4) فمعرضين حال من الضمير المخفوض ولا يستغنى الكلام عنها لأن الاستفهام في المعنى إنما هو عنها، ومما يبين ذلك قولهم: ما زلت بزيد حتى فعل، لا يتم الكلام بقولك بزيد، ويدل على صحة الحال قولك (كأنك بالشمس قد طلعت) ونحوه ما حكي عن بعضهم: (كأنا بالدنيا لم تكن)، قال: وعلى هذا يحمل قول الحريري: (كأني بك تنحط) (¬5)، ولا يخفى جودة هذا التخريج وحسنه، وليته تكلم على قولهم كأنك بالشتاء مقبل، وكأنك بالفرج آت فربما كان يذكر فيه ما يشفي الغليل. وقد نقل الشيخ عن الصفار وغيره في هذا الموضع ما يطول - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 448 - 449) ط. العراق والأشباه والنظائر (4/ 64) وحاشية الصبان (1/ 272). (¬2) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 449) ط. العراق. (¬3) ينظر الأشباه والنظائر (4/ 64). (¬4) سورة المدثر: 49. (¬5) ينظر التذييل (2/ 619)، والأشباه والنظائر (3/ 163)، (4/ 65 - 67).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إيراده وفيما أشرنا إليه غاية. الخامس: ذكر المصنف من معاني «لعلّ» التعليل والاستفهام كما تقدم، قال: لم يذكر أصحابنا «للعلّ» هذين المعنيين، والمصنف تبع في كونها للتعليل الكسائي والأخفش (¬1) ثم ذكر الأدلة التي تقدم ذكرها، وقال: وهذا عند أصحابنا لعل ... فيه للترجي قال: وأما الاستفهام فهو شيء قاله الكوفيون، وهي عند أصحابنا في قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (¬2) للترجي، وفي قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لعلّنا أعجلناك» (¬3) للإشفاق (¬4) انتهى. ولا يخفى بعد الترجي فيما ذكر وكون ما ذهب إليه المصنف هو الكسائي والأخفش وقول الكوفيين أيضا لا يلزم منه عدم الصحة. السادس: ذكر المصنف في متن الكتاب العلة الموجبة لعمل هذه الأحرف هذا العمل الخاص ولا مزيد عليه في الحسن، غير أن المغاربة يوردون ذلك بطريقة أخرى ربما تشتمل على التنبيه على فائدة (¬5)، فأنا أورد ما ذكروه معتمدا كلام أبي الحسن ابن عصفور رحمه الله تعالى. قال في ابتداء الكلام على هذا الباب: العمل أصل في الأفعال فرع في الأسماء والحروف بدليل أن الأفعال عاملة، وأما الأسماء فلا [2/ 95] يعمل منها إلا ما أشبه الأفعال، فدل ذلك على أن العمل بحق الأصالة إنما كان للأفعال فما وجد على هذا من الأسماء والحروف عاملا، فينبغي أن يسأل عن الموجب لعمله، وإنّ وأخواتها من الحروف العاملة فينبغي أن يسأل عن الموجب لعملها، والذي أوجب لها العمل عند محققي النحويين هو شبهها بالأفعال في الاختصاص وذلك أن هذه الحروف تختص بالأسماء ولا تدخل على غيرها كما أن الأفعال كذلك، وكل حرف يختص بما يدخل عليه ولا يكون كالجزء مما دخل عليه فإنه يعمل فيما يختص به اسم أو فعل، ألا ترى أن عوامل الأسماء كلها مختصة بها ولا تدخل على غيرها وكذلك عوامل الأفعال أيضا، وإنما تحرزت بقولي: ولم يكن كالجزء مما دخل عليه من «قد» والسين - ¬

_ (¬1) ينظر الأشموني (1/ 271)، حيث ذكر أيضا عن المصنف. (¬2) سورة عبس: 3. (¬3) سبق تخريج هذا الحديث. (¬4) التذييل (2/ 624). (¬5) ينظر شرح الجمل الكبرى لابن هشام (51 - 52) وإصلاح الخلل (ص 163).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسوف «والألف واللام» وذلك أن قد والسين وسوف اختصت بالأفعال، إلا أنها صارت كالجزء من الفعل بدليل أنه لا يجوز الفصل بينها وبين الأفعال بشيء إلا «بقد» فإنه قد يجوز الفصل بينها وبين الفعل بالقسم نحو: قد والله قام زيد، وبدليل أنك تقول: لقد قام زيد، ولسوف يقوم زيد فتفصل بين لام التوكيد وبين الفعل، ولام التوكيد لا يجوز الفصل بينها وبين الفعل بشيء غير هذه الأشياء. فلولا أن هذه الأشياء تنزلت من الفعل منزلة الجزء لما جاز ذلك، وكذلك لام التعريف تنزلت من الاسم منزلة الجزء بدليل قولك: مررت بالرجل، فتفصل بها حرف الجر والمجرور، ولا يجوز الفصل بينهما بشيء، فلولا أنها مع الاسم كالشيء الواحد لما جاز ذلك. ثم قال: فلو قيل: فإذا وجب لها العمل لما ذكر ثمّ، فلأي شيء كان عملها رفع أحد الاسمين ونصب الآخر وهلا كان الأمر بخلاف ذلك؟ فالجواب: أنها أشبهت من الأفعال ضرب فعملت عمله وأيضا فإنه لا يمكن فيها غير ذلك، وذلك أنه لا يخلو من أن ترفعهما أو تنصبهما أو تخفضهما أو ترفع أحدهما وتنصب الآخر أو ترفع أحدهما وتخفض الآخر، ولا يتصور أكثر من ذلك، فباطل أن ترفعهما لأن عاملا واحدا لا يوجد رافعا لاسمين دون تبعية، وباطل أن تنصبها أو تخفضهما لأنه لا يوجد عامل يعمل نصبا وخفضا (¬1) من غير أن يعمل مع ذلك رفعا، وكذلك أيضا يبطل أن تنصب أحدهما وتخفض الآخر، إذ لا بد من المرفوع، أو ترفع أحدهما وتخفض الآخر، إذ لا يكون خفض إلا بواسطة حرف فلم يبق إلا أن ترفع أحدهما وتنصب الآخر. فإن قيل: لم كان المنصوب الاسم والمرفوع الخبر؟ فالجواب: أنه لما وجب رفع أحدهما تشبيها بالعمدة ونصب الآخر تشبيها بالفضلة كان أشبهها بالعمدة الخبر لأن هذه الأحرف إنما دخلت لتوكيد الخبر أو تجنبه أو ترجيه أو التشبيه به فصارت الأسماء كأنها غير مقصودة، فلما رفع الخبر تشبيها بالعمدة نصبت الأسماء تشبيها بالفضلة (¬2). السابع: ذكر الشيخ المذاهب في نصب الخبر بهذه (الحروف) (¬3) ثم قال: - ¬

_ (¬1) ينظر وصف المباني للمالقي (118 - 119). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 422 - 424) ط. العراق، والمقرب (1/ 106). (¬3) في (ب) (الأحرف).

[حديث عن خبر هذه النواسخ من تقديمه أو حذفه]

[حديث عن خبر هذه النواسخ من تقديمه أو حذفه] قال ابن مالك: (وما لا تدخل عليه «دام» لا تدخل عليه هذه الأحرف وربّما دخلت «إنّ» على ما خبره «نهي» وللجزأين بعد دخولهنّ ما لهما مجرّدين لكن يجب هنا تأخير الخبر ما لم يكن ظرفا أو شبهه فيجوز توسيطه ولا يخصّ حذف الاسم المفهوم معناه بالشعر. وقلما يكون إلّا ضمير الشّأن وعليه يحمل: «إنّ من أشدّ الناس عذابا يوم القيامة المصوّرون» لا على زيادة «من» خلافا للكسائي وإذا علم الخبر جاز حذفه مطلقا خلافا لمن اشترط تنكير الاسم وقد يسدّ مسدّه واو المصاحبة والحال، والتزم الحذف في «ليت شعري» مردفا باستفهام، وقد يخبر هنا - بشرط الإفادة - عن نكرة بنكرة أو بمعرفة. ولا يجوز نحو: إنّ قائما الزّيدان خلافا للأخفش والفرّاء ولا نحو: ظننت قائما الزّيدان خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ فصارت المذاهب في ذلك ثلاثة: - [2/ 96] أحدها: جواز النصب في جميعها (¬1). الثاني: اختصاص ذلك بليت (¬2). الثالث: جواز ذلك في «كأنّ وليت ولعل» (¬3). انتهى. والمعروف المقصود أنه لا يجوز نصب الخبر بعد شيء من هذه الأحرف (¬4) وقد عرفت تخريج ما استشهد به المخالف. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬5): قد تقدم في باب «كان» الإعلام بالمبتدآت التي لا تدخل عليها كان وأخواتها وبيان أنّ «دام» تشارك في ذلك وتزيد بأنها - ¬

_ (¬1) هذا مذهب ابن سلام وابن الطراوة وابن السيد وجعله السهيلي قويّا في القياس مع أنه لم يقل بنصب الخبر. ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 424) ط. العراق. والهمع (1/ 134)، ونتائج الفكر للسهيلي (343). (¬2) هذا مذهب الفراء. ينظر معاني القرآن للفراء (1/ 410)، والهمع (1/ 134)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 425) ط. العراق. (¬3) التذييل (2/ 626)، وفيه أن ذلك مذهب الفراء وأن الكسائي يجيز نصب الخبر بليت. (¬4) هذا مذهب الجمهور حيث يرى أن «إنّ» وأخواتها تنصب الاسم وترفع الخبر، ينظر الإنصاف (1/ 177). (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 11).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تدخل على مبتدأ خبره مفرد طلبي (¬1) فلذلك خصصتها بالإحالة عليها هنا فقلت: وما لا تدخل عليه دام لا تدخل عليه هذه الأحرف فعلم بهذا أن هذه الأحرف لا تدخل على ما خبره جملة طلبية نحو: زيد هل قام وعمرو أكرمه وخالد لا تهنه (¬2). ثم نبهت على ما شذ من دخول «إنّ» على ما خبره نهي كقول الشاعر: 916 - إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم ... لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما (¬3) ثم أشرت إلى أنّ للجزأين من الأحوال والأقسام بعد دخول هذه الأحرف ما كان لها قبل دخولهن فكما انقسم المبتدأ إلى اسم عين وإلى اسم معنى؛ كذلك ينقسم اسم «إنّ وأخواتها» نحو: إنّ العالم فاضل وإنّ العلم فضل، وكما انقسم الخبر في باب الابتداء إلى الأقسام المتقدم ذكرها ثم كذلك ينقسم إليها في هذا الباب، وكما استصحبت الأقسام تستصحب الأحوال والشروط، ومن الشروط عود ضمير من الجملة المخبر بها ومن الأحوال حذف الضمير لدليل كقول الشاعر: 917 - وإنّ الّذي بيني وبينك لا يفي ... بأرض أبا عمرو لك الدّهر شاكر (¬4) أراد لا يفي به أو من أجله وقد تقدم بيان موجب تقديم منصوب هذا الباب وتأخير مرفوعه فلا يجوز الإخلال بمقتضاه فإن كان الخبر ظرفا أو جارّا ومجرورا جاز تقديمه [2/ 97] لأنه في الحقيقة معمول الخبر (¬5) وكان حقه أن لا يتقدم على الاسم - ¬

_ (¬1) انظر ذلك في شرح التسهيل للمصنف (1/ 335) باب كان وأخواتها. (¬2) ينظر الهمع (1/ 135)، وحاشية الخضري (1/ 129)، والمطالع السعيدة (ص 221). (¬3) البيت لأبي مكتع من البسيط، وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 428)، والتذييل (2/ 633) وشرح التسهيل للمرادي (1/ 422)، وتعليق الفرائد (1079)، والأمالي الشجرية (1/ 332)، والمغني (2/ 585)، وشرح شواهده (2/ 914)، والخزانة (4/ 296) عرضا، والمفضليات (ص 4)، والتصريح (1/ 298)، والأشموني (1/ 269)، والهمع (1/ 1335)، والدرر (1/ 113)، والشواهد في النحو العربي (299). والشاهد قوله: (إن الذين قتلتم ... لا تحسبوا) حيث جاءت جملة النهي خبرا لإن. (¬4) البيت لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل (2/ 12)، والتذييل (2/ 634). والشاهد قوله: (وإن الذي بيني وبينك لا يفي) حيث حذف الضمير العائد من جملة الخبر على اسم «إن» جوازا وذلك لدلالة الكلام عليه. والتقدير: لا يفي به أو من أجله. (¬5) ينظر الإيضاح للفارسي (116)، والمقدمة المحسبة لابن بابشاذ (ص 25)، والمطالع السعيدة (ص 221).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما لا يتقدم على الخبر، إلا أن الظرف والجار والمجرور يتوسع فيهما بما لا يتوسع في غيرهما (¬1) ولذلك تفصل بهما بين المضاف والمضاف إليه، وبين «كان» واسمها وخبرها، وبين الاستفهام والقول الجاري مجرى الظن، نحو: أغدا تقول زيدا قائما ولم يبطل عمل «ما» تقديمها على اسمها نحو: ما غدا زيد راحلا، واغتفر تقديمها على العامل المعنوي نحو: أكل يوم لك درهم؟ وعلى المنفي بما نحو قول بعض الصحابة رضي الله عنهم (¬2): 918 - ونحن عن فضلك ما استغنينا (¬3) ولو عومل غيرهما معاملتها في شيء من ذلك لم يجز، والأصل في الظرف الذي يلي «إنّ» أو إحدى أخواتها أن يكون ملغى أي: غير قائم مقام الخبر، نحو: إنّ عندك زيدا مقيم وكقول الشاعر: 919 - فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (¬4) فأما القائم مقام الخبر فجدير بأن لا يليها لقيامه مقام ما لا يليها لكن اغتفر - ¬

_ (¬1) علل ابن عصفور لا تساع العرب في الظروف دون غيرها. فقال: والسبب في اتساعها في الظروف من بين سائر المعمولات أن كل كلام لا بد فيه من ظرف ملفوظ به أو مقدر، ألا ترى أنك إذا قلت: قام زيد فلا بد للقيام من ظرف زمان وظرف مكان يكون فيهما، فلما كثر استعماله اتسعوا فيه ما لم يتسعوا في غيره. اه. شرح الجمل (1/ 439) ط. العراق. (¬2) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي أحد صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، استشهد في غزوة مؤتة سنة (8 هـ). الإصابة ت 4667. (¬3) رجز وهو في التذييل (2/ 636)، والمغني (1/ 98، 269، 317)، (2/ 539، 694)، وشرح شواهده (1/ 286)، والسيرة لابن هشام (756). والشاهد في قوله: (عن فضلك ما استغنينا) حيث تقدم الجار والمجرور على عاملهما المنفي بما. (¬4) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في الكتاب (2/ 133)، والمقرب (1/ 108)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 440) ط. العراق، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 423)، والتذييل (2/ 637)، والمغني (2/ 693)، وشرح شواهده (2/ 969)، والخزانة (3/ 572)، والعيني (2/ 309)، والأشموني (1/ 272)، وابن عقيل (1/ 130)، وشرح شواهده (ص 71)، والهمع (1/ 135)، والدرر (1/ 113). اللغة: تلحني: تلمني. بلابله: وساوسه وهمومه. والشاهد: (فإنّ بحبها أخاك مصاب القلب) حيث فصل بين «إنّ» واسمها بالجار والمجرور الملغى وهو (بحبها) لأنه من صلة الخبر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إيلاؤه إيّاها التفاتا إلى الأصل، وقد عاملوا الحال معاملة الظرف فأولوها كأنّ، ومنه قول الشاعر: 920 - كأنّ وقد أتى حول جديد ... أثافيها حمامات مثول (¬1) ويجوز حذف الاسم إذا فهم معناه ولا يخص ذلك بالشعر بل وقوعه فيه أكثر وحذفه وهو ضمير الشأن أكثر من حذفه وهو غيره ومن وقوع ذلك في غير الشعر قول بعضهم: إنّ بك زيد مأخوذ. حكاه سيبويه والخليل، يريد: إنه بك زيد مأخوذ (¬2) وعليه يحمل قوله (عليه الصلاة والسّلام): «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» (¬3) هكذا رواه الثقاة بالرفع، وحمله الكسائي على زيادة «من» وجعل: أشد الناس اسما والمصورون خبرا (¬4)، والصحيح أن الاسم ضمير الشأن وقد حذف كما حذف في إنّ بك زيد مأخوذ لأنّ زيادة «من» مع اسم «إنّ» غير معروفة، وحكى الأخفش: إنّ بك مأخوذا أخواك» (¬5) وتقديره إنّك بك مأخوذ أخواك، فحذف الاسم وهو ضمير المخاطب وجعل مأخوذ خبرا مرتفعا به أخواك كما كان يرتفع بيؤخذ ولا يجوز أن يكون التقدير: إنه بك مأخوذ أخواك، لأن الصفة المرتفع بها ظاهر بمنزلة الصفة المرتفع بها مضمرة في أنها لا تسد مسد جملة، ولا يكون مفسر ضمير الشأن إلا جملة محضة مصرحا بجزأيها. ومن - ¬

_ (¬1) البيت لأبي الغول الطهوي من الوافر، وهو في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 13)، والتذييل (2/ 638)، ونوادر أبي زيد (432، 498)، والخصائص (1/ 337)، والمقتضب (2/ 185)، (3/ 82)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 440)، والمغني (2/ 392)، وشرح شواهده (2/ 818) وشرح التسهيل للمرادي (1/ 424)، والهمع (1/ 248)، والدرر (1/ 206). والشاهد فيه: مجيء الجملة المعترضة بين «كأنّ» واسمها، وهذه الجملة حالية، وقد جوز بعضهم معاملتها كالظرف في جواز التوسط. (¬2) ينظر الكتاب (2/ 134)، «قد منع المالقي حذفه إلا إذا كان ضمير الشأن» ينظر رصف المباني (119). (¬3) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة (98)، وابن حنبل (1/ 375، 426)، (2/ 26)، والبخاري (7/ 143). (¬4) ينظر التذييل (2/ 648)، والأزهرية (229 - 230)، وشرح الرضي (2/ 362). (¬5) ينظر الهمع (1/ 136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حذف الاسم في الشعر قول الشاعر: 921 - فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي ... ولكنّ زنجيّ عظيم المشافر (¬1) رواه سيبويه برفع «زنجي» ونصبه، وجعل تقديره في الرفع: ولكنك زنجي وتقديره في النصب ولكن زنجيّا عظيم المشافر لا يعرف قرابتي (¬2). ومن حذف الاسم قول الشاعر: 922 - فليت دفعت الهمّ عنّي ساعة ... فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال (¬3) فيحتمل هذا أن يكون تقديره [2/ 98] فليتك، ويحتمل أن يكون تقديره: فليته وكذلك قول الآخر: 923 - فلا تخذل المولى وإن كان ظالما ... فإنّ به تثأى الأمور وتراب (¬4) تقديره: فإنه به تثأى الأمور وترأب والهاء إما للمولى وإما ضمير الشأن. ومما لا يكون المحذوف إلا ضمير الشأن قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيت للفرزدق من الطويل، وهو في الكتاب (2/ 136)، ومجالس ثعلب (1/ 105)، والمحتسب (2/ 182)، والمصنف (3/ 129)، وأسرار البلاغة (41)، والإنصاف (1/ 182)، وابن يعيش (8/ 81، 82)، والمقرب (1/ 108)، والأغاني (19/ 24)، ووصف المباني (279)، وأمالي السهيلي (116)، والتذييل (2/ 640)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 424)، وتعليق الفرائد (1081)، والخزانة (4/ 338)، والمغني (1/ 291)، وشرح شواهده (2/ 701)، والهمع (1/ 136)، والدرر (1/ 114)، وديوانه (481)، والإفصاح للفارقي (212) واللسان (شفر). والشاهد قوله: (ولكن زنجي) حيث حذف اسم «لكن» وأبقى الخبر لدلالة الكلام على الاسم. (¬2) الكتاب (2/ 136). (¬3) البيت لعدي بن زيد كما في نوارد أبي زيد، من الطويل، وهو في نوادر أبي زيد (196)، والأمالي الشجرية (1/ 182، 295)، والإنصاف (1/ 183)، والتذييل (2/ 640)، وشواهد التوضيح (167)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 424)، والعمدة لابن رشيق (2/ 271)، والإفصاح للفارقي (167، 214، 347)، والمغني (2/ 389)، وشرح شواهده (2/ 697)، والهمع (1/ 136، 143)، والدرر (123)، وديوان عدي بن زيد (162). والشاهد قوله: (فليت دفعت) حيث حذف اسم «ليت». (¬4) البيت لقراد بن عباد في التذييل (2/ 642)، والخزانة (4/ 380)، والحماسة (1/ 387). اللغة: ترأب: تصلح. والشاهد قوله: (فإنّ به تثأى الأمور) حيث حذف اسم إنّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 924 - ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه ... بعدّته ينزل به وهو أعزل (¬1) ومثله قول الآخر: 925 - فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة ... وإن كان شرخ قد مضى فتسرّعا (¬2) ومثله: 926 - إنّ من لام في بني بنت حسّا ... ن ألمّه وأعصه في الخطوب (¬3) وذكر سيبويه: إن إياك رأيت، وإن أفضلهم لقيت، قال: أفضلهم منتصب بلقيت وهو قول الخليل، وهو في هذا ضعيف لأنه يريد إنه إياك رأيت؛ فترك الهاء. وهذا تصريح بالجواز دون ضرورة (¬4) وحذف الخبر للعلم به أكثر من حذف الاسم. ونبهت بقولي: جاز حذفه مطلقا - على أن ذلك لا يتقيد بكون الاسم نكرة أو معرفة، ولا - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو في الكتاب (3/ 73) والأمالي الشجرية (1/ 295)، والإنصاف (1/ 181)، والمغني (1/ 292)، وشرح شواهده (2/ 702)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 424)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 14)، والتذييل (2/ 642)، والعمدة (2/ 273)، وما يجوز للشاعر (181)، والخزانة (4/ 380)، والشواهد في النحو العربي (282). اللغة: ينوبه: ينزل به. الأعزل: الذي لا سلاح معه. والشاهد قوله: (ولكن من لا يلق) حيث حذف اسم «لكن» وهو ضمير الشأن. (¬2) البيت للراعي النميري من الطويل وهو في الكتاب (3/ 73)، والإنصاف (1/ 180)، وشرح السيرافي لأبيات الكتاب (2/ 34)، والتذييل (2/ 642)، والخزانة (4/ 381)، والضرائر للألوسي (179)، وما يجوز للشاعر (181). والشاهد قوله: (فلو أن حق اليوم) حيث حذف اسم «إن» وهو ضمير الشأن. (¬3) البيت للأعشى وهو من الخفيف، وينظر في الكتاب (3/ 72)، وشرح الأبيات للسيرافي (2/ 86)، والإيضاح للفارسي (122)، والأمالي الشجرية (1/ 295)، والإنصاف (1/ 180)، وابن يعيش (3/ 115)، والمحصول في شرح الفصول (611)، والمغني (2/ 605)، وشرح شواهده (2/ 924)، والخزانة (2/ 463)، (3/ 654)، والتذييل (2/ 643)، والضرائر (178)، وما يجوز للشاعر (180)، وديوانه (38) ويروى أيضا: من يلمني على بني ابنة حسا ... ن ... البيت اللغة: بنت حسان: هي كبشة بنت حسان أبي الحارث وهي جدة قيس لأمه. والشاهد قوله: (إن من لام .. ألمه) حيث حذف اسم «إن» وهو ضمير الشأن. (¬4) الكتاب (2/ 357).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون الخبر ظرفا أو غير ظرف (¬1) ومثال حذفه وهو ظرف قول الشاعر (¬2): 927 - ولو أنّ من حتفه ناجيا ... لكان هو الصّدع الأعصما (¬3) أراد: ولو أن على الأرض أو في الدنيا فحذف للعلم به. وأنشد سيبويه: 928 - وما كنت ضفّاطا ولكنّ طالبا ... أناخ قليلا فوق ظهر سبيل (¬4) أي ولكن منيخا أنا. هذا تقدير سيبويه، وزعم قوم أن شرط حذفه كون الاسم نكرة (¬5)، كقول الشاعر: 929 - إنّ محلّا وإنّ مرتحلا ... وإنّ في السّفر إذ مضوا مهلا (¬6) واشتراط ذلك غير صحيح؛ لأن الحذف مع تعريف الاسم كثير (¬7)، فمن ذلك - ¬

_ (¬1) هذا هو مذهب سيبويه ينظر الكتاب (2/ 141). (¬2) هو النمر بن تولب. (¬3) البيت من المتقارب، وهو في التذييل (2/ 653)، والخزانة (4/ 434) برواية (لألفيته الصدع الأعصما). اللغة: الصدع: الوعل. الأعصم: الذي في يده بياض. والشاهد قوله: (ولو أن من حتفه ناجيا)، حيث حذف خبر «إن» لدلالة الكلام عليه. (¬4) البيت للأخضر بن هبيرة من الطويل. وهو في الكتاب (3/ 136)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 599)، والتذييل (2/ 652)، والإفصاح للفارقي (213)، واللسان (ضفط)، ويروى أيضا (فما كنت) مكان (وما كنت)، وينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 443). اللغة: الضفاط: المحدث الذي قضى حاجته من جوفه. الطالب: طالب الإبل الضالة. والشاهد قوله: (ولكن طالبا)، حيث حذف خبر لكنّ للعلم به. (¬5) هذا مذهب الكوفيين. ينظر الهمع (1/ 136)، والخصائص (2/ 374). (¬6) البيت للأعشى من المنسرح وهو في الكتاب (2/ 141)، والمقتضب (4/ 130)، والخصائص (2/ 73)، والمحتسب (1/ 349)، وأمالي الشجري (1/ 322)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 443)، والمقرب (1/ 609)، والتذييل (2/ 650، 653)، وأمالي السهيلي (115)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 426)، والإفصاح للفارقي (214)، ووصف المباني (119، 298)، وابن يعيش (1/ 103)، (8/ 74)، وتعليق الفرائد (1083)، والمغني (1/ 82، 239)، (2/ 609، 631)، وشرح شواهده (1/ 138)، (2/ 612)، والخزانة (4/ 381)، وحاشية يس (1/ 169)، والهمع (1/ 136)، والدرر (1/ 113)، وديوان الأعشى (55)، واللسان (حلل) والشاهد قوله: (إن محلّا وإن مرتحلا) حيث حذف خبر «إن» مع تنكير اسمها. (¬7) جعل ابن عصفور حذف الخبر إذا كان الاسم نكرة أكثر من غيره وعلل ذلك بقوله: وإنما كثر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ (¬1) ومثله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (¬2) ومنه قول عمر بن عبد العزيز لرجل ذكره بقرابته منه: «إن ذلك» ثم ذكر له حاجته، فقال: «لعلّ ذلك». أراد: إن ذلك حق، ولعل حاجتك مقضية (¬3)، ومن ذلك قول الشاعر (¬4): 930 - سوى أنّ حيّا من قريش تفضّلوا ... على النّاس أو أنّ الأكارم نهشلا (¬5) وقد يحذف الخبر وجوبا لسد واو المصاحبة مسده، كما كان ذلك في الابتداء ومن ذلك ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب: إنك ما وخيرا، يريد إنك مع خير (¬6) و «ما» زائدة، ومثله قول الشاعر (¬7). 931 - فدع عنك ليلى إنّ ليلى وشأنها ... وإن وعدتك الوعد لا يتيسّر (¬8) وحكى الكسائي «إن كل ثوب لوثمنه» بإدخال اللام على الواو ولسدها مسد - ¬

_ - حذف الخبر إذا كان الاسم نكرة لأن الخبر إذ ذاك إنما يكون ظرفا أو مجرورا مقدرا قبل الاسم، ولولا ذلك لم يجز الإخبار عن النكرة إذ لا مسوغ لذلك. فلما لزم أن يكون الخبر ظرفا أو مجرورا سهل حذفه لأن العرب قد اتسعت في الظروف والمجرورات ما لم تتسع في غيرها. اه. شرح الجمل (1/ 443) طبعة العراق. (¬1). سورة الحج: 25. (¬2) سورة فصلت: 41. (¬3) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 362)، والأمالي الشجرية (1/ 322). (¬4) هو الأخطل. (¬5) البيت من الطويل وهو في المقتضب (4/ 131)، والخصائص (2/ 374)، والأمالي الشجرية (1/ 322)، وابن يعيش (1/ 104)، والمقرب (1/ 109)، برواية (خلا أن حيّا)، والتذييل (2/ 653)، وتعليق الفرائد (1083)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 426)، وشرح الكافية للرضي (2/ 362)، والخزانة (4/ 385). والشاهد قوله: (أو أنّ الأكارم نهشلا) حيث حذف خبر «إنّ» لدلالة ما قبله عليه. (¬6) الكتاب (1/ 301)، (2/ 107). (¬7) لم ينسبه أحد. وذكر محقق الجزء الثاني من التذييل أنه لبشر بن حازم وأنه في ديوانه (83). (¬8) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 656)، وتعليق الفرائد (1084)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 16)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 426)، والتذييل (3/ 187). والشاهد قوله: (إن ليلى وشأنها) حيث سدت واو المصاحبة مسد خبر «إنّ».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «مع» (¬1) وقد يحذف أيضا وجوبا لسد كما كان ذلك في الابتداء، فيقال في ضربي زيدا [2/ 99] قائما وأكثر شربي السويق ملتوتا: إن ضربي زيدا قائما وإنّ أكثر شربي السويق ملتوتا. والكلام هنا على تقدير المحذوف كالكلام عليه في باب المبتدأ (¬2)، ومن سد الحال مسد خبر «إنّ» قول الشاعر: 932 - إنّ اختيارك ما تبغيه ذا ثقة ... بالله مستظهرا بالحزم والجلد (¬3) والتزمت العرب حذف خبر «ليت» في قولهم: «ليت شعري ..» لأنه بمعنى ليتني أشعر ولا بد بعده من استفهام يسد مسد المحذوف متصلا بشعري أو منفصلا باعتراض. ويكون ما بعد الاستفهام في موضع نصب بالمصدر الذي هو شعري معلقا من أجل الاستفهام (¬4) فالمتصل كقول الشاعر: 933 - ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل (¬5) والانفصال باعتراض كقول أبي طالب يرثي مسافر بن أبي عمرو: 934 - ليت شعري مسافر بن أبي عمرو ... وليت يقولها المحزون - ¬

_ (¬1) ينظر المطالع السعيدة (ص 223)، والهمع (1/ 136)، وشرح الألفية لابن الناظم (66)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 426). (¬2) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 362)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 426)، والمقتضد شرح الإيضاح (183). (¬3) البيت مجهول القائل من البسيط، وهو في الكافية الشافية (1/ 477)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 16)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 426)، والتذييل (2/ 51، 658)، وتعليق الفرائد (1084)، والهمع (1/ 136)، والدرر (1/ 214)، والمطالع السعيدة (ص 223)، ويروى أيضا برواية (إن اختيارك ما نرجوه). والشاهد قوله (مستظهرا)، حيث حذف خبر «إن» وسدت الحال مسده. (¬4) ينظر الكتاب (1/ 236)، وشرح الكافية للرضي (2/ 362)، وحاشية الصبان (1/ 269). (¬5) البيت من الطويل، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 16)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 427)، وتعليق الفرائد (1085)، وشواهد التوضيح (7)، والمسلسل في غريب لغة العرب (ص 110)، والتذييل (2/ 658)، ويروى أيضا (بفجّ) مكان (بواد) وهو من الطويل. اللغة: إذخر: حشيش طيب الرائحة. الجليل: الثمام إذا عظم وجل. والشاهد قوله: (ليت شعري هل أبيتن) حيث سد الاستفهام مسد خبر «ليت» وهو متصل «بشعري».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيّ شيء دهاك أم غال مرآك ... وهل أقدمت عليك المنون (¬1) ويجوز هنا الإخبار عن النكرة بالنكرة والمعرفة بشرط الإفادة. فالإخبار بالنكرة عن النكرة كقول امرئ القيس في رواية سيبويه: 935 - وإنّ شفاء عبرة مهراقة ... فهل عند رسم دارس من معوّل (¬2) والإخبار بالمعرفة مثل قول القائل: إنّ قريبا منك زيد، وهو من أمثلة كتاب سيبويه (¬3) ومن ذلك قول الشاعر: 936 - وإنّ حراما أن أسبّ مجاشعا ... بآبائي الشّمّ الكرام الخضارم (¬4) وأنشد سيبويه: 937 - وما كنت ضفّاطا ولكنّ طالبا ... أناخ قليلا فوق ظهر سبيل (¬5) - ¬

_ (¬1) البيتان من الخفيف وينظر فيهما الكتاب (3/ 261)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 427)، وتعليق الفرائد (1087)، والأغاني (8/ 48)، والاشتقاق (1/ 166)، والتذييل (2/ 659)، والكافية الشافية (1/ 477)، والخزانة (4/ 389)، وديوان أبي طالب (168)، واللسان، والمحكم (شعر) وشرح الكافية للرضي (2/ 363). والشاهد قوله: (ليت شعري ... أي شيء دهاك)، حيث فصلت جملة الاستفهام التي سدت مسد خبر «ليت» عن قوله: ليت شعري بجملتين معترضتين هما جملة: النداء وجملة (ليت يقولها المحزون). (¬2) البيت من الطويل وهو في الكتاب (2/ 142)، والمقتضب (3/ 291)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 427)، والمصنف (3/ 40)، والتذييل (2/ 662)، والخزانة (4/ 61)، والهمع (2/ 77، 140)، والدرر (2/ 92، 192)، والمغني (1/ 388)، (2/ 536 - 537)، ومقاييس اللغة والتهذيب (عبر)، واللسان (هلل) وديوانه (9). اللغة: العبرة: الدمعة. مهراقة: مصبوبة. والشاهد قوله: (وإن شفاء عبرة) حيث أخبر عن النكرة بنكرة. (¬3) الكتاب (2/ 142). (¬4) البيت للفرزدق من الطويل وهو في المقتضب (4/ 74)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 17)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 428)، والتذييل (2/ 663)، والبحر المحيط (4/ 446)، والارتشاف (449)، وشرح سقط الزند (201)، وتهذيب إصلاح المنطق للتبريزي (88)، برواية (وليس بعدل أن أسب مجاشعا)، والهمع (1/ 111)، والدرر (1/ 88)، وديوانه (2/ 844). اللغة: الخضارم: جمع خضرم بكسر الراء والخاء وهو الجواد الكثير العطاء. والشاهد قوله: (وإن حراما أن أسب) حيث أخبر بالمصدر المؤول المضاف إلى ياء المتكلم وهو (سبّي) عن النكرة وهي (حرام). (¬5) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: ولكنّ طالبا أنا. هكذا قال سيبويه (¬1) وحسنه في هذا الباب شبه المنصوب بالمفعول، وشبه المرفوع بالفاعل. وقال سيبويه: لو قلت: إن من خيارهم رجلا ثم سكتّ؛ كان قبيحا حتى تعرفه بشيء أو تقول: إن رجلا من أمره كذا وكذا» (¬2) وأجاز الأخفش والفراء جعل اسم «إنّ» صفة رافعة لظاهر مغن عن الخبر، فيقولان: إن قائما الزيدان. وجواز هذا مبني على جواز: قائم الزيدان ونحوه دون استفهام ولا نفي (¬3) وقد تقدم تنبيهي في باب المبتدأ على أن نحو هذا يستقبحه سيبويه ويستحسنه الأخفش واستشهد على جوازه بقول الشاعر: 938 - خبير بنو لهب فلا تك ملغيا ... مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت (¬4) فمن قاس على هذا في الابتداء أجاز دخول «إنّ» عليه فيقول إن خبيرا بنو لهب، ويلزم من أجاز هذا من البصريين أن يجيز دخول «ظننت» كما فعل الكوفيون فيقول: ظننت خبيرا بنو لهب. والصحيح أن يقال: إعمال الصفة عمل الفعل فرع إعمال الفعل فلا يستباح إلا في موضع [2/ 100] يقع فيه الفعل. فلا يلزم من تجويز: قائم الزيدان، إنّ قائما الزيدان، ولا ظننت قائما الزيدان، لصحة وقوع الفعل المتجرد من «إنّ» و «ظننت» وامتناع وقوعه بعدهما (¬5). واستدل الكوفيون على ظننت قائما الزيدان ونحوه بقول الشاعر: 939 - أظنّ ابن طرثوث عتيبة ذاهبا ... بعاديتي تكذابه وجعائله (¬6) - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 126). (¬2) الكتاب (2/ 153). (¬3) ينظر الهمع (1/ 136)، وابن عقيل (1/ 90)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 428). (¬4) البيت لرجل من طيئ، من الطويل، وهو في شرح الألفية لابن الناظم (41)، وابن عقيل (1/ 90)، والتصريح (1/ 157)، والأشموني (1 / 192)، والعيني (1/ 18)، والهمع (1/ 94)، والدرر (1/ 72). والشاهد قوله: (خبير بنو لهب) حيث ابتدأ بالوصف المكتفي بمرفوعه دون الاعتماد على نفي أو استفهام وهذا مذهب الكوفيين ومن تبعهم ومذهب الأخفش من البصريين. (¬5) ينظر الهمع (1/ 36). (¬6) البيت لذي الرمة وهو في التذييل (2/ 667، 1054)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 415)، وديوان ذي الرمة (1264)، برواية (لعل ابن طرثوث عتيبة ذاهب) ولا شاهد في هذه الرواية. اللغة: العادية: البئر. جعائله: ما جعله للحاكم ورشاه به. والشاهد قوله: (أظن ابن طرثوث .. ذاهبا) حيث نصبت «ظن» الصفة «ذاهبا» واستغني بمرفوع هذه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا حجة فيه لاحتمال أن يريد قائله: أظن ابن طرثوث عتيبة شخصه ذاهبا فحذف المفعول الأول للعلم به، وترك الثاني كقوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ (¬1). والأصل: «ولا يحسبن الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله بخلهم هو خيرا لهم» فحذف المفعول الأول وترك الثاني (¬2). انتهى (¬3)، ولننبه على أمور: منها: أن المصنف إنما مذق حكم ما تدخل عليه هذه الأحرف بما تدخل عليه دام دون غيرها من أفعال الباب؛ لأن ما خبره مفرد طلبي نحو «أين زيد» لا تدخل عليه هذه الأحرف كما أن دام لا تدخل عليه مع أن دخول «كان» وبقية أخواتها عليه جائز، فكانت الإحالة على «دام» دون أخواتها متعينة. وقد استدرك بعض الفضلاء على المصنف هنا فقال: إن دام لا تدخل على ما خبره فعل ماض. ولا شك في جواز «إنّ» عليه (¬4) وهو استدراك لطيف. ومنها: أن ظاهر كلام المصنف أنّ جملة النهي التي هي: 940 - لا تحسبوا ليلكم عن ليلهم ناما (¬5) هي الخبر عن «إنّ»، وكذا ذكر ابن عصفور في شرح الجمل الصغير له، أن الصحيح الجواز (¬6) والذي يقتضيه كلام غيره أن الجملة الطلبية في البيت معمولة لقول محذوف ذلك المحذوف وهو الخبر (¬7). قال ابن عصفور - في الشرح الكبير له بعد إنشاده البيت الذي أوله: - ¬

_ - الصفة عن المفعول الثاني لظن. (¬1) سورة آل عمران: 180. (¬2) ينظر الكتاب (2/ 391)، والكشاف (1/ 151). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 18). (¬4) استدرك ابن السيد على الزجاجي أيضا في هذه المسألة بما استدرك به على المصنف هنا. ينظر إصلاح الخلل (145، 163). (¬5) تقدم وهو في (ب) برواية (لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم). (¬6) شرح الجمل الصغير لابن عصفور (1/ 30) (خ) بدار الكتب رقم 7 حليم. (¬7) ينظر الهمع (1/ 135)، وحاشية الصبان (1/ 269).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 941 - إنّ الّذين قتلتم أمس سيّدهم (¬1) وقول الآخر: 942 - ولو أصابت لقالت وهي صادقة ... إنّ الرّياضة لا تنصبك للشّيب (¬2) إن ذلك يحمل على إضمار القول، كأنه قال: أقول لكم: لا تحسبوا ليلكم نام. وأقول لك: لا ينصبك للشيب (¬3) ثم إن ابن عصفور علل امتناع وقول الجمل الطلبية أخبارا لهذه الأحرف بما يوقف عليه في كلامه (¬4). ومنها: أن قول المصنف: والأصل في الظرف الذي يلي «إنّ» أو إحدى أخواتها أن يكون ملغى نحو: إنّ عندك زيدا مقيم. واستشهاده بالبيت الذي أوله: 943 - فلا تلحني فيها ... (¬5) يفهم منه أنه يجيز تقديم معمول الخبر في هذا الباب إذا كان المعمول ظرفا على الاسم، لكن قال ابن عصفور: ولا يجوز تقديم الظرف والمجرور إذا [2/ 101] كانا معمولي الخبر على الاسم فلا تقول: إنّ في الدار زيدا قائم، تريد: إنّ زيدا قائم في الدار. فإن جاء ما ظاهره ذلك فينبغي أن يجعل المجرور والظرف متعلقا بعامل مضمر - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) البيت للجميح الأسدي، واسمه منقذ بن الطماح، من البسيط وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 428)، والتوطئة (201)، والأمالي الشجرية (1/ 332)، والخزانة (4/ 295). والشاهد قوله: (إن الرياضة لا تنصبك) حيث رفع خبر «إن» جملة طلبية. وشرط هذه الجملة أن تكون محتملة للتصديق والتكذيب، وقد أوّل بعض النحويين كالشلوبين البيت على جعل الجملة الطلبية معمولا لقول مضمر. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 428) ط. العراق. (¬4) الذي علل به ابن عصفور امتناع وقوع الجمل الطلبية أخبارا لهذه الأحرف هو أنه قال: وإنما لم تقع الجمل غير المحتملة للصدق والكذب أخبارا لهذه الحروف لمناقضة معناها لمعاني هذه الحروف وذلك أن الجملة المحتملة للصدق والكذب مقتضاها الطلب فإذا قلت: اضرب؛ فكأنك تطلب من المخاطب الضرب وكذلك ليت زيدا قائم، ولعل زيدا قائم تمنيك للقيام ورجاؤك له طلب، فالطلب في هذه الأشياء ثابت والتمني والترجي إنما يكون لما لم يثبت وأما ما قد ثبت فلا فائدة في ترجيه وتمنيه لأن الحاصل لا يطلب. اه. شرح الجمل لابن عصفور (1/ 428 - 429) ط. العراق. (¬5) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من معنى الكلام ويكون من قبيل ما فصل فيه بين الحرف واسمه بجملة اعتراض، وذلك نحو قوله (¬1): لا تلحني فيها ... البيت. في رواية من رفع مصاب فظاهره أنّ «بحبها» متعلق «بمصاب» لكن الذي ينبغي أن يتعلق بمضمر التقدير: أعني «بحبها» واعترض بالجملة بين «إنّ» واسمها ولم ينقل في المسألة خلافا، وجعل من الاعتراض أيضا الجملة في قول الشاعر: 944 - كأنّ وقد أتى حول كميل ... أنا فيها حمامات مثول (¬2) وقد عرفت أن المصنف حكم على الجملة في هذا البيت بالحالية. ومنها: أن المصنف لما تكلم على جواز حذف الاسم في هذا الباب قال: «وقلما يكون إلا ضمير الشأن وقال في الشرح: وحذفه وهو ضمير الشأن أكثر من حذفه وهو غيره» وكلام ابن عصفور يناقض هذا فإنه قال: ويجوز حذف أسماء هذه الحروف في فصيح الكلام إذا كان دليل عليه إلا أن يكون الاسم ضمير أمر وشأن فإنه لا يجوز حذفه إلا في ضرورة شعر نحو قوله: 945 - إنّ من يدخل الكنيسة يوما ... ... (¬3) يريد: «إنه»، وكذا في قول الآخر: 946 - إنّ من لام في بني بنت حسّا ... ن ... البيت (¬4) يريد: إنه قال: وإنما لم يجز الحذف إذا كان الاسم ضمير الشأن إلا في ضرورة لأن - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 439 - 440) طبعة. العراق. (¬3) صدر بيت من الخفيف وهو للأخطل، وعجزه: يلق فيها جآذرا وظباء، وهو في المقرب (1/ 109، 277)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 442)، ط. العراق، وتعليق الفرائد (1080)، والأمالي الشجرية (1/ 595)، وابن يعيش (2/ 29، 280، 361، 362)، والمحصول شرح الفصول (611)، والخزانة (1/ 122، 123، 219، 221، 2/ 463، 4/ 12، 380)، والمغني (1/ 37)، (2/ 589)، والهمع (1/ 136)، والدرر (1/ 115). والشاهد قوله: (إنّ من يدخل ... يلق) حيث حذف اسم إنّ وهو ضمير الشأن للضرورة. (¬4) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملة الواقعة خبرا لضمير الأمر والشأن هي مفسرة له، فقبح حذفه وإبقاء الجملة كما يقبح حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامة إذا كانت (¬1) الجملة صفة ... انتهى. ولا يخفى ضعف هذا التعليل الذي ذكره ويضعف دعوى ابن عصفور قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» (¬2). وقد عرفت أن الكسائي خرج الحديث على أنّ «من» زائدة وذلك أن مذهبه أنه لا يجوز حذف هذا الضمير إذا أدى ذلك إلى أن يكون بعد «إنّ» وأخواتها اسم يصبح عملها فيه (¬3) والحق أن الأمر في ذلك كما قال المصنف من أن الاسم ضمير الشأن المحذوف لأن «من» لو حكم بزيادتها أفاد الكلام أن المصور من أشد الناس عذابا يوم القيامة وليس كذلك إذ غيرهم أشد عذابا كالكفار ومن كان ذنبه أعظم من ذنوب المصورين، وأما دعوى الكسائي فيبطلها قول العرب «إن بك زيد مأخوذ». فإن زيدا يقبح عمل إنّ فيه (¬4). ومنها: أن كلام المصنف علم منه أن في جواز حذف الخبر في هذا الباب مذهبين: - أحدهما: الجواز مطلقا وهو مذهب سيبويه (¬5). ثانيهما: أنه لا يجوز إلا إذا كان الاسم نكرة وهو مذهب الكوفيين (¬6). وقد نقل الشيخ مذهبا ثالثا وهو مذهب الفراء: [2/ 102] أنه لا يجوز سواء أكان الاسم معرفة أم نكرة إلا إن كان بالتكرير نحو: 947 - إنّ محلّا وإنّ مرتحلا (¬7) ولا يجوز في غيره. هكذا نقل الشيخ (¬8)، إلا أن ابن عصفور قال: وزعم أهل الكوفة أن أحسن ما يكون حذف الخبر إذا كان الموضع موضع تفصيل نحو قولهم: إنّ الزّبابة - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 442) طبعة. العراق. (¬2) تقدم تخريج الحديث. (¬3) ينظر التذييل (2/ 648 - 649). (¬4) ينظر الكتاب (2/ 132)، وشرح الكافية للرضي (2/ 362)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 425). (¬5) ينظر الكتاب (2/ 141). (¬6) ينظر الخصائص (2/ 374)، وشرح الكافية للرضي (2/ 362)، والهمع (1/ 136)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 425). (¬7) تقدم. (¬8) التذييل (2/ 650) وينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 425).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنّ الفأرة .. يرون: إنّ الزّبابة خلاف الفأرة وإنّ الفأرة خلاف الزّبابة (¬1). انتهى. والصحيح من هذه المذاهب: مذهب سيبويه، ويدل عليه الآيات الشريفة التي أوردها المصنف، والقياس يقتضيه فإنهم أجمعوا على جواز حذف الخبر إذا عرف معناه في غير باب «إنّ» فينبغي أن يجوز ذلك في باب «إنّ» إذا دلّ الدليل (¬2) ومن حذف الخبر قولهم: (إنّ غيرها إبلا وشاء). قال سيبويه: «غيرها» اسم «إنّ» وإبلا وشاء ... تمييز والخبر محذوف، أي: إن لنا غيرها إبلا وشاء (¬3). قالوا: ولا يجوز أن يكون إبلا وشاء اسم «إنّ» وغيرها حال والخبر محذوف (¬4) تقديره: إن لنا إبلا وشاء، في حال أنها غير هذه، لأنه لا عامل إلا «لنا»، والمعاني لا تعمل مضمرة بإجماع (¬5) وكذا لا يجوز أن يكون «غيرها» اسم «إنّ» وإبلا وشاء بدل والتقدير: إن لنا غيرها إبلا، أي إن لنا إبلا، لأنه متى اجتمع تابع ومتبوع فالباب أن يتقدم الجامد منهما، وقد نصّ على ذلك سيبويه في نحو: فيها قائما رجل؛ حتى عدل إلى النصب (¬6)، ولم يجعل «رجلا» بدلا من قائم (¬7). ومنها: أن «شعري» من قولهم: «ليت شعري» مصدر حذفت منه التاء، قالوا: شعرة ودرية بالتاء (¬8). وفي الإفصاح: شعري معرفتي، والأصل: شعرت به ولا يتعدى إلا بالباء بخلاف «دريت»، فإنها تتعدى بنفسها وبالباء ولا تستعمل شعرة إلا بالتاء، مع «ليت»، فإنه يلزم معها حذف التاء. ونظير ذلك قولهم: أبو عذرها، - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 443 - 444) ط. العراق. (¬2) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 425). (¬3) الكتاب (2/ 141)، ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 362). (¬4) جوز ذلك ابن يعيش في شرح المفصل (1/ 104)، حيث قال: ويجوز أن يكون إبلا وشاء اسم إنّ وغيرها حال. اه. (¬5) عقب أبو حيان على قولهم: «والمعاني لا تعمل مضمرة بإجماع»، فقال: إلا المبرد فإنه أجاز ذلك في: وإذ ما مثلهم بشر. اه. التذييل (2/ 654)، وينظر رأي في المقتضب (4/ 191). (¬6) ينظر الكتاب (1/ 55 - 56) بالمعنى. (¬7) مذهب المبرد في قولهم: فيها قائما رجل: أن «قائما» منصوب على الحال وعلل ذلك بقوله: إن النعت لا يكون قبل المنعوت لا يكون قبل المنعوت، والحال مفعول فيها، والمفعول يكون مقدما ومؤخرا. اه. المقتضب (4/ 192)، وينظر هامش رقم «1» من (ص 191) من المقتضب. (¬8) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 362).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأصل: أبو عذرتها ولا ينطق بها إلا بالتاء إلا مع (أب) فبغير تاء، والجملة الاستفهامية بعد «شعري» في موضع الخبر. كذا قال سيبويه (¬1). وتحقيقه أن شعري بمعنى: معلومي، فالجملة نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى ضمير، ومن الناس من جعل الجملة معمولة لشعري وأضمر الخبر، أي: موجود أو ثابت. وقيل: الجملة معمولة لشعري وسدت مسد الخبر (¬2). قال: ويقول العرب ليت شعري بزيد أقائم، وليت شعري عن زيد أقائم، قامت «عن» مقام التماسا في الشعر، وبالشيء عن الكشف عنه، وليت شعري زيد أقائم، قال الكسائي: العرب تقول: ليت شعري زيدا ما صنع، والنصب على إسقاط حرف الجر والاسم مجرورا أو منصوبا معمول لشعري، وما صنع خبر «ليت»، أو جملة في موضع البدل من المنصوب أو المجرور على القول بأن «شعري» يعمل في الجملة، أو أن الجملة تكون بدلا من المفرد إذا جاز أن يسلط عليها العامل الذي يعمل في المفرد، كما قيل ذلك في عرفت زيدا أبو من هو، وهو [2/ 103] قول أبي العباس (¬3) .. انتهى. ومنها: أنّ الإخبار بالمعرفة عن النكرة في هذا الباب قد استشكله بعضهم (¬4). وقد أشار ابن هشام إلى المسوغ لذلك فقال: نصب هذه الحروف للنكرات لا ينحصر، ويخبر عنها بالمعرفة وهذا غريب لا يجوز في الابتداء ولا في كان، وقد قدر سيبويه الخبر معرفة في (ولكنّ طالبا منيخا أنا) (¬5)، وإنما جاز هذا عندي، وأن تكون المعرفة خبرا عن النكرة أن الأول لما كان الثاني كان المعنى واحدا، وكان الاسم بها منصوبا، فصار كأنه غير مسند إليه وفضلة فجاز تنكيره، وكان الخبر معرفة لأنه لما كان مرفوعا صار كأنه مسند إليه لا مسند وكان هذا من تتميم شبهه بالفاعل (¬6). ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (1/ 236، 238). (¬2) ينظر التذييل (2/ 661)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 427)، والهمع (1/ 136)، وحاشية الصبان (1/ 269). (¬3) ينظر التذييل (2/ 661)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 427). (¬4) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 363). وهم يقيسون الإخبار بالمعرفة عن النكرة في باب «إنّ» على باب كان. (¬5) ينظر الكتاب (2/ 136). (¬6) ينظر التذييل (2/ 665).

[مواضع كسر همزة إن ومواضع فتحها ومواضع جواز الوجهين]

[مواضع كسر همزة إن ومواضع فتحها ومواضع جواز الوجهين] قال ابن مالك: (فصل: يستدام كسر «إنّ» ما لم تؤوّل هي ومعمولها بمصدر. فإن لزم التأويل؛ لزم الفتح. وإلّا فوجهان. فلا متناع التّأويل كسرت مبتدأة وموصولا بها وجواب قسم ومحكية بقول وواقعة موقع الحال أو موقع خبر اسم عين. أو قبل لام معلّقة. وللزوم التّأويل فتحت بعد «لو» و «لولا» وما التّوقيتيّة. وفي موضع مجرور أو مرفوع فعل أو منصوبه غير خبر. ولإمكان الحالين أجيز الوجهان بعد أوّل قولي وإذا للمفاجأة وفاء الجواب). قال ناظر الجيش: هذا الكلام في هذا الفصل يشتمل على تمييز مواقع «أنّ» المفتوحة من مواقع «إنّ» المكسورة. واعلم أن من المصنفين: من اكتفى بتعداد مواضع كل من القسمين، ومنهم من ضبط ذلك بقاعدة، فقال: كل موضع يتعاقب عليه الاسم والفعل فإن فيه مكسورة، وكل موضع ينفرد بأحدهما «فإنّ» فيه مفتوحة (¬1)، نحو: بلغني أنك منطلق ولو أنّ زيدا قائم قام عمرو، لأن «لو» لا يقع بعدها إلا الفعل فنقضت هذه القاعدة «بإذا» الفجائية فإنها لا يليها إلا الاسم، ويجوز كسر «إنّ» بعدها (¬2). وقال آخرون - وقيل: إنه قول سيبويه (¬3) -: إنّ كل موضع هو للجملة فإن فيه مكسورة، وكل موضع هو للمفرد «فإنّ» فيه مفتوحة، فنقضت هذه القاعدة أيضا بنحو لو أن زيدا قائم قام عمرو، وذلك بأن «أن» وقعت موقع الجملة الفعلية التي كان ينبغي لها أن تلي «لو» (¬4). هذا على مذهب سيبويه، فإنه يجعل «أنّ» مباشر لـ «لو». لفظا وتقديرا ويجعلها مع معمولها يتقدير اسم مبتدأ وسد الطول مسد الخبر (¬5). - ¬

_ (¬1) ممن ضبط مواضع الكسر والفتح بهذا الضابط، ابن بابشاذ في شرح الجمل له (1/ 132)، حيث قال: كل موضع صلح فيه الاسم والفعل كانت فيه «إن» مكسورة في الغالب، وكل موضع اختص أحدهما دون الآخر كانت فيه مفتوحة. اهـ. وينظر شرح المفصل لابن يعيش (8/ 60). (¬2) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 459) ط. العراق. (¬3) وهو قول الفارسي والشلوبين وابن الناظم أيضا. ينظر التوطئة (221)، والإيضاح (129)، وشرح الألفية لابن الناظم (62). (¬4) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 459) ط. العراق. (¬5) ينظر الكتاب (3/ 121، 140).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المصنف فإنه جمع بين الأمرين، أعني: تعداد الأماكن التي يتعين فيها الكسر والتي يتعين فيها الفتح، والتي يجوز فيها الأمران، والضابط لذلك بذكر قاعدة لا يتوجه عليها نقض بشيء من الصور التي نقض بها على غيره. وحاصل الأمر: أنه أورد ذلك إيرادا لم يقع لغيره، وأنا أورد كلامه أولا ثم أتبعه بما يحتاج إلى التنبيه عليه، قال رحمه الله تعالى: «إنّ» بالكسر أصل، لأن الكلام معها جملة غير مؤولة بمفرد وأنّ الفتح فرع لأن الكلام معها مؤول بمفرد. وكون المنطوق به جملة من كل وجه أو مفردا من كل [2/ 104] وجه أصل، لكونه جملة من وجه، مفردا من وجه. ولأن المكسورة مستغنية بمعمولها عن زيادة، والمفتوحة لا تستغني عن زيادة، والمجرد من الزيادة أصل للمزيد فيه ولأن المفتوحة تصير مكسورة بحذف ما تتعلق به كقولك في عرفت أنك بر: أنك بر، ولا تصير المكسورة مفتوحة إلا بزيادة كقولك في «إنك بر» عرفت أنك بر والمرجوع إليه بحذف أصل للمتوصل إليه بزيادة (¬1). ولكون المكسورة أصلا قلت: يستدام كسر «إن» ما لم تؤول هي ومعمولها بمصدر فعلم بذلك أن الكسر لازم للمبدوء بها لفظا ومعنى نحو إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (¬2) وللمبدوء بها معنى لا لفظا (¬3)، نحو: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ (¬4) والموصول بها نحو: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ (¬5)، والمجاب بها قسم نحو: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ (¬6) والمحكية بالقول نحو: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ (¬7) والواقعة موقع الحال نحو: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (¬8)، ومنه قول الشاعر: 948 - ما أعطياني ولا سألتهما ... إلّا وإنّي لحاجزي كرمي (¬9) ¬

_ (¬1) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 428)، والمطالع السعيدة (ص 226 - 227)، والهمع (1/ 138). (¬2) سورة الكوثر: 1. (¬3) ينظر إصلاح الخلل (ص 177)، والأشموني (1/ 274). (¬4) سورة البقرة: 13. (¬5) سورة القصص: 76. (¬6) سورة الدخان: 3. (¬7) سورة مريم: 30. (¬8) سورة الأنفال: 5. (¬9) البيت من المنسرح وهو لكثير عزة. وهو في شرح الكافية الشافية (146)، وشرح عمدة الحافظ (130)، والكتاب (3/ 145)، والمقتضب (2/ 346)، والتذييل (2/ 675)، والعيني (2/ 308) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 949 - سئلت وإنّي موسر غير باخل ... فجدت بما أغنى الذي جاء سائلا (¬1) والواقعة موقع خبر اسم عين نحو: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬2) ومنه قول الشاعر: 950 - أراني ولا كفران لله إنّما ... أؤاخي من الأقوام كلّ بخيل (¬3) وقول الآخر (¬4): 951 - إنّ الخليفة إنّ الله سربله ... سربال ملك به تزجى الخواتيم (¬5) وقول الآخر: 952 - منّا الأناة وبعض القوم يحسبنا ... إنّا بطاء وفي إبطائنا سرع (¬6) - ¬

_ - والهمع (1/ 246)، والدرر (1/ 203)، والأشموني (1/ 275)، وديوانه (273) جمع وشرح إحسان عباس، وابن عقيل (1/ 132). والشاهد قوله: (ما أعطياني ... إلّا وإني) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها في صدر جملة الحال. (¬1) لم أهتد إليه، والشاهد فيه قوله: (سئلت وإني موسر) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها في صدر جملة الحال. (¬2) سورة الحج: 17. (¬3) البيت من الطويل وهو لكثير عزة وهو في الكتاب (3/ 131)، والخصائص (1/ 338)، وابن يعيش (8/ 55)، وأمالي القالي (2/ 63)، والتذييل (2/ 676)، وشرح ابن خروف (ص 26)، والهمع (1/ 247)، والدرر (1/ 205)، وديوانه (2/ 184، 248). والشاهد قوله: (أراني .. إنما أؤاخي) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها خبرا عن اسم عين، وذلك لأن المفعول الثاني في باب ظن وأخواتها خبر في الأصل. (¬4) هو جرير، والبيت من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز. (¬5) البيت من البسيط، وهو في مجالس العلماء للزجاجي (293)، والتذييل (2/ 679)، والخزانة (4/ 344)، والشواهد في النحو العربي (297)، وديوانه (ص 527). ويروي أيضا: (يكفي الخليفة) مكان (إن الخليفة)، ولا شاهد في هذه الرواية كما يروى (لباس) مكان سربال. والشاهد قوله: (إن الله سربله) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوعها موقع خبر اسم عين. (¬6) البيت لوضاح بن إسماعيل بن عبد كلال، شاعر فصيح من أبناء الفرس، من البسيط وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 20)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 429)، والتذييل (2/ 677) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والواقعة قبل لام معلقة، نحو: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ (¬1) فعدم وقوع المصدر في هذه المواضع بيّن، فلذلك استديم فيها كسر «إنّ»، واللام المعلقة هي المسبوقة بفعل قلبي أو جار مجراه (¬2) نحو: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (¬3) وأنشد سيبويه: 953 - ألم تر إنّي وابن أسود ليلة ... لنسري إلى نارين يعلو سناهما (¬4) فلولا اللام لفتحت «إنّ» كما فتحت في عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ (¬5)، وفي شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ (¬6) وفي أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (¬7)، فلو لم يسبق اللام فعل قلبي ولا جار مجراه لم يكن فرق بين وجود اللام وعدمها، فلذلك استحق الكسر بعد القسم مع عدمها في إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ (¬8)، كما استحق مع وجودها في إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ (¬9) وكذا سائر المواضع الخمسة (¬10). وأشرت بقولي: «فإن لزم التأويل لزم الفتح» إلى لزومه في موضع المبتدأ نحو: - ¬

_ - وعمدة الحافظ (129)، وابن الناظم (62)، والعيني (2/ 216)، وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 187). والشاهد قوله: (يحسبنا إنا بطاء)، حيث كسرت همزة «إن» لوقولعهما موقع خبر اسم عين، عين وهو المفعول الأول ليحسب. (¬1) سورة الأنعام: 33. (¬2) ينظر المفصل لابن يعيش (8/ 66)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 338). (¬3) سورة المنافقون: 1. (¬4) البيت من الطويل وهو من الأبيات الخمسين مجهولة القائل، وينظر في الكتاب (3/ 149)، وشرح الكافية الشافية (1/ 484)، والتذييل (2/ 278)، والأشموني (1/ 275)، واللسان (سنا). والشاهد قوله: (ألم تر إنّي .. لنرى) حيث كسرت همزة «إنّ» لوقوع اللام المعلقة في خبرها ولولا هذه اللام لفتحت همزتها. (¬5) سورة البقرة: 178. (¬6) سورة آل عمران: 18. (¬7) سورة النور: 41. (¬8) سورة الدخان: 3. (¬9) سورة يونس: 53. (¬10) ذكر ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 460)، أن هناك خلافا بين النحاة في «إنّ» الواقعة بعد القسم من حيث كسر همزتها وفتحها، فقال: واختلف فيها إذا وقعت بعد القسم نحو: والله إنّ زيدا قائم، فمنهم من لم يجز إلا الفتح ومنهم من أجاز الفتح والكسر واختار الفتح، ومنهم من أجازهما واختار الكسر، ومنهم من لم يجز إلا الكسر، وهو الصحيح. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً (¬1)، وفي موضع الفاعل نحو: أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ (¬2)، [2/ 105] وفي موضع القائم مقامه نحو: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ (¬3) وفي موضع ما ليس خبر اسم عين من منصوب فعل، نحو: وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ (¬4)، أو معطوف على منصوب بفعل نحو: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ * (¬5)، وفي موضع مجرور بحرف أو إضافة نحو: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ * (¬6)، وإِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (¬7) وأنشد سيبويه: 954 - تظلّ الشّمس كاسفة عليه ... كآبة أنّها فقدت عقيلا (¬8) فتأويل المصدر في هذه المواضع وأشباهها لازم، فلذلك لزم الفتح. وذكر المصدر أولى من ذكر الاسم المفرد ليسلم من نحو: «يحسبنا إنّا بطاء» (¬9). لأن «إنّ» واقعة فيه موقع مفرد وفتحها ممتنع لامتناع قيام المصدر مقامها (¬10) وللزوم تأويل المصدر بعد «لو» و «لولا» لزم الفتح نحو وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا (¬11) ونحو فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (¬12) ومنه قول الشاعر: 955 - فلو أنّ قومي أنطقتني رماحهم ... نطقت ولكنّ الرماح أجرّت (¬13) - ¬

_ (¬1) سورة فصلت: 39. (¬2) سورة العنكبوت: 51. (¬3) سورة الجن: 1. (¬4) سورة الأنعام: 81. (¬5) سورة البقرة: 47، 122. (¬6) سورة الحج: 62، سورة لقمان: 30. (¬7) سورة الذاريات: 23. (¬8) البيت من الوافر مجهول القائل، وهو في الكتاب (3/ 157)، والتذييل (2/ 685)، وشرح الألفية لابن الناظم (65)، والعيني (2/ 241)، وشرح ابن خروف (36). والشاهد قوله: (كآبة أنها فقدت عقيلا) حيث فتحت همزة «أن» لأن المصدر المؤول من «أنّ» ومعمولها قد أضيف إليه (كآبة). (¬9) تقدم. (¬10) ينظر شرح عمدة الحافظ (129) (د/ عبد المنعم هريدي). (¬11) سورة الحجرات: 5. (¬12) سورة الصافات: 143. (¬13) البيت من الطويل لعمرو بن معديكرب بن عبد الله بن عمرو الصحابي الجليل. وهو في التذييل (2/ 679)، والأصمعيات (122)، وشرح الحماسة (162)، ودلائل الإعجاز (112)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر في «لولا»: 956 - لكم أمان ولولا أنّنا حرم ... لم تلف أنفسكم من حتفها وزرا (¬1) وللزوم تأويل المصدر لزم الفتح بعد «ما» التوقيتية في قول العرب: لا أكلمك ما أن في السماء نجما ولا أفعل ما أن حراء مكانه (¬2)، الأول عن يعقوب (¬3)، والثاني عن اللحياني، والتقدير: ما ثبت أنّ في السماء نجما، وما ثبت أنّ حراء مكانه (¬4)، وأشرت بقولي: «ولإمكان الحالين أجيز الوجهان» إلى المواضع الصالحة لتقدير مصدر باعتبار، والتقدير جملة باعتبار، فباعتبار تقدير المصدر تفتح وباعتبار تقدير الجملة تكسر فمن ذلك: «أوّل قولي إني أحمد الله» يجوز أن يراد به أول كلام أتكلم به هذا الكلام المفتتح «بإني» فيلزم الكسر لثبوت تقدير الجملة وعدم تقدير المصدر، ولا تصدق هذه العبارات بهذا القصد على حمد بغير هذا اللفظ الذي أوله «إني» بخلاف عبارة الفتح فإنها تصدق على كل لفظ تضمن حمدا (¬5) ومن المستعمل بوجهين لإمكان تقديرين: «إنّ» الواقعة بعد «إذا» المفاجأة، كقول الشاعر: 957 - وكنت أرى زيدا كما قيل سيّدا ... إذا إنّه عبد القفا واللهازم (¬6) - ¬

_ - واللسان (جرر). والشاهد قوله: (فلو أن قومي أنطقتني) حيث فتحت همزة «أن» بعد «لو». (¬1) البيت مجهول القائل، في التذييل (2/ 681). والشاهد قوله: (ولولا أننا حرم) حيث فتحت همزة «أن» بعد «لولا». (¬2) ينظر التصريح (1/ 215)، والهمع (1/ 137)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 63). (¬3) هو يعقوب بن إسحاق أبو يوسف بن السكيت، كان عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن واللغة والشعر راوية ثقة، أخذ عن البصريين والكوفيين كالفراء وأبي عمرو والشيباني وابن الأعرابي، وله تصانيف كثيرة في النحو ومعاني الشعر وتفسير دواوين العرب زاد فيها علي من تقدمه وتوفي سنة 244 هـ. البغية (2/ 349). (¬4) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 430)، حيث ذكر فيه رأي يعقوب واللحياني. (¬5) ينظر الإيضاح للفارسي (130، 131)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وابن الناظم (64)، وعمدة الحافظ (130)، والتصريح (1/ 219)، وشرح الكافية للرضي (2/ 350)، وشذور الذهب (263). (¬6) البيت من الطويل مجهول القائل وهو في الكتاب (3/ 144)، والمقتضب (2/ 351)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وروي بالكسر على التأويل بمصدر، وبالفتح على تأويل «أن» ومعمولها بمصدر مرفوع بالابتداء والخبر محذوف، والأول أولى لأنه لا يحوج إلى تقدير محذوف. ومن المستعمل بوجهين لإمكان تقديرين «إنّ» الواقعة بعد فاء الجواب نحو: من يأتني فإنه مكرم. من كسر جعل ما بعد الفاء جملة غير مؤولة بمصدر كما قال: من يأتني فهو مكرم، ومن فتح جعل ما بعد الفاء في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء والخبر محذوف والأول أولى لأنه لا يحوج إلى تقدير محذوف كالواقعة بعد «إذا»، ولذلك لم يجئ في القرآن العزيز فتح إلا مسبوق «بأنّ» المفتوحة (¬1) نحو: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ [2/ 106] وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (¬2) فإن لم تسبق «أنّ» المفتوحة فكسر «إنّ» بعد الفاء مجمع عليه من القراء السبعة نحو: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (¬3) وإِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (¬4) ووَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ (¬5) ومن المقروء بالوجهين باعتبار التقديرين مع تقدم «أنّ» المفتوحة قوله تعالى: كَتَبَ [رَبُّكُمْ] (¬6) عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (¬7) قرأ بفتح الأولى والثانية ابن عامر (¬8) وعاصم (¬9)، وقرأ بفتح الأولى وكسر الثانية نافع (¬10)، وقرأ بكسرهما ابن - ¬

_ - والخصائص (3/ 399)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وتعليق الفرائد (1101)، وشرح عمدة الحافظ (131)، والتذييل (2/ 689)، وأمالي السهيلي (126)، وشرح الألفية لابن الناظم (63)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 339)، وشرح المكودي (57)، والخزانة (4/ 303)، وابن يعيش (4/ 97)، (8/ 61)، والتصريح (1/ 128)، والأشموني (1/ 276)، والهمع (1/ 138)، والدرر (1/ 151). اللغة: اللهازم: جمع لهزمة وهي طرفة الحلقوم وقيل قطعة تحت الأذن ويكنى باللهازم والقفا هنا عن الخسة. والشاهد قوله: (إذا أنه) حيث جاز في «أن» الكسر والفتح. (¬1) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 432). (¬2) سورة التوبة: 63. (¬3) سورة طه: 74. (¬4) سورة يوسف: 90. (¬5) سورة الجن: 23. (¬6) ساقطة من (أ)، (ب). (¬7) سورة الأنعام: 54. (¬8) سبقت ترجمته. (¬9) هو أبو بكر عاصم بن أبي النجود بن بهدلة الأسدي وهو من التابعين توفى بالكوفة سنة (127 هـ). وقيل (128 هـ). (¬10) سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كثير (¬1)، وأبو عمرو وحمزة والكسائي (¬2). انتهى كلام المصنف (¬3). وقد ظهر لك أن الضابط الذي ذكره سالم من النقض الوارد على ضابط غيره، ولقد أحسن في استنتاج لزوم الكسر ولزوم الفتح وجواز الوجهين عن الضابط المذكور، وذكره ذلك إنما هو على سبيل التبرع لقصد الإرشاد وتسهيل الأمر على الطالبين، وقد كان يكفيه الاقتصار على ما ذكره من القانون المفيد لقاعدة الباب. وبعد، فالمواضع التي ذكر أنه يلزم فيها الكسر سبعة والتي يلزم فيها الفتح ستة، والتي يجوز فيها الوجهان ثلاثة، وقد استدرك الشيخ على المصنف موضعا ثامنا فقال: إنه نقصه موضع آخر وهو أنه يجب كسرها بعد «حيث» نحو: اجلس حيث إنّ زيدا جالس (¬4). وذكر بعض الفضلاء (¬5) موضعين آخرين وهما: بعد إذ وبعد موصوف بجملة مصدرة «بأنّ» نحو: جئتك إذ إن زيدا أمير، ومررت برجل إنه فاضل (¬6)، وكذا ذكر ثلاثة مواضع أخر في القسم الثاني، أعني ما يلزم فيه الفتح وهي: إذا وقعت خبرا عن اسم معنى نحو: اعتقادي أنه فاضل وإذا وقعت معطوفة على شيء لو كانت «إنّ» في موضعه لكانت مفتوحة كالمعطوفة على فاعل أو مفعول أو مجرور بحرف أو إضافة نحو: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ (¬7) وإذا وقعت مبدلة من شيء من ذلك نحو: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ (¬8)، وكذا (¬9) أيضا خمسة مواضع أخر في القسم الثالث، أعني ما يجوز فيه الفتح والكسر، وهي: إذا وقعت في موضع التعليل نحو: إِنَّا - ¬

_ (¬1) هو أبو سعيد عبد الله بن كثير بن عمرو بن عبد الله بن زاذان المكي إمام الناس في الإقراء بمكة توفى سنة (120 هـ). غاية النهاية (1/ 443 - 445). ينظر هذه القراءات في الإتحاف (208 - 209)، وشرح طيبة النشر (277)، والحجة لابن خالوية (139). (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 23). (¬4) التذييل (2/ 678). (¬5) هو ابن هشام في شذور الذهب وأوضح المسالك، ولم أره لغيره، وقد عقب ابن هشام في نهاية ذكره لمواضع الكسر بقوله: وقد أثبت في شرح هذا الموضع بما لم أسبق إليه فتأملوه. اه. شذور الذهب (261)، وينظر أيضا بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب. للشيخ زكريا الأنصاري (ص 440 - 441). (¬6) ينظر شذور الذهب (259)، وأوضح المسالك (1/ 87). (¬7) سورة البقرة: 47. (¬8) سورة الأنفال: 7. (¬9) ينظر شذور الذهب (262)، وأوضح المسالك (1/ 87 - 88)، وبلوغ الأرب بشرح شذور الذهب (ص 445).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (¬1)، قرئ بالفتح على تقدير لام العلة وبالكسر على أنه تعليل مستأنف (¬2) مثل: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (¬3)، وإذا وقعت بعد «واو» مسبوقة بمفرد صالح للعطف عليه نحو: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (118) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى (¬4) قرئ بالكسر إما على الاستئناف أو العطف على جملة «إن» الأولى، وبالفتح بالعطف على «أن لا تجوع» (¬5). وإذا وقعت بعد «حتى»، قال: فيختص بالكسر بالابتدائية نحو: مرض حتى إنهم لا يرجونه والفتح بالجارة [2/ 107] والعاطفة نحو: عرفت أمورك حتى أنك فاضل، وإذا وقعت بعد «أما» نحو: أما أنك فاضل قال: فالكسر على أنها حرف استفتاح بمنزلة ألا والفتح على أنها بمعنى أحقّا، وإذا وقعت بعد «لا جرم» (¬6). والذي يظهر أنه لا استدراك على المصنف في القسم الأول لأن الواقعة بعد حيث و «إذا» والموصوف يصدق عليها أنها مبتدأة، إذا لا تعلق لها بما قبلها من حيث العمل، أما في الواقعة بعد الموصوف فظاهر. وأما الواقعة بعد «حيث» و «إذ» فكذلك، وإن كانت «حيث وإذ» مضافتين لأن الإضافة إنما هي إلى الجملة بتمامها ولا يؤثر في الجملة عمل عامل، أعني في لفظها واذا كانت مبتدأة أي: مبدوءا بها في هذه المواضع، فهي مندرجة في قول المصنف: كسرت مبتدأة (¬7). على أنا نقول: إن المصنف لم يلتزم استيفاء المواضع في الأقسام الثلاثة، ولا يلزمه ذلك، بل لا يلزمه التعرض إلى شيء منها لأنه ذكر الضابط للمواضع الثلاثة وإذا كان كذلك فيصير الأمر موكولا إلى الناظر. وعبارته في الكتاب تشعر - ¬

_ (¬1) سورة الطور: 28. (¬2) ينظر الكشاف (2/ 414)، وتفسير الجلالين (487). (¬3) سورة التوبة: 103. (¬4) سورة طه: 118، 119. (¬5) ينظر إملاء ما من به الرحمن (2/ 128)، والحجة لابن خالويه (247)، والمقتضب (2/ 342). (¬6) أوضح المسالك (1/ 88 - 91)، ولم يذكر ابن هشام هذه المواضع التي استدركها على المصنف في هذا القسم في شذور الذهب. (¬7) هذا الاعتبار الذي اعتذر به الشارح هنا عن المصنف اعتذر بمثله معظم شراح الألفية وشراح مصنفات ابن مالك كابن عقيل وغيره يقول ابن عقيل في اعتذاره عن المصنف في مثل ذلك: ولا يرد عليه شيء من هذه المواضع لدخولها تحت قوله: «فاكسر في الابتداء» لأن هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدأ بها. اه. شرح ابن عقيل (1/ 132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأنه لم يذكر ما ذكره على سبيل الاستيفاء لأنه لم يقل: والمواضع التي يجب فيها الكسر كذا ولا التي يجب فيها الفتح كذا، ولا التي يجوز فيها الوجهان كذا، بل قال: «فلا متناع التأويل وجب الكسر في كذا، وللزومه وجب الفتح في كذا ولإمكان الحالين أجيز في كذا». ويدل على أن المصنف قصد ما قلته أنه لم يذكر في المتن أن ما كان في موضع المبتدأ ونائبه يفتح، وقال في الشرح إنها في هذه المواضع الثلاثة تفتح (¬1) لقوله: وللزوم التأويل فتحت، فدل ذلك على أنه اكتفى بذكر الضابط وأن الذي ذكره إنما هو على سبيل التمثيل والتنبيه. وأما ما ذكره من أشرنا إليه زائدا في القسم الثاني من المعطوفة والمبدلة؛ فغير محتاج إليه أصلا، لأن المعطوف حكمه حكم المعطوف عليه، والمبدل حكمه حكم المبدل منه قطعا وأما الواقعة خبرا عن اسم معنى فلا شك أن قول المصنف: فإن لزم التأويل لزم الفتح يكفي في ذلك، لأن تأويل «أنّ» وما بعدها بالمصدر في نحو: «اعتقادي أنك فاضل» لازم على أنه لا يلزم المصنف التعداد كما عرفت، ولقد عجبت من ذكر هذا الفاضل المعطوفة والمبدلة. وأما ما ذكره في القسم الثالث من المواضع الخمسة فالعجب من ذكره أشد لأن كلّا من المواضع الخمسة التي ذكرها الفتح فيه باعتبار، والكسر فيه باعتبار آخر، واعتبار الفتح راجع إلى ضابط ما يلزم فيه الفتح واعتبار الكسر راجع إلى ضابط ما يلزم فيه الكسر، وإذا كان فلا حاجة بل لا فائدة في ذكر ذلك. وانظر إلى فعل المصنف كيف ذكر «أما» و «حتى» و «لا جرم» في آخر الفصل تنبيها على أن لكل منها معنى [2/ 108] إذا فتحت «إن» بعدها غير المعنى الذي تكسر فيه «إن» بعدها (¬2) ولم يذكرها مع المسائل التي يجوز فيها الوجهان، أعني: أول قولي وإذا المفاجأة وفاء الجواب. - ¬

_ (¬1) ينظر شرح التسهيل للمصنف (2/ 21) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد. (¬2) نعم، معنى هذه الكلمات يختلف في حالة الكسر عنه في حالة الفتح «فحتى» مثلا إذا كسرت «إن» بعدها تكون ابتدائية بمعنى فاء السببية، وأما إذا فتحت «أن» بعدها تكون جارة أو عاطفة. وأما «لا جرم» فتكون فعلا ماضيا عند سيبويه وأنّ وما بعدها فاعل وتكون عند الفراء بمنزلة: لا رجل ومعناه لا بد، هذا في حالة «فتح» «أن» بعدها، وأما إذا كسرت «إن» بعدها فحكى الفراء أن بعضهم ينزلها منزلة اليمين فيقول: لا جرم لآتينّك. اه. الأشموني (1/ 278 - 279)، وحاشية الصبان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذ قد عرفت هذا فلنذكر أبحاثا تتعلق بما تقدم: الأول: المصدر الذي تؤول به «أن» ومعمولها إذا فتحت مختلف فإذا كان خبرها فعلا أو اسما ملاقيا للفعل في الاشتقاق من المصدر، قدرت بمصدر من لفظ ذلك الفعل أو ذلك الاسم فالتقدير في بلغني أنك تنطلق أو أنك منطلق: بلغني الانطلاق. وإذا كان الخبر ظرفا أو مجرورا يقدر المصدر من لفظ الاستقرار العامل فيهما، فالتقدير في بلغني استقرار زيد عندك. وفي بلغني أنّ زيدا في الدار: بلغني استقرار زيد في الدار، وإن كان الخبر اسما جامدا يقدر المصدر كونا، فالتقدير في بلغني أنّ هذا أخوك: بلغني كون هذا أخاك، قالوا: وإنما ساغ التقدير بالكون لأن كل خبر جامد يصح نسبته إلى المخبر عنه بلفظ الكون تقول: هذا زيد، وإن شئت قلت: هذا كائن زيدا، فيكون معناه كمعنى: هذا زيد (¬1). الثاني: قد عرفت من قول المصنف: وللزوم التأويل فتحت بعد لو (¬2) أن «أنّ» مع معمولها مؤولة بمصدر بعد «لو»، فأما على مذهب المبرد ومن وافقه من البصريين (¬3)، قيل: وهو مذهب الكوفيين - فظاهر لأنهم يقدرون فعلا بعد، رافعا لـ «أنّ» ومعمولها على الفاعلية (¬4). وأما على مذهب سيبويه وهو القول المتصور المعول عليه فإنه يحتاج إلى تقدير وذلك لأنه لا يقدر فعلا بل يحكم بمباشرة «أنّ» «للو» تقديرا كما أنها مباشرة لها لفظا، ويجعل «أنّ» مع معمولها بتقدير اسم مبتدأ والخبر محذوف (¬5). هكذا - ¬

_ - (1/ 278 - 279)، وكذلك «أما» يختلف معناها أيضا في حالة فتح «أن» بعدها عن معناها في حالة كسرها، فهي في حالة فتح «أن» بعدها بمعنى «حقّا»، وأما في حالة كسر «إن» بعدها فهى حرف استفتاح. اه. شرح الرضي على الكافية (2/ 351) بتصرف، والتصريح (1/ 220)، شرح الجمل لابن عصفور (1/ 461) ط. العراق. (¬1) ينظر المغني (1/ 40)، والهمع (1/ 137)، والمطالع السعيدة (ص 226). (¬2) التسهيل (63). (¬3) وهم الزجاج والزمخشري وابن الحاجب. (¬4) ينظر المقتضب (3/ 77 - 78)، والكامل (2/ 140)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 60)، والتصريح (1/ 217)، والهمع (1/ 138). (¬5) ينظر الكتاب (3/ 121)، والمغني (1/ 269).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر أبو علي الشلوبين أن هذا مذهب البصريين. وقال ابن هشام: مذهب سيبويه أن «أنّ» مع معمولها مبتدأ والخبر محذوف، لا يجوز إظهاره كحذفه بعد «لولا»، وهو قول أكثر البصريين (¬1)، وقيل: لا خبر محذوف، وهو الذي ذكره ابن عصفور في شرح الجمل، قال: وسد الطول مسد الخبر يعني جريان المسند والمسند إليه في الذكر (¬2) وإذا كانت «أنّ» مع معمولها بعد «لو» مقدرة بمبتدأ كانت على هذا مؤولة بمصدر، فتقدير وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا (¬3): ولو صبرهم (¬4) وقد ردّ مذهب المبرد بأنّ الفعل لم يحذف بعد «لو» قط إلا أن يكون مفسرا (¬5) نحو قوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ (¬6). وقالوا في المثل: «لو ذات سوار لطمتني» (¬7). قال ابن عصفور: والصحيح مذهب سيبويه وذلك أنك أيّ المذهبين ارتكبت كان فيه خروج «للو» عما استقر فيها في غير هذا الموضع لأنها أبدا لا يليها إلا الفعل ظاهرا، ولا [2/ 109] يليها مضمرا يعني غير مفسر إلا في ضرورة شعر، وإذا جعلت «أنّ» ومعمولها في موضع مبتدأ أوليت الاسم لفظا وتقديرا، وهذا لا يجوز في غير هذا الموضع وإن جعلت «أنّ» وما بعدها في موضع فاعل بفعل مضمر كنت قد أضمرت بعدها الفعل في فصيح الكلام، وقد قلنا: إن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة وإذا كان كل من المذهبين يؤدي إلى الخروج عن الظاهر فلا فائدة في تكلف الإضمار (¬8). الثالث: قد كان المصنف مستغنيا عن ذكر «ما» التوقيتية لأن «أنّ» إنما فتحت بعدها - ¬

_ (¬1) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 430). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 459) ط. العراق. (¬3) سورة الحجرات: 5. (¬4) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 430). (¬5) ينظر شرح كتاب سيبويه لابن خروف 23 مخطوط بدار الكتب. (¬6) سورة الإسراء: 100 وزاد في (ب) (خزائن رحمة ربي). (¬7) مثل يضرب للكريم يظلمه دنيء فلا يقدر على احتمال ظلمه، وينظر المثل في مجمع الأمثال للميداني (2/ 174)، وفيه: «لو ذات سوار لطمتني» أي: لو لطمتني ذات سوار «لأن» لو» طالبة للفعل داخلة عليه. اه. (¬8) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 460) ط. العراق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكونها مع ما يليها في موضع فاعل بفعل مقدر كما تقدم (¬1)، وهو قد قال: إنه إذا لزم التأويل بالمصدر لزم الفتح (¬2) وذكر في الشرح أنه يلزم الفتح لذلك إذا كانت في موضع المبتدأ أو في موضع الفاعل (¬3). الرابع: قد عرفت أن من صور المسائل ذات الوجهين قولهم: «أول قول إني أحمد الله»، وقد ذكروا ضابط هذه الصورة فقالوا: هو أن تقع «إنّ» خبرا عن قول ومخبرا عنها بقول، وأن يكون القائل واحدا (¬4)، كالمثال الذي تقدم فإن كانت خبرا عن غير قول فتحت نحو: فعلى أني أحمد الله، وإن كانت مخبرا عنها بغير قول نحو: قولي إنّي مؤمن، أو كان القائل غير واحد نحو: قولي: إنّ زيدا يحمد الله؛ كسرت (¬5) وهذا ظاهر، أعني: كونها تفتح في الصورة الأولى وتكسر في الصورتين الأخريين. واعلم أن سيبويه لم يمثل لهذه المسألة بما مثل به المصنف وإنما مثلها بقولهم: «أول ما أقول إني أحمد الله (¬6)»، ولا شك أن فيما مثل به سيبويه فائدة، وهو أن «ما» هل هي مصدرية أو موصولة ويترتب على ذلك بحث. وأما المصنف فإنه إنما أتى بصورة المصدر واقتضى هذا أنه يحكم على «ما» في: «أول ما أقول» بالمصدرية قطعا. وبعد: فنحن نتكلم على المثال الذي مثل به سيبويه فنقول: أجاز النحويون في مسألة «أول ما أقول أني أحمد الله» فتح «أنّ» وكسرها. فالفتح على تقدير المصدر، كأنه قال: أول ما أقول حمد الله، و «ما» مصدرية، والتقدير: أول قولي حمد الله وهذا إخبار بمعنى عن معنى، وهل يجوز أن تكون «ما» موصولة أو نكرة موصوفة والفعل الواقع بعدها صلة أو صفة، والعائد - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (63)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 430)، والتصريح (1/ 215). (¬2) التسهيل (62). (¬3) ينظر شرح التسهيل للمصنف (2/ 21). (¬4) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وشرح الألفية للمرادي أيضا (1/ 343)، وعمدة الحافظ (133)، وأوضح المسالك (1/ 90)، وشذور الذهب (263)، والتصريح (1/ 219)، وابن عقيل (1/ 133)، وابن الناظم (64). (¬5) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 431). (¬6) الكتاب (3/ 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف وهو مفعول القول، والتقدير: أول الألفاظ التي أقولها وأول ألفاظ أقولها حمد الله. منع الأكثرون ذلك قالوا: لأن حمد الله ليس من الألفاظ المقولة فكيف يقع خبرا لما هو لفظ (¬1)، والخبر إذا كان مفردا لزم أن يكون المبتدأ نحو: زيد أخوك أو منزلا منزلته نحو: زيد زهير. وأجاز ذلك ابن خروف (¬2). ويلزمه أن يجعل حمد الله من قبيل الألفاظ وهو غير ظاهر. وأما الكسر فعلى أحد التقادير [2/ 110] الآتي ذكرها وأول مبتدأ، و «ما» يجوز فيها ثلاثة أوجه: أن تكون موصولة بمعنى الذي أو نكرة موصوفة أو مصدرية أريد بها المفعول كما قالوا: درهم ضرب الأمير أي مضروبه (¬3) وكذلك هذا تقديره: أول قولي أي: مقولي. ومعمول «أقول» إذا كانت «ما» بمعنى الذي أو موصوفة محذوف، كما قدر لما فتحت «أنّ» وخبر المبتدأ «أني أحمد الله»، ولا تحتاج هذه الجملة إلى رابط لأنها نفس المبتدأ في المعنى. هكذا شرح الشارحون كلام سيبويه (¬4) في هذه المسألة. واختلف النحاة في الموجب لكسر «إنّ» حينئذ: فقيل كسرت لكونها خبرا عن «أول» (¬5)، وقيل: كسرت لأنها معمولة «لقولي» المحذوف، وذلك المحذوف هو الخبر، والتقدير: أول ما أقول قولي إني أحمد الله، ونسب هذا القول إلى عضد الدولة (¬6) وردّ بأنه يلزم منه حذف الموصول وإبقاء معموله وبابه الشعر (¬7) لكن قد يقال: القول قد كثر إضماره في كلامهم حتى صار يجري مضمرا مجراه مظهرا. وقيل: كسرت لكونها معمولة - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 464 - 465) ط. العراق. (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 350)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 465) ط. العراق. (¬4) ينظر شرح سيبويه لابن خروف (32)، وشذور الذهب (263)، وحاشية الصبان (1/ 277)، وابن عقيل (1/ 133). (¬5) ينظر شرح شذور الذهب (263)، وشرح الألفية لابن الناظم (64)، وشرح الكتاب لابن خروف (32). (¬6) سبقت ترجمته. (¬7) ينظر رأي عضد الدولة والرد عليه في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 467) ط. العراق، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 134)، والتذييل (2/ 687).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأقول والخبر محذوف وهو قول الفارسيّ (¬1) والتقدير على مذهبه: أول قولي: إني أحمد الله ثابت، ورد الناس على الفارسيّ هذا التقدير وقالوا: يلزم منه الإخبار عن الهمزة من قوله: «إني أحمد الله» بالثبوت، ولا معنى لهذا (¬2). وقيل: كسرت لأنها بعد «أول» وهو قول من حيث أضيف إلى القول والخبر محذوف أي: ثابت وهو قول الشلوبين (¬3)، ورد عليه بأن «إنّ» لا تكسر حكاية لفعل أو مصدر إلا وهي معمولة و «أول» لا يعمل وإن كان مصدرا في المعنى لأنه ليس بمصدر في اللفظ، ولا يعمل إلا لفظ المصدر (¬4)، وقيل: كسرت لأنها معمولة لأقول كما قال الفارسي لكنها خبر من حيث المعنى، فلم يقدر خبرا كما قدر الفارسيّ، فخالفه في تقدير الخبر، ونظره بقولهم: أقائم الزيدان (¬5). هذا آخر ما ذكر في هذه المسألة. وتلخص معه أنه إذا كانت «إنّ» مكسورة كان فيها خمسة مذاهب: قيل: خبر عن «أول»، وقيل: معمولة لقول محذوف وقيل: معمولة لأقول الموجودة. وقيل: لأنها بعد «أول» وهو قول لإضافته إلى القول، وقيل: لأنها معمولة لأقول كما في القول الثالث، لكن هناك قيل بأن الخبر محذوف، وهنا قيل: إنها نفس الخبر من حيث المعنى مع أنها معمولة. ولا شك أن كلّا من هذه المذاهب يجيء على القول بأن «ما» مصدرية أو موصولة أو نكرة موصوفة، فتكون الصور على هذا خمس عشرة صورة مع الكسر خاصة، ومع الفتح تقدم أن الصور - ¬

_ (¬1) الإيضاح للفارسي (130 - 131)، والمقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (425). (¬2) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 64)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 431)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351)، والتذييل (2/ 684 - 685). (¬3) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 350 - 351)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 61)، والتذييل (2/ 686). (¬4) التذييل (2/ 686) حيث ذكر رأي الشلوبين، وخطأه بما رد به ناظر الجيش رأي الشلوبين هنا. (¬5) هذا مذهب بعض المتأخرين الذين أرادوا أن يصححوا مذهب الفارسي حتى يسلم من الاعتراض عليه، يقول ابن عصفور بعد أن أورد اعتراض ابن الطراوة على رأي الفارسي في هذه المسألة، فرد ذلك عليه بعض المتأخرين بأن قال: ليس مذهب أبي علي أن هذا المبتدأ له خبر محذوف بل هو من قبيل المبتدآت التي سد الطول منها مسد الخبر وأغنى عنه في اللفظ والمعنى، وذلك أن قوله: إني أحمد الله وإن كان هو معمول القول هو خبر المبتدأ في المعنى فلا يحتاج المبتدأ إلى خبر، كما أن قول العرب: أقائم زيد؟ على أن أقائم مبتدأ وزيد سد مسد الخبر. اه. شرح الجمل لابن عصفور (1/ 446) ط. العراق. وينظر التذييل (2/ 685).

[بقية مواضع فتح همزة إن]

[بقية مواضع فتح همزة إن] قال ابن مالك: (وتفتح بعد «أما» بمعنى حقّا، وبعد حتّى غير الابتدائية وبعد «لا جرم» غالبا وقد تفتح عند الكوفيّين بعد قسم ما لم توجد اللام). ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه ثلاث إن اعتبر قول ابن خروف [2/ 111] فيكون مجموع الصور باعتبار الكسر والفتح ثماني عشرة صورة. ثم اعلم أن ابن عصفور صحح قول أبي علي الفارسي في هذه المسألة فقال: والصحيح عندي أن ما ذهب إليه أبو علي مستقيم لا يتوجه عليه اعتراض لأنه يريد أن أول قولي إني أحمد الله .. قد ثبت واستقر منه قبل نطقه بهذا الكلام؛ فكأنه قال: ليس قولي الآن إني أحمد الله بأول حمد حمدته بل (أول قولي: إني أحمد الله) قد تقدم قبل هذا، فليس يريد بقوله: «إني أحمد الله» هذا اللفظ الذي تلفظ به الآن يريد جنس قوله للألفاظ التي يحمد بها لله تعالى (¬1). قال ناظر الجيش: هذا الكلام يشتمل على أربع مسائل، منها ثلاث تفتح فيها «إنّ»، وتكسر باعتبارين مختلفين، وهي الواقعة بعد «أما»، وبعد «حتى»، وبعد «لا جرم» (¬2)، وقد كان في غنية عن ذكرها اكتفاء بالضابط الذي ذكره في الفصل، ولكنه قصد الإرشاد والإيضاح والتنبيه على ما قد يغفل عنه، وأما الرابعة وهي الواقعة بعد قسم فالفتح فيها والكسر باعتبار واحد وكأنه إنما لم ينظمها مع المسائل التي هي: أول قولي وإذا الفجائية وفاء الجواب كما فعل في كتاب الخلاصة لأمرين: كون فتح «إنّ» فيها ليس مذهب البصريين، إنما هو مذهب الكوفيين وكونه إنما يجوز بقيد وهو أن لا توجد اللام في الجواب (¬3). ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 466 - 467) ط. العراق. (¬2) أي إن اعتبرنا «أما» مثلا استفتاحية كسرنا «إنّ» بعدها وإن اعتبرناها بمعنى «حقّا» فتحنا «أن»، وكذلك «حتى» إن اعتبرت ابتدائية كسرت «إنّ» بعدها وإن اعتبرت جارة أو عاطفة فتحت «أن» بعدها وأما لا جرم فالفتح على اعتبارها فعلا ماضيا. والكسر على تنزيلها منزلة اليمين. ينظر في هذه المسألة شرح الجمل لابن عصفور (1/ 461) ط. العراق. وشرح الكافية للرضي (2/ 351)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 433)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 64)، وأوضح المسالك (1/ 90 - 91)، وإصلاح الخلل (178). (¬3) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 341 - 432)، وأوضح المسالك (1/ 89 - 90)، وشرح عمدة الحافظ (ص 132)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 63).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إني أورد الآن كلام المصنف ثم أتبعه بما يتعلق به من المباحث: قال رحمه الله تعالى (¬1): روى سيبويه في نحو: «أما إنك ذاهب» الكسر على جعل «أما» حرف استفتاح بمنزلة «ألا» والفتح على جعل «أما» بمعنى حقّا (¬2)، وإذا وليت «إنّ» حقّا فتحت لأنها حينئذ مؤولة هي وصلتها بمصدر مبتدأ و «حقّا» مصدر واقع ظرفا مخبرا به، ومنه قول الشاعر (¬3): 958 - أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا ... فنيّتنا ونيّتهم فريق (¬4) تقديره عند سيبويه أفي حق أن جيرتنا (¬5) استقلوا فأما المفتوح بعدها «أنّ» كذلك قلت: ويحتمل عندي أن يكونوا نصبوا «حقّا» نصب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله و «أنّ» في موضع رفع بالفاعلية، كأنه قال: أحق حقّا أن جيرتنا استقلوا (¬6) وكون «أما» مع الفتح للاستفتاح أيضا وما بعدها مبتدأ خبره محذوف كأنه قال: أما معلوم أنك ذاهب (¬7) وقد يقع بين «أما» و «أنّ» يمين فيجوز أيضا الفتح على مرادفة «أما» «حقّا»، والكسر على مرادفتها «ألا». ذكر ذلك سيبويه (¬8) وإذا وقعت بعد حتى كسرت إن كانت حرف ابتداء لامتناع تقدير مصدر في موضعها نحو قولك: مرض زيد حتى إنه لا يرجى، وإن كانت عاطفة أو جارة [2/ 112] لزم الفتح لصحة تقدير مصدر مكانها نحو قولك: عرفت أمورك حتى - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 23). (¬2) الكتاب (3/ 122). (¬3) هو المفضل بن معشر النكري، وقيل رجل من عبد القيس، وفي الخزانة أنه العبدي، وذكر العيني أنه عامر بن أسحم الكندي، وفي شواهد المغني أن عامر بن أسحم هو نفسه المفضل. (¬4) البيت من البسيط وهو في الكتاب (3/ 136)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 23)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 432)، والتذييل (2 / 692)، وتعليق الفرائد (1103)، والأصمعيات (231)، وابن الناظم (1/ 64)، ومغني اللبيب (1/ 55)، وشرح شواهده (1/ 170)، وطبقات الشعراء (233)، والأشموني (1/ 278)، والهمع (2/ 71)، والدرر (2/ 87)، واللسان (فريق)، ويروى أيضا برواية: ألم تر أن جيرتنا استقلوا. والشاهد قوله: (أحقّا أن جيرتنا) حيث فتحت «أنّ» بعد «حقّا» لأنها وما بعدها في تأويل مصدر مبتدأ. (¬5) ينظر الكتاب (3/ 351 - 136). (¬6) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 351)، والمغني (1/ 55)، والتصريح (1/ 221)، وحاشية الصبان (1/ 278). (¬7) ينظر حاشية الصبان (1/ 278). (¬8) ينظر الكتاب (3/ 122).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنك فاضل، فلك أن تقدر موضع «أن» مصدرا منصوبا على أن تكون حتى عاطفة، ومجرورا على أن تكون جارة (¬1)، وإذا وقعت «إنّ» بعد «لا جرم» فالمشهور الفتح، وبه قرأ القراء. قال الفراء: «لا جرم» كلمة كثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة «حقّا» وبذلك فسرها المفسرون، وأصلها من «جرمت» أي كسبت. وتقول العرب: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت فتراها بمنزلة اليمين (¬2). قلت: ولإجرائهم إياها مجرى اليمين حكي عن بعض العرب كسر «إنّ» بعدها (¬3). وذكر ابن كيسان (¬4) في نحو: والله إنّ زيدا كريم بلا لام أن الكوفيين يفتحون ويكسرون، والفتح عندهم أكثر (¬5). قال الزجاجي في جمله: وقد أجاز بعض النحويين فتحها بعد اليمين واختاره بعضهم على الكسر، والكسر أجود وأكثر في كلام العرب والفتح جائز قياسا (¬6). كذا قال أبو القاسم، قلت: قد تقدم قوله: والكسر أجود وأكثر في كلام العرب، وهذه العبارة تقتضي أن يكون الفتح مستعملا في كلامهم استعمالا أقل من استعمال الكسر (¬7) ثم أشار إلى أن الفتح جائز قياسا، وليس كما قال، فإنّ الفتح يتوقف على كون المحل مغنيا فيه المصدر عن العامل والمعمول، وجواب القسم ليس كذلك، والكسر يتوقف على كون المحل محل جملة لا يغني عنها مفرد وجواب القسم كذلك، فوجب لأن الواقعة فيه الكسر قياسا (¬8)، ولذلك أجمعت القراء على كسر إِنَّا جَعَلْناهُ (¬9) في أول الزخرف، وإِنَّا أَنْزَلْناهُ (¬10) في أول الدخان مع عدم اللام (¬11)، فإن ورد «أنّ» بالفتح - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (64)، والتصريح (1/ 220)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351) والمطالع السعيدة (ص 226). (¬2) معاني القرآن للفراء (2/ 8 - 9). (¬3) ينظر الهمع (1/ 137)، والأشموني (2/ 279). (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) ينظر في هذه المسألة شرح عمدة الحافظ (132)، والتذييل (2/ 700)، وشرح الألفية لابن الناظم (63). (¬6) الجمل للزجاجي (ص 70) تحقيق ابن أبي شنب. (¬7) ينظر شرح عمدة الحافظ (132). (¬8) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 341)، والأشموني (1/ 277). (¬9) سورة الزخرف: 3. (¬10) سورة الدخان: 3. (¬11) ينظر الكشاف (2/ 345، 358)، وإملاء ما منّ به الرحمن (2/ 229).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في جواب قسم حكم بشذوذه وحمل على إرادة «على» (¬1)، وعلى ذلك يحمل قول الراجز (¬2): 959 - لتقعدنّ مقعد القصيّ ... منّي ذي القاذورة المقليّ أو تحلفي بربّك العليّ ... أنّي أبو ذيّالك الصّبيّ (¬3) في رواية من رواه بالفتح كأنه قال: أو تحلفي على أني أبو ذيالك الصبي. انتهى (¬4). ويتعلق بكلامه تنبيهات: منها: أن عبارة الكتاب تعطي أن «أما» بمعنى «حقّا». قال الشيخ: والذي شرح به أصحابنا كلام سيبويه هو أنك إذا كسرت «إنّ» «فأما» استفتاح «كألا»، أو فتحت فالهمزة للاستفهام، و «ما» بمنزلة «حق»، وذلك أن «ما» عامة فتجعلها بمنزلة شيء، ذلك الشيء حق. فكأنك قلت: أحقّا أنك ذاهب. وانتصابه على الظرف (¬5). ثم بحث مع المصنف منازعا له فيما ادعاه من أنّ «حقّا» من قول الشاعر: 960 - أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا (¬6) يحتمل أن يكون قد نصب المصدر ومن أن «أما» يجوز أن تكون مع فتح «أنّ» للاستفتاح، فقال: ما ذهب إليه المصنف من جواز انتصاب حقّا نصب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله، وما بعده رفع على الفاعلية، لا يجوز لأنه ليس من المصادر التي يجوز نصبها على إضمار فعل لأن ذلك إنما يكون [2/ 113] إذا أريد به - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 341)، وابن الناظم (64). (¬2) هو رؤبة بن العجاج، وقيل إنه لرجل من العرب قدم من سفره فوجد امرأته قد ولدت له غلاما فأنكره وأنشد هذا الرجز. (¬3) الرجز في شرح التسهيل للمصنف (2/ 25)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 434)، والجمل للزجاجي (70)، وشرح عمدة الحافظ (133)، والتذييل (2/ 701)، وابن الناظم (64)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 340)، وشرح الألفية للمكودي (58)، والحلل في شرح أبيات الجمل (336)، وأوضح المسالك (1/ 89)، وملحقات ديوان رؤبة (188). والشاهد قوله (أني أبو ذيالك ...) حيث يجوز في «إن» الكسر لأنه جواب قسم، والفتح على تأويل «أنّ» بمصدر معمول لفعل القسم بإسقاط الخافض أي على «أني». (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 25). (¬5) التذييل (2/ 692). (¬6) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر وما أشبهه أو الاستفهام، وتكون نكرة ولا تكون معرفة وقد قالوا: آلحق أنك ذاهب (¬1)، فوجب أن يكون «حقّا» منصوبا على الظرف وما بعده مبتدأ (¬2)، ويكون ظرفا مجازيّا بمنزلة كيف لأن معناها في أي حالة قال: والدليل على أن نصبه نصب الظرف قول الشاعر: 961 - أفي حقّ مواساتي أخاكم ... بمالي ثمّ يظلمني السّريس (¬3) ولا يجوز أن يكون منصوبا على إسقاط حرف الجر والعامل فيه «كائن» والتقدير: أكائن فيما يحق هذا؛ لأن المعنى لا يعمل مضمرا، ولهذا أبطلوا أن يكون مثلهم من قوله: 962 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (¬4) حالا على أن العامل فيه الخبر المحذوف كأنه قال في الوجود: وإنما تعمل مضمرا مظهرا لفعل، ثم قال: ويجوز أن يقال: «أحقّ أنك ذاهب» بالرفع وهو جيد قوي، وهو الوجه؛ لأنه ليس فيه جعل ما ليس بظرف ظرفا وارتفاعه على أنه الخبر و «أنّ» مع معمولها في موضع المبتدأ ثم قال: وأما تجويز المصنف أن تكون «أما» للاستفتاح مع فتح «أنّ» وأن يقدر خبر محذوف فشيء خالف فيه النحويون (¬5)، ويبطله أنه لو كان على ما ذهب إليه لصرحت العرب بهذا الخبر الذي قدره في موضع «ما» مع «أنّ» .. انتهى (¬6). - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (3/ 134). (¬2) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 461) ط. العراق. حيث أعرب هذا المثال بمثل ما أعربه أبو حيان. (¬3) البيت من الوافر وهو لأبي زبيد الطائي، وهو في التذييل (2/ 694)، والخزانة (4/ 309)، والتصريح (1/ 221)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351)، والحماسة (983)، وديوانه (ص 101)، واللسان (سرس). والشاهد قوله: (أفي حق مواساتي ..) حيث جرت كلمة «حق» بفي كما تجر الظروف، فدل ذلك على أنها إذا نصبت كانت ظرفا. (¬4) البيت من بحر البسيط وهو للفرزدق (1/ 223). ويستشهد به على إبطال العرب مثلهم حالا لحذف عامله والبيت في الكتاب (1/ 60)، وشرح التسهيل لابن مالك (1/ 363)، والأشموني (1/ 248). (¬5) لمراجعة آراء النحويين في المسألة ينظر المغني (1/ 55)، وحاشية الصبان (1/ 278). (¬6) التذييل (2/ 692 - 695).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولك أن تجيب عن المصنف فتقول: أما قول الشيخ: إن «حقّا» لا يجوز نصبه على أنه مصدر بدل من اللفظ بالفعل فممنوع وقوله: إنما يكون ذلك إذا أريد به الأمر أو الاستفهام منقوض بقولهم: افعل وكرامة ومسرة (¬1)، فإن هذا خبر محض، فإن قال: هذا موقوف على السماع. قيل: وكذا قوله: 963 - أحقّا أنّ جيرتنا استقلّوا (¬2) موقوف على السماع (¬3) ثم إن قوله: إنّ ذلك لا يكون في المصدر المعرفة لا يتوجه فإن المصنف لم يدع ذلك في كلمة هي معرفة ولا يلزم من دعوى المصنف ذلك في «أحقّا أنك ذاهب» أن يدعيه في «آلحق أنك ذاهب»، على أن ما ذكره الشيخ من أن ذلك لا يكون في المعرفة منقوض بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬4) في قراءة من نصب (¬5)، نعم النصب في المعرفة أقل منه في النكرة كما أن الرفع في النكرة أقل منه في المعرفة. نص على هذه المسألة ابن أبي الربيع في شرح الإيضاح (¬6)، وأما إبطاله أن «أما» لا تكون للاستفتاح مع «أن» المفتوحة على أنها وما بعدها في موضع المبتدأ، ويكون الخبر محذوفا بأنه لو كان كذلك لصرحت العرب بهذا الخبر في موضع «ما» فغير ظاهر ولا يلزم من كون العرب لم تصرح به عدم جواز تقديره، - ¬

_ (¬1) في الكتاب (1/ 318): «هذا باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره من المصادر في غير الدعاء»، ومن ذلك قولك: حمدا وشكرا لا كفرا وعجبا، وافعل ذلك وكرامة ومسرة ... وإنما اختزل الفعل ههنا لأنهم جعلوا هذا بدلا من اللفظ بالفعل. اه. وينظر الارتشاف (ص 980). (¬2) تقدم. (¬3) يؤيد ما ذكره ناظر الجيش هنا، ورد به على أبي حيان، وهو أن هذا البيت موقوف على السماع قول سيبويه بعد أن ذكر هذا البيت وما أشبهه من الأبيات التي نصبت فيها كلمة «حق» فكل هذه البيوت سمعناها من أهل الثقة هكذا. اه. الكتاب (3/ 137). (¬4) سورة الفاتحة: 2. (¬5) في مختصر شواذ القرآن من كتاب البديع لابن خالويه (ص 1) «الحمد لله: الحسن البصري ورؤبة. الحمد لله: إبراهيم بن أبي عبلة، الحمد لله عن بعض العرب هو رؤبة بن العجاج». اه. وقد رد الزجاج هذه القراءة أي قراءة النصب حيث قال: وقد روي عن قوم من العرب الحمد لله والحمد لله وهذه لغة من لا يلتفت إليه ولا يتشاغل بالرواية عنه. اه.، معاني القرآن للزجاج (1/ 7) وينظر في هذه القراءة أيضا معاني القرآن للفراء (1/ 3)، والكشاف (1/ 6). (¬6) ينظر التذييل (2/ 693 - 695) ولمراجعة هذه المسألة ينظر الأصول لابن السراج (1/ 337).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فكم للعرب من مقدر لا يلفظ به. ومنها: أنهم قالوا: والله إنك ذاهب بفتح «إنّ» وكسرها، فقال ابن هشام [2/ 114]: إذا كسرت جعلتها جواب القسم (¬1) وأما إذا فتحت، فقدره سيبويه: أعلم والله أنك ذاهب (¬2)، وقدره الفراء وأبو العباس وجماعة: أحلف بالله على أنك ذاهب، أي على ذهابك (¬3)، وقالت العرب أيضا: «شد ما أنك ذاهب» و «عزّ ما أنك منطلق (¬4)»، فقال الصفار: الكسر هنا لا يجوز لأن شدّ وعزّ فعلان، وما بعدهما في موضع الفاعل، و «ما» زائدة، والمعنى: عز ذهابك أي قلّ وشقّ وشدّ وكذلك أي شق، لأن الشيء إذا شدّ فقد شقّ ويجوز أن يكون «ما» تمييزا. وضمن «شدّ» معنى المدح وأنك ذاهب خبر مبتدأ كأنه يريد أنّ المبتدأ المحذوف الذي هذا خبره هو المخصوص بالمدح. قال: ويظهر من الخليل أن شدّ ما بمنزلة «حقّا» (¬5) ركب الفعل مع الحرف وانتصب ظرفا، والمعنى عزيزا ذهابك، وشديدا أي فيما يشقّ (¬6). ومنها: أن «جرم» كلمة اختلف فيها، فقال سيبويه: قال الله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (¬7) عملت لأنها فعل، ومعناها: لقد حق أن لهم النار، ولقد استحق أن لهم النار. وزعم الخليل أن «جرم» إنما تكون جوابا لما قبلها من الكلام يقول الرجل: كان كذا وكذا وفعلوه كذا وكذا، فتقول: لا جرم أنهم سيندمون أو سيكون كذا وكذا (¬8). انتهى كلام سيبويه. قال الشيخ: «فإن» بعد جرم في موضع الفاعل بها، والوقف على «لا» عند سيبويه، ولا يجوز أن توصل «بجرم» لأنها ليست لنفي جرم. وذهب الفراء إلى أن جرم بمعنى كسب (¬9). قال: وركبت «لا» مع «جرم» وصارت بمنزلة «لا بدّ» و «لا محالة» والتركيب يحدث - ¬

_ (¬1) ينظر أوضح المسالك (1/ 89 - 90). (¬2) الكتاب (3/ 122). (¬3) ينظر المقتضب (4/ 107)، والهمع (1/ 137). (¬4) ينظر الكتاب (3/ 139)، والأصول لابن السراج (1/ 33). (¬5) ينظر الكتاب (3/ 139)، حيث ذكر سيبويه أنه سأل الخليل عن: شدّ ما أنك ذاهب وعزّ ما أنك ذاهب فقال: هذا بمنزلة حقّا أنك ذاهب. اه. (¬6) ينظر قول الصفار في التذييل (2/ 696). (¬7) سورة النحل: 62. (¬8) الكتاب (3/ 138). (¬9) معاني القرآن للفراء (2/ 8 - 9)، وينظر شرح الكافية للرضي (2/ 351).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معه أمر لم يكن. ولا يقف على «لا» لأنها جزء مما بعدها، قال الفراء: وجرم بمعنى كسب، معروف في اللغة، ولم يثبت أن جرم بمعنى، «حقّ». قال: وتفسير المفسرين لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (¬1) حقّا أن لهم النار لا يثبت أنّ جرم بمعنى حق (¬2) لأنهم فسروا المعنى (¬3)، ونقل الشيخ كلام المصنف على «لا جرم» الذي تقدم إيراده، ثم قال: ولقلة تصفحه - يعني المصنف - كلام سيبويه جهل مذهب سيبويه في «لا جرم» وكلام الخليل فيها، ولم يبين موضع «أنّ» بعد «لا جرم» وقد ذكرنا أنها في موضع رفع بالفاعلية على مذهب سيبويه (¬4) وأما على مذهب الفراء فيظهر أن التقدير عنده: لا جرم من كذا كما تقول: لا بد أنك ذاهب أي من أنك ذاهب (¬5). انتهى. وذكر أبو البقاء (¬6) في «لا جرم» أربعة أقوال: - أحدها: أنّ «لا» ردّ لكلام ماض، أي ليس الأمر كما زعموا. «وجرم» فعل، وفاعله مضمر فيه، وأَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ (¬7) في موضع نصب، والتقدير: كسبهم قولهم خسرانهم في الآخرة. الثاني: أنّ «لا جرم» كلمتان ركبتا وصار معناهما «حقّا» و «أنّ» في موضع رفع بأنه فاعل الحق؛ أي حق خسرانهم. الثالث: أن المعنى لا محالة خسرانهم فيكون في موضع رفع أيضا وقيل: في موضع [2/ 115] نصب أو جر، والتقدير: لا محالة في خسرانهم. الرابع: أن المعنى لا منع من أنهم خسروا، فهو الإعراب كالذي قبله (¬8). انتهى. ويحتاج هذان القولان الآخران إلى تحرير؛ وقد علم من كلامه وإن وافق المنقول عن سيبويه أن «جرم» كلمة منفصلة عن «لا» وأنها فعل (¬9)، أنه خالفه في أن جعل الفاعل مضمرا، ولم يجعله «أنهم» مع ما بعده. - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 62. (¬2) معاني القرآن (2/ 8 - 9). (¬3) التذييل (2/ 697). (¬4) ينظر الكتاب (3/ 138)، وشرح الكافية للرضي (2/ 351). (¬5) التذييل (2/ 700). (¬6) سبقت ترجمته. (¬7) سورة هود: 22. (¬8) إملاء ما من به الرحمن (2/ 36). (¬9) ينظر الكتاب (3/ 138).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك قد عرفت من كلام المصنف أنّ ابن كيسان ذكر أن الكوفيين يفتحون أنّ ويكسرون في نحو: «والله إن زيدا كريم» بلا لام، وأن الفتح عندهم أكثر، وعرفت أيضا ما ذكره المصنف عن الزجاجي وأنه بعد ذكره ذلك رد إجازة الفتح معلّلا ذلك بأن الفتح يتوقف على كون المحل مغنيا فيه المصدر عن العامل والمعمول وأنّ جواب القسم كذلك إلى آخر كلامه وأنه خرج ما استدل به من أجاز ذلك على إرادة «على» ولا شك أن الذي ذكره هو الحق. والعجب ممن يتوهم خلاف ذلك، وقد اضطرب النحاة في هذه المسألة بالنسبة إلى الفتح والكسر، وقد ذكر ابن عصفور فيها أربعة مذاهب، ولكنه أطلق القول في وقوع «إن» بعد القسم، ولم يقيد هذا الحكم بعدم اللام في الجواب كما فعل المصنف (¬1). وتبعه الشيخ أيضا في عدم التقييد المذكور (¬2)، ولا بد منه فإن الإمام بدر الدين ولد المصنف نقل الاتفاق على الكسر عند وجود اللام (¬3)، فتعين الفتح بعدمها كما فعل المصنف. والمذاهب التي ذكروها هي: - وجوب الفتح، وهو مذهب الفراء، وجواز الكسر والفتح مع اختيار الفتح، وهو مذهب الكسائي، وجوازهما واختيار الكسر. ووجوب الكسر، وهو مذهب البصريين (¬4)، وهو المذهب المتصور من جهة القياس، وبه ورد السماع حتى قال ابن خروف: لم يسمع فتحها بعد اليمين، ولا وجه له في القياس (¬5). انتهى. - ¬

_ (¬1) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 460) ط. العراق: «واختلف فيها إذا وقعت بعد القسم نحو: والله إن زيدا قائم، فمنهم من لم يجز إلا الفتح، ومنهم من أجاز الفتح والكسر واختار الفتح، ومنهم من أجازهما واختار الكسر، ومنهم من لم يجز إلا الكسر وهو الصحيح». اه. من هذا يتبين لنا أنّ ابن عصفور لم يقيد هذا الحكم بعدم اللام في الجواب كما ذكر الشارح. (¬2) ينظر التذييل (2/ 700). (¬3) في شرح الألفية لابن الناظم (63) «ومنها: أن تقع بعد قسم وليس مع أحد معموليها اللام كقولك: (حلفت أنك ذاهب) بالكسر على جعلها جوابا للقسم، وبالفتح على جعلها مفعولا بإسقاط الخافض، والكسر هو الوجه ولا يجيز البصريون غيره. اه. (¬4) لمراجعة هذه المذاهب ينظر شرح عمدة الحافظ (132)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 63)، وشرح الكافية للرضي (2/ 349)، والهمع (1/ 37). (¬5) ينظر قول ابن خروف في شرح الألفية للمرادي (1/ 342).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي أوجب الاختلاق والخبط في هذه المسألة هو أنه سمع من لسان العرب: حلفت أنّ زيدا قائم بالفتح والكسر، فغلط سماع «ذلك» من أجاز الوجهين في نحو: والله إن زيدا قائم، فجوز مع إضمار فعل القسم، وأجاز مع إظهاره وهو غلط؛ فإن الفعل إذا أضمر تعين إرادة القسم لأن العرب لا يضمرون الفعل ويريدون الإخبار عن القسم، بل إذا أضمرت كان الكلام قسما حتما (¬1)، وأما إذا أظهر الفعل فجائز أن يراد القسم، وحينئذ يجب كسر «إنّ» الواقعة جوابا له، وجائز أن يراد الإخبار عن قسم سابق، وحينئذ يجب فتح «أنّ» لأنها مع ما بعدها متعلق الفعل الظاهر. واعلم أن الشيخ ذكر أن المصنف أهمل مسألتين: - الأولى: وقوع «إنّ» بعد «مذ ومنذ». قالوا: فالنحويون متفقون على فتح «أن» بعدهما (¬2)، نحو: ما رأيته مذ أن الله خلقه. واختلفوا في جواز الكسر، فمنهم من صرح بإجازته وهو مذهب الأخفش (¬3). ومنهم من من سكت عن إجازة الكسر، وامتناعه كسيبويه وابن السراج (¬4). الثانية: وقوعها بعد «أما» إذا جاء بعدها [2/ 116] ظرف أو مجرور نحو: أما في الدار فإن زيدا قائم، والكسر على تقدير: فزيد قائم ويتعلق المجرور بما في «أما» من معنى الفعل، والفتح بتقدير: فقيامك، والمجرور في موضع الخبر. لكنه قال: ويمكن اندراج هذه المسألة تحت قوله: وفاء الجواب، فلا يكون المصنف أغفلها (¬5). انتهى. وقد اعترف الشيخ في هذه المسألة بأنها داخلة في كلام المصنف، وأما المسألة الأولى فإذا كان اتفاق النحويين على فتح «أنّ» بعد الكلمتين المذكورتين كان ذلك كافيا في الجواب عن المصنف. ولا يلزم التعرض إلى ذكر الكسر على رأي من يجيزه لأن إجازة ذلك إن ثبتت مرجوحة لا معمول عليها على القول بها ولا أعرف - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 342). (¬2) ينظر الإيضاح للفارسي (131 - 132)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242). (¬3) ينظر الهمع (1/ 138). (¬4) ينظر أصول النحو لابن السراج (1/ 326 - 327)، والكتاب (3/ 122)، والهمع (1/ 138). (¬5) التذييل (2/ 701).

[مواضع دخول لام الابتداء ومواضع امتناع ذلك]

[مواضع دخول لام الابتداء ومواضع امتناع ذلك] قال ابن مالك: (فصل: يجوز دخول لام الابتداء بعد «إنّ» المكسورة على اسمها المفصول وعلى خبرها المؤخّر عن الاسم، وعلى معموله مقدّما عليه بعد الاسم، وعلى الفصل المسمّى عمادا وأوّل جزأي الجملة الاسمية المخبر بها أولى من ثانيهما وربّما دخلت على خبر «كان» الواقعة خبر «إنّ» ولا تدخل على أداة شرط ولا على فعل ماض متصرّف خال من قد ولا على معموله المتقدّم خلافا للأخفش، ولا على حرف نفي إلا في ندور ولا على جواب الشّرط خلافا لابن الأنباري ولا على واو المصاحبة المغنية عن الخبر خلافا للكسائيّ، وقد يليها حرف التّنفيس خلافا للكوفيين، وأجازوا دخولها بعد «لكنّ». ولا حجة فيما أوردوه لشذوذه، وإمكان الزّيادة كما زيدت مع الخبر مجرّدا أو معمولا لأمسى أو زال أو رأى أو «أنّ» أو «ما» وربّما زيدت بعد «إنّ» قبل الخبر المؤكّد بها، وقبل همزتها مبدلة هاء مع تأكيد الخبر أو تجريده فإن صحبت بعد «إنّ» نون توكيد أو ماضيا متصرّفا عاريا من «قد» نوي قسم وامتنع الكسر). ـــــــــــــــــــــــــــــ كيف يتوجه القول عن الأخفش بأنه يجيز الكسر، مع أنه يقدر اسم زمان بعد «مذ ومنذ» مضافا إليهما، فإن هذا التقرير يوجب التأويل بأنّ وما بعدها بالمصدر، وإذا وجب ذلك وجب الفتح (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): لام الابتداء هي المصاحبة المبتدأ توكيدا نحو: لزيد منطلق، وهي غير المصاحبة جواب القسم (¬3)، لدخولها على المقسم به في نحو «لعمرك ولأيمن الله»، والمقسم به لا يكون جواب قسم. ولاستغناء بها عن دون التوكيد (في) نحو وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ (¬4)، والمصاحبة جواب - ¬

_ (¬1) في الهمع (1/ 138): «ما رأيته مذ أو منذ أنّ الله خلقني أجاز الأخفش الكسر وصححه ابن عصفور لأنّ مذ ومنذ يليهما الجمل، ومنعه بعضهم لأن الجملة بعدها بتأويل المصدر. اه. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 25). (¬3) لمراجعة هذه المسألة ينظر الإنصاف (1/ 399). (¬4) سورة النحل: 124.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم لا تستغني في مثل لَيَحْكُمُ عن نون التوكيد إلا قليلا، ولما كان مصحوب اللام في الأصل المبتدأ وكان معنى الابتداء باقيا مع دخول «إنّ» اختصت بدخولها معها لذلك ولتساويها في التوكيد (¬1)، وحسن اجتماع توكيدين بحرفين كما حسن اجتماعهما باسمين نحو: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (¬2)، وموضعها في الأصل قبل «إنّ» لأنها تعلق أفعال القلوب وهي أقوى عملا من «إنّ»، فلو أخرت ولم ينو تقديمها لعلقت «إنّ» وإلا لزم ترجيحها على أفعال القلوب، وأزيلت لفظا عن موضعها الأصلي كراهية لتقدم توكيدين مع أنّ حق المؤكّد أن يؤخر عن المؤكّد (¬3)، وقصدوا التنبيه على موضعها الأصلي فأولوها «إنّ» مجعولة همزتها «هاء» (¬4)، ولكون اللام في الأصل للمبتدأ قدمت اتصالها بغيره وبينت أن ذلك مشروط بفصل الاسم من «إنّ»، ولا فرق بين الفصل بالخبر نحو: إن عندك لزيدا وبين الفصل بمعمول الخبر نحو: إن فيك لزيدا راغب (¬5) ولم أقيد تأخير الخبر بقرب، ليعلم أنّ بعده لا يضر كقول الشاعر: 964 - وإنّي على أنّي تجشّمت هجرها ... لما ضمنتني أمّ سكن لضامن (¬6) وكقول الآخر: 965 - وإنّ امرأ أمسى ودون حبيبه ... سواس فوادي الرّسّ فالهميان لمعترف بالنّأي بعد اقترابه ... ومعذورة عيناه بالهملان (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر إصلاح الخلل لابن السيد (164)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 63). (¬2) سورة الحجر: 30. (¬3) ينظر شرح المفصل لابن يعيش (8/ 63)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 334)، وشرح الألفية لابن الناظم (65)، وشرح الكافية للرضي (2/ 355)، وابن عقيل (1/ 134)، والأشموني (1/ 279). (¬4) ينظر رصف المباني (121)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 432) ط. العراق. (¬5) ينظر الإيضاح للفارسي (117 - 118)، والمطالع السعيدة (ص 228)، وأوضح المسالك (1/ 92)، والتوطئة (204). (¬6) البيت في التذييل (2/ 708)، لقائل مجهول. والشاهد قوله: (وإني ... لضامن) حيث دخلت اللام على خبر «إنّ» المؤخر مع بعده عن «إنّ» واسمها لأن البعد لا يضر. (¬7) البيتان في التذييل (2/ 709) لقائل مجهول. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سواس ووادي الرّسّ: موضعان والهميان: مثنّى جعل علما لموضع، فلو كان الخبر منفيّا لم يجز اتصالها به (¬1)، لأن أكثر النفي بما أوله لام، فكره دخول لام على لام، ثم جرى النفي على سنن واحد، فلم يوكد بلام خبر منفي إلا في نادر من الكلام كقول الشاعر: 966 - وأعلم إنّ تسليما وتركا ... للا متشابهان ولا سواء (¬2) أنشده ابن جني في المحتسب (¬3)، وقيدت دخولها على الخبر بكونه مؤخرا عن الاسم (¬4) تنبيها على امتناع: إنّ لعندك زيدا، وإن غدا لعندنا عمرا، وقيدت دخولها على معمول الخبر بكونه مؤخرا عن الاسم مقدما على الخبر، لأن المعمول كجزء من العامل فإذا قدم كان كالجزء الأول، وإذا أخّر كان كالجزء الآخر، فلذلك جاز وإنّ زيدا لطعامك آكل، وامتنع إنّ زيدا آكل لطعامك (¬5). ومثال إن زيدا لطعامك آكل قول الشاعر: - ¬

_ - والشاهد قوله: (وإن امرأ ... لمعترف) حيث دخلت اللام على خبر «إنّ» المؤخر مع بعده، وذلك لأن البعد لا يضر. (¬1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (65)، والمطالع السعيدة (ص 228)، وشرح عمدة الحافظ (126)، وابن عقيل (1/ 134). (¬2) البيت لأبي حزام غالب بن الحارث العكلي. من الوافر، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 27)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 436)، والتذييل (2/ 72)، وتعليق الفرائد (1113)، والارتشاف (1132)، والمحتسب (1/ 43)، والخزانة (4/ 331) والعيني (2/ 244)، والتصريح (1/ 222)، والضرائر (58)، والأشموني (1/ 281)، وابن عقيل (1/ 135)، وابن الناظم (65)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 334)، والهمع (1/ 139)، والدرر (1/ 116). والشاهد قوله: (للا متشابهان) حيث دخلت اللام على الخبر المنفي وهذا نادر كما بين المصنف. (¬3) المحتسب (1/ 43). (¬4) قيد الإمام بدر الدين ولد المصنف دخول اللام على الخبر المؤخر بشرط أن لا يتقدم معموله، وقد نبه على ذلك الشيخ الخضري في حاشيته على شرح ابن عقيل، إلا أنه أجاز دخول اللام على الخبر المؤخر وإن تقدم معموله عليه، وقد ذكر ذلك حينما علق على قول ابن مالك: «بعد ذات الكسر تصحب الخبر لام ابتداء نحو إنّي لوزر»، فقال: قوله «تصحب الخبر» أي بشرط تأخره عن الاسم، وإن تقدم معموله عليه. اه. حاشية الخضري (1/ 134)، وينظر رأي الامام بدر الدين في شرح الألفية له (ص 65). (¬5) وذلك لتأخر المعمول عن الخبر. ينظر التوطئة (204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 967 - إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته ... على التّنائي لعندي غير مكفور (¬1) ومن مواقع هذه اللام الفصل المسمّى عمادا، كقوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (¬2) وجاز أن تدخل عليه لأنه مقوّ للخبر يرفعة توهم السامع كون الخبر تابعا فينزل منزلة الجزء الأول من الخبر فحسن دخولها عليه لذلك (¬3)، ومع ذلك لا يتعين كون مصحوبها فصلا في إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (¬4)، وشبهه لإمكان جعل الضمير مبتدأ (¬5)، وإذا كان الخبر المؤكد بها جملة اسمية فمحل [2/ 117] اللام منها صدرها كقول الشاعر: 968 - إنّ الكريم لمن نرجوه ذو جدة ... ولو تعذّر إيسار وتنويل (¬6) وهذا هو القياس لأن صدر الجملة الاسمية كصدر الجملة الفعلية ومحل اللام من الجملة الفعلية صدرها وكذا من الجملة الإسمية وقد شذ دخولها على ثاني جزأي الجملة الاسمية في قوله (¬7): 969 - فإنّك من حاربته لمحارب ... شقيّ ومن سالمته لسعيد (¬8) - ¬

_ (¬1) البيت لأبي زبيد الطائي يمدح الوليد بن عقبة، من البسيط. وهو في الكتاب (2/ 134)، والإنصاف (1/ 404)، وابن يعيش (8/ 65)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 27)، والتذييل (2/ 710)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 435)، وتعليق الفرائد (1109، 1113) ورصف المباني (121)، والمغني (2/ 676)، وشرح شواهده (2/ 953)، والأشموني (2/ 280)، والهمع (1/ 139)، (2/ 49) واللسان (خصص)، وشرح عمدة الحافظ (127). والشاهد قوله: (لعندي) حيث دخلت اللام على معمول الخبر مقدما عليه. (¬2) سورة آل عمران: 62. (¬3) ينظر حاشية الصبان (1/ 283). (¬4) سورة آل عمران: 62. (¬5) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 62). (¬6) البيت لقائل مجهول من البسيط، وهو في التذييل (2/ 716)، والعيني (2/ 242)، وشرح الألفية لابن الناظم (65). اللغة: جدة: من جد المال وجدا إذا استغنى. إيسار: من اليسر تنويل: عطاء. والشاهد قوله: (إنّ الكريم لمن نرجوه ذو جدة) حيث دخلت اللام على أول جزأي الجملة الاسمية الواقعة خبرا «لإنّ». (¬7) هو أبو عزة عمرو بن عبد الله، أسر يوم بدر فأسلم ثم ارتد بعد ذلك. (¬8) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 717)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 435)، وشواهد التوضيح (171)، وابن الناظم (66)، والعيني (2/ 245)، والهمع (1/ 139)، والدرر (1/ 115). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 970 - إنّ الألى وصفوا قومي لهم فبهم ... هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا (¬1) فإلى مثل هذا أشرت بقولي: «وأول جزأي الجملة الاسمية المخبر بها أولى من ثانيهما» وأشرت بقولي: وربما دخلت على خبر «كان» الواقعة خبر «إن» إلى ما في بعض نسخ البخاري من قول أم حبيبة رضي الله عنها «إني كنت عن هذا لغنية» (¬2)، ثم بينت أن الخبر إذا كان جملة شرطية لم تدخل عليه اللام لا في صدره ولا في عجزه (¬3)، ونبهت على أن أبا بكر بن الأنباري (¬4) أجاز دخولها على جواب الشرط (¬5)، والمانع من دخولها على أداة الشرط خوف التباسها بالموطئة للقسم (¬6)، فإنها تصحب أداة الشرط كثيرا نحو: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (¬7)، فلو لحقت لام الابتداء أداة الشرط لذهب الوهم إلى أنها الموطئة، وحق المؤكد أن لا يلتبس بغير مؤكد، ولما كان الجواب غير صالح للموطئة أجاز ابن الأنباري أن تلحقه لام الابتداء إلا أن ذلك غير مستعمل، فالأجود أن لا يحكم بجوازه ولا تدخل هذه اللام على فعل ماض إلا إن كان مقرونا بقد أو كان غير متصرف وذلك لأنها في الأصل للاسم فدخلت على الفعل المضارع لشبهه به (¬8)، ولم تدخل على الماضي لعدم الشبه، فإن قرن «بقد» قرينة من الحال (¬9) فأشبه - ¬

_ - والشاهد في قوله: (لمحارب ... لسعيد)، حيث دخلت اللام على ثاني جزأي الجملة الاسمية الواقعة خبرا «لإنّ». (¬1) البيت مجهول القائل من البسيط وهو في التذييل (2/ 717)، والأشموني (3/ 136). والشاهد في قوله: (إن الألى وصفوا قومي لهم)، حيث دخلت اللام على ثاني جزأي الجملة الاسمية وهو قوله (هم) الواقعة خبرا لإن وهو شاذ. (¬2) حديث شريف، أخرجه البخاري في باب الجنائز (31). (¬3) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 356)، والتصريح (1/ 223)، والهمع (1/ 139). (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) ينظر في هذا الرأي شرح الرضي (2/ 223)، والهمع (1/ 139). (¬6) ينظر الهمع (1/ 139). (¬7) سورة الأعراف: 23. (¬8) ينظر المقرب (1/ 106)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 429)، وإصلاح الخلل (167)، وشرح الألفية لابن الناظم (65)، والمطالع السعيدة (ص 228). (¬9) ينظر إصلاح الخلل (167)، والتصريح (1/ 223)، والأشموني (1/ 281).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضارع فجاز أن تلحقه نحو: إنك لقد قمت (¬1). وإن كان الماضي غير متصرف «كنعم» جاز أن تلحقه لأنه يفيد الإنشاء، والإنشاء يستلزم الحضور فيحصل بذلك شبه المضارع فجاز أن يقال: إن زيدا لنعم الرجل (¬2). وأجاز الأخفش دخول هذه اللام على معمول الفعل الماضي مقدما عليه نحو: «إن زيدا لطعامك آكل» (¬3). ومنع ذلك أولى لأن دخول اللام على معمول الخبر فرع دخولها على الخبر، فلو دخلت على معموله مع أنها لا تدخل عليه نفسه لزم ترجيح الفرع على الأصل (¬4). وحكى ابن كيسان عن الكسائي «إن كل ثوب لو ثمنه» (¬5). وأجاز البصريون: إن زيدا لسوف يقوم (¬6). ولم يجزه الكوفيون، ولا مانع من ذلك فجوازه أولى (¬7) وأجاز الكوفيون دخول هذه اللام بعد لكنّ اعتبارا ببقاء معنى الابتداء معها كما بقى مع «إنّ» (¬8) واحتجاجا بقول بعض العرب: 971 - ... ولكنّني من حبّها لعميد (¬9) - ¬

_ (¬1) خالف خطاب الماوردي جمهور النحاة في هذه المسألة حيث منع دخول اللام مع «قد»، وجعل اللام الداخلة على الماضي المقترن بقد، لام القسم وليست لام الابتداء، فالتقدير عنده في: إنّ زيدا لقد قام: إن زيدا والله لقد قام. ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 345)، والتصريح (1/ 223)، والأشموني وحاشية الصبان (1/ 281 - 282). (¬2) ينظر الهمع (1/ 139). (¬3) ينظر الهمع (1/ 140)، وشرح الألفية لابن الناظم (65)، والتصريح (1/ 222). (¬4) لمراجعة ذلك ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 346)، والتصريح (1/ 224). (¬5) ينظر شرح ابن الناظم (ص 66)، والمطالع السعيدة (ص 223)، والهمع (1/ 136). (¬6) ينظر رصف المباني للمالقي (ص 232)، وشرح الرضي (2/ 356). (¬7) ذكر السيوطي أن بعض المغاربة علل عدم دخول اللام على السين كما يرى الكوفيون، فقال: «وقال بعض المغاربة: امتنعت العرب من إدخال اللام على السين كراهة توالي الحركات في سيتدحرج وطرد الباقي. اه. الهمع (1/ 140). (¬8) لمراجعة هذه المسألة ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 430) ط. العراق. وإصلاح الخلل لابن السيد (165 - 166)، والإنصاف (1/ 208 - 209)، والمغني (1/ 233). (¬9) يذكر هذا البيت في معظم كتب النحو على أنه لا يعرف له تتمة ولا سابق ولا لاحق ولا قائل إلا أن بعض النحاة كابن الناظم وابن عقيل أوردوا هذا البيت على أنه تام وله سابق، والرواية التي أوردوه بها هي: يلومنّني في حبّ ليلى عواذلي ... ولكنّني من حبّها لعميد وينظر فيه شرح الألفية لابن الناظم (66)، وابن عقيل (1/ 134)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 29) وشرح التسهيل للمرادي (1/ 437)، وتعليق الفرائد (1115)، والكافية الشافية (150)، والإنصاف (1/ 209)، ومعاني الفراء (1/ 465)، ومعاني الحروف للرماني (134)، وشرح الجمل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا حجة لهم في ذلك. أما الأول؛ فإن اللام لم تدخل بعد «إنّ» لبقاء معنى الابتداء فحسب، بل لأنها مثلها في التوكيد. و «لكنّ» بخلاف ذلك، ولأن معنى الابتداء مع «لكنّ» لم يبق كبقائه مع «إنّ»، لأن الكلام الذي فيه «إنّ» غير مفتقر إلى شيء قبله، بخلاف الكلام الذي معه «لكنّ» فإنه مفتقر إلى كلام قبله، فأشبهت «أنّ» المفتوحة المجمع على امتناع دخول اللام بعدها (¬1) وأما: 972 - ولكنّني من حبّها لعميد فلا حجّة فيه لشذوذه، إذ لا يعلم له تتمة ولا قائل ولا راو عدل يقول: سمعته ممن يوثق بعربيته. والاستدلال بما هو هكذا في غاية من الضعف، ولو صح إسناده إلى من يوثق بعربيته لوجه يجعل أصله «ولكن أنني» ثم حذفت همزة «أنّ» ونون «لكن»، وجيء باللام في الخبر لأنه خبر «أنّ» أو حمل على أن لامه زائدة كما زيدت في الخبر قبل انتساح الابتداء (¬2)، كقول الراجز: 973 - أمّ الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللّحم بعظم الرّقبه (¬3) وكما زادها الشاعر بعد أمس في قوله (¬4): - ¬

_ - لابن عصفور (1/ 430)، ووصف المباني (279)، والمغني (1/ 233، 292)، وشرح شواهده (2/ 605)، والاقتراح (72)، والهمع (1/ 140)، والدرر (1/ 116)، والتصريح (1/ 112)، والأشموني (1/ 280)، والبيت من الطويل. والشاهد قوله: (ولكنني ... لعميد) حيث دخلت اللام على خبر «لكن» على رأي الكوفيين. (¬1) ينظر شرح المفصل لابن يعيش (8/ 64)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 430) ط. العراق. (¬2) لمراجعة هذا الرد على الكوفيين ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 430) ط. العراق، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 64)، وحاشية الخضري (1/ 134)، وشرح الكافية للرضي (2/ 358). (¬3) الرجز لرؤبة أو لعنترة بن عروس، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 30)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 438)، وتعليق الفرائد (1116)، والتذييل (2/ 705، 728)، والكافية الشافية (1/ 493)، والارتشاف (491)، وابن يعيش (3/ 130)، (7/ 57)، وابن الناظم (66)، والمغني (1/ 230، 233)، وشرح شواهده (2/ 604)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 430) ط. العراق، والتصريح (1/ 174)، والخزانة (4/ 328، 344)، والعيني (2/ 251)، (4/ 439)، والأشموني (1/ 280)، والبهجة المرضية (38)، الهمع (1/ 140)، والدرر (1/ 117)، وملحقات ديوان رؤبة (170). اللغة: شهربه: فانية. والشاهد: دخول اللام في خبر المبتدأ في قوله: (لعجوز). (¬4) يروي النحاة هذا البيت من ثعلب ولم يعزه هو إلى شاعر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 974 - مرّوا عجالا فقالوا: كيف سيّدكم ... فقال من سئلوا أمسى لمجهودا (¬1) وكما زادها الآخر بعد ما زلت في قوله: 975 - وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكلّ مذاد (¬2) وكما زادها الآخر بعد رأى في قوله: 976 - رأوك لفي ضرّاء أعيت فثبتوا ... بكفّيك أسباب المنى والمآرب (¬3) وحكى قطرب: أراك لشاتي (¬4). وربما زيدت بعد (أنّ) المفتوحة (¬5) كقراءة بعضهم (¬6): (ومآ أرسلنا قبلك من المرسلين إلّآ أنّهم ليأكلون الطّعام) (¬7). - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، وهو في مجالس ثعلب (1/ 129)، برواية (كيف صاحبكم)، والخصائص (1/ 316)، (2/ 283)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 30)، والكافية الشافية (1/ 493)، برواية: (مروا عجالى) والتذييل (2/ 728)، والارتشاف (491)، وتعليق الفرائد (1117)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 438)، وابن يعيش (8/ 64)، والضرائر (59)، والعيني (2/ 310)، والخزانة (4/ 330)، والأشموني (1/ 280)، وابن عقيل (1/ 134)، وشرح شواهده (ص 75)، والهمع (1/ 141)، والدرر (1/ 117). والشاهد قوله: (أمسى لمجهودا) حيث اللام في خبر «أمسى». (¬2) البيت من الطويل لكثير عزة وهو في المصنف (3/ 52)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 30)، والكافية الشافية: (1/ 493)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 428)، وتعليق الفرائد (1117)، والتذييل (2/ 728)، والمغني (1/ 233)، وشرح شواهده (2/ 605)، وابن الناظم (66)، والخزانة (4/ 330)، والعيني (2/ 249)، والأشموني (1/ 280)، والهمع (1/ 141)، والدرر (1/ 117)، وديوان كثير (443) ط. بيروت. ويروى البيت أيضا برواية: ولا زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... إلى اليوم كالمقصى بكل سبيل والشاهد قوله: (لكالهائم) حيث زيدت اللام في خبر ما زال. (¬3) البيت لقائل مجهول. وهو في شرح التسهيل للمرادي (1/ 438)، والتذييل (2/ 729). والشاهد قوله: (رأوك لفي ضراء) حيث زيدت اللام في المفعول الثاني لرأى. (¬4) ينظر الهمع (1/ 141). (¬5) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (66)، ورصف المباني (237)، وابن عقيل (3/ 134)، والأشموني (1/ 280). (¬6) تنظر هذه القراءة في إملاء ما من به الرحمن (2/ 161)، ولم ينسبها إلى قارئ ونسبها ابن هشام - في المغني (1/ 223) - إلى سعيد بن جبير، وذكر المالقي - في رصف المباني (237) - أنها قراءة شاذة، ولم أجد هذه القراءة في المحتسب ولا في مختصر البديع في شواذ القراءات لابن خالويه ولا في الإتحاف. (¬7) سورة الفرقان: 20.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وربما زيدت في الخبر بعد «ما» النافية كقول الشاعر: 977 - أمسى أبان ذليلا بعد عزّته ... وما أبان لمن أعلاج سودان (¬1) وأحسن ما زيدت في خبر المبتدأ المعطوف بعد «إنّ» المؤكد خبرها بها كقول الشاعر: 978 - إنّ الخلافة بعدهم لذميمة ... وخلائف ظرف لممّا أحقر (¬2) وفيما قدم من معمول خبر «إنّ» المؤكد بها كقول الشاعر (¬3): 979 - إنّي لعند أذى المولى لذو حنق ... يخشى وحلمي إن أوذيت معتاد (¬4) وحكى الفراء أن أبا الجراح سمع من يقول: «إني لبحمد الله لصالح» (¬5) فعلم أن هذا جائز في الاختيار، غير مختص بالاضطرار، وذكر السيرافي أن المبرد كان لا يرى تكرار اللام وأن الزجاج أجاز ذلك واختار السيرافي قول المبرد (¬6) وليس بمختار للشواهد المذكورة، ومثال التنبيه بها على موضعها الأصلي مع توكيد الخبر - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط لقائل مجهول. وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 30)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 439)، وتعليق الفرائد (1119)، والتذييل (2/ 729)، والكافية الشافية (1/ 494)، والارتشاف (597)، والمغني (1/ 232، 233)، وشرح شواهده (2/ 604)، والأشموني (1/ 280)، والهمع (1/ 141) والدرر (1/ 113). اللغة: أعلاج: جمع علج وهو الرجل من كفار العجم. أبان: اسم رجل. والشاهد: (وما أبان لمن أعلاج سودان) حيث زيدت اللام في خبر «ما» النافية. (¬2) لم يعلم قائله وهو من الكامل في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 31)، ومعاني الفراء (3/ 45)، والتذييل (2/ 728)، وابن الناظم (66)، والعيني (2/ 252)، والبهجة المرضية (38). والشاهد قوله: (وخلائف ظرف لمما أحقر) حيث زيدت اللام في خبر المبتدأ المعطوف بعد «إنّ» المؤكد خبرها باللام. (¬3) لم يعرف. (¬4) البيت من البسيط وهو شرح التسهيل للمصنف (2/ 31)، والتذييل (2/ 73)، والهمع (1/ 139)، والدرر (1/ 116). والشاهد قوله: (إني لعند أذى المولى لذو حنق) حيث دخلت اللام على معمول الخبر المقدم على الخبر نفسه. (¬5) معاني القرآن للفراء (2/ 30)، وينظر التذييل (2/ 730)، والتصريح (1/ 223)، وشرح كتاب سيبويه لابن خروف (33)، والهمع (1/ 139). (¬6) شرح السيرافي (3/ 489)، وفيه: «وكان أبو العباس محمد بن يزيد لا يرى أن يعيد اللام مرتين -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الشاعر: 980 - لهنّك من عبسيّة لوسيمة ... على هنوات كاذب من يقولها (¬1) ومثال ذلك مع تجريد الخبر قول الشاعر: 981 - ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنّك من برق عليّ كريم (¬2) وإن وقع موقع خبر «إنّ» نحو: «ليفعلنّ»، أو نحو: «لفعل» علم أن هناك قسما منويّا وفتحت الهمزة. قال ابن السراج: [2/ 118] تقول: قد علمت أن زيدا ليقومن وأن زيدا لقام، فلا تكسر «إن» كما تكسرها في أشهد إنّ محمدا لرسول الله، وأعلم إن بكرا ليعلم (¬3) وقد تقدم في أول كتابي هذا أن لام الابتداء لا تختص بالحال، وإنما الأكثر كون مصحوبها حالا وليس ذلك من أجل اللام بل من أجل أنّ الجملة المجردة من دليل مضى واستقبال، أكثر ما يكون مضمونها مرادا به - ¬

_ - لأنهما لام واحدة ولا يجيز: (إنّ زيدا لفي الدار لقائم)، ولا يكرر اللام إذا كان المعنى واحدا وأجاز أبو إسحاق الزجاج إنّ زيدا لفي الدار لقائم إلى قوله: وقول أبي العباس في هذا أقوى. اه. وينظر في هذه المسألة أيضا شرح الجمل لابن عصفور (1/ 432) ط. العراق، واختار ابن عصفور رأي الزجاج فقال: وهو الصحيح. وينظر شرح الكافية للرضي (2/ 356)، والتذييل (2/ 731). (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول، في شرح التسهيل للمصنف (2/ 31)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 439)، والتذييل (2/ 731)، والخزانة (4/ 334، 336، 344)، والإنصاف (1/ 209)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 433) ط. العراق، ومعاني القرآن للفراء (1/ 466)، والهمع (1/ 141)، والدرر (1/ 118). والشاهد قوله: (لهنك ... لوسيمة) حيث زيدت اللام قبل «إنّ» المبدلة همزتها هاء والخبر مؤكد باللام. (¬2) البيت من الطويل لرجل من غير لم ينسبه الرواة، وقيل إنه محمد بن سلمة، وهو في المقرب (1/ 107)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 433) ط. العراق، وأمالي الزجاجي (250)، والخصائص (1/ 315)، (2/ 195)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 439)، والتذييل (2/ 733)، وسمط اللآلي (511)، والكافي شرح الهادي (290)، والجنى الداني (166)، ومجالس ثعلب (1/ 93)، ورصف المباني (121)، والمحصول (635)، والمغني (1/ 231)، وشرح شواهده (2/ 602)، والخزانة (4/ 339)، والهمع (1/ 141)، والدرر (1/ 118)، واللسان (أتى). والشاهد قوله: (لهنك ... عليّ كريم)، حيث زيدت اللام قبل «إنّ» المبدلة همزتها هاء. (¬3) أصول النحو لابن السراج (1/ 334)، وينظر التذييل (2/ 734).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال (¬1)، ومن ورودها مع ما يراد به الاستقبال قول الشاعر: 982 - وإنّي لأحمي الأنف من دون ذمّتي ... إذا الدّنس الواهي الأمانة أهمدا (¬2) فأعمل «حمي» في «إذا» وهو مستقبل المعنى. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬3)، وبعد ذلك فأشير إلى أمور: - منها: أن الشيخ قال: ظاهر كلام المصنف وكلام غيره إطلاق معمول خبر ما يجوز دخول اللام عليه، وهذا الإطلاق ليس بصحيح لأن معمول الخبر إذا كان حالا لم تدخل عليه اللام نحو: إنّ زيدا لضاحكا مقبل، فلا يجوز هذا، ولم يسمع من لسانهم، ونص الأئمة على منعه (¬4)، ونقل عن ابن ولاد (¬5)، أنه قال: إن اللام لا تدخل في الحال تقدمت أو تأخرت، لأن الحال لا تكون خبرا وهي حال بخلاف الظرف فإنه يكون خبرا وهو ظرف (¬6)، وهذه العلة التي ذكرها ابن ولاد منقوضة بالمفعول نحو: إن زيدا لطعامك آكل، والمفعول لا يكون خبرا. قال: وعن صاحب الإفصاح: أن القياس هنا - يعني قياس الحال على المفعول به - ممكن لأنها بمنزلته وبمنزلة الظرف أيضا إلا أنه لم يسمع وقد منعه الأئمة (¬7). انتهى. وهذا البحث صحيح إلا أن يمنع مانع دخول اللام على المفعول به نحو: إن زيدا لطعامك آكل (¬8). وحين ذكر الشيخ هذه المسألة - أعني: إنّ زيد لطعامك آكل - قال: وينبغي أن يتوقف في دخولها على المفعول به المتقدم على عامل الخبر قال: - ¬

_ (¬1) ينظر باب المبتدأ. (¬2) لم أعثر على قائل هذا البيت، ولم أجده إلا في شرح التسهيل للمصنف (2/ 32). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 32). (¬4) ينظر التصريح (1/ 223)، والأشموني (1/ 282)، والهمع (1/ 139). (¬5) هو أحمد بن محمد بن ولاد، وهو الوليد بن محمد النحوي هو ووالده وجده أبو العباس كان بصيرا بالنحو أستاذا، وكان شيخه الزجاج يفضله على أبي جعفر النحاس، صنف المقصور والممدود، وانتصار سيبويه على المبرد، وتوفى سنة (332 هـ). بغية الوعاة (1/ 386)، وينظر في ترجمته أيضا طبقات اللغويين والنحويين (238 - 239). (¬6) ينظر التصريح (1/ 223)، والهمع (1/ 139). (¬7) التذييل (2/ 712). (¬8) لعل المانع الذي يقصده الشارح هنا هو دخول اللام على الخبر، لأنها إذا دخلت على الخبر لا يجوز -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يقاس على الظرف والمجرور يعني: قول القائل: 983 - إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته ... على التّنائي لعندي غير مكفور (¬1) لأنها يتسمح فيهما ما لا يتسمح في غيرها، فلا يقال: إن زيدا لطعامك آكل حتى يسمع نظيره من كلام العرب (¬2)، ثم إن في كلام الشيخ أن معمول الخبر يكون مفعولا به وظرفا ومجرورا وحالا ومصدرا ومفعولا من أجله. قلت: أما المفعول به والظرف والمجرور، فقد علم حكمها، وكذا الحال أيضا وأما المصدر والمفعول من أجله نحو: إنّ زيدا لقياما يقوم، وإنّ زيدا لإحسانا يزورك (¬3)؛ فذلك مندرج في عموم قولهم: إن اللام تدخل على معمول الخبر متوسطا. ومنها: أن جماعة من النحاة ذكروا أن سيبويه لا يجيز دخول اللام على الفعل الماضي وإن كان غير متصرف نحو: إنّ زيدا [2/ 119] لنعم الرجل وإن زيدا لعسى أن يقوم، وأن الأخفش والفراء يجيزان ذلك (¬4). وممن نص على أن مذهب سيبويه المنع الصفار وأبو محمد بن السيد (¬5). قال الشيخ: وينبغي أن يرجع عند الاختلاف إلى السماع فإن سمع قلنا به وإلا فلا (¬6). - ¬

_ - دخولها على معمول الخبر خلافا لمن أجاز ذلك. ينظر الهمع (1/ 139). وقد ذكر النحاة لجواز دخول اللام على معمول الخبر شروطا ثلاثة هي: تقدمه على الخبر وكونه غير حال وكون الخبر صالحا للام. ينظر أوضح المسالك (1/ 92). (¬1) البيت من البسيط لأبي زيد الطائي وقد سبقت مراجعه. (¬2) ينظر التذييل (2/ 710)، وابن يعيش (8/ 67 - 68). (¬3) ينظر الهمع (1/ 139)، وحاشية الصبان (1/ 282). (¬4) ينظر في هذه المسألة التصريح (1/ 224)، والأشموني (1/ 281)، وأوضح المسالك (1/ 92)، وابن عقيل (1/ 135). (¬5) في إصلاح الخلل لابن السيد (167 - 168): «وإطلاق أبي القاسم أنه يجوز دخول اللام في خبر إن المكسورة من غير تقييد وتفصيل غير صحيح، لأن خبر «إن» إذا كان فعلا ماضيا لم يجز دخول اللام المؤكدة عليه، وحجة سيبويه وأصحابه في امتناع ذلك أن حكم اللام أن تكون في أول الكلام، فلما أخرت «إن» وجب ألا تدخل إلا على اسم أو ما يضارع الاسم، وأجاز الأخفش: إن زيدا لنعم الرجل وتابعه على ذلك الفراء لأن نعم لا تتصرف، فأشبهت الأسماء ولا تجوز هاتان المسألتان على مذهب سيبويه. اه. وينظر الهمع (1/ 140). (¬6) التذييل (2/ 748).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن ابن عصفور ذكر في اللام في: 984 - لهنّك من برق عليّ كريم (¬1) للنحاة قولين: أحدهما: أنها لام الابتداء كما قال المصنف (¬2). الثاني: أنها اللام الواقعة في جواب القسم، والقسم هنا محذوف (¬3) كأنه قال: «والله لهنك» واستدل صاحب هذا القول، بأنك قد تأتي بلام «إنّ» فتدخلها على الخبر نحو: 985 - لهنّك من عبسيّة لوسيمة (¬4) قال: فلو كانت اللام في «لهنك» لام «إنّ» لم يؤت باللام بعد ذلك في الخبر، وكذا قول الآخر: 986 - ... لهنّا لمقضيّ علينا التّهاجر (¬5) انتهى (¬6). ولا يبعد هذا القول الثاني عن الصواب. ومنها: أن قول المصنف في المسألة آخر الفصل: نوي قسم وامتنع الكسر - إنما يعني به أنه يمتنع الكسر إذا تقدم على «إنّ» ما يطلب موضعها فإنها تفتح إذ ذاك - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) وهذا رأي ابن جني أيضا كما في الخصائص (1/ 314 - 315)، ورأي الزجاج والفارسي. ينظر التذييل (2/ 733 - 734)، والخزانة (4/ 333). (¬3) هذا رأي سيبويه وابن السراج. ينظر الكتاب (3/ 150)، والتذييل (2/ 733 - 734)، والهمع (1/ 141). (¬4) تقدم. (¬5) عجز بيت من الطويل مجهول القائل وصدره: أبائنة حبى نعم وتماضر وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 433) ط. العراق، والتذييل (2/ 732)، والخزانة (4/ 332)، وشرح الرضي (2/ 357). اللغة: بائنة: اسم فاعله من البين وهو الفراق. حبى وتماضر: امرأتان. والشاهد قوله: (لهنا لمقضيّ) وحيث زيدت اللام قبل «إنّ» المبدلة همزتها هاء والخبر مؤكد باللام. (¬6) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 432 - 433) ط. العراق.

[تخفيف إن ولكن- اقتران هذه النواسخ بما الزائدة]

[تخفيف إن ولكن - اقتران هذه النواسخ بما الزائدة] قال ابن مالك: (فصل: ترادف «إنّ» «نعم» فلا إعمال وتخفّف فيبطل الاختصاص ويغلب الإهمال، وتلزم اللّام فارقة إن خيف لبس (بإن) النّافية. ولم يكن بعدها نفي وليست غير الابتدائيّة خلافا لأبي عليّ ولا يليها غالبا من الأفعال إلّا ماض ناسخ للابتداء ويقاس على نحو: «إن قتلت لمسلما» وفاقا للكوفيين والأخفش ولا تعمل عندهم ولا تؤكّد، بل تفيد النّفي واللّام الإيجاب، وموقع «لكنّ» بين متنافيين بوجه ما، ويمنع إعمالها مخفّفة خلافا ليونس والأخفش. وتلي «ما» ليت فتعمل وتهمل، وقلّ الإعمال في «إنّما» وعدم سماعه في «كأنّما» و «لعلّما» و «لكنّما» والقياس سائغ). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تكسر نحو: علمت أن زيدا ليقومن، وعلمت أن زيدا لقام (¬1)، ولا يعني أن يمتنع الكسر على الإطلاق ولكنه ترك القيد اعتمادا على الوضوح. قال ناظر الجيش: قال المصنف: أنكر بعض العلماء كون «إنّ» بمعنى «نعم» (¬2) وزعم أن «إنّ» في قوله (¬3): 987 - بكر العواذل في الصّبو ... ح يلمنني وألومهنّه ويقلن شيب قد علا ... كـ وقد كبرت فقلت إنّه (¬4) - ¬

_ (¬1) لمراجعة هذه المسألة ينظر الأصول لابن السراج (1/ 334)، والتذييل (2/ 734)، والمغني (1/ 231)، والهمع (1/ 141)، وشرح الرضي (2/ 357). (¬2) الذي أنكر مجيء «إنّ» بمعنى نعم وزعم أنها في البيتين مؤكدة ناصبة للاسم رافعة للخبر وجعل الهاء اسمها والخبر محذوفا هو أبو عبيدة، وتبعه ابن عصفور حيث رجح كونها ناصبة بمعنى «نعم». ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة (2/ 22)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 444) ط. العراق، وأمالي الشجري (1/ 322 - 323)، والمغني (1/ 37)، وقد رد ابن هشام الاستدلال بهذين البيتين لإثبات هذا المعنى «لإن» وجعل الاستدلال بقول عبد الله بن الزبير الآتي أقوى. (¬3) هو عبيد الله بن قيس بن شريح بن مالك من بني عامر بن لؤي شاعر قريش في العصر الأموي. (¬4) البيتان من مجزوء الكامل وهما في الكتاب (3/ 151)، (4/ 162)، وأمالي الشجري (1/ 322)، وابن يعيش (8/ 6، 78، 122)، والتذييل (2/ 738)، والحجة لابن خالويه (243)، والبيان والتبيين (2/ 279)، والمغني (1/ 38) وشرح شواهده (1/ 126)، ورصف المباني (124)، واللمع لابن جني (126)، والخزانة (3/ 265، 269)، وديوانه (66)، واللسان (أنن). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مؤكدة ناصبة الاسم رافعة للخبر وجعل الهاء اسمها والخبر محذوفا كأنه قال: إن الذي ذكرتن واقع أو كما وصفتن، فحذف الخبر للعلم به واقتصر على الاسم. والذي زعم هذا القائل ممكن في البيت المذكور فلو لم يوجد شاهد غيره لرجح قوله، ولكن الشواهد على كون «إنّ» بمعنى «نعم» تأيّدها ظاهر ودافعها مكابر فلزم الانقياد إليها والاعتماد عليها، فمنها: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لابن الزبير الأسدي (¬1) لما [2/ 120] قال: لعن الله ناقة حملتني إليك: «إنّ وراكبها» أراد نعم لعن وراكبها (¬2). ومنها: قول حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه: 988 - يقولون أعمى قلت: إنّ وربّما ... أكون وإنّي من فتى كبصير (¬3) ومنها: أنشد أحمد بن يحيى قول الشاعر (¬4): 989 - ليت شعري هل للمحبّ شفاء ... من جوى حبّهنّ إنّ اللّقاء (¬5) ومنها: قول الطائيين (¬6): 990 - قالوا أخفت؟ قلت إنّ وخيفتي ... ما إن تزال منوطة برجاء (¬7) - ¬

_ - ويروى البيت الأول برواية: بكر العواذل بالضحى ... يلحينني وألومهنه والشاهد قوله: (فقلت إنّه) حيث جاءت «إنّ» فيه بمعنى نعم والهاء للسكت. (¬1) ذكر العلوي أن هذا القول لعمر بن عبد العزيز وليس لابن الزبير، ينظر شرح العلوي (2/ 957 - 958)، وشرح الوافية (2/ 659). (¬2) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 444) ط. العراق، وشرح ابن الحاجب على كافيته (2/ 777) ورصف المباني (124)، والمغني (1/ 38) وشرح الدماميني على المغني (1/ 80)، وشرح العلوي (2/ 957 - 958) وشرح الوافية على الكافية (2/ 959). (¬3) البيت في التذييل (2/ 738)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 69)، مخطوط بدار الكتب رقم 4 نحو ش، ورواية البيت فيهما: (ليصير) مكان (كبصير). والشاهد قوله: (يقولون أعمى ... قلت إنّ) حيث وردت «إنّ» بمعنى نعم لأنها وقعت جوابا للسؤال. (¬4) لم يعلم. (¬5) البيت في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (2/ 738). والشاهد فيه قوله: (هل للمحب شفاء ... إن اللقاء) حيث وقعت «إنّ» جوابا لسؤال فهي بمعنى نعم والتقدير: نعم اللقاء شفاء من جوى حبها. (¬6) لم يعرف القائل. (¬7) البيت من الكامل وهو في التذييل (2/ 738)، والمغني (2/ 648)، وشرح الشواهد (2/ 936)، والخزانة (4/ 486). والشاهد قوله (قالوا أخفت؟ قلت إنّ) حيث جاءت «إنّ» بمعنى نعم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونبهت في هذا الباب على ورود «إنّ» بمعنى نعم ليعلم بها، فتعامل بما تعامل «نعم» من عدم الاختصاص وعدم الإعمال وجواز الوقف عليها (¬1)، ومذهب البصريين أن «إنّ» قد تخفف فيقال فيها «إن» ويبطل اختصاصها بالاسم ويجوز عندهم إعمالها إذا وليها اسم، وعلى ذلك يحملون قوله تعالى وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ (¬2) في رواية نافع وابن كثير (¬3)، وإهمالها أكثر (¬4)، كقوله تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (¬5) وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا (¬6)، إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (¬7) ومذهبهم أن اللام التي بعد «إن» هذه هي التي كانت مع الشديدة إلا أنها مع التخفيف والإهمال تلزم فارقة بين المخففة والنافية، ولا تلزم مع الإعمال لعدم الالتباس (¬8)، وكذلك لا تلزم مع الإهمال في موضع لا يصلح للنفي كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وأيم الله لقد كان خليقا للإمارة وإن كان لمن أحبّ النّاس إليّ» (¬9) وكقول معاوية في كعب الأحبار رضي الله عنه وإن كان من أصدق هؤلاء أخرجهما البخاري، ومثله ما حكى ابن جني في المحتسب من قراءة أبي رجاء (وإن كلّ ذلك لما متاع الحياة الدّنيا) (¬10) بكسر اللام وتخفيف الميم على معنى: وإن كلّ ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا (¬11) ومثل ذلك قول الطرماح (¬12): - ¬

_ (¬1) راجع في «نعم» رصف المباني (364)، والمغني (2/ 345)، والهمع (2/ 76)، وأمالي السهيلي (44 - 46). (¬2) سورة هود: 111، وزاد في نسخة (ب) (ربك أعمالهم). (¬3) ينظر معاني القرآن للأخفش (2/ 237)، (2/ 259)، والإتحاف (260)، وشرح طيبة النشر (317). (¬4) ينظر شرح المفصل لابن يعيش (8/ 71 - 72)، وابن الناظم (68)، وعمدة الحافظ (136). (¬5) سورة يس: 32. (¬6) سورة الزخرف: 35. (¬7) سورة الطارق: 4. (¬8) ينظر الكتاب (2/ 139)، والمسائل المنثورة للفارسي (96)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 351). (¬9) حديث شريف أخرجه البخاري في باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم (2/ 303) بحاشية السندي، والحديث بتمامه: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وايم الله إن كان خليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده. (¬10) سورة الزخرف: 35. (¬11) المحتسب (2/ 255). (¬12) هو الحكم بن حكيم وكنيته أبو نقر، والطرماح أي الطويل وهو شاعر طائي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 991 - أنا ابن أباة الضّيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن (¬1) وكقول الآخر: 992 - إن وجدت الكريم يمنع أحيا ... نا وما إن بذا يعدّ بخيلا (¬2) ويلزم ترك اللام إن أمن اللبس وكان في الموضع اللائق بها نفي كقول الشاعر: 993 - أما إن علمت الله ليس بغافل ... فهان اصطباري إن بليت بظالم (¬3) ومذهب الكوفيين أن «إن» المشار إليها لا عمل لها ولا هي مخففة من «إنّ» بل هي النافية، واللام بعدها بمعنى «إلّا». ويجعلون النصب في وَإِنَّ كُلًّا (¬4) بفعل يفسره «ليوفينهم» أو «بليوفينهم» نفسه (¬5)، وبه قال الفراء (¬6). وكلا القولين على أصولهم محكوم بمنعه في هذا المحل أو بضعفه لأنهم يوافقون البصريين في أنّ ما بعد «إلا» لا يعمل فيما قبلها ولا يفسر عاملا فيما قبلها. ولذلك قال الفراء في كتاب المعاني: وأما الذين خففوا «إنّ» فإنهم نصبوا «كلّا» بليوفينهم وهو وجه لا أشتهيه [2/ 121]، لأن اللام لا يقع الفعل الذي بعده على شيء قبله، فلو رفعت «كلّا» لصلح ذلك كما يصلح (إن زيد لقائم)، ولا يصلح أن تقول: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 34)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 441)، وتعليق الفرائد (1125)، وشواهد التوضيح (51)، والكافية الشافية (1/ 509)، وعمدة الحافظ (140)، والجنى الداني (134)، وابن الناظم (68)، وابن عقيل (1/ 138)، وشرح المكودي (61)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 352)، والتصريح (1/ 231)، والأشموني (1/ 289)، والهمع (1/ 141)، والدرر (1/ 118). اللغة: أباة: جمع أبيّ، أي: رافض. والضيم: الذل. آل مالك: قبيلته. والشاهد: عدم وجود اللام مع «إن» المخففة لأن المقام لا يصلح للنفي فلا ليس بينها وبين النافية. (¬2) البيت من بحر الخفيف لقائل مجهول. الشاهد فيه: كالذي قبله وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 34) ولم أهتد إليه في غيره. (¬3) البيت في شرح التسهيل للمصنف (2/ 34). والشاهد فيه: ترك اللام مع «إن» المخففة لأمن اللبس. (¬4) يعني في قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ [هود: 111]. (¬5) ينظر الإنصاف (1/ 195 - 196)، والمغني (1/ 37)، والهمع (1/ 142)، والتصريح (1/ 232)، والأزهرية (50). (¬6) ينظر معاني القرآن للفراء (2/ 28 - 30).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن زيدا لأضرب، لأن تأويله ما زيد إلا أضرب، وهذا خطأ في اللام، و «إلا». هذا نصه (¬1)، وقد أقر بأن حمل القراءة على جعل «إن» نافية واللام بمعنى «إلا» خطأ، ولا شك في صحة القراءة، فإنها قراءة المدنيين والمكيين (¬2)، ولا توجيه لها إلا توجيه الكوفيين، وتوجيه البصريين، وتوجيه الكوفيين خطأ بشهادة الفراء، فلم يبق إلا توجيه البصريين فتعين الحكم بصحته. ويؤيد ما ذهب إليه البصريون قول سيبويه: وحدثنا من نثق به أنه سمع من العرب من يقول: إن عمرا لمنطلق (¬3)، وهذا نص لا احتمال فيه، وقال الأخفش: وزعموا أن بعضهم يقول: إن زيدا لمنطلق وهي مثل إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (¬4)، يقرأ بالنصب والرفع (¬5). وأما قولهم: إن اللام بمعنى «إلا» فدعوى بلا دليل ولو كانت بمعنى «إلا» لكان استعمالها بعد غير «إن» من حروف النفي أولى، لأنها أنصّ على النفي من «إن» فكان يقال: لم يقم لزيد، ولن يقعد لعمرو بمعنى: لم يقم إلّا زيد ولن يقعد إلّا عمرو وفي عدم استعمال ذلك دليل على أن اللام لم يقصد بها إيجاب، وإنما قصد بها التوكيد كما قصد مع التشديد (¬6)، وزعم أبو علي الفارسي أن اللام التي بعد المخففة غير التي بعد المشددة واستدل بأن ما بعد هذه ينتصب بما قبلها من الأفعال نحو إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ (¬7)، وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (¬8)، وكقول امرأة الزبير رضي الله عنها (¬9): 994 - هبلتك أمّك إن قتلت لمسلما (¬10) - ¬

_ (¬1) معاني القرآن للفراء (2/ 29 - 30). (¬2) لأنها قراءة نافع وابن كثير. ينظر الإتحاف (260)، وشرح طيبة النشر (317). (¬3) الكتاب (2/ 140). (¬4) سورة الطارق: 4. (¬5) معاني القرآن للأخفش (1/ 83)، رسالة بجامعة القاهرة. (¬6) رد الرضي رأي البصريين في هذه المسألة وهو الذي عليه المصنف هنا، فقال: ولا يلزم ما قالوه إذ ربما اختص بعض الأشياء ببعض المواقع كاختصاص «لما» بالاستثناء بعد النفي. اه. شرح الرضي (2/ 359). (¬7) سورة يونس: 29. (¬8) سورة الأعراف: 102. (¬9) هي عاتكة امرأة الزبير رضي الله عنهما قالته في رثاء زوجها. (¬10) صدر بيت من الكامل وعجزه: حلّت عليك عقوبة المتعمد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما بعد ذلك لا ينتصب بما قبلها لو قلت: «إنك قتلت لمسلما» لم يجز. فعلم بهذا أن التي بعد المخففة غير التي بعد المشددة. هذا حاصل قول أبي علي في البغداديات (¬1)، وهو مخالف لقول أبي الحسن الأخفش في كتاب المسائل الكبير، فإنه نص فيه على أن اللام الواقعة بعد المخففة هي الواقعة بعد المشددة (¬2)، وهو الصحيح عندي. والجواب عن شبهة أبي علي أن يقال: إنما جاز أن يكون مصحوب ما بعد المخففة معمولا لما قبلها من الأفعال، لأن الفعل بعد المخففة في موضع الخبر الذي كان يلي المشددة فكان لما بعده ما كان لما بعد تاليها لأن من قال: 995 - إن قتلت لمسلما بمنزلة من قال: إن قتلك لمسلم، وإن شئت أن تقول: لما بطل عمل «إن» بالتخفيف وقصد بقاؤها توكيدا على وجه لا ليس فيه استحقت ما يميزها من النافية، فكان الأولى بذلك اللام التي كانت تصحبها حال التشديد، فسلك بها مع التخفيف ما كان لها مع التشديد من التأخر في اللفظ والتقدم في النية، فلم يمنع إعمال ما قبلها فيما بعدها، كما لم يمنع مع التشديد لأن النية بها التقديم وربما تقدم عليها التأخير. وإذا أولت العرب «إن» المخففة فعلا لم يكن في [2/ 122] الغالب إلا فعلا - ¬

_ - وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 36)، والكافية الشافية (1/ 504)، والبغداديات (ص 78)، وشرح عمدة الحافظ (138)، وابن الناظم (68)، والتذييل (2/ 752)، والمصنف (3/ 127)، والمحتسب (2/ 255)، وابن يعيش (8/ 71، 72)، والتوطئة (206)، والمقرب (1/ 112)، والإنصاف (2/ 641)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 442)، وشرح الألفية (1/ 353)، والإنصاف (2/ 641)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 442)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 353)، والمغني (1/ 24)، والخزانة (4/ 348)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 438) ط. العراق، والعيني (2/ 278)، والتصريح (1/ 231)، والأشموني (1/ 290)، والهمع (1/ 142)، والدرر (1/ 119). ويروى أيضا: «ثكلتك امك) و (شلت يمينك) مكان (هبلتك أمك) والشاهد قوله: (إن قتلت لمسلما) حيث أولى إن فعلا غير ناسخ وأدخل اللام على مفعوله. (¬1) المسائل البغداديات للفارسي (76 - 77)، رسالة بكلية اللغة العربية، والمسائل البغداديات للفارسي (52، 70)، رسالة بجامعة عين شمس و (ص 178) من المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات تحقيق صلاح الدين السنكاوي. (¬2) ينظر التذييل (2/ 743)، والارتشاف (598).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماضيا من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر (¬1)، نحو قوله تعالى: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ (¬2)، وقوله تعالى: إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (¬3) وقوله: وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (¬4)، وذلك أنها كانت قبل التخفيف مختصة بالمبتدأ والخبر، فلما خففت وضعف شبهها بالفعل جاز دخولهما على الفعل، وكان الفعل من الأفعال المشاركة لها في الدخول على المبتدأ والخبر، كيلا تفارق محلها بالكلية ولا يكون ذلك الفعل غالبا إلا بلفظ الماضي فإن كان مضارعا حفظ ولم يقس عليه (¬5)، كقوله تعالى وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ (¬6)، وكقراءة أبي بن كعب (¬7): (وإن أخالك [يا] فرعون مثبورا) (¬8) وكذا إن وليها فعل من غير الأفعال المختصة بالمبتدأ والخبر كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: إن لبثتم لقليلا (¬9) ذكرها الأخفش في المعاني (¬10)، وكقول امرأة: والذي يحلف به إن جاء لخاطبا (¬11)، يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكقول بعض العرب «إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهية (¬12)، وكقول امرأة الزبير رضي الله تعالى عنهما: 996 - ثكلتك أمّك إن قتلت لمسلما ... حلّت عليك عقوبة المتعمّد (¬13) - ¬

_ (¬1) هذا مذهب البصريين ويجوز دخولها عند الكوفيين على سائر أنواع الفعل ينظر التوطئة (206)، وابن الناظم (68)، وشرح الرضي (2/ 359)، ورصف المباني (109)، والأشباه والنظائر (2/ 150). (¬2) سورة البقرة: 143. (¬3) سورة الصافات: 56. (¬4) سورة الأعراف: 102. (¬5) ينظر التصريح (1/ 232)، وابن الناظم (68)، والهمع (1/ 142). (¬6) سورة القلم: 51. (¬7) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري البخاري، أبو المنذر وأبو الطفيل، سيد القراء، كان من أصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد، ومات في خلافة عثمان سنة (30 هـ) على أرجح الأقوال. ينظر الإصابة في تمييز الصحابة (1/ 16) ط. السعادة. (¬8) سورة الإسراء: 102 وهي وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً وينظر قراءة أبيّ في الكشاف (1/ 465). (¬9) سورة الإسراء: 52. (¬10) ينظر التصريح (1/ 232)، والهمع (1/ 142). (¬11) المرجع السابق. (¬12) ينظر شرح عمدة الحافظ (138)، والهمع (1/ 142)، والتصريح (1/ 232)، والأشموني (1/ 290)، وابن عقيل (1/ 138 - 139)، وابن الناظم (68). (¬13) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويروى: هبلتك أمك. وأجاز الأخفش أن يقال: إن قعد لأنا وإن كان صالحا رحما لزيد، وإن ضرب زيدا لعمرو، وان ظننت عمرا لصالحا (¬1) صرح بذلك كله في كتاب المسائل، وبقوله أقول، لصحة الشواهد علي ذلك نثرا ونظما. وموقع «لكنّ» بين كلامين متنافيين بوجه (¬2) ما، كقوله تعالى: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا (¬3)، وكقوله تعالى: وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ (¬4) ولضعفها بمباينة لفظها لفظ الفعل لم يسمع من العرب إعمالها مع التخفيف، وأجاز يونس والأخفش إعمالها قياسا على ما خفف من «إنّ» و «أنّ» و «كأنّ» (¬5) ورأيهما في ذلك ضعيف. وتتصل «ما» الزائدة «بليت»، فيجوز حينئذ إعمالها وإهمالها بإجماع (¬6). وشاهد الوجهين قول النابغة: - 997 - قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا ونصفه فقد (¬7) قال ابن برهان مشيرا إلى هذا البيت: الجميع رووه عن العرب بالإعمال - ¬

_ (¬1) ينظر رأي الأخفش في التذييل (2/ 753)، والمغني (1/ 25)، والتصريح (1/ 231). (¬2) ينظر رصف المباني (276)، والمغني (1/ 290). (¬3) سورة البقرة: 102. (¬4) سورة الأنفال: 43. (¬5) ذكر الشلوبين أن «لكنّ» إذا خففت لم تعمل في المشهور، وحكى عن يونس إعمالها غير أنه قال: إلا أني لم أره في أصل الكتاب. التوطئة (214)، وينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 360)، وشذور الذهب (351)، والبهجة المرضية (39)، والهمع (1/ 143)، والمغني (1/ 292)، والأشموني (1/ 249). (¬6) فالإعمال إبقاء لها على اختصاصها بالجملة الاسمية، والإهمال حملا لها على بقية أخواتها. ينظر شذور الذهب (344). (¬7) البيت من البسيط وهو في الكتاب (2/ 137)، والخصائص (2/ 460)، وأمالي الشجري (2/ 142، 411)، والإنصاف (2/ 479)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 434)، والتوطئة (119، 203)، والمقرب (1/ 110)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 443)، وتعليق الفرائد (1132)، وعمدة الحافظ (135)، والكافية الشافية (1/ 480)، والتذييل (2/ 758)، وشرح اللمع لابن برهان (ص 68)، ومعاني الحروف للرماني (89)، ورصف المباني (299، 316)، واللسان (قدد). والشاهد قوله: (ليتما هذا الحمام) حيث روي بنصب الحمام ورفعه، فالنصب على إعمال «ليت» والرفع على إهمالها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والإلغاء (¬1). قلت: من رفع جعل «ما» كافة «لليت» كما كفت «إن» «ما» الحجازية، ومن نصب جعلها زائدة غير معتد بها كما لم يعتد بها بين حرف الجر والمجرور به في نحو: عَمَّا قَلِيلٍ (¬2)، وفَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ (¬3). وأجاز سيبويه كون «ليت» في بيت النابغة عاملة على رواية الرفع، وذلك بأن تجعل «ما» موصولة أو نكرة موصوفة، والتقدير: ليتما هو هذا الحمام لنا، «فما» اسم «ليت» وهو مبتدأ محذوف وخبره هذا، والجملة صلة «ما» أو صفتها، فليت بهذا التوجيه عاملة في الروايتين (¬4)، وهي حقيقة بذلك لأن اتصال «ما» بها لم يزل اختصاصها [2/ 123] بالأسماء بخلاف أخواتها، فإن اتصال ما بها أزال اختصاصها بالأسماء، فاستحقت «ليتما» بقاء العمل دون «إنما» و «كأنّما» و «لكنّما» و «لعلّما»، وهذا هو مذهب سيبويه (¬5). وأجرى ابن السراج غير «ليتما» مجراها قياسا (¬6) وذكر ابن برهان أن أبا الحسن الأخفش روى عن العرب: إنما زيدا قائم، فأعمل مع زيادة «ما» وعزا مثل ذلك إلى الكسائي عن العرب (¬7)، وهذا الفعل الذي ذكره ابن برهان رحمه الله تعالى من إجراء عوامل هذا الباب على سنن واحد قياسا وإن لم يثبت سماع في إعمال جميعها، وبقوله أقول في هذه المسألة. ومن أجل ذلك قلت: والقياس سائغ. انتهى (¬8) كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو في غاية النظافة كعادته، غير أن الجواب الذي ذكره عن شبهة أبي علي الفارسي لم أتحققه، ثم لا بد من تنبيهات: منها: أن ابن عصفور لم يوافق المصنف على ثبوت «إنّ» بمعنى «نعم» بل قال: الأولى عندي أن يقال: إن الاسم والخبر محذوفان، لأنه قد تقرر أن «إنّ» تنصب الاسم وترفع الخبر ولم يستقر فيها أن تكون بمعنى «نعم» (¬9) ونظّر حذف - ¬

_ (¬1) شرح اللمع لابن برهان (68). (¬2) سورة المؤمنون: 40. (¬3) سورة آل عمران: 159. وفي (ب) (بما رحمة). (¬4) يقول سيبويه في الكتاب بعد أن ذكر بيت النابغة: «فرفعه على وجهين: على أن يكون بمنزلة قول من قال: (مثلا ما بعوضة). أو يكون بمنزلة قوله إنما زيد منطلق». اه. الكتاب (2/ 138). (¬5) ينظر الكتاب (2/ 137 - 138). (¬6) ينظر الأصول لابن السراج (1/ 281). (¬7) شرح اللمع لابن برهان (67). (¬8) شرح التسهيل للمصنف (2/ 38)، تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ بدوي المختون. (¬9) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 444 - 445) ط. العراق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم والخبر هنا بحذف فعلي الشرط والجواب في قوله: 998 - قالت بنات العمّ يا سلمى وإن ... كان فقيرا معدما قالت وإن (¬1) وتبعه الشيخ على ذلك، وخرج بيت حسان على أن الاسم محذوف «واللقاء» خبره، التقدير: إنّه اللقاء (¬2) وكذا خرج غيره ولا يخفى ما في ذلك من التكلف. ومنها: أن الشيخ انتقد على المصنف قوله ولم يكن بعدها نفي يعني إن كان بعدها نفي فلا تجوز اللام نحو: إنّ زيدا لن يقوم، وإن زيدا لم أو لما يقم، أو ليس قائما أو يقوم، قال الشيخ: وهذا الشرط غير محتاج إليه ألبته، لأنه إذا كان الخبر منفيّا لم يدخل على المبتدأ حرف نفي، فلا تلبس فيه «إن» التي للتوكيد المخففة من الثقيلة «بإن» النافية (¬3). ومنها: أن استدلال أبي علي الفارسي على أن اللام الواقعة بعد «إن» المخففة ليست التي بعد المشددة بأن ما بعد هذه ينتصب بما قبلها من الأفعال وما بعد تلك لا ينتصب بما قبلها (¬4) استدلال قوي، وقد قدمت أن جواب المصنف عن ذلك غير ظاهر لي، وقد استدل الفارسي أيضا بأن هذه اللام تدخل على ما ليس مبتدأ ولا خبرا في الأصل ولا متعلقا بالخبر، وذلك كدخولها على الفاعل نحو: إن يزينك لنفسك. وعلى المفعول نحو: 999 - إن قتلت لمسلما - ¬

_ (¬1) الرجز لرؤبة. وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 445)، والتذييل (2/ 741)، والمغني (2/ 649)، وشرح شواهده (2/ 936)، والعيني (3/ 104)، والخزانة (3/ 630)، (4/ 487)، والتصريح (1/ 195)، والأشموني (1/ 33)، وملحقات ديوانه (186). والشاهد قوله: (قالت .. وإن) حيث حذف فعلي الشرط والجواب لفهم المعنى. (¬2) ينظر التذييل (2/ 378، 741). (¬3) التذييل (2/ 745). (¬4) ينظر المسائل البغداديات (76 - 77)، رسالة بكلية اللغة العربية، والمسائل البغداديات (52، 70)، رسالة بجامعة عين شمس (ص 178) من المسائل المشكلة تحقيق لصلاح الدين السنكاوي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولام «إن» لا تدخل على شيء من ذلك (¬1)، لكن كلام سيبويه يعطي خلاف ما ذهب إليه الفارسي، فإنه قال: وإن توكيد لقولك: زيد منطلق، فإذا خففت فهي كذلك تؤكد ما تكلم به ويثبت الكلام غير أن لام التوكيد تلزمها عوضا مما حذف منها (¬2) انتهى. قال الشارحون: ولام التوكيد عنده عبارة عن لام الابتداء (¬3). واعلم أنه ينبغي على القولين [2/ 124] كونها معلقة لما قبلها عن العمل أو غير معلقة (¬4). وقد جاء في الحديث: «قد علمت إن كنت لمؤمنا» (¬5)، فغير الفارسي يوجب كسر «إن»، والفارسي يوجب الفتح لكن الصحيح الكسر لأن الصحيح أن اللام لام الابتداء. وقد أطال الشيخ الكلام في هذه المسألة وفيما ذكرناه كفاية (¬6). ومنها: أن الشيخ انتقد على المصنف قوله: ولا يليها غالبا من الأفعال إلا ماض فقال: هذا ليس بصحيح فقد جاء المضارع في الكتاب العزيز كما جاء الماضي. قال الله تعالى: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (¬7)، وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ (¬8) وقال في قوله في الشرح: «فإن كان مضارعا حفظ ولم يقس عليه. ولا أعلم أحدا من أصحابنا وافقه، بل أجازوا ذلك مع المضارع ومع الماضي (¬9)، قال: وأطلق المصنف في قوله: ناسخ للابتداء، وكان ينبغي أن يقيد ذلك بالمثبت غير الواقع صلة، فلا يدخل على «ليس» ولا على «ما زال» و «ما انفك» و «ما فتئ» و «ما برح» ولا على «دام» (¬10). - ¬

_ (¬1) المرجع السابق نفسه وينظر المسائل المنثورة (ص 96). (¬2) الكتاب (4/ 233). (¬3) ينظر التذييل (2/ 745)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 351)، والهمع (1/ 141). (¬4) ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 359)، والهمع (1/ 142). (¬5) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الوضوء برواية فقد علمنا إن كنت لموقنا. (¬6) ذكر أبو حيان اختلاف العلماء في هذه اللام كسيبويه والأخفش الصغير وأبي الحسن بن الأخضر وابن عصفور والفارسي. ينظر التذييل (2/ 745)، والارتشاف (598). (¬7) سورة الشعراء: 186. (¬8) سورة القلم: 51، وزاد في (ب) (بأبصارهم). (¬9) ينظر الهمع (1/ 142). (¬10) التذييل (2/ 751).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنا نستفيد من قول المصنف: بوجه ما في قوله: وموقع «لكن» بين متنافيين - أن الكلام الواقع قبل «لكن» يكون نقيضا لما بعدها نحو: ما هذا ساكن لكنّه متحرك، ويكون ضدّا له نحو: ما هذا أسود ولكنه أبيض ويكون خلافا له نحو: ما هذا قائم لكنه شارب، ولا يجوز أن يكون الذي قبلها موافقا لما بعدها نحو: ما زيد قائم لكن عمرا قائم، فهذا لا يجوز إجماعا (¬1). وقد ذكر الشيخ أن في وقوعها بين الخلافين خلافا. ومنها: أنه قد تقدم من كلام المصنف في هذه الحروف إذا وليها ما فيه غنية، غير أن أبا الحسن بن عصفور قال: إن فيها للنحاة ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه يجوز في جمعها الإلغاء والإعمال وهو مذهب الزجاجي. الثاني: أنه يجوز: في «ليت» و «لعل» و «كأن» الإلغاء والإعمال، ولا يجوز فيما عداها إلا الإلغاء وهو مذهب ابن السراج وأبي إسحق (¬2). الثالث: أن «ليت» وحدها يجوز فيها الأمران، وما عداها لا يجوز فيه إلا الإلغاء وهو مذهب الأخفش وذلك أنه لم يسمع الإلغاء والإعمال إلا في «ليت (¬3)». ثم إنه نصر مذهب الأخفش بالسماع، يعني: أنه لم يرد الإعمال إلا في ليت، وبالقياس وذلك أن الحروف غير «ليت» يزول اختصاصها باتصال «ما» بها، قال الله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (¬4)، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً (¬5)، كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ (¬6). وأما «لكنما» فقد قال الشاعر: ¬

_ (¬1) ينظر رصف المباني للمالقي (276)، والمغني (1/ 290). (¬2) في (ب) (وأبي الحسن) والصواب ما أثبته من (أ). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 433 - 434). (¬4) سورة فاطر: 28. (¬5) سورة المؤمنون: 115. (¬6) سورة الأنفال: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1000 - ولكنّما أسعى لمجد مؤثّل (¬1) وأما «لعلما» فقد قال الآخر: 1001 - أعد نظرا يا عبد قيس لعلّما ... أضاءت لك النّار الحمار المقيّدا (¬2) وأمّا «ليتما» فلم تولها العرب الفعل قط، لا يحفظ من كلامهم ليتما يقوم زيد (¬3) [2/ 125] انتهى. ونقل الشيخ مذهبا رابعا: وهو أنه لا يجوز كف «ليت» و «لعلّ» بـ «ما»، بل يجب الإعمال. قال: وهو منسوب إلى الفراء، قال: والسماع بالوجهين إنما ورد في ليت (¬4). ومنها: أن المغاربة يجعلون «ما» مع هذه الحروف إذا دخلت على الفعل مهيئة وموطئة لأنها هيأت الحروف للدخول على الفعل وإذا دخلت على المبتدأ والخبر جعلوها كافة، لأنها منعتها من العمل (¬5) وما ذكره حسن. ¬

_ (¬1) صدر بيت من الطويل لامرئ القيس وعجزه: وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 434) ط. العراق، والتذييل (2/ 760)، والإنصاف (1/ 84)، وابن يعيش (1/ 79)، (8/ 57)، ورصف المباني (319)، والمغني (1/ 256)، وشرح شواهده (2/ 642)، والخزانة (1/ 158)، والهمع (1/ 143)، والدرر (1/ 122)، وديوانه (39). والشاهد قوله: (ولكنما أسعى) حيث وليت الجملة الفعلية (لكنما) فزال اختصاصها بالجمل الاسمية وذلك لدخول «ما» عليها. (¬2) البيت من الطويل وهو الفرزدق وهو في التذييل (2/ 760)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 445)، وابن يعيش (8/ 54، 57)، وأمالي الشجري (2/ 241)، والمغني (1/ 287)، وشرح شواهده (2/ 694)، وشذور الذهب (342)، والأشموني (1/ 284)، والهمع (1/ 143)، والدرر (1/ 122)، وديوانه (213)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 435). والشاهد قوله: (لعلما أضاءت لك النار)، حيث دخلت «لعلما» على الجملة الفعلية ولحقتها «ما» فزال اختصاصها بالجمل الاسمية. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 434 - 435) ط. العراق. (¬4) التذييل (2/ 757)، والهمع (1/ 144)، والتصريح (1/ 225). (¬5) ينظر التذييل (2/ 758)، والهمع (1/ 144)، ورصف المباني (318).

[تخفيف أن وكأن وأحكام ذلك- اللغات في لعل والجر بها]

[تخفيف أن وكأن وأحكام ذلك - اللغات في لعل والجر بها] قال ابن مالك: (فصل: لتأوّل «أنّ» ومعموليها بمصدر قد تقع اسما لعوامل هذا الباب مفصولا بالخبر، وقد تتّصل بـ «ليت» سادّة مسدّ معموليها. ويمنع ذلك في «لعلّ» خلافا للأخفش وتخفّف «أنّ» فينوى معها اسم لا يبرز إلّا اضطرارا، والخبر جملة اسمية مجرّدة أو مصدّرة بـ «لا» أو بأداة شرط أو بـ «ربّ» أو بفعل يقترن غالبا إن تصرّف ولم يكن دعاء بـ «قد» أو بـ «لو» أو بحرف تنفيس أو نفي، وتخفّف «كأنّ» فتعمل في اسم كاسم أنّ المقدّر والخبر جملة اسميّة أو فعليّة مبدوءة بـ «لم» أو «قد» أو مفرد، وقد يبرز اسمها في الشّعر، ويقال: «أما إن جزاك الله خيرا». وربما قيل: أن جزاك الله، والأصل أنّه، وقد يقال في «لعلّ»: «علّ» «ولعنّ» و «عنّ» و «لأنّ» و «أنّ» و «رعنّ» و «رغنّ» و «لغنّ» و «لعلّت». وقد يقع خبرها «أن يفعل» بعد اسم عين حملا على «عسى» والجرّ بـ «لعلّ» ثابتة الأوّل أو محذوفته مفتوحة الآخر أو مكسورته لغة عقيليّة). قال ناظر الجيش: قال المصنف رحمه الله تعالى (¬1): قد أشير في باب الابتداء أن من المبتدآت الواجب تقدم أخبارها «أنّ» وصلتها نحو: عندي أنك فاضل، وقد تدخل عليها «إن» أو إحدى أخواتها، فيلزم الفصل بالخبر نحو: إنّ عندي أنك فاضل (¬2)، وكأن في نفسك أني سائل. وقد تدخل ليت بلا فصل كقول الشاعر: 1002 - فياليت أنّ الظّاعنين تلفّتوا ... فيعلم ما بي من جوى وغرام (¬3) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك: (2/ 39) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ بدوي المختون. (¬2) في الكتاب (3/ 124): «واعلم أنه ليس يحسن أن تلي «إنّ»، «أنّ» ولا «أنّ» «إنّ». ألا ترى أنك لا تقول: إن أنك ذاهب، في الكتاب، ولا تقول قد عرفت أنّ إنّك منطلق في الكتاب. وإنما قبح هذا هنا كما قبح في الابتداء. اه. وفي هامش 3 من الصفحة نفسها نقلا عن السيرافى علل ذلك، فقال: قال كما كرهوا الجمع بين اللام وإنّ «فإن فصلت بينهما أو عطفت حسن فالفصل قولك إنّ لك أنك تحيا وتكرم والعطف قولك إن كرامتك عندي وأنك تعان. اه. وينظر في هذه المسألة أيضا المقتضب (2/ 342). (¬3) لم أجد هذا البيت إلا في التذييل (2/ 765). وهو من بحر الطويل لقائل مجهول. والشاهد قوله: (فيا ليت أن الظاعنين تلفتوا) حيث وقعت «أنّ» ومعمولاها بعد «ليت» وسدت مسد معموليها ولم يفصل بين «أنّ» وليت بفاصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فسدت «أنّ» بصلتها مسد جزأي الإسناد بعد «ليت» كما سدت مسدهما في باب «ظن» كقوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (¬1) وكما سدت مسدهما في نحو وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا (¬2)، فإن مذهب سيبويه في الواقعة بعد «لو» أنها مرفوعة بالابتداء سادة بصلتها مسد الجزأين (¬3)، واختصت «أنّ» بهذا بعد «لو» كما اختصت «غدوة» بالنصب بعد «لدن» (¬4)، ورأي سيبويه هذا أسهل من إضمار «ثبت» بعد «لو» رافعا «لأنّ»، وما ذهب إليه هو الصحيح، فإن إضمار فعل دون مفسر ولا عوض لا نظير له (¬5) بخلاف جعل «أنّ» وصلتها سادة مسد جزأي الإسناد فإنه نظير سدها مسد جزأي الإسناد بعد «ليت» و «ظن»، فلم يكن بدعا. فإنه قيل: لم لم يكن المفسر لثبت المضمر ما يقتضيه «أنّ» من معنى الثبوت؟ فالجواب أن يقال: لا نسلم اقتضاء «أنّ» للثبوت، ولو سلمنا اقتضاءها [2/ 126] للثبوت لم يساو اقتضاء لفظ الثبوت لمعناه، ولو وقع لفظ الثبوت بعد «لو» لم يغن عن مفسر فعل يرفعه فأن لا يستغنى عنه «بأنّ» أحق وأولى. ونظير جعل «أنّ» بعد «لو» مبتدأ مستغنيا عن خبر، ما حكاه سيبويه من قول بعض العرب: «لحق أنّه ذاهب» بالإضافة إلى «أنّ» ما قال سيبويه كأنه قال: «ليقين ذلك أمرك»، فأمرك هو خبر هذا الكلام لأنه إذا أضاف لم يكن بد كقولك: «لحق من خير» (¬6). هذا نص سيبويه، وأجاز الأخفش أن تعامل «لعلّ» معاملة «ليت» في الدخول على «أنّ» بلا فصل، فيقال: لعل أنّ الله يرحمنا (¬7)، ورأيه في المسألة - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 46. (¬2) سورة البقرة: 103. (¬3) ينظر الكتاب (3/ 121 - 139)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 459) ط. العراق. (¬4) لمراجعه هذه المسألة وهى اختصاص «غدوة» بالنصب بعد «لدن» ينظر الكتاب (1/ 51، 58)، والمغني (1/ 269). (¬5) راجع الهمع (1/ 138)، والمغنى (1/ 279 - 270)، وابن يعيش (8/ 60)، والتصريح (1/ 217)، وإضمار «ثبت» بعد «لو» رافعا «لأنّ» هو مذهب الكوفيين والمبرد والزجاج والزمخشري وابن الحاجب وذكر السيوطى في الهمع أن هذا هو المذهب المختار لاغنائه عن تقدير الخبر وإبقاء «لو» على حالها من الاختصاص بالفعل. اه. (¬6) الكتاب (3/ 157). (¬7) ينظر التذييل (2/ 767).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعيف لأنّ مقتضى الدليل أن لا يكتفى «بأنّ» وصلتها إلا حيث يكتفى بمصدر صريح، والمصدر الصريح لا يكتفى به بعد «ليت» فحق أن لا يكتفى بها بعدها، لكن سمع ذلك فقيل مع مخالفة الأصل فلا يزاد عليه دون (¬1) سماع. وتخفف «أنّ» فلا تلغى كما تلغى «إن» المخففة إلا أن اسمها لا يلفظ به إلا في ضرورة كقول الشاعر (¬2): 1003 - لقد علم الضّيف والمرملون ... إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا بأنك ربيع وغيث مريع ... وأنك هناك تكون الثّمالا (¬3) ولا يكون غير الملفوظ به إلّا ضميرا، ولا يلزم كونه ضمير الشأن كما زعم بعضهم (¬4)، بل إذا أمكن عوده على حاضر أو غائب معلوم فهو أولى، ولذلك قال سيبويه: حين مثل بقوله تعالى: أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا (¬5): كأنه قال جل وعز: أنك قد صدقت الرؤيا. وذكر هذا في باب ما تكون فيه «أن» بمنزلة «أي» (¬6) وقال في الباب الذي بعده: وتقول: كتبت إليه أن لا تقل ذلك وأن لا تقول ذلك، وأن لا تقول ذلك. فأما الجزم فعلى الأمر، عبر بالأمر على النهي. - ¬

_ (¬1) ينظر تعليق الفرائد (1136) حيث ذكر الدماميني ما ضعف به رأي الأخفش في هذه المسألة، كما ذكرا المصنف هنا. (¬2) جنوب أخت عمرو الهذلية وقيل: عمرة بنت عجلان كما في شرح شواهد المغني. (¬3) البيتان من المتقارب وهما في الكافية الشافية (1/ 496)، ومعاني القران للفراء (2/ 90)، والإنصاف (1/ 207)، وابن يعيش (8/ 75)، وتعليق الفرائد (1139)، والمغني (1/ 31)، وشرح شواهده (1/ 106)، والتذييل (2/ 771)، والخزانة (4/ 355)، والعين (2/ 282)، وابن الناظم (69)، والتصريح (1/ 232)، واللسان (أنن). ويروى البيت الثاني برواية أخرى وهي: بأنّك كنت الربيع المغيث ... لمن يعتريك وكنت الثمالا ولا شاهد على هذه الرواية. اللغة: المرملون: الذين نفذت أزوادهم. مريع: خصيب. والشاهد قوله: (بأنك ربيع .. وأنك) حيث صرح باسم «أن» المخففة في الموضعين للضرورة. (¬4) هو بعض المغاربة - ينظر الهمع (1/ 142)، والمطالع السعيدة (231)، وفي التصريح (1/ 232)، أنه مذهب ابن الحاجب، وهو مذهب المالقي أيضا كما في رصف المباني (ص 114)، حيث قال: إلا أنّ الخفيفة - يعنى «أن» يكون اسمها أبدا ضمير أمر وشأن. اه. (¬5) سورة الصافات: 104، 105. (¬6) الكتاب (3/ 163).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما النصب فعلى «لئلا». وأما الرفع فعلى: لأنك لا تقول ذلك، أو بأنك لا تقول ذلك تخبره بأن ذلك قد وقع من أمره (¬1). هذا نصه. ولا يكون الخبر بعد الاسم المنويّ إلا جملة مصدرة بمبتدأ نحو وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬2)، وبخبر كقول الأعشى: 1004 - في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (¬3) أو بحرف نفي نحو وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (¬4)، أو بأداة شرط نحو قول الشاعر: 1005 - فعلمت أن من يثقفوه فإنّه ... حرز لجامعة وفرخ عقاب (¬5) أو بربّ نحو قول الآخر: 1006 - تيقّنت أن ربّ امرئ خيّل خائنا ... أمين وخوّان يخال أمينا (¬6) أو بفعل مباشر إن كان دعاء نحو وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها (¬7)، أو غير منصرف نحو: وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ (¬8)، فإن كان الفعل متصرفا - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 166). (¬2) سورة يونس: 10. (¬3) البيت من البسيط. وهو في الكتاب (2/ 137)، (3/ 74، 454)، والمقتضب (3/ 9)، والمحتسب (1/ 308)، والكافية الشافية (1/ 497)، وأمالي الشجرى (2/ 2)، وابن يعيش (8/ 74، 76)، والإنصاف (1/ 199)، وابن الناظم (69)، والتوطئة (208)، وتعليق الفرائد (1137)، والخزانة (3/ 547)، (4/ 356)، والعينى (3/ 87)، والهمع (1/ 142)، والدرر (1/ 119)، وديوانه (45). والشاهد قوله: (أن هالك كلّ من يحفى وينتعل) حيث خففت «أنّ» المفتوحة وألغي عملها واسمها ضمير الشأن محذوف والخبر بعده جملة مصدرة بخبر وهو (هالك). (¬4) سورة هود: 14. (¬5) لم أعثر على هذا البيت إلا في التذييل (2/ 773) كما لم أعثر على قائله. الشاهد فيه قوله: (أن من يثقفوه فإنه) حيث حذف اسم «أن» المخففة من الثقيلة وجاء خبرها جملة اسمية مصدرية بأداة شرط. (¬6) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 773)، والهمع (1/ 143)، (2/ 26)، والدرر (1/ 119)، (2/ 19)، والمطالع السعيدة (232)، والشاهد قوله: (أن رب امرئ) حيث جاء خبر «أن» المخففة من الثقيلة جملة اسمية مصدرة «برب» وحذف اسمها. (¬7) سورة النور: 9. (¬8) سورة الأعراف: 185.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يكن دعاء وقي مباشرة «أن» في الغالب بقد كقوله تعالى: وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا (¬1) كقول الشاعر: 1007 - ألم تعلمي أن قد تجشّمت في الهوى ... من أجلك أمرا لم يكن يتجشّم (¬2) أو «بلو» (¬3)، كقوله تعالى: تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (¬4) [2/ 127]، أو بحرف تنفيس نحو عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (¬5) أو بحرف نفي نحو: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا (¬6) وأَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (¬7) وقال سيبويه مشيرا إلى قول الأعشى: 1008 - أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (¬8) ومثل ذلك: أول ما أقول أن بسم الله، كأنه قال: أنه بسم الله (¬9). وقال سيبويه: واعلم أنه ضعيف في الكلام أن يقول: قد علمت أن تفعل وقد علمت أن فعل حتى تأتي بالسين أو قد، أو ينفى لأنهم جعلوا ذلك عوضا مما حذفوا من «أنه»، فكرهوا ترك العوض (¬10). قلت: ومن شواهد علمت أن فعل قول امرئ القيس: 1009 - وحدّث بأن زالت بليل حمولهم ... كنخل من الأعراض غير منيّق (¬11) - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 113. (¬2) لم أعثر على هذا البيت إلا في التذييل (2/ 774)، وهو لقائل مجهول من بحر الطويل والشاهد فيه قوله: (أن قد تجشمت) حيث جاء خبر (أن) المخففة جملة فعلية فعلها ماض متصرف مقترن «بقد». (¬3) ذكر الشراح أن معظم النحويين لم يذكروا الفصل بين «أن» المخففة وبين الفعل «بلو»، وقد وهم ابن الناظم على أبيه - كما ذكر شراح الألفية - فنسب إليه القول بقلة الفصل بين «أن» المخففة والفعل «بلو» حيث قال: وأكثر النحويين لم يذكروا الفصل بين «أن» المخففة وبين الفعل، وإلى ذلك أشار بقوله: وقليل ذكر لو. اه. شرح الألفية لابن الناظم (ص 69)، وقد خطأ شراح الألفية ابن الناظم فيما زعم حيث قالوا: وقول ابن الناظم إن الفصل بها قليل - أي «لو» - وهم منه على أبيه أي: غلط. ينظر أوضح المسالك (1/ 100 - 101)، والتصريح (1/ 234). (¬4) سورة سبأ: 14 وزاد في (ب) (فلما خر) في أول الآية. (¬5) سورة المزمل: 20. (¬6) سورة طه: 89. (¬7) سورة القيامة: 3. (¬8) تقدم. (¬9) الكتاب (3/ 164 - 165). (¬10) الكتاب (3/ 167). (¬11) البيت في التذييل (2/ 775)، وديوان امرئ القيس (168)، ويروى (منبثق) مكان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال سيبويه: وأما قولهم: (أما أن جزاك الله خيرا)؛ فإنهم إنما أجازوه لأنه دعاء ولا يصلون هنا إلى قد وإلى السين ولو قلت: أما أن يغفر الله لك؛ جاز لأنه دعاء، قال: وسمعناهم يقولون: أما إن جزاك الله خيرا، شبهوه بأنّه، قال محمد: و «أما» قبل أن المخفف المفتوحة بمعنى حقّا هي قبل المشددة المفتوحة وهي بمعنى «ألا» قبل «إن» المكسورة (¬1). هذا مذهب سيبويه رحمه الله تعالى. ويجوز عندي أن تكون «أما» في الوجهين بمعنى «ألا» وتكون «إن» المكسورة زائدة، كما زادها الشاعر في قوله: 1010 - ألا إن سرى ليلي فبتّ كئيبا ... أحاذر أن تنأى النّوى بغضوبا (¬2) وفي المفتوحة على هذا وجهان: أحدهما: أن تكون المخففة وتكون هي وصلتها من موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف (¬3)، كما تقرر في «أن» الواقعة بعد «لو» على مذهب سيبويه (¬4)، ويكون التقدير: أما من دعائي أن جزاك الله خيرا، ثم حذف الخبر للعلم به. والوجه الثاني: من وجهي الفتح مع كون «أما» بمعنى «ألا»: أن تكون زائدة كما زيدت بعد «لما»، وقبل «لو»، وبعد كاف الجر في قوله (¬5): - ¬

_ - (منيق). وهو من بحر الطويل. اللغة: حمولهم: الجمال. الأعراض: الأودية. والشاهد قوله: (وحدث بأن زالت) حيث جاء خبر «أن» المخففة جملة فعلية فعلها منصرف، ولم تفصل من «أن» بفاصل. (¬1) الكتاب (3/ 167 - 168)، وينظر هامش 3 / من (ص 168)، ففيه بقية النص عن بعض النسخ من أول قوله: وأما قبل «أن» المخففة المفتوحة بمعنى حقّا. (¬2) البيت من الطويل لقائل مجهول. وهو في التذييل (2/ 787)، والمغني (1/ 25)، وشرح شواهده (1/ 86)، والهمع (1/ 125)، والدرر (1/ 97). والشاهد قوله: (ألا إن سرى ليلي) حيث زيدت «إن» بعد «ألا». (¬3) ينظر تعليق الفرائد (1147). (¬4) ينظر الكتاب (121). (¬5) هو ابن صريحة اليشكري كما في الكتاب (2/ 134)، أو أرقم بن علياء اليشكري، كما في شرح السيرافي لأبيات الكتاب (1/ 525)، أو باعث بن صريم اليشكري كما في اللسان (قسم)، أو كعب ابن أرقم اليشكري ويقال إنه قال هذا البيت في امرأته. وينظر معجم الشواهد (1/ 325).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1011 - كأن ظبية تعطو ... (¬1) على رواية الجر، ويجوز أن تكون في قول الشاعر: 1012 - ألا إن سرى ليلي ... المخففة من «إن» ويكون الأصل إنه سرى ليلي، ثم فعل به ما فعل بأما إن جزاك الله خيرا في قول سيبويه (¬2). وقد تباشر «أن» المخففة فعلا متصرفا غير مقصود به الدعاء (¬3) وعليه نبهت بقولي: (غالبا) (¬4)، فإن كان ذلك بعد فعل قلبي أو معناه فهو أسهل من أن يكون بعد غير ذلك (¬5)، فالأول: كقول الشاعر: 1013 - علموا أن يؤمّلون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل (¬6) - ¬

_ (¬1) جزء بيت من الطويل والبيت بتمامه: ويوما توافينا بوجه مقسّم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم وهو في الكتاب (2/ 134)، وشرح السيرافي للأبيات (1/ 525)، والإنصاف (1/ 202)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 447)، وتعليق الفرائد (1143)، والتذييل (2/ 783)، والمصنف (3/ 128)، والتوطئة (215)، والمقرب (1/ 111)، (2/ 203) - وأمالي السهيلي (116)، والكافية الشافية (1/ 496)، وابن يعيش (8/ 83)، وشرح عمدة الحافظ (143)، والإفصاح للفارقي (346)، وابن الناظم (70)، والهمع (1/ 143)، والدرر (1/ 120). اللغة: السلم: شجر بالبادية. مقسم: محسن جميل. تعطو: تتناول أطراف الشجر. والشاهد قوله: (كأن ظبية)، حيث خففت «كأنّ» وحذف اسمها وجاء خبرها اسما مفردا. وفي (ظبية) ثلاثة أوجه: الرفع على الخبرية أي كأنها ظبية، والنصب على أنه اسم «لأن» والخبر محذوف، والجر على كون «أن» زائدة والكاف للتشبيه، وهو الوجه الذي استشهد به به المصنف هنا. (¬2) لمراجعة هذه المسألة ينظر الكتاب (3/ 167 - 168). (¬3) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (69)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 356). (¬4) جعل ابن هشام ترك الفاصل ومباشرة «أن» للفعل المتصرف الذي لم يقصد به الدعاء شاذا أو نادرا. ينظر أوضح المسالك (1/ 100)، والجامع الصغير (65). (¬5) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 232)، والهمع (2/ 2)، والأشموني (3/ 282) بحاشية الصبان. (¬6) البيت من الخفيف وهو في شرح الكافية الشافية (1/ 500)، والتذييل (2/ 776)، وتعليق الفرائد (1143)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 356)، وابن الناظم (69)، والتصريح (1/ 233)، والعيني (2/ 294)، والهمع (1/ 143)، والدرر (1/ 120)، والأشموني (1/ 292). والشاهد: (علموا أن يؤمّلون) حيث جاء خبر «أن» المخففة جملة فعلية فعلها متصرف ولم يفصل عنها بفاصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد الفراء: 1014 - إني زعيم يا نوي ... قة إن أمنت من الرّزاح ونجوت من غرض المنو ... ن من الغدوّ إلى الرّواح أن تهبطين بلاد قو ... م يرتعون من الطّلاح (¬1) والثاني: كقراءة بعض القراء (¬2): (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (¬3)، ومثله قول الشاعر [2/ 128]: 1015 - يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما ... وحيثما كنتما لقّيتما رشدا أن تحملا حاجة لي خفّ محملها ... يستوجبا منّة عندي بها ويدا أن تقرآن على أسماء ويحكما ... منّي السّلام وأن لا تشعرا أحدا (¬4) و «أن» في هذين الموضعين وأشباههما عند البصريين هى الناصبة للمضارع، وترك إعمالها حملا على «ما» أختها، وهي عند الكوفيين المخففة (¬5)، وشذ - ¬

_ (¬1) الأبيات لقاسم بن معن قاضي الكوفة، وهي من مجزوء الكامل وينظر فيها معاني القرآن للفراء (1/ 136)، والكافية الشافية (1/ 501)، والتذييل (2/ 297)، والأشموني (1/ 292)، وابن يعيش (7/ 9)، واللسان (طلح). اللغة: الرزاح: شدة الضعف في الإبل. الطلاح: شجر طويل يستظل به الإنسان والإبل. والشاهد قوله: (أن تهبطين) حيث جاء خبر «أن» المخففة جملة فعلية مصدرة بمضارع متصرف غير مفصول منها بفاصل. (¬2) نسب ابن خالويه في مختصر شواذ القرآن له (ص 14) هذه القراءة إلى مجاهد، وتنظر هذه القراءة أيضا في الكشاف (1/ 95) وفيه: «وأن تتم الرضاعة وأن يتم الرضاعة برفع الفعل تشبيها لأن بما لتآخيهما في التأويل. اه. وانظر روح المعاني للألوسي (1/ 437). (¬3) سورة البقرة: 233. (¬4) الأبيات من البسيط وهي لقائل مجهول، وينظر فيها مجالس ثعلب (1/ 322 - 323)، والمصنف (1/ 278)، وابن يعيش (7/ 15)، (8/ 143)، والإنصاف (2/ 563)، والتذييل (2/ 777)، والمغني (1/ 30)، (2/ 697)، وشرح شواهده (1/ 100)، والتصريح (2/ 232)، والخزانة (3/ 59)، والعيني (4/ 380)، والأشموني (3/ 297). والشاهد قوله: (أن تقرآن) حيث وقع بعد «أن» فعل متصرف مرفوع و «أن» عند البصريين مصدرية أهملت حملا على ما «المصدرية»، وعند الكوفيين مخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل. (¬5) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 234)، والمغني (1/ 30).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوعها موقع الناصبة كما شذ وقوع الناصبة موقع المخففة في قول جرير: 1016 - نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا ... أن لا يدانينا من خلقه بشر (¬1) وقول الكوفيين عندى أولى بالصواب، فإنه لا يلزم منه إهمال ما وجب له الإعمال ومما يؤيده قول الشاعر: 1017 - رأيتك أحييت النّدى بعد موته ... فعاش النّدى من بعد أن هو خامل (¬2) فوصل «أن» بجملة اسمية وليس قبلها فعل قلبي ولا معناه، وكل موضع هو كذا فهو «لأن» الناصبة للفعل وأن الناصبة للفعل لا توصل بجملة اسمية، فصح وقوع المخففة موقع الناصبة وهو المراد، وقريب من قوله: «أن هو خامل» قول الآخر: 1018 - فلا تلهك الدّنيا عن الدين واعتمل ... لآخرة لا بدّ عن ستصيرها (¬3) أبدل همزة «أن» عينا وحسن وقوع المخففة هنا لأنّ «لا بد» تجرى مجرى اليقين وتخفف «كأنّ» فلا تلغى، بل تعمل إعمال «أن» المخففة، إلا أنّ خبرها إذا قدر اسمها لا يلزم كونه جملة، بل قد يكون مفردا، بخلاف خبر «أن» (¬4) إذا قدر اسمها وإن كان جملة جاز كونها فعلية مبدوءة «بلم» كقوله تعالى كَأَنْ لَمْ تَغْنَ - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وهو في الأشموني (3/ 282)، والهمع (2/ 2)، والدرر (2/ 2)، وديوان جرير (261). والشاهد قوله: (قد علموا ... أن لا يدانينا) حيث وقعت «أن» الناصبة موقع «أن» المخففة من الثقيلة وهذا شاذ. (¬2) لم أجد هذا البيت ولم أهتد إليه إلا في حاشية الشيخ محيي الدين على الأشموني (1/ 517، 518). وهو من بحر الطويل لقائل مجهول. والشاهد قوله: (بعد أن هو خامل) حيث وصلت «أن» بالجملة الاسمية وليس قبلها فعل قلبي ولا ما في معناه. (¬3) البيت من بحر الطويل وهو لقائل مجهول. والشاهد فيه قوله: (لا بد عن ستصيرها) حيث أبدل همزة «أن» عينا وأوقع «أن» المخففة موقع الناصبة وحسن ذلك لأن قوله (لا بدّ) يجري مجرى اليقين. (¬4) ينظر المطالع السعيدة (ص 234)، وابن الناظم (69 - 70)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 357).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْأَمْسِ (¬1)، أو «بقد» كقول الشاعر: 1019 - لا يهولنّك اصطلاء لظى الحر ... ب فمحذورها كأن قد ألمّا (¬2) أو ابتدائية كقول الشاعر: 1020 - ووجه مشرق النّحر ... كأن ثدياه حقّان (¬3) أو شرطية كقول الآخر (¬4). 1021 - وي كأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (¬5) ومثال إفراد الخبر مع تقدير الاسم: قول الشاعر: 1022 - ويوما توافينا بوجه مقسّم ... كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة يونس: 24. (¬2) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 782)، والارتشاف (2/ 154)، والعيني (2/ 306)، والتصريح (1/ 235)، والأشموني (1/ 294)، وشذور الذهب (350). والشاهد قوله: (كأن قد ألما) حيث خففت «كأن» فعملت في اسم محذوف وخبرها جملة فعلية مقترنة بقد. (¬3) البيت من الهزج، وهو من الأبيات الخمسين المجهولة القائل، وهو في الكتاب (2/ 135)، والتذييل (2/ 781) وأمالي الشجرى (1/ 237)، (2/ 3، 243)، والمحتسب (1/ 9)، والمنصف (3/ 128)، والإنصاف (1/ 197)، وابن يعيش (8/ 72)، وابن الناظم (70)، والهمع (1/ 43)، والأشموني (1/ 293)، والعينى (2/ 305). والشاهد فيه: تخفيف «كأن» مع حذف اسمها ومجيء الخبر جملة اسمية: ويروى أيضا: (وصدر) مكان (ووجه). (¬4) هو زيد بن عمرو بن فعتل وقيل: سعيد بن زيد الصحابي أحد العشرة المبشرين بالجنة كما في شرح شواهد المغني (2/ 787). (¬5) البيت من الخفيف. وهو في مجالس ثعلب (1/ 322)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 312)، والكتاب (2/ 155)، والمحتسب (2/ 155)، والتذييل (2/ 781)، والمغني (2/ 369)، وابن يعيش (4/ 79) والخزانة (3/ 95)، والأشموني (1/ 199)، والهمع (2/ 106)، والدرر (2/ 139). والشاهد قوله: (كأن من يكن له نشب يحبب) حيث خففت «كأن» فعملت في اسم محذوف وخبرها جملة شرطية. (¬6) تقدم. والشاهد فيه هنا: وقوع الخبر مفردا مع تقدير اسم «كأن»، وذلك على وجه الرفع في «ظبية».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي كأنها ظبية. ويروى بالنصب على حذف الخبر والتقدير: كأن ظبية عاطية المذكورة، وهذا من عكس التشبيه، ويروى بالجر على زيادة «أن» شذوذا. وفي «لعلّ» عشر لغات: لعلّ، علّ، لعنّ، عنّ، لأنّ، أنّ، رعنّ، رغنّ، لعنّ، لعلّت. فالستة المتقدمة مشهورة والأربعة الباقية قليلة الاستعمال، وأقلها استعمالا «لعلت» ذكرها أبو علي في التذكرة (¬1). ومن ورود «أنّ» بمعنى «لعل» ما حكاه الخليل من قول بعض العرب: إيت السوق أنّك تشتري لنا شيئا (¬2). واستشهد الأخفش على ذلك بقول الراجز (¬3): 1023 - قلت لشيبان ادن من لقائه ... أنّا نغذّي القوم من شوائه (¬4) ومنه قراءة غير ابن كثير وأبي عمرو: أنها إذا جاءت (¬5) بالفتح (¬6). وقال امرؤ القيس في «لأنّ»: 1024 - عوجا على الطّلل المحيل لأنّنا ... نبكي الدّيار كما بكى ابن خذام (¬7) وقال [2/ 129] الفرزدق في لعنّ: - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 789)، وينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 446 - 447) ط. العراق، وقد أوصل السيوطي هذه اللغات في «لعل» إلى ثلاث عشرة لغة. ينظر الهمع (1/ 134). (¬2) الكتاب (3/ 123)، وينظر معاني القرآن للزجاج (2/ 310). (¬3) هو أبو النجم العجلي، وقيل أبو ذؤيب الهذلي. (¬4) الرجز في الكتاب (3/ 116)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 192)، وشرح السيرافي الكتاب (1/ 109)، تحقيق د. سيد شرف الدين، والتذييل (2/ 792)، والإنصاف (2/ 591). ويروى أيضا: (كما تغذى القوم) مكان (أنا نغذي القوم) ولا شاهد على هذه الرواية. والشاهد قوله: (أنا نغذي القوم) حيث استعملت «أنّ» استعمال (لعلّ)، وهي لغة فيها. والتقدير: لعلنا نغذي القوم. (¬5) سورة الأنعام: 109. (¬6) قراءة الفتح لحفص وحمزة والكسائي. ينظر الحجة لابن خالويه (147)، وشرح طيبة النشر (282)، ومعاني القرآن للزجاج (2/ 310). (¬7) البيت من الكامل. وهو في ابن يعيش (8/ 79)، والعمدة لابن رشيق (1/ 54)، والتوطئة (212)، وشرح شواهد الكشاف (128)، والخزانة (2/ 234)، والهمع (1/ 134)، والدرر (1/ 111)، وديوان امرئ القيس (114)، ورصف المباني (127). اللغة: المحيل: الذي أتى عليه الحول. ابن خذام: شاعر قديم من طيئ. والشاهد قوله: (لأنّنا نبكي الديار)، حيث استعملت «لأنّ» لغة في لعلّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1025 - ألستم عائجين بنا لعنّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام (¬1) وإذا كان الاسم في هذا الباب وغيره اسم معنى؛ جاز كون الخبر فعلا مقرونا «بأن» كقولك: إن الصلاح أن تعصي الهوى، فلو كان الاسم اسم عين امتنع ذلك، كما يمنع في الابتداء، وقد يستباح في «لعلّ» حملا على «عسى» (¬2) ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لعلّك أن تخلّف فينتفع بك أقوام ويضرّ بك آخرون» (¬3) وروى أبو زيد (¬4) أن بني عقيل يجرون بلعل مفتوحة الآخر ومكسورته (¬5) ومن شواهد ذلك قول الشاعر: 1026 - لعلّ الله يمكنني عليها ... جهارا من زهير أو أسيد (¬6) وروى الفراء أيضا الجر «بعلّ» وأنشد: 1027 - علّ صروف الدّهر أو دولاتها ... تدلينا اللّمّة من لمّاتها (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر وهو في الإنصاف (1/ 225)، والتذييل (2/ 790)، وشرح شواهد الشافية (4/ 464، 466)، والتصريح (1/ 192)، واللسان (لعن) وديوانه (835). ويروى أيضا برواية: (هل أنتم عائجون) مكان (ألستم عائجين)، كما يروى: (ألا يا صاحبي قفا لعنا) في الشطر الأول. والشاهد قوله: (لعنّا .. نرى) حيث وردت «لعنّ» بالعين المهملة والنون، وهي لغة في «لعل». (¬2) في الكتاب (3/ 160)، وقد يجوز في الشعر أيضا: لعلّي أن أفعل بمنزلة: عسيت أن أفعل. اه. وينظر هذه المسألة في التذييل (2/ 793). (¬3) حديث شريف وهو في صحيح البخاري (2/ 72)، وسنن أبي داود/ كتاب الوصايا. (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) ينظر التوطئة (219)، والمغني (1/ 286)، (2/ 440)، وتعليق الفرائد (1150)، هو خالد ابن جعفر بن كلاب بن عامر بن صعصعة. (¬6) البيت من الوافر وهو في التذييل (2/ 794)، والأغاني (11/ 94)، والتوطئة (219)، والخزانة (4/ 370، 375)، والتصريح (2/ 3). والشاهد قوله: (لعل الله) حيث جر لفظ الجلالة «بلعلّ» مفتوحة اللام الأخيرة. (¬7) الرجز لقائل مجهول، وهو في معاني القرآن للفراء (3/ 9، 235)، والخصائص (1/ 316)، والإنصاف (1/ 220)، والمغني (1/ 155)، وشرح شواهده (1/ 454)، والتذييل (2/ 795)، ولم يستشهد الفراء بهذا البيت على الجر «بعل» كما ذكر المصنف هنا وإنما استشهد به على جواز النصب بعد الفاء في «علّ». اللغة: يدلينا: من أداله الله أي نصره. اللمة: الشدة. والشاهد فيه قوله: (علّ صروف الدهر) حيث جر (صروف) بعلّ كما ذكر المصنف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزعم أبو علي أن «لعل» خففت وأعملت في ضمير الشأن محذوفا، ووليها في اللفظ لام الجر مفتوحا تارة ومكسورا تارة، والجر به. و «لعلّ» على أصلها (¬1)، ولا يخفى ما في هذا من التكلف (¬2). انتهى كلام المصنف (¬3). ونتبعه بذكر أمور: منها: أن صاحب البسيط نقل أن الخلاف الذي في «ظننت أن زيدا قائم» هو أيضا في ليت أن زيدا قائم، فرأى الأخفش أن الخبر محذوف هنا كما أن المفعول الثاني محذوف هناك (¬4) ورأى سيبويه: أنها سدت مسد المفعولين في «ظننت»، فكذلك هنا (¬5) وقال ابن الدهان (¬6): تكتفي ليت «بأن» مع الاسم ولا تكتفي «بأن» مع الفعل عند المحققين. كذا نص ابن السراج وهما مصدريان، وذلك لظهور الخبر مع أن (¬7). انتهى. وهذا بخلاف الحال في باب ظن، فإنه يكتفى فيه «بأن» مع الفعل (¬8). قال الله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا (¬9). ومنها: أن الشيخ نقل أن الأخفش لم يقتصر على «لعلّ» في إجرائها مجرى «ليت» كما ذكر المصنف، بل نصّ على أن «لعلّ» و «لكنّ» و «كأنّ» في هذا الحكم سواء، فيجيز: (لكنّ أنك منطلق)، و (كأنّ أنك منطلق)، كما يجيز: (لعل أنكّ منطلق) قال الجرمي (¬10): وهذا كله رديء في القياس، لأن «أن» لا يبتدأ بها، وقال الشيخ: وأجاز هشام: إنّ أنّ زيدا منطلق حقّ بمعنى إن إطلاق زيد حق. انتهى (¬11). ولا يخفى أن لا معول على شيء من ذلك، إذ لا ثبوت له عن العرب: ويكفي - ¬

_ (¬1) لمراجعة رأي الفارسي ينظر التذييل (2/ 796)، والمغني (1/ 286)، والهمع (1/ 143). (¬2) رد ابن هشام رأي أبي عليّ الفارسيّ بقوله: وهذا تكلف كثير، ولم يثبت تخفيف «لعلّ»، ثم هو محجوج بنقل الأئمة أن الجر «بلعلّ» لغة قوم بأعيانهم. اه. المغني (1/ 286). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 47). (¬4) ينظر تعليق الفرائد (1136). (¬5) ينظر الكتاب (1/ 125 - 126). (¬6) سبقت ترجمة ابن الدهان، وتوفي سنة (569 هـ). (¬7) ينظر تعليق الفرائد (1136). (¬8) ينظر الهمع (1/ 152). (¬9) سورة العنكبوت: 3. (¬10) سبقت ترجمته. (¬11) التذييل (2/ 764).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في رده نبو الطباع عن التكلم به. ومنها: أنه قد يسأل فيقال: ما الذي أحوج إلى تقدير اسم «لأن» إذا خففت محذوف وهلا ادعى فيها الإلغاء؟ والجواب: أن سبب إعمالها الاختصاص بالاسم، فما دام لها الاختصاص ينبغي أن يعتقد أنها عاملة ويدل على أنها عندهم باقية على الاختصاص: كونهم استقبحوا وقوع الأفعال بعدها دون فصل، إلا أن تكون الأفعال شبيهة بالأسماء لعدم تصرفها (¬1)، لا يقال: سبب الفصل جعل تلك الحروف عوضا عن الاسم المحذوف، لأنه لو كان السبب ذلك، لزم الفصل بينها وبين الجملة الاسمية وهم لا يفعلون ذلك (¬2). قال الله تعالى: [2/ 130] وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬3). وقد تكلم سيبويه على هذا فقال: لأنهم لم يحلوا به هاهنا يعني بالاسم - لأنهم أقروا بعدها المبتدأ والخبر كما كانوا يفعلون لو شددوا. فأما إذا حذفوا وأولوها الفعل الذي لم يكن يليها فكرهوا أن يجعلوا عليها الحذف ودخولها على ما لم يكن يليها مثقلة، فجعلوا هذه الحروف عوضا (¬4). ومنها: أن سيبويه أجاز في «أن» المخففة أن تلغى لفظا وتقديرا كما ألغيت «إنّ» إذا خففت، وتكون حرفا مصدريّا لا يعمل شيئا كبعض الحروف المصدرية. - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 436 - 437) ط. العراق، والهمع (1/ 142). (¬2) جعل معظم النحاة سبب الفصل بين «أن» المخففة والفعل جعل تلك الحروف التي يفصلون بها - وهي لا وقد والسين وسوف - عوضا مما لحق «أن» من التغيير وهو حذف أحد النونين والاسم. يقول الأنباري في الإنصاف (1/ 205): «ولا تخفف من غير واحد من هذه الأحرف لأنهم جعلوها عرضا مما لحق «أن» من التغيير، وكان التعويض مع الفعل أولى من الاسم وذلك لأن «أن» لحقها مع الاسم ضرب واحد من التغيير وهو الحذف، ولحقها مع الفعل ضربان: الحذف ووقوع الفعل بعدها». اه. وفي التصريح (1/ 233): «ويجب الفصل في غيرهن، ليكون عوضا مما حذفوا من «أنّه» وهو أحد النونين والاسم، أو لئلا يلتبس «بأن» المصدرية، ولما كان التغيير مع الفعل أكثر مما هو مع الاسم وما أشبهه؛ عوض مع الفعل المتصرف ولم يعوض مع الاسم وما أشبهه». اه. وإذا كان الشارح هنا يمنع أن يكون سبب الفصل هو جعل تلك الحروف عوضا من الاسم المحذوف؛ فلعله يرى أن يكون سبب الفصل هو عدم الالتباس بأن المصدرية، وهو السبب الثاني الذي ذكره صاحب التصريح في نصه السابق. أو أنه يجعلها عوضا ولكن ليس من الاسم المحذوف، بل من أحد نوني «أنّ». (¬3) سورة يونس: 10. (¬4) الكتاب (3/ 168 - 169) بالمعنى.

[حكم المعطوف على اسم إن ولكن وبقية نواسخ هذا الباب]

[حكم المعطوف على اسم إنّ ولكنّ وبقية نواسخ هذا الباب] قال ابن مالك: (فصل؛ يجوز رفع المعطوف على اسم «إنّ» و «لكنّ» بعد الخبر بإجماع لا قبله مطلقا، خلافا للكسائي، ولا بشرط خفاء إعراب الاسم خلافا للفرّاء. وإن توهّم ما رأياه قدّر تأخير المعطوف أو حذف خبر قبله، و «أنّ» في ذلك كـ (إنّ) على الأصحّ، وكذا البواقي عند الفرّاء والنّعت وعطف البيان والتّوكيد كالمنسوق عند الجرمي والفرّاء والزّجّاج. وندر: إنّهم أجمعون ذاهبون. وإنّك وزيد ذاهبان، وأجاز الكسائيّ رفع المعطوف على أوّل مفعولي «ظنّ» إن خفي إعراب الثّاني). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال سيبويه: «ولو خففوا (أنّ) وأبطلوا عملها في المظهر والمضمر وجعلوها «كإنّ» إذا خففت لكان وجها قويّا» (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): نصب المعطوف على اسم «إنّ» مستغن عن التنبيه عليه لأنه كالعطف على لفظ سائر المعمولات، ولا فرق في ذلك بين إنّ وأخواتها ولا بين وقوعه قبل الخبر ووقوعه بعده (¬3). ومثال وقوعه قبل الخبر، قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ (¬4) الآية. ومثال وقوعه بعد الخبر، قول الراجز: 1028 - إنّ الربيع الجود والخريفا ... يدا أبي العبّاس والصّيوفا (¬5) أراد: إن الربيع الجود والخريف والصّيوف يدا أبي العباس. - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 165)، وينظر الهمع (1/ 142)، وقد ذكر أن هذا مذهب سيبويه والكوفيين. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 48). (¬3) ينظر التصريح (1/ 226)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 349)، وشرح الألفية لابن الناظم (67). (¬4) سورة الأحزاب: 35. (¬5) الرجز لرؤبة، وهو في الكتاب (2/ 145)، والمقتضب (4/ 111)، والتذييل (2/ 805)، وملحقات ديوان رؤبة (ص 179)، والهمع (1/ 144)، والدرر (2/ 200)، والتصريح (1/ 226)، والعيني (2/ 261)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 68)، وشرح الكافية الشافية (1/ 510). اللغة: الجود: المطر الغزير، الصيوف: جمع صيف والمراد به الربيع والخريف والصّيوف أمطارهن، وأبو العباس: هو السفاح عبد الله بن محمد بن علي أول الخلفاء العباسيين. والشاهد قوله: (والصيوفا) حيث عطفه على لفظ اسم إنّ وهو الربيع بعد ذكر الخبر وهو (يدا أبي العباس).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي لا يستغنى عن التنبيه عليه رفع المعطوف، وهو على ضربين: أحدهما: مشترك فيه، وهو العطف على الضمير المرفوع بالخبر. والثاني: العطف على معنى الابتداء، وهو عند البصريين مخصوص «بإنّ» «ولكنّ» ومشروط بتمام الجملة قبله (¬1). ومثاله مع «إنّ» قول الشاعر: 1029 - إن النّبوّة والخلافة فيهم ... والمكرمات وسادة أطهار (¬2) ومثله قول الآخر: 1030 - فمن يك لم ينجب أبوه وأمّه ... فإنّ لنا الأمّ النّجيبة والأب (¬3) ومثاله مع «لكن»، قول الآخر: 1031 - وما زلت سبّاقا إلى كلّ غاية ... بها تقض في النّاس مجد وإجلال وما قصّرت بي في التّسامي خؤولة ... ولكنّ عمّي الطيّب الأصل والخال (¬4) وهذا العطف المشار إليه، ليس من عطف المفردات كما ظن بعضهم، بل هو من عطف الجمل، ولذا لم يستعمل إلا بعد تمام الجملة أو تقدير تمامها (¬5)، ولو كان من - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، وشرح الألفية للمرادي (ص 349 إلى 350)، واللمع لابن جني (ص 126)، وإصلاح الخلل (170). (¬2) البيت من الكامل لجرير وهو في الكتاب (2/ 145)، وابن يعيش (8/ 66)، والعيني (2/ 263)، والشواهد في النحو العربي (ص 294)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67). والشاهد فيه: عطف (المكرمات) على الضمير المستكن في الخبر وهو (فيهم). (¬3) البيت من الطويل، لقائل مجهول، وهو في التذييل (2/ 805)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والهمع (2/ 144)، الدرر (2/ 199)، والأشموني (1/ 285)، والعيني (2/ 265)، والتصريح (1/ 227)، وأوضح المسالك (1/ 94). والشاهد قوله: (فإن لنا الأم النجيبة والأب) حيث عطف «الأب» على الضمير المستكن في الخبر وهو «لنا». (¬4) البيتان من الطويل لقائل مجهول. وهما في التذييل (2/ 806)، والتصريح (1/ 227)، والهمع (2/ 144)، والدرر (2/ 202)، والأشموني (1/ 287)، والعيني (2/ 316)، وأوضح المسالك (1/ 94). والشاهد قوله: (ولكن عمي الطيب والخال) حيث عطف الخال على محل اسم (لكن) بعد استكمال الخبر. (¬5) في حاشية يس على التصريح (1/ 226): «وعلى هذه المذاهب يفرع اختلافهم، هل هذا العطف من عطف الجمل أم المفردات؟ فمن زعم أنه مرفوع بالابتداء والخبر محذوف اعتقد أنه من عطف الجمل، ومن زعم أنه معطوف على اسم «إنّ» وما عملت فيه اعتقد أنه من عطف المفردات، قال من نحا إلى هذا المذهب: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف المفردات لكان وقوعه قبل التمام أولى؛ لأنّ وصل المعطوف بالمعطوف عليه أجود من فصله ولو كان من عطف المفردات [2/ 131] لجاز رفع غيره من التوابع، ولم يحتج سيبويه في قوله تعالى قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (¬1) إلى أن يجعل عَلَّامُ الْغُيُوبِ خبر مبتدأ أو بدلا من فاعل يَقْذِفُ (¬2)، وأيضا فإن وأخواتها مشبهة بالأفعال لفظا ومعنى واختصاصا (¬3)، فلا عمل للابتداء بعد دخولها (¬4) كما لا عمل له بعد دخول الأفعال الناسخة (¬5). ولقوة شبهها بالأفعال لم يبطل عملها بالفصل في نحو: إن فيك زيدا راغب (¬6)، ولا بتقديم المسند في نحو: إن عندك زيدا، ولا بالحذف مع دليل كقراءة حمزة والكسائي (¬7): وفى خلقكم وما يبث من دابة آيات (¬8). بخلاف «ما» المشبهة بليس، و «لا» المشبهة بإنّ، فإنها ضعيفة الشبه وضعيفة العمل، ولذا لا تعمل في الخبر عند سيبويه (¬9) ويبطل عملها الفصل بإجماع، فلضعفها لم تنسخ عمل الابتداء لفظا (¬10) ومحلّا، بل هو باق تقديرا بعد دخولها، ولهذا ينعت اسمها باعتبار المحل رفعا، ولم يفعل ذلك باسم «إنّ» والحاصل: أن عمل الابتداء بعد دخول إنّ وأخواتها منسوخ لفظا - ¬

_ - الأصل في هذه المسألة: عطف الجمل إلا أنهم لما حذفوا الخبر لدلالة ما تقدم عليه أنابوا حرف العطف مكانه ولم يقدروا إذ ذاك الخبر المحذوف في اللفظ لئلا يكون جمعا بين العوض والمعوض منه فأشبه عطف المفردات من جهة أن حرف العطف ليس بعده في اللفظ إلا مفردا وهو يخالف ما قاله الرضي ويوافق ما قاله شيخنا. اه. وينظر المسألة في حاشية الصبان (1/ 285)، والهمع (2/ 144)، ومغني اللبيب (2/ 474)، وشرح الألفية للمرادى (1/ 350)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والتذييل (2/ 800798)، والقول بأنه من عطف الجمل هو مذهب الجمهور. وانظر أيضا شرح الرضي على الكافية (2/ 352 - 353). (¬1) سورة سبأ: 48. (¬2) الكتاب (2/ 147). (¬3) ينظر شرح الجمل الكبرى لابن هشام (ص 52)، تحقيق: علي توفيق محمد الحمد. (¬4) يرى السهيلي غير ما يراه ابن مالك هنا، فإنه يرى أن «إنّ» لم تعمل في الخبر شيئا وإنما هى عاملة في الاسم فقط، فهو - أي السهيلي - يتفق مع ابن مالك في عملها في الاسم ويختلف معه في عملها في الخبر، وينظر نتائج الفكر للسهيلي (ص 342 - 343) ط جامعة قاريونس. (¬5) ينظر شرح السيرافي لكتاب سيبويه (1/ 102)، تحقيق د. سيد شرف الدين. (¬6) ينظر الكتاب (2/ 131 - 132). (¬7) ينظر الحجة لابن خالويه (ص 325)، وإملاء ما من الرحمن للعكبري (2/ 232)، وشرح طيبة النشر (ص 393 - 494). (¬8) سورة الجاثية: 4. (¬9) ينظر الكتاب (2/ 175). (¬10) ينظر التذييل (2/ 812)، والمقتضب (4/ 382).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومحلّا كانتساخه بـ «كان» و «ظنّ»، إلا أنّ «إنّ» و «لكنّ» لم يتغير بدخولها معنى الجملة، ويتغير بدخول «كأن» و «ليت» و «لعل» فجاز أن يعطف على مصحوبي «إنّ» و «لكنّ» مبتدأ مصرح بخبره ومحذوف خبره، كما يجوز ذلك بعد المبتدأ والخبر لبقاء المعنى على ما كان عليه (¬1)، ولكون الخبر الموجود صالحا للدلالة على المحذوف إذ لا تخالف بينهما، بخلاف خبر «كأن» و «ليت»، و «لعل» فإنه مخالف لخبر المبتدأ المجرد، فلا يغني أحدهما عن الآخر. فلو كان خبر المعطوف مخالفا لزم ثبوته نحو [قوله تعالى]: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (¬2). ومثله [قوله تعالى]: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها (¬3)، وقرأ حمزة بنصب (الساعة) (¬4)، ولم يختلف في رفع وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (¬5). وحمل سيبويه ما أوهم العطف قبل التمام على التقديم والتأخير، فالتقدير عنده في [قوله تعالى]: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى (¬6): إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك (¬7). وأسهل من التقديم والتأخير تقدير خبر قبل العاطف مدلول عليه بخبر ما بعده (¬8) كأنه قيل: إن الذين آمنوا فرحون، والذين هادوا والصائبون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فإن حذف ما قبل العاطف لدلالة ما بعده مقطوع بثبوته في كلام العرب قبل دخول إنّ كقول الشاعر (¬9): 1032 - نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرّأي مختلف (¬10) - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 68)، والمقتضب (4/ 383)، وإصلاح الخلل (174). (¬2) سورة الجاثية: 19. (¬3) سورة الجاثية: 32. (¬4) ينظر إملاء ما من به الرحمن (2/ 233). (¬5) سورة الجاثية: 19. (¬6) سورة المائدة: 69. (¬7) الكتاب (2/ 155). (¬8) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 451) ط. العراق. (¬9) قيل إنه قيس بن الحطيم، أو عمرو بن امرئ القيس، أو زرهم بن زيد الأنصاري كما في الخزانة (3/ 168)، والأغاني (2/ 154). (¬10) البيت من المنسرح وهو الكتاب (1/ 75)، والمقتضب (3/ 112)، (4/ 73)، وأمالي الشجرى (1/ 96، 310)، والتذييل (2/ 803)، والانتصاف (1/ 95)، ومغني اللبيب (2/ 622)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد دخولها كقول الآخر: 1033 - خليليّ هل طبّ فإنّي وأنتما ... وإن لم تبوحا بالهوى دنفان (¬1) فتقدير الأول: نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض وتقدير الثاني: فإني دنف، وأنتما دنفان. وأنشد سيبويه قول الفرزدق: 1034 - إني ضمنت لمن أتاني ما جنى ... وأبي فكان وكنت غير غدور (¬2) [2/ 132] ثم قال: ترك أن يكون للأول خبر حين استغنى بالآخر (¬3) ومثل «إنّ» و «لكنّ» في رفع المعطوف على معنى الابتداء «أنّ» إذا تقدمها علم أو معناه (¬4)؛ فمعناه كقوله تعالى وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (¬5)، وصريح العلم كقول الشاعر (¬6): 1035 - وإلّا فاعلموا أنّا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق (¬7) تقديره عند سيبويه: فاعلموا أنا بغاة وأنتم كذلك، حمله على التقديم والتأخير، - ¬

_ - والعيني (1/ 557)، والهمع (2/ 109)، والدرر (2/ 142)، والأشموني (3/ 152)، وملحقات ديوان قيس (173)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 363)، وديوان حسان (ص 28)، ومعاني القرآن للزجاج (2/ 493)، والشاهد قوله: (نحن بما عندنا) حيث حذف ما قبل العاطف لدلالة ما بعده عليه وليس في الكلام (إنّ). (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في مغني اللبيب (2/ 475، 622)، وشرح شواهده (2/ 866)، والتذييل (2/ 803)، والتصريح (1/ 229)، والأشموني (1/ 196)، والعيني (2/ 274). والشاهد فيه: حذف خبر «أن» قبل العاطف لدلالة ما بعده عليه وهو قوله (دنفان). (¬2) البيت من الكامل وهو في الكتاب (1/ 76)، والإنصاف (1/ 95)، والتذييل (2/ 804)، والرد على النحاة لابن مضاء (ص 91)، وليس في ديوان الفرزدق، وشرح السيرافي للأبيات (1/ 226). والشاهد فيه قوله: (فكان وكنت غير غدور) حيث حذف خبر «كان» الأول في «فكان» قبل العاطف لدلالة ما بعده عليه. (¬3) الكتاب (1/ 76). (¬4) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 350)، وشرح الأشموني (1/ 287)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 353). (¬5) سورة التوبة: 3. (¬6) محمد بشر بن أبي حازم الأسدي (معجم الشواهد العربية 1/ 251). (¬7) البيت من الوافر وهو في الكتاب (2/ 165)، والإنصاف (1/ 190)، وشرح الرضي على الكافية في الكتاب (2/ 353)، وابن يعيش (8/ 69، 70) وأوضح المسالك (1/ 95)، والتصريح (1/ 228)، وديوانه (165)، والتذييل (2/ 811)، برواية (ما حيينا) بدل (ما بقينا)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما حمل آية المائدة، فسوى بين «إنّ»، و «أنّ» (¬1) فصح أن من فرق بينهما على الإطلاق مخالف لسيبويه، وجعل من هذا القبيل قوله تعالى (¬2): أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ (¬3). وزعم قوم أنه إنما أورده بكسر الهمزة وهي قراءة الحسن (¬4)، وهو بعيد من عادة سيبويه (¬5) فإنه إذا استدل بقراءة تخالف المشهور لا يستغني عما يشعر بذلك كما فعل إذا ورد (إذا لا يلبثوا خلفك إلا قليلا) (¬6)، (¬7)، وأجاز الكسائي رفع المعطوف بعد «إنّ» قبل الخبر مطلقا فيقول: إنّ زيدا وعمرو قائمان. وإنك وزيد ذاهبان. ووافقه الفراء إن خفي إعراب الاسم نحو: إنك وزيد ذاهبان (¬8). وكلا المذهبين ضعيف لأن «إنّ» وأخواتها قد ثبت قوة شبهها بكان وأخواتها، فكما امتنع بكان أن يكون للجزأين إعراب في المحل يخالف إعراب اللفظ؛ يمنع بإنّ. ولو جاز أن يكون اسم إنّ مرفوعا بالمحل باعتبار عروض العامل لجاز أن يكون خبر كان مرفوع المحل بذلك الاعتبار لتساويهما في أصالة الرفع وعروض - ¬

_ - ومعاني القرآن للفراء (1/ 311)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 51)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 51)، وتعليق الفرائد (1158)، والكافية الشافية (1/ 513)، والخزانة (4/ 315)، استطرادا (324)، والعيني (4/ 315)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والبهجة المرضية (38)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 348). اللغة: بغاة: جمع باغ وهي هنا بمعنى طالب من قولك: بغيت الشيء أبغيه إذا أردت طلبه. والشاهد قوله: (أنا وأنتم بغاة) حيث عطف ضمير الرفع (أنتم) على محل اسم (أن) المبني قبل استكمال الخبر. (¬1) ينظر الكتاب (2/ 155 - 156). (¬2) ينظر الكتاب (2/ 144). (¬3) سورة التوبة: 3. (¬4) ينظر الكشاف (1/ 313)، وفيه: «وقرئ «إن الله» بالكسر لأن الأذان في معنى القول». اه. وينظر البحر المحيط (5/ 6). (¬5) راجع في هذه المسألة إصلاح الخلل (174). (¬6) سورة الإسراء: 76. (¬7) الكتاب (3/ 13)، وإشعار سيبويه بمخالفة هذه القراءة المشهورة هو قوله: (وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف، «وإذن لا يلبثوا خلفك إلا قليلا» وسمعنا بعض العرب قرأها فقال: (وإذن لا يلبثوا). اه. (¬8) ينظر معاني القرآن للفراء (1/ 311)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 354)، والإنصاف (1/ 186)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 137)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، وشرح الأشموني (1/ 286 - 287)، والمنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني (2/ 171)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 451).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النص، ولا حجة لهما فيما حكى سيبويه من قول بعض العرب: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان (¬1) لأن الأول تخرج على أن أصله إنهم هم أجمعون ذاهبون فهم مبتدأ وأجمعون توكيد وذاهبون خبر المبتدأ وهو وخبره خبر إنّ، وأصل الثاني: إنك أنت وزيد ذاهبان، فأنت مبتدأ وزيد معطوف وذاهبان خبر المبتدأ، والجملة خبر «إنّ» وحذف المتبوع وإبقاء التابع عند فهم المعنى جائز بإجماع، فالقول به راجح. وغلّط سيبويه من قال: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان، فقال: واعلم أن ناسا من العرب يغلطون فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان وذلك أن معناه معنى الابتداء فيرى أنه قال هم، كما قال: 1036 - لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا ... (¬2) وهذا غير مرضي منه رحمه الله تعالى (¬3)، فإن المطبوع على العربية - كزهير قائل البيت - لو جاز غلطه في هذا لم يوفق بشئ من كلام، بل يجب أن يعتقد الصواب في كل ما نطقت به العرب المأمون حدوث لحنهم بتغير الطباع. وسيبويه موافق على هذا ولولا ذلك ما قيل نادرا كلدن غدوة (¬4)، وهذا جحر ضبّ خرب (¬5)، وأجاز الفراء في المعطوف على اسم غير إنّ ما أجاز في المعطوف على اسم إنّ (¬6)، واستشهد بقول الراجز: - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 155). (¬2) تقدم، وينظر مغني اللبيب (2/ 474 - 475)، والمقرب (1/ 112)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 67)، والإنصاف (1/ 187 - 191). (¬3) روى ابن هشام في المغني كلام ابن مالك، وأوضح أن ابن مالك يفهم من عبارة سيبويه أن المراد بالغلط فيها هو الخطأ وخرج بن هشام كلمة الغلط في عبارة سيبويه بأن معناها التوهم، فقال بعد أن أورد العبارة: ومراده بالغلط ما عبر عنه غيره بالتوهم، وذلك ظاهر من كلامه ويوضحه إنشاده البيت - أي قول زهير - وتوهم ابن مالك أنه أراد بالغلط الخطأ فاعترض عليه بأنا متى جوزنا ذلك عليهم زالت الثقة بكلامهم وامتنع إن تثبت شيئا نادرا لإمكان أن يقال في كل نادر: إن قائله غلط. اه. المغني (2/ 478). (¬4) ينظر الكتاب (1/ 51، 58، 159، 210)، (2/ 281، 375)، (3/ 119). (¬5) ينظر الكتاب (1/ 436 - 437). (¬6) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 349)، والهمع (2/ 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1037 - يا ليتني وأنت يا لميس ... في بلد ليس له أنيس (¬1) [2/ 133] ولا حجة له فيه لأن تقديره: يا ليتني وأنت معي يا لميس، فحذف «معي» وهو وخبر «ليت» والجملة حالية واقعة بين اسم ليت وخبرها وأجاز الجرمي والزجاج والفراء رفع نعت الاسم بعد الخبر، وبمثل ذلك حكموا للتوكيد وعطف البيان (¬2)، وأجازوا أن يكون من ذلك قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (¬3). وأجاز الكسائي رفع المعطوف على أول مفعولي ظن إن خفي إعراب ثانيهما، نحو: ظننت زيدا صديقي وعمرو (¬4). انتهى كلام المصنف رحمه الله، ويتعلق به مباحث: الأول: قد عرف من كلامه أن المرفوع في نحو: إن زيدا قائم وعمرو مبتدأ محذوف الخبر، ولا شك أن هذا هو الحق. وقد أقام الدليل على ذلك، وعرف منه أيضا أن القائل بأنه من عطف المفردات، يقول: إنه معطوف على المنصوب باعتبار محله قبل دخول «إنّ». وقد أبطل المصنف ذلك، ولكن للقائلين بأنه من عطف المفردات - ¬

_ (¬1) الرجز لجران العود في الكتاب (1/ 263)، (2/ 322)، ومجالس ثعلب (1/ 262)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 15)، والمقتضب (2/ 319، 347)، (4/ 414)، والإنصاف (1/ 271)، وابن يعيش (2/ 80، 117)، (7/ 21)، (8/ 52)، والتذييل (2/ 822)، وشذور الذهب (ص 327)، والتصريح (1/ 353)، والهمع (1/ 225)، (2/ 144)، والدرر (1/ 192)، (2/ 202)، والأشموني (2/ 147)، وديوانه (ص 53)، والخزانة (4/ 197)، والعيني (3/ 107) وملحقات ديوان رؤبة (ص 176). ويروى الرجز برواية أخرى هي: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلّا العيس. ورواية الديوان: قد ندع المنزل يا لميس ... يعيش فيه السّبع الجروس ولا شاهد على هذه الرواية. والشاهد قوله: (يا ليتني وأنت) حيث عطف بالرفع على اسم ليت قبل استكمال الخبر على رأي من أجاز ذلك وهو الفراء. (¬2) في شرح الرضي على الكافية (2/ 354): «وعطف البيان والتوكيد كالمنسوق عند الجرمي والزجاج والفراء في جواز الحمل على المحل ولم يذكر غيرهم في ذلك لا منعا ولا إجازة، والأصل الجواز. إذ لا فارق، قال الزجاج: قوله تعالى: عَلَّامُ الْغُيُوبِ في قوله قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ صفة ربي، ويحتمل رفعه وجوها أخر. اه. وينظر الكتاب (2/ 147)، والهمع (2/ 144)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 118). (¬3) سورة سبأ: 48. (¬4) ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 355).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول آخر وهو أن المرفوع معطوف على موضع «إنّ» وما عملت فيه لأنها وما عملت فيه في موضع ذلك الاسم الذي كان مبتدأ قبل دخولها، وهذا هو الذي جنح إليه الفارسي (¬1)، ومن ثم قيل في المسألة مذاهب ثلاثة (¬2). وأما كون المرفوع يكون معطوفا على الضمير الذي في الخبر، فقد عده الشيخ مذهبا رابعا، ولا ينبغي ذلك لأن هذه مسألة برأسها (¬3)، والعطف على الضمير المستتر لا خصوصية له بهذا الباب، وإذا كان كذلك فلا يعد مذهبا. واعلم أن القائلين بأنه من عطف المفردات شبهتهم أنه سمع من لسان العرب: إنّ زيدا منطلق لا عمرو. قالوا: ولا يتصور أن يكون من قبيل عطف الجمل لأن «لا» لا يعطف بها إلا المفرد، ولو كان ما بعد «لا» مرفوعا بالابتداء وكانت «لا» حرف نفي مستأنفا ما بعدها لزم تكرارها. ولأجل هذا قال ابن خروف في قولهم: (إن زيدا منطلق لا عمرو) جاز الرفع وإن لم يجز الابتداء «بلا»، ومن هنا وقع الخلاف، إذ لا يقال في الابتداء: (لا عمرو قائم)، قال: فذكر «لا» هنا أوقع الخلاف بين النحويين في هذا المرفوع، وإنما دخلت «لا» هنا من حيث كان الاسم بعدها بصورة المعطوف؛ فجاز فيه ما لا يجوز في الابتداء (¬4). وجعل الشلوبين ذلك دليلا قاطعا على أن سيبويه يحمل على الموضع (¬5). ولا يتم ما قاله الشلوبين لأن كلام سيبويه يعطي خلاف ذلك، فإنه قال: وما يكون محمولا على «إنّ» فيشارك فيها الاسم الذي وليها ويكون محمولا على الابتداء (¬6): إنّ زيدا ظريف وعمرو، فيرفع على وجهين: فأحدهما حسن، وهو أن يكون محمولا على الابتداء، لأن معنى إنّ زيدا منطلق: زيد منطلق وإنّ توكيد والآخر ضعيف أن يكون محمولا على المضمر، فأحسنه أن يقول: هو وعمرو، فإن شئت جعلت الكلام على الأول فقلت: (إنّ زيدا منطلق وعمرا) (¬7). ولكنّ المثقلة - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 453) ط العراق، والإيضاح للفارسي (116). (¬2) ينظر التصريح (1/ 226)، والهمع (2/ 144). (¬3) ينظر التذييل (2/ 803)، وحاشية يس على التصريح (1/ 226). (¬4) التذييل (2/ 801). (¬5) ينظر التوطئة (ص 205)، والتذييل (2/ 801). (¬6) زاد في (ب) (لأن معنى) قبل قوله: إن زيدا ظريف وعبارة الكتاب: فأما ما حمل على الابتداء فقولك. (¬7) الكتاب (2/ 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في جميع الكلام بمنزلة «إنّ»، فإذا قلت: إنّ زيدا منطلق لا عمرو فتفسيره كتفسيره «مع الواو». وإذا نصبت فتفسيره كتفسيره مع الواو [2/ 134]. و «لعلّ» وكأنّ و «ليت» يجوز فيهن جميع ما جاز في «إنّ» إلا أنه لا يرتفع على الابتداء (¬1). انتهى. وهو كلام واف بالمقصود شاهد بصحة ما قرره المصنف. المبحث الثاني: لما جرى ذكر العطف على الموضع هنا قصدت أن أذكر الضابط له على طريقة المتأخرين، وذلك يستدعى ذكر تقسيم، وهو أن المعطوف عليه إمّا مبنيّ فيحمل على موضعه أبدا إلا في بابين، في باب «لا» (¬2)، والمبني في باب النداء (¬3). وإما معرب ولا موضع له؛ فيحمل على لفظه، نحو: قام زيد وعمرو، أو وله موضع بحق الفرعية ويكون ذلك في باب اسم الفاعل والصفة المشبهة «وليس» و «ما» تقول: هذا ضارب زيدا وأخيه وحسن وجها ويد، وليس زيد قائما ولا قاعد. وما زيد خارجا ولا ذاهب. فهذا ممتنع على مذهب الجمهور (¬4)، وأجازه البغداديون في البابين الأولين لأن الإضافة فيهما قد كثرت (¬5) وأجاز الفراء في البابين الآخرين لأنه قد كثرت زيادة الباء في خبريهما، وقد جاء: 1038 - بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ... ولا سابق ... البيت (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (2/ 801). (¬2) لأن اسم لا مختلف في إعرابه وبنائه إذا كان مفردا كما أنه مبني لتركيبه مع «لا» تركيب خمسة عشر لتضمنه معنى «من» الجنسية وأيضا لأن اسم «لا» إذا انفصل منها أصبح معربا. ينظر المقرب (1/ 190 - 191)، وشرح الألفية لابن الناظم (71)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 363)، وحاشية الخضرى (1/ 142)، والتصريح (1/ 235). (¬3) في الكتاب (2/ 186): «وتقول: يا زيد وعمرو، ليس إلا، لأنهما قد اشتركا في النداء في قوله يا، وكذلك يا زيد وعبد الله ويا زيد لا عمرو، وما زيد أو عمرو. لأن معنى هذه الحروف تدخل الرفع في الآخر كما تدخل في الأول، وليس ما بعدها بصفة ولكنه على يا. اه. وينظر أيضا (ص 283) من الكتاب. (¬4) وذلك لأنهم يشترطون في العطف على الموضع أن يكون الموضع بحق الأصالة والوصف المستوفي لشروط العمل الأصل إعماله لا إضافته لالتحاقه بالفعل (ينظر مغني اللبيب 2/ 474). (¬5) المرجع السابق. (¬6) تقدم برواية (ولا سابقا). واستشهد الشارح هنا على أن قوله (ولا سابق) بالجر معطوف على موضع «مدرك» وذلك على توهم دخول الباء عليها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان الموضع بحق الأصالة فإن لم يصرح به لم يجز الحمل عليه نحو: مررت بزيد وعمرو لأنهم لم يقولوا مررت زيدا إلا شاذّا ومنهم من أجازه، وإن صرح بالموضع فإما أن يتغير العامل حال التصريح عما كان عليه أو لا يتغير، إن تغير لم يجز الحمل، وذلك في بابين: الأول: اسم الفاعل والمفعول والصفة. الثاني: المصدر المنحل لأن مع الفعل نحو ضارب زيدا وعمرا، فسيبويه يمنعه (¬1)، وغيره يجيزه. وإن لم يتغير العامل جاز الحمل، وعدم تغير العامل هو الذي يعبرون عنه بالمحرز، وبهذا التقرير يعلم امتناع العطف على الموضع في نحو: إنّ زيدا قائم وعمرو، إذ لا محرز له. المبحث الثالث: ناقش الشيخ المصنف في كلامه من وجهين: أحدهما: قوله: رفع المعطوف على اسم إنّ واسم «إنّ» منصوب، قال: فكيف يجوز عطف المرفوع على المنصوب؟ والثاني: قوله: بإجماع، قال: وليس بصحيح، بل العطف بالرفع على موضع اسم إن فيه خلاف. والصحيح أن ذلك لا يجوز، والرفع إنما هو على الابتداء والخبر محذوف لدلالة الخبر قبله عليه (¬2). انتهى. والجواب عن هاتين المناقشتين في غاية الظهور: أما الأولى: فإن العطف إذا قلنا: إنه على اسم «إنّ» جاز أن يقال في المرفوع إنه عطف على الاسم، لأن العطف على اسم له محل يصح فيه أن يقال: عطف عليه باعتبار لفظه وعطف عليه باعتبار محله، وفي كلتا الحالتين يصح أن يقال عطف الاسم ويطلق القول، وكيف يتخيل أن مرفوعا معطوف على منصوب أعني على لفظه. وأما الثانية: فإن قوله: بإجماع يتعلق بقوله: يجوز الرفع لا بقوله: المعطوف على اسم إنّ. وكيف يتوهم ذلك في المصنف [2/ 135] مع قوله: وهذا العطف المشار إليه ليس من عطف المفردات - كما ظن بعضهم - بل هو من عطف الجمل فجعل - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (1/ 190 - 191). (¬2) التذييل (2/ 798).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كونه من عطف الجمل هو قول الجمهور، وجعل كونه من عطف المفردات هو قول بعضهم، فكيف ينسب إليه بعد هذا أنه يدعى أنه معطوف على اسم «إن» بالإجماع، لأنه إذا كان معطوفا على اسم «إنّ» كان من عطف المفرد على المفرد بلا شك. وأما إطلاق المصنف عليه أنه معطوف على اسم «إنّ»، فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أنه إطلاق مجازي لأنه في الصورة كالمعطوف عليه فشبه بالمعطوف على الاسم حقيقة. وإما أنه أرد العطف حقيقة، وذلك على قول من يرى أنه من عطف المفردات، ثم إنه صحح القول بأنه من عطف الجمل وهذا كما في كتب الفقه وغيرها، يذكر القول الضعيف ثم يذكر أن الأصح خلافه. المبحث الرابع: قد تقدم من كلام المصنف أن سيبويه غلط من قال: إنهم أجمعون ذاهبون، وإنك وزيدا ذاهبان (¬1)، إلى آخره وأن المصنف قال: إن ذلك غير مرضيّ من سيبويه إلى آخر الكلام، فقال الشيخ بعد إيراده ذلك: وفهم - يعني المصنف - من كلام سيبويه أن ناسا من العرب يغلطون حقيقة الغلظ، وأنهم لحنوا في ذلك، قال: ولم يرد سيبويه هذا المفهوم الذي فهمه المصنف، وإنما يريد أنه لم يشارك في الناصب وكأنه لم يتقدم ناصب بل ابتدأ بالاسم مرفوعا فأتبعه مرفوعا، فصار كأنه لم يذكر الناصب. وسمي هذا غلطا مجازا لا على جهة الحقيقة. قال: ولم يفهم أحد من الشراح ولا الشيوخ المأخوذ عنهم هذا العلم عن سيبويه (¬2) ما فهمه هذا المصنف، قال: وهذا كما قال في قوله تعالى: فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ (¬3)، فإنه - يعني سيبويه - سماه عطفا على التوهم كأنه قيل (أصدق، وأكن) ولا يريد التوهم حقيقة لاستحالة ذلك على الله تعالى، وإنما يريد أنه لم يتبع الثاني الأول في الإعراب، يعني بل راعى في إتباع الثاني الأول أمرا آخر يصح تلبس الأول به في هذا التركيب (¬4). انتهى. - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 155). (¬2) التذييل (2/ 802، 812، 813). (¬3) سورة المنافقون: 10. (¬4) التذييل (2/ 802، 812، 813).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الذي ذكره الشيخ عن الشراح والشيوخ من حمل كلام سيبويه على ما ذكروا هو الحق. وقبل وقوفي على كلام الشيخ قد كنت أفهم أن المراد من الغلط الذي أشار إليه سيبويه ما يقرب من المراد بالتوهم، أو ما هو المراد بالتوهم نفسه ولم أفهم منه أن المراد به الخطأ (¬1). المبحث الخامس: قال الشيخ: إن قول المصنف: بشرط خفاء إعراب الاسم يشمل أن يكون مبنيّا، وبه مثّلوه وأن يكون معربا لكن الإعراب فيه مقدر كالمقصور، والمضاف إلى ياء المتكلم. قال: وهو يحتاج إلى نقل مذهب الفراء في ذلك (¬2). المبحث السادس: قد عرفت أن المصنف أجرى «أنّ» مجرى «إنّ» و «لكنّ» في رفع المعطوف على معنى الابتداء، وأنه قيد ذلك في الشرح بأن يتقدمها علم أو معناه فعلم أنه لا يجريها مجراها مطلقا، وذكر أن هذا مذهب سيبويه، وأنه جعل من هذا القبيل قوله تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [2/ 136] وَرَسُولُهُ (¬3). وأن قوما زعموا أن سيبويه إنما أورد الآية الكريمة بكسر الهمزة، وهي قراءة الحسن (¬4)، واستبعد المصنف ذلك كما تقدم، فقال الشيخ (¬5): ما زعمه قوم من إنه بكسر الهمزة هو مضبوط في الكتاب بكسر الهمزة مصححا في نسخ الشيوخ المأخوذ عنهم الكتاب رواية ودراية. قال: ويدل على ذلك أنه لم يذكر في باب ما كان محمولا على «إن» سوى «لكن» فقال (¬6): و «لكن» بمنزلة «إن» فلو كانت «أن» بمنزلة إن في ذلك لذكرها كما ذكر لكن، إلا أنه ذكر في آخر هذه الأبواب قول الشاعر: 1039 - وإلا فاعلموا أنّا وأنتم ... بغاة ... (¬7) - ¬

_ (¬1) قد بينت سابقا اعتراض ابن هشام على رأي ابن مالك وتفنيده لفهمه عبارة سيبويه. (¬2) التذييل (3/ 811). (¬3) سورة التوبة: 3. (¬4) مختصر ابن خالويه (ص 51)، الكشاف (1/ 313)، البحر المحيط (5/ 6). (¬5) التذييل والتكميل: (2/ 815). (¬6) القائل هو سيبويه، انظر الكتاب (2/ 149)، وما بعدها، ونصه فيه: فهو يجري في «إن» ولكن في الحسن والقبح مجراه في الابتداء. (¬7) سبق الحديث عنه والاستشهاد به مفصلا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال: كأنه قال: نحن بغاة ما بقينا وأنتم، فقال ابن خروف: هذا نص من سيبويه في المفتوحة أنه يحمل معها على الابتداء. قال الشيخ: وليس بنص، إذ يحتمل أن يكون من باب العطف على التوهم، ويحتمل أن يكون «وأنتم» معطوفا على مبتدأ محذوف تقديره: وإلا فاعملوا أنا نحن وأنتم بغاة، والجملة في موضع خبر أن كما قيل في إنك وزيد ذاهبان: إن التقدير إنك أنت وزيد ذاهبان. وأما من قرأ: أن الله برئ من المشركين بفتح همزة أن فيكون «ورسوله» معطوفا على الضمير المستكن في بريء، وحسن ذلك الفصل بالجار والمجرور، ثم قال (¬1): وفي هذا العطف بالرفع ثلاثة مذاهب: أحدها: الجواز مطلقا، وجعل أبو الفتح والأستاذ أبو علي قول الشاعر: 1040 - فلا تحسبي أنّي تجشّمت بعدكم ... بشيء ولا أنّي من الموت أبرق ولا أنا ممّن يزدهيه وعيدكم ... ولا أنّني بالمشي في القيد أخرق (¬2) من قبيل ما عطفت فيه الجملة على أنّ وصلتها، فجعلا قوله: «ولا أنا ممن يزدهيه وعيدكم» معطوفا على أنّ وصلتها وخرج غيرهما ذلك على أن يكون قوله: «ولا أنا من يزدهيه وعيدكم» جملة اعتراضية بين قوله «أنّي تجشمت» والمعطوف عليه الذي هو «ولا أنني بالمشي» لما فيها من التشديد والتأكيد (¬3) وفي الإفصاح اختار ابن جني الجواز واحتج بقول القائل: 1041 - ولا أنا ممّن يزدهيه وعيدكم ولا حجة فيه لأنه استئناف كلام وقوله: «ولا أنني بالمشي»، استئناف آخر أراد: (ولا تحسبي أني بالمشي): فحذف لتقدم الذكر. الثاني: المنع مطلقا فلا يجوز العطف فيها على معنى الابتداء عند أكثر المحققين - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل: (2/ 815). (¬2) البيتان من الطويل، وهما في التذييل (2/ 816، 817)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 353)، والخزانة (4/ 319)، وشرح ديوان الحماسة (ص 54)، ويروى (أفرق) مكان (أبرق)، وإصلاح الخلل (174). والشاهد فيه: عطف جملة (ولا أنا ممن يزدهيه) على أنّ وصلتها على رأي ابن جني. (¬3) لمراجعة رأي ابن جني ينظر إصلاح الخلل لابن السيد (ص 174 - 1754)، وينظر رأي أبي علي وابن جني أيضا في التذييل (2/ 816 - 817).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن المفتوحة وما عملت فيه يتقدر باسم مفرد، وفي البسيط: وأما (أن) فلا يعطف على موضعها عند المحققين، كأبي علي الفارسي (¬1) وغيره لأنها لا بد لها من عامل، فلا يبقى للابتداء فيها مساغ لدخول العامل اللفظي. الثالث: التفصيل بين أن يكون الموضع الذي وقعت فيه يجوز وقوع المفرد فيه ووقوع الجملة، أو يكون لا يقع فيه إلا المفرد. فإن كان مما لا يقع فيه إلا المفرد فلا يجوز العطف على موضع أنّ وصلتها [2/ 137] نحو: بلغني أنّ زيدا قائم وعمرو. فإن ورد مثل هذا كان الخبر محذوفا والجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على الجملة التي هي «بلغني أنّ زيدا قائم» عطف جملة اسمية على فعلية، وإن كان الموضع يصلح للمفرد والجملة جاز العطف على موضع أنّ وصلتها نحو قولك: أتقول أنّ زيدا قائم وعمرو؟ تريد وعمرو قائم (لأنّ أتقول يقع بعدها المفرد نحو: أتقول أن زيدا قائم والجملة نحو أتقول عمرو قائم) (¬2). المبحث السابع: قد صرح المصنف فيما تقدم نقله عنه بأن الجرمي والزجاج والفراء أجازوا رفع نعت الاسم بعد الخبر وأنهم بمثل ذلك حكموا للتوكيد وعطف البيان، وهذا يقتضي أن الجرمي والزجاج يعتبرون محل إنّ مع وجودها، إذ الرفع في النعت والتوكيد وعطف البيان إنما يكون بالتبعية بخلاف رفع المنسوق، فإنه إذ ذاك لا تتعين التبعية فيه لأنه يكون مبتدأ محذوف الخبر كما تقدم، وقد قال الشيخ في شرح هذا الموضع - يعني بقوله: كالمنسوق: إنه إن كان العطف وعطف البيان والتوكيد بعد الخبر جاز الرفع عند الجرمي والزجاج والفراء ويعني بعد، ولكن فيقول: إن زيدا قائم العاقل، وإن (¬3) زيدا قائم نفسه، وإن زيدا قائم بطنه، وأما قبل الخبر فالذي يقتضيه مذهب الفراء جواز الرفع بشرط خفاء إعراب الاسم، نحو: إن هذا العاقل قائم، وإن هذا - ¬

_ (¬1) هذا رأي الفارسي في سائر الحروف ما عدا «إنّ» يقول: فأما سائر الحروف فلا يجوز أن يحمل العطف معها على موضع الابتداء لأن موضعه قد زال بدخولها من أجل ما تضمن من معنى الفعل، ولكنه يرفع على الحمل على المضمر الذي في الخبر وينصب فيتبع ما انتصب بهذه الحروف. اه. الإيضاح للفارسي (116 - 117). (¬2) التذييل (2/ 816 - 817). (¬3) سبق في هذا التحقيق أن خرجت هذه المسألة بالتفصيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخوك قائم، وإن هذا نفسه قائم، وأما الجرمي والزجاج فلا يجوز هذا عندهما لأنهما لا يريان العطف بالرفع قبل الخبر فلا يريان اتباع الاسم بهذه الثلاثة. انتهى (¬1). ولا شك أن من أجاز رفع الثلاثة - أعني النعت والتوكيد وعطف البيان - يلزمه أن يكون معتبرا محل الاسم أي موضعه من الرفع قبل دخول «إنّ» وعلى هذا لا يحتاج في المنسوق أن يجعله مبتدأ بل معطوفا على الاسم باعتبار المحل. المبحث الثامن: تقدم أن الكسائي يجيز رفع المعطوف على أول مفعولي «ظن» إن خفي إعراب ثانيهما نحو: ظننت زيدا صديقي وعمرو. قال الشيخ: هكذا مثل المصنف هذه المسألة. قال: والذي حكاه الفراء عن الكسائي أنه أجاز: أظن عبد الله وزيد مالهما كثير، فرفع زيدا في كل ما كان خبره وخبر المنصوب مستويين، وكان لا يجيز: أظن عبد الله وزيد قائمين ولا قائما، لأن الرفع والنصب يستبين في قائمين. ثم كأن الفراء لم يقبل ذلك منه، قال الشيخ: والقول عند البصريين قول الفراء، ثم قال: واتضح أن تصوير المصنف وتمثيله الذي ذكره خطأ. انتهى (¬2). وإنما كان له أن يحكم بخطأ المصنف أن لو نقل الفراء أنّ الكسائي لا يجيز المسألة التي ذكرها المصنف ومثل بها. غاية ما في الباب أن الفراء ذكر مسألة والمصنف ذكر [2/ 138] أخرى، ولا مانع من أن يكون الكسائي قائلا بكلّ منهما، وقد ذكر الشيخ ها هنا عدة مسائل من أبواب تركت إيرادها خوف الإطالة (¬3). * * * ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (2/ 824)، والهمع (2/ 144)، ومعاني الفراء (2/ 364). (¬2) التذييل (2/ 824). (¬3) المرجع السابق (الجزء والصفحة).

الباب السادس عشر باب لا العاملة عمل إن

الباب السادس عشر باب لا العاملة عمل إنّ [بناء الاسم المفرد على الفتح ونصب المضاف] قال ابن مالك: (إذا لم تكرّر «لا» وقصد خلوص العموم باسم نكرة يليها غير معمول لغيرها، عملت عمل «إنّ» إلّا أنّ الاسم إذا لم يكن مضافا ولا شبيها به ركب معها، وبني على ما كان ينصب به، والفتح في نحو «ولا لذّات للشّيب» أولى من الكسر. ورفع الخبر إن لم يركّب الاسم مع «لا» بها عند الجميع، وكذا مع التّركيب على الأصحّ. وإذا علم كثر حذفه عند الحجازيين، ولم يلفظ به عند التميميين، وربّما أبقي وحذف الاسم. ولا عمل لـ «لا» في لفظ المثنّى من نحو «لا رجلين فيها» خلافا للمبرد، وليست الفتحة في نحو «لا أحد فيها» إعرابيّة، خلافا للزّجّاج والسّيرافي، ودخول الباء على «لا» يمنع التّركيب غالبا، وربّما ركّبت النّكرة مع «لا» الزّائدة. وقد يعامل غير المضاف معاملته في الإعراب، ونزع التّنوين والنّون إن وليه مجرور بلام معلّقة بمحذوف غير خبر، فإن فصلها جارّ آخر أو ظرف؛ امتنعت المسألة في الاختيار خلافا ليونس. وقد يقال في الشّعر: «لا أباك» وقد يحمل على المضاف مشابهه بالعمل فينزع تنوينه). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): إذا قصد بلا نفي الجنس على سبيل الاستغراق ورفع احتمال الخصوص؛ اختصت بالأسماء، لأن قصد ذلك يستلزم وجود (من) الجنسية لفظا، أو معنى، ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات، فوجب لـ «لا» عند ذلك القصد عمل فيما يليها من نكرة (¬2)، وذلك العمل إما جرّ، وإما نصب وإما رفع، فلم يكن جرّا لئلا يتوهم أنه من المنويّة، فإنها في حكم الموجودة لظهورها في بعض الأحيان كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 53). (¬2) ينظر المقرب (1/ 104)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 71)، وحاشية الخضري (1/ 142).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1042 - فقام يذود النّاس عنها بسيفه ... وقال ألا لا من سبيل إلى هند (¬1) ولأن عامل الجر لا يستقل كلام به وبمعموله، ولا يستحق التصدير، «ولا» المذكورة بخلاف ذلك، ولم يكن عملها فيما يليها رفعا، لئلا يتوهم أن عامله الابتداء، فإن موضعها موضع المبتدأ (¬2). ولأنها لو رفعت ما يليها عند قصد التنصيص على العموم لم يحصل الغرض (¬3) لأنها على ذلك التقدير بمنزلة المحمولة على «ليس» وهي لا تنصيص فيها على العموم، فلما امتنع أن تعمل فيما وليها جرّا ورفعا مع استحقاقها عملا تعين أن يكون نصبا، ولما لم يستغن بما يليها عن جزء ثان عملت فيه رفعا، لأنه عمل لا يستغنى بغيره عنه في شيء من الجمل. وأيضا فإن إعمال لا [2/ 139] هذا العمل إلحاق لها «بإنّ» لمشابهتها في التصدير والدخول على المبتدأ والخبر، وإفادة التوكيد، فإن «لا» لتوكيد النفي، وإنّ لتوكيد الإثبات، ولفظ «لا» مساو للفظ «إنّ» إذا خففت. وأيضا فإن «لا» تقترن بهمزة الاستفهام ويراد بها التمني (¬4)، فيجب إلحاقها «بليت» في العمل، ثم حملت في سائر أحوالها على حالها في التمني (¬5)، ولا يجب أن تعمل «لا» هذا العمل مع القصد المذكور إذا كررت بل إذا كررت جاز إعمالها وإلغاؤها (¬6)، فجواز - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 838)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 71)، والتصريح (1/ 239)، والهمع (1/ 146)، والدرر (1/ 125)، والأشموني (2/ 3)، والعيني (2/ 332)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 142)، والبهجة المرضية (40)، وعمدة الحافظ (ص 154). والشاهد قوله: (ألا من سبيل إلى هند) حيث ظهرت من التي تضمنتها «لا». (¬2) ينظر الكتاب (2/ 274). (¬3) ينظر الأشموني (2/ 3). (¬4) ذكر الأزهري في شرح التصريح أوجه المشابهة بين «إنّ» «ولا»، فقال: قال أبو البقاء: وإنما عملت «لا» عمل «إنّ» لمشابهتها من أربعة أوجه: أحدها: أن كلّا منهما يدخل على الجملة الاسمية، والثاني: أن كلّا منهما للتأكيد، فلا لتأكيد النفي و «إن» لتأكيد الإثبات، والثالث: أن «لا» نقيضة «إن» والشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره، والرابع: أن كلّا منهما له صدر الكلام. اه. التصريح (1/ 235). وبذلك نجد أن عبارته لم تتضمن وجهين من عبارات ابن مالك في شرح التسهيل هنا، وهما مساواة لفظ «لا» للفظ «إنّ» واقتران لا بهمزة الاستفهام فتلحق بليت إلا أن الشيخ خالدا الأزهري زاد شرطا لم يذكره ابن مالك وهو أن «لا» نقيضه «إنّ». (¬5) ينظر المقتضب (4/ 382)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 5). (¬6) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 362)، ومعاني الحروف للرماني (ص 81 - 82)، وشرح الألفية للمكودي (ص 63)، والجامع الصغير لابن هشام (ص 69).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إعمالها لعدم تغير حالها وحال مصحوبها، وجواز إلغائها لشبهها بالمكررة مع المعرفة فلجواز الوجهين مع التكرير شرطت انتفاءه في وجوب العمل، فقلت: إذا لم تكرر «لا» وقصد خلوص العموم باسم نكرة يليها، فعلم بهذا أنها لا تعمل في معرفة (¬1)، ولا في منفصل (¬2)، واحترزت بقولي: (غير معمول لغيرها) من نحو قوله تعالى: لا مَرْحَباً بِهِمْ (¬3) (¬4) ثم أشرت إلى أن اسمها ينقسم إلى مفرد وإلى مضاف وإلى مشبه به، وخصصت المفرد بالتركيب والبناء فعلم بذلك أن الآخرين منصوبان نصبا صريحا، نحو: لا صاحب برّ مذموم، ولا راغبا في الشر محمود (¬5)، وتناول قولي: «بني على ما كان ينصب به» المبني على فتحة (¬6) نحو: لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ [الصافات: 35]، [وقوله تعالى]: فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ (¬7) والمبني على «ياء» مفتوح ما قبلها كقول الشاعر: 1043 - تعزّ فلا إلفين بالعيش متّعا ... ولكن لورّاد المنون تتابع (¬8) - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 275، 286)، وقد حمل فيه سيبويه عمل «لا» على «ربّ»، ورب لا تعمل إلا في نكرة، وينظر أيضا الكتاب (1/ 427)، ورصف المباني (ص 261)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 255). (¬2) ينظر الكتاب (2/ 298)، والمقرب (1/ 190)، ففيهما أن «لا»: إذا فصل بينها وبين ما تعمل فيه بطل عملها وقد جاء في التصريح أن أبا عثمان المازني يخالف اجماع النحاة في هذه المسألة. يقول صاحبه: (وأن تكون النكرة متصلة بها) خلافا لأبي عثمان، فإنه أجاز أن تعمل مع فصلها، ولكنه لا يبنى وقد جاء في السعة: لا منها بدّ بالبناء مع الفصل وليس مما يعول عليه. اه. شرح التصريح (1/ 236). (¬3) سورة ص: 59. (¬4) احترز المصنف بهذه الآية، لأن قوله (مرحبا) معمول لغير «لا»، فهو إما منصوب على المصدرية أو على أنه مفعول به. يقول أبو البقاء في إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 212): «لا مرحبا، فمرحبا منصوب على المصدر أو على المفعول به، أي لا يسمعون مرحبا». اه. وينظر أيضا الكشاف (2/ 288)، وروح المعاني للألوسي (7/ 368)، والمقرب (1/ 190 - 191). (¬5) ينظر مغني اللبيب (1/ 237)، والهمع (1/ 145)، والمطالع السعيدة (235). (¬6) أي المفرد الدال على واحد. (¬7) سورة التوبة: 12. (¬8) البيت من الطويل مجهول القائل، وهو في التذييل (2/ 844)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 71)، وشرح شذور الذهب (ص 118)، والهمع (1/ 146)، والدرر (1/ 126)، والأشموني (2/ 7)، والتصريح (1/ 239)، والعيني (2/ 333)، وأوضح المسالك (1/ 104)، والشاهد قوله: (فلا إلفين) حيث بنى اسم «لا» على ما كان به وهو الياء لأنه مثنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمبني على ياء مكسور ما قبلها كقول الشاعر: 1044 - يحشر النّاس لا بنين ولا آ ... باء إلّا وقد عنتهم شؤون (¬1) والمبني على كسرة كقول سلامة بن جندل: 1045 - إنّ الشّباب الّذي مجد عواقبه ... فيه نلذّ ولا لذّات للشّيب (¬2) يروى بكسر التاء وفتحها، والفتح أشهر وبالوجهين أنشد قول الآخر: 1046 - لا سابغات ولا جأواء باسلة ... تقي المنون لدى استيفاء آجال (¬3) وزعم أبو الحسن بن عصفور أن الفتح في مثل هذا لازم (¬4). والصحيح جواز الفتح والكسر ثم أشرت إلى أنه لا خلاف في كون الخبر مرفوعا «بلا» إذا لم يركب الاسم معها (¬5)، ثم قلت: هو كذا مع التركيب على الأصح (¬6)، فنبهت - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الخفيف لقائل مجهول. وهو في التذييل (2/ 844)، وشرح لابن الناظم (ص 71)، وشذور الذهب (ص 119)، والتصريح (1/ 239)، والهمع (1/ 146)، والدرر (1/ 126)، والأشموني (2/ 7)، والعيني (2/ 334)، وأوضح المسالك (1/ 105)، والشاهد قوله: (لا بنين) حيث بنى اسم «لا» النافية للجنس على ما كان ينصب به وهو الياء. (¬2) البيت من البسيط، وهو التذييل (2/ 844)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 364)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 143)، وشرح شواهده للجرجاوي (ص 81)، وفتح الجليل بشرح شواهد ابن عقيل بهامش شرح الشواهد (ص 81)، وشذور الذهب (ص 120)، والتصريح (1/ 328)، والهمع (1/ 146)، والدرر (1/ 26)، والأشموني (2/ 8)، والمفضليات (ص 120)، وديوانه (ص 7) والخزانة (2/ 85)، برواية (أودى الشباب)، والعيني (2/ 326)، والشاهد قوله: (ولا لذات) حيث روي بالفتح والكسر، فدل ذلك على جواز بنائه على كل منهما. (¬3) البيت من البسيط لقائل مجهول. وهو في التذييل (2/ 854)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 71)، وقطر الندى (1/ 183)، والهمع (1/ 146)، والدرر (1/ 117)، والأشموني (2/ 9)، وشرح عمدة الحافظ (ص 156). اللغة: جأواء: يقال كتيبة جأواء إذا كان يعلوها السواد لكثرة الدروع. والشاهد قوله: (لا سابغات) حيث روي بالفتح والكسر، وهذا يدل على أن اسم «لا» إذا كان مؤنثا سالما يجوز فيه البناء على الكسر والبناء على الفتح. (¬4) ينظر المقرب (1/ 190)، يقول ابن عصفور: فإن كان مفردا أو جمع تكسير أو جمع سلامة بالألف والتاء بني معها على الفتح. اه. (¬5) في المطالع السعيدة (ص 235)، والإجماع أن «لا» هي الرافعة للخبر عند عدم التركيب. اه. (¬6) رفع الخبر بلا مع التركيب مذهب الأخفش والمازني والسيرافي. ينظر الهمع (1/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك على ما ذهب إليه سيبويه من أن الخبر مع التركيب مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول «لا» (¬1)، لأن شبهها «بإنّ» ضعف حين ركبت وصارت كجزء كلمة وجزء الكلمة لا يعمل، ومقتضى هذا أن يبطل عملها في الاسم والخبر، لكن أبقي عملها في أقرب المعمولين، وجعلت هي ومعمولها بمنزلة مبتدأ والخبر بعدهما على ما كان عليه مع التجرد، وغير ما ذهب إليه سيبويه أولى (¬2)، لأن كل ما استحقت «لا» به العمل من المناسبات السابق ذكرها باق، فليبق ما ثبت بسببه، ولا يضر التركيب، كما لم يضر «إنّ» صيرورتها بفتح الهمزة مع معمولها كشيء واحد، ولو كان جعل «لا» مع اسمها كشيء واحد مانعا من العمل في [2/ 140] الخبر لمنعها من العمل في الاسم، لأن أحد جزأي كلمة «لا» يعمل في الآخر، ولا خلاف في أن التركيب لم يمنع عملها في الاسم (¬3)، فلا يمنع عملها في الخبر. وأيضا فإن عمل «لا» في الخبر أولى من عملها في الاسم. لأن تأثيرها في معناه أشد من تأثيرها في معنى الاسم، والإعراب إنما جيء به في الأصل للدلالة على المعنى الحادث بالعامل، وإنما لم يكن خلافا في ارتفاع الخبر «بلا» غير المركبة لأن مانع التركيب هو كون الاسم مضافا أو شبيها به، وكلاهما صالح للابتداء به مجردا عن «لا» كما أن اسم «لا» صالح للابتداء به مجردا عن «إنّ» وليس كذلك مصحوب «لا» المركب، فإنّ تجرده من «لا» يبطل الابتداء به لأنه نكرة لا مسوغ معها، وإذا اقترنت «بلا» كانت بمنزلة نكرة ابتدئ بها لاعتمادها على نفي. ثم أشرت إلى حذف الخبر وهو على ثلاثة أقسام: ممتنع، وجائز، وواجب. فالمتنع حذفه في موضع لا دليل فيه من لفظ ولا معنى، كقولك مبتدئا مقتصرا: «لا رجل»، فمثل هذا لا يعد كلاما عند أحد من العرب، لأن المخاطب لا يستفيد - ¬

_ (¬1) في الكتاب (2/ 275): «واعلم أن لا وما عملت فيه في موضع ابتداء كما أنك إذا قلت: هل من رجل؛ فالكلام بمنزلة اسم مرفوع مبتدأ. اه. (¬2) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 363)، والتوطئة (ص 324 - 325)، والمغني (1/ 239). (¬3) ذكر السيوطي أن بعضهم ذهب إلى «لا» لم تعمل في الاسم شيئا حالة التركيب، واستدل لهذا المذهب بما استدل به المصنف لعمل لا في الخبر حالة التركيب. يقول السيوطي: وذهب بعضهم إلى أنها تعمل في الاسم أيضا شيئا حالة التركيب لأنها صارت منه بمنزلة الجزء، وجزء الكلمة لا يعمل فيها. اه. الهمع (1/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه شيئا، وأما الجائز والواجب فحذف ما دل عليه دليل، كقولك: «لا رجل» لمن قال: هل في الدار رجل؟ وكقولك للشاكي: «لا بأس» تحذف «فيها» من الأول، «وعليك» من الآخر، فمثل هذا يجوز فيه الحذف والإثبات عند الحجازيين، ولا يلفظ به التميميون ولا الطائيون أصلا، بل الحذف عندهم واجب بشرط ظهور المعنى (¬1)، ومن نسب إليهم التزام الحذف مطلقا أو بشرط كونه ظرفا، فليس بمصيب. وإن رزق من الشهرة أوفر نصيب (¬2). وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع «إلا» نحو: «لا إله إلّا الله» (¬3) ومن حذفه دون «إلا» قوله تعالى: قالُوا لا ضَيْرَ (¬4). وقوله تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ (¬5) ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «لا ضرر ولا ضرار» (¬6)، «ولا عدوى ولا طيرة» (¬7). ومن استعمال الخبر منطوقا به في لغة غير الحجازيين قول حاتم (¬8): 1047 - وردّ جازرهم حرفا مضرّبة ... ولا كريم من الولدان مصبوح (¬9) فمصبوح خبر لا صفة لعدم الحاجة إلى تقدير، وربما حذف الاسم للعلم به، - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 279)، وشرح الألفية للناظم (ص 73)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 373)، والتذييل (2/ 854 - 856)، وتعليق الفرائد (1171 - 1172). (¬2) في البهجة المرضية للسيوطي (ص 42): «وزعم الزمخشري وغيره أن بني تميم يحذفون خبر لا مطلقا على سبيل اللزوم، وليس بصحيح، لأن حذف خبر لا دليل عليه يلزم منه عدم الفائدة والعرب مجمعون على ترك التكلم بما لا فائدة فيه. اه. وينظر الهمع (1/ 147)، وابن يعيش (1/ 105). (¬3) ينظر الإيضاح للفارسي (1/ 239)، والتذييل (2/ 858). (¬4) سورة الشعراء: 50. (¬5) سورة سبأ: 51. (¬6) حديث شريف أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 784). (¬7) حديث شريف أخرجه البخاري في باب الطب، وابن ماجه في سننه في كتاب الطب، وفي سنن أبي داود في باب الطب أيضا. (¬8) نسب البيت إلى أبي ذؤيب الهذلي أيضا، ونسبه الأعلم إلى النبيتي، ينظر العيني (2/ 368 - 369)، ومعجم الشواهد (1/ 85). (¬9) البيت من البسيط وهو في الكتاب (2/ 299)، والمقتضب (4/ 37)، وأمالي الشجرى (2/ 212) وابن يعيش (1/ 104، 107)، والعيني (2/ 368)، والأشموني (2/ 17)، وديوان حاتم (123)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 73)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 147)، وشرح شواهده (ص 86)، ورصف المباني (ص 267)، والتذييل (2/ 497، 854). والشاهد قوله: (ولا كريم من الولدان مصبوح) حيث صرح بالخبر، لأنه لم يدل عليه دليل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقي الخبر، كقولهم: «لا عليك» أي لا بأس عليك، وخالف المبرد سيبويه في اسم «لا» المثنى نحو: لا رجلين فيها، فزعم أنه معرب، واحتج له بأمرين، أحدهما: أنه بزيادة الياء والنون أشبه المطول المستحق للنصب نحو: لا خيرا من زيد هنا. (¬1) والثاني: أن العرب تقول: أعجبني يوما زرتني، فتفتح، وأعجبني يوما زرتني فتعرب، وكلا الحجتين ضعيفة: أما الأولى: فمعارضة بأن شبه لا رجلين بيا رجلان أقوى من شبهه بـ «لا خيرا من زيد» وقد سوى بين «يا رجلان» و «يا رجل» فليسوّ بين «لا رجلين» و «لا رجل» (¬2). وأما الثانية: فضعفها بيّن أيضا وذلك أن بناء يوم، وشبهه حين أضيف إلى الجملة، فإنما (¬3) كان لشبهه «بإذ» لفظا ومعنى، فلما بني خالفه، بلحاق علامة التثنية، [2/ 141] ويكون اليوم إذا ثني مؤقتا، والحمل على «إذ» لا يكون مؤقتا، وإنما يكون يكون مبهما أي صالحا لنهار وليلة، وللقليل والكثير، واليوم المفرد بهذه المنزلة كقوله تعالى: وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ (¬4) وكقوله تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (¬5). المعنى: وحين يقول كن فيكون قوله الحق وكل حين هو في شأن. والحاصل: أن «يوما» لإبهامه أشبه «إذ» فحمل عليه في البناء إذ استعمل استعماله، فإذا ثني زال إبهامه، فلم يصح أن يحمل على «إذ» للزوم إبهامها وصلاحيتها لكل زمان ماض، ليلا كان أو نهارا، قليلا كان أو كثيرا. وزعم أبو إسحاق الزجاج (¬6) والسيرافي أن فتحة «لا رجل» وشبهه فتحة إعراب وأن التنوين حذف منه تخفيفا ولشبهه بالمركب (¬7)، وهذا الرأي لو لم يكن في كلام العرب ما يبطله لبطل بكونه مستلزما مخالفة النظائر، فإن الاستقراء قد أطلعنا على أن حذف التنوين من الأسماء لا يكون إلا لمنع الصرف، أو للإضافة أو لدخول الألف واللام، أو لكونه في علم موصوف بابن مضاف إلى علم أو لملاقاة ساكن. أو لوقف، أو لبناء. - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 115، 295)، (3/ 289)، والمقتضب (4/ 129)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 73). (¬2) ينظر المقتضب (4/ 356 - 366). (¬3) ينظر مغني اللبيب (1/ 238). (¬4) سورة الأنعام: 73. (¬5) سورة الرحمن: 29. (¬6) ينظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 259، 232)، والزجاج وأثره في النحو والصرف (229). (¬7) ينظر التذييل والتكميل (2/ 863)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 255)، وتعليق الفرائد (1173).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والاسم المشار إليه ليس ممنوعا من الصرف ولا مضافا، ولا ذا ألف ولام، ولا علما موصوفا بابن، ولا ذا التقاء الساكين، ولا موقوفا عليه، فتعين كونه مبنيا، كيف وقد روى عن العرب: (جئت بلا شيء) بالفتح وسقوط التنوين (¬1)، كما قالوا: (جئت بخمسة عشر)، والجار لا يلغى ولا يعلق فثبت البناء بذلك يقينا، والعجب من الزجاج والسيرافي، في زعمهما أن ما ذهب إليه من أن فتحة «لا رجل» وشبهه، فتحه إعراب هو مذهب سيبويه، إسنادا إلى قوله في الباب الأول من أبواب «لا»: و «لا» تعمل فيما بعدها فتنصبه بغير تنوين (¬2)، وغفلا عن قوله في الباب الثاني: وعلم أن المنفي الواحد إذا لم يل لك، فإنما يذهب منه التنوين، كما أذهب من خمسة عشر، لا كما أذهب من المضاف (¬3)، فهذا نص لا احتمال فيه، قلت: ومما يدل على أن الفتحة المشار إليها فتحه بناء، لا فتحة إعراب، ثبوتها في: 1048 - ولا لذات للشيب (¬4) وتوجيه رواية الكسر على أن يكون «لذات» منصوبا لكونه مضافا، أو مشبها بالمضاف على نحو ما يوجه به لا أبا لك، ولا يدي لك، وسيأتي بيان ذلك مستوفى بعون الله. وقد قال سيبويه - في الثاني من أبواب لا في النفي -: «اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع، إذا قلت: لا غلام لك، كما يقع من المضاف إلى اسم، وذلك إذا قلت: لا مثل زيد، فعلم بهذا أن فتحة ميم «لا غلام لك» عنده كفتحة لام لا مثل زيد (¬5)، لأنهما عنده سيان في الإضافة، فعلى هذا تكون كسرة «لذات» كسرة إعراب، لكونه مضافا، واللام مقحمة، وهذا واضح بلا تكلف، وندر تركيب النكرة مع «لا» الزائدة (¬6) كقول الشاعر: 1049 - لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها ... إذن لزار ذوو أحسابها عمرا (¬7) وهذا من التشبيه الملحوظ فيه مجرد اللفظ، وهو نظير تشبيه «ما» الموصولة - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الكافية (1/ 257). (¬2) الكتاب (2/ 374). (¬3) الكتاب (2/ 283). (¬4) تقدم. (¬5) الكتاب (2/ 276). (¬6) ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 4)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 275). (¬7) البيت من البسيط وهو في الخصائص (2/ 87)، والأشموني (2/ 4)، والهمع (1/ 147)، والدرر (137)، والخزانة (2/ 78)، وديوانه (283)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 257). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ «ما» النافية في قول الشاعر [2/ 142]: 1050 - يرجّى المرء ما إن لا يراه ... ويعرض دون أدناه الخطوب (¬1) فزاد «إن» بعد «ما» الموصولة، وإنما تزاد بعد النافية لكن سوغ ذلك كون اللفظ واحدا، والمشهور الوارد على القياس أن يقال في اسم «لا» إذا كان أبا أو أخا: لا أب له، ولا أخ لك، كما قال نهار اليشكري: 1051 - أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم (¬2) وأن يقال فيه إذا كان مثنّى أو شبهه، كما قال الشاعر: 1052 - تأمّل فلا عينين للمرء صارفا ... عنايته عن مظهر العبرات (¬3) وكما قال الآخر: 1053 - أرى الرّبع لا أهلين في عرصاته ... ومن قبل عن أهليه كان يضيق (¬4) وقد كثر في الكلام مع مخالفته القياس نحو لا أبا لك، ولا أخا له، ولا غلامي لك (¬5). فمن ذلك قول الراجز (¬6): - ¬

_ - والشاهد قوله: (لا ذنوب لها) حيث عملت «لا» الزائدة عمل «لا» غير الزائدة، وركبت مع اسمها وهو ذنوب. (¬1) البيت من بحر الوافر وهو لجابر بن رألان الطائي وهو في المغني (1/ 25)، والتصريح (2/ 230)، والخزانة (3/ 569) والجنى الداني (211). والشاهد فيه قوله: ما إن لا يراه حيث زيدت أن بعد ما الموصولة. (¬2) البيت من الوافر وهو في الكتاب (2/ 282)، وابن يعيش (2/ 104)، والتذييل (2/ 868)، والهمع (1/ 145)، والدرر (1/ 125)، والشعر والشعراء (ص 544)، والكامل (2/ 134). والشاهد قوله: (لا أب لي) حيث جعل الجار والمجرور وهو (لي) خبرا للا. (¬3) البيت من الطويل لقائل مجهول. وهو في التذييل (2/ 868)، وشرح عمدة الحافظ (ص 155)، والهمع (1/ 145)، والدرر (1/ 125)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 60). والشاهد قوله: (فلا عينين للمرء) حيث بني اسم لا على الياء لأنه مثنى وهو القياس. (¬4) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 868)، والهمع (1/ 146)، والدرر (1/ 126)، وشرح عمدة الحافظ (ص 156)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 60). اللغة: العرصات: جمع عرصة وهي البقعة من الدور ليس فيها بناء. والشاهد قوله: (لا أهلين) حيث بني على الياء لأنه ملتحق بجمع المذكر السالم. (¬5) ينظر الكتاب (2/ 176)، والمقتضب (4/ 373 - 174). (¬6) يزعم الأعراب أن هذا الرجز من قول الضب للحسل أيام كانت الأشياء تتكلم. ينظر معجم الشواهد (2/ 512).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1054 - أهدموا بيتك لا أبا لكا ... وزعموا أنّك لا أخا لكا وأنا أمشي الدّألى حوالكا (¬1) ومثال لا غلامي لك قول الشاعر: 1055 - لا تعبأنّ بما أسبابه عسرت ... فلا يدي لامرئ إلّا بما قدرا (¬2) ولم يرد هذا الاستعمال في غير ضرورة إلا مع اللام، وقد تحذف في الضرورة وكقول الشاعر: 1056 - وقد مات شمّاخ ومات مزرد ... وأيّ كريم لا أباك مخلّد (¬3) وقال آخر: 1057 - أبالموت الّذي لا بدّ أنّي ... ملاق لا أباك تخوّفيني (¬4) - ¬

_ (¬1) الرجز في الكتاب (1/ 351)، والتذييل (2/ 899)، والحيوان للجاحظ (6/ 228)، وأمالي الزجاجي (130)، والكامل (ص 247)، والمخصص (13/ 226)، والهمع (1/ 41، 145)، والدرر (1/ 15، 24)، واللسان (حول - دأل). والشاهد قوله: (لا أبا لك، لا أخا لك)، حيث نصب اسم «لا» بالألف لأنه مضاف لما بعد اللام واللام مقحمة بينهما وذلك كثير في الكلام ولكنه - كما بين ابن مالك - مخالف للقياس وقيل إنه ليس مضافا وإنما هو مشبه بالمضاف في نزع تنوينه. (¬2) البيت من البسيط لقائل مجهول. وهو في التذييل (2/ 869)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 60) والهمع (1/ 145)، والدرر (1/ 125)، وحاشية محيي الدين على الشذور (ص 398). والشاهد قوله: (فلا يدي لامرئ)، حيث نصب اسم «لا» بالياء لأنه مثنى مضاف إلى قوله «امرئ»، واللام مقحمة. (¬3) البيت من الطويل لمسكين الدارمي. وهو في المقتضب (4/ 375)، والكامل (303، 563)، وابن يعيش (2/ 105)، والتذييل (2/ 886)، والخزانة (2/ 116)، وديوانه (ص 31)، والكتاب (2/ 279). والشاهد قوله (لا أباك) حيث حذف اللام المقحمة بعد (أب) للضرورة. ويروى البيت برواية أخرى وهي «وأي كريم لا أباك يمنع». (¬4) البيت من الوافر وهو في المقتضب (4/ 475)، والكامل (313)، والخصائص (1/ 345)، وأمالي الشجري (1/ 362)، والتذييل (2/ 886) وابن يعيش (2/ 105)، والمقرب (1/ 192)، والإيضاح للفارسي (245)، والألفية للمرادي (2/ 249)، والخزانة (2/ 118)، والتصريح (2/ 26)، والهمع (1/ 145)، والدرر (1/ 125)، وشذور الذهب (ص 397)، وديوان أبي حية (ص 177). والشاهد قوله: (لا أباك) حيث حذف اللام المقحمة بين المضاف والمضاف إليه للضرورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومذهب أكثر النحويين في هذا النوع أنه مضاف إلى المجرور باللام، وأن اللام مقحمة لا اعتداد (¬1) بها كما لا اعتداد باللام في قول الشاعر: 1058 - يا بؤس للحرب الّتي ... وضعت أراهط فاستراحوا (¬2) وهذا القول، وإن كان قول أكثر النحويين - لا أرتضيه، لأن الإضافة التي ادعيت في الأمثلة المشار إليها إما محضة، وإما غير محضة، فإن كانت محضة لزم كون اسم «لا» معرفة، وهو غير جائز، ولا عذر في الانفصال باللام لأن نية الإضافة المحضة كافية في التعريف مع كون المضاف غير مهيأ للإضافة كقوله تعالى: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ (¬3) ولِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (¬4)، وما نحن بسبيله مهيأ للإضافة، فهو أحق بتأثيريّة الإضافة فيه (¬5). وإن كانت الإضافة المدعاة غير محضة (¬6)؛ لزم من ذلك مخالفة النظائر، لأن المضاف إضافة غير محضة لا بد من كونه عاملا عمل الفعل، لشبهه به لفظا ومعنى، نحو: هذا ضارب زيد الآن وحسن الوجه، أو معطوفا على ما لا يكون إلا نكرة، نحو: رب رجل وأخيه، وكم ناقة وفصيلها (¬7). والأسماء المشار إليها بخلاف - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 206 - 207)، والمغني (1/ 216). (¬2) البيت من الكامل لسعد بن مالك، وهو في المحتسب (2/ 93)، والتذييل (2/ 870، 871)، والأمالي الشجرية (1/ 275)، وابن يعيش (2/ 10، 105)، (4/ 36)، (5/ 73)، ومغني اللبيب (1/ 216)، وشرح شواهده (2/ 582)، وحاشية يس (1/ 199)، والحلل في شرح أبيات الجمل لابن السيد (ص 244، 246)، والكتاب (2/ 207)، والخصائص (3/ 102)، والمقتضب (2/ 253)، والتمام لابن جني (ص 120). والشاهد قوله: (يا بؤس للحرب)، حيث أقحمت اللام بين المضاف والمضاف إليه ولذلك ورد البيت بنصب قوله (بؤس). (¬3) سورة الفرقان: 39. (¬4) سورة الروم: 4. (¬5) يكاد يكون ابن مالك في رأيه هنا متفقا مع ابن الشجري الذي قال في أماليه (1/ 362): «وإنما ضعف حذف هذه اللام، لأنها في هذا الكلام معتد بها من حيث منعت الاسم لفصلها بينه وبين المجرور بها أن يعرف بإضافته إليه، فيكون اسم لا معرفة، وترك الاعتداد بها من حيث يثبت الألف في أب. ألا ترى أن الألف لا يثبت في هذا الاسم إلا في الإضافة نحو رأيت أباك وأبا زيد، فلولا أنه في تقدير الإضافة إلى الكاف في لا أبا لك لم تثبت الألف، وكذلك حكم اللام في قولك لا غلامي لك ولا غلامي لزيد». اه. (¬6) ينظر المقرب (1/ 192). (¬7) ينظر الكتاب (2/ 54، 274).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، فلا تكون إضافتها غير محضة (¬1)، وأيضا فلو كانت مضافة وإضافتها [2/ 143] غير محضة لم يلق بها أن تؤكد معناها بإقحام اللام، لأن المؤكد معتنى به، وما ليس محضا لا يعتنى به فيؤكد، ولذلك قبح توكيد الفعل الملغى، لأنه مذكور في حكم المسكوت عنه، وقول من قال: «يا بؤس للحرب»، وهو يريد: يا بؤس الحرب، سهله كون إضافته محضة على أن لقائل أن يجعل أصله يا بؤسى للحرب، ثم حذفت الألف للضرورة، وهي مرادة (¬2)، فلا إضافة ولا إقحام، وأيضا لو كانت إضافة الأسماء المشار إليها غير محضة مع «لا» لكانت كذلك مع غيرها، إذ لا شيء مما يضافة إضافة غير محضة إلا وهو كذلك مع كل عامل، ومعلوم أن إضافتها في غير هذا الباب محضة، فيجب أن لا تكون في هذا الباب، وإلا لزم عدم النظير. وممّا يدل على ضعف القول بكون الأسماء المشار إليها مضافة قولهم: لا أبا لي ولا أخا لي فلو كانوا قاصدين الإضافة، لقالوا: لا أب لي، ولا أخ لي، فيكسرون الباء والخاء إشعارا بأنها متصلة بالياء تقديرا، فإن اللام لا اعتداد بها على ذلك التقدير، وإذ لم يفعلوا ذلك فلا ارتياب في كونهم لم يقصدوا الإضافة، ولكنهم قصدوا إعطاء الأسماء المذكورة حكم المضاف إذا كانت موصوفة بلام الجر، ومجرورها، ولم يفصل بينهما (¬3)، وذلك أن الصفة يتكمل بها الموصوف كما يتكمل المضاف بالمضاف إليه، فإذا انضم إلى ذلك كون الموصوف معلوم الافتقار إلى مضاف إليه، وكون الصفة متصلة بالموصوف، وكونها باللام التي يلازم معناها - ¬

_ (¬1) روي هذا الرأى لابن مالك بعدم انحصار غير المحضة في الصفة - الهمع (1/ 145). (¬2) في المقتضب (4/ 252 - 253): «وكل مضاف إلى يائك - أي ياء المتكلم - في النداء يجوز فيه قلب هذه الياء ألفا، لأنه لا لبس فيه وهو أخف، وباب النداء باب تغيير، ألا ترى أنهم يحذفون فيه تنوين زيد، ويدخل فيه مثل يا تيم تيم عدي ومثل يا بؤس للحرب. اه. فالألف إذن في هذا الرأي أصلها ياء المتكلم على رأي المبرد ثم قلبت ألفا، وانظر الكتاب (2/ 210). (¬3) في الهمع (1/ 145): قال السيوطي بعد أن ذكر أقوال النحاة في لا أبا لك: «الثالث» أنها مفردة جاءت على لغة القصر، والمجرور باللام هو الخبر وعليه الفارسي وابن يعيش وابن الطراوة، وإنما اخترته لسلامته من التأويل والزيادة والحذف، وكلها خلاف الأصل. اه. وينظر حاشية يس على التصريح (1/ 236)، ففيها رأي مالك والرد عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإضافة غالبا، وكون المجرور صالحا، لأن يضاف إليه الأول، تأكّد شبه الموصوف بالمضاف، فجاز أن يجري مجراه فيما ذكر من الحذف والإثبات، فمن ثم لم يبالوا بفيك أن يجرى هذا المجرى كقول الشاعر (¬1): 1059 - وداهية من دواهي المنو ... ن يرهبها النّاس لا فا لها (¬2) فنصبه بالألف كما ينصبه الإضافة، وممّن ذهب في هذه المسألة إلى ما ذهبت إليه ابن كيسان وهشام الكوفي بشرط كون اللام ومجرورها غير خبر (¬3). فإن كان هو الخبر تعين إثبات النون، وحذف الألف بإجماع، وكذ إن لم يل اللام ومجرورها، أو كان موضع اللام حرف غيرها، وأجاز يونس (¬4) المعاملة المذكورة مطلقا مع فصل اللام بظرف أو جار غيرها نحو لا يدي بها لك، ولا غلامي عندك لزيد. وأشار سيبويه إلى جواز ذلك في الضرورة (¬5)، ولا تختص هذه المعاملة بالمثنى، وأب وأخ وأخواتهما، بل هي جائزة في كل ما وليه لام جر معلقة بمحذوف غير خبر حتى في: «لا غلام لك»، و «لا بني لك»، و «لا بنات لك»، ولا عشرى لك. وقد فهم ذلك من قولي: وقد يعامل غير المضاف معاملته في الإعراب، ونزع التنوين والنون، فدل ذكر الإعراب على أن فتحة لا غلام لك قد تكون [2/ 144] إعرابا، وأنه يقال: لا أبا لك، ولا أخا لك، ولا غلامي لك ولا بني لك، ولا بنات لك، ودل ذكر نزع التنوين والنون على أن تنوين (لا غلام لك) أزيل لما أزيل له نون (لا غلامي لك)، وذلك كله مفهوم قول سيبويه، فلو جعل اللام ومجرورها خبرا تعين البناء، وتوابعه، ولو تعلقت اللام بالاسم تعين الإعراب وتوابعه غالبا نحو: لا واهبا لك درهما، - ¬

_ (¬1) هو عامر بن الأحوص، ونسب الشنتمري البيت إلى الخنساء، وهو في اللسان بدون نسبة. (¬2) البيت من المتقارب، وهو في الكتاب (1/ 316)، والتذييل (2/ 873)، وابن يعيش (1/ 122)، واللسان (فوه)، والبيت ليس في ديوان الخنساء. ويروى أيضا: (تحسبها) بدل (ترهبها). اللغة: المنون: الدهر والمنية. والشاهد قوله: (لا فالها) حيث عامل اسم «لا» الموصوف معاملة الاسم المضاف لشبه به على رأي ابن مالك. (¬3) ينظر الهمع (1/ 145)، وأبو الحسن ابن كيسان وآراؤه في النحو واللغة (215 - 216)، رسالة بجامعة عين شمس، إعداد علي البكرى. وابن كيسان النحوي (ص 156)، تأليف د. محمد البنا. (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) الكتاب (2/ 279 - 281)، والهمع (1/ 145).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحترزت بغالبا من قول الشاعر: 1060 - أراني ولا كفران لله آية ... لنفسي قد طالبت غير منيل (¬1) أنشده أبو علي في التذكرة، وقال: إن آية منصوب بكفران، أي لا أكفر الله رحمة لنفسي، ولا يجوز نصب آية بأوّيت مضمرا، لئلا يلزم من ذلك اعتراض بين مفعولي أرى بجملتين. إحداهما: «لا» واسمها وخبرها. والثانية: أوّيت ومعناه: رفعت (¬2). وإلى كفران لله آية أشرت بقولي: وقد يحمل على المضاف مشابهة بالعمل، ويمكن أن يكون من هذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا صمت يوم إلى اللّيل» (¬3) على رفع يوم بالمصدر على تقديره بأن وفعل ما لم يسم فاعله، ولا يستغنى عن اللام بعد ما أعطى حكم المضاف من الأسماء المذكورة إلا بعد «أب» في الضرورة، كقول الشاعر: 1061 - وقد مات شمّاخ ومات مزرد ... وأيّ كريم لا أباك مخلّد (¬4) وكقول الآخر: 1062 - أبالموت الّذي لا بدّ أنّي ... ملاق لا أباك تخوّفيني (¬5) أراد: لا أبا لك ولا أباك. كذا زعموا وهو عندي بعيد، لأنه إن كان الأمر كذلك، لم يخل من أن يكون «أب» مضافا إلى الكاف عاملا فيها أو يكون مقدر الانفصال باللام، وهي العاملة في الكاف مع حذفها، فالأول ممنوع لاستلزامه تعريف اسم «لا» أو تقدير عدم تمحّض الإضافة فيما إضافته محضة. والثاني ممنوع لاستلزامه وجود ضمير متصل، معمول العامل غير منطوق به، وهو شيء لا يعلم له نظير، فوجب الإعراض - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لكثير عزة، وهو في الخصائص (1/ 337)، والتذييل (2/ 889، 891)، والمغني (2/ 294)، وشرح شواهده (2/ 820)، والهمع (1/ 147)، والدرر (1/ 127)، واللسان (أوى)، وشرح الكتاب لابن خروف (ص 26)، والشيرازيات (232). الشاهد قوله: (ولا كفران لله آية ... لنفسي) حيث تعلق الجار والمجرور «بكفران» فكان حقه أن ينون ولكنه نزع تنوينه تشبيها بالمضاف، وهذا من غير الغالب. (¬2) ذكر ذلك أبو علي الفارسي أيضا في المسائل الشيرازيات (232)، رسالة بجامعة عين شمس، وينظر الخصائص (1/ 237 - 238). (¬3) روي الحديث في سنن أبي داود برواية: «لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل». (سنن أبي داود 2/ 104). (¬4)، (¬5) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه والتبرؤ منه، والوجه عندي في أباك ولا أباك، أن يكون دعاء على المخاطب بأن لا يأباه الموت، وهذا توجيه ليس فيه من التكلف شيء والحمد لله. هذا آخر كلام المصنف (¬1)، ويتعلق ببعضه وبمسائل الفصل مباحث: منها: أنه شرط في الاسم الذي تعمل فيه «لا» إذا وليها أن يكون غير معمول لغيرها احترازا من نحو قوله تعالى: لا مَرْحَباً بِهِمْ (¬2)، فقال الشيخ: لا يحتاج إلى احتراز من هذا ولا إلى ذكره، لأن مرحبا لم يل «لا»، بل هو منصوب بفعل مقدر، فالذي ولي «لا» إنما هو ذلك الفعل المحذوف، لا الاسم النكرة (¬3). والذي قاله الشيخ ظاهر لكن قد يعتذر عن المصنف [2/ 145] بأن (مرحبا) قد ولي «لا» لفظا، فاحترز عنه، لدخوله في كلامه المتقدم صورة. قال الشيخ: ولأنه أيضا قد خرج هذا بقوله: وقصد خلوص العموم باسم نكرة، وفي «لا مرحبا» لم يقصد ذلك باسم نكرة، فلم يندرج فيما قبله ليحترز عنه (¬4). ومنها: أن غير المصنف زاد في الشروط شرطا آخر، وهو أن لا يقع بين عامل ومعمول (¬5) نحو قولك: جئت بلا زاد، لأن ما ذكره المصنف من الأمور الموجبة للعمل موجود فيها، ومع ذلك لا يعمل، قلت: قد استغنى المصنف عن ذكر ذلك بقوله: ودخول الباء على «لا» يمنع التركيب غالبا (¬6)، بل أفاد بقوله: «غالبا» أنها - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 64). (¬2) سورة ص: 59. (¬3) التذييل (2/ 841). (¬4) التذييل (2/ 841). (¬5) ينظر التصريح (1/ 236). (¬6) في الكتاب (2/ 302): «واعلم أن لا قد تكون في بعض المواضع بمنزلة اسم واحد هي والمضاف إليه ليس معه شيء، وذلك نحو قولك: أخذته بلا ذنب، وأخذته بلا شيء، وغضبت من لا شيء، وذهبت بلا عتاد، والمعنى معنى ذهبت بغير عتاد، وأخذته بغير ذنب، إذ لم ترد أن تجعل غيرا شيئا أخذه به يعتد به عليه. اه. من هذا النص يتبين لنا أن سيبويه يجعلها في هذه الحالة - أي إذا دخل عيها جار - بمعنى «غير» مضافة لما بعدها، وهذا مذهب الكوفيين. ينظر حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 141)، والأزهية للهروي (ص 160).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد تعمل مع دخول الباء فكأن ما فعله أولى (¬1). ومنها: أن المصنف وقع في كلامه المتقدم أن «لا» لتوكيد النفي، وإنّ لتوكيد الإثبات فقال الشيخ: إن «لا» ليست لتأكيد النفي، بل لتأسيس النفي إذ لم تدخل على شيء منفيّ، فأكدت، إنما استفيد النفي منها، بخلاف «إنّ» فإنها لتأكيد الإثبات كما قال. انتهى (¬2)، والذي قاله المصنف هو الجاري على الألسنة، فلا تزال تسمع قولهم: «إنّ» لتوكيد الإثبات، و «لا» لتوكيد النفي، والذي يظهر أن «لا» هذه لما كانت تفيد عموم النفي نصّا دون غيرها تخيل فيها كأنها بعد إفادة النفي المحتمل للعموم أفادت بهذا العمل الخاص، النفي العام صريحا، ودفعت الاحتمال الذي كان، فمن ثم قيل: إنها لتأكيد النفي. ومنها: أنهم ذكروا أن عمل «لا» عمل «إنّ» هو فرع فرع (¬3)، لأنها حملت على «إن» فهي فرع، وإنّ حملت على ضرب زيدا عمرو، فإن فرع، وضرب زيدا عمرو، فرع (ضرب عمرو زيدا) (¬4). ومنها: أن المشهور أن الموجب لعمل «لا» شبهها (¬5) بإنّ كما تقدم، والمصنف قد ذكر ذلك، ولكنه قدم قبله أن «لا» إنما عملت هذا العمل لأنها اختصت بالاسم، لما قصد بها عموم النفي، فوجب لها العمل للاختصاص، وامتنع العمل أن يكون جرّا أو رفعا كما ذكره، فتعين أن يكون نصبا. وعلى هذا لا يكون عملها بالحمل على «إنّ»، - ¬

_ (¬1) جعل ابن هشام عمل «لا» حينئذ شاذّا، يقول: «وشذ جئت بلا شيء بالفتح». اه. أوضح المسالك (1/ 103)، وينظر الأشموني (2/ 4). (¬2) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 839). (¬3) ينظر الإنصاف (1/ 367)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 257). (¬4) ذكر الرضي في شرح الكافية (1/ 257)، أنه قد ضعف عمل «لا» بسبب هذه المشابهة بينها وبين «إن»، يقول: وعملها مع هذه المشابهة المذكورة ضعيف لوجهين: أحدهما أن أصلها التي هي «إنّ» إنما تعمل لمشابهتها الفعل لا بالأصالة، فهى مشبهة بالمشبهة، والثاني: أن الظاهر أن بين «إن» ولا التبرئة تنافيا وتناقضا لا مشابهة. اه. (¬5) ينظر شرح الأشموني (2/ 2 - 3).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أن عمل «لا» يجوز أن يعلل بكل من الأمرين على انفراده، والمصنف قد جمع منهما، لا على أن كلّا منهما جزء علة، بل على أنه مستقل بالعلية. ومنها: أنهم اختلفوا في علة بناء المفرد مع «لا»، فقال قائلون: العلة في ذلك تضمن الاسم معنى «من»، وقال قائلون: العلة فيه التركيب (¬1)، وهذا ظاهر كلام المصنف فإنه قال في شرح الكافية: فإن كان مفردا بني معها على الفتح تشبيها بخمسة عشر (¬2). وأما التعليل الأول، فهو اختيار ابن عصفور (¬3)، وهو غير ظاهر، فإن الاسم من قولنا «لا رجل» لم يتضمن «من»، ولهذا رد ابن الضائع قول ابن عصفور، وقال: لم يتضمن الاسم معنى [2/ 146] «من» والذي يظهر أن معنى «من» مفهوم من مجموع الكلمتين لا من كل منهما بمفرده، فالمتضمن لمعنى «من» إذا إنما هو «لا» مع «رجل» في قولنا: لا رجل (¬4) ثم قوى ابن الضائع البناء للتركيب بشيء آخر وهو بناء الاسم مع صفته، وجعل ابن هشام البناء للتركيب مذهب سيبويه (¬5) والجماعة، فقال: مذهبهم أن العرب ركبت «لا» مع الاسم، وجعلتهما كلمة واحدة، فبنوا الاسم للتركيب كخمسة عشر. ودليل ذلك أنه إذا فصل بينهما أعربوا الاسم نحو: لا في الدار رجل ولا امرأة، وأن قوما من الحجاز يقولون: لا رجل أفضل من زيد، في التزام التنكير، وترك تقديم الخبر وعدم الفصل، وأن المعنى استغراق الجنس، وقد أعربوا، لكنهم لم يقصدوا التركيب، وفيها معنى (¬6) «من» في هذه المواضع كلها لأنها تعطي الاستغراق. ومنها: أن المصنف ذكر أن الصحيح في نحو: - ¬

_ (¬1) ينظر أوضح المسالك (1/ 105)، والمغني (1/ 238)، والإنصاف (1/ 367). (¬2) ينظر الكافية الشافية (1/ 522) بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) واختاره الرماني في معاني الحروف (ص 81)، وينظر رأي ابن عصفور في شرح الجمل له (2/ 217)، رسالة بجامعة القاهرة. (¬4) ينظر التذييل (2/ 842)، والهمع (1/ 146)، والتصريح (1/ 240). (¬5) ينظر الكتاب (2/ 274 - 276). (¬6) ينظر التصريح (1/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1063 - ... ولا لذات للشيب (¬1) جواز الفتح والكسر، وذكر أن ابن عصفور أوجب الفتح، والذي ذكره عنه هو الذي أورده في المقرب (¬2)، ولكنه ذكر في شرح الجمل خلاف ذلك، فإنه قال: فإن دخلت على جمع سلامة بالألف والتاء مثل أذرعات، ففيها خلاف، فمن قال إن الحركة في: «لا رجل» حركة إعراب يقول في النصب هنا: لا أذرعات بالكسر أي بغير تنوين ومن قال: إنها حركة بناء يقول: لا أذرعات بالفتح، ولا يجوز الكسر، لأن الحركة ليست عنده لأذرعات خاصة، وإنما هي لأذرعات و «لا»، وهذا الذي قال باطل، ثم قال: والكسر هو الصحيح، وبه ورد السماع، وأنشد البيت الذي فيه: «ولا لذات للشيب». وقال: فإنه روي بكسر التاء من «لذات» (¬3). وقد تضمن شرح الشيخ ذكر أربعة مذاهب في هذه المسألة: أحدها: الكسر مع التنوين، وهو مذهب ابن خروف، وقوم من النحويين سبقوه إلى ذلك. الثاني: الكسر بلا تنوين وهو مذهب الأكثرين. الثالث: الفتح وهو مذهب المازني والفارسي. الرابع: جواز الكسر والفتح من غير تنوين في الحالين. قال الشيخ: وهو الصحيح وبه ورد السماع (¬4). انتهى. فقد ثبت أن الأصح من هذه المذاهب جواز الوجهين، وهو الذي ذكره المصنف وأنه هو الصحيح. ومنها: أنك قد عرفت أن المصنف خالف سيبويه، فجعل «لا» عاملة في الخبر إذا ركب الاسم معها، كما أنها عاملة فيه إذا لم يكن تركيب - قال الشيخ: - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) ينظر المقرب (1/ 190)، وفيه: فإن كان مفردا أو جمع تكسير أو جمع سلامة بالألف والتاء بني معها على الفتح وحذف التنوين، فتقول: لا رجل في الدار، ولا غلمان لزيد ولا هندات لك. اه. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 219). (¬4) التذييل (2/ 844 - 848).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الذي اختاره (¬1) يعني المصنف هو مذهب الأخفش والمازني (¬2) وأبي العباس، وجماعة ذهبوا إلى أن «لا» هي العاملة في الخبر الرفع إجراء لها مجرى «إنّ»، وذهب غيرهم من النحويين إلى أنها لم تعمل في الخبر شيئا، بل النكرة مع «لا» العاملة [2/ 147] فيها في موضع رفع على الابتداء، والاسم المرفوع بعدهما خبر للابتداء، كما أن النكرة مع «من» في قولك: «هل من رجل قائم» في موضع رفع على الابتداء، والاسم المرفوع بعدها خبر للمبتدأ (¬3). وهذا المذهب هو الظاهر من كلام سيبويه وهو الصحيح، والدليل على ذلك أنه يجوز أن يحمل جميع توابعها (¬4) قبل أن يأتي الخبر (¬5)، كما يجوز أن تحمل توابع النكرة المجرورة (بمن) في قولك: هل من رجل في الدار على الموضع قبل الخبر. فتقول: (لا رجل عاقل في الدار)، و (لا رجل وامرأة في الدار)، كما تقول: (هل من رجل عاقل في الدار وهل من رجل وامرأة في الدار) فلولا أنها مع «لا» محكوم لها بحكم اسم مبتدأ، لما جاز الحمل على الموضع قبل الخبر كما لم يجز الحمل على موضع «إنّ» قبل الخبر وثمرة الخلاف تظهر في نحو: قولك: (لا رجل وامرأة قائمان)، فعلى مذهب الأخفش، لا يجوز ذلك، لأنه يؤدي إلى إعمال عاملين في معمول واحد لأن لا هي العاملة في الخبر على رأيه، فإذا قلت: (لا رجل وامرأة عاقلان)؛ كان عاقلان قد عمل فيه «لا» من حيث هو خبر لاسمها. وتعمل فيه امرأة من حيث هو خبرها، ولا يجوز ذلك، وعلى المذهب الآخر يجوز لأنهما اسمان مبتدآن معطوف أحدهما على الآخر، كما تقول زيد وعمرو قائمان. وأما إذا كان الخبر مما يصلح أن يكون لأحدهما نحو قول الشاعر (¬6): - ¬

_ (¬1) في (ب) (أجازه). (¬2) سبقت ترجمته. وانظر بغية الوعاة (1/ 463)، تحقيق/ محمد أبو الفضل والزبيدي (ص 92)، ومعجم الأدباء (7/ 107)، والمدارس النحوية (ص 115). (¬3) التذييل (2/ 850). (¬4) زاد في (ب) (على الموضع). (¬5) في التذييل (يجوز أن يحمل جميع توابعها على الموضع قبل أن تأتي بالخبر). (¬6) هو أمية بن أبي الصلت. قاله في وصف أحوال أهل الجنة، واسمه عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، شاعر جاهلي حكيم دخل الإسلام ثم ارتد بعد أن قتل ابنا خال له في بدر. ينظر الخزانة (1/ 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1064 - فلا لغو ولا تأثيم فيها (¬1) ففيها خبر عن الاسمين على ظاهر قول سيبويه، وخبر عن أحدهما، وخبر الآخر محذوف على قول أبي الحسن. انتهى (¬2). واعلم أن الاستدلال للمذهب المنسوب إلى سيبويه بجواز حمل التوابع على الموضع قبل الخبر، لم يظهر لي وجه صحته، فإن حمل التابع على الموضع جائز قبل الخبر، إذا كان اسم «لا» غير مركب معها أيضا، ولا شك أن «لا» عاملة حينئذ في الخبر إجماعا، فدل ذلك على أن حمل التوابع على الموضع قبل الخبر، لا أثر له في كون لا غير عاملة في الخبر (¬3) وإذا لم يتبين صحة الدليل الذي ذكره ثم الدليل الذي ذكره المصنف. ومنها: أن المصنف قصر خلاف المبرد على المثنى حيث قال: ولا عمل للا في لفظ المثنى من نحو: لا رجلين فيها، خلافا للمبرد، والمبرد كما خالف في المثنى خالف في المجموع على حده (¬4)، قال ابن عصفور: فإن كان مثنّى أو مجموعا جمع سلامة لمذكر فاختلف النحويون فيه، فمذهب سيبويه أنه مبني ومذهب أبي العباسي المبرد أنه معرب. انتهى (¬5). ومن ثم قال الشيخ: «في عبارة المصنف قصور، لأنه قصر هذا الحكم على المثنى، والخلاف في الجمع الذي على حد التثنية كالخلاف في التثنية» (¬6). - ¬

_ (¬1) صدر بيت من الوافر وعجزه: وما فاهوا به أبدا مقيم وينظر في شرح الألفية لابن الناظم (ص 72)، وحاشية الخضري (1/ 144)، برواية: «ولا حين ولا فيها مليم» في الشطر الثاني. وينظر أيضا شرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 144)، وأوضح المسالك (1/ 107)، والتذييل (2/ 852)، وشذور الذهب (ص 123)، والتصريح (1/ 241)، وشرح الأشموني (2/ 11)، والخزانة (2/ 283)، واللسان (سهر)، وديوان أمية (ص 54)، والعيني (2/ 346). والشاهد قوله: (فلا لغو ولا تأثيم فيها) حيث وقع قوله «فيها» خبرا عن الأسبق لصلاحيته لكل منهما. وهذا على رأي سيبويه، أما على رأي الأخفش فهو خبر لأحدهما وخبر الآخر محذوف. (¬2) التذييل (2/ 850 - 852). (¬3) ينظر الهمع (1/ 146). (¬4) ينظر رأي المبرد في المقتضب (4/ 366)، وهو موافق لما ذكره ناظر الجيش عنه هنا. (¬5) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 218 - 219). (¬6) التذييل (2/ 859).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك عرفت أن في نحو: «لا أبا لك» مذهبين للنحويين، وقد ذكر الشيخ مذهبا ثالثا: وهو أن: (لا) (¬1) أبا لك، ولا أخا لك - إنما جاء على لغة القصر فقولنا: لا أبا لك، كقولنا: لا أب لك (¬2). ولا يخفى ضعف هذا القول لأمرين [2/ 148]. أحدهما: أن نحو «لا أبا لك» يتكلم به من ليس لغته قصر الأسماء المذكورة. الثاني: قول الشاعر: 1065 - فلا يدي لامرئ إلا بما قدرا (¬3) وهذا ظاهر، فإذا لا معول على هذا المذهب، بل لا ينبغي ذكره. واعلم بأن قول المصنف فيما تقدم والخاء إشعارا بأنها متصلة بالباء تقديرا إلى آخره فيه نظر لأنه لا يلزم كسر ما قبل ياء المتكلم إلا إذا فضل بها لفظا. وأما قوله: (فإن اللام لا اعتداد بها) فصحيح من حيث المعنى، وأما من حيث اللفظ فيجب أن يعتد بها، ولا شك أن اللام هى الجارة للضمير لفظا، وقد أوردوا هذا سؤالا فقالو: إذا كان الأب من قولهم: «لا أبا لك» مضافا لما بعده، فكيف ساغ للعرب أن تقول: لا أبا لي بإثبات الألف، ولا أخا لي. قال الأعشى (¬4): 1066 - فأنت أبي ما لم تكن لي حاجة ... وإن عرضت أيقنت أن لا أبا ليا (¬5) - ¬

_ (¬1) من النسخة (ب). (¬2) التذييل (2/ 70)، وفيه أن هذا مذهب الفارسي في أحد قوليه، وأبي الحجاج. وينظر الإيضاح للفارسي (ص 243 - 244). (¬3) تقدم. (¬4) اختلف في نسبة هذا البيت، فقيل إنه منسوب إلى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب، كما في الكامل للمبرد، وهو في ديوانه (ص 89)، ونسب في شرح الشواهد للسيوطي إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يخاطب ابن الحسين بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. ونسب في الأغاني للأبيرد الرياحي كما نسب أيضا إلى جرير، وهو ديوان (ص 605). (¬5) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 881)، والنقائض (ص 164)، وشرح شواهد المغني (2/ 555)، والأغاني (13/ 127)، والكامل (1/ 125)، وسمط اللآلي (289)، والتنبيهات (ص 141). ويروى البيت برواية أخرى هي: أأنت أخي ما لم تكن بي حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا وبرواية: (فإن عرضت يوما فلست أبا ليا) ولا شاهد على هذه الرواية. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر (¬1): 1067 - وذي أخوّة قطّعت أسباب بينهم ... كما تركوني مفردا لا أخا ليا (¬2) والأب والأخ إذا أضيفا إلى ياء المتكلم لم ترد فيه اللام المحذوفة؟ والجواب: أن الذي منع من رد اللام المحذوفة إذا قلت أبي، إنما هو ما يلزم في ذلك من نقل التضعيف (¬3) في ياء المتكلم، لأجل الإدغام، فلما فصلت بين الألف وياء المتكلم اللام، أمن التضعيف المستقل فأعادوا اللام المحذوفة كما يعيدوها في حال الإضافة إلى غير ياء المتكلم. ومنها: أن المصنف لم يفرق فيما نقله عن يونس من جواز الفصل بين الظرف الناقص والتام وفي كتاب سيبويه أن يونس يفرق بينهما. فالناقص يجيز الفصل به في فصيح الكلام، وكأنه عنده لما لم يستقل به الكلام لم يؤثر، والتام لا يجيز الفصل به. ورد سيبويه بأنك لم تفرق بين الناقص والتام في الفصل بين «إن» واسمها، ولا في باب «كان». ألا ترى أنك تقول إن عندك زيدا مقيم، وإن اليوم زيدا مسافرا، وكان عندك زيد مقيما، وكان اليوم زيدا مسافرا. وأجاز سيبويه الفصل بجملة الاعتراض، نحو: لا أبا أعلم لك (¬4). ومنها: أنك قد علمت أن المصنف قال: والوجه عندي في لا أبا لك: أن يكون دعاء على المخاطب بأن لا يأباه الموت، يعني أن «أبى» في لا أباك فعل ماض، وفاعله ضمير يرجع إلى الاسم الذي قبله في قوله: - ¬

_ - والشاهد قوله: (لا أبا ليا) حيث أثبتت الألف مع أن الأب مضاف إلى ياء المتكلم. (¬1) هو صخر بن عمرو الحارث بن الشريد الرياحي السلمي من بني سليم بن منصور من قيس عيلان أخي الخنساء الشاعرة. ينظر جمهرة الأنساب (ص 249). (¬2) البيت في التذييل (2/ 882)، وشرح ديوان الحماسة (3/ 111). والشاهد قوله: لا أخا ليا فقد أثبتت الألف في (أخ) مع أنه مضاف إلى ياء المتكلم. (¬3) أورد هذا التساؤل وأجاب عنه بنفس هذه الإجابة أيضا الشيخ يس في حاشيته على التصريح (1/ 236). (¬4) الكتاب (2/ 280 - 281).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1068 - أبالموت الّذى لا بدّ أنّي ملاق وضمير المصدر المفهوم من قول الآخر: 1069 - وقد مات شمّاخ ... البيت فقال الشيخ: الذي ذكره النحويون: أن اللام المحذوفة مقدرة، وإن كانت إذا أتي بها مقحمة زائدة لأنهم لما استعملوها في حال الإضافة إصلاحا [2/ 149] للفظ، ورفضوا ترك الإتيان بها، وإن كان الأصل، صار الإتيان بها كأنه الأصل، فلما اضطر الشاعر إلى إسقاطها قدرها ونواها لذلك، وإذا كانت مقدرة وجب أن يكون خفض الضمير بها، لا بالإضافة، لأن المنوي المقدر بمنزلة الثابت الملفوظ به، ومما يبين أن اللام منونة مقدرة قولهم: (لا أباي) حكاه ابن طاهر، ألا ترى أن اللام لو لم تكن مقدرة لقالوا: لا أبيّ، كما قالوا: فيّ فلما لم يكسروا الباء في أباي دل ذلك على أن الكسرة التي توجبها ياء المتكلم ليست في اللام المردودة، وإنما هي في اللام المحذوفة المقدرة. قال: وتأويل المصنف فاسد لوجوه ثلاثة: أحدها: أن العرب قالت: لا أباك حيث لم يذكر موتا فلا يكون دعاء بالموت قال ابن الدمينة: - 1070 - فقلت لها لا أباك هلّا غررتني ... لديها فقد حانت عليّ ذنوب (¬1) قال: فليست هنا للدعاء بالموت. ثانيها: أن العرب حذفت من الكلمة الهمزة كما في هذا البيت، ثم إنهم حذفوا مع الهمزة أيضا الألف، فقالوا: لاب شانيك، وبدون «لا» أبا لشانيك ولو كان هذا فعلا ماضيا، لم يجز حذف ذلك منه، وإنما جاز كثرة الحذف في أب لك لكثرة دوره على ألسنتهم. ثالثها: يدل على أن أبا اسم لا فعل جر ما بعده في قولهم: لاب شانيك، وقولهم: لا أباي، فلو كان فعلا ماضيا لقال: لا أباني. انتهى (¬2). - ¬

_ (¬1) البيت في التذييل (2/ 888)، وديوانه (ص 105)، برواية: (فقلت له: لا أباك هلا عذرتني) ولا شاهد على هذه الرواية. والشاهد قوله: (لا أباك) حيث ذكره دون أن يذكر موت فدلّ على أنه ليس دعاء بالموت. (¬2) التذييل (2/ 887 - 888).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولقائل أن يجيب عن المصنف بأنه لم يدع ذلك على الإطلاق، بل إنما ادعاه في البيتين اللذين أنشدهما، ولكن قد يقول الشيخ إن مقتضى تخريج المصنف لهذين البيتين على ما ذكره أنه يدعي ذلك في كل ما ورد وعلى هذا يتم كلام الشيخ. ومنها: أن الشيخ بحث مع المصنف في قوله: وقد يحمل على المضاف مشابهة بالعمل فينزع تنوينه، وإنشاده: 1071 - أراني ولا كفران لله آية ... لنفسي قد طالبت غير منيل (¬1) مستدلّا به على ما ذكر، فقال الشيخ: إن هذا الذي ذكره خلاف مذهب الجمهور، وأن ابن كيسان يرى في مثل ذلك التنوين وترك التنوين، وأن ترك التنوين عنده أحسن. وذكر عنه تعليلا غير ما ذكره المصنف من حمله أعني المطول على المضاف، قال: فالمصنف لم يأخذ بمذهب الجمهور، لأنهم لا يجيزون ذلك. ولم يأخذ بمذهب ابن كيسان، فإن الأحسن عنده ترك التنوين (¬2). والمصنف قال: وقد يحمل على المضاف مشابهه بالعمل. فدل كلامه على قلة ذلك، قال: وأما البيت الذي أنشده عن أبي علي فيخرج على أن آية فيه منصوب بمحذوف يدل عليه: لا كفران بالله، أي لا أكفر آية لنفسي، ودل على هذا المحذوف ما قبله. كما خرجوا قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬3) أي لا عاصم يعصم اليوم [2/ 150]، وأبو علي إنما منع تقدير عامل بناء على مذهبه من أنه لا يجوز الاعتراض بجملتين (¬4)، ولكن الأصح جوازه (¬5). انتهى. والذي يظهر أن المصنف لم يعرج على مذهب ابن كيسان في هذه المسألة، والدليل عليه أن ابن كيسان جعل نزع التنوين لأجل البناء وتركب الاسم مع «لا» وكأنه يقطع النظر عن المعمول المذكور بعد اسم «لا» فيصير للاسم العامل حكم الاسم المفرد (¬6)، - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) ينظر الهمع (1/ 147). (¬3) سورة هود: 43. (¬4) لمراجعة مذهب أبي علي الفارسي ينظر الشيرازيات (332). (¬5) التذييل (2/ 891). (¬6) لمراجعة رأي أبن كيسان ينظر ابن كيسان وآراؤه في النحو واللغة (215). رسالة بجامعة عين شمس، والهمع (1/ 147).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصنف لم يجنح إلى هذا التعليل، بل لا يرتضيه لضعفه، وإنما العلة عنده تشبيه المطول بالمضاف لتعلق الاسم الأول بعده في الموضعين (¬1)، وهو تعليل حسن وعلى هذا لا تتوجه مؤاخذة الشيخ للمصنف، وأقول: إن في النفس ركونا إلى هذه المسألة، أعني أن يعامل المطول في نزع التنوين معاملة المضاف في ذلك لشبهه به، وعليه الآية الشريفة: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬2) (¬3) وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا مانع لما أعطيت» (¬4) ومنه قول الحماسي: 1072 - لا جزع اليوم على قرب الأجل (¬5) وهذا كثير. وتقدير العامل في ذلك على خلاف الأصل. واعلم أن الشيخ ختم الكلام على هذا الفصل بمسألة: وهي أن الاسم المركب من قبيل المشبه بالمضاف من جهة أنه لا يجوز تركيبه مع «لا» وجعلهما كاسم واحد، لما يلزم من تركيب ثلاثة أشياء، فإذا قلت لا خمسة عشر لك، فخمسة عشر في موضع نصب بلا، وليس مركبة مع «لا» والفتحة التي في «راء» عشر هي الفتحة التي كانت فيها قبل دخول «لا» عليها، وليست حادثة بسبب «لا» ومما يبين ذلك أنك لو أدخلت «لا» على عمرو به على حد دخولها على هيثم في قوله: 1073 - لا هيثم اللّيلة للمطيّ (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الرضي على الكافية (1/ 257)، والهمع (147). (¬2) سورة هود: 43. (¬3) ينظر شرح الرضي على الكافية (1/ 357). (¬4) حديث شريف أخرجه البخاري في (1/ 139)، (8/ 61، 107)، (9/ 78)، وصحيح مسلم (593)، وأبو داود (2/ 145). (¬5) شطر بيت من بحر الرجز المشطور لم أهتد إلى قائله. (¬6) رجز لم يعلم قائله وبعده: ولا فتى مثل ابن خبيري وينظر في الكتاب (2/ 296)، والمقتضب (4/ 362)، والأمالي الشجرية (1/ 329)، وابن يعيش (2/ 102، 103)، (4/ 123)، والمفضل في شرح أبيات المفصل (ص 76)، والتذييل (2/ 94)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 361)، والهمع (1/ 361)، والهمع (2/ 145)، والدرر (1/ 124)، والأشموني (2/ 4)، والخزانة (2/ 18). اللغة: هيثم: اسم رجل كان حسن الحداء، وقيل كان حسن الرعية، وقيل هو هيثم بن الأشتر الأسدي. والشاهد في البيت قوله: (لا هيثم) حيث عملت لا في اسم معرفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقلت: لا عمرو به، فأبقيت الاسم على كسرة، ولم تفتح الآخر بسبب «لا». انتهى. ومما يتعين ذكره والإشارة إليه في هذا المكان: الكلام على إعراب كلمة الحق وهي: لا إله إلا الله: فنقول: اعلم أن الاسم المعظم في هذا التركيب يرفع، وهو الكثير. ولم يأت في القرآن غيره، وقد ينصب، أما إذا رفع، فالأقوال فيه للناس على اختلاف إعرابهم خمسة، منها قولان معتبران، وثلاثة أقوال لا معول على شيء منها. أما القولان المعتبران: فأن يكون على البدلية (¬1)، وأن يكون على الخبرية (¬2). أما القول بالبدلية: فهو المشهور الجاري على ألسنة المعربين وهو رأي المصنف، فإنه قد قال فيما تقدم لما تكلم على حذف الخبر: وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع «إلّا» نحو لا إله إلا الله (¬3). وهذا الكلام يدل على أن رفع الاسم المعظم ليس على الخبرية، وحينئذ يتعين كونه على البدلية، ثم الأقرب أن يكون البدل من الضمير المستتر في الخبر المقدر (¬4). وقد قيل: إنه بدل اسم «لا» باعتبار عمل الابتداء [2/ 151] يعني باعتبار محل الاسم قبل دخول «لا» (¬5). وإنما كان القول بالبدل (¬6) من الضمير المستتر أولى لأن الإبدال من الأقرب أولى من الإبدال من الأبعد، ولأنه لا داعية إلى اتباع باعتبار المحل مع إمكان الاتباع باعتبار اللفظ، ثم البدل إن كان من الضمير المستكن في الخبر كان البدل فيه نظير البدل في نحو: ما قام أحد إلا زيد لأن البدل في المسألتين باعتبار اللفظ، وإن كان - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 894). (¬2) ينظر الأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 58 - 59)، وأوضح المسالك (1/ 184). (¬3) ينظر شرح اللمع لابن برهان (ص 84)، والمغني (2/ 572)، وقد رد فيه ابن هشام هذا القول فقال: وقول بعضهم في «لا إله إلا الله» إن اسم الله تعالى خبر لا التبرئة، ويرده أنها لا تعمل إلا في نكرة منفية، واسم الله معرفة موجبة. اه. (¬4) ينظر حاشية الصبان (2/ 17). (¬5) ينظر حاشية الصبان (2/ 17)، ومغني اللبيب (2/ 573)، والهمع (1/ 147)، وإملاء ما منّ به الرحمن (1/ 71 - 72)، في إعراب قوله تعالى «وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ». (¬6) علل ابن الحاجب كون البدل باعتبار المحل هنا، فقال: «وإذا تعذر البدل على اللفظ أبدل على الموضع مثل: ما جاءني من أحد إلا زيد، ولا أحد فيها إلا عمرو، وما زيد شيئا إلا شيء، لأن «من» لا تزاد بعد الإثبات، و «ما» و «لا»، لا تقدران عاملتين بعد الإثبات لأنهما عملتا للنفي وقد انتقض النفي بإلا. اه. شرح الكافية للرضي (1/ 237)، وينظر المنصف من الكلام على مغني ابن هشام (2/ 229).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من اسم «لا» كان البدل فيه نظير البدل في نحو: لا أحد فيها إلا زيد، لأن البدل في المسألتين باعتبار المحل، وقد استشكل الناس البدل فيما ذكرنا، أما في نحو: ما قام أحد إلا زيد فمن جهتين: إحداهما: أنه بدل بعض، وليس ثم ضمير يعود على المبدل منه. الثاني: أن بينهما مخالفة، فإن المبدل موجب، والمبدل منه منفي. وقد أجيب عن الأول: بأن «إلا» وما بعدها من تمام الكلام الأول و «إلا» قرينة مفهمة أن الثاني قد كان يتناوله الأول، فمعلوم أنه بعض، فلا يحتاج فيه إلى رابط (¬1)، بخلاف نحو: قبضت المال (¬2) بعضه. وعن الثاني: بأنه بدل من الأول في عمل العامل فيه، وتخالفهما بالنفي والإيجاب لا يمنع البدلية، لأن مذهب أهل البدل فيه أن يجعل الأول كأنه لم يذكر، والثاني في موضعه (¬3) وقد قال ابن الضائع (¬4): اعلم أن البدل في الاستثناء إنما المراعى فيه وقوعه مكان المبدل منه، فإذا قلت: ما قام أحد إلا زيد، فإلا زيد هو البدل، وهو الذي يقع موقع أحد قال: والإ زيد هو الأحد الذي نفيت عنه القيام، فالإ زيد بيان للأحد الذي عنيت، ثم قال بعد ذلك: فعلى هذا البدل في الاستثناء أشبه ببدل الشيء من الشيء من بدل البعض من الكل. وقال في موضع آخر: لو قيل إن البدل في الاستثناء قسم على حدته ليس من تلك الأبدال التي تبينت في غير الاستثناء، لكان وجها وهو الحق (¬5). انتهى. وأما في نحو: لا أحد فيها إلا زيد، فوجه الإشكال فيه أن زيدا بدل من أحد، - ¬

_ (¬1) ينظر مغني اللبيب (2/ 573)، والمنصف من الكلام (2/ 230)، وروح المعاني للألوسي (7/ 270). (¬2) لأنه لا رابط فيه إلا الضمير فاحتيج إليه. ينظر شرح الدماميني على المغني (1/ 153)، وأما ما قبله فقرينته الاستثناء، المتصل أفادت أن المستثنى بعض المستثنى منه، شرح الرضي (1/ 233). (¬3) في شرح الرضي على الكافية (1/ 233): «قال ثعلب: كيف يكون بدلا والأول مخالف الثاني في النفي والإيجاب، والجواب: أنه لا منع مع الحرف المقتضى لذلك كما جاز في الصفة نحو: مررت برجل لا ظريف ولا كريم. جعلت حرف النفي مع الاسم الذي بعده صفة لرجل والإعراب على الاسم كذلك يجعل في نحو: ما جاء القوم إلا زيد، قولنا (إلا زيد) بدل، والإعراب على الاسم. اه. وينظر شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 372). (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) ينظر الهمع (1/ 224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنت لا يمكنك أن تحله محله، وقد أجاب الشلوبين عن ذلك بأن هذا الكلام إنما هو على توهم: ما فيها أحد إلا زيد (¬1). انتهى وهو جواب حسن. ولابن عصفور في هذه المسألة كلام كأنه ادعى عدم تقرير السؤال من أحد، وقرر الكلام في المسألة على وجه آخر (¬2)، وكأنه يقصد الرد على الشلوبين، وقد ذكرت ذلك في باب المستثنى من هذا الكتاب، ونبهت على أن كلام ابن عصفور في المسألة المذكورة غير ظاهر، فليتأمله الواقف عليه (¬3). وأما القول بالخبرية: فقد قال به جماعة، ويظهر لي أنه أرجح من القول بالبدلية، وقد ضعف القول بالخبرية بثلاثة أمور، وهي: أنه يلزم من القول بذلك كون خبر «لا» معرفة، و «لا» لا تعمل في المعرفة، وبأن الاسم المعظم مستثنى، والمستثنى لا يصح [2/ 152] أن يكون خبرا عن المستثنى منه، لأنه لم يذكر إلا ليبين ما قصد بالمستثنى منه، وبأن اسم «لا» عام والاسم المعظم خاص، والخاص لا يكون خبرا عن العام، لا يقال الحيوان إنسان (¬4). والجواب عن هذه الأمور: - ¬

_ (¬1) في حاشية الصبان (2/ 146): «وهذا يمكن فيه الإحلال بأن يقال: ما فيها إلا زيدا». اه. وقد ذكر الصبان تعقيبا على إجابة الشلوبين. (¬2) كلام ابن عصفور في المقرب (1/ 168) عن هذه المسألة هو: وإن كان منفيّا لفظا ومعنى؛ فإن كان الاسم الذي قبلها منصوبا بلا النافية جاز في الاسم الواقع بعدها أربعة أوجه، أفصحها النصب على الاستثناء أو رفعه بدلا على الموضع، ودونهما النصب على أن يكون إلا مع بعدها نفيا له على الموضع نحو قولك: لا رجل في الدار إلا زيدا برفع زيد ونصبه. اه. (¬3) تحدث ابن عصفور عن هذه المسألة في شرح الجمل له (1/ 293) (ط العراق) فقال: «واعلم أن كل شيء يبدل منه فلا يخلو أن يكون له لفظ وموضع أو لا، وقد تقدم ما له من الأسماء موضع خلاف لفظه، فإن لم يكن له موضع خلاف لفظه فالإتباع ليس إلا، إن كان له موضع خلاف لفظه جاز البدل على اللفظ والموضع إلا في موضعين فإنه لا يجوز البدل منهما إلا على الموضع خاصة: أحدهما: أن تبدل الاسم الواقع بعد إلا من اسم مخفوض بحرف جر زائد لا يزاد إلا في النفي نحو ما جاء في من أحد إلا زيد بالرفع. والآخر: أن تبدل الاسم المعرفة الواقع بعد «إلا» من الاسم المبني مع «لا» نحو: لا رجل في الدار إلا عمرو. على البدل من موضع لا رجل ولا يجوز النصب، لأن البدل على تقدير تكرار العامل، ولا تعمل في المعارف، فأما قولهم: لا رجل في الدار إلا عمرا، فعلى الاستثناء. اه. (¬4) أورد هذه الاعتراضات على القول بالخبرية الراعي الأندلسي في كتاب الأجوبة المرضية (ص 58 - 59)، وقال: إنها عن بعض شراح هداية الحنفية، وينظر الصبان (2/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الأول: فهو أنك قد عرفت أن مذهب سيبويه أن «لا» حال تركيب الاسم معها لا عمل لها في الخبر، وأنه حينئذ مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول «لا»، وقد علل ذلك بأن شبهها بإنّ ضعف حين ركبت، وصارت كجزء كلمة وجزء الكلمة لا يعمل (¬1)، ومقتضى هذا أن يبطل عملها في الاسم والخبر، لكن أبقي عملها في أقرب المعمولين، وجعلت هي ومعمولها بمنزلة مبتدأ، والخبر بعدها على ما كان عليه قبل التجرد. وإذا كان كذلك، فلم يثبت عمل «لا» في المعرفة (¬2). وأما الثاني: فلا نسلم أن اسم «لا» هو المستثنى منه وذلك لأن الاسم المعظم إذا كان خبرا كان الاستثناء مفرغا، والمفرغ هو الذي لم يكن المستثنى منه فيه مذكورا، نعم الاستثناء فيه إنما هو من شيء مقدر لصحة المعنى، ولا اعتداد بذلك المقدر أصلا. ولا خلاف يعلم في نحو: ما زيد إلا قائم، أن قائم خبر عن زيد، ولا شك أن «زيدا» فاعل في قولنا ما قام إلا زيد (¬3)، فعلى هذا لا منافاة بين كون الاسم المعظم خبرا عن اسم قبله، وبين كونه مستثنى من مقدر، إذ جعله خبرا منظور إلى جانب اللفظ، وجعله مستثنى منظور فيه إلى (¬4) جانب المعنى. وأما الثالث: فهو أن يقال إن قولكم: إن الخاص لا يكون خبرا عن العام مسلم لكن في: «لا إله إلا الله» لم يخبر بخاص عن عام، لأن العموم منفي والكلام إنما سيق لنفي العموم، وتخصيص الخبر المذكور بواحد من أفراد ما دلّ عليه اللفظ (¬5) العام. وأما الأقوال الثلاثة الأخرى: فأحدها: أن «إلا» ليست أداة استثناء، وإنما هي بمعنى غير، وهي مع الاسم المعظم صفة لاسم «لا» باعتبار المحل. ذكر ذلك الشيخ عبد القاهر الجرجاني (¬6) عن بعضهم، والتقدير على هذا: لا إله غير الله في - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 274 - 275). (¬2) اعترض ابن هشام على هذا الجواب فقال: والذي عندي أن سيبويه يرى أن المركبة لا تعمل في الاسم أيضا، لأن جزء الشيء لا يعمل فيه، وأما: «لا رجل ظريفا» بالنصب فإنه عند سيبويه مثل «يا زيد الفاضل» بالرفع. اه. مغني اللبيب (2/ 573). (¬3) زاد في ب بعد قوله «ما قام إلا زيد»: «ومع أنه مستثنى من مقدر في المعنى التقدير ما قام أحد إلا زيد». (¬4) ينظر حاشية الخضري (1/ 203). (¬5) ينظر المرقاة في إعراب لا إله إلا الله ورقة (74) لابن الصّائغ. (¬6) سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجود (¬1)، وقد وقفت على كلام لبعض العلماء في تقدير ذلك ووجدته قد أطال ومزج كلام غير النحاة بكلام النحاة، وذكرنا مباحث مدخولة فأضربت عن ذكره، ولا شك بأن القول بأن «إلا» في هذا التركيب بمعنى غير، ليس له مانع يمنعه من جهة الصناعة النحوية، وإنما يمتنع من حيث المعنى، وذلك أن المقصود من هذا الكلام أمران، نفي الإلهية عن غير الله تعالى، وإثبات الإلهية لله سبحانه، وهذا إنما يتم إذا كانت «إلا» فيه للاستثناء لأننا نستفيد النفي والإثبات بالمنطوق، أما إذا كانت «إلا» بمعنى غير فلا يفيد [2/ 153] الكلام بمنطوقه إلا نفي الإلهية عن الله تعالى، وأما إثبات الإلهية لله سبحانه وتعالى فلا يفيده التركيب المذكور بوجه من الوجوه حينئذ، فإن قيل: يستفاد ذلك من المفهوم؛ قيل: دلالة المفهوم من دلالة المنطوق؟ ثم هذا المفهوم إن كان مفهوم لقب فلا عبرة به (¬2) إذ لم يقبل به إلا الدقاق (¬3) وإن كان مفهوم صفة فقد عرفت في أصول الفقه أنه غير مجمع على ثبوته، فقد تبين ضعف هذا القول لا محالة. والقول الثاني - وينسب إلى الإمام الزمخشري (¬4) -: أن «لا إله» في موضع الخبر، وإلا الله في موضع المبتدأ، وقد قرر ذلك بتقدير للنظر فيه مجال (¬5)، ولا يخفى ضعف هذا القول، وأنه يلزم منه أن الخبر يبنى مع «لا» وهي لا يبنى معها إلا المبتدأ. ثم لو كان الأمر كذلك لم يجز نصب الاسم المعظم في هذا التركيب، - ¬

_ (¬1) في المقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص 736 - 8737): «قال الشيخ الإمام أبو بكر: اعلم أن حذف الخبر يكثر في النفي وذلك أنه يكون مبنيّا على كلام متقدم قد جرى فيه ذكر الخبر، كأنّ قائلا يقول: هل من طعام عندك فتقول: لا طعام. ولا تذكر «عندى» لأن تقدم ذكره في السؤال يغنيك عن إعادته، وعلى هذا قولك: لا إله إلا الله، لأنه في الأصل رد على الجاحد حتى كأنه يقول: هل لنا من إله غير الله؟ فتقول له: لا إله إلا الله. اه. (¬2) هو أبو الحسن بن الدقاق الأشبيلي النحوي سكن دمشق وشرح الجمل للزجاجي، ومات سنة (605 هـ) البغية (ص 346). وينظر المدرسة النحوية في مصر والشام (ص 135). (¬3) في روح المعاني (7/ 271): «واعتبار المفهوم غير مجمع عليه لا سيما مفهوم اللقب، فإنه لم يقل به إلا الدقاق وبعض الحنابلة». (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) للزمخشري رسالة في إعراب كلمة التوحيد، وقد نشرت هذه الرسالة في المجلد الخامس عشر من مجلة المجمع العلمي العراقي، تحقيق الدكتورة بهيجة باقر الحسني. ينظر رأي الزمخشري أيضا في المغني (2/ 573).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد جوزوه (¬1) كما سيأتي. والقول الثالث: أن الاسم المعظم مرفوع «بإله» كما يرتفع الاسم بالصفة في قولنا: أقائم الزيدان، فيكون المرفوع قد أغنى عن الخبر وقد قرر ذلك بأن «إله» بمعنى مألوه من «أله» أي «عبد» (¬2)، فيكون الاسم المعظم مرفوعا على أنه مفعول أقيم مقام الفاعل، واستغني به عن الخبر كما في نحو قولنا: ما مضروب العمران. وضعف هذا القول غير خفي لأن «إلها» ليس وصفا، فلا يستحق عملا، ثم لو كان «إله» عاملا الرفع فيما يليه لوجب إعرابه وتنوينه، لأنه مطول إذ ذاك (¬3). وقد أجاب بعض الفضلاء عن هذا بأن بعض النحاة يجيز حذف التنوين من نحو ذلك، وعليه يحمل قوله تعالى: لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ (¬4)، [وقوله]: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ (¬5) (¬6)، وفي هذا الجواب نظر: لأن الذي يجيز حذف التنوين في مثل ذلك يجيز إثباته أيضا، ولا نعلم أن أحد أجاز التنوين في لا إله إلا الله (¬7). هذا آخر الكلام على توجيه الرفع. وأما النصب فقد ذكروا له توجيهين: أحدهما: أن يكون على الاستثناء من الضمير في الخبر المقدر (¬8). الثاني: أن يكون «إلا الله» صفة لاسم «لا»، أما كونه صفة، فهو لا يكون - ¬

_ (¬1) ينظر مغني اللبيب (2/ 573)، وروح المعاني للألوسي (7/ 271). (¬2) ينظر المفردات في غريب القرآن (ص 21)، كتاب الألف. (¬3) ينظر روح المعاني للألوسي (7/ 271). (¬4) سورة الأنفال: 48. (¬5) سورة يوسف: 92. (¬6) في الكشاف (1/ 307): «فإن قلت: هلا قيل: لا غالبا لكم، كما يقال: لا ضاربا زيدا عندنا؛ قلت: لو كان لكم مفعولا لغالب بمعنى غالب إياكم لكان الأمر كما قلت، لكنه خبر تقديره: لا غالب كائن لكم». اه. وفي إملاء ما من به الرحمن (2/ 59): «لا يجوز أن يتعلق على «بتثريب» ولا نصب اليوم به، لأن اسم «لا» إذا عمل ينون». اه. (¬7) أجاز الزجاج التنوين في «لا إله إلا الله» إن وقعت في كلام غير القرآن الكريم، يقول في إعراب لا إله إلا الله: وإن قلت في الكلام لا إله إلا الله جاز. أما القرآن فلا يقرأ فيه إلا بما قد قرأت القراء به وثبتت الرواية الصحيحة. اه. (معاني القرآن وإعرابه للزجاج 1/ 333). (¬8) ينظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 333).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا إن كانت إلا بمعنى غير، وقد عرفت أن الأمر إذا كان كذلك لا يكون الكلام وإلا بمنطوقة على إثبات الإلهية لله تعالى. والمقصود الأعظم هو إثبات الإلهية لله تعالى بعد نفي الإلهية عن غيره وعلى هذا يمتنع هذا التوجيه، أعني كون «إلا الله» صفة لاسم لا (¬1). وأما التوجيه الأول؛ فقالوا فيه: لم يرجح البدل، وكان حقه أن يكون راجحا لأن الكلام غير موجب، والمقتضي لعدم أرجحية البدل هنا أن الترجيح في نحو: ما قام القوم إلا زيد إنما كان لحصول المشاكلة، حتى لو جعلت المشاكلة في [2/ 154] تركيب استويا نحو: ما ضربت أحدا إلا زيدا فمن ثم قالوا: إذا لم تحصل مشاكلة في الإتباع كان النصب على الاستثناء أولى، قالوا: وفي هذا التركيب يترجح النصب في القياس، لكن السماع والأكثر الرفع (¬2)، ونقل عن الأبذي (¬3) أنك إذا قلت: لا رجل في الدار إلا عمرو، كان نصب إلا عمرا على الاستثناء أحسن من رفعه على البدل (¬4)، هذا ما ذكروه. والذي يقتضيه النظر: أن النصب لا يجوز، بل ولا البدل أيضا، وتقرير ذلك أن يقال إلا في الكلام التام الموجب نحو: قام القوم إلا زيدا متمحضة للاستثناء، فهي تخرج ما بعدها مما أفاده الكلام الذي قبلها، وذلك أن هذا الكلام إنما قصد به الإخبار عن القوم بالقيام ثم إن زيدا منهم لو لم يكن شاركهم فيما أسند إليهم، فوجب إخراجه، وكذا حكم «إلا» في الكلام غير الموجب الذي هو تام أيضا نحو: ما قام القوم إلا زيدا، فإنها متمحضة فيه للاستثناء بغير ما قلناه في الموجب، وأما الكلام الذي هو غير تام فإلا مسوقة فيه لإثبات المنفي قبلها للمذكور بعدها نحو: ما قام إلا زيد، أعني أن المقصود منها ذلك، ومن ثمّ كان نحو هذا التركيب مفيدا للحصر، مع أنها للاستثناء أيضا، لأن المذكور بعد «إلا»، لا بد أن يكون - ¬

_ (¬1) ينظر روح المعاني للألوسي (7/ 371). (¬2) ينظر حاشية الصبان (2/ 144)، والتصريح (1/ 349)، وحاشية الخضري (1/ 204). (¬3) سبقت ترجمته. (¬4) لم يذكر ابن عصفور في هذا المثال في شرح الجمل إلا النصب على الاستثناء، يقول: فأمّا قولهم: لا رجل في الدار إلا عمرا، فعلى الاستثناء. اه. (شرح الجمل له (1/ 293) ط العراق، وينظر الهمع (1/ 224 - 225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخرجا، فيتعين تقدير شيء قبل «إلا» ليصبح الإخراج منه، لكن إنما أحوج إلى هذا التقدير تصحيح المعنى. فتبين من هذا الذي قلناه أن المقصود في الكلام الذي ليس بتام، إنما هو إثبات الحكم قبل «إلّا» لما بعدها، وأن الاستثناء ليس بمقصود (¬1)، ولهذا اتفق النحاة على أن المذكور بعد «إلا» في نحو: «ما قام إلا زيد» معمول للعامل الذي قبلها (¬2). ولا شك أن المقصود من هذا التركيب الشريف أمران، وهما: نفي الإلهية عن كل شيء، وإثباتها لله تعالى كما تقدم، وإذا كانت «إلّا» مسوقة لمحض الاستثناء، لا يتم هذا المطلوب سواء نصبنا على الاستثناء أم أبدلنا، وذلك لأنه لا ينصب ولا يبدل إلا إذا كان الكلام قبل «إلا» تامّا، ولا يكون تامّا إلا إذا قدر خبر محذوف، وحينئذ ليس الحكم بالنفي على ما بعدها في الكلام الموجب، وبالإثبات عليه في غير الموجب مجمعا عليه، إذ لا يقول بذلك إلا من مذهبه أن الاستثناء من الإثبات نفي ومن النفي إثبات، ومن ليس مذهبه ذلك يقول: إن ما بعد إلا مسكوت عنه، وإذا كان مسكوتا عنه، فكيف يكون قائل: «لا إله إلا الله» موحدا؟. فتعين أن تكون إلا في هذا التركيب مسوقة لقصد إثبات ما نفي قبلها لما بعدها، ولا يتم ذلك إلا أن يكون ما قبلها غير تام [2/ 155] ولا يكون غير تام إلا بأن «لا» يقدر خبر محذوف، وإذا لم يقدر خبر قبلها وجب أن يكون ما بعدها الخبر، وهذا هو الذي تركن إليه النفس، وقد تقدم تقدير صحة كون الاسم المعظم في هذا التركيب هو الخبر. ¬

_ (¬1) في الأزهية للهروي (ص 174): «وتكون - أي إلا - تحقيقا وايجابا بعد الجحد كقولك: ما قام إلا زيد، وما في الدار الا زيدا». اه. وفي معاني الحروف للرماني (ص 127): «فإن فرغت ما قبل إلا لما بعدها عمل بقسطه من الإعراب، وذلك ما قام إلا زيد، وما رأيت إلا زيدا، وإلا إيجاب وليست استثناء لأنه ليس قبلها المستثنى منه. اه. (¬2) ينظر المغرب (1/ 167، 168)، وشرح الألفية لابن الناظم من (ص 119)، ورصف المباني (ص 86)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 106).

[دخول لا على المعرفة- العطف على اسمها- وصف الاسم]

[دخول لا على المعرفة - العطف على اسمها - وصف الاسم] قال ابن مالك: (إذا انفصل مصحوب «لا»، أو كان معرفة بطل العمل بإجماع ويلزم حينئذ التكرار في غير ضرورة خلافا للمبرّد وابن كيسان، وكذا التّاليها خبر مفرد أو شبهه وأفردت في: «لا نولك أن تفعل» لتأوّله بـ: «لا ينبغي» وقد يؤوّل غير عبد الله وعبد الرّحمن من الأعلام بنكرة، فيعامل معاملتها بعد نزع ما فيه أو فيما أضيف إليه من ألف ولام، ولا يعامل بهذه المعاملة ضمير، ولا اسم إشارة خلافا للفرّاء ويفتح أو يرفع الأول من نحو: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله» فإن فتح فتح الثاني أو نصب أو رفع، وإن رفع رفع الثاني أو فتح، وإن سقطت «لا» الثّانية فتح الأول ورفع الثاني أو نصب، وربّما فتح منويّا معه «لا». وتنصب صفة اسم «لا» أو ترفع مطلقا، وقد تجعل مع الموصوف كخمسة عشر إن أفردا أو اتّصلا، وليس رفعها مقصورا على تركيب الموصوف، ولا دليلا على إلغاء «لا» خلافا لابن برهان في المسألتين، وللبدل الصالح لعمل (لا) النصب والرّفع، فإن لم يصلح لعملها تعيّن رفعه، وكذا المعطوف نسقا، وإن كرر اسم «لا» المفرد دون فصل فتح الثّاني أو نصب). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): لما كان شبه «لا» بإنّ أضعف من شبه «ما» بليس، جعل «لما» مزية بأن لم يبطل عملها بالفصل مطلقا، بل إذا كان الفصل بخبر نحو: ما قائم زيد، أو معمول خبر غير ظرف، ولا جار ومجرور نحو: ما طعامك زيد آكل، فلو فصل بمعمول، وهو ظرف أو جار ومجرور، لم يبطل العمل نحو: ما غدا زيد مسافرا، وما فيها أحد مقيما (¬2) ويبطل عمل «لا» بالفصل مطلقا (¬3) نحو: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك: (2/ 65). (¬2) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 56 - 57)، والمقرب (1/ 102)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 314). (¬3) خالف المرادي المصنف في ذلك حيث جعل في هذه المسألة خلافا يقول: فلو فصل بطل عملها، قال في التسهيل: بإجماع. فيه خلاف ضعيف. اه. (شرح الألفية للمرادي (1/ 362) وينظر المقتضب 4/ 361).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا في الدار رجل، ولا غدا أحد راحل، فانحطت «لا» بذلك عن رتبة «ما» ليكون لقوة الشبه أثر، وإذا كان مصحوب «لا» معرفة لم تعمل (¬1) فيه، لأنها إنما عملت العمل المذكور لتدل به على العموم على سبيل التنصيص، والمعرفة ليست كذلك، ولو كان تعريفها بالألف واللام الاستغراقية لأنها بلفظ العهدية، فليس التنصيص بها على العموم، كالتنصيص عليه «بمن» الجنسية مذكورة أو منوية (¬2)، لكن إذا وليتها المعرفة لزمها التكرار (¬3) ليكون عوضا عما فاتها من مصاحبة ذي العموم فإن في التكرار زيادة كما في العموم زيادة، ثم حمل في لزوم التكرار المفصولة على التي يليها معرفة لتساويهما في وجوب الإهمال، وأيضا فإن العرب في الغالب تنفي الجملة المبدؤة بمعرفة أو ظرف أو شبهه بما أو «ليس» [2/ 156] نحو: ما زيد عندك، وما عندك زيد، وليس عمرو في الدار، وليس في الدار عمرو، فإذا وقعت «لا» في مثل هذا من الكلام وقعت في موضع غيرها، فقويت بالتكرار، ولم تخل منه إلا في اضطرار. وكذا إذا ولي «لا» خبر مفرد ويلزمها التكرار أيضا نحو: زيد لا قائم ولا قاعد، وكذا إذا ولي «لا» نعت أو حال نحو: مررت برجل لا قائم ولا قاعد (¬4)، ونظرت إليه لا قائما ولا قاعدا، وإلى هذين المثالين وأشباههما أشرت بقولي: وكذا التاليها خبر مفرد أو شبهه، فتكرار «لا» في جميع هذه الصور لازم إلا في الضرورة، وإن جاء شيء من هذا بلا تكرار قصر على الاضطرار، كقول الشاعر: 1074 - بكت جزعا واسترجعت ثمّ آذنت ... ركائبها أن لا إلينا رجوعها (¬5) وكقول الآخر: - ¬

_ (¬1) ينظر التوطئة (ص 323). (¬2) ينظر الأشموني (2/ 2 - 3). (¬3) جعل الشلوبين لزوم تكرار «لا» إذا كان اسمها معرفة رأي أكثر النحاة وليس كلهم - يقول: وإن كان معرفة وجب الإلغاء ولزم أن تكرر في رأي الأكثر أيضا. اه. التوطئة (323). (¬4) ينظر الكتاب (2/ 299)، وحاشية الصبان (2/ 18)، والتوطئة (ص 323)، والهمع (1/ 148). (¬5) البيت من الطويل مجهول القائل وهو من الخمسين، وهو في الكتاب (2/ 298)، والمقتضب (4/ 361)، وأمالي الشجري (2/ 225)، والمقرب (1/ 189)، وابن يعيش (2/ 112)، (4/ 65، 66)، والهمع (1/ 148)، والدرر (1/ 129)، والأشموني (2/ 18)، والتذييل (2/ 100، 902) برواية «أسفا» مكان جزعا. وشرح الرضي (1/ 258). والشاهد قوله: (أن لا إلينا رجوعها) حيث وقعت المعرفة بعد لا ولم تكرر «لا» ضرورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1075 - أشاء ما شئت حتّى لا أزال لما ... لا أنت شائبة من شأننا شاني (¬1) وكقول الآخر (¬2): 1076 - وأنت امرؤ منّا خلقت لغيرنا ... حياتك لا نفع ولا موتك فاجع (¬3) وكقول الآخر: 1077 - إني تركتك لا ذا عسرة تربا ... فاستعففن واكف من وافاك ذا أمل (¬4) ومثله: 1078 - قهرت العدا لا مستعينا بعصبة ... ولكن بأنواع الخدائع والمكر (¬5) ولم يقصر المبرد ترك التكرار على الضرورة، بل أجازه في السعة (¬6)، ووافقه ابن كيسان (¬7) ولا حجة لهما في قول العرب: «لا نولك أن تفعل» فإنهم أوقعوه - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وهو في التذييل (2/ 100)، وأوضح المسالك (1/ 103)، والتصريح (1/ 237)، والهمع (1/ 148)، والدرر (1/ 129)، والأشموني (2/ 5). والشاهد قوله: (لا أنت شائبة) حيث دخلت «لا» على المعرفة ولم تكرر للضرورة. (¬2) نسب البيت في سيبويه لرجل من بني سلول، وفي تصحيف العكسري أنه الضحاك بن هشام المرقشي وكذا في زهر الآداب. (¬3) البيت من الطويل وهو في الكتاب (2/ 305)، والمقتضب (4/ 360). والتذييل (2/ 820، 903)، وتصحيف العسكري (ص 405)، وابن يعيش (2/ 112)، وزهر الأدب (ص 652)، والخزانة (2/ 89)، وشرح الرضي للكافية (1/ 258)، وأمالي الشجري (2/ 230)، والأشموني (2/ 18)، والهمع (1/ 148)، والدرر (1/ 129)، وشرح السيرافي لأبيات الكتاب (1/ 521)، والأزهية (ص 162). والشاهد قوله: (حياتك لا نفع وموتك فاجع) حيث رفع ما بعد «لا» من غير تكرير وساغ ذلك لأن ما بعده يقوم مقام التكرير فكأنه قال: حياتك لا نفع ولا ضر. (¬4) البيت من بحر البسيط لقائل مجهول وهو في التذييل والتكميل: (2/ 903). والشاهد قوله: (تركتك لا ذا عسرة) حيث دخلت (لا) على الحال ولم تتكرر للضرورة. (¬5) البيت من الطويل ولم يعرف قائله وهو في الهمع (1/ 148، 245)، والدرر (1/ 129)، والأشموني (2/ 18). الشاهد فيه: كالذي قبله أي دخول «لا» على الحال دون أن تكرر. (¬6) ينظر المقتضب (4/ 359 - 360). (¬7) ينظر الهمع (1/ 148)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 258).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موقع: لا ينبغي لك أن تفعل، فاستغنوا فيه عن تكرار «لا»، كما يستغنون فيما هو واقع موقعه (¬1)، وقد يؤول العلم بنكرة فيركب مع «لا» إن كان مفردا، وينصب بها إن لم يكن مفردا (¬2) فالأول كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده» (¬3) ومنه قول الشاعر: - 1079 - أرى الحاجات عند أبي خبيب ... تكدن ولا أميّة في البلاد (¬4) وقول الراجز (¬5): 1080 - إنّ لنا عزّى ولا عزّى لكم (¬6) أو فيما أضيف (¬7) إليه [من ألف ولام] (¬8). فلو كان العلم عبد الله لم يعامل بهذه المعاملة للزوم الألف واللام، وكذا - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 216)، وأمالي الشجرى (2/ 225)، والمقرب (1/ 189)، وشرح الكافية للرضي (1/ 258)، ورصف المباني (ص 261). (¬2) ينظر التذييل (2/ 906)، ورصف المباني (ص 260 - 261). (¬3) حديث شريف أخرجه البخاري في باب المناقب، وفي كتاب الجهاد، ومسلم في كتاب الفتن، والترمذي في كتاب الفتن، وابن حنبل (2/ 233). (¬4) البيت من الوافر وهو لعبد الله بن الزبير الأسدى وهو في الكتاب (2/ 297)، والمقتضب (4/ 362)، والفصل للزمخشري (ص 77)، والأغاني (1/ 8)، (10/ 163)، والأمالي الشجرية (1/ 239)، وزهر الآداب (474)، وابن يعيش (2/ 102)، والمقرب (1/ 189)، ورصف المباني (ص 261)، وشرح الرضي للكافية (1/ 260)، وشرح السيرافي لأبيات الكتاب (1/ 569)، والتذييل (2/ 906)، والشذور (ص 265)، والهمع (1/ 145)، ويروى البيت «للبلاد - بالبلاد» مكان في البلاد (وينظر الأشموني 2/ 4). اللغة: أبو خبيب: كنية عبد الله بن الزبير. تكدن: تعثرن. أمية: أبو قبيلة من قريش. والشاهد قوله: (ولا أمية) حيث عوملت المعرفة الواقعة اسما لـ «لا» معاملة النكرة فبنيت على الفتح. (¬5) هو أبو سفيان صخر بن حرب، قاله بعد هزيمة المسلمين في أحد. (¬6) الرجز في إمتاع الأسماع للمقريزى (1/ 158) برواية لنا العزى ولا عزى لكم. وقيل إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد عليه قائلا: الله مولانا ولا مولى لكم. والشاهد قوله: (ولا عزى لكم) حيث عوملت المعرفة وهي عزى الواقعة اسما للا معاملة النكرة فبنيت على الفتح. (¬7) أشار الناسخ في (ب) إلى أن هنا بياضا قدر سطرين. (¬8) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين وما أثبته من حاشية الشيخ يس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «عبد الرحمن» على الأصح، لأن الألف اللام لا ينزعان منه إلا في النداء (¬1). وقدر قوم العلم المعامل بهذه المعاملة مضافا إليه مثل ثم حذف وأقيم العلم مقامه في الإعراب والتنكير، كما فعل «بأيدي سبأ» في قولهم: تفرقوا أيدي سبأ (¬2) يريدون مثل أيدي سبأ، فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه في النصب على الحالية، ويقدره آخرون بلا مسمّى بهذا الاسم [2/ 157] أو بلا واحد من مسميات هذا الاسم (¬3)، ولا يصح واحد من التقديرات الثلاثة على الإطلاق. أما الأول: فممنوع من ثلاثة أوجه: أحدها: ذكر مثل بعده كقول الشاعر: 1081 - تبكي على زيد ولا زيد مثله (¬4) فتقدير مثل قبل زيد مع ذكر مثل بعده وصفا أو خبرا يستلزم وصف الشيء بنفسه وكلاهما ممتنع. الثاني: أن المتكلم بذلك إنما يقصد نفي مسمى العلم المقرون بـ «لا» فإذا قدر مثل لزم خلاف المقصود، لأن نفي مثل المسمى لا تعرض فيه لنفي ذي المثل. الثالث: أن العلم المعامل بهذا قد يكون انتفاء مثله معلوما لكل أحد، فلا يكون في نفيه فائدة نحو: - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الرضي للكافية (1/ 260). (¬2) مثل يضرب فيمن تفرقوا تفرقا لا اجتماع بعده ويروى المثل أيضا برواية: ذهبوا أيدي سبأ، وسبأ رجل من العرب، ولد عشرة تيامن منهم سنة وتشاءم منهم أربعة. ينظر المثل في مجمع الأمثال للميداني (1/ 275 - 277) تحقيق/ الشيخ محمد محيي الدين. (¬3) ينظر المقرب (1/ 189)، ورصف المباني (ص 261)، وحاشية الصبان (2/ 4 - 5)، وشذور الذهب (ص 265)، وابن يعيش (4/ 123)، وأمالي الشجرى (1/ 239 - 240)، وشرح الرضي (1/ 260)، وحاشية يس (236). (¬4) صدر بيت من الطويل وعجزه: «سليم من الحي صحيح الجوانح» وهو لقائل مجهول. والبيت في المقرب (1/ 189)، والتذييل (2/ 902، 910)، والخزانة (2/ 98) عرضا، والهمع (1/ 145)، والدرر (1/ 124)، وحاشية يس (1/ 236)، برواية بكيت بدل تبكي، والارتشاف (ص 614). والشاهد قوله: (ولا زيد مثله) حيث عوملت المعرفة الواقعة اسما لـ (لا) معاملة النكرة فبنيت على الفتح واستشهد به المصنف هنا على أنه لا يجوز تقدير «مثل» قبل زيد لوجود مثل بعده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا نصرة لكم ولا أبا حسن لها، ولا قريش بعد اليوم (¬1). وأما التقدير الثاني والثالث فلا يصح اعتبارهما مطلقا. فإن من الأعلام المعاملة بذلك ما له مسميات كثيرة كأبي حسن وقيصر، فتقدير ما كان هكذا بلا مسمى بهذا الاسم أو بلا واحد من مسمياته لا يصح، لأنه كذب. فالصحيح أن لا يقدر هذا النوع بتقدير واحد، بل يقدر ما ورد منه بما يليق به، وما يصلح له فيقدّر: «لا زيد مثله» بـ «لا واحد من مسميات هذا الاسم مثله»، ويقدر لا قريش بعد اليوم: لا بطن من بطون قريش بعد اليوم، ويقدر: لا أبا حسن لها ولا كسرى بعده ولا قيصر بعده بـ: لا مثل أبي حسن، ولا مثل كسرى، ولا مثل قيصر، وكذا لا نضرة ولا أمية، ولا عزى. ولا يضر في ذلك عدم التعرض لنفي ذي المثل، فإن سياق الكلام يدل على القصد، وأجاز الفراء أن يقال: «لا هو ولا هي» على أن يكون الضمير اسم «لا» محكوما بتنكيره ونصبه، وأجاز: «لا هذين لك ولا هاتين (¬2) لك» على أن يكون اسم الإشارة اسم «لا» محكوما بتنكيره. وفي الأول من نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله وجهان: الفتح بمقتضى التركيب والرفع على إلغاء «لا»، أو على إعمالها عمل ليس. وفي الثاني عند فتح الأول، الفتح بمقتضى التركيب وجعل الكلام في تقدير جملتين والنصب عطفا على موضع اسم «لا» باعتبار عملها وتقدير زيادة «لا» الثانية والرفع عطفا على موضع لا واسمها، فإنهما في موضع رفع بالابتداء، «ولا» الثانية على هذا زائدة للتوكيد، ويجوز إعمالها عمل «ليس». وفي الثاني عند رفع الأول، الرفع عطفا على اللفظ، وزيادة «لا» الثانية، أو على إعمالها عمل ليس، والفتح بمقتضى التركيب وجعل الكلام في تقدير جملتين (¬3) وإن سقطت «لا» الثانية (¬4) فتح الأول ورفع الثاني عطفا على معنى - ¬

_ (¬1) ينظر تعليق الفوائد (523). (¬2) ينظر شرح الرضي للكافية (1/ 260)، والهمع (1/ 145). (¬3) ينظر في هذه المسألة المقتضب (4/ 387 - 388)، وشرح الألفية لابن الناظم (73)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 365 - 366)، وشرح عمدة الحافظ (ص 157 - 158)، واللمع لابن جني (ص 128 - 129)، وأوضح المسالك (1/ 106)، ومعاني الحروف للرماني (ص 81 - 82). (¬4) أي يقال: لا حول وقوة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الابتداء أو نصب عطفا على عمل «لا». [2/ 158] وحكى الأخفش: لا رجل وامرأة فيها بفتح المعطوف دون تنوين على تقدير ولا امرأة، فحذفت لا وأبقي البناء مع نيتها، كما كان مع وجودها (¬1) وتنصب صفة اسم «لا» أو ترفع مطلقا أي في التركيب وعدمه وفي اتصال الصفة وانفصالها نحو لا رجل ظريفا أو ظريف، ولا غلام رجل ذكيّا عندنا، أو ذكي، وكذا مع الانفصال فالنصب باعتبار: عمل لا والرفع بتقدير عمل الابتداء (¬2) وجاز اعتباره بعد دخول «لا» في التابع صفة كان أو غيرها، وإن كان ذلك لا يجوز بعد دخول «إنّ» لأن إن مشبهة بالأفعال الناسخة للابتداء في الاختصاص بالمبتدأ والخبر دون عروض وفي كون ما دخلت عليه مفيدا بدون دخولها، ولقوتها لا يبطل عملها في الانفصال في نحو: إن فيها زيدا بخلاف «لا» فإنها ضعيفة العمل بكونها فرع فرع، وكونها عارضة الاختصاص بالمبتدأ (¬3) والخبر وكون ما تدخل عليه في الأكثر لا يفيد بدون دخولها في لا رجل في الدار، فلو قيل: رجل في الدار لم يفد، فلتوقف الإفادة على وجود «لا» كانت هى واسمها بمنزلة مبتدأ، فجاز لذلك أن تعتبر عمل الابتداء بعد دخولها في الصفة، وغيرها من التوابع المستعملة وشبه اعتبار الابتداء في ذلك باعتباره في نحو: هل من رجل كريم في الدار [وقوله تعالى]: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ * (¬4) وقد يجعل الصفة والموصوف كخمسة عشر فيبنيان على الفتح إن كانا مفردين متصلين نحو: لا رجل ظريفا فيها (¬5)، وزعم ابن برهان (¬6) أنّ اسم «لا» لا يرفع إلا إذا كان الموصوف مركبا مع «لا» وأن رفعها دليل على إلغاء «لا»، وحمله على ذلك أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف، والاسم المنصوب لا عمل لابتداء - ¬

_ (¬1) ينظر شرح عمدة الحافظ (ص 158، 159)، والمقرب (1/ 191). (¬2) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 366، 367)، وشرح الألفية لابن الناظم (72)، وشرح المكودي (ص 64). (¬3) ينظر الإنصاف (1/ 370). (¬4) سورة الأعراف: 59، 65، 73، 85، وسورة هود: 50، 61، 84، وسورة المؤمنون: 23. (¬5) ينظر التصريح (1/ 243)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 72). والتوطئة (ص 324). (¬6) سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه فلا عمل له في صفته، والاسم المبني على الفتح إن نصب صفته دلّ ذلك عنده على الإعمال، فإذا رفعت دلّ ذلك عنده على الإلغاء (¬1)، وما ذهب إليه غير صحيح، لأن إعمال «لا» المشار إليها عند استكمال شروطها ثابت بإجماع العرب، فالحكم عليها بالإلغاء دون نقصان الشروط حكم بما لا نظير له، وقوله: «لا عمل للابتداء في الاسم المنصوب» غير مسلم، بل له عمل في موضعه كما له بإجماع عمل في موضع المجرور بمن في نحو: هل من رجل في الدار، فصح ما قلناه، وبطل ما ادعاه، ولا قوة إلا بالله، وللبدل في هذا الباب النصب باعتبار عمل «لا» إن كان صالحا لعملها نحو لا أحد فيها رجلا ولا امرأة، ولا مال له دينارا ولا درهما والرفع باعتبار عمل الابتداء نحو لا أحد فيها رجل ولا امرأة ولا مال له دينار ولا درهم، فلو لم يصلح البدل لعمل «لا» تعين الرفع نحو: لا أحد فيها زيد ولا عمرو [2/ 159] كما يتعين رفع المعطوف إن لم يصلح لعملها نحو: لا غلام فيها ولا زيد (¬2). وإذا كرّر اسم «لا» المركب معها دون فصل جاز تركيب الأول والثاني كما ركب الموصوف والصفة، وذلك كقولك: لا ماء ماء باردا لنا، ولا ماء ماء باردا (¬3) انتهى كلام المصنف (¬4). ولا بد من التنبيه على أمور: منها: أن الظاهر من كلام المصنف، وهو قوله: بطل العمل بإجماع أنه يرجع إلى المسألتين قبله، وهما: ما إذا انفصل مصحوب لا، أو كان معرفة، وقال الشيخ: الكوفيون يجيزون بناء الاسم العلم سواء أكان مفردا أم مضافا، والرماني (¬5) يقول: إنه إذا فصل بطل البناء، ولكن يجوز النصب انتهى (¬6). ولا يخفى ضعف مذهب الكوفيين، ومذهب الرماني فيما ادعوه، ولعلهم - ¬

_ (¬1) ينظر شرح اللمع لابن برهان (ص 81). (¬2) ينظر شرح الأشموني (2/ 14)، والتصريح (1/ 244). (¬3) في الكتاب (2/ 289)، وإن كررت الاسم فصار وصفا فأنت فيه بالخيار، إن شئت نونت وإن شئت لم تنون، وذلك قولك: لا ماء ماء باردا ولا يكون باردا إلا منونا، لأنه وصف ثان ا. هـ. وينظر المقتضب (4/ 369) والتوطئة (324). (¬4) زاد في (ب) رحمه الله تعالى. (وينظر شرح التسهيل للمصنف 100). (¬5) سبقت ترجمته. (¬6) التذييل (2/ 840).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يجدون على ذلك دليلا مع أن لازم قولهم هدم القواعد ومخالفة الأصول، وما أدى إلى ذلك لا يعبأ فيه بخلاف من خالف، ولهذا لم يعتبره المصنف. ومنها: أنك قد عرفت العلة التي ذكرها المصنف في لزوم التكرار، إذا كان مصحوب «لا» معرفة أو نكرة مفصولة، وقد ذكر غيره تعليلا آخر وهو أن العرب جعلت لا زيد عندك ولا عمرو في جواب من سأل بالهمزة وأم، قالوا: فكما أن السؤال بهما لا بد فيه من العطف فكذلك ما هو جواب له، قالوا: ولا يجوز لا زيد في الدار يعني دون تكرار (¬1) على أن يجعل جوابا لمن قال هل زيد في الدار، لأن العرب جعلت هل زيد في الدار، ما زيد في الدار، وليس زيد في الدار واستغنوا بذلك عن (¬2) «لا». ومنها: أنهم نصوا على أن الاسم الواقع بعد «لا» في معنى الفعل لا يلزم التكرار، وكلام المصنف مفهم ذلك، فإنه علل عدم التكرار في «لا نولك أن تفعل» بأنهم أوقعوه موقع لا ينبغي لك أن تفعل، قال: فاستغنوا فيه عن التكرار كما يستغنون فيما هو واقع موقعه، لكن كلام المصنف قد يوهم أن ذلك مقصور على الاسم المعرفة وليس كذلك فإنهم قالوا: لا فرق في ذلك بين المعرفة والنكرة ومن ذلك: لا سلام على زيد معناه: سلم الله زيد، قالوا: ولهذا لم يعمل زيدا، لأن «لا» إذا دخلت على النكرة التي فيها معنى الفعل لا تعمل، وعلل ذلك بأن النفي لا يكون إذ ذاك دعاء، و «لا» إنما تعمل إذا اختص إلا أن تجعل الدلالة على العموم ومن كلامهم: لا بك السوء لأنه في معنى لا يسوءك الله (¬3) وقد علل عدم تكرارها مع الفعل بشيء لم أتحقق علته. فقالوا: لأنها تقع في جواب اليمين، واليمين قد يقع على فعل واحد - ¬

_ (¬1) أجاز ذلك المبرد في المقتضب (4/ 359). (¬2) لعل ناظر الجيش يقصد سيبويه بقوله: وقد ذكر غيره تعليلا آخر وهو أن العرب جعلت لا زيد عندك ولا عمرو في جواب من سأل بالهمزة وأم إلخ. والذي دعاني إلى تصور ذلك أن سيبويه يقول في الكتاب (2/ 295)، وهذا باب ما لا تغير فيه لا الأسماء عن حالها التي كانت عليها قبل أن تدخل ولا يجوز ذلك إلا أن تعيد لا ثانية من قبل أنه جواب لقوله: أغلام عندك أم جارية، إذا دعت أن أحدهما عنده ولا يحسن إلا أن يقيد «لا» كما أنه لا يحسن إذا أردت المعنى الذي تكون فيه «أم» إلا أن تذكرها مع اسم بعدها قال: لا غلام، فإنما هي جواب لقوله: هل غلام؟ وعملت «لا» فيما بعدها وإن كان في موضع ابتداء، كما عملت فيه في الغلام وإن كان في موضع ابتداء. اه. (¬3) ينظر شرح الكافية للرضي (1/ 258 - 259)، والهمع (1/ 148)، والكتاب (2/ 301).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد علل المبرد بشيء غير ذلك فقال: إن الأفعال بعد «لا» واقعة موقع الأسماء النكرات [2/ 160] التي بنيت مع «لا» فكما لا يلزم التكرار مع الأسماء المنفية لا يلزم التكرار مع الفعل (¬1)، وقد أبطل تعليله، فليوقف عليه من كلامهم (¬2)، واعلم أن ابن هشام جعل «أن تفعل» فاعلا «بنولك» سادّا مسد الخبر لما كان في معنى الفعل قال: ونظيره أقائم الزيدان، وما قائم الزيدان، لأن المعنى أيقوم وما يقوم. والشيخ جعل أن تفعل خبرا، قال: وليس مرفوعا رفع الفاعل قال: لأن نولك ليس باسم فاعل ولا مفعول (¬3) انتهى والظاهر ما قاله ابن هشام فليتأمل. ومنها: أن الشيخ قال: أفهم قول المصنف: وكذا التاليها خبر مفرد أنه إذا وليها الخبر وهو جملة فلا يلزم تكرارها، وليس كذلك بل إن كان جملة فعلية كان ذلك نحو: زيد لا يقوم وإن كانت اسمية فيلزم تكرارها إلا في ضرورة (¬4). انتهى. وكأنه يعني بالجملة الاسمية الجملة التي مصحوب «لا» فيها معرفة أو مفصول منها لأنه لا يمتنع أن يقال: زيد لا مال له ولا علم عنده، وإذا كان المراد بالجملة ما كان مصحوب «لا» فيها معرفة أو مفصولا فقد عرف الحكم في ذلك وهو لزوم التكرار من قوله: ويلزم حينئذ التكرار أي حين يكون مصحوبها مفصولا أو يكون معرفة فلا يحتاج إلى أن يذكره ثانيا ولكونه قد كان ذكره قيد بالإفراد في قوله: وكذا التاليها خبر مفرد لأن الخبر الذي هو جملة قد عرف حكمه قيل، فوجب أن يحترز عنه، ولم يحترز المصنف بقيد الإفراد عن الجملة الفعلية أصلا، لأن كلامه في هذا الباب إنما هو في «لا» المختصة بالأسماء، فكيف يحترز عن شيء لم يتضمنه كلامه ولا تبويبه؟ ومنها: أنه قد تقدم تخريج المصنف نحو: لا أمية بالبلاد، ولا قريش بعد اليوم، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، بأنه إما على تقدير «مثل» محذوفة وإما على تقدير: لا مسمى بهذا الاسم، وتقدير ذلك أنهم قالوا: لا بد أن يحكم بتنكير المعرفة والتنكير فيه ضربان: - ¬

_ (¬1) ينظر المقتضب (4/ 380). (¬2) ينظر في الرد على رأي المبرد شرح الكافية للرضي (1/ 258)، والهمع (1/ 148). (¬3) التذييل (2/ 904) وفيه قول ابن هشام السابق أيضا. (¬4). التذييل (2/ 903).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن يجعل الاسم واقعا على مسماه، وعلى كل من أشبه مسماه، فيكون إذ ذاك نكره لعمومه، ومن هذا القبيل لا أمية بالبلاد، وأوقع أمية على الشخص الذي اسمه أميه، وعلى كل من أشبهه، وكذلك «هيثم» في: 1082 - لا هيثم الليلة للمطي (¬1) قالوا: وإيقاع اسم الشخص على من أشبهه جائز في كلام العرب نحو: زيد زهير (¬2) وعلى هذا التقدير تنزع الألف واللام إن كانت فيه، لأن التنكير مع وجودهما غير جائز ومنه «ولا أبا حسن». والثاني: أن يكون مثل مضافا إليه في التقدير، فعلى هذا يقال: قضية ولا أبا الحسن، يريد ولا مثل أبي الحسن (¬3)، فثبت الألف واللام، وقد استدل على أن [2/ 161] هذه الأسماء أعني التي صحبتها «لا» هذه نكرات بأننا إذ أجرينا عليها نعوتا، إنما نجريها نكرات فنقول: لا أبا أمية (¬4) عاقلا لك. ومنها: أننا ركّبنا الصفة مع الموصوف في نحو: لا رجل ظريف كما مر، خرجت «لا» عن أن يكون لها مدخل في التركيب لأن ثلاثة أشياء لا تجعل كشيء واحد قالوا: وعلة البناء كون الوصف من تمام اسم «واسم لا» واجب له البناء لتضمنه معنى الاستغراق، وهذا من تمامه، فصار كأنهما تضمنا معنى من (¬5). ومنها: أن المصنف ذكر في الاسم التالي من نحو لا ماء ماء باردا الفتح والنصب، وذكروا وجها ثالثا وهو الرفع أيضا (¬6)، ثم إذا ركبت الاسم الثاني - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) ذكر ابن عصفور ذلك في حديثه عن الخبر المفرد وأقسامه في باب المبتدأ والخبر فقال: وقسم منزل منزلة الأول نحو: زيد زهير شعرا، فزيد ليس هو بزهير ولكنه مشبه به ومنزل منزلته. اه. شرح الجمل لابن عصفور (1/ 344) ط العراق، وينظر أيضا (ص 353) من الكتاب نفسه. (¬3) ينظر شرح التسهيل للمرادي (1/ 462). (¬4) ينظر شرح الرضي للكافية (1/ 260)، والمقتضب (4/ 362 - 363)، وشذور الذهب (ص 265 - 266)، والمقرب (1/ 189)، والكتاب (2/ 296 - 297). (¬5) ينظر التصريح (1/ 243). (¬6) ينظر شرح عمدة الحافظ (ص 160)، والمقتضب (4/ 369)، في شرح التصريح (1/ 243) والقول بأنه توكيد لفظي أو بدل خطأ، لأن الماء الثاني لما وصف وتقيد بقيد خرج عن كونه مرادفا للأول، فلا يصح كونه توكيدا له ولا بدلا منه لعدم مساواته للأول. اه.

[اقتران لا بهمزة الاستفهام وأحكام ذلك]

[اقتران لا بهمزة الاستفهام وأحكام ذلك] قال ابن مالك: (ول «لا» مقرونة بهمزة الاستفهام في غير تمنّ وعرض ما لها مجرّدة، ولها في التّمنّي من لزوم العمل ومنع الإلغاء، واعتبار الابتداء ما لـ «ليت» خلافا للمازني (والمبرد) (¬1) في جعلها كالمجرّدة. ويجوز إلحاق «لا» العاملة بليس فيما لا تمنّي فيه من جميع مواضعها، وإن لم تقصد الدّلالة بعملها على نصوصيّة العموم). - مع الأول، فهو صفة له قطعا، وإن لم يركب ونصبت أو رفع فهو صفة أيضا ومنهم من جعله توكيدا لفظيّا لجموده ودعوى التأكيد فيه لا تدفع غير أن التوكيد لا يتعين (¬2)، وأما الوصف بالاسم الجامد فجائز إذا وصف ذلك الاسم نحو مررت برجل رجل عاقل، وكلام سيبويه يشعر بأن الثاني في لا ماء ماء باردا وصف للأول، فإنه قال: ولا بد من تنوين بارد، لأنه وصف ثان (¬3)، وقالوا: إن الاسم هنا تكرر توطئة للنعت، كما جاءت التوطئة في الحال، وإذا تقرر أن الاسم الثاني في لا ماء باردا توطئة للنعت وجب كونه صفة سواء أبني أم نصب أم رفع فأما إذ لم يقدر توطئة، وجعل بدلا من الاسم الذي قبله، فإنه لا يجوز البناء، لأن البدل في نية تكرار العامل، وإذا كان العامل مقدرا منع تقديره من بناء الاسمين وجعلهما كاسم واحد. قال ناظر الجيش: اعلم أنه إذا اقترنت همزة الاستفهام «بلا» كانت على أربعة أقسام: الأول: أن يراد بالهمزة الاستفهام، وبلا النفي فيكون المراد حينئذ الاستفهام عن النفي. الثاني: أن لا يراد حقيقة الاستفهام، إنما يراد التوبيخ والإنكار. الثالث: أن يراد بالكلمة ما يراد «بليت» أي تفيد التمني كما تفيده ليت. الرابع: أن يراد بها التحضيض (¬4). أما القسمان الأول والثاني: فللا فيهما من الأحكام ما لها دون الهمزة فينبني - ¬

_ (¬1) ساقطة من نسخة المتن. (¬2) الكتاب (2/ 289). (¬3) ينظر التصريح (1/ 244). (¬4) ينظر الأزهية (ص 163 - 165)، ورصف المباني (ص 78 - 80)، والمغني (1/ 68 - 69)، ومعاني الحروف للرماني (ص 113)، والصاحبي (ص 181).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم معها إذا كان مفردا ويعرب إن كان غير مفرد، ويجوز إلغاؤها حيث جاز الإلغاء دون همزة، ويجوز مراعاة محل اسمها أيضا فيقال: ألا رجل في الدار بالفتح وحده، وألا صاحب معروف فيها؛ بالنصب وحده، وألا ارعواء ولا حياء لمن شاب قذاله، بالأوجه الخمسة، كما يقال مع عدم [2/ 162] الهمزة (¬1)، وشاهد القسم الأول قول الشاعر: 1083 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد ... إذا ألاقي الّذي لاقاه أمثالي (¬2) وشاهد القسم الثاني قول حسان رضي الله تعالى عنه: 1084 - ألا طعان ألا فرسان عادية ... إلّا تجشّؤكم حول التّنانير (¬3) وقول الآخر: 1085 - ألا ارعواء لمن ولّت شبيبته ... وآذنت بمشيب بعده هرم (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر المقتضب (4/ 382 - 383)، والمقرب (1/ 192)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 73)، وشرح المكودي (ص 65). (¬2) البيت من البسيط وهو لمجنون ليلى قيس بن الملوح. وهو في المغني (1/ 15، 69)، وشرح شواهد (1/ 213)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 370)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 73)، والتذييل (2/ 298)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 146)، وشرح شواهده (ص 84)، والأشموني (2/ 15)، والهمع (1/ 147)، والدرر (1/ 128)، وديوانه (ص 228)، والعيني (2/ 358)، وأوضح المسالك (1/ 110). والشاهد قوله: (ألا اصطبار) حيث دخلت همزة الاستفهام على «لا» مرادا بها الاستفهام عن النفي. (¬3) البيت من البسيط وهو في الكتاب (2/ 306)، وجمل الزجاجي (244)، وشرح الكافية للرضي (1/ 261)، معاني الحروف للرماني (ص 114)، ورصف المباني (ص 80)، والمغني (1/ 68)، وشرح شواهده (1/ 210)، والعيني (2/ 362)، والهمع (1/ 147)، والدرر (1/ 148)، والأشموني (2/ 14)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 269)، وشرح الألفيه لابن الناظم (ص 73)، والخزانة (2/ 103)، وديوانه (ص 215). والشاهد قوله: (ألا طعان ألا فرسان) حيث دخلت همزة الاستفهام على لا مرادا بها الإنكار والتوبيخ، فبقيت لا على عملها. (¬4) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في المغني (1/ 68)، وشرح شواهده (1/ 212)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 73)، وأوضح المسالك (1/ 110)، وشرح ابن عقيل (1/ 146)، وشرح شواهده (ص 84)، والتصريح (1/ 254)، والهمع (1/ 147)، والدرر (1/ 128)، والأشموني (2/ 14)، والتذييل (2/ 929)، والعيني (2/ 260). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزعم أبو علي الشلوبين أنها لا تقع لمجرد الاستفهام عن النفي (¬1)، ورد على الجزولي (¬2) إجازة ذلك، والصحيح أن ذلك جائز، ويدل عليه ما تقدم من قول الشاعر: 1086 - ألا اصطبار لسلمى ... البيت لكنه قليل والأكثر أن يراد بالكلمة التوبيخ والإنكار كما سبق تمثيله ببيت حسان وغيره. وأما القسم الثالث: وهو أن يقصد بها معنى التمني، فلها مع مصحوبها فيه من تركيب وعمل ما كان لـ «لا» مجردة من الهمزة، إلا أنها لا تلغى ولا يعتبر في اسمها معنى الابتداء ولا يكون لها خبر لا في اللفظ ولا في (¬3) التقدير. والحاصل: أن الاسم يبنى معها إن كان مفردا، ويعرب إن كان مضافا أو معلولا، ولا يلغى بحال، ولا يتبع اسمها إلا على اللفظ خاصة، وليس لها خبر لا لفظا ولا تقديرا، فلا عمل لها إلا في الاسم خاصة، قال سيبويه: ومن قال: لا غلام أفضل منك لم يقل في ألا غلام أفضل منك إلا بالنصب لأنه دخل فيه معنى التمني، وصار مستغنيا عن الخبر انتهى (¬4). وهذا الذي أشير إليه هو مذهب سيبويه والخليل والجرمي (¬5). ومثال ورودها في التمني قول الشاعر: 1087 - ألا عمرو ولّى مستطاع رجوعه ... فيرأب ما أثات يد الغفلات (¬6) - ¬

_ - والشاهد فيه: كالذي قبله حيث دخلت همزة الاستفهام على لا في قوله (ألا ارعواء) مراد بها الإنكار والتوبيخ فبقيت لا على حالها. (¬1) ينظر التوطئة للشلوبين (ص 324)، والمغني (1/ 69). (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) ينظر المقتضب (4/ 382)، والكتاب (2/ 306 - 307)، وشرح الرضي للكافية (1/ 262). (¬4) الكتاب (2/ 309). (¬5) ينظر الهمع (1/ 147)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 273)، والأشموني (2/ 15)، والتصريح (1/ 245). (¬6) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في شرح الألفية لابن الناظم (ص 73)، وشرح الألفية للمرادي (ص 371)، وأوضح المسالك (1/ 110)، ومغني اللبيب (1/ 69)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 213)، (2/ 800)، والتصريح (1/ 245)، والأشموني (2/ 15)، والعين (2/ 361)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 146)، وشرح شواهد (ص 85). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنصب يرأب، لأنه جواب عن مقرون بالفاء، ولا يتوهم أن قوله: مستطاع نعت؛ فإنه قد تقرر أن ألا التي للتمني لا تعتبر في اسمها معنى الابتداء بل «مستطاع» خبر مقدم على مبتدأ به، وهو رجوعه والجملة بأسرها في موضع نصب على الصفة، وخالف المازني والمبرد سيبويه فيما ذهب إليه (¬1) وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: خلافا للمازني والمبرد في جعلها كالمجرورة، يعني كالمجردة من الهمزة فالمازني والمبرد يخالفان سيبويه في ثلاثة الأحكام التي ذكرت، فجوزا إلغاءها واعتبرا في اسمها معنى الابتداء، وجعلا لها خبرا. وحاصل الأمر: أنهما جعلا أحكام «لا» التي للنفي ثابتة لـ «ألا» إذا أريد بها التمني واستدلا على ذلك ببناء الاسم بعدها كما يبنى قبل دخول الهمزة، قال: فكما جرت مع الهمزة مجراها قبل الهمزة في بناء الاسم بعدها، فكذلك تجري مجراها في بقية الأحكام (¬2) [2/ 163] وقد ردّ ابن عصفور على المازني بما يوقف عليه في كلامه (¬3). - ¬

_ - اللغة: يرأب: يصلح. أثات: أفسدت. والشاهد قوله: (ألا عمرو ولى مستطاع رجوعه) حيث وردت (ألا) للتمني ودليل ذلك نصب المضارع في جوابها بعد الفاء. (¬1) ينظر رأي المازني في «أبو عثمان المازني المجدد» (ص 315)، ورأي المبرد في المقتضب (4/ 383)، وينظر شرح الكافية للرضي (1/ 362)، والتذييل (2/ 931)، والهمع (1/ 147)، والتصريح (1/ 245)، وينظر رأي سيبويه في الكتاب (2/ 307). (¬2) ينظر المقتضب (4/ 382 - 383)، وأبو عثمان المازني المجدد (ص 315). (¬3) ردّ ابن عصفور على المازني فقال: والمازني يجيز الحمل على الموضع ويجعل لها خبرا واستدل على ذلك ببناء الاسم بعدها كما يبني قبل دخول الهمزة، فكما جرت مع الهمزة مجراها قبل الهمزة في بناء الاسم بعدها، فكذلك تجري مجراها في جميع الوجوه، وهذا باطل سماعا، فلم يسمع من العرب: ألا رجل أفضل من زيد، برفع أفضل فلو كان لها خبر لسمع ولو في بعض المواضع، ولو كان للاسم بعدها موضع لرفعت صفته في بعض المواضع، وأما القياس فإن الهمزة لا يخلو أن تقدرها داخله على «لا» وخبرها أو على الجملة فإن قدرتها داخلة على الجملة لم يجز ذلك لأن لم نجد جملة يدخلها بجملتهما معنى التمني، وقد وجدنا من الحروف ما له معنى، فإذا ركب كان له معنى خلاف الذي كان قبل التركيب نحو هلا ولولا، فان قدرتها داخله على «لا» وحدها وجدت فيها معنى التمني لم تحتج إلى خبر، لأن المراد التمني نفسه، وإذا كانت نافية لم يكن يد من خبر لأن المنفي في المعنى إنما هو الخبر ولا يتصور نفي الرجل فثبت إذن ما ذهب إليه سيبويه. اه. شرح الجمل لابن عصفور (2/ 225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق بين المذهبين من حيث المعنى: أن في مذهب سيبويه التمني واقع على الاسم وفي مذهب المازني على الخبر كما هو في «ليت» (¬1) وإذ قد تقرر ذلك فاعلم أن المصنف لم يتعرض إلى كونه «ألا» المتمني بها لا خبر (¬2) لها ولم يذكر ذلك في الشرح أيضا ثم إن الشيخ: قال إن قول المصنف في المتن، «وضع الإلغاء» لا حاجة إليه قال: لأن قوله: «لزوم العمل» يدل على منع الإلغاء (¬3)، وما قاله الشيخ ظاهر إلا أن يقال: المراد بقوله: ومنع الإلغاء أنها لا تلغى، وإن كررت فيستقيم. وأما القسم الرابع: وهو أن يراد بـ «ألا» التحضيض، وهو الذي عبر عنه المصنف بالعرض في قوله: في غير تمنّ وعرض - فلا مدخل لذكره في هذا الباب لأن حروف التحضيض لا يليها إلا الأفعال، وإنما تعرض المصنف لذكرها لكونها شاكلت بقية الأقسام في اللفظ فقصد إخراجها، وعلى هذا فإذا وليها اسم كان معمولا لفعل مقدر فيكون معربا على حسب ما يقتضيه العامل، ويلزم تنوينه إن كان مما ينون (¬4)، ومثال ذلك قول الشاعر (¬5): 1088 - ألا رجلا جزاه الله خيرا ... يدلّ على محصّلة تبيت (¬6) التقدير: ألا ترونني رجلا فهو بمنزلة قولك: هلا خيرا من ذلك وهذا قول الخليل - ¬

_ (¬1) ينظر المقتضب (4/ 383)، وأبو عثمان المازني (ص 315). (¬2) ينظر المقرب (1/ 192)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 372). (¬3) التذييل (2/ 631). (¬4) في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 224) فإن دخلها - أي ألا - معنى التحضيض بطل عملها ولزم تنوين الاسم بعدها إن كان مما ينون، لأن حروف التحضيض لا يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا فيكون الاسم بعدها معربا على حسب ما يقتضيه الفعل من الإعراب. اه. وينظر شرح الدماميني على المغني (1/ 150). (¬5) هو عمرو بن تعاس أو قنعاس (ينظر معجم الشواهد) (1/ 71). (¬6) البيت من الوافر وهو في الكتاب (2/ 308)، ونوادر أبي زيد (ص 256)، وابن يعيش (2/ 101، 102)، والتذييل (2/ 930)، والخزانة (1/ 459)، (2/ 112، 156)، (4/ 477)، والمغني (77، 219)، والعيني (2/ 366)، (3/ 352)، والأشموني (2/ 16)، وإصلاح المنطق (431)، وشرح شواهد المغني (1/ 214)، (2/ 641)، وشرح الألفية لابن الناظم ومعاني الحروف للرماني (ص 114)، والأزهية (ص 164)، ورصف المباني (ص 79). اللغة: المحصلة: المرأة التي تميز الذهب عن الفضة، وقيل: موضع بجمع الناس. والشاهد قوله: (ألا رجل) حيث وقع الاسم بعد ألا التي للتحضيض منصوبا بفعل محذوف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في هذا البيت، وزعم يونس أن «ألا» في البيت للتمني وأن الشاعر نون للضرورة (¬1)، وهو خلاف الظاهر، قال الشيخ: وظاهر كلام النحاة أن «ألا» هذه يعنى التي للتحضيض مركبة من همزة الاستفهام و «لا» التي للنفي، ودخلها معنى التحضيض والذي أذهب إليه أنها بسيطة، كما هي بسيطة إذا كانت للتنبيه والاستفتاح (¬2) انتهى. وأشار المصنف بقوله: ويجوز إلحاق «لا» العاملة بـ «ليس» فيما لا تمني فيه إلى أنه يجوز إجراء «لا» مجرى ليس فيما لا يقصد به تمنّ من مواضع إعمالها (¬3) إن لم يقصد التنصيص على العموم بلفظ ما وليها. فعند ذلك لا يجوز إجراؤها مجرى ليس لأنها إذا جرت مجرى «ليس» جاز أن يكون العموم مقصودا وغير مقصود (¬4). والحاصل: أن العاملة عمل «ليس» لا يمتنع أن يراد بما نفيه العموم لكنه محتمل أن لا يراد به العموم، فمن ثم لم يكن لها نصوصية على العموم إذا عملت عمل ليس. * * * ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 308)، والارتشاف (ص 631). (¬2) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 930). (¬3) ينظر المقتضب (4/ 382). (¬4) جاء في شرح الكافيه للرضي (1/ 261 - 262) أن «ألا» التي للعرض يجوز إعمالها عمل إنّ يقول: ولم يذكر سيبويه أن حال «ألا» في العرض كما له قبل الهمزة، بل ذكره السيرافي وتبعه المصنف والجزولي، ورد ذلك الأندلسي وقال: هذا خطأ لأنها إذا كانت من عرضا كانت من حروف الأفعال كإنّ ولو وحروف التحضيض فيجب انتصاب الاسم بعدها في نحو: ألا زيد تكرمه. اه. وقد رد ذلك المرادي في شرح الألفيه حيث قال في (1/ 372): وما ذكره ابن الحاجب من أن - ألا - التي للعرض تعمل عمل «إنّ» لم يصح. اه.

الباب السابع عشر باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر الداخل عليهما كان والممتنع دخولها عليهما لاشتمال المبتدأ على استفهام

الباب السابع عشر باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر الداخل عليهما كان والممتنع دخولها عليهما لاشتمال المبتدأ على استفهام [ظن وأخواتها وحكم المفعولين معها] قال ابن مالك: (فتنصبهما مفعولين ولا يحذفان معا أو أحدهما إلّا بدليل ولهما من التّقديم والتّأخير ما لهما مجرّدين ولثانيهما من الأقسام والأحوال ما لخبر «كان» فإن وقع موقعهما ظرف أو شبهه أو ضمير أو اسم إشارة امتنع الاقتصار عليه إن كان أحدهما لا إن لم يكنه ولم يعلم المحذوف). قال ناظر الجيش: قال [2/ 164] المصنف (¬1): أفعال هذا الباب هي النوع الثالث من نواسخ الابتداء وآخر أبوابها، لأن جزأي الإسناد فيه مستويان في النصب كما هما في باب الابتداء مستويان في الرفع، فجعلا طرفين في الترتيب واكتنفا بأن «كان» و «إنّ» لأن أحد الجزأين فيهما مرفوع والآخر منصوب فلم يفترقا، وقد تقدم بيان ما تدخل عليه كان وما لا تدخل عليه، فلذلك أحلت عليه (¬2). إلا أن مما لا يدخل عليه «كان» ما اشتمل عليه من المبتدآت على استفهام نحو: أيهم أفضل، وغلام من عندك، فهذا النوع لا يمتنع دخول أفعال هذا الباب عليه «كما امتنع دخول كان عليه» (¬3)، فلذلك قلت بعد: الداخل عليهما «كان»: والممتنع دخولها عليهما لاشتمال المبتدأ على استفهام فيقال في أيهم أفضل، وغلام من عنده، أيهم ظننت (¬4) وغلام من ظننت عنده، ولا يحذف أحدهما إلا بدليل، - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك: (2/ 72) تحقيق د/ عبد الصمد السيد، ود/ بدوي المختون. (¬2) انظر باب كان وأخواتها. فقد بين المصنف هناك ما تدخل عليه «كان» وما لا تدخل عليه، وينظر في هذه المسألة أيضا شرح الجمل لابن عصفور (1/ 379) تحقيق د/ صاحب أبو جناح، ط مؤسسة دار الكتب العراقية. (¬3) جاز دخول أفعال هذا الباب على المبتدأ الذي هو اسم استفهام أو مضاف إليه لأنه يجوز أن يقدم عليها نحو: أيهم ظننت أفضل ولم يجز أن تدخل عليه كان لأن اسمها لا يقدم عليها. ينظر حاشية الصبان (2/ 18). (¬4) زاد في (ب) (أفضل) بعد قوله (أيهم ظننت).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يجوز لك في: ظننت زيدا منطلقا أن نقتصر على منطلق، ولا على زيد لئلّا تذكر خبرا دون مخبر عنه أو مخبرا عنه دون خبر. فإن دلّ دليل على المحذوف جاز الحذف كقولك: (قائما) لمن قال: (ما ظننت زيدا) وزيدا لمن قال: من ظننت قائما (¬1). قال عنترة: - 1089 - ولقد نزلت فلا تظنّي غيره ... منّي بمنزلة المحبّ المكرم (¬2) أي فلا تظني غيره كائنا. وقال الآخر: 1090 - كأن لم يكن بين إذا كان بعده ... تلاق ولكن إخال تلاقيا (¬3) أي لا إخال الكائن تلاقيا، أو لا إخال بعد البين تلاقيا. ومن الحذف لدليل قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) المقصود من قول المصنف «ولا يحذف أحدهما إلا بدليل» هو ما يعبر عنه النحاة بحذف الاختصار وأما الحذف من غير دليل فهو حذف الاقتصار. ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 312) ط مؤسسة دار الكتب العراقية. والتصريح (1/ 260)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 389). (¬2) البيت من الكامل وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 312) ط دار الكتب العراقية، والتذييل (2/ 944)، والمقرب (1/ 117)، والخصائص (2/ 216)، والمحتسب (1/ 78)، والخزانة (1/ 539)، (4/ 214)، وشذور الذهب (ص 452)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 389)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 154)، وشرح شواهده (ص 97)، والتصريح (1/ 260)، والهمع (1/ 252)، والدرر (1/ 134)، والأشموني (2/ 35)، وديوانه (ص 119) ط بيروت، وأوضح المسالك (1/ 125). والشاهد قوله: (فلا تظني غيره) حيث إن المفعول الثاني لتظني محذوف والأول هو قوله «غيره» والتقدير فلا تظني غيره واقعا أو نحو ذلك والحذف هنا للاختصار. (¬3) البيت من بحر الطويل، قيل: هو لابن الدمينة أو قيس بن معاذ وهو في التذييل (2/ 946)، وشرح الحماسة للتبريزي (3/ 294) بدون نسبة وروايته فيه (التلاقيا) مكان (تلاقيا) وسمط اللآلئ (ص 842)، وزيادات ديوان ابن الدمينة (ص 206)، برواية «نأى» مكان «بين». والشاهد قوله: (ولكن لا إخال تلاقيا) حيث حذف أحد مفعولي «إخال» اختصارا وهو إما المفعول الأول أو المفعول الثاني فإن كان الأول فالتقدير لا إخال الكائن تلاقيا وإن كان الثاني فيكون التقدير لا إخال تلاقيا بعد البين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1091 - وأنت غريم لا أظنّ قضاءه ... ولا العنزيّ القارظ الدّهر جائيا (¬1) وقد يحذفان معا إن وجدت فائدة: كقوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (¬2)، وقوله تعالى: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (¬3) ومنه قول العرب: «من يسمع يخل» (¬4)، وقول الشاعر (¬5): 1092 - بأيّ كتاب أم بأي سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب (¬6) فلو لم يقارن الحذف قرينة يحصل بسببها فائدة لم يجز كاقتصارك على أظن من قولك: (أظن زيدا منطلقا)، فإنه غير جائز فإن غرضك الإعلام بأن إدراكك لمضمون الجملة بظن لا يتعين فتنزل أظن من جزأي الحديث منزلة في ظني، فكما لا يجوز لمن قال: (زيد منطلق في ظنّي) أن يقتصر على (في ظني)، كذا لا يجوز لمن قال: (أظن زيدا منطلقا) أن يقتصر على أظن، ولأن قائل أظن أو أعلم دون قرينة يدل على تحدد ظن أو علم بمنزلة قائل: (النار حارة) في عدم الفائدة إذ لا - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لذي الرمة وهو في التذييل (2/ 946)، والأشموني بحاشية الصبان (3/ 119)، وديوانه (ص 1307). اللغة: العنزي: نسبة إلى قبيلة عنزة. القارظ: أحد رجلين خرجا يجنيان القرظ فلم يرجعا أصلا فضرب بهما المثل. والشاهد قوله: (لا أظن قضاءه) حيث حذف المفعول الثاني لأظن والتقدير لا أظن قضاءه واقعا. (¬2) سورة البقرة: 216. (¬3) سورة النجم: 35. (¬4) المثل في مجمع الأمثال للميداني (2/ 300) تحقيق محمد محيي الدين، وجمهرة العرب (2/ 263)، والكافي شرح الهادي (ص 413)، وأسرار العربية (ص 159)، والمعنى: من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه والمثل يضرب في ذم مخالطة الناس واستحباب الاجتناب. (¬5) وهو للكميت بن زيد الأسدي. (¬6) البيت من الطويل وهو في المحتسب (1/ 173)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 310) ط العراق، والمقرب (1/ 116)، والتذييل (2/ 939، 940)، والخزانة (4/ 5)، والعيني (2/ 413)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 388)، وشرح الكافية للرضي (2/ 279)، وشرح المكودي على الألفية (ص 69)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 154)، وشرح شواهده (ص 96)، والتصريح (1/ 259)، والهمع (1/ 152)، والدرر (1/ 134)، والأشموني (2/ 35). والشاهد في قوله: (وتحسب) حيث حذف مفعولاه والتقدير وتحسبه عارا عليّ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يخلو إنسان من ظن «ما» ولا من منع (¬1) ما ومنع الاقتصار على أظن وغيره على الوجه المذكور هو مذهب سيبويه (¬2) والمحققين ممن تدبر كلامه كأبي الحسن بن خروف وابن طاهر (¬3)، وأبي علي الشلوبين (¬4). ومما يدل على ذلك من كلام سيبويه قوله في باب إضمار المفعولين اللذين [2/ 165] يتعدى إليهما فعل الفاعل: «وذلك أن حسبت بمنزلة كان إنما يدخلان على المبتدأ والمبني عليه، فيكونان في الاحتياج على حال، ألا ترى أنك لا تقتصر على الاسم الذي يقع بعدهما كما لا تقتصر عليه مبتدأ، فالمنصوبان بعد «حسبت» بمنزلة المرفوع والمنصوب بعد «ليس» و «كان»، وكذلك الحروف التي بمنزلة حسبت، وكان» (¬5) هذا نصه. فصرح بأن حسبت مع مرفوعها في احتياج إلى المنصوبين بمنزلة «ليس» و «كان» في احتياجهما إلى المرفوع والمنصوب، فكما لا يقتصر على «ليس» و «كان» دون المرفوع والمنصوب لا يقتصر على «حسبت» ومرفوعها دون المنصوبين، وهذا واضح، ويؤيده قوله في آخر الباب الذي يلي الباب المشار إليه بعد ذكر حسبت وأخواتها: والأفعال الأخر إنما هي بمنزلة اسم مبتدأ والأسماء مبنية عليها، ألا ترى أنك تقتصر على الاسم كما تقتصر على المبني على المبتدأ يريد أنك تقتصر على ضربت، كما تقتصر على المبتدأ وخبره. ثم قال: فلما صار «حسبت» وأخواتها بتلك المنزلة جعلت بمنزلة إنّ وأخواتها إذا قلت «إني» و «لعلي» لأن «إنّ» وأخواتها لا يقتصر على الأسم الذي يقع بعدها (¬6) فجعل افتقار «حسبت» وأخواتها مع فاعلها إلى الجزأين كافتقار «إنّ» و «لعل» مع منصوبيهما إلى الخبر وهذا أيضا واضح. - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 391)، والجامع الصغير لابن هشام (ص 73)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 79). (¬2) ينظر: الكتاب (2/ 365 - 366). (¬3) سبقت ترجمته. (¬4) ينظر في هذه الأراء: شرح الصفار للكتاب (ق 46 / أ)، والتوطئة للشلوبين (ص 163)، وقد منع الاقتصار فقال: فهذا الباب لا يجوز فيه الاقتصار. اه. وينظر التذييل (2/ 940). (¬5) الكتاب (2/ 365 - 366). (¬6) الكتاب (2/ 368).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الكلام تسوية بين حسبت وأخواتها نعم إنه حين قال: لأنك قد تقول: ظننت فيقتصر، لم يقصد الإطلاق والاختصاص، بل قصد التنبيه على أن بعض المواضع قد يقتصر فيه على الفعل ومرفوعه لقرينة تحصل بها الفائدة واكتفي بظننت اختصارا واتكالا على العلم بمساواة غير ظننت لظننت، وذهب ابن السراج (¬1) والسيرافي إلى جواز الاقتصار على مرفوع هذه الأفعال مطلقا (¬2) وكان الذي دعاهما لهذا أن الأخفش قال في كتابه المسمى بالمسائل الصغرى: تقول: خبرت عبد الله، وظن عبد الله، وأعلم عبد الله، إذا كنت تخبر عن الفعل (¬3) هذا نصه. والذي عندي في هذا أن الأخفش لم يقصد جواز الاقتصار مطلقا، بل مع قرينة محصلة للفائدة، كقولك لمن قال: (من ظنني ذاهبا؟): (ظن عبد الله)، ولمن قال: (من أعلمك أني ذاهب؟): (أعلم عبد الله) ولذلك قال: إذا كنت تخبر، فإن الناطق بما لا فائدة فيه ليس بمخبر. وأشرت بقولي: «ولهما من التقديم والتأخير ما لهما مجردين» إلى أن الأصل تقديم المفعول الأول وتأخير المفعول الثاني، وأنه قد يعرض ما يوجب البقاء على الأصل، وما يوجب الخروج عنه، كما يعرض في باب الابتداء، فإن لم يعرض موجب لأحد الأمرين جاز التقديم والتأخير فمن [2/ 166] موجبات البقاء على الأصل: تساويهما في تعريف أو تنكير (¬4)، نحو: ظننت زيدا صديقك وعلمت خيرا منك فقيرا إليك، ومن موجبات الخروج عن الأصل حصر المفعول الثاني (¬5) نحو: ما ظننت زيدا إلا بخيلا، وقد بينت أسباب البقاء على الأصل والخروج عنه في باب الابتداء مستوفاة فأغنى ذلك عن استيفائها هنا وأكتفي بالإحالة - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمة ابن السراج. (¬2) ينظر: أصول النحو لابن السراج (1/ 216 - 217)، وشرح السيرافي للكتاب (1/ 100 - 101) تحقيق د/ سيد شرف الدين، (2/ 620) تحقيق د/ دردير محمد أبو السعود. (¬3) ينظر: التذييل: (2/ 940)، وشرح الصفار للكتاب (ق 46 / أ). (¬4) لأنه لو قدم الخبر على المبتدأ وهما متساويان تعريفا وتنكيرا لا يعلم أن المقدم هو الخبر إذ ليس هناك سبب لتقديمه حينئذ. (¬5) في (ب) حصر المفعول الأول نحو: «ما ظننت بخيلا إلا زيدا» وقد أشار الناسخ في هامش (أ) إلى هذه الزيادة بقوله: لعل الأول نحو: ما ظننت بخيلا إلا زيدا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها (¬1). ثم قلت: ولثانيهما من الأقسام والأحوال فالخبر «كان» أي لثاني مفعولي هذه الأفعال من ذلك ما لخبر «كان» (¬2) وإنما كان ما قرر لذلك لتساويهما في الخبرية، واستحقاق النصب، وقد ذكرت الأقسام والأحوال هناك فلم يكن هنا حاجة إلى ذكرها، وقد يقع بعد إسناد هذه الأفعال إلى فاعليها ظرف أو جار ومجرور، أو ضمير أو اسم إشارة فيمتنع الاقتصار عليه إن كان أحد المفعولين لا إن لم يكن أحدهما فالاقتصار على «عندك» إذا قلت: ظننت عندك - جائز، إن جعل ظرفا لحصول الظن، وغير جائز إن جعل مفعولا ثانيا والآخر محذوف والاقتصار على لك إذا قلت: ظننت لك جائز إن جعل علة لحصول الظن، وغير جائز إن جعل مفعولا ثانيا، والآخر محذوف وكذا لو قلت: ظننته أو ظننت ذاك مقتصر جاز إن عني بالضمير واسم الإشارة المصدر ولم يجز إن عني أحد المفعولين، ولم يفهم الآخر بدليل كقول من قيل له: (أظننته صديقك؟): (نعم ظننته) (¬3)، وقال الفراء في «ظننت ذاك»: ذاك اسم إشارة إلى الحديث أجرته العرب مجرى المفعولين يقول القائل: كان من الأمر كذا وكذا فيقول المخبر: قد ظننت ذاك، قال ابن خروف: وهو قول لا بأس به، وقال أبو زيد في مصادره: خلت ذاك أخاله خالا، والأظهر أن يكون ذاك إشارة إلى الحديث لذكره المصدر بعده (¬4). انتهى. وهو كلام مختصر نظيف واف بالمقصود يشنف الأسماع ويستميل الطباع. لكن ثمّ أمور ننبه عليها: منها: أن السهيلي نازع في كون مفعولي هذه الأفعال أصلهما المبتدأ والخبر مستدلا بأنك تقول: ظننت زيدا عمرا، ولا يجوز أن تقول: زيد عمرو إلا على - ¬

_ (¬1) ينظر: باب الابتداء ومسائل تقديم الخبر. (¬2) أي من جواز تقديمه أو وجوب تأخيره ونحو ذلك. ينظر شرح عمدة الحافظ (ص 146). (¬3) ينظر: الهمع (1/ 152). (¬4) ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 137)، والتذييل (2/ 949)، وقد ذكر أبو حيان أن هذا مذهب المازني أيضا وينظر شرح الكافية للرضي (2/ 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جهة التشبيه، وأنت لم ترد ذلك مع ظننت (¬1)، ولك أن تدعي أن من قال: ظننت زيدا عمرا صح عنده قبل دخول ظننت أن يكون زيد عمرو مبتدأ وخبرا، لأن حقيقة ظننت زيدا عمرا، ظننت المسمى زيدا المسمى عمرا. وإذا كان كذلك صح أن يقال: المسمى زيدا في نفس الأمر هو المسمى عمرا عندي، فقد صح الإخبار بالثاني عن الأول، باعتبار ما يتوهمه المتكلم، وإن كان ذلك ليس بصحيح في الواقع، وإذا كان كذلك فظننت [2/ 167] في قول القائل: ظننت زيدا عمرا إنما دخلت على ما كان مبتدأ وخبرا عنده، فهو يخبر بذلك منبها على غلطه أولا. ومنها: أنهم قالوا: إن حق هذه الأفعال المذكورة في هذا الباب أن لا تعمل، لأن كل عامل يدخل على الجملة، فإنه لا يعمل فيها نحو قولك: قال زيد عمرو منطلق، وقرأت «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» *، قالوا: لكنها شبهت بأفعال باب أعطيت في أنها أفعال كما أن تلك أفعال وتطلب اسمين كطلبها، فلذلك نصبت المفعولين قال. وإنما لم يشبه «قال» و «قرأت» بأعطيت فتنصب بهما لأن ظننت وأخواتها لا يليها إلا اسمان أو ما هو بمنزلتهما كما أن أعطيت وأخواتها لا تطلب إلا اسمين. وقال وقرأت قد تدخل بعدهما الجمل الفعلية نحو: قال زيد قائم عمرو، وقرأت «اقتربت السّاعة» فكانت ظننت وأخواتها أشبه بأعطيت وأخواتها من «قلت» و «قرأت» وأمثالهما، قالوا: ولكون حق هذه الأفعال أن لا تعمل انفردت بجواز - ¬

_ (¬1) ما قاله السهيلي في نتائج الفكر (ص 277) من قسم التحقيق يخالف ما ذكره عنه ناظر الجيش هنا فالسهيلي قد بين هناك أن المنصوبين بعد علمت وظننت لم يكونا مفعولين في الحقيقة وإنما هي مبتدأ وخبر يقول السهيلي: وأما نصب علمت وظننت لمفعولين فليس هنا مفعولان في الحقيقة إنما هو المبتدأ والخبر وهو حديث إما معلوم وإما مظنون، فكان حق الاسم الأول أن يرتفع بالابتداء والثاني بالخبر ويلغى الفعل لأنه لا تأثير له في الاسم، وإنما التأثير لعرفت المتعلقة بالاسم المفرد يقينا وتمييزا، ولكنهم أرادوا تشبث علمت بالجملة التي هي الحديث؛ كيلا يتوهم الانقطاع بين المبتدأ وبين ما قبله، لأن الابتداء عامل في الاسم وقاطع له مما قبله. اه. وقد ذكر هذه المخالفة د/ سيد تقي الدين في تحقيقه للتذييل والتكميل أيضا حيث قال: الذي في نتائج الفكر يخالف ما هنا. اه. التذييل (2/ 936). وكأن ناظر الجيش هنا تابع لإسناده أبي حيان في هذه المسألة، ولكن قد يكون هذا الرأي للسهيلي في مصنفات أخرى له لم نتوصل نحن إليها وقد بحثت عنه في كتابه الأمالي فلم أجده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإلغاء، لأن في ذلك رجوعا إلى الأصل. انتهى ما قالوه (¬1). ولم يظهر لي كون هذه الأفعال إنما عملت لشبهها بأعطيت، لأن الشبه الذي ذكروه من وقوع اسمين بعدها لا أثر له في استحقاق العمل بوجه، وقد يقال: إن هذه الأفعال لما أحدثت في النسبة التي بين الاسمين الواقعين بعدها يقينا أو ظنّا كان لها تسليط (¬2) على النسبة لتعلقها بها فاستحقت التأثير فيما تعلقت به كما استحق أعطيت التأثير في زيد درهم إذا قلت: أعطيت زيدا درهما لتعلقه بهما لكن النسبة لا يظهر للعامل أثر فيها فجعلوا تأثير الأفعال المذكورة في المنتسبين الواقعين بعدها دليلا على تعلقها بالنسبة، وأنها أحدثت أمرا لم يكن قبل. وقد نزع الإمام بدر الدين ولد المصنف منزعا غير ما ذكروه فقال: الجملة الواقعة بعد القول تحكى ولا يعمل فيها القول كما يعمل الظن، لأن الظن يقتضي الجملة من جهة معناها، فجزآها معه كالمفعولين من باب أعطيت، فصح أن ينصبهما الظن نصب أعطيته مفعوليه، وأما القول فيقتضي الجملة من جهة لفظها، فلم يصح أن ينصب جزأيها مفعولين لأنه لم يقتضها من جهة معناها، فلم يشبه باب أعطيت ولا أن ينصبها مفعولا واحدا، لأن الجمل لا إعراب لها فلم يبق إلا الحكاية (¬3). وقال ابن هشام (¬4): هذا قول بعض المتأخرين يعني قول من قال: إن ظننت إنما عملت للتشبيه بأعطيت، وذلك أن كل عامل يدخل على الجملة فإنه لا يعمل فيها نحو «قلت»، و «كنت» إذا كانت الجملة في موضع خبرها، وكذلك أسماء الزمان إذا أضفتها إلى جملة المبتدأ والخبر وكذلك المبتدأ [2/ 168] إذا كان خبره جملة، فكان الواجب في هذه الأفعال أن تكون كذلك، لولا هذا التشبيه، وقد أولع أبو علي الشلوبين بهذا المذهب، وهو لا يصح إذا حقق النظر فيه. انتهى. - ¬

_ (¬1) ينظر في شرح الجمل لابن عصفور فقد رد فيه هذا القول الذي ذكره ناظر الجيش هنا بالمعنى، شرح الجمل (1/ 315) ط العراق، وينظر شرح المكودي على الألفية (ص 66)، والهمع (1/ 151). (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) شرح الألفية لابن الناظم (ص 80). (¬4) سبقت ترجمته وهو محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي توفي سنة (646 هـ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الذي ذكره ابن هشام يحقق ما قلته أولا في البحث المتقدم آنفا. ثم قال ابن هشام: ومذهب سيبويه أن ما دخل على الجملة مما شأنه وأصله أن يدخل على المفرد فالجملة تبقى معه على حالها حكاية، لأنها بجملتها تنزلت منزلة المفرد فالاسم منها والفعل أحد جزئيها فينزل منزلة بعض الكلمة والعامل لا يعمل في بعض الكلمة، فبقيت على إعرابها حكاية والذي ليس من شأنه أن يدخل على مفرد مثل كان وأخواتها، وإنّ وأخواتها وظننت وأخواتها يصير مثل الفعل الداخل على اثنين، فما كان فعلا يجري مجرى الأفعال لأجل التشبيه وما كان غير فعل عمل بالتشبيه، لو لم يعمل بحكم أصله، هذا مذهب سيبويه والنحويين المتقدمين (¬1) قال: وقد رأينا العامل اللفظي يزيل الابتداء نحو: زيد قام إذا قدمت الاسم رفعت الاسم به ولم تشغله بضميره كما تعمل إذا تأخر، وكذلك ما يدخل عليه طالبا له من جهة والخبر مع جهة تخلع الابتداء وتستأثر بالعمل، لأنه أقوى منه، وإذا عملت الحروف نحو: إنّ وأخواتها وما ولا، ولات في هذه الجملة بما أدت معانيها فيها، فالفعل أولى بالعمل وأوجب أن لا يجوز فيها غير ذلك انتهى (¬2) كلام ابن هشام، وهو كلام سديد تركن إليه النفس وتقبله. ومنها: أنك قد عرفت من كلام المصنف في متن الكتاب وتقريره في الشرح - أن حذف المفعولين في هذا الباب، وحذف أحدهما لا يجوز إلا لدليل وأما من غير دليل فلا يجوز والحذف لدليل هو حذف الاختصار والحذف لا لدليل هو حذف الاقتصار، وحذف المفعولين اختصارا مجمع على جوازه ومنه: 1093 - بأيّ كتاب أم بأيّ سنّة ... ... البيت (¬3) أي وتحسب حبّهم عارا عليّ. وأما حذفهما اقتصارا فذكر ابن عصفور فيه ثلاثة مذاهب: قال: منهم من منع وهو الأخفش ومنهم من أخذ بمذهبه ومنهم من أجاز وعليه أكثر النحويين. - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب: (1/ 122، 123)، (3/ 119 - 120). (¬2) التذييل (2/ 938). (¬3) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من فصل فأجاز في «ظننت» وما في معناها، ومنع في «علمت» وما في معناها وهو مذهب الأعلم (¬1) ومن أخذ بمذهبه. فأما الأخفش فحجته أن هذه الأفعال قد تجرى مجرى القسم ومفعولاتها تجرى مجرى جواب القسم بدليل أن العرب تتلقاها [2/ 169] بما تتلقى به القسم، فكما لا يبقى القسم دون جواب كذلك لا تستغني هذه الأفعال عن مفعولاتها. وهذا لا حجة فيه، لأن العرب لا تضمّنها معنى القسم على اللزوم، فماذا يمنع من الحذف إذا لم يضمن معنى القسم؟ وأما الأعلم فحجته أن الكلام مبني على الفائدة، وإذا قلت: «ظننت» كان مفيدا، لأن الإنسان قد يخلو من الظن، وإذا قلت «علمت» كان غير مفيد لأن الإنسان لا يخلو من علم. وهذا فاسد، لأن الكلام إذا أمكن حمله على ما فيه فائدة كان أولى: فإذا قال قائل: علمت - علمت أنه أراد أن يخبر بأنه وقع منه علم ما لم يكن يعلم إذ حمله على خلاف ذلك غير مفيد. والصحيح أنه يجوز حذف المفعولين في علمت وظننت وما في معناهما وقد جاء ذلك في كلامهم: حكى سيبويه: أنهم يقولون: من يسمع يخل معناه يقع منه خيلة وقال الله تعالى: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (¬2) أي يعلم وليس في الكتاب خلاء عن مذهب سيبويه. فأما حذف أحدهما اختصارا: فجائز لكنه قليل ومنه: 1094 - ولقد نزلت فلا تظنّي غيره (¬3) ... ... البيت أي فلا تظني غيره كائنا أو واقعا. وأما حذفه اقتصارا: فلا يجوز أصلا ولا خلاف في منعه بين أحد من النحويين لما يؤدي إليه من بقاء خبر دون مخبر عنه أو في مخبر عنه دون خبر (¬4) انتهى. - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) سورة النجم: 35. (¬3) تقدم. (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 191) رسالة بجامعة القاهرة، وشرح الجمل لابن عصفور أيضا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تبين من كلام المصنف المتقدم واستدلاله أن حذف المفعولين اقتصارا غير جائز، ولا يبعد أن ذاك هو الحق، وما استدل به ابن عصفور على جواز الحذف اقتصارا قد استدل به المصنف على أن الحذف فيه حذف اختصارا (¬1). واعلم أن بعض المغاربة، وهو ابن ملكون (¬2) قد شذ فذهب إلى أنه لا يجوز حذف أحد المفعولين اختصارا كما لا يجوز اقتصارا، وقاس هذا الباب على باب كان (¬3)، وقد رد عليه ذلك وفرقوا بين هذا الباب وباب كان بأن المرفوع هناك كالفاعل فلا يحذف والمنصوب كالحدث للأفعال فصار عوضا منه، فامتنع حذفه إذ صار جزءا من الفعل (¬4)، وقد تقدم ذكر شواهد الحذف أعني حذف أحد المفعولين ومنها قول الشاعر: 1095 - تلذّ لطعمه وتخال فيه ... إذا نبّهتها بعد المنام (¬5) - ¬

_ - (1/ 311 - 312) ط العراق، وينظر الغرة لابن الدهان (2/ 22)، وقد اختار فيه مذهب الأخفش وهو المنع مطلقا. (¬1) في (أ) (اقتصارا) في الأولى والثانية والصواب ما أثبته من (ب). ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 312) ط العراق، والمقرب (1/ 116). (¬2) هو إبراهيم بن محمد بن منذر بن سعيد بن ملكون الخضرمي الأشبيلي أبو اسحاق، أستاذ نحوي جليل روى عن أبي الحسن بن شريح وأبي مروان بن محمد، وأجاز له القاسم بن تقي، وروى عنه ابن حوط الله وابن خروف والشلوبين. له شرح الحماسة، النكت على تبصرة الصيمري، وغير ذلك. توفي سنة (584 هـ) البغية (1/ 431) تحقيق: محمد أبو الفضل. (¬3) ينظر التذييل (2/ 944)، والتصريح (1/ 260)، والهمع (1/ 152)، وقد منع ابن الحاجب حذف أحد المفعولين مطلقا، قال: ومن خصائصها أنه إذا ذكر أحدهما ذكر الآخر بخلاف باب أعطى. اه. شرح الكافية للرضي (2/ 279)، وينظر شرح الأشموني (2/ 35)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 390)، وأوضح المسالك (1/ 125). (¬4) ينظر التصريح (1/ 260)، والهمع (1/ 152). (¬5) البيت من الوافر وهو للنابغة الذبياني وهو في التذييل (2/ 945)، وديوان النابغة (ص 112)، ط. بيروت. والشاهد قوله: (وتخال فيه) حيث حذف المفعول الأول لـ (تخال) اختصارا والتقدير: وتخال ما ذكرت في فمها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي تخال ما ذكرت فيه من المشعشعة الموصوفة. فإن قبل هذا البيت: 1096 - كأنّ مشعشعا من خمر بصرى ... نمته البخت مشدود الختام على أثيابها بفريض مزن ... تقبّله الجباة من الغمام (¬1) وقال صاحب الإفصاح (¬2): زيدا ظننته قائما، هذا مما يحذف منه أحد مفعولي ظننت لأنك تقدر ظننت زيدا قائما، فتحذف استغناء بظننت هذه الظاهرة، ويحذف قائما استغناء بقائم هذه الظاهرة (¬3) هذا كلام النحويين. ومنها: أنه قد سبق في كلام [2/ 170] المصنف أنه إذا وقع بعد إسناد هذه الأفعال إلى فاعليها ظرف أو جار ومجرور ولم يكن أحد المفعولين جاز الاقتصار عليه، ولا شك أنه لا يلزم من جواز الاقتصار عليه أن لا يذكر معه المفعولان لكن صرح ابن عصفور في شرح الجمل: أنك إذا أتيت في باب ظننت بعد الفعل بمجرور، وجعلته ظرفا للفعل فإنك تستغني به عن المفعولين ولا يجوز الجمع بينه وبين المفعولين أصلا فتقول: ظننت بزيد، وعلمت ببكر أي جعلته موضع علمي، وجعلت زيدا موضع ظني قال: ومنه قول الحماس: 1097 - فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج ... سراتهم بالفارسيّ المسرّد (¬4) يريد ظنوا في ألفي مدجج أي اجعلوهم موضع ظنكم (¬5). ¬

_ (¬1) البيتان أيضا للنابغة الذبياني كالذي قبلهما وهما من قصيدة يمدح فيها عمرو بن هند، وكان قد غزا الشام بعد مقتل أبيه المنذر. والبيتان أيضا في التذييل (3/ 945)، وديوانه (ص 112). (¬2) هو ابن هشام الخضراوي وقد تقدمت ترجمته. (¬3) ينظر التذييل (2/ 947). (¬4) البيت من الطويل وهو لدريد بن الصمة وهو في المحتسب (2/ 342)، وجمل الزجاجي (ص 358)، وابن يعيش (7/ 81)، والتذييل (2/ 966)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 309) ط. العراق، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص 812)، والأصمعيات (ص 107)، برواية (علانية ظنوا)، والبحر المحيط (5/ 110)، واللسان (ظنن). اللغة: مدجج: تام السلاح. سراتهم: أشرافهم. الفارسي: الدرع الذي يصنع بفارس. المسرد: المحكم النسيج. والشاهد فيه: استعمال «ظن» في غير المتيقّن. (¬5) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 309). ط. العراق.

[سرد هذه الأفعال ومعانيها في هذا الباب وغيره]

[سرد هذه الأفعال ومعانيها في هذا الباب وغيره] قال ابن مالك: (وفائدة هذه الأفعال في الخبر ظنّ أو يقين أو كلاهما أو تحويل: فللأوّل: «حجا يحجو» لا لغلبة ولا قصد ولا ردّ ولا سوق ولا كتم ولا حفظ ولا إقامة ولا بخل، و «عدّ» لا لحسبان، و «زعم» لا لكفالة، ولا رياسة ولا سمن ولا هزال، و «جعل» لا لتصيير ولا إيجاد ولا إيجاب ولا ترتيب ولا مقاربة و «هب» غير متصرّف. وللثّاني: «علم» لا لعلمة ولا عرفان و «وجد» لا لإصابة ولا استغناء ولا حزن ولا حقد و «ألفى» «مرادفتها» و «درى» لا لختل و «تعلّم» بمعنى اعلم غير متصرّف. وللثّالث: «ظنّ» لا لتهمة و «حسب» لا للون، و «خال يخال»، لا لعجب ولا ظلع، و «رأى» لا لإبصار، ولا رأي ولا ضرب. وللرّابع: «صيّر» و «أصار» وما رادفهما من «جعل» و «وهب» غير متصرّف، و «ردّ» و «ترك» و «تخذ» و «اتّخذ» و «أكان» وألحقوا بـ «رأى» العلميّة الحلمية و «سمع» المعلّقة بعين، ولا يخبر بعدها إلّا بفعل دالّ على صوت ولا تلحق «ضرب» مع المثل على الأصحّ ولا «عرف» و «أبصر» خلافا لهشام ولا «أصاب» و «صادف» و «غادر» خلافا لابن درستويه). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): كل فعل لا يغني مرفوعه عن مخبريه صالح للتعريف والتنكير أو جملة تقوم مقامه فهو من باب كان، وكل فعل لا يغني منصوبه عن ثان مخبر به صالح للتعريف والتنكير، أو جملة تقوم مقامه فهو من باب ظن (¬2)، ويميز النوعين وقوع ثاني المفعولين بعد الضمير المسمى فصلا أو اللام المسماة فارقة، فالوقوع بعد الفصل نحو قوله تعالى: وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ (¬3) [وقوله تعالى]: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 76). (¬2) ينظر: شرح عمدة الحافظ (ص 145). (¬3) سورة سبأ: 6. (¬4) سورة المزمل: 20.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقوله] وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (¬1) والوقوع بعد اللام الفارقة نحو قوله تعالى: وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً (¬2) [وقوله]: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ (¬3) [وقوله]: وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (¬4). وأفعال هذا الباب أربعة أنواع: نوع مختص بالظن المحض [2/ 171]، ونوع باليقين ونوع صالح للظن وصالح لليقين ونوع للتحويل من وصف إلى وصف (¬5). فمن الأول: حجا، كقوله (¬6): 1098 - قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة ... حتّى ألمّت بنا يوما ملمّات (¬7) أراد قد كنت أظن فعداه إلى مفعولين هما في الأصل مبتدأ وخبر كما يفعل بـ «أظن» و «لحجا» استعمالان آخران هي في أحدهما متعدية إلى مفعول واحد، وفي الآخر لازمة. فالأول: أن تكون بمعنى غلب في المحاجاة، وبمعنى قصد وبمعنى رد وبمعنى ساق، وبمعنى كتم، وبمعنى حفظ. والثاني: أن تكون بمعنى أقام وبمعنى بخل (¬8)، ومن أخوات حجا الظنية عدّ - ¬

_ (¬1) سورة الصافات: 77. (¬2) سورة البقرة: 143. (¬3) سورة الإسراء: 73. (¬4) سورة الأعراف: 102. (¬5) ينظر: شرح الألفية للمرادي (1/ 374)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74)، وأوضح المسالك (1/ 111 - 115)، وشرح الكافية للرضي (2/ 277). (¬6) قيل: إنه تميم بن مقبل وقيل: أبو سنبل الأعرابي ينظر معجم شواهد العربية للأستاذ عبد السّلام هارون (1/ 70). (¬7) البيت من البسيط وهو في التذييل (2/ 951)، وأوضح المسالك (1/ 113)، وهامش شرح الكافية للرضي (2/ 277)، وشذور الذهب (ص 429)، والهمع (1/ 148)، والدرر (1/ 130)، والتصريح (1/ 247)، والأشموني (2/ 23)، وشرح ابن عقيل (1/ 150)، بحاشية الخضري وشرح شواهده للجرجاوي (ص 91)، والعيني (2/ 376)، واللسان (حجا). والشاهد قوله: (... أحجو أبا عمرو أخا ثقة) حيث استعمل أحجو وهو مضارع حجا بمعنى «أظن» فنصب مفعولين الأول: «أبا عمرو» والثاني «أخا ثقة». (¬8) ينظر شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 23)، وحاشية الخضري (1/ 150)، وفي اللسان «حجا» وفلان لا يحجو السر، أي لا يحفظه - وحجوت بالمكان أقمت به وكذلك تحجيت به، قال ابن سيده: وحجا بالمكان حجوا وتحجى أقام فثبت. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا بمعنى حسبت كقول الشاعر (¬1): 1099 - فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنّما المولى شريكك في العدم (¬2) وقول الآخر: 1100 - لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من فقدته الإعدام (¬3) ومن أخوات «حجا» الظنية زعم الاعتقادية كقول الشاعر: 1101 - فإن تزعميني كنت أجهل فيكم ... فإنّي شربت الحلم بعدك بالجهل (¬4) ومصدر زعم هذه زعم وزعم وزعم، ويقال زعم بمعنى كفل وبمعنى رأس فيتعدى إلى مفعول واحد مرة وبحرف جر أخرى، ويقال: زعمت الشاة بمعنى - ¬

_ (¬1) هو النعمان بن بشير الصحابي رضي الله عنه وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة. (¬2) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 951)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 75)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 375)، وأوضح المسالك (1/ 114)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 150)، وشرح شواهده (ص 91)، والخزانة (1/ 461) عرضا، والعيني (2/ 377)، والتصريح (1/ 248)، والهمع (1/ 148)، والدرر (1/ 130)، والأشموني (2/ 22). والشاهد قوله: (فلا تعدد المولى شريكك) حيث استعمل «تعدد» بمعنى تظن فتنصب بها مفعولين الأول «المولى» «والثاني» «شريكك». (¬3) البيت من الخفيف وهو لأبي دؤاد الإيادي وهو في التذييل (2/ 952)، وشرح التسهيل للمصنف: (2/ 77)، والعمدة (1/ 79)، والأصمعيات (ص 187)، والخزانة (3/ 438)، (4/ 190)، والزهر (2/ 481)، والعيني (1/ 391)، والهمع (1/ 148)، والدرر (1/ 130)، وديوانه (ص 338)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 75). الشاهد قوله: (لا أعدّ الإقتار عدما) حيث استعمل «أعدّ» بمعنى أظن وقد نصب به مفعولين أولهما «الإقتار» وثانيهما «عدما». (¬4) البيت من الطويل وهو لأبي ذؤيب الهذلي وهو في التذييل (2/ 953، 954)، والكتاب (1/ 121)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 149)، وشرح شواهده (ص 90)، والمغني (2/ 416)، وشرح شواهده (2/ 834)، وشرح أبيات سيبويه للسيرافي (1/ 86)، والعيني (2/ 388)، والهمع (1/ 148)، والدرر (1/ 131)، والحاشية الشيخ محيي الدين علي الأشموني (2/ 54)، وديوان الهذليين (1/ 36) واللسان (زعم). والشاهد قوله: (تزعميني كنت أجهل) حيث نصب بـ «تزعم» مفعولين هما ياء المتكلم وجملة «كنت أجهل».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سمنت وبمعنى هزلت فلا تتعدى (¬1)، ومن أخوات «حجا» «الظنية» «جعل» الاعتقادية كقوله تعالى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً (¬2) أي اعتقدوهم. وهذه غير التي للتصيير، وسيأتي ذكرها، وغير التي بمعنى أوجد كقوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ (¬3) وغير التي بمعنى أوجب كقولهم: جعلت للعامل كذا، وغير التي بمعنى ألقى كجعلت بعض متاعي على بعض، وغير التي للمقاربة وقد ذكرت في بابها (¬4). ومن أخوات «حجا» الظنية «هب» كقول الشاعر: 1102 - فقلت أجرني أبا خالد ... وإلّا فهبني امرءا هالكا (¬5) ومن النوع الثاني: «علم» كقول الشاعر: 1103 - علمتك الباذل المعروف فانبعثت ... إليك بي واجفات الشّوق والأمل (¬6) واحترزت بقولي «لا لعلمة ولا لعرفان» من علم علمة، فهو أعلم أي مشقوق الشفة العليا، ومن «علم» الموافق «عرف» (¬7) نحو: لا تَعْلَمُونَ - ¬

_ (¬1) في اللسان زعم الزّعم والزّعم والزّعم، ثلاث لغات: القول، زعم زعما وزعما وزعما، ويكون بمعنى الظن، والزعيم الكفيل، وزعيم القوم رئيسهم وسيدهم. اه. وينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 375)، والمفردات في غريب القرآن (ص 213)، كتاب الزاي والهمع (1/ 148 - 149). (¬2) سورة الزخرف: 19. (¬3) سورة الأنعام: 1. (¬4) ينظر: شرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 23)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 377). (¬5) البيت لابن همام السلولي من المتقارب وهو في الخصائص (2/ 186)، والمغني (2/ 594)، وشرح شواهده (2/ 923)، وشذور الذهب (ص 433)، وأوضح المسالك (1/ 114)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 75)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 377)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 150)، وشرح شواهده للجرجاوي (ص 92)، والعيني (2/ 378)، والتصريح (1/ 248)، والهمع (1/ 149)، والدرر (1/ 131)، والأشموني (2/ 24). والشاهد قوله: (فهبني امرءا) حيث استعمل «هب» بمعنى ظن فنصب بها مفعولين أولهما ياء المتكلم وثانيهما «امرءا». (¬6) البيت من البسيط مجهول القائل وهو في العيني (2/ 416)، والتصريح (1/ 332)، والأشموني (2/ 20)، وشرح ابن عقيل (1/ 148)، وشرح شواهده (ص 87). والشاهد قوله: (علمتك الباذل) حيث نصب (علمت) مفعولين أحدهما الكاف والآخر قوله «الباذل». (¬7) في شرح الأشموني (2/ 21): «فإن كانت من قولهم: علم الرجل إذا انشقت شفته العليا فهو أعلم، فهي لازمة وأما التي بمعنى عرف فستأتي». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شَيْئاً (¬1) ومن أخوات «علم» ذات المفعولين «وجد» نحو [قوله تعالى]: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً (¬2) وكقول الشاعر: - 1104 - فلمّا بلغنا الأمّهات وجدتم ... بني عمّنا كانوا كرام المضاجع (¬3) ومصدرها وجدان عن ابن برهان عن الأخفش (¬4)، ووجود عن السيرافي (¬5)، ولوجد استعمالان آخران، في أحدهما ذات مفعول وفي الآخر لازمة. فالأولى: بمعنى أصاب، كوجد فلان [2/ 172] ضالته وجدانا ووجودا. والثانية: بمعنى استغنى ومصدرها وجد ووجد ووجد، وجده، وبمعنى غضب ومصدرها موجده، وبمعنى حزن ومصدرها وجد (¬6)، ومثل «وجد» ذات المفعولين «ألفي» مرادفتها كقول الشاعر: - 1105 - قد جرّبوه فألفوه المغيث إذا ... ما الرّوع عمّ فلا يلوي على أحد (¬7) وكقول الآخر: 1106 - إذا أنت أعطيت الغنى ثمّ لم تجد ... بفضل الغنى ألفيت مالك حامد (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 78. وأول الآية: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً. (¬2) سورة المزمل: 20. (¬3) البيت ليزيد بن الحكيم وهو من الطويل في التذييل (2/ 959)، وديوان الحماسة للبحتري (ص 78)، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي (1/ 229)، وشرح اللمع لابن الدهان (ص 102). والشاهد قوله: (وجدتم بني عمنا كانوا أكرم المضاجع) حيث نصب بـ «وجد» مفعولين أولهما بني عمنا والثاني جملة «كانوا أكرم المضاجع». (¬4) يقول ابن برهان في شرح اللمع (ص 102) بعد أن ذكر البيت السابق: «فوجدت هذه بمعنى علمت قال الله تعالى: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فعنده المفعول الثاني، والمصدر منها «وجدان» قاله أبو الحسن في: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ. اه. (¬5) ينظر: الهمع (1/ 149). (¬6) ينظر: شرح الأشموني (2/ 21)، وشرح العمدة لابن مالك (ص 148 - 149)، والأفعال لابن القطاع (3/ 298). (¬7) البيت من البسيط وهو مجهول القائل، في التذييل (2/ 960). وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74) والعيني (2/ 388)، والهمع (1/ 149)، والدرر (1/ 132)، وهامش شرح الرضي (2/ 278). والشاهد قوله: (فألفوه المغيث) حيث استعمل «ألفي» استعمال «وجد» فنصب بها المفعولين أولهما الضمير المنصوب، والثاني قوله: «المغيث». (¬8) لم أهتد إلى هذا البيت. وهو من الطويل لقائل مجهول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ذوات المفعولين بمعنى علم كقول الشاعر: 1107 - دريت الوفيّ العهد يا عمرو فاغتبط ... فإن اغتباطا بالوفاء حميد (¬1) وأكثر ما تستعمل معداة بالباء كقولك: دريت به، فإذا دخلت همزة النقل تعدت إلى واحد بنفسها، وإلى ثان بالباء كقوله تعالى: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ (¬2) ويقال: دري الديب الصيد إذا استخفى له ليفترسه، فيتعدى إلى مفعول واحد (¬3)، وإليه أشرت بقولي: «لا لختل». ومن أخوات علم ذات المفعولين «تعلّم» بمعنى اعلم، ولم يستعمل لها ماض ولا مضارع والمشهور إعمالها في أنّ (¬4) كقول الشاعر: 1108 - تعلّم أنّه لا طير إلّا ... على متطيّر وهي الثّبور (¬5) وقد نصب مفعولين في قول الآخر: 1109 - تعلّم شفاء النّفس قهر عدوّها ... فبالغ بلطف في التّخيّل والمكر (¬6) ومن النوع الثالث: ظن وحسب وخال واستعمالهما في غير متيقن مشهور كقوله - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 961) -، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74)، وأوضح المسالك (1/ 113)، وشرح ابن عقيل (1/ 148)، وشرح شواهده (ص 88)، وشرح شذور الذهب (ص 432)، والأشموني (2/ 23)، والهمع (1/ 149)، والدرر (1/ 132)، والعيني (2/ 57). والشاهد قوله: (دريت الوفيّ العهد) حيث نصب «دري» المفعولين الأول منهما هو نائب الفاعل والثاني (الوفي). (¬2) سورة يونس: 16. (¬3) ينظر الأشموني (2/ 23)، وشرح الكافية للرضي (2/ 277). (¬4) في شرح الكافية للرضي (2/ 277): «ويستعمل درى بمعنى اعلم، وتعلم أمرا بمعنى اعلم، لكن لا ينصبان المفعولين بل ترد الاسمية بعدهما مصدرة بأن دريت أنك قائم وتعلم بعد أن الغيّ رشدا، ولا ينصرف في تعلم بمعنى اعلم، فإذا قيل لك تعلم أن الأمر كذا، فلا تقول له تعلمت، بل علمت. اه. وينظر شرح المكودي على الألفية (ص 67). (¬5) قيل: إن البيت للنابغة الذبياني وقد بحثت عنه في ديوانه فلم أجده وهو من الوافر وينظر: التذييل (2/ 962). والشاهد قوله: (تعلم أنه لا طير ...) حيث أعمل (تعلم) في «أن» وهو المشهور. (¬6) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 962)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74)، وشرح ابن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (¬1) وكقوله تعالى: وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ (¬2) وكقول الشاعر: 1110 - ظننتك إن شبّت لظى الحرب صاليا ... فعرّدت فيمن كان عنها معرّدا (¬3) وكقول الآخر: 1111 - وكنّا حسبنا كلّ بيضاء شحمة ... ليالي لاقينا جذام وحميرا (¬4) وكقول الآخر: 1112 - إخالك إن لم تغضض الطّرف ذا هوى ... يسومك ما لا يستطاع من الوجد (¬5) والمصدر من حسب حسبان، ومن خال خيلا، وخالا وخيلة ومخالة وخيلانا، - ¬

_ - عقيل (1/ 149)، وشرح شواهده (ص 94)، وأوضح المسالك (1/ 112)، وشذور الذهب (ص 434)، والمغني (2/ 594)، وشرح شواهده (2/ 923)، والعيني (2/ 374)، والتصريح (1/ 247)، والهمع (1/ 149)، والدرر (1/ 132)، والأشموني (2/ 24). والشاهد قوله: (تعلم شفاء النفس فهو عدوها) حيث استعمل «تعلم» بمعنى «اعلم» فنصب بها مفعولين هما شفاء النفس»، «قهر عدوها». (¬1) سورة الجاثية: 32. (¬2) سورة المجادلة: 18. (¬3) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في العيني (2/ 381)، والتصريح (1/ 248)، والأشموني بحاشية الصبان (2/ 21)، وأوضح المسالك (1/ 115). والشاهد قوله (ظننتك ... صاليا) حيث استعملت ظن في غير متيقن فنصبت مفعولين هما «كاف الخطاب» والثاني قوله «صاليا». (¬4) البيت من الطويل وهو لزفر بن الحارث في التذييل (2/ 967)، ومغني اللبيب (2/ 636)، وشرح شواهده (2/ 930)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74)، وأوضح المسالك (1/ 116)، والعيني (2/ 382)، والتصريح (1/ 249)، وشواهد النحو في حماسة أبي تمام (ص 278)، وشرح الحماسة للمرزوقي (1/ 155) وشرح حماسة للتبريزي (1/ 151)، ويروى «عشية» بدل «ليالي». والشاهد فيه: استعمال حسب في غير المتيقن. (¬5) البيت: من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 968)، والعيني (2/ 385)، والتصريح (1/ 249) والهمع (1/ 150)، والدرر (1/ 133)، والأشموني (2/ 20)، وأوضح المسالك (1/ 117). والشاهد قوله: (إخالك ... ذا هوى) حيث استعمل «خال» في غير المتيقن وقد نصب بها مفعولين هما: ضمير المخاطب وقوله «ذا هوى».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتستعمل «ظن» في المتيقن كثيرا كقوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ (¬1) ونقل ذلك في «حسب» «وخال» كقول الشاعر: 1113 - حسبت التّقى والحمد خير تجارة ... رباحا إذا ما المرء أصبح ناقلا (¬2) ومثله: 1114 - شهدت وفاتوني وكنت حسبتني ... فقيرا إلى أن يشهدوا وتغيبي (¬3) ومثال ذلك في خال قول الشاعر (¬4): 1115 - دعاني الغواني عمّهنّ وخلتني ... لي اسم فلا أدعى به وهو أوّل (¬5) ومثله [2/ 173]: 1116 - ما خلتني زلت بعدكم ضحيّا ... أشكو إليكم حموة الألم (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 46. (¬2) البيت من الطويل وهو للبيد بن أبي ربيعة العامري الصحابي وهو في التذييل (2/ 967)، والبحر المحيط (3/ 113)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 75)، وأوضح المسالك (1/ 116)، وشرح ابن عقيل (1/ 149)، وشرح شواهده (ص 89)، والبهجة المرضية (ص 42)، والعيني (2/ 384)، والتصريح (1/ 249)، والهمع (1/ 149)، والدرر (1/ 132)، والأشموني (2/ 21)، وديوانه (ص 146). والشاهد قوله: (حسبت التقى ... خير) حيث استعمل حسب في المتيقن وقد نصب بها مفعولين هما: «التقى» و «خير» واستعمالها في المتيقن قليل. (¬3) البيت لم يعلم قائله وهو في التذييل (2/ 967)، والبحر المحيط (3/ 113). والشاهد فيه: كالذي قبله أي استعمال «حسب» في المتيقن وهو قليل. (¬4) هو النمر بن تولب العكلي من شعراء أواخر الجاهلية وأدرك الإسلام. (¬5) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 968)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 75)، وشرح ابن عقيل (1/ 149)، وشرح شواهده (ص 89)، والعيني (2/ 395)، وجمهرة أشعار العرب للقرشي (ص 110) ط بولاق، والهمع (1/ 150)، والدرر (1/ 133، 137)، والأشموني (2/ 20). والشاهد قوله: (وخلتني لي اسم) حيث استعمل خال بمعنى علم أي في المتيقن وقد نصب بها مفعولين الأول ياء المتكلم والثاني جملة (لي اسم). (¬6) البيت من المنسرح ولم يعلم قائله وهو في التذييل (2/ 968)، وأوضح المسالك (1/ 117)، والعيني (2/ 386)، والتصريح (1/ 249)، واللسان (ضمن). والشاهد فيه: استعمال «خال» في المتيقن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد ما زلت بعدكم ضحيّا خلتني كذلك، وإن أريد بظن معنى اتهم، تعدت إلى واحد، ويقال: حسب الرجل، إذا احمرّ لونه وابيضّ كالبرص وكذا إذا كان ذا شقرة (¬1) فذا فعل لازم، وكذا «خال» بمعنى تكبر (¬2) والفرس ظلع والمضارع منهما ومن المتعدي إلى اثنين «يخال» (¬3) ومن أجل هذه قلت: «لا لتهمه ولا للون ولا لعجب ولا ظلع». ومن المستعمل للظن واليقين رأى كقوله تعالى: إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَراهُ قَرِيباً (¬4) أي يظنونه ونعلمه، وأنشد أبو زيد: 1117 - تقوه أيّها الفتكان إنّي ... رأيت الله قد غلب الجدودا رأيت الله أكبر كلّ شيء ... محاولة وأكثرهم جنودا (¬5) ويقال: رأيت الشيء بمعنى أبصرته، ورأيت رأي فلان بمعنى اعتقدته، ورأيت الصيد بمعنى أصبته في رئتيه فهذه متعدية إلى واحد (¬6)، وإليها أشرت بقولي: «لا لإبصار ولا رأي ولا ضرب». وللنوع الرابع: صيّر وأصار وما وافقهما كجعل في قوله تعالى: فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (¬7) و «وهب» في قولهم: وهبني الله فداك أي جعلني، ذكرهما الأزهري - ¬

_ (¬1) في اللسان (حسب) «والأحسب» الذي ابيضت جلدته من داء ففسدت شعرته فصار أحمر وأبيض، يكون ذلك في الناس والإبل، قال الأزهري عن الليث: وهو الأبرص وفي الصحاح الأحسب من الناس: الذي في شعر رأسه شقرة. (¬2) ينظر: لسان العرب (خيل). (¬3) ينظر: التصريح (1/ 250)، والهمع (1/ 150). (¬4) سورة المعارج: 6، 7. (¬5) البيتان لخداش بن زهير وهما من الوافر وينظر فيهما المقتضب (4/ 97)، والتذييل (2/ 969)، ونوادر أبي زيد (ص 200)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74)، وشرح ابن عقيل (1/ 148)، وشرح شواهده (ص 87)، والعيني (2/ 371)، والأشموني (2/ 19)، ويروى البيت برواية «الفتيان» مكان «الفتكان» و «محافظة» مكان «محاولة». والشاهد قوله: (رأيت الله أكبر ...) حيث نصب بـ «رأى» العلمية المفعولين الأول لفظ الجلالة، والثاني أكبر كل شيء. (¬6) ينظر: أوضح المسالك (1/ 118)، وحاشية الشيخ يس على التصريح (1/ 250)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 74)، وشرح الأشموني (2/ 19 - 20). (¬7) سورة الفرقان: 23.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن ابن الأعرابي (¬1)، «ورد» كقوله تعالى: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً (¬2) وكقول الشاعر: 1118 - رمى الحدثان نسوة آل سعد ... بمقدار سمدن له سمودا فردّ شعورهنّ السّود بيضا ... ورّد وجوههنّ البيض سودا (¬3) وترك كقول الشاعر (¬4): 1119 - وربّيته حتّى إذا ما تركته ... أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه (¬5) وتخذ واتخذ كقوله تعالى: لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (¬6) وكقول الشاعر (¬7): 1120 - تخذت غران إثرهم دليلا ... وفرّوا في الحجاز ليعجزوني (¬8) - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته، وينظر: رأي ابن الأعرابي في التذييل (2/ 972)، والهمع (1/ 150)، والتصريح (1/ 252). (¬2) سورة البقرة: 109. (¬3) البيتان من الوافر وهما لعبد الله بن الزبير الأسدي، وهما في التذييل (2/ 972)، وتعليق الفرائد (1/ 910)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 150)، وشرح شواهده (ص 93)، والعيني (2/ 417)، وشرح الحماسة للمرزوقي (2/ 941)، وشرح التبريزي (2/ 394)، وشواهد النحو في الحماسة (ص 280)، والأشموني (2/ 26)، وأمالي القالي (3/ 115)، والأضداد لابن الأنباري (ص 36). اللغة: الحدثان: مصائب الدهر. سمدن: حزن. والشاهد قوله: (فرد شعورهن السود بيضا) حيث استعمل رد بمعنى صيّر فنصب بها المفعولين وهما «شعورهن» و «بيضا» وكذلك (ورد وجهوهن البيض سودا). (¬4) هو فرعان بن الأعرف أو منازل ابنه. ينظر: معجم الشواهد (1/ 43). (¬5) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 973). وشرح الألفية لابن الناظم (ص 75)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 150)، وشرح شواهده (ص 92)، والعيني (2/ 298)، والإصابة في تمييز الصحابة (ص 7009)، والهمع (1/ 50)، والدرر (1/ 133)، ونوادر المخطوطات (2/ 360)، والأشموني بحاشية الصبان (2/ 25)، والحماسة للتبريزي (4/ 18)، وشواهد النحو في حماسة أبي تمام (ص 283)، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص 1445)، وحاشية يس (1/ 252). والشاهد فيه: استعمال «ترك» بمعنى صير فنصب بها مفعولين هما ضمير الغائب والثاني قوله: (أخا القوم). (¬6) سورة الكهف: 77. (¬7) هو أبو جندب بن مرة أو أبو جندب الهذلي. (¬8) البيت من الوافر وهو في التذييل (2/ 974)، والتصريح (1/ 252)، وشرح أشعار الهذليين (3/ 90)، والعيني (2/ 400)، والأشموني (2/ 25). اللغة: غران: اسم موضع بتهامة، وقيل إنه «غراز» وهو اسم رجل أو اسم واد. والشاهد قوله: (تخذت غران ... دليلا) حيث نصب به (تخذ) المفعولين أولهما «غران» وثانيهما «دليلا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (¬1) وإِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (¬2). قال ابن برهان: ذهب أبو علي في قوله تعالى: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً (¬3) وقوله: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً (¬4) ونحوهما - إلى أن اتخذ في جميعه متعد إلى واحد، قال: وتعدى إلى اثنين في (¬5) قوله تعالى: اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (¬6) إن التقدير: اتخذوه إلها، فحذف المفعول الثاني للدليل، وكذا التقدير في اتَّخَذَتْ بَيْتاً اتخذت من نسجها بيتا وفي أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لو أردنا أن نتخذ من شيء لهوا، ولا أعلم اتخذ لا يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما بمعنى الأول (¬7) وألحق ابن أفلج (¬8) «بأصار»، «أكان» المنقولة من «كان» بمعنى صاره وما حكم به جائز قياسا، لكن لا أعلمه مسموعا (¬9)، وألحقت العرب «رأي» الحلمية «برأي» العلمية (¬10) فأدخلتها على المبتدأ والخبر ونصبتهما مفعولين، ومنه قول الشاعر: 1121 - يؤرّقني أبو حنش وطلق ... وعمّار وآونة أثالا أراهم رفقتي حتّى إذا ما ... تغزّى اللّيل وانخزل انخزالا - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 125. (¬2) سورة فاطر: 6. (¬3) سورة العنكبوت: 41. (¬4) سورة الأنبياء: 17. (¬5) زاد في (ب) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً * ولا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ونحوهما قال ابن برهان: يقال لأبي علي: ألم يقل في قوله تعالى: اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ. اه. (¬6) سورة الأعراف: 148. (¬7) شرح اللمع لابن برهان (ص 103 - 106). (¬8) هو محمد بن أفلح البجاني كان بصيرا بالنحو حافظا للفقه جيد الضبط حسن الخط وافر المروءة سمع من أبي علي البغدادي وابن القوطية توفي سنة 385 هـ (البغية 1/ 57 تحقيق: محمد أبو الفضل). (¬9) قال أبو حيان في التذييل (2/ 976) تعقيبا على كلام المصنف هنا: «ولا أعلم أحدا من النحاة يقال له ابن أفلح، لكن في شيوخ الأعلم رجل اسمه مسلم بن أحمد بن أفلح الأديب يكنى أبا بكر، وأخذ كتاب سيبويه عن أحمد بن عمر بن الحباب». اه. (¬10) علل المرادي ذلك في شرح الألفية له (1/ 386) فقال: يعني: أن «رأى» الحلمية تتعدى إلى مفعوليين كعلم لكونها مثلها في أنها إدراك بالحس الباطن». اه. وينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 79) فقد جعل هناك رأي الحلمية محمولة في العمل على «علم» المتعدية إلى مفعولين كما قال المرادي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا أنا كالّذي أجري لورد ... إلى آل فلم يدرك بلالا (¬1) [2/ 174] فنصب بها اسمين معرفتين هما مبتدأ وخبر في الأصل، كما يفعل برأي بمعنى علم (¬2) وبمعنى ظن، ومما يدل على صحة ذلك قوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً (¬3) فأعمل مضارع رأى الحلمية في ضميرين متصلين لمسمى واحد، وذلك مما يختص به علم ذات المفعولين، وما جرى مجراها (¬4)، وألحق الأخفش والفارسي بعلم ذات المفعولين «سمع» الواقعة على اسم عين (¬5)، ولا يكون ثاني مفعوليها إلا فعلا يدل على صوت كقوله تعالى: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ، ويجوز حذفه إن علم كقوله تعالى: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (¬6) أي هل يسمعونكم تدعون إذ تدعون، ويجوز أن يكون مما حذف فيه المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فيكون التقدير: هل يسمعون دعاءكم (¬7) ولا يقاس على هذا الحذف بلا دليل نحو أن يقال: سمعت زيدا على تقدير سمعت دعاء زيد، إذ ليس تقدير الدعاء - ¬

_ (¬1) الأبيات من بحر الوافر وهي لعمر بن أحمر الباهلي وهي في الكتاب (2/ 270)، البيت الأول فقط، وشرح أبيات الكتاب للسيرافي (1/ 487)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 79)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 387) البيت الثاني فقط، وأوضح المسالك (1/ 118) البيت الثالث فقط وشرح الأشموني بحاشية الصبان (2/ 33 - 34)، والأمالي الشجرية (1/ 126، 128)، (2/ 92 - 93)، والخصائص (2/ 378) البيت الأول، والإنصاف (1/ 354) البيت الأول فقط، والعيني (2/ 421)، والتصريح (1/ 250)، البيت الثاني فقط، والهمع (1/ 150)، والدرر (1/ 134)، وشرح المكودي (ص 68). اللغة: أبو حنش وعمار وطلق: أسماء رجال. الورد: الماء الذي يورد. والشاهد قوله: (أراهم رفقتي) حيث نصب برأى الحلمية مفعولين هما الضمير المفعول في «أراهم» وهو ضمير الغائبين والثاني في «رفقتي». (¬2) اختلفت عبارة المصنف هنا عما عبر به في الألفية فقد جعل هناك رأى الحلمية ملحقة بعلم المتعدية إلى مفعولين مباشرة وهنا جعلها ملحقة برأى التي بمعنى علم، والتي عبر بها بـ (رأى العلمية). (¬3) سورة يوسف: 36. (¬4) ينظر: شرح الرضي على الكافية (2: 285). (¬5) ووافقهما على ذلك ابن بابشاذ وابن عصفور وابن الضائع وابن أبي الربيع وهو اختيار ابن مالك هنا أيضا. ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 302) ط العراق، والتذييل (2/ 979)، والهمع (1/ 150). (¬6) سورة الشعراء: 72. (¬7) هذا هو مذهب الجمهور فقد أنكروا مذهب الأخفش ومن تبعه وقالوا: لا نتعدى «سمع» إلا إلى مفعول واحد، فإن كان مما يسمع فهو المفعول، وإن كان عينا فهو المفعول والفعل بعده في موضع نصب على الحال وهو على حذف مضاف، ويكون حذف المضاف لفهم المعنى. ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 302 - 303) ط العراق، والهمع (1/ 150).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأولى من تقدير غيره، فلو وجد دليل على تعين المحذوف كما في الآية حسن الحذف، وقد تضمن «سمع» معنى أصغى، فتعدى تعديته نحو [قوله تعالى] (¬1): لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى (¬2) ومعنى استجاب فتعدى تعديته نحو: سمع الله لمن حمده، فإن وقعت «سمع» على اسم ما يسمع لم تتعد إليه نحو [قوله تعالى] (¬3): إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ (¬4) ويَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ (¬5) ومن هذا القبيل قول الشاعر: 1122 - سمعت النّاس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا (¬6) أراد سمعت هذا الكلام، وألحق قوم بأفعال هذا الباب «ضرب» المعلقة بالمثل (¬7) والصواب أن لا يلحق بها كقوله تعالى: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ (¬8) فبنى ضرب المذكور لما لم يسم فاعله، واكتفى بمرفوعها، ولا يفعل ذلك بشيء من أفعال هذا الباب، وألحق هشام الكوفي (¬9): عرف وأبصر (¬10)، وألحق ابن درستويه (¬11) أصاب وصادق، وغادر (¬12)، ولا دليل على شيء من ذلك فلا يلتفت إليه. انتهى كلام المصنف. ثم ها هنا أبحاث: - ¬

_ (¬1) زيادة يحسن بها الكلام. (¬2) سورة الصافات: 8. (¬3) زيادة يحسن بها الكلام. (¬4) سورة فاطر: 14. (¬5) سورة ق: 42. (¬6) البيت من الوافر وهو لذي الرمة في المقتضب (4/ 10)، والكامل (ص 259)، والجمل للزجاجي (ص 315)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 303) ط العراق، وشرح شواهد الكشاف (ص 98)، والحلل في شرح أبيات الجمل (ص 387)، والخزانة (4/ 17)، والتذييل (2/ 978، 983، 1087)، والتصريح (2/ 282)، وشرح الأشموني (4/ 93)، واللسان (صدح، نجع) وديوانه (ص 442). والشاهد قوله: (سمعت الناس ينتجعون غيثا) حيث تعلقت «سمع» بالمسموع فلم تتعد إلا إليه وهذا لا يتم إلا إذا كان «الناس» مرفوعا، وقد ذكر البغدادي في الخزانة أن البيت يروى بالنصب أيضا في قوله (الناس) فقال: وقد روي النصب في البيت جماعة ثقاة. اه. وقد روي البيت برواية النصب الفارقي في الإفصاح (ص 330)، والرضي في شرحه على الكافية (2/ 387). (¬7) ينظر التذييل (2/ 984)، وحاشية الخضري على ابن عقيل (1/ 150 - 151)، والهمع (1/ 150). (¬8) سورة الحج: 73. (¬9) سبقت ترجمته. (¬10) ينظر التذييل (2/ 985)، والهمع (1/ 151). (¬11) سبقت ترجمته. (¬12) ينظر: التذييل (2/ 985)، والهمع (1/ 151)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 287).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: ظاهر قوله في متن الكتاب: وفائدة هذه الأفعال في الخبر ظن أو يقين، إلى آخره - أن الخبر أعني الذي كان خبرا هو متعلق الظن أو اليقين مثلا وهو غير واضح لأن معاني هذه الأفعال إنما متعلقها النسب، فإذا قلت: ظننت زيدا منطلقا فإن متعلق الظن هو النسبة الحاصلة بين زيد ومنطلق؛ إلا أن يكون المصنف قصد الكلام المتصف بكونه خبرا، فيكون مراده بالخبر حينئذ الخبر الذي هو قسيم الإنشاء فيتجه إلى أن في [2/ 175] كون ذلك مراده بعدا. الثاني: الأفعال التي ذكرها المصنف للأنواع الثلاثة الأول جملتها أربعة عشر فعلا: خمسة لإفادة الظن وهي حجا وعد وزعم وجعل ووهب، وخمسة منها لإفادة اليقين وهي علم ووجد وألفى ودرى وتعلم، وأربعة واقعة منها لإفادة الأمرين، وهي ظن وحسب وخال ورأى. ثم إنه يتعلق ببعضها كلام أذكره فأقول: أما «عد» فكلام ابن عصفور يشعر بأنها ليست من أفعال هذا الباب (¬1). وقال الشيخ: إن ذلك مذهب الكوفيين (¬2) يعني كونها من الأفعال المذكورة هنا والحق ما ذكره المصنف بدليل قوله: 1123 - فلا تعدد المولى شريكك في الغنى (¬3) - ¬

_ (¬1) يقول ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 301 - 302) ط العراق، (1/ 183) رسالة بجامعة القاهرة: «وزاد بعض النحويين في هذه الأفعال: هب بمعنى ظن وألفى بمعنى وجد، وعد بمعنى حسب نحو: هب زيدا شجاعا، وألقيت زيدا ضاحكا، وعددت زيدا عالما، ولا حجة في شيء من ذلك لأن شجاعا وضاحكا وعالما أحوال والدليل على ذلك: التزام التنكير فيها لا تقول: هب زيد الشجاع، ولا ألفيت زيدا الضاحك، ولا عددت زيدا العالم فأما قوله: - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا فأفضل مجدكم نعت لعقر النيب، وعد بمعنى حسب كأنه قال: تحسبون عقر النيب الذي هو أفضل مجدكم، مما تفخرون به. اه. (¬2) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 952). (¬3) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «زعم» فذكر بعضهم أنها أكثر ما تقع الباطل (¬1) والدليل على أنها تقع على ما ليس بباطل قول كثير: 1124 - وقد زعمت أني تغيّرت بعدها ... ومن ذا الّذي يا عزّ لا يتغيّر تغيّر جسمي والخليقة كالّذي ... عهدت ولم يخبر بسرّك مخبر (¬2) وقال بعضهم: إنها تكون بمعنى الكذب (¬3) كقوله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا (¬4) وقال تعالى: فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ (¬5) (¬6). وأما «هب» فمنهم من لم يعدها من هذا الباب (¬7) والصحيح أنها منه بدليل مجيء المفعول الثاني معرفة، ولا يقال إذا جاء معرفة كان بدلا لمجيء الجملة في موضعه كقول القائل (¬8): 1125 - هبيني يا معذّبتي أسأت ... وبالهجران قبلكم بدأت (¬9) وقد اتصل «بهب» ضمير المؤنثة في هذا البيت، قال الشيخ: وكذا يتصل بها ضمير المثنى والمجموع، قال: ولا يكون أمرا باللام (¬10). - ¬

_ (¬1) في الهمع (1/ 148) أن القائل بذلك هو ابن دريد. (¬2) البيتان من الطويل وهما لكثير عزة: التذييل (2/ 955)، وأوضح المسالك (1/ 115) البيت الأول وشذور الذهب (ص 431) الأول فقط، والعيني (2/ 380)، والأشموني (2/ 22)، وديوان كثير (1/ 62)، والتصريح (1/ 248). والشاهد قوله: (وقد زعمت أني تغيرت) حيث وقعت «زعم» على ما ليس بباطل والدليل قوله بعد ذلك (تغير جسمي). (¬3) ينظر الهمع (1/ 148). (¬4) سورة التغابن: 7. (¬5) سورة الأنعام: 136. (¬6) في الكشاف: (1/ 253) «(بزعم) وقرئ بالضم أي قد زعموا أنه لله، والله لم يأمرهم بذلك ولا شرع لهم تلك القسمة التي هي من الشرك لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم في القربة». اه. ففي كلام الزمخشري هنا إشارة دون تصريح بأن «زعم» في الآية بمعنى الكذب. (¬7) كابن عصفور ومن تبعه، ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 301) ط. العراق. (¬8) هو إبراهيم السواق مولى آل المهلب. (¬9) البيت في التذييل (2/ 957)، والكامل (1/ 376). والشاهد فيه: (هبيني ... أسأت) حيث وقعت الجملة موقع المفعول الثاني لـ «هب» وهي جملة «أسأت» وهذا دليل على أن المفعول الثاني ليس بدلا من المفعول الأول. (¬10) التذييل لأبي حيان (2/ 957).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «ألفى» فلم يثبتها ابن عصفور من المتعدي إلى اثنين، بل جعل الثاني حالا (¬1)، وما تقدم من الاستشهاد يبطل ما قاله، لوقوع الثاني معرفة وجملة أيضا، وقد يقال في الجملة إنها في موضع الحال، وإنما يقوي كونها في موضع المفعول الثاني وقوع المعرفة موقعها. وأما «درى» فقال الشيخ: لم يذكر أصحابنا «درى» فيما يتعدى إلى اثنين. قال: ولعله أراد في: 1126 - دريت الوفيّ العهد ... (¬2) ضمن معنى علمت والتضمين لا يقاس (¬3). انتهى وقد يقال: الأصل عدم التضمين ويؤكده قوله: إن التضمين لا ينقاس. وأما «تعلم» فقد عرفت حكم المصنف عليها بأنها لا تتصرف، كما أن هب كذلك. ولكن قال الشيخ بأن ما قاله المصنف غير صحيح، قال: لأن يعقوب حكى: تعلمت أن فلانا خارج بمعنى علمت (¬4)، قلت: يقبح أن يرد على المصنف وهو إمام في النحو واللغة بكلمة حكيت لا يعلم ثبوت صحتها، ولا يعرف قائلها. وأما «ظن» فقد عرفت أنها لإفادة الأمرين، قالوا: لكن استعمالها في غير المتيقن هو المشهور (¬5)، وزعم بعضهم أن وقوع الظن بمعنى اليقين مجاز (¬6) قال: ومن ثم لا يجوز أن يقال [2/ 176] ظننت زيدا منطلقا ظنّا، إذا كان بمعنى اليقين، كما لا يقال: مال الحائط ميلا. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 301) ط. العراق، وقد سبق في التحقيق نص لابن عصفور في ذلك. (¬2) تقدم. (¬3) التذييل (2/ 961). (¬4) التذييل (2/ 964). (¬5) ينظر التصريح (1/ 248)، والأشموني (2/ 21)، والهمع (1/ 149). (¬6) في لسان العرب «ظنن» الظن شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان، إنما هو يقين تدبر فأما يقين العيان فلا يقال فيه إلا علم - وقد يوضع - أي الظن موضع العلم. اه. وفي المفردات في غريب القرآن (ص 317) «وقوله: وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ فإنه استعمل فيه «أنّ» المستعمل مع الظن الذي هو للعلم تنبيها أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشيء المتيقن وإن لم يكن ذلك متيقنا». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الثالث: الأفعال التي ذكرها المصنف للنوع الرابع تسعة أفعال وهي: صير وأصار وجعل، ووهب، وترك، واتخذ، وكان الأصل منها اثنان: وهما صيّر وأصار والسبعة الباقية بمعناها (¬1)، وصير وأصار منقولان من صار التي هي من أخوات «كان» (¬2) وليس فيها كلام؛ غير أني لم يظهر لي أن صير من نحو: صيرت الطين خزفا دخلت على ما أصله المبتدأ والخبر إذ لا يصح أن يقال: الطين خزف، وكذا لا يصح في رد من قول الشاعر: 1127 - فردّ شعورهنّ السّود بيضا ... وردّ وجوههنّ البيض سودا (¬3) إذ لا يصح أن يقال قبل دخول رد: شعورهن السود بيض، ولا وجوههن البيض سود، نعم يتصور هذا في نحو قوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (¬4) على أنه قد يقال: إنما يطلق على إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم أنه بعد أن قال الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا إلا أن يكون مرادهم أن الجزأين الداخل عليهما هذه الأفعال ينعقد منهما المبتدأ والخبر بعد دخولها عليهما فذاك شيء آخر. البحث الرابع: نازع الشيخ المصنف في أن رأي الحلمية ألحقت برأى العلمية في التعدي إلى مفعولين قال: ولا حجة فيما ذكره: أما «أراهم رفقتي ...» (¬5) فإنه يحتمل أن يكون «رأى» تعدى إلى واحد وهو الضمير و «رفقتي» في موضع الحال، وإن كان ظاهره التعريف فهو نكرة من حيث المعنى، لأن معنى الرفقة الرفقاء وهم المخالطون، ورفيق بمعنى مرافق فهو بمعنى اسم الفاعل فإضافته غير مختصة كجليس وخليط. وأما - أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً (¬6) فلا يلزم مما ذكره أن يتعدى إلى مفعولين بل يكون ذلك ما جاء في غير ما تعدى إلى مفعولين نحو: فقد وعدم ووجد بمعنى أصاب لا بمعنى علم، وعلى هذا يكون - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (1/ 378)، والأشموني (2/ 24)، وأوضح المسالك (1/ 118 - 119). (¬2) ينظر الهمع (1/ 150). (¬3) تقدم. (¬4) سورة النساء: 125. (¬5) جزء من بيت تقدم. (¬6) سورة يوسف: 36.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «أعصر» في موضع نصب على الحال لا في موضع مفعول ثان (¬1). انتهى. أما التخريج الذي ذكره في «رفقتي» على أنه في موضع الحال فلا يخفى ضعفه (¬2). وأما قوله: إن اتحاد الفاعل والمفعول في «أراني» يكون نظير اتحادهما في فقدتني وعدمتني ووجدتني فغير ظاهر، لأن الاتحاد في غير باب ظننت وأخواتها غير جائز وإنما جاز في هذه الكلمات الثلاث، لأن معنى الكلام فيها يؤول إلى عدم الاتحاد، لأن الإنسان لا يفقد نفسه، ولا يعدمها ولا يصيبها، بل الغير هو الذي يفقده ويعدمه ويجده، فالمعنى فقدني غيري وكذا أخواه، وأما «أراني» فلا تأويل فيه فاتحاد مسمى الفاعل والمفعول فيه [2/ 177] دليل على أن حكمه حكم «أراني» العلمية (¬3). ثم إن قول المصنف: وألحق الأخفش والفارسي بعلم ذات المفعولين «سمع» الواقعة على اسم عين مشعر بأن غيرهما لا يلحق فيكون في المسألة خلاف، والأمر كذلك، لكن ذكر الشيخ: أن مذهب الجمهور أنها لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد، فإن كان مما يسمع فهو ذلك، وإن كان عينا فهو المفعول والفعل بعده في موضع نصب على الحال، وهو على حذف مضاف أي: سمعت صوت زيد في حال أنه يتكلم، وهذه الحال مبنية، قال: وهو اختيار ابن عصفور في شرح الجمل، وأن الأخفش والفارسي ذهبا إلى ما ذهب إليه المصنف، قال: وهو اختيار ابن الضائع وابن أبي الربيع وابن عصفور في شرح الإيضاح، قال: وقد استدل لهذا المذهب بما ذكره الأخفش من أن العرب تقول: سمع أذني زيدا يتكلم حق، فيأتون - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 978). (¬2) ضعف تخريج أبي حيان لقول الشاعر: أراهم رفقتي ... ... ... البيت هو أنه جعل «رأى» متعدية إلى مفعول واحد وهو الضمير على اعتبار أن قوله «رفقتي» في موضع الحال، والحال لا يكون إلا نكرة وقوله (رفقتي) معرفة لإضافته إلى ياء المتكلم، وإذا بطل كونه حالا تعين كونه مفعولا ثانيا لأرى. ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 79) وشرح الألفية للمرادي (1/ 386). (¬3) ينظر: شرح الرضي على الكافية (2/ 285).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالخبر؛ أي خبر المصدر، ولا يقولون: سمع أذني زيدا يتكلم على أن يسد «يتكلم» مسد الخبر، فدل على أنه مفعول ثان لا حال، إذ لو كان حالا لسد مسده، كما في: ضربي زيدا قائما، قال: وهذا مخالف لما نقل سيبويه من قولهم: سمع أذني زيدا يقول ذلك (¬1). ثم أطال الشيخ الكلام فيما يتعلق بهذه الكلمة بذكر أقوال النحاة فتركت إيراده اكتفاء بما ذكره إذا لأمر في ذلك قريب. البحث الخامس: قد عرفت أن المصنف لم يلحق بأفعال هذا الباب: ضرب مع المثل وأن ذلك هو الأصح عنده، والذاهبون إلى أنها من أفعال الباب جعلوها بمعنى صير واستدلوا بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها (¬2) [وقوله]: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ (¬3) وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً (¬4)، وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ (¬5) قال الشيخ: فظاهرة هذه الآيات الشريفة أن «ضرب» بمعنى «صير» يتعدى إلى اثنين، ويكون «مثلا» فيما يظهر هو المفعول الثاني وما بعده هو المفعول الأول، لأن «مثلا» نكرة لا مسوغ لها بجواز الابتداء بالنكرة وما بعده إما معرفة وإما نكرة لا مسوغ للابتداء بالنكرة قال: وقد صرح بتقديمه على مثل أبو تمام فقال: 1128 - لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في النّدى والبأس (¬6) - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 979)، وينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 302 - 303)، ط العراق. وقد أيد فيه ابن عصفور رأي الجمهور بقوله: «وهذا المذهب أولى». (¬2) سورة البقرة: 26. (¬3) سورة يس: 13. (¬4) سورة النحل: 75. (¬5) سورة النحل: 76. (¬6) البيت من الكامل وهو في التذييل (2/ 984)، وشرح شواهد الشافية (ص 297)، وديوانه (ص 174). والشاهد قوله: (ضربي له من دونه مثلا) حيث تقدم قوله «من دونه» على «مثلا» فدل ذلك على أنه المفعول الأول وأن (مثلا) هو المفعول الثاني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). وقد تقدم استدلال المصنف بقوله تعالى: ضُرِبَ مَثَلٌ (¬2) على أنها ليست من أفعال هذا الباب، وقد ذهب ابن أبي الربيع إلى أن «ضرب» يكون بمعنى صير مطلقا أي مع (المثل) ومع غيره نحو: ضربت الفضة خلخالا (¬3). البحث السادس: أدخل سيبويه والفارسي في أفعال هذا الباب «أرى» ولم يذكروا فيه ما بني للمفعول من الأفعال التي تتعدى إلى ثلاثة نحو: أعلمت [2/ 178] وسبب ذلك أن جميع تلك الأفعال استعمل مبينّا للفاعل إلّا أرى هذه، فإنها لم تستعمل إلا مبنية للمفعول، وهي بمعنى أظن، ولا يقال: أريت زيدا عمرا خير الناس بمعنى جعلته يظن ذلك بل بمعنى أعلمته ذلك، فلما لم تستعمل بمعنى الظن إلا مبنية للمفعول جعلاها من هذا الباب، لأنها لا يكون لها أبدا إلا منصوبان كما أن سائر أفعال هذا الباب كذلك (¬4). انتهى وسيأتي الكلام على هذه الكلمة في آخر الباب إن شاء الله تعالى. ومما ينبه عليه: أن الشيخ ذكر أن بعض الناس قال: إن «خلق» يكون بمعنى جعل فيتعدى إلى مفعولين، وجعل منه قوله تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (¬5) قال: ولا أعلم أحدا من النحاة ذهب إلى ذلك، بل الذي هو معروف أن «جعل» قد يكون بمعنى «خلق» فيتعدى إلى واحد كقوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ (¬6) أما العكس، فلم يذهب إليه أحد فيما علمت (¬7). ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 984). (¬2) سورة الحج: 73. (¬3) ينظر الهمع (1/ 151). (¬4) التذييل (2/ 985)، وينظر الكتاب (1/ 119)، والإيضاح للفارسي (1/ 133). (¬5) سورة النساء: 28. (¬6) سورة الأنعام: 1. (¬7) التذييل (2/ 985 - 986).

[الإلغاء وأحكامه في أفعال هذا الباب]

[الإلغاء وأحكامه في أفعال هذا الباب] قال ابن مالك: (وتسمّى المتقدّمة على صيّر قلبيّة. وتختصّ متصرّفاتها بقبح الإلغاء في نحو: ظننت زيد قائم، وبضعفه في نحو: متى ظننت زيد قائم، وزيد أظنّ أبوه قائم، وبجوازه بلا قبح ولا ضعف في نحو: زيد قائم ظننت، وزيد ظننت قائم، وتقدير ضمير الشّأن أو اللّام المعلّقة في نحو: ظننت زيد قائم أولى من الإلغاء، وقد يقع الملغى بين معمولي «إنّ» وبين «سوف» ومصحوبها وبين معطوف ومعطوف عليه، وإلغاء ما بين الفعل ومرفوعه جائز لا واجب خلافا للكوفيين، وتوكيد الملغى بمصدر منصوب قبيح وبمضاف إلى الياء ضعيف وبضمير أو اسم إشارة أقلّ ضعفا. وتؤكّد الجملة بمصدر الفعل بدلا من لفظه منصوبا فيلغى وجوبا، ويقبح تقديمه، ويقلّ القبح في نحو: متى ظنّك زيد ذاهب؟ وإن جعل «متى» خبرا لظنّ رفع وعمل وجوبا، وأجاز الأخفش والفرّاء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام). قال ناظر الجيش: اعلم أن الإلغاء والتعليق حكمان متعلقان بالأفعال القلبية المتصرفة من أفعال هذا الباب (¬1) وقد يشاركها في التعليق أفعال أخر كما سيذكر، ثم الإلغاء عبارة عن إبطال العمل لفظا ومحلّا على سبيل الجواز على قول وعلى الوجوب على قول (¬2)، والتعليق عبارة عن إبطال العمل لفظا لا محلّا على سبيل - ¬

_ (¬1) في الكتاب (1/ 118): «هذا باب الأفعال التي تستعمل وتلغى، فهي ظننت وحسبت وخلت، وأريت، ورأيت، وزعمت، وما ينصرف من أفعالهن». اه. (¬2) أوضح الشيخ يس هذه المسألة في حاشيته على التصريح (1/ 253) فقال: قال الدنوشري: إذا توسطت هذه الأفعال بين المفعولين ففي هذه الحالة أنت بالخيار في الإعمال والإلغاء، فإن تقدم على الاسم المتقدم لام الابتداء تعين الإلغاء، نحو: لزيد ظننت قائم، وإن كان الفعل منفيّا تعين الإعمال نحو: زيدا لم أظن قائما. اه. وينظر حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 152). «وذكر السيوطي في الهمع (1/ 153) أن جواز الإلغاء إذا تأخر الفعل عن المفعولين أو توسط بينهما هو مذهب الجمهور وأن الوجوب هو مذهب الأخفش واختيار ابن أبي الربيع، يقول: وإنما يجوز إذا تأخر الفعل عن المفعولين نحو زيد قائم ظننت أو توسط بينهما نحو: زيد ظننت قائم لضعفها حينئذ بتقدم المعمول كما هو شأن العامل إذا تأخر، والجمهور أنه على سبيل التخيير لا اللزوم، فلك الإلغاء والإعمال، وذهب الأخفش إلى أنه على سبيل اللزوم واختاره عليه ابن أبي الربيع. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجوب، وإنما اختصت هذه الأفعال بهذين الحكمين لما أذكره. أما اختصاصها بالإلغاء: فلما علمت فيما تقدم أن متعلق هذه الأفعال في الحقيقة إنما هي النسبة الحاصلة بين المنتسبين فكأنها لم يكن لها تسلط بحق الأصالة على المفعولين، وإذا كان كذلك ساغ إبطال عملها إذا توسطت بين المعمولين، أو تأخرت عنهما لضعفها حيث لم تقدم (¬1)، هذا على القول بأنّ الإلغاء جائز، وأما على القول بأنه واجب - فلأنّ [2/ 179] الفعل إنما أتى به في نحو زيد ظننت مقيم أو في نحو زيد مقيم ظننت بعد أن قصد المتكلم البناء على الإخبار المجرد مثلا، ثم عرض له أن ذلك الأمر مظنون فأتى بالفعل حينئذ (¬2). وأما اختصاصها بالتعليق: فلأنها لا تباشر إلا الجملة، والجملة في نفسها قد تكون مصدرة بما له صدر الكلام. ومتى كانت الجملة مصدرة بذلك امتنع تسلط العامل على جزأي الجملة وهذا لا يكون في الأفعال غيرها أعني ما ينصب المفعول، فإنها إنما تباشر المفردات خاصة والمفرد على حدته لا يتصور أن يقرن بما له الصدر من أدوات الاستفهام أو نفي أو لام ابتداء، إذا تقرر هذا فقد تكلم المصنف الآن في الإلغاء وسيتكلم بعده في التعليق، وقد صرح هو في المتن والشرح بأن الإلغاء جائز يعني أن الخيار للمتكلم فله أن يعمل وله أن يلغي حيث يجوز له الإلغاء. وهذا الذي ذكره هو المشهور المعروف، قال الشيخ: وهو مذهب الجمهور ومقتضى كلام ابن أبي الربيع في شرح الإيضاح أن الإلغاء ليس راجعا إلى اختيار المتكلم، بل إنما يكون بحسب القصد فإنه قال: - ¬

_ (¬1) ينظر أوضح المسالك (1/ 120)، وحاشية الصبان (2/ 28). (¬2) في الكتاب (1/ 120): «وإنما كان التأخير أقوى - أي إذا أردت الإلغاء - لأنه إنما يجيء بالشك بعد ما يمضي كلامه على اليقين، أو بعد ما يبتدئ وهو يريد اليقين ثم يدركه الشك، كما تقول: عبد الله صاحب ذاك بلغني وكما قال: من يقول ذاك تدري، فأخر ما لم يعمل في أول كلامه، وإنما جعل ذلك فيما بلغه بعد ما مضى كلامه على اليقين، وفيما يدري. اه. وينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 315 - 316) ط. العراق. وقد عارض الرضي في شرح الكافية (2/ 280) «فقال: وقيل الجملة الملغي عنها في نحو: زيد قائم ظننت، مبنية على اليقين والشك عارض بخلاف المعلق عنها، وليس بشيء، لأن الفعل الملغي لبيان ما صدر عنه مضمون الجملة من الشك أو اليقين، ولا شك أن معنى الفعل الملغي معنى الظرف فيجوز: زيد قائم ظننت بمعنى: زيد قائم في ظني، ويمنع الظرف كون الكلام الأول مبنيّا على اليقين. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب تأتي بهذه الأفعال على مقصدين: أحدهما: أن تخبر عن زيد بالانطلاق وتأتي بظننت بعد كمال إخبارك ليبين مستنده، وإذا قصدت هذا، فليس لك في ظننت وأخواتها إلا الإلغاء، وتأتي بها متوسطة ومتأخرة، والاختيار تأخيرها وعلى هذا المعنى بيت زهير: 1129 - وما أدري وسوف إخال أدري (¬1) أراد وسوف أدري فيما أحسب ولم يرد وسوف أحسب، إذ لا معنى له، وإذا جئت بالظن بعد كمال إخبارك فلك أن تحذفه وتعوض منه المصدر نحو: زيد منطلق وهو بدل من الفعل فلا يجمع بينهما ولا يكون الإلغاء أبدا إلا إذا جئت بهذه الأفعال متعدية إلى مصادرها. الثاني: أن تأتي بها لتخبر بوقوعها منك ثم تطلب معلقة وهو الخبر وما يطلب الخبر هو المبتدأ فإذا قصد فيها هذا وجب العمل وتكون مبتدأة ومتوسطة ومتأخرة، لأن الكلام مبني عليها، فكأنها متقدمة، وهي لا تلغى مع التقديم (¬2) انتهى وهو كلام حسن. وملخصه: أن المتكلم بعد أن بنى كلامه على الإخبار المجرد عن اليقين والشك عرض له أن ذلك يتعين أو شك منه فأتى بما يدل على مراده بعد أن يأتي بالجملة بتمامها أو بأحد جزأيها، وعلى هذا لا يحتاج إلى الاعتذار عن إلغائها حيث تلغى، لأن الأفعال إذا أتي بها على هذا الحكم كانت في حكم ما أتي به زائدة في الكلام، ولا يبعد أن يحكم لظننت في نحو: زيد ظننت مقيم بما حكم به لكان من الزيادة - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر وهو في التذييل (2/ 1002)، والأمالي الشجرية (1/ 666)، (2/ 334)، والمغني (1/ 41، 139)، (2/ 393، 398)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 130، 412)، وحاشية يس (1/ 253)، وديوانه (ص 73)، برواية «رجال آل حصن أم نساء» في الشطر الثاني من البيت. والشاهد قوله: (وسوف إخال أدري» حيث وقعت «إخال» بين سوف، ومصحوبها فألغيت، وعجز البيت هو: أقوم آل حصن أم نساء (¬2) التذييل (2/ 986).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في نحو: ما كان أحسن زيدا، ويؤيد هذا الذي أشرت إليه وقوعها [2/ 180] بين اسم إنّ وخبرها، وبين سوف وما صحبته وبين المتعاطفين (¬1) كما سيأتي. وفي شرح الشيخ أن الذي ذهب إليه ابن أبي الربيع هو مذهب أبي الحسن كأنه يعني الأخفش ونقل عن صاحب الإفصاح أنه مذهب آخرين، وأن بعضهم يقول: إنه مذهب سيبويه (¬2). وإذ قد عرفت هذا فلنشرع في مقصود الشرح تابعين رأى المصنف في أن الإلغاء جائز لا واجب فنقول: الأفعال المتقدمة على صيّر: رأى وحجا وما بينهما، وجملتها أربعة عشر فعلا كما تقدم، وسميت قلبية لقيام معانيها بالقلب (¬3) والذي لا يتصرف منها فعلان وهما «هب وتعلّم» كما تقدم التنبيه على ذلك وهذان الفعلان لا يلغيان ولا يعلقان أيضا كما سيأتي فلهذا خص الذكر بالمتصرفات منها، ثم الإلغاء على ما ذكر المصنف ثلاثة أقسام: قبيح وضعيف وجائز دون قبح وضعف. فالجائز دون قبح وضعف: إلغاء المتوسط بين المعمولين أو المتأخر عنهما نحو: زيد ظننت قائم وزيد قائم ظننت كما مثل به في الكتاب (¬4)، ومن إلغاء المتوسط قول الشاعر (¬5): - ¬

_ (¬1) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 315 - 316): «فإن قيل: فلأي شيء لم تلغ إلا متوسطة أو متأخرة؟ فالجواب: أنها إذا كانت في أول الكلام كان ما بعدها مبنيّا عليها، وإن لم تكن أول الكلام فإنك إن أعملتها قدرت أيضا أن الكلام عليها، وإذا ألغيتها قدرت أن الكلام مبني على أن لا يكون فيه فعل من هذه الأفعال، ثم عرض لك بعد ذلك أن أردت أن تذكر هذه الأفعال لتجعل ذاك الكلام فيما تعلم أو فيما تظن أو فيما تزعم». اه. فعبارة ابن عصفور هذه مشعرة بأنه يجوز أن يحكم لهذه الأفعال في حالة الإلغاء بالزيادة كما هو في كلام الشارح. (¬2) التذييل (2/ 986 - 987)، وينظر: الكتاب (1/ 119)، والهمع (1/ 153). (¬3) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 75)، والأشموني (2/ 19)، وأوضح المسالك (1/ 111). (¬4) الكتاب لسيبويه (1/ 119) وعبارته: فإن ألغيت قلت: عبد الله أظن ذاهب، وهذا أخال أخوك، وفيها أرى أبوك. اه. (¬5) هو اللعين المنقري واسمه منازل بن زمعة من بني منقر بن عبد الله بن الحارث بن تميم يهجو رؤبة بن العجاج وقيل يهجو العجاج. ينظر العيني (2/ 404)، ونسبه السيرافي في شرح الأبيات لجرير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1130 - أبا الأراجيز يا ابن اللّؤم توعدني ... وفي الأراجيز خلت اللوم والخور (¬1) ومن إلغاء المتأخر قول الشاعر: 1131 - آت الموت تعلمون فلا ير ... هبكم من لظى الحروب اضطرام (¬2) ومثله: 1132 - هما سيّدانا يزعمان وإنّما ... يسوداننا إن بسرت غنماهما (¬3) والقبيح: هو إلغاء المتقدم نحو: ظننت زيد قائم (¬4). والضعيف: هو إلغاء ما تقدم على الجزأين أيضا لكن يتقدم عليه معمول الخبر نحو: متى ظننت زيد قائم، قال المصنف (¬5): حكم سيبويه بقبح إلغاء المتقدم - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وهو في الكتاب (1/ 120)، وشرح أبيات الكتاب للسيرافي (1/ 407)، والتذييل (2/ 987، 996)، وابن يعيش (7/ 84، 85)، والخزانة (1/ 125)، عرضا وقد ذكر البغدادي فيه أن صواب البيت «والفشل» مكان «والخور» والعيني (2/ 404)، واللمع (ص 137)، والتصريح (1/ 253)، والهمع (1/ 153)، والدرر (1/ 135)، والحيوان للجاحظ (4/ 266)، والإفصاح للفارقي (ص 222)، وأوضح المسالك (1/ 120)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 77). والشاهد قوله: (وفي الأراجيز خلت اللوم والخور) حيث توسط «خلت» بين الخبر والمبتدأ. فإن قوله في «الأراجيز» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم وقوله «اللوم» مبتدأ مؤخر فلما وقع الفعل «خال» بينهما ألغى. (¬2) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 995)، والعيني (2/ 402)، والأشموني بحاشية الصبان (2/ 28)، والأشموني تحقيق الشيخ محيي الدين (2/ 80). والشاهد قوله: (آت الموت تعلمون) حيث ألغى الفعل «تعلم» لتأخره عن مفعولية وقد رفعهما بالابتداء والخبر على أن أصل الكلام: تعلمون الموت آتيا. (¬3) البيت من الطويل وهو لأبي أسيدة الدبيري وينظر في التذييل (2/ 995)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 77)، والبهجة المرضية للسيوطي (ص 43)، وأوضح المسالك (1/ 120)، والعيني (2/ 403)، والتصريح (1/ 254)، والهمع (1/ 153)، والدّرر (1/ 135)، واللسان (يسر). اللغة: بسرت غنماهما: كثرة أولادها وألبانها. والشاهد قوله: (هما سيدانا يزعمان) حيث ألغي الفعل (يزعم) لتأخره عن مفعوليه ورفعهما بالابتداء والخبر. (¬4) مذهب البصريين أنه إن تقدم الفعل على المفعولين ولم يتقدمه شيء امتنع الإلغاء وأجاز الكوفيون الإلغاء، لكن الإعمال عندهم أرجح. ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 380). (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 86).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: ظننت زيد قائم وبتقليل قبحه بعد معمول الخبر نحو: متى ظننت زيد قائم، وفي درجته الإلغاء في نحو: زيد أظن أبوه قائم (¬1)، وأجاز سيبويه أن يقال أظن زيد قائم على تقدير أظن لزيد قائم، على التعليق بلام الابتداء مقدرة (¬2)، وعلى ذلك حمل قول الشاعر: 1133 - وإخال إنّي لاحق مستتبع (¬3) بالكسر على تقدير إنّي للاحق، ويجوز أن يحمل ما جاء من هذا على تقدير ضمير الشأن مفعولا أولا وما بعده في موضع المفعول الثاني فيكون هذا نظير قول بعض العرب «إنّ بك زيد مأخوذ» على تقدير إنه بك زيد مأخوذ (¬4) ومما ينبغي أن يحمل على هذا قول كعب بن زهير رحم الله تعالى كعبا. 1134 - أرجو وآمل أن تدنو مودّتها ... وما إخال لدينا منك تنويل (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 124)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 86)، وشرح الكافية للرضي (2/ 280). (¬2) ينظر الكتاب (3/ 151). (¬3) عجز بيت من الكامل لأبي ذؤيب الهذلي: وصدره: فغبرت بعدهم بعيش ناصب وهو في المنصف لابن جني (1/ 322)، والتذييل (2/ 1000)، والمغني (1/ 231)، وشرح شواهده (1/ 262)، (2/ 604)، والتصريح (1/ 258)، والهمع (1/ 153)، والدرر (1/ 136)، والمفضليات (421)، وديوان الهذليين (1/ 2)، ويروى البيت أيضا برواية «لبثت»، بقيت مكان «فغبرت». والشاهد قوله: (وإخال إني لاحق) حيث علق «إخال» بلام ابتداء مقدرة، ولذلك كسرت «إنّ» بعده. (¬4) ينظر الكتاب (2/ 134)، والهمع (1/ 153)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 152)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 77)، وشرح الكافية للرضي (2/ 280)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 315) ط العراق، وأوضح المسالك (1/ 124). (¬5) البيت من البسيط وهو في التذييل (2/ 992)، وشرح عمدة الحافظ (ص 150)، والبهجة المرضية (ص 43)، والخزانة (4/ 7)، والعيني (2/ 412)، وشرح الكافية للرضي (2/ 280)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 77)، وأوضح المسالك (1/ 123)، وشرح ابن عقيل (1/ 152)، وشرح شواهده (ص 94)، والتصريح (1/ 258)، والهمع (1/ 153)، والدرر (1/ 31)، والأشموني (2/ 29)، وشواهد النحو في حماسة أبي تمام (ص 291)، وديوانه (ص 9)، برواية «تعجيل مكان تنويل». والشاهد قوله: (وما إخال لدينا منك تنويل) حيث ألغي «إخال» لأنها لم تتصدر الكلام بل جاءت معترضة بين «ما» والجملة بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التقدير: وما إخاله لدينا منك تنويل (¬1) انتهى. وفهم من قول المصنف في متن الكتاب: وتقدير ضمير الشأن أو اللام [2/ 181] المعلقة في نحو: ظننت زيد قائم أولى من الإلغاء مع قوله قبل: وتختص متصرفاتها بقبح الإلغاء في نحو: ظننت زيد قائم - أن القول بالإلغاء جائز ولكنه قبيح، واعلم أن المنقول عن البصريين منع الإلغاء مع التقديم والمنقول عن الكوفيين الجواز، ولكن الإعمال عندهم أحسن (¬2) وإذا كان كذلك فلا يتجه حكم المصنف عليه بالقبح، لأنه يقتضي جوازه مع القبح وقد عرفت أن البصريين لا يجيزون وأن الكوفيين يجيزون مع أنهم لا يحكمون بقبح، فكأن عبارة المصنف ينشأ عنها قول ثالث لكن لم ينقل أن ذلك اختيار أحد، وإذا كان كذلك وجب أن يحمل حكم سيبويه بقبح الإلغاء على أنه أراد به المنع. ثم ها هنا أمور: الأول: أن الشيخ بعد أن ذكر أن الإلغاء مع التقديم لا يجوز على مذهب البصريين قال: وقد اختلف من هذا الأصل وهو أن يتصدر أول الكلام في مسائل: الأولى: ظننت يقوم زيدا، وظننت قام زيدا، أجاز البصريون النصب وذهب الكوفيون والأخفش إلى أنه لا يجوز. الثانية: أظن نعم الرجل زيدا، ووجدت نعم الرجل زيدا، وأجاز الكسائي النصب في الصورة الثانية دون الأولى، ومقتضى مذهب البصريين الجواز مطلقا. الثالثة: ظننت قائما زيدا مذهب البصريين الجواز ومنعها الكوفيون (إن أردت بقائم الفعل). الرابعة: أظن آكلا زيدا طعامك، أجازها البصريون ومنعها الكوفيون. الخامسة: طعامك أظن آكلا زيدا أجازها البصريون والكسائي، وقال الفراء: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 86). (¬2) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 314) ط العراق، والمقرب (1/ 117)، والإيضاح العضدي (7/ 134 هـ 3) فقد ذكر فيه رأي البصريين نقلا عن حاشية الأصل وينظر أيضا شرح الألفية للمرادي (1/ 380).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يجوز (¬1). واعلم أن هذه المسائل التي ذكرها إنما يمتنع النصب فيها عند من يمنعه لمانع لا تعلق لظننت به (¬2)، لكن كان الشيخ يقول: إذا امتنع النصب وإن كان لأمر لا يرجع إلى ظننت، أليس يقال: إن ظننت في مثل هذا التركيب مثلا ملغاة، فقد صدق أنها ألغيت مع تقدمها (¬3)، ولقائل أن يقول: كيف يكون هذا الإلغاء والإلغاء إنما هو جائز ومانع النصب في هذه المسائل يلزم من قوله: الإلغاء وجوبا وهو مشكل. ويمكن أن يقال: هذا يشبه أن يكون تعليقا لا إلغاء عند من لا يجيز النصب، فإن معنى التعليق أن يكون ثم مانع يمنع من التسلط على اللفظ، وها هنا الأمر كذلك عند من لا يجيز النصب، لأن نحو: أظن يقوم زيد يتعيّن فيه عند كون زيد فاعلا، ولا يجوز تسلط أظن على زيد لتقدم الفعل، وإذا كان كذلك، فإنما امتنع النصب لمانع في الجملة الواقعة بعد أظن، ولكن يشكل كون الجملة تعود فعلية. وهذا الذي قلته يكون في مسألة: أظن آكلا زيد طعامك، وطعامك أظن آكلا زيد أظهر منه في مسألة: أظن يقوم زيدا. الثاني: كلام المصنف [2/ 182] دال على جواز الإلغاء سواء أدخل على الفعل ناف أم لم يدخل، لكن قال ابن عصفور في المقرب: وهذه الأفعال إن دخلت عليها - ¬

_ (¬1) التذييل لأبي حيان (2/ 989 - 992). (¬2) في الهمع (1/ 153): «ويتفرع على الخلاف المذكور مسائل: أحدها: نحو ظننت يقوم زيدا وظننت قام زيد فهي عند الكوفيين والأخفش لا يجوز نصب زيد، وعند البصريين يجوز، لأن النية بالفعل التأخير. الثانية: أظن نعم الرجل زيدا يجوز نصبه عند البصريين دون الكوفيين. الثالثة: أظن آكلا زيد طعامك يجوز على قول البصريين دون الكوفيين. اه. وينظر التصريح (1/ 254) وفيه: «هذا الإلغاء بالنسبة إلى المفعولين، وأما بالنسبة إلى الفعل ومرفوعه نحو قام ظننت زيد، فإنه يجوز عند البصريين، ويجب عند الكوفيين ووجهه أنه إنما ينصب بظننت ما كان مبتدأ قبل مجيئها، ولا يبتدأ بالاسم إذا تقدمه الفعل». اه. من هذين النصين يتضح لنا قول الشارح: «إن هذه المسائل التي ذكرها إنما يمتنع النصب فيها عند من يمنعه لمانع لا تعلق لظننت به». اه. وسوف يوضح الشارح سبب منع النصب في هذه المسائل فيما سيأتي من كلامه. (¬3) ينظر التذييل (2/ 992).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أداة نفي لم تلغ أصلا (¬1)، يعني أن الأفعال المذكورة إذا دخل عليها ناف لا يجوز فيها إلا الإعمال، وجاء الشيخ فذكر هذا، وذكر هو أمرا آخر لا يجوز معه إلا الإلغاء، كأنه يستدرك على المصنف هذين الأمرين فقال: وهذا الذي ذكره المصنف من جواز الإلغاء مع التأخير، والتوسط له شرطان أهملهما المصنف. أحدهما: أن لا تدخل لام الابتداء على الاسم، فإن دخلت فلا يجوز إلا الإلغاء نحو: لزيد قائم ظننت ولزيد قائم. الشرط الثاني: أن لا تكون منفية، فإن كانت منفية فلا يجوز إلا الإعمال نحو: زيد منطلقا لم أظن، وزيدا لم أظن منطلقا، لأنه لا يجوز لك إذ ذاك أن تبني كلامك على المبتدأ والخبر، ثم يعترض بالظن المنفي، ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول زيد منطلق إلا وأنت عالم بصحة ذلك أو ظان له، وهذا المعنى لا يتصور مع قولك: لم أظن أو لم أعلم، فلم يبق إلا أن يكون الكلام مبينا على الظن المنفي أو العلم المنفي قال: ولا يبطل هذا الذي ذكره بقول كعب: 1135 - وما أخال لدينا منك تنويل (¬2) لأن أداة النفي إنما هي داخلة في المعنى على ما بعد «أخال» (¬3) انتهى. وما ذكره فيه نظر: أما نحو لزيد قائم ظننت، ولزيد ظننت قائم وأنه لا يجوز فيه إلا الإلغاء، فلم يتجه لي، لأن لام الابتداء علقت الفعل عن العمل فرجعت المسألة إلى حكم التعليق، وخرجت عن حكم الإلغاء، فكيف يستدرك على المصنف، وأما كون الفعل إذا نفى وجب الإعمال وامتنع الإلغاء، فلم أعلم ما يعلل به ابن عصفور ذلك، وأما العلة التي ذكرها الشيخ فإنما يعلل بها من يجعل الإلغاء إنما يكون بحسب القصد، والمصنف لا يرى ذلك بل الإلغاء عنده راجع إلى اختيار المتكلم حيث وسّط العامل أو أخّره كما تقدم تقرير القولين، وإذا كان المصنف لا يرى ذلك فالعلة المذكورة عنده معتبرة وإذا لم تعتبر بطل الحكم المرتب عليها. ¬

_ (¬1) المقرب لابن عصفور (1/ 117). (¬2) تقدم. (¬3) التذييل (2/ 996 - 997).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الثالث: قد حكم المصنف بضعف الإلغاء في نحو: متى ظننت زيد قائم كما عرفت ولما كانت «متى» في هذا التركيب يحتمل أن يكون ظرفا للفعل الذي هو ظننت وللخبر الذي هو قائم قيد ذلك في الشرح بقوله: وبتقليل قبحه بعد معمول الخبر نحو: متى ظننت زيد قائم، فعلم أن الإلغاء في مثل هذا المثال إنما يجوز إذا كان الظرف المتقدم من متعلقات الخبر، لا من متعلقات الفعل، لكن ظاهر كلام ابن عصفور يعطي أنه لا يشترط أن يكون ما تقدم على الفعل من متعلقات [2/ 183] الخبر ولا من متعلقات الفعل أيضا، فإنه قال: فإن لم يقع أولا يعني فإن لم تقع الأفعال المذكورة أول الكلام، فالإعمال أحسن والإلغاء ضعيف (¬1)، ومن الإلغاء قوله (¬2): 1136 - كذلك أدّيت حتّى صار من خلقي ... أنّي رأيت ملاك الشّيمة الأدب (¬3) وهذا البيت إنما تقدم فيه على الفعل حرف والحرف ليس معمولا لشيء، والذي يظهر أن الذي قاله المصنف هو الحق، لأن تقدم الفعل في هذا الباب وعدم تقدمه إنما هو معتبر بالنسبة إلى معموليه أو إلى ما هو من متعلقات أحد معموليه؛ لأنه إذا تقدم عليه معمول لأحد معموليه صدق عليه أنه توسط في الجملة بالنسبة إلى ما هو من معمولاته، أما إذا لم يتقدم شيء من ذلك، فإن التوسط لا يصدق عليه، وقد قال ابن أبي الربيع رحمه الله تعالى: إذا قلت اليوم ظننت زيدا شاخصا كان لك فيه معنيان: - ¬

_ (¬1) المقرب لابن عصفور (1/ 117). (¬2) قيل إنه بعض الفزارين كما في حماسة أبي تمام. (¬3) البيت من البسيط وهو في المقرب (1/ 117)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 314)، وشرح عمدة الحافظ لابن مالك (ص 150)، والتذييل (2/ 990)، وشرح الكافية للرضي (2/ 280)، وشرح الحماسة للمرزوقي (3/ 1141)، وشرح التبريزي (3/ 147)، وشواهده النحو في حماسة أبي تمام (ص 287)، وشرح ابن عقيل (1/ 152)، وشرح شواهده (ص 95)، والبهجة المرضية (ص 43)، والهمع (1/ 135)، والدرر (1/ 135)، والتصريح (1/ 158)، والأشموني (2/ 29)، وأوضح المسالك (1/ 123)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 77)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 382) ورواية البيت في الحماسة «الأدبا» مكان «الأدب». والشاهد في البيت قوله: (إني رأيت ملاك الشيمة الأدب) حيث ألغي «رأيت» مع تقدمه على الجزأين، وقد خرج البيت على أن هناك لام ابتداء مقدرة في المبتدأ والتقدير لملاك الشيمة الأدب، وعلى ذلك يكون الفعل معلقا لا ملغى وقيل إنه على تقدير ضمير الشأن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن تريد أن ظنك وقع في هذا اليوم وليس الشخوص فيه فإذا قصدت هذا لم يكن في الظن إلا الإعمال لأنها متقدمة. الثاني: أن تريد أن الشخوص وقع في هذا اليوم وربما كان ظنك قبل هذا اليوم بزمان كثير، فإذا أردت هذا كان لك فيه وجهان: الإعمال والإلغاء وتقول: متى ظننت زيدا قائما فيجوز لك وجهان: الإلغاء والإعمال إذا جعلت الظرف متعلقا بقائم، فإن جعلته متعلقا بظننت لم يكن فيه الإعمال لأن الظن متقدم، وإذا قلت: هل ظننت زيدا شاخصا، فالاختيار الإعمال لأن ظننت متقدمة، ويظهر من كلام سيبويه أنه يجوز فيه الإلغاء (¬1)، ووجه ذلك: أن هل استفهام وجيء بها للجملة التي بعدها فهي بعض من الجملة، فقد تكون الجملة التي جيء بها لها زيد شاخص، وليس في نيتك إلا ذلك، ثم لما نطقت بـ «هل» على هذا القصد خطر لك الظن فجئت به بعد النطق بـ «هل» وفي النفس البناء على الابتداء والخبر، فصار مجيئها بعد «هل» كمجيئها بعد زيد من: زيد ظننت قائم إلا أن الاختيار متى كان ذلك، أن تأتي بالظن آخرا. انتهى. وهذا يحقق ما اعتبره المصنف؛ غير أن ابن عصفور قد يتمسك بإجازة سيبويه الإلغاء في هل ظننت زيدا شاخصا، فإن ظاهره يقوي كلام ابن عصفور. وبعد فجواز الإلغاء في هذا المثال مشكل من جهة النظر، وقد تلطف ابن أبي الربيع وتحدى في توجيهه، ولكنه لم يرفع الإشكال رأسا، وفي شرح الشيخ: فإن كان المتقدم حرفا لم يجز الإلغاء، وذلك: أتظن زيدا منطلقا، قال: لأنه لم يتقدم معمول أصلا (¬2)، وهذا جار على الأصل الذي تقدم تقريره إلا أن الشيخ لم يتعرض ما ذكره ابن أبي الربيع عن سيبويه في: هل ظننت [2/ 184] زيدا شاخصا من جواز الإلغاء، ثم عقب الشيخ كلامه الذي نقلناه عنه آنفا بأن قال: ومن صور هذه المسألة - وهي أن لا تتصدر ظننت مع كونها متقدمة على المعمولين - صورة لا - ¬

_ (¬1) في سيبويه (1/ 121): وتقول: أين ترى عبد الله قائما، وهل ترى زيدا ذاهبا، لأن هل وأين كأنك لم تذكرهما، لأن ما بعدهما ابتداء، كأنك قلت: أترى زيدا ذاهبا، وأتظن عمرا منطلقا. فإن قلت: أين وأنت تريد أن تجعلها بمنزلة «فيها» إذا استغنى بها الابتداء قلت: أين ترى زيد، وأين ترى زيدا. اه. (¬2) التذييل (2/ 994).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز فيها إلا الإلغاء، ولا يجوز الإعمال. وهي: ما حكاه الأخفش: إنّ زيدا لظننت أخوه منطلق، ألغى ظننت لما توسطت بين لام «إنّ» والجملة التي في موضع الخبر، ولا يجوز إعمالها هنا لأن لام إنّ تكون إذ ذاك داخلة على ظننت وهو ماض متصرف ولام إن لا يجوز دخولها على الماضي المتصرف إذا وقع خبرا، فإذا لام الابتداء داخلة على الجملة الواقعة خبرا لإن واعترض بظننت بينهما (¬1). اه. وقد بقي التنبيه ها هنا على شيء: وهو أنّ الفعل الذي يجوز إلغاؤه وإعماله قد يكون مفعوله الثاني جملة اسمية أو شرطية نحو: زيد أبوه منطلق ظننت، وزيد ظننت ما له كثير، وإن تكرمه يكرمك خلت عمرو، فهذا على الإلغاء، وإن أعملت نصبت المفعول الأول، فقلت زيدا منطلقا أبوه منطلق، وزيدا ظننت ماله كثير، وإن تكرمه يكرمك خلت عمرا ولا شك أن هذا واضح، ولكن قد يجبن الطالب عن إجازة الإعمال فكان التنبيه عليه واجبا، ثم أشار المصنف بقوله: وقد يقع الملغى بين معمولي إنّ إلى آخره إلى أن الملغي قد يتصور حيث لا يتصور إعمال ولا إلغاء، وذلك في ثلاثة مواضع: الأول: بين اسم «إنّ» وخبرها نحو: 1137 - إنّ المحبّ علمت لمصطبر ... ولديه ذنب الحبّ مغتفر (¬2) الثاني: بين سوف ومصحوبها نحو: 1138 - وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء (¬3) الثالث: بين المتعاطفين نحو: 1139 - فما جنّة الفردوس أقبلت تبتغي ... ولكن دعاك الخير أحسب والتّمر (¬4) - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 994). (¬2) البيت من الكامل مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1002)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 87) وحاشية يس على التصريح (1/ 253)، والعيني (2/ 418)، والبهجة المرضية (ص 43)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 77). والشاهد قوله: (إن المحب علمت لمصطبر) حيث وقعت «علمت» بين اسم إن وخبرها فألغيت. (¬3) تقدم. (¬4) البيت من الطويل ولم يعلم قائله وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 87)، والتذييل والتكميل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن وقوع الفعل ملغى في هذه المواضع فيه تقوية كقول من يقول (¬1) إن المتكلم المخبر يبني كلامه أولا على الإخبار المجرد ثم يعرض له إما يقين ذلك الخبر وإما ظنه فيأتي في أثناء كلامه بالفعل للدلالة على مراده فقط، يريد أن هذا الذي أخبرت به واقع في علمي أو في ظني مثلا، فلم يكن يبني كلامه أولا على الإخبار بأن علمه أو ظنه تعلق بشيء. ولهذا لم يكن للفعل حينئذ متعلق يتسلط عليه، ومن ثم يصح أن يحكم لعلمت ولأخال، ولأحسب في الأبيات الثلاثة بما حكم به لكان من الزيادة في نحو ما كان أحسن زيدا ولا يضر كونها رافعة لفاعل، فقد عرفت أن كان الزائدة قد قيل بأن لها فاعلا، بل قد قيل بزيادتها مع تحقق كونها رافعة في: 1140 - وجيران لنا كانوا كرام (¬2) (¬3) - ¬

_ - (2/ 1002)، والهمع (1/ 153)، والدرر (1/ 136). والشاهد قوله: (دعاك الخير أحسب والتمر) حيث وقعت «أحسب» بين المعطوف والمعطوف عليه فألغيت. (¬1) قد يكون المقصود بهذا الكلام هو ابن عصفور فكلامه في شرح الجمل (1/ 315 - 316)، تضمن هذا المعنى، بل وبما تكون عبارة الشارح هنا هي عبارة ابن عصفور مع تصرف يسير فيها يقول ابن عصفور: فإن قيل: فلأي شيء لم تلغ إلا متوسطة أو متأخرة؟ فالجواب: أنها إذا كانت في أول الكلام كان ما بعدها مبنيّا عليها وإن لم تكن أول الكلام فإنك إن أعملتها قدرت أيضا أن الكلام مبني عليها، وإذا ألغيتها قدرت أن الكلام مبني على أن لا يكون فيه فعل من هذه الأفعال، ثم عرض لك بعد ذلك أن أردت أن تذكر هذه الأفعال، لتجعل ذاك الكلام فيما تعلم أو فيما تظن أو فيما تزعم، فكأنك إذا قلت: زيد منطلق ظننت أو علمت أو زعمت، أردت أن تقول أولا: زيد منطلق، ثم أردت بعد ذلك أن تبين أن ما ذكرته من قولك: زيد منطلق معلوم عندك أو مظنون أو مزعوم، فكأنك قلت: عقيب قولك: زيد منطلق، فيما أظن أو فيما أزعم، أو فيما أعلم. اه. وينظر: الكتاب (1/ 120) ففي عبارة سيبويه ما يتضمن هذا المعنى. (¬2) عجز بيت للفرزدق وصدره: فكيف إذا مررت بدار قوم والبيت من الوافر وهو في الكتاب (2/ 153)، والمقتضب (4/ 116)، والتذييل (2/ 414)، والمغني (1/ 287)، وشرح شواهده (2/ 693)، وجمل الزجاجي (ص 62)، والحلل في شرح أبيات الجمل (ص 59)، والخزانة (4/ 37)، والعيني (2/ 4)، والأشموني (1/ 240)، والتصريح (1/ 192)، وديوانه (ص 835). والشاهد قوله: (وجيران لنا كانوا كرام) حيث زيدت كان بين الصفة والموصوف ولم يمنع من زيادتها إسنادها إلى الضمير. (¬3) اختلف النحاة في زيادة «كان» في هذا البيت، فالقول بالزيادة هو مذهب الخليل وسيبويه، أما -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا يكون المراد بالإلغاء في ثلاثة الأبيات المذكورة الزيادة لأنه لم يكن [2/ 185] فيها للأفعال التي ذكرت معمولات، فيقال: إنها ألغيت عنها. ثم أشار المصنف بقوله: وإلغاء ما بين الفعل ومرفوعه جائز لا واجب خلافا للكوفيين إلى نحو: قام أظن زيد، ويقوم أظن زيد، وهو أن يقع فعل من أفعال هذا الباب بين فعل ومرفوعه، فالكوفيون يوجبون الإلغاء، فلا يجوز عندهم نصب زيد في المثالين المذكورين، والصحيح جواز النصب والرفع (¬1)، فإذا رفعت فظاهر، وإذا نصبت فالفعل المتقدم مفعول ثان وقد ورد بالنصب والرفع قول الشاعر: 1141 - شجاك أظنّ ربع الظّاعنينا ... ولم تعبأ بعذل العاذلينا (¬2) قال الشيخ: والذي يقتضيه القياس أنه لا يجوز إلا الإلغاء، لأن الإعمال مترتب على كون الجزأين كانا مبتدأ وخبرا والجزآن هنا لا يكونان مبتدأ وخبرا، لأن النحويين يمنعون تقديم الخبر إذا كان فعلا رافعا ضمير المسند إليه مستكنّا والإعمال يؤدي إلى ذلك فلا يجوز (¬3) انتهى. ولك أن تقول: الموجب لامتناع تقديم الخبر في نحو زيد يقوم إنما هو خوف ليس تركيب بتركيب، ولهذا إذا أمن اللبس يجوز نحو: قاما الزيدان، ويقومان العمران (¬4) - ¬

_ - مذهب المبرد وأكثر النحويين فهو إن كان في البيت ليست بزائدة بل هي الناقصة والضمير وهو واو الجماعة اسمها و «لنا» خبرها والجملة في موضع الصفة لـ «جيران» وكرام صفة بعد صفة. ينظر الكتاب (2/ 153)، والمقتضب (4/ 116)، والتصريح (1/ 192). (¬1) ينظر التصريح (1/ 254). (¬2) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 1003)، والمغني (2/ 387)، وشرح شواهده (2/ 806)، والعيني (2/ 419)، والتصريح (1/ 254)، والهمع (1/ 153)، والدرر (1/ 136)، والأشموني (2/ 28). والشاهد قوله: (شجاك أظن ربع الظاعنينا) حيث روى بنصب (ربع) على أنه المفعول الأول لأظن وجملة (شجاك) المفعول الثاني وقدم على أظن وروى برفعه على أنه فاعل (شجاك) و «أظن» ملغي. (¬3) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 1003). (¬4) هذا على رأي القائلين: إن ألف الاثنين وواو الجمع ونون الإناث التي تلحق الفعل في مثل ذلك حروف وليست أسماء وهي لغة «أكلوني البراغيث» ومما جاء على هذه اللغة قوله صلّى الله عليه وسلّم: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» قالوا: واللاحقة للفعل «يتعاقب» علامة على الجمع وليست ضميرا، وقد حمل بعض النحويين ما ورد من ذلك على أنه خبر مقدم ومبتدأ مؤخر أو على إبدال الظاهر من المضمر». ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 84)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 6 - 7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أن النصب هنا قرينة مزيلة للبس فجاز لنا أن نتصور أن «يقوم» من نحو من يقوم زيد خبر مقدم حين يقصد إدخال نحو ظننت بينهما وإعمالها اتكالا على ما سيبينه نصب زيد من أنه كان مبتدأ وأن الفعل المقدم خبره، ثم أشار المصنف بقوله: وتوكيد الملغي بمصدر منصوب قبيح إلى آخره إلى ما أذكره. اعلم أن أصل المسألة: إذا ألغي فعل من أفعال هذا الباب لا يؤكد بمصدره فلا يقال نحو: زيد ظننت ظنّا مقيم ولا زيد مقيم ظننت ظنّا، للعلة التي ستذكر، لكنهم جوزوا حذف الفعل والتعويض عنه بالمصدر نحو: زيد منطلق ظنّا، قالوا: وهو بدل من الفعل، فلا يجوز الجمع بينهما (¬1)، وقد تقدم ذكر إجازة هذه المسألة أثناء المنصوب ما نقله من كلام ابن أبي الربيع، فقد أكد بالمصدر الصريح المنصوب مع إلغاء الفعل عن العمل من جهة أنه لم يجمع بينهما وكان المصدر بدلا منه، ولا شك أنه لو لم يذكر المصدر وذكر الفعل متوسطا أو متأخرا لجاز إلغاؤه، فلما أنيب المصدر منابه وعوض به عنه كان حكمه حكمه، فقد صح لنا من هذا أن فعلا من أفعال هذا الباب إذا أكد بالمصدر وجب إعماله تقدم أو توسط أو تأخر نحو: ظننت ظنّا زيدا قائما، وزيدا ظننت ظنّا قائما، وزيدا قائما ظننت ظنّا (¬2) [2/ 186] هذا إذا كان المصدر صريحا منصوبا، أما إذا كان صريحا غير منصوب بأن يكون مضافا إلى ياء المتكلم، أو غير صريح بأن يكون ضمير المصدر أو اسم إشارة إليه فسيأتي الكلام فيه. وقد اختلف تعليل النحاة لعدم جواز الإلغاء أي إلغاء الفعل حين يؤكد بما ذكرنا: فمنهم من قال: لو ألغينا الفعل مع التأكيد بالمصدر لأدى ذلك إلى التناقض، وذلك أنك تكون معملا للفعل ملغيّا له في حين واحد. ومنهم من قال: لو ألغيت كنت من حيث تلغي غير بان الكلام على الفعل ولا يكون معتمد الكلام على الإتيان به، بل يقدر أنه عرض له ذكره بعد بناء الكلام على أن لا يكون فيه، ومن حيث تؤكد بالمصدر تكون قد جعلته أي الفعل معتمدا عليه في الكلام؛ إذ لا يؤكد من الكلام إلا موضع الاعتماد، والفائدة (¬3) وهذا - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (1/ 125). (¬2) ينظر المقرب (1/ 117)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 316)، وشرح الكافية للرضي (2/ 280). (¬3) هذان التعليلان علل بهما ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 316).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التعليل الثاني أظهر من الأول؛ لأن الأول منقوض بأنك تقول: زيد ظننت اليوم مقيم، فإنك أعملت ظننت في الظرف مع أنها ملغاة عن المفعولين، إلا أن يجاب عن هذا بأن يقال: المصدر لا يعمل فيه إلا الفعل أو ما شاركه في الحروف والمعنى بخلاف الظرف، وإذا كان العامل في المصدر لا يكون إلا كذلك كان عمل الفعل في المصدر أقوى من عمله في الظرف، فيدل ذلك على قوته، وإلغاؤه يدل على ضعفه فتنافيا، وأيضا فإن التأكيد بالمصدر فيه قوة للفعل لأنه في حكم تكريره فيزداد بالتوكيد قوة، وإذا كان كذلك امتنع إلغاؤه وخصوصا عند من يرى أن مسوغ الإلغاء إنما هو الضعف بالتوسط أو التأخر (¬1). ومنهم من قال: العلة في ذلك أن العرب قد تقيم المصدر إذا توسط مقام الفعل وتلغيه مع ذلك وتجعله بدلا فتقول: زيد ظنّا منطلق فيكون المصدر إذ ذاك منصوبا بظننت مضمرا، وجاز إضمار الفعل لدلالة الكلام عليه من جهة أنك إذا قلت: زيد ظنّا منطلق علم أنك لم تقل هذا الكلام إلا بعد أن ظننتم كذلك، فلما كانوا يجعلون المصدر إذا توسط ورفعوا الاسمين عوضا من ظننت كرهوا أن يجمعوا بينهما لأن الجمع بين العوض والمعوض منه قبيح (¬2) قال الشيخ مشيرا إلى هذا التعليل: إنه هو المعلل به عند سيبويه وحذاق النحويين (¬3)، وأما إذا كان الفعل مؤكدا بمصدر صريح غير منصوب أو بضمير المصدر أو باسم إشارة إليه نحو: زيد ظننت ظني منطلق، وزيد ظننته أو ظننت ذاك منطلق، فالإعمال هو الكثير، ويجوز الإلغاء على قلة (¬4) على أن عبارة المصنف يفهم منها أن الإلغاء جائز مع التوكيد بالمصدر الصريح المنصوب مع أنه محكوم بقبحه، وقد جعل المرتب بالنسبة إلى ما يؤكد به الفعل ثلاثا [2/ 187] منها ما هو قبيح، ومنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو أقل ضعفا كما تضمنه لفظ الكتاب (¬5) وقال في الشرح: ويقبح توكيد الملغي - ¬

_ (¬1) ينظر أوضح المسالك (1/ 120)، والتصريح (1/ 254)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 280)، وحاشية الخضري (1/ 152). (¬2) ينظر الهمع (1/ 153)، والتوطئة (ص 164). (¬3) التذييل (2/ 1003)، وينظر الكتاب (1/ 231 - 232، 319)، وما بعدها، وابن يعيش (7/ 86). (¬4) ينظر المقرب (1/ 117)، والهمع (1/ 153). (¬5) أي كتاب التسهيل. وينظر التسهيل للمصنف (ص 72)، تحقيق: محمد كامل بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمصدر صريح منصوب نحو: زيد ظننت ظنّا منطلق، ويزيل بعض القبح عدم ظهور النصب نحو: زيد ظننت ظني منطلق، ويكتسي بعض الحسن يكون المصدر ضميرا أو اسم إشارة نحو: زيد ظننته أو ظننت ذاك منطلق (¬1) انتهى. وقد جعل التوكيد بالضمير أو باسم الإشارة في رتبة، وابن عصفور يقول: الإلغاء مع الإشارة إلى المصدر أقوى من الإلغاء مع ضمير المصدر، وعلل ذلك بأن الضمير وإن كان مبنيّا أقرب إلى المصدر المعرب من حيث كان صيغة الضمير تبني عن النصب، فصارت الصيغة بمنزلة الإعراب في المصدر واسم الإشارة ليس فيه إعراب ولا صيغة تقوم مقام الإعراب فبعد شبهه من المصدر. قال: وإنما جاز الإلغاء مع الضمير واسم الإشارة ولم يجز مع المصدر لكونهما مبنيين لم يظهر للعامل فيهما عمل، فلا يكون مع الإعمال كأنك معمل ملغ في حال واحد بل يكون الفعل ملغى بالنظر إلى المفعولين وكالملغى بالنظر إلى الضمير واسم الإشارة من حيث لم يظهر له عمل فيهما. انتهى (¬2). ونقل الشيخ أن ظاهر كلام سيبويه أن الإلغاء مع اسم الإشارة أضعف من الإلغاء مع الضمير، قال: لأنه اسم ظاهر منفصل فهو أشبه بالمصدر (¬3). قلت: لم يظهر لي قوة هذا التعليل الذي علل به زيادة ضعف الإلغاء مع اسم الإشارة على ضعف الإلغاء مع الضمير أعني ضمير المصدر، ثم أشار المصنف بقوله: وتؤكد الجملة بمصدر الفعل بدلا من لفظه منصوبا فيلغى وجوبا إلى المسألة التي أسلفت ذكرها وهي: أنهم جوزوا حذف الفعل والتعويض عنه بالمصدر نحو: زيد منطلق ظنّا، وأنهم جعلوا المصدر بدلا من الفعل، ومن ثم لم يجز الجمع بينهما وإنما تقدم لنا ذكرها لتعلقها بما ذكرت معه وهو أنه إذا ألغى فعل من هذه الأفعال لا يؤكد بمصدره ولكن المصنف إنما ذكرها ها هنا، قال في الشرح: وقد ينوب عن الفعل مصدره منتصبا انتصاب المصدر المؤكد، فيجب إلغاؤه نحو: زيد منطلق ظنك أو زيد ظنك منطلق، ثم قال: ويقبح تقديمه، لأن ناصبه فعل تدل عليه الجملة فقبح - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 87). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 316 - 317)، وينظر المقرب (1/ 117 - 118). (¬3) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 1007)، وينظر الكتاب (1/ 125).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديمه كما قبح تقديم «حقّا» من قولك: زيد قائم حقّا. ولذلك لم يعمل، لأنه لو عمل وهو مؤكد لاستحق التقديم بالعمل والتأخير بالتوكيد واستحقاق شيء واحد تقديما وتأخير في حال واحدة محال. انتهى (¬1). وقد علل عدم العمل بشيء آخر وهو: لو نصب المفعولان بالمصدر لكانا حينئذ من صلته، وإذا كانا من صلته لم يكن للفعل المضمر [2/ 188] ما يدل عليه، فثبت أن الموجب لإلغائه أحد أمرين، وهو استحقاق التقديم لو أعمل والفرض أنه مستحق التأخير من حيث إنه مؤكد أو فقد الدلالة على الفعل الذي أضمر عاملا، ويجوز أن يكون موجب الإلغاء كلا الأمرين، فيكون كل منهما جزء علة، ثم قال الشيخ: والمراد بالقبح هنا عدم الجواز قال: وأجاز تقديمه الأخفش، فيقال على رأيه: ظنك عبد الله حسن (¬2) انتهى. والذي تحصل لنا من هذا الكلام أعني على قول المصنف: وتؤكد الملغى بمصدر منصوب قبيح وعلى قوله: وتؤكد الجملة بمصدر الفعل بدلا من لفظه منصوبا فيلغى وجوبا: أن المصدر الصريح المنصوب إذا ذكر معه المفعولان في هذا الباب، إما أن يذكر الفعل (الناصب معه) (¬3) أولا إن ذكر الفعل فالإعمال أعني إعمال الفعل حينئذ، سواء أكان المصدر مقدما أم متوسطا أم متأخرا، ولا يجوز الإلغاء إلا قبيحا (¬4)، وهذا الحكم هو الذي عبر عنه المصنف بقوله: وتوكيد الملغى بمصدر منصوب قبيح. فعلمنا إن إعمال الفعل متى ذكر المصدر كان واجبا، وإن ألغي كان قبيحا، وإن لم يذكر الفعل، بل أتي بالمصدر بدلا منه كان مؤكدا لمضمون الجملة (¬5)، كما أنه لا يذكر إلا مع الفعل العامل دون الملغي وهذا الحكم هو الذي عبر عنه المصنف بقوله: وتؤكد الجملة بمصدر الفعل إلى قوله: فيلغى وجوبا. قلت: ولم يزل يدور في خاطري من هذا شيء أعني وجوب إلغاء المصدر المذكور ولا أتجرأ على إجازة الإعمال توهما أن المسألة إجماعية، إلى أن رأيت الشيخ نقل في شرحه إجازة ذلك فقال: وذهب أبو العباس والزجاج وأبو بكر إلى جواز إعماله، فعلى مذهبهم تقول: زيدا ظنك منطلقا، وزيدا منطلقا ظنك، فتعمل لأنه - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 87). (¬2) التذييل (2/ 1008). (¬3) في (ب) (الناصب له معه). (¬4) ينظر شرح الرضي للكافية (2/ 280). (¬5) زاد في (ب) «ووجب إلغاؤه، قالوا: لأنه لا يكون بدلا من الفعل العامل بل من الفعل الملغى». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عندهم بدل من الفعل العامل (¬1) انتهى. وقد عرفت أن تقديم المصدر على الجملة لا يجوز، وأن الأخفش أجاز ذلك (¬2). قال الشيخ: فإذا قدم على قول المجيز لتقديمه فهل يعمل؟ قال: منهم من أجاز ذلك فتقول: ظنك زيدا قائما قال: والصحيح عند أكثر من أجاز التقديم أنه لا يجوز الإعمال وعللوا ذلك بأنه لا دليل إذ ذاك على الفعل المحذوف (¬3) انتهى. ولم يظهر لي صحة هذا التعليل أعني كونه علة لمنع الإعمال، لأنا إذا أعملنا كان العمل للمصدر لا للفعل، فكيف يتجه أن يقال بأن العلة إنما هي عدم الدلالة إذ ذاك على الفعل المحذوف؟ نعم هذه علة منع تقديم المصدر على الجملة كما تقدم من كلام المصنف أن ناصب هذا المصدر فعل يدل عليه الجملة فقبح تقديمه كما قبح تقديم حقّا من قولك: زيد [2/ 189] قائم حقّا، وإذا لم يثبت كون ما ذكر علة، فنقول: إنما كان الصحيح عند أكثر من أجاز التقديم أنه لا يجوز الإعمال بسبب أن الذي أجاز التقديم هو الأخفش والذي أجاز الإعمال غيره، فالمخبر الإعمال لا يجيز التقديم ومجيز التقديم ليس هو المجيز للإعمال، وأما قول المصنف: ويقل القبح إلى آخره، فاعلم أن المصنف قال في شرحه: وكما قل القبح بتقديم «متى» في: متى تظن زيد ذاهب، يقل في متى ظنك زيد ذاهب. انتهى. وظاهر هذا الكلام أن القبح في تقديم المصدر على الجزأين يقل إذا تقدم على المصدر شيء متعلق بالخبر كما في متى ظنك ذاهب، هذا مع بقاء المصدر على إلغائه لأن المصنف عقب بهذا الكلام بقوله: ويقبح تقديمه (¬4) هكذا فهمت هذا الموضع بعد التأمل، لكن قال الشيخ بعد أن ذكر كلام المصنف: ومن أجاز النصب في: ظنك زيدا ذاهبا كان عنده هنا أجوز فتقول: متى ظنك زيدا ذاهبا، لأن أدوات الاستفهام طالبة للفعل فجاز إضمار الفعل بعدها، لذلك قال: وممن ذهب إلى إجازة ذلك ومنعه ظنك زيدا ذاهبا ابن عصفور (¬5) انتهى. - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1009). (¬2) ينظر الهمع (1/ 154). (¬3) التذييل (2/ 1009). (¬4) ينظر الكتاب (1/ 124)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 86)، وشرح الكافية للرضي (2/ 280). (¬5) التذييل لأبي حيان (2/ 1010).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحمل الشيخ كلام المصنف هنا على أنه مقصود به الإشارة إلى الإعمال وعدمه ولا شك أن الذي ذكره الشيخ مسألة برأسها وحكم مستقل، وهو أنه من أجاز كذا فهو لكذا أجوز، وهذا لا منازعة فيه. وأما أن المصنف أراد ذلك فنحمل كلامه عليه، فلم يتجه لي لا من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى: أما اللفظ فلأن كلام المصنف الآن هو في التقديم لا في الإعمال لأنه بعد ذكره المصدر، وأنه يؤتى به بدلا من الفعل، وأنه يلغى وجوبا قال: ويقبح تقديمه. ولا شك أن هذا مع كونه ملغى، ثم قال: ويقل القبح في كذا، فوجب أن يحمل على المراد، ويقل القبح في التقديم، لأن الكلام فيه، لا على أنه يقل القبح في العمل، لأن العمل لم يتقدم له ذكر، بل الذي ذكره إنما هو وجوب الإلغاء فمن أين يفهم أن المراد ويقل القبح في الإعمال. وأما من حيث المعنى فلأن تقدم «متى» على الفعل في نحو: متى تظن زيد ذاهب، إنما هو مسوغ للإلغاء الذي كان ممنوعا لو لم يتقدم شيء (¬1)، وتقديم «متى» في نحو متى ظنك زيد ذاهب على ما حمل الشيخ عليه كلام المصنف إنما هو مسوغ للأعمال، وإذا كان كذلك فكيف يصح التنظير. وإذا تقرر هذا البحث فالذي يتعين حمل كلام المصنف عليه أن الذي قصده بالتنظير أن تقديم «متى» في نحو: متى تظن زيد ذاهب أخرج تظن عن كونها صدرا فجاز إلغاؤها هكذا التقديم [2/ 190] في متى ظنك زيد ذاهب أخرج المصدر عن أن يكون صدرا فجاز ذكره متقدما على الجزأين وقد كان قبيحا أي ممتنعا أو جائز على قبح، فقل القبح. ومما يؤيد البحث المتقدم أن هذا المصدر لم يكن ممتنع الإعمال لكونه متقدما صدرا فيجوز إعماله إذا تقدمه شيء يخرجه عن كونه صدرا بل إنما امتنع إعماله للأمر الذي تقدم ذكره (¬2)، وإذا كان امتناع إعماله لذلك فلا فرق بين أن يكون - ¬

_ (¬1) هذا على مذهب البصريين أما الكوفيون والأخفش فقد جوزوا الإلغاء إذا تقدم الفعل على المفعولين ولم يتقدمه شيء، لكن الإعمال عندهم أرجح. ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 380)، واللمع لابن جني (ص 136)، والفصول الخمسون (ص 175)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 314). (¬2) وهو أنه نائب عن الفعل فانتصب انتصاب المصدر المؤكد للجمل فيجب إلغاؤه ويقبح تقديمه، لأن ناصبه فعل تدل عليه الجملة كما يقبح تقديم حقّا من قولنا: زيد قائم حقّا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صدرا أو لا يكون. وقول المصنف: وإن جعل «متى» خبرا يشير به إلى أنه إن جعل «متى» خبرا وظنك مبتدأ رفعته ووجب إعماله فيقال: متى ظنك زيدا قائما، قال الشيخ: لأنه إذ ذاك ليس بمصدر مؤكد، ولا يدل من اللفظ بالفعل، وإنما هو مقدر بحرف مصدري والفعل كما تقول: متى ضربك زيد (¬1) انتهى. وكونه مقدرا بحرف مصدري والفعل إنما هو مسوغ لإعماله والمقصود ذكر علة موجبة لإعماله، والظاهر أن الموجب للإعمال حينئذ إنما هو تقدمه على المعمولين ولا شك أن الإلغاء مع كون العامل متقدما على الجزأين لا يجوز، وقد يقال: قد جوز المصنف إلغاء الفعل متقدما وإن كان جعله قبيحا فليكن حكم المصدر حكم الفعل. وأما قول المصنف: وأجاز الأخفش والفراء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام فقد شرحه هو بأن قال: وأجاز الأخفش والفراء النصب والإعمال في الأمر والاستفهام، لأنهما يطلبان الفعل نحو: ظنك زيدا منطلقا ومتى ظنك زيدا منطلقا، بمعنى ظن ظنك زيدا منطلقا، ومتى ظننت ظنك زيدا منطلقا (¬2) انتهى. وهذا الكلام في المتن والشرح يشعر بأن هذه المسألة من متعلقات ما تقدم أعني كون المصدر هنا مؤكدا للجملة لقوله: إنهما أجازا إعمال المنصوب وقد تقدم له ذكر منصوب، ومرفوع، وأن المرفوع يجب إعماله، وأن المنصوب يجب إلغاؤه (¬3). ولا شك أن اللام في «المنصوب» للعهد فتعين أن يكون المراد ما قلناه، وإذا كان كذلك أشكل الأمر، لأن ظنّا في المثالين اللذين ذكرهما إنما هو مؤكد للعامل لا للجملة أيضا ولو كان مؤكدا للجملة ما جاز تقديمه عليها، ولا يلزم من كونه صار بدلا من الفعل أن يكون مؤكدا للجملة، لأن المؤكد الذي جعل بدلا من فعله قسمان: قسم مؤكد للعامل كما في: ضربا زيدا، وقسم مؤكد لمضمون الجملة - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1010). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 88). (¬3) في حاشية الصبان (2/ 285) تعليقا على قول ابن مالك في إعمال المصدر: «إنما يعمل في موضعين: الأول: أن يكون بدلا من اللفظ بفعله نحو ضربا زيدا ... إلخ. قوله: «بدلا من اللفظ بفعله» اختلف فيه، فقيل: لا ينقاس عمله، وقيل: ينقاس في الأمر والدعاء والاستفهام فقط وقيل: والإنشاء نحو حمدا لله، والوعد نحو: «قالت: نعم وبلوغا بغية ومنى» والتوبيخ نحو: وفاقا بني الأهواء والغي والهوى. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما في زيد ابني حقّا (¬1) [2/ 191] فإن قيل: ليس في كلام المصنف تصريح بأن المصدر المشار إليه في المثالين يؤكد جملة، فليحمل على أنه المؤكد للعامل، أجيب بأنه إذا كان الأمر كذلك فلا حاجة إلى تخصيص الأخفش والفراء بإجازة ذلك، إذ غيرهما لا يمنعه. ثم إن كلام المصنف في شرح الكافية يخالف ظاهره هذا الذي ذكره هنا فإنه بعد أن ذكر المصدر على ضربين: ضرب يقدر بالفعل وحرف مصدري، وضرب يقدر بالفعل وحده، وأن هذا هو الآتي بدلا من اللفظ بفعله - قال مشيرا إلى هذا الضرب الثاني (¬2): وأكثر وقوعه أمرا أو دعاء بعد الاستفهام، فالأمر كقول الشاعر (¬3): 1142 - فندلا زريق المال ندل الثّعالب (¬4) والدعاء كقول الآخر: 1143 - يا قابل التّوب غفرانا مآثم قد ... أسلفتها أنا منها خائف وجل (¬5) ومثله وقوعه بعد الاستفهام قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الرضي على الكافية (1/ 123)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 84)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 105). (¬2) شرح الكافية الشافية لابن مالك: (2/ 1024). (¬3) هو الأحوص وقيل: أعشى همدان وقيل جرير (معجم الشواهد 1/ 55). (¬4) عجز بيت وصدره: على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم والبيت من الطويل وهو في الكتاب (1/ 116)، والخصائص (1/ 120)، وشرح الكافية (2/ 663، 1025)، والإنصاف (1/ 293)، والعيني (3/ 46، 523)، والتصريح (1/ 331)، والأشموني (2/ 116، 285)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 82)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 105)، وأوضح المسالك (1/ 170)، واللسان (ندل). والشاهد في قوله: (فندلا زريق المال) حيث ناب، قوله «ندلا» مناب فعله وهو مصدر وعامله محذوف وجوبا والتقدير اندل يا زريق ندلا، وقد نصب المصدر هنا وهو قوله «ندلا» للمفعول به وهو المال. (¬5) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في الأشموني (2/ 285)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 1025). والشاهد قوله: (غفرانا مآثم) حيث نصب قوله «مآثم» بالمصدر الواقع بدلا من اللفظ بفعله. وهو للمرادي الأسدي أو الفقعس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1144 - أعلاقة أمّ الوليد بعد ما ... ... (¬1) ثم (قال) (¬2) عقب هذا الكلام بأن قال: وهو مطرد عند الأخفش والفراء في الخبر والطلب، ومما مثل به الأخفش: ظنك زيدا منطلقا، وسمع أذني أخاك تقول: ذاك وبصر عيني أخاك (¬3) انتهى. وأفهم كلامه هذا أن الخلاف بين الأخفش والفراء وبين غيرهما إنما هو في الإطراد، لا في الوقوع، وفي وقوعه في الخبر، أما وقوعه في الطلب فلا، وإذا كان كذلك أشكل قوله في التسهيل وأجاز الأخفش والفراء إعمال المنصوب في الأمر والاستفهام، لأن هذا يوهم أن غيرهما لا يجيز الإعمال، وقد تبين من كلامه في شرح الكافية أن الخلاف بينهما وبين غيرهما إنما هو في الاطراد. وبعد فهذا الموضع مما أشكل على تحققه والشيخ لم يتعرض إلى شيء مما أشرت إليه غير أنه بعد نقله عبارة المصنف في الشرح قال: وهذا الذي حكاه المصنف عن الأخفش والفراء هو القياس فكم جاز ذلك في نحو ضربا زيدا أي اضرب زيدا وقوله: 1145 - أعلاقة أمّ الوليد ... (¬4) أي: أتعلق أم الوليد؟ جاز ذلك في باب «ظن»، ثم قال: وقال صاحب الملخص (¬5): تقول: ظنّا زيدا منطلقا كما تقول: ضربا زيدا وتعمل ظنّا كما يعمل ظننت إذا تقدمت، وكذلك لو وسطت ظنّا أو أخرته فالإعمال ولا يجوز الإلغاء لأنها في نية التقديم، ولأن الأمر طالب بالفعل ومبني الكلام عليه، فإن جئت بظنّا بعد ما بنيت الكلام على الإخبار بلا عمل لظن جاز، كما تقول: زيد منطلق أظن هذا موجود أو تقول: أظنّا زيدا منطلقا، ليس إلا الإعمال لتقدمها، فإن توسطت - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو في الكتاب (1/ 116)، (2/ 139)، والمقتضب (2/ 54)، والأمالي الشجرية (2/ 242)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 131، 134)، والتذييل (2/ 1010)، والمقرب (1/ 129)، والخزانة (4/ 493)، والمغني (1/ 311)، وشرح شواهده (2/ 722)، وشرح الكافية الشافية (2/ 1026)، والهمع (1/ 210)، والدرر (1/ 176)، وموصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للأزهري (ص 251). (¬2) كذا بالأصل. (¬3) شرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 1026). (¬4) تقدم. (¬5) المقصود به ابن أبي الربيع فله كتاب في النحو يسمى الملخص (ينظر بغية الوعاة 2/ 125) تحقيق محمد أبو الفضل.

[التعليق وأحكامه في الأفعال القلبية في هذا الباب]

[التعليق وأحكامه في الأفعال القلبية في هذا الباب] قال ابن مالك: (وتختصّ أيضا القلبيّة المتصرّفة بتعدّيها معنى لا لفظا إلى ذي استفهام، أو مضاف إليه [2/ 192] أو تالي لام الابتداء، أو القسم أو «ما» أو «إن» النّافيتين أو «لا» ويسمّى تعليقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ أو تأخرت جاز الإلغاء والإعمال، كما يجوز في الخبر (¬1). قال ناظر الجيش: قد تقدم أن التعليق عبارة عن إبطال العمل لفظا لا محلّا على سبيل الوجوب وأنه حكم مختص بالأفعال القلبية المتصرفة من أفعال هذا الباب، وأنه قد يشاركها في ذلك أفعال أخر، وتقدم أيضا ذكر السبب الموجب لاختصاصها بالتعليق. قال المصنف (¬2): وسمي الإبطال على هذا الوجه تعليقا، لأنه إبطال في اللفظ مع تعليق العامل بالمحل، وتقدير إعماله فيه، ويظهر ذلك في المعطوف نحو: علمت لزيد صديقك وغير ذلك من أمورك انتهى، وكذا يجوز أن تقول: علمت لزيد منطلق وعمرا قائما نصبا على محل لزيد منطلق (¬3)، وقد فسر المصنف التعليق في متن الكتاب بقوله: بتعديها معنى لا لفظا، وهو تفسير حسن، قال المصنف: وسبب التعليق كون المعمول تالي الاستفهام أو مضمنا معناه أو مضافا إلى مضمنه، أو تالي لام الابتداء أو القسم أو «لو» أو «ما» أو «إن» النافيتين أو «لا» نحو [قوله تعالى]: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (¬4)، وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ (¬5) ونحو: علمت غلام من أنت [وقوله تعالى]: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ (¬6) وكقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل لأبي حيان (2/ 1010 - 1011). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (جـ 2 ص 89). (¬3) في شرح الكافية للرضي (2/ 279): «الفرق بين التعليق والإلغاء مع أنهما بمعنى إبطال العمل: أن التعليق إبطال العمل لفظا لا معنى، والإلغاء: إبطال العمل لفظا ومعنى، فالجملة مع التعليق في تأويل المصدر مفعولا به للفعل المعلق كما كان كذلك قبل التعليق فلا منع من عطف جملة أخرى منصوبة الجزأين على الجملة المعلق عنها الفعل نحو: علمت لزيد قائم وبكرا فاضلا على ما قال ابن الخشاب وأما الإلغاء فالجملة معه ليست بتأويل المفرد فمعنى: زيد علمت قائم: زيد في ظني قائم، فالجملة المغي عنها لا محل لها لأنه لا يقع مفرد موقعها والجملة المعلق عنها منصوبة المحل». اه. وينظر أوضح المسالك (1/ 122). (¬4) سورة الأنبياء: 109. (¬5) سورة طه: 71. (¬6) سورة البقرة: 102.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1146 - ولقد علمت لتأتينّ منيّتي ... إنّ المنايا لا تطيش سهامها (¬1) وكقول الآخر: 1147 - وقد علم الأقوام لو أنّ حاتما ... يريد ثراء المال أمسى له وفر (¬2) وكقوله تعالى: لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (¬3) وكقوله تعالى: وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (¬4) ومن أمثلة ابن السراج: أحسب لا يقوم زيد (¬5) انتهى (¬6). وعلم منه أن الموجب للتعليق إما نفس المعمول بأن يكون اسم استفهام أو مضافا إليه، وإما أن يفصل بين العامل والمعمول أحد الأدوات التي ذكرها وهي: حرف استفهام «كالهمزة وهل» أو لام الابتداء أو القسم أو «لو» أو ما النافية، أو إن «النافية، أو «لا» فهي سبع أدوات منها الست التي ذكرها المصنف في متن الكتاب والتي ذكرها في الشرح وهي «لو». وزاد الشيخ في الأدوات المعلقة «لعلّ»: قال في شرح الألفية: ومما يظهر لي أنه من أسباب التعليق «لعل» وهو شيء أهمله - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو للبيد بن عامر الجعفري وهو في الكتاب (3/ 110)، والتذييل (2/ 1014)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 78)، وشرح المكودي (ص 68)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 383)، وأوضح المسالك (1/ 121)، والخزانة (4/ 13، 332)، والمغني (2/ 401، 407)، وشرح شواهده (2/ 828)، وشذور الذهب (ص 438)، والعيني (2/ 405)، والتصريح (1/ 254، 255، 259)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 158)، والهمع (1/ 154)، والدرر (1/ 137)، والأشموني (2/ 30)، وديوان لبيد (ص 170، 171). والشاهد قوله: (ولقد علمت لتأتين) حيث علقت (علمت) عن العمل بلام القسم. (¬2) البيت من الطويل وهو لحاتم الطائي وهو في التذييل (2/ 1015)، والبهجة المرضية (ص 44)، والهمع (1/ 154)، والدرر (1/ 137)، وشذور الذهب (ص 440)، والأشموني (2/ 31)، وديوان حاتم (ص 118)، ويروى البيت في شطره الثاني برواية: أراد ثراء المال كان له وفر والشاهد قوله فيما بعدها بسبب وجود «لو» بينهما. (¬3) سورة الأنبياء: 65. (¬4) سورة الإسراء: 52. (¬5) في أصول النحو لابن السراج (1/ 182) تحقيق د/ عبد الحسين الفتلي: «إذا ولي الظن حروف الاستفهام، وجوابات القسم بطل في اللفظ عمله وعمل في الموضع تقول: علمت أزيد في الدار أم عمرو، وعلمت أن زيد في الدار لقائم، وأخال لعمر أخوك، وأحسب ليقومن زيد، ومن النحويين من يجعل «ما» و «لا» و «كان» و «اللام» في هذا المعنى فيقول: أظن ما زيد منطلقا وأحسب لا يقوم زيد. اه. (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 89).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النحويون ولم أجد فيه نصّا لبصري ولا كوفي. والدليل على صحة ما ذهب إليه وأنه مسموع من لسان العرب وإن لم ينبه النحويون عليه قوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ (¬1) وقوله تعالى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (¬2) وقوله: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (¬3) ودرى من الأفعال التي تعلق كما علقت في قوله تعالى: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (¬4) وقوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (¬5)، وَما أَدْراكَ مَا [2/ 193] الْقارِعَةُ (¬6) وإنما كانت من أسباب التعليق لشبهها بأدوات الاستفهام حتى إن بعض الكوفيين زعم أن «لعل» تكون استفهاما كما ذكر في باب «إنّ» قال صاحب الواضح: لعل من حروف الاستفهام، يقول الرجل لمخاطبه: لعلك تسبني فأعاقبك؟ تريد: هل تسبني؟ وقد قال الله تعالى وله المثل الأعلى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (¬7) فجعل «لعل» في موضع الاستفهام مقرونا بدليل الاستفهام وهو «تدري» (¬8). وقال في شرح التسهيل بعد أن ذكر ما نقلته عنه من شرح الألفية: ورأيت نصب الفعل في هذه الآيات الشريفة على جملة الترجي، فهي في موضع نصب بالفعل المعلق إلى أن وقعت لأبي علي الفارسي على شيء من هذا، قال - وقد ذكر وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (¬9)، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (¬10) - ما نصه: «والقول في لعل وموضعها وأنه يجوز أن يكون في موضع نصب وأن الفعل لما كان بمعنى العلم علق عما بعده، وجاز تعليقه لأنه مثل الاستفهام، ألا ترى أنه بمنزلته في أنه غير خبر، وأن ما بعده منقطع مما قبله ولا يعمل فيه، وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يقع موقع المفعول، كما يقع الاستفهام موقعه، فعلى هذا تكون لعل وما بعدها بعد هذه الأفعال في موضع نصب» (¬11). - ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 111. (¬2) سورة عبس: 3. (¬3) سورة الطلاق: 1. (¬4) سورة الأنبياء: 109. (¬5) سورة الحاقة: 3. (¬6) سورة القارعة: 3. (¬7) سورة الطلاق: 1. (¬8) منهج السالك إلى ألفية ابن مالك لأبي حيان (ص 94). (¬9) سورة عبس: 3. (¬10) سورة الأحزاب: 63. (¬11) التذييل (2/ 1017 - 1018) وينظر الأشموني (2/ 31) بحاشية الصبان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ها هنا أمور ننبه عليها: الأول: قال الشيخ: أكثر أصحابنا لم يذكروا لام القسم في أسباب التعليق، قال: وهو الصحيح وذلك أن الجملة المعلق عنها الفعل لها موضع من الإعراب، والجملة التي تقع جوابا للقسم لا موضع لها من الإعراب فتدافعا قال ذلك في شرح الألفية (¬1)، والظاهر أن الذي ذكره هو الحق، ولم يذكرها ابن عصفور في المعلقات غير أنه ذكر مسألة مستقلة بنفسها: وهي أنه قال: وانفردت أيضا أفعال القلوب بجواز تضمنها معنى القسم، فإذا فعل ذلك بها تلقيت بما يتلقى به القسم، تقول: علمت ليقومنّ زيد وظننت لقد قام عمرو، كما تقول: والله ليقومن زيد، وو الله لقد قام عمرو، ثم إن كان الفعل غير متعد فلا موضع لجملة الجواب من إعراب نحو قولك: بدا لي ليقومنّ زيد، قال الله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (¬2) وإن كان الفعل متعديا نحو: علمت ليقومن زيد، وعرفت ليخرجن عمرو: فمن النحاة من يجعل الجملة نائبة مناب معمول الفعل، فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو: «علمت» كانت الجملة في موضعهما، وإن كان يتعدى إلى واحد نحو: «عرفت» كانت الجملة في موضع ذلك المفعول، ومنهم من يجعل الجملة لا موضع لها من الإعراب، لأن الفعل وإن كان متعديا، قد ضمن [2/ 194] معنى ما لا يتعدى، فلذلك لا يتعدى كما أن «نبئت» وإن كانت في الأصل لا تتعدى لما ضمنت معنى ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين تعدت تعديته وهذا هو الصحيح (¬3) انتهى. وهو كلام حسن مذوق مقبول. الثاني: في شرح الشيخ: ذهب ابن كيسان وثعلب وحكي عن المبرد: لا يعلق من أفعال القلوب إلا العلم، وأما الظن ونحوه فلا يعلق وجعله الشلوبين هو الوجه، وزعم أنه رأى سيبويه على ما فهم عنه لأنه ما مثل به في في أبواب التعليق قال الشلوبين: والذي يدل عليه أن آلة التعليق بالأصل حرف الاستفهام وحرف التأكيد، أما التحقيق فلا يكون بعد الظن لأنه نقيضه، ولذلك قال ثعلب: فإذا قلت: ظننت - ¬

_ (¬1) منهج السالك لأبي حيان (ص 94)، وينظر الارتشاف (951 - 952)، والمطالع السعيدة للسيوطي (ص 301). وقد ذكر أبو حيان في الارتشاف أن ابن الدهان قد ذكر لام القسم في أسباب التعليق. (¬2) سورة يوسف: 35. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 323) ط. العراق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنك لقائم تريد ما غلب عليك من اليقين فتكون «ظننت» بمعنى «علمت» فهو جائز، وإن أردت الشك كنت كالكذاب، وأما الاستفهام فالمراد الإبقاء مع إنك قد زال ترددك فإذا دخلت ظننت بمعنى التردد، فلا فائدة في التسوية، لأنك شاك مثله فلا تدخلها على الاستفهام قال هذا القائل: وظننت في تمثيل سيبويه ظننت زيدا أبو من هو، إنما هو بمعنى العلم، قال في البسيط: وهذا تكلف في التأويل ولو سلم ذلك لقيل فما المانع من أن تعلق الظن بغيره هذه من الحروف كما ولا؟ (¬1) انتهى. ولا يخفى ضعف ما ذهب إليه ابن كيسان وثعلب من ذلك وضعف ما استدل به الشلوبين (¬2). والحق خلاف ذلك كله، وقد يفهم من كلام صاحب البسيط أن الأمر كما قلت. الأمر الثالث: قد أشكل على الناس في نحو: علمت أيهم أخوك، وعلمت أزيد في الدار أم عمرو، وتعلق إحدى الجملتين بالجملة الأخرى، وللعلماء في ذلك كلام (¬3). وقد أورد الشيخ هذا البحث في شرح الألفية إيرادا حسنا فقال بعد ذكر مسائل التعليق: فإن قلت: الجملة التي يعلق عنها هذه الأفعال على قسمين: خبرية وغير خبرية. فالخبرية: تعلق هذه الأفعال عنها في نحو: علمت لزيد قائم، لأن العلم قد يتعلق بالوجود وقد يتعلق بالعدم. وأما غير الخبرية نحو: علمت أيهم في الدار، فإنه يشكل انعقاد هذه الجملة الاستفهامية بالجملة الخبرية التي هي علمت، لأن علمت يفيد حصول العلم، وأيهم في الدار معناه طلب الإعلام بمن في الدار، فهذا الكلام يدافع أوله آخره، لأن حصول العلم ينافي طلب العلم فمن حصل له العلم لا يطلب تحصيل العلم، ولا يعقل أن يكون طلب الإعلام لذلك متعلقا لنفي العلم أو إثباتة، وهل ينفي أو يثبت إلا النسب الخبرية لا النسب التي ليست [2/ 195] بخبرية. فالجواب: أن هذا مما صورته الاستفهام، وليس معناه معنى الاستفهام، فإذا قلت: علمت أيهم في الدار، فمعناه: علمت الذي هو في الدار، وكذلك جميع الاستفهام - ¬

_ (¬1) التذييل: (2/ 1012). (¬2) ينظر الهمع (1/ 154). (¬3) ينظر التذييل: (2/ 1014).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي علق الفعل ليس معناه على الاستفهام، ولذلك لا يكون له جواب البتّة، بخلافه إذا لم يعلق عنه الفعل، فإذا قيل: أيهم في الدار، استدعى جوابا (¬1)، وقد قال سيبويه ما نصه: كما أنك إذا قلت: قد علمت أزيد ثم أم عمرو أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم (¬2). انتهى. فقول سيبويه: أردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم - نصّ على أنه لا يراد معنى الاستفهام البتة وجميع المثل التي أوردها سيبويه في الباب الذي ذكر فيه هذا النص مما صورته صورة الاستفهام ليس المعنى على الاستفهام أصلا (¬3) وقد نصّ الإمام أبو الحسن بن الباذش (¬4) على ذلك أيضا: قال ما نصه: علمت أزيد عندك أم عمرو ولِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ (¬5) ليس حرف الاستفهام لأنه يستحيل أن يستفهم عما أخبر أنه يعلمه. انتهى. وقال بعض حذاق شيوخنا - في قول الزجاجي: قد علمت أزيد عندك أم عمرو - ما نصه: واعلم أن أدوات الاستفهام استعملت في هذه المواضع مجردة من معنى الاستفهام، ثم قال: بعد كلام كثير وذلك أن القائل: قد علمت أزيد ثم أم عمرو، قائما - أراد أن يبين له أنه قد عرف الذي منهما وأراد أن لا يبينه للمخاطب، فجاء بلفظ الاستفهام تسوية بينهما في الإبهام على المخاطب (¬6) فهذه النصوص متظافرة من أئمة العربية على أنه لا يراد به حقيقة الاستفهام. وحكى أبو أحمد حامد بن جعفر البلخي عن أبي عثمان المازني أن مروان (¬7) سأل - ¬

_ (¬1) منهج السالك لأبي حيان (ص 94). (¬2) الكتاب (1/ 236). (¬3) في شرح الألفية للمرادي (1/ 384 - 385): «فإن قلت: ما معنى تعلق العلم بالاستفهام في نحو: علمت أزيد عندك أم عمرو؟ قلت: هذا كلام صورته الاستفهام، وليس المراد به الاستفهام، لأنه مستحيل الاستفهام عما أخبر أنه يعلمه، وإنما المعنى: علمت الذي هو عندك من هذين الرجلين». اه. (¬4) سبقت ترجمته. (¬5) سورة الكهف: 12. (¬6) أورد أبو حيان هذا النص بتمامه في كتابه منهج السالك (ص 95). (¬7) هو مروان بن سعيد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي النحوي، أحد أصحاب الخليل المتقدمين في النحو: المبرزين، ذكر ياقوت في معجم الأدباء أنه سمع بعض النحويين ينسب إليه هذا البيت وهو: ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله ... والزّاد حتّى نعله ألقاها ينظر في ترجمته معجم الأدباء (19/ 146)، والبغية (2/ 284) تحقيق: محمد أبو الفضل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبا الحسن الأخفش فقال: إذا قلت: قد علمت أزيد عندك أم عمرا فليس قد علمت أن ثم كونا ثابتا، ولكن لا تدري من أيهما هو؟ قال: بلى، قال: فلم جئت بالاستفهام قال: جئت به لألبس على المخبر من علمت، فقال له مروان: إذا قلت: قد علمت من أنت وأردت أن تلبس عليه، لأنه لا يعرف نفسه، قال: فسكت، يعني الأخفش، قال أبو عثمان: عندي أنه إذا قال: قد علمت من أنت فهو لا يريد أن يلبس عليه لأنه يعرف نفسه، ولكنه أراد: قد علمت من أنت أخيرا أمرك أم شر كما تقول: قد علمت أمرك (¬1) انتهى. وكان الأستاذ أبو علي الشلوبين يروي عن بعض المتأخرين أن هذا الكلام على حذف مضاف، وأن المراد منه: قد علمت جواب هذا الكلام. وكان يعنى به ويراه في بعض أقرائه (¬2) والأحسن ما قدمناه أولا من نصوص الأئمة، وكثير في لسان العرب أن يكون الكلام لفظه مخالفا لمعناه؛ ألا ترى [2/ 196] مجيء الأمر بصورة الخبر ومجيء الخبر بصورة الأمر، وكلام العرب في تركيبه على ثلاثة أقسام: القسم الأول: مطابقة اللفظ للمعنى نحو: زيد قائم، وما قام زيد، وشبه ذلك. [القسم] الثاني: غلبة اللفظ على المعنى نحو قولهم: أظن أن يقوم أجمعوا على صحتها وأبطل أكثر النحويين: أظن قيامك، ومعنى أن تقوم، قيامك. وإنما جاز ذلك لأن الظن لا يكتفي بكلمة واحدة وأن تقوم كلمتان في اللفظ؛ فقد اشتمل «أن تقوم» على مسند ومسند إليه بخلاف قيامك فإنه كلمة واحدة ولا إسناد فيه. والقسم الثالث: غلبة المعنى على اللفظ نحو: ليت شعري زيدا ما صنع، حذف من «ليت» اسم المتكلم، ولم يظهر لليت خبر، ولا يجوز ذلك في غير ليت من أخواتها، لا يقال: إن شعري أباك ما صنع، والمعنى ليتني أشعر بما صنع زيد فهذا مما غلب فيه المعنى على اللفظ، ومن هذا القسم مسألتنا التي نحن نتكلم فيها وهو أن صورته صورة الاستفهام، ومعناه على غير الاستفهام، فهو مما غلب فيه المعنى على - ¬

_ (¬1) ينظر: مجالس العلماء للزجاجي (ص 87)، وأبو عثمان المازني المجدد وأثره (ص 503)، تأليف د/ عبد العزيز فاخر، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 95). (¬2) ينظر: منهج السالك لأبي حيان (ص 95)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 385).

[التعليق في بعض الأفعال غير القلبية]

[التعليق في بعض الأفعال غير القلبية] قال ابن مالك: (ويشاركهنّ فيه مع الاستفهام «نظر» و «أبصر» و «تفكّر» و «سأل» وما وافقهنّ أو قاربهنّ، لا ما لم يقاربهن، خلافا ليونس، وقد يعلّق «نسي»). ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ (¬1)، وإذا أتوا بما صورته الاستفهام ومعناه على غير الاستفهام ولم يدخلوا عليه ما يغيره من العوامل اللفظية فلأن لا يغيروه مع العوامل اللفظية أولى وأخرى، لأن في اللفظ المتقدم ما يرشد إلى المعنى، ويدل عليه لتعلقه به. بخلاف ما لم يتقدم عليه لفظ يطلب المعنى ويستدعيه، مثال ذلك: أنهم يقولون في معنى التعظيم والتعجب: أي رجل أنت؟ المعنى: ما أكملك رجلا، فصورته صورة الاستفهام ومعناه ليس معناه، ولذلك لايجاب مثل هذا الاستفهام فقد عدوه عن الاستفهام إلى غيره، ولم يدخلوا عليه عاملا، فإذا أدخلوا عليه العامل كان أجدر أن يغير، وكان قياس العامل كما غيره معنى أن يغيره لفظا ويؤثر فيه النصب، لكن راعوا صورة الاستفهام فلم يعملوا فيه ما قبله لفظا وإن كان عاملا فيه من جهة المعنى، فموضعه نصب، ولذلك إذا عطفوا على موضع المعلق عنه نصبوا فيقولون: ظننت لزيد قائم عمرا شاخصا، وعلمت ما زيد قائم وعمرا منطلقا (¬2) هذا آخر ما ذكره الشيخ في هذه المسألة. قال ناظر الجيش: أي: ويشارك القلبية المتصرفة في التعليق، لكن مع الاستفهام خاصة دون بقية المعلقات ما ذكره من [2/ 197] الأفعال والذي ذكره نصّا في متن الكتاب أربعة أفعال، وأرد بما وافقهن، أي: وافق الأربعة معنى: رأى البصرية، واستنبأ، وبما قاربهن بـ «لأبلو» (¬3) كما أشار إلى ذلك في الشرح فيكون المجموع سبعة. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (1/ 385) فقد أورد فيه هذه الأقسام على هذه الصورة التي أوردها ناظر الجيش هنا. (¬2) ينظر: أوضح المسالك (1/ 122)، وشذور الذهب (ص 441)، والتصريح (1/ 257)، والبهجة المرضية (ص 44). (¬3) ينظر الأشموني بحاشية الصبان (2/ 32 - 33)، والهمع (1/ 155)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 78).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في الشرح (¬1): وعلق أيضا مع الاستفهام «نظر» بالعين أو القلب وأبصر، وتفكر وسأل نحو: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً (¬2) وفَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ (¬3) وفَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (¬4) وأَ وَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ (¬5) وكقول الشاعر: 1148 - حزقّ إذا ما القوم أبدوا فكاهة ... تفكّر آإيّاه يعنون أم قردا (¬6) وكقوله تعالى: يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (¬7)، وأشرت بما وافقهن إلى نحو: أما ترى أي برق ها هنا بمعنى أما تبصر، حكاه سيبويه (¬8)، وإلى نحو: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ (¬9) وأشرت بما قاربهن إلى نحو: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (¬10) وأجاز يونس تعليق ما يوافقهن ولم يقاربهن وجعل من ذلك قوله تعالى: ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ (¬11) فضمة الياء عنده ضمة إعراب (¬12)، وعند سيبويه ضمة بناء، وأي موصولة (¬13) وقد مضى ذلك، وعلق «نسي» لأنه ضد علم، والضد قد يحمل على الضد، ومنه قول الشاعر: 1149 - ومن أنتم إنّا نسينا من أنتم ... وريحكم من أيّ ريح الأعاصر (¬14) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 89). (¬2) سورة الكهف: 19. (¬3) سورة النمل: 33. (¬4) سورة القلم: 5، 6. (¬5) سورة الأعراف: 184. (¬6) البيت من الطويل وهو لجامع بن عمرو في شرح المفصل لابن يعيش (9/ 118)، والتذييل (2/ 1022)، وشرح شواهد الشافية (ص 349)، والهمع (1/ 155)، والدرر (1/ 137). والشاهد فيه: تعليق (تفكر) بهمزة الاستفهام في قوله (تفكر آإياه). اللغة: الحزقّ: القصير يقارب الخطو. (¬7) سورة الذاريات: 12. (¬8) ينظر الكتاب: (1/ 236). (¬9) سورة يونس: 53. (¬10) سورة الملك: 2. (¬11) سورة مريم: 69. (¬12) ينظر الكتاب (2/ 400)، والهمع (1/ 155). (¬13) في الكتاب (2/ 398): «وسألت الخليل رحمه الله عن قولهم: اضرب أيهم أفضل؟ فقال: القياس النصب كما تقول: الذي أفضل، لأن أيّا في غير الجزاء والاستفهام بمنزلة الذي» اهـ وقيل ذلك في الصفحة نفسها قال سيبويه: اعلم أن «أيا» مضافا وغير مضاف بمنزلة «من». (¬14) البيت من الطويل قائله زياد الأعجم ونسب في المحتسب لحطان بن عبد الله. وهو في المحتسب (1/ 168)، والخصائص (3/ 89، 167)، والتذييل (2/ 1024)، والعيني (2/ 420)، وشرح الحماسة للمرزوقي (4/ 1539)، وشرح التبريزي (4/ 107)، وشواهد النحو في الحماسة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله على أحد الوجهين قول الآخر: 1150 - لم أر مثل الفتيان في عين ال ... أيّام ينسون ما عواقبها (¬1) انتهى. ويتعلق بهذا الموضع مباحث: الأول: ناقش الشيخ المصنف في قوله فيما تقدم: وتختص أيضا القلبية المتصرفة بتعديها معنى لا لفظا. قال: لأن الاختصاص ينافي قوله هنا ويشاركهن فيه كذا وكذا، قال: فالمشاركة والاختصاص لا يجتمعان (¬2) والجواب عن ذلك من وجهين: الأول: أن المراد أن القلبية اختصت بالتعليق دون بقية الأفعال التي ذكرت معها وهي ما أفاد التحويل، فقد انفردت القلبية عن أخواتها بذلك، وحينئذ يصدق أنها مختصة به دون أخواتها، ومشاركة غير أخواتها لها في التعليق لا يخرجها عن الاختصاص، لأنه اختصاص مفيد، لا اختصاص مطلق، وهذا كما تقول في الحصر في نحو: ما كاتب إلا زيد، جوابا لمن قال: الكاتب زيد وعمرو، فإن القصد إلى حصر الكتابة في زيد لا مطلقا بل بالنسبة إلى عمرو، لأن غير عمرو يشارك زيدا في الإنصاف بالكتابة لا محالة (¬3). الثاني: أن مشاركة غير الأفعال المذكورة لها في التعليق لا يزيل اختصاصها لأن المشارك المذكور الآن إنما يعلق بالاستفهام خاصة، وأما الأفعال المشاركة فإنها تعلق بغير الاستفهام كما تعلق بالاستفهام، وعلى هذا فالذي اختصت به تلك [2/ 198] الأفعال لم يشارك فيه إنما شوركت في بعضه، والمشاركة في بعض الأمور لا ينافي - ¬

_ - (ص 296)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 78). والشاهد قوله: (نسينا من أنتم) حيث علق الفعل (نسي) بالاستفهام، والجملة من اسم الاستفهام وخبره في محل نصب مفعوله. (¬1) البيت من المنسرح وهو في شرح المفصل لابن يعيش (3/ 152)، والأغاني (13/ 115)، والتذييل (2/ 1025)، وأمالي الشجري (1/ 74)، والمغني (1/ 142)، والخزانة (2/ 21)، وديوانه (ص 54). والشاهد قوله: (ينسون ما عواقبها) حيث علق «ينسون» بما الاستفهامية. وانظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 90). (¬2) التذييل (2/ 1012). (¬3) ينظر: دلائل الإعجاز (ص 220 - 221) تحقيق: محمد رشيد رضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اختصاص المشارك بكلها، وناقش الشيخ المصنف أيضا في ذكره «تفكر» هنا، قال: لأنها من أفعال القلوب، فقد اندرجت في قوله: وتختص أيضا القلبية المتصرفة (¬1)، وهذا أمر عجيب، فإن المراد بالقلبية المتصرفة إنما هو الذي يتعدى إلى مفعولين، لأن الباب معقود لذلك و «تفكر» إن كان قلبيّا فعل لا يتعدى بنفسه، فكيف يندرج مع الأفعال المتعدية إلى اثنين. المبحث الثاني: قد علمت أن الأفعال التي أشار إليها الآن سبعة فما هو منها قلبي وهو «تفكر» وبلا كان في تعليقه محمولا على أفعال القلوب المتعدية إلى اثنين، وما هو منها غير قلبي، وهو نظر وأبصر وسأل ورأى البصرية واستنبأ، فالمسوغ لتعليقه كونه سببا للفعل القلبي، لأن السؤال مثلا سبب من أسباب العلم، فأجري السبب مجرى المسبب، ولم يذكر ابن عصفور من هذه الأفعال إلا فعلين، قال في المقرب: «ولم يعلق من غير أفعال القلوب إلا السؤال والرؤية من كلامهم: سل أبو من زيد، وأما ترى أي برق ها هنا (¬2) لكنه في شرح الجمل قال: إن تعليق رأى البصرية هو قول المازني، وأنه استدل بقولهم: أما ترى أي برق ها هنا، قال: ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون «ترى» بمعنى «تعلم» (¬3) انتهى. وكون ترى في هذا المثال بمعنى «تعلم» فيه بعد، والظاهر بل الراجح أنها البصرية وإذا ثبت أن «سأل» تعلق فلا يبعد أن تعلق «استنبأ» لأنه بمعناه، وأما نظر وأبصر فلا شك أنهما بمعنى رأى، وقد قيل إن رأى يعلق، فليكن نظر وأبصر كذلك (¬4) وقد قال الشيخ نقلا عن شيخه ابن الزبير: إن أحدا لم يذهب إلى تعليق انظر سوى ابن خروف، قال: وقد ذكر سيبويه تعليق انظر وحمل الناس ذلك على النظر بمعنى التفكر (¬5) انتهى. قلت: وهذا عدول عن ظاهر كلام سيبويه من غير دليل (¬6)، ومن أقوى - ¬

_ (¬1) التذييل: (2/ 1022). (¬2) المقرب لابن عصفور (1/ 120). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 320) ط العراق، وشرح الجمل (1/ 200) رسالة بجامعة القاهرة. (¬4) ينظر: الهمع (1/ 155). (¬5) التذييل (2/ 1021)، وينظر أبو حيان النحوي (ص 353). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يستدل به على تعليق النظر الذي بمعنى البصر، قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (¬1) لأنه عدي بإلى، ولا يعدى إلا ما كان بمعنى الإبصار (¬2)، وقصد الشيخ تخريج ما استدل به المصنف على التعليق، فقال في قوله تعالى: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (¬3) يحتمل أن يكون «أيكم» موصولة لا استفهامية ويكون مفعولا، والباء زائدة، وصدر الجملة محذوف، التقدير: فستبصر وتبصرون الذي هو المفتون منكم (¬4) انتهى. ولا يخفى بعد هذا التخريج (¬5) ثم قال: وقد جاء تعليق «تبصر» بمعنى انظر وتأمل قال الشاعر: 1151 - تبصّر خليليّ هل ترى من ظعائن ... سوالك نقبا بين حزمي شعبعب (¬6) [2/ 199] قال: والأظهر أنها هنا من الإبصار بالعين (¬7)، وقال: في قوله - ¬

_ (¬1) سورة الغاشية: 17. (¬2) في المفردات في غريب القرآن (ص 497) كتاب النون، يقول الراغب الأصفهاني: «ويقال: نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه، رأيته أو لم تره، ونظرت فيه إذا رأيته وتدبرته قال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. اه. وفي اللسان (نظر) وتقول: نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب. اه. (¬3) سورة القلم: 5، 6. (¬4) التذييل (2/ 1021). (¬5) هذا الرأي الذي خرج به أبو حيان الآية وهو كون الباء في قوله: (بأيكم) زائدة (وأيكم) موصولة لا استفهامية، هو أحد الوجوه التي ذكرها النحاة والمفسرون فيها وقد ضعف هذا الوجه، يقول الشيخ سليمان الجمل في حاشيته على الجلالين (4/ 423): قوله: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ فيه أربعة أوجه: أحدها: أن الباء مزيدة في المبتدأ والتقدير: أيكم المفتون، فزيدت الباء كزيادتها في نحو: بحسبك زيد، وإلى هذا ذهب قتادة وأبو عبيدة، إلا أنه ضعيف من حيث أن الباء لا تزاد في المبتدأ إلا في بحسبك فقط. الثاني: أن الباء بمعنى في ظرفية. والثالث: أنه على حذف مضاف أي بأيكم فتن المفتون وإليه ذهب الأخفش وتكون الباء سببية. والرابع: أن المفتون مصدر جاء على مفعول كالمعقول. اه. وينظر: معاني الفراء (3/ 173)، وو إملاء ما من به الرحمن (2/ 266). (¬6) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 1021)، والعيني (4/ 368)، والأشموني (3/ 274)، وديوانه (ص 43). اللغة: ظغائن: النساء في الهوادج. النقب: الطريق في الجبل. الحزم: ما غلظ من الأرض. شعبعب: اسم ماء. والشاهد قوله: (تبصر خليلي هل ترى) حيث علق (تبصر) التي بمعنى انظر وتأمل بأداة الاستفهام «هل». (¬7) التذييل (2/ 1021 - 1022).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (¬1) فجوز «أيكم» أن تكون موصولة حذف صدر صلتها فبنيت وهي بدل ضمير المخاطب بدل بعض من كل، والعائد محذوف والتقدير: ليبلوكم الذي هو أحسن عملا منك (¬2) انتهى. وانظر إلى ما آل إليه هذا التخريج، وما يلزمه من البعد عن الفصاحة، واعلم أن دعوى التعليق في قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا مشكلة فإن الفعل قد عمل في ضمير المخاطبين فكيف يكون معلقا مع كونه معملا، ولا يقال عدم تسلطه على الجملة التي هي أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا دليل تعليقه (¬3) عنها، لأن الجملة الواقعة في موضع المفعول الثاني، ولو لم يكن فيها ما يوجب التعليق لا تسلط للعامل عليها نحو أن تقول: علمت زيدا أبوه قائم، فشأن الجملة الواقعة بعد أن يأخذ العامل معمولا ذلك، فلا فرق بين المشتملة على ما يوجب التعليق، وبين ما لم تكن مشتملة على ذلك. المبحث الثالث: قد عرفت أن يونس قد علق لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ، وأن مذهب سيبويه والخليل عدم القول بالتعليق وهو الحق (¬4). قال ابن أبي الربيع: قد علم أن مذهب البصريين أنه لا يعلق إلا ما هو من الأفعال القلبية، وإلا ما هو من سببها، وزاد الكوفيون فقالوا: وإلا ما كان مسببا عنها، وذكر الآية الشريفة ثم قال: وهذا الذي قالوه يلزم عنه أن «أضرب» أزيد في الدار أم عمرو، على تقدير أعلم أزيد في الدار أم عمرو فاضربه، وهذا مما لا يثبت بدليل لا يحتمل تأويلا انتهى. ثم إن الشيخ ناقش المصنف في قوله في الشرح: وعلق «نسي» لأنه ضد علم، فقال: ليس ضد العلم النسيان ولكن ضده الجهل، وضد النسيان الذكر بالقلب (¬5) انتهى. والذي يظهر أن المصنف عبر عن المتلازمين بالآخر، إذ لا يخفى التلازم بين - ¬

_ (¬1) سورة الملك: 2. (¬2) التذييل (2/ 1023 - 1024). (¬3) ينظر معاني القرآن للفراء (3/ 169). (¬4) ينظر الكتاب (2/ 398). (¬5) التذييل (2/ 1024).

[مسألة علمت زيدا أبو من هو]

[مسألة علمت زيدا أبو من هو] قال ابن مالك: (ونصب مفعول نحو: علمت زيدا أبو من هو، أولى من رفعه، ورفعه [2/ 200] ممتنع بعد «أرأيت» بمعنى «أخبرني» وللاسم المستفهم به، والمضاف إليه ممّا بعدهما ما لهما دون الأفعال المذكورة). ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر، وإنما احتاج إلى ذلك لأن «علم» قد ثبت أنه يعلق ولم يثبت أن «ذكر» يعلق، وهو قد جعل «نسى» إنما هو بالجمل على غيره، فوجب أن يذكر فعلا دون فعل لم يعلق، وأما قول المصنف: ومثله على أحد الوجهين قول الآخر وإنشاده البيت الذي أوله: 1152 - لم أر مثل الفتيان ... ... ... (¬1) فإنه عنى بأحد الوجهين أن تكون «ما» في موضع رفع استفهاما، وعلق «ينسون» (¬2) وارتفع عواقبها على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هي عواقبها، والجملة صلة لما، قال الشيخ: وهذا الذي جوزه يعني المصنف في هذا البيت يجوز في البيت الذي قبله يعني: 1153 - إنّا نسينا من أنتم (¬3) التقدير: من هم أنتم «فمن» موصولة، ومع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال فلا يثبت تعليق «نسى» (¬4). قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان مرتبطتان بالكلام الذي تقدمهما: المسألة الأولى: مشتملة على شيء يجوز أن يعلق الفعل عنه وأن لا يعلق: وهي التي يعبر عنها النحاة بأن يكون الاسم فيها مستفهما عنه في المعنى، والمراد بذلك أن يذكر المفعول قبل الاستفهام نحو: علمت زيدا أبو من هو، فيما يتعدى إلى اثنين، وعرفت زيدا أبو من هو، فيما يتعدى إلى واحد، وحكم هذا المفعول أنه يجوز فيه النصب والرفع كما أشار إليه، ووجه الرفع: أنك إذا قلت: علمت أو عرفت زيدا أبو من هو، كان المعنى: علمت أزيد أبو عمرو أم أبو غيره، فمن حيث كان - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) زاد في (ب) بعد قوله ينسون: والوجه الآخر: أن تكون «ما» موصولة مفعولة «بينسون». (¬3) تقدم. (¬4) التذييل (2/ 1025).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مستفهما عنه معنى جاز رفعه، ولكن النصب أولى، لأن مراعاة اللفظ إذا لم يخل بالمعنى أولى من مراعاة المعنى (¬1): قال المصنف (¬2): وإن تقدم الاستفهام على أحد المفعولين نحو: علمت زيدا أبو من هو اختير نصبه لأن العامل مسلط عليه بلا مانع، ويجوز رفعه لأنه هو والذي بعد الاستفهام شيء واحد في المعنى فكأنه في حيز الاستفهام والاستفهام مشتمل عليه (¬3) وهو نظير قولهم: إن أحدا لا يقول ذلك وأحد هذا لا يقع إلا بعد نفي ولكن لما كان هذا هو والغير المرفوع بالقول المنفي شيئا واحدا في المعنى نزل منزلة واقع بعد النفي ومثله قول الشاعر: 1154 - ولو سئلت عنّي نوار وأهلها ... إذا أحد لم ينطق الشّفتان (¬4) ومثال علمت زيد أبو من هو بالرفع قول الشاعر: 1155 - فو الله ما أدري غريم لويته ... أيشتدّ إن قاضاك أم يتضرّع (¬5) الرواية عنهم بالرفع لما ذكرته ولو نصب لكان أجود (¬6). اه. واعلم أن سيبويه نص على جواز الرفع وإن كان المختار عنده النصب (¬7)، ومنع - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب: (1/ 236 - 237)، والمقرب (1/ 120 - 121)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 320 - 321) ط العراق، والهمع (1/ 155). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك: (2/ 90). (¬3) في المقرب (1/ 120) يقول ابن عصفور بعد أن ذكر أسباب التعليق «أو يكون الاسم مستفهما عنه في المعنى فتكون في التعليق بالخيار نحو قولك: علمت زيد أبو من هو وإن شئت نصبت زيدا ألا ترى أن المعنى: علمت أزيد أبو عمرو أم أبو غيره». اه. وينظر شرح الجمل لابن عصفور أيضا (1/ 320) ط العراق، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 78). (¬4) البيت من الطويل للفرزدق وهو في الإفصاح للفارقي (ص 304) وديوانه (2/ 870) ط الصاوي برواية: ولو سئلت عني النوار وقومها ... إذا لم توار الناجذ الشفتان وروي في الإفصاح «ورهطها» مكان «وأهلها». والشاهد قوله: (إذا أحد لم ينطق الشفتان) حيث نزل ما قبل «لم» وما بعدها منزلة الواقع بعد النفي لأنهما شيء واحد في المعنى. (¬5) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 1026)، والهمع (1/ 155)، والدرر (1/ 137) برواية «إن لاقاك» مكان «إن قاضاك». والشاهد قوله: (.. ما أدري غريم لويته .. أيشتد) حيث تقدم على الاستفهام أحد المفعولين وهو «غريم» فجاز رفعه كما في البيت هنا جاز نصبه وهو الأرجح. (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 91). (¬7) ينظر الكتاب (1/ 236 - 237).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن كيسان جواز الرفع وخالفه الناس في ذلك وانتصروا لمذهب سيبويه بما تقدم من القياس والسماع وبجواز التعليق في المسألة المذكورة (¬1). اعترض الشيخ على قول المصنف: إن التعليق عبارة عن إبطال العمل لفظا لا محلّا على سبيل الوجوب (¬2) والذي يرفع هذا الاعتراض أن التعليق ذكرت أسبابه ولا شك أنه متى وجد سبب منها كان التعليق واجبا. وأما هذه المسألة أعني: «علمت زيدا أبو من هو؟» فلم يوجد فيها السبب على الوجه المخصوص الذي يجب لأجله التعليق، وإنما جاز التعليق فيها بالتأويل كما تقدم تقديره ثم لما كان رفع مثل هذا الاسم أعني المستفهم عنه معنى يمتنع في صور أشار إليها المصنف بقوله: ورفعه ممتنع بعد أرأيت بمعنى [2/ 201] أخبرني، وقال في شرح ذلك بعد كلامه الذي قدمناه: فلو كان الاسم المتقدم على الاستفهام بعد أرأيت بمعنى أخبرني تعين نصبه نحو: أرأيت زيد أبو من هو لأنه بمعنى ما لا يعلق، قال أبو علي في التذكرة: أنبأ ونبّأ ضمّنا معنى أعلم فيوافقانه، ولا يمتنع مع التضمين تعديتهما بحرف الجر على الأصل كما لا يمتنع الحكاية بمتى، تقول: وكما لا يمتنع أرأيت بمعنى أخبرني عن نصب مفعولين لكن منع من التعليق لا تقول: أرأيت زيد أبو من هو، لأنه بمعنى أخبرني فحفظ له من الحكمين أقواهما وهو الإعمال (¬3). اه (¬4). وقال سيبويه: وتقول: أرأيتك زيدا أبو من هو وأرأيتك عمرا أعندك هو أم عند فلان؛ لا يحسن فيه إلا النصب في زيد ألا ترى أنك لو قلت: أرأيت أبو من أنت أو أرأيت أزيد ثم أم فلان لم يحسن لأن فيه معنى أخبرني عن زيد (¬5) (الظاهر أن هذا - ¬

_ (¬1) في التذييل (2/ 1026) والصحيح ما ذهب إليه سيبويه للقياس والسماع أما القياس فهو ما ذكرناه من أن الشيء تجري عليه أحكام الشيء إذا كان إياه من حيث المعنى كما ذكرنا في إن أحدا لا يقول ذلك وأما السماع بقول الشاعر: فو الله ما أدري غريم لويته ... أيشتد إن قاضاك أم يتضرع هكذا روي برفع غريم وإن كان نصبه أجود. اه. وقد ذكر أبو حيان ذلك ردّا على ابن كيسان الذي منع جواز الرفع. (¬2) التذييل: (2/ 1011 - 1012) وينظر شرح التسهيل للمصنف (2/ 88). (¬3) ينظر الإيضاح للفارسي (175) والمقتصد في شرح الإيضاح للجرجاني (ص 566 - 567). (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 91). (¬5) جاء في هامش «أ»: الظاهر أن هذا الضمير يرجع إلى أرأيت لا إلى أخبرني. وقد أثبتت هذه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمير يرجع إلى أرأيت لا إلى أخبرني) وهو الفعل الذي لا يستغنى السكوت على مفعوله الأول فدخول هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني في الاستغناء فعلى هذا أجرى وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني (¬1). هذا كلام سيبويه. وقد علم منه أن الجملة الاستفهامية الواقعة بعد المنصوب في موضع المفعول الثاني وليس الفعل الذي هو أرأيتك معلقا عنها لأنه قد ثبت أن هذا الفعل أعني أرأيتك الذي ضمن معنى أخبرني لا يعلق بالجملة المذكورة كالجملة التي ليست استفهامية في نحو: ظننت زيدا أبوه قائم (¬2) قال الشيخ: وقد انتقد كثير من النحاة على سيبويه واعترضوا عليه وقالوا: كثيرا ما يعلق أرأيت والدليل على ذلك السماع، قال الله تعالى قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (¬3)، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ (¬4)، قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (¬5) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (¬6) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ (¬7)، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ (¬8)، أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (206) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (¬9)، أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (¬10) فهذه مواضع من القرآن العزيز تدل على تعليق «أرأيت» وهو خلاف قول سيبويه، «لو قلت: أرأيت أبو من أنت وأ رأيت أزيد ثم أم فلان لم يحسن» ولا يجوز كون هذه الجمل الاستفهامية جوابا - ¬

_ - العبارة في النسخة (ب) في صلب الكلام من قوله: لأن فيه معنى أخبرني عن زيد، وأعتقد أن ناسخ العبارة في هامش (أ) قد ذكرها للتوضيح فظن كاتب النسخة (ب) أنها من صلب الكلام فأثبتها. وأقول ذلك لأن عبارة سيبويه في كتابه لم يرد فيها شيء من ذلك. (¬1) الكتاب: (1/ 239 - 240). (¬2) ينظر الهمع: 1/ 155. (¬3) سورة الأنعام: 40. (¬4) سورة الأنعام: 46. (¬5) سورة الأنعام: 47. (¬6) سورة يونس:، 50. (¬7) سورة القصص: 71. (¬8) سورة القصص: 72. (¬9) سورة الشعراء: 205 - 207. (¬10) سورة العلق: 13، 14.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للشرط؛ لأنه كان يلزم دخول فاء الجواب على تلك الجمل إلا ما كان منها بهمزة الاستفهام فلا يجوز دخول الفاء عليها ولا تجيء الفاء [2/ 202] بعدها ولا وقوعها جوابا للشرط بل جواب الشرط محذوف. ولذلك لم يأت فعل الشرط في هذه الآيات الشريفة إلا ماضي اللفظ ولم يجيء مضارعا في موضع من المواضع، قال: وقد انفصل ابن عصفور وغيره عما اعترض به على سيبويه من هذه الآيات الشريفة: فإنه جعل المفعول الأول قد حذف حذف اختصار كما يحذف في علمت حذف اختصار، التقدير: قل أرأيتكم عذابكم إن أتاكم أي أخبروني عنه كيف يكون لو دريتموه ما جرأتم هذه الجرأة، قال: ولا يمنع سيبويه هذا النوع من الحذف وإلا فما يفعل في قوله تعالى: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (¬1) ألا ترى أن المفعول الثاني محذوف والمعنى أرأيتك هذا الذي كرمت علّى، ما الذي أوجب له ذلك فكما يحذف الخبر وهو المفعول الثاني كذلك يحذف المبتدأ وهو المفعول الأول هذا كلام ابن عصفور (¬2). قال الشيخ: ولا يلزم في أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ أن يكون المفعول الثاني محذوفا بل الظاهر في الآية أنه مذكور وهو لَئِنْ أَخَّرْتَنِ لأن اللام مؤذنة بجملة قسم محذوفة فهذه الجملة القسمية مع متعلقها هي في موضع المفعول الثاني، ثم قال: والذي عندي في هذه الآيات الشريفة أنها تخرج على الإعمال وذلك أن فعل الشرط تنازع الاسم بعده و «أرأيت» تنازعت فأعمل فعل الشرط إذ هو الثاني وأضمر في الأول منصوبا وحذف لأن الأفصح حذفه لا التصريح به مضمرا، والتقدير في الآية الأولى: قل أريتكموه أي العذاب أغير الله تدعون لكشفه، وفي الثانية: «من إله غير الله يردها عليكم» وفي الثالثة: «هل يهلك به إلا القوم الظالمون» وفي الرابعة: الرابط مصرح به وفي الخامسة: «من إله غير الله يأتيكم بضياء يذكر» وفي السادسة كذلك، وفي السابعة والثامنة: مصرح به ويضمر في «أرأيت» معمول فعل الشرط الذي يمكن تسلط «أرأيت» عليه، قال: وهذا الذي تأولناه سهل يقرر ما ذهب إليه سيبويه (¬3). اه. - ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 62. (¬2) التذييل (2/ 1028 - 1030) وينظر البحر المحيط (6/ 57). (¬3) التذييل لأبي حيان (2/ 1030 - 1031).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد وافق كلامه كلام ابن عصفور في أن المفعول الأول محذوف لكن تقرير الشيخ وتوجيهه الحذف ماش على القواعد؛ فهو أقرب إلى الصناعة النحوية لكن في الذي ذكره من تنازع أرأيت وفعل الشرط الاسم الذي بعد فعل الشرط بحث وهو: أن لازم تجويز التنازع في مثل هذا التركيب أن يكون العامل الذي قبل «إن» الشرطية قد تعدى إلى ما بعدها وبعد فعل الشرط فيكون نظير أن يقال: اضرب إن قام زيدا لأن الإعمال شرطه جواز إعمال كل من العاملين في المتنازع (¬1) فيه، وفي [2/ 203] تجويز تعدي ما قبل «إن» الشرطية إلى ما بعدها نظر - لأن أسماء الشرط لها صدر الكلام وليس كذلك إلا لتضمنها معناه وهذا يدل على أن أداة الشرط لها الصدر أيضا وإذا كان لها الصدر ثبت امتناع ما قبلها فيما بعدها وإذا ثبت ذلك امتنع التنازع في المسألة (¬2). وعلى هذا يكون القول في ذلك ما قاله ابن عصفور غير أنه لما قدر المفعول الأول لم يتعرض إلى كيفية ارتباط الجملة الاستفهامية التي هي في موضع المفعول الثاني به ولا إلى تقدير العائد الذي يلزم عوده منه إلى الأول وكان الواجب أن يستوفي الكلام في ذلك لتنتظم مفردات التركيب نظما يؤدي إلى العلم بالمقصود منه ثم لم أفهم ما الذي أحوجه إلى قوله: لو دريتموه ما جرأتم هذه الجرأة. ولم يظهر لي ارتباطه بكلامه الأول. وبعد ففي كلام الشيخ غير ما تقدمت الإشارة إليه من القول بالتنازع أمران: أحدهما: قوله في مفعول «أرأيتكم» الأول: أن الأفصح حذفه لا التصريح به مضمرا فإن الحذف إنما يكون أفصح حيث لا يكون أصله المبتدأ والخبر، أما إذا كان أصله ذلك كأحد مفعولي «ظن» فإن مذهب البصريين أن يذكر مؤخرا، والحق أن الحذف جائز أما كونه الأفصح فليس هو المشهور (¬3). - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 99)، والأشباه والنظائر (4/ 150). (¬2) اشترط بعض النحاة في عامل التنازع أن لا يكون طالبا لأكثر من مفعول واحد وعلى هذا الرأي يمكن أن تخرج الآية التي معنا عن باب التنازع وذلك لأن احد العاملين هنا وهو الفصل «أرأيت» متعد إلى مفعولين وبذلك يبطل رأي أبي حيان القائل أن الفعل أرأيت وفعل الشرط في الآية قد تنازعا الاسم الذي بعد فعل الشرط، ينظر الأشباه والنظائر (4/ 150) وينظر أيضا ابن يعيش (7/ 86) ففيه ما يؤيد كلام ناظر الجيش هنا. (¬3) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 312) ط العراق. وأما حذف أحدهما أي مفعولي ظن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: قوله مشيرا إلى تقدير العائد من المفعول الثاني إلى الأول إنه في الآية الشريفة يردها فإنه أراد بالثانية قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ (¬1)، فلا حاجة إلى تقدير «يردها». ثم إنه لم يبين الاسم المتنازع فيه، بل قال: إنه فعل الشرط تنازع الاسم الذي بعده و «أرأيت» تنازعت وذكر أنه في الآية الأولى فاعل «أتاكم» وهو عذاب الله. ولم يبين ما هو في بقية الآيات الشريفة والظاهر أنه فاعل فعل الشرط في الآيات الشريفة كلها إلا في الآية السابعة فإن الظاهر أن المتنازع فيه هو مفعول متعناهم لا فاعله فيكون التقدير: أفرأيتم إن متعناهم وإنما قلت: إن هذا هو الظاهر من أجل أن الشيخ حكم بأن الرابط في السابعة مصرح به ذو المصرح به إنما هو الضمائر التي في عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ ومدلول كل من هذه الضمائر هو مدلول مفعول «متعناهم» فوجب أن يكون التقدير: أفرأيتم إن متعناهم. هذا آخر تقرير ما يتعلق بما ذكره الشيخ في هذه المسألة. ثم اعلم أن في تقدير مفعول أول محذوف وتقدير عائد محذوف من الجملة التي هي في موضع المفعول الثاني - تكلفا لا يخفى مع أن ذلك خلاف الظاهر وفيه [2/ 204] أيضا التزام حذف الشيء لم يكن حذفه لازما، ولذاهب أن يذهب في نحو ما تقدم إلى شيء آخر وهو أن يدعى أن «أرأيت» في هذه الآيات الشريفة لم تعدّ إلى مفعولين أصلا. وتقرير ذلك: أن الفعل إذا ضمن معنى فعل آخر ولكل منهما عمل يستحقه جاز أن يلحظ فيه الأمران فقد يعطى عمله قبل التضمين وقد يعطى عمل الفعل الذي ضمن هو معناه كما يقال في «أنبأ» و «نبّأ» أنهما يضمنان معنى «أعلم» فبعد التضمين تعديهما إلى ثلاثة مفعولين ولك مع التضمين أن تعاملها في التعدية بالحرف بما كنت تعاملها به قبل التضمين قال الله تعالى: قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ (¬2) وقال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ - ¬

_ - وأخواتها - فلا يخلو أن يكون اختصارا أو اقتصارا فأما الاختصار فجائز قليل وينظر الهمع (1/ 152) والمقرب (1/ 116) وفيه: «يجوز اختصارا في ضعف من الكلام». اه. وهذا يؤيد ما قاله ناظر الجيش من أن حذف المفعول الأول في الآية جائز ولكنه ليس هو الأفصح كما قال أبو حيان. (¬1) سورة الأنعام: 46. زاد في (ب) بعد قوله: «يأتيكم» ولا شك أن العائد في هذه الآية الشريفة مذكور، وهو قوله: «يأتيكم به». (¬2) سورة آل عمران: 15.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (¬1) وقال الله تعالى: فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ (¬2)، فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ (¬3) والظاهر أن: «أنبأ ونبّأ» في هذه الآيات الشريفة بمعنى «أعلم» (¬4) وقد قال أبو علي: «أنبأ ونبّأ» ضمّنا معنى اعلم فيوافقانه ولا يمتنع مع التضمين تعديهما بحرف الجر على الأصل (¬5) وهذا صريح فيما قلته وعلى هذا يقال: إن «أرأيت» لما ضمنت معنى أخبرني جاز أن تبقى بعد التضمين على ما كانت عليه من تعديها إلى مفعولين وذلك نحو قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (¬6) وكذا قوله: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (¬7) وكذا أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ (¬8) وكذا أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها (¬9) ومنه أرأيتك زيدا ما صنع وجاز أن يجري مجرى ما ضمنت معناه وهو أخبرني فلا يلزم أن يكون لها مفعولان صريحان ولا تقع الجملة في موضع مفعول لها، ويجوز حذف ما تعدت إليه اقتصارا (¬10). وعلى هذا يظهر حمل قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (¬11)، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (¬12) ففي هاتين الآيتين الشريفتين لم يذكر مفعول ثان «لأرأيت» فيستدل به على أن ثم مفعولا أول محذوفا لأن الجملة الاستفهامية جواب الشرط لاقترانها بالفاء والتقدير: أخبروني بالجواب عن هذا. فالمفعول الصريح محذوف (¬13) وكذا ما - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 103. (¬2) سورة التحريم: 3. (¬3) سورة التحريم: 3. (¬4) في حاشية الجمل المسماه بالفتوحات الإلهية على الجلالين (4/ 403) «قوله فلما نبأت به أصل نبأ وأنبأ وخبر وأخبر وحدث أن تتعدى لاثنين إلى الأول بنفسها وإلى الثاني بحرف الجار تخفيفا وقد يحذف الأول للدلالة عليه وقد جاءت الاستعمالات الثلاث في هذه الآية فقوله «فلما نبأت به» تعدى لاثنين حذف أولهما والثاني بالباء نبأت غيرها. اه. (¬5) ينظر الايضاح للفارسي (ص 175)، والمقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص 566، 567). (¬6) سورة الواقعة: 58، 59. (¬7) سورة الواقعة: 63، 64. (¬8) سورة الواقعة: 68، 69. (¬9) سورة الواقعة: 71، 72. (¬10) ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 282). (¬11) سورة الملك: 28. (¬12) سورة الملك: 30. (¬13) في حاشية الجمل على الجلالين (4/ 421) وقوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ أي أماتني وأ رأيتم بمعنى أخبروني كما ذكره بعض المفسرين وتقدم أنها إذا كانت كذلك تنصب مفعولين الأول مفرد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعدى الفعل إليه بالباء وعن، وإذا تقرر في الآيتين الشريفتين ما قلناه فتقول: إن ثماني الآيات الشريفة التي اعترض بها على سيبويه يمكن تخريجها على هذا فلا تكون الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني؛ لأن أرأيت قد ضمنت معنى أخبرني فلا تتعدى إلا إلى مفعول واحد وهي الياء الدالة على المتكلم وهي محذوفة، ولم يذكر الفعل المتعلق الذي يتعلق بها غير الياء لدلالة سياق الكلام عليه لأن المعنى أخبروني عن هذا الذي التزمتم به ولا محيد لكم عن الاعتراف به. وأما [2/ 205] الشرط المذكور بعدها فجوابه محذوف وأتي بالجملة الاستفهامية دليلا. ولهذا قال الزمخشري في الآية الأولى من ثماني الآيات المشار إليها: وجواب الشرط محذوف تقديره إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة فمن تدعون ثم بكّتهم بقوله: أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ (¬1). اه. فأفاد قوله «ثم بكّتهم» أن العدول عن ذكر جواب الشرط إلى ذكر الجملة الاستفهامية إنما كان لنكتة وإفادة أمر زائد على الجواب لو أفرد بالذكر. والناظر إذا اعتبر الآيات المشار إليها آية آية لا يكاد يخفى عليه إظهار النكتة المرادة في كل منها. وبهذا التقرير الذي قررناه يندفع الاعتراض على سيبويه، بأن «أرأيت» التي بمعنى أخبرني قد علقت إذ قد تبين أنه لا تعلق لأرأيت بالجملة الاستفهامية. وحاصل الأمر بالنسبة إلى ما قاله سيبويه في: أرأيت بمعنى أخبرني أنه إنما تعرض إلى الصورة التي بقيت فيها أرأيت على أصلها (¬2) من العمل فوجب أن تكون الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني أما إذا لم يذكر مفعوله فأي شيء يحوج إلى تقديره محذوفا مع إمكان اعتقاد أن لا تعلق لأرأيت بالجملة الاستفهامية. ثم إن الشيخ ذكر أن «أرأيت» هذه أعني التي بمعنى أخبرني - لها أحكام شاذة، وأنه يجوز حذف الهمزة. - ¬

_ - والثاني جملة استفهامية ولا شيء منهما هنا فكأن الجملة الشرطية سدت مسد المفعولين. اه. وهذا يخالف ما يراه ناظر الجيش في هذه الآية وما قبلها من الآيات التي ذكرها. (¬1) الكشاف (1/ 239). (¬2) زاد في (ب) بعد قوله «على أصلها» الذي هو التعدي إلى المفعولين؛ لأنه إنما مثل بنحو أرأيتك زيدا أبو من هو، فلما ذكر مفعولا وهو زيد علمنا أنه قصد بقاؤها على أصلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: قال: 1156 - أرأيت إن جاءت به أملودا (¬1) وقد قرأ الكسائي بذلك (¬2). قال: ونص الأخفش على أنها إذا كانت بمعنى أبصرت لم تحذف همزتها، قال: وكذلك قال الفراء وقال النحاس: هما عند البصريين واحد. ومنها: أنها تلزم الخطاب فلا يقال: أرى زيدا عمرا ما صنع قال: وقد جاءت أرأيت ليس بعدها منصوب ولا استفهام بل جملة مصدرة بالفاء، قال تعالى: قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ (¬3) فزعم أبو الحسن أن «أرأيت» أخرجت عن بابها بالكلية وضمنت معنى «أما» أو «تنبّه» فالتأويل: أما إذ أوينا إلى الصخرة. أو تنبّه إذ أوينا والفاء في «فإني» جواب «أرأيت» على تضمين ما ذكرناه ولا يجوز أن تكون جوابا لـ (إذ) «لأن» إذ لا يصح أن يجازى بها إلا مقرونة بلا خلاف (¬4). وخرج الشيخ الآية الشريفة فقال: يمكن أن يكون مما حذف منه المفعولان لدلالة المعنى اختصارا وإيجازا، والتقدير: أرأيت أمرنا إذ أوينا إلى الصخرة ما عاقبته فإني نسيت الحوت (¬5) وقال الزمخشري: أرأيت بمعنى أخبرني ثم قال: فإن قلت: ما وجه التئام هذا الكلام فإن كل واحد من «أرأيت» و «إذ أوينا» و «فإني نسيت الحوت» لا متعلق له قلت: لما طلب موسى صلّى الله عليه وسلّم الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية، فدهش وطفق يسأل موسى عن سبب ذلك كله [2/ 206] كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت - ¬

_ (¬1) هو رجز لرؤبة وقيل لرجل من هذيل. وهو في الخصائص (1/ 136)، والمحتسب (1/ 193)، والتذييل (2/ 1032)، والخزانة (4/ 574)، والعيني (1/ 118)، (3/ 648)، (4/ 334) وشرح ديوان الهزليين (651) وملحقات ديوان رؤبة (173). اللغة: أملودا: ناعما أملس. والشاهد فيه: حذف همزة أرأيت التي بمعنى أخبرني. (¬2) ينظر الإتحاف (292). (¬3) سورة الكهف: 63. (¬4) التذييل (2/ 1032 - 1033)، وينظر معاني القرآن (1/ 333)، للفراء والمقتضب (2/ 53). (¬5) التذييل (2/ 1033).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحذف ذلك (¬1). انتهى. وهو كلام حسن غير أنه لم يتعرض إلى ذكر المفعول الأول وإنما ذكر الجملة الاستفهامية التي هي في موضع المفعول الثاني ويمكن أن يقال: إن «رأيت» هنا هي البصريّة دخلت عليها همزة الاستفهام والمعنى: أبصرت حالنا إذ أوينا إلى الصخرة كأنه يعرفه الوقت الذي نسي فيه الحوت فحذف المفعول لدلالة قوة الكلام عليه. ومنها: زعم أبو الحسن أن مفعول أرأيت بمعنى أخبرني لا يحذف حتى تؤكد التاء في أرأيتك فنقول: أرأيتك أنت ما صنعت، وأرأيتك أنت وزيدا ما صنعتما وزعم أن هذا التوكيد يقوم مقام المفعول بدليل أنهم يعطفون عليه المنصوب وزعم أنهم لا يقولون أرأيتك أنت وزيد، قال: لأن المعطوف على الفاعل فاعل وهم لا يقولون هو أرأى زيد: لأن فاعلها لا يكون إلا مخاطبا. قال الشيخ: وما ذهب إليه خارج عن القواعد والأسهل في تخريج هذا أن أنت في أرأيتك أنت ما صنعت هو المفعول الأول واستعير ضمير الرفع لضمير النصب؛ إذ كان القياس أن تكون كلها بصيغة واحدة ولو أتيت بضمير النصب بعد أرأيتك فإن أتيت به متصلا كان في غاية الثقل أو منفصلا كنت أوقعت الضمير منفصلا بعد الفعل وهو لا يجوز لو قلت: مررت إياك لم يجز فلما كان في مجيئه منصوبا ما ذكر عدلوا إلى ضمير الرفع فأوقعوه موقعه؛ إذ كانوا يؤكدون به المضمر المنصوب والمجرور، فتقول: ضربتك أنت ومررت بك أنت كما يؤكدون به المرفوع والذي يدل على ذلك عطفهم المنصوب عليه نحو: أرأيتك أنت وزيدا ما صنعتما والمنصوب لا يعطف على المرفوع (¬2). ومنها: أن أبا الحسن زعم أن أرأيتك إذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعده الاستفهام قال: لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام (¬3). وما زعمه غير لازم بل يجوز حذف المفعولين وحذف أحدهما اختصارا ولا يلزم مجيء الجملة الاستفهامية بعد المفعول الأول بدليل قوله تعالى: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (¬4) هذا آخر الكلام - ¬

_ (¬1) الكشاف (1/ 477). (¬2) التذييل (2/ 1034). (¬3) ينظر التذييل (2/ 1035 - 1036) فقد ذكر نص أبي الحسن. (¬4) سورة الإسراء: 62.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على المسألة الأولى من المسألتين اللتين قلنا إن كلام المصنف تضمنهما. وأما المسألة الثانية: فهي التي أشار إليها بقوله: وللاسم المستفهم به والمضاف إليه مما بعدهما ما لهما دون الأفعال المذكورة. والمقصود بهذا الكلام [2/ 207] أن الاسم المستفهم به الواقع بعد ظننت وعلمت ونحوهما من أفعال هذا الباب لا عمل للفعل السابق عليه فيه؛ لأنك قد عرفت أنه يعلقه عن العمل (¬1) المتقدم عليه. قال المصنف: وتقول: علمت أي يوم زيد قادم، فتنصب أي يوم «بقادم» على الظرفية كما كنت تفعل لو لم تذكر «علمت» لأن الاستفهام وما في حيزه في حكم المستأنف وكذا تقول (¬2): غلام من ضربت لأن المضاف إلى المستفهم به مساو له في استحقاق التصدير وتسليط ما بعده عليه ومن ذلك قوله تعالى وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (¬3) فأي منقلب منصوب بـ «ينقلبون» بعد «سيعلم» (¬4) كما كان ينصبه لو لم يكن بعده (¬5) انتهى. وحاصله: أن الاسم المستفهم به الواقع بعد شيء من هذه الأفعال له حكم اسم الاستفهام لو لم يوجد ذلك الفعل السابق عليه كما تقدم فيتصور في ذلك الاسم كونه مرفوعا بالابتداء وكونه مفعولا به وكونه مصدرا أي منصوبا على المصدر أي منصوبا على المصدر وكونه ظرفا وكونه حالا، إذا كان قبل دخول شيء من الأفعال المذكورة عليه محكوما له بشيء مما ذكر نحو: علمت أي رجل جاءك وعلمت أيهم أكرمت وعلمت أي سير سرت، ومنه قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (¬6) وعلمت متى مجيء عمرو، ومتى ضربت عمرا، وأين زيد وأين ضربت زيدا، وعلمت كيف ضربت زيدا، وحكم المضاف إلى اسم الاستفهام حكم اسم الاستفهام نفسه فيما ذكرنا. ¬

_ (¬1) زاد في (ب) بعد قوله: يعلقه عن العمل: «وإنما لذلك حكم نفسه، فيعطى من الإعراب ما يستحقه لو لم يوجد ذلك الفعل». (¬2) في (ب) (علمت غلام من ضربت). (¬3) سورة الشعراء: 227. (¬4) في إملاء ما من به الرحمن للعكبري (2/ 170): قوله تعالى أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ هو صيغة لمصدر محذوف والعامل «ينقلبون» أي ينقلبون انقلابا أيّ منقلب ولا يعمل فيه «يعلم» لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. اه. وينظر شرح المفصل لابن يعيش (7/ 87)، والتصريح (1/ 256)، والأشموني (2/ 30، 31). (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 91). (¬6) سورة الشعراء: 227.

[حكم الجملة بعد التعليق وأدواته]

[حكم الجملة بعد التعليق وأدواته] قال ابن مالك: (والجملة بعد المعلّق في موضع نصب بإسقاط حرف الجرّ إن تعدّى به وفي موضع مفعوله إن تعدّى إلى واحد وسادّة مسدّ مفعوليه إن تعدّى إلى اثنين، وبدل من المتوسّط بينه وبينها إن تعدّى إلى واحد وفي موضع الثّاني إن تعدّى إلى اثنين ووجد الأول). قال ناظر الجيش: قد عرف أن التعليق غير مختص بالأفعال المتعدية إلى مفعولين وإنما هو مختص بالأفعال القلبية سواء أكان الفعل لازما أم متعديا إلى واحد أم إلى اثنين وعرف أيضا أن الفعل المعلق يتعدى إلى ما علق عنه تعدية معنوية لا لفظية فهو يؤثر في المحل لا في اللفظ. وإذا كان كذلك فلا شك أن الفعل المعلق ثلاثة أقسام: متعد بحرف جر، ومتعد بنفسه إلى واحد، ومتعدّ بنفسه إلى اثنين: فالجملة بعد الأول في موضع نصب بإسقاط حرف الجر نحو قوله تعالى: فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً (¬1) ومنه فكرت أهذا صحيح أم لا، أي فكرت (¬2) في، وأما المحذوف في الآيات الشريفة فإما «في» [2/ 208] إن جعلت النظر بمعنى التفكر وإما «إلى» إن جعلته بمعنى البصر والجملة بعد الثاني في موضع مفعوله نحو عرفت أيهم زيد، ونحو أما ترى أي برق ها هنا لأن ترى في هذا المثال بصرية على الأصح (¬3) والجملة بعد الثالث سادة مسد المفعولين وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (¬4). واعلم أنه قد تقدم ذكر المسألة التي يجوز فيها الإعمال والتعليق: وهي عرفت أو علمت زيدا أبو من هو: فأما من هو: فأما إذا حصل التعليق فإعراب الجملة واضح لأنها تكون خبرا عن الاسم الذي علق عنه الفعل وأما إذا لم يعلق ونصب الاسم الأول فإن كان الفعل متعديا إلى واحد فالجملة بدل منه نحو (¬5): عرفت زيدا أبو من هو وإلى هذا أشار المصنف بقوله: وبدل من المتوسط بينه وبينها إن تعدى إلى واحد - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 19. (¬2) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 320 - 321)، والمقرب (1/ 120)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 284)، والهمع (1/ 155). (¬3) ينظر الكتاب (1/ 236). (¬4) سورة طه: 71. (¬5) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 322) ط. العراق «فإن قيل: من أي أقسام البدل هذا؟ فالجواب: أنه من باب بدل الشيء من الشيء». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان متعديا إلى اثنين فالجملة في موضع المفعول الثاني نحو: علمت زيدا أبو من هو وإلى هذا أشار المصنف بقوله: وفي موضع المفعول الثاني إن تعدى إلى اثنين ووجد الأول. ثم ها هنا بحثان: الأول: في الجملة الواقعة بعد الاسم المنصوب في نحو: «عرفت زيدا أبو من هو» قولان آخران للنحويين: أحدهما: أنها في موضع الحال، وإلى ذلك ذهب المبرد وابن خروف (¬1) ورد بأنها لو كانت حالا لساغ دخول الواو عليها ودخول الواو عليها يغير المعنى وشأن واو الحال أن المعنى الذي كانت الجملة تعطيه قبل دخولها لا يتغير بعد دخولها وليس معنى: «عرفت زيدا وأبو من هو» كمعنى: عرفت زيدا أبو من هو (¬2). القول الثاني: أنها في موضع مفعول ثان وأن «عرفت» ضمن معنى علمت فتعدت إلى مفعولين كما ضمنت نبئت وأنبئت وأخبرت معنى أعلمت فتعدت تعديتها وهو رأي أبي علي حكاه عنه ابن جني (¬3). قال ابن عصفور: وذلك فاسد لأن التضمين لبس بقياس فلا يقال به ما وجدت عنه مندوحة (¬4). وقد جعلها المصنف بدلا من الاسم الذي قبلها وهذا هو القول الثالث وهو مذهب السيرافي (¬5) ومختار أبي الحسن بن عصفور، وقال في شرح الجمل: فإن قيل: من أي أقسام البدل هو؟ فالجواب أنه بدل الشيء من الشيء فإن قيل: فزيد ليس بالجملة التي هي أبو من هو؟ فالجواب أن ذلك على حذف المضاف تقديره: عرفت قصة زيد أبو من هو، والقصة هي الجملة (¬6) انتهى. وقد جعله ابن الضائع بدل اشتمال، كقولك: عرفت أخاك خبره ونازع ابن عصفور - ¬

_ (¬1) ينظر الهمع: (1/ 156). (¬2) ذكر ابن عصفور هذا الرد في كتابه شرح الجمل (1/ 321 - 322). (¬3) ينظر التذييل (2/ 1040 - 1041)، والهمع (1/ 156). (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 322) ط العراق. (¬5) ينظر الهمع (1/ 155). (¬6) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 322).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما [2/ 209] ادعاه (¬1) والذي قاله ابن عصفور أظهر مما قاله ابن الضائع. وقد اختار الشيخ قول أبي علي وهو أن الجملة في موضع المفعول الثاني لعرفت على أنها ضمنت معنى علمت، قال: والدليل على ذلك: جواز رفع الاسم بعد عرفت وانعقاد جملة من مبتدأ وخبر بعد عرفت فتكون إذ ذاك معلقة عنه لأنه مستفهم عنه في المعنى فتقول: عرفت زيد أبو من هو كما كان ذلك في علمت زيد أبو من هو، قال: فزيد مبتدأ، «وأبو من هو» جملة في موضع الخبر فإذا انتصب كان على هذا المعنى من أن أصله مبتدأ وخبر وكان المنصوب مفعولا أول والجملة في موضع المفعول الثاني كما كان خبرا حين ارتفع الاسم الأول (¬2) انتهى ولا يبعد ما قاله عن الصواب. البحث الثاني: اعلم أن ابن عصفور بعد أن ذكر حكم الجملة المعلق عنها الفعل وأنها في موضع مفعول بعد إسقاط حرف الجر في نحو: فكرت أبو من زيد وفي موضع مفعول الفعل في نحو: عرفت أبو من زيد وفي موضع المفعولين في نحو: علمت أبو أيهم زيد وأنها في موضع الثاني في نحو: علمت زيدا أبو من هو وأنها بدل من الاسم الذي قبلها في نحو: عرفت زيدا أبو من هو - قال: وقد قيل إن الفعل في جميع ما ذكر من قبيل ما يتعدى إلى مفعولين إما بحق الأصل وإما بالتضمين وهو الصحيح عندي (¬3). انتهى. هذا كلامه في المقرب وقد خالف قوله بالتضمين هنا ما ذكره في شرح الجمل وهو الذي ذكرناه عنه اتفاقا. وحاصل ما ذكره في المقرب أن الفعل المعلق لا يكون إلا متعديا إلى مفعولين فإما بحق الأصل نحو علمت وإما بالتضمين كما في فكرت أبو من زيد وانظر أبو من زيد وعرفت أبو من زيد فجميعها تتعدى إلى اثنين لتضمنها معنى علمت، والعلة في ذلك: أن الفعل المعلق تسلط على معنى الجملة وإذا كان كذلك وجب أن يتعدى إلى مفعولين كما أن علمت وأخواتها متسلطة على الجملة من جهة المعنى (¬4) وقال سيبويه: «وإن شئت قلت: قد علمت زيد أبو من هو كما تقول ذلك فيما لا يتعدى إلى مفعول وذلك قولهم: اذهب فانظر زيد أبو من هو - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (2/ 1041)، والهمع (1/ 155). (¬2) التذييل لأبي حيان (2/ 1041). (¬3) المقرب (1/ 121). (¬4) ينظر المقرب (1/ 120 - 121).

[اتحاد الفاعل والمفعول في الأفعال القلبية]

[اتحاد الفاعل والمفعول في الأفعال القلبية] قال ابن مالك: (وتختصّ القلبيّة المتصرّفة ورأى الحلميّة والبصريّة بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متّصلين متّحدي المعنى وقد يعامل بذلك عدم وفقد، ويمنع الاتّحاد عموما إن أضمر الفاعل متّصلا مفسّرا بالمفعول). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تقول: نظرت زيدا واذهب فسل زيدا أبو من هو وإنما المعنى اذهب فسل عن زيد، ولو قلت: اسأل زيدا على هذا الحد لم يجز» (¬1) انتهى. قالوا: ويعني سيبويه أن ما أصله أن يتعدى إليه الفعل المعلق بحرف الجر لا يجوز أن يحذف الحرف وينصب ذلك الاسم على أنه مفعول لذلك الفعل فلا تقول: فكرت زيدا أبو من هو لأن فكرت لا يصل بنفسه [2/ 210] إلى مفعول وليس حذف حرف الجر قياسا بل يرتفع على الابتداء والجملة بعده في موضع الخبر (¬2) ولا يمكن أن يرتفع على الابتداء والجملة بعده في موضع الخبر؛ إلا أن يعتقد أن الفعل هو مما يصلح أن يدخل على المبتدأ والخبر و «نظر وسل» ليسا مما يدخل على المبتدأ بأصل الوضع فوجب أن يعتقد أنهما ضمنا معنى ما يدخل على المبتدأ والخبر وإذا كان قد جاز الابتداء والخبر بعد الفعل الذي لا يتعدى إلا بحرف الجر فهو في الفعل الذي يتعدى إلى واحد بأصل الوضع أجوز أن يقع. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): مما تختص به أفعال القلوب غير «هب وتعلم» إعمالها في ضميرين متصلين لمسمى واحد كـ «علمتني فقيرا إلى العفو والرحمة» وظننتك مهملا وكقوله تعالى: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (¬4) ولا يجري غيرها مجراها فلا يقال: ظلمتني، ولا ظلمه موضع: ظلمت نفسي وظلم نفسه وألحقت بأفعال القلوب في هذا الاستعمال «رأى» الحلمية كما ألحقت بها في نصب المبتدأ والخبر مفعولين كقوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً (¬5) وفعل ذلك أيضا برأى البصرية (¬6) - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 237 - 238). (¬2) ينظر الغرة لابن الدهان (2/ 134)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 321). (¬3) شرح التسهيل (1/ 92). (¬4) سورة العلق: 6، 7. (¬5) سورة يوسف: 36. (¬6) ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 285)، والهمع (1/ 156)، وأمالي الشجري (1/ 39).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقول عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: لقد رأيتنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما لنا من طعام إلا الأسودان (¬1) ومنه قول قطري: 1157 - لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوّفا لحمام فلقد أراني للرّماح دريئة ... من عن يميني مرّة وأمامي (¬2) وقال عنترة: 1158 - فرأيتنا ما بيننا من حاجز ... إلا المجنّ ونصل أبيض مقصل (¬3) وهذا (عام) (¬4) في «عدم وفقد» شاذ، قال جران العود: 1159 - لقد كان لي عن ضرّتين عدمتني ... وعمّا ألاقي منهما متزحزح (¬5) وقال آخر: 1160 - ندمت على ما كان منّي فقدتني ... كما يندم المغبون حين ينيخ (¬6) فلو اتحد مسمى الضميرين وأحدهما منفصل لم يختص اجتماعهما بفعل دون فعل - ¬

_ (¬1) الحديث في صحيح البخاري في باب الهبة وباب الرقاق وباب الأطعمة برواية مختلفة عن الرواية التي هنا وفي مسند أحمد بن حنبل (2 / 298، 355، 405). (¬2) البيتان من الكامل وينظر ابن يعيش (8/ 40)، والتذييل (1/ 1047)، والخزانة (4/ 258)، والمغني (1/ 149)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 438)، والعيني (3/ 500)، والتصريح (2/ 19)، والهمع (1/ 156)، (2/ 36)، والأشموني (2/ 226)، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص 136)، وابن الناظم (127). والشاهد قوله: (أراني) حيث جاء فاعل ومفعول «أرى» البصرية ضميرين متصلين لمسمى واحد حملا لها على رأى الحلمية. (¬3) البيت من الكامل وهو في التذييل (2/ 1047)، والهمع (1/ 246)، والدرر (1/ 202)، وديوان عنترة (ص 99) ط. بيروت. (¬4) زيادة في (أ). (¬5) البيت من الطويل وهو في ابن يعيش (7/ 88)، والتذييل (2/ 1048)، والأمالي الشجرية (1/ 39)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 106)، وديوانه (ص 40). والشاهد قوله: (عدمتني) حيث جاء فاعل ومفعول (عدم) ضميرين متصلين لمسمى واحد وعوملت معاملة أفعال القلوب. (¬6) البيت لقيس بن الملوح وقيل لقيس بن ذريح وهو من الطويل في التذييل (2/ 1049)، والمسلسل في غريب لغة العرب (ص 257)، وديوان قيس بن ذريح (ص 243). والشاهد قوله: (فقدتني) حيث اعمل (فقد) في ضميرين متصلين لمسمى واحد أحدهما فاعل والآخر مفعول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: إياك ظلمت وما ظلمت إلا إياك فإن كان الفاعل ضميرا والمفعول ظاهرا واتحد المسمى حكم بالمنع مطلقا نحو: زيدا ظنّ ناجيا، وزيدا ضرب، يريد ظن نفسه، وضرب نفسه فأضمرت [2/ 211] الفاعل وفسرته بالمفعول (¬1) فلو انفصل الضمير جاز الاتحاد مطلقا نحو: ما ظن زيدا ناجيا إلا هو وما ضرب إلا إياه انتهى (¬2) كلام المصنف (¬3). وقد اختلفوا في علة منع نحو ظلمتني وضربتني: فقال سيبويه: استغنوا عنه بالنفس (¬4) وقال غيره، لئلا يكون الفاعل مفعولا وقيل غير ذلك (¬5) ويرد على من علل بأن لا يكون الفاعل مفعولا نحو: ظننتني؛ إلا أن يقال إن المفعول مع ظننت ليس مفعولا حقيقيّا، وفي شرح الشيخ: ولو وضعت مكان الضمير الأول النفس فقلت: ظننت نفسي عالمة ففيها خلاف: ذهب أكثر النحويين إلى أنه لا يجوز ذلك وأجازه ابن كيسان، قال: وهو قليل شاذ، ثم قال: وقد اعتل أبو الحسن لجواز ذلك في باب «ظننت» بأنك إنما تعتمد في الإخبار والفائدة على المفعول الثاني، فصارت كاللغو ولم تكن كضرب التي يعتمد عليها في الإخبار (¬6). اه. ولم ينتظم لي ارتباط كلامه ثانيا بكلامه أولا والذي يظهر أن قوله: وقد اعتل أبو الحسن إلى آخره يرجع إلى أصل المسألة وهو جواز ظننتني وامتناع ضربتني وأما كون نحو: ظننت نفسي عالمة ممتنعا عند أكثر النحويين فيحتاج إلى نظر (¬7). وبعد - ¬

_ (¬1) زاد في (ب): وإلى هذا أشرت بقولي: ويمنع الاتحاد عموما إن أضمر الفاعل متصلا مفسرا بالمفعول. (¬2) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 285، 286). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 93). (¬4) في الكتاب (2/ 366) «لا يجوز ذلك أن تقول للمخاطب: أضربك ولا أقتلك ولا ضربتك لما كان المخاطب فاعلا وجعلت مفعوله نفسه قبح: ذلك لأنهم استغنوا بقولهم: اقتل نفسك وأهلكت نفسك عن الكاف ها هنا وعن إياك». اه. (¬5) ينظر شرح المفصل لابن يعيش (7/ 88)، وشرح الكافية للرضي (2/ 285 - 286)، والمقتضب (3/ 277)، والأمالي الشجرية (1/ 39)، والهمع (1/ 156). (¬6) التذييل (2/ 1045). (¬7) في الكتاب (2/ 367) ومما يثبت علامة المضمرين المنصوبين ها هنا أنه لا يحسن إدخال النفس ها هنا لو قلت: يظن نفسه فاعله وأظن نفسي فاعله على حد يظنه وأظنني ليجزئ هذا من ذا لم يجزيء كما أجزأ أهلكت نفسك عن أهلكت فاستغنى به عنه. اه. وفي الهمع (1/ 156) وهل يجوز وضع نفس مكان الضمير الأول نحو ظننت نفس عالمة خلاف. قال ابن كيسان: نعم، والأكثرون: لا. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهذا الموضع مما اضطرب على فهم المراد منه. ثم إن الشيخ ختم الكلام هنا بذكر مسائل: منها: أن سيبويه وأصحابه والفراء أجازوا: أظن أنك قائم، ولم يجيزوا: أظن قيامك وأن الكسائي أجاز ذلك. ومنها: أنك إذا قلت: أظن أنك قائم: فمذهب سيبويه: أنه لا حذف فيه. وذهب الأخفش والمبرد إلى أن المفعول الثاني محذوف وتقديره مستقرّا (¬1) والحق مذهب سيبويه. وأما ما حكاه الفراء من نحو: أظن أنك قائم خيرا لك وأظن خيرا لك أنك قائم فلا دليل فيه لمن خالف سيبويه لأن الكون فيه كون مقيد وأما إذا كان الكون عامّا فلا احتياج إذ ذاك إلى تقدير لأن أنك قائم قد انطوى على مسند ومسند إليه (¬2). ومنها: ظننت زيدا إنّه قائم بكسر «إن» في مذهب البصريين لأنها مبتدأ بها وقال ابن كيسان: يجب الفتح على البدل، قال الشاعر: 1161 - وحنت وما حسبتك أن تحينا (¬3) جعل أن تحينا بدلا من الكاف. ومنها: أن الفراء أجاز نحو: تراك منطلقا ونظنك تخرج على حذف همزة الاستفهام أي: أتراك وأنظنك، قال: لأن الاستفهام شك وهذه الأفعال شك فاكتفى بواحد عن صاحبه وامتنع ذلك في ضربت، وقبلت وسائر الأفعال؛ لأنها أخبار لا شك فيها (¬4) [2/ 212] وتابعه قطرب وأجاز الحذف مع غير هذه التي أجازها الفراء، وذهب سيبويه إلى أن ذلك لا يجوز، قال سيبويه: إذا حذفت همزة الاستفهام انقلب - ¬

_ (¬1) انظر هاتين المسألتين في الكتاب (1/ 125)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 449)، والمقتضب (2/ 341 - 345)، والهمع (1/ 151 - 152). (¬2) ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 286) حيث أيد مذهب سيبويه ورد على من عارض رأيه. (¬3) عجز بيت من الوافر لقائل مجهول وصدره: لسان السّوء تهديها إلينا والبيت في التذييل (2/ 1031، 1045، 1061) ومغني اللبيب (1/ 182)، وشرح شواهده (1/ 506)، والهمع (1/ 77) برواية: وجيت ما حسبتك أن تجيئا. والشاهد قوله: (وما حسبتك) بفتح التاء للمخاطب فقد جاء الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد وهذا على تقدير الكاف ضميرا متصلا وليس حرف خطاب. (¬4) ينظر معاني القرآن للفراء (1/ 333 - 334).

[الحكاية بالقول ونصب المفعولين في لغة سليم]

[الحكاية بالقول ونصب المفعولين في لغة سليم] قال ابن مالك: (فصل: يحكى بالقول وفروعه الجمل: وينصب به المفرد المؤدّي معناها والمراد به مجرّد اللّفظ وإلحاقه في العمل بالظّنّ مطلقا لغة سليم، ويخصّ أكثر العرب هذا الإلحاق بمضارع المخاطب الحاضر بعد استفهام متّصل أو منفصل بظرف أو جارّ ومجرور، أو أحد المفعولين؛ فإن عدم شرط رجع إلى الحكاية ويجوز إن لم يعدم). ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى وهذا أقبح ما يقع فيه الغلط وقد لحن عمر بن أبي ربيعة في قوله: 1162 - ثمّ قالوا تحبّها قلت بهرا (¬1) أي أتحبها. وقال أبو العباس: ليس الأمر عندي كذلك إنما هو إلزام أي: ثم قالوا أأنت تحبها (¬2) وذكر الشيخ بعد هذا مسائل عدة تركت إيرادها خشية الإطالة. قال ناظر الجيش: قد تقدم في أول هذا الباب الإشارة إلى الفرق بين «قلت» و «ظننت» حيث أثرت ظننت في الاسمين الواقعين بعدها ولم تؤثر «قلت» في الجملة شيئا فلا حاجة إلى إعادته. والمراد بالقول: نفس المصدر وحكاية الجملة به كقوله تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (¬3) والمراد بفروعه: الفعل الماضي وفعل الأمر والفعل المضارع واسم الفاعل واسم المفعول لأنها كلها مشتقة من المصدر على الأصح فكلها فروعه (¬4). وحكاية الجملة بالماضي - ¬

_ (¬1) صدر بيت من المنسرح وعجزه: عدد النّجم والحصا والتّراب والبيت في الكتاب (1/ 311)، والخصائص (2/ 281)، والأمالي الشجرية (1/ 266)، وابن يعيش (1/ 121)، والكامل للمبرد (ص 378)، والمغني (1/ 15)، وشرح شواهده (1/ 39)، وشرح شواهد الكتاب للسيرافي (1/ 267)، والتذييل (2/ 1053)، وديوانه (ص 423)، والدرر (1/ 162). والشاهد قوله: (ثم قالوا تحبها؟) حيث حذف همزة الاستفهام وأراد معناها والتقدير «أتحبها». (¬2) التذييل (2/ 1051 - 1054). (¬3) سورة الرعد: 5. (¬4) هذا على رأي البصريين وهو المذهب المشهور أما الكوفيون فيرون أن الفعل أصل للمصدر ورد هذا بأن الفرع لا بد فيه من معنى الأصل وزيادة والفعل يدل على المصدر والزمان ففيه معنى المصدر وزيادة فهو فرع - ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 102)، واللمع لابن جني (ص 131). وقيل: إن المصدر والفعل أصلان وليس أحدهما مشتقّا من الآخر ونسب هذا الرأي إلى ابن طلحة. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقوله تعالى: وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا (¬1) وحكايتها بالأمر كقوله: آمَنَّا بِاللَّهِ * (¬2) وحكايتها بالمضارع كقوله تعالى: يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (¬3) وحكايتها باسم الفاعل كقوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا (¬4) وحكايتها باسم المفعول كقول الشاعر: 1163 - تواصوا بحكم الجود حتّى عبيدهم ... مقول لديهم لا زكا مال ذي بخل (¬5) وينصب القول وفروعه المفرد: الذي هو جملة في المعنى كالحديث والقصة والشعر والخطبة، فيقال: قلت حديثا وأقول قصة وهذا قال شعرا وخطبة (¬6) وينصب أيضا بالقول وفروعه المفرد المراد به مجرد اللفظ: كقولك: قلت كلمة ومن ذلك قوله تعالى: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (¬7) أي يطلق عليه هذا الاسم ولو كان يقال مبنيّا لفاعل لنصب إبراهيم فكان يقال له: (يقول له الناس إبراهيم) كما يقال: يطلق الناس عليه إبراهيم (¬8). قال المصنف: وممن اختار هذا الوجه صاحب الكشاف [2/ 213] ورجحه على قول من قال: التقدير يقال له هذا إبراهيم أو يقال له يا إبراهيم (¬9). ومن إعمال القول في المفرد المراد به مجرد اللفظ: قول أبي القاسم الزجاجي في الجمل: وإنما قلنا: البعض والكل، قال ابن خروف: ونصب الكل والبعض على - ¬

_ - وقيل: إن الفعل مشتق من المصدر والوصف مشتق من الفعل فالوصف فرع الفرع. اه. ينظر هذه الآراء في شرح الألفية للمرادي (2/ 76). (¬1) سورة البقرة: 285. (¬2) سورة البقرة: 136، سورة آل عمران: 52، ورقم 84 أيضا سورة النور، 47. (¬3) سورة المائدة: 83. (¬4) سورة الأحزاب: 18. (¬5) البيت من بحر الطويل لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 1067). والشاهد قوله: (لا زكا مال ذي بخل) حيث حكى باسم المفعول الجملة. (¬6) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 81)، وشرح الكافية للرضي (2/ 288)، والأشموني (2/ 38). (¬7) سورة الأنبياء: 60. (¬8) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 288)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 291)، والأشموني (2/ 38). (¬9) في الكشاف (2/ 49) يقول الزمخشري في إعرابه لهذه الآية «فإن قلت (إبراهيم) ما هو؟ قلت: قيل هو خبر مبتدأ محذوف أو منادى، والصحيح أنه فاعل يقال لأن المراد الاسم لا المسمى. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدير، وإنما قلنا هاتين الكلمتين لأنك تقول: قلت كلمة كما تقول قلت قولا والقول يقع على ما يفيد وما لا يفيد. هذا كلام ابن خروف (¬1) وبنو سليم يجرون القول وفروعه مجرى الظن وفروعه في نصب المبتدأ والخبر وفتح «أن» الواقعة بعده (¬2) فمن نصب المبتدأ والخبر على لغة سليم قول الراجز (¬3): 1164 - قالت وكنت رجلا فطينا ... هذا لعمرو الله إسرائينا (¬4) فنصبه إسرائينا بقالت مفعولا ثانيا وجعل «هذا» مفعولا أول، و «إسرائين» لغة في إسرائيل، ومن فتح أن بعد القول على لغة بني سليم قول الشاعر: 1165 - إذا قلت أنّي آئبّ أهل بلدة ... وضعت بها عنه الوليّة بالهجر (¬5) هكذا أنشده أبو علي في التذكرة وهذا الاستعمال عند غير بني سليم لا يكون إلا في المضارع المسند إلى المخاطب مقصودا به الحال بعد استفهام متصل نحو قول الراجز (¬6): - ¬

_ (¬1) ينظر جمل الزجاجي (8 / أ)، والتذييل (2/ 1069)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 291 - 292). (¬2) ينظر المقدمة الجزولية (ص 264) تحقيق د/ شعبان عبد الوهاب، والجامع الصغير لابن هشام (ص 73). (¬3) لم يعلم وقيل إنه لأعرابي كان قد صاد ضبّا فأتى به أهله فأنكروه وقالت له امرأته: هذا إسرائيل تريد هذا بعض ما مسخ الله من ذرية إسرائيل. (¬4) البيت في أمالي القالي (2/ 44)، والتذييل (2/ 1082)، والمخصص (13/ 282)، وسمط اللآلئ (ص 681)، والتصريح (1/ 264)، وحاشية يس (2/ 42)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139)، والأشموني (2/ 37)، واللسان (يس) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 80)، وشرح المكودي (ص 70). ويروي البيت برواية أخرى أيضا هي: وقالت أهل السوق لما جينا ... هذا وربّ البيت إسرائينا والشاهد قوله: (قالت ... هذا ... إسرائينا) حيث نصب بقال اسم الإشارة وهو المفعول الأول (وإسرائينا) وهو المفعول الثاني. (¬5) البيت من الطويل وهو في شرح الجمل لابن عصفور ط العراق (1/ 462)، والتذييل (2/ 1081)، والعيني (2/ 432) والتصريح (1/ 262)، والأشموني (2/ 38)، وديوانه (ص 104) ويروى البيت برواية: (نزعت، حططت) مكان «وضعت». اللغة: الولية: البرذعة التي توضع فوق البعير. الهجر: نصف النهار عند اشتداد الحر. والشاهد قوله: (إذا قلت إني) حيث فتح همزة (أن) لأن «قلت» بمعنى ظننت، وهذه لغة سليم. (¬6) هو هدبة بن خشرم وهو شاعر مقدم فصيح من بادية الحجاز.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1166 - متى تقول القلص الرّواسما ... يحملن أمّ قاسم وقاسما (¬1) ومنه قول عمرو بن معديكرب: 1167 - علام تقول الرّمح يثقل عاتقي ... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرّت (¬2) فلو انفصل الاستفهام بأنت ونحوه بطل الإلحاق ورجع إلى الحكاية نحو: أأنت تقول زيد منطلق. فلو كان الفصل بظرف أو جار ومجرور لم يبطل الإلحاق (¬3) كقول الشاعر: 1168 - أبعد بعد تقول الدّار جامعة ... شملي بهم أم دوام البعد محتوما (¬4) وكذلك الفصل بأحد المفعولين مغتفر أيضا كقول الشاعر: 1169 - أجهّالا تقول بني لؤيّ ... لعمر أبيك أم متجاهلينا (¬5) - ¬

_ (¬1) الرجز في جمل الزجاجي (ص 315)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 464)، والمقرب (1/ 195)، وشذور الذهب (ص 454)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 80)، وشرح ابن عقيل (1/ 155)، وشرح شواهده (ص 98)، والشعر والشعراء (ص 672)، والعيني (2/ 427)، والكافي شرح الهادي للزنجاني (ص 422)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139)، والأشموني (2/ 36). والشاهد قوله: (متى تقول القلص الرواسما .. يحملن) حيث أجرى تقول المسبوقة باستفهام مجرى (تظن) فنصب بها قوله (القلص) مفعولا أول وجملة (يحملن) مفعولا ثانيا. اللغة: القلص: جمع قلوس الناقة الشابة. الواسم: المسرعات في سيرهن. (¬2) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 1077، 1038)، والمغني (1/ 143)، وشرح شواهده (1/ 418)، والعيني (2/ 436)، والتصريح (1/ 263)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139) والأشموني (2/ 36، 222)، وأوضح المسالك (1/ 126)، وحاشية الخضري (1/ 155). والشاهد قوله: (علام تقول الرمح يثقل عاتقي) حيث أجري (تقول) المسبوق بالاستفهام مجرى «تظن» فنصب بها المفعولين وهما «الرمح» وجملة «يثقل عاتقي». (¬3) ينظر شرح المفصل لابن يعيش (7/ 97)، المقدمة الجزولية (ص 264)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 155)، والبهجة المرضية (ص 44). (¬4) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في التذييل (2/ 1078)، والمغني (2/ 693)، وشرح شواهده (2/ 969)، والعيني (2/ 438)، وشذور الذهب (ص 445)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 140)، والأشموني (2/ 36). والشاهد قوله: (أبعد بعد تقول الدار جامعة) حيث أعمل تقول المفصولة من الاستفهام بالظرف، عمل (ظن) فنصب بها مفعولين هما (الدار) و (جامعة). (¬5) البيت من الوافر وهو للكميت بن زيد الأسدي وهو في الكتاب (1/ 123) وشرح أبياته للسيرافي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحكاية جائزة مع استيفاء شروط الإلحاق لأنها الأصل ولذلك ينشد بيت عمرو ابن معديكرب الذي سبق بنصب الرمح ورفعه فمن نصب فعلى الإلحاق ومن رفع فعلى الحكاية، هذا كلام المصنف في شرحه (¬1) وليس فيه شيء غير قوله: إن المفرد المراد به مجرد اللفظ ينصب بعد القول وفروعه؛ فإن ابن عصفور جزم في كتبه بمنع العمل وقال: إنه لا بد من تقدير كلمة أخرى منضمة إلى ذلك المفرد، ليصير اللفظ جملة فيحكي حينئذ كما تحكي الجملة المصرح بجزأيها، ومن ثم قال في المقرب: إذا وقع بعد القول [2/ 214] مفرد فإن كان مصدرا له أو صفة للمصدر لم تحكه نحو: قال زيد قولا وقال عمرو حقّا وخالد باطلا، وكذا إذا كان اسما للجملة في المعنى لم تحكه أيضا نحو: قال زيد كلاما أي شعرا وخطبة، وإن لم يكن المفرد مصدرا ولا صفة له ولا اسما للجملة فلا بد أن يكون عامله مضمرا إذا المفرد لا يتكلم به وحده فتحكيه إذ ذاك كما تحكي الجملة نحو قوله تعالى يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (¬2) أي يا إبراهيم ومن ذلك قول امرئ القيس: 1170 - إذا ذقت فاها قلت طعم مدامة (¬3) - ¬

_ - (1/ 132)، والمقتضب (2/ 348)، وابن يعيش (7/ 78)، والتذييل (2/ 1078)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 80)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 392)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 289)، وأوضح المسالك (1/ 127)، وشرح ابن عقيل (1/ 156)، وشرح شواهده (ص 99)، والخزانة (1/ 423) عرضا، وشذور الذهب (ص 456)، والعيني (2/ 429)، والتصريح (1/ 263)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 140)، والأشموني (2/ 37)، والبيت غير موجود في ديوان الكميت وينظر أيضا الكافي في شرح الهادي (ص 422). والشاهد قوله: (أجهالا تقول بنو لؤي) حيث أجري (تقول) مجرى تظن مع فصلها من الاستفهام بالمفعول الثاني وهو قوله (جهالا). (¬1) شرح التسهيل للمصنف: (2/ 95، 96). (¬2) سورة الأنبياء: 60. (¬3) صدر بيت من الطويل وعجزه: معتّقة ممّا تجيء به التّجر وهو في المقرب (1/ 296)، والتذييل (2/ 83، 1068، 1070)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 138)، واللسان وتاج العروس (تجو) وديوانه (ص 110). والشاهد قوله: (قلت: طعم مدامة) حيث حكى بـ (قلت) مفردا في اللفظ لا في التقدير لأنه إما أن يكون مفعولا لفعل محذوف أو خبر مبتدأ محذوف فيكون المحكي جملة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روي برفع طعم على تقدير: طعمه طعم مدامة، ونصبه على تقدير: ذقت طعم مدامة (¬1) انتهى. ولا يبعد أن الذي اختاره المصنف هو الحق والآية الشريفة حجة له ولا يخفى ضعف القول بأن إبراهيم خبر مبتدأ محذوف أو منادى إذ لا معنى لذلك. وأما قول من قال: إنه مرفوع على الإهمال فأبعد. وذكر الشيخ في شرحه: أن ثم خلافا في نحو: قلت حقّا وقال باطلا: فمنهم من جعله نعتا لمصدر محذوف ومنهم من جعله مفعولا به، قال: وهو اختيار ابن عصفور وابن الضائع، قالا: لأن الحق اسم جامد والوصف بالجامد لا ينقاس، قال ابن الضائع: الأولى أن يكون مفعولا صحيحا لأن الحق هو المقول فهو مفعول به صحيح. قال الشيخ: فإن قلت: إذا قلت: قال فلان شعرا وقال خطبة ونحوهما أيجوز أن ينتصب انتصاب المصادر النوعية نحو: رجع القهقرى وقعد القرفصاء أم يتعين نصه على أن يكون مفعولا به؟ قلت: يظهر هذا الثاني لأنه اسم للجملة فكأن الجملة الواقعة بعد القول وإن كانت محكية هي في موضع المفعول به فكذلك الاسم الذي بمعناها (¬2). اه. وإذا اعتبر قول من خالف في نحو قلت حقّا ولم يجعله مفعولا به وأمكن أن يكون نحو «شعرا» من قولنا: قلت شعرا - منصوبا على أنه مصدر نوعي صح أن يقال: كل مفرد وقع منصوبا بعد القول فإنما نصبه على المصدر ولا ينتصب شيء من المفردات بعد القول على أنه مفعول به على أن للشيخ أبي عمرو بن الحاجب بحثا في الجملة المحكية بالقول (¬3). بقي ها هنا الإشارة إلى أمور: منها: أن حرف الجر لا يدخل على الجملة المحكية ولهذا عد من الضرورات قول الشاعر: 1171 - تنادوا بما هذا وقد سمعوا لنا ... دويّا كعزف الجنّ بين الأجارع (¬4) - ¬

_ (¬1) المقرب لابن عصفور (1/ 296). (¬2) التذييل والتكميل: (2/ 1068). (¬3) يرى ابن الحاجب أن الجملة المحكية بالقول منصوبة الموضع على أنها مفعول مطلق، يقول الرضي في شرح الكافية: (2/ 288)، وهذه الجملة المحكية منصوبة الموضع بكونها مفعولا به لا مفعولا مطلقا على ما وهم المصنف. (¬4) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في المقرب (1/ 293). والشاهد قوله: (تنادوا بما هذا) حيث دخل حرف الجر وهو الياء على الجملة المحكية، وهي قوله (ما هذا) وهذه من الضرورات كما قال الشارح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عصفور: وإنما حسن ذلك كون الاسم الذي بعد حرف الجر مبنيّا فلم [2/ 215] يظهر القبح، قال: وأقبح من ذلك قول الآخر: 1172 - تنادوا بالرّحيل غدا ... وفي ترحالهم نفسي (¬1) (¬2) ومنها: أنك إذا حكيت جملة معربة جاز لك أن تحكيها على لفظها وإن شئت على معناها فإذا حكيت قول القائل: زيد قائم، قلت: قال عمرو زيد قائم، وإن شئت قلت: قال عمرو زيد وإن حكيت جملة ملحونة حكيتها على المعنى فتقول إذا حكيت قام زيد بخفض «زيد»: قال عمرو قام زيد لكنه خفض زيدا (¬3). ومنها: أنك إذا حكيت كلام متكلم عن نفسه نحو: انطلقت، فلك أن تحكيه بلفظه من غير تغيير فتقول: قال فلان انطلقت ويجوز أن تقول: قال فلان انطلق أو إنه انطلق أو هو منطلق كل هذا جائز (¬4). ومنها: أن الكوفيين زعموا أن الأمر من القول للمخاطب يجري مجرى الظن في غير لغة بني سليم كما يجري المضارع منه مجرى الظن إذا اجتمعت الشروط التي تكون في المضارع (¬5) وأنشدوا: 1173 - إنّ سلمى من تنازع ليّه ... ومن ينازعها فقله قد خلج (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر لقائل مجهول في المحتسب (2/ 235)، ودرة الغواص (ص 239)، والمقرب (1/ 293)، والخزانة (4/ 23)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 289). والشاهد قوله: (تنادوا بالرحيل غدا) حيث قد دخل حرف الجر على الجملة المحكية ضرورة وجملة (الرحيل غدا) محكية بتنادوا عند الكوفيين أما عند البصريين فهي محكية بقول محذوف أي تنادوا بقولهم: الرحيل غدا. وقد ذكر ابن جني في المحتسب (2/ 235) أن قوله (الرحيل) يجوز فيه الرفع والنصب والجر يقول: أجاز لي فيه أبو علي بحلب سنة سبع وأربعين، ثلاثة أضرب من الإعراب بالرحيل والرحيل والرحيل: رفعا ونصبا وجرا فمن رفع أو نصب فقدر في الخطابة اللفظ القول البته فكأنهم قالوا: الرحيل غدا والرحيل غدا. فأما الجر فعلى إعمال الباء فيه وهو معنى ما قالوه. اه. (¬2) المقرب (1/ 293). (¬3) ينظر المقرب (1/ 293)، والهمع (1/ 156)، وحاشية الصبان (2/ 38 - 39)، وحاشية الخضري (1/ 155). (¬4) ينظر شرح الكافية للرضي (2/ 288)، وحاشية الخضري (1/ 155). (¬5) ينظر التصريح (1/ 262)، وحاشية الصبان (2/ 36). (¬6) لم يعلم للبيت قائل وهو في التذييل (2/ 1047)، والهمع (1/ 157). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فظنه قد خلج وإذا استقبلوه بأن كسروها كما يكسرونها بعد القول قال الشيخ: وهذا لا يعرفه البصريون وأجاز السيرافي إعمال الماضي بباقي شروط المضارع فيجيز أقلت زيدا منطلقا، وسيبويه لم يستثن إلا القول، فيظهر منه اختصاصه بالمضارع، قال الشيخ: وعلى كونه شرطا أخذه النحويون فإن سمع من كلامهم ذلك في الماضي كان حجة للسيرافي وإلا فلا يجوز (¬1). ومنها: أن المصنف جعل من جملة الشروط كون المضارع مقصودا به الحال وإياه قصد بقوله: الحاضر، فقال الشيخ: ولم يذكر هذا الشرط غيره فيما أعلم. قال: بل الظاهر من حيث شرط الاستفهام أنه يكون مستقبلا ألا ترى إلى قوله: 1174 - أمّا الرّحيل فدون بعد غد ... فمتى تقول الدّار تجمعنا (¬2) فليس المعنى على الاستفهام عن ظنه في الحال أن الدار تجمعه وأحبابه وإنما هو استفهام عن وقوع ظنه لا استفهام عن الظن في الحال (¬3). ومنها: أن غير المصنف لم يقيد الفصل بأحد المفعولين بل قال: يشترط أن لا يفصله أجنبي، وعنى بالأجنبي ما ليس معمولا للفعل فإن كان معمولا للقول ظرفا أو غيره لم يعتد بفصله فيجوز على هذا: أمجدّا تقول هندا راحلة؛ بجعله مجدّا حالا من الضمير المستكن في القول. - ¬

_ - والشاهد قوله: (فقله قد خلج) حيث أجري الأمر من القول مجرى الظن فنصب به المفعول الأول وهو الضمير والمفعول الثاني وهو جملة (قد خلج) فهي محل نصب وإجراء الأمر من القول مجرى الظن هو مذهب الكوفيين كما بين الشارح. (¬1) التذييل (2/ 1074). (¬2) البيت من الكامل وهو لعمر ابن أبي ربيعة وهو في الكتاب (1/ 124)، والمقتضب (2/ 348)، وجمل الزجاجي (ص 314)، وابن يعيش (7/ 78)، والتذييل (2/ 175)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 462) ط العراق. وأوضح المسالك (1/ 126)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 155)، والخزانة (1/ 423)، والليثي (2/ 434)، والتصريح (1/ 262)، وديوانه (ص 394). والشاهد قوله: (فمتى تقول الدار تجمعنا) حيث إن متى «ظرف للقول فجعله مستقبلا وقد رد بهذا على ابن مالك الذي جعل من شروط القول أن يكون مضارعا مقصودا به الحال وأجيب عن هذا بأن «متى» ظرف لقوله تجمعنا فالمستقبل هو الجمع والقول حالي ولا يضر كونه غير مستفهم عنه حينئذ لأن الشرط سبقه بالاستفهام، ينظر في ذلك حاشية الخضري (1/ 155). (¬3) التذييل (2/ 1075 - 1076).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنه يجوز الفصل بمعمول المعمول نحو: أهذا تقول زيدا ضاربا (¬1). قال الشيخ: الذي تقتضيه الأصول جواز الإعمال لأنه كما جاز الفصل بالمعمول يجوز بمعمول المعمول (¬2). ومنها: أن الشيخ قال: قد نقص المصنف والنحويون في هذه المسألة شرطا آخر نبه عليه السهيلي وهو أن لا يعدى الفعل باللام نحو: أتقول [2/ 216] لزيد عمرو منطلق، وأقول: هذا الشرط غير محتاج إليه لأنه إذا عدى باللام خرج عن أن يكون بمعنى الظن ورجع المعنى إلى القول الذي هو اللفظ. ومنها: أن النحاة اختلفوا في القول الذي أجري في العمل مجرى الظن، هل يجرى مجراه في العمل خاصة أو في العمل والمعنى معا؟ فذهب الجمهور إلى أنه لا يعمل عمل الظن حتى يضمن معنى الظن في السليمية وغيرها فإن لم يضمن معنى الظن لم يعمل أصلا، هكذا ذكروا (¬3). والذي يظهر أن الذي تضمن معنى الظن إنما هو الفعل المضارع بالشروط التي عرفت وأما غير المضارع إذا عمل في لغة سليم فلا يظهر أنهم قصدوا به معنى الظن. ولكن ها هنا بحث: وهو أن يقال: إنكم قلتم معنى أتقول زيدا منطلقا أتظن زيدا منطلقا ولا شك أن القول اللساني غير مراد هنا وإذا كان كذلك وجب الإعمال حينئذ ولكنهم قد - ¬

_ (¬1) ذكر السيوطي في الهمع (1/ 157) أن الفصل لا يضر مطلقا ولو بأجنبي يقول: وقيل لا يضر الفصل مطلقا ولو بأجنبي نحو: أنت تقول زيدا منطلقا وعليه الكوفيون وأكثر البصريين ما عدا سيبويه والأخفش. اه. (¬2) التذييل (2/ 1079). (¬3) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 463) ط العراق فإن قيل: القول إذا استعمل استعمال الظن فهل هو بمنزلة الظن في العمل خاصة أو في العمل والمعنى؟ فالجواب: أن في ذلك خلافا بين النحويين فمنهم من ذهب إلى أنه إنما يجري مجرى الظن في العمل خاصة ولم يتغير المعنى عما كان عليه، وإلى هذا ذهب ابن خروف ومنهم من ذهب إلى أنه يجري مجرى الظن عملا ومعنى وإلى هذا ذهب ابن جني والصحيح عندي أنه يجري مجرى الظن في المعنى والعمل ولولا ذلك لم يشترط العرب فيه غير بني سليم - الأشياء الأربعة المقوية لمعنى الظن. اه. وينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 80)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 394)، والهمع (1/ 157)، وحاشية يس على التصريح (1/ 263) وحاشية الصبان (2/ 37).

[لا يلحق بالقول في الحكاية ما في معناه]

[لا يلحق بالقول في الحكاية ما في معناه] قال ابن مالك: (ولا يلحق في الحكاية بالقول ما في معناه بل ينوى معه القول خلافا للكوفيين، وقد يضاف قول وقائل إلى الكلام المحكي وقد يغني القول في صلة وغيرها عن المحكيّ لظهوره، والعكس كثير، وإن تعلّق بالقول مفرد لا يؤدي معنى جملة ولا يراد به مجرّد اللّفظ حكي مقدّرا معه ما هو به جملة وكذا إن تعلّق بغير القول). ـــــــــــــــــــــــــــــ جوزوا الحكاية مع استيفاء الشروط كما عرفت فكيف جازت الحكاية، ومعنى أتقول: أتظن ولا شك أن إلغاء الظن متقدما غير جائز لكن لقائل أن يقول: إنما جازت الحكاية مراعاة لصورة القول فإن الجمل تحكى معه ولا يلزم من تضمينه معنى الظن وجوب الإعمال (¬1). قال ناظر الجيش: تضمن هذا الكلام الإشارة إلى مسائل: الأولى: أن ما كان في معنى القول لا يلحق به في أن يحكي ما بعده، والمراد بما في معنى القول: النداء والدعاء ونحوهما فإذا جاء بعد شيء منها مقول ففيه مذهبان: أحدهما: أن يقدر قول يكون به المقول محكيّا، والآخر: أن يحكي المقول بما قبله إجراء له مجرى القول دون حاجة إلى تقدير وهو قول الكوفيين والأول قول البصريين (¬2) قال المصنف (¬3): وهو الصحيح لأن حذف القول استغناء عنه بالمقول مجمع عليه في غير محل النزاع كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (¬4) أي فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم (¬5) فحذف القول لدلالة المعنى عليه (¬6) فحذفه في محل النزاع أولى لأنه مدلول عليه بدلالتين: معنوية ولفظية. وأيضا - ¬

_ (¬1) ينظر الهمع: (1/ 158). (¬2) ينظر المقرب (1/ 293)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 289)، والهمع (1/ 156 - 157). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 96). (¬4) سورة آل عمران: 106. (¬5) ينظر الكشاف (1/ 134)، وإملاء ما من به الرحمن (1/ 145)، وروح المعاني للألوسي (1/ 569). (¬6) في معاني القرآن للفراء (1/ 228 - 229): وقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ يقال: «أما» لا بد لها من الفاء جوابا فأين هي؟ فيقال: أنها كانت مع قول مضمر فلما سقط القول سقطت الفاء معه والمعنى - والله اعلم - فأما الذين اسودت وجوههم فيقال: أكفرتم فسقطت الفاء مع «فيقال» والقول قد يضمر ومنه في كتاب الله شيء كثيرا. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقاء المحكي وحذف القول نظير بقاء المفعول وحذف الفعل، وذلك في الكلام [2/ 217] كثير فلحق به النظير. وأيضا قد جاء بعد النداء وشبهه مما نحن بصدده القول مصرحا به؛ فدل ذلك على صحة التقدير عند عدم التصريح، فمن مواضع التقدير: قوله تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا (¬1) وقوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (¬2) وقوله تعالى: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (¬3) وقوله تعالى: وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (¬4) ومنها قول الراجز أنشده الفراء: 1175 - إني سأبدي لك مما أبدي ... لي شجنان شجن في نجد وشجن لي في بلاد الهند (¬5) ومن مواضع التصريح: قوله تعالى: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ (¬6) وقوله تعالى: وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي (¬7) وقوله تعالى: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي (¬8) انتهى (¬9) وكلام ابن عصفور في المقرب يوافق قول الكوفيين فإنه قال: الجملة لا تحكى إلا بعد القول أو فعل في معناه نحو قولك: قرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * وأورد في هذا الفصل البيت المشهور وهو: 1176 - تنادوا بالرّحيل غدا (¬10) فلولا أن المصنف جعل تقدير القول مذهب البصريين لقلت: إن مذهبهم هو - ¬

_ (¬1) سورة هود: 42. (¬2) سورة إبراهيم: 13. (¬3) سورة يونس: 22. (¬4) سورة الزخرف: 77. (¬5) لم يعلم قائله ولم يعزه الفراء لراجز معين بل اكتفى بقوله: أنشدني الكسائي. الرجز في معاني القرآن للفراء (1/ 80). وينظر التذييل (2/ 1084، 1085)، وشرح التسهيل للمصنف (80 / ب). والشاهد قوله: (سأبدي ... لي شجنان) حيث جعل جملة (لي شجنان) مقولة لقول محذوف تقديره «أقول» وقد جعل الكوفيون الجملة معمولة (لأبدي) لأنهم يلحقون بالقول ما في معناه. (¬6) سورة الأعراف: 48. (¬7) سورة هود: 45. (¬8) سورة مريم: 3، 4. (¬9) شرح التسهيل للمصنف (2/ 97). (¬10) تقدم، وانظر المقرب (1/ 293).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي ذكره ابن عصفور لأنه إنما يذكر مذهب البصريين ولا يعرج على قول الكوفيين. قال الشيخ: ويظهر أن مذهب الكوفيين أرجح لأنه ليس فيه إضمار، قال: وأنت ترى مصبّ النداء على قوله: «اركب» ومصب «الوحي» على «لنهلكن» ومصبّ الدعاء على «لئن أنجيتنا» لا على غيرها فينبغي أن يعتقد فيها أن الجمل معمولة لها إذ هي محكية بها، قال: وأما حيث صرح بالقول بعد هذه الأفعال وشبهها فيضطر إذ ذاك إلى جعل الجملة محكية بالقول وينبغي أن يعتقد أن تلك الأفعال معمولاتها محذوفة وأن مصبها غير مصب القول لئلا يلزم من ذلك تكرار الفعل، قال: والذي يدل على عدم الإضمار أن «أن» التفسيرية جاءت بعد هذه الأفعال نحو قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (¬1) ولو كان القول مضمرا لما جيء «بأن» التفسيرية لأنها لا تأتي بعد القول (¬2). المسألة الثانية: أن القول الذي هو المصدر وقائلا الذي هو اسم فاعل قد يضافان إلى الكلام المحكي بهما فمثال الأول قول الشاعر: 1177 - قول يا للرّجال ينهض منّا ... مسرعين الكهول والشّبّانا (¬3) ومثال الثاني قول الآخر: 1178 - وأجبت قائل كيف أنت بصالح ... حتّى مللت وملّني عوّادي (¬4) ينشد بخفض صالح [2/ 217 مكرر] ورفعه في خفض فظاهر ومن رفع فعلى تقدير تقول: أنا صالح فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو أنا صالح ثم حذف صدر الجملة وبقى عجزها ولا شك أن إضافة قول إلى المحكي به من باب - ¬

_ (¬1) سورة مريم: 11. (¬2) التذييل (2/ 1085 - 1086). (¬3) البيت من الخفيف مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1078)، والمغني (2/ 422)، وشرح شواهده (2/ 837)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139). والشاهد قوله: (قول يا للرجال ..) حيث أضاف لفظ القول إلى الكلام المحكي وهو (يا للرجال). (¬4) البيت من الكامل مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1088)، والعيني (4/ 503)، والمغني (2/ 422)، وشرح شواهده (2/ 837)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139). والشاهد قوله: (قائل كيف أنت) حيث أضاف اسم الفاعل من القول إلى الكلام المحكي وهو قوله (كيف أنت).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إضافة المصدر إلى معموله ولا شبهة في ذلك وكذا إضافة قائل إلى ما حكى به من باب إضافة اسم الفاعل إلى معموله أيضا ولكن لما لم يكن الواقع بعد قول وقائل معمولا صريحا احتاج أن ينبه على أن الإضافة إليه وإن لم يكن معمولا صريحا جائزة. الثالثة: أن المحكي بالقول قد لا يذكر ويستغنى عنه بالقول إذا دل دليل على المحذوف وأن القول قد لا يذكر ويستغنى عنه بالمحكي لكن الأول في غاية القلة. وأما الثاني فكثير كما أفهمت ذلك عبارة المصنف في متن الكتاب. فمثال إغناء القول عن المحكي قول الشاعر: 1179 - لنحن الألى قلتم فأنّى ملئتم ... برؤيتنا قبل اهتمام بكم رعبا (¬1) أراد نحن الذين قلتم تقاتلونهم فاستغنى بالقول وحذف المحكي لدلالة ما بعده عليه ولو فعل ذلك بغير صلة لجاز كقولك: أنا قال زيد ولو رآني لغرّ يريد أنا قال زيد يغلبني ولو رآني لفر. ومن الاستغناء في الصلة بالقول عن المحكي قول الشاعر: 1180 - لم يا عمرو لم تعد بالّذي قل ... ت فتلقاه إذ خذلت نصيرا (¬2) التقدير بالذي قلت أنا أعوذ به أو إنك تعوذ به (¬3). ومثال الاستغناء بالمحكي عن القول قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ (¬4) وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ (¬5) أي قائلين سلام عليكم ومثله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (¬6) أي يقولون ما نعبدهم، وهو كثير كما عرفت. الرابعة: أنه إذا تعلق بالقول مفرد غير ما تقدمت الإشارة إليه ما حكمه؟ - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1088)، والهمع (1/ 157)، والدرر (1/ 139)، والشاهد قوله: (لنحن الألى قلتم) حيث حذف المقول استغناء عنه بالقول لظهور المعنى. (¬2) البيت من بحر الخفيف وهو لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل للمصنف (1/ 98)، والتذييل (2/ 1089). والشاهد قوله: (بالذي قلت فتلقاه) حيث استغنى بالقول عن المحكي. (¬3) ينظر في هذه المسألة شرح الكافية للرضي (2/ 289)، والمغني (2/ 415). (¬4) سورة آل عمران: 106. (¬5) سورة الرعد: 23، 24. (¬6) سورة الزمر: 3.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنقول: قد تقدم التنبيه على أن المفرد ينصب بالقول وفروعه في موضعين: أحدهما: إذا كان بمعنى جملة كقلت حديثا. والثاني: إذا أريد به مجرد اللفظ كقلت لزيد عمرا بمعنى أطلعت عمرا على المسمى بزيد (¬1) فإن علق بالقول مفرد بخلاف ذينك فهو جزء جملة فإما أن ينصب بفعل مقدر وإما أن يرفع مبتدأ ويجعل الخبر محذوفا أو خبرا ويجعل المبتدأ محذوفا كقوله تعالى: قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ * (¬2) فتقدير الأول: سلمنا سلاما، وتقدير الثاني: «عليكم سلام» أي تحيتكم سلام (¬3). قال المصنف (¬4): ويجوز في العربية رفعهما ونصبهما ورفع الأول ونصب الثاني (¬5)، قال الشاعر: 1181 - مررنا فقلنا إيه سلّم فسلّمت ... كما اكتلّ بالبرق الغمام اللّوائح (¬6) [2/ 218] وأشار المصنف بقوله: وكذا إن تعلق بغير القول إلى أنه لو تعلق المفرد الذي هو في التقدير بعض جملة بغير القول ونوي تمام الجملة لجيء به أيضا محكيّا - ¬

_ (¬1) تقدم تفصيل القول في هاتين المسألتين. (¬2) سورة هود: 69، وسورة الذاريات: 25. (¬3) ينظر المقتضب (4/ 11)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 289)، والبحر المحيط (8/ 138، 139)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 20 - 21)، والحجة في القراءات لابن خالويه (ص 189)، والكشاف (1/ 367)، واملاء ما من به الرحمن (2/ 41 - 42)، وتحبير التيسير (ص 122). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 99). (¬5) في معاني القرآن للفراء (2/ 21) وقرأ العامة قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ * نصب الأول ورفع الثاني ولو كانا جميعا رفعا ونصبا كان صوابا فمن رفع أضمر (عليكم) وإن لم يظهرها كما قال الشاعر: فقلنا السّلام فاتّقت من أميرها ... فما كان إلا ومؤها بالحواجب والعرب تقول: التقينا فقلنا: سلام سلام وحجة أخرى في رفعه الآخر أن القوم سلموا فقال: حين أنكرهم: هو سلام إن شاء الله فمن أنتم لإنكاره إياهم وهو وجه حسن. اه. (¬6) البيت نسب في شرح شواهد الكشاف لذي الرمة. وهو من بحر الطويل وهو في التذييل (2/ 1089)، والبحر المحيط (5/ 241)، والكشاف (1/ 367)، وشرح شواهده (ص 29)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 21)، واللسان (سلم) برواية: فقلنا إيه سلم فسلمت ... فما كان إلا ومؤها بالحواجب والشاهد قوله: (فقلنا إيه سلم) حيث رفع (سلم) على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف.

[الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل]

[الأفعال التي تنصب ثلاثة مفاعيل] قال ابن مالك: (فصل: تدخل همزة النّقل على علم ذات المفعولين، ورأى «أختها» فينصبان ثلاثة مفاعيل، أوّلها الّذي كان فاعلا ويجوز حذفه والاقتصار عليه على الأصحّ، وللثّاني والثّالث بعد النّقل ما لهما قبله مطلقا خلافا لمن منع الإلغاء والتعليق. وألحق بهما سيبويه «نبّأ» وزاد غيره «أنبأ» و «خبّر» و «أخبر» و «حدّث» وزاد الأخفش «أظنّ» و «أحسب» و «أخال» و «أزعم» و «أوجد» وألحق غيرهم «أرى» الحلميّة سماعا، وما صيغ للمفعول من ذي ثلاثة فحكمه حكم «ظنّ» إلّا في الاقتصار على المرفوع). ـــــــــــــــــــــــــــــ كقولك قاصد محمد منقوش على خاتم قرأت محمد لأن مراد الناقش صاحبه محمد أو نحو ذلك فإذا أوقعت عليه قرأت أو غيره مراعيا القصد الأول فإنما تحكي مقصوده ولو علقت به رافعا وهو منصوب لجئت به منصوبا لأن الحكاية مستولية عليه وعلى ناصبه المنوي ومنه قول الشاعر يصف دينارا نقش فيه اسم جعفر البرمكي منصوبا: 1182 - وأصغر من ضرب دار الملوك ... يلوح على وجهه جعفرا (¬1) أراد الناقش اذكر جعفرا أو نحو ذلك، فأسند الشاعر «يلوح» إلى الجملة مراعيا لقصد الناقش. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): همزة النقل هي الداخلة على الثلاثي لتعدّيه إلى واحد إن كان دونها غير متعد كجلس وأجلسته ولتعديه إلى اثنين إن كان دونها متعديا إلى واحد كلبست ثوبا، وألبستني إياه ولتعديه إلى ثلاثة إن كان دونها متعديا إلى اثنين كعلم زيد عمرا فاضلا وأعلمته إياه فاضلا فأول الثلاثة هو الذي كان فاعلا قبل النقل والثاني والثالث هما اللذان كانا قبله أولا وثانيا فلأول الثلاثة ما لأول - ¬

_ (¬1) البيت مجهول القائل وهو في التذييل (2/ 1090)، وهو من المتقارب. والشاهد قوله: (يلوح على وجهه جعفرا) حيث حكى لفظ (جعفرا) كما هو وقدر له ناصبا والجملة من الفعل المقدر وفاعله ومفعوله المذكور في محل رفع فاعل (يلوح). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعولي كصوت من جواز الاقتصار عليه والاستغناء عنه (¬1) لأن الفعل مؤثر فيه فجاز فيه ما يجوز في كل مفعول أثر فيه فعله ولأن الفائدة لا تقدم بالاقتصار عليه كما تقدم بالاقتصار على أول مفعولي ظننت، ولا تعدم الاستغناء عنه كما تعدم بالاستغناء عن أحد مفعولي ظننت؛ فمثال الاقتصار عليه: قولك: أعلمت زيدا إذا قصدت الإخبار بإيصالك إلى زيد علما ما، ومثال الاستغناء عنه: أعلمت دارك طيبة قصدت الإخبار بإعلامك أن داره طيبة دون غرض في قسميه من أعلمته، وزعم ابن خروف أنه لا يجوز حذف أول الثلاثة ولا الاقتصار عليه ولا حجة له في ذلك إلا ظاهر كلام سيبويه في ترجمة تأولها [2/ 219] الأكثرون (¬2). والمجمع على تعديته إلى ثلاثة: «أعلم وأرى» المتعديان بدون الهمزة إلى اثنين وألحق بهما سيبويه «نبأ» (¬3) وزاد غيره (¬4) أنبأ و «خبّر» و «أخبر» و «حدّث» ولا بد من تضمينهما عند الإلحاق معنى اعلم، ولم يذكر أبو علي إلا أعلم وأرى ونبأ وأنبأ (¬5) وتابعه الجرجاني (¬6) وألحق الأخفش «أظنّ» وأخواتها المذكورة بعدها (¬7) وردّ مذهب الأخفش بأن قيل حق همزة التعدية أن يلحق بها ألا يتعدى بما يتعدى - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 80 - 81)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 395)، وشرح المكودي (ص 70). (¬2) عبارة المصنف هنا توحي بأن سيبويه يجيز حذف أول المفاعيل الثلاثة أو الاقتصار عليه وأن ظاهر عبارته يفيد غير ما يفيده مفهوم العبارة بدليل قوله ولا حجة له في ذلك إلا اتباع ظاهر كلام سيبويه في ترجمة أولها الأكثرون. وأعتقد أن عبارة سيبويه واضحة وأن ما فهمه النحاة منها - ومنهم ابن خروف - هو الصواب وما اعترض به المصنف عليهم ليس في عبارة سيبويه ما يقويه أو يسانده. يقول سيبويه: هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين ولا يجوز أن تقتصر على مفعول منهم واحد دون الثلاثة لأن المفعول ها هنا كالفاعل في الباب الأول الذي قبله في المعنى وذلك قولك: أرى الله بشرا زيدا أباك ونبّأت زيدا عمرا أبا فلان وأعلم الله زيدا عمرا خيرا منك. اه. الكتاب (1/ 41) هذا وفي شرح الرضي على الكافية (2/ 276)، ما يؤيد كلام المصنف فقد جاء فيه: وبعض النحاة أجرى كلامه على ظاهره ولم يجوز الاقتصار على الأول. (¬3) ينظر الكتاب (1/ 41). (¬4) هو ابن هشام اللخمي والفراء والكوفيون. الهمع (1/ 159). (¬5) ينظر الإيضاح العضدي (ص 175). (¬6) ينظر المقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص 566 - 567). (¬7) ينظر الخصائص (1/ 271)، والتذييل (2/ 1110)، والهمع (1/ 159)، وشرح الكافية للرضي (2/ 274).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى واحد بنفسه وما يتعدى إلى واحد بما يتعدى إلى اثنين بنفسه وليس في الكلام متعد بنفسه إلى ثلاثة، فيلحق به متعدّ إلى اثنين؛ فيقتضي هذا أن لا يتعدى إلى ثلاثة على خلاف القياس فقيل: ولم يلحق بأعلم وأرى شيء من أخواتها لأن المسموع المخالف للقياس لا يقاس عليه (¬1) ولذلك وافق الأخفش على منع أكسبت زيدا عمرا ثوبا. ومستند هذا الرد قوي ويلزم منه أن لا تلحق «نبأ» وأخواتها. فإن ادعي سماع نحو قول الشاعر: 1183 - نبّئت زرعة والسّفاهة كاسمها ... يهدي إليّ غرائب الأشعار (¬2) وبنحو قول الحارث بن حلزة اليشكري: 1184 - أو منعتم ما تسألون فمن ... حدّثتموه له علينا العلاء (¬3) وبقول الآخر: 1185 - وما عليك إذا أخبرتني دنفا ... وغاب بعلك يوما أن تعوديني (¬4) أجيب عن ذلك: بأنه من باب النصب لإسقاط حرف الجر، كما حكى سيبويه: - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الرضي على الكافية (2/ 274 - 275)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 156). (¬2) البيت من الكامل وهو للنابغة الذبياني يهجو زرعة بن عمرو بن خويلد. وهو في التذييل (2/ 1105). وشرح التسهيل للمصنف (2/ 101)، وعمدة الحافظ وعدة اللافظ (ص 153)، والبهجة المرضية (ص 46)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 81)، والعيني (2/ 439)، والخزانة (3/ 61)، والتصريح (1/ 265)، والأشموني (2/ 41)، وديوانه (ص 59) ط بيروت وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 157)، وشرح شواهده (ص 100). والشاهد قوله: (نبئت زرعة .. يهدي) حيث عدى الفعل (نبّئ) إلى ثلاثة مفاعيل الأول نائب الفاعل وهو تاء المتكلم والثاني «زرعة» والثالث جملة يهدي. (¬3) البيت من الخفيف وهو في التذييل (2/ 1103)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 101)، وشرح عمدة الحافظ (ص 153)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 66)، والبهجة المرضية (ص 46)، والهمع (1/ 159)، والدرر (1/ 141)، والعيني (2/ 445)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 82)، وشرح ابن عقيل (1/ 157)، وشرح شواهده (ص 101)، والتصريح (1/ 265)، والأشموني (2/ 41). والشاهد قوله: (فمن حدثتموه .. له علينا الولاء) حيث أجرى (حدث) مجرى أعلم عند ما تضمنت معناها ونصب بها ثلاثة مفاعيل الأول ضمير الخطاب والثاني ضمير الغيبة والثالث جملة (له علينا الولاء). (¬4) البيت من البسيط وهو لرجل من بني كلاب لم يعين وهو في التذييل (2/ 1107) برواية: ماذا عليك إذا أخبرتني، وشرح الحماسة للتبريزي (3/ 353)، والعيني (2/ 443)، وشرح ابن عقيل (1/ 157)، وشرح شواهده (ص 101)، والتصريح (1/ 295)، وشرح الألفية لابن الناظم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نبئت زيدا، وقال: تريد نبئت عن زيد نبئت عن زيد (¬1)، وكما قال تعالى: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا (¬2) وقدر من أنبأك بهذا وقد حمل سيبويه على حذف حرف الجر قول الشاعر: 1186 - نبّئت عبد الله بالجوّ أصبحت ... كراما مواليها لئيما صميمها (¬3) أي نبئت عن عبد الله، مع إمكان إجرائه مجرى أعلمت؛ فدل ذلك على أن تقدير حرف الجر بعد «نبّأ» راجح عنده؛ إذ ليس فيه إخراج شيء عن أصله ولا تضمين شيء معنى غيره. وأيضا فإن النصب لحذف حرف الجر بعد «نبأ» مقطوع بثبوته فيما حكي من قول بعض العرب: نبئت زيدا مقتصرا عليه وبعد «أنبأ» في قوله تعالى: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا (¬4) ولم يثبت الإجراء مجرى أعلم إلا حيث يحتمل حذف حرف الجر فكان الحمل عليه أولى (¬5). هذا في «نبأ» مع كثرة استعمالها بالصور المحتملة وأما أخواتها فيندر استعمالها بتلك الصورة كقول الحارث بن حلزة في البيت السابق فليجعل التقدير فيه: فمن حدثتم عنه له علينا العلاء، والجملة بعد المنصوب حالية أو محكية بقول مقدر وكذلك يفعل بغيره. هذا أراه أظهر وإن كان غيره أشهر، وأنشد [2/ 220] ابن خروف في شرح الكتاب: 1187 - وأنبئت قيسا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن (¬6) - ¬

_ - (ص 82)، والهمع (1/ 159)، والدرر (1/ 141)، والأشموني (2/ 41). والشاهد قوله: (أخبرتني دنفا) حيث أعمل (أخبر) في ثلاثة مفاعيل: الأول ضمير المخاطب، والثاني ياء المتكلم، والثالث (دنفا). (¬1) الكتاب (1/ 38). (¬2) سورة التحريم: 3. (¬3) البيت من الطويل وهو في الكتاب (1/ 39)، التذييل (2/ 1105)، والكافي شرح الهادي (ص 426)، والعيني (2/ 522)، والتصريح (1/ 293)، والأشموني (2/ 70)، وليس في ديوانه. والشاهد قوله: (ونبئت عبد الله - أصبحت) حيث عدى (نبّئ) إلى ثلاثة مفاعيل هي: نائب الفاعل (عبد الله) وجملة (أصبحت). (¬4) سورة التحريم: 3. (¬5) ينظر الكتاب: (1/ 38)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 67). (¬6) البيت للأعشى الكبير ضمن أبيات يمدح فيها قيس بن معديكرب وهو من المتقارب وينظر في شرح العروة لابن مالك (ص 152)، ومجالس ثعلب (2/ 346) برواية: ونبئت قيسا ولم آته ... على نأيه ساد أهل اليمن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما ينبغي أن تلحق بأعلم وأرى: أختها أرى الحلمية كقوله تعالى: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا (¬1) فإنه قد ثبت إجراء رأي الحلمية مجرى رأي العلمية واستدللت على ذلك فيما سلف. فلزم من ذلك تعديها إلى ثلاثة بهمزة النقل مع مساعدة الاستعمال كما لزم في الفعلين الآخرين لصحة الاستعمال فكان التنبيه عليها لثبوتها سماعا دون معارض أولى من التنبيه على ما لم يثبت إلا بما فيه معارضة واحتمال. وأما «أرى» المنقولة من متعد إلى واحد فمتعدية إلى اثنين ثانيهما غير الأول (¬2) وهي على ضربين: أحدهما: من الرأي كقوله تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ (¬3). والثاني: من رؤية البصر (¬4) كقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ (¬5). ونبهت بقولي: «وللثاني والثالث بعد النقل ما لهما قبله» على أنه لا غنى لأحدهما عن الآخر بعد أن صار ثانيا وثالثا كما لم يكن لأحدهما غنى عن الآخر إذا كانا أولا وثانيا مراعاة لكونهما في الأصل مبتدأ وخبرا، فإن دل دليل على - ¬

_ - وينظر التذييل (2/ 1106)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 82)، والبهجة المرضية (ص 46)، والهمع (1/ 159)، والدرر (1/ 140)، وشرح ابن عقيل (1/ 157)، وشرح شواهده (ص 102)، والعيني (2/ 440)، والتصريح (1/ 265)، والأشموني (2/ 40)، وديوانه (ص 22). والشاهد قوله: (وأنبئت قيسا خير أهل اليمين) حيث عدى الفعل (أنبئ) إلى ثلاثة مفاعيل: الأول منها ضمير المتكلم وهو نائب الفاعل، والثاني «قيسا»، والثالث «خير أهل اليمن». (¬1) سورة الأنفال: 43. (¬2) ينظر شرح عمدة الحافظ (ص 152)، والأشموني (2/ 40)، وشرح المكودي (ص 70)، والبهجة المرضية (ص 45). (¬3) سورة النساء: 105. (¬4) في إملاء ما من به الرحمن (1/ 193) (أراك) الهمزة ها هنا معدية والفعل من رأيت الشيء إذا ذهبت إليه هو من الرأي وهو متعد إلى مفعول واحد وبعد الهمز يتعدى إلى مفعولين، أحدهما الكاف والآخر محذوف أي أراكه وقيل المعنى «علمك» وهو متعد إلى مفعولين أيضا وهو قبل التشديد متعد إلى واحد. اه. وقد جعل الزمخشري «رأى» في الآية بمعنى عرف وأوحى وضعف الألوسي كونها من رأى البصرية. يقول الزمخشري في الكشاف (1/ 190) بِما أَراكَ اللَّهُ بما عرفك وأوحى به إليك وعن عمر رضي الله عنه لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله فإن الله لم يجعل ذلك إلا لنبيه ولكن ليجتهد رأيه لأن الرأي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان مصيبا لأن الله كان يريه إياه وهو منا مناط الظن بالتكلف. اه. وفي روح المعاني (2/ 173) «وأما جعلها من رأى البصرية مجازا فلا حاجة إليه». اه. (¬5) سورة آل عمران: 152.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما جاز حذفه كما كان يجوز في الحال الأول. ومثال الحذف لدليل: قولك لمن قال: من أعلمك زيد فاضلا: أعلمني عمرا تريد أعلمني زيد عمرا فاضلا فأضمرت الفاعل عائدا على زيد وحذفت فاضلا لدلالة ما تقدم عليه كما كنت تحذف في قولك: علمت عمرا إذا أجبت من قال: من علمت فاضلا؟ (¬1). وللثاني والثالث أيضا من الإلغاء والتعليق بعد النقل ما لهما قبله (¬2): فمن الإلغاء بعد النقل قول الشاعر: 1188 - وكيف أبالي بالعدى ووعيدهم ... وأخشى ملمّات الخطوب الصّوائب وأنت أراني الله أمنع عاصم ... وأرأف مستكفى وأسمح واهب (¬3) فألغى أرى متوسطا، ومثله قول بعض من يوثق بعربيته «البركة أعلمنا الله مع الأكابر» (¬4) ومن التعليق [قوله تعالى] هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (¬5) وقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (¬6) فعلق ينبيء وأدري لأنهما بمعنى يعلم وأعلم فتعليقها لتضمنها حروف يعلم واعلم ومعناها أحق وأولى، ومن تعليق أفعال الباب قول الشاعر: 1189 - حذار فقد نبّئت إنّك للّذي ... ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 313) ط العراق، والمقتضب (3/ 122). (¬2) ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 81)، وشرح الألفية للمرادي (1/ 395)، والأشموني (2/ 39). (¬3) البيتان من الطويل مجهولا القائل وهما في التذييل (2/ 1100)، والعيني (2/ 446)، والتصريح (1/ 266)، والهمع (1/ 158)، والدرر (1/ 140)، والأشموني (2/ 39). والشاهد قوله: (وأنت أراني الله أمنع عاصم) حيث ألغي (أرى) عن العمل في المفعول الثاني والثالث وهما (أنت أمنع عاصم) وذلك لتوسطها بينهما. (¬4) في هذا القول ألغيت أعلم فالضمير وهو «نا» مفعول أول والبركة مبتدأ «مع الأكابر» ظرف في موضع الخبر وهما اللذان كانا في الأصل مفعولين لأعلم وأصل العبارة: أعلمنا الله البركة مع الأكابر. ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 395)، وشرح ابن عقيل (1/ 156). (¬5) سورة سبأ: 7. (¬6) سورة الانفطار: 17. (¬7) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 1100)، والبحر المحيط (7/ 295)، والعيني (2/ 477)، والتصريح (1/ 266)، والهمع (1/ 158)، والدرر (1/ 140). والشاهد قوله: (نبئت أنك للذي) حيث علق الفعل (نبئ) باللام ولذلك كسرت همزة «إن».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنع قوم الإلغاء والتعليق في «أعلم وأرى» وأخواتهما مطلقا (¬1) وخص بعضهم ذلك بالمبني للفاعل وهو اختيار الجزولي والصحيح الجواز مطلقا للدلائل المذكورة. قال الشلوبين في [2/ 221] شرح قول الجزولي: وحكم الثاني والثالث معا حكم الثاني من باب كسوت يعني في الاقتصار عليهما وفي أن لا يلغى الفعل عنهما ولا يعلق. وهذا الذي قاله هنا هو المذهب الصحيح وإن كان فيه خلاف لبعضهم: فقد منع بعضهم الاقتصار على المفعول الأول وأجاز بعضهم الإلغاء عن المبتدأ والخبر، وليس هذان المذهبان مرضيين عند المحققين (¬2) هكذا زعم، ثم قال شارحا لقول الجزولي: وإذا بنيت للمفعول فحكم منصوبها ما ذكر في منصوبي ظننت مطلقا يعني في أن لا يقتصر على أحدهما، وفيما ذكر في ظننت من الإعمال والإلغاء قال: وليس هذا الذي ذهب إليه من جواز الإلغاء في هذا الباب إذا بنيت أفعاله للمفعول بصحيح؛ لأن العلة في إن لم تلغ هذه الأفعال إذا بنيت للفاعل من كونها أفعالا مؤثرة بخلاف ظننت وبابه موجودة فيها إذا بنيت للمفعول كوجودها إذا بنيت للفاعل، فكيف توجد العلة ثم لا يوجد حكمها، ولكن غيره (¬3). ذكر سيبويه أرى وهي مضارع أريت بمعنى أظننت (¬4) فتخيل أن باقي الأفعال «كأرى»، قال: وإنما جاز الإلغاء في أرى وحدها لأنها بمعنى أظن، وأظن غير مؤثرة فجرت مجراها في الإلغاء كما جرت مجراها في المعنى (¬5). وحاصل قوله أمران: أحدهما: أن أعلم مؤثر فلا تلغى كما لا تلغى الأفعال المؤثرة. والثاني: أن أرى ألغي لأنه بمعنى أظن فوافقه في الإلغاء كما وافقه في المعنى. والجواب عن الأول أن يقال: من أجاز إلغاء أعلم لم يجزه بالنسبة إلى المعلم، فيكون - ¬

_ (¬1) المقصود بقوله: «ومنع قوم الإلغاء والتعليق في أعلم وأرى مطلقا» هو أبو علي الشلوبين فقد فسر جميع شارحي كتبه ابن مالك قوله هذا بأن قائل ذلك هو الشلوبين إلا أن الشلوبين استثنى من ذلك «أرى» التي بمعنى أظن فتعبير المصنف هنا بقوله: «مطلقا» يوهم أنه يمنع الإلغاء والتعليق فيهما ولم يستثن شيئا. ينظر رأي الشلوبين في التوطئة (ص 164)، وينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 395)، (1/ 266). (¬2) المباحث الكاملية (ص 420). (¬3) ينظر التوطئة للشلوبين (ص 164). (¬4) ينظر الكتاب (1/ 43). (¬5) في التوطئة (ص 164) «فهذه لا يجوز فيها الإلغاء أصلا ولا التعليق إلا في «أرى» التي بمعنى أظن. اه. وينظر نص الشلوبين في المباحث الكاملية (ص 421).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في إلغائها محذور وإنما أجازه بالنسبة إلى المسند والمسند إليه وهما غير مؤثرين بأعلم كما هما غير مؤثرين بعلم، فلا يمتنع إلغاء أعلم عنهما كما لم يمتنع إلغاء (¬1) علم. والجواب عن الثاني أن يقال: إلحاق أرى بأظن لأنه بمعناه ليس بأولى من إلحاق أعلمت بعلمت بل الأمر بالعكس لأن مفهوم علم مستفاد من أعلمت كاستفادة مفهوم «أظن» من أرى فالمناسبتان مستويتان. وبين علمت وأعلمت مناسبتان أخريان وهما: رجوعهما إلى مادة واحدة، واستواؤهما في التصرف بخلاف «أرى» و «أظن» فإنهما مختلفتان في المادة والتصرف. أما التخالف في المادة فظاهر وأما في التصرف فلأن أرى لم يستعمل له ماض. فقد بان أن مناسبة أرى لأظن أضعف من مناسبة أعلمت لعلمت و «أرى» قد جرت مجرى «أظن»؛ فإذا جرت أعلمت مجرى علمت كان ذلك أحق وأولى فقد ظهر أن المحقق من أجاز الإلغاء والتعليق في هذا الباب لا من صنعه (¬2)، والله تعالى أعلم. [2/ 222] والصحيح: أن «أعلم» وأخواتها مما بني للمفعول مساو لظن وأخواتها (¬3) لعدم الفائدة جائز في أعلم وأخواتها لحصول الفائدة. هذا كلام المصنف في شرح هذا الفصل (¬4) وهو كلام شاف واف بالمقصود لله الحمد، ثم لا بد ذكر أمور: منها: أن الشيخ نبه على أن الأحسن في قول المصنف: فينصبان ثلاثة مفاعيل - أن يضبط ثلاثة بالتنوين لأن مفاعيل صفة ولا يضاف العدد إلى الصفة إلا في الشعر أو في قليل من الكلام بل تتبع الصفة اسم العدد في الإعراب فيقال: عندي ثلاثة - ¬

_ (¬1) في شرح المفصل لابن يعيش (7/ 67)، واعلم أن هذه الافعال لا يجوز إلغاؤها كما جاز فيما نقلت عنه لأنك إذا قلت: علمت أو ظننت ونحوهما فهي أفعال ليست واصلة ولا مؤثرة إنما ذلك شيء وقع في نفسك لا شيء فعلته وإذا قلت: أعلمت فقد أثرت أثرا أوقعته في نفس غيرك ومع ذلك فإن علمت وظننت من الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر فإذا ألغيت عاد الكلام إلى أصله من المبتدأ والخبر لأن الملغي نظير المحذوف لا يجوز أن يلغى من الكلام ما إذا حذفته بقى الكلام غير تام وأنت إذا قلت زيد ظننت منطلق بإلغاء ظننت كان التقدير زيد منطلق فدخل الظن والكلام تام ولو أخذت تلغى أعلمت وأ رأيت ونحوهما في قولك أعلمت بشرا خالدا خير الناس لبقى بشرا خالدا خير الناس وهو كلام غير تام ولا منتظم لأن زيدا يبقى بغير خبر. اه. (¬2) ينظر الهمع (1/ 158)، والتصريح (1/ 266). (¬3) زاد في (ب) (إلا في الاقتصار على المرفوع فإنه غير جائز في ظن وأخواتها). (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 104).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قرشيون، قال: ونبه الشيخ بهاء الدين بن النحاس حين قرأت عليه الكتاب على ذلك فقال في قول سيبويه: هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين (¬1): ينبغي أن يضبط ثلاثة بالتنوين لأن مفعولين صفة لثلاثة (¬2). ومنها: أنك قد فهمت من قول المصنف في المتن: ويجوز حذفه والاقتصار عليه على الأصح .. وقوله في الشرح: إن ابن خروف لا يجوز حذف أول الثلاثة ولا الاقتصار عليه - أن في ذلك خلافا والذي ذكره الشيخ أن المذاهب في ذلك ثلاثة: فالجواز مذهب المبرد وابن السراج وابن كيسان وخطاب المارداني والأكثرين، والمنع مذهب سيبويه وقال به ابن طاهر وابن خروف والأستاذ أبي علي وابن عصفور ذهبوا إلى أنه لا يقتصر عنه ولا عليه، ونقل عن الأستاذ أبي علي أنه لا يجوز الاقتصار على الأول ولكنه يجوز حذفه فيجيز أعلمت كبشك سمينا ولا يجيز أعلمت زيدا، قال الشيخ: والذي نختاره هو أن يرجع في ذلك إلى السماع (¬3). ومنها: أن المصنف نوقش في شيئين: أحدهما: قوله إن «أرى» لم يستعمل لها ماض، قال الشيخ: وليس ذلك بصحيح فقد نص سيبويه على ذلك (¬4). الثاني: كونه جعل من تعليق «أدرى» بمعنى «أعلم» قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (¬5) قال الشيخ: لا حجة له في ذلك لأن الأكثر في كلام العرب تعدية «درى» بحرف جر، تقول: دريت به. والأقل تضمينها معنى علم فتقول: دريت زيدا قائما. وعلى هذا إذا دخلت عليها همزة التعدية تعدت إلى واحد بنفسها وإلى آخر بحرف جر، لأن الأكثر فيها قيل دخول الهمزة أن تتعدى بحرف جر فوجب الحمل بعد دخول الهمزة على ما هو الأكثر فيها ودليل ذلك قوله تعالى: وَلا أَدْراكُمْ بِهِ (¬6) وإذا كان كذلك فقوله تعالى وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (¬7) ليس «ما - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 41). (¬2) التذييل (2/ 1094). (¬3) التذييل (2/ 1094 - 1097)، وينظر المقتضب (3/ 121 - 122)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 313 - 314) ط العراق، والهمع (1/ 158). (¬4) التذييل (2/ 1099). (¬5) سورة الانفطار: 17. (¬6) سورة يونس: 16. (¬7) سورة الانفطار: 17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يوم الدين» سادّا مسد المفعولين فيكون بمنزلة أعلم في ذلك وإنما سدت مسد المفعول الذي يتعدى إليه بحرف الجر فهي جملة في موضع نصب نائبة [2/ 223] عن مفعول واحد أصله بحرف الجر، قال: والدليل على أن «أدرى» لا يكون في التعدية إلى ثلاثة كأعلم، أن الذين استقرؤوا كلام العرب من جميع النحويين البصريين والكوفيين إنما أنهوها إلى سبعة أفعال، ولم يذكروا فيها «أدرى» بمعنى اعلم (¬1). انتهى. والجواب عن هذا الثاني: أن المصنف لم يحكم على «أدرى» أنه كأعلم فيلزمه ما ألزمه الشيخ من الأفعال المتعدية إلى ثلاثة تزيد على سبعة وهو خلاف الإجماع، إنما علقت في قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (¬2) قال: فإذا علق «أدرى» لكونه بمعنى أعلم أي يفيد ما يفيده فلأن تعليق أعلم، أولى ولم يجعل المصنف «أدرى» متعدية إلى ثلاثة حتى يقول الشيخ إنه جعلها كأعلم، غاية ما قال أنه جعلها بمعنى أعلم ولا يلزم من كون كلمة بمعنى كلمة أخرى أن تعطي هذه الكلمة أحكام تلك الكلمة. ومنها: أن كلام المصنف في الشرح المتقدم نقله عنه يعطي صريحا أن نبّأ وأنبأ وخبّر وأخبر وحدّث أعني الأفعال الخمسة قد يدعى فيها عدم التعدي إلى ثلاثة، وأن النصب بعدها لإسقاط الخافض، وأن القول بذلك فيها أرجح من القول بتعديها إلى ثلاثة مستدلا على هذا بحمل سيبويه قول الشاعر (¬3): 1190 - نبّئت عبد الله [بالجوّ] أصبحت ... ... البيت (¬4) على حذف حرف الجر مع إمكان إجرائه مجرى أعلمت إلى آخر ما ذكره. ومما يقوي بحث المصنف: أن سيبويه لم يزد على أعلم وأرى إلا «نبأ». وأما أخبر وخبّر وحدّث فزيادتها منقولة على الكوفيين (¬5) وأما «أنبأ» فذكرها أبو علي والجرجاني مع أعلم وأرى ونبّأ مقتصرين على الأربعة (¬6)، وقال صاحب - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1101 - 1102). (¬2) سورة الانفطار: 17. (¬3) تقدم. (¬4) الكتاب (1/ 38 - 39). (¬5) ينظر الهمع (1/ 159). (¬6) ينظر الإيضاح للفارسي (ص 175)، والمقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص 566 - 567) وفيه: «وأما أنبأت ونبأت فليس لهما أصل في التعدي إلى ثلاثة مفعولين، ألا ترى أنه ليس هنا فعل نحو نبأ بإزاء علم بتعدي إلى مفعولين فيقال: إن أنبأت نقل منه بالهمزة كأعلمت ونبأت بالتضعيف كفرحت من فرح وإنما جريا مجرى أعلمت من حيث كان معناها الإخبار وكان الإخبار قريبا من الإعلام، وإلا فالأصل فيهما التعدي إلى مفعول واحد كقولك: أنبأت زيدا بكذا كأخبرت ثم حذف حرف الجر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللباب (¬1): المستعمل من ذلك بلا خلاف أعلم وأرى، فأما أنبأ ونبّأ فإلى واحد بنفسه وإلى ثان بحرف جر وأخبر وخبر وحدّث كنبّأ وإنما تعدت إلى ثلاثة تشبيها بأعلم وقد ذهب بعضهم إلى أن «أنبأ» تتعدى إلى اثنين بنفسها مستدلّا بقوله مَنْ أَنْبَأَكَ هذا (¬2) ولا دليل فيه لأن استعماله بحرف الجر أكثر (¬3). لكن قال الشيخ: ما قرره المصنف من أن هذه الأفعال الأربعة لا تلحق في التعدي بأعلم يعكس على استدلاله أن «أعلم» يحذف فيها التعليق مستدلا بقوله تعالى: يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ (¬4) ويقول الشاعر: 1191 - حذار فقد نبّئت إنّك للّذي ... ... البيت (¬5) لأن نبأ هذه المعلقة ليست تتعدى إلى ثلاثة إذ لم يثبت لها ذلك، فلا يكون في تعليقه على صحة ثبوته دليل على تعليق أعلم وأرى، قال: فقد ناقض المصنف في الاستدلال على أن التعليق يجوز فيما يتعدى إلى ثلاثة وهذا تناقض واضح (¬6). انتهى. وأقول: لا تناقض في كلام المصنف [2/ 224] لأنه لم يدع أن «ينبئكم» في الآية الشريفة متعدية إلى ثلاثة فيلزمه ما ألزمه به وإنما ذكر أنها معلقة عن العمل، وليس من شرط الفعل المعلق التعدي لا إلى ثلاثة ولا إلى أقل منها بل المعتبر أن يكون من أفعال القلوب موافقا في المعنى أو مقاربا للأفعال التي تعلق في هذا الباب وقد قال المصنف: إن «ينبئكم» بمعنى يعلمكم يعني أننا نستفيد من هذا المعنى الذي تستفيده من تلك، فكما نقول: إذا علق «ينبئكم» وهو بمعنى «يعلمكم» اتجه لنا أن نعلق يعلمكم لأن المسوغ لتعليق «ينبئكم» إنما هو كونه بمعنى يعلمكم، ويدل على أن هذا مراده في «ينبئكم» إدراجه في التمثيل قوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (¬7) ولا شك أن «أدرى» ليس من الأفعال السبعة المذكورة في هذا - ¬

_ - فيقال: أنبأته كذا كقوله تعالى: مَنْ أَنْبَأَكَ هذا الأصل بهذا». اه. (¬1) هو أبو البقاء العكبري صاحب كتاب اللباب في علل البناء والإعراب والمتوفى سنة (616 هـ) (¬2) سورة التحريم: 3. (¬3) اللباب في علل البناء والإعراب (ص 201) رسالة بجامعة القاهرة. (¬4) سورة سبأ: 7. (¬5) تقدم. (¬6) التذييل (2/ 1108). (¬7) سورة الانفطار: 17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفصل تعدية إلى ثلاثة وقد حصل لها التعليق لكونها بمعنى أعلم فتبين أن المصنف لم يقصد أن هذين الفعلين محكوم بتعديهما إلى ثلاثة وإن كان قد حكم بأنهما معلقان. ومنها: أن الشيخ ذكر عن الحريري أنه ذكر في شرح الملحة له فيما يتعدى إلى ثلاثة «علم» المنقولة بالتضعيف من علم المتعدية إلى اثنين، قال: والذي ذكره أصحابنا أن «علم» المتعدية إلى اثنين لم تنقل إلا بالهمزة وإن «علم» المتعدية لواحد لا تنقل بالتضعيف ليفوق بذلك بين المعنيين ولم يوجد «علم» متعدية إلى ثلاثة في لسان العرب (¬1). ومنها: أن العرب قالوا: «أريت» مبنيّا للمفعول بمعنى أظننت و «أريت» لم ينطق لها بفعل مبني للفاعل متعدّ إلى ثلاثة فهو مبني من فعل مسند للفاعل لم ينطق به، ولم ينطق أيضا بـ «أظننت» التي «أريت» بمعناها وحكم الماضي حكم المضارع في ذلك فتقول: أرى زيد ذاهبا وترى زيدا ذاهبا (¬2). قال الشيخ: وقد نص سيبويه وغيره من النحويين على أنه فعل بني للمفعول ولم يبن للفاعل (¬3) وهو في معنى الظن ولا يكون المفعول الأول لها إلا ضمير متكلم ماضيا كان الفعل أو مضارعا نحو أريت وأرى ونري وقد يكون ضمير مخاطب نحو قولهم: كم ترى الحروريّة رجلا ونحو قوله تعالى: وَتَرَى النَّاسَ سُكارى (¬4) في قراءة (¬5) من ضم التاء (¬6). * * * ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1103) وقد بحثت عن هذا النص في شرح الملحة للحريري فلم أجده، وقد ذكر الدكتور أحمد قاسم في تحقيقه لشرح الملحة هذا الرأي للحريري نقلا عن السيوطي في الهمع. ينظر شرح ملحة الإعراب للحريري (ص 13) تحقيق د. أحمد قاسم. (¬2) ينظر شرح الألفية للمرادي (1/ 398). (¬3) ينظر الكتاب (1/ 43). (¬4) سورة الحج: 2. (¬5) في معاني القرآن للفراء (2/ 215)، وقد ذكر أن بعض القراء قرأ «وترى النّاس» وهو وجه جيد يريد: مثل قولك: رأيت أنك قائم ورأيتك قائما فتجعل سكارى في موضع نصب لأن «ترى» تحتاج إلى شيئين تنصبهما كما تحتاج ظن. اه. (¬6) التذييل (2/ 1113).

الباب الثامن عشر باب الفاعل

الباب الثامن عشر باب الفاعل [تعريفه] قال ابن مالك: (وهو المسند إليه فعل أو مضمّن معناه، تامّ مقدّم فارغ غير مصوغ للمفعول). قال ناظر الجيش: إنما قال: (المسند إليه)، ولم يقل: الاسم المسند إليه؛ لأن الفاعل يكون اسما نحو تبارك الله، وغير اسم نحو قوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ (¬1)، وأَ وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (¬2)، وكقول الشاعر: 1192 - يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي ... وكان ذهابهنّ له ذهابا (¬3) [2/ 225] هكذا قال المصنف (¬4)، ولو قال: الاسم يشمل الأقسام أيضا؛ لأن ما أوّل باسم فهو اسم؛ لأن الاسم: إما صريح، وإما مؤول، ثم المسند إلى الفاعل: إما فعل، أو مضمّن معناه؛ فالفعل نحو: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ (¬5) والمضمن معناه نحو: مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ (¬6). 1193 - وهيهات هيهات العقيق وأهله (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة الحديد: 16. (¬2) سورة فصلت: 53. (¬3) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في شرح الفصل لابن يعيش (1/ 97، 8/ 142)، والتذييل (2/ 1117)، والتصريح (1/ 268)، والهمع (1/ 81)، والدرر (1/ 54). والشاهد قوله: «يسر المرء ما ذهب الليالي»؛ حيث جاء الفاعل مصدرا مؤولا من «ما والفعل» والتقدير: «ذهاب الليالي». (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 105) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ بدوي المختون. (¬5) سورة يوسف: 92. (¬6) سورة النحل: 13. (¬7) صدر بيت من الطويل لجرير عجزه: وهيهات خلّ بالعقيق نواصله وهو في الخصائص (3/ 42)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 35)، والمقرب (1/ 134)، وأوضح المسالك (2/ 140)، والإيضاح للفارس (1 / 165)، وشذور الذهب (ص 479)، وقطر الندى (2/ 106)، والعيني (3/ 7)، (4/ 311)، والهمع (2/ 111)، والدرر (2/ 145)، والتصريح (1/ 318)، (2/ 199)، وديوان جرير (ص 479)، وقد نسب البيت للمجنون أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: 1194 - أمن رسم دار مربع ومصيف ... لعينيك من ماء الشّؤون وكيف (¬1) وقوله تعالى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ (¬2) على أحد الوجهين (¬3). قال المصنف: وهو أحسنهما، ثم لما كان المسند إليه يشمل الفاعل وغيره ذكر المصنف قيودا للمسند يخرج بها غير الفاعل، والقيود التي ذكرها أربعة وهي: كونه (تامّا مقدما فارغا غير مصوغ للمفعول). فاحترزنا بتام عن اسم كان؛ فإنه ليس فاعلا لكون المسند إليه ناقصا، وقد سماه سيبويه فاعلا والخبر مفعولا على سبيل التوسع (¬4)، واحترز بمقدّم من نحو زيد من: «زيد قائم» أو «زيد قام»، فإن المسند فيهما إلى زيد ليس مقدما عليه فلا يكون فاعلا، وسيأتي بيان كون كل من: «قائم وقام» مسندا إلى المبتدأ، واحترز بفارغ عن المبتدأ إذا قدم خبره وفيه ضمير نحو: قائم زيد، وقوله تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (¬5) على القول بأن الذين ظلموا مبتدأ مقدم خبره (¬6)، واحترز بغير - ¬

_ - والشاهد قوله: «هيهات العقيق»؛ حيث أسند «هيهات» إلى الفاعل وهو «عقيق» وهيهات مضمن معنى الفعل وليس فعلا. (¬1) البيت من بحر الطويل وهو مطلع قصيدة للحطيئة في مدح سعيد بن العاص وهو وال على المدينة بدأها بالغزل. اللغة: المربع والمصيف: وقت الربيع والصيف، والشؤون: مجاري الدموع، الوكيف: سقوط الدمع والقطر، ويستشهد به على رفع مربع ومصيف فاعلا بالظرف. والبيت في: شرح التسهيل (3/ 118)، وابن يعيش (6/ 62)، وديوان الحطيئة (ص 81) (دار صادر). (¬2) سورة البقرة: 19. (¬3) أي على كون «صيب» صفة بمعنى نازل أو منزل وهو أحد الوجهين فيها، والوجه الآخر هو كونها اسم جنس. ينظر: روح المعاني (1/ 144). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 45). (¬5) سورة الأنبياء: 3. (¬6) هذا القول أحد الأقوال التي ذكرت في إعراب هذه الآية، وقد ذكر العكبري هذه الأقوال مفصلة في كتاب: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 130) يقول: «قوله تعالى: الَّذِينَ ظَلَمُوا في موضعه ثلاثة أوجه: أحدها: الرفع، وفيه أربعة أوجه: أحدها: أن يكون بدلا من الواو في أسروا، والثاني: أن يكون فاعلا، والواو حرف للجمع لا اسم، والثالث: أن يكون مبتدأ والخبر هَلْ هذا، والتقدير: يقولون هل هذا، والرابع: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي: هم الذين ظلموا، والوجه الثاني: أن يكون منصوبا على إضمار أعني، والثالث: أن يكون مجرورا صفة للناس». اه وينظر: الكشاف (2/ 40) فقد ذكر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مصوغ للمفعول عن المفعول النائب عن الفاعل نحو: ضرب زيد منزوعا ثوبه؛ لأنه ليس فاعلا عند أكثر النحويين (¬1). قال المصنف: وقد اضطر الزمخشري إلى تسميته مفعولا بعد أن جعله فاعلا (¬2)، هذا آخر الكلام على الحد المذكور (¬3). وقد ناقش الشيخ المصنف في أمرين وهما: 1 - تقييد المسند بكونه مقدما وبكونه فارغا فقال في مقدم: هذا حكم من أحكام الفاعل فذكره في الحد لا يناسب، إنما يحد بالأشياء الذاتية، قال: ولكونه حكما وقع فيه الخلاف بين البصريين والكوفيين كما سيأتي (¬4). وقال في فارغ: إنه غير محتاج إليه؛ لأن قائم من قولنا: «قائم زيد»؛ لم يسند إلى زيد إنما أسند إلى ضميره، وكذلك: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا (¬5). وحاصله: أنه متى تقدم الخبر وهو اسم مضمن معنى الفعل وجب كونه مسندا إلى ضمير ذلك المبتدأ، وإذا كان مسندا إلى الضمير يتعذر إسناده إلى الفاعل، فإذا لا احتياج إلى قوله: (فارغ) (¬6). والجواب عن الأول: أن يقال: إن تعريف الأمور بحسب الاصطلاحات في كل فنّ ليس تعريفا ذاتيّا لها، فيجب فيه ذكر الأمور الذاتية، إنما هو تعريف لها بحسب الاسم، والتعريف بحسب الاسم المعتبر فيه أن يذكر ما يعرف به ذلك الأمر بالنسبة إلى اصطلاح ذلك الفن المستعمل هو فيه، ولا شك أن مما يعرف به الفاعل ويتميز به عن غيره تقدم [2/ 226] ما أسند الفعل إليه وقدم عليه. وقد ذكر قيد التقديم غير المصنف؛ فقال ابن عصفور: الفاعل هو اسم مقدم عليه ما أسند إليه، وقال ابن الحاجب: الفاعل ما أسند الفعل إليه (¬7). ¬

_ - هذا الوجه الذي ذكره المصنف هنا فقال: أو هو مبتدأ خبره وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قدم عليه. اه. وتلحظ من نص العكبري أنه لم يذكر هذا الوجه الذي ذكره المصنف ضمن أوجه الرفع التي ذكرها في الآية. (¬1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 3). (¬2) ينظر: المفصل للزمخشري (ص 258). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 106). (¬4) التذييل (2/ 1119). (¬5) سورة الأنبياء: 3. (¬6) التذييل (2/ 1123). (¬7) من أول قوله: (وقد ذكر قيد التقديم) إلى قوله: (ما أسند الفعل إليه) ساقطة من (أ). ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 53)، وشرح الجمل (1/ 157) لابن عصفور أيضا، وشرح الكافية للرضي (1/ 70).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعن الثاني: أن يقال: الإسناد كما يكون إلى الفاعل يكون إلى المبتدأ، والذي يسند إلى المبتدأ هو الخبر، وإذا كان الخبر مسندا فلفظ المسند صادق عليه، وإذا كان كذلك؛ فقول المصنف: (وهو المسند إليه فعل أو مضمّن معناه) يصدق على «زيد» من نحو: قائم زيد، أنه مسند إليه ما ضمن معنى الفعل (¬1) وعلى الَّذِينَ ظَلَمُوا (¬2) أنه مسند إليه فعل (¬3)، وقد قدم المسند عليهما، فلو اقتصر على ما تقدم لزم أن يكون «زيد» والَّذِينَ ظَلَمُوا فاعلين، ولا شك في أنهما مبتدآن فوجب إخراجهما فأخرجهما بقوله: (فارغ)؛ لأن قائما وإن كان مسندا مقدما فليس فارغا، وكأن الشيخ قصر الإسناد على الإسناد إلى الفاعل فتوجهت له المناقشة. ويدل على أن الموجب للمصنف الاحتراز بقوله: فارغ، ما قلته تقييد ابن عصفور تقديم المسند على المسند إليه بقوله: (لفظا ورتبة) (¬4)، فأخرج بقوله: (ورتبة) نحو: منطلق زيد؛ لأن منطلقا وإن تقدم لفظا مؤخر رتبة؛ فلو لم يصدق على منطلق في هذا التركيب أنه مسند إلى زيد لم يحتج إلى قوله: (ورتبة). لكن هاهنا بحث: وهو أنه قد ينازع في الفعل نحو: وَأَسَرُّوا (¬5) فيقال: إنه ليس مسندا إلى المبتدأ إنما المسند إليه الجملة بتمامها وهو متجه. وقد يقال في جوابه: إذا كانت الجملة مسندة صدق أن الفعل الذي هو جزء الجملة مسند أيضا وفيه نظر وبعد، فإن تم هذا البحث فيكون الاحتراز حينئذ إنما هو عن نحو: قائم زيد، لكن كلام المصنف شامل للاسم والفعل، وقد مثل بهما فدل تمثيله على أنهما مرادان، وإذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف لما ذكر أن الفاعل يكون غير اسم وأنشد: 1195 - يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي ... .... البيت (¬6) أنشد قول الشاعر: 1196 - ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها ... أم بلت حيث تلاطم البحران (¬7) - ¬

_ (¬1) وهو «قائم»؛ لأنه اسم فاعل. (¬2) سورة الأنبياء: 3. (¬3) وهو قوله تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى. (¬4) ينظر: المقرب (1/ 53). (¬5) سورة الأنبياء: 3. (¬6) تقدم ذكره. (¬7) البيت من الكامل وهو للفرزدق، وهو في: الأمالي الشجرية (1/ 266)، والتذييل (2/ 1117)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحكم بأن «أهجوتها أم بلت» بمنزلة «ما ذهب الليالي» واقتضى هذا أن «أهجوتها» مؤول باسم هو الفاعل، كما أن «ما ذهب الليالي» كذلك، وحينئذ يحصل إشكال؛ لأنه ليس معنا حرف مصدري ينسبك منه ومما بعده اسم يكون هو الفاعل، حتى جعل الشيخ أن هذا من المصنف يدل على موافقته القائلين بأن الفاعل يصح أن يكون فعلا، والظاهر أن المصنف لم يعرج على شيء من ذلك، ولا يجيز أن يكون الفاعل غير اسم وإنما حكم المصنف على «أهجوتها» بما حكم به على «ما ذهب الليالي» من أجل أن الهمزة فيه للتسوية كما هي بعد ما أبالي، ولا شك أن المصدر يصح حلوله محل الجملة الواقعة بعد الهمزة المذكورة كما في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬1)؛ إذ المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه [2/ 227] وكذلك إذا قلت: ما أبالي أذهب زيد أم مكث، المعنى: ما أبالي بذهاب زيد ومكثه (¬2)، وكذا المعنى في البيت: ما ضرّ تغلب وائل هجوك إياها وبولك؛ إذ المعنى استواء الأمرين عندهما، فكما أن قوله: حيث تلاطم البحران لا يضرها، كذلك هجوه إياها لا يضرها أيضا (¬3). أما المسألة التي أشار إليها الشيخ فلم تجر للمصنف ببال، غير أن المنقول أن من النحاة من يجيز ذلك، قال ابن عصفور بعد أن ذكر أن الفاعل لا يكون إلا اسما: هذا مذهب الفارسي والمبرد وجمهور البصريين؛ لأن وقوع الجملة عندهم في موضع الفاعل غير سائغ، وهو الصحيح (¬4). وذهب جماعة من الكوفيين منهم هشام وأحمد بن يحيى إلى أن وقوعها في - ¬

_ - والخزانة (2/ 501) عرضا، والحيوان للجاحظ (1/ 13)، والبيان والتبيين (3/ 248). وديوان الفرزدق (ص 882). والشاهد قوله: «ما ضر تغلب وائل أهجوتها أم بلت»؛ حيث جاء الفاعل مصدر مؤولا بلا سابك لوقوع الجملة بعد همزة التسوية، والتقدير: ما ضر تغلب وائل هجوك إيّاها وبولك حيث تلاطم البحران. (¬1) سورة البقرة: 6. (¬2) ينظر: الكتاب (3/ 170). (¬3) ينظر: الأمالي الشجرية (1/ 266). (¬4) لم يصرح ابن عصفور في المقرب ولا في شرح الجمل بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد وجمهور البصريين كما قال الشارح هنا، وربما يكون قد قال هذا في كتاب آخر يقول ابن عصفور في المقرب (1/ 53): «الفاعل هو اسم أو ما في تقديره متقدم عليه ما أسند إليه لفظا أو نيّة على طريقة فعل أو فاعل». ويقول في شرح الجمل (1/ 157) - طبعة العراق -: «الفاعل هو كل اسم أو ما هو في تقديره أسند -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع الفاعل سائغ وأجازوا: يعجبني يقوم زيد، وظهر لي أقام زيد أم عمرو، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (¬1)، ففاعل بَدا عندهم الجملة التي هي لَيَسْجُنُنَّهُ. وبقول الشاعر: 1197 - وما راعني إلّا يسير بشرطة ... وعهدي به قينا يغشّ يكير (¬2) ففاعل راع عندهم الجملة التي هي: يسير بشرطة (¬3)، وذهب الفراء وجماعة من النحويين إلى أن وقوع الجملة في موضع الفاعل لا يسوغ إلا أن يكون في موضع فاعل فعل من أفعال القلوب ويكون الفعل إذ ذاك علق عليها، فأجاز أن يقال: ظهر لي أقام زيد أم عمرو، ولم يجيزوا: يعجبني يقوم زيد، فإن جاء عندهم ما ظاهره ذلك تأولوه (¬4)، وقد نسب هذا القول إلى سيبويه (¬5)، والصحيح أن وقوع الجملة - ¬

_ - إليه فعل أو ما جرى مجراه وقدم عليه على طريقة فعل أو فاعل - ثم قال: فالفاعل إذن لا يكون إلا اسما، و «أنّ»، و «أن»، و «ما» مع ما بعدهن، خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا، واحتج بقوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون فاعل بَدا ضمير المصدر الدال عليه وهو البداء، كأنه قال: ثم بدا لهم هو، أي: البداء» اه. من هذا النص الثاني يتضح لنا عدم تصريح ابن عصفور بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد والبصريين، وربما يكون الشارح قد قال ذلك على قول ابن عصفور: خلافا لمن أجاز أن يكون الفاعل فعلا؛ لأن هذا رأي الكوفيين ومن تبعهم. (¬1) سورة يوسف: 35. (¬2) البيت من الطويل وهو لمعاوية الأسدي، وهو في: الخصائص (2/ 434)، والتذييل (2/ 1116)، والخزانة (2/ 442)، والعيني (4/ 400)، وابن يعيش (4/ 27)، والمغني (2/ 428)، وشرح شواهده (2/ 840)، وحاشية الخضري (1/ 159). والشاهد قوله: «وما راعني إلا يسير»؛ حيث وقع الفعل في الظاهر مسندا لفعل آخر وهو «يسير» وقد أوله النحويون على تقدير «أن». (¬3) ينظر التذييل (2/ 1116)، والمغني (2/ 428). (¬4) ينظر الارتشاف (621)، والمغني (2/ 428)، والتصريح (1/ 268). (¬5) في الكتاب (3/ 110): «وقال: أظن لتسبقنّني، وأظن ليقومنّ؛ لأنه بمنزلة «علمت» وقال عزّ وجل: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ؛ لأنه موضع ابتداء ألا ترى أنك لو قلت: بدا لهم أيّهم أفضل، لحسن كحسنه في علمت، كأنك قلت: ظهر لهم أهذا أفضل أم هذا» اه. وقد ذكر الأستاذ هارون في هامش (3) من الصفحة نفسها أنه قد جاء في نسختين أخريين من نسخ الكتاب زيادة بعد بدا فقال: «بعده في كل من (أ، ب): بدا لهم فعل، والفعل لا يخلو من فاعل، ومعناه عند النحويين أجمعين: بدا لهم بدوّ قالوا: ليسجننه، وإنما أضمروا البدو؛ لأنه مصدر يدل عليه قوله: بدا لهم، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موقع الفاعل لا يسوغ بدليل أنه لا يوجد في كلامهم: يعجبني يقوم زيد، ولا صح: أقام زيد أم لم يقم، يريد: يعجبني قيام زيد، وصح ما كان من قيام زيد أو عدمه، وما استدلوا به مؤول. أما فاعل بَدا من قوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ (¬1) فقال أبو عثمان: هو مضمر في الفعل، المعنى: ثم بدا لهم بداء؛ فأضمر الفاعل لدلالة فعله عليه، وجاز هذا وحسن وإن لم يحسن أن يقول: ظهر لي ظهور، وعلن لي علن؛ لأن البداء والبدء قد استعملا على غير معنى المصدر. قالوا: بدا لهم بدء، أي: ظهر لهم رأي (¬2)، ويدل على ذلك قول الشاعر: 1198 - لعلّك والموعود حقّ لقاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء (¬3) والجملة التي هي لَيَسْجُنُنَّهُ (¬4) تحتمل ثلاثة أوجه: 1 - أن تكون في موضع مفعول لقول مضمر والتقدير: قالوا: ليسجننه، قاله أبو عثمان وذهب إليه المبرد. 2 - وأن تكون مفسرة لذلك الضمير المستتر في بَدا ولا موضع لها من الإعراب (¬5). 3 - أن تكون جوابا للجملة التي هي بَدا لَهُمْ؛ لأن بَدا من أفعال القلوب، وأفعال القلوب تجريها العرب مجرى القسم فتلقاها بما [2/ 228] يتلقى به القسم (¬6)، ومثل هذه الآية الشريفة قوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ - ¬

_ - وأضمر كما قال تعالى جده: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ولا يكون ليسجننه بدلا من الفاعل؛ لأنه جملة والفاعل لا يكون جملة» اه. وأعتقد أن ما جاء في هذا النص يبطل ما نسب سيبويه من أنه يجيز وقوع الجملة في موضع الفاعل إلا إذا كان فاعل فعل من أفعال القلوب. (¬1) سورة يوسف: 35. (¬2) ينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 53)، والأمالي الشجرية (1/ 305، 306)، والكشاف (1/ 387، 388). (¬3) البيت من الطويل وهو لمحمد بن بشير، وهو في: الأغاني (14/ 151)، والخصائص (1/ 340)، والأمالي الشجرية (1/ 306)، والمغني (2/ 388)، وشرح شواهده (2/ 810)، وشذور الذهب (ص 216)، والخزانة (4/ 37)، والتصريح (1/ 286)، والهمع (1/ 247)، والدرر (1/ 204)، وحاشية الخضري (1/ 159)، وحاشية الصبان (2/ 43). والشاهد قوله: «بدا لك بداء»؛ حيث أسند الفعل إلى مصدر. (¬4) سورة يوسف: 35. (¬5) ينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 53)، وحاشية الصبان (2/ 43)، والتصريح (1/ 268). (¬6) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 157) طبعة العراق، والمغني (3/ 400، 401).

[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل]

[من أحكام الفاعل: الرفع وتقديم الفعل] قال ابن مالك: (وهو مرفوع بالمسند حقيقة إن خلا من «من» و «الباء» الزّائدتين، وحكما إن جرّ بأحدهما أو بإضافة المسند، وليس رافعه الإسناد، خلافا لخلف. وإن قدّم ولم يل ما يطلب الفعل فهو مبتدأ، وإن وليه ففاعل فعل مضمر يفسّره الظّاهر، خلافا لمن خالف). ـــــــــــــــــــــــــــــ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ (¬1) ففاعل «يهدي» ضمير مضمر فيه عائد على المصدر المفهوم منه وكأنه قيل: أو لم يهد لهم هدايتنا، وساغ ذلك؛ لأن الهداية قد تستعمل استعمال الدلالة التي يراد بها الحجة على الشيء والبرهان، فكأنه قيل: أو لم يتبين لهم حجتنا، ويكون قوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا في موضع نصب بما دل عليه أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ لأنه بمنزلة: أولم يعلموا (¬2). وأما قول القائل: 1199 - وما راعني إلّا يسير بشرطة (¬3) فهو على إضمار «أن»؛ التقدير: إلا أن يسير (¬4). انتهى. ويبعد في النظر والفعل كون الجملة فاعلة، ولكن أقوال الأئمة لا تردّ وإنما ذكرت هذه المسألة استبعادي تصورها واعتقادي عدم صحتها؛ لئلا يخلو الكتاب عن ذكرها، فيظن عدم الاطلاع عليها. قال ناظر الجيش: أما كون الفاعل مرفوعا فمعروف قالوا: وإنما رفع الفاعل للفرق بينه وبين المفعول (¬5)، فإن قيل: لو عكس ذلك لحصل الفرق؟ أجيب: بأن هذا السؤال يفضي إلى الدور، وبأن الرفع أثقل من النصب، والفاعل لا يكون إلا واحدا، والمفعول متعدد، فأعطي الأثقل للواحد، والأخف للمتعدد؛ ليتعادلا (¬6)، ثم إنه إما مرفوع حقيقة أي لفظا ومعنى نحو: صدق الله، - ¬

_ (¬1) سورة السجدة: 26. (¬2) ينظر: المغني (1/ 183 - 184)، والكشاف (1/ 203)، وحاشية الشيخ يس على التصريح (1/ 268). (¬3) تقدم ذكره. (¬4) ينظر: حاشية الخضري (1/ 159)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 27). (¬5) ينظر: المقتضب (1/ 146)، والمرتجل (ص 118) تحقيق علي حيدر. (¬6) علل ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 162) لهذه المسألة بما علل به الشارح هنا إلا أن تعليله هناك يختلف مع تعليل الشارح هنا في الجزء الأخير. يقول ابن عصفور: «وإنما رفع الفاعل ونصب المفعول تفرقة بينهما، فإن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مرفوع حكما، أي: في المعنى دون اللفظ، وذلك في ثلاثة مواضع (¬1): أحدها: إذا جرّ بمن الزائدة نحو: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (¬2). الثاني: إذا جرّ بالباء الزائدة نحو: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (¬3). الثالث: إذا أضيف إليه المسند نحو قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ * (¬4). وإنما قال المصنف: (بإضافة المسند) ولم يقل: بإضافة المصدر؛ لأن المسند الصالح للإضافة قد يكون اسم مصدر كما يكون مصدرا، فالمصدر قد ذكر، وغير المصدر كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من قبلة الرّجل امرأته الوضوء» (¬5) فالرجل مجرور اللفظ مرفوع المعنى بإسناد «قبلة» إليه فإنها قائمة مقام تقبيل؛ لذا انتصب بها المفعول، وكذا المجرور بـ «من» «والباء» مرفوع معنى، ولو عطف أو نعت؛ لجاز في المعطوف والنعت الجر باعتبار اللفظ، والرفع باعتبار المعنى (¬6). وأما الرافع للفاعل فهو ما أسند إليه من فعل أو مضمن معناه، هذا هو المذهب الصحيح وعليه التعويل وهو رأي سيبويه فإنه قال: يرتفع المفعول كما يرتفع الفاعل [2/ 229] لأنك لم تشغل الفعل بغيره، وفرغته له كما فعلت ذلك بالفاعل (¬7). وهذا الكلام ظاهر في أن الرافع للفاعل هو: الفعل المسند إليه وهو الحق؛ لأن - ¬

_ - قيل: فهلا كان الأمر بالعكس؟ فالجواب: أن الفعل لما كان يطلب جملة من المفعولين أقلها خمسة وهي: المفعول المطلق، والمفعول معه، وظرف الزمان، وظرف المكان، والمفعول من أجله، وأكثرهم ثمانية، وذلك إذا كان الفعل من باب ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين، ولا يطلب من الفاعلين إلا واحدا نصب طلبا للتخفيف ولم يرفع ولم يخفض؛ لئلا يتوالى به الثقل، فلما استحق المفعول النصب لم يبق للفاعل إلا الرفع أو الخفض فكان الرفع به أولى من الخفض، حيث كان الرفع أولا والخفض ثانيا عنه، والفاعل أولى من حيث مرتبته إن تقدم على المفعول، فأعطى الأول للأول مناسبة» اه. وينظر: شرح السيرافي في الكتاب (2/ 220) تحقيق دردير أبو السعود، فتعليله متفق مع تعليل ابن عصفور، وتعليل الشارح، وينظر أيضا: المرتجل (ص 118) حيث علل صاحبه بهذا التعليل أيضا. (¬1) شرح التسهيل: (2/ 106). (¬2) سورة الحجر: 11. (¬3) سورة النساء: 166، وسورة الفتح: 28. (¬4) سورة البقرة: 251، وسورة الحج 40. (¬5) حديث شريف أخرجه الإمام مالك في الموطأ الحديث (67) من كتاب الطهارة. (¬6) ينظر: الهمع (1/ 160)، وأوضح المسالك (1/ 139)، والتصريح (1/ 270)، والأشموني (2/ 44). (¬7) الكتاب (1/ 33).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العامل بما به يتقوم المعنى المقتضي. وقد قيل في الرافع للفعل أقوال غير ذلك لا معول على شيء منها. فمنها: أنه الإسناد، وهو الذي ذكر المصنف أنه مذهب خلف (¬1)، ورده بأن الإسناد نسبة بين المسند والمسند إليه وليس عملهما في أحدهما بأولى من عملها في الآخر، وبأن العمل لا ينسب إلى المعنى إلا إذا لم يوجد لفظ صالح للعمل، والفعل موجود فلا عدول عنه. ومنها: أن الرافع هو شبهه بالمبتدأ، وذلك أنه يخبر عنه بفعله كما أن المبتدأ يخبر عنه بالخبر، ويرد هذا بأن الشّبه معنى، والعمل لا ينسب إلى المعنى مع وجود لفظ يمكن عمله كما تقدم على أن هذا القول إنما يتم على قول من يقول: إن المبتدأ أصل في المرفوعات. ومنها: أن الرافع له كونه فاعلا في المعنى، وهذا في غاية الوهن بدليل أن نحو «زيد» في «ما قام زيد» فاعل وهو لم يفعل شيئا (¬2)، ومثل هذه الأقوال لا ينبغي التشاغل بها. وأما قول المصنف: (وإن قدم ولم يل ما يطلب الفعل فهو مبتدأ) إلى آخره، فاعلم أنه قد عرف من جعله تقديم المسند إلى الفاعل قيدا في الحد أن الفاعل لا يتقدم، فعلى هذا إذا أتي باسم مقدم على شيء صالح أن يكون الاسم فاعلا له أخّر عنه، وجب أن لا يكون ذلك الاسم مبتدأ، ولا شك أن هذا عرف من التقييد بالتقديم في الحد، لكن إنما أعاد المصنف ذكره لفائدتين. إحداهما: التنبيه على خلاف الكوفيين، وأنهم يجيزون تقديم الفاعل على - ¬

_ (¬1) هو خلف الأحمر البصري أبو محرز بن حيان مولى بن أبي برده، كان رواية ثقة علامة يسلك مسلك الأصمعي وطريقه، حتى قيل: هو معلم الأصمعي، وهو والأصمعي فتقا المعاني وأوضحا المذاهب وبينا المعالم، قيل: إنه كان يختم القرآن كل ليلة. من تصانيفه: جبال العرب وما قيل فيها من الشعر، وله ديوان شعر حمله عنه أبو نواس، توفي خلف في حدود الثمانين ومائة. بغية الوعاة (1/ 554) تحقيق محمد أبو الفضل. (¬2) ينظر هذه الأقوال في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 165، 166) طبعة العراق، وشرح الرضي على الكافية (1/ 71)، والتصريح (1/ 269)، والهمع (1/ 159)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 8).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أسند إليه. الثانية: أن الاسم الذي أشير إليه بأنه إذا قدم يكون مبتدأ، إنما يكون كذلك إذا لم يل ما يطلب الفعل، أما إذا ولي الاسم ما يطلب الفعل فإنه يتعين فيه كونه فاعلا لفعل مضمر على المذهب المختار (¬1). قال المصنف (¬2): وإن قدم الاسم على الفعل أو ما ضمن معناه صار مرفوعا بالابتداء، وبطل عمل ما تأخر فيه؛ لأنه تعرض بالتقديم لتسلط العوامل عليه كقولك في زيد قائم: إن زيدا قائم؛ فتأثر «زيد» بـ «إنّ» دليل على أن الفعل شغل عنه بفاعل مضمر، وأنّ رفع «زيد» إنما كان بالابتداء وهو عامل ضعيف، فلذلك انتسخ عمله بعمل «إن»؛ لأن اللفظ أقوى من المعنى، ولو كان الفعل غير مشغول بمضمر حين أخر، كما كان حين قدم لم يلحقه ألف الضمير ولا واوه ولا نونه في نحو: الزيدان قاما، والزيدون قاموا [2/ 230]، والهندات قمن. كما لا تلحقه في نحو: قام الزيدان، وقام الزيدون، وقامت الهندات إلا في لغة ضعيفة (¬3)، وإن كان الاسم المتقدم على الفعل مسبوقا بما يطلب الفعل فهو فاعل فعل مضمر يفسره الظاهر المتأخر نحو: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (¬4)، وكقول الشاعر: 1200 - فمتى واغل ينبهم يحيّو ... هـ وتعطف عليه كأس السّاقي (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (1/ 159)، والبهجة المرضية للسيوطي (ص 46)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 83)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 4، 5)، وشرح الألفية للمكودي (ص 71)، وأوضح المسالك (1/ 130)، والتصريح (1/ 271)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (1/ 161)، والأشموني (2/ 46)، وشرح عمدة الحافظ (ص 85). (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 107). (¬3) يقصد لغة «أكلوني البراغيث». (¬4) سورة التوبة: 6. في معاني القرآن للأخفش (1/ 217): «وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فابتدأ بعد إن، وأن يكون رفع أحدا على فعل مضمر أقيس الوجهين؛ لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها إلا أنهم قالوا ذلك في «إن» وحسنها إذا وليتها الأسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ» اه. (¬5) البيت من الخفيف وهو لعدي بن زيد العبادي، وهو في: الكتاب (3/ 113)، والمقتضب (2/ 74)، والأمالي الشجرية (1/ 332)، والإنصاف (2/ 617)، وابن يعيش (9/ 10)، وأصول النحو لابن السراج (2/ 242)، والتذييل (2/ 1127)، والخزانة (1/ 456)، (3/ 639)، والهمع (2/ 59)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزعم بعض الكوفيين (¬1) أن تأخر المسند لا يخل برفعه المسند إليه، واستدل من ذهب إلى هذا بقول امرئ القيس: 1201 - فقل في مقيل نحسه متغيّب (¬2) ويقول الزباء: 1202 - ما للجمال سيرها وئيدا (¬3) وزعم أن التقدير: فقل في مقيل متغيب نحسه، وما للجمال وئيدا سيرها، والجواب عن الأول من وجهين: أحدهما: أن يكون قائله أراد بنحسه متغيّبي بياء المبالغة كقولهم في أحمر: أحمري، ودوار: دواري، وخفف الباء في الوقف كما قال الآخر في إحدى الروايتين: - ¬

_ - والدرر (2/ 75) وملحقات ديوانه (ص 156). والشاهد قوله: «فمتى واغل ينبهم»؛ حيث تقدم الاسم وهو قوله: «واغل» وولي اسم الشرط وهو «متى» فأعرب فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور. (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 108). (¬2) عجز بيت من الطويل وصدره: فظلّ لنا يوم لذيذ بنعمة والبيت في مجالس العلماء للزجاجي (ص 319)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 160) وديوانه (ص 40) طبعة السندوبي، وشرح المقرب لابن عصفور (ص 4). اللغة: المقيل: اسم مكان من القيلولة وهي الظهيرة، قل: فعل أمر من: قال، يقيل. والشاهد قوله: «نحسه متغيب»؛ حيث تأخر المسند ومع ذلك رفع المسند إليه وذلك على رأي بعض الكوفيين الذين يزعمون أن تأخر المسند لا يخل برفعه المسند إليه، والتقدير عندهم: متغيب نحسه. (¬3) البيت من الرجز وقد نسبه العيني في شرح الشواهد للخنساء وبعده: أجندلا يحملن أم حديدا وينظر في أمالي الزجاجي (ص 166)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 159) طبعة العراق، والكامل للمبرد (ص 279)، ومجمع الأمثال للميداني (1/ 236)، والمغني (2/ 582)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 718، 912)، والعيني (2/ 448)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 73، 424)، والتذييل (2/ 1121)، والخزانة (3/ 272)، والتصريح (1/ 271)، والأشموني (2/ 46)، والهمع (1/ 159)، والدرر (1/ 141). والشاهد قوله: «سيرها وئيدا» على رواية من رفع «سيرها»، وأصله: «وئيدا سيرها»، فـ «سيرها» فاعل بقوله: «وئيدا» ثم قدم وبقي على فاعليته، وهذا على مذهب الكوفيين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1203 - زعم الغداف بأنّ رحلتنا غدا ... وبذاك خبّرنا الغراب الأسود لا مرحبا بغد ولا أهلا به ... إن كان تفريق الأحبّة في غد (¬1) ويروى الغراب الأسود، على الإقواء. والثاني: أن مقيلا اسم مفعول من قلته بمعنى أقلته أي: فسخت عقد مبايعته فاستعمله موضع متروك مجازا (¬2)، وهو قول ابن كيسان. والجواب عن الثاني: بأن يجعل سيرها مبتدأ ويضمر خبر ناصب وئيدا كأنه قيل: ما للجمال سيرها ظهر وئيدا، أو ثبت وئيدا؛ فيكون حذف الخبر هنا والاكتفاء بالحال نظير قولهم: حكمك مسمطا (¬3)، وقد ينتصر لمجيز ارتفاع الفاعل بعامل متأخر بمثل قول الشاعر: 1204 - فمتى واغل ينبهم يحيّو ... هـ وتعطف عليه كأس السّاقي (¬4) فيقال: واغل إما مرفوع بمضمر يدل عليه المتأخر أو بالمتأخر، وارتفاعه بمضمر ممتنع لاستلزامه إعمال أداة الشرط في فعلين قبل الجواب، وليس الثاني تابعا للأول فتعيّن ارتفاعه بالمتأخر. والجواب: أن المحذوف في مثل هذا لما التزم حذفه وجعل المتأخر عوضا منه صار نسيا منسيّا، فلم يلزم من نسبة العمل إليه وجود جزمين قبل الجواب. على أنه لو جمع بينهما على سبيل التوكيد لم يكن في ذلك محذور؛ فأن لا يكون محذور في تعليق الذهن بهما وأحدهما غير منطوق به ولا محكوم بجواز - ¬

_ (¬1) البيتان من الكامل وهما للنابغة الذبياني وينظر فيهما الخصائص (1/ 240)، والتذييل (2/ 1121)، برواية «البوارح» مكان «الغداف»، والهمع (1/ 99)، والدرر (1/ 75) وديوانه (ص 38) طبعة بيروت. والشاهد قوله: «خبرنا الغراب الأسود»؛ حيث خفف ياء النسب لأجل الوقف وياء النسب هذه دخلت الصفة لأجل المبالغة وذلك على إحدى الروايتين في البيت، والرواية الأخرى هو أنه يروى «الغراب الأسود» بضم الدال، وقيل: إن الشاعر غير هذه الرواية إلى «وبذلك تنعاب الغراب الأسود» ولا شاهد على هذه الرواية. (¬2) خرج ابن عصفور هذا البيت في شرح الجمل (1/ 160) فقال: «فنحسه مرفوع بمقيل، ومقيل مصدر وضع موضع اسم الفاعل، كأنه قال: قائل نحسه، ويكون معناه ومعنى متغيب واحد» اه. (¬3) فحكمك مبتدأ حذف خبره؛ لسد الحال مسده أي: حكمك لك مثبتا. التصريح (1/ 271). (¬4) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النطق به أحق وأولى، وأجاز الأعلم وابن عصفور رفع وصال بيدوم في قول الشاعر (¬1): 1205 - .. وقلّما ... وصال على طول الصّدود يدوم (¬2) لا بفعل مضمر ويكون هذا من الضروريات (¬3)، وأجاز الأخفش رفع المقدم بعد إن، وأن يكون رفع [2/ 231] أحد على فعل مضمر أقيس الوجهين (¬4)، قال: وقد زعموا أن قول الشاعر (¬5): 1206 - أتجزع نفسي إن أتاها حمامها (¬6) - ¬

_ (¬1) نسب البيت في سيبويه (1/ 31)، (3/ 115) لعمر بن أبي ربيعة وقد نسبه الأعلم الشنتمري والبغدادي للمرار الفعقسي. (¬2) البيت من الطويل وهو في الكتاب (1/ 31)، (3/ 115)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 105)، والمقتضب (1/ 222)، والمنصف (1/ 191)، (2/ 69)، والمحتسب (1/ 96)، والأمالي الشجرية (2/ 139)، والإنصاف (1/ 144)، وابن يعيش (4/ 43)، (7/ 116)، (8/ 132)، (10/ 76)، والتذييل (2/ 1129، 1130)، وأصول النحو لابن السراج (2/ 243)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 160)، والمغني (1/ 307)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 717)، والخزانة (4/ 287)، والتصريح (1/ 219)، والهمع (2/ 83)، والدرر (2/ 107، 240) وملحقات ديوان عمر بن أبي ربيعة (ص 494). وصدر البيت: صددت فأطولت الصدود. والشاهد قوله: «وقلما وصال ... يدوم»؛ حيث رفع وصال وهو فاعل «يدوم» مقدم عليه، والأصل: وقلما يدوم وصال، وهذا على رأي الأعلم وابن عصفور اللذين جعلا ذلك من الضروريات، وقد أجاز الكوفيون ذلك مطلقا. (¬3) ينظر تحصيل عين الذهب بهامش الكتاب (1/ 12) طبعة الأميرية، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 160) طبعة العراق. (¬4) ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 217). (¬5) نسب البيت في ذيل الأمالي لرجل من محارب، وفي شرح شواهد المغني لزيد بن رزبن بن الملوح المحاربي أخي بني بكر. (¬6) صدر بيت من الطويل وعجزه: فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع والبيت في المحتسب (1/ 281)، والتذييل (2/ 1128)، وذيل الأمالي (ص 150)، والمغني (1/ 149)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 436)، وسمط اللآلئ (ص 49)، والتصريح (2/ 16)، والهمع (2/ 22)، والدرر (2/ 15)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 217). ويروي البيت: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا ينشد إلا رفعا وقد سقط الفعل على شيء من سببه، وهذا قد ابتدئ بعد «إن»، وإن شئت جعلته رفعا بفعل مضمر هذا نصه (¬1)، وقد أشرت إلى هذا وغيره بقولي في آخر الفصل: خلافا لمن خالف. انتهى كلام المصنف (¬2). والمخالف هم الكوفيون؛ لأنهم أجازوا كون الاسم المقدم على الفعل فاعلا لذلك الفعل المؤخر كما عرفت، والأخفش؛ لأنه أجاز كون الاسم المرفوع الواقع بعد أدوات الشرط مبتدأ كما نقل المصنف وغيره عنه. واعلم أن الذي نسبه المصنف إلى الأعلم وابن عصفور في: 1207 - .. وقلّما ... وصال على طول الصّدود يدوم (¬3) هو قول سيبويه؛ لأنه جعله من باب (¬4) الاستقامة والإحالة بقوله: كي زيد يأتيك (¬5)، ولا وجه لهذا إلا تقديم الفاعل على الفعل فكذلك هذا، ولما ذكر سيبويه الحروف التي لا يليها إلا الفعل وذكر قلّما قال: وقد يقدّمون الاسم في الشعر، قال: 1208 - صددت فأطولت الصّدود وقلّما ... وصال على طول الصّدود يدوم (¬6) انتهى. وقلّما إذا لحقتها «ما» وكان معناها على النفي المحض لا على مقابلة كثر، اختصت بالفعل ولا يليها غيره إلا في الضرورة كما تقدم وهل هي حرف أو فعل، لهم في ذلك نظر، قالوا: والأظهر أنها فعل؛ لثبوت ذلك فيها قبل لحوق «ما» واستعمالها للنفي المحض لكنها لما استعملت استعمال ما لا يحتاج إلى فاعل لم يكن لها فاعل (¬7). ¬

_ - فهل أنت عمّا بين جنبيك تدفع والشاهد قوله: «إن نفسي أتاها حمامها»؛ حيث رفع «نفسي» بعد «إن» بالابتداء وهو مذهب الأخفش ويمكن أن تقدر فعلا موافقا في المعنى للفعل المفسر وتكون «نفسي» فاعلا به. والتقدير: إن ماتت نفسي أتاها حمامها. (¬1) معاني القرآن للأخفش (1/ 217). (¬2) ينظر: شرح التسهيل (2/ 110). (¬3) تقدم ذكره. (¬4) زاد في (ب) بعد قوله: لأنه جعله من «المستقيم القبيح الذي في غير موضعه، وقد مثل سيبويه المستقيم القبيح في باب الاستقامة». (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 31). (¬6) الكتاب (3/ 115). (¬7) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (8/ 132).

[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا]

[من أحكام الفاعل: تأنيث الفعل وجوبا وجوازا] قال ابن مالك: (ويلحق الماضي المسند إلى مؤنّث أو مؤوّل به أو مخبر به عنه أو مضاف إليه مقدّر الحذف تاء ساكنة، ولا تحذف غالبا إن كان ضميرا متّصلا مطلقا، أو ظاهرا متّصلا حقيقيّ التّأنيث غير مكسّر ولا اسم جمع ولا جنس، ولحاقها مع الحقيقيّ المقيّد المفصول بغير «إلّا» أجود، وإن فصل بها فبالعكس. وحكمها مع جمع التّكسير وشبهه، وجمع المذكّر بالألف والتّاء، حكمها مع الواحد المجازيّ التّأنيث، وحكمها مع جمع التّصحيح غير المذكور آنفا حكمها مع واحده، وحكمها مع البنين والبنات حكمها مع الأبناء والإماء، ويساويها في اللّزوم وعدمه تاء مضارع الغائبة ونون التّأنيث الحرفيّة). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): تاء التأنيث الساكنة مختصة من الأفعال بالماضي وضعا (¬2)؛ لأن الأمر مستغن بالياء والمضارع مستغن بها إن أسند إلى مخاطبة (¬3)، وبتاء المضارعة إن أسند إلى غائبة أو غائبين وكان حق تاء فعلت أن لا تلحق الفعل؛ لأن معناها للفاعل إلا أنه كجزء من الفاعل فجاز أن تدل على معنى فيه ما اتصل بما هو كجزء منه كما جاز أن يتصل بالفاعل [2/ 232] علامة رفع الفعل في يفعلان ويفعلون وتفعلين (¬4)؛ ولأن تأنيث لفظ الفاعل غير موثوق به، لجواز اشتراك المؤنث والمذكر في لفظ واحد كجنب، وربعة، وهمزة، وضحكة، وفروقة وراوية، وصبور، ومذكار، وقتيل؛ ولأن المذكر قد يسمى به مؤنث وبالعكس (¬5)، فاحتاطت العرب في الدلالة على تأنيث الفاعل بوصل الفعل بالتاء المذكورة؛ ليعلم - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 110). (¬2) ينظر: شرح الألفية للمرادي (1/ 40)، وحاشية يس على التصريح (1/ 40)، وشرح ابن عقيل (1/ 25). (¬3) ينظر: البهجة المرضية للسيوطي (ص 47)، والهمع (2/ 170). (¬4) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 85)، وسر صناعة الإعراب لابن جني (1/ 224، 225). (¬5) في المذكر والمؤنث للفراء (ص 118): «وقد ينعت العرب الرجل والمرأة فقالوا: رجل ربعة، وامراة ربعة، ورجل ملّة وامرأة ملّة للملول، ويقال: رجل ملولة، وامرأة ملولة، ورجل نظورة قومه، ونظيرة قومه، وكذلك المرأة، ورجل صرورة للذي لم يحج وامرأة صرورة، ورجل فروقة وفرّقة وفاروقة، والمرأة كذلك، ورجل هذرة، وامرأة هذرة، ورجل همزة لمزة، والمرأة كذلك إلخ». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من أول وهلة أن الفاعل أو ما جرى مجراه مؤنث، كقولك: ظهرت الجنب وكانت الربعة حائضا وثبتت الهمزة وجعلوا لحاقها في اللغة المشهورة لازما إن كان المسند إليه ضميرا متصلا حقيقي التأنيث أو مجازيّه كهند قامت، والدار حسنت، أو كان ظاهرا متصلا حقيقي التأنيث مفردا أو مثنى أو مجموعا جمع تصحيح، كقامت هند، وقعدت بنتاها، وذهبت عماتها (¬1). وأشرت بقولي: (أو مؤول به) إلى نحو أتته كتابي؛ على تأويل كتاب بصحيفة (¬2)، وأشرت بـ (مخبر عنه) إلى نحو قول الشاعر (¬3): 1209 - ألم يك غدرا ما فعلتم بشمعل ... وقد خاب من كانت سريرته الغدر (¬4) فوصل كان بالتاء وهي مسندة إلى الغدر؛ لأن الخبر مؤنث فسري منه التأنيث إلى المخبر عنه؛ لأن كلّا منهما عبارة عن الآخر، ومثله قراءة نافع وأبي عمرو وأبي بكر (¬5) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا (¬6) فألحقت تاء التأنيث بالفعل وهو مسند إلى القول؛ لأن الخبر مؤنث. وأشرت بـ (مضاف إليه مقدر الحذف) - إلى نحو قول الشاعر: 1210 - مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت ... أعاليها مرّ الرّياح النّواسم (¬7) فألحق التاء بتسفهت وهو مسند إلى «مر» لإضافته إلى مؤنث مع استقامة الكلام - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 85)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 9)، وشرح المكودي (ص 72)، وشرح الأشموني (2/ 51)، وأوضح المسالك (1/ 135). (¬2) ينظر: الخصائص (1/ 149)، (2/ 416). (¬3) هو أعش تغلب ويسمى يحيى بن معاوية من بني تغلب، شاعر أموي مشهور، توفي سنة (92 هـ). ينظر: معجم الأدباء (4/ 207). (¬4) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 1132)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 111)، والأمالي الشجرية (1/ 129). والشاهد قوله: «من كانت سريرته الغدر»؛ حيث أنث الفعل المسند إلى الغدر وهو مذكر، ولكن لما أخبر عنه بمؤنث وهو قوله: «سريرة» سرى التأنيث من الخبر إلى المخبر عنه؛ لأن كلّا منهما عبارة عن الآخر. (¬5) ينظر: الحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ص 136)، وإتحاف فضلاء البشر (ص 206) وإملاء ما منّ به الرحمن (1/ 238). (¬6) سورة الأنعام: 23. (¬7) البيت من الطويل وهو لذي الرمة وهو في الكتاب (1/ 52، 56)، والمقتضب (4/ 197)، والخصائص (2/ 417)، والمحتسب (1/ 237)، والتذييل (2/ 1134)، والعيني (3/ 367)، ومعجم مقاييس اللغة (3/ 79)، والأشموني (2/ 248)، واللسان «سفه»، وديوانه (ص 616) برواية: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بحذفه فلو لم يستقم الكلام بالحذف لم يجز التأنيث نحو: قام غلام هند. واحترزت بقولي: ولا تحذف غالبا من قول بعض العرب: قال فلانة، وذهب فلانة حكاهما سيبويه (¬1)، وعلى هذه اللغة جاء قول لبيد: 1211 - تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (¬2) لأن الإسناد إلى المثنى كالإسناد إلى المفرد بلا خلاف، واحترزت أيضا من حذف بعض الشعراء التاء من المسند إلى ضمير المؤنث كقول الشاعر (¬3): 1212 - فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها (¬4) وكقول الآخر: 1213 - فإمّا تريني ولي لمّة ... فإنّ الحوادث أودى بها (¬5) - ¬

_ - رويدا كما اهتزت ... والشاهد قوله: «تسفهت مر الرياح»؛ حيث أنث الفعل؛ لأن الفاعل وهو قوله: «مر» اكتسب التأنيث من المضاف إليه وهو «الرياح». (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 38، 45). (¬2) البيت من الطويل وهو في: شرح المفصل لابن يعيش (8/ 99)، وشرح التسهيل (3/ 111)، والتذييل (2/ 1145)، والخزانة (4/ 424)، والمغني (2/ 569، 670)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 902)، وشذور الذهب (218)، وديوانه (ص 213). والشاهد قوله: «تمنى ابنتاي»؛ حيث لم يلحق الفعل تاء التأنيث فيقول: «تمنّت»، وهذا من غير الغالب والاستشهاد بالبيت مبني على أن «تمنى» فعل ماض وهو يحتمل أن يكون مضارعا حذفت منه إحدى التاءين والأصل: «تتمنى». (¬3) هو عامر بن جوين الطائي. (¬4) البيت من المتقارب وهو في: التوطئة (ص 95)، والكتاب (2/ 46)، وشرح أبيات الكتاب للسيرافي (1/ 557)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 200)، والمذكر والمؤنث للفراء (ص 81)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 127)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (2/ 67)، والتذييل (2/ 1146)، والأمالي الشجرية (1/ 158)، والمحتسب (2/ 112)، والخصائص (2/ 411)، وابن يعيش (5/ 94)، والمقرب (1/ 303)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 86)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 11)، والاقتراح للسيوطي (ص 77)، والمغني (2/ 656)، والخزانة (1/ 21)، (3/ 330)، والعيني (2/ 264)، والتصريح (1/ 278)، والهمع (2/ 171)، والدرر (2/ 224)، والأشموني (2/ 53)، وحاشية يس (2/ 32)، واللسان «ودق، وبقل»، والمخصص (16/ 80). والشاهد قوله: «ولا أرض أبقل إبقالها»، حيث حذفت التاء من الفعل مع أنه مسند لضمير المؤنث وهذه ضرورة. (¬5) البيت من المتقارب وهو للأعشى وهو في: الكتاب (2/ 46)، والأمالي الشجرية (2/ 345)، والتذييل (2/ 1146)، وشرح المفصل لابن يعيش (5/ 95)، (9/ 6، 41)، والخزانة (4/ 578)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعض النحويين يحمل ما ورد من هذا على التأويل بمذكر، فيتأول «أرض» بمكان و «الحوادث» بالحدثان. وقيدت الضمير بالاتصال احترازا من نحو: ما قام إلا أنت، فإن لحاق التاء في هذا ضعيف (¬1)، وقيدت الظاهر [2/ 233] الحقيقي التأنيث بالاتصال تنبيها على نحو قول الشاعر: 1214 - إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة ... بعدي وبعدك في الدّنيا لمغرور (¬2) وليس مخصوصا بالشعر، فإن سيبويه حكى: حضر القاضي امرأة، وقال: «إذا طال الكلام كان الحذف أجمل» (¬3). ونبهت بقولي: غير مكسّر، على أن حكم التاء في جمع التصحيح المؤنث كحكمها في مفرده ومثناه؛ فلا يقال: قام الهندات، إلّا على لغة من يقول: قال فلانة؛ لأن لفظ الواحد في جمع التصحيح على الحال التي كان عليها في الإفراد والتثنية، فيتنزل قولك: قامت الهندات منزلة قولك: قامت هند، وهند، وهند، هذا هو الصحيح، وعلى هذا لا يجوز: قامت الزيدون؛ لأنه بمنزلة: قام زيد وزيد وزيد (¬4)، ولا يستباح: قامت الزيدون بقول الشاعر: - ¬

_ - والتصريح (1/ 278)، والأشموني (2/ 53)، وديوانه (ص 120)، والعيني (2/ 466)، (4/ 327) والشاهد قوله: «فإن الحوادث أودى بها»؛ حيث لم يلحق الفعل تاء التأنيث مع أنه مسند لضمير المؤنث وهي ضرورة، وقد روي البيت برواية: فإما تري لمتي بدلت ... فإن الحوادث أودى بها (¬1) في شرح الألفيه للمرادي (2/ 9): «فإن كان منفصلا نحو: ما قام إلا أنت، ضعف إثبات التاء». اه. (¬2) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في الخصائص (2/ 414)، والإنصاف (1/ 174)، وابن يعيش (5/ 53)، والعيني (2/ 476)، وشذور الذهب (ص 223)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 86)، والهمع (2/ 171)، والدرر (1/ 225)، والأشموني (2/ 52). والشاهد قوله: «غره منكن واحدة»؛ حيث أسند الفعل إلى اسم ظاهر حقيقي التأنيث ولم يؤنث؛ لوجود الفاصل بين هذا الفعل وفاعله بقوله: «منكن». (¬3) الكتاب (2/ 38). (¬4) في التوطئة للشلوبين (ص 93): «والجمع السالم حكمه حكم المفرد والمثنى في مذهب المحققين، نحو: قامت الهندات، وكذلك: قام الزيدون، ولا تقول: قامت الزيدون ولا قام الهندات، ولا يعترض بنحو قوله: قالت بنو عامر ... البيت لأنه ألحق بالقبائل» اه. وينظر: شرح الألفية للمرادي (3/ 14).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1215 - قالت بنو عامر خالوا بني أسد ... يا بؤس للجهل ضرّار لأقوام (¬1) ولا يستباح قام الهندات بقول الآخر: 1216 - فبكى بناتي شجوهنّ وقلن لي ... والظّاعنون إليّ ثمّ تصدّعوا (¬2) لأن بنين وبنات لم يسلم فيهما نظم الواحد، فجريا مجرى جمع التكسير. وظاهر قول الجزولي (¬3) جواز: قامت الزيدون، وقام الهندات؛ لأنه قال قاصدا للتاء: ولا يلزم في الجمع مطلقا (¬4). قال الشلوبين: يعني بقوله: (مطلقا) سواء أكان جمع تكسير أم جمع سلامة، وسواء أكان جمع مؤنث حقيقي أم غير حقيقي، وسواء أكان جمع مذكر أم جمع مؤنث (جمع تكسير أم جمع سلامة) (¬5)، ثم قال الشلوبين: ليس كما ذكره المؤلف في مذهب المحققين إلا في جمع التكسير واسم الجمع، وأما جمع المؤنث السالم نحو: قامت الهندات فحكمه حكم المفرد والمثنى، وكذلك حكم جمع المذكر السالم حكم المفرد منه أيضا (¬6)، قلت: لا عدول عن - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وهو للنابغة الذبياني، وهو في: الكتاب (2/ 278)، والمقتضب (4/ 353)، والجمل للزجاجي (ص 187)، والخصائص (3/ 106)، والتوطئة (ص 93)، وأمالي الشجري (2/ 80، 82)، والإنصاف (1/ 186)، وابن يعيش (3/ 68)، (4/ 36)، (5/ 104)، والخزانة (1/ 285، 286)، (2/ 119)، والهمع (1/ 173)، والدرر (1/ 148)، وديوانه (ص 105) طبعة بيروت. اللغة: خالوا: قاطعوا. والشاهد قوله: «قالت بنو عامر»؛ حيث أنث الفعل «قالت» وهو مسند إلى ملحق بجمع المذكر السالم وهو «بنو» لإجرائه له مجرى جمع التكسير. (¬2) البيت من الكامل وهو لعبدة بن الطبيب، وقيل: لأبي ذؤيب الهذلي وهو في مجالس العلماء للزجاجي (ص 195)، والخصائص (3/ 295)، والتذييل (2/ 1150) برواية: «وزوجتي» مكان «وقلن لي». وينظر أيضا: أوضح المسالك (1/ 138)، والعيني (4/ 472)، وحاشية الخضري (1/ 164)، والتصريح (1/ 280)، والأشموني (2/ 54)، والمفضليات (ص 148)، وديوانه (ص 50)، والتوطئة (ص 94). ويروي البيت أيضا برواية: «والناظرون» بدل «والظاعنون» في الشطر الثاني. والشاهد قوله: «فبكى بناتي»؛ حيث لم يلحق الفعل علامة تأنيث مع أن الفاعل جمع مؤنث سالم، وهذا جائز عند الكوفيين وقد تأوله البصريون. (¬3) انظر هذا النقل الطويل في: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 113) وما بعدها. (¬4) ينظر مذهب الجزولي في النحو مع تحقيق كتابه القانون (ص 50)، والمباحث الكاملية (ص 228) ونصه في المقدمة الجزولية: «ولا تلزم مع الجمع مطلقا». (¬5) في (ب): (جمع تكسير كان أو جمع سلامة). (¬6) ينظر: التوطئة للشلوبين (ص 93 - 95)، والمباحث الكاملية (ص 228).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ذهب إليه الشيخ أبو علي الشلوبين في هذه المسألة من أنه لا يجوز: قامت الزيدون ولا قام الهندات إلا على لغة من قال: قال فلانة (¬1)، وأما قوله تعالى: إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ (¬2)؛ فمن أجل الفصل بالمفعول مع أن «مؤمنات» صلة للألف واللام، والألف واللام بمعنى اللاتي وهو اسم جمع والفعل مسند إليه فلا يلزم التاء (¬3)، ولا خلاف في أن المثنى كالواحد، ولذلك جعل قول لبيد: 1217 - تمنّى ابنتاي .... (¬4) مثل: قال فلانة، ولا خلاف أيضا في أن جمع التكسير كالواحد المجازي التأنيث وإن كان واحده حقيقي التأنيث كجوار، وكذلك اسم الجمع كفوج، واسم الجنس كنسوة، ويدخل في اسم الجنس فاعل «نعم»؛ فلذلك يقول: نعم المرأة، من لا يقول: قام المرأة (¬5). وقولي: ولحاقها مع الحقيقي المقيد، نبهت به على أن الفصل بين الفعل والفاعل يبيح حذف [2/ 234] التاء (¬6) مع الفصل بإلا، إلا في الشعر كقول الراجز: 1218 - ما برئت من ريبة وذمّ ... في حربنا إلّا بنات العمّ (¬7) والصحيح جواز ثبوتها في غير الشعر ولكن على ضعف (¬8)، ومنه قراءة مالك بن دينار - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 38)، والتوطئة (ص 91، 92)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 86). (¬2) سورة الممتحنة: 10. (¬3) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 14)، وأوضح المسالك (1/ 138)، والأشموني (2/ 54، 55). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) ينظر: الفصول الخمسون (ص 172، 173)، والتصريح (1/ 279)، وشرح ابن عقيل (1/ 164)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 86)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 14، 15)، وشذور الذهب (ص 224). (¬6) زاد في (ب) بعد قوله: «حذف التاء»: من فعل ما حقه أن يلازم فعله التاء، وأن الفصل إن كان بغير إلا فلحاق التاء أجود، وإن كان بإلا فإسقاطها أجود وبعض النحويين لا يجيز ثبوت التاء. (¬7) الرجز مجهول القائل، في: التذييل (2/ 1151)، وشذور الذهب (ص 225) والعيني (2/ 471)، والتصريح (1/ 279)، والهمع (2/ 171)، والدرر (2/ 226)، والأشموني (2/ 52)، وأوضح المسالك (1/ 137). والشاهد قوله: «ما برئت ... إلا بنات العم»؛ حيث لحقت تاء التأنيث الفعل مع فصله من الفاعل بإلا وهذه ضرورة. (¬8) في المقدمة الجزولية (ص 50): «يجوز حذفها - أي العلامة - إذا أسند الفعل إلى ظاهر المؤنث الحقيقي مطلقا، إلا أن الحذف مع الفصل أسهل بلا فصل» اه. وينظر التوطئة (ص 91، 92).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبي رجاء الجحدري بخلاف عنه: (فأصبحوا لا ترى إلّا مساكنهم) (¬1) ذكرها أبو الفتح بن جني (¬2) وقال: إنها ضعيفة في العربية (¬3)، وإلى نحو هذا أشرت بقولي: وإن فصل بها فبالعكس؛ أو إن فصل بإلا فالحذف أجود من لحاقها ثم بيّنت أن حكمها مع جمع التكسير ومع جمع المذكر بالألف والتاء حكمها مع الواحد المجازي التأنيث ولا اعتبار بواحده بل يستوي ما واحده مذكر كغلمان وبيوت، وما واحده مؤنث كإماء ودور، وكذا حكمها مع جمع المذكر بالألف والتاء كطلحات، ودريهمات، وحسامات حكمها مع واحده، فعلى هذا لا يلحق في: قام الزيدون، كما لا يلحق في: قام زيد، ولا يحذف في: قامت الهندات، كما لا يحذف في: قامت هند إلا في لغة من قال: قال فلانة، وقد تقدم بسط القول في ذلك (¬4)، ثم بينت أن البنين والبنات حكم التاء معهما حكمها مع الأبناء والإماء، فيقال: جاء البنون، وجاءت البنون، وجاء البنات، وجاءت البنات، كما يقال: جاء الأبناء، وجاءت الأبناء، وجاء الإماء، وجاءت الإماء؛ لأن نظم الواحد لم يسلم منها فجريا مجرى الجمع المكسر (¬5)، ثم بينت أن تاء الصفة الفارقة حكمها حكم تاء فعلت في اللزوم وعدمه فكما تلزم تاء: ذهبت جاريتك والشمس طلعت، كذلك تلزم تاء: أذاهبة جاريتاك والشمس طالعة، وكما جاز الوجهان في سمعت أذناك، كذلك يجوز الوجهان في: أسامعة أذناك (¬6)، ثم بينت أن تاء المضارعة الدالة على التأنيث حكمها حكم تاء فعلت في جمع ما ذكر، فكما قيل: - ¬

_ (¬1) سورة الأحقاف: 25. (¬2) ينظر: المحتسب (2/ 257، 265، 266). (¬3) في المحتسب (2/ 266): «قال أبو الفتح: أما «ترى» بالتاء ورفع «المساكن» فضعيف في العربية، والشعر أولى بجوازه من القرآن وذلك أنه ومن مواضع العموم في التذكير، فكأنه في المعنى لا يرى شيء إلا مساكنهم، وإذا كان المعنى هذا كان التذكير لإرادته هو الكلام فأما «ترى» فإنه على معاملة الظاهر والمساكن مؤنثة فأنث على ذلك» اه. (¬4) وينظر: الهمع (2/ 171). (¬5) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 86)، والتوطئة (ص 94)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 14)، والفصول الخمسون لابن معطي (ص 173)، وأوضح المسالك (1/ 137). (¬6) في الكتاب (2/ 36): «فإن بدأت بنعت مؤنث فهو يجري مجرى المذكر إلا أنك تدخل الهاء، وذلك قولك: أذاهبة جاريتاك، وأكريمة نساؤكم؛ فصارت الهاء في الأسماء بمنزلة التاء في الفعل إذا قلت: قالت نساؤكم، وذهبت جاريتاك» اه. وينظر أيضا: (ص 43، 45) من الجزء نفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قامت هند والنار اضطرمت؛ بلزوم التاء في اللغة المشهورة، كذلك تقول: تقوم هند والنار تضطرم، وكما جاز للفصل: حضر القاضي امرأة، يجوز للفصل: يحضر القاضي امرأة وكما ضعفت: 1219 - ما برئت من ريبة وذمّ ... في حربنا إلّا بنات العمّ (¬1) ضعف: (لا ترى إلّا مساكنهم) وما عومل به. 1220 - ولا أرض أبقل إبقالها (¬2) يعامل بمثله أحد المضارعين في قول ذي الرمة: 1221 - وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والرّسوم البلاقع (¬3) لأن أحدهما مسند إلى ثلاث، والآخر مسند إلى ضميره، والراوية فيهما بالياء. هذا آخر كلام المصنف (¬4)، وإنه لجدير أن يتمثل بقول القائل: 1222 - وآخذ اللّفظ فضّة فإذا ... ما صغته قيل إنّه ذهب وعلى الناظر أن يعتبر ويتأمل كيف أورد هذا الرجل الموفق الكلام في هذا الفصل [2/ 235] وكيف هو كلام منتظم منسجم مرتبط بعضه ببعض وهو مع ذلك واف بالغرض يفصح عن المقصود، وإن أردت أن تعرف قدر ذلك فانظر إلى كلام من تعرض إلى شرح هذا الكتاب فيظهر لك ما قلته، ثم هاهنا أمور ينبّه عليها: 1 - منها: أن المغاربة يذكرون في كتبهم أن تأويل المذكر بالمؤنث لا يجوز إلا في قليل من الكلام؛ حتى عدوا من أقبح الضرائر قول القائل: - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) تقدم ذكره. (¬3) البيت من الطويل وهو في: المقتضب (2/ 174) برواية: «أو يدفع البكا»، (4/ 144)، والتذييل (2/ 1153)، وجمل الزجاجي (ص 141)، والحلل في شرح أبيات الجمل (ص 170)، وشرح المفصل لابن يعيش، (2/ 122)، والمخصص (17/ 100، 125)، والهمع (2/ 150)، والدرر (2/ 106)، والأشموني (1/ 187)، وديوانه (ص 332). والشاهد قوله: «وهل يرجع التسليم أو يكشف ... ثلاث الأثافي»؛ حيث روي الفعلان بالياء مع أن أحدهما مسند إلى ثلاث الأثافي والآخر مسند إلى ضميره، والأثافي مؤنث مجازي التأنيث؛ فتأنيث الفعل الأول جائز والآخر واجب، ولكنه جاء مذكرا للضرورة. (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 116).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1223 - سائل بني أسد ما هذه الصّوت (¬1) على تأويل الصوت بالصيحة قالوا: لأن فيه تحريف اللفظ، ورد الأصل - يعني التذكير - إلى الفرع. ومثل هذه الصوت قول الآخر (¬2): 1224 - أتهجر بيتا بالحجاز تلفّعت ... به الخوف والأعداء من كلّ جانب (¬3) أي: تلفعت به المخافة، فمن هنا كان الشيخ ناقش المصنف في قوله: (أو مؤول به) (¬4) ولا يتوجه على المصنف مناقشة؛ لأنه لم يدع قلة ذلك ولا كثرته، وإنما قال: إن الفعل تلحقه التاء إن أسند إلى مؤول بمؤنث، ولا شك أنه إذا أول كان الحكم كذلك، أما كون التأويل إنما يجوز في الشعر أو في قليل من الكلام فذاك شيء آخر. 2 - ومنها: أن الشيخ قال: ما ذكره المصنف من إلحاق علامة تأنيث الفعل إذا أسند إلى مذكر قد أخبر عنه بمؤنث ليس مذهبا للبصريين، قال: وإنما يجوز ذلك عندهم في الضرورة، والكوفيون يجيزون في سعة الكلام تأنيث اسم كان إذا كان مصدرا مذكرا وكان الخبر مقدما عليه نحو: - ¬

_ (¬1) عجز بيت من البسيط وهو لرويشد بن كثير الطائي وصدره: يأيّها الرّاكب المزجي مطيّته والبيت في: الخصائص (2/ 416)، والإنصاف (2/ 773)، وابن يعيش (5/ 95)، والخزانة (2/ 167) عرضا، والهمع (2/ 157)، والدرر (2/ 216)، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص 166)، واللسان «صوت»، وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 164). والشاهد قوله: «هذه الصوت»؛ حيث جاء باسم الإشارة الموضوع للمفردة المؤنثة وأشار به إلى الصوت وهو مفرد مذكر، وذلك على تأويل الصوت بالصيحة. (¬2) لم يعرف. (¬3) البيت من الطويل، وهو في: الخصائص (2/ 415)، وسر صناعة الإعراب (1/ 15)، والتذييل (2/ 1131)، واللسان «خوف» برواية: «أم أنت زائر» مكان «من كل جانب». والشاهد قوله: «تلفعت به الخوف»؛ حيث أنث الفعل المسند إلى «الخوف»؛ لأنه أوله بمؤنث وهو «المخافة». (¬4) الذي ناقش به أبو حيان المصنف هنا هو قوله: (أو مؤول به) يريد أو مذكر مؤول بمؤنث مثاله: فلان لغوب، أتته كتابي فاحتقرها، قيل للعربي الناطق بهذا: كيف تقول: جاءته كتابي؟ فقال: أو ليس الكتاب بصحيفة؟ فأول المذكر بالمؤنث لما كان بمعناه، وهذا الذي ذكر أنه إذا أول المذكر بمؤنث فإنه يلحق الفعل المسند إليه التاء ولا يجوز إلا في قليل من الكلام. اه. التذييل (2/ 1130).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1225 - وقد خاب من كانت سريرته الغدر (¬1) فلو قلت: كانت شمسا وجهك أو كانت الغدر سريرتك لم يجز، قال: فالمصنف لم يقل: يقول البصريون، ولا يقول الكوفيون (¬2). انتهى. وبتقدير ثبوت أن الذي ذكره مذهب الفريقين لا يتوجه على المصنف شيء؛ لأنه حكم بالتأنيث عند إسناد الفعل إلى مذكر مخبر عنه بمؤنث، ولا شك أن هذا ثابت، أما كونه هل يجوز في الكلام أو في الشعر؟ فإن المصنف لم يتعرض إلى شيء من ذلك، ثم كيف نسلم القول لمن يدعي أن ذلك إنما يجوز في الشعر وقد ثبت في القرآن العزيز: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (¬3) ولا تخريج لذلك إلا على الوجه الذي قاله المصنف (¬4)؟ ثم إن الشيخ لما ذكر هذه المسألة، واستشهد بهذه القراءة قال: وهذا أولى من أن يقال: أنث على معنى المقالة أي: «ثم لم تكن فتنتهم إلا مقالتهم»؛ لأن القول بذلك يستلزم ارتكاب ما حكم بقلته كما في: جاءته كتابي (¬5). 3 - ومنها: أن بعض النحاة زاد على الأقسام التي ذكرها المصنف قسما وهو أنه يجوز التأنيث إذا كان في [2/ 236] المسند إليه علامة تأنيث فيجيز: قامت عنترة، وعلى هذا جاء قول القائل: 1226 - أبوك خليفة ولدته أخرى (¬6) والظاهر أن هذا في غاية القلة والندرة (¬7) 4 - ومنها: أن الشيخ قال: قد أطلق النحويون في المؤنث الذي أضيف إليه مذكر، وظاهر هذا الإطلاق أنه يجوز ذلك سواء أكان المضاف إليه ظاهرا أم مضمرا، فعلى إطلاقهم يجوز الأصابع قطعت بعضها؛ لأن المضمر (¬8) مؤنث، - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) التذييل (2/ 1134). (¬3) سورة الأنعام: 23. (¬4) ينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (1/ 238). (¬5) التذييل (2/ 1132). (¬6) صدر بيت من الوافر لقائل مجهول وعجزه: وأنت خليفة ذاك الكمال وهو في التذييل (2/ 1140)، ولم أعثر عليه في غيره. (¬7) ذكر ذلك أبو حيان في التذييل (2/ 1140) منسوبا إلى بعض أصحابه ولم يعيّنه. (¬8) في (ب): (الضمير).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن الفراء ومن استجاز قول الشاعر (¬1): 1227 - كما شرقت صدر القناة من الدّم (¬2) لم يجز أن يقول: شرقت صدرها إذا كنى عنها، وكذلك فالفعل بكل ما كنيت عنه وإنما كان كذلك؛ لأنّ المكنى لا يفرد مما قبله، فيتوهّم في الأول أنه قد سقط واعتمد على الثاني ظاهرا، ألا ترى أن العرب تقول: لك نصف وربع الدرهم، ولا تقول: لك نصف وربعه (¬3). قال الشاعر: 1228 - يا من رأى عارضا يكفكفه ... بين ذراعي وجبهة الأسد (¬4) ومحال أن يقول: بين ذراعي وجبهته، وقال الأعشى: 1229 - إلّا علالة أو بدا ... هة سانح نهد الجزاره (¬5) - ¬

_ (¬1) هو الأعشى. (¬2) عجز بيت من الطويل وصدره: وتشرق بالقول الذي قد أذعنه وهو في الكتاب (1/ 52)، والمقتضب (4/ 197، 199)، والخصائص (2/ 417)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 151)، والمغني (2/ 513)، والعيني (2/ 59)، والأشموني (2/ 248)، وحاشية يس (2/ 31)، وديوانه (ص 94)، واللسان «شرق»، والمذكر والمؤنث للفراء (ص 115). والشاهد قوله: «شرقت صدر القناة»؛ حيث أنث الفعل «شرق» مع أن فاعله مذكر وهو «الصدر» ولكن لما كان المضاف وهو «الصدر» بعض المضاف إليه وهو «القناة» أعطي حكمه. (¬3) اعترض الألوسي في روح للمعاني (7/ 169) على رأي ابن مالك في هذه المسألة فقال في تفسير قوله تعالى: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ: «الضمير عائد على معمر آخر نظير ما قال ابن مالك في: عندي درهم ونصفه، أي: نصف درهم آخر، ولا يضر في ذلك احتمال أن يكون المراد مثل نصفه؛ لأنه مثال وهو استخدام أو شبيه به وإلى ذلك ذهب الفراء وبعض النحويين ولعله الأظهر» اه. (¬4) البيت من المنسرح وهو للفرزدق وهو في: الكتاب (1/ 180) برواية «أسرّ به» مكان «يكفكفه»، والخزانة (1/ 369)، وابن يعيش (3/ 20)، والعيني (3/ 451)، وديوانه (ص 215) والمذكر والمؤنث للفراء (ص 15)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 322). والشاهد قوله: «بين ذراعي وجبهة الأسد»؛ حيث فصل بلفظ «وجبهة» بين المضاف والمضاف إليه ولم يكنّ عن المضاف إليه وهو «الأسد» بالضمير فيقول: «بين ذراعي وجبهته» حتى لا يتوهم أنه أسقط الأول واستغنى بالثاني، والمكنى به وهو الضمير لا يمكن إفراده مما قبله. (¬5) البيت من الكامل وهو في: الكتاب (1/ 179)، (2/ 166)، والمذكر والمؤنث للفراء (ص 116)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 331)، والبيان والتبيين للجاحظ (3/ 15)، والخصائص (2/ 407)، وسر -

[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع]

[من أحكام الفاعل: ألا تلحقه علامة تثنية أو جمع] قال ابن مالك: (وقد تلحق الفعل المسند إلى ما ليس واحدا من ظاهر أو ضمير منفصل علامة كضميره). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو كني لم يجز (¬1). اعلم أنه قد تقدم من كلام المصنف أنه قال: ثم بينت أن تاء الصفة الفارقة إلى آخره، وهو لم يذكر المسألة في متن التسهيل، هذا في النسخة التي قرأتها على الشيخ، وقابلت بها على نسخته، لكن ربما يكون قد وضع ذلك في نسخة من النسخ التي صنفها ولم تثبت في هذه النسخة المشروحة له. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): إذا تقدم الفعل على المسند إليه، فاللغة المشهورة أن لا تلحقه علامة تثنية ولا جمع؛ بل يكون لفظه قبل غير الواحد والواحدة كلفظة قبلهما، ومن العرب من يوليه قبل الاثنين ألفا وقبل المذكرين واوا وقبل الإناث نونا على أنها حروف مدلول بها على حال الفاعل الآتي قبل أن يأتي كما دلت تاء: فعلت هند؛ على تأنيث الفاعلة قبل أن يذكر اسمها والعلم على هذه اللغة قول بعض العرب: أكلوني البراغيث (¬3)، وقد تكلم بها النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل وملائكة بالنّهار» (¬4)، وعلى هذه اللغة قول الشاعر (¬5) يرثي مصعب بن الزبير رضي الله عنهما: 1230 - لقد أورث المصرين خزيا وذلّة ... قتيل بدير الجاثليق مقيم - ¬

_ - صناعة الإعراب (1/ 297)، ومقاييس اللغة (1/ 212)، وابن يعيش (3/ 22)، وشرح الشواهد للعيني (3/ 453)، والخزانة (1/ 83)، (2/ 246)، ويروى البيت برواية: «قارح» مكان «سانح». وقد استشهد الفراء بالبيت على أنه لا يجوز أن يكنى بالضمير هنا كما بين في البيت السابق. (¬1) التذييل (2/ 141 - 143)، والمذكر والمؤنث للفراء (ص 115، 116). (¬2) انظر: شرح التسهيل (2/ 116). (¬3) ينظر: أمالي الشجري (1/ 132، 134)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 167)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 84)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 6، 7). (¬4) حديث شريف وهو في البخاري الباب (23، 33) من كتاب التوحيد، وصحيح مسلم حديث (210) من كتاب المساجد، وموطأ مالك، حديث (82) من كتاب السفر، وابن حنبل (2/ 257)، وشواهد التوضيح (ص 192). (¬5) هو ابن قيس الرقيات واسمه عبيد الله بن قيس العامري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تولّى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم (¬1) ومثله قول الفرزدق: 1231 - بني الأرض قد كانوا بنيّ فعزّتي ... عليهم لآجال المنايا كتابها (¬2) [2/ 237] ومثله: 1232 - نصروك قومي فاعتززت بنصرهم ... ولو أنّهم خذلوك كنت ذليلا (¬3) ومثله: 1233 - نتج الرّبيع محاسنا ... ألقحنها غرّ السّحائب (¬4) ومثله: 1234 - رأين الغواني الشّيب لاح بعارضي ... فأعرضن عنّي بالخدود النّواضر (¬5) - ¬

_ (¬1) البيتان من الطويل وينظر فيهما: الأمالي الشجرية (1/ 131، 132)، والأغاني (17/ 165)، البيت الأول فقط، والتذييل (2/ 1156) البيت الثاني فقط، والمغني (2/ 367، 371)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 790)، وشذور الذهب (ص 226)، وأوضح المسالك (1/ 135)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 84)، وشرح ابن عقيل (1/ 161)، وشرح شواهده (ص 103)، والعيني (2/ 461)، والتصريح (1/ 277)، والهمع (1/ 160)، والدرر (1/ 141)، والأشموني (2/ 47)، وملحقات ديوانه (ص 196). والشاهد قوله: «وقد أسلماه مبعد وحميم»؛ حيث أسند الفعل لاثنين وهما «مبعد وحميم» فألحق به علامة تثنية. (¬2) البيت من بحر الطويل منسوب هنا للفرزدق وليس في ديوانه، وهو بلا نسبة في شرح الكافية الشافية (2/ 582)، وكذلك في التذييل والتكميل (2/ 1157). والشاهد قوله: «قد كانوا بني»؛ حيث ألحق بكان التامة المسندة إلى جمع المذكر «واوا» تدل على الجمع. (¬3) لم يعلم قائله وهو من الكامل وينظر في الأشموني (2/ 47). والشاهد قوله: «نصروك قومي»؛ حيث ألحق بالفعل «نصر» المسند إلى «قومي» واوا تدل على الجمع. (¬4) البيت لأبي فراس وهو من الكامل وينظر في: أوضح المسالك (1/ 134)، وشذور الذهب (ص 227)، والتذييل (2/ 1157)، والعيني (2/ 460)، والتصريح (1/ 276)، وحاشية يس (1/ 276)، والهمع (1/ 160)، والدرر (1/ 142). والشاهد قوله: «ألقحنها غر السحائب»؛ حيث ألحق الفعل المسند إلى «غر السحائب» نونا تدل على الجمع المؤنث وليست هذه النون هي الفاعل. (¬5) البيت لأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله وهو من بحر الطويل، وينظر في: التذييل (2/ 1158)، والعيني (2/ 473)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 84)، وشرح ابن عقيل (1/ 161)، وشرح شواهده (ص 104)، وشذور الذهب (ص 228)، والأشموني (2/ 47).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعض النحويين يجعل ما ورد من هذا خبرا مقدما ومبتدأ مؤخرا، وبعضهم يبدل ما بعد الألف، والواو، والنون منهن على أنهن أسماء مسند إليها وهذا غير ممتنع إن كان سمع من غير أهل اللغة المذكورة (¬1)، وأما أن يحمل جميع ما ورد من ذلك على أنه الألف، والواو، والنون، فيه ضمائر فغير صحيح؛ لأن أئمة هذا العلم متفقون على أن ذلك لغة لقوم من العرب مخصوصين فوجب تصديقهم في ذلك كما تصدقهم في غيره وبالله التوفيق. ومن التزم التاء في: قامت هند، وهي اللغة المشهورة؛ فلا يستغني في نحو: قامت الهندات عن التاء أو النون الحرفية (¬2) وإلى ذلك أشرت بقولي: (وتساويها في اللزوم وعدمه تاء مضارع الغائبة ونون الإناث الحرفية). انتهى كلام المصنف (¬3). وقال سيبويه: اعلم أن من العرب من يقول: ضربوني قومك، وضرباني أخواك (¬4)، وحكى البصريون أن أصحاب هذه اللغة يلتزمون العلامة أبدا، ولا يفارقونها (¬5). واعلم أن من النحاة من منع العلامة المذكورة عند عطف أحد الاسمين على ما قبله؛ فلا يجيز نحو: قاما زيد وعمرو، ولا: جاءوا زيد وعمرو وبكر، وهو قول مردود بالسماع (¬6)، وقد تقدم البيت الذي فيه: 1235 - وقد أسلماه مبعد وحميم (¬7) وقال آخر (¬8): - ¬

_ - والشاهد قوله: «رأين الغواني»؛ حيث وصل الفعل بنون دالة على جماعة الإناث مع ذكر الفاعل الظاهر وهو «الغواني» وهذه النون ليست ضميرا بل هي علامة جمع الإناث كتاء التأنيث. (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 167)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 84). (¬2) ينظر: تعليق الفرائد (ص 1323، 1324). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 118). (¬4) الكتاب (2/ 40). (¬5) في شرح ابن عقيل (1/ 161): «ومذهب طائفة من العرب وهم بنو الحارث بن كعب كما نقل الصفار في شرح الكتاب أن الفعل إذا أسند إلى ظاهر مثنى أو مجموع أتي فيه بعلامة تدل على التثنية أو الجمع» اه. (¬6) ينظر: أوضح المسالك (1/ 134)، والتصريح (1/ 277). (¬7) تقدم ذكره. (¬8) هو عروة بن الورد بن زيد بن عبد الله بن ثابت القيسي، ينظر: الأعلام (5/ 18).

[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل]

[من أحكام الفاعل: جواز حذف الفعل] قال ابن مالك: (ويضمر جوازا فعل الفاعل المشعر به ما قبله: والمجاب به نفي أو استفهام، ولا يحذف الفاعل إلّا مع رافعه المدلول عليه، ويرفع توهّم الحذف إن خفي الفاعل جعله مصدرا منويّا، أو نحو ذلك). ـــــــــــــــــــــــــــــ 1236 - وأهونهم وأحقرهم عليه ... وإن كانا له نسب وخير (¬1) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): حق الفعل والفاعل أن يكونا كالمبتدأ والخبر في منع حذف أحدهما بلا دليل، وجواز حذفه بدليل؛ لأن الفعل كالمبتدأ في كونه أول الجزأين، والفاعل كالخبر في كونه ثاني الجزأين، فسلك بالفعل سبيل المبتدأ في جواز الحذف وعرض للفاعل مانع من موافقة الخبر في جواز الحذف، وهو كونه كعجز المركب في الامتزاج بمتلوه، ولزوم تأخره، وكونه كالصلة في عدم تأثره بعامل متلوه، وكالمضاف إليه في أنه معتمد البيان بخلاف [2/ 238] خبر المبتدأ، فإنه مباين لعجز المركب وللصلة وللمضاف إليه فيما ذكر؛ لأنه غير متخرج بمتلوه ولا لازم التأخير، ويتأثر بعامل متلوه وهو معتمد الفائدة، لا معتمد البيان، وأيضا فإن من الفاعل ما يستتر فلو حذف في بعض المواضع لالتبس الحذف بالاستتار، والخبر لا يستتر، فإذا حذف لدليل أمن التباس كونه مستترا (¬3)، ومن إضمار فعل الفاعل، لكون ما قبله مشعرا به قراءة ابن عامر وأبي بكر (¬4) يسبح له فيها بالغدو والآصال (36) رجال (¬5) فرجال - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر وهو في: البيان والتبيين (1/ 234)، وعيون الأخبار (1/ 242)، والتذييل (2/ 1160)، والعيني (2/ 463)، والتصريح (1/ 277). والشاهد قوله: «وإن كانا له نسب وخير»؛ حيث أسند كان إلى اثنين معطوفا أحدهما على الآخر، وألحق بالفعل ألفا تدل على التثنية وهذا يبطل رأي بعض النحاة الذين يمنعون إلحاق العلامة للفعل إذا كان أحد الاسمين معطوفا على الآخر. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 118). (¬3) ينظر: المقتضب (1/ 146)، (4/ 50)، والبهجة المرضية (ص 46)، والهمع (1/ 159، 160)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 84)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 5، 6)، وشرح الرضي للكافية (1/ 77)، وأوضح المسالك (1/ 130، 131)، والتصريح (1/ 271، 272). (¬4) هو أبو بكر محمد بن عبد الرحيم بن سعيد بن يزيد بن خالد الأسدي الأصبهاني، كان إماما في رواية ورش ضابطا لها ثقة رحل بسببها إلى مصر فقرأها على أصحابه وأصحاب أصحابه ثم رجع إلى بغداد فكان أول من أدخلها العراق وأخذها عنه الناس، توفي في بغداد سنة (296 هـ)، ينظر: شرح طيبة النشر (ص 17، 18). (¬5) سورة النور: 36، 37.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاعل «يسبح»، مضمرا (¬1)، لإشعار «يسبح» به مع عدم صلاحية إسناده هو إليهم؛ لأن الرجال لا يكونون مسبّحين بل مسبّحين؛ فلا يجوز هذا الاستعمال إلا فيما كان هكذا، فلو قيل: يوعظ في المسجد رجال على معنى يعظ رجال؛ لم يجز لصلاحية إسناد يوعظ إليهم، فلو قيل: يوعظ في المسجد رجال زيد جاز لعدم اللبس (¬2)، ومن الجائز لعدم اللبس قول الشاعر (¬3): 1237 - ليبك يزيد ضارع لخصومة ... ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (¬4) ومثله قول الشاعر: 1238 - حمامة بطن الواديين ترنّمي ... سقيت من الغرّ الغوادي مطيرها (¬5) هكذا رواه الحفاظ ومن قال: سقاك، فتارك للرواية وآخذ بالرأي. - ¬

_ (¬1) ينظر: الإتحاف (ص 325)، والحجة لابن خالويه (ص 262)، وإملاء ما من به الرحمن (2/ 156)، والكشاف (2/ 95). (¬2) ينظر: الهمع (1/ 160)، والأشموني (2/ 48)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 85). (¬3) في الكتاب أنه الحارث بن نهيك وذكر الأعلم الشنتمري في تحصيل عين الذهب بهامش الكتاب (1/ 145) أنه للبيد بن أبي ربيعة، ونسبه غيره إلى مزرد بن ضرار أخي الشماخ، ونسبه آخرون إلى الحارث ابن ضرار النهشلي، والأكثرون على أنه لنهشل بن حري. ينظر: العين (2/ 454)، وحاشية الشيخ محيي الدين على الأشموني (2/ 155). (¬4) البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 288)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 110)، والمقتضب (3/ 282)، والمحتسب (1/ 230)، والخصائص (2/ 353)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 85)، وأوضح المسالك (1/ 132)، والتذييل (2/ 1163)، والشعر والشعراء (ص 47)، والخزانة (1/ 147)، والتصريح (1/ 274)، والهمع (1/ 160)، والدرر (1/ 142)، والأشموني (2/ 49)، والعيني (2/ 454)، وابن يعيش (1/ 80)، والإيضاح للفارسي (ص 74)، والبحر المحيط (4/ 117). والشاهد قوله: «لبيك يزيد ضارع»؛ حيث رفع «ضارع» بفعل مضمر يدل على الفعل المذكور والتقدير: «يبكيه ضارع». (¬5) البيت من الطويل لتوبة بن الحمير أو الشماخ وهو في أمالي القالي (1/ 88)، والمقرب (2/ 128)، والتذييل (2/ 1164)، والشعر والشعراء (ص 452 - 454)، والعيني (4/ 86)، والهمع (1/ 51)، والدرر (1/ 26)، وملحقات ديوان الشماخ بن ضرار (ص 438 - 440)، وديوان توبة (ص 36) برواية «ألا انعمي» مكان «ترنّمي» و «سقاك» مكان «سقيت». والشاهد قوله: (سقيت من الغر الغوادي مطيرها»؛ حيث رفع «مطيرها» بفعل مضمر يدل على المذكور. والتقدير: «سقاك مطيرها».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن حذف فعل الفاعل قول عائشة رضي الله عنها: «فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» (¬1) أي: بمعنى الشغل من أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ومن إضمار فعل الفاعل لكون ما قبله يشعر به قول الشاعر: 1239 - أرى الأيّام لا تبقي كريما ... ولا العصم الأوابد والنّعاما ولا علجان ينتابان روضا ... نضيرا نبته عمّا تؤاما (¬2) فعلجان: فاعل «تبقي» مضمرا، لإشعار «تبقي» به، ومثله: 1240 - غداة أحلّت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السّدائف والخمر (¬3) فالخمر: فاعل «حلت» مضمرا، لإشعار «أحلت» به، ومثله قول الآخر: 1241 - ولم يبق ألواء الثّماني بقيّة ... من الرّطب إلّا بطن واد وحاجر (¬4) - ¬

_ (¬1) حديث شريف أخرجه البخاري في باب الصوم (40)، ومسلم في باب الصيام (151، 175، 177)، والترمذي صوم (65)، ومسند ابن حنبل (6/ 124، 131، 179). وينظر: المعجم المفهرس لألفاظ الحديث (3/ 133). (¬2) البيتان من الوافر وهما لصخر الغي يرثي ابنه تليدا، في: التذييل (2/ 1164)، وشرح أشعار الهذليين للسكري (1/ 288، 289)، العلجان بالكسر: العير وحمار الوحش السمين، العمّ: بالضم النخل الطوال، التوأم: ما ولد مع غيره. والشاهد قوله: «ولا علجان»؛ حيث رفعه وليس قبله فعل رافع له؛ فقدر له فعل يفسره، ويدل عليه الفعل المذكور، والتقدير: «ولا يبقى علجان». اللغة: علجان: حماران غليظان - العصم: جمع أعصم وهو الوعل الذي في ذراعه بياض، الأوابد: التي توحشت ونفرت من الإنس. (¬3) البيت للفرزدق وهو من الطويل، وينظر في: مجالس العلماء للزجاجي (ص 21)، والجمل له أيضا (ص 212)، والحلل في شرح أبيات الجمل لابن السيد (ص 279)، والإنصاف (1/ 187)، والعيني (2/ 456)، والتصريح (1/ 247)، وديوانه (ص 317)، والتذييل (2/ 1169)، وأوضح المسالك (1/ 133). والشاهد قوله: «... والخمر»؛ حيث رفع بفعل محذوف استلزمه الفعل المذكور وهو «أحلت» والتقدير: «وحلت له الخمر» وجاء في ديوان الفرزدق قوله: ورفع الخمر على تقدير: «والخمر حلت له» فهو بذلك يجعله مبتدأ محذوف الخبر. (¬4) البيت من بحر الطويل وهو لذي الرمة من قصيدة طويلة في وصف الصحراء والناقة يمدح في آخرها بلال بن أبي موسي وهو في شرح التسهيل للمصنف (84 / أ) والتذييل (2/ 1170)، والتنبيهات (ص 220)، واللسان: «لوى»، والديوان (2/ 1021) (أبو صالح).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنشده أبو علي في التذكرة وقال: رفع على معنى بقي بطن واد وحاجر. ومن إضمار الفاعل المجاب به نفي قولك لمن قال: ما جاء أحد، بلى زيد، تريد بلى جاء زيد، ومثله قول الشاعر: 1242 - تجلّدت حتّى قيل لم يعر قلبه ... من الوجد شيء قلت بل أعظم الوجد (¬1) أراد: بل عراه أعظم الوجد، ومثال إضمار فعل الفاعل المجاب به استفهام ظاهر، قولك: نعم زيد، لمن قال: هل جاءك أحد (¬2)؟ ومثله قول الشاعر: 1243 - ألا هل أتى أمّ الحويرث مرسلي ... نعم خالد إن لم تعقه العوائق (¬3) أراد: نعم أتاها خالد، فمثل هذا لا يرتاب في أن المجاب به مرفوع بفعل مقدم؛ لأنه جواب جملة قدم فيها الفعل، وحق الجواب أن يشاكل ما هو له جواب، فإن كانت جملة الاستفهام مؤخرا [2/ 239] فيها الفعل، فحق المجاب به من جهة القياس أن يؤخر فيه الفعل، لتتشاكل الجملتان. هذا مقتضى النظر لولا أن الاستعمال بخلافه، وذلك أن جواب الاستفهام المقدم فيه الاسم لا يجيء مكملا إلا والفعل فيه مقدم على الاسم، كقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (¬4)، وكقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ (¬5)، وكقوله تعالى: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ (¬6) وينبغي إذا اقتصر في الجواب على الاسم أن - ¬

_ - والشاهد قوله: «... إلا بطن واد وحاجر»؛ حيث رفع «بطن» بفعل استلزمه الفعل المذكور وهذا الفعل مضمر، والتقدير: «بقي بطن واد وحاجر». (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: التذييل (2/ 1171)، وأوضح المسالك (1/ 131)، والعيني (2/ 453)، والتصريح (1/ 273)، والأشموني (2/ 50). والشاهد قوله: «بل أعظم الوجد» حيث رفع «أعظم» بفعل مضمر دل عليه الفعل السابق المذكور، والتقدير: «بل عراه أعظم الوجد». (¬2) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 84). (¬3) البيت في تاج العروس «عوق» وهو لأبي ذؤيب الهذلي والتذييل (2/ 1171)، برواية (ألا هل ترى أم الحويرث)، وشرح أشعار الهذليين (1/ 156). وهو من الطويل. والشاهد قوله: «نعم خالد»؛ حيث رفع «خالد» بفعل مضمر يدل عليه الكلام السابق والتقدير: «نعم أتاها خالد». (¬4) سورة الزخرف: 9. (¬5) سورة المائدة: 4. (¬6) سورة يس: 78، 79.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقدر الفعل مقدما؛ لأن المكمل أصل والمختصر فرع، فيسلك بالفرع سبيل الأصل؛ ولأن موافقة العرب تقدير تقديم الفعل متيقنة، وموافقتهم بتقدير تأخيره مشكوك فيها، فلا عدول عن تقدير التقديم، ولما جرى به الاستعمال من تقديم الفعل في الجواب المكمل وجه من النظر وهو أن حق الجملة الاستفهامية إذا كان فيها فعل أن يقدم؛ لأنه بمباشرة الاستفهام أولى من الاسم فلما لم يكن ذلك في نحو: «من فعل؟» لاتحاد المستفهم به والمستفهم عنه، جيء بالجواب مقدما فيه الفعل تنبيها على أن أصل ما هو له جواب أن يكون كذلك ومع هذا فالحكم بالابتداء على الاسم المجاب به نفي أو استفهام غير ممتنع؛ لأن مشاكلة الجواب لما هو له جواب في اللفظ غير لازمة؛ بل قد يكتفي فيه بمراعاة المعنى (¬1)، ومنه قراءة غير أبي عمرو من السبعة (¬2): قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ (¬3) وقد تقدم السبب في منع حذف الفاعل وبقاء فعله، وأما حذفه وحذف وفعله معا فكثير كقولك: زيدا، لمن قال: من أكرم؟ فحذفت أكرم وهو فعل أمر مسند إلى ضمير المخاطب فاشتمل الحذف عليها، ونظائر ذلك كثيرة (¬4)، وإذا توهم حذف فاعل فعل موجود فلا سبيل إلى الحكم بحذفه؛ بل يقدر إسناده إلى مدلول عليه من اللفظ أو المعنى كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر: التصريح (1/ 273)، والأشموني (2/ 49، 50)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 8). (¬2) ينظر: الإتحاف (ص 320)، والحجة لابن خالويه (ص 258). (¬3) سورة المؤمنون: 86 - 89. في إملاء ما من به الرحمن (2/ 151)، «قوله تعالى: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ الموضع الأول باللام في قراءة الجمهور وهو جواب ما فيه اللام وهو قوله تعالى: لِمَنِ الْأَرْضُ وهو مطابق للفظ والمعنى، وقرئ بغير لام حملا على المعنى؛ لأن معنى لِمَنِ الْأَرْضُ: من رب الأرض؟ فيكون الجواب: الله، أي: هو الله. وأما الموضعان الآخران فيقرآن بغير لام حملا على اللفظ وهو جواب قوله تعالى: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ ومَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ باللام على المعنى؛ لأن المعنى في قوله: مَنْ رَبُّ السَّماواتِ: لمن السموات؟» اه. وينظر: الكشاف (2/ 78). (¬4) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 77)، وشرح عمدة الحافظ (ص 97) وقد قسم هناك حذف الفعل مع مرفوعه إلى: واجب، وجائز، ومثل للواجب بقوله: «إن زيدا أتيته أتاك»، وللجائز بقوله تعالى: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً [النحل: 30].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1244 - تمشي تبختر حول البيت منتحيا ... لو كنت عمرو بن عبد الله لم يزد (¬1) أي: لم يزد انتحاؤك كذا قال أبو علي الفارسي (¬2)، وكقوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ (¬3) قيل: إن المعنى «ثم بدا لهم بداء»، كما قال: 1245 - بدا لك في تلك القلوص بداء (¬4) أي: ظهر لك فيها رأي، ولا يجوز مثل هذا الإسناد إلى مصدر الفعل حتى يشعر برأي مثل ظهر [2/ 240] وبان، وتبين، أو يكون الفعل فعل استثناء؛ كقاموا عدا زيدا، وخلا عمرا وحاشا بكرا، ومن الإسناد إلى مدلول عليه قول الشاعر: 1246 - أقول إذا ما الطّير مرّت مخيلة ... لعلّك يوما فانتظر أن تنالها أأدرك من أمّ الحويرث غبطة ... بها خبّرتني الطّير أم قد أتى لها (¬5) أي: قد أتى لها أن لا أدرك؛ لأن ذكر أم بعد الهمزة التي وليها أحد الضدين يشعر بأن ثانيهما مراد، وهذا شبيه بقوله تعالى: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ (¬6)؛ لأن ذكر المعمر مشعر بمقابله وهو القصير العمر فأعيدت هاء عُمُرِهِ إليه ولم يذكر لإشعار مقابله (¬7)، ومثله قول الشاعر: ¬

_ (¬1) البيت قيل: إنه للفرزدق ولكن البيت ليس في ديوانه، وهو في: التذييل (2/ 1175)، وسمط - اللآلئ (ص 705)، وطبقات الشعراء (ص 280) برواية «لم تزد» ولا شاهد على هذه الرواية في البيت، وينظر أيضا: شرح التسهيل للمصنف (2/ 121). والشاهد قوله: «لم يزد»؛ حيث كان ظاهره يدل على حذف الفاعل، لكن الفعل في الحقيقة مسند إلى فاعل يدل عليه قوله: «منتحيا» أو «تبختر». والتقدير: لم يزد انتحاؤك أو لم يزد تبخترك». (¬2) ذكر أبو حيان في التذييل (2/ 1174، 1175)، أن هذا الكلام الذي نسبه المصنف هنا لأبي علي الفارسي ليس من كلامه وإنما هو من كلام المصنف، كما ذكر أنه في نسخة أخرى من نسخ شرح التسهيل منسوب إلى الفارسي، ولعله يقصد النسخة التي بين أيدينا أي التي نقل عنها ناظر الجيش نصّ ابن مالك. (¬3) سورة يوسف: 35. (¬4) تقدم ذكره. (¬5) البيتان لكثير عزة، ديوانه (ص 146) دار الكتاب العربي، وهما في: التذييل (2/ 1177)، وديوان الفرزدق (ص 77)، وقد روي البيتان فيه بإيراد البيت الثاني قبل الأول وباختلاف في بعض الألفاظ فقد روي «أم الحكيم» مكان «أم الحويرث»، و «سحيقة» مكان «مخيلة». والبيتان من الطويل. والشاهد قوله: «قد أتى لها»؛ حيث أسند الفعل إلى فاعل مفهوم من سياق الكلام، والتقدير: أم قد أتى لها ألا تدرك. (¬6) سورة فاطر: 11. (¬7) ينظر: روح المعاني للألوسي (7/ 169، 170).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1247 - وما أدري إذا يمّمت أرضا ... أريد الخير أيّهما يليني (¬1) فثنى الضمير قاصدا للخير والشر ولم يجر إلا ذكر أحدهما ولكن الإشعار بما لم يذكر بمنزلة ذكره، ومن الإسناد إلى مدلول عليه قول بعض العرب: إذا كان غدا فأتني، أي: إذا كان غدا ما نحن عليه الآن فأتني (¬2)، ومثله قول الشاعر: 1248 - فإن كان لا يرضيك حتّى تردّني ... إلى قطريّ لا إخالك راضيا (¬3) أي: إن كان لا يرضيك ما تشاهده مني، ومن الفاعل المؤول قوله تعالى: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ (¬4) ففاعل تبيّن مضمون كيف فعلنا، كأنه قيل: وتبين لكم كيفية فعلنا بهم، وجاز الإسناد في هذا الباب باعتبار التأويل، كما جاز في باب الابتداء نحو: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬5)؛ فإنه أول بسواء عليهم الإنذار وعدمه؛ بل كما جاز في هذا الباب أن يقال: 1249 - ما ضرّ تغلب وائل أهجوتها (¬6) على تأويل: ما ضرها هجوك إياها، ومثل: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ، أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا (¬7) على تأويل: أولم يهد لهم كثرة - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر وهو للمثقب العبدي وهو في: معاني القرآن للفراء (1/ 231)، (2/ 7)، والتذييل (2/ 1178)، وشرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 188). والشاهد قوله: «أيهما يليني»؛ حيث ثنى الضمير مع أن المذكور واحد وهو لفظ «الخير» ولكنه قاصد للخير والشر. (¬2) ينظر: أوضح المسالك (1/ 130)، وأمالي الشجري (1/ 185)، والتصريح (1/ 272)، والكتاب (1/ 224). (¬3) البيت من الطويل وهو لسوار بن مضرب السعدي وهو في: الخصائص (2/ 433)، والمحتسب (2/ 192)، ونوادر أبي زيد (ص 233)، وأمالي ابن الشجري (1/ 185)، والتذييل (2/ 1117، 1174)، وابن يعيش (1/ 80)، وأوضح المسالك (1/ 131)، والعيني (2/ 451)، والتصريح (1/ 272)، والأشموني (2/ 45). والشاهد قوله: «فإن كان لا يرضيك حتى تردّني»؛ حيث جاء ما ظاهره إسناد الفعل «يرضي» إلى الفعل «تردني» وذلك على اعتبار أن «حتى» استثنائية والجمهور على أنها غائية، وفاعل «يرضي» عندهم ضميرا مستترا يعود إلى ما عاد إليه اسم كان وهو الحال المشاهدة أي: ما أنا عليه من السلامة». (¬4) سورة إبراهيم: 45. (¬5) سورة البقرة: 6. (¬6) تقدم ذكره. (¬7) سورة السجدة: 26.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إهلاكنا، ومن الإسناد إلى مدلول عليه قوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (¬1)، ففاعل أَخْرَجَ ضمير الواقع في البحر الموصوف ولم يجر له ذكر؛ لأن سياق الكلام يدل عليه (¬2)، ومثله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (¬3). ففاعل يشرب غير مذكور لكنه مفهوم كأنه قيل: ولا يشرب الخمر شاربها، وقد يغني عن الفاعل استحضاره في الذهن بذكر فعل ناصب لما لا يصلح إلا له (¬4)، كقول الشاعرة (¬5): 1250 - لقد علم الضّيف والمرملون ... إذا اغبرّ أفق وهبّت شمالا (¬6) فأغنى عن إظهار الريح استحضارها في الذهن بـ «هبت» ونصبه «شمالا» على الحال فكان ذلك بمنزلة التصريح بالريح [2/ 241] ومثله قول الآخر: 1251 - وأكرم الضّيف والجار القريب إذا ... هبّت شآميّة واشتدّت القرر (¬7) فنصب شآمية وأضمر الريح وإلى هذه المواضع ونحوها أشرت بقولي: ويرفع توهم الحذف إن خفي الفاعل جعله مصدرا منويّا أو نحو ذلك. انتهى كلام المصنف - ¬

_ (¬1) سورة النور: 40. (¬2) ينظر: الكشاف (2/ 96). (¬3) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الحدود (8/ 157، 159)، وكتاب المظالم (3/ 136)، ومسلم في كتاب الإيمان (76، 77)، والترمذي في كتاب الإيمان (5/ 15)، وابن حنبل (2/ 243، 317، 376، 479)، (3/ 346)، (4/ 353)، (6/ 139). (¬4) ينظر: الهمع (1/ 160)، والتصريح (1/ 271)، والبهجة المرضية (ص 46). (¬5) هي جنوب بنت العجلان بن عامر الهذلية ترثي أخاها عمرا. (¬6) البيت من المتقارب وهو في: الإنصاف (1/ 206)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 90) والتذييل (2/ 1181)، والعيني (2/ 82)، وزهر الآداب للحصري (ص 795)، وشذور الذهب (ص 291)، والخزانة (4/ 353). والشاهد قوله: «وهبت شمالا»؛ حيث عاد الضمير على مستحضر في الذهن وهو الريح؛ لدلالة «هبت» الناصب «شمالا» على الحالية. (¬7) البيت وهو من بحر المضارع في التذييل (2/ 1181). والشاهد فيه قوله: «هبت شآمية»؛ حيث عاد الضمير على مستحضر في الذهن وهو الريح كما مر في البيت السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في شرح هذا الموضع (¬1). وقد تعرض الشيخ إلى الطعن في شيء من ذلك والمنازعة فيما استدل به فقال: وهذا الذي استدل به المصنف في هذه الأبيات يعني الذي أوله: «ليبك بزيد»، والذي أوله: «حمامة بطن الواديين»، والبيتين اللذين أولهما: «أرى الأيام»، لا يتعيّن. أما البيت الأول: فيمكن أن يكون المفعول الذي لم يسم فاعله هو «ضارع» ويكون «يزيد» منادى أي: ليبك ضارع يا يزيد بفقدك؛ فإنه يصير كالمفقود، والذي ينبغي أن يبكي؛ إذ لا يجد مثلك. وأما الثاني: فيمكن أن يكون «مطيرها» بدلا من الضمير المستكن في «الغوادي»؛ إذ فيه ضمير يعود على «الغر» أي البواكر مطيرها. وأما الثالث: فيمكن أن يكون «ولا علجان» منصوبا معطوفا على المنصوب قبله ويكون ذلك على اللغة الحارثية (¬2). انتهى. وأقول: أما تخريجه البيت الأول فيكفي في ردّه نبوّه عن الطباع وإذهاب بهجة المعنى المستفاد منه على التخريج المعروف منه، ثم الذي ذكره الشيخ مع وكالة المعنى يخرج الكلام إلى المجاز مع إمكان حمله على الحقيقة، ولا شك أن الحقيقة لا يعدل عنها إلا لموجب، ولا موجب في البيت، ثم إن الناس قالوا: إنما عدل عن قولنا: «ليبك يزيد ضارع» بالبناء للفاعل إلى هذا التركيب الذي هو «ليبك يزيد ضارع» بالبناء للمفعول؛ لفضله على الأول، قالوا: وفضله عليه بثلاثة أمور: الأول: أنه يفيد إسناد الفعل إلى الفاعل مرتين إجمالا ثم تفصيلا، فيتكرر الإسناد فيعطي الكلام قوة في المعنى المقصود. الثاني: أن وقوع نحو: «يزيد» فيه غير فضلة بل هو ركن الجملة. الثالث: أن معرفة الفاعل كحصول نعمة غير مترقبة؛ لأن أول الكلام غير مطمع - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 118 - 124). (¬2) التذييل (2/ 1164 - 1166).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للسامع في ذكره (¬1)، وإذا عرف هذا فالتخريج الذي ذكره الشيخ يطمس هذه المعاني ويمحو آثارها، وأما تخريجه للبيت الثاني ففيه بعض ما في تخريجه البيت الأول، وذلك أنه إذا كان التقدير: «سقاك مطيرها» كان الدعاء للمدعو له مرتين وهما: سقيت من الغر الغوادي سقاك مطيرها. والمقام يقتضي ذلك، وإذا كان مطيرها بدلا - كما قال الشيخ - زال هذا المعنى، ثم مراد الشاعر أن المطير هو الذي يسقى، لا أن المطير هو الغادي. وأما تخريجه البيت الثالث فيتوقف على أن قائله هو من [2/ 242] أهل اللغة الذين يبقون ألف المثنى في كل حال، ثم قال الشيخ: ولا يتعين ما قدره المصنف ولا غيره من أن رِجالٌ (¬2) مرفوع بـ «يسبّح» مضمرا لدلالة (يسبّح) عليه؛ لأنه يجوز أن يكون رِجالٌ خبر مبتدأ محذوف تقديره: «المسبح رجال» يدل عليه (يسبّح). انتهى (¬3). وتقدير المبتدأ يبعده بل قد يمنعه أمران: أحدهما: أن (رجال) إذا قدّر له فعل رافع وافقت قراءة يسبّح بفتح الباء قراءة يسبح بكسر الباء. الثاني: أن المراد من الآية الشريفة إفادة تجديد التسبيح وتكرره في بيوت الله تعالى بكرة وأصيلا، وإذا كان كذلك كان تقدير الفعل متعينا؛ لأن تقدير المبتدأ لا يفيد هذا المعنى مع أنه المقصود، وأما البيت الذي أنشده المصنف الذي أوله: 1252 - غراة أحلّت لابن أصرم طعنة (¬4) فقد حكي أن يونس بن حبيب سأل الكسائي عنه فأنشده برفع «طعنة» ونصب «عبيطات السدائف»، فقال له يونس: علام ترفع «الخمر»؟ فقال: على - ¬

_ (¬1) ينظر: التصريح (1/ 274) وقد استحسن فيه ابن هشام الوجهين فقال: «ويروى (ليبك) ببناء الفعل للفاعل، (ويزيد) مفعوله، (وضارع) فاعله وفي كل من الروايتين وجه حسن؛ أما الأولى: فمن جهة جعل (يزيد) الذي هو ملاذ الضعفاء في صورة العمدة، وأما الثانية: فمن جهة عدم الحذف». اه. (¬2) سورة النور: 37. (¬3) التذييل (2/ 1167). (¬4) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستئناف والقطع، فقال له يونس: ما أحسن ما قلت لولا أن الفرزدق أنشدنيه مقلوبا (¬1)، يعني يونس أنه أنشده بنصب «طعنة» ورفع «عبيطات السدائف»، وعلى هذا فيكون «والخمر» معطوفا على عبيطات ويسهل الأمر، ولا يحتاج حينئذ إلى تقدير فعل محذوف، ومعنى القلب هو: أن يجعل العبيطات والخمر هي التي أحلت طعنة، وفي الحقيقة: الطعنة التي أحلت له أكل العبيطات وشرب الخمر. وقال الشيخ أيضا في قول المصنف: (ولا يحذف الفاعل إلا مع رافعه المدلول عليه): ما ذكره فيه خلاف وإطلاق في موضع التقييد، أما الخلاف فذهب الكسائي إلى جواز حذف الفاعل وحده دون فعله، لدلالة المعنى عليه. وأما الإطلاق في مكان التقييد فإنه كان ينبغي أن يقيد ويقول: ما لم يكن الرافع مصدرا ينحل بحرف مصدري والفعل؛ فإنه إذ ذاك يجوز حذف الفاعل وحده دون رافعه نحو قوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً (¬2). انتهى (¬3). أما خلاف الكسائي في هذه المسألة فمشهور (¬4) حتى أنه لا يكاد يخفى عن ضعفاء الطلبة، فكيف يجهله ابن مالك؟ هذا إذا لم يتعرض إلى ذكره في شيء من الأبواب، كيف؟ وقد ذكره في باب التنازع، ولو أهمل ذكره عذر؛ لأنه مذهب لا معول عليه. وأما جواز حذف الفاعل إذا كان الرافع له مصدرا مقدرا بحرف وفعل؛ فقد ذكر المصنف ذلك في باب إعمال المصدر حيث قال: ولا يلزم ذكر مرفوعه، فليكن ما ذكره في باب المصدر مقيدا لما ذكره في باب الفاعل، وقال الشيخ في قول الشاعر: 1253 - تمشي تبختر حول البيت منتحيا ... لو كنت عمرو بن عبد الله لم يزد (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: التصريح (1/ 274)، والانتصاف على الإنصاف للشيخ محيي الدين عبد الحميد (1/ 186، 187). (¬2) سورة البلد: 14، 15. (¬3) التذييل (2/ 1173، 1174). (¬4) ينظر: الهمع (1/ 160)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 617)، وابن يعيش (1/ 77)، وشرح شذور الذهب (ص 214). (¬5) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول المصنف: «التقدير: لم يزد انتحاؤك»: إن البيت [2/ 243] المذكور ليس مما ذكره بل قال: الفاعل مضمر في «يزد» عائد على عمرو بن عبد الله؛ لأنه اسم غائب أخبر به عن مخاطب، فيجوز فيما بعده مراعاة كل من الأمرين: أعني الخطاب والغيبة: فيعود الضمير بحسبه، فالتقدير في البيت على هذا: «لم يزد عمرو بن عبد الله انتحاؤك» (¬1). وقال في قول المصنف: ومن الإسناد إلى مدلول عليه قول بعض العرب: إذا كان غدا فأتني، ومثله قول الشاعر: 1254 - فإن كان لا يرضيك حتّى تردّني (¬2) أي إن كان لا يرضيك ما تشاهده مني، ومن الفاعل المؤول قوله تعالى: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ (¬3)، وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا (¬4) إلى آخره. هذا الذي ذهب إليه المصنف هو مذهب بعض الكوفيين قال: وأما أصحابنا فإنهم خرجوا قوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا على أن فاعل «يهدي» مضمر يعود على المصدر المفهوم من الفعل وساغ ذلك؛ لأن الهداية قد تستعمل استعمال الدلالة التي يراد بها الحجة والبرهان، وكأنه قال: أو لم يتبين لهم حجتنا، ويكون كَمْ أَهْلَكْنا في موضع نصب بما دل عليه قوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ؛ لأنه بمنزلة: أولم يعلموا (¬5). انتهى. والذي قاله المصنف أظهر مما ذكره الشيخ، ولم يرد المصنف أن كَمْ أَهْلَكْنا مؤول بالفاعل، كما يؤول الحرف المصدري والفعل، بل مراده أنه يفيده ويدل عليه فنحن نستفيد من كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ: كيفية فعلنا بهم ونستفيد من كَمْ أَهْلَكْنا: كثرة إهلاكنا. وناقش المصنف في قوله: ومن الإسناد إلى مدلول عليه قوله تعالى: إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها (¬6)، وقوله: إن فاعل أَخْرَجَ ضمير الواقع في البحر - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1175). (¬2) تقدم ذكره. (¬3) سورة إبراهيم: 45. (¬4) سورة السجدة: 26. (¬5) التذييل (2/ 1179). (¬6) سورة النور: 40.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموصوف ولم يجر له ذكر، ولكن سياق الكلام يدل عليه. فقال الشيخ: الفاعل ضمير يعود على محذوف مضاف إلى ظلمات، التقدير: «أو كذي ظلمات» فحذف ذي؛ لدلالة المعنى (¬1). * * * ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1180).

الباب التاسع عشر باب النائب عن الفاعل

الباب التاسع عشر باب النّائب عن الفاعل [أغراض حذف الفاعل - ما ينوب عنه] قال ابن مالك: (قد يترك الفاعل لغرض لفظيّ أو معنويّ جوازا أو وجوبا، فينوب عنه جاريا مجراه في كلّ ما له مفعول به أو جارّ ومجرور، أو مصدر لغير مجرّد التّوكيد، ملفوظ به أو مدلول عليه بغير العامل، أو ظرف مختصّ متصرّف وفي نيابته غير متصرّف أو غير ملفوظ به خلاف). قال ناظر الجيش: اعلم أن ابن عصفور صدر الكلام في هذا الباب بأن قال: يحتاج في هذا الباب إلى معرفة خمسة أشياء: الأفعال التي يجوز بناؤها للمفعول، وكيفية بنائها له، والسبب الذي لأجله حذف الفاعل، والمفعولات التي تقام مقام الفاعل، والأولى منها بالإقامة إذا اجتمعت، فأما الأفعال فثلاثة أقسام: قسم لا يجوز بناؤه للمفعول باتفاق: وهو الأفعال التي لا تنصرف [2/ 244] نحو: نعم وبئس. وقسم فيه خلاف: وهو كان وأخواتها المتصرفة، والصحيح أنها تبنى للمفعول بشرط أن تكون قد عملت في ظرف أو مجرور فيحذف اسمها كما يحذف الفاعل، ويحذف الخبر؛ إذ لا يتصور بقاء الخبر دون مخبر عنه ويقام الظرف أو المجرور مقام المحذوف فيقال: كان في الدار، وكين يوم الجمعة. وقسم لا خلاف في جواز بنائه للمفعول: وهو ما بقي من الأفعال المتصرفة (¬1). انتهى. أما الأمر الأول؛ فلم يتعرض المصنف إلى ذكره؛ لوضوحه، ولأنه ذكر في الباب عن الكسائي والفراء: بناء كان، وجعل (¬2). وأما الأربعة الباقية؛ فقد تكلم عليها وبدأ بالكلام على السبب المقتضي لحذف الفاعل، وقد ذكروا أنه يحذف لعشرة أسباب فاختصر المصنف عدّها مكتفيا بقوله: (قد يترك الفاعل لغرض لفظي أو معنوي) (¬3)، - ¬

_ (¬1) المقرب لابن عصفور (1/ 79). (¬2) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 83). (¬3) حصر المرادي هذه الأسباب العشرة في قوله: «قد يحذف الفاعل لغرض لفظي: كالإيجاز، والتصحيح، والتوافق، والتقارب، أو معنوي: كالعلم به، والجهل، والإبهام، والتعظيم، والتحقير، والخوف منه، أو عليه» اه. شرح المرادي للألفية (2/ 21)، وينظر: التوطئة للشلوبين (ص 248)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأشار باللفظي إلى قصد الإيجاز كقوله تعالى: وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ (¬1)، وإلى موافقة المسبوق السابق كقول بعض الفصحاء: من طابت سريرته حمدت سيرته، وإلى إصلاح النظم كقول الأعشى: 1255 - علّقتها عرضا وعلّقت رجلا ... غيري وعلّق أخرى ذلك الرّجل (¬2) وكقول عنترة: 1256 - وإذا شربت فإنّني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم (¬3) وأشار بالمعنوي إلى كون الفاعل معلوما كقوله تعالى: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (¬4)، وكقوله تعالى: ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ (¬5) ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت بالرّعب مسيرة شهر» (¬6)، «ونصرت بالصّبا وأهلكت عاد بالدّبور» (¬7)، وإلى كونه مجهولا كقول الرجل: نبئت بكذا إذا لم يعرف من نبأه، ومنه ما يرد من قول بعض الرواة: روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كيت وكيت» وإلى كونه لا يتعلق، ويتعقبه مراد المتكلم كقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (¬8)، وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها (¬9)، إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا (¬10)، ومنه قول الشاعر: - ¬

_ - وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 534). (¬1) سورة الحج: 60. (¬2) البيت من البسيط وهو في التذييل (2/ 1182)، والعيني (2/ 504)، وأوضح المسالك (1/ 142)، والتصريح (1/ 286)، وحاشية الخضري (1/ 167)، وديوان الأعشى (ص 43). والشاهد قوله: «علقتها ... وعلقت ... وعلق»؛ حيث بنى الفعل «علق» في المواضع الثلاثة للمفعول وحذف الفاعل لأجل إصلاح النظم. (¬3) البيت من الكامل وهو في التذييل (2/ 1182) برواية «فإذا» مكان «إذا» وهي موافقة لرواية الديوان، وانظر أيضا: الهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 143)، وديوان عنترة (ص 122) طبعة بيروت. والشاهد قوله: «لم يكلم»؛ حيث حذف الفاعل لغرض لفظي وهو إصلاح النظم كما بين الشارح. (¬4) سورة النساء: 28. (¬5) سورة الحج: 73. (¬6) حديث شريف أخرجه البخاري في باب التيمم. (¬7) حديث شريف أخرجه البخاري في باب الاستسقاء. (¬8) سورة البقرة: 196. (¬9) سورة النساء: 86. (¬10) سورة المجادلة: 11.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1257 - وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (¬1) وإلى كون تعظيم الفاعل مقصودا فيصان اسمه عن مقارنة اسم المفعول كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من بلي منكم بهذه القاذورات فليستتر» (¬2)، وإلى كون تعظيم المفعول مقصودا فيصان اسمه عن مقارنة اسم الفاعل كقولك: أوذي فلان إذا عظمته واحتقرت من أذاه، وإلى كون الستر على الفاعل مقصودا خوفا منه أو خوفا عليه، هذا ما ذكره المصنف (¬3). وقد تضمن كلامه ذكر أسباب عشرة، وأفاد بقوله: (جوازا أو وجوبا) أن الفاعل قد يجب حذفه كما في نحو: من طابت سريرته حمدت سيرته (¬4)، وكما في: 1258 - علّقتها عرضا ... ... .... البيت (¬5) وفي 1259 - وعرضي وافر لم يكلم (¬6) [2/ 245] واعلم أن ابن الضائع قال: قولهم: يحذف الفاعل لكذا ولكذا هذيان من القول وما ارتكبه المتأخرين في ذلك نازع عن الحق جملة، ولا فرق بين طلب العلة لذلك وطلب العلة في لم بني الفعل للفاعل، ولا فرق بين السؤال لم لم يذكر الفاعل؟ وبين السؤال لم لم يذكر الظرف؟ أو لم لم يذكر الزمان؟ أو شبه ذلك. انتهى (¬7). وما قاله غير ظاهر وكأنه بنى الأمر على أن كلّا من التركيبين - - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو للشنفرى وهو في: التذييل (2/ 1183)، والمغني (2/ 560)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 899)، والعيني (2/ 117)، (4/ 51)، والتصريح (1/ 202)، والهمع (1/ 127)، والدرر (1/ 101)، والأشموني (1/ 251)، (3/ 51) ولامية العرب (ص 42). والشاهد قوله: «وإن مدت الأيدي»؛ حيث حذف الفاعل؛ لأنه لا يتعلق مراد المتكلم بتعيينه. (¬2) الحديث في موطأ الإمام مالك «باب الحدود» (ح/ 12) برواية: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته، نقم عليه كتاب الله». اه. وقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم هذا الحديث وهو يخطب في الناس حينما اعترف رجل أمامه على نفسه بالزنا. (¬3) ينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 126). (¬4) ينظر: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 167)، والتصريح (1/ 286). (¬5) تقدم ذكره. (¬6) تقدم ذكره. (¬7) ينظر: التذييل (2/ 1184) فقد ذكر فيه نص ابن الضائع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعني ضرب زيد، وضرب زيد - أصل بنفسه، ولا شك أن ذكر الفاعل هو الأصل وأن ضرب زيد ثان عن ضرب زيد، وإذا كان كذلك اتجه التعرض إلى ذكر العلة المقتضية حذف الفاعل. ثم ثنى المصنف بذكر ما يقوم مقام الفاعل من المعمول، وأشار إلى ذلك بقوله: (فينوب عنه جاريا مجراه في كل ما له مفعول به) إلى آخره فذكر أربعة وهي: المفعول به، والجار والمجرور، والمصدر، والظرف. وأفاد بقوله: (جاريا مجراه في كل ما له) أن النائب عن الفاعل يخلفه في الرفع ووجوب التأخير عن الفاعل والتنزل منزلة الجزء منه وعدم الاستغناء (¬1) عنه. قال الشيخ: إلا أنه لا يجري مجراه في العامل؛ لأن الفاعل يرتفع باسم الفعل، وبالظرف، والمجرور، والأمثلة، والجامد الجاري مجرى المشتق، ولا يرتفع المفعول الذي لم يسم فاعله إلا بالفعل واسم المفعول، وفي ارتفاعه بالمصدر الذي يتصل بحرف مصدري والفعل خلاف، قال: فإذا لم يجر مجراه في كل ما له (¬2). انتهى. وهذا الذي ذكره لا يتوجه على المصنف، لأن النائب عن الفاعل إنما يجري مجراه في كل ما له إذا تبين أنه نائب عنه ولا يتبين ذلك إلا بدليل، والدليل هو التغيير الذي يحدث في العامل، فما لم يحدث تغيير لا يجوز الحكم عليه بأنه نائب (¬3). فعلى هذا: المرفوع باسم الفعل والظرف والمجرور وما ذكره معها محكوم بفاعليته قطعا؛ إذ لا دليل إذ ذاك على حذف الفاعل لو حكمنا على المرفوع بها بأنه نائب عنه، وإذا كان الحكم على شيء بالنيابة عن الفاعل متوقفا على أمر ولم يوجد ذلك الأمر؛ لزم انتفاء الحكم عن ذلك الشيء قطعا، وعلى هذا: لا يحتاج إلى أن يستثني ويقول: إلا أنه لا يجري مجراه في العامل. قال المصنف (¬4): ثم نبهت على أن النائب عن الفاعل إما المفعول به نحو: - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح عمدة الحافظ (ص 88)، والهمع (1/ 162)، والأشموني (2/ 61)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 126). (¬2) التذييل (2/ 1184). (¬3) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 22)، وشرح الأشموني (2/ 61 - 62)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 71). (¬4) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 126) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب زيد، وإما جار ومجرور نحو: غضب عليه ولم يلزم من نيابة [2/ 246] الجار والمجرور مخالفته؛ لأن الفاعل قد يكون مجرورا نحو: فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (¬1)، وقيدت المصدر الذي ينوب بكونه (لغير مجرد التوكيد) تنبيها على أن المصدر المسوق لمجرد التوكيد لا يقام مقام الفاعل، فلا يقال في مثل ضلّ زيد ضلالا: ضلّ ضلالا؛ لعدم الفائدة، بخلاف قام في الدار قياما طويلا أو قومة أو قومتين، فإن المصدر فيه مسوق لغير مجرد التوكيد، فلا يخلو الإسناد إليه من فائدة (¬2). ونبهت بقولي: ملفوظ به أو مدلول عليه بغير العامل، على أن المنوي مدلول عليه بالعامل لا يجوز، وقد أجاز ذلك قوم من المتأخرين (¬3)، ولا يصل إليه؛ لأن الفعل لا يدل على المصدر المختص ولا المحدود، وإنما يدل على الذي لمجرد التوكيد، والذي لمجرد التوكيد لا فائدة في الإسناد إليه، وهو ملفوظ به، فكيف إذا نوى ولم يلفظ به؟ (¬4). فإن كان المصدر المنوي مدلولا عليه بغير الفعل جاز الإسناد إليه كقولك: بلى سير، لمن قال: سير سير شديد؟ ولو جاز الإسناد إلى المصدر المنوي مطلقا لم يمتنع أن يقال ابتداء: ضرب أو نحو ذلك وفي كلام الزجاجي: إشعار بأن سيبويه يجيز ذلك؛ لأنه قال: وقد أجاز بعضهم على إضمار المصدر وهو مذهب سيبويه (¬5). قال ابن خروف: لا يجيز أحد من النحويين ردّ الفعل إلى ما لم يسم فاعله على إضمار المصدر المؤكد، ولا يجيز أحد: قعد، وضحك، من غير شيء يكون بعد هذا الفعل، ثم ادعاؤه أنه مذهب سيبويه فاسد؛ لأن سيبويه لا يجيز إضمار المصدر المؤكد في هذا الباب، والذي أجازه سيبويه لا يمنعه بشر، وهو إضمار المصدر المقصود، مثل أن يقال لمتوقع القعود: قد قعد، ولمتوقع السفر: قد سوفر، أي: قد قعد القعود، وسوفر السفر الذي ينتظر وقوعه، والفعل لا يدل على هذا النوع من - ¬

_ (¬1) سورة يونس: 29. (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 536)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90). (¬3) ذكر السيوطي في الهمع نقلا عن أبي حيان أن الذي أجاز ذلك هو ابن طاهر، يقول السيوطي في الهمع (1/ 163): «فإن كان مدلولا عليه بالفعل كقولك: جلس وضرب وأنت تريد هو أي: جلوس، وضرب لم يجز، قال أبو حيان: وفي كلام ابن طاهر إشعار بجوازه» اه. (¬4) ينظر: أوضح المسالك (1/ 143)، وشرح الكودي (ص 78). (¬5) الجمل للزجاجي (ص 89) تحقيق ابن أبي شنب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصادر والدال عليه أمر آخر، هكذا قال ابن خروف (¬1) وهو الصحيح، وقيدت الظرف الصالح للنيابة بكونه مختصّا على أن غير المختص لا يصلح للنيابة كوقت وزمن ومدّة، فلا يقال في سرت وقتا: سير وقت؛ لعدم الفائدة (¬2)، بخلاف: سرت وقتا صعبا، أو زمنا طويلا، أو مدة من النهار، فإن الظرف فيه مختص والإسناد إليه مفيد، وقيدته بالتصرف تنبيها على أن ما لا يتصرف لا يصلح للنيابة، كسحر معينا، وثمّ؛ فلا يقال في أتيت سحر وجلست ثمّ: أتي سحر، وجلس ثمّ؛ لأن الظرفية لا تفارقها، ولا يسند إليهما منصوبين محكوما لمحلهما بالرفع؛ لأن الفاعل لم يحكم له بمثل (¬3) ذلك، وليس كذلك الحكم على [2/ 247] المجرور بالرفع، فإنه ثابت للفاعل كما سبق، فلم يلزم من معاملة النائب به محذور، وأجاز ابن السراج نيابة الظرف المنوي (¬4)، وأجاز الأخفش نيابة الظرف الذي لا يتصرف نحو أن تقول: جلس عندك (¬5)، ومذهبه في هذه المسألة ضعيف. انتهى كلام المصنف (¬6). لكن يتعلق بهذا الموضع الإشارة إلى أمور: الأول: أن المصنف لم يتعرض إلى اشتراط التصرف في المصدر النائب، ولا بد من كونه متصرفا مع كونه مختصّا، كما أن الظرف النائب لا بد فيه من الأمرين، وقد كان يلزم التعرض إلى ذلك كما تعرض إليه في الظرف، فنحو: سبحان الله ومعاذ الله، لا يقام مقام الفاعل لعدم التصرف (¬7). الثاني: قد عرفت أن الذي يقام مقام الفاعل من معمولات الفعل أربعة أشياء وهي: المفعول به، والمجرور بحرف الجر، والمصدر، والظرف دون بقية المعمولات؛ والسبب - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (2/ 1190). (¬2) ينظر: الفصول الخمسون لابن معطي (ص 177)، والمقرب (1/ 81)، والتوطئة (ص 249). (¬3) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 356): «ويشترط في الظرف أن يكون تامّا متصرفا وأعني بذلك أن يجوز استعماله في موضع الرفع فنقول: قيم يوم الجمعة، ولو قلت: قيم سحر، لم يجز؛ لأن سحر لا يتصرف» اه. (¬4) ينظر: أصول النحو لابن السراج (1/ 89، 90). (¬5) ينظر: الهمع (1/ 163) وفيه أنه مذهب الأخفش والكوفيين. (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 128). (¬7) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وشرح عمدة الحافظ (ص 92).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك: أن الذي يقام مقام الفاعل هو المفعول به حقيقة أو مجازا، ولا شك أنك إذا قلت: ضربت زيدا ومررت بعمرو، كان كل من زيد وعمرو مفعولا به حقيقة، وأما المصدر والظرف فيتصور في كل منهما أن يكون مفعولا به مجازا؛ لأنه يجوز الاتساع فيهما والنصب على أن الفعل واقع بهما، فمن الاتساع في المصدر ما حكاه سيبويه من قول بعضهم: «ثماني حجج حججتهنّ بيت الله» (¬1)؛ فالضمير في حججتهن منصوب على الاتساع انتصاب المفعول به، وإنما حمل على ذلك؛ لأن الكلام قد انتصب فيه بالفعل اسم آخر على المصدر وهو: ثمان حجج، ولا يجوز أن ينصب الفعل مصدرين (¬2)، ومن الاتساع في الظرف قوله: 1260 - ويوما شهدناه سليما وعامرا (¬3) ومن ثمّ لم يقم في هذا الباب المفعول معه، ولا المفعول من أجله؛ لأنه لا يجوز أن يتسع فيها فينصبان نصب المفعول به، وكذا لا يقام الحال ولا التمييز لهذه العلة أيضا (¬4). وقد ذكر ابن الحاجب لامتناع إقامة المفعول له والمفعول معه مقام الفاعل تعليلا آخر غير ما ذكره غيره، أما امتناع إقامة المفعول له؛ فلأنه قد يكون علة لأفعال متعددة، تقول: ضربت وأكرمت وأعطيت إكراما لزيد؛ فلو أقيم هذا المفعول مقام الفاعل لكان، إمّا أن يقام مقام الجميع (¬5)، أو مقام أحدها، وعلى كل حال يلزم - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 178). (¬2) ينظر: الأشباه والنظائر (2/ 70). (¬3) صدر بيت من الطويل وعجزه: قليل سوى الطّعن النّهال نوافله وهو لرجل من بني عامر وهو في: الكتاب (1/ 178)، والمقتضب (3/ 105)، والكامل (ص 21)، وأمالي الشجري (1/ 6، 186)، ومعاني القرآن للزجاج (1/ 98)، والتذييل (2/ 1217)، وابن يعيش (2/ 45، 46)، والمقرب (1/ 147)، والمغني (2/ 503)، والهمع (1/ 203)، والدرر (1/ 172)، وتعليق الفرائد (ص 1656). اللغة: سليم وعامر: قبيلتان من قيس عيلان. الطعن: اسم جنس جمعي لطعنة. النهال: المرتوية من الدماء. نوافله: غنائمه. والشاهد قوله: «شهدناه» حيث نصب ضمير اليوم تشبيها بالمفعول به؛ اتساعا أو مجازا، والتقدير: «شهدناه في». (¬4) ينظر: التصريح (1/ 290) وفيه: «ولا ينوب التمييز خلافا للكسائي وهشام ولا المفعول معه ولا خبر كان؛ فلا يقال: كين قائم، خلافا للفراء» اه. وينظر: البهجة المرضية للسيوطي (ص 51). (¬5) في (ب): (المجموع) وهو موافق لنص ابن الحاجب في كافيته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلو بعض الأفعال عن الفاعل أو يضمر وهو باطل، فلما لم تطرد هذه القاعدة للعرب امتنعوا عن إثباتها في هذا الموضع الذي لا يتعدد فيه الأفعال لذلك، وأما امتناع إقامة المفعول معه؛ فلأنه مذكور [2/ 248] بحرف العطف؛ فلو أقيم مقام الفاعل لزم أحد الأمرين: إمّا أن تحذف الواو فيخرج المفعول معه عن أن يكون مفعولا معه، فإنه لا يفعل بدون الواو، وإمّا أن لا تحذف فيمتنع التركيب؛ لما لم يسم فاعله فإنه يكون عطفا على غير معطوف عليه (¬1). الأمر الثالث: الحق أن النائب عن الفاعل في نحو: مرّ بزيد؛ إنما هو المجرور والحرف وصل معنى الفعل الذي هو المرور إليه، كما تقول في نحو: مررت بزيد أن الذي في محل النصب إنما هو المجرور والباء موصلة العامل إليه، ولكن المصنف تجوز فجعل النيابة للجار والمجرور معا (¬2)، ولا شك أنهما في الصورة هما القائمان مقام الفاعل فكان ذلك هو الحامل له على التجوز، وليس هذا الأمر مما يخفى على أضعف الناظرين في كلام النحاة، فما ظنك بالمصنف صاحب النظر العالي رحمه الله تعالى؟!. وقال الشيخ: هذا الذي ذكره المصنف لم يذهب إليه أحد وهو أن يكون الجار والمجرور يقوم مقام الفاعل، فيكونان معا في مواضع رفع. انتهى (¬3). وقد ذكر ابن عصفور وغيره مذاهب النحاة في هذه المسألة؛ قال ابن عصفور بعد أن تكلم على ما يقام مقام الفاعل من المفعولات: وأما المفعول به المقيد فإن فيه خلافا بين الكوفيين والبصريين. ذهب البصريون إلى أن المجرور من قولك: سير بزيد، في موضع رفع بالفعل كما إذا قلت: ما قام من أحد؛ كان المجرور بمن في موضع رفع (¬4)، ثم اختلفوا في القائم مقام الفاعل، فالفراء يرى أنه حرف الجر قلت: وهذا القول لا يعقل، - ¬

_ (¬1) شرح ابن الحاجب على كافيته (1/ 350) تحقيق د. نزار الباز، تحقيق د. جمال مخيمر، وقد علل ابن الحاجب أيضا بمثل هذا التعليل في شرح الوافية نظم الكافية (1/ 94) تحقيق طارق عبد الله نجم، والفوائد الضيائية (2/ 128)، وشرح التبريزي مبسوط الأحكام (ص 78)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 84). (¬2) ينظر: شرح عمدة الحافظ (ص 87)، وشرح المكودي (ص 79)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90). (¬3) التذييل (2/ 1184). (¬4) زاد بعد ذلك في (ب): «بالفعل ووافق الكوفيون البصريين على هذا الحكم فيما حرف الجر فيه زائد كما قام من أحد، وأما ما حرف الجر فيه غير زائد فاتفقوا على أن المجرور به لا يكون في موضع رفع».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب الكسائي وهشام إلى أنه ضمير مبهم مستتر في الفعل، وجعلا الضمير المستتر في الفعل مبهما من حيث كان محتملا أن يراد به ما يدل عليه الفعل من مصدر أو ظرف زمان أو مكان ولم يقم دليل على أن المراد به بعض ذلك دون بعض قلت وهذا القول لا يخفى عدم تحققه. ومنهم من ذهب إلى أن مرفوع الفعل ضمير عائد على المصدر، قلت: وقد عرفت بطلان قيام المصدر الذي لا تزيد دلالته على دلالة فعله مقام الفاعل وكذا بطلان قيام ضميره (¬1)، ولا شك أن مثل هذه الأقوال لا ينبغي التشاغل بها؛ وإنما ذكرناها تبعا للذاكرين لها. وقد ذكر الشيخ هذه المذاهب وأطال الكلام، وذكر مذهبا رابعا نسبه إلى قوم وهو أن: سير بزيد، إنما هو على إضمار الطريق؛ لأن السير لا يكون إلا في مكان، قال: والمعنى: قطع به طريق (¬2)، ولا يخفى أن التعرض إلى ذكر مثل هذه المذاهب التي لا يقوم عليها دليل ولا تتطبع في النفوس؛ فيه إتعاب للنفس، وضياع للزمان، واشتغال بما لا يجدي شيئا، ولا تعود منه فائدة. وممن ذهب [2/ 249] إلى أن القائم مقام الفاعل - في نحو: سير بزيد - ضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل؛ أبو زيد السهيلي تابعا لابن درستويه، فالتقدير عنده: سير هو بزيد، أي: سير سير، واستدل السهيلي على امتناع إقامة المجرور مقام المفعول الذي لم يسم فاعله بأمور: 1 - منها: أن المفعول المذكور إذا تقدم كان مبتدأ، كما أن الفاعل إذا تقدم صار مبتدأ وأنت لا تقول: بزيد سير؛ فيكون «بزيد» مبتدأ. 2 - ومنها: أن الفعل لا يؤنث في نحو: سير بهند، وجلس في الدار، فلا يقال: سرت بهند، ولا جلست في الدار. 3 - ومنها: أنه لا يتبع على المحل، فلا يقال: سير بزيد العاقل. 4 - ومنها: أنه يجوز تقديمه قال الله تعالى: كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (¬3) أي: مسؤولا عنه، ولو كان في موضع رفع ما جاز تقديمه (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (1/ 163)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 31). (¬2) التذييل (2/ 1188). (¬3) سورة الإسراء: 36. (¬4) ينظر: أوضح المسالك (1/ 143)، والأشموني (2/ 66، 67)، والهمع (1/ 163).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد رد الناس على السهيلي ذلك فقالوا: الدليل على بطلان مذهبه أن العرب تقول: سير بزيد سيرا، بنصب المصدر؛ فدل ذلك على أن القائم مقام الفاعل هو المجرور. وأما قوله: إن القائم مقام الفاعل إذا قدم كان مبتدأ؛ فيقال في جوابه: إن المبتدأ هو المعرّى من العوامل اللفظية، و «بزيد» ليس كذلك، فامتناع كونه مبتدأ لعارض. وأما قوله: إن الفعل لا يؤنث في نحو: سير بهند؛ فلا شك أنك تقول: كفى بهند فاضلة، فـ «هند» فاعل «كفى» والباء زائدة، ولم يؤنث الفعل؛ فما كان جوابا عن: «كفى بهند فاضلة»، فهو الجواب عن: «سير بهند». وأما قوله: إنه لا يتبع على المحل؛ فالجواب عنه: أن المانع من الإتباع على المحل أن هذا الموضع لا يجوز أن يلفظ به؛ فلا يقال: سير زيد، وما كان كذلك لا يراعى محله، وقد نصوا على أنه لا يجوز أن يقال: مررت بزيد الظريف؛ لأنه لا يجوز أن يقال: مررت زيدا، وهذا بخلاف: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (¬1)؛ لأنه يجوز: ما لكم إله غيره (¬2). بقي الكلام على ثلاث مسائل: الأولى: قد تقدمت الإشارة إلى أن المصدر المنوي المدلول عليه بالفاعل لا ينوب عن الفاعل، وتقدم قول المصنف: وقد أجاز ذلك قوم من المتأخرين، وتقدم أيضا نقله جواز ذلك عن الزجاجي، ونسبة الزجاجي الجواز إلى سيبويه، وتقدم رد ابن خروف لذلك، وأن أحدا من النحويين لا يجيز: قعد، ولا: ضحك، من غير شيء يكون بعد هذا الفعل وقد ذكر الشيخ هذه المسألة، ونقل الجواز فيها عن بعضهم وأطال الكلام ثم قال: وقد وجدت في لسان العرب ما يشهد لجواز: جلس، وقعد مبنيّا - ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون: 23. (¬2) ينظر في الرد على مذهب السهيلي: شرح الجمل لابن الضائع (1/ 31)، والتذييل (2/ 1186)، فقد رد أبو حيان على السهيلي في هذه المسألة فقال: «وهذا الذي ذكره السهيلي في: «سير بزيد» يرد عليه: «لم يضرب من رجل»؛ فإن هذا المجرور في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل، ولو قدمته لم يجز: «من رجل لم يضرب»؛ فينبغي ألا يجوز ذلك، قال أصحابنا: والدليل على بطلان هذا المذهب أن العرب تقول: «سير بزيد سيرا» بنصب المصدر؛ فدل ذلك على أن المجرور هو الذي يقام مقام الفاعل، وإنما امتنع أن يكون «بزيد» مبتدأ؛ لأن المبتدأ معرى من العوامل اللفظية فلا يتقدمه عامل لفظي أصلا إلا أن يكون حرف جر زائد، والباء في «بزيد» ليست بزائدة؛ فلذلك امتنع أن يكون مبتدأ» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للفاعل دون أن يسند إلى شيء في اللفظ والفعل لازم قال الشاعر (¬1) [2/ 250]: 1261 - وقالت متى يبخل عليك ويعتلل ... يسؤك وإن يكشف غرامك تدرب (¬2) «فيعتلل» فعل لازم مبني للمفعول، ولا مفعول له ظاهر، ولا جائز أن يكون المفعول «عليك» محذوفة لدلالة «متى يبخل عليك» عليه؛ لأن النائب عن الفاعل لا يجوز حذفه كالفاعل، فالأولى أن يعتقد أن «يعتلل» مفعوله ضمير يعود على المصدر الذي يدل عليه الفعل ويجعل فيه اختصاص، أي: يعتلل هو، أي: الاعتلال المعهود أو يجعل «عليك» محذوفة لدلالة ما قبلها عليها، ويكون في موضع نصب ليتخصص به المصدر المذكور كما تقول: فلان يغضب عليك ويحقد، تريد: ويحقد عليك (¬3). وأجاز سيبويه اختصاص المصدر بوصف مقدر فيقول: سير بزيد سير؛ إذا أردت به نوعا من السير فحذف الصفة؛ لفهم المعنى، كما قال تعالى: الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ (¬4) أي: بالحق البين (¬5)، وقال ابن عصفور: إن هذا مما انفرد به سيبويه (¬6)، وأقول: إذا كان التقدير في «ويعتلل» ضمير الاعتلال - أعني ضمير مصدر معرف - كان النائب عن الفاعل مختصّا لا مؤكدا. ولا شك أن الأمر إذا كان كذلك فالحكم كما ذكره المصنف من أنه لا يجوز - ¬

_ (¬1) ذكر العيني أنه علقمة بن عبدة، وقال غيره: إنه امرؤ القيس، يقول الصبان في حاشيته على الأشموني (2/ 65): «قال امرؤ القيس الكندي وهو الصحيح، ومن قال لعلقمة بن عبدة فقد وهم وهما فاحشا» اه. (¬2) البيت من الطويل وهو في التذييل (2/ 1193)، والمغني (2/ 516)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 92)، (2/ 883)، والعيني (4/ 506)، والتصريح (1/ 289)، وأوضح المسالك (1/ 144)، والأشموني (2/ 65)، وديوان امرئ القيس (ص 42). ويروى البيت برواية: «يبخل - نعتلل - نسؤك». والشاهد قوله: «ويعتلل»؛ حيث أسند الفعل إلى ضمير يعود إلى المصدر، والتقدير: «يعتلل الاعتلال المعهود أو اعتلال عليك»، ثم حذف «عليك» لدلالة ما قبلها عليها. (¬3) التذييل والتكميل (2/ 1193). (¬4) سورة البقرة: 71. (¬5) في الكتاب (1/ 229): «فإن قلت: ضرب به ضربا ضعيفا فقد شغلت الفعل بغيره عنه ومثله: سير عليه سيرا شديدا، وكذلك إن أردت هذا المعنى ولم تذكر الصفة، تقول: سير عليه سير، وضرب به ضرب، كأنك قلت: سير عليه ضرب من السير، أو سير عليه شيء من السير» اه. (¬6) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 536) طبعة العراق: «ويشترط فيه أيضا - أي المصدر - أن يكون مختصّا في اللفظ أو في التقدير نحو قولهم: قيم قيام حسن، وقيم قيام إذا أردت قياما ما؛ فحذفت الصفة وأقمت الموصوف مقامه، ولو قلت: قيم قيام، ولم تصفه لا في اللفظ ولا في التقدير لم يجز؛ لأنه لا فائدة فيه، ألا ترى أنه معلوم أنه لا يقام إلا قيام» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نيابة المصدر المبهم عن الفاعل، ولا شك أن قول الشيخ: وقد وجدت في لسان العرب ما يشهد لجواز جلس وقعد إلى آخره؛ يوهم جواز إقامة المصدر المبهم ولم يستدل على ذلك إلا بشيء أقيم فيه ضمير المصدر المختص لا ضمير المصدر المبهم. وأما التوجيه الآخر الذي ذكره في البيت وهو: أن يجعل «عليك» محذوفة؛ لدلالة ما قبلها عليها، ويكون في موضع نصب ليتخصص المصدر المذكور فلم يظهر لي؛ لأن «عليك» المحذوفة معمولة للفعل الذي هو «يعتلل»، فمن أين يحصل التخصيص للمصدر الذي حكم بأن ضميره قائم مقام الفاعل؟ ولا يجوز أن يكون «عليك» معمولة لضمير المصدر، ولا في موضع الصفة؛ لأن ضمير المصدر لا يعمل والضمائر لا توصف إلا أن يقال: إن الفعل إذا تقيد بمعمول يتقيد مصدره أيضا؛ لأنه مصدر فعل مقيد، وإذا تقيد المصدر جعل له (تخصيص) (¬1). ويحتمل أن يكون هذا مراد ابن أبي الربيع؛ فإنه قال: إذا كان المصدر مؤكدا لم يبن له الفعل إلا إن تعلق به ظرف غير متصرف نحو: جلس دونك، قال الله تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ (¬2)، ومنه قول الشاعر: 1262 - فيالك من ذي حاجة حيل دونها ... وما كلّ ما يهوى امرؤ هو نائله (¬3) انتهى (¬4). وقوله: إلا إن تعلق به ظرف؛ يحتمل أن يعود الضمير في «به» على الفعل، وأن يعود على المصدر المؤكد، وفي عوده على المصدر البحث السابق. المسألة الثانية: إذا أقيم المصدر الموصوف مقام الفاعل وقيل: سير عليه سير سريع، وسير حثيت، فلا يجوز أن يحذف المصدر حينئذ [2/ 251] فيقال: سير عليه - ¬

_ (¬1) تنظر هذه المسألة في: شرح الدماميني على المغني (2/ 196)، والمغني (2/ 516)، والتصريح (1/ 289) والأشموني (2/ 65). (¬2) سورة سبأ: 54. (¬3) البيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد، وهو في: التذييل (2/ 1194)، والعيني (2/ 511)، وأوضح المسالك (1/ 144)، وحاشية الخضري على ابن عقيل (1/ 171)، والتصريح (1/ 290)، والأشموني (2/ 65)، وديوانه (ص 78) طبعة بيروت. والشاهد قوله: «حيل دونها»؛ حيث أسند الفعل المبني للمجهول إلى ضمير المصدر وهو «الحول»، ولم يسند إلى الظرف وهو «دون»؛ لعدم تصرفه. (¬4) ينظر نص ابن أبي الربيع في: التذييل (2/ 1194).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سريع، وسير عليه حثيث؛ بل يجب النصب فيقال: سير عليه سريعا، وسير عليه حثيثا، قال سيبويه: سير عليه حثيثا وشديدا، فالنصب في هذا على أنه حال قال: ولا يكون فيه الرفع؛ لأنه لم يقع موقع الأسماء إذا كان صفة كذا تقول: سير عليه طويلا وحثيثا وكثيرا وقليلا وقديما؛ بالنصب لاغير (¬1). انتهى. والتقدير: سير عليه السير في هذه الحال؛ فلهذا لم يجز فيه الرفع، وأجاز الكوفيون الرفع في كل ما ذكر على أن الصفة فيه أقيمت مقام الموصوف، فيقولون: سير عليه حسن، أي: سير حسن، ومرّ به سريع، أي: مرور سريع قيل: إلا في شديد وبين؛ فإنهم لا يجيزون فيهما إلا النصب فيقولون: سير عليه بينا؛ لأن المعنى: سير عليه حقّا. وحاصل ما ذكر عن البصريين في هذه المسألة: أن صفة المصدر لا يتصرف فيها فتقام مقام الفاعل؛ فلا يقال: سير سريع، ولا: سير حثيث، ولا حاجة إلى أن يقول: لا يحذف المصدر وتقام صفة مقامه. واعلم أن الخلاف في صفة الظرف - هل تقام مقام الفاعل؟ - كالخلاف في صفة المصدر؛ فلم يجز فيها سيبويه إلا النصب (¬2)، وأجاز الكوفيون الرفع (¬3). المسألة الثالثة: قد تقدم أن نحو: «سحر» و «ثمّ» لا يقام مقام الفاعل لعدم التصرف، ومن ثم قال سيبويه: «سير عليه سحر»، لا يجوز فيه إلا أن يكون ظرفا (¬4)، وقد ذكر سيبويه في هذا الباب كلمات حكمها حكم سحر في عدم التصرف وهي: ضحى، وعمته، وضحوة، وليلا ونهارا، قال رحمه الله تعالى: وكذلك «سير عليه ضحى» إذا عنيت ضحى يومك، و «سير عليه عتمة» إذا أردت عتمة ليلتك، و «سير عليه ضحوة» إذا أردت ضحوة يومك الذي أنت فيه، و «سير عليه ليلا، وسير عليه نهارا إذا أردت ليل ليلتك، ونهار نهارك. هذا معنى كلام سيبويه (¬5)، والمراد أن هذه الظروف التي ذكرت إذا كانت نكرات؛ جاز فيها: الرفع على سبيل المجاز، والنصب على الأصل، فإذا أريد بها شيء بعينه لم تتمكن؛ فتركت على بابها منصوبة. والمنقول عن الكوفيين جواز الرفع في هذه الكلمات التي أوجب سيبويه فيها - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 227). (¬2) في الكتاب (1/ 227): «وإنما نصبت صفة الأحيان على الظرف ولم يجز الرفع؛ لأن الصفة لا تقع مواقع الأسماء» اه. (¬3) ينظر: الهمع (1/ 163). (¬4) الكتاب (1/ 225). (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 225، 226).

[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول]

[جواز نيابة غير المفعول مع وجود المفعول] قال ابن مالك: (ولا تمنع نيابة المنصوب لسقوط الجارّ مع وجود المنصوب بنفس الفعل ولا نيابة غير المفعول به وهو موجود وفاقا للأخفش والكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ النصب، وهي ضحى وضحوة وعتمة وعشية وليل ونهار معيّنات، وفي شرح الشيخ: وأجاز سيبويه وعامة البصريين: سير عليه فرسخان يومين وفرسخين يومان وفرسخين يومين. قال الشيخ: وضع كل ذلك بعض المتأخرين، ويقول في ضرب زيد ظهره وبطنه بالرفع والنصب عند سيبويه؛ فالرفع [2/ 252] على البدل، والنصب بمعنى على، وكذلك إذا كان معرفا بالألف واللام نحو: ضرب زيد الظهر والبطن، وقال أبو العباس: ينصب لأنه يشبه الظروف، وقال الفراء: لا يجوز فيهما إلا الرفع سواء أضيفا أم كان فيهما الألف واللام، وحجته أنه غير مبهم، فلا يجيز النصب كما لا يجيز: زيد البيت. انتهى (¬1). وحجة سيبويه أنه أشبه الظرف من جهة عمومه ألا ترى أن المعنى: عمّ بالضرب وأما: ضرب زيد ظهرا وبطنا؛ فنصب على التمييز، الأصل: ضرب ظهر زيد وبطن زيد، ثم حول الإسناد. قال ناظر الجيش: قد تكلم المصنف على شيئين من الأشياء الأربعة المحتاج إلى معرفتها في هذا الباب، التي قلنا: إن المصنف تعرض إليها مقتصرا عليها، وها هو قد شرع في الكلام على الشيء الثالث، وهو الأولى من المفعولات بالإقامة إذا اجتمعت، ولا شك أن بين الفريقين - أعني البصريين والكوفيين - خلافا في ذلك، والمراد أنه إذا وجد مع المفعول به شيء من ثلاثة الأشياء التي تقام مقام الفاعل وهي: المجرور، والمصدر، والظرف؛ فلا يقام إلا المفعول به، ولا يجوز إقامة غيره مع وجوده. هذا مذهب البصريين، وأما الكوفيون؛ فمع وجود المفعول به يجوزون إقامة غيره، وأما الأخفش؛ فاضطرب النقل عنه، فقيل: مذهبه كمذهب الكوفيين وهذا الذي ذكره المصنف (¬2)، - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1198)، وينظر: الكتاب (1/ 223). (¬2) ينظر: شرح الرضي على الكافية (1/ 84، 85)، والخصائص (1/ 397)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 210) ففيه إشارة إلى مذهب الكوفيين، وشرح الألفية للمرادي (2/ 31، 32)، وشذور الذهب (ص 210)، والتصريح (1/ 291)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال بعضهم (¬1): إن مذهبه أن المفعول به إن تقدم على ما هو مذكور معه من هذه الأمور لا يقام غيره كما هو مذهب البصريين، وإن أخّر عنه جاز إقامة ما شئت كما هو مذهب الكوفيين، فإذا قيل: ضرب زيد يوم الجمعة أمام الأمير ضربا شديدا في داره؛ كانت إقامة زيد متعينة على مذهب البصريين، جائزة على مذهب الكوفيين ومن وافقهم (¬2). وحكم المفعول المنصوب لسقوط الجار مع المفعول المتصرف بنفس الفعل كحكم المصدر والظرف والمجرور إذا اجتمعت هي أو بعضها مع المفعول به، فإذا قيل: اختير زيد الرجال، كانت إقامة زيد متعينة عند البصريين جائزة على رأي الكوفيين (¬3)، وقد اختار المصنف مذهبهم فأشار إلى المسألة الثانية بقوله: (ولا تمنع نيابة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل)، وأشار إلى المسألة الأولى بقوله: (ولا نيابة غير المفعول به وهو موجود وفاقا للأخفش والكوفيين) (¬4)، ولم يتعرض في الشرح إلى مسألة: اختير زيد [2/ 253] الرجال. واعلم أن المغاربة يعبرون عن هذه المسألة بأن الفعل له (منصوبان) (¬5) أحدهما: مصرح لفظا وتقديرا، والآخر: مصرح لفظا لا تقديرا، ويقولون: إذا كان الأمر كذلك وجب إقامة المصرح لفظا وتقديرا وترك المصرح لفظا لا تقديرا، قالوا: وكلام العرب إنما ورد بذلك، قال الفرزدق: 1263 - ومنّا الّذي اختير الرّجال سماحة ... جودا إذا هبّ الرّياح الزّعازع (¬6) - ¬

_ (¬1) هو ابن الدهان كما في الهمع (1/ 162) حيث قال: «ونقل ابن الدهان أن الأخفش شرط في جواز ذلك تأخر المفعول به في اللفظ، فإن تقدم على المصدر أو الظرف لم يجز إلا إقامة المفعول به ...» اه، وبمثل ذلك قال ابن عقيل في شرحه (1/ 171)، ولكنه لم ينسب القول إلى أحد، بل صرح هو به مباشرة. (¬2) ينظر: الأشموني (2/ 67، 68)، والتصريح (1/ 291)، وشرح ابن عقيل (1/ 171). (¬3) ينظر: المقرب (1/ 81)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538)، والتوطئة (ص 250). (¬4) صرح ابن مالك في شرح عمدة الحافظ (ص 91) بموافقته للكوفيين في جواز إقامة غير المفعول مع وجوده فقال: «والكوفيون يجيزون نيابة الثلاثة عن الفاعل مع وجود المفعول به وبقولهم أقول في هذا لثبوت السماع به، وأقوى الشواهد في ذلك قراءة أبي جعفر: ليجزى قوما بما كانوا يكسبون ..» اه. وقد خرج البصريون هذه القراءة على أنها شاذة، وما ورد من مثل ذلك في غير القرآن على أنه ضرورة. ينظر: التصريح (1/ 291). (¬5) في (ب): (مفعولان) وهو أدق في التعبير. (¬6) البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 39)، وشرح أبيات الكتاب للسيرافي (1/ 424)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعلة في ذلك عندهم أن حرف الجر المحذوف هنا مراد، ولو ظهر لم يجز إلا إقامة المصرح فكذلك إذا كان مرادا؛ لأن القاعدة أن المحذوف المنوي كالملفوظ به (¬1)، قال الشيخ: والذي قاله أصحابنا - يعني المغاربة - هو مذهب الجمهور (¬2). انتهى. ولا شك أن الكوفيين يجيزون إقامة غير المفعول به مع وجوده، فلا جرم أنهم يجيزون إقامة المنصوب لسقوط الجار مع وجود المنصوب بنفس الفعل، بل إذا كانوا يجيزون إقامة ما تعدى إليه الفعل بحرف ملفوظ به مع وجود المفعول الصريح فإجازتهم إقامته بعد حذف الجر أولى، والمصنف قد صرح بأنه مذهب الكوفيين والأخفش، وصرح بوفاقه لهم في ذلك فلا يرد عليه بأن مذهب الجمهور بخلاف ما ذكره، وأجاز ابن أبي الربيع: أمر الخير زيدا، لكن على القلب. وأما المسألة الأولى: فهي التي تعرض المصنف لشرحها فقال: وأجاز الأخفش والكوفيون نيابة غير المفعول به مع وجوده وبقولهم أقول؛ إذ لا مانع من ذلك مع أنه وارد عن العرب ومنه قراءة أبي جعفر: ليجزى قوما بما كانوا يكسبون (¬3) فأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل وترك «قوما» منصوبا وهو مفعول به ومثل هذه القراءة قول الشاعر: 1264 - ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا (¬4) - ¬

_ - والمقتضب (4/ 330)، والإفصاح للفارقي (ص 287)، ومجالس العلماء للزجاجي (ص 193)، والأمالي الشجرية (1/ 186، 364)، والتذييل (2/ 1200)، وابن يعيش (5/ 123)، (8/ 50، 51)، والخزانة (3/ 672)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538) طبعة العراق، والهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 143)، وديوانه (ص 516)، وأصول النحو لابن السراج (1/ 215). والشاهد قوله: «اختير الرجال»؛ حيث روي بنصب الرجال فدلّ ذلك على أنه أقام ضمير المفعول الذي تعدى إليه الفعل بنفسه - أو كما يقول المغاربة: المصرح لفظا وتقديرا - مقام الفاعل وجعله نائبا عنه. (¬1) ينظر: المقرب (1/ 81)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 538) فهو من المغاربة الذين يجعلون للفعل مفعولين أحدهما: مصرح لفظا وتقديرا، والآخر: مصرح لفظا لا تقديرا، ويسمى المفعول الثاني أي المصرح لفظا لا تقديرا «مقيدا». (¬2) التذييل (2/ 1200). (¬3) سورة الجاثية: 14، وتنظر هذه القراءة في: الإتحاف (ص 390)، والحجة لابن خالويه (ص 325). (¬4) البيت من الوافر وهو لجرير من قصيدة يهجو بها الفرزدق، وهو في الخصائص (1/ 397) والأمالي الشجرية (2/ 215)، وابن يعيش (7/ 75)، والتذييل (2/ 1201)، وشرح المقدمة النحوية لابن بابشاذ (ص 333) رسالة بجامعة القاهرة، وشرح الجمل لابن بابشاذ تحقيق د/ مصطفى إمام (1/ 155)، والخزانة (1/ 163)، والهمع (1/ 162)، والدرر (1/ 144)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 537)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأقام الجار والمجرور مقام الفاعل ونصب «الكلاب» وهو مفعول به، ومثله قول الراجز (¬1): 1265 - أتيح لي من العدا نذيرا ... به وقيت الشّرّ مستطيرا (¬2) ومثله: 1266 - وإنما يرضي المنيب ربّه ... ما دام معنيّا بذكر قلبه (¬3) ومثله في أحد الوجهين: 1267 - لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا ... ولا شقى ذا الغيّ إلّا ذو الهدى (¬4) وزعم ابن بابشاذ (¬5) أن «جرو كلب» منادى، «والكلاب» منصوب - ¬

_ - والإفصاح للفارقي (ص 93)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 85). والشاهد قوله: «لسب بذلك الجرو الكلابا»؛ حيث أناب المجرور مناب الفاعل مع وجود المفعول به. (¬1) هو يزيد بن القعقاع المخزومي بالولاء المدني أبو جعفر أحد القراء العشرة، ينظر: النهاية (3/ 382). (¬2) الرجز في: التذييل (2/ 1202)، وشذور الذهب (ص 210)، وشرح الجرجاني على الكافية (3/ 5). والشاهد قوله: «أتيح لي من العدا نذيرا»؛ حيث أقيم المجرور وهو ياء المتكلم مقام الفاعل مع وجود المفعول به وهو قوله: «نذيرا». (¬3) رجز لم يعلم قائله وهو في: التذييل (2/ 1202)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وأوضح المسالك (1/ 145)، والعيني (2/ 519)، والتصريح (1/ 291)، والأشموني (2/ 68)، وقطر الندى (2/ 32). والشاهد قوله: «معنيّا بذكر قلبه»؛ حيث أناب الجار والمجرور مع وجود المفعول به وهو «قلبه». (¬4) الرجز لرؤبة بن العجاج وهو في: التذييل (2/ 1202)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 90)، وأوضح المسالك (1/ 145)، وشرح ابن عقيل (1/ 171)، والبهجة المرضية (ص 51)، وشرح شواهد ابن عقيل للجرجاوي (ص 111) ويروى «ذو هدى» مكان «ذو الهدى»، وينظر: الأشموني (2/ 68)، والهمع (1/ 162). والشاهد قوله: «لم يعن بالعلياء إلا سيدا»؛ حيث أقيم الجار والمجرور مقام الفاعل مع وجود المفعول به، وقد جعل البصريون هذا الشاهد وما قبله من الشواهد محمولة على الضرورة الشعرية. (¬5) هو طاهر بن أحمد بن بابشاذ بن داود بن سليمان بن إبراهيم أبو الحسن النحوي المصري أحد أئمة العربية، ورد العراق تاجرا وأخذ عن علمائها ورجع إلى مصر، واستخدم في ديوان الرسائل يتأمل ما يخرج من الديوان من الإنشاء وكانت له حلقة اشتغال بجامع مصر ثمّ تزهد وانقطع، ويقال: إنه مات إثر سقوطه من منارة الجامع إلى سطحه. من تصانيفه: شرح جمل الزجاجي، والمحتسب في النحو، وشرح المقدمة المحسنية، وتوفي سنة (469 هـ) وقيل: (454 هـ). البغية (2/ 17) تحقيق محمد أبو الفضل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ «ولدت» (¬1). قال ابن خروف: فقد أفسد اللفظ والمعنى، وقال الأخفش في المسائل: تقول: ضرب الضّرب الشّديد زيدا، وضرب مكانك زيدا، ووضع موضعك المتاع. ومن مسائله: أعطي عطاء حسن أخاك [2/ 254] درهما مضروبا عنده زيدا (¬2). انتهى. ومما استدل به الكوفيون قراءة من قرأ (¬3) كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (¬4)، فأقيم المصدر مع وجود المفعول به، واستدلوا بالقياس أيضا فقالوا: كما جاز إقامة أيها شئت عند عدم المفعول به فكذلك يجوز عند وجوده قياسا لأحدهما على الآخر. وأما البصريون فقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى (¬5): ذكر النحاة عنهم أدلة كثيرة لا تسلم عند التحقيق، قال: وأجود ما قيل فيها ما ذكره شيخنا جمال الدين بن عمرون رحمه الله تعالى (¬6)، وهو أن قال: إن بين المفعول المصرح وبين الفاعل مشاركة لا توجد بين الفاعل وبين باقي الفضلات، فكما أن مع وجود الفاعل لا يقوم غيره مقامه، كذلك مع وجود ما شاركه هذه المشاركة لا يقوم غيره مقام الفاعل بيان المشاركة هو أن لنا صورة يجوز فيها أن يجعل الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا، ولا يتغير المعنى وهي قولنا: «ضارب زيد عمرا» ثم لك أن تقول: «ضارب عمرو زيدا»، فكان «زيد» فاعلا و «عمرو» مفعولا ثم انعكس ذلك والمعنى بحاله، ولا تجد فضلة ما تكون مع الفاعل بهذه الصورة فبان بهذه المشاركة أنه يجب إقامة المفعول المصرح دون غيره؛ ولأن باقي الفضلات من المصدر - ¬

_ (¬1) يقول ابن بابشاذ في شرح الجمل (1/ 155) تعليقا على البيت السابق: «فـ (الكلاب) منصوب بـ (ولدت) لا بـ (سبّ) و (جرو كلب) على هذا نداء، والتقدير: ولو ولدت قفيرة الكلاب يا جرو كلب لسب بذلك الجرو، فعلى هذا لا يكون فيه مناقضة كما أصلناه» اه. وينظر: شرح المقدمة النحوية له أيضا (ص 335)، كتاب مطبوع سنة (1978 م) د/ أبو الفتوح شريف. (¬2) ينظر: التذييل (2/ 1022)، والخصائص (1/ 397). (¬3) ينظر: المحتسب لابن جني (2/ 111)، وهي قراءة عاصم عن أبي بكر، وقرأ بذلك ابن عامر أيضا. الإتحاف (ص 311)، ومعاني الفراء (2/ 210). (¬4) سورة يونس: 103. (¬5) سبقت ترجمة الإمام بهاء الدين. (¬6) سبقت ترجمة ابن عمرون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والظرفين لا يجوز إقامتها مقام الفاعل، إلا بعد جعلها مفعولات على السعة (¬1)، وهذا مجاز والمفعول به المصرح مستغن عن ذلك فكانت إقامته واجبة دون إقامة ما يحتاج إلى هذا المجاز ثم قال: والجواب عن استدلال الكوفيين أن يقال: أما «نجّي المؤمنين» فلا نسلم أن «نجّي» مبني للمفعول بل أصله: (ننجي) فأدغم النون في الجيم، ولو كان مبنيّا للمفعول لكان فعلا ماضيا، فكانت الياء تكون مفتوحة، وحيث لم تفتح الياء، دل ذلك على كونه مضارعا مبنيّا للفاعل (¬2)، وقد ضعّف هذا التخريج بأنه لا يتصور في قراءة من قرأ (نجّي) بفتح الياء، قالوا: إنما «نجّي» مسند إلى ضمير النجاة، وينتصب «المؤمنين» على إضمار فعل أي: ننجي المؤمنين (¬3). وأما «ليجزى قوما» ففيه تخريجان: أحدهما: أن المسند إليه ضمير المصدر الذي هو الجزاء كما قالوا في «نجّي» و «قوما» منصوب بمقدّر أي: يجزي قوما. ثانيهما: أن المسند إليه المفعول الثاني؛ لأن جزيت يتعدى إلى مفعولين، تقول: جزيت زيد خيرا وجزيته شرّا (¬4)، وأما قول الشاعر: 1268 - لسبّ بذلك الجرو الكلابا (¬5) فقيل: إن «الكلاب» منصوب بإضمار فعل يفسره ما قبله، التقدير: «يسبون - ¬

_ (¬1) في شرح المفصل لابن يعيش (7/ 74): «فلكون الفعل حديثا عن المفعول به في الأصل حتى ظفر به وكان موجودا في الكلام لم يقم مقام الفاعل سواه، مما يجوز أن يقوم مقام الفاعل عند عدمه من نحو: المصدر، والظرف من الزمان والمكان؛ لأن الفعل صيغ له وما تقيمه مقام الفاعل غيره، فإنما ذلك على جعله مفعولا به على السعة» اه. وأقول: من هذا النص يتبين لنا أن ابن عمرون أخذ هذا الرأي وهذا التعليل عن شيخه ابن يعيش فقد تتلمذ على يديه وأخذ النحو عنه كما بينا في ترجمته السابقة. (¬2) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (7/ 75)، والخصائص (1/ 398)، والإفصاح للفارقي (ص 94). (¬3) في المحتسب لابن جني (2/ 111) في تخريج قراءة من قرأ قوله تعالى: توقد من شجرة مباركة في سورة النور يقول ابن جني بعد ذلك: «ونحو من هذا قراءة من قرأ (نجّي المؤمنين) وهو يريد: ننجي المؤمنين، فحذف النون الثانية وإن كانت أصلية، ومشبهها لاجتماع المثلين بالزائدة» اه. وينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 36). (¬4) ينظر: هذان التخريجان في إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 232)، والإتحاف (ص 390). (¬5) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلاب» وكذا يقدر في البيت الآخر: 1269 - أتيح لي من العدا نذيرا (¬1) وأما: «معنيّا بذكر قلبه» (¬2) فانتصاب «قلبه» على التشبيه بالمفعول به كما تقول رأيت زيدا مجدوعا أنفه [2/ 255]، وأما «إلا سيدا» (¬3)، فقالوا: يحتمل أن يكون استثناء منقطعا أي: لكن سيدا يعني بالعلياء، وأما الجواب عن القياس فالفارق ما ذكر في الدليل المتقدم من مشاركة المفعول به المصرح الفاعل دون مشاركة غيره من الفضلات، وإذا ثبت الفارق بطل حكم القياس. قلت: ولا يخفى ضعف هذه التخريجات التي تقدمت، والظاهر أن الحق مع الكوفيين والأخفش، لكن الوارد من ذلك قليل، وفي شرح الشيخ قال النحاس: منع النحويون ضرب زيدا سوط، وحكى المهاباذي (¬4) الاتفاق على ذلك قال: وتعليله ظاهر، وذلك أن السوط آلة فتجوّز فيه إلى أن نصب انتصاب المصدر، وكان الأصل: ضربت زيدا ضربة بسوط، ثم حذفت الباء وأضيفت الضربة إليه، ثم حذفت الضربة وقامت الآلة مقامها فكثر المجاز فيها، فلم يجز لذلك أن يقام مقام الفاعل لا على مذهب من أجاز إقامة المصدر مع وجود المفعول به، ولا على مذهب من منع، فلذلك وقع الاتفاق على المنع وذكر المهاباذي أيضا الاتفاق على منع حمل زيدا فرسخ والذي يقتضي مذهب الأخفش والكوفيين جوازه (¬5). انتهى. ثم اعلم أن المفعول به المصرح إذا لم يوجد ووجد بقية الفضلات، أعني التي يجوز إقامتها مقام الفاعل؛ فإن النحاة اتفقوا على جواز إقامة كل منها، لكنهم اختلفوا؛ فمنهم من سوى بينها في الإقامة (¬6)، ومنهم من قال برجحان بعضها (¬7)، والذين قالوا بالرجحان اختلفوا في أيها أرجح؛ فقال أكثر المغاربة وبعض المشارقة: - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) جزء من بيت تقدم ذكره. (¬3) جزء من بيت تقدم ذكره. (¬4) هو أحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير، قال ياقوت: من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني له شرح عن اللمع. ينظر بغية الوعاة (1/ 320) تحقيق أبو الفضل. (¬5) التذييل (2/ 1024). (¬6) كالشلوبين حيث قال في التوطئة (ص 249): «وإذا وجد المفعول به دون حرف جر لم يقم سواه، وإذا أعدم تساوت مراتب البواقي» اه. (¬7) كابن عصفور وأبي حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدر أرجح؛ واعتلوا لذلك بأن الفعل وصل إليه بنفسه، ولا كذلك المفعول المقيد والظرفان (¬1)، وقال ابن معط (¬2): المفعول المقيد أولى ثم بعده المصدر (¬3)، وقال بعضهم: ظرف المكان أولى، وهو اختيار الشيخ؛ وعلل ذلك بأن دلالة الفعل عليه دلالة لزوم، بخلاف دلالته على المصدر وظرف الزمان؛ إذ كل منهما أحد مدلولي الفعل، فدلالة الفعل على ظرف المكان كدلالته على المفعول به؛ فصار أقرب إلى المفعول به من بقية الفضلات، وفيما ذكره الشيخ نظر؛ فإن المصدر الذي يقام مقام الفاعل إنما هو المصدر المختص، وكذلك إنما يقام من ظروف الزمان الظرف المختص، ولا شك أن الفعل لا دلالة له على مصدر مختص، ولا على ظرف مختص، والذي هو أحد مدلولي الفعل إنما هو المبهم من المصدر وظرف المكان، وإذا كان كذلك فلا يتم التعليل الذي ذكره الشيخ (¬4). قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس (¬5): ويجوز أن تكون العلة عنده - يعني عند ابن معط - في تقديم المفعول المقيد على المصدر، كون هذا مفعولا به، وفي المصدر يحتاج إلى التوسع فيه [2/ 256] بجعله مفعولا، ثم قال: والذي يظهر لي أن الأولى إقامة المفعول المقيد، ثم ظرف المكان، ثم ظرف الزمان، ثم المصدر المختص؛ وذلك لأن المفعول المقيد لا يحتاج إلى مجاز فكان أولى من غيره، ثم الأولى بالقيام مقام الفاعل بعد ذلك ما كانت دلالة الفعل عليه أقل؛ لأن الفائدة إذ ذاك تكون بذكره أكثر فيكون ظرف المكان أولى؛ لأن دلالة الفعل على المكان أقل من دلالته على الزمان والمصدر، ثم دلالته على الزمان أقل من دلالته على المصدر؛ لأن دلالته - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 539)، والمقرب (1/ 81) فقد ذكر ابن عصفور فيهما أن إقامة المصدر إذا فقد المفعول به أولى من غيره وأرجح وعلل بالعلة التي ذكرها الشارح هنا نفسها. (¬2) سبقت ترجمة ابن معط في هذا الكتاب. (¬3) ينظر: الفصول الخمسون لابن معط (ص 177)، والمحصول شرح الفصول (ص 275) وقد اختار فيهما إقامة الجار والمجرور إذا فقد المفعول به ثم المصدر، وليس كما قال الشارح هنا اللهم إلا إذا كان يريد بالجار والمجرور المفعول به المنصوب بإسقاط حرف الجر وهو الذي يسميه المغاربة المفعول المقيد، ومما يجدر الإشارة إليه أن معظم النحويين ذكروا ذلك منسوبا إلى ابن معط، إلا صاحب التصريح فقد ذكر أن ابن معط يختار نيابة المجرور إذا فقد المفعول به. ينظر: التصريح (1/ 291). (¬4) ينظر: حاشية الصبان (1/ 68)، والتصريح (1/ 291). (¬5) انظر: نص الشيخ بهاء الدين في كتابه شرح المقرب المسمى بالتعليقة، مخطوط رواه المغاربة بالأزهر رقم (49407).

[جواز نيابة أي المفعولين]

[جواز نيابة أي المفعولين] قال ابن مالك: (ولا تمنع نيابة غير الأوّل من المفعولات مطلقا إن أمن اللّبس، ولم يكن جملة أو شبهها خلافا لمن أطلق المنع في باب: ظنّ وأعلم). ـــــــــــــــــــــــــــــ على المصدر بحروفه، وعلى الزمان بصيغته، ودلالة الحروف أوضح من دلالة الصيغة؛ فيكون ظرف الزمان مقدما في الإقامة مقام الفاعل على المصدر. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): لا خلاف في جواز نيابة ثاني المفعولين من باب «أعطى» إذا أمن اللبس نحو: أعطيت زيدا درهما، ولا في منعها إذا خيف اللبس نحو: أعطيت زيدا عمرا، فيجوز في المثال الأول أن يقال: أعطي درهم زيدا؛ لأن اللبس فيه مأمون، ولا يجوز في المثال الثاني أن يقال: أعطي عمرو زيدا؛ لأن عمرا مأخوذ فيتوهم كونه آخذا، ومنع الأكثرون نيابة ثاني المفعولين من باب «ظن»، «وأعلم» (¬2)، والصحيح جواز ذلك إن أمن اللبس ولم يكن ثاني المفعولين جملة ولا ظرفا ولا جارّا ومجرورا (¬3)، وذلك مثل قولنا: ظننت الشمس بازغة: ظنّت بازغة الشمس، وفي علمت قمر الليلة بدرا: علم بدر قمر الليلة، وفي جعل الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر: جعل خير من ألف شهر ليلة القدر، وفي اتخذ الناس مقام إبراهيم موضع صلاة: اتّخذ موضع صلاة مقام إبراهيم، فيجوز هذا وأمثاله، كما يجوز: أعطي درهم زيدا، وأدخل القبر الميّت، وكسيت الجبة عمرا؛ لأن المعنى مفهوم واللبس مأمون، وإذا كان أمن اللبس مسوغا لجعل الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا في كلام واحد نحو: خرق الثوب المسمار، ونحو: 1270 - بلغت سوآتهم هجر (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 129). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 538)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 33)، وشرح المكودي على الألفية (ص 79)، وأوضح المسالك (1/ 146)، واللمع لابن جني (ص 117)، والتوطئة (ص 249). (¬3) ينظر: التصريح (1/ 292)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 34). (¬4) جزء بيت من البسيط، والبيت بتمامه: مثل القنافذ هدّاجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجر والبيت للأخطل وهو في: المحتسب (2/ 118)، وجمل الزجاجي (ص 211)، وشرح أبيات الجمل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فجواز هذه المسائل وأشباهها أحق وأولى، فلو خيف اللبس لم ينب إلا الأول، نحو: علم صديقك عدو زيد، فإن معناه علم المعروف بصداقتك أنه عدو زيد، فصداقة المخاطب مستغنية عن الإخبار بها وعداوة زيد مفتقرة إلى الإخبار بها، فلو عكست لا نعكس المعنى، وأكثر مسائل هذا الباب هكذا، ولذا منع الأكثرون نيابة الثاني مطلقا، ويجوز أيضا أن يقال في أعلمت زيدا [2/ 257] كبشك سمينا: أعلم زيدا كبشك سمينا؛ لأن زيدا والكبش مستويان في المفعولية ومباينة الفاعلية، فتساويا في قبول النيابة عن الفاعل على وجه لا يخل بفهم ولا يوقع في وهم (¬1). انتهى كلامه (¬2). ويتعلق به مباحث: أحدها: أن من النحاة من منع إقامة الثاني من باب أعطى وإن أمن اللبس وقال: إنه لا يجوز إلا على القلب (¬3) يعني أن يقدر أن الأصل قبل البناء للمفعول: أعطيت درهما زيدا، فيقدر أن الدرهم آخذ وزيدا مأخوذ على القلب، ثم يبني للمفعول فيقال: أعطي درهم زيدا، وعلى هذا التقدير إنما أقمنا الأول لا الثاني، وقال بعض الكوفيين: إنما يجوز إقامة الثاني إذا كان معرفة نحو الدرهم، ولا يجوز إذا كان نكرة (¬4)، وكأن المصنف لم يعبأ بهذا الخلاف؛ فلهذا لم يذكره، ويحتمل أنه لم - ¬

_ - لابن السيد (ص 276)، والأمالي الشجرية (1/ 367)، والمغني (2/ 699)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 972)، والهمع (1/ 165)، والدرر (1/ 144)، والأشموني (2/ 71) وديوانه (ص 110)، والتذييل (2/ 1236)، والأضداد للسجستاني (ص 152)، وتأويل مشكل القرآن (ص 149). والشاهد قوله: «أو بلغت سوآتهم هجر»؛ حيث أعرب الفاعل بإعراب المفعول والمفعول بإعراب الفاعل؛ لأنه يريد وبلغت سوآتهم هجرا. (¬1) ينظر: الهمع (1/ 162)، وشرح ابن عقيل (1/ 172). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 129). (¬3) ذكر ابن هشام هذا المذهب وغيره في إقامة ثاني مفعولي أعطى فقال: «وأما الثاني ففي باب «كسا» إن ألبس نحو: أعطيت زيدا عمرا، امتنع مطلقا، وإن لم يلبس نحو: أعطيت زيدا درهما، جاز مطلقا، وقيل: يمتنع مطلقا، وقيل: إن لم يعتقد القلب، وقيل: إن كان نكرة والأول معرفة إلخ» اه. أوضح المسالك (1/ 146). (¬4) عبارة الشارح هنا لم تكن واضحة؛ حيث إنه لم يبين حالة المفعول الأول الذي سيأتي مع المفعول -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يطلع على قول أصحاب هذين المذهبين وهو الأقرب بدليل أنه نفى الخلاف رأسا في إقامة الثاني إذا لم يلبس، والحق جواز إقامة الثاني إذا لم يحصل لبس، ويدل على أن القلب غير معتبر أنه إذا قيل: أعطي درهم زيدا كان معناه معنى قولنا: أعطي زيد درهما، وعدم تغير المعنى يدل على أنه لا قلب، وأما اشتراط كون الثاني معرفة ليقام؛ فلا أثر له إذ لا فرق بين المعرفة والنكرة. ولا شك أن الأحسن إقامة الأول لأجل كونه فاعلا في المعنى؛ لأنك إذا قلت: أعطيت زيدا درهما كأنك قلت: أخذ زيد درهما؛ فللمفعول الأول بالفاعل التباس من وجه، بخلاف الدرهم؛ فإنه مفعول من كل وجه فلا التباس له بالفاعلية. ثانيها: ذكر المصنف في إقامة الثاني من باب ظن مذهبين: أحدهما: ما اختاره وهو الجواز إذا أمن اللبس ولم يكن جملة أو شبهها (¬1). ثانيهما: المنع مطلقا يعني ولو كان مفردا، وقد ذكروا ثالثا وهو: جواز إقامته إذا كان معرفة ومنعها إذا كان نكرة (¬2). ثم إن المانعين لإقامة الثاني اعتلوا بثلاث علل: الأولى: أن أفعال باب ظن تدخل على المبتدأ والخبر، والمفعول الثاني هو خبر المبتدأ في المعنى؛ فلو أقيم مقام الفاعل لصار مخبرا عنه، وهذا باطل؛ لأن الخبر لا يكون مخبرا عنه. الثانية: أن المفعول الثاني هو المظنون؛ فلو أقيم لتوهم لبس بأن المظنون هو - ¬

_ - الثاني المعرفة. هل سيكون هو الآخر معرفة أو أنه سيكون نكرة وقد أورد صاحب التصريح هذه المسألة مفصلة فقال بعد أن ذكر المذاهب السابقة فيها: «وقيل يمتنع نيابة الثاني إن كان نكرة والأول معرفة، قاله الفارسي: فلا يقال: أعطي درهم زيدا، ويتعين: أعطي زيد درهما؛ لأن المعرفة أحق بالإسناد إليها من النكرة، وحيث قيل بالجواز في الثاني؛ فقال البصريون: إقامة الأول أولى؛ لأنه فاعل معنى، وقيل: عن الكوفيين أنهم قالوا: إن كان الثاني نكرة والأول معرفة، فإقامته قبيحة وإن كانا معرفتين استويا في الحسن» اه. شرح التصريح (1/ 292)، وينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 34)، وقد اعتبر نقل هذا المذهب عن الفارسي غريبا. (¬1) ينظر: التوطئة للشلوبين (ص 250، 251)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 91)، والبهجة المرضية (ص 51)، وشرح الألفية للمرادي (2 / 34). (¬2) ينظر: الهمع (1/ 162)، وأوضح المسالك (1/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المنصوب، قالوا: فعلى هذه العلة ينبغي إذا لم يحصل توهم لبس بفهم المعنى، أو يكون الثاني نكرة أنه يجوز الإقامة من غير توقف. الثالثة: أن المفعول الثاني قد يقع جملة فلا يجوز إقامته حينئذ فمنع إذا كان مفردا؛ طردا للباب (¬1)، وما ذكروه فيه [2/ 258] نظر. أما قولهم: إن الخبر لا يكون مخبرا عنه؛ فالجواب: أن نحو: قائما من: ظننت زيدا قائما، ليس مخبرا به الآن؛ لأنه خرج من خبر الأخبار بعد دخول الناسخ إلى خبر المفعولات، فلا يلزم من الإسناد إليه ما ذكروه. وأما العلة الثانية: فإنها راجعة إلى أن المقتضي للمنع إنما هو حصول اللبس، وذلك بأن يكونا معرفتين أو نكرتين وأنت قد عرفت أن من شرط جواز إقامة الثاني أن لا يحصل لبس. وأما العلة الثالثة: فتقول فيها أنه لا يلزم من منع إقامته إذا كان جملة منع إقامته إذا كان مفردا، فإن الجملة لها مانع يمنع من إقامتها، ولا مانع في المفرد، وهذا أمر يمنع الطرد. ثالثها: قد فهم من قول المصنف: (ولا تمتنع نيابة غير الأول من المفعولات مطلقا). إلى آخره، أنه يجوز إقامة الثاني من باب أعلمت، وكذا الثالث إن أمن اللبس ولم تكن جملة أو شبهها، وأن الذي خالف في الثاني (¬2) من باب ظننت مخالف أيضا في باب أعلمت، ويلزم عند المخالف إقامة الأول. والحاصل: أن النحاة اختلفوا، فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز إلا إقامة الأول؛ وعلّل ذلك بأن المفعول الثاني والثالث أصلهما المبتدأ والخبر، فالمفعولية فيهما ليست متمحضة، بخلاف الأول؛ فإنه متمحض للمفعولية، وإلى أنه لا يجوز إلا إقامة الأول في باب أعلمت. ذهب ابن هشام الخضراوي، وابن عصفور، والأبدي معللين ذلك بأن الأول مفعول صحيح، وأما المفعولان الآخران فإنهما شبّها بمفعولي أعطيت، فليسا - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (7/ 77)، والتصريح (1/ 292). (¬2) في (ب): (في إقامة الثاني).

[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها]

[بعض المنصوبات لا تجوز إنابتها] قال ابن مالك: (ولا ينوب خبر كان المفرد خلافا للفرّاء، ولا مميّزه خلافا للكسائيّ ولا يجوز: كين يقام، ولا: جعل يفعل؛ خلافا له وللفرّاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ بمفعولين صحيحين، وهؤلاء يقولون: إنما جوّز إقامة الأول من باب ظن بلا خلاف وإن كان غير متمحض للمفعولية؛ لأنه لا مندوحة لنا عن ذلك، وأما في باب أعلم فلنا مندوحة (¬1)، وقد عرفت أن المصنف وافق القائلين بجواز إقامة الثاني (¬2)، وأما إقامة الثالث فالمفهوم من كلام المصنف جوازها؛ لأنه قال: (ولا تمتنع نيابة غير الأول من المفعولات)، وثالث أعلم تشمله هذه العبارة. قال الشيخ: وقد ذكر صاحب المخترع جواز ذلك عن بعضهم فقال: لا يجوز إقامة الثاني والثالث في باب أعلم عند من أجاز ذلك إلا بشرط أن لا يلتبس نحو: أعلم زيدا كبشك سمينا، وأعلم زيدا كبشك سمين، لكن نقل عن ابن هشام الخضراوي أنه ذكر الاتفاق على أنه لا يجوز في باب أعلم إقامة الثالث (¬3). انتهى. وقال الإمام بدر الدين ابن المصنف: إن إقامة الثالث لا تجوز بالإجماع (¬4). قال ناظر الجيش: قال المصنف: حكى السيرافي في شرح الكتاب أن الفراء يجيز: كين [2/ 259] أخوك في: كان زيد أخاك، وزعم أنه ليس من كلام العرب، ورد عليه بأن قال: هو فاسد؛ لعدم الفائدة، ولاستلزامه وجود خبر عن غير مذكور ولا مقدر (¬5)، - ¬

_ (¬1) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 538، 539): «وإن كان من باب أعلمت لم يجز إلا إقامة الأول خاصة نحو: أعلمت زيدا عمرا منطلقا، فتقول: أعلم زيد عمرا منطلقا، ولا يجوز خلاف ذلك؛ وذلك أن الأول من باب أعلمت مفعول صحيح والاثنين الباقيين ليسا كذلك، بل أصلهما المبتدأ والخبر فلما اجتمع المفعول الصحيح مع غيره لم يقم إلا المفعول الصحيح، وأما في باب كسوت فكلا المفعولين فيه مفعول صحيح، وفي باب ظننت كلاهما غير صحيح؛ لأن أصلهما المبتدأ والخبر، ولذلك تكافا المفعولان في البابين - أعني في باب كسوت وفي باب ظننت - بخلاف باب أعلمت» اه. وينظر: المقرب (1/ 81)، والتذييل (2/ 1210)، والبهجة المرضية (ص 51). (¬2) سبق شرحه. (¬3) التذييل (2/ 1211). (¬4) في شرح الألفية لابن الناظم (ص 91): «ولم يجز نيابة الثالث باتفاق» اه. وينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 35) وفيه أن ذلك مذهب ابن هشام الخضراوي وابن أبي الربيع وابن المصنف. (¬5) في شرح السيرافي للكتاب (2/ 304) تحقيق د. دردير أبو السعود: «وكان الفراء يجيز: كين أخوك في: كان زيد أخاك، ويزعم أنه ليس من كلام العرب، ولكن على القياس وقد بينا القياس في فساد ذلك» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز الكسائي في: امتلأت الدار رجالا. امتلئ رجال (¬1)، وحكي: خذه مظنونة به نفس، ومن الموجوع رأسه، والمسفوه رأيه، والموقوف أمره، وأجاز هو والفراء أن يقال في: كان زيد يقوم، وجعل عمرو يفعل: كين يقام وجعل يفعل (¬2)، والمسند إليه ضمير المجهول عند الكسائي، ومستغنى عنه عند الفراء (¬3). انتهى. وقد تقدم في هذا الباب أن في بناء كان وما تصرف من أخواتها خلافا، وأن الصحيح على ما قاله ابن عصفور أنها تبنى بالشرط الذي تقدم ذكره (¬4)، وملخص ما ذكره في شرحه المقرب (¬5) أن الكوفيين يجيزون بناء هذه الأفعال قياسا وإن لم يرد به سماع فيحذفون الاسم لشبهه بالفاعل ويقيمون الخبر مقامه لشبهه بالمفعول، ورد مذهبهم بأن ذلك يؤدي إلى بقاء الخبر دون مخبر عنه، وأن البصريين منهم من منع وهم الأكثرون ومنهم من أجاز، والمجيزون اختلفوا في الذي يقام مقام الفاعل، فقال السيرافي ومن وافقه: إن القائم مقام الفاعل ضمير المصدر الذي هو الكون ويجعل الجملة مفسرة له فيقول: كين زيد قائم، ورد مذهب السيرافي بأن الذي يقام مقام الفاعل إنما هو شيء من معمولات الفعل مصدرا كان أو غيره، وعلى هذا لابد أن يتصور عمل «كان» في ذلك الذي يقام قبل قيامه وأنت لا تقول: كان زيد قائما كونا فتعديها إلى مصدرها؛ قالوا: لأن الخبر قام مقامه فإذا لم يجز لها أن تنصبه، فكيف ترفعه (¬6) وقال بعضهم: الذي يقام مقام الفاعل ظرف أو مجرور فيحذف المعمولان، ويقام الظرف بعد ذلك أو المجرور، واختار ذلك ابن عصفور قال: وهو المذهب الصحيح؛ فيقال: كين في الدار، وكين يوم الجمعة. قال ابن عصفور: وهو مذهب سيبويه (¬7)، والموجب لنسبة ذلك إلى سيبويه أنه - ¬

_ - وينظر: أصول النحو لابن السراج (1/ 91)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 108). (¬1) أي: أنه يجيز إقامة التمييز مقام الفاعل. ينظر: الأشموني (2/ 70). (¬2) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 83)، والتصريح (1/ 290)، وفي شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 108): «فإن قيل: كين زيد قائم فتوقع الاسمين جاز وكان الفاعل مصدرا مقدرا والجملة مفسرة له» اه. (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 130). (¬4) سبق شرحه. (¬5) كتاب مفقود لابن عصفور توجد منه نسخة واحدة في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض لكنها مطموسة لا تقرأ مطلقا. (¬6) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 535، 536). بتحقيق أبو جناح. (¬7) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 535). تحقيق أبو جناح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال - لما ذكر كان الناقصة - ما نصه: وتقول: كنّاهم كما تقول: ضربناهم، وتقول: إذا لم تكنهم فمن ذا يكونهم كما تقول: إذا لم تضربهم فمن يضربهم، ثم (¬1) قال: فهو كائن ومكون كما كان ضارب ومضروب (¬2)، وقد أشكل كلام سيبويه على الناس حتى أن أبا علي قال لما سأله ابن جني عن ذلك: ما كل داء يعالجه الطبيب، وكان يقول: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (¬3). فمن الناس من قال: هذا من سيبويه يدل على جواز البناء في الجملة، إلا أنه لم يذكر ذلك على وجه يجوز فيه بناؤها [2/ 260] للمفعول، فوجب أن يحمل كلامه على ما يصح، وهو أن الأصل: مكون فيه؛ على أن المجرور هو القائم مقام الفاعل، وإلى هذا جنح ابن عصفور (¬4)، وأما أبو علي فإنه قال: إنما قصد سيبويه أن يبين أن هذا الفعل متصرف، فـ «مكون» لم يمنع من حيث عدم التصرف، بل إنما امتنع لأمر آخر. انتهى (¬5). ما لخص من الكلام على هذه المسألة، وقد تقدم من كلام المصنف أن القائم مقام الفاعل عند الكسائي ضمير المجهول وأنه مستغنى عنه عند الفراء (¬6)، وقد عرفت أنه لا معول على مذهب الكوفيين في هذه المسألة؛ فلا حاجة إلى الاشتغال بذكر تقرير مذهبهم؛ لأن في تقريرهم ما يخالف القواعد المستقرة، ثم إن ذلك لا يجدي شيئا. وأما قول المصنف: (ولا: جعل يفعل) فهو إشارة إلى أن الكوفيين يجيزون بناء أفعال المقاربة للمفعول، كما يجيزون بناء كان وأخواتها (¬7)، والأمر كما ذكره؛ ولهذا استدرك على ابن عصفور فقيل: تعرض لباب كان وأخواتها، ولم يتعرض لأفعال المقاربة. وأما إجازة الكسائي إقامة التمييز مقام الفاعل (¬8) فشيء لا معول عليه. - ¬

_ (¬1) ساقطة من (ب). (¬2) الكتاب (1/ 46). (¬3) سورة يوسف: 105. ينظر: إصلاح الخلل الواقع في شرح الجمل لابن السيد (ص 160 - 162). (¬4) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 535): «والصحيح أنه يجوز بناؤها للمفعول وهو مذهب سيبويه لكن لا بد من أن يكون في الكلام ظرف أو مجرور يقام مقام المحذوف» اه. (¬5) ينظر: التذييل (2/ 1212)، والارتشاف (ص 626). (¬6) سبق شرحه. (¬7) ينظر: التذييل (2/ 1219)، والهمع (1/ 164). (¬8) ينظر: الأشموني بحاشية الصبان (2/ 70)، الهمع (1/ 164).

[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول]

[التغييرات التي تحدث في الفعل عند بنائه للمجهول] قال ابن مالك: (فصل: يضمّ مطلقا أوّل فعل النّائب، ومع ثانيه إن كان ماضيا مزيدا أوّله تاء، ومع ثالثه إن افتتح بهمزة وصل، ويحرّك ما قبل الآخر لفظا إن سلم من إعلال وإدغام وإلّا فتقديرا بكسر إن كان الفعل ماضيا، وبفتح إن كان مضارعا وإن اعتلّت عين الماضي ثلاثيّا أو على «انفعل» أو «افتعل» كسر ما قبلها بإخلاص أو إشمام ضمّ، وربّما أخلص، ويمنع الإخلاص عند خوف اللّبس. وكسر فاء «فعل» ساكن العين لتخفيف أو إدغام لغة، وقد تشمّ فاء المدغم، وشذّ في «تفوعل» «تفيعل» وما تعلّق بالفعل غير فاعل أو مشبّه به أو نائب عنه منصوب لفظا أو محلّا، وربّما رفع مفعول به ونصب فاعل لأمن اللّبس). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: ومما يلحق بهذا الباب من الأفعال مما في جواز بنائه للمفعول خلاف ما ذكره بعض أصحابنا وهي مسألة «اشتكى زيد عينيه» ونحوه، قال: لا يجوز بناؤه للمفعول عند البصريين ولا الفراء، وأجازه الكسائي وهشام (¬1). قال ناظر الجيش: يشير المصنف في هذا الفصل إلى الشيء الرابع من الأشياء الأربعة التي تقدمت الإشارة إليها وهو: كيفية بناء الأفعال لما لم يسمّ فاعله. قال المصنف (¬2): النائب هو ما يسند إليه فعل ما لم يسم فاعله، وكيفية صوغه لما لم يسم فاعله: أن يضمّ أوّله مطلقا أي في مضيّ ومضارعة، وإن كان الماضي مفتتحا بتاء مزيدة ضمّ أوله وثانيه، وإن كان مفتتحا بهمزة وصل ضم أوله وثالثه، ويزاد إلى ذلك تحريك ما [2/ 261] قبل الآخر لفظا أو تقديرا بكسر في الماضي وفتح في المضارع كقولك في ضرب وتعلم واستخرج: ضرب وتعلّم واستخرج (¬3). فهذه أمثلة المحرك ما قبل آخره لفظا، وأمثلة المحرك ما قبل آخره تقديرا: قيل، - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1220). (¬2) انظر: شرح التسهيل (2/ 130). (¬3) زاد في (ب): (وفي يضرب ويتعلم ويستخرج: يضرب ويتعلم ويستخرج).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقيم، واستقيم، وردّ الشيء، وأعدّ، واستعدّ، ويقال ويقام ويستقام، ويردّ ويعدّ، ويستعدّ، وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي: ويحرك ما قبل الآخر لفظا إن سلم من إعلال وإدغام وإلا فتقديرا (¬1). ثم بيّنت أن الحركة الملفوظ بها أو المقدرة كسرة في الماضي وفتحة في المضارع، ثم بيّنت أن ما قبل العين المعتلة من الماضي الثلاثي والموازن لا نفعل، وافتعل يكسر كسرة خالصة أو مشمة بضم نحو: بيع المتاع، وسيق اليمن، وانقيد إلى الحق، واختير الصواب؛ فتحرك ما قبل العين بالكسرة التي كانت لها في الأصل، فإن كانت العين ياء سلمت؛ لسكونها بعد ما تجانسها، وإن كانت واوا انقلبت ياء؛ لسكونها بعد كسرة، ومن أشم الكسرة ضمة لم يغير الياء، وهي ولغة إخلاص الكسر لغتان فصيحتان مقروء بهما. وبعض العرب يخلص الضمة (¬2)، فإن كانت العين واوا سلمت؛ لسكونها بعد ما يجانسها، وإن كانت ياء انقلبت واوا؛ لسكونها بعد ضمة، وعلى هذه اللغة قول الراجز: 1271 - ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت (¬3) وقول الآخر (¬4): - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 89)، والتوطئة (ص 250)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 541)، والبهجة المرضية (ص 49، 50). (¬2) في الأشموني (2/ 63): «وتعزيته لبني فقعس وبني دبير» اه. وقد ضعف الأشموني هذه اللغة فقال في الموضع نفسه: «أشار بقوله: فاحتمل إلى ضعف هذه اللغة بالنسبة للغتين الأوليين» اه، وينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 26). (¬3) الرجز وهو لرؤبة في: التذييل (2/ 1228)، وابن يعيش (7/ 70)، والمغني (2/ 393)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 819)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 89)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 26)، وأوضح المسالك (1/ 148)، والعيني (2/ 254)، والتصريح (1/ 294)، وشرح ابن عقيل (1/ 168)، وشرح شواهده (ص 111)، وشرح المكودي (ص 77)، والبهجة المرضية (ص 50)، والهمع (1/ 248)، والدرر (1/ 206)، والأشموني (2/ 63)، وملحقات ديوان رؤبة (ص 171)، وملحقات ديوان أبيه العجاج (ص 276). والشاهد قوله: «بوع» وأصله «بيع» استثقلت الكسرة على الياء فحذفت ثم قلبت الياء واوا لسكونها بعد ضم. (¬4) هو رؤبة بن العجاج أيضا ولم ينسبه العيني، لكنه قال: ونسبه بعضهم إلى رؤبة ولم أجده في ديوانه. ينظر: شرح الشواهد للعيني (2/ 256)، ومعجم الشواهد للأستاذ هارون (2/ 514).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1272 - حوكت على نيرين إذ تحاك ... تختبط الشّوك ولا تشاك (¬1) ولا يجوز إخلاص الكسر، ولا إخلاص الضم عند إسناد الفعل إلى تاء الضمير ونونه إلا بشرط أن لا يلتبس فعل المفعول بفعل الفاعل، بل يتعين عند خوف الالتباس إشمام الكسرة ضمّا، ومثال ما يخاف فيه الالتباس قولك في بيع العبد: بعت يا عبد، وفي عوق الطالب: عقت يا طالب، فإن هذا ونحوه لا يعلم كون المخاطب فيه مفعولا إذا أخلصت الكسرة فيما عينه ياء، والضمة فيما عينه واو؛ بل الذي يتبادر إلى ذهن السامع كون المسند إليه فاعلا، والمراد كونه مفعولا، ولا يفهم ذلك إلا بالإشمام فيهما، وبإخلاص الكسرة في نحو عقت يا طالب، فوجب اجتناب ما يوقع في اللبس (¬2)، وإلى هذا أشرت بقولي: ويمنع الإخلاص عند خوف اللبس، ومن العرب من يكسر فاء «ردّ» ونحوه بإخلاص وإشمام (¬3). وحكى الأخفش أن من العرب يقول في تعولم: تعليم، وهو في الشذوذ شبيه بقول بعضهم في أبيك وأخيك: أبيك (¬4) وأخيك، وقد يقال في فعل: فعل تخفيفا [2/ 262] دون نقل، وربما نقلوا بعد التخفيف فقالوا في «علم»: «علم» وإلى هذا أشرت بقولي: وكسر فاء فعل ساكن العين لإدغام أو تخفيف لغة (¬5)، وما تعلق - ¬

_ (¬1) الرجز في المنصف لابن جني (1/ 250)، والتذييل (2/ 1229)، وشرح للألفية لابن الناظم (ص 89)، وشرح ابن عقيل (1/ 168)، وشرح شواهده (ص 110) برواية (حكيت)، وأوضح المسالك (1/ 148)، والعيني (2/ 526)، والتصريح (1/ 259)، والهمع (2/ 125)، والدرر (2/ 223)، والأشموني (2/ 63). ويروى البيت برواية: (حوكت على نولين) مكان (حوكت على نيرين). والشاهد قوله: «حوكت»؛ حيث استثقلت الكسرة على الواو فحذفت ثم سلمت الواو بسكونها بعد الضم. (¬2) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 27)، شرح المكودي (ص 78)، والبهجة المرضية (ص 50)، والهمع (2/ 165). (¬3) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 541): «وقد يجوز نقل الكسرة من العين إلى الفاء قبلها فتقول: يرد، بكسر الراء وقد قرئ: «هذه بضاعتنا ردّت إلينا» ومن العرب من يشم الضم في الفاء إشعارا بأنها مضمومة» اه. (¬4) في (ب): «وأبيك». (¬5) هذه لغة بني ضبة وبعض تيم وهو قول بعض الكوفيين، وأوجب الجمهور ضم فاء الثلاثي المضعف نحو: شدّ ومدّ. ينظر: أوضح المسالك (1/ 149)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 89)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 27)، والهمع (1/ 165)، والتصريح (1/ 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالفعل وليس بفاعل، ولا شبيه به (¬1)، ولا نائب عنه؛ فمنصوب لفظا إن لم يدخل عليه حرف جر ومحلّا إن دخل عليه، وأمثلة ذلك بينة فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها. وقد يحملهم ظهور المعنى والعلم بأن السامع لا يجهل المراد على الإتيان في جملة واحدة بفاعل منصوب ومفعول مرفوع كقولهم: خرق الثوب المسمار (¬2)، وكقول الشاعر: 1273 - مثل القنافد هدّاجون قد بلغت ... نجران أو بلغت سوآتهم هجر (¬3) فرفع «هجر» ونصب «السوآت» وهي البالغة و «هجر» مبلوغة، كما رفع الثوب وهو المخروق ونصب المسمار وهو الخارق، ومن هذا القبيل قول الراجز: 1274 - إنّ سراجا لكريم مفخره ... تحلى به العين إذا ما تحقره (¬4) وحقه أن يقول: تحلى بالعين، وقد حمل بعض النحويين على هذا قوله تعالى: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ (¬5) حكى ذلك الفراء ورجح كون الباء معدية (¬6)، كما هي في قوله تعالى: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (¬7)، وكما هي في قول الشاعر: 1275 - ديار الّتي كادت ونحن على مني ... تحلّ بنا لولا نجاء الرّكائب (¬8) هذا آخر كلام المصنف (¬9)، ولكن ثمّ أمور ينبّه عليها: - ¬

_ (¬1) كاسم «كان وأخواتها» فإنهم يقولون: «إنها رفعت المبتدأ تشبيها بالفاعل ونصبت الخبر تشبيها بالمفعول به. وهذا على رأي البصريين والفراء من الكوفيين. أما جمهور الكوفيين ما عدا الفراء فإنهم يرون أن المرفوع بعد «كان» إنما هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها وليس لها عمل فيه». ينظر: التصريح (1/ 184)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 385). (¬2) سبق شرحه. (¬3) تقدم ذكره. (¬4) الرجز مجهول القائل في: معاني القرآن للفراء (1/ 99، 131)، (2/ 310)، (3/ 273)، والتذييل (2/ 1237)، واللسان «نوأ - حلا» وأمالي المرتضى (1/ 216). والشاهد قوله: «تحلى به العين»؛ حيث جرّ الفاعل بالباء ورفع الاسم الذي كان مجرورا على أنه فاعل وأصل الكلام «يحلّى بالعين». (¬5) سورة القصص: 76. (¬6) ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 15)، (2/ 310). (¬7) سورة البقرة: 17. (¬8) البيت من بحر الطويل وهو لقيس بن الخطيم من قصيدة في الحرب بدأها بالغزل، والمعنى: كانت ديارنا تحل وتنزل بنا فنقيم عندها من حبنا لها، والمعنى على القلب، أي: نحل بها، وهو الشاهد، والبيت في شرح التسهيل (2/ 133)، وشرح الجمل (1/ 494)، والإيضاح لأبي علي (ص 152)، وديوان قيس (ص 31) تحقيق السامرائي ومطلوب. (¬9) شرح التسهيل للمصنف (2/ 132، 133).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1 - منها: أن الشيخ ناقش المصنف في قوله: (وإن اعتلت عين الماضي) قال: لأنه توهم مثل عور وصيد يكون فيه هذا الحكم؛ لأنهم يطلقون المعتل على ما فيه حرف علة سواء أصح أم اعتل قال: فإزالة هذا الوهم أن يزيد فيه بألف أي: وإن اعتلت بألف. انتهى (¬1). والأمر فيما ذكره قريب، ولو قال: الأولى أنه كان يقول: فإن اعتلت عينيه كان أحسن من قوله أن يزيد بألف. 2 - ومنها: أن الإشمام المشار إليه هنا ليس هو الإشمام الذي يذكر في باب الوقف؛ لأن ذلك لا حركة فيه، وترك الحركة لا يتصور هنا؛ ولهذا قال ابن خروف في قول سيبويه: وبعض العرب يقول: خيف، وقيل، وبيع؛ فيشم الإشمام هنا صوت كما يريد ذلك في «ردّ» ألا ترى أنه لا يجري بضم الشفتين إلا صوت الواو، ولا بد من ذلك (¬2)، انتهى. والذي ذكره حق لا محيد عنه. 3 - ومنها: أن الذي ذكره المصنف من أنه يمنع الإخلاص عند خوف اللبس لم يتعرض إليه المغاربة. قال الشيخ: ولم يعتبروه وذكر عنهم تفصيلا ثم قال: وأما سيبويه فلم يتعرض للتفصيل الذي ذكره أصحابنا، ولا لما ذكره المصنف، بل أجاز فيها إذا أسندت إلى ضمير متكلم ومخاطب ونون إناث؛ الأوجه الثلاثة التي هي في «قيل، وبيع» إذا كانت مسندة لغير ضمير المتكلم ونون الإناث (¬3). 4 - ومنها: أن الشيخ له [2/ 263] منازعة للمصنف في قوله: (وكسر فاء فعل ساكن العين لتخفيف لغة)، فإنه قال: أمّا كسر الفاء إذا سكنت العين تخفيفا، فإن مذهب الجمهور أنه لا يجوز، وحكي عن قطرب إجازته قال: وأما كسر الأول من المضاعف إذا وجب الإدغام نحو: «ردّ» فقد قاله غيره، وقال الجمهور: لا يجوز إلا الضم، وأجاز الكسر بعض الكوفيين قال: وهو الصحيح وهو لغة لبني ضبة ولبعض تميم (¬4). انتهى. - ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 1225). (¬2) ينظر: الكتاب (4/ 342)، والتذييل (2/ 1228). (¬3)، (¬4) التذييل (2/ 1232).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم ينتظم لي قوله: لا يجوز إلا الضم (¬1) عند الجمهور مع قوله: إن ذلك لغة لقوم من العرب، ثم الأمر في المسألتين قريب. 5 - ومنها: أن المغاربة لما ذكروا أن المفعول قد يرفع والفاعل قد ينصب تعرضوا إلى ذكر المذاهب في قلب الإعراب إذا فهم المعنى، وذكروا أن المذاهب فيه ثلاثة: أحدها: أن ذلك جائز في الكلام والشعر اتساعا. الثاني: أن ذلك لا يجوز إلا ضرورة. الثالث: أن ذلك لا يجوز إلا للضرورة وتضمين الكلام معنى يصح معه القلب فمعنى «أو بلغت سوءاتهم هجر»: أو حملت سوءاتهم هجر؛ لأنه إذا بلغت السوءات هجر فقد حملتها هجر. والذي صححوه أن القلب لا يجوز إلا في الضرورة، وأنه إن ورد في الكلام كان سببه التضمين (¬2)، وأصحاب علم المعاني ذكروا في القلب مذاهب ثلاثة أيضا (¬3). ففصل (¬4) في الثالث بين أن يتضمن القلب معنى لطيفا فيجوز أو لا فلا يجوز، ونقل الشيخ عن البسيط: الجواز إذا كان المعنى مفهوما نحو: خرق الثوب المسمار وكسر الزجاج الحجر (¬5)، وهذا الذي نقله موافق لما ذكره المصنف قبل، وقد يجوز رفعهما أو نصبهما معا؛ لفهم المعنى، فالأول نحو قول الشاعر: 1276 - إنّ من صاد عقعقا لمشوم ... كيف من صاد عقعقان وبوم (¬6) - ¬

_ (¬1) في (أ، ب): (لا يجوز الضم) والصواب ما أثبته بدليل أنه أوردها قبل ذلك وفيها (إلا). (¬2) ينظر: التذييل (2/ 1238) فقد ذكر فيه هذه المذاهب الثلاثة وينظر: المغني (2/ 699). (¬3) هذه المذاهب هي: الجواز مطلقا وهو رأي السكاكي والمنع مطلقا وهو رأي غيره والثالث ما ذكره الشارح هنا وهو إن تضمّن اعتبارا لطيفا يجوز وإن لم يتضمن لا يجوز. ينظر: مفتاح العلوم للسكاكي (ص 113)، وشرح السعد للتفتازاني (1/ 157). (¬4) في (ب): (يفصل). (¬5) التذييل (2/ 1241). (¬6) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في: التذييل (2/ 1241)، والمغني (2/ 699)، والهمع (1/ 165)، والدرر (1/ 144)، وحاشية الشيخ محيي الدين الأشموني (2/ 235)، وشرح شواهد المغني (2/ 976). اللغة: عقعق: طائر يشبه الغراب، مشوم: مشئوم. والشاهد قوله: «من صاد عقعقان وبوم»؛ حيث رفع المفعول وهو «عقعقان» وكذا المعطوف عليه وهو «بوم» وذلك لظهور المعنى فقد عرف أنهما مصيدان.

[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه]

[أحكام تأخير المفعول عن الفاعل وتقديمه عليه] قال ابن مالك: (يجب وصل الفعل بمرفوعه إن خيف التباسه بالمنصوب، أو كان ضميرا غير محصور، وكذا الحكم عند غير الكسائي وابن الأنباري في نحو: ما ضرب عمرو إلّا زيدا، فإن كان المرفوع ظاهرا والمنصوب ضميرا لم يسبق الفعل، ولم يحصر فبالعكس، وكذا الحكم عند غير الكسائيّ في نحو: ما ضرب عمرا إلّا زيد، وعند الأكثرين في نحو: ضرب غلامه زيدا، والصّحيح جوازه على قلّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه قد عرف أنهما مصيدان، والثاني نحو (¬1): 1277 - قد سالم الحيّات منه القدما (¬2) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): المرفوع بالفعل كجزئه فالأصل أن يليه بلا فصل، وانفصاله بالمنصوب جائز؛ ما لم يعرض موجب للبقاء على الأصل أو الخروج عنه، فيجب البقاء على الأصل عند خوف التباس المرفوع بالمنصوب نحو: ضرب هذا ذاك [2/ 264] فالمرفوع في مثل هذا هو الأول إذ لا يتميز من - ¬

_ (¬1) نسب إلى عبد بني عبس وقيل: إنه من أرجوزة لأبي حيان الفعقسي، أو مساور بن هند العبسي، وقيل: العجاج أو الدبيري. ينظر: معجم الشواهد (2/ 532). (¬2) الرجز في الكتاب (1/ 287) وبعده: الأفعوان والشجاع الشجعما وينظر أيضا: شرح أبيات الكتاب للسيرافي (1/ 201، 272)، والمقتضب (2/ 238)، والجمل للزجاجي (ص 214)، والخصائص (2/ 430)، والمنصف (3/ 69)، والمخصص (16/ 106)، والتذييل (2/ 1241)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 11)، والمغني (2/ 699)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 973، 974)، وجمهرة اللغة (3/ 325)، والروض الأنف (2/ 183)، وما يجوز للشاعر في الضرورة (ص 80)، والعيني (4/ 80)، والهمع (1/ 165)، والدرر (1/ 144)، والأشموني (3/ 67)، واللسان «شجعم - ضرزم»، والكافي شرح الهادي (ص 435)، والإفصاح للفارقي (ص 142). والشاهد قوله: «قد سالم الحيات منه القدما»؛ حيث نصب الفاعل وهو الحيات والمفعول به وهو «القدما» منصوب أيضا؛ وذلك لفهم المعنى. (¬3) شرح التسهيل (2/ 133).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المنصوب إلا بالتقديم فلو تميز تقديمه بقرينة لفظية أو معنوية لجاز التقديم والتأخير نحو: ضربت موسى سلمى، ولحقت الأولى الأخرى (¬1)، ويجب أيضا البقاء على الأصل إذا كان المرفوع ضميرا غير محصور نحو: ضربت زيدا وأكرمتك؛ فتقدم المرفوع أيضا في مثل هذا واجب (¬2). وعبرت بالمرفوع ليدخل الفاعل واسم كان والنائب عن الفاعل، وإذا كان مرفوع الفعل محصورا وجب تأخيره وتقديم المنصوب عند البصريين والكوفيين إلا الكسائي (¬3)، ويستوي في ذلك المضمر والظاهر، فالمضمر كقوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ (¬4)، والظاهر نحو: لا يصرف السوء إلا الله، فلو قلت: لا يصرف إلا الله السوء؛ امتنع عند غير الكسائي، فلو كان الحصر في غير المرفوع؛ لزم أيضا تأخر المحصور إلا عند الكسائي وابن الأنباري (¬5) نحو: لا يرحم الله إلا الرحماء، فلو قلت: لا يرحم إلا الرحماء الله؛ لم يجز إلا عندهما (¬6)، وحجة من منع تقديم المحصور مطلقا حمل الحصر بإلا على الحصر بإنما (¬7)، وذلك أن الاسمين بعد إنما لا يعرف متعلق الحصر منهما إلا بتأخره كقولك قاصدا لحصر المفعولية في زيد: إنما ضرب عمرو زيدا؛ فالمراد كون الضرب الصادر من عمرو مخصوصا به زيد، ولا يعلم هذا إلا بتأخير زيد فامتنع تقديمه فجعل المقرون بإلّا متأخرا، وإن كان لا يخفى كونه متأخرا لو لم يتأخّر ليجري الحصر على سنن - ¬

_ (¬1) ينظر: التوطئة (ص 100)، ونتائج الفكر للسهيلي (ص 173)، وشرح الكافية للرضي (1/ 72، 73). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 164) طبعة العراق، والمقرب (1/ 53)، والتوطئة (ص 100)، وشرح ابن عقيل (1/ 166)، وشرح الأشموني (2/ 56)، وأوضح المسالك (1/ 142). (¬3) ينظر: التذييل (2/ 1244)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 87)، والتصريح (1/ 284). (¬4) سورة الأعراف: 187. (¬5) سبقت ترجمته. (¬6) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 18)، وشرح ابن عقيل (1/ 166)، وشرح الأشموني (2/ 58)، وشرح الكافية للرضي (1/ 75). (¬7) منع تقديم المحصور مطلقا وحمل الحصر بإلا على الحصر بإنما هو مذهب بعض البصريين واختيار الجزولي والشلوبين. ففي التوطئة شرح المقدمة الجزولية (ص 99): «وكل فاعل اتصل بضمير يعود على المفعول أو مقرون بإلا دون المفعول نحو: ما ضرب زيدا إلا عمرو، أو في المقرون بإلا نحو: إنما ضرب زيدا عمرو، وجب تأخيره» اه، وينظر: شرح الأشموني (2/ 58)، وحاشية الخضري (1/ 166).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد (¬1)، ولم يلتزم الكسائي ذلك؛ لأن الاقتران بإلّا يدل على المعنى، والتوسع عند وضوح المعنى أولى من التضييق مع أحد الاستعمالين، واعتبر ابن الأنباري تأخر المقرون بإلّا لفظا أو تقديرا، فأجاز تقديمه إذا لم يكن مرفوعا؛ لأنه وإن تقدم لفظا مؤخر معنى، ولم يجز تقديمه إذا كان مرفوعا، لأنه إذا تقدم لفظا مقدم معنى، فلزم من تقديمه فوات تأخر المحصور لفظا وتقديرا، وذلك غير جائز (¬2)، ويؤيد ما ذهب إليه أبو بكر قول الشاعر: 1278 - تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة ... فما زاد إلّا ضعف ما بي كلامها (¬3) ومثله في مفعول ما لم يسم فاعله قول زهير: 1279 - وهل ينبت الخطيّ إلّا وشيجه ... وتغرس إلّا في منابتها النّخل (¬4) ومما يجب فيه الخروج عن الأصل أن يكون المرفوع ظاهرا والمنصوب ضمير غير محصور نحو: أكرمك زيد، والثوب كسيه زيد (¬5)، فلو قصد حصر المنصوب تأخر؛ وتقدم المرفوع نحو: ما أكرم زيد إلا إياك، والثوب ما كسي زيد إلا إياه، فلو قصد تقدم المنصوب على الفعل اهتماما به لقيل: إياك أكرم زيد، والثوب إياه كسي زيد. - ¬

_ (¬1) ينظر: نتائج الفكر (ص 175). (¬2) ينظر: البهجة المرضية (ص 49)، والهمع (1/ 161). (¬3) البيت من الطويل وهو لمجنون ليلى وهو في: التذييل (2/ 1248)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 87)، والعيني (2/ 482)، والتصريح (1/ 282)، والأشموني (2/ 57)، والبهجة المرضية (ص 49)، والهمع (1/ 161)، والدرر (1/ 143، 195)، وأوضح المسالك (1/ 139)، وشرح ابن عقيل (1/ 166)، وشرح شواهده (ص 107) وقد جاء في ديوان ذي الرمة بيتا يشبه هذا البيت في عجزه فقط (ص 637) وهو: تداويت من ميّ بتكليمة لها ... فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها وليس في ديوان المجنون. والشاهد قوله: «فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها»؛ حيث قدم المفعول المحصور بإلا على الفاعل. (¬4) البيت من الطويل وهو في: التذييل (2/ 1248)، وأوضح المسالك (1/ 139)، والعيني (2/ 482)، والتصريح (1/ 282)، وديوانه (ص 115). اللغة: الخطي: الرمح المنسوب إلى الخط وهي جزيرة بالبحرين، وشيجه: جمع وشيجة وهي عروق شجر الرماح. والشاهد قوله: «وتغرس إلا في منابتها النخل»؛ حيث قدم الجار والمجرور المحصور بإلا وهو بمثابة المفعول على نائب الفاعل وهو بمثابة الفاعل. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 163)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 18).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى هذا أشرت بقولي: فإن كان المرفوع ظاهرا والمنصوب ضميرا لم يسبق الفعل، ولم يحصر فبالعكس، ومنع أكثر النحويين تقديم [2/ 265] المرفوع الملابس ضميرا عائدا على المنصوب نحو: ضرب غلامه زيدا والصحيح جوازه (¬1)؛ لوروده في كلام الفصحاء كقول حسان رضي الله عنه: 1280 - ولو أنّ مجدا أخلد الدّهر واحدا ... من النّاس أبقى مجده الدّهر مطعما (¬2) وكقول الآخر: 1281 - كسا حمله ذا الحلم أثواب سؤدد ... ورقّى نداه ذا النّدى في ذرى المجد (¬3) فقدم فاعل كسا وفاعل رقى وكلاهما مضاف إلى ضمير مفعول متأخر، وكقول الآخر (¬4). 1282 - ألا ليت شعري هل يلومنّ قومه ... زهيرا على ما جرّ من كلّ جانب (¬5) وكقول الآخر (¬6): - ¬

_ (¬1) في شرح الكافية للرضي (1/ 72): «وقد جوز الأخفش وتبعه ابن جني نحو: ضرب غلامه زيدا، أي اتصال ضمير المفعول به بالفاعل مع تقدم الفاعل؛ لشدة اقتضاء الفعل للمفعول به كاقتضائه للفاعل» اه. فابن مالك هنا تابع لهما في هذا الرأي. (¬2) البيت من الطويل وهو في: شرح الألفية لابن الناظم (ص 88)، والمغني (2/ 492)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 875)، وشرح ابن عقيل (1/ 167)، وشرح شواهده (ص 108)، والعيني (2/ 497)، والأشموني (2/ 58)، وديوانه (ص 318). والشاهد قوله: «أبقى مجده الدهر مطعما»؛ حيث قدم الفاعل مع اتصاله بضمير عائد على المفعول وأخر المفعول، وقد جوز ذلك ابن مالك ومنعه أكثر النحاة. (¬3) البيت من الطويل وهو لقائل مجهول وهو في: شرح الألفية لابن الناظم (ص 88)، وشرح ابن عقيل (1/ 167)، وشرح شواهده (ص 108)، والعيني (2/ 499)، والهمع (1/ 66)، والدرر (1/ 45)، والأشموني (2/ 59). والشاهد قوله: «كسى حلمه ورقى نداه»؛ حيث إن الضمير في «حلمه» و «نداه» عائد على مفعول متأخر وقد قدم الفاعل على المفعول في الحالتين. (¬4) هو أبو جندب الهذلي. (¬5) البيت من الطويل وهو في: الضرائر الشعرية لابن عصفور (ص 174) تحقيق السيد إبراهيم محمد، وشرح الرضي على الكافية (1/ 72)، والخزانة (1/ 135، 141)، وشواهد النحو الشعرية منهجها ومصدرها (ص 234) إعداد حنا جميل وسليم عبد الله، وديوان الهذليين (3/ 87). والشاهد قوله: «هل يلومن قومه زهيرا»؛ حيث قدم الفاعل المتصل بضمير عائد على المفعول المتأخر. (¬6) هو سليط بن سعد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1283 - جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ... وحسن فعل كما يجزى سنمّار (¬1) وكقول الآخر (¬2): 1284 - لمّا رأى طالبوه مصعبا ذعروا ... وكاد لو ساعد المقدور ينتصر (¬3) وقد سبق الكلام في هذه المسألة مستوفى في باب الضمائر ... انتهى كلام المصنف (¬4). ويتعلق به التعرض إلى ذكر أمرين: أحدهما: أنه قد عرف معه أن المحصور «بإنما» يجب تأخيره فاعلا كان أو مفعولا وهذا لا خلاف فيه، وأن المحصور «بإلّا» فيه ثلاثة مذاهب: وجوب التأخير مطلقا وأنه قول النحويين غير الكسائي وابن الأنباري، وجواز التقديم مطلقا وأنه قول الكسائي، والتفصيل بين أن يكون الحصر في المفعول فيجوز التقديم أو في الفاعل فلا يجوز وأنه قول ابن الأنباري. والأمر كما ذكره في أن المذاهب في المسألة ثلاثة إلا أن القول الذي نسبه إلى ابن الأنباري ذكر الجماعة أنه قول البصريين، ولهذا لم يذكر ابن عصفور في مقربه في القسم الذي يجب فيه تقديم الفاعل أنه إذا كان المفعول مقرونا بإلا يجب تقديم الفاعل، مع أنه ذكر في القسم الذي يجب فيه تقديم المفعول أنه إذا كان الفاعل مقرونا «بإلا» يجب فيه تقديم المفعول، والمعروف لابن عصفور أنه جار في تصانيفه لا سيما المقرب على مذاهب البصريين لا يعدل عن شيء منها (¬5). - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وهو في: الأمالي الشجرية (1/ 101)، والعيني (2/ 495)، والأشموني (2/ 59)، وشرح ابن عقيل (1/ 167)، وشرح شواهده (ص 110)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 88)، والهمع (1/ 66) والدرر (1/ 45). والشاهد قوله: «جزى بنوه»؛ حيث قدم الفاعل على المفعول مع أن فيه ضميرا عائدا على المفعول المتأخر. وهذه للضرورة. (¬2) لم أهتد إليه وذكر الجرجاوي أنه أحد أصحاب مصعب بن الزبير بن العوام يرثيه به لما قتل. (¬3) البيت من البسيط وهو في: شرح ابن عقيل (1/ 167)، وشرح شواهده (ص 107) للجرجاوي، والعيني (2/ 501)، والبهجة المرضية (ص 49) برواية: (لما عصى أصحابه مصعبا). والشاهد قوله: «لما رأى طالبوه مصعبا»؛ حيث قدم الفاعل المتصل بضمير المفعول على المفعول به وقد استدل ابن مالك بهذه الأبيات على ذلك. (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 133 - 136). (¬5) لم يكن الشارح موفقا في اعتراضه على ابن مالك في هذه المسألة من وجهين: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ بهاء الدين النحاس رحمه الله تعالى: أجمع النحاة على أنه متى أريد الحصر في واحد منهما أي: من الفاعل والمفعول مع «إنّما» وجب تأخيره وتقديم الآخر واختلفوا فيه إذا كان مع «ما» و «إلا» على ثلاثة مذاهب فذهب قوم منهم الجزولي والشلوبين إلى أنه في «ما» و «إلا» كما هو في «إنما» أيهما أريد الحصر فيه وجب تأخيره بعد «إلا» وتقديم غير المحصور، وذهب الكسائي إلى أنه يجوز فيه من التقديم والتأخير ما يجوز في كل واحد منهما إذا لم يكن معه «ما» و «إلا»، وذهب البصريون والفراء [2/ 266] وابن الأنباري إلى أنه: إن كان الفاعل هو المقرون بإلا وجب تقديم المفعول، وإن كان المفعول هو المقرون بها لم يجب تقديم الفاعل على المفعول؛ بل يجوز تقديم الفاعل على المفعول وتأخره عنه (¬1). قال: والدليل على وجوب التأخير فيهما القياس على إنما، ودليل الكسائي قول الحماسي (¬2): 1285 - ولمّا أبى إلّا جماحا فؤاده ... ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل (¬3) - ¬

_ - الوجه الأول: هو أن قوله: «إلا أن القول الذي نسبه إلى ابن الأنباري ذكر الجماعة أنه قول البصريين»؛ ليس هذا القول على الإطلاق وإنما هو رأي البصريين أكثرهم وقال به الفراء أيضا كما قال به ابن الأنباري، فكون ابن مالك هنا نسب هذا القول إلى ابن الأنباري ليس معناه أنه ليس مذهب البصريين، وقد ذكر الأشموني في تنبيهاته هذا فقال: «وذهب الجمهور من البصريين والفراء وابن الأنباري إلى منع تقديم الفاعل المحصور وأجازوا تقديم المفعول المحصور؛ لأنه في نية التأخير» اه. الأشموني (2/ 58). الوجه الثاني: هو أن تعليله بأن ابن عصفور لم يذكر ذلك في المقرب. لم يكن هذا التعليل حجة يرد به ما نسبه ابن مالك إلى ابن الأنباري، فإن ابن عصفور قد ذكر ذلك في شرحه للجمل (1/ 164) حين قال: «وقسم يلزم فيه تأخير المفعول عن الفاعل وذلك إذا كان الفاعل ضميرا متصلا نحو: ضربت زيدا، أو مضافا إليه المصدر المقدر بأن والفعل نحو: يعجبني ضرب زيد عمرا أو مقرونا بإلا نحو: ما ضرب زيد إلا عمرا، أو في معنى المقرون بإلا نحو: إنما ضرب زيد عمرا، أي: ما ضرب زيدا إلا عمرا، أو لا يكون في الكلام ما يبيّن الفاعل من المفعول، أو في ضرورة شعر» اه. (¬1) ينظر: التذييل (2/ 1247). (¬2) هو دعبل الخزاعي بن علي بن رزين شاعر هجاء، بذيء اللسان، مولع بالهجو والحط من أقدار الناس. ينظر: الشعر والشعراء (ص 853 - 856)، وتاريخ بغداد (2/ 382). (¬3) البيت من الطويل وهو في: التذييل (2/ 1247)، والعيني (2/ 480)، وأوضح المسالك (1/ 139)، والتصريح (1/ 282)، والهمع (1/ 161)، والدرر (1/ 143)، والأشموني (2/ 57)، وديوانه (ص 183). والشاهد قوله: «ولما أبى إلا جماحا فؤاده»؛ حيث قدم المفعول المحصور بإلا على الفاعل وهو جائز عند الكسائي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد الأبيات التي ذكرها المصنف المتضمنة لتقديم المفعول مقرونا بإلا ثم أنشد على تقديم الفاعل مقرونا بإلا قول الشاعر: 1286 - فلم يدر إلّا الله ما هيّجت لنا ... عشيّة أناء الدّيار وشامها (¬1) وقول الآخر: 1287 - ما عاب إلّا لئيم فعل ذي كرم ... ولا هجا قطّ إلّا جيّأ بطلا (¬2) وقول الآخر: 1288 - نبّئتهم عذّبوا بالنّار جارتهم ... وهل يعذّب إلّا الله بالنّار (¬3) قال: وفرّق - يعني الكسائي - بين «إنما» و «ما» و «إلا» بأن «إنما» لا دليل معنا فيها على الحصر في أحدهما إلا تأخير المحصور، فلم يجز تقدمه؛ لئلا يلتبس المحصور بغير المحصور، بخلاف «ما» و «إلا»؛ فإن اقتران الاسم «بإلا» دليل على الحصر فيه، تقدم أو تأخر؛ فلا لبس (¬4). وأما دليل البصريين والفراء وابن الأنباري فإنهم قالوا: لابد أن يتقدم غير المحصور ويتأخر المحصور ليحصل الفرق بينهما، وإنما جوزنا تأخير الفاعل إذا كان المفعول هو - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو لذي الرمة وهو في: المقرب (1/ 55)، والتذييل (2/ 1249)، والعيني (2/ 493)، والتصريح (1/ 184)، والأشموني (2/ 57)، وشرح ابن عقيل (1/ 166)، وأوضح المسالك (1/ 141)، وشرح شواهد ابن عقيل (106)، وشرح المكودي على الألفية (ص 75)، والهمع (1/ 161)، والدرر (1/ 143)، وديوانه (ص 636). والشاهد قوله: «فلم يدر إلا الله ما هيّجت لنا»؛ حيث قدّم الفاعل المحصور بإلّا على المفعول. (¬2) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في: التذييل (2/ 1249)، والعيني (2/ 490)، والتصريح (1/ 284)، والأشموني (2/ 57)، والهمع (1/ 161)، والدرر (1/ 143)، وأوضح المسالك (1/ 141). ويروى البيت برواية: «وما جفا» مكان «ولا هجا». والشاهد قوله: «ولا هجا ... إلا جيّأ بطلا»؛ حيث قدم الفاعل المحصور بإلا وهو «جيأ» على المفعول به وهو «بطلا». (¬3) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في: التذييل (2/ 1250)، والعيني (2/ 492)، والتصريح (1/ 284)، وأوضح المسالك (1/ 141). والشاهد قوله: «وهل يعذب إلا الله بالنار»؛ حيث إنه جاز تقديم الفاعل المحصور بإلا على المفعول به. (¬4) ينظر: التذييل (2/ 1247).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المقرون بإلا؛ لأن المفعول إذا كان هو المقرون بإلا وأخرنا الفاعل عنه في اللفظ فقلنا: ما ضرب إلا عمرا زيد؛ علم أن المقدم مؤخر في النية، والمؤخر مقدم في النية، فحصل للمحصور فيه تأخير من وجه وهو النية ولغير المحصور تقديم من وجه وهو النية أيضا فجرى الكلام على ما ينبغي من تقديم غير المحصور وتأخير المحصور، بخلاف ما إذا كان الحصر في الفاعل نحو قولنا: ما ضرب عمرا إلا زيد؛ فإنه لو قدم الفاعل وأخر المفعول، وقيل: ما ضرب إلا زيد عمرا؛ لكان الفاعل قد وقع في رتبته من التقديم والمفعول قد وقع في رتبته من التأخير، فلا يكون واحد منويّا به غير موضعه، فلا نكون قد أعطينا الموضع ما يقتضيه من تقديم غير المحصور لفظا أو نية، وتأخير المحصور لفظا أو نية؛ فلا يجوز حينئذ (¬1). وأجابوا عما استدل به الكسائي على ذلك أعني تقديم الفاعل مع كونه مقرونا بإلا بأن: «ما هيجت» منصوب بـ «درى» مقدرة، التقدير: «فلم يدر إلا الله درى ما هيجت» (¬2). وكذلك «بالنار» في البيت الآخر تقديره: يعذب (¬3). وأما قوله: أن لا قرينة دالة على الحصر في [2/ 267] ما اقترنت به، فلا يحصل لبس، فردوه بأن قالوا: لا نسلم عدم حصول اللبس، بل يحصل لبس وهو أن يظن إرادة الحصر في الاسمين اللذين بعد «إلّا» وكأننا قلنا: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، فإنا إذا أردنا هذا المعنى نقول: ما ضرب زيد إلا عمرا، فإذا اللبس حاصل وإذا حصل لبس امتنع ما يؤدي إليه، فإن قلت: هذا الذي أجيب به الكسائي يلزم البصريين حيث أجازوا تأخر الفاعل إذا كان المفعول مقرونا بإلا، أجيب: بأنه لا يلزم لما بينا أنه وإن كان مؤخرا لفظا فالنية به التقديم بخلاف المفعول مع الفاعل المقرون بإلا؛ فإنه يكون إذا أخرته مؤخرا لفظا ونية فافترقا. انتهى كلام ابن النحاس (¬4). وكلام المصنف مع اختصاره واف بما ذكره من أدلة المذاهب الثلاثة وتعليلها ولكن يستفاد من كلامه أن الحصر قد يكون في الفاعل والمفعول معا في كلام واحد - ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (1/ 161)، والأشموني (2/ 58). (¬2) ينظر: شرح ابن عقيل (1/ 166). (¬3) ينظر: التصريح (1/ 284). (¬4) ينظر: التذييل (2/ 1246، 1247).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: ما ضرب إلا زيدا عمرا بمعنى ما ضرب أحد أحدا إلا زيدا عمرا (¬1)، وأصحاب علم المعاني لهم في ذلك بحث (¬2). الأمر الثاني: هو أن المصنف لم يتعرض في هذا الفصل إلى مسائل تقديم المفعول على الفعل؛ لأنه ذكر ذلك في مكان أمسّ به وهو باب تعدي الفعل ولزومه، وإنما تعرض إلى ذكر تقديم المفعول على الفاعل أو النائب عنه خاصة؛ لأن حكم النائب عن الفاعل في المرتبة بالنسبة إلى مفعول آخر يذكر معه حكم الفاعل بالنسبة إلى مفعول فعله، ولهذا لم يورد هذا الفصل في باب الفاعل، وإنما أورده في باب النائب عن الفاعل؛ ليكون الحكم الذي ذكره شاملا لمسائل البابين، وهو نظر صحيح. وقد عرفت أن الأقسام ثلاثة والمصنف إنما تعرض لذكر اثنين منها؛ إذ بذكر القسمين الواجبين يعرف القسم الجائز أيضا؛ لأن ما عدا صور القسمين المذكورين من الصور فهو تحت الجائز (¬3)، فأنا أضمه إلى ما ذكر هنا وأعد جملة صور كل من القسمين قصدا للضبط. فصور ما يجب فيه البقاء على الأصل على ما ذكره المصنف ثلاث وهي: خوف اللبس، وأن يكون الفاعل ضميرا متصلا، واستغنى المصنف عن التنبيه بالاتصال بقوله غير محصور، وأن يكون المفعول مقرونا بإلّا لفظا أو معنى، وقد عرفت الخلاف في هذه الصورة الثالثة، وأن الجماعة يقولون: إن تقديم المفعول مقرونا بإلّا جائز وأنه مذهب البصريين. وصور [2/ 268] ما يجب فيه الخروج عن الأصل أربع وهي: أن يكون المرفوع ظاهرا والمنصوب ضمير متصل، واستغنى المصنف عن قيد الاتصال بقوله: (لم يسبق الفعل ولم يحصر)، وأن يكون الفاعل مقرونا بإلّا لفظا أو معنى، وأن يتصل بالفاعل ضمير يعود على شيء متصل بالمفعول نحو: ضرب بعل هند غلامها، وأن يتصل بالفاعل ضمير يعود على المفعول، لكن قد عرفت أن المصنف قال في هذه الصورة الرابعة: إن الصحيح جوازها على قلة. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 74). (¬2) في هامش النسخة (ب) يقول الكاتب: في النسخة المقابل عليها بياض قدر خمسة أسطر. (¬3) زاد في (ب): (وقد تقدم في باب المضمر التعرض لشيء من الصور).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن ابن عصفور أدرج في هذا الموضع صورا يجب فيها تقديم المفعول على الفاعل، لكنها مع ذلك يجب فيها التقديم على العامل أيضا وتبعه الشيخ في ذلك (¬1) وأنا لم أذكره؛ لأن الكلام الآن إنما هو في تقديم المفعول على الفاعل خاصة؛ ولأن الكلام على ما ذكرناه سيذكره المصنف في باب تعدي الفعل ولزومه. * * * ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 163) طبعة العراق فقد ذكر هناك هذه الصور.

الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السابق بضميره أو ملابسه

الباب العشرون باب اشتغال العامل عن الاسم السّابق بضميره أو ملابسه [مواضع نصب المشغول عنه وجوبا] قال ابن مالك: (إذا انتصب لفظا أو تقديرا ضمير اسم سابق مفتقر لما بعده أو ملابس ضميره بجائز العمل فيما قبله غير صلة ولا مشبّه بها ولا شرط مفصول بأداته، ولا جواب مجزوم ولا مسند إلى ضمير للسّابق متّصل ولا تالي استثناء أو معلّق أو حرف ناسخ أو كم الخبريّة أو حرف تحضيض أو عرض أو تمنّ بـ «ألا» وجب نصب السّابق إن تلا ما يختصّ بالفعل، أو استفهاما بغير الهمزة بعامل لا يظهر موافق للظّاهر أو مقارب وقد يضمر مطاوع للظّاهر فيرفع السّابق). قال ناظر الجيش: اشتغال العامل عبارة عن أخذه معموله، كما أن تفريقه عبارة عن عدم أخذه معموله، وحقيقته: أن يتقدم اسم ويتأخر عنه عامل قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في ملابسه لو لم يعمل في أحدهما لعمل في الاسم المذكور (¬1). وقد فهم من ترجمة الباب الإشارة إلى أن الاسم يكون متقدما على العامل، وأن العامل يكون قد شغل عنه بأحد الأمرين وهو إما الضمير أو ملابس الضمير، وأما كون العامل يصح له العمل في الاسم السابق لو لم يعمل في الضمير، فيعرف من قول المصنف في متن الكتاب: (بجائز العمل فيما قبله) وقد زاد المصنف أمرا آخر، وهو كون الاسم المشتغل عنه العامل مفتقرا لما بعده، وإذا تقرر هذا الأصل فلنورد كلام المصنف أولا ثم نذكر ما يتعلق به من المباحث. قال رحمه الله تعالى (¬2): اشتغال العامل يتناول اشتغال الفعل نحو: أزيدا ضربته، واشتغال غير الفعل نحو: أزيدا أنت ضاربه (¬3)، وتقييد المشتغل عنه بسابق - ¬

_ (¬1) ينظر: التصريح (1/ 296)، وشرح الأشموني (2/ 72)، وشرح ابن عقيل (1/ 173). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 136). (¬3) في شرح الألفية للمرادي (2/ 36): «المراد بالعامل هنا ما يجوز عمله فيما قبله، فيشمل الفعل المتصرف، واسم الفاعل، واسم المفعول، دون الصفة المشبهة، والمصدر، واسم الفعل، والحرف؛ لأنه لا يفسر في هذا الباب إلا ما يصلح للعمل فيما قبله» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخرج للمشتغل عنه متأخرا نحو: ضربته زيدا على إبدال الظاهر من المضمر، وضربته زيد على [2/ 269] الابتداء وتقديم الجملة خبرا، وملابس الضمير هو العامل فيه بإضافة نحو: أزيدا ضربت غلامه، أو بغير إضافة نحو: أزيدا ضربت راغبا فيه (¬1)، وقيد السابق بمفتقر لما بعده ليخرج المستغني عما بعده كزيد من قولك: في الدار زيد فاضربه، وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬2) على تقدير سيبويه، فإن تقديره عنده: وفيما يتلى عليكم السارق والسارقة (¬3)، ولولا ذلك الفعل لكان النصب مختارا؛ لأن المشتغل إذا كان أمرا أو نهيا ترجح النصب، والباء من قولي: بجائز العمل، متعلقة بقولي: انتصب، ونبهت بذلك أن على شرط انتصاب المشتغل عنه العامل صحة تسلطه عليه لو عدم الشاغل، فخرج بذلك فعل التعجب نحو: زيد ما أحسنه، وأسماء الأفعال نحو: زيد تراكه، وأفعل التفضيل نحو: زيد أكرم منه عمرو، فليس للاسم المتقدم على هذه إلا الرفع؛ لأنها لا تعمل فيما تقدم وما لا يعمل لا يفسر عاملا على الوجه المعتبر في هذا الباب (¬4)، والوجه المعتبر في هذا الباب كون العامل المشغول عوضا في اللفظ من العامل المضمر، ودليلا عليه، ولكونه عوضا امتنع الإظهار؛ إذ لا يجمع بين العوض والمعوّض منه، ولكونه دليلا لزم أن يكون موافقا في المعنى أو مقاربا (¬5)، فلو قصدت الدلالة دون التعويض لم تكن المسألة من باب الاشتغال كقول الراجز (¬6): 1289 - أيّها المائح دلوي دونكا (¬7) - ¬

_ - فهو قد أوضح هذه المسألة في كلامه؛ لأن قول المصنف هنا: (غير الفعل) فيه عموم وشمول لكل ما يعمل عمل الفعل، وينظر: حاشية الصبان (2/ 71). (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 316) طبعة العراق، والتوطئة (ص 182). (¬2) سورة المائدة: 38. (¬3) في الكتاب (1/ 143): «وكذلك وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ كأنه قال: وفيما فرض الله عليكم السارق والسارقة، أو السارق والسارقة فيما فرض عليكم» اه. (¬4) جوز بعض النحويين الاشتغال مع المصدر، واسم الفعل على القول بجواز تقدم معموليهما عليهما ومع «ليس» على القول بجواز تقدم خبرها عليها. ينظر: حاشية الصبان (2/ 71). (¬5) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 91). (¬6) قيل: إنه من كلام راجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو بن تميم، وقيل: إنه لجارية من مازن. (¬7) الرجز في المقرب (1/ 137)، وأمالي القالي (2/ 244)، والعقد الفريد (5/ 211)، وأمالي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «دلوي» منصوب بعامل مقدر مدلول عليه بالملفوظ، نص على ذلك سيبويه (¬1)، وليس الملفوظ به عوضا من المقدر، فلو جمع بينهما لم يمتنع، والحاصل أن المجعول دليلا دون تعويض لا يلزم صلاحيته للعمل في موضع دلالته، بخلاف المجعول دليلا وعوضا ومن كلام العرب: البهم أين هو؟ فنصب قائل هذا «البهم» بفعل مضمر، وجعل أين هو دليلا عليه مع عدم صلاحيته للعمل (¬2)، ونبهت أيضا على ما يعرض للعامل الجائز العمل فيما قبله مما جعله ممنوع العمل، وممنوع الصلاحية للتفسير، فمن ذلك وقوعه صلة نحو: زيد أنا الضاربه، وأذكر أن تلده ناقتك أحبّ إليك أم أنثى؟ (¬3)، ومن ذلك شبهه بصلة نحو: ما شيء تحبه يكره، وزيد حين ألقاه يسرّ؛ فإن الصفة والمضاف إليه يشبهان الصلة في تتميم ما قبلهما بهما، فلا عمل لهما فيما تقدم مع التفريغ فلا يفسران عاملا فيه مع الاشتغال (¬4). ومن مواقع العمل والتفسير: وقوع الفعل شرطا مفصولا بأداته نحو: زيد إن زرته يكرمك، فإن أداة الشرط لها صدر الكلام، فلا يؤثر معمولها فيما قبلها عملا [2/ 270] ولا تفسيرا (¬5)، واحترزت بقولي: مفصولا بأداته، من نحو: إن زيدا أكرمته - ¬

_ - الزجاجي (ص 237)، والتذييل (3/ 5)، والإنصاف (1/ 228)، وابن يعيش (1/ 117)، والخزانة (3/ 15)، والمغني (2/ 609، 618)، وشذور الذهب (ص 485)، والعيني (4/ 311)، والتصريح (2/ 200)، والهمع (2/ 105)، والدرر (2/ 138)، ولسان العرب، وتاج العروس ومقاييس اللغة «منح»، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 175). والشاهد قوله: «أيها المائح دلوي»؛ حيث نصب «دلوي» بفعل محذوف لدلالة اسم الفعل الذي لا يصح له العمل فيه. (¬1) في الكتاب (1/ 81): «فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت: زيد ضربته، فلزمته الهاء - وإنما حسن أن يبنى الفعل على الاسم حيث كان معملا في المضمر وشغلته به، ولولا ذلك لم يحسن، لأنك لم تشغله بشيء، وإن شئت قلت: زيدا ضربته، وإنما نصبه على إضمار فعل هذا يفسره كأنك قلت: ضربت زيدا ضربته، إلّا أنهم لا يظهرون هذا الفعل هنا للاستغناء بتفسيره فالاسم هاهنا مبني على هذا المضمر» اه. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 5)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 137). (¬3) في الكتاب (1/ 31): «وتقول أذكر أن تلد ناقتك أحب إليك أم أنثى؟، كأنه قال: أذكر نتاجها أحب إليك أم أنثى، فـ «أن تلد» اسم، و «تلد» به يتم الاسم كما يتم «الذي» بالفعل فلا عمل له هنا كما ليس يكون لصلة «الذي» عمل» اه. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 363، 364)، والهمع (2/ 111). (¬5) ينظر: المقرب (1/ 88).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يضرك، فإن له حكما آخر يأتي ذكره. ومن مواقع العمل والتفسير: وقوع الفعل جوابا مجزوما نحو: زيد إن يقم أكرمه، فلو كان الفعل الواقع موقع الجواب فعلا مرفوعا جاز عند سيبويه إعماله في الاسم السابق مع التفريغ وتفسيره عاملا فيه مع الاشتغال؛ لأنه عنده مقدر التقديم مدلول به على جواب محذوف (¬1). ومن مواقع العمل والتفسير: إسناد الفعل إلى ضمير الاسم السابق مع كون الضمير متصلا نحو: زيد ظنّه ناجيا بمعنى: ظن نفسه، وذلك ممتنع لاستلزامه كون الفاعل الذي هو عمدة مفسرا بالمفعول الذي حقه أن يكون فضلة، فلو كان الضمير منفصلا جازت المسألة نحو: زيدا لم يظنه ناجيا إلا هو؛ لأن الضمير المنفصل كالظاهر فينزل هذا منزلة: زيدا لم يظنه ناجيا إلا عمرو؛ ولأن أصل لم يظنه ناجيا إلا هو: لم يظنه أحد ناجيا إلا هو؛ فصحت المسألة ولم يلزم كون العمدة متوقفا في مفهوميّته على الفضلة، كما لزم إذا كان المسند إليه ضميرا متصلا مفسرا بالمفعول (¬2). ومن موانع العمل في السابق والتفسير لعامل فيه: وقوع الفعل بعد استثناء (¬3) نحو: ما زيد يضربه إلا عمرو، فلا يجوز في زيد وما وقع موقعه إلا الرفع؛ لأن ما بعد «إلا» لا يعمل فيما قبلها ولا يفسر عاملا فيه، وكذلك ما وقع بعد معلّق، والمراد بالمعلّق: الاستفهام والنفي بما ولامي الابتداء والقسم نحو: زيد هل ضربته؟؛ وعمرو كيف وجدته؟، وخالد ما أقساه، وعامر لتحيه بشر، والمحسن ليجزينّه الله، فلا يجوز في: زيد وعمرو وخالد وعامر والمحسن وما وقع مواقعها إلا الرفع؛ لأن ما بعد الاستفهام و «ما» النافية و «لامي» الابتداء والقسم لا يعمل فيما قبلها ولا يفسر عاملا فيه، وكذلك ما وقع بعد حرف ناسخ للابتداء نحو: زيد إني أضربه، وعمرو ليتني ألقاه، وكذلك الواقع بعد كم الخبرية نحو: زيد كم لقيته، فإنها أجريت مجرى الاستفهامية، وكذلك (¬4) الواقع بعد التّحضيض نحو: زيد هلّا ضربته، وبعد العرض نحو: عمرو ألا تكرمه، وبعد التّمنّي بألا نحو: - ¬

_ (¬1) في الكتاب (1/ 133): «فإن لم تجزم الآخر نصبت، وذلك كقولك: زيدا إن رأيت تضرب» اه. (¬2) ينظر: الهمع (2/ 111)، وشرح الكافية للرضي (1/ 166). (¬3) ينظر: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 175). (¬4) في (ب): (وكذا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العون على الخير ألا أجده (¬1). هذا هو مذهب المحققين من العارفين بكتاب سيبويه أعني إجراء التحضيض والعرض والتمني بألا مجرى الاستفهام في منع تأثر ما قبلها بما بعدها (¬2)، وإنما أجريت مجراه؛ لأن معنى هلّا فعلت، وهلّا تفعل: لم لم تفعل ولم لا تفعل، ومعنى ألا تفعل: أتفعل، مع أن «هلّا» مركبة من هل ولا [2/ 271] و «ألا» مركبة من الهمزة ولا؛ فوجب مع التركيب ما وجب قبله، وقد عكس قوم الآخر، فجعلوا توسيط التحضيض وأخويه قرينة يرجح بها نصب الاسم السابق. وممن ذهب إلى هذا أبو موسى الجزولي (¬3)، وهو ضد مذهب سيبويه. ومن مواقع نصب الاسم السابق بالفعل المشغول: وقوعه بعد إذا المفاجئة نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، ولا يجوز عندي في «زيد» وما وقع موقعه إلا الرفع؛ لأن العرب ألزمت «إذا» هذه أن لا يليها إلا مبتدأ بعده خبر، أو خبر بعده مبتدأ (¬4) فمن نصب ما بعدها فقد استعمل ما لم يستعمل العرب في نثر ولا نظم، وقد ألحقها سيبويه بـ «أما» قياسا فأجاز نصب الاسم الذي يليها بفعل مضمر يفسره المشغول بعده نحو: خرجت فإذا زيدا يضربه، كما تقول: أمّا زيدا فيضربه عمرو (¬5)، ولا ينبغي أن تلحق «إذا» بـ «أما»؛ لأن «أمّا» وإن لم يليها فعل فقد يليها معمول الفعل المفرغ كثيرا كقوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (¬6)، وقد - ¬

_ (¬1) ينظر في هذه المسألة: المقرب (1/ 88)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 92)، وشرح الكافية للرضي (1/ 164، 165)، والتوطئة (ص 221، 222)، وشرح الألفية للمكودي (ص 82). (¬2) ينظر: شرح السيرافي للكتاب أيضا (2/ 529) رسالة بكلية اللغة العربية، والتذييل (3/ 9، 10). (¬3) يقول أبو موسى الجزولي: «وإن كان قبل الاسم حرف هو أولى بأن يليه الفعل منه بأن يليه الاسم، أو كان في الفعل معنى الطلب، أو حيل بينهما بحرف تحضيض أو عرض أو تمن، أو عطف على جملة فعلية، ولم يكن هناك ما يوجب الاستئناف، كان النصب أولى» اه. ينظر: التوطئة شرح المقدمة الجزولية (ص 221، 222) تحقيق د/ يوسف المطوع. (¬4) في المقتضب (3/ 178): «فأما «إذا» التي تقع للمفاجأة فهي التي تسد مسد الخبر، والاسم بعدها مبتدأ وذلك قولك: جئتك فإذا زيد، وكلّمتك فإذا أخوك. وتأويل هذا: جئت ففاجأني زيد، وكلّمتك ففاجأني أخوك» اه. (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 95) وسوف يورد الشارح عبارة سيبويه المتعلقة بهذا الموضع فيما سيأتي. (¬6) سورة الضحى: 9، 10.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يليها معمول فعل مقدر بعده مفسر بمشغول، كقراءة بعض السلف (¬1): وأما ثمود فهدينهم (¬2) ولم يل «إذا» فعل ظاهر ولا معمول فعل، إنما يليها أبدا في النثر والنظم مبتدأ وخبر منطوق بهما، أو مبتدأ محذوف الخبر، فمن أولاها غير ذلك فقد خالف كلام العرب فلا يلتفت إليه وإن كان سيبويه. وقولي: وجب نصب السابق (¬3)، أي: إذا انتصب الضمير أو ملابسه على الوجه المذكور، وعدمت موانع نصب صاحب الضمير وجب نصبه إن كان بعد ما يختص بالفعل نحو: إن زيدا ضربته عقل، أو كان بعد استفهام بغير الهمزة نحو: هل مرادك نلته فالنصب في هذين وشبههما واجب، ولا يجب مع الهمزة بل يكون مختارا نحو: أزيدا لقيته (¬4). ثم نبهت على أن ناصب السابق عامل لا يظهر موافق للعامل المشتغل لفظا ومعنى إن أمكن وإلا فمقارب له في المعنى، فالموافق كقولنا في أزيدا ضربته: أضربت زيدا ضربته، والمقارب كقولنا في أزيدا مررت به، وأعمرا كلمت أخاه: أجاوزت زيدا مررت به، وألابست عمرا كلمت أخاه (¬5). وقلت: بعامل؛ لأعمّ الفعل وشبهه نحو: أزيدا أنت ضاربه، التقدير: أضارب زيدا أنت ضاربه، وإن كان الفعل المشتغل مطاوع جاز أن يضمر ويرفع به السابق كقول لبيد: 1290 - فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلّك تهديك القرون الأوائل (¬6) - ¬

_ (¬1) في الإتحاف (ص 381): «(وأما ثمود) بفتح الدال بلا تنوين وافقه المطوعي هنا خاصة بخلفه، وعنه أيضا الرفع والتنوين وافقه الشنبوذي فيه، والجمهور على ضم الدال بلا تنوين على الابتداء والجملة بعده خبره وهو متعين عند الجمهور؛ لأن «أمّا» لا يليها الابتداء فلا يجوز فيه الاشتغال إلا على قلة» اه. وينظر: الكشاف (2/ 329)، وإملاء ما منّ به الرحمن (2/ 221). (¬2) سورة فصلت: 17. (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 140). (¬4) ينظر: أوضح المسالك (1/ 150، 152)، والتصريح (1/ 297). (¬5) ما ذكره المصنف هنا في نصب الاسم السابق هو مذهب الجمهور وأما مذهب الكوفيين فهو أن هذا الاسم السابق منصوب بالفعل المذكور بعده على خلاف بينهم، هل هذا الفعل عامل في الاسم والضمير معا، أو أنه عامل في الاسم المظهر والضمير ملغى؟. ينظر: شرح ابن عقيل (1/ 173، 174)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 38)، والتصريح (1/ 297). (¬6) البيت من الطويل وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 373) طبعة العراق، والتذييل (3/ 19، 20، 57)، والارتشاف (ص 806)، وأمالي المرتضي (1/ 119)، وأمالي السهيلي (ص 43)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأنت فاعل لم «تنتفع» مضمرا، وجاز إضماره؛ لأنه مطاوع ينفع، والمطاوع يستلزم المطاوع ويدل عليه ولو [2/ 272] أضمر الموافق لنصب «وجاء بإياك»، ومثل هذا البيت ما أنشده الأخفش من قول الشاعر (¬1): 1291 - أتجزع إن نفس أتاها حمامها ... فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع (¬2) فرفع نفسا «بماتت» مقدرا؛ لأنه لازم أتاها حمامها كلزوم انتفع لتنتفع وروي قول الشاعر (¬3). 1292 - لا تجزعي إن منفس أهلكته ... فإذا هلكت فبعد ذلك فاجزعي (¬4) بنصب المنفس على إضمار الموافق، ويرفعه على إضمار المطاوع، وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي: وقد يضمر مطاوع للظاهر فيرفع السابق. هذا آخر كلام - ¬

_ - والشعر والشعراء (ص 279)، والخزانة (1/ 339)، والعيني (1/ 291) والتصريح (1/ 105)، والهمع (1/ 63)، (2/ 59، 114)، والدرر (1/ 40)، (2/ 75، 147)، والأشموني (2/ 75) وديوان لبيد (ص 255). والشاهد قوله: «فإن أنت لم ينفعك علمك»؛ حيث رفع «أنت» بالفاعلية لفعل مضمر مطاوع للظاهر، والتقدير: وإن لم تنتفع بعلمك لم ينفعك علمك. (¬1) هو زيد بن رزين بن الملوح المحاربي شاعر فارسي. (¬2) البيت من الطويل وهو في المحتسب (1/ 281)، والارتشاف (ص 730، 1158)، والتذييل (3/ 19، 20)، وتعليق الفرائد (ص 1380)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 217)، والمغني (1/ 149)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 436)، والتصريح (2/ 16)، والهمع (2/ 22)، والدرر (2/ 15). والشاهد قوله: «إن نفس أتاها حمامها»؛ حيث رفع نفسا بفعل مضمر تقديره «ماتت»؛ لأنه لازم «أتاها حمامها» كما بين المصنف. (¬3) هو النمر بن تولب أحد بني عكل، وكان النمر شاعرا جوادا وهو من المخضرمين أدرك الجاهلية والإسلام. ووفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم، ترجمته مفصلة سبق ذكرها. (¬4) البيت من الكامل وهو في الكتاب (1/ 134)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 160)، والمقتضب (2/ 76)، والكامل للمبرد (3/ 300)، والتوطئة (ص 183)، وأمالي الشجري (1/ 332)، (2/ 346)، وابن يعيش (2/ 38)، والتذييل (3/ 20)، والارتشاف (ص 806)، والغرة المخفية (ص 396)، والخزانة (1/ 152، 450)، والمغني (1/ 166، 403) وشرح شواهده للسيوطي (1/ 472)، (2/ 829)، وشرح ابن عقيل (1/ 174)، والعيني (2/ 535)، والأشموني (2/ 75)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 92)، وديوان النمر (ص 58، 72). والشاهد قوله: «إن منفس أهلكته»؛ حيث روي «منفس» بالنصب على إضمار فعل موافق للفعل الظاهر، والتقدير: إن أهلكته منفسا أهلكته، كما روي بالرفع على إضمار فعل مطاوع والتقدير: إن هلك منفس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف (¬1) رحمه الله تعالى وهو كما قال ابن الرومي: 1293 - وحديثها السّحر الحلال لو انّه ... لم يجن قتل المسلم المتحرّز إن طال لم يملل وإن هي أوجزت ... ودّ المحدّث أنّها لم توجز شرك العقول ونزهة ما مثلها ... للمطمئنّ وعقلة المستوفز (¬2) أما المباحث: فمنها: أن الاسم المشتغل عنه في الباب بالنسبة إلى رفعه ونصبه ينقسم إلى خمسة أقسام: واجب الرفع - واجب النصب - راجح النصب - مستو فيه الأمران - راجح الرفع، هذا ما اعتمده المصنف في إيراد مسائل هذا الباب في جميع كتبه، وهو الحق كما سأبينه، وجماعة من كبار النحويين لم يذكروا في الأقسام ما يجب رفعه قالوا: لأن حد الاشتغال لا يصدق على هذا القسم لما عرف من أن شرط العامل المشتغل بالضمير أن يصح عمله في الاسم السابق لو فرغ، والعامل في نحو: زيد هل ضربته إذا حذف الضمير الذي هو مفعوله لا يصح عمله في زيد (¬3)، والذي اعتمده المصنف هو الصواب؛ لأن العامل في نحو: زيد هل ضربته مثلا صالح للعمل في الاسم السابق بذاته لو فرغ، لكن منع من عمله مانع، فغير المصنف نظر إلى كون العامل في الضمير بتقدير خلوه يصح عمله في الاسم السابق، فما كان العامل الذي - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 141). (¬2) الأبيات من الكامل وهي في: الخصائص (1/ 30، 220)، وابن يعيش (1/ 18). وهذه الأبيات قالها ابن الرومي يصف امرأة فيها بطيب الحديث، وقد استشهد بها الشارح هنا لغرض يماثله وهو حسن كلام ابن مالك. (¬3) ممّن لم يذكروا ما يجب رفعه بين أقسام الاسم المشتغل عنه ابن هشام حيث قال في توضيحه على ألفية ابن مالك (1/ 297): «ولم نذكر من الأقسام ما يجب رفعه كما ذكر الناظم؛ لأن حد الاشتغال لا يصدق عليه» اه. وقد علق الشيخ خالد الأزهري على هذا الكلام في تصريحه فقال: «لأنه يعتبر فيه أن يكون الاسم المتقدم لو فرع من الضمير وسلط عليه لنصبه، وما يجب رفعه ليس بهذه الحيثية». اه، وينظر: التصريح على التوضيح (1/ 303) التنبيه الأول حيث صرح ابن هشام بهذا الكلام فيه، والأشموني (2/ 75)، وأوضح المسالك (1/ 149).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منعه بهذه الصفة عد من هذا الباب، وما لا فلا، وأما المصنف فإنه فرق بين العامل الذي لا يجوز له العمل فيما قبله أصلا والعامل الذي يجوز له العمل، لكنه منعه من العمل مانع؛ فما امتنع عمله فيما قبله لذاته لا يدخل في باب الاشتغال (¬1)؛ ولذلك قيد المصنف العامل بكونه جائز العمل فيما قبله، فأخرج بهذا القيد ما تقدمت الإشارة إليه من: زيد ما أحسنه، وزيد تراكه، وزيد أحسن منه عمرو، وما امتنع عمل العامل فيه لا لذاته بل لعارض جعله المصنف من هذا الباب؛ لأنه لا يصور فيه من حيث الجملة أن يعمل فيه ذلك العامل، وإذا تقرر أن القسم الواجب الرفع من أقسام مسائل هذا الباب؛ فاعلم أن المصنف لم يورد الكلام فيه صريحا بأن قال: إنه يجب رفعه كما صرح في بقية الأقسام بوجوب النصب ورجحانه واستواء الأمرين، ورجحان الرفع؛ وإنما أورد صورة مستثناة [2/ 273] من الحكم بالنصب، ولا شك أن المستثنى مخالف في هذا الحكم للمستثنى منه، والمستثنى منه محكوم بنصبه، فوجب أن المستثنى لا ينصب، وإذا لم ينصب تعين رفعه؛ إذ لا ثالث لهما في هذا المحل. ومنها: أن ابن عصفور قيد العامل المشتغل بالضمير بكونه متصرفا (¬2)، والمصنف عدل عن التقييد بالتصرف إلى التقييد بجواز العمل فيما قبله، والذي فعله المصنف أولى، بل هو المتعين؛ لأن سيبويه رحمه الله تعالى ذكر مسائل فلو وقعت «الإساءة» موقع أن تسيء لم يجز حذف «من» إلا في الضرورة (¬3)، كقول الشاعر (¬4): 1294 - وإيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وبالشّرّ آمر (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني (2/ 75، 76) حيث خرج رأي ابن مالك هناك بما خرجه ناظر الجيش هنا. (¬2) ينظر: المقرب (1/ 87)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 361) طبعة العراق. (¬3) ينظر: المقتضب (3/ 212 - 215). (¬4) هو الفضل بن عبد الرحمن القرشي. (¬5) البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 279)، والمقتضب (3/ 213)، والخصائص (3/ 102)، والغرة المخفية (249)، والتذييل (3/ 103)، والارتشاف (ص 600)، وما يجوز للشاعر في الضرورة (ص 174)، والعيني (4/ 113)، وابن يعيش (2/ 25)، والمغني (2/ 679). والشاهد قوله: «إياك المراء»؛ حيث حذفت «من» الجارة بعد «إياك» مع المصدر الصريح ولم يوجد العاطف. وهذا لضرورة الشعر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: إياك أن تماري، ثم أوقع موقع «أن تماري» «المراء»، فعامله معاملة ما هو واقع موقعه، ويجوز أن يكون نصب المراء بفعل مضمر غير الذي نصب إياك. وعلى كل حال فلا يجوز مثل هذا إلا في الشعر، وليس العطف بعد إياك من عطف الجمل خلافا لابن طاهر وابن خروف (¬1)، ولا من عطف المفرد على تقدير: اتق نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك، بل هو من عطف المفرد، على تقدير: اتق تلاقي نفسك والشر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ولا شك أن هذا أقل تكلفا فكان أولى، ويساوي التحذير في كل ما ذكرته الإغراء نحو: أخاك أخاك، بإضمار الزم وشبهه .. انتهى كلام المصنف (¬2). ولا بد مع ذلك من الإشارة إلى أمور منها: أن يكون الفعل مسندا إلى ضمير للسابق متصل نحو: زيد أظنه ناجيا، فإنها لا فاصل فيها بين الاسم والعامل، فالمنع في هذه الصورة ليس للفصل، إذ لا فاصل إنما لأمر آخر كما عرفته (¬3). ومنها: أن المراد بعمل العامل المشتغل فيما قبله إذا فرع العمل إما في لفظه نحو: أزيدا ضربته، أو في محله نحو: أزيدا مررت به، فإن «مررت» وإن لم يصلح في لفظ «زيد» صالح للعمل في محله، نحو: بزيد مررت به، فكما أن عمل المشتغل في الضمير إما لفظا نحو: زيد ضربته، أو تقديرا نحو: زيد مررت به، هكذا يكون قصور العمل في الاسم السابق عند تفريغ العامل وتسليطه عليه (¬4). ومنها: أنهم ذكروا أن العامل قد لا يشتغل بالضمير ولا بالسببي، وإنما يشتغل بالظاهر الذي هو الاسم السابق، فيذكر بعد العامل مكررا نحو قولك: زيدا ضربت زيدا [2/ 274] لكنهم قالوا: إنما يجيء ذلك في الشعر أما في الكلام فلا، قالوا: وإنما جرى تكرار الظاهر في هذا الباب مجرى المضمر كما جرى مجراه في ربط الجملة - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 103). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 161) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬3) سبق شرحه. (¬4) ينظر: شرح ابن عقيل (1/ 173).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقعة خبرا للمبتدأ، قال ابن عصفور: ومما جاء من ذلك قول الشاعر (¬1): 1295 - إذا الوحش ضمّ الوحش في ظللاتها ... سواقط من حرّ وإن كان أظهرا (¬2) قال: فالوحش مرفوع بفعل مضمر يفسر الفعل الظاهر، والتقدير: إذا ضم الوحش ضم الوحش (¬3). ومنها: أن الشيخ قال في قول المصنف: (غير صلة): هذا استثناء منقطع؛ لأن ما ذكر لا يندرج تحت قوله: (بجائز العمل فيما قبله) (¬4). انتهى. وأقول: قد عرفت أن العوامل التي انطوى عليها قوله: غير صلة .. إلى آخره، كلها جائزة العمل فيما قبلها بذاتها، وأن المصنف فرق بين عامل ممنوع العمل فيما قبله لذاته، وعامل ممنوع العمل فيما قبله لعارض، وعلى هذا فالاستثناء متصل قطعا، ولا جائز أن يكون منقطعا. ومنها: أنه قد تقدم قول المصنف: (وقيد السابق بمفتقر لما بعده) ليخرج ما يستغني عما بعده كزيد من قولك: في الدار زيد فاضربه، وكقوله تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (¬5) على تقدير سيبويه إلى آخره، فاعلم أن الذي ذكره هنا وفي: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما هو الصحيح، وكذا الحكم في قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما (¬6). وهذا بخلاف ما ذكره في فصل دخول الفاء في خبر المبتدأ، فإنه حكم هناك بأن: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما خبر عن وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ وأن فَاجْلِدُوا خبر عن الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ولم يتعرض إلى كون هذا مذهب المبرد، بل أطلق القول، وكلامه هنا يقيد ذلك - ¬

_ (¬1) هو النابغة الجعدي. (¬2) البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 63)، والتذييل (3/ 3)، واللسان «سقط»، وديوانه (ص 74). ورواية التذييل: «وقد كان» مكان «وإن كان». اللغة: الظللات: جمع ظلة وهو ما يستظل به. سواقط الحر: ما يسقط منه. أظهر: صار في وقت الظهيرة. والشاهد قوله: «إذا الوحش ضم الوحش»؛ حيث جاز أن يشتغل الفعل بظاهر هو الاسم الأول لضرورة الشعر. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 2، 3). (¬4) التذييل (3/ 7). (¬5) سورة المائدة: 38. (¬6) سورة النور: 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإطلاق كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدم عند شرح الفصل المذكور (¬1). قال ابن الحاجب: ونحو: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا (¬2) ظاهره أنه من هذا الباب - يعني باب الاشتغال - لأنه اسم بعده فعل تسلط على ما يتعلق بضميره لو سلط عليه لنصبه، ولكن لما اتفق القراء على الرفع أرشد ذلك إلى أن المقصود غير الظاهر (¬3). فقال المبرد: الألف واللام بمعنى الذي، والفاء جيء بها لتدل على السببية كما في قوله (¬4): الذي يأتيني فله درهم، وعلى ذلك لا يكون من هذا الباب؛ لأنه لا يصلح أن يعمل ما بعد الفاء الجزائية فيما قبلها فلذلك تعيّن الرفع، فإن فرق فارق بين فاء الجزاء وبين هذه الفاء بأن قال: فاء الجزاء إنما امتنع عمل ما بعدها فيما قبلها إجراء لجملتها مجرى جملة أختيها التي هي الشرطية لم يفده ذلك لفوات معنى السببية في القصة؛ لأن معنى السببية هاهنا إنما يستقر إذا كان المنصوب مبتدأ أو في حكمه على قول، مخبرا عنه بالجملة التي تضمنت الفاء، وإذا نصب [2/ 275] هذا بفعل مقدر خرج عن ذلك فيفوت المعنى المقصود فلزم خروجه من هذا الباب عند هذا التقدير؛ إذ تقدير الفعل للنصب مخرج لمعنى السببية كما تقدم (¬5)، وقال سيبويه: التقدير: مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني؛ فهو جملة ابتدائية مستقلة مع قطع النظر عن الفعل الذي بعدها، ثم ذكر الفعل جملة مستقلة مبينا الحكم الموعود بذكره (¬6)، وإذا كان كذلك لم يجز أن يقدر: فَاجْلِدُوا مسلطا على الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي؛ لأنه مبتدأ مخبر عنه بغيره وهذا من جملة أخرى، ولا يستقيم عمل فعل من جملة في مبتدأ مخبر عنه بغيره من جملة أخرى، ومثاله: زيد مضروب فأكرمه، فلا يستقيم أن يكون «فأكرمه» مسلطا على «زيد» عاملا نصبا بوجه؛ لاختلال الكلام بذلك (¬7). - ¬

_ (¬1) ينظر: باب المبتدأ والخبر من هذا الكتاب. (¬2) سورة النور: 2. (¬3) في شرح الوافية لابن الحاجب (1/ 188): «أجمع القراء السبعة على الرفع في قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ولا يجمع القراء على خلاف المختار.» اه. وينظر: المحتسب (2/ 100)، والبحر المحيط (6/ 427). (¬4) في (ب): (قولك). (¬5) ينظر: شرح الكافية لابن الحاجب (1/ 262) تحقيق د. جمال مخيمر، وشرح الوافية (1/ 188)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 167). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 142 - 144). (¬7) ينظر: التصريح (1/ 298، 299).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن قول المصنف: (ولا جواب مجزوم) قد يوهم أنه إذا رفع هو جواب أيضا، لكنه يجوز فيه؛ لكونه مرفوعا ما لا يجوز في المجزوم، وليس كذلك؛ لأن المرفوع ليس جوابا عند سيبويه كما أفهمه كلام المصنف في الشرح، إنما هو دليل الجواب، والجواب محذوف، ولما كان دليل الجواب كان مقدر التقديم فجاز أن يعمل فيما قبله، فجاز أن يفسر عاملا (¬1). ثم من المعروف أن من النحاة من يجيز تقديم معمول فعل الشرط على أداته وكذا منهم من يجيز تقديم معمول الجواب أيضا كما هو مقرر في موضعه، وعلى مذهب من يجيز التقديم يتصور الاشتغال إذا كان العامل في ضمير الاسم السابق فعل شرط مفصول بينه وبين الاسم بأداة الشرط، وكذا إذا كان العامل جواب الشرط (¬2). ومنها: أنك قد عرفت أن من موانع نصب الاسم السابق بالفعل المشغول وقوعه بعد إذا المفاجئة نحو: خرجت فإذا زيد يضربه عمرو، وأنه قد تقدم نقل المصنف عن سيبويه أنه ألحقها «بأمّا» قياسا، فأجاز نصب الاسم الذي يليها بفعل مضمر يفسره المشغول (¬3) بعده والذي ذكره سيبويه هو أن قال: فإن قلت: لقيت زيدا وأما عمرو فقد مررت به، ولقيت زيدا وإذا عبد الله يضربه عمرو، فالرفع إلا في قول من قال: زيدا رأيته وزيدا مررت به؛ لأن «أمّا» و «إذا» انقطع بهما الكلام وهما من حروف الابتداء يصرفان الكلام إلى الابتداء، إلا أن يدخل عليهما ما ينصب ولا يحمل بواحد منهما آخر على أول كما يحمل بثمّ والفاء، ألا ترى أنهم قرأوا: وأما ثمود فهدينهم وقبله نصب؛ وذلك لأنها تصرف الكلام إلى الابتداء إلا أن يقع بعدها فعل نحو: أمّا زيدا فضربت (¬4). هذا كلام سيبويه. - ¬

_ (¬1) سبق شرحه. (¬2) ذكر السيوطي هذه المسألة وفصل القول فيها فقال: «وفي الشرط نحو: زيد إن زرته يكرمك والجواب نحو: زيد إن يقم أكرمه، وتالي لا النافية من المعلقات، أو تالي حرف تنفيس - خلاف مبني على تقدم معمولها، فمن أجازه فيها جوز الاشتغال والنصب في الاسم السابق، ومن منعه فيها منعه وأوجب الرفع، والأصح في الشرط والجواب المنع وفي «لا» التفصيل .. إلخ». اه. همع الهوامع (2/ 112) بتصرف يسير. (¬3) سبق شرحه. (¬4) الكتاب (1/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد استشكله الناس؛ لأن ظاهره يعطي ما ذكره المصنف من جواز النصب بعد إذا كما هو جائز بعد «أمّا»، قالوا: والنحويون وسيبويه [2/ 276] يقولون: إن إذا الفجائية لا يقع بعدها فعل ألبتة لا ظاهرا ولا مضمرا ولا معمول فعل أصلا، ثم منهم من خرج كلام سيبويه وأوله، ومنهم من حمله على ظاهره (¬1)، واختلف تخريج من خرجه، فابن خروف خرجه على أنه مما خلط فيه حكم واحد بآخر على حد قوله تعالى: نَسِيا حُوتَهُما (¬2)، ويَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (¬3)؛ وإنما الناسي أحدهما، والذي يخرج منه أحدهما (¬4)، ولا يخفي أنه تخريج بعيد، والشلوبين خرجه على أنه لما كانت «أمّا» و «إذا» الفجائية لابتداء الكلام وقطع ما تقدم، وأنهما لا يقع بعدهما إلا الاسم، وأنه لا يبقى معهما الحكم كما كان قبل ذكرهما هنا معا فقال: لأن «أمّا وإذا» انقطع بهما الكلام «أو يرجع قوله فالرفع إلى ما يليق وإلى ما يصح رجوعه إليه وذلك إلى «أمّا» (¬5) لا إلى «إذا» (¬6). والذين حملوا كلامه على ظاهره قالوا: حكى الأخفش عن العرب أن الفعل إذا كان مقرونا بقد جاز أن يلي إذا الفجائية؛ تقول: خرجت فإذا قد ضرب زيد عمرا، فإن لم يكن مقرونا بقد؛ فلا يجوز أن يليها الفعل (¬7)، وإنما أجري الفعل المقرون بقد مجرى الجملة الاسمية في أن ولي «إذا» الفجائية؛ لمعاملة العرب له معاملة الجملة الاسمية في دخول واو الحال عليه تقول: جاء زيد وقد ضحك، كما يقال: جاء زيد وهو يضحك، وهذا هو الذي جنح إليه ابن عصفور وذكره في شرح - ¬

_ (¬1) في شرح الألفية للمرادي (2/ 40): «أما إذا ففي اسم الاشتغال بعدها مذاهب: جواز نصبه وهو ظاهر كلام سيبويه، ووجوب رفعه؛ لأنها لا يليها فعل ولا معمول فعل وإنما يليها مبتدأ وخبر» اه. (¬2) سورة الكهف: 61. (¬3) سورة الرحمن: 22. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 12، 13)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 561). (¬5) ينظر: التوطئة للشلويين (ص 208) تحقيق يوسف أحمد، والتذييل (3/ 13). (¬6) في (أ) بياض بعد ذلك وقد أشير إلى هذا في هامش (ب) حيث قال الناسخ في النسخة المقابل عليها: هنا بياض قدر ثلاثة أسطر. (¬7) في شرح قواعد الإعراب للشيخ خالد الأزهري: «وقد تليها الجمل الفعلية إذا كانت مصحوبة بقد نحو: خرجت فإذا قد قام زيد، حكاه الأخفش عن العرب». اه. شرح قواعد الإعراب (ص 180) تحقيق أحمد عبد العزيز، وينظر: التصريح (1/ 302، 303)، ومع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 66) رسالة ماجستير بكلية اللغة العربية، وينظر أيضا: البحر المحيط (6/ 259).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المقرب (¬1)، ولا يخفى على الفطن أن حمل كلام سيبويه على ذلك فيه بعد كثير، والذي يظهر تخريج كلامه على الوجه الذي ذكره الشلوبين، فهو أقرب من غيره. ومنها: أن الشيخ استدرك على المصنف فقال: ونقص المصنف من الأشياء التي يرتفع فيها الاسم ولا يجوز نصبه مجيء الفعل المشغول غير مصحوب بقد لا لفظا ولا تقديرا، والاسم يلي واو الحال نحو: جاء زيد وعمرو يضربه بشر، فلا يجوز أن تقول: وعمرا يضربه بشر، لأنه يكون التقدير: ويضرب عمرا يضربه بشر، وواو الحال لا تباشر المضارع قال: ونقصه أيضا من المواضع التي يجب فيها رفع الاسم ما إذا فصل بين الاسم والفعل المشتغل بالضمير أو السببي بأجنبي نحو: زيد أنت تضربه وهند عمرو يضربها، قال: فسيبويه وهشام لا يجيزان النصب؛ للفصل بين العامل والمعمول بأجنبي فإن ذلك يمنع العمل، وما لا يعمل لا يفسر عاملا، قال: وذهب الكسائي إلى أنه يجوز النصب قياسا على اسم [2/ 277] الفاعل (¬2). انتهى. وأقول: أما المسألة الأولى: ففي منعها نظر؛ لأن الفعل الذي يقدر ناصبا للاسم السابق لا يلزم كونه مضارعا فيجوز كونه ماضيا، ولا ينافي ذلك تفسيره بمضارع؛ لأن الماضي المقدر مصروف إلى الحضور بقرينة وقوعه حالا فيستوي مدلوله ومدلول المضارع حينئذ، وإذا كان كذلك وجب نصب الاسم السابق، ولا يتعين رفعه على أن في عبارة الشيخ مناقشة وهي: أنه قال: إن المانع من النصب مجيء الفعل المشغول غير مصحوب بقد لا لفظا ولا تقديرا، وهذه العبارة يدخل تحتها ما إذا كان الفعل المشغول ماضيا نحو: جاء زيد وعمرو ضربه، فإنه لا مانع من نصب عمرو هنا؛ لأن التقدير: وضرب عمرا ضربه، وواو الحال تباشر الفعل الماضي قطعا. وأما المسألة الثانية: فمنع الاشتغال فيها مبني على أن خبر المبتدأ إذا كان فعلا وكان له معمول لا يتقدم ذلك المعمول على المبتدأ، أي: لا يعمل الخبر إذا كان فعلا في شيء مقدم على المبتدأ، ويلزم من عدم عمله جواز تفسيره بعامل كما عرفت، وهذه المسألة ذكرها ابن عصفور (¬3)، وذكره لها عجيب فإنه إنما يذكر في كتبه - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 89). (¬2) التذييل (3/ 14). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 363).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنفة مذهب البصريين، وإن ذكر شيئا من مذاهب الكوفيين نبه على ذلك بنسبته إليهم، أما إذا أطلق القول في مسألة فذلك الذي يذكره فيها هو مذهب البصريين، والمعروف في هذه المسألة من مذهب البصريين خلاف ما ذكره ابن عصفور (¬1). وقد قال المصنف في باب المبتدأ: وتقديم المفسر إن أمكن مصحح خلافا للكوفيين إلا هشاما، ووافق الكسائي في نحو: زيدا أجله محرز، لا في نحو: زيدا أجله أحرز. والعجب من الشيخ كيف قرر هذا في مكانه المذكور، ولم ينازع المصنف في كون هذا مذهب البصريين؟ ثم إنه هاهنا تبع ابن عصفور، والحق ما ذكره المصنف فعلى هذا لا يمتنع الاشتغال في مثل: زيد هند تضربه، وإذا كان كذلك فلا استدراك على المصنف، لا يقال: المسألة التي ذكرها الشيخ - وهي: زيد أنت تضربه، وهند عمرو يضربها - الاسم الفاصل فيها بين الاسم والفعل أجنبي، فلا يجوز نصب الاسم المتقدم بالعامل؛ لكون الفاصل أجنبيّا من المبتدأ (¬2)، وأما نحو: زيد أجله أحرز؛ فالفاصل فيه ليس بأجنبي، فإذا نصبنا زيدا بالفعل الذي هو «أحرز» جاز؛ لأنا نقول: لا فرق في هذه المسألة بين أن يكون الفاصل أجنبيّا أو غير أجنبي؛ لأمرين: أحدهما: أن مدار منع تقديم المعمول وجوازه على شيء وهو أن تقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل، والعامل هنا لا يتقدم؛ لأنه فعل مسند إلى ضمير من أخبر به عنه [2/ 278]، وإذا كان كذلك؛ فأي أثر لكون الفاصل يكون أجنبيّا أو غيره؟. الثاني: أن كلام ابن عصفور يقتضي أن لا فرق؛ وذلك أنه قال في شرح الجمل في باب «كان»: وأما قول الشاعر (¬3): 1296 - بما كان إيّاهم عطيّة عوّدا (¬4) - ¬

_ (¬1) تنظر هذه المسألة في: الهمع (2/ 112). (¬2) في الهمع (2/ 112): «والأصح منعه في مفصول من الفعل بأجنبي نحو: زيد أنت تضربه، وهند عمرو يضربها، فلا ينصب؛ إذ المفصول لا يعمل فلا يفسر، وجوزه الكسائي قياسا على اسم الفاعل أجازوا: زيدا أنت ضارب، وفرق المانعون بأن اسم الفاعل لا يعمل حتى يعتمد، فصار أنت ضارب بمنزلة ضربت فكأنه لم يفصل بين العامل والمعمول بشيء بخلاف الفعل» اه. (¬3) هو الفرزدق، قاله في هجاء جرير ورهطه. (¬4) عجز بيت من الطويل وصدره: قنافد هدّاجون حول بيوتهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فضرورة يحفظ ولا يقاس عليه؛ لأن أولى كان «إياهم» وهو مفعول عوّد، ثم قال: ما معناه: ولا يجوز أن يكون في كان ضمير الأمر والشأن؛ لأن ذلك يؤدي إلى ما لا يجوز، وذلك أن خبر المبتدأ لا يتقدم معموله على المبتدأ إذا كان فعلا (¬1)، فجعل علة منع التقديم ما ترى، وقال في شرح المقرب (¬2) في مسألة: كانت زيد الحمى تأخذه، بعد أن حكم عليها بالمنع؛ فإن جعلت الحمى مبتدأ، وتأخذ في موضع خبره، وزيدا منصوبا بتأخذ والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر كان، واسم كان ضمير قصة مستتر فيها فإن في ذلك خلافا بين النحويين، منهم من أجاز ذلك؛ لأنك إنما أوليت كان اسمها وهو ضمير القصة وهو قول الفارسي في الإيضاح (¬3)، ومنهم من منع لما يلزم فيه من الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي منها (¬4). وإلى ذلك ذهب أبو علي في التذكرة فقال: إن قولك: زيد أجله أحرز، وزيدا أبوه ضربت، حكى أحمد عن الكسائي أنه كان يجيزه مع الدائم وهشام يجيزه مع الماضي والمستقبل والدائم «ثم» قال: ووجه إجازة الكسائي ذلك مع اسم الفاعل وامتناعه من إجازته مع الماضي والمستقبل أنه إذا كان «زيدا أجله محرز» لم يفصل بين الفاعل والمفعول بالأجنبي الذي هو «أجله»، كما يفصل بين الماضي والمستقبل ألا ترى أن الأجل الذي هو مبتدأ لا ينزل منزلة الأجنبي، وأنه مع الخبر الذي هو اسم الفاعل بمنزلة الفعل والفاعل، وإنما كان كذلك؛ لأن اسم الفاعل لا ينصب من غير أن ينضم إلى المبتدأ، كما أن الفعل لا ينصب حتى ينضم إليه الفاعل، فلما - ¬

_ - والبيت في المقتضب (4/ 101)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 393)، والخزانة (4/ 57)، والمغني (2/ 610)، والعيني (2/ 34)، والهمع (1/ 118)، والدرر (1/ 87)، والأشموني (1/ 237)، وديوان الفرزدق (ص 214). وقد استشهد به ابن عصفور على إيلاء معمول الخبر لكان وذلك لضرورة الشعر. (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 393) طبعة العراق. (¬2) مفقود، بحثنا عنه كثيرا فلم نجده. (¬3) يقول الفارسي في الإيضاح (106): «فإن جعلت التأنيث في «كانت» للقصة ورفعت «الحمى» بالابتداء، وجعلت «تأخذ» خبر المبتدأ جازت المسألة؛ لأن زيدا حينئذ أجنبي وهو مفعول تقدم ولم تفصل به بين الفاعل وفعله» اه. ينظر: الإيضاح (ص 120) بتحقيق كاظم المرجان. (¬4) ممن ذهب إلى المنع في هذه المسألة أيضا ابن السراج حيث قال: «فأما الفعل الذي لا يجوز أن يفرق بينه وبين ما عمل فيه فنحو قولك: كانت زيدا الحمى تأخذ، هذا لا يجوز؛ لأنك فرقت بين كان واسمها بما هو غريب منها، ولأن زيدا ليس بخبر لها ولا اسم» اه. أصول النحو لابن السراج (2/ 246).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان كذلك صار المبتدأ مع اسم الفاعل كالفعل والفاعل، فكما لا يمتنع: زيدا ضرب غلامه؛ كذلك لا يمتنع: زيدا أجله محرز. ومما بين ذلك أن سيبويه (¬1) لا يرى النصب في قولك: أأنت زيد ضربته؛ للفصل، ولو قال: أأنت زيدا ضاربه غدا نصبه، ونزل الفاعل في المعنى مع اسم الفاعل منزلة يفعل، وكذلك يقول الكسائي: اسم الفاعل مع المبتدأ بمنزلة الفعل والفاعل فتقول: زيدا أجله محرز، كما تقول: زيد يحرز الأجل، وليس كذلك يحرز وأحرز؛ لأن كل واحد منهما مستقل (¬2) بفاعله؛ فيصير المبتدأ الفاصل بين الفعل والمفعول أجنبيّا عنهما. هذا كلامه في التذكرة وهو يعطي أن الراجح [2/ 279] عنده أن تقديم معمول الفعل الواقع في موضع الخبر على المبتدأ لا يجوز، وإذا كان ذلك عنده غير جائز فينبغي أن لا يجيز: كانت زيدا الحمى تأخذ؛ جعلت في كان ضميرا لقصة، أو لم تجعل؛ لأنك في الوجه الواحد وهو: أن تجعل «الحمى» مرفوعا بـ «كانت» يلزمك الفصل بينها وبين اسمها بأجنبي عنها، وفي الوجه الآخر وهو: أن تجعل في كان ضميرا لقصة يلزمك أن تقدم معمول الخبر - وهو فعل - على المبتدأ. انتهى كلام ابن عصفور. وقد ظهر لك منه أولا وآخرا وبحثا وتعليلا: أن محط المنع - أعني منع التقديم - إنما هو كون المعمول معمول فعل واقع خبر المبتدأ، لا ما تقتضيه عبارة الشيخ، وإذا كان كذلك؛ فقد تم البحث الذي بحثه وسلم من الخدش. ومنها: أن المصنف ذكر لوجوب النصب سببين وهما: 1 - أن يتلو الاسم ما يختص بالفعل نحو: إن زيدا ضربته عقل. 2 - أن يتلوه استفهام بغير الهمزة نحو: هل مرادك نلته؟ فشمل قوله: (ما يختص بالفعل) أدوات الشرط العاملة، وأدوات التّحضيض، و «لو» شرطية كانت أو امتناعية، و «إذا» الشرطية (¬3)، إلا أنه يجب التنبيه هنا على شيء وهو: أن أدوات الشرط يتعين أن يليها الفعل لفظا، ولا يليها الاسم - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 104). (¬2) في (ب): (يستقل). (¬3) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 38) وسبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متقدما على الفعل إلا في الضرورة نحو قوله (¬1): 1297 - فمتى واغل يزرهم يحيّو ... هـ وتعطف عليه كأس السّاقي (¬2) ونحو قول الآخر (¬3): 1298 - صعدة نابتة في حائر ... أينما الرّيح تميّلها تمل (¬4) ويستثنى من الأدوات المذكورة «إن» فإن الاسم يجوز أن يليها في الكلام؛ لأنها أم الباب يعني أنها الأصل في إفادة معنى الشرط، لكن يشترط أن يكون الفعل الواقع بعد الاسم الذي يليها ماضيا نحو: إن زيدا أكرمته أكرمك (¬5)، كما يقرر ذلك في باب جوازم الأفعال، وعلى هذا: فالاشتغال يتصور في الاسم الواقع بعد أدوات الشرط؛ إمّا في الكلام كأن يشترط كون الفعل الواقع بعد الاسم ماضيا كما تقدم، وإما في الشعر كما في الأدوات. وأما السبب الثاني؛ وهو أن يتلو الاسم استفهاما بغير الهمزة نحو: هل مرادك نلته؟ فقد يقال: المعروف أن أدوات الاستفهام غير الهمزة إذا وقع بعدها الاسم والفعل تقدم الفعل على الاسم؛ ولهذا إن ابن عصفور لما ذكر هذا الحكم قال: - ¬

_ (¬1) هو عدي بن زيد العبادي من شعراء الحيرة، وهو شاعر مقل. (¬2) البيت من الخفيف وهو في: الكتاب (3/ 113)، ونوادر أبي زيد (ص 188)، والمقتضب (2/ 76)، وأمالي الشجري (1/ 332)، والإنصاف (1/ 325)، والارتشارف (519)، والتذييل (3/ 16)، وأصول النحو لابن السراج (2/ 242)، والخزانة (1/ 456)، (3/ 639)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 177) طبعة العراق، والهمع (2/ 59)، وديوانه (156). اللغة: الواغل: الداخل في الشرب من غير دعوة. ينبهم: ينزل بهم. والشاهد قوله: «فمتى واغل»؛ حيث ولي الاسم أداة الشرط، وهذا لضرورة الشعر؛ وذلك لأن أدوات الشرط لا يليها إلا الفعل. (¬3) هو كعب بن جميل كما في الكتاب، وقيل: الحسام بن ضرار الكلبي. (¬4) البيت من الرمل وهو في: الكتاب (3/ 113)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 297)، والمقتضب (2/ 75)، والإنصاف (1/ 325)، وأمالي الشجري (1/ 332)، (2/ 347)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 370)، والخزانة (1/ 457)، وابن يعيش (9/ 10)، والعيني (4/ 424، 571)، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص 144)، وأصول ابن السراج (2/ 242)، والهمع (2/ 59)، واللسان (حير). والشاهد فيه كالذي قبله. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 377) والتصريح (1/ 298).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا تكون المسألة من باب الاشتغال (¬1)، وعلى هذا يقال: كيف ذكر المصنف من باب الاشتغال ما لا يكون فيه اشتغال؟. والجواب: أنهم نصوا على أنه يجوز تقديم الاسم على الفعل في الشعر، وإذا كان التقديم جائزا في موضع جاء الاشتغال حيث جاز التقديم؛ فالاشتغال متصور مع أدوات الاستفهام في الجملة، وهذا كما قلناه في أدوات الشرط، غير أن الاشتغال [2/ 280] يتصور معها، وقد رأيت في كلام الشيخ ما يقتضي جواز الاشتغال مع أدوات الاستفهام مطلقا، وذلك أنه قال بعد ذكر «هل مرادك نلته؟» فالنصب هنا واجب؛ وذلك أن «هل» إذا جاء بعدها اسم وفعل وليها الفعل دون الاسم، ولا يجوز أن يليها الاسم لو قلت: هل زيدا ضربت؟ لم يجز إلا في الشعر، فإذا جاء في الكلام: هل زيدا ضربته؟ كان ذلك على الاشتغال، والتقدير: هل ضربت زيدا ضربته؟ فتكون «هل» وليت الفعل، هذا مذهب سيبويه، وخالفه الكسائي وذهب إلى أنه يجوز أن يليها الاسم وإن جاء معه الفعل، وأجاز أن يرتفع بالابتداء فنقول: هل زيد ضربته؟ فعلى رأيه يجوز رفع زيد ونصبه على الاشتغال (¬2). انتهى. وهو مخالف لما قاله ابن عصفور، والناظر يحتاج إلى أن يحقق المسألة على أن كلام ابن عصفور موافق لكلام الناس في المسألة (¬3). ثم قال الشيخ: ويشمل قول المصنف: (بغير الهمزة) أدوات الاستفهام نحو: هل، ومتى، وغيرهما، تقول: من أمة الله تضربها؟ فإن وليت اسم الاستفهام الأفعال نحو: من رأيته؟ فيحتمل أن يقدر بوجهين: أحدهما: تقدير الهمزة والاسم بعدها كأنك قلت: أزيدا رأيته، فيكون في موضع نصب، ويحتمل أن يقدر تقديم الاسم المقتدم على الاستفهام، كأنك قلت: زيدا رأيته؛ فلا يكون إلا الرفع ويظهر ذلك في «أي» إذا قلت: أيهم ضربته؟ نصبا ورفعا، قال: وكذلك أسماء الشرط. وإذا اجتمع بعد اسم الاستفهام الاسم والفعل؛ قدم الفعل، كهو مع هل، وقال سيبويه: إن قلت: أيهم زيدا ضرب؟ قبح .. انتهى كلام الشيخ (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 91). (¬2) التذييل (3/ 16، 17). (¬3) تنظر هذه المسألة في: التصريح (1/ 297). (¬4) التذييل (3/ 17)، وينظر: الكتاب (1/ 99).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنه قد عرف من قول المصنف: بعامل لا يظهر، أن عامل النصب في الاسم المشتغل عنه شيء مقدر، وهذا مذهب البصريين وعليه التعويل وهو الحق. وللكوفيين في العامل مذهبان آخران: أحدهما: قول الكسائي وهو: أن الناصب للاسم العامل الذي بعده على إلغاء العائد (¬1). والآخر: قول الفراء وهو: أن العامل عامل في الاسم وفي الضمير معا (¬2). والمذهبان لا معول عليهما، ويبطل مذهب الكسائي أن العامل قد يكون متعلقه السببي فلا يمكن أن يلغى؛ لأنه في الحقيقة هو مطلوب العامل نحو: زيدا ضربت غلام رجل يحبه، ويبطل مذهب الفراء أن الفعل المتعدي إلى واحد، يصير متعديا في باب الاشتغال إلى اثنين، والمتعدّي إلى اثنين يصير متعديا فيه إلى ثلاثة وهذا خرم للقواعد. ويبطل المذهبين معا أن العامل قد يكون متعديا بحرف الجر فكيف يجوز أن يتعدى إلى الاسم السابق (¬3) [2/ 281] بنفسه، وقد ردّ الفراء على البصريين بوجوه ثلاثة لكنها ضعيفة، والجواب عنها أسهل، وإنما تركت إيراد ذلك؛ خشية الإطالة (¬4). ومنها: أن الشيخ تعرض إلى ذكر المثال الذي مثّل به المصنف لما العامل فيه شبه الفعل - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الدرة الألفية لابن القواس (ص 624)، والبهجة المرضية (ص 52)، والهمع (2/ 14)، والتصريح (1/ 297). (¬2) صرح الفراء بقوله هذا في معاني القرآن له (1/ 240، 241) في تفسير قوله تعالى: يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ في سورة آل عمران، حيث قال: «ترفع الطائفة بقوله: أَهَمَّتْهُمْ بما يرجع من ذكرها، وإن شئت رفعتها بقوله: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ولو كانت نصبا لكان صوابا» اه. وينظر: (ص 295) في تفسير قوله تعالى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ من سورة النساء، وينظر: الارتشاف لأبي حيان (ص 988). (¬3) ينظر في رد هذين المذهبين وإبطالهما: شرح ابن عقيل وحاشية الخضري عليه (1/ 173، 174)، والهمع (2/ 114). (¬4) في حاشية الشيخ يس على التصريح (1/ 297): «وللفراء وشيخه الكسائي أن يجيبا عما أورد عليهما بالتزامهما أن هناك عاملا محذوفا موافقة لغيرها والمخالفة في ذلك» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو: أزيدا أنت ضاربه؟ وأنّ التقدير: أضارب زيدا أنت ضاربه؟ فقال: لم يبين المصنف إعراب هذا الكلام، وفي البسيط: إذا قلت: زيدا أنت ضاربه، وأدخلت الحروف التي يعتمد عليها اسم الفاعل؛ جاز في الاسم النصب بإضمار فعل، وجاز أن يكون بتقدير اسم فاعل لصحة اعتماده، قيل: ويجب أن يكون «أنت» مرتفعا (به) (¬1)؛ لأنه إما يكون اسم الفاعل مبتدأ به أو خبرا متقدما، وهو في كل حال مفتقر إليه، ويرتفع ضارب الثاني بتقدير ابتداء آخر (¬2). ومنها: أنك قد عرفت أن الاسم السابق قد يرتفع مع أن ضميره منصوب، وذلك بأن يضمر فعل مطاوع للفعل الظاهر وعليه قول لبيد: 1299 - فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب (¬3) وقول الآخر: 1300 - أتجزع إن نفس أتاها حمامها (¬4) وكذا: 1301 - لا تجزعي إن منفس أهلكته (¬5) في رواية من رفع منفسا، وقد تقدم تقرير ذلك في كلام المصنف (¬6)، ولكن المغاربة لم يجنحوا إلى ما جنح إليه المصنف من إضمار المطاوع ولهم في بيت لبيد تخريجات: قيل: إن «أنت» مرفوع على الابتداء، قال الشيخ: وهذا وجه ذكره سيبويه إذا كان الخبر فعلا نحو: إن الله أمكنني من فلان (¬7)، وذكره ابن جني عن الأخفش (¬8)، وقيل: إن هذا مما وضع فيه ضمير الرفع موضع ضمير النصب كما وضع ضمير المنصوب موضع المرفوع في قولهم: لم يضربني إلّا إيّاه، وفي المحكي - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 19). (¬2) سبق شرحه. (¬3) تقدم ذكره. (¬4) تقدم ذكره. (¬5) تقدم ذكره. (¬6) سبق شرحه. (¬7) ينظر: الكتاب (1/ 100). (¬8) ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 217).

[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه]

[مواضع ترجيح النصب في المشغول عنه] قال ابن مالك: (ويرجّح نصبه على رفعه بالابتداء إن أجيب به استفهام بمفعول ما يليه، أو بمضاف إليه مفعول ما يليه، أو وليه فعل أمر أو نهي أو دعاء، أو ولي هو همزة استفهام، أو حرف نفي لا يختصّ أو «حيث» [2/ 282] أو عاطفا على جملة فعليّة تحقيقا أو تشبيها، أو كان الرّفع يوهم وصفا مخلّا). ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلام العرب: «فإذا هو إياها» (¬1)، وفي الحديث: «من خرج إلى الصّلاة لا تنهزه إلّا إيّاها» (¬2)، وهذان التخريجان للسهيلي (¬3). وقيل: إنه مرفوع بإضمار فعل يفسره المعنى ولا يكون من باب الاشتغال، التقدير: فإن ضللت لم ينفعك علمك، فأضمر «ضللت» لفهم المعنى، وبرز الضمير لما استتر الفعل، وهذا التخريج هو الذي ذكره ابن عصفور (¬4)، واعلم أن الذي ذكره المصنف أسهل من هذا الذي ذكروه فالقول به أولى؛ إذ لا مانع منه، ثم إنه يتمشى مع الأبيات الثلاثة التي ذكرها ولا يحتاج فيها إلى تكلف. قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على تبيين موانع نصب الاسم وتبيين موجبات نصبه؛ شرع في تبيين مرجحات نصبه على رفعه بالابتداء، والأسباب المرجحة التي ذكرها سبعة (¬5): - ¬

_ (¬1) هذه هي المسألة الزنبورية وهذا هو الوجه الذي أنكره سيبويه في هذه المسألة لما سأله الكسائي عنها في المناظرة التي جرت بينهما وسوف يتحدث عنها الشارح في الأبواب القادمة بالتفصيل. انظر هذه المسألة في: المغني (1/ 88)، وأمالي الزجاجي (ص 239، 240). (¬2) حديث شريف أخرجه الترمذي في باب ما ذكر في فضل المشي إلى الصلاة (2/ 499)، وتتمة الحديث: «إذا توضّأ الرّجل فأحسن الوضوء ثمّ خرج إلى الصّلاة لا يخرجه - أو قال: لا ينهزه - إلّا إيّاها لم يخط خطوة إلّا رفعه الله بها درجة أو حطّ عنه بها خطيئة». (¬3) ينظر: أمالي السهيلي (ص 43) فقد ذكر بيت لبيد وأشار فيه إلى الوجه الثاني فقط؛ حيث قال: «فأوقعها موقع المنصوب»، كما ذكر الحديث ثم قال: «فأوقع «إياها» موقع المرفوع» اه. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 373، 374)، والتذييل (3/ 20)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 547، 548). (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأوّل: أن يجاب به استفهام بمفعول ما يليه، أو بمضاف إليه مفعول ما يليه؛ فالأول كقولك: زيدا ضربته؛ في جواب من قال: أيّهم ضربت؟، أو: من ضربت؟، والثاني: كقولك: ثوب زيد لبسته؛ في جواب من قال: ثوب أيّهم لبست؟ (¬1)، فلو كان الاسم المستفهم غير مفعول نحو: أيّهم ضربته؟ فالجواب: زيد ضربته؛ بالرفع عند سبيويه، ولا يجيز النصب إلا على حد: زيدا ضربته؛ غير جواب (¬2)، ونقل الشيخ: أن الأخفش يجوز النصب على حد ما يجوز في العطف في الجملة ذات الوجهين (¬3). واعلم أنهم أجروا ما ليس جوابا لاسم استفهام مجرى ما هو جواب له، فإذا قيل: هل رأيت زيدا؟ قيل: لا، ولكن عبد الله لقيته؛ قالوا: فهذا في حكم الجواب، وإن لم يكن هو المسئول عنه؛ لكنه لما كان جوابا في الجملة جرى مجرى الأول، وكذا لو عطفت فقلت: لا، بل عمرو لقيته، أو نعم، عمرا لقيته (¬4). ولم يظهر لي تقييد قوله: استفهام بمفعول، بقوله: ما يليه، ولا عرفت ما فائدته، ولا عن أي شيء احترز به، ويظهر أنه لو اقتصر على قوله: استفهام بمفعول كان كافيا، فإن ذلك يخرج الاستفهام بغير مفعول، كالاستفهام بمبتدأ كما تقدم. الثاني: أن يلي الاسم السابق فعل ذو طلب، وهو فعل: أمر، أو نهي، أو دعاء؛ كقولك: زيدا ذره، وعمرا لا تقربه، وذنوبنا اللهمّ اغفرها، وكذا إذا كان الأمر لغير مخاطب نحو: زيدا ليضربه عمرو، فإن لام الأمر ليست من حروف الصدر، فجائز لما بعدها أن يفسر عاملا فيما قبلها، ولو كان الأمر بصيغة الخبر كان الحكم كذلك نحو: الأولاد يرضعهن الوالدات، وكذا: زيدا رحمه الله، وزيدا يعذبه الله (¬5). وأما قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا (¬6)، وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا (¬7)؛ - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 43). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 93). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 22) وقد رد ابن عصفور ما جوزه الأخفش في هذه المسألة فقال: «وهذا الذي ذهب إليه أبو الحسن ليس بشيء؛ لأن القياس يرد عليه؛ لأن الاستفهام لا يتقدمه أداة تشبه الجزاء كما كان كذلك في: أزيدا ضربته؟» اه. شرح الجمل (1/ 369). (¬4) ينظر: التصريح (1/ 303) ففيه تفصيل لهذه المسألة. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 364)، والتوطئة (ص 183، 184)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 92) وأوضح المسالك (1/ 150)، وابن يعيش (2/ 37). (¬6) سورة النور: 2. (¬7) سورة المائدة: 38.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد عرفت مذهب سيبويه والمبرد في الآيتين الشريفتين ما هو (¬1)، وابن السيد حكم بأن نحو ذلك من باب الاشتغال، وأجاب عن عدم النصب بأن المبتدأ في الآيتين الشريفتين المراد به العموم، وحاصل كلامه أنه يفرق في الاسم الواقع بعده فعل ذو طلب بين أن يكون مقصودا به الخصوص، فيختار فيه النصب أو مقصودا به العموم فيختار فيه الرفع، وعلل ذلك بأن الذي يراد به العموم يشبه الشرط في العموم [2/ 283] والإبهام (¬2). وليعلم أن الاسم الذي في معنى فعل الأمر (¬3) حكمه حكم الفعل نحو: زيدا ضربا إيّاه (¬4)، وهذا الحكم يستفاد من قول المصنف في ابتداء الباب: (إذا انتصب ضمير اسم بجائز العمل فيما قبله) فمن هنا يعلم أنه لا فرق بين الفعل والاسم إذا وجد الوصف الذي ذكره. الثالث: أن يلي الاسم السابق همزة استفهام نحو: أزيدا ضربته؟، وخصصت الهمزة بذكرها مع مرجحات النصب؛ لأن غيرها من أدوات الاستفهام من موجبات النصب كما عرفت، واستفيد من قول المصنف: (أو ولي هو همزة استفهام) أنه إذا لم يل الهمزة بأن يكون بينهما فاصل فلا يختار الرفع؛ لأن الهمزة مع الفاصل لا أثر لها إلا أن يكون الفاصل ظرفا نحو: أكلّ يوم عمرا تكرمه؟؛ لأن الظرف لا يعد فاصلا بالحقيقة، وسواء أكان الاستفهام عن الفعل أم عن الاسم نحو: أزيدا ضربته؟ ونحو: زيدا ضربته أم عمرا (¬5)، وقال ابن الطراوة: إن كان الاستفهام عن الفعل؛ اختير الرفع (¬6)، وقد - ¬

_ (¬1) سبق شرحه. (¬2) ينظر: إصلاح الخلل الواقع في الجمل لابن السيد (ص 131) تحقيق د/ حمزة النشرتي، وعبارة ابن السيد فيه هي: «قسم يختار فيه الرفع وهو كل أمر يراد به العموم كقوله تعالى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما، وقوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما؛ فهذا القسم يختار فيه الرفع؛ لشبهه بالشرط لما دخله من العموم والإبهام». اه. وينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 93، 94) تحقيق د/ مصطفى إمام. (¬3) المقصود به المصدر الموضوع موضع الأمر، ومثال الشارح هنا يوضح ذلك. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 364)، والمقرب (1/ 88). (¬5) ينظر: التصريح (1/ 300)، وشرح ابن عقيل (1/ 176)، والأشموني (2/ 78). (¬6) ينظر رأي ابن الطراوة في: شرح الصفار للكتاب ق (108 / أ)، والتذييل (3/ 26)، والتصريح (1/ 300)، والأشموني (2/ 78).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استشهد بقول الشاعر (¬1): 1302 - أثعلبة الفوارس أم رياحا ... عدلت بهم طهيّة والخشابا (¬2) وزعم ابن الطراوة أن سيبويه أخطأ (¬3)، قلت: وهذه مكابرة منه لسيبويه. ومن كلام العرب: أزيدا ضربت أم عمرا؟ بالنصب وهو سؤال عن الاسم وفي شرح الشيخ: وينبغي أن يقدر الفعل متأخرا عن الاسم، فيقدر في نحو: أزيدا ضربته أم عمرا؟ أزيدا ضربت ضربته أم عمرا؟ (¬4). الرابع: أن يلي الاسم السابق حرف نفي لا يختص نحو: ما عمرا أهنته، ونحو: لا زيدا قتلته ولا عمرا (¬5). قال المصنف: وقيل: حرف نفي؛ احترازا من النفي بليس؛ فإنها فعل، وإذا وليها الاسم السابق كان اسمها فيتعين رفعه نحو: ليس زيد أبغضه، وقيد حرف النفي بكونه لا يختص؛ احترازا من «لن» و «لم» و «لمّا» الجازمة؛ لأن الاسم لا يلي واحدا منها إلا في ضرورة، وحكمه حينئذ أن يضمر له على سبيل الوجوب فعل يفسره المشغول كما قال الشاعر: 1303 - ظننت فقيرا ذا غنى ثمّ نلته ... فلم ذا رجاء ألقه غير واهب (¬6) - ¬

_ (¬1) هو جرير والبيت من قصيدة له يهجو فيها الفرزدق وأولها: أقلّي اللوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا (¬2) البيت من الوافر وهو في: الكتاب (1/ 102)، (3/ 183)، وأمالي الشجري (1/ 331)، (2/ 317)، والتذييل (3/ 26)، والغرة المخفية (ص 398)، والبحر المحيط (1/ 438)، (8/ 140)، والعيني (2/ 533)، والتصريح (1/ 300)، والأشموني (2/ 78)، وديوانه (ص 66)، واللسان (خشب). والشاهد قوله: «أثعلبة»؛ حيث نصب الاسم الواقع بعد همزة الاستفهام وهو «ثعلبة» مع أن الاستفهام عن الاسم. (¬3) خطّأ الصفار ابن الطراوة في رأيه هذا فقال: «وأما ابن الطراوة فتصفح الأماكن التي يكون فيها الاستفهام عن الفعل، فاختار إضمار الفعل، فإذا قلت: أزيد قام؟ فالسؤال هنا عن الفعل وهو القيام لا عن القائم، وإذا قلت: أزيد قام أم عمرو؟ فالسؤال هنا عن الاسم؛ فلا يرتفع على الفعل، بل على الابتداء، وهذا الذي قال باطل، فإن سيبويه رحمه الله زعم أن قول جرير: «أثعلبة الفوارس» على الفعل وهو الكلام الصحيح، فهذا الذي قاله ليس بشيء». اه. شرح الصفار للكتاب (ق 108 ب. خ). (¬4) التذييل (3/ 27). (¬5) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 42)، وشرح المكودي (ص 82). (¬6) البيت من الطويل لم أهتد إليه ولم أر أحدا نسبه إلى شاعر، وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 142)، والتذييل (3/ 27)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 552)، وتعليق الفرائد للدماميني (1385)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: فلم ألقه ذا رجاء ألقه غير واهب (¬1). انتهى. قال الشيخ: ما ذكره المصنف من أنه إذا ولي المشتغل عنه حرف نفي لا يختص يختار فيه النصب، كحاله إذا ولي همزة الاستفهام مخالف لظاهر كلام سيبويه، فإن سيبويه لما ذكر النصب فيه قال بعد ذلك: وإن شئت رفعت، والرفع فيه أقوى؛ إذ كان يكون في ألف الاستفهام؛ لأنهن نفي واجب، يبتدأ بعدهن، ويبنى على المبتدأ [2/ 284] بعدهن، ولم يبلغن أن يكن مثل ما شبهن به (¬2). وأطال الكلام في المسألة ثم قال: فصار في المسألة ثلاثة مذاهب: استواء الرفع والنصب، وأرجحية الرفع، وأرجحية النصب (¬3). والحاصل: أنه ذكر عن النحاة نقولا مضطربة، والذي يظهر أن النصب أقوى من الرفع (¬4)، قال ابن عصفور: وهو مذهب الجمهور (¬5)، قلت: ولا يلزم من قول سيبويه: والرفع فيه أقوى؛ أنه أقوى من النصب، بل يمكن أن يريد أن الرفع فيه أقوى منه في الاستفهام مع كون النصب راجحا عليه. الخامس: أن يلي الاسم السابق «حيث» كقولك: حيث زيدا تلقاه يكرمك، وعلّل ذلك بأن «حيث» في معنى حروف المجازاة؛ فكان النصب أرجح (¬6). السادس: أن يلي الاسم السابق حرف عطف قبله جملة فعلية، متعديا كان فعلها أو غير متعد؛ فالمتعدي نحو: لقيت زيدا وعمرا كلمته، وغير المتعدي نحو: جاء سعد وسعيدا زرته، فنصب «عمرو» و «سعيد» راجح على رفعهما؛ لأنك في نصبهما عاطف جملة فعلية على جملة فعلية، وأنت في رفعهما عاطف جملة ابتدائية على جملة فعلية، والمشاركة في عطف الجمل راجحة (¬7)؛ قال الله تعالى: - ¬

_ - ومغني اللبيب (1/ 278)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 679). والشاهد قوله: «فلم ذا رجاء ألقه»؛ حيث ولي الاسم «لم» الجازمة للضرورة، ويرى ابن مالك أنه يجب حينئذ أن يضمر فعل يفسره المشغول كما بين في البيت. (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 142) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ المختون. (¬2) الكتاب (1/ 146). (¬3) التذييل (3/ 27، 28). (¬4) رأي ناظر الجيش هنا موافق لما قاله الشلوبين في التوطئة (ص 183، 184)؛ فهو يرى أن النصب في هذه المسألة أولى. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 368)، والمقرب (1/ 88) بالمعنى. (¬6) ينظر: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 176)، والبهجة المرضية (ص 53). (¬7) ينظر: شرح الرضي على الكافية (1/ 172).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (36) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ (¬1)، وقال تعالى: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (¬2) التقدير: وأغرقنا قوم نوح وأضل فريقا، ومنه قول الربيع (¬3): 1304 - أصبحت لا أملك السّلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرّياح والمطرا (¬4) وقول الآخر وهو امرؤ القيس: 1305 - وأضحى يسحّ الماء من كلّ فيقة ... يكبّ على الأذقان دوح الكنهبل وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ... ولا أطما إلّا مشيدا بجندل (¬5) فـ «تيماء» كالذئب في قول الربيع غير أن المقدر في لفظ الربيع لفظ المفسر، والمقدر في قول امرئ القيس من معناه أي: «خرب تيماء؛ لأنه إذا لم يترك بها جذع نخلة ولا أطما فقد خربها وهدمها. قال المصنف: وليس الغرض في ترجيح نصب ما بعد العاطف إلا تعادل اللفظ ظاهرا، ولولا ذلك لم يرجح بعد «حتى»؛ لأنها لا يعطف بها جملة بل مفرد على كل، فإذا قلت: ضربت القوم حتى زيدا ضربت أخاه؛ فـ «حتى» حرف ابتداء، ولكن لما وليها في اللفظ بعض ما قبلها أشبهت العاطف فأعطي تاليها ما يعطى تالي - ¬

_ (¬1) سورة الفرقان: 36، 37. (¬2) سورة الأعراف: 30. (¬3) هو الربيع بن ضبع الفزاري، من المعمرين؛ فقيل: إنه نيّف على مائتي عام. ينظر: جمهرة أنساب العرب (ص 255). (¬4) البيتان من المنسرح وهما في: الكتاب (1/ 89، 90)، ونوادر أبي زيد (ص 446)، وجمل الزجاجي (ص 52)، والحلل في شرح أبيات الجمل لابن السيد (ص 37، 42)، وابن يعيش (7/ 105) البيت الأول فقط، والتصريح (2/ 36)، والعيني (3/ 397)، والهمع (2/ 50)، والدرر (2/ 60) البيت الثاني فقط. والشاهد قوله: «والذئب أخشاه»؛ حيث نصب «الذئب» بفعل مقدر يماثل الفعل المفسر، والتقدير: أخشى الذئب. (¬5) البيتان من الطويل وهما في: التذييل (3/ 29)، والبيت الأول في المنصف (3/ 20)، وديوان امرئ القيس (ص 24، 25). اللغة: الفيقة: ما بين الحلبتين. الكنهبل: ما عظم من شجر العضاة. الدوحة: الكثير الورق والأغصان. تيماء: موضع. أطم: البيت المسطح. والشاهد في قوله: «وتيماء» كالذي قبله. غير أن الفعل المقدر هنا من معنى الفعل المفسر وليس من لفظه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «الواو» فإن قلت: ضربتهم حتى زيدا ضربته، فالأجود أن ينتصب «زيدا» بمقتضى العطف، ويجعل «ضربته» توكيدا (¬1)، فلو قلت: ضربت زيدا حتى عمرو ضربته؛ تعين رفع [2/ 285] «عمرو»، لزوال شبه حتى الابتدائية بالعاطفة؛ إذ لا تقع العاطفة إلا بين كل وبعض .. (¬2). انتهى. وهذا الذي قرره في مسألة «حتى» هو المراد بقوله: «أو تشبيها» بعد قوله: «أو عاطفا على جملة فعلية تحقيقا» وقد ذكر سيبويه «حتى ولكن وبل» فقال: ومما يختار فيه النصب قوله: ما لقيت زيدا ولكن عمرا مررت به، وما رأيت زيدا بل خالدا لقيت أباه؛ تجريه على قولك: لقيت زيدا وعمرا لم ألقه (¬3). وقال أيضا: ومما يختار فيه النصب لنصب الأول ويكون الحرف الذي بين الأول والآخر بمنزلة الواو، والفاء، وثم، قولك: قد لقيت القوم كلهم حتى عبد الله لقيته، وضربت القوم حتى زيدا ضربت أباه، وأتيت القوم أجمعين حتى زيدا مررت به، ومررت بالقوم حتى زيدا مررت به. وإنما اختير النصب؛ لأنها حروف تشبه العاطفة من حيث إنها لا تكون إلا بعد كلام ولا تبتدأ أصلا، ولأنها أيضا يعطف بها في المفردات، فاختيرت المشاكلة لذلك، كما اختير في حروف العطف (¬4). انتهى. ومن ثم قال الشيخ: كأن المصنف قصد بذكر «حتى» التمثيل لا الحصر - يعني في «حتى» - لكنه نازع المصنف في قوله: فالأجود أن ينتصب «زيدا» بمقتضى العطف، ويجعل «ضربته» توكيدا، يعني في قولك: ضربت القوم حتى زيدا ضربته، قال: لأن التأسيس أولى من التأكيد (¬5)، وما قاله في هذا المثال غير ظاهر، فإن التأسيس إنما يكون أولى إذا دار الحال بين الأمرين وهاهنا ليس كذلك، فإنك إذا نصبت زيدا بمقتضى العطف على القوم حصل التأسيس، ثم إذا أكد قوي أمره، ولا شك أن الجمع بين تأسيس وتأكيد أولى من تأسيس دون توكيد، ونازعه أيضا في قوله: فلو قلت: ضربت زيدا حتى عمرو ضربته، تعين رفع «عمرو»؛ لزوال شبه - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 171). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 142). (¬3) الكتاب (1/ 90). (¬4) الكتاب (1/ 96). (¬5) التذييل (3/ 31).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حتى الابتدائية بالعاطفة؛ إذ لا تقع العاطفة إلا بين كل وبعض؛ فقال: لم يتعرض سيبويه ولا غيره لهذا الشرط الذي شرطه المصنف في «حتى» هذه من أنه لا يحمل الاسم بعدها على إضمار فعل على سبيل الاشتغال «حتى» يكون فيها شرط حتى العاطفة من أن ما بعدها يكون خبرا مما قبلها (¬1). انتهى. ولا شك أن الذي قاله المصنف هو الذي تقتضيه القواعد، وتمثيل سيبويه يدل على ذلك؛ فإنه لم يمثل في مسألة الاشتغال فيما بعد «حتى» إلا بما المذكور بعدها فيه جزء ممّا قبلها كما رأيت. السابع: أن يكون نصب الاسم السابق مخلصا من إيهام غير الصواب، والرفع بخلاف ذلك (¬2)، كقوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (¬3) فإن نصب كل شيء يرفع توهم كون (خلقنه) صفة لـ (شئ)؛ إذ لو كان صفة له لم يفسر ناصبا لما لقبله [2/ 286] وإذا لم يكن صفة كان خبرا، فلزم عموم خلق الأشياء بقدر خيرا كان أو شرّا وهو قول أهل السنة، ولو قرئ بالرفع احتمل أن يكون (خلقنه) صفة مخصصة وأن يكون خبرا، فكان النصب لرفعه احتمال غير الصواب راجحا (¬4)، قال الشيخ: ما ذكره المصنف من ترجيح النصب بالسبب الذي ذكره هو قول أكثر النحويين، وأما سيبويه فإنه ذكر أن الرفع أقوى في نحو: إني زيد لقيته وأنا عمرو ضربته، وليئنني عبد الله مررت به، ثم قال بعد: وأما قول الله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ فإنما جاء على قولك: زيدا ضربته، وهو عربي كثير، وقد قرأ بعضهم: وأما ثمود فهدينهم (¬5) إلا أن القراءة لا تخالف؛ لأنها السنة (¬6). قال: فليس في كلام سيبويه إشارة إلى ترجيح النصب، وإنما خرج ذلك على «زيدا ضربته» قال: وظاهر كلام سيبويه والمصنف أن الآية الشريفة لم تقرأ إلا بالنصب وليس كذلك؛ بل قرئ بالرفع على الابتداء (¬7)، وقول سيبويه في نصب «زيدا ضربته»: وهو - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 32). (¬2) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 172). (¬3) سورة القمر: 49. (¬4) ينظر: التصريح (1/ 302)، والهمع (2/ 113)، وانظر نصه في: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 142). (¬5) سورة فصلت: 17. (¬6) الكتاب (1/ 148). (¬7) يرى ابن جني في المحتسب (2/ 300) ما يراه أبو حيان في هذه الآية؛ حيث قال: قال أبو الفتح: الرفع -

[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه]

[جواز الرفع والنصب على السواء في المشغول عنه] قال ابن مالك: (وإذا (¬1) ولي العاطف جملة ذات وجهين أي اسميّة الصّدر فعليّة العجز، استوى الرّفع والنصب مطلقا خلافا للأخفش ومن وافقه في ترجيح الرّفع إن لم يصلح جعل ما بعد العاطف خبرا، ولا أثر للعاطف إن وليه «أمّا»). - عربي كثير (¬2)، يردّ قول من قال: إن النصب ضعيف (¬3)، وقال ابن الحاجب (¬4): [وعند خوف لبس المفسر بالصفة مثل: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (¬5)، وهي أيضا قرينة من قرائن النصب المختار، ووجهه أنه لو رفع لكان المعنى المقصود غير متعين بنفس الإخبار، ألا ترى أنه يجوز إذا رفعت أن يكون (خلقنه) خبرا فيفيد المعنى المقصود وصفه، فيفيد غير المقصود لأن التقدير معه: كل مخلوق لنا بقدر، وهو معنى غير المقصود، فكان النصب أولى لما فيه من البيان للنصوصية على المعنى المقصود؛ لأنك إذا نصبت، نصبت بفعل يفسره (خلقنه) فيكون التقدير: خلقنا كل شيء خلقناه بقدر؛ فيفيد العموم في المخلوقات وهو المعنى المقصود] (¬6). اه. قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام على أقسام ثلاثة شرع في القسم الرابع، وهو ما استوى فيه الأمران، أعني: الرفع والنصب. قال المصنف (¬7): تسمى الجملة ذات وجهين إذا ابتدئت بمبتدأ، وختمت بمعمول - ¬

_ - هنا أقوى من النصب، وإن كانت الجماعة على النصب، وذلك أنه من مواضع الابتداء، فهو كقولك: زيد ضربته، وهو مذهب صاحب الكتاب والجماعة». اه. وينظر: معاني القرآن للأخفش (ص 330، 331)، والبحر المحيط (8/ 183). (¬1) في (ب) ونسخة المتن: (وإن). ينظر: التسهيل (ص 81). (¬2) التذييل (3/ 33). (¬3) هو قول ابن خروف، وابن عصفور. ينظر: التذييل (3/ 33). (¬4) لم يذكر قول ابن الحاجب فهو ساقط من النسختين، وقد أشار إلى ذلك كاتب النسخة (ب)؛ حيث قال في الهامش: هنا بياض قدر سطرين. وما أثبته هنا من شرح ابن الحاجب على كافيتة (ص 257، 258). (¬5) سورة القمر: 49. (¬6) ما بين المعقوفين، وهو كلام ابن الحاجب ساقط من النسختين، وما أثبته من شرح الكافية لابن الحاجب (2/ 469)، تحقيق د/ جمال مخيمر. (¬7) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل؛ لأنها اسمية من جهتها الأولى، فعلية من جهتها الأخرى، فإذا توسط عاطف بينهما وبين الاسم المشتغل عنه، جاز رفعه ونصبه جوازا حسنا دون ترجيح؛ لأنه إذا رفع كان مبتدأ مخبرا عنه بجملة فعلية معطوفا على مبتدأ مخبر عنه بجملة فعلية، وإذا نصب كان معمول فعل معطوفا في [2/ 287] اللفظ على معمول فعل، فمع كل واحد من العملين مشاكلة توجد عدم المفاضلة، ولكل منهما ضعف وقوة، فضعف الرفع لترتبه على أبعد المتشاكلين، وقوته؛ لصلاحية الثاني فيه لأن يسد مسد الأول، وضعف النصب؛ لعدم صلاحية الثاني منه أن يسد مسد المحمول عليه، وقوته؛ لترتبه على أقرب المتشاكلين، فحصل بذلك تعادل في مراعاة التشاكل (¬1). وشهد لحسن الوجهين قوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ (¬2) قرأ الحرميان (¬3) وأبو عمرو بالرفع، والباقون بالنصب (¬4)، واتفقوا على نصب (¬5) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (¬6) وكلاهما من العطف على جملة ذات وجهين، وفيهما رد على الأخفش؛ لأنه يستضعف النصب بعد العاطف على جملة ذات وجهين ما لم تتضمن الجملة المعطوفة ذكرا يرجع إلى المبتدأ، نحو: زيد لقيته وعمرو رأيته؛ فلا يستحسن نصب ما بعد العاطف؛ لأن ذلك يستلزم عطف جملة لا محل لها من الإعراب، وهذا ساقط عند سيبويه؛ لأن ما له المحل من الإعراب لما لم يظهر في اللفظ سقط حكمه، وجرت الجملة ذات المحل والتي لا محل لها مجرى واحدا، كما أن اسم الفاعل حين لم يظهر الضمير المرتفع به جرى مجرى ما لا ضمير فيه، فقيل في تثنيته: قائمان، كما قيل: فرسان، وإذا كان اسم الفاعل قد يظهر ضميره إذا جرى على غير ما هو له ثم أجرى مع ذلك ما لا ضمير فيه لعدم ظهوره في بعض المواضع؛ كان ما لا يظهر إعرابه أصلا أحق أن لا يعتدّ به (¬7)، وإن وقع بعد العاطف «أمّا» أبطلت حكم - ¬

_ (¬1) ينظر: التوطئة (ص 184، 185)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 93)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 44)، والتصريح (1/ 304). (¬2) سورة يس: 39. (¬3) الحرميان هما: نافع وابن كثير. (¬4) في الإتحاف (ص 365): «واختلف في وَالْقَمَرَ، فنافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وروح: بالرفع على الابتداء، وافقهم الحسن واليزيدي والباقون: بالنصب بإضمار فعل على الاشتغال». اه. وينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 203)، والحجة لابن خالويه (ص 298)، والكشاف (2/ 252). (¬5) ينظر: الحجة لابن خالويه (ص 338)، وإملاء ما منّ به الرحمن (2/ 251). (¬6) سورة الرحمن: 7. (¬7) ينظر: المحتسب لابن جني (2/ 302، 303).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العطف، فكان للاسم بعدها ما له مفتتحا به؛ فإن كان معه سوى العطف ما يرجح النصب عمل بمقتضاه، وإلا فالرفع راجح (¬1). انتهى كلام المصنف (¬2). وهاهنا أبحاث: الأول: الظاهر أن المصنف إنما احتاج إلى تفسير ذات الوجهين بقوله: اسمية الصدر فعلية العجز؛ ليفيد المراد بها في اصطلاح النحاة؛ ولكن قال الشيخ: إن ذات الوجهين يراد بها: كبرى وصغرى، فالصغرى في ضمن الكبرى، والصغرى أعم من أن تكون اسمية أو فعلية قال: فتبين أن المراد بقوله: (ذات وجهين): ما الصغرى فيه فعلية (¬3)، ويقتضي كلامه أن نحو: زيد أبوه قائم؛ يقال فيه: إنه جملة ذات وجهين، وفي هذا بعد؛ إذ لا وجهين لها، غاية الأمر أن الصغرى بعض الكبرى والجملة ذات وجه واحد؛ لأن الجملة التي هي بعضها اسمية، وأما: زيد قائم؛ فالصغرى فيه [2/ 288] بعض الكبرى أيضا لكن الجملة ذات وجهين؛ لأن الجملة التي هي بعض فعلية، فلها وجه غير وجه الجملة برمتها. الثاني: ليس استواء الأمرين موقوفا على الفعل نفسه في الجملة ذات الوجهين، بل لو وقع موقعه مشتق، أعني وصفا عاملا ثبت معه هذا الحكم (¬4)، نحو: زيد مكرم عمرا وخالد أكرمه (¬5). الثالث: ما أشبه العاطف من الحروف العاطفة يعطى حكم العاطف؛ وإن لم يكن عاطفا في ذلك المحل، نحو: زيد يكرم القوم حتى عمرو يكرمه. نص النحاة - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 95)، والتوطئة (ص 184)، وشرح الأشموني (2/ 79)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 176). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 144). (¬3) التذييل (3/ 35). (¬4) ينظر: حاشية الخضري (1/ 176)، والتصريح (1/ 305)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 45). (¬5) زاد في (ب): (ولا فرق بين الوصف المتعدي واللازم؛ كما أنه لا فرق في الفعل بينهما أيضا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ذلك (¬1). الرابع: يستثنى من قولهم: اسمية الصدر فعلية العجز مسألة لا يستوي فيها الأمران، وإنما يرجح فيها الرفع، وقد ذكرها سيبويه، وهي: ما أحسن زيدا، لو أتي بعده بجملة، وقيل: وزيد ضربته، وقد علل ذلك بأن فعل التعجب جار مجرى الأسماء؛ ولذا صغر فبعد عن الاحتمال (¬2). الخامس (¬3): لم يطبقوا في هذه المسألة على استواء الأمرين، بل منهم من ذهب إلى ترجيح الرفع، ونسب إلى أبي علي، ومنهم من ذهب إلى ترجيح النصب، وهو رأي بعض متأخري المغاربة (¬4)، والمذهب المشهور المتصور هو الذي ذكره المصنف (¬5)، وهو مذهب سيبويه (¬6)، وهذا إذا كان في الجملة المعطوفة ضمير يعود على المبتدأ الذي في الجملة الأولى، نحو: هند ضربتها، وزيد كلمته في دارها، أما إذا لم يوجد فيها ضمير عائد على المبتدأ المذكور، نحو: زيد ضربته وعمرو أكرمته، فقيل لا يجوز العطف على الجملة الصغرى، أي: لا ينصب الاسم الذي يلي العاطف بإضمار فعل؛ لأنه يلزم من ذلك عطف الفعل المقدر على الفعل الذي هو - ¬

_ (¬1) نص الأشموني في تنبيهاته على ذلك في (2/ 79)، فقال: «الثاني: لترجيح النصب أسباب أخرى لم يذكرها هاهنا، أحدها: أن يقع اسم الاشتغال بعد شبيه بالعطف على الجملة الفعلية نحو: أكرمت القوم حتى زيدا أكرمته، وما قام بكر لكن عمرا ضربته». اه. وفي الكتاب (1/ 96): «ومما يختار فيه النصب الأول ويكون الحرف الذي بين الأول والآخر بمنزلة «الواو والفاء وثم» قولك: لقيت القوم كلهم حتى عبد الله لقيته، وضربت القوم حتى زيدا ضربت إياه، وأتيت القوم أجمعين حتى زيدا مررت به، ومررت بالقوم، حتى زيدا مررت به. فـ «حتى» تجري مجرى «الواو وثم» اه. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 96)، وشرح السيرافي للكتاب (2/ 515) رسالة بكلية اللغة العربية. (¬3) نقص في (أ). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 35)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 366، 367)، والمقرب (1/ 89)، والتصريح (1/ 304)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 44). (¬5) أي: استواء الأمرين. (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 91).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر عن المبتدأ المقدم، والمعطوف على الخبر خبر، فيكون «عمرو أكرمته» خبرا عن «زيد» وهو جملة ولا ضمير فيها يربطها بالاسم الأول، وقد أجيب عن ذلك بأربعة أجوبة. أما السيرافي فالتزم السؤال، وقال ما معناه: إن سيبويه لم يمثل بهذا المثال على أنه صحيح، بل ليريك صورة العطف في الجملة ذات الوجهين، واعتمد في المسألة على أنه: إن وجد باقي الشروط صحت المسألة، وإلا فلا (¬1)، وأما أبو علي فإنه أجاب عن ذلك بأن قال ما معناه: بأنه لما لم يظهر الرفع في الجملة التي هي خبر المبتدأ صارت؛ كأنها غير خبر، فجاز أن يعطف عليه ما لا يصح أن يكون خبرا ووافقه ابن جني على هذا الجواب، قالا: ونظيره الضمير في اسم الفاعل لما لم يظهر لم يعتد به، فثني الاسم وجمع، ولو ظهر لم يثن ولم يجمع (¬2)، وأما ابن خروف فإنه أجاب عن ذلك بما معناه: أنه ليس المراد هنا العطف [2/ 289] الحقيقي الذي يوجب التشريك، بل المراد هنا إنما هو تراخي الجمل بدليل أن سيبويه - رحمه الله تعالى - ذكر من جملة مسائل الباب العطف بحتى، نحو قولك: القوم أكرمتهم حتى زيد أكرمته، قال: و «حتى» لا يعطف بها في الجمل، فعلمنا أن المراد: التراخي لا العطف التشريكي؛ فلا تحتاج حينئذ الجملة المعطوفة إلى ضمير (¬3)، وأما الرماني فإنه أجاب عن ذلك بأن قال ما معناه: إن الجملة المعطوفة لا تحتاج هنا إلى ضمير؛ لأن العطف هنا إنما هو بالنظر إلى المعنى، وقولنا: زيد ضربته أولا، في معنى قولنا: ضربت زيدا، فلم ينظر إلى كونها مبتدأ وخبرا في اللفظ؛ بل إلى المعنى، وكأنها - ¬

_ (¬1) في شرح السيرافي للكتاب (2/ 499): «وقد أنكر الزيادي وغيره من النحويين هذا على سيبويه، فقالوا: إنا إذا قلنا: زيد لقيته وعمرو كلمته، لم يجز حمل «عمرو» على «لقيته»؛ وذلك أن «لقيته» جملة لها موضع. ألا ترى أنك تقول: زيد ملقي، وزيد قائم، فيقع موقعها اسم واحد وهي خبر لزيد، وكل شيء عطف عليها وقع موقعها صار خبرا لزيد، كما هي خبر له، «وعمرو كلمته» لا يجوز أن يكون خبرا لزيد» اه. وينظر (ص 500، 501)، وقد ردّ ابن عصفور رأي السيرافي، ومن تبعه في هذه المسألة؛ حيث قال: «وهذا الذي ذهب إليه - أي: السيرافي - ليس بشيء؛ لأن القراء قد أجمعوا على نصب وَالسَّماءَ من قوله عز اسمه: وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ، مع أنه ليس في رَفَعَها ضمير يعود على النجم والشجر؛ فإجماعهم على النصب دليل على بطلان قول من قال: إن النصب في هذا، وأمثاله ضعيف» اه. شرح الجمل (1/ 367)، وينظر: (ص 368) أيضا. (¬2) ينظر: المحتسب (2/ 302، 303). (¬3) ينظر: التصريح (1/ 304، 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جملة فعلية فكأننا قلنا: ضربت زيدا وعمرا أكرمته، ولو قلنا ذلك لم تحتج الجملة الثانية إلى ضمير، فلما كانت في معنى ما لا يحتاج إلى ضمير لم يكن فيها ضمير. واعلم أن أضعف هذه الأجوبة جواب الرماني، وأما جواب السيرافي فيبطله القرآن العزيز؛ فإنه قد ورد فيه ما هو على صورة المثال الذي ذكره سيبويه من غير نقص، ولا زيادة وهو قوله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (6) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (¬1)، وأما جواب أبي علي فقد نوقش فيه؛ قال الشيخ جمال الدين بن عمرون: وما تمسك به من عدم ظهور الإعراب يبطله تجويز سيبويه النصب في: هذا ضارب عبد الله، وزيدا تمر به، فيجوز النصب مع ظهور الإعراب ولا ضمير في الجملة، وأما جواب ابن خروف فهو أحسنها وأقربها إلى الصواب، واختاره ابن عمرون، وأحسن منه ما أجاب بعض المتقدمين، وهو أن العطف إنما هو على الجملة الكبرى رفعت، أو نصبت، لكننا في النصب نلاحظ الصغرى طلبا للمشاكلة؛ ولا يلزم من ملاحظتها أن يكون العطف عليها، قالوا: وكأنه نوع من التوهم، واختار هذا القول جماعة منهم ابن عصفور (¬2). وقال الشيخ: إلا أنه مخالف لظاهر قول سيبويه؛ فإنه قال: إذا كان منصوبا؛ فإنه محمول على الصغرى، والحمل لا يفهم منه إلا العطف (¬3). انتهى. وقد علم من أجوبة هؤلاء الأئمة أنهم يجيزون نصب الاسم الكائن في الجملة المعطوفة مع خلوها من ضمير يرجع إلى المبتدأ، الذي هو (¬4) في الجملة الأولى؛ وأن من يشترط وجود الضمير لا يجيز النصب، وإذا كان كذلك أشكل ما ذكره المصنف عن الأخفش وموافقيه من أنهم يرجحون الرفع على النصب؛ إن لم يصلح جعل ما بعد العاطف خبرا؛ إذ مقتضاه أنهم يجيزون النصب وإن كان مرجوحا، والمنقول عن مشترطي الضمير في الجملة أنهم يمنعون النصب عند فقد الضمير، وهو الذي يقتضيه تعليلهم، والذي ذكره الشيخ عن الأخفش؛ إنما هو منع (¬5) النصب لا مرجوحيته [2/ 290] فإنه ذكر في المسألة أربعة مذاهب - أعني في جواز - ¬

_ (¬1) سورة الرحمن: 6، 7. (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 368). (¬3) التذييل (3/ 37). (¬4) ساقطة من (ب). (¬5) في (أ): (مع).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (نصب) (¬1) الاسم من الجملة المعطوفة، إذا خلت من ضمير يرجع إلى المبتدأ من الجملة الأولى - قال: أحدها: ما ذهب إليه جماعة من القدماء والفارسي من جواز العطف على الصغرى، نحو: هند ضربتها وعمرو أكرمته، وهو ظاهر كلام سيبويه. الثاني: ما ذهب إليه الأخفش والزيادي ومن يتبعهما كالسيرافي، وهو أنه لا يجوز؛ فإن وجد النصب فليس لكونه معطوفا على الجملة الصغرى، إنما ذلك نحو جواز: زيدا ضربته؛ ابتداء من غير مراعاة عطف على الصغرى، ويكون من عطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية، وذلك جائز لا خلاف فيه (¬2). الثالث: ما ذهب إليه هشام، وهو: إن كان العطف بالفاء أو بالواو جازت المسألة؛ لأن الفاء فيها تسبّب؛ فيحتمل أن يكون الربط في الجملة بضمير واحد، والواو فيها معنى الجمع؛ وإن كان العطف بغيرهما لم يجز (¬3). الرابع: ما ذهب إليه الجمهور، وهو إن كان العطف بالفاء جازت المسألة؛ وإن كان بغيرها لم تجز (¬4). انتهى. وقد تبين من المباحث المتقدمة ما هو الحق في هذه المسألة، ثم لا أعلم كيف يكون مذهب الجمهور ما ذكره، وقد ذكر أن الظاهر من كلام سيبويه، الجواز دون تقييد بفاء ولا غيرها، وكون ذلك مذهب الجمهور - مع أن المصنف لم يتعرض إلى ذكر شيء من ذلك في تصانيفه - فيه بعد كبير. واعلم أن الشيخ ناقش المصنف في قوله في الشرح: وإذا نصب كان معمول فعل معطوفا في اللفظ على معمول فعل؛ فقال: ليس هذا الكلام بجيد؛ فإنه كما يعطف على الجملة الصغرى المتضمنة منصوبا؛ كذلك يعطف على الصغرى؛ وإن لم يكن فيها منصوب ألبتة، نحو: زيد قام أخوه، وعمرا كلمته، قال: فمراعاة المشاكلة ليست لكون الصغرى فيها منصوب؛ بل لمجرد كونها فعلية (¬5). ¬

_ (¬1) ساقطة من (أ). (¬2) ينظر: شرح السيرافي للكتاب (2/ 499، 501)، تحقيق دردير محمد أبو السعود. (¬3) ينظر: شرح الأشموني (2/ 81)، والتصريح (1/ 304). (¬4) التذييل (3/ 37، 38). (¬5) التذييل (3/ 37).

[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح]

[مسألتان اختلف فيهما النحاة أيهما أرجح] قال ابن مالك: (وابتداء المسبوق باستفهام أولى من نصبه إن ولي فصلا بغير ظرف أو شبهه خلافا للأخفش، وكذا ابتداء المتلوّ بلم أو لن أو لا خلافا لابن السّيّد). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): إن حال بين الاستفهام وبين الاسم المشتغل عنه اسم آخر، نحو: أأنت زيد ضربته؟ بطل حكم الاستفهام عند سيبويه؛ لبعده من الفعل (¬2)، ولم يبطل عند الأخفش؛ لوجود الاستفهام في أول الكلام، والفعل في آخره، فيرفع «أنت» بـ «ضربت» مقدرا وينصب به «زيدا» (¬3) ويرى هذا أولى من جعل «أنت» مبتدأ أول، و «زيدا» مبتدأ ثانيا خبره ما بعده، وهو وخبره خبر الأول، وهذا عند سيبويه أولى من الوجه الأول؛ فلو كان الحائل ظرفا أو شبهه اتفقا على ترجيح النصب؛ لأن الفصل [2/ 291] بهما مفتقر في مواضع كثيرة (¬4)، وزعم أبو محمد بن السيد أن نصب الاسم قبل النفي بلم أو لن أو لا راجح على الرفع (¬5)، وليس بصحيح، لأن تقدم الاسم على فعل منفي بغير «ما» كتقدمه على فعل مثبت؛ فإنهما متقابلان الأمر والنهي، فكما يستوي المتقدم على فعل الأمر والنهي، كذلك يستوي المتقدم على فعلي الإثبات والنفي بغير «ما»، فلو كان النفي بـ «ما» لم يجز النصب، لأنها من بين حروف النفي مخصوصة بالتصدير (¬6). انتهى. وأقول: هاتان المسألتان المذكورتان، ليس هذا موضع ذكرهما؛ أما الأولى: فكان الواجب أن تذكر في قسم ما ترجح نصبه على رفعه عند قوله: (أو ولي هو همزة استفهام) (¬7)؛ لأنها متفرعة عنها، وأما الثانية: فالواجب أن تذكر في قسم ما ترجح رفعه على نصبه (¬8)، وستذكر لأنها من فروعه؛ لأنها على رأيه عدمت المانع والموجب - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 144). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 104). (¬3) ينظر: التصريح (1/ 300)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 168)، والهمع (2/ 113). (¬4) في الكتاب (1/ 104، 105): «فإن قلت: أكلّ يوم زيدا تضربه، فهو نصب كقولك: أزيدا تضربه كل يوم؛ لأن الظرف لا يفصل في قولك: ما اليوم زيد ذاهبا، وإن اليوم عمرا منطلق؛ فلا يحجزها هنا، كما لا يحجز ثمة» اه. (¬5) ينظر: إصلاح الخلل (ص 132) تحقيق د/ حمزة النشرتي. (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 145). (¬7)، (¬8) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمسوي؛ ثم إن الشيخ قد أطال الكلام في المسألة الأولى جدّا؛ فأنا أذكر ما لخصته من كلامه فيها، ثم أذكر كلام ابن السيد في المسألة الثانية، قال الشيخ: خطأ معظم النحويين الأخفش في اختياره النصب على الرفع. فأما ابن ولادة فمن جهة أن الاشتغال لا يكون بالنظر إلى اثنين أصلا؛ وذلك أن المشتغل لا بد أن يكون خبرا عن الاسم؛ فإذا قلت: أزيد ضربته؟ فـ «ضربته» خبر، وقد كان خبرا قبل الاشتغال حين قلت: زيد ضربت، ولو قلت: أأنت عبد الله ضربته؛ لم يكن «ضربته» خبرا عن «أنت»، وإنما يكون خبره الجملة؛ فخرج عن الاشتغال، ولا يعترض على هذا بقولك: أزيد أنت ضاربه؟ فيقال فيها: هذا جائز وليس خبرا عن «زيد»؛ بل «أنت» وما بعده الخبر، وقد أجمعوا على جواز النصب، لأن «أنت» مع «ضارب» بمنزلة «ضرب»؛ لأنه لا يصح له العمل إلا معتمدا، وإذا كان كذلك فلا فاصل حينئذ. وأما ابن مضاء (¬1) فجعل خطأ الأخفش من جهة «ضربته» يصير مفسرا لعامل يطلب معمولين ملفوظا بهما، وهما «عبد الله» «وأنت»، والتفسير لا يقوى هذه القوة، واعترض ابن خروف هذا القول بأن التفسير أبدا كذلك، ألا ترى أنك إذا قلت: أعبد الله ضربته؟ فتقدر له فعلا يعمل في فاعل، وفي المفعول المنطوق به، ورد هذا الاعتراض؛ بأن المعمولين هنا منطوق بهما، وهناك لم يلفظ بالمعمول الواحد إلا حين لفظت بالعامل فلم يكونا ملفوظا بهما حتى يفتقرا إلى ما يفسر عاملهما؛ فليس هذا مثل ذلك. وأما ابن طاهر فجعل خطأ الأخفش من أجل أنك إذا قلت: أعبد الله ضرب أخوه زيدا، برفع «عبد الله» بفعل مضمر يفسره ما بعده، فإنما ذلك بطريق الحمل للفاعل على المفعول؛ وإلا فلم يكن من حقه أن يفسره [2/ 292] إذ لا يصح له أن - ¬

_ (¬1) هو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن سعيد بن حريث بن عاصم بن مضاء اللخمي، قاضي الجماعة أبو العباس، وأبو جعفر الجياتي القرطبي. أخذ عن ابن الرمال: كتاب سيبويه تفهما، وسمع عليه وعلى غيره من الكتب النحوية، واللغوية، والأدبية ما لا يحصى، وروى عن عبد الحق بن عطية والقاضي عياض وغيرهم وعنه ابنا حوط الله أبو الحسن الغافقي. صنف «المشرق في النحو» و «الرد على النحويين» و «تنزيه القرآن عما لا يليق بالبيان»، وغير ذلك. توفي سنة (592 هـ). بغية الوعاة (1/ 323)، تحقيق محمد أبو الفضل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعمل فيه، فإذا فسرنا به على ذلك كان على طرف من الضعف؛ فلا يتعدى به أكثر من ذلك، فإذا رفعت «أنت» بفعل مضمر يفسره الفعل المتصل بسببه وهو التاء؛ فقد تجوزت به الأمر المتوسع فيه، بأن فسرت به عاملا يعمل فيه مع بعده منه، ووقوع الفصل بينهما وهم إنما تسامحوا بذلك حين الاتصال، قال الشلوبين: هذا أيضا يقرب أن يكون مانعا في المسألة من النصب، وأن يكون سيبويه منعه لهذا، ويحتمل أن لم يمنع سيبويه من ذلك إلا ما دام «أنت» مبتدأ؛ وأنه إنما ذكر الوجه في المسألة التي وقعت فيها «أنت» مبتدأ ولم يتعرض لهذا، وكأنه لما كان فيها الفصل بالمبتدأ بين الهمزة التي تطلب الفعل، وبين الكلام صار كأنه لا همزة استفهام فيه (¬1). انتهى. وقال الأبذي: قال قوم: لا خلاف بين سيبويه والأخفش في هذه المسألة؛ بل هما مقصدان، إن أدخلت الهمزة على (أنت زيد ضربته) (¬2) حال رفع زيد؛ اختير الرفع في زيد، ويكون «أنت» مبتدأ؛ وإن أدخلتها حال نصب «زيد» كان النصب مختارا، وكان «أنت» مرفوعا بالفعل الناصب لزيد، وقال الشلوبين: في الحقيقة لا خلاف بينهما، وإنما منع سيبويه من الذي ذهب إليه الأخفش ما دامت «أنت» مبتدأ؛ وكذلك كان يقول الأخفش لو سئل عنه؛ فأما إذا جعلت «أنت» فاعلا بالفعل الذي يفسره «ضربت» (¬3) المتصل بسببه، فلا ينكر ذلك سيبويه، ولا يمنع منه (¬4). انتهى. وهذا الذي قاله الشلوبين لا يبعد عن الصواب؛ إذ لم يقم دليل قاطع على بطلان دعوى الأخفش. هذا ما يتعلق بالمسألة الأولى. وأما المسألة الثانية؛ فقال ابن السيد: الجحد ينقسم ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز فيه إلا الرفع، وهو أن يكون النفي بـ «ما»، ويتقدم الاسم قبلها كقولك: زيد ما ضربته. وقسم يختار فيه النصب، وهو أن يكون فيه النفي بلا أو بتأخر الاسم بعد «ما» كقولك: زيدا لا أضربه، وزيدا لم أضربه، وزيدا لن أضربه، وما زيدا ضربته. وقسم في جواز النصب فيه خلاف، وهو كقولك: أزيدا لست مثله؟ (¬5). انتهى. - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 41). (¬2) في (ب): (زيد أنت ضربته). (¬3) في (ب): (ضربته). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 42، 43) فقد ذكر أبو حيان كلام الأبدي والشلوبين. (¬5) إصلاح الخلل الواقع في الجمل لابن السيد (ص 132) تحقيق د/ حمزة النشرتي.

[ترجح رفع الاسم على الابتداء]

[ترجح رفع الاسم على الابتداء] قال ابن مالك: (وإن عدم المانع والموجب والمرجّح والمسوّي، رجح الابتداء خلافا للكسائيّ في ترجيح نصب تالي ما هو فاعل في المعنى نحو: أنا زيد ضربته، وأنت عمرو كلّمته). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أن القسم الثالث لا يدخل هنا، لأن النظر فيه إلى كون العامل فعلا لا إلى كونه دالّا على النفي، وإنما جاء الخلاف فيه؛ لعدم تصرفه، ولا بتناء الجواز فيه على جواز تقديم خبر ليس عليها، والخلاف في ذلك معروف. وأما ما ذكره في القسم الثاني فلا مدخل لنحو: ما زيدا ضربته، مع قولنا: زيدا لا أضربه، وزيدا لم أضربه، وزيدا لن أضربه؛ لأن نحو: ما زيدا ضربته؛ قد ولي الاسم المشتغل عنه حرف النفي، والنفي يطلب المعاني لا الذوات [2/ 293]؛ فكان تقدير الفعل بعده أولى من عدم تقديره، وهذا المعنى لم يكن في ثلاث الصور الأخر - أعني زيدا لم أضربه، وما ذكر معها - والفرق واضح. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): لما تقدم التنبيه على موانع النصب، وموجباته، ومرجحاته، وسبب تسويته بالرفع حسنت الإحالة على ذلك، فقلت: وإن عدم المانع والموجب والمرجح والمستوي رجح الرفع بالابتداء؛ فعلم من هذا أن رفع «زيد» أجود من نصبه في قولك: زيد ضربته (¬2)؛ وإني زيد لقيته، وعمرو مهجور، وزيد أحببته، وشبه ذلك مما لا قرينة فيه من القرائن المقدم ذكرها (¬3)، وإذا تقدم على المشتغل عنه اسم هو وفاعل المشغول دالّان على شيء واحد، نحو: أنا زيد ضربته، وأنت عمرو كلمته؛ رجح نصب المشتغل عنه عند الكسائي (¬4)؛ لأن تقديمه وهو الفاعل في المعنى منبه على مزيد العناية بالحديث عنه، فكأن المسند إليه متقدم، ولا اكتراث بذلك عند غير الكسائي؛ لأن الاسم المشار إليه لا يدل على - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 145). (¬2) في شرح الألفية للمرادي (2/ 45)، بعد أن ذكر هذا المثال، قال: «وإنما رجح رفعه؛ لأنه لا إضمار فيه» اه. وينظر: الأشموني (2/ 82)، وشرح المكودي على الألفية (ص 83). (¬3) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 93). (¬4) ينظر: الهمع (2/ 113) فقد ذكر قول الكسائي نقلا عن ابن السيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل، ولا يقتضيه؛ فوجوده وعدمه سيان (¬1). انتهى. ولو ذكر هاهنا المسألة المتقدمة التي خالف فيها ابن السيد فكان بعد ذكره خلاف الكسائي يقول: وخلافا لابن السيد في المتلو بلم أو لن أو لا لكان أولى كما تقدم التنبيه على ذلك (¬2)؛ وإنما رجح الرفع عند عدم المانع والموجوب والمرجح والمستوي؛ لأن النصب محوج إلى تكلف إضمار عامل؛ فكان الرفع راجحا لعدم تكلف الإضمار، ولكن النصب عربي كثير (¬3) كما قال سيبويه (¬4)، ومع كونه مرجوحا، هو في بعض الصور أقوى منه في البعض، فـ «زيدا ضربته» أقوى من «زيدا ضربت أخاه»، و «زيدا ضربت أخاه»، أقوى من «زيدا مررت به»، و «زيدا مررت به» أقوى من «زيدا مررت بأخيه». ذكر هذا أبو الحسن بن عصفور، وابن أبي الربيع أيضا وهو حسن، وتعليله ظاهر (¬5)، لكن المصنف لم يتعرض إلى ذلك في شيء من كتبه، ثم إن ابن عصفور قال: فإن قيل: فهلّا أجزتم في الاسم إذا عمل في ضميره أو في سببه جر الخفض كما كان منصوبا إذا عمل فيه النصب؟ فالجواب: أنه لو خفضت، فقلت: زيد مررت به، على تقدير: مررت بزيد مررت به؛ لأدى ذلك إلى إضمار الخافض، وإبقاء عمله مع أنه أضعف [2/ 294] العوامل، وهذا لا يجوز، فإن قيل: فهلا قيل: بزيد مررت به، ولم تضمر الخافض؟ فالجواب: أن الخافض قد ينزل من الفعل منزلة الجزء منه؛ لأنه به يصل إلى معموله كما يصل بهمزة النقل. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 145). (¬2) ينظر: (ص 558) وما بعدها، حيث أورد المصنف هذه المسألة. (¬3) أنشد ابن الشجري في أماليه (1/ 187) على جواز النصب قول الشاعر: فارسا ما غادروه ملحما ... غير ذي ميل ولا تكسي وكل وقال: «الرواية نصب «فارس» بمضمر يفسره الظاهر، و «ما» صلة، والمفسر من لفظ المفسر؛ لأن المفسر متعد بنفسه إلى ضمير المنصوب - ويجوز رفع فارس بالابتداء، والجملة التي هي «غادروه» وصف له «غير ذي ميل» خبره» اه. وينظر: الأشموني (2/ 82)، والتوطئة (ص 185). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 82، 83)، وفيه: «فالنصب عربي كثير، والرفع أجود» اه. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 361) طبعة العراق.

[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه]

[أنواع ملابسة الضمير للمشغول عنه] قال ابن مالك: (وملابسة الضّمير بنعت أو معطوف بالواو غير معاد معه العامل كملابسته بدونهما، وكذا الملابسة بالعطف في غير هذا الباب). ـــــــــــــــــــــــــــــ فكما لا يجوز إضمار بعض اللفظة، وإبقاء بعضها؛ كذلك لا يجوز هذا، فلما تعذر الخفض عدلوا إلى النصب بإضمار فعل، لقرب النصب من الخفض؛ ألا ترى أنهما اشتركا في الضمير في نحو قولك: ضربتك، ومررت بك، وأن كلّ واحد منهما فضلة؛ وأن المجرور في المعنى منصوب؛ إذ لا فرق في المعنى بين قولك: مررت بزيد، ولقيت زيدا (¬1). انتهى. ويقوي ما قاله أن ابن أبي الربيع لما ذكر ما يحتاج إليه باب الاشتغال من الشروط، ذكر من جملتها؛ أن يكون العامل المقدر يصل بنفسه ولا يصل بحرف الجر، وفي الارتشارف: وأجاز بعض النحويين جر الاسم السابق بمثل ما جر الضمير؛ فأجاز بزيد مررت به، وعلى زيد غضبت عليه، والصحيح أنه لا يجوز، ولو وجد كان ما بعده بدلا (¬2). قال ناظر الجيش: قد تقدم من كلام المصنف أن ملابس الضمير هو العامل فيه بإضافة، نحو: أزيدا ضربت غلامه، أو بغير إضافة، نحو: أزيدا ضربت راغبا فيه (¬3)، ولما كانت ملابسة الضمير تكون بغير هذا، نبه عليه هنا، فقال: إنها تكون بالنعت وبمعطوف بالواو، فمثال الملابسة بالنعت: أزيدا رأيت رجلا يحبه، ومثالها بمعطوف بالواو على الوجه الذي ذكره: أزيدا رأيت عمرا وأخاه (¬4). قال المصنف: فـ «يحبه» صفة لـ «رجلا» و «أخاه» معطوف على «زيدا»، والهاء منهما عائدة على المنعوت، والمعطوف عليه، وبها حصلت السببية، وارتفعت الأجنبية، فنزل الكلام منزلة لو قيل: أزيدا رأيت محبّه، وأزيدا رأيت أخاه، فلو كان العاطف غير الواو لم تجز المسألة، وكذا لو أعيد العامل (¬5). انتهى. واعلم أن إيراد ابن عصفور لهذه المسألة أحسن من إيراد المصنف لها، وذلك أنه - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 363) طبعة العراق. (¬2) الارتشاف لأبي حيان (ص 989). (¬3) سبق شرحه. (¬4) ينظر: المقرب (1/ 87). (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عبر عن الملابس بالسببي، ثم قال: وأعني بالسببي ما اتصل به ضمير عائد على المشتغل عنه، وما اشتملت صفته على ضمير عائد عليه، وما عطف عليه اسم قد اتصل به ضمير عائد عليه بالواو خاصة، وما أضيف إلى شيء من ذلك (¬1)، ولما مثل الأول بـ: زيد ضربت أخاه، ساق معه في التمثيل: زيد ضربت الذي ضربه؛ وذلك لأن الصلة من كمال الموصول؛ فلذا لم يقل: وما اشتملت صلته على ضمير عائد إلى الاسم الأول، وذكر في شرح الجمل: المعطوف [2/ 295] عليه قد اتصل به ضمير يعود على الاسم الأول عطف بيان، نحو: زيد ضربت عمرا أخاه، إذا كان عمرو أخا زيد (¬2)، لكن نحو: زيد ضربت راغبا فيه؛ قد شملتها عبارة المصنف، ولم يظهر لي دخولها تحت كلام ابن عصفور، وقد عرف من هذا الذي ذكره أن لا ملابسة مع البدل، وكذا لا ملابسة مع العطف بغير الواو، وإذا كان كذلك فلا يعدّ المبدل منه، ولا المعطوف عليه بغير الواو سببين. أما البدل؛ فلأنه على نية تكرار العامل، فإذا قلت: زيد ضربت عمرا أخاه، وجعلت الأخ بدلا فكأنك قلت: زيد ضربت رجلا ضربت أخاه، قال ابن عصفور: فتخلو الجملة التي هي في موضع الخبر من ضمير يعود على المبتدأ (¬3). وفي هذا التعليل الذي ذكره نظر؛ لأن مقتضاه منع صحة كون الاسم مبتدأ، ولا يلزم من ذلك منع النصب بفعل مقدر على أنه من باب الاشتغال، والأولى أن يعلل منع الملابسة بالبدل بشيء؛ وهو أن شرط الاسم الذي يشغل العامل عن الاسم السابق ضميرا كان أو سببيّا أن يكون معمولا للعامل الذي شغل بأحدهما؛ ليكون الكلام جملة واحدة، وإذا كان البدل على نية تكرار العامل يصير كأنه من جملة أخرى، ومتى قدر أنه من جملة أخرى، وكل جملة مستقلة بنفسها؛ فلا تدخل الجملة الثانية في الأولى، فلا يحصل الربط ويلزم انتفاء السببية حينئذ. وأما العطف؛ فإنما فرق فيه بين الواو وغيرها من أجل أن الواو تنفرد (من) (¬4) بين أخواتها؛ بأنها قد تكون جامعة، وإذا كانت كذلك صيرت المعطوف والمعطوف عليه بمنزلة اسم واحد؛ وذلك نحو قولك: هذان زيد وعمرو؛ فإنهما معا خبر عن - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 87). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 361). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 362). (¬4) من الهامش في (ب).

[مسألة يترجح فيها الرفع]

[مسألة يترجح فيها الرفع] قال ابن مالك: (ولا يمتنع نصب المشتغل عنه بمجرور حقّق فاعليّة ما علّق به خلافا لابن كيسان). ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم الإشارة، وأيضا؛ وفلأن الواو إذا كانت جامعة كانت بمعنى «مع»؛ فإذا قلت: زيد ضربت رجلا وأخاه، فكأنك قلت: زيد ضربت رجلا مع أخيه، وليس هذا المعنى بموجود في «الفاء»، ولا في «ثم»؛ فلهذا ثبتت الملابسة للمعطوف عليه، إذا كان المعطوف قد عطف بالواو، ولم تثبت له إذا كان المعطوف قد عطف بـ «ثم»، أو بـ «بالفاء» (¬1)، ونبه المصنف بقوله: (غير معاد معه العامل) على أنه إذا أعيد العامل امتنع الاشتغال، نحو: زيد رأيت عمرا، ورأيت أخاه؛ وذلك لأن السببي صار من جملة أخرى، وإذا امتنع الاشتغال مع البدل، لكونه في نية تكرار العامل كان امتناعه في هذا أولى، وأشار بقوله: (وكذلك الملابسة بالعطف في غير ذا الباب) إلى أن حكم الملابسة في (غير) (¬2) هذا الباب بالعطف كحكمها فيه، كقولك: مررت برجل قائم زيد وأخوه، ولا يجوز: مررت برجل [2/ 296] قائم زيد (¬3) وقائم أخوه؛ لإفادة العامل، كما لم يجز مثل ذلك في هذا الباب (¬4)، وليس ذلك مقصورا على باب الصفة؛ بل باب الحال وباب الخبر كذلك أيضا فيقال: جاء زيد ضاحكا عمرو وأخوه، وزيد قائم عمرو وأخوه. قال ناظر الجيش: قال المصنف: ولا يمتنع نصب الاسم في نحو: زيد ظفرت به، إذا كان المراد أن زيدا سبب الظفر، ومنع ذلك ابن كيسان (¬5)؛ لكون المجرور فاعلا في المعنى (¬6). انتهى. واعلم أن الخلاف ليس مقصورا على هذا المثال الذي ذكره ونحوه؛ بل ذلك ملفت إلى أصل مختلف فيه بين النحاة، وهو: هل يشترط في باب الاشتغال أن - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 361)، والتصريح (1/ 306)، وشرح الأشموني (2/ 85، 86). (¬2) من الهامش في (ب). (¬3) زاد في (ب) بعد قوله: (قائم زيد): (أو أخوه؛ لأن العاطف غير الواو؛ ولا: مررت برجل قائم زيد وقائم أخوه). (¬4) ينظر: الهمع (2/ 113، 114). (¬5) ينظر: أبو الحسن بن كيسان وآراؤه في النحو واللغة (ص 188)، إعداد علي مزهر البكري. والتذييل (3/ 47، 48). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون النصب في الاسم المشتغل عنه، وفي الضمير أو السببي من جهة واحدة، أو لا يشترط ذلك، فيجوز الاشتغال مع اختلاف جهة النصب؟ (¬1). قال ابن أبي الربيع: تقول: زيد جلست عنده، وزيد ضربت ضربه؛ بالرفع، واختلف النحويون في النصب؛ فمنهم من أجازه، فقال: أنصبه بفعل وأقدره في: زيدا ضربت ضربه: ما ثلت زيدا ضربت ضربه، وفي: زيدا جلست عنده: لا صقت زيدا جلست عنده، وما أشبه ذلك، قال: يذكر أن أبا الحسن أجازه. ومنهم من منع النصب، فقال: لا يجوز النصب في الاسم حتى يكون طريق نصبه، وطريق نصب سببه واحدا، و «زيد» هنا منصوب على أنه مفعول به، وسببه في: ضربت ضربه؛ منصوب على المصدر، وفي: جلست عنده؛ منصوب على الظرف، فقد اختلفت جهتا النصب؛ وإنما الذي يجوز: زيدا ضربت أخاه: أن الأخ مفعول به، «وزيد» كذلك، وهذا هو الذي كان الأستاذ أبو علي يختاره، وهو عندي الصحيح؛ لأن هذا الباب باب خارج عن القياس؛ فلا يقال منه إلا ما قالته العرب .. انتهى. وإذا تقرر ذلك، فـ: زيد ظفرت به؛ إذا لم يقصد به الظفر بـ «زيد»؛ وإنما قصد الظفر بغيره؛ ولكن كان هو السبب من هذا القبيل، لأن «الباء» إذا كانت في «به» للسبب كان مفعولا من أجله، ونصب «زيد»، إذا نصب إنما هو على أنه مفعول به، فقد اختلفت الجملتان، فلو قصد بهذا الكلام؛ أن زيدا هو المظفور به كان المجرور في موضع المفعول به، ولا خلاف حينئذ في نصب زيد؛ لاتحاد الجهة، وقد ذكر الشيخ هذه المسألة، ونقل فيها الخلاف بين النحاة؛ لكنه نقل أن مذهب سيبويه الجواز، ونقل عن الأستاذ أبي علي أن له قولين: الجواز وعدمه، قال: وقال سيبويه: أعبد الله كنت مثله، أي: أشبهت عبدا وأزيدا لست مثله (¬2)، أي: أباينت زيدا، قال: فانتصاب الاسم الأول على جهة المفعولية، وانتصاب السببي من جهة [2/ 297] أنه خبر (¬3). انتهى. - ¬

_ (¬1) أجاب السيوطي عن هذا التساؤل، فقال: «واختلف هل شرط الاشتغال أن ينتصب الضمير والسابق من جهة واحدة؟ فقيل: نعم، وعليه الفارسي والسهيلي والشلوبين في أحد قوليه .. وقيل: لا يشترط ذلك وعليه سيبويه، والأخفش، والشلوبين في آخر قوله» اه. الهمع (2/ 114) بتصرف يسير. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 102). (¬3) التذييل (3/ 49).

[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك]

[رفع الاسم المشغول عنه وأحكامه في ذلك] قال ابن مالك: (وإن رفع المشغول شاغله لفظا أو تقديرا، فحكمه في تفسير رافع الاسم السّابق، حكمه في تفسير ناصبه، ولا يجوز في نحو: أزيد ذهب به؟ الاشتغال بمصدر منويّ، ونصب صاحب الضّمير خلافا للسّيرافيّ وابن السّراج). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يقوى الاستدلال بما ذكره، لأن الخبر في باب كان شبيه بالمفعول به وقد سماه سيبويه مفعولا (¬1)، ولا شك أن صورته صورة المفعول لمجيئه بعد فعل وفاعل؛ فلا يلزم من إجازة سيبويه: أزيدا لست مثله؛ إجازة: أزيدا ضربت، ولا: أزيدا جلست عنده، ثم قال الشيخ: وهذا هو المذهب الصحيح، قال: ويعضّده نقل الأخفش عن العرب؛ أنهم يقولون: أزيدا جلست عنده، ذكره في الأوسط من تأليفه، قال: فنصبت زيدا على إضمار فعل تقديره: ألابست زيدا جلست عنده، ثم قال الشيخ: وبهذه المسألة ونحوها، يبطل قول المصنف في أول الباب: (بجائز العمل فيما قبله)؛ فإن «جلست» من قولك: زيدا جلست عنده، لا يمكن أن تعمل في زيد (¬2) انتهى. وفيما قاله نظر؛ لأن ضابط كل باب يذكر أول الباب لتبنى أحكامه عليها، ثم إنه قد يشذ شيء عن الضابط الذي ضبط الباب به شيء أو يخرج عن القاعدة التي قررت فيه، فيحتاج إلى أن ينبه عليه بخصوصه، والأمر في هذه المسألة كذلك، ولولا خروجها عن ضابط الباب ما احتاج أن ينبه عليها. قال ناظر الجيش: قال المصنف: وإذا كان المشغول رافعا لشاغله لفظا أو تقديرا فسر رافعا لصاحب الضمير، وينقسم ذلك الرفع إلى واجب وراجح، ومرجوح ومساو، كما انقسم النصب، فمثال الواجب: رفع «زيد» في قولك: إن زيد قام قمت (¬3)، ومثال الراجح رفعه قولك: أزيد قام؟، ومثال المرجوح رفعه: زيد قام، ومثال المساوي رفعه نحو: أنا قمت وزيد قعد، وسبب كون الرفع واجبا وراجحا ومرجوحا ومساويا مفهوم ببيان مثل ذلك في النصب (¬4)، وذكر السيرافي أن - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 45)، وقد سمّى سيبويه هناك اسم «كان» باسم الفاعل وخبرها باسم المفعول. (¬2) التذييل (3/ 49). (¬3) وذلك لاختصاص أدوات الشرط بالفعل. (¬4) ينظر: الهمع (2/ 14).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفاعلية في نحو: أزيد قام؛ راجحة على الابتداء عند الأخفش مرجوحة عند الجرمي، وفي قول سيبويه احتمال، كذا زعم السيرافي (¬1)، وليس كما زعم، بل صرح برجحان الفاعلية، فإنه قال: وتقول: أعبد الله ضرب أخوه زيدا، لا يكون إلا الرفع، لأن الذي من سبب «عبد الله» فاعل، والذي ليس من سببه مفعول؛ فيرفع إذا ارتفع الذي من سببه، كما ينصب إذا انتصب، ويكون المضمر ما يرفع كما أضمرت في الأول ما ينصب؛ فإنما جعل [2/ 298] هذا المضمر بيان ما هو مثله (¬2) .. هذا نصه، وبان به خلاف ما زعم السيرافي. انتهى كلام المصنف (¬3). واعلم أن الكلام هنا يتوجه في مقامين: أحدهما: أن يقال: إنه يتصور في الاسم الذي يليه عامل رافع لضمير أو (¬4) لما هو من سببه لفظا أو تقديرا (¬5)؛ أن يرفع أن يرفع على الابتداء، وأن يرفع بفعل مقدر (¬6)، يفسره ذلك الفعل المتأخر، وهذا الأمر لا شك في صحته. وثانيهما: أن يقال: هل تدخل هذه المسألة بصورها في باب الاشتغال؟ فيقال: إن الاشتغال كما يتصور حال نصب الضمير أو السببي يتصور حال رفعهما أيضا. وأقول: أما ابن عصفور فإنه أدخلها في الباب؛ لأنه قال في المقرب في حد الاشتغال: هو أن يتقدم اسم ويتأخر عنه فعل متصرف، أو ما جرى مجراه قد عمل في ضمير ذلك الاسم أو في سببه، ولو لم يعمل فيه لعمل في الاسم المشتغل عنه أو في موضعه، ثم قال: ومثال عمله في موضعه قولك: أزيد قام أبوه، ألا ترى أن «قام» لو لم يعمل في الأب لم يعمل في زيد؛ لأن الفاعل لا يتقدم على الفعل، لكن يعمل في ظرف أو مجرور إن وقع موقعه (¬7)، وقال في الشرح: إن الاسم المشتغل عنه على ضربين: أن يعمل العامل في ضميره أو في سببه نصبا أو جرّا، نحو: زيد ضربته، وزيد ضربت أخاه، وزيد مررت به، وزيد مررت بأخيه، فهذا - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح السيرافي للكتاب (2/ 553). (¬2) الكتاب (1/ 102، 103). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 147). (¬4) سقطت كلمة (أو) من (أ). (¬5) مثل النحاة للأول، بنحو: «زيد قام»، وللثاني بنحو: «زيد غضب عليه». ينظر: التصريح (1/ 306)، وأوضح المسالك (1/ 156). (¬6) كقوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ. ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 217). (¬7) المقرب (1/ 87).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النوع لو لم يعمل العامل في الضمير أو في السببي لعمل في زيد، والثاني: أن يكون العامل قد عمل في ضميره أو في سببه رفعا، نحو قولك: أزيد قام؟ وأزيد قام أبوه؟ فهذا الضرب لو لم يعمل فيه العامل في الضمير أو السببي لم يصح له العمل في الاسم المشتغل عنه؛ لأن الفاعل لا يجوز تقديمه على الفعل، لكنه يصح له لو لم يعمل في الضمير أو السببي؛ أن يعمل في اسم يقع موقع الاسم المشتغل عنه، ألا ترى أن «قام» لا يصح له العمل في ظرف أو مجرور واقع موقع «زيد»؛ إلا بشرط أن لا يشتغل ذلك الموضع بحلول «زيد» فيه؛ وذلك لا يتصور إلا بأنّ «قام» يعمل في «زيد» لا في ضميره، ولا في سببه، فتقول: اليوم قام زيد، وأما إذا عمل «قام» في الضمير أو السببي؛ فإنه يلزم تقديم زيد على «قام»، فيتعذر إعمال الفعل في ظرف أو مجرور واقع موقع «زيد»؛ لاشتغال ذلك الموضع بحلول «زيد» فيه (¬1). انتهى. والمغاربة موافقون لابن عصفور في ذلك، وعليه مشى الشيخ (¬2)، وأما المصنف فيظهر من كلامه أن جعل المسألة من باب الاشتغال، لكنه لم يلتزم ما التزمه ابن عصفور من أنه يذكر للاشتغال حدّا يشمل النوعين؛ بل ذكر كل نوع على حدة، وهو أولى من فعل ابن عصفور، والذي يظهر [2/ 299] أن هذه المسألة ليست من باب الاشتغال؛ لأن الذي يفهم من قولهم: اشتغال العامل عن الاسم الذي قبله، أن ذلك كان متوجها إلى العمل في الاسم المذكور؛ ولكن شغل عن العمل فيه بغيره، وهذا لا يتصور في مسائل الاشتغال بالمرفوع؛ لأن «قام» من نحو: أزيد قام؟ أو أزيد قام أبوه؟ لم يشتغل عن زيد أصلا؛ لأن معنى الاشتغال عنه؛ أنه كان موجها للعمل فيه كما قلنا. ولا شك أن الأمر ليس كذلك، ثم يقال لابن عصفور ولمن وافقه: أي أثر لكونه يعمل في موضع الاسم لو لم يعمل في الضمير أو السببي حتى يكون ذلك مدخلا للمسألة في هذا الباب؟ ثم إنه قال: إنما يصح العمل في موضع الاسم إذا أخر الاسم وهو «زيد» مثلا، وعمل فيه العامل الذي كان عاملا في الضمير أو السببي، نحو: اليوم قام زيد. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل (1/ 362، 363)، وشرح المقرب (ص 17)، مخطوط بمعهد المخطوطات رقم (106) عنوانه في المخطوط خطأ؛ وإنما هو مثل المقرب. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 3).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أنه إذا أخر الاسم المفروض فيه الاشتغال صار التركيب تركيبا آخر غير التركيب الذي صور فيه الاشتغال؛ فكان ينبغي أن يصور الاشتغال والاسم في محله، وبعد فقد قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في تعليقه لما ذكر قوله: (أو في موضعه): ليس هذا من باب الاشتغال في شيء، وعجبت منه كيف ذكر هذا وكرره في هذا الباب مرارا؟ ثم كيف يقول: (في موضعه) وهو يريد بذلك أنه يعمل في ظرف أو مجرور لو وقع موقع هذا الاسم؟ قال: فمثل هذا تطلق عليه لفظة «موضع» في اصطلاح أحد من النحاة؟ هذا ما لا علم لي به. انتهى (¬1). ولا شك أن الرجل المشار إليه كان من العلماء المحققين رحمه الله تعالى، ثم لك أن تقول: إن المصنف لم يصرح بأن المسألة مذكورة من هذا الباب، ولم يذكرها فيه إلا ليبين أن الاسم الذي شأنه ذلك يجوز فيه: الرفع على الابتداء، والرفع على الفاعلية، وقد عرفت أن ذلك حق لا شبهة فيه، ومناسبة ذكرها في هذا الباب: أن الاسم هنا يجوز رفعه على الابتداء كما يجوز حال الاشتغال بالمنصوب رفع الاسم بالابتداء أيضا، لا يقال: قوله: (وإن رفع المشغول شاغله) يدل على أن المسألة من هذا الباب؛ إذ معناه: وإن رفع المشغول عن الاسم السابق شاغله؛ لأنك قد عرفت أن العامل في نحو: أزيد قام أبوه؟ لم يشتغل عن الاسم السابق؛ لأنه لم يكن موجها إلى العمل فيه أصلا، وإذا كان كذلك تعين أن يكون مراده: وإن رفع العامل الذي شأنه أن يقع بعد اسم سابق، ويكون شأنه أنه مشغول عنه؛ فكأنه يقول: إذا اتفق أن هذا العامل المشغول لا يكون ناصبا كما ذكرت من أول الباب إلى هذا الموضع [2/ 300] بل يكون رافعا لما بعده فحكمه كيت وكيت. وقد بقي هاهنا بحثان: أحدهما: أن المصنف ذكر أقساما أربعة وهي: واجب الرفع بالفاعلية، وراجحه بها، ومرجوحه بها، وما استوى فيه الرفع بالفاعلية والرفع بالابتداء، وبقي عليه خامس - ¬

_ (¬1) انظر: شرح بهاء الدين بن النحاس للمقرب المسمى بالتعليقة ورقة (39)، أول الباب، مخطوطة رقم (4947) الأزهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو ممتنع الرفع بالفاعلية؛ لأنه أحال مسائل الرفع على مسائل النصب وتلك خمس، فما وجب رفعه بالفاعلية، نحو: إن زيد قام؛ نظير ما وجب نصبه، وما رجح رفعه بالفاعلية رفعه بالابتداء، نحو: أزيد قام أبوه؟ نظير ما رجح نصبه وما رفعه (بالفاعلية) (¬1) مرجوح عن رفعه بالابتداء (¬2) على نصبه، والمستوي فيه الرفع بالفاعلية: زيد قام، وعمرو قعد؛ نظير ما استوى فيه الرفع والنصب وما امتنع رفعه بالفاعلية نحو: ليتما زيد يقوم؛ نظير ما امتنع نصبه، ووجب رفعه بالابتداء (¬3). وهذا القسم الذي تخلف عن المصنف (¬4). الثاني: أن المغاربة يشترطون في الاشتغال بالمرفوع أن يتقدم الاسم ما يطلب الفعل؛ إما على اللزوم، وإما على الاختيار، فإذا لم يتقدم الاسم شيء من ذلك، أوجبوا رفعه على الابتداء، ولا يجوز رفعه بالفاعلية (¬5)، قالوا: وإنما يجيز رفعه بالفاعلية أبو القاسم بن العريف (¬6)، فلا يشترط أن يتقدم على الاسم ما يطلب الفعل (¬7)، ومن ثمّ لما ذكر الشيخ صور المسألة مثل لما يحمل على الابتداء فقط، بنحو: زيد قام؛ - ¬

_ (¬1) في (أ): (بالابتداء). (¬2) زاد في (ب): (يعني أن رفعه بالابتداء هو الراجح، نحو: زيد قام، نظير ما رجح رفعه بالابتداء). (¬3) في التصريح (1/ 307)، أورد هذا المثال ضمن ما وجب رفعه بالابتداء، فقال: (وليتما عمرو قعد، إذا قدرت «ما» كافة لـ «ليت» عن العمل فعمرو مبتدأ، وقعد خبره؛ ولا يجوز أن يكون «عمرو» فاعلا لمحذوف؛ لأنه لم يسمع: ليتما قعد عمرو؛ فإن قدرت «ما» زائدة غير كافة لم يكن الرفع واجبا جائزا، لما تقدم من أنها إذا اتصل بها «ما» الزائدة جاز إعمالها وإلغاؤها؛ لعدم زوال اختصاصها بالجمل الاسمية؛ وإن قدرت «ما» مصدرية كان الرفع واجبا؛ لكن على الفاعلية؛ لأن «ما» المصدرية يجب أن يليها فعل ظاهر أو مقدر) اه. (¬4) سبق شرحه. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 362)، والتذييل (3/ 3). (¬6) هو الحسين بن الوليد بن نصر أبو القاسم بن العريف النحوي، كان عالما بالعربية متقدما فيها أخذ عن ابن القوطية وغيره ورحل إلى المشرق، وسمع من أبي طاهر الذهلي وابن رشيق وأقام بمصر أعواما، ثم عاد إلى الأندلس، وكان شاعرا، وله تصانيف منها كتاب في النحو، اعترض فيه على أبي جعفر بن النحاس وشرح الجمل، توفي سنة (390 هـ)، بغية الوعاة (1/ 542). (¬7) ينظر: الارتشاف (991)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 564)، والتصريح (1/ 308).

[مسألة أخيرة في باب الاشتغال]

[مسألة أخيرة في باب الاشتغال] قال ابن مالك: (وقد يفسّر عامل الاسم المشغول عنه العامل الظّاهر عاملا فيما قبله إن كان من سببه، وكان المشغول مسندا إلى غير ضميريهما؛ فإن أسند إلى أحدهما فصاحبه مرفوع بمفسّر المشغول، وصاحب الآخر منصوب به) (¬1). - قال: فهذا لا يجوز فيه إلا الرفع على الابتداء، ولا يجوز فيه الحمل على الفعل خلافا لابن العريف (¬2). وهذا عجب من الشيخ؛ لأن المصنف لا يشترط تقدم ما يطلب الفعل، فكيف يمثل لبعض الصور بما لا يراه صاحب الكتاب؟! والظاهر أن المشترطين لذلك إنما اشترطوه؛ لأنهم يجعلون المسألة من باب الاشتغال. وقد تقدم أن الظاهر أنها ليست من باب الاشتغال، وإذا كان كذلك فلا مانع من أن يرتفع زيد، من نحو: زيد قام، على أنه فاعل بفعل مقدر، كما قال المصنف رحمه الله تعالى. وأما قوله: ولا يجوز في نحو: أزيد ذهب به، إلى آخره. فقال في شرحه: ولم يجز سيبويه في نحو: أزيد ذهب به؛ إلا الرفع بالابتداء أو بفعل مضمر كأنه قال: أذهب زيد ذهب به؟ وأجاز السيرافي (¬3) النصب على إسناد «ذهب» إلى مصدر ذهب منويّا، وجعل المجرور في موضع نصب، وزعم أنه مذهب المبرد. وأجاز ذلك أيضا ابن السراج (¬4)، وهو رأي ضعيف؛ لأنه مبني على الإسناد إلى المصدر الذي تضمنه الفعل، ولا يتضمن الفعل إلا مصدرا غير مختص، والإسناد إليه منطوقا به غير مقيد، فكيف إذا لم يكن منطوقا (¬5) به (¬6). انتهى [2/ 301]. قال ناظر الجيش: قال المصنف: تقول: أزيدا أخاه تضربه أو يضربه عمرو، - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 83). (¬2) التذييل (3/ 50). (¬3) ينظر: شرح السيرافي للكتاب (2/ 548)، والارتشاف (ص 992)، والأشموني (2/ 86). (¬4) ينظر: أصول النحو لابن السراج (1/ 89). (¬5) ينظر: الهمع (2/ 114، 115). (¬6) ذكر الناسخ في هامش (ب) أن هنا بعد ذلك بياضا فقال: في النسخة المقابل عليها بياض قدر خمسة أسطر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتنصب الأخ بفعل مضمر يفسره «تضربه»، وينصب «زيدا» بفعل آخر مفسّر بالمضمر الذي نصب الأخ؛ لأن المضمر الذي نصب الأخ، قد فسره الفعل الظاهر وعرف واستبان حتى صار كالظاهر، فهو مفسّر بما بعده ومفسّر للمضمر قبله، وهذا الحكم فيما أسند فيه الفعل إلى غير ضميري الاسمين المتقدمين؛ فلو أسند إلى أحدهما، نحو: أزيد أخاه تضربه؛ رفع صاحب الضمير المرفوع بفعل مفسر بالظاهر ناصب لصاحب الضمير المنصوب (¬1). انتهى. قال الشيخ: في نصب الاسم الأول في هذه المسألة خلاف؛ ذهب سيبويه (¬2) والأخفش إلى جوازه، وذهب قوم من القدماء إلى أنه لا يجوز فيه إلا الرفع، فقال ذلك عنهم الأخفش؛ وإنما منعوا النصب؛ لأن المضمر لا يفسر المضمر عندهم. والجواب عن هذا قد عرف من قول المصنف: إن ذلك المضمر عرف واستبان حتى صار كالظاهر؛ يعني حتى صار كالملفوظ به، ثم قال الشيخ: وهذه المسألة ليس نصب الاسم الأول فيها سماعا عن العرب، وإنما هي مسألة قياسية (¬3)، ثم إنه أفسد القياس بما لم أتحقق أنه مفسد فتركت إيراده خشية الإطالة، ووكلت أمره إلى الناظر، فليتأمله إن أراد. وإذا انقضى الكلام على الباب فلنذكر الآن ثلاث مسائل، هي من متعلقات المسألة الأولى: الأولى: ذكر ابن أبي الربيع: أن باب الاشتغال يحتاج إلى سبعة شروط؛ وذلك أنه ذكر مسألة جره الكلام فيها إلى ذلك، وهي: أيوم الجمعة أنت أمير فيه؟ قال: لا يجوز في هذا إلا الرفع؛ لأنك إن نصبت «يوم الجمعة»، لا يخلو أن تنصبه بفعل أو بمعنى فعل، أما الفعل فلا يصح؛ لأن المفسر وهو «أمير» وهو معنى الفعل وسبيل المفسّر أن يكون على حسب المفسّر؛ فلا يفسّر الفعل إلا فعل مثله، وأما معنى الفعل فلا يقدّر؛ لضعفه، ولا دخول له في هذا الباب، ألا ترى أن الفعل الصريح إذا تعدى بحرف الجر، لا يدخل في هذا الباب لضعفه، ومعنى الفعل بلا شك أضعف منه، قال: وهذا لا أعلم فيه خلافا (¬4)، ثم ذكر الشروط السبعة - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 147). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 105). (¬3) التذييل (3/ 53، 54). (¬4) في الكتاب (1/ 117): «وتقول: أكل يوم أنت فيه أمير، ترفعه لأنه ليس بفاعل وقد خرج «كلّ»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فمنها ثلاثة في المحذوف، وهي: أن يكون فعلا ولا يكون معنى. الثاني: أن يكون يصل بنفسه ولا يصل بحرف الجر [2/ 302]. الثالث: أن يعمل في واحد، وخالف في هذا الأخفش يعني مسألة: أزيد عمرا يضربه؛ فإنه خالف فيها سيبويه على ما عرف، وقد تقدم (¬1). ومنها شرطان في المشتغل عنه، وهما: أن يكون إعرابه كإعراب ضميره أو سببه، فإن كان منصوبا كان المشتغل عنه كذلك، وأن تكون جهة النصب واحدة، وفي هذا خلاف قلت: وقد عرفته فيما تقدم. ومنها شرطان في المفسّر، وهما: أن يكون فعلا أو ما جرى مجراه كاسم الفاعل، وأن يكون مما يصح أن يعمل في الاسم لو تجرد عن الضمير أو السبب (¬2)؛ لأنه لا يفسر هنا إلا ما يصح أن يعمل. المسألة الثانية: قال ابن أبي الربيع: إذا كان معك سببان أحدهما مرفوع والآخر منصوب، فاحمل الاسم على أيهما شئت، نحو: أزيد ضرب أخوه غلامه، وكذلك إذا كان معك ضمير وسبب، والضمير منفصل، نحو: أزيد لم يضرب أخاه إلا هو؟ وأزيد لم يضرب أخوه إلا إياه؟ فإذا كان الضمير متصلا فاحمل الاسم على حسب الضمير؛ فإن كان الضمير مرفوعا فارفعه، وإن كان منصوبا فانصبه، نحو: أزيد لم يضرب إلا أخاه؟ لا يجوز النصب؛ لأنك إن نصبت صار كأنه مفعول بالفعل المفسر، ولا يتعدى فعل المضمر (المتصل) (¬3) إلى ظاهره في - ¬

_ - من أن يكون ظرفا، فصار بمنزلة «عبد الله»، ألا ترى أنك إذا قلت: أكلّ يوم ينطلق فيه؟ صار كقولك: أزيد يذهب به؟ ولو جاز أن ينصب «كل يوم» وأنت تريد بالأمير الاسم لقلت: أعبد الله عليه ثوب؟ لأنك تقول: أكلّ يوم لك ثوب؟ فيكون نصبا فإن قلت: أكلّ يوم لك فيه ثوب؟ فنصبت، وقد جعلته خارجا من أن يكون ظرفا، فإنه ينبغي أن تنصب: أعبد الله عليه ثوب؟ وهذا لا يكون؛ لأن الظرف هنا لم ينصبه فعل، إنما «عليه» ظرف للثوب، وكذلك فيه» اه. سبق شرحه فقد جاء فيه تعليق السيرافي على هذه المسألة. (¬1) سبق شرحه. (¬2) ينظر: التوطئة (ص 182)، والتصريح (1/ 305)، وقد بسط الشارح القول في هذه المسألة فيما سبق. (¬3) في حاشية (أ): (لمحل المتصل)، وفي (ب) قال: (لعله المتصل)، وقد أثبت ما يتمشى وسياق الكلام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب من أبواب العربية، فإن قلت: أزيدا لم يضربه إلا أخوه، ولا يجوز الرفع في «زيد»؛ لأنك إن رفعته صار كأنه فاعل بالمفسر، ولا يتعدى فعل الظاهر إلى مضمره، إلا في باب «ظننت»، تقول: ظنه زيد منطلقا، إذا ظن نفسه، فيجوز على هذا: أزيد ظنّه أخوه منطلقا؟ بالرفع والنصب؛ وكذلك إذا كان له ضميران: أحدهما: منفصل، والآخر: متصل؛ يجري الاسم على ما أجريته قبل، وإما أن يكون للاسم ضميران متصلان فلا يوجد إلا في باب ظننت، ويجوز هناك أن ترفع، وتنصب فتقول: أأنت ظننتك منطلقا؟ وأإياك ظننتك منطلقا؟ (¬1). انتهى. وهو كلام واف بالمقصود في هذه المسألة غير أن ابن عصفور استوعب الأقسام في تقسيمه، فقال: الفعل الذي اشتغل عن الاسم، إمّا أن يكون من باب ظننت، وقعدت، وعدمت أو من غيرها؛ فإن كان غيرها فالاسم الذي اشتغل عنه الفعل: إما أن يكون له ضمير واحد، أو سببي واحد، أو ضميران، أو سببيان، أو ضمير وسبب؛ فإن كان له ضمير واحد؛ حملته عليه، نحو: زيد أضربته؟ وإن كان له سببي واحد حملت عليه، نحو: زيدا ضربت أخاه؟ وإن كان له سببيان؛ حملت على أيهما شئت، نحو: أزيدا ضرب أخوه أباه؟ وأزيد ضرب أخوه أباه؛ وإن كان له ضمير وسببي؛ فإما أن يكون الضمير متصلا أو منفصلا، إن كان متصلا حملت على أيهما شئت، نحو: أزيدا أباه ضرب أخوه، وأزيد أباه ضرب أخوه؛ لأن الضمير المنفصل يجري مجرى السببي في جميع هذه المسائل؛ وإن كان الضمير متصلا حملت عليه ولا [2/ 303] يجوز حمله على السببي أصلا، فمثال ذلك، والضمير منصوب: أزيدا ضربه، ومثاله والضمير مرفوع: أزيد ضرب أخاه، وإن كان له ضميران؛ فإما أن يكونا متصلين أو منفصلين، أو يكون أحدهما متصلا والآخر منفصلا؛ فإن كانا متصلين فلا تجوز المسألة؛ لأن فعل المضمر المتصل لا يتعدى إلى مضمره المتصل إلا في الأماكن المستثناة؛ وإن كانا منفصلين حملت على أيهما شئت، نحو: أزيد أباه لم يضرب إلا هو؟ وإن كان أحدهما متصلا والآخر منفصلا حملت على المتصل، نحو: أزيدا لم يضربه إلا هو، وأزيد لم يضرب إلا أباه؛ وإن كان الفعل الذي اشتغل عن الاسم من الأفعال المستثنيات، فالاسم - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 57).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي اشتغل عنه الفعل، إما أن يكون له ضمير واحد، أو سببي واحد، أو ضميران، أو سببيان، أو ضمير وسببي، فإن كان له ضمير واحد أو سببي واحد؛ حملت عليه، نحو: أزيدا (¬1) ظننته (¬2) قائما، وأزيدا ظننت أخاه قائما، وإن كان له سببيان؛ حملت على أيهما شئت، نحو: أزيدا ظن أخاه أبوه قائما، وإن كان له ضمير وسببي؛ فالضمير إما متصل وإما منفصل، ثم (المتصل) (¬3) إما مرفوع أو منصوب؛ فإن كان منصوبا حملت على أيهما شئت، وذلك نحو: أزيدا ظنه أخوه قائما؟ وإن كان مرفوعا حملت عليه، ولا يجوز الحمل على السببي أصلا، وذلك نحو: أزيد ظن أباه قائما، وإن كان الضمير منفصلا (حملت عليه) (¬4)، وذلك نحو: أزيدا لم يظن أخاه إلا هو قائما؟ وإن كان له ضميران، فإما متصلان، وإما منفصلان، وإما مختلفان؛ فإن كان متصلين حملت على المرفوع، ولا يجوز الحمل على المنصوب؛ وذلك نحو: أزيد ظنه قائما، وإن كانا منفصلين (¬5) حملت على أيهما شئت، وذلك نحو: أزيدا إيّاه لم يظن (¬6) إلا هو قائما؟ وإن كان أحدهما متصلا والآخر منفصلا؛ فالمتصل إما مرفوع، وإما منصوب؛ فإن كان منصوبا حملت على أيهما شئت وذلك نحو: أزيدا لم يظنه (¬7) إلا هو قائما؛ وإن كان مرفوعا حملت عليه، ولا يجوز الحمل على غيره، وذلك نحو: أزيد لم يظن إلا (إيّاه) (¬8) قائما؟ هذا آخر تقسيمه، ثم قال: وتعتبر هذه المسائل؛ بأن يضع الاسم الذي اشتغل عنه الفعل موضع ما حملت عليه إن أمكن، وإن لم يمكن حذفت ما حملته عليه، وتركته في موضعه ونويت به التأخير، فإن جازت المسألة بعد ذلك، فهي جائزة قبله، وإلا فهي ممتنعة، والله تعالى أعلم (¬9). انتهى كلامه. - ¬

_ (¬1) في (ب): (أزيد). (¬2) زاد في (ب) (ضربته) بعد قوله: (أزيدا)، وهي زيادة مخلة بالسياق. (¬3) في (أ): (المنفصل)، والصواب ما أثبته من (ب). (¬4) في (ب): (حملت على أيهما شئت)، وهو الصواب. (¬5) في (أ): (متصلين)، والصواب ما أثبته من (ب). (¬6) في (أ): (أظن). (¬7) في (أ): (أظنه). (¬8) في (أ): (هو). (¬9) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 371 - 375) طبعة العراق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن قصدت اختصار ما ذكره، قلت: الفعل الذي اشتغل عن الاسم؛ إن كان من غير باب ظن وفقد وعدم [2/ 304]، وللاسم ضمير أو سببي؛ حمل عليه، أو ضميران متصلان؛ فلا تجوز المسألة، أو منفصلان؛ فعلى أيهما شئت، أو أحدهما متصل، والآخر منفصل؛ حملت على المتصل (¬1)، أو سببيان؛ فعلى أيهما، أو ضمير وسببي، والضمير منفصل؛ فعلى أيهما شئت، أو متصل؛ حملت عليه لا على السببي؛ وإن كان من باب ظن، أو كان الفعل فقد أو عدم وللاسم ضمير أو سببي؛ حملت عليه، أو ضميران متصلان؛ حملت على المرفوع لا على المنصوب، أو منفصلان؛ حملت على أيهما شئت أو أحدهما متصل، والآخر منفصل، والمتصل مرفوع؛ حملت عليه لا على غيره، أو منصوب؛ حملت على أيهما شئت، أو سببيان؛ حملت على أيهما شئت، أو ضمير متصل مرفوع وسببي؛ حملت عليه لا على السببي، أو منصوب؛ حملت على أيهما شئت، أو منفصل مرفوع وسببي؛ حملت على أيهما. فصور القسم الأول: سبع، وصور القسم الثاني: تسع، والمحتاج إلى التنبيه عليه منها إنما هو ست صور في الأول، وثماني صور في الثاني؛ لأن الاسم إذا كان له ضمير، أو سببي تعين حمله عليه ضرورة، وإنما يظهر أثر ذلك إذا تعدد ما للاسم من ضمير أو سببي أو منهما، ثم من صور القسم الأول (مسألة) (¬2) هي ممتنعة من أصلها، من غير نظر إلى تعلقها بباب الاشتغال، وهي ما كان للاسم فيها ضميران متصلان، نحو: أزيد ضربه؛ فإن هذا التركيب ممتنع في نصبه لما عرف من أنه لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى المضمر المتصل، في غير الأبواب الثلاثة المستثناة (¬3). يبقى خمس صور، منها صورتان يحمل الاسم فيهما على الضمير المتصل، لا غير، وهما: ما إذا كان مع الضمير المتصل (¬4) ضمير منفصل، أو سببي، مثال الأول: [أزيدا لم يضربه إلا هو؟ وأزيد لم يضرب إلا أباه؟ ومثال الثاني: أزيدا ضرب (¬5) - ¬

_ (¬1) في (ب): (المنفصل). (¬2) من الهامش في (ب). (¬3) أي: باب ظننت، وفقدت، وعدمت. (¬4) في (أ): (المنفصل). (¬5) في (ب): (ضربه).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخوه؟ وأزيد ضرب أخاه؟ وإنما تعين الحمل على الضمير المتصل دون المنفصل، ودون السببي في: أزيدا لم يضربه إلا هو؟ وفي: أزيدا ضربه أخوه؟؛ لأنه لو حمل على المنفصل وعلى السببي، لرفع الاسم السابق بفعل مقدر، يفسره الفعل الملفوظ به، والفعل المذكور فاعله الضمير المنفصل في أحد المثالين. والسببي في المثال الآخر، وقد عرفت أن المفسر في هذا الباب، يقدر أنه العامل في الاسم الذي قبله، وإذا كان كذلك، فيصير التقدير حينئذ: ضربه زيد، فيكون فعل الظاهر قد تعدى إلى ضميره المتصل؛ وذلك لا يجوز إلا في باب ظن، وفي فقد، وعدم؛ وإنما تعين الحمل على الضمير المتصل أيضا دون المنفصل، ودون السببي في: أزيد لم يضرب إلا أباه؟ وفي: أزيد ضرب أخاه؟؛ لأنه لو حمل عليهما الاسم السابق لنصب بمقدر يفسره الفعل الملفوظ به، والمفسّر في هذا الباب يقدر عاملا كما عرف، فيصير التقدير حينئذ: أزيدا ضرب؟ فيجوز (¬1) تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهر؛ وذلك لا يجوز في باب من أبواب العربية] (¬2)، وهاتان الصورتان هما اللتان يضبطان وثلاث الصور الباقية، يحمل الاسم فيها على أيّ شئت وهي: ما إذا كان للاسم ضميران منفصلان، نحو: أزيدا أباه لم يضرب إلا هو؟ أو سببيان، نحو: أزيدا ضرب أخوه إيّاه؟ وأزيد ضرب أخوه إياه؟ أو ضمير وسببي، والضمير منفصل، نحو: أزيدا ضرب أخوه إياه؟ وأزيد ضرب أخوه إياه. وأما صور القسم الثاني: فمنها ثلاث صور يحمل الاسم فيها على الضمير المرفوع المتصل لا غير. الأولى: إذا كان مع الضمير المرفوع ضمير منفصل منصوب، نحو: أزيد ظنه قائما؟. الثانية: إذا كان مع الضمير المرفوع ضمير منفصل، نحو: أزيد لم يظن إلا إياه قائما؟. الثالثة: إذا كان مع الضمير المرفوع سببي، نحو: أزيد ظن أخاه قائما، والعلة - ¬

_ (¬1) في (ب): (فيلزم). (¬2) ما بين المعقوفين من أول قوله: «أزيدا لم يضربه إلا هو»، إلى قوله: «في باب من أبواب العربية» من الهامش في (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الثلاثة واحدة، وهي أنك لو حملت على المنصوب لزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره [2/ 305]، وهو لا يجوز في باب من أبواب العربية، فهذه الثلاث هي التي تضبط وخمس الصور الباقية يحمل الاسم فيها على أيّ شئت، وهي ما إذا كان للاسم ضميران منفصلان، نحو: أزيدا إياه لم يظن إلا هو قائما، أو ضميران أحدهما متصل والآخر منفصل، والمتصل منصوب، نحو: أزيدا لم يظنه إلا هو قائما، أو سببيان، نحو: أزيدا ظن أخاه أبوه قائما، أو ضمير متصل منصوب وسببي، نحو: أزيدا ظنه أخوه قائما، أو ضمير منفصل مرفوع وسببي، نحو: أزيد (¬1) لم يظن أخاه إلا هو قائما (¬2). اعلم أن الحكم بجواز حمل الاسم على أمر دون آخر تارة، وبجواز حمله على كل من الأمرين تارة؛ مبني على أصول ثلاثة مقررة في علم العربية: الأول: أنه لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل، فلا يقال: ضربتني، ولا: ضربتك، ولا: زيد ضربه، أي: ضرب نفسه، نعم إذا أريد هذا المعنى أتي بلفظ النفس؛ لأن العرب تجري النفس مجرى الأجنبي؛ ولذلك تخاطبها، فتقول: يا نفس أقلعي عن كذا، وافعلي كذا، وكذا لا يجوز تعدي فعل الظاهر إلى ضميره المتصل، لا يقال: ضربه زيد؛ بل إذا أريد هذا المعنى، يقال: ضرب نفسه زيد إلا في باب ظننت، وفقدت، وعدمت، يقال: ظننتني قائما (¬3)، وزيد ظنه قائما أي: ظننت نفسي، وظننت نفسك، وظن نفسه، وحكم فقد وعدم كذلك؛ وكذا لا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره في بابين من الأبواب؛ فلا يجوز: زيدا ضرب، ولا: زيدا ظن قائما، تريد ضرب نفسه، وظن نفسه قائما (¬4). الثاني: أن العامل الذي شغله الضمير أو السببي يفرض عاملا في الاسم السابق - ¬

_ (¬1) في (ب): (أزيدا). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 371 - 375) طبعة العراق. (¬3) زاد في (ب): (وظننتك قائما). (¬4) تنظر هذه المسألة في: الهمع (1/ 156)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 151).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنزيلا للمفسّر منزلة المفسّر (¬1). الثالث: أن الضمير المنفصل محكوم له بحكم الظاهر؛ فينزل منزلته ليعامل معاملته، وقد عرفت فيما تقدم أن لك أن تحمل الاسم على أيّ شئت، إلا في خمس صور؛ فإنك تحمل على الضمير المتصل لا غير، صورتان منها في غير باب ظننت، وثلاث صور في باب ظننت؛ وفقدت، وعدمت، أما الصورتان في غير باب ظننت؛ فقد عرفت أنهما ما إذا كان مع الضمير المتصل ضمير منفصل، نحو: أزيدا لم يضربه إلا هو؟ وأزيد لم يضرب إلا إياه؟ أو سببي، نحو: أزيدا ضربه أخوه؟ وأزيد ضرب أخاه؟ وأما الثلاث الصور في باب ظن وما لحق (¬2) به، فقد عرفت أيضا أنهما ما إذا كان [مع الضمير المتصل المرفوع ضمير متصل منصوب، نحو: أزيد ظنه قائما؟ وما إذا كان] (¬3) معه ضمير منفصل، نحو: أزيد لم يظن إلا إياه قائما؟ وما إذا كان معه سببي، نحو: أزيد ظن أخاه قائما؟ وإذا كان كذلك وإن أردت نظم صور [2/ 306] مسائل البابين، وذكر ما اتفق (فيه البابان) (¬4)، وما اختلفا فيه، فقل: اتفق البابان في صور ست، منها أربع يحمل الاسم فيها على أيّ شئت من ضمير، أو سببي، وهي: ما إذا كان للاسم ضمير واحد أو سببي واحد، وما إذا كان للاسم سببيان، وما إذا كان للاسم ضمير، وسببي والضمير منفصل، وما إذا كان الاسم له ضميران منفصلان. وصورتان يحمل (الاسم فيهما) (¬5) على الضمير دون السببي، وعلى المتصل دون المنفصل، وهما: ما إذا كان للاسم ضمير وسببي والضمير متصل مرفوع، وما إذا كان له ضميران أحدهما متصل مرفوع والآخر منفصل. واختلف البابان في صور ثلاث وهي: ما إذا كان للاسم ضمير وسببي والضمير منصوب، فإنه يحمل على الضمير لا على السببي في غير باب ظننت وما معها، وفي باب ظننت وما معها يحمل على أيهما شئت، [وما إذا كان له ضميران متصلان؛ فإن ذلك لا يجوز في غير باب ظننت، وفي باب ظننت يحمل على المرفوع لا غير؛ وما إذا - ¬

_ (¬1) ينظر: التصريح (1/ 305)، وشرح الكافية للرضي (1/ 162، 163). (¬2) في (ب): (ألحق). (¬3) ما بين المعقوفين من الهامش في (ب). (¬4) في (ب) (البابان فيه). (¬5) في (ب) (فيهما الاسم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان له ضميران أحدهما متصل منصوب والآخر منفصل؛ فإنه يحمل على المتصل] (¬1) [في غير باب ظننت، وفي باب ظننت يحمل على أيّ شئت] (¬2)، واعلم أن المصنف لم يتعرض في شيء من كتبه إلى ذكر هذه المسألة، وكأنه يرى الاستغناء عن ذكرها بكونه أشار إلى الأصول الثلاثة التي تبنى عليها المسألة المذكورة: الأول: ما أشار إليه في باب ظن وأخواتها من أن الأفعال القلبية المنصرفة تختص بجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين متحدي المعنى، وأن الاتحاد يمنع عموما إن أضمر الفاعل متصلا مفسرا بالمفعول. والثاني: ما أشار إليه في هذا الباب أعني: باب الاشتغال من أن العامل المشغول، يصح تسلطه على الاسم السابق، وعمله فيه لو فرع حتى يفرض كأنه هو العامل (¬3) فيه. وأما الثالث: فإنه يفهم من ذكر مسائل متفرقة في الكتاب، تتعلق بالضمير المنفصل، يعرف منها أن حكمه حكم الظاهر. المسألة الثالثة: قال الشيخ: وفي البسيط ما ملخصه شرط المشغول عنه أن يكون مما يقبل أن يضمر، وأن يتقدم فلا يصح الشغل عن الحال، والتمييز، والمصدر المؤكد، ومجرور كاف التشبيه، وحتى، وغير ذلك مما امتنع إضماره؛ فالظرف إن كان على التوسع جرى مجرى المفعول به واتصل بالفعل، نحو: يوم الجمعة صمته؛ رفعا ونصبا، إما على السعة، وإما على الظرف؛ فإن كان على الظرف قلت: يوم الجمعة ألقاك فيه، والمصدر إن كان متسعا فيه جاز الشغل عنه، نحو: ضربت زيدا الضرب الشديد، فتقول: الضرب الشديد ضربته زيدا؛ رفعا ونصبا، والمفعول معه، بمنزلة المجرور؛ تقول: الخشبة استوى الماء وإياها؛ فيصير بمنزلة [2/ 307] زيدا ضربت عمرا أخاه، أي: لابس الماء الخشبة، وأما المفعول من أجله؛ فإن كان اسما فكالمجرور (¬4)، نحو: الله أطعمت له، وإن كان مصدرا؛ فإن جوزنا إضماره جاز، - ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين من أول قوله: «وما إذا كان له ضميران متصلان» إلى قوله: «فإنه يحمل على المتصل» من الهامش في (ب). (¬2) ما بين المعقوفين من أول قوله: «في غير باب ظننت» إلى قوله: «على أيّ شئت». ساقطة من (ب). (¬3) سبق شرحه. (¬4) في (أ): (فالمجرور).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلا فلا كمسألته في الإخبار، وتجري هذه المشغول عنها في الفصل، والأدوات، والأحكام، على نحو ما تقدم (¬1). انتهى. والذي يظهر لي أن هذا الذي ذكره صاحب البسيط غير محتاج إليه؛ لأنه قد عرف أن الاسم المشتغل عنه لا بد أن يكون سابقا على العامل الذي اشتغل بغيره عنه؛ وأن العامل لا بد أن يشتغل بضميره أو بملابس ضميره، والملابس هو الذي يذكر معه ضمير ما تقدمه، فما لا يكون متقدما ولا يضمر، كيف يتصور فيه الاشتغال، ثم إن في قوله: والمفعول معه بمنزلة المجرور، تقول: الخشبة استوى الماء وإياها، فتصير بمنزلة: زيدا ضربت عمرا وأخاه؛ نظرا لأنه يفهم منه جواز الاشتغال عن المفعول معه (¬2)، وهو غير ظاهر؛ لأنه يلزم من إجازة ذلك، جواز تقديم المفعول معه على العامل، وذلك ممتنع بالإجماع، وينبغي للناظر أن يتأمل ما قاله، فقد يفهم منه غير ما فهمته، نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى طريق الحق؛ وأن يوفقنا في القول، والعمل بمنه وكرمه، وصلّى الله على النبي محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 59، 60) وينظر: الارتشاف (ص 993). (¬2) ينظر: الهمع (2/ 115).

الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه

الباب الحادي والعشرون باب تعدي الفعل ولزومه [تقسيم الفعل إلى متعدّ ولازم - إجراء اللازم مجرى المتعدي] قال ابن مالك: (ان اقتضى فعل مصوغا له باطّراد اسم مفعول تامّ نصبه مفعولا به وسمّي: متعدّيا وواقعا ومجاوزا، وإلّا فلازما: وقد يشهر بالاستعمالين فيصلح للاسمين. وإن علّق اللّازم بمفعول به معنى عدّي بحرف جرّ، وقد يجرى مجرى المتعدّي شذوذا، أو لكثرة الاستعمال أو لتضمين معنى يوجب ذلك. واطّرد الاستغناء عن حرف الجرّ المتعيّن مع «أنّ» و «أن» محكوما على موضعهما بالنّصب لا بالجرّ، خلافا للخليل والكسائيّ، ولا يعامل بذلك لتعيّن الجارّ غيرهما، خلافا للأخفش الأصغر، ولا خلاف في شذوذ بقاء الجرّ في نحو: أشارت كليب بالأكفّ الأصابع) قال ناظر الجيش: ترجمة هذا الباب لا تطابق ما بني عليه ترتيب أبواب الكتاب؛ لأنه من هنا شرع في ذكر المنصوبات، ولا شك أن المفاعيل الخمسة أصلها، وهو قد ترجم كلّا من أبواب المفاعيل الأربعة، أعني المفعول المطلق، والمفعول فيه، والمفعول له، والمفعول معه بما وضعه له، وهذا باب المفعول به، وقد عدل عن ترجمته بذلك إلى الترجمة بتعدي الفعل ولزومه؛ ولذلك صدر الباب ببيان كل من الفعلين، وكان الواجب أن يترجمه بالمفعول به، لتوافق الأبواب الخمسة، في ترجمة كل منها بما هو له [2/ 308]، وليكون سرد تراجم الأبواب مطابقا لما تقدمت إشارته إليه، حيث قال: والنصب للفضلة، وهي مفعول مطلق، أو مقيد، أو كذا أو كذا؛ وإذ قد نبه على هذا فاعلم أن الفعل له متعلقات منها الفاعل، ومنها المفاعيل الخمسة، وكلها من مقتضيات الفعل؛ ولكن اقتضاؤه لها بجهات مختلفة، وقد تعرض النحاة إلى ذكرها، قال ابن أبي الربيع: ما يطلبه الفعل ببنيته هو عمدة، وهو الفاعل، ولا يجوز إسقاطه لما في ذلك من نقض الغرض، وما جاء بعد ذلك مما يقتضيه الفعل أو يستدعيه أو يلازم مستدعاه ينصبه، والذي يقتضيه الفعل شيئان: المصدر وظرف الزمان، والذي يلازم مستدعاه: ظرف المكان، والذي يستدعيه ثلاثة أشياء: محله، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وباعثه، ومصاحبه. انتهى (¬1). واعلم أن هذا الذي ذكره بالنسبة إلى المفاعيل الخمسة مأخوذ من كلام الجزولي؛ فإنه قال في الجزولية: المفعول: ما تضمنه الفعل من الحدث، والزمان، والتزمه من مكان واستدعاه من محل، وباعث، ومصاحب (¬2). وعبارته أحسن من عبارة ابن أبي الربيع، وقد استفيد منها أن دلالة الفعل على الحدث، دلالة تضمن، وكذا دلالته على الزمان؛ فتكون دلالته عليهما معا دلالة مطابقة، وأن دلالته على المكان دلالة إلزام؛ وأن لا دلالة على المفعول به، ولا المفعول له، ولا المفعول معه، لكنها مستدعاة له. وأما قول ابن أبي الربيع: ما يطلبه الفعل ببنيته فهو الفاعل، فكلام حسن، ومعناه أن كلّا من الأفعال الثلاثة اشتق من المصدر، ليسند إلى فاعل؛ إذ لو لم يقصد إسناد «ضرب» مثلا إلى فاعل فعل ذلك في زمان مخصوص؛ لقيل: كان ضرب أو وجد ضرب، أو وقع ضرب ونحو ذلك، فلما كان القصد ببنية الفعل إسناده إلى فاعل؛ لم يجز حذف الفاعل، إذا كان المسند إليه فعلا، أو ما شاركه في الاشتقاق، لما في ذلك من نقض الغرض، كما قال ابن أبي الربيع، ومن ثمّ جاز حذف الفاعل، إذا كان المسند إليه مصدرا (¬3). وبهذا الذي قررناه، اندفع سؤال من يقول: لأي شيء لا يجوز حذف الفاعل، وإن كان عمدة إذا دلّ عليه دليل، كما جاز حذف المبتدأ، وحذف الخبر ثم المفعول به؟ قال ابن عصفور: وهو كل فضلة انتصب عن تمام الكلام، يصلح وقوعها في جواب من قال: بأيّ شيء وقع الفعل؟ أو يكون على طريقة، ما يصلح ذلك فيه (¬4) وهو حد طويل عريض. وشرحه بأن قال: إنما قلت: كل فضلة، ولم أقل: كل اسم؛ لأن المفعول به قد يكون في تقدير اسم، نحو: تذكرت أنك قائم، وأريد أن تقوم، ونحو ذلك، وقد يكون [2/ 309] جملة، نحو: قال زيد: يقوم عمرو، فالفضلة تعم الجميع، قال: - ¬

_ (¬1) انظر: البسيط في شرح جمل الزجاجي، لابن أبي الربيع (1/ 272، 367) تحقيق د/ عياد الثبيتي. (¬2) المباحث الكاملية شرح المقدمة الجزولية (ص 23) تحقيق د/ حمدي المقدم رسالة بكلية اللغة العربية. (¬3) نحو قوله: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً، وينظر: الهمع (1/ 161). (¬4) المقرب (1/ 113).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتحرزت بقولي: انتصب عن تمام الكلام، من الفضلات المجرورة، نحو: مررت بزيد؛ لأن الباب موضوع للمفعول به المسرح، وتحرزت بقولي: يصلح وقوعها في جواب من قال .. إلى آخره، من سائر المفعولات، وهي المصدر، وظرف الزمان، وظرف المكان، والمفعول معه، والمفعول من أجله (¬1)، فإن جميع ذلك غير صالح لما ذكر، ومثال ما يصلح وقوعه في جواب من قال: بأي شيء وقع الفعل؟: ضربت زيدا؛ فزيد يصلح وقوعه في جواب من قال: بأي شيء وقع الضرب؟. ومثال ما لا يصلح لذلك؛ لكنه على طريقة ما يصلح ذلك فيه: ما ضربت زيدا؛ لأن زيدا لم يوقع به شيء؛ فلم يصلح جوابا، لكنه على طريقة ما يصلح ذلك فيه، وحده صاحب المفصل: بأنه الذي يقع عليه فعل الفاعل (¬2)، وفسر الشراح الوقوع هنا بالتعلق المعنوي؛ فقالوا: المراد بالوقوع التعلّق المعنوي، لا الأمر الحسي (¬3)؛ إذ ليس كل الأفعال المتعدية واقعة على مفعولها حسّا، كقولك: علمت زيدا قائما؛ فإنه لم يقع في الحس على زيد شيء، إنما تعلق به؛ ولا شك أن الذي يقع عليه حسّا هو متعلق به معنى، فكان التعلق مطردا في القسمين. قلت: يجب أن يكون المراد بالوقوع التعلّق؛ لأن زيدا من قولك: ما ضربت زيدا، لم يقع عليه شيء، لكنه تعلق به. وحاصل الأمر: أن تعلق الفعل بالشيء قد يكون على طريق الثبوت، وقد يكون على طريق النفي، والظاهر: أنهم إنما عدلوا في الحد عن لفظ التعلق إلى لفظ الوقوع؛ لموجب، وهو أنه لو قيل: المفعول به ما يتعلق به فعل الفاعل، لم يكن الحد مطردا، لدخول بقية المفاعيل فيه؛ إذ كل منها من متعلقاته فعدل إلى لفظ الوقوع ليخلص الحد لما هو المقصود، وفسر الوقوع بالتعلق كما عرفت، فكان في لفظ الوقوع إشعار بأنه إذا قيل: ضربت زيدا مثلا، كان تعلقه به من جهة وقوعه عليه، وإذا تقرر هذا فلنرجع إلى شرح كلام المصنف، فنقول أولا: اعلم أن المفعول به هو الفارق بين المتعدي من الأفعال واللازم؛ فالمتعدي: هو الذي له متعلق تتوقف عقليته عليه، فما كان متعديا إلا باعتبار هذا التعلق، ولهذا - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 161) طبعة العراق. (¬2) المفصل للزمخشري (ص 34). (¬3) ينظر: الهمع (1/ 165)، والمطالع السعيدة للسيوطي (ص 269).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يقال: متعدّ، ويطلق القول إلا للمتعدي إلى المفعول به، وما لا يتعدى إلى المفعول به فهو لازم، ولا يقال له: متعدّ إلا بالتّقييد، فيقال: متعدّ إلى المفعول المطلق، أو المفعول فيه، أو متعدّ بحرف جر (¬1)، ولما كان الفارق بين الفعلين إنما هو المفعول به؛ أجاز المصنف معرفة كل منهما على ذلك، فقال: (إن اقتضى فعل مصوغا له باطراد اسم مفعول تام نصبه مفعولا به، وسمي [2/ 310] متعديا وواقعا، ومجاوزا، وإلا فلازما) (¬2)، يعني إن اقتضى فعل اسما؛ يصاغ لذلك الاسم من مادّة ذلك الفعل اسم مفعول تام نصب الفعل ذلك الاسم مفعولا به، وكان ذلك الفعل متعديا، وواقعا، ومجاوزا، وإن لم يكن كذلك؛ بأن لا يقتضي الفعل ذلك الاسم المقيد بما ذكر؛ وذلك بأن لا يصاغ من مادته اسم مفعول أصلا، كقام زيد، وجلس عمرو، أو يصاغ منها اسم مفعول غير تام، نحو: جلس زيد في الدار، ومرّ زيد بعمرو؛ إذ يصح أن يقال: الدار مجلوس فيها، وعمرو ممرور به؛ كان ذلك الفعل لازما (¬3)، ويقال له: قاصر أيضا، واحترز بقوله: باطراد، من شيء وهو أن يكون الفعل يتعدى بحرف الجر، فيحذف ذلك الحرف للضرورة مثلا، نحو قول القائل: 1306 - تمرّون الدّيار ولم تعوجوا (¬4) - ¬

_ (¬1) في التوطئة للشلوبين (ص 160): «والمتعدي ما نصب مفعولا به، أو اقتضاه بواسطة، إلا أن ما نصب مفعولا به، يقال فيه: متعد مطلقا، وما اقتضاه بواسطة، لا يقال فيه: متعد مطلقا؛ وإنما يقال فيه: مقيدا، فيقال: متعدّ بحرف جر» اه. (¬2) ينظر: التسهيل (ص 83). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 299) طبعة العراق، وأوضح المسالك (1/ 156، 157). (¬4) صدر بيت من الوافر، وقائله جرير، وعجزه: كلامكم عليّ إذا حرام وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 306)، والمقرب (1/ 115)، والتذييل (3/ 62)، والغرة لابن الدّهان (2/ 10)، والارتشاف (936) والتوطئة (ص 161) والكامل (1/ 33)، وابن يعيش (8/ 7)، (9/ 103)، والبحر المحيط (7/ 79)، وتعليق الفرائد (1406)، والكافي شرح الهادي (ص 403)، وما يجوز للشاعر (ص 102، 103)، والمغني (1/ 102)، (2/ 473)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 311)، والخزانة (3/ 671)، والعيني (2/ 560)، والهمع (2/ 83)، والبهجة المرضية (ص 55)، والدرر (2/ 107)، وشرح ابن عقيل (1/ 180)، وشرح شواهده (ص 113)، وديوانه (ص 512). والشاهد قوله: «تمرون الديار»؛ حيث حذف حرف الجر للضرورة، وهو إما الباء، والأصل: تمرون بالديار، وإما «على»، والأصل: تمرون على الديار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه إذا اضطر الشاعر يقول: الديار ممرورة، فقد صيغ للديار من «تمرون الديار» اسم مفعول تام، لكن هذا الصوغ لا يضطرد، وأشار المصنف بقوله: (وقد يشتهر بالاستعمالين)، إلى أن الفعل قد يستعمل بالتعدي واللزوم على السواء، فيصلح لذلك أن يسمى متعديا ولازما، فما تعدى تارة بنفسه، وتارة بحرف جر؛ ولم يكن أحد الاستعمالين مستندرا فيه؛ قيل فيه: متعدّ بوجهين، نحو: شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، وقد ذكروا مع هذين الفعلين فعلين آخرين: مسحت، وخشنت؛ قالوا: ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالسماع (¬1). قال ابن عصفور: وزعم بعض النحويين؛ أنه لا يتصور أن يوجد فعل يتعدى تارة بنفسه، وتارة بحرف جر؛ لأنه محال أن يكون الفعل قويّا ضعيفا في حال واحدة، ولا المفعول محلّا وغير محل في حين واحد وهو الصحيح. قال: فينبغي إذا أن تجعل: نصحت زيدا وأمثاله الأصل فيه: نصحت لزيد، ثم حذف حرف الجر منه في الاستعمال، وكثر فيه الأصل والفرع؛ لأن النصح لا يحل بزيد، فإن كان الفعل يحل بنفس المفعول ويوجد تارة متعديا بنفسه، وتارة بحرف جر جعلنا الأصل وصوله بنفسه، وحرف الجر زائدا نحو: مسحت رأسي، ومسحت برأسي، وخشّنت بصدره وصدره؛ لأن التخشين يحل بالصدر، والمسح يحل بالرأس (¬2). انتهى. وكان قد قرر قبل هذا الكلام؛ أن المتعدي بنفسه، هو الذي يطلب مفعولا؛ ويكون ذلك المفعول يحل به الفعل، نحو: ضربت زيدا؛ وأن المتعدي بحرف جر هو الذي يطلب مفعولا به، إلا أنه لا يكون محلّا للفعل، نحو: مررت بزيد، وجئت إلى عمرو، وعجبت من بكر (¬3). قال: فالمرور لا يحل بزيد، ولا المجيء بعمرو، ولا التعجب من بكر (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 352)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 53)، والهمع (2/ 80)، والمقرب (1/ 114)، وحاشية الخضري (1/ 180). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 300، 301) طبعة العراق. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 299، 300). (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 300).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: هذا الذي اختاره، وقال: إنه صحيح هو الذي يقتضيه النظر؛ وذلك لأن المتعدي [2/ 311] من الأفعال هو الذي له متعلق تتوقف عقليته عليه (¬1) كما تقدم، ولا شك أن اللازم ليس كذلك، أي: ليس له متعلق تتوقف عقليته عليه، ومحال أن يتجمع الأمران؛ إذ الضدان لا يجتمعان، وأيضا: فالفرق بين ما يحل به الفعل، وما لا يحل به الفعل واضح، وقد عرفت أن هذا الأمر أيضا فاصل بين المتعدي واللازم، ومنهم من قال: إن الفعل إذا تعدى بنفسه كان له معنى، وإذا تعدى بحرف جر كان له معنى آخر، فنصحت زيدا؛ محمول على ضده وهو «غشّ»، ونصحت لزيد؛ محمول على نظيره وهو «خلص»، فمعنى نصحت له: خلص عملي له (¬2)، ولا يخفى بعد هذا عن مقاصد العرب. وجعل ابن أبي الربيع الذي يتعدى بنفسه تارة، وبحرف جر تارة ثلاثة أقسام: 1 - قسم الأصل فيه حرف الجر، ثم أسقط اتساعا، نحو: شكرت لزيد وزيدا. 2 - قسم عكسه، نحو: قرأت السورة وبالسورة. 3 - قسم هما فيه أصلان، نحو: جئتك وجئت إليك، فمن قال: جئتك؛ لحظ قصدتك، ومن قال: جئت إليك؛ لحظ وصلت إليك (¬3). واعلم أنهم إنما اختلفوا في تعلق الفعل بالمفعول به؛ أهو من نفس معنى الفعل أم بالنقل؟ قال ابن عمرون: وأكثر النحاة على الأول قال: وذهب بعضهم إلى أن المتعدي موقوف على السماع بدليل: نقص الماء وأنقصته (¬4)، وقد مال المصنف إلى هذا القول؛ فإنه قال: وما لا بد له من حرف الجر، فهو لازم، ولا يتميز المتعدي من اللازم بالمعنى والتعلق؛ فإن الفعلين قد يتحدان معنى، وأحدهما متعدّ والآخر لازم، كصدقته وآمنت به، ونسيته وذهلت عنه، وحببته ورغبت فيه، وأردته وهممت به، وخفته وأشفقت منه، واستطعته وقدرت عليه، ورجوته وطمعت فيه، وتجنبته - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 272). (¬2) ينظر: نتائج الفكر (ص 71). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 66)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 568). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 65)، ونتائج الفكر (ص 71).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأعرضت عنه (¬1)؛ وإنما يتميز المتعدي بأن يتصل به كاف الضمير، أو هاؤه أو ياؤه باطراد؛ وبأن يصاغ منه اسم مفعول تام باطراد، نحو: صدقته، وحببته، وأردته، ورجوته، فهو مصدق، ومحبوب، ومراد، ومرجو، وبهذا علم أن قال: متعدّ لاطراد، نحو: قلته فهو مقول، ولو قصد هذان الأمران من ذهلت، ورغبت، وطمعت، وأعرضت لم يستغن عن الحرف، كقولك: ذهلت عنه ورغبت فيه وطمعت فيه وأعرضت عنه، فهو مذهول عنه، ومرغوب فيه، ومطموع فيه، ومعرض عنه؛ فلا يتأتى لك صوغ المفعول تامّا، بل ناقصا أي: مفتقرا إلى حرف الجر؛ فعلم بذلك لزومه وعدم تعدّيه، كما علم بالتمام التعدي. انتهى. وما قاله من أن المتعدي لا يتميز من اللازم بالمعنى والتعلق، خلاف قول الأكثرين وأما ما [2/ 312] ذكره من أن الفعلين قد يتّحدان معنى، وأحدهما متعد والآخر لازم، كصدقته، وآمنت به، إلى آخر الأمثلة التي ذكرها؛ فلك أن تمنع اتحاد معنى الفعلين في جميع ما أورده، وهو الظاهر، فيقال: معنى آمنت به أخص من معنى صدقته؛ إذ قد يصدق الإنسان غيره ولا يؤمن به. وكذا إذا حقق الناظر نظره، أمكنه أن يفرق بين معنى نسيته وذهلت عنه، وكذا بقية الأمثلة. واعلم أن المصنف قد تعرض في الألفية إلى ذلك. وأما قول المصنف: (وإن علق اللازم بمفعول به معنى عدّي بحرف جر)، فظاهر، ثم إن الحرف - أعني حرف الجر - قد يحذف فيصل الفعل بنفسه إلى ما كان مجرورا به، وإلى ذلك الإشارة بقوله: (وقد يجري مجرى المتعدي شذوذا، أو لكثرة الاستعمال، أو لتضمين معنى يوجب ذلك)، فهذه ثلاثة أسباب، أما الشذوذ فنحو: قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ما ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر (4/ 151) موافق لما قاله المصنف هنا بقول السيوطي تحت عنوان: الأفعال المتعدية لا تميز عن غيرها بالمعنى: «طوبى لمن صدق رسول الله، وآمن به، وأحبّ طاعته، ورغب فيها، وأراد الخير وهمّ به، واستطاعه وقدر عليه، ونسي عمله وذهل عنه، وخاف عذاب الله وأشفق منه، ورجا ثوابه وطمع فيه، فهذه أفعال ستة متحدة المعاني، وهي مختلفة بالتعدي واللزوم؛ فدل على أن الفعل المتعدي، لا يتميز من غيره بالمعنى» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1307 - كأنّي إذا أسعى لأظفر طائرا ... مع النّجم في جوّ السّماء يصوب (¬1) وقول الآخر: 1308 - تحنّ فتبدي ما بها من صبابة ... وأخفي الّذي لولا الأسى لقضاني (¬2) الأصل: لأظفر بطائر، ولقضي عليّ، وأما كثرة الاستعمال فنحو قولهم: دخلت الدار، والمسجد، ونحو ذلك، فيقاس على هذا دخلت الدار، والبيت وغير ذلك من الأمكنة (¬3)، ومن المقتصر فيه على السماع: توجّه مكة، وذهب الشام، ومطرنا السهل - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، لقائل مجهول في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 148)، ومعاني القرآن للأخفش (197)، والتذييل (3/ 68). اللغة: يصوب: يتنزل. والشاهد قوله: «لأظفر طائرا»؛ حيث عدى الفعل اللازم شذوذا. (¬2) البيت من الطويل وهو لعروة بن حزام، وهو في: التذييل (3/ 67، 73)، والارتشاف (734، 934)، وتعليق الفرائد (ص 1410)، والبحر المحيط (4/ 28)، (5/ 10)، (7/ 240)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 96)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 53)، والمغني (1/ 142)، (2/ 577)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 414)، والهمع (2/ 29، 81)، والدرر (2/ 22، 106)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 307). والشاهد قوله: «لقضاني»؛ حيث حذف منه حرف الجر فعداه إلى الضمير، والأصل: قضى علي وقيل: إنه ضمن معنى «أهلكني أو قتلني» فعداه بنفسه. (¬3) في شرح الصفار للكتاب ق (40 / ب): «وزعم أبو الحسن أن «دخلت» متعدية إلى مفعول به، وأن الدار وما أشبهه بعدها بمنزلة «زيدا» بعد «ضربت» مفعولا به. والذي حمله على ذلك المراد وصولها بنفسها لكل ظرف مكان مختص، ولم يجعله بمنزلة: دهيت الشام لقلته، وهذا الذي ذهب إليه فاسد من غير جهة؛ وذلك أن «دخلت» نقيض «خرجت»، «وخرجت» غير متعد؛ فكذلك ينبغي أن يكون نقيضه؛ لأن النقيض يجري مجرى النظير؛ ومنها أن مصدر دخلت: الدخول، والمفعول في الغالب مصدر ما لا يتعدي، نحو: القعود والجلوس؛ ولا يجيء في المتعدي إلا قليلا، نحو: لزمه لزوما، ونهكه نهوكا، والحمل على الأكثر أولى، ومما يدل دلالة قطعية على فساد مذهبه: أن طلب «دخلت» لاسم المكان بعده كطلب الظرف، ألا ترى أن الفرق بين الظرف والمفعول به: أن المفعول به محل الفعل خاصة، والظرف محل للفعل والفاعل معا. ومما يدل أيضا على فساد مذهبه: أنهم يقولون: دخلت في الأمر، ولا يصل إلى الأمر وما أشبهه من المعاني إلا بـ «في»، فلو كانت دخلت: متعدية بنفسها لما عدوها إلى الأمر بـ «في»، فدل ذلك على أنها غير متعدية» اه. وينظر في هذه المسألة: الكتاب (1/ 35، 159)، والأمالي الشجرية (1/ 367، 368)، والمسائل البغداديات للفارسي (ص 332) رسالة بجامعة عين شمس، تحقيق إسماعيل أحمد عمايرة، واللباب في علل البناء، والإعراب للعكبري (ص 217 - 219)، ونتائج الفكر للسهيلي (ص 321)، والمقتصد شرح الإيضاح (ص 183).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجبل، وضرب فلان الظهر والبطن؛ فلا يقاس على هذه الأسماء وما أشبهها غيرها (¬1). قال المصنف (¬2): وإذا ثبت أن اللازم، هو المفتقر إلى حرف جر، فليعلم أن الأصل أن لا يحذف حرف الجر؛ فإن ورد حذفه وكثر، قبل وقيس عليه؛ يعني كما قيل في دخلت؛ وإن لم يكثر قبل ولم يقس عليه؛ يعني كما قيل: في توجّه، وذهب، ومطرنا السهل والجبل، وضرب فلان الظهر والبطن؛ وأما تضمين معنى يوجب ذلك؛ فنحو قول بعضهم (¬3): رحبكم الدخول في الطاعة، فإنه ضمنه معنى وسع، فأجراه مجراه، ومنه قول علي: إن بشرا طلع اليمن (¬4)، ضمنه معنى بلغ، وقد قالوا في قوله تعالى: وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ (¬5): إنه ضمنه معنى: ولا تعقدوا (¬6)، قالوا: وإذا دخل التأويل فيما يتعدى بنفسه، فنقل إلى ما لا يتعدى بنفسه، كقوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (¬7) فضمن معنى يُخالِفُونَ معنى الخروج والانفصال، فعدّي بعن (¬8) فهنا أجوز؛ لأنه نقل من الأضعف إلى الأقوى [2/ 313]. واعلم أن المصنف لما ذكر أن حرف الجر يحذف فيصل الفعل اللازم إلى الاسم بنفسه، مثل لذلك بقوله تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (¬9)، وبقوله تعالى: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (¬10)، وقال: الأصل: على صراطك، وعن أمر ربكم، وأنشد البيتين المحكوم بشذوذهما عقب ذكر الآيتين الشريفتين، فأوهم ذلك أن حذف الحرف في الآيتين الشريفتين محكوم بشذوذه، وليست هذه عادته في الكتاب العزيز، والحكم بالشذوذ في ذلك صعب شديد، ولا يبعد أن الفعلين ضمنا معنى ما يتعدى بنفسه، فأجريا مجراه فضمن لَأَقْعُدَنَّ معنى: «لأرصدن»، وأَ عَجِلْتُمْ - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 158، 159). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 148، 149) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، وزميله. (¬3) هو نصر بن سبيار أمير خراسان في الدولة الأموية، وكان أول من ولاه هشام بن عبد الملك، ينظر: اللسان مادة «رحب»، والتذييل (3/ 68). (¬4) ينظر: شرح الأشموني (2/ 97). (¬5) سورة البقرة: 235. (¬6) ينظر: إملاء ما من به الرحمن (1/ 99). (¬7) سورة النور: 63. (¬8) ينظر: الكشاف (2/ 102)، وإملاء ما منّ به الرحمن (2/ 160)، وتفسير البيضاوي (6/ 365). (¬9) سورة الأعراف: 16. (¬10) سورة الأعراف: 150.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى: «أسبقتم» (¬1). وقول المصنف: (واطرد الاستغناء عن حرف الجر المتعين مع أنّ وأن)؛ كأنه استثناء من الكلام الذي قبله؛ فكأنه قال: ولا يحذف حرف الجر المعدي حذفا مطردا إلا مع هاتين الكلمتين. قال المصنف: واطرد حذف حرف الجر مع «أنّ وأن»؛ إن تعين عند حذفه، نحو: عجبت أن يتعصب ناصح وطمعت أنك تقبل، فلو لم يتعين الحرف عند حذفه مع «أنّ وأن» لامتنع الحذف، نحو: رغبت أن يكون كذا، فإنه لا يدري هل المراد: رغبت في أن، أو عن أن يكون؟ (¬2) والمرادان متضادان معنى؛ فيمتنع الحذف في مثل هذا. انتهى (¬3). والمسوغ لاطراد الحذف مع أنّ وأن طولهما بالصلة والطول يستدعي التخفيف (¬4)، قاله ابن عصفور (¬5)، قال الشيخ: وقد جاء الحذف في قوله: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ (¬6)، فقدره بعضهم: عن أن تنكحوهن، وقدره بعضهم: في أن تنكحوهن (¬7). وتبع الشيخ في ذكر ذلك المعتبرون من الطلاب، ومن ثم جعلوه كالاستدراك على المصنف، والحق أن لا استدراك، فإن من قدر «في» قال: إن تقديرها متعين فلا يجيز تقدير «عن»، ومن قدّر «عن» كانت متعينة عنده أيضا؛ فلا يجيز تقدير «في» وعلى هذا؛ فالحرف المحذوف متعين قطعا، وإنما كان يكون استدراكا لو أجيز التقديران معا على التخيير، والأمر ليس كذلك، ثم قال المصنف: ومذهب الخليل، والكسائي، في أنّ وأن عند حذف حرف الجر المطرد حذفه أنهما في محل جر، ومذهب سيبويه والفراء أنهما في محل نصب، وهو الأصح؛ لأن بقاء الجر بعد حذف عامله قليل، والنصب كثير، والحمل على الكثير أولى من الحمل على - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 273). (¬2) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 96)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 54)، وشرح ابن عقيل (1/ 180). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 150)، تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، وزميله. (¬4) ينظر: التصريح (1/ 313)، وشرح الأشموني (2/ 92)، وشرح الكافية للرضي (2/ 273)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 304، 305) طبعة العراق، والمقتضب (2/ 314). (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 304، 305) طبعة العراق. (¬6) سورة النساء: 127. (¬7) التذييل (3/ 70).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القليل (¬1) وقد يستشهد لمذهب الخليل والكسائي بما أنشده الأخفش من قول الشاعر (¬2): 1309 - وما زرت ليلى أن تكون حبيبة ... إليّ ولا دين بها أنا طالبه (¬3) انتهى (¬4). ومما يرجح به مذهب [2/ 314] سيبويه: أن الأصل والأكثر أنه إذا حذف حرف - ¬

_ (¬1) اعترض صاحب التصريح على ما ذهب إليه ابن مالك في هذه المسألة، وما نسبه إلى الخليل وسيبويه، فقال: «وما ذهب إليه الموضح من أن محل أنّ وأن نصب بعد الحذف، هو مذهب الخليل، وأما سيبويه فقال بعد ما أورد أمثلة من الحذف: ولو قال قائل، إن الموضع جر لكان قولا قويّا، وله نظائر نحو قولهم: لاه أبوك، ثم نقل النصب عن الخليل، فظهر بهذا أن ما نقله ابن مالك تبعا لابن العلج، من أن الخليل يقول بالجر سهو» اه التصريح (1/ 313)، وما ذكره صاحب التصريح هذا هو الحق؛ حيث إن سيبويه صرح في كتابه بأن القول بالنصب هو مذهب الخليل، فقال: «وسألت الخليل عن قوله جل ذكره: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ، فقال: إنما هو على حذف اللام، كأنه قال: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، وقال: نظيرها لِإِيلافِ قُرَيْشٍ؛ لأنه إنما هو لذلك (فليعبدوا)؛ فإن حذفت اللام من «أن» فهو نصب، كما أنك لو حذفت اللام من (لإيلف) كان نصبا، هذا قول الخليل، إلى أن قال: ولو قال إنسان: إنّ «أن» في موضع جر في هذه الأشياء؛ ولكنه حرف كثر استعماله في كلامهم، فجاز فيه حذف الجار؛ لكان قولا قويّا، وله نظائر نحو قوله: لاه أبوه، والأول قول الخليل» اه الكتاب (3/ 126 - 128)، وينظر: حاشية الصبان (2/ 92). وأقول: مما يلفت النظر في هذه المسألة أن كثيرا من النحويين ساروا على ما ذهب إليه ابن مالك فنسبوا القول بالجر إلى الخليل، والقول بالنصب إلى سيبويه. ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 273)، والهمع (2/ 81)، والبهجة المرضية (ص 55). وقد أورد الصبان في حاشيته على شرح الأشموني (2/ 92) تصحيحا لما نسب إلى الخليل، وسيبويه، فقال: قوله: «مذهب الخليل إلخ» كذا في البسيط، والتسهيل؛ لكن قال شيخنا وغيره: الصواب ذكر سيبويه مكان الخليل، والخليل مكان سيبويه كما في المغني والتصريح» اه، وينظر المغني (2/ 526) فقد ورد فيه رأي ابن مالك فقال: «وأما نقل جماعة منهم ابن مالك أن الخليل يرى أن الموضع جر؛ وأن سيبويه يرى أنه نصب فسهو» اه. (¬2) هو الفرزدق والبيت من قصيدة يمدح فيها المطلب بن عبد الله المخزومي. (¬3) البيت من الطويل وهو في: الكتاب (3/ 29)، والإنصاف (1/ 395)، والتذييل (3/ 71)، والأمالي الشجرية (1/ 418)، والمغني (2/ 526)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 585)، وتعليق الفرائد (ص 1414)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 97)، والأشموني (2/ 92، 235)، والهمع (2/ 81)، والبهجة المرضية (ص 55)، والدرر (2/ 105)، وحاشية الخضري (1/ 180)، وديوانه (ص 93). ويروى البيت أيضا برواية «سلمى» مكان «ليلى»، كما في الكتاب. والشاهد قوله: «أن تكون حبيبة»؛ حيث حذف الحرف، فاستدل به من ذهب إلى أنه في موضع جر؛ وذلك لأنه قد عطف عليه قوله: «ولا دين» بالجر. (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 150).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجر أن لا يبقى له عمل البتة، ولا يضمر وآنذا يكون إعراب ما حذف منه الحرف على حسب الطالب للموضع، فإن كان الموضع يقتضي رفعا رفع الاسم، نحو: كفى الله في كَفى بِاللَّهِ * (¬1)، وما في الدار أحد في: ما في الدار من أحد، وإن كان الموضع يقتضي نصبا نصب الاسم؛ وإنما وقع الخلاف في «إنّ وأن»؛ لأن حرف الجر لم يظهر له عمل وتأثير فيما دخل عليه؛ وإنما قال المصنف: وقد يستشهد لمذهب الخليل، والكسائي، بما أنشده الأخفش من قول الشاعر: 1310 - وما زرت ليلى ... ... ......... البيت ولم يقطع بالاستشهاد به؛ لاحتمال أن يكون في موضع نصب، وأن يكون «ولا دين» معطوفا على توهم الجر (¬2). ثم قال الشيخ (¬3): ما ذكره المصنف أنه مذهب الخليل ليس بصحيح، بل مذهب الخليل أنه في موضع نصب، وهو منصوص في كتاب سيبويه ثم أورد النص. ثم قال المصنف: وأجاز علي بن سليمان الأخفش (¬4)؛ أن يحكم باطراد حذف حرف الجر، والنصب، فيما لا لبس فيه (¬5)، كقول الشاعر: 1311 - وأخفي الّذي لولا الأسى لقضاني (¬6) والصحيح أن يتوقف فيه على السماع، قال سيبويه بعد أن حكى قولهم: عددتك ووزنتك وكلتك، ولا تقول: وهبتك؛ لأنهم لم يعدوه؛ ولكن: وهبت لك (¬7)، قال المبرد: لا يقال: وهبتك؛ لئلا يتوهم كون المخاطب موهوبا، وإذا زال الإشكال، نحو: وهبتك الغلام؛ جاز. ¬

_ (¬1) سورة الرعد: 43، سورة الإسراء: 96. (¬2) ينظر: المغني (2/ 527). (¬3) التذييل (3/ 72) وفيه كلام سيبويه. (¬4) هو علي بن سليمان بن الفضل النحوي أبو الحسن الأخفش الأصغر، أحد الثلاثة المشهورين، قرأ على ثعلب، والمبرد، وأبي العيناء، قال المرزباني: ولم يكن بالمتسع في الرواية للأخبار، والعلم بالنحو، وما علمته صنف شيئا، ولا قال شعرا، وكان إذا سئل عن مسائل النحو ضجر كثيرا. قدم مصر سنة سبع وثمانين ومائتين وخرج إلى حلب سنة ثلاثمائة، توفي فجأة في بغداد سنة (315 هـ) وقيل: (316 هـ)، البغية (2/ 167). تحقيق محمد أبو الفضل. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 307)، والهمع (2/ 82)، وشرح الكافية للرضي (2/ 273). (¬6) تقدم ذكره. (¬7) الكتاب (1/ 318).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى أبو عمرو الشيباني (¬1): انطلق معي أهبك نبلا، تريد: أهب (¬2) لك. انتهى (¬3). وكذا قاله ابن عصفور لما أنشد: 1312 - تمرّون الدّيار (¬4) وقول الآخر: 1313 - تحنّ فتبدي ... ...... البيت (¬5) وقول الآخر: 1314 - فبتّ كأنّ العائدات فرشنني ... هراسا به يعلى فراشي ويقشب (¬6) أي: فرشن لي، قال: وزعم علي بن سليمان الأخفش؛ أنه لا يجوز حذف حرف الجر، إذا تعين موقع الحذف، والمحذوف قياسا على ما جاء من ذلك، نحو: بريت القلم السكين، تريد بالسكين؛ لأنه قد تعين المحذوف وهو «الباء»، وموضع الحذف وهو السكين؛ فإن اختل الشرطان أو أحدهما منع، نحو: رغبت الأمر؛ لأنه لا يعلم هل المراد «في» أو «عن»؟ وكذلك لا يجوز: اخترت إخوتك الزيدين؛ لأنه لا يعلم هل أردت اخترت إخوتك من الزيدين، أو الزيدين من إخوتك؟ قال: والصحيح: أنه لا يجوز شيء من ذلك وإن وجد الشرطان فيه؛ لقلة ما جاء من ذلك، إذ لا يحفظ منه إلا الأفعال [2/ 315] التي ذكرها (¬7). انتهى. والأفعال التي ذكرها هي: اختار، واستغفر، وسمّى، وكنّى، ودعا بمعنى: سمّى، وأمر، مما سيأتي الكلام عليها عند إشارة المصنف إليها. ثم قال المصنف: ولا خلاف في شذوذ حذف حرف الجر وبقاء عمله، كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سبقت ترجمته. (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن الضائع (2/ 207 / أ). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 150). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) تقدم ذكره. (¬6) هو للنابغة الذبياني، والبيت ضمن أبيات يعتذر فيها إلى النعمان، ويمدحه بها، والبيت من الطويل، وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 307)، والتذييل (3/ 78)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 200)، وإصلاح المنطق (ص 449)، واللسان مادة «قشب»، وديوانه (ص 17) طبعة. بيروت. اللغة: العائدات: الزائرات في المرض. فرشن: بسطن. الهرس: نبات فيه شوك. والشاهد قوله: «فرشتني»؛ حيث حذف الجار، والتقدير: فرشن لي. (¬7) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 307).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1315 - إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة ... أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (¬1) أراد: أشارت إلى كليب، فحذف «إلى» وأبقى عملها. ومثله: 1316 - وكريمة من آل قيس ألفته ... حتّى تبذّخ فارتقى الأعلام (¬2) أراد: إلى الأعلام؛ فحذف وأبقى الجر .. انتهى (¬3). بقي الكلام على مسألة واحدة وهي: أنهم اختلفوا في الناصب للمفعول به على مذاهب: الأول: وهو مذهب الجمهور: وهو أن الناصب له الفعل، أو ما يقوم مقامه؛ لأن العامل ما به يتقوم المعنى المقتضى، والذي يتقوم به معنى المفعولية هو الفعل، والدليل عليه أنه يختلف باختلافه؛ فإنك تقول: ضربت زيدا، وأعطيت عمرا درهما، فالمفعول مع «ضربت» واحد، ومع أعطيت اثنان، والفاعل المتكلم في الصورتين، فلو كان العامل غير الفعل لم يختلف باختلافه، ولأنه متى كان الفعل متصرفا جاز تقديمه عليه، وما لم يكن متصرفا نحو: ما أحسن زيدا؛ لا يجوز تقديمه على الفعل، فلولا أنه عامل لم يكن كذلك. الثاني: مذهب هشام، وهو أن الناصب له الفاعل، ويبطل مذهبه جواز تقديمه عليه مع أنه غير متصرف، وأنه يأتي دون فاعل مع المصدر، نحو قوله تعالى (¬4): - ¬

_ (¬1) عجز بيت للفرزدق، وهو من الطويل، وصدره: إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة وينظر: التذييل (3/ 61، 79)، والارتشاف (ص 747)، وتعليق الفرائد (1417)، والمغني (1/ 11) (2/ 643)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 12)، والخزانة (3/ 669)، (4/ 208)، والعيني (3/ 542)، (3/ 354) والتصريح (1/ 312)، وأوضح المسالك (1/ 158)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل، (1/ 180)، والأشموني (2/ 90، 233)، والهمع (2/ 36، 81)، والدرر (2/ 37، 106)، وديوانه (ص 520)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 96)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 51). والشاهد قوله: «أشارت كليب»؛ حيث حذف حرف الجر وأبقي عمله، والأصل: أشارت إلى كليب. (¬2) لم أهتد إلى قائله، وهو من الكامل، وينظر في: التذييل (3/ 71)، والارتشاف (ص 747)، والعيني (3/ 341)، والهمع (2/ 36)، والدرر (2/ 67)، والأشموني (2/ 234)، واللسان «ألف - بذخ». اللغة: كريمة: صفة مذكر أي ربّ رجل كريم. ألفته: أعطيته ألفا أو صحبته. تبذخ: تكبر وعلا. الأعلام: جمع علم وهو الجبل. والشاهد قوله: «فارتقى الأعلام»؛ حيث حذف حرف الجر وهو «إلى» وأبقى عمله. (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 151). (¬4) في (ب): (سبحانه وتعالى).

[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد- متعد إلى اثنين]

[نوعا المتعدي: متعد إلى واحد - متعد إلى اثنين] قال ابن مالك: (فصل: المتعدّي من غير بابي «ظنّ» و «أعلم» متعدّ إلى واحد، ومتعدّ إلى اثنين، والأوّل متعدّ بنفسه وجوبا، وجائز التّعدّي واللّزوم، وكذا الثاني بالنّسبة إلى أحد المفعولين، والأصل تقديم ما هو فاعل معنى على ما ليس كذلك، وتقديم ما قد يجرّ، وترك هذا [2/ 316] الأصل واجب وجائز وممتنع لمثل القرائن المذكورة فيما مضى). ـــــــــــــــــــــــــــــ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً (¬1)، ومحال منصوب لا ناصب له؛ وأن الفاعل يكون ضميرا وهو غير عامل. الثالث: مذهب الفراء، وهو أن الناصب للمفعول به المجموع، وهو أيضا باطل بما أبطل به مذهب هشام، وبشيء آخر وهو أنهما لو كانا عاملين لما (¬2) جاز وقوعه بينهما؛ لأن المعمول لا يتوسط العامل. الرابع: مذهب خلف الأحمر، أن العامل في المفعول (¬3) معنوي وهو كونه مفعولا، ويبطله رفعه في ما لم يسم فاعله، ومعنى المفعولية فيه، فإن قيل: مسلم أن معنى المفعولية باق؛ لكن فقد شرط نصبه، وهو ذكر الفاعل، فالجواب: أن ذكر الفاعل ليس بشرط، بدليل جواز حذفه مع المصدر مع نصبه (¬4). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬5): لما تقدم الكلام على «ظن» و «أعلم» وأخواتها استثنيتهما بقولي: (المتعدي من غير بابي «ظن» و «أعلم») وبيّنت أن المتعدي مما سواهما لا يوجد منه متعدّ إلى أكثر من اثنين، بل هو إما متعدّ إلى واحد بنفسه أبدا كضرب وأكل، مما لا يحتاج إلى حرف جر، وإما متعدّ بنفسه تارة، وبحرف جر تارة، كشكر ونصح، مما يقال له: متعدّ بوجهين، وقد أشرت إلى ذلك قبل هذا مجملا (¬6)، ثم أشرت الآن إليه مفصلا، ثم بيّنت أن المتعدي إلى اثنين من هذا الباب، إما متعدّ إليهما بنفسه، نحو: كسا وأعطى، وإما متعدّ إلى - ¬

_ (¬1) سورة البلد: 14، 15. (¬2) في (ب): (ما). (¬3) في (ب): (المفعول به). (¬4) ينظر هذه المسألة في: التذييل (3/ 62)، والهمع (1/ 165)، والمطالع السعيدة (ص 269)، والمقرب (1/ 113)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 166)، والإنصاف (1/ 78، 79). (¬5) شرح التسهيل (1/ 151). (¬6) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما بنفسه أبدا وإلى الآخر بوجهين، نحو: اختار وأمر، تقول: كسوت زيدا ثوبا، وأعطيته درهما؛ فلا يحتاج إلى حرف جر، ولا يجوز ذلك أن تأتي به، وتقول: اخترت زيدا قومه، وأمرته الخير، واخترته من قومه وأمرته بالخير. ومأخذ هذا النوع السماع (¬1) والأصل تقديم المفعول الذي هو فاعل معنى على المفعول الذي ليس كذلك، كزيد من مسألة: أعطيت زيدا درهما؛ فإنه مفعول في اللفظ فاعل في المعنى؛ لكونه آخذ أو متناولا، بخلاف الدرهم؛ فإنه مفعول في اللفظ والمعنى، فأصله أن يتأخر وأصل الآخر أن يقدم (¬2)، وكذا الأصل تقديم ما هو يتعدى إليه الفعل بنفسه أبدا، وتأخير ما يتعدى إليه بوجهين؛ لأن علقه ما لا يحتاج إلى واسطة أقوى من علقه ما يحتاج إليها؛ فلذلك يقال: أعطيت درهمه زيدا، واخترت قومه عمرا، ولا يقال: أعطيت صاحبه الدرهم (¬3)، ولا: اخترت أحدهم القوم، إلا على قول من قال: ضرب غلامه زيدا (¬4)، ومثال: وجوب ترك الأصل: ما أعطيت درهما إلا زيدا (¬5)، وأعطيت الدرهم صاحبه (¬6)، وهما نظيرا: ما ضرب عمرا إلا زيد، وضرب زيدا غلامه، ومثال امتناع ترك الأصل: ما أعطيت زيدا إلا (¬7) درهما، وأضربت زيدا عمرا (¬8)؛ بمعنى جعلت زيدا يضرب عمرا، وهذان نظيرا: ما ضرب زيد إلا عمرا، وضرب موسى عيسى، وما خلا من - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 37 - 39)، ونتائج الفكر للسهيلي (ص 330)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 304، 305) طبعة العراق، والمقرب (1/ 121). (¬2) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 97)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 55)، والبهجة المرضية (ص 56)، وأوضح المسالك (1/ 160)، والمطالع السعيدة (ص 271). (¬3) وذلك لعود الضمير على مؤخر لفظا ورتبة، وينظر: التصريح (1/ 314). (¬4) في الهمع (1/ 168): «ومما يفرع على الأصل أيضا امتناع أعطيت مالكه الغلام؛ لعود الضمير على مؤخر لفظا ورتبة؛ لأن المالك هو الآخذ، فهو نظير: ضرب غلامه زيدا، والكوفيون جوزوا ذلك على تقدير تناول الفعل للغلام أولا، فالأول عندهم هو الذي يقدر الفعل آخذا له قبل صاحبه» اه. وينظر: التصريح (1/ 314). (¬5) لأن المفعول الأول محصور بإلّا، فوجب تأخيره. (¬6) وجب ترك الأصل في هذا المثال، فقدم المفعول الثاني على المفعول الأول، ليعود الضمير على متقدم، ينظر: المطالع السعيدة (ص 271)، والهمع (1/ 168). (¬7) العلة في وجوب الأصل هنا، حصر المفعول الثاني بإلّا. (¬8) يجب الأصل في هذا المثال؛ لأنه ليس هناك قرينة تبين الفاعل من المفعول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سبب الوجوب وسبب الامتناع جاز أن يبقى على الأصل، نحو: كسوت زيدا ثوبا، وجائز أن يخالف الأصل، نحو: كسوت ثوبا زيدا. انتهى (¬1). وقد تقدم من كلام ابن عصفور أن الأفعال التي تتعدى إلى واحد بنفسها، وإلى آخر بحرف، وأن ذلك الحرف يجوز حذفه هي: اختار، واستغفر، وسمّى، وكنّى، ودعا بمعنى سمّى، وأمر؛ فهي ستة أفعال، وذكر أنها مسموعة تحفظ، ولا يقاس عليها (¬2) كما ذكر المصنف، قال الله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (¬3) المعنى: عن قومه، وقال الشاعر: 1317 - أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب (¬4) [2/ 317] وقال الآخر (¬5): 1318 - وسمّيت كعبا بشر العظام ... وكان أبوك يسمّى جعل (¬6) يريد: وسمّيت بكعب، وكان أبوك يسمّى بجعل، ويقال: كنيتك أبا عبد الله أي: بأبي عبد الله، قال: 1319 - وما صفراء تكنى أمّ عمرو ... كأنّ سويقتيها منجلان (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 152). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 305، 306) طبعة العراق. (¬3) سورة الأعراف: 155. (¬4) البيت من البسيط، وهو لعمرو بن معد يكرب الزبيدي وهو في: الكتاب (1/ 37)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 305)، والمقتضب (2/ 35، 320)، والجمل للزجاجي (ص 40)، والمحتسب (1/ 51، 372)، والأمالي الشجرية (1/ 165)، (2/ 240)، وابن يعيش (2/ 44)، (8/ 50)، وأصول ابن السراج (1/ 213)، والمزهر (2/ 457)، والمؤتلف والمختلف (ص 17)، والكافي شرح الهادي (ص 408)، والمغني (1/ 315)، (2/ 566)، والخزانة (1/ 164)، والهمع (2/ 82)، والدرر (2/ 106). اللغة: النشب: المال الثابت كالضياع ونحوهما. والشاهد قوله: «أمرتك الخير»؛ حيث حذف حرف الجر، وهو الباء، والأصل: بالخير. (¬5) هو الأخطل أو عتبة بن الوغل، ينظر: معجم شواهد العربية (1/ 262). (¬6) البيت من المتقارب، وهو في: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 305)، والتذييل (3/ 75)، والخزانة (1/ 220، 415، 458)، والمؤتلف والمختلف (ص 84)، والاقتضاب (45، 125)، وديوان الأخطل (ص 335). ويروى البيت برواية «يسمى الجعل» مكان «يسمى جعل». والشاهد قوله: «وسميت كعبا - يسمى جعل»؛ حيث حذف حرف الجر. (¬7) البيت من الوافر، وهو لحماد الرواية، وقيل: لأبي عطاء السندي، وهو في: شرح الجمل لابن عصفور -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: تكنى بأم عمرو، وأستغفر الله ذنبي، يريد: من ذنبي، قال الشاعر: 1320 - أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه الوجه والعمل (¬1) أي: من ذنب، ودعوتك أبا عبد الله، أي: بأبي عبد الله، قال (¬2): 1321 - دعتني أخاها أمّ عمرو ولم أكن ... أخاها ولم أرضع لها بلبان (¬3) يريد: دعتني بأخيها، أي: سمتني بذلك؛ فإن أريد بـ «دعا» معنى الاستدعاء لم يتجاوز مفعولا واحدا، نحو: دعوت زيدا، أي: استدعيه، وقد ذكر الشيخ عن النحاة مع هذه الأفعال الستة، أفعالا أخر أجريت مجراها فيما ذكر، وهي: زوّج وصدّق وعيّر. فيقال: زوجته بامرأة، قال الله تعالى: زَوَّجْناكَها (¬4)، وصدقت زيدا في الحديث والحديث، وعيّرت زيدا بسواده (¬5) قال: 1322 - وعيّرتني بنو ذبيان خشيته ... وهل عليك بأن أخشاك من عار (¬6) - ¬

_ - (1/ 305)، والتذييل (3/ 75) برواية «أم عوف» مكان «أم عمرو»، والشعر والشعراء (767)، والأغاني (17/ 331)، والحيوان للجاحظ (5/ 161)، والمحكم (2/ 269)، واللسان (صفر). والشاهد قوله: «تكنى أم عمرو»؛ حيث حذف حرف الجر، وعدّى الفعل. (¬1) البيت من البسيط لم أهتد إلى قائله ولم ينسبه أحد، وهو من الأبيات الخمسين. وهو في: الكتاب (1/ 37)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 4202)، والمقتضب (2/ 320)، والخصائص (3/ 247)، وابن يعيش (7/ 63، 8/ 51)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 306)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 233)، والخزانة (1/ 486)، وشرح شذور الذهب (ص 445)، وتأويل مشكل القرآن (1/ 177)، ومقاييس اللغة (6/ 59)، ومع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 103) والكافي شرح الهادي (ص 407)، وأصول النحو لابن السراج (1/ 212)، والتذييل (3/ 74)، وأمالي المرتضى (3/ 47)، والغرة المخفية (ص 253)، والعيني (3/ 226)، والتصريح (1/ 394)، والهمع (2/ 82)، والدرر (2/ 106). والشاهد قوله: «ذنبا»؛ حيث حذف حرف الجر، وعدّى الفعل «أستغفر». (¬2) هو عبد الرحمن بن الحكم، والبيت من قصيدة يشبب فيها بزوج أخيه مروان بن الحكم. (¬3) البيت من الطويل، وهو في: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 306)، والكامل (1/ 125)، وشذور الذهب (ص 449)، ومع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 104). والشاهد قوله: «دعتني أخاها»؛ حيث حذف حرف الجر، وعدى الفعل، والأصل: دعتني بأخيها. (¬4) سورة الأحزاب: 37. (¬5) ينظر: التذييل (3/ 76). (¬6) البيت من البسيط وهو للنابغة الذبياني في: التذييل (3/ 76)، وديوان النابغة (ص 57) طبعة بيروت. والشاهد قوله: «وعيرتني بنو ذبيان خشيته» حيث حذف حرف الجر، وعدى الفعل، والأصل: «بخشيته» ورواية الديوان «وهل علي» مكان «وهل عليك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعل الجرجاني من هذه الأفعال أيضا كلته كذا وكذا جريبا، ووزنته كذا وكذا درهما، والأصل: كلت له ووزنت له، ثم حذفت اللام قال الله تعالى: وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ [يُخْسِرُونَ (¬1)؛ المعنى: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم] (¬2)، ولم يذكر المكيل والموزون (¬3). واعلم أن الشرط المتقدم الذكر في حذف حرف الجر المصاحب لأنّ وأن، وهو المتعين مشروط هنا أيضا، ولهذا قال ابن عصفور بعد أن ذكر الأفعال المتقدمة الذكر، ولا يجوز ذلك يعني الحذف في هذه الأفعال إلا بشرط تعين موضع الحذف والمحذوف الذي هو حرف الجر؛ فإن نقص هذان الشرطان، أو أحدهما لم يجز حذف حرف الجر أصلا، فلا يجوز: اخترت إخوتك الزيدين؛ لعدم تعين موضع الحذف؛ إذ يحتمل أن يكون المراد: اخترت إخوتك من الزيدين، أو: اخترت الزيدين من إخوتك (¬4)، ثم قد بقي هاهنا أمور ينبه عليها: منها: أن الشيخ قال: إن في جواز «أضربت زيدا عمرا»؛ نظرا فإن الظاهر من مذهب سيبويه؛ أن التعدية بالهمزة قياس في اللازم، سماع في المتعدي، قال: فعلى هذا يحتاج إلى سماع تعدية ضرب لمفعولين بالهمزة، وإلا لم يجز (¬5). ومنها: أن السهيلي ذهب إلى أن [2/ 318] «استغفر» ليس أصلها التعدية إلى الثاني بحرف الجر؛ بل الأصل أن تتعدى إليه بنفسها، وزعم أن تعديتها بمن إنما هو ثان عن تعديتها بنفسها؛ وإنما عديت بمن لتضمنها معنى طلب التوبة من الذنب والخروج منه، والأصل: استغفرت الله الذنب؛ لأنه من غفر إذا ستر، وتقول: غفر الله ذنوبنا ولا تقول: من ذنوبنا، إلا أن تريد بعضها، ومعنى «استغفر» طلب أن يغفر له، فهو بمنزلة: استسقيت زيدا الماء، واستطعمت عمرا الخبز، أصله: سقاني زيد الماء، وأطعمني عمرو الخبز؛ فكما أن الماء والخبز في المثالين منصوبان في - ¬

_ (¬1) سورة المطففين: 3. (¬2) ما بين المعقوفين من أول قوله: يُخْسِرُونَ إلى قوله: «وزنوا لهم» من الهامش في (ب). (¬3) ينظر: المقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص 561). (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 306، 307). (¬5) التذييل (3/ 87).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحالتين؛ كذلك يكون الذنب في الحالتين منصوبا؛ ولا يكون منصوبا في أحدهما مجرورا في الآخر؛ فإذا دخل حرف الجر، دل على تضمنه معنى ما يتعدى بحرف الجر؛ فكأنك قلت: استتبت الله من ذنبي أو سألته النجاة منه، قال: ولذلك لا يجوز الاقتصار على المنصوب بعد إسقاط «من»، لا تقول: استغفرت ذنبي، حتى تذكر المستغفر المسؤول منه التوبة والنجاة من الذنب (¬1) انتهى. والذي ذكره وبحثه حسن وهو الظاهر، وقد كان في النفس من هذه المسألة شيء فانجلى بالوقوف على كلام هذا الرجل، وقد نازع الناس السهيلي في هذه الدعوى فقالوا: هذا الذي قاله السهيلي لا يلزم؛ إذ العرب تقول: استفهمت زيدا عن المسألة، وتقول: فهمني زيد المسألة، فاستغفرت الله من الذنب كاستفهمت زيدا عن المسألة ولم يجئ مجيء استطعمت، فلا يلزم من سين الاستفعال أن يتعدى الفعل بها إلى ما كان يتعدى إليه قبل دخولها (¬2)، قالوا: ويقطع ببطلان مذهبه أن سيبويه نقل أن بعض العرب، يقول: استغفرت الله ذنبي، والجميع يقولون: استغفرت الله من ذنبي (¬3)، فلو كان الأصل أن يتعدى بنفسه؛ لكثر ولقل تعديته بمن (¬4). وأقول: للسهيلي أن يقول: إن استفهمت زيدا عن المسألة ضمن معنى سألت؛ لأن المستفهم سائل؛ فكأنه قال: سألت زيدا عن المسألة، لكن السؤال قد يكون سؤال مستفهم، وقد يكون سؤال غير مستفهم، فأتى باستفهمت وجرّ المفعول الثاني؛ لإفادة أن المتكلم بذلك سأل زيدا عن المسألة مستفهما، وأما كون جميع العرب يقولون: استغفرت الله من ذنبي؛ فقد يقال في جوابه بأن الفروع قد تفوق الأصول في الاستعمال، ثم المسوغ لكثرة استعمال الفرع هنا دون الأصل: أن أصل الفعل الذي هو «استغفر» يكون حينئذ مضمنا معنى طلب. ولهذا قال السهيلي: وكأنك قلت: «استتبت الله من ذنبي، أو سألته النجاة منه، ولا شك أن العبد مطلوب منه أن يكون طالبا للخروج من الذنب [2/ 319] والتوبة منه. ومنها: أن ابن عصفور ذكر في هذا الباب مسألة، وهي أن الفعل المتعدي إذا - ¬

_ (¬1) ينظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 332، 333). (¬2) ينظر: حاشية الصبان (2/ 96، 97). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 38). (¬4) ينظر: الهمع (2/ 83).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قدم مفعوله عليه، جاز دخول اللام عليه، فتقول: لزيد ضربت، قال الله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬1) أما إذا تأخر فلا يجوز دخول اللام عليه، إلا في الضرورة أو في نادر كلام، كقول الشاعر (¬2): 1323 - فلمّا أن توافقنا قليلا ... أنخنا للكلاكل فارتمينا (¬3) يريد: أنخنا الكلاكل (¬4)، ثم إنه ذكر المسوغ لدخول اللام إذا تقدم (¬5). فقال الشيخ: إن المصنف لم يتعرض إلى ذكر هذه المسألة، ثم ذكر كلام ابن عصفور واستوفاه (¬6). وأقول: إن المصنف لم يهمل ذكر المسألة المذكورة؛ بل ذكرها في موضع هو ليس بذكرها فيه من هذا الباب، وهو باب حروف الجر، وسيأتي الكلام عليها في مكانها إن شاء الله تعالى. واعلم أنك إذا قدمت المفعول وقرنته باللام، فقلت: لزيد ضربت، لا يجوز أن نصل ضميره حينئذ بالفعل، وعن مثل هذه المسألة عبر ابن عصفور، بقوله: وإذا تعدى الفعل إلى المفعول ظاهرا لم يتعد إليه مع ذلك مضمرا، لا تقول: لزيد ضربته، قال: فأما قوله (¬7): 1324 - هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 43. (¬2) هو عبد الشارق بن عبد العزى الجهني، شاعر جاهلي. (¬3) البيت من الوافر، وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 308)، والمقرب (1/ 115)، والتذييل (3/ 82، 638)، وشرح الحماسة للمرزوقي (ص 447). والشاهد قوله: «أنخنا للكلاكل»؛ حيث دخلت اللام على المفعول، لضرورة الشعر. (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 308)، والمقرب (1/ 115). (¬5) يقول ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 308): «وإنما تدخل اللام عليه إذا تقدم؛ لأن العامل إذ ذاك يضعف عن عمله، فيقوى باللام، فإذا تقدم العامل على معموله كان في أقوى أحواله؛ فلم يحتج إلى تقوية» اه. (¬6) ينظر: التذييل (3/ 82). (¬7) لم يعلم، والبيت من الخمسين المجهولة القائل. (¬8) البيت من البسيط، وهو في: الكتاب (3/ 67)، والمقرب (1/ 115)، والخزانة (1/ 227)، (2/ 383)، (3/ 572، 649)، (4/ 170)، والتصريح (1/ 126)، والأمالي الشجرية (1/ 339)، والهمع (2/ 33)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (2/ 587). اللغة: سراقة: رجل من القراء، نسب إليه الرياء، وقبول الرّشا، والحرص عليها كما يحرص الذئب على فريسته. والشاهد قوله: «للقرآن يدرسه»؛ حيث عاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل والتقدير: يدرس الدرس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالضمير عائد على المصدر المفهوم من الفعل، أي: يدرس الدرس (¬1)، ثم قال ابن عصفور: ولا يجوز دخول حرف الجر عليه - أي: على المفعول به - خلاف اللام إلا أن يحفظ؛ فيكون من باب ما زيد فيه حرف الجر، فلا يتجاوز، نحو: مسحت رأسه وبرأسه، وخشنت صدره وبصدره، أو في ضرورة شعر، نحو قوله (¬2): 1325 - هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (¬3) يريد: لا يقرأن السور، وقول الآخر (¬4): 1326 - نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج (¬5) يريد: نرجو الفرج، هذا كله إذا كان الفعل يتعدى إلى واحد، فإن كان يتعدى إلى أكثر؛ لم يجز إدخال اللام على مفعوله، تقدم أو تأخر (¬6)، وعلل ذلك بما يوقف عليه من كلامه (¬7). - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 115، 116). (¬2) هو الراعي، واسمه عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل، وقيل: إنه ذو الرمة، أو المجنون، أو أكمل الثقفي، أو الحسين بن عبد الله، أو القتال الكلابي. ينظر: معجم شواهد العربية (1/ 179). (¬3) البيت من البسيط، وهو في: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 308)، والتذييل (3/ 83)، ومجالس ثعلب (1/ 301)، والمخصص (14/ 70)، والخزانة (3/ 667)، والمغني (1/ 29، 109)، (2/ 675)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 91، 336)، ومعجم البلدان (الحرة - الرجلاء - فحلين)، وديوان القتال (ص 53). والشاهد قوله: «لا يقرأن بالسور»؛ حيث زيدت الباء، وهي ضرورة شعرية. (¬4) هو النابغة الجعدي كما في معجم الشواهد (2/ 453)، ولم ينسبه غيره. (¬5) رجز وقبله: نحن بني ضبّة أصحاب الفلج وينظر في: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 308)، والتذييل (3/ 83)، والإنصاف (1/ 284)، والخزانة (4/ 159)، والمغني (1/ 108)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 332)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (2/ 5، 49)، والاقتضاب (ص 458)، ومعجم البلدان (6/ 393)، وملحقات ديوان النابغة الجعدي (ص 216). والشاهد في قوله: «ونرجو بالفرح» كالذي قبله. (¬6) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 308، 309). (¬7) علل ابن عصفور ذلك؛ فقال في شرح الجمل (1/ 309): «وسبب ذلك عندي أنك لو أدخلت اللام على مفعوله، لم يخل أن تدخلها في المفعولين أو أحدهما، وكذلك فيما تعدى إلى ثلاثة، فإن أدخلتها في المفعولين لم يكن لذلك نظير، لأنه لم يوجد فعل يتعدى إلى مفعولين بحرف جر واحد، وإن أدخلتها على أحدهما صار؛ كأنه قوي وضعيف في حين واحد؛ قوي من حيث قوي في حق الأول، ضعيف من حيث لم يقو في حق الآخر؛ وذلك تناقض» اه.

[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين]

[مسائل تأخير المفعول وجوبا وتقديمه وجوبا وجواز الأمرين] قال ابن مالك: (فصل: يجب تأخير منصوب الفعل إن كان «أنّ» مشدّدة أو مخفّفة [2/ 320] وتقديمه إن تضمّن معنى استفهام أو شرط، أو أضيف إلى ما تضمّنهما أو نصبه جواب «أمّا» ويجوز في غير ذلك إن علم النّصب تأخير الفعل غير تعجّبيّ، ولا موصول به حرف، ولا مقرون بلام ابتداء أو قسم مطلقا خلافا للكوفيّين في نحو: زيدا غلامه ضرب، وغلامه أو غلام أخيه ضرب زيد، وما أراد أخذ زيد وما طعامك أكل إلّا زيد، ولا يوقع فعل مضمر متّصل على مفسّره الظّاهر وقد يقع على مضاف إليه أو موصول بفعله). ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل الشيخ عن الشلوبين الصغير (¬1): أن ذلك لو سمع لقبلناه، ولم يبعد أن يقولوا: لزيد أعطيت درهما (¬2). قال الشيخ: قد قالته العرب مع تأخر المفعول، فبالأحرى أن يجوز مع التقديم، وأنشد: 1327 - أحجّاج لا تعطي العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها (¬3) قال فأدخل اللام على مفعول أعطى الأول، وهو متأخر عن الفعل، لكن ذلك من القلّة، بحيث ينبغي أن لا يقاس عليه (¬4). قال ناظر الجيش: اعلم أن تقديم المفعول على الفاعل، كما انقسم إلى ثلاثة أقسام: ممتنع، وواجب، وجائز، هكذا انقسم تقديم المفعول على الفعل نفسه إلى ثلاثة أيضا: - ¬

_ (¬1) هو محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المالقي، أخذ العربية والقراءات عن عبد الله بن أبي صالح، ولازم ابن عصفور مدة إقامته بمالقة، وأقرأ ببلده القرآن، والعربية، شرح أبيات سيبويه شرحا مفيدا، وكمل شرح شيخه ابن عصفور على الجزولية، توفي في حدود سنة (660 هـ). البغية (1/ 187) تحقيق محمد أبو الفضل. (¬2) التذييل (3/ 83، 84). (¬3) البيت من الطويل، وهو لليلى الأخيلية، وينظر في: الأمالي لأبي علي القالي (1/ 86)، والتذييل (3/ 84)، والمغني (1/ 218)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 588)، والأغاني (11/ 248)، والتصريح (2/ 11)، والهمع (2/ 33)، والدرر (2/ 32). والشاهد قوله: «يعطي للعصاة»؛ حيث أدخل اللام على مفعول «أعطى» الأول، وهو متأخر عن الفعل، وهو قليل، ولا يقاس عليه. (¬4) التذييل (3/ 84).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ممتنع، وواجب، وجائز، والذي يحتاج إلى النص عليه منها؛ إنما هو قسمان: الممتنع والواجب، وهما اللذان ذكرهما في الكتاب؛ لأنهما إذا علما علم أن ما عدا صورهما من الصور هي صور القسم الجائز؛ ثم إن المنع من التقديم قد يكون لذات المفعول؛ وذلك أن يكون بذاته يستحق التأخير، وقد يكون لذات العامل؛ بأن يكون غير متصرف، وقد يكون لعارض؛ وذلك بأن يقترن به ما يمنع من التقديم، وقد يكون لخوف التباس المفعول بغير مفعول (¬1)، وأما الموجب للتقديم بأن يتضمن المفعول معنى ما له الصدر، أو يضاف إلى ما يتضمن ذلك (¬2)، وقد ذكر المصنف ما يجب فيه التقديم متوسطا بين صور ما يمتنع فيه التقديم، وكان الأولى والأحسن أن يوالي بين صور ما يمتنع فيه التقديم فيوردها جملة، ثم يردف ذلك بما يجب فيه التقديم. وبعد؛ فأنا أولا أورد إجمالا صور كل من القسمين مواليا بين صور كل قسم؛ ليكون ذلك أعون للطالب على الضبط، ثم أعود فأورد كلام المصنف، فأقول: يمتنع التقديم في صور: 1 - منها: أن يكون المفعول أنّ أو أن مع صلتيهما؛ لأن هاتين الكلمتين لا يبتدأ بهما كلام، فالامتناع في هذه الصورة لذات المفعول. 2 - ومنها: أن يكون العامل غير متصرف كفعل التعجب؛ فالامتناع في هذه الصورة لذات الفعل. 3 - ومنها: أن يقترن بالعامل ما يمنع من التقديم؛ بأن يكون صلة لموصول حرفي أو مقترن بلام الابتداء أو بلام القسم؛ فيكون الامتناع في ثلاث الصور هذه بسبب ما عرض للعامل من مصاحبة أو اقترانه بما ذكر. 4 - ومنها: أن لا يعلم إذا قدم كونه مفعولا كقولك في ضرب موسى عيسى [2/ 321]: عيسى ضرب موسى؛ فالامتناع في هذه الصورة لخوف الالتباس (¬3). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 164) طبعة العراق، والمطالع السعيدة (ص 270)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 15)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 87). (¬2) ينظر: شرح الأشموني (2/ 55)، والتصريح (1/ 284). (¬3) ينظر: المقرب (1/ 55، 56)، والتذييل (3/ 88).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجب التقديم في صور: 1 - منها: أن يكون منصوب الفعل: اسم شرط. 2 - ومنها: أن يكون اسم استفهام. 3 - ومنها: أن يكون مضافا إلى ما تضمن معنى شرط أو استفهام. 4 - ومنها: أن يكون منصوبا بجواب «أمّا» (¬1). لكن الموجب للتقديم في ثلاث الصور الأولى ذات المنصوب؛ لتضمنه معنى ما له الصدر، أو لإضافته إلى ما تضمن ذلك، وأما الصورة الرابعة فالموجب للتقديم فيها ليس أمرا يرجع إلى ذات المنصوب، إنما هو شيء آخر وهو طلب الفصل بين «أما»، وجوابها بشيء. وإذ قد عرف ما يمتنع فيه التقديم وما يجب؛ عرف أن ما عدا ذلك يجوز فيه التقديم والتأخير فهو غير محتاج إلى أن ينص عليه؛ وإنما قال المصنف: (ويجوز في غير ذلك .. إلى آخره)، فأشار إلى قسم الجائز لأمر أوجب له ذلك، وهو أن الكوفيين يمنعون التقديم في المسائل الخمسة التي ذكرها، والبصريون يجيزون، ومذهبهم هو الصحيح (¬2). فاحتاج أن يقول: (ويجوز) ليردفه بقوله: (مطلقا)؛ فيصير التقدير: ويجوز التقديم جوازا مطلقا لا يستثنى من ذلك شيء، يعني على المذهب الأصح؛ ولهذا أردف قوله: (خلافا للكوفيين في كذا وكذا). وإذ قد تقرر هذا فلنورد كلام المصنف، قال رحمه الله تعالى: لا يجوز في (¬3) علمت أنك منطلق، ولا: خلت أن ستفعل، ولا أنك منطلق علمت، ولا: أن ستفعل خلت؛ لأنّ «أن» المشددة والمخففة منها لا يبتدأ بهما كلام، وعلى ذلك نبهت بقولي: ويجب تأخير منصوب الفعل إن كان «أن» مشددة أو مخففة؛ ولا يعترض على هذا بقوله تعالى: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ (¬4)، وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ (¬5)؛ فإن الأخفش جعل - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 164)، والمقرب (1/ 55)، والتصريح (1/ 284، 285)، والمطالع السعيدة للسيوطي (ص 269، 270). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 91)، والهمع (1/ 166). (¬3) زاد في (ب): (نحو). (¬4) سورة المؤمنون: 52. (¬5) سورة الجن: 18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديرهما: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا؛ فإن جواز هذا مرتب على تقدير اللام وتقدير الجر بها (¬1)، وهو عند سيبويه أقوى من جعل «أن» في موضع نصب كما يراه الخليل (¬2)، ولو قدر نصبا لم يجز تقديمها؛ كما لا يتقدم في علمت أن زيدا منطلق؛ فإن المنصوب بحذف حرف الجر فرع المنصوب بمتعدّ، ولا يقع إلا حيث يقع، ومنصوب الفعل يعم المفعول به والظرف وغيرهما، فإذا كان أحد أسماء الاستفهام أو الشرط؛ وجب تقديمه على الفعل، نحو: من رأيت؟، وأيهم لقيت؟، ومتى قدمت؟، وأين أقمت؟، ومن تكرم يكرمك، وأيهم تدع يجبك، ومتى تعن تعن، وكذا المضاف [2/ 322] إلى شيء منها، نحو: غلام من رأيت؟ وفعل أيهم استحسنت؟ وكذا المنصوب بفعل وقع جوابا «لأمّا»، نحو: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (¬3)، وما سوى ذلك من منصوب بفعل متصرف؛ فجائز تقديمه عليه إن ظهر النصب، أو أغنى عن ظهوره قرينة، نحو: زيدا ضرب عمرو، وحبارى صاد موسى، فإن كان الفعل صلة حرف أو مقرونا بلام الابتداء أو القسم؛ وجب تأخير ما يتعلق به، نحو: من البر أن تكف لسانك، وإن الله ليحب المحسنين، وو الله لأقولن الحق (¬4)، فإن خلا الفعل من ذلك؛ جاز تقديم منصوبه عليه مطلقا خلافا للكوفيين في منع، نحو: زيدا غلامه ضرب (¬5)، وغلامه ضرب زيد (¬6)، وغلام أخيه ضرب زيد (¬7)، وما أراد أخذ زيد (¬8)، وما طعامك أكل إلا زيد (¬9)؛ فإن الكوفيين يمنعون هذه المسائل وأشباهها، وهي جائزة لثبوت استعمالها (¬10). فمثال زيدا غلامه ضرب، قول رجل من طيئ في كعب بن زهير وأخيه رضي الله تعالى عنه ورحم كعبا: - ¬

_ (¬1) ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 82). (¬2) ينظر: الكتاب (3/ 126، 127). (¬3) سورة الضحى: 9. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 90)، والهمع (1/ 166)، والتصريح (1/ 284، 285). (¬5) أي: إذا كان الفاعل متصلا به ضمير المفعول، وقدم المفعول على الفاعل والفعل كما في هذا المثال. (¬6) في هذا المثال قدم المفعول المتصل به ضمير الفاعل، وقد توسط الفعل بينهما. (¬7) في هذا المثال قدم المفعول المضاف إلى ما اتصل به ضمير الفاعل. (¬8) في هذا المثال قدم المفعول متحملا ضمير الفاعل، وقد توسط الفعل بينه وبين الفاعل. (¬9) في هذا المثال قدم المفعول على الفاعل المحصور بإلّا، وقد توسط الفعل بينهما. (¬10) ينظر: التذييل (3/ 91، 92)، وتعليق الفرائد (ص 1425، 1426).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1328 - كعبا أخوه نهى فانقاد منتهيا ... ولو أبى باء بالتّخليد في سقرا (¬1) ومثال غلامه ضرب زيد، قول الشاعر: 1329 - رأيه يحمد الّذي ألف الحز ... م ويشقى بسبيه المغرور (¬2) ومثال غلام أخيه ضرب زيد، قول الآخر: 1330 - شرّ يوميها وأغواه لها ... ركبت عنز بحدج جملا (¬3) ومثال ما أراد أخذ زيد، قول الشاعر: 1331 - ما شاء أنشأ ربّي والّذي هو ... لم يشأ فلست تراه ناشئا أبدا (¬4) ومثال ما طعامك أكل إلا زيد، قول الشاعر: 1332 - ما المرء ينفع إلّا ربّه فعلا ... م تستمال بغير الله آمال (¬5) انتهى (¬6). - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وهو في: التذييل (3/ 91)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 153)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 576). والشاهد قوله: «كعبا أخوه نهى»؛ حيث قدم المفعول على الفاعل المتصل به ضمير المفعول، وأخر الفعل عنهما. (¬2) البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 91)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 154)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 576)، وتعليق الفرائد (ص 1425). والشاهد قوله: «رأيه يحمد الذي ألف الحزم»؛ حيث قدم المفعول متصلا به ضمير الفاعل، وقد توسط الفعل بينهما. (¬3) البيت من الرمل لامرأة من طسم يقال لها: عنز أخذت سبيّة، فحملوها في هودج. وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 154)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 576)، والتذييل (3/ 92)، وتعليق الفرائد (ص 1425). والشاهد قوله: «شر يوميها ...»؛ حيث قدم المفعول مضافا إلى ما اتصل به ضمير الفاعل المؤخر، وقد توسط الفعل بينهما. (¬4) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 92)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 154)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 577) وتعليق الفرائد (ص 1426). والشاهد قوله: «ما شاء أنشأ ربي»؛ حيث قدم المفعول متحملا ضمير الفاعل وقد توسط الفعل، بينه وبين الفاعل. (¬5) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 154)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 577)، والتذييل (3/ 92)، وتعليق الفرائد (ص 1426). والشاهد قوله: «ما المرء ينفع إلا ربه»؛ حيث قدم المفعول على الفاعل المحصور بإلا متوسطا بينهما الفعل، وهذا البيت، والأبيات السابقة عليه نظير المسائل التي أجازها البصريون ومنعها الكوفيون. (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 154).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتعلق به مباحث: الأول: أنه كما يجب تأخير منصوب الفعل فيما ذكر، يجب تأخير منصوب اسم الفاعل فيه أيضا؛ فلو قال: يجب تأخير منصوب العامل لكان أولى، لتكون العبارة شاملة كل عامل فعلا كان أو اسما (¬1). الثاني: أن «أن» الناصبة للفعل حكمها في وجوب التأخير عن العامل؛ إن وقعت مع صلتها مفعولا بها حكم «أنّ» المشددة والمخففة، نحو قولك: أريد أن تقوم، فلو قرنها في الذكر بأختيها لكان أولى (¬2). الثالث: قوله وهو عند سيبويه أقوى من جعل «أن» في موضع نصب كما يراه الخليل، بعد أن قال: فإن جواز هذا مرتب على تقدير اللام، وتقدير الجر بها لم أتحقق معناه؛ فإن ظاهره يعطي أن سيبويه يرى أن «أن» بعد حذف حرف الجر المباشر لها في موضع جر، وقد تقدم له [2/ 322 مكرر] أن القائل بذلك؛ إنما هو الخليل والكسائي؛ وأن سيبويه يرى أنّها في موضع نصب، فليتأمل كلامه. الرابع: أنه لما ذكر ما يمنع التقديم عليه إذا كان صلة اقتصر على ذكر العامل الموصول به حرف؛ ولا شك أن العامل الموصول به «أل» يمتنع تقديم معموله عليه أيضا؛ فكان الواجب أن يقول: ولا موصول به «أل»، ولا موصول به حرف (¬3). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 164) طبعة العراق. (¬2) ينظر: حاشية الصبان على شرح الأشموني (2/ 55)؛ حيث أشار إلى وجوب تأخير المفعول به إذا كان «أن» الناصبة مع صلتها بقوله: «أو واقع صلة حرف مصدري ناصب، بخلاف غير الناصب، فيجوز: عجبت مما زيدا تضرب، ومنهم من أطلق في المنع» اه. (¬3) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 56)؛ حيث ذكر من موانع التقديم: أن يكون العامل موصولا به «أل».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامس: أن معمول المقرون بلام الابتداء أو القسم إنما يمتنع على الأداة نفسها، أما تقديمه على العامل فجائز، نحو أن تقول: إن الله المحسنين يحب، وو الله الحق أقول؛ فلم يمتنع التقديم في هاتين الصورتين على العامل؛ إنما امتنع التقديم على ما اقترن بالعامل (¬1). السادس: أن ظاهر قوله في متن الكتاب: (أو نصبه جواب «أمّا») وقوله في الشرح: (وكذا المنصوب بفعل وقع جوابا «لأمّا») يقتضي أن كل ما نصبه جواب «أمّا» يجب تقديمه على الجواب الناصب له، وليس كذلك؛ إذ يجوز أن يقال: أما اليوم فأنا أضرب زيدا، وأما بعد سماع كلام الله تعالى فلا أقهر اليتيم، نعم الواجب هو الفصل بين «أما» وجوابها بشيء، وهو في الجملة؛ ولذلك وجب التقديم في نحو: أمّا زيدا فأضرب؛ لأنه لا بد من فاصل، ولا شيء في هذه الجملة يفصل به غير زيد، ولم يكن وجوب التقديم لكونه معمولا لجواب «أمّا» (¬2)، وإذا كان كذلك لم يتجه قوله: (أو نصبه جواب «أمّا»)، ثم إن التنبيه يتعين هاهنا على أمور منها: 1 - أنّ ابن عصفور ذكر وجوب التقديم في شيء، ووجوب التأخير في شيء، لم يذكرهما المصنف، فقال: ويجب التقديم إذا كان المفعول كم الخبرية، أو ضميرا منفصلا، لو تأخر اتصاله نحو: إياك أكرمت، ويجب التأخير إذا كان المفعول ضميرا متصلا (¬3)؛ فزاد على ما ذكره المصنف ثلاث صور، وإنما قيد الضمير المنفصل بقوله: لو تأخر لزم اتصاله؛ احترازا من الضمير في نحو: الدرهم إياه أعطيتك، فإنه لا يلزم اتصاله إذا تأخر، بل يجوز أن يؤتى به متصلا ومنفصلا (¬4)، ثم أقول: أما «كم» فقد ذكر المصنف في باب «كم وكأين وكذا» أن «كم» لزمت التصدير بعد أن ذكر أنها استفهامية وخبرية؛ فأفاد أن حكم الخبرية حكم الاستفهامية، وهو - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 56)؛ حيث ذكر جواز تقديم المفعول على العامل وحده. (¬2) ينظر: حاشية يس على التصريح (1/ 285). (¬3) ينظر: المقرب (1/ 55)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 164) طبعة العراق. (¬4) لأنه حينئذ يكون قد وقع ثاني ضميرين منصوبين بفعل ناسخ، فيجوز فيه الاتصال والانفصال، ينظر: شرح الألفية للمرادي (1/ 144).

قد ذكر اسم الاستفهام هنا، فاندرج تحته ما حكمه كحكمه، وأما الضمير المنفصل؛ فلا شك أن الضمير إذا كان بحيث لو تأخر لزم اتصاله [2/ 323] استغنى عن ذكره؛ لأن المعمول الذي يحكم عليه بأن يؤخر من تقديم، أو يقدم من تأخير يجب أن يكون لفظه في الحالتين واحدا، كزيد من قولك: ضربت زيدا، وزيدا ضربت، وأنت إذا أخرت المفعول في: إياك أكرمت فقلت: أكرمتك، لم يكن المؤخر هو الذي كان مقدما؛ بل غيره؛ لأن المقدم منفصل، والمتأخر متصل؛ فهذا التركيب غير ذلك، وهكذا يقال في عكس هذه الصورة فيقال له: إنما يذكر الضمير المتصل فيما يجب تأخيره؛ لأن المتأخر إذا قدم لزم انفصاله، فلم يكن المقدم هو الذي كان مؤخرا. 2 - ومنها أنّ المصنف اقتصر فيما يمنع من التقديم، لأجل ما قارن العامل على ذكر الموصول الحرفي، ولام الابتداء، ولام القسم، وتقدم القول بأن «أل» الموصولة كان يجب ذكرها أيضا، وأما ابن عصفور فإنه زاد على ذلك فذكر «ما» النافية و «لا» الواقعة في جواب قسم، وأدوات الاستفهام، وأدوات الشرط، وأدوات التّحضيض ثم قال: وكذا إذا وقع صلة لموصول، أو صفة لموصوف، وكذلك إن دخل على العامل خافض غير زائد (¬1). والذي قاله ابن عصفور حق، غير أن المصنف مستغن عن ذكر أكثر ذلك، أما أدوات الاستفهام، والشرط، فقد صرح المصنف بأن لها الصدر، فقال في باب الجوازم: (لأداة الشرط صدر الكلام)، وقال في الباب الذي يليه، وقد ذكر هل والهمزة: (استأثرت الهمزة بتمام التصدير)؛ فدل بهذا الكلام على أن لهما الصدر، وأما الموصول فقد عرف في بابه أن الصلة لا تتقدم على الموصول؛ لأنها كالجزء منه، وهو كالجزء منها، ولا شك أن معمول الصلة من تمامها، فحكمه في جواز التقديم حكمها، وأما الموصوف فقد قال المصنف في باب التابع: ولا يتقدم معمول تابع على متبوع، وأما العامل إذا دخل عليه خافض، فقد ذكر المصنف في باب الإضافة؛ أنه لا يتقدم على مضاف معمول مضاف إليه، فلا يقال: هذا عمرا غلام ضارب، وأما إذا كان الخافض حرفا، فلا أعرف من كلام المصنف التصريح بالنص، على أن تقديم المعمول عليه غير جائز، فعلى هذا تكون هذه الصورة - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 165)، والمقرب (1/ 55، 56).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مستدركة على المصنف، وكذا يستدرك عليه «ما» و «لا» النافيتان، وأدوات التحضيض ولا يعتذر عنه بأن يقال: قد علم من كلامه في باب ظن وأخواتها أن «ما» و «لا» النافيتين لهما الصدر؛ حيث [2/ 324] يجعلهما من جملة المعلقات؛ لأنا نقول: قد ذكر في باب ظن لام الابتداء، ولام القسم أيضا، مع أنه ذكرهما هنا، فأي فرق؟ ثم قد بقي على المصنف وابن عصفور أن يذكرا «إن» النافية؛ لأنها مساوية لـ «ما» في التصدير، ومن ثم كانت معلقة. 3 - ومنها أنّ جميع ما ذكر من الصور مما يمتنع تقديمه على ما قارن العامل، يجوز تقديمه على العامل نفسه، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في لام الابتداء، ولام القسم، إلا في ثلاث صور؛ فإن التقديم فيها يمتنع مطلقا، أعني على المقارن وعلى العامل، وهي أن يكون العامل صلة «أل»؛ وأن يكون صلة حرف موصول وأن يكون العامل قد دخل عليه خافض؛ لكن ابن عصفور له تفصيل في الحرف الموصول، فيقول: إن كان الحرف ناصبا فالتقديم ممتنع، وإن كان غير ناصب فالتقديم جائز، فيجيز أن يقال: يعجبني ما زيدا ضربت (¬1)، وعلم من تقييد الخافض بكونه غير زائد؛ أن التقديم على الحرف الزائد لا يمتنع، فيقال: ليس زيد عمرا بضارب؛ لأن الزائد في حكم الساقط فيحكم للعامل المصاحب له بما يستحقه في ذاته. 4 - ومنها أنّ ابن عصفور قيد لام الابتداء التي يمتنع تقديم معمول مصاحبها عليها بكونها غير المصاحبة لـ «إن» (¬2)، وهو تقيد حسن؛ فعلى هذا يجوز: إن زيدا عمرا ليضرب؛ لأنها وإن كانت مؤخرة لفظا؛ فهي في النيّة مقدمة على «إن»، وإنما أخرت للعلة التي تذكر في باب «إن». 5 - ومنها أنّ الشيخ قال: إن المصنف نقصه مما يجب فيه تقديم المعمول أن يكون الناصب فعل أمر دخلت عليه الفاء، نحو: زيدا فاضرب (¬3). انتهى. والذي ينبغي أن لا تعد هذه المسألة من هذا الباب؛ لأن المفعول لم يقدم فيها لذاته، بل لأمر اقتضى ذلك، وقد تقدم الكلام على المسألة وأمثالها في آخر باب المبتدأ، ومن هنا يتحقق الجواب. - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 56). (¬2) ينظر: المقرب (1/ 55). (¬3) التذييل (3/ 90).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول المصنف: (ولا يوقع فعل مضمر متصل على مفسّره الظاهر) فأشار به إلى أنه لا يقال: زيدا ضرب، على أن يكون المراد: زيدا ضرب نفسه، فيسند «ضرب» إلى ضمير يفسره لفظ «زيد»، ولفظ «زيد» منصوب به، فلا يجوز هذا؛ لأن جوازه يستلزم توقف مفهومية ما لا يستغنى عنه وهو الفاعل على مفهومية ما يستغنى عنه، وهو المفعول (¬1)، فلو كان الفاعل ضميرا منفصلا؛ جاز إيقاع فعله على مفسره الظاهر، نحو: ما ضرب زيدا إلا هو؛ لأن الضمير المنفصل فيما نحن بسبيله، مقدر قبله ظاهر مبدل منه الضمير، فتقدير ما ضرب زيدا إلا هو: ما ضرب زيدا أحد إلا هو، فقيام المنفصل [2/ 325] مقام الظاهر المقدر سهّل إيقاع فعله على مفسر الظاهر فحكم بالجواز، وقد يوقع فعل ضمير متصل على مضاف إلى مفسر الضمير، نحو: غلام هند ضربت، ففاعل «ضربت» ضمير «هند»، وجاز هذا؛ لأنه في تقدير: ضربت هند غلامها، ومثله قول الشاعر: 1333 - أجل المرء يستحثّ ولا يد ... ري إذا يبتغي حصول الأماني (¬2) يريد المرء في وقت ابتغاء الأماني يستحث أجله ولا يشعر، وقد يوقع فعل ضمير متصل على موصول بفعل مسند إلى مفسر الضمير، نحو: ما أراد زيد أخذ، فـ «ما» في موضع نصب بـ «أخذ»، و «زيد» فاعل «أراد» وهما صلة لـ «ما» وفاعل «أخذ» ضمير «زيد»، وجاز هذا؛ لأن التقدير: أخذ زيد ما أراد، ومثله قول الشاعر: 1334 - ما حبّت النّفس ممّا راق منظره ... رامت ولم ينهها بأس ولا حذر (¬3) - ¬

_ (¬1) جعل أبو حيان المصنف تابعا في هذا التعليل للمبرد، فقال معقبا على كلام المصنف: «ولا خلاف أن هذا لا يجوز»، قال أبو العباس: «إنما لم يجز ذلك؛ لأنه يصير المفعول لا بد منه» اه. التذييل (3/ 92). (¬2) البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 155)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 578)، والبحر المحيط (2/ 427)، والتذييل (3/ 94). اللغة: الحث: الإعجال في اتصال أو هو الاستعجال. والشاهد قوله: «أجل المرء يستحث»؛ حيث إن قوله: «يستحث» به ضمير فاعل عائد على المرء الذي أضيف إليه المفعول وهو «أجل». (¬3) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 155)، والتذييل (3/ 94)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 578)، وتعليق الفرائد للدماميني (ص 1428). والشاهد قوله: «ما حبّت النفس مما راق منظره رامت»؛ حيث إن «ما» مفعول بـ «رامت» «والنفس» فاعل بـ «حبّت»، وجملة «حبّت النفس» صلة لـ «ما» وفي «رامت»، ضمير يعود على «النفس»، والتقدير: رامت النفس ما حبّت.

[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا]

[حذف العامل الناصب للمفعول به جوازا ووجوبا] قال ابن مالك: (فصل: يجوز الاقتصار قياسا على منصوب الفعل، مستغنى عنه بحضور معناه أو سببه أو مقارنه أو الوعد به أو السّؤال عنه بلفظه أو معناه أو عن متعلّقه، وبطلبه، وبالرّدّ على نافيه أو النّاهي عنه أو على مثبته أو الآمر به، فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال فهو لازم، وقد يجعل المنصوب مبتدأ أو خبرا فيلزم حذف ثاني الجزأين). ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كلام المصنف (¬1). قال الشيخ: وفي جواز نحو: «غلام هند ضربت» خلاف؛ ذهب الأخفش والفراء إلى منعها، وذهب هشام إلى الجواز، واختلف عن الكسائي، والمبرد، وأكثر البصريين منهم من ذكر المنع، ومنهم من ذكر الجواز، ثم قال والأصح الجواز (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): المقصود هنا التنبيه على حذف الفعل وفاعله والاقتصار على المفعول به، لأن الباب له، لكني ذكرت لفظا صالحا للمفعول به وغيره من منصوبات الفعل؛ لأنها كلها متساوية في صحة النصب بفعل محذوف، كقولك: زيدا، لمن قال: من ضربت؟، وكقولك: حين ظلم، لمن قال: متى ضربته؟، وكقولك: ضربا يردعه، لمن قال: أي ضرب ضربته؟، وكقولك: تأديبا، لمن قال: لم ضربته؟، وكقولك: مكتوفا، لمن قال: كيف ضربته؟، ولغير المفعول به مواضع يستوفى فيها بعون الله تعالى بيان ما يحتاج إليه، ومثال الاستغناء عن لفظ الفعل بحضور معناه، قولك لمن شرع في إعطاء: زيدا؛ بإضمار أعط، ولمن شرع في ذكر رؤيا: خيرا لنا وشرّا لعدونا؛ بإضمار رأيت، ولمن قطع حديثا: حديثك؛ بإضمار تمّم، أو نحو ذلك (¬4)، ومثال الاستغناء بسبب الفعل قول الشاعر: 1335 - إذا تغنّى الحمام الورق هيّجني ... ولو تسلّيت عنها أمّ عمّار (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 155). (¬2) التذييل (3/ 93، 94)، وينظر: الهمع (1/ 167). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 155). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 95)، والمطالع السعيدة للسيوطي (ص 272). (¬5) البيت من البسيط وهو للنابغة الذبياني وهو في: الكتاب (1/ 286) برواية «ولو تغربت» مكان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بإضمار ذكرت [2/ 326]؛ لأن التّهيّج سبب الذكر وباعث عليه، ومثال الاستغناء بحضور مقارنه كقولك لمن تأهب للحج: مكة؛ بإضمار: أراد أو يريد مكة، ولمن سدد سهما: القرطاس، بإضمار تصيب، وللمواجهين مطلع الهلال إذا كبروا: الهلال بإضمار رأوا، ومن هذا القبيل قول الشاعر (¬1): 1336 - لن تراها ولو تأمّلت إلّا ... ولها في مفارق الرّأس طيبا (¬2) بإضمار: ترى، لأن رؤية الشخص مقاربة لرؤية ما اشتمل عليه، فاستغني بفعل إحداهما عن فعل الأخرى، وينبغي أن يكون «يرى» المضمر بمعنى يعلم؛ لأنه إذا كان بمعنى تبصر؛ يلزم من ذلك كون الموصوفة مكشوفة الرأس (¬3)، وينبغي أن تجعل الفعل المضمر خبر مبتدأ محذوف؛ لئلا تكون واو الحال داخلة على مضارع مثبت؛ فإن ذلك غير جائز عند الأكثرين، وما أوهمه قدر قبله مبتدأ (¬4)، ومثل هذا البيت قول الآخر: 1337 - وجدنا الصّالحين لهم جزاء ... وجنات وعينا سلسبيلا (¬5) - ¬

_ - «ولو تسليت»، والخصائص (2/ 425، 428)، والارتشاف (ص 597)، والبحر المحيط (4/ 356)، والتذييل (3/ 95)، وتعليق الفرائد (ص 1429)، والكافي شرح الهادي (ص 434)، وديوانه (ص 51) طبعة بيروت، واللسان «ورق». اللغة: الورق: جمع ورقاء، وهي الحمامة التي لونها بين السواد والغبرة، وقيل: هي الحمامة التي تأتلف الشجر. والشاهد قوله: «ولو تسليت عنها أم عمار»؛ حيث نصب «أم عمار» بفعل دل عليه ما قبله، وهو «هيجني»؛ لأنه لما قال: هيجني دل على «ذكرني» فاستغني عنه. (¬1) هو ابن قيس الرقيات، عبيد الله بن قيس بن شريح شاعر قريش في الإسلام. (¬2) البيت من الخفيف وهو في: الكتاب (1/ 285)، والمقتضب (3/ 284)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 156)، وابن القواس (ص 298)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 125)، والمغني (2/ 607)، والتذييل (3/ 96)، واللسان «فرق»، وملحقات ديوانه (ص 176). اللغة: المفارق: جمع مفرق، وهو وسط الرأس. والشاهد قوله: «طيبا» حيث نصب بفعل محذوف دل عليه المقارنة. (¬3) ينظر: المغني (2/ 707). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 96). (¬5) البيت من الوافر، وهو لعبد العزيز بن زرارة الكلابي، وهو في: الكتاب (1/ 288)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 427)، والمقتضب (3/ 284)، والغرة لابن الدهان (2/ 77)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 156)، والتذييل (3/ 96). اللغة: السلسبيل: السلس العذب. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: لهم جزاء ووجدنا لهم جنات، فأضمر؛ لأن الوجدانين متقارنان، فاستغني بفعل أحدهما عن فعل الآخر، ومن هذا القبيل قول الآخر (¬1): 1338 - فكّرت تبتغيه فوافقته ... على دمه ومصرعه السّباعا (¬2) أي: ووافقت على دمه، فأضمر؛ لأن الموافقتين مقترنتان، فاستغني بفعل إحداهما عن فعل الأخرى، ويروى «فصادفته»، ومن هذا القبيل قول الآخر (¬3): 1339 - تذكّرت أرضا بها أهلها ... أخوالها فيها وأعمامها (¬4) أي: وتذكرت أخوالها فيها وأعمامها؛ لأن التذكيرين مقترنان، فاستغني بفعل أحدهما عن فعل الآخر، ومن هذا أيضا قول الراجز: 1340 - قد سالم الحيّات منه القدما ... الأفعوان والشّجاع الشّجعما (¬5) أراد: قد سالم الحيات منه القدما، وسالمت القدم الشجاع الشجعما، فحذف؛ لأن المسالمتين مقترنتان، فاستغني بفعل إحداهما عن فعل الأخرى، ويروى: قد سالم الحيّات منه القدما على جعل الحيات مفعولا، والقدمان فاعل، وحذفت النون، كما حذفت نون: - ¬

_ - والشاهد قوله: «وجنات»؛ حيث نصبه بفعل مضمر، والتقدير: وجدنا لهم جنات، وقد أورد القيرواني هذا البيت، والذي قبله على أنهما ضرورة شعرية. ينظر ما يجوز للشاعر في الضرورة (ص 162). (¬1) هو القطامي، عمير بن شيبم بن عمرو بن تغلب بن أخت الأخطل، كان نصرانيّا ثم أسلم. (¬2) البيت من الوافر، وهو في: الكتاب (1/ 284)، والخصائص (2/ 426)، والمحتسب (1/ 210)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 156)، ونوادر أبي زيد (ص 526)، والتذييل (3/ 96) برواية «فصادفته» مكان «فوافقته»، وديوان القطامي (ص 45) برواية: فكرت عند فيقتها إليه ... فألفت عند مربضه السّباعا ولا شاهد على هذه الرواية في البيت. والشاهد قوله: «على دمه» وهو واضح. (¬3) هو عمرو بن قميئة شاعر جاهلي قديم، يقال له: عمرو الضائع؛ لأنه دخل بلاد الروم مع امرئ القيس فهلك. (¬4) البيت من السريع، وهو في: الكتاب (1/ 285)، والخصائص (2/ 427)، وابن القواس (297)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 157)، وابن يعيش (1/ 126)، والتذييل (3/ 97)، والخزانة (2/ 248)، وديوانه (ص 62). والشاهد قوله: «أخوالها وأعمامها»؛ حيث نصبه بفعل مضمر دل عليه ما قبله. (¬5) تقدم ذكره (باب النائب عن الفاعل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1341 - هما خطّتان إمّا إسار ومنّة (¬1) بالرفع، ومثال الاستغناء بالوعد، قولك: زيدا، لمن قال: سأطعم من احتاج، بإضمار أطعم، ومثال الاستغناء بالسؤال عن الفعل بلفظه، قولك لمن قال: هل رأيت أحدا؟: نعم زيدا، بإضمار رأيت، ومثال الاستغناء بالسؤال عن الفعل بمعناه دون لفظه قول من قال: بلى وجادا (¬2)، حين قيل له: أفي مكان كذا وجد؟ بإضمار أعرف؛ لأن قوله: أفي مكان كذا وجد؟ بمعنى: أتعرف فيه وجدا؟، ومثال الاستغناء عن الفعل المسؤول عن متعلقه قوله تعالى: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا [2/ 327] ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً (¬3)، فنصب «خيرا» بأنزل مضمرا، ومثال الاستغناء عن الفعل في طلبه قولهم: ألا رجل إما زيدا، وإما عمروا تريدون أجعله زيدا وعمرا، ومنه قولهم: اللهمّ ضبعا وذئبا (¬4) بمعنى اجمع فيها ضبعا وذئبا، ومثال الاستغناء عن الفعل في الرد على نافيه: قولك لمن قال: ما لقيت أحدا؟: بلى زيدا. ومثال الاستغناء عن الفعل في الرد على الناهي عنه، قولك لمن قال: ألا تضرب أحدا؟: بلى من أساء، بإضمار لقيت وأضرب، ومثال الاستغناء عن الفعل في الرد على مثبته، قولك لمن قال: ضرب زيد عمرا: لا بل عامرا، ومثال الاستغناء في الرد على الآمر به، قولك لمن قال: تعلم لغة: لا بل نحوا؛ بإضمار: ضرب وأتعلم، ونحوه، فهذا رد على وفق اللفظ، وأما الرد على وفق المعنى دون اللفظ، فكقوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ (¬5)، أي: بل نتبع ملة - ¬

_ (¬1) صدر بيت من الطويل، وعجزه: وإمّا دم والقتل بالحرّ أجدر وهو لتأبط شرّا، وينظر في: الخصائص (2/ 405)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 223) رسالة بجامعة القاهرة، والخزانة (3/ 356)، والمغني (2/ 699)، وشرح شواهده (2/ 975)، والعيني (3/ 486)، والتصريح (2/ 58)، والهمع (1/ 49)، (2/ 52)، والدرر (1/ 22)، (2/ 67) والأشموني (2/ 277)، وشرح ديوان الحماسة (ص 89)، واللسان «خطط»، والإفصاح (338). والشاهد قوله: «هما خطتان»، وقد روى المصنف البيت هنا بإثبات النون، مع أنه قد ذكر شاهدا على حذف النون من «خطتان»، وقد ذكر البيت في المراجع السابقة برواية «خطتا». (¬2) في التذييل (3/ 97): «وجاء ذا». (¬3) سورة النحل: 30. (¬4) مثل من أمثال العرب يدعى به على غنم رجل، ينظر: الكتاب (1/ 255). (¬5) سورة البقرة: 135.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إبراهيم، فأضمر نتبع لأن معنى كونوا هودا أو نصارى: اتبعوا ملة اليهود أو النصارى. فالإظهار والإضمار جائزان في أمثال هذه المسائل قياسا (¬1)؛ فإن كان الذي اقتصر فيه على المفعول مثلا، أو جاريا مجرى المثل في كثرة الاستعمال؛ امتنع الإظهار ولزم الاقتصار، فالمثل كقولهم: كلّ شيء ولا شتيمة (¬2) حرّ، أي ائت ولا ترتكب، وهذا ولا زعماتك (¬3)، أي: ولا أتوهم وكليهما (¬4) وتمرا، أي: أعطني وزدني، والجاري مجرى المثل قولهم: حسبك خيرا لك، ووراءك أوسع لك، وقوله تعالى: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ (¬5)، انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬6). قال سيبويه: وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام، ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر حين قال: انته، فصار بدلا من قوله: ائت خيرا، قال: ونظير ذلك من الكلام قوله: انته أمرا قاصدا، كأنه قال: انته وائت أمرا قاصدا، إلا أن هذا يجوز لك فيه إظهار الفعل (¬7)، يعني أن قول من قال: انته أمرا قاصدا، ليس مثل انته خيرا لك في كثرة الاستعمال، فلزم إضمار الفعل فيه، كما لزم إضمار الفعل في ذلك، وقد غفل الزمخشري عن كلام سيبويه فجعل انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ وانته أمرا قاصدا سواء (¬8)، ومذهب الكسائي أن خَيْراً منصوب بيكن محذوفا، والتقدير: يكن الانتهاء خيرا لكم (¬9)، وردّ عليه الفراء بأن قال: لو صح هذا التقدير لجاز أن يقال: انته أخانا، على تقدير: تكن أخانا، وزعم هو أن التقدير: انتهوا انتهاء خيرا لكم، فحذف المصدر وأقيمت صفته مقامه (¬10)، وهذا القول مردود بقولهم: حسبك خيرا لك، فإن تقدير مصدر هنا لا يحسن، وبقولهم: - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 283 - 286)، والهمع (1/ 168)، والمطالع السعيدة (ص 272)، والتذييل (3/ 95 - 97). (¬2) ذكره سيبويه في الكتاب (1/ 281). (¬3) الكتاب (1/ 280). (¬4) ينظر: مجمع الأمثال للميداني (2/ 151)، والمستقصى (2/ 231)، والفاخر (ص 149)، والكتاب (1/ 280، 281)، ويروى المثال أيضا برواية: «كلاهما وتمرا»، وخرج سيبويه هذه الرواية بقوله: كأنه قال: كلاهما لي وزدني تمرا. (¬5) سورة النساء: 170. (¬6) سورة النساء: 171. (¬7) الكتاب (1/ 283، 284). (¬8) الكشاف (1/ 200). (¬9) ينظر: التذييل (3/ 98)، وإملاء ما من به الرحمن (1/ 204)، ومجالس ثعلب (1/ 307). (¬10) معاني القرآن للفراء (1/ 295، 296).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وراءك أوسع لك؛ فإن أوسع صفة لمكان لا مصدر (¬1)، ومثله ما أنشد سيبويه من قول الشاعر [2/ 328] (¬2): 1342 - فواعديه سرحتي مالك ... أو الرّبا بينهما أسهلا (¬3) وأسهل بمعنى: مكان سهل، وأجاز السيرافي أن يكون مكانا بعينه (¬4)، وعلى كل حال لا يصلح أن يراد به المصدر، ولا أن يراد به ما قدر الكسائي، وإذا بطل قول الكسائي، وقول الفراء، تعين الحكم بصحة القول الأول، وهو قول الخليل وسيبويه، وقد جعل سيبويه من المنصوب باللازم إضماره قول ذي الرمة: 1343 - ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا ... ولا يرى مثلها عرب ولا عجم (¬5) قال سيبويه: كأنه قال: اذكر ديار مية؛ ولكنه لا يذكر اذكر؛ لكثرة ذلك في كلامهم (¬6). وقال سيبويه: ومن العرب من يرفع الديار؛ كأنه يقول: تلك ديار فلانة، وقال أيضا: ومن العرب من يقول: كلاهما وتمرا؛ كأنه قال: كلاهما لي وزدني تمرا، وكل شيء ولا شتيمة حر، كأنه قال: كل شيء أمم، ولا شتيمة حر، وترك ذكر الفعل بعد لا (¬7). - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 99). (¬2) هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي، اشتهر بالغزل والمجون، وتوفي سنة (93 هـ). (¬3) البيت من السريع، وهو في: الكتاب (1/ 283)، والأمالي الشجرية (1/ 344)، والتذييل (3/ 101)، والغرة المخفية (ص 250)، والبحر المحيط (1/ 199)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 159)، والخزانة (1/ 280)، واللسان «وعد»، وديوانه (ص 349) برواية: وواعديه سدرتي مالك ... أو ذا الذي بينهما أسهلا اللغة: سرحتي مالك: شجرتان لمالك، والسرحة: واحدة السرح، وهو كل شجر عظيم لا شوك له. الرّبا: جمع ربوة، وهو المكان المرتفع. والشاهد قوله: «أسهلا»؛ حيث نصبه بإضمار فعل دل عليه ما قبله. (¬4) ينظر: شرح السيرافي (3/ 15)، وشرح السيرافي لأبيات الكتاب (1/ 428). (¬5) البيت من البسيط، وهو في: الكتاب (1/ 280)، (2/ 247) برواية «عجم ولا عرب»، ونوادر أبي زيد (ص 208) برواية الكتاب، والأمالي الشجرية (2/ 90)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 92)، والارتشاف (ص 599)، والتذييل (3/ 102)، ودلائل الإعجاز (171)، وتعليق الفرائد (ص 1434)، والخزانة (1/ 378)، ومعجم مقاييس اللغة (4/ 240)، والهمع (1/ 168)، واللسان «عجم». اللغة: مي: ترخيم «مية» في غير النداء، وهو ضرورة. تساعفنا: تواتينا. والشاهد قوله: «ديار مية»؛ حيث نصب «ديار» بفعل مقدر، والتقدير: أذكر ديار مية وأعنيها. (¬6) الكتاب (1/ 280). (¬7) الكتاب (1/ 281).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا نصه، وإلى هذا أشرت بقولي: وقد يجعل المنصوب مبتدأ أو خبرا؛ وقد تناول قولي: فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال؛ نحو: إيّاي وكذا بإضمار: نحّ، ونحو: إياك وكذا بإضمار: ابق، وهذا المسمى تحذيرا، ولا يلزم إضمار الناصب فيه إلا مع إياك وأخواتها، ومع مكرر، نحو: الأسد الأسد، ومع معطوف ومعطوف عليه نحو: «ماز رأسك والسيف» (¬1)، ولا يحذف العاطف بعد إياك إلا والمحذور مجرور بمن، نحو: إياك من الشر، وتقديرها مع «أن» كاف، نحو: إياك أن تسيء على تقدير: إياك من أن تسيء، فحذف «من»؛ لأن مثل هذا في «أن» مطرد، فلو وقعت الإساءة موقع «أن تسيء» لم يجز حذف «من» إلا في الضرورة (¬2)، كقول الشاعر: 1344 - وإيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وبالشّرّ آمر (¬3) أراد: إياك أن تماري، ثم أوقع موقع «أن تماري» المراء، فعامله معاملة ما هو واقع موقعه، ويجوز أن يكون نصب المراء بفعل مضمر غير الذي نصب إياك. وعلى كل حال فلا يجوز مثل هذا إلا في الشعر، وليس العطف بعد إياك من عطف الجمل، خلافا لابن طاهر وابن خروف (¬4)، ولا من عطف المفرد على تقدير: اتق نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك، بل هو من عطف المفرد، على تقدير: اتق تلاقي نفسك والشر، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه؛ ولا شك أن هذا أقل تكلفا فكان أولى ويساوي التحذير في كل ما ذكرته [2/ 329]- ¬

_ (¬1) في مجمع الأمثال (2/ 279)، قال الأصمعي: «أصل ذلك أن رجلا يقال له: «مازن» أسر رجلا، وكان رجل يطلب المأسور بذحل، فقال له: ماز - أي يا مازن - رأسك والسيف، فنحّى رأسه، فضرب الرجل عنق البعير». وينظر المثل في: المستقصى (2/ 339)، والكتاب (1/ 275). (¬2) ينظر: المقتضب (3/ 212 - 215). (¬3) البيت من الطويل، وهو للفضل بن عبد الرحمن القرشي، وهو في: الكتاب (1/ 279)، والمقتضب (3/ 213)، والخصائص (3/ 102)، والغرة المخفية (ص 249)، والتذييل (3/ 103)، وابن القواس (ص 299)، والارتشاف (ص 600)، وما يجوز للشاعر في الضرورة (ص 174)، والعيني (4/ 113)، وابن يعيش (2/ 25)، والمغني (2/ 679). ويروى البيت برواية «فإياك» مكان «وإياك»، «وللشر جالب» مكان «وبالشر آمر» والشاهد قوله: إياك المراء حيث حذفت «من» الجارة بعد إياك مع المصدر الصريح، ولم يوجد العاطف؛ وهذا لضرورة الشعر. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 103).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإغراء، نحو: أخاك أخاك، بإضمار الزم وشبهه ... انتهى كلام المصنف (¬1). ولا بد مع ذلك من الإشارة إلى أمور: 1 - منها: أن العامل الناصب لمعموله بالنسبة إلى الإظهار والإضمار، على ثلاثة أقسام: قسم يجب فيه الإظهار، وهو ما لا دليل عليه لو أضمر، كقولك ابتداء من غير قرينة قول أو حال، زيدا مثلا أو عمرا؛ فإنه لا يجوز (¬2)، وهذا القسم لم يحتج المصنف أن ينبه عليه، لأنه ذكر القسمين الآخرين، وهما ما يجوز فيهما الأمران وما يجب فيه الإضمار، ونبه على أسباب كل منهما؛ فما انتفت عنه أسباب الجواز وأسباب الوجوب يعلم أن إظهار العامل فيه واجب؛ لأن إظهار العامل وذكره مع عامله هو الأصل، ثم إن المجوز للحذف أن يكون ثمّ دليل على المحذوف، ولهذا اقتصر غير المصنف على ذلك واكتفى به، وأما المصنف؛ فإنه تعرض لأسباب الدلالة، فذكر اثني عشر سببا كما علمت (¬3)، ويظهر أنه استوفى الأسباب كلها، وأما الموجب للحذف وهو المعبر عنه بالإضمار؛ فذكر له المصنف سببين وهما: أن يكون الحذف في مثل نحو: كلّ شيء ولا شتيمة حرّ، أو ما هو جار مجرى المثل في كثرة الاستعمال، كقوله تعالى: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ (¬4) كما تقدم (¬5). وحاصل الأمر: أن ما لا دليل عليه من العوامل يجب ذكره، وما دل عليه لو حذف دليل جاز فيه الذكر والحذف، وما دل عليه دليل وكان له بدل يقوم مقامه وجب حذفه، وكذا ما كان مثلا أو جرى مجرى المثل في كثرة الاستعمال. 2 - ومنها: أن المصنف؛ إنما قال: (يجوز الاقتصار على منصوب الفعل)، ولم يقل: على المفعول به، وإن كان الباب معقودا له؛ لتشمل عبارته سائر المنصوبات من: مفعول به ومفعول فيه ومفعول له ومفعول مطلق وحال (¬6)، ولهذا لما تكلم ابن عصفور في ذلك عمّ القول بالنسبة إلى كل معمول، ولم يقتصر على - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 161) وهو نقل طويل جدّا. (¬2) ذكر ابن عصفور هذا القسم في المقرب (1/ 252). (¬3) سبق شرحه. (¬4) سورة النساء: 170. (¬5) سبق شرحه. (¬6) لعل ناظر الجيش تابع في هذا التخريج لأستاذه أبي حيان، يقول أبو حيان: «ومنصوب الفعل يشمل المفعول به، وغيره من منصوباته؛ وإن كان المقصود هنا التنبيه على الاقتصار على المفعول به» اه. التذييل (3/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عامل المفعول به، فقال: وقد يعرض فيما كان من عوامل الأسماء فعلا أن يضمر (¬1)، ثم سرد جميع ما ينصب بعامل واجب الحذف في جميع أبواب العربية (¬2)، ويقال: إن بعض ملوك العرب سأل ابن عصفور عن هذه المسألة، وكان ذلك بحضرة جمع من النحاة، فشرع في ذكر ما ينتصب بعامل واجب الحذف إلى أن أتى على جميع ما تضمنته أبواب العربية من ذلك في مجلسه على الفور، دون تروّ فقضى منه حينئذ العجب، وشهد له بالتبريز في هذا الفن. والمصنف لم يخلّ بشيء مما ذكره ابن عصفور؛ لكنه فرق المسائل، فأورد كلّا في بابه؛ وأنا أشير إلى ما قاله ابن عصفور ملخصا [2/ 330] ثم أرجع كلام المصنف الذي أورده مفرقا إليه. وقبل ذلك فاعلم أن الواجب إضمار عامله قسمان: قسم نظم في أبواب، وهو الاسم المشتغل (¬3)، والمنادى، والمخصوص، والمحذر، والمحذر منه، والمغرى به، وقسم لم ينظم، وإنما ذكر في أبواب متفرقة، لمناسبة كل من ذلك بالباب الذي يذكر فيه، فابن عصفور ذكر الأمور التي نظمت في أبوابها، وذكر المتفرق في الأبواب؛ لكنه لم يلتزم هذا الترتيب في الذكر؛ بل قال: فمنه المنادى، والاختصاص، ومنه الصفات المقطوعة على المدح، أو الشتم، أو الترحم قال: فإنها صارت بدلا من أمدح، وأذم، وأرحم، ومنه الاسم المشتغل عنه، ومنه: إياك والأسد - يعني التحذير - وشأنك والجمع - يعني الإغراء -، ومنه أمرأ ونفسه وأهلك، والليل وغديرك، وهذا ولا زعامتك، وكليهما وتمرا، وكل شيء ولا شتيمة حر، ومن أنت زيدا ومرحبا، وأهلا وسهلا؛ وإن تأتني فأهل الليل، وأهل النهار، وانْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬4) وحسبك خيرا، ووراءك أوسع لك، ومنه في الدعاء: سقيا ورعيا، والدعاء عليه: أفّة وتقّة، وزفرا، ومنه إلا أنه لا يستعمل إلا مضافا: ويحك، وويلك، وويبك (¬5) وونيك، ومنه إلا أنه في غير الدعاء: حمدا وشكرا، لا كفرا وعجبا، وكرامة ومسرة، ومنه: ولا كبدا ولا همّا، ومنه وزعما وهو أنا، ومنه: - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 252). (¬2) ينظر: المقرب (1/ 252 - 258)، وتقريب المقرب لأبي حيان (ص 61) وما بعدها. (¬3) في (ب): (المشتغل عنه). (¬4) سورة النساء: 171. (¬5) في المقرب (1/ 255) «وويك، ووبّيك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أنت إلا سيرا؛ وإنما أنت سيرا، ومنه: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (¬1)، ومنه: له صوت صوت حمار، ومنه أنت ابني حقّا، وله ألف درهم عرفا، ومنه: صنع الله، وكتاب الله، وسبحان الله وريحانه، ومعاذ الله، وعمرك الله وبعدك الله، وكذا ما جاء مثنى، نحو: حنانيك، ولبيك، وسعديك، وهذا ذيك، ودواليك، ومنه وهو مما جرى مجرى «سبحان» (¬2) في المعنى؛ إلا أنه غير مصدر سبّوحا قدّوسا، أي: ذكرت سبّوحا، قدّوسا، أو اذكر، ومما أجري مجرى المصادر في الدعاء، وفي غير الدعاء: عائذا بك، وأقائما وقد قعد الناس؟، وأقاعدا وقد سار الركب؟، ومنه: أتميميّا مرة، وقيسيّا أخرى؟ ومنه أأعور وذا ناب (¬3)، وفيه إضمار كان، وإنابة «ما» منابها، ومنه: أخذته بدرهم فصاعدا وبدرهم فزائدا، هذا ما تضمنه كلام ابن عصفور (¬4). فأما المنادى، والمخصوص، والمشتغل عنه، والمحذر، والمغرى به، فقد ذكرها المصنف في أبوابها، وأما الصفات المقطوعة فقد ذكرها في باب النعت، وأما: امرأ ونفسه وما ذكر بعده إلى: إن تأتني فأهل النهار وأهل الليل، فقد ذكر المصنف ذلك في باب التحذير والإغراء؛ لأنه ملحق بهما في التزام إضمار [2/ 331] الناصب على أن قول المصنف هنا: (فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه فهو لازم) يشمل الكلمات المذكورة أيضا، وأما انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬5)، وحسبك خيرا لك، ووراءك أوسع لك، فقد ذكره المصنف في هذا الباب، وجعله شبه المثل في كثرة الاستعمال، وأما سقيا ورعيا، وما ذكر بعدهما إلى هذاذيك ودواليك، فقد ذكره المصنف في باب المفعول المطلق، وأما سبّوحا، قدّوسا، وهو ما جرى مجرى «سبحان» في المعنى إلا أنه غير مصدر؛ فلم يذكره المصنف، وفي كون ناصبه واجب الحذف نظر؛ إذ لا بدل عنه كما أن «سبحان» بدل من اللفظ بعامله لكن قد نقل ابن عصفور ذلك، وهو الإمام في هذا العلم والنقول لا تدفع، وأما هنيئا مريئا؛ فقد ذكرهما المصنف في باب الحال، وأما عائذا بك إلى أعور وذا ناب؛ فقد ذكره المصنف في باب المفعول المطلق أيضا، وذكر أن الصفات أحوال؛ وأن الأسماء مفعولات على الأصح فيها، وأما حذف كان وإنابة «ما» منابها؛ فذكره - ¬

_ (¬1) سورة محمد: 4. (¬2) في (ب): (سبحان الله). (¬3) ذكره سيبويه في الكتاب (1/ 343)، فقال: «وحدثنا بعض العرب أن رجلا من بني أسد قال يوم جبلة واستقبله بعير أعور فتطير منه، فقال: يا بني أسد، أعور وذا ناب» اه. وينظر: اللسان «عور». (¬4) ينظر: المقرب (1/ 252 - 259). (¬5) سورة النساء: 171.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في باب كان، وأما أخذته بدرهم فصاعدا، وبدرهم فزائدا؛ فقد ذكره في الحال أيضا، وعلى هذا فجملة الأبواب التي يجب فيها حذف الناصب ثمانية وهي: النداء، والاختصاص، والاشتغال، والتحذير، والإغراء، وما ألحق بهما، والصفات المقطوعة، والمفعول المطلق وهو أقسام، والحال. 3 - ومنها: أنه قد تقدم أن الأصح من المذاهب الثلاثة في المسألة المذكورة في قوله تعالى: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬1) أن خيرا منصوب على أنه مفعول به بفعل مقدر، والتقدير: انتهوا أو ائتوا خيرا لكم؛ وأنه مذهب الخليل وسيبويه (¬2)، واستدل الأئمة لصحته بأنك إذا قلت: انته خيرا لك، فنهيته؛ علم أنك تأمره بما هو خير، فكأنك قلت: وائت خيرا، قالوا: وإنما علم ذلك من النهي؛ لأن النهي عن الشيء أمر بضده، قالوا: ويدل على بطلان مذهبي الكسائي والفراء في هذه المسألة قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬3)؛ لأنه لو حمل على ما قالا، لا يكون خيرا؛ لأن من انتهى من التثليث وكان معطلا؛ لا يكون خيرا له. وفي قول سيبويه: وائت خيرا؛ يكون أمرا بالتوحيد الذي هو خير (¬4)، واعلم أن حسبك من قولهم: حسبك خيرا لك، إما مبتدأ محذوف الخبر، أو خبر مبتدأ محذوف، التقدير: حسبك الذي فعلت، أو: الذي فعلت حسبك، و «خيرا» مفعول بفعل محذوف، التقدير: وائت خيرا، لأن حسبك معناه كف، ولما أمره بالكف علم أنه محمول على غيره، فقال: خيرا لك، أي: وائت خيرا لك كما ذكر في انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ سواء، وأما ورائك أوسع لك، فوراءك اسم فعل معناه تأخر [2/ 332] وضده أمامك بمعنى تقدم، «وأوسع» منصوب بإضمار فعل، التقدير: خذ مكانا أوسع لك، أو: ائت مكانا أوسع؛ لأنه لما نهاه عن التقدم بقوله: وراءك؛ علم أنه يأمره بإتيان ما هو أوسع له (¬5). 4 - ومنها: أن الشيخ قال في قول المصنف: (فيلزم حذف ثاني الجزأين): لو - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 171. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 282، 283). (¬3) سورة النساء: 171. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 99). (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 282، 283)، والمقرب (1/ 254).

[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره]

[مواضع حذف المفعول ومواضع ذكره] قال ابن مالك: (فصل: يحذف كثيرا المفعول به غير المخبر عنه والمخبر به والمتعجّب منه والمجاب به والمحصور، والباقي محذوفا عامله، وما حذف من مفعول به فمنويّ لدليل أو غير منويّ؛ وذلك إمّا لتضمين الفعل معنى يقتضي اللّزوم، وإمّا للمبالغة بترك التّقييد، وإمّا لبعض أسباب النّيابة عن الفاعل). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: حذف أحد الجزأين كان أحسن؛ لأنه إذا حذف المبتدأ فليس هو ثاني الجزأين (¬1). ويجاب عن المصنف؛ بأنه لم يرد بالثاني المذكور في الرتبة الثانية، بل الواحد من الاثنين؛ لأن كلّا منهما ثان للآخر. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): الغرض الآن بيان ما يجوز حذفه وما لا يجوز حذفه من المفاعيل، فاستثنيت المخبر عنه قاصدا المفعول القائم مقام الفاعل، والأول من مفعولي ظن وأخواتها، والثاني من مفاعيل أعلم وأخواتها؛ فإن الكلام على ذلك قد تقدم، واستثنيت أيضا المفعول المتعجب منه، كزيد من قولك: ما أحسن زيدا؛ فإن بيان ما يحتاج إليه يأتي في بابه إن شاء الله تعالى، وما سوى ذلك من المفاعيل يجوز حذفه؛ إن لم يكن جوابا، كقولك: زيدا، لمن قال: من رأيت؟، ولا محصورا كقولك: ما رأيت إلا زيدا (¬3)، ولا محذوفا عامله كقولك: خيرا لنا وشرّا لعدونا (¬4)؛ فهذه الأنواع الثلاثة من المفاعيل لا يجوز حذفها، وما سواها يجوز حذفه، والمحذوف على ضربين: أحدهما: ما يحذف لفظا ويراد معنى، كالعائد إلى الموصول في قوله تعالى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (¬5). والثاني: ما يحذف لفظا ومعنى؛ والباعث على ذلك إما تضمين الفعل معنى يقتضي اللزوم، وإما قصد المبالغة، وإما بعض أسباب النيابة عن الفاعل، فالأول كتضمين جرح معنى عماث، ومنه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 104). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 161). (¬3) لأنه لو حذف لزم نفي الرؤية مطلقا، ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 97)، والمطالع السعيدة (ص 270، 271). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 270). (¬5) سورة البروج: 16.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1345 - فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها ... إلى الضّيف يجرح من عراقيبها نصلي (¬1) وكتضمين أصلح معنى لطّف في قولك: أصلح الله نفسك وأهلك، ولو لم يضمن معنى لطف لقيل: صلح الله نفسك وأهلك، ومنه - والله أعلم - قوله تعالى: وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي (¬2)، والثاني كقولك: فلان يعطي ويمنع، ويصل ويقطع؛ فإن حذف المفعول في هذا وأمثاله مبالغة يشعر بكمال الاقتدار، وتحكيم الاختيار، ومنه - والله أعلم - قوله تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ * (¬3). والثالث: مرتب على الأسباب الداعية إلى حذف الفاعل، وإقامة غيره مقامه، فمن ذلك [2/ 333] الإيجاز كقوله: وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا (¬4)، ومن ذلك مشاكلة المجاور، كقوله تعالى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (¬5)، ومن ذلك إصلاح النظم، كقول الشاعر (¬6): 1346 - وخالد يحمد ساداتنا ... بالحقّ لا يحمد بالباطل (¬7) أراد خالد يحمده ساداتنا؛ فحذف الهاء ليستقيم الوزن، ومن ذلك حذف المفعول لكونه معلوما، وهو كثير، كقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (¬8)، وكقوله تعالى: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ (¬9)، وكقوله تعالى: فَمَنِ - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو لذي الرمة، وهو في شرح التسهيل للمصنف (92 / ب)، والكشاف (2/ 450)، (3/ 10)، (4/ 239)، وابن يعيش (2/ 39)، والمغني (2/ 521)، والارتشاف (ص 601)، والتذييل (3/ 106)، وتعليق الفرائد (1437)، والخزانة (1/ 284)، وديوانه (ص 490). والشاهد قوله: «يجرح من عراقيبها»؛ حيث ضمن «يجرح» معنى يفسد أو يعبث، ويروى البيت برواية «يخرج في عواقبها» مكان «يجرح من عراقيبها». اللغة: المحل: الجدب والشدة. (¬2) سورة الأحقاف: 15. (¬3) سورة التوبة: 116، سورة الحديد: 2. (¬4) سورة التغابن: 16. (¬5) سورة النجم: 42، 43. (¬6) هو الأسود بن يعفر بن عبد الأسود. (¬7) البيت من السريع، وهو في: المقرب (1/ 84)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 162)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 582)، والتذييل (3/ 107)، والارتشاف (ص 602، 1151)، والبحر المحيط (1/ 354)، (8/ 219)، والمغني (2/ 611). والشاهد قوله: «يحمد ساداتنا»؛ حيث حذف المفعول به لإصلاح النظم، والتقدير: يحمده. (¬8) سورة البقرة: 24. (¬9) سورة البقرة: 282.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (¬1)، وكقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (¬2)، وكقوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (¬3)، ومن ذلك حذفه لكونه مجهولا كقولك: ولدت فلانة؛ إذا عرفت ولادتها وجهلت ما ولدت، ومن ذلك الحذف لكون التعين غير مقصود، وكقوله تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (¬4)، وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» (¬5)، ومن ذلك حذفه تعظيما للفاعل، كقوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي (¬6) وعكس ذلك: شتم فلان، إذا كان المشتوم عظيما والشاتم حقيرا، وقد يحذف المفعول تخوفا منه كقولك: أبغضت في الله، ولا تذكر المبغض خوفا منه .. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬7)، وقد بين ما أراد بالمخبر عنه، ولم يبيّن ما أراد بالمخبر به؛ ولا شك أنه يريد به الثاني من مفعولي «ظن»، والثالث من مفاعيل «أعلم»، ولا خفاء أن الكلام تقدم على الآخر، ثم في كونه قصد بالمخبر عنه المفعول القائم مقام الفاعل نظر؛ لأن كلامه الآن في المفعول لفظا ومعنى، وهو المنصوب لفظا أو محلّا لا في المفعول معنى فقط على أنه قد عرف أن القائم مقام الفاعل حكمه في وجوب الذكر حكمه، ثم في قوله: إن من أسباب الحذف قصد المبالغة بترك التقييد مناقشة؛ فإننا في نحو: فلان يعطي ويمنع لن نحذف شيئا؛ ولكن لم يذكر للفعل مفعولا؛ وفرق بين حذف الشيء وعدم ذكره؛ فإن الحاذف يقدر المتعلق فيتقيد الفعل به؛ لأن المقدر في حكم المذكور، أما إذا لم يقصد المتكلم متعلقا؛ بل قصد الإخبار بوقوع الفعل دون نظر إلى متعلق، فلا شك أنه لا يقدر شيئا، وإذا لم يقدر فلا حذف (¬8)، ولهذا قال أصحاب علم المعاني: إنه إذا كان الغرض إثبات المعنى في نفسه للفاعل مطلقا، أو نفيه عنه كذلك ينزل المتعدي حينئذ منزلة اللازم؛ فلا يذكر له مفعول ولا يقدر أيضا؛ لأن - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 35. (¬2) سورة يوسف: 90. (¬3) سورة القيامة: 31، 32. (¬4) سورة الفرقان: 19. (¬5) هذا جزء من حديث شريف أخرجه مسلم في كتاب الصيد، والذبائح (1548)، وابن ماجه في كتاب الذبائح (1058)، والترمذي في كتاب الديات باب النهي عن المثلة (4/ 23). (¬6) سورة المجادلة: 21. وزاد في (ب): إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ. (¬7) شرح التسهيل للمصنف (2/ 163). (¬8) ينظر: نتائج الفكر (ص 165).

[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف]

[تعدي الفعل بالهمزة والتضعيف] قال ابن مالك: (فصل: يدخل في هذا الباب على الثّلاثيّ غير المتعدّي إلى اثنين همزة [2/ 334] النّقل فيزداد مفعولا إن كان متعدّيا، ويصير متعدّيا إن كان لازما، ويعاقب الهمزة كثيرا، ويغني عنها قليلا تضعيف العين ما لم تكن همزة، وقلّ ذلك في غيرها من حروف الحلق). ـــــــــــــــــــــــــــــ المقدر في حكم المذكور (¬1)، والمصنف رحمه الله تعالى: لا يخفى عنه ذلك، ولكنه تجوز بالحذف عن عدم الذكر (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف: احترزت بقولي في هذا الباب: من باب علم؛ لأن همزة النقل فيها أوصلت «علم ورأى» إلى مفعول ثالث، وقد مضى الكلام على ذلك مستوفى (¬3)، والغرض الآن تبيين دخول الهمزة على أفعال غير ذلك الباب، وبينت باستثناء المتعدي إلى اثنين أن «كسوت» ونحوه من الثلاثي المتعدي إلى اثنين لا يدخل عليه همزة، ولا تضعّف عينه على القصد المشار إليه، وقد تقدم الإعلام بأن امتناع هذا في غير باب «علم» مجمع عليه: ومثال ما ازداد مفعولا بعد تعديه إلى واحد: أكفلت زيدا عمرا، وكفّلته إيّاه، وأغشيت الشيء الشيء، وغشّيته إيّاه، ومثال الصائر متعديا بعد أن كان لازما: أنزلت الشيء، ونزلته وأبنته وبيّنته (¬4) وهذا من التعاقب الكثير بين الهمزة وتضعيف العين، ومثال التضعيف المغني عن الهمزة: قويت الشيء وهيّأته، وحكّمت فلانا، وطهّرت الشيء، ونظّفته، وسلّمته وقدّمته، وأخّرته، وحصّلته، وهذا النوع المستغنى فيه عن أفعل بفعّل - مع كثرة مثله - قليل بالنسبة إلى النوع المستغنى فيه عن فعّل بأفعل، ولذلك وجد في أفعل ما يتعدى إلى ثلاثة دون حمل على غيره، ولم يوجد ذلك في فعّل إلا نبّأ، وحدّث، وهما محمولان على أعلم بتضمين معناها (¬5)، ومما يبين لك أن - ¬

_ (¬1) ينظر: الإيضاح في علوم البلاغة للقزويني (ص 61) طبعة محمد صبيح. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 163). (¬3) في (ب): (مستوفيا). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 108). (¬5) ينظر: باب ظن وأخواتها؛ حيث إن القول في هذه الأفعال مفصل هناك، وينظر: التوطئة (ص 164)، والتذييل (3/ 111).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أفعل أمكن من فعّل فيما اشتركا فيه استغناؤهم بأفعل لزوما فيما عينه همزة كأنأيت وأمأيت، وعليه فيما عينه حرف حلق غير همزة، كأذهلته، وأوهيته، وأرهقته، وأحجزته، وألحمته، وأسعده، وأسعفه، وأوعره، وأوغله، وأدخله، وأثخنه. وقد يتعاقب في هذا النوع أفعل، وفعّل، نحو: أوهنه ووهّنه، وأمهله ومهّله، وأنعمه ونعّمه، وأبعده وبعّده، وأضعفه وضعّفه، هذا آخر كلام المصنف (¬1)، وقد بقي الكلام في أمرين: أحدهما: أن النحاة مختلفون في التعدية بالهمزة، هل هو أمر قياسي أو سماعي؟!، وكذا التعدية بالتضعيف، أما التعدية بالهمزة ففيها ثلاثة مذاهب: منهم: من ذهب إلى أنه كله سماع؛ فلا يقال منه إلا ما قالته العرب، ولم يكثر عنده كثرة توجب القياس (¬2). ومنهم: من ذهب إلى أنه مقيس في غير المتعدي (¬3)، فيقال منه ما لم يسمع قياسا على ما سمع؛ لأنه كثر، فما لم يسمع إنما كان عدم سماعه بالاتفاق، ولو تعرض للعرب لقالته، كما يقال اسم الفاعل [2/ 335] من كل فعل سمع أو لم يسمع، وأما المتعدي فلا يقال منه إلا ما قالته العرب؛ لأنه لم يكثر فيقاس عليه. قال سيبويه: ألا ترى أنه ليس كل فعل كأولني (¬4)، وذكر فيما لا يتعدى أن النقل بالهمزة فيه كثير (¬5). قال ابن أبي الربيع: فحصل من هذين الموضعين أن مذهبه - والله تعالى أعلم - أنه قياس في غير المتعدي، وسماع في المتعدي، قال: وعلى هذا المذهب أكثر النحويين، وهو الصواب (¬6). - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 164). (¬2) هذا هو مذهب المبرد، ينظر: الهمع (2/ 81). (¬3) هذا مذهب سيبويه، ينظر: نتائج الفكر (ص 327). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 252). (¬5) ينظر: الكتاب (4/ 55) وما بعدها. (¬6) ينظر: التذييل (3/ 108).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم: من ذهب إلى أنه قياس في غير المتعدي، وفيما يتعدى إلى واحد (¬1)؛ وإنما قيد المتعدي بكونه إلى واحد؛ ليخرج باب «ظننت»، فإن التعدي فيه بالهمزة موقوف على السماع، ومنهم من قاس «ظننت» على علمت فعداها بالهمزة إلى ثلاثة. وأما التعدية بالتضعيف ففيها مذهبان: منهم: من قال: إنه قياس، ومنهم: من قال: إنه سماع، سواء أكان الفعل لازما أم متعديا (¬2). قال ابن أبي الربيع: وهو الأصح، وقال غيره (¬3): إنه هو الظاهر من مذهب سيبويه. وقد تلخص من هذا الذي ذكرنا؛ أن النقل بالهمزة قياس في اللازم، سماع في المتعدي، وبالتضعيف سماع في المتعدي واللازم، وأن منهم من قال بالقياس في التضعيف، ومنهم من قال بالسماع فيهما. واعلم أن ابن أبي الربيع ذكر أن النقل يكون بثلاثة أشياء وهي: الهمزة، والتضعيف، وحرف الجر، كما تقول: ذهبت بزيد، أي: أذهبته (¬4)، والذي قاله صحيح ولكن النقل بالحرف لا يذكر في هذا الباب؛ لأنه معقود لما هو منصوب من المفعولين، وما دخل عليه حرف الجر مجرور، فوجب ذكره في المجرورات، وقد ذكر المصنف ذلك في باب حروف الجر، ثم قال ابن أبي الربيع: وذهب الكوفيون إلى أن الأشياء التي ينقل بها الفعل فيصير متعديا ستة: الثلاثة المتقدمة التي ذكرها البصريون، وثلاثة أخر وهي: 1 - إسقاط الهمزة نحو: أكبّ زيد على وجهه، وكبه الله على وجهه، قال الله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ (¬5)، وقال الله تعالى: فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ (¬6)، ومنه ثلّثت الرجلين؛ إذا صيرتهم ثلاثة، وأثلثوا؛ إذا صاروا ثلاثة، وكذلك: أنزفت البئر ونزفتها. - ¬

_ (¬1) ذكر أبو حيان أن ذلك مذهب أبي عمرو وجماعة، ينظر: التذييل (3/ 108)، والهمع (2/ 81، 82). (¬2) ينظر: الهمع (2/ 82). (¬3) هو أبو حيان في التذييل (3/ 110). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 112). (¬5) سورة الملك: 22. (¬6) سورة النمل: 90.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2 - وتغير الحركة نحو: شترت عينه وشترها الله (¬1)، ومنه: كسيت الثوب إذا لبسته وكسوته إذا ألبسته، قال الشاعر (¬2): 1347 - لقد زاد الحياة إليّ حبّا ... بناتي إنّهنّ من الضّعاف وأن يعرين إن كسي الجواري ... فتنبوا العين عن كرم عجاف (¬3) معنى كسي الجواري: لبس. 3 - أن يكون النقل بغير زيادة ولا تغير في اللفظ، وإنما يكون بتغيير في التقدير؛ وذلك نحو: شجا فوه وشجا فاه، وفغر فوه وفغر فاه، فمعنى شجا فوه: انفتح، ومعنى شجا فاه: فتح فاه [2/ 336]، وكذلك فغر فوه وفغر فاه، ومنه: أمأت الدراهم، وأمأت هي اللفظ واحد، والتقدير مختلف، والبصريون يذهبون إلى أن هذه الأشياء لم تفعل للنقل، لم يكن شترت عينه، فلما أرادوا النقل، قالوا: شترها الله، ولو أرادوا لقالوا: أشترها الله، وإنما شترها: جعل فيها الشتر (¬4)، قال: وكذلك الكلام فيما يأتون به من هذا النوع. الأمر الثاني: قال الشيخ: وزاد بعضهم فيما يعدي السين، والتاء، نحو: حسن زيد، واستحسنته، وقبح الشيء واستقبحته، وطعم زيد الخبز، واستطعمته الخبز، وألف المفاعلة: نحو سايرته، وجالسته، وماشيته في: سار، وجلس، ومشى (¬5). انتهى. - ¬

_ (¬1) في الكتاب (4/ 57)، ومثل ذلك: شتر الرجل، وشترت عينه، فإذا أردت تغيير شتر الرجل، لم تقل إلا: أشترته، كما تقول: فزع وأفزعته، وو إذا قال: شترت عينه، فهو لم يعرض لشتر الرجل؛ فإنما جاء ببناء على حده. (¬2) هو سعيد بن مسجوج الشيباني أو أبو خالد القتالي الخارجي أو عمران بن حطان أو عيسى الخطمي. (¬3) البيتان من الوافر، وينظر فيهما شواهد المغني (2/ 886)، والخصائص (2/ 292، 342)، والأمالي الشجرية (1/ 233) البيت الثاني، والتذييل (3/ 81)، والبحر المحيط (2/ 206، 6/ 271)، والمغني (2/ 527) البيت الثاني، والمصنف (2/ 115)، واللسان «كرم - كسا». والشاهد قوله: «كسي الجواري»؛ حيث إن الفعل «كسي» استشهد به الكوفيون في هذا البيت على أنه لازم وليس متعديا؛ وذلك لتغير حركته. اللغة: العجاف: المهزولات. تنبو العين: لا تنظر. (¬4) ينظر: الكتاب (4/ 57). (¬5) التذييل (3/ 112).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس هذا بشيء؛ فإن الحرف الذي يحصل به النقل، إنما يجاء به لمجرد النقل، فلا يفيد معنى آخر، كما في: أقام زيد عمرا، وأجلس بكر خالدا، وأذهب الله الرجس؛ ولا شك أن السين والتاء يفيدان معنى غير النقل، وكذلك ألف المفاعلة جيء بها لمعنى مقصود والتحقيق في هذا أن استفعل غير فعل؛ لأنه بناء مستقل صيغ الفعل عليه؛ ليفيد أحد المعاني المقصودة منه، وكذا فاعل أيضا، فليس ذلك من باب النقل والتعدية في شيء. * * *

الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا

الباب الثاني والعشرون باب تنازع العالمين فصاعدا معمولا واحدا [تعريف التنازع - العامل في المتنازع فيه] قال ابن مالك: (إذا تعلّق عاملان من الفعل وشبهه متّفقان لغير توكيد أو مختلفان بما تأخّر غير سببيّ مرفوع عمل فيه أحدهما لا كلاهما خلافا للفرّاء في نحو: قام وقعد زيد). قال ناظر الجيش: قد يقال: أي موجب لإيراد باب التنازع في هذا الموضع، حتى فصل به بين أبواب المفاعيل، ولم لا أورد أبواب المفاعيل الخمسة مواليا بين بعضها، والبعض الآخر، كما فعل غيره، والذي يظهر أن المقتضي لذلك أنه لما ذكر المفعول به، وقد تقدمه ذكر الفاعل، ومعلوم أن الفاعل يلزم ذكره، وأن المفعول به من متعلقات الفعل، وكان كلام العرب الجمع بين عاملين وأكثر، ثم إنهم لا يذكرون بعد العاملين أو العوامل إلا شيئا واحدا، فاعلا كان أو مفعولا، وكل من العاملين، أو العوامل يطلب ذلك الشيء من جهة المعنى، فيسلطون عليه أحد العاملين أو العوامل، ويحتاجون حينئذ إلى إضمار في أحد العاملين، أو تقدير معه، وذلك يحتاج إلى عمل، فأفرد النحاة لذلك بابا سموه بالتنازع، وقد يسمونه بالإعمال، وناسب أن يورد الباب المذكور بعيد هذين البابين - أعني باب الفعل وباب المفعول به -؛ لأن الحال يرجع إما إلى إضمار فاعل، وإما إلى تقدير مفعول، ولو أخر الباب المذكور أو قدم قلت المناسبة المذكورة. وإذ قد عرف هذا فاعلم أن [2/ 337] المصنف لم يصرح بحد التنازع، ولكن يعرف الحد من كلامه؛ فإنه كما قال الشيخ: أبرزه في صورة شرطية (¬1)، قلت: وهو نظير ما فعل في الاشتغال؛ فإنه لم يحد الاسم المشتغل عنه، وإنما أورد كلاما في صورة شرط وجواب يستفاد منه المقصود، وليعلم أن المقتضي لذكر معمول واحد مع معمولين هو قصد الاختصار. فالحاصل: أنه إن أريد الإطناب والتعظيم تعدّد المعمول، كقوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (¬2) وإن أريد الإيجاز وحّد المعمول مع تعدد العامل، كقوله - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 113). (¬2) سورة الفاتحة: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (¬1)، ثم أنا أورد كلام المصنف أولا فإذا انتهى أتبعته بما يتعين الإشارة إليه، والتنبيه عليه. قال رحمه الله تعالى (¬2): العاملان من الفعل، وشبهه يتناول المتنازعين بعطف، وغير عطف، فعلين كانا، نحو: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (¬3)، أو فعلا واسما، نحو: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (¬4)، أو اسمين، نحو: أنا مكرم ومفضل زيدا (¬5)، والعاملان في هذه الأمثلة متفقان في العمل، ومثال اختلافهما: أكرمت ويكرمني زيد، ومثال اختلافهما اسمين: أنا مكرم ومحسن إلى زيد، ومثال اختلافها اسما وفعلا، هل أنت مكرم فيشكرك زيد؟ وهذا كله على إعمال الثاني، ولو أعملت الأول لقلت: أكرمت ويكرمني زيدا، وهل أنت مكرم فيشكرك زيدا؟ بإضمار فاعلي يكرم ويشكر، ولو أعملت الأول في مسألة أنا مكرم، لقلت: أنا مكرم ومحسن إليه زيدا (¬6)، ومن إعمال الأول والعاملان اسمان قول الشاعر (¬7): 1348 - وإنّي وإن صدّت لمثن وصادق ... عليها بما كانت إلينا أزلّت (¬8) فلو كان ثاني العاملين مؤكدا؛ لكان في حكم الساقط، كقول الشاعر: 1349 - أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس (¬9) - ¬

_ (¬1) سورة الجن: 7. (¬2) شرح التسهيل (2/ 264). (¬3) سورة الكهف: 96. (¬4) سورة الحاقة: 19. (¬5) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 98)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 58). (¬6) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 78، 79). (¬7) هو كثير عزة وهو كثير بن عبد الرحمن الأسود بن خزاعة، أحب عزة، واشتهر بحبه لها، وكثر شعره فيها (سبقت ترجمته). (¬8) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 115، 165)، وشرح الصفار للكتاب (ق 161 / أ) وديوانه (ص 101)، واللسان «زل»، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 624) ط. العراق، وأمالي القالي (2/ 109). اللغة: أزلت: يقال: زلت منه إلى فلان نعمة، وأزلها إليه، وأزللت إليه نعمة، فأنا أزلها إزلالا. والشاهد قوله: «لمثن وصادق»؛ حيث تنازعا العمل وهما اسما فاعل. (¬9) عجز بيت وصدره: فأين إلى أين النجاة ببغلتي. والبيت من الطويل، وهو في: الأمالي الشجرية (1/ 243)، والتذييل (3/ 116)، وابن القواس (ص 538)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 61)، والتصريح (1/ 318)، والخزانة (2/ 353)، والعيني (3/ 9)، والهمع (2/ 111)، (125)، والدرر (2/ 145، 158)، والأشموني (2/ 98)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «أتاك» الثاني توكيد للأول؛ فلذلك لك أن تنسب العمل لهما لكونهما شيئا واحدا في اللفظ والمعنى، ولك أن تنسبه للأول وتلغي الثاني، لفظا أو معنى، لتنزله منزلة حرف زيد للتوكيد؛ فلا اعتداد به على التقديرين؛ ولولا عدم الاعتداد به، لقيل: أتاك أتوك أو أتوك أتاك (¬1)، وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي: متفقان لغير توكيد؛ وفي قولي: بما تأخر؛ تنبيه على أن مطلوب المتنازعين لا يكون إلا متأخرا؛ لأنك إذا قلت: زيد أكرمته، ويكرمني، وزيد هل أنت مكرمه فيشرك، وزيد أنا مكرمه ومحسن إليه أخذ كل واحد من العاملين مطلوبه، ولم يتنازعا (¬2)، ونبهت بقولي: غير سببي مرفوع؛ على أن نحو: زيد منطلق مسرع أخوه، لا يجوز فيه تنازع؛ لأنك لو قصدت فيه التنازع لأسندت أحد العاملين إلى السببي، وهو الأخ وأسندت [2/ 338] الآخر إلى ضميره، فيلزم عدم ارتباطه بالمبتدأ؛ لأنه لم يرفع ضميره ولا ما التبس بضميره ولا سبيل إلى إجازة ذلك؛ فإن سمع مثله حمل على أن المتأخر مبتدأ مخبر عنه بالعاملين المتقدمين عليه، وفي كل واحد منهما ضمير مرفوع، وهما وما بعدهما خبر عن الأول، ومنه قول كثير: 1350 - قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها (¬3) - ¬

_ - وأوضح المسالك (1/ 163)، والأشباه والنظائر (4/ 150). والشاهد قوله: «أتاك أتاك اللاحقون»؛ حيث إن العامل الثاني هنا قد أتي به لتوكيد وتقوية العامل الأول، فليس ذلك من باب التنازع. (¬1) في شرح الألفية للمرادي (2/ 62) ذكر أن بعض النحويين أجاز أن يكون هذا البيت من باب التنازع، فقال: «وأجاز بعضهم أن يكون منه، ويكون قد أضمر في أحد الفعلين مفردا، كما حكى سيبويه ضربني وضربت قومك» اه. وينظر: الكتاب (1/ 79، 80). (¬2) ينظر: شرح ابن عقيل (1/ 183)، والأشموني (2/ 98). (¬3) البيت في الطويل، وهو في: الإنصاف (1/ 90)، والارتشاف (967)، والتذييل (3/ 119، 120)، وتعليق الفرائد (1449)، وابن يعيش (1/ 8)، وشذور الذهب (ص 501)، والعيني (3/ 3)، والأشموني (2/ 101)، وأوضح المسالك (1/ 163)، والتصريح (1/ 318)، والأشباه والنظائر (4/ 151)، والهمع (2/ 111)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 63)، واللسان «غرم». والشاهد قوله: «وعزة ممطول معنى غريمها»؛ حيث إن ابن مالك لم يعده من التنازع؛ لأنه شرط في الاسم المتنازع فيه أن يكون غير سببي مرفوع. ويستشهد البصريون بالشطر الأول من هذا البيت على أن إعمال الثاني أولى؛ حيث إن «قضى»

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: وعزة غريمها ممطول معنى، وفي تقييد السببي بمرفوع (¬1) تنبيه على أن السببي غير المرفوع لا يمتنع من التنازع كقولك: زيد أكرم وأفضل أخاه، وجعل الفراء الرفع في نحو: قام وقعد زيد بالفعلين معا (¬2)، والذي ذهب إليه غير مستبعد (¬3)؛ فإنه نظير قولك: زيد وعمرو منطلقان، على مذهب سيبويه؛ فإن خبر المبتدأ عنده مرفوع بما هو له (¬4)؛ فلزمه أن يكون «منطلقان» مرفوعا بالمعطوف والمعطوف عليه؛ لأنهما يقتضيانه معا، ويمكن أن يكون على مذهبه قول الشاعر: 1351 - إنّ الرّغاث إذا تكون وديعة ... يمسي ويصبح درهما ممحوقا (¬5) فلو كان العطف بأو أو نحوهما، ممّا لا يجمع بين الشيئين، لم يجز أن يشترك العاملان في العمل، كقول الشاعر: 1352 - وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والدّيار البلاقع (¬6) - ¬

_ - و «وفّى» تنازعا غريمه وأعمل الثاني منهما. (¬1) اعترض أبو حيان على ابن مالك في هذه المسألة، فقال: «وهذا الذي ذهب إليه المصنف من تقييد المعمول بغير سببي مرفوع؛ لم يذكره معظم النحويين، ولا اشترطوه؛ وإنما اتبع فيه ابن خروف، وبعض متأخري أصحابنا» اه، التذييل (3/ 120). (¬2) ينظر: الارتشاف (967)، والتصريح (1/ 321)، والهمع (2/ 109)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 617). (¬3) في التذييل (3/ 126)، وقوله: «لا كلاهما خلافا للفراء في نحو: قام وقعد زيد»، قال أبو علي: «هذا أقبح المذهبين، يعني أن إعمال قام وقعد في زيد أقبح من مذهب الكسائي في إبقاء أحد الفعلين بلا فاعل، والفراء رفعه بمجموعهما فكل واحد منهما ليس له فاعل» اه، وينظر: المسائل الحلبيات للفارسي (190، 191). (¬4) في: الكتاب (1/ 406): «إذا قلت: عبد الله أخوك؛ فالآخر قد رفعه الأول وعمل فيه، وبه استغنى الكلام، وهو منفصل منه» اه. (¬5) البيت من الكامل لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 127)، وفي شرح التسهيل لابن مالك (1/ 166). والشاهد في البيت - كما يرى ابن مالك - أن الفعلين «يمسي ويصبح» قد عملا في مكان واحد، وقد ذكر ابن مالك هذا البيت تنظيرا لمذهب الفراء. (¬6) البيت من الطويل، وهو لذي الرمة، وهو في: المقتضب (2/ 174)، والمخصص (17/ 100، 125)، والارتشاف (ص 967)، والبحر المحيط (1/ 276)، والتذييل (3/ 127، 148)، وابن يعيش (2/ 122)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 133)، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص 872)، وتعليق الفرائد (1462)، والأشموني (1/ 187)، والهمع (2/ 150)، وديوان ذي الرمة (ص 332)، وجمل ابن عصفور (1/ 619)، ويروى البيت برواية: «والرسوم البلاقع» مكان «والديار البلاقع». اللغة: الأثافي: أحجار يوضع عليها القدور، المفرد: أثفية. والبلاقع: جمع بلقع، وهي الأرض المقعرة. والشاهد قوله: «وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى»؛ حيث إن الفعل «يكشف» عطف على الفعل الأول -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس هذا من باب التنازع؛ إذ لو كان منه لكان أحد الفعلين بتاء؛ لأن فاعله على ذلك التقدير ضمير مؤنث؛ وإنما يحمل على أنه أراد: وهل يرجع التسليم ما أشاهد واستغنى بالإشارة، كما قالوا: إذا كان غدا فأتني، أي: إذا كان ما نحن عليه فأتني (¬1)، ثم أبدل ثلاث الأثافي من الضمير المنوي. انتهى كلام المصنف (¬2). وأما ما يشار إليه وينبه عليه فأمور: الأول: أن كلام المصنف في ترجمة الباب وما افتتح الباب به اشتمل على ضوابطه التي ذكرها غيره، فمنها: أن العوامل المتنازعة يجوز أن تزيد على اثنين، كما سيأتي شواهد ذلك؛ لكنهم ذكروا أنه لم يرد في كلام العرب أكثر من ثلاثة (¬3). ومنها: أن المعمول المتنازع فيه يجب أن يكون واحدا، ومن الناس من لم يصرح بوجوب الوحدة؛ فكان كلامه محتملا، ومنهم من صرح؛ بأن المعمول يجوز أن يزيد على واحد؛ ولذا قال ابن عصفور لما ذكر التنازع، هو أن يجتمع عاملان فصاعدا (¬4)، ويتأخر عنهما معمول فصاعدا، وقرر الشيخ بهاء الدين بن النحاس كلامه، ومثل له بنحو: ظننت وعلمت زيدا منطلقا، حتى جعل الشيخ أثير الدين المسألة خلافية، فقال: إن المصنف ذكر المجمع عليه في قوله في الترجمة: معمولا واحدا، وذكر [2/ 339] المختلف فيه في آخر الباب (¬5)، يعني به قوله: ولا يمنع التنازع تعدّ إلى أكثر من واحد، والذي يظهر أن المعمول إنما يكون واحدا، وهو في قولنا: متى رأيت أو قلت زيدا منطلقا، واحد لا متعدد؛ لأن المراد بتوحد المعمول: أن يكون معمول أحد العاملين هو المذكور دون معمول العامل الآخر، سواء أكان ذلك المعمول في نفسه واحدا أو أكثر، وليس المراد توحده في نفسه؛ بأن يكون واحدا فقط، هكذا فهم من قوة كلامهم مع مساعدة المعنى. ومنها: أن العوامل كما تكون أفعالا تكون غير أفعال كالأسماء العاملة عمل الفعل لا كالحروف؛ فإنهم نصوا على أن لا مدخل لها في هذا الباب (¬6)، وقد - ¬

_ - بـ «أو» ولذلك لم يجعل ابن مالك مثل هذا من التنازع؛ لأنه لا يجوز أن يشترك العاملان هنا في العمل. (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 224). (¬2) ينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 867). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 115)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 59). (¬4) المقرب (1/ 250)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 613) طبعة العراق. (¬5) ينظر: التذييل (3/ 115). (¬6) ينظر: شرح الجمل لابن الصائغ (2/ 225)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 58).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استفيد عدم دخول الحرف من قوله: (عاملان من الفعل وشبهه) فإن الحروف العاملة ليست شبه الفعل؛ وإنما هي مشبهة بالفعل، وقيد ابن عصفور العوامل بكونها متصرفة تحرزا من «إنّ» وأخواتها، كما قال (¬1)، وليس بجيد؛ لأن العامل في هذا الباب قد يكون اسم فعل؛ قال الله تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (¬2)، ولا شك أن أسماء الأفعال لا تتصرف. ومنها: أن المعمول يكون مؤخرا عن العاملين، أو العوامل؛ فلا يجوز تقدمه ولا توسطه وهذا هو المشهور المعروف، وعليه إطباق النحاة، ولعله إجماع (¬3)، وقد نقل عن الفارسي في قول الشاعر (¬4): 1353 - مهما تصب أفقا من بارق تشم (¬5) إنّ «من» زائدة و «بارق» في موضع نصب بـ «تشم»، ومفعول «تصب» - ¬

_ (¬1) لم أعثر لابن عصفور على هذا التقييد الذي ذكره الشارح هنا في باب التنازع، لا في المقرب، ولا في شرح الجمل؛ إنما الذي قيده ابن عصفور؛ بكونه متصرفا، أو ما جرى مجراه، هو العامل في باب الاشتغال، ينظر: المقرب (1/ 87)، وشرح الجمل (1/ 361) ط. العراق، وقد ذكر أبو حيان أيضا أن ابن عصفور يشترط في العاملين، كونهما متصرفين تحرزا من إنّ وأخواتها، ينظر: التذييل (3/ 113). وأقول: قد يكون ابن عصفور ذكر ذلك في موضع آخر، لم أتمكن من الوصول إليه، وقد يكون ناظر الجيش هنا، قد اكتفى بالاطلاع على ما ذكره أستاذه أبو حيان، فأثبته في كتابه الذي بين أيدينا، وهذا ما أرجحه؛ لأن ابن عصفور استدل على إعمال الثاني كما يرى البصريون بقوله تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ، وهي الآية التي رد بهما الشارح هنا رأي ابن عصفور في تقييده العامل بالتصرف، ينظر: شرح الجمل (1/ 615) طبعة العراق. (¬2) سورة الحاقة: 19. (¬3) ينظر: التصريح (1/ 318)، والبهجة المرضية (ص 56)، وشرح ابن عقيل (1/ 183)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 588). (¬4) هو ساعدة بن جؤبة أخو كعب بن كاهل بن الحارث، وهو شاعر مخضرم. (¬5) عجز بيت من البسيط وصدره: قد أوبيت كلّ ماء وهي ظامية وينظر: التذييل (3/ 118)، والمغني (1/ 330)، وشرح شواهده (2/ 743)، والتصريح (1/ 318) والهمع (2/ 57)، والدرر (3/ 73)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 588)، وقد استشهد الفارسي بهذا البيت على جواز توسط المعمول بين العاملين، كما استشهد به على مجيء «مهما» حرفا، واستشهد به بعض النحويين على مجيئها ظرفا للزمان، ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 173). اللغة: البارق: السحاب ذو البرق. تشم: من شام البرق يشيمه، أي: نظر إليه ليعرف أين يمطر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف وهو ضمير عائد على «بارق». قال الشيخ بعد نقله ذلك: والإعمال مع المتوسط غريب، ويدل على أن التقدم في العاملين ليس بشرط. انتهى (¬1). ولا معول على هذا، ولا ينبغي التشاغل به، ويكفي أنه قول مخالف للإجماع وقد رأيت لبعض الفضلاء الشارحين لهذا الكتاب بحثا في هذا الموضع، وهو أنه قال: الذي يظهر أن تأخير المعمول ليس بشرط في جواز التنازع؛ بل حيث يقدّم المعمول أو يوسط، وجاز عمل كل من العاملين مع تقدمه أو توسطه، جاز فيه التنازع، وحيث امتنع عملهما، أو عمل أحدهما فيه فليس من باب التنازع؛ فإذا قلت: زيد ضارب مكرم عمرا فـ «ضارب» و «مكرم» صالحان للعمل في «عمرو» إذا تقدم أو توسط فلا مانع من التنازع إذا تقدم أو توسط، نحو: زيد عمرا ضارب مكرم، وزيد ضارب عمرا مكرم، و «ضارب» و «مكرم» خبران؛ فإن امتنع عملهما، أو عمل أحدهما لمانع؛ لم يكن من باب التنازع، كقولك: زيد قام وقعد؛ لأن الفاعل لا يتقدم على رافعه، وكذلك قام زيد وقعد فـ «زيد» فاعل «قام» [2/ 340] ولا يجوز أن يرتفع بـ «قعد» لما ذكر، وكذلك لو قلت: زيدا ضربت وأكرمت، لم يجز التنازع؛ وإن كان المفعول يجوز تقديمه على عامله؛ بل يتعين نصب زيد بضرب؛ لأن أكرمت لا يعمل فيه لكونه تابعا، ومعمول التابع لا يتقدم على المتبوع على الصحيح، قال: وإذا علم هذا؛ فما أجازه الفارسي في البيت يعني: 1354 - مهما تصب أفقا .... (¬2) فيه نظر من جهة أن جواب الشرط لا يتقدم عليه معموله عند الجمهور (¬3). ومنها: أن لا يكون أحد العاملين مؤكدا للآخر، وذلك إذا اتفقا لفظا ومعنى (¬4) كما تقدم. ومنها: أن يكون المعمول غير سببي مرفوع، وقد عرفت العلة الموجبة لذلك (¬5)، وعلم من تقييد السببي بمرفوع أن السببي المنصوب يجوز كونه متنازعا فيه؛ فإن قيل: كيف جاز التنازع في السببي المنصوب دون المرفوع، نحو قولك: زيد أكرم وأفضل أباه، فالجواب: أن المانع الذي منع التنازع في المرفوع هو خلو أحد العاملين - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 118). (¬2) تقدم ذكره. (¬3) شرح التسهيل للمرادي (1/ 588، 589). (¬4)، (¬5) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقع خبرا من رابط يربطه بالمبتدأ، إذا قلت: 1355 - وعزّة ممطول معنّى غريمها (¬1) لأن الضمير المستكن؛ إنما يعود على المضاف، وهو غريم دون المضاف إليه، وهذا المانع مفقود، إذا كان السببي منصوبا، وذلك أنك إذا قلت: زيد أكرم، وأفضل أخاه وأعملت الثاني مثلا، أو الأول: كنت قد حذفت من الآخر، والمحذوف مقدر، وإذا كان مقدرا قدر المضاف، والمضاف إليه معا، فلا يذهب الربط بخلاف ما إذا كان مضمرا (¬2). ومنها: أن يكون كل من العاملين، أو العوامل طالبا لذلك المعمول من حيث المعنى، وهذا يستفاد من قول المصنف: (إذا تعلق عاملان بما تأخر)؛ لأن العامل إنما يتعلق بشيء إذا كان طالبا له، ومن ثم لم يكن قول امرئ القيس: 1356 - فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني - ولم أطلب - قليل من المال (¬3) من هذا الباب قال سيبويه رحمه الله تعالى: فإنما رفع؛ لأنه لم يجعل القليل مطلوبا؛ وإنما المطلوب عنده الملك، ولو لم يرد ذلك ونصب فسد المعنى (¬4)، يريد إن جعل «أطلب» عاملا في «قليل» يفسد المعنى، وتقرير ذلك أن «لو» تدل على امتناع - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 120). (¬3) البيت من الطويل، وهو في: الكتاب (1/ 79)، وشرح السيرافي لأبياته (1/ 38)، وشرح الصفار للكتاب (ق 92 / ب)، والإنصاف (1/ 84)، والإفصاح للفارقي (ص 313)، والخصائص (ص 2/ 387)، وابن يعيش (1/ 78، 79)، والمقرب (1/ 161)، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص 438) والارتشاف (ص 499، 553)، والبحر المحيط (1/ 355، 398)، (2/ 115)، والتذييل (3/ 161، 164)، والمقتضب (4/ 76)، والخزانة (1/ 158، 221)، وشذور الذهب (ص 285) والمغني (1/ 256)، (2/ 508)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 342)، (2/ 642)، والعيني (3/ 35)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 60)، والهمع (2/ 110)، والأشموني (2/ 98)، (4/ 40)، وديوانه (ص 39)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 622) ط. العراق. والشاهد قوله: «كفاني ... أطلب - قليل»؛ حيث إن الفعلين وجها على «قليل» وأعمل الأول مع إمكان إعمال الثاني، وهذا ليس من باب التنازع، كما بين الشارح؛ لأن الواو عاطفة، وذهب أبو علي إلى أنه يجوز أن يكون من باب التنازع على جعل الواو للحال، ويكون التقدير: لو كان سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال حال كوني غير طالب له. ينظر: العيني (3/ 35). (¬4) الكتاب (1/ 79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيء لامتناع غيره، وإذا كان ما بعدها مثبت كان منفيّا في المعنى، وإذا كان منفيّا كان مثبتا؛ لأنها تدل على امتناعه، وامتناع النفي إثبات، وإذا ثبت ذلك فقوله: 1357 - فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة فيه نفي للسعي لأدنى المعيشة فلو وجه «ولم أطلب .. إلى قليل»، أوجب فيه أن يكون فيه إثبات لطلب القليل؛ لأنه في سياق [2/ 341] جواب «لو»، فيكون نافيا للسعي لأدنى معيشة مثبتا لطلب القليل من المال، وهو غير ما ثبت نفيه، فيؤدي إلى أن يكون نافيا مثبتا لشيء واحد في كلام واحد، وهو فاسد (¬1)، وإذا كان كذلك سقط استدلال الكوفيين بهذا البيت على أن إعمال الأول هو الأفصح؛ لأنهم قالوا: الشاعر فصيح، وكان يمكنه إعمال الثاني، فلما أعمل الأول من غير ضرورة دل على أن إعمال الثاني ليس بالأفصح، وإذا لم يكن الأفصح ثبت أن الأول أفصح؛ إذ لا قائل بغير ذلك، ويقوى ذلك بأنه أعمل الأول مع ارتكاب ما يلزمه من حذف المفعول من الثاني، ولو أعمل الثاني لم يلزمه ارتكاب أمر محذور، قالوا: وذلك ظاهر في أن إعمال الأول أفصح، وأجاب البصريون: بأن هذا البيت ليس من باب الإعمال في شيء، كما تقدم تقريره (¬2)، قال ابن عصفور: فإن قيل: لأي شيء جعلت، ولم أطلب جوابا لـ «لو» وعطفته على كفاني حتى لزم هذا، وهلا جعلت الجملة من قوله: «ولم أطلب» معطوفة على قوله: فلو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ..... وكأنه قال: وأنا لم أطلب قليلا؛ فيتصور توجيهه عليه؛ فيكون من باب الإعمال بهذا الطريق؟ فالجواب: أن هذا لا يتصور، وقد كان الأستاذ أبو علي جعله من الإعمال بهذا الطريق ووجه بطلانه أن العاملين في هذا الباب، لابد أن يشتركا، وأدنى ذلك بحرف العطف حتى لا يكون الفصل معتبرا، أو يكون الفعل الثاني معمولا للأول، وذلك نحو قولك: جاءني يضحك زيد، فجعل في «جاءني» ضميرا، أو في «يضحك» حتى لا يكون هذا الفعل فاصلا، وأقل ذلك حرف العطف حتى تكون الجملتان قد اشتركتا أدنى اشتراك فيسهل الفصل، وأما إذا - ¬

_ (¬1) ينظر: المقتصد شرح الإيضاح للجرجاني (ص 286) رسالة بجامعة القاهرة. (¬2) ينظر: الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 84 - 93)، وشرح الكافية للرضي (1/ 81، 82).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جعلت «ولم أطلب» معطوفا على «فلو أن ما أسعى»؛ فإنك تفصل بجملة أجنبية ليست محمولة على الفعل الأول، فتكون إذ ذاك بمنزلة: أكرمت أهنت زيدا، والعرب لا تتكلم بهذا أصلا (¬1). انتهى. قال الشيخ: هذا الذي ذكره ابن عصفور من انحصار التشريك بين جملتي التنازع في العطف، وأن يكون الفعل معمولا للأول؛ وأنه لا يقع الإعمال إلا على هذين الوجهين، ليس كما ذكر ألا ترى؛ أنهم جعلوا من التنازع قوله: 1358 - لو كان حيّا قبلهنّ ظعائنا ... حيّا الحطيم وجوههنّ وزمزم (¬2) فتنازع «حيّا» الأول، وهو خبر كان، و «حيّا» الثاني، وهو جواب «لو» ولا اشتراك بينهما بحرف عطف، ولا الثاني معمول للأول، وقول الآخر [2/ 342]: 1359 - بعكاظ يعشي النّاظري ... ن إذا هم لمحوا شعاعه (¬3) تنازع «يعشي» و «لمحوا»، وليس ثم عطف، ولا عمل للفعل الأول في الثاني، وقول الآخر: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 623) طبعة العراق. (¬2) البيت من الكامل، وهو لكثير عزة أو العرجي، وهو في: المقرب (1/ 252)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 619)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 133)، والتذييل (3/ 148، 166)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 598)، وشرح الصفار للكتاب (ق 89 / أ)، وديوان كثير (ص 508)، وملحقات ديوان العرجي (ص 191). اللغة: الظعائن: جمع ظعينة، وهي الهودج، أو المرأة ما دامت فيه، والحطيم: جدار الكعبة. والشاهد: إعمال «حيّا» الثاني في الظاهر، وحذف فاعل «حيّا» الأول؛ إذ لو كان مضمرا لقال: لو كان حيّيا قبلهن، لعوده على مثنى. (¬3) البيت من مجزوء الكامل، وهو لعاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 616) طبعة العراق، والارتشاف (ص 1151)، والتذييل (3/ 141)، وتعليق الفرائد (ص 1457)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 66)، والمغني (2/ 611)، والعيني (3/ 11)، والتصريح (1/ 320)، وشذور الذهب (ص 504)، وشرح ابن عقيل (1/ 184)، وشرح شواهده (ص 115)، والهمع (2/ 109)، والبهجة المرضية (ص 57)، والأشموني (2/ 106)، وديوان الحماسة (1/ 310). اللغة: عكاظ: موضع بقرب مكة مشهور كانت تقام فيه سوق في الجاهلية، يعشي: من العشاء، وهو سوء البصر بالليل. والشاهد فيه: حذف معمول (لمحوا) المضمر المنصوب وقد أعمل الفعل الأول في الظاهر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1360 - ولم أمدح لأرضيه بشعري ... لئيما أن يكون أفاد مالا (¬1) وكذا قول الآخر: 1361 - علّموني كيف أبكيهم ... ..... البيت (¬2) وقول الآخر: 1362 - ألا هل أتاها على نأيها ... ...... البيت (¬3) وكذا قوله تعالى: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (¬4). انتهى (¬5). وأقول: إن ابن عصفور؛ إنما قال: لابد أن يشترك العاملان وأدنى ذلك بحرف العطف، أو يكون الفعل الثاني معمولا للأول؛ ولا شك أن هذه العبارة تعطي عدم الانحصار، والذي ادعاه ابن عصفور إنما هو أن يشترك العاملان، والاشتراك أعم من أن يكون بعطف وعمل وبغيرهما، وكيف يدعي ابن عصفور الانحصار في هذين الأمرين، وقد ذكر أكثر الأبيات التي رد بها الشيخ عليه شواهد على التنازع في هذا الباب؟! والذي استشهد به الشيخ على ابن عصفور قد حصل الاشتراك فيه كله بين العاملين؛ ففي البيت الأول: أحد المتنازعين في حيز الشرط، والآخر هو جواب الشرط، وفي البيت الثاني: الأول دليل جواب الشرط، والثاني هو الشرط، - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، وهو لذي الرمة، وهو في الأمالي الشجرية (1/ 176)، والتذييل (3/ 142، 167)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 615)، ودلائل الإعجاز (ص 188)، والغرة المخفية (ص 321)، والإيضاح في علوم البلاغة للقزويني (ص 62)، وديوانه (ص 441). والشاهد قوله: «ولم أمدح لأرضيه .... لئيما»؛ حيث نصب «لئيما» بأمدح، وأضمر في «لأرضيه». (¬2) صدر بيت من الرمل مجهول القائل وعجزه: إذا خفّ القطين وهو في: المقرب (1/ 251)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 616) والتذييل (3/ 144، 167). والشاهد فيه: أنه أعمل «خف» في الظاهر، وأعمل «أبكي» في ضميره ولم يحذفه مع أنه ضمير نصب. (¬3) صدر بيت من المتقارب لقائل مجهول، وعجزه: بما فضحت قومها غامد وينظر في: التذييل (3/ 144، 167)، واللسان «غمد». اللغة: غامد: حي من اليمن. والشاهد في البيت: إعمال الفعل الثاني، وهو «فضحت» في «غامد»، وإظهار ضمير المفعول في الفعل الأول، وهو «أتاها»، وهذه ضرورة عند بعض النحويين المنسوبين. (¬4) سورة الجن: 7. (¬5) التذييل (3/ 166، 167).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي البيت الثالث: الفعل الثاني علة للأول، وفي البيت الرابع: ما قيل في البيت الثاني، وفي البيت الخامس الفعل الواحد صلة لسبب الفعل الآخر؛ فالاشتراك بين العاملين حاصل، وذلك هو مقصود ابن عصفور رحمه الله تعالى. ثم قال الشيخ: وذهب بعضهم إلى أن البيت من الإعمال على تقدير أن يكون «لم أطلب» معطوفا على «كفاني»؛ وأنه يصح أن يكون جوابا لـ «لو» لو أفرد دون كفاني، ويكون التقدير: لو سعيت لأدنى معيشة، لم أطلب قليلا من المال؛ لأن قليل المال يمكنني دون طلب (¬1)، قال: وهذا معنى حسن سائغ يصح معه الإعمال، ثم قال وعلى هذا المعنى يكون أيضا الإعمال جائزا على وجه آخر، وهو أن تكون الواو في «ولم أطلب» واو الحال، ويكون التقدير: لو كان سعيي، لأدنى معيشة كفاني قليل من المال غير طالب له لحصوله عندي (¬2). انتهى. وأقول: أما التخريج الأول: فلم أتحققه، ولم أفهم قوله: إنّ لم أطلب يكون جوابا لـ «لو»، لو أفرد دون كفاني، ثم لازم قوله أن يكون ما سعى لأدنى معيشة؛ وأنه يطلب القليل لما عرفت أن المثبت بعد «لو» منفي، والمنفي مثبت. وأما التخريج الثاني: فقد قال ابن خروف: إن الحال فاسدة، ووجه الشيخ جمال الدين بن عمرون فساد الحال؛ بأن قال: إنما كانت فاسدة؛ لأنها تكون مقيّدة للكفاية؛ لأن المعمول يقيد العامل، يعني أن «لم أطلب» حينئذ يكون حالا من فاعل كفاني أو من مفعوله، والعامل [2/ 343] في الحال، هو العامل في صاحب الحال؛ فيكون كفاني عاملا في لم أطلب مقيدا للكفاية، قال ابن عمرون: ولا يلزم من انتفاء المقيد انتفاء المطلق، فلا يعطي حينئذ مراد الشاعر من حيث يصير المعنى: أنه لو سعى لأدنى معيشة لكفاه القليل مقيدا بعدم الطلب، وليس مراده؛ بل مراده أنه لو سعى لأدنى معيشة لكفاه القليل، سواء أطلبه أم ترك طلبه، قال ابن عمرون: وهذا يحتمل أن يكون سر قول سيبويه: لو نصب لفسد المعنى (¬3). قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى (¬4): فإن قيل: فلم ذكر أبو علي - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 167). (¬2) التذييل (3/ 168). (¬3) الكتاب (1/ 79). (¬4) انظر: التعليقة لبهاء الدين بن النحاس ورقة (113، 114) مخطوط بمكتبة الأزهر رواق المغاربة (4947).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمبرد هذا البيت في باب التنازع؟ فالجواب: ما ذكره المازني رحمه الله تعالى وهو: أنه لو لم يكن إعمال الأول جائزا، لما وضع هذا في هذا الموضع، بيان هذا الكلام يعني: أنك إذا أعملت الأول في باب التنازع، تكون قد فصلت بين الأول ومعموله بجملة كما فصلت هنا بين «كفاني» وبين «قليل» الذي هو معمول بـ «لم أطلب»، وهو جملة حملا على باب التنازع، وقال ابن عصفور: فإن قيل: فكيف جابه الفارسي على الإعمال؟ فالجواب: أنه أراد بقوله: من الإعمال؛ أنه يشبه الإعمال؛ لتداخل الجملتين بالعطف، ونظير هذا ما أنشده في التذكرة على أنه من شبه الإعمال: 1363 - وإنّي وإن صدّت لمثن وقائل ... عليها بما كانت إلينا أزالّت فما أنا بالدّاعي لعزّة بالرّدى ... ولا شامت إن نعل عزّة زلّت (¬1) لأنه لما عطف فعل بين العامل ومعموله؛ وذلك أن معمول «مثن» إنما هو «عليها» وقد فصل بينهما بقوله: «وقائل» ومعمول «قائل» إنما هو: فما أنا بالدّاعي لعزّة بالرّدى وفصل بينهما بمعمول «مثن»؛ فإذا قد جعل هذا بشبه الإعمال لتداخل الجملتين بالعطف حتى يسوغ ذلك الفصل، فكذلك يكون مذهبه في بيت امرئ القيس. هذا كلامه في شرح الجمل (¬2)، إلا أنه قال بعد ذلك: فإن قيل: إذا لم يكن من الإعمال، فكيف أجزتم الفصل بجملة أجنبية؟ فالجواب: أنها غير أجنبية، لأنا إنما جعلنا معمول «لم أطلب» «الملك»، وإذا كان كذلك كانت مشتركة؛ لأنها في معنى «كفاني القليل»، ألا ترى أن «لم أطلب الملك» يكون جوابا لـ «لو» وما ذاك إلا لأن المعنى واحد (¬3). انتهى. وظاهر قوله في الجواب: إن «لم أطلب الملك» يكون جوابا لـ «لو»، لأن «لم أطلب الملك» في معنى كفاني القليل، يقتضي أن طلبه للملك منتف، كما أن كفاية القليل منتفية أيضا، وليس كذلك؛ لأن طلبه للملك ثابت لوقوعه منفيّا في - ¬

_ (¬1) البيتان لكثير عزة، وهما من الطويل، وهما في: الجمل لابن عصفور (1/ 624) طبعة العراق، والأمالي لأبي علي القالي (2/ 109)، والتذييل (3/ 65)، وديوانه (ص 101)، وشرح الصفار للكتاب (ق 93 / أ). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 623، 624) طبعة العراق. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 624).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب «لو» وإذا كان كذلك، فكيف يكون معنى الجملتين واحدا؟! (¬1). الثاني (¬2): أن المصنف وابن عصفور، وأكثر المصنفين، أطلقوا القول في المتنازع فيه، فلم يقيدوه بشيء، وقيد ابن الحاجب بأن يكون اسما ظاهرا (¬3)؛ وعلل ذلك بأن العاملين إذا وجها لمضمر استويا في صحة الإضمار فيهما؛ لأنهما إن كانا لمتكلم قلت: ضربت وأكرمت ونحوه، وإن كانا لمخاطب قلت: ضربك وأكرمك ونحوه، وإن كانا لغائب قلت: زيد ضرب وأكرم؛ فلم يتنازعا شيئا؛ لأن كل واحد منهما يجب له مثل ما يجب للآخر، ثم قال: فإن قلت فما تصنع بمثل ما ضرب وأكرم إلا أنت أو إلا أنا أو إلا هو، ونحوه؛ فإنهما فعلان وجها إلى مضمر تنازعاه؛ لأنه يصلح أن يكون لكل واحد منهما كالظاهر، قلت: قد ذكر ذلك بعض المتأخرين وهو غلط؛ لأنه لو كان من هذا الباب لوجب أن يكون في أحدهما المضمر؛ لأنه فاعله، فيقال: ما ضربت وأكرم إلا أنا، وما ضرب وأكرمت إلا أنت، وعند ذلك يفسد المعنى؛ وإنما هذا كلام محمول على الحذف، وتقديره: ما ضرب إلا أنت، وما أكرم إلا أنت؛ فحذف ذلك من أحدهما تخفيفا (¬4). انتهى. والحق ما قاله ابن الحاجب، فليكن كون المتنازع فيه ظاهر شرطا منضمّا إلى الشروط التي ذكرها المصنف. الأمر الثالث: لا فرق في العاملين بين أن يكونا متعديين أو لازمين يتعديان بالحرف، أو أحدهما متعديا، والآخر لازما، وعليه قوله (¬5): 1364 - إذا هي لم تستك بعود أراكة ... تنحّل فاستاكت به عود إسحل (¬6) - ¬

_ (¬1) أشار في هامش (ب) إلى أنه قد سقط بعد ذلك قدر سطرين، وأرى أنه سقط غير مخل بالعبارة؛ فالكلام هنا قد تم. (¬2) في (ب) (الأمر الثاني). (¬3) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 77). (¬4) شرح الكافية لابن الحاجب (339، 340). (¬5) قيل: إنه عمر بن أبي ربيعة، أو طفيل، أو المقنع الكندي، أو امرؤ القيس. (¬6) البيت من الطويل، وهو في: الكتاب (1/ 78)، وابن يعيش (1/ 78، 79)، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (ص 437)، والتذييل (3/ 135، 137)، وتعليق الفرائد (1466)، والعيني (3/ 32)، وإصلاح الخلل (ص 218)، والهمع (1/ 66)، والأشموني (2/ 105)، وديوان طفيل (ص 37)، وملحقات ديوان امرئ القيس (ص 473) برواية: «فتسحل» مكان «تنحل». والشاهد في البيت: اختلاف العاملين المتنازعين من حيث التعدي واللزوم، وهما «تنحل واستاكت».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتنازع في البيت «تنحل»، وهو متعدّ و «استاكت» وهو لازم. الأمر الرابع: لم أتحقق المقتضي لإخراج المصنف، نحو: 1365 - وهل يرجع التّسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي ..... البيت (¬1) من باب التنازع؛ فإن كان من أجل أن العطف ليس بحرف جامع مشرك، كما يعطيه ظاهر قوله: فلو كان العطف بأو، أو نحوها، مما لا يجمع بين الشيئين، ولم يجز أن يشرك العاملان في العمل، فليس بظاهر؛ لأن مبنى الباب على أن كل عامل من العاملين يطلب معمولا، وليس معنا إلا واحد، ولا نظر إلى كون العاطف يجمع بين الشيئين، أو لا يجمع؛ وإن كان من أجل أنه لو كان من هذا الباب، لكان أحد العاملين بناء سهل الخطيب؛ لأننا ندعي أنه من هذا الباب، ونعتذر عن عدم التاء في أحد الفعلين بما سنذكره، وإذا تم هذا فلا معول حينئذ على قوله: فلو كان العطف بأو أو نحوها، مما لا يجمع بين الشيئين، لم يجز أن يشترك العاملان في العمل، إذ قد تبين أن ذلك لا أثر له، وقد أنشد ابن عصفور هذا البيت على إنه من الإعمال؛ وأنه قد يستدل به للكسائي في جواز حذف الفاعل، كما استدل له [2/ 344] بغير ذلك، وأنشد البيت الذي أوله: 1366 - لو كان حيّا قبلهنّ (¬2) والبيت الذي أوله: 1367 - تعفّق بالأرطى ... ..... البيت (¬3) ثم أجاب عن الجميع؛ بأن الضمير يكون عائدا على الجمع، أو التثنية بلفظ المفرد، فاستتر كما استتر في حال الإفراد (¬4)، ثم إن المصنف جعل ما ورد في - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) تقدم ذكره. (¬3) جزء من صدر بيت لعلقمة بن عبدة: بن قيس الشاعر الجاهلي المعروف بعلقمة الفحل والبيت بتمامه: تعفق بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذّت نبلهم وكليب والبيت من الطويل، وهو في: المقرب (1/ 251)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 619)، ونوادر أبي زيد (ص 281) برواية «وأدارها» مكان «وأرادها»، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 133)، والتذييل (3/ 148)، والمفضليات (ص 393)، وتعليق الفرائد (ص 1461)، والأشموني (2/ 102)، والعيني (3/ 15)، وديوان علقمة (ص 23)، وقد ذكر ابن عصفور في شرح الجمل أن البيت للنابغة؛ ولكنه ليس له. (¬4) ينظر: المقرب (1/ 251، 252)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 619، 620) طبعة العراق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث الشريف: «إنّ الله لعن، أو غضب على سبط من بني إسرائيل» (¬1) من المتنازع كما سيأتي مع أن العطف فيه بأو. الأمر الخامس: تقدم إنشاد المصنف (¬2) قول الشاعر: 1368 - وإنّي وإن صدّت لمثن وصادق ... عليها بما كانت إلينا أزلّت (¬3) وأنه جعله من الإعمال حيث قال: ومن إعمال الأول، والعاملان اسمان قول الشاعر، وأنشد البيت المذكور، والكلام معه في هذا البيت من وجهين: أحدهما: أن العامل الأول الذي هو «مثن» طالب للضمير المجرور بـ «على» متسلط عليه، ولم يكن العامل الآخر الذي هو «صادق» متسلطا عليه؛ لأنه لا يطلبه؛ لأن مطلوبه شيء آخر، التقدير: وصادق فيما أذكره، وإذا كان كذلك؛ فلا تنازع في البيت حينئذ. الثاني (¬4): أن ابن عصفور أنشد البيت المذكور «لمثن وقائل»، وجعل معمول «قائل»: «فما أنا بالداعي لعزة بالردى». ولكن الرواية لا تدفع برواية، والمصنف معتمد على قوله ونقله وروايته؛ لأنه الإمام الذي لا يدافع، والمتبوع الذي لا يمانع، والذي يظهر أن رواية «وصادق» مرجحة من حيث المعنى على رواية «وقائل»؛ لأن مراد الشاعر أن يخبر عن صدقه فيما يورد من الثناء على هذه المرأة، ثم أخبر عن نفسه بعد ذلك، بأنه غير داع عليها بالردى، ولا شامت بها إن زلت فعلها يعني بذلك أن هذا وظيفته أبدا وشأنه، وليس يريد أن يخبر أنه يقول ذلك؛ لأنه لا يلزم من قوله ذلك أن يكون متصفا به، ولكن ليس هذا البيت من التنازع في شيء. الأمر السادس: قد تقدم ذكر مذهب الفراء في نحو: قام وقعد زيد، وقول المصنف فيه: إنه غير مستبعد، وقوله: إنه نظير زيد وعمرو منطلقا، على مذهب سيبويه؛ فإن المبتدأ عنده هو العامل في الخبر، وقوله: فيلزمه أن يكون «منطلقا» - ¬

_ (¬1) جزء من حديث شريف أخرجه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، وابن حنبل (3/ 62). (¬2) زاد في (ب) (رحمه الله تعالى). (¬3) تقدم ذكره. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 624) طبعة العراق.

[خلاف البصريين والكوفيين في العامل]

[خلاف البصريين والكوفيين في العامل] قال ابن مالك: (والأحقّ [2/ 345] بالعمل الأقرب لا الأسبق خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعا بالمعطوف والمعطوف عليه (¬1)، وهذا الكلام من المصنف غير مرض؛ فإن المبتدأ الطالب وقوع «منطلقان» خبرا عنه؛ إنما هو «زيد وعمرو» معا، ولا استقلال لأحد الاسمين بالابتدائية دون الآخر، وإذا كان كذلك فلم يتعدد العامل في الخبر؛ إنما العامل واحد، ويكفي دليلا على ما قلناه مع وضوحه، قول المصنف: لأنهما يقتضيانه معا؛ لأنه أبان أن أحدهما بمفرده لا يقتضي الخبر المذكور (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): مذهب البصريين ترجيح إعمال الثاني على إعمال الأول، ومذهب الكوفيين العكس، وما ذهب إليه البصريون هو الصحيح؛ لأن إعمال الثاني أكثر في الكلام من إعمال الأول، وموافقة الأكثر أولى من موافقة الأقل، ومما يبين لك أن إعمال الأول قليل، قول سيبويه: ولو لم تجعل الكلام على الآخر لقلت: ضربت وضربوني قومك؛ وإنما كلامهم ضربت وضربني قومك (¬4). وهذا حكاية عن العرب بالحصر بإنما، وظاهره أنهم يلتزمون ذلك دون إجازة غيره، لكنه قال في الباب بعد هذه العبارة بأسطار: وقد يجوز ضربت وضربني زيدا؛ لأن بعضهم قد يقول: متى رأيت أو قلت: زيدا منطلقا، والوجه: متى رأيت أو قلت: زيد منطلق (¬5)؛ فدل نقل سيبويه مجردا عن الرأي على أن إعمال الثاني هو الكثير في كلام العرب، وأن إعمال الأول قليل، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر، بخلاف إعمال الثاني؛ فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم، وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (¬6)، وقوله تعالى: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (¬7)، وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا * (¬8)، وقوله تعالى: تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ - ¬

_ (¬1) سبق شرحه. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 127). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 167). (¬4) الكتاب (1/ 76). (¬5) الكتاب (1/ 79). (¬6) سورة النساء: 176. (¬7) سورة الكهف: 96. (¬8) سورة المائدة: 10، 68، سورة الحج: 57، سورة التغابن: 10.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ (¬1)، وقوله تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (¬2)، وقوله تعالى: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً (¬3)، فهذا كله من إعمال الثاني، ولو كان من إعمال الأول؛ لقيل: قل الله يفتيكم فيها في الكلالة، وآتوني أفرغه عليه قطرا، والذين كفروا وكذبوا بها بآياتنا، وتعالوا يستغفر لكم إلى رسول الله، وهاؤم اقرؤوه كتابيه؛ وأنهم ظنوه كما ظننتموه أن لن يبعث الله أحدا؛ لأن المعمول مقدر الاتصال بعامله؛ فيلزم من ذلك تقدير تقديمه على العامل الثاني، ولو كان في اللفظ كذلك، لاتصل به ضمير المعمول على الأجود، نحو: آتوني أفرغه عليه، فإذا نوي ذلك كان إبراز الضمير أولى؛ لأن الحاجة إليه أدعى، وفي الحديث: «إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم» (¬4)، وهذا من أفصح الكلام، وقد أعمل فيه الثاني، ولو عمل فيه الأول لقيل: إن الله لعن أو غضب عليهم سبطا، ومما يدل على ترجيح إعمال الأقرب إذا كان ثانيا التزام إعماله، إذا كان ثالثا، أو فوق ذلك بالاستقراء، ولا يوجد إعمال غيره، ومن أجازه فمستنده الرأي، ومنه اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على آل إبراهيم (¬5)، ولو أعمل الأول لقيل: كما صليت ورحمتهم وباركت عليهم على آل إبراهيم، ومثله قول الشاعر: 1369 - جئ ثمّ حالف وثق بالقوم إنّهم ... لمن أجاروا ذرى عزّ بلا هون (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة المنافقون: 5. (¬2) سورة الحاقة: 19. (¬3) سورة الجن: 7. (¬4) سبق تخريج الحديث الشريف. (¬5) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الدعوات (8/ 77)، وتفسير سورة الأحزاب (6/ 120، 121)، وكتاب بدء الخلق (4/ 146)، ومسلم في كتاب الصلاة (305) والترمذي في باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم (2/ 353)، وابن حنبل (1/ 162)، (3/ 47)، (4/ 118، 241، 243، 244)، (5/ 274، 374، 424)، وموطأ الإمام مالك في باب ما جاء في الصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم (جـ 1، رقم 70)، وذكره الصفار في شرح الكتاب (ق 187 / ب). (¬6) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 114، 156)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 600)، وتعليق الفرائد للدماميني (1469)، والأشموني (2/ 102)، واللسان «هون». ويروى البيت أيضا برواية «وقف» مكان «وثق». اللغة: الهون: الخزي، وهو نقيض العز أيضا. والشاهد في البيت: تنازع ثلاثة عوامل هي: «جئ»، و «حالف»، و «ثق»، وإعمال الثالث منها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي لزوم إعمال الأقرب إذا كان ثالثا دلالة بالغة على رجحان إعماله إذا كان ثانيا، ومما يدل [2/ 346] على رجحان إعمال الثاني أنه مخلص من ثلاثة أشياء منفرة يستلزمها إعمال الأول: أحدها: كثرة الضمائر كما رأيت في مسألة «كما صليت، ورحمتهم، وباركت عليهم». الثاني: توالي حروف الجر، نحو: تنبّئت كما تنبّئت عنه به عن زيد بخير. الثالث: الفصل بين العامل، والمعمول، والعطف على العامل قبل ذكر معموله، ومما يدل على رجحان إعمال الثاني؛ أنه موافق لما تؤثره العرب من التعليق بالأقرب والحمل عليه؛ وإن لزم من ذلك تفضيل زائد على غير زائد، نحو: خشنت بصدره وصدر زيد، ففضلوا إجراء المعطوف حملا على الباء لقربها؛ وإن كانت زائدة على نصبه حملا على عمل «خشنت» لبعده؛ وإن لم يكن زائدا، ومما يدل على رجحان إعمال الثاني؛ أن فيه تخلصا من الإعلال بحق ذي حق؛ وذلك أن لكل واحد من العاملين قسطا من عناية المتكلم، فإذا قدم أحدهما، وأعمل الآخر عدل بينهما؛ لأن التقديم اعتناء، والإعمال اعتناء، وإذا أعمل المتقدم لم يبق للمؤخر قسط من العناية، فكان المخلص من ذلك راجحا (¬1)، ورجح بعض الناس إعمال السابق بثلاثة أشياء (¬2): أحدها: أن ترجيحه موافق لما أجمعت العرب عليه من مراعاة السابق في قولهم: ثلاث من البط ذكور، وثلاثة ذكور من البط، فآثروا مقتضى البط لسبقه، فأسقطوا التاء، وأثروا مقتضى الذكور لسبقه فأثبتوا التاء (¬3). الثاني: أن إعمال السابق مخلص من تقديم ضمير على مفسر مؤخر لفظا ونية في، نحو: ضربوني، وضربت قومك. الثالث: أن إعمال السابق موافق لما أجمع عليه في اجتماع القسم والشرط، فإن جواب السابق منهما مغن عن جواب الثاني، فليكن عمل السابق من المتنازعين مغنيا عن عمل الثاني (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 128، 129). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 169). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 129). (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 613).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب عن الأول: أن يقال: لم يعتبر في ترجيح ثاني المتنازعين كونه ثانيا؛ بل كونه قريبا من محل التأثير، ومسألة العدد المذكورة معتبر فيها أيضا القرب، واتفق مع القرب سبق فلا أثر له، ولا يلزم من مراعاة سابق قريب، مراعاة سابق بعيد. وعن الثاني: بأن تقديم الضمير، إذا كان على شريطة التفسير مجمع على جوازه في باب «نعم»، كقول الشاعر (¬1): 1370 - نعم امرأ هرم لم تعر نائبة ... إلّا وكان لمرتاع بها وزرا (¬2) وفي باب «ربّ»، كقول الآخر: 1371 - واه رأيت وشيكا صدع أعظمه ... وربّه عطبا انقذت من عطبه (¬3) وفي باب البدل، كقول بعض العرب: اللهم صلّ عليه الرؤوف الرحيم، وفي باب الابتداء، وأبواب نواسخه، نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ (¬4)، إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ (¬5)؛ فلجوازه في باب التنازع أسوة بتلك المواضع قياسا، لو لم يثبت به سماع، فكيف وقد سمع في الكلام الفصيح، كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) لم أهتد إليه، ولم ينسبه أحد؛ ولكن جاء في التذييل (2/ 130) هامش (1)؛ أن ظاهر البيت يوحي بأنه لزهير بن أبي سلمى، حيث ذكر اسم «هرم»؛ ولكنه ليس في ديوانه. (¬2) البيت من البسيط، وهو في: التذييل (3/ 130، 131)، والارتشاف (ص 318)، والتصريح (1/ 392)، (2/ 95)، وشذور الذهب (ص 196)، والأشموني (3/ 32). اللغة: لم تعر: لم تعرض. الوزر: الملجأ. والشاهد فيه: أن فاعل نعم ضمير يفسره التمييز بعده على رأي الجمهور، وعلى ذلك فقد عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة وهو التمييز ولكن هذا الموضع من المواضع التي يغتفر فيها عود الضمير على المتأخر. (¬3) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 130)، والعيني (3/ 257)، والأشموني (2/ 208)، والهمع (1/ 66)، واللسان «ريب» برواية: كائن رأيت وها يا صدع أعظمه ... وربه عطبا أنقذت م العطب اللغة: واه: أي: رب واه، وهو من «وهى الحائط» إذا هم بالسقوط. رأيت: أصلحت. وشيكا: سريعا، وهو صفة لمصدر محذوف، والتقدير: رأيا وشيكا. والصدع: الشق. العطب: الفساد. والشاهد قوله: «ربه عطبا»؛ حيت جرت «رب» ضميرا مفسرا بالتمييز بعده. (¬4) سورة الإخلاص: 1. (¬5) سورة طه: 74.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1372 - جفوني ولم أجف الأخلّاء إنّني ... لغير جميل من خليليّ مهمل (¬1) [2/ 347] وكقوله: 1373 - هوينني وهويت الخرّد العربا ... أزمان كنت منوطا بي هوى وصبا (¬2) ومثله: 1374 - خالفاني ولم أخالف خليليّ ... فلا خير في خلاف الخليل (¬3) والجواب عن الثالث: أن يقال: كان مقتضى الدليل أن يستغنى بجواب المتأخر منهما لقربه من محل الجواب، إلا أن المتأخر منهما إذا كان هو القسم كان مؤكدا للشرط غير مقصود لنفسه، بدلالة عدم نقصان الفائدة بتقدير حذفه، وإذا كان مؤكدا غير مقصود لنفسه؛ فلا اعتداد به ولا صلاحية فيه لجعله ذا جواب منطوق به، بخلاف المؤكد؛ فإنه مقصود لنفسه؛ ولذلك لا تتم الفائدة بتقدير حذفه، فأغنى عن ما هو من تمام معناه، فلما وجب هذا الاعتبار - أعني جعل الجواب للأول فيما إذا تأخر القسم - أجري هذا المجرى ما أخر فيه الشرط، ليسلك في اجتماعهما سبيل واحدة، لكن الشرط لعدم صلاحيته للسقوط أبدا فضل على القسم بأمرين: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 136، 152)، والارتشاف (ص 318)، ومنهج السالك لأبي حيان (133)، وتعليق الفرائد (1461)، والمغني (2/ 489)، وشرح الشواهد للسيوطي (2/ 874)، والعيني (3/ 14)، والتصريح (1/ 321)، والأشموني (3/ 60، 104)، وأوضح المسالك (1/ 165)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 100)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 69)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 184). والشاهد قوله: «جفوني ولم أجف الأخلاء»؛ حيث أعمل «لم أجف» في الأخلاء، وأضمر في الفعل الأول مرفوعه. (¬2) البيت من البسيط، ولم يعلم قائله، وهو في: التذييل (3/ 152)، والبحر المحيط (2/ 296)، والهمع (2/ 109)، والدرر (2/ 143). اللغة: الخرد: جمع خريدة، وهي البكر التي لم تمس، وقيل: هي الحيّة الطويلة السكوت الخافضة الصوت. والعرب: جمع عروب، وهي المرأة الحسناء المتحببة إلى زوجها. والشاهد قوله: «هوينني»؛ حيث أبرز ضمير الفاعل الجمع معه. (¬3) البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 152)، ومنهج السالك لأبي حيان (133)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 597)، والهمع (2/ 109)، والدرر (2/ 143). والشاهد قوله: «خالفاني»؛ حيث أبرز ضمير المثنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أنهما إذا اجتمعا بعد مبتدأ استغني بجوابه؛ تقدم على القسم، أو تقدم القسم عليه. والثاني: أن الشرط قد يغني جوابه بعد قسم، لا مبتدأ قبله، كقول الشاعر (¬1): 1375 - لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا ... أصم في نهار القيظ للشّمس باديا (¬2) ولا يستغنى بجواب قسم متأخر أصلا، فقد علم بهذا الفرق بين اجتماع الشرط والقسم، وبين تنازع العاملين، وصح ما اخترناه والحمد لله، هذا آخر كلامه رحمه الله تعالى (¬3)، وهو كلام لطيف مفيد مع سلاسته، وإيجازه؛ ولكنه وعر في الجواب الثالث، ومكلف، ولم يتحصل به المقصود، ومع ذلك والذي يظهر في الجواب التفرقة بين البابين بشيء وهو أن النظر في باب التنازع، إنما هو إلى العمل، ولا شك أن الأصل أن بنى المعمول عامله ولا يفصل بينهما، فمن ثم رجح عمل المتأخر على المتقدم. وأما اجتماع الشرط والقسم، فبالنظر فيه إلى الحذف والمحذوف، لابد له من دليل يدل عليه، والجواب الذي يذكر بعد الشرط والقسم، دليل على ما لم يذكر، والأولى في الدال أن يكون متقدما على المدلول؛ فمن ثم تعين أن يكون الجواب المذكور لما تقدم من شرط أو قسم ويكون المحذوف جوابا للمتأخر. وقد ذكر ابن عصفور الاستدلال على مذهب الكوفيين فقال: الاختيار عند أهل الكوفة إعمال الأول؛ محتجين لصحة مذهبهم بأن المتقدم أولى بالإعمال، ثم قال: ومما يقوي مذهبهم أن يقولوا: قد وجدنا من كلام العرب أنه متى اجتمع طالبان، وتأخر عنهما مطلوب، وكل واحد منهما يطلبه من جهة المعنى؛ كان التأثير للمتقدم منهما دليل ذلك القسم والشرط إذا [2/ 348] اجتمعا؛ فإن العرب تبني الجواب على الأول منهما وتحذف جواب الثاني؛ لدلالة جواب الأول عليه، تقول: - ¬

_ (¬1) امرأة من عقيل. (¬2) البيت من الطويل وهو في: المغني (1/ 236)، وشرح شواهده (2/ 610)، والخزانة (358)، والعيني (4/ 238)، والتصريح (2/ 204)، والهمع (2/ 43)، والدرر (2/ 50)، والأشموني (4/ 29). وقد استشهد ابن مالك بهذا البيت على أن الجواب فيه للشرط، واستغني به عن جواب القسم، مع أن القسم متقدم على الشرط؛ وذلك لأنه لا مبتدأ قبله. (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن قام زيد والله يقم عمرو، وو الله إن قام زيد ليقومن عمرو، فكذلك ينبغي أن يكون الاختيار إعمال الأول، ثم أجاب عن ذلك، بأن قولهم: إذا اجتمع طالبان، وتأخر عنهما مطلوب؛ فإن العرب تجعل المطلوب للمتقدم منهما، غير مسلم على الإطلاق؛ بل لا يخلو أن يكونا عاملين، أو غير عاملين؛ فإن كانا غير عاملين، أو كان أحدهما عاملا دون الآخر؛ فربما كان الأمر على ما ذكروا، وأما إذا اجتمع عاملان؛ فإن المعمول للمتأخر منهما، نحو: إن لم يقم زيد قام عمرو، فـ «يقوم» قد تقدمه عاملان، وهما «إن ولم»، والذي يعمل فيه منهما هو المتأخر، وهو «لم» بدليل أن أداة الشرط، إذا جزمت فعل الشرط؛ فإنه يقبح استعمال الجواب غير مجزوم في اللفظ؛ بل لا يوجد ذلك إلا في ضرورة شعر، كقوله: 1376 - من يكدني بسيّئ كنت منه ... ...... البيت (¬1) انتهى (¬2). ولا يخفى على من له أدنى نظر أن العاملين في: إن لم يقم زيد، لم يجتمعا؛ لأن المراد باجتماع العاملين اجتماعهما على معمول واحد، لا اجتماع مجاورة ولا شك أن الطالب للفعل الذي هو يقوم إنما هو لم خاصة، وأما «إن» فمطلوبها «لم يقم» (خاصة) (¬3)، ولم تكن طالبة لـ «يقم»؛ لأنها لو كانت طالبة له فسد المعنى المراد؛ لأن قيام عمرو إنما رتب على نفي قيام زيد لا على قيامه، وأين هذا الجواب من جواب المصنف؟ ومما استدل به ابن عصفور لمذهب البصريين، أن قال: إذا كانت العرب قد لحظت المجاورة مع فساد المعنى في مثل قولهم: هذا جحر ضب خرب، فبالأحرى أن يلحظوا المجاورة مع صلاح المعنى، قال: وأما ما يؤدي إليه إعمال الثاني في بعض المسائل من - ¬

_ (¬1) صدر بيت من الخفيف لأبي زبيد الطائي وعجزه: كالشّجا بين حلقه والوريد والبيت في: المقتضب (2/ 59)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 614)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 427)، والبحر المحيط (4/ 270)، وشرح المكودي على الألفية (ص 219)، وديوانه (ص 52). ويستشهد بهذا البيت أيضا على مجيء فعل الشرط مضارعا، والجواب ماضي اللفظ، وهذا عند سيبويه مخصوص بالشعر. ينظر: البحر المحيط (4/ 270). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 613، 614). (¬3) ساقط في (ب).

[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف]

[حكم ضمير المتنازع فيه من الإظهار أو الحذف] قال ابن مالك: (ويعمل الملغى في ضمير المتنازع مطابقا له غالبا فإن أدّت مطابقته [2/ 349] إلى تخالف خبر ومخبر عنه فالإظهار، ويجوز حذف الضّمير غير المرفوع ما لم يمنع مانع ولا يلزم حذفه أو تأخيره معمولا للأوّل خلافا لأكثرهم بل حذفه إن لم يمنع مانع أولى من إبقائه متقدّما ولا يحتاج غالبا إلى تأخيره إلّا في باب ظنّ وإن ألغي الأوّل رافعا صحّ دون اشتراط تأخير الضّمير خلافا للفرّاء ولا حذفه خلافا للكسائي). ـــــــــــــــــــــــــــــ الإضمار قبل الذكر، ففي مقابلته ما يؤدي إليه إعمال الأول من الفصل بين العامل والمعمول بجملة أجنبية في جميع المسائل، وذلك لا يجوز في باب من الأبواب، إلا في هذا الباب؛ لتداخل الجملتين واشتراكهما، فما يؤدي في بعض المسائل إلى تجوز في قليل من كلام العرب، أولى مما يؤدي في جميع المسائل، إلى ما لا يجوز في باب من الأبواب إلا في هذا الباب خاصة، ثم أنشد على إعمال الأول: 1377 - ولم أمدح لأرضيه بشعري ... لئيما أن يكون أفاد مالا (¬1) وقول الآخر: 1378 - قطوف فما يلقاه إلّا كأنّما ... زوى وجهه أن لاكه فوه حنظل (¬2) فأعمل «زوى» في «حنظل» وأضمر المفعول في «لاكه» (¬3). قال ناظر الجيش: هذا شروع في بيان كيفية الإعمال على تقدير إعمال الأسبق، أو الأقرب، وقد ذكر المصنف ذلك في متن الكتاب على وجه فيه قلق، والجماعة غيره ذكروه على وجه سهل يقرب ضبطه للمحصل؛ فأنا أذكر أولا ما ذكره الجماعة، ثم أشير إلى ما ذكره المصنف ففي كلّ خير. والذي ذكره الجماعة أن قالوا: لا يخلو أن تعمل الأول أو الثاني؛ فإن أعملت الأول أضمرت في الثاني جميع ما يحتاج إليه من مرفوع، أو منصوب، أو مخفوض، - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) البيت من الطويل لقائل مجهول في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 615)، والتذييل (3/ 142). اللغة: القطوف: من الدواب: البطيء، وقيل: الضيق المشي. وزوى الشيء يزويه: نحاه، وزواه: قبضه. والحنظل: الشجر المر. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 614، 615).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يجوز حذف المعمول إذا لم يكن مرفوعا في ضرورة كقوله: 1379 - بعكاظ يعشي النّاظري ... ن إذا هم لمحوا شعاعه (¬1) فـ «شعاعه» فاعل «يعشي»، ومفعول «لمحوا» محذوف، تقديره: إذا هم لمحوه، ولو أعملت الثاني؛ فلا يخلو الأول من أن يحتاج إلى مرفوع، أو منصوب، أو مخفوض. فإن احتاج إلى غير مرفوع، فلا يخلو أن يكون مما يجوز حذفه اقتصارا، أو لا يكون؛ فإن كان مما يجوز حذفه حذفته؛ وذلك نحو: ضربت وضربني زيد، ولا يجوز إضماره قبل الذكر، فنقول: ضربته وضربني زيد إلا في ضرورة شعر؛ وذلك نحو قول الشاعر: 1380 - علّموني كيف أبكيهم إذا خفّ القطين (¬2) فأعمل في «القطين» «خف» وأضمر لـ «أبكي» مفعوله قبل الذكر، وقد كان يجوز له حذفه، وكذلك قول الآخر: 1381 - ألا هل أتاها على نأيها ... بما فضحت قومها غامد (¬3) فأضمر لـ «أتى» مفعولا قبل الذكر؛ وإن كان المنصوب لا يجوز حذفه اقتصارا؛ وذلك كأحد مفعولي ظننت وبابه؛ ففيه للنحويين ثلاثة مذاهب: منهم؛ من قال: أضمره قبل الذكر. ومنهم؛ من قال: أؤخره وأفرق بينه، وبين الفاعل في ذلك؛ فإن الفاعل إذا أضمر كان مع الفعل كالشيء الواحد؛ ولذلك يسكن له آخر الفعل، فلم يجز تأخيره لذلك؛ لئلا يفصل بينه وبين ما يعمل فيه بجملة أجنبية، وهو العامل الثاني، وأما المفعول فجاز تأخيره؛ لأنه مع الفعل ليس كالشيء الواحد. ومنهم؛ من ذهب إلى أنه يحذف؛ إذ الحذف في هذا الباب، إنما هو حذف اختصار لا حذف اقتصار [2/ 350]؛ لأنه حذف لفهم المعنى، وحذف الاختصار في باب ظننت جائز (¬4)، قال ابن عصفور: وهذا أصح المذاهب؛ إذ الإضمار قبل الذكر، والفصل بين العامل والمعمول لم تدع إليهما ضرورة، وذلك نحو: ظنني وظننت زيدا قائما، وتقول - ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) تقدم ذكرها. (¬4) ما ذكره ناظر الجيش من أول قوله: (والذي ذكره الجماعة أن قالوا) إلى هنا، هو نص ابن عصفور في شرح الجمل (1/ 616، 617)، ما عدا البيت الثاني الذي أوله: ألا هل أتاها على نأيها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على المذهب الأول: ظننته وظننت زيدا قائما، وعلى المذهب الثاني: ظنني وظننت زيدا قائما إياه؛ فإن احتاج الأول إلى مرفوع، ففي المسألة أيضا، ثلاثة مذاهب: مذهب سيبويه: الإضمار قبل الذكر، ومذهب الكسائي: حذفه فاعلا كان أو مشبها بالفاعل، ومذهب الفراء: أن كل مسألة يؤدي فيها إعمال الثاني إلى الإضمار قبل الذكر على مذهب البصريين، أو إلى حذف الفاعل على مذهب الكسائي؛ أنها لا تجوز بأن ذلك لا يوجد في كلام العرب، فأما ما وجد من كلامهم من مثل: قام وقعد زيد، فإن زيدا يرتفع بالفعلين معا، فلا يجوز عنده إعمال الثاني مع احتياج الأول إلى مرفوع، إلا أن يتساوى العاملان في عمل الرفع، فيكون الاسم مرفوعا بهما. قال ابن عصفور: وهذا فاسد؛ لأنه تقرر أن كل عامل يحدث إعرابا، وعلى مذهبه يكون العاملان لا يحدثان إلّا إعرابا واحدا، وأيضا فالسماع يرد عليه، قال الشاعر: 1382 - وكمتا مدمّاة كأنّ متونها ... جرى فوقها واستشعرت لون مذهب (¬1) فإنه روي بنصب «لون»، فأعمل الثاني وهو «استشعرت» مع احتياج الأول وهو «جرى» إلى مرفوع، وليس العاملان متفقين في العمل، فتعملهما في «لون»، فلم يبق إلا مذهب سيبويه، أو مذهب الكسائي (¬2). انتهى. ثم ذكروا مذهب الكسائي في حذف الفاعل، واستدلاله بما هو معروف مشهور، وذكروا الجواب عنه (¬3)، كما سنذكر ذلك بعد إن شاء الله تعالى. - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو لطفيل الغنوي (شاعر جاهلي)، وهو في: الكتاب (1/ 77)، والمقتضب (4/ 75)، والإنصاف (1/ 88)، وابن يعيش (1/ 77، 78)، (4/ 75)، وشرح الدرة الألفية لابن القواس (437)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 618)، وشرح الجمل لابن العريف (70 / أ)، ومنهج السالك لأبي حيان (133)، والتذييل (3/ 134، 147)، والعيني (3/ 24)، والأشموني (2/ 104)، وأساس البلاغة، واللسان «شعر»، وتاج العروس «كمت»، وديوانه (ص 7)، وشرح ابن الناظم (ص 100). اللغة: الكمت: جمع أكمت من الكمتة، وهي حمرة تضرب إلى السواد. مدماة: شديدة الحمرة. المتون: الظهور. والمذهب: المموه بالذهب. والشاهد قوله: «جرى فوقها واستشعرت لون مذهب»؛ حيث أعمل العامل الثاني دون الأول. (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 617، 618). (¬3) ينظر: رأي الكسائي والرد عليه في: التذييل (3/ 148، 149)، والارتشاف (969)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 617)، والهمع (2/ 109)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 68)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المصنف فإنه قال (¬1): تناول قولي: ويعمل الملغى في ضمير المتنازع؛ أن يكون أولا؛ وأن يكون ثانيا؛ وأن يكون الضمير مرفوعا، ومنصوبا، ومجرورا، فمثال ذلك في إلغاء الأول والضمير مرفوع: قول الشاعر: 1383 - جفوني ولم أجف الأخلّاء إنّني ... لغير جميل من خليليّ مهمل (¬2) ومثال ذلك والضمير منصوب: قول الشاعر: 1384 - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب ... جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد وألغ أحاديث الوشاة فقلّما ... يحاول واش غير تغيير ذي ودّ (¬3) ومثال ذلك والضمير مجرور: قول الشاعر: 1385 - وثقت بها وأخلفت أمّ جندب ... فزاد غرام القلب إخلافها الوعدا (¬4) [2/ 351] ومثال ذلك في إلغاء الثاني والضمير مرفوع: قول الشاعر: 1386 - أساء ولم يجزه عامر ... فعاد بحلمي له محسنا (¬5) ومثال ذلك والضمير مجرور: قول الشاعر: 1387 - إذا هي لم تستك بعود أراكة ... تنحّل فاستاكت به عود إسحل (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 171). (¬2) تقدم ذكره. (¬3) البيتان من الطويل لقائل مجهول، وينظر فيهما: الارتشاف (1136)، ومنهج السالك لأبي حيان (134)، والتذييل (3/ 136، 145) والأول في شرح الألفية لابن الناظم (ص 99)، وأوضح المسالك (1/ 166)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 71)، والبهجة المرضية (ص 57)، والمغني (1/ 333)، والبيتان في شرح شواهد المغني (2/ 745)، وشرح ابن عقيل (1/ 184)، والأشموني، وحاشية الصبان (2/ 105)، وشذور الذهب (ص 503). والشاهد قوله: «ترضيه ويرضيك صاحب»؛ حيث أعمل الثاني في «صاحب» وأضمر في الأول ضمير المفعول. (¬4) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في التذييل (3/ 136، 145)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 134). والشاهد قوله: «وثقت بها وأخلفت أم جندب»؛ حيث أعمل «وأخفلت» في الظاهر، وأضمر في الأول، وهو «وثقت بها». (¬5) البيت من المتقارب مجهول القائل، وهو في: التذييل (3/ 136)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 172). والشاهد فيه: أنه أعمل الفعل الأول، وهو «أساء» في الظاهر، وأضمر في الثاني، وهو «لم يجزه» مفعوله. (¬6) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن المحتمل لإعمال الأول والثاني: قول الشاعر (¬1): 1388 - على مثل أهبان تشقّ جيوبها ... وتعلن بالنّوح النّساء الفواقد (¬2) وأكثر النحويين لا يجيزون: ضربته وضربني زيد، ومررت به ولقيني عمرو؛ لاشتماله على تقديم ضمير، هو فضلة على مفسر متأخر لفظا ورتبة؛ وإنما يغتفر ذلك في ضمير مرفوع؛ لكونه عمدة غير صالح للاستغناء عنه. هذا تعليل المبرد، ومن وافقه من البصريين (¬3)، وأما الكوفيون فلا فرق عندهم بين الفضلة والعمدة في المنع؛ فلا يجيزون: ضربوني وضربت الزيدين، ولا: ضربته وضربني زيد (¬4)، والصحيح جوازهما لثبوت السماع بذلك في الشواهد المتقدمة الذكر، إلا أن تقديم المرفوع أسوغ لكونه غير صالح للحذف، وقل تقديم غيره، وقد تقدم في كتابي هذا بيان ما يدل على صحة ما ذهبت إليه في هذه المسألة؛ فلا حاجة إلى إعادته، وبعض من لا يجيز تقديم الضمير يلتزم تأخيره أو إظهاره إن لم يستغن عنه، نحو: ظنني وظننت زيد فاضلا إياه، أو ظنني فاضلا وظننت زيد إياه، أو ظنني فاضلا وظننت زيدا إياه، ومثال ما يؤدي فيه مطابقة الضمير مفسره إلى تخالف (¬5) خبر ومخبر عنه، قولك: ظناني منطلقا، وظننت الزيدين منطلقين؛ فإذا قلت كذا بإظهار ثاني (مفعولي) (¬6) «ظناني» خلصت من أمرين ممتنعين؛ وذلك إذا أضمرت، فإما أن تراعي جانب المفسر فتثنّي، فتكون قد أخبرت بمثنى عن مفرد، وإما أن تراعي جانب المخبر عنه، وهو ياء «ظناني» فتفرد فتكون قد أعدت ضمير واحد إلى مثنى، وكلاهما ممتنع فتعين الإظهار - ¬

_ (¬1) هو ابن أهبان الفقعسي يرثي أخاه. (¬2) البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 137)، وديوان الحماسة (1/ 141)، برواية «على مثل همام» بدل «على مثل أهبان». اللغة: الفواقد: جمع فاقدة، وهي المرأة التي مات زوجها. والشاهد: هو أن الفعلين «تشق وتعلن» قد تنازعا قوله: «النساء الفواقد» فاعلا، ويحتمل أن يكون الأول أو الثاني هو العامل في هذا الاسم، وفي الآخر ضمير رفع مستتر فاعل له. (¬3) ينظر: المقتضب (4/ 72 - 78)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 172)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 99، 100)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 616)، والأشموني (2/ 104، 105). (¬4) ينظر: التصريح (1/ 322)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 70، 71). (¬5) في (ب): (تخلاف). (¬6) ساقطة من (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لتخلصه من ممتنع، ووافق الكوفيون على جواز الإظهار، وأجازوا أيضا الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه، كقولك: ظننت وظناني الزيدين قائمين إياه؛ لأن المثنى لما فيه من الجمع يتضمن الواحد؛ فعود ضميره إلى ما تضمنه جائز، وأجازوا أيضا الحذف، كقولك: ظننت وظناني الزيدين قائمين تريد: ظننت وظناني قائما الزيدين قائمين، فحذفت ثاني مفعولي ظناني، لدلالة ثاني مفعولي ظننت عليه، كما جاز مثل ذلك في باب الابتداء (¬1). وأشرت بقولي: ويجوز حذف الضمير غير المرفوع (¬2)، إلى جواز حذف الهاء ونحوها، من نحو قولك: ضربني وضربته زيد، ومرّ بي ومررت به زيد، فيقال: ضربني وضربت زيد [2/ 352] ومرّ بي ومررت به زيد، كما قال: 1389 - يرنو إليّ وأرنو من أصادقه ... في النّائبات فأرضيه ويرضيني (¬3) وأشرت بقولي: ما لم يمنع مانع؛ إلى مثل: مال عني وملت إليه زيد؛ فإن حذف الضمير منه غير جائز؛ لإيهامه أن يكون المراد: مال عني وملت عنه زيد، ومثل ذلك قول الشاعر: 1390 - مال عنّي تيها وملت إليه ... مستعينا عمرو فكان معينا (¬4) وحذف الضمير غير المرفوع؛ إن تقدم أحسن من بقائه، ما لم يكن عامله من باب ظن، فيظهر أو يؤخر، وكذا إن كان من غير باب ظن، وكان الحذف موقعا في لبس (¬5)، ومثال ذلك والفعل من باب ظن: حسبتني وحسبت عمرا كريما إياه، ومثله والفعل من غير باب ظن استعنت واستعان عليّ به زيد، وإلى هذين وأمثالهما، - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 616، 617)، والهمع (2/ 109)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 173). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 173). (¬3) البيت من البسيط مجهول القائل، وهو في: التذييل (3/ 142). والشاهد قوله: «يرنو إلي وأرنو من أصادقه»؛ حيث أعمل الفعل الأول، وهو «يرنو» في الظاهر، وأعمل الثاني في ضميره المجرور، ثم حذفه، والأصل: يرنو إليّ وأرنو إليه من أصادقه. (¬4) البيت من الخفيف مجهول القائل، وهو في: التذييل (3/ 143)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 173). والشاهد قوله: «مال عني تيها وملت إليه»؛ حيث أعمل «مال» في «عمرو» فرفعه، وأعمل «ملت» في ضميره المجرور، ولا يجوز حذف هذا الضمير؛ لأنه لو حذف لأدى إلى معنى: مال عني وملت عنه، وهو خلاف المراد، كما بين المصنف. (¬5) ينظر: التصريح (1/ 321، 322).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أشرت بقولي: ولا يحتاج غالبا إلى تأخيره إلا في باب ظن، وإلغاء العامل الأول، وهو مقتض للرفع، كقولك: ضربوني وضربت قومك، فهذا الاستعمال جائز في مذهب البصريين ممتنع في مذهب الكوفيين وتصحيحه عند الفراء بتأخر الضمير منفصلا، كقولك: ضربني وضربت قومك هم (¬1)، وتصحيحه عند الكسائي بالحذف، كقولك: ضربني وضربت قومك، وربما استدل بقول الشاعر: 1391 - تعفّق بالأرطى لها وأرادها ... رجال فبذّت نبلهم وكليب (¬2) ولا دلالة فيه لإمكان جعله من باب إفراد ضمير الجماعة مؤوّلة بمفرد اللفظ مجموع المعنى (¬3)، قال سيبويه: فإن قلت: ضربني وضربت قومك، فجائز وهو قبيح أن تجعل اللفظ كالواحد، كما تقول هو أجمل الفتيان، وأحسنه وأكرم بنيه وأنبله ثم قال: كأنك قلت: ضربني من ثمّ، وضربت قومك (¬4)، هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى، وفيه من المخالفة لكلام الجماعة، والزيادة على ما ذكروه ما أشير إليه. فالأول: أنك إذا أعملت الثاني، وكان العامل الأول من غير باب ظن، وطلب المعمول منصوبا، أو مجرورا؛ فإن الجماعة يوجبون الحذف، ولا يثبتون الضمير إلا في الضرورة، والمصنف يجيز ذكره من غير تقييد بضرورة؛ لكنه يعترف بقلة ذلك. والثاني: أنك إذا أعملت الأول، وكان العامل الثاني من غير باب ظن أيضا؛ فإن الجماعة يوجبون ذكر الضمير، ولا يجيزون الحذف إلا في الضرورة، والمصنف يجيز الحذف من غير تقييد بضرورة أيضا، كما في المسألة الأولى؛ ولكنه يعترف بقلة ذلك أيضا (¬5)، وإنما أوجب المصنف الذكر، ومنع الحذف في صورة خاصة، وهي: نحو مال عني وملت إليه زيد؛ لأنه لو حذف هاهنا لم يعلم المراد، فكان - ¬

_ (¬1) ينظر: الأشموني (2/ 102، 103)، والتصريح (1/ 321)، والتذييل (3/ 157). (¬2) تقدم ذكره. (¬3) ينظر: المقرب (1/ 251). (¬4) الكتاب (1/ 79، 80). (¬5) في شرح الألفية للمرادي (2/ 70، 71): «إذا أهمل الأول فإما أن يطلب مرفوعا أو منصوبا؛ إن طلب مرفوعا أضمر فيه خلافا للكوفيين، كما سبق؛ وإن طلب منصوبا فإما أن يكون فضلة أو غير فضلة. فإن كان فضلة وجب حذفه عند الجمهور؛ لأنه مستغنى عنه، فلا حاجة لإضماره قبل الذكر، ولم يوجب في التسهيل حذفه بل جعله أولى».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذكر واجبا [2/ 353] من أجل أنه لو حذف لم يفهم المقصود (¬1). والثالث: أنهم ذكروا في نحو: ظنني وظننت زيدا قائما؛ ثلاثة أعمال: إضماره متقدما، وإضماره متأخرا، والحذف (¬2)، وزاد المصنف رابعا وهو الإظهار (¬3)؛ ولكن لما ذكر المصنف الحذف في هذه المسألة جعل ذلك مذهب الكوفيين، والذي يعطيه كلام الجماعة أنه مذهب للبصريين، وهو الظاهر؛ فإن حذف مفعولي باب ظن اختصارا جائز؛ وكذلك حذف أحدهما، والمصنف قد قال في ذلك الباب: ولا يحذفان معا أو أحدهما إلا بدليل، ولا شك في وجود الدال في هذا المثال الذي ذكرناه؛ فكيف يقصر ذلك على مذهب الكوفيين؟. والرابع: أن المصنف ذكر نحو: استعنت واستعان على به زيد، ونبه على أن ذكر الضمير فيها واجب (¬4) فهذه المسألة أعملت فيها الثاني، وطلب العامل الأول المعمول غير مرفوع ولم يكن من باب ظن ولم يمتنع حذفه؛ بل وجب ذكره (¬5)، وعلى هذا تكون هذه المسألة مستدركة على الجماعة. والخامس: أن الجماعة ذكروا أن الفراء، لا يجيز نحو: ضربني وضربت زيدا، ويقول: إنه ليس من كلام العرب كما تقدم ذكر ذلك، ومنهم من نقل أن الفراء يجيز هذا التركيب؛ ولكنه يوجب إعمال الأول ليتخلص من حذف الفاعل، ومن إضماره قبل الذكر، والمصنف ذكر أن الفراء يصحح المسألة، ويأتي بالضمير المرفوع - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 143). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 614 - 617)، والتوطئة للشلوبين (ص 269، 270)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 99، 100)، وشرح المكودي (ص 89)، والأشموني (2/ 104، 105). (¬3) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 80)، والتصريح (1/ 332). (¬4) ينظر: البهجة المرضية للسيوطي (ص 58)، والتصريح (1/ 321). (¬5) أوضح صاحب التصريح هذه المسألة مبينا سبب وجوب ذكر الضمير، فقال: «فإن أوقع حذفه - أي المنصوب - في لبس ظاهر، أو لم يوقع في لبس ولكن كان العامل من باب كان، أو من باب ظن؛ وجب إضمار المعمول مؤخرا عن المتنازع فيه في المسائل الثلاث، فالأولى نحو: استعنت واستعان على زيد به، فالأول يطلب زيدا مجرورا بالياء، والثاني يطلبه فاعلا؛ لأنه استوفى معموله المجرور بـ «على» فأعملنا الثاني، وأضمرنا ضمير «زيد» مجرورا بالياء مؤخرا، وقلنا به والذي حملنا على ذلك؛ أنا لو أضمرناه مقدّما قبل «استعان» لزم الإضمار قبل الذكر، ولو حذفناه أوقع في لبس؛ فلا يعلم هل زيد مستعان به أو عليه؟» اه. التصريح (1/ 321).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منفصلا مؤخرا، لكن قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى: لم يرو أحد من العلماء المتقدمين فيما علمت في مثل هذه المسألة عن الفراء، إلا إيجاب إعمال الأول، وروى جمال الدين بن مالك صاحبنا رحمه الله تعالى أن الفراء في مثل هذه المسألة، يجيز إعمال الثاني في الظاهر، ويضمر في الأول، كما يقول سيبويه وأصحابه: إنه إذا أضمر في الأول وجب أن يكون الضمير بارزا بعد الثاني ومعموله؛ فتقول مثلا: ضربني وضربت زيدا هو، وضربني وضربت الزيدين هما، ولم أقف على هذا النقل عن الفراء من غير كلام ابن مالك، وهو الثقة فيما ينقل (¬1). انتهى. والقول بأن الفراء يوجب إعمال الأول مشكل؛ لأن القول بوجوب عمل أحد العاملين يخرج المسألة من باب التنازع، إلا أن يقول الفراء: شرط التنازع إنما هو صحة عمل كل من العاملين من حيث المعنى، وقد يمنع من عمل أحدهما بعد ذلك مانع لفظي، (فمن أجل ذلك المانع يلتزم عمل أحدهما دون الآخر؛ ولا شك أن للنظر في ذلك مجالا) (¬2). ثم نشير هاهنا إلى أمرين: أحدهما: أنه لا يجوز في هذا الباب أن يفصل بين الثاني، ومعموله بمعمول الأول، فعلى هذا لا يقال: ضربت وضربني إياه زيد؛ لأن ذلك يؤدي إلى فصلين، وذلك مستكره عندهم لا يجوز. الثاني: ذكر بعض الفضلاء في مسألة: أظن ويظناني أخا [2/ 354] الزيدين أخوين؛ بحثا فقال: الذي يظهر لي فساد دعوى التنازع في «أخوين»؛ لأن يظناني لا يطلبه؛ لكونه مثنى، والمفعول الأول مفرد (¬3). انتهى. - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 147)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 597)، والهمع (2/ 109). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 617، 618). (¬3) هذا رأي المرادي في شرح الألفية (2/ 74)، بالمعنى، وقد ذكر صاحب التصريح هذا النص بعد أن بحث هذه المسألة، فقال: (هذا تقرير ما قالوه في هذه المسألة، قال الموضح تبعا لجماعة على سبيل البحث: والذي يظهر لي فساد دعوى التنازع في الأخوين؛ لأن «يظنني» لا يطلبه؛ لكونه مثنى والمفعول الأول مفرد). اه، التصريح (1/ 323). وأصل هذه المسألة كما في التصريح (1/ 322، 323): (قبل الإعمال: أظن ويظنني الزيدين أخوين بالتثنية فيهما، فـ «أظن» يطلب «الزيدين أخوين» مفعولين و «يظنني» يطلب «الزيدين» فاعلا -

[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب]

[مسائل أربع في باب التنازع ختم بها الباب] قال ابن مالك: (ونحو: ما قام وقعد إلّا زيد؛ محمول على الحذف لا على التّنازع خلافا لبعضهم ويحكم في تنازع أكثر من عاملين بما تقدّم من ترجيح بالقرب أو السّبق وبإعمال الملغى في الضّمير وغير ذلك ولا يمنع التّنازع تعدّ إلى أكثر من واحد ولا كون المتنازعين فعلي تعجّب خلافا لمن منع). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولك أن تمنع أن «يظناني» لا يطلب «أخوين» وتقول: بل يطلبه؛ ولكن لكونه مثنى لا يصح وقوعه مفعولا ثانيا في هذا التركيب؛ لأن المثنى لا يخبر به عن المفرد، والحاصل: أن «يظناني» يطلبه من حيث نه واقع موقع المفعول الثاني الذي يطلبه كل من المفعولين فـ «يظناني» طالب لما وقع هذا الموقع، أما كون ذلك الذي في هذا الموضع مثنى، أو غير مثنى فذاك شيء آخر يجب اعتباره، فيعطي التركيب ما يستحقه. قال ناظر الجيش: هذه مسائل أربع: الأولى: نحو: ما قام وقعد إلا زيد، قال المصنف: وما جاء من نحو: ما قام وقعد إلا زيد؛ فليس من باب التنازع؛ وإنما هو من باب حذف المنفي العام لدلالة القرائن اللفظية عليه، كقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (¬1)، وكقوله تعالى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (¬2)، وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (¬3)، وكقول الشاعر: 1392 - نجا سالم والنّفس منه بشدقة ... ولم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا (¬4) - ¬

_ - «وأخوين» مفعولا ثانيا؛ لأنه أخذ مفعوله الأول وهو تاء المتكلم المتصلة به، فأعملنا الأول فنصبنا الاسمين وهما «الزيدين أخوين» على أنهما مفعولان لأظن، وأضمرنا في الثاني وهو «يظنني» ضمير «الزيدين» وهو الألف في «يظناني»، فاستوفى فاعله ومفعوله الأول بعد دخول «يظن»، والياء مخالفة لـ «أخوين» الذي هو مفسر للضمير الذي يأتي به؛ فإن الياء مفرد، والأخوين تثنية فدار الأمر بين إضماره مفردا؛ ليوافق المخبر عنه وهو الياء، وبين إضماره مثنى؛ ليوافق المفسر وهو «الأخوين»، وفي كل منهما محذور لا محيص عنه؛ فوجب العدول إلى الإظهار، فقلنا: «أخا» فوافق المخبر عنه، وهو الياء في الإفراد، ولم يضره مخالفته لـ «أخوين»؛ لأنه - أي أخا - اسم ظاهر لا يحتاج إلى ما يفسره). اه. (¬1) سورة النساء: 159. (¬2) سورة الصافات: 164. (¬3) سورة مريم: 71. (¬4) البيت من الطويل وهو لحذيفة بن أنس الهذلي، وهو في: المقرب (1/ 167)، والغرة لابن الدهان (2/ 169)، والارتشاف (613)، والبحر المحيط (1/ 126)، (6/ 217)، (8/ 29)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن ظاهره أنه أراد: ولم ينج شيء؛ فحذف لدلالة النفي والاستثناء بعده على منفي عام للمستثنى وغيره، ومن هذا القبيل، نحو: ما قام وقعد إلا زيد، على تأويل: ما قام أحد ولا قعد إلا زيد، فحذف «أحد» لفظا، واكتفى بقصده ودلالة النفي والاستثناء عليه، كما كان ذلك في الآيات الشريفة المذكورة، وفاعل «قعد» ضمير «أحد» المقدر؛ ولذلك لا يثنى، ولا يجمع، ولا يؤنث؛ إن كان ما بعد «إلا» مثنى، أو مجموعا، أو مؤنثا، ولو كان من باب التنازع لزمت مطابقة الضمير في أحد الفعلين (¬1)، وأيضا لو كان من باب التنازع، لزم في نحو: ما قام وقعد إلا أنا؛ إعادة ضمير غائب على حاضر، ولزم أن يقال على إعمال الثاني: ما قاموا وقعد إلا نحن، وعلى إعمال الأول: ما قام وقعد إلا نحن، وكان يلزم من ذلك إخلاء الفعل من الإيجاب؛ لأن الفعل المنفي؛ إنما يصير موجبا بمقارنة «إلّا» لمعموله لفظا أو معنى، وعلى تقدير التنازع لم تقارن «إلا» معمول الملغي لفظا ولا معنى؛ فيلزم بقاؤه على النفي، والمقصود خلاف ذلك، فلا يصح الحكم بما أفضى إليه، ويتعين الاعتراف بصحة الوجه الآخر لموافقته نظائر لا يشك في صحتها؛ ومن أظهر الشواهد على صحة الاستعمال المشار إليه، قول الشاعر: 1393 - ما جاد رأيا ولا أجدى محاولة ... إلّا امرؤ لم يضع دنيا ولا دينا (¬2) [2/ 355] ومثله: 1394 - ما صاد قلبي وأضناه وتيّمه ... إلّا كواعب من ذهل بن شيبانا (¬3) - ¬

_ - والتذييل (3/ 154)، وديوان «الهذليين» (3/ 22) واللسان «جفن - نجا». ويروى «والروح منه بشدقه» مكان «والنفس منه بشدقه». وقد استشهد المصنف بالبيت على أن المحذوف في قوله: «ولم ينج إلا جفن سيف» من باب حذف المنفي العام؛ لوجود قرينة لفظية عليه، والتقدير: ولم ينج شيء. (¬1) ينظر: شرح الكافية للرضى (1/ 77، 78). (¬2) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 153)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 598)، والهمع (2/ 110)، والدرر (2/ 144). والشاهد فيه: أنه أيضا من باب الحذف العام، والتقدير: ما جاد أحد رأيا، ولا أجدى محاولة. (¬3) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في التذييل (3/ 153)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 599)، وتعليق الفرائد للدماميني (1462)، والتصريح (1/ 319)، والهمع (2/ 110)، والدرر (2/ 144). والشاهد قوله: «ما صاد قلبي»؛ حيث استشهد به المصنف على أنه من باب الحذف العام، لدلالة القرائن، والتقدير: «ما صاد قلبي شيء».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). وهذه المسألة تقدم الكلام عليها كما عرفت (¬2)، وقد تطابق فيها كلام المصنف وكلام ابن الحاجب على أن مثل هذا التركيب ليس فيه تنازع؛ وأن ذلك محمول الحذف (¬3)؛ لكن اختلف كلامهما في تقدير المحذوف كما رأيت، والتقدير الذي يصح معه المعنى ويسلم من الخدش؛ هو الذي قدره ابن الحاجب بلا شك، وهو الذي عول عليه الشيخ، وقد بحث مع المصنف هاهنا بحثا جيدا، فقال بعد ذكر كلامه، وتنظيره بالآيات الشريفة والبيت الذي هو: 1395 - نجا سالم ..... البيت (¬4) وليست المسألة من باب الآيات الشريفة والبيت؛ لأن المحذوف في الآيتين مبتدأ، والمبتدأ يجوز حذفه، إذا دلّ عليه دليل فالتقدير: وما منا أحد إلّا له مقام معلوم، وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به، وأما: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها (¬5)، فليست كالآيتين؛ لأن ما بعد «إلا» هو المبتدأ، وهو وارِدُها لكن من حيث المعنى اشتركت الثلاثة في حذف أحد، وأما: ما قام وقعد إلا زيد فمن حذف الفاعل، والفاعل لا يحذف فقد تباين البابان في المحذوف، وأما: نجا سالم ..... البيت فلم يحذف فيه الفاعل؛ وإنما المحذوف فضلة، والتقدير: ولم ينج بشيء (¬6)، ثم ذكر التخريج المعروف في البيت إلى آخره، كما هو مذكور في باب الاستثناء. قال: وإذا سلم أنه حذف الفاعل، وهو «أحد» فإعرب ما بعد «إلّا» يكون على طريق البدل، فإن جعلته بدلا من «أحد» المحذوف؛ فلا تنصب الفعل الثاني على البدل، وإن جعلته بدلا من الضمير العائد على «أحد» المحذوف على ما زعم المصنف؛ فلا تنصب الفعل الأول على البدل، والذي يدل عليه المعنى أن الفعلين ينصبان على البدل، قال: والذي أختاره على تقدير حذف الفاعل أن المحذوف هو - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 176). (¬2) سبق شرحه. (¬3) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 77، 78). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) سورة مريم: 71. (¬6) التذييل (3/ 154).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الفعل؛ وأن التقدير: ما قام إلا زيد ولا قعد إلا زيد فحذف «إلا زيد» لدلالة «إلا زيد» الثاني عليه، وبذلك يصح المعنى (¬1). المسألة الثانية: أن التنازع قد يقع مع أكثر من عاملين، قال المصنف: وقد تقدمت الإشارة إلى تنازع أكثر من عاملين في ترجمة الباب، وفي الشرح لا في المتن؛ فنبه الآن عليه في هذا المكان، وما ورد منه؛ فإنما ورد بإعمال الآخر، وإلغاء ما قبله، كقول الشاعر (¬2): 1396 - سئلت فلم تبخل ولم تعط نائلا ... فسيّان لا ذمّ عليك ولا حمد (¬3) وكقول الآخر: 1397 - جئ ثمّ حالف وثق بالقوم إنّهم ... لمن أجاروا ذرى عزّ بلا هون (¬4) وكقول الآخر: 1398 - أرجو وأخشى وأدعو الله مبتغيا ... عفوا وعافية في الرّوح والجسد (¬5) فهذه الأبيات قد تنازع في كل واحد منها ثلاثة عوامل أعمل آخرها وألغي أولها وثانيها، وعلى هذا استقر الاستعمال، ومن أجاز إعمال غير الثالث فمستنده الرأي؛ إذ لا سماع [2/ 356] في ذلك، وقد أشار إلى هذا أبو الحسن بن خروف في شرح - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 155). (¬2) هو الحطيئة أحد فحول الشعراء كان كثير الهجاء سفيها، أسلم بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: في عهد الرسول، ثم ارتد وعاد إلى الإسلام (سبقت ترجمته)، وقيل: إن البيت للكميت بن زيد أيضا. (¬3) البيت من الطويل، وهو في: المقرب (1/ 250)، والتذييل (3/ 114، 115، 157)، وشرح الصفار للكتاب (ق 87 / ب)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 613)، والأغاني (2/ 168)، والشعر والشعراء (ص 325)، وديوان الحطيئة (ص 329)، وديوان الكميت (1/ 155)، والبحر المحيط (3/ 529). ويروى البيت أيضا بتقديم «لا حمد» على «لا ذم». والشاهد قوله: «سئلت فلم تبخل، ولم تعط نائلا»؛ حيث تنازع العوامل الثلاثة «سئلت - فلم تبخل - لم تعط» معمولا واحدا هو «نائلا». (¬4) تقدم ذكره. (¬5) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 114، 156، 157)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 600)، وشذور الذهب (ص 500)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 166). والشاهد قوله: «أرجو وأخشى، وأدعو الله ... عفوا»؛ حيث تنازع ثلاثة عوامل معمولا واحدا، وأعمل آخرها، وهو الثالث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كتاب سيبويه (¬1)، واستقرأت الكلام فوجدت الأمر كما أشار إليه (¬2). انتهى. قال الشيخ: وقد سمع إعمال الأول، قال أبو الأسود (¬3): 1399 - كساك ولم تستكه فاشكرن له ... أخ لك يعطيك الجزيل وناصر (¬4) فأعمل الأول، وأضمر في الثاني (والثالث) (¬5). المسألة الثالثة: قال المصنف (¬6): منع بعض النحويين التنازع في متعدّ إلى اثنين أو ثلاثة بناء على أن العرب لم تستعمله، وما زعمه غير صحيح؛ فإن سيبويه حكى عن العرب: متى رأيت أو قلت: زيدا منطلقا؛ على إعمال «رأيت»، ومتى رأيت وقلت: زيد منطلق (¬7)؛ على إعمال «قلت»، أعني بإعمالها: حكاية الجملة بها. انتهى. وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس: وأما الأفعال المتعدية إلى ثلاثة فمنع الجرمي، وجماعة معه جواز التنازع فيها، وقالوا: إن باب التنازع خارج عن القياس، فيقتصر فيه على السموع، ولم يسمع عن العرب التنازع في ذوات الثلاثة في نظم، ولا نثر فلا يجوز البتة (¬8)، وذهب المازني وجماعة معه إلى جواز ذلك في ذوات الثلاثة، قياسا لما لم يسمع على ما سمع من المتعدي إلى واحد وإلى اثنين (¬9) قال: وليس لسيبويه رحمه الله تعالى في ذوات الثلاثة نص، ولا إشارة إلى شيء فمثال ذلك - ¬

_ (¬1) ينظر: التصريح (1/ 316). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 277). (¬3) هو أبو الأسود الدؤلي يمدح المنذر بن الجارود لما كساه؛ وكان يعجبه حديثه، وقيل: كان يمدح عبيد الله بن زياد. (¬4) البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 156)، والارتشاف (ص 671)، وتعليق الفرائد (1469)، والتصريح (1/ 316)، والأشموني (2 / 102)، ودرة الغواص (ص 157)، وحماسة البحتري (ص 149)، وديوانه (ص 85)، والأغاني (11/ 123) طبعة بولاق. والشاهد فيه: تنازع ثلاثة عوامل معمولا واحدا، وإعمال الأول منها. (¬5) التذييل (3/ 156). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 177). (¬7) الكتاب (1/ 79). (¬8) ينظر: التذييل (3/ 158)، والارتشاف (ص 971)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 82)، والهمع (2/ 111). (¬9) ينظر: التذييل (3/ 158)، والارتشاف (ص 971)، والأشموني (2/ 107).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على قول من أجاز إذا أعملت الأول: أعلمني وأعلمته إيّاه إيّاه زيد عمرا قائما، وإذا أعملت الثاني: أعلمني وأعلمت زيدا عمرا قائما إيّاه إياه، هذا على قول من لم يجز الاقتصار على المفعول الأول، وأما من أجاز فيقول إذا أعمل الأول: أعلمني وأعلمته زيد عمرا قائما، وإذا أعمل الثاني: أعلمني وأعلمت زيدا عمرا قائما؛ وكذلك إن قدمت «أعلمت» على «أعلمني» يجوز فيه التفريع على المذهبين، فتقول إذا أعملت الأول على رأي من لا يقتصر: أعلمت وأعلموا إيّاه إيّاه زيدا عمرا قائما، وإذا أعملت الثاني على هذا الرأي قلت: أعلمني وأعلمت زيد عمرا قائما إيّاه إيّاه إيّاه، وتقول في إعمال الأول على رأي من يقتصر: أعلمت وأعلمني زيدا عمرا قائما، وفي إعمال الثاني: أعلمت وأعلمني زيد عمرا قائما إياه (¬1). المسألة الرابعة: هل يقع التنازع في أفعال التعجب؟!، قال المصنف (¬2): ومنع أيضا بعض النحويين تنازع فعلي تعجب (¬3)، والصحيح عندي جوازه؛ لكن بشرط إعمال الثاني، كقولك: ما أحسن وأعقل زيدا؛ تنصب «زيدا» بـ «أعقل» لا بـ «أحسن»؛ لأنك لو نصبته بـ «أحسن» فصلت ما لا يجوز فصله، وكذلك تقول: أحسن به وأعقل بزيد، بإعمال الثاني، ولا تعمل الأول، فتقول: أحسن وأعقل به بزيد، فيلزمك فصل ما لا يجوز فصله، ويجوز على أصل مذهب الفراء أن يقال [2/ 357]: أحسن وأعقل بزيد؛ فتكون الباء متعلقة بـ «أحسن وأعقل» معا (¬4)، كما يكون - ¬

_ (¬1) أورد أبو حيان هذا النص في: التذييل (3/ 158، 159) غير منسوب، وهو في التعليقة (ورقة 117) لبهاء الدين بن النحاس. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 177). (¬3) الذي قاله المصنف هنا من حيث المنع هو ظاهر مذهب سيبويه، يقول سيبويه: «هذا باب ما يعمل عمل الفعل، ولم يجر مجرى الفعل، ولم يتمكن تمكنه؛ وذلك قولك: ما أحسن عبد الله، زعم الخليل أنه بمنزلة قولك: شيء أحسن عبد الله، ودخله معنى التعجب، وهذا تمثيل ولم يتكلم به، ولا يجوز أن تقدم «عبد الله» وتؤخر «ما»، ولا تزيل شيئا عن موضعه، ولا تقول فيه: ما يحسن، ولا شيئا مما يكون في الأفعال سوى هذا» اه. الكتاب (1/ 72، 73)، وذكر ذلك أبو حيان عند تعقيبه على كلام المصنف أيضا في التذييل (3/ 160). (¬4) ينظر: معاني القرآن للفراء (2/ 139) في شرحه لقوله تعالى: أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ، وقوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنده فاعل قام وقعد زيد مرفوع بالفعلين معا؛ ولا يمتنع على مذهب البصريين أن يقال: أحسن وأعقل بزيد، على أن يكون الأصل: أحسن به وأعقل بزيد، ثم حذفت الباء لدلالة الثانية عليها، ثم اتصل الضمير واستتر، كما استتر في الثاني من قوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (¬1)؛ فإن الثاني يستدل به على الأول، كما يستدل بالأول على الثاني، إلا أن الاستدلال بالأول على الثاني أكثر من العكس (¬2). انتهى (¬3). قال الشيخ: مذهب سيبويه منع التنازع بين فعلي التعجب (¬4)، ومذهب المبرد (¬5)، الجواز (¬6)، ثم إنه ناقش المصنف في كونه أجاز التنازع مع إيجابه، إعمال الثاني، فقال: هذا - يعني إيجاب العمل للثاني - ليس من باب الإعمال؛ لأن شرط الإعمال جواز إعمال أيهما شئت (¬7). انتهى. واعلم أن البحث الذي تقدم عند ذكر مذهب الفراء في نحو: قام وقعد زيد يعاد هنا، فيقال: المراد من تنازع العاملين صحة تسلط كل منهما من حيث المعنى على ذلك المعمول، ثم إنه قد يعرض مانع لفظي يمنع من عمل أحدهما، فيتعين إعمال الآخر، كما في مسألة: ما أحسن وأعقل زيدا؛ فإن كلّا منهما طالب لـ «زيد» من حيث المعنى؛ ولكن يمنع من إعمال الأول ما يلزم من الفصل بين فعل التعجب ومعموله، وعلى هذا يستقيم كلام المصنف، وقد ختم الشيخ هذا الباب بذكر أشياء تركت إيرادها خشية الإطالة (¬8)، على أن من استحضر القواعد النحوية، لا يكاد تخفى عليه الأحكام فيما أشار إليه. * * * ¬

_ (¬1) سورة مريم: 38. (¬2) ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 150)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 60). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 177). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 72، 73). (¬5) ينظر: المقتضب (4/ 184). (¬6) التذييل (3/ 160). (¬7) التذييل (3/ 161). (¬8) ما ختم به الشيخ أبو حيان الكلام على هذا الباب هو ذكره: ما ينازع، وما لا يتنازع فيه، وأيضا ذكر سبع مسائل في ختام الباب، فارجع إليها إن شئت. ينظر: التذييل (3/ 162 - 170).

الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه

الباب الثالث والعشرون باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه [تعريف المصدر - وأسماؤه وأصالته] قال ابن مالك: (المصدر اسم دالّ بالأصالة على معنى قائم بفاعل، أو صادر عنه، حقيقة أو مجازا، أو واقع على مفعول، وقد يسمّى فعلا وحدثا وحدثانا، وهو أصل الفعل لا فرعه خلافا للكوفيّين، وكذا الصّفة خلافا لبعض أصحابنا). قال ناظر الجيش: لم يذكر المصنف حد المفعول المطلق، مع أن هذا الباب إنما هو معقود له، بل عدل إلى ذكر حد المصدر الذي إذا نصب بما سنذكره كان مفعولا مطلقا، ولا شك أن المفعول المطلق أخص من المصدر، ولا يلزم من تعريف الأعم تعريف الأخص (¬1). وأصح حدود المفعول المطلق ما ذكره ابن الحاجب رحمه الله تعالى، فقال: «هو اسم ما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه» (¬2) فاحترز بقوله: اسم ما فعله فاعل، عن اسم ما لم يفعله فاعل، وهو ظاهر، وبقوله: مذكور من نحو: أعجبني القيام، فإن القيام اسم ما فعله فاعل، ولكنه ليس فاعلا لفعل مذكور، وبقوله: بمعناه من نحو: كرهت قيامي، فإنه اسم ما فعله فعل مذكور؛ لأن القيام [2/ 358] اسم لما فعله المتكلم وهو فاعل الفعل المذكور، فلما قيل بمعناه وجعل وصفا للفعل خرج: كرهت قيامي؛ لأن كرهت ليس بمعنى قيامي، قال: وقلت ها هنا: اسم ولم أذكر لفظ اسم في غيره من الحدود؛ لأنني لو لم أذكره لورد على الحد ضربت؛ فإنه شيء فعله فاعل فعل مذكور غدا، وقد أورد على هذا ضرب ضرب شديد؛ فإنه اسم لما فعله فاعل فعل مذكور بمعناه ولفظه، فيجب أن يدخل في الحد، وإذا دخل في الحد فيجب أن ينصب؛ لأنه إنما حدّ ليعرف فينصب، كما أن الفاعل إنما حدّ ليعرف فيرفع، وهو غير وارد؛ لأنه عندنا داخل في الحد. ولا شك أن ذكرنا تعريفه هنا لينتصب، ولكن بعد أن عرفنا أنّ منه قسما يجب - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 5)، وشرح الأشموني (2/ 109). (¬2) شرح ابن الحاجب على كافيته (ص 388) المسمى بشرح المقدمة الكافية: تحقيق د/ جمال مخيمر رحمه الله (مكتبة نزار الباز)، وشرح الكافية للرضي (1/ 113).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفعه، وهو إذا قصد إقامته مقام الفاعل وجعله أحد الجزأين، فإذا حصل الإعلام بذلك ثم حد المفعول المطلق باعتبار ما هو مفعول مطلق، فيجب دخول المرفوع في الحد وإن كان الغرض من حدّه تعريف نصبه؛ لأن ما تقدم يفيد تخصيصه؛ لأنه خاص، وقد ذكر أن حكمه الرفع فكأنه قيل هاهنا: ينصب هذا المحدود في غير المحل الخاص الذي عرفنا أن رفعه واجب فيما تقدم، واستغني عن ذكره ها هنا؛ لأنّ ذكره راجع إلى تكرير محض لا فائدة فيه زائدة؛ لأنا لو ذكرناه ذكرنا عين ما تقدم، فتبين أنه لا حاجة إلى الاحتراز منه، ولزم وجوب أنه لو ذكر كان خطأ، ألا ترى أنه يكون مخرجا من حد المفعول المطلق، وقد قلنا: إن المفعول المطلق نفسه يرتفع إذا أقيم مقام الفاعل، فيصير حاصل الأمرين هو مفعول مطلق، وليس بمفعول مطلق من جهة واحدة، وهذا ظاهر الفساد غير خاف بالنظر المستقيم (¬1). وهو كلام يشهد لصاحبه بأنه في الرتبة العليا من التحقيق. ثم ليعلم أن المفعول المطلق هو المفعول حقيقة؛ لأنه هو الذي يحدثه الفاعل (¬2)، أما المفعول به فهو محل الفعل خاصة، والزمان وقت يقع فيه الفعل، والمكان محل الفاعل والمفعول، ويلزم من ذلك أن يكون محلّا للفعل والمفعول لأجله علة لوجود الفعل، والمفعول معه مصاحب للفاعل أو للمفعول (¬3)؛ وإذا قد عرفت هذا فلنرجع إلى مقصود الكتاب، فنقول: أفادت ترجمة الباب أن الذي ينصب مفعولا مطلقا هو المصدر، وما ينوب منابه، وإلى ذلك أشار بقوله: (وما يجري مجراه)، وقد ذكر في الباب ما يقوم مقام المصدر كما ستعرفه، وقد حد المصدر بقوله: (المصدر اسم دال) إلى آخره، فتقييد الدلالة بالأصالة مخرج لأسماء المصادر، وهي عبارة عن كل اسم يساوي المصدر في الدلالة، ويخالفه بعلميّة كجماد حماد (¬4)، أو بتجرده لفظا وتقديرا دون عوض من زيادة في فعله كاغتسل غسلا، وتوضأ وضوءا، - ¬

_ (¬1) شرح ابن الحاجب على كافيته (ص 388، 389) تحقيق د. جمال مخيمر رحمه الله. (¬2) ينظر شرح الكافية للرضي (1/ 113)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 110)، وشذور الذهب (ص 283)، والمباحث الكاملية (ص 425). (¬3) ينظر: المطالع السعيدة للسيوطي (ص 298)، والهمع (1/ 186). (¬4) في (ب): (حاد) وهو خطأ. والجماد: البخيل في اللسان (جمد - حمد) يقال للبخيل: جماد له أي لا زال جامد الحال، وهو نقيض حماد في المدح. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهذه وأمثالها إذا عبر عنها بمصادر، فإنما ذلك مجاز، والحقيقة أن يعبر [2/ 359] عنها بأسماء المصادر (¬1)، واحترز بقوله: دون عوض من نحو: عدة وتعليم، فإنهما مصدران مع خلو «عدة» من واو «وعد» وخلو «تعليم» من تضعيف العين، فهاء «عدة» عوض من الواو، وياء «تعليم» عوض من التضعيف، وأشار بقوله: لفظا وتقديرا إلى أن بعض ما في الفعل قد يخلو لفظ المصدر منه، ويكون مقدرا، فلا يضرّ زواله من اللفظ، كقتال مصدر قاتل (¬2)، فإن أصله: قيتال كما سيأتي الكلام على ذلك في باب إعمال المصدر - إن شاء الله تعالى - والدال على معنى قائم بفاعل كحسن وفهم، والدال على معنى صادر عن فاعل كخط وخياطة، وقيام الحسن والفهم بالفاعل حقيقة، وكذا صدور الخط والخياطة من فاعلهما بخلاف نسبة العدم للمعدوم، والموت إلى الميت؛ فإنهما مجاز، والواقع على مفعول مصدر، وما لم يسم فاعله نحو: ضرب زيد ضربا، والمراد بالفاعل هنا الاصطلاحي، وكذا المفعول. فبهذا يعم الحد مصدر كل فعل، وإطلاق المصدر على ما تناوله الحد إطلاق متفق عليه، وقد يعبر عنه بالفاعل الحدث والحدثان (¬3)، وهو من التعبير عن الشيء بلفظ مدلوله (¬4). هذا كلام المصنف (¬5)، والظاهر أن قوله: (حقيقة أو مجازا) تقسيم لما هو صادر عن الفاعل خاصة، لا إلى المعنى القائم بالفاعل. ثم هاهنا بحثان: الأول: قد تبين من تقرير المصنف أن اسم المصدر موافق للمصدر في الدلالة على شيء واحد لا فرق بينهما بالنسبة إلى ما دلّا عليه من المعنى إلا في أمرين: أحدهما: أن دلالة المصدر بالأصالة بخلاف دلالة اسم المصدر، وكأنه يريد بالأصالة أن الكلمة موضوعة لذلك المعنى، وهذا بخلاف دلالة اسم المصدر؛ فكأن - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 173). (¬2) ينظر: الأشموني بحاشية الصبان (2/ 287)، وشرح الألفية للمرادي (3/ 10). (¬3) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 110). (¬4) التعبير عن المصدر بالحدث والحدثان هو مذهب سيبويه، يقول: «وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء» اه. الكتاب (1/ 12) وينظر: المرجع السابق. (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 187) تحقيق د/ محمد بدوي المختون، د/ عبد الرحمن السيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دلالة على ذلك نائبة عن دلالة المصدر (¬1)، ويحتاج تحقيق ذلك إلى نظر. ثانيهما: أن اسم المصدر يخالف المصدر إما بعلمية، وإما بالتجرد الذي ذكره (¬2)، وقد فرق بين المصدر واسم المصدر بغير ما ذكره المصنف، فقيل: إن المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان وغيره، كقولنا: إن ضربا مصدر في قولنا: يعجبني ضرب زيد عمرا، فيكون مدلوله معنى، وسموا ما يعبر عنه مصدرا مجازا نحو ضرب في قولنا: إن ضربا مصدر منصوب إذا قلنا: ضربت ضربا، فيكون مسماه لفظا واسم المصدر اسم للمعنى الصادر عن الإنسان وغيره كسبحان المسمى بالتسبيح الذي هو صادر عن المسبح، لا لفظ (ت س ب ي ح) بل المعنى المعبر عنه بهذه الأحرف، ومعناه: البراءة والتنزيه (¬3)، واستؤنس لهذا القول بقول الزمخشري: وقد أجروا المعاني في ذلك مجرى الأعيان، فسموا التسبيح بسبحان (¬4). فنص على أن المسمى هنا معنى لا لفظ، وقال ابن يعيش: اسم المصدر مسماه لفظ نحو: سبحان، عبارة عن التسبيح، وقيل: إن المصدر يدل بالوضع، واسم المصدر وهو الذي لا يكون بصيغ المصدر [2/ 360] المستعملة، يوضع موضع المصدر في بعض المواضع، فيستفاد منه ما يستفاد من المصدر، لكن لا بالوضع بل بالاستعمال كما يوضع المصدر في موضع اسم الفاعل واسم المفعول (¬5). انتهى. قلت: وبهذا يشعر كلام المصنف حيث قال إنه احترز بقوله: دال بالأصالة عن اسم المصدر. البحث الثاني: إن قول المصنف: أو واقع على مفعول؛ غير محتاج إليه؛ لأنه إذا قيل: ضرب - ¬

_ (¬1) ينظر حاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 186). (¬2) ينظر في الفرق بين المصدر واسم المصدر: التصريح (1/ 325)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 160)، وشرح الألفية للمرادي (3/ 10). (¬3) هذا النص الذي ذكره الشارح وفرق به بين المصدر واسم المصدر ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر (2/ 176) منسوبا إلى بهاء الدين بن النحاس. وينظر أيضا: المباحث الكاملية (ص 26). (¬4) المفصل للزمخشري (ص 10) وينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 37). (¬5) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 37) بالمعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد ضربا صدق على «ضربا» أنه دال على معنى صادر عن فاعل، وكذا إذا قيل: فهمت المسألة فهما، صدق أن «فهما» دال على معنى قائم بفاعل، إلا أن تريد أن ذلك الفاعل يكون مذكورا، وأن المفعول يكون مذكورا أيضا كما يشعر بذلك قوله: والمراد بالفاعل هنا الاصطلاحي، وكذلك المفعول، فربما يحتاج إلى ذكر ذلك. ثم قال المصنف (¬1): واتفق البصريون والكوفيون على أن الفعل والمصدر مشتق أحدهما من الآخر، لكن البصريين جعلوا الأصالة للمصدر، وجعلها الكوفيون للفعل، والصحيح مذهب البصريين (¬2)، ويدل على صحته ستة أمور: أحدها: أن المصدر يكثر كونه واحدا لأفعال ثلاثة: ماض ومضارع وأمر، فلو اشتق المصدر من الفعل لم يخل من أن يشتق من الثلاثة أو من بعضها؛ فاشتقاقه من الثلاثة محال، واشتقاقه من واحد منها يستلزم ترجيحا دون مرجح، فتعين اطّراح ما أفضى إلى ذلك. الثاني: أن المصدر معناه مفرد، ومعنى الفعل مركب من حدث وزمان، والمفرد سابق المركب، فالدال عليه أولى بالأصالة. الثالث: أن مفهوم المصدر عام ومفهوم الفعل خاص، والدال على عام أولى بالأصالة من الدال على خاص. الرابع: أن كل ما سوى الفعل والمصدر من شيئين: أحدهما أصل والآخر فرع؛ فإن في الفرع منهما معنى الأصل وزيادة كالتثنية والجمع بالنسبة إلى الواحد، وكالعدد المعدول بالنسبة إلى المعدول عنه، والفعل فيه معنى المصدر وزيادة تعين الزمان، فكان فرعا والمصدر أصل. الخامس: أن من المصادر ما لا فعل له لفظا ولا تقديرا، وذلك نحو: ويح وويل، وويش وويب. فلو كان الفعل أصلا لكانت هذه المصادر فروعا لا أصول لها، وذلك محال، وإنما قلنا: إن هذه المصادر لا أفعال لها تقديرا؛ لأنها لو صيغ من بعضها فعل لاستحق فاؤه في المضارع من الحذف ما يستحق فاء «يعد» - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 178). (¬2) ينظر: الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 235) وما بعدها، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 110)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 76)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 102)، واللمع لابن جني (ص 131)، والمباحث الكاملية (ص 661).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولاستحق عينه من السكون ما استحق عين «تبيع» فيتوالى إعلال الفاء والعين، وذلك مرفوض في كلامهم، فوجب إهمال ما يؤدي إليه، وليس في الأفعال ما لا مصدر له مستعمل إلا وتقديره ممكن كتبارك وفعل التعجب، إذ لا مانع في اللفظ، ويقابل تلك الأفعال مصادر كثيرة تزيد على الأفعال كالأبوة [2/ 361] والبنوة والخؤولة والعمومة والعبودية واللصوصية وقعدك الله، وبله زيد وبهله، فبطلت المعارضة بتبارك ونحوه، وخلص الاستدلال بويح وأخواته، ولا حجة للكوفيين في أن المصدر يتبع الفعل في صحته وإعلاله نحو: لاوذ لواذا، ولاذ لياذا؛ لأن الشيئين قد يحمل أحدهما على الآخر وليس أحدهما أصلا للآخر كحمل يرضيان على رضيا، وأعطيا على يعطيان. والأصل: يرضوان وأعطوا؛ لأنّ حكم الواو بين فتحة وألف التصحيح؛ لكن حمل ذو الفتحة على ذي الكسرة ليجريا على سنن واحد، فكذلك فعل بالمصدرين من لاوذ ولاذ، ولا حجة أيضا في توكيد الفعل بالمصدر؛ لأن الشيء قد يؤكد بنفسه نحو: زيد قام قام. فلو دل التوكيد على فرعية المؤكّد لزم كون الشيء فرع نفسه، وذلك محال، ولا حجة أيضا في إعمال الفعل في المصدر؛ لأن الحرف يعمل في الاسم والفعل ولا حظ له في الأصالة، وببعض ما استدللنا على فرعية الفعل بالنسبة إلى المصدر يستدل على فرعية الصفة بالنسبة إليه، لأن كل صفة تضمنت حروف الفعل فيها ما في المصدر من الدلالة على الحدث، وتزيد بالدلالة على ما هي له كما زاد الفعل بالدلالة على الزمان المعين؛ فيجب كون الصفة مشتقة من المصدر لا من الفعل، إذ ليس فيها ما في الفعل من الدلالة على الزمان المعين (¬1). انتهى كلام المصنف (¬2). وذكر الشيخ أن ابن طلحة ذهب إلى أن المصدر والفعل كل منهما أصل، وليس أحدهما مشتقّا من الآخر، وكأن ابن طلحة (¬3) نزع في هذه المسألة إلى مذهب من - ¬

_ (¬1) ينظر في هذه الأدلة التي استدل بها المصنف على صحة مذهب البصريين: الإنصاف (1/ 235 - 241)، والهمع (1/ 186) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 102، 103)، والأشموني (2/ 112)، والتذييل (3/ 175) وشرح المفصل. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 180). (¬3) هو محمد بن طلحة بن محمد بن عبد الملك بن خلف بن أحمد الأموي الإشبيلى، أبو بكر المعروف بابن طلحة، كان إماما في صناعة العربية نظارا عارفا بعلم الكلام وغير ذلك، تأدب بالأستاذ أبي إسحاق بن ملكون، وزعيم وقته بإقراء الكتاب جابر بن محمد بن ناصر الحضرمي، وأبي بكر بن صاف، وأخذ عنه القراءات، وأجاز له هو وأبو بكر بن مالك الشريش وجماعة. توفي سنة 618 هـ، بغية الوعاة (1/ 121، 122) تحقيق محمد أبو الفضل.

[المفعول المطلق: ناصبه- أنواعه- ما ينوب عنه]

[المفعول المطلق: ناصبه - أنواعه - ما ينوب عنه] قال ابن مالك: (وينصب بمثله أو بفرعه أو بقائم مقام أحدهما، فإن ساوى معناه معنى عامله فهو لمجرّد التوكيد، ويسمّى مبهما، ولا يثنّى ولا يجمع، وإن زاد عليه فهو لبيان النّوع أو العدد، ويسمّى مختصّا ومؤقّتا، ويثنّى ويجمع، ويقوم مقام المؤكّد مصدر مرادف واسم مصدر غير علم، ومقام المبيّن نوع أو وصف أو هيئة أو آلة أو كلّ أو بعض أو ضمير أو اسم إشارة، أو وقت، أو «ما» الاستفهاميّة أو الشّرطيّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ ينفي الاشتقاق أصلا؛ فإن الشيخ ذكر في ذلك مذاهب ثلاثة: أحدها: مذهب الجمهور، وهو أن من الكلمات ما هو مشتق، ومنها ما ليس بمشتق. ثانيها: أن كل لفظ مشتق، قال: وعزاه جماعة إلى الزجاج (¬1). ثالثها: أن شيئا ليس مشتقّا من شيء، بل كل أصل بنفسه (¬2). انتهى. وليس هذا مما يتشاغل به، ولا يضيع الزمان في ذكره. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): وينصب المصدر بمثله، كقولك: عجبت [2/ 362] من قيامك قياما ونصبه بفرعه، كقولك: طلبتك طلبا، وأنا طالبك طلبا، وأنت مطلوب طلبا، ونصبه بقائم مقام أحدهما كقولك: عجبت من إيمانك تصديقا، وأنا مؤمن تصديقا، ولقاء الله مؤمن به تصديقا، والمصدر المنصوب في جميع هذه الأمثلة قد ساوى معناه معنى عامله فهو لمجرد التوكيد، ويسمى الواقع هكذا مبهما ولا يثنى ولا يجمع؛ لأنه بمنزلة تكرير الفعل فعومل معاملته في عدم التثنية والجمع، إذ هو صالح للقليل والكثير (¬4)، وإن زاد معناه على معنى عامله فهو لبيان النوع نحو: سرت خببا وعدوا، ورجعت القهقرى (¬5)، وقعدت القرفصاء (¬6)، - ¬

_ (¬1) ينظر: الزجاج وأثره في النحو (ص 206). (¬2) التذييل (3/ 174)، وينظر في هذه المذاهب: الإيضاح للزجاجي (ص 56 - 63)، وتوجيه اللمع لابن الخباز (ص 111) وشرح ابن عقيل (1/ 187). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 180). (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 326) طبعة العراق، واللمع لابن جني (ص 132). (¬5) القهقرى: مصدر قهقر، إذا رجع على عاقبتيه، اللسان «قهقر». (¬6) القرفصاء: ضرب من القعود، واللسان «قرفص».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو لعدد المرات نحو: قمت قومتين، وضربته ضربات. وقد يكون المبين للنوع بلفظ المؤكد، فيستفاد التنويع بوصفه أو إضافته أو إدخال حرف التعريف عليه أو بتثنيته أو بجمعه (¬1)، ويقوم مقام المؤكد مصدر مرادف نحو: جلست قعودا، أو اسم مصدر غير علم نحو: اغتسلت غسلا وتوضأت وضوءا، ولا يستعمل اسم المصدر العلم مؤكدا ولا مبيّنا فلا يقال: حمدت حماد ونحو ذلك؛ لأن العلم زائد معناه على معنى العامل، فلا ينزل منزلة تكرار الفعل، ولأنه كاسم الفعل، فلا يجمع بينه وبين الفعل، ولا ما يقوم مقامه (¬2). ومن قيام أحد المترادفين مقام الآخر قول امرئ القيس: 1400 - ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت ... عليّ وآلت حلفة لم تحلّل (¬3) وقول رؤبة: 1401 - لوّحها من بعد بدن وسنق ... تضميرك السّابق يطوى للسّبق (¬4) لوحها ضمرها، والبدن السّمن، والسنق البشم، والسبق الخطر، والخطر هو الذي يوضع بين أهل السابق، ويقوم مقام المبين للنوع اسم نوع كالقهقرى - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 114)، والمطالع السعيدة (ص 299)، والفصول الخمسون (ص 184) وابن يعيش (1/ 111). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 184). (¬3) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 183، 190، 263)، والبحر المحيط (8/ 38)، وتعليق الفرائد (1481)، والهمع (1/ 187)، والدرر (1/ 161)، وديوان امرئ القيس (ص 12)، واللسان «حلل» والمثل شرح المقرب لابن عصفور. اللغة: الكثيب: الرمل الكثير. التعذر: التشدد والالتواء. آلت: حلفت. لم تحلل: لم تستثن. والشاهد قوله: «وآلت حلفة»؛ حيث نصب حلفة على التوكيد بعد آلت؛ لأنه مرادف لمصدره، والناصب له «آلت» أو فعل محذوف. (¬4) البيتان من الرجز المشطور وهما لرؤبة في: الكتاب (1/ 385)، والتذييل (3/ 190)، وديوان رؤبة (ص 104) برواية: لوح منه بعد بدن وسنق ... تلويحك الضّامر يطوي للسبق ولا شاهد في هذه الرواية. اللغة: لوحها: أضمرها. البدن: السمن. السنق: التخمة. والشاهد قوله: «تضميرك»؛ حيث نصب على التوكيد بعد «لوحها»؛ لأنه مرادف لمصدره والناصب له «لوحها» أو فعل محذوف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقرفصاء، وكقوله تعالى: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (¬1)، أو وصف نحو: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً (¬2)، أو هيئة نحو: يموت الكافرون ميتة سوء، ويعيش المؤمنون عيشة مرضية، أو آلة نحو: ضرب المؤدب الصبيّ قضيبا أو سوطا، أو كل نحو قوله تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ (¬3)، أو بعض كقوله تعالى: وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً (¬4)، أو ضمير كقوله تعالى: فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (¬5)، أو اسم إشارة نحو: لأجدّنّ ذلك الجدّ، ولا بد من جعل المصدر تابعا لاسم الإشارة المقصود به المصدرية؛ ولذلك خطئ من حمل قول المتنبي: 1402 - هذي برزت لنا فهجت رسيسا (¬6) على أنه أراد هذه البرزة برزت؛ لأن مثل ذلك لا تستعمله العرب. وقد يقام مقام المصدر المبين زمان [2/ 363] مضاف إليه المصدر تقديرا كقول الشاعر: 1403 - ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة النازعات: 1. (¬2) سورة آل عمران: 41. (¬3) سورة النساء: 129. (¬4) سورة هود: 57. (¬5) سورة المائدة: 115. (¬6) صدر بيت من الكامل للمتنبي وعجزه: ثمّ انصرفت وما شفيت نسيسا وهو في: المقرب (1/ 177)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 16)، والتذييل (3/ 192)، وتعليق الفرائد (1489)، والعيني (3/ 233)، والمغني (2/ 641)، والأشموني بحاشية الصبان (3/ 137)، وحاشية يس (1/ 327)، وديوان المتنبي (2/ 301). اللغة: برزت: ظهرت. هجت: من هاجه إذا أثاره. الرسيس: مس الحمى أو الهم. النسيس: بقية النفس. والشاهد في البيت: أن ابن مالك لا يجوز أن يكون اسم الاشارة نائبا عن المصدر؛ لأنه لا يشار إلى المصدر إلا إذا ذكر بعده المصدر تابعا له. وقد جوز ذلك أبو حيان حملا على ما ورد من كلام العرب. (¬7) صدر بيت من الطويل للأعشى وعجزه: وبت كما بات السّليم مسهّدا وهو في: الخصائص (3/ 322)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 102)، والارتشاف (ص 537)، والتذييل (3/ 193)، وشرح التسهيل للمرادي وتعليق الفرائد (1489)، والمغني (2/ 624)، والهمع (1/ 188) والدرر (1/ 161) وحاشية يس (1/ 344). والشاهد قوله: «ألم تغتمض .... ليلة أرمدا»؛ حيث ناب الزمان وهو: ليلة أرمدا عن المصدر والأصل: اغتماض ليلة أرمدا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد، فحذف المصدر وأقام الزمان مقامه كما عكس من قال: كان ذلك طلوع الشمس، إلا أن ذلك قليل وهذا كثير، أو (¬1) «ما» الاستفهامية نحو: ما تضرب زيدا، المعنى: أي ضرب تضرب زيدا، قال الشاعر (¬2): 1404 - ماذا يغير ابنتي ربع عويلهما ... لا ترقدان ولا بؤس لمن رقدا (¬3) أو «ما» الشرطية نحو قولك: ما شئت فقم، كأنك قلت: أي قيام شئت فقم، قال الشاعر وهو جرير: 1405 - نعب الغراب فقلت بين عاجل ... ما شئت إذ ظعنوا لبين فانعب (¬4) ومن قيام النوع مقام المصدر قول الشاعر: 1406 - على كلّ موّار أفانين سيره ... شؤوّا لأبواع الجمال الرّواتك (¬5) ومن قيام الصفة قول ليلى الأخيلية: 1407 - نظرت ودوني من عماية منكب ... وبطن الرّكاء أيّ نظرة ناظر (¬6) - ¬

_ (¬1) من أول قوله: أو «ما» الاستفهامية إلى آخر كلام ابن مالك غير موجود بشرح التسهيل المطبوع. (¬2) هو عبد مناف بن ربع الجوبي شاعر جاهلي من شعراء هذيل. (¬3) البيت من البسيط وهو في: المخصص (14/ 20)، والتذييل (3/ 193)، والبحر المحيط (4/ 48)، وشرح التسهيل للمرادي وتعليق الفرائد (1490)، وديوان الهذليين (2/ 38). اللغة: العويل: البكاء. والشاهد قوله: «ماذا يغير؟»؛ حيث نابت «ما» الاستفهامية عن المصدر. (¬4) البيت من الكامل وهو لجرير، وهو في: التذييل (3/ 193) وشرح التسهيل للمرادي وتعليق الفرائد (1490)، والمغني (2/ 624)، وديوان جرير (ص 22). والشاهد قوله: «ما شئت إذ ظعنوا لبين فانعب»؛ حيث نابت «ما» الشرطية عن المصدر. (¬5) البيت من الطويل لذي الرمة وهو في: التذييل (3/ 191)، وديوانه (ص 417) واللسان مادتي «رتك - جدا». اللغة: موار: متحرك من صار. الأفانين: ضروب من السير. شؤوّا: طلقا. أبواع: جمع باع وهو رمد اليدين. الرواتك: جمع راتكة وهي الناقة التي تمشي وكأن برجلها قيدا، وتضرب بيديها. ويروى البيت برواية (الجوازي) مكان (الجمال). والشاهد قوله: «شؤوّا»؛ حيث نصب بعد ما ليس من لفظه؛ لأنه نوع من أنواع السير. (¬6) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 191)، وديوان ليلى الأخيلية (ص 77) برواية: نظرت وركن من ذقانين دونه ... مفاوز حوضي أيّ نظرة ناظر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 1408 - وضابع أن جرى أيّا أردت به ... لا الشّدّ شدّ ولا التّقريب تقريب (¬1) أي لا الشد شد معتاد ولا التقريب تقريب معتاد، بل هما خارقا العادة، والصحيح في المصدر الموافق معنى لا لفظا كونه معمولا لموافقة معنى، فحلفة من قوله: 1409 - وآلت حلفة لم تحلّل (¬2) منصوب «بآلت» لا بحلفت مقدرا (¬3)، لعدم الحاجة إلى ذلك؛ لأنه لو كان المخالف لفظا لا ينتصب إلا بفعل من لفظه لم يجز أن يقع موقعه ما لا فعل له من لفظه نحو: حلفت يمينا وفَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ (¬4) وفَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (¬5)، وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً (¬6)؛ فهذه وأمثالها لا يمكن أن يقدر لها عامل من لفظها، بل لا بد من كون العامل فيما وقع منها ما قبله مما هو موافق معنى لا لفظا، ووجب اطراد هذا الحكم في ما له فعل من لفظه، ليجري الباب على سنن واحد، وهذا الذي اخترته هو اختيار المبرد (¬7) والسيرافي (¬8)، ومن شواهد ذلك قراءة محمد بن السميفع (¬9): (فتبسّم ضحكا مّن قولها) (¬10) ذكرها ابن جني في - ¬

_ - اللغة: عماية: موضع. الركاء: واد بنجد. والشاهد فيه: أن قوله: «أي نظرة ناظر» وصف نائب عن المصدر المحذوف. (¬1) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 191). والشاهد في قوله: «أيّا»؛ حيث ناب وصف المصدر عن المصدر. (¬2) تقدم ذكره. (¬3) أجاز ابن عصفور في «حلفة» النصب على الوجهين أي إما أن يكون منصوبا بآلت أو بحلفت مضمرا وهو بذلك يخالف ابن مالك. ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 340) رسالة بجامعة القاهرة. (¬4) سورة النساء: 129. (¬5) سورة النور: 4. (¬6) سورة هود: 57. (¬7) ينظر رأي المبرد في: المقتضب (1/ 211، 212). (¬8) ينظر: شرح السيرافي (3/ 144)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 126). (¬9) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن السميفع اليماني، له اختيار في القراءة ينسب إليه شذ فيه، ينظر: غاية النهاية (2/ 161، 162). (¬10) سورة النمل: 19.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المحتسب (¬1)، انتهى كلامه (¬2) رحمه الله تعالى. ولكن لا بد من التنبيه على أمور: 1 - منها: أن المصنف جعل ما ينتصب في هذا الباب وهو غير مصدر من الأشياء التي ذكرها قائما مقام المصدر، ومقتضى كلام ابن عصفور أنه يطلق عليها المصدر؛ فإنه قال: فأما المصدر هو اسم الفعل أو عدده أي ما قام مقامه (¬3)، وعبارة المصنف أولى، غير أن المصنف لم يذكر اسم العدد في ما يقوم مقام المصدر، ولا شك أنك إذا قلت: ضربته عشرين ضربة، فقد أقمت اسم العدد [2/ 364] مقام المصدر المبين، فكان ذكره متعينا. 2 - ومنها: أن المصنف جعل الآلة قائمة مقام المصدر في نحو: ضربته سوطا. وقرر الشيخ بهاء الدين بن النحاس بأن الأصل: ضربته ضربة بسوط، فحذف الموصوف الذي هو ضربة، وأقيمت الصفة التي هي بسوط مقامه، فصار: ضربته بسوط، ثم أسقط حرف الجر، ووصل الفعل إليه فنصبه فقيل: ضربته سوطا (¬4). وأما ابن عصفور فإنه جعل ذلك من قيام المضاف إليه مقام المضاف، فقال: الأصل: ضربته ضربة سوط، فحذف المصدر وأقيم الاسم الذي كان مضافا إليه مقامه، فأعرب بإعرابه (¬5). ثم قال: ولا يجوز حذف المصدر وإقامة ما كان مضافا إليه مقامه بقياس إلا أن يكون ذلك (¬6) له نحو: ضربته سيفا ورشقته سهما وطعنته رمحا، الأصل: ضربة سيف ورشقة سهم وطعنة رمح، ولو قلت: ضربته خشبة أو رميته آجرّة (¬7) لم يجز، لأنه الخشبة ليست آلة للضرب، ولا الآجرة آلة للرمي (¬8)، فإن جاء شيء في غير أسماء - ¬

_ (¬1) ينظر: المحتسب لابن جني (2/ 139). (¬2) هذا الجزء غير موجود بنسخ شرح التسهيل المطبوع، وهو في مخطوط دار الكتب ورقة 96. (¬3) المقرب (1/ 144)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 324) طبعة العراق. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 192)، وشرح الكافية للرضي (1/ 115)، والهمع (1/ 188)، والتصريح (1/ 328). (¬5) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 324) طبعة العراق. (¬6) زاد في (ب) بعد قوله (ذلك): (الاسم الذي كان المصدر مضافا إليه قبل حذفه اسما للآلة التي يوقع بها الفعل الناصب له). اه. (¬7) الآجرّة: طبيخ الطين أو ما يبنى به، والجمع أجر وآجر. اللسان «أجر». (¬8) ينظر التذييل (3/ 192).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآلات التي يوقع بها الفعل الناصب للمصدر حفظ ولم يقس عليه نحو قوله: 1410 - حتّى إذا اصطفّوا لنا جدارا (¬1) وقول الآخر: 1411 - ولم يضع ما بيننا لحم وضم (¬2) الأصل: اصطفاف جدار وإضاعة لحم وضم، والجدار ليس آلة للاصطفاف، ولحم وضم ليس آلة للإضاعة. 3 - ومنها: أن المصنف ذكر أن ما يقوم مقام المصدر وصفه، وأطلق ولم يقيد ومثل لذلك بقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً (¬3). وأما ابن عصفور فإنه ذكر الوصف أيضا ومثل له بقوله: سرت قليلا أي سرت سيرا قليلا (¬4) إلا أنه قال: ولا يجوز إقامة صفة المصدر مقامه إلا إذا كانت من قبيل الصفات التي تستعمل استعمال الأسماء كقليل (¬5)، ألا ترى أن العوامل تباشره كما تباشر الأسماء التي ليست بصفات، فيقال: جئت قبل فلان بقليل، قال الله تعالى: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (¬6) ومن ثم قال الشيخ بعد أن ذكر استشهاد المصنف بقوله تعالى: وَاذْكُرْ - ¬

_ (¬1) البيت للعجاج بن عبد الله بن رؤبة الراجز المشهور، وهو من بحر الرجز، وبعده: وكان ما بينهم طوارا وينظر في: الخصائص (3/ 322، 323)، والمحتسب (2/ 121)، والارتشاف (537)، والتذييل (3/ 194)، وديوان العجاج (ص 414)، واللسان «لحم». والشاهد في قوله: «اصطفوا جدارا»؛ حيث أقيم اسم العين مقام المصدر وهو الجدار، والأصل: اصطفاف الجدار. (¬2) البيت من بحر الرجز المشطور وهو للعجاج أيضا وهو في: التذييل (3/ 194) وديوان العجاج (ص 278) وهو في الديوان هكذا مع بيت قبله: وجعل الجيران أستار الحرم ... ولم يكن جاركم لحم الوضم فرواية الديوان مختلفة عن رواية البيت هنا. اللغة: الوضم: كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو غيره. والشاهد في قوله: «ولم يضع .. لحم وضم»؛ حيث أقيم اسم العين وهو (لحم وضم) مقام المصدر، والأصل: إضاعة لحم وضم. (¬3) سورة آل عمران: 41. (¬4) ينظر: المقرب (1/ 144). (¬5) ينظر: المقرب (1/ 150). (¬6) سورة المؤمنون: 40.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَبَّكَ كَثِيراً (¬1) وبما أنشده من قول ليلى الأخيلية: 1412 - نظرت ودوني من عماية منكب ... ...... البيت (¬2) وقول الآخر: 1413 - وضائع أيّ جري ما أردت به (¬3) مذهب سيبويه أن نصب هذا الوصف على الحال (¬4)، لأنه صفة غير خاصة بالموصوف، وإذا حذف الموصوف خرج الوصف عن أن يكون وصفا لعدم التبعية فكان حالا؛ إذ شأنها عدم الإتباع (¬5). انتهى. وفي كل من الكلامين بحث، أما قول ابن عصفور: إنه لا يجوز إقامة الصفة إلا إذا كانت من قبيل الصفات التي تستعمل استعمال الأسماء فقد يمنع؛ لأن النحاة إنما اشترطوا في حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه أن يكون النعت صالحا لمباشرة العامل (¬6) وأما ما ذكره الشيخ فإنه يقتضي أن الموصوف لا يحذف ويقام الوصف مقامه إلا إذا كانت الصفة خاصة بالموصوف، وليس [2/ 365] الأمر كذلك، بل الشرط أن يعلم جنس المحذوف، والعلم بذلك ليس منحصرا في الاختصاص، بل قد يكون بسبب اختصاص الوصف به كقولك: مررت بمهندس ولقيت كاتبا، وقد يكون بسبب مصاحبة ما يعيّنه كقوله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ (¬7) أي دروعا سابغات، وسابغات ليس وصفا مختصّا بالدروع، وإنما علم أن الموصوف المحذوف هو الدروع بسبب مقارنة ما ذكر قبله وهو الحديد، والحاصل أن المقصود حصول الدلالة على المحذوف من حيث الجملة، ولا شك أن بمقارنة «اذكر» في قوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً علم الموصوف المحذوف، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى دعوى الحالية، إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك (¬8). 4 - ومنها: أن قول المصنف: (أو هيئة) قد يقال فيه: إنه غير محتاج إليه؛ - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 41. (¬2)، (¬3) تقدم. (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 228)، والمغني (2/ 652). (¬5) التذييل (3/ 191، 192). (¬6) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 317). (¬7) سورة سبأ: 10، 11. (¬8) ينظر: مغني اللبيب (2/ 652) حيث إن رأي ابن هشام في هذه المسألة يتفق ورأي ناظر الجيش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الهيئة نفسها مصدر، وهو ذكرها على أنها قائمة مقام المصدر، وواقعة موقعه. 5 - ومنها: أن ابن عصفور لم يذكر «كلّا وبعضا»، بل قال: أو ما أضيف إليه يعني إلى المصدر، بشرط أن يكون ذلك المضاف هو المضاف إليه في المعنى، أو بعضه، فالأول نحو: سرت كل السير، لأن كل السير هو السير، والثاني نحو: سرت أشد السير (¬1)، فإن أشد السير سير، فقد يقال: شملت عبارة ابن عصفور: سرت بعض السير (¬2)، ولم تشمل عبارة المصنف سرت أشد السير، فترجّح عبارة ابن عصفور، وليس كذلك؛ لأن المصنف لم يرد لفظ (بعض)، بل ما كان بعضا؛ ولذا مثّل بقوله تعالى: وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً (¬3). 6 - ومنها: أنه قد فهم من كلام المصنف في المتن والشرح أن الناصب للمصدر ولما يقوم مقامه هو العامل المذكور معه سواء أوافق لفظه أم لم يوافق، وقد نبّه على أن في ذلك خلافا بقوله: وهذا الذي اخترته هو اختيار المبرد (¬4) والسيرافي (¬5). وقد تعرض ابن عصفور إلى ذكر ذلك مفصلا، فقال: وإذا كان المصدر منصوبا بعد فعل من لفظه، فإن كان جاريا على الفعل كان منصوبا به، وإن لم يكن جاريا - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 144). (¬2) مثل ابن عصفور بكل وبعض في شرح الجمل (1/ 325) فقال: «أو ما أضيف إليه إذا كان المضاف هو المضاف إليه في المعنى نحو: ضربت كلّ الضرب - أو بعضه نحو: ضربت بعض الضرب» اه. (¬3) سورة هود: 57. (¬4) ذكر الشيخ عضيمة في تحقيقه لهذه المسألة أنه ليس هناك خلاف بين المبرد وسيبويه، فقال: ماذا يراه المبرد في ناصب (تبتيلا) و (نباتا) في الآيتين؟ وهل بينه وبين سيبويه خلاف في هذا؟ الذي أراه أن المبرد يرى أن الناصب فعل محذوف بدليل قوله هنا: فكأن التقدير - والله أعلم - والله أنبتكم فنبتّم نباتا، وقوله في الجزء الثالث: ولكن المعنى - والله أعلم -: أنه إذا أنبتكم نبتم نباتا. ويشهد لهذا أيضا سياق الحديث في الجزء الثالث، فقد ذكر آيات وشواهد شعرية حذف فيها الفعل الناصب للمصدر (صنع الله) ثم قال: ومثل هذان إلّا أن اللفظ مشتق من فعل المصدر من قوله عزّ وجل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل: 8] وليس بين سيبويه والمبرد خلاف في هذه المسألة» اه. انظر: المقتضب. وينظر في هذه المسألة: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 112) وشرح الكافية للرضي (1/ 116). (¬5) وهو رأي أبي عثمان المازني أيضا، ينظر: أبو عثمان المازني (ص 164)، وشرح الكافية للرضي (1/ 116)، وشرح السيرافي (3/ 144)، والهمع (1/ 187).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه نحو قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (¬1) وقول القطامي: 1414 - وخير الأمر ما استقبلت منه ... وليس بأن تتبّعه اتّباعا (¬2) ففي الناصب له خلاف، منهم من نصبه بفعل مضمر يجري عليه المصدر، ويدل عليه الفعل الظاهر، وهو مذهب المبرد وابن خروف (¬3)، وزعم أنه مذهب سيبويه (¬4)، ومنهم من ذهب إلى أنه منصوب بالفعل الظاهر، وإن لم يكن جاريا عليه (¬5)، ومنهم من فصّل فجعل ما كان معناه مغايرا لمعنى مصدر ذلك الفعل الظاهر منصوبا بفعل مضمر يدل عليه الظاهر كقوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً فنباتا منصوب بنبت مضمرا، أي فنبتّم نباتا، ودل نبت عليه، لأنهم إذا أنبتوا فقد نبتوا، وما [2/ 366] كان معناه غير مغاير لمعنى مصدر الفعل الظاهر جعله منصوبا بالفعل الظاهر؛ إذ لا موجب لتكلف الإضمار، وذلك نحو قول القائل: 1415 - وقد تطوّيت انطواء الخصب (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة نوح: 17. (¬2) البيت من الوافر وهو للقطامي وهو في: الكتاب (4/ 82)، والمقتضب (3/ 205)، والخصائص (2/ 309)، والأمالي الشجرية (2/ 141)، وابن يعيش (1/ 111)، والتذييل (3/ 180)، والخزانة (1/ 392) والشعر والشعراء (ص 724) وما يجوز للشاعر في الضرورة (131) والمباحث الكاملية (ص 430)، وطبقات ابن سلام (539)، واللسان «تبع»، وديوانه (35). والشاهد في قوله: «تتبعه اتباعا»؛ حيث وقع قوله اتباعا مصدرا لغير فعله الجاري عليه وهو (تتبعه)؛ لأن المعنى واحد. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 180)، والهمع (1/ 187). (¬4) الذي في كتاب سيبويه (4/ 81) هو قوله: «هذا باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل؛ لأن المعنى واحد وذلك قولك: اجتوروا تجاورا وتجاوروا اجتوارا؛ لأن معنى اجتوروا وتجاوروا واحد، وقال الله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً لأنه إذا قال: أنبته فكأنه قال: قد نبت، وقال عزّ وجل: وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل: 8] لأنه إذا قال: تبتّل فكأنه قال: «بتّل». اه. وقال في بيت القطامي: لأن تتبعت واتبعت في المعنى واحد. اه. الكتاب (4/ 82) فليس في نص سيبويه ما يؤيد هذا الزعم، وينظر التذييل (3/ 181). ا. هـ. (¬5) الذي ذهب إلى ذلك هو المازني. ينظر: أبو عثمان المازني (ص 164)، والتذييل (3/ 180)، والهمع (1/ 187)، والارتشاف (ص 535). (¬6) هذا رجز لرؤبة بن العجاج وهو في: الكتاب (4/ 82)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 291)، والمخصص (1/ 110)، وأمالي الشجري (2/ 141)، وابن يعيش (1/ 112)، والمقرب (2/ 135)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فانطواء منصوب بتطويت؛ لأن الانطواء والتطوي بمعنى واحد، وقول الآخر: 1416 - يلوح بجانب الجبلين منه ... رباب يحفر التّرب احتفارا (¬1) فاحتفار منصوب بتحفر؛ لأن الاحتفار والحفر بمعنى واحد، ومنه بيت القطامي المتقدم؛ لأن الاتباع والتتبع بمعنى واحد، قال ابن عصفور: والصحيح في المغاير أنه يجوز أن يكون منصوبا بالفعل، وأن يكون منصوبا بالفعل المضمر المدلول عليه بالظاهر، وهو الذي يعطيه كلام سيبويه، فإن عمل الظاهر راجح من حيث إنه لم يتكلف الإضمار، مرجوح من حيث المغايرة، وعمل المضمر راجح من حيث الموافقة لمعنى المصدر، مرجوح لتكلف الإضمار (¬2)، وإذا كان المصدر منصوبا بعد فعل من معناه، فإن لم يكن له فعل من لفظه كان منصوبا بذلك الفعل الذي هو من معناه نحو شيء من قول الهذلي (¬3): 1417 - فعدّيت شيئا والدّريس كأنّه ... يزعزعه ورد من الموم مردم (¬4) فإنه مصدر منصوب بعاديت؛ لأنه واقع موقع معاداة، وكأنه قال: فعاديت - ¬

_ - والتذييل (3/ 181)، والبحر المحيط (6/ 496)، والكافي شرح الهادي (ص 363)، والهمع (1/ 187)، وديوانه (ص 16)، واللسان «خصب - طوي». اللغة: الخصب: الذكر الضخم من الحيات، أو حية دقيقة. والشاهد في البيت: وقوع الانطواء بعد تطويت وإن كان غير جار عليه؛ لأن المعنى واحد. (¬1) البيت من الوافر لقائل مجهول، وهو في: الارتشاف (ص 535)، والتذييل (3/ 181)، والبحر المحيط (2/ 424) اللغة: الرباب: بجمع ربى على وزن فعلى، وهي الشاة التي ولدت حديثا، ويروى في البيت برواية (ركام) مكان (رباب) والركام: هو الرمل المتراكم وكذلك السحاب. والشاهد قوله: «يحفر الترب احتفارا»؛ حيث وقع المصدر بعد فعل غير جار عليه، ولكن معنى الفعلين واحد. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 181، 182). (¬3) هو أبو خراش الهذلي، واسمه خويلد بن مرة، أحد بني هذيل، وهو من فرسان العرب وشاعر مخضرم، أسلم يوم حنين وهو شيخ كبير وحسن إسلامه، وكان ممن يعدو على رجليه فيسبق الخيل، ينظر: الشعر والشعراء (2/ 663)، وأسد الغابة (5/ 178)، والإصابة (2/ 152)، والخزانة (1/ 433) وقد تقدمت ترجمته مفصلة. (¬4) البيت من الطويل وهو في: المسائل الشيرازيات للفارسي (ص 349) تحقيق علي جابر منصور، والمسائل والأجوبة لابن السيد (ص 459) إعداد محمد سعيد الحافظ رسالة بجامعة القاهرة، والأغاني (21/ 207)، وديوان الهذليين (1217)، واللسان «غرر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معاداة، قال: ومن هذا القبيل تعدي الفعل إلى الضمير العائد على المصدر المفهوم منه نحو قولك: ظننته زيدا قائما، تريد ظننت ظنّا زيدا قائما، وإن كان له فعل من لفظه نحو: حلفة من قول امرئ القيس: 1418 - وآلت حلفة لم تحلّل (¬1) ففيه خلاف: منهم من ذهب إلى أنه منصوب بالفعل الظاهر، وهو رأي المبرد والسيرافي، قال ابن عصفور: وإلى هذا المذهب عندي ذهب سيبويه بدليل جعله القهقرى من رجع زيد القهقرى منصوبا برجع لما كان ضربا من المرجوع وإن لم يكن من لفظ رجع، وذهب الفارسي وابن جني إلى أنه منصوب بفعل مضمر من لفظه (¬2)، وقد نص ابن جني في الخاطريات (¬3) له على امتناع انتصاب جلوس بقعد من قولك: قعد زيد جلوسا، وذكر ابن عصفور استدلاله على ذلك، واستدلال الفارسي أيضا، ثم أبطله، ثم قال: وقد نسب جماعة هذا المذهب إلى سيبويه، قالوا: ولذلك جعل المصادر التي هي «دأب بكار» من قول القائل: 1419 - إذا رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكار شايحت بكارها (¬4) و «طي المحمل» من قول أبي كبير الهذلي: 1420 - ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب ... منه وحرف السّاق طيّ المحمل (¬5) - ¬

_ - اللغة: الدريس: الثوب الخلق. المردم: الملازم. وعديت: صرفت عنهم. والشاهد فيه: نصب «شيئا» بعاديت؛ لأنه واقع موقع معاداة. (¬1) تقدم ذكره. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 182، 183)، والارتشاف (ص 535، 536)، والهمع (1/ 187)، والخصائص (2/ 309). (¬3) هو كتاب لابن جني لم أتمكن من العثور عليه، وأغلب الظن أنه مفقود. (¬4) رجز لقائل مجهول وهو في: الكتاب (1/ 357)، والمقتضب (3/ 204)، والتذييل (3/ 196، 264)، وشرح السيرافي (3/ 143، 144). اللغة: سقطت أبصارها: خشعت. الدأب: العادة. البكار: جمع بكر وبكرة وهو الفتي من الإبل. شايحت: أي جدت ومضت. والشاهد فيه: أن «دأب بكار» منصوب بإضمار فعل على الحال وعلى المصدر لعدم وجود فعل من لفظه. ذكر ذلك سيبويه. (¬5) البيت من بحر الكامل وهو في: الكتاب (1/ 359)، والمقتضب (3/ 204، 232)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتضميرك من قول رؤبة: 1421 - لوّحها من بعد بدن وسنق ... تضميرك السّابق يطوى للسّبق (¬1) منصوبة بأفعال مضمرة لما لم يكن من الأفعال التي قبلها. قال: والصحيح عندي أن مذهبه [2/ 367] ما ذكرته قبل من أن المصدر إذا جاء بعد فعل من معناه انتصب به، وإن لم يكن من لفظه، بدليل ما ذكرته من أنه جعل القهقرى من رجع زيد القهقرى منصوبا برجع لما كان ضربا من الرجوع، وأما دأب بكار، وطي المحمل، وتضميرك السابق، فلم يجئ شيء منها بعد فعل من معناه، إذ ليس الدأب سقوط البصر، ولا ضربا منه، والطي ليس المس ولا ضربا منه، والتضمير ليس التلويح ولا ضربا منه، وإنما هو شيء يلزم عنه التلويح، والتلويح هو التغيير، يقال: لوّحته الشمس إذا غيرته، والتضمير هو رد القوس إلى القوت بعد السمن، وذلك شيء يلزم منه التغيير، فلذلك جعلها سيبويه منصوبة بأفعال مضمرة يفسرها الكلام الذي قبلها، ومن هذا القبيل قولهم: تبسّمت وميض البرق؛ لأن التبسم ليس الوميض في المعنى، وإنما هو مشبه به، قال: وقد يجوز عندي أن يكون (دأب بكار) منصوبا (بسقطت) وتضميرك منصوبا (بلوّحها) ووميض البرق منصوبا بتبسمت على أن يكون التقدير: سقطت أبصارها سقوطا مثل دأب بكار، ولوحها تلويحا مثل تضميرك السابق، وتبسمت تبسّما مثل وميض البرق، فحذف المصدر وأقيمت صفته مقامه (¬2). انتهى. وقد تقدم من كلام المصنف أن معنى (لوحها) ضمرها، وهذا مخالف لما قاله ابن عصفور، ثم قال: والصحيح عندي في المصدر المنصوب بعد فعل ليس من لفظه، بل من معناه أنه يجوز أن يكون منصوبا بذلك الفعل الظاهر، بالدليل الذي - ¬

_ - والخصائص (2/ 309)، والإنصاف (1/ 230)، والارتشاف (ص 549)، والتذييل (3/ 246)، والعيني (3/ 54)، والتصريح (1/ 334)، وديوان الحماسة (1/ 21)، وشرح الحماسة للمرزوقي (90)، والأشموني (2/ 121)، وديوان الهذليين (2/ 93). والشاهد في البيت: نصب (طي المحمل) بإضمار فعل دل عليه قوله: (ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق) لأن هذا يدل على أنه طوى طيّا. (¬1) تقدم ذكره. (¬2) ينظر: شرح السيرافي للكتاب (3/ 143 - 145).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم ذكره، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر من لفظه يدل عليه الظاهر (¬1)، وعلل ذلك بنظير ما تقدم. قلت: وقد عرفت من كلام ابن عصفور أن الذي اختاره المصنف من أن المصدر الموافق معنى لا لفظا معمول لموافقه معنى، وأن الواجب اطراد هذا الحكم في ما له فعل من لفظه؛ ليجري الباب على سنن واحد هو الصّواب، فرحمه الله تعالى. 7 - ومنها: أنه قد تقدم من كلام المصنف أن تنويع المصدر قد يستفاد بوصفه أو إضافته أو إدخال حرف التعريف عليه أو تثنيته أو بجمعه، فالوصف نحو: سار زيد سيرا عنيفا، والإضافة نحو: سار سير البريد أو سار سير الأثقال، وإدخال حرف التعريف نحو: ضربت الضرب تريد ضربا معهودا بينك وبين مخاطبك، كأنك قلت: ضربت الضرب الذي تعلم زمنه، قول الشاعر: 1422 - لعمري لقد أحببتك الحبّ كلّه ... وزدتك حبّا لم يكن قطّ يعرف (¬2) وقول الآخر [2/ 368]: 1423 - فدع عنك ليلى إنّ ليلى وشأنها ... وإن وعدتك الوعد لا يتيسّر (¬3) وقول الآخر (¬4): 1424 - فلو تعلمين العلم أيقنت أنّني ... وربّ الهدايا المشعرات صدوق (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 340). (¬2) البيت من الطويل وهو لعبد الله بن المعتز الخليفة العباسي وهو في: الخصائص (2/ 448)، والمحتسب (1/ 238)، وتوجيه اللمع لابن الخباز (ص 115)، وابن القواس (326)، والتذييل (3/ 187)، والكافي شرح الهادي (360)، وديوان ابن المعتز (ص 320). والشاهد في قوله: «أحببتك الحب»؛ حيث إن المفعول المطلق مخصص بأل. (¬3) البيت من الطويل وهو لبشر بن أبي خازم وهو في: التذييل (3/ 187)، وديوان بشر بن أبي خازم (ص 82). والشاهد في قوله: «وعدتك الوعد»؛ حيث إن المفعول المطلق مخصص بأل. (¬4) هو مضرّس بن قرطة المزني شاعر محسن مقل. ينظر: الأغاني (5/ 19) وينسب البيت فيه أيضا إلى قيس بن ذريح. (¬5) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 187)، والأغاني (5/ 19) برواية. ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... لكم والهدايا المشعرات صدوق ولا شاهد في هذه الرواية. والشاهد في قوله: «فلو تعلمين العلم»؛ حيث خصص المفعول المطلق بأل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ - بعد إنشاد هذه الأبيات -: ولا يتصور أن تكون (أل) فيها جنسية، لأن الجنس لا يمكن وقوعه، قال: وإنما أريد بالحب أصناف الحب المعهودة من الناس وبالوعد، والوعد الذي كان يرجوه منها، بالعلم، العلم الذي يتوصل به إلى صدقه (¬1). انتهى. وفيما قاله نظر؛ لأن الذي لا يمكن وقوعه الجنس من حيث هو جنس، أما وقوع فرد يتضمن الجنس فلا يتصور منع وقوعه، وأي مانع من أن يكون مراد من قال: 1425 - وإن وعدتك الوعد (¬2) وإن وعدتك وعدا، وكذا من قال: 1426 - فلو تعلمين العلم (¬3) يمكن أن يريد: فلو تعلمين علما، وأما إرادة أفراد الجنس في قول من قال: 1427 - لقد أحببتك الحبّ كلّه (¬4) فظاهرة، ويدل على ذلك التوكيد بكل، وأما تثنيته وجمعه فسنذكرهما. 8 - ومنها: أن بعض النحاة أجاز أن يقال: ضربته أن أضربه. قال ابن عصفور: والذي عليه الجمهور أن ذلك لا يجوز، قالوا: وقول الناس: لعنه الله أن لعنه - لحن، قال الزجاج: وإنما امتنع في مثل هذا أن يؤكد به الفعل، لأن أن تخلص الفعل للاستقبال، والتأكيد إنما يكون بالمصدر المبهم، وقد حكيت إجازة ذلك عن الأخفش، والذي ذكره في كتابه الكبير إنما هو منعه (¬5)، انتهى. والتعليل الذي ذكر عن الزجاج غير ظاهر؛ لأن الاستقبال لا يخرج عن الإبهام؛ ولأن المؤكد إنما هو المصدر المنسبك من (أن) والفعل، والمصدر لا دلالة له على الاستقبال ولا غيره، ولو قيل في تعليل ذلك: إنّ (أن) والفعل بمنزلة اسم معرفة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب الأفعال الرافعة الاسم الناصبة الخبر، والتعريف يخرج الكلمة من الإبهام إلى التخصيص - لكان أقرب. - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 187). (¬2)، (¬3)، (¬4) تقدم ذكرها. (¬5) ينظر: التذييل (3/ 287)، والارتشاف (ص 539)، ومعاني القرآن للأخفش في تفسير قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، والهمع (1/ 187).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 9 - ومنها: أن الشيخ لما مثل المصدر المختص بالإضافة بـ (قمت قيام زيد)، وقال: أصله قياما مثل قيام زيد حذف المصدر ثم صفته، وقام مقامها المضاف إليه فأعرب إعرابه - بحث فقال: فإن قلت: يلزم أن يكون انتصاب قيام زيد على الحال لا على المصدر؛ لأنه قائم مقام مثل، ومثل المحذوفة حال من جهة أن المصدر إذا حذف وأبقيت صفته انتصب على الحال لا على المصدر، فالجواب أنه لا ينتصب على الحال إلا إذا لم تكن خاصة بجنس الموصوف نحو: ساروا شديدا، وليس كذلك مثل قيام زيد، لأنه صفة خاصة بجنس الموصوف المحذوف، وهو قيامها (¬1)، انتهى. ولا يخفى ضعف هذا الجواب، والسؤال من أصله مدفوع؛ لأن دعوى التزام نصب صفة المصدر على الحال إذا لم [2/ 369] تكن خاصة بجنس الموصوف ممنوعة، وقد تقدم تقريره، وقد نقض الشيخ كلامه بعد ذلك بورقات، فقال: إذا قلت ضربت ضربا مثل ضرب الأمير، فضرب مصدر منصوب لضربت؛ فإذا قلت: مثل ضرب الأمير فمذهب سيبويه أنه حال (¬2)، وينبغي في القياس أن لا يحذف (مثل)؛ لأنك إذا حذفت المضاف وأقمت المضاف إليه مقامه أعرب إعرابه، والمعرفة لا تكون حالا (¬3)، انتهى. وهذه مناقضة ظاهرة. 10 - ومنها: أن المصنف نص على جواز تثنية المصدر المختص وجمعه، وكذا نص ابن الحاجب (¬4). فأما الذي يقصد به الدلالة على العدد فواضح أنه لا يتصور فيه خلاف، لأن المقصود به الدلالة على ذلك، وأما الذي لا يقصد به ذلك ففي تثنيته وجمعه عند اختلاف أنواعه خلاف، منهم من أجاز ذلك قياسا على ما سمع منه، ومنهم من قال: لا يثنى ولا يجمع. وإلى ذلك ذهب الشلوبين (¬5)، وهو ظاهر مذهب سيبويه، قال: واعلم أنه ليس كل جمع يجمع، كما أنه ليس كل مصدر يجمع كالأشغال والعقول والألباب والحلوم، ألا ترى أنك لا تجمع الفكر والفطن والعلم (¬6). انتهى، وقد قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 188). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 228). (¬3) التذييل (3/ 195). (¬4) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 114). (¬5) ينظر: الهمع (1/ 186)، والتصريح (1/ 329)، والأشموني (2/ 115)، والمطالع السعيدة (ص 299)، واللمع (ص 132)، ونتائج الفكر (ص 363). (¬6) الكتاب (3/ 619).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1428 - ثلاثة أحباب فحبّ علاقة ... وحب تملّاق وحبّ هو القتل (¬1) وقال آخر: 1429 - هل من حلوم لأقوام فتنذرهم ... ما جرّب الدّهر من غضّي وتضريسي (¬2) ويقال: فلان ينظر في علوم كثيرة. 11 - ومنها: أن الفعل إذا كان له مصدران مؤكد ومبين، فمذهب الأكثرين ومنهم الأخفش والمبرد وابن السراج أن الفعل لا ينصبهما معا، وأجاز السيرافي وابن طاهر نصب المصدرين، بل قالا: إن الفعل يجوز أن ينصب ثلاثة مصادر إذا اختلف معناها (¬3). قال الشيخ: وفي البديع إذا قلت: ضربت زيدا ضربا شديدا ضربتين، كان ضربتين بدلا من الأول، ولا يكونان مصدرين؛ لأن الفعل الواحد لا ينصب مصدرين، فأما قول الشاعر: 1430 - ووطئتنا وطأ على حنق ... وطأ المقيّد ثابت الهرم (¬4) فلا يكون الثاني بدلا، لأنه غيره، ولكنه بمعنى: مثل وطء القيد. أو على إضمار فعل (¬5). انتهى. والظاهر في هذه المسألة مذهب الأخفش ومن وافقه وهم الأكثرون: أن الفعل لا ينصب مصدرين على ما تقتضيه قواعد الصناعة النحوية؛ - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: مجالس ثعلب (1/ 23)، ونتائج الفكر للسهيلي (ص 364) طبعة جامعة قاريونس، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 47، 48)، (9/ 157)، والتذييل (3/ 189)، والبحر المحيط (1/ 456)، وابن القواس (ص 1074)، وحاشية يس (1/ 329). اللغة: التملاق: مصدر تملقه وتملق له: أي تودد إليه وتلطف له. الشاهد في قوله: «ثلاثة أحباب»؛ حيث جمع المصدر وهو (حب) على أحباب. (¬2) البيت من البسيط، وهو لجرير، وهو في: التذييل (3/ 190)، وشرح الجمل لابن الضائع (2/ 115)، وابن القواس (324)، والعيني (2/ 363)، واللسان «حلم». والشاهد في قوله: «حلوم»؛ حيث جمع المصدر المبهم لاختلاف أنواعه. (¬3) ينظر: الهمع (1/ 188). (¬4) البيت من الكامل وهو للحارث بن وعلة، في أمالي القالي (1/ 263)، والهمع (1/ 188)، والدرر (1/ 161)، واللسان «هرم»، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص 206). والشاهد فيه: أن قوله: (وطأ) الثانية ليس بدلا من الأول؛ لأنه غيره، ولكنه على تقدير (مثل) أي (مثل وطء)، أو على إضمار فعل، والمقيد: صفة للبعير، والهرم: نبات ضعيف، والحنق: الغيظ. (¬5) التذييل (3/ 189، 190).

[حذف عامل المفعول المطلق- جوازا ووجوبا- ومواضع ذلك]

[حذف عامل المفعول المطلق - جوازا ووجوبا - ومواضع ذلك] قال ابن مالك: (ويحذف عامل المصدر جوازا لقرينة لفظيّة أو معنويّة، ووجوبا لكونه بدلا من اللّفظ بفعل مهمل، أو لكونه بدلا من اللّفظ بفعل مستعمل في طلب، أو خبر إنشائيّ، أو غير إنشائيّ، أو في توبيخ مع استفهام، ودونه للنفس، أو لمخاطب [2/ 370] أو غائب في حكم حاضر، أو لكونه تفصيل عاقبة طلب أو خبر، أو نائبا عن خبر اسم عين بتكرير أو حصر، أو مؤكّد جملة ناصّة على معناه، وهو مؤكّد نفسه، أو صائرة به نصّا وهو مؤكّد غيره، والأصحّ منع تقديمهما. ومن الملتزم إضمار ناصبه المشبّه به مشعرا بحدوث بعد جملة حاوية فعله وفاعله معنى دون لفظ، ولا صلاحية للعمل فيه، وإتباعه جائز، وإن وقعت صفته موقعه فإتباعها أولى من نصبها، وكذا التّالي جملة خالية ممّا هو له. وقد يرفع مبتدأ المفيد طلبا وخبرا المكرّر والمحصور والمؤكّد نفسه، والمفيد خبرا إنشائيّا، وغير إنشائيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن المصدر المنصوب إنما ينتصب على أنه مفعول مطلق، والصناعة أن لا يتعدى فعل إلى معمولين من نوع واحد دون عطف. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): حذف عامل المصدر جواز لقرينة لفظية كقولك لمن قال: أيّ سير سرت؟ سيرا حثيثا، ولمن قال: ما قمت؟ بلى قياما طويلا، وحذفه لقرينة معنوية كقولك لمن تأهب لسفر: تأهبا مباركا ميمونا، وسفرا مأمونا، ولمن قدم من حج: حجّا مبرورا وسعيا مشكورا، والمحذوف العامل وجوبا لكونه بدلا من اللفظ بفعل مهمل: إما مفرد كقولهم: أفّة له، وتفّة، وذفرا، بمعنى نتنا، وبهرا بمعنى تبّا كقول الشاعر: 1431 - تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي ... بجارية بهرا لهم بعدها بهرا (¬2) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 183) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬2) البيت من الطويل وهو لابن ميادة في: الكتاب (1/ 311)، والإنصاف (1/ 241)، والكامل (2/ 245)، والمخصص (12/ 184)، وشرح الجمل لابن الضائع، والتذييل (3/ 197، 222)، واللسان «بهر - فقد».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبمعنى عجبا كقول عمر بن أبي ربيعة: 1432 - ثمّ قالوا تحبّها قلت بهرا ... عدد الرّمل والحصا والتّراب (¬1) وإما مضاف: كقول الشاعر: 1433 - تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكفّ كأنّها لم تخلق (¬2) أي تترك الأكف تركا كأنها لم تخلق، وروي (بله الأكفّ) بالنصب على أنها اسم فعل بمعنى اترك. ومن المهمل الفعل اللازم للإضافة: قولهم في القسم الاستعطافي: قعدك الله إلا فعلت، أي تثبيتك الله، ومثله: عمرك الله في لزوم الإضافة والاستعطاف إلا أن هذا مختصر من التعمير مصدر عمرتك الله (¬3)، ومنه قول الشاعر (¬4): 1434 - عمرتك الله إلّا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم (¬5) - ¬

_ - والشاهد قوله: «بهرا لهم بعدها بهرا»؛ حيث حذف عامل المصدر وجوبا؛ لأنه بدل من الفعل المهمل. (¬1) البيت من الخفيف لعمر بن أبي ربيعة وهو في: الكتاب (1/ 311)، والخصائص (2/ 281)، وأمالي الشجري (1/ 266)، والتذييل (3/ 197، 198)، وإعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 75)، وابن يعيش (1/ 121)، وشرح الجمل لابن الضائع، وما يجوز للشاعر في الضرورة (173)، والمغني (1/ 15)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 39)، والهمع (1/ 188)، والكافي شرح الهادي (391) واللسان (بهر) وقد تقدم البيت ولكن اختلف في موطن الشاهد. والشاهد في قوله: «بهرا»؛ حيث جاء المصدر بدلا من اللفظ بالفعل المهمل، ويروى البيت برواية (عدد النجم والحصا) وبرواية (الفطر والحصا). (¬2) البيت من الكامل وهو لكعب بن مالك الخزرجي الأنصاري، والبيت من قصيدة قالها يوم الخندق، وهو في: الغرة لابن الدهان (2/ 194)، ومنهج السالك لأبي حيان (179)، والتذييل (3/ 198، 684)، وابن يعيش (4/ 47، 48)، وابن القواس (786)، والارتشاف (639)، والخزانة (3/ 20)، والمغني (1/ 115)، وشرح شواهده (1/ 353)، وشذور الذهب (477)، والتصريح (2/ 199)، والأشموني (2/ 121)، (3/ 203)، والهمع (1/ 236)، والدرر (1/ 200)، وديوانه (ص 245)، واللسان «بله». اللغة: ضاحيا: بارزا، الهامات: جمع هامة وهي الرأس. والشاهد فيه: أن قوله: «بله» مصدر مضاف، والعامل فيه فعل من معناه؛ لأنه لا فعل له، أما إذا روي (بله الأكفّ) بنصب الأكف فيكون (بله) اسم فعل. (¬3) ينظر المباحث الكاملية (ص 938، 939). (¬4) الأحوص الأنصاري، وهو عبد الله بن محمد بن أبي الأقلع شاعر إسلامي. (¬5) البيت من البسيط، وهو في: الكتاب (1/ 323)، والمقتضب (2/ 329)، وأمالي الشجري (1/ 349)،

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصله من العمر وهو البقاء، فالمتكلم به متوسل باعتقاد البقاء لله. ومن المهمل الفعل ما يضاف ويفرد كقولهم للمصاب: المرحوم ويحه، وويح فلان، وويح له، وفي الحديث: «ويح عمّار تقتله الفئة الباغية» (¬1) وللمتعجّب منه: ويبا له، وويبك، وويب غيرك، قال الشاعر: 1435 - فلا تجبهيه ويب غيرك إنّه ... فتى عن دنيّات الخلائق نازح (¬2) وكذا يقال: ويح غيرك وويبه مثله أو قريب منه، ويقال للمضاف المغضوب عليه: [2/ 371] ويله وويل له ويل طويل، وويل له ويلا طويلا، وويل له ويلا كبيلا، وويل له وعول، وويلك وعولك، ولا يفرد عول، وقد يفرد ويل (¬3) منصوبا كقول الشاعر: 1436 - كسا اللّؤم تيما خضرة في جلودها ... فويلا لتيم من سرابيلها الخضر (¬4) ومن المهمل الفعل اللازم للإضافة: سبحان الله، أي براءة له من السوء، وليس بمصدر يسبح، بل سبح مشتق منه كاشتقاق حاشيت من حاش إذا نطق بلفظها، وكاشتقاق لوليت وصهصهت وأفّفت وسوّفت وبأبأت ولبّب من: لولا وصه وأف - ¬

_ - والارتشاف (626)، والتذييل (3/ 199، 621)، والخزانة (1/ 231)، والهمع (2/ 45)، والدرر (2/ 53)، واللسان «عمر» والمسائل الشيرازيات (ص 65). والشاهد فيه: أن «عمرتك الله» منصوب بفعل مهمل على رأي ابن مالك، واعترض على ذلك أبو حيان؛ لأنه يرى أن «عمرتك» إذا كان مختصرا من التعمير على ما ذكر ابن مالك له فعل مستعمل. (¬1) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الصلاة (1/ 93)، ومسلم (2235)، وابن حنبل (2/ 161)، (3/ 5) والمقصود بالكلام هو عمار بن ياسر. (¬2) البيت من الطويل، وهو لكثير عزة في: التذييل (3/ 199)، وشرح الجمل لابن الضائع، وديوان كثير (183). اللغة: تجبهيه: ترديه. نازح: من نزح ينزح أي بعد يبعد. والشاهد فيه: استعمال «ويب» مفردا. (¬3) في الكتاب (1/ 318): «وهذا حرف لا يتكلم به مفردا، إلا أن يكون على ويلك، وهو قولك: ويلك وعولك، ولا يجوز: عولك» اه. (¬4) البيت من الطويل، وهو لجرير، في الكتاب (1/ 333)، والمقتضب (3/ 22)، والتذييل (3/ 202)، وابن يعيش (1/ 121)، والارتشاف (ص 540)، والكافي شرح الهادي (390)، وديوان جرير (ص 162) برواية: كسا اللؤم تيما خضرة في وجوهها ... فيا خزي تيم من سرابيلها الخضر اللغة: الخضرة: السواد، السرابيل: جمع سربال وهي القمصان. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسوف بأبأ ولبيك، وقالوا أيضا: سبحل إذا قال: سبحان الله، وقد يفرد في الشعر سبحان منونة إن لم تنو الإضافة (¬1) كقول الشاعر: 1437 - سبحانه ثمّ سبحانا نعوذ به ... وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد (¬2) وغير منونة إن نويت الإضافة كقول الآخر (¬3): 1438 - أقول لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر (¬4) أراد سبحان الله، فحذف المضاف إليه وترك المضاف بهيئته التي كان عليها قبل الحذف كما قال الراجز: 1439 - خالط من سلمى خياشيم وفا (¬5) - ¬

_ - والشاهد فيه: «فويلا لتيم»؛ حيث أفرد (ويل) منصوبا. (¬1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 118 - 120) والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (283). (¬2) البيت من البسيط وهو لأمية بن أبي الصلت، وقيل: زيد بن عمرو بن نفيل، وقيل: ورقة ابن نوفل. وهو في: الكتاب (1/ 326)، والمقتضب (3/ 217)، وأمالي الشجري (1/ 348)، (2/ 250)، وابن يعيش (1/ 37، 120)، (4/ 36)، والمخصص (14/ 86)، وابن القواس (330)، والتذييل (3/ 204، 207)، والبحر المحيط (1/ 138)، والخزانة (2/ 37)، (3/ 247)، والهمع (1/ 190)، والدرر (1/ 163)، وديوان أمية بن أبي الصلت (ص 30) واللسان «جمد - جود»، ومعجم البلدان (الجمد). اللغة: الجودي: جبل بالموصل أو بالجزيرة. الجمد: جبل بين مكة والبصرة. والشاهد في قوله: «سبحان»؛ حيث جاء مفردا منونا، وذلك لعدم نية الإضافة، وهذا من ضرورة الشعر؛ لأن المعروف فيه أنه يضاف إلى ما بعده، أو يجعل مفردا معرفة. (¬3) هو الأعشى. (¬4) البيت من السريع وهو في: الكتاب (1/ 324)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 157)، والمقتضب (3/ 218)، وأمالي الشجري (1/ 347)، (2/ 250)، والخصائص (2/ 197، 435)، وابن يعيش (1/ 37، 120)، والمقرب (1/ 149)، وابن القواس (ص 330)، والتذييل (3/ 204، 206، 207)، والبحر المحيط (1/ 138، 363)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (361)، وشواهد التوضيح لابن مالك (ص 40) ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 78)، وشرح الكافية للرضي (2/ 133)، والهمع (1/ 19)، والدرر (1/ 164)، والمحكم (3/ 154)، وصحاح الجوهري (سبح)، وحاشية الصبان (1/ 135)، وحاشية يس (1/ 125)، والكافي شرح الهادي (ص 387)، والمباحث الكاملية (938)، والمرتجل (291)، وشرح المقرب لابن عصفور. والشاهد فيه: قوله «سبحان» حيث جاءت غير منونة لنية الإضافة. (¬5) رجز للعجاج، وهو في: ديوان العجاج (492)، وابن يعيش (6/ 98)، وابن القواس (78)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تريد وفاها، وهذا التوجيه أولى من جعل سبحان علما، ومثل سبحانك في المعنى وإهمال الفعل سلامك في قول الشاعر: 1440 - سلامك ربّنا في كلّ فجر ... بريئا ما تغنّثك الذّموم (¬1) أي براءتك ربنا من كل سوء، وبريئا حال مؤكدة، وما تغنثك أي ما تعلق بك، والذموم جمع ذم. ومن المهمل اللازم للإضافة: قولهم في إجابة الداعي: لبيك. ومعناه لزوما لطاعتك بعد لزوم، قال سيبويه: أراد بقوله: لبيك وسعديك، إجابة بعد إجابة كأنه قال: كلما أجبتك في أمر فأنا في الآخر مجيب، وهو مثنى اللفظ، وزعم يونس أنه مفرد اللفظ وأن ياءه منقلبة عن ألف إجراء له مجرى (على). ورد عليه سيبويه بقول الشاعر (¬2): 1441 - دعوت لما نابني مسورا ... فلبّى فلبّي يدي مسور (¬3) - ¬

_ - والارتشاف (265)، والتذييل (3/ 205)، والخزانة (2/ 62، 261)، والعيني (1/ 152)، وحاشية يس (1/ 125)، وحاشية الصبان (1/ 135)، واللسان «خرطم - فوه - نهى»، والهمع (1/ 40) والدرر (1/ 41). والشاهد في قوله: «وفا»؛ حيث حذف المضاف إليه وترك المضاف بهيئته، فلم يبدل حرف العلة ميما، فيقال «فما». (¬1) البيت من الوافر، وهو لأمية بن أبي الصلت وهو في: الكتاب (1/ 325)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 305)، والتذييل (3/ 205، 209، 820) برواية (في كل وقت) في أحد هذه المواطن، والعيني (3/ 183)، وديوانه (ص 54)، واللسان «ذمم» ويروى أيضا (ما يليق بك) مكان (ما تغنثك). اللغة: تغنثك: تعلق بك. الذموم: العيوب. والشاهد فيه: نصب (سلامك) على المصدر الواقع بدلا من الفعل. (¬2) ذكر السيوطي أنه أعرابي من بني أسد، والمعروف أن البيت من الخمسين المجهولة القائل، وينظر: شرح شواهد المغني للسيوطي (2/ 910). (¬3) البيت من المتقارب، وهو في: الكتاب (1/ 352)، والمحتسب (1/ 78)، (2/ 23)، والمخصص (4/ 129، 481)، (5/ 409)، (7/ 513)، والخزانة (1/ 268)، والمغني (578)، وشرح شواهده (2/ 910)، والعيني (3/ 381)، والتصريح (3/ 38)، والهمع (1/ 90)، والدرر (1/ 163)، والأشموني (1/ 251)، والتذييل (3/ 212)، واللسان «لبب». والشاهد في قوله: «فلبي يدي مسور»؛ حيث رد به سيبويه على يونس الذي زعم أن (لبيك) مفرد قلبت ألفه ياء لأجل الضمير، ولو كان كما يقول فكيف قلبت هنا ألف (لبيك) ياء مع أنه مضاف إلى الظاهر؟ وفي البيت أيضا شاهد آخر وهو إضافة (لبي) إلى الظاهر شذوذا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأثبتت الياء في إضافته إلى الظاهر، ولو كان جاريا مجرى (على) لم يفعل به ذلك كما لا يفعل بعلى (¬1)، وفي قول الشاعر إضافة لبي إلى ظاهر، والمعروف إضافته إلى ضمير المخاطب، فشذّت إضافته لبّي إلى ظاهر كما شذت إضافته إلى ضمير الغائب في قول الراجز: 1442 - إنّك لو دعوتني ودوني ... زوراء ذات مترع بيون لقلت لبّيه لمن يدعوني (¬2) وقد يغني عن لبيك لب مفردا مكسورا جعلوه اسم فعل بمعنى أجيب (¬3)، والمحذوف العامل وجوبا، لكونه بدلا من اللفظ بفعل مستعمل في طلب منه مضاف نحو: غفرانك وفَضَرْبَ الرِّقابِ (¬4)، ومنه مفرد وهو أكثر من المضاف وليس مقيسا عند سيبويه مع كثرته (¬5)، وهو عند الفراء والأخفش مقيس (¬6) بشرط إفراده وتنكيره نحو: [2/ 372] سقيا له ورعيا وجدعا لعدوك وتعسا. ومنه قول الشاعر: 1443 - سقيا لقوم لدنياهم وإن بعدوا ... وخيبة للألى وجدانهم عدم (¬7) - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 350 - 352) بتصرف يسير. (¬2) الرجز لقائل مجهول في: التذييل (3/ 213)، والمغني (2/ 578)، وشرح شواهده للسيوطي (2/ 910)، وشرح ابن عقيل (2/ 8)، وشرح شواهده (ص 159)، والعيني (3/ 383)، والتصريح (2/ 38)، والهمع (1/ 190)، والدرر (1/ 163) واللسان «لبب - بين». اللغة: الزوراء: الأرض الواسعة. مترع: ممتلئ. بيون: واسعة بعيدة. والشاهد في قوله: «لبيه»؛ حيث أضيف إلى ضمير الغائب وهو شاذ؛ لأن المعروف إضافته إلى ضمير المخاطب. (¬3) في الهمع (1/ 190) وسمع مفرد (لبيك) بالكسر وهو مصدر بمعنى إجابة منصوب مبني كأمس وغاق لقلة تمكنه. كذا نص سيبويه، ورد به أبو حيان على ابن مالك حيث قال: إنه اسم فعل بمعنى أحببت. اه. وينظر: الكتاب (1/ 351)، والتذييل (3/ 213، 219). (¬4) سورة محمد: 4. (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 318 - 321). (¬6) ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 188)، (3/ 57)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 88)، والتذييل (3/ 220). (¬7) البيت من البسيط وهو لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (3/ 220) برواية «وإن قربوا» مكان «وإن بعدوا». اللغة: دنياهم: قربهم. وجدانهم: وجودهم. والشاهد في البيت: هو نصب قوله «سقيا وخيبة» بإضمار الفعل المستعجل في الطلب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله في الأمر: 1444 - فصبرا في مجال الموت صبرا ... فما نيل الخلود بمستطاع (¬1) ومثله في النهي: 1445 - قد زاد حزنك لمّا قيل لا حزنا ... حتّى كأنّ الّذي ينهاك يغريكا (¬2) والوارد منه في خبر إنشائي نحو: حمدا وشكرا لا كفرا وعجبا، وقسما لأفعلن. قال سيبويه: ومما ينتصب فيه المصدر على إضمار الفعل المتروك إظهاره، ولكنه في معنى التعجب، قولك: كرما وصلفا (¬3) كأنه يقول: أكرمك الله، ثم قال: لأنه صار بدلا من قولك: أكرم به وأصلف (¬4)، قلت: وهذا أيضا مما يتناوله الخبر الإنشائي، وأما الخبر غير الإنشائي فكقولك في وعد من يعز عليك: افعل وكرامة ومسرة (¬5)، وكقولك للمغضوب عليه: لا أفعل ولا كيدا ولا غمّا، ولأفعلن ما يسوءك ورغما وهوانا (¬6). وأما الوارد في التوبيخ مع استفهام: فكقول الشاعر: 1446 - أذلّا إذا شبّ العدى نار حربهم ... وزهوا إذا ما يجنحون إلى السّلم (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت لقطري بن الفجاءة المازني، أحد زعماء الخوارج، وهو من الوافر، وينظر في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (3/ 221، 224)، والتصريح (1/ 331)، والعيني (3/ 51)، والأشموني (2/ 117)، وحاشية يس (1/ 330). والشاهد في قوله: «فصبرا في مجال الموت صبرا»؛ حيث نصب المصدر بإضمار فعله في الأمر، التقدير: اصبري يا نفس صبرا. (¬2) لم أهتد إلى قائله، وهو من البسيط، وينظر في شرح التسهيل للمصنف، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد (1493)، والتذييل (3/ 221، 224). والشاهد فيه: نصب (حزنا) بإضمار فعله المستعمل في النهي، والتقدير: لا تحزن حزنا. (¬3) الصلف: هو مجاوزة القدر في الظرف والبراعة والادعاء فوق ذلك تكبرا «اللسان: صلف». (¬4) الكتاب (1/ 328). (¬5) في الارتشاف (544): (لا تستعمل) مسرة إلا بعد كرامة - لا يقال: مسرة وكرامة، وكرامة اسم وضع موضع المصدر الذي هو الإكرام. اه. (¬6) ينظر: المقرب (1/ 255). (¬7) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 229)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي توبيخ دون استفهام: كقول الشاعر: 1447 - خمولا وإهمالا وغيرك مولع ... بتثبيت أسباب السّيادة والمجد (¬1) وقد يفعل هذا من يخاطب نفسه كقول عامر بن الطفيل - لعنه الله -: «أغدّة كغدّة البعير، وموتا في بيت سلوليّة» (¬2). وقد يقصد بمثل هذا غائب في حكم حاضر كقولك وقد بلغك أن شيخا يكثر اللهو واللعب: ألعبا وقد علاه الشيب. ومثال الكائن في تفصيل عاقبة طلب: قوله تعالى (¬3): فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (¬4). ومثال المفصل به عاقبة خبر: قول الشاعر: 1448 - لأجهدنّ فإمّا درء واقعة ... تخشى وإمّا بلوغ السّؤل والأمل (¬5) ومثال النائب عن خبر اسم عين بتكرير: قول الشاعر: - ¬

_ - والشاهد في قوله: «أذلّا - وزهوا»؛ حيث حذف عامل المصدر وجوبا في الاستفهام التوبيخي، والتقدير: أتذلون ذلّا، وتزهون زهوا؟ (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في الارتشاف (ص 545)، والتذييل (3/ 229)، وتعليق الفرائد (ص 1496)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 191)، والدرر (1/ 165)، والمطالع السعيدة (ص 302). والشاهد في قوله: «خمولا وإهمالا»؛ حيث حذف عامل المصدر وجوبا في التوبيخ غير المقرون بالاستفهام. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الرجيع (3/ 26) برواية: «غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان»، وقد أورده الميداني في المثل: «غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية» (2/ 57) من مجمع الأمثال، وذكره سيبويه في الكتاب (1/ 338) وابن مالك في شرح الكافية الشافية (ص 227)، وأبو حيان في الارتشاف (ص 545)، والسهيلي في الأمالي (20/ 1216)، والراعي الأندلسي في الأجوبة المرضية (ص 219) وابن منظور في اللسان «غدو». (¬3) زاد في (ب): (حتى إذا أثخنتموهم). (¬4) سورة محمد: 4. (¬5) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 233)، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد (ص 1498)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165)، والمطالع السعيدة (ص 303). والشاهد فيه: نصب «درء» و «بلوغ» بفعل محذوف وجوبا؛ لكونه تفصيل كلام خبري قبله وهو (لأجهدن). اللغة: الدرء: الدفع وهو يريد أن يقول: لأبذلن جهدي لعلي أمنع وأدفع شيئا أخشى وقوعه أو أحقق هدفي الذي أتمناه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1449 - أنا جدّا جدّا ولهوك يزدا ... د إذا ما إلى اتّفاق سبيل (¬1) ومثال النائب بحصر قول الشاعر: 1450 - ألا إنّما المستوجبون تفضّلا ... بدارا إلى نيل التّقدم والفضل (¬2) واشترط كون هذا بتكرير، ليكون أحد اللفظين عوضا من ظهور الفعل، فيثبت بذلك سبب التزام إضمار الفعل، وقام الحصر مقام التكرير؛ لأنه لا يخلو من لفظ يدل عليه، وهو إنما أو إلّا بعد نفي، فجعل ذلك عوضا أيضا، ولأن في الحصر من تقوية المعنى ما يقوم مقام التكرير، واشترط كون المخبر عنه اسم عين؛ لأنه لو كان اسم معنى لكان المصدر خبرا، فيرفع كقولك: جدّك جدّ عظيم، وإنما بدارة بدار حريص، وإذا كان اسم عين لم يصلح جعل المصدر خبرا له إلا على سبيل المجاز، وإذا لم يصلح جعله خبرا تعيّن نصبه بفعل هو الخبر. فتقدير [2/ 373] أنا جدّا جدّا: أنا أجد جدّا. وتقدير: إنّما المستوجبون تفضّلا بدارا: إنما المستوجبون تفضلا يبادرون بدارا، ولو عدم الحصر والتكرير لم يلزم الإضمار بل يكون جائزا هو والإظهار (¬3). ومن المضمر عامله وجوبا: المصدر المؤكد مضمون جملة، فإن كان لا يتطرق إليه احتمال يزول بالمصدر سمي مؤكدا لنفسه؛ لأنه بمنزلة تكرير الجملة، فكأنه نفس الجملة، وكأن الجملة نفسه، وهو كقولك: له عليّ دينار اعترافا، فإن كان مضمون الجملة تطرق إليه احتمال يزول بالمصدر فتصير الجملة به نصّا سمّي مؤكدا لغيره؛ لأنه ليس بمنزلة تكرير الجملة، فهو غيرها لفظا ومعنى، وذلك كقولك: هو - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 233)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 188)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165). والشاهد قوله: «جدّا جدّا»؛ حيث نصب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: أنا أجد جدّا، وهو نائب عن خبر اسم العين وهو (أنا)؛ لأنه مكرر. (¬2) البيت من الطويل مجهول القائل، وهو في شرح التسهيل (1/ 188)، والتذييل (3/ 233)، والهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165). والشاهد في قوله: «بدارا»؛ حيث نصب بفعل محذوف وجوبا؛ لأنه نائب عن خبر اسم العين وهو (المستوجبون تفضّلا)، والتقدير: المستوجبون تفضلا يبادرون بدارا. (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 189).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابني حقّا، ولا يجوز تقدمهما على الجملة؛ لأن مضمونها يدل على العامل فيها، ولا يتأتى ذلك إلا بعد تمام الجملة (¬1)، وأما قولهم: أجدّك لا تفعل فأجاز فيه أبو علي الفارسي تقديرين: أحدهما: أن يكون لا تفعل في موضع الحال. والثاني: أن يكون أصله أجدك أن لا تفعل، ثم حذفت أن، وبطل عملها (¬2). وزعم أبو علي الشلوبين أن فيه معنى القسم، ولذلك قدم (¬3). ومن الملتزم إضمار ناصبه: المصدر المشبه به بعد جملة مشتملة على معناه، وعلى ما هو فاعل في المعنى، ولا بد من دلالته على الحديث، فمن ذلك قولهم: له دق دقّك بالمنحاز حب المقلقل، وله صوت صوت حمار، ومنه قول الشاعر يصف طعنة: 1451 - لها بعد إسناد الكليم وهدئه ... ورنّة من يبكي إذا كان باكيا هدير هدير الثّور ينفض رأسه ... يذبّ بروقيه الكلاب الضّواريا (¬4) فلو لم يكن بعد جملة لم يجز النصب كقولك: دقه دقك بالمنحاز، وصوته صوت حمار، وهديرها هدير الثور، فلو كان بعد جملة تضمنت معنى الحديث دون معنى الفاعل لم يجز النصب إلا على ضعف كقولك فيها صوت صوت حمار، فيجعل صوت حمار بدلا ويضعف النصب؛ لأنه إنما استجيز في: له صوت صوت حمار؛ لأن (له صوت) بمنزلة هو يصوّت، لاشتماله على صاحب الصوت والصوت، فجاز أن يجعل بدلا من اللفظ بصوت مسندا إلى ضمير بخلاف فيها صوت، فإنه لم - ¬

_ (¬1) ينظر: المطالع السعيدة (ص 303)، والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 220)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 84). (¬2) ينظر: المسائل الشيرازيات (ص 318) بالمعنى، رسالة دكتوراه بجامعة عين شمس، وينظر أيضا: التذييل (3/ 238). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 238)، وشرح التسهيل للمرادي. (¬4) البيتان من الطويل، وهما للنابغة الجعدي، وهما في: الكتاب (1/ 355)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 96)، والتذييل (3/ 242)، والكافي شرح الهادي (379)، وديوانه (ص 180). اللغة: الكليم: المجروح. وإسناده: أي إقعاده معتمدا بظهره على شيء يمسكه لضعفه. الرنة: رفع الصوت بالبكاء. الرق: الضواري التي اعتادت الصيد. والشاهد في قوله: «هدير الثور»؛ حيث نصب على المصدر التشبيهي بفعل مضمر وجوبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتضمن إلا الصوت، فلم يحسن أن يجعل بدلا من اللفظ بصوت، ومع ذلك فالنصب جائز على ضعف؛ لأن الكلام الذي قبله وإن لم يتضمن اسم ما هو فاعل في المعنى؛ فكونه جملة متضمنة الصوت كاف، فإنك إذا قلت: فيها صوت، علم أن فيها مصوتا، لاستحالة صوت بلا مصوت، ولو كان المصدر غير دال على حدوث لم يجز النصب كقولك: له ذكاء ذكاء الحكماء؛ لأن نصب صوت وشبهه لم يثبت إلا لكون ما قبله بمنزلة [2/ 374] يفعل مسند إلى الفاعل، فقولك: مررت بزيد وله صوت بمنزلة قولك: مررت به وهو يصوت، فاستقام نصب ما بعده لاستقامة تقدير الفعل في موضعه، وإذا قلت: مررت بزيد، وله ذكاء - فلست تريد أنك مررت به وهو يفعل، لكنك أخبرت عنه بأنه ذو ذكاء، فنزل ذلك منزلة مررت به، وله يد يد أسد، فكما لا ينصب يد أسد، لا ينصب ما هو بمنزلته، فإن عبرت بالذكاء عن عمل دال على الذكاء جاز النصب (¬1). وإن وقع موقع المصدر المشار إليه صفته ضعف النصب ورجح الإتباع كقولك: له صوت أي صوت، ولو نصب لجاز على تقدير: يصوت أي تصويت، ومنه قول رؤبة بن العجاج: 1452 - قولك أقوالا مع التّحلاف ... فيه ازدهاف أيّما ازدهاف (¬2) ولم يضمن المصدر الذي تضمنته الجملة من إضمار فعل لعدم صلاحية العمل، فإن شرط عمل المصدر إذا لم يكن بدلا من اللفظ بالفعل صلاحية تقديره بحرف مصدري وفعل، والمصدر المشار إليه بخلاف ذلك. فلو تضمنت الجملة ما فيه معنى الفعل والصلاحية للعمل، لكان هو العامل نحو: هو مصوّت تصويت حمار، ومن هذا ونحوه احترزت بقولي: (دون لفظ ولا صلاحية للعمل فيه)، ويلحق بـ «له صوت صوت حمار» قول أبي كبير الهذلي: 1453 - ما إن يمسّ الأرض إلا منكب ... منه وحرف السّاق طيّ المحمل (¬3) - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 355، 356)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 85، 86)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 106)، والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 219، 220). (¬2) الرجز في الكتاب (1/ 364)، والتذييل (3/ 245) برواية (فيها ازدهاف). وتعليق الفرائد (1507)، والخزانة (1/ 244)، وديوان رؤبة (ص 100)، واللسان «زهف». اللغة: الازدهاف: الكذب. والشاهد فيه: نصب (إيّما) على إضمار فعل دل عليه ما قبله. (¬3) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولذلك قال سيبويه بعد إنشاد هذا البيت: صار ما إن يمس بمنزلة له طي، ويجوز في نحو: إنما أنت سيرا، الرفع على أن يجعل المعنى خبرا عن اسم العين مبالغة، ومنه قول الخنساء: 1454 - ترتع ما غفلت حتّى إذا ادّكرت ... فإنّما هي إقبال وإدبار (¬1) وكذلك يجوز في: له عليّ دينار اعترافا، رفع اعتراف على تقدير: هذا الكلام اعتراف، فإذا استوفيت شروط نصب المشبه به فرفعه على الإتباع جائز، وكذا نصبه على الحال والعامل يبديه أو نحوه. ومثال رفع المفيد طلبا: قول حسان رضي الله تعالى عنه: 1455 - أهاجيتم حسّان عند ذكائه ... فغيّ لأولاد الحماس طويل (¬2) ومثله: 1456 - يشكو إليّ جملي طول السّرى ... صبر جميل فكلانا مبتلى (¬3) قال سيبويه بعد إنشاد هذا: والنصب أجود وأكثر؛ لأنه يأمره (¬4). - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، وقد قالته الخنساء في رثاء أخيها صخر، وينظر في: الكتاب (1/ 337)، والمقتضب (3/ 230)، (4/ 305)، والخصائص (2/ 203)، (3/ 189)، والمحتسب (2/ 43)، ودلائل الإعجاز (292)، وأمالي الشجري (1/ 71)، وابن يعيش (1/ 115)، وابن القواس (600)، والتذييل (3/ 235)، والخزانة (1/ 207 - 240)، والكافي شرح الهادي (378)، والتصريح (1/ 332)، والكامل (ص 336) طبعة بيروت، وديوان الخنساء (ص 26)، واللسان «قبل - سوى». اللغة: غفلت ورتعت الماشية أي أكلت ما شاءت، ويقال: نرتع: أي نلعب وننعم، ادكرت: تذكرت. والشاهد في قوله: «هي إقبال وإدبار»؛ حيث رفع المصدر خبرا على سعة الكلام مبالغة. (¬2) البيت من الطويل قاله حسان رضي الله عنه، وهو في: الكتاب (1/ 314)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 311)، والمخصص (12/ 185)، والتذييل (3/ 247)، وديوان حسان (212). اللغة: الغي: الضلال. الحماس: بطن من بني الحارث بن كعب. والشاهد في قوله: «فغي»؛ حيث رفع المصدر على الابتداء وهو مفيد الطلب غير مكرر. (¬3) رجز لم يعلم قائله، وهو في: الكتاب (1/ 321)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 317)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 54)، وحاشية التفتازاني (1/ 350)، والتذييل (3/ 247)، وشرح الجمل لابن الضائع، والبحر المحيط (5/ 289)، وتعليق الفرائد (1508)، وشروح سقط الزند (620)، وأمالي المرتضى (1/ 107)، والأشموني (1/ 221)، واللسان: «شكا». اللغة: السرى: السير ليلا. والشاهد في قوله: «صبر جميل»؛ حيث رفع على الابتداء، وهو مفيد الطلب غير مكرر؛ ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، ويروى بالنصب أيضا. (¬4) الكتاب (1/ 321).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال رفع المفيد إنشاء قول الشاعر (¬1): 1457 - عجب لتلك قضيّة وإقامتي ... فيكم على تلك القضيّة أعجب (¬2) ومثال رفع المفيد خبرا غير إنشائي قول الشاعر يصف أسدا: 1458 - أقام وأقوى ذات يوم وخيبة ... لأوّل من يلقى وشرّ ميسّر (¬3) هذا آخر كلام المصنف (¬4)، وهو كما قال القائل: 1459 - وهو المشيّع بالمسامع إن مضى ... وهو المضاعف حسنه إن كرّرا (¬5) ولنردفه بمباحث: الأول: إن المصنف أطلق القول في جواز حذف عامل المصدر [2/ 375] لقرينة، وقيد - ¬

_ (¬1) هو هنيء بن أحمر من بني الحارث بن مرة بن عبد مناة بن كنانة، شاعر جاهلي، وقيل: هو ضمرة ابن جابر بن نهشل، شاعر جاهلي أيضا. (¬2) البيت من الكامل، وهو في: الكتاب (1/ 319)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 114)، والتذييل (3/ 225، 226، 228، 247)، وشرح الجمل لابن الضائع، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد (1510)، والخزانة (1/ 241)، والعيني (2/ 340)، والتصريح (2/ 87)، والهمع (1/ 191)، والدرر (1/ 164)، والأشموني (1/ 206). والشاهد في قوله: «عجب»؛ حيث رفع وأصله النصب، ورفعه على أنه مبتدأ وخبره الجار والمجرور بعده، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف. (¬3) البيت من الطويل، وهو لأبي زبيد الطائي، واسمه المنذر بن حرملة من طيئ، وهو في: الكتاب (1/ 313)، والمخصص (12/ 184)، وابن يعيش (1/ 114)، وابن القواس (ص 331)، والتذييل (3/ 221، 247)، وشرح الجمل لابن الضائع، والغرة المخفية (ص 266)، والارتشاف (ص 539)، وتعليق الفرائد (ص 1513)، والهمع (1/ 188)، والدرر (1/ 162)، واللسان «يسر». اللغة: أقوى: نفد ما عنده من الزاد. والشاهد فيه: أنه رفع (وخيبة) على الابتداء والخبر هو الجار والمجرور بعده. (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 192) وما قبلها. (¬5) البيت من بحر الكامل من قصيدة للمتنبي يمدح بها أبا الفضل محمد بن العميد، مطلعها قوله: باد هواك صبرت أم لم تصبرا ... وبكاك إن لم يجر دمعك أو جرى وقبل بيت الشاهد قوله: نطف الرجال القول حين نباته ... ونطفت أنت القول لما نوّرا ويستشهد بالبيت على: بلاغة القول، وانظر ديوان أبي الطيب بشرح العكبري (2/ 167).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك في الألفية بأن يكون المصدر غير مؤكد حيث قال: «وحذف عامل المؤكد امتنع» معللا ذلك بأن المؤكد إنما جيء به لتقوية عامله وتقرير معناه (¬1)، والحذف ينافي هذين الأمرين، وهو تعليل ظاهر، وقد رد ابنه الإمام بدر الدين ذلك ردّا فظيعا وقال: قد حذف عامل المؤكد جوازا في نحو: أنت سيرا، ووجوبا في: أنت سيرا سيرا، وفي نحو: سقيا ورعيا. انتهى (¬2). وفيما رد به نظر، أما نحو سقيا ورعيا فلا يرد؛ لأن المصدر في مثله جعل بدلا من اللفظ بالعامل، فذكر العامل معه مناف للمقصود به، ثم لا نسلم أنه حينئذ مؤكد لعامله، والدليل على أنه غير مؤكد أنه إذا وقع بعده معمول نحو: ضربا زيدا، كان معمولا له لا للعامل المحذوف على المذهب الصحيح، وإذا كان عاملا انتفى كونه مؤكدا؛ لأن النحاة نصوا على أن المؤكد لا يعمل (¬3)، وأما نحو: أنت سيرا سيرا، فلاشك أن التكرير فيه قائم مقام العامل، وإذا كان كذلك فالعامل في حكم الموجود لفظا، فكأنه لم يحذف (¬4). وأما نحو: أنت سيرا فهو صورة مخصصة لعموم قوله: عامل المؤكد لا يحذف، ثم لك أن تفرق بين الصورتين، وهما ضربت ضربا، وأنت سيرا؛ حيث امتنع في الأولى، وجاز في الثانية بأن تقول: تقدير الفعل في نحو: أنت سيرا متعين متحتم لازم لا محيد عنه من أجل أن اسم العين الذي هو المبتدأ لا بد له من خبر، واسم المعنى لا يخبر به عن اسم العين، فجعل تحتم التقدير لصحة المعنى في قوة الموجود المنطوق به. الثاني: استفيد من كلام المصنف أن المصدر المنصوب بفعل مهمل بالنسبة إلى استعماله مضافا وغير مضاف أربعة أقسام: ما هو مفرد: أي لا يستعمل مضافا وذلك كأفّة وتفّة وذفرا وبهرا، والأفة في الأصل ريح الأذن، والتفة وسخ الأظفار، وما هو مضاف: أي لا يقطع عن الإضافة وهذا قسمان: مفرد ومثنى. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 81). (¬2) شرح الألفية لابن الناظم (ص 104). (¬3) ينظر: الأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 221). (¬4) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 115).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمفرد: بله نحو: بله الأكف، وقعدك الله في القسم، وسبحانك وسلامك، إلا أن سبحان قد يقطع عن الإضافة قليلا كما ذكر. والمثنى نحو: لبيك (¬1). وما يستعمل مضافا وغير مضاف: نحو: ويح وويب وويس وويل وعول (¬2)، وأن المصدر المنصوب بفعل مستعمل منه مضاف كغفرانك، وفَضَرْبَ الرِّقابِ (¬3). وغير مضاف وهو أكثر من المضاف كسقيا ورعيا. هذا في الطلب، وكذلك في الخبر كما ستأتي أمثلته، والويل الفضيحة، والحيرة والويب في معناه، وانتصاب ويح وويل مع الإضافة لا شك فيه، أما إذا أفردا [2/ 376] عن الإضافة، فالذي فهم من كلام المصنف المتقدم أن كلمة ويل ترفع؛ لأنه لما مثل بها غير مضافة قال: ويح له، وأن كلمة ويل يجوز فيها النصب، لكنه أقل من الرفع؛ لأنه مثل بقوله: ويل له، ثم قال: وقد يفرد (ويل) منصوبا كقول القائل: 1460 - فويلا لتيم من سرابيلها الخضر (¬4) وكذا يقتضيه كلام غيره، وقال ابن أبي الربيع: تبّا لك التزم نصبه، وويح لك التزم رفعه، وويل لك فيه الوجهان، وقال: ولو قسنا لساوياه، لكن لا يتعدى السماع (¬5)، ثم قال: وإن عطفت ويحا على تب نصبته ولا يجوز رفعه؛ لأنه لا خبر له. وإن عطفت تبّا على ويح فكحاله قبل العطف، وتكون قد عطفت جملة فعلية على جملة اسمية لتساويهما في المعنى، وتقول: تبّا له وويح له؛ فلا يكون في ويح إلا الرفع كحاله قبل العطف (¬6). انتهى. وحاصله: أن ويحا إذا أفرد عن الإضافة يرفع أبدا إلا إذا عطفته على قولك: تبّا له فقلت: تبّا له وويحا، فإنك تنصبه، إلا إذا ذكر خبره، فإنك ترفعه، نحو: تبّا له وويح، وهو كلام محرر، لكن في شرح الشيخ وربما نقله عن ابن عصفور: أنك - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (3/ 197 - 199)، والمباحث الكاملية (ص 937 - 940)، والأجوبة المرضية (ص 215، 216). (¬2) جعل ابن عصفور مثل هذه المصادر لا يستعمل إلا مضافا فقال: «ومنه إلا أنه لا يستعمل إلا مضافا ويحك وويلك وويك وويبك». اه. المقرب (1/ 255). (¬3) سورة محمد: 4. (¬4) تقدم ذكره. (¬5) ينظر: الأجوبة المرضية (ص 217) حيث ذكر هذا النص لابن أبي الربيع. (¬6) ينظر: التذييل (3/ 200) فقد ذكر فيه النص لابن أبي الربيع، والهمع (1/ 189).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا عطفت (تبّا) على قولك: ويح له، جاز رفعه فتقول: ويح له وتب (¬1)، وهذا مخالف لما قاله ابن أبي الربيع وغيره، وذكر عن المازني أنه يمنع هذا العطف، ويقول: كيف يتصور أن يكون مدعوّا له وعليه في خبر واحد، وذلك أن معنى «تبّا له» خسران له، ومعنى «ويح له»: رحمة له، وخرج الناس هذا على وجهين: أحدهما: أن قولك: ويح له ليس بدعاء كما في: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * (¬2). فمعنى تبّا له وويح له خسران له، وهو لكونه ذا خسران يجب أن يقال فيه: رحمة له. الثاني: أن يكون تبّا له دعاء له على حد: قاتله الله ما أشعره! ويذكر عن الجرمي منع هذا الباب جملة، قال: لأنه يؤدي إلى أن يرفع ما شأنه النصب، وينصب ما شأنه الرفع (¬3). وبعد؛ فلم يتحرر لي الكلام في صور هذا الفصل وأطلت النظر في شرح الشيخ، فلم ينضبط لي ما قاله؛ لعدم تطابق منقولاته عن النحاة. المبحث الثالث: هذه المصادر إذا عرفت باللام فالنصب فيها جائز كما كان، لكن الرفع حينئذ أحسن من النصب؛ ولهذا كان الجمهور على قراءة الحمد لله رب العالمين (¬4) بالرفع (¬5). قال سيبويه: وإنما استحبّوا الرفع؛ لأنه صار معرفة، وهو خبر، فقوي في الابتداء بمنزلة عبد الله والرجل، وهو في رفعه بمنزلة رفع العمدة من معنى الفعل، وما بعده خبر (¬6). انتهى. والحكم في المصدر المفرد من اللام بالعكس، فالنصب فيه الوجه، ولا يقال الرفع إلا سماعا كقول الشاعر: 1461 - عجب لتلك قضيّة وإقامتي ... فيكم على تلك القضيّة أعجب (¬7) - ¬

_ (¬1) من (ب): (وتب له)، وينظر: التذييل (3/ 203). (¬2) سورة المرسلات: 15 وغيرها، وسورة المطففين: 10. (¬3) التذييل (3/ 200، 201)، وينظر: الهمع (1/ 189). (¬4) سورة الفاتحة: 2. (¬5) ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 7)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 3). (¬6) الكتاب (1/ 328). (¬7) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [2/ 377] ثم إن إدخال (أل) ليس مطردا في جميع المصادر، وإنما هو سماع (¬1)، قال سيبويه: ليس كل حرف يدخل فيه (أل) من هذا الباب، لو قلت: السّقي لك والرعي (¬2) لم يجز. انتهى. ولكن الفراء والجرمي أجازا ذلك قياسا (¬3). المبحث الرابع: جعل المصنف غفرانك بدلا من اللفظ بفعله المستعمل، لكنه لم يذكر الفعل الناصب ما هو، وقد اختلف فيه: فقيل: إنه (اغفر) والتقدير: اغفر غفرانك (¬4)، فعلى هذا الجملة طلبية، وقال الزمخشري: يقال: غفرانك لا كفرانك أي: نستغفرك ولا نكفرك (¬5)، وعلى هذا الجملة خبرية، وأجاز بعضهم أن ينتصب على المفعول به (¬6) أي نسأل غفرانك وهو غير ظاهر؛ لأنه لو كان مفعولا به، لم يكن حذف عامله واجبا، ولكن قد اضطرب كلام ابن عصفور، فتارة أوجب إضمار عامله (¬7) وتارة أجاز إظهاره (¬8)، فيمكن أن يقال: إنه إنما أجاز الأمرين باعتبارين، فحيث جعله مصدرا، أوجب حذف العامل، وحيث جعله مفعولا به أجاز إظهاره، ثم قد علمت أن المصنف لما ذكر المحذوف عامله وجوبا في الأمر، ومثله بقول القائل: 1462 - فصبرا في مجال الموت صبرا (¬9) قال: ومثله في النهي: 1463 - قد زاد حزنك لمّا قيل لا حزنا (¬10) - ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (1/ 189). (¬2) الكتاب (1/ 329). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 204)، والارتشاف (540)، والهمع (1/ 189)، وحاشية الصبان (2/ 117). (¬4) هذا رأي الزجاج في معاني القرآن له (1/ 370) حيث قال: «ومعنى: غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] أي: اغفر غفرانك» اه. وذكر أبو حيان في التذييل (3/ 223) أن بعضهم نسبه إلى سيبويه. والذي قاله سيبويه في هذا المصدر هو: «ونظير سبحان الله في البناء من المصادر والمجرى لا في المعنى (غفران)؛ لأن بعض العرب يقول: غفرانك لا كفرانك، يريد استغفارا لا كفرا» اه. الكتاب (1/ 325). (¬5) الكشاف (1/ 111، 112). (¬6) ينظر: الهمع (1/ 191). (¬7) ذكر ذلك في المقرب (1/ 148) حيث عده مع المصادر التي يجب إضمار عاملها مثل: سبحان. (¬8) ذكر ذلك في شرح الجمل (2/ 339) رسالة بجامعة القاهرة. (¬9)، (¬10) تقدم ذكرهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاستدرك الشيخ ذلك عليه، وقال: هذا تفسير معنى لا تفسير إعراب؛ لأن (لا) التي للنهي من خصائص الفعل المضارع، ولا تدخل على الاسم، ولا يجوز أن يدعى أن فعلها محذوف وأن التقدير لا يحزن حزنا؛ لأن فعل (لا) التي للنهي لا يجوز حذفه، قال: والذي نختاره أن (لا) للنفي، ولو دخلت على حزن، فنفته وهو مبني على الفتح معها، ونوّن ضرورة كما نوّن: 1464 - سلام الله يا مطر عليها (¬1) وهو نفي معناه النهي كما في قوله: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (¬2)؛ فإنه نفي معناه النهي على أحد التأويلين (¬3). انتهى. ولك أن تقول: لا شك أن المعنى على النهي، ولا حاجة بنا إلى أن نجعله نفيا ثم نؤوله به، إذ يمكن كونه نهيا من الأصل، فأما دعوى الشيخ أن فعل (لا) التي للنهي لا يجوز حذفه وإطلاقه ذلك، فقد يمنع، فيقال: إنما يجب الذكر إذا لم يدل دليل على المحذوف، أما إذا قام غيره مقامه، فالحذف لازم، وأي فرق بين قولنا: (صبرا) وبين قولنا: (لا حزنا) بالنسبة إلى كون المصدر بدلا من اللفظ بالفعل في المسألتين، وقد كان الفعل قبل قيام (صبرا) مقامه لا يجوز حذفه، ثم صار حذفه بعد ذكر (صبرا) واجبا إذا قصد إقامته مقامه. فكذلك (لا حزنا)، قد كان الفعل المقصود بالنهي غير جائز الحذف، فلما أقيم (حزنا) مقامه عاد الحذف واجبا. - ¬

_ (¬1) صدر بيت من الوافر للأحوص وعجزه: وليس عليك يا مطر السّلام وهو في: الكتاب (2/ 202)، والمقتضب (4/ 214، 224)، ومجالس ثعلب (1/ 74، 474)، وأمالي الزجاجي (ص 81)، والمحتسب (2/ 93)، والتذييل (3/ 224)، وأمالي الشجري (1/ 341)، والإنصاف (1/ 311)، والخزانة (1/ 294)، والارتشاف (1121)، وابن القواس (34)، والمغني (1/ 343)، والعيني (1/ 108)، (4/ 211)، والتصريح (2/ 171)، والهمع (2/ 80)، والدرر (2/ 105)، وشعر الأحوص (121)، والأشموني (3/ 144). والشاهد قوله: «يا مطر»؛ حيث نون المنادى الذي حقه أن يبنى على الضم ضرورة. (¬2) سورة الواقعة: 79. (¬3) التذييل (3/ 224، 225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الخامس: لا شك أن المسائل التي يجب فيها حذف عامل المصدر، منها ما هو سماعي، ومنها ما هو قياسي، والظاهر أن المذكور من أول الفصل [2/ 378] إلى قوله: أو غائب في حكم حاضر - هو السماعي، وأن المذكور بعد ذلك إلى آخر الفصل هو القياس، وليس في كلام المصنف ما يشعر بذلك، غير أنه لما ذكر المصدر المضاف نحو: غفرانك وفَضَرْبَ الرِّقابِ (¬1)، قال: ومنه مفرد وهو أكثر من المضاف، وليس مقيسا عند سيبويه مع كثرته، وهذا صريح في أن نحو: سقيا ورعيا سماعي عند سيبويه، ثم قال: وهو عند الفراء والأخفش مقيس بشرط إفراده وتنكيره، وسرد الكلام إلى آخره كما تقدم، وقد صرح ابن الحاجب: بأنه سماعي في مثل: سقيا ورعيا وخيبة وجدعا وحمدا وشكرا وعجبا، وأنه قياسي في ست مسائل وهي: ما أنت إلا سيرا وفَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (¬2)، وإذا له صوت صوت حمار، وله علي ألف اعترافا، وزيد قائم حقّا، ولبيك وسعديك (¬3). وعلى هذا الذي ذكره ابن الحاجب يستثنى من الصور الأول التي قلنا: إنها سماعية - لبيك وسعديك، ويضم إلى الصور التي قلنا: إنها قياسية على أن الظاهر عد (لبيك) من السماعي دون القياسي، وهذا أمر لا يحتاج إلى نقل عن أئمة هذا الشأن. المبحث السادس: يظهر أن قول ابن الحاجب معبرا عن فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً (¬4) ما وقع تفصيلا لأثر مضمون جملة متقدمة أحسن من قول المصنف: إنه تفصيل عاقبة طلب أو خبر، وأما قول المصنف: (أو نائبا عن خبر اسم عين بتكرير أو حصر) فهو أولى من قول ابن الحاجب: ما وقع مثبتا بعد نفي أو بمعنى نفي داخل على اسم لا يكون خبرا (¬5) - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة محمد: 4. (¬3) ينظر: شرح ابن الحاجب على كافيته (ص 395 - 404) حيث ذكر ابن الحاجب هذه المسائل السماعية والقياسية بالتفصيل. (¬4) سورة محمد: 4، شرح ابن الحاجب على كافيته (ص 395 - 404) تحقيق د/ جمال مخيمر رحمه الله. (¬5) المرجع السابق نفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه، لأن نحو: زيد سيرا سيرا لم يدخل تحت عبارة ابن الحاجب، ولا شك أن إضمار عامل المصدر في مثلها واجب. المبحث السابع: يشمل قول المصنف: (نائبا عن خبر اسم عين بتكرير) نحو: أنت سيرا سيرا، وإن زيدا سيرا سيرا، وكان زيد سيرا سيرا، وأنت سيرا سيرا مستفهما، ويجوز أن يكون المصدر معرفة نحو: زيد السير السير، وقد تقدم إنشاد قول الشاعر: 1465 - أنا جدّا جدّا (¬1) فلا فرق بين أن يكون اسم العين المخبر عنه ضمير مخاطب أو متكلم أو غائب، أو اسما ظاهرا، قالوا: لا يكون ذلك يعني هذا التركيب الذي يجب فيه إضمار العامل إلا إذا رأيته يعني المخبر عنه على تلك الحال، أو ذكر ذلك، أو قدرت ذلك لنفسك أو غيرك، وذلك على جهة الاتصال أي السير المتصل بعضه ببعض، أي توقعه سيرا متواليا (¬2). قال الشيخ: ومثله في التكرير ما كان بغير لفظه نحو: أنت قياما قعودا، وما عطف عليه مصدر آخر نحو: زيد ضربا وقيلا، وزيد سيرا وردّا، قال: وكذا لو لم تكن الواو نحو: زيد إما قياما إما قعودا (¬3)، ومما نبه عليه الشيخ أنه لما ذكر وجوب [3/ 379] إضمار العامل فيما إذا كان المصدر محصورا نحو: ما أنت إلا سيرا، وما أنت إلا شرب الإبل، على التشبيه، أي تشرب شربا مثل شرب الإبل، قال: أو كان المصدر مستفهما عنه نحو: أأنت سيرا، وعلل ذلك بأن ما فيه من معنى الاستفهام الطالب للفعل كأنه ناب عن التكرير (¬4)، ثم قال الشيخ - بعد التمثيل بـ (ما أنت إلا سيرا) وأخواته -: «والإخبار فيه على ما تقدم من مشاهد هذه الحال والاتصال»، ثم قال: فأما قولك: زيد سيرا - وما زيد سيرا فنص سيبويه على أن (أنت سيرا) أنه ما لا يجوز إظهار العامل فيه؛ لأنه أدخله في الباب، قال: وكذلك: ما أنت سيرا، قال: وأجاز ذلك غيره، وأطلق بعضهم جواز ذلك، ولم - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) ذكر أبو حيان هذا النص في التذييل (3/ 234) نقلا عن البسيط. وينظر: الكتاب (1/ 335، 336). (¬3)، (¬4) التذييل (3/ 234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يفرق بين الاستفهام وغيره (¬1). انتهى. والذي ذكره عن بعضهم من جواز ذلك هو المشهور، وكذا عدم التفرقة بين الاستفهام وغيره، ونسبة القول بوجوب إضمار العامل في مثل: أنت سيرا، وما أنت سيرا إلى سيبويه، لكونه أدخله في الباب - فيه نظر؛ لأنه لا يلزم من إدخاله له في الباب أن يكون حكمه حكم ما ذكر معه .. (¬2). المبحث الثامن: قد علم أن المصدر المؤكد مضمون جملة قسمان: مؤكد نفسه، ومؤكد غيره، فليعلم أن هذا المصدر في ضربيه يجوز أن يأتي نكرة ومعرفة بأل وبالإضافة، فما استعمل معرفة بأل ونكرة: الحق والباطل، تقول: هذا عبد الله حقّا، وهذا زيد الحق لا الباطل، واليقين لا الشك، وغير وقول يستعمل مضافا إلى معرفة نحو: هذا القول لا قولك، وهذا القول غير ما تقول، وتقول هذا القول غير قيل باطل، وقال تعالى: صُنْعَ اللَّهِ (¬3) ووَعْدَ اللَّهِ (¬4)؛ لأن الكلام الذي قبله (صنع ووعد). ومن النكرة: هذا عبد الله قطعا ويقينا، ومنه لا إله إلا الله قولا حقّا، قيل: ومنه هو عالم جدّا (¬5)، كقوله (¬6): 1466 - وإنّ الّذي بيني وبين بني أبي ... وبين بني عمّي لمختلف جدّا (¬7) قال الشيخ: وسيبويه يقول في هو حسيب جدّا: إنه على الحال (¬8)؛ لأنه يجري عنده وصفا في قولك: هو العالم جد العالم، فكان على الحال، وقد التزم في بعض هذه المصادر التعريف، فلا يستعمل على التأكيد إلا معرفة نحو: ألبتة كقولك: - ¬

_ (¬1) المرجع السابق نفسه. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 339). (¬3) سورة النمل: 88. (¬4) سورة الزمر: 20 وتمام الآية وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعادَ. (¬5) ينظر: الهمع (1/ 192)، والمقرب (1/ 255، 256)، والكتاب (1/ 379 - 382) والمباحث الكاملية (ص 935). (¬6) المقنع الكندي وهو محمد بن ظفر بن عمير، شاعر مقل من شعراء الإسلام في عهد بني أمية، وكان يعرف بالشرف والمروءة في قومه. (¬7) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 236)، وديوان الحماسة (2/ 37، 38). والشاهد في قوله: «جدّا»؛ حيث جاء المصدر محذوف الفعل وجوبا؛ لأنه مؤكد الجملة قبله وهو نكرة. (¬8) ينظر: الكتاب (2/ 118) وعبارة سيبويه: وهذا حسيب جدّا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا أفعله ألبتة، ومعناه القطع، ولا عودة له ألبتة لا يستعمل دون ألف ولام، فأما قوله: 1467 - وإنّي لآتيها وفي النّفس هجرها ... بتاتا لأخزي الدّهر ما طلع الفجر (¬1) فهو على الحال، قيل: ومن هذا الباب وهو شاذ (¬2)، ثم قد علمت أن الأصح منع تقديم المصدرين المذكورين على الجملة، وتقدمت الإشارة في كلام المصنف إلى علة ذلك، وأفاد كلامه أن في التقديم خلافا. قال الشيخ: وأجاز الزجاج توسيطه [3/ 380] تقول: هذا حقّا عبد الله، وهو مسموع من كلامهم (¬3)، وأجاز بعضهم تقديمها على الجملة، قال أبو علي: يجوز غير ذي شك زيد منطلق، فتقدم وتؤخر والعامل فيه المعنى، وإن كان متقدما؛ لأن غير ذي شك يقتضيه، فظني أنه قد أجري مجرى الظرف، والظرف يعمل فيه المعنى متقدما نحو: أكلّ يوم لك ثوب؟ فكذلك هذا. انتهى (¬4). وقد استدل بعضهم على جواز ذلك بقول العرب: أحقّا زيد منطلق؟ ولا دليل في ذلك؛ لأن حقّا منصوب على الظرف لا على المصدر (¬5)، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر ثم ما كان مصدرا نصب بفعل من لفظه: التقدير: أحق وأقطع وأبت، وما كان غير مصدرا نصبت بأقول مضمرا، فتقدير هذا القول غير ما يقول أقول غير ما يقول (¬6). المبحث التاسع: قد تقدم في كلام المصنف الإشارة إلى قولهم: أجدّك لا تفعل، وأن الفارسي له فيه تقديران: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، نسب لكثير عزة كما نسب للأحوص، وهو في: التذييل (3/ 237)، وديوان كثير عزة (ص 522)، برواية: بتاتا لأخزي الدهر أو لتثبيت، في الشطر الثاني، وينظر في ملحقات شعر الأحوص (ص 147) برواية. (لقد كنت آتيها) في الشطر الأول. والشاهد قوله: (بتاتا)؛ حيث نصب على الحال؛ لأن البت لا ينصب على المصدرية إلا معرفا بأل، وقيل: إنه نصب عليها شذوذا. (¬2) التذييل (3/ 237). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 239). (¬4) التذييل (2/ 237). (¬5) ينظر: الهمع (1/ 192)، والكتاب (3/ 334، 335). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 378، 379).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن لا تفعل في موضع الحال. ثانيهما: أن يكون أصله: أجدك أن لا تفعل، ثم حذف (أن) وبطل عملها، وأن الشلوبين زعم أن فيه معنى القسم، قال: ولذلك قدم، ولم ينضج المصنف الكلام في المسألة. وقد تكلم غيره على ذلك، فقال ابن الحاجب في شرح المفصل: أجدّك لا تفعل كذا، أصله: لا تفعل كذا جدّا؛ لأن الذي ينتفي الفعل عنه يجوز أن يكون بجد منه، ويجوز أن يكون من غير جد، فإذا قال: جدّا فقد ذكر أحد المحتملين، ثم أدخلوا همزة الاستفهام إيذانا بأن الأمر ينبغي أن يكون كذلك على سبيل التقرير، فقدم لأجل الاستفهام، فقيل: أجدك لا تفعل كذا، ثم لما كان معناه تقرير أن يكون الأمر على وفق ما أخبر، صار في معنى تأكيد كلام المتكلم، فيتكلم به من يقصد إلى التوكيد، وإن كان ما تقدم هو الأصل الجاري على قياس لغتهم. ويجوز أن يكون معنى أجدك في مثله: أتفعله جدّا منك، على سبيل الإنكار لفعله جدّا، ثم نهاه عنه، وأخبر بأنه لا يفعله، فيكون (أجدك) توكيدا لجملة مقدرة، دل سياق الكلام عليها، ومما يدل على أنهم يقولون: أفعله جدّا قول أبي طالب: 1468 - إذا لاتّبعناه على كلّ حالة ... من الدّهر جدّا غير قول التّهازل (¬1) انتهى (¬2). وقال الشيخ - بعد إيراده كلام المصنف في المسألة -: فإن قلت: كيف أدخل سيبويه هذا في المصدر المؤكد لما قبله، وليس كذلك، لأنك إذا فرضته مؤكدا فإنما يكون مؤكدا لما بعده، قلت: إنما هو جواب لمن قال: أنا لا أفعل كذا، وأنا أفعل كذا، وبلا شك أن المتكلم يحمل كلامه على الجد، فهو مجد فيما يقول. فإذا قلت: أتجد ذلك جدّا فهو مؤكد لما قبله، لكنه لم يستعمل قط إلا مضافا، قال الشاعر (¬3): - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو في الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 232) تحقيق موسى العليلي، والخزانة (1/ 251)، وسيرة ابن هشام (1/ 176)، وديوان أبي طالب ق 4 خ بدار الكتب تحت رقم 38 ش. والشاهد فيه: أن قوله: «جدّا» توكيد لجملة مقدرة دل عليها سياق الكلام. (¬2) انظر: شرح المفصل لابن الحاجب المسمى بالإيضاح في شرح المفصل (1/ 233) (العراق). (¬3) هو قس بن ساعدة الأيادي، أو عيسى بن قدامة الأسدي أو الحسن بن الحارث أو نصر بن غالب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1469 - خليليّ هبّا طالما قد رقدتما ... أجدّكما لا تقضيان كراكما (¬1) وقال آخر: 1470 - أجدّك لن ترى بثعيلبات ... ولا بيدان ناجية ذمولا (¬2) وقال آخر: 1471 - أجدّك لم تغتمض ليلة ... فترقدها مع رقّادها (¬3) قال: وغالبا بعده «لا» أو «لم»، أو «لن» (¬4)، وفي [2/ 381] النهاية قال الأعشى: 1472 - أجدّك ودعت الدّمى والولائدا (¬5) يعني أن ودعت موجب، وجاء مع لم كثيرا، ومع لا، نقول: أجدك لا تفعل، وهو مصدر مؤكد تقدم على الجملة من أجل همزة الاستفهام، وهو - يعني همزة الاستفهام - دخلت على قولك: لا تفعل، فصار معنى الكلام التقرير، كأنه قال: ألا تفعل كذا وكذا جدّك، فقدم المصدر لما ذكرنا (¬6). انتهى ما نقله عن النهاية. - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 238)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 116)، والخزانة (1/ 261)، وديوان الحماسة (1/ 362)، والأغاني (14/ 40)، واللسان «جدد». اللغة: تقضيان: تتمان. كراكما: نومكما. والشاهد في قوله: «أجدكما»؛ حيث نصب على المصدر بفعل محذوف، وهو مؤكد لما قبله تقديرا. (¬2) البيت من الوافر، وهو للمرار بن سعيد الأسدي الفقعسي، وهو في معاني القرآن للفراء (1/ 171)، ومجالس ثعلب (1/ 131)، والتذييل (3/ 238)، والبحر المحيط (2/ 290)، (7/ 475)، والمسائل الشيرازيات للفارسي (ص 318) رسالة بجامعة عين شمس، والخزانة (1/ 262)، واللسان «بيد». اللغة: ثعيلبات وبيدان: موضعان. الناجية: الناقة السريعة، الذمول: ضرب من سير الإبل. والشاهد في قوله: «أجدك»؛ حيث نصب بفعل محذوف على المصدرية، وهو مؤكد لما قبله تقديرا. (¬3) البيت من المتقارب، وهو للأعشى من قصيدة يمدح بها سلامة بن يزيد الحميري، وهو في: التذييل (3/ 239)، والارتشاف (ص 766) برواية (أجدك لم تغتمض ساعة) وينظر أيضا: الخزانة (1/ 262)، والكافي في شرح الهادي (ص 383)، والكامل (3/ 882)، وديوانه (ص 69). والشاهد في قوله: «أجدك»؛ حيث نصب بفعل محذوف، وهو مؤكد لما قبله تقديرا. كما في الأبيات السابقة. (¬4) التذييل (3/ 238، 239). (¬5) صدر بيت من الطويل، وعجزه: وأصبحت بعد الجور فيهنّ قاصدا. وهو في: الارتشاف (ص 547)، والخزانة (1/ 263) عرضا، والكافي شرح الهادي (ص 383). برواية (ودعت الصبي)، وديوانه (ص 48). والشاهد في قوله: (أجدك) كالأبيات السابقة. (¬6) ينظر: الارتشاف (ص 547، 548).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو كلام حسن، وينحل به ما قاله ابن الحاجب، ثم قال الشيخ في الارتشاف: وها هنا نكتة وهي أن الاسم المضاف إليه جد، حقه أن يناسب فاعل الفعل الذي بعدها في التكلم والخطاب والغيبة نحو: أجدّك لا أكرمك، وأجدّك لا تفعل، وأجدّه لا يزورنا، وعلة ذلك أنه مصدر يؤكد الجملة التي بعده، فلو أضفته لغير فاعل اختل التوكيد (¬1). المبحث العاشر: قال سيبويه - في مسألة: له صوت صوت حمار -: فإنما انتصب هذا؛ لأنك مررت به في حال تصويت ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلا منه، ولكنك لما قلت: له صوت، علم أنه قد كان، ثم عمل، فصار قولك: صوت بمنزلة قولك: فإذا هو بصوت، فحملت الثاني على المعنى ثم قال: كأنه توهم بعد قوله: صوت: يصوت صوت حمار، أو يبديه، أو يخرجه صوت حمار (¬2). انتهى. وفهم الناس منه أن صوت حمار يكون مصدرا مبينا إن قدر العامل من لفظ صوت، ويكون حالا إن قدر العامل من غير لفظ صوت (¬3)، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله المتقدم: فإذا استوفيت شروط نصب المشبه به، فرفعه على الإتباع جائز، وكذا نصبه على الحال والعامل يبديه أو نحوه (¬4). المبحث الحادي عشر: أشار المصنف بقوله: (وإتباعه جائز) في المتن، وبقوله في الشرح: إن رفعه على الإتباع جائز (¬5) إلى جواز رفع هذا المصدر، إذ لا مانع من ذلك، ثم إن كان المصدر نكرة، جاز فيه كونه صفة، وكونه بدلا، ويؤخذ هذا من قول سيبويه: ولم ترد أن تجعل الآخر صفة للأول ولا بدلا منه (¬6) ويجوز أيضا أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وإن كان المصدر معرفة كقولهم: لها هدير هدير الثور - تعين البدل، - ¬

_ (¬1) الارتشاف (ص 548). (¬2) الكتاب (1/ 356). (¬3) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (1/ 115)، والتصريح (1/ 333)، والأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 219)، والمطالع السعيدة (ص 303، 304). (¬4) ينظر: شرح التسهيل للمصنف. (¬5) شرح التسهيل للمصنف. (¬6) الكتاب (1/ 356).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز كونه خبرا لمبتدأ محذوف أيضا، ولا يجوز أن يكون صفة، لأنه معرفة، وأجاز ذلك الخليل؛ لأنه عنده في معنى النكرة، لأنها مضاف إليها مثل، وزعم سيبويه أن هذا قبيح ضعيف، لا يجوز إلا في موضع اضطرار (¬1)، ثم قول المصنف: (وإتباعه جائز) يفهم منه ظاهرا أن النصب أرجح من الرفع، وقد اختلف في ذلك، فقال ابن خروف: النصب في هذا الباب الوجه؛ لأن الثاني ليس الأول فيدخله المجاز والإتباع، يعني إذا رفع (¬2)، وقال ابن عصفور: الرفع والنصب فيه متكافئان؛ لأن النصب فيه [2/ 382] الإضمار، وفي الرفع المجاز، لأنه جعل الأول: الثاني (¬3) وليس به، وفيما قاله ابن عصفور نظر، فإن العامل المضمر قد قام شيء مقامه؛ ولذا التزم إضماره. وأما قول المصنف: (وإن وقعت صفة موقعه فإتباعها أولى من نصبها) فقد تقدم شرحه له، وقد نص سيبويه على أن الاختيار في ذلك الرفع (¬4) كما ذكر المصنف. وقرن سيبويه بهذه المسألة ما إذا كرر صوت ووصف نحو: له صوت صوت حسن، وعلل ذلك بأنه إنما أريد الوصف، فذكر صوت توطئة له، وأشار سيبويه إلى أن النصب جائز بقوله: وإن قلت: له صوت، أيما صوت أو مثل صوت الحمار، أو له صوت صوتا حسنا جاز. وزعم ذلك الخليل، ويقوي ذلك أن يونس وعيسى جميعا زعما أن رؤبة كان ينشد هذا البيت نصبا: 1473 - فيه ازدهاف أيّما ازدهاف (¬5) فحمله على الفعل ينصب صوت حمار؛ لأن ذلك الفعل لو ظهر نصب ما كان صفة، وما كان غير صفة (¬6). وأما قول المصنف: (وكذا التالي جملة خالية مما هو له) فأراد به الإشارة إلى نحو: فيها صوت صوت حمار، يعني أن الإتباع فيه أولى من النصب، وقد تقدم ذلك في كلام المصنف. قال سيبويه: ولو نصبت كان وجها؛ لأنه إذا قال: هذا صوت، فقد علم أن مع الصوت فاعلا نحمله على المعنى كما قال: 1474 - ليبك يزيد ضارع لخصومة (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 361). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 345)، والتصريح (1/ 334). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 335)، والتصريح (1/ 334). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 363). (¬5) تقدم ذكره. (¬6) الكتاب (1/ 364). (¬7) تقدم البيت في باب الفاعل، وهو من بحر الطويل للحارث بن نهيك كما في كتاب سيبويه: (1/ 288) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثاني عشر: قسم ابن عصفور المصدر بالنظر إلى التصرف والانصراف أربعة أقسام: الأول: متصرف لا منصرف: وهو كل ما أقيم من الصفات مقام مصدر محذوف نحو: قعد زيد أكثر من قعود عمرو، وما جمع من المصادر جمعا متناهيا نحو: جربت هذا الأمر تجارب كثيرة، وما فيه ألف تأنيث نحو: رجعته رجعى، وذكرته ذكرى. الثاني: منصرف لا متصرف عكس الأول، وهو سبحان الله ومعاذ الله وريحانه أي استرزاقه، وعمرك الله وقعدك، وغفرانك لا كفرانك أي استغفارا، وحنانيك وهذاذيك، وحذاريك، ودواليك ولبّيك وسعديك. والثالث: لا متصرّف ولا منصرف ومثله: «بسبحان» إذا جعل علما ولم يضف نحو: سبحان من علقمة الفاخر. والرابع: متصرّف منصرف، وهو ما عدا ما ذكر نحو: ضرب وقتل إذا نصبتهما (¬1). انتهى. وهو أمر غير محتاج إلى التنبيه عليه، لوضوحه، ولهذا لم يتعرض المصنف إلى ذكره، فإن قيل: كيف تعرض إلى مثل هذا التقسيم في الظرف؟ فالجواب: أن الظرف ثبت عنده كما ثبت عنده غيره أن فيه قسما لا ينصرف ولا يتصرّف، وهو سحر المعيّن (¬2)، وبثبوت ذلك صارت القسمة رباعية [2/ 383] وهو محتاج إلى التنبيه على ما لا ينصرف، كما احتاج إلى التنبيه على ما لا يتصرّف ولا ينصرف، فلما كان ذكر هذين القسمين متعينا، والقسمة رباعية كما عرفت - ناسب أن يشير إلى الأقسام الأربعة، وأما المصدر فلم يكن عنده فيه قسم لا ينصرف ولا يتصرف، لأن سبحان عنده من قول القائل: 1475 - سبحان من علقمة الفاخر (¬3) - ¬

_ - والضارع: الذليل. وقد ورد البيت بعدة مراجع منها شرح المفصل (1/ 80)، وشرح التصريح (1/ 274)، والمحتسب (1/ 230)، والمقتضب (3/ 282). (¬1) المقرب (1/ 148، 149) وقد تقدم البيت السابق، وينظر أيضا: تقريب المقرب لأبي حيان (ص 63). (¬2) سوف يأتي الحديث عن ذلك في باب المفعول فيه إن شاء الله. (¬3) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منوي الإضافة، فتنوينه إنما حذف لنيّة الإضافة كما تقدم تقريره، ولهذا قال: قد ينون إن لم تنو الإضافة نحو: 1476 - سبحانه ثمّ سبحانا نعوذ به (¬1) فامتنع ذكر هذا القسم، وما ينصرف ويتصرّف معلوم، وكذا ما ينصرف ولا يتصرف معلوم أيضا، فلم يبق مما يحتاج إلى التنبيه عليه من ذلك إلا قسم واحد، وهو: ما ينصرف ولا يتصرف، وقد ذكر المصنف منه عدة كلمات كما عرفت حين تكلم على حذف عامل المصدر، لكنه لم يتعرض في هذا الباب إلى عدم تصرفه، وكان الواجب أن ينبه على ذلك، ثم إن ابن عصفور تعرض إلى الكلام على بعض المصادر التي لا تتصرف (¬2)، وأنا أذكر من كلامه على ذلك ما لم يتضمنه كلام المصنف، فأقول: ذكر في سبحان ما ذكره المصنف من أنه مصدر، ونسب القول بمصدريته إلى السيرافي، قال: مذهب أبي سعيد السيرافي أنه مصدر فعل غير مستعمل كأنه قيل: سبح سبحانا كما يقال: كفر كفرانا وشكر شكرانا، قال - يعني السيرافي -: وقولهم سبح فعل ورد على سبحان بعد أن ذكر، وعلم، ومعنى سبح: قال: سبحان الله كما نقول: بسمل إذا قال: بسم الله، وذهب غيره إلى أنه يقال: سبح الله إذا نزهه. وبقوله: سبحان الله، أو بغير ذلك من ألفاظ التنزيه، وأن سبحان مصدر له غير جار عليه، كما قالوا: افترقوا فرقة، فجعلوا فرقة مصدر الافتراق، وإن لم يكن جاريا عليه، قال: وهذا المذهب هو الذي يعطيه كلام سيبويه، بدليل قوله: كأنه حين قال: سبحان الله قال: تسبيحا (¬3)، ثم قال ابن عصفور: وأما معاذ، فله فعل من لفظه يقال: أعوذ بالله عواذا ومعاذا؛ فإذا قالوا: معاذ الله فكأنهم قالوا: عياذا بالله، إلا أنهم أوصلوا معاذا إلى المفعول بنفسه، ولذلك أضافوه، ويقال أيضا: معاذه وجه الله أي: عياذا بوجه الله (¬4)، أنشد القالي (¬5) في نوادره لابن الدّمينة: - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) ينظر: المقرب (1/ 148). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 322). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 307، 308)، والهمع (1/ 190). (¬5) هو أبو إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن هارون بن عيسى بن محمد بن سليمان، وجده سليمان مولى عبد الملك بن مروان الأموي، ولد بمناز جرد من ديار بكر سنة 288 هـ، فنشأ بها ورحل منها إلى العراق لطلب العلم والتحصيل، وينسب أبو علي إلى قالي قلا، وهي بلد من أعمال أرمينية، قرأ النحو على ابن درستويه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1477 - معاذه وجه الله أن أشمت العدى ... بليلى وإن لم تجزني ما أدينها (¬1) قال: وأما ريحان فمصدر ليس له فعل من لفظه، فإذا قالوا: ريحان الله فكأنهم قالوا: استرزاقه، لأن الريحان الرزق، فوضع موضع استرزاقه، ثم سأل فقال: فقد رفع في قول النمر بن تولب: 1478 - سلام الإله وريحانه ... ورحمته وسماء درر (¬2) وأجاب عن ذلك بأن قوله: [2/ 384] وريحانه معناه: ورزقه، فهو مضاف إلى غير المفعول، وريحانه الذي هو من هذا الباب مضاف إلى المفعول، فقد حكى سيبويه أن معنى قوله: سبحان الله وريحانه: أسبح الله وأسترزقه (¬3). انتهى. وفي شرح الشيخ: وأما ريحان فقيل: معناه الاسترزاق، وقيل: الطيب والريحان في كلام العرب على هذين الوجهين، ومنه قوله تعالى: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (¬4)، وقال الشاعر: سلام الإله وريحانه وإذا كان بهذا المعنى تصرف وتدخله (أل) ومعنى الاسترزاق لا يتصرف ولا يكون إلا مضافا، ثم قيل: إنه لا يستعمل وحده، بل مقترنا بسبحان الله، ويضيف هذا القول أن سيبويه ذكره وحده، ولم يتعرض إلى التنبيه على ذلك (¬5) ثم ستعرف في التصريف أن أصل: ريحان ريوحان بوزن فيعلان، لأن أصله (روح) فقلبت الواو ياء على القاعدة المعروفة، وحصل الإدغام فصار: ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، ووزنها بعد الحذف فيلان، وهو حذف سماعي غير مطرد (¬6). - ¬

_ - والزجاج والأخفش الصغير وابن السراج وغيرهم، ومن كتبه: الأمالي، والممدود والمقصور، وفعلت وفعلت، والنوادر وغيرها. توفي سنة 356 هـ (ينظر: ترجمته في البغية (1/ 453) تحقيق محمد أبو الفضل). (¬1) البيت من بحر الطويل، وهو لابن الدمينة، وهو في الأمالي لأبي علي القالي كما نسب في الشرح، انظر: الأمالي (1/ 99) طبعة الهيئة العامة للكتاب 1975. (¬2) البيت من المتقارب، وهو في: التذييل (3/ 205، 208)، والمنصف (2/ 11)، والمباحث الكاملية (ص 940)، وتهذيب اللغة، واللسان «روح». والشاهد في قوله: «وريحانه»؛ حيث أريد به الرزق، ولذلك تصرف. (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 322)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 330، 331)، والمقرب (1/ 148). (¬4) سورة الواقعة: 89. (¬5) التذييل (3/ 208)، والكتاب (1/ 322). (¬6) ينظر: تهذيب اللغة للأزهري مادة (روح) وإملاء ما منّ به الرحمن لأبي البقاء (2/ 255).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال ابن عصفور: وأما عمر من قولهم: عمرك الله فمصدر لعمر واقع موقع تعمير حذفت زوائده، ورد إلى الأصل، ونظيره في ذلك (قدر) من قول الشاعر: 1479 - فإن يبرأه لم أنفث عليه ... وإن يهلك فذلك كان قدري (¬1) يريد: تقديري، فحذف منه الزوائد ورده إلى الأصل، وهو مصدر تشبيهي جعل بدلا من الناصب له، وهو عمر، فإذا قلت: عمرك الله، فالتقدير: عمرتك الله عمرك الله نفسك، أي عمرتك الله مثل تعميرك إياه نفسك، إلا أنه حذف الثاني من مفعولي المصدر للعلم به، ومعنى عمرتك الله: تعميرك إياه نفسك، سألت الله أن يعمرك كسؤالك أن يعمرك الله. وقعدك الله بمعنى عمرك الله، والقول فيه كالقول في عمرك الله، أعني أنه مصدر لقعد واقع موقع تقعيد حذفت زوائده، ورد إلى الأصل، كما أن عمرك الله كذلك، وهو أيضا مصدر تشبيهي جعل بدلا من الناصب له وهو قعد؛ فإذا قلت: قعدك الله فالتقدير: قعدتك قعدك الله نفسك، أي قعدتك الله تقعيدا مثل تقعيدك إياه نفسك، ومعنى قعدتك قعدك الله نفسك حفظتك تحفيظا كتحفيظك إياه نفسك، أي: سألت الله أن يحفظك كسؤالك إياه أن يحفظك، إلا أنه لم يستعمل من قعدك فعل، فيقال: قعدتك الله، كما قالوا: عمرتك الله (¬2)، وليس قعدتك من القعود الذي هو خلاف القيام، ولكنه من قوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (¬3) أي حفيظ، يبين ذلك قوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (¬4)، وقد جاء في الشعر [2/ 385]: قعيدك الله كما قال الشاعر: 1480 - قعيدكما الله الّذي أنتما له ... ألم تسمعا بالبيضتين المناديا (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، وهو ليزيد بن سنان، وهو في الأمالي الشجرية (1/ 350)، والمخصص (9/ 92)، والمفضليات (ص 71)، والشيرازيات (ص 99). والشاهد في قوله: «قدري»؛ حيث إنه مصدر تشبيهي جعل بدلا من اللفظ بفعله. (¬2) لمراجعة ذلك ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 331)، والمباحث الكاملية (ص 937 - 939)، والمسائل الشيرازيات للفارسي (ص 65، 66)، وشرح المقدمة الجزولية للشلوبين بمعهد المخطوطات العربية. (¬3) سورة ق: 17. (¬4) سورة ق: 18. (¬5) البيت من الطويل، وهو للفرزدق، وهو في: المسائل الشيرازيات للفارسي (ص 70)، والهمع (2/ 45)، والدرر (2/ 54) ومعجم البلدان (البيضتان)، وديوان الفرزدق (895). والشاهد في قوله: «قعيدكما»؛ حيث إنه مصدر جعل بدلا من اللفظ بفعله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مصدر كالنذير من أنذر، ثم قال: وقعدك الله، وعمرك الله وإن كان تفسيرها ما ذكرناه، فإنها لما كانت كثيرا تستعمل عند الطلب والسؤال صار قائلها كأنه قال: سألتك الله هل كان كذا وكذا، فوقع بعدها لذلك ما وقع عليه السؤال، والذي يقع عليه السؤال ست: الأمر والنهي والاستفهام، وأن ولما حقيقة وإلا فوقع بعدها الأمر والنهي والاستفهام؛ لأنها كلا بمعنى السؤال ومن ذلك قوله: 1481 - عمرك الله ساعة حديثنا ... ودعينا من ذكر ما يؤذينا (¬1) وقول بعضهم: عمرك الله لا تقل إلا صدقت، ولا تسر إلا وقفت. ووقعت بعدها أن؛ لأنها في صلة السؤال، ومن ذلك قوله: 1482 - قعيدك أن لا تسمعيني ملامة ... ولا تنكأي قرح الفؤاد فييجعا (¬2) كأنه قال: سألتك بالله أن لا تسمعيني ملامة، ووقعت بعدها لما حقيقة، قالا: لأنهما يقعان بعد السؤال؛ فقالوا: عمرتك الله لما تفعل كذا، وإلا فعلت كذا، من ذلك قوله: 1483 - عمرتك الله إلّا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم (¬3) وساغ إدخال (إلا) بعد السؤال في نحو قولك: سألتك بالله إلا فعلت، حملا على ما أفادوه من معنى النفي، لأنهم أرادوا: ما أسألك بالله إلا فعلت، والأصل في قولهم: (إلا فعلت): إلا أن تفعل، فأوقعوا الماضي موقع المضارع ولم يدخلوا (أن)، وقال الفارسي: إن الأصل فيه: إلا فعلك، فأوقعوا الفعل موقع المصدر، كما وقع موقعه في قول الشاعر أنشده أبو زيد: - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: المحتسب (1/ 100)، والكافي شرح الهادي (ص 388)، واللسان «عمر». والشاهد في قوله: (عمرك الله ساعة حدّثينا ودعينا) حيث وقع بعد (عمرك) ما وقع عليه السؤال وهو الأمر. (¬2) البيت من الطويل، وهو لمتمم بن نويرة وهو في: المقتضب (2/ 238)، والخزانة (1/ 234، 214)، والمباحث الكاملية (ص 939)، والهمع (2/ 45)، والدرر (2/ 55)، والرضي (119). والشاهد في قوله: «قعيدك أن لا تسمعيني»؛ حيث وقعت أن بعد قعيدك؛ لأنها في صلة السؤال. (¬3) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1484 - وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الإصباح آثر ذي أثير (¬1) فأوقع (ألهو) في جواب (ما تشاء) موقع اللهو (¬2)، ونظير ذلك في الإتيان بألّا لإرادة معنى النفي قوله (¬3): 1485 - وهل هند إلّا مهرة عربيّة ... سليلة أفراس تحلّلها بغل (¬4) فأتى بإلّا، لأن المعنى: ما هند إلا مهرة عربية، وقول الآخر: 1486 - وكلّهم حاشاك إلّا وجدته ... كعين الكذوب جهدها واحتفالها (¬5) فأتى أيضا بإلا؛ لأن المعنى: ما منهم أحد حاشاك إلا وجدته كعين الكذوب، قال (¬6): وأما غفرانك من قولهم: غفرانك لا كفرانك، فمصدر واقع موقع استغفار، ولا يستعمل على هذا المعنى إلا منصوبا مضافا إلى المفعول، ثم قال: وأما حنانيك، وهذاذيك وحذاريك ودواليك ولبيك وسعديك، فمصادر مثناة بلا خلاف، إلا لبيك فإن فيه خلافا، ثم ذكر المسألة إلى آخرها ومذهب يونس فيها، واستدلال سيبويه (¬7) عليه كما تقدم [2/ 386] في كلام المصنف، ثم قال: - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، وهو لعروة بن الورد، وهو في: الخصائص (2/ 433)، والمحتسب (2/ 32)، والأغاني (2/ 185)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 95)، والشيرازيات (58)، والهمع (1/ 6)، والدرر (1/ 3)، وديوان عروة (89)، واللسان «أثر» وليس في نوادر أبي زيد. الشاهد في قوله: (ألهو)؛ حيث وقع الفعل موقع المصدر وهو (اللهو) في جواب قوله: (ما تشاء) كما يرى الفارسي. (¬2) المسائل الشيرازيات للفارسي (ص 58، 59). (¬3) هي بنت النعمان بن بشير الأنصاري قالته في زوجها روح بن زنباع، ويقال: إن اسمها حمدة. (¬4) البيت من الطويل، وهو في كتاب التنبيه لأبي علي القالي (ص 31)، واللسان «حلل». والشاهد في قوله: «وهل هند إلا مهرة»؛ حيث وقعت (إلا) بعد الاستفهام المراد منه النفي. (¬5) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في: معاني القرآن للفراء (1/ 140)، والتذييل (3/ 620)، وما يجوز للشاعر في الضرورة (136)، والارتشاف (626). اللغة: احتفالها: من الحفل، وهو اجتماع الماء في محفله. والشاهد في قوله: «إلا وجدته»؛ حيث وقعت (إلا) بعد ما يراد به النفي، وفيه أيضا شاهد آخر، وهو وقوع الفعل الماضي بعد (إلا) دون اقترانه بقد أو دون سبق فعل منفي، ويرد الثاني أن قوله (كلهم حاشاك) في تأويل النفي كما ذكر ابن عصفور، وقد خرج بعض العلماء البيت على أنه ضرورة شعرية. (¬6) أي ابن عصفور، فالكلام ما زال له. (¬7) ينظر: الكتاب (1/ 351، 352)، والمقرب (1/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والغرض بتثنية هذه المصادر التكثير بمعنى حنانيك تحنّنا بعد تحنّن، ثم فسر ذلك بأن قال: أي كلما كنت في رحمة منك فلا تنقطع عنا، ولكن موصولة بأخرى، وفيه نظر، قال: سبحان الله وحنانيه، فكأنه قال: سبحان الله واسترحامه، أي أسبح الله وأسترحمه استرحاما موصولا بمثله، وإذا قال: حذاريك فكأنه قال: ليكن منك حذر بعد حذر، وإذا قال: فعلته دواليك، فكأنه قال: مداولتك، وهو مصدر تشبيهي أي نتداوله مرة بعد أخرى مداولة مثل دواليك، أي مثل مداولتك، وإذا قال: هذاذيك فكأنه قال: هذا بعد هذا. وإذا قال لبيك وسعديك كأنه قال: إجابة بعد إجابة أي كلما أجبتك في أمر، فإني في الآخر مجيب، قال: وإنما استعملتا في هذا المعنى وإن كان لبيك من قولهم: ألبّ على الأمر، إذا داوم عليه، ولم يفارقه. وسعديك من قولهم: أسعد فلان فلانا على مراده، وساعده عليه، ولا يقال: ألب ولا أسعد بمعنى أجاب؛ لأن الإلباب والمساعدة دنوّ منه ومتابعة، وكل من دنا منك وتابعك على ما تريده فقد أجابك إلى ما تريد منه (¬1)، ثم قال: ولكون هذه المصادر المثناة قد دخلها بالتثنية في حال انتصابها على أنها مصادر معنى، ليس للتثنية بحق الأصالة، وهو الكثير - لم يتصرفوا فيها، ومما يدل على ذلك أنهم لما أفردوا حنانا لم يمنعوه التصرف، قال الله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا (¬2)، وقال الشاعر: 1487 - فقالت حنان ما أتى بك هاهنا (¬3) ثم قال: فأما حنانيك وهذاذيك، وحذاريك، فإنها مضافة إلى الفاعل، وأما - ¬

_ (¬1) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل (3/ 213 - 216)، والهمع (1/ 189، 190). (¬2) سورة مريم: 13. (¬3) البيت للمنذر بن أدهم الكلبي، وهو صدر بيت من الطويل، وعجزة: أذو نسب أم أنت بالحيّ عارف وهو في: الكتاب (1/ 320)، والمقتضب (3/ 225)، والكامل (2/ 199)، وأمالي الزجاجي (131)، وابن يعيش (1/ 118)، وشرح الجمل لابن الضائع، والتذييل (3/ 211)، والعيني (1/ 539)، والتصريح (1/ 177)، والهمع (1/ 189)، والكافي شرح الهادي (386)، والأشموني (1/ 221). والشاهد في قوله: (حنان)؛ حيث رفع بتقدير مبتدأ ولم ينصب؛ لأنه مفرد. وقيل: إن أصله «حننا عليك حنانا» ثم حذف الفعل، ثم رفع المصدر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سعديك ولبيك وحنانيه من سبحان الله وحنانيه، فإنها مضافة إلى المفعول، قال: وما ذهب إليه الأعلم من أن الكاف في دواليك وهذاذيك حرف خطاب (¬1) بمنزلتها في النجاك (¬2) باطل؛ لأن النون قد حذفت لها، ولا يعرف من كلامهم حذف النون للكاف التي هي حرف خطاب. هذا انتهاء كلام ابن عصفور (¬3)، وفي بعضه بحث، وسيأتي الكلام على هذه المصادر أعني المثناة كدواليك في باب الإضافة إن شاء الله تعالى. وفي شرح الشيخ: وأما سلاما فقال أبو الخطاب (¬4): موضع تسليم برأه، أي لا خير بيننا ولا شر، وإذا لقيت فلانا فقل سلاما، فسره بعضهم بالبرأة عنه، ومعنى سلامك ربنا في كل فجر (¬5)، وسلامتك أي برأتك من كل سوء كما تقول: سلم سلامة من هذا الأمر أي لم يتثبت منه بشيء. وعلل عدم تصرفه بأنه حذفت منه التاء فلزم النصب، قال سيبويه: إن من العرب من يرفعه [2/ 387] فيقول: سلام وهو يريد معنى المبارأة، كما رفعوا حنان، سمع من العرب من يقول: لا تكونن مني إلا سلام بسلام (¬6)، وهو استثناء منقطع، التقدير: إلا أن يكون مباركة ومبارأة، كأنه قال: إلا أمرنا سلام فسلام، أي مبارأة ما جرى، يريد مني ومنك، وكأنه قال: لا تكونن مني إلا مجانبا ومسالما، وكان هنا تامة؛ لأن - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح شواهد الكتاب للأعلم بهامش الكتاب (1/ 175) طبعة الأميرية، والتذييل (2/ 217)، والهمع (1/ 190). (¬2) النجاء: السرعة في السير، وهو يمد ويقصر، فيقال: نجا نجاء ونجا، وقالوا: النجاك فأدخلوا الكاف للتخصيص بالخطاب، ولا موضع لها من الإعراب؛ لأن الألف واللام معاقبة للإضافة «اللسان: مادة نجا» وتحدث ابن جني عن هذه الكلمة في سر صناعة الإعراب (1/ 309) فقال: النجاءك: أي: انج، وكذلك قولهم: أبصرك زيدا، لا يجوز أن تكون الكاف اسما؛ لأن هذا الفعل لا يتعدى إلى ضمير المأمور به. اه. (¬3) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 331 - 333). (¬4) هو عبد الحميد بن عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الأكبر، كان إماما في العربية حيث لقي الأعراب وأخذ عنهم، وعن أبي عمرو بن العلاء، وأخذ عنه سيبويه والكسائي ويونس وأبو عبيدة، وهو أول من فسر الشعر تحت كل بيت، ولم يكن الناس يعرفون ذلك قبله. (البغية (2/ 74) تحقيق محمد أبو الفضل). (¬5) صدر بيت تقدم ذكره. (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 326).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النهي لا يكون في الناقصة، كما لا يكون الأمر وقد حمل على الناقصة وهو للمبرد (¬1) فيكون مني متعلّقا بمحذوف هو الخبر لها على معنى لا يكونن منسوبا إلى إلا بالمجانبة (¬2). انتهى، وقول هذا القائل: إن النهي لا يكون في الناقصة كما لا يكون الأمر - كلام عجيب، وما المانع أن تقول لمخاطبك: لا تكن ظالما، ولا تكن جاهلا، وكن عالما، وكن عادلا، وقد قال الله تعالى: قُلْ كُونُوا حِجارَةً (¬3) وفي الشرح المذكور أيضا: وأما حجرا فكأنه من الحجر، وهو المنع فاستعمل مكسورا، كاستعمال العمر في القسم مفتوحا وهو من العمر، وقيل: هو الاسم واقع موقع المصدر، فيكون على فعل من لفظه، كأنه قال: أحجر حجرا، أي أمنعه عن نفسي وأبعده وأبرأ منه، ويقول الرجل للرجل: أتفعل هذا؟ فيقول: حجرا، أي منعا، وقال سيبويه: أي سترا وبرأة من هذا (¬4). والحجر يراد به الستر ومنه: وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (¬5) أي حراما (¬6)؛ لأن الحرام ممنوع منه. ومحجورا تأكيد يريد حجرا حجرا، لكن أتى بصيغة المفعول وهو لا ينصرف إن كان بمعنى المبارأة والتعوذ، فإن كان على أصله من المنع أو الستر من غير أن يشاب هذا المعنى، تصرف كقوله تعالى: قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (¬7) أي لصاحب مانع يمنعه عن الباطل، أي صاحب عقل، ولذلك فسر هنا بالعقل؛ فأما وَحِجْراً مَحْجُوراً (¬8) يعد برزخا فمعناه ستر، فلم يجعل موضع الفعل على ذلك المعنى، وقيل: هو هنا على الأصل المذكور نائبا عن فعل، كأنه لما جعل بينهما البرزخ قدر ذلك بينهما تنافرا، فصار كل واحد منهما كأنه يقول للآخر: حجرا محجورا، مبالغة في الحجر، قال: وذهب المبرد (¬9) إلى أن حجرا يتصرف لما رآه يتصرف في موضع، ولكن قد تقدم الفرق (¬10). ¬

_ (¬1) ينظر: المقتضب (3/ 219). (¬2) التذييل (3/ 209، 210). (¬3) سورة الإسراء: 50. (¬4) الكتاب (1/ 326). (¬5) سورة الفرقان: 22. (¬6) ينظر: معاني القرآن للفراء (2/ 266)، وإصلاح المنطق (ص 20). (¬7) سورة الفجر: 5. (¬8) سورة الفرقان: 53. (¬9) ينظر: المقتضب (3/ 218). (¬10) التذييل (3/ 210).

[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا]

[أحكام للمفعول المطلق المحذوف عامله وجوبا] قال ابن مالك: (فصل: المجعول بدلا من اللفظ بفعل مهمل مفرد كذفرا، وجائز الإفراد والإضافة كويله، ومضاف غير مثنّى كبله الشيء وبهله، ومثنّى كلبّيك وليس كلدى لبقاء يائه مضافا إلى الظّاهر، خلافا ليونس، وربّما أفرد مبنيّا على الكسر. وقد ينوب عن المصدر اللّازم إضمار ناصبه صفات كـ: عائذا بك، وهنيئا لك، وأقائما وقد قعد النّاس (¬1)، وأسماء أعيان كتربا وجندلا، وفاها لفيك، وأأعور وذا ناب؛ والأصحّ كون الأسماء مفعولات والصّفات أحوالا). قال ناظر الجيش: اعلم أن صدر هذا الفصل إلى قوله: (وربما أفرد [2/ 388] مبنيّا على الكسر) قد تضمن كلام المصنف المتقدم شرحه مستوعبا، وأما قوله: وقد ينوب عن المصدر اللازم إضمار ناصبه إلى آخر الفصل، فقال المصنف في شرحه (¬2): الأصل في الدعاء والإنشاء والتوبيخ والاستفهام أن يكون الفعل، وكثرت نيابة المصدر عنه في ذلك، لقوّة دلالته عليه نحو: معاذ الله، وغفرانك، و: 1488 - أذلّا إذا شبّ العدى نار حربهم (¬3) وقعودا يعلم الله وقد سار الركب، وقد يقوم مقام المصدر صفات مقصودا بها الحالية على سبيل التوكيد نحو: عائذا بالله من شرها، وهنيئا لك، وأقاعدا وقد سار الركب، وقائما علم الله وقد قعد الناس، فوقعت الصفات في مواقع المصادر، لتضمنها إياها (¬4)، وجعلت أحوالا مؤكدة لعواملها المقدرة استغني بها عن المؤكد كما استغني بالمصادر، ولا يستبعد كون الحال مؤكدة لعاملها مع كونه - ¬

_ (¬1) زاد في التسهيل بعد ذلك (ص 89): «وأقاعدا وقد سار الركب، وقائما قد علم الله وقد قعد الناس». (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 192). (¬3) تقدم ذكره. وهو صدر بيت من بحر الطويل لقائل مجهول وعجزه: وزهوا إذا ما يجنحون إلى السلم وهو في: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 187)، وفي الهمع (1/ 192)، والدرر (1/ 165). (¬4) ينظر: الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 240 - 241) تحقيق موسى العليلي، والمباحث الكاملية (ص 941، 942)، والأجوبة المرضية (ص 217).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من لفظها، فإن ذلك واقع في أفصح الكلام كقوله تعالى: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا (¬1)، وقوله تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ (¬2). ومن نيابة الحال في الإنشاء قول عبد الله بن الحارث السهمي رضي الله عنه (¬3): 1489 - ألحق عذابك بالقوم الّذين طغوا ... وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني (¬4) أراد: وأعوذ عائذا بك، فحذف الفعل وأقام الحال كما كان يفعل بالمصدر، لو قال: عياذا بك؛ ومن نيابتها في التوبيخ قول الآخر: 1490 - أراك جمعت مسألة وحرصا ... وعند الحقّ زحّارا أنانا (¬5) الأنان: الأنين، والعامل فيه (زحّارا)؛ لأن (زحر) قريب المعنى من أنّ. ومن نيابة الحال في الاستفهام قول الذبياني: 1491 - أتاركة تدلّلها قطام ... وضنّا بالتّحيّة والكلام (¬6) فهذا كقولك: قائما زيد وقد قعد الناس، وقد حمل المبرد: عائذا بك وأقائما - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 79. (¬2) سورة النحل: 12. (¬3) صحابي جليل من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. (¬4) البيت من البسيط وهو: في الكتاب (1/ 342)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 381)، والمباحث الكاملية (942)، وابن يعيش (1/ 123)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 193)، والروض الأنف (2/ 83)، والتذييل (3/ 249، 809)، واللسان «عوذ». والشاهد في قوله: «وعائذا بك»؛ حيث أقيم اسم الفاعل مقام المصدر المضمر عامله وجوبا في غير الاستفهام. (¬5) البيت من الوافر، وهو في الكتاب (1/ 342) وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 204) برواية (فكيف) مكان (أراك) وينظر أيضا: المخصص (2/ 141)، والمقرب (1/ 258)، والتذييل (3/ 809)، واللسان «أنن»، وإصلاح المنطق (123). اللغة: المسألة: سؤال الناس. زحارا: هو من الزحير والزحار، وهو إخراج الصوت أو النفس بأنين عند عمل أو شدة. الأنان: الأنين. والشاهد في قوله: «زحارا أنانا»؛ حيث وقع حالا محذوف العامل وجوبا؛ لأنه بدل من اللفظ بالفعل في التوبيخ. (¬6) البيت من الوافر، وهو مطلع قصيدة للنابغة الذبياني يمدح فيها عمرو بن هند وينظر في: الأمالي الشجرية (2/ 115)، وابن يعيش (4/ 64)، وابن القواس (ص 791)، والتذييل (3/ 249، 809)، وديوان النابغة (ص 111) طبعة بيروت. والشاهد في قوله: «أتاركة»؛ حيث نصب بفعل مضمر، وهو قائم مقام المصدر، مسند إلى ظاهر وهو قطام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد سار الركب ونحوهما - على أنها مصادر، وجاءت على وزن فاعل كقولهم: فلج به فالجا، وما ذهب إليه غير صحيح (¬1)؛ لأنه يوافقنا على أن عائذا وقاعدا ونحوه لا يدل على المصدرية في غير الأمثلة التي ادعى فيها المصدرية؛ فدلالتها عليها في هذه الأمكنة اشتراك ومخالفة للاستعمال المجمع عليه فلا تقبل بمجرد الدعوى، ولو سلم الاشتراك لكانت المصدرية مرجوحة في الصفات المشار إليها؛ لأن استعمالها في غير المصدرية أكثر من استعمالها في المصدرية عند من يرى صلاحيتها؛ فكان الحكم بعدم مصدريتها أولى، ومما يدل على أن عائذا وقاعدا ونحوهما ليست مصادر في الأمكنة [2/ 389] المذكورة امتناع مجيئها في الأمكنة المختصة للمصدرية نحو: قعدت قعودا طويلا، وقعدت قعود خاشع، والقعود المعروف؛ فلو جعلت قاعدا في أحد هذه الأمكنة لم يجز، فدل ذلك على انتفاء مصدريته وبثبوت حاليته، ولذلك لا يجيء هذا النوع إلا نكرة، ولو كان مصدرا لجاز وقوعه معرفة، كما جاز تعريف المصدر، قال سيبويه: ومن العرب من ينصب بالألف واللام، من ذلك: الحمد لله، فنصبها عامة بني تميم، وناس من العرب كثير، وسمعنا العرب الموثوق بهم يقولون: العجب لك (¬2)، قلت: فعلى هذا لو قيل: العياذ بك على موضع عياذا بك لجاز، ولو عرف عائذ من قولهم: عائذا بك - ¬

_ (¬1) تبع أبو حيان المصنف في هذه المسألة حيث نسب إلى المبرد هذا الرأي الذي نسبه المصنف إليه هنا، وقد رد محقق الجزء الثالث من كتاب التذييل على أبي حيان هذا الرأي، فقال: ما هو مصرح به هنا خلاف ما جاء في المقتضب، وعبارة المقتضب هي: وإن شئت وضعت اسم الفاعل في موضع المصدر، فقلت: أقائما وقد قعد الناس، فإنما جاز ذلك لأنه حال، والتقدير: أثبت قائما، فهذا يدلك على هذا المعنى. اه. المقتضب (3/ 229) وينظر: التذييل (3/ 248) هـ 3 وقد علق الشيخ عضيمة على هذه المسألة، فأورد نص سيبويه فيها، ثم قال: ومن هنا يتبين لنا أن سيبويه والمبرد على وفاق في أن نحو: أقائما وقد قعد الناس حال حذف عاملها، والخلاف بينهما في تقدير العامل؛ فسيبويه يقدر العامل من لفظ الوصف أي أتقوم قياما، والمبرد يقدر العامل: أتثبت، وفي تعليق السيرافي: قال المبرد: والقول عندي ما قاله سيبويه؛ لأنه قد تكون الحال توكيدا، كما يكون المصدر توكيدا، والرضي في شرح الكافية ينسب إلى سيبويه والمبرد أن الوصف عندهما مفعول مطلق والصفة قائمة مقام المصدر، والسيوطي ينسب إلى المبرد أن الوصف مصدر جاء على وزن فاعل. اه. المقتضب (3/ 229). اه. وينظر المسألة في: الهمع (1/ 193 - 194)، وشرح الكافية للرضي (1/ 196)، وابن يعيش (1/ 123) والكتاب (1/ 340)، والمباحث الكاملية (ص 942). (¬2) الكتاب (1/ 329، 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يجز، فدل ذلك على أنه حال لا مصدر، وفي بعض ما ذكرته كفاية والحمد لله. وكما استغنوا عن الفعل في هذه المواضع بالحال استغنوا في بعضها بالمفعول به كقولهم: تربا له وجندلا على تقدير: ألزمه الله وأطعمه، وكلا التقديرين قول سيبويه (¬1)، ومثله قولهم: فاها لفيك، والضمير ضمير الداهية، ومنه قول الشاعر (¬2): 1492 - تحسّب هوّاس وأقبل أنّني ... بها مفتد من واحد لا أغامره فقلت له: فاها لفيك فإنّها ... قلوص امرئ قاريك ما أنت حاذره (¬3) ومن حكم بالمصدرية على هذه الأسماء، فليس بمصيب، ولو نال من الشهرة أوفر نصيب، لكن الموضع بالأصالة للفعل، ثم للمصدر، ثم للحال، ثم للمفعول به، فمن قال: تربا لك وجندلا، فكأنه قال: تربت وجندلت، ومن قال: فاها لفيك، فكأنه قال: دهيت، فلو روعي في النّيابة الدرجة الأولى لقيل: تربا لك، وجندلة، ودهيا، ولو روعيت الدرجة الثانية لقيل: متروبا ومجندلا ومدهيا؛ لكنهم راعوا الدرجة الثالثة فجيء بأسماء الأعيان، ومن نيابة المفعول به عن فعل الإنكار قول رجل من بني أسد: يا بني أسد أأعور وذا ناب؟! (¬4) يريد: أتستقبلون أعور وذا ناب، وذلك في يوم التقى فيه بنو أسد وبنو عامر، فرأى بعض الأسديين بعيرا أعور، فتطير وقال لقومه هذا الكلام، فقضي أن قومه هزموا وقتل منهم. انتهى كلام المصنف (¬5). - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 314). (¬2) هو أبو سدرة الأسدي أو الهجيمي وقيل: إنه لرجل من بني الهجيم، ينظر: اللسان «حسب»، والخزانة (1/ 280). (¬3) البيتان من الطويل وهما في: الكتاب (1/ 316)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 261)، ونوادر أبي زيد (ص 505، 506)، والمخصص (12/ 185)، والمستقصي (2/ 179)، والتذييل (3/ 254)، وابن يعيش (1/ 122)، والخزانة (1/ 279)، واللسان «حسب - فوه». اللغة: قاريك ما أنت حاذره: أي لا أقري لك إلا السيف. والشاهد فيه: نصب «فاها» في البيت الثاني بفعل مضمر تقديره: ألصق الله، أو جعل الله فاها لفيك، ووضع موضع (دهاك الله) فنصب؛ لأنه بدل من اللفظ بالفعل. (¬4) سبق تخريج هذا المثل وهو في: الكتاب (1/ 343)، واللسان «عور». (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 195).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وها هنا أمور ننبه عليها منها: 1 - أن الفعل الموافق (هنيئا) في الاشتقاق كهنأ، يقال: هنأني الطعام أي ساغ لي وطاب، واسم الفاعل هانئ، وهنيء عدل من هانئ إليه للمبالغة، وأجازوا أن يكون من هنؤ الطعام إذا ساغ كما يقال: ظرف فهو ظريف، قالوا: وكذلك (مريئا) يحتمل أن يكون من هنأني الطعام ومرأني، ومن هنؤ الطعام ومرؤ، ثم إذا لم يذكر هنأني يقال: أمرأني رباعيّا، واستعمل مع هنأني [2/ 390] ثلاثيّا طلبا للتشاكل، والمريء ما ينساغ في الحلق (¬1)، وإذ قد عرف اشتقاق هاتين الكلمتين، فاعلم أن سيبويه قال: هنيئا مرئيا صفتان نصبوهما نصب المصادر المدعو بها بالفعل غير المستعمل إظهاره المختزل للدلالة التي في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك هنيئا مريئا (¬2). انتهى. ومريئا تابع لهنيئا، وقال الزمخشري: إن انتصاب هنيئا مريئا في قوله تعالى: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (¬3) على أنه نعت لمصدر محذوف أي: فكلوه أكلا هنيئا، أو على أنه حال من ضمير المفعول (¬4). قال الشيخ: وهو قول مخالف لقول أئمة العربية سيبويه وغيره، فعلى ما قاله أئمة العربية يكون هنيئا مريئا من جملة أخرى غير (فكلوه)، ولا تعلق له به من حيث الإعراب، بل من حيث المعنى (¬5). انتهى. وكان الزمخشري يقول: إن هنيئا له استعمالان: أحدهما: أن لا يقصد به الدعاء، فيستعمل مكملا به كلام تقدمه، وحينئذ يكون معمولا للعامل الكائن في ذلك الكلام، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ومن ثم أعرب نعتا لمصدر محذوف، أو حالا. ثانيهما: أن يقصد به الدعاء، فيؤتى به في ابتداء الكلام (¬6)، وذلك بأن يقول - ¬

_ (¬1) ينظر: اللسان مادة «مرأ وهنأ» وشرح المفصل لابن الحاجب (1/ 240) وإصلاح المنطق (352)، والإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني للفارسي (ص 615)، والمباحث الكاملية (ص 941) والتذييل (3/ 250). (¬2) الكتاب (1/ 316، 317) بتصرف يسير. (¬3) سورة النساء: 4. (¬4) الكشاف (1/ 160). (¬5) التذييل (3/ 250). (¬6) الكشاف (1/ 160).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنسان: أكلت أو شربت، فتقول له هنيئا مريئا، وهذا هو الذي يجب إضمار عامله، وهو الذي قصده سيبويه، إلا أن يقال: ليس من شأن الطعام أن يكون هنيئا مريئا بنفسه، وإنما ذلك من فعل الله تعالى، وإذا كان كذلك تعين أن يكون هنيئا مريئا دعاء، وإذا كان دعاء تعين أن يكون له عامل غير ما هو له مذكور في الكلام، وهو ما أشار إليه سيبويه بقوله: كأنهم قالوا: نبت ذلك هنيئا مريئا (¬1). ثم قال الشيخ: وجماع القول في (هنيئا) أنها حال قائمة مقام الفعل الناصب لها، فإذا قيل: إن فلانا أصاب خبزا، فقلت: هنيئا له ذلك، فالأصل ثبت له ذلك هنيئا فحذف ثبت وأقيم هنيئا مقامه. واختلفوا حينئذ فيما يرفع به ذلك فقال السيرافي: إنه مرفوع بذلك الفعل الذي هو ثبت وهنيئا حال من ذلك، وفي هنيئا ضمير يعود على ذلك، وإذا قلت (هنيئا) ولم تقل ذلك بل اقتصرت على (هنيئا) ففيه ضمير مستتر يعود على ذي الحال وهو ضمير الفاعل الذي استتر في ثبت المحذوف (¬2)، وذهب الفارسي إلى أن (ذلك) مرفوع بقولك (هنيئا) القائم مقام الفعل المحذوف؛ لأنه صار عوضا منه، ولا يكون في هنيئا ضمير، لأنه قد رفع الظاهر أعني اسم الإشارة، وإذا قلت (هنيئا) دون (ذلك) ففيه ضمير فاعل بها وهو الضمير الذي كان فاعلا لثبت، ويكون (هنيئا) قد قام مقام الفعل المختزل مفرغا من الفاعل، قال: وإذا أتبعت (هنيئا) بقولك (مريئا) ففي نصب (مريئا) خلاف: قال بعضهم (¬3): إنه صفة لقولك: (هنيئا)، وقال الفارسي (¬4): إن انتصابه [2/ 391] انتصاب (هنيئا) فالتقدير عنده ثبت (مريئا). ولا يجوز عنده أن يكون صفة لقولك: (هنيئا) من جهة أن حكم (هنيئا) حكم الفعل لنيابته عنه، والفعل لا يوصف (¬5). انتهى. ولا يخفى ضعف هذا التعليل، وليعلم أن سيبويه أجاز أن يكون الفعل المقدر الناصب لهنيئا هنأ، مع إجازته تقدير ثبت، والتقدير: هنأه ذلك - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 317). (¬2) شرح السيرافي للكتاب (3/ 86، 87). (¬3) هو أبو الحسن الحوفي كما في التذييل (3/ 251). (¬4) المسائل الشيرازيات (ص 342، 343)، وينظر: الارتشاف (ص 550). (¬5) التذييل (3/ 251).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هنيئا (¬1) قال بعض النحاة: وتقدير ثبت أولى، لكون الحال فيه مبينة، وإن قدر (هنأ) كانت الحال مؤكدة (¬2). 2 - ومنها: أن سيبويه رحمه الله تعالى: بعد أن ذكر تربا وجندلا قال: واختزل الفعل هنا؛ لأنهم جعلوه بدلا من قولك: تربت يداك (¬3)؛ فقد يتوهم من كلامه أن تربت هو الناصب لتربا، وليس مراده ذلك، بل مراده أنه لا يقال تربا إلا في المعنى الذي يقال فيه: (تربت يداك)، ثم إن تربا لما حل محل المصدر الذي اختزل فعله، وكان المصدر يجوز أن يعدل به من النصب إلى الرفع مع إرادة معنى النصب، جاز أن يعامل (تربا) هذه المعاملة، ومنه قول الشاعر: 1493 - لقد ألّب الواشون ألبا بجمعهم ... فترب لأفواه الوشاة وجندل (¬4) فرفع وهو يريد ما يراد بالمنصوب من الدعاء، لكنهم نصوا على أن الرفع لا ينقاس في أسماء الأعيان التي يراد بها الدعاء لو قلت: (فوها لفيك) على قصد الدعاء لم يجز، قالوا: ولا يجوز تعريفها باللام، لأن الدعاء بالاسم قليل واللام - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 317). (¬2) في التذييل (3/ 253): «قال بعض أصحابنا: ونصبه بثبت أولى لكون الحال فيه مبينة، وإن نصب (بهنأ) كان (هنيئا) حالا مؤكدة» اه. وينظر في هذه المسألة وفي اختلاف النحاة في الفعل المقدر الناصب لـ (هنيئا): المقرب (1/ 257) حيث ذكر ابن عصفور أن الفعل المقدر الناصب لهنيئا من لفظها، وهي حال مؤكدة. وقدر ابن يعيش الفعل الناصب لهنيئا هو (ثبت) حيث قال: وانتصابهما بفعل مقدر تقديره: ثبت لك ذلك هنيئا مريئا، فتكون حقيقة نصبه على الحال. اه. ابن يعيش (1/ 122). وأجاز ابن هشام التقديرين دون ترجيح لأحدهما على الآخر. ينظر: الأشموني (2/ 193)، والتصريح (1/ 393). وذكر ابن الشجري أن أبا الفتح ابن جني يقدر الفعل (ثبت)، ينظر: الأمالي الشجرية (1/ 162 - 165). وينظر في المسألة أيضا: الأجوبة المرضية للراعي الأندلسي (ص 217)، وحاشية الخضري (1/ 221). (¬3) الكتاب (1/ 314، 315). (¬4) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في: الكتاب (1/ 315)، والمقتضب (3/ 222)، وابن يعيش (1/ 122)، والمخصص (12/ 185)، والتذييل (3/ 254)، والغرة المخفية (ص 267)، وابن القواس (ص 331)، والهمع (1/ 194)، والدرر (1/ 166) الشطر الثاني فقط. وقد ذكر الشنقيطي أنه لم يعثر للبيت على تتمة. والشاهد فيه: رفع (ترب) و (جندل) على الابتداء، والخبر هو الجار والمجرور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للاسم الذي لم يوضع موضع الفعل (¬1)، لكن نقل الشيخ عن البسيط أن فيه: وقد أدخلوا هنا اللام كما فعلوا في المصدر رفعا ونصبا، فقالوا: الترب له والترب له (¬2). انتهى. وقال سيبويه - في أأعور وذا ناب -: ولو قال: أأعور وذو ناب كان مصيبا يعني أنه يرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر، التقدير: أمستقبلكم أو استقبالكم، ويكون إضمار ذلك المبتدأ واجبا، فلا يجوز إظهاره، كما أن الناصب لأعور كان كذلك (¬3). 3 - ومنها: أنه قد فهم من قول المصنف ومن حكم على هذه الأسماء - يعني تربا وجندلا، ونحوهما - بالمصدرية فليس بمصيب أنه كما قيل بمصدرية عائذا بك ونحوه قيل بمصدرية تربا وجندلا، وما كان نحوهما، لكن المصنف ذكر أن القائل بمصدرية نحو عائذا بك هو المبرد، وأما القائل بمصدرية نحو تربا وجندلا، فلم يذكره، وقد قال الشيخ: وذهب الأستاذ أبو علي وغيره إلى أن تربا وجندلا ينتصب كنصب المصادر؛ لأنها وإن كانت جواهر فقد وضعت موضع المصادر، لأن هذا المعنى كثر فيها، قال: ولذلك قدرها سيبويه بألزمك الله أو أطعمك الله (¬4)، ثم قال: لأنهم جعلوه بدلا من تربت يداك؛ فالأول هو التقدير الأصلي، والثاني هو الطارئ الذي قلناه، وكذلك قدر في جندلا فعلا من لفظه ينتصب عليه، ولذلك تدخل فيه اللام، فتقول: تربا لك [3/ 392] كما تقول سقيا لك، وقصته قصته (¬5). انتهى. ولم أفهم من هذا الكلام مقصودا، ثم ذكر الشيخ في: (أأعور وذا ناب) كلاما من نسبة هذا الكلام عن ابن عصفور (¬6)، وأتبعه بأن المصنف خلط، حيث جمع - ¬

_ (¬1) هذا القول الذي ذكره ناظر الجيش هنا هو قول أبي حيان في التذييل (3/ 254) وينظر: الهمع (1/ 194). (¬2) التذييل (3/ 254). (¬3) الكتاب (1/ 346) بتصرف. وينظر أيضا: الكتاب (1/ 343). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 314). (¬5) التذييل (3/ 255، 256). (¬6) الذي ذكره أبو حيان في التذييل عن ابن عصفور هو: «وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: قول سيبويه: أتستقبلون أعور؟ مشكل؛ لأن الأسماء التي ذكرت في هذا الباب أحوال مبنية» اه. التذييل (3/ 256) وينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 336).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بين تربا وجندلا، وفاها لفيك، وبين أأعور وذا ناب، وذكر أن سيبويه لم يفعل ذلك، بل أفرد الثلاثة الأول بباب، وذكر أأعور وذا ناب في باب آخر (¬1)، ولم يتحصل لي من ذلك كله شيء، ومن ثم يظهر فضل المصنف، فقد أفصح عن المقصود، وأبان المطلوب بأفصح عبارة وأوضح إشارة، فرحمه الله تعالى ورحمنا، ورحمهم أجمعين بمنّه وكرمه، إنه وليّ الإجابة. * * * ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 256).

الباب الرابع والعشرون باب المفعول له

الباب الرابع والعشرون باب المفعول له [تعريفه - ناصبه - أنواعه - وحكم كل نوع] قال ابن مالك: (وهو المصدر المعلّل به حدث شاركه في الوقت ظاهرا أو مقدّرا، والفاعل تحقيقا أو تقديرا، وينصبه مفهم الحدث نصب المفعول به المصاحب في الأصل حرف جرّ، لا نصب نوع المصدر، خلافا لبعضهم، وإن تغاير الوقت أو الفاعل، أو عدمت المصدريّة جرّ باللّام أو ما في معناها، وجرّ المستوفي لشروط النصب مقرونا بـ «أل» أكثر من نصبه، والمجرّد بالعكس، ويستوي الأمران في المضاف، ومنهم من لا يشترط اتحاد الفاعل). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): المفعول له هو ما دل على مراد الفاعل من الفعل، كدلالة التأديب من قولك: ضربته تأدبا، فإن لم يكن مصدرا ولا أنّ أو أن ظاهرة فلابد من لام الجر، أو ما في معناها نحو: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (¬2)، وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (¬3)، وكذا إن كان مصدرا ووقته غير وقت العامل كقول امرئ القيس: 1494 - فجئت وقد نضّت لنوم ثيابها ... لدى السّتر إلّا لبسة المتفضّل (¬4) وكذا إن كان مصدرا وفاعله غير فاعل المعلل به كقول الشاعر (¬5): - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 196). (¬2) سورة البقرة: 29. (¬3) سورة النحل: 44. (¬4) البيت من الطويل، وهو من معلقة امرئ القيس وينظر في: المقرب (1/ 161)، والارتشاف (ص 553)، والتذييل (3/ 263، 854)، وشذور الذهب (ص 286)، والعيني (3/ 66، 225) وقطر الندى (2/ 63)، وأوضح المسالك (1/ 174)، والمطالع السعيدة (ص 305)، والبهجة المرضية (ص 60)، والهمع (1/ 194)، والدرر (1/ 166)، وحاشية الخضري (1/ 195)، وديوانه (ص 14)، والأشموني (2/ 124). والشاهد في قوله: «لنوم»؛ حيث أدخل عليه لام العلة؛ لأن النوم لم يقارن نضوضها ثيابها. اللغة: نضت: من نضوت الثوب إذا ألقيته عنك. (¬5) هو أبو صخر الهذلي، وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية. والبيت في ديوان المجنون أيضا (ص 56).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1495 - وإنّي لتعروني لذكراك هزّة ... كما انتفض العصفور بلّله القطر (¬1) فلو كان الفعل واحدا ولم يذكر لكان الحكم مثل ما هو مع وحدته إذا ذكر، وذلك نحو: ضرب الصبي تأديبا (¬2)، وكذا لو كان الفاعل غير واحد في اللفظ وواحدا في التقدير كقول النابغة: 1496 - وحلّت بيوتي في يفاع ممنّع ... تخال به راعي الحمولة طائرا حذارا على أن لا تنال مقادتي ... ولا نسوتي حتّى يمتن حرائرا (¬3) فإن فاعل «حلّت» في الظاهر غير فاعل «حذارا» وهو في التقدير واحد؛ لأن المعنى: وأحللت بيوتي حذارا، وكذا قوله تعالى: يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً * (¬4)؛ لأن معنى يريكم: يجعلكم ترون، ففاعل الرؤية فاعل الخوف والطمع في التقدير، فلا يلزم جعل خَوْفاً وَطَمَعاً * حالين كما زعم الزمخشري (¬5)، - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو في: الإنصاف (1/ 253)، والمقرب (1/ 162)، وابن يعيش (2/ 67)، وأمالي القالي (1/ 149)، والغرة المخفية (278)، وابن القواس (ص 350)، والتذييل (3/ 264)، والارتشاف (553)، والبحر المحيط (1/ 205)، وتعليق الفرائد (1525)، والمطالع السعيدة (ص 306)، والبهجة المرضية (ص 60)، وأوضح المسالك (1/ 174)، وشذور الذهب (ص 287)، والعيني (3/ 67، 278)، والدرر (1/ 166)، والأشموني (2/ 124، 215)، وحاشية الخضري (1/ 195). والشاهد في قوله: «لذكراك»؛ حيث دخلت عليه لام الجر؛ لأن فاعل المصدر غير فاعل المعلل به. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 260). (¬3) البيتان من الطويل، وهما للنابغة الذبياني، وينظر فيهما: الكتاب (1/ 368)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 29، 30)، وابن يعيش (2/ 45)، والتذييل (3/ 266)، والغرة لابن الدهان (2/ 72)، وديوان النابغة (ص 64، 65)، ولم يكن البيتان في الديوان متتاليين بل وقع بينهما بيت آخر وهو: تزل الوعول العصم عن قذفاته ... وتضحى ذراء بالحساب كوافرا وهذه الأبيات من قصيدة يمدح بها النعمان بن المنذر. اللغة: اليفاع: المشرف من الأرض. الحمولة: الإبل التي قد أطاقت الحمل وتظن طائرا لبعدها عن الأرض. والمقادة: من قدته إذا سقته. والشاهد: في البيت الثاني في قوله: «حذارا»؛ حيث نصب مفعولا له بدون أن تدخل عليه لام الجر، مع أن فاعل الحذر ليس البيوت. ويستدل بهذا البيت من لا يشترط اتحاد الفاعل. ومن يشترط ذلك يؤوله على أن الفاعل في التقدير واحد. (¬4) سورة الرعد: 12، وسورة الروم: 24. (¬5) ينظر: الكشاف (1/ 405).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يكون التقدير: يريك البرق وإراءة خوف وطمع (¬1)، وقد يكون عامل المفعول له محذوفا، ومنه حديث محمود بن لبيد [2/ 393] الأشهلي: قالوا: ما جاء بك يا عمرو أحدبا على قومك أو رغبة في الإسلام؟ أي: أجئت حدبا أو رغبة (¬2)، وأجاز ابن خروف حذف الجار مع عدم اتحاد الفاعل من كل وجه نحو: جئتك حذر زيد الشر، وزعم أنه لم ينص على منعه أحد من المتقدمين، قال: ومن حجة من أجازه شبهه في عدم اتحاد الفاعل بقولهم: ضربته ضرب الأمير اللص، فكما نصب الفعل في هذا المصدر وفاعلاهما غيران (¬3) كذا ينصب حيث حذر زيد الشر، وفاعلاهما غيران، إذ لا محذور في ذلك من ليس ولا غيره (¬4)، وظاهر قول سيبويه يشعر بالجواز؛ لأنه قال بعد أمثلة المفعول له: فهذا كله ينتصب؛ لأنه مفعول له كأنه قيل له: لم فعلت كذا؟ فقال: لكذا، ولكنه لما طرح اللام عمل فيه ما قبله كما عمل في «دأب بكار» ما قبله حين طرح مثل (¬5)، يشير إلى قول الراجز: 1497 - إذا رأتني سقطت أبصارها ... دأب بكار شايحت بكارها (¬6) فشبه انتصاب المفعول له بانتصاب المصدر المشبه به، وفاعل المشبه به غير فاعل ناصبه، فلذا لا يمتنع أن يكون فاعل المفعول به غير فاعل ناصبه، وهذا بينّ، والله تعالى أعلم. وأجاز ابن خروف في قول الشاعر (¬7): 1498 - مدّت عليك الملك أطنابها ... كأس رنوناة وطرف طمر (¬8) - ¬

_ (¬1) ينظر: المغني (2/ 562)، والتصريح (1/ 335). (¬2) في التذييل (3/ 259): «الحدث المعلل هنا مقدر، تقديره: أجئت حدبا على قومك؟». (¬3) أي متغايران. (¬4) ينظر رأي ابن خروف في: التذييل (3/ 264) حيث أورد هذا النص، وينظر أيضا: الارتشاف (552)، والتصريح (1/ 335)، وحاشية الصبان (2/ 123). (¬5) الكتاب (1/ 369، 370). (¬6) تقدم ذكره. (¬7) هو عمرو بن أحمر بن قيس بن عيلان من شعراء الجاهلية، وقد أدرك الإسلام، وتوفي في عهد عثمان - رضي الله تعالى عنه - وينسب البيت أيضا للأعشى. (¬8) البيت من السريع، وهو في: المقرب (1/ 162)، والغرة لابن الدهان (2/ 71)، والتذييل (3/ 265)، وخلق الإنسان للأصمعي (186)، وشرح الجمل لابن الضائع (2/ 245)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون نصب الملك على أنه مفعول له، وأطنابها على أن يكون مفعولا به، والمعنى: وصف المخاطب بكون همته مقصورة على الأكل والشرب ونحوهما، ورجح هذا الوجه على وجه غيره، وهو أن يكون الملك مفعولا به، وأطنابها بدل، والضمير عائد على الملك بتأويل الخلافة (¬1). وزعم بعض المتأخرين أن المفعول له منصوب نصب نوع المصدر (¬2)، ولو كان كذلك لم يجز دخول لام الجر عليه، كما لا تدخل على الأنواع نحو: سار الجمزى (¬3)، وعدا البشكى (¬4)، ولأن نوع المصدر يصح أن يضاف إليه كل ويخبر عنه بما هو نوع له كقولك: كل جمزى سير، ولو فعل ذلك بالتأديب والضرب من قولك: ضربته تأديبا لم يصح، فثبت بذلك فساد هذا المذهب. وزعم من لا يحترز في النقل أن الزجاج يذهب إلى هذا المذهب (¬5)، ولا يصح ذلك عنه؛ فإنه قال في كتاب المعاني في قوله تعالى: يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ (¬6): ونصب ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ على معنى المفعول له، المعنى: يشريها لابتغاء مرضات الله (¬7)، فقدر اللام كما يقدرها سيبويه وغيره (¬8)، فصح أنه برئ من ذلك المذهب، وأن من عزاه إليه غير - ¬

_ - والخصائص (2/ 22). اللغة: الأطناب: حبال الخباء، كأس رنوناة: أي دائمة على الشرب ساكنة، طرف: فرس كريم الأطراف يعني: الآباء والأمهات، والطمر: الفرس الجواد، وقيل: المستفز للوثب، وقيل: الطويل القوام. والشاهد في قوله: «الملك»؛ حيث نصب مفعولا له، ولم يجر باللام مع أن فاعل الملك غير فاعل العامل، وهذا ما يراه ابن خروف، وغيره يرى أن (الملك) مفعول به و (أطنابها) بدل منه. (¬1) هذا رأي ابن عصفور في المقرب (1/ 162). (¬2) نسب هذا الرأي في شرح الكافية للرضي (1/ 92)، إلى الزجاج، وفي الهمع أنه رأي الكوفيين، الهمع (1/ 194). (¬3) الجمزى: من «جمز» الإنسان والبعير والدابة يجمز جمزا وجمزى، وهو عدو دون الحضر الشديد وفوق العنق، اللسان «جمز». (¬4) البشك في السير سرعة نقل القوائم، وقيل: هو السير الرقيق، وقيل: السرعة. ينظر: اللسان «بشك». (¬5) ينظر: التذييل (3/ 262)، وشرح الكافية للرضي (1/ 192). (¬6) سورة البقرة: 207. (¬7) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 269). (¬8) يشير المصنف بذلك إلى رأي البصريين، وهو أن المفعول له منصوب بنزع الخافض، وليس مفعولا مطلقا للفعل المذكور؛ لملاقاته له في المعنى كما يرى الكوفيون، ينظر: شرح المقدمة الجزولية (ص 261) تحقيق د/ شعبان عبد الوهاب، وحاشية الخضري (1/ 194).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محق، والله تعالى أعلم. وانجرار المستوفي لشروط النصب جائز مختصّا كان بالألف واللام كقول الراجز: 1499 - لا أقعد الجبن عن الهيجاء ... ولو توالت زمر الأعداء (¬1) أو مضافا كقول حاتم: 1500 - وأغفر عوراء الكريم ادّخاره (¬2) أو غير مختص كقول حاتم: [2/ 394] 1501 - وأعرض عن شتم اللّئيم تكرّما (¬3) إلا أن انجرار المختص بالألف واللام أكثر من نصبه، ونصب غير المختص أكثر من انجراره. ويستوى الأمران في المختص بالإضافة. وزعم الجزولي: أنه لا يكون المنجر إلا مختصّا، يعني أنه لا يجوز أن يقال: جئت لإعظام لك، قال أبو علي الشلوبين: - ¬

_ (¬1) الرجز في الارتشاف (554)، ومنهج السالك لأبي حيان (145)، والتذييل (3/ 269)، والعيني (3/ 69)، والتصريح (1/ 336)، والأشموني (2/ 125)، والهمع (1/ 195)، والدرر (1/ 167)، والمطالع السعيدة (ص 307)، والبهجة المرضية (ص 61)، وأوضح المسالك (1/ 174)، وشرح ابن عقيل (1/ 195)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 88). اللغة: الهيجاء: الحرب. الزمر: جمع زمرة وهي الجماعة. والشاهد في قوله: «الجبن»؛ حيث جاء مفعولا له مختصّا بالألف واللام، وهو منصوب على الرأي الراجح. (¬2) صدر بيت، وعجزه الشاهد الذي بعده، والبيت من الطويل، وهو في: الكتاب (1/ 368)، ونوادر أبي زيد (ص 355)، برواية (ذات) مكان (شتم)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 5) برواية النوادر أيضا، والمقتضب (2/ 348)، والكامل (1/ 291)، وشرح الجمل لابن العريف، وحاشية التفتازاني (1/ 234)، والغرة لابن الدهان (2/ 68)، وعمدة الحافظ (ص 289)، والتذييل (3/ 270)، وابن يعيش (2/ 54)، والخزانة (1/ 49)، والعيني (3/ 75)، وشروح سقط الزند (ص 619)، واللمع (ص 141)، والفصول الخمسون (ص 193)، وشرح ابن عقيل (1/ 195)، واللسان «عور - خصص». اللغة: العوراء: القبيحة. ادخاره: إبقاء عليه. ويروى (اصطفاعه) مكان (ادخاره) كما في الديوان (ص 80). والشاهد في قوله: «ادخاره»؛ حيث نصب مفعولا له وهو مضاف. (¬3) عجز البيت السابق، وانظره في المراجع السابقة. والشاهد فيه: قوله «تكرما»؛ حيث جاء مفعولا له، وهو غير مختص (بأل) ولا مضاف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا غير صحيح، بل هو جائز؛ لأنه لا مانع يمنع منه، ولا أعرف له سلفا في هذا القول (¬1)، قلت: ويمكن أن يكون «القسط» من قوله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ (¬2) مفعولا له؛ لأنه مستوف للشروط، والجر في هذا الباب إما باللام وهو الكثير، وإما بمن كقوله تعالى: خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (¬3) وأما بالباء كقوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا (¬4) وبفي كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ امرأة دخلت النار في هرّة» (¬5) أي من أجل هرة. انتهى كلام المصنف (¬6). ثم في الباب مباحث: الأول: الحد الذي ذكره المصنف فيه مناقشة وهي: إدخاله ما هو من شروط المحدود في الحد، ولا شك أن الشروط والقيود المتعلقة بالمحدود خارجة عن ماهيته، ولا شك أن مشاركة المفعول له لما هو معلول به في الوقت والفاعل شرط، وكذا كون الحدث المعلل قد يكون مقدرا، وكون الفاعل قد يكون واحدا تقديرا، وقوله في الشرح: المفعول له ما دل على مراد الفاعل من الفعل أحسن وأحصر مما ذكره في المتن، والحد المعتبر ما ذكره ابن الحاجب من أن المفعول له: ما فعل لأجله فعل مذكور، واحترز بقوله: فعل مذكور من مثل: يعجبني التأديب، وكرهت التأديب، فهو وإن كان علة لفعل، فليس علة لفعل مذكور (¬7). - ¬

_ (¬1) المقدمة الجزولية (ص 673)، وينظر: الارتشاف (ص 553)، والتصريح (1/ 336)، والهمع (1/ 195)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 88)، وابن عقيل (1/ 195). (¬2) سورة الأنبياء: 47. (¬3) سورة الحشر: 21. (¬4) سورة النساء: 160. (¬5) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب: بدء خلق الإنسان (4/ 130)، ومسلم في كتاب: التوبة (ص 211)، وابن حنبل (2/ 261، 269، 457، 467، 501)، وابن ماجه في كتاب: الزهد (ص 1421). ونص الحديث كما في البخاري: «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض». (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 199). (¬7) شرح كافية ابن الحاجب للرضي (1/ 191)، وشرح ابن الحاجب على كافيته (1/ 282).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: قال ابن الحاجب - في شرح المفصل (¬1) -: إذا قلت: ضربته تأديبا، فالتأديب سبب الضرب؛ فإن قلت: كيف يكون الضرب سببا لشيء، وذلك الشيء سبب له؟ فإنا نقطع بأن الضرب سبب للتأديب؟ فالجواب: أن التأديب له جهتان: هو باعتبار أحدهما سبب، والآخر مسبب، فباعتبار عقليته ومعلوميته، وفائدته سبب للضرب، وباعتبار وجوده مسبب للضرب، فالوجه الذي كان به سببا غير الوجه الذي كان به مسببا، وإنما يتناقض أن لو كان سببا مسببا بشيء واحد من وجه واحد، وكل فعل هو سبب لوجود أمر، فإن معقولية ذلك الأمر سبب للإقدام على الفعل، كقولك: أسلم تدخل الجنة، فالإسلام سبب لدخول الجنة، ومعقولية دخول الجنة وفائدته سبب الإقدام على الإسلام، وكقولك: ابن بيتا تستظله، فالبناء سبب الاستظلال، ومعقولية الاستظلال هو الحامل على البناء (¬2)، وقال في شرح المقدمة: وقد توهم بعض النحويين أن المفعول من أجله مسبب عن الفعل نظرا إلى مثل: ضربته تأديبا، وأسلمت لدخول الجنة، ومشبهه [2/ 395]، فإن الضرب سبب التأديب والإسلام سبب لدخول الجنة، وليس بمستقيم؛ لأنه قد ثبت قولهم: قعدت عن الحرب جبنا، ونظائره، ولا يستقيم أن يقال: القعود سبب الجبن بوجه، ويستقيم (¬3) أن يقال: التأديب هو السبب الحامل على الضرب، وإذا استقام ذلك وجب رد الجميع إليه (¬4). انتهى. وإذا تأملت ما قاله علمت أن كلامه في شرح المفصل أنصع من كلامه في شرح المقدمة، والذي قاله لا يخفى وجه صحته، فإن التأديب هو الغاية المطوية، وقد قال أرباب المعقول: إنّ العلة الغائية علة في الذهن ومعلولة في الخارج، فعبر ابن الحاجب عن هذا المعنى بقوله: إن التأديب له جهتان: هو باعتبار أحدهما سبب والآخر مسبب؛ فأورد معنى ما قاله أرباب المعقول بعبارة يستعملها النحاة وغيرهم كيلا - ¬

_ (¬1) انظر: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 325). تحقيق موسى العليلي. (¬2) انظر: شرح المقدمة الكافية لابن الحاجب (ص 4941) تحقيق د/ جمال مخيمر. (¬3) في (ب): (ومستقيم). (¬4) شرح ابن الحاجب على كافيته (1/ 282).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون متكلما في فن بعبارة أهل فن آخر، فإن ذلك من أكبر عيوب المصنفين والمقررين، فرحمه الله تعالى. الثالث: قد عرفت أن المفعول له إنما ينتصب بثلاثة شروط وهي: أن يكون مصدرا، وأن يكون ذلك المصدر مشاركا للفعل المعلل في الوقت والفاعل، أي: أن يكون فاعلهما واحدا (¬1). قال ابن الحاجب: وإنما اشترط ذلك يعني هذه الثلاثة؛ ليقوى معنى التعليل؛ فيصح حذف الحرف الدال عليه، قال: فوزانه وزان الظرف، باعتبار حذف «في» فشرطه أن يكون اسما ظاهرا؛ ليقوى أمر المستظرفية (¬2)، فيصح حذف «في». قال: ووجه قوة التعليل عند الشرائط أنها الغالب في التعليلات، فكان لها تنبيه على التعليل، فيصح حذف الحرف لما فيها من القوة، ولهذا إذا فات شرط منها ضعفت دلالة التعليل، واحتيج إلى حرفه، كما إذا غير اسم الزمان الظاهر بمضمر، أو إشارة وجب الإتيان بحرف الظرف (¬3). انتهى. ثم اعلم أن في اشتراط كل من الثلاثة خلافا: فأما اتحاد الفاعل: فقد ذكر المصنف الخلاف فيه، وعلمت ما ذكره عن ابن خروف أنه لم ينص على ذلك أحد من المتقدمين، وقال ابن طاهر: قول سيبويه يشعر بذلك (¬4). وأما المشاركة في الوقت: فقد ذكر الشيخ أن القائل باشتراط ذلك هو الأعلم وناس من المتأخرين، وأن سيبويه لم يشترطه ولا أحد من المتقدمين (¬5). وأما المصدر: فإنه كالمجمع على اشتراطه، ولم يخالف في ذلك إلا يونس (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر: المطالع السعيدة (ص 305)، والتوطئة (ص 362). (¬2) في (ب): (الظرفية). (¬3) شرح ابن الحاجب على المفصل المسمى بالإيضاح (1/ 326). (¬4) ينظر: الهمع (1/ 194)، وحاشية الصبان (2/ 123) ففيهما إشارة إلى هذا الرأي. (¬5) التذييل (3/ 264)، وينظر رأي الأعلم أيضا في الهمع (1/ 194)، والتصريح (1/ 335)، والمطالع السعيدة (ص 305). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 389)، والهمع (1/ 194)، وأوضح المسالك (1/ 173)، والأشموني (2/ 122).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: تضافرت النصوص على شرط أن يكون مصدرا، وزعم يونس أن قوما يقولون: «أما العبيد فذو عبيد» بالنصب، وتأويله على المفعول له، وإن كان العبيد غير مصدر، والمعنى: مهما يذكر شخص لأجل العبيد، فالمذكور ذو عبيد، وقبح ذلك [2/ 396] سيبويه، وإنما أجازه على ضعفه؛ إذ لم يرد عبيدا بأعيانهم (¬1) يعني: أن لا يراد بذلك الاسم معين، فلو قيل: أما البصرة فلا بصرة لكم، وأما الحارث فلا حارث لك - لم يجز؛ لأنهما مختصان، قال: وقدر الزجاج في نحو: أما العبيد مصدرا مضافا، كأنه قيل: أما تلك العبيد أي: مهما تذكره من أجل تملك العبيد، كأن الزجاج يخرج ما ورد من نحو: أما العبيد على ذلك مراعاة للمصدر، إذ لا يكون المفعول له غير المصدر (¬2). واعلم أن بعض النحاة اشترط أمورا زائدة على ما ذكر: - فمنها: مغايرة معنى المصدر لمعنى الفعل، وهذا لا يحتاج إليه؛ لأن المفعول له علة للفعل، والعلة يجب مغايرتها للمعلول؛ لأن الشيء لا يكون علة لنفسه. ومنها: أن يقع بعد فعل لا يتعدى أو قد انتهى في تعدية، وليس بشيء لجواز: أعطيتك إكراما لزيد (¬3). ومنها: أن يكون من أفعال النفس الباطنة، ولا يكون من أفعال الجوارح الظاهرة نحو: جاء زيد جزعا ورغبة، بخلاف نحو: جاء زيد قراءة للعلم وقتالا للكفار (¬4)، والظاهر عدم اشتراط ذلك. - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 389). (¬2) التذييل (3/ 258). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 260)، والهمع (1/ 194). (¬4) الذي اشترط ذلك هو السهيلي، وهذا الشرط أحد شروط ثلاثة اشترطها في المفعول له - يقول: ولذلك لا يكون المفعول من أجله منصوبا حتى يجتمع فيه ثلاثة شروط: - الأول: أن يكون مصدرا. والثاني: أن لا يكون من أفعال الجوارح الظاهرة. والثالث: أن يكون من فعل الفاعل المتقدم ذكره. اه. نتائج الفكر للسهيلي (ص 395).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع: قد عرفت قول المصنف: وينصبه مفهم الحدث المصاحب في الأصل حرف جر، وهو كلام حسن، قال الشيخ: وهو مذهب سيبويه (¬1)، والفارسي (¬2)، وهو الأصح بدليلين: - أحدهما: أنك إذا أضمرته وصل الفعل إليه باللام نحو: ابتغاء ثواب الله هو الذي تصدقت له، فدل الوصول إليه باللام على أن الأصل أن يصل إلى الظاهر باللام؛ لأن المضمرات كثيرا ترد الأشياء إلى أصولها. والثاني: ما ذكره سيبويه والفارسي من أنه في جواب: لمه؟ والجواب أبدا على حسب السؤال في مختار كلامهم، فأصل جواب من يقول: لم ضربت زيدا؟ أن يكون: ضربته للتأديب، إلا أن اللام أسقطت ونصب لشبهه بالمصدر؛ لأن معنى: ضربت زيدا تأديبا، أدبت زيدا بضربي له تأديبا، فانتصب لذلك، إذ الفعل قد يعدى تعدية الفعل الذي في معناه، ولذلك إذا اختل شرط تعدي إليه بحرف العلة (¬3). انتهى. ولما كان انتصابه إنما هو على الوجه الذي ذكره - أتبع المصنف كلامه الأول بقوله: (لا نصب نوع المصدر؛ خلافا لبعضهم). فأشار بذلك إلى ما يقال: إنه مذهب الكوفيين من أن المفعول له ينتصب انتصاب المصادر، وقيل: إنهم لم يترجموا له لذلك، وقال بعض البصريين بذلك، والمشهور أنه الزجاج (¬4)، ولكن قد أنكر المصنف ثبوت ذلك عنه كما تقدم؛ ولهذا نسب ذلك في متن الكتاب إلى بعضهم، وهذا المذهب ليس بصحيح، والدليل على بطلان نصبه على المصدر، أنه لو كان كذلك لجاز أن يقام مقام الفاعل، وهو ممتنع بالإجماع. الخامس: يجوز تقديم المفعول له على عامله إن لم يكن فيه مانع، قال الشاعر (¬5): - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 367 - 370، 390)، (3/ 126). (¬2) ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 197). (¬3) التذييل (3/ 261). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 261)، والهمع (1/ 194، 195)، وشرح الكافية للرضي (1/ 192)، وحاشية الخضري (1/ 194). (¬5) هو الكميت، وهذا البيت مطلع قصيدة يمدح فيها أهل البيت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1502 - طربت وما شوقا إلى البيض أطرب (¬1) [2/ 397] ولا يجوز أن يكون لعامل واحد منصوبان كل منهما مفعول له، إلا أن يجعل أحدهما بدلا من الآخر (¬2)، وقوله تعالى: ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (¬3)، تَذْكِرَةً منصوب بإضمار فعل تقديره: إلا أنزلناه تذكرة (¬4). وذهب الجرمي والرياشي (¬5) إلى أن المفعول له لا يكون إلا نكرة (¬6)، وهو مذهب مردود لا ينبغي التشاغل بمثله. وفي شرح الشيخ: اشتركت كي وحتّى في أحد معانيها في أنهما للتعليل، تقول: أسلمت كي أدخل الجنة (¬7)، ومع ذلك - ¬

_ (¬1) صدر بيت من الطويل، وعجزه: ولا لعبا مني وذو الشيب يلعب والبيت في: الخصائص (2/ 281)، والمحتسب (1/ 50)، والتذييل (3/ 272)، وشرح الهاشميات (ص 36)، وشرح التسهيل للمرادي، والأمالي الشجرية (1/ 267)، والمغني (1/ 14)، وشرح شواهده للسيوطي (1/ 34)، والهمع (1/ 195)، (2/ 69)، والدرر (1/ 167)، (2/ 85)، وحاشية الخضري على شرح ابن عقيل (1/ 194)، والمطالع السعيدة (ص 308). والشاهد قوله: «شوقا»؛ حيث جاء مفعولا له مقدما على عامله. (¬2) في المطالع السعيدة (ص 308): «ولا يجوز تعدد المفعول له منصوبا كان أو مجرورا، ومن ثم منع في قوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا [البقرة: 231]- تعلق لِتَعْتَدُوا ب تُمْسِكُوهُنَّ على جعل ضِراراً مفعولا له، وإنما يتعلق به على جعل ضِراراً حالا». اه. وينظر: الهمع (1/ 195). ومن ثم فعبارة الشارح هنا: «إلا أن يجعل أحدهما بدلا من الآخر» ليس فيها إشارة إلى مثل هذا الوجه، فكان يجب عليه أن يتبع عبارته بقوله: «أو حالا». (¬3) سورة طه: 2، 3. (¬4) في إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 118) ذكر أبو البقاء في «تذكرة» إعرابا آخر أيضا، فقال: «قوله تعالى: إِلَّا تَذْكِرَةً هو استثناء منقطع، أي لكن ذكرنا به تذكرة، ولا يجوز أن يكون مفعولا له لأنزلنا المذكورة؛ لأنها قد تعدت إلى مفعول له، وهو لِتَشْقى فلا يتعدى إلى آخر من جنسه، ولا يصح أن يعمل فيها لِتَشْقى لفساد المعنى، وقيل: تَذْكِرَةً مصدر في موضع الحال». اه. (¬5) هو العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشي اللغوي النحوي، قرأ عليه المازني اللغة، وقرأ هو على المازني النحو، وأخذ عن المبرد وابن دريد، صنف كتاب الخيل، وكتاب الإبل، وما اختلف اسماؤه من كلام العرب، وغير ذلك. توفي مقتولا على يد الزنج بالبصرة سنة 257 هـ. أخبار النحويين البصريين (ص 68 - 70)، والبغية (2/ 27)، تحقيق محمد أبو الفضل. (¬6) وهو رأي المبرد أيضا كما في: التذييل (3/ 272)، والهمع (1/ 194). (¬7) زاد في (ب): (وأسلمت حتى أدخل الجنة) وهو الموافق لعبارة أبي حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز في: كي وما بعدها أن يكونا مفعولا له، ولا يجوز ذلك في حتى، وإنما جاز ذلك في كي؛ لأن لها محملين في لسان العرب. أحدهما: أن تكون حرف جر، فيكون النصب بإضمار «أن» بعدها، وهي في هذه الحال لا تكون مفعولا له. والثاني: أن تكون حرف نصب؛ فتكون مصدرية كأن، فتكون في هذه الحالة مفعولا له، وأما حتى فلا تنصب بنفسها إنما تنصب بإضمار «أن» بعدها، فهي حرف جر، وإذا كانت حرف جر لم ينسبك منها ومن الذي بعدها مصدر؛ إنما ينسبك من «أن» المضمرة بعد حتى، ومن الفعل المنصوب بأن المضمرة، ولا يكون مفعولا له إلا ما كان مصدرا، أو مقدرا به بالشروط التي تقدمت (¬1). * * * ¬

_ (¬1) التذييل (2/ 272).

الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمى ظرفا ومفعولا فيه

الباب الخامس والعشرون باب المفعول المسمّى ظرفا ومفعولا فيه [تعريف الظرف - نوعاه] قال ابن مالك: (وهو ما ضمّن - من اسم وقت أو مكان - معنى «في» باطّراد لواقع فيه مذكور أو مقدّر ناصب له). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): ما ضمن معنى في يتناول الحال والظرف، ونحو السهل والجبل من قول العرب: مطرنا السّهل والجبل (¬2)، فخرج الحال بقولي: من اسم وقت أو مكان، وخرج السهل والجبل ونحوهما بقولي: باطراد، فإنه لا يقاس عليهما، إذ لا يقال: مطرنا القيعان والتّلول، ولا أخصبنا السهل والجبل، بل يقتصر على ما سمع، ولا يزاد عليه إلا ما يحصل بسماع ممن يوثق به بخلاف المنصوب على الظرفية نحو: جلست أمامك، فإنه مطّرد لجواز أن يخلف فيه الفعل والاسم غيرهما (¬3) ولا يتناول أيضا قولي: ما ضمن معنى «في» ما نصب بدخل من مكان مختص، وخرج بذكر الاطراد، فإن المطرد لا يختص بعامل دون عامل، ولا باستعمال دون استعمال، فلو كان نصب المكان المختص بدخل على الظرفية لم ينفرد به «دخل»، بل كان يقال: مكثت البيت، كما يقال: دخلت البيت، وكان يقال: زيد البيت، فينتصب بمقدر كما يفعل بما تحققت ظرفيته، لأن كل ما ينتصب على الظرفية بعامل ظاهر، يجوز وقوعه خبرا، فينصب بعامل مقدر (¬4)؛ ولذا قال سيبويه - بعد أن مثل بقلب زيد الظّهر والبطن، ودخلت البيت، وليس المنتصب هنا بمنزلة الظروف؛ لأنك لو قلت: [2/ 398] هو ظهره وبطنه، وأنت تريد مشى على ظهره وبطنه، لم يجز (¬5). هذا نصه. وقد غفل عن هذا الموضع الشلوبين مع اعتنائه بجمع متفرقات الكتاب، وتبين - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 200) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬2) ذكر سيبويه هذا القول في الباب الذي عنون له بقوله: هذا باب من الفعل يبدل فيه الآخر من الأول، ويجري على الاسم كما يجري أجمعون على الاسم، وينصب بالفعل لأنه مفعول. اه. الكتاب (1/ 158). وعلى هذا فهو يجيز فيه الرفع على البدل والنصب. اه. (¬3) ينظر: المطالع السعيدة (ص 309)، والهمع (1/ 195). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 273). (¬5) الكتاب (1/ 159).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضها ببعض (¬1)، ونبهت بقولي: لواقع فيه ناصب له مذكور أو مقدر؛ على أن الظرف منصوب بما دل على المعنى الواقع فيه، وأن الدال على الواقع فيه، قد يكون مقدرا كما يكون مذكورا؛ فالمذكور غير ظاهر، والمقدر كالعامل فيما وقع خبرا، كزيد عندك (¬2). انتهى. وفيه أبحاث: الأول: ناقش الشيخ المصنف في قوله: (ضمن)؛ قال: لأن مفهوم كلامه أن اسمي كل من الزمان والمكان يدل على معنى «في» بالتضمن، ولو كان كذلك لوجب بناء الاسم كما في أسماء الشرط والاستفهام (¬3)، وهذا الذي ذكره الشيخ ما زالت الطلبة تلهج به ويستشكلون قوله في الألفية: الظرف وقت أو مكان ضمنا ... في باطراد كهنا امكث أزمنا والذي يظهر أن يقال: إن أسماء الشرط وأسماء الاستفهام مثلا حال وضعها ضمنت معنى الحرف؛ فالتضمين حاصل لها قبل التركيب، وأما الاسم المستعمل ظرفا، فإنما تضمن معنى «في» بعد التركيب، أعني بعد استعماله ظرفا (¬4)، وإذا - ¬

_ (¬1) اعترض أبو حيان على قول المصنف هنا (ابن مالك): «وقد غفل عن هذا الموضع الشلوبين» ورد هذا القول على المصنف ردّا عنيفا، فقال: وقوله: «وقد غفل عن هذا الموضع الشلوبين» لم يغفل عنه الأستاذ أبو علي كما زعم المصنف، بل رأى أنه لا حجة فيه، وقوله: «وهذا عجيب من الشلوبين مع اعتنائه بجمع متفرقات الكتاب وتبين بعضها ببعض»، ليس ذلك بعجيب، بل العجيب غفلة المصنف عن نص سيبويه أن دخلت البيت مثل ذهبت الشام في الشذوذ، وأما قوله: «مع اعتنائه بجمع متفرقات الكتاب»، فإن الاعتناء بذلك هو الذي لم يجعله يقول بقول المصنف، ويغتر بما لا دليل فيه، ويترك النص الذي لا يحتمل تأويلا. ولم يكتف أبو حيان بذلك بل تطاول على المصنف حين قال: وأين المصنف من رجل يقال: إنه ختم كتاب سيبويه بحثا ونظرا نحوا من ستين مرة، وأقرأ نحوا من ستين سنة، ورحل إليه الناس من أقطار الأرض، ولم يكن في عصره، بل في أعصار قديمة قبل عصره مثله رحمه الله. اه. التذييل (3/ 278). وسوف يتناول الشارح هذه المسألة فيما سيأتي من أبحاثه. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 201). (¬3) التذييل (3/ 274). (¬4) ذكر الشيخ يس هذا الاعتراض في حاشيته على التصريح (1/ 337) فقال: «قوله: ما ضمن معنى في» قال اللقاني: «إن قلت: هذا يقتضي بناءه لتضمنه معنى الحرف، قلت: المقتضي للبناء تضمنه إياه وضعا، وهذا عارض عند التركيب والاستعمال» اه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان كذلك فإنما تضمن الظرف معنى الحرف بانضمام العامل فيه إليه، فكأن الذي تضمن معنى «في» حينئذ إنما هو مجموع الكلمتين لا الظرف وحده، ومما يدل على ذلك أنه لا ينسب إلى الاسم المتضمن المذكور، حتى يكون ظرفا، أي منصوبا، ولا يكون منصوبا إلا بانضمام عامله إليه، وفي ظني أن هذا الذي قررته يستفاد من قول المصنف: (لواقع فيه)؛ ذلك أن اللام لا بد لها من متعلق، فهي إما أن تتعلق بمحذوف على أنها مع مدخولها صفة لقوله: (اسم وقت أو مكان) وهو بعيد، إذ لا فائدة لهذا الكلام، فتعين أن تتعلق بقوله: (ضمن)، واللام للتعليل؛ فيصير معنى كلامه بأنه ضمن معنى «في» من أجل الواقع فيه، والواقع فيه هو العامل؛ فكأن التضمين إنما حصل بانضمام العامل إليه، وإذا كان الأمر كما قرر، اندفع اعتراض المعترض بأن الظرف لو كان متضمنا معنى «في» للزم بناؤه. وهذا الذي قررته في الظرف يتقرر بعينه في الحال، فإن المصنف قد قال: إن قوله: ما ضمن معنى «في» يتناول الحال، ولا شك أن الاسم الذي هو الحال إنما يتضمن معنى «في» حالة التركيب، أي حالة استعماله حالا، فالحال إنما تضمنت معنى «في» بانضمام أمر آخر إليها، وإذا كان كذلك، فإنما ينسب التضمن إلى مجموع الكلمتين، ومما يدل على أن المصنف لم يرد بالتضمين ما فهمه من اعترض عليه (¬1) من أنه أراد به ما يراد بالتضمن المعروف في أسماء الشرط والاستفهام، أنه قال في الكافية له: [2/ 399] مكان او وقت حوى معنى في ... ظرف كرح غدا مع الأشراف فعبر بحوى، ولم يعبر بالتضمن، فعلم أنه لم يقصد معناه، وقال في شرح هذا: المفعول فيه: ما نصب من اسم زمان أو مكان مقارن لمعنى في دون لفظها (¬2). فعبر بالمقارنة أيضا، وهذا يدل على عدم إرادة التضمن المصطلح عليه قطعا؛ وإذ قد عرفت أن المصنف قد عدل في غير هذا الكتاب عن لفظ «ضمن» إلى لفظ حوى أو قارن، فاعلم أن غيره يعبر بالتقدير أيضا فيقول: نصب الظرف على تقدير «في» (¬3). - ¬

_ - وهذا ما أجاب به ناظر الجيش هنا عن اعتراض أبي حيان. (¬1) أي: أبو حيان. (¬2) الكافية الشافية لابن مالك (2/ 675) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) هذا كلام ابن الحاجب، وهو في شرح الكافية للرضي (1/ 183).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونكث عنه المصنف معللا ذلك بأن تقدير «في» يوهم جواز استعمال لفظ «في» مع كل ظرف، وليس الأمر كذلك؛ لأن من الظروف ما لا يدخل عليه «في» كعند ومع، وكلها مقارن لمعناها ما دام ظرفا؛ فكان ذكر المقارنة أجود (¬1). انتهى. وقال الشيخ: لا يلزم من تقدير «في» جواز دخولها والتلفظ بها، وكم من مقدر لا يلفظ به نحو الفاعل في اضرب، ونحو الفعل الناصب للمنادى (¬2). انتهى. والفرق ظاهر؛ فإن ما ذكره وضعه على أن لا يلفظ به، وأما الظرف فليس وضعه على أن لا تذكر «في» معه؛ إذ يجوز في «جلست اليوم» أن يقال: جلست في اليوم، فلما كان الحرف المقدر مع الظرف قد يظهر وإن كانت الكلمة تخرج عند ذكره عن أن تكون ظرفا صناعيّا. قال المصنف: لو قلت بتقدير «في» لأوهم ذلك أنه يجوز ظهورها كما في سائر الظروف، ثم إن المصنف جعل ذلك، أعني كون الاسم ضمّن معنى «في» أو حواه أو قارنه جزءا من أجزاء الحد، ولو جاز أن يذكر التقدير لجعله أيضا جزءا. وأما غيره (¬3) فلم يدخل ذلك في الحد، وإنما قال بعد أن حد المفعول فيه بأنه: ما فعل فيه فعل مذكور، قال: وشرط نصبه تقدير «في» (¬4)؛ فجعل تقدير في شرطا، وكان هذا أولى، واحترز في الحد بقوله: (مذكور) من نحو يوم الجمعة حسن، قال: فإنه مما يفعل فيه الفعل، ولكنه لم يفعل فيه فعل مذكور (¬5). البحث الثاني: قد عرفت أن المنتصب بعد «دخل» من الأمكنة المختصة ليس منصوبا على الظرف عند المصنف، لكنه لم يصرح بجهة نصبه، وقد قال في شرح الكافية بعد أن ذكر أن المكان المختص لا يتعدى إليه فعل، يعني أنه لا ينصبه على الظرفية إلا نادرا: فإن كان الفعل المتعلق بالمكان المختص «دخل» جاز أن يتعدى إليه بنفسه لا على أنه ظرف له، بل على أنه مفعول به متعدى إليه بحرف جر، ثم حذف (الجر) (¬6) - ¬

_ (¬1) هذا كلام المصنف أيضا في الكافية الشافية (2/ 675). (¬2) التذييل (3/ 274). (¬3) هو ابن الحاجب. (¬4) هذا كلام ابن الحاجب في شرح الكافية للرضي (1/ 183). (¬5) المرجع السابق نفسه. (¬6) في (ب): (الحرف).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تخفيفا لكثرة الاستعمال، فوقع الفعل عليه ونصبه كما يتفق لغيره، ثم قال: ولا يجوز الحكم على «دخل» بأنه متعدّ بنفسه إلى المكان المختص؛ لأنه لو تعدى بنفسه إلى المكان على أنه مفعول به لتعدى بنفسه إلى غير المكان، ولم يحتج معه إلى حرف الجر في [2/ 400] نحو قولهم: دخلت في الأمر (¬1). انتهى. وأفهم كلامه أن من الناس من يقول: إنه متعد بنفسه، وذكر ابن عصفور أن ذلك هو مذهب الأخفش (¬2)، ثم رد هذا المذهب بأمور: 1 - منها: أن دخل نقيض خرج، وخرج غير متعد، قال: والنقيض يجري كثيرا مجرى ما يناقضه. 2 - ومنها: أن نظير «دخل» عبر وهو غير متعد، قال: والنظير يجري كثيرا مجرى نظيره. 3 - ومنها: أن مصدره الدخول، والفعول في الغالب مصدر ما لا يتعدى. 4 - ومنها: أنك إذا قلت: دخلت البيت كان البيت محلّا للدخول والداخل، وهذا شأن الظرف أن يكون محلّا لهما، ولو كان مفعولا به لكان محلّا للفعل خاصة؛ كضربت زيدا، قال: وهذا الدليل قاطع بفساد مذهب الأخفش. 5 - ومنها: أنهم يقولون: دخلت في الأمر؛ فلا يصل إلى الأمور المعنوية إلا بفي، ثم قال: فلأي شيء لم يقولوا: أدخلت الأمر، كما قالوا: دخلت الدار؟ وأجاب بأن دخلت في الأمر مجاز؛ لأن الدخول إنما يتصور حقيقة في الأجسام، وحذف حرف الجر مجازا، فكرهوا التجوز بعد التجوز (¬3) انتهى. وقد ثبت أن المذاهب في دخل من نحو: دخلت البيت ثلاثة: 1 - النصب على الظرف تشبيها للمكان المختص بغير المختص (¬4). - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 683، 684) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) ينظر: شرح الصفار للكتاب. حيث ذكر هذا المذهب للأخفش، وشرح الألفية للمرادي (2/ 91). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 328، 329) طبعة العراق. (¬4) هذا هو مذهب سيبويه والمحققين. يقول سيبويه: «قال بعضهم: ذهبت الشام يشبهه بالمبهم إذا كان مكانا يقع عليه المكان والمذهب، وهذا شاذ؛ لأنه ليس في ذهب دليل على الشام، وفيه دليل على المذهب والمكان، ومثل ذهبت الشام: دخلت البيت». اه. الكتاب (1/ 35)، وينظر: التذييل (3/ 275)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2 - والنصب على أنه متعدّ في الأصل بحرف، ثم حذف الحرف اتساعا، فانتصب على المفعول به كما هو رأي المصنف، قيل: وهو مذهب الفارسي (¬1). 3 - والنصب على أنه متعدّ بنفسه، كما هو مذهب الأخفش (¬2). واعلم أن الشيخ نازع المصنف فيما فهمه من قول سيبويه بعد أن مثل بقلب زيد الظهر والبطن، ودخلت البيت، وليس المنتصب هنا بمنزلة الظرف إلى آخره، فقال: لا حجة له في ذلك على أن البيت بعد دخلت ينتصب نصب المفعول به؛ لأن انتصاب الظهر والبطن ليس على تقدير «في»؛ إنما هو على تقدير «على» والأصل: قلب زيد على ظهره وبطنه؛ ولذلك قال في امتناع أن ينتصب على الظرف: أنك لو قلت: هو ظهره وبطنه، وأنت تريد: مشيا على ظهره وبطنه لم يجز، فجعل المحذوف «على» ولم يجعل المحذوف «في»؛ لأن حذف «على» ووصول الفعل إلى المجرور بها فتنصبه لا يكون نصبه على الظرف، إنما هو مثل: مررت زيدا، ولا ينقاس ذلك، قال: وقد نص سيبويه على خلاف ما ادعاه المصنف عليه، قال سيبويه - بعد أن ذكر تعدي الفعل إلى اسم المكان -: وقال بعضهم: ذهبت الشام، فشبهه بالمبهم، إذ كان مكانا، وكان يقع عليه المكان والمذهب، وهذا شاذ؛ لأنه ليس في «ذهب» دليل على الشام: وفيه دليل على المذهب والمكان، ومثل ذهبت الشام: دخلت البيت (¬3). انتهى. قال الشيخ: فهذا نص على أن انتصاب البيت بعد دخلت، مثل انتصاب الشام بعد ذهبت [2/ 401] وهما من الأمكنة المختصة، وقد قال: إن من قال: ذهبت الشام، شبهه بالمبهم، وجعل دخلت البيت مثله (¬4)، ثم قال: وقول المصنف: وهذا عجيب من الشلوبين، ليس ذلك بعجيب، بل العجيب غفلته هو عن نص - ¬

_ - وشرح الألفية للمرادي (2/ 90، 91). (¬1) ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 171)، والإغفال (849 - 851)، وشرح الصفار للكتاب. (¬2) ذكر أبو حيان في التذييل أن مذهب الأخفش وجماعة في «دخل»: المراد هنا هو أنه يتعدى بنفسه تارة وبحرف الجر تارة أخرى. التذييل (3/ 275). والذي ذكره الأخفش عن هذا الفعل هو قوله: قالوا: دخلت البيت، وإنما هو: دخلت في البيت. اه. معاني القرآن للأخفش (107). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 35). (¬4) التذييل (3/ 277، 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه الذي ذكرناه، ثم قال: وأين المصنف من رجل يقال: إنه ختم عليه كتاب سيبويه بحثا ونظرا نحوا من ستين مرة، ورحل إليه الناس من أقطار الأرض (¬1)، لم يكن في عصره، بل في أعصار قديمة مثله (¬2). انتهى. وأقول: أما الشلوبين فقد بلغ المصنف في تعظيمه ورفعة شأنه وإجلاله الغاية القصوى، حيث وصفه بالاعتناء بجمع متفرقات الكتاب وتبيين بعضها ببعض، فإن هذا يدل على أنه لم يشاركه في ذلك أحد، ولم يسبقه إليه، هذا وقد تقدمه سادات شرحوا الكتاب، ثم لم يثبت المصنف الذي وصف الشلوبين به لأحد غيره، وأما رده على المصنف بكلام سيبويه، فالمصنف إنما استدل على ما ادعاه بكلام سيبويه أيضا، وقول سيبويه: وليس المنتصب هنا بمنزلة الظروف بعد أن ذكر: قلب زيد الظهر والبطن، ودخلت البيت (¬3) صريح في عوده إلى ما تقدم، والقول بعوده إلى مسألة: قلب زيد الظهر والبطن خاصة، دعوى تخالف الظاهر والإنصاف أن يكون لسيبويه في نحو: دخلت البيت قولان، وكما غفل الشلوبين عن أحد النّصّين، غفل المصنف عن النص الآخر، فسبحان من لا تجوز عليه الغفلة! وبعد، فقد عرفت بطلان مذهب الأخفش في هذه المسألة (¬4)، وأما المذهبان الآخران، فالذي يظهر أرجحيته منهما مذهب المصنف، وذلك أن المكان المختص الواقع بعد دخلت، لو كان ينتصب على الظرفية لما جاز تعدي «دخل» إلى ضميره إلا بفي، على القاعدة المعروفة، وهي أنك إذا قلت: سرت يوم الجمعة، ثم قدمت اليوم، وسلطت الفعل على ضميره وجب أن نقول: يوم الجمعة سرت فيه، ولا يجوز: سرته، إلا إن اتسعت في الفعل، وقد عدي دخل إلى ضمير المكان المختصّ دون «في»، قال الله تعالى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (¬5) وهذا دليل صريح على ما اختاره المصنف. البحث الثالث: قال ابن أبي الربيع: لو تعدى الفعل إلى المفعول فيه على حسب ما يطلبه لتعدى - ¬

_ (¬1) سبق الحديث عن هذا النزاع بين أبي حيان والمصنف قريبا في هذا الباب. (¬2) التذييل (3/ 278). (¬3) الكتاب (1/ 159). (¬4) ينظر في بطلان مذهب الأخفش شرح الجمل لابن عصفور (1/ 328، 329)، طبعة العراق، وشرح الصفار. (¬5) سورة آل عمران: 97.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه بحرف الجرّ، ويجوز ذلك فيه، فتقول: جلست في يوم الجمعة، وركبت في يوم الخميس، ولا يكون حينئذ ظرفا، إنما يكون من قبيل ما يصل الفعل إليه بحرف الجر، ولا يسمي النحويون ظرفا إلا ما انتصب بالفعل على معنى «في» مما يكون زمانا أو مكانا، وإن كان المعنى واحدا، ولما فعل النحويون ذلك وفرقوا بينهما، وجعلوهما بابين، وسموهما باسمين لما فهموا من التفرقة بينهما، قال سيبويه: تقول العرب [2/ 402]: جلست وسط القوم، فتسكن السين ولا تفتحها، وإذا أدخلوا حرف الجر، فقالوا: جلست في وسط القوم، حرّكوا السين، كما يحركونها إذا كانت الكلمة مفعولا بها، أو دخل عليها غير «في» من حروف الجر، أو وقعت على وجه من وجوه الإعراب، ألا تراهم يقولون: ضربته وسطه، وجئت من وسط الدار، ومشيت إلى وسطها، ووسط الدار متسع، وأعجبني وسط هذه الدار، فانظر إلى تحريك السين في وسط إذا دخل عليه «في»، واستعمالها على حال واحدة في سائر مواضعها، فإذا أسقطوا حرف الجر خالفوا بلفظها وسكنوا سينها (¬1)، وإنما ذلك والله أعلم؛ لأنها صارت عندهم من قبيل آخر. البحث الرابع: لم يتعرض المصنف في هذا الباب إلى ذكر ما يقوم مقام ظرف الزمان، ولا إلى ما يقوم مقام ظرف المكان، فينتصب انتصابهما، وكان الواجب ذكر ذلك كما فعل في باب المفعول المطلق؛ حيث ذكر ما يقوم مقامه، فينتصب انتصابه. وبعد، فالذي ذكروا أنه يقوم مقام ظرف الزمان أربعة أشياء: أحدها: صفته نحو: سير عليه طويلا، أي زمانا طويلا، فأقيمت الصفة مقام الموصوف بعد حذفه (¬2)، قال ابن عصفور: وجاز في صفة الظرف قيامها مقام الموصوف، وإن لم يكن من قبيل الصفات الخاصة به، ولا من قبيل الصفات المستعملة استعمال الأسماء، كما جاز ذلك في الصفة المنتصبة على الحال لشبه الظرف بالحال، من جهة أنه ينتصب على تقدير في، كما أن الحال ينتصب على - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 411) بالمعنى، وشرح الجمل لابن الضائع. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 227)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 325).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى في، وجاز ذلك في الحال؛ لأن صاحبها هو الموصوف بها في المعنى، فاستغنت به عن موصوف تجري عليه لذلك (¬1). ثانيها: ما أضيفت إلى الظرف بشرط أن يكون المضاف هو اسم الزمان في المعنى أو بعضه نحو: سرت جميع الشهر، أو كل اليوم، وبعض الشهر، وبعض اليوم (¬2). ثالثها: ما أضيف إليه اسم الزمان، فيقام المضاف إليه مقامه بعد حذفه، والأكثر أن يكون المضاف إليه مصدرا بشرط أن يفهم تعيينا أو مقدرا نحو: كان ذلك خفوق النجم، أو صلاة العصر، وانتظرته نحر جزورين، وسير عليه ترويحتين (¬3)، وقلّ كون المضاف إليه اسم عين نحو: لا أفعل ذلك معزى الفزر (¬4)، ولا أكلم زيدا القارظين، ولا أسالم عمرا هبيرة بن سعد (¬5). ومن كلامهم: لأفعلن ذلك الشمس والقمر، ولا أكلم فلانا الفرقدين، فينصبون هذا وأشباهه نصب الظروف، والتقدير: لا أفعل ذلك مدة فرقة غنم الفزر، ومدة مغيب القارظين، ومدة مغيب هبيرة بن سعد، ولأفعلن ذلك مدة بقاء الشمس والقمر، أو مدة طلوعهما، وهذا سبيل التوقيب بالفرقدين وغيرهما. رابعها: ما شبه بظرف الزمان، وذلك كلمات أذكرها؛ إلا أن استعمال هذا النوع ظرفا موقوف على السماع، والكلمات هى قولهم: حقّا، وغير شك، وجهد رأيي، وظنّا منّي، يقولون: أحقّا [2/ 403] أنك قائم، ومنه قول الشاعر: 1503 - ألا أبلغ بني جشم رسولا ... أحقّا أنّ أخطلكم هجاني (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 150)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 325، 335) بالمعنى. والتذييل (3/ 279). (¬2) ينظر: المقرب (1/ 144). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 230). (¬4) الفزر هو لقب سعد بن مناة بن تميم، ولقب بذلك لأنه وافي الموسم بمعزى، فأشبهها هناك، وقال: من أخذ منها واحدة فهي له، ولا يؤخذ منها فزر. اللسان «فزر»، ومجمع الأمثال (2/ 202). (¬5) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 109، 110). (¬6) البيت من الوافر، وهو للنابغة الجعدي يهجو الأخطل. وهو في: الكتاب (3/ 137)، والتذييل (3/ 280)، والخزانة (4/ 306)، والعيني (1/ 504)، والهمع (1/ 72)، والدرر (1/ 47)، والأشموني (1/ 185)، وديوانه (164). اللغة: بنو جشم: هم رهط الأخطل. والشاهد في قوله: «حقّا»؛ حيث نصب على الظرفية في موضع الخبر و «أن» وما دخلت عليه في تأويل مصدر مبتدأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأمر في هذه الكلمة معرفة باللام كالأمر فيها دون اللام، فيقال: أألحق أنك قائم، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: 1504 - أألحق أن دار الرّباب تباعدت ... أو انبتّ حبل أنّ قلبك طائر (¬1) فأنّ مع صلتها في موضع رفع بالابتداء، وحقّا وأألحقّ ظرفان في موضع الخبر؛ لأنهما منصوبان على تقدير «في»، والدليل على ذلك تصريحهم بها في بعض المواضع، قال الشاعر: 1505 - أفي حق مواساتى أخاكم ... بمالي ثمّ يظلمني الشّريس (¬2) وقال آخر (¬3): 1506 - أفي الحق أني مغرم بك هائم ... وأنّك لا خل هواك ولا خمر (¬4) والدليل على أن حقّا جار مجرى ظرف الزمان، أن العرب استعملته خبرا عن المصدر، ولم تستعمله خبرا عن الجثة، كما أن ظرف الزمان كذلك، وكذا يقولون: غير شك أنك قائم، وجهد رأيي أنك مقيم، وظنّا مني أنك ذاهب (¬5)، وجعل بعضهم من القائم مقام ظرف الزمان اسم العدد، أي اسم عدده نحو: سار - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لعمر بن أبي ربيعة، وهو في: الكتاب (3/ 136)، والتذييل (3/ 280)، والتصريح (2/ 366)، والأشموني (4/ 278)، وديوان عمر بن أبي ربيعة (ص 109)، وديوان كثير عزة أيضا (ص 368) برواية (أجدك) مكان (أألحق). اللغة: انبت: انقطع - والتعبير بالطيران كناية عن ذهاب العقل لشدة الحزن، أو كناية عن خفقاته. والشاهد في قوله: (أألحق) حيث نصب على الظرفية، وهو في موضع الخبر و «أن» وما دخلت عليه في تأويل مبتدأ. (¬2) البيت من الوافر، وهو لأبي زبيد الطائي. وهو في: التذييل (3/ 280)، وخلق الإنسان للأصمعي (ص 232)، وابن القواس (ص 701)، والخزانة (4/ 309)، والتصريح (1/ 221، 339). ويروى البيت برواية (السريس) بالسين المهملة. والسريس هو الذي لا يأتي النساء، وقيل: الذي لا يولد له. والشاهد في قوله: «أفي حق»؛ حيث دخلت «في» على حق وصرح بها، مما يدل على ظرفيتها حين تنصب. (¬3) هو عائد بن المنذر أو فاقد بن المنذر (ينظر معجم الشواهد ص 151). (¬4) البيت من الطويل وهو في: الخزانة (1/ 193)، عرضا والمغنى (1/ 55)، وشرح شواهده (1/ 172)، والعيني (3/ 81)، والتصريح (1/ 339)، وأوضح المسالك (1/ 176). والشاهد في قوله: (أفي الحق) حيث دخلت «في» على «الحق»، وهذا يدل على ظرفيتها حين تنصب. (¬5) ينظر: الكتاب (3/ 139)، والتذييل (3/ 281).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القوم عشرين يوما، وابن عصفور جعل اسم العدد نفسه زمانا، لا قائما مقامه، ومن ثمّ قال في المقرب: ظرف الزمان هو اسم الزمان أو عدده أو ما قام مقامه (¬1) وعلل ذلك بأنه لما عد به الزمان صار مرادا به الزمان في المعنى، وذلك أن عشرين يوما من المثال المتقدم ونحوه أيام في المعنى، والذي قاله ابن عصفور هو الظاهر، بل هو المتعين، واعلم أنه كما قام مقام ظرف الزمان الأربعة المتقدمة الذكر، هكذا تقوم مقام ظرف المكان. فالصفة: نحو قولك: قعد قريبا من زيد، يريد مكانا قريبا منه. والمضاف إلى الظرف الذي هو اسم المضاف إليه في المعنى: نحو قولك: سرت جميع الميل، وقطعت بعض الفرسخ (¬2). وما كان مضافا إليه اسم مكان فحذف اسم المكان وأقيم المضاف إليه مقامه نحو قولك: جلست قرب زيد، الأصل: جلست مكان قريب زيد (¬3)، ومنه قول العرب: تركته ملاحس البقر أولادها، الأصل: تركته مكان ملاحس البقر أولادها، وهذا إنما يكون إذا كان المضاف إليه اسم المكان مصدرا كما مثل، فهو في ظرف المكان نظير قولهم: كان ذلك خفوق النجم، وقدوم الحاج في ظرف الزمان، إلا أن ذلك كثير مع ظرف الزمان كما تقدم، وقليل مع ظرف المكان، ولا يجوز أن تكون «ملاحس» اسم مكان؛ لأنه نصب الأولاد، فتعين كونه مصدرا (¬4). وأما ما شبه به: أعني بظرف المكان فقد مثلوا بقولهم: زيد فوق عمرو في الشرف، ودون بكر في العلم، قال ابن عصفور: ففوق ودون في هذا الكلام وأمثاله، ليسا باسمي مكان، وإنما حكم لهما بحكم ظرف المكان لشبههما بفوق ودون إذا أريد بهما المكان (¬5). انتهى. وما ذكره غير ظاهر، فإن الشيء لا يشبه بنفسه، وإنما [2/ 404] المشبه هنا متعلق الفوقية والدونية، فالمراد تشبيه الرتبة المعنوية بالرتبة الحسية؛ لأن الفوقية وما - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 144). (¬2) ينظر: المقرب (1/ 145)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 325) طبعة العراق. (¬3) ينظر: المطالع السعيدة (ص 310)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 96). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 281). (¬5) المقرب (1/ 150) بالمعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقابلها إنما يدركان بالنسبة إلى الأجسام، فإذا استعمل اللفظ الدال عليهما في الأمور المعنوية، وجب أن يكون التشبيه بين الرتب، فالرتبة التي لها شرف توصف بالعلو المعنوي، فيطلق عليها ما يطلق على ما يوصف بالعلو الحسي، والمرتبة التي ليس لها شرف توصف بالتسفل المعنوي، فيطلق عليها ما يطلق على ما يوصف بالتسفل الحسي، وإذا كان الأمر كذلك ففوق التي هي في قولنا: «زيد فوق عمرو في الشرف» هي نفس فوق التي هي قولنا: «زيد فوق الجدار»، ففوق اسم مكان في الحالين، وكذا الكلام في دون أيضا، ثم قال ابن عصفور ردف كلامه الأول: ومن ذلك ما حكاه الأخفش من قول العرب: هم هيئتهم (¬1)، قال: فهيئتهم هنا ظرف مكان؛ لأنها منصوبة على تقدير في أي هم هيئتهم، والهيئة ليست باسم مكان، وإنما حكم لها بحكم اسم المكان لشبهها به من حيث كانت مشتملة على ذي الهيئة كاشتمال المكان على ما يحل فيه، قال: والدليل على أنها جعلت من قبيل ظروف المكان وقوعها خبرا عن الجثة (¬2). انتهى. واعلم أن استعمال هذا النوع ظرف مكان، أعني ما شبه بظرف المكان - موقوف على السماع، كما أن استعمال ما شبه بظرف الزمان ظرف زمان كذلك (¬3). البحث الخامس: الناصب للظرف هو اللفظ الدال على المعنى الذي وقع في الظرف، وإذا كان كذلك علم أن في قول المصنف: ناصب له بعد قوله: لواقع فيه - تجوزا ثم إن هذا العامل قد يكون مذكورا وقد يكون مقدرا، فالمذكور ظاهر والمقدر قد يكون تقديره جائزا كقولك يوم الجمعة، لمن قال: متى جئت، وقبلي الجامع، لمن قال: أين جلست، إذ يجوز إظهاره، وقد يكون تقديره واجبا يعني أن يؤتى به مقدرا ولا يذكر لفظا (¬4)، وهذا هو الذي يعبر عنه النحاة بأنه يحذف وجوبا، وذلك في أربع مسائل وهي: - ¬

_ (¬1) ينظر: الغرة لابن الدهان (2/ 10). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 281) حيث أورد هذا النص الذي نسبه الشارح هنا إلى ابن عصفور. (¬3) جعل المرادي في شرح الألفية له (2/ 96) نيابة الأشياء عن ظرف المكان قليلة وكثيرة في ظرف الزمان؛ ولذلك قال: وكثرته تقتضي القياس عليه. اه. ويقصد بذلك ظرف الزمان. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 333) طبعة العراق، والمطالع السعيدة (ص 309).

[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف]

[تقسيم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف] قال ابن مالك: (ومبهم الزّمان ومختصّه لذلك صالح، فإن جاز أن يخبر عنه أو يجر بغير «من» فمتصرّف، وإلّا فغير متصرف، وكلاهما منصرف، وغير منصرف). ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون الظرف صفة أو صلة أو خبرا أو حالا (¬1). وذكر الإمام بدر الدين في شرح الألفية موضعا خامسا وهي قولهم: حينئذ الآن، أي كان ذلك واسمع الآن، قال: لأنه مسموع بالحذف لا غير، يعني أنه لا علة لوجوب حذفه إلا السماع خاصة (¬2). قال ناظر الجيش: هذا الباب يشتمل على فصول أربعة، تكلم المصنف في فصلين منهما، وهما الأولان، على ظرف الزمان وحده، وتكلم على ظرف المكان في الفصلين الآخرين. فأما ظرف الزمان فقسمان: مبهم ومختص. ثم المختص معدود وغير معدود. فالمعدود إذا أحد قسمي المختص، والمبهم والمختص صالحان للظرفية (¬3). قال المصنف (¬4): فمبهمه نحو: «صمت يوما»، ومختصه [2/ 405] نحو: «صمت يوم الجمعة»، ثم ظرف الزمان ينقسم إلى متصرف، فالمتصرف ما يجوز أن يخبر عنه أو يجر بغير «من» وغير المتصرف ما لا يعامل بذلك (¬5)، فالإخبار عنه نحو: «العام سعيد» و «اليوم مبارك»، والجر بغير من نحو: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ * (¬6) ونحو: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (¬7) ونحو: على يمينه أسوده وعلى - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 91). (¬2) شرح الألفية لابن الناظم (ص 108). (¬3) ينظر: اللمع لابن جني (ص 139)، والفصول الخمسون (ص 184، 185)، وشرح عمدة الحافظ (ص 300)، والمطالع السعيدة (ص 310). (¬4) شرح التسهيل (2/ 201). (¬5) ينظر: الفصول الخمسون لابن معط (ص 185)، وشرح عمدة الحافظ (ص 299). (¬6) سورة النساء: 87، وسورة الأنعام: 12. (¬7) سورة ق: 17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يساره أسوده، وبدخول «إلى» على «متى» يعلم أنها ظرف متصرف، فلذلك أجاز سيبويه أن يقال: يوم كذا بالرفع، لمن قال: متى سير عليه؟ على تقدير: أيّ الأحيان سير عليه؟ برفع أي، وقال سيبويه: والرفع في جميع هذا عربي كثير في لغات العرب تكون على كم غير ظرف، وعلى متى غير ظرف (¬1). هذا نصه، ولا يحكم بتصرف ما جر «بمن» وحدها كعند وقبل وبعد؛ لأن «من» كثرت زيادتها، فلم يعتد بدخولها على الظرف (¬2) الذي لا ينصرف بخلاف غيرها كمذ وحتّى، وفي وإلى وعن وعلى، فلما بيّنت أن بعض الظروف متصرف، وبعضها غير متصرف قلت: وكلاهما منصرف، وغير منصرف، أي المتصرف على ضربين: منصرف وغير منصرف، وغير المتصرف كذلك، فالأقسام إذا أربعة (¬3) انتهى. وقسم ابن عصفور ظرف الزمان ثلاثة أقسام: مبهم ومختص ومعدود، ثم قال: هو ما لا يصح وقوعه في جواب كم، ولا في جواب متى نحو زمان، والمختص هو ما يصح وقوعه في جواب متى نحو يوم الجمعة، والمعدود ما يصح وقوعه في جواب كم نحو يومين (¬4) انتهى. فاقتضى كلامه أن المعدود قسيم للمختص، وقد عرفت أنه قسم منه، والأولى أن يقال: المبهم: هو ما لا يصح وقوعه في جواب كم ولا في جواب متى، والمختص: إما أن يقع في جواب كم فهو المعدود، وإما أن يقع في جواب متى فهو غير المعدود، وإنما تعدى الفعل إلى المبهم والمختص من ظروف الزمان، لقوة دلالته عليه؛ لأنه دال عليه بالتضمن، كما هو دال بالتضمن على المصدر، فتعدى إلى جميع ضروبه، كما تعدى إلى جميع ضروب المصدر (¬5)، وبهذا علل الفارسي تعدي الفعل إلى جميع ضروب القسمين أعني المصدر، وظرف الزمان، فقال: لاجتماعهما في أن الدلالة وقعت عليهما من لفظ الفعل (¬6). ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 216). (¬2) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 95). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 202). (¬4) المقرب (1/ 145، 146)، وينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 327) طبعة العراق. (¬5) ينظر: الهمع (1/ 195)، والتذييل (3/ 282). (¬6) الإيضاح للفارسي (ص 177).

[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكل]

[تقسيمات مختلفة لظرف الزمان وأمثلة لكلّ] قال ابن مالك: (فالمتصرف المنصرف كحين ووقت، والّذي لا يتصرّف ولا ينصرف ما عينّ من سحر مجرّدا، والذي يتصرّف ولا ينصرف كغدوة وبكرة علمين، والّذي ينصرف ولا يتصرّف بعيدات بين، وما عيّن من ضحى وضحوة وبكر وسحير وصباح ومساء، ونهار وليل، وعتمة وعشاء، وعشية، وربّما منعت الصّرف والتّصرف. وألحق بالممنوع التّصرف ما لم يضف من مركّب الأحيان كصباح مساء ويوم يوم. وألحق غير خثعم ذا وذات مضافين إلى زمان، واستقبح الجميع [2/ 406] التّصرف في صفة حين عرض قيامها مقامه ولم توصف). قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الأقسام أربعة شرع في ذكرها قسما قسما. أما المتصرّف المنصرف فكثير، قال المصنف (¬1): لأنه على الأصل، وذلك كساعة وشهر وعام ودهر وحين وحينئذ ويومئذ يقال: سير عليه يومئذ وحينئذ، حكاهما سيبويه (¬2)، والذي لا يتصرف ولا ينصرف «سحر» إذا جرد من الإضافة والألف واللام، وقصد به سحر معين من ليلة معينة كقولك: لأستغفرن هذه الليلة سحر، وكذا إن قصد التعيين ولم تذكر الليلة (¬3). والذي يتصرف ولا ينصرف غدوة وبكرة (¬4) علمين قصد بهما التعيين، أو لم يقصد؛ لأن علميتهما جنسية، فيستعملان استعمال أسامة وذؤالة (¬5)، فكما يقال عند قصد التعميم: أسامة شر السباع، وعند قصد التعيين: هذا أسامة فاحذروه، يقول قاصد التعميم: غدوة وقت نشاط، وقاصد التعيين: لأسيرن الليلة إلى غدوة، وبكرة في ذلك كغدوة، وقد يخلوان من العلمية فيتصرّفان، وينصرفان (¬6)، ومنه - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 202). (¬2) الكتاب (1/ 221). (¬3) ينظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 375). (¬4) الغدوة: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والبكرة مثلها. اللسان مادة (غدا). (¬5) أسامة: من أسماء الأسد، وذؤالة: اسم للذئب. (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 202)، وينظر: التذييل (3/ 187).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (¬1). والذي ينصرف ولا يتصرف ما عين من سحير وبكر وضحى وضحوة، وصباح ومساء وليل ونهار، وعتمة وعشاء وعشية (¬2)، وربما منعت عشية في التعيين الصرف والتصرف، فساوت سحر، ذكر ذلك كله سيبويه في الباب المترجم بهذا باب ما يكون فيه المصدر حينا (¬3)، وقال بعد أن ذكر ليلا ونهارا: إذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك (¬4) يريد بليل ليلتك ظلامها، ونهار نهارك ضوءه، وكذا قال في تفسير تعيين البواقي إذا أردت سحر ليلتك وضحى يومك وصباحه ومساءه وعشاءه، وبكر يومك وضحوته وعتمة ليلتك. وذكر مما لا يتصرف بعيدات بين (¬5)، أي أوقاتا غير متصلة (¬6). ومن الظروف التي لا تنصرف ما ركب تركيب خمسة عشر كقولك: فلان يتعهدنا يوم يوم وصباح مساء، أي كل يوم وكل صباح ومساء، فمثل هذا لا يستعمل إلا ظرفا، ومنه قول الشاعر (¬7): 1507 - ومن لا يصرف الواشين عنه ... صباح مساء يبغوه خبالا (¬8) ومثله قول الآخر: 1508 - آت الرّزق يوم يوم فأجمل ... طلبا وابغ للقيامة زادا (¬9) - ¬

_ (¬1) سورة مريم: 62. (¬2) العتمة: ثلث الليل الأول بعد غياب الشفق، وقيل: صلاة العشاء الأخيرة، والضحو والضّحوة والضّحيّة: ارتفاع النهار. ينظر: اللسان مادتي «ضحا وعتم». (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 222 - 225). (¬4) الكتاب (1/ 226). (¬5) يقال: لقيته بعيدات بين، إذا لقيته بعد حين، وقيل: بعيد فراق، اللسان «بعد». (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 225، 226). (¬7) هو كعب بن زهير بن أبي سلمى الصحابي الجليل، وأحد فحول الشعراء المخضرمين. (¬8) البيت من الوافر، وهو في: التذييل (3/ 292)، وشذور الذهب (ص 104)، والهمع (1/ 196)، والدرر: (1/ 167)، وديوان كعب (ص 201). والشاهد في قوله: «صباح مساء»؛ حيث نصب على الظرفية وجوبا؛ لأنه مما لم يضف من مركب الأحيان، فلو أضيف صدره إلى عجزه جاز استعماله ظرفا وغير ظرف. (¬9) البيت من الخفيف مجهول القائل، وهو في: التذييل (3/ 292)، وشذور الذهب (ص 105)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو أضيف صدره إلى عجزه، جاز استعماله ظرفا وغير ظرف، فمثال استعماله ظرفا قول الشاعر: 1509 - ما بال جهلك بعد الحلم والدّين ... وقد علاك مشيب حين لا حين (¬1) أنشده سيبويه، وقال: إنما هو حين حين ولا بمنزلة ما إذا ألغيت (¬2)، ومثال استعماله غير ظرف قول الآخر أنشده سيبويه أيضا: 1510 - ولولا يوم يوم ما أردنا ... جزاءك والفروض لها جزاء (¬3) واعلم أن من الظروف التي لا تتصرف: ذو وذات مضافين إلى وقت كقولهم: لقيته ذا صباح وذات مرة، وذات يوم أو ليلة، وهذا النوع [2/ 407] عند غير خثعم لا يستعمل إلا ظرفا، وقد يستعمل عند خثعم غير ظرف كقول بعضهم (¬4): 1511 - عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يسوّد من يسود (¬5) فلو قيل على هذه اللغة: سرى عليه ذات ليلة بالرفع لجاز، ولا يقال على لغة - ¬

_ والهمع (1/ 196)، والدرر (1/ 167). والشاهد فيه: قوله «يوم يوم»؛ حيث نصب على الظرفية وجوبا؛ لأنه من مركب الأحيان ولم يضف. (¬1) البيت من البسيط، وهو لجرير يهجو الفرزدق، وهو في: الكتاب (2/ 305)، وشرح الأبيات للسيرافي (2/ 130)، والأمالي الشجرية (1/ 239)، (2/ 230)، والخزانة (1/ 530)، والتذييل (3/ 197)، والهمع (1/ 197)، والدرر (1/ 168)، وديوان جرير (ص 484). والشاهد فيه: إضافة «حين» إلى «حين» التي بعدها ولا زائدة معنى ولفظا، ولذلك استعملت «حين» في البيت ظرفا لأنها أضيفت. (¬2) الكتاب (2/ 305). (¬3) البيت من الوافر وهو للفرزدق، وهو في: الكتاب (3/ 303)، والتذييل (3/ 303)، والخزانة (2/ 94)، (3/ 108)، وتعليق الفرائد (ص 1536)، وشذور الذهب (ص 109)، والهمع (1/ 197). والشاهد في قوله: «يوم يوم»؛ حيث أضيف «يوم» الأول إلى الثاني فتصرف ورفع مبتدأ بعد لولا. (¬4) هو أنس بن مدرك الخثعمي كما جاء في الخزانة (1/ 476). (¬5) البيت من الوافر لأنس بن مدرك الخثعمي وهو في: الكتاب (1/ 227)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 388)، والمقتضب (4/ 345)، والخصائص (3/ 32)، وأمالي الشجري (1/ 186)، والتذييل (3/ 294)، والبحر المحيط (2/ 183، 230)، والمقرب (1/ 150)، وابن يعيش (3/ 12)، والمستقصي (2/ 240)، وتعليق الفرائد (ص 1538)، والمخصص (13/ 221)، والخزانة (1/ 476)، والهمع (1/ 197)، والدرر (1/ 168)، اللسان «صبح». والشاهد فيه: قوله: «ذي صباح»؛ حيث جرّ وذلك على لغة خثعم التي تجوز فيه التصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غيرهم من العرب، إلا سرى عليه ذات ليلة بالنصب. ويقبح (¬1) عند جميع العرب ترك الظرفية في صفة حين حذف وأقيمت مقامه نحو: سير عليه قديما وحديثا، فلو قلت: سير عليه قديم أو حديث لم يختلف في قبحه، فلو كان قيام الصفة مقام الموصوف غير عارض كقريب، حسن ترك الظرفية، وكذا لو وصفت الصفة كقولك: سير عليه طويلا من الدهر؛ لأن وصفها يعطيها شبها بالاسم الجامد، كما أن كثرة جريانها مجرى الأسماء الجامدة يلحقها بها (¬2)، فلك أن تقول في سير عليه طويلا من الدهر، وفي مرّ به قريبا: سير عليه طويل الدهر، ومرّ به قريب، فإن قريبا من الصفات التي كثر جريانها مجرى الأسماء، قال سيبويه - بعد أن مثل بسير عليه طويلا وحديثا وكثيرا وقليلا -: ولم يجز الرفع؛ لأن الصفة لا تقع موقع الاسم (¬3). ثم قال: وقد يحسن أن تقول: سير عليه قريب؛ لأنك تقول: لقيته مذ قريب، وربما جرت الصفة في كلامهم مجرى الاسم، فإذا كان كذلك حسن، ثم قال: فإن قلت: سير عليه طويل من الدهر كان أحسن، وإنما حسن بالوصف لأنه ضارع الأسماء؛ لأن الموصوفة في الأصل هي الأسماء (¬4)، هذا نصه. وإلى هذا أشرت بقولي: (واستقبح الجميع التّصرف في صفة حين عرض قيامها مقامه ولم توصف). فعلم عدم القبح في تصرف «قريب» من المثال المذكور؛ لأن إقامته مقام الموصوف غير عارضة بخلاف طويل وشديد ونحوهما، وعلم عدم القبح في تصرف ما وصف نحو: سير عليه طويل من الدهر؛ لأن وصفه بالجار والمجرور أعطاه شبها بالأسماء المحضة كما تقدم. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬5). وهو حسن إلا أنه ليس فيه التعرض إلى ذكر العلة الموجبة لعدم التصرف في الكلمات التي أوردها، ثم إنه لم يبسط القول فيها كما فعل غيره، ولا شك أنه يتعين الإشارة إلى الأمرين، وقبل ذكر ذلك فاعلم أن التصرف في الظرف هو الأصل، - ¬

_ (¬1) هذا كله كلام المصنف (2/ 204). (¬2) ينظر: المقرب (1/ 150)، والهمع (1/ 197). (¬3) الكتاب (1/ 227). (¬4) الكتاب (1/ 228). (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا الانصراف أيضا، ولهذا كان المتصرف المنصرف منها هو الكثير (¬1)، وقد أشار المصنف إلى كونه الكثير بقوله: (لأنه على الأصل). وحاصل الأمر: أن الأصل في الظروف التصرف؛ لأنها أسماء، فسبيلها أن تجري مجرى الأسماء وتدخل عليها العوامل التي تدخل على الأسماء، وما وجد منها غير متصرف يسأل عن عدم تصرفه، وكذا [2/ 408] الأصل فيها الانصراف؛ لأنه الأصل في الأسماء، وقال بعض النحاة (¬2): إن الأصل في الظروف أن تكون غير متصرفة، وأن تلزم طريقة واحدة. ولا معول على هذا القول، ويكفي فيه أنه قول مخالف لقول الجمهور، وإذ قد تقرر هذا فنقول: الكلمات التي ذكر أنها لا تنصرف: سحر وبعيدات بين وضحى وضحوة، وبكر وسحير وصباح ومساء، ونهار وليل وعتمة وعشاء وعشية، وذا صباح وذا مرة. أما سحر فقد عرف من كلام المصنف اشتراط أمرين في عدم تصرفه وهما: أن يكون مجردا من الإضافة والألف واللام، وأن يقصد به سحر معين من ليلة معينة، وسواء أذكرت الليلة أم لم تذكر نحو: جئتك سحر وأنت تريد ذلك من يوم بعينه. وكذا سواء أعرّفت اليوم أم نكّرته نحو: جئت يوما سحر، ذكر (¬3) ذلك الشيخ رحمه الله تعالى (¬4). فعلم من ذلك أنه لم يقصد به معين بأن كان نكرة تصرف كقوله تعالى: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (¬5) وأنه إن كان مضافا أو بالألف واللام تصرف أيضا مع كونه معينا نحو: كان ذلك يوم الخميس السحر، أو يوم الجمعة سحره، قال الشيخ: ومن أحكام سحر أنه إذا ذكر قبله اليوم لا ينتصب ظرفا إلا إذا انتصب اليوم ظرفا، فلو كان اليوم فاعلا أو مفعولا به لم ينتصب سحر على الظرف، بل يكون بدلا من اليوم، فيلزمه الضمير أو «أل» نحو: كرهت يوم كذا سحره، أو السحر منه، ولو - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح عمدة الحافظ (2/ 414) تحقيق عدنان الدوري (العراق - بغداد) والتوطئة (ص 210) تحقيق د/ يوسف المطوع، فقد ذكر الشلوبين أن عدم التصرف في ظرف الزمان مأخذه السماع، وكذا الانصراف في بعض الظروف. (¬2) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 188). (¬3) ينظر: نتائج الفكر (ص 375). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 284). (¬5) سورة القمر: 34.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: سير بزيد يوم الجمعة سحر، وجعلته مفعولا على السعة لم يجز لعدم الربط بينه وبين اليوم (¬1)، قال الشيخ: فإن أردت هذا المعنى قلت: سير بزيد يوم الجمعة سحره أو السحر منه حتى يرتبط به (¬2)، أما إذا رفع اليوم، ورفع سحر فجائز؛ لأن اليوم باق على الظرفية غايته أنه أقيم مقام الفاعل وهو يشتمل على السحر، ولا يشتمل السحر عليه، والعلة في عدم تصرفه أنه عدل عن طريقته الوضعية كما سيبين، فكأنه في الاستعمال خرج عما يستحقه بحق الأصالة، ولما كان كذلك ألزم الظرفية، قالوا: لأن باب الظرف باب تغيير ومن التغيير نشأ، لأنه إنما نشأ عن إسقاط حرف الجر، ليجري مجرى المصدر، قالوا: وكل ما بني على التغيير نشأ منه، فإنه يكون فيه ما لا يكون في غيره كباب النسب والتصغير والتكسير، وبيان أنه عدل بسحر عن طريقته الوضعية أنه وضع على التنكير كرجل، وإذا أرادوا تعريفه ألحقوه الألف واللام أو أضافوه، ثم إن العرب استعملوه معرفة دون الأمرين إن لم يلحقوه اللام ولم يضيفوه (¬3)، وللنحاة فيما تعرف به خلاف: منهم من جعله العلمية (¬4)، ومنهم من جعله نية الألف واللام (¬5)، وهذا يذكر في باب منع الصرف إن شاء الله تعالى، وعلى كلا المذهبين هو معدول؛ لأنه لما استعمل معرفة دون ألف ولام ودون إضافة كان ذلك عدولا به عن الطريقة الأصلية فيه. وحاصل الأمر: أن منع تصرفه [2/ 409] للعدل، وإنما كان العدل مانعا للتصرف: لأن العدل تغيير، ولهم في تقرير هذا الأمر عبارة أخرى وهي أنهم ذكروا - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 286). (¬2) التذييل (3/ 287). (¬3) أوضح أبو حيان هذه المسألة في التذييل: (3/ 284) فقال: «وإنما لم يتصرف - أي سحر - لخروجه عن نظائره من النكرات، وذلك أن نظائره من النكرات إذا عرفت أدخلوا عليها «أل» أو أضافوها، فلما عرف هذا من غير أداة تعريف خالف نظائره، فلم يتصرفوا فيه لذلك، ولم يصرفوه أيضا لعدله وتعريفه من غير أداة تعريف». اه. (¬4) أي أنه جعل علما لهذا الوقت وهو وقت السحر. ينظر: التذييل (3/ 285). (¬5) هذا مذهب السهيلي وزعم أنه مذهب سيبويه. ينظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 375). وقد علق محقق الجزء الثالث من التذييل على هذا الرأي فقال: وغرّه في نسبة هذا المذهب إلى سيبويه قوله: إذا كان مجرورا أو مرفوعا أو منصوبا غير ظرف لم يكن معرفة إلا وفيه الألف واللام» اه. الكتاب (3/ 282)، وقال بمثل هذا في (1/ 225)، وليس ما نسبه إليه بصحيح. اه. التذييل (3/ 285) هـ 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن نظائر سحر من النكرات إذا عرفت فإما باللام أو بالإضافة، فلما عرف هو من غير أداة تعريف خالف نظائره، فعدم تصرفه لخروجه عن نظائره من النكرات (¬1)، وهذه العلة الموجبة لعدم تصرف سحر، هي العلة الموجبة لعدم تصرف الكلمات الأخر، أعني بعيدات بين، وما ذكر بعدها، كما سنقف عليه (¬2). وأما معناه فقال الشلوبين: إن أبا علي فسر ذلك بأن قال: العرب تقول: رأيته بعيدات بين، أي رأيته ثم فارقته، ثم رأيته ثم فارقته (¬3)، وذلك إذا كان بين أبعاض الرؤية مدة قريبة، قال: فلذلك جمع وصغّر؛ لأن تصغير الظرف تقريب (¬4)، إلا أن الجمع جاء على غير قياس؛ لأن «بعد» مذكر وكذلك الظروف كلها مذكرات إلا قداما وراء (¬5)، وقياس المذكر إذا جمع وليس فيه تاء أن لا يجمع بالألف والتاء، قالوا: فلما كان الأمر فيها على غير قياس، لزمت الظرفية، وقال ابن عمرون: لما صغر «بعد» وجمع وأضيف إلى بين لزم طريقة واحدة، وما قاله ابن عمرون هو الظاهر، وأما ضحى وما بعدها إلى عشية فقد عرفت أن عدم تصرفها مشروط بأن يراد بها معين، ولهذا قدم المصنف عليها قوله: وما عين من كذا وكذا، وينبغي أن نعلم أنها نكرات؛ ولذلك توصف بالنكرة، وإن كان المراد بها من يوم بعينه (¬6)، ونظيرها في ذلك: لقيته عاما أول، فإنه نكرة أريد به معين (¬7)، وقال ابن أبي الربيع: وأما عشية وعتمة وضحى وبكر وما جرى مجراها فهن نكرات، وإذا أردتهما ليوم بعينه فليست أعلاما؛ لأنها متصرفة (¬8)، وإنما هي من قبيل وضع اللفظ الشائع في موضع الخاص، ويعلم المراد من غير اللفظ؛ ألا ترى أنك إذا قلت: رأيتك يوم الجمعة عشية، علم أن هذه العشية هي عشية الجمعة، فكان القياس أن يقال: العشية أو عشيته، لكن أطلق اللفظ الشائع وأريد التخصيص، وعلم المراد من غير لفظ عشية، - ¬

_ (¬1) هذا ما ذكره أبو حيان في التذييل (3/ 284)، وانظر ما ذكر قريبا في الهامش من التحقيق. (¬2) زاد في (ب) بعد قوله: (كما سنقف عليه): (وأما منع سحر فلعدله وتعريفه كما ستعرفه في مكانه إن شاء الله، وأما بعيدات بين فإنه لا يتصرف لما سنذكر) ا. هـ. (¬3) في اللسان مادة «بعد»: «يقال: لقيته بعيدات بين إذا لقيته بعد حين، وقيل: بعيدات أي بعيد فراق، وذلك إذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان ثم يأتيه ثم يمسك». ا. هـ. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 290)، وشرح الكافية للرضي (1/ 187)، والمقتضب (2/ 270، 277). (¬5) ينظر: المذكر والمؤنث للفراء (ص 109). (¬6) ينظر: نتائج الفكر (ص 377، 378). (¬7) ينظر: التذييل (3/ 290). (¬8) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 188).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك نظير قولك: عاما أول، فلما استعملت عشية وأخواتها على غير وجوهها كان ذلك خروجا عن القياس، فلزمت الظرفية، قال ابن عمرون: وإنما لم تتصرف هذه الكلمات؛ لأن أصلها أن لا تخص من يوم معين، فلما أريد بها ذلك لزمت طريقة واحدة، ولو لم ترد من يوم بعينه كانت متصرفة، وأما ذا صباح وذات مرة على لغة غير خثعم، فالعلة في عدم تصرفهما أنهما خرجا عن الأصل (¬1)، وذلك أن أصل صباح أن يستعمل ظرفا بنفسه، فيقال: جئتك صباحا، فقولهم: ذا صباح دليل على أن الصباح استعمل هنا بمعنى الضياء، فقد خرج عن أصله، وكذلك ذات مرة، الأصل أن تقول: جئتك مرة وتكون [2/ 410] ظرفا بنفسها، فلما قالوا: ذات مرة، خرجت عن ذلك، وصارت بمنزلة قيس قفة، فكان ذلك تغيرا وخروجا عن الأصل، قال ذلك ابن أبي الربيع. وقال ابن عمرون: إنما لم تتمكن ذات مرة؛ لأن «ذات» ليست من أسماء الزمان، بل مستعار، فلما خرج عن أصله لزم طريقة واحدة. انتهى. وهذا الذي ذكره في ذات مرة يقال بعينه في ذا صباح مساء، وقيل: إنما لم تتصرف ذا صباح؛ لأن الأصل: وقتا ذا صباح ولا ذات مرة، لأن الأصل قطعة من الزمان ذات مرة (¬2). وقال ابن عمرون أيضا: واعلم أن ظروف المكان أقوى مضارعة للأسماء، فلذا تمكنت ذات اليمين، وذات الشمال في كلامهم، ولم تتمكن ذات ليلة وأخواتها، قال: وقال الميداني (¬3): لقيته ذات يوم، وذات ليلة وذات غدوة وذات مرة، وذات - ¬

_ (¬1) ذكر السيوطي في الهمع (1/ 197) أن السهيلي يزعم أن ذات مرة وذات يوم لا تتصرف لا في لغة خثعم ولا غيرها، وأن الذي يتصرف عندهم إنما هو «ذو» فقط، والذي ذكره السهيلي عن هاتين الكلمتين قوله: وكذلك - أي في عدم التصرف - كل ما كان من الظروف نعتا في الأصل نحو: ذا صباح و «ذات مرة»، لا يتمكن ولا يخرج عن الظرف. ا. هـ، نتائج الفكر (ص 379). وقد أبطل أبو حيان ما ذهب إليه السهيلي هنا. ينظر: التذييل (3/ 294). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 295). (¬3) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم الميداني، أبو الفضل النيسابوري، أديب فاضل عالم نحوي، لغوي، قرأ على أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي، وعلى يعقوب بن أحمد النيسابوري. من تصانيفه: مجمع الأمثال (مطبوع مشهور في جزأين) - الأنموذج في النحو - الهادي للشادي - وكتاب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزمين، وذات العويم، ولا يقولون: ذات شهر ولا ذات سنة، بل السماع في هذه المذكورات، ولقيته ذا صباح وذا مساء، وذا صبوح وذا غبوق هذه الأربعة بغير تاء، قال: وإضافة ذات إلى ما بعدها من إضافة المسمى إلى الاسم كأنه قال: صاحبة هذا الاسم، وأما غدوة وبكرة فقد عرفت ما ذكره المصنف فيهما. قال ابن أبي الربيع: وأما بكرة وغدوة فوضعتها العرب في التعريف على جهتين: - إحداهما: أن يتعرّفا باللام أو بالإضافة. والثانية: أن يجعلا علمين ليس أحدهما أصلا والآخر معدولا عنه (¬1). فوجب لذلك أن يتصرفا ولم ينصرفا للتعريف والتأنيث، ثم قال: فإن قلت: ولم لا يكون حكم بكرة حكم سحر، أو يكون الأمر بالعكس؟ قلت: للعرب أن تضع ألفاظها على حسب مقاصدها، ولها أن تقصد في لفظ ما لا تقصده في الآخر، ألا ترى أن أسدا نكرة وأسامة علم، ولو خالفت هذا الوضع أو ساوت بينهما لكان جائزا، فحقك أن تقف حيث وقفوا، وتضع كما وضعوا، ثم تطلب عللا مناسبة لما جاءت عليه ألفاظها، ويكون ذلك من قبيل الاستدلال بأثر الشيء عليه كالاستدلال بالضوء على طلوع الشمس، وسحر سمع فيه عدم الانصراف والتصرف، فقيل في تعليله ما قيل. وغدوة وبكرة سمع فيهما عدم الانصراف وتصرفتا، فقيل فيهما ما قيل. وقد بقي الكلام على مسألة وهي أنه لا فرق في المعنى بين قولنا: فلان يأتينا صباح مساء بالتركيب، وصباح مساء بالإضافة، إذ معنى كل منهما أنه يأتي في الصباح والمساء، وذكر الشيخ عن الحريري (¬2) أنه قال في درة الغواص: إن المراد مع الإضافة أنه يأتي في الصباح وحده، التقدير: يأتينا في صباح مساء، والمراد مع - ¬

_ - النحو الميداني، وكتاب نزهة الطرف في علم الصرف مطبوع في جزأين، تحقيق د/ يسرية حسن (جامعة الأزهر) وغيرها. وممن تتلمذ على يديه الإمام أبو جعفر أحمد بن علي المقربي البيهقي وابنه سعيد، توفي سنة 518. (ينظر في ترجمته البغية (1/ 356، 357) تحقيق محمد أبو الفضل، ومعجم الأدباء (5/ 45). (¬1) ينظر: الكتاب (3/ 293)، والتذييل (3/ 287)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 188). (¬2) هو القاسم بن علي بن محمد البصري الحريري صاحب درّة الغواص، توفي سنة 516. سبقت ترجمته بالتفصيل في المقدمة.

[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل]

[حكم الظرف الواقع في جواب كم أو متى بالنسبة لحصول الفعل] قال ابن مالك: (ومظروف ما يصلح جوابا لكم واقع في جميعه تعميما أو تقسيطا، وكذا مظروف ما يصلح جوابا لمتى، إن كان اسم شهر غير مضاف إليه شهر، وكذا مظروف الأبد والدّهر واللّيل والنّهار مقرونة بالألف واللّام، وقد يقصد التّكثير مبالغة فيعامل المنقطع معاملة المتّصل، وما سوى ما ذكر من جواب متى فجائز فيه التعميم والتبعيض إن صلح المظروف لهما). ـــــــــــــــــــــــــــــ التركيب أنه يأتينا في الوقتين، وكان الأصل هو: يأتينا صباحا ومساء، فحذف العاطف وركب الاسمان (¬1) قال: وقد ردّ ابن بري (¬2) هذا وقال: لم يذهب إلى ذلك أحد من النحويين البصريين، قال السيرافي [2/ 411]: يقال: سير عليه صباح مساء وصباح ومساء، وصباحا ومساء، ومعناهن واحد، قال: وليس سير عليه صباح مساء مثل قولك: ضربت غلام زيد، في أن السير لا يكون إلا في الصباح، كما أن الضرب لا يقع إلا بالأول وهو الغلام دون الثاني؛ لأنك إذا لم ترد أن السير وقع فيهما لم يكن في مجيئك بالمساء فائدة (¬3)، وقال سيبويه: وتقول: إنه ليسار عليه صباح مساء، ومعناه صباحا ومساء (¬4)، وهذا نص واضح في أنه لا فرق بين التركيبين (¬5). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): المظروف هو ما يقع في الظرف، فمنه ما يقع في جميعه، ومنه ما يقع في بعضه، كما أن الموعى في الوعاء، منه ما يملأ الوعاء، ومنه ما لا يملؤه فإذا كان الظرف معدودا، وهو المعبر عنه بجواب «كم» فلكل واحد من أفراده، أو فرديه قسط من العمل إما في جميعه وهو المعبر عنه بالتعميم، - ¬

_ (¬1) درة الغواص في أوهام الخواص (ص 292) تحقيق محمد أبو الفضل. (¬2) هو عبد الله بن بري بن عبد الجبار أبو محمد المقدسي المصري النحوي اللغوي، شاع ذكره واشتهر وتصدر للإقراء بجامع عمرو، وكان مع علمه وغزارة فهمه ذا غفلة. قرأ على الجزولي النحو وأجاز لأهل عصره، وكان له تصفح في ديوان الإنشاء. من تصانيفه: اللباب في الرد على ابن الخشاب في رده على الحريري في درة الغواص - حواش على الصحاح، وقيل: إنه لم يكملها فأكملها الشيخ عبد الله بن محمد البسطي، وله شرح شواهد الإيضاح مطبوع مشهور. توفي ابن بري سنة 582 هـ (بغية الوعاة (2/ 34) تحقيق محمد أبو الفضل). (¬3) ينظر: شرح السيرافي (2/ 963). (¬4) الكتاب (1/ 227). (¬5) التذييل (3/ 293). (¬6) انظر: شرح التسهيل (2/ 205).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما في بعضه وهو المعبر عنه بالتقسيط، فالتعميم كقولك: صمت ثلاثة أيام، والتقسيط كقولك: أذنت ثلاثة أيام، فهذان مثالان لما لا يصلح من العمل إلا لأحد القصدين، وقد يكون العمل صالحا للتعميم والتقسيط، فيجوز للمتكلم أن يقصد به ما شاء من المعنيين كقولك: تهجدت ثلاث ليال، فمن الجائز أن تريد استيعابهنّ بالتهجد، وأن تريد إيقاع تهجد في بعض كل واحدة منهن، وإذا كان الظرف اسم شهر غير مضاف إليه شهر، كقولك: اعتكفت رمضان فلجميع أجزائه قسط من العمل؛ لأن كل واحد من أعلام الشهور إذا أطلق فهو بمنزلة ثلاثين يوما (¬1)؛ ولذلك قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر» (¬2) ولم يقل قام شهر رمضان، إذ لو قال ذلك، لاحتمل أن يريد تمام الشهر، وأن يريد بعضه، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (¬3)، وإنما كان الإنزال في ليلة منه وهي ليلة القدر، وأجرى أبو الحسن بن خروف أعلام الأيام مجرى أعلام الشهور، فجعل قول القائل: سير عليه الخميس مقصورا على التعميم، وقوله: سير عليه يوم الخميس محتملا للتعميم والتبعيض، وفيما رآه نظر (¬4)، ومثل رمضان وغيره من الأعلام المجردة في استحقاق التعميم: الأبد والدهر والليل والنهار مقرونة بالألف [2/ 412] واللام؛ فإذا قيل: كان ذلك الأبد أو الدهر، فلا يصلح أن يراد به غير التعميم إلا في قصد المبالغة مجازا كما يقول القائل: أتاني - ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (1/ 197، 198)، والمقرب (1/ 146)، ومثل المقرب. (¬2) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الإيمان (1/ 12)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين (523). (¬3) سورة البقرة: 185. (¬4) رد أبو حيان على ابن خروف رأيه هذا وأبطله فقال: «وهذا الذي ذهب إليه - أي ابن خروف - باطل؛ لأن الاسم يتناول مسماه بجملته نكرة كان أو غير نكرة، علما أو غير علم، وإنما التفرقة بين المحرم وأسماء الشهور إذا أضيف إليها شهر، وبينها إذا لم يضف إليها شهر من جهة أنه إذا انفرد الشهر ولم يضف فالعمل في جميعه، ولا يجوز أن يكون في بعضه كما ذكر ابن خروف، وكذلك أسماء الأيام يجوز أن يكون في كلها وفي بعضها؛ لأنها من قبيل المختص غير المعدود» اه. التذييل (3/ 302، 303). وهذا الرد الذي رد به أبو حيان شامل للرد على ابن خروف في تفرقته بين ما لم يضف إليه شهر من أسماء الشهور وبين ما أضيف إليه منها شهر. وهذا التعليل الذي علل به أبو حيان ورد به على ابن خروف ردّ به ابن عصفور أيضا على ابن خروف، وسوف يبين الشارح ذلك في أبحاثه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أهل الدنيا، وإنما أتاه ناس منهم، قال سيبويه: ومما لا يكون العمل فيه من الظروف إلا متصلا في الظرف كله قولك: سير عليه الليل والنهار، والدهر والأبد، ثم قال: لا تقول: لقيته الدهر والأبد، وأنت تريد يوما فيه، ولا لقيته اللّيل وأنت تريد لقاءه في ساعة دون الساعات (¬1). هذا نصه. انتهى كلام المصنف (¬2). واعلم أنه قد عرفت أن ظرف الزمان قسمان: مبهم ومختص. وأن المختص منه معدود، ومنه غير معدود، وعرفت أيضا أن المبهم هو ما لا يصح وقوعه في جواب كم ولا في جواب متى، وأن المختص إن صح وقوعه في جواب كم فهو المعدود، وإن صح وقوعه في جواب متى فهو المختص غير المعدود. فالمبهم: ما كان من أسماء الزمان غير مؤقت ولا مختص نحو: زمان، وحين، ووقت. والمختص غير المعدود: ما كان منها معرفا غير معدود نحو: اليوم والليلة ويوم الخميس أو مخصصا بالنعت نحو: يوما كنت فيه عندنا، والمعدود غير المعرّف نحو: يومين وثلاثة أيام وأربعة أيام. فأما المعدود المعرف فإنه عندهم من قبيل ما هو مختص ومعدود؛ لأنه من جهة تعريفه مختص، ومن جهة دلالته على أحاد معدود، وذلك نحو: العشرين يوما والثلاثين يوما والأربعين يوما، ومنه أسماء الشهور نحو: المحرم وصفر ورجب ورمضان؛ لأن كلّا منها بمنزلة قولك: الثلاثين يوما (¬3)، وهذا القسم أعني المعدود المعرف محكوم له بحكم المعدود، فإن أضفت إلى شيء من أسماء الشهور لفظ شهر كان محكوما له بحكم المختص (¬4) كما سيذكر، فعرف من هذا أن الذي يصح وقوعه في جواب كم خاصة شيئان وهما: اسم الزمان الدال على العدد صريحا منكرا كان أو معرفا نحو: يومين وثلاثة أيام وأربعة أيام، والعشرين يوما والثلاثين يوما والأربعين يوما، وأسماء الشهور مجردة من الإضافة إليها لتضمنها الدلالة على العدد كما تقدم، وأن الذي يصح وقوعه في جواب متى خاصة شيئان وهما: - ما كان مختصّا بتعريف أو نعت نحو اليوم والليلة ويوم الخميس، ويوما كان فيه - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 216، 217). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 206). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 327) طبعة العراق. (¬4) ينظر: المقرب (1/ 146)، وتقريب المقرب لأبي حيان (ص 62).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كيت وكيت. وأسماء الشهور إذا أضيف إلى شيء منها لفظ شهر نحو: شهر رمضان وشهر ربيع الأول مثلا، وإنما حكم لنحو هذا أعني اسم الشهر إذا أضيف إليه لفظ شهر بالاختصاص حتى لا يكون واقعا إلا في جواب متى خاصة؛ لأن الشهر بإضافته إلى هذه الأسماء يصير بمعنى وقت، ويخرج عن أن يكون معدودا، فإذا قال القائل: سرت شهر رمضان، فكأنه قال: سرت وقت رمضان، قال ابن عصفور: والدليل على أنه لا يذهب بشهر إذ ذاك مذهب عمرو إذا قلت: سرت [2/ 413] شهرا، أنك إذا قلت: سرت شهرا فإنما تريد ثلاثين يوما، فلو أضفت شهر إلى رمضان وأنت تريد به ما كان يعطيه من العدد في حال إفراده، كان قولك: سرت شهر رمضان بمنزلة قولك: سرت ثلاثي الثلاثين يوما، وذلك غير سائغ. وإذا لم يسغ ذلك لم يبق إلا أن يكون المراد بشهر من قولك: شهر رمضان الوقت الذي يشتمل على الثلاثين يوما المسماة رمضان، والشهر في أصل اللغة ليس الثلاثين يوما ولا الوقت الذي يشتمل عليها، قال: وإنما هو اسم للهلال (¬1)، حكى ذلك ابن الأعرابي وغيره من اللغويين، وأنشدوا شاهدا على ذلك قول الشاعر: - 1512 - فأصبح أجلى الطّرف ما يستريده ... يرى الشّهر قبل النّاس وهو ضئيل (¬2) قالوا: وإنما قيل للثلاثين يوما شهر، لطلوع الهلال فيها، قال: ولتلك العلة عندي ساغت تسمية الوقت الذي يشتمل عليها شهرا (¬3). انتهى. ثم ما صح وقوعه في جواب كم خاصة، وهو الشيئان اللذان بدئ بذكرهما: يجب أن يكون العمل واقعا في جميعه إما على وجه التعميم، وإما على وجه التقسيط، وما صح وقوعه في جواب متى خاصة، وهو الشيئان المثنى بذكرهما، يجوز أن يكون العمل في جميعه، ويجوز أن يكون في بعضه، وإذ قد تقرر هذا - ¬

_ (¬1) في اللسان «شهر»: تقول: رأيت الشهر: أي رأيت هلاله. اه. (¬2) البيت من الطويل وهو لذي الرمة في: التذييل (3/ 300)، وملحقات ديوانه (ص 671)، واللسان «شهر» برواية (نحيل) مكان (ضئيل). والشاهد فيه: قوله: «الشهر»؛ حيث عبر به عن الهلال بدليل قوله بعد ذلك «وهو ضئيل». (¬3) ينظر مثل: المقرب (ورقة 235)، والتذييل (3/ 300 - 302).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلننزل كلام المصنف عليه؛ فقوله: (ومظروف ما يصلح جوابا لكم واقع في جميعه)، إشارة منه إلى أحد الشيئين من القسم الذي يجب أن يكون العمل جميعه، وهو الدال على العدد صريحا منكرا كان أو معرّفا كثلاثة أيام والثلاثين يوما. وقوله: (وكذا مظروف ما يصلح جوابا لمتى إن كان اسم شهر غير مضاف إليه شهر)، إشارة منه إلى الشيء الآخر من القسم المذكور، وهو الدال على العدد ضمنا كأسماء الشهور مجردة عن الإضافة إليها (¬1). وقوله: (وما سوى ما ذكر من جواب متى فجائز فيه التعميم والتبعيض)، إشارة منه إلى الشيئين من القسم الذي يجوز أن يكون العمل في جميعه، وأن يكون في بعضه، وهما ما كان مختصّا بتعريف أو نعت، وما كان اسم شهر مضاف إليه شهر (¬2)، كلا الشيئين داخل تحت قوله: وما سوى ما ذكر من جواب متى؛ لأن الذي ذكر هو اسم الشهر غير مضاف إليه الشهر، فما سواه اسم شهر مضاف إليه لفظ شهر، وأما اسم غير ذلك كيوم الخميس، ويوما ما كان فيه كيت وكيت. فعلى هذا كلام المصنف واف بالمقصود مع ما اشتمل عليه من اختصار العبارة ولطف الإشارة. وقوله: (إن صلح المظروف لهما)، شرط حسن يفيد أنه إنما يجوز التعميم والتبعيض في مثل: سرت يوم الخميس، وسرت شهر رمضان، فأما إذا لم يصلح المظروف إلا لأحدهما فإنه يتعين فيعم في نحو: صمت اليوم، وصمت شهر رمضان، ويتبعض في نحو: لقيت زيدا اليوم، وسلمت عليه شهر رمضان [2/ 414]. وبقية كلامه في الفصل واضح، وقد أتى هو على شرحه كما تقدم إيراده، فإن قلت: قوله: وكذا مظروف ما يصلح جوابا لمتى، إن كان اسم شهر غير مضاف إليه شهر، يقتضي صحة وقوع ذلك جوابا لمتى، وأنت قد جعلته من القسم الذي يصح وقوعه في جواب كم خاصة، قلت: قد تقدم أن المعدود المعرّف من قبيل ما هو مختص ومعدود، وقد قال ابن عصفور: إن الظرف قد يكون مختصّا ومعدودا فيقع في جواب كم وجواب متى (¬3)، وكأنه من حيث هو معرف صالح لجواب - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 299)، والهمع (1/ 197). (¬2) ينظر: المقرب (1/ 146)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 227) طبعة العراق. (¬3) المقرب (1/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متى، ومن حيث هو معدود صالح لجواب كم، والذي يظهر أن المحرم ونحوه من أسماء الشهور إن نظر إليه من أصله فحقه أن يصح وقوعه في جواب متى؛ لكونه اسم زمان مختصّا بالتعريف، ولكنهم نظروا إلى معناه، فقالوا: المراد منه العدد الخاص، فكان العدد هو المقصود منه، فمن ثم حكم له بحكم الأسماء الدالة على العدد صريحا، فجعل واقعا في جواب كم دون جواب متى، واعلم أن المبهم من الظروف بمنزلة المعدود في أنه لا يكون العمل إلا في جميعه، وإنما لم يتعرض المصنف إليه، لوضوحه، لأنك إذا قلت: سرت حينا أو زمانا كان من المعلوم أنك لا تريد به من الزمان إلا القدر الذي وقع فيه السير خاصة (¬1)، ثم الإشارة بعد ما ذكرنا إلى أمور: 1 - منها: أن العقل قاض بأن ما صلح أن يكون جوابا لكم من الظروف لا يعمل فيه من الأفعال إلا ما يتكرر ويتطاول، لكنهم تعرضوا إلى ذكر ذلك مع أنه غير محتاج إليه (¬2)، قال ابن عصفور - بعد أن ذكر أن ذلك شرط -: لو قلت: مات زيد يومين وأنت تريد الموت الحقيقي لم يسغ ذلك. 2 - ومنها: أن الكوفيين يزعمون أن ما كان العمل في جميعه ليس منصوبا انتصاب الظرف (¬3)، وإنما هو منصوب انتصاب المشبه بالمفعول به؛ لأن الظرف إنما ينتصب على تقدير «في». و «في» عندهم تقتضي التبعيض فإذا عم الفعل الظرف امتنع تقديره بفي لذلك (¬4)، وابطل ابن عصفور دعواهم أن «في» تقتضي التبعيض - ¬

_ (¬1) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 327): «فالمبهم: ما يقع على قدر من الزمان غير معين نحو: وقت وزمان وأمثال ذلك». اه. ومفهوم العبارة كما قال الشارح: أن العمل يكون واقعا في جميع الزمان المبهم ويعني به القدر الذي وقع فيه العمل. وينظر: المطالع السعيدة (ص 310). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 303). (¬3) انتصابه انتصاب الظرف هو مذهب البصريين. ينظر: الهمع (1/ 198). (¬4) ينظر: الهمع (1/ 198) وبرأي الكوفيين قال السهيلي في نتائج الفكر (ص 382) وعبارته فيه هي: واعلم أنه ما كان من الظروف له علم فإن الفعل إذا وقع فيه تناول جميعه، وكان الظرف مفعولا على سعة الكلام، فإذا قلت: سرت غدوة فالسير واقع في الوقت كله، وكذلك سرت السبت والجمعة، وسرت المحرم وصفر. وكل هذا مفعول على سعة الكلام لا ظرف للفعل. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ (¬1)، فأدخلت «في» على الأيام، مع أن العمل فيها جميعا، بدليل قوله تعالى في الآية الأخرى: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً (¬2)، قال رؤساء المفسرين: بمعنى حسوما كاملة تباعا لم يتخللها غير ذلك (¬3). وقد ذكر المصنف في باب المبتدأ هذه المسألة حيث ذكر أن ظرف الزمان يغني عن خبر اسم المعنى، فقال: فإن وقع في جميعه أو أكثره، وكان نكرة (¬4) ولم يمتنع نصبه ولا جره بفي خلافا للكوفيين، وتقدم الكلام عليها في ذلك الباب. 3 - ومنها: أن المصنف لما ذكر مذهب ابن خروف في أنه يجري أعلام الأيام مجرى أعلام الشهور، فيجعل قول القائل: سير عليه الخميس مقصورا على التعميم، وسير عليه يوم الخميس محتملا للتعميم والتبعيض، قال: وفيما رآه نظر، ولم يرد عليه بشيء (¬5)، وقد ذكر المسألة ابن عصفور فقال بعد ذكر مذهب ابن خروف: وجعل [2/ 415] السبب في ذلك أنها أعلام واقعة على أيام الأسبوع، والعلم واقع على المسمى بجميع صفاته لا على بعضه، فكان العمل لذلك واقعا في جميعه، فإن أضيف إليه يوم صار تعريفه إنما هو بالإضافة لا بالعلمية، فيجوز أن يكون العمل حينئذ في جميعه، وأن يكون في بعضه، قال: ولهذه العلة نفسها فرق بين ما لم يضف إليه شهر من أسماء الشهور، وبين ما أضيف إليه منها شهر؛ لأن تعريف ما لم يضف إليه منها شهر بالعلمية، وتعريف ما أضيف إليه منها شهر بالإضافة، قال: وهذا الذي ذهب إليه من التفرقة بين العلم وغيره باطل؛ لأن الاسم يتناول مسماه، علما كان أو غير علم، وإنما التفرقة بين ما أضيف - ¬

_ (¬1) سورة فصلت: 16. (¬2) سورة الحاقة: 7. (¬3) ينظر: الكشاف (2/ 484)، وإملاء ما من به الرحمن (2/ 267)، ومعاني القرآن للفراء: (3/ 180). ينظر: التذييل (3/ 304، 305)، والمقرب (1/ 147) حيث أشار ابن عصفور إلى هذا المذهب ولم يصرح بنسبته إلى الكوفيين، يقول ابن عصفور: ولا يتعدى - أي الفعل - إلى ضمير ظرفي الزمان والمكان مطلقا إلا بواسطة «في» إلا أن يتسع في الظرف، فتنصبه على التشبيه بالمفعول به. اه. وينظر: الهمع (1/ 198). (¬4) زاد في (ب): (رفع غالبا) وبه يستقيم معنى العبارة. (¬5) قد ذكرت قريبا الرد على ابن خروف في هذه المسألة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه من أسماء الشهور شهر وبين ما لم يضف إليه منها شهر من جهة أخرى (¬1)، قلت: وقد تقدمت الإشارة إليها. 4 - ومنها: أن الصيف والشتاء والربيع من قبيل الظروف المختصة غير المعدودة؛ لأنها أسماء واقعة على فصول معلومة من السنة ولم يقصد بها العدد، فيجوز أن يكون العمل في جميعها، وأن يكون في بعضها (¬2)، قال سيبويه: سمعنا العرب الفصحاء يقولون: انطلقت الصيف؛ والانطلاق إنما يكون في بعض الصيف، وتقول: سرت الصيف وأنت تريد التعميم؛ لأن السير مما يمتد، ومن ذلك قول ابن الرقاع (¬3): 1513 - فقصرن الشتاء بعد عليه ... وهو للذّود أن يقسّمن جار (¬4) يريد أنه قصر ألبان الذود في جميع هذا الفصل، ومن استعمال الربيع ظرفا قول القائل (¬5): 1514 - كأنّ قتودي على قارح ... أطاع الربيع له الغرغر (¬6) 5 - ومنها: أن المشهور بين الناس أن شيئا من أسماء الشهور لا يضاف إليه لفظ شهر إلا ثلاثة وهي: شهر رمضان وربيع الأول وربيع الآخر (¬7)، وصرح ابن عصفور - ¬

_ (¬1) بمثل هذا رد أبو حيان كلام ابن خروف في: التذييل (3/ 302، 303) ولعل ما رد به أبو حيان هو من كلام ابن عصفور، ولم ينسبه إليه؛ فهو كثيرا ما ينقل عنه دون نسبة، أو يشير إليه بعبارة: وقال بعض أصحابنا. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 303). (¬3) الكتاب (1/ 219). (¬4) البيت من الخفيف، وقد نسب في اللسان إلى أبي داود الأيادي، وينظر البيت في: الكتاب (1/ 219)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 181)، والخصائص (2/ 265)، والتذييل (3/ 304)، وابن يعيش (6/ 27)، واللسان «قصر». والشاهد في البيت: (قصرن الشتاء) حيث وقع الشتاء ظرفا في جواب كم. (¬5) هو الراعي كما ورد في اللسان وهو من شعراء الإسلام، فقد عاش في عهد بني أمية. (¬6) البيت من المتقارب، وهو في: الغرة لابن الدهان (2/ 44)، والتذييل (3/ 304)، واللسان «غرغر». اللغة: القتود: جمع قتد وهو من أدوات الرحل، والقارح: الناقة أول ما تحمل - والغرغر: من عشب الربيع ولا ينبت إلا في الجبل. والشاهد فيه: نصب «الربيع» على الظرف. (¬7) ينظر: المطالع السعيدة (ص 310)، والهمع (1/ 199)، والارتشاف (ص 559)، والتذييل (3/ 300).

[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

[أحكام إذ حين تجيء ظرفا وغير ظرف] قال ابن مالك: (فصل: وفي الظّروف ظروف مبنية لا لتركيب؛ فمنها «إذ» للوقت الماضي لازمة الظّرفية إلّا أن يضاف إليها زمان، أو تقع مفعولا بها، وتلزمها الإضافة إلى جملة، وإن علمت حذفت وعوّض منها تنوين، وكسرت الذّال لالتقاء السّاكنين لا للجرّ، خلافا للأخفش، ويقبح أن يليها اسم بعده فعل ماض، وتجيء حرفا للتّعليل وللمفاجأة، وليست حينئذ ظرف مكان ولا زائدة؛ خلافا لبعضهم، وتركها بعد «بينا» و «بينما» أقيس من ذكرها وكلاهما عربي، ويلزم بينما وبينا الظّرفيّة الزّمانية والإضافة إلى جملة، وقد تضاف «بينا» إلى مصدر). ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك في شرح المقرب (¬1)، والحق خلاف ذلك، ولهذا لم يقيد المصنف الإضافة بشيء دون شيء، وفي كتاب سيبويه شهر ذي القعدة (¬2)، ومثل ابن أبي الربيع بشهر المحرم وشهر صفر، ولم يتعرض إلى شيء مما ذكره أرباب هذه المقالة (¬3). قال ناظر الجيش: لما فرغ من الكلام على معربات ظروف الزمان ومبنيّاتها المركبة شرع في الكلام على مبنياتها غير المركبة، والذي تضمنه الفصل كلمات عشر وهي: إذ وإذا وبينا وبينما ومذ ومنذ والآن وقط وعوض وأمس. فمن الظروف المذكورة «إذ» ويدل على اسميتها أنها تدل على الزمان دلالة لا تعرض فيها للحدث، وأنها تخبر بها مع دخولها [2/ 416] على الأفعال نحو: قدم زيد إذ قدم عمرو، وأنها تبدل من اسم نحو: رأيتك أمس إذ جئت. وأنها تنون في غير ترنم، ويضاف إليها بلا تأويل نحو: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (¬4)، وأنها - ¬

_ (¬1) ينظر مثل: المقرب لابن عصفور، والمقرب (1/ 146) حيث أشار إلى هذا الرأي بقوله: «وقد يكون الظرف مختصّا ومعدودا فيقع في جواب كم ومتى نحو: المحرم، وسائر أسماء الشهور إذا لم تضف إلى شيء منها شهرا؛ فإن أضفته إلى ما تصح إضافته إليه منها كان في جواب متى وصار مختصّا نحو شهر رمضان» اه. (¬2) ينظر: الكتاب (2/ 217). (¬3) ينظر: الهمع (1/ 199) ففيه إشارة إلى هذا الرأي، يقول السيوطي: «إلا أن في كلام سيبويه ما يخالف هذا، فإنه أضاف شهر إلى ذي القعدة، وبهذا أخذ أكثر النحويين فأجازوا إضافة شهر إلى أعلام الشهور ولم يخصّوا ذلك بالثلاثة التي ذكرناها» اه. وهذا القول لأبي حيان في: التذييل (3/ 300). (¬4) سورة الزلزلة: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقع مفعولا بها نحو قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ (¬1)، ولبنائها سببان كل واحد منهما كاف لو انفرد: أحدهما: وضعها على حرفين لا ثالث لهما بوجه. والثاني: لزوم افتقارها إلى جملة أو عوض منها (¬2)، وهو التنوين اللاحق في نحو: يومئذ، وحق تنوين العوض أن يكون عوضا من بعض كلمة، كتنوين «يعيل» (¬3) مصغر يعلى، فإنه عوض من لام الكلمة، وكتنوين جندل فإنه عوض من ألف جنادل (¬4)، فلما كانت الكلمة التي تضاف إليها «إذ» بمنزلة الجر منها وحذفت عوملت في التعويض منها معاملة جزء حقيقي. وفعل بذال إذ مع هذا التنوين ما فعل بهاء «صه» مع تنوين التنكير، فقيل: «إذ» كما قيل «صه» (¬5)، وزعم الأخفش: أن كسرة «إذ» كسرة إعراب بالإضافة (¬6)، وأظن حامله على ذلك أنه جعل بناءها نائبا عن إضافتها إلى الجملة، فلما زالت من اللفظ صارت معربة، ورد بعض النحويين عليه بقول العرب: كان ذلك إذ بالكسر دون مضاف إلى «إذ» (¬7). ولم يغفل الأخفش هذا بل ذكره وأنشد (¬8): 1515 - نهيتك عن طلابك أمّ عمرو ... بعافية وأنت إذ صحيح (¬9) - ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: 26. ينظر التذييل: (3/ 308)، ورصف المباني للمالقي (ص 60)، والمطالع السعيدة (ص 221). (¬2) ينظر: الهمع (1/ 204)، والمطالع السعيدة (ص 221)، وابن يعيش (4/ 95). (¬3) «يعيل»: اسم رجل. (¬4) ينظر: شرح الألفية للمرادي (1/ 24). (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 207). (¬6) ينظر: الارتشاف (ص 562)، والمغني (1/ 85، 86)، والهمع (1/ 205). (¬7) ينظر: التذييل (3/ 311)، والهمع (1/ 205)، والمغني (1/ 85، 86). (¬8) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، وهو خويلد بن خالد بن محرث، شاعر جاهلي إسلامي. (¬9) البيت من الوافر، وهو في: الخصائص (2/ 376)، وابن يعيش (3/ 29، 9/ 31)، والمخصص (14/ 56)، وشرح التسهيل (2/ 207)، والأشموني بحاشية الصبان (1/ 26)، وحاشية يس (2/ 39)، واللسان مادة الألف اللينة. اللغة: الطلاب بمعنى الطلب. والشاهد فيه: تنوين «إذ» وكسرها دون أن يضاف إليها شيء، وقد رد بهذا البيت على الأخفش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال: أراد: وأنت حينئذ صحيح، فحذف المضاف وأبقى الجر به (¬1)، وهذا منه غير مرضي؛ لأن المضاف لا يحذف ويبقى الجر به إلا إذا كان المحذوف معطوفا على مثله، كقولهم: ما مثل أبيك وأخيك يقولان ذلك، و «ما كل بيضاء شحمة ولا سوداء تمرة» (¬2)، فحذف مثل المضاف إلى أخيك، وكل المضاف إلى سوداء لدلالة ما قبلهما عليهما، و «إذ» في البيت المذكور بخلاف ذلك، فلا يحكم لها بحكمه. وأيضا فإن حذف المضاف وإعراب المضاف إليه بإعرابه أكثر من حذف المضاف وجر المضاف إليه، ومع أنه أكثر هو مشروط بعدم صلاحية الباقي لما صلح له المحذوف كالقرية بالنسبة إلى الأهل، فلو صلح الباقي لما صلح له المحذوف امتنع الحذف (¬3)، فلأن يمتنع عند ذلك حذف المضاف وبقاء المضاف إليه مجرورا أحق وأولى، ومعلوم أن «إذ» من حينئذ صالح لما تصلح له حين، فلا يجوز فيها الحذف المذكور كما لا يجوز في غلام زيد، وأيضا فإن المضاف إلى «إذ» قد يبنى كقراءة نافع (¬4): وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (¬5)، ولا علة لبنائه إلا إضافته إلى مبني، فبطل قول من قال: إن كسرة «إذ» كسرة إعراب، ولم أقيد الجملة التي تضاف إليها «إذ» بكونها اسمية ولا فعلية؛ ليشعر ذلك أن للمتكلم أن يضيفها إلى ما شاء منهما (¬6)، ثم أشرت إلى استقباح تقديم اسم بعدها على فعل ماض نحو: كان ذلك إذ زيد قام، فعلم أن غير ذلك حسن نحو: كان ذلك إذ قام زيد [2/ 417]، - ¬

_ (¬1) معاني القرآن للأخفش (2/ 484) بتحقيق عبد الأمير محمد أمين الورد. (¬2) مثل يضرب في موضع التهمة: «وأصله: أنه كانت هند بنت عوف بن عامر تحت ذهل بن ثعلبة بن عكاية، فولدت له عامرا وشيبان، ثم هلك عنها ذهل فتزوجها بعده مالك بن بكر، فولدت له ذهل بن مالك، فكان عامر وشيبان مع أمهما في بني ضبة، فلما هلك مالك انصرفا إلى قومهما، وكان لهما مال عند عمهما قيس بن ثعلبة فوجداه قد أخفاه فوثب عامر بن ذهل فجعل يخنقه، فقال قيس: يا ابن أخي دعني فإن الشيخ متأوه، ثم قال هذا المثل، ومعناه أنه وإن أشبه أباه خلقا فلم يشبهه خلقا» اه. مجمع الأمثال (2/ 281، 282). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 311). (¬4) ينظر: الحجة لابن خالويه (ص 275)، وتحبير التيسير (ص 153)، والإتحاف (ص 340)، والقراءة في الآية هي بفتح «ميم» يومئذ لإضافتها إلى غير متمكن، ووافق نافعا في هذه القراءة عاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر. أما غيرهم فيقرأ بكسر الميم على أنها معربة. (¬5) سورة النمل: 89. (¬6) ينظر: شرح قواعد الإعراب للأزهري (ص 182).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذ زيد يقوم زيد. كل ذلك حسن إذ لا محذور فيه بخلاف: إذ زيد قام، فإنه قبيح لأن مدلول «إذ» وقام من الزمان واحد، وقد اجتمعا في كلام، فلم يحسن الفصل بينهما بخلاف ما سواه، فإن الذي بعد «إذ» في جميعه غير موافق «لإذ» في مدلولها، فاستوى اتصالها وانفصالها عنه (¬1). وتجيء «إذ» للتعليل (¬2)، كقوله تعالى: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ (¬3)، وكقوله تعالى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (¬4)، وكقوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ (¬5)، ومثله قول الشاعر: 1516 - فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (¬6) وأشار إليها سيبويه فقال في باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره في غير الأمر والنهي: إن (أن) في قولهم: أمّا أنت منطلقا انطلقت بمعنى «إذ»، و «إذ» بمعنى «أن» إلا أن إذ لا يحذف فيها الفعل، وأما «لا» يذكر بعدها الفعل المضمر (¬7). هذا نصه. وتجيء «إذ» أيضا للمفاجأة كقول عمر رضي الله عنه: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ طلع علينا رجل (¬8). فهذا مثال وقوعها بعد بينما، ومثله قول الشاعر (¬9): - - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (4/ 96). (¬2) مجيء «إذ» للتعليل هو خلاف ما يراه الجمهور. ينظر: الهمع (1/ 205)، والمطالع السعيدة (ص 223). (¬3) سورة الكهف: 16. (¬4) سورة الأحقاف: 11. (¬5) سورة الزخرف: 39. (¬6) تقدم في باب «ما» العاملة عمل ليس. (¬7) الكتاب (1/ 294). (¬8) جزء من حديث شريف رواه عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما فقال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام .... إلخ الحديث، والحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب: تعريف الإسلام والإيمان (ص 133) الحديث الأول. طبعة الشعب. (¬9) هو جميل بن عبد الله بن معمر والمعروف بجميل بثينة، أحد عشاق العرب المشهورين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1517 - بينما هنّ بالأراك معا ... إذ أتى راكب على جمله (¬1) ومثله: - 1518 - استقدر الله خيرا وارضينّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير (¬2) ومثال تركها قول الشاعر: - 1519 - فبينا نحن نرقبه أتانا ... معلّق وفضة وزناد راعي (¬3) وتركها أقيس؛ لأن المعنى المستفاد معها مستفاد بتركها، وكلاهما مروي عن العرب نظما ونثرا، وكان الأصمعي (¬4) يؤثر تركها على ذكرها (¬5)، وحكى السيرافي أن بعضهم يجعلها ظرف مكان (¬6)، وأن بعضهم يجعلها زائدة (¬7)، - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، وهو في: معاني القرآن للفراء (1/ 459)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 325)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 209)، والتذييل (3/ 314)، والمغني (1/ 311)، وشرح شواهده: (1/ 366)، (2/ 722)، والخزانة (4/ 199)، وديوان جميل (ص 52). ويروى البيت برواية «بينما نحن» مكان «بينما هن». والشاهد فيه: مجيء «إذ» للمفاجأة في قوله: «إذ أتى». (¬2) البيت لعثير بن لبيد العذري أو عثمان بن لبيد أو لحريث بن حيلة العذري وهو من بحر البسيط، وينظر: في الكتاب (3/ 528)، والتذييل (3/ 316، 322)، وأمالي الشجري (2/ 209، 307) ومجالس ثعلب (1/ 220)، وابن القواس (ص 186)، وشرح التسهيل للمصنّف (1/ 209)، والمغني (1/ 83)، والمطالع السعيدة (ص 223)، والهمع (1/ 205، 211)، والدرر (1/ 173، 187)، وشذور الذهب (ص 168)، واللسان «دهر». والشاهد فيه: مجيء «إذ» للمفاجأة بعد «بينما». (¬3) البيت من الوافر، وهو لنصيب أو قيس عيلان وينظر في: الكتاب (1/ 171)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 346) وابن يعيش (4/ 97)، (6/ 11)، والغرة لابن الدهان (2/ 21)، والتذييل (3/ 315)، وابن القواس (ص 898)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 209)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 218)، والمغني (1/ 377)، وشرح شواهده (2/ 798)، والهمع (1/ 211)، واللسان «بين». اللغة: الوفضة: ما يحمل فيها الراعي متاعه وزاده. والشاهد فيه: ترك مجيء إذ بعد بينا. (¬4) هو عبد الملك بن قريب اللغوي المشهور توفي سنة 216. سبقت ترجمته. (¬5) ينظر: شرح المفصّل لابن يعيش (4/ 99). (¬6) ينظر: شرح السيرافي (6/ 470، 471). (¬7) ذكر أبو حيان في التذييل (3/ 315): «أن أبا عبيدة ذهب إلى زيادة «إذ» وحمل عليه «إذ» في قوله «إذ قلنا» حيث وقع في أول الكلام، ورده الزجاج وقال: هذا إقدام منه في القرآن». اه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمختار عندي الحكم بحرفيتهما (¬1)، وقد حدث لبين إذ قيل فيها: بينما وبينا الاختصاص بالزمان والظرفية والإضافة إلى الجمل، وقد تضاف «بينا» إلى مصدر كقوله: - 1520 - بينا تعانقه الكماة وروعه ... يوما أتيح له كميّ سلفع (¬2) ويروى تعنقه بالرفع على الابتداء والخبر محذوف. هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬3)، واستفيد منه أن «إذ» لها استعمالات ثلاثة: 1 - أن تكون ظرفا ماضيا (¬4). 2 - وأن تكون للتعليل. 3 - وأن تكون للمفاجأة (¬5). وأن التي هي ظرف قد تخرج عن الظرفية، فيضاف إليها زمان أو تقع مفعولا بها، وسيذكر لها استعمالا رابعا. وهو أن تكون ظرفا مستقبلا عند الكلام على إذا (¬6). ثم الكلام في مباحث: - ¬

_ - وينظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة (1/ 36، 37، 183)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: (1/ 75، 403). (¬1) ينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 210). (¬2) البيت من الكامل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي وهو في: الخصائص (3/ 122)، والغرة لابن الدهان (2/ 21)، والتذييل (3/ 319، 320)، وابن يعيش (4/ 34، 99)، وجمهرة القرشي (ص 132)، والمفضليات (ص 428)، والخزانة (3/ 183)، والمغني (1/ 371)، (2/ 572)، وشرح شواهده (1/ 263)، (2/ 791)، والهمع (1/ 211)، والدرر (1/ 179)، وديوان الهذليين (1/ 18)، واللسان «بين». اللغة: الكماة: جمع كمي بمعنى شجاع. السلفع: الجريء الواسع الصدر. والشاهد فيه: إضافة «بينا» إلى المصدر وجره بها. (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 210). (¬4) ينظر: المفردات في غريب القرآن (ص 15)، وابن يعيش (4/ 96)، ورصف المباني (ص 60). (¬5) ينظر: شرح قواعد الإعراب للأزهري (ص 183). (¬6) ينظر: المنصف من الكلام على المغني للشمني، وشرح الدماميني على المغني (1/ 172).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: إن قول المصنف: إلا أن يضاف إليها زمان أو تقع مفعولا بها؛ ينافي قوله قبل ذلك: إنها لازمة الظرفية؛ لأن ما لزم شيئا، لا ينفك عنه، وإلا فليس بلازم، فكان الأولى أن يقول: «غالبة الظرفية» [2/ 418] أو يقول: وأكثر استعمالها ظرفا، ونحو ذلك. الثاني: أن لقائل أن يقول: إن إضافة الزمان إليها لا يخرجها عن الظرفية؛ وذلك لأن إضافة الزمان إليها كلّا إضافة؛ لأنها باقية على دلالتها لم يتغير بالإضافة لها معنى، وكأنّ الزمان المضاف إليها إنما هو مضاف إلى الجملة الواقعة بعد «إذ». وإذا كان كذلك فمثل هذه الإضافة لا تخرج الكلمة عن الظرفية، وأما وقوعها مفعولا بها فليس أمرا مجمعا عليه (¬1)، وما استدل به المصنف على مفعوليتها وهو قوله تعالى: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ (¬2) محتمل أن يكون المفعول فيه غيرها، وتكون «إذ» باقية على ظرفيتها، التقدير: واذكروا حالكم إذ أنتم أو واذكروا فضل الله عليكم إذ أنتم، وكذا يكون التقدير في نظائر هذه الآية الشريفة كقوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ (¬3)، وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ (¬4)، وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ (¬5)، وقول من قال من المعربين: إن العامل «اذكر» مقدر مع كون «إذ» ظرفا ظاهر الفساد (¬6)، وكذا يكون التقدير في قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي - ¬

_ (¬1) وقوع «إذ» مفعولا بها هو مذهب الأخفش والزجاج وجماعة من المعربين، وقد خالفهم في ذلك أبو حيان حيث قال: والذي أذهب إليه أن استعمال «إذ» مفعولا بها لا يجوز، إذ لا يوجد من كلامهم نحو: أحببت إذ قدم زيد ولا كرهت إذ قدم، وإنما ذكروا ذلك مع «اذكر» لما اعتاص عليهم ما ورد من ذلك في القرآن. اه، التذييل (3/ 309). وينظر: معاني القرآن للأخفش (ص 69)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج: (1/ 100، 112). وكأن ناظر الجيش يوافق أبا حيان في هذه المسألة. (¬2) سورة الأنفال: 26. (¬3) سورة البقرة: 30. (¬4) سورة البقرة: 34. (¬5) سورة البقرة: 50. (¬6) في معاني القرآن للزجاج (1/ 403): «وقال غير أبي عبيدة منهم أبو الحسن الأخفش وأبو العباس محمد بن يزيد: المعنى اذكروا إذ قالت امرأة عمران، والمعنى - والله أعلم - غير ما ذهبت إليه هذه الجماعة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ (¬1) أن إذ ظرف لمضاف محذوف، التقدير: «واذكر قصة مريم» (¬2) ويدل على صحة هذا التقدير في مثل هذه الآيات الشريفة ظهور مثله في قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً (¬3). المبحث الثالث: إذا أفادت «إذ» التعليل فهل هي حرف كلام التعليل أو هي باقية على ظرفيتها، واستفيد التعليل من سياق الكلام؟. ذكروا أن في ذلك خلافا (¬4)، ولم يشعر كلام المصنف بشيء من القولين، بل إذا حمل على ظاهره وجب القول بأنها باقية على الظرفية عنده؛ لأن الضمير المستتر في قوله: «وتجيء للتعليل» يرجع إلى «إذ» المتقدمة الذكر المحكوم باسميتها. والذي تركن إليه النفس القول بحرفيتها، ويؤيد ذلك قوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ (¬5) فإن التعليل يستفاد من الآية الشريفة بلا شك، قال بعض المصنفين (¬6): إذا حملنا «إذ» على الوقت كان المعنى: «ولن ينفعكم اليوم وقت ظلمكم الاشتراك في العذاب، وحينئذ لا يستفاد التعليل، لاختلاف زمني الفعلين، ويبقى إشكال في الآية وهو أن «إذ» لا تبدل من اليوم لاختلاف الزمانين ولا تكون ظرفا «لينفع»؛ لأنه - ¬

_ - وإنما العامل في «إذ» معنى الاصطفاء. اه. وقد رد ابن هشام هذا المذهب أيضا في المغني (1/ 80). (¬1) سورة مريم: 16. (¬2) جوّز الزمخشري إعراب «إذ» في مثل هذه الآية بدلا، وقد ذكر هذا الرأي في إعرابه لقوله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ في سورة الأعراف. وردّ عليه أبو البقاء هذا الرأي في إعرابه لآية سورة مريم التي معنا حيث قال: وهو بعيد - أي إعرابها بدلا - لأن الزمان إذا لم يكن حالا من الجثة ولا خبرا عنها ولا وصفا لها لم يكن بدلا منها. اه. ينظر: الكشاف (1/ 270)، وإملاء ما من به الرحمن (2/ 111)، وشرح الدماميني للمغني (1/ 172). (¬3) سورة آل عمران: 103. (¬4) ينظر: شرح قواعد الإعراب (ص 183، 184)، والمغني (1/ 82)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 176). (¬5) سورة الزخرف: 39. (¬6) ذكر الجزء الأول من هذا النص ابن هشام في المغني (1/ 82)، وذكر الجزء الثاني منه من أول قوله: وقال ابن جني .... إلخ - أبو البقاء العكبري في إملاء ما من به الرحمن (2/ 227، 228) مع إيراده الجزء الأول من النص بالمعنى. فلعل المقصود بقول الشارح هنا: بعض المصنفين - أحدهما. وأرجح أبا البقاء لسبقه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يعمل في ظرفين، ولا «المشتركون» لأن معمول «أن» لا يتقدم عليها، ولأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول، ولأن اشتراكهم في الآخرة لا في زمن ظلمهم، وقال ابن جني: راجعت أبا علي مرارا في قوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ ... الآية مستشكلا إبدال «إذ» من اليوم، فآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان، وأنهما في حكم الله تعالى سواء: فكأنّ اليوم ماض أو كأنّ إذ مستقبلة (¬1). انتهى. ومقتضى كلام أبي علي أن «إذ» التعليلية لا تخرج عن الظرفية، والظاهر أن الجمهور على ذلك، ومن ثم قال [2/ 419] الشلوبين: قال بعض المتأخرين: إن إذ تستعمل لمجرد السببية معراة عن الظرفية، وزعم أنه مراد سيبويه بقوله: لأنها يعني «أن» في معنى «إذ» وإذ في معناها أيضا (¬2)، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ (¬3) وقال: محال أن تكون ظرفا؛ لأن الفعل المستقبل لا يقع في الظرف الماضي فإنما هي لمجرد التسبيب قال: والجواب: أن كلام سيبويه لا دليل فيه على ما ذكروا، إنما معناه، لأنها في معنى «إذ» في السببية ليس غير، بل ظاهر الكتاب في غير هذا الموضع يدل على أنها لا تخرج عن الظرفية، قال: وأما الآية الشريفة فلا دليل فيها؛ لأن العامل في «إذ» محذوف، والتقدير: ولن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب، وجب لكم ذلك إذ ظلمتم أنفسكم بالكفر والطغيان، فإذ ظرف ماض فيه معنى التسبيب (¬4)، قال: وكذا يقدر في قول الشاعر (¬5): - 1521 - ألا رجلا أحلوه رحلي وناقتى ... تبلغ عني الشعر إذ مات قائله (¬6) انتهى. ولم يظهر لي قول الشلوبين: إن كلام سيبويه لا دليل فيه، بل كلام سيبويه - ¬

_ (¬1) ينظر: إملاء ما منّ به الرحمن (2/ 227، 228)، والمغني (1/ 82)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 176). (¬2) ينظر: الكتاب: (1/ 294). (¬3) سورة الزخرف: 39. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 313) حيث أورد هذا النص للشلوبين. (¬5) هو علقمة الفحل التميمي، شاعر جاهلي. (¬6) البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 313)، وإصلاح المنطق (ص 175، 210)، والاشتقاق لابن دريد (ص 536) برواية: (فمن راكب) مكان (ألا رجلا) وينظر أيضا: ديوان علقمة (ص 147). اللغة: أحلوه: من حلوته: إذا وهبت له شيئا على شيء فعله. الرحل: مركب البعير. والشاهد فيه: مجيء «إذ» للتسبيب؛ لأن الفعل قبلها مضارع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ظاهر الدلالة على ما ساقه المصنف له، والحق الوقوف معه إلى أن يؤتى لسيبويه بنص آخر يقتضي مخالفة ما ذكره في هذا الموضع، فحينئذ يجب الانقياد إليه، وأما التخريج الذي ذكره في الآية الشريفة، فلا يخفى بعده .... المبحث الرابع: قد عرفت ما ذكره المصنف في «إذ» التي للمفاجأة من أن بعضهم يجعلها ظرف مكان، وبعضهم يجعلها زائدة، وأنه هو يختار الحكم بحرفيتها. قال الشيخ: والذي نختاره نحن خلاف قوله، وأنها ظرف زمان على حالها التي استقرت لها، ولا يخرجها إلى الزيادة ولا إلى الحرفية، ولا إلى كونها ظرف مكان، لأنه يمكن إقرارها ظرف زمان (¬1). انتهى. ولم أر في كلامه دليلا على هذه الدعوى، ثم كلام المصنف يقتضي أن «إذ» لا تكون للمفاجأة إلا بعد بينما وبينا، وهذا هو الظاهر، واعلم أن العامل في بينما وبينا، هو ما يشبه الجواب في نحو: بينما زيد قائم أقبل عمرو، فالناصب لبينما هو أقبل، قال الشيخ: وبعضهم يطلق عليه جوابا وليس بجيد؛ لأن الأول ليس بشرط. ولو كان شرطا لم يسغ أن يقال: إنه يعمل فيه الجواب، أما إذا وجدت «إذ» نحو: بينما زيد قائم إذ أقبل عمرو، فعلى القول بأنها زائدة يكون الأمر كما كان؛ فيكون العامل في بينما هو أقبل، وإن كانت زائدة فلا يمكن عمل ما بعدها فيما قبلها؛ لأنها إن كانت حرفا للمفاجأة فلا يعمل ما بعد المفاجأة فيما قبلها، وإن كانت ظرفا، فما بعدها مضاف إليه، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبله، وحينئذ يتعين أن يكون [2/ 420] الناصب لبينما ولبينا عاملا مقدرا، يفسره ما بعد «إذ» فإذا قلت: بينما أو بينا زيد قائم إذ أقبل عمرو، كان العامل في بينما أو بينا أقبل محذوفة يفسرها «أقبل» الموجودة بعد «إذ» وأما العامل حينئذ في «إذ» فقال ابن جني: العامل فيها الفعل الذي بعدها؛ لأنها غير مضافة إليه، وهذا دليل ابن جني على أنه جعلها للمفاجأة ولم يجعلها ظرفا (¬2)، وأما الشلوبين فإنه حكم بإضافتها إلى الجملة بعدها، وإذا كان كذلك امتنع عمل الفعل الذي بعدها فيها كما - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 314). (¬2) التذييل (3/ 314، 315) بالمعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ امتنع عمله في بينما وبينا. وإذا امتنع عمل الفعل وجب الحكم على «إذ» بالبدلية من بينما وبينا (¬1)، والذي يحصل من كلام الشلوبين أن العامل في بين ما يفهم من معنى الكلام، وأن «إذ» بدل من بين، أي حين أنا كذلك حين جاء زيد، ومما ينبّه عليه أنه قد يذكر بعد «إذ» كلمة مفرد، فيظن أن «إذ» مضافة إليها، وليس كذلك؛ لأنك قد عرفت أنها يلزمها الإضافة إلى جملة، وعلى هذا يتعين تقدير كلمة أخرى منضمة إلى الكلمة الواقعة بعدها لينتظم منها جملة، فإذا قلت: قمت إذ ذاك وفعلت إذ ذاك كان التقدير: إذ ذاك كذلك (¬2)، ومنه قول الشاعر (¬3): - 1522 - هل ترجعنّ ليال قد مضين لنا ... والعيش منقلب إذ ذاك أفنانا (¬4) التقدير: إذ ذاك كذلك، وقال الأخطل: - 1523 - كانت منازل ألّاف عهدتهم ... إذ نحن إذ ذاك دون النّاس إخوانا (¬5) ألاف بضم الهمزة جمع آلف بالمد مثل كافر وكفار، ونحن، وذاك مبتدآن حذف خبراهما، والتقدير: عهدتهم إخوانا إذ نحن متآلفون إذ ذاك كائن، وأنشدوا للخنساء بيتا وهو: - 1524 - كأن لم يكونوا حمى يتّقى ... إذ النّاس إذ ذاك من عزّ بزّا (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر: المغني (1/ 83)، والهمع (1/ 205). (¬2) ينظر: المطالع السعيدة للسيوطي (ص 322، 323). (¬3) هو الأعلم بن جرادة السعدي أو عبد الله بن المعتز. (¬4) البيت من البسيط، وهو في: التذييل (3/ 309)، والارتشاف (ص 562)، والأمالي الشجرية (2/ 198)، وابن القواس (ص 188)، وتعليق الفرائد (ص 1551)، ونوادر أبي زيد (ص 494)، والمغني (1/ 84)، وشرح شواهده (1/ 247)، والمطالع السعيدة (ص 222)، والهمع (1/ 205)، والدرر (1/ 173)، وحاشية يس (2/ 39). والشاهد في قوله: (إذ ذاك) حيث أضيفت «إذ» إلى كلمة «ذاك» مع تقدير كلمة أخرى متضمنة إليها؛ لتكون «إذ» حينئذ مضافة إلى جملة، والتقدير: إذ ذاك كذلك. (¬5) البيت من البسيط للأخطل، وهو في: الأمالي الشجرية (1/ 200)، والمغني (1/ 84)، وشرح شواهده (1/ 248). والشاهد في قوله: «إذ نحن إذ ذاك» كالذي قبله. (¬6) البيت من المتقارب للخنساء، وهو في: الأمالي الشجرية (1/ 241)، والمغني (1/ 85)، وشرح شواهده: (1/ 249)، وديوان الخنساء (ص 81).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتكلم عليه بعض الفضلاء (¬1) قال: فإذ الأولى ظرف ليتقى أو لحمى أو ليكونوا، إن قيل: إن لكان الناقصة مصدرا، وهو الصحيح، والثانية ظرف لبزّ، ومن مبتدأ موصول لا شرط؛ لأن بزّ عامل في «إذ» الثانية، ولا يعمل ما في حيّز الشرط فيما قبله عند البصريين، و «بز» خبر «من» والجملة خبر الناس، والعائد إليهم محذوف أي: من عز منهم كقولهم: السمن منوان بدرهم، ولا تكون «إذ» الأولى ظرفا «لبزّ» لأنه جزء الجملة التي أضيفت «إذ» الأولى إليها، ولا يعمل شيء من المضاف إليه في المضاف، ولا «إذ» الثانية بدلا من الأولى لأن الأولى إنما تكمل بما أضيفت إليه، ولا يتبع اسم حتى يكمل، ولا خبرا عن الناس؛ لأنها زمان والناس اسم عين، وذلك مبتدأ محذوف الخبر أي كائن (¬2). المبحث الخامس: الجملة التي تضاف بينما وبينا إليها تارة تكون اسمية، كالأمثلة المتقدمة، وتارة تكون فعلية، لكن ذلك قليل، تقول: بينما أنصفني ظلمني، وبينما اتصل بزيد قطعه، حتى زعم ابن الأنباري أن «بين» يشرط بها في هذين المثالين (¬3)، قال الشيخ: واختلفوا في الجملة الواقعة بعد بينما وبينا، على ثلاثة مذاهب [2/ 421]: فقيل: موضع خفض بالإضافة، وقيل: «ما» في «بينما» والألف في «بينا» كافتان والجملة بعدهما لا موضع لها من الإعراب، وقيل: «ما» كافة بدليل عدم الخفض بعدها، والجملة التي تليها لا موضع لها من الإعراب، وأما ألف «بينا» فإشباع والجملة التي بعدها في موضع خفض بالإضافة، وليست الألف كافة خلافا لمن زعم ذلك؛ لأن كون الألف كافة لم يثبت، وثبت كونها إشباعا في رواية من روى: 1525 - بينا تعانقه الكماة ... ... .... (¬4) قال: وهذا هو المذهب المختار عند أصحابنا (¬5). انتهى. ومما يدل على اختلاف بينما وبينا في الحكم أن بينا قد تضاف إلى مصدر كما - ¬

_ - والشاهد في قوله: «إذ ذاك» كالبيتين السابقين. (¬1) هو ابن هشام في: المغني (1/ 85). (¬2) مغني اللبيب (1/ 85). (¬3) ينظر: الارتشاف (ص 564)، والتذييل (3/ 318). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) التذييل (3/ 319).

[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف]

[أحكام إذا حين تجيء ظرفا وغير ظرف] قال ابن مالك: (ومنها «إذا» للوقت المستقبل مضمّنة معنى الشّرط غالبا، لكنها لما تيقّن كونه أو رجّح بخلاف «إن» فلذا لم تجزم غالبا إلّا في شعر وربّما وقعت موقع «إذ» و «إذ» موقعها، وتضاف أبدا إلى جملة مصدّرة بفعل ظاهر أو مقّدر قبل اسم يليه فعل، وقد تغني ابتدائية اسم بعدها عن تقدير فعل وفاقا للأخفش، وقد تفارقها الظّرفيّة مفعولا بها أو مجرورة بحتّى، أو مبتدأة، وتدل على المفاجأة حرفا لا ظرف زمان خلافا للزّجاج، ولا ظرف مكان خلافا للمبرد، ولا يليها في المفاجأة إلّا جملة اسميّة، وقد تقع بعد بينا وبينما) (¬1). - ذكر المصنف، وأما بينما فلا يليها إلا جملة، وأفاد قول المصنف: (وقد تضاف بينا إلى مصدر) أنها لا تضاف إلى اسم عين، قالوا: والسبب في أن بينا لا يليها إلا الجملة أو المفرد بشرط أن يكون مصدرا - أنها تستدعي جوابا، فلم يقع بعدها إلا ما يعطي معنى الفعل، وذلك الجملة أو المصدر من المفردات (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): يدل على اسمية «إذا» أن فيها ما في «إذ» من الدلالة على الزمان دون تعرض لحدث، ومن الإخبار بها مع دخولها على الأفعال نحو قولك: راحة المؤمن إذا دخل الجنة، ومن وقوعها بدلا من اسم صريح نحو: أكرمك غدا إذا جئتني، ومن وقوعها مفعولا بها (¬4) كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى» (¬5). وانفردت بدخول حتى الجارة عليها كقوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها * (¬6)، كما انفردت «إذ» بلحاق التنوين والإضافة إليها، وإلى الحديث والآية الشريفة أشرت بقولي: وقد تفارقها الظرفية مفعولا بها أو مجرورة بحتى. - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 93، 94). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 324)، والتذييل (3/ 320)، والهمع (1/ 211). (¬3) شرح التسهيل (2/ 210). (¬4) ينظر: شرح الدماميني على المغني (1/ 186)، والهمع (1/ 206)، والمطالع السعيدة (ص 324). (¬5) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب النكاح (7/ 36)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (ص 1890)، وابن حنبل (6/ 61، 213). (¬6) سورة الزمر: 71، 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما وقوعها مبتدأ فمثاله قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (2) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (3) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (¬1) في قراءة من نصب «خافضة رافعة» (¬2) فإذا وقعت مبتدأ، و «إذا رجت» خبر. وليس وخافضة ورافعة أحوال ثلاثة، والمعنى: وقعت وقوع الواقعة صادقة الوقوع خافضة قوم، رافعة آخرين وقت رجّ الأرض، هكذا أعربه أبو الفتح في المحتسب (¬3) وهو صحيح (¬4)، وأكثر وقوع «إذا» مضمنة معنى [2/ 422] الشرط؛ ولذلك تقع الفاء بعدها على حد وقوعها بعد «إن» كقوله تعالى: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا (¬5) ولذلك أيضا كثر وقوع الفعل بعدها ماضي اللفظ مستقبل المعنى (¬6) نحو: إذا جئتني أكرمتك، ولو جعلت مكان «إذا» حينا أو غيره قاصد الاستقبال لم يجز أن تأتي بلفظ الماضي، وكان مقتضى تضمنها معنى الشرط أن يجزم بها، لكن منع من ذلك ثلاثة أمور: أحدها: أن تضمنها معنى الشرط ليس بلازم، فإنها قد تتجرد منه كقوله تعالى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (¬7) وقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (¬8) وقد تتجرد من الظرفية مع تجردها من الشرط نحو: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية». الثاني: أنها مضافة إلى ما يليها، والمضاف يقتضي جرّا لا جزما. وإذا جزم بها في الشعر، فليست مضافة إلى الجملة، وبناؤها حينئذ لتضمنها مع «إن». الثالث: أن ما يليها متيقّن الكون أو في حكم المتيقن نحو: آتيك إذا انتصف النهار، وأجيبك إذا دعوتني، بخلاف «إن» فإنّ كونه وعدم كونه لا رجحان لأحدهما على الآخر، فلما خالفتها «إذا» لم يجزم بها إلا في الشعر (¬9) وإنما جاز - ¬

_ (¬1) سورة الواقعة: 1 - 4. (¬2) هذه القراءة قراءة الحسن واليزيدي والثقفي. وأبي حيوة، ينظر: المحتسب (2/ 307). (¬3) المحتسب (2/ 307). (¬4) استقبح الفراء هذه القراءة في معاني القرآن (3/ 121). ووافقه في ذلك أبو حيان في التذييل (3/ 334، 335). (¬5) سورة الأنفال: 45. (¬6) في الهمع (1/ 206): «وزعم الفراء أن «إذا» إذا كان فيها معنى الشرط لا يكون بعدها إلا الماضي. وقال ابن هشام: إيلاؤها الماضي أكثر من المضارع» اه. وينظر: الارتشاف (ص 565)، والتذييل (3/ 324). (¬7) سورة مريم: 66. (¬8) سورة النجم: 1. (¬9) ينظر: التذييل (3/ 325)، والهمع (1/ 206).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يجزم بها في الشعر؛ لأن فيها ما في «إن» من ربط جملة بجملة وإن لم يكن ذلك لها لازما، ومن الجزم بها قول الشاعر: - 1526 - ترفع لي خندف والله يرفع لي ... نارا إذا خمدت نيرانهم تقد (¬1) ومثله: - 1527 - استغن ما أغناك ربّك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (¬2) ومثله: - 1528 - وإذا تصبك خصاصة فارج الغنى ... وإلى الذي يعطي الرّغايب فارغب (¬3) وقد يراد بها المضي فتقع موقع «إذ» كقوله تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (¬4)، وكقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (¬5)، ومن ذلك قول الشاعر: - 1529 - حللت بها وتري وأدركت ثورتي ... إذا ما تناسى ذحله كلّ غيهب (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط للفرزدق، وهو في: الكتاب (3/ 62)، وأمالي الشجري (1/ 233)، وابن يعيش (7/ 47)، والمقتضب (2/ 55)، والخزانة (3/ 62)، وملحقات ديوان الفرزدق (ص 216). والشاهد في قوله: «إذا خمدت نيرانهم تقد»؛ حيث جزم بإذا في الضرورة. (¬2) البيت لعبد قيس بن خفاف أو حارثة بن بدر الغداني. وهو من الكامل، وينظر في: الخزانة (2/ 176) عرضا، والمغني (1/ 93، 96)، (2/ 698)، وشرح شواهده (1/ 271)، والمفضليات (ص 385)، والأصمعيات (ص 230)، والهمع (1/ 206)، والدرر (1/ 173). والشاهد فيه: الجزم «بإذا» في الضرورة كما في البيت السابق. (¬3) البيت من بحر الطويل منسوب في مراجعه للنمر بن تولب، وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 212)، وشرح عمدة الحافظ (ص 96)، والخزانة: (1/ 156). اللغة: الخصاصة: الفقر، الرغائب: جمع رغبة، وهى العطاء الكثير. والشاهد في قوله: «وإذا تصبك»؛ حيث جزم «بإذا» في الضرورة. (¬4) سورة التوبة: 91، 92. (¬5) سورة الجمعة: 11. (¬6) من الطويل لقائل مجهول وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 212)، والبحر المحيط (3/ 26) والتذييل (3/ 326)، واللسان مواد «عهد - ثأر - وتر - ذحل». اللغة: الوتر: الظلم في الثأر. وأدرك ثورته: أي أدرك من يطلب ثأره. والذحل: النار، وقيل: العداوة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: - 1530 - ما ذاق بؤس معيشة ونعيمها ... فيما مضى أحد إذا لم يعشق (¬1) وقد يقع «إذ» موقع «إذا» (¬2) كقوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109) إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى (¬3)، «فإذ» هذه بدل من يوم يجمع، ويوم يجمع مستقبل المعنى، فتعين كون المبدل منه مثله في الاستقبال، ومثله قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (¬4)، ومثله قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ (¬5) بعد: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ (¬6). ومن وقوع «إذ» موقع «إذا» قول الشاعر: - 1531 - متى ينال الفتى اليقظان حاجته ... إذ المقام بأرض اللهو والغزل (¬7) ولا يليها عند سيبويه إلا فعل أو معمول فعل، فإن كان اسما مرفوعا وجب عنده أن يرتفع بفعل مقدر موافق لفعل ظاهر بعده (¬8)، كقوله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (¬9) فالشمس مرفوع بكورت مضمرا والنجوم [2/ 423] مرفوع بانكدرت مضمرا، وكذلك ما أشبههما (¬10)، لا يجيز سيبويه غير ذلك، واختار الأخفش ما أوجبه سيبويه، وأجاز مع ذلك جعل المرفوع بعد إذا مبتدأ (¬11)، - ¬

_ - والحقد. الغيهب: الثقيل. وقيل: هو البليد. والشاهد فيه: وقوع «إذا» موقع «إذ». (¬1) البيت للكميت، وهو من الكامل، وينظر في: مجالس ثعلب (2/ 462)، والتذييل (3/ 327)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 212)، وشعر الكميت (1/ 258). والشاهد فيه: وقوع «إذا» موقع «إذ». (¬2) في التذييل (3/ 325): «والصحيح عند أصحابنا أن كل واحدة منهما لا تقع موقع الأخرى». اه. (¬3) سورة المائدة: 109، 110. (¬4) سورة غافر: 70، 71. (¬5) سورة الزلزلة: 4. (¬6) سورة الزلزلة: 1. (¬7) البيت من البسيط لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل لابن مالك، والتذييل (3/ 327)، وشرح الجمل لابن الضائع. والشاهد فيه: وقوع «إذ» موقع إذا في قوله: «إذ المقام». (¬8) ينظر: الكتاب (3/ 119). (¬9) سورة التكوير: 1، 2. (¬10) ينظر: إملاء ما من به الرحمن (2/ 282)، وشرح قواعد الإعراب للأزهري، والأزهية (ص 204). (¬11) ينظر: الارتشاف (ص 985)، والتذييل (3/ 16، 329)، والمغني (1/ 93)، والتصريح (2/ 40).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقوله أقول؛ لأن طلب «إذا» للفعل ليس كطلب «إن» بل طلبها له كطلب ما هو بالفعل أولى ممّا لا عمل له فيه كهمزة الاستفهام، فكما لا يلزم فاعلية الاسم بعد الهمزة، لا يلزم بعد «إذا». ولذلك أجاز أن يقال: إذا الرجل في المسجد فظن به خيرا، ومنه قول الشاعر: 1532 - إذا باهليّ تحته حنظليّة ... له ولد منها فذاك المذرّع (¬1) فجعل بعد الاسم الذي ولي «إذا» ظرفا، واستغنى عن الفعل. ولا يفعل ذلك بما هو مختص بالفعل، ومما يدل على صحة مذهب الأخفش قول الشاعر: 1533 - فأمهله حتّى إذا أن كأنّه ... معاطى يد فى لجّة الماء غامر (¬2) فأولى «إذا» «أن» الزائدة، وبعدها جملة اسمية، ولا يفعل ذلك بما هو مختص بالفعل، وأنشد ابن جني لضيغم الأسدي: - 1534 - إذا هو لم يخفني في ابن عمي ... وإن لم ألقه الرّجل الظّلوم (¬3) وقال: في هذا دليل على جواز ارتفاع الاسم بعد «إذا» الزمانية بالابتداء؛ لأن هو ضمير الأمر والشأن، وضمير الشأن لا يرتفع بفعل يفسره ما بعده (¬4). قلت: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو للفرزدق، وهو في شرح المصنف، وتعليق الفرائد (ص 1754)، والتذييل (3/ 329)، والمغني (1/ 93)، وشرح شواهده (1/ 270)، والعيني (3/ 414)، والتصريح (2/ 40)، والدرر (1/ 174)، والأشموني: (2/ 258)، وديوان الفرزدق (ص 514). اللغة: الباهلي: منسوب إلى باهلة، وهي قبيلة من قيس عيلان. الحنظلية: منسوب إلى حنظلة، وهي أكرم قبيلة من تميم. المذرع: الذي أمه أشرف من أبيه. والشاهد فيه: جواز مجيء المبتدأ بعد «إذا» على رأي الأخفش. وقيل: هو مرفوع على إضمار «كان» وقيل: «حنظلية» فاعل باستقر محذوفا وباهلي فاعل بمحذوف يفسره العامل في حنظلية، ورد بأن فيه حذف المفسر ومفسره جميعا. (¬2) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر، وهو في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (3/ 330)، والمغني (1/ 34)، وشرح شواهده (1/ 112)، والتصريح (2/ 233)، والهمع (2/ 18)، والدرر (2/ 12)، وديوان أوس بن حجر (ص 71). والشاهد فيه: مجيء الجملة الاسمية بعد «إذا» و «أن» زائدة بينهما، وهذا عند الأخفش. (¬3) البيت من الوافر، وهو في الخصائص (1/ 104)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 213)، والتذييل (3/ 330، 331)، وحاشية يس (2/ 41)، واللسان «ظلم». والشاهد فيه: جواز ارتفاع الاسم بعد «إذا» الزمانية بالابتداء. (¬4) الخصائص: (1/ 104) بالمعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثل ما أنشده ابن جني قول الآخر: - 1535 - وأنت امرؤ خلط إذا هي أرسلت ... يمينك شيئا أمسكته شمالكا (¬1) لأن هي ضمير القصّة والشأن، ولما أنهيت الكلام على «إذا» (¬2) الدالة على زمن مستقبل أخذت في الكلام على «إذا» المفاجأة، وقد اجتمعا في قوله تعالى: ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (¬3)، فالأولى الدالة على وقت الاستقبال، والثانية الدالة على المفاجأة، وهي عند المبرد والسيرافي ظرف مكان (¬4)، وعند الزجاج وأبي علي الشلوبين ظرف زمان حاضر (¬5). وهذا هو ظاهر قول سيبويه، فإنه قال حين قصدها: وتكون للشيء توافقه في حال أنت فيها، وذلك قولك: مررت فإذا زيد قائم (¬6)، هذا نصه. وروي عن الأخفش أنها حرف دال على المفاجأة (¬7). وهو الصحيح عندي، ويدل على صحته ثمانية أوجه (¬8): أحدها: أنها كلمة تدل على معنى في غيرها، غير صالحة لشيء من علامات الأسماء والأفعال. الثاني: أنها كلمة لا تقع إلا بين جملتين، وذلك لا يوجد إلا في الحروف - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 214)، والتذييل (3/ 330، 331)، واللسان «سمح - خلط». اللغة: خلط: أي مختلط بالناس متعجب. والشاهد في قوله: (إذا هي أرسلت) كالذي قبله. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 214). (¬3) سورة الروم: 25. (¬4) ينظر: المقتضب (3/ 78)، وشرح الكافية للرضي (2/ 114). (¬5) ينظر: الارتشاف (ص 567)، والتذييل (3/ 336)، والمغني (1/ 87)، والهمع (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 326). وفي هذه المراجع السابقة أن كونها ظرف مكان هو اختيار الفارسي وابن جني وأبي بكر بن الخياط، وابن عصفور أيضا، وكونها ظرف زمان هو اختيار الرياشي والزجاجي والزمخشري وابن طاهر وابن خروف. (¬6) الكتاب (4/ 232). (¬7) ينظر: شرح الدماميني على المغني (1/ 186)، والمغني (1/ 87)، وشرح قواعد الإعراب (ص 181). (¬8) انظر: شرح التسهيل (2/ 214).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلكن، وحتى الابتدائية. الثالث: أنها كلمة لا يليها إلا جملة ابتدائية مع انتفاء علامات الأفعال، ولا يكون ذلك إلا في الحروف. الرابع: أنها لو كانت ظرفا لم يختلف من حكم بظرفيتها في كونها مكانية أو زمانية؛ إذ ليس في الظروف ما [2/ 424] هو كذلك. الخامس: أنها لو كانت ظرفا لم تربط بين جملتي الشرط والجزاء في نحو قوله: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (¬1) إذ لا يكون كذلك إلا حرف. السادس: أنها لو كانت ظرفا، لوجب اقترانها بالفاء، إذا صدر بها جواب الشرط، فإن ذلك لازم لكل ظرف صدر به الجواب نحو: إن تقم فحينئذ أقوم، وإن تقم فعند مقامك أقوم. السابع: أنها لو كانت ظرفا لأغنت عن خبر ما بعدها، ولكثر نصب ما بعده على الحال كما كان مع الظروف المجمع على ظرفيتها، كقولك: عندي زيد مقيما، وهناك بشر جالسا، والاستعمال في نحو: مررت فإذا زيد قائم، بخلاف ذلك. الثامن: أنها لو كانت ظرفا لم يقع بعدها «إنّ» المكسورة غير مقترنة بالفاء (¬2) كما لا يقع بعد سائر الظروف نحو: عندي إنّك فاضل، وأمر «إنّ» بعد إذا المفاجأة بخلاف ذلك كقوله: - 1536 - إذا أنّه عبد القفا واللهازم (¬3) فتعين الاعتراف بثبوت الحرفية وانتفاء الظرفية، ومثال وقوعها بعد بينا قول الشاعر (¬4): - ¬

_ (¬1) سورة الروم: 36. (¬2) ينظر: المغني (1/ 87)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 186، 187)، وشرح قواعد الإعراب (ص 181)، والمنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني (1/ 186، 187)، ورصف المباني (ص 61، 62). (¬3) تقدم في باب إن وأخواتها في مواضع فتح وكسر الهمزة. (¬4) نسب إلى حرفة بنت النعمان بن المنذر، وقيل: لهند بنت النعمان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1537 - وبينا نسوس النّاس والأمر أمرنا ... إذا نحن فيهم سوقة نتنصّف (¬1) ومثال وقوعها بعد بينما قول الشاعر: - 1538 - بينما المرء في فنون الأماني ... فإذا زائر المنون موافي (¬2) انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬3)، وعرف منه أن «إذا» قسمان: - غير فجائية: وهي ظرف مستقبل مضمن معنى الشرط. وفجائية. وأن غير الفجائية قد تفارق الظرفية، فتكون مفعولا بها أو مجرورة بحتى أو مبتدأ، وأنها قد تفارق الشرطية، واستفيد ذلك من قوله: (غالبا) بعد قوله: (مضمنة معنى الشرط). وأنها قد تفارق الاستقبال، واستفيد ذلك من قوله: (وربما وقعت موقع «إذ») وكل من ذلك فيه بحث، وقد يتعلق بهذا الموضع أبحاث أخر، وأنا أورد ذلك كله جملة فأقول: أما مفارقتها الظرفية فلم يثبت بقاطع، وما استدل به المصنف محتمل للتأويل، فأما الحديث الشريف وهو: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية»، فالمفعول فيه محذوف، والتقدير: إني لأعلم حالك أو شأنك أو أمرك إذا كنت عني راضية، و «إذا» باقية على الظرفية لم تفارقها، وأما قوله تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها * (¬4) فليست حتى فيه جارة بل هي حرف ابتداء باشرت الجملة الشرطية وجوابها، ودخول حتى على الجملة المصدرة بإذا الشرطية كثير في الكتاب العزيز، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو في: الأمالي الشجرية (2/ 175)، والتذييل (3/ 318، 341)، وتعليق الفرائد (ص 1562)، وديوان الحماسة (2/ 53)، والمغني (1/ 311)، (2/ 371)، وشرح شواهده (1/ 365)، (2/ 723)، والخزانة (3/ 178)، والهمع (1/ 211)، والدرر (1/ 178)، واللسان (نصف - بين والألف اللينة). والشاهد في البيت: وقوع «إذا» في جواب بينا. (¬2) البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 215)، والتذييل (3/ 342)، وتعليق الفرائد (ص 1581). اللغة: زائر المنون: الموت. والشاهد في البيت: وقوع «إذا» في جواب بينما. (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 215). (¬4) سورة الزمر 71، 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طَيِّبَةٍ (¬1) وجوابها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ (¬2)، وقال تعالى: وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ (¬3)، وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها (¬4)، فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي (¬5)، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ (¬6)، فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ (¬7) [2/ 425]، فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً (¬8)، ولا شك أن مجيء جواب «إذا» يبطل كون حتى جارة؛ لأن الجر يخرج إذا عن الظرفية، ويصيرها مع ما بعدها في حيز المفرد، ولا يبقى إذ ذاك جملة شرطية تستدعي جوابا؛ لأنها تصير إذ ذاك مع ما بعدها غاية لما قبلها (¬9)، قال الشيخ: وكما جاءت «لو» الامتناعية بعد حتى وهي شرط في الماضي كذلك جاءت إذا، ولا يدّعي أحد أن «لو» في موضع جر بحتى، ومثال ذلك قول الشاعر (¬10): 1539 - وما زال بي ذا الشّوق حتّى لو انّني ... من الوجد أستبكي الحمام بكى لها (¬11) انتهى (¬12). وهذا لا يبطل به قول المصنف؛ لأن «لو» حرف، والحرف لا يجر. فالمانع من القول بجره حرفيته، وأما إذا فكلمة ثابتة الاسمية، فللقول بجرها مسوغ، وهو اسميتها، ثم قال الشيخ: ونصوا على أن حتى إذا دخلت على الجملة لا تعمل فيها - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة يونس: 22. (¬3) سورة فصلت: 19، 20. (¬4) سورة الزمر: 71. (¬5) سورة النمل: 83، 84. (¬6) سورة محمد: 16. (¬7) سورة محمد: 4. (¬8) سورة يونس: 24. (¬9) ينظر في هذه المسألة: المغني (1/ 94، 95)، والمنصف من الكلام للشمني (1/ 200، 201)، والمطالع السعيدة (ص 324، 325)، والهمع (1/ 206)، مع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 276). (¬10) هو كثير عزّة، والبيت ليس في ديوانه، ولكنه في ديوان جميل بثينة برواية: وما زلت بي يا بثن حتى لو انني ... ..... البيت. (¬11) البيت من الطويل، وهو في: التذييل (3/ 333)، وديوان جميل بثينة (ص 48). واستشهد أبو حيان بالبيت على دخول «حتى» على لو الشرطية. (¬12) التذييل (3/ 332، 333).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا في شيء من أجزائها، بل تخرج على أحد وجهين: - الأول: أن تكون حرف ابتداء، وليس المراد بذلك أن لا يليها إلا المبتدأ، بل المراد أن يكون بعدها المبتدأ نحو: 1540 - وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (¬1) أو يصلح أن يقع بعدها المبتدأ، كقولك: ضربت القوم حتى زيدا ضربته، بنصب زيد، فهي هنا حرف ابتداء؛ لأنه يصلح أن يكون بعدها المبتدأ، فتقول: حتى زيد ضربته، قال: فكذلك يكون التقدير في قوله تعالى: فَهُمْ يُوزَعُونَ .. (¬2): حتى هم إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم. الوجه الثاني: أن تقدر حتى بمعنى الفاء، كما قدرها النحويون في قولهم: سرت حتى أدخل المدينة، برفع أدخل، وتقدير كونه قد وقع التقدير: سرت فدخلت المدينة، فكذلك حتى في هذه المواضع التي جاءت بعدها «إذا» تتقدر بالفاء، ولا ينخرم منها موضع. انتهى (¬3). وهو كلام حسن، إلا أن قوله: إن المراد بحتى الابتدائية أن يليها المبتدأ أو يصلح أن يقع بعدها المبتدأ، لا يظهر. والظاهر أن المراد من قولهم: حرف ابتداء، أن الكلام الذي يليها مستأنف لا تعلق له بما قبلها من حيث اللفظ. ثم قال الشيخ: والدليل على بقائها شرطية اتفاق النحويين على ذلك في قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (¬4)، واختلفوا في الجواب فقيل: الواو زائدة، وقيل: الجواب محذوف، قال: وقد طالعت كثيرا من (الكتب في النحو) (¬5)، فلم أر من تعرض لهذه المسألة - ¬

_ (¬1) عجز بيت من بحر الطويل، وهو لامرئ القيس وصدره: - سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم وينظر في: الكتاب (3/ 27)، والمقتضب (2/ 39)، وابن يعيش (5/ 144)، والخزانة (3/ 275)، والعيني (4/ 542)، وجمل الزجاجي (ص 78)، والمغني (1/ 127)، وشرح شواهده (1/ 374)، والهمع (2/ 136)، والدرر (2/ 188)، وديوانه (ص 93). والشاهد فيه: وقوع المبتدأ بعد «حتى». (¬2) سورة فصلت: 19. (¬3) التذييل (3/ 333). (¬4) سورة الزمر: 73. (¬5) في نسخة (من كتب النحو).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بخصوصها - يعني به حكم «إذا» الواقعة بعد حتى - إلا الزمخشري (¬1) وأبا البقاء العكبري وصاحب البسيط. أما الزمخشري فإنه أجاز فيها أن تكون حرف ابتداء (¬2)، وأن تكون جارة لإذا بمعنى الوقت (¬3)، وأما أبو البقاء فإنه جرى فيها على القواعد، فقال في قوله [2/ 426] تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ (¬4): إذا في موضع نصب بجوابها وهو يقول: وليس لحتى هنا عمل، وإنما أفادت معنى الغاية كما لا تعمل في الجمل (¬5)، وأما صاحب البسيط فإنه قال: وتقول: اجلس حتى إذا جاء زيد أعطيتك، فحتى هنا غير عاملة؛ لأنها دخلت على اسم معمول لغيرها، لأن «إذا» في موضع نصب بالجواب على الظرف، كأنك قلت: اجلس فإذا جاء زيد أعطيتك (¬6). ثم قال الشيخ: وكان بعض الأذكياء يستشكل مجيء هذه الجملة الشرطية من إذا وجوابها بعد حتى، ويذكر لي ذلك ويقول: كيف تكون حتى غاية وما بعدها جملة الشرط؟ فقلت له: الغاية في الحقيقة ما ينسبك من الجواب مرتبا على فعل الشرط، فالتقدير المعنوي الإعرابي: «فهم يوزعون إلى أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وقت مجيئهم إلى النار فينقطع الوزع» وكذلك: «وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا إلى أن تفتح لهم أبوابها وقت مجيئهم فينقطع السوق» وأما إذا كانت بمعنى الفاء فيطيح هذا الإشكال (¬7)؛ إذ لا تكون «حتى» إذ ذاك حرف غاية. انتهى. وأما قوله تعالى: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (¬8) في قراءة من نصب خافِضَةٌ رافِعَةٌ (¬9)، فلا يتعين أن يكون: إذا رجت - خبرا، حتى يلزم منه أن تكون «إذا» في إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ مبتدأ (¬10)، فقد قيل: إن «إذا» من «إذا وقعت» باقية - ¬

_ (¬1) ينظر: الكشاف: (1/ 236). (¬2) وهو رأي أبي حيّان أيضا في البحر المحيط (4/ 98). (¬3) ينظر: الكشاف (1/ 236). (¬4) سورة الأنعام: 25. (¬5) إملاء ما من به الرحمن (1/ 238، 239). (¬6) التذييل (3/ 333، 334). (¬7) التذييل (3/ 334). (¬8) سورة الواقعة: 1. (¬9) سورة الواقعة: 3. (¬10) ينظر: المحتسب (2/ 307) حيث إنه قال بهذا الرأي هناك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ظرفيتها، وتلك أحوال ثلاثة كما تقدم (¬1) وإِذا رُجَّتِ (¬2) بدل من إِذا وَقَعَتِ وجواب إذا: إما وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (¬3) على زيادة الواو، كما قالوا في: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها (¬4): أي فتحت، وكما قيل في قول الشاعر: - 1541 - فلمّا أجزنا ساحة الحي وانتحى ... بنا بطن خبت ذي ركام عقنقل (¬5) أي انتحى، قال الشيخ: وهو تخريج كوفي أخفشي. وإما أن يكون الجواب محذوفا، فإما أن تقدر قبل وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً وتقديره: عرفتم مراتبكم ومنازلكم، وإما أن يكون الجواب فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (¬6) وما بعده، والمعنى: فأصحاب الميمنة ما أعظمهم وما أنجاهم، وأصحاب المشأمة ما أحقرهم، وما أشقاهم، قال الشيخ: وهذا الوجه أحسن، إذ لا يحتاج فيه إلى تكلف (¬7). انتهى. ومنهم من قدر بدل عرفتم مراتبكم، انقسمتم أقساما، ثم عطف عليه وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (¬8). - ¬

_ (¬1) الذي تقدم أن المصنف وافق ابن جني في جعله «إذا» الأولى في آية الواقعة مبتدأ و «إذا» الثانية في قوله تعالى: إِذا رُجَّتِ خبرا عنها. وقد علق أبو حيان على موافقة المصنف على رأي ابن جني بقوله: وهو صحيح - فقال: ولا يتعين: ما قاله أبو الفتح - إذ يجوز أن تكون «إذا» باقية على ظرفيتها، وتلك أحوال ثلاثة و «إذا رجت» بدل من «إذا وقعت» وجواب «إذا» وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً على زيادة الواو كما خرجوا حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أي فتحت. اه. التذييل (3/ 334، 335). وعلى هذا يكون ناظر الجيش موافقا لأبي حيان في هذه المسألة ومخالفا لرأي المصنف فيها. (¬2) سورة الواقعة: 4. (¬3) سورة الواقعة: 7. (¬4) سورة الزمر: 73. (¬5) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس من معلقته المشهورة، وهو في شرح المعلقات للزوزني (ص 32)، والتذييل (3/ 335)، والبحر المحيط (5/ 87)، (8/ 53)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 50، 211)، والإنصاف (2/ 457)، والمنصف (3/ 41)، والخزانة (4/ 413)، وديوانه (ص 15) واللسان «جوز». اللغة: أجزنا: بمعنى قطعنا. والانتحاء والتنحي: الاعتماد على شيء. الخبت: من الرمل المعوج. ذي ركام: بعضه فوق بعض. عقنقل: منعقد متداخل. والشاهد في البيت: زيادة الواو في جواب «لما». (¬6) سورة الواقعة: 8. (¬7) التذييل (3/ 335). (¬8) ينظر: الهمع (1/ 206).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما مفارقتها الشرطية فقد مثل له المصنف كما عرفت بقوله تعالى: وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (¬1) وبقوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (¬2) ولم يظهر لي وجه الاستدلال من الآية الأولى، فإن وجّه بأن الذي يدل على انتفاء الشرط عن «إذا» عدم صلاحيته «لسوف أخرج حيّا» لأن يكون جوابا له، إذ الفاء في مثله واجبة، وإذا انتفى كون لَسَوْفَ أُخْرَجُ جوابا [2/ 427] تخلصت «إذا» للظرفية ويكون العامل فيها «أخرج» فيتم الاستدلال الذي قصده المصنف، لكن ينشأ على هذا إشكال وهو: أن ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها، لأنها من أدوات الصّدر، وحينئذ يبطل كون «أخرج» عاملا، وإذا بطل كون «أخرج» عاملا، وجب أن يكون العامل في إذا مقدرا من معنى أخرج (¬3)، التقدير: «إذا ما مت أبعث» لكن إذا كان العامل أبعث الذي هو مقدر، كان هو الجواب، وإذا كان هو الجواب مع كونه جوابا صناعيّا أمكن دعوى الشرطية في «إذا»، إذ لا مانع من ذلك، وحينئذ لا يتم استدلال المصنف بهذه الآية الشريفة على أن «إذا» فارقتها الشرطية وخلصت للظرفية. وأما الآية الشريفة الثانية وهي قوله تعالى: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ومثله: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (¬4)، وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (¬5) فظاهر كون إذا فيه خلصت للظرفية وتجردت عن معنى الشرط؛ لأن فعل القسم المقدر مقصود به الإنشاء، فوجب أن يكون وجود معناه مقارنا لوجود لفظه، فلو كان الشرط مقصودا وجب أن يتأخر وجود المعنى إلى حين وجود الأمر المشروط، وذلك خلاف المقصود من الفعل الإنشائي الذي هو أقسم وشبهه، وإذا كان كذلك «فإذا» في هذه الآيات الشريفة تمحضت للظرفية (¬6). بقي الكلام في العامل في الظرف ما هو؟. لم أر في كلام المصنف ولا كلام الشيخ تعرضا إلى ذكره. - ¬

_ (¬1) سورة مريم: 66. (¬2) سورة النجم: 1. (¬3) ينظر: إملاء ما من به الرحمن (2/ 115). (¬4) سورة الليل: 1. (¬5) سورة الفجر: 4. (¬6) ينظر: المغني (1/ 100)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 202)، والمنصف من الكلام على مغني ابن هشام (1/ 202، 203)، والهمع (1/ 206)، والمطالع السعيدة (ص 324).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال أبو البقاء: «العامل فيه فعل القسم المحذوف، التقدير: أقسم بالنجم وقت هويّه» (¬1)، وما قاله غير ظاهر، فإن وقت هويه مستقبل؛ لأن إذا هي الدالة عليه، وهي للاستقبال. والفعل المضارع يتعين استقباله بعمله في ظرف مستقبل، فيلزم استقبال «أقسم» وهو فعل إنشائي لا محالة، وقد عرفت أن وجود معنى ما هو كذلك يجب أن يكون مقارنا لوجود لفظه، والذي يظهر أن يكون الظرف المذكور في موضع الحال، فيكون العامل فيه إذ ذاك محذوفا، التقدير: أقسم بالنجم كائنا وقت هويه، وكذا التقدير في بقية الآيات، ومثّل غير المصنف (¬2) لخروج إذا عن الشرطية [بقوله] تعالى: وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (¬3)، وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (¬4) فقال: لو كانت إذا شرطية وجب اقتران الجواب بالفاء؛ لأنه جملة اسمية، وقد التزم بعضهم شرطيتها في الآيتين الشريفتين، وذكر أن الفاء تضمر في الجواب أو أن الضمير توكيد لا مبتدأ، وما بعده الجواب، ولا يخفى ضعف ذلك (¬5). وأما مفارقتها الاستقبال، فقد عرفت أن المصنف استدل على ذلك بقوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ (¬6)، وبقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها (¬7)، واستدل أيضا بقول الشاعر: - 1542 - حللت بها وتري .... ... ..... البيت (¬8) وبقول الآخر: - 1543 - ما ذاق بؤس معيشة .... ... ...... البيت أيضا (¬9) واستدل أيضا على وقوع «إذ» موقع «إذا» بقوله تعالى: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى (¬10) فقال: إن إذ هذه [2/ 428] بدل من يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ (¬11) ويوم يجمع مستقبل المعنى، قال: فيتعين كون المبدل منه مثله في الاستقبال، وبقوله - ¬

_ (¬1) إملاء ما من به الرحمن (2/ 246). (¬2) هو ابن هشام. (¬3) سورة الشورى: 37. (¬4) سورة الشورى: 39. (¬5) مغني اللبيب لابن هشام (1/ 100)، وشرح قواعد الإعراب (ص 177). (¬6) سورة التوبة: 92. (¬7) سورة الجمعة: 11. (¬8) تقدم ذكره. (¬9) تقدم ذكره. (¬10) سورة المائدة: 110. (¬11) سورة المائدة: 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (¬1) وبقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ (¬2) بعد إِذا زُلْزِلَتِ (¬3)، وجعل من ذلك قول الشاعر: - 1544 - متى ينال الفتى اليقظان حاجته ... إذ المقام بأرض اللهو والغزل (¬4) كما تقدمت الإشارة إلى ذلك كله، وقد أورد الشيخ كلام المصنف هذا واستدلاله، ثم قال: وما استدل به يحتمل التأويل (¬5)، ولم يرد على ذلك. وأقول: أما ما استدل به على أن «إذا» تقع موقع «إذ». فالآية الأولى منه يمكن أن يقال فيها: إن المقصود حكاية حالهم حين ابتدأوا في الفعل، وإذا كان كذلك كان المحل حينئذ موقع «إذا» دون موقع «إذ». وأما الآية الثانية فالمراد منها حكاية ما كانوا عليه، وما هو شأنهم وديدنهم، فالمعنى: حال هؤلاء أنهم إذا رأوا تجارة أو لهوا كان منهم ما ذكر ولو أتي «بإذ» في هذا المحل لصار المعنى الإخبار عن واقعة وقعت منهم، ولا يلزم من الإخبار بذلك أن يكون ذلك من شأنهم (¬6) وأما البيتان اللذان أنشدهما وهما: - 1545 - حللت بها وتري وقول الآخر: - 1546 - ما ذاق بؤس معيشة فيظهر أن لا دليل فيهما على المطلوب؛ لأن جواب الشرط فيهما محذوف، والمذكور المتقدم دليل عليه، ولا شك أن الجواب مستقبل المعنى كالشرط، فوجب أن يكون دليل الجواب مستقبلا. فكأن قائل الأول قال: - إذا ما تناسى ذحله كلّ غيهب حللت بها وتري وأدركت ثورتي. وكأن قائل الثاني قال: - - ¬

_ (¬1) سورة غافر: 70، 71. (¬2) سورة الزلزلة: 4، وهي في (أ): (ويومئذ) وهو خطأ. (¬3) سورة الزلزلة: 1. (¬4) تقدم ذكره. (¬5) التذييل (3/ 327). (¬6) أورد الشمني رأي الشارح هنا في تعليقه على المغني، فقال: وهذا لا غبار عليه. كما أورد رأيه الدماميني في شرح المغني أيضا. ينظر: المنصف من الكلام على مغني ابن هشام (1/ 201)، وشرح الدماميني للمغني (1/ 201).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا لم يعشق أحد فما ذاق بؤس معيشة ولا نعيمها. وكذا قول الآخر (¬1): - 1547 - وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت إذا تغوّرت النّجوم (¬2) المعنى: إذا تغورت النجوم سقيت أي: أسقي، فسقيت مستقبل المعنى إلا أن يدعي المصنف أن إذا فارقتها معنى الشرطية في هذه الأبيات، وتجردت للظرفية، فيتم مراده، ويتوجه استدلاله. وأما ما استدل به على وقوع «إذ» موقع «إذا» ففيه للبحث مجال. أما وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى (¬3) وأن «إذ» بدل من يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ (¬4) فهذا متوقف على أن هذا القول الشريف لم يكن في الدنيا، وإنما يكون يوم القيامة، وعلى أن العامل فيه هو العامل في يَوْمَ يَجْمَعُ، وإذا تعين هذان الأمران يجاب حينئذ بالجواب المشهور عن ما هو نظير هذه الآية الشريفة، وهو أن المستقبل المحقق الوقوع يعبر عنه بما يعبر عن الواقع الذي قد مضى؛ لأن الإخبار عن الأمر العظيم بأنه قد وقع أبلغ من الإخبار عنه بأنه سيقع، وبتقدير أن لا يكون قد عبر عن المستقبل المحقق الوقوع بالماضي يمكن أن يجاب بأن يَوْمَ يَجْمَعُ لما ذكر، ومضى ذكره، صار في حكم شيء استقر [2/ 429] مضيه تنزيلا للماضي الذكر منزلة الماضي الوقوع، وهذا التقرير نظير ما قاله الزمخشري في قوله تعالى: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ (¬5) إن ذلك كيف أشير به إلى ما ليس ببعيد، وأجاب بأنه لما وقعت الإشارة إلى الم بعد ما سبق التكلم به وتقضى، والمقتضى في حكم المتباعد، جاز ذلك (¬6). وبهذا الجواب يجاب عن استدلاله بقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ (¬7) بعد - ¬

_ (¬1) هو البرج بن مسهر من شعراء طيء وأحد المعمرين. (¬2) البيت من الوافر، وهو في: التذييل (3/ 335)، والبحر المحيط (3/ 31، 119)، ومجاز القرآن لأبي عبيدة (1/ 21)، والمغني (1/ 95)، وشرح شواهده (1/ 280)، وشذور الذهب (ص 538)، وديوان الحماسة (2/ 86)، اللسان «عرق». اللغة: الندمان: النديم. تغورت: غابت. والشاهد فيه: وقوع «إذا» بعد الماضي، وهذا يوهم بوقوع «إذا» موقع «إذ» وأوله بعضهم على أن الماضي مصروف إلى الاستقبال، وهذا ما قال به ناظر الجيش هنا. (¬3) سورة المائدة: 110. (¬4) سورة المائدة: 109. (¬5) سورة البقرة: 1، 2. (¬6) الكشاف (1/ 12). (¬7) سورة الزلزلة: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إِذا زُلْزِلَتِ (¬1)؛ لأن ما تقدم ذكره وتقريره صار في حكم الماضي، وأما قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (¬2)، فهي من باب ما عبر عن المستقبل فيه بالماضي؛ لتحقق وقوعه (¬3)، وأما قول الشاعر: - 1548 - متى ينال الفتى اليقظان حاجته ... إذ المقام بأرض اللهو والغزل (¬4) فالظاهر أن «إذ» فيه للتعليل؛ لأن الظاهر أن المراد بالاستفهام في البيت النفي، فالمعنى: لا ينال الفتى اليقظان حاجته بسبب مقامه بأرض اللهو والغزل، وقد تقدم أن الذي يقتضيه النظر أن «إذا» إذا كانت للتعليل يحكم بحرفيتها. وأما الأبحاث: - فمنها: أنه قد عرف من قول المصنف: ويضاف أبدا إلى جملة مصدرة إلى أخره - أن «إذا» ليست معمولة للفعل الذي يليها، لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، وإنما هي معمولة لفعل الجواب، ولا شك أن هذا هو مذهب الجمهور، وهو المعروف المشهور، وذهب بعض النحويين إلى أنها ليست مضافة إلى الجملة بعدها، وأن العامل فيها الفعل الذي يليها، وأنها ليست معمولة لفعل الجواب كما ذهب إليه الجمهور (¬5)، قال الشيخ: وهذا المذهب هو الذي نختاره حملا لها على أخواتها من أسماء الشرط، ألا ترى أنك إذا قلت: متى تقم أقم، كان منصوبا بالفعل الذي يليه، ويدل على ذلك قولك: أيّا تضرب أضرب، قال: وما ذهب إليه الجمهور فاسد من وجوه: - أحدها: أن إذا الفجائية تقع جوابا لإذا الشرطية نحو قوله تعالى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا (¬6) وما بعد إذا لا يعمل فيما - ¬

_ (¬1) سورة الزلزلة: 1، وزاد في (ب): (الأرض). (¬2) سورة غافر: 70، 71. (¬3) ينظر: حاشية الجمل على الجلالين (4/ 26) حيث خرج الآية بما خرج به ناظر الجيش هنا. (¬4) تقدم ذكره. (¬5) ينظر: الهمع (1/ 207)، والمطالع السعيدة (ص 325). (¬6) سورة يونس: 21.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبلها، وأجمعوا على أن جواب إذا هو إذا الفجائية مع ما بعدها، كما أجيب بها «إن» في قوله تعالى: إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (¬1). الثاني: وقوع الجواب لإذا وقد اقترن بالفاء نحو: إذا جاءك زيد فاضربه، وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبله. الثالث: أن جوابها جاء منفيّا بما. نحو قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (¬2)، وما بعد «ما» النافية لا يعمل فيما قبلها. الرابع: اختلاف الظرفين في بعض الصور نحو: إذا جئتني غدا أجيئك بعد غد، فلا يمكن إذ ذاك أن يكون الجواب عاملا فيها وعاملا في «بعد» لاستحالة وقوع الفعل الواحد في زمانين (¬3). انتهى. وقد استدل لأصحاب هذا المذهب بأمرين آخرين أيضا: - أحدهما: أن الشرط والجزاء عبارة عن جملتين يربط بينهما بالأداة، قالوا: وعلى قول [2/ 430] الجمهور: إن العامل فعل الجواب أو ما أشبهه تصير الجملتان واحدة؛ لأن الظرف عندهم من جملة الجواب، والمعمول داخل في جملة عامله. الثاني: أن ذلك ممتنع في قول زهير: - 1549 - بدا لي أني لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (¬4) لأن الجواب محذوف، التقدير: إذا كان جائيا فلا أسبقه، ولا يصح أن يقال: لا أسبق شيئا وقت مجيئه؛ لأن الشيء إنما يسبق قبل مجيئه، فإن قالوا في البيت: إنها غير شرطية، فهي معمولة لما قبلها وهو سابق، كان ذلك لازما لهم أيضا، وأما على القول بأن العامل في «إذا» هو ما يليها فهي شرطية محذوفة الجواب، وعاملها: إما خبر كان، أو نفس كان إن قيل بأنها دالة على الحدث (¬5)، ثم إنهم أوردوا بعد ذلك سؤالا وهو: إنكم إذا قلتم: إن العامل في إذا هو الفعل الذي يليها - ¬

_ (¬1) سورة الروم: 36. والآية بتمامها: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ. (¬2) سورة الجاثية: 25. (¬3) التذييل (3/ 328، 329). (¬4) البيت من بحر الطويل، لزهير بن أبي سلمى من قصيدة مشهورة، وقد سبق الاستشهاد به. وهو في المغني وغيره من كتب النحو. (¬5) ينظر: المغني (1/ 96)، حيث أورد هذين الاستدلالين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو فعل الشرط لزمكم في نحو: إذا جئتني غدا أجيئك بعد غد، أن يكون جئتني قد عمل في إذا، مع كونه عاملا في غد، وعامل واحد لا يعمل في ظرفي زمان بغير عطف، وهو سؤال متجه، وقد أجيب عن ذلك: بأن العامل الواحد يجوز أن يعمل في ظرفي زمان إذا كان أحدهما أعم من الآخر نحو: آتيك يوم الجمعة سحر، قالوا: وليس سحر في هذا التركيب بدلا، لجواز سير عليه يوم الجمعة سحر، برفع الأول ونصب الثاني، نص على ذلك سيبويه، وأنشد للفرزدق: - 1550 - متى تردن يوما سفار تجد بها ... أديهم يرمي المستجيز المعوّرا (¬1) ولا يجوز أن يكون يوما في البيت بدلا من «متى» لأنه لو كان بدلا كان مقترنا بحرف الشرط، وذلك لا يجوز في «غدا» من قولك: إذا جئتني غدا، في المثال المتقدم أن يكون بدلا من إذا (¬2)، لهذه العلة التي ذكرناها، وقد تعقب على الشيخ كونه حكم على قوله تعالى: ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (¬3) بأنه جواب (¬4) - بأن قيل: ليس هذا بجواب، إذ لو كان جوابا لكان مقترنا بالفاء، وإنما الجواب محذوف، التقدير: وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات عمدوا إلى الحجج الباطلة (¬5). واعلم أن الموجب لدعوى الجمهور بأن «إذا» معمولة للجواب لا للشرط - أنهم حكموا بإضافتها إلى الجملة الشرطية، وذلك أنها كلمة مبنية، وعلة بنائها شبهها بالحرف في الافتقار إلى الجملة، فكانت إضافتها إلى الجملة لازمة، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف، وإذا امتنع عمل فعل الشرط، تعين أن يكون العامل ما في الجواب من فعل أو ما يشبه الفعل (¬6)، وبهذا التقرير لا يتم تنظير الشيخ «إذا» «بمتى» لأن متى غير مضافة، إذ لا داعي يدعو إلى القول بإضافتها، لأن بناءها - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو في: المقتضب (3/ 50)، والمغني (1/ 97)، وشرح شواهده (1/ 285)، وشذور الذهب (ص 133)، وديوان الفرزدق (ص 355) وليس البيت في كتاب سيبويه كما ذكر الشارح. وفي رأيي أن الشارح نقل هذا النص عن ابن هشام دون أن يتحرى الدقة فيما نسبه إلى سيبويه من أنه أورد هذا البيت وأنشده. (¬2) ينظر: مغنى اللبيب (1/ 96، 97). (¬3) سورة الجاثية: 25. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 328). (¬5) ينظر: المغني (1/ 98) وقد يكون ابن هشام هو المقصود بقول الشارح هذا، وقد تعقب على الشيخ؛ لأن ابن هشام هو الذي عقب على كلام أبي حيان في المغني. (¬6) ينظر: الهمع (1/ 206، 207).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لتضمن معنى الحرف، ولكن القائلين بأن العامل في «إذا» فعل الشرط يمنعون كون «إذا» مضافة إليه، ويجعلون علة بنائها تضمنها معنى الشرط، كما قيل في «متى» وأخواتها، ويستدلون على ذلك بأنه قد يجزم بها، ومع الجزم لا يمكن دعوى الإضافة، فيتعين كون علة البناء تضمن معنى الشرط، وإذا ثبت ذلك لها [2/ 431] في حالة الجزم بها نحو قول الشاعر: 1551 - وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (¬1) ثبت مطلقا، ليجري الأمر فيها على سنن واحد (¬2)، ولكن يشكل حينئذ شيء آخر، وهو أن «إذا» محكوم ببنائها حال تجردها للظرفية، وانسلاخها عن معنى الشرط، فيقال: ما الموجب لبنائها حينئذ، إذ معنى الشرط مفقود، وأنتم قد قلتم: إنها غير مضافة إلى ما بعدها؟ وقد يجاب عن ذلك بأنها ثبتت في هذه الحالة، لشبهها بإذا التي تضمنت معنى الشرط، هذا آخر الكلام على إذا غير الفجائية. وأما إذا الفجائية، فقد تقدمت الإشارة إلى ذكر المذاهب الثلاثة فيها، وتقدم ذكر اختيار المصنف أنها حرف، وتقدم استدلاله على ذلك أيضا، وقد نازعه الشيخ في ذلك، وزعم أنه أبطل أدلته، حتى عارض قول المصنف: فثبت الاعتراف بثبوت الحرفية، وانتفاء الاسمية بقوله: ويقال له: فثبت الاعتراف بثبوت الاسمية وانتفاء الحرفية (¬3)، ولكني تركت إيراد ذلك خشية الإطالة، ثم إن ذلك ليس تحته فائدة يخشى فواتها، أو يترتب محذور على عدم معرفتها، وقد عرفت أن «إذا» هذه تفارق إذا الشرطية من أوجه: منها: أن هذه تختص بالجمل الاسمية، والشرطية تختص بالجمل الفعلية. ومنها: أن الشرطية لا بد لها من جواب، ولا جواب لهذه، وهذا ظاهر. ومنها: أن تلك للاستقبال وهذه للحال. ومنها: أن هذه لا يبتدأ بها كلام بخلاف تلك (¬4)، وقد تقدم في باب الاشتغال - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) ينظر: المغني (1/ 96)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 203، 204). (¬3) التذييل (3/ 340). (¬4) ينظر: الأزهية للهروي (ص 202 - 204)، والمغني (1/ 87)، ورصف المباني للمالقي (ص 61، 62)، ومع النحو والنحاة في سورة الأعراف (ص 66)، والهمع (1/ 206)، والمطالع السعيدة (ص 324، 325)، وشرح قواعد الإعراب (ص 177، 178).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن الأخفش يجيز وقوع الفعل بعد إذا الفجائية إذا كان الفعل مقرونا بقد (¬1)، وأما كون خبر المبتدأ الواقع بعدها يذكر تارة، ويحذف تارة، فقد تقدمت الإشارة إليه في باب المبتدأ (¬2)، ولنذكر ذلك هنا ملخصا، فنقول: قد علمت الخلاف فيها هل هي حرف أو ظرف زمان أو ظرف مكان، ثم يعلم أنهم اختلفوا إذا كانت ظرفا، هل تلزم الإضافة إلى جملة أم لا؟ فعلى القول بأنها حرف أو تلزم الإضافة إلى جملة إذا كانت اسما، يلزم أن يكون خبر المبتدأ الذي بعدها محذوفا في نحو: خرجت فإذا السبع، التقدير: فإذا السبع حاضر أو موجود، وعلى القول بأنها لا تلزمها الجملة حال اسميتها: فإن قلنا: إنها ظرف مكان كانت خبرا عما بعدها، حدثا كان أو جثة وإن قلنا: هي ظرف زمان كانت خبرا عما بعدها إن كان حدثا نحو: خرجت فإذا القتال، وإلا فالخبر محذوف إن كان جثة وهو العامل في إذا يعني الخبر (¬3). واعلم أن من فروع هذه المسألة، المسألة المشهورة بين سيبويه والكسائي رحمهما الله تعالى: وهي قول العرب: قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، وقالوا أيضا: فإذا هو إياها، وهو الذي أنكره سيبويه لما سئل عنها، وقال في الجواب: فإذا هو هي، وقد حكى المجلس برمّته الشيخ علم الدين السخاوي رحمه الله (¬4) في كتابه: سفر السعادة، وتكلم رحمه الله تعالى عليها [2/ 432] ونقل فيها كلام كثير من العلماء (¬5)، قال رحمه الله تعالى: فمن ذلك ما جرى بين سيبويه والكسائي في مجلس يحيى بن خالد البرمكي عن الفراء، قال: قدم سيبويه رحمه الله تعالى على - ¬

_ (¬1) انظر ذلك في: باب الاشتغال. (¬2) انظر ذلك الحديث أول باب المبتدأ والخبر. (¬3) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 103). (¬4) هو علي بن محمد بن عبد الصمد الإمام علم الدين أبو الحسن السخاوي النحوي المقرئ الشافعي، كان إماما علامة مقرئا محققا مجودا بصيرا بالقراءات وعللها، إماما في النحو واللغة والتفسير. أخذ عن الشاطبي والتاج الكندي، وسمع من السلفي وابن طبرزد وجماعة، وتصدر للإقراء بجامع دمشق وازدحم عليه الطلبة، ولم يكن له شغل إلا العلم، وله من التصانيف: شرحان على المفصل، سفر السعادة، وسفير الإفادة، وشرح أحاجي الزمخشري النحوية، وشرح الشاطبية، وغير ذلك. توفي بدمشق سنة 643 هـ. بغية الوعاة (2/ 192) تحقيق محمد أبو الفضل. (¬5) ينظر: سفر السعادة وسفير الإفادة للسخاوي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البرامكة، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي، فجعل لذلك يوما، فلما حضر - يعني سيبويه - تقدمت أنا والأحمر، فدخلنا فإذا بمثال في صدر المجلس، يقعد عليه يحيى ومعه إلى جانب المثال (¬1) الفضل وجعفر، ومن حضر بحضورهم، فأقبل الأحمر على سيبويه، فسأله عن مسألة، فأجاب عنها سيبويه فقال له الأحمر: أخطأت، ثم مسألة ثانية فأجاب فيها، فقال له: أخطأت، فقال سيبويه: هذا سوء أدب، قال الفراء: فأقبلت عليه فقلت له: إن في هذا الرجل حدّة وعجلة، ولكن ما تقول في من قال: هؤلاء أبون، ومررت بأبين، كيف تقول على مثال ذلك من وأيت وأويت، فقدر فأخطأ، فقلت: أعد النظر، فقدر فأخطأ، فقلت: أعد النظر ثلاث مرات يجيب ولا يصيب، فلما كثر ذلك قال: لست أكلمكما أو يحضر صاحبكما، فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال: كيف تقول: كنت أظن أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور، فإذا هو هي، أم فإذا هو إياها؟ قال سيبويه: فإذا هو هي ولا يجوز النصب فقال له الكسائي: لحنت، ثم مسألة من مسائل هذا النحو: خرجت فإذا عبد الله القائم أو القائم، فقال سيبويه: ذلك كله بالرفع دون النصب، فقال الكسائي: العرب ترفع ذلك كله وتنصبه، فدفع سيبويه قوله، فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلد كما، فمن ذا يحكم بينكما؟ فقال له الكسائي: هذه العرب ببابك قد اجتمعت من كل أوب ووفدت عليك من كل قطر وهم فصحاء الناس، وقد قنع بهم أهل المصرين وسمع أهل البصرة وأهل الكوفة منهم، فيحضرون ويسألون، فقال يحيى أو جعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا وفيهم أبو فقعس، وأبو زياد (¬2)، وأبو الجراح، وأبو ثروان (¬3)، فسئلوا فاتبعوا الكسائي وقالوا بقوله، فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد يسمع، فاستكان سيبويه وأقبل الكسائي على يحيى فقال: أصلح الله الوزير؛ إنه قد وفد عليك من بلده مؤملا، فإن رأيت لا ترده خائبا، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصير وجهه إلى فارس، - ¬

_ (¬1) التمثال أو المثال: هو الفراش وجمعه «مثل» يقال: مثال رث أي فراش خلق. (¬2) هو والد الفراء، وهو زياد بن عبد الله بن مروان، ويعرف بالأقطع لأنه قطعت يده في الحرب مع الحسين بن علي رضي الله عنه وكان مولى لأبي ثروان. البغية (2/ 333) تحقيق محمد أبو الفضل. (¬3) أبو ثروان: هو الذي أشرت إليه في ترجمة أبي زياد السابقة، وأبو ثروان كان مولى بني عبس. البغية (2/ 333) تحقيق محمد أبو الفضل، وقد توفي بعد سنة 565 هـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يعد إلى البصرة (¬1)، وذكروا أنه لما دخل من دخل من العرب، وقالوا: القول ما قال الكسائي، قال سيبويه: مرهم فليتلفظوا بذلك؛ فإن ألسنتهم لا تجري به (¬2). قال أبو القاسم الزجاجي: وأقول في ذلك بحسب ما يوجب النظر، أما حكاية الفراء عن الأحمر أنه سأل سيبويه ثلاث مسائل فقال له: أخطأت - فقد أقر الفراء بأنه أجاب فيها وشهد له بذلك، فلا يلتفت إلى قول الأحمر: أخطأت، ومع [2/ 433] ذلك فلم تحك المسائل ليعلم وجه الخطأ فيها من الصواب، وأما قول الفراء: إني قلت له: كيف تقول في مذهب من قال: هؤلاء أبون ومررت بأبين، ومثله من وأيت وأويت، وقوله: إنه قدر ثلاث مرات فأخطأ، فقد كان الواجب أن يحكي كيف قدر ثلاث المرات، ويدل على موضع الخطأ؛ ليعلم أصادق هو في ذلك أم كاذب، فلعل جواب سيبويه في ذلك كان صوابا، ورأى الفراء خلافه، فكان عنده مخطئا لمخالفته إياه (¬3). قلت: هذا الذي قاله أبو القاسم هو الحق، وهذا كما سأل بعض الشباب الشافعي رضي الله تعالى عنه عن مسألة فأجابه، فقال: أخطأت، فقال: يا ابن أخي أخطأت ما في كتابك، ولم أخطئ الحق، والصواب. قال أبو القاسم: ونحن نذكر الجواب في هاتين المسألتين: - 1 - اعلم أن «أوى» لامه ياء؛ فإذا بنيت منه اسما قلت: أوى مثل هوى، فإذا جمعته على مذهب من قال: أبون وأبين رفعا وجرّا قلت: أوون فتسقط اللام لسكونها وسكون واو الجمع أو يائه، فيقال: أوون وأوين، كما يقال في مصطفى: مصطفون ومصطفين، قال: وهذا متفق عليه عند البصريين. وللكوفيين في ذلك مذهب آخر نذكره بعد المتفق عليه. وكذلك لو جمعت عصا ورحى وما أشبه ذلك اسم رجل جمع السلامة لقلت: عصون وعصين، ورحون ورحين. وأما وأى فلامه ياء أيضا. فإذا بنيت منه اسما على فعل وجمعته جمع السلامة قلت: وأون ووأين على الطريق الذي تقدم في جمع أوى، قال: وهذا واضح بيّن متفق عليه، وليس - ¬

_ (¬1) سفر السعادة وسفير الإفادة للسخاوي. (¬2) ينظر: الأشباه والنظائر (3/ 65، 66) والمغني (1/ 88 - 92). (¬3) ينظر هذه المسألة في: أمالي الزجاجي (ص 239 - 241).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مما يغلط فيه سيبويه ولا من هو دونه (¬1)، ولكن الفراء سأله أن يبني منه على مذهبه على أنه معرب من مكانين؛ لأنه يسمي هذه الأسماء أعني قولهم: أبوك وأخوك وأخواتهما وابنم وامرؤ معربة من مكانين (¬2) وهذا عند البصريين محال؛ لأنه لو جاز أن يجعل في اسم واحد رفعان كما زعموا لجاز أن يتم فيها إعرابان مختلفان، فيجمع رفع ونصب، أو نصب وخفض في حال واحد، وهذا محال، فكما امتنع، امتناع إعرابين مختلفين، كذلك يمتنع اجتماع إعرابين متفقين. فلعل سيبويه قدر أن يجمع جمع السلامة على ما ذكرنا، ولم يسبق إلى عمله أن في الكلام شيئا يعرب من مكانين، ولم يصرح له بذلك ليدهشه بقوله: أعد النظر، ولا يعرفه من أي جهة أخطأ، فكان يرد بذلك عليه بما يوجبه القياس، ثم ذكر أبو القاسم قياس هاتين المسألتين على مذهب الفراء والكسائي (¬3) وقرر ذلك، فتركت إيراده خشية الإطالة. ثم إن الذي قرره عنهما في ذلك لا يبنى عليه قاعدة، حتى قال أبو القاسم: إن ذلك ليس من كلام العرب، وإنما هي أوضاع وضعوها، وذكر بعد ذلك عن المازني كلاما يتعلق بشيء مما ذكره الكوفيون وعن [2/ 434] الأخفش أيضا، ولا شك أنه قد تقدم في باب الإعراب عند ذكر الأسماء الستة الإشارة إلى مذاهب الناس واختلافهم في إعرابها بما هو (¬4)، وفي ذلك غنية، ثم قال أبو القاسم: وأما مسألة - ¬

_ (¬1) ينظر: مغني اللبيب (1/ 90، 91)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 191 - 193). (¬2) في سفر السعادة للسخاوي: «على أن قولهم: أخوك وأبوك وما أشبههما معرب من مكانين، يعنون أن الضمة والواو إعرابان؛ لأن الرفع في الكلام بالضمة وبالواو، وليس يقول البصريون: إن هذه الأسماء معربة من مكانين، وإنما هي أشياء خرجت عن القياس، فسبيلها أن تحكى ولا يقاس عليها؛ لأن الشاذ لا يجعل أصلا» ا. هـ، وفي الارتشاف (ص 264). «وذهب الكسائي والفراء إلى أنها معربة بالحركات والحروف معا، وهو الذي يعنون به أنه معرب من مكانين» ا. هـ. (¬3) ينظر: مجالس العلماء للزجاجي (8/ 10) تحقيق عبد السّلام هارون، والإنصاف (2/ 702 - 706)، وسفر السعادة، والأمالي الشجرية (1/ 229، 230). (¬4) في سفر السعادة لعلم الدين السخاوي: «وللبصريين في هذه الأسماء أقوال: كان المازني يقول: ضمة الباء إعراب والواو إشباع يؤكد الإعراب، وإذا قلت: أباك فالفتحة إعراب والألف إشباع، وكذلك لأبيك: الكسرة إعراب والياء إشباع، قال: ونظيره في الأفعال هو يضربو؛ فالباء حرف الإعراب والضمة الإعراب والواو للإطلاق والإشباع. ومثله: «أضلونا السبيلا» قال أبو عثمان: فإن قال قائل: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسائي: كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي بالرفع لا يجوز غيره كما تقول: خرجت فإذا عبد الله قائم، ثم كمل الكلام على المسألة (¬1) فمن أراد الوقوف على ذلك فليتطلبه. وملخص ما قيل: أن ما أجاب به سيبويه موافق لما نطق به الكتاب العزيز، قال الله تعالى: فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ * (¬2)، فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (¬3)، وأما فإذا هو إياها فقد علمت أن سيبويه أنكره؛ فإما أن لا يكون ورد عن العرب فيتعين رده، وإما أن يكون قد ورد فيكون من الشاذ الذي لا يعرج عليه، وقد روى أبو زيد الأنصاري (¬4): فإذا هو إياها (¬5)، فإما أن يكون سيبويه قد بلغته هذه اللغة فلم يقبلها، ولا عرج عليها؛ لأنه ليس كل من سمع منه أهلا عنده للقبول منه والحكاية عنه، ألا ترى أنهم قد حكوا: أن من العرب من ينصب بلم ويجزم بلن وكي (¬6)؟ حكى ذلك اللحياني (¬7)، وليس ذلك مما يلتفت إليه، والقصد أن «فإذا هو إياها» إن ثبت وروده فهو خاج عن القياس واستعمال الفصحاء، وقد ذكروا له توجيهات: - أحدها: أن إذا ظرف فيه معنى وجدت ورأيت، فجاز له أن ينصب المفعول وهو مع ذلك ظرف مخبر به عن الاسم بعده (¬8)، ورد ذلك بأن المعاني لا تنصب - ¬

_ - ألم تذهبي في خطاب الواحد في لغة من أشبع إذا كان في لغة من أشبع إذا كان في قافية فاحتيج إلى تحريكه للوصل أي شيء أكدت بالباء؟ فالجواب: أن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، فكما تكون الياء مؤكدة للجر في الأسماء كذلك تكون مؤكدة للجزم؛ لأنه نظير الجر، فقال الأخفش في قولهم: أخوك وما أشبهه أقوالا مختلفة، وقال في موضع الواو دليل على الإعراب كما قال ذلك في الواو من مسلمون والياء من مسلمين». ا. هـ. (¬1) ينظر: مجالس العلماء للزجاجي (8/ 10)، وأمالي الزجاجي (239 - 241). (¬2) سورة الأعراف: 108، وسورة الشعراء: 33. (¬3) سورة طه: 20. (¬4) هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري صاحب النوادر (215 هـ). تقدمت ترجمته. (¬5) ينظر: الإنصاف (2/ 704). (¬6) ينظر: الإنصاف (2/ 704)، والظروف المفردة والمركبة في اللغة العربية (ص 167). (¬7) هو أبو الحسن علي بن حازم تلميذ الكسائي (220 هـ). تقدمت ترجمته. (¬8) هذا التخريج لأبي بكر بن الخياط، ينظر: المغني (1/ 91).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المفاعيل الصحيحة، وإنما تعمل في الظروف والأحوال، ثم ما قاله هذا القائل لا يتحقق؛ لأن وجدت ورأيت يحتاج كل منهما إلى مفعولين، فكان يتعين نصب الاسم الأول أيضا. ثانيها: أن ضمير النصب استعير فاستعمل في موضع ضمير الرفع (¬1). ثالثها: أنه مفعول به والأصل: فإذا هو يساويها، أو فإذا هو يشبهها، ثم حذف الفعل فانفصل الضمير، وهذان التوجيهان للمصنف رحمه الله تعالى، ونظير التخريج الثاني له قراءة من قرأ: (لئن أكله الذئب ونحن عصبة) (¬2) التقدير: نوجد أو نرى عصبة (¬3). رابعها: أنه مفعول مطلق والأصل: فإذا هو يلسع لسعتها، ثم حذف الفعل كما تقول: ما زيد إلا شرب الإبل، ثم حذف المضاف. قال الشلوبين: وهو أشبه ما وجه به النصب (¬4). خامسها: أنه منصوب على الحال من الضمير في الخبر المحذوف، والأصل: فإذا هو ثابت مثلها، ثم حذف المضاف فانفصل الضمير وانتصب في اللفظ على الحال على سبيل النيابة كما قالوا: قضية ولا أبا حسن لها (¬5)، على إضمار مثل. وهذا التوجيه لابن الحاجب، وهو مبني على إجازة: له صوت صوت الحمار بالرفع صفة لما قبله بتقدير مثل (¬6)، ومعلوم أن الخليل يجيزه، وأن سيبويه حكم بقبحه وضعفه (¬7)، وإذ قد مضى هذا فاعلم أنهم اختلفوا في الفاء الداخلة على إذا المفاجأة [2/ 435]- ¬

_ (¬1) في المغني (1/ 91): «قال ابن مالك: ويشهد له قراءة الحسن (إيّاك تعبد) ببناء الفعل للمفعول، ولكنه لا يتأتى فيما أجازوه من قولك: فإذا زيد القائم بالنصب؛ فينبغي أن يوجه هذا على أنه مقطوع، أو حال على زيادة «أل» وليس ذلك مما يقاس». ا. هـ. (¬2) سورة يوسف: 14. (¬3) ينظر: إملاء ما من به الرحمن (2/ 50) وفيه أن قراءة النصب قراءة شاذة. وينظر: البديع في شواذ القراءات لابن خالويه (ص 62). (¬4) ينظر: المغني (1/ 92). (¬5) ذكره سيبويه في: الكتاب (2/ 297)، والمرادي في شرح التسهيل (1/ 462). (¬6) الأمالي النحوية لابن الحاجب (ص 359، 360)، وينظر: المغني (1/ 92). (¬7) ينظر: الكتاب (1/ 361).

[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف]

[أحكام مذ ومنذ حين تجيئان ظرفا وغير ظرف] قال ابن مالك: (ومنها مذ ومنذ وهي الأصل، وقد تكسر ميمهما ويضافان إلى جملة مصرّح بجزأيها أو محذوف فعلها بشرط كون الفاعل وقتا يجاب به متى أو كم، وقد يجران الوقت أو ما يستفهم به عن حرفين بمعنى من، إن صلح جوابا لمتى، وإلّا فبمعنى «في» أو بمعنى «من وإلى» معا، وقد يغني عن جواب «متى» في الحالين مصدر معيّن الزّمان أو «أنّ» وصلتها، وليسا قبل المرفوع مبتدأين بل ظرفين خلافا للبصريّين، وسكون ذال «مذ» قبل متحرك أعرف من ضمها، وضمّها قبل ساكن أعرف من كسرها). ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الشيخ في شرحه أن المذاهب فيها ثلاثة: - مذهب المازني أنها زائدة (¬1)، ومذهب الزجاج أنها دخلت على حد دخولها في جواب الشرط، ومذهب أبي بكير مبرمان (¬2) أنها عاطفة، قال: ورجح أبو الفتح قول المازني، وذكر عنه وجه الترجيح بما يوقف عليه في كتابه (¬3)، وظهر من كلامه تصحيح مذهب مبرمان، كما نقل ذلك عن الشلوبين الصغير، ثم قال: والذي نقطع بأن الفاء عاطفة وقوع غيرها من حروف العطف موقعها، قال الله تعالى: ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (¬4). قال ناظر الجيش: «منذ» أصل «مذ» بدليلين (¬5): - أحدهما: أنّ ذال «مذ» تضم لملاقاة ساكن كما تفعل بميم هم، وليس ذلك إلا لأن أصلها منذ بالضم، فروجع بها الأصل حين احتيج إلى تحريكها، فقيل: لم أره - ¬

_ (¬1) ينظر: أبو عثمان المازني (ص 159)، والظروف المفردة والمركبة (ص 166). (¬2) هو محمد بن علي بن سليمان أبو بكر العسكري، أخذ عن المبرد والزجاج وأخذ عنه الفارسي والسيرافي، له من التصانيف: شرح كتاب سيبويه، لم يتم، وشرح شواهده، وشرح كتاب الأخفش، وغير ذلك، توفي سنة (345 هـ). ينظر: بغية الوعاة (1/ 275)، وطبقات ابن شهبة (194، 195)، ومعجم المؤلفين (10/ 307). (¬3) ينظر: سر صناعة الإعراب (1/ 264). (¬4) سورة الروم: 20. التذييل (3/ 336 - 338). (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 216) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، د/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مذ الجمعة، كما روجع الأصل في نحو: هم القوم، ولو لم يكن الأصل الضم لقيل: مذ الجمعة كما قيل: قم الليل (¬1)، وقد يقال: مذ الجمعة كما يقال: وهم القضاة ومنهم الحكام. والثاني: أن بني غنى يضمون الذال قبل متحرك باعتبار أن النون محذوفة لفظا لا نية، فلو لم يكن الأصل منذ لم يصح هذا الاعتبار، ونظير هذا قولهم في «لدن وقط». «لد وقط» بضم الدال والطاء بعد الحذف على تقدير ثبوت المحذوف، وبنو سليم يقولون: منذ ومذ بكسر الميم (¬2) وهما اسمان في موضع، وحرفا جرّ في موضع، ويتعين اسميتهما إن وليهما مرفوع أو جملة تامة، ويتعين حرفيتهما إن وليهما مجرور (¬3) ويجوز الأمران قبل «أنّ» وصلتها، وإذا وليهما جملة تامة فهما عند سيبويه ظرفان لها، فإنه قال في باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء: ومما يضاف إلى الفعل أيضا قولهم: ما رأيته مذ كان عندي ومذ جاءني (¬4). وقال ابن خروف في الشرح: وأما منذ ومذ من الظروف فهما مضافان إلى الفعل عنده لا على حذف مضاف، ولولا ذلك لم ندخلهما في الباب، وقول السيرافي موافق لقوله (¬5)، فمن زعم خلاف ذلك فقد خالف سيبويه بما لا دليل عليه، وزعم الأكثرون أن الواقع منهما قبل مرفوع مبتدأ بمعنى أول المدة في مثل: لم أره مذ يوم الجمعة، وبمعنى جميعها في مثل: لم أره [2/ 436] مذ يومان، وما بعده خبر (¬6)، والصحيح عندي أنهما ظرفان مضافان إلى جملة حذف صدرها، - ¬

_ (¬1) اعترض الرضي على أن تحريك «ذال» «مذ» بالضم دليل على أن أصلها «منذ» فقال: وأما تحريك ذال «مذ» في نحو: مذ اليوم بالضم للساكنين أكثر من الكسر، فلا يدل أيضا على أن أصله «منذ» لجواز أن يكون للإتباع. ا. هـ. شرح الرضي على الكافية (2/ 117)، وينظر: الجني الداني (ص 197). (¬2) ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 117، 118)، والهمع (1/ 216). (¬3) ينظر: رصف المباني للمالقي (ص 319، 328)، ومعاني الحروف للرماني (ص 103، 104)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 262) بتحقيق عدنان الدوري. (¬4) الكتاب (3/ 117). (¬5) ينظر: شرح السيرافي (6/ 469 - 471)، والارتشاف (ص 569)، والتذييل (3/ 346). (¬6) ينظر: إصلاح الخلل لابن السيد (ص 235)، والمطالع السعيدة (ص 412).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتقدير: مذ كان يوم الجمعة، ومذ كان يومان (¬1) وهو قول المحققين من الكوفيين (¬2)، وإنما اخترته لأن فيه إجراء «مذ ومنذ» في الاسمية على طريقة واحدة مع صحة المعنى، فهو أولى من اختلاف الاستعمال، وفيه تخلص من ابتداء بنكرة بلا مسوغ إن ادعي التنكير، ومن تعريف غير معتاد إن ادعي التعريف، وفيه أيضا تخلص من جعل جملتين في حكم جملة واحدة من غير رابط ظاهر ولا مقدر (¬3)، ويعامل المصدر المعين زمانه بعد «مذ ومنذ» معاملة الزمان المعين في الرفع والجر، فيقال: ما رأيته مذ قدوم زيد ومنذ قدوم زيد، والأصل: مذ زمن قدوم زيد، ومنذ زمن قدوم زيد، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما فعل في غير هذا المكان (¬4) وأجاز ابن كيسان أن يقال: إنّ منذ جئت زيدا غائب كما يقال: إن حين جئت زيد غائب، وقد يجران المستفهم به عن الوقت نحو: مذ متى رأيته، ومذ كم فقدته، وقد تقع أنّ وصلتها بعد «مذ» فيحكم لموضعها بما حكم به للفظ المصدر؛ لأنها مؤولة بمصدر، ومثال الإضافة إلى جملة مصرح بجزأيها قول الشاعر: - 1552 - ما زال مذ عقدت يداه إزاره ... فسما فأدرك خمسة الأشبار يدني خوافق من خوافق تلتقي ... في ظلّ معترك العجاج مثار (¬5) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 217). (¬2) ينظر: المغني (1/ 335) وقد بين ابن هشام فيه أن الرأي الأول الذي عبر عنه المصنف هنا بقوله: «وزعم الأكثرون» هو رأي المبرد وابن السراج والفارسي والأخفش والزجاج والزجاجي، وعلق على هذا الرأي قائلا: ولا خفاء بما فيه من التعسف. اه. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 347، 348)، والهمع (1/ 216، 217). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 353، 354)، وشرح الكافية للرضي (2/ 122). (¬5) البيتان من الكامل، وهما للفرزدق في: المقتضب (2/ 176)، والتذييل (3/ 346، 356)، وابن يعيش (2/ 121)، (6/ 33)، وابن القواس (ص 872)، والارتشاف (ص 569)، والمغني (1/ 336)، وشرح شواهده (2/ 775)، والعيني (3/ 321)، والتصريح (2/ 21)، والهمع (1/ 216)، (2/ 150)، والدرر (1/ 185)، (2/ 206)، والأشموني (1/ 187)، (2/ 228)، وديوان الفرزدق (ص 378)، والفصول الخمسون (ص 243). والشاهد فيه قوله: «مذ عقدت يداه»؛ حيث أضيفت «مذ» إلى الجملة الفعلية المصرّح بجزأيها، ويستشهد به أيضا على: أن العدد المضاف إذا أريد تعريفه عرف المضاف إليه، فيصير بذلك العدد مضافا إلى معرفة، وذلك في قوله: «خمسة الأشبار».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: - 1553 - قالت أمامة ما لجسمك شاحبا ... منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع (¬1) ومثله قول الآخر في الجملة الاسمية: - 1554 - وما زلت محمولا عليّ ضغينة ... ومضطلع الأضغان مذ أنا يافع (¬2) وروى الكوفيون مذ ومنذ بكسر الميم، وجعلوا ذلك حجة على تركيبهما من «من وذو» الطائية (¬3)، ولا حجة فيه؛ لأنّ الأصل عدم التركيب، وإذا ولي مذ ساكن ضمت ذالها كقولك: لم أر فلانا مذ اليوم؛ لأن أصلها منذ فحرّك لالتقاء الساكنين وضم للإتباع. فلما حذفت النون سكنت الذال؛ إذ لا موجب للحركة، فلما وليها لام التعريف حركت الذال؛ لئلا يلتقي في الوصل ساكنان، وكان أولى الحركات بها الضمة؛ لأنها حركتها قبل أن تحذف النون، وبعض العرب يقول: مذ اليوم بالكسر على أصل التقاء الساكنين، وقد تقدم الكلام على ذلك، هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬4)، وقد استفيد منه أن «مذ» و «منذ» إما أن يليهما جملة أو مفرد، والمفرد إما مرفوع وإما مجرور، وأنهما إذا وليهما جملة اسمية كانت أو فعلية فهما ظرفان معمولان لما يصح عمله فيهما من أجزاء الجملة الواقعة بعدهما، وإذا وليهما مفرد مرفوع فالمختار عنده أن ذلك المرفوع يقدر له رافع محذوف، وعلى هذا يكون الواقع بعدهما حينئذ [2/ 437] جملة فيحكم على مذ ومنذ بالظرفية أيضا، كما كان الحكم فيهما إذا وقعت الجملة تامة بعدهما، وإذا - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدة يرثي بها بنيه. وهو في: التذييل (3/ 345)، والمفضليات (ص 421)، وجمهرة القرشي (ص 128)، والهمع (1/ 216)، والدرر: (1/ 185)، وديوان الهذليين (1/ 2). والشاهد فيه: إضافة منذ إلى الجملة الفعلية في قوله: (منذ ابتذلت). (¬2) البيت من الطويل، وهو لرجل من سلول، وقيل: للكميت بن معروف الأسدي. وهو في: الكتاب (2/ 45)، وشرح الأبيات للسيرافي (1/ 522)، والتذييل (3/ 345)، والعيني (3/ 324)، والخزانة (2/ 89)، والمطالع السعيدة (ص 412). والشاهد فيه: إضافة «مذ» إلى الجملة الاسمية، وهذا قليل بالنسبة للجملة الفعلية. اللغة: الضغينة: الحقد. المضطلع بالشيء: القادر عليه المثقل به. واليافع: الذي ناهز الحلم. (¬3) ينسب هذا الرأي إلى الفراء. ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 118)، والهمع (1/ 216). (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 216 - 218).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليهما مفرد مجرور كانا حرفين جارين لما بعدهما يتعلقان بالعامل قبلهما كسائر حروف الجر، ودل قوله: (وقد يجران الوقت أو ما يستفهم به) «عنه» أن الجر بهما أقل من وقوع المرفوع بعدهما، وأن الذي بعدهما لا يكون إلا ظرفا؛ لأن الذي يستفهم به عن الوقت لا بد أن يكون وقتا، وإذ قد عرف هذا فأنا أذكر كلام غير المصنف على هاتين الكلمتين. قال ابن عصفور رحمه الله تعالى: «مذ ومنذ يكونان اسمين وحرفين، فيكونان اسمين إذا ارتفع ما بعدهما وحرفين إذا انخفض ما بعدهما، إلا أن الغالب على «مذ» الاسمية، وعلى «منذ» الحرفية، وسبب ذلك أنها مخففة من منذ، والحذف في الأسماء أكثر منه في الحروف؛ لأنه تصرف وبابه أن يكون في الأسماء (¬1)، وزعم بعض النحويين أن مذ ومنذ لا يكونان إلا اسمين مستدلّا على ذلك بأن الاسمية قد ثبتت لهما إذا كان ما بعدهما مرفوعا، ويمكن بقاء الاسمية إذا كان مخفوضا بأن يكونا ظرفين في موضع نصب بالفعل (¬2)، وهو ضعيف. ومذ ومنذ إما أن يدخلا على الماضي أو على الحال، فإن دخلتا على الحال فلا يكون إلا مخفوضا، والحال هو اليوم والليلة والآن والحين والساعة وما أضفته إلى نفسك قرب أو بعد مثل: يومنا وشهرنا وعامنا، وكل زمان أشرت إليه نحو: هذا العام وهذا الشهر وهذه الأيام الثلاثة؛ لأنك لم تشر إلى شيء إلا وقد قدرته حاضرا، ولم تضفه إلى نفسك إلا على هذا المعنى، ومعناهما إذا دخلتا على الحال الغاية، وإن دخلتا على الماضي فإما أن يكون الداخل «مذ» أو «منذ»، فإن كان «مذ» فلا يكون إلا مرفوعا مثل: ما رأيته مذ يوم الجمعة، ولا يجوز الخفض إلا قليلا ومنه: - 1555 - أقوين مذ حجج ومذ دهر (¬3) في رواية من رواه مذ، فإن كان الداخل منذ جاز الرفع والخفض، والرفع قليل، - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 37، 38). (¬2) من القائلين بهذا ابن الضائع في شرح الجمل له. (¬3) عجز بيت لزهير وصدره: - لمن الديار بقنّة الحجر والبيت من قصيدة له من الكامل يمدح بها هرم بن سنان، وهو في جمل الزجاجي (ص 150)، وإصلاح الخلل (ص 233)، والإنصاف (1/ 371)، وابن يعيش (4/ 93)، (8/ 11)، والخزانة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم ليعلم أن الاسم الواقع بعد مذ ومنذ إن كان مرفوعا فإما معدود أو غير معدود. إن كان معدودا فهما للغاية، وإن كان غير معدود فهما لابتداء الغاية، وإن كان مخفوضا فالأمر كذلك إلا أن يكون المخفوض حالا؛ فهما للغاية، ولا يدخلان إلا على الزمان، واختلف في المرفوع بعدهما: فقيل: فاعل لفعل مضمر وهو مذهب الكسائي، وقيل هو مبتدأ ومذ ومنذ الخبر، وقيل العكس وهو قول الفارسي (¬1)، وهو الصحيح (¬2)، وقال الشيخ - في شرح الغاية له -: إما أن يكون ما بعد مذ ومنذ حالا أو ماضيا، إن كان حالا فعامة العرب على الجر بهما نحو: ما رأيته مذ اليوم أو الساعة أو يومنا، وإن كان ماضيا والكلمة «مذ» فالرفع وقل الجر، أو «منذ» فالجر وقل [2/ 438] الرفع، ثم إن كان الاسم معدودا فهما للغاية نحو: ما رأيته مذ يومان، ومعناه أمد انقطاع رؤيتي له يومان، أو غير معدود فإما أن يكون حالا أو ماضيا؛ إن كان حالا نحو: ما رأيته مذ اليوم فلابتداء الغاية، وتقديره: أول انقطاع رؤيتي له اليوم، أو ماضيا نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس فللغاية، والفرق بين تقدير «أمد وأوّل» أنه في تقدير «أمد» تنتفي الرؤية عن جميع أجزاء الزمان، وفي تقدير «أول» قد لا تنتفى. ثم إذا انجر ما بعدهما فبهما، وهما حرفان يتعلقان بالفعل قبلهما والكلام جملة واحدة، وإذا ارتفع فالصحيح أنه خبر عن مذ أو منذ، وهما ظرفان معناهما أمد وأول على التفسير السابق، وزعم الزجاجي أنه مبتدأ ومذ ومنذ خبر عنه، وزعم الكسائي أنه فاعل بفعل مضمر، وزعم بعض الكوفيين أنه خبر مبتدأ مضمر (¬3). انتهى. إلا أن قوله: إن كان حالا نحو: ما رأيته مذ اليوم فلابتداء الغاية وتقديره: أول انقطاع رؤيتي له اليوم - لم ينتضم لي مع قول ابن عصفور: ومعناهما - ¬

_ - (4/ 126)، والمغني (1/ 335)، وشرح شواهده (2/ 750)، والعيني (3/ 312)، والتصريح (2/ 17)، والهمع (1/ 217)، والدرر (1/ 186)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 345)، والأشموني (2/ 229)، وديوانه (ص 586)، ورصف المباني (ص 320)، والأزهية (ص 283). والشاهد فيه: «مذ حجج ومذ دهر»؛ حيث إن «مذ» في الموضعين لابتداء الغاية في الزمان الماضي، وجرها الماضي وهو قليل؛ لأن الأكثر على جرها للحاضر. (¬1) ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 261). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 37 - 39). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 347 - 349) بالمعنى، وإصلاح الخلل (ص 234، 235)، والجمل للزجاجي (ص 151)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا دخلتا على الحال الغاية، وكذا قوله: أو ماضيا نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس فللغاية - مع قول ابن عصفور: وإن كان الاسم الواقع بعدهما غير معدود فهما لابتداء الغاية. والظاهر أن الصواب هو الذي ذكره ابن عصفور. وبعد وقوف على كلام هذين الرجلين الكبيرين في هذه المسألة يتبين له أن كلام المصنف فيها مع وجازته ولطافته شاف واف بالمقصود، فإن قيل: ليس في كلامه تعرض إلى ما تفيده هاتان الكلمتان من الغاية وابتداء الغاية، فالجواب: أنه إن لم يذكر ذلك صريحا فإنه يفهم من كلامه؛ لأنه ذكر أنهما إذا جرّ ما بعدهما فإما أن يكونا بمعنى «من» أو بمعنى «في وإلى» معا (¬1)، فحيث كانا بمعنى «من» فهما لابتداء الغاية، وحدث كانا بمعنى من وإلى معا؛ فهما لابتداء الغاية وانتهائها، وحيث كانا بمعنى «في» فهما للحال أي الزمان الذي هو حال، ولا شك أنهما في نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس بمعنى «من» فهما في مثله لابتداء الغاية، وأنهما في نحو: ما رأيته مذ ثلاثة أيام بمعنى «من وإلى» معا، فهما لابتداء الغاية وانتهائها، وابن عصفور قد قال: إن كان الواقع بعدهما (¬2) معدودا فهما للغاية، ولكن قولنا: لابتداء الغاية وانتهائها أولى من الاقتصار على ذكر الغاية، وأنهما في: ما رأيته مذ اليوم بمعنى «في» وابن عصفور قد قال: إن معناهما إذا دخلتا على الحال الغاية (¬3) ولا يتحقق ذلك؛ لأن الغاية إنما تكون فيما له ابتداء، وزمان الحال حاضر بجملته، فلا يعقل معه لنفي الرؤية ابتداء وانتهاء، ولأن انتهاء الغاية إنما يقصد حيث يمكن أن يتحلل بين الابتداء والانتهاء وقوع ذلك المعنى المنفي مثلا، والزمان إذا فرض حالا كان ذلك المعنى المذكور معه واقعا فيه لا يتصور وقوعه في غيره [2/ 439] وعلى هذا تعبير المصنف عن ذلك بمعنى «في»، وعدوله عن قولهم: إن معنى الحرف الغاية أسدّ. بقي أن يقال: الظاهر من كلام المصنف حيث قال: (وقد يجران الوقت بمعنى من أو في) إلى آخره - أنهما إنما يكونان بمعنى ما أشار إليه من الحروف المذكورة إذا انجرّ ما بعدهما أي حيث يكونان حرفين، وظاهر كلام ابن عصفور والشيخ أنهما - ¬

_ (¬1) ينظر: التسهيل (ص 94). (¬2) زاد في (ب): (غير معدود فهما لابتداء الغاية وأنهما في نحو: ما رأيته منذ ثلاثة أيام بمعنى من وإلى معا فهما لابتداء الغاية وانتهائها، وابن عصفور قد قال: إن كان الواقع بعدهما). ا. هـ. (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 37 - 39).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكونان بمعنى الحروف المذكورة سواء أكانا حرفين أم اسمين، وإذا حقق النظر ظهر أنه يحتاج إلى تفسيرهما بأحد الحروف المذكورة إذا كانا حرفين، أما إذا كانا اسمين ورفع ما بعدهما فقد عرفت أن الجماعة يقولون: إنهما إما أن يكونا لابتداء الغاية كما في نحو: ما رأيته مذ يوم الخميس، فيقدرونهما حينئذ بأول، وإما أن يكونا للغاية كما في نحو: ما رأيته مذ أربعة أيام فيقدرونهما حينئذ بأمد (¬1)، وإذا كان كذلك فابتداء الغاية إنما يستفاد من أول، وانتهاؤها إنما يستفاد من أمد، وأما المصنف فقد عرفت أن اختياره إذا رفع ما بعد هاتين الكلمتين تقدير رافع، ليصير الواقع بعدهما جملة، فما كان معنى مذ ومنذ من الظرفية حال الإتيان بجزأي الجملة بعدهما لفظا كان معناهما حين يذكر المرفوع، ويحذف رافعه. وبهذا الذي قلناه يتبين أن ما فعله المصنف من أنه قصر تفسيرهما بالحروف المذكورة على حالة الجر بهما أولى من إطلاق غيره الكلام في ذلك، فإن قيل: إذا كان المصنف حال رفع الاسم الواقع بعدهما لا يقدرهما بأول ولا بأمد، والغرض أنه لا يجعلهما بمعنى ما ذكره من الحروف إلا إذا جرا ما بعدهما، فمن أين يستفاد كونهما لابتداء الغاية في صورة وللغاية في صورة؟ فالجواب أن يقال: معنى الغاية أن العمل يتحتم كونه في جميع المدة، ومعنى ابتداء الغاية أن لا يتحتم ذلك، ولا شك أنهما إنما يكونان للغاية إذا كان اسم الزمان الذي بعدهما معدود، وإنما يكونان لابتداء الغاية إذا كان اسم الزمان بعدهما مختصّا غير معدود، وإذا كان كذلك فالمصنف قد أفاد ذلك بقوله في أوائل هذا الباب: إن مظروف ما يكون جوابا لكم واقع في جميعه، وإن مظروف ما يكون جوابا لمتى إذا لم يكن اسم شهر غير مضاف إليه شهر جائز أن يكون العمل في جميعه أو بعضه. وإذ قد عرف هذا فلنذكر أبحاثا: - الأول: قد عرفت أنهم ذكروا أن «مذ» أصلها «منذ» وتقدم استدلال المصنف على ذلك، لكن ذهب بعضهم (¬2) إلى أن كلّا منهما أصل، قال: لأن الحذف - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 341)، وشرح الكافية للرضي (2/ 121)، والمغني (1/ 335)، والأشموني (2/ 226، 227)، والمطالع السعيدة (ص 412). (¬2) هو أبو إسحاق بن ملكون كما في: التذييل (3/ 344)، والأشموني (2/ 229).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تصريف، والتصريف لا يكون في الحروف ولا في الأسماء غير المتمكنة. ورد الشلوبين ذلك بأن الحذف قد جاء في الحروف؛ فقد خففوا إنّ وأنّ وكأنّ [2/ 440] قال: وقد جعل سيبويه على من العلو (¬1)، فقال الشيخ: والعجب لهم أنهم يجعلون «مذ» فرعا من «منذ»، وأن الغالب على مذ الاسمية وعلى «منذ» الحرفية، ويستدلون على ذلك بأن الحذف في الأسماء أكثر منه في الحروف؛ لأنه تصرف، والتصرف بابه أن يكون في الأسماء، وكون «مذ» محذوفة من «منذ» يقتضي أن يكون «منذ» اسما؛ لأنها هي، ومحال أن يكون الشيء حرفا فإذا أخذ منه شيء صار اسما؛ لأن الحذف من الشيء لا يغير الماهية، ألا تراهم حين حذفوا من «حر» الحاء وهو اسم بقي اسما، وكذا «رب» هي بعد الحذف حرف أيضا كما كانت قبله، وكذا «يعد» لما حذفوا منه الواو باق على الفعلية، قال: فالذي ينبغي أن يقال: إن «مذ» إذا استعملت اسما مرفوعا ما بعدها فهي محذوفة من «منذ» الاسمية أيضا، لكن جاء الرفع بعدها أكثر مما جاء بعد منذ، وقد يغلب على الفروع حكم يقل في الأصول (¬2). انتهى، وهو كلام حسن. الثاني: قد تقدم من كلام المصنف أن «مذ ومنذ» إذا وليهما جملة تامة كانا ظرفين لها وأنهما مضافان إلى الجملة، وتقدم أن ذلك مذهب السيرافي ورأي ابن خروف، وأنه مذهب سيبويه، وأشعر كلامه بأن في المسألة خلافا؛ لأنه قال بعد ما تقدم من كلام سيبويه: فمن زعم خلاف ذلك فقد خالف سيبويه بما لا دليل عليه، والمخالف في ذلك أبو الحسن، فإنه ذهب إلى أنهما إذا وليهما الجملة لفظا لا يكونان إلا مرفوعين على الابتداء، ولا بد من تقدير اسم زمان محذوف يكون خبرا عنهما؛ لأنهما لا يدخلان عنده إلا على أسماء الزمان ملفوظا بها أو مقدرة (¬3)، وقد اختار ابن عصفور هذا المذهب، فإنه قال: مذ ومنذ لا يدخلان إلا على الزمان، فإن دخلتا على جملة فعلى حذف اسم الزمان، فإذا قلت: ما رأيته مذ زيد قائم، - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 344)، والمغني (1/ 337)، والتصريح (2/ 21)، والأشموني (2/ 229). (¬2) التذييل (3/ 353). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 346)، والارتشاف (ص 569)، والهمع (1/ 216).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالتقدير: ما رأيته مذ زمن زيد قائم (¬1)، انتهى. ولا شك أن هذا مصادمة لقول سيبويه: ومما يضاف إلى الفعل أيضا قولهم: ما رأيته مذ كان عندي ومذ جاءني (¬2)، وقد شرح الفارسي كلام سيبويه فقال: مذ فيمن رفع بهما بمنزلة «إذ» و «حيث» ووجه الجمع بينهما أنه إذا رفع بها تصير اسما من أسماء الزمان كقولك: مذ يومان، وخبر المبتدأ لا يكون إلا المبتدأ في المعنى. فإذا كان كذلك علمت أن «مذ» إذا رفعت اسم (¬3)، وإذا جعل اسما من أسماء الزمان جاز إضافته إلى الجملة كما جاز إضافة «إذا» إليها، وذلك نحو قولهم: لم أره مذ كان كذا ومذ خرج زيد، ألا ترى أن «مذ» المتصلة بالفعل لا تخلو من أن تكون اسما أو حرفا، فلا يجوز أن تكون حرف جر؛ لأن حروف الجر لا تدخل على الأفعال، فإذا لم يجز أن تكون حرف جر ثبت أنها اسم، وأنه أضيف إلى الفعل لما كان اسما من أسماء الزمان (¬4) [2/ 441]. الثالث: قد تقدمت الإشارة إلى حكم مذ ومنذ إذا وليتهما جملة، وكذا حكمهما إذا وليهما اسم مرفوع، وتقدم ذكر المذاهب في ذلك. والقصد الآن ذكر ذلك ملخصا كي يحصل ضبط ذلك المحصل، فيقال: مذ ومنذ إما أن يقع بعدهما جملة مصرح بها ففيهما مذهبان: قيل: ظرفان مضافان إلى الجملة وهو الأصح، وقيل: مبتدآن، وحينئذ لا بد من تقدير خبر، فيقدر زمان يضاف إلى الجملة يكون ذلك المقدر هو الخبر، وإما أن يقع بعدهما اسم مرفوع فالمذاهب فيهما أربعة: - قيل: مبتدآن، والمرفوع بعدهما الخبر، وقيل: ظرفان مخبر بهما عما بعدهما، فإذا قلت: ما رأيته مذ يومان فالتقدير: بيني وبين لقائه يومان، ومستند القائل بهذا القول أنهما إذا كانا خبرين لم يخرجا عن الظرفية بخلاف ما إذا كانا مبتدأين، وقيل: إن المرفوع خبر مبتدأ محذوف، قال بعض الكوفيين: ولا يخفى ضعفه، وقيل: إنه مرفوع بفعل مقدر، فالذي بعد «مذ» و «منذ» حينئذ جملة (¬5)، وقد - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 43). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242). (¬3) زاد في (ب): (من أسماء الزمان). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 347) حيث ذكر نص الفارسي. (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن بابشاد (1/ 242)، والجمل للزجاجي (ص 151)، وإصلاح الخلل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عرفت حكمهما قبل الجملة التامة ما هو، ومن القائلين بالمذهب الأول ابن السراج والفارسي (¬1)، وأما المذهب الثاني فهو لبعض الكوفيين، والمذهب الثالث مذهب طائفة من البصريين منهم الزجاج ونسب إلى الأخفش. وأما المذهب الرابع فهو مذهب الكوفيين (¬2)، وقد عرفت أنه مختار المصنف، وتقدم توجيهه، وقد ضعف هذا المذهب بشيء وهو: قول العرب: ما رأيته مذ أن الله خلقه، فإنه روي بالفتح والكسر (¬3)، قلت: وسيأتي الكلام في هذه المسألة، وفي شرح الشيخ: قال بعض أصحابنا: والصحيح مذهب الفارسي وابن السراج من وجهين: - أحدهما: أنهما مفردان لم يعطف عليهما غيرهما، كما أن الأمد وأول الوقت كذلك، فكان الحكم لهما بحكم ما يساويهما في الإفراد أولى، وليس كذلك بيني وبين لقائه؛ لأنهما اسمان منصوبان على الظرفية معطوف أحدهما على الآخر. الوجه الثاني: تقديرهما ببين في بعض الصور لا يتصور، وذلك إذا قلت مثلا يوم الأحد: ما رأيت زيدا مذ يوم الجمعة؛ فليس بينك وبين لقائه يوم الجمعة (¬4)، بل قدر من الزمان أوله يوم الجمعة وآخره الوقت الذي أنت فيه، ولا يقدر بيني وبين لقائه يوم الجمعة وما بعده إلى الآن؛ لأن فيه حذف حرف العطف والمعطوف وهو قليل، وأيضا فلم يصرحوا بهذا المعطوف المقدر في موضع ما؛ فدل على عدم إرادته (¬5). انتهى. ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال، ولا سيما ضعف الوجه الأول، ثم على تقدير صحة الوجهين المذكورين. إنما يلزم من ذلك بطلان قول من يجعلهما - أعني «مذ ومنذ» - خبرين، أما من يجعلهما ظرفين، وقد حذف رافع ذلك الاسم، فيكون - ¬

_ - (ص 234، 235)، والمغني (1/ 335). (¬1) ينظر: الأصول لابن السراج (2/ 113)، والإيضاح للفارسي (ص 261). (¬2) ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 118)، والهمع (1/ 216)، والأشموني (2/ 227، 228)، والزجاج وأثره في النحو (ص 231). (¬3) في شرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 242): «وقال أبو القاسم الزجاجي: يرتفع اليومان بالابتداء ومذ خبره، وحجته حمل الكلام على معنى آخر وهو تقديره بالبين كأنه قال: بيني وبين لقائه يومان، وليس هذا التقدير بصحيح، والدليل على ذلك أنك تقول: ما رأيته مذ أن الله خلقه، فلو كان ما بعده مرتفع بالابتداء لكانت «أنّ» المفتوحة تقع مبتدأ، وهذا لا يجوز، لأن «أنّ» المفتوحة إنما تقع خبرا ولا تقع مبتدأ». ا. هـ. (¬4) في (ب): (إلا يوم الجمعة). (¬5) التذييل (3/ 349).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بعدهما جملة، فكيف يبطل مذهبه بهذا [2/ 442] الاستدلال، والمستدل قد قال: والصحيح مذهب الفارسي وابن السراج، فدل على أن مذهبهما أصح المذاهب في المسألة، وقد يتبين أن الأمر ليس كذلك، ثم قال الشيخ: وعلى هذا المذهب - يعني به مذهب الفارسي وابن السراج - الكلام جملتان، قال: فإذا قلنا: إنه جملتان، فاختلفوا في الجملة من «مذ» أو «منذ» وما بعدها من المرفوع، فذهب الجمهور إلى أنها لا موضع لها من الإعراب، وذلك لأنها خرجت مخرج الجواب، كأنه قيل له: ما أمد ذلك؟ فقال: أمد ذلك يومان، وذهب السيرافي إلى أن لها موضعا من الإعراب وهي في موضع الحال، كأنه قال: ما رأيته متقدما، ولا يخفى ضعف هذا القول، ثم مما يبطل كون الجملة حالا أن الجملة الحالية لا بد فيها من رابط يعود على ذي الحال أو واو الحال، والجملة المذكورة خالية من ذلك (¬1). وإما أن يقع بعد «مذ» و «منذ» اسم مجرور، فيحكم بحرفيتهما حينئذ، وتقديرهما إما «بمن» أو «بمن وإلى» أو «بفي». وقد تقدم الكلام على ذلك مستوفى، وقد تقدم أن بعضهم لا يثبت حرفيتهما، بل يدعي بقاءهما على الاسمية مع انجرار ما بعدهما مستدلّا على ذلك بأنه قد ثبت اسميتهما، فلا تخرجهما عنهما ما أمكن بقاؤهما عليها، قال: وقد أمكن ذلك بأن يجعلا ظرفين في موضع نصب بالفعل قبلهما، ورد هذا القول بأن الظرف إذا نفي عنه الفعل لم يقع الفعل في جزء منه، تقول: ما رأيته يوم الجمعة، فالرؤية منتفية في جميع أجزاء اليوم، وإذا قلت: ما رأيته منذ يوم الجمعة أمكن أن يكون رأيته في بعضه ثم انقطعت الرؤية أو لم تره، وأيضا فالظرف إذا نفي عنه الفعل لم ينتف إلا عنه خاصة، فإذا قلت: ما رأيته يوم الجمعة انتفت الرؤية عن يوم الجمعة خاصة، وأمكن إن رأيته قبل إخبارك إلى آخر انقضاء يوم الجمعة، ومنذ ليست كذلك، فإذا قلت: ما رأيته منذ يوم الجمعة إلى زمن إخبارك، والذي يدل على حرفيتهما إيصالهما الفعل إلى كم، كما يوصل حرف الجرّ نحو قولك: منذ كم سرت كما تقول: بمن تمرّ، ولو كانا منصوبين على الظرف لجاز أن يستغني الفعل الواقع بعدهما عن العمل فيهما بإعماله في ضمير عائد عليهما، فكنت تقول: منذ كم سرت فيه أو سرته إن اتسعت في الضمير كما تقول: يوم الجمعة - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 349).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قمت فيه أو قمته، وامتناع العرب من التكلم بذلك دليل على أنهما حرفا جر (¬1). البحث الرابع: قد تقدم من كلام المصنف أن المصدر المعين الزمان يعامل بعد «مذ ومنذ» معاملة الزمان في الرفع والجر، وتقدم تمثيل ذلك، وذكر أن الأصل في: مذ قدوم زيد، مذ زمن قدوم زيد، وتقدم أن «أنّ وصلتها» [2/ 443] تقع بعدهما، فيحكم لموضعهما بما حكم به للفظ المصدر؛ لأنها مؤولة بمصدر، واحترز المصنف بمعين الزمان من مبهمه نحو: ما رأيته مذ قدوم أو مذ قدوم رجل. وعرف من هذا أن أنّ مع صلتها يجوز الحكم عليها بالجر وبالرفع، كما كان الأمر مع المصدر الصريح، وكذا يقدر المضاف معها أيضا كما قدر مع المصدر، واعلم أن الشيخ لما ذكر المصنف فيما إذا ولي «مذ» فيه اسم مرفوع أنه يقدر لذلك الاسم رافعا، لتكون «مذ» مضافة إلى جملة حذف أحد جزأيها إلى آخره، وذكر أن ذلك مذهب الكوفيين، قال: وقد رد هذا المذهب بأن العرب تقول: ما رأيته مذ أن الله خلقه بالفتح والكسر ولو كان كما زعموا لم يجز إلا فتح «أن»؛ لأن الموضع الذي ينفرد بالاسم أو بالفعل تفتح فيه «أنّ» ليس إلا، وهذا قد انفرد بالفعل، فكان يجب التزام فتحها، وهم قد كسروها فيه (¬2). انتهى. والجواب عن هذا الذي ذكره أن يقال: لا شك أن فتح «أنّ» في هذا المثال هو المتفق عليه، وأما الكسر فالذي صرح بإجازته الأخفش، وغيره ساكت عن ذلك كسيبويه وابن السراج كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب «إنّ» (¬3) وهذا يدل على مرجوحية الكسر، ولا يلزم من إجازة الأخفش لذلك أن يكون مسموعا، فقد تكون إجازته له بطريق النظر، ثم إنّ المعروف من مذهب الأخفش أنه يقدر بعد مذ ومنذ اسم زمان مضافا إلى الجملة التي تذكر بعدهما وإذا كان يقدر مضافا فلا أعرف كيف يتوجه له القول بالكسر، ثم على تقدير تسليم صحة الكسر للمصنف - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 350، 351)، والهمع (1/ 217)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (1/ 244). (¬2) التذييل (3/ 348). (¬3) سبق الكلام عن هذه المسألة في باب إن وأخواتها، ولمراجعتها ينظر: أصول النحو لابن السراج (1/ 326، 327) والتذييل (2/ 701).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن نجيب عنه بأن نقول: القاعدة المقررة أن كل موضع يصح تقدير المصدر فيه وتقدير الجملة، وتقع فيه «إنّ» فإنه يجوز فيها الفتح والكسر، ولا شك أن المثال المذكور وهو مذ أن الله خلقه يجوز أن يكون التقدير فيه: مذ خلق الله إياه، وأن يكون: مذ هو مخلوق، وإذا كان الكسر إنما يجوز بهذا الاعتبار فكيف يلزم من القول بجوازه إبطال أن يكون الاسم المرفوع الواقع بعد «مذ أو منذ» مرفوعا بعامل مقدر، فإن المصنف يقول: إذا فتحت «أن» فتقدير العامل أعني الواقع لا شك فيه، وإذا كسرت كانت الجملة بتمامها واقعة بعد «مذ» واستحقت «إنّ» الكسر لذلك، فما وجه فتح «أن» على هذا التقدير؟. ثم اعلم أن ابن عصفور ذكر أحكاما تتعلق بهاتين الكلمتين أعني «مذ ومنذ»، فمنها: أن الفعل الواقع قبلهما إن كان منفيّا فلا تفصيل فيه، بل كل نفي جائز أن يقع قبلهما، وقد مرت أمثلة ذلك، وإن كان الفعل الواقع قبلهما موجبا فلا بد أن يكون ذلك الفعل متطاولا ممتدّا، وإلا لم يجز فتقول: مررت مذ يوم الجمعة، ولا تقول: قتلت عمرا منذ يوم الجمعة؛ لأن السير يمتد والقتل لا [2/ 444] يمتد، وكذا الحكم فيما هو للحال، لا يجوز قتلت زيدا منذ يومنا؛ لأن معناه: في يومنا، والقتل لا يمتد في اليوم أجمع، وإنما يكون في جزء منه، ولا شك أنهما يقدران مع زمن الحال بفي، قال: فتقول: ما رأيته في يومنا، فهو لم يره في جزء من اليوم، وإذا قلت: سرت مذ يومنا، فالسير في جملة اليوم بخلاف قولك: سرت في اليوم، فهي مع المنفي توافق سائر الظروف في أن الفعل لم يقع في جزء من اليوم، ومع الموجب تخالف، لأنك إذا قلت: سرت اليوم أمكن أن يكون السير في بعض اليوم بخلاف «مذ»؛ لأنه لا يكون السير الموجب إلا في جميع اليوم (¬1). ومنها: أن الواقع بعدهما إذا كان معدودا فإن العرب تختلف فيه، فمنهم من لا يعتد بالناقص أصلا، وإنما يعتد بالكامل، فإذا قال: ما رأيته مذ ثلاثة أيام فلا بد أن تكون الثلاثة بجملتها لم يره فيها، ومنهم من يعتد بالناقص الأول، فإذا رأى شخصا ظهر يوم الجمعة ثم انقطعت الرؤية إلى ظهر يوم الاثنين قال: ما رأيته مذ ثلاثة أيام، ولا يعتد بالناقص الثاني. - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 41).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من يعتد في هذه المسألة بالناقص الثاني ولا يعتد بالأول، فيكون اللفظ واحدا. ومنهم من يعتد بالناقص الأول والثاني فيقول في هذه المسألة: ما رأيته مذ أربعة أيام. والأقيس الأول؛ لأن تسمية الناقص يوما مجاز، ومن يعتد بالناقص لا يفعل ذلك إلا إذا كان ثم يوم كامل؛ فإن لم يكن ثم يوم كامل لم يجز، لأن الكلام كله مجاز، فلو رأيت شخصا ظهر يوم الجمعة ثم انقطعت الرؤية إلى ظهر السبت لم يجز في هذا أن يقال: ما رأيته منذ يومان ولا مذ يوم، لأنه ليس معك يوم كامل، فإنما يكون المجاز إذا اختلط بالحقيقة (¬1). ومنها: أنك إذا عطفت على مدخولهما، فإما أن تعطف حالا على حال أو ماضيا على ماض، أو حالا على ماض، أو ماضيا على حال، فعطف الحال على الحال جائز نحو: ما رأيته مذ يومنا وليلتنا ومذ شهرنا وعامنا، ويكون في بعض هذه المسائل ما في قوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (¬2)، وقوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ (¬3) من تكرار ما يدخل تحت عموم ما قبله. وإن عطفت ماضيا على ماض لم يجز، قدمت المتقدم في الزمان أو أخرته فلا يجوز ما رأيته مذ يوم الخميس ويوم الجمعة؛ لأن قولك: مذ يوم الخميس يقتضي أنك لم تره في يوم الجمعة، وقولك: ويوم الجمعة يقتضي أنك رأيته في أوله؛ لأن «مذ» إذا دخلت على الماضي المعرفة كانت لابتداء الغاية، فالفعل واقع في أول ذلك الزمان، ثم يتصل انقطاعه، فكان عطف الماضي على الماضي مؤديا إلى التناقض فلم يجز. وكذلك لو قدمت يوم الجمعة فقلت: ما رأيته مذ يوم الجمعة ويوم الخميس لم يجز؛ لأن يوم الخميس يقتضي أنك رأيته في أوله، ثم انقطعت الرؤية فيما بعد، وقولك: يوم الجمعة تقتضي أنك رأيته في أوله، وذلك تناقض، فإن قيل: هل يجوز النصب على إضمار فعل، فالجواب أن تقول [2/ 445]: إن بدأت بالمتأخر جاز فقلت: ما رأيته مذ يوم الخميس ويوم الأربعاء، لأن الرؤية انقطعت عما بعد يوم الخميس، ثم أخبرت أنك لم تره يوم الأربعاء، ولو عكست فبدأت بالمتقدم لم يجز وكان عيّا، لأنك إذا قلت: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 40). (¬2) سورة الرحمن: 68. (¬3) سورة البقرة: 98.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما رأيته مذ يوم الخميس، ويوم الجمعة اقتضى أنك لم تره في يوم الجمعة، فلا فائدة في قولك بعد ويوم الجمعة، وإن عطفت ماضيا على حال لم يجز، فلا تقول: ما رأيته مذ يومنا ويوم الجمعة ولا عكسه؛ لأن «مذ» إذا دخلت على الحال كانت بمعنى «في»، وإذا دخلت على الماضي كانت بمعنى «من» فهما مختلفان، وإذا اختلفا امتنع العطف، فإن قيل: فهل يجوز النصب على إضمار فعل؟ فالجواب أن يقول: إن تقدم الحال جاز، وإن تقدم الماضي لم يجز، ألا ترى أنه سائغ أن تقول: ما رأيته مذ يومنا ويوم الجمعة على تقدير: وما رأيته يوم الجمعة، ولا يسوغ أن تقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة ويومنا؛ لأن قولك: يوم الجمعة يقتضي أنك رأيته في أوله وانقطعت الرؤية إلى زمن الإخبار، فلا فائدة في قولك: ويومنا إلا أن يكون من باب قوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (¬1). ومنها: أنهما لا يدخلان إلا على الزمان كما تقدم ذكر ذلك، فإن دخلا على غيره فمؤول، ولا يدخلان منه إلا على المعدود أو معرفة، فلا يجوز: ما رأيته مذ حين، ولا مذ زمان، ولا مذ وقت، بخلاف مذ الليلة ومذ اليوم، ولا يجوز مذ الليل ولا مذ النهار؛ لأنّ النهار عبارة عن الضياء والليل عبارة عن الظلام، وذلك لا يحصل شيئا، فإن قيل: ألم يجز سيبويه: سرت الليل تريد ليل ليلك، والنهار تريد نهار نهارك؟ (¬2) فهلا أجزتم مذ الليل ومذ النهار على هذا المعنى؟ فالجواب: أن ذلك لا يتصرف و «مذ» توجب التصرف لما تدخل عليه، لأنها ترفعه أو تجره (¬3). ومنها: أنهما لا يجران الصباح والمساء إلا قليلا؛ لأن الصباح والمساء اسما مصدر، والأصل الإصباح والإمساء، وهاتان الكلمتان إنما يدخلان على الزمان، والصباح والمساء وإن استعملا في الزمان ليس ذلك لهما بطريق الأصالة فلذلك لا تدخل عليهما مذ ومنذ في الغالب، نعم إذا استعملا مرادا بهما الزمان جاز دخول «مذ ومنذ» حينئذ، هذا معنى كلامه (¬4)، ومن هنا نشأ بحث وهو أنك إذا قلت: ما رأيته مذ أن الله خلقني، فإن الفارسي يقدر زمانا محذوفا؛ لأن (أن) ليست - ¬

_ (¬1) سورة الرحمن: 68. شرح الجمل لابن عصفور (2/ 41 - 43). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 218). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 43). (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زمانا (¬1)، ومن الناس من لم يقدر ذلك، وجعل «أن» مع صلتها مصدرا يراد به الزمان بمنزلة خفوق النجم ومقدم الحاج، فقال ابن عصفور: القول الأول أحب إليّ؛ لأنهم لا يقولون: مذ الصباح إلا قليلا، فالأولى أن لا يجروا بها «أنّ» التي تتقدر بالمصدر (¬2)، ثم يكون ذلك المصدر زمانا. انتهى. ولا يخفى ضعف هذا الذي ذكره؛ لأن نيابة المصادر عن ظروف الزمان قد ثبتت كثيرا في كلام العرب، ولا فرق بين المصدر المؤول [2/ 446] والمصدر الصريح في ذلك. ومنها: أنهما إذا وقع بعدهما الزمان ووقع بعد الزمان فعل، وجب أن يكون ذلك الفعل ماضيا، فلا يقال: ما رأيته مذ زمن يقوم أمس، ولا ما رأيته مذ زمن يقول غدا، أما الأول فلتنافر ما بين يقوم وأمس، وأما الثاني فلأن معنى الكلام على المضي، ولا يقع المضارع موقع الماضي إلا في مواضع محفوظة، فإن جئت بالمضارع غير معمل في شيء جاز، ويكون على حكاية الحال نحو: ما رأيته مذ زمن يقوم، تريد مذ زمن كان فيه يقوم، أما إذا دخلتا على الفعل مباشرة، فلا بد أن تكون الصيغة ماضية فتقول: ما رأيته مذ قام، ولا يجوز مذ يقوم، قال: وعلة ذلك أن الفعل إذا وقع بعدهما فلا بد من تقدير زمن محذوف، فهو مجاز، فكرهوا أن يكون ثم مجازان حذف الزمان وحكاية الحال (¬3). ومنها: أنك إذا أوقعت بعدهما الليالي فإن الأيام داخلة معها؛ فإذا قلت: ما رأيته مذ ليلتان كنت فاقدا له ليلتين ويومين، وهو قد انقطعت رؤيته مثلا في عشية يوم الجمعة ثم اتصل ذلك إلى عشية يوم الأحد؛ لأن العرب كنّت بالليالي عن الأيام ولم تفعل ذلك بالأيام، فإذا قلت: ما رأيته مذ ثلاثة أيام، أمكن أن يكون انقطاع الرؤية في ليلتين، لأنها لم تكنّ عن الأيام إلا بالبياض (¬4). انتهى. وقد تعرض الشيخ في شرحه إلى ذكر شيء آخر غير ما ذكره ابن عصفور، فتركت إيراده خشية الإطالة مع أنه لا يتعلق به كثير فائدة (¬5)، وكذا تركت من - ¬

_ (¬1) ينظر: المقتصد شرح الإيضاح (ص 426)، والإيضاح للفارسي (131، 132). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 44). (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 45). (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 45)، وينظر: المقرب (1/ 202). (¬5) ذكر أبو حيان في ختام حديثه عن مذ ومنذ ثماني مسائل زاد فيها على ما ذكره ابن عصفور هنا بعض الأشياء. ينظر: التذييل (3/ 354 - 359).

[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه]

[أحكام الآن وبناؤه وإعرابه] قال ابن مالك: (ومنها الآن لوقت حضر جميعه أو بعضه، وظرفيته غالبة لا لازمة، وبني لتضمن معنى الإشارة، أو لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد، وقد يعرب على رأي، وليس منقولا من فعل خلافا للفرّاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام ابن عصفور بقية لهذا المعنى. قال ناظر الجيش: مسمى الآن الوقت الحاضر (¬1) جميعه كوقت فعل الإنشاء حال النطق به أو الحاضر بعضه؛ كقوله تعالى: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (¬2) وكقوله: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ (¬3) وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّقوا فيوشك الرّجل أن يمشى بصدقته فيقول الّذي أعطيها: لو جئتني بالأمس لأخذتها، وأمّا الآن فلا حاجة لي بها» (¬4)، ومثله قول علي رضي الله تعالى عنه: كان ذلك والإسلام قلّ، وأمّا الآن فقد اتّسع نطاق الإسلام فامرأ وما اختار (¬5). ومثل قول الشاعر (¬6): 1556 - فلو أنّها إحدى يديّ وزئتها ... ولكن يدي بانت على إثرها يدي فآليت لا آس على إثر هالك ... قدي الآن من وجد على هالك قدي (¬7) ومثله قول عنترة: - - ¬

_ (¬1) هذا نص شرح التسهيل لابن مالك (2/ 318). (¬2) سورة الجن: 9. (¬3) سورة الأنفال: 66. (¬4) الحديث في مسند أحمد بن حنبل (4/ 306) برواية: تصدقوا فإنه يوشك أحدكم أن يخرج بصدقته، فلا يجد من يقبلها منه. ولم أتمكن من العثور عليه بالرواية التي أوردها المصنف هنا. (¬5) نهج البلاغة (ص 367)، ورواية القول فيه، إنما قال صلّى الله عليه وسلّم ذلك والدين قل، فأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه، فامرؤ وما اختار. ا. هـ. (¬6) هو رجل من بني كلب قالهما في أخ له مات بعد أخ. (¬7) البيتان من الطويل وهما في: التذييل (3/ 361)، وشرح التسهيل للمصنف، وديوان الحماسة (1/ 370، 371 - 446). اللغة: آليت: أقسمت. لا أس: لا أحزن. وقدي: بمعنى حسبي. والشاهد في البيتين: وقوع «الآن» على وقت حضر بعضه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1557 - فإني لست خاذلكم ولكن ... سأسعى الآن إذ بلغت أناها (¬1) وليست ظرفيته لازمة، بل وقوعه ظرفا أكثر من وقوعه غير ظرف، ومن وقوعه غير ظرف قول النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد سمع [2/ 447] وجبة: «هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النّار الآن حين انتهى إلى قعرها» (¬2)، فإن الآن هنا في موضع رفع بالابتداء، وحين انتهى خبره، وهو مبني لإضافته إلى جملة مصدرة بفعل ماض. ومن وقوع «الآن» غير ظرف قول الشاعر: - 1558 - أإلى الآن لا يبين ارعواؤك ... بعد المشيب عن ذا التّصابي (¬3) وبني لتضمنه معنى الإشارة، فإن معنى قولك: افعل الآن، افعل في هذا الوقت (¬4)، وجائز أن يقال: بني لشبهه بالحروف في ملازمة لفظ واحد، فإنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر، بخلاف حين ووقت وزمان ومدة، وقيل: بني لتضمن معنى حرف التعريف، والحرف الموجود غير معتد به (¬5) وضعف هذا القول بيّن؛ لأن - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر وهو في: التذييل (3/ 361)، وشرح التسهيل للمرادى، والتوطئة (ص 134، 135)، وديوان عنترة (ص 55) طبعة بيروت، وشرح الديوان (ص 77). اللغة: أناها: منتهاها. والشاهد فيه أيضا: وقوع الآن على وقت حضر بعضه كما في البيت السابق. (¬2) حديث شريف أخرجه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (ص 700) ط الشعب: وابن حنبل (2/ 371). ويروى الحديث أيضا برواية: حتى انتهى إلى قعرها، ولا شاهد في الحديث على هذه الرواية. (¬3) البيت من الخفيف، وهو لعمر بن أبي ربيعة، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 219)، والتذييل (3/ 361)، والارتشاف (572)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 207)، والدرر (1/ 174). والشاهد فيه: مجيء (الآن) غير ظرف حيث جر بإلى. (¬4) هذا مذهب الزجاج وقد صرح بذلك في معاني القرآن له (1/ 126) فقال: وبني «الآن» وفيه الألف واللام؛ لأن الألف واللام دخلتا بعهد غير متقدم، إنما تقول: الغلام فعل كذا إذا عهدته أنت ومخاطبك، وهذه الألف واللام تنوبان عن معنى الإشارة، المعنى أنت إلى هذا الوقت تفعل، فلم يعرب الآن كما لا يعرب هذا. ا. هـ. وينظر: التذييل (3/ 361، 362)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 126)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 103). (¬5) هذا مذهب الفارسي. ينظر: الإغفال للفارسي (ص 254)، والاقتضاب (ص 63)، وشرح الرضي (2/ 126)، والظروف المفردة والمركبة (ص 184)، والإنصاف (2/ 523).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تضمن اسم معنى حرف اختصار ينافي زيادة ما لا يعتد به، هذا مع كون المزيد غير المتضمن معناه، فكيف إذا كان إياه. وجعل الزمخشرى سبب بنائه وقوعه أول أحواله بالألف واللام (¬1)؛ لأن حق الاسم في أول أحواله التجرد منها، ثم يعرض تعريفه فيلحقانه كقولك: مررت برجل فأكرمني الرجل، فلما وقع الآن في أول أحواله بالألف واللام خالف الأسماء وأشبه الحروف، ولو كان هذا سبب بنائه لبني الجماء الغفير واللات ونحوهما مما وقع في أول أحواله بالألف واللام، ولو كانت مخالفة الاسم لسائر الأسماء موجبة لشبه الحرف واستحقاق البناء لوجب بناء كل اسم خالف الأسماء بوزن أو غيره، وعدم اعتبار ذلك مجمع عليه، فوجب اطراح ما أفضى إليه، وزعم بعض النحويين أن بعض العرب يعرب الآن، واحتج على ذلك بقول الشاعر: - 1559 - كأنّهما ملآن لم يتغيّرا ... وقد مرّ للدارين من بعدنا عصر (¬2) أراد: من الآن، فحذف نون من لالتقاء الساكنين، كقول الشاعر: - 1560 - ليس بين الحي والميت نشب ... إنّما للحي ملميت النّصب (¬3) وكسر نون «الآن» لدخول «من» عليها، فعلم أن «الآن» عند هذا الشاعر معرب، قلت: وفي الاستدلال بهذا ضعف لاحتمال أن تكون الكسرة كسرة بناء ويكون في بناء «الآن» لغتان الفتح والكسر كما في «شتّان» إلا أن الفتح أكثر وأشهر، وزعم الفراء أن «الآن» منقول من آن بمعنى «حان» ثم استصحب فيه الفتحة التي كانت فيه إذا كان فعلا (¬4)، وجعله نظير قولهم: من شبّ إلى دبّ، - ¬

_ (¬1) ينظر: المفصل للزمخشري (ص 173)، وابن يعيش (4/ 102، 103). (¬2) البيت من الطويل وهو لأبي صخر الهذلي، وهو في الأمالي الشجرية (1/ 386)، وشرح الجمل لابن الضائع، والارتشاف (ص 572)، والتذييل (3/ 363)، وشرح التسهيل للمرادي، والخصائص (1/ 310)، وابن يعيش (8/ 35)، وشذور الذهب (ص 169)، والهمع (1/ 208)، والدرر (1/ 175)، والظروف المفردة والمركبة (ص 185)، وأمالي القالي (1/ 148). واللسان «أين». والشاهد في قوله: «ملآن»؛ حيث احتج بالبيت بعض النحويين على أن كلمة (الآن) فيه معربة. (¬3) البيت من الرمل لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 363) برواية (نسب) مكان (نشب). والشاهد في قوله: «ملميت»؛ حيث حذفت نون من الجارة لالتقائها ساكنة مع اللام الساكنة والأصل: من الميت. (¬4) هذا الوجه أحد وجهين أجازهما الفراء في «الآن» والوجه الآخر هو أن أصلها (أوان) حذفت منها الألف واللام، وغيرت واوها إلى الألف. ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 468، 469).

[أحكام قط وعوض]

[أحكام قط وعوض] قال ابن مالك: (ومنها قطّ للوقت الماضي عموما، ويقابله عوض، ويختصّان بالنّفي، وربّما استعمل «قطّ» دونه لفظا ومعنى أو لفظا لا معنى، وقد ترد «عوض» للمضيّ، وقد يضاف إلى العائضين أو يضاف إليه فيعرب، ويقال: قطّ وقطّ وقط وقط وعوض وعوض). ـــــــــــــــــــــــــــــ ونظير قوله - عليه الصلاة والسّلام -: «أنهاكم عن قيل وقال» (¬1) ولو كان الآن مثل هذه لم يدخل عليه الألف واللام كما لا يدخلان عليها ولاشتهر فيه الإعراب والبناء كما اشتهرا فيها، فإنه يقال فيه: من شبّ إلى دبّ وعن قيل وقال كما قال: من شبّ إلى دبّ، وعن قيل وقال. هذا كلام المصنف (¬2). وذكروا أن ألفه منقلبة عن واو لقولهم في معناه: الأوان، وقيل: هي عن ياء؛ لأن الكلمة من أن يئين إذا قرب (¬3)، وفي ذلك نظر لأنّ هذه الكلمة مبنية، فلا مدخل للتصرف فيها. وقد علم من قواعد التصريف أن الألف في [2/ 448] الحروف والكلمات المبنية محكوم لها بالأصالة. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): إذا قصد عموم وقت الفعل الماضي المنفي جيء مع نفي الفعل بعوض أو عوض أو عوض، قال الشاعر: - 1561 - يرضى الخليط ويرضى الجار منزله ... ولا يرى عوض صلدا يرصد العللا (¬5) وقد يضاف أو يضاف إليه فيعرب بإضافته كقولهم: لا أفعل ذلك عوض العائضين أي دهر الداهرين، والإضافة إليه كقول الشاعر (¬6): - - ¬

_ (¬1) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الأدب (8/ 4)، وكتاب الرقاق (8/ 100)، ومسلم في كتاب الأقضية (1340، 1341)، وابن حنبل (2/ 327، 360، 367)، (4/ 246، 249، 250، 251، 255). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 220). (¬3) ينظر: الهمع (1/ 207). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 221). (¬5) البيت من البسيط لجابر بن رألان، وهو في: التذييل (3/ 366)، واللسان «عوض». اللغة: الخليط: المخالط كالنديم والمنادم. الصلد: الصلب. يرصد العللا: يترقبها. والشاهد فيه: وقوع (عوض) بعد المنفي حيث يختصّ بذلك. (¬6) هو الفند الزماني وهو شهل بن شيبان بن ربيعة بن مان الحنفي من أشهر فرسان ربيعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1562 - ولولا نبل عوض في ... حظبّاي وأوصالي (¬1) وقد تقع عوض موقع قط كقول الشاعر: - 1563 - فلم أر عاما عوض أكثر هالكا ... ووجه غلام يشترى وغلامه (¬2) وقد تقع «قط» موقع فعل غير منفي لفظا ولا معنى كقول بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: «قصرنا الصّلاة في السّفر مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم أكثر ما كنّا قطّ وآمنة» (¬3). وقد يخلو من النفي لفظا لا معنى وذلك كما في الحديث أن أبيّا (¬4) قال: كائن تقرأ سورة الأحزاب، فقال عبد الله: ثلاثا وسبعين، فقال: قطّ (¬5)، أي ما كانت كذا قط، وبني قط لتضمن معنى «في» و «من» الاستغراقية على سبيل اللزوم أو لشبه الحرف في الافتقار إلى جملة وعدم الصلاحية لأن يضاف أو يضاف إليه أو يسند أو يسند إليه، وبني في التضعيف على حركة لئلا يلتقي ساكنان، وكانت ضمة حملا على «قبل» المنوي الإضافة، أو لأنه لو فتح لتوهم النصب بمقتضى الظرفية، ولو كسر لتوهم الجر «بمن» المضمن معناها (¬6)، وكان يعتذر عن زوال التنوين - ¬

_ (¬1) البيت من الهزج وهو في: ديوان الحماسة (1/ 209)، والتذييل (3/ 366)، وتعليق الفرائد (ص 1591)، والخزانة (2/ 20)، والهمع (1/ 213)، والدرر (1/ 183)، وشرح الرضي (2/ 124) برواية (خضماتي) مكان (حظباي). اللغة: عوض بمعنى دهر. والمراد بنبله هنا: تعاقب أيامه ولياليه. الحظبّى: هو الظهر، وقيل: عرق فيه. الأوصال: المفاصل. والشاهد في البيت: إعراب (عوض) لأنه أضيف إليه فجر بالكسرة. (¬2) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في الارتشاف (ص 573)، والتذييل (3/ 366)، وتعليق الفرائد (ص 1595)، والهمع (1/ 213)، والدرر (1/ 183)، والخزانة (3/ 211)، واللسان (عوض) وتاج العروس (5/ 58). والشاهد فيه: وقوع (عوض) بمعنى (قط) حيث معناها المضي. (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة (2/ 43) قد استشهد به المصنف هنا على استعمال قط دون سبق نفي لفظا ومعنى. (¬4) هو أبي بن كعب رضي الله عنه. (¬5) حديث شريف وهو في ابن حنبل (5/ 132)، وينظر: إعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 8). وقد استشهد المصنف بالحديث هنا على وقوع «قط» بعد نفي في المعنى دون اللفظ. (¬6) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (4/ 108)، وشرح الكافية للرضي (2/ 125)، والفائق للزمخشري (1/ 337)، والهمع (1/ 214)، والظروف المفردة والمركبة (ص 222)، وحاشية الصبان (2/ 132).

[أحكام أمس من بنائه وإعرابه]

[أحكام أمس من بنائه وإعرابه] قال ابن مالك: (ومنها أمس مبنيّا على الكسر بلا استثناء عند الحجازيّين وباستثناء المرفوع ممنوع الصّرف عند التّميميين، ومنهم من يجعل كالمرفوع غيره، وليس بناؤه على الفتح لغة خلافا للزّجاجيّ، فإن نكّر أو أضيف أو قارن الألف واللّام أعرب باتفاق، وربما بني المقارن لهما). ـــــــــــــــــــــــــــــ بكثرة الاستعمال، ومن بناه على الكسر راعى أصل التقاء الساكنين ولم يلتفت إلى توهم الجر؛ لأن الكسرة لا تكون علامة جر إلا مع تنوين أو إضافة أو ألف ولام، ولا واحد منها في «قط» فلا إيهام، ومن قال «قط» بالضم والتخفيف فمخفف ناو للتضعيف، فلذلك استصحب ما كان معه من الحركة، ومن قال: قط بالتسكين خفف ولم ينو التضعيف فعامله معاملة «منذ» إذ قيل فيه «مذ» (¬1). وبني «عوض» لأنه مثل قط فيما نسب إليه مما سوى الصلاحية لأن يضاف ويضاف إليه، وبني على حركة لئلا يلتقي ساكنان، ومن ضمّ فحملا على «بعد» أو لتحرك آخره بحركة تجانس ما قبله، ومن فتح كره اجتماع مستثقلين الضمة والواو، ومن كسر راعى أصل التقاء الساكنين، وأعرب حين يضاف أو يضاف إليه؛ لأنه عومل بما لم يعامل [2/ 449] مقابله مما هو خاص بالأسماء (¬2) فاستحق مزية عليه (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): إذا قصد «بأمس» اليوم الذي وليه اليوم الذي أنت فيه بناه الحجازيون في موضع الرفع والنصب والجر على الكسر لتضمنه معنى الألف واللام، ولشبهه بضمير الغائب في التعريف بغير أداة ظاهرة، وكون حضور مسماه مانعا من إطلاق لفظه عليه، ولشبهه «بغاق وحوب» في الانفراد بمادة مع التوافق في الوزن، ووافق فيه الحجازيون أكثر التميميين في موضعي النصب والجر، وأعربوه في موضع الرفع غير منصرف للتعريف والعدل عن الألف واللام - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 364، 367). (¬2) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (4/ 108)، وشرح الرضي (2/ 124)، والتذييل (3/ 367). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 222). (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 223).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقولون: مضى أمس بما فيه، وكان ذلك أمس وأول من أمس، فيتفقون في موضعي النصب والجر ويختلفون في موضع الرفع (¬1). ومن لغة الحجازيين قول الشاعر (¬2): - 1564 - اليوم أعلم ما يجيء به ... ومضى بفصل قضائه أمس (¬3) ومن لغة تميم قول الآخر: - 1565 - اعتصم بالرّجاء إن عزّ بأس ... وتناس الّذي تضمّن أمس (¬4) ومن بني تميم من يسوي المجرور والمنصوب بالمرفوع في الإعراب ومنع الصرف، وعليه قول الراجز: - 1566 - لقد رأيت عجبا مذ أمسا ... عجائزا مثل السّعالي خمسا (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 113)، والمطالع السعيدة (ص 328)، والهمع (1/ 208، 209)، والظروف المفردة والمركبة (190، 191). (¬2) هو أسقف نجران أو تبع بن الأقرن أو روح بن زنباع. (¬3) البيت من الكامل وهو في: أمالي القالي (3/ 29)، والروض الأنف للسهيلي (1/ 24)، والتذييل (3/ 370، 375)، والعيني (4/ 373)، والشذور (ص 137)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175)، والتصريح (2/ 226)، واللسان «أمس». والشاهد فيه: بناء «أمس» على الكسر وهو في محل رفع، وهذا مذهب البصريين. (¬4) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو: في التذييل (3/ 371)، وشرح التسهيل للمرادي، والعيني (4/ 372)، والتصريح (2/ 226)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175)، والأشموني (3/ 268). اللغة: عز: أي غلب، ويروى عن بمعنى عوض. وتناس: أمر من التناسي، وهو أن يرى من نفسه أنه نسيه. والشاهد: في «أمس»؛ حيث أعرب حالة الرفع إعراب ما لا ينصرف على لغة بني تميم. (¬5) الرجز للعجاج وهو في: الكتاب (3/ 285)، ونوادر أبي زيد (ص 257)، وتعليق الفرائد (ص 1604)، والتذييل (3/ 372)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 114)، والأمالي الشجرية (2/ 260)، وابن يعيش (4/ 106، 107)، والخزانة (3/ 219)، والعيني (4/ 357)، وشذور الذهب (ص 137)، والتصريح (2/ 226)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175). اللغة: السعالي: جمع سعلاة وهي الغول، وقيل: ساحرة الجن، ويروى: (الأفاعي) مكان (السعالي) و (قسعا) مكان (خمسا). والشاهد فيه: إعراب (أمس) إعراب ما لا ينصرف حالة الجر عند بعض بني تميم الذين يقولون بإعرابه غير منصرف مطلقا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزعم أبو القاسم الزجاجي أن من العرب من يبني أمس على الفتح واستشهد بهذا الرجز (¬1)، ومدعاه غير صحيح، لامتناع الفتح في موضع الرفع، ولأن سيبويه استشهد بالرجز على أن الفتحة في «مذ أمسا» فتحة إعراب (¬2) وأبو القاسم لم يأخذ البيت من غير كتاب سيبويه، فقد غلط فيما ذهب إليه واستحق أن لا يعول عليه. وإذا نكر «أمس» أو أضيف أو قارن الألف واللام أعرب بلا خلاف لزوال سبب البناء، أعني تضمن معنى حرف التعريف، وشبه الضمير من الوجه المذكور (¬3)، ومن العرب من يستصحب البناء مع مقارنة الألف واللام كقول الشاعر: - 1567 - وإني وقفت اليوم والأمس قبله ... ببابك حتّى كادت الشّمس تغرب (¬4) فكسر السين وهو في موضع نصب، والوجه فيه أن يكون زاد الألف واللام لغير تعريف واستصحب تضمين معنى المعرفة واستدام البناء، أو تكون هي المعرفة وقد زال البناء لزوال التضمين ومشابهة ضمير الغائب، فتكون الكسرة كسرة إعراب على تقدير ياء حذفت، وبقي عملها كما حذفت «من» وبقي عملها في رواية من روى: - 1568 - ألا رجل جزاه الله خيرا (¬5) وكما حذفت «إلى» وبقي عملها في قول الآخر: - - ¬

_ (¬1) ينظر: الجمل للزجاجي (ص 291)، وشرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 113، 114). (¬2) ينظر: الكتاب (3/ 284، 285). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن بابشاذ (2/ 113). (¬4) البيت من الطويل وهو لنصيب يمدح سليمان بن عبد الملك. وهو في معاني القرآن للفراء (1/ 467)، والخصائص (1/ 394)، (3/ 57)، والمحتسب (2/ 190)، والإنصاف (1/ 320)، والأمالي الشجرية (2/ 260)، والبحر المحيط (7/ 110)، والارتشاف (ص 575)، والتذييل (3/ 376، 377)، وتعليق الفرائد (ص 1605)، والهمع (1/ 209)، والدرر (1/ 175)، وديوان نصيب (ص 62) واللسان مادة «أمس». ويروى البيت برواية (وإني قويت .... وإني حبست) مكان (وإني وقفت). والشاهد فيه: بناء «أمس» على الكسر معرفا بأل. (¬5) شطر بيت من بحر الوافر نسب في بعض مراجعه لعمرو بن قنعاس، وهو صدر وعجزه قوله: يدل على محصلة تبيت وشاهده: جر رجل بمن مقدرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1569 - إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة ... أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (¬1) أراد: إلى كليب فحذف [2/ 450] وأبقى العمل. انتهى كلام المصنف (¬2)، وعرف منه أنه لا فرق في «أمس» بين أن تستعمل ظرفا أو غير ظرف بالنسبة إلى ما حكاه من لغتي الحجازيين والتميميين، لكن كلام ابن عصفور يقتضي التفرقة بين الاستعمالين، فإن كان ظرفا كان مبنيّا على الكسر، وإن كان غير ظرف كان فيه اللغتان (¬3)، وتبع الشيخ ابن عصفور في ذلك فلم يذكر فيه اللغتين إلا حال استعماله غير ظرف (¬4)، ثم إن المصنف ذكر في شرح الكافية أن «أمس» إذا صغر أعرب باتفاق كما الحال فيه إذا نكر أو أضيف أو قارنته الألف واللام (¬5) فاعترض الشيخ عليه بأن قال: قد خالف سيبويه فإنه نص على أن «أمس» لا يصغر (¬6)، وأقول: كما اعترض الشيخ على المصنف في ذلك كان الواجب أن يعترض على ابن عصفور أيضا؛ فإنه حين استثنى المنكر والمضاف والمقارن للألف واللام استثنى المصغر أيضا، والمجموع كأموس، وآمس (¬7)، والعذر للمصنف في ذكر المصغر أن جماعة من النحويين أجازوا تصغيره، وقد نقل الشيخ أنه مذهب المبرد (¬8) فكان المصنف مشى في شرح الكافية على قول المجيز للتصغير، وأما في التسهيل فعول على مذهب سيبويه، فلهذا لم يتعرض إلى ذلك، وقد أطال الشيخ الكلام في سبب بناء «أمس» (¬9) والتعرض إلى إيراد ذلك لا يجدي طائلا فتركته. ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل، وهو للفرزدق، وشاهده: حذف حرف الجر شذوذا وإبقاء عمله في قوله: أشارت كليب، وقد سبق الاستشهاد بهذا البيت في باب تعدي الفعل ولزومه. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 224). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 320). (¬4) ينظر: التذييل: (3/ 370). (¬5) شرح الكافية الشافية لابن مالك (3/ 1482) ونصه فيه: ولا خلاف في إعراب أمس إذا أضيف، أو لفظ معه بالألف واللام أو نكر أو صغر أو كسر. (¬6) التذييل (3/ 375). (¬7) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 321). (¬8) ينظر: التذييل (3/ 375). (¬9) ينظر: التذييل (3/ 368، 369) ومما ذكره أبو حيان هناك أن قوما منهم الكسائي يزعمون أن (أمس) ليس مبنيّا ولا معربا، بل هو محكي سمي بفعل الأمر من المساء كما لو سمي بأصبح من الصباح. اه.

[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة]

[الصالح للظرفية المكانية من أسماء الأمكنة] قال ابن مالك: (الصّالح للظّرفيّة القياسيّة من أسماء الأمكنة ما دلّ على مقدّر أو مسمّى إضافي محض أو جار باطّراد مجرى ما هو كذلك، فإن جيء بغير ذلك لظرفيّة لازمة غالبا لفظ «في» أو ما في معناها، ما لم يكن كمقعد في الاشتقاق من اسم الواقع فيه، فيلحق بالظروف، قياسا إن عمل فيه أصله أو مشارك في الفرعيّة، وسماعا إن دلّ على قرب أو بعد نحو: هو منّي منزلة الشّغاف ومناط الثّريّا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قد تقدم الإعلام بأن المسمى ظرفا في النحو هو ما استغنى فيه بمعنى «في» عن لفظها استغناء مطردا من اسم زمان أو مكان، وأن ذلك واقع في أسماء الزمان كلها مختصها ومبهمها، فلما استوفيت الكلام على أسماء الأزمنة أخذت في أسماء الأمكنة، وبيان ما يصلح فيها للظرفية القياسية وما لا يصلح، فبيّنت أن الصالح لها أربعة أنواع: - أحدها: ما دل على مقدار كميل وفرسخ وبريد (¬2). والثاني: ما دل على مسمى إضافي محض أي على مسمى لا يعرف حقيقة بنفسه بل بما يضاف إليه كمكان وناحية وأمام ووراء ووجهة وجهة وكجنابتي في قول العرب: هما خطان جنابتي أنفها، يعنون: خطين اكتنفا أنف الظبية (¬3)، وكجنبي في قول الشاعر: - 1570 - نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية ... جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 225). (¬2) البريد فرسخان، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع. ينظر: اللسان مادة «برد». (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 405). (¬4) البيت من البسيط وهو للأعشى، وهو في: الكتاب (1/ 406)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 149)، والاشتقاق (ص 34)، والغرة المخفية (ص 712)، والتذييل (3/ 382)، والهمع (1/ 199)، والدرر (1/ 168)، وديوان الأعشى (ص 63) برواية (يوم العين) مكان (يوم الحنو) واللسان مادة «حنا»، والأزمنة والأمكنة (1/ 307)، ومعجم البلدان (فطيمة). اللغة: يوم الحنو: يوم من أيام العرب. فطيمة: موضع بالبحرين. ضاحية: بمعنى علانية. الميل: جمع -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكأقطار في قولهم: قومك أقطار البلاد، وكمساليه في قول الشاعر (¬1) [2/ 451]: 1571 - إذا ما نعشناه على الرّحل ينثني ... مساليه عنه من وراء ومقدم (¬2) قال سيبويه: مسالاه عطفاه فصار كجنبي فطيمة (¬3). والثالث: ما جرى باطراد مجرى ما هو كذلك، وذلك صفة المكان الغالبة نحو: قريبا منك وشرقيّ المسجد، قال الشاعر: - 1572 - هبّت جنوبا فذكرى ما ذكرتكم ... عند الصّفاة التي شرقيّ حورانا (¬4) ومن الجاري مجرى ما هو كذلك مصادر قامت مقام مكان مضاف إليها تقديرا نحو قولهم: قرب الدار ووزن الجبل أي زنته أي مكان مسامته، والمراد هنا بالاطراد أن لا تختص ظرفيته بعامل ما كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه (¬5). الرابع: ما دل على محل الحدث المشتق هو من اسمه كمقعد ومرقد ومصلّى ومعتكف، ولا يعمل في هذا النوع إلا أصله كقولك: قعودي مقعد زيد، أو مشارك له في الفرعية كقولك: قعدت مقعد زيد، فلو قلت: اعتكفت مقعدك أو قعدت معتكفك لم يجز، لأن العامل ليس أصلا للمذكور كقعود بالنسبة إلى مقعد، ولا مشاركا له في الفرعية كاعتكفت بالنسبة إلى معتكف، ولذلك عد من - ¬

_ - أميل، وهو من يميل عن السرج، ومن لا ترس معه ولا سيف. العزل: جمع: أعزل وهو من لا رمح معه. والشاهد في قوله: (جنبي فطيمة) حيث نصب «جنبي» على الظرفية. (¬1) هو أبو حيّة النّميري واسمه الهيثم بن الربيع بن زرارة شاعر إسلامي أدرك الدولتين الأموية والعباسية. (¬2) البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 412)، وشرح التسهيل للمصنف، والارتشاف (ص 577)، والتذييل (3/ 382)، واللسان مادة «سيل». والصحاح أيضا مادة «سيل»، والأزمنة والأمكنة (1/ 307). والشاهد فيه: نصب «مساليه» على الظرف، أي في مساليه. (¬3) الكتاب (1/ 412). (¬4) البيت من البسيط وهو لجرير وهو في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (3/ 384)، والكتاب (1/ 222)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 93)، وديوان جرير (ص 493) برواية (هبت شمالا) مكان (هبت جنوبا). اللغة: الصفاة: الصخرة الملساء. حوران: بلد بالشام. والشاهد في قوله: (شرقي حورانا) حيث نصب على الظرف. (¬5) ينظر: الهمع (1/ 199)، والمطالع السعيدة (ص 310).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشواذ: هو مني مقعد القابلة ومعقد الإزار، ومناط الثريا ونحو ذلك؛ لأن العامل ليس أصلا للفعل ولا شريكا له في الرجوع إلى أصل واحد (¬1)، وأما الأول والثاني والثالث فظرفيتها غير مقيدة بعامل دون عامل، فيقال: سرت ميلا وعدوت فرسخا وسرت بريدا وجلست يمين الكعبة وأمام زيد وعند خالد ومع محمد وتلقاء بشر ونحو ذلك، ومن العلماء من حكم باطراد ما دل على بعد أو قرب من نحو: هو مني بمنزلة الشغاف (¬2)، ونحو قول الشاعر (¬3): - 1573 - وإنّ بني حرب كما قد علمتم ... مناط الثّريّا قد تعلّت نجومها (¬4) على تقدير مكان موصوف مثل مضاف إلى شغاف ومناط، ثم فعل ما فعل بضربته ضرب الأمير اللص من حذف الموصوف وصفته وإقامة الثالث مقامها، وهذا تقدير لائق ولكن القياس على نوعه لا يتجه لقلة نظائره ومغايرة لفظ باقية للفظ محذوفة بخلاف ضربته ضرب الأمير اللص؛ فإن نظائره كثيرة ولفظ باقية مماثل للفظ محذوفة، ولكون هذا النوع مقصورا على السماع، قال سيبويه: وليس يجوز هذا في كل شيء، لو قلت: هو مني مجلسك ومتّكأ زيد ومربط الفرس لم يجز (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 108)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 92)، وشرح الكافية للرضي (1/ 185)، واللباب في علل البناء والإعراب للعكبري (ص 217)، والمثالان الأولان وهما قوله: هو منّي مقعد القابلة ومعقد الإزار كناية عن القرب، والمثال الثالث وهو قوله: هو مني مناط الثريا كناية عن البعد. (¬2) في علل البناء والإعراب للعكبري (ص 217): «فأما قولهم: هو منّي مناط الثريا، مزجر الكلب، إذا أرادوا البعد، ومقعد القابلة ومعقد الإزار إذا أرادوا القرب ففيه وجهان: - أحدهما: أن الأصل فيها أن تستعمل بفي، لكنهم حذفوها تخفيفا كما قالوا: أمرتك الخير. والثاني: أن هذه الأمكنة لما أريد بها المبالغة ولم يقصد بها أمكنة محدودة صارت كالأمكنة المبهمة» اه. والشغاف هو غلاف القلب. (¬3) هو الأحوص كما في الكتاب، أو عبد الرحمن بن حسان بن ثابت كما في الأمالي الشجرية. (¬4) البيت من الطويل وهو في: الكتاب (1/ 413)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 306)، والمقتضب (4/ 343)، وأمالي الشجري (2/ 254)، والغرة لابن الدهان (2/ 58)، وكشف المشكل لحيدرة اليمني (ص 310)، وشرح التسهيل للمصنف، وشرح التسهيل للمرادي، والتذييل (3/ 393)، والأزمنة والأمكنة (1/ 307)، والظروف المفردة والمركبة (ص 92). والشاهد فيه: نصب «مناط الثريا» على الظرف. (¬5) الكتاب (1/ 414).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى المسموع من هذا النوع أشرت بقولي: (وسماعا إن دل على قرب أو بعد نحو: هو مني بمنزلة الشغاف ومناط الثريا)، وقيدت الإضافي بمحض احترازا من الإضافي الذي يدل بنفسه على معنى لا يصلح لكل مكان نحو جوف وباطن وظاهر وداخل وخارج [2/ 452] فإن هذه وما أشبهها من أسماء المكان المختصة إذا قصد بشيء منها معنى الظرفية لازمة لفظ «في» أو ما في معناها (¬1) إلا أن يرد شيء بخلاف ذلك فيحفظ كقوله تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (¬2)، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (¬3) وكقول العرب: رجع فلان أدراجه أي في الطريق الذي جاء فيه، وهم درج السيول أي في مجاريها (¬4)، قال الشاعر في المعنى الأول: - 1574 - لماّ دعا الدّعوة الأولى فأسمعني ... أخذت برديّ واستمررت أدراجي (¬5) وقال (¬6) في المعنى الثاني: - 1575 - أنصب للمنيّة تعتريهم ... رجالي أم هم درج السّيول (¬7) فهذا مما حفظ في الاختبار ولا يقاس عليه، وأما قوله: 1576 - لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثّعلب (¬8) - ¬

_ (¬1) ينظر: الظروف المفردة والمركبة في اللغة العربية (ص 91)، والمقتضب (4/ 348)، والكتاب (1/ 410)، وشرح الرضي (1/ 184). (¬2) سورة الأعراف: 16. (¬3) سورة التوبة: 5. (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 414، 415). (¬5) البيت من البسيط وهو في: التذييل (3/ 387) لقائل مجهول. اللغة: استمررت أدراجي: أي استمررت في الطريق الذي أنا سائر فيه. والشاهد في قوله: «استمررت أدراجي»؛ حيث نصب «أدراجي» على الظرف. (¬6) هو ابن هرمة واسمه أبو إسحاق إبراهيم بن هرمة بن علي بن سلمة آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم حيث أدرك الدولتين الأموية والعباسية. (¬7) البيت من الوافر وهو في: الكتاب (1/ 415، 416)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 284)، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 502)، وحاشية التفتازاني (1/ 734)، والتذييل (3/ 388)، والخزانة (1/ 203)، وأساس البلاغة، واللسان مادة «درج» وشعر ابن هرمة (ص 181)، والأزمنة والأمكنة (1/ 307). اللغة: درج السيول: الموضع الذي يمر به السيل فينزل من موضع إلى موضع آخر حتى يستقر. والشاهد فيه: نصب (درج السيول) على الظرف. (¬8) البيت من الكامل وهو لساعد بن جؤبة، وهو في: الكتاب (1/ 36، 214)، ونوادر أبي زيد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: - 1577 - فلأبغينّكم قنا وعوارضا ... ولأقبلنّ الخيل لابة ضرغد (¬1) وقوله: - 1578 - قلن عسفان ثمّ رحن سراعا (¬2) فمن الضروريات، وقنا وعوارض وعسفان أمكنة مختصة، وزعم قوم أن الطريق من الظروف القياسية؛ لأن لفظه صادق على كل مكان، فإن كل مكان صالح أن يجعل طريقا، ولذلك عبر عن القفر الذي يعسل فيه الثعلب بطريق، وهذا الاعتبار فاسد؛ لأن الطريق اسم لمكان مرور به وذهاب، ولا يطلق على المكان طريق لمجرد - ¬

_ - (ص 167)، والخصائص (3/ 319)، وأمالي الشجري (1/ 42)، (2/ 248)، وابن القواس (ص 344)، والبحر المحيط: (7/ 344)، والتذييل (3/ 388) والارتشاف (ص 578)، والخزانة (1/ 474)، وديوان الهذليين (1/ 190)، والمغني (1/ 11)، (2/ 525، 576)، وشرح شواهده (1/ 17)، (2/ 885)، والعيني (2/ 544)، والتصريح (1/ 312)، والهمع (1/ 200)، (2/ 81)، والدرر (1/ 169)، (2/ 105)، والأشموني (2/ 91)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 330) طبعة العراق. اللغة: اللدن: اللّين. يعسل: يعدو، وهو يريد بالمتن ظهر الرمح. والشاهد فيه: نصب الطريق وهو مكان مختص على حذف «في». (¬1) البيت من الكامل وهو لعامر بن الطفيل، وهو في: الكتاب (1/ 163، 214)، وأمالي الشجري (2/ 248)، والأصمعيات (ص 216)، والمفضليات (ص 363)، وابن القواس (ص 344)، والروض الأنف (1/ 290)، والتذييل (3/ 388)، والخزانة (1/ 470) وديوان عامر بن الطفيل (55) واللسان (عرض). اللغة: لأبغينكم: أي لأطلبنكم. قنا وعوارض: جبلان. لأقيلن: لأوردن. اللابة: الحرة ذات الحجارة السود. ضرغد: جبل. والشاهد فيه: نصب «قنا» و «عوارض» وهما مكانان مختصان على حذف «في». (¬2) صدر بيت من الخفيف لكثير عزة وعجزه: يتطلّعن من ثقاب الثّغور وهو في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 329) طبعة العراق، والارتشاف (578)، والتذييل (3/ 388)، وشرح التسهيل للمرادي، وديوان كثير (396) برواية: «طالعات عشية من غزال» في الشطر الثاني. اللغة: عسفان: قرية كانت لبني المصطلق من خزاعة كثيرة الآبار والحياض. والشاهد في قوله: (عسفان) حيث نصب على حذف «في».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صلاحيته أن يكون طريقا، لا يطلق عليه بيت لمجرد صلاحيته أن يكون بيتا؛ فالطريق إذا مكان مختص كما أن البيت مكان مختص، ومن قال: إن الطريق حقيق الظرفية القياسية ابن الطراوة، وزعم أنه يقال: ذهبت طريقي ومروا طرقاتكم (¬1)، قال أبو علي الشلوبين: والرد عليه تكذيبه، قلت: ويناسب قول ابن الطراوة في الطريق حكاية السيرافي عن بعض النحويين أنه قال: إنما قالت العرب: ذهبت الشأم، لأن الشأم بمعنى اليسار، فإنه يقال: شامه إذا قابل يساره، وأجاز هذا القائل أن يقال: ذهبت اليمن، لأن اليمن بمعنى اليمين، ولم يجز أن يقال: ذلك في عمان ومكة؛ لأنه ليس فيهما ذلك المعنى، ويلزم هذا أن يجيز ذلك في العالية؛ لأن فيها معنى فوق (¬2). هذا معنى قول السيرافي، قلت: ولو كان قولهم: ذهبت الشام لكونه بمعنى يسار لكان غير ذهب أولى بذلك من ذهب، فكان يقال: أقمت الشام كما يقال: أقمت يسار الكعبة، ففي عدم معاملة غير «ذهب» بهذه المعاملة دلالة على أن باعثهم على ذلك إنما هو كثرة الاستعمال، ولذلك شبهه سيبويه بدخلت البيت (¬3)، وقال الفراء: العرب تعدي ذهب وانطلق إلى جميع البلدان، فيقال: ذهبت الكوفة وانطلقت الغور (¬4)، فعلى قول الفراء لا تختص ذهب بنصيب الشام بل ينتصب به كل بلد، وكذلك انطلق، ولا علة لذلك إلا كثرة الاستعمال كما فعل بدخل [2/ 453] مع جميع الأمكنة المختصة، وفي فعل هذا بانطلق دلالة واضحة على أن الأصل في هذه الأفعال الثلاثة التعدي بحرف جر، إذ لا يوجد الفعل متعد بنفسه (¬5). هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى، ولنتبعه بأمور ننبه عليها: منها: أن النحاة مطبقون على أن اسم المكان لا ينصب منه على الظرف إلا ما كان مبهما (¬6)، معتلين لذلك بأن أصل العوامل الفعل، ودلالته على الزمان أقوى - ¬

_ (¬1) ينظر: أبو الحسين بن الطراوة وأثره في النحو (ص 89، 90)، والارتشاف (ص 689). (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 330)، وشرح السيرافي (2/ 243)، والتذييل (3/ 387). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 414). (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور: (1/ 331) طبعة العراق، والهمع (1/ 200). (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 225 - 229). (¬6) ينظر: المقتضب (4/ 335، 336)، واللمع لابن جني (ص 139)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 92)، والمسائل البغداديات للفارسي (ص 332) رسالة بجامعة عين شمس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من دلالته على المكان؛ لأنه يدل على الزمان بصيغة وبالتزام، ويدل على المكان بالتزام فقط. فلما كانت دلالة الفعل على الزمان قوية تعدى إلى المبهم من أسمائه والمختص، ولما كانت دلالته على المكان ضعيفة لم يتعد إلا إلى المبهم منها؛ لأن في الفعل دلالة عليه في الجملة، وذكروا أيضا تعليلا ألطف من هذا وهو أن الأفعال لها دلالة على الزمان المعين فتعدت إلى المعين وإلى غير المعين؛ لأن ما تعدى إلى الأخص تعدى إلى الأعم، وليس للأفعال دلالة على الأمكنة المعينة، وإنما تقتضي مكانا غير معين وهو المبهم، فتعدت إلى ما اقتضته خاصة (¬1). وإذا كان النحاة قد ذكروا أن الذي يتعدى إليه العوامل من ظروف المكان شيء واحد، فيقال: إن المصنف قد ذكر أن الصالح للظرفية القياسية من أسماء الأمكنة أربعة أنواع، وهذا بظاهره يوهم أن كلامه لم يطابق كلام الجماعة، والجواب أن الذي ذكره إنما هي أنواع داخلة تحت جنس المبهم، وذلك أن الجنس لما تنوع قصد أن يميز نوعا عن نوع وما للإيضاح والبيان، فذكر أولا ما دل على مقدر كميل وفرسخ وبريد، ولا شك أن هذا مبهم كما سيأتي بيانه، وذكر ثانيا ما دل على مسمى إضافي محض، وفسر ذلك بأنه الذي لا يعرف حقيقته بنفسه بل بما يضاف إليه كمكان وناحية وما شابههما مما ذكره، وإبهام هذا القسم أوضح من إبهام القسم الأول، وذكر رابعا ما دل على محل الحدث المشتق هو من اسمه كمقعد ومرقد بشرط أن يكون العامل فيه أصله أو مشارك له في الفرعية، وأما الذي ذكره ثالث الأقسام وهو ما جرى باطراد مجرى ما ذكره قبله كما قال، وذلك كصفة المكان الغالبة نحو: هم قريبا منك وشرقي المسجد وقرب الدار فليس قسما مستقلّا إنما هو في الأصل صفة لمكان مبهم منصوب على الظرفية نصبا قياسيّا؛ فلما حذف الموصوف أقيم هو مقام موصوفه، فنصبه على الظرف ليس بحق الأصالة إنما هو بطريق النيابة عما يستحق ذلك، وإذا كان كذلك فالأقسام بالحقيقة ثلاثة لا أربعة، واعلم أن ابن عصفور جعل نحو قعد مني مقعد القابلة ونحوه مما هو مشتق من لفظ الفعل العامل فيه من الظروف المختصة، وقال: إن الفعل تعدى إليها لشبهها بالمصدر في أن الفعل يدل على أن كل واحد [2/ 454] منهما بلفظه، والإمام بدر الدين - ¬

_ (¬1) هذان التعليلان علل بهما ابن الناظم في شرح الألفية له (ص 108، 109).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولد المصنف جعل ذلك من قبيل الظروف المختصة أيضا واعتذر عن تعدي العامل إليه في قولك: قعدت مقعد زيد دون بقية الأمكنة المختصة بقوة دلالة العامل عليه حينئذ (¬1)، فوافق كلامه كلام ابن عصفور في الحكم والتعليل. والذي يظهر لي أن الأمر بخلاف ما قالاه، لأن نحو: مقعد زيد ومرقد عمرو ومعتكف خالد ومصلى فلان لا يعلم حقيقته بنفسه، بل بما يضاف إليه، وهذا شأن المبهم كما عرفت قبل من كلام المصنف، ويدل على ذلك قوله في الألفية: وما صيغ من الفعل كمرمى من رمى بعد قوله: نحو الجهات والمقادير (¬2) فإن ما صيغ معطوف على المجرور بقوله نحو، فالمعنى: ولا تقبل المكان إلا مبهما نحو الجهات والمقادير ونحو ما صيغ من الفعل؛ فكل هذا تفسير للمبهم، فإن قيل: إذا كان هذا القسم داخلا في المبهم فلأي شيء ذكره؟ فالجواب: أن ذكره له كذكره لغيره، ولأنه لما كان شرط صحة نصبه على الظرفية أن يعمل فيه ما شاركه في الحروف والمعنى احتاج أن ينص عليه ليذكر شرطه، وكلام ابن أبي الربيع يدل على ما قلته؛ فإنه قال: وأما المشتقات فلا يتعدى إليها إلا ما اشتقت منه؛ لأنها تدل عليها وتتنزل من أفعالها منزلة المبهم من جميع الأفعال، ألا ترى أنك إذا قلت: جلست فإنه يقتضي مجلسا يقع فيه كما يقتضي المبهم، فيتعدى إليه كما يتعدى إلى المبهم. ومنها: أن العادات اختلفت في تفسير المبهم من الأمكنة، فمن النحاة من لم يفسره بشيء، وإنما قال: المبهم الجهات الست (¬3)، واحتاج القائل ذلك أن يقول: وحمل عليها - يعني على الجهات الست - عند ولدى وشبههما، لإبهامها (¬4). ومنهم من فسره بأن قال: المبهم ما ليس له نهاية معروفة ولا حدود محصورة - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 108، 109). (¬2) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 92)، وشرح المكودي (ص 98). (¬3) هذا قول الجرجاني في الجمل له (ص 16) تحقيق على حيدر. (¬4) ينظر: الفصول الخمسون لابن معط (185، 186) حيث فسر المبهم بالجهات الست وما في معناها، وشرح ابن عقيل (1/ 198)، حيث فسره بذلك أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سواء أكان مضافا نحو: أمامك وخلفك ووراءك وفوقك وتحتك، أو نكرة غير معدود نحو يمين وشمال وناحية من الدار (¬1)، ومنهم من قال: المبهم ما له اسم (¬2) باعتبار ما ليس داخلا في مسماه، والمؤقت منه ما له اسمية باعتبار ما هو داخل في مسماه، فالدار مؤقتة لأن لها اسمها من جهة ما هو داخل في مسماها من البنيان والسقف وغيره، والفرسخ مبهم؛ لأن له اسما باعتبار قياس غير داخل في مسماه (¬3) وهو حسن، ويظهر لي أن قول المصنف في القسم الثاني أنه ما دل على مسمى إضافي محض يكون كافيا في تفسير المبهم؛ لأنه فسر ذلك بما لا يعرف حقيقته بنفسه بل بما يضاف إليه، وهذا هو معنى قول غيره: المبهم كل مكان له اسمه بأمر لا يدخل في مسماه. ومنها: أن ابن عصفور ذكر في شرحه للإيضاح أن الشلوبين ذهب إلى أن ما دل على مقدر كميل وفرسخ ليس مبهما، قال: لأن المبهم لا يكون له نهاية معروفة ولا حدود محصورة (¬4)، ثم ذكر أن الصحيح خلاف ذلك (¬5)، قلت: وهذا هو الحق، لأن نحو ميل وفرسخ وبريد وإن دل على مقدر [2/ 455] محدود، ذي نهاية معروفة مجهول العين، بخلاف الدار والمسجد وأشباههما من الظروف المحضة؛ فإنها معلومة العين مع العلم بحدودها وبدئها ونهايتها، واعلم أن سيبويه قال: ويتعدى إلى ما كان وقتا في الأمكنة كما يتعدى إلى ما كان وقتا في الأزمنة؛ لأنه وقت يقع في المكان لا يختص به مكان واحد، كما أن ذلك وقت في الأزمان - ¬

_ (¬1) بهذا التفسير فسر الرماني وابن جني وابن عصفور وأبو حيان وابن يعيش، المبهم من الأمكنة. ينظر: الرماني النحوي في ضوء شرحه لكتاب سيبويه (ص 352)، واللمع (ص 139، 140)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 327) طبعة العراق، والمقرب (1/ 146)، والتذييل (3/ 378)، وشرح المفصل (2/ 43). (¬2) في (ب): (اسمية). (¬3) هذا ما فسر به ابن الحاجب المبهم والمؤقت من الأمكنة. ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 184). (¬4) يمثل هذا عرف ابن عصفور المبهم من المكان في شرحه للجمل (1/ 327) طبعة العراق. (¬5) ينظر: التذييل (3/ 378)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 93)، وشرح ابن عقيل (1/ 198)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 327) طبعة العراق، والمقرب (1/ 146).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يختص به زمن بعينه، ثم قال: وذلك قولك: ذهبت فرسخين وسرت ميلين كما تقول: ذهبت الشهرين وسرت الميلين (¬1). انتهى. قال الشراح (¬2): فمن حيث التوقيت ظاهره أنه مختص، ومن حيث قوله: لا يختص به مكان ظاهره الإبهام (¬3)، فمن ثم قال الشيخ: والصحيح أنه شبه بالمبهم، ولذلك وصل إليه الفعل بنفسه (¬4)، ثم ذكر الشيخ عن السهيلي أنه يرى أن انتصاب هذا النوع انتصاب المصادر لا انتصاب الظروف، وعلل ذلك بأن الميل ليس بظرف؛ لأنه ليس كالجهات الست المضافة، لأن الجهة لا معنى لها إلا بإضافتها إلى من هي له، والميل لا يضاف والظرف مقدر بفي، وقد يصرح بها والميل لا يقدر، ولو قدر بها لجاز إظهارها، وأطال الكلام في ذلك وجنح الشيخ إلى هذا الرأي (¬5)، ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال الذي أشار إليه، ويكفيه مخالفة إمام الصناعة، ولا شك أن هذا مما لا ينبغي التشاغل به، وذكر الشيخ أيضا أن الكوفيين لا ينصبون المبهم على الظرف لعدم الفائدة، ويقولون: لابد من تخصيصه بوصف أو غيره (¬6). واعلم أنني لا أختار ذكر شيء من هذه الأقوال التي لا معول عليها، ولكن قد يترك ذلك فيظن الناظر أنه قد فات الإنسان ما كان ينبغي أن لا يفوته، وأقرب مما قاله السهيلي ما ذهب إليه بعض المغاربة وهو ابن طلحة: أن الأصل سرت سير فرسخين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ونظّر ذلك بقولهم: ضربته سوطا أي ضرب سوط، فكأنه يجعل نصب فرسخين نصب المصدر (¬7)، وقد أطال الشيخ الكلام في هذه المسألة، والحق أحقّ أن يتبع. ومنها: أنه قد تقدم أن من الضرورات قول الشاعر: - 1579 - لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه ... فيه كما عسل الطّريق الثّعلب (¬8) - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 36). (¬2) لعله يقصد بقوله: «الشراح» أبا حيان؛ حيث إنه هو الذي عقب على كلام سيبويه بهذه العبارة. (¬3) التذييل (3/ 379). (¬4) المرجع السابق نفسه. (¬5) ينظر التذييل (3/ 379 - 381). (¬6) التذييل (3/ 381). (¬7) ينظر: التذييل (3/ 381) حيث ذكر رأي ابن طلحة. (¬8) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك أن الطريق من الظروف المختصة؛ لأنه واقع على المحجة السالكة، ولا يقال لمن مشى في الدار أو المسجد أو في أرض متملكة: مشى في الطريق إنما يقال: مشى في غير الطريق، وكذلك من مشى في الأرض الغامرة والجبال الشامخة يقال فيه: مشى في غير الطريق، وقد ادعى ابن الطراوة أن الطريق مبهم بناء منه على أن كل مكان يستطرق فيه فهو طريق (¬1)، قال ابن أبي الربيع: إن ابن الطراوة ذكر ذلك في الإفصاح الذي وضعه لبيان غلط الإيضاح على زعمه، واستدل عليه بغير دليل ولجأ من [2/ 456] الكلام إلى غير حصين، ثم قال: والله تعالى يسدد أذهاننا ويزيل عنا التبجح بالرد على من تقدمنا من أئمتنا، فذاك أكبر داء وأعظم حجاب لمن أراد التعلم، وهذا الشاعر يصف رمحا، واللدن: اللين، ويعسل: يضطرب. وقال: متنه لأنه إذا اضطرب متنه فما ظنك بطرفيه. ومنها: أن من جملة الأمثلة التي مثل بها المصنف لما دل على مسمى إضافي محض أربعة ألفاظ وهي قوله: كجنابتي في قول العرب: هما خطان جنابتي أنفها وكجنبي في قول الشاعر: - 1580 - جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل (¬2) وكأقطار في قولهم: قومك أقطار البلاد، وكمساليه في قول الشاعر: - 1581 - مساليه عنه من وراء ومقدم (¬3) فأما كجنابتي المد رواه الجرمي كجنبتي، وحاصله أن الجنبة والجنابة بمعنى واحد وهو الناحية، ولهذا كان النصب في الكلمة قياسا؛ لأنها مبهمة، كأنه قال: ناحيتي أنفها والناحية مبهم، والتخصيص الذي يحصل لها إنما هو عارض حصل من ألف ولام أو إضافة، وهذا الاختصاص لا اعتبار به؛ لأن الكلمة مبهمة بالوضع، فعروض الاختصاص لها لا يخرجها عن الإبهام كما في نحو أمامك وخلفك وفوقك وتحتك، فإنها كلمات محكوم بإبهامها مع إضافتها إلى ما يفيد تخصيصا. وقد جعل الفارسي وابن جني النصب في هذه الكلمة على غير القياس؛ - ¬

_ (¬1) ينظر: ابن الطراوة وأثره في النحو (ص 89، 90). (¬2)، (¬3) تقدم ذكرهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهما جعلاها من الظروف المختصة (¬1)، قال ابن أبي الربيع: كأنهما جعلا الجنابة اسما للجلدة التي فيها الخط؛ فصارت بهذا من الظروف المختصة، قال: ونظير هذا ما حكاه سيبويه وهو قولهم: هو أحمر بين العينين (¬2) وجعله من باب الصفة، وكان الأصل هو أحمرين عينيه، ثم نقل الضمير فقيل أحمر بين العينين كما تقول: مررت برجل حسن الوجه، والأصل حسن وجهه، فجعل البين اسما للجلدة التي بين العينين، وبهذا كان الشلوبين يعتلّ لأبي علي وابن جني، قال: وكلاهما وجه إلا أن الأظهر عندي ما ذهب إليه سيبويه من الإبهام، وأما «جنبي فطيمة» فهو موضع، فليس من قبيل الأسماء التي جعلت ظروفا بغير قياس، وأما أقطار البلاد فهى النواحي؛ لأنها جمع قطر وهو الناحية، فالمعنى: قومك في نواحي البلاد، وأما مساليه فالمسال عند سيبويه العطف وهو الجانب (¬3) ولا شك أن الجانب بمعنى الناحية. ومنها: أنه قد تقدم قول المصنف: ومن العلماء من حكم باطراد ما دل على بعد أو قرب من نحو: هو مني بمنزلة الشغاف ونحو: - 1582 - وإنّ بني حرب كما قد علمتم ... مناط الثّريّا قد تعلّت نجومها (¬4) على تقدير مكان موصوف بمثل مضاف إلى شغاف ومناط، ثم فعل به ما فعل بضربته ضرب الأمير اللص من حذف الموصوف وصفته وإقامة الثالث مقامهما، وتقدم قول للمصنف أنه تقدير لائق، ولكن القياس على نوعه لا يتجه لقلة نظائره، ومغايرة لفظ باقية للفظة [2/ 457] محذوفة، بخلاف ضربته ضرب الأمير اللص، فإن نظائره كثيرة ولفظ باقية مماثل للفظ محذوفة، وقد تعرض ابن أبي الربيع لذكر هذا المذهب، وقرره كما قرره المصنف، ثم رد ذلك بأن قال: وهذا الذي ذهب إليه هذا القائل لا يجري على طريقة سيبويه وأصله وذلك أن أصله في المضاف إذا حذف وأقيم المضاف مقامه أن لا يكون فيه ما يضاد - ¬

_ (¬1) ينظر: الإيضاح للفارسي (182)، والارتشاف (576)، والتذييل (3/ 383). (¬2) ينظر: الأمالي الشجرية (2/ 258)، وشرح الكافية لابن القواس (ص 84)، والكتاب (3/ 203) بالمعنى. (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 412). (¬4) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إعرابه، ألا ترى أنه قال في قولهم: له صوت صوت الحمار لا يجوز أن يكون صوت الحمار نعتا لصوت؛ لأنه معرفة ولا توصف النكرة بالمعرفة (¬1)، وأنت تعلم ولا شك أن الأصل: له صوت مثل صوت الحمار، ثم حذف مثل وأقيم مقامه صوت، ومثل لو نطق بها لكان نعتا، فينبغي إن كان المضاف إذا حذف وأقيم المضاف إليه مقامه على حسب إعرابه أن يقول في هذا: إنه نعت وهو لم يقله لما ذكرته من مراعاة اللفظ، فكذلك ها هنا لا ينبغي أن يدعى أن مناط الثريا منصوب على ما انتصب عليه مكان؛ لأنه مختص لا ينتصب، ويجب أن لا يكون في هذا شذوذ على مذهب الخليل، لأن الخليل يجوز في: له صوت صوت الحمار أن يكون صوت الحمار صفة (¬2) قال: وهكذا كان الأستاذ أبو علي يأخذ هذا الموضع، وهو عندي مأخذ حسن وتأويل صحيح (¬3). انتهى. وإلى هذا التقرير الذي قرره بالنسبة إلى طريقة سيبويه أشار ابن عصفور في شرح الإيضاح، فقد تطابق كلام هذين الرجلين الكبيرين في هذه المسألة، والظاهر أن ابن عصفور أخذ ذلك عن الشلوبين، كما أخذه ابن أبي الربيع، وحينئذ يتأكد أمر هذا البحث ويحكم بصحته، ثم قال ابن أبي الربيع: وأما قولهم: هو مني معقد الإزار، فمني متعلق بما يعطيه قولهم: معقد الإزار، لأنه يريد القرب فكأنه قال: هو مني قريب، وكذلك هو مني مناط الثريا التقدير: هو مني بعيد، وكذلك كل ما أتى من هذا النوع يقدر له بحسب المعنى، وكذلك هو مني مزجر الكلب أي هو مطرود مني كما تقول: الكافر مطرود من رحمة الله، واعلم أن سيبويه ذكر كلمات يجوز انتصابها على الظرف وهي: صددك، وصقبك، ووزن الجبل، أي ناحية توازيه أي تقابله قريبة كانت أو بعيدة، وزيد الخيل أي حذاه متصلا به، وهم قرانيك أي قريبا منك، وهو أشد مبالغة في القرب، إذ معناه الاتصال وقريب قد يكون لما تراخى عنك، وقومك أقطار البلاد أي في نواحيها (¬4). ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 361). (¬2) المرجع السابق. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 393). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 411، 412).

[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن]

[أحكام بعض الظروف المكانية مثل أسماء الجهات وحيث ولدن] قال ابن مالك: (من الظّروف المكانيّة كثير التصرف كمكان لا بمعنى بدل، ويمين وشمال، وذات اليمين [2/ 458] وذات الشّمال، ومتوسط التّصرف كغير «فوق» و «تحت» من أسماء الجهات و «بين» مجرّدا، ونادر التّصرف كحيث ووسط ودون لا بمعنى رديء، وعادم التّصرف كفوق وتحت وعند ولدن ومع و «بين بين» دون إضافة، وحوال وحوالي وحولي وأحوال، و «هنا» وأخواته و «بدل» لا بمعنى بديل، وما رادفه من مكان فحيث مبنيّة على الضّم وقد تفتح أو تكسر، وقد تخلف ياءها واو وإعرابها لغة فقعسيّة، وندرت إضافتها إلى مفرد، وعدم إضافتها لفظا أندر، وقد يراد بها الحين عند الأخفش، و «عند» للحضور أو القرب حسّا أو معنى، وربّما فتحت عينها أو ضمّت، و «لدن» لأول غاية زمان أو مكان، وقلّما تعدم «من» وقد يقال: لدن ولدن ولدن ولدن ولدن ولدا ولد ولد، وإعراب اللّغة الأولى لغة قيسيّة وتجبر المنقوصة مضافة إلى مضمر، ويجرّ ما يليها بالإضافة لفظا إن كان مفردا وتقديرا إن كان جملة، وإن كان «غدوة» نصب أيضا، وقد يرفع، وليست «لدى» بمعناها بل بمعنى «عند» على الأصحّ، وتعامل ألفها ألف «إلى» و «على» فتسلم مع الظّاهر وتقلب ياء مع المضمر غالبا، ومع للصّحبة اللّائقة بالمذكور، وتسكينها قبل حركة وكسرها قبل سكون لغة ربعيّة، واسميتها حينئذ باقية على الأصحّ، وتفرد فتساوي جميعا معنى وفتى لفظا لا يدا، وفاقا ليونس والأخفش، وغير حاليّتها حينئذ قليل). قال ناظر الجيش: اعلم أنه كما انقسم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف كذلك انقسم ظرف المكان إلى الأمرين أيضا، وكما أن المتصرف من ظرف الزمان منه منصرف، ومنه غير منصرف، كذلك المتصرف من ظرف المكان أيضا منه منصرف ومنه غير منصرف، إلا أن غير المنصرف من ظرف الزمان منه ما هو غير متصرف، ولا يكون ذلك في ظرف المكان؛ لأن غير المتصرف لا بد أن يكون غير معرفة، ومتى كان معرفة كان مختصّا، وظرف المكان إنما يكون مبهما لا مختصّا، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمن ثم كانت الأقسام في ظرف الزمان بالنسبة إلى التصرف والانصراف أربعة كما تقدم. وأما الأقسام في ظرف المكان بالنسبة إلى ذلك فثلاثة: متصرف منصرف وهو الكثير، ومتصرف غير منصرف كقولك: قعد زيد أسفل منك، الأصل: مكانا أسفل منك، وقعدنا مقاعد قريبة من زيد، قال الله تعالى: وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ (¬1)، ومنصرف غير متصرف، وهو ما ذكره المصنف في متن الكتاب، ثم إن المتصرف منه ما يكثر تصرفه ومنه ما لا يكثر، وقد بيّن المصنف أنه ثلاثة أقسام، كثير التصرف ومتوسط التصرف ونادر التصرف. وبعد؛ فأنا أورد كلام المصنف ثم أنبه على ما يتعين التنبيه عليه، قال رحمه الله تعالى (¬2): كما انقسم ظرف الزمان إلى متصرف وغير متصرف انقسم ظرف المكان إليهما، فمن المتصرف [2/ 459] ما كثر وقوعه (ظرفا وغير ظرف) (¬3)، «كمكان» فإنك تقول إذا نويت ظرفيته: اجلس مكانك، وتقول إذا لم تنو ظرفيته: مكانك لائق بك، ومثل مكان في التصرف بكثرة: يمين وشمال وذات اليمين وذات الشمال، يقال في الظرفية: جلست يمينه وشماله وذهبت به ذات اليمين وذات الشمال، قال الله تعالى: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ (¬4) ويقال في المجرد من الظرفية: يمين الطريق أسهل و: ماله أقرب، ودارك ذات اليمين، ومنازلهم ذات الشمال، قال الله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (¬5)، ومن المتصرف ما يكثر تجرده دون كثرة ظرفيته كأمام وقدام ووراء وخلف وأسفل، وهو المعني بقولي: (متوسط التصرف) أي متوسط بين الكثرة والقلة، يقال في الظرفية: كن أمامهم وقدامهم لا خلفهم ولا أسفل منهم، ويقال في التجرد من الظرفية: أمامهم آمن من ورائهم، ويقال: هم خلف وأنتم قدام (¬6)، وقال الشاعر: - - ¬

_ (¬1) سورة الجن: 9. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 230). (¬3) في (أ): (متصرف وغير متصرف). (¬4) سورة الكهف: 17. (¬5) سورة ق: 17. (¬6) في: التذييل (3/ 398): «وزعم الجرمي أنه لا يجوز استعمال الجهات الست إلا ظرفا، ولا يقاس على استعمالها أسماء، ونقل عنه أيضا أنه لا يجوز استعمال «خلف وأمام» اسمين إلا في الشعر. والقياس يقتضي التسوية بينهما وبين ما ذكر من غير فوق وتحت من الجهات». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1583 - فغدت كلا الفرجين تحسب أنّه ... مولى المخافة خلفها وأمامها (¬1) وقراءة بعض القراء (¬2): والركب أسفل منكم (¬3) بالرفع، ويساوي أماما وما ذكر بعده «بين» يقال في الظرفية: جلست بين زيد وعمرو، قال الله تعالى: لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا (¬4)، وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (¬5)، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (¬6)، ويا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (¬7) ويقال في التجرد من الظرفية: هو بعيد بين المنكبين نقي بين الحاجبين، ومنه قول الشاعر (¬8): - 1584 - يديرونني عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم (¬9) ومنه قوله تعالى: هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ (¬10)، وقوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ (¬11) في قراءة غير نافع وحفص والكسائي (¬12)، ومنه قوله تعالى: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ (¬13)، ومَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ قرأ الأولى - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو للبيد بن ربيعة العامري، وهو في: الكتاب (1/ 407)، والغرة لابن الدهان (2/ 62)، وابن القواس (ص 345)، وإصلاح المنطق (ص 89)، وشرح المعلقات للزوزني (ص 210)، وابن يعيش (2/ 44، 129)، والتذييل (3/ 397، 438، 838)، والشذور (ص 208) والمقتضب: (3/ 102)، (4/ 341)، والأزمنة والأمكنة (1/ 231)، وأمالي الشجري (2/ 252)، والهمع (1/ 210)، والدرر (1/ 178)، وشرح ديوان لبيد (ص 311)، واللسان مواد «فرج - كلا - الواو والياء». اللغة: الفرج: موضع المخافة. المولى: بمعنى الأولى بالشيء. والشاهد فيه قوله: «خلفها وأمامها»؛ حيث خرجا عن الظرفية وهما بدلان من: كلا الفرجين. (¬2) هو زيد بن علي. ينظر: البحر المحيط (4/ 500). (¬3) سورة الأنفال: 42. (¬4) سورة البقرة: 213. (¬5) سورة المائدة: 49. (¬6) سورة الروم: 21. (¬7) سورة الزخرف: 38. (¬8) هو أبو الأسود الدؤلي، وقيل: عبد الله بن عمر أو عبد الله بن معاوية. (¬9) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 399)، وديوان أبي الأسود (ص 250)، واللسان «سلم - دور» وسمط اللآلئ (66)، ومعجم شواهد العربية (1/ 340)، حيث ذكر الاختلاف في نسبته. والشاهد فيه: إضافة (جلدة) إلى (بين) مما أخرج بين عن الظرفية، وقوله «سالم» خبر لقوله: «جلدة بين العين والأنف». (¬10) سورة الكهف: 78. (¬11) سورة الأنعام: 94. (¬12) ينظر: البحر المحيط (4/ 182)، والإتحاف (213)، وتحبير التيسير (108). (¬13) سورة العنكبوت: 25.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو عمرو والكسائي (¬1)، وقرأ الثانية حمزة وحفص، وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر: (مودة) (¬2)، ومن تجريد «بين» عن الظرفية قول الشاعر: - 1585 - ولم تترك النبل المخالف بينها ... أخا لأخ يرجى ومأثورة الهند (¬3) «بينها» في موضع رفع بإسناد والمخالف إليه إلا أنه بني لإضافته إلى مبني مع إبهامه، وقد تكون «بين» ظرف زمان كما يكون ظرف مكان، فمن ذلك: حديث ساعة يوم الجمعة هي ما بين خروج الإمام وانقضاء الصلاة (¬4). ومن الظروف المكانية ما ندر تجرده عن الظرفية، فمن ذلك «حيث» فكونه ظرفا هو الشائع كقوله تعالى: وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (¬5) وكونه مجردا عن الظرفية كقول زهير: - 1586 - فشدّ ولم ينظر بيوتا كثيرة ... لدى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم (¬6) [2/ 460] وكقول الآخر: - 1587 - إنّ حيث استقرّ من أنت راعي ... هـ حمى فيه عزّة وأمان (¬7) - ¬

_ (¬1) زاد في (ب): (وابن كثير). (¬2) ينظر: الإتحاف (345)، والبحر المحيط (7/ 148)، والبديع في شواذ القراءات لابن خالويه (115). (¬3) البيت من الطويل لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 399). والشاهد فيه: تصرف (بين) بوقوعها فاعلا لقوله: المخالف. (¬4) حديث شريف وهو في صحيح مسلم (ص 584) برواية: هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة. (¬5) سورة الحجر: 65. (¬6) البيت من الطويل، وهو من معلقة زهير وينظر في: الارتشاف (ص 584)، والتذييل (3/ 400، 413)، وشرح التسهيل للمصنف (1/ 232)، وشرح المعلقات للزوزني (161)، وشجر الدر لأبي الطيب اللغوي (95)، والخزانة (3/ 157)، والمغني (1/ 131)، وشرح شواهده (1/ 384)، والهمع (1/ 212)، والدرر (1/ 181)، وحاشية يس (2/ 39)، وديوان زهير (ص 84). ويروى البيت أيضا برواية: «ولم تفزع بيوت». اللغة: أم قشعم: كنية الموت. والشاهد فيه: خروج «حيث» عن الظرفية حيث وقعت مضافا إليها. (¬7) البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 232)، وشرح التسهيل للمرادي، والمغني (1/ 132)، والتذييل (3/ 401)، والخزانة (3/ 157)، والهمع (1/ 212)، والدرر (1/ 182). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مبني على الضم في أكثر الكلام، وقد يفتح وقد يكسر وقد يقال: حوث (¬1)، وسبب بنائه لزوم افتقاره إلى جملة يضاف إليها، وندرت إضافتها إلى مفرد (¬2)، كقول الراجز: 1588 - أما ترى حيث سهيل طالعا (¬3) وكقول الآخر (¬4): - 1589 - ونطعنهم تحت الحبا بعد ضربهم ... ببيض المواضي حيث ليّ العمائم (¬5) وأندر من إضافته إلى مفرد إضافته إلى جملة مقدرة، كقول الشاعر: 1590 - إذا ريدة من حيث ما نفخت له ... أتاه بريّاها خليل يواصله (¬6) - ¬

_ - والشاهد فيه: خروج (حيث) عن الظرفية بوقوعها اسما لإنّ، وردّ ذلك أبو حيان بقوله: وهذا خطأ لأن كونها اسما لإنّ فرع عن كونها تكون مبتدأ، ولم يسمع ذلك فيها ولا في لفظ واحد. (¬1) هذه لغة طيء. ينظر: المغني (1/ 131). (¬2) ينظر: المقتضب (2/ 346)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 91)، وشرح الكافية للرضي (2/ 107). (¬3) رجز لقائل مجهول وبعده: نجم يضيء كالشّهاب لامعا وهو في: شرح المفصل لابن يعيش (4/ 90)، وابن القواس (56)، والتذييل (3/ 412)، وتعليق الفرائد (1633)، وشرح التسهيل للمرادي، والخزانة (3/ 155)، والمغني (1/ 133)، وشرح شواهده (1/ 390)، والعيني (3/ 348)، والشذور (ص 172)، والهمع (1/ 212)، والمطالع السعيدة (ص 329)، والدرر (1/ 180)، والأشموني (2/ 254)، وحاشية يس (2/ 39)، واللسان «حيث». والشاهد فيه: إضافة «حيث» إلى مفرد وهذا نادر، وإذا روي البيت برفع (سهيل) كانت (حيث) حينئذ مضافة إلى جملة حذف أحد جزأيها. (¬4) نسب إلى عملس بن عقيل كما في معجم الشواهد (1/ 363)، ونسبه العيني إلى الفرزدق. (¬5) البيت من الطويل وهو في الارتشاف (585)، والتذييل (3/ 412)، وابن يعيش (4/ 91، 92)، وشرح التسهيل للمرادي، والخزانة (3/ 152)، والمغني (1/ 132)، وشرح شواهده (1/ 389)، والعيني (3/ 387)، والتصريح (2/ 39)، والهمع (1/ 212)، والمطالع السعيدة (328)، والدرر (1/ 180)، والأشموني: (2/ 254)، وشرح الرضي على الكافية: (2/ 108). اللغة: الحبا: جمع حبوة بكسر الحاء، والمراد به أوساطهم، والمراد من ليّ العمائم: رؤوسهم. والشاهد فيه: إضافة (حيث) إلى مفرد وهذا نادر، وقد جعل الكسائي ذلك مقيسا. (¬6) البيت من الطويل لأبي حية النميري وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 233)، والتذييل (3/ 414، 642)، والبحر المحيط (6/ 294)، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: إذا ريدة نفخت من حيث ما هبت أتاه برياها خليل، فحذف هبت للعلم به، وجعل ما عوضا كما جعل التنوين في حينئذ عوضا، وروي إعراب حيث عن فقعس فيقولون: جلست حيث كنت وجئت من حيث جئت (¬1) وأجاز الأخفش استعمالها بمعنى «حين» (¬2)، وحمل على ذلك قول الشاعر: - 1591 - للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه (¬3) ولا حجة لإمكان إرادة المكان، ومثل «حيث» في ندور التجرد عن الظرفية «وسط» بالسكون كقولك: جلست وسط القوم، فهذا كثير، أعني وقوعه ظرفا. وأما تجرده عن الظرفية فقليل لا يكاد يعرف (¬4) ومنه قول الشاعر يصف سحابا: - 1592 - وسطه كاليراع أو سرج المج ... دل طورا يخبو وطورا ينير (¬5) - ¬

_ - (1634)، والخزانة (3/ 152)، والمغني (1/ 132)، وشرح شواهده (1/ 390)، والعيني (3/ 386)، والهمع (1/ 212)، والمطالع السعيدة (329)، والدرر (1/ 180)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 263) واللسان «زيد». اللغة: ريدة: ريح لينة الهبوب. نفخت: هبت. برياها: أي برائحتها. والشاهد فيه: إضافة «حيث» إلى جملة مقدرة محذوفة و «ما» عوض عنها. (¬1) ينظر: شرح الرضي على الكافية (2/ 108)، والبرهان في علوم القرآن (4/ 274). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 415)، والارتشاف (585)، والمغني (1/ 131)، والهمع (1/ 212)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 108). (¬3) البيت من المديد وهو لطرفة بن العبد، وهو في مجالس ثعلب (1/ 197)، والعقد الفريد (5/ 479)، وأمالي الشجري (2/ 262)، وابن يعيش (4/ 92)، والتذييل (3/ 415)، وابن القواس (ص 55)، وتعليق الفرائد (1635)، والخزانة (3/ 162)، وشرح الرضي (2/ 108)، والهمع (1/ 212)، والمطالع السعيدة (329)، والدرر (1/ 181)، وحاشية يس (2/ 39) واللسان «هدي». وقد استشهد الأخفش بالبيت على: مجيء (حيث) للزمان واستعمالها بمعنى حين. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن الضائع (1/ 35). (¬5) البيت من الخفيف وهو لعدي بن زيد، وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 233)، ومنهج السالك لأبي حيان (53)، والتذييل (3/ 402)، والبحر المحيط (6/ 96)، وشرح التسهيل للمرادي، وتعليق الفرائد (1621)، والهمع (1/ 201)، والدرر (1/ 169)، وديوان عدي (ص 85)، واللسان «وسط». اللغة: اليراع: ذباب يطير في الليل كأنه نار. المجدل: القصير. والشاهد فيه: تصرف «وسط»؛ لأنها وقعت مبتدأ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فوسطه مبتدأ خبره كاليراع، ويروى: وسطه كاليراع بالنصب على الظرفية والحكم بأن «وسطه» خبر مقدم والكاف اسم في موضع رفع بالابتداء، ومثل حيث في ندور التجرد عن الظرفية «دون» في نحو قولك: جلست دون موضع كذا، وزيد دون عمرو قدرا، قال سيبويه: وأما دونك فإنه لا يرفع أبدا، وإن قلت: هو دونك في الشرف؛ لأن هذا إنما مثل (¬1) يعني أنه حين أريد به الانحطاط عن علو الشرف تلازمه الظرفية أيضا؛ لأن استعماله بذلك المعنى مثل استعماله في المكان الأدنى، وقد جاء بالمقصود به المكان خاليا من الظرفية، وذلك نادر كقول الشاعر (¬2): 1593 - ألم تريا أنّي حميت حقيقتي ... وباشرت حدّ الموت والموت دونها (¬3) بالرفع، وظاهر كلام الأخفش يقتضي اطراد ذلك؛ فإنه حكم بأن دون من قوله تعالى: وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ (¬4) مبتدأ، ولكنه بني لإضافته إلى مبني، وغيره يجعل التقدير: «ومنا ما دون ذلك» (¬5) وقول الأخفش أولى بالصواب، وحكى سيبويه أنه يقال: هذا ثوب دون، إذا كان رديئا (¬6)، فمن هذا احترزت بقولي: ودون لا بمعنى رديء. ومن الظروف [2/ 461] العادمة التصرف «فوق وتحت» نص على ذلك الأخفش، فقال: اعلم أن العرب تقول: فوقك رأسك فينصبون الفوق؛ لأنهم لم يستعملوه إلا ظرفا، ثم قال: وتقول: تحتك رجلك لا يختلفون في نصب التحت. هذا نصه (¬7)، وقد جاء جر «فوق» بعلى في قول أبي صخر الهذلي: - - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 409). (¬2) هو موسى بن جابر الحنفي ويقال له: ابن الفريعة وهو شاعر إسلامي. (¬3) البيت من الطويل، وهو في الارتشاف (585)، ومنهج السالك لأبي حيان (123)، والبحر المحيط (1/ 102)، والتذييل (3/ 404)، وشرح التسهيل للمرادي، وديوان الحماسة (1/ 139)، والشذور (116)، والهمع (1/ 210)، والدرر (1/ 178). والشاهد في قوله: «دونها»؛ حيث تصرفت «دون» ووقعت خبرا. (¬4) سورة الجن: 11. (¬5) ينظر: التذييل (3/ 404)، والهمع (1/ 213)، وإملاء ما من به الرحمن (1/ 254). (¬6) الكتاب (1/ 410). (¬7) ينظر: التذييل (3/ 406)، والارتشاف (586)، والهمع (1/ 210)، وحاشية الصبان (2/ 131).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1594 - فأقسم بالله الّذي اهتزّ عرشه ... على فوق سبع لا أعلّمه بطلا (¬1) وهذا نادر، ومن الظروف العادمة التصرف «عند» (¬2) ولا تستعمل إلا مضافة، ولا يفارقها النصب على الظرفية إلا مجرورة «بمن» وهي لبيان كون مظروفها حاضرا حسّا أو معنى (¬3)، وقد اجتمع الحضور الحسي والمعنوي في قوله تعالى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي (¬4)، ومثال القرب الحسي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (¬5)، ومثال القرب المعنوي: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ (¬6)، ورَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ (¬7). ومن القرب المعنوي قول الرجل: عندي مائة يريد أنه مالكها، وإن كان موضعها بعيدا، ومنه قوله تعالى: ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ (¬8). وقد يكون مظروفها معنى فيراد بها الزمان كقوله عليه الصلاة والسّلام: «إنّما الصّبر عند الصّدمة الأولى» (¬9) وكسر عينها هو المشهور، ومن العرب من يفتحها ومنهم من يضمها. ويرادفها لدى في قول سيبويه وهو الصحيح (¬10) لا قول من زعم أنها بمعنى «لدن» (¬11)؛ لأن «لدن» مخصوصة بما هو مبتدأ غاية بخلاف «لدى» فإنه يراد بها ما يراد «بعند» كقوله تعالى: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (¬12)، فهذا موضع صالح «لعند» و «للدن» غير صالح، وكذا قوله - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 334)، ومنهج السالك لأبي حيان (153)، والتذييل (3/ 406)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 210)، والدرر (1/ 178). والشاهد فيه: جر «فوق» بعلى وهو نادر. (¬2) انظر: شرح التسهيل (2/ 234). (¬3) ينظر: المطالع السعيدة (316). (¬4) سورة النمل: 40. (¬5) سورة النجم: 13 - 15. (¬6) سورة ص: 47. (¬7) سورة التحريم: 11. (¬8) سورة النحل: 96. (¬9) حديث شريف أخرجه البخاري في كتاب الجنائز (2/ 83)، ومسلم في كتاب الجنائز أيضا (637)، وابن حنبل (3/ 130، 143)، وابن ماجه في كتاب الجنائز (1/ 509). (¬10) ينظر: الكتاب: (3/ 286)، والمغني: (1/ 156)، وشرح الرضي: (2/ 124). (¬11) بهذا قال الأشموني حيث صرح بذلك في أحد تنبيهاته، فقال: «لدن بمعنى عند». الأشموني بحاشية الصبان: (2/ 264). (¬12) سورة آل عمران: 44.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ (¬1) [فلدى وعند] يصلحان في موضع «لدن»، و «لدن» لا تصلح في مواضعهما إلا فيما هو مبدأ غاية، ولذلك اجتمعت عند ولدن في قوله تعالى: آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (¬2). وبنيت «لدن» في أكثر اللغات لشبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد، وامتناع الإخبار بها وعنها بخلاف «عند» و «لدى» فإنهما لا يلزمان استعمالا واحدا، فإنهما يكونان لابتداء الغاية ولغير ذلك، ويستعملان فضلة وعمدة (¬3) فاستعمالهما فضلة كثير واستعمالهما عمدة كقوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ (¬4)، وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (¬5)، وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ (¬6)، وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (¬7)، ولكون موضع لدن صالحا «لعند» شبهتها قيس بها فأعربتها (¬8) وبلغتهم قرأ أبو بكر (¬9) عن عاصم (¬10) لينذر بأسا شديدا من لدنه (¬11) إلا أنه سكن النون وأشمها ضمّا (¬12)، والأصل من لدنه، ويقال: [2/ 462] في النصب على هذه اللغة لدنه ولدنه، ويمكن أن يكون من هذه - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 25. (¬2) سورة الكهف: 65. (¬3) ينظر: شرح الرضي على الكافية (2/ 132)، وشرح الدماميني على المغني (1/ 308)، وحاشية الأمير على المغني (1/ 135، 136)، والمطالع السعيدة (317، 318)، والإيضاح للزجاجي (139، 140)، وشرح الألفية لابن الناظم (155). (¬4) سورة الأنعام: 59. (¬5) سورة الزخرف: 85. (¬6) سورة المؤمنون: 62. (¬7) سورة ق: 35. (¬8) ينظر: التذييل (3/ 417)، وشرح الرضي (2/ 123). (¬9) هو شعبة بن عياش بن سالم الكوفي راوى عاصم، توفي سنة 193 هـ، سبقت ترجمته. (¬10) هو عاصم بن بهدلة شيخ القراء بالكوفة وأحد القراء السبعة، أخذ عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمى وأبي عمرو الشيباني، وروى عنه أبان بن ثعلب وأبان بن يزيد العطار وإسماعيل بن مجاهد، وغيرهم. توفي سنة 128 وقيل: 127 وقيل: 120 هـ. غاية النهاية (1/ 346، 349)، ووفيات الأعيان (2/ 224). (¬11) سورة الكهف: 2. (¬12) القراءة الواردة عن أبي بكر عن عاصم في هذه الآية هي بإسكان الدال مع إشمامها الضم وكسر النون والهاء، وليس بإسكان النون وإشمامها الضم كما ذكر المصنف هنا. الإتحاف (228)، وشرح طيبة النشر (335)، وتحبير التيسير (134)، وفي إملاء ما من به الرحمن (2/ 98) يقول العكبري: (من لدنه) يقرأ بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وهي لغة، ويقرأ بفتح اللام وضم الدال وكسر النون، ومنهم من يختلس ضمة الدال، ومنهم من يختلس كسرة النون. اه. وينظر: الكشاف (1/ 466) وقد أورد ابن خالويه هذه القراءات في كتابه الحجة (221)، وذكر في كتابه البديع في شواذ القراءات قراءة شاذة وهي «لدنه» بضم اللام وإسكان الدال وكسر النون وبها قرأ أبو حيوة. البديع (78).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللغة قول الراجز: 1595 - تنتهض الرّعدة في ظهيري ... من لدن الظّهر إلى العصير (¬1) قال أبو الفتح بن جني رحمه الله: استعمال «لدن» [بدون] (¬2) من قليل، ولذلك لم يخل القرآن العزيز من «من» (¬3)، وإلى ذلك أشرت بقولي: وقلما تعدم من، وفيها على غير اللغة القيسية تسع لغات: سكون النون مع ضم الدال وفتحها وكسرها، وكسر النون مع سكون الدال وفتح اللام أو ضمها، وفتح النون مع سكون الدال وضم اللام، وحذف النون مع سكون الدال وفتح اللام أو ضمها، وحذف النون مع ضم الدال وفتح اللام (¬4)، قال سيبويه: وأما لد فهي «لدن» محذوفة كما حذفوا نون يكن، ألا ترى أنك إذا أضفته إلى مضمر رددته إلى أصله، تقول: من لدنه ومن لدنّي (¬5)، وإلى هذا أشرت بقولي: وتجبر المنقوصة مضافة إلى مضمر، ثم بينت أنها تلازم الإضافة فتجر ما يليها لفظا إن كان مفردا وتقديرا إن كان جملة كقول الشاعر: 1596 - صريع غوان راقهنّ ورقنه ... لدن شبّ حتّى شاب سود الذّوائب (¬6) - ¬

_ (¬1) الرجز لرجل من طيء لم يعلم اسمه. في: التذييل (3/ 418)، والهمع (1/ 215)، والدرر (1/ 184)، (2/ 230)، والأشموني (2/ 262)، والمطالع السعيدة (ص 318). اللغة: الرعدة: من الارتعاد. ظهير: تصغير ظهر. والشاهد فيه: مجيء «لدن» معربة على اللغة القيسية. (¬2) هذه الكلمة ليست بالأصل، وهي زيادة يقتضيها السياق. (¬3) ينظر: الأمالي الشجرية (1/ 221، 222) حيث ذكر رأي ابن جني. (¬4) ينظر: الأمالي الشجرية (1/ 212)، وشرح الرضي على الكافية (2/ 123)، والهمع (1/ 215). وزاد أبو حيان في: التذييل (3/ 418) لغة عاشرة وهي «لت» بلام مفتوحة وتاء مكسورة. (¬5) الكتاب (3/ 286). (¬6) البيت من الطويل وهو للقطامي واسمه عمرو بن شبيم وهو في الأمالي الشجرية (1/ 223)، وشرح الجمل لابن العريف، وشرح التسهيل للمرادي، والتذييل: (3/ 419)، والمغني (1/ 157)، وشرح شواهده (1/ 455)، وتعليق الفرائد (1638)، والخزانة (3/ 188)، والعيني (3/ 427)، والتصريح (2/ 46)، والهمع (1/ 215)، والمطالع السعيدة (318)، والدرر (1/ 184)، والأشموني (2/ 263)، وشرح الرضي (2/ 116، 123)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 274)،. اللغة: الغواني: جمع غانية، وهي التي غنيت بجمالها عن الحلي. راقهن ورقنه: أعجبهن وأعجبنه. الذوائب: جمع ذؤابة وهي الخصلة من الشعر. والشاهد فيه: إضافة (لدن) إلى الجملة الفعلية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان ما يليها «غدوة» جاز الجر على القياس، والنصب على التمييز أو على إضمار كان مضمرا فيها اسمها كما قال سيبويه في قول الراجز: 1597 - من لد شولا فإلى إتلائها (¬1) وحكى الكوفيون رفع «غدوة» على تقدير: لدن كان غدوة (¬2). وكل ذلك منبه عليه. ومثال نصب غدوة قول الشاعر: - 1598 - وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتّى دنت لغروب (¬3) ثم بينت أن «لدى» لا ترادفها بل ترادف «عند» صرّح بذلك سيبويه (¬4)، ثم بينت أن ألف «لدى» تنقلب «ياء» مع المضمر وتسلم مع الظاهر كما تفعل بألف على وإلى (¬5)، وقرنت بذلك غالبا ليعلم أن بعض العرب يستغني عن هذا القلب مع المضمر كما يستغني عنه الجميع مع الظاهر، ومن ذلك قول الشاعر (¬6): 1599 - إلاكم يا خناعة لا إلانا ... عزا النّاس الضّراعة والهوانا فلو برّت عقولكم بصرتم ... بأنّ دواء دائكم لدانا وذلكم إذا رافقتمونا ... على قصد اعتمادكم علانا (¬7) - ¬

_ (¬1) الرجز لقائل مجهول، وهو في: الكتاب (1/ 264)، وأمالي الشجري (1/ 222)، وابن يعيش (4/ 101)، (8/ 35)، والارتشاف (454، 588)، والتذييل (3/ 421)، والخزانة (2/ 84)، والمغني (2/ 422)، وشرح شواهده (2/ 836)، والعيني (2/ 51)، والتصريح (1/ 194)، والهمع (1/ 122)، والدرر (1/ 91، 283)، والأشموني (1/ 243). اللغة: شولا: مصدر شالت الناقة بذنبها إذا رفعته للضراب، وقيل: اسم جمع شائلة على غير قياس، وهي الناقة التي خف لبنها وارتفع ضرعها. الإتلاء: أن تصير الناقة متلية أي يتلوها ولدها بعد الوضع. والشاهد فيه: نصب (شولا) بعد (لدن) على إضمار كان كما قال سيبويه. (¬2) وقال ابن جني: لشبهه بالفاعل. شرح الألفية للمرادي (2/ 276). (¬3) البيت من الطويل وهو لأبي سفيان بن حرب قاله يوم أحد، وهو في: التذييل: (3/ 420)، وتعليق الفرائد (1644)، والعيني (3/ 429)، والتصريح (2/ 46)، والأشموني (2/ 263)، والهمع (1/ 215)، والدرر (1/ 184)، والمطالع السعيدة (319). والشاهد فيه: نصب «غدوة» بعد لدن وخرج النصب على التمييز. (¬4) ينظر: الكتاب (4/ 234)، والمطالع السعيدة (317)، وشرح الرضي (2/ 123). (¬5) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 126)، (3/ 34)، والمقرب (1/ 217). (¬6) لم يعلم. (¬7) الأبيات من الوافر، وهي في: التذييل (3/ 423)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 203)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: إليكم لا إلينا ولدينا وعلينا. ومن الظروف العادمة التصرف «مع» (¬1)، وهو اسم لمكان الاصطحاب أو وقته على حسب ما يليق بالمصاحب، ويدل على اسميته دخول «من» عليه في قولهم: ذهب من معه، حكاه سيبويه (¬2)، ومنه قراءة بعض القراء (¬3): (هذا ذكر من مّعى وذكر من قبلى) (¬4) وكان من حقه أن يبنى لشبهه بالحروف في الجمود المحض والوضع الناقص [2/ 463] إذ هو على حرفين بلا ثالث محقق العود، والمراد بالجمود والمحض ملازمة وجه واحد من الاستعمال إلا أنه أعرب في أكثر اللغات لمشابهته «عند» في وقوعه خبرا وصفة وحالا وصلة، ودالّا على حضور وعلى قرب (¬5)، فالحضور كـ نَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ (¬6)، والقرب كـ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (¬7) وكقول الراجز (¬8): - 1600 - إنّ مع اليوم أخاه غدوا (¬9) وهو وإن فاقه عند تمام الوضع فقد فاق هو بوجه من التمكن وهو الإفراد وتضمن - ¬

_ - والدرر (1/ 172). اللغة: خناعة: قبيلة سموا باسم أبيهم خناعة بن سعد بن هذيل، ويروى (خزاعة) مكان خناعة. والشاهد في الأبيات: عدم قلب الألف ياء مع المضمر في (إلى ولدى وعلى) وهذه لغة لبعض العرب. (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 238). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 420)، والمطالع السعيدة (319، 320)، والمقرب (1/ 151)، ورصف المباني (ص 328). (¬3) هو يحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف والقراءة بتنوين «ذكر» وكسر ميم «من». ينظر: المحتسب (2/ 61)، والبديع في شواذ القراءات لابن خالويه (ص 91)، والبحر المحيط (6/ 306). (¬4) سورة الأنبياء: 24. (¬5) ينظر: المطالع السعيدة (320)، والهمع (1/ 217). (¬6) سورة الشعراء: 118، والآية هي: وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. (¬7) سورة الشرح: 6. (¬8) لم يعلم والرجز يجري مجرى المثل وقبله: - لا تغلواها وادلواها دلوا (¬9) الرجز في: المقتضب (2/ 238)، (3/ 153)، والمخصص (9/ 60)، والمنصف (1/ 64)، (2/ 149)، وأمالي الشجري (2/ 35)، والمستقصي (1/ 414)، والتذييل (3/ 424)، وابن القواس (1107)، وشرح التسهيل للمرادي، والشذور (527)، واللسان «دلا - غدا». اللغة: غدوا: أي غد، ردت لامه في الضرورة. والشاهد فيه: مجيء «مع» للدلالة على القرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى جميع في نحو: جاء الزيدان معا، ورأيت العمرين معا (¬1)، واختلف في فتحة العين من «معا» قيل: هي فتحة إعراب كفتحة دال رأيت يدا، فيكون الاسم ثنائي اللفظ في حالتي الإفراد والإضافة، أو هي كفتحة ياء فتى، فيكون الاسم قد جبر وقصر حين أفرد، والأول مذهب سيبويه والخليل (¬2) والثاني مذهب يونس والأخفش (¬3) وهو الصحيح، لأنهم يقولون: الزيدان معا والعمرون معا، فيوقعون معا موقع رفع [توقع] (¬4) الأسماء المقصورة كقولك: هو فتى وهم عدى، ولو كان باقيا على النقص لقيل: الزيدان مع كما يقال: هم يد واحدة على من سواهم، وهم جميع، ومن شواهد وقوع معا في موضع رفع قول الشاعر: 1601 - أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معا ... وأرحامنا موصولة لم تقضّب (¬5) ومثله قول الآخر (¬6): 1602 - حننت إلى ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ريّا وشعبا كما معا (¬7) وإلى نحو هذين البيتين أشرت بقولي: وغير حاليّتها حينئذ قليل، وانتصر للمذهب الأول بأن قيل: لا نسلم بأن معا في البيتين في موضع رفع بل هو منصوب على الحال بعامل محذوف هو الخبر والتقدير: وأهواؤنا كائنة معا وشعبا كما كائنان معا. وهذا التقدير باطل للإجماع على بطلان نظيره، وهو أن يقال: زيد قائما على - ¬

_ (¬1) اعترض أبو حيان على المصنف في هذه المسألة، وسوف يتناولها الشارح فيما سيأتي من أبحاثه. (¬2) ينظر: الكتاب (3/ 286، 287). (¬3) ينظر: شرح الكافية للرضي (2/ 127)، والهمع (1/ 218). (¬4) كذا بالأصل. (¬5) البيت من الطويل، وهو لجندل بن عمرو، وهو في الغرة لابن الدهان (2/ 61)، والتذييل (3/ 427)، والارتشاف (590)، والمغني (1/ 333)، وشرح شواهده (2/ 746)، والهمع (1/ 218)، والدرر (1/ 186)، وديوان الحماسة (1/ 113)، برواية (بني حزن) مكان (بني حرب). والشاهد فيه: وقوع (معا) في موضع رفع حيث إنها خبر للمبتدأ قبلها. (¬6) هو الصمّة بن عبد الله القشيري من شعراء الدولة الأموية. (¬7) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 427)، وأمالي القالي (1/ 190)، والعيني (3/ 431)، وديوان الحماسة (1215)، والطرائف الأدبية (ص 78). والشاهد فيه أيضا: وقوع (معا) خبرا عن المبتدأ كما في البيت السابق. اللغة: حنت: اشتاقت. شعباكما: اجتماعكما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدير زيد كائن قائما (¬1)، وانتصر له أيضا بأن قيل: القول بلزوم النقص هو الصحيح؛ لأنه مستلزم لموافقة النظائر وأن حاصله حكم بنقصان اسم في الإفراد كما هو في الإضافة. ونظائر ذلك موجودة كيد ودم وغد، والقول بكون معا مقصورا في الإفراد ثنائيّا في الإضافة مستلزم لما لا نظير له، فلا يصار إليه، فإن الثنائي المعرب إما منقوص في الإضافة والإفراد وإما متمم في الإضافة وحدها كأب؛ فإن حكم بأنّ «معا» مقصور في الإفراد منقوص في الإضافة لزم عدم النظير، وثبوت ما هو بالنفي جدير (¬2). والجواب أن يقال (¬3): مقتضى الدليل [2/ 464] كون الإفراد مظنة جبر ما فات من الثنائيات في إحدى حالتيه؛ لأن ثاني جزأي ذي الإضافة متمم لأولهما (¬4) ولذلك عاقب التنوين ونوني التثنية والجمع، بخلاف المنقوص المفرد فلا متمم له إلا ما يجبر به من رد ما كان محذوفا منه. فإذا جعلنا «معا» منقوصا في الإضافة مقصورا في الإفراد، فقلنا بمقتضى الدليل وسلكنا سواء السبيل، بخلاف باب «أب» فإن فيه شذوذا، ولذلك لم تجر العرب فيه على سنن واحد، فمنهم من يلزمه الجبر ويلحقه بباب عصا، ومنهم من يلزمه النقص ويلحقه بباب «يد» وأيضا ففي الحكم بأن «معا» غير ملازم للنقص بيان لاستحقاقه الإعراب؛ إذ لا يكون بذلك موضوعا وضع الحروف الثنائية، بخلاف الحكم عليه بالنقص في حالي إفراده وإضافته؛ فإنه يلزم منه استحقاق البناء كسائر الأسماء الثنائية دائما دون جابر (¬5) ومع ذلك فقد ألغت ربيعة جبره في الإفراد؛ لأنه جبر لم يتمحض ولذلك لم يتفق على الاعتراف به بخلاف جبر باب يد، فيقال في اللغة الربعية: ذهبت مع أخيك ومع ابنك بالسكون قبل حركة وبالكسر قبل سكون، وبعضهم يفتح قبل السكون، هكذا روى الكسائي عن ربيعة (¬6) ولولا الكسر قبل السكون لأمكن أن يقال: إن السكون سكون تخفيف لا سكون بناء، ومن الوارد - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 427). (¬2) ينظر: رصف المباني (ص 328)، والهمع (1/ 218). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 240). (¬4) ينظر: الغرة لابن الدهان (2/ 295). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 426)، وشرح الكافية للرضي (127)، وحاشية الصبان (2/ 265). (¬6) ينظر: التذييل (3/ 425)، والمغني (1/ 333)، وشرح الكافية للرضي (2/ 127)، والمطالع السعيدة (320)، واللسان مادة «مع».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسكون قول الشاعر (¬1): 1603 - فريشي منكم وهواي معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما (¬2) وقد خفي على سيبويه أن السكون لغة لأنه قال: وسألت الخليل رحمه الله تعالى عن «معكم» لأي شيء نصبتها؟ فقال: لأنها استعملت غير مضافة اسما كجميع ووقعت نكرة وذلك قولك: جاءا معا وذهبا معا، وقد ذهبت معه ومن معه صارت ظرفا فجعلوها بمنزلة أمام وقدام، قال الشاعر: فجعلها كهل، حين اضطر وأنشد للراعي: فريشي منكم ........ ... ............ البيت فذكر سبب إعرابها أو تضمن كلامه أنها اسم على كل حال وأن نقصها لم يزل بالإفراد، وذلك بيّن من كلامه الذي ذكرته، وزعم قوم أن الساكن العين حرف (¬3)، وليس بصحيح؛ لأن المعنى مع الحركة والسكون واحد، فلا سبيل إلى الحرفية، وزعم النحاس (¬4) أن النحويين مجمعون على أن الساكن العين حرف (¬5)، وهذا منه عجيب، فإن كلام سيبويه مشعر بلزوم الاسمية على كل حال وأن الشاعر إنما سكنها اضطرارا. ومن الظروف العادمة التصرف «بين بين» كقول الشاعر (¬6): - ¬

_ (¬1) هو جرير يمدح الخليفة هشام بن عبد الملك، ونسب في الكتاب إلى الراعي وليس في ديوانه. (¬2) البيت من الوافر، وهو في: الكتاب (3/ 287)، وأمالي الشجري (1/ 245)، (2/ 254)، وابن يعيش (2/ 128)، (5/ 138)، والتذييل (3/ 425)، والعيني (3/ 432)، والتصريح (2/ 48)، والأشموني (2/ 265)، وديوان جرير (410)، ويروى أيضا برواية (وريشي) مكان (فريشي) كما في التذييل. اللغة: الريش: هو اللباس الفاخر. لماما: يسيرا. والشاهد فيه: تسكين «مع» عند سيبويه للضرورة. (¬3) هذا رأي أبي علي كما في الأمالي الشجرية (1/ 245). (¬4) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس أبو جعفر النحاس المرادي النحوي المصري، مفسر وأديب رحل إلى بغداد وأخذ عن علمائها ثم عاد إلى مصر، له من التصانيف: إعراب القرآن، الكافي في العربية، المقنع في اختلاف البصريين والكوفيين. اختلف في سنة وفاته فقيل سنة 338 هـ وقيل سنة 337 هـ. بغية الوعاة (1/ 362) وشذرات الذهب (2/ 346). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 425)، والمغني (1/ 333)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 276)، والأشموني (2/ 265). (¬6) هو عبيدة بن الأبرص من بني أسد، من فحول شعراء الجاهلية وهو من المعمرين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1604 - نحمي حقيقتنا وبع ... ض القوم يسقط بين بينا (¬1) والأصل بين هؤلاء وبين هؤلاء، فأزيلت الإضافة وركب الاسمان تركيب خمسة عشر، فلو أضيف المصدر إلى العجز جاز بقاء الظرفية [2/ 465] وزوالها. فبقاؤها كقولك: من أحكام الهمزة التسهيل بين بين وزوالها كقولك: بين بين أقيس من الإبدال، فإن أضيف إليها تعين زوال الظرفية، ولذلك خطّأ ابن جني رحمه الله تعالى من قال: همزة بين بين بالفتح، وقال: الصواب أن يقال: همزة بين بين بالإضافة (¬2)، والأصل وقوع بين مفردا ظرفا، فالتوسط في مكان أو زمان ملازما للإضافة إلى ما يتوسط (¬3) [3/ 1] فيه منهما، وإذا خلا من التركيب والوصل بما والألف لم تلازم الظرفية، وقد تقدم التنبيه على ذلك (¬4). ومن ظروف المكان العادمة التصرف الملازمة للإضافة «حوال» (¬5) وتثنيته، و «حول» وتثنيته وجمعه، فالأول كقول الراجز (¬6): 1605 - أهدموا بيتك لا أبا لكا ... وأنا أمشي الدّألى حوالكا (¬7) والثاني كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اللهم حوالينا ولا علينا» (¬8). - ¬

_ (¬1) البيت من مجزوء الكامل وهو في: معاني القرآن للفراء (1/ 177)، والتذييل (3/ 407)، وما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 106)، وسر صناعة الإعراب (1/ 55)، وابن يعيش (4/ 117)، والشذور (106)، والهمع (2/ 229)، والدرر (2/ 240)، واللسان «بين»، والشعر والشعراء (267)، وديوانه (141). والشاهد فيه: تعين الظرفية في (بين بين). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 408). (¬3) من هنا يبدأ الاعتماد على النسخة (جـ) ومعها النسخة (أ) وهي الأصل. (¬4) قد تقدم الكلام على «بين» مفردا. (¬5) شرح التسهيل (2/ 242). (¬6) قيل: إنه للضّب أيام كانت الأشياء تتكلم فيما يزعم العرب، والأحسن أن يقال: إنه مما وضعته العرب على ألسنة البهائم لضب يخاطب ابنه. (¬7) الرجز في: الكتاب (1/ 351)، والتذييل (3/ 408)، والحيوان للجاحظ (6/ 128)، والكامل (2/ 198)، وأمالي الزجاجي (130)، والمخصص (13/ 226، 233)، وشرح الجمل لابن الضائع، وتعليق الفرائد (1629)، والهمع (1/ 41، 145)، والدرر (1/ 15، 124)، واللسان «بيت». اللغة: الدألى: مشية فيها تثاقل. والشاهد: في نصب (حوالكا) على الظرف حيث جاء مفردا. (¬8) حديث شريف أخرجه مسلم في كتاب الاستسقاء (614)، وابن حنبل (3/ 104، 187، 194، 261، 271)، (4/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث كقوله تعالى: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ (¬1). والرابع كقول الراجز (¬2): - 1606 - يا إبلي ما ذامه فتأبيه ... ماء رواء ونصيّ حوليه (¬3) والخامس كقول امرئ القيس: 1607 - فقالت سباك الله إنّك فاضحي ... ألست ترى السّمار والنّاس أحوالي (¬4) ومن ظروف المكان العادمة التصرف «بدل» لا بمعنى بديل كقولك: هذا بدل ذلك أي هذا مكان ذلك، فلا يجوز حينئذ أن يستعمل غير ظرف، وكذا مكان إذا أردت به بدل، قال ابن خروف في شرح كتاب سيبويه: البدل والمكان إذا استعملا بمعنى واحد لا يرفعان، فإن ذكر كل واحد منهما في موضعه ولم يحمل أحدهما على الآخر في المعنى رفعا نحو قولك: هذا مكانك تشير إلى المكان، وهذا بدل من هذا؛ فترفع لأنك أشرت بهذا إلى البدل وهو هو، وإنما انتصب «البدل» هنا و «المكان» ولم يجز فيهما الاتساع حين أخرج كل واحد منهما عن موضعه فلزما طريقة واحدة (¬5). هذا نص ابن خروف انتهى كلام المصنف (¬6). - وثم أبحاث نشير إليها: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 17. (¬2) هو الزفيان السعدي عطاء بن أسيد أحد بني عوانة ويكنى أبا المرقال، شاعر محسن. (¬3) الرجز في نوادر أبي زيد (331)، والخصائص (1/ 332)، وشرح التسهيل للمرادي، والتذييل: (3/ 408)، والهمع (1/ 201)، والدرر (1/ 170)، واللسان «أبي». اللغة: ما ذامه: ما عبه. النصيّ: نبت معروف يقال له نصي ما دام رطبا. والشاهد فيه: نصب (حولي) على الظرف حيث يجب ذلك. (¬4) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 408)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 201)، والدرر (1/ 170)، وديوان امرئ القيس (31)، ويروى البيت أيضا برواية (يمين الله) مكان (سباك الله). اللغة: سباك الله: بمعنى باعدك الله وفضحك، وقيل: معناه: أذهب عقلك. السمار: جمع سامر وهو من يسمر ليلا. والشاهد فيه: قوله: «أحوالي»؛ حيث نصب على الظرف. (¬5) ينظر: التذييل (3/ 409). (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 230 - 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: إن المصنف قد أشار إلى أن غير «فوق وتحت» من أسماء الجهات من المتوسط التصرف، وذلك نحو «أمام وقدام ووراء وخلف وأسفل وأعلى» وليعلم أن الكلمات المذكورة إذا تصرف فيها لا فرق بين أن لا يتجوز فيها نحو قولك: خلفك مجدب و «وراءك أوسع لك» (¬1) وبين أن يتجوز فيها نحو قولك: زيد خلفك برفع خلف فجعله خبرا عن زيد، فزيد ليس بخلفك في الحقيقة وإنما الخلف مكان لزيد، وطريق المجاز فيه أن يقدر مضاف إلى المبتدأ محذوف، التقدير: مكان زيد خلفك أو أن يجعل الخلف زيد لما كان [2/ 466] حالّا فيه كما جعل النهار صائما من قولهم: نهاره صائم لما كان الصوم واقعا فيه (¬2) وليس هذا الذي ذكر مخصوصا بأسماء الجهات، بل يجوز ذلك في غيرها فتقول: مكانك مرتفع وعمرو مكانك، برفع مكانك على التقديرين اللذين ذكرا في زيد خلفك (¬3). أشار إلى ذلك كله ابن عصفور في شرح المقرب. بقي أن يقال: إن قول المصنف: (كغير فوق وتحت من أسماء الجهات) يدخل فيه يمين وشمال، وعلى هذا يكونان من المتوسط التصرف، لكن المصنف قد عدهما مع الكثير التصرف، وقد يجاب عن هذا بأن نحو «يمين وشمال» لا يدخلان تحت قوله: (كغير فوق وتحت)، لأنه قد ذكرهما قبل فيما يكثر تصرفه، فكان ذكرهما أولا مخصصا لما أفهمه قوله: (كغير فوق وتحت من أسماء الجهات). الثاني: قد عرفت أن «حيث» من الكلمات النادرة التصرف وأن مما استدل به المصنف على تصرفها قول الشاعر: - - ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا المثل في باب تعدي الفعل ولزومه، ولكن الاستشهاد به هنا يختلف عنه فيما سبق، فالشارح أورده هنا على أن «وراء» استعمل اسما لا ظرفا حيث وقع مبتدأ. (¬2) مذهب البصريين التسوية في ذلك بين المعرفة والنكرة، وأما الكوفيون فلا يكون ظرف المكان عندهم إلا معرفة بالإضافة أو مشبها للمعرفة بها نحو: خلفك وخلف الحائط؛ فإن قيل: وراء وقداما وخلفا فليس بظرف. اه. التذييل (3/ 398). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 398).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1608 - إنّ حيث استقرّ من أنت راعي ... هـ حمى فيه عزّة وأمان (¬1) وقد جعل الشيخ هذا الاستدلال خطأ، قال: لأن كون (حيث) اسما لإن فرع عن كونها تكون مبتدأ، ولم يسمع ذلك فيها، قال: ولا دليل في هذا البيت؛ لأن اسم إنّ هو حمى، وحيث في موضع خبر إنّ؛ لأنه ظرف، نحو: إنّ حيث زيد قائم عمرا، التقدير: إن حمى فيه عزة وأمان حيث استقر من أنت راعيه (¬2). انتهى. ولا أعرف كيف يتوجه الخطأ على المصنف؛ لأن الغرض أن تصرف «حيث» نادر، واتفق أن التصرف النادر الذي حصل لها هو أن وردت اسما لإنّ، فكيف يقال: إن هذا موقوف على ورودها مبتدأة وهي لا يتصرف فيها إلا بما سمع، ثم إن هذه الكلمة إذا ندر وقوعها اسما لإن؛ فقد ندر وقوعها مبتدأة، وأما تخريجه البيت على أن «حمى فيه عزة وأمان» هو اسم إن، وحيث هو الخبر ينافي مراد الشاعر؛ لأن مقصوده أن يحكم على مكان من يرعاه الممدوح بأنه حمى فيه عزة وأمان، لا أن يحكم على حمى المذكور بأنه كائن حيث استقر من يرعاه الممدوح، وحاصله أن هذا التخريج يعكس النسبة المقصودة للشاعر من كلامه. الثالث: فقد عرفت أن المصنف أنشد البيت الذي أوله: 1609 - وسطه كاليراع .......... ... ................ ........... (¬3) وأنه حكم فيه بأن وسطه في رواية من رواه مرفوعا تصرف فيه يجعله مبتدأ وأن ذلك نادر، وقد كان ذكر أن «وسطا» بسكون السين ظرف لا اسم، وكلام ابن عصفور يقتضي أن «وسطه» في البيت المذكور اسم لا ظرف وأن سينه سكنت - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) التذييل (3/ 401). اعترض ابن هشام على المصنف في جعله «حيث» اسما لإن، فقال: ولم تقع - أي حيث - اسما لإن خلافا لابن مالك ولا دليل له في قوله: إن حيث استقر من أنت راعيه ... البيت لجواز تقدير حيث خبرا وحمى اسما، فإن قيل: يؤدي إلى جعل المكان حالّا في المكان، قلنا: هو نظير قولك: إن في مكة دار زيد ا. هـ. المغني (1/ 132)، والهمع (1/ 212). (¬3) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرورة؛ فإنه بعد أن ذكر وسطا الساكن السين وأنه ظرف [2/ 467] قال: فإن أخرجوه عن الظرفية فتحوا السين فقالوا: وسط الدار أحر، ولا يجوز تسكينها إذ ذاك إلا في ضرورة نحو قول الفرزدق: - 1610 - أتته بمجلوم كأنّ جبينه ... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا (¬1) وقول عدي بن زيد: 1611 - وسطه كاليراع ...... ... ......... البيت قال: فاستعمل «وسط» في حال إخراجه عن الظرفية، وجعله مرفوعا بالابتداء ساكن السين لما اضطروا إلى ذلك (¬2). انتهى. وما قاله ابن عصفور أظهر مما قاله المصنف، ثم اعلم أن الفراء (ومن تبعه) (¬3) من الكوفيين قالوا: إنّ «وسط» إذا كانت ظرفا، وكانت بمعنى «بين» كانت ساكنة السين، وإذا لم تكن بمعناها كانت مفتوحة السين، فأجازوا أن يقال: احتجم زيد وسط رأسه بفتح السين، وإن كانت ظرفا [3/ 2] لأنها ليست بمعنى «بين» إذ لا يقال: احتجم بين رأسه، والبصريون لا يجيزون في مثل هذا المثال إلا إسكان السين؛ لأن الكلمة ظرف، ولا يفرقون بين ما يصلح فيه «بين» وما ليس كذلك (¬4). فعلى هذا قول الشاعر أنشده الفراء: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو في: نوادر أبي زيد (453)، والتذييل (3/ 402، 403)، والخصائص (2/ 369)، وأمالي الشجري (2/ 258)، وشرح التسهيل للمرادي، والخزانة (1/ 478)، والهمع (1/ 201)، والدرر (1/ 169)، وشرح الجمل لابن الضائع (ق 35)، وديوان الفرزدق (596)، واللسان «وسط»، وشرح الرضي (1/ 189). اللغة: المجلوم: هو المحلوق. الصلاءة: مدق الطيب. الورس: نبت أصفر. والشاهد فيه: وقوع «وسط» مبتدأ. (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن الضائع (ق 35)، حيث أورد رأي ابن عصفور مفصلا، وينظر: المقرب (1/ 151)، ففيه إشارة إلى هذا الرأي. (¬3) في (جـ): (ومن معه). (¬4) ينظر: فصيح ثعلب (ص 68)، والتذييل (3/ 403)، والهمع (1/ 201)، وحاشية الصبان (2/ 131)، وابن يعيش (2/ 128)، وشرح الجمل لابن الضائع (ق 35).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1612 - فوسط الدار ضربا واجتماعا (¬1) غير ضرورة عند البصريين؛ لأن وسط الدار ظرف، وهو عند الفراء ومن تبعه في ذلك ضرورة؛ لأن وسطا فيه لا يتقدر «ببين». الرابع: قد عرفت أيضا أن المصنف حكم بأن كلمة «دون» إذا لم تكن بمعنى رديء، من النادر التصرف، ومراده أنها إذا كانت ظرفا، وذاك إطلاقه على أنه لا فرق أن تكون ظرفيتها حقيقة نحو: جلست دون زيد، أو مجازا نحو: زيد دون عمرو في الشرف، وهذا هو الظاهر بل المتعين، لكن في كلام ابن عصفور أن كلمة «دون» التي يراد بها نقصان الرتبة في صفة من الصفات لا تتصرف (¬2)، وعلل ذلك بأنه لم يرد بالكلمة حينئذ المكان، فالظرفية فيها مجاز، فلم يتصرف فيها كما يتصرف في الظروف الحقيقية، وأما «دون» التي يراد بها الظرف فإنها تتصرف إلا أن ذلك قليل، وأنشد قول الشاعر: - 1613 - ألم تريا أني حميت حقيقتي ... ... البيت (¬3) فكأنه جعل ما يراد بها نقصان الرتبة عادمة التصرف، وما يراد بها المكان هي النادرة التصرف وهو غير ظاهر، ويدفعه قول سيبويه: «وأما دونك فإنه لا يرفع أبدا، وإن قلت: هو دونك في الشرف» (¬4)، فقول سيبويه: وإن قلت: هو دونك في الشرف، يقتضي أن دلالة «دون» على النقصان في الرتبة لا تقتضي عدم التصرف، بل قد تنافيه، ولهذا قال: وإن قلت هو دونك في الشرف، ثم إن كلمة «دون» في البيت الذي أنشده شاهدا على تصرفها وهو قوله: - 1614 - وباشرت حدّ الموت والموت دونها (¬5) إنما المراد بها نقصان الرتبة لا الظرف الحقيقي. - ¬

_ (¬1) لم أهتد إليه وبحثت عنه في معاني القرآن للفراء فلم أجده. (¬2) ينظر: المقرب (1/ 150). (¬3) تقدّم ذكره. (¬4) الكتاب (1/ 409). (¬5) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الخامس: تقدم لنا ذكر ما نقله المصنف عن الأخفش من أن العرب تقول: فوقك رأسك وتحتك رجلاك [2/ 468] بنصب فوق، لا يختلفون في ذلك، وبعد قول الأخفش ذلك لا يلتفت إلى ما ذكره الشيخ عن ابن الأنباري (¬1)، إنما هو رأي رآه من رآه (¬2)، واعلم أنه كما ندر جر «فوق» بعلى في البيت الذي أنشده المصنف ندر جرها بالباء أيضا في قول الآخر: - 1615 - كلّفوني الذي أطيق فإني ... لست رهنا بفوق ما أستطيع (¬3) وليس من ذلك قول الآخر: - 1616 - وشبّهني كلبا ولست بفوقه ... ولا مثله إن كان غير قليل (¬4) لأن الباء زائدة فلا عبرة بدخولها، وأما جرّ «فوق» و «تحت» بمن في قوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ (¬5) وتَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ * (¬6) فقد عرفت أن الجر «بمن» لا يخرج الكلمة عن الظرفية، وقد فصل ابن عصفور الأمر في كلمة «فوق» كما فصل ذلك في كلمة «دون» فقال لما عدد الظروف التي لا تتصرف: «وفوقك إذا أريد بها علو المرتبة في صفة من الصفات» (¬7)، وعلل ذلك بما علل به كلمة دون، ومقتضى كلامه أنها إذا أريد بها العلو الحسي قد - ¬

_ (¬1) زاد في (جـ) بعد قوله: (ما ذكره الشيخ عن ابن الأنباري) قوله: (أن بعض العرب يجيز الرفع في نحو فوقك رأسك وتحتك رجلاك، بخلاف فوقك قلنسوتك وتحتك نعلاك، فإنه يوجب النصب؛ لأن الأخفش أخبر عن لغة العرب والذي ذكره ابن الأنباري). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 406). (¬3) البيت من الخفيف لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 407)، وشرح التسهيل للمرادي، والهمع (1/ 210)، والدرر (1/ 178). والشاهد فيه: جر «فوق» بالباء، وهذا نادر كما ذكر الشارح. (¬4) البيت من الطويل وهو لسحيم بن وثيل عبد بني الحسحاس قاله في نفسه. وهو في: التذييل (3/ 407)، والشعر والشعراء (408)، والعقد الفريد (2/ 316). والشاهد فيه: دخول الباء الزائدة على «فوق». (¬5) سورة النحل: 26. (¬6) سورة البقرة: 25، 266، وسورة آل عمران: 15، 136، 195. (¬7) المقرب (1/ 150).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تتصرف، وهذا خلاف ما قد عرف أنه من لغة العرب، وذكر ابن عصفور من الظروف التي لا تتصرف «سواك» و «سواك وسواك»، قال: لأنها بمعنى مكانك الذي يدخله معنى عوضك (¬1) يعني بذلك، والمصنف يرى أن هذه الكلمة بمعنى غير، ويجيز تصرفها؛ فلهذا لم يذكرها وقد ذكرها في باب المستثنى وأشبع الكلام عليها (¬2)، قال الشيخ: ومما أهمل أكثر النحويين ذكره من الظروف التي لا تتصرف «شطر» بمعنى نحو، قال تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (¬3) وقال تعالى: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (¬4) ومنه: - 1617 - ألا من مبلغ عني رسولا ... وما تغني الرسالة شطر عمرو (¬5) أي نحو عمرو، وقول الآخر: - 1618 - أقول لأمّ زنباع أقيمي ... صدور العيس شطر بني تميم (¬6) قال: والشطر أيضا نصف الشيء، والشطر أيضا الجزء من الشيء؛ فهو مشترك بين هذين وبين الجهة (¬7). البحث السادس: ذكر الشيخ في شرحه أن الجملة التي يضاف إليها «حيث» شرطها أن تكون خبرية اسمية أو فعلية مصدرة بماض أو مضارع مثبتين أو منفي بلم أو لا، قال: وأما قوله: 1619 - من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور (¬8) - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 150، 151). (¬2) انظر باب المستثنى في هذا الكتاب. (¬3) سورة البقرة: 144، 149، 150. (¬4) سورة البقرة: 144. (¬5) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 410)، والبحر المحيط (1/ 418). والشاهد فيه: استعمال «شطر» ظرفا بمعنى نحو. (¬6) البيت من الوافر وهو لأبي زنباع الجذامي وهو في: التذييل (3/ 410)، والبحر المحيط (1/ 418)، والهمع (1/ 201)، والدرر (1/ 170)، والظروف المفردة والمركبة (ص 350). اللغة: العيس: الإبل البيض التي يخالط بياضها شيء من الشقرة وواحدها: أعيس. والشاهد فيه: كالذي قبله حيث وقعت (شطر) ظرفا بمعنى نحو. (¬7) التذييل: (3/ 410، 411). (¬8) عجز بيت، قيل: لابن هرمة، وقيل: لغيره وصدره: وإنني حيثما يدني الهوى بصري والبيت من البسيط وهو في التذييل (3/ 413)، والارتشاف (584، 1128)، والمحتسب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فما مصدرية على رأي من يجر بحيث المفرد، ومن لم يجز ذلك قال: إنما جاز ذلك ضرورة، أو يجعل «ما» زائدة أي من حيث سلكوا، وقد ذكروا أنها قد تجر بالباء أو بإلى أو بفي، فالباء كقولك: - 1620 - كان منّا بحيث يعلى الإزار (¬1) وإلى كقوله: 1621 - إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم (¬2) في رواية من رواه بإلى، وفي نحو [2/ 469]. 1622 - فأصبح في حيث التقينا شريدهم (¬3) وكقول الآخر: 1623 - على فتخاء يعلم حيث تنجو ... وما في حيث تنجو من الطّريق (¬4)، (¬5) - ¬

_ - (1/ 259)، والإنصاف (1/ 24)، وابن يعيش (10/ 106)، وابن القواس (75)، والروض الأنف للسهيلي (1/ 38)، والخزانة (1/ 58)، (3/ 477، 540)، والمغني (2/ 368)، وشرح شواهده (2/ 785)، والفصول الخمسون (271)، وأمالي الشجري (1/ 221)، والاقتراح (41)، والهمع (2/ 156)، والدرر (2/ 207)، وملحقات ديوان ابن هرمة (239). والشاهد فيه: إضافة «حيث» إلى شيء لم تتوفر فيه الشروط التي ذكرها أبو حيان. (¬1) شطر بيت من الخفيف لم يعلم له تتمة ولا قائل، وهو في: التذييل (3/ 413)، والارتشاف (584)، وشرح التسهيل للمرادي، والخزانة (3/ 157)، والهمع (1/ 212)، والدرر (1/ 181)، واللسان (أزر). والشاهد فيه: جر «حيث» بالباء. (¬2) تقدم ذكره. (¬3) صدر بيت من الطويل وهو للفرزدق وعجزه: طليق ومكتوف اليدين ومزعف وهو في: الكتاب (2/ 10)، والتذييل (3/ 401، 414)، والبحر المحيط (5/ 461)، والخزانة (2/ 299)، وجمهرة القرشي (167)، وديوانه (562). اللغة: الشريد: الطريد. الطليق: هو الأسير الذي أطلق عنه إساره، والمكتوف: المشدود بالكتاف. المزعف: بفتح العين وكسرها، الصريع المقتول. والشاهد فيه: جر (حيث) بفي شذوذا. (¬4) البيت من الوافر وهو لأبي ذؤيب الهذلي. وهو في التذييل: (3/ 414)، وديوان أبي ذؤيب (ص 26)، وديوان الهذليين: (1/ 88). اللغة: الفتخاء: المراد بها يده التي فيها فتخ أي لين. والشاهد فيه: جر (حيث) بفي. (¬5) ينظر نص أبي حيان في: التذييل (3/ 412 - 414).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إنك قد عرفت أن المصنف جعل حيث في قول الشاعر: 1624 - إذا ريدة من حيث ما نفخت له (¬1) مضافة إلى جملة مقدرة، التقدير: إذا ريدة نفخت من حيث ما هب. فقال الشيخ: يحتمل أن تكون «حيث» مضافة إلى الجملة التي بعدها وهي: نفخت له، و «ريدة» مرتفعة بفعل محذوف يفسره المعنى، التقدير: إذا نفخت ريدة (¬2) ... انتهى. قلت: وصحة التخريجين دون الآخر متوقفة على المعنى المراد من البيت؛ فإن كان المعنى المراد منه يعطيه تخريج الشيخ وجب الوقوف عنده، وإلا فيتعين تخريج المصنف، [3/ 3] والذي يظهر أن المصنف لم يتعسف التخريج الذي ذكره إلا لأنه رأى أنه معنى البيت، والله سبحانه أعلم. ومما يتعين ذكره هنا أن الفارسي أجاز وقوع حيث مفعولا بها (¬3)، وجعل من ذلك قوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (¬4)؛ لأن المعنى أن الله تعالى يعلم المكان المستحق لوضع الرسالة فيه، وليس المراد أنه تعالى يعلم شيئا في المكان، قال: وناصبها يعلم محذوفا مدلولا عليه بأعلم، لا «أعلم» نفسه لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به (¬5) .. انتهى. ومن الناس من يؤول «أعلم» بعالم، فقد ينسب العمل إليه بهذا الطريق، ولا يحتاج إلى تقدير عامل غيره (¬6). البحث السابع: قال ابن عصفور: إنما لم تتصرف «عند» لأنها شديدة التوغل في الإبهام؛ إذ - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) التذييل (3/ 415). (¬3) يرى أبو البقاء العكبري أن (حيث) في قوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ وقعت مفعولا به، وهو بذلك يتفق مع ما قاله الفارسي في الآية نفسها. ينظر: إملاء ما من به الرحمن (1/ 260)، وبقولهما أيضا قال ابن هشام في أوضح المسالك (1/ 177). (¬4) سورة الأنعام: 124، وفي (أ) (رسالاته) مكان (رسالته) وهو خطأ. (¬5) ينظر: المغني (1/ 131، 132)، والهمع (1/ 212، 213). (¬6) ينظر: المغني (1/ 132)، والهمع (1/ 213).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تصدق على الجهات الست فبعدت من المختص، فلم تستعمل استعمال الأسماء (¬1)، قلت: وقد تكون العلة في عدم تصرف «لدن» هي شدة التوغل في الإبهام أيضا، ثم إنك قد عرفت أن معنى «لدن» مخالف «عند»، ويدل على ذلك قول المصنف وليست لدى بمعناها بل بمعنى «عند» على الأصحّ، وقد اشتمل كلام المصنف في المتن والشرح على التفرقة بين «لدن» و «عند» من ستة أوجه: - أولها: أن لدن مخصوصة بما هو مبدأ غاية زمان أو مكان؛ فهي لا تفارق هذا المعنى بخلاف «عند» فإنها قد تكون لابتداء الغاية وقد لا تكون، وقد تقدم التمثيل لذلك في كلام المصنف. ثانيها: أنها لا تستعمل إلا مصحوبة بمن، واستعمالها غير مصحوبة بها في غاية القلة و «عند» ليست كذلك. ثالثها: أن «لدن» مبنية وإنما أعربت في اللغة القيسية، وقد أشار المصنف فيما تقدّم إلى علة بنائها، وأما «عند» فمعربة في جميع اللغات. رابعها: أن «لدن» تضاف إلى الجملة كما تضاف إلى المفرد، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: ويجر ما يليها بالإضافة لفظا إن كان مفردا، وتقديرا إن كان جملة (¬2) وأما «عند» فلا تضاف إلا إلى مفرد. خامسها: أن «لدن» قد لا يذكر بعدها مضاف إليه، وذلك إذا نصبت غدوة [2/ 470] بعدها أو رفعت بخلاف «عند» فإنها لا تذكر دون مضاف إليه أبدا. سادسها: وهو الذي ذكره في الشرح دون المتن أن «لدن» يمتنع الإخبار بها وعنها، أي كما يمتنع الإخبار عنها يمتنع الإخبار بها، فلا يقال: الخروج من لدن الكوفة ولا السفر من لدن المسجد، وأما «عند» وإن امتنع الإخبار عنها فلا يمتنع الإخبار بها، وقد تقدمت أمثلة الإخبار بها، وبلدى من الكتاب العزيز، وهذا الوجه السادس هو الذي يعبر عنه بأن «لدن» لا تقع إلا فضلة (¬3)، واعلم أنه لا يضاف - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 151)، والتذييل (3/ 416). (¬2) التسهيل (97). (¬3) ينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 236)، والهمع (1/ 215)، والمغني (1/ 156، 157)، والأشموني (2/ 264).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الجمل من ظروف المكان إلا «لدن» و «حيث» لكن «حيث» تضاف إليها وجوبا و «لدن» تضاف جوازا (¬1). البحث الثامن: قد عرفت من كلام المصنف أن نصب «غدوة» بعد «لدن» إما على التمييز وإما على إضمار كان واسمها مضمر فيها، ومن نصب على التمييز قال: شبهت نون «لدن» وإن كانت من بنية الكلمة بالتنوين؛ إذ صارت هذه النون تثبت تارة وتحذف تارة أخرى فأشبهت «ضاربا»؛ فكما قالوا: ضارب زيدا، قالوا: لدن غدوة (¬2)، هكذا ذكروا فيؤخذ عن الأئمة تقليدا، وقد قال بعضهم في نصب «غدوة» تمييزا: إنه إعراب يعسر تعقله (¬3)، ثم إذا انتصب «غدوة» بعد «لدن» فالمحفوظ أنها منونة قبل. وكان من حقها أن تمنع من الصرف، وإنما صرفوها لأنهم لما عزموا على إخراجها عن النظائر في حالها غيروها في ذاتها بالصرف، وأيضا لو لم يصرفوها لفتحوها فلم يعلم أمنصوبة هي أم مجرورة لأنها لا تتصرف، فلما عزموا على نصبها وإخراجها لكثرة الاستعمال عن حال نظائرها صرفوها، لكون ظهور التنوين مع الحركة يحقق قصدهم، فإن قلت: الذي رفع غدوة أو جرها ما دعاه إلى الصرف ولا إشكال فيه كما في النصب. فالجواب: أنهم لما أوجبوا ضروبا منصوبة، وهو الأكثر من أحوالها، حملوا الجر عليه، لأنه أخوه فصار لها تنوين في الحالين، فحملوا الرفع عليهما والرفع هنا دخيل على النصب، لأن «غدوة» ظرف وأصله النصب، فلما كان فرعا في هذا الموضع حمل على النصب في التنوين (¬4). هذا ما لخصه الشيخ من كلام ابن جني في هذه المسألة، ولا شك أنه كلام من أوتي تفقّها في علمه وتصرفا في فنه، وإذا عطفت على «غدوة» المنصوبة بعد «لدن» فقلت: لدن - ¬

_ (¬1) يرى ابن الدهان أنه لا يضاف من ظروف المكان إلى الجمل إلا «حيث» وحدها ومنع إضافة «لدن» إلى الجملة وأوّل ما ورد من ذلك على تقدير «أن» المصدرية، ينظر: التذييل (3/ 419)، والمطالع السعيدة (318)، والهمع (1/ 215). (¬2) ضعف المرادي في شرحه على الألفية (2/ 275) هذا الرأي فقال: وضعف - أي تشبيه لدن باسم الفاعل - لسماع النصب بعد «لد» المحذوفة النون، وبهذا الذي قاله المرادي ضعف الأشموني هذا الرأي أيضا. ينظر: الأشموني (2/ 263). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 422). (¬4) التذييل (3/ 422).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غدوة وعشية، فقد أجاز أبو الحسن الجر في المعطوف والنصب، أما النصب فوجهه ظاهر (¬1)، وأما الجر فقالوا: لأن «غدوة» وإن لم تجر لفظا فهي في موضع جر (¬2)، قال المصنف - في شرح الكافية الشافية -: والنصب في المعطوف بعيد عن القياس (¬3)، قال الشيخ: والذي أختاره أنه لا يجوز في المعطوف إلا النصب، لأن «غدوة» عند من نصب ليس في موضع جر، فليس من باب [2/ 471] العطف على الموضع وهو نصب صحيح؛ فإذا عطف عليه، ولا سيما على مذهب من جعل «غدوة» منصوبة بكان مضمرة فلا يتخيل فيه إذ ذاك جرّا البتة، فإن قلت: يلزم من ذلك أن تكون «لدن» قد انتصب بعدها ظرف غير «غدوة» ولم يحفظ نصب بعدها إلا في غدوة، فالجواب: أنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل (¬4). انتهى. وأما الرفع بعد «لدن» فعلى تقدير «كان» أي لدن كانت غدوة، قال الشيخ: وظاهر كلام ابن جني أنها مرفوعة بلدن فإنه قال: وقد شبهه بعضهم بالفاعل فرفع فقال: لدن غدوة كما تقول في اسم الفاعل: ضارب زيد. انتهى (¬5). ولا يخفى بعد القول بأنها مرفوعة (¬6) [3/ 4] بلدن، وكلام ابن جني ليس صريحا في ذلك. البحث التاسع: قال الشيخ: قول المصنف: وتفرد - يعني مع - فتساوي جميعا معنى ليس بصحيح، قال: وهذه المسألة جرت بين أحمد بن يحيى (¬7) وأحمد بن قادم (¬8)، وهما من شيوخ الكوفة، سأل أحمد بن يحيى عنها ابن قادم قال: فلم يزل يركض - ¬

_ (¬1) وهو مراعاة اللفظ، ينظر: الأشموني (2/ 263). (¬2) ينظر: المطالع السعيدة (ص 319)، والهمع (1/ 215)، والأشموني (2/ 263)، وشرح ابن عقيل بحاشية الخضري (2/ 14). (¬3) الكافية الشافية لابن مالك (2/ 953) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬4) التذييل (3/ 422). (¬5) التذييل (3/ 423). (¬6) لأن «لدن» حينئذ تكون بمنزلة الفعل، وقد أشار إلى ذلك ابن يعيش فقال: «وقد شبه بعضهم غدوة بالفاعل فرفعها فقال: لدن غدوة كما تقول: قام زيد». اه. شرح المفصل لابن يعيش (4/ 102). (¬7) هو المشهور بثعلب زعيم الطبقة الخامسة الكوفية. (¬8) هو أحمد بن عبد الله بن قادم أبو جعفر، كان من أعيان أصحاب الفراء، وأخذ عنه ثعلب، وله من التصانيف: الكافي في النحو والمختصر فيه، وغرائب الحديث، توفي سنة 251 هـ ببغداد. ينظر: بغية الوعاة (1/ 140، 141)، وطبقات ابن شهبة (1/ 137).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها إلى الليل وفرق أحمد بن يحيى بأن جميعا تكون للقيام في وقتين وفي وقت واحد، إذا قلت: قام زيد وبكر معا (¬1)، ثم قد عرفت أن المصنف اختار مذهب يونس والأخفش في أن «معا» كفتى لفظا لا كيد إذا نصبت، واستدل لصحة ذلك بأنك تقول: الزيدان معا والعمرون معا، فتوقع معا في موضع رفع كما توقع الأسماء المقصورة كقولك: هو فتى وهم عدى، ولو كان باقيا على النقص لقيل: الزيدون مع، كما يقال: هم يد واحدة على من سواهم، لكن قد قال الشيخ: ما ذكره المصنف من أنه لو كان الأمر كما ذهب غير يونس والأخفش، لكان يلزم الرفع في مثل قولنا: الزيدون معا خطأ فاحش؛ لأن «مع» قد تقرر أنها ظرف لا يتصرّف، وقد ذكر هو ذلك، فقولك: الزيدون معا، هو منصوب على الظرف الواقع خبرا كما تقول: الزيدون عندك، وإذا كان ظرفا لا يتصرف فلا يرفع (¬2). انتهى. ولك أن تجيب عن المصنف فتقول: إن الظرف الذي لا يتصرف إنما هو «مع» الملازمة للإضافة، أما المفردة عن الإضافة فليست كذلك، بل تقول: إن الظرفية لا يتعقل فيها حالة الإفراد، وإنما يتعقل ظرفيتها حال إضافتها، وإذا لم يحكم عليها بالظرفية حال الإفراد فمعناها في نحو: جاء الزيدان أو الزيدون معا، إما معنى جميعا كما رأى المصنف ومن وافقه، وإما معنى مصطحبين أو مصطحبين فالظرفية منفية عن كل من المعنيين، والنصب في كلتا الكلمتين أعني جميعا ومصطحبين لو صرح بهما إنما هو على الحال فكذلك نصب معا إذا وقعت هذا الموقع إنما هو على الحال لا على الظرف، وكذا يكون المعنى في قول الشاعر: 1625 - وشعباكما معا (¬3) [2/ 472] وقول الآخر: 1626 - وأهواؤنا معا (¬4) والتقدير: وشعبا كما مصطحبان أي مقترنان، وأهواؤنا مصطحبة أي مقترنة، فمعا مرفوعة في هذين البيتين على الخبرية، وليست منصوبة على الظرف، إذ قد بينا أنه لا ظرفية حينئذ، وإذا كان كذلك فلو كانت «مع» حال إفرادها «كيد» - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 425، 426) وينظر: مجالس ثعلب (2/ 386). (¬2) التذييل (3/ 427) بتصرف يسير. (¬3)، (¬4) تقدم ذكرهما.

[التوسع في الظرف المتصرف]

[التوسع في الظرف المتصرف] قال ابن مالك: (ويتوسّع في الظّرف المتصرف فيجعل مفعولا به مجازا ويسوغ حينئذ إضماره غير مقرون بفي والإضافة والإسناد إليه، ويمنع من هذا التّوسّع على الأصحّ تعدّي الفعل إلى ثلاثة). ـــــــــــــــــــــــــــــ لوجب الرفع، فكان يقال: «مع» فصح كلام المصنف بهذا التقدير وانتفى عنه الخطأ الفاحش والحمد لله. قال ناظر الجيش: قال المصنف رحمه الله تعالى (¬1): من ضروب المجاز التوسع بإقامة الظرف المتصرف مقام فاعل الحدث الواقع فيه ومقام المفعول الموقع به الحدث، فالأول: كقوله تعالى: اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ (¬2) وقوله تعالى: إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (¬3) وكقول الشاعر (¬4): 1627 - أقول للحيان وقد صفرت لهم ... وطابي ويومي ضيّق الحجر معور (¬5) والثاني: كقولهم: ولد له ستون عاما (¬6)، وصيد عليه الليل والنهار (¬7)، وكقول الشاعر: 1628 - أمّا النّهار ففي قيد وسلسلة ... واللّيل في جوف منحوت من السّاج (¬8) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل للمصنف (2/ 243). (¬2) سورة إبراهيم: 18. (¬3) سورة الإنسان: 10. (¬4) هو تأبط شرّا واسمه ثابت وكنيته أبو زهير بن جابر بن سفيان أحد لصوص العرب. (¬5) البيت من الطويل وهو في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 243)، وشرح التسهيل للمرادي، والتذييل (3/ 436)، والمستقصي (2/ 41). اللغة: لحيان: بطن من هذيل. صفرت: بمعنى خلت. الوطاب: جمع وطب وهو سقاء العسل. ضيق الحجر: كناية عن ضيق المنفذ. المعور: المنكشف العورة. والشاهد فيه: التوسع في ظرف الزمان وهو «يومي» بإقامته مقام فاعل الحدث الواقع فيه. (¬6) مثل به سيبويه في الكتاب (1/ 176). (¬7) مثّل به سيبويه في الكتاب (1/ 160). (¬8) قيل: إن البيت من الخمسين المجهولة القائل ونسبه المبرد في الكامل إلى رجل من أهل البحرين من اللصوص. والبيت من البسيط وهو في الكتاب (1/ 161)، والكامل (3/ 420)، والمقتضب (4/ 331)، والمحتسب (2/ 184)، والغرة لابن الدهان (2/ 112)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 243)، والتذييل (3/ 436)، والبحر المحيط (4/ 315)، والإفصاح للفارقي (ص 134). اللغة: الساج: شجر من شجر الهند. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني نفسه وكان مأسورا فأخبر أن نهاره مقيد وليله مسجون مبالغة ومجازا، ويضاف المصدر إلى الظرف المتوسع فيه على الوجهين، فإضافته إليه على تقدير كونه فاعلا، كقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا (¬1) كان الأصل: ليلكم ونهاركم ماكران، ثم أضيف المصدر إلى المخبر عنه بمعناه مجازا كما يضاف إلى المخبر عنه بمعناه حقيقة، وإضافته إليه على تقديره مفعولا به كقوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (¬2) أي إمضاء أربعة أشهر، وكما أضيف إليه المصدر على تأويل الفاعلية وعلى تأويل المفعولية أضيفت إليه الصفة بلفظ اسم الفاعل ولفظ اسم المفعول، فمن الأول: 1629 - يا سارق اللّيلة أهل الدّار (¬3) ومن الثاني: يا مسروق الليلة أهل الدار، ذكرهما سيبويه، وإذا ثبت أن من كلامهم: التوسع بجعل الظرف المتوسع فاعلا ومفعولا به ومضافا إليه على معنى الفاعلية والمفعولية لزم من ذلك جواز الحكم عليه في حال النصب بأنه مفعول به تجوزا ما لم يمنع من ذلك مانع، وتظهر فائدة ذلك في إضماره مستغنيا عن لفظ «في» فإن الظرف أصله أن يكون مقرونا بلفظها، فاستغني عن لفظها بمعناها مع الظاهر ولزم [2/ 473] الرجوع إلى الأصل مع الضمير؛ لأن الإضمار يرد الشيء إلى أصله، ولذلك لزم من يقول: لد زيد، أن يقول: من لدنه يرد النون، ولزم من يقول: لم تك صديقا، أن يقول: أما الصديق فإن لم تكنه فمن يكنه؟ فيرد النون أيضا، ولزم من يقول: قعدت جبنا: الجبن قعدت له فيرد اللام، ولا يستغنى مع المضمر بمعناها كما استغني مع الظاهر ولزم من يقول: المال لزيد بكسر اللام أن - ¬

_ - والشاهد فيه: قوله: (أما النهار ... والليل) حيث توسع فيهما فوضعا موضع الموقع به الفعل؛ لأن المقيد والمحبوس هو الشخص وليس الليل والنهار. (¬1) سورة سبأ: 33. (¬2) سورة البقرة: 226. (¬3) رجز لم يعلم قائله وهو في: الكتاب (1/ 175، 193)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 80)، والمحتسب (1/ 183)، (2/ 295)، وأمالي الشجري (2/ 250)، وابن يعيش (3/ 45، 46)، والتذييل (3/ 433)، وابن القواس (343)، والخزانة (1/ 485)، (2/ 172، 179)، وشرح السيرافي (2/ 778)، والأصول لابن السراج (1/ 235)، (2/ 266)، وشرح المفصل لابن الحاجب (249)، والحجة للفارسي (1/ 14)، والهمع (1/ 203)، والدرر (1/ 172). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول: المال له فيفتح لأن فتحها هو الأصل (¬1)، فعلى هذا يلزم من أضمر الظرف مقصودا به معنى الظرفية أن يقرنه بفي، كقولك في صمت اليوم: اليوم صمت فيه، فمن قال: صمته علم أنه لم يقصد الظرفية، وإنما قصد جعله مفعولا به توسّعا (¬2)، فمن ذلك قول الشاعر: - 1630 - ويوما شهدناه سليما وعامرا ... قليل سوى الطّعن النّهال نوافله (¬3) ومثله: - 1631 - فإن أنت لم تقدر على أن تهينه ... فدعه إلى اليوم الّذي أنت قادره (¬4) ومثله (¬5): - 1632 - يا ربّ يوم لي لا أظلّله ... أرمض من تحت وأضحى من عله (¬6) وهذا التوسع في باب «أعلم» جائز على ظاهر قول [3/ 5] سيبويه، فإنه قال في - ¬

_ - والشاهد فيه: هو التوسع في ظرف الزمان، فأضيف إليه اسم الفاعل على طريق الفاعلية. (¬1) ينظر: الأشباه والنظائر (1/ 220)، والمسائل العسكرية للفارسي (ص 19، 99) تحقيق د. محمد الشاطر أحمد. (¬2) ينظر: المقتضب (3/ 105)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 45، 46)، والمطالع السعيدة (331)، والهمع (1/ 203)، والتذييل (3/ 430، 431). (¬3) البيت من بحر الطويل لرجل من بني عامر وهو في: المقتضب (3/ 105) وشرح المفصل (2/ 46) وغير ذلك. ويستشهد به على: التوسع في الظرف فينصب مفعولا به وسيأتي قريبا. (¬4) البيت من الطويل وقائله ابن حبناء شاعر إسلامي تميمي، وحبناء أمه، وينظر في: التذييل (3/ 433)، وديوان الحماسة (1/ 266). والشاهد فيه: إضافة (قادر) إلى ضمير اليوم دون وساطة «في» وذلك على سبيل التوسع. (¬5) هو رجز لأبي ثروان وقيل لأبي الهجنجل. (¬6) الرجز في: مجالس ثعلب (2/ 430)، وابن يعيش (4/ 87)، والتذييل (3/ 431)، والمغني (1/ 154)، وشرح شواهده (1/ 448)، منسوبا لأبي الهجنجل، والعيني (4/ 545)، والتصريح (2/ 346)، والأشموني (2/ 271)، (4/ 218)، والهمع (1/ 203)، (2/ 210)، والدرر (1/ 172)، (2/ 235)، والمطالع السعيدة (332)، وحاشية الخضري (2/ 16). اللغة: أرمض: مضارع رمض الرجل يرمض رمضا أي أصابه حر الرمضاء وهي الحجارة الحامية من حر الشمس. وأضحى: من ضحى يضحى أي برز للشمس فأصابه حرها. والشاهد فيه: التوسع في ظرف الزمان (يوم) فتعدى الفعل إلى ضميره بدون وساطة «في».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب المفعول الذي يتعداه فعله إلى مفعول بعد أن مثل بأرى عبد الله أبا فلان: لو أدخلت في هذا الفعل وبنيته له لتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين، ثم قال: واعلم أن الأفعال إذا انتهت ها هنا فلم تجاوز، تعدت إلى جميع ما يتعدى إليه الفعل الذي لا يتعدى المفعول وذلك قولك: أعطى عبد الله الثوب إعطاء جميلا ونبئت زيدا أبا فلان تنبؤا، وسرق عبد الله الثوب الليلة، لا تجعله ظرفا ولكن تجعله على قولك: يا مسروق الليلة الثوب (¬1) هذا نصه، قال ابن خروف في شرحه: أجاز سيبويه نصب الظرف مفعولا به بالمتعدي إلى ثلاثة، وإنما قاسه ولم يقس النقل؛ لأن النقل فيه نصب الفاعل ولا ينصب الفاعل إلا تشبيها بما ثبت أصله في الكلام كما نصب الفاعل في حسن الوجه تشبيها بضارب زيدا، ونصب الظرف على الاتساع ليس فيه تغيير عما كان عليه وجميعه مجاز في متعد لواحد أو أكثر، والنقل كله حقيقة فاقتصر فيه على السماع بخلاف نصب الظرف على الاتساع، فإنه مجاز فلا معنى لمراعاة التعدي وغير التعدي فيه (¬2)، ومنعه قوم في باب «أعلم» قياسا على النقل. قال محمد بن مالك (¬3) غفر الله تعالى له: جواز تعدي ذي ثلاثة إلى ظرف على أنه مفعول به يستلزم مشبها دون مشبه به؛ لأنه إذا فعل ذلك بما له مفعول واحد أو مفعولان لم يعدم أصلا يحمل عليه بخلاف نصبه بما له ثلاثة؛ فإنه يلزم منه فرع لا أصل له ومشبه دون مشبه به فوجب منعه، ولأن جواز ذلك [2/ 474] في غير باب أعلم مرتب على ما سمع من إقامة الظرف مقام فاعل الحدث الواقع فيه ومقام ما يوقع به في إخبار عنه وإضافة إليه، ولم يسمع من ذلك شيء في باب «أعلم» فلا يحكم فيه بجواز ذلك المجاز لعدم سماع ما يترتب عليه (¬4). هذا كلام المصنف ولنتبعه بأمور يتعين التنبيه عليها: 1 - منها: أن قول المصنف: (ويتوسع في الظرف المتصرف) - يشمل ظرف الزمان وظرف المكان، لكنه لم يمثل إلا لظرف الزمان وقد مثل لظرف المكان بقول الشاعر: - - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 43). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 438). (¬3) هو المصنف نفسه حيث ذكر ذلك في شرح التسهيل. (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 243 - 246).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1633 - ومشرب أشربه وشيل ... لا آجن الطّعم ولا وبيل (¬1) فالضمير في أشربه عائد على مشرب وهو مفعل من الشرب أي مكان شرب. هكذا ذكر الشيخ في هذا البيت (¬2)، والظاهر أن المراد بمشرب في هذا البيت المصدر وأريد بالمصدر المفعول، فالمراد بمشرب شرب والمراد بشرب المشروب. وإذا كان كذلك فلا يتم الاستدلال بهذا البيت على الاتساع في ظرف المكان ولا شك في صحة الاتساع في ظرف المكان المتصرف، فمن أمثلة سيبويه: سير عليه فرسخان (¬3)، لكن نقل الشيخ عن صاحب البسيط أن التوسع في ظرف المكان لا يطرد بخلاف ظرف الزمان، قال: يقال: نحى نحوك وقصد قصدك وأقبل قبلك، قال: رفعوا فدلّ على نصب التوسع، ولا يجوز: ضربت خلفك فيجعله مضروبا وكذلك لا يتوسع فيجعله فاعلا، فتوسع الفاعل والمفعول غير مطرد في المكان، وإنما كان ذلك لأن ظرف الزمان أشد تمكنا منها (¬4). 2 - ومنها: أن اشتراط التصرف في الظرف الذي يتوسع فيه ظاهر؛ لأن غير المتصرف لا يسند إليه ولا يضاف إليه. 3 - ومنها: أنهم شرطوا في جواز التوسع أن يكون العامل في الظرف الذي يتوسع فيه فعلا أو ما يعمل عمله إذا كان من جنس ما ينصب المفعول به (¬5)، فمثال الفعل قوله: - ¬

_ (¬1) الرجز لم يعلم قائله وهو في: التذييل (3/ 432)، والبحر المحيط (6/ 387)، والمطالع السعيدة (ص 332)، والهمع (1/ 203)، والدرر (1/ 172). والشاهد فيه: هو التوسع في ظرف المكان وهو «مشرب» فتعدى الفعل إلى ضميره غير مقترن بفي. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 432). (¬3) ذكر ذلك سيبويه في باب ما يكون فيه المصدر حينا لسعة الكلام والاختصار فقال: ونقول: سير عليه فرسخان يومين، لأنك شغلت الفعل بالفرسخين فصار كقولك: سير عليه بعيرك يومين، وإن شئت قلت: سير عليه فرسخين يومان أيهما رفعته صار الآخر ظرفا، وإن شئت نصبته على الفعل في سعة الكلام لا على الظرف. اه، الكتاب (1/ 223). (¬4) التذييل (3/ 437). (¬5) ينظر: المطالع السعيدة (ص 333) حيث ذكر السيوطي فيه أن للتوسع خمسة شروط منها هذان الشرطان اللذان ذكرهما الشارح كما ذكر السيوطي هذه الشروط في الهمع (1/ 203) أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1634 - ويوما شهدناه ... ... ... البيت (¬1) وقول الآخر: - 1635 - قد أصبحت صحبها السّلام ... بكبد خالطها سنام في ساعة يحبّها الطّعام (¬2) أي يحب فيها الطعام، والمراد بما يعمل عمل الفعل ما يرفع الفاعل إذا كان من فعل لا يتعدى، وما ينصب المفعول إذا كان من فعل يتعدى، مثال الأول: منطلق، ومثال الثاني: أكل، فيقال: أما الليلة فأنا منطلقها، تريد فأنا منطلق فيها، وأما اليوم فأنا آكله خبزا، تريد فأنا آكل فيه خبزا، فجاز هذا كما يجوز في الفعل إذا قلت: الليلة انطلقتها أي انطلقت فيها، واليوم أكلته خبزا أي أكلت فيه خبزا، ولا يجوز أن يقال: أما اليوم فليته زيدا منطلق، تريد ليت فيه زيدا منطلق، ولا أما الليلة فما أتاها زيد منطلقا، تريد فما فيها زيد منطلقا؛ لأن ما وليت وأخواتها ليس ينصب شيء منها المفعول في موضع من المواضع، فلذا [2/ 475] لم ينصب ما اتسع فيه من الظروف وجعل بمنزلة المفعول به، وقد نقل عن الأخفش جواز ذلك في ما، والذي صححه الجمهور أن ذلك لا يجوز، وإنما قيدوا العامل عمل الفعل بقولهم: إذا كان من جنس ما ينصب المفعول به؛ ليخرج المجرور والظرف الواقعان (¬3) موضع الخبر نحو قولك: زيد في الدار يوم الجمعة، وزيد عندك يوم الخميس، فإنهما يرفعان الفاعل كما يرفعه الفعل إلا أنهما ليسا من جنس ما ينصب المفعول به، فلا يجوز نصب يوم الجمعة ويوم الخميس على الاتساع، بل هما منصوبان على الظرف. والدليل على أنهما ليسا فيما ذكرنا منصوبين على الاتساع أنه لا يجوز أن يأتي في مثل ذلك بضمير منصوب، فلا يجوز أن تقول: أما يوم الجمعة فزيد في الدار - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل سبق الاستشهاد به قريبا وهو لرجل من بني عامر وهو في: الخزانة (7/ 181)، (8/ 208)، (10/ 174)، ومغني اللبيب (2/ 503)، والمقتضب (3/ 105). ويستشهد به على: نصب ضمير اليوم تشبيها بالمفعول به اتساعا والمعنى: شهدنا فيه. (¬2) رجز لم يعلم قائله وهو في: معاني القرآن للفراء (1/ 32)، والكامل (1/ 34) والتذييل (3/ 432)، واللسان مادة «حبب». والشاهد فيه: التوسع في ظرف الزمان فتعدى الفعل إلى ضميره بدون وساطة «في». (¬3) ينظر: الأشباه والنظائر (1/ 18)، والهمع (1/ 203).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إياه، تريد فزيد في الدار فيه، ولا أما يوم الخميس فزيد عندك إياه، تريد فزيد عندك فيه، وذلك لأنهما ليسا من جنس ما ينصب المفعول به، لأن العرب لم تنصب بالظرف والمجرور الواقعين موقع الخبر المفعول به في موضع من المواضع كما نصبته بالفعل واسم الفاعل. 4 - ومنها: أن الضمائر من الزمان والمكان لا تقع خبرا للمبتدأ [3/ 6] منصوبة كما يقع الظرف في شيء من كلام العرب، فتقول: يوم الخميس سفري فيه، ولا تقول: سفري إياه إلا أن تدخل عليه «في» وهذا يدل على أن الضمائر لا تنصب ظروفا؛ لأن كل ما ينتصب ظرفا يجوز وقوعه خبرا إذا كان مما يصح عمل الاستقرار فيه، ذكر ذلك ابن هشام الخضراوي (¬1) قال: ولم أر أحدا نبّه على هذا، أشار إلى ذلك الشيخ في شرحه (¬2). قلت: وما ذكره قد عرف من قول المصنف وقول غيره: إنك إذا قصدت الاتساع في الظرف قلت: يوم الجمعة صمته، وإذا لم تقصد الاتساع فيه يجب أن تقول: يوم الجمعة صمت فيه، فعلم من هذا أنه متى قصدت الظرفية مدلولا عليها بالضمير، وجب اقتران ذلك الضمير «بفي» ولا يجوز الإتيان به غير مقرون بها، وقد تقدم في كلام المصنف إشارة إلى العلة الموجبة لذلك، ومع ذلك لا يحتاج إلى ما ذكره ابن هشام. 5 - ومنها: أنه قد فهم من قول المصنف: (ويسوغ حينئذ - أي حين إذ يتوسع فيه - إضماره غير مقرون «بفي» والإضافة والإسناد إليه) أنه لا يضاف إلى الظرف وهو باق على الظرفية، بل إنما يضاف إليه بعد التوسع فيه، وهذا كالمجمع عليه عند النحاة، وعلل الفارسي ذلك بأن قال: إذا قلت: يا سائر اليوم ويا ضارب اليوم لم يكن اسما وخرج بالإضافة إليه عن أن يكون ظرفا؛ لأنه إذا كان ظرفا كانت «في» مرادة ومقدورة معه بدليل ظهورها مع الضمير، قال: فإرادة ذلك فيه تمنع الإضافة إليه (¬3)، قال ابن هشام الخضراوي: ولا يظهر عندي، يعني تعليل - ¬

_ (¬1) ينظر: الأشباه والنظائر (1/ 16، 17). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 432). (¬3) الإيضاح للفارسي (178) وينظر أيضا: الإغفال (483 - 485) حيث أشار إلى ذلك، والأشباه والنظائر (1/ 17)، والتذييل (3/ 433).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفارسي، قال: لأن كل مضاف سوى باب الحسن [2/ 476] الوجه يقدر باللام أو بمن ولم يمنع ذلك من الإضافة، وقولنا: الظرف مقدر «بفي» معناه: يصلح في اللفظ إن كان متمكنا ولا يعني إضمارها لعدم الخفض ولا تضمينها لعدم البناء، وإذا لم تضمر ولم تضمن فتقديرها تقدير معنى كتقدير لام الملك في غلام زيد و «من» للتبيين في ثوب خز، وكذا تقول: هنا في للوعاء، ولا يمنع الإضافة كما لا يمنعها تقدير لام الملك (¬1). انتهى. والذي يظهر أن الحق ما قاله الفارسي؛ لأن تقدير الحرف في الإضافة إنما هو تقدير معنوي ليفيد الاختصاص إن كان المقدر اللام، والجنسية إن كان المقدر «من»، وأما تقدير الحرف مع الظرف فإنه مقدر لفظا مع كونه مقدرا معنى، وإذا كان مقدرا لفظا كان في حكم الملفوظ به، وإذا كان كذلك فلا يجوز الإضافة إلى الظرف وهو باق على الظرفية لما يلزم من الفصل بين المضاف والمضاف إليه، والدليل على أن التقدير في الإضافة يخالف التقدير في باب الظرف أنك لو أتيت بالحرف في الإضافة فقلت: غلام لزيد وثوب من خز تغير معنى الإضافة، أما إذا أتيت بالحرف في نحو: سرت يوم الخميس فقلت: سرت في يوم الخميس فمعنى الظرفية باق، لكن مع وجود «في» لا يطلق على مدخولها ظرف في اصطلاح النحاة؛ لأن الظرف عنده هو المنصوب من أسماء الزمان والمكان على تقدير «في». وقد قال ابن أبي الربيع: لو تعدى الفعل إلى المفعول فيه على حسب ما يطلبه لتعدى إليه بحرف الجر، ويجوز ذلك فيه فتقول: جلست في يوم الجمعة ومشيت في يوم الخميس، ولا يكون حينئذ ظرفا إنما يكون من قبيل ما يصل الفعل إليه بحرف الجر، ولا يسمي النحويون ظرفا إلا ما انتصب بالفعل على معنى «في» مما يكون زمانا أو مكانا وإن كان المعنى واحدا. انتهى. فقوله: إن المعنى واحد مع قوله: إن النحويين لا يسمون مدخول «في» ظرفا يحقق ما ذكرته ويقوي ما أشرت إليه وجوب ذكر «في» مع ضمير الظرف، وتعليل ذلك بأن الضمائر ترد معها الأشياء إلى أصولها؛ فلولا أن الأصل في الظرف أن تباشره «في» لما صح هذا التعليل، فإن قيل: قد قلتم: إن «في» إذا باشرت - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (3/ 434)، والأشباه والنظائر (1/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظرف خرج عن الظرفية إلى الاسمية، وتقدم الدليل على ذلك في أول الباب. فإذا حكمتم بأن «في» مقدرة لفظا لزم خروج الظرفية عن الظرفية إلى الاسمية، فالجواب: أن الكلمة إنما تخرج عن الظرفية إذا لفظ معها «بفي» أما تقديرها فلا يلزم منه ما يلزم من النطق بها، ولا شك في ظهور الفرق بين ما هو ملفوظ به وبين ما هو في حكم الملفوظ به (¬1)، وقد استضعف ابن عصفور قول الفارسي أيضا فقال: هذا الذي استدل به الفارسي هو الذي عول عليه أكثر النحويين، وهو عندي ضعيف لأن العرب تفصل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجر ملفوظ به في باب لا [2/ 477] نحو قولك: لا أبا لك، وإذا لم يعتدوا به فاصلا وهو ملفوظ به فبالأحرى أن لا يعتدوا به فاصلا، وهو مقدر، وليس ما ذكروه من أن المقدر بمنزلة الملفوظ صحيحا، إذ لو كان كذلك لم يصل الفعل إلى نصب الظرف كما لا يصل إليه مع اللفظ «بفي» بل لقائل أن يقول: كما لم يعتدوا بفي المقدرة ولذلك نصبوا، كذلك ينبغي أن لا يعتد بها إذا أضافوا، قال: وإلى ذلك ذهب الجزولي، فإنه أجاز الإضافة مع بقاء الظرفية، ثم قال: والصحيح عندي أنه لا يضاف إلى الظرف إلا بعد الاتساع فيه كما ذهب إليه أبو علي، لكن العلة فيه هو ما ذكره، وهي أن الظرف إذا دخل عليه الخافض خرج عن الظرفية، والسبب في ذلك أي في خروج الظرف بالخفض عن الظرفية إلى الاسمية ما ذكره أبو الحسن في كتابه الكبير من أنهم جعلوا الظرف بمنزلة الحرف الذي ليس باسم [3/ 7] ولا فعل لشبهه به، من حيث كان أكثر الظروف قد أخرج منها الإعراب وأكثرها أيضا لا يثنى ولا يجمع ولا يوصف، قال: فلما كانت كذلك كرهوا أن يدخلوا فيها ما يدخلون في الأسماء (¬2). انتهى ما ذكره ابن عصفور، ولقائل أن يقول: ما ذكره من الفصل في «لا أبا لك» يجاب عنه من وجهين: - أحدهما: أن هذا شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، وما كان خارجا عن القواعد والقياس لا عبرة به. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 45، 46)، والأشباه والنظائر (1/ 222). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 434 - 436)، والأشباه والنظائر (1/ 17) حيث ذكر هذا النص فيهما لابن عصفور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيهما: أن مذهب جماعة من أكابر النحاة أن لا إضافة وأن المجرور بعد اسم «لا» في موضع الصفة ولكن الموصوف شبيه بالمضاف، فعومل معاملته، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب «لا» العاملة عمل «إنّ» وأما قوله: إنه لو كان المقدر بمنزلة الملفوظ لم يصل الفعل إلى نصب الظرف كما لا يصل إليه مع التلفظ «بفي» فالجواب عنه: أن الفعل إنما لم يصل إلى النصب مع التلفظ «بفي» لأن المحل قد شغل بعمل «في» عن قبول غير ما شغل به، أما إذا لم يلفظ بها فلا يكون لها عمل؛ إذ لا يجر بحرف مقدر إلا في مواضع مخصوصة ليس هذا منها، وإذا لم يكن لها عمل فأي مانع يمنع من وصول الفعل إلى ما يطلبه، وأما التعليل الذي علل هو به ونقله عن أبي الحسن فلم يتوجه لي على التحقيق فعلى الناظر أن يتأمله، فإن كان صحيحا فهو تعليل آخر يضاف إلى تعليل الفارسي. 6 - ومنها: أنك عرفت أن المصنف ذكر في الاتساع في الفعل المتعدي إلى ثلاثة - مذهبين، الجواز وقال: إنه ظاهر قول سيبويه، والمنع واختاره هو واستفيد من كلامه أن الاتساع فيما يتعدى إلى اثنين جائز كما هو جائز في غير المتعدي وفي المتعدي إلى واحد، قال ابن عصفور: وهو مذهب الأكثرين وهو مذهب سيبويه أعني جواز الاتساع في الفعل الذي يتعدى إلى اثنين (¬1)، ثم ذكر أعني ابن [2/ 478] عصفور مذهبا ثالثا وهو أن الاتساع إنما يجوز في غير المتعدي وفي المتعدي إلى واحد خاصة، واختار هو هذا المذهب، قال: وإنما امتنع عند هؤلاء الاتساع في الظرف المنتصب بالفعل المتعدي إلى اثنين؛ لأنه ليس في الأفعال ما يتعدى إلى ثلاثة مفعولين بحق الأصالة، فلحق به الفعل المتعدي إلى اثنين إذا اتسع في الظرف المنتصب به، وذلك أن أعلم وأرى إنما تعديا إلى ثلاثة بالنقل بالهمزة، وأما أنبأ وأخواتها فإنما تعدت بالتضمين، ثم قال: ومما يؤيد هذا المذهب أن الاتساع لا يحفظ في الظروف المنتصبة بالأفعال، إلا إذا كان الفعل الناصب لها غير متعد أو متعد إلى واحد (¬2). انتهى. وقال الشيخ: تعدي الفعل إلى الظرف اتساعا غير معتد به ولا يراعى مراعاة - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 438)، والمطالع السعيدة (333). (¬2) ينظر: الأشباه والنظائر (1/ 18)، والتذييل (3/ 439)، والمطالع السعيدة (ص 233)، والهمع (1/ 203).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعدّيه إلى المفعول به غير المتسع فيه، ودليل ذلك تعدي ما لا يتعدى إليه، فلولا أنه لا يتعدى به لم يجز في «قام» ونحوه مما لا يقتضي مفعولا به، فلما كان كذلك صحّ الاتساع في الظرف فيما يتعدى إلى ثلاثة، قال: ولم يلتفت سيبويه إلى ما يكون نظيرا له في كلام العرب أصح أم لا، كأنه لا يلزم ذلك ولا يعتدّ بهذا التعدي، وكأنه لم يجعل الظرف مفعولا به، ولم يتوسع فيه إذ ذاك مجاز لا حقيقة، ولولا ذلك لم يجز في قام ونحوه؛ لأن ذلك ممتنع في الحقيقة وإنما جاز لضرب من المجاز، قال: وأما قوله يعني المصنف: لم يسمع من ذلك شيء في باب أعلم، فلا يحكم فيه بجواز ذلك المجاز لعدم سماع ما يترتب عليه؛ فهذا أمر لازم له فيما يتعدى إلى اثنين، وقد جوز هو التوسع فيما يتعدى إلى اثنين ولم يسمع من ذلك شيء فيما يتعدى إلى اثنين؛ فينبغي على ما قررنا أن لا يجوز ذلك، وقد جوز الاتساع فيما يتعدى إلى اثنين فتناقض (¬1). انتهى. والذي ذكره الشيخ هو الظاهر، وقد عرفت أن المصنف قال: إن ظاهر قول سيبويه يعطي جواز الاتساع فيما يتعدى إلى ثلاثة، وعرفت كيف قرر ابن خروف ذلك، فعلى ما ذكره الشيخ يتمشى مذهب سيبويه، ويتبين صحة تقرير ابن خروف. فرحمهم الله تعالى أجمعين بمنّه وكرمه. 7 - ومنها: أن ابن عصفور تعرض إلى ذكر المصدر بالنسبة إلى جواز الاتساع فيه، فقال: الاتساع في المصدر أن ينصب نصب المفعول به، وأعني بذلك أن يعامل معاملة المفعول لا معاملة المصدر، بدليل أنه يجوز أن يؤتى بعده إذ ذاك بالمصدر كما يؤتى به بعد المفعول به، ومن ذلك قول العرب: سير عليه سير شديد، أيما سير فسير شديد كان قبل بناء الفعل للمفعول منصوبا على التشبيه بالمفعول به، بدليل أنهم أتوا بعده باسم منتصب على المصدر [2/ 479] وهو أيما سير (¬2). انتهى. ومن أجل هذا ابتدأ الشيخ شرح هذا الموضع كأنه يستدرك على المصنف بأن قال: ظاهر كلامه اختصاص الظرف المتصرف بالتوسع فيه بأن يجعل مفعولا به على التوسع والمجاز ولا يختص ذلك بهذا الظرف، بل يجوز ذلك في المصدر المتصرف - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 439). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 429)، والأشباه والنظائر (1/ 16)، والمطالع السعيدة (ص 331).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا فينصب مفعولا به على التوسع والمجاز، ولو لم يصح فيه ذلك ما جاز لفعل ما لم يسم فاعله حين قلت: ضرب ضرب شديد؛ لأن بناءه لما لم يسم فاعله فرع عن التوسع فيه بنصبه نصب المفعول به وتقول: الكرم أكرمته زيدا، ويا ضارب الضرب زيدا (¬1). هذا كلام الشيخ. واعلم أن في كون المصدر يتوسع فيه بأن يجعل مفعولا به نظرا، وموجبه أن التوسع مجاز والمجاز لا يرتكب إلا بدليل، وقد وجد في الظرف ما يدل على أنه ينصب مفعولا به على السعة وهو أنهم أوصلوا العامل إلى ضمير الظرف بنفسه [3/ 8] دون «في» فدلّ ذلك على أنهم إنما أوصلوه إلى الضمير بعد إيصالهم إياه إلى الظاهر بنفسه أيضا؛ إذ لو لم يقدر ذلك في الظاهر لم يجئ في مضمره، فثبت نصب الظرف مفعولا به على التوسع بهذا الطريق، وأما المصدر فأي دليل يدلنا على أنه إذا نصب، أما مع عدم ذكر مفعول أو مع ذكر مفعول على أنهم توسعوا فيه فنصبوه مفعولا به، وإذا لم يكن ثمّ دليل على ذلك فندعي أنه منصوب على المصدر، ولو ذكر معه المفعول به؛ إذ لا مانع من ذلك، وما قاله ابن عصفور من أنه يجوز أن يؤتى بعده إذ ذاك بالمصدر ممنوع، وأما استدلاله بقول العرب: سير عليه سير شديد أيما سير إلى آخر ما ذكره فمنازع فيه؛ لأن لمدّع أن يدعي أن أيما سير باق على المصدرية وأنه منصوب على الحال من سير شديد؛ لأن سيرا وإن كان نكرة قد تخصص بالوصف، وكما أن الحال يكون عن المعرفة يكون عن النكرة المخصصة لا فرق بينهما كما هو المعروف عند أهل الصناعة النحوية، وأما ما مثّل به الشيخ وهو: الكرم أكرمته زيدا فلا أعرف ما المانع فيه من أن يكون الضمير منصوبا على المصدر، وكذا: يا ضارب الضرب زيدا أصله: يا ضاربا الضرب زيدا، فالضرب منصوب على المصدر وأضفنا إليه وهو باق على مصدريته إذ لا مانع من ذلك، وإنما احتجنا إلى إخراج الظرف عن الظرفية حال الإضافة إليه لأجل «في» المقدرة كما تقدم تقريره. وأما قوله: «إنه لو لم يصح فيه ذلك ما جاز أن يقام مقام المفعول إذا بني الفعل له، وتعليله ذلك بأن بناءه لما لم يسم فاعله فرع عن التوسع فيه بنصبه نصب المفعول به» فغير ظاهر [2/ 480] ولا نسلم أن إقامته مقام المفعول فرع عن نصبه نصب - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 328، 329).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المفعول به، بل نقول: إن المصحح لإقامة المصدر مقام الفاعل هو المصحح لوقوعه فاعلا وهو الملابسة التي بينه وبين الفعل، كما أن ذلك واقع في الظرف وحاصل الأمر: أن المصدر يتوسع فيه بالإسناد إليه ولا يتوسع فيه بأن ينصب مفعولا به ولا بأن يضاف إليه؛ إذ لا داعية تدعو فيه إلى ذلك بخلاف الظرف فإنه يتوسع فيه بالإسناد كالمصدر ويتوسع فيه أيضا بنصبه مفعولا به والإضافة إليه (¬1)؛ ولأجل ذلك لم يتعرض المصنف إلى ذكر التوسع في المصدر في هذا الباب حين ذكر التوسع في الظرف، لأن التوسع في الظرف عام في ثلاثة الأمور المذكورة والتوسع في المصدر خاص بأمر واحد، وقد ذكر المصنف ذلك الأمر في باب ما لم يسم فاعله لأنه مكانه فلم يبق لذكره في هذا الباب وجه، وهذا يدل على جلالة قدر المصنف وعلو رتبته وأنه موفق في نظره مهدي إلى طريق الصواب؛ فرحمه الله تعالى وأسكنه غرفات الجنان بمنه وكرمه. * * * ¬

_ (¬1) ينظر: الأمالي الشجرية (2/ 249).

الباب السادس والعشرون باب المفعول معه

الباب السادس والعشرون باب المفعول معه [تعريفه وشرح التعريف] قال ابن مالك: ((وهو التّالي) (¬1) واوا تجعله بنفسها كمجرور مع وفي اللّفظ كمنصوب معدّى بالهمزة). قال ناظر الجيش: ختم المصنف بهذا الباب أبواب المفاعيل؛ لأن المذكور فيه هو خامسها، وذكر في الشرح أن المفعول معه يطلق في اللغة على أربعة أشياء وهي: المجرور بمع أو بالياء التي للمصاحبة والمعطوف المراد به المصاحبة والمنصوب بعد الواو بالشروط المذكورة (¬2). فالأول: نحو: جلست مع زيد، والثاني: نحو: وصلت هذا بذاك، والثالث: نحو: مزجت عسلا وماء، والرابع: نحو: ما صنعت وأباك، واستوى الماء والخشبة، وما زلت وزيدا حتى فعل، ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، إلا أن النحاة قصروا المفعول معه على الرابع فلذلك قال: (التالي واوا)؛ ليخرج التالي غيرها، وقيد الواو بأن تجعله في المعنى كمجرور مع ليخرج المعطوف بالواو والمفيدة مطلق الجمع، وقال: (بنفسها)، ليخرج المعطوف بعد ما يفهم منه المصاحبة نحو: أشركت زيدا وعمرا، ومزجت العسل والماء، فإن المصاحبة في مثل هذا مفهومة قبل ذكر الواو بخلاف قولك: سرت والنيل، فإن المصاحبة لا تفهم منه إلا بالواو، ونبه بقوله: (كمنصوب معدى بالهمزة) على أن الواو معدية ما قبلها من العوامل إلى ما بعدها فينصب به بواسطة الواو فعلا كان أو عاملا عمل الفعل. هذا كلام المصنف (¬3)، وفيه أمران: أحدهما: أن قوله: (وفي اللفظ كمنصوب معدى بالهمزة) غير محتاج إليه في الحد؛ لأنه لم يحترز به عن شيء خيف دخوله مع [2/ 481] المحدود بل لا يجوز إدخاله في الحد؛ لأنه إنما ذكر بيان العامل في المحدود، وذلك شيء خارج عن - ¬

_ (¬1) في (التسهيل): (وهو الاسم التالي). (¬2) ينظر: المطالع السعيدة (ص 333). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 247) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماهيته فلا وجه لذكره، وعلى هذا يجب الاقتصار على قوله: (وهو الاسم التالي واوا تجعله بنفسها كمجرور مع). الأمر الثاني: أنه قال: قلت: تجعله في المعنى كمجرور مع ليخرج المعطوف بالواو المفيدة مطلق الجمع، فأفهم كلامه أن المعطوف بالواو المفيدة للمصاحبة لم تخرج بهذا القيد؛ ولهذا احتاج أن يقول: (بنفسها) ليخرج هذا القسم، لكن في كلام الإمام بدر الدين ولده ما يقتضي أن القيد الأول وهو: تجعله في المعنى كمجرور مع - كاف في خروج القسمين، أعني المعطوف بعد الواو الدالة على مطلق الجمع وبعد الواو الدالة على المصاحبة؛ لأنه حد المفعول معه بأنه: الاسم المذكور بعد واو بمعنى مع، قال: فاحترزت بقولي: بعد واو من نحو: خرجت مع زيد، وبقولي: بمعنى مع مما بعد واو غيرها كواو العطف وواو الحال، فواو العطف كما في نحو: اشترك زيد وعمرو، وكل رجل وضيعته؛ فالواو في هذين المثالين وإن دلت على المصاحبة فهي واو العطف؛ لأنها شركت بين زيد وعمرو [3/ 9] في الفاعلية، وبين كل رجل وضيعته في التجرد للإسناد، فما بعدها ليس مفعولا معه، وأما واو الحال فكما في نحو: جاء زيد والشمس طالعة، وسرت والنيل في زيادة، فما بعد هذه الواو أيضا ليس مفعولا معه؛ لأنها واو الحال، وهي في الأصل الواو التي يعطف بها جملة على جملة بجهة جامعة بينهما لا الواو التي بمعنى مع (¬1) انتهى. وعنى بقوله: يعطف بها جملة على جملة بجهة جامعة، أنها مفيدة للتشريك أيضا كما في المفردات إلا أنها في المفردات تشرك في الحكم، وأما في الجمل فتشرك في الجهة الجامعة بينهما، وقد اقتضى كلامه أن واو «مع» غير صادقة على واو العطف المراد بها المصاحبة من حيث إن واو العطف تشرك ما بعدها في حكم ما قبلها، واو «مع» لا تقتضي تشريكا، على أنه صرح بعد كلامه الأول بأن المراد بالواو التي بمعنى «مع» الدلالة على المصاحبة بلا تشريك في الحكم، وبأن الحد الذي ذكره شامل لما كان من المفعول معه غير مشارك لما قبله في حكمه نحو: - ¬

_ (¬1) شرح الألفية لابن الناظم (ص 110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سرت والطريق، ولما كان مشاركا لما قبله في حكمه ولكنه أعرض عن الدلالة على المشاركة وقصد إلى مجرد الدلالة على المصاحبة نحو: جئت وزيدا (¬1)، هذا كلام الإمام بدر الدين. ومقتضاه أن نحو: أشركت زيدا وعمرا ومزجت العسل والماء ليس القصد فيه إلى الدلالة على المصاحبة، بل القصد فيه إلى تشريك الثاني مع الأول في حكمه (¬2)، وهذا خلاف ما ذكره المصنف وما قاله الإمام بدر الدين الظاهر [2/ 482] أنه الصواب؛ لأن الواو التي بمعنى مع حقها أن يفاد بها ما يفاد بمع، و «مع» لا دلالة لها على المشاركة، بل إنما جيء بها لقصد الدلالة على المصاحبة، فإذا قلت: جئت مع عمرو، أفاد هذا الكلام الإخبار عن مدلول التاء بالمجيء مصاحبا لعمرو، وإن كان عمرو قد جاء أيضا، لكن ليس مقصود المتكلم الإخبار بمجيئه، وهكذا يجب أن يكون الحكم مع الواو إذا قلت: جئت وزيدا، ويعضد ذلك أيضا: أنه إذا جيء بخبر بعد المفعول معه جيء به مطابقا للاسم المذكور قبل الواو لا للاسمين (¬3)، قال الشاعر يصف رجلا مات معانق امرأة لقيها بعد فراق: 1636 - فكان وإيّاها كحرّان لم يفق ... عن الماء إذ لاقاه حتّى تقدّدا (¬4) وكذا إذا جيء بحال أيضا إنما يطابق ما قبل الواو فنقول: جاء البرد والطيالسة قويّا كما تقول: كان زيد وعمرو قائما، ولكن إنما يشكل على بدر الدين أنه مثل لما يختار فيه العطف بقول القائل: كنت أنا وزيد كالأخوين ثم قال: ويجوز نصبه - ¬

_ (¬1) شرح الألفية لابن الناظم (ص 110). (¬2) أي أن ما بعد الواو في مثل هذا المثال مفعول به وليس مفعولا معه. ينظر: حاشية الصبان (2/ 134)، وقد علل الصبان لذلك فقال: لأن المعية في مثله مستفادة مما قبل الواو، لا منها فإنها لمجرد العطف. اه. (¬3) ينظر: الهمع (1/ 222). (¬4) البيت من الطويل وهو لكعب بن جميل، وهو في: الكتاب (1/ 298)، والتذييل (3/ 446، 450، 451، 453)، والغرة لابن الدهان (2/ 76)، وابن القواس (ص 458)، وشرح الجمل لابن العريف (ص 137)، والحلل في شرح أبيات الجمل (ص 366). والشاهد فيه: نصب كان الناقصة المفعول معه وهو «إياها» وخبرها «كحران» وقد جاء الخبر مطابقا لما قبل الواو، وأول المانعون ذلك على أن (كان) تامة (وكحران) حال وليس خبرا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: كنت أنا وزيد كالأخوين على الإعراض عن التشريك في الحكم والقصد إلى مجرد المصاحبة (¬1)، ووجه إشكاله أنه إذا أعرض عن التشريك في الحكم يتعين إفراد الخبر؛ إذ لا يخبر بمثنى عن مفرد، ومما يحقق صحة الحد الذي ذكره بدر الدين قول الشيخ أبي عمرو بن الحاجب في حده: «هو المذكور بعد الواو المصاحبة معمول فعل لفظا أو معنى» (¬2). وهو أحسن من حد بدر الدين، وأفيد لما تضمنه من الإشارة إلى ما يرشد إلى الصور التي يشتمل عليها باب المفعول معه بالنسبة إلى ما يصح فيه العطف وما لا يصح، ثم قال المصنف بعد كلامه الذي تقدم نقله عنه، وربما سماه سيبويه مفعولا به، فمن ذلك قوله: هذا باب ما يضمر فيه الفعل وينصب فيه الاسم لأنه مفعول معه ومفعول به، وقوله بعد أن مثّل بما زلت وزيدا أي ما زلت بزيد حتى فعل، ثمّ قال: فهو مفعول به (¬3). هذه عبارة سيبويه رحمه الله تعالى، فأما المصنف فإنه أوّل هذا الكلام بأن قال: وهذا من أجل أن الباء تساوي (مع) في الدلالة على المصاحبة كقولك: بعت الفرس بسرجه ولجامه، والدار بأثاثها، أي مع سرجه ولجامه ومع أثاثها (¬4)، وأما ابن عصفور فحمل كلامه على ظاهرة المفعول معه هو الاسم المنتصب بعد الواو بمعنى مع المتضمن معنى المفعول به، وذلك نحو: ما صنعت وأباك، ألا ترى أن الواو التي بمعنى مع المتضمن معنى المفعول به، وذلك نحو: ما صنعت وأباك، ألا ترى أن الواو بمعنى مع والأب في المعنى مفعول به، كأنك قلت: ما صنعت بأبيك، ولو لم ترد هذا المعنى لكان الاسم الذي بعد الواو معطوفا على الاسم الذي قبله (¬5). انتهى. وما قاله غير ظاهر إذ لا يتأتى له هذا التقدير في أكثر صور مسائل الباب، وقوله: إن المعنى ما صنعت بأبيك لا يلزم منه كون الأب مفعولا به؛ لأن الباء يجوز أن تكون بمعنى مع [2/ 483] والمراد ما صنعت مع أبيك؛ فإن قيل: المراد من هذا السؤال هو ما أوقعت من الصنع بأبيك، أجيب: بأن الباء تكون حينئذ معدية ويكون الأب مفعولا به في المعنى - ¬

_ (¬1) شرح الألفية لابن الناظم (ص 112). (¬2) شرح كافية ابن الحاجب للرضي (1/ 194). (¬3) الكتاب (1/ 297، 298). (¬4) شرح التسهيل للمصنف (106 / ب). مخطوط رقم 10 ش نحو، وليس هذا النص في المطبوع. (¬5) المقرب (1/ 158).

[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك]

[ناصب المفعول معه والآراء في ذلك] قال ابن مالك: (وانتصابه بما عمل في السابق من فعل أو عامل عمله لا بمضمر بعد الواو خلافا للزّجّاج، ولا بها خلافا للجرجاني، ولا بالخلاف خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ ويخرج الكلام عن معنى المصاحبة والمعية إلى معنى آخر. قال ناظر الجيش: شرع المصنف بعد ذكر الحد في ذكر العامل في المفعول معه، وذكر فيه أربعة مذاهب: الأول (¬1): وهو قول سيبويه وأكثر البصريين أنه العامل في الاسم السابق على الواو (¬2)، ثم العامل في الاسم السابق قد يكون فعلا وقد يكون عاملا عمل الفعل (¬3)، فأما الفعل فنحو: ما صنعت وأباك، واستوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطيالسة (¬4)، وما زلت وزيدا حتى فعل، ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، ولا فرق بين المتعدي واللازم في ذلك، وذهب بعضهم إلى أن المفعول معه لا يكون إلا مع اللازم، [3/ 10] فلا يقال: ضربتك وزيدا على أن زيدا مفعول معه، قالوا: لئلا يلتبس بالمفعول به، والجمهور على خلاف ذلك (¬5) وقد جوز سيبويه في نحو: امرأ ونفسه والعطف والنصب على المعية (¬6)، والفعل المقدر أترك وهو متعد والجمهور على أن كان الناقصة تنصب المفعول معه؛ لأن الأصح فيها أنها مشتقة وأنها تدل على الحدث، فعلى هذا تعمل في الظرف ويتعلق بها الجار وتنصب المفعول معه كسائر الأفعال، ومن سلبها الدلالة على الحدث منع أن تعمل في الثلاثة المذكورة، ولا تعويل على ذلك (¬7). وأما العامل عمل الفعل فالمصدر نحو: عرفت - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 248 - 251). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 297)، والتصريح (1/ 343)، وشرح عمدة الحافظ (2/ 402)، وشرح الكافية للرضي (1/ 195). (¬3) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 97)، والتوطئة (ص 344) بتحقيق د/ يوسف المطوع. (¬4) الطيالسة: جمع طيلسان وهو ما يلبس مع البرد. ينظر: اللسان «طلس». (¬5) ينظر: المطالع السعيدة (ص 334)، والهمع (1/ 220). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 297). (¬7) ينظر: التذييل (3/ 445، 446)، والهمع (1/ 220).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استواء الماء والخشبة (¬1)، واسم الفاعل نحو: لست زائلا وزيدا حتى تفعل، واسم المفعول نحو: الناقة متروكة وفصيلها، وعليه ما أنشده أبو علي: 1637 - لا تحبسنّك أثوابي فقد جمعت ... هذا ردائي مطويّا وسربالا (¬2) فسربالا المفعول معه وعامله مطويّا، وقد علم من اقتصار المصنف في العامل على ما ذكره أن العامل المعنوي، وهو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه، لا ينصب المفعول معه، وذلك كحرف التنبيه والظرف المخبر به والجار والمجرور واسم الإشارة، وهذا مذهب سيبويه (¬3)، قال المصنف: وينبغي أن تعلم أن مذهبه عدم الاكتفاء في نصب المفعول معه بما يكتفى به في نصب الحال، فلا ينصبه العامل المعنوي معه بما يكتفى به في نصب الحال فلا ينصبه العامل المعنوي؛ ولذا لم ينصبه بلك في: «هذا لك وأباك» ولا بحسبك في: حسبك وزيدا درهما (¬4)، وأكثر المتأخرين يغفلون عن هذا. قال: وقد أجاز أبو علي أن يكون العامل في سربالا «هذا» يعني اسم الإشارة (¬5). وظاهر كلام سيبويه المنع؛ لأنه قال في آخر أبوابه: وأما هذا لك وأباك فقبيح؛ لأنه لم [2/ 484] يذكر فعلا ولا حرفا فيه معنى فعل (¬6)، أراد بقبيح ممنوعا وبالحرف الذي فيه معنى الفعل: حسبك وكفيتك وما ذكر بعدهما في الباب؛ فلو كان اسم الإشارة عنده مثلها لم يحكم بقبح هذا لك وأباك، بل كان يحكم فيه بما حكم في: ويله وأباه، وهذا واضح (¬7). انتهى. وظاهر التمثيل بحسبك وكفيتك - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح عمدة الحافظ (2/ 403). (¬2) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو في: التذييل (3/ 447)، والعيني (3/ 86)، والتصريح (1/ 343)، والأشموني (2/ 136)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 97)، وابن الناظم (110)، والهمع (1/ 220). والشاهد في قوله: «وسربالا»؛ حيث نصب على أنه مفعول معه، ولم يتقدمه الفعل بل ما تضمن معناه وهو «مطويا»، وأجاز أبو علي أن يكون العامل فيه «هذا». (¬3) في: الكتاب (1/ 310): «وأما هذا لك وأباك فقبيح أن تنصب الأب، لأنه لم يذكر فعلا ولا حرفا فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل» اه. (¬4) المرجع السابق نفسه، وينظر: الهمع (1/ 220). (¬5) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 97)، والأشموني (2/ 137). (¬6) الكتاب (1/ 310). (¬7) شرح التسهيل للمصنف (2/ 248).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للحرف الذي فيه معنى الفعل يقتضي أن هاتين الكلمتين ينصبان المفعول معه، لكن سيأتي في آخر الباب أن المنصوب بعدهما إنما هو مفعول به وأن الناصب له فعل مقدر على ما يعطيه كلام سيبويه في آخر أبواب المفعول معه أيضا، وإذا كان كذلك فالظاهر أن مراد سيبويه هنا أن النصب في: هذا لك وأباك يمتنع على أنه مفعول معه؛ لأنه لم يذكر في الكلام فعل وعلى أنه مفعول به بفعل مقدر لأنه لم يذكر في الكلام ما فيه معنى فعل أي ما يدل على الفعل المقدر بمشاركة في اللفظ كما في: حسبك وزيدا درهم، ويدل على أن هذا هو المراد من قول المصنف: بل كان يحكم فيه بما حكم في: ويله وأباه. ولا شك أن المنصوب بعد «ويله» ليس مفعولا معه إنما هو مفعول به. وإذا تقرر أن العامل في المفعول معه هو العامل في الاسم السابق من فعل أو عامل عمله فاعلم أن عمله إنما هو بوساطة الواو، فهي معدية له إلى ما بعدها، وإنما استغنى المصنف عن ذكر هذا القيد؛ لأنه قد علم أن قوله: إن الواو تجعله في اللفظ كمنصوب معدى بالهمزة، قال سيبويه - في: ما صنعت وأباك ولو تركت الناقة وفصيلها لرضعها -: إنما أردت مع أبيك ومع فصيلها، فالفصيل مفعول معه والأب كذلك والواو لم تغير المعنى ولكنها تعمل في الاسم ما قبلها (¬1). قال المصنف: وكان حق الواو إذ هي معدية أن تجر ما عدت الفعل إليه كما فعلت حروف الجر إلا أنها أشبهت الواو العاطفة لفظا ومعنى، فلم تعط عملا بل أعطيت ما للعاطفة من إيصال عمل ما قبلها إلى ما بعدها لكن لا على سبيل الإتباع، وكان في ذلك أيضا تنبيه على أن أصل المجرور بحرف أن يكون منصوبا، ولكنه لما جر لفظا حكم على موضع معموله بالنصب؛ إذ لم تتمخض عامليته فإنه معد، ولتظهر بذلك مزية المتعدي بنفسه على المتعدي بواسطة، وقد ترتب على شبه الواو المرادفة «لمع» بالواو العاطفة ما ذكرته، وأمر آخر وهو أنها لم تجر مجرى «مع» في جواز التقديم بل جرت مجرى العاطفة في التأخير كما سيأتي (¬2). المذهب الثاني: أن العامل فيه فعل مقدر بعد الواو وينسب إلى الزجاج (¬3)، - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 297). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 249). (¬3) ينظر: الارتشاف (2/ 286)، وابن يعيش (2/ 49)، وابن القواس (ص 376)، والتصريح (1/ 344)، والهمع (1/ 220).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: كأن تقول: إنّا إذا قلنا: ما صنعت وأباك فالنصب بإضمار كأنه قال: ما صنعت [2/ 485] ولابست أباك لأنه لا يعمل الفعل في المفعول وبينهما الواو، وهذا غير صحيح؛ لأن الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يصح به الارتباط؛ فإن ارتبطا بلا واسطة فلا معنى لدخول حرف بينهما، وإن لم يرتبطا إلا بواسطة فلا بد منها تقول: ضربت زيدا وعمرا، فتنصب عمرا بضربت كما تنصب به زيدا، لكننا استغنينا في تعليق زيد بالعامل عن واسطة، واحتجنا إليها في تعليق عمرو فأتينا بها (¬1)، ومثله في الحاجة إلى واسطة: ما ضربت إلا زيدا، وضربت إما زيدا وإما عمرا، فنصب ما بعد إلا بالفعل ولا تمنع الواسطة من ذلك؛ لأن المعنى لا يصح بدونها فكذا تنصب ما بعد الواو بما قبلها؛ لأن المعنى لا يصح إلا بها. ومما يبين فساد تقدير الزجاج أنه إما أن يقصد تشريك صنعت ولا بست في الاستفهام فلا يصح؛ لأن صحة عطف الفعل على الفعل بعد الاستفهام يقتضي جواز الاستغناء بالثاني عن الأول، والأمر بخلاف ذلك في التقدير المذكور، إذ لا معنى لقول القائل: ما لابست أباك، وإما أن لا يقصد التشريك فلا يصح أيضا؛ إذ لا يعطف جملة خبرية على جملة استفهامية مع استقلال كل [3/ 11] واحدة منهما، فأن لا يجوز ذلك مع عدم الاستقلال كما في المثال المذكور أحق وأولى، وأيضا لو كان ما بعد الواو منصوبا بفعل مضمر، لم يحتج إلى الواو كما لا يحتاج إليها مع إظهاره، ألا ترى أنك لو أظهرت فعل الملابسة في: ما شأنك وزيدا، قلت: ما شأنك تلابس زيدا دون واو، فيلزم من حكم بإضمار تلابس الاستغناء عن الواو كما يستغنى عنها مع الإظهار، والاستغناء عنها باطل وما أفضى إليه باطل (¬2). انتهى. قلت: وإذا كان الناصب فعلا مقدرا كما قال الزجاج: يكون المنصوب الواقع بعد الواو مفعولا به لا مفعولا معه، وإن كان الزجاج يقدر ذلك في كل صورة من صور هذا الباب، فلا مفعول معه عنده (¬3). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش: (2/ 49). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 250). (¬3) بهذا ردّ الدماميني رأي الزجاج في شرح التسهيل له (ص 1670)، وينظر: الهمع (1/ 220).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذهب الثالث: أن الواو نفسها هي العاملة وهو رأي الجرجاني (¬1)، قال المصنف: وهو باطل من ثلاثة أوجه: أحدها: أن النصب لو كان بنفسها لم يشترط وجود فعل قبلها أو معنى فعل، كما لا يشترط في غيرها من النواصب، ولجاز أن يقال: كل رجل وضيعته (¬2). الثاني: أن الحكم بكون الواو ناصبة حكم بما لا نظير له، إذ ليس في الكلام حرف ينصب الاسم إلا وهو يشبه الفعل كإنّ وأخواتها أو يشبه ما أشبه الفعل كلا المشبه بإنّ، والواو المرادفة «لمع» لا تشبه الفعل ولا ما أشبه الفعل، فلا يصح جعلها ناصبة للاسم. الثالث: أنها لو كانت هي الناصبة لوجب اتصال [2/ 486] الضمير إذا وقع مفعولا معه (¬3)، ولعد من الضرورات قول الشاعر: 1638 - فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة ... تكون وإيّاها بها مثلا بعدي (¬4) ولا خلاف في وجوب الانفصال في مثل هذا، فعلم بذلك أن الواو غير عاملة، إذ ليس في الكلام ضمير نصب يجب انفصاله مع مباشرة الناصب له (¬5). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل للجرجاني (ص 20) تحقيق علي حيدر، طبعة دمشق، وشرح الكافية للرضي (1/ 195)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 98). (¬2) ينظر في هذا الرد على الجرجاني: شرح الكافية للرضي (1/ 195). (¬3) ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 98)، والأشموني (2/ 135)، وشرح عمدة الحافظ (291). (¬4) البيت من الطويل وهو لأبي ذؤيب الهذلي وهو في: الإيضاح للفارسي (ص 194)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 155)، والتذييل (3/ 445)، والتصريح (1/ 105)، والحلل في شرح أبيات الجمل (ص 367)، والجمل (307)، والهمع (1/ 63)، والدرر (1/ 40)، والعيني (1/ 215)، وديوان الهذليين (1/ 159)، وديوان أبي ذؤيب (ص 33). اللغة: أحدو: من قولهم: حدوت البعير إذا سقته وأنت تغني في أثره لينشط في السير، ويروى (أحذو) من حذوت النعل بالنعل إذا سويت إحداهما على قدر الأخرى. والشاهد فيه: في الشطر الثاني حيث يذهب الجمهور إلى جعل «تكون» مضارع كان الناقصة و «مثلا» خبرها و «إياها» مفعول معه، والعامل فيه تكون، ومن يمنع عمل كان الناقصة في المفعول معه يجعل «مثلا» في البيت حالا. (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 250).

[واو المفعول معه وحديث عنها]

[واو المفعول معه وحديث عنها] قال ابن مالك: (وقد تقع هذه الواو قبل ما لا يصحّ عطفه خلافا لابن جنّي). ـــــــــــــــــــــــــــــ المذهب الرابع: وهو للكوفيين أن المفعول معه منصوب بالمخالفة (¬1)، قال المصنف: وقد تقدم في باب الابتداء إبطال نسبة العمل إلى المخالفة بدلائل أغنى ذكرها ثم عن ذكرها ها هنا (¬2). وثمّ مذهب خامس لم يذكره المصنف: وهو أن المنصوب بعد الواو المذكورة منصوب على الظرف، وهو منسوب إلى الأخفش (¬3)، وذلك أن النصب الذي تستحقه «مع» لو ذكرت انتقل إليه لما جيء بالواو مكانها لتعذر نصب الواو، وفي شرح الشيخ: أن المذهب الرابع الذي تقدم ذكره هو قول بعض الكوفيين، وأن معظم الكوفيين والأخفش ذهبوا إلى أن الواو مهيئة لما بعدها أن ينتصب انتصاب الظرف لا بالخلاف؛ لأنه لما حذفت «مع» وقد كانت منتصبة على الظرف وأقيمت الواو مقامها انتصب الاسم بعدها على معنى انتصاب «مع» إذ لا يصح انتصاب الحرف، ونظّر ذلك بقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬4) لما قامت غير (¬5)، وقد ردّ هذا المذهب بأنه لو كان انتصاب الاسم على الظرف لكان إذا أضمر يلزم ذكر «في» فيتعين أن يقال في «تكون وإياها مثلا بعدي»: تكون وفيها (¬6). قال ناظر الجيش: ذكر ابن خروف أن أبا الفتح بن جني قال: إن العرب لم تستعمل الواو بمعنى «مع» إلا في موضع يصح أن تقع عاطفة، وأنكر قوله ابن خروف نفسه (¬7)، قال المصنف: وهو بالإنكار حقيق، فإن العرب استعملت - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 49)، وشرح الكافية للرضي (1/ 195). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 250). (¬3) ينظر: مذهب الأخفش في سر صناعة الإعراب لابن جني (1/ 144) وشرح الكافية للرضي (1/ 195)، والهمع (1/ 220)، وابن يعيش (2/ 49)، ومعاني الحروف للرماني (ص 60). (¬4) سورة الأنبياء: 22. (¬5) التذييل (3/ 450). (¬6) ينظر في رد مذهب الأخفش أيضا: ابن يعيش (2/ 49)، وشرح الكافية للرضي (1/ 195). (¬7) ينظر: سر صناعة الإعراب لابن جني (1/ 143، 144)، والتذييل (3/ 451)، والخصائص (1/ 313).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو بمعنى «مع» في مواضع لا يصلح فيها العطف، وفي مواضع يصلح فيها، والمواضع التي لا يصلح فيها العطف على ضربين: - أحدهما: ترك فيها العطف لفظا ومعنى. والثاني: استعمل فيها العطف لمجرد اللفظ كاستعمال النعت على الجوار، الأول قولهم: استوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل، ومنه قول الشاعر: 1639 - فكان وإيّاها كحرّان لم تفق ... ... (¬1) البيت الذي تقدم إنشاده. ومن الثاني قولهم: أنت أعلم ومالك أي أنت أعلم مع مالك كيف تديره، ومالك معطوف في اللفظ ولا يجوز رفعه على القطع وإضمار الخبر؛ لأن المال لا يخبر عنه «بأعلم» وشرط المبتدأ المضمر خبره أن يكون خبره مثل خبر المعطوف عليه، وأما وقوع الواو بمعنى «مع» في موضع يصلح للعطف فكثير، وفيه تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى (¬2). انتهى. والذي ذكره يظهر أنه الحق [2/ 487] لكن المنقول أن ما ذكره عن ابن جني هو قول الجمهور، وأنه محكي عن الأخفش (¬3) وأنه قول السيرافي (¬4) والفارسي ومختار الشلوبين (¬5) وأتباعه كابن عصفور (¬6) وابن الضائع، حتى قال ابن الباذش: يمتنع بإجماع أن يكون المفعول معه غير منقول من العطف (¬7)، ونقل الشيخ عن صاحب البديع: تقول: جلست والسارية، - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 251، 252). (¬3) ينظر: الخصائص (1/ 313). (¬4) في: شرح السيرافي (3/ 65): «وإنما يذهب بالواو إلى معنى «مع» إذا كان فيه معنى غير العطف المحض، والعطف المحض: أن توجب لكل واحد من الاسمين الفعل الذي ذكر له من غير أن يتعلق فعل أحدهما بالآخر، كقولك: قام زيد وعمرو، إذا أردت أن كل واحد منهما قام قياما لا يتعلق بالآخر». اه. (¬5) ينظر: التوطئة (ص 360) وفيه: «الاسم الذي ينتصب مفعولا معه إما واجب فيه ذلك نحو: جلست والسارية، وصح انتصاب هذا على المفعول معه، وإن كان لا ينتصب مفعولا معه إلا ما كان في «الواو» فيه معنى العطف ... إلخ». اه. (¬6) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 365)، والمقرب (1/ 158). (¬7) ينظر: الجمل للزجاجي (ص 317)، والتذييل (3/ 452).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأخفش لا يجيز هذا، قال: ولا أقول: ضحكت وطلوع الشمس حتى لا يصح فيه العطف؛ إذ الطلوع لا يكون منه ضحك، وأجاز جاء البرد والطيالسة؛ لأن المجيء يصح منهما، وقد استدل على أن أصلها العطف بثلاثة أمور: الأول: أنها لو لم تكن العاطفة لكانت مختصة وللزم خفضه بها، فلما لم يخفض دل على أنها حرف عطف في الأصل، فروعي ذلك الأصل. الثاني: امتناع تقديم ما بعدها على الفعل كما لا يتقدم المعطوف على الفعل، ولو لم يكن أصلها العطف لتقدم كما يتقدم سائر المفعولات. الثالث: أنه لا يجوز أن تستعمل إلا حيث يجوز فيه العطف حقيقة، نحو: جاء البرد والطيالسة، وما صنعت وأباك، أو مجازا نحو: سار زيد والنيل؛ لأنه يصح فيه العطف بطريق المجاز، وذلك أنه لا يفارق زيدا في حال سيره كما لا يفارقه من سايره، وهذا بخلاف: ضحكت وطلوع الشمس؛ إذ لا يصح إسناد هذا الفعل إلى طلوع الشمس لا حقيقة ولا مجازا (¬1)، ومقتضى كلامهم واستدلالهم أنه لابد من تصور صحة العطف في جميع صور مسائل هذا الباب، [3/ 12] إما بطريق الحقيقة وإما بطريق المجاز، حتى غلطوا الزجاجي في دعواه أنه لا يجوز في: استوى الماء والخشبة إلا النصب (¬2)، وقالوا: العطف جائز بطريق المجاز لكنه ضعيف (¬3)، وحتى إنهم قالوا في: 1640 - فكان وإيّاها كحرّان (¬4) إن المراد كحران والماء لأنه لا يشبه اثنان بواحد، وعلى هذا يصح العطف؛ إذ يصير التقدير: فكان هو وهي كحران والماء، وقالوا في: «أنت أعلم ومالك»: لما كان النظر في المال يلزم منه في الأكثر مجيء المال على اختيار الناظر فيه صار موافقا - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 452، 453). (¬2) في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 367) «وأما منع أبي القاسم الرفع في: استوى الماء والخشبة ففاسد، وكأن الذي حمله على ذلك أنه لا يسوغ: استوى الماء واستوت الخشبة وهذا لا حجة فيه، لأنه وإن لم يسغ ذلك فيه فلا يمتنع العطف كما لم يمتنع اختصم زيد وعمرو بالرفع وإن لم يسغ: واختصم عمرو». اه. وانظر كلام الزجاجي في كتابه الجمل (ص 317) تحقيق د/ علي توفيق محمد. (¬3) هذا قول ابن الضائع في شرح الجمل له. (¬4) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ له فنسب إليه العلم مجازا (¬1)، لكن قد تقدم تقرير ما يقتضي أن واو «مع» غير واو العطف وهو أن واو العطف إنما هي لتشريك الثاني مع الأول في الحكم، وأما واو «مع» فلا تقتضي تشريكا، وإنما هي للدلالة على المصاحبة لا غير، فقد لا يكون الثاني مشاركا للأول نحو: سرت والطريق، وقد يكون مشاركا نحو: جئت وزيدا، لكن الواو لا دلالة لها على ذلك إنما جيء بها لقصد الدلالة على المصاحبة فقط ولم تقصد الدلالة على المشاركة، ولا شك أن هذا يبعد أن يكون العطف هو الأصل في ذا الباب، فإن قيل: قصد المصاحبة بالواو لا ينافي في كونها واو العطف في الأصل فما وجه تبعيده؟ أجيب بأن يقال: إن سلمنا ذلك فأي ضرورة تدعو إلى القول به [2/ 488] فإن المعنى المراد من العطف مع قصد المصاحبة ممتنع كما عرفت، وليس المفعول معه محتاجا في تصوره إلى أن يقدروا واوه واوا عطفت في الأصل. وأما ما استدل به من الأمور الثلاثة المتقدمة فلا حجة فيه: أما الأمران الأولان وهما أن الواو لو لم تكن عاطفة لكانت مختصة، فكان يلزم خفض الاسم، وأنها لو لم تكن عاطفة لجاز تقدم ما بعدها على الفعل، لكنه ممتنع كما يمتنع مع العاطفة، فقد تقدم من كلام المصنف ما هو الجواب عن الأول وهو قوله: إنها إنما لم يجر ما بعدها؛ لأنها أشبهت الواو العاطفة لفظا ومعنى فلم تعط عملا، بل أعطيت ما للعاطفة من إيصال عمل ما قبلها إلى ما بعدها، لكن لا على سبيل الإتباع، وكما أن هذا جواب عن الأمر الأول فهو جواب عن الأمر الثاني أيضا، وهو أنها لما أشبهت العاطفة منعت التقدم على الفعل كما أن العاطفة ممنوعة من ذلك. وأما الأمر الثالث وهو أنه لا يجوز أن تستعمل واو المعية إلا حيث يجوز العطف فلا يتوجه دليلا؛ لأن هذا هو محل النزاع، فالمخالف لا يلتزم ذلك ويجوز الاستعمال حيث لا يصلح العطف، وأما جوابهم عن نحو: استوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل، وأنت أعلم ومالك بأن العطف إن لم يصح في هذه الأمثلة حقيقة فإنه يصح مجازا - فغير مرضي إذ لم يقم دليل يوجب المصير إلى ذلك، ولا يخفى بعد - ¬

_ (¬1) ينظر: تعليق الفرائد (1670)، والتذييل (3/ 454).

[المفعول معه وحكم تقديمه]

[المفعول معه وحكم تقديمه] قال ابن مالك: (ولا يتقدّم المفعول معه على عامل المصاحب باتّفاق ولا عليه خلافا لابن جنّي). ـــــــــــــــــــــــــــــ وجه المجاز الذي أيدوه في «أنت أعلم ومالك» على أن ما ذكروه في استوى الماء والخشبة وسار زيد والنيل من صحة العطف مجازا لا يتأتى في قول الشاعر: 1641 - فكان وإيّاها كحرّان وقولهم: إن المراد كحران والماء؛ لأنه لا يشبه اثنان بواحد - كلام عجيب إذ لا مانع من تشبيه اثنين وأكثر من اثنين بواحد، ولو سلم ذلك فالمقصود بالتشبيه في البيت إنما هو الرجل، فهو المشبه حال مصاحبته لمدلول «إياها» وهو المراد بالحران إذ المعنى على ذلك، ويدل عليه قوله: 1642 - لم يفق ... عن الماء إذ لاقاه حتّى تقدّدا ولو كان المراد ما ذكر من تشبيه الرجل بالحران والمرأة بالماء، لكان ينفي الإفاقة عن المرأة لا عن الماء، وإذ قد تقرر هذا فنقول: الذي اختاره المصنف ونقله عن ابن خروف هو الحق وكلام بدر الدين الذي تقدم إيراده يقتضي أن واو المعية غير واو العطف (¬1). قال ناظر الجيش: اعلم أن منع تقديم المفعول معه ظاهر على مذهب القائلين بأن أصل واو «مع» العطف، أما [2/ 489] كونها لا تتقدم على العامل، فلأن واو العطف لا تتقدم عليه (¬2)، وأما كونها لا تتقدم على المصاحب دون العامل وإن كان ذلك يجوز في واو العطف بشروط فقالوا: لأنها لما خرجت عن أصلها من العطف المحض لم يتصرف فيها كما تصرفوا في الأصل، لكن ابن جني مذهبه أن أصل الواو العطف (كما عملت) (¬3)، وقد جوز مع ذلك التقديم على المصاحب (¬4) كما - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 110). (¬2) مثّل ابن عصفور لمنع تقدم المفعول معه فقال: «فلا تقول: وعمرا قام زيد، كما تقول: وعمرو قام زيد» اه. شرح الجمل لابن عصفور (2/ 366). (¬3) كذا بالأصل، ولعل الصواب: كما علمت. (¬4) مع أنه يمنع تقديم المفعول معه على العامل. ينظر: الخصائص (2/ 383).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيأتي، وقد يعتل له بأن الأصل في المفعول معه أن لا يمتنع تقديمه بخلاف المعطوف فإنه تابع، والأصل في التابع أن لا يتقدم على متبوعه، فليست في المفعول معه العلة المانعة من التقديم، وإنما المانع تشبيهه به، وهو قد جاز فيما هو الأصل مع وجود العلة المانعة وهي التبعية، فأن تجوز في الفرع مع فقد العلة أولى (¬1)، وأما منع تقديم المفعول معه على مذهب الآخرين وهم الذين لا يرون أن أصل الواو العطف، فقد يقال: إنه غير ظاهر؛ لأنها إذا لم يكن أصلها العطف فلا مانع من التقديم حينئذ، ولكن التقديم ممتنع عندهم كما هو عند أصحاب المذهب الآخر، ويعتلون لذلك بمشابهة هذه الواو واو العطف فيجب أن تعطى حكمها. وقد أشعر كلام المصنف أن المانع من التقديم شبه الواو بهمزة التعدية؛ فإنه قال في شرح هذا الموضع: قد تقدم بيان كون الواو التي بمعنى «مع» معدية وأن لها شبها بالواو العاطفة في اللفظ والمعنى؛ ولذلك لم تعمل عمل حروف الجر في لفظ ما عدت إليه العامل، بل أوصلت إليه عمل العامل لفظا ومحلّا ولازمت حملا واحدا لشبهها بهمزة التعدية فلا تتقدم على عامل المصاحب كما تتقدم «مع» في قولهم: مع الخشبة استوى الماء، فلا يقال: والخشبة استوى الماء، وكذا لا يقال: استوى والخشبة الماء، فالأول مجمع على منعه، والثاني ممنوع إلا عند ابن جني فإنه أشار في الخصائص إلى جوازه (¬2)، وله شبهتان: إحداهما: أنه قد جاز ذلك في العاطفة، فليجز فيها لأنها محمولة عليها. والثانية: أن ذلك قد ورد في كلامهم، فينبغي [3/ 13] أن يحكم بذلك، ومن الوارد في ذلك قول الشاعر (¬3): 1643 - أكنيه حين أناديه لأكرمه ... ولا ألقّبه والسّوءة اللّقبا (¬4) ومثله قول الآخر: - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 456). (¬2) ينظر: الخصائص (2/ 383). (¬3) هو بعض الفزاريين كما ذكر العيني. (¬4) البيت من البسيط وهو في: التذييل (3/ 456)، وديوان الحماسة (2/ 18)، والأشموني (2/ 137)، والعيني (3/ 89)، وابن الناظم (ص 111). والشاهد فيه: قوله: «والسوءة اللقبا»؛ حيث تقدم المفعول معه على مصاحبه على مذهب ابن جني.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1644 - جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... خصالا ثلاثا لست عنها بمرعوي (¬1) ولا حجة في الشبهتين، أما الأولى فالجواب عنها من وجهين: أحدهما: أن العاطفة أقوى وأوسع مجالا فجعل لها مزية بتجويز التقديم، ولأن المعطوف بالواو نسبة العامل إليه كنسبته إلى المتبوع فلم يكن في تقديمه محذور، بل كان فيه إبداء مزية للأقوى على الأضعف [2/ 490]، فلو أشرك بينهما في الجواز خفيت المزية. والثاني: أن واو «مع» وإن أشبهت العاطفة فلها شبه يقتضي لها لزوم مكان واحد كما لزمت الهمزة مكانا واحدا. وأما الشبهة الثانية عن احتجاجه بالبيتين المذكورين فضعيفة أيضا، إذ لا يتعين جعل ما فيهما من المنصوبين من باب المفعول معه، بل جعله من باب العطف ممكن وهو أولى؛ لأن القول بتقديم المعطوف في الضرورة مجمع عليه وليس كذلك القول بتقديم المفعول معه. أما البيت الأول: فالعطف فيه ظاهر لأن تقديره: جمعت غيبة ونميمة وفحشا، وبهذا وجهه أكثر النحويين (¬2). وأما البيت الثاني: فهو من باب: 1645 - وزجّجن الحواجب والعيونا (¬3) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو ليزيد بن الحكم بن أبي العاص وهو في: الخصائص (2/ 383)، والتذييل (3/ 456، 457)، وأمالي القالي (1/ 18)، وما يجوز للشاعر (ص 170)، وابن القواس (ص 556)، والتصريح (1/ 344)، والأشموني (2/ 137)، والعيني (3/ 86)، والخزانة (1/ 495)، والهمع (1/ 220)، والدرر (1/ 190)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 111). والشاهد في قوله: «وفحشا»؛ حيث يرى ابن جني أنه مفعول معه مقدم على مصاحبه، ويرى الجمهور أن الواو للعطف فهو معطوف على قوله: غيبة، ولكنه قدم عليها ضرورة. (¬2) ينظر: الأشموني (2/ 137)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 111). (¬3) عجز بيت من الوافر وهو للراعي النميري وصدره: إذا ما الغانيات برزن يوما وينظر في: الخصائص (1/ 432)، والتذييل (3/ 457)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 123، 191)، والإنصاف (2/ 610)، والمغني (2/ 357)، وشرح شواهده (2/ 775)، والأشموني (2/ 140)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنصب «العيون» بفعل دل عليه «زججن» تقديره: وكحلن العيون؛ فلو دعت ضرورة إلى التقديم لم يختلف التقدير، فكذلك أصل: 1646 - ولا ألقّبه والسوأة اللّقبا (¬1) ولا ألقبه اللقب وأسوؤه السوأة فحذف أسوؤه لدلالة ألقبه عليه ثم قدم مضطرّا وبقي التقدير على ما كان عليه (¬2). انتهى. وهو كلام حسن غير أن قوله في الوجه الأول وجهين، فالجواب عن الشبهة الأولى أن العاطفة أقوى وأوسع مجالا فجعل لها مزية، لا يحسن ردّا على ابن جني؛ لأن واو «مع» عنده ليست غير العاطفة. فإذا ثبت للعاطفة حكم وجب ثبوته لها وهي للمعية، وقد قدمت العاطفة في الضرورة فليجز تقديم واو المعية للضرورة. وأما الجواب عن الوجه الثاني فغايته أنها معدية ما قبلها إلى ما بعدها، بمعنى أن العامل يصل بسببها إلى ما بعدها، ولا شك أن واو العطف كذلك؛ لأن الأصح من المذاهب أن العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه بوساطة حرف العطف، وليست واو «مع» في التعدية كالهمزة؛ لأن الهمزة ما عدت الفعل التي هي فيه، بل صار الفعل بسببها متعديا، والهمزة صارت من جملة حروف الفعل، فحكمها حكم أحد أجزائه، وجزء الكلمة لا يتقدم عليها، وأما الواو فهي معدية ومنفصلة عن الفعل الذي عدته وليست جزءا منه والفارق يمنع القياس، وأما الجواب الذي ذكره في البيتين فظاهر، لكن قد يقال في الجواب عن: ولا ألقّبه والسوأة اللّقبا لا يلزم من جواز تقديم المعطوف على المعطوف عليه إذا كان عاملهما واحدا جواز ذلك إذا كان لكل منهما عامل. ¬

_ - والتصريح (1/ 246)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 111)، والهمع (1/ 122)، والمطالع السعيدة (337)، وحاشية يس (1/ 432)، واللسان (زجج). والشاهد فيه: نصب «العيون» بفعل محذوف تقديره: وكحلن العيونا، ويذهب بعضهم إلى تضمين زججن معنى زيّنّ حتى يسوغ له نصب الاسمين، وقد ذهب العلماء إلى هذين التقديرين، لأن العطف ممتنع لانتفاء المشاركة والنصب على المعية ممتنع لانتفاء فائدة الإعلام بها. (¬1) تقدم ذكره. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 245).

[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم]

[أقسام خمسة لما بعد الواو وحكم كل قسم] قال ابن مالك: (ويجب العطف في نحو: أنت ورأيك وأنت أعلم ومالك، والنّصب عند الأكثر في نحو: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا، والنّصب في هذين ونحوهما بكان مضمرة قبل الجارّ أو بمصدر «لابس» منويّا بعد الواو لا بـ «لابس» خلافا للسيرافي وابن خروف، فإن كان [2/ 491] المجرور ظاهرا رجّح العطف وربّما نصب بفعل مقدّر بعد «ما» أو «كيف» أو زمن مضاف أو خبر ظاهر في نحو: ما أنت والصّبر، وكيف أنت وقصعة، وأزمان قومي والجماعة، وأنا وإيّاه في لحاف. ويترجّح العطف بلا تكلّف ولا مانع ولا موهن، فإن خيف به فوات ما يضرّ فواته رجّح النّصب على المعيّة). قال ناظر الجيش: اعلم أنه قد تقدم أن المفعول معه لا بد له من عامل يتقدم الواو، وأنه إما فعل أو عامل عمل الفعل كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول، وأن العامل المعنوي وهو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه لا عمل له فيه، ولا شك أن دلالة الواو على المعية لا تتوقف على وجود العامل المذكور؛ لأنه ليس من شرط دلالتها على المعية نصب ما بعدها، فقد تفيد المعية ولا نصب أصلا كما في «كل رجل وضيعته» (¬1) فكون الواو صالحة للدلالة على المعية أعم من كونها صالحة لأن ينصب ما بعدها مفعولا معه، فليس النصب لازما للدلالة على المعية؛ إذ الأخص غير لازم للأعم، وإذا كان كذلك ساغ انقسام ما يذكر بعد الواو المفيدة للمعية إلى ما يصح فيه أن يكون معطوفا على ما قبله ولا يصح فيه النصب على المعية، وإلى ما يصح فيه أن ينصب على المعية، وعلى هذا كان ينبغي أن يقال: إذا قصدت المعية فإما أن لا - ¬

_ (¬1) أي أنه يجب العطف في هذا المثال، ويمتنع النصب على المفعول معه لأن الواو قد تقدمها مفرد، وهذا رأي جمهور النحاة، وقد خالف الصيمري في ذلك حيث أجاز النصب على المفعول معه في هذا المثال؛ لأنه يزعم أن المفعول معه ينتصب عن تمام الاسم. ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 365)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 401) بتحقيق عدنان الدوري، والمطالع السعيدة (ص 235).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون ثمّ عامل يصح عمله في المفعول معه فالعطف أو يكون ثم عامل يصح منه ذلك فالنصب على المعية، فيكون أحد الأمرين أعني العطف المفهوم منه المعية والنصب على المعية لازما؛ لأن المعية إذا كانت مقصودة للمتكلم لا يجوز العدول عنها إلى ما لا يدل عليها وهو العطف المراد به التشريك في الحكم، لكن النحاة ضموا إلى القسمين قسمين آخرين، وهما جواز العطف مع أرجحيته وجواز النصب على المعية مع أرجحيته، فصارت الأقسام أربعة: واجب العطف وواجب النصب وراجح العطف وراجح النصب. وقد ذكرها المصنف في هذا الكتاب وفي بقية كتبه (¬1)، وذكر ابن عصفور قسما آخر وهو ما يستوي فيه الأمران (¬2)، أعني العطف والنصب، لكنه لم يذكر راجح النصب في الأقسام فتضمن كلامه أربعة أقسام كما تضمنها كلام المصنف، لكن أحد الأقسام الذي ذكره هذا غير القسم الذي ذكره هذا، فيخرج من كلام الرجلين خمسة [3/ 14] أقسام، لكنك قد عرفت أن النصب عند قصد المعية لازم فكيف يحكم برجحانه على العطف في بعض الصور، بل كيف يحكم بتساوي الأمرين في بعضها أيضا، والذي يرفع هذا الإشكال أن يقال: إنهم إنما حكموا بالرجحان أو بالتساوي نظرا إلى مجرد صور التراكيب [2/ 492] اللفظية مع قطع النظر عما يقصد من أحد المعنيين، أعني العطف والمعية، ولكن يشكل على هذا التقدير حكم المصنف برجحان العطف في مثل: كنت أنا وزيد كالأخوين (¬3)؛ لأن تجويز هذا المثال يسوغ فيه كل من الأمرين دون ضعف فينبغي الحكم فيه بالتساوي، نعم ينبغي الحكم برجحان العطف في مثل: ما أنت وزيد وما شأن عبد الله وزيد، وبنحو هذا مثّل ابن عصفور لهذا القسم (¬4)، وإنما رجح العطف فيه لعدم ما يصلح أن يكون عاملا في المفعول معه في اللفظ والاحتياج إلى تكلف تقدير إذا نصبنا، وأما القسم - ¬

_ (¬1) ينظر في ذلك: شرح عمدة الحافظ لابن مالك (1/ 401 - 409) بتحقيق عدنان الدوري. (¬2) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 367)، والمقرب (1/ 159). (¬3) يقول ابن مالك: «ونحو: «كنت وزيدا كالأخوين» يجوز فيه الرفع على العطف والنصب على المفعولية وهو راجح، لأن فيه تخلصا من ضعف العطف على ضمير الرفع المتصل دون توكيد، ولا ما يقوم مقامه، فلو أكد الضمير لرجع العطف لأنه الأصل». اه، انظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 408). (¬4) ينظر: المقرب (1/ 160).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي يحكم فيه برجحان النصب فإنما لم يتضمنه تقسيم ابن عصفور لما سنذكره بعد، وبهذا التقرير يظهر أن الصور في هذا الباب خمس لا أربع. إذا عرف هذا فلنشرع في إيراد الأقسام مع مراعاة ترتيب الكتاب ولفظه. القسم الأول: ما يجب فيه العطف: ولوجوب العطف سبب واحد لفظي وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (ويجب العطف في نحو: أنت ورأيك، وأنت أعلم ومالك)، وضابطه: أن كل موضع كانت فيه الواو بمعنى «مع» بعد ذي خبر لم يذكر أو ذكر وهو أفعل التفضيل، وإنما لزم العطف في مثل هذا لعدم فعل وما يعمل عمله، والمراد بالعامل عمله أن يكون من جنس ما ينصب مفعولا به (¬1)، فلا أثر لوجود أفعل التفضيل؛ لأنه لا ينصب المفعول به (¬2). قال المصنف: ولا خلاف في وجوب الرفع فيما أشبه المثالين المذكورين، ومن ادعى جواز النصب في: «كل رجل وضيعته» (¬3) على تقدير كل رجل كائن وضيعته فقد ادعى ما لم يقله عربي، فلا التفات إليه ولا تعريج عليه، ومثل كل رجل وضيعته وأنت ورأيك قول العرب: الرجال وأعضادها، والنساء وأعجازها (¬4) حكاه الأخفش ومثله: إنك ما وخيرا (¬5) حكاه سيبويه (¬6)، و «ما» زائدة، ومثله قول شداد أبي عنترة: - ¬

_ (¬1) ينظر: المطالع السعيدة (ص 335). (¬2) يرى الدماميني في شرح التسهيل له أن «أعلم» في قولهم: أنت أعلم ومالك ... ليس أفعل تفضيل وإنما هو عبارة عن جملة فعلية من فعل وفاعل معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، يقول: الأقرب - فيما يظهر لي - أن يكون: «أنت ومالك» مثل كل رجل وضيعته كما قال، و «أعلم» جملة فعلية من فعل مضارع وفاعله معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه والفعل ملغى أي أنت ومالك مقرونان فيما أعلم لا أعلم من يقترن به - باعتبار إصلاحه وحسن النظر فيه. سواك، ولا يكون «أعلم» اسم تفضيل كما فهموه فتأمل. اه. شرح التسهيل للدماميني (ص 1671). (¬3) الذي جوز ذلك هو الصيمري كما ذكرت قبل ذلك. ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 406). (¬4) ينظر: الهمع (1/ 221)، والمطالع السعيدة (ص 335). (¬5) مثل يضرب في موضع البشارة بالخبر وقرب نيل المطلوب. مجمع الأمثال (1/ 51)، تحقيق محمد محيي الدين. (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 302)، (2/ 107).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1647 - فمن يك سائلا عني فإنّي ... وجروة لا ترود ولا تعار (¬1) ولمجيء هذه الواو بعد مبتدأ أو بعد اسم «إن»، قال المصنف (¬2): ويجب العطف، ولم أقل ويجب الرفع، فإن المعطوف بعد مبتدأ يرفع وبعد اسم إنّ ينصب، فعمتهما العبارة، واعلم أنه قد تقدم الكلام في باب المبتدأ على إعراب: «كل رجل وضيعته» ومثله أنت ورأيك، فاستغنى عن إعادته هنا. وأما أنت أعلم ومالك فالعطف فيه ظاهر الإشكال؛ لأنه إما أن يعطف على الخبر الذي هو أعلم فيلزم منه الإخبار بالمال عن «أنت» لأن المعطوف على خبر شيء خبر لذلك الشيء أيضا، ولا شك أنه لو قيل: «أنت مالك» لم يصح، وإما أن يعطف على الضمير المستكن في الخبر، فيلزم منه إسناد «أعلم» إلى المال، كما أنه مسند إلى الضمير المعطوف عليه، ولا يصح كون المال فاعلا لأعلم [2/ 493]، ثم إن العطف على الضمير يستلزم أمرين آخرين وهما: العطف على الضمير المتصل المرفوع دون فصل بتوكيد ولا غيره. والآخر: رفع أفعل التفضيل الظاهر، وقد يدعى جواز العطف على الضمير المذكور دون فصل على قلة (¬3)، وأنه لا يلزم من مجيء الظاهر مرفوعا بعد المرفوع بأفعل التفضيل صحة رفع أفعل لذلك الظاهر؛ لأن العطف لا يشترط في صحته حلول المعطوف محل المعطوف عليه، بدليل «رب رجل وأخيه» (¬4)، فالأولى أن تقول علة المنع على ما ذكرناه أولا. - ¬

_ (¬1) نسب هذا البيت أيضا إلى عنترة نفسه كما في الديوان وقيل إنه لشداد بن معاوية عم عنترة. والبيت من الوافر وهو في: الكتاب (1/ 302)، والأغاني (16/ 32)، والتذييل (3/ 458)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 313)، والبحر المحيط (2/ 222)، (5/ 65)، وديوان عنترة (ص 62) واللسان «جرا». اللغة: جروة: اسم فرسه، ترود: أي تجيء وتذهب. والشاهد فيه: عطف «جروة» على منصوب «إن» حيث لا يجوز نصبه على المعية لأن الذي تقدمه مفرد. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 254). (¬3) نقل ذلك أبو حيان عن أبي القاسم الخضراوي في التذييل (3/ 459). وينظر أيضا: الأشباه والنظائر (4/ 68)، حيث ذكر السيوطي ما ذكره الشارح هنا بالتفصيل. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 243)، طبعة العراق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما أن يعطف على المبتدأ الذي هو أنت ويكون «أعلم» خبرا عنهما، أعني عن أنت وعن مالك، إن جاز ذلك، أو يقدر له خبر يكون معطوفا على الخبر الذي هو «أعلم» كما أن «ومالك» معطوف على المبتدأ الذي هو «أنت» فيكون المبتدأ قد عطف على المبتدأ والخبر المقدر قد عطف على الخبر، فيلزم إذ ذاك الإخبار عن المال بالأعلمية، ولا يصح أيضا لأنه كما لم يصح كون الأعلمية مسندة إلى المال على جهة الفاعلية لا يصح كونها مسندة إليه على جهة الخبرية (¬1)، فقد ظهر امتناع عطف «ومالك» على التقادير الثلاثة، وقد افترق الناس في توجيه ذلك فرقتين: فرقة استقرت بالواو على بابها من اقتضائها التشريك بين المتعاطفين في اللفظ والمعنى فاضطروا إلى دعوى المجاز بأن قالوا: إن مالك معطوف على المبتدأ الذي هو «أنت» وأخبر عنه «بأعلم» تجوزا، وذلك أنه لما كان النظر في المال يلزم منه في الأكثر مجيء المال على اختيار الناظر فيه صار مواتيا له فنسب العلم إليه مجازا (¬2). وفرقة حملت الواو هنا على أنها غير مشركة في المعنى، وأنها إنما شركت في اللفظ فقط وقالوا: إن الواو في هذا المحل نابت عن حرف آخر وهو الباء كما سيأتي، والباء لا دلالة لها على تشريك معنوي فأعطيت الواو حكم ما نابت عنه، ولما كانت صورة العاطفة أعطت حكمها لفظا فشركت في الإعراب لا غير، وهذا القول هو المعول عليه (¬3)، وتقديره أن أصل الكلام: أنت أعلم بمالك، فحذفت الباء ونابت الواو منابها كما أنابوها منابها في قولهم: بعت الشاة شاة ودرهما أصله شاة بدرهم، ثم حذفت الباء وأقيمت الواو مقامها، والمعنى مع الواو كحاله مع الباء، فلم تفد الواو إلا التشريك في اللفظ لا غير (¬4)، وإلى هذا ذهب الجرمي وابن طاهر أعني كون الواو عاطفة لفظا لا معنى (¬5) وهو اختيار المصنف، وقد - ¬

_ (¬1) ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 68)، والتذييل (3/ 459). (¬2) ينظر: الهمع (1/ 221)، والمطالع السعيدة (ص 335)، والأشباه والنظائر (4/ 68، 69). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 459). (¬4) ينظر: شرح التسهيل للدماميني (1671)، والأزهية (232)، والمغني (2/ 358)، والأشباه والنظائر (4/ 69، 70). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 459)، والأشباه والنظائر (4/ 69).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم ذكر ذلك في أوائل الباب غير أنه قال: أنت أعلم مع مالك كيف تديره فلم يتعرض إلى ذكر الباء، وتبع فيما قاله سيبويه حيث قال: فإنما أردت: أنت أعلم مع مالك [3/ 15]، ويظهر أن كلّا من الاعتبارين صحيح، أما من قال: المراد: مع مالك فمراده تفسير معنى الواو، ولا شك أن معناها [2/ 494] المعية لأنها واو «مع» أي الواو التي تفيد ما تفيد «مع»، ومن قال: المراد: أنت أعلم بمالك فمراده أن الأصل كان للباء، ثم أقيمت الواو مقامها. فذكر الباء باعتبار أصل التركيب، وذكر «مع» باعتبار ما آل إليه الأمر بعد إبدال الباء بالواو، وأيضا فالخبر الذي هو أعلم مشعر بما كانت الباء تفيده لو ذكرت بخلاف ما لو ذكرت الباء فإنها مع «أعلم» لا دلالة لها على الصحبة، فكان تفسير سيبويه للواو في «ومالك» بمعنى «مع» أولى من تفسيرها بالباء، فإن قلت: ما الموجب لأن عدلوا إلى الواو فأقاموها مقام الباء في مثل هذا قلت: يمكن أن يقال: المراد من قولهم: أنت أعلم ومالك - شيئان: أحدهما: الدلالة على المعية، والآخر: الدلالة على العلم بطرق التصرف فيه والتدبير، فلو لم يعدل إلى الواو وقيل: أنت أعلم بمالك، لانتفت الدلالة على المعية ظاهرا؛ لأن الباء أصلها أن تكون للإلصاق لا للمعية ولو لم تكن الواو نائبة عن الباء وكانت مأتيّا بها ابتداء انتفت الدلالة على العلم بطرق التصرف والتدبير في المال وتمحضت الدلالة على المعية والغرض أن كلا الأمرين مراد، فإذا ادعي في الواو النيابة عن الباء حصلت إفادة الأمرين معا؛ لأنها تفيد معنى الباء بالنيابة، وتفيد المعنى الآخر بالأصالة، فإذا عرفت أن الواو هنا نائبة عن الباء وأن العطف روعي فيه اللفظ دون المعنى، وقد تقدم الواو اسمان مبتدأ وخبر وهما أنت وأعلم وجب أن نبحث عن المعطوف ما هو من هذين الاسمين، وقد قيل بعطفه على كل منهما، ولا شك أنه إذا تقرر أن العطف هنا لفظي لا شركة بينه وبين المعطوف عليه في المعنى كان العطف سائغا على أيهما شئت، لكن تنظير المصنف هذا الاستعمال باستعمال النعت على الجواز يقتضي أن يكون المعطوف عليه هو الخبر لقربه وبجواره لا الاسم، وقد صرح بعطفه على الخبر أبو بكر بن طاهر فقال: هو معطوف على «أعلم» لأن الأصل بمالك، فوضعت الواو موضع الباء فعطفت على ما قبلها ورفعت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما بعدها في اللفظ وهي بمعنى الباء متعلقة بأعلم (¬1). قال الشيخ: وهذا أقرب لتفسير كلام سيبويه لأنه قال في الواو: تعمل فيما بعدها المبتدأ، يريد أنك تعطفه على «أعلم» فيعمل فيه ما عمل في أعلم وهو المبتدأ (¬2)، هذا ما انتهى إليه الكلام في هذه المسألة، وقد قيل: إن «ومالك» خبر عن مبتدأ مقدر والتقدير: أنت أعلم وأنت ومالك فحذف المبتدأ، ثم حذفت الواو الداخلة لالتقائها مع الواو الأخرى، وعلى هذا يئول الأمر إلى عطف جملة على جملة (¬3)، ولا يخفى ما في هذا الإعراب من التكلف وتقدير مستغنى عنه، مع أنه يؤدي إلى أن القصد هو الإخبار عن المخاطب بأنه أعلم من غيره، ثم الإخبار بأنه مع ماله، ولا يخفى أن هذا ليس بمراده، ثم إنه إنما يتأتى جعل «ومالك» خبرا عن «أنت» [2/ 495] المقدر إلا على رأي ابن خروف، كما يدعيه في «كل رجل وضيعته» (¬4) وقد تقدم بيان ضعفه، وإما أن يكون «ومالك» مبتدأ والخبر محذوف فمنعه ظاهر (¬5)، وقد تقدم في كلام المصنف قوله: (ومالك) معطوف في اللفظ ولا يجوز رفعه على القطع وإضمار الخبر؛ لأن المال لا يخبر عنه «بأعلم» وشرط المبتدأ المضمر خبره أن يكون خبره مثل خبر المعطوف عليه. ثم إن المصنف لما أتم كلامه على مسألة: أنت أعلم ومالك قال: وأما قولهم: أنت أعلم وعبد الله فيحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: أن تكون الواو بمعنى «مع» وعطف بها في اللفظ مبتدأ حذف خبره وجوبا لوقوعه موقع المجرور بمع والاستطالة. والثاني: أن تكون الواو لمجرد العطف وعبد الله مبتدأ محذوف الخبر جوازا، والتقدير: أنت أعلم بعبد الله وعبد الله أعلم بك، ثم دخله الحذف كما دخل في - ¬

_ (¬1) ينظر رأي ابن طاهر في الارتشاف (2/ 287)، والتذييل (3/ 459). (¬2) التذييل (3/ 459، 460). (¬3) نسب السيوطي هذا الرأي إلى ابن الضائع. ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 70). (¬4) ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 70)، فقد ذكر فيه السيوطي رأي ابن خروف. (¬5) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 196)، حيث نسب هذا القول إلى عبد القاهر في تخريجه قولهم: أنت أعلم وربك فقال «وقال عبد القاهر: المعنى أنت أعلم وربك يجازيك؛ فهو عنده على حذف خبر المبتدأ من الجملة الثانية» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: أأنت خير أم زيد؟ والأصل: أأنت خير من زيد أم زيد خير منك؟ الثالث: أن يكون عبد الله معطوفا على أنت وأعلم خبر عنهما كأنه قال: أنت وعبد الله أعلم من غير كما فيشتركان في المعنى، ويكون أعلم خبرا لهما (¬1) متوسطا بينهما (¬2). انتهى. وأورد الشيخ هذه التوجيهات الثلاث في شرحه كما أوردها المصنف من غير زيادة ولا نقص، غير أنه قال بعد ذلك: قال أبو الفضل البطليوسي (¬3) في شرح الكتاب: فعلى هذا يجوز: زيد قائمان وعمرو ولا مانع منه، ثم قال الشيخ: ولا ينبغي أن يجوز إلا بسماع من العرب. والفرق بين المسألتين أن «أعلم» أفعل التفضيل فيجري مفردا مذكرا على المفرد المذكر وفروعهما؛ فلا يظهر في ذلك مخالفة خبر لمخبر عنه فنقول: أنت أعلم وزيد كما تقول: أنت وزيد أعلم بخلاف إذا قلت: زيد قائمان وعمرو؛ إذ لا يصح: زيد قائمان للمخالفة فلا يصح: زيد قائمان وعمرو، والذي ينبغي منع زيد قائمان وعمرو، لأن فيه الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما هو خبر لهما ومخالفة لفظه لفظ المبتدأ (¬4). انتهى. وهذا الكلام من البطليوسي ومن الشيخ يقتضي صحة: زيد أعلم وعبد الله، على أن أعلم خبر عنهما كما رآه المصنف، وفي جواز ذلك نظر؛ وذلك أن المبتدأ في هذه المسألة هو مجموع الاسمين، لأن الخبر إنما هو خبر عنهما معا فوجبت نسبة المبتدأ فيه إليهما وشأن الخبر أن يذكر بعد مبتدأ به أو قبله، حيث يجوز تقديمه عليه، وأما أن يتوسط بين أجزائه فلا. وأما الوجه الأول فلا يتجه فيه القول بوجوب حذف الخبر، وليس خبر هذا الاسم - ¬

_ (¬1) ذكر السيوطي هذه المسألة وهي قوله: أنت أعلم وعبد الله فقال: لم أقف لأحد على القول بوجوب حذف الخبر في ذلك غير ابن مالك، وهو مخالف لقولهم: إن الخبر لا يجب حذفه إلا إذا سد شيء مسده، ولهذا ردوا تجويز الأخفش في نحو: ما أحسن زيدا، أن تكون «ما» موصولة أو موصوفة» اه. الأشباه والنظائر (4/ 71). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 251). (¬3) هو عبد الله بن محمد بن السيد أبو محمد البطليوسي توفي سنة 521. سبقت ترجمته. (¬4) التذييل (3/ 460).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واقعا موقع المجرور بمع، فيجب حذفه (¬1)، وأما قوله في الواو الداخلة على المبتدأ: إنها بمعنى «مع» فلا يتحقق، وليست هذه الواو [3/ 16] واو «مع» لأن «مع» لا تقع موقعها، وكيف تحكم بأنها واو «مع» وقد وقعت أول [2/ 496] الكلام؛ لأن الغرض أن عبد الله مبتدأ لا معطوف على ما قبله وواو «مع» لا تقع أولا، والذي يظهر أن هذا الوجه لا يتصور ولم يتحقق من الأوجه الثلاثة التي ذكرها غير الوجه الثاني وهو أن الواو عاطفة وعبد الله مبتدأ حذف خبره جوازا، لدلالة ما تقدم عليه، وتقديره: أنت أعلم بعبد الله وعبد الله أعلم بك كما ذكر المصنف. القسم الثاني: ما يجب فيه النصب على المعية: ولوجوب النصب سببان: لفظي ومعنوي، أما المعنوي فيأتي الكلام عليه حيث أشار إليه المصنف، وأما اللفظي فقد مثّل له بنحو: مالك وزيدا، وما شأنك وعمرا. قال المصنف: والإشارة بذلك إلى كل جملة آخرها واو المصاحبة، وتاليها وأولها «ما» المستفهم بها على سبيل الإنكار قبل ضمير مجرور باللام أو الشأن أو ما يؤدي ما يؤديانه (¬2). انتهى. وتوجيه وجوب النصب: أن العطف في مثله ممتنع؛ إذ لا يصح العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، وإذا لم يصح العطف تعين النصب، لكن ليس في الجملة السابقة عامل ينصب المفعول معه فوجب أن يقدر له ناصب (¬3) وقد ذكر المصنف أن الذي يقدر أحد أمرين: إما كان مضمرة قبل الجار للضمير، فيكون المنصوب مفعولا معه، وإما مصدر «لابس» منويّا بعد الواو، وجعل التقديرين في هذين المثالين وما أشبههما مذهبين لسيبويه (¬4)، وإذا قدر المصنف فقد يقدره منويّا وقد يقدره مضافا إلى ضمير المخاطب. قال سيبويه: هذا باب ما يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام إذا حمل آخره على - ¬

_ (¬1) ينظر: الأشباه والنظائر (4/ 71). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 254، 255). (¬3) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 112)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 100). (¬4) ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 406) بتحقيق الدوري.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أوله، وذلك قولك: مالك وزيدا وما شأنك وعمرا (¬1)، ثم قال في متن الباب: فإذا أظهر الاسم فقال: ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر، ثم قال: وإذا أضمرت فكأنك قلت: ما شأنك وملابسة زيدا أو وملابستك زيدا فكان أن يكون على فعل وتكون الملابسة على الشأن؛ لأن الشأن معه ملابسة أحسن من أن يجروا المظهر على المضمر (¬2). هذا نصه. قال المصنف: فحمل أبو علي الشلوبين كلامه على ظاهره واعتذر عن إعمال المصدر مضمرا بأنه هنا في قوة الملفوظ به، لوضوح الدلالة عليه (¬3)، ودعاه إلى الاعتذار أن سيبويه منع في باب الوصف بإلا حذف أن يكون وارتفاع «الفرقدان» به فقال بعد إنشاده: 1648 - وكلّ أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلّا الفرقدان (¬4) كأنه قال: وكل أخ غير «الفرقدان» مفارقه أخوه، ثم قال: ولا يجوز على «إلا» أن يكون لأنك لا تضمر الاسم الذي هذا من تمامه، لأن أن يكون اسم (¬5)، فظاهر كلامه أن المصدر العامل لا يضمر، فحمل كلامه ثمّ على أنه لا يضمر لضعف الدليل ووجود مندوحة عن حذفه وحكم هنا بجواز الحذف لقوة الدلالة عليه، وما ذهب إليه الشيخ [2/ 497] أبو علي هو الصحيح لا ما ذهب إليه من منع حذف المصدر مطلقا، فإن حذفه إذا قويت الدلالة عليه وارد في الكلام الفصيح (¬6) - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 307). (¬2) الكتاب (1/ 309). (¬3) ينظر: التوطئة للشلوبين (ص 361). (¬4) البيت من الوافر وهو لعمرو بن معديكرب وقيل لحضرمي بن عامر وينظر في: الكتاب (2/ 334)، والمقتضب (4/ 209)، وحماسة البحتري (ص 234)، وابن يعيش (2/ 89)، والتذييل (3/ 463)، والكامل (4/ 76)، والإنصاف (1/ 268)، وأمالي المرتضى (2/ 88)، والخزانة (2/ 52)، (4/ 79)، والمغني (1/ 72)، (2/ 568)، وشرح شواهده (1/ 266)، والغرة لابن الدهان (2/ 80)، وابن القواس (ص 385)، ومعاني القرآن للأخفش (1/ 86)، والهمع (1/ 229)، والدرر (1/ 194). اللغة: الفرقدان: نجمان لا يفترقان. والشاهد قوله: «إلا الفرقدان»؛ حيث وقع وصفا لـ (كل) كما يرى سيبويه. (¬5) الكتاب (2/ 334، 335). (¬6) حذف المصدر وإبقاء معموله هو مذهب الكوفيين. ينظر: التذييل (3/ 464)، والأشموني (2/ 286).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقوله تعالى: قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ (¬1) أي وصد عن المسجد الحرام (¬2)، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ (¬3)، فحذف «صد وعن» قبل المسجد لدلالة مثلهما من قبل عليهما، ولا يجوز عطف المسجد على سبيل الله، وقد عطف كفر على «صد» فيلزم عطف على مصدر قبل ذكر ما يتعلق به، ولا يجوز عطف المسجد على «الهاء» من «به»، لأن العطف على ضمير الجر لا يجوز عند الأكثر إلا إذا أعيد الجار (¬4)، ولا يصح أيضا من جهة المعنى، لأن المشركين كانوا يعظمون المسجد الحرام، فلا يصح أن ينسب إليهم الكفرية إلا لكونهم لا يعظمونه تعظيما مستندا إلى أمر الله تعالى، بل إلى أهوائهم، فهو حقيق بإطلاق الكفر عليه (¬5)، ومن حذف المصدر وبقاء ما يتعلق به قول الشاعر: 1649 - لصونك من تعول أتمّ نفعا ... لهم عن ضلة وهوى مطاع (¬6) ومثله: 1650 - المنّ للذّمّ داع بالعطاء فلا ... تمنن فتلفى بلا حمد ولا مال (¬7) فعن من البيت الأول متعلق بصون محذوف وبالعطاء من البيت الثاني متعلق «بمنّ» محذوف والمحذوفان بدلان من الموجودين فاستغني بمعمول البدل كما استغني في الآية الشريفة بمعمول المعطوف (¬8). انتهى. - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 217. (¬2) ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 366)، ومعاني الفراء (1/ 141). (¬3) سورة البقرة: 217. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 243) طبعة العراق. (¬5) ينظر: إملاء ما من به الرحمن (1/ 92، 93). (¬6) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 256)، والتذييل (3/ 465). والشاهد فيه: حذف المصدر وإبقاء معموله، والتقدير: صون عن ضلة وهوى مطاع. (¬7) البيت من البسيط لقائل مجهول وهو: في التذييل (3/ 465)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 256)، والأشموني (2/ 292). والشاهد فيه: كالذي قبله حيث حذف المصدر وأبقى معموله كما يرى المصنف. (¬8) شرح التسهيل للمصنف (2/ 255، 256).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد أفهم كلامه لما حكم بإضمار «كان» حيث قال: فيكون المنصوب مفعولا معه - أنه مع إضمار المصدر الذي هو ملابسة لا يكون نصب على أنه مفعول معه، وهو الحق، بل يتعين كونه مفعولا به كما سيأتي الكلام في ذلك، ومن منع تقدير المصدر هنا جعل تقدير سيبويه «وملابسة» تفسير معنى لا تفسير إعراب، وجعلوا العامل المضمر كان (¬1)، وقالوا: يدل على ذلك ترجمة الباب وهي قوله: هذا باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام إذا حمل آخره على أوله، وذلك قولك: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا (¬2)، فبنى الباب على إضمار الفعل. هذا مع ما تقرر من أن مذهب البصريين أنه لا يجوز حذف المصدر وإبقاء معموله لأنه موصول، ولا يجوز حذف الموصول (¬3)، ويدل على ذلك منع سيبويه له في قوله: «إلا الفرقدان» (¬4)، وقال أبو الحسن بن الضائع: آخر ما أخذت عن الأستاذ أبي علي في ذلك هو أن الاسم هنا منصوب على أنه مفعول معه، وأن تقدير سيبويه معنوي لا إعرابي بل تقدير الإعراب فيه: ما لك تلتبس وزيدا، قال: ويدل على أنه عند سيبويه كذا ذكر هذه المسألة في باب المفعول معه، ولو كان النصب على أنه [3/ 17] مفعول به لم يذكرها «هنا». انتهى كلام ابن الضائع. وما أشار إليه من أن تقدير المصدر في هذه المسألة لو كان [2/ 498] تقديرا إعرابيّا لكان المنصوب مفعولا به لا مفعولا معه ظاهر، وقد تقدم أن كلام المصنف يفهم أنه مع تقدير المصدر يكون مفعولا به، وحمل كلام سيبويه هنا على التفسير المعنوي أقرب، بل متعين لتصريحه بمنع حذف المصدر في «إلا الفرقدان»، وما استدل به المصنف ليس متعينا للدلالة على مطلوبه، أما الآية الشريفة فقد ذكر هو فيها الوجوه المحتملة لغير ما ذكره، كيف وقد أجاز هو العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، وقوى ذلك واستدل بشواهد كثيرة نثرا ونظما (¬5)، وأما البيتان فيمكن أن يكون المقدر فيهما فعلا مشتقّا من المصدر الملفوظ به ويكون المصدر دالّا عليه، ومما يستدل به على أن سيبويه قصد تفسير المعنى لا تفسير الإعراب أن المفعول - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 464)، وشرح التسهيل للدماميني (ص 1680). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 307). (¬3) ينظر: الأشموني (2/ 286). (¬4) ينظر: الكتاب (2/ 334، 335). (¬5) ينظر: شرح التسهيل للدماميني (ص 1680).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معه حينئذ يكون نفس ملابسه ولا بد له من عامل، فيحتاج إلى تقدير كان بعد «ما» فلم يكن تقدير ملابسه مغنيا عن تقدير الفعل إذ ذاك. واعلم أن السيرافي ذهب إلى أن العامل فعل مقدر بعد الواو، ووافقه ابن خروف وأوّل كلام سيبويه على هذا فقال في قوله: فكأنك قلت: ما شأنك وملابسة زيدا: إنما قدر بالمصدر حين أظهر؛ ليكون محمولا على الشأن والمضمر الفعل، لأنه لا يجوز أن يعمل المصدر مضمرا، والكوفيون يعملونه مضمرا غير ملفوظ به، ثم قال ابن خروف: يريد بهذا ما أراده بقوله: «من لد أن كانت شولا»؛ لأنه لا يضمر الموصول مع بعض الصلة فكلامه هنا محمول على المعنى، وجاز إضمار الفعل هنا وهو لا يحمل على الأول من حيث لم يصرح بظهوره، فإن أظهرته على جهة التقدير جئت بالمصدر (¬1)، هذا كلام ابن خروف وهو تخريج حسن، غير أن نصب الاسم حينئذ إنما يكون نصبا على أنه مفعول به لا مفعول معه، كما يلزم ذلك على قول من قدر المصدر تقديرا إعرابيّا. ولا شك أنّا إذا فعلنا ذلك وقدرنا الفعل بعد الواو والمصدر أحلنا المسألة وأخرجناها من باب المفعول معه إلى غيره، وقد عرفت أن سيبويه ذكرها في باب المفعول معه، فتعين القول بأن النصب ليس بعامل مقدر بعد الواو. وإلى رد هذا القول أشار المصنف بقوله: (لا بلابس خلافا للسيرافي وابن خروف). وقال في الشرح: قلت: يكفي من الرد على ابن خروف اعترافه بأن الموضع لا يصلح للفعل، واعترافه بأن سيبويه حمل قول الشاعر: 1651 - من لد شولا فإلى إتلائها (¬2) على أن أصله: من لد أن كانت شولا، فحكم بحذف أن والفعل في هذا الرجز لقوة الدلالة، وحكم بمنع ذلك في: 1652 - لعمر أبيك إلّا الفرقدان (¬3) لضعف الدلالة (¬4)، واعلم أنه قد تقدمت الإشارة إلى أن المقتضي لوجوب النصب - ¬

_ (¬1) لمراجعة رأي السيرافي وابن خروف ينظر: الارتشاف (2/ 288)، والتذييل (3/ 464)، والهمع (1/ 221)، وشرح الكافية للرضي (1/ 197). (¬2)، (¬3) تقدم ذكرهما. (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 257).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في نحو: ما لك وزيدا وما شأنك [2/ 499] وعمرا، إنما هو امتناع العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، ولكن ليس امتناع العطف مجمعا عليه، فإن الكوفيين يجيزون ذلك، ووافقهم بعض البصريين (¬1)، فلذلك قيد المصنف وجوب النصب بكونه عند الأكثر، وقال في الشرح: ونسبت وجوب النصب في نحو: ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا إلى الأكثر؛ لأن ابن خروف حكى عن الكسائي أنه قال: إذا أوقعت «ما بال» و «ما شأن» على اسم مضمر، ثم عطف عليه اسم ظاهر كان الوجه في المعطوف النصب والخفض جائز، فصرح الكسائي بجواز الجر، وبه أقول لا على العطف، بل على حذف مثل ما جرّ به الضمير لدلالة السابق عليه (¬2). انتهى. ومقتضى إجازته ذلك أن لا نقول بوجوب النصب في نحو هذين المثالين. وحكايته ذلك عن الأكثر لا يلزم منها أن يكون المحكي مذهبه. والعجب من المصنف أنه لم يوجب النصب في نحو: ذهبت وزيد بل جعله مختارا كما سيأتي، وقد جعله ابن عصفور واجبا، فمثل لهذا القسم - أعني ما يجب فيه نصب الاسم - بنحو: ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا، وجعل ضابطه أن يتقدم الواو جملة اسمية مضمنة معنى جملة فعلية وضمير خفض، وبنحو: ما صنعت وأباك، وجعل ضابطه أن يتقدم الواو جملة فعلية وضمير متصل مرفوع غير مؤكد ولا مفصول (¬3)، وتسوية ابن عصفور بين هذين التركيبين في وجوب النصب ظاهر ويلزم المصنف التسوية بينهما، بل يلزمه أن يكون الحكم عنده بوجوب النصب مع الضمير المرفوع أولى منه مع الضمير المجرور؛ لأنه قد حكم في باب العطف من كتاب التسهيل بضعف العطف على ضمير الرفع المتصل دون فصل، ولم يشترط إعادة الجار في العطف على ضمير الجر، بل جعل ذلك مختارا (¬4)، وقال في الألفية: - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 197)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 407)، حيث قال ابن مالك فيه: وأجاز الأخفش والكوفيون على ضعف. اه. فالمقصود بقول الشارح هنا «ووافقهم بعض البصريين» هو الأخفش. (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 257). (¬3) ينظر: المقرب (1/ 159). (¬4) ينظر: التسهيل (ص 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن على ضمير رفع متّصل ... عطفت فافصل بالضّمير المنفصل أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النّظم فاشيا وضعفه اعتقد وعود خافض لدى عطف على ... ضمير خفض لازما قد جعلا وليس عندي لازما إذ قد أتى ... في النّظم والنثر الصّحيح مثبتا فجعل العطف على ضمير الجر دون إعادة الجار واردا في النظم وفي النثر. وأشار بالصحيح إلى المقطوع بصحته وهو القرآن العزيز، وجعل العطف على الضمير المتصل المرفوع واردا في النظم وضعفه مع ذلك، فكان الواجب إجراء هذين التركيبين مجرى واحدا إما في وجوب النصب أو رجحانه، وهو [2/ 500] قد فرق بينهما إلا أن يقال: قد أشير إلى أنه لا يلزم من حكايته لوجوب النصب في: «ما لك وزيدا» [3/ 18] عن الأكثر أن يكون المحكي مذهبا له، وإذا لم يلزم ذلك وهو قد أجاز العطف على الضمير المجرور إما بتقدير محذوف أو دونه فينبغي أن لا يكون قائلا بوجوب النصب، وحينئذ يكون النصب راجحا وقد صرح هو برجحانه في نحو: ذهبت وزيدا (¬1)، فعلى هذا استوى الموضعان عنده في رجحانية النصب، وارتفع الإشكال عن كلامه، ولزم أن يكون لوجوب النصب عنده سبب واحد وهو المعنوي وسيذكره، فيكون موجب النصب عنده على هذا منحصرا في الأمر الراجع إلى المعنى، ثم إذا كان المجرور باللام أو الشأن بعد «ما» الاستفهامية اسما ظاهرا نحو: ما لزيد وأخيك، وما شأن عبد الله وعمرو، رجح العطف لانتفاء المحذور حينئذ ولم يمتنع النصب، لكنه مرجوح لعدم عامل ملفوظ به والاحتياج إلى تقدير عامل، ومنع بعض النحاة المتأخرين النصب في هذا (¬2) مستندا في ذلك إلى قول سيبويه: فإذا ظهر الاسم فقال: ما شأن عبد الله وأخيه يشتمه فليس إلا الجر (¬3)، ولا شك أن هذا الكلام من سيبويه يدل دلالة صريحة على أن - ¬

_ (¬1) لأنه لو رفع يكون قد عطف على الضمير المرفوع المتصل بغير توكيد أو فصل وهذا ضعيف. ينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 99). (¬2) ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 408)، والمقرب (1/ 160). (¬3) الكتاب (1/ 309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النصب ممتنع (¬1). قال المصنف: وهو لا يريد ذلك لأنه قال بعد هذا بقليل: ومن قال: ما أنت وزيدا قال: «ما شأن عبد الله وزيدا، كأنه قال: ما كان شأن عبد الله وزيدا» (¬2)، فعلم بهذا أن مذهبه جواز النصب لكنه غير الوجه المختار، ويتبين أنه أراد بقوله أولا: «فليس إلا الجر» ما أريد بنحو: «لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار» (¬3) قال: ولو قرأ - يعني مانع النصب - ما بعد الكلام الأول من كلام سيبويه لم يقع فيما وقع، ومثل هذا اتفق للزمخشري في انته أمرا قاصدا حين جعله من المنصوبات اللازم إضمار عاملها (¬4)؛ لأن سيبويه ذكره بعد أمثلة التزم إضمار ناصبها، ثم بين بعد ذلك بقليل أن الذي نصب أمرا قاصدا يجوز إظهاره (¬5)، وغفل الزمخشري عن ذلك (¬6). واعلم أن المصنف لما ذكر وجوب تقدير عامل في هذه المسألة أعني مسألة «ما لك وزيدا» و «ما شأنك وعمرا» أتبع ذلك بذكر مواضع شاركت المسألة المذكورة في تقدير العامل، لكنها خالفتها في أن العطف فيها ممتنع بخلاف ما ذكره أولا، ولكون العطف في هذه المواضع لا مانع منه، والنصب يحتاج معه إلى تقدير عامل كان العطف أولى فلا جرم أن المصنف قال: (وربما نصب بفعل مقدر بعد «ما» أو «كيف») إلى آخره، فنبه بذلك على مرجوحيته، وعلى هذا فالرفع في «ما أنت - ¬

_ (¬1) علق أبو حيان على رأي بعض المتأخرين الذين يمنعون النصب في هذه المسألة فقال: وهذا وهم منه، نظر إلى كلام سيبويه أولا ولم ينظر إليه آخرا، فقول سيبويه: فليس إلا الجر يعني في الأفصح، ويدل على هذا التقييد بالأفصح قول سيبويه بعد ذلك: ومن قال: ما أنت وزيدا قال: ما شأن عبد الله وزيدا، وحمله على كان، لأن كان تقع هاهنا والرفع أجود وأكثر، والجر في قولك: ما شأن عبد الله وزيد أحسن وأجود كأنه قال: ما شأن عبد الله وشأن أخيه، ومن نصب أيضا قال: ما لزيد وأخاه. اه. فهذا نص من سيبويه على ترجيح العطف وتجويز النصب على أنه مفعول معه. اه التذييل (3/ 466). (¬2) الكتاب (1/ 309). (¬3) ذكر في (أبو عثمان المازني المجدد) (ص 193) على أنه بيت من الكامل ولم أجده في غيره بهذا التخريج. (¬4) ينظر: المفصل للزمخشري (ص 49). (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 284). (¬6) شرح التسهيل للمصنف (2/ 258).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزيد»، و «كيف أنت وقصعة من ثريد» هو الجيد الراجح لعدم الفعل وما يعمل عمله (¬1)، وقد قال سيبويه: وزعموا أن ناسا يقولون: كيف أنت وزيدا وما أنت وزيدا، وهو قليل [2/ 501] في كلام العرب، ولم يحملوا الكلام على «ما» و «كيف»، (لكنهم) (¬2) حملوه على الفعل؛ لأن كنت وتكون يقعان هنا كثيرا وأنشد سيبويه (¬3): 1653 - وما أنت والسّير في متلف ... يبرّح بالذّكر الضّابط (¬4) وأنشد: 1654 - أتوعدني بقومك يا ابن حجل ... أشابات يخالون العبادا بما جمّعت من حضن وعمرو ... وما حضن وعمرو والجيادا (¬5) ثم قال: وزعموا أن الراعي كان ينشد هذا البيت: 1655 - أزمان قومي والجماعة كالّذي ... لزم الرّحالة أن تميل مميلا (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر: المطالع السعيدة (ص 336)، والمقرب (1/ 160). (¬2) في (جـ) (ولكنهم) وهو الصواب لموافقته نص سيبويه. (¬3) الكتاب: (1/ 303). (¬4) البيت من المتقارب قائله أسامة بن الحارث بن حبيب الهذلي ويكنى أبا سهم وهو في: الكتاب (1/ 303)، وشرح أبياته للسيرافي (1/ 128)، وشرح عمدة الحافظ (1/ 404)، والتذييل (3/ 466)، وابن يعيش (2/ 51، 52)، وتعليق الفرائد (ص 1682)، والعيني (3/ 93)، وابن الناظم (ص 110)، والدرر (1/ 90). واللسان «عبر». ويروى البيت برواية (وما أنا) مكان (وما أنت). اللغة: المتلف: القفر الذي يتلف فيه من سلكه، الضابط: القوي. والشاهد فيه: قوله: «والسير»؛ حيث نصب على رأي بعضهم والجمهور على عطف مثل هذا. (¬5) البيتان من الوافر لقائل مجهول وهما في: الكتاب (1/ 304)، والمحتسب (1/ 215)، (2/ 14)، وأمالي الشجري (1/ 66). اللغة: الأشابات: الأخلاط من الناس وهو جمع أشابة، حضن: بطن من القين. والشاهد في قوله: «والجيادا»؛ حيث نصب حملا على معنى الفعل أي وملابستها الجيادا. (¬6) البيت من الكامل وهو للراعي النميري وهو في: الكتاب (1/ 305)، والتذييل (3/ 469)، وجمهرة القرشي (ص 176)، وطبقات ابن سلام (ص 508)، والغرة لابن الدهان (2/ 81)، والمقرب (1/ 160)، وشرح عمدة الحافظ (2/ 405)، وابن الناظم (ص 111)، والارتشاف -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنه قال: أزمان (كان) (¬1) قومي والجماعة، فحملوه على كان لأنها تقع في هذا الموضع كثيرا (¬2). وعلل سيبويه إضمار الفعل في نحو: ما أنت وزيدا، وكيف أنت وقصعة، بأن العرب يستعملون الفعل مع الاستفهام كثيرا فيقولون: ما كنت وكيف تكون، إذا أرادوا معنى مع، قال: من ثم قالوا: 1656 - أزمان قومي والجماعة لأنه موضع يدخل فيه الفعل كثيرا فيقولون: أزمان كان قومي، وحين كان (¬3)، هذا نصه، وقد ذكر المصنف ثلاثة المواضع التي ذكرها سيبويه، وضم إليها رابعا وهو الذي أشار إليه بقوله: (أو قبل خبر ظاهر)، وتبع في ذلك ابن خروف فإنه قال في شرح الكتاب يشير إلى سيبويه: ولم يذكر في قولهم: أنت وشأنك، وكل رجل وضيعته، وما أشبهه إلا الرفع، ثم قال ابن خروف: وبعض العرب تنصب إذا كان معه خبر (¬4)، وجعل من ذلك قول عائشة رضي الله عنها: «كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ينزل عليه الوحي وأنا وإيّاه في لحاف» (¬5)، (¬6). قال المصنف: ويجوز عندي أن يكون «إيّاه» في موضع رفع عطفا على «أنا» على سبيل النيابة عن ضمير الرفع، كما ناب عن ضمير الجر فيما حكى الفراء من قول العرب: مررت بإياك، قال: وأنشد الكسائي: - ¬

_ - (ص 454، 1150)، والخزانة (1/ 502)، والتصريح (1/ 295)، والهمع (1/ 122)، (2/ 156)، والدرر (2/ 211). اللغة: الرحالة: سرج من الجلد ليس فيه خشب كانوا يتخذونه للركض الشديد. والشاهد فيه: نصب «والجماعة» على إضمار كان. (¬1) سقطت كلمة (كان) من (أ، جـ) وما أثبته من الكتاب. (¬2) الكتاب (1/ 303 - 305). وينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 259). (¬3) الكتاب (1/ 306). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 470، 471). (¬5) الحديث في المستدرك (4/ 10) برواية: وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد، وهذه الرواية لا شاهد فيها ولم يتيسر لي العثور عليه في غير هذا الكتاب بهذه الرواية التي هنا. (¬6) زاد في نسخة (جـ): (كأنها قالت: وكنت وإياه في لحاف أو وأنا كائنة وإياه في لحاف).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1657 - فأحسن وأجمل في أسيرك إنّه ... ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر (¬1) وكما ناب ضمير الرفع عن ضمير الجر في قول بعض العرب وقد سئل عن الصعلوك: هو الغداة كأنا، وليس هذا ببدع لأن أصل المبني أن لا يختص بموضع من الإعراب دون موضع، والمضمرات من المبنيات فلا يستبعد ذلك فيها إلا أن حمل «أنا وإياه في لحاف» على باب المفعول معه أولى؛ لأنه قد روي في حديث آخر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أبشروا فو الله لأنا وكثرة الشّيء أخوف عليكم من قلّته» (¬2) بنصب «وكثرة» ذكره الشلوبين وعضده بما حكاه الصيمري (¬3) من جواز النصب في أنت وشأنك، وكل رجل وضيعته (¬4)، (¬5) انتهى. وبقي الكلام ها هنا في أمرين: أحدهما: أنهم اختلفوا في «كان» هذه المضمرة، فمنهم من جعلها التامة وهو رأي الفارسي، وهو قول مبني على أن الناقصة لا عمل لها في غير الاسم والخبر، لكونها سلبت الدلالة على الحدث (¬6)، قال الشيخ: وهو اختيار الشلوبين (¬7) فعلى هذا [3/ 19] كيف [2/ 502] في موضع نصب على الحال، ولكن يشكل أمر «ما»؛ لأنها لا تكون حالا، لأنها سؤال عن الذات لا عن أحوال الذات، حتى زعم بعضهم أنها مخرجة هنا عن أصلها إلى السؤال عن الحال (¬8)، قلت: ودعوى - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: مجالس ثعلب (1/ 133)، والخزانة (4/ 274)، والهمع (2/ 31)، والدرر (2/ 27). والشاهد في قوله: «كإياك» حيث ناب عن ضمير الجر. (¬2) الحديث في المصنف للحافظ أبي بكر عبد الرزاق الصنعاني برواية «لأنا للغنى أخوف عليكم من الفقر» وهذه الرواية لا شاهد فيها. (¬3) هو أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق، سبقت ترجمته. (¬4) ينظر: تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي للصيمري (1/ 257) تحقيق د/ فتحي أحمد مصطفى (جامعة أم القرى)، وينظر أيضا: شرح عمدة الحافظ (1/ 406)، والتصريح (1/ 343). (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 260). (¬6) ينظر: الارتشاف (2/ 289)، والمطالع السعيدة (ص 336)، والهمع (1/ 221)، والتصريح (1/ 343). (¬7) التذييل (3/ 468)، وينظر: المطالع السعيدة (ص 336). (¬8) ينظر: التصريح (1/ 343).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الابتدائية فيها ممكن فتقدير ما أنت وزيدا: ما كان شأنك وزيدا، المعنى: أي شيء وقع شأنك مع زيد، ثم بعد حذف «كان» حذف المضاف الذي هو شأن، وأقيم المضاف إليه وهو ضمير المخاطب مقامه. ومنهم من جعلها الناقصة وهم الذين يصححون عمل الناقصة في غير الاسم والخبر، ووجه تصحيحهم ذلك أن دلالتها على الحدث عندهم باقية، وهذا المذهب هو أصح المذهبين (¬1)، فعلى هذا تكون «كيف» في موضع الخبر، وكذا «ما» أيضا التقدير: على أي حال تكون مع قصعة من ثريد، وأي شيء تكون مع زيد (¬2). الأمر الثاني: أن سيبويه قدر مع «ما كنت» ومع «كيف» تكون (¬3) فاختلفوا: هل ذلك مقصود لسيبويه أو لا، فقال السيرافي: إنه غير مقصود، ولو عكس لأمكن (¬4)، وقال بعضهم: إن ذلك مقصود من سيبويه، وذلك أن قولهم: ما أنت وزيدا، إنما يقال لمن أنكر عليه أن قال: خالطت زيدا أو لابسته، فيقال له: ما كنت وزيدا، ولا يقال له إذا قال ما لابسته: ما أنت وزيدا لأنه لا ينكر ما لم يقع إنما ينكر الواقع، وأما كيف أنت وقصعة، فإنما يقال على معنى كيف تكون، كذا يستعمل عندهم، ولم ينقل خلاف هذا، فهذا النصب إنما يقال منه ما سمع (¬5). انتهى. ولا يخفى ضعف هذا التقدير، فالحق ما قاله السيرافي. واعلم أنه قد تبين مما تقدم أن العطف راجح في صور خمس وهي: ما لزيد وأخيه، وما أنت والسير، وكيف أنت وقصعة، و: 1658 - أزمان قومي والجماعة (¬6) و «أنا وإياه في لحاف»، وضابطها: أن لا يكون ثم فعل ملفوظ به، ولكن في - ¬

_ (¬1) اختار أبو حيان هذا المذهب في التذييل (3/ 468)، فاختيار الشارح إذن لهذا المذهب موافق لما اختاره شيخه أبو حيان. (¬2) ينظر: المطالع السعيدة (ص 336). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 303). (¬4) شرح السيرافي (3/ 69). (¬5) ينظر: الهمع (1/ 221)، حيث ذكر ذلك عن ابن ولاد، وينظر: التذييل (3/ 469). (¬6) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملة ما يدل عليه لو قدر، وليس ثم مانع يمنع من العطف (¬1)، وإذا كان العطف في هذه الصور راجحا، لوجود ما يصح العطف عليه دون مانع، فالنصب على المعية مرجوح حينئذ للاحتياج إلى تقدير عامل، وينبغي أن تذكر هذه الصور فيما ترجح عطفه على أنها داخلة في الضابط الذي ذكره لما ترجح فيه العطف على النصب كما سيجيء الإشارة إليه، وإنما قدم ذكرها قبل الشروع في ذكر راجح العطف لأنها فروع مسألة: «ما لك وزيدا» فنبه بذكرها على أنها شاكلت ما قبلها في تقدير العامل، إلا أنها خالفته بكون النصب فيها مرجوحا. القسم الثالث: ما ترجح فيه العطف، واعلم أن المصنف أشار إلى هذا القسم وإلى القسم الرابع وهو ما ترجح فيه النصب على المعية، ووقعت الإشارة أيضا في كلامه هنا إلى الضرب الثاني من القسم الذي يجب فيه النصب لسبب [2/ 503] معنوي، وهو الذي تقدم الوعد بأنه سيأتي ذكره، غير أن المصنف مزج الكلام في إيراد ذلك، ودل ما ذكره على شيء بالمنطوق وشيء بالمفهوم، وذلك أنه ذكر قيودا لما ترجح عطفه، تلك القيود منها ما ترجح النصب مع انتفائه، ومنها ما يجب مع انتفائه النصب، فنشير أولا إلى كل من القسمين على سبيل الإجمال، ثم نعود إلى تطبيق ذلك على لفظ الكتاب. أما رجحان العطف فله سببان: أحدهما: يرجع إلى المعنى وهو انتفاء التكلف أي إذا كان تصحيح الكلام يحتاج إلى تقدير متكلف لو عطفنا، فحينئذ لا يكون العطف راجحا كما سيتبين. وثانيهما: يرجع إلى اللفظ وهو انتفاء الموهن أي المضعف للعطف، فإذا انتفى الأمران فيما لا يمتنع العطف فيه لأمر خارجي، كان العطف راجحا على النصب على المعية، وذلك نحو: جئت أنا وزيد، وقام زيد وعمرو (¬2)، ومن أمثلة النحاة: كنت أنا وزيدا كالأخوين (¬3)، ويدخل في هذا الضابط الذي ترجح العطف معه، أعني انتفاء التكلف، وانتفاء الموهن - ما تقدمت الإشارة إليه آنفا وهو خمس - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 160) حيث ذكر مثل هذا الضابط لهذه المسألة. (¬2) ينظر: شرح الألفية للمرادي: (2/ 99)، حيث أشار إلى ذلك. (¬3) ينظر: شرح عمدة الحافظ (1/ 401)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 112)، حيث مثلا بهذا المثال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسائل التي ذكر أن النصب فيها على المعية مرجوح وهي: ما شأن عبد الله وأخيه، وما أنت وزيد، وكيف أنت وقصعة؟ و: أزمان قومي والجماعة و «أنا وإياه في لحاف». وأما رجحان النصب فعند وجود أحد الأمرين المشروط انتفاؤهما فيما تقدم، فيكون له سببان أيضا: أحدهما: يرجع إلى المعنى وهو حصول التكلف لو عطفنا، والآخر: يرجع إلى اللفظ وهو حصول الموهن للعطف، وسيأتي أمثلة ذلك في كلام المصنف. إذا عرف هذا فاعلم أن المصنف اشترط لرجحان العطف ثلاثة أمور وهي: انتفاء التكلف، وانتفاء المانع، وانتفاء الموهن، فأشار بالأول إلى نحو قول الشاعر: 1659 - فكونوا أنتم وبني أبيكم ... مكان الكليتين من الطّحال (¬1) قال: فإن العطف فيه حسن من جهة اللفظ وفيه تكلف من جهة المعنى لأن مراد الشاعر: كونوا لبني أبيكم، فالمخاطبون هم المأمورون، وإذا عطف يكون التقدير: كونوا لهم، وليكونوا لكم، وذلك خلاف المقصود وكذا قول الآخر: 1660 - إذا أعجبتك الدّهر حال من امرئ ... فدعه وواكل أمره واللّياليا (¬2) معناه: وواكل أمره لليالي، وتقدير العطف فيه تكلف بيّن. - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر لقائل مجهول وهو في: الكتاب (1/ 298)، وابن يعيش (2/ 48)، والتذييل (3/ 446)، والغرة لابن الدهان (2/ 73)، وابن القواس (ص 378)، والعيني (3/ 102)، والتصريح (1/ 345)، والأشموني (2/ 139)، والهمع (1/ 220)، والدرر (1/ 190)، ومجالس ثعلب (1/ 103)، وأوضح المسالك (1/ 180). ويروى البيت برواية (وكونوا) مكان (فكونوا). والشاهد فيه: - على مذهب الجمهور - جعل «فكونوا» ناقصة وهي عاملة النصب في المفعول معه وهو «بني أبيكم» وقوله: «مكان الكليتين» خبر لها، ومن ذهب إلى منع عمل «كان» الناقصة في المفعول معه جعل قوله: «مكان الكليتين» حالا والراجح من هذين المذهبين هو مذهب الجمهور. (¬2) البيت من الطويل لقائل مجهول وهو في: معاني القرآن للفراء (2/ 57)، والتذييل (3/ 471)، والعيني (3/ 99)، وابن الناظم (ص 112)، والأشموني: (2/ 139، 169). والشاهد فيه: قوله: «واللياليا»؛ حيث يترجح نصبه مفعولا معه لأن العطف فيه تكلف من جهة المعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بالثاني إلى نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، أي مع إتيانه، فالعطف هنا بيّن الامتناع (¬1)، وكذا في: استوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل (¬2)، قلت: وهذا هو السبب المعنوي الموجب للنصب الذي تقدم الوعد بذكره، وأشار بالثالث إلى نحو: ما صنعت وأباك، فإن نصبه على المعية مختار وعطفه جائز على ضعف؛ لأن المعطوف عليه ضمير رفع [2/ 504] متصل غير مفصول بينه وبين العاطف، وما كان كذلك فعطفه ضعيف، وأكثر ما يكون في الشعر كقول الشاعر: 1661 - ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم [3/ 20] يكن وأب له لينالا (¬3) فلو نصب الأب لكان أجود لما تبين من ضعف العطف، هذا آخر كلام المصنف (¬4) في تقرير هذا الموضع، وقد تبين منه أن رجحان العطف متوقف على انتفاء كل من الأمور الثلاثة، أما إذا لم ينتف ما ذكر، وذلك بأن يوجد التكلف أو المانع أو الموهن فإن رجحان العطف ينتفي حينئذ، ولكن إذا انتفت رجحانية العطف فقد يكون العطف جائزا ولكنه يكون مرجوحا؛ لأن النصب على المعية هو الراجح إذ ذاك كما إذا وجد التكلف أو الموهن وقد يكون العطف ممتنعا كما إذا وجد المانع منه، وإنما احتاج إلى ذكر انتفاء المانع، لأنه لو اقتصر على قوله: (بلا تكلف ولا موهن) لورد عليه نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، لانتفاء التكلف والموهن فيه، مع أن العطف لا غير راجح، بل هو ممتنع، فإن قيل: كيف يصدق انتفاء رجحانية العطف على الصورة التي يمتنع فيها العطف؟ فالجواب: أن انتفاء رجحانيته أعم من جوازه مع مرجوحيته، ومن (امتناعه) (¬5) أصلا، ولا شبهة في - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 472). (¬2) لأنه لا يصح مشاركة ما بعد الواو هنا لما قبلها في حكمه. ينظر: الأشموني (2/ 139، 140). (¬3) البيت من الكامل وهو لجرير وهو في: المقرب (1/ 234)، والعيني (4/ 160)، والتصريح (2/ 151)، والإنصاف (2/ 476)، والأشموني (3/ 114)، والهمع (2/ 138)، والدرر (2/ 191)، وديوان جرير (ص 451). والشاهد فيه قوله: «وأب»؛ حيث رفع على العطف ولو نصب كما ذكر المصنف لكان أجود. (¬4) شرح التسهيل للمصنف (2/ 260، 261). (¬5) في (أ): (انتفائه).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جواز صدق الأعم على الأخص، فعند امتناع العطف يصدق أنه غير راجح، واعلم أن الذي يعطيه كلام المصنف ظاهرا أنه عند وجود التكلف أو الموهن تنتفي رجحانية العطف، ولكن لا يلزم من انتفائها كون العطف مرجوحا، فجاز أن يستوي الأمران أعني العطف والنصب على المعية، وليس هذا بمراد له وإنما يقصد أن العطف يكون مرجوحا حينئذ، والذي يدفع هذا الظاهر أن يقال: إنه تقدم أن أقسام مسائل هذا الباب عند المصنف أربعة: أحدها: ما ترجح نصبه: وهو لم يتقدم له ذكر هذا القسم، وقد قلنا آنفا: إنه مزج ذكره بذكر ما ترجح عطفه، وإن كلامه دلّ على أحدهما بالمنطوق وعلى الآخر بالمفهوم، والذي دلّ عليه بالمنطوق هو رجحان العطف، فيتعين أن يكون المدلول عليه بالمفهوم هو رجحان النصب، وإذا كان كذلك انتفت الدلالة على الاستواء، وإذا تقرر هذا، فمن الأمور الثلاثة التي ذكرها أمران إذا وجدا كان النصب على المعية راجحا على العطف وهما التكلف والموهن، وقد عرفت أن الأول يرجع إلى المعنى، وأن الثاني يرجع إلى اللفظ، وتقدم لك ذكر أمثلتهما، لكن قول المصنف في: 1662 - فكونوا أنتم وبني أبيكم (¬1) وإذا عطفت يكون التقدير: كونوا لهم وليكونوا لكم، وذلك خلاف المقصود يقتضي أن يكون النصب فيه واجبا لا راجحا، أما عبارة متن الكتاب أعني التسهيل فلا تقتضي ذلك. وأما الأمر الثالث من الأمور الثلاثة وهو المانع فلا شك أنه إذا وجد [2/ 505] كان النصب على المعية واجبا نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، واستوى الماء والخشبة، وهذا هو أحد السببين الموجبين للنصب على المعية وهو المعنوي، فقد دل هذا الكلام أعني كلام المصنف بمفهومه على ما يجب نصبه على المعية وإلى ما يرجح فيه ذلك، ثم إن المصنف ذكر صورة أخرى ترجح النصب على المعية فيها على العطف، وإليها أشار بقوله: (فإن خيف فيه فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعية) (¬2)، وهذا - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) التسهيل (ص 100)، وينظر: شرح التسهيل للمصنف (2/ 261).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام من تتمة ما قبله، وكأنه لما قال: إن العطف يرجح عند انتفاء كل من الأمور الثلاثة - وكانت هذه الصورة التي سيمثل لها داخلة تحت هذا الضابط لانتفاء الأمور المذكورة عنها، مع أن العطف فيها مرجوح - أفردها بالذكر ونص عليها بخصوصها، قال في الشرح: وأشرت بقولي: فإن خيف به أي بالعطف فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعية - إلى نحو: لا تغتد بالسمك واللبن ولا يعجبك الأكل والشبع بمعنى لا تغتد بالسمك مع اللبن، ولا يعجبك الأكل مع الشبع، فالنصب في هذين المثالين وأشباههما على المعية يبين مراد المتكلم والعطف لا يبينه (¬1) فتعين رجحان النصب للسلامة من فوات ما يضر فواته، وضعف العطف إذ هو بخلاف ذلك (¬2). انتهى. وعلى هذا صار لمرجح النصب على العطف ثلاثة أمور وهي: التكلف والموهن والخوف من فوات المعنى المقصود، إلا أنه قد تتوجه المنازعة للمصنف في إدراجه هذه الصورة في قسم ما ترجح نصبه، ويدعى أن العطف فيها ممتنع لإفهامه غير المراد، ويقال: إن هذين المثالين وما أشبههما داخلة في قسم ما يجب نصبه ويكون قد شملها مفهوم قوله: (ولا مانع) فنقول: كما استفدنا من قوله: (ولا مانع) أن النصب واجب في: لا تنه عن القبيح وإتيانه لوجود مانع يمنع من العطف، هكذا نستفيد منه وجوب النصب في نحو: لا تغتد بالسمك واللبن لوجود المانع من العطف أيضا، ومما يدل على أن النصب واجب في مثل هذا وجوب نصب الفعل بإضمار «أن» في نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن إذا لم يقصد العطف ولا الاستئناف، وإذ قد انتهى القول في الأقسام الأربعة أعني: ما يجب عطفه وما يجب نصبه وما ترجح عطفه وما ترجح نصبه، وكنت قد عرفت أن القسم الرابع منها وهو ما ترجح نصبه لم يتضمنه كلام ابن عصفور، وأنه ذكر قسما لم يتضمنه كلام المصنف وهو ما يتساوى فيه الأمران أعني العطف والنصب على المعية (¬3)، وأنه ينتظم من كلام الرجلين خمسة أقسام، فلنذكر الأقسام المذكورة الآن منتظمة كي يسهل ضبطها على - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 472)، والمطالع السعيدة (ص 336). (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 261). (¬3) ينظر: المقرب (1/ 159)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 367).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناظر [2/ 506]. أما وجوب العطف فله سبب واحد لفظي وهو أن تكون الواو المفيدة للمعية بعد ذي خبر لم يذكر أو ذكر وهو أفعل التفضيل نحو: كل رجل وضيعته، وأنت أعلم ومالك. وأما وجوب النصب فله سببان لفظي ومعنوي كما عرفت: أما اللفظي فمقتضيه أن يكون ثم جملة آخرها واو المصاحبة، وتاليها وأوّلها «ما» المستفهم [3/ 21] بها على سبيل الإنكار قبل ضمير مجرور باللام أو الشأن أو ما يؤدي ما يؤديانه نحو: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا. هذا هو الضابط الذي ذكره المصنف؛ لأنه قصر السبب اللفظي الموجب للنصب على ما ذكره، وأما ابن عصفور فلم يقصر الأمر على ذلك، بل عداه إلى نحو: ما صنعت وأباك فأوجب فيه النصب أيضا، ولهذا جعل الضابط لما يجب نصبه أن يكون ثم جملة فعلية وقبل الواو ضمير خفض (¬1)، وقد تقدم البحث مع المصنف في كونه أوجب النصب في: ما لك وزيدا، ورجحه في: «ما صنعت وأباك» مع أنه يجيز العطف على الضمير المجرور دون إعادة الجار، ويجيز إضمار الجار مع المعطوف أيضا، وأنه كان يجب عليه بمقتضى مذهبه في العطف على الضمير المجرور أن يسوّي المسألتين إما في الوجوب أو في الرجحان، أما كونه يوجب في إحدى المسألتين ويرجح في الأخرى فغير ظاهر، ولكن تقدم أيضا ذكر ما يصلح أن يكون جوابا عن إيجابه النصب في نحو: ما لك وزيدا، وهو أن ذلك قد لا يكون اختياره، وإنما حكاه حكاية لكونه مذهب الأكثرين، وأما المعنوي فالمقتضي له أن لا يصلح العطف من حيث المعنى، مع أنه ليس في اللفظ ما يمنع منه، وموجب عدم صحة العطف انتفاء مشاركة ما بعد الواو لما قبلها في الحكم المذكور نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه، واستوى الماء والخشبة، وسار زيد والنيل. واعلم أن ابن عصفور لم يتعرض إلى ذكر السبب المعنوي الموجب للنصب، وكأن المقتضي عنده لعدم التعرض إليه ما أذكره، أما نحو: استوى الماء والخشبة، وسار زيد والنيل، فيظهر من كلامه وكلام غيره أنه لا يجب فيه النصب، ومن ثم - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 159).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غلطوا الزجاجي في ادعائه وجوب النصب في استوى الماء والخشبة وقالوا: إن لم يصح العطف حقيقة فإنه يصح مجازا (¬1)، ولا شك أن هذا القول هو جار على مقتضى ما يقال: إن أصل المفعول معه العطف، وإن الواو هي العاطفة في الأصل وقد عرفت أنه قول الأكثرين، وأما نحو: لا تنه عن القبيح وإتيانه فقد يقول أعني ابن عصفور: إن العطف في هذا ممتنع لأن تشريك ما بعد الواو لما قبلها في الحكم [2/ 507] لا يجوز أن يكون مرادا هنا والمعية مرادة قطعا، وحينئذ يكون النصب متعينا بنفسه والعطف ممتنع من أصله لفساد المعنى إذا عطف، وإذا كان العطف غير متصور فهو منتف من الأصل، فليس النصب في مثل هذا إلا لأن الكلام لا يتصور فيه غير المعية، وإذا كان كذلك فلا نذكر هذه المسألة مع مسائل هذا الباب؛ لأنها إنما يقال فيها: يجب العطف أو يرجح أو يجب النصب أو يرجح، ألا وقد تصورنا صحة كل من العطف والمعية في تلك المسألة لكن منع من أحد الأمرين مانع أو جعله مرجوحا. وأما رجحان العطف فله سببان أيضا معنوي ولفظي كما تقدم: فالمعنوي هو انتفاء التكلف، وضابطه أن الكلام لا يكون فيه مانع من العطف من جهة اللفظ، ولا يحتاج فيه إلى تقدير فيه تكلف؛ لأنه إذا احتيج في العطف إلى ما فيه تكلف يكون النصب على المعية هو الراجح حينئذ، فيكون العطف مرجوحا لا محالة، واللفظي هو انتفاء الموهن أي المضعف للعطف، وضابطه أن يكون ثم ما لا يضعف العطف عليه، ثم قد لا يوجد عامل لفظا يصح توجهه إلى نصب المفعول معه، فيحتاج في النصب على المعية إلى تقدير عامل نحو: ما لزيد وأخيك، وما أنت والسير، وكيف أنت وقصعة، و: 1663 - أزمان قومي والجماعة (¬2) و «أنا وإياه في لحاف»، وقد يوجد عامل نحو: جئت أنا وزيد، هذا عند المصنف. وأما عند ابن عصفور، فإنما ترجح العطف عنده في الأول أعني الذي لم - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 367)، والتذييل (3/ 453)، وقد سبق فصل القول في هذه المسألة. (¬2) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يذكر فيه عامل، وأما الثاني وهو الذي ذكر العامل فيه فهو من قبيل ما يستوي فيه الأمران عنده أعني العطف والنصب على المعية؛ ولهذا جعل ضابط ما ترجح عطفه أن تكون الجملة اسمية متضمنة معنى الفعل، وأن يتقدم الواو اسم لا يتعذر العطف عليه (¬1)، وكأنه يعني بقوله: لا يتعذر: لا يضعف، ثم قال: وإذا كانت الجملة فعلية وتقدم الواو اسم يسوغ العطف عليه نحو: جاء البرد والطيالسة، استوى الأمران (¬2)، وما جنح إليه ابن عصفور هو الظاهر، وقد تقدم ما يدل على أرجحية رأيه في هذه المسألة، وأما رجحان النصب فله سببان أيضا لفظي ومعنوي وهما الأمران اللذان قلنا: إن انتفاءهما موجب لأرجحية العطف، فإذا وجدا كان العطف مرجوحا كما تقدم، وحينئذ يكون النصب على المعية هو الراجح، فاللفظي هو وجود موهن للعطف نحو: ما صنعت وأباك، والمعنوي هو وجود التكلف لو عطفنا نحو: 1664 - فكونوا أنتم وبني أبيكم (¬3) والخوف من فوات المعنى المقصود [2/ 508] لو عطفنا أيضا نحو: لا تغتد بالسمك واللبن، وقد تقدم البحث مع المصنف في إيراده هذا الضرب في قسم ما يرجح نصبه، وكونه لم يورده في قسم الواجب النصب، وقد تقدمت الإشارة إلى أن ابن عصفور لم يتضمن كلامه هذا القسم أعني ما يرجح نصبه على عطفه، والموجب لأن لم يذكره أنه في نحو: ما صنعت وأباك يوجب النصب لعدم تجويزه العطف، وأما في: فكونوا أنتم وبني أبيكم فقد تقدم أنه ربما يدعى فيه وجوب النصب، وأما في نحو: لا تغتد [3/ 22] بالسمك واللبن فإنه إن ادعي أن النصب واجب في: فكونوا أنتم وبني أبيكم وجب أن يدعى وجوبه في: لا تغتد بالسمك واللبن بطريق الأولى، هذا آخر الكلام - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 159، 160). (¬2) ينظر: المقرب (1/ 159). (¬3) تقدم ذكره.

[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة]

[تعقيب على أقسام المفعول معه السابقة] قال ابن مالك: (فإن لم يلق الفعل بتالي الواو جاز النصب على المعيّة وعلى إضمار الفعل اللّائق إن حسن «مع» موضع الواو وإلّا تعين الإضمار). ـــــــــــــــــــــــــــــ على تقرير أقسام مسائل هذا الباب، وإذا تأملت ما أتى به المصنف من نظم مسائله وتقرير أحكامها والإشارة إلى القيود الراجعة إلى قسم قسم، منها المدلول عليها من كلامه بالمنطوق والمفهوم من حسن الترتيب والتنقيح والتهذيب، علمت أنه قد رزق من التوفيق النصيب الأكمل وأن رتبته دونها رتبة السماك الأعزل، وقد ذكر الشيخ أبو عمرو بن الحاجب تقسيما فيه اختصار ولطافة بأن قال بعد ذكره حد المفعول معه: الذي قدمنا ذكره عنه المشتمل على أن المصاحب معمول فعل لفظا أو معنى، فإن كان العامل لفظيّا وجاز العطف فالوجهان، مثل: جئت أنا وزيدا، وإن لم يجز العطف تعيّن النصب مثل: جئت وزيدا، وإن كان العامل معنويّا وجاز العطف تعين مثل: ما لزيد وعمرو، وإلا تعين النصب مثل: ما لك وزيدا، وما شأنك وعمرا؛ لأن المعنى: ما تصنع؟ (¬1). انتهى. وهذا الذي ذكره أقرب إلى ضبط مسائل الباب من كلام أكثر المصنفين، وما ذكره هو أصل قواعد الباب، والفروع الزائدة ممكن بناؤها عليه، فرحمه الله تعالى وجزاه الجنة بمنّه وكرمه. قال ناظر الجيش: اعلم أن المصنف لما ذكر المسائل التي يجوز فيها العطف راجحا تارة ومرجوحا أخرى، ودخل في عموم الصور ما إذا ذكر بعد الواو منصوب، وكان ثم منصوب فعل مذكور قبلها، وكان مثل هذا لا يجوز فيه العطف إلا بشرط أن يكون الفعل صالحا للعمل فيما بعد الواو - نبّه على اشتراط ذلك بقوله: (فإن لم يلق الفعل بتالي الواو) إلى آخره، ودلّ هذا الكلام بمنطوقه على أن النصب إذا لم يكن الفعل لائقا إما على المعية أو على إضمار الفعل أو على الإضمار خاصة، وبمفهومه [2/ 509] على أن النصب على العطف في هذه الصورة غير جائز وكأنه - ¬

_ (¬1) شرح ابن الحاجب على كافيته (ص 497 - 499) تحقيق د/ جمال مخيمر (طبعة نزار الباز).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد أن ذكر العطف والنصب على المعية قال: إنما يجوز الأمران إن كان الفعل لائقا بتالي الواو، فإن لم يكن الفعل لائقا امتنع النصب على جهة العطف وحينئذ فإن حسن مع موضع الواو جاز أن يكون النصب على المعية وعلى أن يكون العامل فعلا لائقا مقدرا بعد الواو ويصير الكلام إذ ذاك جملتين، وإن لم يحسن مع موضع الواو تعين أن يكون النصب بفعل مقدر. قال المصنف: إن كان الفعل الذي قبل الواو غير صالح للعمل فيما بعدها، وحسن في موضعها «مع» جاز فيما بعدها أن يجعل مفعولا معه وأن ينصب بفعل صالح للعمل فيه، ومثاله قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ (¬1) فلا يجوز أن يجعل «شركاءكم» معطوفا؛ لأن «أجمع» لا ينصب الأمر والكيد ونحوهما ولك أن تجعل «شركاءكم» مفعولا معه، وأن تجعله مفعولا بـ «أجمعوا» مقدرا كأنه قيل: فأجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم، ومثله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ (¬2) فلك أن تجعل «الإيمان» مفعولا معه، ولك أن تنصبه باعتقدوا مقدرا (¬3)، فإن كان الفعل غير صالح للعمل فيما بعد الواو ولم تصلح «مع» في موضعها تعين إضمار فعل صالح للعمل، فمن ذلك قول الشاعر: 1665 - إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزجّجن الحواجب والعيونا (¬4) فنصب العيون بكحلن مقدرا، ولا يجوز غير ذلك؛ لأن زججن غير صالح للعمل في العيون، وموضع الواو غير صالح لـ «مع» (¬5). انتهى. وتجويزهم النصب على المعية فيما لا يكون الفعل فيه لائقا بتالي الواو - دليل على أن الواو في هذا الباب ليس أصلها العطف، وقد أورد ابن عصفور على نفسه قوله - ¬

_ (¬1) سورة يونس: 71. (¬2) سورة الحشر: 9. (¬3) لمراجعة هذه المسألة ينظر: المقرب (1/ 158، 159)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 365، 366)، وشرح الكافية للرضي (1/ 198)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 101)، وإملاء ما من به الرحمن (2/ 31)، وابن عقيل (1/ 202)، والإيضاح للفارسي (ص 194، 195). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) شرح التسهيل للمصنف (2/ 261، 262).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ فقال: قد زعمتم أن واو «مع» لم تستعمل إلا حيث يسوغ العطف وعطف الشركاء على الأمر غير سائغ في مشهور اللغة، فكيف أجزتم أن تكون الواو هنا بمعنى «مع»؟ وأجاب عن ذلك بأنه قال: وإن امتنع عطف الشركاء على الأمر بالنظر إلى مشهور اللغة لم يمتنع عطفه على الضمير المرفوع في «أجمعوا»، ألا ترى أنه لولا أن القراءة سنة متبعة لأمكن «وشركاؤكم» بالعطف على الضمير المرفوع لحصول الفصل بالمفعول (¬1) انتهى. وهو كلام عجيب؛ لأن العطف على الضمير وإن كان لا مانع منه لفظا يغير المعنى المقصود من الآية الكريمة، وينقلب به الكلام إلى معنى آخر، ثم الظاهر من كلامهم حيث شرطوا صحة العطف في مسائل هذا الباب أن مرادهم أن يكون العطف يصح على ما من شأنه أن يكون مصاحبا لما بعد [2/ 510] الواو على تقدير نصبه على المعية لا أن يصح العطف على أي شيء كان في الجملة. ثم اعلم أن الذي ذكره المصنف في نحو: 1665 م - .... ... وزجّجن الحواجب والعيونا من أنه يقدر فيه فعل بعد الواو ناصب لما ذكر بعدها هو أحد القولين في هذه المسألة، وهو رأي الفراء والفارسي وجماعة من البصريين والكوفيين (¬2)، فكما يقدر «كحّلن» في هذا البيت يقدر «يفقأ» في قول الشاعر: 1666 - تراه كأنّ الله يجدع أنفه ... وعينيه إن مولاه ثاب له وفر (¬3) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 365، 366)، بالمعنى رسالة بجامعة القاهرة. (¬2) ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 14، 121، 405، 473)، والإيضاح للفارسي (ص 193)، والشيرازيات (ص 71)، والارتشاف (2/ 290)، والتذييل (3/ 475)، والتصريح (1/ 346)، والأشموني (2/ 141)، وأوضح المسالك (1/ 182). (¬3) البيت من الطويل وهو لخالد بن الطيفان وهو في: الخصائص (2/ 431)، والتذييل (3/ 474)، ومجالس ثعلب (2/ 396)، والغرة لابن الدهان (2/ 78)، والإنصاف (2/ 515)، والحيوان (6/ 40)، والمؤتلف والمختلف (ص 149)، والعيني (4/ 171)، والهمع (2/ 130)، والدرر (2/ 169)، واللسان «جدع». والشاهد فيه: نصب «عينيه» بفعل مقدر والتقدير (يفقأ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وترى في قول الآخر: 1667 - تسمع للأحشاء منه لغطا ... ولليدين جسأة وبددا (¬1) والقول الآخر أن لا إضمار في نحو ذلك، بل الثاني معطوف على الأول على أن العامل ضمن معنى يصح اشتراك المتعاطفين فيه وهو رأي المبرد والمازني والجرمي وجماعة (¬2)، فتضمن متقلدا في قول الشاعر: 1668 - يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا (¬3) [3/ 23] معنى حاملا، وتضمن يجدع في البيت المتقدم معنى يذهب؛ لأنه إذا أجدع أنفه أذهبه، وتضمن تسمع للأحشاء معنى تعلم، وتضمن زجّجن معنى حسّنّ؛ لأن التزجيج تحسين، واحتج أصحاب القول الأول بأنه لا يسوغ: علفتها ماء وتبنا كما يسوغ: علفتها تبنا وماء (¬4)، ولو كان على التضمين لجاز، قال أصحاب القول الثاني: الذي يدل على التضمين ويقطع ببطلان إضمار الفعل أنه قد وجد في كلامهم ما ادعوا أنه لا يسوغ وهو مثل علفتها ماء وتبنا، قال طرفة: - ¬

_ (¬1) البيت من الرجز مجهول القائل مجهول وهو في: الخصائص (2/ 432)، وأمالي المرتضى (2/ 259)، والتذييل (3/ 475)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 405)، (3/ 123). اللغة: لغطا: أصواتا مبهمة. الجسأة: الصلابة والغلظ والخشونة. البدد: تباعد ما بين اليدين. والشاهد في قوله: «وفي اليدين جشأة»؛ حيث نصب بفعل مقدر والتقدير «وترى». (¬2) هم أبو عبيدة والأصمعي واليزيدي. ينظر: المقتضب (2/ 50)، والكامل (1/ 371)، وأبو عثمان المازني (ص 163)، والارتشاف (ص 606)، والتصريح (1/ 346)، وأوضح المسالك (1/ 182)، والهمع (1/ 222)، والأشموني (2/ 141). (¬3) البيت من الكامل وهو لعبد الله بن الزبعرى وهو في: الخصائص (2/ 431)، والكامل (1/ 334، 371)، (2/ 275)، والمقتضب (2/ 50)، والإيضاح للفارسي (195)، والتذييل (3/ 474)، وابن يعيش (2/ 50)، وأمالي الشجري (2/ 321)، والغرة لابن الدهان (2/ 38)، والإنصاف (2/ 612)، والمخصص (4/ 136)، والبحر المحيط (2/ 464)، (6/ 485)، واللسان «رغب - قلد - جدع». والشاهد فيه: تضمين «متقلدا» معنى حاملا ليصح اشتراك المتعاطفين في هذا العامل. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 475، 476)، والتصريح (1/ 346).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1669 - أعمرو بن هند ما ترى رأي ضربة ... لها سبب ترعى به الماء والشّجر (¬1) وقال آخر: 1670 - ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته ... عليه صفيح من تراب وجندل (¬2)، (¬3) قالوا: وممّا يضعف مذهب القائل بالإضمار أنه جاء منه ما هو بعد مخفوض بالإضافة، كقول القائل (¬4): 1671 - شرّاب ألبان وتمر وأقط (¬5) لأنه إذا أضمر أكّال تمر كان قد حذف المضاف ولم يقم الثاني مقامه مع أنه لم يتقدم له ذكر في اللفظ، وذلك غير سائغ، قال الشيخ: واختلف في هذا النوع من العطف أهو قياس أم سماع، قال: والأكثرون على أنه قياس، وضابطه: أن يكون الأول والثاني يجتمعان في عاملهما (¬6). - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو في: التذييل (3/ 477)، والارتشاف (ص 606)، والمغني (2/ 632)، وشرح شواهده (2/ 929)، والعيني (4/ 181)، والخزانة (1/ 499)، والتصريح (1/ 346)، وديوان طرفة (47). والشاهد في قوله: «ترعى الماء والشجر»؛ حيث تضمن الفعل معنى يصل به إلى المتعاطفين، ولا يسوغ إضمار الفعل هنا لأن الاسم غير اللائق وهو (الماء) هو الذي ولي الفعل. (¬2) البيت لمسكين الدارمي، شاعر إسلامي من أهل العراق، وهو من بحر الطويل في: التذييل (3/ 286، 447)، والكتاب (3/ 244)، وأمالي الشجري (2/ 114)، والخزانة (2/ 117)، وديوانه (ص 49) واللسان «وسط - نبغ». اللغة: الصفيح: الحجارة العظيمة، الجندل: الحجارة. والشاهد في قوله: «عليه صفيح من تراب وجندل» كالذي قبله. (¬3) زاد في (جـ) بعد البيت: ضمن صفيح معنى ستر فكأنه قال: عليه ستر من تراب وجندل. (¬4) رجز نسب في معجم الشواهد إلى العجاج ولكنه ليس في ديوانه. (¬5) الرجز في: المقتضب (2/ 50)، والكامل (1/ 334، 371)، (2/ 275)، والإنصاف (2/ 613)، والتذييل (3/ 478)، واللسان «زجج». والشاهد فيه: عطف «تمر وأقط» على «ألبان» على تضمن «شراب» معنى يسوغ له العمل فيها كلها، ولا يجوز أن يكون على إضمار عامل آخر. (¬6) التذييل (3/ 478)، وينظر: التصريح (1/ 346).

[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها]

[أمثلة مختلفة في هذا الباب وما يجوز فيها] قال ابن مالك: (والنّصب في نحو حسبك وزيدا درهم، بـ «يحسب» منويّا وبعد «ويله» و «ويلا له» بناصب المصدر، وبعد «ويل له» بألزم مضمرا وفي «رأسه والحائط» و «امرءا ونفسه» و «شأنك والحجّ» على المعيّة أو العطف بعد إضمار «دع» في الأول والثّاني و «عليك» في الثّالث، ونحو: «هذا لك وأباك» ممنوع في الاختيار). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): ومما يشبه المفعول معه وهو عند سيبويه مفعول به المنصوب بعد حسبك وكفيتك وأخواتهما، وبعد «ويله» و «ويلا له». قال سيبويه: قالوا: حسبك وزيدا درهم لما كان فيه [2/ 511] معنى كفاك، وقبح أن يحملوه على المضمر نووا الفعل، كأنه قال: حسبك ويحسب أخاك درهم، وكذلك كفيتك، وأما ويلا له وأخاه، وويله وأباه فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه كأنك قلت: ألزمه الله ويله وأباه، ثم قال: وإن قلت: ويل له وأباه نصبت لأن فيه ذلك المعنى، كما أن حسبك مرتفع بالابتداء، وجعل لما فيه من معنى كفاك دليلا على فعل يوافقه معنى وهو يحسب، وكذا ويل له يرتفع بالابتداء، وفيه معنى: ألزمه الله ويلا، فجعل دليلا على فعل يوافقه معنى وينصب أباه (¬2). انتهى ما ذكره المصنف عن سيبويه رحمه الله تعالى (¬3)، وإنما قال المصنف في نحو: حسبك ليدخل كفيتك وقطك وقدك؛ لأن هذه الكلمات بمعنى حسب، قال الشاعر (¬4): 1672 - فحسبك والضّحّاك سيف مهنّد (¬5) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 262). (¬2) الكتاب (1/ 310). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 262). (¬4) نسب البيت في ذيل الأمالي إلى جرير وليس في ديوانه. (¬5) عجز بيت من الطويل وصدره: إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا وهو في ذيل الأمالي (ص 140)، وابن يعيش (2/ 48، 51)، والتذييل (3/ 479)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 417)، والمغني (2/ 563)، وشرح شواهده (2/ 900)، والأشموني (2/ 136)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والزمخشري جعل هذا المنصوب مفعولا معه (¬1)، وليس كذلك؛ لأن المفعول معه لا ينصبه إلا الفعل أو ما جرى مجراه، و «حسبك» ليس جاريا مجرى الفعل، وإن كان فيه معنى الفعل، وقد تقدمت الإشارة في أول الباب أن العامل المعنوي لا ينصب المفعول معه عند سيبويه، وها هو قد صرح الآن أن النصب في: حسبك وأخاك درهم بفعل مقدر أي: ويحسب أخاك درهم (¬2)، ويحسب مضارع أحسب، يقال: أحسب فلان فلانا إذا أعطاه حتى يقول حسبي قالوا: والتقدير في: كفاك وزيدا درهم أوضح؛ لأن كفاك هو مصدر الفعل الذي يضمره، التقدير: ويكفي زيدا درهم وهو في: قطك وزيدا درهم أبعد؛ لأن قطك ليس في الفعل المضمر شيء من لفظه، وإنما هو ناصب مفسر من حيث المعنى فقط (¬3)، قال الشيخ: وفي الفعل المضمر يعني في الأمثلة المذكورة فاعل مضمر يعود على الدرهم والنية بالدرهم التقديم، فالتقدير حسبك درهم، ويحسب زيدا، قال: فيصير من عطف الجمل، ولا يجوز أن يكون من باب الإعمال؛ لأن طلب المبتدأ للخبر، وعمله فيه ليس من قبيل طلب الفعل أو ما جرى مجراه، ولا عمله فلا يتوهم ذلك فيه (¬4). انتهى. والكلام فيما ذكره من وجهين: أولهما: أن تقول: العلة التي ذكر أنها مانعة أن يكون «حسبك وزيدا درهم» من باب الإعمال غير ظاهرة؛ لأن المبتدأ عامل، كما أن الفعل عامل، فإذا توجه طلب المبتدأ إلى شيء مع توجه عامل آخر هو فعل في ذلك التركيب إلى ذلك الشيء - ¬

_ - والهمع (1/ 124)، والدرر (1/ 195)، واللسان «حسب». اللغة: العصا: الجماعة. والشاهد فيه: نصب «الضحاك» بفعل مضمر بناء على أن حسب صفة، واستشهد الأشموني بالبيت على إعمال شبه الفعل في المفعول معه بناء منه على أن حسب اسم فعل، وذكر في المغني أنه يجوز جره فقيل بالعطف، وقيل بإضمار (حسب) أخرى وهو الصواب ورفعه بتقدير حسب حذفت وخلفها المضاف إليه. (¬1) يقول الزمخشري في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: الواو بمعنى «مع» وما بعده منصوب تقول: حسبك وزيدا درهم ولا تجر لأن عطف الظاهر المجرور على المكني ممتنع قال: فحسبك والضحاك سيف مهند ... والمعنى كفاك» اه. الكشاف (2 / 309). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 310). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 480). (¬4) التذييل (3/ 480).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان كل منهما أعني المبتدأ والفعل طالبا لذلك المعمول صالحا للعمل فيه، وليس المراد من تنازع العاملين سوى ذلك، نعم قد يمتنع جعله من باب الإعمال لأمر آخر غير الذي ذكره كما ستجيء الإشارة إلى ذلك. ثانيهما: أن قوله: فيصير هذا من عطف الجمل غير ظاهر أنه كذلك، وبيانه: أن الفعل المقدر إذا كان رافعا لضمير الدرهم فـ «درهم» الملفوظ به هو خبر المبتدأ الذي هو حسبك، وعلى هذا فحسبك درهم هو الجملة والعطف [2/ 512] على الجملة إنما يكون بعد تمامها، وتقديره يلزم منه تقدم الجملة المعطوفة على أحد جزأي الجملة المعطوف عليها. ومن هذا يعلم امتناع كون المسألة من الإعمال؛ لأنك إذا أعملت الأول كان «درهم» خبرا عن حسبك، والفعل المقدر معطوف، فإن كان من عطف الجمل فكيف يعطف على الجملة قبل تمامها، وإن كان من عطف المفردات فعطف فعل على اسم لا يشبه الفعل غير جائز (¬1)، ثم لازم تقرير الشيخ شيء آخر وهو تأخر مفسر الضمير [3/ 24] عنه (¬2) في غير الأبواب المعروفة بجواز تقديم الضمير على مفسره، وأما قوله: إن «درهم» يقدر تقديمه فغير ظاهر ولا يسلم له ذلك. وبعد؛ فإن صح العطف على الوجه الذي قرره الشيخ فلا كلام وإلا فتصحيح العطف أن يقال: إن فاعل الفعل المقدر هو درهم الملفوظ به ويقدر للمبتدأ الذي هو حسبك خبر محذوف يدل عليه فاعل الفعل المقدر، فيكون التقدير: حسبك درهم ويحسب زيدا درهم، وتكون الجملة الفعلية معطوفة على الجملة الاسمية، ثم لقائل أن يدعي أن العطف في المسألة من قبيل عطف المفرد على المفرد، وذلك أن معنى حسبك كافيك، وكافيك يجوز عطف الفعل عليه؛ لأنه اسم يشبه الفعل، ولا شك أن حسبك بمعناه فجاز عطف الفعل عليه؛ لأن العطف على المعنى قد ثبت في - ¬

_ (¬1) في شرح الجمل لابن عصفور (1/ 248) طبعة العراق: «ولا يجوز عطف الاسم على الفعل ولا الفعل على الاسم إلا في موضع يكون الفعل فيه في موضع الاسم أو الاسم في موضع الفعل» اه. (¬2) ينظر في هذه المسألة وهي تأخر مفسر الضمير عنه: حاشية الصبان (1/ 108)، والمغني (2/ 489).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام العرب (¬1)، وعلى هذا يتصور أن تكون المسألة من باب الإعمال، فإن أعملت الأول الذي هو حسبك كان درهم هو الخبر، وعاد الضمير الذي هو فاعل الفعل المقدر عليه، وإن أعملت الثاني كان «درهم» الملفوظ به فاعلا، وتضمره للعامل الأول فتقول: حسبك هو ويحسب زيدا درهم، ثم تحذفه لأن حذف الخبر جائز إذا دل عليه دليل فيؤول الكلام إلى حسبك وزيدا درهم، وهذا البحث إن سلم من خدش وجب الاستمساك به إذ لا يتوجه عليه شيء من الإشكالات التي تقدم ذكرها والله تعالى أعلم بالصواب. وأما المنصوب بعد ويله وويلا له إذا قلت: ويله وأباه وويلا له وأباه، فقد قال المصنف: إنه ينتصب بناصب المصدر، وأنه بعد ويل له «بألزم» مضمرا (¬2)، فأفاد أنه ليس مفعولا معه، وأن نصبه نصب المفعول به. نسأل الله تعالى أن يهدينا ويرشدنا إلى الحق، إنه على كل شيء قدير. وإذا كان مفعولا به فهو معطوف على ما قبله ولا جائز أن يكون معطوفا على «ويله» إذ لا معنى لذلك، ولأن «الأب» مدعو عليه بالويل، فوجب أن يكون معطوفا على شيء محذوف مدلوله مدلول المدعو عليه وهو الضمير المنصوب «بألزمه» الذي قدره سيبويه (¬3)، فالعامل في «أباه» هو العامل في الضمير؛ لأن «أباه» معطوف عليه، وإذا كان كذلك فلم يتضح لي قول المصنف: (والنصب بعد «ويله» و «ويلا له» بناصب المصدر)؛ لأن المصدر هنا [2/ 513] منصوب على أنه مفعول مطلق، وناصب المفعول المطلق إنما يكون فعلا من معناه والفعل الذي من معناه لا طلب له للمفعول به، فكيف يصح عمل شيء في شيء لا يقتضيه؟ وكأن المصنف اعتمد فيما ذكره على قول سيبويه. وأما «ويلا له وأخاه» و «ويله وأباه» فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه كأنه قال: ألزمه الله ويلا وأباه (¬4)؛ لأن ظاهر هذه العبارة يعطي أن الناصب لأباه - ¬

_ (¬1) ينظر: المغني (2/ 476 - 478)، حيث ذكر ابن هشام مسألة العطف على المعنى مفصلة. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 262). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 310). (¬4) الكتاب (1/ 310).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الذي نصب ويلا، فيقول المصنف: وويلا مصدر فاتجه أن تقول: إن ناصب المصدر هو الناصب لأباه، ولكن القول بذلك غير ظاهر، فإن ويلا له إذا كان مفعولا مطلقا كان العامل فيه فعلا من معناه و «ألزم» ليس من معناه كما تقدم، ولا شك أن كلام سيبويه ليس فيه تصريح بما قاله المصنف بل هو محتمل لذلك ولغيره؛ لأن قوله: كأنك قلت: ألزمه الله (¬1)، يقتضي أن (¬2) الناصب للمعطوف هو عامل من معنى الفعل الذي نصب ويلا لا أنه هو نفسه فيكون ويلا مفعولا مطلقا، والناصب له فعل من معناه، وأباه مفعول به، والناصب له فعل من معنى الفعل الناصب للمفعول المطلق، فوجب النظر في كلام سيبويه والتفهم لما أراده؛ إلا أن النصب بعد «ويل له وأباه» يقوي أن الناصب للمعطوف غير الذي نصب ويلا. وبعد؛ فإذا حملنا كلام سيبويه على ظاهره وقدرنا أن أصل الكلام «ألزمه الله ويلا وأباه» كان «ويلا» مفعولا به لا مفعولا مطلقا، وبعد فقد تعذر عليّ فهم هذا الموضع كما ينبغي ولم أجد في كلام المصنف ولا في كلام الشيخ في ذلك ما يشفي، وكلام سيبويه فيه احتمال كما عرفت مع ما فيه من الإشكال، ولو قيل بأن «ويله» وكذا «ويلا له» في هذا التركيب ليس مفعولا مطلقا إنما هو مفعول به، وهو مفعول ثان لألزم المضمر - لكان متجها فإن ابن الضائع ذكر أن مذهب سيبويه في نحو ضربا زيدا أنه منصوب بالزم مضمرا، وإذا كان كذلك فهو مفعول به، ولا شك أن «ويلا» مثله في كونه مصدرا بدلا من اللفظ بالفعل فيقدر له «ألزم» ناصبا كما قدر في «ضربا» فإن تم هذا الذي ذكرناه سهل الأمر واندفع الإشكال ويصير التقدير: ألزمه الله وأباه ويلا، وحينئذ يحمل قول المصنف بناصب المصدر على أنه أراد بالناصب الذي نصب «ويلا» الذي هو مقدر لأنه أراد بالمصدر المفعول المطلق، وبعد فالله تعالى أعلم بالصواب. - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) زاد في (جـ) بعد قوله: (يقتضي أن): (ألزم هو الناصب ولكن قوله: فانتصب على معنى الفعل الذي نصبه يقتضي أن).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن المصنف بعد أن ذكر المسائل التي ظاهرها أن المنصوب فيها مفعول معه، وحكم بأن ذلك المنصوب مفعول به أشار إلى ثلاث المسائل التي ذكرها بعد - يجوز في المنصوب فيها أن يكون مفعولا معه وأن يكون معطوفا على ما قبله [2/ 514] وهي: رأسه والحائط وامرأ ونفسه، وشأنك والحج، وذلك أن العامل المقدر الذي هو «دع» في الأولى والثانية، و «عليك» في الثالثة صالح للعمل في المفعول معه ولا مانع منه. والعطف أيضا سائغ ولا منافاة بين المعنيين، بل المعنى إن عطفت أو لم تعطف واحد، فجاز الأمران. لذلك قال سيبويه رحمه الله [3/ 25] تعالى: «ومن ذلك رأسه والحائط كأنه قال: خلّ أو دع رأسه مع الحائط، فالرأس مفعول والحائط مفعول معه فانتصبا جميعا، ومن ذلك قولهم: شأنك والحج، كأنه قال: شأنك مع الحج، ومن ذلك امرأ ونفسه كأنه قال: دع امرأ ونفسه، فصارت الواو في معنى «مع» كما صارت في معنى «مع» في قولهم: ما صنعت وأباك، وإن شئت لم يكن فيه ذلك المعنى فهو عربي جيد، كأنك قلت: عليك رأسك، وعليك الحائط، وكأنه قال: دع امرأ ودع نفسه، فليس ينقض هذا ما أردت في معنى «مع» من الحديث» (¬1). انتهى. فانظر إلى هذا الرجل المسدد الموفق وإلى الإفصاح عن المقصود بهذه العبارة السعيدة المفيدة الحكم مع التعليل، وقد استفيد من تجويزه النصب على المعية في هذه المسائل الرد على من يعتقد أن المفعول معه لا يكون إلا مع الفاعل (¬2)، ثم إن الشيخ ناقش المصنف في قوله: (وعليك في الثالث)، قال: لأن اسم الفعل لا يعمل مضمرا، قال: والعلة في ذلك أن أصل العمل في المفعول به للفعل واسم الفعل نائب عنه فهو فرع، فلم يتصرفوا فيه تصرف الفعل بأن يجيزوا إعماله مضمرا؛ لئلا يساوي الفرع الأصل، قال: وإنما غرّ المصنف في ذلك تمثيل سيبويه ذلك بعليك (¬3) - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 274، 275). (¬2) ذكر الدماميني هذا الرأي ثم علق عليه فقال: قال أصحاب هذا الرأي - أي الذين يشترطون في المفعول معه ألا يكون إلا من الفاعل - وإذا أريدت المعية في مثل ذلك أتي بـ (مع) فيقال: «ضربت زيدا مع عمرو» اه. شرح التسهيل للدماميني (ص 1667). (¬3) زاد في (جـ) (قال: والذي ذكره سيبويه هو تمثيل وتفسير معنى لا تفسير إعراب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتفسير الإعراب هو الزم شأنك، بهذا قدره النحويون وقالوا: لا يضمر عليك، وإنما يضمر الفعل (¬1). انتهى. وأقول: إن كان اسم الفعل لا يعمل مضمرا إجماعا منهم فلا كلام ووجب حمل كلام سيبويه على ما قاله، وإن لم تكن المسألة إجماعية فكلام سيبويه يحمل على ظاهره دون تأويل ولا تتوجه مناقشة الشيخ للمصنف حينئذ (¬2)، وأما التعليل الذي ذكره فلا يخفى ضعفه، ويلزم منه أن اسم الفعل لا يعمل مقدرا لأنه فرع على الفعل أيضا ولا قائل بذلك، وأما قول المصنف: (ونحو هذا لك وأباك ممنوع في الاختيار) فقد تقدمت الإشارة إليه عند الكلام على العامل في المفعول معه، وأعاد المصنف الكلام هنا فقال: قال سيبويه: «وأما هذا لك وأباك فقبيح لأنه لم يذكر فعلا ولا حرفا فيه معنى فعل حتى يصير كأنه قد تكلم بالفعل» (¬3). قال المصنف: كثر في كلام سيبويه التعبير بالقبيح عن عدم الجواز وقد استعمله قبل إذ قال في: حسبك وزيدا درهم: لما كان فيه معنى كفاك، وقبح أن يحملوه على المضمر [2/ 515] نووا الفعل، واستعمله هنا أيضا في قوله: وأما هذا [لك] وأباك فقبيح (¬4)، قال: والحاصل أن سيبويه قد أفصح بأن اسم الإشارة وحرف الجر المتضمن معنى الاستقرار لا يعملان في المفعول معه؛ لأنه حكم على أن «هذا لك وأباك» بأنه قبيح ومراده أنه غير جائز، ولو كان اسم الإشارة صالحا عنده لنصب المفعول معه أو ما تضمن معنى الاستقرار من ظرف أو حرف جر لأجاز أن يقال: هذا لك وأباك مجيزا بين أن يثبت العمل لهذا أو لك، وقد أجاز أبو علي رحمه الله تعالى في قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 482). (¬2) ذكر الدماميني في شرح التسهيل له أن أسماء الأفعال لا تضمر وهي عاملة ولم يذكر فيها تفصيلا فقال: «وأسماء الأفعال لا تعمل مضمرة» اه. شرح التسهيل للدماميني (1697). وذكر ذلك أيضا السيوطي في: الهمع (2/ 105)، ولم يذكر أن أحدا يجوز ذلك إلا ابن مالك فقال: ولا تضمر أي لا تعمل مضمرة بأن تحذف ويبقى معمولها - وجوز ابن مالك إعمالها مضمرة» اه. وعلى ذلك فالمسألة قد تكون إجماعية. (¬3) الكتاب (1/ 310). (¬4) المرجع السابق.

[مسألتان في ختام هذا الباب]

[مسألتان في ختام هذا الباب] قال ابن مالك: (وفي كون هذا الباب مقيسا خلاف ولما بعد المفعول معه من خبر ما قبله أو حاله ما له متقدّما، وقد يعطى حكم ما بعد المعطوف خلافا لابن كيسان). ـــــــــــــــــــــــــــــ 1673 - هذا ردائي مطويّا وسربالا (¬1) أن ينصب السربال بهذا مفعولا معه، وأجاز بعض النحويين أن يعمل في المفعول معه الظرف وحرف الجر (¬2)، (¬3). قال ناظر الجيش: ختم المصنف الباب بذكر مسألتين: الأولى: هل يقتصر في مسائل هذا الباب على السماع أو لا؟ قال المصنف: وبعض النحويين يقتصر في مسائل هذا الباب على السماع (¬4). والصحيح استعمال القياس فيها على الشروط المذكورة (¬5). انتهى. ولابن عصفور في ذلك كلام وكذا لغيره (¬6) وهو لا يجدي طائلا، وهو مبني - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) الأول مذهب الأخفش والثاني مذهب الجرجاني. ينظر: الهمع (1/ 220)، والتصريح (1/ 344). (¬3) شرح التسهيل للمصنف (2/ 263). (¬4) اضطربت نقول النحاة في هذه المسألة ففي شرح المفصل (2/ 52)، والتسهيل للدماميني (ص 1699)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 198) - أن القياس في هذا الباب هو مذهب الأخفش وأبي علي والسماع مذهب غيرهما. وفي الأشموني (2/ 141)، أن السماع مذهب الأخفش والقياس مذهب غيره. وما جاء في الإيضاح للفارسي يؤيد ما ذهب إليه الأشموني. يقول أبو علي الفارسي: «قال أبو الحسن: قوم من النحويين يقيسون هذا في كل شيء وقوم يقصرونه على ما سمع منه». وقوى هذا القول الثاني» اه. الإيضاح العضدي (ص 217) تحقيق د/ حسن شاذلي فرهود. (¬5) شرح التسهيل للمصنف: (2/ 263). (¬6) ينظر: التذييل (3/ 484)، والارتشاف (2/ 292).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عند ابن عصفور على أن الواو في ذا الباب أصلها العطف (¬1)، ومن ثمّ منع القياس، وقد عرفت أن الحق خلاف ذلك، وبعد ففي قول المصنف: والصحيح استعمال القياس فيها على الشروط المذكورة كفاية. المسألة الثانية: قد عرفت أنك عند نصب ما بعد الواو على المعية قاصد إلى نسبة الحكم أو إيقاعه على الأول مصاحبا لما بعد الواو، فقد لا يشارك ما بعد الواو ما قبلها فيما نسب إليه أو واقع عليه، وقد لا يشاركه، لكن المتكلم لم يقصد بكلامه التشريك، بل أعرض عن ذلك وجرد القصد إلى المصاحبة فقط، وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يقال: كان زيد وعمرا متقنا، فتفرد الخبر كحاله لو تقدم فقلت: كان زيد متقنا وعمرو، كذا يقال: جاء البرد والطيالسة شديدا فيفرد شديدا الذي هو الحال كحاله لو تقدم فقلت: جاء البرد شديدا والطيالسة (¬2)، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: (ولما بعد المفعول معه من خبر ما قبله أو حاله ما له متقدما)، ثم أشار بقوله: (وقد يعطى ما بعد المعطوف) إلى أنه قد يعطى الخبر والحال مع المفعول معه حكم ما بعد الاسم المعطوف عليه بالواو، فيطابق الخبر والحال الاسم والمفعول معه كما يطابق الاسم والمعطوف عليه فيقال: كان زيد وعمرا مذكورين، وجاء [2/ 516] زيد وعمرا ضاحكين (¬3). قال المصنف: وأجاز الأخفش: كنت وزيدا مذكورين كما يقال مع العطف والإفراد أولى، كما يكون مع «مع»، وهو عند ابن كيسان لازم (¬4) أعني مطابقة ما قبل الواو، ومما يدل على أن «مع» يكون ما بعدها بمنزلة المعطوف بالواو قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 158)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 366). (¬2) ينظر: الهمع (1/ 222)، وشرح التسهيل للدماميني (ص 1699). (¬3) ينظر: الهمع (1/ 222)، وشرح التسهيل للدماميني (ص 1699). (¬4) ينظر: الارتشاف (2/ 293)، وشرح الكافية للرضي (1/ 168)، وشرح التسهيل للدماميني (ص 1698).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1674 - مشق الهواجر لحمهنّ مع السّرى ... حتّى [3/ 26] ذهبن كلا كلا وصدورا (¬1) أراد مزّقت الهواجر والسرى لحمهن، فأقام «مع» مقام الواو (¬2). انتهى. ولم يظهر لي كون «مع» يكون ما بعدها بمنزلة المعطوف بالواو في هذا البيت إذ لا يمنع أن يكون الشاعر أراد: مزقت الهواجر لحمهن مصحوبة بالسرى أي مضمومة إليه، وكأن المصنف يقول: لا مصاحبة بينهما؛ لأن الهواجر تكون نهارا، والسرى يكون ليلا، والجواب: أن المصاحبة بينهما في التمزيق، وعلى هذا يكون الإفراد لازما كما هو رأي ابن كيسان، ولا يشكل على ذلك إلا قولهم: كنت أنا وزيدا كالأخوين إن ثبت أنه من كلام العرب وتقوم الحجة به على ابن كيسان، قال الشيخ: وإجراء مع مجرى الواو العاطفة فيراعى مجرورها مراعاة المعطوف فيه خلاف، أجاز الكسائي وهشام: عبد الله مع جاريته قاعدان، على أن «مع» محمولة على الواو والتقدير: عبد الله وجاريته قاعدان، ومنعه الفراء، وأجاز الكسائي وأصحابه: اختصم زيد مع عمرو بمعنى اختصم زيد وعمرو، ولم يجزه الفراء أيضا، قال: والمختار هو مذهب الفراء (¬3)، قال: ويجوز الفصل بين الواو العاطفة وبين معطوفها بالظرف فتقول: قام زيد واليوم عمرو، ولا يجوز ذلك في الواو التي بمعنى «مع» لا بظرف ولا بغيره؛ لأنها صارت بمنزلة «مع» و «مع» لا يفصل بينها وبين مجرورها (¬4). الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل وهو في الكتاب: (1/ 162)، والتذييل (3/ 487)، والغرة لابن الدهان (2/ 90)، والبحر المحيط (7/ 301)، والعيني (3/ 144)، واللسان «كلكل». اللغة: مشق: من المشق وهو السرعة في الطعن والضرب. الهواجر: جمع هاجرة وهي وقت اشتداد الحر في وقت الظهيرة. السرى: السير ليلا. الكلاكل: الصدور والمراد بها هنا أعلاها. والشاهد فيه: وقوع «مع» موقع واو العطف. (¬2) شرح التسهيل للمصنف (2/ 263). (¬3) في: التذييل (3/ 488)، (والذي نختاره مذهب الكسائي). (¬4) التذييل (3/ 488).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان الفراغ من تعليقه يوم الأربعاء قبل الظهر ثامن عشر جمادى الآخرة سنة أربع وسبعين (وسبعمائة) (¬1)، أحسن الله نقصها وبقية العمر في عز وعافية، بالمدرسة المنصورية على يد كاتبه محمد بن محمد بن محمد الباهي الحنبلي، والمؤمل من ربه الرضا مع العافية من غير سخط أبدا ولوالديه ومشايخه وإخوانه في الله وجميع المسلمين؛ إنه ذو الفضل المزيد وهو الولي الحميد (يتلوه باب المستثنى). * * * ¬

_ (¬1) في (أ): (وستمائة) وهو خطأ لأن هذا التاريخ قبل مولد ناظر الجيش.

الباب السابع والعشرون باب المستثنى

الباب السابع والعشرون باب المستثنى [قال ناظر الجيش]: قيل: إنما عدل المصنف عن الاستثناء وإن وافق تبويب الأكثرين (¬1) لأنه أجراه على ما قبله من: باب المفعول معه، فكما بوّب لما بعد (واو مع) بالمفعول معه كذلك بوّب لما بعد (إلا) وما أشبهها بالمستثنى (¬2). وأقول: إنّما قال: باب المستثنى؛ لأنه يسرد تراجم الأبواب على ترتيب واحد ليكفي الإشارة إليه، في الفصل الذي قبل باب المبتدأ، حيث قال: والنصب للفضلة، وهي (المفعول المطلق) أو كذا، إلى أن قال: أو مستثنى فلا تناسب ترجمة الباب بالاستثناء؛ لأنه لم يتضمنه التقسيم المتقدم المتضمن لترتيب أبواب الكتاب، وكذلك قال - في المرفوعات - باب المبتدأ ولم يقل: باب الابتداء. * * * ¬

_ (¬1) سيبويه فمن بعده، ينظر: الكتاب (2/ 310) تحقيق الأستاذ/ عبد السّلام هارون، شرح الأشموني (2/ 141) طبعة عيسى الحلبي، همع الهوامع للسيوطي طبعة بيروت (1/ 122)، والمساعد لابن عقيل (1/ 548) طبعة المملكة العربية السعودية. تحقيق وتعليق د/ محمد كامل بركات. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل، لأبي حيان (3/ 489) تحقيق د/ حماد البحيري. رسالة بمكتبة كلية اللغة العربية/ جامعة الأزهر.

[تعريف المستثنى]

[تعريف المستثنى] قال ابن مالك: (وهو المخرج تحقيقا، أو تقديرا من مذكور أو متروك بـ «إلّا» أو ما بمعناها بشرط الفائدة). قال ناظر الجيش: المخرج جنس يتناول المستثنى، وغيره كالمخرج ببقية المخصصات (¬1) وقوله: «بـ (إلّا) وما بمعناها» يفصل المستثنى عن غيره، والأدوات التي بمعنى (إلّا) يأتي ذكرها في الباب إن شاء الله تعالى. ولمّا كان الاستثناء ينقسم إلى نوعين: متّصل: وهو ما لو لم يستثن لدخل، ومنقطع: وهو ما لو لم يستثن لم يدخل، أتي بقوله: تحقيقا أو تقديرا، ليشمل الحدّ النوعين، فالمتصل: هو المخرج بـ (إلّا) تحقيقا نحو: قام القوم إلّا زيدا، أي أنّ اللفظ يشمله فإخراجه بالأداة محقّق. والمنقطع: هو المخرج بـ (إلّا) تقديرا، نحو: جاء القوم إلّا حمارا، أي أنّ اللفظ الأول غير صادق عليه، لكن يقدّر دخوله فيما بعد الأداة، على الوجه الآتي بيانه (¬2) وقدّر إخراجه من الأول، من حيث قدّر دخوله، ثم إنّ المخرج منه قد يكون مذكورا في المتّصل والمنقطع، كالمثالين المتقدّمين (¬3)، وهو الاستثناء التامّ وقد يكون غير مذكور، نحو: ما قام إلّا زيد، وهو الاستثناء غير التّام وسمّي المفرغ، أي أنّ العامل فرّغ فيه لما بعد (إلّا). وإلى ذلك الإشارة بقوله: من مذكور أو متروك؛ فتقضي عبارته انقسام المخرج من المذكور والمتروك إلى التحقيق والتقدير المشار إليهما، أما المخرج تحقيقا، أو تقديرا من مذكور فواضح (¬4) وكذلك المخرج تحقيقا من متروك، وأما - ¬

_ (¬1) مثل المخرج بالبدل: (قرأت الكتاب نصفه) وبالصفة: (اعتق رقبة مؤمنة) وبالشرط: (اضرب عليّا إن أخطأ) وبالغاية: قوله تعالى: أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187] ينظر: شرح التصريح (1/ 346)، وزاد العلامة القرافي: المخرج بالأدلة المنفصلة السمعية والعقلية وقرائن الأحوال والعطف بـ (إلا) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 98). وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (ص 287) تحقيق د/ عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد طبعة دار الجيل بيروت. وشرح الجمل للزجاجي، (الشرح الكبير) لابن عصفور (2/ 248) تحقيق د/ صاحب أبو جناح طبعة الجمهورية العراقية سنة (1400 هـ/ 1980 م). (¬2) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 548). تحقيق د/ محمد كامل بركات طبعة جامعة الملك عبد العزيز. (¬3) قام القوم إلا زيدا - جاء القوم إلا حمارا. (¬4) في التذييل والتكميل (3/ 489): «مثال المخرج تحقيقا، من مذكور: قام إخوتك إلا زيدا، ومثال -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المخرج تقديرا من متروك فلا يتضح؛ لأنّ المراد بالمخرج من متروك المفرّغ كما تقدّم، وهو من قبيل المتصل، والمراد بالمخرج تقديرا المنقطع، فلا يجتمعان (¬1)، وأشار بقوله: بشرط الفائدة؛ إلى أنّه لا يستثنى نكرة من نكرة (¬2)، ولا معرفة من نكرة (¬3). ولا نكرة من معرفة (¬4)، ما لم تتحصّل الفائدة (¬5)، فإن حصلت، وذلك بأن تكون النكرة - مخرجة أو مخرجا منها - مختصة، جاز. ويتعلق بهذا الموضوع كلام ينتظم في مباحث: الأوّل: قال المصنف (¬6): الباء من قولي: بـ (إلّا) متعلقة بالمخرج واحترز بذلك من (إلّا) بمعنى (غير) كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬7) والتي بمعنى - ¬

_ - المخرج تقديرا، من مذكور: قوله تعالى ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النساء: 157]، فإن الظن - وإن لم يدخل في العلم تحقيقا - فهو في تقدير الداخل فيه، إذ هو مستحضر يذكره في كثير من المواضع فهو حين استثنى مخرج ما قبله تقديرا. وينظر أيضا: الهمع (2/ 223) فقول المصنف: «تحقيقا، أو تقديرا» إشارة إلى قسمي المتصل، والمنقطع، وقوله: «من مذكور أو متروك» إشارة إلى قسمي التام والمفرغ. (¬1) ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 101). (¬2) في التذييل والتكميل (3/ 499)، فلا يقال: جاء قوم إلا رجلا، ولا قام رجال إلا رجلا، فإن دخلت فائدة جاز، كقوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً [العنكبوت: 14]. (¬3) فلا يقال: جاء قوم إلا زيدا فإن عمت النكرة جاز، نحو: ما قام أحد إلا زيد أو زيدا فالفائدة حاصلة في النفي للعموم. ينظر: الهمع (1/ 223)، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 550). (¬4) في الأصول في النّحو لابن السراج - بتصرف - «لا يجوز استثناء من النكرة في الموجب، لا تقول: جاءني قوم إلا رجلا، لعدم الفائدة في استثنائه فإن نعته أو خصصته جاز وامتناعه من جهة الفائدة، فحيث وقعت الفائدة جاز» ينظر: الأصول في النحو لابن السراج (1/ 346) وفي الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 378): جواز الاستثناء من النكرة إذا حصلت الفائدة. (¬5) وإنما امتنع الاستثناء من المجهول؛ لأن الفائدة في الاستثناء إخراج الثاني مما دخل فيه الأول، فإن كان المستثنى منه مجهولا فلا يتحقق ذلك؛ لأنه لا يدل بظاهره على دخول المستثنى فيه حتى يخرج منه وامتنع أيضا أن يكون المستثنى مجهولا؛ لأنه لإيهامه لا يعلم قدره، فلا يتبين المستثنى والاستثناء إنما وضع لإبانة المراد وإزالة اللبس. ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374). (¬6) شرح التسهيل (2/ 268). تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ بدوي المختون. (¬7) الأنبياء: 22. ينظر معاني القرآن للفراء (2/ 200) طبعة دار الكتب المصرية حيث قال: (إلا) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو كقوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ (¬1) أي: ولا الذين ظلموا (¬2). قال الأخفش: والتي بمعنى (إن لم) كقوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ (¬3). والزائدة كالأولى من اللتين في قول الشاعر - أنشده ابن جنّي في المحتسب (¬4). 1675 - أرى الدّهر إلّا منجنونا بأهله ... ... (¬5) أي: أراه منجنونا بأهله، فتارة يرفعهم، وتارة يخفضهم. ثم قال ابن جني: وعليه تأولوا أيضا قول ذي الرّمة: - ¬

_ - في هذا الموضوع بمنزلة سوى، كأنك قلت: لو كان فيهما آلهة سوى (أو غير) الله لفسد أهلهما يعني: أهل السماء والأرض، وشرح التصريح (1/ 349)، وينظر معاني القرآن للأخفش (1/ 115) تحقيق د/ فائز فارس، طبعة الكويت حيث قال: «فقوله تعالى: إِلَّا اللَّهُ صفة، ولولا ذلك لانتصب». (¬1) سورة البقرة: 105. (¬2) ينظر الكتاب (1/ 263، 266) ويرى أبو علي الفارسي أن سيبويه إنما شبه (إلا) بـ (لكن) من جهة المعنى، دون اللفظ، ينظر: المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات لأبي علي النحوي (ص 493) تحقيق د/ صلاح الدين السنكاوي. مطبعة العاني - بغداد، والمساعد لابن عقيل (1/ 549)، وينظر: الإنصاف في مسائل الخلاف، لابن الأنباري تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (ص 266) (مسألة 35) طبعة دار الفكر حيث قال: «يعني: والذين ظلموا لا يكون لهم أيضا حجة، وهو رأي الكوفيين». (¬3) سورة الأنفال: 73، ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء حيث قال: «ليس هاهنا استثناء بل (إلا) هاهنا مدغمة، والفرق بينها وبين (إلا) في الاستثناء من عشرة أوجه ...» (ص 133 - 136) والمساعد لابن عقيل (1/ 549). (¬4) المحتسب لابن جني (1/ 328) طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بتحقيق الأستاذ علي النجدي ناصف، وآخرين. (¬5) قائله بعض بني أسد، والبيت من الطويل، وهو بتمامه: أرى الدهر إلا منجنونا بأهله ... وما صاحب الحاجات إلا معذبا اللغة: المنجنون: الدولاب الذي يستقى عليه. والشاهد فيه: عند ابن مالك - مجيء (إلا) زائدة، وقد أوله أبو حيان على أن (أرى) جواب لقسم مقدر، وحذفت (لا) أي: لا أرى الدهر إلا منجنونا. والبيت في المحتسب (1/ 328)، وشرح المفصل لابن يعيش (8/ 75)، والتذييل والتكميل (3/ 496)، والمقرب لابن عصفور (1 / 103).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1676 - حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة ... ... (¬1) أي: ما تنفكّ مناخة، و (إلّا) زائدة، كلّ هذا قول ابن جنّي فـ (إلا) - في هذه المواضع - غير مخرجة شيئا. انتهى. وهذا الاحتراز الذي أشار إليه مستغنى عنه؛ إذ لا إخراج في شيء من ذلك، إلا في التي بمعنى (غير) وقد قال - في شرح الكافية -: ولا حاجة للاحتراز من (إلّا) التي أصلها (إن لا) (¬2)، كقوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ (¬3) ولا من التي بمعنى (غير) كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬4)؛ لأن السابق إلى ذهن السامع - على ذكر (إلّا) - معنى الاستثناء، فأغنى ذلك عن الاحتراز، ولا سيّما، وقد تقدّم ذكر (تخرج). قال الشّيخ: أما احترازه من (إلا) بمعنى (غير) فكان ينبغي أن يقيّد (غير) بالصّفة؛ لأنّ (غير) يكون استثناء ويكون صفة (¬5). وأمّا قوله: والّتي بمعنى الواو فلا تكون (إلّا) كذلك في مذهب المحققين (¬6)، والذي [3/ 27] استدلّ به مؤول بالاستثناء المنقطع. وأما قوله: والتي بمعنى (إن لم) فليست توجد (إلا) البسيطة التركيب بمعنى (إن لم)، بحال، والتي في الآية الكريمة إِلَّا تَفْعَلُوهُ هي (إن الشرطية)، و (لا النافية) (¬7)، ولم يتركّبا، بل كلّ منهما باق على موضوعه، وأما - ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من الطويل، عجزه: ... ... على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا اللغة: حراجيج جمع حرجوج، وهي الناقة الضامرة، أو الطويلة، الخسف: النقصان. والشاهد فيه - هنا -: زيادة (إلا) لأن (تنفك) نفيها إيجاب. ينظر: ديوان ذي الرمة (ص 173) طبعة دمشق، ومعاني القرآن للفراء (3/ 1281)، والمحتسب لابن جني (1/ 329)، وشرح المفصل لابن يعيش (7/ 106). (¬2) ينظر شرح الكافية، لابن مالك (2/ 700) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى. (¬3) سورة الأنفال: 73. (¬4) سورة الأنبياء: 22. (¬5) مثال الأول: حضر الطلاب غير محمد، ومثال الثاني: حضر رجل غير محمد. (¬6) يقصد البصريين، حيث يمنعون مجيء (إلّا) بمعنى الواو، والذي ذهب إليه ابن مالك من كونها تجيء بهذا المعنى هو مذهب الكوفيين، ينظر الإنصاف (ص 155 - 158). (¬7) ومثل ذلك قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ [التوبة: 40]، وقوله تعالى: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ ... [التوبة: 39].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: والزائدة، وإنشاده ما أنشد فليست فيما ذكره زائدة، بل هي في (أرى الدهر) موجبة لنفي سابق، أي: والله لا أرى من الدهر إلا كذا وأمّا: 1677 - حراجيج ما تنفكّ إلّا مناخة ففيه تأويلات، ذكرت في باب (كان) (¬1) انتهى. وفي هذه المناقشات نظر: 1 - أما قوله: كان ينبغي أن تقيّد (غير) بالصّفة؛ فلا يحتاج إلى هذا التقييد فإن الأصل في غير (الصفة) (¬2) أن تكون صفة والاستشهاد بها إنّما هو بالحمل على (إلّا) فإذا قيل: هذه الكلمة بمعنى (غير) فإنما يحمل على أنها تفيد معناها باعتبار موضوعها الأصلي ولا يحمل على غيره إلا بقرينة وكيف يحمل (غير) - في كلامه - على معنى (إلّا) وهو قد قال: احترز بذلك من (إلّا) بمعنى (غير)، فلو حمل (غير) على معنى (إلا) لصار كلامه: احترز بذلك بـ (إلّا) من (إلّا) وهذا لا يقال (¬3). 2 - وأما قوله: (إلّا) لا تكون بمعنى الواو، في مذهب المحققين فالمصنف ما ادعى ذلك، وغايته إنّه احترز منها على تقدير صحّة مذهب الأخفش (¬4). 3 - وأما قوله: إن (إلّا) - البسيطة التركيب - لم توجد بمعنى (إن لم) بحال فصحيح. وأما كون التي في الآية (¬5) هي (إن) الشرطية و (لا) النافية، فقد صرّح المصنف بذلك، في شرح الكافية كما تقدّم نقله عنه والظّاهر أنّ الموجود في نسخ شرح التسهيل - من قوله: والتي بمعنى (إن لم) - غلط من النسّاخ؛ لأنّ المصنف - ¬

_ (¬1) انظر في التذييل والتكميل (3/ 497): قال أبو حيان - في باب كان -: «وخرجه ابن عصفور والمصنف، على أن (تنفك) تامة، و (مناخة) حال، وسبقه ابن خروف في هذا التخريج، وخرجه ابن عصفور - والمصنف أيضا - على أنّ (تنفك) ناقصة و (على الخسف) الخبر و (مناخة) حال». اه. (¬2) من الهامش، وحذفها أولى. (¬3) ينظر المرجع السابق (3/ 497). (¬4) ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 266). (¬5) قوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ سورة الأنفال: 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يخفى عليه مثل هذا، مع أنه قد ثبت عنه في شرح الكافية ما ناقضه (¬1) وإذا كان الكلامان لرجل واحد، وأحدهما صحيح، والآخر لا يستقيم؛ رجع غير المستقيم إلى ما كان مستقيما، فإن قيل: وعلى تقدير الرجوع إلى قوله - في شرح الكافية -: لا حاجة إلى الاحتراز؛ لأنّ أداة الاستثناء بسيطة، وهذه مركبة؛ قيل: إنما احترز للمشابهة اللفظية إذ اللفظ بهما واحد (¬2). وأما قوله - فيما أنشده شاهدا على الزيادة -: إنه مولّد (¬3) فالمصنف إنما ذكر أنه احترز من ذلك على مذهب من يراه - إن ثبت - وقد ذكر في تأويل: 1678 - ما تنفك إلّا مناخة أربعة أقوال؛ أحدها: القول بالزيادة، فدلّ ذلك على أنه لا يرى زيادتها، إنّما نقله نقلا (¬4). المبحث الثاني: قال الشيخ: بدأ المصنف بـ (إلّا)؛ لأنّها أمّ الباب، لكثرة تصرّفها، إذ يستعمل ما قبلها تامّا (¬5)، وغير تامّ (¬6) ولا يستعمل غيرها إلا حيث يكون تامّا (¬7)، إلا (غيرا) فإنّها تستعمل استعمال (إلّا) إلا أنّ الغالب عليها الوصفية بخلاف (إلّا) فإنّ الغالب عليها الاستثناء وتستعمل (إلّا) بين الصّفة والموصوف، وبين الحال وصاحبها وتقع بعدها، كلّما صحّ أن تكون صفة كالجمل الاسمية والفعلية؛ لذا قال سيبويه: فحرف الاستثناء (إلّا) يعني أنه حرفه الموضوع له، الأصليّ فيه (¬8). - ¬

_ (¬1) قال في شرح الكافية الشافية (2/ 700) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي: «ولا حاجة للاحتراز من (إلا) التي أصلها (إن لا) كقوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ [الأنفال: 73]. (¬2) يعني أن اللفظ والنطق بـ (إلا) الاستثنائية، والمركبة من (إن) الشرطية و (لا) النافية واحد. (¬3) أي قول أبي حيان، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 498). (¬4) أي نقله عن ابن جني في المحتسب، كما سبق. (¬5) نحو: حضر القوم إلا محمدا. (¬6) نحو: ما حضر إلا محمد. (¬7) فيقال: قام القوم: عدا، خلا، حاشا، زيد، ولا يقال: قام عدا، خلا، حاشا زيد. (¬8) ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 115)، والكتاب (2/ 309)، والتذييل والتكميل (3/ 498).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث: قال الشيخ: قدّم المصنف ذكر نوعي الاستثناء - المتّصل والمنفصل - وذكر أن الإخراج يكون بـ (إلا)، وما بمعناها ولا يستوي في الأدوات التي بمعنى (إلا) الاستثناءان، فإنّ الأفعال لا يستثنى بها المنفصل، كـ (خلا) وأختيها (¬1)، فكان ينبغي أن يبين ذلك، إذ ظاهر كلامه التسوية (¬2) انتهى. وليس هذا موضع تبيين ما يختصّ بالمتصل، وبالمنقطع من الأدوات حتّى ينبغي له ذلك، وليس أيضا في كلامه ما يقتضي عموم إدخال كلّ الأدوات في الاستثناءين، فيلزم من كلامه التسوية المشار إليها. المبحث الرابع: اختلف النحاة، في أنّ المستثنى - في الاستثناء المتصل - يخرج من ماذا؟ فذهب الكسائيّ إلى أنه يخرج من المستثنى منه، أي: المحكوم عليه فقط (¬3)؛ فـ (زيد) من نحو: جاء القوم إلّا زيدا، مسكوت عنه بالنسبة إلى المجيء وعدمه، إن لم يحكم عليه بشيء، غير أنه أخرج من القوم المحكوم عليهم بالحكم المتقدم واستدلّ الكسائيّ بقوله تعالى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى (¬4) وأجيب عن ذلك بأنّه جاء تأكيدا (¬5) فقيل: إنّ المعاني المستفادة من الحروف لا تؤكد، فلا يقال: ما قام زيد نفيا، فيؤكد معنى (ما)؛ لأنّ الحرف وضع للاختصار، والتأكيد مبني على الإطالة، فلا يجمع بينهما، والجواب الحقّ أنّ أَبى أفاد معنى زائدا، وهو أنّ معنى السجود والمفهوم من الاستثناء ناشئ عن الإباء، لا عن غيره (¬6) وكذا قوله - ¬

_ (¬1) عدا وحاشا. (¬2) ينظر التذييل والتكميل (3/ 498) وفي هذا النقل تصرف. (¬3) في المساعد لابن عقيل (1/ 548): «وذهب الكسائي إلى أنه مخرج من الاسم، وهو مسكوت عنه، لم يحكم عليه بشيء، فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا، فيحتمل أن (زيد) قام وأنه لم يقم. اه. (¬4) سورة طه: 116. (¬5) وجاء كذلك من قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر: 30، 31]. (¬6) يعني أن عدم سجود إبليس كان إباء، و (إلا) لا تعطي إلا عدم السجود فعلا، أما أنه إباء فلا تفيد (إلا) ذلك، فلذلك ذكرت هذه الجملة أَبى ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 273، 274).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (¬1)؛ لأنّ نفي الكون يقتضي نفي الأهلية فهو أبلغ في نفي السجود المستفاد من الاستثناء لو سكت عليه. وقد أبطل مذهب الكسائيّ بالاستثناء المنقطع، فإنّ المخرج فيه من الحكم، لا من الاسم (¬2)، وإذا ثبت ذلك في المنقطع ثبت في المتّصل؛ لأنّ معنى (إلّا) الاستثناء في الحالين، وبقولنا: لا إله إلّا الله، إذ لو كان ما بعد (إلّا) مسكوتا عنه لم يكن في اللّفظ إثبات للمقصود. قال الشيخ: والذي يقطع ببطلان مذهبه أنّه لا يوجد في كلامهم: قام القوم إلّا زيدا، فإنّه قام (¬3). انتهى. وفي كون هذا قاطعا بالبطلان نظر؛ لأنّ مراد الكسائيّ أنّا لم نحكم عليه بالقيام لأنه أخرج بالاستثناء، فالحكم مسند إلى القوم الذين ليس فيهم زيد، ومع أنّا لم نحكم عليه بالقيام لم نحكم عليه بعدمه، بل هو مسكوت عنه فالاستثناء عنده لم يفد إلّا عدم قصده بالحكم، كأنه يقول: ليس مقصودا بالحكم ولا يلزم تلبّسه، ومقتضى كلام الشّيخ أنّه مقصود بالحكم فأخرجه من القوم المحكوم عليهم بالقيام، ثم حكمت عليه بذلك، ويقال: حيث كان مقصودا بالحكم [3/ 28] لا يصحّ إخراجه بالاستثناء، وإذا لم يصح إخراجه بطل تصور قولنا: قام القوم إلا زيدا فإنّه قام (¬4). وذهب الفراء إلى أنّ المستثنى يخرج من الحكم لا من الاسم (¬5) بدليل المنقطع كما تقدّم في الرد على الكسائي وأجيب بأنه داخل مع المحكوم عليه تقديرا، فهو مخرج منه أيضا كما تقدم أول الباب ولم ينصر الكسائيّ أن يجيب عنه بهذا الجواب أيضا وذهب سيبويه والجمهور إلى أنّ الإخراج من كليهما، أي: من الاسم - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 13. (¬2) وفي التذييل والتكميل (3/ 293): «وذهب الفراء إلى أنه لم يخرج زيد من القوم وإنما أخرجت (إلا) وصف زيد من وصف القوم؛ لأن القوم موجب لهم القيام، وزيد منفي عنه القيام». اه. وفي معاني القرآن للفراء (2/ 287): «إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد (إلا) من معنى الأسماء قبل (إلا)». اه. (¬3) ينظر التذييل والتكميل (3/ 494)، حيث يستدل أبو حيان على ضعف مذهب الكسائي، ويبرهن على أن الاستثناء إنما يكون من الحكم - الفعل - والاسم - المستثنى منه - معا دون حاجة إلى ذكر الفعل بعد (إلا). (¬4) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374)، والتذييل والتكميل (3/ 495). (¬5) ينظر المساعد لابن عقيل (1/ 549).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحكم؛ فالمستثنّى مخرج من المستثنى منه وحكمه من حكمه (¬1). المبحث الخامس: أورد الشّيخ على المصنّف أنّ الظاهر من قوله: وهو المخرج من مذكور أو متروك إنّ المستثنى يخرج من الاسم، كما هو رأي الكسائيّ (¬2). والجواب: أنّ مراد المصنّف أنّه مخرج من الاسم المحكوم عليه بما تقدم، فيلزم أن يكون مخرجا من الاسم والحكم، لأنه إخراج من اسم مقيد بحكم، وما كان يظهر اختباره لمذهب الكسائيّ، إلّا لو قال: وهو المخرج من كذا، دون الحكم والمحكوم به عليه، وكما نقل عن الكسائيّ أنّه قال: يخرج من الاسم، دون الحكم، أما حيث أطلق الإخراج من الاسم فلا يؤخذ إلّا مع قيده. المبحث السّادس: قال ابن الحاجب: الاستثناء مشكل التعقّل؛ لأنك إذا قلت: جاء القوم إلا زيدا. لم يخل إمّا أن يكون (زيد) داخلا في القوم أو لا، (فإن كان) غير داخل لم يستقم؛ لأنّ إجماع أهل العربيّة - في الاستثناء المتصل - أنه إخراج ما بعد (إلّا) ممّا قبلها، وإجماعهم مقطوع به، في تفاصيل العربية (¬3). وقال القاضي (¬4): لا إخراج، وقول القائل: (عشرة إلا ثلاثة) موضوع بإزاء - ¬

_ (¬1) قال القرافي، في كتابه الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374): «والصحيح أن الاستثناء إنما هو الاسم من الاسم، والفعل من الفعل، إذ لم يقم دليل على تخصيص أحدهما، دون الآخر، فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا، كنت قد استثنيت (زيدا) من جملة القوم، وقيامه من قيامهم». اه. (¬2) في التذييل والتكميل (3/ 493): «وظاهر قول المصنف أن المستثنى مخرج من الاسم المستثنى منه، مذكورا كان أو متروكا، وهذا مذهب الكسائي، زعم أنك إذا قلت: قام القوم إلا زيدا، فمعناه الإخبار بالقيام عن القوم الذين ليس فيهم زيد، وزيد مسكوت عنه، لم يحكم عليه بقيام، ولا بنفيه، فيحتمل أنه قام، ويحتمل أنه لم يقم». اه. (¬3) ينظر: شرح ابن الحاجب على كافيته (2/ 351) (نزار الباز) تحقيق د/ جمال عبد العاطي مخيمر، والإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 321) تحقيق د/ موسى بناي العليلي. طبعة العاني بغداد 1982 م. (¬4) هو أبو الحسين عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني قاضي أصولي، كان شيخ المعتزلة لقب بقاضي القضاة ولم يطلق هذا اللقب على غيره، ولي القضاء بالري، ومات فيها. صنف: تنزيه القرآن عن المطاعن، والأمالي، وغيرها، ينظر: طبقات الشافعية (3/ 319)، ولسان الميزان (3/ 386).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سبعة، وقد تبين بطلانه يعني في كتب الأصول حيث نقلوا ذلك عنه وإن كان داخلا كان الإخراج ثابتا، وهو مشكل، فإنه إذا قيل: جاء القوم، وزيد منهم، فقد وجب نسبة المجيء إليه كأنّه منهم، فإذا خرج بعد ذلك فقد نفي عنه المجيء، فيصير مثبتا، منفيّا، في حال واحدة، وهو تناقض، ولهذه الشبهة فسّر القاضي إلى مذهبه المذكور (¬1)، والصواب الذي يجمع رفع الإشكالين أن نقول: لا نحكم بالنسب إلّا بعد كمال ذكر المفردات، في كلام المتكلم، فإذا قال المتكلم قام القوم إلا زيدا فهم القيام أولا بمفرده، وفهم القوم بمفردهم، وأنّ فيهم زيدا، وفهم إخراج (زيد) منهم، بقوله: إلّا زيدا، ثّم حكم بنسبة القيام إلى هذا المفرد الذي أخرج منه (زيد) فحصل الجمع بين المسالك المقطوع بها على وجه مستقيم وهو أنّ الإخراج حاصل بالنسبة إلى المفردات وفيه توفية بإجماع النحويّين وأنّك ما نسبت إلا بعد أن أخرجت، فلا مناقضة حينئذ. انتهى كلامه. وهو تقدير حسن لكن يلزم منه أنّ المستثنى يخرج من الاسم دون الحكم. وقد تقدم أنّه مخرج منهما على مذهب سيبويه فلا يتجه ما قال ابن الحاجب لذلك. قال الشيخ: قول المصنّف: وهو المخرج، وقول النّحاة: الاستثناء إخراج كذا - ليس بجيّد أصلا، ولا يجوز، فإنّ المستثنى ما دخل قطّ تحت الاسم الأول، ولا تحت حكمه، فيوصف بالإخراج، إذ لو دخل ما صحّ إخراجه البتّة، وإصلاح ذلك أن يقال: المستثنى هو المنسوب إليه بعد الأداة مخالفة المنسوب إليه قبلها (¬2)، وقوله: إنّ المستثنى ما دخل تحت الاسم الأول، غير جيد إذ لو لم يكن داخلا لم يكن لذكره فائدة، والذي ينبغي أن يقال: إنّه داخل في الأول، بالنسبة إلى اللفظ دالّ عليه، وعلى غيره وضعا، لا بالنسبة إلى قصد المتكلّم. المبحث السّابع: قد تقدّم أنّ المصنف إنما احتاج - بعد قوله: وهو المخرج تحقيقا - إلى قوله: أو تقديرا - ¬

_ (¬1) ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 374، 375). (¬2) انظر التذييل والتكميل (3/ 496)، وقصد النحاة - ومنهم ابن مالك - بالإخراج أنه داخل في حكم الأول قبل دخول (إلا)، ومخرج بعد دخولها وبهذا تظهر فائدة (إلا). أما تعريف أبي حيان فإنه يلغي أثر (إلا) حيث يقول: هو المنسوب إليه بعد الأداة وكأن الأداة لم تفعل شيئا وهذا نزوع منه نحو الظاهرية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليشمل الحدّ المنقطع أيضا، ووجه إخراجه تقديرا أنّه لمّا لم يتناوله لفظ المستثنى منه - كما في المتّصل - قدّر دخوله فيه، ليصدق عليه لفظ المخرج وعلى هذا فلفظ «المخرج» صادق على المنقطع كصدقه على المتّصل لكنّ المتّصل يخرج تحقيقا، لتحقّق دخوله في المستّثنى منه والمنقطع يخرج تقديرا لأنه لم يتحقق دخوله في المستثنى منه، بل هو مقدّر الدخول، كما تقدم. والمشهور من كلام النّحاة أنّ المنقطع ليس يخرج من شيء، ولهذا قال ابن الحاجب: إنّ حد الاستثناء مشكل؛ لأنّ الاستثناء يجمع المتّصل والمنقطع، ولا يميز المتصل إلّا بالإخراج، ولا إخراج في المنقطع، وكلّ أمرين نصل أحدهما مفقود في الآخر يستحيل جمعهما في حدّ واحد، فالأولى أن يحدّ كلّ منهما على حدته، المتصل على حدته، والمنقطع على حدته (¬1). انتهى. فإن عنى هؤلاء أنّ الإخراج من اللفظ لم يكن فيه مخالفة للمصنف، وإن عنوا أن لا إخراج أصلا، لا لفظا ولا تقديرا وضحت المخالفة، نعم، قد ذكر النحاة أن المنقطع ينقسم إلى قسمين: قسم يتصوّر فيه الاتصال بوجه ما من المجاز، وقسم لا يتصور فيه ذلك، كما يأتي تقريره في المبحث التاسع، فيمكن الرّجوع بقول المصنّف: إن المنقطع يخرج أيضا إلى ما ذكروه، لكنّ المصنّف جعل كل منقطع مخرجا تقديرا، وهم إنما صوّروا الاتّصال مجازا في أحد القسمين، واستأنس المصنف لما قرّره بقول ابن السّرّاج: إذا كان الاستثناء منقطعا فلا بد أن يكون الكلام الذي قبل (إلا) قد دلّ على ما يستثنى، فتأمل هذا فإنه يدقّ، فمن ذلك قوله جلّ وعلا: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬2) فالعاصم الفاعل، ومَنْ رَحِمَ قد دلّ على العصمة والنجاة، فالتقدير - والله أعلم -: لكن من رحم يعصم أو معصوم (¬3). وعلى هذا التقدير قال المصنّف: لو قلت: صهلت الخيل إلّا البعير، ورغت الإبل إلّا الفرس؛ لم يجز، لأنّ المستثنى منه لا يتناوله بوجه من الوجوه، فلا يصحّ استعماله لعدم الفائدة (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 361) وفي النقل تصرف. (¬2) سورة هود: 43، وينظر في تقرير ذلك: الهمع (1/ 223)، وبسط وتوضيح في الاستغناء (ص 471، 481، 513، 518). (¬3) الأصول (1/ 225، 226) وفي عبارته: (فتفقد) بدل (فتأمل). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 269).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: ليس في كلام ابن السّرّاج، ولا فيما أشار [3/ 29] إليه المصنّف من امتناع: (صهلت الخيل إلا البعير) ما يقتضي تقدير دخول المستثنى المنقطع في المستثنى منه، غاية ما يلزم أن يكون للّفظ الأول دلالة عليه، أو إشعار به، وقد قال هو في شرح الكافية: المراد بذلك ما هو من مألوفات المذكور، كالمتاع وآثار المكان ممّا يستحضر بذكر ما قبل أداة الاستثناء فلذلك يحسن استثناء الحمار، ونحوه ممّا يألفه الناس، ولا يحسن استثناء الذئب ونحوه مما لا يألفه الناس ويحسن استثناء الظّن بعد ذكر العلم، ولا يحسن استثناء الأكل، ونحوه (¬1). المبحث الثّامن: ذكر المصنف - على مقتضى تقريره في المنقطع - صورا؛ منها: تقدير دخول الثّاني في الأول، كقوله تعالى: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ (¬2)، فالظنّ مستحضر بذكر العلم لقيامه مقامه في كثير من المواضع (¬3). ومنها: الفائق ما قبله مع اتحاد الجنس نحو: له عليّ ألف إلا ألفين، ووجهه أنّ المقرّ إذا اقتصر على مقدار بمنزلة المنكر غيره فكأنّه قال: له عليّ ألف، لا غير، إلّا ألفين، فهما مخرجان تقديرا، ذكر ذلك الفراء (¬4). وأقول: هذا الكلام - من الفرّاء - إنّما أتى به على قاعدته، في المستثنى الفائق للمستثنى منه، وستأتي. ومنها: قوله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (¬5)؛ لأن العباد المضافين هم المخلصون (¬6) فلم يكن الغاوون فيهم، فالتقدير - والله أعلم -: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ولا غيرهم إلّا من اتبعك، وقد يجعل - ¬

_ (¬1) شرح الكافية لابن مالك (2/ 702) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) سورة النساء: 157. (¬3) فإنّ الظن وإن لم يدخل في العلم تحقيقا؛ لأنه ليس منه، فإنّه في تقدير الداخل فيه إذ هو مستحضر بذكره، لقيامه مقامه في كثير من المواضع، فهو حين استثني مخرج مما قبله تقديرا. ينظر الهمع (1/ 223)، والمساعد لابن عقيل (1/ 548). (¬4) معاني القرآن للفراء (2/ 28). (¬5) سورة الحجر: 42. (¬6) وهذا معنى ما في الهمع (1/ 223) حيث قال: إذا لحظ في الإضافة معنى الإخلاص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متصلا، على أن يراد بالعباد: المخلصون وغيرهم (¬1)، والانقطاع مذهب ابن خروف والاتّصال مذهب الزّمخشريّ (¬2). ومنها قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬3). على إرادة: لا من يعصم من أمر الله إلّا من رحمه الله، وهو أصحّ الوجوه والتقدير: لا عاصم اليوم من أمر الله لأحد، أو تقول: العاصم يستدعي معصوما فكان بمنزلة المذكور، كأنّه قيل: لا معصوم عاصم من أمر الله إلّا من رحمه الله، وفي هذه الآية الكريمة أربعة أوجه: وجهان على الاتصال؛ أي: لا عاصم إلا الراحم، ولا معصوم إلّا المرحوم. ووجهان على الانفصال؛ أي: لا عاصم إلا المرحوم، ولا معصوم إلا الرّاحم. ومنها: المستثنى السابق زمانه زمان المستثنى منه كقوله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ (¬4) فـ ما قَدْ سَلَفَ وإن لم يكن داخلا في المنهيّ عن نكاحه فمن الجائز أن تكون المؤاخذة به باقية، فبين بالاستثناء عدم بقائها فكأنه قيل: الناكح ما نكح أبوه مؤاخذ بفعله إلا ما قد سلف. ومنها: قولهم: لأفعلنّ كذا وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا. مثّل به سيبويه ثمّ قال: فإنّ (أفعل كذا وكذا) بمنزلة فعل كذا وكذا (¬5)، وهو مبني على (حل) و (حل) مبتدأ كأنه قال: ولكن حلّ ذلك أن أفعل كذا وكذا. قال السّيرافي: (إلا) بمعنى (لكن)؛ لأنّ ما بعدها مخالف لما قبلها وذلك أنّ قوله: (لأفعلنّ كذا وكذا) عقد بين عقده على نفسه وحلّه إبطاله، ونقضه كأنّه قال: عليّ فعل كذا مقصودا لكن إبطال هذا العقد فعل كذا (¬6). قال المصنّف: وتقدير الإخراج في هذا أن يجعل قوله: (لأفعلنّ كذا) بمنزلة: لا - ¬

_ (¬1) ينظر: البحر المحيط لأبي حيان (5/ 452). (¬2) ينظر في بيان مذهبي ابن خروف، والزمخشري: الهمع (1/ 223)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (474). (¬3) سورة هود: 43. (¬4) سورة النساء: 22، وينظر الهمع (1/ 223)، وشرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (228)، تحقيق د/ عبد الحميد السيد، دار الجيل - بيروت. (¬5) الكتاب (2/ 342). (¬6) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 551)، وشرح السيرافي (3/ 122 / ب)، المخطوط (رقم 137) نحو بدار الكتب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أرى لهذا العقد مبطلا إلا فعل كذا فهذا استثناء منقطع بجملة. وجعل ابن خروف من هذا القبيل (¬1) قوله تعالى: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ (¬2) على أن يكون مَنْ (¬3) مبتدأ، و (يعذبه الله) خبرا وجعل الفراء من هذا قراءة بعض السّلف (¬4): فشربوا منه إلا قليل منهم (¬5). على تقدير: إلّا قليل منهم لم يشربوا (¬6). وقال المصنّف (¬7): ومن هذا النوع (¬8) قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما للشيطان من سلاح أبلغ في الصّالحين من النّساء إلا المزوّجون أولئك المطهّرون المبرؤون من الخنا» (¬9). ويمكن أن يكون من هذا قراءة ابن كثير وأبي عمرو: إلا امرأتك إنه مصيبها مآ أصابهم (¬10) فهي مبتدأ وما بعدها الخبر. وبهذا التوجيه يكون الاستثناء في النّصب والرفع من: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ (¬11) وهو أولى من أن يستثنى المنصوب من (أهلك) والمرفوع من (أحد.) ومنها: (إن لفلان مالا إلا أنه شقيّ) و (ما زاد إلا ما نقص) و (ما نفع إلا ما ضرّ) و (لا تكوننّ من فلان في شيء، إلا سلاما بسلام) وهي من أمثلة سيبويه (¬12) ومن أمثلة غيره: جاء الصالحون إلا الطالحين، وجاء زيد إلا عمرا، وما في الأرض أخبث منه إلا أباه، فالمستثنى في هذه الأمثلة مخرج تقديرا فكأنك قلت: عدم - ¬

_ (¬1) كون (إلا) بمعنى (لكن). (¬2) سورة الغاشية: 22، 23، 24. (¬3) ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 493، 494). (¬4) ينظر: البحر المحيط: (2/ 265، 267). (¬5) سورة البقرة: 249. (¬6) أي على تقدير (إلا) بمعنى (لكن) وما بعدها مبتدأ وخبر. (¬7) شرح المصنف (2/ 266) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬8) كون (إلا) بمعنى (لكن) وما بعدها مبتدأ وخبر. (¬9) أخرجه أحمد بن حنبل (5/ 164) والخنا: الفحش والمعنى: لكن المزوجون هم المطهرون. (¬10) سورة هود: 81، وهي قراءة الأعمش وابن مسعود وغيرهما. (¬11) سورة هود: 81، فـ (امرأتك) بالرفع بدل من (أحد) بدل بعض من كل ولم يصرح معه بضمير؛ لأن قوة تعلق المستثنى بالمستثنى منه يغني عن الضمير غالبا. ينظر: شرح التصريح على التوضيح (2/ 350)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 475، 416، 673). (¬12) ينظر: الكتاب (2/ 319، 326)، ولتوضيح التوجيه الصحيح لهذه الأمثلة ينظر: الأصول في النحو لابن السراج (1/ 291).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البؤس، ثم استثنيت من البؤس كونه شيئا وما عرض له عارض، ثم استثنيت من العارض النقض، وما أفاد شيئا إلا ضرّا ولا تعامله بشيء إلّا مشاركة، وكأن السامع توهّم مجيء غير الصالحين فأزلت توهّمه بالاستثناء وكأنك عرفت علم السّامع، بمرافقة زيد لعمرو وقدّرت أنّه توهّم أنّك اقتصرت على زيد، اتكالا على علم السّامع بمرافقتهما، فأزلت توهّمه بالاستثناء (¬1) وكأنك قلت: ما يليق خبثه بأحد إلا أباه. ثم قال المصنف: وسبيلك هذا السّبيل، فيما يرد من أمثال هذا البحث (¬2). المبحث التاسع: قسّم النحاة الاستثناء المنقطع قسمين: قسم يتصوّر فيه الاتصال على جهة المجاز وقسم لا يتصوّر فيه الاتصال بحال، وبنوا عليهما اللّغة الحجازية واللّغة التّميميّة (¬3). كما سيأتي في موضعه، فمثال ما لا يتصوّر فيه الاتصال بحال قوله تعالى: وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (¬4) فـ ابْتِغاءَ وَجْهِ ليس من جنس جزاء النّعمة، وجعلوا منه قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬5) قالوا: فالمرحوم ليس من جنس العاصم وكذا قوله تعالى: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ (¬6) ومثال ما يتصوّر فيه الاتصال على جهة المجاز: ما في الدّار أحد إلا حمارا، قالوا: ووجه المجاز في ذلك أحد أمرين: إما أن يقام الثاني مقام الأول لكون المحلّ للأوّل فلمّا وجد فيه [3/ 30] الثاني، جعل كأنّه الأول لحلوله محلّه فيجعل الحمار كأنّه (أحد)، لقيامه مقام الأحد، وذلك أنّ الدار إنّما يتخذها من يعقل من الآدميّين، فلما لم يوجد فيها إلا ما لا يعقل عومل معاملته، لقيامه مقامه، وأما أن يكون أطلق الأول على مسماه، وعلى ما يلابس مسماه، فكأنّه قال: ما في الدّار أحد، ولا ما لابسه، فأراد بالأحد الأحد، وما يلابسه، - ¬

_ (¬1) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 452، 453، 456، 514، 516، 523). (¬2) ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 267). (¬3) ينظر: شرح الأشموني (2/ 146، 147). (¬4) سورة الليل: 19، 20. (¬5) سورة هود: 43. (¬6) سورة النساء: 157. أي ينصب اتباع وتميم ترجحه وتجيز اتباع، ويقرؤون: إلا اتباع الظن بالرفع على أنه بدل من العلم باعتبار الموضع، ولا يجوز أن يقرأ بالخفض على الإبدال منه باعتبار اللفظ لأنه معرفة موجبة و (من) الزائدة لا تعمل فيها. ينظر: شرح التصريح على التوضيح (2/ 353)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 289).

[الاستثناء المتصل والمنقطع]

[الاستثناء المتصل والمنقطع] قال ابن مالك: (فإن كان بعض المستثنى منه حقيقة فمتصل، وإلّا فمنقطع، مقدر الوقوع بعد «لكن» عند البصريين، وبعد «سوى» عند الكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون من باب تسمية الشيء باسم الشيء إذا كان مجاورا له أو كان منه بسبب. المبحث العاشر: قد علم شمول الحدّ للمستثنى المفرّغ له العامل وإن كان ليس في الكلام لفظ مفرغ منه لكنّه مفرغ من العموم المفهوم من معنى الكلام المتقدم؛ لأنّ معنى: ما قام إلّا زيد: ما قام أحد إلا زيد، ولهذا ذكر النحاة أنّ تسمية هذا استثناء إنما هو بالنظر إلى المعنى، لا إلى اللفظ. قال ناظر الجيش: لمّا أفهم قوله في الحدّ: تحقيقا أو تقديرا أنّ المستثنى نوعان (¬1)؛ أراد أن يبين حقيقة كلّ منهما، فقال (¬2): إن كان المستثنى بعض ما استثني منه حقيقة فهو متصل، نحو: قام الرجال إلّا زيدا، وإن لم يكن كذلك فهو منقطع، ومنفصل، وقيد البعض تحقيقه احترازا من المنقطع المستعمل، قال: فإنه لا يكون إلا مما يستحضر بوجه ما، عند ذكر المستثنى منه، وذكر ما نسب إليه، نحو: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ (¬3) ولأنّ ذكر العباد (¬4) يذكّر بالإله الحقّ فبهذا الاعتبار (¬5) لا يكون المستثنى غير بعض؛ إلّا لأنّ المستثنى منه لا يتناوله وضعا (¬6)، فإن تناوله بغير ذلك فله حظّ من البعضية مجازا، ولذلك قيل له: مستثنى، فإن لم يتناوله بوجه من الوجوه لم يصح استعماله، لعدم الفائدة، ثم مثل لذلك بما تقدّم، من: (صهلت الخيل إلّا البعير)، قال: فلو قلت: صوتت الخيل إلا البعير لجاز؛ - ¬

_ (¬1) أي متصل، ومنقطع. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 269). (¬3) من الآية 77 من سورة الشعراء. (¬4) أي في قوله تعالى: قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء: 75]: «سواء كان من جنس الأول، نحو: قام بنوك إلا ابن زيد، أو لم يكن نحو: قام القوم إلا حمارا» ا. هـ. (¬5) أي استحضار ذكر الإله الحق عند ذكر العبادة. (¬6) المعنى أن الاستثناء في الآية الكريمة: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ وما في صورتها منقطع، لأن المستثنى ليس بعض المستثنى منه وضعا، أي في اللفظ، وإن كان له ارتباط معنوي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن التصويت يستحضر بذكره الخيل، وغيرها من المصوّتات، فكان لذلك بمنزلة الداخل فيما قبله. وهذا الكلام من المصنّف موافق لكلامه في الحدّ، ولما تقدم تقديره عنه في المبحث السابع من المباحث السابقة، وقد علم ما فيه، وإنّما عدل المصنّف عن لفظ الجنسيّة إلى لفظ البعضية (¬1)؛ لأنّ المستثنى قد يكون بعض ما هو من جنسه، هو منقطع، غير متصل، كقولك: قال بنوك، إلا ابن زيد. قال الشيخ: وهذا الذي ذكره المصنف من أنّه إذا لم يكن (¬2) بعض المستثنى منه حقيقة - هو المنقطع - هو مذهب الأستاذ أبي علي (¬3) ورده بعض أصحابنا بقوله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى (¬4)، فالموتة الأولى هي بعض الموت، والاستثناء مع ذلك منقطع (¬5). انتهى. وفي هذا الرد نظر أمّا أولا: فلأنا لا نسلّم أنّ الموتة الأولى هي بعض الموت المنفيّ؛ لأن المنفي هو الموت في الجنة، والموتة الأولى ليست بعضه قطعا (¬6). ثم قال الشيخ: والصحيح أن يقال: الاستثناء المنقطع هو ألّا يكون المستثنى بعض المستثنى منه، أو يكون بعضه إلا أنّ معنى العامل غير متوجّه عليه (¬7). انتهى. ثم إنّ (إلّا) - فيه - تقدر عند الكوفيين بـ (سوى)، وعند البصريين بـ (لكن) كما أشار إليه (¬8)، وهل تقديرهما عندهم بـ (لكن) تقدير معنى، أو على أنّ - ¬

_ (¬1) أي قال المصنف: «فإن كان - أي: المستثنى - بعض المستثنى منه»: ولم يقل: فإن كان المستثنى من جنس المستثنى منه. (¬2) أي: المستثنى. (¬3) قال في التوطئة (ص 310): «والمنقطع الذي لا يمكن أخذه بدلا البتة، نحو: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ [هود: 43]. وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 550). (¬4) سورة الدخان: 56. وهذا الاستثناء بالضد، أي: ذاقوها في الدنيا، ولا يمكن أن تكون في الجنة، فهذا ضد لإمكان ارتفاعهما، وتعذر اجتماعهما. ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 101)، وشرح الألفية لابن الناظم (289). (¬5) ينظر التذييل والتكميل (3/ 503)، والتوطئة (ص 280). (¬6) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 101). (¬7) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 502). (¬8) يراجع هذا في: المساعد لابن عقيل (1/ 551).

[إعراب المستثنى ب «إلا»، وبيان العامل فيه]

[إعراب المستثنى بـ «إلّا»، وبيان العامل فيه] قال ابن مالك: (وله بعد «إلّا» من الإعراب، إن ترك المستثنى، وفرّغ العامل له، ما له مع عدمها، ولا يفعل ذلك دون نهي، أو نفي صريح، أو مؤول). ـــــــــــــــــــــــــــــ (إلّا) قامت مقامها لفظا، اضطرب في ذلك كلام النحاة. فقال أبو بكر المالقيّ: المعروف بالخفاف (¬1) - عند كلامه على الاستثناء المنقطع - قد تقدم أنّ الاستثناء إخراج بعض من كلّ، فكان ينبغي ألّا يجوز هذا، لأنّ الثاني بعض الأول، ولكّنّ العرب حملت - في هذا الباب - (إلّا) على (لكن) لاشتراكهما، في أصل وضعهما، في أنّ ما بعد كلّ واحدة مغاير لما قبلها، ولا يشترط في (لكن) أن يكون ما بعدها من جنس ما قبلها، فإذا قلت: ما في الدار أحد إلا حمارا، فالمعنى: لكنّ حمارا فيها، ونقل الشيخ عن أبي الحسن بن الضائع كلاما قريبا من هذا الكلام (¬2)، وزاد ابن الضّائع بأن قال: إنّهم لمّا أوقعوا بعدها هذا اللفظ المفرد - كما تقع بعدها وهي استثناء - سمّوها استثناء، وإنما هي بالحقيقة استدراك، وعلى هذا هل خير أم لا، وهل يلفظ به، أو لا؟ خلاف، وسيأتي. والمشهود إطلاق الاستثناء عليها في المنقطع، كما هي في المتّصل؛ لأنها من تمام الكلام الأول ظاهرا، وإنما تقدّر بـ (لكن) من حيث المعنى (¬3). قال ناظر الجيش: قد علمت أنّ الاستثناء متصل، ومنقطع، وأن المتصل تامّ، وغير تام، وقد بدأ بذكر غير التام، وهو المفرغ (¬4) بقوله: وله أي: وللمستثنى، وأشار بذلك إلى أن المستثنى بـ (إلا) يقام في اللفظ مقام المستثنى منه، إذا لم يذكره (¬5)، - ¬

_ (¬1) الخفاف هو: أبو بكر بن يحيى بن عبد الله الجذامي، المالقي، المعروف بالخفاف، كان نحويّا بارعا، ورجلا صالحا مباركا، قرأ على الشلوبين، وشرح كتاب سيبويه، وأيضا الفارسي، ولمع ابن جني، توفي في القاهرة سنة (657 هـ). ينظر في ترجمته: بغية الوعاة (1/ 473). (¬2)، (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن الضائع (2/ 222 ب)، والتذييل والتكميل (3/ 506). (¬4) سمي مفرغا؛ لأن ما قبل (إلا) مفرغ لطلب ما بعدها، ولم يشتغل عنه بالعمل في غيره. (¬5) أي: يعرب المستثنى في هذه الحالة على حسب العوامل، دون اعتبار لوجود (إلا). ينظر: شرح المرادي (2/ 106). في مطلق عمل ما قبل (إلا) من غير نظر لخصوص الفاعل. ينظر: شرح التصريح (1/ 347).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويفرّغ العامل، لما بعد (إلا) نحو: ما جاءني إلا زيد (¬1)، وما لاقيت إلا عمرا، وما مررت إلا بعمرو، فيعرب ما بعد (إلا) بما كان يعرب به دونها؛ لأنه صار خلفا عن المستثنى منه حين ترك، وفرغ عامله لما بعد (إلا). وإنما شرط تفريغ العامل للمستثنى - مع ترك المستثنى منه - احترازا من أن يترك، ولا يحصل تفريغ، نحو: ما قام إلا زيدا إلا عمرا، وما قام زيد إلا عمرا [3/ 31] فإنّ الأصل في المثال الثاني: ما قام زيد، ولا غيره، وعمرا، مستثنى منصوب من غيره المحذوف. وأمّا المثال الأول فقال المصنف: أصله ما قام أحد إلا زيدا إلا عمرا، فإن أراد أنّ (أحد) فاعل، و (إلّا زيد) بدل منه؛ فغير واضح (¬2)، وإن أراد أنّ (قام) وإن فرّغ (زيد)، لكنّه لم يفرّغ لـ (عمرو)، فواضح (¬3)، ويصدق حينئذ على المثال المذكور أنّ المستثنى منه ترك فيه ولم يفرغ العامل بالنسبة إلى (عمرو). وقوله: ولا يفعل ذلك دون نهي ... إلى آخره؛ إشارة إلى أنّه لا يترك المستثنى منه، ويفرّغ عامله لما بعد (إلا) دون وجود نهي صريح، أو مؤول (¬4)، فمثال النّهي الصريح قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ (¬5)، ومثال النفي الصّريح قوله تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ (¬6)، وأراد المصنف بالنّهي المؤوّل - ¬

_ (¬1) وفائدة الاستثناء في هذا المثال إثبات المجيء لـ (زيد) ونفيه عمن سواه. ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 86، 87) طبعة عالم الكتب بيروت. (¬2) ينظر: الأصول لابن السراج (1/ 343، 344). (¬3) ينظر: شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم (ص 288) تحقيق د/ عبد الحميد السيد، والمسائل المشكلة لأبي علي الفارسي (ص 491) تحقيق: صلاح الدين السنكاوي طبعة بغداد. (¬4) ينظر في ذلك، وفي جواز التفريغ مع الإيجاب: شرح كافية ابن الحاجب للجامي (1/ 220 - 223) تحقيق د/ أسامة طه الرفاعي طبعة بغداد. (¬5) سورة النساء: 171. فما قبل (إلا) وهو (تقولوا) يطلب مفعولا صريحا، فنصب ما بعد إلا وهو (الحق) على المفعولية، وتقدير المستثنى منه: ولا تقولوا على الله شيئا إلا الحق. ينظر: شرح التصريح (1/ 348)، والهمع (1/ 223). (¬6) سورة آل عمران: 144. فما قبل (إلا) وهو (محمد) مبتدأ، والمبتدأ يطلب الخبر، فرفع ما بعد (إلا) وهو (رسول) على الخبرية. ينظر شرح التصريح (1/ 348)، وحاشية الصبان على الأشموني (2/ 149)، والهمع (1/ 223).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرط الذي فيه معنى النهي كقوله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (¬1)، وأراد بالنّفي المؤوّل الاستفهام الذي فيه معنى النّفي، كقوله تعالى: فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (¬2). قال المصنف (¬3): ومنه - أي من النفي المؤوّل زيد غير آكل إلا الخبر، وقوله تعالى: وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ (¬4)؛ لأن يَأْبَى بمعنى لا يريد، ومنه - أيضا - قوله تعالى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (¬5)؛ لأنّ المراد بالكبير هنا الصعوبة، فكأنه قيل: لا يسهل إلّا على الخاشعين. والحاصل: أنّ المستثنى منه لا يحذف مع إيجاب محضن؛ لأنّه يلزم منه الكذب، ألا ترى أنّ حقيقة قولك: نظرت إلا عمرا: عم نظري الناس إلا عمرا، وذلك غير جائز، بخلاف: لم أر إلّا زيدا، فلو كان في الإيجاب معنى النّفي عومل معاملته، نحو: عدمت إلا زيدا، وصمت إلا يوم الجمعة، فإنّ المعنى لم أجد، ولم أفطر. ويتعلق بما تقدم أبحاث: الأول: يرجح الشيخ (¬6) قول المصنف - في الألفية -: وإن يفرّغ سابق إلا لما ... ... بعد ... على قوله - هنا -: وفرّغ العامل له. قال: لأنّ المفرغ قد يكون غير عامل، نحو: - ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: 16. والمعنى: لا يول أحد دبره، إلا متحرفا للقتال، فهذا شرط مقصود به النهي. ينظر: شرح الكافية (1/ 246)، والمساعد لابن عقيل (1/ 554). (¬2) سورة الأحقاف: 35. ما بعد (إلا) وهو (القوم) رفع على أنه نائب فاعل (يهلك) والتقدير: لا يهلك أحد إلا القوم الفاسقون. ينظر: شرح التصريح (1/ 348)، والمساعد (1/ 554). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 270). (¬4) سورة التوبة: 32، ينظر: شرح التصريح (1/ 348)، والمعنى: لا يريد الله إلا إتمام نوره. (¬5) سورة البقرة: 45. فالمعنى: أنها لا تخف ولا تسهل إلا على الخاشعين، ينظر: شرح الكافية (1/ 246). (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 509، 510)، والمرادي (2/ 106)، وشرح الأشموني (1/ 150)، وشرح التصريح (1/ 348).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما في الدار إلا عمرو، فـ (في الدّار) هو المفرغ، والعامل في (عمرو) الابتداء. الثاني: قد علم - ممّا تقدم - أنه إذا لم يذكر المستثنى منه فقد يفرّغ العامل فيكون الحكم كما تقدم، وقد لا يفرغ، فينصب ما بعد (إلّا) على الاستثناء، لكنّه يتعين القول بالتفريغ إذا أدّى عدم القول به إلى حذف ما لا يجوز حذفه، ولا يتعين في غير ذلك، بل يجوز، فعلى هذا ما قبل (إلّا) إمّا أن يقتضي مرفوعا، أو منصوبا، أو مجرورا، فإن اقتضى منصوبا، أو مجرورا جاز التفريغ، نحو: ما ضربت إلا زيدا، وما مررت إلّا بعمرو، وجاز أن يكون المفعول محذوفا؛ لأنه فضلة، فينصب ما بعد (إلّا) على الاستثناء من المحذوف، نحو: ما ضربت إلّا زيدا، وما مررت إلا عمرا، أي: ما ضربت أحدا، وما مررت بأحد (¬1)، ومنه قول الشاعر: 1679 - نجا سالم، والنفس منه بشدقه ... ولم ينج إلّا جفن سيف ومئزرا (¬2) أي: لم ينج شيء، وإن اقتضى مرفوعا، وكان غير فاعل، جاز التفريغ، والنصب على الاستثناء، نحو قول الشاعر: 1680 - هل هو إلّا الذئب لاقى الذّيبا (¬3) روي بالوجهين، فالرفع على التفريغ، والنصب على تقدير: هل هو شيء إلا الذيب، هذا مثال حذف مرفوع هو خبر، ومثال حذف مبتدأ قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 234). (¬2) البيت من الطويل وهو لحذيفة بن أنس الهذلي، وهو في المقرب لابن عصفور (1/ 167)، وديوان الهذليين (3/ 22). والشاهد في قوله: «ولم ينج إلا جفن سيف»؛ حيث نصب المستثنى بعد الفعل المفرغ، والمحتاج إلى مرفوع، وذلك لأن المستثنى منه محذوف، تقديره: ولم ينج أحد، وليس مسلطا على ما بعد (إلا). (¬3) البيت مجهول القائل، وهو من الرجز، وتتمته: كلاهما يطمع أن يصيبا وهو من شواهد الارتشاف (2/ 300) تحقيق النماس، والتذييل (3/ 513)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 165). والشاهد: جواز التفريغ والنصب في كلمة (الذئب) على ما ذكره الشارح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1681 - يطالبني عمرو ثمانين ناقة ... وما لي يا عفراء إلّا ثمانيا (¬1) وإن قدّرت (ما) استفهامية، فلا حذف (¬2)، وإن كان المرفوع المقتضي فاعلا وجب التفريغ، ولم يجز نصب ما بعد (إلّا) على الاستثناء، نحو: ما قام إلّا زيد (¬3)؛ لأنّ الفاعل لا يحذف، ولمّا كان الكسائي يجوّز حذفه أجاز هذا النّصب على الاستثناء والرفع على البدل، وقد يقوي مذهب الكسائي قولهم (¬4): ما قام إلّا هند، بحذف التاء من الفعل، إلّا أن يعلل أنّه في معنى كلام لا يلحق التاء فعله، وهو: ما قام أحد إلّا هند، وليس بالقويّ. الثالث: التفريغ يأتي في جميع المعمولات، من فاعل، ومفعول، ومجرور، وظرف، وصفة، وحال، ولم يستثنوا إلّا المصدر المؤكد (¬5)؛ إذ لا فائدة فيه؛ لأنّه بمنزلة تكرار العامل، فلا يجوز: ما قمت إلّا قياما، لأن يصير المعنى: ما قمت إلّا قمت، وأمّا قوله تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا (¬6) فمؤوّل، ومن التفريغ باعتبار الصفات قولهم: ما جاءني أحد إلّا قائم، وإلا أبوه قائم، إذا جعلت الوصف جملة، ومنه: وما مررت بأحد، إلّا زيد خير منه، يعني أنّ (زيدا) خير من جميع من مررت به. الرابع: أورد الشيخ على قول المصنّف أنّ الإيجاب إذا كان فيه معنى النفي عومل - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو لعروة بن حزام العذري، وهو من شواهد التذييل والتكميل (3/ 514)، وأمالي القالي (3/ 160)، وشرح الكافية لابن القواس (ص 387)، والخزانة للبغدادي (2/ 31). الشاهد: مجيء (ثمانيا) بالنصب جوازا، كما يجوز دفعها على التفريغ وقد روي البيت: يكلفني عمي ثمانين بكرة ... وما لي يا عفراء غير ثمان ولا شاهد فيه على هذه الرواية، والبكرة: الناقة الفتية. (¬2) فـ: ما: مبتدأ، ولي: خبره، ولا محذوف مقدر قبل (إلا). (¬3) يرفع زيد على الفاعلية، وعدم جواز النصب على الاستثناء. (¬4) ينظر التذييل والتكميل (3/ 514)، والهمع (1/ 223). (¬5) ينظر في ذلك: شرح الأشموني (2/ 150)، وشرح المرادي (2/ 107)، والهمع (1/ 223)، وشرح كافية ابن الحاجب للرضي (1/ 234 - 235) حيث منع التفريغ بعد واو المعية. (¬6) سورة الجاثية: 32. وينظر في ذلك: شرح المرادي (2/ 107). تحقيق د/ عبد الرحمن سليمان.

[حذف عامل المتروك]

[حذف عامل المتروك] وقال ابن مالك: (وقد يحذف - على رأي - عامل المتروك). ـــــــــــــــــــــــــــــ معاملته، نحو: عدمت إلّا زيدا، وصمت إلّا يوم الجمعة، إنّ هذا الّذي ذكره سائغ تقديره في كلّ موجب؛ إذ ما من فعل موجب إلّا ويمكن نفي نقيضه فيقدّر: قائم إلّا زيد بـ: لم يفعله - أي القيام - إلّا زيد. (¬1) انتهى. والجواب: أنّ الّذي أشار إليه المصنف كلّ فعل إذا فسّر مدلوله كان نفيا، فإنّ مدلول (عدمت): لم أجد، ومدلول (صمت): لم أفطر، وأما المثال الذي مثّل به الشيخ فلا يصحّ كونه من هذ القبيل؛ لأنّ مدلول (قام) أمر ثابت، وأما نفي القعود فمن لازمه وإذا كان كذلك يلزم من صحة: عدمت إلّا زيد: قام إلّا زيد (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): أشرت بذلك إلى قول الشاعر: 1682 - تنوط التميم وتأبى الغبو ... ق من سنة النّوم إلّا نهارا (¬4) يصف امرأة بالنّعيم، وكثرة الرّاحة، فهي تأبى أن تغتبق، أي: تغتذي بالعشيّ، لئلّا يعوقها عن الاضطجاع للرّاحة، ثمّ قال: إلّا نهارا، يريد: لا تغتذي الدهر إلّا نهارا، هذا معنى قول الفارسي، وأولى من هذا التقدير أن يكون أراد: تأبى الغبوق والصبوح إلّا نهارا، فحذف المعطوف، وأبقى المعطوف عليه وهو كثير (¬5). ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 513) والنص فيه تصرف بالتغيير والحذف. (¬2) أي: لا يصح - كما ذكر أبو حيان في التذييل والتكميل (3/ 495) - أن يقال: قام إلا زيد، على التفريغ، كما صح أن يقال: عدمت إلا زيدا؛ لأن مدلول (عدمت) نفى الوجود، فكأنه قيل: لم أجد، وليس مدلول (قام) نفي القعود، وإنما القيام أمر ثابت، ونفي القعود من لوازمه، وليس من مدلوله، ولكن ورد في الهمع (1/ 223): جواز التفريغ في الإيجاب. (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 270). (¬4) البيت من المتقارب وهو للأعشى، وهو في ديوان الأعشى (ص 49). وهو من شواهد التذييل والتكميل (3/ 516)، وشرح المرادي (1/ 168 / أ)، والمساعد لابن عقيل (1/ 554). اللغة: تنوط: تعلق التميم، والتميمة: عوذة تعلق مخافة العين والحسد، الغبوق: الشرب بالعشي، وفي الحديث الشريف: «من علق تميمة فلا أتم الله له». وهو في مسند الإمام أحمد (ص 154)، ونصه عنده: «من تعلق تميمة ...». (¬5) هذا رأي المصنف، وينظر رأي الفارسي في شرح المصنف (2/ 270)، والمساعد لابن عقيل (1/ 554).

[الاستثناء التام وأحكامه]

[الاستثناء التام وأحكامه] قال ابن مالك: (وإن لم يترك المستثنى منه فللمستثنى بـ «إلّا» النصب مطلقا بها لا بما قبلها، معدّى بها، ولا به مستقلّا، ولا بـ «أستثني» [3/ 32] مضمرا، ولا بـ «أن» مقدرة بعدها، ولا بـ «إن» مخففة، مركبة، منها ومن «لا» و «إلا» خلافا لزاعمي ذلك، ووفاقا لسيبويه، والمبرّد والجرجانيّ). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على الاستثناء المفرغ، شرع في الاستثناء التامّ، وهو أن يكون المستثنى منه مذكورا، وحكم المستثنى فيه النصب، سواء كان الاستثناء متصلا (¬1) أم منقطعا (¬2)، بعد كلام موجب، أو منفيّ، قدّم المستثنى على المستثنى منه، أو أخّر، ولهذا قال: مطلقا، وإن شارك النصب على الاستثناء غيره، في بعض الصّور بشروط، كما سيأتي، وقيّد الاستثناء بـ (إلا)، كما قيّد في المفرغ؛ لأن الكلام - في هذا الفصل - إنما هو فيه، وقال المصنف: نبهت بقولي: مطلقا على أن المستثنى بـ (إلّا) إذا ذكر المستثنى منه ينصب في الموجب وغيره، لكن في الموجب لا يشارك النّصب، وفي غير الموجب يشاركه البدل راجحا ومرجوحا (¬3). قال الشّيخ: قوله: في الموجب لا يشارك النصب - ليس بصحيح؛ لأنّه يشاركه النعت على ما تبين، وقد ذكر هو ذلك (¬4). والجواب: أنّ كلام المصنف إنّما هو في ذكر المخرج، لتقدّم ذكره، وعود الضمير عليه في قوله: وله بعد (إلا) من الإعراب إن ترك إلخ، وإن لم يترك المستثنى منه فهو قسيم لقوله: ترك، وكلاهما داخل تحت قوله: المخرج، ومعنى الاستثناء والبدل بالنسبة إلى الإخراج واحد، أما النعت فلا إخراج فيه؛ بل هو من باب آخر، وحكمه في المعنى مغاير للمقصود هنا، فكيف يصحّ قول الشيخ: لأنه يشاركه النعت؟ ثم إنّ المصنف ذكر الخلاف في الناصب للمستثنى بـ (إلا) واختار مذهبا، - ¬

_ (¬1) بعد كلام موجب: قام القوم إلا زيدا، قام إلا زيدا القوم. أو بعد كلام منفي: ما قام القوم إلا زيد، ما قام إلا زيدا القوم. (¬2) بعد كلام موجب نحو: قام القوم إلا حمارا - قام إلا حمارا القوم. أو بعد كلام منفي نحو: ما قام القوم إلا حمارا - ما قام إلا حمارا القوم. (¬3) شرح المصنف (2/ 271). (¬4) التذييل والتكميل (3/ 516).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وطول في الاستدلال على مختاره، واستنباطه من كلام سيبويه، فيشار إلى ذلك على سبيل الاختصار؛ لأن الخطب فيه يسير، والأمر سهل. والمذاهب التي ذكرها المصنف في العامل ستة: أحدها: أنّ العامل (إلّا) نفسها، وهو مختاره (¬1)، ونسبه إلى سيبويه (¬2)، والمبرد (¬3)، والجرجانيّ (¬4). الثاني: أنّ العامل ما قبل (إلّا) معدّى بها، ونسبه إلى السيرافي (¬5). الثالث: أنّ العامل ما قبل (إلّا) على سبيل الاستقلال، ونسبه إلى ابن خروف (¬6). الرابع: أن العامل (أستثني) مضمرا بعد (إلّا)، نسبه إلى الزّجاج (¬7). الخامس: أنّ العامل (أنّ) مقدرة، ونسبه إلى الكسائيّ (¬8). السادس: أنّ العامل (أن) المخففة، و (لا) فـ (إلّا) مركبة منهما، ونسبه - ¬

_ (¬1) ومختار ابنه بدر الدين في شرح الألفية (ص 292)، وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 555) تحقيق د/ بركات. (¬2) قال سيبويه: أن يكون الاسم بعدها خارجا مما دخل فيه ما قبله عاملا فيه ما قبله من الكلام، كما تعمل (عشرون) فيما بعدها، إذا قلت: عشرين درهما. ينظر: الكتاب (2/ 310)، والهمع (1/ 224)، والظاهر من عبارة سيبويه هذه أن المستثنى ينصب عن تمام الكلام، ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 144)، والجنى الداني في حروف المعاني (ص 476). (¬3) ينظر: المقتضب للمبرد (4/ 389)، وكافية ابن الحاجب (1/ 226). (¬4) ينظر: الجمل للجرجاني (ص 20). (¬5) ينظر الهمع (1/ 224) حيث نسب هذا الرأي لآخرين منهم ابن الباذش، وابن بابشاذ، والرندي، مع السيرافي، وشرح الألفية لابن الناظم حيث عارض هذا الرأي (ص 293)، وينظر رأي السيرافي في المساعد لابن عقيل (1/ 556). (¬6) ينظر: الهمع (1/ 224)، وفي المساعد لابن عقيل: «وهذا مذهب ابن خروف، وزعم أن ذلك لنصب (غير) نحو: قام القوم غير زيد، بلا واسطة». اه. (¬7) ينظر: الهمع (1/ 224)، وقد نسب في الهمع أيضا للمبرد. وينظر المساعد (1/ 556). (¬8) يرى الكسائي في مثل: قام القوم إلا زيدا، أن التقدير: إلا أن زيدا لم يقم، فالمستثنى منصوب بـ (أنّ) بعد (إلا) محذوفة الخبر. ينظر: الهمع (1/ 224)، وكافية ابن الحاجب (1/ 226)، حيث اعترض على رأي الكسائي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الفرّاء (¬1). قال غير المصنف: فإن نصبت ما بعدها غلبت حكم (أنّ) والحرف محذوف، وإن رفعت غلبت حكم (لا) فعطفت. وقد ردّ السادس (¬2): بأنّ فيه إدغاما لتركيب، ولا دليل عليه، وأنّه لو صحّ التركيب لم يصحّ العمل الّذي كان قبله؛ لأنّ المعنى قد تغيّر معه، وكلّ مركب تغير معه المعنى يتغير معه الحكم، كما في (إذ ما) و (حسبما) وبأنّه غير مستقيم لفظا ومعنى، أمّا اللفظ فلأنّك لو لفظت به لم يستقم، وأمّا المعنى فعلى خلاف ذلك (¬3). وقد ردّ الخامس (¬4): بأنّ (أن) لا تضمر، وبأنّه كان يجب النصب أبدا (¬5)، وبأنّه دعوى لا يقوم عليها دليل، وبأنه يلزم أن يكون لها عامل يعمل فيها؛ لأنّها مع ما تعمل فيه في تأويل المصدر، فيجعل العامل فيها عاملا فيما قدّرت من أجله، ويستغنى عنها. وردّ الرابع (¬6): بأنّ فيه مخالفة النظائر؛ إذ يجمع بين فعل وحرف يدلّ على معناه، لا بإظهار، ولا بإضمار، ولمنافاة قصدهم بوضع الحرف وهو الاختصار (¬7). - ¬

_ (¬1) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 556، 557) وفيه: عزاه السيرافي إلى الفراء، فإذا قلت: قام القوم إلا زيدا، انتصب (زيد) عنده بـ (أن) المخففة، وخبرها محذوف، ولا نافية عنده، والتقدير: أن زيدا لم يقم». اه. وينظر: كافية ابن الحاجب (1/ 226)، والهمع (1/ 224)، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري (1/ 261) المسألة رقم (34). (¬2) كون العامل (إلا) مركبة من (أن) المخففة و (لا). (¬3) ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري المسألة رقم (34)، والمساعد لابن عقيل (1/ 557). (¬4) كون العامل (أنّ) مقدرة، مضمرة عاملة النصب. (¬5) فيقال: ما جاءني إلا زيدا - بنصب (زيدا) بـ (أن) المضمرة، وذلك غير جائز، ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 556). (¬6) كون العامل (أستثني) مضمرا بعد (إلّا). (¬7) ولأنه يلزم على ذلك نصب المستثنى في الاستثناء المفرّغ - أي بـ (أستثني) المضمرة - ومعروف أن المستثنى في هذه الحالة يعرب على حسب العوامل قبل (إلا). ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 146)، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 556): «ويرد بأنه لا يجمع بين فعل وحرف يدل على معناه، لا بإظهار، ولا بإضمار، ولو جاز هذا لأولي (ليت) بـ (أتمنى)». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وردّ الثالث (¬1): بأن «إلّا» لها اقتضاء في المستثنى؛ لأنها لو حذفت لم يكن لذكره معنى، فلو لم تكن عاملة، ولا موصلة عمل ما قبلها إليه - أي: المستثنى - مع اقتضائها إياه لزم عدم النظير (¬2)، والذي دعا ابن خروف إلى هذا الرأي انتصاب (غير) على الحال (¬3)، وفيه معنى الاستثناء، كما أنّ (ما عدا) و (ما خلا) مصدران (¬4) بمعنى الحال (¬5)، وفيهما معنى الاستثناء. اه. وسيأتي الكلام في نصب (غير) وفي مواضع (ما خلا) ونحوه (¬6). وأما المذهب الأول: وهو الذي ذكره المصنف - فقد طوّل فيه، استنباطا واستدلالا والذي ذكره يحتمل التأويل والرد، ولا فائدة في التطويل، وكون «إلّا» هي العاملة فقط مذهب مرجوح (¬7)، ونحن نتحاكم إلى المصنف، بما قرره في باب المفعول معه، من أنّه لو كانت الواو هي الناصبة لوجب اتصال الضمير إذا وقع مفعولا معه، ومن الضرورات قول الشاعر: 1683 - فآليت لا أنفكّ أحدو قصيدة ... تكون وإيّاها بها مثلا بعدي (¬8) - ¬

_ (¬1) كون العامل ما قبل (إلا) بدون واسطة (إلّا) وتعديتها. (¬2) أي: يكون المقتضى ما بعده، غير عامل فيه. (¬3) أي: بما قبلها دون واسطة لعمل النصب. ينظر: الهمع (1/ 224). (¬4) في (شرح فصول ابن معط) للقاضي شهاب الدين الخوى (ص 188)، تحقيق د/ أحمد مرسي الجمل، رسالة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، كقول لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل فـ (ما) في (ما خلا) مصدرية، وما بعدها فعل؛ لأنّ (ما) المصدرية لا تكون صلتها إلا فعلا، وفاعلهما مضمر، والتقدير: ما خلا بعضهم زيدا. (¬5) فهما منصوبان على الحالية، دون واسطة لعمل النصب. (¬6) سيأتي بمشيئة الله تعالى، وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 556). (¬7) لأن الضمير المتصل بها - أي بـ (إلا) - والناصب شأنه أن يتصل به الضمير المنصوب، نحو: إنه، وليته، ولعله، وكذلك بقية النواصب من الأفعال والحروف. ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 145). (¬8) البيت من بحر الطويل، قائله: أبو ذؤيب الهذلي. اللغة: آليت: أقسمت، أحدو: من قولهم: (حدوت البعير) إذا سقته، وأنت تغني في أثره، لينشط في السير، ويروى: (أحذو) - بالذال - من: حذوت النعل بالنعل، إذا سويت أحدهما على قدر الأخرى، والخطاب لخالد ابن أخته، وكان يبعثه إلى معشوقة له، فأفسدها عليه، واستمالها إلى نفسه. والبيت في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أنّ المصنف قد اعتذر عن انفصال الضمير بعد (إلّا) بما ليس بالقوي (¬1)، وقد ذكروا - في هذا المذهب - أنّه ليس لنا حرف ينصب فقط، وإنّ الحرف العامل في الاسم حقّه أن يعمل ما اختصّ الاسم به وهو الجرّ (¬2). وأمّا المذهب الثاني: وهو أنّ العامل ما قبل (إلّا) بواسطة (إلّا) فهو أقوى المذاهب المذكورة، وأرجحها (¬3) وهو رأي الجمهور (¬4)، وعزاه جماعة إلى سيبويه (¬5)، ونظّروه بالمفعول معه، فإنّ العامل فيه ما قبل الواو، وبواسطتها، وهو الصحيح (¬6)، وقد ردّه المصنّف بصحة تكرير الاستثناء، نحو: قبضت عشرة إلّا أربعة إلّا درهما إلّا ربعا، إذ لا فعل في المثال المذكور - إلّا (قبضت)، فإذا جعل معدّى بـ (إلّا) لزم تعديته إلى الأربعة بمعنى الحطّ، وإلى الدّرهم بمعنى الجبر، وإلى الرّبع بمعنى الحطّ، وذلك حكم بما لا نظير له، فإنّه استعمال فعل واحد، معدّى بحرف واحد، على معنيين متضادين». اه (¬7). والجواب: أنّ (إلّا) - في هذا الكلام - ليست بمعنى الحطّ فقط؛ وإنما جاء إدخال الدرهم في الحكم، من جهة أنه مستثنى [3/ 33] من منفيّ فهو مثبت، فـ (إلّا) حطته من الأربعة الخارجة، فلزم دخوله في الحكم لذلك (¬8)، ومما ردّ به المصنف هذا المذهب قولنا: قاموا إلا زيدا إلّا عمرا، فإنّ الثاني موافق للأول، في المعنى، فإن جعلا منصوبين بالفعل، معدّى إليهما بـ (إلّا) لزم من ذلك عدم النظير؛ إذ ليس في الكلام فعل معدّى بحرف واحد، إلى شيئين، دون عطف، فوجب اجتنابه». اه (¬9). - ¬

_ - ديوان الهذليين (1/ 159)، وشرح التصريح (1/ 105)، وفي ديوان أبي ذؤيب (ص 33). والشاهد فيه: اتصال الضمير - إياها - شذوذا، بواو المعية، والأصل ألا يتصل الضمير بها؛ لأنها ليست الناصبة بنفسها. (¬1) شرح المصنف (2/ 275) وما بعدها. (¬2) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح للإمام عبد القاهر الجرجاني (2/ 700)، تحقيق د/ كاظم المرجان طبعة دار الرشيد - العراق. (¬3) ينظر في بيان سبب الترجيح: المقتصد في شرح الإيضاح (2/ 699، 700)، وينظر في معارضيه: المساعد لابن عقيل (1/ 556). (¬4)، (¬5) ينظر في ذلك: الهمع (1/ 224). (¬6) ينظر: المقتصد في شرح الإيضاح (2/ 700). (¬7) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 293)، حيث يرى هذا الرأي. (¬8) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (1/ 1). (¬9) ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 277).

[حكم المستثنى المتصل في الكلام التام المنفي]

[حكم المستثنى المتصل في الكلام التام المنفي] قال ابن مالك: (فإن كان المستثنى بـ «إلّا» متصلا، مؤخّرا عن المستثنى منه المشتمل عليه نهي أو معناه، أو نفي، صريح أو مؤول، غير مردود به كلام، تضمّن الاستثناء اختير فيه - متراخيا - النصب، و - غير متراخ - الإتباع إبدالا عند البصريين، وعطفا عند الكوفيين). ـــــــــــــــــــــــــــــ ويمكن الجواب عنه بأن يقال: لا تسلم أنّ مدلول (إلّا) الثانية، في هذا التركيب مدلول (إلّا) الأولى، فيلزم ما قاله، ولو كان مدلولها كالأولى وجب العطف، ونحن نعقل الفرق بين قولنا: قاموا إلّا زيدا إلّا عمرا، وقولنا: قاموا إلّا زيدا، وإلّا عمرا؛ لأن (إلّا) - مع العطف - أخرجت زيدا وعمرا من القوم، فمدلول الأولى والثانية واحد (¬1)، ولذا احتيج إلى العطف، وأمّا مع عدم العطف فليس مدلولها واحد؛ لأنّ الثانية أخرجت عمرا من قوم ليس زيد منهم، ولا يلزم ما ذكره المصنف، وليعلم أنّ صاحب الكتاب وغيره ذكروا الخلاف في المسألة، ولم يفرقوا بين المتّصل (¬2)، وقال ابن الحاجب - بعد ذكر الخلاف وتقريره: وإنّما هذا في الاستثناء المتّصل، فامّا المنقطع فالعامل فيه نفس (إلّا)؛ لأنّها تعمل عمل (لكن) ولها خبّر مقدّر على حسب المعنى (¬3)، ومنهم من يقول: إنّه يظهر (¬4) ومنهم من يجعله إذا كلاما مستأنفا. اه. وقد تقدّم أنّ تقدير (إلّا) بـ (لكن) في المنقطع، هل هو تفسير معنى، أو على أنّ (إلّا) قامت مقامها لفظا، والأوّل (¬5) أظهر؛ فعلى هذا لا فرق بين المتّصل والمنقطع، بالنسبة إلى ما يدعى كونه عاملا، وقد صرّح سيبويه بذلك. قال ناظر الجيش: تقدّم أنّ المستثنى بـ (إلّا)، إذا ذكر المستثنى منه ينصب مطلقا، وأنّه قد يشارك النصب في بعض الصّور، والغرض الآن تبيّن مواضع - ¬

_ (¬1) ينظر: الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 191). (¬2) ينظر: المرجع السابق، نفس الصفحة. (¬3) ينظر: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 363) تحقيق د/ موسى بناي العليلي. (¬4) أي قد يجيء خبرها ظاهرا، نحو قوله تعالى: ... إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ. [يونس: 98]. ينظر: الإيضاح في شرح المفصل (1/ 363)، والأصول لابن السراج (1/ 291). (¬5) كونه تفسير معنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المشاركة، فإن تعينت علم أنّ النصب متعين لما سواها، وبدأ المصنف بذكر المتصل؛ لأنّ البدل فيه راجح، بشروط، وأخّر الكلام على المنقطع؛ لأنّ النصب فيه راجح، أو واجب. واشترط في جواز البدل مع الاتصال ثلاثة شروط: تأخير المستثنى عن المستثنى منه، وأن يشتمل على المستثنى منه نفي أو نهي، وأن يكون الكلام داخلا عليه النفي غير مردود به كلام تضمن الاستثناء. أمّا الشرط الأول فواضح، وحكم المستثنى إذا قدّم النصب، وله حكم آخر، يأتي الكلام عليه. وأما الشرط الثاني فاحترز به من الموجب، نحو: اذهبوا إلّا زيدا، وسيظفرون إلّا عمرا، والموجب من الكلام في الاستثناء ما كان الكلام بعد (إلّا) مثبتا فيه، فيدخل الأمر، والتخصيص، وإن كانا - في الجواب بالفاء، والنيابة عن الشرط - غير واجبين، ويدخل الشّرط أيضا، وقد ذكر مثال الخبر والأمر، وأما التخصيص فكقولك: لولا خاصمت القوم إلّا زيدا، ومثال الشّرط: إن قام القوم إلّا زيدا، ومثال النهي: لا يقم أحد إلّا زيد، وأمّا معنى النّهي فكقول عائشة - رضي الله تعالى عنها -: «نهى عن قتل جنان البيوت إلا الأبتر وذو الطفيتين» (¬1) التقدير: لا تقتل جنان البيوت إلّا الأبتر، وذو الطفيتين (¬2). ومثال النفي الصّريح: ما قام أحد إلا زيد، ومثال المؤول قوله تعالى: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ (¬3)، وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا - ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في كتاب المناسك (2/ 27)، وابن حنبل (6/ 83) برواية: «نهانا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل الجنان التي تكون في البيوت غير ذي الطفيتين، والبتراء» والجنان: الحيات التي تكون في البيوت واحدها جان هو الدقيق، والطفيتان: الخطان الأبيضان على ظهر الحية، والأبتر: القصير الذنب. وينظر في ذلك المساعد لابن عقيل (1/ 558). (¬2) في إعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 192): «القياس أن يكون هو يعني «ذو الطفيتين والأبتر» منصوبين؛ لأنه استثناء من موجب أو منفي، ولكن المقدر في المعنى منصوب؛ لأن التقدير: لا تقتل جنان البيوت إلا الأبتر، فأما الرفع فوجهه - على شذوذه - أن يقدر له ما يرفعه، والتقدير: لكن يقتل ذو الطفيتين والأبتر، وعلى هذا يجوز نصبه على أصل باب الاستثناء ورفعه على ما قدرناه». اه. وينظر أيضا: المساعد لابن عقيل (1/ 558). (¬3) سورة آل عمران: 135، وهو من الهامش. والمعنى: ما يغفر الذنوب أحد إلا الله، فهو استفهام في اللفظ، نفي في المعنى، ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضَّالُّونَ (¬1). فإن (من) استفهام في اللفظ ونفي في المعنى، والبدل من الضمير في (يغفر) ومن الضمير في (يقنط) وأكثر ما يكون معنى النّفي في الاستفهام إذا كان بـ (هل) أو (من) وقد يكون في الاستفهام بـ (أيّ) ولذلك عطف بعدها بـ (إلّا) في قول الشّاعر: 1684 - فاذهب فأيّ فتى في النّاس أحرزه ... عن حتفه ظلم «دعج» ولا جبل (¬2) ومن النّفي المؤوّل: قلّ رجل يقول ذلك إلّا زيد وكذا: أقل رجل يقول - إذا قصد بهما النفي - (¬3). قال الشيخ: وارتفاع (زيد) على أنّه بدل من الضمير المستكن في المثالين؛ لأنّ المعنى: ما يقول ذلك إلا زيد، ولا يجوز أن يكون المستكن بدلا من (رجل) في (قلّ رجل)؛ لأن (قلّ) لا تعمل إلّا في النكرة ولا تعمل إلا في منفيّ، ولا من (أقلّ) في (أقل رجل)؛ لأن (أقلّ رجل) لا يمكن تعريفه (¬4) كقولك: إلا زيد، وإن أريد بـ: (قلّ رجل) أو (أقلّ رجل) التعليل، لا النّفي المحض، فمذهب ابن خروف أنه لا يجوز في (إلا زيد) النصب للإيجاب (¬5). وأجاز السيرافي البدل؛ لأنه نفي للتكثير، فالمعنى: ما يقول ذلك كثيرا إلا زيد (¬6). اه. ولا يعد فيما أجازه السيرافي، ومن النفي المؤول قراءة بعض السلف (¬7) فشربوا - ¬

_ (¬1) سورة الحجر: 56، والمعنى: ما يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، يرى ابن الناظم - في شرح الألفية (ص 295) اختيار الرفع على البدل، وإن النصب عربي جيد. (¬2) البيت من بحر البسيط، وهو من قصيدة للمتنخل الهذلي في رثاء ابنه أثيلة. اللغة: أحرزه: بمعنى حصنه، والحتف: الموت والهلاك، والظلم: جمع ظلمة ضد النور، والدعج: شديدات السواد. والشاهد في قوله: «ولا جبل» حيث عطف (لا) بعد (أي) مما يدل على أنها نافية في المعنى، ينظر: ديوان الهذليين (2/ 35)، معاني الفراء (1/ 164، 423)، والتذييل والتكميل (3/ 533). (¬3) ينظر الأصول في النحو لابن السراج (1/ 297)، والتذييل والتكميل (4/ 533). (¬4) ينظر الكتاب (2/ 314) هارون، والخصائص لابن جني (2/ 142)، والأشباه والنظائر في النحو للسيوطي (2/ 45). (¬5) حملا على المعنى: ينظر التذييل والتكميل (3/ 533)، والارتشاف (2/ 305). (¬6) التذييل والتكميل (3/ 533)، شرح السيرافي (3/ 103 / أ) المخطوط. (¬7) عبد الله بن مسعود وأبيّ والأعمش، ينظر البحر المحيط (2/ 266)، ومعاني الفراء (1/ 166).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه إلا قليل منهم (¬1) لأنّ قبله فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي (¬2)؛ فلذلك صار فَشَرِبُوا مِنْهُ بمعنى: لم يتركوه [3/ 34] فلم يكونوا منه (¬3) ومنه أيضا ما أنشده الأخفش: 1685 - لدم ضائع تغيّب عنه ... أقربوه إلا الصبا والجنوب (¬4) وكذلك قول الآخر: 1686 - وبالصّريمة منهم منزل خلق ... عاف تغيّر، إلّا النؤي والوتد (¬5) لأنّ (تغيّب) بمعنى: لم يحضر، (وتغير) بمعنى: لم يبق على حاله (¬6). ونقل الشيخ في إعراب: قليل منهم أن يكون مبتدأ، والخبر محذوفا وهو رأي الفراء (¬7) وأن يكون إلا قليل صفة للضّمير في: شربوا (¬8) على رأي من يجوّزه (¬9)، وهو ابن عصفور، وأن يكون إلا قليل بدلا من الضمير، - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة البقرة: 249. (¬3) فلم يصاحبوه، ينظر: تفسير ابن كثير طبعة الحلبي، (1/ 302)، والبحر المحيط (2/ 266) وفيه بسط الآراء في الإعراب. (¬4) البيت من الخفيف قاله أبو زبيد الطائي، والصبا: ريح مهبها مطلع الشمس، إذا استوى الليل والنهار. والجنوب: الريح المقابلة للشمال. والشاهد: جواز الإبدال بالرفع - لاعتبار معنى النفي، مع التمام. ينظر الهمع (1/ 229)، والدرر (1/ 194). (¬5) البيت من بحر البسيط وهو للأخطل الثعلبي، والصريمة: كل رملة انصرمت من معظم الرمل، والمراد بها - هنا - مكان معين، والخلق: البالي، عاف: بمعنى دارس، النؤي: حفرة تكون حول الخباء لئلا يدخله المطر، والشاهد فيه: كالذي قبله. ينظر العيني (3/ 203)، والتصريح (3/ 349)، وشرح الأشموني (2/ 144). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 281). (¬7) ينظر: البحر المحيط (2/ 265، 266)، ومعاني الفراء (1/ 266)، وفي التذييل والتكميل (3/ 534): «وزعم الفراء وتبعه ابن خروف أن ارتفاع إِلَّا قَلِيلٌ على الابتداء والخبر محذوف. التقدير: لكن قليل منهم لم يشربوا منه ... وهذا الذي ذهبا إليه ضعيف؛ لأنه لا دليل على الخبر لأن (شربوا) لا يدل على أن غيرهم لم يشربوا ...». اه. (¬8) أي: واو الجماعة. (¬9) ينظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 203)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (343)، حيث نسب هذا الرأي لآخرين غير ابن عصفور، وفي التذييل والتكميل (3/ 535): «وزعم ابن عصفور أن قوله: إلا قليل صفة للضمير في فَشَرِبُوا وأن الوصف بـ (إلا) يخالف جميع الأوصاف فيكون -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتكون (إلّا) محكوما لها بحكم (غير) ثم قال: وما ساغ من التأويل في الآية الكريمة (¬1) ساغ في التبيين. اه. (¬2). قال المصنف (¬3): وقلت: المشتمل عليه ولم أقل: الكائن معه أو نحو ذلك؛ تنبيها على أنّ النهي والنفي قد يوجد ولا يكون له حكم لكونه منقوصا نحو: لا تأكلوا إلّا اللحم إلا زيدا، وما شرب أحد إلا الماء إلا عمرا، فإن هذا، وأمثاله بمنزلة ما لا نهي فيه ولا نفي إذ المراد: أكلوا اللحم إلا زيدا، وشربوا الماء إلا عمرا. انتهى. ولو قلت: ما شارب أحد إلا الماء إلا زيد رفعت، إما على الخبريّة عن (شارب) وإما على الابتدائيّة وهو أولى. قال ابن عمرون (¬4): فإن لم تجعل للمبتدأ خبرا، كما في: أقائم الزيدان ما أرى لمنع نصب (زيد) وجها. انتهى (¬5). والظاهر أنّ نصبه متعين ثم قال المصنف - بعد تمثيله بما تقدم -: ومنه: ما مررت بأحد إلا قائما إلّا أخاك، ذكره الفارسيّ في التذكرة (¬6)، وقال: لا يجوز كون (قائم) صفة لـ (أحد) لأنّ (إلّا) لا تعترض بين الصفة والموصوف، ولا كونه حالا من التاء؛ لأنه يصير المعنى: مررت قائما بأحد، وهو لا يجوز، فكذا ما في معناه، وإذا بطل هذا ثبت أنّ (قائما) حال من (أحد) منصوب؛ لأنّه بعد إيجاب. ونقل الشيخ عن ابن هشام (¬7) تمهيد هذه القاعدة وتقريرها بالأمثلة واستطرد إلى أن قال: تقول: ما أتاني بنو محمد، إلّا بنو جعفر، إلا خالدا، فنفيت عن بني محمد الإتيان سوى بني جعفر، وأوجبته لبني جعفر ثم أخرجت (خالدا) وهو منهم - مما أدخلتهم فيه من الإتيان فلم يكن فيه إلّا النصب، لا غير، وعكس هذه - ¬

_ - صفة للضمير». اه. (¬1) سورة البقرة: 249. (¬2) في التذييل والتكميل (3/ 536) «وما ساغ من التأويل في فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهو سائغ هنا ومحتمل. اه. (¬3) شرح التسهيل (2/ 280). (¬4) من تلامذة ابن يعيش. سبقت ترجمته. (¬5) الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 184). (¬6) التذكرة من كتب الفارسي المفقودة، ينظر في ذلك شرح المصنف (2/ 280). (¬7) هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن هشام الخضراوي، الأندلسي، توفى سنة (646 هـ)، سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة: أتاني بنو محمد إلا بنو جعفر إلا خالد، برفعه حملا على المعنى؛ لأنك لما استثنيت من إيجاب نصبت، كما قدمنا، فـ «بنو جعفر» قد تغيب عنهم الإتيان وكأنك قلت: ما أتاني (بنو جعفر) ثم استثنيت منهم خالدا فأدخلته فيما نفيته فصار موجبا له بعد نفي (¬1). انتهى. وفي المثالين اللذين ذكرهما ابن هشام (¬2) نظر؛ فإنّ الظاهر فيهما الانقطاع وكلاهما إنما هو في المتصل إلا (أن) (¬3) يريد الاتصال بتأويل. وأما الشرط الثالث: وهو أن يكون غير مردود به كلام تضمن الاستثناء فاحترز به عن رد قول القائل: قاموا إلا زيدا، وأنت تعلم أنّ الأمر بخلاف ذلك، فتدخل النفي وتأتي بالكلام، مثل ما نطق به المردود عليه، فتنصب (زيدا) ولا ترفعه؛ لأنك لم تقصد معنى: ما قام إلا زيد، وكذا إذا قال: لي عندك مائة إلا درهمين، وأردت جحد ما ادعاه، فإنك تقول: ما لك عندي مائة إلا درهمين، كأنّك قلت: ما لك عندي الذي ادّعيته، ولو رفعت الدرهمين كنت مقرّا بهما، جاحدا لثمانية وتسعين؛ لأنّ المستثنى المبدل ممّا قبله في حكم الاستقلال فكأنّك قلت - إذا رفعت -: مالك عندي إلا درهمان (¬4)، وهذه الثلاثة شروط جواز البدل. وبقي لرجحان النصب على الاستثناء شرط رابع: وهو ألا يتراخى، أي: يتباعد ذكر المستثنى، عن ذكر المستثنى منه نحو الأمثلة المتقدمة فإن حصل التراخي كان النصب على الاستثناء راجحا، والبدل مرجوحا وذلك نحو قولك: ما ثبت أحد في الحرب ثباتا نفع الناس إلا زيدا، ولا تنزل على أحد من تميم إن وافيتهم إلا قيسا (¬5)؛ لأنّه إنّما رجح الإتباع في غير الإيجاب على النّصب؛ لأنّ معناه ومعنى النّصب واحد، وفي الإتباع تشاكل اللفظين، وهو مطلوب وللقرب تأثير في طلب المشاكلة، فلما تباعدا تباعدا بينا رجح النصب، لضعف الداعية، والأصل في هذا - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 539). (¬2) تنظر السطور السابقة. (¬3) ما بين القوسين من الهامش. (¬4) ينظر - لزيادة الإيضاح - الأصول في النحو لابن السراج (1/ 304)، والمساعد لابن عقيل (1/ 559). (¬5) في المساعد لابن عقيل (1/ 559): «فينصب اختيارا لضعف التشاكل، لطول الفصل بين البدل والمبدل منه. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها» فقال له العباس رضي الله عنه: «إلا الإذخر؟» فقال صلّى الله عليه وسلّم: «إلّا الإذخر» (¬1). وقد يكون من هذا: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيّه من أهل الدّنيا، ثم احتسبه إلا الجنّة» (¬2) وعللّ قوم هذا النوع بعروض الاستثناء، قال ابن السّراج: فإن لم تقدّر البدل، وجعلت قولك: (ما قام أحد) كلاما، لا تنوي فيه الإبدال من (أحد) ثم استثنيت؛ نصبت، فقلت: ما قام أحد، إلا زيدا (¬3). قال المصنف - بعد ذلك -: فعلى هذا يكون للزوم النصب - بعد النفي سببان، التراخي، وعروض الاستثناء (¬4). ومراده بلزوم النّصب لزوم اختيار النّصب؛ لأن النصب غير لازم وقوله: إبدالا عند البصريين، وعطفا عند الكوفيين إشارة إلى الخلاف في المستثنى، إذا جعل تابعا لما قبله، فمذهب البصريين أنه بدل، وقد نصّ عليه سيبويه (¬5)، وعليه إشكالان: أحدهما: أنّه بدل بعض وليس معه - في نحو: ما قام أحد إلا زيد - ضمير يعود على المبدل منه. والثّاني: ما بينهما من التخالف فإنّ المبدل موجب، والمبدل منه منفيّ. وأجابوا عن الأول بأن (إلّا) وما بعدها من تمام الكلام الأول، و (إلّا) قريبة مفهمة أنّ الثّاني قد كان يتناوله [3/ 35] الأول، فمعلوم أنّه بعض الأول، فلا يحتاج فيه إلى رابط بخلاف: قبضت المال بعضه. وأما الإشكال الثاني فأجاب السيرافي عنه بأن قال: هو بدل منه في عمل العامل فيه وتخالفهما بالنفي والإيجاب لا يمنع البدلية؛ لأن مذهب البدل فيه أن يجعل الأول كأنّه لم يذكر، والثاني في موضعه، وقد يخالف الصفة والموصوف نفيا وإثباتا، نحو: مررت برجل لا كريم - ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في كتاب اللقطة (3/ 125)، والديات (9/ 5)، وأخرجه مسلم في كتاب الحج (986، 988) وابن حنبل (1/ 259، 318)، وقد قاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في فضل مكة. والخلي: النبات الرقيق ما دام رطبا، ويعضد: بمعنى يقطع، والإذخر: نبات عشبي له رائحة عطرة. (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق (8/ 90). (¬3) الأصول لابن السراج (1/ 218). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 283). (¬5) ينظر الكتاب (2/ 311)، والهمع (1/ 224)، والمغني (ص 70).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا لبيب (¬1). وقال غيره - ممّن تعرض لشرح كتاب سيبويه -: إنّما يشترط في البدل أن يحلّ محلّ الأول، في العامل خاصة، وأما أن يكون على معناه فلا وقال ابن الضائع (¬2): لو قيل: إنّ البدل في الاستثناء قسم على حدته، ليس من تلك الأبدال، التي بينت في غير الاستثناء؛ لكان وجها وهو الحقّ، وقال - في موضع آخر -: اعلم أنّ البدل في الاستثناء إنما المراعى فيه وقوعه مكان المبدل منه فإذا قلت: ما قام أحد إلا زيد، فـ (إلّا زيد) هو البدل وهو الذي يقع موقع (أحد)، فليس (زيد) وحده بدلا من (أحد) و (إلا زيد) هو الذي نفيت عنه القيام، فـ (إلا زيد) بيان لل (أحد) الذي عنيت. ثم قال - بعد ذلك - «فهذا البدل - في الاستثناء - أشبه ببدل الشيء من الشيء من بدل البعض من الكل. اه. ومذهب الكوفيين أنه معطوف وجعلوا «إلا» من حروف العطف في هذا الباب خاصّة، والحامل لهم على ذلك وجود المخالفة المذكورة قال: فعليه كيف يكون بدلا وهو موجب ومتبوعه منفيّ؟ والعطف توجد فيه المخالفة في المعنى كالمعطوف بـ (بل) و (لكن) فلذا قالوا به. قال الشيخ: وما ذهبوا إليه ممكن خال من التكلف، وقد ردّ القول بالعطف بأنّه: لو كانت (إلّا) عاطفة لم تباشر العامل في نحو: ما قام إلا زيد، وحروف العطف لا تلي العوامل، ذكر ذلك الشيخ وفيه نظر؛ لأنّ لهم أن يقولوا: إنّ (إلّا) التي باشرت العامل، ليست هي العاطفة. وقال المصنف - بعد نقل جواب السيرافي على التخالف (¬3): ويقوّى العطف أن يقول: تخالف الصفة والموصوف كلا تخالف؛ لأنّ نفي الكرم واللّبابة إثبات لضدّهما وليس كذلك تخالف المستثنى والمستثنى منه، فإن جعل «زيد» بدلا من (أحد) إذا قيل: ما فيها أحد إلا زيد يلزم منه عدم النظير؛ إذ لا بدل في غير محلّ - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (296) وفي المساعد لابن عقيل (1/ 560): «رد الإشكال الأول؛ حيث قال: «وذلك لقوة تثبت المستثنى بالمستثنى منه بالأداة؛ إذ معلوم في المثال - ما قام القوم إلّا زيد أن زيدا من القوم، وأنه أوجب له ما نفي عنهم، فاستغني لذلك عن الضمير في أكثر الكلام، وقيل: هو بدل شيء من شيء؛ لأن البدل مجموع (إلا زيد) أي: غير زيد» ا. هـ. (¬2) سبقت ترجمته. (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 282).

[مسألتان في الاستثناء التام]

[مسألتان في الاستثناء التام] قال ابن مالك: (ولا يشترط في جواز نصبه تعريف المستثنى منه، خلافا للفرّاء، ولا في جواز الإبدال عدم الصلاحية للإيجاب خلافا لبعض القدماء). ـــــــــــــــــــــــــــــ النزاع إلّا وتعلق العامل به مساو لتعلقه بالمبدل منه، والأمر في (زيد) و (أحد) بخلاف ذلك، فيضعف كونه بدلا؛ إذ ليس في الأبدال ما يشبهه، وإن جعل معطوفا لم يلزم من ذلك مخالفة المعطوفات، بل يكون نظير المعطوف بـ (لا) و (بل) و (لكن) فكان جعله معطوفا أولى من جعله بدلا. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان: الأولى: أنّ الفراء اشترط في جواز النّصب والإتباع تعريف المستثنى منه بخلاف قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ (¬1) فإنّ الاستثناء فيه من نكرة فيلزم فيه - على مذهب الفراء - الإتباع (¬2). قال المصنف (¬3): ولا حجة له؛ لأنّ النصب هو الأصل، والإتباع داخل عليه، وقد رجح عليه بطلب المشاكلة، فلو جعل بعد ترجيحه عليه مانعا منه لكان ذلك إجحافا بالأصل، فضعف هذا الاعتبار قول الفرّاء. قوله تعالى: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ (¬4) في قراءة النصب، على أن يجعل مستثنى من (أحد) لا من الأهل، تتفق القراءتان في الاستثناء من شيء واحد، ولأنّه قد قيل: إنه قد أخرجها معهم، وقد روى سيبويه عن يونس وعيسى، أنّ بعض العرب، الموثوق بعربيّتهم يقول: ما مررت بأحد إلا زيدا، وما أتاني أحد إلا زيدا، بالنصب بعد النكرة، وهذا ينقض دعوى الفراء (¬5). الثانية: أنّ بعض القدماء، ممن لم يسمّه سيبويه منع الإتباع في كلّ منفيّ، جاز - ¬

_ (¬1) سورة النور: 6، وينظر الكتاب (2/ 312)، والاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 180، 376). (¬2) في معاني الفراء (1/ 243): «وإنما يرفع ما بعد (إلا) بإتباعه ما قبله إذا كان نكرة ومعه جحد كقولك: ما عندي أحد إلا أبوك». اه. وينظر نفس المرجع (2/ 298، 299). (¬3) شرح المصنف (2/ 283). (¬4) سورة هود: 81، وقرأ بالنصب غير ابن كثير وأبي عمرو، ينظر الكشف عن وجوه القراءات (1/ 536). (¬5) ينظر التذييل والتكميل (3/ 547) حيث نقل ذلك عنه ناظر الجيش بتصرف، والمساعد لابن عقيل (1/ 561)، وينظر الكتاب (2/ 319).

[حكم تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه]

[حكم تقدم المستثنى على صفة المستثنى منه] قال ابن مالك: (وإتباع المتوسّط بين المستثنى منه وصفته أولى من النّصب، خلافا للمازني في العكس). ـــــــــــــــــــــــــــــ في لفظ الإيجاب ولم يجوّز فيه إلا النصب على الاستثناء (¬1). نحو: ما أتاني القوم إلا أباك بخلاف: ما جاء أحد إلا زيد؛ لأن الإيجاب لا يصلح فيه، وردّ ذلك سيبويه (¬2). قال المصنف (¬3): وهو بالردّ حقيق، لمخالفته السماع والقياس، فمن السّماع الدالّ على البدل قوله تعالى: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ (¬4) وفَعَلُوهُ يقع في الإيجاب، وأما القياس فإنّه يقتضي جواز البدل أيضا؛ وذلك أنّ المسوّغ للبدل - فيما أجمع على جواز البدل فيه - الصلاحية لحذف المستثنى منه، وإقامة المستثنى مقامه، وذلك موجود - في: «ما أتاني أحد إلّا أبوك» فوجب تساويهما في الحكم بجواز البدل كما تساويا في تضمّن المسوّغ. قال ناظر الجيش: إذا توسط المستثنى، بين المستثنى منه وصفته نحو: ما فيها أحد إلّا زيد خير من عمرو، وما مررت بأحد إلا عمرو خير من زيد؛ فالإتباع عند سيبويه (¬5) والمبرد (¬6) أولى من النصب، ومذهب المازنيّ عكس ذلك: وهو أنّ النصب على الاستثناء أولى من الإتباع، ولهذا قال المصنف: خلافا للمازنيّ في العكس (¬7) والصحيح [3/ 36] ما ذهب إليه سيبويه؛ لأنّ الصفة فضلة، فلا اعتداد - ¬

_ (¬1) في المساعد لابن عقيل (1/ 561): «وهذا المذهب حكاه سيبويه ولم يسمّ القائل به، واستدل قائله بأن الأصل قبل دخول الثاني النصب، فإذا دخل لا يتغير ما كان، وإنما يجوز عندهم الإبدال فيما يصلح للإيجاب نحو: ما جاءني أحد إلا زيد، والسماع يردّ مذهبهم، قرأ الجمهور: ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء: 66]. وحكى يونس عن أبي عمرو أنّ الوجه في اللغة: ما قام القوم إلا عبد الله. بالرفع». اه. (¬2) الكتاب (3/ 312). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 284). (¬4) سورة النساء: 66. ينظر الكشف عن وجوه القراءات (1/ 392) لمكي بن أبي طالب والملخص لابن أبي الربيع (1/ 352). (¬5) ينظر الكتاب (2/ 336). (¬6) ينظر المقتضب للمبرد (4/ 399). (¬7) ينظر شرح المصنف (2/ 284) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 561) تحقيق د/ بركات: «والمشهور عن المازني جواز الوجهين واختيار النصب ... وكذا ابن عصفور في بعض تصانيفه وذكر عنه في بعضها أنه يوجب النصب .. ووجه خلافه أن حكم البدل إذا اجتمع مع الصفة أن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمقدّم عليها، ولأن المستثنى في نحو: ما جاء أحد إلا زيدا، إنما رجح إتباعه على نصبه، ولأنّه إذا أتبع شاكل ما قبله لفظا، فإذا أتبع وبعده صفة متبعة شاكل ما قبله، وما بعده، فكان إتباعه متوسطا أولى من إتباعه غير متوسّط، ووجه ترجيح الإتباع أن الوصف فضلة، فلا اعتداد بالتقدم عليها. قال المبرد: وكان المازنيّ يختار النصب ويقول: إذا أبدلته من شيء فقد طرحته من لفظي وإن كان في المعنى موجودا فكيف أنعت ما قد سقط (¬1). قال المبرد: والقياس عندي قول سيبويه؛ لأنّ الكلام إنّما يراد معناه، والمعنى الصحيح أن البدل والمبدل منه موجودان معا لم يوضعا على أن يسقط أحدهما إلّا في بدل الغلط، فإنّ المبدل منه بمنزلة ما ليس في الكلام (¬2). وقد رجح اختيار المازنيّ بأمرين: أحدهما: أن البدل على نية تكرار العامل، فإذا أبدلت كنت قد فصلت بين الصفة والموصوف بجملة، وإمّا الفصل الثاني بالاستثناء، فيسهله كونه مفردا معمولا لما تقدّم (¬3). الثاني: أنه إذا اجتمعت صفة وبدل قدمت الصفة عليه، والذي يظهر أنّ حكم البدل في باب الاستثناء - ليس جاريا على أحكام البدل في غيره، وتسميته بدلا إنّما هو باعتبار عمل العامل فيه وصحة حلوله محلّ المبدل منه، وبهذا يندفع ما أورده من الإشكالات، ومن أمثلة هذه المسألة: من لي إلّا زيد صديقا، مثّل بها سيبويه (¬4)، فـ (من) مبتدأ و (لي) خبره، وفيه ضمير مرفوع ومنه استثني، و (صديقا) حال منه، والحال صفة في المعنى، فقد تقدّم المستثنى على الصّفة، وتعرض المصنف له في الشرح. ¬

_ - تكون الصفة مقدمة على البدل. اه. (¬1) المقتضب (4/ 399)، تحقيق الشيخ عبد الخالق عضيمة (طبعة المجلس الأعلى). (¬2) المقتضب (4/ 400). (¬3) ينظر الاستغناء في أحكام الاستثناء (ص 212، 214). (¬4) الكتاب (2/ 337).

[مسائل لا يجوز فيها الإتباع على اللفظ]

[مسائل لا يجوز فيها الإتباع على اللفظ] قال ابن مالك: (ولا يتبع المجرور بـ «من» والباء الزائدتين، ولا اسم «لا» الجنسيّة إلّا باعتبار المحلّ) (¬1). - قال ناظر الجيش: كلامه واضح، ومثال الأول: (¬2) ما فيهما من أحد إلا زيد. ومثال الثاني: (¬3) ليس زيد بشيء، إلا شيئا لا يعبأ به. ومثال الثّالث (¬4): لا إله إلّا الله، رفعت البدل من (أحد) لأنه في موضع رفع بالابتداء ولم تحمله على اللفظ فتجرّه؛ لأنه معرفة موجبة و (من) الزائدة لا تجر إلّا منكرا غير موجب. وخلاف الكوفيين والأخفش في ذلك معروف (¬5)، وتقرير المصنف إنما هو على مذهب سيبويه وجمهور البصريين، ونصب أيضا المبدل من (شيء)؛ لأنّه في موضع نصب بـ (ليس) ولم يحمله على اللفظ فيجره؛ لأنّه خبر موجب ولا عمل للباء (الزائدة) (¬6) في خبر موجب (¬7)، ورفعت البدل من اسم (لا)؛ لأنّه في موضع رفع بالابتداء، ولم تحمله على اللفظ فتنصبه؛ لأنّه معرفة موجب، وكذا لو كان ما بعد (إلّا) نكرة نحو: لا رجل في الدار إلّا رجل من بني تميم؛ لأنّ (لا) لا تعمل إلّا في منكّر منفي ومن الإتباع على محله المجرور بالباء قول الشاعر - أنشده سيبويه -: 1687 - يا ابني لبينى لستما بيد ... إلّا يدا ليست لها عضد (¬8) ونقل الشيخ عن الشلوبين قال: إن قلت: كيف يكون (عبد الله) في قولك: - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 102). (¬2) المجرور بـ (من) الزائدة. (¬3) المجرور بـ (الباء) الزائدة. (¬4) اسم (لا) الجنسية. (¬5) ينظر الهمع (1/ 224، 225) والمساعد لابن عقيل (1/ 562). (¬6) ما بين القوسين من الهامش. (¬7) خلافا للأخفش فإنه يجيز دخول «من» في الخبر الموجب، وغير الموجب على النكرة والمعرفة، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 549). (¬8) البيت من الكامل وينسب لطرفة بن العبد وأوس بن حجر، الشاعرين الجاهليين. وينظر الكتاب (2/ 317). لبينى: اسم امرأة، وبنو لبينى من بني أسد بن وائلة، أي فأنتما - في الضعف - كيد بطل عضدها. والشاهد فيه: نصب ما بعد (إلا) على البدل من موضع المجرور بالباء؛ لأن موضعه نصب، وهو في ديوان طرفة (ص 45) - وديوان أوس بن حجر (ص 21)، والكتاب (2/ 317)، ومعاني الفراء (2/ 201، 416)، والتصريح (1/ 315)، والتذييل (3/ 549) ويروى: أبني لبينى لستم بيد ... ...

[إتباع المستثنى المنقطع عند بني تميم]

[إتباع المستثنى المنقطع عند بني تميم] قال ابن مالك: (وأجاز بنو تميم إتباع (¬1) المنقطع المتأخر إن صحّ إغناؤه عن المستثنى منه وليس من تغليب العاقل على غيره فيختصّ (¬2) بأحد وشبهه خلافا للمازنيّ) (¬3). - لا أحد فيها إلّا عبد الله بدلا من (أحد) وأنت لا يمكنك أن تحلّه محلّه؟ فالجواب: أنّ هذا إنما هو على توهّم: ما فيها من أحد إلّا عبد الله فالمعنى واحد وهذا يمكن فيه الإحلال وتقديره: ما فيها إلّا عبد الله (¬4)، ثمّ قال (¬5): قال ابن عصفور: وهذا الإشكال الذي ذكره لا يتقرر في المسألة وإذا لم يتقرر ولم يحتج إلى الانفصال عنه من جهة أنّه لا يلزم أن يحلّ إلّا عبد الله محل (أحد) الواقع بعد (إلّا)؛ لأنّ البدل إنّما يلزم أن يكون على نيّة تكرار العامل، وقد حصل ذلك في هذه المسألة وأمثالها ألا ترى أنّ (عبد الله) بدل من موضع لا أحد، فيلزم أن يكون العامل فيه الابتداء، كما أنّ العامل في موضع (لا أحد) الابتداء ولا شكّ أنك إذا أبدلته منه كان مبتدأ في التقدير وخبره محذوف، وكذلك حرف النّفي لدلالة ما قبله عليه والتقدير: لا أحد فيها، لا فيها إلّا عبد الله ثمّ حذف ذا واختصر (¬6)، والّذي ذكره ابن عصفور غير ظاهر؛ لأنّه لو كان الأمر كما زعم لصحّ البدل مع الإيجاب في نحو: قام القوم إلّا زيدا، لصحة تقدير العامل، وهم قد منعوه، معللين ذلك بعدم صحّة حلول الثاني محلّ الأول، فدل ذلكّ على أنّه مشترط، وأمّا قوله (¬7): إن البدل المذكور مبتدأ، وخبره محذوف، وكذلك حرف النّفي لدلالة ما قبله عليه فبعيد جدّا، وما قرره أبو علي الشلوبين فظاهر، لا غبار عليه. قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام على المتّصل بالنسبة إلى الإتباع شرع في المنقطع بالنسبة إليه أيضا واستغنى عن إعادة ذكر بعض الشروط ليكون الكلام الّذي - ¬

_ (¬1) في التسهيل (ص 102): (انقطاع) والأولى (إتباع) كما هنا. (¬2) بالمرجع السابق فيخص، فيختص، والتعبيران يستويان. (¬3) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 549). (¬5) أي: الشيخ (أبو حيان). (¬6) التذييل والتكميل (3/ 549). (¬7) يعني: ابن عصفور. ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (3/ 549).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو فيه ليس موجبا ونحوه ممّا تقدم وأمّا المتأخّر فذكره هنا وفهم من قوله: وأجاز بنو تميم أنّ الحجازيين يوجبون نصبه وشرط الإتباع عند التميميين أن يستقيم حذف المستثنى منه ويستغنى عنه بالمستثنى وإليه الإشارة بقوله: إن صحّ إغناؤه عن المستثنى منه فلو لم يصح الإغناء وافق التميميون الحجازيين (¬1)، وقد تقدّم في المبحث التاسع من المباحث السابقة أنّ المنقطع قسمان: قسم يتصور فيه الاتصال على جهة المجاز، وقسم لا يتصور فيه الاتصال على حال [3/ 37]. وأنّ اللغة الحجازية والتميمية بنيت على القسمين، وتقدّم تقدير جهة المجاز في ذلك فقول المصنف: إن صحّ إغناؤه ... إلخ، هو عبارة عن القسم الّذي ذكروا أنّه يتصور فيه الاتصال لأنّ مراد المصنّف أن يصحّ معه تفريغ ما قبل (إلّا) لما بعدها، فإن صحّ جاءت (¬2) اللغة التميمية وإلّا فلا، ومتى تصوّر التفريغ عاد الاستثناء متصلا لما تقدّم أنّ التفريغ من قبيل المتّصل وإنما عدل المصنّف إلى هذه العبارة دون تلك؛ لأنّه لم يقرر في المنقطع ما قرره غيره من انقسامه إلى قسمين، وقد تقدّم التنبيه عليه، وتقدمت الإشارة أيضا في المبحث الثامن إلى عدة أمثلة من الاستثناء المنقطع إلّا أنّه لم يفصل فيها بين ما يصحّ إغناء المستثنى عن المستثنى منه، وما لا يصحّ، والغرض الآن التمييز بينهما. فمن أمثلة الأول، وهو ما يجوّز التميميون فيه الإتباع كما هو في المتصل لوجود الشرط: ما فيها أحد إلا حمار، ومنها قول الشاعر: 1688 - وبلدة ليس بها أنيس ... إلّا اليعافير وإلّا العيس (¬3) - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 551)، والأشموني (2/ 147). (¬2) في تسهيل الفوائد (ص 102) أي: صح إغناؤه عن المستثنى منه. (¬3) عامر بن الحارث النميري المعروف بجرّان العود، والبيت من أرجوزة له، وهكذا يرويه النحاة من سيبويه إلى اليوم ولكن الرواية في ديوانه هكذا: قد ندع المنزل يا لميس ... يعتس فيه السبع الجروس الذئب أو ذو لبد هموس ... بابا ليس به أنيس إلا اليعافير وإلا العيس ... ويقر ملمع كنوس الأنيس: من يؤنس، واليعافير: جمع يعفور وهو ولد الظبية، وولد البقرة الوحشية. والعيس: إبل بيض يخالط بياضها شقرة جمع (أعيس) وهو من شواهد سيبويه (1/ 263)، (2/ 322)، والمقتضب (2/ 319، 347، 4/ 414)، وشرح المفصل (2/ 80، 117). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 1689 - وبنت كريم قد نكحنا ولم يكن ... لنا خاطب إلّا السّنان وعامله (¬1) قال المصنّف (¬2): ويلحق بهذا إتباع أحد المتباينين الآخر نحو: ما أتاني زيد إلّا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلّا إخوانه، وهما من أمثلة سيبويه والأصل: ما أتاني أحد إلّا عمرو، وما أعانه أحد إلّا إخوانه، فجعل مكان (أحد) بعض مدلوله وهو (زيد) و (إخوانكم)، ولو لم يذكر لدخلا فيمن نفى عنه الإتيان والإعانة، لكن ذكرا توكيدا لقسطهما من النّفي، ودفعا لتوهّم المخاطب لو لم يعترض له هذا الذي أكّد به واستشهد سيبويه بقول الشاعر: 1690 - والحرب لا يبقى لجا ... حمها التّخيّل والمراح إلّا الفتى الصبّار في الن ... نجدات والفرس الوقاح (¬3) ويقول الآخر: 1691 - عشية لا تغني الرماح مكانها ... ولا النّبل إلّا المشرفيّ المصمّم (¬4) - ¬

_ - الشاهد فيه: رفع (اليعافير، والعيس) على أنهما بدلان من قوله: (أنيس) مع أنهما ليسا من جنس الأنيس أي الذي يؤنس، ويرى سيبويه أن هذا من الاستثناء المتصل على التوسع في المستثنى منه أو في المستثنى. (¬1) البيت من الطويل، وقائله الفرزدق. ينظر ديوان الفرزدق (ص 737)، وشرح الأشموني (2/ 147)، والتذييل والتكميل (3/ 555). والشاهد فيه: كالذي قبله فقد رفع - هنا - (السنان) والمعطوف عليه (عامله) مع أنهما ليسا من جنس (خاطب) حتى يسوغ البدل. (¬2) شرح التسهيل (2/ 286). (¬3) البيتان من مجزوء الكامل وهما لسعد بن مالك بن ضبيعة. اللغة: جاحم الحرب: معظمها وأشدها، والتخيل: الخيلاء والكبر، والمراح: اللعب والمرح، والنجدات: الشدائد، والفرس الوقاح: الصلب الحافر. وقد استشهد بهما سيبويه على إبدال (الفتى) من (التخيل) والمراح) على سبيل الاتساع والمجاز، أو على سبيل أنه أراد أنه لا يبقى إلا الفتى الصبار ولكنه ذكر (التخيل، والمراح) توكيدا. ينظر: الكتاب (2/ 324)، وديوان الحماسة (2/ 392). (¬4) البيت من الطويل وقائله ضرار بن الأزور، الصحابي، من قصيدة قالها في يوم الردة. اللغة: النبل: السهام، المشرفي: المنسوب إلى مشارف الشام، المصمم: الذي يمضي في العظم ويقطعه. والشاهد فيه: إبدال (المشرفي) و (النبل) على سبيل الاتساع والمجاز، أو أنه أراد: لا يعني إلا المشرفي المصمم ولكنه ذكر الرماح والنبل توكيدا، وهو في الخزانة (2/ 5)، والكتاب (2/ 325)، والعيني (3/ 109)، والأشموني (2/ 147).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعل المصنف من ذلك قوله تعالى: ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ (¬1) حتّى قال: إنّهم يقرؤون ذلك بالرّفع، إلّا من لقّن النّصب، وابن عصفور جعل هذه الآية من القسم الّذي لا يتصوّر فيه الاتصال (¬2)، ومقتضى كلام المصنّف عكس ذلك (¬3). وأما أمثلة القسم الثّاني، وهو الّذي لا يصحّ فيه إغناء المستثنى عن المستثنى منه فمنها قولهم: ما زاد إلّا ما نقص وما نفع إلّا ما ضرّ، ففي (زاد)، (ونفع) ضميران فاعلان والمعنى: لكنّه نقص، ولكنّه ضرّ، وما مصدرية، وتقديره: إلّا النقص وإلّا الضّرّ. وزعم السيرافي أنّ المصدر المقدّر مبتدأ محذوف الخبر، كأن قال: ما زاد النّهر لكن النقصان أمره، وما نفع زيد لكنّ الضرّ شأنه. وأقول: هذا منه إن لم يكن قصد به تفسير المعنى، كان على رأي من جعل إلّا في المنقطع قامت مقام لكن لفظا، وينصب ما بعدها بها نفسها، وقدّر لها خبرا محذوفا، وقد تقدّم الكلام عليه وجعل الشّلوبين (ما زاد إلّا ما نقص) من قبيل المتّصل، وقال: المصدر هنا مفعول به حقيقة والعامل فيه (زاد) وتقديره: ما زاد شيئا إلّا النقصان، ثمّ حذف شيئا وفرّغ زاد لما بعد (إلّا)، وردّ بأنّ النقصان لا نسبة بينه وبين الزّيادة، وكذلك لا نسبة بين الضّرّ والنّفع وفيه نظر، ومنها أيضا قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ (¬4). قال المصنّف (¬5): مَنْ رَحِمَ لا يجوز فيه الإتباع؛ لأنّ الاستغناء به عمّا قبله ممتنع إلّا بتكلّف، وأقول: هذا الذي قرّره على أحد الأوجه المتقدمة وهو: لا عاصم إلّا المرحوم ومنها قول الشاعر: 1692 - ألا لا مجير اليوم ممّا قضت به ... صوارمنا إلّا امرأ [دان] مذعنا (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 157. (¬2) المقرب لابن عصفور (1/ 171). (¬3) ينظر: الكتاب (2/ 326). (¬4) سورة هود: 43. (¬5) شرح التسهيل (2/ 287). (¬6) لم ينسب البيت لقائل معين، ولم أهتد إلى قائله، والبيت من الطويل. اللغة: الصوارم: جمع صارم وهو السيف القاطع، والرجل الصارم: الجلد الشجاع. والشاهد في البيت: وقوع (امرأ) مستثنى من مجير، وهو استثناء منقطع؛ لأن المرء المذعن لا يكون مجيرا والاستثناء في صورته هذه لا يمكن استغناؤه منه. ينظر: التذييل والتكميل (3/ 553)، وفي الملخص لابن أبي الربيع (1/ 363) ما لا يتصور فيه الاتصال بمجاز، فلا يكون فيه إلا النصب ومنه قوله تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ إذا كان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنّف (¬1): وزعم الزمخشريّ أنّ قوله تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ (¬2) استثناء منقطع جاء على لغة تميم؛ لأنّ الله تعالى وإن صحّ الإخبار عنه بأنّه في السّموات والأرض فإنما ذلك على سبيل المجاز؛ لأنّه مقدّس عن الكون في مكان، بخلاف غيره، فإنّ الإخبار عنه بأنّه في السّماء أو في الأرض ليس مجازا، وإنمّا هو حقيقة ولا يصحّ حمل اللّفظ في حال واحد على الحقيقة والمجاز (¬3). قال المصنف (¬4): والصحيح عندي أنّ الاستثناء في الآية متّصل و (فى) متعلقة بغير (استقرّ) من الأفعال المنسوبة حقيقة إلى الله تعالى وإلى المخلوقين (ذكر) ويذكره فكأنّه قيل: لا يعلم من يذكر في السموات والأرض الغيب إلّا الله، ويجوز تعليق (فى) بـ (استقرّ) مسند إلى مضاف حذف وأقيم المضاف إليه مقامه، والأصل: لا يعلم من استقرّ ذكره في السموات والأرض الغيب إلّا الله، ثمّ حذف الفعل والمضاف واستتر المضمر لكونه مرفوعا، هذا على تسليم امتناع إرادة الحقيقة والمجاز في حالة واحدة، وليس عندي ممتنعا لقولهم: القلم أحد اللسانين، والخال أحد الأبوين، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ (¬5) وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الأيدي ثلاث: يد الله ويد المعطي ويد السائل». انتهى. وجعله (فى) متعلّقة بغير (استقرّ) أو بـ (استقرّ) مسند إلى مضاف، إلى ضمير (من) فيه نظر لا يخفى وقد فهم من قول المصنّف: وبنو تميم لا يوجبون الإتباع (¬6)، قال الشيخ: «بل الأفصح عندهم النّصب، وأمّا البدل فهو ضعيف وعلّل ضعفه بأنّه لا يتصوّر إلّا على تأويل (¬7) وجعل قول المصنّف: «إنّ بني تميم يقرؤون ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [3/ 38] بالرفع إلّا من لقّن النصب مخالفا لما حكي، قلت: قد تقدّم من كلام المصنّف أنّ النصب في المنقطع إمّا - ¬

_ - (من رحم) بمعنى المرحوم، والعاصم على ظاهره فإن كان (عاصم) بمعنى ذا عصمة أي على إرادة النسب أو يكون (من رحم) بمعنى الراحم فيصير متصلا، وعلى هذا التوجيه يكون (من رحم) في موضع رفع بالبدل من (عاصم) والتقدير: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم إلا الراحم وهو الله». اه. (¬1) شرح التسهيل (2/ 288). (¬2) سورة النمل: 65. (¬3) الكشاف (3/ 156). (¬4) شرح التسهيل (2/ 288). (¬5) سورة الأحزاب: 56. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 553). (¬7) سورة النساء: 157.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ راجح، أو واجب ورجحانه إنّما هو في لغة التميميين؛ لأنّ الحجازيين هم الذين يوجبون النّصب (¬1)، فعلم من هذا أنّ النّصب هو الأرجح عندهم، والبدل مرجوح. وزعم المازنيّ: أنّ إتباع المنقطع من تغليب ما يعقل على ما لا يعقل. قال ابن خروف: وهو فاسد؛ لأنّه لا يتوهّم ذلك [محصورا] في لفظ واحد والّذي يبدل منه في هذا الباب - وليس لفظ (أحد) - أكثر من أن يحصى (¬2). قال ابن عصفور: وزعم المازنيّ أنّ وجه البدل - أي: في المنقطع - أن يكون أطلق (الأحد) على (الأحد) وغيره؛ لأنّه لما يعقل فلمّا اجتمع مع ما لا يعقل، أطلق عليهما تغليبا (¬3) وعلى ذلك يحمل قوله: 1693 - ليس بها أنيس ... إلّا اليعافير ... (¬4). لأن الأنيس لمن يعقل، ثمّ غلّبه وذلك فاسد؛ لأنّه لا يطرد في المنقطع ولا يسوغ له ذلك، في مثل قول الشاعر: 1694 - ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلى وضرب الرقاب (¬5) لأنّ (عتاب) لا يقع على من يعقل حتّى يقال فيه بالتغليب، وقد أبدلت (غير) المضافة إلى الطّعن والضّرب من (عتاب)، والطعن والضّرب ليسا من العتاب. قال الشيخ: والحكم المذكور للمستثنى المنقطع على اللّغتين ثابت إن كان الاستثناء بلفظ (إلّا) أو (غير)، وإن كان الاستثناء بأداة غير لفظ (غير، إلّا) كان حكم المستثنى حكمه إذا كان الاستثناء متّصلا (¬6)، ومن الاستثناء المنقطع بأداة غير (إلّا وغير) قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 556)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 214)، وأبو عثمان المازني (ص 150). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 557)، والعبارة بنصها في المساعد (1/ 563، 564). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 214). (¬4) سبق تخريجه. والشاهد فيه هنا: أن (اليعافير والعيس) من الاستثناء المنقطع الذي ليس بعض الأول ولا ملابسا له. (¬5) البيت من بحر الخفيف وهو لعمر بن الأيهم التغلبي. ينظر الكتاب (2/ 323)، والمقتضب (4/ 413)، وشرح المفصل (2/ 80). (¬6) التذييل والتكميل (3/ 575)، والمساعد لابن عقيل (1/ 564).

[جواز الإتباع على الاسم الظاهر أو ضميره]

[جواز الإتباع على الاسم الظاهر أو ضميره] قال ابن مالك: (وإن عاد ضمير قبل المستثنى بـ «إلّا» الصالح للإتباع على المستثنى منه العامل فيه ابتداء، أو أحد نواسخه أتبع الضمير جوازا، وصاحبه اختيارا، وفي حكمهما المضاف إليه في نحو: ما جاء أخو أحد إلّا زيد). ـــــــــــــــــــــــــــــ 1695 - لم ألف بالدّار ذا نطق سوى طلل ... قد كاد يعفو وما بالعهد من قدم (¬1) وعلى هذا القول: ما بالدّار أحد ليس حمارا، أو لا يكون حمارا، أو عدا حمارا، أو عدا حمار، وكذا باقي الأدوات، وهذا الّذي أشار إليه الشيخ، يؤخذ من كلام المصنّف في الكتاب فإنّه قد نصّ على حكم المستثنى بغير (إلّا وغير) من الأدوات، وأنّه إمّا مجرور أو منصوب، وأمّا (إلّا) فهي المقصودة بالكلام عليها من أول الباب إلى هنا، وأمّا كون حكم (غير) في المنقطع (إلّا) فقد ذكر المصنف في الفصل الأخير أنّ (غيرا) مستثنى بها، فتجرّ المستثنى، وتكون هي معربة بما له بعد (إلّا) فعمّ الحكم بذلك في المنقطع وغير المنقطع، ولهذا لمّا ذكر حكم الإتباع قال: فإن كان المستثنى بـ (إلّا) متّصلا ... إلى آخره، ولم يذكر (غير) مع أنّ الحكم فيهما واحد اعتمادا على ما ذكره في فصل (غير) كما نبّه عليه. واعلم أنّه تقدّم من كلام الشيخ - في اعتراضه على المصنّف - أنّ الأفعال لا يستثنى بها المنفصل (¬2)؛ كـ (خلا) وأختيها، وهاهنا قد مثّل بالأفعال في المنقطع، فينبغي أن يتأمل ما أورده. قال ناظر الجيش: اعلم أنّ كلّ مسألة تقدّم فيها على المستثنى اسمان أحدهما ظاهر معمول للابتداء (¬3) أو لأحد نواسخه (¬4) والآخر مضمر واقع في خبر ذلك - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو لقائل مجهول. اللغة: لم ألف: لم أجد. والطلل: ما شخص من آثار الدار، يعفو: يدرس. والشاهد فيه: مجيء الاستثناء بأداة غير لفظ (إلا) و (غير) وهي (سوى). ينظر العيني (3/ 119)، والتذييل والتكميل (3/ 553). (¬2) وفي المساعد لابن عقيل (1/ 564): «ولا يستثنى بالفعل فيه - أي في المنقطع - فلا يقال: ما في الدار أحد ليس حمارا». اه. (¬3) مثال ذلك: ما أحد يقول ذلك إلا زيد. (¬4) مثال ذلك: ما حسبت أحدا يقول ذلك إلا زيدا، وما كان أحد يجترئ عليك إلا زيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الظاهر أو في صفته، وهو عائد عليه، يجوز للمتكلم أن يبدل ذلك المستثنى من أيّهما شاء، وذلك نحو: ما أحد يقول ذلك إلّا زيد، وما حسبت أحدا يفعل ذلك إلّا زيد، وما كان أحد يجترئ عليك إلّا زيد، فلك أن تجعله تابعا في تلك الأمثلة، لما عاد إليه المضمر من المبتدأ، أو المفعول الأول لـ (حسبت)، فيكون إعرابه على حسب إعراب متبوعه (¬1)، ولك أن تجعله تابعا للمضمر العائد من خبر المبتدأ، أو المفعول الثاني أو خبر (كان) (¬2)؛ لأنّ العامل في الضمير خبر ما دخل النّفي عليه، وإذا دخل نفي على ذي خبر فالخبر هو المنفيّ، فهذه أمثلة الضمير واقعا في الخبر. وأمّا أمثلته واقعا في الصّفة نحو: ما فيهم أحد اتّخذت عنده يدا إلّا زيدا، فيجوز في زيد الرّفع إتباعا للمبتدأ، والخفض إتباعا للضّمير الواقع في صفته؛ لأنّ المعنى ما اتخذت عند أحد يدا إلّا زيد، وكذا ما ظننت فيهم أحدا يقول ذلك إلّا زيدا، وما كان فيهم أحد يفعل ذلك إلّا زيد، وإتباع الظاهر المخبر عنه أو الموصوف في الصّور المذكورة أولى من إتباع المضمر؛ لأنّ المسوّغ للإتباع هو النّفي، وهو أقرب إلى الظاهر منه إلى المضمر (¬3). قال سيبويه - بعد أن مثّل بقوله: ما علمت أحدا يقول ذلك إلّا زيدا -: وإنّما اختير النصب هنا؛ لأنّهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه وأن لا يكون إلّا من منفيّ، والمبدل منه منصوب منفيّ، ومضمره مرفوع فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلا منه؛ لأنّه هو المنفيّ، وهذا وصف أو خبر، وقد تكلّموا بالآخر؛ لأنّ معناه النّفي، إذا كان وضعا لمنفي، كما قالوا: عرفت زيدا أبو من هو، كما ذكرت لك؛ لأنّ معناه معنى المستفهم منه. انتهى (¬4). فلو كان الضمير العائد في غير خبره، وغير صفة مخبرا عنه، امتنع إتباعه ولزم إتباع الظّاهر كقولك: ما شكر رجل أكرمته إلّا زيد، وما مررت بأحد أعرفه إلّا - ¬

_ (¬1) أي: يكون بدلا منه على حسب إعرابه؛ لأن المسوغ للإتباع هو النفي، وهو أقرب إلى الظاهر منه إلى المضمر وهو المختار. ينظر التذييل والتكميل (3/ 558). (¬2) فيكون بدلا منه؛ لأن النفي متوجه عليه من جهة المعنى. ينظر التذييل والتكميل (3/ 558). (¬3) قال أبو حيان: «... ومن صفة اسم كان عليه ومثال ذلك: ما فيهم أحد اتخذت عنده يدا إلا زيد، وما ظننت فيهم أحدا يقول ذلك إلا زيد، وما كان فيهم أحد يقول ذلك إلا زيد فحكم هذه المسائل في الصفة حكمها في الخبر، فالأولى الإبدال من الظاهر، ويجوز الإبدال من المضمر». اه. التذييل والتكميل (3/ 558). (¬4) الكتاب (2/ 314).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرو؛ لأنّ المعنى: ما شكر ممّن أكرمته إلّا زيد، وما مررت ممّن أعرفهم إلّا بعمرو، فلا أثر للنفي في (أكرمت) ولا في (أعرف) بل هما مثبتان، فلذلك امتنع إتباع معمولهما وقد عرف هذا من اشتراط المصنّف في العائد عليه الضمير أن يكون معمولا للابتداء، ولأحد نواسخه. قال سيبويه: وتقول: ما ضربت أحدا يقول [3/ 39] ذلك إلّا زيدا، لا يكون في ذلك إلّا النّصب؛ وذلك لأنّك أردت في هذا الموضع أن تخبر بوقوع فعلك ولم ترد أن تخبر أنّه ليس يقول ذلك إلّا زيد، ولكنّك أخبرت أنّك ضربت ممّن يقول ذلك زيدا. انتهى (¬1). وهذا الحكم المذكور من جواز إتباع الظّاهر والمضمر ليس خاصّا بالمتّصل بل هو جار في المنقطع أيضا وهو غنيّ عن الأمثلة (¬2)، وعلى الانقطاع جاء قول الشاعر إلّا أنّه أتبع الضمير - أنشده المصنّف وهو من إنشادات سيبويه أيضا -: 1696 - في ليلة لا ترى بها أحدا ... يحكي علينا إلّا كواكبها (¬3) فـ (كواكبها) بدل من فاعل (يحكي)، (ترى) بمعنى: تعلم فـ (يحكي) وقعت مفعولا ثانيا لها، ومعنى (يحكي علينا): يخبر عنّا، وقبله: 1697 - ما أحسن الجيد من مليكه وال ... لبّات إذ زانها ترائبها (¬4) يا ليتني ليلة إذ هجع النّاس ... ونام الكلاب صاحبها وإنما قيّد المصنّف المستثنى بـ (إلّا) ليخرج ما سوى (إلّا) و (غير) من بقيّة الأدوات، كما تقرّر أنّ ما سواهما ينصب المستثنى أو يجرّه، ثمّ خصّ (إلّا) بالذّكر، وأمّا (غير) فيأتي في كلامه أنّ لها حكم ما بعد إلّا من الإعراب، كما تقدّم، وعلى هذا تقول: ما أظنّ أحدا يفعل ذلك غير زيد، نصبا ورفعا. قال - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 314). (¬2) في المساعد لابن عقيل (1/ 565): «وشمل كلامه الاستثناء المنقطع أيضا، نحو: ما أحد يقيم بدارهم إلا الوحش». (¬3) البيت من المنسرح، وقائله عدي بن زيد شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته. ينظر الكتاب (2/ 212)، وديوان عدي بن زيد (ص 194)، وشرح التسهيل (2/ 289)، والمقتضب للمبرد (4/ 402)، والخزانة (2/ 180). (¬4) الجيد: العنق، اللبات: جمع لبة: النحر، والترائب: عظام الصدر، والهجوع: النوم ليلا، وقائل البيتين عدي بن زيد وهما من المنسرح كالبيت السابق.

[مجيء المستثنى متبوعا، والمستثنى منه تابعا]

[مجيء المستثنى متبوعا، والمستثنى منه تابعا] قال ابن مالك: (وقد يجعل المستثنى متبوعا، والمستثنى منه تابعا). ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّيخ: واحترز المصنّف بقوله: قبل المستثنى من أن يكون الضمير العائد بعده فإنّه لا يتصوّر فيه ذلك نحو: ما أحد إلّا زيدا يقول ذلك، فهذا لا يكون فيه إلّا النّصب على الاستثناء، ولا يجوز أن يكون مبدلا من الضّمير في (يقول). اه (¬1). وقيّد المصنّف المستثنى بصلاحيته للإتباع تنبيها منه على أنّه لا بدّ أن يتقدّمه نفي أو ما يجري مجراه ليوجد شرط الإتباع فيصحّ، وإنما احتاج إلى هذا القيد؛ لأنّ عبارته ليس فيها إشعار باشتراط ما ذكره ولا بدّ منه، فاكتفى عن ذلك بوصفه المستثنى بالصّلاحية للإتباع؛ لأنّه يعلم منه اشتراط ألّا يكون الكلام موجبا، إذ لو كان موجبا لم يصلح المستثنى للإتباع لما قد عرفته (¬2). وقد ذكر الشيخ أنّ المصنّف احترز بذلك من أن يكون المستثنى منقطعا لا يمكن توجيه العامل عليه (¬3)، وتكلّف في تمثيله (¬4)، وجعل اشتراط النّفي وما جرى مجراه مستفادا من قوله: أتبع أو نحو ذلك، وفيه بعد، وما تقدّم أسهل منه وأقرب وقوله: وفي حكمهما المضاف والمضاف إليه أي في حكم الظّاهر والمضمر المتقدّم ذكرهما المضاف والمضاف إليه في المثال المذكور فلك أن تقول: ما جاء أخو أحد إلّا زيد بالرّفع مبدلا من المضاف، والخفض مبدلا من المضاف إليه كما قلت: ما فيهم أحد اتّخذت عنده يدا إلا زيد، وإلّا زيد (¬5) ويحتاج توجيه جواز الخفض في الإضافة إلى فضل تأمّل (¬6). قال ناظر الجيش: قد علم ممّا تقدّم أنّ حكم المستثنى إذا قدّم النّصب، فأشار هنا إلى أنّه قد يقدّم في غير الإيجاب فلا ينصب، وإنما يتوافق مع ما بعده في الإعراب. وقد أشار إلى ذلك سيبويه قال: حدّثنا يونس أنّ بعض العرب الموثوق بهم يقولون: ما لي إلّا أبوك أحد؛ فيجعلون (أحد) بدلا، كما قالوا: ما مررت - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 560)، والمساعد لابن عقيل (1/ 565). (¬2) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 566). (¬3) التذييل والتكميل (3/ 560). (¬4) فمثل بقوله: ما أحد ينفع إلا الضرّ، وما مال يزيد إلا النقص، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 560). (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 561). (¬6) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 566).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمثله أحد، فجعلوه (¬1) بدلا. اه. وأنشد المصنف على ذلك قول حسّان رضي الله عنه: 1698 - لأنّهم يرجون منه شفاعة ... إذا لم يكن إلّا النّبيّون شافع (¬2) قال: وأنشد الفرّاء (¬3): 1699 - مقزّع أطلس الأطمار ليس له ... إلّا الضّراء، وإلّا صيدها نشب (¬4) وأنشد الكوفيّون: 1700 - رأت إخوتي بعد الولاء تتابعوا ... فلم يبق إلّا واحد منهم شفر (¬5) ولابن عصفور في هذه المسألة خبط؛ فتارة أجازها، وتارة جعل ذلك ضرورة وتارة جعله مذهب الكوفيين (¬6). ونقل الشيخ أيضا عن بعض النّحاة أنّ مذهب البصريّين في المستثنى إذا قدّم على المستثنى منه النصب خاصة (¬7)، وجعلها الشيخ - ¬

_ (¬1) فيكون المعنى - على الرفع -: ما جاء إلا زيد، وعلى الخفض: ما جاء إلا أخو زيد، ينظر: الكتاب (2/ 337)، والتذييل والتكميل (3/ 562)، والمساعد (1/ 567). (¬2) البيت من بحر الطويل من قصيدة يمدح بها حسان النبي صلّى الله عليه وسلّم. والشاهد فيه قوله: «إذا لم يكن إلا النبيون شافعا»؛ حيث رفع المستثنى المتقدم (النبيون) والقياس نصبه، ينظر: ديوان حسان (152)، والعيني (3/ 114)، والهمع (1/ 225)، والتصريح (1/ 355). (¬3) معاني الفراء (1/ 168). (¬4) البيت لذي الرمة، وفي وصف صائد، من البسيط من قصيدة بائية طويلة مشهورة له. المقزع: الخفيف الشعر، الأطلس: الأغبر، الأطمار: واحدها الطمر وهو الثوب الخلق، والضراء واحدها ضرو: الكلب الضاري، والنشب: المال. والشاهد في قوله: «إلا الضراء وإلا صيدها نشب»؛ حيث قدم المستثنى مرفوعا على المستثنى منه، والبيت في ديوان ذي الرمة (ص 24)، ومعاني الفراء (1/ 168). (¬5) لم يعين قائله، وهو من الطويل، وقد أنشده يونس والفراء، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 563). شفر: بمعنى أحد، لا يستعمل إلا في النفي. والشاهد فيه: جعل المستثنى متبوعا، ولذلك رفع مع تقدمه، والمستثنى منه تابعا وقيل: إنه رفع - مع تقدمه - على مذهب البغداديين أو على مذهب الكوفيين. ينظر الهمع (1/ 225)، والدرر (1/ 192)، واللسان مادة «شفر». (¬6) في المساعد لابن عقيل (1/ 567): «قال ابن عصفور فيه مرة: إنه من القلة بحيث لا يقاس عليه، ومرة: إنه لغية ضعيفة، وأجازه الكوفيون، كما نقل ابن عصفور، والبغداديون كما نقل ابن إصبع». اه. (¬7) التذييل والتكميل (3/ 564).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسألة خلاف، وطوّل الكلام فيها، وكلّ هذا مضادّ منه؛ لكلام سيبويه، ولما نقله عن العرب الموثوق بهم. وعلّل ابن عصفور المنع فقال: يجوز الرفع على الفاعلية وجعل (أحد) بدلا منه، يعني في: ما قام إلّا زيد أحد، قال: لأنّ (أحد) أعمّ من (إلّا زيد) والأعمّ لا يبدل من الأخصّ، وقال في موضع آخر: وقد يجوز ذلك على وضع العامّ موضع الخاصّ، فيكون من بدل الشيء من الشيء، إلّا أنّه لا يجوز ذلك إلا في ضرورة، مثل: 1701 - ... فلم يبق إلا واحد منهم شفر (¬1) ونقل الشيخ عن ابن الضائع كلاما قاله رادّا على ابن عصفور مضمونه أنّ جعل (أحد) و (شفر) - في قولك: ما لي إلّا أبوك أحد، ولم يبق إلّا واحد منهم شفر - بدلا، خطأ؛ لأنّه يلزم منه أن يكون (أحد) و (شفر) مستعملين في الواجب وهو لا يجوز، قال: والوجه أن يقال: إنّه بدل من الاسم مع (إلّا) مجموعين فقدّر العامل: لم يبق شفر (¬2). اه. وهذا منزع نزع إليه ابن الضائع (¬3)، فالمحكوم عليه البدلية في الاستثناء وقد تقدّم عنه في مثل: ما قام أحد إلّا زيد، أنّ البدل من (أحد) هو مجموع (إلّا زيد) (¬4) لا (زيد) وحده، فكذا قال في عكسه وهو: «فلم يبق إلّا واحد منهم (شفر) إنّ (شفر) بدل من (إلّا واحد) لا من (واحد) وحده، وإنمّا ادّعى ذلك هنا أيضا، لئلا يلزم منه استعمال (شفر) في الواجب، ويمكن أن يقال: إنّ تسميته (شفر) بدلا في مثل: «فلم يبق إلّا واحد منهم شفر» إنّما هو باعتبار الأمر اللفظيّ من غير التفات [3/ 40] إلى معناه، ويدلّ على ذلك أنّك إذا قلت: لم يبق منهم شفر إلّا واحد؛ كان (شفر) هو المستثنى منه، وإذا قلت: فلم يبق إلّا واحد منهم شفر؛ كان بمعنى الأوّل إلّا أنّ اللفظ لا يمكن حمله على ذلك؛ إذ لا يتأخّر المبدل منه ويقدّم البدل فادّعى أنّ المؤخّر بدل من المقدّم، وإن كان المعنى على العكس مراعاة للقاعدة في مثله، وإذا كان تسميته بدلا إنما هو باعتبار اللفظ خاصة؛ يلزم ما قاله ابن عصفور من أنّه: كيف تصحّ البدلية في مثل: ما قام إلّا زيد أحد، و (أحد) أعمّ من الأول؟! ولا يحتاج أيضا إلى تأويل ابن الضائع (¬5). ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 199). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 566). (¬3) شرح الجمل لابن الضائع (2/ 219 / ب). (¬4) ينظر: الهمع (1/ 225). (¬5) ينظر في توضيح ذلك: الاستغناء في أحكام الاستثناء (148).

[تقديم المستثنى]

[تقديم المستثنى] قال ابن مالك: (ولا يقدّم دون شذوذ المستثنى على المستثنى منه، والمنسوب إليه معا؛ بل على أحدهما، وما شذّ من ذلك فلا يقاس عليه خلافا للكسائيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: المستثنى جار من المستثنى منه مجرى الصفة المختصّة، من الموصوف بها ومجرى المعطوف بـ (لا) من المعطوف عليه، فكما لا تتقدّمان على متبوعهما، كذا ينبغي أن لا يتقدم المستثنى على المستثنى منه، لكن تقدّم الصفة والمعطوف غير ممكن من جهة أنّ التابع لا يتقدم على المتبوع، بخلاف المستثنى، فلهذا إذا تقدّم أول الكلام ما يشعر بالمستثنى منه ما هو مسند إليه أو واقع عليه جاز تقدمه، نحو: قام إلّا زيدا القوم، وضربت إلّا زيدا القوم، قاله المصنف، فلو لم يتقدم ما يشعر بالمستثنى منه من مسند أو واقع لم يجز التقديم، وإليه الإشارة بقوله: ولا يتقدم دون شذوذ المستثنى على المستثنى منه والمنسوب إليه معا، بل على أحدهما؛ فعلم بذلك أنّه لا يجوز: إلّا زيدا قام القوم، وإلّا زيدا ضربت القوم (¬1). وإنما قال: والمنسوب إليه؛ ليشمل المسند والواقع، وممّا مثّل به المصنف في الجائز التقديم: القوم إلّا زيدا ذاهبون، وأدرجه في التّمثيل مع: (ما قام إلّا زيدا القوم) ولا ينتظم لي تمثيله بـ: القوم إلّا زيدا ذاهبون، مع قوله في المتن: إنّه لا يتقدم المستثنى على المستثنى منه، والمنسوب إليه معا؛ لأنه قدّم عليهما في المثال المذكور، فإنّ المستثنى منه الضمير، وذاهب مسند إليه إلّا أن يقول: قد تقدم ما يشعر بالمستثنى منه وهو القوم؛ لإشعاره بالضّمير من حيث إنّ مدلولهما واحد، وإذا جاز التقديم في مثل: قام إلّا زيدا القوم لتقدّم (قام) المشعر بالمسند إليه من حيث هو مسند، جاز: القوم إلّا زيدا ذاهبون، من طريق أولى، لكن ينكر عليه كونه قيّد المشعر المتقدم بكونه مسندا إلى المستثنى منه أو واقعا عليه، ولو أطلق فقال: إذا تقدم ما يشعر به كان المثال المذكور مندرجا تحت الإطلاق. ونحن نتذكر أحوال التقديم لننبّه على محلّ الوفاق ومحلّ الخلاف منها، فنقول: - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (3/ 567): «ذهب الجمهور إلى المنع واستدلوا بأن ذلك لم يسمع من كلامهم، ولأن (إلّا) مشبهة بلا العاطفة وواو مع نحو: قام القوم لا زيد، وجاء البرد والطيالسة وهذان لا يتقدمان، فكذلك ما أشبههما» ا. هـ، وينظر أيضا: المقرب (1/ 69)، والهمع (1/ 226).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المستثنى إمّا أن يتقدم أول الكلام أو يقدّم على المستثنى منه دون المنسوب إليه مع توسطه بين جزئي كلام، أو يقدّم على المستثنى منه، أو يقدّم على المنسوب دون المستثنى منه، أمّا تقديمه أول الكلام فلم يجزه أحد إلّا الكسائي (¬1). قال الشيخ: والزجاج - أيضا - (¬2) واستدلّ لهما بقول الشاعر: 1702 - خلا الله لا أرجو سواك وإنّما ... أعدّ عيالي شعبة من عيالكا (¬3) وبقول الآخر - وهو استثناء منقطع -: 1703 - وبلدة ليس بها طوريّ ... ولا خلا الجنّ بها إنسيّ (¬4) ففي تقديم (خلا) إشعار بتقديم (إلّا) لأنّها الأصل ولا يقع الفرع في موضع لا يقع فيه الأصل، فعلى هذا جوّز الكسائيّ (¬5) إلّا زيدا قام القوم؛ قياسا، وحكم الجمهور على ما استدل به بالشذوذ، وعن ذلك احترز المصنف بقوله: دون شذوذ. ووجه الشذوذ بأن قال: قد يكون المستثنى منه جائز التقديم، فيقدر وقوعه مقدما ويقدم لذلك المستثنى عليه وعلى ما عمل فيه، وأنشد البيتين المتقدّمين، ثمّ قال قدّر أنّه قال: سواك خلا الله إلّا أرجو، وأنّه قال: ولا بها إنس خلا الجنّ، فاستجاز مع المقدّر ما استجاز مع المحقّق. وأمّا تقديمه على المستثنى منه وما نسب إليه وهو متوسّط الكلام ففيه ثلاثة مذاهب، - ¬

_ (¬1) ينظر: الارتشاف (2/ 307)، والكسائي وأثره في الدراسات النحوية (ص 191، 192). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 567). (¬3) البيت من الطويل، وقد نسب في معجم الشواهد (ص 255) إلى الأعشى، وليس في ديوانه. والشاهد في قوله: «خلا الله لا أرجو سواك»؛ حيث استدل به من ذهب إلى جواز تقديم المستثنى وجعله أول الكلام. ينظر: الخزانة (2/ 3)، والتصريح (1/ 363)، والهمع (1/ 226، 233)، والدرر (1/ 193، 197)، والأشموني (2/ 163). (¬4) بيتان من بحر الرجز للعجاج. اللغة: طوري: بمعنى أحد ولا يستعمل إلا مع النفي، وروي: طوئي، بمعنى طوري أيضا، والشاهد فيه: - كالذي قبله - حيث استدل به من ذهب إلى جواز تقديم المستثنى أول الكلام. ينظر: ديوان العجاج برواية: «وخفقة ليس بها طوئي»، أمالي القالي (1/ 251)، الإنصاف (159، 160)؛ الخزانة (7/ 2)، والهمع (1/ 226، 232)، والدرر (1/ 193). (¬5) في المساعد لابن عقيل (1/ 569): «والزجاج، ونقله ابن الخباز في النهاية عن الكوفيين، وابن العلج في البسيط عن طائفة منهم». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يفرق في الثّالث بين أن يكون العامل متصرفا، فيجوز نحو: القوم إلّا زيد جاؤوا، أو غير متصرف فلا يجوز، نحو: القوم إلا زيدا في الدّار، وهو مذهب الأخفش (¬1). قال الشيخ: ولم يسمع التقديم إلّا مع العامل المتصرف فينبغي الاقتصار عليه (¬2). ومن شواهد التقديم قول ذي الرّمة: 1704 - معرّسا في بياض الصّبح وقعته ... وسائر الشّيء إلّا ذاك منجذب (¬3) فاستثنى من الضّمير المستتر في (منجذب) و (منجذب) العامل فيه، وقول لبيد: 1705 - ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (¬4) فـ (ما خلا الله) استثناء من الضمير المستتر في (باطل) و (باطل) مسند إليه، عامل فيه (¬5). وأنشد المصنف قول ابن أبي الصّلت (¬6): 1706 - كلّ دين يوم القيامة عند اللّ ... هـ إلا دين الحنيفة بور (¬7) وقول الآخر: 1707 - تعلم بأنّ الوفد إلّا عويمرا ... هم الكاذبون المخلفو كلّ موعد (¬8) - ¬

_ (¬1) لمراجعة المذاهب الثلاثة ورأي الأخفش، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 570)، والهمع (1/ 226). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 570، 571) والمساعد لابن عقيل (1/ 566). (¬3) التعريس: النوم في آخر الليل، وقعته: نومته، أي مستمر، والبيت من البسيط، وهو في ديوان ذي الرمة (ص 7) برواية: وسائر الليل إلا ذاك منجذب. وجمهرة القرشي (ص 178)، والتذييل والتكميل (3/ 571). (¬4) البيت من الطويل وتمامه: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل وهو في شرح ديوان لبيد (ص 256)، وشرح المفصل (2/ 78)، والهمع (1/ 3، 226)، وشرح التصريح (1/ 29). (¬5) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬6) نسبه الأستاذ عبد السّلام هارون في معجم الشواهد إلى عبد الله بن الزبعرى أو أمية بن أبي الصلت والبيت من الخفيف. (¬7) الشاهد في تقديم المستثنى وهو (دين) على المستثنى منه وهو الضمير المستتر في (بور)، وعامله وهو (بور)، ينظر البيت في: ديوان أمية بن أبي الصلت (ص 180)، والهمع (1/ 226)، والدرر (1/ 193)، والتذييل والتكميل (3/ 571). (¬8) البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: كالذي قبله حيث تقدم المستثنى على المستثنى منه وهو الضمير، وعلى العامل فيه وهو (الكاذبون). ينظر: الهمع (2/ 44)، والدرر (2/ 52)، والتذييل والتكميل (3/ 572).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد علمت أنّ عبارة المصنّف - في المتن - تقتضي امتناع التقديم وأنّ تمثيله بنحو: القوم إلّا زيدا ذاهبون؛ تقتضي جوازه، وأمّا تقديمه على المستثنى منه نحو: قام إلّا زيدا القوم، فنقل الشيخ أنّه لا خلاف في جوازه ومن ذلك ما أنشده سيبويه: 1708 - النّاس ألب علينا فيك ليس لنا ... إلّا السّيوف وأطراف القنا وزر (¬1) وأنشد الزّجّاجي (¬2): 1709 - وما لي إلّا آل أحمد شيعة ... وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب (¬3) وجعل المصنف التقديم في نحو: قام إلّا زيدا القوم، أقوى منه في نحو [3/ 41]: ضربت إلّا زيدا القوم، قال: لأنّ طلب الفعل لما هو فضلة ليس كطلبه لما هو عمدة، وتقدم ما يطلب المستثنى منه وهو عمدة، بمنزلة تقدمه نفسه، وليس كذلك تقدم ما يطلب المستثنى منه، وهو فضلة، ونظير ما أنشده سيبويه من تقديم المستثنى على المستثنى منه ما نقله المصنّف عن الأخفش من قوله: هاهنا إلّا زيدا قومك، وأين إلّا زيدا قومك، وكيف إلّا زيدا قومك؟. وأمّا تقديمه على المنسوب إلى المستثنى منه فقط، نحو: القوم إلّا زيدا ضربت، فيظهر أنه في الجواز كالقسم الّذي قبله بل أولى، وكأنّه لوضوحه لم يتعرّض المصنف لتمثيله ولنختم الكلام على هذا الفصل بمسألتين تتعلقان بالاستثناء المقدم من جهة العطف: إحداهما: ما نبّه عليه سيبويه، وهي: ما لي إلّا زيدا صديق وعمرا. وعمرو، وما لي إلّا إيّاك صديق وزيدا، وزيد. قال سيبويه: فأمّا النصب فعلى الكلام الأول - ¬

_ (¬1) نسبه أبو حيان - التذييل والتكميل (3/ 582) إلى كعب بن مالك، وهو في ديوان حسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - (ص 119)، الألب - بفتح الهمزة، وكسرها -: القوم يجتمعون على عداوة إنسان، وفيك: يعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والوزر: الملجأ. والشاهد: في الشطر الثاني؛ حيث تقدم المستثنى وهو (السيوف) على المستثنى منه وهو (وزر). ينظر: الكتاب (2/ 336)، والإنصاف (ص 159)، وشرح المفصل (2/ 79)، والبيت من البسيط. (¬2) الجمل للزجاجي (ص 228). (¬3) قائله الكميت. والبيت من الطويل، ويروى (مذهب) بدل (مشعب) والمعنيان متقاربان. والشاهد: في شطريه؛ حيث تقدم المستثنى على المستثنى منه فيهما، ينظر: المقتضب (4/ 398)، والإنصاف (ص 159)، وشرح المفصل (2/ 79)، والخزانة (2/ 207).

[استثناء شيئين بأداة واحدة]

[استثناء شيئين بأداة واحدة] قال ابن مالك: (فصل؛ لا يستثنى بأداة واحدة - دون عطف - شيئان، وموهم ذلك بدل ومعمول عامل مضمر، لا بدلان؛ خلافا لقوم). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الرفع فكأنّه قال: وأبوك لي، يعني أنّه مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف لتقدم ما يدلّ عليه، كأنّه قال: وعمرو لي صديق أيضا، وهو نظير: إنّ زيدا قائم وعمرو (¬1). وهذا تخريج الخليل، وخرّجه غيره على غير ذلك، وقد نبّه عليه ابن عصفور فقال: فإن عطفت على المستثنى المقدم فإنّه يفارق العطف على المستثنى المؤخر في أنّه يجوز في العطف النصب على اللّفظ والرفع على المعنى فنقول: ما قام إلّا زيدا أحد وعمرا؛ على لفظ (زيدا)، وعمرو على ما كان يجوز في (زيد) لو تأخّر فكأنّك قلت: ما قام أحد إلّا زيد وعمرو، ثمّ قال: وهذا الوجه ضعيف جدّا. المسألة الثانية: قال الشيخ: إذا عطفت على المستثنى المقدم المنصوب اسما؛ نصبت نحو: قام إلّا زيدا وعمرا القوم، ولا يجوز غير النّصب، فإن أخرت المعطوف بعد المستثنى منه فالاختيار النصب، نحو: قام إلّا زيد القوم وعمرا، ويجوز أن يرفع حملا على المعنى؛ لأنّ (قام إلّا زيدا القوم) في معنى: لم يقم زيد من القوم، فكما يجوز: لم يقم زيد من القوم وعمرو؛ كذلك جاز: قام إلّا زيدا القوم وعمرو (¬2). اه. وإذا جاز الحمل على المعنى في هذه المسألة فجواز الحمل عليه في المسألة الّتي قبلها أولى. قال ناظر الجيش: أي: لا يقال: قام القوم إلّا زيدا عمرا، بل إنّما يقال: قام القوم إلّا زيدا وعمرا؛ بالعطف، أو إلا زيدا إلّا عمرا، بحسب ما نريد من المعنى، على ما يأتي في الفصل بعده، وكذا إذا استثنيت بعد الأفعال المتعدّية إلى مفعولين، نحو: أعطيت، لا تقول: أعطيت الناس المال، إلّا عمرا الدنانير، أشار إلى منع ذلك ابن السّراج (¬3) قال: لأنّ حرف الاستثناء إنما يستثنى به واحد فتقول: أعطيت الناس دراهم إلّا عمرا، ثمّ قال: فإن قلت: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 335). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 673). (¬3) الأصول لابن السراج (ص 219)، والمساعد لابن عقيل (1/ 570).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دانقا (¬1)، وأردت الاستثناء؛ لم يجز، فإن أردت البدل جاز، وأبدلت (عمرا) من (أحد) و (دانقا) من (دراهم) كأنّك قلت: ما أعطيت إلّا عمرا دانقا. قال المصنف: حاصل كلامه - يعني ابن السراج - جواز أن يقال: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا، على أن يكون الاسمان اللّذان بعد (إلّا) بدلين، لا منصوبين على الاستثناء. وفي هذا ضعف بيّن؛ لأنّ البدل في الاستثناء لا بدّ من اقترانه بـ (إلّا) فكان ذلك أشبه شيء بالمعطوف بحرف، فكما لا يقع بعد حرف معطوفان، كذلك لا يقع بعد حرف الاستثناء بدلان، فإن ورد ما يوهم ذلك قدّر ناصب للثاني (¬2) كما يقدّر خافض للثاني في نحو: 1710 - أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقّد بالليل نارا (¬3) وفي منع المصنف ما أجازه ابن السراج من جعل الاسمين بعد (إلّا) في المثال المتقدم بدلين - نظر؛ فإنّ غاية مستنده في المنع أنّه شبهه بالمعطوف بحرف، كما تقدّم، وعلى تقدير تسليم هذا الشبه لا خلاف في صحة عطف اثنين بحرف واحد، بعد (أعطيت) وشبهه، مما يقتضي معمولين نحو: ما أعطيت أحدا درهما عمرا دانقا؛ لأنه يصحّ عطف معمولين على معمولين لعامل واحد، وإذا جاز العطف جاز البدل؛ لأنّه أسند منع البدل إلى عدم صحة العطف وقد تبيّن جوازه، والعطف الممتنع الّذي أشار إليه المصنف إنّما هو عطف معمولين على معمولي عاملين، كما - ¬

_ (¬1) الدانق: من الأوزان وربما قيل: داناق، كما قالوا - للدرهم -: درهام وهو سدس الدرهم، اللسان مادة (دنق). (¬2) ينظر شرح المصنف (2/ 292)، وقد نقل هذا الاعتراض الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (3/ 576، 577) ثم قال: «وفيه تعقب؛ لأن قوله: لأن البدل في الاستثناء لا بد من اقترانه بـ (إلا) ليس بصحيح» ويمكن إبطال هذا التعقب بأن ابن مالك أراد بالبدل البدل الاستثنائي، وهو الذي في معنى المنصوب على الاستثناء، ولم يقصد ما أراده أبو حيان من مطلق البدل. (¬3) البيت من بحر المتقارب وهو لأبي دؤاد الإيادي، الشاعر الجاهلي وقيل: لعدي بن زيد. المعنى: ليس كل من له صورة امرئ كاملا، بل المرء الكامل من له خصال سنية وليس كل نار توقد بالليل نارا، إنما النار نار توقد لقرى الزوار. والشاهد فيه: جر (نار) بـ (كل) محذوفة، وتقديره: وكل نار، فحذف المضاف وترك المضاف إليه بإعرابه، ولا يجوز أن تكون معطوفة على امرئ، والعامل فيها (كل) الأولى؛ لئلا يلزم العطف على معمولي عاملين مختلفين. ينظر ديوان عدي بن زيد (ص 199)، والكتاب (1/ 66)، والإنصاف (ص 251)، والمقرب (1/ 237)، والهمع (2/ 52).

[استثناء النصف، وما هو أكثر]

[استثناء النصف، وما هو أكثر] قال ابن مالك: (ولا يمتنع استثناء النصف خلافا لبعض البصريين، ولا استثناء الأكثر وفاقا للكوفيين). ـــــــــــــــــــــــــــــ تبيّن ذلك من تمثيله بقول الشاعر: 1711 - أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ............. البيت وليس هذا ممّا تقدّم في شيء، والّذي يظهر أنّ تعدّد البدل، وعدم تعدده إنّما هو بحسب ما يقتضيه العامل قبل (إلّا)، فإن اقتضى معمولا واحدا لم يجز أن يقع بعد (إلّا) بغير عطف إلّا بدل واحد، نحو: ما ضربت أحدا إلّا زيدا، وإن اقتضى معمولين جاز أن يقع البدلان منهما بعد (إلّا) كما تقدّم من قولهم: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا، ولا يحتاج إلى تقدير عامل للثاني، نعم إذا جاء مثل: ما ضربت أحدا إلّا زيدا عمرا، تعيّن نصب الثاني بـ (ضرب) مقدرة، لعدم اقتضاء (ضربت) معمولين، وينبغي أن يكون من صور المسألة المتقدمة: ما ضرب أحدا إلّا عمرو خالدا، فيجعل (عمرو) بدلا من الفاعل، و (خالدا) بدلا من المفعول، وكذا ما أخذ أحد شيئا إلّا عمرو درهما، ونسبها الشيخ (¬1) إلى الفارسي، فـ (عمرو) بدل من الفاعل، و (درهم) بدل من المفعول، والمصنف يجعل الثاني معمولا لعامل مضمر كما تقدّم، وأمّا منع الاستثناء في مثل: ما أعطيت أحدا درهما إلّا عمرا دانقا [3/ 42] ففي النّفس منه شيء. قال ناظر الجيش: اختلف النحاة في المخرج بالاستثناء: هل يكون أكثر من الباقي أو مساويا له بعد اتفاقهم على جواز أن يكون أقل من الباقي، وعلى منع كونه زائدا على المستثنى عن الباقي، وعلى منع كونه زائدا على المستثنى منه، أو مستغرقا له. قال المصنف: اشترط بعض البصريين نقصان المخرج بالاستثناء عن الباقي (¬2) واشترط أكثرهم عدم الزيادة على الباقي، فلا يجوز على القولين عندي عشرة إلا ستة، ولا على الأول: عندي عشرة إلا خمسة، وهو على القول الثاني جائز، وكلاهما - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 578)، والارتشاف (ص 636). (¬2) اختار هذا الرأي أبو الحسن الأبذي كما اختاره ابن عصفور في شرح الجمل حيث قال: «والصحيح أن المخرج أقل من النصف أبدا وما قل كان أحسن» ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 249).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جائز عند الكوفيين (¬1) وهو الصحيح، وممن وافقهم ابن خروف (¬2). واستدلّ المصنف على استثناء الأكثر بقوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (¬3) قال: لأنّ من سفه نفسه أكثر ممن لم يسفه نفسه، فإنّ المراد ب مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ المخالفون لملة إبراهيم، وهم أكثر من الذين تبعوها لأنّ القوم (الخاسرين) (¬4) هم غير المؤمنين، لقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (¬5). واستدلّ ابن خروف بقوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (¬6) قال: «فالقليل هو المستثنى وليس معلوم القدر، فأبدل منه النصف على جهة البيان لمقدار القليل، والضمير عائد إلى الليل، والمعنى: قم نصف الليل، والضمير في «منه) عائد إلى النصف وكذا الضمير في عليه فالتقدير: قم نصف الليل أو أقلّ منه أو أكثر منه، قال: فخرج من هذا أن المستثنى النصف، أو أقلّ منه أو أكثر، ولا محيص عنه. انتهى. وإدخال ابن خروف أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ في حيّز الاستثناء، وقوله: فخرج من هذا أنّ المستثنى أقلّ من النّصف أو أكثر، غير ظاهر؛ إذ ليس قوله تعالى: أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ (¬7) من الاستثناء في شيء، وأمّا استدلاله على صحة استثناء النّصف بقوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (¬8) فظاهر في المراد، وكذا ما تقدّم من أدلّة المصنف على صحّة استثناء الأكثر وقد أوّل المخالفون ذلك، أمّا: مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (¬9) فجعلوه منقطعا، إذ ليس الكلام فيه (¬10). - ¬

_ (¬1) ومنع ذلك من الكوفيين القاضي أبو بكر، في آخر أقواله، ومنعه الحنابلة، ينظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (2/ 129). (¬2) ينظر: شرح جمل الزجاجي لابن عصفور (2/ 249، 250) والتذييل والتكميل (3/ 79). (¬3) سورة البقرة: 130. (¬4) ما بين القوسين من الهامش. (¬5) سورة العصر: 2، 3. (¬6) سورة المزمل، قال ابن عصفور - في الشرح الكبير (2/ 250، 251) -: «ووجه الدليل في هذه الآية أن القليل مستثنى من الليل، فالمراد به النصف بدليل أنه قد أبدل منه النصف بدل شيء من شيء، قالوا: ولا يجوز أن يكون أبدل منه بدل بعض من كل، حتى كأنه قال: قم نصف القليل لأن القليل مبهم، فلا يعلم قدر نصفه». اه. وينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 571)، والتذييل والتكميل (3/ 579، 580). (¬7) سورة المزمل: 3 و 4. (¬8) سورة المزمل، 2، 3. (¬9) سورة البقرة: 130. (¬10) التذييل (3/ 580).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمّا فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (¬1). فقال الشيخ: هذا مفرّغ ولم يذكر المستثنى منه، ولو صرّح به قدّر عامّا، أي: فلا يأمن مكر الله أحد. وهذا الذي ذكره الشيخ لا يدفع استدلال المصنف فإنه لا بدّ من تقدير الإخراج وإن كان مفرّعا، والمخرج الْخاسِرُونَ وهم غير المؤمنين بالدليل الّذي ذكره. أمّا قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ (¬2)؛ فالنّاس فيه أقوال: أحدها: ما تقدّم عن ابن خروف وهو أنّ نِصْفَهُ بدل من قَلِيلًا وهو بدل شيء من شيء (¬3). الثاني: أنّه بدل منه كالأول، إلّا أنّه بدل بعض من كل، والضمير للقليل. قال ابن عصفور: وجاز إن كان القليل مبهما؛ لأنّ القليل قد يعيّن بالعادة والفرق، أي ما يسمّى قليلا في العادة (¬4). الثالث: أنّه بدل من اللّيل بدل إضراب، قاله ابن الضائع (¬5). الرابع: أنّه مفعول بفعل يدل عليه المتقدّم، أي قم نصفه، إن شئت فليس النصف مستثنى، قاله الأبذي (¬6). الخامس: نقله الشيخ عن بعضهم، أنّه بدل بعض من كلّ قال: فيكون قد أمر بقيام نصف الليل، وقد عورض القول الأوّل بأنه يلزم منه إطلاق القليل على النّصف، ومثله يتوقف على نقل أهل اللّغة. قال ابن عصفور: ويدلّ على بطلان أن يكون القليل هو النصف أنّ النّصف ليس بقليل، فمن قام نصف الليل لا يقال فيه: قام الليل إلّا قليلا (¬7). وأمّا القول الثاني: فقد ردّه ابن الضّائع على ابن عصفور بأنّه أراد بتعيين القليل بالعادة أنّ العادة عينت شخصه، حتّى صار يقع على ثلث الليل مثلا فهو باطل، بل كلّ ما دون النصف قليل، فيقع على الثلث والربع والسدس إلى غير ذلك، وإن أراد خلاف ذلك، بل ما يقع عليه القليل، فلا فائدة كبيان بإبدال النّصف منه؛ لأنّ نصف الليل قليل أيضا (¬8). - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 99. (¬2) سورة المزمل: 2، 3. (¬3) ينظر: المساعد (1/ 571، 572) تحقيق د/ بركات. (¬4) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 200). (¬5) ينظر: شرح الجمل لابن الضائع (2/ 211 أ). (¬6) علي بن محمد الخشني، أحد شيوخ أبي حيان توفي سنة 608 هـ. (¬7) ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 250، 251). (¬8) شرح الجمل لابن الضائع (2/ 211 أ).

[ما هو أولى بالاستثناء]

[ما هو أولى بالاستثناء] قال ابن مالك: (والسّابق بالاستثناء أولى من المتأخّر عند توسّط المستثنى، وإن تأخّر عنهما فالثّاني أولى مطلقا، وإن تقدّم فالأول أولى إن لم يكن أحدهما مرفوعا لفظا أو معنى وإن يكنه فهو أولى مطلقا إن لم يمنع مانع). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمّا القول الخامس: فقد ردّ بأنّه يؤدّي إلى أن يكون النصف الباقي بعد القليل من الليل وذلك مبهم وأمّا قول ابن الضّائع - وهو القول الثالث - فقريب منه قول الأبّذي: أنّه مفعول بفعل مضمر وإنّ التقدير قم نصفه، لسلامته من المعارضات الواردة على بقية الأقوال المذكورة، وهو يوافق قول ابن الضائع من حيث المعنى (¬1). قال الشيخ: وما قاله - يعني الأبّذي - فيه نظر، وذلك أنّه قد أمره أولا بقيام الليل إلّا قليلا، فيكون أمرا بقيام أكثر الليل، وتقدير قم نصفه أو انقص منه قليلا، أو زد عليه، يقتضي أن يكون أمرا بقيام نصف الليل أو أقلّ منه، أو أزيد وهو مخالف للأمر الأول، فيلزم أن يكون ناسخا له، وليس كذلك؛ لأنّه متّصل به، وشرط النّاسخ أن يكون الخطاب الثّاني مرتخيا عن الأوّل، كما ثبت في أصول الفقه. اه (¬2). وما اعترض به على الأبذي غير ظاهر، قال الشيخ: إنّما يحكم به بعد تحقيق حكم الأول وثبوته، ولم يتحقّق الوجوب في قُمِ اللَّيْلَ؛ لمجيء نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ بعد ذلك، وهو قرينة صارفة الأمر الأول عن الوجوب، ويصير مقتضى الآية الكريمة على تقدير الأبّذي، إيجاب قيام الليل مع التّخيّر بين أربعة أشياء، قيام الليل إلّا القليل منه، والمراد أكثره، وقيام نصف الليل [3/ 43] وقيام النصف مع نقصان قليل منه، وقيام النصف مع زيادة قليل عليه (¬3). قال ناظر الجيش: إذا ذكر المستثنى مع شيئين يمكن استثناؤه من كل منهما فقد يمتنع استثناؤه منهما معا وقد لا يمتنع. أمّا القسم الأول: فأشار إليه بقوله: والسّابق أولى إن لم يمنع مانع. وحاصله: - ¬

_ (¬1) أي: كونه بدل إضراب. (¬2) ينظر: تسهيل الوصول إلى علم الأصول للشيخ عبد الرحمن المحلاوي الحنفي (ص 129، 131)، والتذييل والتكميل (3/ 581، 582). (¬3) هذا النقل بالمعنى من التذييل والتكميل (3/ 582).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنّ المستثنى له أن يتوسط بينهما أو يتأخّر عنهما، أو يتقدّم عليهما، فإن توسّط فالاستثناء من السّابق أولى؛ لأنّ تأخّر المستثنى عن المستثنى منه هو الأصل، فلا يعدل عنه إلّا بدليل، فمن ذلك قوله تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (¬1) فالقليل مستثنى من الليل لا من النصف لما ذكرته (¬2)، وإن تأخّر جعل الاستثناء من الأخير مطلقا أي فاعلا كان أو مفعولا مراعاة للقرب، نحو: غلب مائتي كافر مائة مؤمن إلّا اثنين، وغلب مائة مؤمن مائتي كافر إلّا اثنين (¬3). وإليه الإشارة بقوله: وإن تأخّر عنهما فالثّاني أولى مطلقا، وإن تقدّم ولم يكن أحدهما مرفوعا ولا في معنى مرفوع، فالاستثناء من الأوّل أولى؛ لأنّه أقرب، وذلك نحو: استبدلت إلا زيدا من أصحابنا بأصحابكم (¬4)، فإن كان أحدهما مرفوعا فالاستثناء منه أولى وإن تأخّر، نحو: ضرب إلّا زيدا أصحابنا أصحابكم (¬5). وكذا إن كان أحدهما مرفوعا في المعنى دون اللفظ نحو: ملكت إلا الأصاغر عبيدنا أبناءنا (¬6)، وإلى هذا الإشارة بقوله: وإن تقدم فالأول أولى إن لم يكن أحدهما مرفوعا لفظا أو معنى وإن يكنه فهو أولى مطلقا. ونبه بقوله: إن لم يمنع مانع على أنه قد يكون الأمر بخلاف ما قرره لمعارض وذلك نحو: طلق نساءهم الزيدون إلا الحبيبات، وأصبى الزيدين نساؤهم إلا ذوي النهى، ونحو: ضرب إلا هندا بنونا بناتنا، فترك القرينة اللفظية في هذه الأمثلة ونحوها لمنع المعنى من الحمل عليها (¬7). ¬

_ (¬1) سورة المزمل: 2. (¬2) أي: إن تأخر المستثنى عن المستثنى منه هو الأصل، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 572): قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ الآيتان (2، 3) من سورة المزمل، فقليلا مستثنى من الليل لا من النصف؛ لأن تأخر المستثنى عن المستثنى منه هو الأصل فلا يعدل عنه إلا بدليل. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 294)، والمساعد (1/ 572). (¬4) شرح المصنف (2/ 294)، وفي المساعد لابن عقيل: «و (زيدا) مستثنى من أصحابنا». (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 583)، وفي المساعد لابن عقيل (1/ 573): «والفرق أن الفاعل أصل في الجملة وكذا قال الأخفش: «لا يجوز في مثله إلا أن يكون مستثنى من الفاعل». اه. (¬6) فـ (الأصاغر) مستثنى و (أبناءنا) مستثنى منه، وكان الأمر كذلك؛ لأنهم هم الفاعل من حيث المعنى؛ لأنهم المالكون، وهو المفعول الأول، وعبيدنا المفعول الثاني. (¬7) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 294) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

[تعدد المستثنى منه]

[تعدد المستثنى منه] قال ابن مالك: (وإذا أمكن أن يشترك في حكم الاستثناء مع ما يليه غيره لم يقتصر عليه إن كان العامل واحدا وكذا إن كان غير واحد والمعمول واحد في المعنى). قال ناظر الجيش: هذا إشارة إلى القسم الثاني: وهو الذي لا يمتنع فيه الاستثناء من شيئين معا، فـ (ما) في قوله: مع ما يليه بمعنى: الذي، والضمير المنصوب في يليه عائد عليها وكذا الضمير في (غيره) وفي (عليه)، وفاعل (يليه) عائد على الاستثناء، والتقدير: وإذا أمكن أن يشترك في حكم الاستثناء مع الذي يليه الاستثناء غير الذي وليه الاستثناء لم يقتصر عليه، بل يشاركه ما قبله. وهذه العبارة تشمل ما يكون المذكور فيه مع المستثنى شيئين أو أكثر، ثم إنه إذا أمكن الاشتراك فقد لا يمنع من الحمل عليه مانع وقد يمنع منه مانع، وقد تعرّض المصنف لتمثيل القسمين فقال (¬1): إذا ذكر شيئان أو أكثر والعامل واحد، فالاستثناء معلق بالجميع إن لم يمنع مانع نحو: اهجر بني فلان وبني فلان إلا من صلح، فـ (من صلح) مستثنى من الجميع؛ إذ لا موجب للاختصاص فلو ثبت موجب عمل بمقتضاه نحو: لا نحدث النساء ولا الرجال إلا زيدا، وقد تضمنت الأمرين آية المائدة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ... إلى: إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ (¬2) فاشتملت على ما فيه مانع وهو وَما أُهِلَّ وما قبله، وعلى ما لا مانع فيه وهو ما بين (به) و (إلا) فـ ما ذَكَّيْتُمْ مستثنى من الخمسة إذا كانت تذكيته سبب موته. انتهى كلامه فيما العامل فيه واحد. قال الشيخ - بعد نقل كلام المصنف هذا -: وينبغي أن يكون الحكم كذلك إذا كرر العامل لمجرد التوكيد نحو: اهجر بني فلان وبني فلان إلا من كان صالحا. انتهى (¬3). ثمّ قال المصنف - مشيرا إلى صحة الصورة الّتي يتعدّد العامل فيها -: ويتعلّق الاستثناء أيضا بالجميع إن كان قبله جملتان أو أكثر، والعامل غير واحد، والمعمول واحد في المعنى نحو قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... (¬4) إلى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (¬5). - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 294). (¬2) سورة المائدة: 3. (¬3) انظر التذييل والتكميل (3/ 583). (¬4) سورة النور: 4. (¬5) سورة النور: 5. والشاهد فيهما - على رأي ابن مالك -: أن الاستثناء في قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من الجمل السابقة؛ لأنها في معنى معمول واحد، وإن كان العامل فيها ليس واحدا، وهذه الجمل هي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: واتفق العلماء على تعليق الشّرط بالجميع في نحو: لا تصحب زيدا ولا تزره، ولا تكلّمه إن ظلمني، واختلف في الاستثناء في نحو: لا تصحبه ولا تزره ولا تكلمه إلّا تائبا من الظّلم؛ فذهب مالك والشافعيّ إلى تساوي الاستثناء والشرط في التعليق بالجميع (¬1)، وهو الصحيح؛ للإجماع على سدّ كلّ منهما مسدّ الآخر في نحو: اقتل الكافر إن لم يسلم، واقتله إلّا أن يسلم (¬2). انتهى كلامه. وهذه المسألة - أعني التي يتعدّد فيها الاستثناء حملا - قد تكلّم عليها في أصول الفقه، وانتهت الأقوال إلى ستة؛ منها: القولان المشهوران: أحدهما: رجوع الاستثناء إلى الجميع، وهو رأي الشافعي. والثاني: رجوعه إلى الجملة الأخيرة وهو رأي أبي حنيفة، وقيّد الأصوليّون الجمل بكونها معطوفة بالواو، ولم يتعرّض المصنف له وقيّد المصنف المعمول بكونه واحدا في المعنى، ولم يجعل أصحاب الأصول ذلك قيدا إلّا رأي منسوب لأبي الحسين في تفصيل نقلوه عنه في المسألة المذكورة وقد فرّق الأصوليون بين الاستثناء والشرط، بأنّ الشرط مقدّر التقديم، وإذا قدّر تقديمه انسحب حكمه على المذكور بعد، بخلاف الاستثناء، فلا يلزم عوده إلى جميع ما تقدّم، ونقل الشيخ عن المهاباذيّ (¬3)، أنّه قال في شرح اللمع له: إذا استثني من جمل مختلفة لم يكن المستثنى إلّا من الجملة التي تليه، نحو قوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا (¬4) فالّذين تابوا مستثنى من الفاسقين، لا غير. وحمله على أنّه مستثنى من جميع الكلام خطأ ظاهر؛ لأنّه لا يجوز أن يكون معمولا لعاملين [3/ 44] مختلفين، ويستحيل ذلك، ولأنّك لو حملته على أنّه مستثنى من جميع ما قبله لصار تقدير الكلام: فاجلدوهم ثمانين جلدة إلا الذين تابوا ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا (¬5). - ¬

_ - وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ، فَاجْلِدُوهُمْ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. (¬1) مذهب أبي حنيفة أن الاستثناء راجع إلى الجملة الأخيرة فقط. ينظر: أصول السرخسي (2/ 44، 45). (¬2) ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 295). (¬3) هو أحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني. ينظر: البغية (ص 138). (¬4) سورة النور: 4، 5. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 585)، والارتشاف (2/ 310)، والبحر المحيط (6/ 433).

[حكم تكرار «إلا» للتوكيد]

[حكم تكرار «إلّا» للتوكيد] قال ابن مالك: (فصل: تكرّر «إلّا» بعد المستثنى بها، توكيدا، فيبدل ما يليها ممّا يليه إن كان مغنيا عنه وإلّا عطف بالواو). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وإنّما أجاز المصنف أن يعود إلى الجميع لأنّ العامل عنده (¬1) إنّما هو (إلّا)، لا الأفعال السابقة المسلطة على المستثنى منهم (¬2). اه. قال ناظر الجيش: يؤتى بـ (إلّا) بعد المستثنى بها لتوكيد (إلّا) الّتي قبلها، ولغير توكيد، بل لقصد الاستثناء، كما قصد بما قبلها، أمّا التي لغير توكيد فسيأتي الكلام عليها، وأما الّتي للتّوكيد فالمذكور بعدها إمّا أن يكون هو الأوّل في المعنى - أعني المذكور بعد «إلّا» الأولى - أو غيره إن كان هو الأول كان بدلا منه ولا احتياج إلى العطف بل لا يجوز، وذلك كقولك: ما مررت إلّا بأخيك إلّا زيد، تريد: ما مررت إلّا بأخيك زيد، فأكّدت (إلّا) الأولى بالثّانية، داخلة بين البدل والمبدل منه، ومثله أيضا: قام القوم إلّا زيدا إلّا أخاك، إن كان (زيد) هو الأخ. ومنه قول الشاعر (¬3): 1712 - ما لك من شيخك إلّا عمله ... إلّا رسيمه وإلّا رمله (¬4) لأنّ الرسيم والرمل ضربان من العدو، وكلاهما بدل من (عمله)، وهذا القسم الذي الثّاني فيه هو الأول، عبّر عنه المصنف بقوله: إن كان مغنيا عنه أي: إن كان ما يلي (إلّا) الثانية مغنيا عمّا يلي (إلّا) الأولى، وهو لا يغني عنه إلّا إن كان بمعناه، فلو قيل في الأمثلة المتقدّمة: ما مررت إلّا بزيد، وقام القوم إلّا أخاك، وما لك من شيخك إلّا رسيمه، وإلّا رمله؛ صحّ (¬5). قال المصنّف (¬6): وقد يكون مثل: إلّا رسيمه وإلّا رمله قول الفرزدق: - ¬

_ (¬1) أي: العامل في المستثنى. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 585، 586). (¬3) أي: على سبيل الجواز. رجز لم يعلم قائله. (¬4) الشيخ: - هنا - هو الجمل، والرسيم، والرمل: ضربان من السير. والشاهد فيه: تكرار (إلا) في (إلا رسيمه) (وإلا رمله) تأكيدا؛ إذ هما بيان لقوله: (إلا عمله) ويغنيان عنه، ينظر: الكتاب (2/ 346)، والمقرب (1/ 170)، والعيني (3/ 117)، والتصريح (1/ 356). (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 587). (¬6) شرح التسهيل (2/ 296).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1713 - ما بالمدينة دار غير واحدة ... دار الخليفة إلّا دار مروانا (¬1) فظاهر كلامه أنّ (غير واحدة) استثناء وإنّ (دار مروان) بدل منه و (إلّا) تأكيد لـ (غير) الواقعة استثناء فهو من باب التّأكيد بالمرادف، وقد عدّوه من أقسام التأكيد اللّفظي، كقولهم: أنت بالخير حقيق، مقتضى هذا التقدير أنّ الدار الواحدة هي دار مروان، فكأنّه قال: ما بالمدينة دار إلّا دار مروان، لما تقدّم أنّ من شرط الحكم بالبدلية صحّة الاستغناء بالثّاني عن الأوّل، وكان الأصل ما بالمدينة دار إلّا واحدة إلّا دار مروان. وفي قول المصنّف: وقد يكون مثل (إلّا رسيمه وإلّا رمله) قول الفرزدق، كذا وإنشاده البيت المذكور إشعار بأنّ البيت يحتمل وجها آخر وبأنّه قيل في غير ذلك، وقد قال سيبويه بعد إنشاده لحارثة بن بدر (¬2): 1714 - يا كعب صبرا على ما كان من حدث ... يا كعب لم يبق منا غير أجلاد إلّا بقيّة أنفاس نحشرجها ... كراحل رائح أو باكر غاد (¬3) وحكم على (غير) في البيت الأوّل بأنّها بمنزلة (مثل) كأنّه قال: لم يبق منّا مثل أجساد إلّا بقية أنفاس، وعلى ذلك أنشد بعض النّاس هذا البيت رفعا للفرزدق: ما بالمدينة دار ... البيت ثمّ قال: جعلوا (غير) صفة بمنزلة (مثل) (¬4) فأشار سيبويه إلى أنّ غير واحدة ليست - ¬

_ (¬1) البيت من بحر البسيط وهو للفرزدق في بعض مراجعه، وليس في ديوانه، وهو في كتاب سيبويه (2/ 340، 341)، ومعاني الفراء (1/ 90)، والمقتضب (3/ 425)، والغرة لابن الدهان (2/ 181)، والبحر المحيط (1/ 442)، (3/ 321)، والتذييل والتكميل (3/ 589). (¬2) حارثة بن بدر القداني من فرسان بني تميم، ووجوهها وساداتها، أدرك النبي صلّى الله عليه وسلّم في صباه وحداثته وليس بمعدود من فحول الشعراء، ولكنه كان يعارض نظراءه في الشعر، ينظر: الأغاني (6/ 4)، (21/ 13، 31). (¬3) البيتان من بحر البسيط، كعب: هو مولى حارثة بن بدر، والأجلاد: جسم الإنسان، نحشرجها: نرددها في حلوقنا. والشاهد: في قوله: «غير أجلاد، إلّا بقية أنفاس»؛ حيث رفعت (غير) وكذا الاسم بعد (إلّا) دون عطف الثاني على الأول، وقد أخرجه سيبويه على أن «غير» ليست استثنائية بل هي صفة، ثم أبدل منها (إلا بقية). ينظر: الكتاب (1/ 339، 340)، والتذييل والتكميل (3/ 588). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 339).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استثناء على هذا الإنشاد وهو الوجه الّذي قلنا: إنّ في عبارة المصنّف إشعارا باحتماله. وقال سيبويه - بعد ذلك -: ومن جعلها بمنزلة الاستثناء - يعني (غير) - لم يكن له بدّ من أن ينصب أحدهما (¬1) كأن يقول: لا يجوز رفعهما جميعا، على أنّ كلّا منهما بدل من المستثنى منه؛ لأنّه لا يبدل إلّا واحد كما يأتي تقريره، وإنما إذا أبدلت واحدا نصبت الآخر، والّذي قاله حقّ؛ لأنّه قصد أنّ «إلّا دار مروان» مقصود - في الأصل - بها معنى الاستثناء، كما يقصد بغير، وليس مقصودا بها التوكيد كما في مثل: ما مررت إلّا بأخيك إلّا زيد، وإنّما قلنا: إنّ مراده ذلك؛ لأن البيت المذكور أتى به في القسم الذي لم يقصد بـ (إلّا) الثانية فيه توكيد، بل قصد فيه الاستثناء، وإذا تقرّر هذا فلا منافاة بين قول المصنّف، وقد يكون مثل «إلا رسيمه وإلّا رمله» وقول الفرزدق: 1715 - ما بالمدينة دار ... البيت وبين قول سيبويه: ومن جعلها بمنزلة الاستثناء لم يكن له بدّ من أن ينصب أحدهما (¬2)؛ لأنّ المصنف وإن جعل غير واحدة استثناء لم يجعل (إلّا) في «إلا دار مروان» استثناء بل توكيدا لـ (غير) باعتبار تأولها بـ (إلّا) كما تقدّم، وما بعدها بدل من المستثنى لا من المستثنى منه (¬3)، وأمّا سيبويه فلم يجعل (إلّا) في «إلا دار مروان» تأكيدا، بل أخذها على معنى الاستثناء وحيث أبدل إنما يبدل من المستثنى منه كما تقدّم. وهذان اعتباران صحيحان، وإن كان المذكور بعد (إلّا) التي للتوكيد غير الأول في المعنى كان معطوفا نحو: ما قام إلّا زيد وإلّا عمرو، وقام القوم إلّا زيدا وإلّا جعفرا، وإليه الإشارة بقوله: وإلّا عطف بالواو أي: وإلّا يكن الثّاني مغنيا عن الأول يعطف عليه، وتقييد العطف بالواو هنا يشعر بأنّ غيره لا يجوز والظاهر أنّه كذلك، وإن قيل بجواز وقوع غيرها من الحروف العاطفة ففيه نظر، وأنشد المصنف شاهدا على التكرار مع العطف (¬4): 1716 - وما الدّهر إلّا ليلة ونهارها ... وإلّا طلوع الشمس ثمّ غيارها (¬5) - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (1/ 340). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 340). (¬3) ينظر: شرح الجمل الكبير لابن عصفور (2/ 257). (¬4) شرح المصنف (2/ 296). (¬5) قائله أبو ذؤيب الهذلي، والبيت من الطويل. والشاهد: في قوله: «وإلّا طلوع الشمس»؛ حيث كررت (إلا) توكيدا، وعطف بالواو وعلى ما قبله لأنه مباين للأول، والبيت في ديوان أبي ذؤيب (ص 8)، ديوان الهذليين (1/ 21)، ومجالس ثغلب (ص 583)، وشرح المفصل (2/ 41)، والعيني (3/ 115).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجعل الشيخ من هذا الضرب (وإلّا رمله) من البيت المتقدم قال: لأنّ قوله (وإلّا رمله) لا يغني عن قوله: (عمله)؛ لأنّ هذا من البدل [3/ 45] التّفصيليّ الّذي يجب في ثانيه الواو (¬1)، نحو قوله: 1717 - وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزمان فشلّت (¬2) وهو بدل شيء من شيء إلا أنّه فصل، وأشار سيبويه إلى أنّه يجوز ترك العطف في مثل هذا، وإن كان الثّاني غير الأوّل، قال - بعد أن مثّل بـ (ما أتاني إلّا زيدا إلّا أبو عبد الله) -: على أنّ أبا عبد الله هو زيد، وقد يكون غير زيد على الغلط والنّسيان، كما يجوز أن يقول: رأيت زيدا عمرا؛ لأنّه إنّما أراد عمرا فنسي فتدارك (¬3). انتهى كلام سيبويه. وهذا التأويل الّذي يذكره رجعت المسألة إلى القسم الأول وهو ما كان الثاني فيه هو الأول لكنّه على جهة الغلط، وإلى هذا الذي أشار إليه سيبويه جنح ابن عصفور في قول الشاعر: 1718 - أمّا قريش فلن تلقاهم أبدا ... إلّا وهم خير من يحفى وينتعل إلّا وهم جبل الله الذي قصرت ... عنه الجبال فما ساواهم جبل (¬4) فجعل (إلّا) الثانية مع الجملة التي بعدها بدلا من (إلّا) الأولى، والجملة الّتي دخلت عليها وإن لم يتّحد معنى الجملتين على جهة الإضراب كأنه أضرب عن الأولى - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 587، 588). (¬2) البيت من الطويل، وهو لكثير عزة، شاعر أموي مشهور، أجاد فنّ الغزل، واختلف في معناه فقيل: تمنى أن تشل إحدى رجليه وهو عندها حتى لا يرحل عنها وقيل: لما خانت عزة العهد فزلت عنه وثبت هو عليه صار كذي رجلين رجل صحيحة هو ثباته على العهد، ورجل مريضة وهو زللها عنه، وقيل: معناه أنه بين خوف ورجاء وقرب وثناء. والشاهد في قوله: «رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان»؛ حيث إنه من البدل التفصيلي من قوله: (رجلين) لذا عطف الثاني منها وهو (رجل رمى فيها الزمان) على الأول، وهو (رجل صحيحة) ينظر: ديوان كثير عزة (69)، والكتاب (1/ 433)، والمقتضب (4/ 290)، وشرح المفصل (3/ 88). (¬3) ينظر: الكتاب (2/ 341). (¬4) البيتان من البسيط وهما في ديوان القطامي (ص 29)، وجمهرة القرشي (ص 153)، والتذييل والتكميل (3/ 590).

[حكم تكرار «إلا» لغير التوكيد ولا يمكن الاستثناء]

[حكم تكرار «إلّا» لغير التوكيد ولا يمكن الاستثناء] قال ابن مالك: (وإن كرّرت لغير توكيد، ولم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض شغل العامل ببعضها إن كان مفرّغا، ونصب ما سواه وإن لم يكن مفرّغا، فلجميعها النّصب إن تقدمت، وإن تأخّرت فلأحدهما ما له مفردا، وللبواقي النصب وحكمها في المعنى حكم المستثنى الأول). ـــــــــــــــــــــــــــــ إضراب انتقال لا إضراب إبطال. قال الشيخ: ولا يتعين هنا الإضراب، بل يجوز أن يكون إبدالا صحيحا لا على جهة الغلط ولا على جهة الإضراب؛ لأنّ الوصف الثّاني هو الأول في المعنى؛ لأنّه أراد بذكر الوصف شرفهم على الناس (¬1). انتهى. والذي قاله ظاهر ويصير المعنى به أبلغ، ثم ليعلم أنّ في عبارة المصنف في قوله: تكرر (إلّا) بعد المستثنى بها توكيدا فيبدل ما يليها ممّا يليه إن كان مغنيا عنه وإلّا عطف بالواو - نظرا لأنّ ظاهرها أنّ الإبدال والعطف رتّبا على دخول (إلّا)، وليس كذلك بل الإبدال والعطف متصوّران أولا، ولمّا قصد التوكيد أتى بـ (إلّا) قبل البدل وقبل المعطوف، ولو قال: تكرّر (إلّا) مع البدل والمعطوف كان أوضح وأبين، وقد فهم من تقرير أنّ البدل والعطف متصوّران قبل دخول (إلّا)، أنّ دخولها جائز لا واجب فيجوز: ما مررت إلّا بأخيك زيد، وما قام إلّا زيد وعمرو، وهو الأصل، وفي قول المصنّف: تكرّر (إلّا) توكيدا إشعار أيضا بأنّها لا تتحتّم لأنّ التوكيد غير لازم. قال ناظر الجيش: لمّا ذكر (إلّا) المأتي بها بعد المستثنى بها توكيدا شرع في ذكر (إلّا) المأتي بها لا لتوكيد؛ بل لقصد الاستثناء كما قصد بالأولى، وهذه - أعني المأتيّ بها مقصودا بها استثناء - إمّا أن يكون المستثنى بها بعضا لما قبلها وسيأتي، وإمّا أن يكون مباينا، وإليه الإشارة بقوله: ولم يمكن استثناء بعض المستثنيات من بعض وحينئذ إمّا أن يكون العامل المتقدّم مفرعا أو مشغولا وبتقدير كونه مشغولا إمّا أن يتأخّر المستثنى منه أو يتقدم، وبتقدير تقدّمه وتأخير المستثنيات عنه إمّا أن يكون موجبا أو غير موجب، فهذه أقسام أربعة: - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (3/ 590).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: أن يكون العامل مفرغا فينشغل بأحد المستثنيين، أو المستثنيات وينصب ما سواه (¬1)، نحو: ما قام إلّا زيد إلّا عمرا إلّا خالدا، وإليه الإشارة بقوله: شغل العامل ببعضها إن كان مفرغا ونصب ما سواه، وأفاد قوله: شغل ببعضها أنّه لا يتعين أحدهما لذلك، بل يجوز أن ينشغل العامل بالأول كما تقدّم، وبالآخر وبالمتوسّط، ونبّه المصنف - في الشّرح - على أنّ الأقرب أولى بذلك من غير الأقرب (¬2)، وظاهر كلام سيبويه التسوية بين الأقرب وغيره؛ لأنّه قال - بعد أن مثّل بـ: (ما أتاني إلّا زيد إلّا عمرا) -: وإن شئت قلت: ما أتاني إلّا زيدا إلّا عمرو فأنت في ذا بالخيار (¬3). وقد يفيد كلام سيبويه أولوية الأقرب من حيث إنه بدأ به في التمثيل. وجوّز الشيخ في هذا القسم العطف بالواو داخلة على (إلّا) نحو: ما جاءني إلّا زيد وإلّا عمرو، ثمّ قال: ويجوز العطف بغير (إلّا) فتقول: ما جاءني إلّا زيد وعمرو (¬4)، وفيما جوّزوه من دخول الواو على (إلا) نظر، فإن (إلّا) الثانية إذا كانت مقصودا بها الاستثناء لا يتّجه دخول العاطف عليها، وأيضا فإنّ: (ما جاءني إلّا زيد إلّا عمرا) العطف فيه ممتنع (4)، فكذلك ما هو بمعناه وكأنّه اشتبه عليه الأمر فظنّ أنّ (إلّا) التي يقصد بها الاستثناء كـ (إلّا) المأتيّ بها للتوكيد، وليس كذلك، فإنّ العطف مع المؤكدة هو الأصل كما تقدّم (¬5)، و (إلّا) أتي بها للتّوكيد ولهذا يجوز سقوطها. وأمّا (إلّا) المقصود بها الاستثناء فليس العطف بها مقصودا أصلا، ولو قصد لم يفرّق بينها وبين المؤكّدة، ويبطل التقسيم المذكور في الفصل، وأيضا فمعنى (إلّا) مقصود إذا كانت للاستثناء، وليس لها معنى مقصودا مع العطف له إلّا التوكيد، وقد تقدّم عند الكلام على عامل الاستثناء الفرق بين: قام القوم إلّا زيدا إلّا عمرا، وقام القوم إلّا زيدا وإلّا عمرا، فأغنى عن الإعادة. وأمّا تجويز الشيخ أيضا العطف بغير (إلّا) في: ما جاءني إلا زيد وعمرو، فهذا إبطال الصورة المسألة كليّة، وكيف يجوز ترك (إلّا) والمقصود بها الاستثناء، وإلى ما له - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح اللمع لابن برهان (1/ 145) تحقيق الدكتور فائز فارس - الطبعة الأولى (1404 هـ) 1984 م طبعة. الكويت. (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 296). (¬3) الكتاب (2/ 341). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 593). (¬5) ينظر: التبصرة للصيمري (1/ 337).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ذلك الاشتباه بالتوكيد كما تقدّم (¬1) القسم الثاني: [3/ 46] أن يكون العامل مشغولا بالمستثنى منه وهو متأخّر عن المستثنيات فيستحقّ النّصب، نحو: ما قام إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا خالدا أحد، وإليه الإشارة بقوله: إن لم يكن مفرغا فلجميعها النصب إن تقدمت. وأنشد سيبويه قول الكميت: 1719 - فما لي إلّا الله لا ربّ غيره ... وما لي إلّا الله غيرك ناصر (¬2) قال سيبويه: و (غيرك) بمنزلة (إلّا زيدا) (¬3). القسم الثالث: أن يتقدّم المستثنى منه على المستثنيات مع كون العامل مشغولا، والكلام موجب، وحكمها النّصب كالقسم الّذي قبله نحو: جاء القوم إلّا زيدا إلّا عمرا إلّا خالدا، والفرق بين هذا وما تقدّم من: قام القوم إلّا زيدا وإلّا عمرا - أنّنا فيهما أخرجنا زيدا وعمرا من القوم معا ولم يقصد بـ (إلّا) الثانية استثناء، بل هي للتوكيد كما تقدّم وأمّا في هذا المثال فإنّنا أخرجنا عمرا من قوم ليس زيد منهم، ثمّ خالدا من قوم ليس منهم زيد ولا عمرو. والقسم الرابع: أن يكون الثالث إلّا أنّ الكلام غير موجب، نحو: ما أتاني أحد إلّا زيد إلّا عمرا وإلّا بكرا، فلواحد منها النصب على الاستثناء والإتباع، وللبواقي النصب (¬4)، وقد علم حكم القسمين المذكورين من قوله: «وإن تأخّرت فلأحدهما ما له مفردا، وللبواقي النصب، ومع تقرير ما تقدّم لا يخفى الحكم إذا تقدّم بعض المستثنيات على المستثنى منه وتأخّر البعض، وأشار المصنف بقوله: وحكمها في المعنى - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 296)، والإنصاف (1/ 167)، وشرح ابن يعيش للمفصل (2/ 76)، وشرح الرضي (1/ 226)، والكامل للمبرد (1/ 292)، والمقتضب للمبرد (4/ 190). (¬2) البيت من الطويل، وهو للكميت، وهو من شواهد سيبويه (2/ 339) تحقيق هارون، والمقتضب للمبرد (4/ 424)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 79)، (8/ 12)، والجمل للزجاجي (ص 238)، والعيني على الخزانة (2/ 125)، وهمع الهوامع (1/ 223، 225). الشاهد فيه: تكرار المستثنى مرة بـ (إلا) ومرة بـ (غير) مقدما على المستثنى منه، ولذا كان النصب لازما للاسمين على الاستثناء وهذا يستدلّ به على تضعيف مذهب ابن السيد الذي يجوز الحالية حيث يضعف هنا من ناحية المعنى. (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 373) طبعة بولاق، (2/ 344) تحقيق هارون. (¬4) ينظر المقرب لابن عصفور (1/ 170)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 931) (رسالة)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 712)، والتبصرة للصيمري (1/ 377)، وشرح المصنف (2/ 196).

[تكرار «إلا» مع إمكان الاستثناء]

[تكرار «إلّا» مع إمكان الاستثناء] قال ابن مالك: (وإن أمكن استثناء بعضها من بعض استثني كلّ من مثلوّه، وجعل كلّ وتر خارجا، وكل شفع داخلا، وما اجتمع فهو الحاصل، وكذا الحكم في نحو: له عشرة إلّا ثلاثة إلّا أربعة خلافا لمن يخرج الأول والثاني، وإن قدّر المستثنى الأول صفة لم يعتدّ به وجعل الثاني أولا) (¬1). - حكم المستثنى الأول إلى أنّ ما بعد (إلّا)، وليس من هذا النوع مساو له في الدخول إن كان الاستثناء من غير موجب، وفي الخروج إن كان من موجب. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المباين ما قبله في الاستثناء المتكرر شرع في ذكر المستثنيات التي كل منها بعض ممّا قبله نحو: له عشرة إلا أربعة إلّا ثلاثة إلّا اثنين، وأشار المصنف إلى أنّ الحكم في ذلك استثناء كلّ من متلوه، أي من الّذي قبله، فالأربعة مستثناة من العشرة والثلاثة مستثناة من الأربعة، والاثنان مستثنيان من الثلاثة، وذكر الشيخ أنّ في المسألة أربعة مذاهب (¬2): أحدها: ما ذكره المصنف، قال: وهو مذهب أهل البصرة والكسائي (¬3). والثاني: أنّ المستثنيات كلّها راجعة إلى الاسم المستثنى منه، فعلى هذا تخرج الأربعة والثلاثة والاثنان في المثال المذكور من العشرة، قال: وإلى هذا ذهب أبو يوسف القاضي (¬4). الثالث: أنّ الاستثناء الباقي منقطع فإذا قال: له عشرة إلّا ثلاثة إلا اثنين لزمه تسعة كما يلزمه على المذهب الأول، لكنّ التخريج مختلف؛ لأنّه في المذهب الأول أخرجت الثلاثة من العشرة، ثمّ أخرج من الثلاثة اثنان، وأما على المذهب الثاني فإنّه أخرج الثلاثة من العشرة فبقي سبعة، وجعل الاثنين منقطعا كأنّه قال: سوى الاثنين اللذين له فإنّهما عندي، قال: وهو مذهب الفراء (¬5). ولا أدري ما يقول الفرّاء إذا - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 596). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 596، 597). (¬3) ينظر: التصريح (1/ 358)، الهمع (1/ 228) وهو مذهب ابن عصفور في المقرب (1/ 170). (¬4) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري تلميذ أبي حنيفة، وأول من دعي: قاضي القضاة، وأول من غير لباس العلماء، فجعله خلاف هيئة الناس، توفي ببغداد (182 هـ)، ولمراجعة مذهبه ينظر: أصول السرخسي (2/ 36 - 38). (¬5) فهو يعتبر (إلّا) الثانية بمنزلة الواو فهي تعطف ما بعدها على المستثنى، ينظر: معاني الفراء (1/ 189)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زادت المستثنيات على اثنين وثلاثة كالمثال المتقدم أوّلا (¬1). المذهب الرابع: جواز الأمرين المذكورين في المذهب الأوّل والثاني دون تحتم أحدهما والأظهر من هذه المذاهب أولها ولم يذكر المصنف غيره، ثمّ الطريق في. معرفة قدر المخرج وقدر ما بقي بعد الإخراج أن يخرج الأول والثالث وما أشبهها في الوترية. ويدخل الثاني والرابع وما أشبهها في الشفعية، فمجموع الأوتار مخرج، ومجموع الأشفاع داخل، فالمخرج في المثال المتقدم الأربعة؛ لأنّها أول المستثنيات فهي وتر، فصار الباقي ستة، والداخل الثلاثة؛ لأنّها ثاني المستثنيات فهي شفع، فصارت الستة تسعة والمخرج أيضا اثنان؛ لأنها ثالثة المستثنيات فهي وتر، فصار الباقي سبعة ومثّل المصنف بقوله: عندي مائة إلّا خمسين إلّا عشرين إلّا خمسة، قال: فالباقي بعد الاستثناء في المثال المذكور بالعمل المذكور خمسة وستون (¬2) لأنّا أخرجنا من المائة خمسين لوتريتها، وأدخلنا عشرين لشفعيتها فصار الباقي سبعين، ثم أخرجنا العشرة لوتريتها فصار الباقي ستين، ثم أدخلنا الخمسة لشفعيتها فصار الباقي خمسة وستين ثم قال: وما زاد من المستثنيات عومل بهذه المعاملة (¬3) وإلى هذا أشار بقوله: وجعل كلّ وتر خارجا وكلّ شفع داخلا، وما اجتمع فهو الحاصل. ومن أمثلة هذه المسألة: له عشرة إلا تسعة إلا ثمانية وهكذا على الترتيب إلى: إلّا واحدا والباقي في هذه الصورة بعد المخرج خمسة، بالطريق الّتي تقدمت، وبطريقة أخرى أسهل من الأولى، وهي أن تضم الأشفاع إلى المستثنى منه، وتحفظ جملة ذلك ثمّ تضم الأوتار، حافظا جملتها ثمّ تسقط مجموع الأوتار من المحفوظ فهو الحاصل، فتضم في هذا المثال إلى العشرة ثمانية، وستة، وأربعة، واثنين، فتصير الجملة ثلاثين، وتضم الأوتار وهي التسعة والسبعة والخمسة والثلاثة والواحد، فتصير الجملة خمسة وعشرين تسقطها من الجملة الأولى يبقى بعد ذلك خمسة، وهو المطلوب على مقتضى الطريقة الأولى، قال الشيخ - بعد أن مثّل بهذا المثال -: وهذا يخرج - ¬

_ - والارتشاف (623)، وحاشية الصبان (2/ 153)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 932). (¬1) قال ابن مالك: «.... وقول الفراء عندي هو الصحيح؛ لأنه جار على القاعدة السابقة أعني: جعل الاستثناء الأول إخراجا والثاني إدخالا». اه. ينظر: شرح المصنف (2/ 297). (¬2)، (¬3) شرح المصنف (2/ 297) وشرح السيرافي على كتاب سيبويه (3/ 307) مخطوط (528) نحو تيمور بدار الكتب المصرية، مبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 932) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على جواز الأكثر وأمّا من لم يجزه ففي ذلك وجهان: أحدهما: بطلان الاستثناء جميعه؛ لأنّ الأول بطل كونه أكثر، فبطل ما تفرع عليه، والثاني: أنه يبطل الأكثر إلى أن يصل إلى النصف فيصح، ثم يجرى الحكم المذكور في الباقي، نظير ما تقدم قال: ويخرج أيضا على مذهب من أجاز الاستثناء من العدد وفيه مذاهب، كما تقدّم (¬1). انتهى. وكان قدّم في شرحه الكلام على هذه المسألة حيث تكلّم على شرح الحد الّذي ذكره المصنف للمستثنى وفي ذلك ثلاثة مذاهب: أحدها: الجواز مطلقا، قال: وهو اختيار ابن الضائع (¬2). وثانيها: المنع مطلقا وهو اختيار ابن عصفور (¬3). وثالثها: التفصيل بين أن يكون المستثنى عقدا فلا يجوز نحو: له عندي مائة (إلّا عشرة) أو غير عقد فيجوز نحو: له عندي عشرة إلّا اثنين. ويرد المذهب المذكور قوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً (¬4)؛ فإنّ المستثنى فيه عقد وتمسك بهذه الآية الكريمة من أجاز الاستثناء من العدد مطلقا وهو متمسّك قوي، وقال ابن عصفور - محتجّا على عدم الجواز على الإطلاق -: إنّما العدد نصوص. فلا يجوز أن ترد إلّا على ما وضعت، فكما لا يجوز أن يخرج عن النّص في غير الاستثناء، فكذلك في الاستثناء، قال: إلّا إن كان اسم العدد قد أخرج عن النصيّة، إلى أن صار ممّا يكثر به ولا يراد به ظاهره، فيصير إذ ذاك ظاهرا في العدد فيجوز أن يستثنى منه؛ لأنّه صار كسائر الظواهر التي يستثنى منها، وقال: وعليه قوله تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً إذ لو لم يستثن - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 598، 599). (¬2) المرجع السابق (3/ 598). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 257) بتحقيق أبو جناح، قال ابن عصفور في المقرب (1/ 170): «... وإن أمكن استثناء بعضها من بعض جعلت الآخر مستثنى من الذي قبله والذي قبله مستثنى من الذي قبله إلى أن تنتهي إلى الأوّل ويكون إعراب الأول منها على حكمه لو انفرد وما عداه منصوب لا غير. نحو قولك: عندي عشرة إلا خمسة إلا اثنين إلا واحدا، فالواحد مستثنى من اثنين والاثنان من الخمسة والخمسة من العشرة، وطريق معرفة قدر المستثنى في هذه المسائل أن تخرج الآخر من الذي قبله وما بقي أخرجته مما قبله، ولا تزال تفعل ذلك إلى أن تنتهي إلى الأول، فالمستثنى إذن في المسألة المتقدمة أربعة. وذلك: أنك أخرجت الواحد من الاثنين فبقي واحد فأخرجت حكم الاسم الواقع بعد (إلا) إن كان من جنس ما قبله. اه. (¬4) سورة العنكبوت: 14.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لجاز أن يراد بألف سنة الزمن الطويل لأنّ الألف والمائة والسبعين مما يستعمل للتكثير (¬1). وقال ابن الضائع (¬2) - ردّا على ابن عصفور في قوله: أسماء العدد نصوص -: نعم ما لم تقترن بها قرينة تزيل نصّيتها، وقد سلم ذلك في الأعداد التي يراد بها التّكثير، قال: ثمّ الآية دليل عليه، فإن لم يرد بها التكثير، فقد أوقع الألف على ما دونه، فإن قال: لمّا كان العدد الكثير قد صار غير نصّ، لكونه يستعمل ولا يراد به تحقيق العدد قلت: ما من عدد إلّا ويتصوّر فيه التّكثير، بالنّظر إلى ما دونه مثل أن يقول القائل: قد رأيتك عشر مرّات، قاصدا بذلك التكثير، قال: ثمّ النحويون يجمعون على جواز: عندي عشرة إلّا واحدا إلّا ثلاثة، وإنمّا اختلفوا في المقرّ به فزعم الأكثرون أنّه إقرار بستّة، وزعم آخرون أنه باثني عشرة. انتهى ردّ ابن الضّائع على ابن عصفور. وقد ردّ الشّيخ (¬3) كلام ابن الضائع هذا، وقوّى اختيار ابن عصفور من جهة الدّليل، وقال: لا يكاد يوجد استثناء من عدد في شيء من كلام العرب إلّا في الآية الكريمة (¬4) لمّا كانت الألف ممّا يكثر به وأشار المصنف بقوله: وكذا الحكم في نحو: له عشرة إلا ثلاثة إلّا أربعة، إلى ما نقله عن السيرافي من قوله: فإن كان بعض المستثنيات أكثر من الّذي قبله، نحو: له عشرة إلّا ثلاثة إلّا أربعة، فالسيرافي يستثني الثلاثة ويزيد على السبعة الباقية: إلّا أربعة، فيكون المقرّ به أحد عشرة، وغير الفرّاء يستثنى من العشرة إلّا أربعة بعد استثناء الثلاثة فيكون المقر به ثلاثة (¬5). قال المصنف - بعد نقل هذا الكلام -: وقول الفراء عندي هو الصحيح فإنّه جاز على القاعدة السابقة أعني: جعل الاستثناء الأول إخراجا والثاني إدخالا (¬6). انتهى. وما اختاره غير ظاهر فإنّه قرّر أنّ من شرط إخراج الأوّل وإدخال الثّاني صحّة استثناء كلّ من الذي قبله، والشرط المذكور مفقود ههنا فتعيّن إخراج الثّلاثة والأربعة من العشرة كما تعيّن إخراج زيد وعمرو من القوم، في قولنا: قام القوم إلّا - ¬

_ (¬1) ينظر الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 284) (رسالة)، وشرح الكافية لابن القواس (1/ 266 - 297) (رسالة)، ومبسوط الأحكام (3/ 814) (رسالة). (¬2) شرح الجمل لابن الضائع (2/ 210 - 211 ب). (¬3) ينظر التذييل والتكميل (3/ 501) رسالة. (¬4) سورة العنكبوت: 14. (¬5) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 600).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيدا إلا عمرا. قال الشيخ - في مسألة العدد -: فـ إخراج كليهما من الأوّل مذهب أكثر النحويّين (¬1). انتهى. ثمّ إنّ الفرّاء ليس مستنده في إدخال الأربعة في المثال المتقدم ما ذكره المصنّف، من أنّ القاعدة جعل الاستثناء الأول إخراجا، والثّاني إدخالا، بل مستنده أنّ الأربعة استثناء منقطع، كأنّه قال: عندي عشرة إلّا ثلاثة سوى الأربعة التي له عندي، كما تقدّم أنّ مذهبه حمل الاستثناء الثّاني على الانقطاع في مثل: له عشرة إلّا ثلاثة إلّا اثنين وإذا كان يحمل الاثنين على الانقطاع مع إمكان استثنائه ممّا قبله، فحمله (إلّا أربعة) بعد (إلّا ثلاثة) عليه أولى لعدم إمكان استثنائه ممّا قبله، ويمكن في مثل: عندي عشرة إلّا ثلاثة إلّأ أربعة (¬2) قول ثالث، غير القولين المتقدمين، وهو أن يحكم ببطلان الاستثناء الثاني وهو الأربعة؛ لأنّ القاعدة - كما ذكر المصنف - استثناء كلّ ممّا قبله والاستثناء الزائد على المستثنى منه والمستغرق له باطل فيكون المقرّ به على هذا سبعة، وقال المصنف - بعد الكلام على مسألة الفراء -: وهذا - يعني القول بإخراج الأوّل والثاني معا من الأوّل - إنّما يكون إذا لم يكن المستثنى الثّاني بعض المستثنى الأول - كما في مسألة العدد، فأمّا إن كان بعضه نحو: قام القوم إلّا إخوتك إلّا زيدا، وزيد بعض الإخوة فأخرجه من الإخوة، فيلزم أن يكون قام، ولا يجوز أن يكون مستثنى مع الإخوة؛ لأنّ الإخوة تشمله، فلم يحتج لتخصيصه. انتهى. قال المصنف [3/ 48] ونبهت بقولي: وإن قدّر المستثنى الأول صفة لم يعتدّ به، وجعل الثاني أولا على أنّ المتكلم بذلك المثال - يعني المثال المتقدم في كلامه وهو: عندي مائة إلّا خمسون إلّا عشرين إلا عشرة إلّا خمسة - يجعل (إلّا) الأولى وما وليها مقصودا بها الوصف لا الاستثناء، كما في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬3). فعلى هذا التقدير يكون (إلّا) الأولى وما بعدها في حكم المسكوت عنه، ويكون المستثنى الأوّل (عشرين) فكأنّه قال: عندي مائة إلّا - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 600)، والتبصرة للصيمري (1/ 378)، وشرح الكافية لابن الحاجب (1/ 321) (رسالة) وشرح الرضي (1/ 225)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 866) (رسالة). (¬2) ينظر المتبع في شرح اللمع لأبي البقاء العكبري (ص 315) (رسالة) بمكتبة كلية الآداب - جامعة القاهرة، وشرح المصنف (2/ 297)، والتذييل والتكميل لأبي حيان (3/ 600). (¬3) سورة الأنبياء: 22.

[«إلا» الموصوف بها]

[«إلا» الموصوف بها] قال ابن مالك: (فصل: تؤول «إلّا» بـ «غير» فيوصف بها، وبتاليها جمع، أو شبهه، منكر، أو معرّف بأداة جنسية، ولا تكون كذلك دون متبوع، ولا حيث لا يصلح الاستثناء). ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرين إلّا عشرة إلّا خمسة، فالعشرين خارجة من المائة فتصير ثمانين، والعشرة داخلة فتصير تسعين، والخمسة خارجة فالباقي إذا خمسة وثمانون (¬1). انتهى. وعلى هذا قال ابن السّرّاج: إذا قلت: عندي مائة إلّا اثنين كان الإقرار بثمانية وتسعين، وإذا قلت: إلّا درهمان، فجعلت (إلّا) وما بعدها صفة كان الإقرار بمائة؛ لأنّ المعنى: مائة غير درهمين، وهذا واضح، وعلى هذا ترفع الخمسين في المثال المتقدّم عند قصد الصّفة، فتقول: عندي مائة إلّا خمسون إلّا عشرين إلى آخره. ولم يحتج المصنف إلى التنبيه عليه لوضوحه وكأنّه قال: وإن قدّر المستثنى الأوّل صفة جرت عليه أحكام الصّفة، وتوهم الشيخ أنّ المثال أن: له عندي مائة إلّا عشرين إلا عشرة، إلّا خمسة، فيكون (إلّا عشرين) صفة على زعمه، ثمّ ردّ على المصنف قوله: فالعشرون خارجة من المائة وقال: قوله: إنها خارجة ... إلى آخره - ليس بصحيح؛ لأنّ (العشرين) صفة فليست مخرجة من المائة (¬2)، وغاب عنه أنّ المصنف قصد المثال الّذي تقدّم أولا، وهو مائة إلّا خمسين، إلّا عشرين. وقد قال المصنّف: على أنّ المتكلم بذلك المثال، فأشار إليه فمراده بالمستثنى الأول الّذي تقدّره صفة (إلّا خمسين)، والخمسون غير مخرجة، ولهذا قال: ويكون المستثنى الأول (عشرين)، ثمّ أوضح ذلك بقوله: فكأنّه قال: عندي مائة إلّا عشرين إلّا كذا؛ فبيّن أنّ الخمسين في حكم المسكوت عنه، إذا جعلته صفة، وهذا (الكلام) (¬3) واضح سديد. قال ناظر الجيش: الأصل في (غير) الوصفية، والأصل في (إلّا) الاستثناء (¬4)، - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 297). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 601)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 932)، واللباب في علل البناء للعكبري (1/ 252) (رسالة). (¬3) ما بين القوسين من الهامش. (¬4) شرح التسهيل (2/ 298).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز حمل كلّ واحدة منهما على الأخرى، فيما هي أصل فيه، وسبب الحمل أنّ ما بعد كلّ منهما مغاير لما قبلها، إلّا أنّ وقوع (غير) موقع (إلّا) كثير، ووقوع (إلّا) موقع (غير) قليل، وسببه أنّ (غير) اسم، وتصرّفهم في الأسماء أكثر من تصرفهم في الحروف، على أنّ الوصف لا يكون بـ (إلّا) وحدها، بل بـ (إلّا) وما بعدها. ولهذا قال المصنف: تؤوّل (إلّا) بـ (غير) فيوصف بها وبتاليها، وقد أشار سيبويه لذلك فقال: هذا باب ما يكون فيه (إلّا) وما بعدها وصفا (¬1)، فجعل المجموع هو الوصف، وهو الحقّ. قال المصنف: ولأصالة (غير) في الوصفية جاز أن يوصف بها جمع، وشبه جمع، وما ليس جمعا، ولا شبه جمع كقولك: جاء رجال غير زيد، وقول الشاعر: 1720 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (¬2) ورجل غيرك أحبّ إليّ. ولأصالتها «أيضا» (¬3) في الوصفية جاز أن يحذف الموصوف بها، ولا يوصف بها إلّا جمع، أو شبه جمع، ولا يجوز حذف الموصوف بها وإقامتها مقامه، وقيّد الجمع بكونه منكرا، أو معرفا بأداة جنسية، فمثال الجمع المنكّر: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬4) فـ إِلَّا اللَّهُ صفة لـ آلِهَةٌ (¬5)، ومثال الجمع المعرّف بالأداة الجنسية قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 331)، والمساعد لابن عقيل (1/ 578). (¬2) البيت من الطويل، نسب لحسان بن ثابت، وليس في ديوانه، ونسب لبشير بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، ويبدو أنه الأصح؛ لأنه في ديوانه (ص 289). الشاهد: في وصف (من) بـ (غير)، و «من» شبهه بالجمع؛ لأن المعنى: على الذين غيرنا، وقد استدل به العلماء على مجيء (من) نكرة موصوفة، ويروى برفع (غير) فتكون (من) موصولة، والعائد محذوف، والتقدير: على من هو غيرنا، وقد استدل بهذا البيت أيضا على زيادة الباء، في مفعول (كفى) المتعدية، ينظر: ديوان كعب بن مالك (ص 289)، والكتاب (2/ 105)، وشرح المفصل (4/ 12)، والمقرب (1/ 203)، العيني (1/ 486). (¬3) ما بين القوسين من الهامش. (¬4) سورة الأنبياء: 22. (¬5) ينظر: معاني القرآن للأخفش الأوسط (1/ 295)، والكتاب (1/ 370) طبعة بولاق، والمقتضب (4/ 408)، والإيضاح للفارسي (ص 209)، والكشاف للزمخشري (2/ 567)، والمفصل (ص 70)، وشرح ابن يعيش (2/ 89)، وشرح الكافية للرضي (2/ 247)، والبحر المحيط لأبي حيان (6/ 304).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1721 - أنيخت فألقت بلدة بعد بلدة ... قليل بها الأصوات إلّا بغامها (¬1) أي: الأصوات غير بغامها، وقول الآخر (¬2): 1722 - ويوم الحول إذ حشرت معدّ ... وكان الناس إلا نحن دينا (¬3) أي: وكان النّاس المغايرون لنا دينا، ومثال شبه الجمع قول الشّاعر: أنشده سيبويه: 1723 - لو كان غيري سليمى الدهر غيره ... وقع الحوادث إلّا الصّارم الذّكر (¬4) قال سيبويه: كأنّه قال: لو كان غيري غير الصارم الذكر لغيره، وقع الحوادث، إذا جعلت «غير» الآخرة صفة للأولى، فالمعنى أنّه أراد أن يخبر أنّ الصّارم الذكر لا يغيره شيء (¬5). انتهى، ويمكن أن يكون من أمثلة شبه الجمع: ما أتاني أحد إلّا زيد، قال سيبويه - بعد أن مثّل به -: فأنت بالخيار، وإن سميت جعلت (إلّا زيد) بدلا، وإن شئت جعلته صفة. انتهى. وقوله: جعلت (إلّا زيد) بدلا - فيه تجوّز، فإنّ البدل إنّما هو (زيد) وحده، لا (إلّا زيد) ومستغنى عنه لوضوحه، ولم يمثل المصنف لشبه الجمع معرفا بالأداة، - ¬

_ (¬1) البيت لذي الرمة من الطويل، ينظر ديوانه (ص 368). اللغة: أنيخت: أبركت، والبلدة الأولى: ما يقع على الأرض من صدر الناقة، والبلدة الثانية: الأرض، والبغام: صوت الظبي، فاستعاره للناقة. يصف ناقته، أناخها في فلاة، لا يسمع فيها صوت إلا صوتها. والشاهد: في وصف الأصوات بقوله: إلا بغامها، على تأويل (غير) أي الأصوات التي هي غير صوت الناقة. ينظر: الكتاب (2/ 332)، والمقتضب (4/ 409)، والخزانة (2/ 56)، والمغني (ص 72، 316)، والهمع (1/ 29)، والمساعد لابن عقيل (1/ 578). (¬2) ذكره في معاني الفراء (3/ 81)، أنه من إنشاد المفضل، وهو غير موجود بطبعة دار المعارف (1964 م). (¬3) البيت من الوافر. والشاهد فيه: قوله: «وكان النّاس إلّا نحن دينا»؛ حيث وصف الناس - وهو اسم معرف باللام الجنسية - بـ (إلّا) وما بعدها، وهو من شواهد التذييل والتكميل (3/ 605). (¬4) البيت للبيد بن ربيعة العامري، والبيت من البسيط. اللغة: سليمى: يا سليمى، الدهر: منصوب على الظرفية، الصارم: السيف القاطع، الذكر والمذكر من السيوف: ما كان ذا ماء ورونق. والشاهد: في وصف (غير) بقوله: «إلا الصارم الذكر» كما ذكر موضحا. ينظر: شرح ديوان لبيد (ص 62)، الكتاب (2/ 333)، والمغني (ص 72)، والأشموني (2/ 156)، والتذييل والتكميل (3/ 605)، والمساعد لابن عقيل (1/ 579). (¬5) الكتاب (2/ 333).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن انطوى كلامه في المتن عليه - ويظهر أن قوله: «منكّر»، أو معرّف بأداة جنسية، تقسيم للجمع، لا لشبه الجمع، ولمّا مثّل بما تقدّم من قول الشّاعر: 1724 - لو كان غيري ... قال: ومن وقوعها صفة لشبه الجمع المنكّر معنى، الشبيه بالمعرفة لفظا قول الشّاعر: ... وأنشد البيت المذكور، فأمّا كون إِلَّا في الآية الكريمة صفة آلِهَةٌ فهو رأي الأكثرين، وهو قول سيبويه (¬1)، والأخفش (¬2). قال المصنف (¬3): ومعنى الصفة - في هذا الباب - التّوكيد لا التّخصيص، فلا فرق بين ثبوتها، وسقوطها، ولذلك إذا قال المقرّ: له عندي عشرة إلّا درهم، حكم عليه بعشرة كاملة، ولا يجوز جعل ما بعد (إلّا) في الآية الكريمة بدلا [3/ 49] ممّا قبلها؛ لأنّ شرط البدل في الاستثناء صحة الاستغناء به عن الأول، وذلك ممتنع بعد (لو) كما يمتنع بعد (أن)؛ لأنهما حرفا شرط، والكلام معهما موجب؛ ولذا قال سيبويه: لو قلت: لو كان معنا إلّا زيد لهلكنا، لكنت قد أجلت (¬4)، أي: أتيت بممنوع، فصحّ. يقول سيبويه (¬5): إنّ (لولا) تفرّغ العامل الّذي بعدها لما بعد (إلّا) كما فرّغ بعد النّفي، وإذا لم يصحّ التفريغ امتنع البدل، لما تقدّم. قال المصنف (¬6): وكلام المبرد في المقتضب مثل كلام سيبويه وكلام الأخفش أعني أنّ التفريغ والبدل بعد (لو) غير جائز، وذكر ابن السرّاج عن المبرد أنّه قال: لو كان معنا إلّا زيد أجود كلام، وأحسنه (¬7) فيجوز التفريغ، ومقتضاه جواز البدل، وتجويز الأمرين منقول عنه، ومستند القائل بجواز البدلية، أمّا المبرّد، أو غيره أنّ ما يدلّ عليه (لو) من الامتناع شبيه بالنّفي، ومعنى: لَوْ كانَ فِيهِما - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 331). (¬2) معاني القرآن للأخفش (1/ 295)، ومنهج الأخفش الأوسط (ص 348)، وشرح الكافية لابن القواس (1/ 283)، رسالة، والبحر المحيط (6/ 408)، وشرح الكافية للرضي (2/ 247). (¬3) شرح التسهيل (2/ 298). (¬4) الكتاب (2/ 331). (¬5) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬6) شرح التسهيل (2/ 298). (¬7) الأصول في النحو لابن السراج (1/ 235).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ (¬1): ما فيهما آلهة إلّا الله، فما كان معناه معنى النّفي جرى في البدل مجراه، وقد ردّ القول بالبدلية بأوجه: أحدها: أنّه لو كانت (لو) بذلك مستحقة لتفريغ ما يليها من العوامل، لكانت مستحقة بغير ذلك، ممّا يختصّ بحروف النّفي، كزيادة (من) في معمول ما يليها، وإعماله في (أحد)، و (غريب)، ونحوهما، وكنصب جواب مقرون بالفاء. الثاني: أنّه لا يجري النّفي المعنوي مجرى النفي اللفظيّ، ألا ترى أنّك تقول: أتى القوم إلّا زيدا، بالنصب، ليس إلّا، ولو كان النفي المعنوي كاللفظيّ لجاز: أتى القوم إلّا زيد، وكان المختار، وههنا أولى؛ لأنّ النفي محقّق، غير مقدّر فيه إثبات، وفي (لو) يقدّر فيما بعدها الإثبات، وإنّما قدّر فيه النّفي لمّا كان الإثبات تقديرا. الثالث: أنّه لو كان على البدل لكان معناه معنى الاستثناء، ولو كان معناه معنى الاستثناء لجاز: «إلّا الله» بالنصب، ولا يستقيم المعنى؛ لأنّ الاستثناء إذا سكت عنه دخل ما بعده فيما قبله، ألا ترى أنّك لا تقول: جاءني رجال إلّا زيد، فكذلك لا يستقيم: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ، وقد نصّوا على أنّه لا يكون المخرج منه في الاستثناء إلّا مختصّا، وممّا يدل أيضا على أنّه ليس بمعنى الاستثناء أنّه لو كان النصب على الاستثناء، لكان المعنى - إذ ذاك - لو كان فيهما آلهة، ولم يكن الله في تلك الآلهة لفسدتا، وهو غير مستقيم؛ لأنّه يلزم عنه لو كان فيهما آلهة فيها الله لم تفسدا، وذلك باطل. قال السيرافي - شارحا لقول سيبويه -: لكنت قد أحلت لأنّه يصير المعنى: لو كان معنا إلّا زيد لهلكنا؛ لأنّ البدل بعد إلّا في الاستثناء موجب، قال: وكذا لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا، ولو كان على البدل لكان التقدير: لو كان فيهما الله لفسدتا، وهذا فاسد (¬2). انتهى، وفيه نظر وممّا وقعت فيه (إلّا) مع ما بعدها وصفا بيت ذي الرّمة المتقدّم، وهو من إنشادات سيبويه (¬3). قال سيبويه كأنّه - ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 22. (¬2) شرح السيرافي (3/ 116 / ب)، المخطوط، والكتاب (1/ 370) طبعة بولاق، والمقتضب للمبرد (4/ 408)، والإيضاح للفارسي (ص 209)، والكشاف للزمخشري (2/ 567)، والمفصل (ص 70)، وعجائب القرآن لفخر الدين الرازي (ص 110). (¬3) الكتاب (1/ 370) طبعة بولاق، (2/ 332).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: قليل بها الأصوات، غير بغامها، إذا كانت غير استثناء، قال سيبويه: ومثل ذلك قول الله عز وجل: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (¬1)، يعني في وقوع (غير) صفة لما فيه ألف ولام، فإن رفع كان صفة لـ (القعدون) وإن جرّ كان صفة لـ (المؤمنين.) قال المصنف (¬2): ولا يصحّ جعل (غير) في الآية الكريمة بدلا؛ لأنّه لا يستغنى به عمّا قبله، ومن وصف ذي الألف واللام أيضا بـ (غير) قول لبيد: 1725 - وإذا أقرضت قرضا فأجزه ... إنّما يجزي الفتى غير الجمل (¬3) قال السيرافي: وأمّا قول الشّاعر: 1726 - قليل بها الأصوات إلّا بغامها (¬4) ففيه وجهان: أحدهما: ما قاله سيبويه، ومقتضاه، أنّه أثبت بها أصواتا قليلة، وجعل: (إلّا بغامها) نعتا للأصوات. والوجه الثاني: يكون (قليل) بمعنى النّفي، كأنّه قال: ما بها أصوات إلّا - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 95. قرئ برفع غير ونصبها، وجرها، أما قراءة الرفع فوجهها الأكثرون على أنها صفة القعدون، وأجاز بعض النحويين فيه البدل؛ لأنه بعد نفي، وأما قراءة النصب فهي على الاستثناء من القعدون وهو الأظهر، وقيل: استثناء من المؤمنين، وقيل بنصبه على الحال من القعدون وأما قراءة الجر فعلى أنه صفة لـ المؤمنين. ينظر: الكتاب (2/ 332، 333)، والبحر المحيط (3/ 330، 331). (¬2) شرح المصنف (2/ 301). (¬3) البيت من بحر الرمل، من قصيدة للشاعر لبيد بن ربيعة العامري، في ديوانه (ص 174)، وفي العجز برواية أخرى: إنما يجزي الفتى ليس الجمل. اللغة: القرض: ما يعطى من المال، ليتقاضاه صاحبه، والمقصود به هنا: ما سلف من إحسان، أو إساءة. الفتى: السيد اللبيب، والعرب تقول للجاهل: يا جمل، أي إنما يجزي اللبيب من الناس، لا الجاهل، وقيل: الجمل بمعنى الأحمق. الشاهد فيه: نعت «الفتى» وهو معرفة بـ «غير»، وهو نكرة ومسوغ هذا أن التعريف بالألف واللام يكون للجنس، فلا يخص أحدا بعينه. ينظر: الخزانة (4/ 68، 72، 477)، (2/ 28)، والعيني (4/ 176)، ومجالس ثعلب (ص 515)، والكتاب (2/ 333)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 227)، والهمع (1/ 229). (¬4) شرح السيرافي (3/ 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بغامها، وهو استثناء، وبدل صحيح، كما يقول: أقل رجل يقول ذلك إلّا زيد (¬1). ورّدّ الشّلوبين البدل ههنا، وقال: لا يتصوّر؛ لأنّه يؤول إلى التّفريغ، وهو فاسد. ألا ترى أنّه لم يرد أن يقول: ما بها إلّا بغامها، وكيف يقول ذلك وبها القليل، والراحلة، ورحلها، وغير ذلك، وإنّما أراد ما بها صوت مغاير لبغامها، و (قليل بها الأصوات) في معنى النّفي (¬2). قال المصنف: عند نهاية الكلام على الشروط المعتبرة في الوصف بـ (إلّا) والحاصل أنّ (إلّا) لا يوصف بها مفرد محض، ولا يجوز: جاء الرجال إلّا زيد، على أن يكون (الرجال) معهودين؛ لأنّ معرفتهم حينئذ محضة، فلو قصد الجنس لم يمتنع وصفهم بـ (إلّا)، كما لا يمتنع وصفهم بـ (غير) (¬3)، كقوله تعالى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (¬4). انتهى، وبقي عليه أن يذكر مثالا ثالثا، لا يصح فيه الاستثناء، كما ذكر مثال المفرد المحض، والمعرّف تعريفا محضا، إلّا أنّه يكون استغنى عن ذلك بالتمثيل بـ: (قام رجل إلّا زيد)؛ لأنّه لا يصلح للاستثناء منه، لكونه مفردا، وقد تضمن كلام المصنف في الشرح (¬5) اشتراط أمور في وقوع (إلّا) مع ما بعدها وصفا: الأمر الأول: أن يكون الموصوف بها جمعا، أو شبه جمع، كما تقدّم تمثيله، ووافق في ذلك ابن السراج، فإنّه قال: لا تكون (إلّا) وصفا، إلّا بعد جماعة أو واحد في معنى الجماعة (¬6)، ولا يظهر من كلام سيبويه اشتراط ذلك، فإنّه مثّل المسألة بقوله: لو كان معنا رجل إلّا زيد لغلبنا (¬7)، فجعل (إلّا زيد) وصفا لـ (رجل)، مع أنّه ليس جمعا، ولا شبه جمع؛ إذ لا عموم له، ولا يمتنع من جهة الدليل وقوع (إلّا) وصفا للمفرد المحض؛ لأنّه إذا ثبت حمل (إلّا) على (غير) في الوصف بها، لم يكن لغير المفرد خصوصة بذلك [3/ 50] على المفرد، ووقوعها صفة له لا يدفع أصالة (غير) في الوصفية، فإنّ الأصالة قد تتميز بغير ذلك، كما سيأتي. - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 314). (¬2) التوطئة. (¬3) شرح المصنف (2/ 301). (¬4) سورة النساء: 95. (¬5) الارتشاف (2/ 314)، والهمع (1/ 229). (¬6) الأصول لابن السراج (1/ 221). (¬7) الكتاب (2/ 331).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الثاني: أن يكون الجمع المذكور منكّرا، أو معرّفا بأداة جنسيّة، ونقل المصنف عن المبرد أنّه قال: لا يوصف بـ (إلّا) إلّا ما يوصف بـ (مثل) و (غير) وذلك النكرة والمعرفة التي بالألف واللام على غير نحو: ما يحسن بالرجل مثلك أن يفعل ذلك، وقد أمرّ بالرجل غيرك، فيكرمني (¬1). ونقل الشيخ عن الأخفش قريبا من هذا (¬2)، وللنحويين في ذلك اضطراب: فمنهم من قال: لا يوصف بـ «إلّا» وما بعدها، إلّا النكرة خاصة (¬3)، ومنهم من زاد المعرّف بالأداة الجنسية، كما هو رأي المصنف (¬4)، ومنهم من فصّل فقال: إن كان ما بعد (إلّا) معرفة، جرت على النكرة وعلى المعرفة، وإن كان ما بعدها نكرة، جرت على النكرة، لا المعرفة، ومنهم من أطلق القول في ذلك، فأجاز أن يقع صفة للنكرة والمعرفة، ولم يقيدها بالأداة الجنسية، وهو ظاهر من قول سيبويه، حتّى أنّهم أجازوا أن يقع صفة للضمير أيضا، وأنشد عليه قول الشاعر: 1727 - وبالصّريمة منهم منزل خلق ... عاف تغيّر إلّا النؤي والوتد (¬5) فـ (إلّا النّؤي، والوتد) صفة للضمير المستكنّ في (تغيّر)، ومنهم من ادّعى أنّها عطف بيان في هذا البيت؛ لأنّه قد تقرّر أنّ الضّمائر لا تنعت، وقد تقدّم الكلام على هذا البيت، وأنّه من قبيل المفرغ، بتأويل (تغيّر) بـ (لم يبق على حاله) فعلى هذا لا يتعين الوصف بـ (إلّا) فيه. الأمر الثالث: أن يكون الموصوف بـ (إلّا) مذكورا، غير محذوف، وهذا بخلاف الموصوف بـ (غير) وقد تقدّم أنّ (غير) لأصالتها اختصت بذلك دون (إلّا)، وبهذا الأمر تتحقق أصالة (غير) في الوصفية، وفرعية (إلّا)، وهو كاف في ذلك، فلا يضرّ جريان (إلّا) مجرى (غير) في كلّ حالاتها، حتّى وصف المفرد بها أيضا، كما تقدّم التنبيه عليه، وهذا الشرط - أعني كون الموصوف بـ (إلّا) مذكورا غير محذوف - لم يخالف فيه أحد، وقال سيبويه: ولا يجوز أن - ¬

_ (¬1) المقتضب (4/ 411). (¬2) التذييل والتكميل (3/ 608)، وينظر: معاني القرآن للأخفش (ص 86). (¬3)، (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 301). (¬5) البيت من الطويل، وقائله الأخطل الشاعر الأموي المشهور، وقد سبق تخريجه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: ما أتاني إلّا زيد، وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة (مثل)، وإنّما يجوز ذلك صفة، ونظير ذلك من كلام العرب (أجمعون) لا تجري في الكلام إلا على اسم، ولا يعمل فيه رافع، ولا ناصب، ولا جارّ (¬1). اه، وكأنّه يعني بقوله: إنمّا يجوز ذلك صفة - أنّها تكون تابعة لمذكور، فإنّه إذا حذف موصوفها صارت بمنزلة (مثل) فجرت مجرى الأسماء، فكأنه قال: لا تجري مجرى الأسماء، إنما تكون صفة ولا يتحقق كونها صفة، إلّا مع ذكر موصوفها. الأمر الرابع: أن تكون (إلّا) المذكورة، واقعة حيث يصلح الاستثناء، ونصّ على اشتراط ذلك المبرّد (¬2)، والأخفش (¬3)، وعليه الأكثرون (¬4)، حتى قال الشيخ: هذا كالمجمع عليه من النحويين، وعلى ذلك يجوز: عندي درهم إلّا دانق، لجواز: إلّا دانقا، ويمتنع: عندي درهم إلّا جيد، لعدم جواز: إلا جيدا، هكذا مثّلوه، وفي تجويز عندي درهم إلا دانق - على رأي المصنف - نظر؛ لأنّه قد تقدّم عنه أنّ الموصوف بـ (إلّا) لا يكون إلّا جمعا، أو شبه جمع، ولا شك أنّ (درهما) ليس كذلك، وقد يقال: إنّ قولنا: إلّا دانقا (¬5) يفيد إرادة الجمعيّة بـ «درهم» المذكور، فهو وإن كان مفردا لكونه واحدا لدرهم جمع، لدلالته على دوانق متعددة، على أنّني لم أقف على هذا المثال، في شرح المصنّف، ثمّ الظاهر من كلام سيبويه أنّ الّذي ذكروه، غير لازم، وذلك أنّه مثّل المسألة بقوله: لو كان معنا رجل إلّا زيد لغلبنا، ولا يصلح في هذا المثال الاستثناء أصلا، وقد تقدّم أيضا أنّ قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬6) لا يتصوّر فيه الاستثناء، لفساد المعنى به، فقد وقعت إِلَّا وصفا، في الآية الكريمة، وفي مثال سيبويه (¬7)، والاستثناء غير صالح فيهما، وقد رام - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 125) طبعة بولاق، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 924). (¬2) ينظر: المقتضب للمبرد (4/ 409). (¬3) ينظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 295). (¬4) ينظر: الأصول لابن السراج (1/ 349)، وشرح اللمع لابن برهان (1/ 153). (¬5) الدانق: سدس الدرهم، فارسي معرب، انظر: شرح اللمع لابن برهان (1/ 153)، والأصول لابن السراج (1/ 349)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 924). (¬6) سورة الأنبياء: 22. (¬7) الكتاب (1/ 370) طبعة بولاق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم تقدير هذا الشّرط، والتزامه في الآية الكريمة (¬1)، والمثال المذكور، على الانقطاع، وقال: إنّما قصد النحاة صحّة الاستثناء مطلقا، متّصلا كان، أو منقطعا، والانقطاع متصوّر هنا، والتقدير: لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا، لكن فيهما الله، وهو واحد، فلم تفسدا، وكذا المثال الّذي ذكره سيبويه؛ التقدير: لو كان معنا رجل لغلبنا، لكن معنا زيد، فلا نغلب، وفيما ذكره هذا القائل بعد، وأيضا فإنّه يؤدّي إلى أنّه لا فائدة في اشتراط صحّة الاستثناء، إذا جاء من موضع تقع فيه (إلّا) صفة إلّا، ويمكن صحة المنقطع فيه، واشترط المبرد أمرا خامسا - لم يتضمّنه كلام المصنف - وهو أن تكون (إلّا) الموصوف بها، واقعة موقعا يصلح فيه البدل (¬2)، ويعني به أن يكون الكلام الّذي قبلها غير موجب، والصحيح أنّ ذلك لا يشترط؛ لأنّه قد جاء الوصف بـ (إلّا) حيث لا يجوز البدل، كقوله: 1728 - وكلّ أخ مفارقة أخوه ... لعمر أبيك إلّا الفرقدان (¬3) وقد ظهر من المباحث المتقدمة أنّ أكثر الأمور المشترطة في وقوع «إلّا» وصفا غير لازمة، ولم يتحقق منها سوى شرط واحد، وهو أن يكون الموصوف بها مذكورا، وما نصّ سيبويه إلّا عليه، ولم يتعرض إلا إليه، بل أمثلته الّتي مثّل بها تدفع غير ذلك، كاشتراط الجمعية، أو شبهها وعدم التعرف، وكاشتراط الصلاحية للاستغناء، ولا ينبغي العدول عمّا قاله سيبويه؛ إذ لم ينهض على مخالفته دليل. ونقل الشيخ عن صاحب البسيط - وهو رجل يقال له: ابن العلج (¬4)، ورأيت - ¬

_ (¬1) هي آية: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: 22]. (¬2) المقتضب (4/ 416). (¬3) ينسب لعمرو بن معديكرب، وحضرمي بن عامر، الشاعرين الفارسيين، وهما من الصحابة - رضوان الله عليهم - ينظر: شواهد المغني (ص 78)، والدرر (1/ 194)، واللسان: مادة (الألف اللينة)، والبيت من الوافر. الفرقدان: نجمان لا يفترقان. والشاهد فيه: مجيء الوصف بـ «إلا»؛ حيث لا يجوز البدل. ينظر: الكتاب (1/ 334، 335)، والمقتضب (4/ 409)، وشرح المفصل (2/ 89)، والخزانة (2/ 52)، (4/ 79)، وديوانه (ص 118). (¬4) هو الإمام العالم ضياء الدين أبو عبد الله محمد علي الأشبيلي المعروف بابن العلج - بكسر العين المهملة وسكون اللام ثم الجيم - مؤلف كتاب البسيط في النحو، ذكره الشيخ أثير الدين أبو حيان، ونقل عنه كتاب البسيط كثيرا في البحر المحيط، والارتشاف والتذييل والتكميل، قال: قد سكن اليمن، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ يعظّمه، ويقبل كلامه، ويستكثر نقله - أنّه قال: جمهور النحويين على جواز كون (غير) تجري على المعرفة، فكذلك [3/ 51] (إلّا) (¬1)، و (هذا) - من: هذا الرجل - يدلّ على أنّ الجمهور لا يشترطون التنكير، ونقل عنه أيضا أنّه قال: والظاهر أنّها تقع بمعنى (إلّا) فيما تقع فيه (غير)، إلّا في الموضع الذي لا يتقدّمها موصوف، سواء كان في النّفي، أم في الإثبات، وكان - يعني الموصوف بها، مجموعا أو مفردا، أو منكرا، أو معرّفا (¬2)، وهذا النّقل صريح، في عدم اشتراط شيء من ذلك. قال صاحب البسيط (¬3) أيضا: ولمّا كانت (غير) من أخوات (مثل) و (شبه) وكان يصحّ فيها قصد التعريف، صحّ جريها على المعرفة والنّكرة، فكذلك (إلّا) بمعناها، تجري على النكرة، وعلى المعرفة (¬4). انتهى. وكما جاز أن تكون (إلّا) مع ما بعدها، وصفا لما قبلها، (غير) أجاز بعضهم أن تكون بدلا ممّا قبلها، كما يجوز في (غير) أن تكون بدلا، وممّن أجاز ذلك صاحب البسيط المتقدم الذكر، قالوا: ويشعر به كلام ابن الضّائع، أيضا قال في قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (¬5) لا يصحّ المعنى عندي إلّا على أن تكون (إلّا) في معنى (غير) التي يراد بها البدل، أي: لو كان فيهما آلهة، عوض واحد، أي بدل الواحد الّذي هو الله لفسدتا. قلت: وليس في كلام ابن الضّائع إشعار بالبدليّة؛ لأنه إنّما قال: (إلّا) في معنى (غير) التي يراد بها البدل، وقد بيّن هو مراد نفسه بقوله: أي لو كان فيهما آلهة عوض واحد، أي بدل الواحد، الذي هو الله تعالى، يعني أنّ المراد بـ (غير) التي وقعت (إلّا) موقعها، في الآية الشريفة، ما يراد بقوله: بدل، وعوض، لا الوصف الحقيقي، وهذا الّذي قاله يظهر أنّه الحقّ، والله تعالى أعلم بمراده. - ¬

_ - وصنف بها كتابا سماه: البسيط في النحو، وهو كتاب كبير يقع في عشرة مجلدات. ينظر النحاة لابن شهيد الأسدي (1/ 159)، مخطوط بدار الكتب المصرية، والبحر المحيط (8/ 47)، والتذييل والتكميل لأبي حيان (6/ 236) رسالة، وينظر: طبقات الأشباه والنظائر للسيوطي (2/ 166)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (2/ 417). (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 673) رسالة، ومنهج السالك (1/ 277). (¬2)، (¬3)، (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 615). (¬5) سورة الأنبياء: 22.

[إيلاء «إلا» نعت ما قبلها]

[إيلاء «إلا» نعت ما قبلها] قال ابن مالك: (ولا يليها نعت ما قبلها، وما أوهم ذلك فحال، أو صفة بدل محذوف، خلافا لبعضهم ويليها في النّفي فعل مضارع بلا شرط، وماض مسبوق بفعل، أو مقرون بـ (قد)، ومعنى «أنشدك إلّا فعلت» أي: ما أسألك إلّا فعلك). ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوّز ابن السيّد (¬1) أيضا أن تقع (إلّا) حالا، كما تقع (غير) حالا، وقال: إنّها تكون صفة للنكرة، وتتقدّم، وتنصب على الحال (¬2)، وأجاز في قول الشاعر: 1729 - وما لي إلّا الله غيرك ناصر (¬3) أربعة أوجه: أن يكونا معا حالين من (ناصر) واستثناءين مقدّمين، أو أحدهما استثناء، والآخر حال، ودعوي البدلية - كما يقول صاحب البسيط، ومن وافقه في ذلك - فيه نظر، وأما دعوى الحالية فبعيد جدّا، ونقل الشيخ عن بعضهم أنّ أكثر النّحاة ينكرونه (¬4). قال ناظر الجيش: شرع في ذكر أحكام تتعلق بـ (إلّا) الّتي هي أداة استثناء، فأشار بقوله: ولا يليها نعت ما قبلها إلى قول الأخفش - في كتاب المسائل له -: لا يفصل بين الموصوف والصفة بـ (إلّا) قال: ونحو: ما جاءني رجل إلّا راكب، يقدّر: ما جاءني رجل إلّا رجل راكب، فـ (راكب) صفة لـ (رجل) المحذوف، و (رجل) بدل من الأول، قال الأخفش: وفيه قبح لجعلك الصفة كالاسم» (¬5) وقد تقدّم أيضا، عن أبي عليّ أنّه قال في: ما مررت بأحد إلّا قائما إلّا أخاك: إنّ (قائما) لا يجوز كونه صفة لـ (أحد)؛ لأنّ (إلّا) لا تعترض بين الصّفة والموصوف، فهذا تصريح من أبي الحسن، وأبي علي بأنّ (إلّا) لا تفصل بين صفة - ¬

_ (¬1) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي (521 هـ) سبقت ترجمته. (¬2) ينظر: الحلل في شرح أبيات الجمل، لابن السيد (ص 316، 317) تحقيق د/ مصطفى إمام (مكتبة المتنبي). (¬3) قائله: الكميت بن زيد الأسدي، والبيت من الطويل، وهو بتمامه: فما لي إلا الله لا رب غيره ... وما لي إلا الله غيرك ناصر وقد سبق تخريجه. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 615). (¬5) ينظر: الارتشاف (2/ 303).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وموصوف. قال المصنّف: وما ذهبا إليه هو الصّحيح؛ لأنّ الموصوف والصفة كشيء واحد، وسيأتي أنّهما كشيء واحد، لا يختلفان بنفي الحكم عن أحدهما وإثباته للآخر كالمتوسط بينهما (إلّا)، ولأنّ الصفة توضح موصوفها، كما توضح الصلة الموصول، وكما يوضح المضاف إليه المضاف، فكما لا تقع (إلّا) بين الموصول، والصّلة ولا بين المضاف والمضاف إليه، كذا لا تقع بين الموصوف والصفة، ولأنّ (إلّا) وما بعدها في حكم جملة مستأنفة، والصفة لا تستأنف، ولا تكون في حكم مستأنف (¬1). وإذا تقرّر أنّ (إلّا) لا تعترض بين الموصوف والصفة وجب تأويل ما أوهم ذلك؛ فيجعل ما بعد (إلّا) في مثل: ما جاءني رجل إلّا راكب، صفة لموصوف محذوف، بدل من الاسم الذي قبل (إلّا) والتقدير: إلّا رجل راكب، كما تقدّم، وفي مثل: ما جاءني أحد إلّا زيد خير منه تجعل الكلمة التي بعد (إلّا) حالا من الاسم الذي قبلها، وإليهما أشار بقوله: وما أوهم ذلك فحال، أو صفة بدل محذوف، وأشار المصنف أيضا بقوله: خلافا لبعضهم إلى أنّ الزمخشري جعل ما بعد (إلّا) في مثل: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه، جملة ابتدائية، واقعة صفة لـ (أحد)، وقد قلت: إنّ المصنف منع ذلك؛ لأنّ (إلّا) لا تعترض بين الصفة والموصوف، للعلّة التي تقدمت على الخلاف لذلك، وما منعه المصنف فيه نظر، فإنّه قد تقدّم عنه الكلام على الاستثناء المفرغ أنّ التفريغ يكون باعتبار الصفات، كما يكون باعتبار غيرها، وإنّ من ذلك: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه، وكذا: ما جاءني من أحد إلّا قائم؛ لأنّ الوصف يكون مفردا، ويكون جملة، وحكمها في الصّحّة واحد، وإذا قصد التفريغ باعتبار الوصف تعيّن دخول (إلّا)؛ لأنّ المعنى المقصود بالتفريغ - وهو قصر الموصوف على الصّفة في مثل: ما جاءني رجل إلّا راكب - يفوت لو لم يأت بها، وقد أوضح هذا المعنى سيبويه حيث قال في قولك: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه: كأنك قلت: مررت بقوم زيد خير منهم، إلّا أنك أدخلت (إلّا) لتجعل (زيدا) خيرا من جميع من مررت به، ولو قلت: مررت بناس زيد خير منهم، لجاز أن يكون قد مرّ بناس آخرين هم خير من زيد، فإنّما قال: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه، ليخبر أنّه لم يمرّ بأحد يفضل - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 105)، والمساعد لابن عقيل (1/ 580).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيدا (¬1). انتهى كلام سيبويه. والظاهر منه أنّ الجملة الواقعة بعد (إلّا) في قولك: ما مررت بأحد إلّا زيد خير منه، صفة لـ «أحد»، وأنّ «إلّا» دخلت بين الموصوف والصفة، لتقيد المعنى الذي أشار إليه، فهي ملغاة لفظا، معتبرة معنى، وإذا [3/ 52] تقرّر هذا بعد المنع الذي أشار إليه المصنف إلّا أن يمنع التفريغ باعتبار الصفات، ولما منع المصنف كون الجملة المشار إليها وصفا، جعلها حالية كما تقدّم، وجعلها حالا لا يمتنع، ويكون ما قبل (إلّا) مفرغا لما بعدها، باعتبار الأحوال، نحو: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ (¬2)، وقد تقدّم. وطرد الزمخشريّ الحكم المتقدم، فجعل: وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (¬3) - من قوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (¬4) جملة واقعة صفة لـ قَرْيَةٍ وسطت الواو بينهما لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال - في الحال -: جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني زيد وعليه ثوب (¬5)، وردّ ذلك المصنف بأوجه خمسة (¬6): منها: أنّه قاس في ذلك الصفة على الحال، وبين الصفة والحال فروق كثيرة، كجواز تقدّمها على صاحبها، وجواز تخالفها بالإعراب، وجواز تخالفها بالتعريف، والتنكير، وجواز إغناء الواو عن الضّمير في الجملة الحالية، وامتناع ذلك في الواقعة نعتا، فكما بينت المخالفة بينهما في هذه الأشياء سبب المخالفة في الاقتران بالواو، جاز في الحاليّة وامتنع في الواقعة نعتا. ومنها: أنّ مذهبه - في هذه المسألة - مذهب لا يعرف لبصري ولا لكوفي. ومنها: أنّه تعلل بما لا يناسب؛ وذلك أنّ الواو تدلّ على الجمع بين ما قبلها، وما بعدها، وذلك مستلزم لتغايرهما، وهو ضدّ لما يراد من التّوكيد. ومن الأحكام المتعلقة بـ (إلّا) وقوع الفعل بعدها: فاعلم أنّ (إلّا) إنّما هي - أبدا - للاستثناء لفظا أو معنى، ولما كان الذي يتصوّر استثناؤه إنّما هو الاسم، - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 342) هارون. (¬2) سورة الأنفال: 16. (¬3) سورة الحجر: 4. (¬4) المرجع السابق، الصفحة نفسها. (¬5) ينظر: شرح المفصل (1/ 39)، والكشاف (2/ 444). (¬6) شرح المصنف (2/ 302)، والتذييل والتكميل (3/ 618)، وفي الشرحين بقية الأوجه الخمسة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم تدخل (إلّا) عليه، أو على الجملة الاسمية؛ لأنّ (إلّا) إذا دخلت عليها في اللفظ مباشرة للاسم، فأشبه دخولها على الجملة الاسمية دخولها على الاسم المسبوق بفعل، أو على ما يشبه الاسم وهو المضارع، أو الماضي المقرون بـ (قد) وشرطوا في مباشرتها الفعل وجود نفي قبلها، فقول المصنف: ويليها في النّفي مضارع بلا شرط إشارة إلى أنّه لا يشترط في وقوع الفعل المضارع بعد (إلّا) تقدم فعل، بلا وجود نفي كاف، فعلا كان ما ولي النّفي أو اسما، نحو: ما كان زيد إلّا يضرب، وما زيد إلا يسير، وقوله: وماض مسبوق بفعل، أو مقرون بـ (قد) إشارة إلى أنّه يشترط في وقوع الفعل الماضي بعدها - مع وجود النّفي - تقدم فعل، نحو: قوله تعالى: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (¬1) واقتران الماضي بـ (قد) كقول الشاعر: 1730 - ما المجد إلّا قد تبيّن أنّه ... بندى وحلم لا يزال مؤثّلا (¬2) فإن لم يسبق الماضي فعل، ولم يقترن بـ (قد) لم يجز وقوع الماضي بعد (إلّا)، فيمتنع: ما زيد إلّا قام. قال المصنف (¬3): وإنّما أغنى اقتران الماضي بـ (قد) عن تقدّم فعل، إلّا أنّ اقترانه بها يقرّبه من الحال، فيكون بذلك شبيها بالمضارع وإنما كان المضارع مستغنيا عن شرط في وقوعه بعد (إلّا) لشبهه بالاسم، والاسم بـ (إلّا) أولى؛ لأنّ المستثنى لا يكون إلّا اسما، أو مؤولا، وإنّما ساغ لتقديم الفعل وقوع الماضي بعد (إلّا)؛ لأنّ تقدّم الفعل مقرونا بالنفي يجعل الكلام بمعنى: كلّما كان كذا وكذا كان كذا وكذا، فكان فيه فعلان كما كان مع (كلّما) (¬4)، وقوله: ومعنى: أنشدك إلّا فعلت كذا، كأنّه جواب عن سؤال مقدر، وهو أن يقال: قد وقع الفعل بعد (إلّا) ولم يوجد النّفي قبلها، وقد شرطوه فقال: هو مؤول بالنّفي، فصورته موجب، - ¬

_ (¬1) سورة الحجر: 11، وسورة يس: 30. (¬2) البيت من الكامل، ولم ينسب لقائل معين. الندى: الجود، والحلم: الأناة، والمؤثل: المؤصل. والشاهد: في وقوع الفعل الماضي، بعد (إلّا) مقرونا بـ (قد) التي سوغت وقوعه بعدها. ينظر: شرح المرادي (1/ 177)، والمساعد لابن عقيل (1/ 581)، وهمع الهوامع (1/ 195). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 303). (¬4) آخر كلام ابن مالك، شرح التسهيل (2/ 303).

[عمل ما قبل «إلا» فيما بعدها وعكسه]

[عمل ما قبل «إلا» فيما بعدها وعكسه] قال ابن مالك: (ولا يعمل ما بعد «إلّا» فيما قبلها مطلقا، ولا ما قبلها فيما بعدها إلّا أن يكون مستثنى، أو مستثنى منه، أو تابعا له، وما ظنّ من غير الثلاثة معمولا لما قبلها قدّر له عامل خلافا للكسائي في منصوب ومخفوض، وله ولابن الأنباري في مرفوع). ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى بخلاف ذلك، و (فعلت) الواقع بعد (إلّا) مؤول أيضا بالمصدر، والتقدير - كما بيّنه المصنف -: ما أسألك إلّا فعلك، قال بعضهم: وجاز ذلك هنا؛ لأنّ باب القسم قد اتّسع فيه لكثرته في الكلام، فجاز فيه ما لا يجوز في غيره (¬1). قال ناظر الجيش: الاستثناء في حكم جملة مستأنفة؛ لأنّك إذا قلت: جاء القوم إلّا زيدا، فكأنّك قلت: جاء القوم ما منهم زيد، فمقتضى هذا ألّا يعمل ما بعد (إلّا) فيما قبلها، ولا ما قبلها فيما بعدها (¬2) على الإطلاق، فاستمرّ على ما اقتضته هذه المناسبة من منع إعمال ما بعدها فيما قبلها نحو: ما زيد إلّا أنا ضارب، فلا يجوز إعمال (ضارب) في (زيد) لذلك؛ بل رفع (زيد) بالابتداء (¬3)، ويقدّر العائد على المبتدأ من (ضارب) محذوفا، وكذلك استمرّ على ما اقتضته المناسبة، من منع إعمال ما قبلها فيما بعدها، إلّا فيما لا مندوحة عنه، من إعمال ما قبلها في مستثنى فرّغ له العامل، نحو: ما قام إلّا زيد، أو مستثنى منه، نحو: ما - ¬

_ (¬1) في المساعد لابن عقيل (1/ 582) تحقيق د/ بركات: «ومعنى (أنشدك الله إلا فعلت): ما أسألك إلا فعلك، ولولا أنه محمول على هذا لما صح؛ لأنه كلام موجب، فقياسه ألا تدخل (إلا)؛ لأنه مفرغ، ولا يتكلم بالفعل بعده، لعدم النفي لكنه حمل على المعنى، فصورته واجب، والمعنى على النفي المحصور فيه المفعول، وقدر الفعل بالمصدر بلا سابك، لضرورة افتقار المعنى إلى ذلك فهو نظير: قمت حين قام زيد وأمثاله، ويقال: نشدتك الله: أي: سألتك بالله، ونشدتك فلانا أنشده نشدا، إذا قلت له: نشدتك الله». اه. (¬2) في المساعد لابن عقيل (1/ 582): «أي في جميع الأحوال بخلاف عمل ما قبلها فيما بعدها؛ فإنه يصلح في المسائل الثلاث التي سيذكرها، وفي غيرها عند من أجازه» ا. هـ. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 304)، والتذييل والتكميل (3/ 622) وفيه: «وقال الرماني: لا يعمل ما بعد (إلا) فيما قبلها، كقولك: ما قومك زيدا إلا ضاربون؛ لأن تقدم الاسم الواقع بعد (إلا) عليها غير جائز، فكذلك معموله؛ لما تقرر أن المعمول لا يقع إلا حيث يقع العامل، إذا كان تابعا له، وفرعا عليه، فإن جاء ذلك في الشعر أضمر له فعل من جنس المذكور». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قام إلّا زيدا أحد، أو تابع للمستثنى منه، نحو: ما مررت بأحد إلّا زيدا خير من عمرو، ولم تجز الزيادة على هذه الثلاثة لئلّا تكثر مخالفة الأصل، ويترك مقتضى الدليل، دون ضرورة؛ فلا يقال: ما ضرب إلّا زيد عمرا، ولا: ما ضرب إلّا زيدا عمرو، ولا: [ما] مرّ إلا زيد بعمرو، بل الواجب أن نؤخر المقرون بـ (إلّا) باستمرار على مقتضى الدليل المذكور، فإن ورد ما يخالف ذلك قدّر له عامل بعد «إلّا» (¬1) كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ (¬2)، أي: أرسلناهم بالبينات، وهذا مثال تأخّر المجرور، ومثال تأخّر المنصوب قول الشاعر: 1731 - ما كفّ إلّا ماجد ضير بائس ... أمانيه منه أتيحت بلا منّ (¬3) أي: إلّا ماجد كفّ ضير بائس (¬4)، ومثال تأخّر المرفوع قول الشاعر: 1732 - تزوّدت من ليلى بتكليم ساعة ... فما زاد إلا ضعف ما بي كلامها (¬5) ومثله قول الآخر [3/ 53]: 1733 - وهل ينبت الخطيّ إلّا وشيجه ... وتغرس إلّا في منابتها النّخل (¬6) - ¬

_ (¬1) يفسر هذا العامل ما قبله. (¬2) سورة النحل: 43، 44. (¬3) لم يعين قائله، والبيت من الطويل. الشاهد: في قوله: (ضير بائس)؛ إذ هو مفعول للفعل قبل (إلا) على مذهب الكسائي، والجمهور ينصبه يفعل محذوف، أما الفاعل وهو (ماجد) فرغ له العامل. ينظر: تعليق الفرائد (ص 800)، الهمع (1/ 230)، الدرر (1/ 695). (¬4) وتقدير العامل في الآية الكريمة والبيت رد على الكسائي في إجازة تأخير المنصوب والمجرور كذلك المرفوع، وقد وافقه فيه ابن الأنباري. (¬5) مجنون ليلى، كما ذكر العيني، وصاحب الدرر، ولكنه ليس في ديوانه. الشاهد: في قوله: «كلامها»؛ حيث إنه فاعل للفعل قبل (إلّا) على مذهب الكسائي، وابن الأنباري، والجمهور يرفعه بفعل محذوف، أما غراما أو (ضعف) فهو مفعول فرغ له العامل، والبيت من الطويل. وينظر في: العيني (2/ 481)، التصريح (1/ 282)، الهمع (1/ 161)، الدرر (1/ 143، 195). (¬6) البيت من بحر الطويل من قصيدة لزهير بن أبي سلمى، يمدح شيبان بن خارجة. اللغة: الخطي - بفتح الخاء، وتشديد الطاء والياء -: الرمح المنسوب إلى الخط، وهو سيف البحر عند عمان، والبحرين، والوشيج: - بفتح الواو، وكسر الشين، بعدها ياء ساكنة - فجيم من القنا: ما ينبت في الأرض، معترضا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله - أيضا - ما أنشده سيبويه من قول الآخر: 1734 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعبا إلّا ببين غرابها (¬1) وأجاز الكسائي الأوجه الثلاثة على تعليق المعمولات، وما قبل (إلّا) واوفقه الأخفش، في الظرف، والجارّ والمجرور، والحال، نحو: ما جلس إلّا زيد عندك، وما أوى إلا عمرو إليك، وما جاء إلّا محمّد محللة له الغنائم، ووافقه ابن الأنباري (¬2)، في المرفوع خاصة، وفرق بينه وبين غيره بأن قال: الدليل يقتضي ألّا يتأخر مرفوع، ولا غيره؛ لأنّ مسائل الاستثناء المفرغ فيها العامل لما بعد (إلّا) جديرة بأن تختم بالمستثنى، فإن كان الواقع بعده مرفوعا نوي تقديمه، واتصاله برافعه؛ لأنه كجزء منه، وتأخيره لفظا لا يمنع أن ينوى تقديمه؛ لأنّه الأصل، ويلزم من ذلك تقدير المستثنى مختوما به، وإن كان الواقع بعد المستثنى غير مرفوع لم يجز أن ينوى تقديمه؛ لأنه متأخر بالأصالة وقد وقع في موضعه، فيلزم من تجويزه منع كون المستثنى المفرغ له العامل غير مختوم به لفظا ولا تقديرا. انتهى كلام ابن الأنباري (¬3). وقد تقدّم القول في هذه المسألة في باب النائب عن الفاعل (¬4). ¬

_ - والمعنى: أن القناة لا تنبت إلا لقناة، ولا يغرس النخل إلا بحيث ينبت، فكذلك الكرام، لا يولدون إلا في موضع كريم. والشاهد: في قوله: «النخل»؛ حيث إنه نائب فاعل، لفعل قبل (إلا) على مذهب الكسائي، وابن الأنباري والجمهور يرفعه بعامل محذوف، أما الفاعل في الشطر الأول «وشيجه» فإن العامل قد فرغ له. والبيت في ديوان زهير بن أبي سلمى (ص 63)، العيني (2/ 482)، التصريح (1/ 282). (¬1) قائله الفرزدق، أو الأحوص الرباحي، وهو من الطويل. وهو في الكتاب (1/ 165)، الخزانة (1/ 234)، (2/ 142)، والإنصاف (ص 122، 240)، يهجو بني يربوع، ينسبهم إلى الشؤم، وقلة الصلاح والخير، وأنهم لا يصلحون أمر العشيرة إذا ما فسد، فغرابهم لا ينعب إلا بالبين والفرقة. والشاهد فيه: - هنا - وقوع الفاعل بعد «إلا» حيث يرفعه الكسائي، وابن الأنباري، باسم الفاعل، الذي قبل (إلا) والجمهور يرفعه، لعامل محذوف. (¬2) هو أبو بكر محمد بن القاسم المتوفى سنة (327 هـ) له مصنفات مفقودة، سبقت ترجمته. (¬3) ينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 57)، وشرح المصنف (2/ 305)، وشرح الألفية للمرادي (2/ 18)، وشرح ابن عقيل (1/ 166)، وشرح الأشموني (2/ 58). (¬4) انظر باب النائب عن الفاعل من الكتاب الذي بين يديك.

[أحكام الاستثناء ب «حاشا»، و «عدا»، و «خلا»]

[أحكام الاستثناء بـ «حاشا»، و «عدا»، و «خلا»] قال ابن مالك: (فصل: يستثنى بـ «حاشا» و «خلا» و «عدا» فيجررن المستثنى أحرفا، وتنصبنه أفعالا، ويتعيّن الثاني لـ «خلا» و «عدا» بعد «ما» عند غير الجرمي، والتزم سيبويه فعلية «عدا» وحرفيّة «حاشا» وإن وليها مجرور باللّام لم تتعيّن فعليتها، خلافا للمبرّد، بل اسميتها، لجواز تنوينها، وكثر فيها «حاش»، وقلّ «حشا، وحاش»، وربما قيل: ما حاشا، وليس «أحاشي» مضارع «حاشا» المستثنى بها، خلافا للمبرّد، والنصب في: «ما النساء وذكرهنّ» بـ «عدا» مضمرة، خلافا لمن أوّل «ما» بـ «إلّا»). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: من أدوات الاستثناء (حاشا)، و (خلا)، و (عدا) والمستثنى بهنّ منصوب، أو مجرور، فإن كان مجرورا فهنّ أحرف جرّ، وإن كان منصوبا فهنّ أفعال، مستحقة منع التصرف، لوقوعها موقع الحرف، وتأديتها معناه، فاستدلّ بالعمل على حرفيتها أو فعليتها؛ لأنّ الجرّ من عمل الحروف، والنصب من عمل الأفعال. قال الشيخ: ولو زعم زاعم أنّها حال كون ما بعدها مجرورا، أسماء مستثنى بها، كـ (غير) و (سوى) وأنّها حال كون ما بعدها منصوبا أحرف، محمولة على (إلّا) لتوافقها مع (إلّا) في المعنى لم يكن ذلك ببعيد (¬1). انتهى. وفيما أشار إليه نظر: فإنّها لو كانت حال الجرّ بها اسما لجاز تفريغ العامل لها، كما يفرغ لـ (غير) وهو لا يفرغ، ولو كانت حال النصب بها أحرفا كـ (إلّا) لجاز أيضا تفريغ العامل لما بعدها، كما يفرّغ لما بعد (إلّا) وهو لا يجوز، ولكانت نون الوقاية معها غير لازمة، إذا اتصلت ياء المتكلّم بها، وهي لازمة إذا امتنعت اسميتها حال الجرّ، والفعلية منفية؛ لأنّ الفعل لا يجرّ - تعينت الحرفية، وإذا امتنعت الحرفية حال النصب والاسمية منتفية؛ لأنّ ما بعدها معمول لها، وليست من قبيل الأسماء العاملة، ولاتصال نون الوقاية، وهي لا تتصل بالأسماء - تعيّنت الفعلية. - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 625).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد التزم سيبويه فعليّة (عدا) وحرفية (حاش) وأمّا (خلا) فغلب فعليتها على حرفيتها، قال: وما جاء من الأفعال فيه معنى (إلّا) فـ (ليس) و (لا يكون) و (عدا) و (خلا) وما فيه ذلك المعنى من حروف الإضافة، وليس باسم كـ (حاش) و (خلا) في بعض اللغات (¬1) هذا نصّه، وقال - في آخر أبواب الاستثناء -: وبعض العرب يقول: ما أتاني القوم خلا عبد الله، فجعل (خلا) بمنزلة (حاش) (¬2). انتهى. قال المصنف (¬3): وكون (حاشا) حرفا جارّا هو المشهور ولذلك لم يتعرض سيبويه لفعليتها، أو النصب بها، إلّا أنّ ذلك ثابت بالنّقل الصحيح، عمّن يوثق بعربيته، فمن ذلك قول بعضهم: «اللهمّ اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان، وأبا الإصبع» (¬4) رواه أبو عمرو الشيباني (¬5) وغيره. وأنشد ابن خروف - في شرح الكتاب - قول الشاعر: 1735 - حاشا قريشا، فإنّ الله فضّلهم ... على البريّة بالإسلام والدّين (¬6) وقال الفرّاء: إذا استثنيت بـ (ما عدا) و (ما خلا) ضمير المتكلم قلت: ما عداني وما خلاني، ومن نصب بـ (حاش) قال: حاشاني ومن خفض قال: - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 347)، والمساعد لابن عقيل (1/ 584). (¬2) الكتاب (2/ 349، 350). (¬3) شرح المصنف (2/ 306). (¬4) قال ابن السراج في الأصول (1/ 351): «وحكى أبو عثمان المازني عن أبي زيد قال: سمعت أعرابيّا يقول: اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان، وأبا الإصبع». وفي شرح ابن يعيش (2/ 85): وابن الإصبع وكذا في شرح الكافية للرضي وعلى هذه الرواية لا يظهر المقصود بالعطف وهو النصب بالألف. ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 123)، والتوطئة للشلوبين (ص 279) طبعة: دار التراث، ومغني اللبيب (1/ 122)، تعليق الشيخ محيي الدين. (¬5) هو إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفي المتوفى سنة (206 هـ). (¬6) البيت من الطويل وهو للفرزدق في ديوانه (ص 266)، برواية: إلا قريشا فإن الله فضلها ... على البرية بالإسلام والخير ولا شاهد في هذه الرواية. ينظر: العيني (3/ 137)، والهمع (1/ 333)، والدرر (1/ 196)، والأشموني (2/ 165).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حاشاي (¬1)، هذا نصّه. وتعصّب بعض المتأخرين، مانعا فعلية (حاشا) لقول بعض العرب: (حاشاي) وأنشد: 1736 - في فتية جعلوا الصّليب إلههم ... حاشاي إنّي مسلم معذور (¬2) وأجاب المصنف بأنّ ذلك ورد على استعمالها حرفا؛ لأنّه أكثر من استعمالها فعلا، ولو أنّ من قال: حاش الشيطان دعته حاجة إلى استثنائه نفسه، قاصدا للنصب لقال: حاشاني، كما يقال: عساني (¬3)، وقال بعض المتعصبين (¬4) - أيضا -: لو كانت (حاش) فعلا لجاز أن يوصل بها (ما) كما (¬5) وصلت بـ (عدا) و (خلا) وما ذكره غير لازم، فإنّ من أفعال هذا الباب (ليس) و (لا يكون) ولم توصل (ما) بهما، وأيضا فالدليل يقتضي ألّا توصل (ما) وغيرها، من الحروف الموصلة بالأفعال، إلّا بفعل له مصدر مستعمل، حتى يقدّر الحرف وصلته واقعين موقع ذلك المصدر، ومعلوم أنّ أفعال هذا الباب ليس لها مصادر مستعملة فإذا وصل بها حرف مصدري فهو على خلاف الأصل، فلا يبالى بانفراده بذلك فيقال: لم لم يوافقه غيره، فإنّ موافقته تكثير للشذوذ ومخالفته استمرار على مقتضى الدليل، ومن ورود الجرّ بـ (حاش) - وإن كان هو المجمع عليه - قول الشاعر [3/ 54]: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 627) والتصريح (1/ 112)، والهمع (1/ 232). (¬2) قائله الأقيشر الأسدي، واسمه المغيرة بن أسود بن عبد الله بن أسد بن خزيمة، نشأ في أول الإسلام، وعمّر عمرا طويلا، ويروى: من معشر عبدوا الصليب سفاهة ... ... المعذور: المختون، وهو مقطوع العذرة، وهي: قلفة الذكر، يقال: عذر الغلام، وأعذره، وكذلك الجارية، الأكثر: عذر الغلام، وختن الجارية، والبيت من الكامل. والشاهد: في قوله: «حاشاي»؛ حيث جرّ ياء المتكلم بـ (حاش)، فلو كان في محل نصب لاتصلت نون الوقاية بالفعل. ينظر: العيني (1/ 377)، والتصريح (1/ 112)، والهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 197). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 638). (¬4) قال سيبويه (1/ 337): «لو قلت أتوني ما حاشا زيد لم يكن كلاما». اه. (¬5) أجاز أبو الحسن الأخفش دخول (ما) المصدرية على قلة. قال التبريزي: وأجاز بعضهم على قلة فقال: رأيت الناس ما حاشا قريشا ... فإنّا نحن أفضلهم فعالا مبسوط الأحكام (3/ 914)، وينظر: شرح الكافية للرضي (1/ 244)، والبسيط (ص 121)، وشرح الأشموني (2/ 165)، والخزانة (2/ 36)، والهمع (1/ 233)، والدرر اللوامع (1/ 197).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1737 - حاشا أبي ثوبان إنّ أبا ... ثوبان ليس ببكمة فدم عمرو بن عبد الله إنّ به ... ضنّا عن الملحاة والشّتم (¬1) وقبلها قوله: 1738 - وبنو رواحة ينظرون إذا ... نظر النّديّ بآنف خشم (¬2) قال المصنف: وروي: «أبا ثوبان» بالنصب (¬3). ومن شواهد الجرّ بـ (عدا) قول الشاعر: 1739 - تركنا في الحضيض بنات عوج ... عواكف قد خضعن إلى النّسور أبحنا حيّهم قتلا وأسرا ... عدا الشمطاء والطّفل الصّغير (¬4) ومن شواهد الجرّ بـ (خلا) قول الشاعر: 1740 - خلا الله لا أرجو سواك إنمّا ... أعدّ عيالي شعبة من عيالكا (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو لجميع الأسدي، واسمه المنقذ بن الطماح. اللغة: البكمة: - من البكم - وهو الخرس، والفدم: العيي الثقيل، والضنّ: البخل. والملحاة: - بفتح الميم -: مصدر ميمي، كالملاحاة، وهي المنازعة. الشاهد: في قوله: «حاشا أبي ثوبان»، حيث جرّ المستثنى بـ (حاشا). ينظر: المفضليات (ص 367)، والأصمعيات (ص 218)، والكشاف (2/ 362)، والإنصاف (ص 162)، والبحر المحيط (5/ 301)، والهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 196)، والأشموني (2/ 165)، والبيتان من الكامل. (¬2) الندي: النادي، وأراد به أهله، وآنف: جمع قلة للأنف، وخشم: جمع أخشم، وهي العظام، الكثيرة اللحم. (¬3) شرح المصنف (1/ 308). (¬4) البيتان من بحر الوافر وهما مجهولا القائل. اللغة: الحضيض: القرار من الأرض، عند منقطع الجبل، وأراد به الموضع الذي وقعت فيه الحرب، وبنات عوج: أي بنات خيول عوج، وهو جمع أعوج، والعوج من الخيل: التي في أرجلها تجنيب، وهو انحناء، وتوتر في رجل الفرس، وهو مستحب، وعواكف: جمع عاكفة، من عكف على الشيء يعكف عكوفا، إذا أقبل، والنسور: جمع نسر، وهو الطائر المعروف، والشمطاء: التي يخالط سواد شعرها بياض. والشاهد: في البيت الثاني؛ حيث جرّ المستثنى بـ (عدا) ويؤكد هذا قافية البيت الأول إذ هي مجرورة. ينظر: التصريح (1/ 363)، والهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 197)، والأشموني (2/ 163)، والعيني (3/ 132). (¬5) سبق تخريجه. والشاهد فيه: - هنا - جر المستثنى بـ (خلا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: رواه من يوثق بروايته: «خلا الله» بالجرّ (¬1)، ومن النّصب بـ (عدا) وإن كان المشهور - قول الشاعر: 1741 - يا من دحا الأرض ومن طحاها ... أنزل بهم صاعقة أراها تحرّق الأحشاء من لظاها ... عدا سليمى، وعدا أباها (¬2) ومن النّصب بـ (خلا) قول الآخر: 1742 - وبلدة ليس بها طوريّ ... ولا خلا الجنّ بها إنسيّ (¬3) واتفق الجمهور على وجوب النّصب بـ (عدا) و (خلا)، مصحوبين بـ (ما) كقوله: 1743 - ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل (¬4). وقول الآخر: 1744 - تملّ الّندامى ما عداني فإنّني ... بكلّ الذي يهوى نديمي مولع (¬5) وسبب ذلك أنّ (ما) مصدرية، ولا يليها حرف جرّ، وإنمّا توصل بجملة فعلية، أو اسمية قليلا، وأجاز الجرمي جرّ ما بعدهما حينئذ - ورواه عن العرب (¬6)، والوجه فيه أن تجعل (ما) زائدة، و (عدا، وخلا) حرفي جرّ، وفيه شذوذ؛ لأنّ - ¬

_ (¬1) شرح المصنف (2/ 310). (¬2) البيتان من بحر الرجز لقائل مجهول. اللغة: دحا، وطحا: بمعنى بسط، والصاعقة: نار تسقط من السماء في رعد شديد، واللظى: النار. والشاهد: في نصب المستثنى بـ (عدا) في قوله: «عدا سليمى»، و «عدا أباها». ينظر: الهمع (1/ 232)، والدرر (1/ 196)، والتذييل والتكميل (3/ 630) رسالة، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 787) رسالة. (¬3) رجز للعجاج. (¬4) لبيد بن ربيعة العامري، وقد سبق تخريجه وهو بتمامه: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل (¬5) لم يعين قائله، والبيت من الطويل. الندامى: جمع نديم، وهو شريب الرجل، الذي ينادمه. والشاهد فيه: نصب المستثنى بـ (عدا) مما يدل على أنها فعل؛ لذا لحقتها نون الوقاية. ينظر: شرح المرادي (177 / ب)، والشذور (ص 262)، والعيني (1/ 363)، (2/ 124)، والهمع (1/ 323)، والدرر (1/ 197). (¬6) ينظر: شرح الرضي (1/ 230)، والغرة شرح اللمع لابن الدهان (2/ 139).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ما) إذا زيدت مع حرف الجرّ لا تتقدم عليه، بل تتأخر عنه، نحو: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ (¬1) وعَمَّا قَلِيلٍ (¬2) وحيث نصب الاسم بعد (عدا) و (خلا) موصولين بـ (ما) أو غير موصولين بـ (ما) نصبه الأفعال، على أنه مفعول به وسيأتي الكلام على فاعل الأفعال المشار إليها وعلى محلّها أيضا، واعلم أنه تجرد (حاشا) عن معنى الاستثناء، وتستعمل مقصودا بها تنزيه الاسم المذكور بعدها عن السوء، فيقال: - حينئذ - حاش زيد، وحاشا لزيد؛ منونة، وغير منونة، وقد يبتدئون بتنزيه اسم الله تعالى، على جهة التعجّب، كما في قوله تعالى: قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ (¬3)، وإذا قصد بها هذا المعنى خرجت عن أن تكون حرفا؛ لأنّ الحرف لا يضاف، ولا ينوّن ولا يباشر حرفا مثله، وهل هي اسم أم فعل؟ في ذلك خلاف. قال المصنف (¬4): وإذا ولي حاشا مجرور باللّام فارقت الحرفية بلا خلاف؛ إذ لا يدخل حرف جرّ على حرف جرّ، وإذا لم تكن حرفا فهي إمّا فعل، وإمّا اسم، فمذهب المبرّد أنّها - حينئذ - فعل (¬5)، والصّحيح أنها اسم، منتصب انتصاب المصدر الواقع بدلا من اللفظ بالفعل، فمن قال: حاشَ لِلَّهِ بالإضافة - وهي قراءة ابن مسعود (¬6) - فهي مثل: سبحان الله، ومعاذ الله (¬7)، ومن قال: (حاشا لله)، بالتنوين - وهي قراءة أبي السّمّاك (¬8) - فهو مثل: رعيا لزيد، وأما القراءة - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 159. (¬2) سورة المؤمنون: 40. (¬3) سورة يوسف: 51. (¬4) شرح المصنف (2/ 308) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، د/ بدوي المختون. (¬5) ينظر: المقتضب للمبرد (4/ 392) تحقيق/ عبد الخالق عضيمة. (¬6) هو عبد الله بن مسعود بن الحارث أبو عبد الرحمن الهذلي المكي، أحد السابقين والبدريين، والعلماء الكبار من الصحابة، إليه منتهى قراءة عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، والأعمش، توفي سنة (32 هـ). ينظر: غاية النهاية (1/ 458، 459). (¬7) في الكشاف للزمخشري (2/ 317): فمعنى (حاشا الله): براءة الله، وتنزيه الله، وهي قراءة ابن مسعود، على إضافة (حاشا) إلى (الله)، إضافة البراءة. اه. وقد نقل هذا الكلام بنصه عن الزمخشري في البحر المحيط (5/ 302). (¬8) هو أبو السماك، قعنب بن أبي قعنب، العدوي البصري، له اختيار في القراءة، شاذ عن العامة، رواه عنه أبو زيد، سعيد بن أوس، وأسند الهذلي قراءة أبي السماك عن هشام البربري، عن عباد بن راشد، عن الحسن عن سمرة، عن عمر، وهذا سند لا يصح. ينظر: غاية النهاية (2/ 27).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المشهورة وهي: حاشَ لِلَّهِ - بغير تنوين - فالوجه فيها أن يكون (حاشا) مبنيّا، لشبهه بـ (حاشا) التي هي حرف، فإنّه شبيه بها لفظا، ومعنى، فجرى مجراه، في البناء (¬1) كما جرى في (عن) من: 1745 - ... من عن يميني تارة وأمامي (¬2) مجرى (عن) في نحو: رويت عن زيد. انتهى. وقد أفهمت عبارة المصنّف - في المتن (¬3) أنّ المبرد دائما يدّعي الفعلية فيها إذا وليها المجرور باللّام، وهو الظاهر فإنه حال إضافتها - لا يمكن أن يكون فعلا، وكذا إذا نونت وإن وليها المجرور المذكور، وحينئذ تبعد دعوى المبرد؛ لأنّ معناها - مضافة وغير مضافة، منونة - وغير منونة واحد، وهو التّنزيه، كما تقدّم، فكيف يدّعي الفعليّة في بعض الصور، دون بعض مع إمكان غيرها؟ فالظاهر اتفاقهم، وإن وليها اللام، كما قال المصنف، وفي (حاشا) لغات أربع: إحداها: إثبات الألف الأولى والأخيرة. الثانية: إثبات الأولى، وحذف الأخيرة. الثالثة: عكسها. الرابعة: حذف الألف الأخيرة، مع سكون آخرها (¬4). وقال الشيخ - ما معناه -: إنّ هذه اللغات في (حاشا) التي تستعمل للتنزيه، والمرادة من الصور، ظاهر عبارة المصنّف أنّ اللغات المذكورة في المستثنى بها أيضا، - ¬

_ (¬1) لمراجعة القراءتين المذكورتين ينظر: معاني الفراء (2/ 341)، والمحتسب (2/ 341)، والبحر المحيط (5/ 303)، والمساعد لابن عقيل (1/ 585). (¬2) قائله: قطري بن الفجاءة الخارجي، وهو عجز بيت من الكامل، وصدره: ولقد أراني للرماح دريئة ... ... والدريئة: الحلقة التي يتعلم عليها الطعن والرمي. والشاهد: في مجيء (عن) اسما بمعنى جانب، وهي ساكنة، كما كانت حرفا. ينظر: شرح المفصل (8/ 40)، والخزانة (4/ 258)، والتصريح (29/ 190)، والهمع (2/ 36)، والأشموني (2/ 226). (¬3) أي قوله: «وإن وليها مجرور باللام لم يتعين فعليتها خلافا للمبرد. ينظر: تسهيل الفوائد (ص 106). (¬4) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 585) تحقيق د/ بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد نقل غير المصنف أنّ (حشى) جاءت للاستثناء حاش (¬1)، وأنشد عليه: 1746 - حشى رهط النّبيّ فإن منهم ... بحورا لا تكدّرها الدّلاء (¬2) وأشار المصنف بقوله: وربّما قيل: (ما حاشا) إلى ما روي من قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أسامة أحبّ الناس إليّ ما حاشا فاطمة» (¬3) وأنشد الشيخ على ذلك (¬4): 1747 - رأيت الناس ما حاشا قريشا ... فإنّا نحن أفضلهم فعالا (¬5) وأشار المصنّف أيضا بقوله: وليس (أحاشي) مضارع (حاشا) المستثنى بها إلى أنّ المبرد استدلّ على فعلية (حاشا) (¬6) التي هي أداة الاستثناء بقول النابغة: 1748 - ولا أرى فاعلا في النّاس يشبهه ... وما أحاش من الأقوام من أحد (¬7) قال المصنف: وهذا منه غلط؛ لأنّ (حاشا) إذا كانت فعلا، وقصد بها الاستثناء، فهي واقعة موقع (إلّا) ومؤدية معناها، فلا تتصرف، كما لا تتصرف - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (3/ 639): «يعني في التي تستعمل للتنزيه والبراءة من السوء ولا يحفظ (حاش) في المستثنى بها، وحفظ حاشا». اه. (¬2) البيت من الوافر، ولم أهتد إلى قائله. رهط الرجل: أهله، والدلاء: جمع دلو. والشاهد: في استعمال (حاشا) المحذوفة والألف الأولى للاستثناء. ينظر: المقرب (1/ 172). اللسان مادة (حشا). (¬3) أخرجه ابن حنبل (2/ 96، 106، 107). (¬4) نسب في العيني (3/ 136)، وشواهد المغني (ص 127) إلى الأخطل، وليس في ديوانه. (¬5) البيت من بحر الوافر. الشاهد في قوله: «ما حاشا»؛ حيث دخلت (ما) على (حاشا) وهو قليل، عند بعض العلماء، شاذ عند غيرهم، كسيبويه، وأكثر النحويين. ينظر: الهمع (1/ 233)، والغرة لابن الدهان (2/ 190)، والخزانة (2/ 36)، والتصريح (1/ 365)، والأشموني (2/ 165)، والمساعد لابن عقيل (1/ 586). (¬6) في المساعد لابن عقيل (1/ 586): «خلافا للمبرّد في استدلاله على فعلية (حاشا) في الاشتقاق، بتصريف الفعل نحو: حاشيت زيدا، أحاشيه؛ لأنّ حاشيت مشتق من حاشا حرف الاستثناء، كما اشتق سوفت من سوف». اه. (¬7) استدل المبرد بقوله: لا أحاش، على فعلية حاشا الاستثنائية، ورد ذلك عليه. ينظر: ديوان النابغة (ص 33)، الإنصاف (161)، وشرح المفصل (2/ 85)، والغرة لابن الدهان (2/ 190)، وشرح الجمل لابن العريف (109 / أ)، وابن القواس (ص 397)، والمغني (ص 121)، والخزانة (2/ 44)، والهمع (1/ 233)، والدرر (1/ 198)، والأشموني (2/ 167) والبيت من البسيط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (عدا) و (خلا) و (ليس) و (لا يكون) بل هي أحقّ بمنع الصّرف؛ لأنّ فيها مع مساواتها (إلّا) - وقع شبيهها بـ (حاش) الحرفية لفظا ومعنى، وأمّا (أحاشي) فمضارع (حاشيت) بمعنى استثنيت، وهو فعل متصرف مشتقّ من لفظ (حاش) المستثنى بها، كما اشتقّ (سوفت) من لفظ (سوف) و (لوليت) من لفظ (لولا) و (أنّهت) من لفظ (إنّها) وأمثال ذلك كثيرة (¬1). وأشار أيضا بقوله: والنصب في: ما النّساء إلى ما روي من كلام العرب: «كلّ شيء مهمه ما النساء وذكرهنّ» (¬2)، ومعناه: كلّ شيء يستر، ما عدا النساء وذكرهنّ، فحذفوا (عدا) وأبقوا عملها (¬3). قال المصنف: وزعم بعض الناس أنّ (ما) - هنا - بمعنى (إلا)، وليس بشيء (¬4) قال الشيخ: لأنّ (ما) لم يثبت لها قطّ معنى (إلّا) في لسان العرب بخلاف كونها مصدريّة (¬5)، قال: وإنّما أضمر [3/ 55] (عدا) لأنّها متفق على فعليتها، بخلاف (خلا) و (حاشا) فكانت أولى، ونقل عن السهيليّ أنّ (ما) في هذا المثال المذكور بمعنى (ليس) أي: ليس النساء وذكرهنّ (¬6). قال الشيخ: فهذا مذهب ثالث؛ لأنّها عنده نافية، ليست مصدريّة، ولا بمعنى (إلا) (¬7). ¬

_ (¬1) شرح المصنف (2/ 309). (¬2) ذكره الميداني في مجمع الأمثال (2/ 132) برواية «كل شيء مهمه ما خلا النساء وذكرهن»، وينظر اللسان مادة «مهمه» في اللسان: مههت: لنت، ومهّ الإبل: رفق بها، وسير مهه ومهادة: رفيق، والمهة: الطراوة والنضارة. (¬3) في المساعد لابن عقيل (1/ 586): «فالتقدير: ما عدا النساء، فحذف الفعل الواقع صلة (ما) وبقي معموله، كما حذف الفعل الواقع صلة أن من قول من قال: «أما أنت منطلقا انطلقت». اه. تحقيق د/ بركات. قال الجوهري والأحمر والفراء: «يقال في المثل: كلّ شيء مهه ما النساء وذكرهن، أي: أنّ الرجل يحتمل كلّ شيء حتّى يأتي ذكر حرمه، فيمتعض حينئذ فلا يحتمله، قال: وقوله (مهه): أي: يسير، ويقال أيضا: مهاة، أي: حسن، ونصب النساء على الاستثناء، أي: ما خلا النساء، وإنما أظهروا التضعيف في (مهه) فرقا بين فعل، وفعل. اه. (¬4) شرح المصنف (2/ 310). (¬5) أي: وهو ثابت في كلام العرب، ينظر: التذييل والتكميل (3/ 642). (¬6) شرح المصنف (2/ 310). (¬7) المرجع قبل السابق الصفحة نفسها.

[أحكام الاستثناء ب «ليس» و «لا يكون»]

[أحكام الاستثناء بـ «ليس» و «لا يكون»] قال ابن مالك: (ويستثنى بـ «ليس» و «لا يكون» فينصبان المستثنى خبرا، واسمهما بعض مضاف إلى ضمير المستثنى منه، لازم الحذف، وكذا فاعل الأفعال الثلاثة وقد يوصف - على رأي - المستثنى منه، منكّرا، أو مصحوبا بـ «أل» الجنسيّة بـ «ليس» و «لا يكون» فيلحقها ما يلحق الأفعال الموصوف بها من ضمير وعلامة). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: اعلم أنّ من أدوات الاستثناء (ليس) و (لا يكون) وهما الرافعان الاسم الناصبان الخبر ولهذا يجب نصب ما استثنى بهما؛ لأنه الخبر، ولوقوعهما موقع (إلّا) لزم عدم الإتيان باسمهما لفظا؛ لئلّا تفصلهما من المستثنى فيجهل قصد الاستثناء وجعله المصنف ظاهرا محذوفا لازم الحذف، وإليه الإشارة بقوله: واسمهما بعض مضاف إلى ضمير المستثنى منه لازم الحذف (¬1). فتقدير: قام القوم ليس زيدا، ولا يكون زيدا: ليس بعضهم زيدا، ولا يكون بعضهم زيدا، والأصل: قام القوم إلا زيدا، فلما وقعت (ليس) و (لا يكون) موقع (إلّا) ولأجل أنّ اسمهما البعض المذكور لم يختلف اللفظ بهما فيقال: جاءني القوم لا يكون زيدا وليس عمرا، ومررت بالنساء لا يكون فلانة وليس فلانة (¬2)، وكذا لو كان المستثنى بها مثنى أو مجموعا نحو: جاء الناس ليس الزيدين، أو لا يكون الزيدين، وليس العمرين، أو لا يكون العمرين، والجمهور على أنّ اسمهما ضمير مستكنّ فيهما، عائد على البعض المفهوم من معنى الكلام المتقدّم وإن لم يذكر فالتقدير: ليس هو زيدا، أو لا يكون هو زيدا؛ لأنه إذا أخبر عن معهودين وزيد من جملتهم، فقيل: أتى القوم، حصل في نفس المخاطب أنّ بعض الآتين زيد، فعاد الضّمير على ذلك البعض المفهوم ولهذا أيضا لم يختلف لفظ: (ليس) و (لا يكون) لاختلاف (المستثنى) بهما، كالأمثلة المتقدمة؛ لأنّ الضمير مفرد، مذكر لعوده على (بعض) الذي هو كذلك - أي: مفرد مذكر - وإنّما قدّر مضمرا، ولم يجعل مظهرا كما قال المصنف، وإن كان المعنى في التقديرين - ¬

_ (¬1) ينظر: التسهيل (ص 106). (¬2) ينظر: المساعد لابن عقيل (1/ 587) تحقيق د/ بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحدا، لما يلزم من حذف اسم (ليس) و (لا يكون) وقد نصّوا على أنّ الاسم في باب كان وأخواتها لا يحذف، لشبهه بالفاعل فإذا قدّر مضمرا أمن من ذلك، ولا شك في وضوح هذا القول ورجحانه على دعوى المصنف، على أنّ في عبارة سيبويه إشعارا برأي المصنف، ولعلّها هي الموقعة له في ذلك فإنّه قال - بعد أن ترجم باب (لا يكون) و (ليس) وما أشبههما -: فإذا جاءتا وفيهما معنى الاستثناء (فإنّ فيهما إضمارا وعلى هذا وقع فيهما معنى الاستثناء) (¬1) فقوله: فإنّ فيهما إضمارا يفهم بأنّ الاسم مضمر فيهما، ثم قال - بعد أن مثل بنحو: أتاني القوم ليس زيدا - كأنّه - حين قال: أتوني - صار المخاطب عنده قد وقع في خلده أنّ بعض الآتين زيد، حتّى كأنّه قال: بعضهم زيد، فكأنه قال: ليس بعضهم زيدا، وترك إظهار (بعض) استغناء، كما ترك الإظهار في (لات حين) (¬2) فقوله: فكأنّه قال: ليس بعضهم زيدا، يشعر بأنّ الاسم مظهر غير مضمر، إلّا أن يقال: إنمّا أراد بذلك تفسير المعنى، لا التقدير الصناعيّ ولكن يبعد هذا القول قوله - بعد ذلك - كما ترك الإظهار في (لات حين) (¬3) شبه (¬4) ترك الإظهار في ليس وأخواتها، بترك الإظهار في: (ولات حين)، ولا يدّعي أحد أن اسم (لات) مضمر، بل محذوف، ثم قال: قول سيبويه - أولا - فإنّ فيهما إضمارا محمول على أنه أراد بالإضمار التقدير لا أنّ الاسم، غير مظهر. وقد شنّع الشيخ على المصنف في قوله: واسمهما بعض لازم الحذف فقال: هذا الذي قاله لم يذهب إليه أحد من النحويّين، بل اتفق الكوفيون والبصريّون على أنه مضمر فيهما، ليس ظاهرا محذوفا، قال البصريون: هو عائد على البعض المفهوم من الكلام السابق وقال الكوفيون: هو عائد على الفعل المفهوم من الكلام الأول فتقدير: (قام القوم ليس زيدا): ليس فعلهم فعل زيد، فحذف المضاف إلى (زيد) وأقيم (زيد) مقامه، وردّ هذا المذهب بأنّ فيه دعوى مضاف محذوف لم يلفظ به قطّ (¬5)، وبأنك تقول: قام القوم إخوتك ليس زيدا، وليس فيه فعل يقدر الضمير - ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من الهامش. وينظر: الكتاب (2/ 347). (¬2)، (¬3) ينظر: المرجع السابق. (¬4) أي: شبه سيبويه. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 644).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عائدا عليه (¬1). اه. وقد علمت ما في عبارة سيبويه (¬2) من الاحتمال على أنّ الشيخ - بعد تشنيعه - نقل عن صاحب البسيط أنه قال: يقول المصنف في هذه المسألة، ونقل عنه استدلالا على ذلك وتقوية له (¬3). وقد يمنع المصنف عدم جواز حذف الاسم في باب (كان) ويدّعي جواز الحذف لدليل، كما كان يجوز فيه وهو مبتدأ، قبل دخول (كان) عليه، ولا يلزم من تشبيهه بالفاعل في بعض الأحوال أن يشبهه في كلّ ما له ومن شواهد الاستثناء بـ (ليس) قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يطبع المؤمن على كلّ خلق ليس الخيانة والكذب» (¬4) أي: إلّا الخيانة والكذب (¬5). وأما فاعل (عدا) و (خلا) و (حاشا) ففيه أقوال: أحدها: أنه كفاعل (¬6) (ليس) و (لا يكون) وإليه أشار بقوله: وكذا فاعل الأفعال الثلاثة فقدّر «قام القوم عدا زيدا»: عدا بعضهم زيدا، أو عدا هو أي بعضهم زيدا، على ما عرفت من التقديرين المتقدمين إلا أنّ مدلول البعض المقدّر فاعلا لهذه الأفعال غير مدلول البعض المقدر اسما، لـ (ليس) و (لا يكون)؛ لأنّ البعض المقدر اسما لهما هو نفس [3/ 56] المستثنى؛ لأنه مخبر عنه به، والمبتدأ والخبر متّحدان (¬7)، وأما البعض المقدر فاعلا لـ (عدا) (¬8) وأختيها فمدلوله ما بقي - ¬

_ (¬1) في نقل هذه العبارة تصرف ونصها في المرجع السابق الصفحة نفسها: «قد يأتي الاستثناء بها حيث لا يتقدر ما قدره الكوفيون نحو: القوم إخوتك ليس زيدا، أو لا يكون زيدا، وما أشبه هذا، فهنا لا يمكن تقدير: ليس فعلهم فعل زيد إذ لم يستند إليهم فعل البتة. اه. (¬2) أشير إليها منذ سطور، وينظر الكتاب (2/ 347). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 646). (¬4) هكذا في الفتح الكبير للسيوطي (3/ 426) وفي مسند ابن حنبل (2/ 252): «يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الخيانة والكذب». (¬5) فأوقع (ليس) موقع (إلا) وأولاها ما كان يليها. والأصل: ليس بعض خلقه الخيانة والكذب. (¬6)، (¬7) ينظر شرح اللمع لابن برهان (1/ 152)، وشرح ابن يعيش (2/ 87)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (3/ 888)، والمقرب (1/ 173)، وشرح الرضي (1/ 229)، وشرح الكافية لابن مالك (2/ 721). (¬8) تدخل (ما) على (خلا) و (عدا) فيتعين النصب بعدها؛ لأنها مصدرية فدخولها يعينّ الفعلية وزعم الجرمي والربعي والكسائي والفارسي وابن جني أنه يجوز الجر على تقدير (ما) زائدة، الهمع (1/ 232) وينظر: اللمع لابن برهان (1/ 152)، وشرح الكافية لابن القواس (1/ 207)، ورصف -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من المستثنى منه بعد إخراج المستثنى، ويرجّح دعوى كون فاعل هذه الأفعال ضميرا لبعض، على دعوى كونه ظاهرا محذوفا؛ لأنّ فاعليته متحققة والفاعل لا يحذف. القول الثّاني: أنّ الفاعل ضمير، كما هو في أحد التقديرين في القول الأوّل، إلّا أنّه لا يعود على البعض وإنّما يعود على (من) المفهوم من معنى الكلام المتقدّم، فتقدير «قام القوم عدا زيدا»: عدا هو زيدا، أي: عدا من قام زيدا وهو رأي المبرّد (¬1). القول الثالث: للمصنّف: (الذي) (¬2) ذكره في الشرح أنّ الفاعل مصدر ما عمل في المستثنى منه، فتقدير: قاموا عدا زيدا، جاوز قيامهم زيدا، ولم يقدره المصنف ضمير المصدر، بل جعل فاعل المصدر الظاهر محذوفا على طريقته التي عرفتها. قال المصنف: وتقدير: عدا قيامهم زيدا أجود من تقدير: عدا بعضهم زيدا؛ لأنّه لا يستقيم إلّا أن يراد بالبعض ما سوى زيد، وهذا - وإن صحّ إطلاق البعض على الكلّ إلّا واحدا، لا يحسن، لقلته في الاستعمال (¬3). انتهى. وللعلّة التي أشار إليها المصنف جنح المبرد إلى القول الذي تقدم نقله عنه. قال الشيخ: وهذا الذي ذهب إليه - يعني المصنف - لا يطرأ له، فإنّ من صور الاستثناء ألّا يتقدم فعل، ولا ما يجري مجرى الفعل، نحو: القوم إخوتك عدا زيدا، والقوم قرشيّون، ما خلا زيدا، وهنا لا يمكن أن تقدر: جاوز فعلهم زيدا؛ لأنّه لم ينسب إليهم فعل (¬4). اه. وفيه نظر، ونقل الشيخ أنّ الفراء ذهب إلى أنّ (حاشا) فعل ولا فاعل له (¬5)، ثم قال الشيخ: ويمكن القول في (عدا) و (خلا) كذلك. وأنّ النصب بعدهما إنّما هو بالحمل على (إلّا) والتزم فيه النصب (¬6)؛ لأنّه لم يتمحص للحرفية، والفروع يقتصر فيها على بعض الأحكام ولا ينكر أن يعرى الفعل من الفاعل إلّا إذا استعمل استعمال الحروف كما أنّ (قلّما) لما استعملت للنفي - ¬

_ - المباني للمالقي (ص 366). (¬1) الذي قاله المبرد في المقتضب (4/ 426): «وأما عدا وخلا فهما فعلان ينتصب ما بعدهما وذلك قولك: جاءني القوم: عدا زيدا؛ لأنه لما قال: جاء القوم وقع عند السامع أن بعضهم (زيدا) فيقال: عدا زيدا أي: جاوز بعضهم زيدا فهذا تقديره إلا أنّ (عدا) فيها معنى الاستثناء. اه. (¬2) ما بين القوسين من الهامش، وعدم إثباته أولى. (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 311). (¬4) التذييل والتكميل (3/ 635). (¬5) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها، وشرح الكافية لابن القواس (ص 398)، الهمع (1/ 233). (¬6) أي حين تكون أفعالا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المحض استغنت عن فاعل، فتقول: قلّما يقوم زيد، أي: ما يقوم زيد، وكذلك يقدّر: قاموا عدا زيدا، قاموا إلا زيدا، فيجرى (عدا) مجرى (إلّا) (¬1). اه. وبقي الكلام على مواضع هذه الكلمات من الإعراب: فاعلم أنّ (عدا وخلا، وحاشا) إذا كنّ أحرف جرّ: كانت متعلقة بما قبلها وهي والمجرور بها في موضع نصب، وأما المذكورات إذا كنّ أفعالا غير موصول شيء منها بـ (ما، وليس، ولا يكون) فيجوّز السيرافي فيه وجهين: أحدهما: أن يكون لها موضع من الإعراب، ويكون في موضع نصب على الحال، وكأنك قلت: قام القوم خالين زيدا وعادين زيدا وحاشين زيدا، أي مجاوزا هو أي بعضهم زيدا (¬2)، قال بعضهم: ويستثنى هذا من القاعدة المقررة، وهي أنّ الجملة الحالية إذا صدّرت بفعل ماض غير ما استثنوه لا بدّ معها من (قد) ظاهرة أو مقدّرة. الوجه الثاني: أن لا موضع لها من الإعراب، وإن كانت جملة فمفتقرة من جهة المعنى إلى الكلام الذي قبلها، من حيث كان معناها كمعنى (إلّا) ونظيره مذ يومان، من قولك: ما رأيته مذ يومان فإنّها جملة ابتدائية، لا موضع لها من الإعراب وهي مفتقرة إلى ما قبلها (¬3) واختار ابن عصفور هذا الوجه، قال: لأنّك إذا جعلتها حالا احتاجت إلى رابط يربطها بذي الحال، ولا رابط؛ لأنّ الضمير في (عدا) و (خلا) و (حاشا) ليس عائدا على المستثنى منه، وإنما هو عائد على البعض المفهوم وهو مضاف إلى القوم ولا يقال: إذا كان البعض مضافا إلى القوم فقد حصل الربط، لأنه كالمصرّح به لأنّ هذا رابط بالمعنى والربط بالمعنى لا ينقاس، ألا ترى قصوره على السماع في نحو مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين، ومنعوه في: مررت برجل قائمين، لا قاعد أبواه، على إعمال (قاعد) في الأبوين لأنّ الربط بالمعنى إنما سمع في الصفة الثانية لا في الصفة الأولى فلم يتجاوزوا به موضع السّماع (¬4). اه. وأما إذا كانت (عدا) و (خلا) موصولتين بـ (ما): - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 635) وفي العبارة تصرف. (¬2) ينظر: شرح السيرافي (3/ 127 / ب، 128 / أ) المخطوط، والمغني (ص 134). (¬3) ينظر: هذا الوجه أيضا في المرجعين السابقين. (¬4) ذكر ابن عصفور - في المقرب (1/ 173) - أن الجملة في موضع نصب على الحال وذكر في شرح الجمل (2/ 219) - جواز الأمرين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فموضع (ما) والفعل نصب، واختلفوا في محلّ انتصابه: فزعم السيرافي أنّه بتأويل مصدر منصوب وأنّه لا خلاف في ذلك بين البصريّين والكوفيّين ثم اختار السيرافي أنّه مصدر موضع موضع الحال، وفيه معنى الاستثناء، قال: وجاز وقوع (ما) المصدريّة مع صلتها موضع الحال، إجراء لها مجرى المصدر الذي هي في تقديره كما وصف بها في قولك: مررت برجل ما شئت من رجل؛ إجراء لها مجرى المصدر الموصوف به في نحو: مررت برجل عدل. قال المصنف: ولا يمنع من ذلك كونه معرفة فإنّ وقوع المعرفة حالا لتأولها بالنكرة سائغ شائع. وزعم ابن خروف والشلوبين أنّ انتصاب المصدر المذكور على الاستثناء (¬1)، قال المصنف: وهو غلط منهما؛ لأن المنصوب على معنى لا يقوم ذلك المعنى بغيره ومعنى الاستثناء قائم بما بعد (ما) وصلتها لا بـ (ما) فلا يصحّ القول بأنّهما منصوبان على الاستثناء؛ لأنهما مستثنى بهما لا مستثنيان. وزعم ابن الضائع - ونقله الشيخ عن صاحب البسيط أيضا - أنّ انتصاب المصدر المذكور على الظرف ودخله معنى الاستثناء، فيقدّر (قام القوم ما عدا زيدا) بـ: (قام القوم وقت مجاوزتهم زيدا)، قال: (وما) المصدرية كثيرا ما تكون ظرفا ولم يثبت فيها النصب على الحال (¬2). وجعل ذلك صاحب البسيط نظير: (أتاني مقدم الحاجّ، وخفوق النّجم) (¬3). وأشار المصنّف بقوله: وقد يوصف - على رأي - المستثنى منه ... إلخ إلى أنّ (ليس) و (لا يكون) قد يوصف بهما ما قبلهما، كما يوصف بسائر الأفعال فعلى هذا يتعين كون [3/ 57] الموصوف بهما نكرة؛ لأنّ الجملة صفة للمعرفة ولمّا كان المعرف بالأداة الجنسية - عند المصنف - يجري مجرى النكرة أدرجه معها في الحكم المذكور، ويتعين أيضا لحاقها ما يلحق الأفعال الموصوف بها، من ضمير مطابق للموصوف؛ في إفراد، وتثنية، وجمع، ومن علامة تأنيث إن كان الموصوف مؤنثا نحو: أتاني رجل لا يكون زيدا، أو ليس زيدا، أو أتتني امرأة لا تكون فلانة (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: المغني (ص 692) والأشموني (2/ 146)، والتذييل التكميل (3/ 532)، والارتشاف (ص 628)، والتصريح (1/ 365). (¬2) شرح الجمل لابن الضائع (2/ 118 / أ)، والتذييل والتكميل (3/ 632). (¬3) ينظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها. (¬4) في التذييل والتكميل (3/ 647): وتمثيله - يعني المصنف - بقوله: «أتتني امرأة لا تكون فلانة» -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ليست فلانة، ومثال المعرف بالأداة الجنسيّة قولك: أتاني القوم ليسوا إخوتك، مثل به المصنف، وقال: من أمثلة أبي العبّاس (¬1) وعبارة المصنف في هذا قريبة من عبارة سيبويه، فإنه - بعد أن ذكر أنّ (ليس) و (لا يكون) يجيئان، وفيهما معنى الاستثناء - قال: وقد يكونان صفة وهو قول الخليل (¬2) فأتى بـ (قد) المشعرة بالتقليل، كما فعل المصنّف وكأنّه أراد بقوله: على رأي: ما أراد سيبويه بقوله: وهو قول الخليل. وقد صرّح ابن عصفور بذلك في المقرّب فقال: ومن العرب من يجعل الضمير الذي فيهما - يعني في (ليس) و (لا يكون) - على حسب الاسم المتقدّم فيقال: ورجلان لا يكونان زيدا أو ليسا زيدا، ورجال لا يكونون زيدا، وليسوا زيدا، فتكون الجملة - على هذه اللغة - صفة للاسم المتقدّم (¬3)، ومراد المصنّف بقوله: وقد يوصف على رأي المستثنى منه الذي كان يكون مستثنى منه، لو لم يوصف؛ لأنه - حال كونه موصوفا بهما - ليس مستثنى منه وليس مراده أنّ (ليس) و (لا يكون) لا يجريان وصفا على ما قبلهما إلّا إذا كان صالحا لأن يكون مستثنى منه، بل أعمّ من ذلك على أنّه لو قال: وقد يوصف بـ (ليس) و (لا يكون) ما قبلهما، كان أولى. وقال الشيخ - وهو قول النّحويين -: إنّ (ليس) و (لا يكون) قد يوصف بهما، إنما يعنون أنهما يكونان وصفين، في المكان الذي يكونان فيه صالحين للاستثناء. اه (¬4). وفيما ذكر نظر؛ لأنّ الوصف بهما كالوصف بسائر الأفعال وليس الوصف بـ (ليس) و (لا يكون) فرعا على الوصف بغيرهما حتّى يشترط فيهما ذلك، وهذا الشرط لم يثبت في الوصف بـ (إلا) مع أنها فرع على الوصف بـ (غير) فكيف يلتزم في الوصف بالجملة الفعلية (¬5). قال الشيخ: ونصّ الأبذي على أنه إذا كان ما قبلهما معرفة كانا في موضع نصب على الحال نحو: جاء القوم ليسوا إخوتك وجاءتني النساء، ليست الهندات (¬6). اه. وهو واضح، فإنّ الجملة - ¬

_ - ليس بصحيح فيما ادعاه؛ لأن قوله: امرأة في سياق الإثبات فيصح أن يكون مستثنى منها، ألا تراه قال: ما أتتني امرأة لا تكون فلانة وما أتتني امرأة ليست فلانة. اه. (¬1) ينظر: المقتضب (4/ 428). (¬2) ينظر: الكتاب (2/ 348). (¬3) المقرب لابن عصفور (1/ 174). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 647). (¬5) والراجح عند النحويين هو مذهب ابن مالك ينظر: المغني (ص 429)، والأشموني (1/ 180)، (3/ 60، 63). (¬6) التذييل والتكميل (3/ 648) بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد المعرفة لا يصحّ كونها نعتا، فتعين الحالية ونصّ سيبويه على أنّ (عدا) و (خلا) لا يكونان صفة (¬1) ولم يعلل ذلك. وذكر سيبويه أيضا في باب (ليس) و (لا يكون) - وهو آخر أبواب الاستثناء في الكتاب - مسألة: وهي أتوني إلّا أن يكون زيد. قال سيبويه - بعد أن مثل بذلك -: فالرفع جيّد بالغ وهو كثير في كلام العرب؛ لأنّ (يكون) صلة لـ (أن) وليس فيها معنى الاستثناء و (أن يكون) في موضع اسم مستثنى، كأنّك قلت (¬2): لا يأتونك إلّا أن يأتيك زيد، والدليل على أنّ (يكون) ليس فيها - هنا - معنى الاستثناء أنّ (ليس) و (عدا) و (خلا) لا تقعن هنا ومثل الرفع قول الله عز وجل: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ (¬3) وبعضهم ينصب على وجه النصب في (لا يكون) والرفع أكثر هنا (¬4). انتهى كلام سيبويه. أما الآية الكريمة فقد قرئت برفع (تجرة) ونصبها، أمّا الرفع فعلى أنّ (تكون) تامة، وأمّا النصب فعلى أنّها الناقصة والتقدير: إلّا أن تكون التجارة تجارة. وقد فهم من كلام سيبويه أنّ قراءة الرفع أرجح، وإنّما رجح الرفع لعدم الإضمار معه وكأنّ مراد سيبويه - في قوله: وبعضهم ينصب على وجه - النصب في (لا يكون) أن النصب إنما يكون على الخبرية (¬5) والاسم مضمر في (تكون) في (إلّا أن تكون) هي أداة استثناء كما أنّ (لا يكون) أداة استثناء؛ إذ لا يتأتى ذلك فيها وقيل: مراد سيبويه أنّ الضمير الذي في (يكون) يلزم إفراده وتذكيره، كما أنّه كذلك في (لا يكون) المستثنى بها، وهذا لا يمكن حمل الآية الكريمة عليه؛ لأنّ (تكون) فيها مؤنثة إلّا أن يقال: إنّ قول سيبويه: وبعضهم ينصب ... إلخ لا يعود إلى الآية الكريمة إنما يعود إلى المثال الذي مثل به أولا وهو قوله: «أتوني إلا أن يكون زيد»، وفيه نظر (¬6). ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 348). (¬2) لفظ (غير) موجود في عبارة سيبويه (2/ 349). (¬3) سورة النساء: 29. (¬4) وفي قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً [البقرة: 282] فالنصب قراءة عاصم، والرفع قراءة الباقين. ينظر: الإتحاف (199)، والبحر المحيط (2/ 353). (¬5) الكتاب (2/ 349). (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 649، 650).

[أحكام الاستثناء ب «غير» وبيد»]

[أحكام الاستثناء بـ «غير» وبيد»] قال ابن مالك: (فصل: يستثنى بـ «غير» فتجرّ المستثنى معربة بما له بعد «إلّا» ولا يجوز فتحها مطلقا لتضمّن معنى «إلّا» خلافا للفراء، بل قد تفتح في الرفع والجرّ، لإضافتها إلى مبنيّ، واعتبار المعنى في المعطوف على المستثنى بها وب «إلا» جائز، ويساويها في الاستثناء المنقطع «بيد» مضافا إلى «أنّ» وصلتها). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: الاستثناء بـ (غير) حمل على (إلّا) والوصف بها هو الأصل، والاستثناء بـ (إلّا) هو الأصل والوصف بها وبما بعدها حمل على (غير) وقد تقدم ذلك، ولذلك لا يحكم على (غير) بأنها يستثنى بها حتّى تكون في موضعها صالحة لـ (إلّا)، فتقدّر (إلّا) في موقعها، وينظر ما يستحقه الواقع بعدها من نصب لازم أو نصب مرجح عليه الإتباع أو نصب مرجح على الإتباع أو تأثر بعامل مفرغ فيعطاه (غير) ويجرّ هو على مقتضى الإضافة فتقول: جاؤوني غير زيد، بنصب لازم، وما جاءني أحد غير زيد بنصب مرجح عليه الإتباع، وما لزيد علم غير ظن، بنصب مرجح على الإتباع، لرجح اللغة الحجازية على التميمية في ذلك وما جاء في غير زيد (¬1) بإيجاب التأثر لتفرغ العامل فتفعل بـ (غير) ما كنت تفعل بالواقع بعد (إلّا) وإذا انتصب (غير) (¬2) في الاستثناء غير المفرغ ففي انتصابه خلاف، فرأي المصنف - ونسبه إلى الفارسيّ -: أنّها منصوبة على الحال (¬3)، وفيها معنى الاستثناء كما تقدم، في (ما عدا) و (ما خلا) ورأي أكثر المتأخرين أنّ انتصابها كانتصاب الاسم الواقع بعد (إلا) فهي منصوبة على الاستثناء (¬4) وقد تقدم ما يضعف ذلك وهو أنّ المنصوب [3/ 58] على معنى لا يقوم ذلك المعنى بغيره، ومعنى الاستثناء قائم بما بعد (غير) لا بـ (غير) ولا يصحّ القول بأنها منصوبة على الاستثناء؛ لأنها مستثنى بها، لا مستثناة، وذهب السيرافي وابن الباذش إلى أنها - ¬

_ (¬1) ينظر: التبصرة للصيمري (1/ 282)، والمساعد لابن عقيل (1/ 590). (¬2) قال ابن الدهان: «... ثم وقعت (غير) موقع (إلا) في الاستثناء كما وقعت (إلا) موقع (غير) في الصفة ثم وقعت الجملة موقع (غير) فموضع الجملة نصب كما (كانت غير) نصبا في الاستثناء. اه. (¬3) هذا رأي الفارسي في التذكرة ينظر: التذييل والتكميل (3/ 653). (¬4) وهذا رأي الفارسي - أيضا - ينظر: الهمع (1/ 231)، والأشموني (2/ 157) حيث نسب هذا للمغاربة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منصوبة بالفعل السابق، وهي عند ابن الباذش مشبهة بالظرف المبهم، فكما يصل الفعل إليه بنفسه فكذلك يصل إلى غيره بنفسه (¬1). قال ابن عصفور - بعد نقله ذلك عنهما -: وهذا خطأ؛ لأنها قد تنصب (غير) ولم يتقدمها فعل ولا ما يشبهه نحو: القوم إخوتك غير زيد (¬2) وأجاز الفراء بناء «غير» على الفتح عند تفريغ العامل سواء كان المضاف إليه معربا أم مبنيّا فيقال - على رأيه -: ما جاء غير زيد وما جاء غيرك (¬3)، ولم يذكر - في الاحتجاج لذلك - من كلام العرب (غير) مضاف إلى مبني. قال المصنف: وكان حامله على العموم جعل سبب البناء تضمّن معنى (إلّا) وذلك عارض فلا يجعل وحده سببا بل إذا ... أضيفت (غير) إلى مبنىّ جاز بناؤها، صلح موضعها لـ (إلّا) أو لم يصلح (¬4) فمثال الأول: 1749 - لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت ... حمامة في غصون ذات أو قال (¬5) ومثال الثّاني قول الآخر: 1750 - لذ بقيس حين ينأى غيره ... تلقه بحرا مفيضا خيره (¬6) وأشار المصنّف بقوله: واعتبار المعنى في المعطوف على المستثنى بها جائز إلى قول سيبويه - في الباب الذي ترجمته: هذا باب ما أجري على موضع (غير) لا على ما بعد (غير) -: زعم الخليل ويونس أنّه يجوز: ما أتاني غير زيد وعمرو، والوجه - ¬

_ (¬1) ينظر: المغني (ص 159)، وشرح المرادي (1/ 108 / أ)، والأشموني (1/ 157). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 202). (¬3) ينظر: معاني الفراء (1/ 382). (¬4) شرح المصنف (2/ 312). (¬5) قائله: أبو قيس الأسلت الأنصاري، في وصف ناقته. والبيت من البسيط. الإعراب: منها: أي من الوجناء، الشرب: مفعول «يمنع»، وغير: فاعله، وهو محل الشاهد؛ حيث بني على الفتح لإضافته إلى مبني، وهو «أن» وصلتها والأوقال: جمع وقل وهو ثمر الدوم اليابس، ويروى: «في سحوق» وهو: ما طال من شجر الدوم. وينظر: الكتاب (2/ 392)، ومعاني الفراء (1/ 383)، وأمالي الشجري (1/ 46)، (2/ 264)، وشرح المفصل (3/ 80، 8/ 135)، والخزانة (2/ 45)، والتصريح (1/ 51). (¬6) رجز لم يعلم قائله. والشاهد: في قوله: «غيره»؛ حيث بنيت (غير) على الفتح لإضافتها إلى مبني وهي ليست استثنائية. ينظر: شرح المصنف (2/ 312)، والارتشاف (632)، وشرح المرادي (1/ 180 / ب)، والمغني (ص 159)، وشواهد المغني (ص 156)، وتعليق الفرائد (ص 1829)، والخزانة (2/ 46)، والعيني (3/ 138).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجر؛ وذلك أنّ (غير زيد) في موضع (إلّا زيد) وفي معناه، فحمل على الموضع كما قال: 1751 - ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا (¬1) فلمّا كان في موضع (إلّا زيد) ومعناه كمعناه حملوه على الموضع؛ والدليل على ذلك أنك إذا قلت: (غير زيد) كأنك قلت: (إلا زيد) ألا ترى أنك تقول: ما أتاني غير زيد وإلا عمرو، ولا يقبح الكلام كأنك قلت: ما أتاني إلا زيد وإلا عمرو (¬2). انتهى. قال المصنف - بعد نقل كلام سيبويه هذا -: قلت: إذا قيل: ما أتاني غير زيد وعمرو، بالرفع فلا يخلو؛ إمّا أن يحكم لـ (غير) - هنا - بحكم (إلّا)، أو لا، فإن لم يحكم لها بحكم (إلّا) فسد المعنى المراد وذلك أنّ المراد إدخال زيد وعمرو في الإتيان وإن قال: ما أتاني غير هذين فإن لم يجعل (غير) بمنزلة (إلا) ورفع (عمرو) كان المعنى إخراجه من الإتيان وكأنه قيل: ما أتاني غير زيد، وما أتاني عمرو والمراد خلاف ذلك، فلزم أنه لا يصحّ المعنى حتى ينزل (غير) منزلة (إلا) ويعرب «عمرو» بإعراب ما بعد (إلا) أو بإعراب ما بعد (غير) لا بإعرابها نفسه. (¬3) قال الشيخ: وظاهر كلام سيبويه أنه عطف على الموضع؛ لأنّ (غير) دخيلة في الاستثناء فالمستثنى بعدها أصله أن يكون معمولا لما قبل (إلّا) فالمجوز - ¬

_ (¬1) شطر من بحر الوافر قاله عقيبة بن هبيرة الأسدي، شاعر جاهلي إسلامي، وفد على معاوية بن أبي سفيان فدفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات فدعاه معاوية فقال له: ما جرأك عليّ؟ قال: نصحتك إذ غشوك، وصدقتك إذ كذبوك، فقال: ما أظنك إلا صادقا، وقضى حوائجه. ينظر: الخزانة (1/ 343)، وهو عجز بيت وصدره: معاوي إننا بشر فاسجح واسجح: بمعنى ارفق. والشاهد: في نصب و «لا الحديدا»، بالعطف على موضع الجبال؛ لأن موضعه نصب؛ إذ الباء لو لم تدخل عليه لم يختل المعنى وكان نصبا. ينظر: الكتاب (1/ 67)، (2/ 292)، (3/ 91)، ومعاني الفراء (2/ 348)، والمقتضب (2/ 338)، شرح المفصل (2/ 109)، (4/ 9)، والمغني (477). (¬2) الكتاب (2/ 344) وشرح المصنف (2/ 313). (¬3) شرح المصنف (2/ 314)، والكتاب (2/ 344).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موجود وهو طالب الرفع والنّصب وإن كان ما بعد (غير) مجرورا (¬1). انتهى. أمّا قوله: إنّ ظاهر كلام سيبويه أنّه عطف على الموضع فصحيح، وأما قوله: «والمجوز موجود وهو طالب الرفع والنصب فلا يتمّ إلّا على القول بأنّ العامل في المستثنى تمام الجملة، وأمّا على القول بأنّ العامل ما قبل (إلّا) بتقوية (إلّا) فلا يتمّ. وزعم الشلوبين أنّ العطف هنا على التوهّم لا على المرجّح، وحمل عليه كلام سيبويه، وهو بعيد، لتنظيره، المسألة بقوله: 1752 - فلسنا بالجبال ولا الحديدا وكأن الشلوبين لمّا لم يجد مجوّزا ادّعى التوهّم (¬2) وظهر من المصنف أنّ الحكم المذكور مقصور على المعطوف دون غيره من التوابع كما يشعر به تمثيل سيبويه (¬3)، ولا يعدّ في إجراء بقية التوابع مجراه، لعدم الفرق، وعبارة ابن عصفور - في المقرب (¬4) - تشعر بذلك فإنّه قال - بعد ذكر (غير): إلّا أنك إذا اتبعت الاسم الواقع بعد (غير) كان لك في التابع وجهان الخفض، وأن يكون على حسب إعراب (غير). وأنشد قول الشاعر - إلا أنه شاهد على العطف -: 1753 - لم يبق غير طريد غير منفلت ... وموثق في حبال القدّ مسلوب (¬5) فإنّه روي بخفض «موثق» ورفعه. وقال ابن عصفور: ولا يجوز لك في إتباع الاسم الواقع بعد (إلّا) غير الحمل على اللفظ خاصّة (¬6)، يعني أنّه لا يجوز فيه الحمل على تقدير وجود (غير) كما كان ذلك في عكسه وعللوا ذلك بأنّ الاسم الواقع بعد (إلّا) لا موضع له يخالف لفظه، بل لفظه، وموضعه واحد بخلاف الواقع بعد - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 655). (¬2) ينظر: الارتشاف (ص 632)، والأشموني (2/ 158)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 107) حيث صرح بأنه عطف على الموضع. (¬3) الكتاب (2/ 344). (¬4) المقرب (1/ 172). (¬5) البيت من بحر البسيط قاله النابغة في وصف حرب. اللغة: الطريد: الذي طرده الخوف وأبعده عن محلّه، والموثق: المشدود بالحبال، والقد: الشراك، وكانوا يشدّون به الأسير. ينظر: ديوان النابغة الذبياني (ص 16)، والمقرب (1/ 172). (¬6) المقرب (1/ 172).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (غير) وذلك لأصالة (إلّا) وفرعية (غير). قال الشيخ: وقد ذهب بعض النحويّين - ومنهم ابن خروف - إلى إجازة ذلك وحمل عليه قول الشاعر: 1754 - وما هاج هذا الشّوق إلّا حمامة ... تغنّت على خضراء سمر قيودها (¬1) وروي برفع (سمر) على لفظ (حمامة) وبجرّه على تقدير غير حمامة سمر قيودها، ومع منع ذلك أوّل الجر على أنّه خفض على الجوار، أو على أنّ (سمرا) نعت لـ (خضراء) ويكون المراد بالقيود: عروق الشّجر (¬2). قال الشيخ أيضا: في الاستدلال بـ (سمر قيودها) بالجرّ دليل على إجراء النعت مجرى العطف يعني في الحمل على المعنى بعد (غير) وبعد (إلّا) إن قيد به، وذكر الشيخ أنّ (غيرا) إذا كانت استثناء ففي العطف بعدها بـ (إلّا) خلاف ذهب جماعة منهم الأخفش وابن السّراج (¬3) والزجاج، وأبو عليّ، إلى جواز ذلك إمّا على تقدير زيادة (لا) وإمّا على الحمل على المعنى؛ لأن الاستثناء في معنى النّفي (¬4). وذهب الفراء وثعلب إلى أنّ ذلك غير جائز، كما أنه لا يجوز بعد (إلّا) فلا تقول: جاءني القوم غير زيد ولا عمرو، كما لا تقول: جاءني القوم إلا زيد وإلا عمرا (¬5). قال الشيخ: وأجاز النحويون: عندي غير زيد ولا عبد الله ولم يجيزوا: عندي سوى عبد الله ولا زيد، وأجاز بعضهم: أنت زيدا غير ضارب، ولم يجوّزوا: أنت زيدا مثل ضارب، لجعلهم (غيرا) بمنزلة (إلّا). انتهى (¬6). ومثال مساواة [3/ 59] (بيد) لـ (غير) في الاستثناء المنقطع قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل قاله علي بن عميرة الجرمي كما في معجم الشواهد (ص 104). ينظر في: أمالي القالي (1/ 5)، والهمع (1/ 132)، والدرر (1/ 195). والشاهد في البيت: قوله: «سمر»؛ حيث يجوز فيه الرفع والجرّ على ما ذكر الشارح. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 658). (¬3) الذي ذهب إليه ابن السراج - في الأصول (1/ 238) - هو المنع، قال: (ولا ينسق على حروف الاستثناء بـ (إلا) لا تقول: قام القوم ليس زيدا، ولا عمرا ولا قام القوم غير زيد ولا عمرو، والنفي في جميع العربية، ينسق عليه بـ (إلا) إلا في الاستثناء». (¬4) التذييل والتكميل (3/ 658). (¬5) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (3/ 659)، والارتشاف (ص 633)، والهمع (1/ 231). (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 659).

[أحكام الاستثناء ب «سوى»]

[أحكام الاستثناء بـ «سوى»] قال ابن مالك: (ويساويها مطلقا «سوى» وينفرد بلزوم الإضافة لفظا، وبوقوعه صلة، دون شيء قبله، والأصحّ عدم ظرفيته، ولزومه النصب، وقد تضمّ سينه وقد تفتح فيمدّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ «أنا أفصح من نطق بالضّاد، بيد أنّي من قريش، واسترضعت في بني سعد» (¬1). ونقل الشيخ عن بعضهم أنّها بمعنى (على) وأنه حمل الحديث المذكور على ذلك (¬2). قال ناظر الجيش: يعني بقوله: مطلقا أن (سوى) تساوي (غير) في الاستثناء المتصل، نحو: قاموا سوى زيد، قال الشاعر: 1755 - كلّ سعي سوى الذي يورث الفو ... ز فعقباه حسرة وخسار (¬3) وفي الاستثناء المنقطع نحو قول الآخر: 1756 - لم ألف في الدّار ذا نطق سوى طلل ... ... البيت (¬4) وفي الوصف بها كقول الشاعر: 1757 - أصابهم بلاء كان فيهم ... سوى ما قد أصاب بني النّضير (¬5) - ¬

_ (¬1) ذكره القاضي عياض في الشفاء (1/ 57)، وقال صاحب شرح الشفاء: وأما حديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش» فنقله الحلبي عن ابن هاشم، لكن لا أصل له، كما صرح به جماعة من الحفاظ وإن كان معناه صحيحا. والله أعلم. وذكره ثعلب في مجالسه - أيضا - على أنه حديث. ينظر: مجالس ثعلب (ص 111). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 660) وفيه: «وذهب الأموي إلى أن معنى (بيد): (على)، وأورد الحديث المذكور. (¬3) البيت من الخفيف، لم يعين قائله. الشاهد: في استعمال (سوى) في الاستثناء المتصل، كما تستعمل (غير). ينظر: الهمع (3/ 302)، والدرر (1/ 171). (¬4) سبق تحقيقه. والشاهد: - هنا - استعمال (سوى) في الاستثناء المنقطع، كما تستعمل (غير). (¬5) البيت من بحر الوافر قاله حسان بن ثابت، من قصيدة يذكر فيها ما وقع لبني قريظة بعد وقعة الخندق، والشاهد في البيت: استعمال (سوى) صفة، بمعنى (غير). ينظر: ديوان حسان بن ثابت (ص 133)، والعيني (3/ 120)، والهمع (1/ 202)، والدرر (1/ 171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي قبول تأثير العوامل المفرغة رافعة، وناصبة، وخافضة (¬1)، وستأتي أمثلة ذلك. وانفردت (سوى) عن (غير) بأمرين: أحدهما: ملازمة الإضافة لفظا، بخلاف (غير)، فإنها قد تنفكّ عنها في اللفظ، وإن كانت مضافة معنى. الثّاني: وقوعها صلة للموصول، دون أن يتقدمها شيء، فيقال: مررت بالذي سواك، فصيحا؛ بخلاف (غير) فلا يجوز: جاء الذي غيرك، في الفصيح. قال الشيخ: إلا عند الكوفيين، وقال الشيخ: ولا يعترض على القول بلزومها الإضافة بقوله تعالى: مَكاناً سُوىً (¬2) فيقال: قد انفكت عن الإضافة؛ لأنّ (سوى) - في الآية الكريمة - بمعنى (مستو)، وهي مغايرة لمعنى (سوى) المستثنى بها، وإنمّا اللفظ مشترك. اه (¬3). وتضمّن قول المصنّف: والأصحّ عدم ظرفيته ولزومه النصب نفي أمرين. أحدهما: نفي لزومه النّصب على الظرفيّة. الثّاني: نفي استعماله ظرفا البتّة، وإنمّا ذكرهما معا؛ لأنه يلزم من نفي النصب على الظرفية نفي لزوم كونه ظرفا، لجواز أن يكون ظرفا متصرفا، ولا يخفى أنه لو قال: والأصحّ عدم لزومه النصب وظرفيته، كان أولى، أما كونه لازم النّصب على الظّرفية فهو مذهب سيبويه، وأكثر النحويّين. قال سيبويه - في باب ما يحتمل الشعر - وجعلوا ما لا يجري في الكلام إلّا ظرفا، بمنزلة غيره من الأسماء (¬4) وذلك قول المرّار العجلي: 1758 - ولا ينطق الفحشاء من كان منهم ... إذا جلسوا منّا ولا من سوائنا (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 314). (¬2) سورة طه: 58. (¬3) عبارة التذييل والتكميل (3/ 661): «ولا يعترض على (سوى) بقوله تعالى: مَكاناً سُوىً، فيقال: قد انفكت عن الإضافة؛ لأنّ (سوى) في الآية الكريمة، بمعنى (مستو) فـ (سوى) لفظ مشترك. اه. (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 31، 32، 407)، والتذييل والتكميل (3/ 661)، والهمع (1/ 201)، والتصريح (1/ 362). (¬5) المرار بن سلامة العجلي، أحد بني ربيعة بن مالك، شاعر جاهلي إسلامي، والبيت من الطويل. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال: فعلوا ذلك؛ لأنّ معنى (سوى) معنى (غير) (¬1). اه. قال المصنف: قد صرّح سيبويه بأنّ معنى (سوى) معنى (غير) وذلك يستلزم انتفاء الظرفيّة، كما هي منتفية عن (غير) (¬2). اه، وفي استلزام كلام سيبويه ما قاله نظر، فإنّه لا يلزم من كون معنى (سوى) معنى (غير) في الاستثناء، أن يكون معناها كمعنى (غير) مطلقا، ثم قال المصنف: الظرف في العرف ما ضمّن معنى (في) من أسماء الزمان، والمكان، و (سوى) ليس كذلك ولا يصحّ كونه ظرفا، ولو سلّم كونه ظرفا لم نسلّم لزوم الظرفيّة، لكثرة الشواهد الدّالة على خلاف ذلك، نثرا ونظما (¬3). اه. وقال - في شرح الكافية -: (سوى) اسم يستثنى به، ويجر ما يستثنى به، لإضافته إليه، ويعرب هو تقديرا، بما يعرب به (غير) لفظا، خلافا لأكثر البصريّين في ادعاء لزومها النصب على الظرفية، وعدم التّصرّف (¬4). وإنمّا اخترت خلاف ما ذهبوا إليه لأمرين: أحدهما: إجماع أهل اللّغة على أنّ معنى قول القائل: (قاموا سواك) و (قاموا غيرك) واحد، وأنه لا أحد منهم يقول: أنّ (سوى) عبارة عن مكان وزمان، وما لا يدلّ عليهما فبمعزل عن الظرفية. الثاني: أنّ من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك، وأنها لا تنصرف، والواقع في كلام العرب نثرا ونظما خلاف ذلك، فإنّها قد أضيف إليها، وابتدئ بها، وعمل فيها نواسخ الابتداء، وغيرها من العوامل اللفظية، فمن ذلك قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سألت ربّي ألّا يسلّط على أمّتي عدوّا من سوى أنفسهم» (¬5)، وقوله - عليه الصلاة والسّلام -: «ما أنتم فيمن سواكم من الأمم إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثّور - ¬

_ - معنى البيت: لا ينطق الفحشاء من كان من المجتمعين من قومنا، ولا من قوم غيرنا. والشاهد: في جرّ (سواء) بحرف جرّ وجعله سيبويه من ضرورة شعرية. ينظر: الكتاب (1/ 31، 407، 408)، والمقتضب (4/ 350)، والإنصاف (ص 167)، والعيني (3/ 126)، والأشموني (2/ 158). (¬1) الكتاب (1/ 32). (¬2) شرح المصنف (2/ 316). (¬3) المرجع السابق، الصفحة نفسها. (¬4) شرح الكافية الشافية (2/ 716). (¬5) الشاهد فيه: دخول حرف الجر على (سوى) وفيه رد على حكم بلزومها الظرفية، وفي ابن ماجه - كتاب الفتن (1303) - برواية: «سألته ألا يسلط عليهم عدوّا من غيرهم». ولا شاهد فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض» (¬1). ومن ذلك قول الشاعر: 1759 - وكلّ من ظن أنّ الموت مخطئه ... معلّل بسواء الحقّ مكذوب (¬2) ومن الإسناد إليها مرفوعة بالابتداء قول الشاعر: 1760 - وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها، وأنت المشتري (¬3) وقال آخر - في رفعها بـ «ليس» -: 1761 - أترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إنّي إذا لصبور (¬4) وقال آخر - في وقوعها فاعلة، وهو بيت الحماسة -: 1762 - ولم يبق سوى العدوا ... ن دنّاهم كما دانوا (¬5) وأنشد المصنف غير ذلك في شرح هذا الكتاب، وكثّر، ثمّ قال: فإن تعلق في - ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان (201) برواية: «ما أنتم في سواكم من الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود». (¬2) البيت من بحر البسيط قائله أبو دؤاد الإيادي شاعر جاهلي، من نعّات الخيل المجيدين. والشاهد: في جر «سواء» بالباء. ينظر: الإنصاف (ص 167)، وشرح المفصل (2/ 84)، والخزانة (12/ 60)، والهمع (1/ 202)، الدرر (1/ 171)، والأشموني (2/ 159). (¬3) البيت من بحر الكامل قائله ابن المولى، محمد بن عبد الله بن مسلمة المدني، يخاطب به يزيد ابن حاتم بن قبيصة بن المهلب. الكريمة - من الخصال -: ما يمدح بها صاحبها، وأراد بالبيع: انصراف الرغبة عن الفضائل، وبالشراء: النهوض إليها. الشاهد: في قوله: «فسواك» حيث وقعت «سوى» مبتدأ. ينظر: ديوان الحماسة (2/ 357)، والعيني (3/ 125)، والتصريح (ص 362)، والهمع (1/ 202)، والدرر (1/ 170)، والأشموني (2/ 159). (¬4) البيت من الطويل، وقائله: مجنون ليلى، وقيل: عمر بن أبي ربيعة، أو أبو دهبل الجمحي. الشاهد في البيت: وقوع (سوى) اسما، لـ (ليس)، وهو في ديوان المجنون (ص 61)، وملحقات ديوان عمر ابن أبي ربيعة (ص 494)، وديوان الحماسة (2/ 113) مع نسبته إلى أبي دهبل الجمحي، ونسب في الأغاني (18/ 132) للثلاثة. ينظر أيضا: الهمع (2/ 202)، والدرر (1/ 171)، والأشموني (2/ 159). (¬5) البيت من الهزج، وقائله الفند الزماني، واسمه شهل - بالشين المعجمة - بن شيبان، من قصيدة نونية، قالها في حرب البسوس. اللغة: دناهم: جازيناهم. والشاهد في البيت: وقوع (سوى) اسما فاعلا. ينظر الشاهد في: ديوان الحماسة (1/ 6)، والأشموني (2/ 159).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ادّعاء الظرفية بقول العرب: رأيت الذي سواك، فوصلوا الموصول بـ (سواك) وحده، كما وصلوه بـ (عندك) ونحوه من الظروف، فالجواب أن يقال: لا يلزم من معاملته معاملة الظرف كونه ظرفا، فإنّ حرف الجر يعامل معاملة الظّرف، ولم يكن بذلك ظرفا، فإن ضمّن ظرفا فجائز، فإن أطلق على (سوى) ظرف، إطلاقا مجازيا لم يمتنع، وإنمّا يمتنع تسميته ظرفا بقصد الحقيقة» (¬1)، ثم قال: «فإن قيل: فلم استجيز الوصل بـ (سوى) ولم يستجز بغيره، وهما بمعنى واحد؟ فعن ذلك جوابان: أحدهما: أنّ هذا من النوادر، كنصب (غدوة) بعد (لدن) وكإضافة (ذي) إلى (تسلم) (¬2) في قولهم: اذهب بذي تسلم (¬3). [3/ 60] والثّاني: أنّ (سوى) لازمة الإضافة لفظا ومعنى، فشبّه بـ (عند) و (لدى) في ذلك، مع كثرة الاستعمال، فعومل في الوصل به معاملتهما، ولم تعامل (غير) هذه المعاملة؛ لأنّها قد تنفكّ عن الإضافة لفظا (¬4)، ثم قال: فإن قيل: فما موضع (سوى) من الإعراب، بعد الموصول؟ قلت: يحتمل أن يكون موضعه رفعا على أنّه خبر لمبتدأ مضمر، ويحتمل أن يكون موضعه نصبا، على أنّه حال، وقبله (ثبت) مضمرا، كما أضمر قبل (أن) في قولهم: لا أفعل ذلك ما إن حراء مكانه، ويقوّي هذا الوجه قول من قال: «رأيت الذي سواك» بالنّصب على أنّه يجوز أن يكون (سواك) خبر مبتدأ مضمر، وبني لإبهامه، وإضافته إلى مبنيّ، كما فعل ذلك بـ (غير) في قوله: - ¬

_ (¬1) و (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 316)، والتذييل والتكميل (3/ 618)، والهمع (1/ 203)، والدرر (1/ 171). (¬3) ينظر هذا القول في الكتاب (3/ 121، 158)، والتذييل والتكميل (4/ 618)، و «تسلم» فعل، في موضع الاسم، ولكنهم لا يستعملون الاسم، للاستغناء عنه بالفعل، حتى كأن الاسم أسقط. وفي الهمع (2/ 51): «أضيف (ذي) - بمعنى صاحب - إلى (تسلم) أي في وقت ذي سلامة، فالباء بمعنى (في) أو للمصاحبة، أي مقترنا بسلامتك، أو للقسم، والمعنى: يحق سلامتك، وقيل: ذو موصولة، و (تسلم) صلتها، والمعنى: اذهب في الوقت الذي تسلم فيه، وتلحق الفعلين الفروع فيقال: اذهبا بذي تسلمان، واذهبوا بذي تسلمون. اه. وينظر أيضا: شرح المصنف (2/ 316)، والتذييل والتكميل (4/ 618). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 316).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1763 - لذ بقيس حين ينأى غيره (¬1) وقد تقدّم إنشاده. انتهى. وأمّا كونه ظرفا غير لازم النّصب، أي ظرفا متصرّفا، فقد قال الشيخ: هذا الذي ذهب إليه المصنف من أنّ الأصحّ عدم ظرفية (سوى) لا يعلم له سلف في ذلك إلّا الزّجاجيّ (¬2)، فإنّ ابن الضّائع نقل عنه أنها اسم غير ظرف، قال: بل المنقول أنّ (سوى) ظرف، وإنمّا الخلاف فيه، أهو متصرف، أو غير متصرّف؟ فمذهب سيبويه والفراء والأكثرين أنّه لازم الظرفيّة (¬3)، ومذهب الرمانيّ، والعكبريّ أنّه ظرف متمكن، أي يستعمل ظرفا كثيرا، وغير ظرف قليلا (¬4). انتهى نقل الشيخ، وقد تقدم من كلام المصنّف ما يناقض ذلك، فإنّه قال: من حكم بظرفيتها حكم بلزوم ذلك وأنّها لا تتصرف، وكذا يقتضي كلام غيره (¬5). وقال ابن الحاجب - في شرح المفصّل -: للنّاس في (سوى) مذهبان: أحدهما: أنه بمعنى (غير) فيعرب كـ (غير)، ومذهب سيبويه أنّها منتصبة على الظرف أبدا ولا يستعمل غير ظرف (¬6). اه. وظهر منه موافقة قول المصنّف، وقد قرّر ابن الحاجب كلام سيبويه مستدلّا به، بأن قال: الدليل على ذلك أنّ (سوى) لم تجئ منصوبة إلا ما شذّ من قولهم: 1764 - ... وما قصدت من أهلها لسوائكا (¬7) - ¬

_ (¬1) سبق تحقيق هذا الشاهد. (¬2) ذهب إلى هذا الزجاجي في الجمل (ص 74) حيث قال: «الذي يكون به الخفض ثلاثة أشياء: حروف، وظروف، وأسماء ليست بحروف، ولا ظروف، ثم قال: «وأما الأسماء فنحو: مثل، وشبه، وشبيه، وسوى، وسوى، وسواء». (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 31، 32، 407)، والتصريح (1/ 362)، والهمع (1/ 201). (¬4) ينظر: اللباب للعكبري (ص 249)، والتبيان له أيضا (1/ 104)، والتصريح (1/ 362)، والأشموني (2/ 160)، وينظر: التذييل والتكميل (3/ 661). (¬5) شرح المصنف (2/ 315، 316). (¬6) ينظر: الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 319) تحقيق موسى بناي العليلي. (¬7) قائله الأعشى ميمون بن قيس، والبيت من الطويل، وهو بتمامه: تجانف عن أهل اليمامة ناقتي ... وما قصدت من أهلها لسوائكا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا لم تستعمل إلّا منصوبة فهو المراد من كونها غير متصرّفة، و (سوى) مثلها، ولا قائل بالفرق، ثمّ قال: وبيان الظرفية فيها هو: أنّ العرب تجري الظّروف المعنويّة المقدّرة، مجرى الظّروف الحقيقيّة، فيقولون: فلان مكان فلان ولا يعنون إلّا منزلة في الذّهن مقدرة، فنصبوه نصب الظّروف الحقيقية، فكذلك إذا قالوا: مررت برجل سواك، وسوائك، إنّما يعنون مكانك، وعوضا منك، من حيث المعنى، فانتصب ذلك الانتصاب، ثمّ ذكر مستند المخالف فقال: وأما حجّة من قال: إنها بمعنى (غير)، يعتورها الإعراب على اختلاف وجوهه فالنقل والمعنى، أما المعنى فقولهم: مررت برجل سواك، كقولهم: مررت برجل غيرك، وأما النقل فقول الشاعر: 1765 - ولم يبق سوى العدوا ... ن دنّاهم كما دانوا (¬1) وبقولك: ما ضربت سواك، وما جاءني سواك، والجواب ما ذكرناه، من أنّ (سوى) لم يستعمل إلّا منصوبا، ومجيئه غير منصوب شاذّ، ولا قائل بالفرق بينه وبين (سوى)، وأما ما ذكروه من المعنى فمردود؛ لأنه يؤدي إلى رفع (سوى) ولم يستعمل فردّه إلى الظرف أولى، ليوافق كلام العرب، وإن كان مخالفا للظاهر، وأما في البيت، وغيره من الكلام، فهو صفة لموصوف محذوف، وذلك المحذوف هو الّذي دخل عليه العامل (¬2). انتهى كلام ابن الحاجب، وقد وضح تجاوب الطرفين في هذه المسألة. والّذي يقتضيه الإنصاف: الحكم بظرفيته، لصحّة وقوعه وحده صلة، في قولهم: جاءني الذي سواك، وما ذكره المصنّف، من أنّه يقدر له مبتدأ محذوف، أو غيره خلاف الأصل، وعدم الحكم بلزوم الظرفيّة، لما تقدّم من الشواهد الدّالة - ¬

_ - ويروى: «عن جو اليمامة»، و «عن جلّ اليمامة» وتجانف أصله: تتجانف، ومعناه: تنحرف. ومعنى البيت: أنه لم يقصد سواه من أهل اليمامة. والشاهد: في قوله: «لسوائكا»؛ حيث جرّت «سوى» باللام، وخرجه سيبويه على أنه ضرورة شعرية. ينظر: ديوان الأعشى (ص 589)، والكتاب (1/ 32، 408)، والمقتضب (4/ 349)، والإنصاف (ص 167)، وشرح المفصل (2/ 44، 84)، والهمع (1/ 202)، والدرر (1/ 161). (¬1) سبق تخريجه قريبا. والشاهد فيه - هنا - كون (سوى) بمعنى (غير) يعتورها الإعراب، على اختلاف وجوهه. (¬2) ينظر: شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 319 - 321) تحقيق موسى العليلي.

[حذف ما بعد «إلا» و «غير»]

[حذف ما بعد «إلّا» و «غير»] قال ابن مالك: (وقد يقال: ليس إلّا، وليس غير، وغير، إذا فهم المعنى وقد ينوّن، وقد يقال: ليس غيره وغيره، ولم يكن غيره وغيره (¬1)، وفاقا للأخفش) (¬2). - على استعماله غير ظرف، وما ذكروه من جعل (سوى) فيما ورد صفة لمحذوف خلاف الأصل، مع أنه لا يصلح تقديره في جميع ما ورد، وقال الشيخ - بعد نقل كلام المصنّف، وإيراد الشواهد على مختاره -: وقد ذهب مذهبا قلّ أن يتبع عليه؛ لأنّ مستقرئ اللغة وعلم النحو، لا يكاد أحد منهم يذهب إلى مقالته، وهي عندهم منصوبة على الظرف، ولا حجة فيما كثر من الشواهد كلّها؛ لأنّها جاءت في الشعر، وهو محلّ ضرورة (¬3). اه. ونبّه المصنف أنّ سين (سوى) قد تضمّ مقصورة، وقد تفتح ممدودة، وذكر ابن الخبّاز - في شرحه لألفية ابن معط - لغة رابعة، وهي المدّ، مع كسر السين (¬4)، ومعناه في الاستثناء واحد، والخلاف في الممدودة كالخلاف في المقصورة. قال الشيخ عن بعضهم ما معناه: أنّ (سوى) - في غير الاستثناء - إمّا بمعنى: مستو كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ (¬5)، أو بمعنى: وسط كقوله تعالى: فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (¬6)، أو بمعنى حذاء كقولهم: زيد سواء عمرو أي حذاء عمرو (¬7). قال ناظر الجيش: قال المصنف: قد يكتفي بـ (إلّا) وب (غير) عن المستثنى، إذا عرف المعنى، ولم يستعمل العرب ذلك بعد غير (ليس)، فيقال: قبضت عشرة - ¬

_ (¬1) في هامش التسهيل (ص 107) أي يذكر المضاف إليه والنصب، والرفع على ما تقدم والتقدير - في الرفع ليس غيره الجائي و - في النصب - ليس هو، أي الجائي غيره. (¬2) فيحذف الاسم، إن نصبت والخبر إن رفعت، فتقول: جاءني زيد، لم يكن غيره أو غيره. (¬3) التذييل والتكميل (3/ 667). (¬4) ينظر: الأشموني (2/ 160، 161). (¬5) سورة البقرة: 6. (¬6) سورة الصافات: 55. وقد كتبت خطأ في نسخة هذا المخطوط هكذا: «فألقوه في سواء الجحيم»، وليس في القرآن الكريم آية بهذا اللفظ، وإنما فيه: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ [الدخان: 47]. (¬7) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 668).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس إلّا وليس غيره وغير، التقدير: ليس المقبوض إلا ذاك، وليس المقبوض غير ذلك وليس غير ذلك مقبوضا، واختلف في (غير) - مضمومة - هل هي معربة أو مبنية: فذهب الأخفش إلى أنّها معربة، كما أنّها معربة إذا كانت مفتوحة، فجعلها معربة في الحالين، ويرى أنّ التنوين نزع للإضافة (¬1)، ولأنّ المضاف إليه ثابت في التقدير فإن رفعت (غير) كان اسم (ليس) والخبر محذوف، والتقدير كما تقدّم، وإن نصبته كان الخبر والاسم محذوف (¬2)، وقد [3/ 61] تقدّم تمثيله. وذكر الأخفش أنّ بعض العرب ينوّن (غيرا) لأنّه في اللفظ غير مضاف (¬3)، قال السيرافيّ: وينبغي أن يكون تنوينه على وجهي الرفع والنصب (¬4)، وذهب المبرّد وأكثر المتأخّرين إلى أنها مبنيّة، وحركتها حركة بناء، لشبهها بـ (قبل) و (بعد) في الإبهام، والقطع عن الإضافة ونية المضاف إليه، قال الشيخ - بناء على هذا المذهب -: وتكون مبنية سواء كانت اسم (ليس) أو خبرها وهو واضح. قال المصنف: تنوين (غير) يدلّ على أنه معرب؛ لأنّ تنوينه إما للصرف أو التعويض من المضاف إليه، وأيّا ما كان يلزم كون ما هو فيه معربا؛ لأنّ تنوين الصّرف لا يلحق مبنيّا، وتنوين العوض يوجب للمنوّن ما له مع المضاف إليه من بناء وإعراب؛ لأنّه قائم مقامه، ولذلك حكم ببناء (إذ)، وإعراب (كلّ، وبعض) (¬5). انتهى. وممّا يقوى به القول بأنّها معربة؛ الحكم بإعرابها حال كونها مفتوحة، فإذا قيل بإعراب المضمومة تعادل الوجهان، بخلاف ما لو قيل ببنائها، قال الشيخ: وليس قولهم: جاءني زيد ليس إلا، أو ليس غير - استثناء من الأول؛ لأنّه يكون تبعيضا لما ليس متبعضا ولأنّ ما بعد (ليس) هو الأول، كيف كان (¬6). انتهى. وكان قد تقدم من تمثيله: جاءني زيد ليس إلّا، وليس غيره وقال: التقدير ليس الجائي إلا هو، وليس الجائي غيره، وكلام الشيخ هذا ظاهر، ولا منافاة بينه وبين قول المصنّف: قد - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (3/ 672). (¬2) شرح المصنف (2/ 315، 316). (¬3)، (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 315، 316)، وشرح الرضي (1/ 48)، وارتشاف الضرب (ص 635) رسالة، والتذييل والتكميل (3/ 671). (¬5) التذييل والتكميل (3/ 670، 671). (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 668).

[حكم الاسم المذكور بعد «لا سيما» - اللغات فيها]

[حكم الاسم المذكور بعد «لا سيما» - اللغات فيها] قال ابن مالك: (والمذكور بعد «لا سيّما» منبّه على أولويته بالحكم، لا مستثنّى فإن جرّ فبالإضافة و «ما» زائدة، وإن رفع فخبر مبتدأ محذوف، و «ما» بمعنى «الّذي» وقد توصل بظرف أو جملة فعليّة، وقد يقال: «لا سيّما» بالتخفيف، و «لا سواء ما»). ـــــــــــــــــــــــــــــ يكتفى بـ (إلّا) وب (غير) عن المستثنى (¬1)؛ لأنّ مراد المصنف المستثنى بـ (إلّا) وب (غير) الواقعتين بعد (ليس) وهو المقدر بعد (إلّا) والمضاف إليه (غير) ولا شكّ أنهما مستثنيان؛ ولهذا قال سيبويه: هذا باب يحذف المستثنى فيه استحقاقا (¬2). ثمّ مثّل بـ (ليس إلّا) و (ليس غير) وقال: كأنّه قال: ليس إلا ذاك، وليس غير ذاك، ولكنّهم حذفوا ذلك تخفيفا، واكتفاء بعلم المخاطب ما يعني (¬3). انتهى. وأجاز الأخفش أن يقال: ليس غيره وغيره، يعني أنه يجوز إضافة (غير) وترفع على أنّها الاسم، والخبر محذوف، وتنصب على العكس. قال الشيخ: والأجود التصريح مع (غير) بالمضاف إليه، فقولك: قبضت عشرة ليس غيرها، وغيرها، أجود من: ليس غير، أو غير (¬4). انتهى. وأجاز الأخفش أيضا أن يقال: في موضع (ليس غيره) - لم يكن غيره. وغيره قال المصنف: وما له على ذلك دليل غير القياس (¬5)، قال السيرافيّ - في الحذف الذي استعملوه بعد (إلّا) و (غير): إنما يستعمل إذا كانت (إلّا) و (غير) بعد (ليس) ولو كان مكان (ليس) غيرها من ألفاظ الحمد لم يجز الحذف، وعلّلوا ذلك بأنّ الأصل أن لا يجوز حذف الاسم في باب (كان) ولا حذف الخبر، فلا يتجاوز بذلك مورد السّماع. قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام على أدوات الاستثناء (¬6) وهي: إلّا، وحاشا، وخلا، وعدا، وليس، ولا يكون، وغير، وسوى - بلغاتها - وبيد - على خلاف - ¬

_ (¬1) شرح المصنف (2/ 315، 316). (¬2)، (¬3) الكتاب (2/ 344، 345). (¬4) التذييل والتكميل (3/ 672). (¬5) شرح المصنف (2/ 315، 316). (¬6) من هنا أول الساقط من النسخة المصرية من شرح التسهيل لناظر الجيش واعتمدنا في تحقيق هذا الجزء الساقط على النسخة التركية واستمر ذلك طوال عدة أبواب (آخر باب الاستثناء - باب الحال كله - باب التمييز - أول باب العدد).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها تقدّم ذكره - أراد أن ينبّه على وهم من ادّعى أنّ من جملة الأدوات (لا سيّما)، قال المصنف (¬1): قد جعلها بعضهم من أدوات الاستثناء (¬2)، وذلك عندي غير صحيح؛ لأنّ أصل أدواته هي (إلّا) فما وقع موقعه (¬3) وأغنى (¬4) عنه فهو من أدواته، وما لم يكن كذلك فليس منها، ومعلوم أنّ (إلّا) تقع موقع الأدوات التي تقدّم ذكرها فوجب إدخالها (¬5) مع (إلّا) في الباب، و (لا سيما) بخلاف ذلك. فلا يعدّ من أدواته، بل هو مضادّ لها، فإنّ الذي يلي (لا سيّما) داخل فيما دخل فيه ما قبله، ومشهود له بأنّه أحقّ بذلك من غيره، وهذا المعنى مفهوم بالبديهة من قول امرئ القيس: 1766 - ألا ربّ يوم صالح لك منهما ... ولا سيّما يوم بدارة جلجل (¬6) فلا تردّد في أنّ مراده دخول «يوم دارة جلجل» فيما دخلت فيه الأيّام الأخر من الصلاح وأنّ له مزية، وهذا ضد المستفاد بـ (إلّا) فلا سبيل إلى إلحاق (لا سيّما) بأدوات الاستثناء (¬7). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 306 - 310) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد. (¬2) سيأتي في نقله عن أبي حيان بأن هذا مذهب الكوفيين وجماعة من البصريين. ينظر: التذييل (3/ 673)، والارتشاف (2/ 328) قال أبو علي في الإيضاح (ص 176) تحقيق د/ كاظم المرجان: باب ما جاء بمعنى (إلّا) من الكلام، قد جاء من الأسماء والأفعال والحروف فأمّا الاسم فنحو: غير وسوى وسواء، ولا سيما. وقال في المسائل المشكلة (ص 317): وهي - أي لا سيما - تستعمل في الاستثناء وغيره، فاستعمالهم لها في الاستثناء كقولهم: «جاءني القوم لا سيما زيد» وأما استعمالهم لها في غير الاستثناء فقوله: ولا سيّما يوم بدارة جلجل فهذا ليس موضع استثناء. اه. وقال ابن يعيش: (لا سيما) كلمة يستثنى بها، ويقع بعدها المرفوع والمخفوض» (2/ 85). (¬3) في المخطوط: فما وقعت، والصواب ما أثبته كما في شرح المصنف. (¬4) في المخطوط: وأغنت، وما أثبته كما في كلام المصنف وهو الصواب. (¬5) أي: أدوات الاستثناء التي سبق ذكرها. (¬6) البيت من الطويل، وهو من معلقة امرئ القيس وينظر ديوانه (ص 10)، والمسائل المشكلة للفارسي (ص 317)، والمفصل (ص 69)، وشرحه لابن يعيش (2/ 86)، وشرح المصنف (2/ 318)، والتذييل (3/ 675)، والأشموني (2/ 167) وشاهده واضح من الشرح. (¬7) إلى هنا كلام المصنف وينظر في شرحه (2/ 318) (المطبوع) وقال ابن هشام الخضراوي: لما كان ما بعدها بعضا مما قبلها وخارجا عنه بمعنى الزيادة كان استثناء من الأول؛ لأنه خرج عنه بوجه لم يكن له. ينظر في التذييل (3/ 673).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وعدّها من الأدوات الكوفيون وجماعة من البصريين كالزجاج وأبي علي. انتهى (¬1). وقد ذكر ابن عصفور وجه الاعتذار عن ذلك، فقال: إذا قلت: «قام القوم لا سيّما زيد» فقد خالفهم (زيد) في أنه أولى بالقيام منهم، فهو مخالفهم في الحكم الذي ثبت لهم بطريق الأولوية. انتهى (¬2) وضعفه غير خفي (¬3). قال الشيخ: ودخول الواو عليها منعها من أن تكون من أدوات الاستثناء. انتهى (¬4). ثم اعلم أنّ (لا) من (لا سيّما) هي العاملة عمل (إنّ) و (سيّ) اسمها، وهو نكرة وإن أضيف إلى معرفة؛ لأنه كـ (مثل) حكما لتوافقهما معنى (¬5). قال سيبويه: وسألت الخليل عن قول العرب: «ولا سيّما زيد» فزعم أنّه مثل قولك: «ولا مثل زيد» و (ما) لغو (¬6). انتهى. وجوّز النحويون في الاسم الواقع بعد (لا سيما) الجرّ والرفع، وجوّزوا النصب أيضا إذا كان الاسم المذكور نكرة، وقد روي بيت امرئ القيس المتقدم بالأوجه الثلاثة (¬7). أمّا الجرّ في مثل (لا سيما) فعلى جعل (ما) زائدة، وإضافة (سيّ) إلى ما بعدها، وكأنّه قيل: «لا مثل زيد» وقد تقدّم قول الخليل: و (ما) لغو، أي: زائدة، وخبر (لا) محذوف لفهم المعنى. ويجوز حذف (ما) فتقول: «ولا سيّ زيد». قال الشيخ: ونصّ عليه سيبويه (¬8). - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 673)، وسبق نقل كلام أبي علي في ذلك. (¬2) انظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 262). (¬3) لأنه مشارك لهم في القيام والاستثناء إخراج. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 673). (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 318). (¬6) ينظر: الكتاب (2/ 386). (¬7) تراجع هذه الأوجه في شرح المفصل لابن يعيش (2/ 85 - 86)، وشرح الكافية للرضي (1/ 249)، والمغني (1/ 313). (¬8) التذييل (3/ 673)، ويراجع الكتاب (2/ 171)، والمسائل المشكلة للفارسي (ص 318).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل عن أبي علي (¬1) أنّه قال: إنّ (لا) ليست عاملة في (سيّ) وإنّما (سيّ) منصوب على الحال من الجملة السابقة، ولم تتكرر (لا) وإن كان قياسها التكرار، قال: فكأنك قلت: قام القوم غير مماثلين زيدا في القيام؛ ثم قال الشيخ: وما ذهب إليه فاسد، لجواز دخول الواو على (لا) وهو لا يجوز مع الحال، لا تقول: «جاء زيد ولا ضاحكا» (¬2). قال (¬3): وبعضهم زعم أنّ (لا) في (لا سيّما) زائدة، وهو غريب. وأما الرفع فعلى جعل (ما) بمعنى الذي، وهي مخفوضة بإضافة (سيّ) إليها، والاسم الواقع بعد (لا سيما)، خبر مبتدأ محذوف، والمبتدأ وخبره صلة، قاله سيبويه عن الخليل، وقال: و (لا سيّما زيد) كقولهم: (دع ما زيد). انتهى (¬4) والتقدير: دع الذي هو زيد، كما تقدّر (لا سيّما زيد) لا مثل الذي هو زيد. وذكر الناس (¬5) أنّ وجه الرفع فيه ضعف من جهتين: إحداهما: حذف صدر الصلة من غير طول وليس الموصول (أيّا)، والتزام حذفه دائما فلم ينطق به. والثانية: إطلاق (ما) على آحاد من يعقل، والمشهور أنّ ذلك لا يجوز. وخبر (لا) محذوف، كما تقدّم في وجه الجرّ ونقل الشيخ عن الأخفش أنه جعل (ما) بمعنى الذي - كما تقدم - إلا أنه لم يجعل «سيّا» مضافا إليها، بل جعلها (¬6) في موضع رفع على أنها خبر (لا) ... قال: فكأنه قال: لا مثل - ¬

_ (¬1) أشار أبو حيان في التذييل (3/ 676)، وابن هشام في المغني (1/ 313) أنّ الفارسي ذكر ذلك في «الهيتيات» - نسبة إلى هيت، بلد علي الفرات، أملى فيها هذه المسائل. ولكن ما ذكره في المسائل المشكلة (ص 317) يتفق مع ما ذهب إليه الجمهور من أنّ (سيّ) منتصب بـ (لا) والخبر مضمر. (¬2) ينظر في التذييل (3/ 674) مع تصرف يسير، والمغني (1/ 313). (¬3) القائل هو أبو حيان فيما نقله عن صاحب البديع. التذييل (3/ 674). (¬4) ينظر: الكتاب (2/ 286)، والتذييل (3/ 675) تحقيق د/ حماد البحيري رحمه الله. (¬5) ينظر: التوطئة للشلوبين (ص 311) تحقيق يوسف المطوع، والتذييل (3/ 675). (¬6) الضمير يعود على (ما) وعبارة أبي حيان: وزعم الأخفش أنّ (سيّ) ليس مضافا لـ (ما) بل (ما) موصولة بمعنى الذي في موضع رفع و (لا) مع (سيّ) كهي في قولك: لا رجل، و (ما) هو -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشخص الذي هو زيد ... ثم قال الشيخ: وهذا فاسد؛ لأنّ فيه عمل (لا) في خبرها وهو معرفة و (لا) لا تعمل في المعارف (¬1) ... ثم قال: وأجاز ابن خروف أن تكون (ما) نكرة موصوفة، وما بعدها من محذوف ومذكور صفة لها، كما قدرته صلة. انتهى (¬2). وفيما أجازه ابن خروف مخلص من ارتفاع (ما) على العامل، وإلزام حذف صدر الصلة وإن لم تطل. وأما النصب إذا كان الاسم نكرة فعلى التمييز. وفي إعراب (ما) وجهان: أحدهما: أنها في موضع جرّ بالإضافة، وهي نكرة تامة، أي: ولا مثل شيء، ثم ميّز بالنكرة. قال الشيخ: وهذا الإعراب الذي تلقفناه من أفواه الشيوخ (¬3) يعني أنّ (ما) نكرة تامة. [3/ 58] الوجه الثاني - وأشار إليه المصنف -: أنّها كافة (¬4)، لا موضع لها من الإعراب، وهي عوض من المضاف إليه، وانتصب ما بعدها على التمييز، كما كان ينتصب بعد المضاف إليه، كقولك: «لي مثله يوما» وكقولهم: «على التمرة مثلها زبدا». قال المصنف: أشار إلى هذا الوجه الفارسي (¬5)، واستحسنه الشلوبين (¬6) - ¬

_ - خبر (لا). ينظر: التذييل (3/ 675)، والارتشاف (2/ 328). (¬1) ينظر: التذييل (3/ 675). (¬2) السابق نفسه. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 676). (¬4) أي: كافة لـ «سي» عن طلب الإضافة إلى ما بعدها. (¬5) ينظر: الاستغناء في الاستثناء (ص 37). (¬6) ينظر: شرح الجزولية الكبير للشلوبين (3/ 998) وعبارته: وأرى أن النصب لا يكون بعد (لا سيما) إلا أن يكون المستثنى نكرة؛ لأنّ انتصابه كانتصاب «على التمرة مثلها زبدا» وكذا قال الفارسي في التذكرة، والتمييز لا يكون إلا نكرة، ولا وجه للنصب في المعرفة. اه. وعبارته في التوطئة (ص 281): والنصب أضعفها؛ لأنّه إنّما هو على التشبيه بقولهم: «على التمرة مثلها زبدا» وليس مثله إلا من جهة أن (ما) مع النصب كافة عن طلب الإضافة إلى ما بعدها فأشبهت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا بأس في كل ما وقع بعد (لا سيما) من صالح للتمييز. انتهى (¬1). ولا يخفى أرجحية الوجه الثاني على الأول. وقد ضعف الوجه الأول من جهة أنّ (مثل) تضاف إلى معرفة ليتخصص، نحو: «لي مثله رجلا» فلا ينبغي إضافتها إلى نكرة (¬2) إلّا أن يقال: لمّا ميّزت حصل التخصص كما لو أضيفت إلى معرفة. وأما بيت امرئ القيس المتقدم فتخرّج رواياته الثلاث على ما تقدم من التقرير، والرفع فيه قويّ أيضا؛ لأنّ (ما) لم يقع فيه على العاقل، ولم تقصر الصلة بل طالت بذكر (دارة جلجل). وجوّز المصنف في رواية النصب: نصب (يوما) على الظرف (¬3) وجعله صلة لـ (ما) ... قال: (وبدارة جلجل) صفة لـ (يوما) أو متعلق به لما فيه من معنى الاستقرار (¬4). وجوّز أيضا جعل (بدارة جلجل) صلة (ما) ونصب (يوما) به لما فيه من معنى الاستقرار. قال: فإنّ (ما) المذكورة قد توصل بظرف كقولك «يعجبني الاعتكاف لا سيّما عند الكعبة، والتهجد ولا سيّما إذا قرب من الصبح (¬5)». ومنه قول الشاعر: - ¬

_ - الإضافة في قولهم: «على التمرة مثلها زبدا» من جهة منعها الإضافة إلى ما بعدها. اه. وواضح من كلامه أنّه لم يستحسن الوجه، إنما استحسن التوجيه. (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 319). تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 676). (¬3) قال ابن يعيش في التعليق على البيت: وقد روي (يوما) منصوبا على الظرف، وهو قليل شاذ (2/ 86). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 319). قال أبو حيان: وهذا الذي جوّزه فيه بعد؛ لأنّ (ما) إذ ذاك موصولة بمعنى الذي، ويعني بها اليوم، كأنه قال: ولا مثل اليوم يوما بدارة جلجل، أي: ولا مثل اليوم الذي في يوم بدارة جلجل، وقد جوّزه أيضا شيخنا الأستاذ أبو الحسن بن الضائع، فقدّره: ولا مثل اليوم الذي يثبت لك في وقت بدارة جلجل، وجوّز أيضا أن يكون التقدير: ولا مثل الصلاح والحسن الذي في يوم بدارة جلجل. اه. ينظر: التذييل (3/ 677). (¬5) هكذا في المخطوط، وفي شرح المصنف (2/ 319): ولا سيّما قرب الصبح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1767 - يسرّ الكريم الحمد لا سيّما لدى ... شهادة من في خيره يتقلّب (¬1) وإلى هذه الأمثلة إشارة بقوله: وقد توصل بظرف. وأمّا الوصل بجملة فعلية فكقولك: «يعجبني كلامك لا سيّما تعظ به». ومنه قول الآخر: 1768 - فق النّاس في الخير لا سيّما ... ينيلك من ذي الجلال الرضا (¬2) وأنشد المصنف شاهدا على مخفف (لا سيما) قول الشاعر: 1769 - فـ بالعقود وبالأيمان لا سيّما ... عقد وفاء به من أعظم القرب (¬3) ولم ينشد شاهدا على (لا سواء ما). قال الشيخ: والمحذوف من (لا سيما) المخفّف اللام، ويجوز أن يكون العين، وهي من باب (طويت) (¬4). قال: وإطلاق المصنف يدلّ على أنّ الرفع والجرّ جائزان بعد (لا سواء ما) كما جاز بعد (لا سيّما) (¬5). قال: وحكى ابن الأعربي أن العرب تقول: (لا مثلما) بمعنى (لا سيّما) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وشاهده واضح من الشرح وينظر في: شرح المصنف (2/ 319)، والتذييل (3/ 677)، والهمع (1/ 234). (¬2) البيت من المتقارب، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 319)، والتذييل (3/ 678)، والهمع (1/ 235). (¬3) البيت من البسيط، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 319)، والتذييل (3/ 678)، والهمع (1/ 235) والأشموني (2/ 168). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 678 - 679) وعبارته: وإذا خففت الياء في (لا سيما) فما المحذوف، أعين الكلمة أم لامها؟ وذلك أنّ (سيّا) عينها واو ولامها ياء، فهي من باب (طويت) وأصلها: (سوي) لأنها من (سوّيت) فقلبت الواو ياء - لسكونها وانكسار ما قبلها على حد (ميزان) أو لوقوع الياء بعدها، أو لهما معا - وأدغمت في الياء فقيل: «سيّ». فذهب ابن جني إلى أن المحذوف هو لام الكلمة ... والأحسن عندي الوقوف فيها مع الظاهر، وأن يكون المحذوف العين، وإن كان أقلّ من حذف اللام. اه. وينظر: الارتشاف (2/ 330). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 679).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنّهما بمعنى واحد ... قال: ونص على أن ما بعد (لا مثلما) يرفع ويجرّ كما بعد (لا سيّما) (¬1). قال: وقال الهنائي (¬2): لا ترما، ولا سيما، ولا مثلما بمعنى واحد. قال: وذكر ابن الأعرابي (ولو تر ما) بمعنى (لا سيّما) (¬3) إلّا أنّه قال: لا يكون فيها إلّا الرفع - يعني في الاسم الذي بعدها - لأنّ (تر) فعل فلا يمكن زيادة (ما) بعدها وجرّ ما يلي (ما) بالإضافة؛ لأنّ الفعل لا يضاف، فـ (ما) موصولة بمعنى «الذي» وهي مفعولة بـ (تر)، و (زيد) خبر مبتدأ محذوف. ثم (تر) إن كان قبلها (لا) احتملت وجهين: أحدهما: الجزم بـ (لا) على أنّها الناهية، والتقدير: لا تر أيّها المخاطب الذي هو زيد، فإذا قيل: «قام القوم لا تر ما زيد» كان المعنى: لا تبصر الشخص الذي هو زيد، فإنه في القيام أولى به منهم. الثاني: أن تكون غير مجزومة على أنّ (لا) نافية، وحذفت ألف (تر) شذوذا كما حذفوا في (لا أدر) و (لا أبال) وهما منفيان. وإن كان قبل (تر) (لو) فحذف الألف للشذوذ أيضا، كما ذكر في (لا) النافية، وجواب (لو) محذوف، والتقدير: لو تبصر الذي هو زيد لرأيته أولى منهم بالقيام، ونظيره قولهم: «لقد جاد الناس ولو رأيت زيدا» أي: لرأيت الجود العظيم (¬4). وقال الشيخ أيضا: ومن أحكام (لا سيّما) أنه قد يجيء بعدها الجملة الشرطية نحو قولك: «السؤال يشفي من الجهل لا سيما إن سألت خبيرا» وأنشد على ذلك - ¬

_ (¬1) السابق (3/ 680)، وينظر: الارتشاف (2/ 330) تحقيق د/ النماس. (¬2) في المخطوط: «الكسائي»، وهو تحريف، ففي التذييل (3/ 680): «قال الهنائي»، وفي الارتشاف (2/ 330): «وقال كراع»، وكراع والهنائي اسمان، لمسمّى واحد، وهو أبو الحسن على بن الحسن الهنائي، والمعروف بكراع النمل، نحوي لغوي، من أهل مصر، أخذ عن البصريين، وكان نحويّا كوفيّا من مصنفاته: أمثلة غريب اللغة، والمنضد في اللغة كتبه سنة سبع وثلاثمائة. ينظر معجم الأدباء (13/ 13)، والبغية (2/ 158). (¬3) ينظر: اللسان «رأى» (3/ 1544). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 680، 681)، والارتشاف (2/ 330، 331)، والهمع (1/ 235).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيتا (¬1)، ويحتاج إلى تخريج مثل هذا على وجه يتمشى على التقديرات المتقدمة. ثم قال: ومن أحكامها أنّه لا يجيء بعدها الجملة بالواو نحو ما يوجد في كلام أكثر المصنفين من قولهم: «لا سيما والأمر كذلك» أو «لا سيّما والحالة هذه» وكذا لا يجوز حذف (لا) من (لا سيما) وقد أولع بذلك كثير من المصنفين (¬2). * * * ¬

_ (¬1) وهو بيت من الطويل قاله أحد الماجنين، وتعفف ناظر الجيش عن ذكره لما به من مجون. وينظر في التذييل (3/ 681)، والارتشاف (2/ 329)، والهمع (1/ 235). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 682)، والارتشاف (2/ 329، 330)، والهمع (1/ 235).

الباب الثامن والعشرون باب الحال

الباب الثامن والعشرون باب الحال [تعريف الحال - بعض أحكامه] قال ابن مالك: (وهو ما دلّ على هيئة وصاحبها متضمنا ما فيه معنى «في» غير تابع ولا عمدة، وحقّه النّصب، وقد يجرّ بباء زائدة) (¬1). قال ناظر الجيش: الحال تذكر وتؤنث (¬2)، وعلى التذكير استعملها المصنف هنا، وقد استعملها مؤنثة في أثناء الباب. وما دلّ على هيئة يعمّ الحال نحو (ماشيا) من «جئت ماشيا» وبعض الأفعال نحو (تربّع) من قولك: «تربّعت»، وبعض أسماء المعاني نحو (القهقرى) من «رجعت القهقرى» وبعض الأخبار نحو (متكئ) من «زيد متكئ» وبعض النعوت نحو (راكب) من «مررت برجل راكب» (¬3). فخرج بعطف صاحبها الفعل، وأسماء المعاني؛ لأنّ (تربّع) و (القهقرى) وإن دلّا على هيئة لا يدلّان على صاحب الهيئة، ولكن دخل بذكر صاحبها ما ليس بمقصود بالحد نحو: «بنيت صومعة» لدلالة هذا الكلام على هيئة وصاحبها، فأخرجه بقوله: متضمنا ما فيه معنى (في) فإنّ «بنيت صومعة» ليس معنى «في» في نفسه ولا في جزء مفهومه وإنّما قال: ما فيه معنى (في) ولم يقل: متضمنا معنى (في)؛ لئلّا يدخل في الحدّ نحو «دخلت الحمام» لتضمنه معنى (في) وليس متضمنا ما فيه معناها؛ لأنّ معناه؛ دخلت في الحمام، فليس بعض الحمّام أولى بمعنى (في) من بعض، بخلاف قولك: «جئت ماشيا» و «زيد متكئ» و «مررت برجل راكب» فإنّ معناه: في حال مشي، وفي حال اتكاء، وفي حال ركوب، فمعنى (في) مختص بجزء مفهوم المذكور، وهو المصدر مثلا (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: التسهيل (ص 108). (¬2) يقال: حال حسن، وحال حسنة، وقد يؤنث لفظها، فيقال: حالة، قال الفرزدق: على حالة لو أنّ في القوم حاتما ... على جوده لضنّ بالماء حاتم انظر: شرح الشذور لابن هشام (ص 245)، ويراجع البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث لأبي البركات الأنباري (ص 83). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 321). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 321)، والتذييل (3/ 690).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الاحتياج إلى هذا التعسف لئلّا يدخل في الحدّ نحو «دخلت الحمام» نظر؛ فإنّ «دخلت الحمام» لم ينطو الكلام المتقدم عليه؛ لأنّه لا دلالة فيه على هيئة بالمعنى [3/ 59] المراد بالهيئة هنا. وخرج النعت بقوله: غير تابع والخبر بقوله: ولا عمدة؛ لأن الحال فضلة ليست عمدة، ولا يعترض على هذا بما لا يجوز حذفه من الأحوال نحو: «ضربي زيدا قائما» فيظن أنه قد صار بذلك عمدة، فإن العمدة في الاصطلاح: ما عدم الاستغناء عنه أصيل لا عارض، كالمبتدأ والخبر. والفضلة في الاصطلاح: ما جواز الاستغناء عنه أصيل لا عارض، كالمفعول والحال. وإن عرض للعمدة جواز الاستغناء عنه لم يخرج بذلك عن كونه عمدة، وإن عرض للفضلة امتناع الاستغناء عنها لم تخرج بذلك عن كونها فضلة (¬1). وإنما كان حق الحال النصب؛ لأنّها فضلة، وهو إعراب الفضلات (¬2). قال الشيخ (¬3): واختلفوا من أي باب نصب الحال، فقيل: نصب المفعول به (¬4). وقيل: نصب الظرف (¬5)، وقيل: نصب التشبيه بالمفعول به (¬6)، قال: وهو ظاهر مذهب سيبويه (¬7). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 321 - 322). (¬2) ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 6). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 691). (¬4) وهذا قول أبي القاسم الزجاجي، قال ابن عقيل: ويرده قول سيبويه: وليس - أي: الحال - بمفعول كالثوب في قولك، «كسوت زيدا الثوب». ينظر المساعد (2/ 6)، ويراجع في سيبويه (1/ 44). (¬5) قيل: إنّ هذا مفهوم من قول سيبويه: «لأن «الثوب» في المثال المذكور سابقا - ليس بحال وقع فيها الفعل» فيدل على أنّ الحال وقع فيها الفعل فيكون ظرفا. وردّ بأن الظرف أجنبي من الاسم، والحال هي الاسم الأول. ينظر في المرجعين السابقين. (¬6) وهذا مذهب ابن السراج، والفارسي، والزمخشري. ينظر: الأصول (1/ 213)، والإيضاح (ص 171)، والمفصل (ص 61) والقول الثاني والثالث يعدان قولا واحدا، فعبارة الزمخشري في الموضع السابق: شبه الحال بالمفعول من حيث إنها فضلة ... ولها بالظرف شبه خاص من حيث إنها مفعول فيها. وعبارة الفارسي في الموضع المشار إليه أيضا كعبارة الزمخشري. انظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 55). (¬7) ينظر: الكتاب (1/ 44).

[من أحكام الحال: الاشتقاق وقد يأتي جامدا مؤولا]

[من أحكام الحال: الاشتقاق وقد يأتي جامدا مؤولا] قال ابن مالك: (واشتقاقه وانتقاله غالبان، لا لازمان، ويغني عن اشتقاقه وصفه، أو تقدير مضاف قبله، أو دلالته على مفاعلة أو سعر أو ترتيب أو أصالة أو تفريغ أو تنويع أو طور واقع فيه تفصيل. وجعل «فاه» حالا من «كلّمته فاه إلى فيّ» أولى من أن يكون أصله: جاعلا فاه إلى فيّ، أو: من فيه إلى فيّ، ولا يقاس عليه خلافا لهشام) (¬1). - وأنشد المصنف على جرّ الحال بباء زائدة: 1770 - كائن دعيت إلى بأساء داهمة ... فما انبعثت بمزؤود ولا وكل (¬2) وأنشد غيره: 1771 - فما رجعت بخائبة ركاب ... حكيم بن المسيّب منتهاها (¬3) قال ناظر الجيش: للحال شروط بعضها يرجع إلى نفس الحال، وبعضها يرجع إلى صاحبها، إلّا أنّ منها ما هو لازم، ومنها ما هو غالب وليس بلازم. فمن الشروط الراجعة إلى الحال: الاشتقاق والانتقال: ومختار المصنف أنّهما غالبان لا لازمان، فكون الحال بلفظ مشتق ولمعنى منتقل كـ «جئت راكبا، وذهبت - ¬

_ (¬1) ينظر: التسهيل (ص 108). (¬2) البيت من البسيط، وهو لرجل من فصحاء طيّئ. وينظر في شرح المصنف (2/ 322)، وشرح الكافية الشافية (2/ 728)، والتذييل (3/ 692)، والمساعد (2/ 7)، والمغني لابن هشام (1/ 110) والمزؤود: المذعور، والوكل: الذي يكل أموره إلى غيره. (¬3) البيت من الوافر، وقائله القحيف بن سليم العقيلي. وهو من شواهد ابن مالك في شرح الكافية (2/ 728)، وينظر في: التذييل (3/ 692)، ومغني اللبيب (1/ 110). والخيبة: الحرمان من المطلوب، والركاب: الإبل التي يسار عليها. فائدة: أنكر أبو حيان ما ذهب إليه ابن مالك فقال: ولا حجة في هذا على ما ادّعاه؛ إذ تحتمل الباء فيهما ألا تكون زائدة، بل الباء فيهما للحال، أما في البيت الأول فالتقدير: فما انبعثت ملتبسا بمزؤود. ويعني بذلك المتكلم نفسه ... وأما البيت الثاني فالتقدير: فما رجعت متلبسة بحاجة خائبة ركاب، وإذا احتمل أن تكون للحال لم يكن في ذلك دليل على زعمه أنّ الحال قد تجرّ بباء زائدة ... اه. ولابن هشام وابن عقيل دفاع عن ابن مالك، ينظر في: المغني (1/ 110، 111)، والمساعد (2/ 7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسرعا» أكثر من كونه بلفظ جامد ولمعنى غير منتقل (¬1). فمن ورود الحال بلفظ غير مشتق قوله تعالى: فَانْفِرُوا ثُباتٍ (¬2)، وفَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ (¬3)، وفَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (¬4)، وهذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً * (¬5). ومن وروده دالّا على معنى غير منتقل قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا (¬6)، وخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (¬7)، ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (¬8)، وطِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (¬9)، ومن كلام العرب: «خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها» (¬10). وقد اجتمع الجمود وعدم الانتقال في قولهم: «هذا خاتمك حديدا»، و «هذه جبّتك خزّا» وهما من أمثلة سيبويه (¬11). وإنّما كان الحال جديرا بوروده مشتقّا وغير مشتق، ومنتقلا وغير منتقل؛ لأنّه خبر في المعنى، والخبر لا حجر فيه بل يرد مشتقّا وجامدا، ومنتقلا ولازما فكان الحال كذلك، وكثيرا ما يسمّيه سيبويه خبرا، وقد يسمّيه مفعولا وصفة (¬12). وفي تعلق عدم الاشتقاق والانتقال بكونه خبرا في المعنى نظر؛ فإنّه كما أنه خبر معنى هو صفة في المعنى، فليس مراعاة أحد المعنيين بأولى من مراعاة الآخر. وقد دلّ على كونه صفة في المعنى تسمية سيبويه له بذلك فمن تسميته خبرا قول سيبويه: هذا باب ما ينتصب؛ لأنّه خبر لمعروف يرتفع على الابتداء قدّمته أو أخّرته - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 322). (¬2) سورة النساء: 71. (¬3) سورة النساء: 88. (¬4) سورة الأعراف: 142. وعلى إعراب أَرْبَعِينَ حالا يكون المعنى: فتم بالغا هذا العدد. وفي إعرابها وجوه أخرى تنظر في التذييل (3/ 694)، والبحر المحيط (4/ 380)، والدر المصون (3/ 337). (¬5) سورة الأعراف: 73، وسورة هود: 64. (¬6) سورة الأنعام: 114. (¬7) سورة النساء: 28. (¬8) سورة مريم: 33. (¬9) سورة الزمر: 73. (¬10) ينظر: كتاب سيبويه (1/ 155). (¬11) المثال الأول في الكتاب (1/ 396)، والثاني في (2/ 118). (¬12) ينظر: شرح المصنف (2/ 322 - 323)، وسنشير إلى مواضع ذلك عند سيبويه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك «فيها عبد الله قائما» و «عبد الله فيها قائما» (¬1). ومن تسميته مفعولا فيه قوله: هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفات ولا مصادر؛ لأنّه حال يقع فيه الأمر فينتصب؛ لأنّه مفعول فيه، وذلك «كلّمته فاه إلى فيّ» و «بايعته يدا بيد» (¬2). ومن تسميته صفة قوله بعد أن مثّل بـ «أمّا صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف»: فالرفع لا يجوز هنا؛ لأنك قد أضمرت صاحب الصفة ... إلى آخره (¬3). وكل هذه الإطلاقات باعتبار المعنى لا باعتبار اللفظ فلا بعد فيها. وذهب ابن عصفور إلى أنّ الحال لا تكون غير منتقلة إلّا إذا كانت مؤكدة، وأمّا إذا كانت الحال مبينة فلا تكون إلّا منتقلة أو في حكم المنتقلة (¬4). وأراد بما هو في حكم المنتقلة نحو: «ولد زيد أشهل العينين وقصير القامة»، وجعل منه قول الشاعر: 1772 - فجاءت به سبط العظام كأنّما ... عمامته بين الرجال لواء (¬5) لأنّ (جاءت) في البيت بمعنى: ولدت (¬6). وقد تقدّم من استشهادات المصنف ما يدفع دعوى ابن عصفور لمجيئها غير منتقلة وهي مبيّنة. وقد قصد المصنف أن ينبّه على المواضع التي وردت الحال فيها غير مشتقة، وعبّر عن ذلك بقوله: ويغني عن اشتقاقه كذا وكذا ... إلى آخره أي: أن الحال يستغني عن الاشتقاق في الأكثر لأحد أمور تسعة: الأول: أن يكون موصوفا كقوله تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (¬7) وهذه - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 88). (¬2) الكتاب (1/ 391). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 387). (¬4) ينظر: شرح الجمل (1/ 336)، والمقرب (1/ 151 - 153). (¬5) البيت من الطويل، ونسب لزيد بن كثوة العنبري، وينظر في: شرح الحماسة للمرزوقي (269)، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 337)، (2/ 365)، والتذييل (3/ 696)، والصحاح، واللسان (سبط) ويقال: سبط العظام لمن كان حسن القدّ والاستواء. (¬6) وقد قال أبو حيان بما قال به ابن عصفور. ينظر: التذييل (3/ 696)، والارتشاف (2/ 336). (¬7) سورة مريم: 17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال تسمّى موطّئة، فـ (بشرا) منصوب على الحال وسَوِيًّا نعت له، والحال في الحقيقة الصفة، فأصل «مررت بزيد رجلا صالحا»: مررت بزيد صالحا، وإنّما ذكرت (رجلا) توطئة للحال، ولمّا كانت الحال صفة معنوية أشبهت اللفظية، ومن حكم اللفظية أن تجري على موصوف في اللفظ ففعلوا في الحال في بعض المواضع ذلك للإشعار بأنها صفة في المعنى. الثاني: أن يكون مقدرا قبله مضاف كقول العرب: «وقع المصطرعان عدلي عير» (¬1) أي: مثل عدلي عير، وعليه قول الشاعر: 1773 - تضوّع مشكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نشوة خفرات (¬2) أي: مثل مسك، واختار الشيخ نصب (مسكا) على التمييز، قال: وهو منقول من الفاعل، قال: وجعله تمييزا أمدح (¬3). الثالث: أن يكون دالّا على مفاعلة كقولهم: «كلّمته فاه إلى فيّ» و «بايعني يدا بيد» [3/ 60] و «بعته رأسا برأس» أي: مشافهة، ومناجزة، ومماثلة. وفسّر سيبويه «يدا بيد» بقوله: (نقدا) (¬4). قال الصفار - شارح كتاب سيبويه -: وهو تفسير معنى؛ لأنّ المعنى على التعجيل والمناجزة. قال: ولا يصح أن يقدّر جاعلا (¬5) يدا بيد؛ لأنّك لم ترد أن تجعل يدك في يده، - ¬

_ (¬1) أي: وقعا معا ولم يصرع أحدهما الآخر: والعدل: نصف الحمل يكون على أحد جنبي البعير. والعير: الحمار الوحشي أو الأهلي، يقال لهما ذلك لأنهما يعيران، أي: يسيران. وفي اللسان (عدل): «وقعا المصطرعان عدلي بعير». وفي مجمع الأمثال (3/ 427). «وقعا كعكمي عير» يعني أنهما حصلا في التوازن والتعادل سواء. والعكم: العدل. وينظر اللسان (عكم). (¬2) البيت من الطويل، وقائله: عبد الله بن نمير الثقفي. وينظر في أمالي القالي (2/ 24)، والأغاني (11/ 190)، وشرح المصنف (2/ 324)، وفي إصلاح المنطق (258)، واللسان (ضوع): «في نسوة عطرات». ويقال: ضاع المسك وتضوّع وتضيّع، أي: تحرك وانتشرت رائحته، ونسوة خفرات: شديدات الحياء. (¬3) ينظر التذييل (3/ 698). (¬4) ينظر الكتاب (1/ 391). (¬5) هذا التقدير مذهب الكوفيين، وسيأتي الحديث عنه ضمن مذاهب العلماء في نصب هذه الأمثلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا أن يكون اسما وضع موضع المصدر (¬1)؛ لأنّه لا مصدر له من لفظه، قال: وهو حال من الضمير في «بايعته» والمعنى: ذا يد، أي: في حال أنّه ذو يد على ملكه (¬2)، ويصحّ أن يكون حالا من المبيع المحذوف، والمعنى: بايعته شيئا في حال أنّ ذلك الشيء المبيع ذا يد، أي: مجعولا عليه اليد. ولا يقتصر على (فاه) ولا على (يد) ولا على (رأسا) بل (¬3) يلزم الجار فيه، قال سيبويه - بعد أن مثّل بقولهم: «كلمته فاه إلى فيّ» و «بايعته يدا بيد» ونحوهما -: واعلم أن هذه الأشياء - التي في هذا الباب - لا ينفرد منها شيء دون ما بعده، وذلك أنه لا يجوز أن تقول: «كلمته فاه» حتى تقول: «إلى فيّ»؛ لأنك إنما تريد مشافهة، والمشافهة لا تكون إلّا من اثنين، وإنما يصحّ المعنى إذا قلت: «إلى فيّ». ولا يجوز أن تقول: «بعته يدا»؛ لأنك إنما تريد أخذ مني وأعطاني، وإنّما يصح المعنى إذا قلت: (بيد)؛ لأنهما عملان (¬4). انتهى. فإن قلت: بم يتعلق الجارّ في نحو: «فاه إلى فيّ» و «يدا بيد» قلت: قد نظّر سيبويه (إلى) في قولك: «فاه إلى فيّ» بالباء في قولهم: «بعت الشاء شاة بدرهم» بعد أن حكم على (بدرهم) بأنّه إنّما جيء به ليبيّن السّعر، كما جاءت «لك» في «سقيا» ليبيّن ما يعني (¬5). هذا نصّه، وظاهره أنّ الجارّ في مثل «فاه إلى فيّ» و «يدا بيد» وفي «الشاء شاة بدرهم» يتعلق بمحذوف تقديره: أريد، ونحوه. وقال ابن خروف: «إلى فيّ» متعلق باستقرار في موضع الحال من (فاه). قال ابن عمرون: هذا ليس بشيء؛ لأنّ (فاه) لا تتم به المعنى فكيف يجوز أن - ¬

_ (¬1) كما هو تفسير السيرافي وغيره لكلام سيبويه، وسيأتي أيضا، وينظر شرح المفصل لابن يعيش (2/ 61)، والتذييل (3/ 698). (¬2) قال الرضي: ... ينبغي أن تقول في «يدا بيد» أي: ذو يد بذي يد، على حذف مضاف، أي: النقد بالنقد. شرح الكافية (1/ 202)، وينظر: التذييل (3/ 698). (¬3) «بل» مكررة في المخطوط سهوا. (¬4) الكتاب (1/ 392)، وينظر: ابن يعيش (2/ 62). (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 394).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون الجار والمجرور حالا؟ وجوّز ابن خروف أيضا أن يكون في موضع رفع، أي: هو إلى فيّ، أو ذلك إلى فيّ. وردّه ابن عمرون أيضا بأنّه يكون منفصلا من (فاه) ثمّ قال: والصحيح أنّه يتعلق بـ (فاه)؛ لأنّه واقع موقع مشافهة. قال: كذا ذكره ابن جني عن أبي علي. انتهى. وفيما أشار إليه نظر. وقد نظّروا لزوم الجارّ في مثل «فاه إلى فيّ» و «يدا بيد» ونحوهما من الأسماء بلزومه في مثل «سادوا كابرا عن كابر» و «أبيع هذا ناجزا بناجز» (¬1) فـ (كابرا) و (ناجزا) أحوال كـ (فاه) و (يدا) ولا يفرد (كابرا) و (ناجزا) كما لا يفرد (فاه) و (يدا) إلّا أنّ (كابرا) و (ناجزا) من قبيل الصفات، و (فاه) و (يدا) من قبيل الأسماء. قال سيبويه - بعد الباب الذي ذكر فيه (فاه) و (يدا) -: هذا باب ما ينتصب من الصفات كانتصاب الأسماء في الباب الأول - يعني أنّه لا يفرد فيه ما قبل عمّا بعد - ثم قال: وذلك قولك: «أبيعكه الساعة ناجزا بناجز، وسادوا كابرا عن كابر» فهذا كقولك: «بعته رأسا برأس» (¬2). الرابع: أن يكون دالّا على سعر كقولهم: «بعت الشاء شاة ودرهم، والبرّ قفيزا بدرهم، والدّار ذراعا بدرهم» أي: مسعرا (¬3). ويجوز رفع «شاة ودرهم، وقفيز بدرهم، وذراع بدرهم» على الابتداء، وهو مبتدأ محذوف منه الصفة (¬4)، التقدير: قفيز منه، وذراع منه، وبدرهم الخبر. وإذا قلت: «شاة بدرهم» فكذلك؛ لأنّ التقدير: شاة منها بدرهم. وأما «شاة ودرهم» فقال سيبويه: زعم الخليل أنه يجوز «بعت الشّاء شاة ودرهم» إنّما يريد: شاة بدرهم، ويجعل «بدرهم» هو خبر الشّاة، وصارت - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 699). (¬2) الكتاب (1/ 397)، وينظر: التذييل (3/ 699). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 392). (¬4) ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 8، 9).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو بمنزلة الباء في المعنى كما كانت في «كلّ رجل وضيعته» في معنى مع. انتهى (¬1). وظاهره جعل إعراب «شاة ودرهم» نظير «شاة بدرهم» التقدير: شاة منها ودرهم، لقوله: إنّ «ودرهم» هو بمعنى «وبدرهم»، و «بدرهم» خبر فتكون «ودرهم» كذلك (¬2). فإن قلت: هل يجوز أن يكون الخبر محذوفا كما هو في «كلّ رجل وضيعته»، التقدير: بعت الشاء شاة منها ودرهم مقترنان؟ قلت: فيه بعد؛ لأن هذا التقدير لا يفيد المراد من هذا الكلام؛ لأنّه لا يلزم من الإخبار بكون شاة ودرهم مقترنين أنّه باع كلّ شاة من الشاء بدرهم، وهذا هو المقصود بالإخبار. واعلم أنّ الجارّ في «شاة بدرهم، وقفيزا بدرهم» ونحوهما لازم الذكر كما تقدّم في «يدا بيد» والكلام في متعلقه كما تقدّم. وأدرج سيبويه في باب «شاة ودرهما»: قامرته درهما في درهم، وأخذت زكاة ماله درهما لكلّ أربعين درهما (¬3). مسوّيا بين الصور في الحكم. ومنه يعلم أنّ اقتصار المصنف على كونه دالّا على سعر ليس بجيد إلّا أن يريد دالّا على سعر وما في معناه. واعلم أنّه لا يجوز في مثل: «بعت داري الذّراع بدرهم أو بعتها الذراعان بدرهم، وبعت البرّ القفيزان بدرهم» إلّا الرفع. قال سيبويه: ولم يشبّه هذا بقوله: «فاه إلى فيّ»؛ لأنّ هذا في بابه بمنزلة - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 393). (¬2) قال ابن الحاجب - بعد الحديث عن قولهم: «بايعته يدا بيد» -: وكذلك «بعت الشاء شاة ودرهما» أصله: شاة بدرهم، أي: شاة مع درهم، ثم كثر ذلك فنصبوا «شاة» نصب «يدا» ثم أبدلوا من باء المصاحبة واوا، وإذا أبدلت باء المصاحبة واوا وجب أن يعرب ما بعدها بإعراب ما قبلها، كقولهم: «كل رجل وضيعته» وقولهم: «امرأ ونفسه». الإيضاح في شرح المفصل (1/ 340). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 392).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصادر التي تكون حالا نحو: لقيته كفاحا، ونحو (العراك) و (طاقتي) (¬1) وليس كل مصدر في هذا الباب يدخله الألف واللام، ويكون معرفة بالإضافة، فالأسماء أبعد. ولذلك كان الذّراع رفعا؛ لأنّه لا يجوز أن تجعله معرفة وتجعله حالا. انتهى (¬2). وكذا لا يجوز في «بعته ربح الدّرهم درهم» إلّا الرفع، ونصّ عليه سيبويه (¬3). الخامس: أن يكون دالّا على ترتيب نحو: «ادخلوا رجلا رجلا، وتعلّم الحساب بابا بابا، وتصدقت بمالي درهما درهما» ولا يفرد اللفظ الأول في مثل هذا عن الثاني، بل يجب التكرار. قال سيبويه: ولا يجوز: «تصدقت بمالي درهما» فيرى المخاطب أنّك تصدقت بدرهم، وكذا ما أشبهه. انتهى. والتكرار في مثل هذا المراد به استغراق الرجال والأبواب والدراهم (¬4). وفي نصب الثاني من هذا النوع خلاف، قيل: إنه صفة للأول، وقيل: توكيد، وقيل: بدل (¬5)، وعلى التقادير الثلاثة هو لازم الذكر كما تقدم. قال الشيخ: ومختاري أنهما منصوبان بالعامل؛ لأن مجموعهما هو الحال، لا أحدهما، والحالية مستفادة منهما لا من أحدهما، فصارا يعطيان معنى المفرد، فأعطيا إعرابه وهو النصب [3/ 61] ونظير ذلك قولهم: «هذا حلو حامض» فكلاهما مرفوع على الخبرية؛ لأنّ الخبر إنّما حصل من مجموعهما، فأعطيا إعراب المفرد الذي نابا منابه وهو الرفع. انتهى (¬6). - ¬

_ (¬1) في الكتاب: ونحو قوله: أرسلها العراك، وفعلت ذاك طاقتي. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 394). (¬3) السابق (الموضع نفسه). (¬4) قال ابن الحاجب: العرب تكرر الشيء مرتين، فيستوعب تفصيل جميع جنسه باعتبار المعنى الذي دلّ عليه اللفظ المكرر، فإذا قلت: بينت له الكتاب كلمة كلمة، فمعناه: بينت له مفصلا باعتبار كلماته، وكل ما يفيد هذه الهيئة المخصوصة صحّ وقوعه حالا. الإيضاح في شرح المفصل (1/ 340). (¬5) الأول مذهب ابن جني، والثاني مذهب الزجاج، والثالث مذهب الفارسي. ينظر: الارتشاف (2/ 334)، والهمع (1/ 237 - 238)، والتصريح (1/ 370). (¬6) ينظر: التذييل (3/ 700 - 701)، والارتشاف (2/ 334) وما بعدها، والهمع (1/ 238).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي اختاره هو الظاهر، وتنظيره بمسألة الخبر تنظير صحيح، ولو نصب «حلو وحامض» في مثل «رأيت الرمّان حلوا حامضا» لكان الحال مجموعهما لا أحدهما، فكذلك هذا. ونقل الشيخ عن الأخفش أنه لا يجوز أن يدخل حرف العطف في شيء من هذه المكررات، فلا يقال: بيّنت له الحساب بابا فبابا، ولا: بابا وبابا، ولا: ادخلوا رجلا فرجلا (¬1). السادس: أن يكون دالّا على أصالة الشيء كقوله تعالى: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (¬2)، ونحو: «هذا خاتمك حديدا» وهو من أمثلة سيبويه (¬3). السابع: أن يكون دالّا على فرعيّة الشيء نحو: «هذا حديدك خاتما». الثامن: أن يكون دالّا على تنويع، نحو: «هذا مالك ذهبا». التاسع: أن يكون دالّا على طور واقع فيه تفضيل، نحو «هذا بسرا أطيب منه رطبا» (¬4). وسيأتي الكلام على هذه المسألة. - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 701). وعبارته: ولو ذهب ذاهب إلى أنّ النصب إنما هو بالعطف على تقدير حذف الفاء، وأن المعنى: بيّنت له الحساب بابا فبابا، وادخلوا أول فأول، لكان وجها حسنا عاريا عن التكلف؛ لأن المعنى: بيّنت له الحساب بابا بعد باب، وادخلوا رجلا بعد رجل، والذي يدل على إرادة الفاء كونه يجوز ذلك في المرفوع، والمنصوب، والمجرور. فمثال المرفوع قول الشاعر: كرة وضعت لصوالجة ... فتلقفها رجل رجل أي: فرجل. ومثل المنصوب: ونقلوا بعيرا بعيرا، أي: فبعيرا. ومثال المجرور: قيراط قيراط، أي: فقيراط. إلّا أنه يعكّر على هذا المذهب ما زعم أبو الحسن من أنّه لا يجوز أن يدخل حرف العطف في شيء من هذه المكررات، إلا الفاء في الموضع الذي يكون فيه الترتيب، نحو: ادخلوا الأول فالأول، ولا تقول: بيّنت له الحساب بابا فبابا. اه. وأجاز الرضي عطف الثاني على الأول بالفاء أو بثم في موضع الترتيب. ينظر: شرح الكافية (1/ 208). (¬2) سورة الإسراء: 61. (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 396). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 324).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنّ في نصب (فاه) من «كلّمته فاه إلى فيّ» ثلاثة مذاهب (¬1): أحدها: أنّه حال، وهو مذهب سيبويه، وقد تقدّم الكلام عليه. قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر؛ لأنّه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول فيه، وذلك «كلمته فاه إلى فيّ» (¬2) وقد تقدّم هذا عنه أيضا، قال المصنف: هو نصب على الحال؛ لأنه واقع موقع (مشافها) ومؤدّ معناه (¬3). وسيبويه فسره بـ (مشافهة) ولهذا ذهب السيرافي إلى أنّ (فاه) اسم وضع موضع المصدر الموضوع موضع الحال، فـ (فاه) موضوع موضع (مشافهة) الموضوعة موضع (مشافها) (¬4). الثاني: وهو مذهب الكوفيين، أنه منصوب بعامل مقدر على المفعولية وذلك العامل هو الحال، فأصله: كلمته جاعلا فاه إلى فيّ (¬5). الثالث: مذهب الأخفش أنّه منصوب على إسقاط حرف الجر، وأصله: كلمته من فيه إلى فيّ (¬6). قال المصنف - بعد نقل هذه المذاهب -: وأولى الثلاثة أوّلها؛ لأنّه قول يقتضي تنزيل جامد منزلة مشتق على وجه لا يلزم منه لبس ولا عدم النظير وذلك موجود بإجماع في هذا الباب وغيره، فوجب الحكم بصحته، ومن نظائره المستعملة في هذا الباب: «بايعته يدا بيد، وبعت الشّاء شاة ودرهما، والبرّ قفيزا بدرهم، والدار ذراعا بدرهم» ولا خلاف في أنّ (يدا وشاة وقفيزا وذراعا) منصوبة نصب الحال، لا نصب المفعول به، ولا نصب المسقط منه حرف جر، فإذا أجري «كلمته فاه إلى - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (2/ 61)، وشرح الكافية للرضي (1/ 203) والتذييل (3/ 702)، والارتشاف (2/ 235)، والهمع (1/ 2237). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 391). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 324). (¬4) ينظر: كلام السيرافي بهامش سيبويه (1/ 195) (بولاق). (¬5) ينظر: في شرح المصنف (2/ 324)، وتعليق الفرائد للدماميني (6/ 167) مطبوع وسيأتي ردود العلماء عليه. (¬6) ينظر: في شرح المصنف (2/ 324)، والارتشاف (2/ 335). وردّ المبرد مذهب الأخفش بأنه تقدير لا يعقل؛ إذ الإنسان لا يتكلم من فم غيره، إنما يتكلم كل إنسان من في نفسه. ينظر: الارتشاف (2/ 335)، وتعليق الفرائد (6/ 167).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيّ» ذلك المجرى توافقت النظائر، بخلاف تقدير: جاعلا، أو (من) فلا نظير له في الباب، وفي تقدير (من) ضعف زائد وهو أنه يلزم منه تقدير (من) في موضع (إلى) ودخول (إلى) في موضع (من)؛ لأنّ مبدأ غاية كلام المتكلم فمه لا فم المكلّم، فلو كان معنى (من) مقصودا لقيل: «كلمته من فيّ إلى فيه» على إظهار (من) و «كلمته فيّ إلى فيه» على تقديرها. انتهى كلام المصنف (¬1). ومما ردّ به السيرافي على الكوفيين: أنه يمتنع «كلّمته وجهه إلى وجهي، وعينه إلى عيني». قال: ولو كان على الإضمار لم يمتنع هذا، لكنه لما كان على ما قال سيبويه لم يطرد؛ لأنّه من وقوع الأسماء موقع الصفات، والأصل غير ذلك (¬2). ومما ردّ به على المذهبين معا: أن العرب ترفعه على المعنى الذي تنصبه وليس للرفع وجه إلّا الحال. قال سيبويه: وبعض العرب تقول: «كلّمته فوه إلى فيّ»، أي: كلّمته وفوه إلى فيّ، أي: كلمته وهذه حاله. انتهى (¬3). وأجاز هشام الكوفي القياس على «كلّمته فاه إلى فيّ» فيقال على رأيه: «ماشيته قدمه إلى قدمي، وكافحته وجهه إلى وجهي» (¬4). وذكر ابن خروف عن الفراء: «حاذيته ركبته إلى ركبتي، وجاورته بيته إلى بيتي، وصارعته جبهته إلى جبهتي» بالرفع والنصب (¬5). قال المصنف - بعد ذكر هذا -: ولا يرد شيء من ذلك ولكن الاقتصار فيه على السماع أولى؛ لأنّ فيه إيقاع جامد موقع مشتقّ، وإيقاع معرفة موقع نكرة، وإيقاع مركب موقع مفرد (¬6). قال المصنف: وأجاز أكثر البصريين بعد سيبويه تقديم (فاه) على (كلّمته) لتصرفه، ومنع ذلك الكوفيون وبعض متأخري البصريين، أي: يقال: فاه إلى فيّ كلّمته (¬7). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 324 - 325). (¬2) ينظر: شرح السيرافي للكتاب (3/ 197) رسالة تحقيق محمد حسن يوسف، والتذييل (3/ 702 - 703)، وهامش سيبويه (1/ 195) بولاق، وتعليق الفرائد للدماميني (6/ 167). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 391)، والتذييل (3/ 703). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 325)، والتذييل (3/ 706)، والارتشاف (2/ 336). (¬5) ينظر: المراجع السابقة. (¬6)، (¬7) ينظر: شرح المصنف (2/ 325).

[من أحكام الحال التنكير وقد تأتي معرفة]

[من أحكام الحال التنكير وقد تأتي معرفة] قال ابن مالك: (فصل: الحال واجب التنكير، وقد يجيء معرّفا بالأداة، أو الإضافة، ومنه عند الحجازيّين العدد من ثلاثة إلى عشرة مضافا إلى ضمير ما تقدّم، ويجعله التّميميّون توكيدا، وربّما عومل بالمعاملتين مركّب العدد، وقضّهم بقضيضهم، وقد يجيء المؤول بنكرة علما). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: أجازها سيبويه. قال: وعزي المنع أيضا إليه (¬1). قلت: وهو الذي تقتضيه عبارة المصنف. وأما تقديم المجرور على المنصوب نحو: «كلمته إلى فيّ فاه» فلا تجيزه قاعدة سيبويه (¬2)؛ لأنّ (إلى فيّ) للتبيين كما هي في (سقيا لك) على ما تقدّم، و (لك) لا تقدّم على (سقيا) فكذا ما أشبهه. قال ناظر الجيش: أي: ومن شروط الحال أن يكون نكرة: وإنما كان كذلك؛ لأنّ الغالب اشتقاق الحال - لما تقدّم (¬3) - وتعريف صاحبها؛ لأنه مخبر عنه، فلو لم يلزم تنكيرها لتوهم كونهما نعتا ومنعوتا في بعض الصور (¬4). وأيضا فإنّ الحال ملازم للفضلية فاستثقل واستحق التخفيف بلزوم التنكير، وليس غيره من الفضلات ملازما للفضلية، لجواز صيرورته (¬5) عمدة؛ بقيامه مقام الفاعل كقولك في «ضربت زيدا»: «ضرب زيد» وفي «اعتكفت يوم الجمعة»: «اعتكف يوم الجمعة» وفي «اعتكفت اعتكافا مباركا»: «اعتكف اعتكاف مبارك» فلصلاحية ما سوى الحال لصيرورته عمدة جاز تعريفه بخلاف الحال (¬6). وقد يجيء الحال معرفا بالألف واللام أو بالإضافة [3/ 62] فيحكم بشذوذه وتأوّله بنكرة، فمن المعرّف بالألف واللام: قولهم: «ادخلوا الأول فالأول» - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 705)، والارتشاف (2/ 336)، والهمع (1/ 237). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 394). (¬3) من أنّ الحال خبر في المعنى، والخبر يكون مشتقّا وغير مشتقّ، ومن كونه أيضا صفة في المعنى، والصفة تكون مشتقة. (¬4) ويكون ذلك عند نصب صاحب الحال، أو عدم ظهور إعرابه. ينظر: المساعد (2/ 11). (¬5) في المخطوط: ضرورته، وهو تحريف. (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 326).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: مرتّبين، وقولهم: «جاؤوا الجمّاء الغفير» (¬1) أي: جميعا، و «أرسلها العراك» (¬2) أي: معتركة، فالحال في المثال الأول صفة، وفي المثال الثاني اسم موضوع موضع المصدر، أي: جموما غفيرا، وفي المثال الثالث مصدر. فأمّا «ادخلوا الأول فالأول» فقد ذكره سيبويه في باب ترجمته: هذا باب ما ينتصب فيه الصفة؛ لأنه حال وقع فيه الأمر وفيه الألف واللام (¬3) ... ثم قال بعد كلام: وهو قولك: «دخلوا الأول فالأول» جرى على قولك: واحدا فواحدا، «ودخلوا رجلا فرجلا» ونصّ على جواز الرفع على البدل مع «دخلوا ...» ولم يجوّزه مع «ادخلوا ...» لعدم صحة البدل فيه، قال: وكان عيسى يقول: «ادخلوا الأوّل فالأول» يعني بالرفع، قال: لأنّ معناه: ليدخل، فحمله على المعنى. انتهى (¬4). وأما (الجماء الغفير) فذكره سيبويه في باب ترجمته: هذا باب ما يجعل من الأسماء مصدرا كالمصدر الذي فيه الألف واللام نحو: (العراك) ثم قال: وهو قولك: مررت بهم الجمّاء الغفير، والناس فيها الجمّاء الغفير، فهذا ينتصب كانتصاب (العراك) ثم قال: وزعم الخليل أنّهم أدخلوا الألف واللام في هذا الحرف وتكلّموا به على نيّة ما لم تدخله الألف واللام (¬5). انتهى. قال الشيخ: وقد جعله غير سيبويه مصدرا، وسيبويه لا يرى ذلك لعدم تصرف - ¬

_ (¬1) الجمّاء: تأنيث الجمّ، وهو الكثير. والغفير: من الغفر، بمعنى الستر والتغطية، والمراد: الجماعة الكثيرة الساترة لوجه الأرض لكثرتها. (¬2) هذا المثال جزء من بيت من الوافر للبيد بن ربيعة العامري، وهو بتمامه هكذا: فأرسلها العراك ولم يذدها ... ولم يشفق على نغص الدّخال وهو في ديوانه (ص 86)، وكتاب سيبويه (1/ 372)، والمقتضب (3/ 237)، والذود: الطرد. والنغص: مصدر نغص الرجل ينغص، إذا لم يتم مراده، وكذلك البعير إذا لم يتم شربه. والدخال: أن يدخل القوي بين ضعيفين، أو الضعيف بين قويين فينغض عليه شربه. (¬3) في الكتاب: ... لأنّه حال وقع فيه الألف واللام. (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 397 - 398). (¬5) أي: على نية طرح الألف واللام، كما في طبعة بولاق (1/ 188)، وينظر: الكتاب (1/ 375).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل منه (¬1). وأما (العراك) فمصدر - كما علمت - وذكر هنا من جهة أنّه حال وفيه الألف واللام. وأما نصبه وهو مصدر على الحال ففيه وفي أمثاله من المصادر خلاف، والمذاهب فيه ثلاثة: قيل: ليس حالا، بل هو منصوب على المصدر بعامل مقدر، ذلك العامل هو الحال وهو رأي الأخفش (¬2) والمبرد (¬3)، واختلفوا في المقدر. فقيل: فعل، أي تعترك، وهو رأي الفارسي (¬4). وقيل: اسم مشتق، أي: معتركة العراك (¬5). وعلى هذين التقديرين [لا حاجة] (¬6) إلى الاعتذار عن دخول الألف واللام في (العراك). والمذهب الثالث: أنّ (العراك) نفسه هو الحال، على تأويل معتركة، وليس ثمّ عامل مقدّر، وهو مذهب سيبويه (¬7). قال الشيخ: ورجّح ابن طاهر مذهب سيبويه بأنّه ليس فيه تكلّف إضمار (¬8). ومن المعرّف بالإضافة: قولهم: رجع عوده على بدئه، وجلس وحده، وفعل ذلك جهده، وطاقته. والمعنى: رجع عائدا، وجلس منفردا، وفعل جاهدا ومطيقا. - ¬

_ (¬1) بل جعله اسما موضوعا موضع المصدر، كما في كلامه السابق. وينظر: التذييل (3/ 710 - 711)، والارتشاف (2/ 337 - 338). (¬2) الارتشاف (2/ 338)، والتذييل (3/ 711). (¬3) وعبارة المبرد: واعلم أنّ من المصادر ما يدلّ على الحال وإن كان معرفة وليس بحال، ولكن دلّ على موضعه، وصلح للموافقة، فنصب؛ لأنه في موضع ما لا يكون إلا نصبا، وذلك قولك: أرسلها العراك، وفعل ذلك جهده وطاقته؛ لأنّه في موضع: فعله مجتهدا، وأرسلها معتركة؛ لأن المعنى: أرسلها وهي تعترك، وليس المعني أرسلها لتعترك. المقتضب (3/ 237). (¬4) ينظر: الإيضاح (ص 172) تحقيق د/ كاظم المرجان. (¬5) ينظر: الارتشاف (2/ 338). (¬6) زيادة لحاجة السياق. (¬7) وتبعه ابن طاهر وابن خروف. ينظر: الكتاب (1/ 372)، والتذييل (3/ 711). (¬8) وعورض بأنّ وضع المصدر موضع اسم الفاعل إذا لم يرد به المبالغة لا ينقاس. ينظر: التذييل (3/ 711).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه أيضا: فاه إلى فيّ، ومررت بهم ثلاثتهم ... إلى عشرتهم (¬1)، وقضّهم بقضيضهم (¬2)، وتفرّقوا أيادي سبا (¬3). فهذه ثماني كلمات: منها ما هو مصدر، وهو (جهده، وطاقته، وعوده على بدئه) ومنها ما هو اسم واقع موقع المصدر، وهو وحده، وثلاثتهم، وأربعتهم إلى العشرة، وقضّهم بقضيضهم. ومنها ما هو اسم وليس واقعا موقع المصدر وهو «فاه إلى فيّ» وأيادي سبا. فأما «جهده، وطاقته وعوده على بدئه» ففي نصبها من الخلاف ما في نصب (العراك) فيقدر: يجتهد جهده، ويطيق طاقته، ويعود عوده (¬4). أو مجتهدا جهده، ومطيقا طاقته، وعائدا عوده (¬5). وعلى هذين التقديرين لا حاجة إلى الاعتذار عن التعريف؛ لأنّ الكلمات المذكورة ليست أحوالا، وإنّما الأحوال العوامل المقدّرة، ومجتهدا، ومطيقا، وعائدا، وهو مذهب سيبويه (¬6) كما تقدّم في العراك. ولا يحتاج (جهده، وطاقته، وجهدي، وطاقتي، وجهدك، وطاقتك) إلى كلام غير ما تقدم. وأمّا «رجع عوده على بدئه» فقد شبّهه سيبويه بقولهم: «فاه إلى فيّ». قال - بعد أن ذكر هذه المسألة -: ومثله من المصادر في أن تلزمه الإضافة وما بعده مما يجوز فيه الابتداء ويكون حالا قوله: «رجع فلان عوده على بدئه» كأنّه قال: - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 373). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 374)، والمقتضب (3/ 240). وقضّهم: من القضّ، وهو الكسر، بمعنى القاضّ، أي: الكاسر. والقضيض: بمعنى المقضوض، أي: جاؤوا جميعا مزدحمين بحيث يكسر بعضهم بعضا من شدّة الازدحام. ينظر: حاشية الداودي على ابن عقيل (1/ 1062) رسالة. (¬3) أي: تفرقوا تفرّقا لا اجتماع معه، كتفرق جماعات سبا. ينظر: مجمع الأمثال (2/ 4)، واللسان (يدي) (6/ 4955). (¬4) ينظر: المقتضب (3/ 237)، وقد سبق قريبا نقل نصه. والإيضاح لأبي علي الفارسي (ص 172) تحقيق د/ كاظم المرجان. (¬5) ينظر: الارتشاف (2/ 339) تحقيق د/ النماس. (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 373، 377).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انثنى عودا على بدء، ولا يستعمل في الكلام «رجع عودا على بدء» ولكنّه مثّل به (¬1). انتهى. وقد فهمت من تشبيه «عوده على بدئه» بقولهم: «فاه إلى فيّ» في لزوم الإضافة، ولزوم ما بعده أنّ الجارّ متعلق بمحذوف؛ لأنّه للبيان كما تقدّم في متعلق «إلى فيّ» ونحوه. ثم قال سيبويه: ومن رفع «فوه إلى فيّ» أجاز الرفع في قوله: «رجع فلان عوده على بدئه» (¬2). وقال أيضا: قال الخليل: إن شئت جعلت: [رجعت] (¬3) عودك على بدئك» مفعولا بمنزلة قولك: «رجعت المال عليّ» أي: رددت المال عليّ، كأنّه قال: ثنيت عودي على بدئي (¬4). قال الشيخ: وعلى قول من جعل «عوده» مفعولا به، لا حالا يجوز تقديم المجرور عليه، قال: وكذا يجوز التقديم إذا رفع «عوده». انتهى (¬5)؛ وهو واضح. وأمّا (وحده، وثلاثتهم وأخواتها، وقضّهم بقضيضهم) فقد ذكرها سيبويه في الباب الذي ترجمته: هذا باب ما جعل من الأسماء مصدرا كالمضاف في الباب الذي يليه. ثم قال: وذلك مررت به وحده، ومررت بهم وحدهم. ثم قال: ومثل ذلك في لغة أهل الحجاز: مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم وكذلك إلى العشرة (¬6) ... ثم - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 391 - 392). (¬2) السابق (1/ 392). (¬3) تكملة من سيبويه. (¬4) الكتاب (1/ 395). والخلاصة: أن قولهم: «رجع عوده على بدئه» يجوز فيه وجهان، النصب والرفع: والنصب فيه ثلاث توجيهات: أحدها: أنه حال، والتقدير: رجع عائدا. الثاني: أنه منصوب على المصدر، أي: عاد عوده على بدئه. والثالث: أنّه مفعول به، أي ردّ عوده، وأعاده، كقوله تعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ [التوبة: 83]. والرفع له توجيهان: أحدهما: أنّ (عوده) مبتدأ، و (على بدئه) خبر. والثاني أن (عوده) فاعل (رجع). ينظر: اللباب للعكبري (1/ 286)، والارتشاف (2/ 339). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 715)، والارتشاف (2/ 339). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 373).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال بعد ذلك: ومثل (خمستهم) قول الشماخ: 1774 - أتتني تميم قضّها بقضيضها ... تمسّح حولي بالبقيع سبالها (¬1) فقد صرح سيبويه بأنها أسماء جعلت مصادر، أي: وضعت موضعها، وتلك المصادر موضوعة موضع الحال، وقد قدّروا (وحده) واقعا موقع إيحاد، وإيحادا واقعا موقع موحد، فإذا قيل: «ضربت زيدا وحده» فهو حال من الفاعل، أي: مفردا له بالضرب قالوا: وهو مذهب سيبويه (¬2). وجوّز المبرد أن تكون حالا من المفعول، أي: ضربته في حال أنّه مفرد بالضرب (¬3). قال ابن عصفور: ومذهب سيبويه أحسن؛ لأنّ وضع المصادر موضع اسم الفاعل أكثر من وضعها موضع المفعول. قال سيبويه: وزعم الخليل حيث مثّل نصب وحده وخمستهم، أنّه كقولك [3/ 63]: أفردتهم إفرادا. قال: فهذا تمثيل، ولكنّه لم يستعمل في الكلام (¬4). فمن هنا فهم الناس أنّ مذهب سيبويه أنّه حال من الفاعل ليفسره إياه بـ (أفذذتهم)، أي: أوحدتهم وأفردتهم فأنا موحدهم ومفردهم. ونقل الشيخ أنّ ابن طلحة ذهب إلى أنه حال من المفعول ليس إلّا. قال: لأنهم إذا أرادوا الفاعل قالوا: مررت به وحدي (¬5). وقد قيل: إنّ (وحده) مصدر موضوع موضع الحال، والقائلون بذلك اختلفوا: فقيل: مصدر على حذف شيء منه نحو: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (¬6). - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو في ديوان الشماخ (ص 20)، والكتاب (1/ 374)، وابن يعيش (2/ 62) برواية، أتتني سليم ... والرواية المذكورة هنا هي للأعلم بهامش الكتاب (1/ 188) بولاق، قال: ويروى لمزرد أخي الشماخ، والسّبال: جمع سبلة، وهي مقدم اللحية، قال الأعلم: البيت في وصف جماعة من تميم أتته تشهد عليه في دين لزمه قضاؤه فجعلوا يمسحون لحاهم تأهبا للكلام. كان هذا طبعهم ولا سيّما عند التهديد والوعيد. (¬2)، (¬3) ينظر: الارتشاف (2/ 339). (¬4) الكتاب (1/ 374). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 715)، والارتشاف (2/ 339). (¬6) سورة نوح: 17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيل: مصدر لم يلفظ له بالفعل كالأبوّة والأخوّة (¬1). قال ابن عصفور: والقول بأنه مصدر باطل؛ لأن المصادر الموضوعة موضع الأفعال تتصرف، وهذا لا ينصرف. وزعم يونس أنّ (وحده) منتصب انتصاب الظروف، فمعنى «جاء زيد وحده»: جاء زيد على حياله، وكان الأصل: جاء زيد على وحده، ثم حذف حرف الجر ونصب، قال سيبويه: وزعم يونس أن (وحده) بمنزلة (عنده) ثم قال بعد قليل: وجعل يونس نصب (وحده) كأنك قلت: مررت برجل على حياله، فطرحت (على) فمن ثمّ قال: هو مثل (عنده). انتهى (¬2). وحكى يونس: «جلسا على وحديهما» (¬3). قال الشيخ: والذي يدل على انتصابه على الظرف، لا على الحال قول العرب، «زيد وحده» ولو قيل: «زيد جالسا» لم يجز (¬4). وأمّا «ثلاثتهم، وثلاثهن ... إلى عشرتهم وعشرهن» في التأنيث فلهنّ استعمالان بحسب لغتي أهل الحجاز وتميم. أمّا الحجازيون فينصبونها على الحال، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: ومنه عند الحجازيين أي: ومن الحال المعرّف بالإضافة لفظا كذا وكذا إلى آخره (¬5). قالوا: ومذهب سيبويه في ذلك كمذهبه في (وحده) من أنه اسم موضوع موضع المصدر الموضوع موضع الحال (¬6). قال ابن عصفور: إذا قلت: «مررت بالقوم خمستهم» فكأنك قلت: مخمسا لهم، فـ (خمسة) واقع موقع (خمس) مصدر «خمّست القوم» و (خمس) واقع موقع (مخمس)، وقد تقدّم أنّ الخليل قدّر (خمستهم) بقوله: أفذذتهم - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 715)، والارتشاف (2/ 340)، والهمع (1/ 239 - 240). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 377، 378)، والمرجعان السابقان. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 716)، والارتشاف (2/ 340)، والهمع (1/ 240). (¬4) التذييل (3/ 716). (¬5) ينظر: التسهيل (ص 108)، والكتاب (1/ 373). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 378).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إفذاذا (¬1). ونقل الشيخ عن يونس: أنه يرى أنّ هذه الكلمات صفات في الأصل فتكون حالا بنفسها، قال: وردّ (¬2). وعن المبرد: أنّه يقدّر لها فعلا من لفظها، فكأنه يجعل (خمستهم) مثلا مفعولا بها (¬3)، قال: وهذا تكلف لم ينطق به، وأنّ غير يونس والمبرد يرى انتصابها على الظرف كما قال يونس في «مررت بزيد وحده» (¬4). فإذا عرفت أنّ لغة الحجازيين نصب هذه الكلمات على الحال فاعلم أنهم لا يؤكدون بها، وإذا قصدوا التوكيد أتوا بـ (كلهم) و (أجمعين) وأمّا التميميون فيجعلون هذه الكلمات تابعة لما قبلها توكيدا، فيقولون: قام القوم ثلاثتهم، ورأيتهم ثلاثتهم، ومررت بهم ثلاثتهم» رفعا ونصبا وجرّا (¬5)، وإذا قصدوا معنى الحال كما قصد الحجازيون أتوا بلفظ [وحدهم] (¬6) فيقولون: «مررت [بالقوم] (¬7) وحدهم». وقد فرّقوا بين النصب والإتباع في المعنى؛ لأنك إذا قلت: «مررت بالقوم خمستهم» فنصبت حصل تقييد المرور بكونهم خمسة، فلا يجوز أن يكون مرّ بأكثر من خمسة، وإذا أتبعت جاز أن يكون مررت بغيرهم وجاز أن يكون مررت بهم خاصة (¬8). وقد أوضح سيبويه هذا الفرق وبيّنه حيث قال: وزعم الخليل أنه إذا نصب (ثلاثتهم) فكأنه يقول: «مررت بهؤلاء فقط لم أجاوز هؤلاء، كما أنه إذا قال: (وحده) فإنّما يريد أن يقول: مررت به فقط لم أجاوزه، وزعم أن - ¬

_ (¬1) أي: أفردتهم إفرادا كما هو أسلوب الكتاب (1/ 374). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 717). (¬3) ينظر: المقتضب (3/ 239). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 717)، والارتشاف (2/ 340). (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 373 - 374). (¬6)، (¬7) ما بين المعقوفين تكملة لحاجة السياق. قال أبو حيان: وإذا أرادوا معنى الانفراد بالفعل لم يقولوا: إلّا وحدهم، نحو: «مررت بالقوم وحدهم». الارتشاف (2/ 341). (¬8) ينظر: المقتضب (3/ 239)، والارتشاف (2/ 341).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذين - يجرّون - يعني بني تميم - فكأنهم يريدون أن يعمّوا كقولهم: «مررت بهم كلّهم» أي: لم أدع منهم أحدا. انتهى (¬1). وقال المصنف: نصبه الحجازيون على تقدير: جميعا، ورفعه التميميون توكيدا على تقدير: جميعهم (¬2). قال الشيخ: فظاهر كلامه هذا أنّه لا فرق بين المعنيين إلا من جهة الصناعة، وقد فرّق الناس بينهما من غير هذه الجهة - يعني بما ذكر من جهة المعنى (¬3). وأشار المصنف بقوله: وربّما عومل بالمعاملتين مركب العدد - أي: بالنصب على الحال وبالإتباع على التوكيد - إلى ما حكاه الأخفش عن بعض العرب أنهم يقولون: «جاؤوا خمسة عشرهم (¬4)، وجئن خمس عشرتهن» (¬5) وقد فهم من قوله: وربّما - عدم إطباق العرب على ذلك. قال ابن عصفور: وبعض العرب يجري من «أحد عشر» إلى «تسعة عشر» مجرى الثلاثة إلى العشرة، وهم قليل، فمنهم من يقول: «رأيت القوم أحد عشر» ومنهم من يقول: «أحد عشرهم» على وجهين - يعني النصب والإتباع - قال: والأول أجود. انتهى. وكأنه أشار بقوله: الأول أجود - إلى أنّ عدم الإضافة في المركب المذكور أجود منها فيه (¬6). وأمّا «قضّهم بقضيضهم» فقد عطفه المصنف على مركب العدد، فعلم أنه مثله في النصب والإتباع، وقد حكى سيبويه الوجهين على المعنيين؛ أمّا النصب على الحال فعلى أنّه اسم واقع موقع المصدر الواقع موقع الحال - كما تقدم - فكأنه وضع - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 374). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 327) المطبوع. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 719). (¬4) في المخطوط: «عشرهن» سهو. (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 327). (¬6) وقال أبو حيّان: وأما مركب العدد فالصحيح جواز اللغتين فيه؛ الحجازية على النصب، والتميمية على الإتباع، وفي انتصابه انتصاب «ثلاثتهم» خلاف، والصحيح الجواز، تقول: «جاؤوا خمسة عشرهم» فتضيف، و «جئن خمس عشرتهنّ» ويجوز ألّا تضيف فتأتي بالتمييز. نحو: «مررت بالقوم أحد عشر رجلا» وألّا تأتي به نحو: «مررت بالقوم أحد عشر». الارتشاف (2/ 341) تحقيق د/ النماس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «قضّهم» موضع انقضاض، و «انقضاضا» موضع منقضّين، قال سيبويه بعد إنشاد بيت الشماخ المتقدم (¬1): كأنه قال: انقضاضهم، أي: انقضاضا، ثم قال: فهذا تمثيل، وإن لم يتكلم به، وقال: لأنّه إذا قال: قضّهم، فهو مشتق من معنى الانقضاض؛ لأنّه كأنّه يقول: انقضّ آخرهم على أوّلهم (¬2). وأمّا الإتباع فأشار إليه سيبويه بقوله: وبعض العرب يجعل «قضّهم» بمنزلة «كلّهم» يجريه على الوجوه (¬3). وأمّا «فاه إلى فيّ» و «أيادي سبا» فقد تقدّم الكلام على الأول وسيأتي الكلام على الثاني في باب العدد إن شاء الله تعالى. وأشار المصنف بقوله: وقد يجيء المؤول بنكرة علما - إلى قول العرب: «جاءت الخيل بدادا» أي: متبددة، فـ «بداد» علم جنس وقع حالا لتأوّله بالنكرة المذكورة (¬4). واعلم أنّ التأويلات المتقدّمة للحال الواقع معرفة إنما هي [3/ 64] على رأي الجمهور، لاشتراطهم تنكير الحال، ومن لا يشترط ذلك لا يحتاج إلى تأويل، والمنقول أنّ يونس والبغداديين أجازوا تعريف الحال قياسا على الخبر واستدلالا بالكلمات المتقدمة (¬5)، وأنّ الكوفيين أجازوا مجيء الحال معرفة إذا كان فيها معنى - ¬

_ (¬1) المراد به قوله: أتتني سليم قضّها بقضيضها ... إلى آخره (¬2) في المخطوط: انقض أولهم عن آخرهم، وما أثبته هو عبارة سيبويه وينظر: كلامه هذا في (1/ 374 - 375). (¬3) يعني وجوه الإتباع من الرفع والنصب والجر. وينظر: الكتاب (1/ 375). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 327)، والارتشاف (2/ 341). (¬5) قال سيبويه: وأما يونس فيقول: «مررت به المشكين» على قوله: «مررت به مسكينا» وهذا لا يجوز؛ لأنه لا ينبغي أن يجعله حالا ويدخل فيه الألف واللام، ولو جاز هذا لجاز «مررت بعبد الله الظريف» تريد: ظريفا. اه. الكتاب (2/ 76)، وينظر: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 337)، والارتشاف (2/ 337)، والتصريح (1/ 374)، والداوودي على ابن عقيل (1/ 1063) رسالة. وقال ابن هشام: ومذهب يونس والبغداديين مردود من وجهين: أحدهما: أنه قياس على الشاذ، وإنما يقاس على الأعمّ والأغلب. والثاني: أنهم عرّفوا هذه الألفاظ لأنّ الحال في الحقيقة أسماء كانت عاملة فيها، ثم حذفت وأقيمت هي مقامها، والأصل: أرسلها معتركة العراك، وجاء زيد متحدا وحده، وطلبته مجتهدا جهده، وجاؤوا منقضين قضهم. أمّا الأول فالأول، والجماء الغفير، فممّا شذت فيه زيادة «ال» وذلك لا يقاس عليه. اه. شرح اللمحة لابن هشام (2/ 179).

[وقوع الحال مصدرا وأحكام ذلك]

[وقوع الحال مصدرا وأحكام ذلك] قال ابن مالك: (فصل: وإن وقع مصدر موقع الحال فهو حال، لا معمول حال محذوف خلافا للمبرد والأخفش، ولا يطّرد فيما هو نوع للعامل نحو: أتيته سرعة خلافا للمبرّد، بل يقتصر فيه وفي غيره على السّماع، إلّا في نحو: أنت الرّجل علما، وهو زهير شعرا، وأمّا علما فعالم، وترفع تميم المصدر التّالي «أمّا» في التنكير جوازا مرجوحا، وفي التّعريف وجوبا، وللحجازيّين في المعرّف رفع ونصب، وهو في النصب مفعول له عند سيبويه، وهو والمنكّر مفعول مطلق عند الأخفش). ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرط، ومثّلوه بقولهم: «عبد الله المحسن أفضل منه المسيء» ولم يجوزوا «جاء زيد الراكب»؛ لأنه ليس فيه معنى الشرط وقد تأول البصريون مثل ذلك إن ورد على أنّه منصوب بـ «كان» أي: إذا كان المحسن أفضل منه إذا كان المسيء (¬1). وقد نصّ سيبويه على امتناع تعريف الحال فقال: إذا كان الاسم حالا يكون فيه الأمر لم تدخله الألف واللام ولم يضف لو قلت: «ضربته القائم» تريد: قائما؛ كان قبيحا، ولو قلت: «ضربتهم قائميهم» تريد قائمين؛ كان قبيحا خبيثا (¬2). قال ناظر الجيش: قد تقدّم التنبيه على أنّ الحال خبر في المعنى، وأن صاحبه مخبر عنه، فحق الحال أن يدلّ على نفس ما يدلّ عليه صاحبه، كخبر المبتدأ بالنسبة إلى المبتدأ، وهذا يقتضي أن لا يكون المصدر حالا لئلّا يلزم الإخبار بمعنى عن جثّة، فإن ورد عن العرب شيء منه حفظ ولم يقس عليه، كما لا يقاس على وقوع المصدر نعتا (¬3)، فمن ورود المصدر حالا قوله تعالى: ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً (¬4)، والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً (¬5)، وادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً (¬6)، وإِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (¬7) وقول العرب: «قتلته صبرا، ولقيته فجاءة، ومفاجأة، وكفاحا، ومكافحة، وكلمته مشافهة، وأتيته ركضا، - ¬

_ (¬1) ينظر: مذهبي الكوفيين والبصريين في الارتشاف (2/ 337)، والتصريح (1/ 374). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 337). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 328). (¬4) سورة البقرة: 260. (¬5) سورة البقرة: 274. (¬6) سورة الأعراف: 56. (¬7) سورة نوح: 8.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومشيا وعدوا، ولقيته عيانا، وأخذت ذلك عنه سمعا، وسماعا»، وأنشد سيبويه: 1775 - فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله (¬1) أي: حملنا وليدنا لأيا بلأي، أي: مبطئين. قال سيبويه: كأنه يقول: جهدا بعد جهد، وأنشد أيضا: 1776 - ومنهل وردته التقاطا (¬2) أي: فجأة، فهذه المصادر في عدم القياس عليها بمنزلة الواردة نعوتا كرجل رضا وعدل وصوم وزور، إلّا أنّ جعل المصدر حالا أكثر من جعله نعتا (¬3). وقد اختلف في نصب الألفاظ المذكورة وهي المصادر الواقعة موقع الأحوال: فقيل: إمّا مفاعيل مطلقة، وأنّ قبل كل واحد منها فعلا مقدّرا هو الحال، وهو رأي الأخفش (¬4) والمبرد (¬5). - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله زهير بن أبي سلمى في وصف فرسه وينظر: في ديوانه (ص 133)، وسيبويه (1/ 371)، والتذييل (3/ 722) واللأي: البطء، والمحبوك: الشديد الخلق، والظماء: القليلة اللحم. والشاهد فيه: نصب «لأيا» على المصدر الموضوع موضع الحال. (¬2) هذا بيت من الرجز، لم يعرف قائله. وينظر: في سيبويه (1/ 371)، وشرح شواهده للأعلم (1/ 186). والمنهل: المورد. والمعنى - كما قال الأعلم -: وردته ملتقطا له - أي: مفاجئا - لم أقصد قصده لأنه في فلاة مجهولة. والشاهد: نصب «التقاطا» على المصدر الواقع موقع الحال. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 328)، والرضي على الكافية (1/ 210). (¬4) ينظر: مذهبه في السابق والارتشاف (2/ 342). وسيأتي مذهب الكوفيين في هذه المسألة. (¬5) نسب ذلك إلى المبرد بعض العلماء منهم ابن مالك في شرحه (2/ 328) والرضي في شرح الكافية (1/ 210)، وأبو حيان في الارتشاف (2/ 342)، وكلام المبرد في المقتضب يدل أنه يعرب المصادر المذكورة أحوالا على تأويلها بوصف، ولكن قد يأتي في ثنايا كلامه ما يفهم منه أنه يعرب المصدر مفعولا مطلقا لفعل محذوف. ومن كلامه في ذلك: «ومن المصادر ما يقع في موضع الحال فيسدّ مسدّه فيكون حالا؛ لأنه قد ناب عن اسم الفاعل، وأغنى غناءه وذلك قولهم: قتلته صبرا، إنّما تأويله: صابرا، أو مصبرا، وكذلك جئته مشيا؛ لأن المعنى: جئته ماشيا، فالتقدير: أمشي مشيا؛ لأنّ المجيء على حالات، والمصدر قد دلّ على فعله من تلك الحال. ينظر: المقتضب (3/ 234) مع تعليق المحقق عليه (ص 268) من الجزء نفسه. وقال في (4/ 312): هذا باب ما يكون من المصادر حالا لموافقته الحال، وذلك قولك: جاء زيد مشيا، إنما معناه: ماشيا؛ لأنّ تقديره: جاء زيد يمشي مشيا، وكذلك جاء زيد عدوا وركضا، وقتلته صبرا ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وليس بصحيح؛ لأنّه إن كان الدليل على الفعل المضمر لفظ المصدر المنصوب فينبغي أن يجيزوا ذلك في كلّ مصدر له فعل، ولا يقتصر على السماع، ولا يمكن أن يفسره الفعل الأول؛ لأنّ القتل لا يدل على الصبر، ولا اللقاء على الفجاءة، ولا الإتيان على الركض (¬1)؛ لأنها أعم مما ذكر بعدها، وقد تقدّم أنّ منهم من قدّر العامل اسما في مثل «أرسلها العراك» وتقدم ما يشعر بأنّ ذلك يجري في كلّ مصدر، فلا يبعد هنا أن يقدّر الحال اسما لا فعلا فيكون التقدير الأول: أتيته أركض ركضا، والتقدير الثاني: أتيته راكضا ركضا، كما تقدّم في «أرسلها العراك»؛ لأنّه مصدر مثله. وقيل: إنّ الأصل في ذلك: أتيته ذا ركض، وقتلته ذا صبر، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (¬2)، واختاره الصفّار في شرح الكتاب ونقل الشيخ عن ابن هشام عن بعضهم: تقدير مضاف إلّا أنّه جعله من لفظ الفعل، التقدير: أتيته إتيان ركض، ولقيته لقاء فجاءة، وأنّه قضى بهذا التقدير أيضا في «أرسلها العراك» أي: إرسال العراك، وفي «طلبته جهدك» أي: طلب جهدك، وفي «رجع عوده ...» أي: رجوع عوده، وفي «مررت به وحده» أي: مرور اتحاد له، وفي «جاؤوا الجماء الغفير» أي: مجيء الجماء الغفير، وفي «ادخلوا الأول فالأول» أي: دخول الأول فالأول، وفي «كلمته فاه إلى فيّ» أي: كلام فيه إلى فيّ. قال: فتكون هذه المعارف منتصبة انتصاب المصادر فتكون معرفة على الواجب، وهذا تقدير حسن. انتهى (¬3). ومذهب سيبويه وعليه الأكثرون: أنّ المصادر أنفسها في موضع الحال، وهي - ¬

_ (¬1) إلى هنا ينتهي كلام المصنف وينظر: في شرحه (2/ 328) المطبوع، وقال الرضي (1/ 210): ذهب الأخفش والمبرد إلى أن انتصاب مثل هذه المصادر على المصدرية لا الحالية، والعامل محذوف، أي: أتيته أركض ركضا ... ولو كان كما قالا لجاز تعريفهما. اه. وقد قال المبرد نفسه في المقتضب (3/ 268): واعلم أنّ من المصادر مصادر تقع في موضع الحال، وتغني غناءه، فلا يجوز أن تكون معرفة لأن الحال لا تكون معرفة، وذلك قولك: جئتك مشيا، وقد أدى عن معنى قولك: جئتك ماشيا. اه. (¬2) ينظر: الارتشاف (2/ 343)، والهمع (1/ 238). (¬3) ينظر: كلام أبي حيان في التذييل (3/ 723)، والارتشاف (2/ 343).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منصوبة بالعوامل المذكورة قبلها (¬1). قالوا: وتقدير «أتيته ركضا» على مذهب سيبويه: أتيته راكضا، وكذا أخواته (¬2). ولقائل أن يقول: ينبغي أن يقال في المصدر الواقع حالا ما قيل في الواقع نعتا، من أنّه إن وجد قصد المبالغة فلا تقدير، ولا تأويل يجعل المصدر نفس العين مبالغة، فيكون «أتيته ركضا» على بابه، جعل المتكلم نفسه ركضا، وإن لم تقصد المبالغة جاء القولان، وهما إمّا التأويل أو الحذف، لكنّهم ذكروا في الواقع نعتا أنّ التأويل باسم الفاعل قول الكوفيين، وأنّ الحذف قول البصريين (¬3). ويظهر من كلامهم هنا ترجيح التأويل على غيره، على أنّ الصفّار قد اختار الحذف - كما تقدّم - وحمل عليه كلام سيبويه بتأويل، وقال: فإن قلت: إذا كان حذف المضاف فهلّا اطّرد وكثر قلت: إنّما يطرد ذلك إذا كان المحذوف يلفظ به نحو: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (¬4) وأمّا إذا كان المحذوف لا يستعمل أصلا فلا ينبغي أن يطّرد. وقد نقل الشيخ أن مذهب الكوفيين في «أتيته ركضا» ونحوه أنّ المصادر منصوبة بالأفعال السابقة على أنّها مفاعيل مطلقة (¬5)، ولا حال لا لفظا ولا تقديرا، فكأنه قيل: ركضت إليه ركضا، فيؤولون «أتيت» بركضت. وكذا يقدرون جميع ذلك مذهبا من جملة المذاهب المذكورة في هذه الصور. وهذا لا ينبغي أن يعدّ قولا في المسألة إذ هو خلاف المفروض؛ لأنّ الكلام إنّما هو [ما] (¬6) معه [3/ 65] فهم الحال، وهذا القول يخرج المسألة من هذا الباب - أعني باب الحال - ويلحقها بباب المصدر. وأشار المصنف بقوله: ولا يطرد فيما هو نوع للعامل إلى خلاف ما يراه المبرد (¬7) من - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 370). (¬2) هكذا قال السيرافي ينظر: بهامش الكتاب (1/ 186) بولاق. (¬3) ينظر: الارتشاف (2/ 587 - 588). (¬4) سورة يوسف: 82. (¬5) ينظر: التذييل (3/ 722). (¬6) لفظة «ما» زيادة لحاجة السياق، ليست في المخطوط. (¬7) ينظر: المقتضب (3/ 234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاطراد فيما أشار إليه، ونقل الشيخ الإجماع على خلاف قول المبرد (¬1)، وقال سيبويه: لا يحسن: «أتانا سرعة»، ولا: «أتانا رجلة»، كما أنّه ليس كل مصدر يحسن في باب «حمدا وسقيا» (¬2). وقال المصنف: بل يقتصر فيه - أي: فيما هو نوع للعامل وفي غيره - على السماع، ثم استثني من المصدر ثلاثة أنواع يجوز وقوعها حالا قياسا مطردا، ولا يقتصر فيها على السماع، وأتى بها في صورة المثال (¬3): النوع الأول: قولهم: «أنت الرجل علما وكذا أدبا ونبلا» أي: الكامل في حال علم وحال أدب وحال نبل. ومذهب ثعلب في «أنت الرجل علما» ونحوه أنّ المصدر فيه ليس حالا، وإنّما هو مصدر مؤكد على تأوّل الرجل باسم فاعل من معنى المصدر المذكور بعده، فتقدير ذلك عنده: أنت العالم علما، والمتأدب أدبا، والنبيل نبلا (¬4). قال الشيخ: ويحتمل عندي أن يكون منصوبا على التمييز، كأنه قال: أنت الكامل أدبا؛ لأنّ الرجل يراد به الكامل، وأصله: أنت الكامل أدبه، ثم حوّل (¬5). النوع الثاني: قولهم: «هو زهير شعرا، وحاتم جودا، والأحنف حلما، ويوسف حسنا» أي: مثل زهير في حال شعر، ومثل حاتم في حال جود، وكذا بقية الأمثلة، ومن هذا القبيل قول الشاعر: 1777 - تخبّرنا بأنّك أحوذيّ ... وأنت البلسكاء بنا لصوقا (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 723). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 371). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 328 - 330). (¬4) ينظر: السابق، والتذييل (3/ 725)، والارتشاف (2/ 343). (¬5) أي: حول الكمال إلى ضمير المبتدأ الذي يحمله الرجل. وينظر: التذييل (3/ 725)، والارتشاف (2/ 343). (¬6) البيت من الوافر وينظر في: شرح المصنف (2/ 329)، والتذييل (3/ 725) والأحوذي: الحاذق الماهر. وذكر في اللسان (بلسك) معنى هذا البيت ومناسبته فقال: البلسكاء: نبت إذا لصق بالثوب عسر زواله عنه، قال أبو سعيد: سمعت أعرابيّا يقول بحضرة أبي العميثل: يسمى هذا النبت الذي يلزق بالثياب فلا يكاد يتخلّص بتهامة البلسكاء، فكتبه أبو العميثل وجعله بيتا من شعر ليحفظه. وذكر البيت ثم قال: جعله على معنى النبات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: مثل البلسكاء في حال لصوق. قال الشيخ: ويحتمل أن يكون هذا كله منصوبا على التمييز؛ لأنه على تقدير «مثل» محذوفة لفظا، مرادة معنى، والتمييز يأتي بعد «مثل» نحو قولهم: «على التمرة مثلها زبدا» ونصبه على التمييز أظهر من نصبه على الحال، وقد نصّوا على أنّه تمييز في قولك: «زيد القمر حسنا» و «ثوبك السّلق خضرة». انتهى (¬1). وما ذكره الشيخ من أنّه تمييز ظاهر جدّا، لا ينبغي العدول عنه، والتمييز فيه أظهر من التمييز في النوع الأول. النوع الثالث: قولهم: «أمّا علما فعالم» والأصل في هذا أنّ رجلا وصف عنده شخص بعلم وغيره، فقال الرجل للواصف: «أمّا علما فعالم» يريد مهما يذكر إنسان في حال علم فالذي وصفت عالم، كأنه منكر ما وصف به من غير العلم، فصاحب الحال على هذا التقدير المرفوع بفعل الشرط المحذوف، وفعل الشرط المحذوف هو ناصب الحال، ويجوز أن يكون ناصبه ما بعد الفاء، وصاحبه ما فيه من ضمير، والحال على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم في حال علم (¬2). وقد حمل قول سيبويه - بعد أن مثّل بقوله: «أمّا سمنا فسمين، وأمّا علما فعالم، وأمّا نبلا فنبيل» -: «وعمل فيه ما قبله وما بعده» (¬3) على أنه يجوز أن يكون العامل في الحال فعل الشرط المقدّر قبله، وأن يكون الناصب ما بعد الفاء، وهو «فعالم» مثلا كما تقدّم تقرير الوجهين، وإنّما يجوز الوجهان إذا كان ما بعد الفاء يعمل ما بعده فيما قبله، كما مثّل به، فلو كان بعد الفاء ما لا يعمل ما بعده فيما قبله تعيّن نصب ما ولي «أمّا» بفعل الشرط المقدر، نحو قولك: «أمّا علما فلا علم له، وأما علما فإنّ له علما، وأمّا علما فهو ذو علم» (¬4). ونصب هذا المصدر الواقع بعد «أمّا» إذا كان منكرا ملتزم عند الحجازيين، فإن كان معرّفا، نحو: «أمّا العلم فعالم» أجازوا رفعه ونصبه، وإليه أشار المصنف - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 725، 726)، والارتشاف (2/ 344). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 329). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 384). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 329)، والتذييل (3/ 726)، والارتشاف (2/ 344).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله: وللحجازيين في المعرّف رفع ونصب. قال الشيخ: ويدل كلام سيبويه على أنّ الرفع عندهم هو الأكثر؛ لأنه بداية (¬1). وأما بنو تميم فيوجبون رفع المصدر المذكور إذا كان معرفة، ويجيزون رفعه ونصبه إذا كان نكرة، والنصب عندهم أكثر، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: وترفع تميم المصدر التالي «أمّا» في التنكير جوازا مرجوحا، وفي التعريف وجوبا. قال سيبويه - بعد ما تقدّم تمثيله بـ «أمّا علما فعالم» ونحوه -: وقد يرفع في لغة بني تميم، والنصب في لغتها أحسن، فإن دخلت الألف واللام رفعوا (¬2). وقال سيبويه أيضا: وقد ينصب أهل الحجاز في هذا الباب بالألف واللام؛ لأنّهم قد يتوهمون في هذا الباب غير الحال، وبنو تميم كأنّهم لا يتوهّمون غيره، فمن ثمّ لم ينصبوا في الألف واللام (¬3). قال الشيخ: وعبارة سيبويه أخلص من عبارة المصنف؛ لأنّ المصنف قال: (وفي التعريف) وهو يعمّ التعريف بالأداة وبغيرها، والمنقول إنما هو في المعرّف بالأداة (¬4). وقد يلخص مما تقدّم: أن المصدر الواقع بعد «أمّا» بحسب اللغتين قد يكون مرفوعا أو منصوبا مع كونه معرفة أو نكرة، فإن رفع فهو مبتدأ، معرفة كان أو نكرة، وإن نصب فإن كان نكرة كان حالا - كما تقدم - وإن كان معرفة كان مفعولا؛ لامتناع أن يكون حالا حينئذ، هذا مذهب سيبويه. وأما الأخفش فإنه يجعل المنصوب مصدرا مؤكدا في التعريف والتنكير ويجعل العامل فيه ما بعد الفاء إن لم يقترن بما لا يعمل ما بعده فيما قبله، وتقدير «أمّا علما فعالم» على مذهبه: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم علما، فلزم العامل أن تقدّم «علما» والعامل فيه ما بعد الفاء كما لزم تقديم المفعول به في فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (¬5). - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 727). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 384 - 385). (¬3) الكتاب (1/ 385). (¬4) التذييل (3/ 727). (¬5) سورة الضحى: 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وقد قال سيبويه في «أمّا الضّرب فضارب» مثل قول الأخفش في «أمّا علما فعالم» (¬1). قلت: وهو قوله: وإذا قلت: «أمّا الضّرب فضارب» فهذا ينتصب على وجهين: على أن يكون الضرب مفعولا كقولك: «أمّا عبد الله فأنا ضارب». وعلى قولك: «أمّا علما فعالم» كأنك قلت: أمّا ضربا فضارب، فيصير كقولك: «أمّا ضربا فذو ضرب». انتهى (¬2) [3/ 66]. وفي عبارته إشكال يظهر بالتأمّل، ولا أفهم منه موافقة قول الأخفش صريحا. وقد ردّ مذهب الأخفش من وجهين: أحدهما: أن المصدر المؤكد لا يكون معرفا بالألف واللام؛ لأنهما يخرجانه عن الإبهام إلى التخصيص، ودعوى زيادة «ال» خلاف الأصل. والثاني: أنه لا يصحّ أن يكون مصدرا مؤكدا إذا كان ما بعد الفاء لا يمكن أن يعمل ما بعده فيما قبله، نحو: «أمّا علما فلا علم له» (¬3). وأجاز بعض النحويين أن يكون المنصوب بعد «أمّا» من المصادر مفعولا به في التنكير والتعريف، والعامل فيه فعل الشرط المقدّر، فيقدّر متعديا على حسب المعنى، فكأنه قيل: مهما تذكر علما أو العلم فالذي وصف به عالم (¬4). قال المصنف: وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحقّ ما اعتمد عليه في الجواب؛ لأنه لا يخرج فيه شيء عن أصله، ولا يمنع من اطّراده مانع، بخلاف الحكم بالحالية فإنّ فيه إخراج المصدر عن أصله، بوضعه موضع اسم فاعل وفيه عدم الاطراد لجواز تعريفه، وبخلاف الحكم بأنّه مصدر مؤكّد، فإنّه يمتنع إذا كان بعد الفاء ما لا يعمل ما بعده فيما قبله، وأمّا الحكم بأنّه مفعول به فلا يعرض ما يمنع في لفظ ولا معنى، فكان أولى من غيره، ومما يؤيّده الرجوع إليه على أحسن الوجهين في قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح المصنف (2/ 329). (¬2) الكتاب (1/ 385). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 729 - 730). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 329 - 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1778 - ألا ليت شعري هل إلى أمّ مالك ... سبيل فأمّا الصّبر عنها فلا صبرا (¬1) روي بالرفع على الابتداء، والنصب على تقدير: مهما ترم الصبر، هذا تقدير السيرافي، وهو أسهل من جعل الصبر مفعولا له، وإن كان هو قول سيبويه، والنصب لغة الحجازيين، والرفع لغة تميم كما علمت (¬2). ثم قال المصنف أيضا: ويؤيده في المصدر مجيئه فيما ليس مصدرا، نحو: «أما قريشا فأنا أفضلها» رواه الفراء عن الكسائي عن العرب، وتقديره: مهما تذكر قريشا أو تصف قريشا، ومثله ما روي يونس عن قوم من العرب أنهم يقولون: «أمّا العبيد فذو عبيد، (وأمّا العبد فذو عبد» (¬3) تقديره عندي: مهما تذكر العبيد فذو عبيد) (¬4)، ومهما تذكر العبد فذو عبد. انتهى (¬5). قال الشيخ: والدليل على فساد ما اختاره المصنف، أنّه لو كان على إضمار الفعل المتعدي الناصب له لم يكن ذلك مختصّا بالمصدر، نحو: «أمّا علما فعالم» أو بالصفات نحو: «أمّا صديقا فصديق» على ما سيأتي، وكان جائزا في كل الأسماء، وقد نصّ سيبويه على أنّه لا يجوز في مثل «أما الحارث فلا حارث لك وأما البصرة ... وأمّا أبوك ...» إلّا الرفع، وذكر أنّه لا سبيل إلى النصب. ولو كان النصب على ما اختاره المصنف لجاز، وقال سيبويه - بعد نقل ما رواه يونس -: «وهذا قليل خبيث، وذلك أنهم شبهوه بالمصدر كما شبّهوا «الجماء الغفير» بالمصدر» (¬6). وأمّا حكاية الكسائي «أمّا قريشا فأنا أفضلها» إن صحت عمّن يحتج بكلامهم فهو قليل، ويخرّج على إضمار المصدر وإبقاء معموله، والتقدير: أمّا ذكرك قريشا، ولا يقاس على ذلك، لأنّ حذف المصدر وإبقاء معموله لا يقاس. انتهى (¬7). قال المصنف - بعد كلامه المتقدم -: فلو كان التالي (أمّا) صفة منكرة، نحو: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله الرماح بن ميادة وينظر: في الكتاب (1/ 386)، وشرح المصنف (2/ 330)، والتذييل (3/ 729)، والارتشاف (2/ 345). (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 329، 330). (¬3) ينظر: رواية يونس في الكتاب (1/ 389). (¬4) ما بين القوسين مستدرك بالهامش. (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 330). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 389). (¬7) ينظر: كلام أبي حيان في التذييل (3/ 730) بتصرف، والارتشاف (2/ 345).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «أمّا صديقا فصديق» تعينت الحالية، وكان العامل فعل الشرط المقدر، ويجوز أن يكون العامل الصفة التي بعد الفاء، ويكون الحال مؤكدا، وكذلك يجوز الوجهان في «أمّا صديقا فليس بصديق» (¬1) ومنع المبرد في هذا إعمال (صديق) لاقترانه بالباء، وغيره لا يمنع ذلك؛ لأنّ الباء زائدة، فوجودها كعدمها. وزعم الأخفش أنّ (صديقا) منصوب بـ (يكون) والتقدير: أمّا أن يكون إنسان فالمذكور صديق. وردّ المبرد قوله ولم يذكر حجّة الردّ. والحجة أنّا إذا قدّرنا (أن يكون) لزم كون (أن) وصلتها في موضع نصب على المذهب المختار، وينبغي أن تقدّر قبله (أن يكون) آخر، ويؤدي ذلك إلى التسلسل، وهو محال. قال الشيخ: ولا يلزم ما قال من كون (أن) وصلتها في موضع نصب، بل يكون في موضع رفع على الابتداء، والتقدير: أمّا كون إنسان صديقا فأنت صديق، والراجع محذوف، أي: فأنت صديق مثله، أي: مثل كونه صديقا، ولو فرضنا أنّ (أن يكون) في موضع نصب، لم يلزم أن يكون منصوبا بـ (أن يكون) مضمرة، بل يكون العامل فيه النصب الوصف الذي بعد الفاء، ويكون (أن يكون) مفعولا له، والتقدير: أمّا لأن يكون إنسان صديقا فالمذكور صديق (¬2). قال: وإنّما يردّ مذهب الأخفش بأنّ فيه إضمار المصدر وإبقاء معموله، وهو لا ينقاس. انتهى (¬3). وقد علمت مما تقدّم: أنّ الواقع بعد (أمّا) إمّا مصدر، أو صفة، أو اسم غير مصدر ولا صفة وكلّ من الثلاثة إمّا معرّف باللام أو منكّر، وتقدّم الكلام على المصدر معرّفا ومنكّرا، مرفوعا ومنصوبا، وعلى الصفة المنكّرة والصفة المعرّفة في الحكم كالاسم غير المصدر وغير الصفة المنكّرة، وقد تبيّن أنّ نصبه قليل، وأنّ الرفع فيه هو الوجه، وذلك قولك: «أمّا العبيد فذو عبيد، وأما العبد فذو عبد، وأمّا عبدان فذو عبدين» وهي أمثلة سيبويه (¬4)، وقال بعد أن مثّل بها: وإنّما اختير - ¬

_ (¬1) في المخطوط: ولذلك لا يجوز التقدير في «أما صديقا ... إلخ» وما أثبته من شرح المصنف، وهو الصواب. (¬2) إلى هنا كلام المصنف وينظر: في شرحه (2/ 330، 331). (¬3) انتهى كلام أبي حيان. وينظر: في التذييل (3/ 732). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 387).

[مسوغات تنكير صاحب الحال]

[مسوغات تنكير صاحب الحال] قال ابن مالك: (فصل: لا يكون صاحب الحال في الغالب نكرة، ما لم يختصّ أو يسبقه نفي أو شبهه أو تتقدّم الحال أو تكن جملة مقرونة بالواو، أو يكن الوصف به على خلاف الأصل، أو يشاركه فيه معرفة). ـــــــــــــــــــــــــــــ الرفع؛ لأنّ ما ذكرته في هذا الباب أسماء والأسماء لا تجري مجرى المصادر، ألا ترى أنك تقول: «هذا الرجل علما وفقها» ولا تقول: «هو الرجل خيلا وإبلا» فلما قبح ذلك جعلوا ما بعده خبرا له، كأنهم قالوا: «أمّا العبيد فأنت فيهم أو أنت منهم ذو عبيد» أي: لك من العبيد نصيب، كأنّك أردت أن تقول: «أمّا من العبيد، أو أمّا في العبيد فأنت ذو عبيد» إلا أنّك أخّرت (في) و (من) وأضمرت فيهما أسماءهم. انتهى (¬1) [3/ 67]. قال ناظر الجيش: قد تقدّم أنّ الحال خبر في المعنى، وأنّ صاحبه مخبر عنه، فأصله أن يكون معرفة، كما أنّ أصل المبتدأ أن يكون كذلك، وكما جاز أن يبتدأ بنكرة بشرط حصول الفائدة وأمن اللبس، كذلك يكون صاحب الحال نكرة بشرط وضوح المعنى وأمن اللبس (¬2)، ولا يكون ذلك في الأكثر إلّا بمسوّغ من المسوّغات الآتي ذكرها، وإنّما قال في المتن: في الغالب وفي الشرح: «في الأكثر» تنبيها على مجيء صاحب الحال نكرة دون مسوّغ لكنّه قليل، ومثّل بقولهم: «عليه مائة بيضا» و «فيها رجل قائما» فإن الحال من المبتدأ وهو نكرة، وسيأتي أنّه مذهب سيبويه (¬3)، وليست من الضمير المستكن في الخبر. وأمّا المسوّغات التي ذكرها المصنف فسبعة: الأول: اختصاص صاحب الحال إمّا بوصف كقوله تعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا (¬4). ومنه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) السابق (1/ 388). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 331). (¬3) ينظر: الكتاب (2/ 112). (¬4) سورة الدخان: 4، 5 فقد وقع (أمرا) في الآية حالا من (أمر) مع أنه نكرة لتخصيصه بالوصف، وفي الآية وجوه أخرى تراجع في الإملاء للعكبري (4/ 306)، والدرر السنية على شرح ابن الناظم لزكريا الأنصاري (2/ 138) رسالة، والداودي على ابن عقيل (1/ 1069) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1779 - نجّيت يا ربّ نوحا واستجبت له ... في فلك ماخر في اليمّ مشحونا وعاش يدعو بآيات مبيّنة (¬1) ... في قومه ألف عام غير خمسينا (¬2) وإما بإضافة كقوله تعالى: وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (¬3). وكذا وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا (¬4) بضم القاف والباء. وإمّا بعمل: «مررت بضارب هندا قائما». قال الشيخ: والوجه في هذه الصورة الإتباع، لا الحال (¬5). الثاني: أن يتقدم عليه نفي كقوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (¬6) فصاحب الحال (قرية) وحسّن جعله صاحب الحال مع أنّه نكرة محضة تقدّم النفي عليه، كما أنّ تقدّم النفي يحسّن الابتداء بالنكرة وقد مضى الكلام مع الزمخشري في هذه الآية الكريمة (¬7)، في باب الاستثناء ومن ذلك ما تقدّم أيضا من أمثلة أبي علي «ما مررت بأحد إلّا قائما إلّا أخاك» وأنّه جعل - ¬

_ (¬1) في المخطوط: وبيّنة، تحريف. (¬2) البيتان من البسيط، ولم يعرف قائلهما، وهما في شرح المصنف (2/ 331) وشرح ابن الناظم على الألفية (ص 319)، والتذييل (3/ 736)، والأشموني (2/ 175)، وشرح شواهد ابن عقيل (ص 131). وماخر: صفة فلك، وهو الذي يشق الماء، واليمّ: البحر. والشاهد: في «مشحونا» - أي: مملوءا - حيث وقع حالا من فلك، وهو نكرة، ولكنه تخصص بالصفة. (¬3) سورة فصلت: 10، فـ (سواء) حال من (أربعة) لاختصاصها بالإضافة إلى الأيام. (¬4) سورة الأنعام: 111. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (3/ 736). (¬6) سورة الحجر: 4. (¬7) ينظر: كلام الزمخشري في الكشاف (2/ 387) طبعة مصطفى الحلبي 1972 م وعبارته: وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ جملة واقعة صفة لـ (قرية)، والقياس لا يتوسط الواو بينهما، كما في قوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ [الشعراء: 208]. وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال: «جاءني زيد عليه ثوب، وجاءني وعليه ثوب». اه. وقد ردّ ابن مالك ما ذهب إليه الزمخشري من توسط الواو بين الصفة والموصوف بخمسة أوجه، منها: - أنّه قاس في ذلك الصفة على الحال، وبين الصفة والحال فروق كثيرة. - أنّ الواو فصلت الأول من الثاني، ولولا هي لتلاصقا، فكيف يقال: إنّها أكدت لصوقهما؟ ينظر: شرح المصنف (2/ 302، 303، 332).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (قائما) حالا من (أحد) لاعتماده على النفي (¬1) ومنه أيضا قول الشاعر: 1780 - ما حمّ من موت حما واقيا ... ولا ترى من أحد باقيا (¬2) الثالث: أن يتقدم عليه شبه النفي وأراد به النهي والاستفهام، فمثال النهي قول قطري: 1781 - لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوّفا لحمام (¬3) ومثال الاستفهام: 1782 - يا صاح هل حمّ عيش باقيا فترى ... لنفسك العذر في إبعادها الأملا (¬4) الرابع: أن يتقدم الحال على صاحبه، كقولك: «فيها قائما رجل». قال سيبويه - بعد تمثيله بهذا المثال -: لمّا لم يجز أن توصف الصفة بالاسم، وقبح أن تقول: «فيها قائم» فتضع الصّفة موضع الاسم، كما قبح «مررت بقائم وأتاني قائم» جعلت (القائم) حالا وكان المبنيّ على الكلام الأول ما بعده. - ¬

_ (¬1) هذا من أمثلة أبي علي في التذكرة، قال: لا يجوز كون (قائم) صفة لأحد؛ لأنّ (إلا) لا تعترض بين الصفة والموصوف. ينظر: شرح المصنف (2/ 280، 303، 332). (¬2) البيت من السريع، ولم يعرف قائله: وينظر: في شرح ابن عقيل وشرح شواهده (ص 133)، والأشموني (2/ 175). ومعناه: لم يقدّر الله موضع حماية يحفظ الإنسان من الموت، ولا ترى أحدا باقيا مخلدا في الدنيا. والشاهد: في «واقيا»؛ حيث وقع حالا من «موت» وهو نكرة، والمسوّغ كون صاحب الحال بعد النفي. (¬3) البيت من الكامل وينظر: في شرح التسهيل للمصنف (2/ 332)، وشرح الكافية الشافية (2/ 739)، وابن الناظم (ص 320)، وتوضيح المقاصد للمرادي (2/ 149). لا يركنن فعل النهي مؤكد بالنون الخفيفة، والإحجام: النكوص والتأخر، والحمام: - بكسر الحاء - الموت. والشاهد: في «متخوفا»؛ حيث وقع حالا من «أحد» وهو نكرة، لتقدم النهي عليه. (¬4) البيت من البسيط، وهو لرجل من طيّئ لم يعين اسمه وينظر: في شرح المصنف (2/ 332)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 321)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 190)، والتذييل (3/ 737)، والتصريح (1/ 377). وحمّ: أي قدّر، والشاهد: في «باقيا»؛ حيث وقع حالا من «عيش» وهو نكرة، ولكنه وقع في سياق الاستفهام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال: وحمل [النصب] (¬1) على جواز «فيها رجل قائما» وصار حين أخّر وجه الكلام، فرارا من القبح (¬2)، وأنشد لذي الرمة: 1783 - وتحت العوالي في القنا مستظلة ... ظباء أعارتها العيون الجآذر (¬3) وأنشد لغيره: 1784 - وبالجسم منّي بيّنا لو علمته ... شحوب وإن تستشهدي العين تشهد (¬4) [3/ 68] وأنشد غير سيبويه: 1785 - وما لام نفسي مثلها لي لائم ... ولا سدّ فقري مثل ما ملكت يدي (¬5) ولا يقوى الاستدلال بهذا البيت على ما سيق له؛ لأنّه قد يدّعى أنّ النفي المتقدم هو المسوّغ لذلك، لا تقدّم الحال (¬6). قال المصنف: أشار سيبويه بقوله: وحمل هذا على جواز «فيها رجل قائما» إلى أنّ صاحب الحال قد يكون نكرة دون مسوّغ من المسوّغات التي تذكر هنا نحو - ¬

_ (¬1) تكملة من سيبويه، ليست في المخطوط. (¬2) ينظر: الكتاب (2/ 122). (¬3) البيت من الطويل وينظر في: ديوان ذي الرمة (ص 254)، والكتاب (2/ 123) وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 64)، وشرح المصنف (2/ 333). والبيت - كما قال الأعلم (1/ 276) - في وصف نسوة سبين فصرن تحت عوالي الرماح وفي قبضتها. والقنا: الرماح، وعواليها: صدورها، وشبه النساء بالظباء في طول الأعناق، وانطواء الكشوح، وشبّه عيونهن بعيون الجآذر وهي أولاد البقر الوحشية. والشاهد فيه: نصب «مستظلة» على الحال، بعد أن كانت صفة للظباء متأخرة فلما تقدمت امتنع كونها نعتا؛ لأنّ النعت لا يتقدم على منعوته. (¬4) البيت من الطويل، وهو غير معروف القائل. وينظر في الكتاب (2/ 123)، وشرح التسهيل (2/ 133)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 319)، والأشموني والعيني (2/ 175). و «شحوب» من شحب جسمه، إذا تغيّر. والشاهد: في «بيّنا»؛ حيث وقع حالا مقدما على صاحبه لكونه نكرة وهو «شحوب» و «لو علمته» معترضة بينهما. (¬5) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله وينظر في: شرح المصنف (2/ 333)، وشرح الكافية الشافية (2/ 738)، وشرح شواهد ابن عقيل (ص 130). ولام: من اللّوم، وهو العذل، والشاهد: في «مثلها»؛ فإنه حال من «لائم» وهو نكرة، ولكنه تخصص بتقديمها عليه. (¬6) نقول: لا مانع من وجود أكثر من مسوّغ في الشاهد الواحد ولا مانع من الاستشهاد به لكل حالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: «فيها رجل قائما» (¬1) لكن على ضعف لإمكان الإتباع (¬2) فإذا قدّم الحال زال الضّعف لتعذّر الإتباع وكان هذا بمنزلة قولنا في الاستثناء: «ما قام أحد إلّا زيد» فإنّ النّصب مع تأخّر المستثنى ضعيف لإمكان الإتباع، فإذا قدّم المستثنى لزم النصب في المشهور من كلامهم لتعذر الإتباع، فظاهر كلام سيبويه: أن صاحب الحال الكائن في نحو: «فيها رجل قائما» هو المبتدأ. وذهب قوم إلى أنّ صاحبه الضمير المستكن في الخبر (¬3)، وقول سيبويه هو الصحيح؛ لأنّ الحال خبر في المعنى، فجعله لأظهر الاسمين أولى من جعله لأغمضهما. وزعم ابن خروف أن الخبر إذا كان ظرفا أو جارّا ومجرورا لا ضمير فيه عند سيبويه والفراء إلا إذا تأخّر، وأمّا إذا تقدّم فلا ضمير فيه (¬4)، واستدلّ على ذلك بأنّه لو كان فيه ضمير إذا تقدّم لجاز أن يؤكد وأن يعطف عليه، وأن يبدل منه كما فعل ذلك مع التأخر (¬5). الخامس: أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو كقوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها (¬6) ومنه قول الشاعر: 1786 - مضى زمن والنّاس يستشفعون بي ... فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع (¬7) - ¬

_ (¬1) يرى الشيخ يس أنّ في مثل ذلك مسوغا لمجيء الحال من النكرة - وهو المسوغ للابتداء بها - وذلك الإخبار عنها بظرف مختص مقدم ينظر: حاشيته على التصريح (1/ 378). (¬2) قال أبو حيان في منهج السالك (ص 190): قال بعض أصحابنا إذا لم يقبح أن يكون وصفا للنكرة فالانتصاب على الحال ضعيف جدّا. اه. وقال في الارتشاف (2/ 346): ذكر سيبويه الحال من النكرة كثيرا قياسا وإن لم يكن بمنزلة الإتباع في القوة. اه. وقال سيبويه: وزعم الخليل أن «هذا رجل منطلقا» جائز، ونصبه كنصبه في المعرفة، جعله حالا ولم يجعله وصفا، ومثل ذلك: «مررت برجل قائما، وإذا جعلت الممرور به في حال قيام، وقد يجوز على هذا - أي: بالقياس على هذا - فيها رجل قائما، وهو قول الخليل رحمه الله، ومثل ذلك «عليه مائة بيضا» والرفع الوجه، وزعم يونس أنّ ناسا من العرب يقولون: مررت بماء قعدة رجل، والجر الوجه، وإنما كان النصب هنا بعيدا من قبل أنّ هذا يكون من صفة الأول فكرهوا أن يجعلوه حالا. اه. الكتاب (2/ 112). (¬3) ينظر: الارتشاف (2/ 347). (¬4) السابق نفسه. (¬5) إلى هنا ينتهي نصّ كلام ابن مالك، وينظر: في شرحه (2/ 333). (¬6) سورة البقرة: 259. (¬7) البيت من الطويل، وقائله مجنون ليلى، وينظر في ديوانه (ص 58)، وشرح المصنف (2/ 334)، والتذييل (3/ 739)، والهمع (1/ 240).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنّ الواو رفعت توهم كون الجملة نعتا. السادس: توقي الوصف بما لا يصلح للوصفية، كقولك: هذا خاتم حديدا، وعندي راقود خلّا». قال المصنف: ظاهر كلام سيبويه أنّ المنصوب في هذين المثالين وأشباههما منصوب على الحال، وأنّ الذي سوّغ ذلك مع تنكير ما قبله، التخلص من جعله نعتا مع كونه جامدا غير مؤول بمشتق (¬1)، وقد تقدّم أن ذلك يغتفر في الحال؛ لأنّه بالأخبار أشبه منه بالنعوت. والمشهور في غير كلام سيبويه نصب ما بعد (خاتم) و (راقود) وشبههما على التمييز (¬2)، فلو ما قبله معرفة لم يكن إلا حالا، نحو: «هذا خاتمك حديدا، وهذه جبّتك خزّا». انتهى (¬3). ومن أمثلة سيبويه: «مررت ببرّ قفيزا بدرهم»، وحكى: «مررت بماء قعدة رجل» (¬4). السابع: أن تشترك مع معرفة، نحو: «هؤلاء ناس وعبد الله منطلقين» وقد جعل سيبويه لهذه المسألة بابا فقال: هذا: باب ما غلبت فيه المعرفة النكرة (¬5). ¬

_ (¬1) قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب؛ لأنه قبيح أن يكون صفة، وذلك قولك: هذا راقود خلّا، وعليه نحي سمنا ... ثم قال: وإنّما فررت إلى النصب في هذا الباب؛ لأنّه اسم، وليس مما يوصف به ... ينظر: الكتاب (2/ 117 - 118). (¬2) وقال المبرد في المقتضب: وكان سيبويه يقول: جيّد أن تقول: «هذا خاتمك حديدا، وهذا سرجك خزّا» ولا تقول على النعت: «هذا خاتم حديد» إلا مستكرها، إلّا أن تريد البدل؛ وذلك لأنّ حديدا وفضّة وما أشبه ذلك جواهر، فلا ينعت بها .. ثم قال: وإنّما أجاز سيبويه: «هذا خاتمك حديدا» وهو يريد الجوهر بعينه؛ لأنّ الحال مفعول فيها، والأسماء تكون مفعولة، ولا تكون نعوتا حتى تكون تحلية. وهذا في تقدير العربية كما قال، ولكن لا أرى المعنى يصح إلا بما اشتق من الفعل نحو: «هذا زيد قائما»؛ لأن المعنى أنبّهك له في حال قيام. وإذا قال: «هذا خاتمك حديدا» فالحديد لازم، فليس للحال ها هنا موضع بيّن، ولا أرى نصب هذا إلا على التبيين؛ لأنّ التبيين إنما هو بالأسماء، فهذا الذي أراه، وقد قال سيبويه ما حكيت لك. اه. المقتضب (3/ 272). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 334). (¬4) ينظر: الكتاب (2/ 112). (¬5) السابق (2/ 81، 82).

[حكم تقديم الحال على صاحبه]

[حكم تقديم الحال على صاحبه] قال ابن مالك: (ويجوز تقديم الحال على صاحبه وتأخيره إن لم يعرض مانع من التّقديم كالإضافة إلى صاحبه، أو من التأخير كاقترانه بـ (إلّا) على رأي، وكإضافته إلى ضمير ما لابس الحال، وتقديمه على صاحبه المجرور بحرف ضعيف على الأصحّ لا ممتنع، ولا يمتنع تقديمه على المرفوع والمنصوب خلافا للكوفيين في المنصوب بالظّاهر مطلقا، وفي المرفوع الظّاهر المؤخّر رافعه عن الحال؛ واستثنى بعضهم من حال المنصوب ما كان فعلا، ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه إلّا أن يكون المضاف جزءه أو كجزئه) (¬1). قال ناظر الجيش: الحال إمّا أن يقدّم على عامله - وسيأتي الكلام عليه في الفصل بعد هذا - وإمّا على صاحبه وهو المقصود هنا، فاعلم أنّ نسبة الحال من صاحبه نسبة الخبر من المبتدأ، فالأصل تأخيره وتقديم صاحبه، كما أنّ الأصل تأخير الخبر وتقديم المبتدأ، وجواز مخالفة الأصل ثابت في الحال كما كان ثابتا في الخبر، ما لم يعرض موجب البقاء على الأصل أو الخروج عنه، فممّا يوجب البقاء على الأصل الإضافة إلى صاحب الحال مع كون الإضافة محضة (¬2)، نحو: «عرفت قيام زيد مسرعا، وخروج هند مسرعة» فلا يجوز التقديم على (زيد) ولا على (هند) لما يلزم فيه من الفصل بين المضاف والمضاف إليه، هكذا قيّد المصنف الإضافة بكونها محضة، ولا فرق بينها وبين غير المحضة بالنسبة إلى التقديم على صاحب الحال لما يلزم في ذلك من الفصل بين المتضايفين، فكما لا يجوز التقديم في مثل «عرفت قيام زيد مسرعا» على زيد نفسه كذلك لا يجوز في مثل «هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا» تقديم (ملتوتا) على (السويق) نفسه (¬3). - ¬

_ (¬1) ينظر: التسهيل (ص 109). (¬2) في شرح المصنف (2/ 335): مع كون الإضافة مخصّصة. (¬3) وكلام ابن الناظم في شرح الألفية (ص 322) يقتضي التسوية في المنع. وينظر: التذييل (3/ 79 - 750)، والتصريح (1/ 380)، والأشموني (2/ 178).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمّا تقديم الحال على المضاف إلى صاحب الحال: فيظهر من كلام المصنف جواز التقديم فيما إضافته غير محضة، ومنعه فيما إضافته محضة، فإنه قال: وإذا كان صاحب الحال مجرورا بإضافة محضة لم يجز تقديم الحال عليه بالإجماع؛ لأنّ نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول فإن كانت الإضافة غير محضة جاز تقديم الحال على المضاف كقولك: «هذا شارب السويق ملتوتا الآن أو غدا» لأنّ الإضافة في نية الانفصال، فلا يعتد بها. انتهى (¬1). وما ذكره المصنف في صورتي الجواز والامتناع إنما هو بالنسبة إلى عامل الحال (¬2)، والكلام في هذا الفصل إنّما هو بالنسبة إلى صاحب الحال، إلّا أن يقول المصنف: يلزم من تقديمه على العامل تقديمه على صاحب الحال فلذا ذكره هنا. ثم قال المصنف: فإن ورد ما يوهم تقديم حال ما جرّ بإضافة محضة حمل على وجه لا خلاف في جوازه كقول الراجز: 1787 - نحن وطئنا خسّئا دياركم ... إذ أسلمت حماتكم ذماركم (¬3) فقد يتوهم سامع هذا أنّ (خسّئا) بمعنى: بعداء مزدجرين، كقوله تعالى: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ * (¬4) فيجعله [3/ 69] حالا من ضمير المخاطبين ويقول: قد تقدّم حال المضاف إليه على المضاف وليس كذلك، ولكن (خسّئا) جمع خاسئ، بمعنى: زاجر، من قولهم: خسأت الكلب، أي: أبعدته وزجرته، فهو حال وصاحبه الفاعل من (وطئنا). وقد يتوهم أنّ (فرّارا) من قول الشاعر: 1788 - ليست تجرّح فرّارا ظهورهم ... وفي النّحور كلوم ذات أبلاد (¬5) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 335). (¬2) يقصد قول المصنف ... فإن ورد نحو: «ما قام إلا زيد مسرعا» أضمر ناصب الحال بعد صاحبها من ... إلخ - ينظر (2/ 335). (¬3) الشاهد من الرجز، ولم يعرف قائله. وينظر: في شرح المصنف (2/ 336)، والتذييل (3/ 749)، والمساعد لابن عقيل (2/ 22). والذمار: ما يلزم حفظه ورعايته وحمايته. (¬4) سورة البقرة: 65، وسورة الأعراف: 166. (¬5) البيت من البسيط، وقائله القطامي ابن أخت الأخطل، وينظر: في ديوانه (ص 89)، وشرح المصنف (2/ 336)، والتذييل (3/ 749).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حال من الهاء والميم، و (ظهورهم) مرفوعة بـ (تجرّح) على أنه مفرّغ وليس كذلك، بل (تجرّح) مسند إلى ضمير الجماعة الموصوفة، وهو صاحب الحال و (ظهورهم) بدل بعض من كل، وهذا توجيه لا تكلف فيه (¬1). قال الشيخ: ومما يوجب البقاء على الأصل أن يكون العامل في صاحب الحال فعل تعجب نحو: «ما أحسن هندا متجردة» وفيه خلاف يذكر في باب التعجب (¬2). ومما يوجب الخروج عن الأصل: إضافة صاحب الحال إلى ضمير يعود إلى ما لابس الحال؛ إمّا بإضافة نحو: «جاء زائر هند أخوها». وإما بغير إضافة نحو: «جاء منقادا لعمرو صاحبه» (¬3). ومنه أيضا عند قوم - وإليه أشار في المتن بقوله: على رأي - اقتران صاحب الحال بـ (إلّا) نحو: «ما قام مسرعا إلا زيد» وأنشد الأخفش: 1789 - وليس مجيرا أن أتى الحيّ خائف ... ولا قائلا إلّا هو المتعيّنا (¬4) ثم قال: فإنّ هذا ليس بحسن، وهو كلام يجوز في الشعر، وهو مثل «ما أكل إلّا زيد الخبز، وما ضرب إلّا عمرو زيدا» (¬5) لا تريد به: ما أكل الخبز إلا زيد وما ضرب زيدا إلا عمرو، ولكنك تضمر الفعل بعد المستثنى على قبحه، وكذا إذا ورد نحو: «ما قام إلّا زيد مسرعا» أضمر ناصب الحال بعد صاحبها كقول الراجز: 1790 - ما راعني إلّا جناح هابطا ... حول البيوت قوطه العلابطا (¬6) أراد: ما راعني إلا جناح راعني هابطا، و (جناح) اسم رجل. - ¬

_ (¬1) انتهى كلام المصنف، وينظر: في شرحه (2/ 335 - 336). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 741). وفي حكم الفصل بين فعل التعجب ومعموله بالحال مذهبان: الأول: مذهب الجمهور: المنع. الثاني: مذهب الجرمي وهشام: جواز الفصل. قال أبو حيان: والصحيح المنع. ينظر: الارتشاف (2/ 347)، (3/ 37). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 335)، والتذييل (3/ 741). (¬4) البيت من الطويل، وينظر: في التذييل (3/ 741). (¬5) يقصد أنّ حكمه حكم المفعول المحصور فيه الفاعل. ينظر: الارتشاف (2/ 347). (¬6) البيت من الرجز، ولم يعرف قائله، وينظر في نوادر أبي زيد (ص 173)، والخصائص (2/ 211) وشرح المصنف (2/ 335)، وشرح الكافية الشافية (2/ 742)، والتذييل (3/ 742). والقوط: قطيع الغنم، والعلابط: القطيع الضخم، وأقلها خمسون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا فقد موجب البقاء على الأصل، وموجب الخروج عنه جاز أن تقدّم الحال على صاحبه مرفوعا كان أو منصوبا أو مجرورا بحرف: وأمّا المجرور بالإضافة فقد تقدّم الكلام عليه. ولمّا كان المجرور بحرف فيه خلاف، وكذا في التقديم على المرفوع والمنصوب أشار المصنف إلى ذلك وبدأ بالمجرور وتقديم حاله عليه ليس بممتنع عند المصنف، لكنه ضعيف، ومنع التقديم أكثر النحويين فلا يجيزون في نحو «مررت بهند جالسة» أن يقال: «مررت جالسة بهند» ودليلهم في منع ذلك أنّ تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدّى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك خوف التباس الحال بالبدل، وأنّ فعلا واحدا لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين، فجعلوا عوضا من الاشتراك في الواسطة التزام التأخير (¬1). وبعضهم يعلل منع التقديم بالحمل على حال المجرور بالإضافة. وبعضهم يعلل بأنّ حال المجرور شبيه بحال عمل فيه حرف جر مضمن معنى الاستقرار، نحو: «زيد في الدار متكئا» فكما لا يتقدم الحال على حرف الجر في هذا وأمثاله، لا يقدّم عليه نحو: «مررت بهند جالسة» (¬2). قال المصنف (¬3): وهذه شبه وتخيلات لا تستميل إلّا نفس من لا تثبّت له، بل الصحيح جواز التقديم في نحو: «مررت بهند جالسة» وإنما حكمت بالجواز لثبوته سماعا، ولضعف دليل المنع. أما ثبوته سماعا ففي قوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ (¬4) وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنّ (كآفة) صفة لإرساله، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وهو قول الزمخشري (¬5). والثاني: أن (كآفة) حال من الكاف، وهو قول الزجاج، والتاء فيه للمبالغة (¬6). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 336). (¬2) ينظر: السابق نفسه. (¬3) ينظر: ما نقله عن المصنف هنا في شرحه (2/ 336 - 340). (¬4) سورة سبأ: 28. (¬5) ينظر: الكشاف (3/ 290)، وينظر: الأقوال الواردة في إعرابها في الدر المصون (5/ 446). ينظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (4/ 254). (¬6) وتبع ابن هشام في أوضح المسالك (ص 120) هذا القول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثالث: أنّ (كآفة) حال من (الناس)، والأصل: للناس كافة، أي: جميعا، وهذا هو الصحيح، وهو مذهب أبي علي وابن كيسان، أعني تقديم حال المجرور بحرف، حكاه ابن برهان وقال: وإليه نذهب، كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ و (كآفة) حال من (الناس،) وقد تقدم على المجرور باللام، وما استعملت العرب (كافة) قط إلّا حالا. كذا قال ابن برهان (¬1)، وكذا أقول (¬2). ولا يلتفت إلى قول الزمخشري [والزجاج. أما الزمخشري] (¬3) فإنّه جعل (كافّة) صفة، ولم تستعمله العرب إلا حالا، وهذا شبيه بما فعل في خطبة المفصل من إدخال باء الجرّ عليه، وإضافته، والتعبير به عمّا لا يعقل (¬4). وليته إذ أخرج (كافة) عن استعمال العرب سلك به سبيل القياس، بل جعله صفة لموصوف محذوف، لم تستعمله العرب مفردا ولا مقرونا بصفة - أعني إرساله - وحق الموصوف المستغني بصفته أن يعتاد ذكره مع صفته قبل الحذف، وأن لا تصلح الصفة لغيره، والمشار إليه بخلاف ذلك فوجب الإعراض عمّا أفضى إليه. وأمّا الزجاج فبطلان قوله بيّن أيضا؛ لأنّه جعل (كافّة) حالا من مفرد ولا يعرف ذلك في غير محل النزاع، وجعله من مذكر مع كونه مؤنثا، ولا يتأتّى ذلك إلا بجعل تائه للمبالغة وبابه مقصور على السماع، ولا يأتي غالبا ما هي فيه إلّا على أحد أمثلة المبالغة كنسّابة، وفروقة، ومهذارة، وكافة بخلاف ذلك، فبطل أن تكون منها، لكونها على فاعلة، فإن [حملت على راوية] (¬5) حملت على شاذ الشاذ؛ لأنّ لحاق تاء المبالغة [لأحد أمثلة المبالغة] (¬6) شاذ، ولما لا مبالغة فيه أشذّ، فيعبر عنه بشاذ الشاذ، والحمل على الشاذ مكروه، فكيف على شاذ الشاذ. وإذا بطل القولان تعيّن الحكم بصحة القول الثالث، وهو أن يكون الأصل: وما أرسلناك إلا للناس كافة [3/ 70]، فقدّم الحال على صاحبه مع كونه مجرورا. ومن أمثلة أبي علي في التذكرة: «زيد خير ما تكون خير منك» على أنّ المراد: زيد خير - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح اللمع لابن برهان (1/ 137، 138). (¬2) القائل هو ابن مالك فهذا نصه وكلامه. (¬3) تكملة من شرح المصنف (2/ 337). (¬4) حيث قال: «ولقد ندبني ما بالمسلمين من الأدب إلى معرفة كلام العرب ... لإنشاء كتاب في الإعراب، محيط بكافة الأبواب ...» المفصل (ص 5). (¬5)، (¬6) تكملة من شرح المصنف (2/ 338)، سقطت من المخطوط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منك خير ما تكون، فجعل (خير ما تكون) حالا من الكاف المجرورة وقدّمه، وهذا موافق لقول ابن برهان. ومن التقديم المشار إليه قول الشاعر: 1791 - فإن تك أذواد أصبن ونسوة ... فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال (¬1) أراد: فلن يذهبوا بدم حبال فرغا، أي: هدرا. وحبال: اسم رجل. ومنه: 1792 - لئن كان برد الماء هيمان صاديا ... [إليّ حبيبا إنّها لحبيب (¬2) أراد: لئن كان برد الماء حبيبا إليّ هيمان صاديا] (¬3). ومنه أيضا. 1793 - إذ المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها كهلا عليه شديد (¬4) أراد: فمطلبها عليه كهلا شديد. ومن ذلك قول الآخر: 1794 - تسلّيت طرّا عنكم بعد بينكم ... بذكراكم حتّى كأنكم عندي (¬5) أراد: تسلّيت عنكم طرّا. وربّما قدّم الحال على صاحبه المجرور وعلى ما يتعلق به الجار، كقول الشاعر: 1795 - غافلا تعرض المنيّة للمر ... ء فيدعى ولات حين إباء (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله: طليحة بن خويلد الأسدي. وينظر في: إصلاح المنطق (ص 19)، والمحتسب (2/ 148)، واللباب للعكبري (1/ 292) وشرح المصنف (2/ 338)، والتذييل (3/ 746)، وشرح شواهد ابن عقيل (ص 135). (¬2) البيت من الطويل، وقائله: كثير عزة، وهو في ديوانه (2/ 192)، ونسبه البغدادي لعروة بن حزام وهو في ديوانه (ص 5)، ونسبه المبرد في الكامل (ص 379) لقيس بن ذريح، وهو في ديوانه (ص 59) وينظر في: كشف المشكل للحيدرة اليمني (1/ 482)، وشرح التسهيل للمصنف (2/ 338)، وشرح الكافية للرضي (1/ 207)، والخزانة (3/ 212). (¬3) ما بين المعقوفين تكملة من شرح المصنف. (¬4) البيت من الطويل نسب للمعلوط القريعي، وقيل: للمعلوط السعدي وقيل: للمخبل السعدي وينظر في: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (1148)، وشرح الكافية الشافية (2/ 746)، والبحر المحيط (7/ 281)، والدر المصون (5/ 447)، والتذييل (3/ 746). وسقط من شرح المصنف المطبوع. (¬5) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وينظر: في شرح المصنف (2/ 338)، والتذييل (3/ 747)، والأشموني (2/ 177). وطرّا: جميعا، والبين: الفراق. (¬6) البيت من الخفيف، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 338)، وشرح الكافية الشافية -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: تعرض المنية للمرء غافلا، ومثله قول الآخر: 1796 - مشغوفة بك قد شغفت وإنّما ... حمّ الفراق فما إليك سبيل (¬1) أراد: شغفت بك مشغوفة. وإذ قد بيّنت دلائل السماع مستوفاة، فلأبيّن ضعف شبه المنع: فمن ذلك: ادّعاء أنّ حقّ الحال إذا عدّي العامل لصاحبه بواسطة أن يعدّى إليه بتلك الواسطة، فيقال المدّعي ذلك: لا نسلم هذا الحق حتى يترتب عليه التزام التأخير تعويضا، بل حق الحال لشبهه بالظرف أن يستغني عن واسطة، على أنّ الحال أشدّ استغناء عن الواسطة، ولذلك يعمل فيها ما لا يعدّى بحرف جر كاسم الإشارة وحرف التنبيه والتشبيه والتمنّي. ومن شبه التزام التأخير: إجراء حال المجرور بحرف مجرى حال المجرور بإضافة فيقال لصاحب هذه الشبهة: المجرور بحرف كالأصل للمجرور بالإضافة، فلا يصح أن يحمل حال المجرور [بحرف] (¬2) عليه لئلّا يكون الأصل تابعا والفرع متبوعا، وأيضا فالمضاف بمنزلة موصول، والمضاف إليه بمنزلة صلته، والحال منه بمنزلة جزء صلته، فوجب تأخيره كما يجب تأخير أجزاء الصلة، وحال المجرور بحرف لا يشبه جزء صلة، فأجيز تقديمه؛ إذ لا محذور في ذلك ومن الشبه: تشبيه باب «مررت بهند جالسة» بباب «زيد في الدار متكئا» وإلحاق أحدهما بالآخر، فيقال للمعتمد على هذا: بين البابين بون بعيد، وتفاوت شديد، فإنّ (جالسة) من قولنا: «مررت بهند جالسة» منصوب بـ (مررت) وهو فعل متصرف لا يفتقر في نصب الحال إلى واسطة، كما لا يفتقر إليها في نصب ظرف أو مفعول له أو مفعول مطلق، وحرف الجر الذي عدّاه لا عمل له إلا الجر، ولا جيء به إلّا لتعدية (مررت) والمجرور به بمنزلة منصوب فيتقدم حاله كما يتقدم حال المنصوب، ولكونه بمنزلة منصوب أجري في اختيار النصب «أزيدا مررت به» مجرى «أزيدا لقيته». وأمّا (متكئا) في المسألة الثانية فمنصوب بـ (في) لتضمنها معنى الاستقرار، وهي أيضا رافعة ضميرا عائدا على (زيد) وهو صاحب الحال، فلم يجز لنا أن نقدم - ¬

_ - (2/ 746) والتذييل (3/ 747)، والبحر المحيط (7/ 281)، والدر المصون (5/ 447). (¬1) البيت من الكامل، ولم يعرف قائله، وينظر في: شرح المصنف (2/ 339)، والأشموني (2/ 137)، والدر المصون. وحمّ: قدّر. (¬2) تكملة من شرح المصنف (2/ 339).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [متكئا] (¬1) على (في)؛ لأنّ العمل لها، وهي عامل ضعيف متضمن معنى الفعل دون حروفه، فمانع التقديم في نحو: «زيد في الدار متكئا» غير موجود في نحو «مررت بهند جالسة». وربّما قدّم الحال في نحو: «زيد في الدار متكئا» (¬2). وأمّا إذا كان صاحب الحال منصوبا أو مرفوعا: فالبصريون يجيزون تقديم الحال عليه مطلقا نحو: «لقيت راكبة هندا» و «جاء مسرعا زيد». وأمّا الكوفيون فلهم تفصيل في ذلك (¬3)، وهو أنّهم منعوا تقديم حال المنصوب عليه إذا كان ظاهرا، قالوا: لئلّا يتوهم كون الحال مفعولا وكون صاحبه بدلا، ولكون العلة هذه أجاز بعضهم التقديم إن كان الحال فعلا لزوال المحذور، وهو توهم المفعولية والبدلية، وإلى ذلك الإشارة بقوله: واستثنى بعضهم - أي: بعض الكوفيين - من حال المنصوب ما كان فعلا. وأما المرفوع فإن كان ضميرا جاز التقديم عليه كقوله تعالى: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ (¬4). ومنه قول الشاعر: 1797 - مزبدا يخطر ما لم يرني ... وإذا يخلو له الحمى رتع (¬5) وإن كان ظاهرا لم يجز عندهم تقديم حاله. وبعض العلماء يزعم أنّ الكوفيين لا يمنعون تقديم حال المرفوع إذا كان الفعل متقدما نحو: «قام مسرعا زيد» وإنّما يمنعون تقديم حال إذا كان الفعل متأخرا، نحو: «مسرعا قام زيد» وهذا القول هو الذي أشار إليه المصنف في المتن بقوله: وفي المرفوع الظاهر المؤخر رافعه عن الحال ولم يذكر ذلك قيدا في المنصوب ولهذا قال: خلافا للكوفيين في المنصوب الظاهر مطلقا أي: قدّم عامله على الحال أو أخّر. - ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين تكملة من شرح المصنف. (¬2) إلى هنا نهاية كلام المصنف وينظر: في شرحه (2/ 336 - 340). (¬3) ينظر: مذهبا البصريين والكوفيين في هذه المسألة في شرح المصنف (2/ 240، 241)، وشرح الكافية الشافية (2/ 747 - 749)، وشرح الكافية للرضي (1/ 206)، والارتشاف (2/ 349)، والتصريح (1/ 378)، والهمع (1/ 241). (¬4) سورة القمر: 7. (¬5) البيت من الرمل، وقائله: سويد بن أبي كاهل، وهو مركب من بيتين، وهما في ديوانه (ص 31) هكذا: مزبدا يخطر ما لم يرني ... فإذا أسمعته صوتي انقمع ويحييني إذا لاقيته ... وإذا يخلو له لحمي رتع -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح: ما ذهب إليه البصريون لورود السماع بذلك، ولضعف العلة التي أبدوها، فإن (راكبة) من قولنا: «لقيت راكبة هندا» يتبادر الذهن إلى حاليته، فلا يلتفت إلى عارض توهم المفعولية (¬1). ومن شواهد تقديم الحال على المنصوب الظاهر قول الشاعر: 1798 - وصلت ولم أصرم مسبين أسرتي ... وأعتبتهم حتّى يلاقوا ولائيا (¬2) [3/ 71] أراد: وصلت أسرتي مسبين (¬3)، ومثله قول الحارث بن ظالم: 1799 - وقطّع وصلها سيفي وإنّي ... فجعت بخالد طرّا كلابا (¬4) ومن تقديم الحال عليه أيضا وهو فعل قول الشاعر: 1800 - لن يراني حتى يرى صاحب لي ... أجتني سخطه يشيب الغرابا (¬5) أراد: لن يراني صاحب أجتني سخطه حتى الغراب يشيب. ومن شواهد تقديم حال المرفوع الظاهر والفعل متقدّم قول الشاعر: 1801 - يطير فضاضا بينهم كلّ قونس ... وتتبعها منهم فراش الحواجب (¬6) ومثله: - ¬

_ - وينظر: الشاهد في المقتضب (4/ 170)، وشرح المصنف (2/ 341)، وشرح الكافية الشافية (2/ 748)، والتذييل (3/ 758). ومزبدا: من أزبد الجمل: إذا ظهر الزبد على مشافره ساعة هياجه. ويخطر: من الخطر، وهو ضرب الفحل بذنبه حين هياجه. والحمى: ما يحميه الإنسان فلا يقترب منه أحد، ويروى: لحمي. (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 340). (¬2) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وهو في شرح المصنف (2/ 340)، وشرح الكافية الشافية (2/ 747)، والهمع (1/ 241) وأعتبتهم: أي: أرضيتهم. (¬3) في المخطوط: وصلت أسرتي مسئين. (¬4) البيت من الوافر، وقاله الحارث بن ظالم في فتكه بخالد بن جعفر بن كلاب وينظر: في المفضليات (314)، وشرح المصنف (2/ 340)، والتذييل (3/ 752). (¬5) البيت من الخفيف، ولم يعرف قائله، وينظر: شرح المصنف (2/ 340)، والتذييل (3/ 752)، والمساعد (2/ 23). (¬6) البيت من الطويل، وقائله: النابغة الذبياني، وهو في ديوانه (ص 11)، والخصائص (2/ 270)، وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 751). والفضاض: المتفرق من كل شيء، والقونس: أعلى الرأس، وفراش الحواجب: عظامها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1802 - فسقى بلادك غير مفسدها ... صوب الغمام وديمة تهمي (¬1) ومثله: 1803 - ترحّل من أرض العراق مرقّش ... على طرب تهوي سراعا رواحله (¬2) ومثله: 1804 - فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلّا ليال قلائل (¬3) ومن تقديمه والفعل متأخر قول العرب: «شتّى تؤوب الحلبة» (¬4) أي: مفرّقين يرجع الحالبون. ومثله قول الشاعر: 1805 - سريعا يهون الصّعب عند أولي النّهى ... إذا برجاء صادق قابلوا اليأسا (¬5) وقد تقدّم الكلام على حال المجرور بإضافة بالنسبة إلى تقديمه على المضاف وعدمه، ولم يبيّن أي مضاف إليه يجيء الحال، وقد أشار إليه المصنف في آخر هذا الفصل بقوله: ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه إلا أن يكون المضاف جزأه أو كجزئه. وينبغي أن يعلم أولا: أنّ حقّ المجرور بالإضافة ألّا يكون صاحب حال كما لا يكون صاحب خبر؛ لأنّه مكمل للمضاف وواقع منه موقع التنوين، فإن كان المضاف بمعنى الفعل حسن جعل المضاف إليه صاحب حال نحو: «عرفت قيام زيد مسرعا وهو راكب الفرس عريان» وإلى هذين المثالين الإشارة بقوله: ولا يضاف غير عامل الحال إلى صاحبه؛ لأنه يعلم منه أنّ إضافة عامل الحال إلى صاحب الحال جائزة، وأنّ - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل، وقائله: طرفة بن العبد، يمدح قتادة بن مسلمة وهو في ديوانه (ص 88)، وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 750)، والهمع (1/ 241). وتهمي: تسيل. (¬2) البيت من الطويل، وقائله: طرفة بن العبد. وينظر: في ديوانه (ص 78) وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 750). (¬3) البيت من الطويل، وقائله: النابغة الذبياني في رثاء النعمان بن الحارث الغساني، وهو في ديوانه (ص 90)، وشرح المصنف (2/ 341)، والتذييل (3/ 751)، والتصريح (2/ 153) وأبو حجر: كنية النعمان. (¬4) هذا مثل يضرب في اختلاف الناس وتفرقهم، وأصله: أنهم كانوا يوردون إبلهم وهم مجتمعون، فإذا صدروا تفرقوا واشتغل كل واحد منهم بحلب ناقته، ثم يؤوب الأول فالأول. ينظر: مجمع الأمثال (2/ 150). (¬5) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 342)، والتذييل (3/ 758).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إضافة ما ليس عاملا في الحال إلى صاحبه غير جائزة إلا إن كان المضاف جزءا من المضاف إليه أو كجزء من المضاف إليه كما تضمنه كلامه (¬1)، فأمّا إضافة عامل الحال إلى صاحبه: فقد تقدّم تمثيله ومنه أيضا قوله تعالى: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً (¬2). ومثله قول الشاعر: 1806 - تقول ابنتي إنّ انطلاقك واحدا ... إلى الرّوع يوما تاركي لا أبا ليا (¬3) ومثال ما المضاف فيه جزء من المضاف إليه قوله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً (¬4)، ومثال ما هو فيه كجزء قوله تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (¬5) وإنما حسن جعل الذي أضيف إليه جزؤه أو كجزئه صاحب حال؛ لأنه قد يستغنى به عن المضاف، ألا ترى أنه لو قيل في الكلام: ونزعنا ما فيهم من غلّ إخوانا، واتبع إبراهيم حنيفا؛ لحسن، بخلاف الذي يضاف إليه ما ليس بمعنى الفعل، وما ليس جزءا ولا كجزء، فإنّه لا سبيل إلى جعله صاحب حال؛ لأنّه لو قلت: «ضربت غلام هند جالسة» أو نحو ذلك لم يجز بلا خلاف (¬6). وقد ذكر ابن عصفور وغيره أنّ (إخونا) منصوب على المدح، وأنّ (حنيفا) حال من ملّة على تأولها بـ (دين). وهذا بناء منهم على أنّ الحال لا تكون من المضاف إليه، إلّا إن كان المضاف عاملا فيه رفعا أو نصبا من حيث المعنى، وهو رأي - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 342). (¬2) سورة المائدة: 48. (¬3) البيت من الطويل، وقائله: مالك بن الريب التميمي وينظر: في شرح المصنف (2/ 342)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 326)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 193)، والأشموني (2/ 179). والشاهد: في «واحد»؛ حيث نصب على الحال من الكاف التي أضيف إليها الانطلاق؛ لأنه فاعل له. (¬4) سورة الحجر: 47. (¬5) سورة النحل: 123. (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 342)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 327) وقال أبو حيان: أجاز بعض البصريين مجيء الحال من المضاف إليه الصريح. ينظر: الارتشاف (2/ 348)، ومنهج السالك (ص 193) وفي الهمع (1/ 340). وجوّز بعض البصريين وصاحب البسيط مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا. وينظر: توضيح المقاصد للمرادي (2/ 151)، والتصريح (1/ 380). وقال ابن عقيل: وقول ابن المصنف - تبعا لأبيه - رحمهما الله: «إنّ هذه الصورة ممنوعة بلا خلاف» ليس بجيد، فإنّ مذهب الفارسي جوازها، وممن نقله عنه الشريف أبو السعادات ابن الشجري في أماليه. ينظر: شرح ابن عقيل (2/ 269)، وحاشية الداودي عليه (1/ 1080) والأمالي الشجرية (1/ 156، 157)، والأشموني (2/ 179).

[حكم تقديم الحال على عامله]

[حكم تقديم الحال على عامله] قال ابن مالك: (فصل: يجوز تقديم الحال على عاملها إن كان فعلا متصرّفا، أو صفة تشبهه، ولم يكن نعتا ولا صلة لـ «أل» أو حرف مصدريّ، ولا مصدرا مقدّرا بحرف مصدريّ، ولا مقرونا بلام الابتداء أو القسم. ويلزم تقديم عاملها إن كان فعلا غير متصرّف أو صلة لـ «أل» أو حرف مصدريّ، أو مصدرا مقدّرا بحرف مصدريّ، أو مقرونا بلام الابتداء أو القسم، أو جامدا ضمّن معنى مشتقّ، أو أفعل تفضيل، أو مفهم تشبيه. واغتفر توسيط ذي التّفضيل بين حالين غالبا. وقد يفعل ذلك بذي التّشبيه، فإن كان الجامد ظرفا أو حرف جرّ مسبوقا بمخبر عنه جاز على الأصحّ توسيط الحال بقوّة إن كانت ظرفا أو حرف جرّ، وبضعف إن كانت غير ذلك) (¬1). - الأكثرين (¬2). والذي اختاره المصنف سهل قريب، لا محذور فيه، وهو الظاهر من الآيات الكريمة فيتعين المصير إليه. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على تقديم الحال بالنسبة إلى صاحبه شرع في الكلام على التقديم بالنسبة إلى العامل في الحال. وكما انقسم التقديم على صاحب الحال إلى ثلاثة أقسام، كذلك انقسم التقديم على العامل إلى ثلاثة أيضا: قسم يجب فيه التقديم، وقسم يمتنع فيه ذلك، وقسم يجوز فيه الأمران، وقد ذكر المصنف قسمي الجائز والممتنع وأنا أشير إلى الأقسام الثلاثة، قسما قسما، مع مراعاة لفظ المصنف وترتيبه. القسم الأول: ما يجوز فيه الأمران، وهو إذا كان العامل فعلا متصرفا نحو: «أتيت مسرعا، وضربت اللصّ مكتوفا» أو صفة تشبه الفعل المتصرف تتضمن معنى الفعل وحروفه وقبول علامات الفرعية؛ لأنها في قوة الفعل، ويستوي في ذلك اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة، كقول الشاعر [3/ 72]: 1807 - لهنّك سمح ذا يسار ومعدما ... كما قد ألفت الحلم مرضى ومغضبا (¬3) - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 110). (¬2) انظر شرح المقرب لابن عصفور (المنصوبات - القسم الأول ص 633). (¬3) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 343)، وشرح الألفية -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: فلو قيل في الكلام: إنّك ذا يسار ومعدما سمح، لجاز؛ لأنّ (سمحا) عامل قوي بالنسبة إلى أفعل التفضيل، لما تقدّم (¬1). وقال الشيخ جمال الدين بن عمرون في شرح المفصل: ذكر بعضهم تقديم الحال على الصفة المشبّهة، وهو سهو؛ لأنّ الصفة لا يتقدّم معمولها عليها (¬2). ثم إنّه قد يعرض للعامل المذكور ما يمنع تقدم الحال عليه: وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: ولم يكن نعتا ... إلى قوله: ... ولا مقرونا بلام الابتداء أو القسم إلّا أنّ المصنف عدّ من جملة ذلك كون العامل مصدرا مقدّرا بحرف مصدري، ولم يدخل تحت قوله الأول (¬3) ليخرجه كما أخرج المذكورات معه، والحكم صحيح، إلّا أنّ هذا ليس موضعه، وتقدير كلام المصنف: ولم يكن العامل نعتا، ولا كذا ... ولا مصدرا مقدرا بحرف مصدري، ومثاله: «يعجبني ضرب اللصّ مكتوفا» فلا يجوز يعجبني مكتوفا ضرب اللصّ. فمن الموانع: وقوع العامل نعتا كقولك: «مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورا سرجها» فلا يجوز أن يقال: مررت برجل مكسورا سرجها ذاهبة فرسه. قال الشيخ: فعلى ما قرّره المصنف يمتنع في «مررت برجل مسرع ضاحكا»: مررت برجل ضاحكا مسرع، قال: وهذا وهم منه؛ لأنّ النحاة نصّوا على جواز تقديم معمول النعت عليه، من مفعول به وحال وظرف ومصدر ونحوها، وإنّما منعوا من تقديم المعمول (¬4) على المنعوت، فيجوز في «مررت برجل يركب الفرس مسرجا»: مررت برجل مسرجا يركب الفرس، ولا يجوز: مررت مسرجا برجل يركب الفرس. - ¬

_ - (ص 327)، والتذييل (3/ 762). لهنك: لغة في لأنك، وسمح: كريم. (¬1) أي: لتضمنه حروف الفعل ومعناه مع قبوله لعلامات التأنيث والتثنية والجمع. ينظر: شرح المصنف (2/ 343). (¬2) قال الشيخ خالد في التصريح (1/ 381): فإن قلت: معمول الصفة المشبهة لا يكون إلا سببيّا مؤخرا، فكيف جاز تقديمه وكونه غير سببي؟ قلت: المراد بالمعمول المذكور، ما عملها فيه بحق الشبه وأما عملها في الحال فيما فيها من معنى الفعل. اه. (¬3) يعني قوله: (يجوز تقديم الحال على عاملها إن كان فعلا متصرفا، أو صفة تشبهه ..). (¬4) قال الدماميني: «الممتنع إنما هو التقدم على المنعوت؛ لأنّ النعت لا يتقدمه فلا يتقدم معموله، ونصوص النحاة طافحة بذلك» أي: يتقدم معمول المنعوت. تعليق الفرائد (6/ 206).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وامتناع تقديم (مكسورا سرجها) ليس للذي ذكره، بل من حيث قدّم المضمر على مفسّره. انتهى (¬1). وفي كون هذه المسألة ممنوعة من جهة تقديم الضمير على مفسّره نظر؛ لأنّه وإن تقدّم عليه لفظا فهو مؤخر رتبة؛ لأنّ (مكسورا) حال من (فرسه) المرفوع بـ (ذاهبة) ورتبة صاحب الحال قبلها، فلم يتقدم الضمير إلّا على مفسّر مقدّم الرتبة وإن كان مؤخرا لفظا، وحينئذ يحصل الإشكال؛ لأنّ الشيخ سلم المنع في هذه الصورة وأسنده إلى شيء لم يثبت (¬2)، والظاهر دعوى الجواز في المثال المذكور إذ لا مانع منه (¬3)، فعلى هذه لا حاجة إلى الاحتراز بقوله: ولم يكن نعتا. ومن الموانع أيضا: وقوع العامل صلة لـ (أل) نحو: «أنت المصلي فذّا، أو أنا المعتكف صائما» أو لحرف مصدري، نحو: «لك أن تتنقل قاعدا» أو لاختصاص الحال بذلك، بل كل شيء يعلق بالعامل الواقع صلة لـ (أل) أو لحرف مصدري، حالا كان أو غير حال، ممتنع تقديمه عليه فلو كان العامل صلة لاسم غير (أل) لم يمتنع تقديم الحال عليه، كما لا يمتنع تقديم غيرها مثل قولك في «من الذي جاء مفاجئا»: من الذي مفاجئا جاء (¬4). ومنها: كون العامل مقرونا بلام الابتداء، نحو: «لأصبر محتسبا»، ولام القسم نحو: «لأقومنّ طائعا». واعلم أنّ معمول مصحوب الأدوات التي تقدم ذكرها من حال أو غيره قد يمتنع - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 762 - 763)، والارتشاف (2/ 350، 351)، والهمع (1/ 242). (¬2) وأنكر ابن هشام في المغني (ص 493) ما قاله أبو حيان في المثال المذكور من أنّ تقديم الحال هنا على عاملها وهو «ذاهبة» ممتنع؛ لأنّ فيه تقديم الضمير على مفسره، وقال: هذا غريب جدّا، فإن هذا المؤخر مقدم في الرتبة، ولا شك أنّه لو قدّم لكان كقولك: «غلامه ضرب زيد». ثم قال ابن هشام: ووقع لابن مالك سهو في هذا المثال من وجه غير هذا، وهو أنه منع من التقديم لكون العامل صفة، ولا خلاف في جواز تقديم معمول الصفة عليها بدون الموصوف. ويراجع الأشموني (2/ 182). (¬3) وفي التذييل (3/ 763) بعد كلام أبي حيان السابق: وقد نصّ النحويون على منع تقديم المضمر في هذه المسألة، وما أشبهها، وأنه مما يلزم فيه تأخير الحال؛ إذ ليس من المواضع التي يفسّر فيها المضمر ما بعده. اه. وينظر: الهمع (1/ 242)، وحاشية الصبان على الأشموني (2/ 182). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 343).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديمه مطلقا، أي: على الأداة، وعلى مصحوبها، كالمصاحب لـ (أل) وقد يمتنع تقديمه على الأداة مع جواز تقديمه على مصحوبها كالمقرون بلام الابتداء والقسم، كما تقول: لمحتسبا أصبر، ولطائعا أقومنّ. وأما المصاحب بحرف مصدري فكالمصاحب لـ (أل) عند المصنف (¬1)، ولابن عصفور فيه تفصيل، وهو أنّه إن كان الحرف المصدري عاملا امتنع التقديم، وإن كان غير عامل جاز تقديمه على مصحوبه دونه، نحو: عجبت ممّا ماشيا يجيء زيد، والأصل: مما يجيء زيد ماشيا وهذا التفصيل المذكور بالنسبة إلى الأدوات المذكورة لم يتعرض له المصنف بل حكم بمنع التقديم على العامل من غير تفصيل (¬2). القسم الثاني: ما يمتنع فيه التقديم، وليعلم أنّ الموجب لمنع التقديم أمران: أحدهما: يرجع إلى ذات العامل، والآخر: يرجع إلى أمر عارض له. والأول منحصر في خمسة أشياء: وهي كون العامل غير متصرف، أو مصدرا مقدرا بحرف مصدري، أو جامدا ضمّن معنى المشتق، أو أفعل التفضيل، أو مفهم تشبيه. وأمّا الأمر الآخر فمنحصر في ثلاثة: وهي الأمور التي أوردها المصنف في قسم الجائز، على أنّ عدمها شرط لجواز التقديم (¬3)، ككون العامل صلة إمّا للألف واللام أو لحرف مصدري أو مقرونا بلام الابتداء أو مقرونا بلام القسم. وإلى تفصيل صور الأمرين معا أشار المصنف بقوله: ويلزم تقديم عاملها إن كان فعلا غير متصرف ... إلى آخره. وإنّما فصل المصنف في الذكر من الفعل غير المتصرف ومن الجامد وما بعده وكان من حقّه أن يذكره مقرونا بتلك الأمور من جهة أنّ المنع فيها يرجع إلى العامل نفسه؛ لأنّ المصنف أراد أن يجري على بعض الشروط التي تقدّم له ذكرها في قسم الجائز فذكرها مرتبة ثم أتبعها غيرها وقد علمت أنّ صور هذا القسم ثمان، وتقدم تمثيل المصدر المقدر بحرف مصدري والعامل الواقع صلة لـ (ال) أو لحرف مصدري والعامل المقرون بلام الابتداء، والمقرون بلام القسم. - ¬

_ (¬1) في أنه يلزم تقديم العامل مطلقا. ينظر: شرح المصنف (2/ 343). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 763). (¬3) في المخطوط: التقدير، وهو تحريف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الفعل غير المتصرف فمثاله: «ما أنصرك مستنجدا» (¬1). وأما الجامد المضمّن معنى مشتق فإما أن يكون حرفا أو شبهه وسيذكران، وإما غيرهما، وذلك: أمّا، وحرف التنبيه والتمني [3/ 73] والترجي، واسم الإشارة، والاستفهام المقصود به التعظيم، والجنس المقصود به الكمال، والمشبّه به، هكذا أوردها المصنف من غير زيادة. وبسط الشيخ الكلام عليها (¬2)، فنقلت كلامه ملخصا ممزوجا بكلام غيره: أمّا (أمّا): فمثّلها بقولهم: «أمّا علما فعالم، وأمّا صديقا فأنت صديق» وهو غير واضح؛ لأنّ العامل ليس (أمّا) (¬3) وقد تقدّم الكلام على هذه المسألة. وأمّا حرف التنبيه واسم الإشارة: فنحو: «هذا زيد قائما» وقد أجازوا أن يكون العامل (ها)؛ لأنه بمعنى: أنبّه، وأن يكون العامل (ذا)؛ لأنه بمعنى: أشير، فنصب قائما بأحدهما، وهو حال من (زيد) في اللفظ، وفي المعنى من الضمير في أنبّه عليه، أو أشير إليه، والمختار أن يكون العامل اسم الإشارة لقربه، وإذا تقرر هذا علم امتناع «قائما هذا زيد» لتقدمه عليهما، وأمّا «ها قائما ذا زيد» فجائز إن كان العامل حرف التنبيه، لا إن كان العامل اسم الإشارة هذا مذهب الجمهور (¬4)، وهو جواز نسبة العمل إلى كل منهما. وذهب ابن أبي العافية إلى أنّ العامل اسم الإشارة ولا يجوز أن يكون حرف التنبيه، قال: لأنّ الحرف أتي به اختصارا واستغناء عن الفعل، فإعماله بما فيه من معنى الفعل تراجع عما اعترفوه من الاختصار (¬5). ويقوّي ما ذهب إليه أنّ همزة الاستفهام وحرف الاستثناء وما النافية لا يعمل شيء منها في الحال. وذهب السهيلي إلى أنّ العامل ليس شيئا منهما، وإنّما العامل (انظر) مقدرا دلّ عليه اسم الإشارة، فإذا قلت: «هذا زيد قائما» فكأنك قلت: انظر إليه قائما، - ¬

_ (¬1) لأن فعل التعجب غير متصرف في نفسه، فلا يتصرف في معموله بالتقديم عليه. (¬2) تحدث عنها أبو حيان في التذييل (3/ 765 - 783). (¬3) ونسبة العمل إلى «أما» مجاز، والعامل هو فعل الشرط المحذوف أو بالصفة التي بعد الفاء، كما سبق بيانه. (¬4) ينظر: الارتشاف (2/ 351)، والمغني (2/ 564). (¬5) ينظر: منهج السالك لأبي حيان (ص 197، 198)، والارتشاف (2/ 351).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنع تقديم الحال على شيء من أجزاء الجملة قال: لأنّ العامل المقدّر يشبه العامل المعنوي، واسم الإشارة هو الدّال عليه، فلم يجز التقديم (¬1). وقد ردّ مذهب السهيلي بأنه يلزم منه تقدير عامل لم يلفظ به قط، وأنّ الكلام يصير في تقدير جملتين، وظاهر الكلام أنه جملة واحدة وبأنه قد سمع التقديم على بعض أجزاء الجملة، وهو قد منعه، قال الشاعر: 1808 - أترضى بأنّا لم تجفّ دماؤنا ... وهذا عروسا باليمامة خالد (¬2) وعلى اسم الإشارة أيضا، قال الشاعر: 1809 - ها بيّنا ذا صريح النّصح فاصغ له ... وطع فطاعة مهد نصحه رشد (¬3) وفي هذا البيت الثاني ردّ على ابن أبي العافية فإنّه جعل اسم الإشارة عاملا، ولو كان عاملا لم يتقدم الحال عليه. وقال جمال الدين بن عمرون: قال السخاوي: إذا قلت: «هذا زيد قائما» إنما صحّ إذا كان المخاطب يعرف زيدا، ولا يجوز إذا أردت تعريف المخاطب بزيد؛ لأنّ معنى الكلام إذ ذاك: هذا زيد في حال قيامه دون حال قعوده، وذا محال فإذا كان المخاطب عرف زيدا كانت الفائدة في الحال، وإذا كان يجهله كانت في المعرفة به. وأما حرفا التمني والترجي (¬4): فهما «ليت، ولعلّ» وذكر المصنف (كأنّ) أيضا في الكافية (¬5)، فقال - بعد ذكر (تلك): كذلك ليت ولعل وكأنّ. فزاد التشبيه، وقد صرح بذكر الثلاثة صاحب المفصل (¬6) أيضا، وذلك نحو: ليت زيدا مقيما عندنا، ولعلّه، وكأنّك. - ¬

_ (¬1) ينظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 179) تحقيق عادل عبد الموجود، والسابقين. (¬2) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وينظر في: الأصول لابن السراج (1/ 153) وشرح السيرافي للكتاب (1/ 49) ط، وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 360) ويروى بنصب «عروس» على الحال، ورفعه على أنه خبر. (¬3) البيت من البسيط، ولم يعرف قائله، وينظر في: المغني (ص 564، 659)، وشرح التسهيل للمرادي (2/ 202)، والخضري على ابن عقيل (1/ 218). (¬4) في المخطوط: «حرف التمني والترجي». (¬5) ينظر: الكافية الشافية (2/ 751) مع شرحها. (¬6) ينظر: المفصل (ص 62).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ: الصحيح أنّ (ليت) و (لعلّ) وباقي الحروف لا تعمل في حال ولا في ظرف، ولا تتعلق بها حروف جرّ إلّا (كأنّ) وكاف التشبيه، قال النابغة: 1810 - كأنّه خارجا من جنب صفحته ... سفّود شرب نسوه عند مفتأد (¬1) ويدلّ على ذلك أنك لو قلت: «ليت زيدا اليوم ذاهب غدا» ونحوه، لم يجز ذلك بإجماع. قال: وعلل الفارسي منع ذلك في «الحلبيات» بأنّها في دلالتها على المعاني قصد بها غاية الإيجاز، فالألف يغني عن أستفهم، و (ما) عن أنفي و (إنّ) عن أؤكد، فلو أعملت في الظرف والحال ومكنت تمكين الفعل لكان نقضا لما قصدوه. قال: وهذا التعليل هو الذي أشار إليه ابن أبي العافية في منع عمل حرف التنبيه. انتهى (¬2). وقال جمال الدين بن عمرون: إن قيل: إنّ (ها) حرف فلم جاز أن يعمل في الحال، وكذا (يا) و (ليت) و (كأنّ) و (لعلّ) ولم يجز عمل ما في الحروف من معنى الفعل؛ لأنّ الحرف أتي به للاختصار ولذا لا تعمل همزة الاستفهام وحرف الاستثناء و (ما) النافية في الحال؟ نصّ عليه أبو علي في القصريات. قيل: إنّ (يا) نفس الفعل المعبّر عنه بـ (ناديت) و (ها) هي نفس الفعل المعبّر عنه بـ (نبّهت) وكذا (ليت) و (كأنّ) و (لعلّ) فلمّا كنّ نفس الفعل المعبر عنه بالفعل في (تمنّيت) و (شبّهت) و (ترجّيت) و (نبّهت) و (ناديت) صارت مشاهدتك الفعل دليلا على العبارة عنه، كما إذا رأيت من يضرب فتقول: زيدا، قامت مشاهدتك الفعل مقام لفظك بـ (اضرب) فلذا عملت بخلاف الهمزة في الاستفهام فليست المعبر عنه بـ (استفهمت)؛ لأن (استفهمت) عبارة عن طلب الفهم، فلو قال: افهم، لصحّ أن تقول: استفهم، فعلمت أنّ الهمزة في «أزيد - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وهو في التذييل (3/ 771)، واللسان (فأد) والسّفّود: حديدة ذات شعب معقّفة، يشوى بها اللحم. والمفتأد: موضع الوقود. (¬2) ينظر: هذا النقل في التذييل (3/ 771).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عندك؟» ليست المعبّر عنها بـ (استفهمت) وكذا حرف الاستثناء، فإن الاستثناء له حدّ، فالاستثناء عبارة عن المحدود بذلك، وكذا النفي ليس عبارة عمّا تحصل الفرق. انتهى. وفي كلامه (¬1) غموض، فليتأمله الواقف عليه، وفهم منه جواز إعمال (ليت) و (لعلّ) في الحال، كما أشار إليه المصنف. قال الشيخ: وكما فارقته [3/ 74] (كأنّ) وأخواتها فعملت في الظروف والحال فارقتها أيضا في وقوعها نعتا لنكرة، وحالا من معرفة وخبرا لـ (كان) وأخواتها. قال الشاعر: 1811 - فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السمّ ناقع (¬2) وأما الاستفهام المقصود به التعظيم فنحو قولهم: 1812 - يا جارتا ما أنت جاره (¬3) فـ (جارة) منصوب على الحال، والعامل فيها (ما) الاستفهامية بما تضمنته من معنى التعظيم، فكأنه قال: ما أعظمك جارة. قال الشيخ: وهذا تفسير معنى. وتفسير الإعراب؛ أي: عظيمة أنت في حال كونك جارة (¬4)، وهذا عجز بيت للأعشى، وصدره: 1813 - بانت لتحزننا عفاره وأجاز الفارسي أن تكون منصوبة على التمييز بدليل جواز دخول (من) عليه (¬5)، كما قال الآخر: - ¬

_ (¬1) أي: في كلام ابن عمرون. (¬2) البيت من الطويل، وقائله النابغة الذبياني وهو في ديوانه (ص 51) وسيبويه (2/ 89)، والتذييل (3/ 772). (¬3) صدر بيت من مجزوء الكامل للأعشى ميمون بن قيس، وسيأتي عجزه، وجعله بعضهم صدره. وينظر في ديوانه (ص 111) وكتاب الشعر للفارسي (1/ 222، 319) وشرح التسهيل للمصنف (2/ 344)، والأشموني (2/ 181). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 773)، والارتشاف (2/ 352). (¬5) ينظر: الإيضاح لأبي علي (ص 180، 181) تحقيق د/ كاظم المرجان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1814 - يا سيدا ما أنت من سيد (¬1) وقد ذكره في باب التمييز (¬2)، وسيأتي. وجوّز بعضهم في (ما) أن تكون نافية تميمية أو حجازية، والنفي على وجهين: أحدهما: ما أنت جارة لبينونتك عنّا. الثاني: ما أنت جارة بل أعظم من ذلك كقوله تعالى: ما هذا بَشَراً (¬3). وأمّا الجنس المقصود به الكمال: فنحو «أنت الرجل علما» وقد تقدّم الكلام عليه. وأمّا المشبّه به: فنحو: «هو زهير شعرا» وتقدّم الكلام عليه أيضا. ومقتضى كلام المصنف هنا أنّ العامل في الحال المشبّه به، ولهذا امتنع تقدّمها عليه، لكن قد تقدّم أنّ التقدير في ذلك: هو مثل زهير في حال شعر، وحينئذ لا يكون العامل المشبّه به، بل (مثل) المحذوفة، ويكون امتناع تقديم الحال من جهة أنّ العامل صفة لا تشبه الفعل المتصرف، وقد تقدّم استثناؤه، اللهمّ إلّا أن يلغى المحذوف، ويجعل الأول الثاني مجازا للمبالغة فتصحّ نسبة العمل إلى المشبّه به، ولعلّ ذلك مراد المصنف. وأمّا أفعل التفضيل: فنحو: «هو أكفأهم ناصرا» وكان حق أفعل التفضيل أن يجعل له مزيّة على الجوامد المتضمّنة معنى الفعل؛ لأنّ فيه ما فيهنّ من معنى الفعل، ويفوقهنّ بتضمن حروف الفعل ووزنه، ومشابهة أبنية المبالغة في اقتضاء زيادة المعنى وفيه من الضعف - لعدم قبول علامة التأنيث والتثنية والجمع - ما اقتضى انحطاطه عن درجة اسم الفاعل والصفة المشبّهة فجعل موافقا للجوامد إذا لم يتوسط بين حالين كالمثال المتقدم، وجعل موافقا للصفة المشبّهة إذا توسط نحو: «تمرنا بسرا أطيب منه رطبا» (¬4) وسيأتي الكلام عليه. - ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من السريع للسفاح بن بكير اليربوعي، وعجزه: موطأ الأكناف رحب الذراع وينظر: في الإيضاح للفارسي (181)، والتذييل (3/ 774)، والتصريح (1/ 399). (¬2) ينظر: في شرحه (2/ 380). (¬3) سورة يوسف: 31، وينظر: التذييل (3/ 774)، والارتشاف (2/ 352). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 344).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما مفهم التشبيه: فنحو: «زيد مثلك شجاعا، وليس مثلك جوادا». وكذا إذا حذف (مثل) وضمّن المشبّه به معناه كقولك: «زيد زهير شعرا» و «أبو يوسف أبو حنيفة فقها» ومنه: 1815 - فإنّي اللّيث مرهوبا حماه ... وعيدي زاجر دون افتراس (¬1) هكذا ذكره المصنف، وقد يقال: إذا ذكرت (مثل) فالمانع من التقديم كون العامل صفة لا تشبه الفعل المتصرّف، لا كونه أفهم التشبيه وإن اتفق أنّه كذلك إذا لم تذكر (مثل)؛ لأنّها مراده، ومع ذلك فقد فهم هذا الحكم من قوله أولا عند تعديد أقسام الجامد المضمّن معنى مشتق: والمشبّه به، ومثّله بنحو: «زهير شعرا» فلا فائدة إذا لقوله: أو مفهم تشبيه. وأمّا الظرف وشبهه: فنحو: «زيد عندك مقيما، وعمرو في الدار قائما» وفي تقديم الحال على العامل هنا خلاف: مذهب سيبويه: المنع مطلقا، أي: صريحة كانت الحال أو غير صريحة (¬2). ومذهب الأخفش والكسائي والفراء: الجواز مطلقا (¬3). والمذهب الثالث، ونسبه الشيخ إلى ابن برهان: التفصيل بين أن يكون الحال ظرفا أو شبهه فيصح التقديم، أو غير ذلك فيمتنع (¬4). والخلاف المذكور جار فيما إذا تقدّمت الحال على عاملها المذكور فقط دون المسند إليه نحو: «زيد قائما عندك، أو في الدار» أمّا إذا تقدّمت عليهما فهي ممتنعة بلا خلاف نحو: «قائما زيد في الدار» (¬5)؛ ولهذا قال المصنف: مسبوقا بمخبر عنه فجعل السبق قيدا في الجواز. - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 345)، والتذييل (3/ 777)، وشرح المرادي (2/ 203). (¬2) ينظر: التذييل (3/ 785)، ومنهج السالك (ص 199). (¬3) ينظر: الارتشاف (2/ 355)، والتصريح (1/ 385). (¬4) ينظر: الارتشاف (2/ 355، 356). (¬5) ينظر: شرح الكافية الشافية (2/ 753)، والارتشاف (2/ 356)، والداودي على ابن عقيل (1/ 1086).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومستند سيبويه: أنّ العامل معنوي فلا يقوى في تقدّم معموله عليه وإذا منعوا أن يتقدم معمول الفعل غير المتصرّف فمعمول المعنى أحرى بالمنع. واستدلّ الأخفش ومن وافقه بقراءة بعض السلف: والسماوات مطويات بيمينه (¬1)، وبقول ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -: نزلت هذه الآية ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم متواريا بمكة (¬2). وبقول الشاعر: 1816 - بنا عاذ عوف وهو بادئ ذلّة ... لديكم فلم يعدم ولاء ولا نصرا (¬3) وبقول النابغة: 1817 - رهط ابن كوز محقبي أدراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار (¬4) وبقول الآخر أنشده الفارسي: 1818 - أبنو كليب في الفخار كدارم ... أم هل أبوك مدعدعا كعقال (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة الزمر: 67، والقراءة بنصب (مطويات) على الحال لعيسى بن عمر كما في شواذ ابن خالويه (ص 131)، والحسن البصري كما في معاني الفراء (2/ 425). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 346)، وروايته في مسند ابن حنبل (1/ 23) برفع (متوار) وفي صحيح البخاري كتاب التوحيد (9/ 153): ... مختف بمكة. (¬3) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح الألفية لابن الناظم (ص 330)، والتصريح (1/ 385)، والأشموني (2/ 182) وعوف: اسم رجل، وبادئ: من البدء وهو الظهور. والشاهد: في «بادئ ذلّة»؛ حيث قدم الحال وهو «بادئ» على صاحبها وهو الضمير في «لديكم» وقال: المانع بأن البيت ضرورة. (¬4) البيت من قصيدة من الكامل للنابغة الذبياني يخاطب بها زرعة بن عمرو وينظر: في ديوانه (ص 99)، وشرح المصنف (2/ 346)، وشرح الكافية الشافية (2/ 733) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 329)، والأشموني (2/ 181). ورهط الرجل: قومه، ما دون العشرة من الرجال، ومحقبي: من أحقب زاده خلفه، إذا جعله وراءه حقيبة، والأدراع: جمع درع، ويريد الحديد. والشاهد: في قوله: «محقبي أدراعهم»؛ حيث وقع حالا من «فيهم» وتأوله المانع بأنه ضرورة. (¬5) البيت من الكامل من قصيدة طويلة للفرزدق في هجاء جرير وقبيلته بني كليب وفيها يمدح قومه من تميم قائلا في مطلعها: الضاربون إذا الكتيبة أحجمت ... والنازلون غداة كل نزال المدعدع: الذي يسير أمام الغنم والماعز يصوت لهم ليتبعوه، عقال: من أجداد الفرزدق. والمعنى: لا يستوي القبيلتان: دارم وكليب. والبيت في الديوان (2/ 217) (طبعة دار الكتاب العربي).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقول الآخر: 1819 - ونحن منعنا البحر أن تشربوا به ... وقد كان منكم ماؤه بمكان (¬1) وقد تأوّل المانع ذلك كله بما يقرب تأويله وما يبعد، واختار المصنف جواز التقديم، غير أنّه جعله قويّا إن كانت الحال ظرفا أو شبهه، وضعيفا إن كانت غير ذلك، فقال: ويضعف [3/ 75] القياس على الصريحة لضعف العامل وظهور العمل ... ولا يضعف القياس على تقديم غير الصريحة لشبه الحال فيه بخبر (إنّ) إذا كان ظرفا، فكما استحسن القياس على «إنّ عندك زيدا» لكون الخبر (¬2) فيه بلفظ الظرف الملغى، ولتوسعهم في الظروف بما لا يتوسع في غيرها بمثله كذا يستحسن القياس على: وقد كان منكم ماؤه بمكان انتهى (¬3). ولا يظهر لي أنّ قول الشاعر: «وقد كان منكم ماؤه بمكان» مما نحن بصدده؛ لأنّ «منكم» المحكوم بحاليته قد تقدم على العامل المعنوي وعلى المخبر عنه معا، وقد تقدّم أنّ من شرط الجواز ألّا يتقدم على المخبر عنه، وإنّما يحسن الاستشهاد بقول الآخر: 1820 - فقلت له لمّا تكشّر ضاحكا ... وقائم سيفي من يدي بمكان (¬4) أي: وقائم سيفي كائنا من يدي بمكان. ثم قال المصنف (¬5): ولا يجري مجرى العامل الظرفي غيره من العوامل المعنوية - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله ابن مقبل العجلاني وينظر في: شرح المصنف (2/ 246)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 330) والتذييل (3/ 785)، والمساعد (2/ 31)، والأشباه والنظائر (4/ 94). والشاهد فيه: تقدم «منكم»؛ حيث وقع حالا مقدما على عامله وهو الجار والمجرور «بمكان» وأصل الكلام وقد كان ماؤه بمكان منكم. (¬2) في المخطوط: «لكون الظرف» وما أثبته من كلام المصنف. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 346). (¬4) البيت من الطويل وهو للفرزدق من قصيدة طويلة في المدح بدأها بحوار مع ذئب لقبه وبعد بيت الشاهد قوله: تعش فإن واثقتني لا تخونني ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان وشاهده: قوله: «وقائم سيفي من يدي بمكان»؛ حيث تقدم الحال الظرف «من يدي» على الخبر «بمكان» ولم يتقدم على المخبر عنه «وقائم سيفي» وانظر البيت في: الديوان (2/ 400) (دار الكتاب العربي). (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 347).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باتفاق؛ لأنّ في العامل الظرفي ما ليس في غيره من كون الفعل الذي ضمّن معناه في حكم المنطوق به، لصلاحية أن يجمع بينه وبين الظرف دون استقباح بخلاف غيره فإنه لازم التضمّن غير صالح للجمع بينه وبين [لفظ] (¬1) ما تضمّن معناه، فلهذا اختص العامل الظرفي بجواز (¬2) تقديم الحال عليه دون غيره من العوامل المعنوية. وأجاز الأخفش أيضا في الجملة الحالية المقرونة بالواو إذا كان العامل ظرفا ما أجاز في غيرها، فاستحسن أن يقال: «زيد وماله كثير في البصرة» (¬3). القسم الثالث: ما يجب فيه تقديم الحال على عاملها وهو الذي لم يتعرض إليه المصنف، وذلك إذا كان الحال اسم استفهام نحو: «كيف جاء زيد؟ وكيف كلّمت عمرا؟» (¬4). ولنرجع إلى الكلام على أفعل التفضيل إذا توسط بين حالين: وذلك قولك: «هذا بسرا أطيب منه رطبا» وهذا المثال هو كالعلم على هذه المسألة، وقد اختلف في ذلك؛ فقيل: العامل في (بسرا) اسم الإشارة. وقيل: حرف التنبيه. والعامل في (رطبا) (أطيب) على القولين. وقيل: العامل فيهما (كان) التامة، أي: هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان رطبا. وقيل: العامل (كان) الناقصة، فـ (بسرا) خبر لها، وكذا (رطبا). فعلى الأقوال الثلاثة الأول لم يتقدم الحال على عاملها المعنوي ولا غيره، وعلى القول الرابع ليس في المسألة حال. وقيل: العامل فيهما معا أفعل التفضيل (¬5)، وهو (أطيب) وإياه قصد المصنف (¬6). أمّا القول الأول؛ فنسب إلى جماعة منهم الفارسي في أحد قوليه وقد ضعف من وجوه: أحدها: أنّهم متفقون على جواز «زيد قائما أحسن منه قاعدا وتمر نخلتنا بسرا - ¬

_ (¬1) زيادة من شرح المصنف. (¬2) لفظة «بجواز» مكررة في المخطوط سهوا. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 347). (¬4) ينظر: الأشموني (2/ 182). (¬5) ينظر: هذه الأقوال في: الارتشاف (2/ 353). (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 344).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أطيب منه رطبا» ولا إشارة، والمعنى في الصورة واحد. الثاني: لو كان العامل (هذا) لوجب أن يكون في حال الخبر عنه بسرا؛ لأنه حال من المشار إليه، ولا شك في أنه يجوز أن يكون على غير ذلك بدليل قولك له وهو رطب أو تمر: «هذا بسرا أطيب منه رطبا». الثالث: لو كان العامل (هذا) لوجب أن يكون الخبر عن الذات مطلقا؛ لأنّ تقييد المشار إليه باعتبار الإشارة لا يوجب تقييد الخبر بدليل قولك: «هذا قائما» أي: وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون الخبر بـ (أطيب) وقع عن المشار مطلقا فكأنك قلت: «هذا أطيب منه رطبا» إذ وجود الحال وعدمها - إذا كان العامل الإشارة باعتبار الخبر - على السواء، وإذا كان كذلك فسد المعنى؛ لأنّك فضّلت شيئا على نفسه من غير تقييد له فحصل به الأفضلية. وما أبطل به عمل اسم الإشارة يبطل ببعضه عمل حرف التنبيه. وأما القول الثالث؛ فنسب إلى سيبويه، وهو ظاهر كلامه، فإنه قال - بعد تمثيله بـ «هذا بسرا أطيب منه رطبا» -: فإن شئت جعلته حينا قد مضى نحو: إذ كان .. ، وإن شئت جعلته مستقبلا نحو: إذا كان ... وإنما قال الناس: هذا منصوب على إضمار (إذا كان) فيما يستقبل، و (إذا كان) فيما مضى؛ لأنّ هذا لمّا كان ذا معناه أشبه عندهم أن ينتصب على إذ كان وإذا كان. انتهى (¬1). وعلى ذلك حمل السيرافي كلام سيبويه (¬2) وأعمل في الظرفين (أطيب)؛ لأنّه بمعنى فعل ومصدر، ومعناه يريد طيبه، فجاز أن يعمل فيهما، وهذا التقدير المذكور إنّما يتّجه إذا كانت الإشارة إليه في غير حال كونه بسرا، فإن أشير إليه وهو تمر قدّر (إذ كان) أمّا إذا أشير إليه وهو بسر فلا يصح تقدير (إذ كان) ولا (إذا كان) وقد بطل أن يكون العامل اسم الإشارة فينبغي أن يكون العامل (أطيب) وإذا صحّ - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 400)، وشرح التسهيل (2/ 344 - 345). (¬2) وعبارة السيرافي: فإذا قلت هذا بسرا أطيب منه تمرا وكانت الإشارة إليه في حال ما هو تمر أو رطب، فالتفضيل لما مضى والتقدير: هذا إذا كان بسرا أطيب منه إذا كان تمرا، فـ «هذا» مبتدأ، وخبره «أطيب منه» و «بسرا» و «تمرا» حال من المشار إليه في زمانين، والعامل في الحال «كان» وفي «كان» ضمير من المبتدأ. شرح الكتاب (3/ 606) تحقيق: محمد حسن يوسف (رسالة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل (أطيب) في صورة أمكن عمله في بقية الصور، فرجح اختيار المصنف على هذا، وسيأتي. وأما القول الرابع؛ وهو أنّ (بسرا) و (رطبا) خبران لـ (كان) الناقصة، فقد ذكره ابن عصفور (¬1) وهو مخالف لنصّ الجمهور على الحالية. وأما القول الخامس: وهو أنّ العامل فيهما أفعل التفضيل فهو مختار جماعة منهم المصنف (¬2)، والحال الأولى من الضمير في (أطيب) والثانية من الضمير المجرور بـ (من) وجاز عمل أفعل التفضيل في حالين للعلة التي جاز لها عمله في ظرفين فإنّ لـ (أطيب) جهتين؛ لأنّ معناه: زاد طيبه، فعمل في (بسرا) باعتبار (زاد) وعمل في (رطبا) باعتبار الطيب. قال المصنف - فور ذكر كلام سيبويه المتقدم -: فهذا نصّ منه على أنّ تقدير (كان) لم تدع إليه [3/ 76] حاجة من قبل العمل، بل من قبيل تقريب المعنى، والعامل إنّما هو أفعل، وقد تقدّم دليل ذلك (¬3). ثم قال: وغير السيرافي من الشارحين للكتاب مخالفون للسيرافي ذاهبون إلى ما ذهبت إليه (¬4). ثم قال: قال أبو علي في التذكرة: «مررت برجل خير ما تكون خير منك» وصحح أبو الفتح قول أبي علي في ذلك. وقال أبو الحسن بن كيسان: تقول: «زيد قائما أحسن منه قاعدا» والمراد: يزيد حسنه في قيامه على حسنه في قعوده، فلما وقع التفضيل في شيء على شيء وضع كل واحد منهما في الموضع الذي يدل فيه على الزيادة ولم يجمع بينهما. ومثل هذا أن تقول: «حمل نخلتنا بسرا أطيب منه رطبا». انتهى (¬5). ولنعلم أنّ أفعل التفضيل المتوسط بين حالين لا يتعين كونه خبرا لمبتدأ، بل قد يقع صفة نحو: «مررت برجل خير ما يكون خير منك خير ما تكون» وقد يقع حالا - ¬

_ (¬1) ينظر: هذا القول في الارتشاف (2/ 353). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 344). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 345). (¬4)، (¬5) السابق نفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: «مررت بزيد أصلح ما يكون أصلح منك أصلح ما تكون». وقال ابن عصفور - في شرح الإيضاح (¬1) -: اعلم أن نصب الاسمين لا يجوز إلّا في ثلاثة أماكن: أحدها: أن يكون للشيء انتقالان لصحتهما صفة، تلك الصفة أقوى بالنظر إلى أحدهما منها بالنظر إلى الآخر، وذلك نحو: «هذا بسرا أطيب منه رطبا» وهذا مائحا أقوى منه راعيا. والآخر: أن يكون الشيء الواحد يعتوره صفتان، وتلك الصفتان لصحتهما صفة هي في أحدهما أكثر منها في الأخرى أو أقل وذلك نحو قولك: «زيد قاعدا أخطب منه قائما، وزيد فارسا أقل مضاء منه راجلا». والآخر: أن يشترك شيئان في صفة واحدة وتلك الصفة لأحدهما في حال من أحواله أكثر منها للآخر في حال من أحواله أو أقل، وذلك نحو قولك: زيد راجلا أمضى من عمرو فارسا، وزيد فارسا أمضى من عمرو فارسا، وزيد فارسا أقل مضاء من عمرو راجلا» وما عدا ذلك لا يجوز فيه نصب الاسمين بل رفعهما وذلك إذا اشترك الشيئان في صفة واحدة هي لأحدهما أكثر منها للآخر على كلّ حال، وذلك قولهم: «هذا بسر أطيب منه عنب» فـ (بسر) خبر (هذا) و (أطيب) مبتدأ و (عنب) خبره، والجملة في موضع الصفة لـ (بسر) ويجوز أن يكون (أطيب) خبرا مقدما و (عنب) مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة لعمومها. انتهى. وقال ابن عصفور - في الشرح أيضا -: وزعم الزجاج أنّ السبب في أن لم تقدّم الحالان فيقال: «هذا بسرا رطبا أطيب منه» أو يؤخّرا فيقال: «هذا أطيب منه بسرا رطبا» أنّهم أرادوا أن يفصلوا بين المفضّل والمفضّل عليه، لئلّا يقع الإلباس بينهما. وهذا التعليل حسن إلّا أنه لا مانع عندي (¬2) من أن يقال: «هذا أطيب بسرا منه رطبا» على أن يكون بسرا حالا من الضمير المستتر في (أطيب) و (رطبا) حال - ¬

_ (¬1) من الكتب المفقودة لابن عصفور وقد صورت منه بعض الصفحات (من أول الكتاب) من تركيا وكنت أظنه كاملا قبل التصوير ولناظر الجيش وغيره بعض النقول من هذا الكتاب وهذا النقل طويل مفيد. (¬2) هذا كله كلام ابن عصفور في شرح إيضاح أبي علي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الضمير المجرور بـ (من)؛ لأنّ تقدّم إحدى الحالين على (من) وتأخر الأخرى عنها فاصل بين المفضّل والمفضّل عليه؛ إذ لا يكون بعد (من) إلا المفضول. انتهى. ولم يذكر المصنف في الشرح ما احترز عنه بـ (غالبا) في قوله: واغتفر توسيط ذي التفضيل بين حالين غالبا. ويحتمل أنّ في غير الغالب قد يقدّم الحالان أو يؤخران، لكن قد علمت من كلام الزجاج أن تقديمهما وتأخيرهما غير جائز لعدم السماع، إلا أنّ ابن عصفور أجاز تأخيرهما بالشرط الذي تقدم ذكره، فيمكن صرف غير الغالب في كلام المصنف إلى ذلك. والله تعالى أعلم. وقول المصنف: وقد يفعل ذلك بذي التشبيه أي: يتوسط بين حالين فيعمل في أحدهما متقدّما وفي الآخر متأخرا كأفعل التفضيل وأنشد المصنف شاهدا على ذلك: 1821 - أنا فذّا كهم جميعا فإن أم ... دد أبدهم ولات حين بقاء (¬1) وأنشد أيضا: 1822 - تعيّرنا أنّنا عالة ... ونحن صعاليك أنتم ملوكا (¬2) قال: أراد ونحن في حال تصعلكنا مثلكم في حال ملككم، فحذف (مثلا) وأقام المضاف إليه مقامه مضمنا معناه، وأعمله بما فيه من معنى التشبيه (¬3). ومراد المصنف بقوله: وقد يفعل ذلك (¬4) أنّه إذا عمل في حالين جاز تقديم أحدهما وتأخير الأخرى كما كان ذلك مع أفعل التفضيل وإلى هذا أشار بقوله: ذلك فلا يرد عليه ما ناقشه الشيخ (¬5). - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 345)، والتذييل (3/ 782)، والارتشاف (2/ 354)، وتعليق الفرائد (6/ 214). وفذّا: فردا. (¬2) البيت من المتقارب، ولم يعرف قائله، ونسب للنابغة في شرح شواهده المغني (6/ 329)، وينظر: في شرح المصنف (2/ 346)، وتعليق الفرائد (6/ 214) والمغني (439)، والارتشاف (2/ 354). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 346). (¬4) ينظر: تسهيل الفوائد (ص 111). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 783) وقد ذكر الشيخ أبو حيان كلام المصنف السابق، ثم قال: وفيه مناقشتان: إحداهما: قوله: (وقد يفعل ذلك بذي التشبيه) فدلّ على أنه يقع ذلك قليلا، وهذا التركيب الذي ذكره لا يمكن فيه إلّا ذلك، ولا يجوز تقديمهما، ولا تأخيرهما، فما كان هكذا لا يقال فيه: (وقد ..) لأنه يشعر بالقلّة، وأنّ الكثير غيره، وذلك أن الذي يظنّ أنه كثير لا يقع البتة، لا يجوز «زيد -

[مسألتان بين الحالية والخبرية]

[مسألتان بين الحالية والخبرية] قال ابن مالك: (ولا تلزم الحاليّة في نحو: «فيها زيد قائما فيها» بل تترجّح على الخبريّة، وتلزم هي في نحو: «فيك زيد راغب» خلافا للكوفيين في المسألتين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشيخ: وما ذهب إليه المصنف من أنّ أداة التشبيه تعمل في حالين، تتقدّم إحداهما عليها، وكذلك الضمير لقيامه مقام الأداة لا يصحّ؛ لأنها ليست كأفعل التفضيل، فإنه ناب مناب عاملين، وأداة التشبيه ليست كذلك، ولأنّ تقديم الحال على أداة التشبيه غير جائز، ولأنّ إعمال الضمير لا يجوز فالصحيح أن ينتصب (فذّا) و (صعاليك) على إضمار (إذا كان) كأنّه قال: أنا إذا كنت فذّا لهم جميعا، ونحن إذا كنّا صعاليك (¬1). انتهى وفي بعض كلامه نظر. قال ناظر الجيش: إذا وجد اسم مخبر عنه مع ظرف أو جار ومجرور وقد صحبهما اسم آخر فقد [3/ 77] يحسن السكوت على المخبر عنه مع الظرف أو المجرور - أي: تتم بهما الفائدة - وقد لا يحسن - أي: لا تتم الفائدة بهما - فهاتان مسألتان: أما الأولى فلها ثلاث صور: إحداها: أن لا يتكرر الظرف ولا المجرور ولا المخبر عنه. الثانية: أن يتكرر أحدهما دون المخبر عنه. الثالثة: أن يتكرر أحدهما والمخبر عنه. أما الصورة الأولى: فيجوز فيها جعل ذلك الاسم المصاحب المخبر عنه والظرف - ¬

_ - فقيرا غنيّا مثلك» ولا «زيد مثلك فقيرا غنيّا». والمناقشة الثانية: أنه أشار بقوله: (ذلك) من قول: (وقد يفعل ذلك) إلى اغتفار التوسط في أفعل التفضيل بقوله: (غالبا) وهذا لا يمكن تقييده ذلك بقوله: (غالبا) لأمرين: أحدهما: قوله: (وقد يفعل)؛ لأنّ (غالبا) مشعرة بالكثرة، (وقد يفعل) مشعرة بالقلة، فتدافعا. والأمر الآخر: أنه قد أمكن إبراز صورة ما في أفعل التفضيل على ما ذكره بعض أصحابنا مخالفة للغالب، وهما «هذا بسرا أطيب منه رطبا» وهنا لا يمكن ذلك البتة؛ لأنّ أداة التشبيه لا يمكن أن يفصل بينها وبين مجرورها بحال. اه. (¬1) ينظر: التذييل (3/ 783)، والارتشاف (2/ 355).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خبرا، وحالا بلا خلاف نحو: «في الدار زيد قائم وقائما» فمع النصب يتعين الظرف للخبرية، ومع الرفع جاز كونه خبرا عند من يرى جواز تعدد الخبر، وجاز كونه في محل نصب متعلقا بذلك الاسم الواقع خبرا، وظاهر كلام سيبويه (¬1) حمله على الثاني؛ لأنه [كما] (¬2) قال الشيخ: إن قدمت الظرف في هذه الصورة على المخبر عنه كان النصب في الاسم الثالث مختارا عند سيبويه، نحو: «في الدار زيد قائما» لئلا يلغى الظرف متقدما، وإن أخرته عن المخبر عنه كان الرفع هو المختار عنده (¬3). قال: وقال أبو العباس: التقديم والتأخير في هذا واحد (¬4). انتهى (¬5). وكأنّ أبا العباس يسوّى بين النصب والرفع، قدّم الظرف أو أخّر. وأمّا الصورة الثانية (¬6): وهي التي أشار إليها المصنف في شرح (¬7) الكتاب فيجوز فيها الوجهان أيضا، ويحكم برجحان النصب لنزول القرآن العزيز به، كقوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها (¬8) وكقوله تعالى: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها (¬9). وادّعى الكوفيون أنّ النصب في مثل هذا لازم؛ لأنّ القرآن نزل به لا بالرفع (¬10). والجواب: أنّ هذا لا يدلّ على أنّ الرفع لا يجوز، بل يدلّ على أنّ النصب - ¬

_ (¬1) ينظر: كتاب سيبويه (2/ 90)، وعبارته: ... وإنما تجعل «فيها» إذا رفعت «القائم» مستقرّا للقيام وموضعا له. وينظر: المقتضب (4/ 167). (¬2) زيادة لحاجة السياق. (¬3) ينظر: كتاب سيبويه (2/ 88 - 91) وفيه قال: هذا باب ما ينتصب فيه الخبر؛ لأنه خبر لمعروف يرتفع على الابتداء، قدمته أو أخرته، وذلك قولك: فيها عبد الله قائما، وعبد الله فيها قائما» ... إلخ. ومن يقرأ كلام سيبويه يرى أنه يسوّي بين النصب والرفع قدم الظرف أو أخر كما ذهب أبو العباس المبرد، وما قاله المؤلف هنا تابع فيه لأبي حيان. يراجع التذييل (3/ 788)، والارتشاف (2/ 356). (¬4) هذا مفاد كلام المبرد ويراجع في المقتضب (2/ 256 - 257)، (4/ 132، 166، 167). (¬5) انتهى كلام أبي حيان وينظر: في التذييل (3/ 788، 789). (¬6) وهي أن يتكرر الظرف أو حرف الجر دون المخبر عنه. (¬7) في المخطوط: «في متن الكتاب» والصواب ما أثبته. (¬8) سورة هود: 108. (¬9) سورة الحشر: 17. (¬10) ينظر: شرح المصنف (2/ 347).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجود منه (¬1). ولا فرق في اختيار النصب هنا بين أن يتأخر الظرف عن الاسم كما في الآيتين الكريمتين أو يتقدّم على الاسم نحو: «في الدار زيد قائما فيها». وأما الصورة الثالثة: فهي كالصورة الثانية في جواز الوجهين لكن الرفع راجح فيها على النصب لنزول القرآن العزيز به كقوله تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (¬2). وأما المسألة الثانية: وهي أن يكون الظرف أو حرف الجر فيها غير مستغنى به فيتعين جعل الاسم المصاحب فيها خبرا، وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: وتلزم هي ... إلى آخره؛ أي: الخبرية وسواء تكرر الظرف نحو: «فيك زيد راغب فيك» أو لم يتكرر نحو: «فيك زيد راغب» وأجاز الكوفيون نصب «راغب» وشبهه على الحال (¬3)، وأنشدوا: 1823 - فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها ... أخاك مصاب القلب جمّا بلابله (¬4) قال المصنف: والرواية المشهورة: «مصاب القلب جمّ» بالرفع، على أنّا لا نمنع رواية النصب، بل نجوّزها على أن يكون التقدير: فإنّ بحبّها أخاك شغف أو فتن، فإنّ ذكر الباء داخلة على الحب يدلّ على معنى شغف أو فتن، كما أنّ ذكر (في) داخلة على زمان أو مكان يدلّ على معنى استقرّ، وليس كذلك ذكر (في) داخلة على الكاف كقولك: «فيك زيد راغب» فلا يلزم من جواز نصب «مصاب القلب جمّا» الحكم بجواز نصب (راغب) ونحوه (¬5). وقد علمت من هذا معنى قول المصنف: خلافا للكوفيين في المسألتين يعني أنّهم يوجبون الحالية في المسألة الأولى، ويجوزونها في المسألة الثانية. ¬

_ (¬1) السابق نفسه. (¬2) سورة آل عمران: 107، وينظر: شرح المصنف (2/ 347). (¬3) ينظر: السابق والارتشاف (2/ 357). (¬4) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وينظر: في الكتاب (2/ 133)، وشرح المصنف (2/ 348)، والأشموني (1/ 272). فلا تلحني: فلا تلمني، بلابله: همومه ووساوسه. (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 348).

[تعدد الحال]

[تعدد الحال] قال ابن مالك: (فصل: يجوز اتّحاد عامل الحال مع تعدّدها واتّحاد صاحبها أو تعدّده بجمع وتفريق، ولا تكون لغير الأقرب إلّا لمانع وإفرادها بعد «إمّا» ممنوع، وبعد «لا» نادر). قال ناظر الجيش: إذا اتحد عامل الحال فقد تتعدد هي، وصاحبها واحد، وقد تتعدد لتعدد صاحبها، وحينئذ إما أن يمكن جمعها فتجمع، أو لا يمكن فتفرق، وعلى التقديرين قد يتفق إعراب صاحبها المتعدد وقد يختلف، وإذا أتي بها متفرقة جاز أن يلي كل حال صاحبها، وجاز أن يتأخر الحالان عن صاحبيهما فمثال تعدد الحال وصاحبها غير متعدد «جاء زيد مسرعا ضاحكا» وفي جواز تعدّدها مع اتحاد صاحبها خلاف: منع ذلك قوم (¬1) وأجازه آخرون. قال المصنف (¬2): قد تقدّم أنّ للحال شبها بالخبر وشبها بالنعت فكما جاز أن يكون للمبتدإ الواحد والمنعوت الواحد خبران فصاعدا ونعتان فصاعدا فكذلك يجوز أن يكون للاسم الواحد حالان فصاعدا، فيقال: جاء زيد راكبا مفارقا عامرا مصاحبا عمرا» كما يقال في الأخبار: «زيد راكب مفارق عامرا (¬3) مصاحب عمرا» وفي النعت «مررت برجل راكب مفارق زيدا مصاحب عمرا» وزعم ابن عصفور أنّ فعلا واحدا لا ينصب أكثر من حال واحد لصاحب واحد قياسا على الظرف، وقال: كما لا يقال: «قمت يوم الخميس يوم الجمعة» كذا لا يقال: «جاء زيد ضاحكا مسرعا» واستثنى الحال المنصوب بأفعل التفضيل، نحو: «زيد راكبا أحسن منه ماشيا» قال: فجاز هذا كما جاز في الظرف «زيد اليوم أفضل منه غدا، وزيد خلفك أسرع منه أمامك». ثم قال: وصحّ ذلك في أفعل التفضيل؛ لأنه قام مقام فعلين، ألا ترى أنّ معنى قولك: «زيد اليوم أفضل منه غدا»: زيد يزيد فضله اليوم على فضله غدا (¬4). قلت: تنظير ابن عصفور «جاء زيد ضاحكا مسرعا» بـ «قمت يوم الخميس يوم الجمعة» لا يليق بفضله، ولا يقبل من مثله؛ لأنّ وقوع قيام واحد في يوم الخميس - ¬

_ (¬1) منهم أبو علي الفارسي وابن عصفور، كما سيأتي. (¬2) شرح التسهيل (2/ 348). (¬3) في المخطوط: «مفارق زيد» وهو سهو. (¬4) ينظر: المقرب (1/ 155)، والداودي على ابن عقيل (1/ 1089).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويوم الجمعة محال، ووقوع مجيء واحد في حال ضحك وحال إسراع غير محال [3/ 78]، وإنّما نظير «قمت يوم الخميس يوم الجمعة» «جاء زيد ضاحكا باكيا»؛ لأنّ وقوع مجيء واحد في حال ضحك وحال بكاء محال، كما أنّ وقوع قيام واحد في يوم الخميس ويوم الجمعة محال ولكن المشرفي قد ينبو واللاحقي قد يكبو، على أنه يجوز أن يقال: «جاء زيد ضاحكا باكيا» إذا قصد أن بعض مجيئه في حال ضحك وبعضه في حال بكاء. انتهى (¬1). وقال جمال الدين بن عمرون: يجوز أن يكون للاسم الواحد حالتان وأكثر مما يجوز اجتماعه نحو «قام زيد ضاحكا متحدثا» فإن لم يمكن اجتماعهما وصحّ أن يسبك منهما حال واحدة جاز كقولنا: «هذا الطعام حلوا حامضا» أي: مزّا، كما جاز في الخبر. وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز، واحتجّ بأنّ الحال كالظرف والفعل إذا أعمل في ظرف لم يجز أن يعمل آخر من جنسه لاستحالة وقوع الفعل الواحد في زمانين أو مكانين، وإذا قلنا «هذا زيد ضاحكا جالسا» فالأولى عاملة في الثانية (¬2). والصحيح الأوّل؛ لأنّ امتناعه في الظرفين لاستحالة المعنى، وذا مفقود في الحال فحصل الفرق وجاز تعدد الحال كالخبر والصفة. وتخريجه مثل «هذا زيد ضاحكا جالسا» على أنّ الأولى عاملة في الثانية ليس بشيء؛ لأنّ من الحال ما لا يصح أن يعمل نحو: «هذا زيد أسدا فارسا» ولا يصحّ فيه الصفة، ولأنّ قولنا: «مررت بزيد وجهه حسن جالسا» لا يكون (جالسا) صفة؛ لأنّ الجملة لا توصف، ولا يصح أن يكون معمولا لها. انتهى (¬3). وهو يعضد دعوى المصنف وبحثه واستدلاله، وفي منعه أن يكون (فارسا) - ¬

_ (¬1) شرح المصنف (2/ 348 - 349). (¬2) على أن الثانية صفة للأولى، أو أنها حال من الضمير المستكن في الأولى، وهذا مذهب جماعة من النحويين، منهم أبو علي الفارسي. ينظر: التذييل (3/ 795 - 796)، والارتشاف (2/ 358)، وتوضيح المقاصد للمرادي (2/ 160)، وأوضح المسالك (123)، والداودي على ابن عقيل (1/ 1089). (¬3) أي: انتهى كلام ابن عمرون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معمولا لـ (أسد) أو صفة له نظر. ومثال تعدد الحال بجمع مع تعدد صاحبها: «جاء زيد وعمرو مسرعين، ولقي بشر عامرا راكبين». فالأول مثال تعددها بجمع لتعدد صاحبها مع اتحاد إعرابهما، والثاني مثال للتعدد والجمع مع اختلاف الإعراب (¬1). ومن الأول قول الله عز وجل: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ (¬2) ومنه هذه ناقة وفصيلها راتعين» على قول من جعل فصيلها معرفة، وهي أفصح اللغتين، ومن جعله نكرة على تقدير الانفصال قال: «هذه ناقة وفصيلها راتعان» على النعت. ومن الثاني قول عنترة: 1824 - متى ما تلقني فردين ترجف ... روانف أليتيك وتستطارا (¬3) ومثال تعددها بتفريق لتعدد صاحبها: «جاء زيد باكيا، وعمرو ضاحكا» ومثال ذلك والإعراب مختلف «لقيت منحدرا زيدا مصعدا» هذا إذا ولت كلّ ذي حالة حاله، وإذا أخرت الحالين عن صاحبيهما قلت: «جاء زيد وعمرو ضاحكا باكيا، ولقيت زيدا مصعدا منحدرا» والأولى حينئذ أن يجعل أولى الحالين لثاني الاسمين وأخراهما لأولهما، ويتعين ذلك إن خيف اللّبس كالمثال المذكور؛ لأنّه إذا فعل ذلك اتّصل أحد الوصفين بصاحبه وعاد ما فيه من ضمير إلى أقرب المذكورين واغتفر انفصال الثاني وعود ما فيه من ضمير إلى أبعد المذكورين؛ إذ لا يستطاع غير ذلك (¬4) مع أنّ اللبس مأمون حينئذ، وأما إذا جعل أولى الحالين لأول الاسمين وأخراهما لثانيهما فإنّه يلزم انفصال الوصفين معا، والأصل اتصالهما معا لكنه متعذر فيهما، ممكن في أحدهما، فلم يعدل عن الممكن مما يقتضيه الأصل (¬5)، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم: 1825 - وإنّا سوف تدركنا المنايا ... مقدّرة لنا ومقدّرينا (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 349). (¬2) سورة إبراهيم: 33. (¬3) البيت من الوافر، وهو في ديوان عنترة (ص 75)، وشرح المصنف (2/ 350)، وشرح الكافية الشافية (2/ 755). (¬4) في المخطوط: «غير زيد»، وهو تحريف. (¬5) نقلا عن شرح المصنف (2/ 350). (¬6) البيت من الوافر، من معلقة عمرو بن كلثوم وهو في المعلقات السبع (ص 236)، وشرح المصنف (2/ 350)، والتذييل (3/ 800). وأصل الكلام: سوف تدركنا مقدرين المنايا مقدرة لنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 1826 - عهدت سعاد ذات هوى معنّى ... فزدت وعاد سلوانا هواها (¬1) ويعضد هذا ما نقله ابن عمرون من كلام الرماني أنّه إن لم تكن قرينة حكمنا بأنّ (مصعدا) لـ (زيد) و (منحدرا) للمتكلم؛ لأنّ الحال تلي صاحبها وهو زيد ثم تصير الثانية بمنزلة الاستدراك، كأنّ المتكلم بنى الكلام على «لقيت زيدا مصعدا» ثم استدرك فأحبّ أن يبيّن حالته. انتهى. وإلى هذا أشار المصنف بقوله: ولا تكون لغير الأقرب أي: عند التفريق والتأخير، ونبّه بقوله: «إلّا لمانع» على أنّه إذا منع من ذلك مانع وكان اللبس مأمونا جاز جعل الأولى من الحالين للأوّل، والثانية للثاني كقول امرئ القيس: 1827 - خرجت بها أمشي تجرّ وراءنا ... على أثرينا ذيل مرط مرجّل (¬2) وأشار بقوله: وإفرادها بعد (إما) ممنوع ... إلى آخره؛ إلى أنه إذا وقعت الحال بعد (إمّا) يجب لها أن تردف بأخرى معادا معها (إمّا) كقوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (¬3) وأنه إذا وقعت بعد (لا) وجب لها أيضا أن تردف بأخرى معادا معها (لا) كقولك: «من وجد فلينفق لا مسرفا ولا مقترا» إلّا أنّ الإفراد بعد (إمّا) ممنوع مطلقا، أي: في النثر والنظم، وأما الإفراد بعد (لا) فمستباح في الشعر (¬4) كقوله: - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، ولم يعرف قائله وينظر في: شرح المصنف (2/ 350)، والتذييل (3/ 800)، والمغني (565) وأصل الكلام: عهدت معنّى سعاد ذات هوى. (¬2) البيت من الطويل وهو في ديوان امرئ القيس (ص 14)، وشرح المصنف (2/ 350)، والتذييل (3/ 801)، والارتشاف (2/ 359)، والتصريح (2/ 387). وشرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 286). والمرط: كساء من خزّ أو من صوف، والمرجّل: المعلّم، ويروى: المرحل بالحاء وهو المنقّش بنقوش تشبه رحال الإبل. والشاهد في البيت: مجيء جملة «أمشي» حال من التاء في «خرجت» وجملة (تجرّ) حال من الهاء في (بها) فجعل الأول من الحالين للأول، والثانية للثاني. (¬3) سورة الإنسان: 3. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 350، 351).

[حذف عامل الحال جوازا أو وجوبا]

[حذف عامل الحال جوازا أو وجوبا] قال ابن مالك: (ويضمر عاملها جوازا لحضور معناه أو تقدّم ذكره في استفهام أو غيره، ووجوبا إن جرت مثلا، أو بيّنت ازدياد ثمن أو غيره شيئا فشيئا، مقرونة بـ «الفاء» أو «ثمّ»، أو نابت عن خبر، أو وقعت بدلا من اللّفظ بالفعل في توبيخ وغيره). ـــــــــــــــــــــــــــــ 1828 - قهرت العدا لا مستعينا بعصبة ... ولكن بأنواع الخدائع والمكر (¬1) قال ناظر الجيش: يجيء الحال منصوبا بعامل (¬2) [3/ 79] مضمر كما كان ذلك في غيرها من المنصوبات، وذلك على ضربين: الضرب الأول: ما الإضمار فيه جائز، وذلك لسببين: أحدهما حضور معنى العامل، والثاني تقدّم ذكره. فمثال الأول: قولهم للمرتحل: «راشدا مهديّا» وكذا «مصاحبا معانا» أي: اذهب، وللقادم من سفر: «مأجورا مبرورا» أي: رجعت، وللمحدّث: «صادقا» أي: تقول، ولمن تعرض لأمر: «متعرضا لغنى لم يعنه» أي: دنا، ومعنى لغنى: لأمر عنّ له، أي: عرض، والمراد به أنّه دخل في شيء لا يعنيه (¬3). وقد جوّزوا الرفع في هذه الأمثلة على إضمار مبتدأ (¬4). ومثال الثاني: قولك في استفهام: «راكبا» لمن قال لك: «كيف جئت؟» وفي غير استفهام: «بلى مسرعا» لمن قال: «لم تنطلق» بإضمار (جئت) في الأول، و (انطلقت) في الثاني، ومنه قوله تعالى: بَلى قادِرِينَ (¬5) بإضمار (نجمعها) وهو تقدير سيبويه (¬6)، وقال الفراء: إنه مفعول بـ (يحسب) دلّ عليه - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لزياد بن يسار وينظر في: شرح المصنف (2/ 351)، والتذييل (3/ 803)، والارتشاف (2/ 360)، والهمع (1/ 148، 245). والشاهد: في «لا مستعينا»؛ حيث أفرد الحال الواقعة بعد «لا» للضرورة الشعرية، والقياس أن تردف بأخرى. (¬2) في المخطوط: «بالألف»، وهو سهو. (¬3) ينظر: الارتشاف (2/ 360). (¬4) ينظر: الارتشاف (2/ 360) وفيه قال: وذكر سيبويه الرفع في هذا على إضمار مبتدأ. ويراجع الكتاب (1/ 320). (¬5) سورة القيامة: 4. (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 346)، وشرح المصنف (2/ 351).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيَحْسَبُ الأول، أي: فليحسبنا قادرين على أن نسوّي بنانه (¬1). الضرب الثاني: ما يجب فيه الإضمار، وذلك في صور: إحداها: ما جرت الحال فيه مثلا كقولهم: «حظيّين بنات صلفين كنّات» (¬2) بإضمار (عرفتم) أو نحو ذلك. الثانية: الحال التي بيّنت ازدياد ثمن شيئا فشيئا نحو: «اشتريته أو أخذته بدرهم فصاعدا» أي: فذهب الثمن صاعدا (¬3)، وهذا الكلام إنما يكون جوابا لمن قال: «بكم اشتريت هذا المتاع؟» فأخبر أن أدناه مشترى بدرهم والثمن حاله الزيادة بعد ذلك (¬4). وحاصل الأمر: أنه لا يقال في مشترى واحد، إنما يقال في أشياء متعددة مختلفة الأثمان أدون ما فيها بدرهم وما عداه أكثر من درهم. الثالثة: الحال التي بينت غير الازدياد شيئا فشيئا نحو: «تصدّق بدينار فسافلا» أي: فانحط المتصدق به سافلا (¬5)، وهذا الكلام أيضا إنما يقال: إذا كان المتصدق به متعددا مختلف المقدار، أعلاه دينار وما عداه أقل منه ثم أقل، عكس ما قيل في الصورة الأولى. وشرط الحال في هاتين الصورتين: أن يكون مصحوبا بـ (الفاء) أو بـ (ثمّ)، كما نبّه عليه في المتن، والفاء أكثر في الكلام؛ نصّ على ذلك سيبويه (¬6)، وعللّ ذلك بأنّ (ثم) للمهلة - ولا معنى للمهلة هنا - وأمّا الواو فلا تدخل في هذا الكلام لعدم إفادتها المعنى المراد. - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 803)، وفي معاني الفراء (3/ 208): وقوله: (قادرين) نصبت على الخروج من (نجمع) كأنك قلت في الكلام: أتحسب أن لن نقوى عليك، بلى قادرين على أقوى منك، يريد: بلى نقوى قادرين، بلى نقوى مقتدرين على أكثر من ذا. (¬2) يضرب هذا المثل في أمر يعسر طلب بعضه ويتيسر وجود بعضه، والحظيّ: الذي له حظوة ومكانة عند صاحبه، والصّلف: ضده، وأصله: قلة الخير، ويقال: امرأة صلفة، إذا لم تحظ عند زوجها وكنّات: جمع كنّة، وهي امرأة الابن وامرأة الأخ أيضا. ونصب «بنات» و «صلفين» على إضمار فعل، كأنه قال: وجدوا أو أصبحوا. ينظر: مجمع الأمثال للميداني (1/ 372). (¬3) ينظر: كتاب سيبويه (1/ 290)، والمقتضب (3/ 255). (¬4) ينظر: الارتشاف (2/ 361). (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 351). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 290، 291).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصورة الرابعة: الحال النائبة عن خبر نحو: «ضربي زيدا قائما» (¬1) وقد سبق الكلام عليها في باب المبتدأ. الخامسة: الحال الواقعة بدلا من اللفظ بالفعل [في] (¬2) توبيخ وغير توبيخ، فالتوبيخ قولك: «أقائما وقد قعد الناس؟» و «أقاعدا وقد سار الركب؟» وكذا إذا أردت ذلك المعنى - أي: التوبيخ - ولم تستفهم، تقول: «قاعدا قد علم الله وقد سار الركب» (¬3) ومنه أيضا: «أتميميّا مرّة وقيسيّا أخرى؟» بإضمار (أتتحول؟) (¬4)، و «ألاهيا وقد جدّ قرناؤك؟» أي: أتعبث؟ (¬5)، ومن التوبيخ أيضا قول الشاعر: 1829 - أراك جمعت مسألة وحرصا ... وعند الحقّ زحّارا أنانا (¬6) الأنان: الأنين، والعامل فيه زحّارا؛ لأنّ (زحر) قريب المعنى من (أنّ). وغير التوبيخ قولك: «هنيئا مريئا» أي: ثبت لك هنيئا أو هنّأه ذلك هنيئا، فعلى إضمار (ثبت) تكون الحال مقيدة وعلى إضمار (هنّأ) تكون الحال مؤكدة، ونصّ على التقديرين سيبويه (¬7). ويتناول غير التوبيخ الحال المضمر عاملها في الإنشاء كقول الشاعر: 1830 - ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا ... وعائذا بك أن يعلوا فيطغوني (¬8) أراد: وأعوذ عائذا بك، فحذف الفعل وأقام الحال مقامه كما كان يفعل بالمصدر لو قال: عائذا بك (¬9). - ¬

_ (¬1) أصله عند أكثر البصريين: ضربي زيدا إذا كان قائما، فالمبتدأ «ضربي» وخبره «إذا» و «كان» تامة؛ لأنها لو كانت ناقصة لكان خبرها «قائما» ... شرح المصنف (1/ 278). (¬2) زيادة لحاجة السياق. (¬3) ينظر: كتاب سيبويه (1/ 240). (¬4) السابق (1/ 243). (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 351). (¬6) البيت من الوافر وقائله: المغيرة بن حبناء يخاطب أخاه صخرا، وينظر في: كتاب سيبويه (1/ 342)، والمقرب (1/ 258)، وشرح المصنف (2/ 193، 352) واللسان «زحر». وزحارا بالحاء - وهي في المخطوط بالخاء تصحيفا. (¬7) ينظر: الكتاب (1/ 316، 317)، وشرح المصنف (2/ 352). (¬8) البيت من البسيط، وقائله: عبد الله بن الحارث السهمي من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وينظر: في شرح الحماسة للمرزوقي (475)، وكتاب سيبويه (1/ 342)، والروض الأنف (1/ 208) وشرح المصنف (2/ 193، 352)، واللسان «عوذ». (¬9) بعدها في المخطوط: «... فحذف الفعل وأقام الحال مقامه عياذا بك» وهو تكرار للجملة السابقة.

[حكم حذف الحال]

[حكم حذف الحال] قال ابن مالك: (ويجوز حذف الحال ما لم تنب عن غيرها أو يتوقّف المراد على ذكرها، وقد يعمل فيها غير عامل صاحبها، خلافا لمن منع ذلك). ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتناول غير التوبيخ قول النابغة: 1831 - أتاركة تدلّلها قطام ... وضنّا بالتّحيّة والسّلام (¬1) وقد تقدم في باب المفعول المطلق الإعلام بأنّ المبرد يحمل (عائذا) و (أقاعدا) وأشباههما على أنهما مصادر جاءت على وزن فاعل (¬2)، وتبيّن هنالك ضعف مذهبه بالدليل (¬3)، فلا حاجة إلى إعادته هنا. قال ناظر الجيش: الحال جائزة الحذف في الأصل لكونها فضلة، ثم إنه قد يعرض لها ما يجعلها بمنزلة العمد، كما يعرض لغيرها من الفضلات، وحينئذ يمتنع الحذف، وذلك أمران: أحدهما: نيابتها عمّا لا يستغنى عنه كالتي سدت مسد الخبر وكالواقعة بدلا من اللفظ بالفعل، وقد تقدم ذكرهما. الثاني: توقّف فهم المراد على ذكرها، وذلك في صور: الأولى: حال ما نفي عامله أو نهي عنه كقوله تعالى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (¬4)، وكقوله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى (¬5)، وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً (¬6). الثانية: الحال المجاب بها استفهام، كقولك: «جئت راكبا» لمن قال: «كيف جئت؟». الثالثة: الحال المقصود بها حصر كقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً (¬7). - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر وهو في ديوان النابغة (ص 111) وشرح المصنف (2/ 193، 352)، واللسان «رقش». (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 194، 353)، وشرح الكافية للرضي (1/ 214) وابن يعيش (1/ 123). ومن يراجع المقتضب (3/ 228 - 229) يجد أن المبرد على وفاق مع سيبويه في أن نحو: «أقائما وقد قعد الناس؟» حال حذف عاملها. ويراجع ما كتبه محققه في هذا المقام. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 194). (¬4) سورة الدخان: 38. (¬5) سورة النساء: 43. (¬6) سورة الإسراء: 37. (¬7) سورة الإسراء: 105، وينظر: شرح المصنف (2/ 353).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابعة: الحال التي لا يتم فائدة الكلام التي هي فيه [3/ 79 مكرر] إلا بذكرها، كقوله تعالى: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (¬1)، وَهذا بَعْلِي شَيْخاً (¬2)، وكقول الراوي: «نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الحيوان اثنين بواحد» (¬3) أي: متفاضلا، وكقول الشاعر: 1832 - إنّما الميت من يعيش كئيبا ... ... (¬4) ومما التزم ذكره من الفضلات غير الحال: المجرور في قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (¬5)، والصفة في قولك: «ما في الدار رجل يبغضك» فلو حذف لَهُ أو (يبغضك) انتفت الفائدة (¬6). وقوله: وقد يعمل فيها غير عامل صاحبها: قال المصنف: الأكثر أن يكون العامل في الحال هو العامل في صاحبها؛ لأنها وإياه كالصفة والموصوف ولكنهما أيضا كالمميّز والمميّز، وكالخبر والمخبر عنه، ومعلوم أنّ ما يعمل في المميّز والتمييز قد يكون واحدا وغير واحد، وكذا ما يعمل في الخبر والمخبر عنه، فكذا الحال وصاحبها قد يعمل فيهما عامل واحد وقد يعمل فيهما عاملان. ومثال اتحاد العامل في الأبواب الثلاثة: «طاب زيد نفسا، وإن زيدا قائم، وجاء زيد راكبا». ومثال عدم الاتحاد في الثلاثة: «لي عشرون درهما، وزيد منطلق» - على مذهب سيبويه ومن وافقه - وإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً (¬7) فـ (أمة) حال، والعامل فيها اسم الإشارة، و (أمتكم) صاحب الحال، والعامل فيها (إن.) قال سيبويه: هذا باب ما ينتصب فيه الخبر بعد الأحرف الخمسة انتصابه إذا - ¬

_ (¬1) سورة الشعراء: 130. (¬2) سورة هود: 72. (¬3) رواه ابن حنبل في مسنده (3/ 710) فقد وقع قوله: «اثنين بواحد» حالا، ولا يجوز حذفه حتى لا يؤدي المعنى إلى النهي عن بيع الحيوان مطلقا. (¬4) هذا صدر بيت من الخفيف، وعجزه: كاسفا باله قليل الرجاء وقائله: عدي بن الرعلاء. وينظر في: الأصمعيات (ص 152)، وشرح المفصل لابن يعيش (10/ 69)، وشرح المصنف (2/ 353)، والتذييل (3/ 812). (¬5) سورة الإخلاص: 4. (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 354). (¬7) سورة الأنبياء: 92.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان ما قبله مبنيّا على الابتداء؛ لأنّ المعنى واحد في أنّه حال، وأنّ ما قبله قد عمل فيه، ومنعه الاسم الذي قبله أن يكون محمولا على (إنّ) وذلك «إنّ هذا عبد الله منطلقا»، وقال جلّ ذكره: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً (¬1). وقد تقدّم من كلامه (¬2) ما يدلّ على أنّ صاحب الحال في: 1833 - لعزّة موحشا طلل (¬3) هو المبتدأ لا الضمير المستكن في الخبر، وبيّنت رجحان قوله على قول من زعم أنّ صاحب الحال هو الضمير (¬4). ومن ورود الحال وعاملها غير عامل صاحبها: قولهم: «ها قائما ذا زيد» فنصب الحال بحرف التنبيه وليس له عمل في صاحبها ومنه قول الشاعر: 1834 - ها بيّنا ذا صريح النّصح فاصغ له ... ... البيت (¬5) انتهى كلام المصنف (¬6). وكلام سيبويه يشهد ظاهره بصحة ما ادّعاه، وقد تأول المخالفون ذلك فقالوا: إذا قلنا: «هذا زيد منطلقا» فالعامل في الحال إمّا معنى (ها) وهو: أنبّه، وإما معنى (ذا) وهو: أشير، وليس شيء منهما عاملا في (زيد) الذي هو صاحب الحال، لكن الحال من (زيد) في اللفظ، وفي المعنى من الضمير في «أنبّه عليه» أو «أشير إليه» وإذا كانت الحال من ضمير في أحدهما فالعامل في الحال وصاحبها بالحقيقة - ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون: 52، وينظر: نص سيبويه في: الكتاب (2/ 147). (¬2) ينظر: الكتاب (2/ 122 - 123). (¬3) صدر بيت من مجزوء الوافر، وعجزه: يلوح كأنّه خلل وقائله: كثير عزة وهو في ديوانه (ص 536)، وكتاب سيبويه (2/ 123)، وشرح المصنف (2/ 355)، والمغني (2/ 564). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 333)، وفيه قال ... كلام سيبويه أن صاحب الكائن في نحو: «فيها رجل قائما» هو المبتدأ، وذهب قوم إلى أنّ صاحبه الضمير المستكن في الخبر وقول سيبويه هو الصحيح؛ لأنّ الحال خبر في المعنى، فجعله لأظهر الاسمين أولى من جعله لأغمضهما. اه. ويراجع الكتاب (2/ 122 - 123). (¬5) سبق تخريج هذا البيت. (¬6) ينظر: كلام المصنف في شرحه (2/ 354، 355).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واحد، قال ابن عمرون: إن وقع ما يوهم بظاهره خلاف ذلك - أي: خلاف كون العامل في الحال غير عامل صاحبها فالطف به حتى ترده إلى القاعدة، كما ذكر في «هذا زيد قائما» فقلّ أن يسلم باب من مشكل يتفاضل فيه العلماء، ونقل عن ابن جني أنّه قال: قد يكون العامل في الحال غير العامل في ذي الحال نحو قوله تعالى: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً (¬1) فالحال هنا من الحق، والعامل فيه هُوَ وحده، أو هُوَ والابتداء الرافع له، وكلا ذانك لا ينصب الحال، وإنّما جاز ذلك؛ لأنّ الحال ضرب من الخبر، والخبر العامل فيه غير العامل في المخبر عنه (¬2). ثم قال ابن عمرون: رحم الله ابن جني لم ينعم النظر في هذه المسألة، وحقيقة القول أنه حال من المفعول الذي هو الهاء في (أثبته) أو (أحقه). ثم ليت شعري إذا جعل مُصَدِّقاً حالا من الْحَقُّ وليس بفاعل ولا مفعول فما وجه صحته؟ ثم قال: ومما يدلّ على أنّ العامل فيهما هو العامل في صاحبهما منع سيبويه تقديم حال المجرور بحرف عليه نحو: «مررت قائما برجل»؛ لأنهم علّلوه بأنّ الفعل لمّا لم يصل إلى صاحب الحال إلّا بعد وجود الباء، فكذا لا يصل إلى الحال إلا بعد وجودها. ثم قال: والجمع بين القول بمنع التقديم هنا وبين جعل (موحشا) في قوله: 1835 - لميّة موحشا طلل (¬3) حالا من (طلل) دون الضمير مشكل جدّا، لم أر لأحد كشفه، قال: ويحتمل أنّه لمّا عاد إلى متأخر لفظا وهو المفسّر للضمير فهما شيء واحد ضعف تقديم الحال عليه. انتهى. وتعليله المذكور غير واضح فليتأمل. واختار الشيخ أنّ العامل في الحال في مثل «هذا زيد منطلقا» ليس حرف التنبيه ولا اسم الإشارة، قال: فإنهما لا يعملان في الحال، وأنّ العامل في الحال هو العامل في ذي الحال كما هو رأي الأكثرين (¬4)، إلا أنّه لم يقدّر ما تقدّم من قولهم: «أنبّه عليه» أو «أشير إليه» ليجعل الحال بالحقيقة (¬5) من الضمير، بل قال: العامل محذوف يدل عليه الجملة السابقة، وتقديره انظر إليه منطلقا، وعلّل ذلك بما يوقف - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 91. (¬2) ينظر: الحديث عن ذلك في باب المبتدأ والخبر. (¬3) البيت سبق تخريجه. (¬4) ينظر: الارتشاف (2/ 361). (¬5) هذه اللفظة غير واضحة في المخطوط.

[الحال المؤكدة]

[الحال المؤكدة] قال ابن مالك: (فصل: يؤكّد بالحال ما نصبها من فعل أو اسم يشبهه، وتخالفهما لفظا أكثر من توافقهما، ويؤكّد بها أيضا في بيان يقين أو فخر أو تعظيم أو تصاغر [3/ 80] أو تحقير أو وعيد خبر جملة جزآها معرفتان جامدان جمودا محضا، وعاملها «أحقّ» أو نحوه مضمرا بعدهما لا الخبر مؤوّلا بمسمّى، خلافا للزّجّاج، ولا المبتدأ متضمّنا تنبيها، خلافا لابن خروف) (¬1). - عليه في كتابه. ثم قال: وإذا تقرر هذا فلا يجوز «ها منطلقا ذا زيد» ولا «هذا منطلقا زيد»، فإن ورد شيء من ذلك أضمر له ناصب، ولا ينتصب على الحال. انتهى (¬2). وحاصله: أنه اختار مذهب السهيلي في هذه المسألة، وقد تقدم، وضعفه غير خفي. قال ناظر الجيش: الحال المؤكدة نوعان: أحدهما: ما يؤكد عامله، والثاني: ما يؤكد خبر جملة لا عمل لجزءيها فيه، والمؤكد عامله ضربان: ضرب يوافق عامله معنى لا لفظا، وهو كثير، وضرب يوافق عامله لفظا ومعنى، وهو قليل. فمن الأول قوله تعالى: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (¬3)، وقوله: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (¬4)، وقوله: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً (¬5)، ومنه قول لبيد: 1836 - وتضيء في وجه الظّلام منيرة ... كجمانة البحريّ سلّ نظامها (¬6) - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 112). (¬2) ينظر: كلام الشيخ أبي حيان في: التذييل (3/ 814 - 815). (¬3) سورة الأعراف: 74. (¬4) سورة التوبة: 25. (¬5) سورة النمل: 19. (¬6) البيت من الكامل، وهو من معلقة لبيد، وهو في شرح ديوانه (ص 309)، وشرح المصنف (2/ 356)، والتذييل (3/ 819)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 334). والجمانة: اللؤلؤة الصغيرة، والبحري: الغواص، والنظام: الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ. والشطر الأخير في المخطوط هكذا: كجمانة البحرين سد نظامها. وهو تحريف. والشاهد: في «منيرة» فهي حال مؤكدة توافق عاملها معنى لا لفظا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [وقوله]: 1837 - فعلوت مرتقيا على ذي هبوة ... حرج إلى أعلامهنّ قتامها (¬1) وقال الآخر: 1838 - فإني اللّيث مرهوبا حماه ... وعيدي (¬2) زاجر دون افتراس (¬3) فـ (مرهوبا) حال مؤكدة للخبر، وهو العامل فيها بما تضمن من معنى التشبيه، فالعامل المؤكد بالحال اسم يشبه الفعل لا الفعل، ومن هذا القبيل أيضا ما مثّل به سيبويه من قولهم: «هو رجل صدق معلوما ذلك» أي: معلوما صلاحه، كذا قدّره سيبويه (¬4)، و «رجل صدق» بمعنى: رجل صالح، فأجري مجراه إذا قيل: هو صالح معلوما صلاحه، ومن هذا القبيل أيضا قول أمية بن أبي الصلت: 1839 - سلامك ربّنا في كلّ فجر ... بريئا ما تغنّثك الذّموم (¬5) فـ (بريئا) حال مؤكدة لـ (سلامك) ومعناه: البراءة مما لا يليق بجلاله، وهو العامل في الحال؛ لأنّه من المصادر المجعولة بدلا من اللفظ بالفعل. قال المصنف: ومن هذا القبيل عندي: «هو أبوك عطوفا، وهو الحق بيّنا»؛ لأنّ (الأب والحقّ) صالحان للعمل، فلا حاجة إلى تكلف إضمار عامل بعدهما (¬6). ومن الضّرب الثاني قوله تعالى: وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا (¬7)، وقوله: وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ (¬8)، - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو من معلقة لبيد أيضا وهو في شرح ديوانه (ص 315) وشرح المصنف (2/ 356)، والتذييل (3/ 819). والهبوة: الغبار، والحرج: الضيق، والقتام: الغبار. والشاهد فيه: مجيء (مرتقيا) حالا مؤكد لعاملها، وهي توافقه معنى لا لفظا. (¬2) في المخطوط: وعندي، كما في شرح المصنف (2/ 356). (¬3) البيت من الوافر وقد سبق الحديث عنه. (¬4) ينظر: كتاب سيبويه (2/ 92). (¬5) البيت من الوافر، وهو في ديوان أمية بن أبي الصلت (ص 54) برواية: بريئا ما تليق بك، وبالرواية المذكورة هنا في كتاب سيبويه (1/ 325)، وشرح المصنف (2/ 356)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 334)، واللسان «غنث، وذمم» وتغنثك: تعلق بك، والذّموم: العيوب. (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 357). (¬7) سورة النساء: 79. (¬8) سورة النحل: 12 والشاهد فيها - على قراءة النصب - في: والنجوم مسخرات وهي قراءة غير حفص وابن عامر. ينظر: النشر (2/ 302، 303)، والإتحاف (2/ 51، 181).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول امرأة من العرب: 1840 - قم قائما قم قائما ... صادفت عبدا نائما وعشراء رائما (¬1) وقول الآخر: 1841 - أصخ مصيخا لمن أبدى نصيحته ... والزم توقّي خلط الجدّ باللّعب (¬2) وأما النوع الثاني وهو المؤكد بها خبر جملة جزآها معرفتان جامدان فقد أشار إليه المصنف بقوله: ويؤكد بها أيضا ... إلى آخره. ومثاله في بيان اليقين: «هذا زيد معلوما» ومنه قوله سالم بن دارة: 1842 - أنا ابن دارة معروفا بها نسبي ... وصل بدارة يا للناس من عار (¬3) كأنه قال: هو زيد لا شك فيه، وأنا ابن دارة لا شك فيّ. ومثالها في بيان الفخر: «أنا فلان شجاعا، أو كريما». ومثالها في بيان التعظيم «هو فلان خليلا مهيبا». ومثالها في بيان التصاغر: «أنا عبدك فقيرا إلى عفوك». ومثالها في بيان التحقير: «هو فلان مأخوذا مقهورا». ومثالها في بيان الوعيد: «أنا فلان متمكنا منك فاتّق غضبي» (¬4). قال المصنف: ولا تكون هذه الحال أعني المؤكدة لهذه المعاني إلا بلفظ دالّ على معنى ملازم، أو شبيه بالملازم في تقدم العلم به، وأشرت بقولي: أو شبيه بالملازم في - ¬

_ (¬1) هذا رجز لم يحدد قائلته، وينظر: في أمالي ابن الشجري (1/ 347)، وشرح المصنف (2/ 357)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 335)، والتذييل (3/ 820)، ورائما: من رئمت الناقة ولدها، إذا حنت عليه. والشاهد فيه: قوله: «قم قائما»؛ حيث جاءت الحال مؤكدة لعاملها لفظا ومعنى. (¬2) البيت من البسيط، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 357)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 335)، والتذييل (3/ 321)، والتصريح (1/ 387). وأصخ: أنصت واستمع، ومصيخا: حال مؤكدة لعاملها وهي موافقة له لفظا ومعنى. (¬3) البيت من البسيط من قصيدة قالها سالم بن دارة في هجاء فزارة وينظر في: الكتاب (2/ 79)، والخصائص (2/ 270)، (3/ 62)، والأمالي الشجرية (2/ 285)، وشرح المصنف (2/ 357)، والخزانة (2/ 145). والشاهد: في «معروفا»؛ فإنه حال مؤكدة لمضمون الجملة الاسمية قبلها. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 357، 358).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدم العلم به إلى قول سيبويه: وذلك أنّ رجلا من إخوانك ومعرفتك أراد أن يخبرك عن نفسه أو غيره بأمر فقال: «أنا عبد الله منطلقا، أو هو زيد منطلقا» كان محالا؛ لأنّه إنّما أراد أن يخبرك بالانطلاق، ولم يقل: هو، ولا: أنت؛ حتى استغنيت أنت عن التسمية؛ لأنّ (هو) و (أنا) علامتان للمضمر، وإنّما يضمر إذا علم أنك قد عرفت من يعني، ثم قال: إلّا أنّ رجلا لو كان خلف حائط، أو في موضع تجهله فيه فقلت: من أنت؟ فقال: «أنا عبد الله منطلقا في حاجتك» كان حسنا (¬1). قال المصنف: الانطلاق في الأول مجهول، والإعلام به مقصود غير مستغنى عنه، فحقّه أن يرفع بمقتضى الخبرية، والاسم الذي قبله معلوم مستغنى عن ذكره، فحقّه ألّا يجعل خبرا، وإذا جعل خبرا ما حقّه ألّا يكون خبرا، وجعل فضلة ما حقه أن يكون عمدة؛ لزم كون الناطق بذلك محيلا، وكون المنطوق به محالا عمّا هو به أولى، فهذا معنى قول سيبويه: كان محالا وإنّما استحسن قول من قال: «أنا عبد الله منطلقا في حاجتك»؛ لأنّ السائل كان عهده منطلقا في حاجته من قبل أن يقول له: من أنت؟ فصار ما عهده بمنزلة شيء قد ثبت له في نفسه كشجاع وكريم فأجراه مجراه (¬2). ثم العامل في الحال المذكورة مقدّر بعد الخبر، وهو «أحقّه» أو «أعرفه» إن كان المخبر عنه غير (أنا). وإن كان (أنا) فالتقدير: أحق أو أعرف أو اعرفني. وقال الزجاج: الخبر هو العامل مؤولا بمسمّى أو مدعو، ويجعل فيه ضمير المبتدأ، وهو بعيد للزوم أن يتحمل الجامد ضميرا. وقال ابن خروف: العامل هو المبتدأ، لتضمنه معنى تنبّه (¬3). وهو أبعد من قول الزجاج، وكلام المصنف في هذا الفصل واضح لا يخفى تطبيقه على ما ذكر. ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 80، 81). (¬2) انتهى كلام المصنف وينظر في: شرحه (2/ 358، 359). (¬3) ينظر: مذهبا الزجاج وابن خروف في: شرح التسهيل للمصنف (2/ 358)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 336)، وشرح الكافية للرضي (1/ 215) والتصريح (1/ 388).

[مجيء الحال جملة وحديث عن رابط هذه الجملة]

[مجيء الحال جملة وحديث عن رابط هذه الجملة] قال ابن مالك: (فصل: تقع [3/ 81] الحال جملة خبريّة غير مفتتحة بدليل استقبال، مضمّنة ضمير صاحبها، ويغني عنه في غير مؤكّدة، ولا مصدّرة بمضارع مثبت عار من «قد» أو منفيّ بـ «لا» أو «ما» أو بماضي اللّفظ تال لـ «إلّا» أو متلوّ بـ «أو» واو، تسمّى واو الحال، وواو الابتداء، وقد تجاء مع الضّمير في العارية من التّصدير المذكور، واجتماعهما في الاسميّة والمصدّرة بـ «ليس» أكثر من انفراد الضّمير، وقد تخلو منهما الاسميّة عند ظهور الملابسة) (¬1). قال ناظر الجيش: قد تقدم أنّ الحال خبر من حيث المعنى، ووصف أيضا وكلّ منهما يجوز كونه جملة، فكذلك الحال، وأيضا هي نكرة والجملة نكرة، فجاز أن تقوم مقامها. قيل: وليس شيء من الفضلات ليس أصله المبتدأ والخبر تقع الجملة موقعه إلّا الحال؛ وذلك لأنّها خبر في المعنى، فجاز فيها ما جاز فيه، ولما كانت وصفا في المعنى اشترط في الجملة كونها خبرية، كما اشترط في الجملة الواقعة نعتا، فلهذا إذا وقعت الطلبية موقع الحال أوّلت كما تؤول الطلبية إذا وردت نعتا، فمن ذلك قولهم: «وجدت النّاس اخبر تقله» (¬2) أي: مقولا فيهم اخبر تقله (¬3). ولما كان الاستقبال ينافي الحال اشترط في الجملة الحالية شرط زائد على جملة الصفة وهو كونها غير مفتتحة بما يدلّ على استقبال كالسين، وسوف، ولن، فلا - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (112). (¬2) هذا قول أبي الدرداء رضي الله عنه، وهو قول يجري مجرى المثل، وذكره الميداني في مجمع الأمثال (3/ 425) برقم (4357)، وقال: يضرب في ذمّ الناس وسوء معاشرتهم، والهاء في (تقله) للسكت بعد حذف العائد، أعني أصله: اخبر تقلهم، ثم حذف الهاء، ثم أدخل هاء الوقف. اه. وذكره ابن منظور في اللسان «قلا» ثم قال: القلى: البغض، يقول: جرّب الناس فإنك إذا جرّبتهم قليتهم وتركتهم لما يظهر لك من بواطن سرائرهم، لفظه لفظ الأمر، ومعناه الخبر، أي: من جرّبهم وخبرهم أبغضهم وتركهم، ومعنى نظم الحديث: وجدت الناس مقولا فيهم هذا القول. اه. واستشهد به المصنف في شرحه (3/ 311). (¬3) ينظر: التذييل (3/ 824)، وتوضيح المقاصد للمرادي (2/ 164).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: «جاء زيد سيركب» وقد أورد على ذلك قولهم: «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» وهو من أمثلة سيبويه (¬1). وأجيب عنه بأنّه قليل، وهو مؤول، والمعنى: مقدرا الصيد به غدا. فإن قيل: فليجز ذلك في الفعل، ويقدّر أيضا كما قدرتم في هذا. فالجواب: أنّ «صائدا غدا» اسم وقع في موضعه فتصرّف فيه بخلاف الفعل؛ لأنّه واقع موقع غيره إذا كان حالا. ويدخل تحت عموم كلام المصنف الجملة المقرونة بإن الشرطية: نحو: «جاء زيد إن يسأل أعطه»؛ لأنّها مفتتحة بدليل استقبال، وهي ممتنعة إن ذكر الجزاء، أما إذا أتى بالشرط وحده فلا (¬2). تقول: «لأضربنه إن ذهب، أو مكث» والمعنى: ذاهبا أو ماكثا، وجعله بعضهم مثل: «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» والظاهر أن معنى الشرط ملغى هنا؛ لأنّ معنى الكلام: لأضربّنه على كل حال (¬3)، فليس ثمّ شرط تحقق، وإذا لم يكن ثمّ شرط فلا استقبال حينئذ، ومما يؤيد إلغاء معنى الشرط أنّ الجزاء هنا واقع قطعا، وما ذاك إلّا؛ لأنّ الشرط كذلك، فلهذا جاز وقوع جملته حالا. قال الشيخ: وترك المصنف قيدا آخر وهو ألّا تكون الجملة تعجبية، فلا يجوز «مررت بزيد ما أحسنه» على الحال، هذا على القول بأنّ جملة التعجب خبرية. انتهى (¬4). ويظهر أنّ الاحتراز عنها غير لازم؛ لأنّ جملة التعجب معناها منتقل، أو فيه حكم ما ليس بمنتقل، ومن شرط الحال كونها منتقلة، أو في حكمها، إلّا في مواضع تقدّم ذكرها، ليس هذا منها. وإذا تقرر هذا فاعلم أنّ الجملة الواقعة حالا إمّا اسمية أو فعلية وينتظم تحت القسمين صور: فيدخل تحت الاسمية: المصدرة بمبتدأ، أو بـ (إنّ) أو بـ (كأنّ) أو بـ (لا) - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 49)، والمقتضب (3/ 261). (¬2) وفي الارتشاف (2/ 363): ويدخل تحت الخبرية جملة الشرط فتقع حالا. (¬3) ينظر: المقرب (1/ 154). (¬4) ينظر: التذييل (3/ 825).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التبرئة، أو بـ (ما). ويدخل تحت الفعلية: المصدرة بمضارع مثبت عار من (قد) أو مقرونا بها، أو بمنفي بـ (لا) أو بـ (ما) أو بـ (لم) أو بـ (لمّا) أو بـ (إن) والمصدرة بماض تال لـ (إلّا) أو متلوّ بـ (أو) أو غير تال ولا متلوّ، وحينئذ إما أن يكون مثبتا أو منفيّا فهذه سبع عشرة صورة، ثم منها ما يكون مؤكدا، ومنها ما ليس كذلك. ولا بد للجملة الحالية من رابط يربطها بذي الحال: وذلك شأن كل جملة واقعة موقع مفرد، والرابط هنا إمّا الضمير، وهو الأصل، أو الواو، أو كلاهما. ولكون الضمير أصلا اختصّ بتعيّنه للربط في صور، ولم تختص الواو لفرعيّتها بموضع، بل كل مكان حصل فيه الربط بها جاز مشاركة الضمير لها في ذلك ولهذا بدأ المصنف بذكر الضمير، فقال: مضمنة ضمير صاحبها وهذا يعم الصور المتقدمة كلها. ثم قال: ويغني عنه - أي: عن الضمير - في غير كذا وكذا واو فأشار بذلك إلى الصور التي يتعين الربط فيها بالضمير، وهي ست: الجملة المؤكدة اسمية كانت نحو: «هذا الحق لا ريب فيه» أو فعلية نحو: «هذا الحق قد علمه الناس». والمصدرة بالمضارع المثبت العاري من (قد) نحو: وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (¬1). أو المنفي بـ (لا) نحو: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (¬2) أو بـ (ما) نحو قول الشاعر: 1843 - عهدتك ما تصبو وفيك شبيبة ... فما لك بعد الشّيب صبّا متيّما (¬3) والمصدرة بالماضي التالي لـ (إلّا): نحو قوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (¬4). أو المتلو بـ (أو) نحو قول الشاعر: 1844 - كن للخليل نصيرا جار أو عدلا ... ولا تشحّ عليه جاد أو بخلا (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 110، وهي في المخطوط (فذرهم ...) وهو خطأ، واستشهد المصنف في هذا المقام بقوله تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: 15]. (¬2) سورة المائدة: 84. (¬3) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 827)، والتصريح (1/ 392). (¬4) سورة يس: 30. (¬5) البيت من البسيط، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 361)، والتذييل (3/ 827)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر ابن عصفور صورة أخرى للجملة: وهي الجملة الابتدائية إذا عطفت على حال، وذلك كراهة اجتماع حرفي عطف نحو: «جاء زيد ماشيا، أو هو راكب» لا يجوز «أو وهو راكب» قال الله تعالى: فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (¬1). وبقية الصّور المتقدم ذكرها لا يتعين الربط فيها بالضمير، بل الرابط إمّا الضمير أو الواو أو مجموعهما، إلّا أنّ انفراد الواو أكثر من انفراد الضمير، واجتماعهما أكثر من انفراد أحدهما صرح المصنف بذلك في شرح الكافية (¬2). فأما انفراد الضمير: فنحو: وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (¬3)، ونحو: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ (¬4)، ونحو: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (¬5)، ومنه قول ربيعة بن مقروم: 1845 - فدارت رحانا بفرسانهم ... فعادوا كأن لم يكونوا رميما (¬6) [3/ 82] وكقول الآخر: 1846 - فظللت في دمن الدّيار كأنّني ... نشوان باكره صبوح مدام (¬7) ونحو: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (¬8)، ومنه قول الشاعر: 1847 - من جاد لا منّ يقفو جوده حمدا ... وذو ندى منّ مذموم وإن مجدا (¬9) - ¬

_ - والارتشاف (2/ 364)، ومنهج السالك (213)، والهمع (1/ 246). (¬1) سورة الأعراف: 4. (¬2) ينظر: شرح الكافية الشافية (2/ 757 - 758). (¬3) سورة البقرة: 36. (¬4) سورة الفرقان: 20. (¬5) سورة البقرة: 101. (¬6) البيت من المتقارب، وينظر في: الاقتضاب (366)، وأمالي القالي (1/ 8)، وشرح المصنف (2/ 359)، وأبيات المغني (5/ 73)، والتذييل (3/ 826) واللسان «رحا». (¬7) البيت من الكامل، وقائله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (ص 136). وشرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 826). والدمن: آثار الديار، والصّبوح: الشرب بالغداة، والمدام: الخمر. (¬8) سورة الرعد: 41. (¬9) البيت من البسيط، وهو لبعض الطائيين وينظر: في شرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 826).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحو: 1848 - فرأيتنا ما بيننا من حاجز ... إلّا المجنّ وحدّ أبيض مفصل (¬1) ونحو: «جاء زيد قد يعلم أني محسن إليه» ونحو: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (¬2)، وكذا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً (¬3)، ومنه قول زهير: 1849 - كأنّ فتات العهن في كلّ منزل ... نزلن به حبّ الفنا لم يحطّم (¬4) ونحو: «جاء زيد لمّا يضحك»، ونحو: «جاء زيد إن يضحك»، ونحو قول الراجز: 1850 - إذا جرى في كفّه الرشاء ... جري القليب ليس فيه ماء (¬5) ونحو قوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (¬6) ونحو: «جاء زيد ما استحسنته». وأما انفراد الواو: فنحو: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ (¬7)، وكذا: لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ (¬8)، ونحو: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (¬9)، ونحو: «جاء زيد وكأنّ الوقت ليل» ونحو قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل، وقائله عنترة بن شداد العبسي، وهو في ديوانه وشرح المصنف (2/ 360)، والتذييل (3/ 826)، ومنهج السالك (212). والمجنّ: الترس، والحدّ: المراد به السيف، ويروى: ونصل أبيض، كما في ديوانه، ومفصل: قاطع. (¬2) سورة آل عمران: 174. (¬3) سورة الأحزاب: 25. (¬4) البيت من الطويل من قصيدة زهير بن أبي سلمى التي يمدح بها الحارث بن عوف وهرم بن سنان، وهي من المعلقات السبع، وينظر في: ديوانه (ص 77)، وشرح المعلقات للزوزني (ص 53)، وشرح المصنف (2/ 361، 368)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 340)، والأشموني (2/ 191). والفتات: ما تفتت من الشيء ويروى: حتات، والعهن: الصوف، والفنا: عنب الذئب، وهو شجر صغير، ثمره حبّ أحمر فيه نقطة سوداء. (¬5) البيتان من الرجز المشطور، لأعرابي لم يعرف اسمه. وينظر في: دلائل الإعجاز (ص 222)، وشرح المصنف (2/ 367)، والتذييل (3/ 735)، والارتشاف (2/ 367)، والمساعد (2/ 46) والرشاء: الحبل، والقليب: البئر قبل بنائها بالحجارة. (¬6) سورة النساء: 90. (¬7) سورة آل عمران: 54. (¬8) سورة يوسف: 14. (¬9) سورة الأنفال: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1851 - له الويل إن أمسى ولا أمّ هاشم ... قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا (¬1) ونحو: «جاء زيد وما الشمس طالعة» ونحو: «جاء زيد وقد [طلعت الشمس] (¬2)»، ونحو قول الشاعر: 1852 - ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم (¬3) ونحو: «قدم الركب ولمّا تطلع الشمس، أو وأن تطلع الشمس، أو ليست الشمس طالعة، أو قد طلعت الشمس، أو وما طلعت الشمس». وأما اجتماع الضمير والواو فنحو: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (¬4) وكذا أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ (¬5) ومثله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (¬6)، ومنه قول الشاعر: 1853 - أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال (¬7) وقوله: 1854 - ليالي يدعوني الهوى فأجيبه ... وأعين من أهوى إليّ روان (¬8) وأنشد المصنف أيضا شاهدا على ذلك: 1855 - نظرت إليها والنّجوم كأنّها ... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال (¬9) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس وهو في ديوانه (ص 50)، وشرح المصنف (2/ 363). (¬2) تكملة مكانها بياض في المخطوط، ويلاحظ تكرار هذين المثالين بعد. (¬3) البيت من الكامل من قصيدة عنترة بن شداد المشهورة بالمذهبة وهو في ديوانه (ص 154)، وشرح المصنف (2/ 369)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 340)، والأشموني (2/ 191) ويروى: «ولم تكن للحرب» مكان «ولم تدر للموت» وابنا ضمضم: حصين ومرّة. (¬4) سورة البقرة: 22. (¬5) سورة البقرة: 243. (¬6) ينظر في: صحيح البخاري (3/ 178) عن أبي هريرة، وابن حنبل (2/ 243، 317). (¬7) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (ص 109) وشرح المصنف (2/ 362)، والهمع (1/ 246). المشرفي: السيف المنسوب إلى مشارف من قرى الشام، ومسنونة زرق: المقصود بها السّهام. (¬8) البيت من الطويل وهو لامرئ القيس أيضا وهو في: ديوانه (ص 144)، وشرح المصنف (2/ 362) والتذييل (3/ 831). وروان: نواظر، جمع رانية من «رنا، يرنو». (¬9) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس أيضا وهو في: ديوانه (ص 108) وشرح المصنف (2/ 362)، والتذييل (3/ 831)، والهمع (1/ 246) وتشبّ: توقد، وقفّال: جمع قافل، وهو المسافر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدرك الشيخ عليه فيه، فقال: ليس هذا ممّا اجتمع فيه الواو والضمير، بل وجد فيه الواو خاصة (¬1)، وهو استدراك صحيح، وبقية الأمثلة لا تخفى، فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها. وقد علم ممّا تقدّم: أنّ كل موضع جاز إغناء الواو فيه عن الضمير يجوز اجتماعهما فيه، وما لا فلا. ومقتضى هذا: أنّ الجملة المؤكّدة لا تجامع الواو فيها الضمير؛ لأنه قد علم أنّ الواو لا تغني عنه فيها، لكن ليس في عبارة المصنف ما يشعر بذلك فإنه قال: (وقد تجامع - أي الواو - الضمير في العارية من التصدير المذكور) أي: من التصدير بمضارع مثبت عار من (قد) أو منفي بـ (لا) أو بـ (ما) أو بالماضي التالي لـ (إلا) أو المتلوّ بـ (أو) وصدق على الجملة المؤكدة بأنّها عارية من التصدير المشار إليه فينبغي جواز مجامعة الواو للضمير فيها، وليس كذلك (¬2). واعلم أنّه قد خولف في ثلاث مسائل ممّا تقدم: الأولى: منع الزمخشري انفراد الضمير في الجملة الاسمية، وجعل قولهم: «فوه إلى فيّ» - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (3/ 831)، وعبارته: وذلك - أي: الاستشهاد بهذا البيت على اجتماع الواو والضمير في الجملة الاسمية الحالية - وهم لأنه ليس في الجملة الحالية ضمير عائد على الفاعل في (نظرت) ولا على المجرور في (إليها). (¬2) قوله ليس في عبارة المصنف ما يشعر بذلك غير حقيقي؛ لأنّ المصنف أشار إلى الصور التي يتعين الربط فيها بالضمير، وذكر منها الجملة المؤكدة. وقال في الشرح (2/ 361): وقد تجامعه - أي: الضمير - واو الحال، أو تغني عنه في غير مؤكدة ... ثم قال في (2/ 374): وإن كانت الجملة الحالية مؤكدة منعت الواو اسمية كانت أو فعلية نحو: «هو الحق لا ريب فيه» وكقول امرئ القيس: خالي ابن كبشة قد علمت مكانه ... وأبو يزيد ورهطه أعمامي وخلت هذه من الواو لاتحادها بصاحبها من وجهين: أحدهما: كونها حالا، والحال وصاحبها شيء واحد في المعنى. والثاني: كونها مؤكّدة، والمؤكّد هو المؤكّد في المعنى. وقد لزم من الاتحاد من وجه في غير المؤكدة تغليب عدم الواو على وجودها فليترتب على الاتحاد من وجهين لزوم عدم الواو. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نادر (¬1). قال المصنف: وهي من المسائل التي حرفته عن الصواب وعجزت ناصره عن الجواب، وقد تنبّه في الكشاف فجعل قوله تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ * (¬2) في موضع نصب على الحال (¬3)، وكذا فعل في قوله تعالى: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ (¬4)؛ فقال: هو جملة محلها النصب على الحال، كأنّه قيل: والله يحكم نافذا حكمه، كما تقول: «جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة» تريد: حاسرا، هذا نصه في الكشاف (¬5). وعندي أنّ إفراد الضمير أقيس من إفراد الواو؛ لأنّ إفراد الضمير قد وجد في الحال وشبهيها وهما الخبر والنعت. وإفراد الواو مستغنى بها عن الضمير لم يوجد إلّا في الحال فكان لإفراد الضمير مزية على إفراد الواو. انتهى (¬6). وقد كثّر المصنف الشّواهد على صحّة انفراد الضمير (¬7)، وفيما تقدّم منها كفاية. المسألة الثانية: منع ابن جني إغناء الواو عن الضمير، وزعم أنّه لا بدّ من تقديره معها، فتقدّر «جاء زيد والشمس طالعة»: جاء زيد والشمس طالعة وقت مجيئه، ثم حذف الضمير، ودلت الواو على ذلك (¬8). وكأنّه يرى أنّ الربط لا يكون بالواو، وخالفه في ذلك الجمهور (¬9). - ¬

_ (¬1) ينظر: المفصل (ص 64) وفيه قال الزمخشري: والجملة تقع حالا، ولا تخلو من أن تكون اسمية أو فعلية، فإن كانت اسمية فالواو، إلّا ما شذّ من قولهم: «كلمته فوه إلى فيّ» وما عسى أن يعثر عليه في الندرة. (¬2) سورة البقرة: 36، وسورة الأعراف: 24، وسورة طه: 123. (¬3) ينظر: الكشاف (2/ 76). ويراجع المساعد لابن عقيل (2/ 46)، والهمع (1/ 246). (¬4) سورة الرعد: 41. (¬5) ينظر: الكشاف (2/ 364). (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 365، 366). (¬7) ينظر: السابق (2/ 364، 365). (¬8) ينظر: الارتشاف (2/ 366)، والهمع (1/ 246). (¬9) ينظر: الارتشاف (2/ 366).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الثالثة: منع الأخفش دخول الواو على الجملة الاسمية إذا كان خبرا المبتدأ فيها اسما مشتقا متقدّما، فلا يجوز «جاء زيد وحسن وجهه» تريد: ووجهه حسن (¬1)، قال: لأنك لو أزلت الواو لانتصب «حسن» فتقول: «مررت بزيد حسنا وجهه». والجواب: أنّ ما قاله ليس بلازم؛ لأنه يجوز تقدير الحال اسما مفردا ينصب كما ذكر، وتمتنع الواو، ويجوز تقديرها جملة تقدّم خبرها على المبتدأ فيها فترفع، ويجوز دخول الواو [3/ 83] قال الشاعر: 1856 - وقد أغتدي ومعي القانصان ... وكلّ بمربأة مقتفر (¬2) وقال: 1857 - عهدي بها الحيّ الجميع وفيهم ... عند التفرّق ميسر وندام (¬3) هكذا أنشد الشيخ هذين البيتين ردّا على الأخفش (¬4) ولا يظهر كونهما ردّا عليه؛ لأنّ الخبر المتقدم في الجملة ليس اسما مشتقّا، اللهمّ إلّا أن يريد الأخفش بالمشتق ما كان عاملا فيحسن الاستشهاد عليه بذلك. وقول المصنف: واجتماعهما في الاسمية والمصدّرة بـ (ليس) أكثر من انفراد الضمير، أمّا الاسمية فقد ذكرت أمثلة اجتماع الضمير والواو فيها، وأمّا المصدرة بـ (ليس) فمن اجتماعهما فيها قوله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ (¬5)، ومنه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر: المرجع السابق نفسه، والتذييل (3/ 836). (¬2) البيت من بحر المتقارب من رائية ساكنة مشهورة لامرئ القيس يصف فيها فرسه وخروجه إلى الصيد. انظر: الديوان (ص 111) طبعة دار صادر. المفردات: أغتدي: أذهب وقت الصباح. القانصان: الصائدان وهما فرساه، المربأة: المكان المرتفع تربأ منه. المقتفر: المتتبع للأثر. وشاهده: اقتران جملة الحال بالواو مع تقدم الخبر فيها. (¬3) البيت من الكامل، وقائله لبيد بن ربيعة، وهو في: ديوانه (288)، وكتاب سيبويه (1/ 190)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 62). والجميع: المجتمعون، والميسر: القمار على الجزور ليعود نفعه على المعوزين، والندام: المنادمة، أو جمع نديم. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 836). (¬5) سورة البقرة: 267.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1858 - أعن سيّئ تنهى ولست بمنته ... وتدعى بخير أنت عنه بمعزل (¬1) ومثله: 1859 - وقد علمت سلمى وإن كان بعلها ... بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال (¬2) ومن انفراد الواو قول الشاعر: 1860 - دهم الشّتاء ولست أملك عدّة ... والصّبر في السّبرات غير مطيع (¬3) ومثله: 1861 - تسلّت عمايات الرّجال عن الصّبا ... وليس صباي عن هواها بمنسل (¬4) وأما انفراد الضمير فقد تقدّم شاهده، وقد يقال: إنّ كلام المصنف يقتضي أنّ اجتماع الضمير والواو في غير الاسمية والمصدرة بـ (ليس) ليس أكثر، وقد تقدّم أنّ اجتماعهما أكثر من انفراد أحدهما، ولم يقيد ذلك باسمية ولا غيرها. والجواب: أنّ هاتين الجملتين قلّ انفراد الضمير فيهما حتى إنّ بعضهم منع ذلك في الجملة الاسمية كالزمخشري، وقد تقدّم. فقصد المصنف أن ينبّه على أنّ انفراد الضمير يقلّ فيهما، فقال: واجتماعهما ... أكثر من انفراد الضمير، ولا يلزم أنّ اجتماعهما ليس أكثر فيما عدا المذكور. وقوله: وقد تخلو منهما الاسمية عند ظهور الملابسة إشارة إلى أنّ الجملة قد تخلو من الضمير والواو معا. قال المصنف: حكى سيبويه الاستغناء عن الواو بنية الضمير إذا كان معلوما، كقولك: «مررت بالبرّ قفيز بدرهم» أي: قفيز منه بدرهم، وجاز هذا كما جاز في الابتداء «السّمن منوان بدرهم» على تقدير: منه، فلو قيل: بع السمن منوان - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل ولم يعرف قائله وينظر في: شرح المصنف (2/ 366)، والتذييل (3/ 832)، ومنهج السالك (ص 214). (¬2) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس وهو في: ديوانه (ص 109)، وشرح المصنف (2/ 366)، والتذييل (3/ 832). (¬3) البيت من الكامل، ولم يعرف قائله وينظر في: شرح المصنف (2/ 366)، والتذييل (3/ 834)، والهمع (1/ 246). والسّبرة: الغداة الباردة. (¬4) البيت من الطويل وهو لامرئ القيس وهو في ديوانه (ص 100)، وشرح المصنف (2/ 367)، والتذييل (3/ 835).

قال ابن مالك: (وقد تصحب الواو المضارع المثبت عاريا من «قد» أو المنفي بـ «لا» فيجعل على الأصحّ خبر مبتدأ مقدّر. وثبوت «قد» قبل الماضي غير التّالي لـ «إلّا» والمتلوّ بـ «أو» أكثر من تركها إن وجد الضّمير، وانفراد الواو حينئذ أقلّ من انفراد «قد»، وإن عدم الضّمير لزمتا) (¬1). - بدرهم، على تقدير: منه، وجعل الجملة حالا لجاز وحسن (¬2). ومراد المصنف أنها تخلو لفظا، وإلّا فالضمير مقدر، ولهذا صحّ الابتداء بالنكرة، وعبارة سيبويه تشعر بذلك (¬3). وقوله: واو تسمّى واو الحال، وواو الابتداء أي: للواو المذكورة اسمان، فباعتبار كون ما دخلت عليه حالا سميت واو الحال، وإنما سميت واو الابتداء؛ لأنه قد يجيء بعدها الجملة الابتدائية، وواو الحال أعم. ونقل ابن عمرون أنّ صدر الأفاضل (¬4) قال: الحال بيان هيئة الفاعل والمفعول، وأنت إذا قلت: «تقلّدت سيفي والشمس طالعة» لم يكن طلوع الشمس مبيّنا لهيئة المتقلّد، ولا المتقلّد والواو واو المفعول فيه لا الحال. والنحويون سهوا في واوين أحدهما هذه. قال ابن عمرون: لمّا لم يقف على المسألة نسب القوم إلى السّهو، وبيان الحال سهل؛ لأنّ معناه: (مبكرا) وشبهه مما يساعد عليه المعنى (¬5). قال الشيخ: وزعم بعض المتأخرين أنها عاطفة كواو (ربّ) واستدلّ عليه بأنّ (أو) لا يصحّ دخولها عليها، قال تعالى: أَوْ هُمْ قائِلُونَ (¬6) ولو كانت خلاف العاطفة لم يمتنع ذلك. انتهى (¬7). ويمكن أن يقال: إنّما امتنع دخول (أو) عليها؛ لمشاكلتها العاطف لفظا، لا لأنّها عاطفة حقيقة. قال ناظر الجيش: لما قدّم أن الجملة المصدرة بمضارع مثبت عار من (قد) أو بمضارع منفي بـ (لا) لا تصحبها الواو ويتعين الربط فيها بالضمير - أراد الآن أن - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 113). (¬2) شرح المصنف (2/ 367). (¬3) يراجع الكتاب (1/ 394، 396، 397). (¬4) هو أبو الفضل القاسم بن الحسين الخوارزمي المتوفى (سنة 617 هـ) في شرحه على المفصل الموسوم بالتخمير (1/ 443) بتحقيق د/ عبد الرحمن العثيمين - مكتبة العبيكان - الأولى/ 2000 م. (¬5) وفي الارتشاف (2/ 366): قيل: وإنما وقعت مثل هذه الجملة حالا - يعني «جاء زيد والشمس طالعة» - وليست هيئة لزيد على تقدير: جاء زيد موافقا طلوع الشمس. (¬6) سورة الأعراف: 4. (¬7) ينظر: التذييل (3/ 840).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينبّه على أنه إن وردت مصحوبة بالواو قدّر بعدها مبتدأ مخبر عنه بالمضارع المذكور لتصير الجملة اسمية فيتّجه مباشرة الواو إيّاها، وكأنه أشار بقوله: على الأصح إلى أنّ بعضهم لا يقدر مبتدأ، ويجعل الواو مباشرة المضارع على قلّة، وقد نقل ابن عمرون ذلك عن الجزولي (¬1)، والوارد من ذلك قول بعض العرب (قمت وأصكّ عينه» رواه الأصمعي (¬2)، وقال عنترة: 1862 - علّقتها عرضا وأقتل قومها ... زعما لعمر أبيك ليس بمرغم (¬3) وقال زهير: 1863 - بلين وتحسب آياتهن ... ن عن فرط حولين رقّا محيلا (¬4) وقال آخر: 1864 - فلمّا خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنهم مالكا (¬5) قال المصنف: ويمكن أن يكون من ذلك قوله تعالى: قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ (¬6)، وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (¬7)، وقراءة غير نافع: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (¬8)، وقراءة - ¬

_ (¬1) قال في مقدمته: ولا تجيء الواو مع المضارع غير الماضي معنى إلّا قليلا. قال أبو علي الشلوبين: مثاله «قمت وأصك عينه» والصواب في هذا الموضع أن الواو لم تدخل لتأكيد ربط المضارع بما قبله ... وإنما دخلت الواو هنا مؤكدة لربط الجملة الاسمية بما قبلها وأن المبتدأ بعدها مضمر، والتقدير: وأنا أصك عينه»؛ لأنه قد كثر مجيء المبتدأ بعد هذه الواو فجاز إضماره إذا فهم معناه. ينظر: شرح المقدمة الجزولية الكبير لأبي علي الشلوبين (2/ 735، 736) تحقيق د/ تركي ابن سهو - مؤسسة الرسالة، الثانية، 1994 م. (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 367). (¬3) البيت من الكامل وهو في: ديوان عنترة (ص 143)، وشرح المصنف (2/ 367)، والتذييل (3/ 841)، والتصريح (1/ 392). (¬4) البيت من المتقارب، وهو في: شرح ديوان زهير للأعلم (ص 96)، وشرح المصنف (2/ 367)، والمحيل: الذي أتى عليه حول. (¬5) البيت من المتقارب، وقائله عبد الله بن همام السلولي، وينظر: شرح المصنف (2/ 367)، والأشموني (2/ 144)، وشواهد ابن عقيل (137). (¬6) سورة البقرة: 91. (¬7) سورة الحج: 25. (¬8) سورة البقرة: 119، وقراءة نافع بفتح التاء من (تسأل) وجزم اللام بلا الناهية. ينظر: الإتحاف (1/ 414).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن ذكوان: فاستقيما ولا تتبعان (¬1) بتخفيف النون (¬2)، وتقدير المبتدأ في الآيات المتقدمة والأمثلة لا يخفى (¬3). وقد اقتضى الأمر أن يذكر أحوال [3/ 84] المضارع إذا كان منفيّا، فإنّ المصنف تعرّض هنا لذلك وكذا الشيخ أيضا. فاعلم أنّ أدوات النفي التي تصحب الفعل المذكور: (لا، وما، ولم، ولمّا، وإن) ولا تصحبه (لن) لما علمت. أمّا (لا): فقد تقدّم أنّ الفعل المنفي بها لا تصحبه الواو ويتعين الضمير فيه للربط وأنّه إن ورد مقرونا بها قدّر خبر مبتدأ كما في المثبت، والذي يقتضيه كلام ابن عصفور أنّ الواو لا يمتنع دخولها على المضارع المنفي، ولم يفصل بين (لا) وغيرها، وقد صرح ابن عمرون بجواز الواو، وحمل على ذلك وَلا تَتَّبِعانِّ في قراءة من خفف النون، وقد قدّر المصنف فيها مبتدأ، أي: وأنتما لا تتبعان، كما تقدّم (¬4). وأمّا (ما): فقد حكم لها المصنف بحكم (لا) فمنع الواو، وقد علم من كلام ابن عصفور جواز ذلك (¬5)، وقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في «تعليقته على المقرب» تقول: «جاء زيد وما يضحك غلامه» (¬6). وأمّا (لم): فقد يأتي المضارع المنفي بها بالضمير فقط، أو بالواو فقط أو بهما، فمثال الأول: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ (¬7). ومثال الثاني: 1865 - ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للموت دائرة على ابني ضمضم (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة يونس: 89. (¬2) ينظر: الإتحاف (2/ 119). (¬3)، (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 368). (¬5) نص كلامه في المقرب: فإن كان الفعل المضارع منفيّا وكانت الجملة مشتملة على ضمير عائد على ذي الحال جاز أن تأتي بالواو وألا تأتي بها (ص 222 من المقرب ومعه المثل طبعة دار الكتب العلمية). (¬6) انظر التعليقة ورقة 58 - مكتبة الأزهر - 4947 (رواق المغاربة). (¬7) سورة آل عمران: 174. (¬8) سبق تخريجه قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الثالث - وهو اجتماع الضمير والواو - قوله تعالى: أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ (¬1)، وقوله: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ (¬2)، ومنه قول كعب بن زهير: 1866 - لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم ... أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل (¬3) وقول الآخر: 1867 - سقط النّصيف ولم ترد إسقاطه ... فتناولته واتّقتنا باليد (¬4) وأنشد المصنف شاهدا على انفراد الضمير غير ما تقدم قول الشاعر: 1868 - فأدرك لم يجهد ولم يثن شأوه ... يمرّ كخذروف الوليد المثقّب (¬5) وقول الآخر: 1869 - وأضرب القونس يوم الوغى ... بالسّيف لم يقصر به باعي (¬6) وقول الآخر: 1870 - إذ يتّقون بي الأسنّة لم أخم ... عنها ولو أنّي تضايق مقدمي (¬7) ثم قال: وكثّرت شواهد (لم)؛ لأنّ ابن خروف قال: فإن كانت ماضية معنى لا لفظا احتاجت إلى الواو كان فيها ضمير أو لم يكن، والمستعمل بخلاف ما قاله (¬8). - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 93. (¬2) سورة مريم: 20. (¬3) البيت من البسيط وهو في ديوان كعب (ص 20)، وشرح المصنف (2/ 369). (¬4) البيت من الكامل، وقائله النابغة الذبياني، وهو في: ديوانه (ص 40)، وشرح المصنف (2/ 370)، والتذييل (3/ 845)، والأشموني (2/ 191) والنصيف: الخمار. (¬5) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس، وهو في: ديوانه (ص 19)، وشرح المصنف (2/ 369)، ومنهج السالك (215)، وشرح الشذور لابن هشام (ص 156)، والسرور في شرح الشذور (ص 123) رسالة والبيت في وصف فرسه، والشأو: السبق والغلبة، والخذروف: لعبة للصبيان، وهي خشبة طويلة يدورها الصبي بخيط فيسمع لها دويّ وتدور بسرعة شديدة فلا تكاد ترى لسرعتها. (¬6) البيت من السريع، وقائله: أبو قيس بن الأسلت الأنصاري وينظر في: المفضليات (ص 286)، وشرح المصنف (2/ 369)، ومنهج السالك (ص 216). والقونس: أعلى الرأس. (¬7) البيت من الكامل، وقائله عنترة بن شداد، وهو في: ديوانه (ص 154)، وشرح المصنف (2/ 369)، ومنهج السالك (215). ولم أخم: لم أجبن. ومقدمي: موضع قدمي. (¬8) ينظر: شرح المصنف (2/ 370).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما (لما): فقال المصنف: المنفي بها كالمنفي بـ (لم) في القياس إلّا أنّي لم أجده مستعملا إلّا بالواو، كقوله تعالى: وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ (¬1)، وقال الشاعر: 1871 - بانت قطام ولمّا يحظ ذو مقة ... منها بوصل ولا إنجاز ميعاد (¬2) وأمّا (إن): فلم يتعرض لذكرها المصنف، وقال الشيخ: لا أحفظه من لسان العرب، والقياس يقتضي جوازه، تقول: جاء زيد إن يدري كيف الطريق. انتهى (¬3). وإذا كانت (لما) في القياس كـ (لم) وكذا (إن) جاز أن يكون الرابط الضمير وحده، أو الواو وحدها، أو كليهما. ونبّه المصنف بقوله: وثبوت (قد) قبل الماضي ... إلى آخر الفصل على أنّ (قد) تصحب الماضي لفظا، إذا لم يكن قبله (إلّا) ولا بعده (أو). والحاصل: أنّ للفعل المذكور باعتبار اجتماع الضمير، والواو و (قد)، وانفراد الضمير، واجتماعه مع الواو أو مع (قد)، واجتماع الواو و (قد) دون الضمير حالات خمسا: الأولى: اجتماع الثلاثة كقوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ (¬4)، وكقوله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ (¬5)، وقوله تعالى: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ (¬6)، وقال امرؤ القيس: 1872 - أتقتلني وقد شغفت فؤادها ... كما شغف المهنوءة الرجل الطّالي (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 214. (¬2) البيت من البسيط، ولم يعرف قائله. وينظر في: شرح المصنف (2/ 370)، والتذييل (3/ 846)، ومنهج السالك (216). والمقة: المحبّة. (¬3) ينظر: التذييل (3/ 848). (¬4) سورة البقرة: 75. (¬5) سورة الأنعام: 119. (¬6) سورة يونس: 91. (¬7) البيت من الطويل، وهو لامرئ القيس بن حجر وهو في: ديوانه (ص 109)، وشرح المصنف (2/ 370)، والمحتسب (1/ 339)، ومنهج السالك (ص 215). وشغفت: بلغ حبي شغاف قلبها، والمهنوءة: الناقة التي طليت بالقطران، والطالي: اسم فاعل من طلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال علقمة: 1873 - تكلّفني ليلى وقد شطّ وليّها ... وعادت عواد بيننا وخطوب (¬1) الحالة الثانية: انفراد الضمير، وهي أقلّ من التي قبلها، وذلك كقوله تعالى: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ (¬2)، وكقوله تعالى: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا (¬3)، وكقوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا (¬4)، وكقوله تعالى: وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ (¬5)، ومنه قول امرئ القيس: 1874 - له كفل كالدّعص لبّده النّدى ... إلى حارك مثل الغبيط المذأّب (¬6) وقوله أيضا: 1875 - درير كخذروف الوليد أمرّه ... تتابع كفّيه بخيط موصّل (¬7) الحالة الثالثة: اجتماع الضمير مع الواو وحدها، وهي أقلّ من التي قبلها كقوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ (¬8)، وكقوله تعالى: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا (¬9)، وكقوله تعالى: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ (¬10)، وقوله [3/ 85] تعالى: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (¬11)، وكقوله تعالى: قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً (¬12). - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله: علقمة بن عبدة بن النعمان المعروف بعلقمة الفحل. وهو في: ديوانه (ص 33)، وشرح المصنف (2/ 371) والتذييل (3/ 849). (¬2) سورة النساء: 90. (¬3) سورة يوسف: 65. (¬4) سورة التوبة: 92. (¬5) سورة يوسف: 16. (¬6) البيت من الطويل لامرئ القيس وهو في: ديوانه (ص 17)، وشرح المصنف (2/ 371)، ومنهج السالك (214)، واللسان «ذأب». والكفل: العجز، والدّعص: الرمل، وحارك الفرس: كاهله، والغبيط: قتب الهودج، والمذأب: الواسع. (¬7) البيت من الطويل وهو لامرئ القيس أيضا وهو في ديوانه (ص 102)، وشرح المصنف (2/ 371)، ومنهج السالك (ص 214)، واللسان (درر). والدرير: وصف للفرس، وهو المكتنز اللحم، والخذروف: لعبة يلعب بها الصبيان وسبق بيان معناها. (¬8) سورة البقرة: 28. (¬9) سورة آل عمران: 168. (¬10) سورة هود: 42. (¬11) سورة يوسف: 45. (¬12) سورة مريم: 8.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحالة الرابعة: اجتماع الضمير مع (قد) وحدها، وهي أقلّ من التي قبلها، ومثاله قول الشاعر: 1876 - أتيناكم قد عمّكم حذر العدا ... فنلتم بنا أمنا ولم تعدموا نصرا (¬1) ومثله: 1877 - وقفت بربع الدّار قد غيّر البلى ... بيارقها والسّاريات الهواطل (¬2) الحالة الخامسة: اجتماع الواو و (قد) وهي أقلّ من التي قبلها ومثاله قول امرئ القيس: 1878 - فجئت وقد نضت لنوم ثيابها ... لدى السّتر إلا لبسة المتفضّل (¬3) وقول النابغة: 1879 - فلو كانت غداة البين منّت ... وقد رفعوا الخدور على الخيام (¬4) وقول علقمة: 1880 - فجالدتهم حتّى اتّقوك بكبشهم ... وقد حان من شمس النّهار غروب (¬5) وكون الحالات خمسا، وكل حالة منها أكثر استعمالا من التي بعدها هو مقتضى كلام المصنف في الشرح صريحا، وأمّا كلامه في المتن فغير واف بخمس الصور، على ما فيه من المخالفة لما ذكر في الشرح وذلك من وجهين: أحدهما: قوله: وثبوت (قد) قبل الماضي غير التالي لـ (إلّا) والمتلوّ بـ (أو) أكثر من تركها إن وجد الضمير. وقال في الشرح: وانفراد الضمير مع التجرد من (قد) والواو أكثر من اجتماعه - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله وينظر: في شرح المصنف (2/ 372) ومنهج السالك لأبي حيان (ص 215)، والارتشاف (2/ 369). (¬2) البيت من الطويل، وقائله النابغة الذبياني من قصيدة يرثي بها النعمان بن الحارث وهو في ديوانه (ص 87)، وشرح المصنف (2/ 372)، ومنهج السالك (ص 215)، والأشموني (4/ 190) والسّاريات: السّحب التي تأتي ليلا. (¬3) البيت من الطويل، وهو في: ديوانه (ص 98) من معلقته، وشرح المصنف (2/ 374). (¬4) البيت من الوافر، وهو في: ديوان النابغة الذبياني (ص 111)، وشرح المصنف (2/ 374)، والتذييل (3/ 854). (¬5) البيت من الطويل وهو في: شرح ديوانه (ص 31)، وشرح المصنف (2/ 374).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع أحدهما (¬1). الثاني: قوله: وانفراد الواو حينئذ - أي: حين وجد الضمير - أقلّ من انفراد (قد). وقال في الشرح: واجتماعه - أي: الضمير - مع الواو وحدها أكثر من اجتماعه مع (قد) وحدها (¬2). وأمّا لزوم الواو و (قد) إذا لم يكن ضمير فقد أشار إليه بقوله: وإن عدم الضمير لزمتا؛ أي: الواو و (قد). وقد قال المصنف: وزعم قوم أنّ الفعل الماضي لفظا لا يقع حالا وليس قبله (قد) ظاهرة إلّا وهي قبله مقدرة (¬3). وهذه دعوى لا يقوم عليها حجّة؛ لأنّ الأصل عدم التقدير ولأنّ وجود (قد) مع الفعل المشار إليه لا يزيد معنى على ما يفهم منه إذا لم توجد، وحقّ المحذوف المقدّر ثبوته أن يدل على معنى لا يدرك بدونه. فإن قيل: (قد) تدلّ على التقريب - قلنا: دلالتها على التقريب مستغنى عنها بدلالة سياق الكلام على الحالية، كما أغنى عن تقدير السين وسوف سياق الكلام في مثل قوله تعالى: وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ (¬4) ولو كان الماضي معنى لا يقع حالا إلّا وقبله (قد) مقدّرة لامتنع وقوع المنفي بـ (لم) حالا، ولكان المنفي بـ (لما) أولى منه بذلك؛ لأنّ (لم) لنفي (فعل) و (لمّا) لنفي (قد فعل) وهذا واضح لا ريب فيه. وأجاز بعض من قدّر (قد) قبل الفعل الماضي الاستغناء عن تقديرها بجعل الفعل صفة لموصوف مقدّر (¬5)، وهو أيضا تكلّف شيء لا حاجة إليه. انتهى (¬6). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 371). (¬2) شرح المصنف (2/ 371). (¬3) هذا مذهب الفراء والمبرد وأبي علي والجزولي والأبذي وابن عصفور والعكبري. ينظر: معاني الفراء (1/ 24)، والمقتضب (4/ 120 - 124)، واللباب للعكبري (1/ 293، 294)، والتذييل (3/ 852)، والارتشاف (2/ 370)، والهمع (1/ 247). (¬4) سورة يوسف: 6. (¬5) منهم المبرد والعكبري. يراجع المقتضب (4/ 124)، واللباب للعكبري (1/ 294)، والبحر المحيط (3/ 317). (¬6) انتهى كلام المصنف وينظر: في شرحه (2/ 372 - 373).

[الجملتان المفسرة والاعتراضية وعلاقتهما بالحالية]

[الجملتان المفسرة والاعتراضية وعلاقتهما بالحالية] قال ابن مالك: (فصل: لا محلّ إعراب للجملة المفسّرة، وهي الكاشفة حقيقة ما تلته ممّا يفتقر إلى ذلك، ولا للاعتراضيّة وهي المفيدة تقوية بين جزأي صلة أو إسناد أو مجازاة أو نحو ذلك، ويميّزها من الحاليّة امتناع قيام مفرد مقامها، وجواز اقترانها بالفاء و «لن» وحرف تنفيس وكونها طلبية، وقد تعترض جملتان خلافا لأبي علي) (¬1). - وفي جعل الفعل صفة شيء آخر، وهو دعوى حذف الموصوف مع كون الصفة جملة، وهي لا يحذف موصوفها إلا بشرط هو مفقود هنا. قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على الجملة الحالية، وكان من الجمل جملتان تشبهانها وتغايرانها وجب التنبيه عليهما، ما يتميزان به والجملتان هما المفسّرة والاعتراضية، وكلتاهما لا موضع لها من الإعراب. أما المفسّرة: فهي المبينة حقيقة شيء متقدّم عليها مفتقر إلى البيان وهو معنى قول المصنف: وهي الكاشفة حقيقة ما تلته مما يفتقر إلى ذلك، كقوله تعالى: خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ (¬2) بعد قوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ (¬3). وكقول النابغة: «يكوى غيره وهو راتع» من قوله: 1881 - تكلّفني ذنب امرئ وتركته ... كذي العرّ يكوى غيره وهو راتع (¬4) وذهب بعضهم (¬5) إلى أن حكم المفسّرة حكم ما فسّرته، فإن كان له موضع من الإعراب فلها موضع على حسبه، وإلّا فلا. ومقتضى هذا أنّ مفسّرها متى كان مفردا كان لها موضع من الإعراب؛ لأنّ المفرد لا بدّ له من الإعراب لفظا أو محلّا، ومتى كان مفسّرها جملة ولها محلّ من الإعراب فكذلك، وإن لم يكن لها محلّ - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 113). (¬2)، (¬3) سورة آل عمران: 59. (¬4) البيت من الطويل، وهو في: ديوان النابغة الذبياني (ص 81) وشرح المصنف (2/ 375). والغرّ: داء يصيب مشافر الإبل، وكان إذا فشا في الإبل أخذوا بعيرا صحيحا ليكوى بين يدي الإبل، بحيث تنظر إليه فتبرأ كلها، وقد صار الشطر الثاني من هذا البيت مثلا يضرب في أخذ البريء بذنب صاحب الجناية. ينظر: مجمع الأمثال (3/ 49). (¬5) هو الأستاذ أبو علي الشلوبين كما سيأتي، وينظر: الارتشاف (2/ 374).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالمفسّرة مثلها، وعلى هذا يكون (خلقه) في محل جرّ؛ لأنّ مفسّرها مجرور، وكذلك «يكوي غيره وهو راتع» لأنّ مفسرها كذلك، ومثّل الشيخ لما له موضع من الإعراب بقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (¬1) قال: فـ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ في موضع نصب؛ لأنه تفسير للموعود به، ولو صرح به لكان في موضع نصب. انتهى (¬2). ولم أتحقق ما ذكره [3/ 86]، وقال أبو علي الشلوبين: قول النحويين أنّ التفسير لا موضع له من الإعراب ليس على ظاهره مطلقا، والتحقيق في ذلك: أنه على حسب ما يفسره، فإن كان له موضع كان المفسّر له موضع، وإلّا فلا، مثال ما لا موضع له: (ضربته) من «زيدا ضربته» فإنّه فسّر عاملا في (زيد) وذلك العامل لا موضع له إن ظهر فالمفسّر مثله، ومثال ما له موضع: (خلقنه) من قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ (¬3)؛ لأنّه فسّر ما له موضع من حيث وقوعه خبرا أيضا ويوضحه ظهور الرفع في المفسّر وهو دليل قوي على ما ذكرنا. وكذلك مسألة الكتاب (¬4) «إن زيدا تكرمه يكرمك» فـ (تكرمه) تفسير للعامل في (زيد) وقد ظهر الجزم. انتهى (¬5). وهو كلام محقق، ولعلّ المصنف لا ينازع في ذلك، فإنه لم يرد بالمفسّرة إلا ما عرّفها به من أنها تكشف حقيقة متلوها المفتقر إلى البيان، ولا يصدق هذا على الجملة الواقعة بعد الاسم المشتغل عنه، وإنما أطلق عليها تفسيرية لكونها دالّة على المحذوف، والتفسيرية المذكورة هنا أخصّ والذي يقطع بأن المصنف لم يقصد الجملة الواقعة في باب الاشتغال قوله: إنّ المفسّرة والاعتراضية تشبهان الحالية فلهذا وجب التنبيه عليهما (¬6). وليست الجملة في «زيدا ضربته» توهم الحالية، ولا تلبس بها فتدخل في مقصود المصنف (¬7). ونقل الشيخ عن الصفار أنه قال في شرح الكتاب: لا تفسّر الجملة إلا بمثلها، - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 9. (¬2) ينظر: التذييل (3/ 856). (¬3) سورة القمر: 49. (¬4) يراجع الكتاب (3/ 113، 114). (¬5) ينظر: الارتشاف (2/ 374، 375)، ومغني اللبيب (ص 402، 403)، والهمع (1/ 248) وفيه اختار السيوطي مذهب الشلوبين. (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 375). (¬7) يراجع المغني (ص 402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا المفرد إلّا بمثله، فإن جاء خلاف ذلك لم يكن، وذلك قوله تعالى: كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ (¬1) فهذه الجملة مفسّرة لـ (آدم،) وكذلك: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (¬2) ثم قال: (تؤمنون) (¬3). انتهى (¬4). وجعله الجملة المفسّرة لـ (آدم) غير ظاهر، والظاهر أنها تفسير لـ (مثل آدم). وأما الاعتراضية: فهي الواقعة بين متلازمين، أو كالمتلازمين لتفيد تقوية أي: للكلام التي اعترضت بين أجزائه. قال الشيخ: قال في البسيط: وشرطها أن تكون مناسبة للجملة المقصودة، بحيث يكون كالتوكيد لها، أو التنبيه على حال من أحوالها، وألّا تكون معمولة لشيء، من أجزاء الجملة المقصودة، وألّا يكون الفصل بها إلّا بين الأجزاء المنفصلة بذاتها، بخلاف المضاف والمضاف إليه؛ لأنّ الثاني كالتنوين منه. انتهى (¬5). ولا يظهر قوله: ألا تكون معمولة لشيء من أجزاء الجملة؛ لأنّ الاعتراضية لا موضع لها من الإعراب، فلا حاجة إلى اشتراط ذلك. ووقوع الجملة المذكورة إمّا بين موصول وصلته نحو قول الشاعر: 1882 - ماذا ولا عتب في المقدور رمت أما ... يحظيك بالنّجح أم خسر وتضليل (¬6) وقول الآخر: 1883 - ذاك الّذي وأبيك يعرف مالكا ... والحقّ يدفع ترّهات الباطل (¬7) وإمّا بين ما هو مؤول بموصول وبين معموله نحو قول الشاعر: 1884 - وتركي بلادي والحوادث جمّة ... طريدا وقدما كنت غير مطرّد (¬8) وعبّر المصنف عن الموصول وصلته، وعمّا ذكر بعده بقوله: جزأي صلة وناقشه - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 59. (¬2) سورة الصف: 10. (¬3) سورة الصف: 11. (¬4) ينظر: التذييل (3/ 856). (¬5) ينظر: التذييل (3/ 857). (¬6) البيت من البسيط، ولم يعرف قائله وينظر في: شرح المصنف (2/ 375)، والبحر المحيط (1/ 403)، والهمع (1/ 88). والنجح: بمعنى النجاح. (¬7) البيت من الكامل وقائله: جرير، وينظر: في شرح ديوانه (ص 345)، والخصائص (1/ 336)، والمقرب (1/ 62)، وشرح المصنف (2/ 376)، والمغني (ص 391). (¬8) البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وينظر في: شرح المصنف (2/ 375)، والارتشاف (2/ 372).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ فيه، والأمر في ذلك قريب. وإمّا بين جزأي إسناد نحو قول الشاعر: 1885 - وقد أدركتني والحوادث جمّة ... أسنّة قوم لا ضعاف ولا عزل (¬1) وإما بين شرط وجواب كقوله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى (¬2) على أحد القولين (¬3)، ومنه قول عنترة: 1886 - إمّا تريني قد نحلت ومن يكن ... غرضا لأطراف الأسنّة ينحل فلربّ أبلج مثل بعلك بادن ... ضخم على ظهر الجواد مهبّل غادرته متعفّرا أوصاله ... والقوم بين مجرّح ومجدّل (¬4) وقوله: أو نحو ذلك يعني أو نحو ما تقدّم وذلك لوقوعها بين قسم وجوابه كقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (¬5)، ومنه قول الشاعر: 1887 - لعمري وما عمري عليّ بهيّن ... لقد نطقت بطلا عليّ الأقارع (¬6) وبين نعت ومنعوت نحو قوله: لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، وبين فعل ومفعوله نحو: 1888 - وبدّلت والدّهر ذو تبدّل ... هيفا دبورا بالصّبا والشّمأل (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لرجل من دارم هو جويرية بن زيد. وينظر في: شرح المصنف (2/ 376)، والارتشاف (2/ 372)، والمغني (ص 387). (¬2) سورة النساء: 135. (¬3) أي: على أن جواب الشرط فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى والقول الثاني كما قال ابن هشام: والظاهر أن الجواب فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما ينظر: المغني (389). (¬4) الأبيات من الكامل، وهي في: ديوان عنترة (ص 121)، وشرح المصنف (2/ 376). والمهبّل: الثقيل، والمجدّل: المطروح على الأرض. (¬5) سورة الواقعة: 75 - 77. (¬6) البيت من الطويل وقائله النابغة الذبياني وينظر في: ديوانه (ص 80)، وكتاب سيبويه (2/ 70)، وشرح المصنف (2/ 376)، والمغني (ص 390). (¬7) البيتان من الرجز المشطور، وقائلهما أبو النجم، وينظر في: شرح المصنف (2/ 376)، والارتشاف (2/ 373)، والمغني (ص 387)، والهمع (1/ 248). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبين (كأنّ) واسمها، نحو قول الشاعر: 1889 - كأنّ وقد أتى حول جديد ... أثافيها حمامات مثول (¬1) وأشار المصنف بقوله: ويميزها من الحالية ... إلى آخره، إلى أنّ الفارق بين الجملة الاعتراضية والجملة الحالية ثلاثة أمور: الأول: امتناع قيام مفرد مقامها إذا كانت اعتراضية، وجوازه إذا كانت حالية. قال المصنف: فلو أقمت مفردا مقام «ولا عتب في المقدور» لوجدته ممتنعا، وكذا سائر الأمثلة التي بعده (¬2). الأمر الثاني: جواز اقتران الاعتراضية بالفاء أو بـ (لن) أو بحرف تنفيس. فمثال الأول قوله تعالى: فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما (¬3). ومنه قول الشاعر [3/ 87]: 1890 - ألا أبلغ بنيّ بني ربيع ... فأشرار البنين لهم فداء بأنّي قد كبرت وطال عمري ... فلا تشغلهم عنّي النّساء (¬4) وقول الآخر: 1891 - واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كلّ ما قدرا (¬5) ومثال الثاني قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا (¬6). - ¬

_ - والهيف: ريح حارة تأتي من قبل اليمن، والدبور: ريح مهبها مغرب الشمس، والصّبا: مهبها مطلع الشمس. (¬1) البيت من الوافر، وقائله أبو الغول الطهوي وينظر في: نوادر أبي زيد (ص 151، 186)، والخصائص (1/ 338)، وشرح المصنف (2/ 377)، والمغني (ص 392)، والهمع (1/ 248). والأثافي: جمع أثفية، وهي الحجارة التي توضع عليها القدر، والمثول: من الأضداد، ويطلق على ما التصق بالأرض، وعلى المنتصبات. (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 377). (¬3) سورة النساء: 135. (¬4) البيتان من الوافر، وقائلهما الربيع بن ضبع الفزاري وهما في: شرح المصنف (2/ 377)، والخزانة (7/ 381). (¬5) البيت من الكامل، ولم يعرف قائله، وينظر في: شرح المصنف (2/ 377)، والمغني (ص 398)، وشرح الشذور (ص 283)، والفوائد الضيائية للجاحي (2/ 349)، والداودي على ابن عقيل (1/ 708). (¬6) سورة البقرة: 24.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الثالث قول زهير: 1892 - وما أدري وسوف إخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء (¬1) الأمر الثالث: كونها طلبية، كقوله تعالى: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ (¬2) فـ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ جملة معترضة بين تُؤْمِنُوا وأَنْ يُؤْتى أَحَدٌ. ومن ذلك قوله تعالى: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ (¬3) اعترضت بين فَاسْتَغْفَرُوا (¬4) ولَمْ يُصِرُّوا (¬5) وهما جملتان معطوف إحداهما على الأخرى في صلة الَّذِينَ. ومن ذلك قول الشاعر: 1893 - إنّ سليمى - والله يكلؤها - ... ضنّت بشيء ما كان يرزؤها (¬6) فقوله: «والله يكلؤها» دعاء، وقد اعترضت بين اسم (إنّ) وخبرها. وأراد المصنف بجعله وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ طلبية، أنها طلب في الصورة، وإن كانت خبرا من حيث المعنى. وزعم أبو علي أنّ الاعتراض لا يكون إلّا بجملة واحدة (¬7). وردّ المصنف ذلك عليه، فإنّ الاعتراض بجملتين كثير، ومنه قول زهير: 1894 - لعمر أبيك والأنباء تنمي ... وفي طول المعاشرة التّقالي لقد باليت مظعن أمّ أوفى ... ولكن أمّ أوفى لا تبالي (¬8) - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، وقائله زهير بن أبي سلمى وهو في شرح ديوانه للأعلم (ص 72)، وشرح المصنف (2/ 377)، والمغني (ص 41). (¬2) سورة آل عمران: 73. (¬3)، (¬4)، (¬5) سورة آل عمران: 135. (¬6) البيت من المنسرح، وقائله: ابن هرمة وينظر: في ديوانه (ص 55) والأمالي الشجرية (1/ 215)، وشرح المصنف (2/ 378)، والمغني (396). يكلؤها: يحفظها، ويرزؤها: ينقصها ويضرها. (¬7) ينظر: الارتشاف (2/ 375)، والمغني (ص 394). (¬8) البيتان من الوافر، وقائلهما زهير بن أبي سلمى، وهما في ديوانه (ص 86) بشرح الأعلم، وصدر الأول منهما: لعمري والخطوب مغيّرات وكذلك في المغني (ص 395)، وهما بالرواية المذكورة هنا في شرح المصنف (2/ 378). والتقالي: التباغض، وباليت: اكترثت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ذلك قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ (¬1). وقال الزمخشري: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (¬2) اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه، وهما فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً (¬3) وأَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى (¬4). وهذا اعتراض بكلام تضمّن سبع جمل. انتهى (¬5). وقال الشيخ: بل هي أربع: جملة (لو) وجملة جوابها، وجملة الاستدراك، وجملة العطف عليه. انتهى (¬6). وقد يقال: جملة (لو) وجملة جوابها في حكم جملة واحدة، وعلى هذا يكون الاعتراض بثلاث جمل لا غير. وينبغي أن يتعرض هنا لذكر الجمل، وتمييز ما له محلّ منها مما ليس له ذلك: والضابط فيه أنّ كل جملة وقعت موقع مفرد كان لها محلّ، وما لا فلا، وقد قسمت الجمل بالاعتبار المذكور إلى ثمانية أقسام، أربعة منها لها محلّ، وهي: جملة الخبر، والحال، والصفة، والمضاف إليها، وكل منها مذكور في بابه. وأربعة منها ليس لها محلّ، وهي: الجملة الابتدائية، والجملة الموصول بها، والجملة المفسّرة، والجملة الاعتراضية. وقال الشيخ: إنّ الجمل التي لا محلّ لها اثنا عشر قسما فذكر الأربعة المشار إليها، وذكر أقساما كلها ترجع إلى الجملة الابتدائية، وعدّد أيضا صورا من الجمل التي لها محلّ، والكلّ داخل تحت الضابط المتقدّم (¬7)، فتركت التعرّض له لذلك. * * * ¬

_ (¬1) سورة النحل: 43، 44. (¬2) سورة الأعراف: 96. (¬3) سورة الأعراف: 95. (¬4) سورة الأعراف: 97. (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 378)، وما ذكر هو ما فهمه من كلام الزمخشري، وليس هذا نصه. يراجع الكشاف (2/ 98)، والمغني (ص 394، 395). (¬6) ينظر: التذييل (3/ 866). (¬7) ينظر: الارتشاف (2/ 375، 376).

الباب التاسع والعشرون باب التمييز

الباب التاسع والعشرون باب التّمييز [تعريفه] قال ابن مالك: (وهو ما فيه معنى «من» الجنسيّة من نكرة منصوبة فضلة غير تابع) (¬1). قال ناظر الجيش: المقصود بالحدّ المذكور: يطلق عليه التمييز والتبيين والتفسير والمميز والمبين والمفسّر، والتمييز أغلب ألقابه، وهو في الأصل مصدر ميّز الشيء إذا فصله وأفرده من غيره، والثلاثي منه (ماز) يقال: «مز ذا من ذا» أي: افصله، ومنه قوله تعالى: وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (¬2) فقوله: ما فيه معنى (من) يشمل التمييز نحو: «امتلأ الإناء ماء، وله رطل زيتا» وثاني منصوبي (استغفر) كـ (ذنبا) من قول الشاعر: 1895 - أستغفر الله ذنبا لست محصيه ... ربّ العباد إليه الوجه والعمل (¬3) والمنصوب على التشبيه بالمفعول به في نحو: «هو حسن وجهه». والنكرة المضاف إليها في نحو: «رطل زيت» واسم (لا) المحمولة على (إنّ) نحو: «لا خير من زيد فيها» وتابع العدد إذا كان من جنس المعدود نحو: «قبضت عشرة دراهم» ونحو: أَسْباطاً من قوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً (¬4) وصفة اسم (لا) المنصوبة به نحو: «لا رجل ظريفا». فأخرج ثاني منصوبي (أستغفر) بقوله: الجنسية، والمنصوب على التشبيه بالمفعول به في المثال المتقدم بقوله: نكرة. والنكرة المضاف إليها المفيدة للتمييز - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 114). (¬2) سورة يس: 59. (¬3) البيت من البسيط ولم يعرف قائله. وينظر: في الكتاب (1/ 37)، والمقتضب (2/ 320)، والخصائص (1/ 384)، وشرح المصنف (2/ 379). وشاهده: قوله: «أستغفر الله ذنبا»؛ حيث نصب ذنبا على المفعولية، ولا يجوز نصبه على التمييز وإن كان بمعنى «من» لأن معناها ليس للجنس. (¬4) سورة الأعراف: 160.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله: منصوبة، واسم (لا) بقوله: فضلة، وتابع العدد المذكور وصفة اسم (لا) المنصوبة بقوله: غير تابع. قال المصنف (¬1): واحترز بـ: ما فيه معنى (من) من الحال، فإنها تشارك التمييز فيما سوى ذلك من القيود. ولا يخفى ما في هذا الحدّ من القلق، وإنّ قوله: احترز بـ: ما فيه معنى (من) من الحال لا يحتاج إليه، مع أنّ الجنس لا يؤتى به للاحتراز، لكنّ المصنف لا يعتبر ذلك، وكأنّه لمّا لم يتعين عنده المذكور أولا للجنسية؛ جاز أن يحترز به [3/ 88] كما يحترز بالفصول، ولكن ترك هذا أولى. وقد ناقشه الشيخ في قوله: ما فيه معنى (من) قال: إنّ التمييز المنقول ليس فيه معناها. وفي قوله: غير تابع قال: لا يحتاج إليه؛ لأنّ التابع لا يلزم نصبه، إنّما هو بحسب المتبوع. قال: وكذا صفة اسم (لا) لا يحترز منها؛ لأنها يجوز رفعها بخلاف التمييز فإنه ملتزم فيه النصب، وأيضا ليس في الصفة المذكورة معنى (من) فلم يدخل أولا ليحترز عنه ثانيا. انتهى (¬2). أما قوله: إنّ التمييز المنقول ليس فيه معنى (من) - فظاهر، إلّا أن يدّعي المصنف التعميم ويقول: لا يلزم من عدم جواز ظهور (من) معه فيما ذكرتم ألّا يفسّر بها المعنى، فكم من مقدّر معنى وظهوره ممتنع. وأمّا قوله: إنه لا يحتاج لقوله: غير تابع؛ لأنّ التابع لا يلزم نصبه - فالمصنف إنّما احترز به على تقدير تبعيته للأول ما دام منصوبا. وأمّا قوله: إنّ صفة اسم (لا) يجوز رفعها، فنقول: ما احترز عنها إلا ما دامت منصوبة. وأمّا قوله: إنّ صفة اسم (لا) ليس فيها معنى (من) فصحيح. والأقرب في حدّ التمييز ما ذكره ابن الحاجب وهو: ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة - ¬

_ (¬1) شرح المصنف (2/ 379). (¬2) ينظر: التذييل (4/ 5، 12، 13) رسالة بتحقيق د/ الشربيني أبو طالب، رحمه الله تعالى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو مقدّرة (¬1). فقوله: «يرفع الإبهام» يشمل التمييز وغيره كالحال. وقوله: «عن ذات» يخرج غير التمييز. وقوله: «المستقر» يخرج به نحو: (مبصرة) من قولك: «عين مبصرة»؛ لأنّه يرفع الإبهام عن ذات وليس بتمييز؛ لأنّ الإبهام فيها غير مستقر، بخلاف نحو: (عشرين) فإنّه موضوع لذات مبهمة في أصل الوضع، و (عين) وضع دالّا على كلّ واحد من مدلولاته، وإنما عرض الإبهام فيه من جهة تعدد الوضع. وقوله: «مذكورة أو مقدّرة» تقسيم للتمييز، فإنّه يكون عن ذات ذكرت كـ «عشرين درهما» ويكون عن ذات مقدّرة كـ «حسن زيد أبا»؛ لأنّ (حسن) مسند في اللفظ إلى (زيد) وهو في المعنى مسند لمقدّر متعلق بـ (زيد)، وذلك المقدّر مبهم لاحتمال متعلقاته كلها، فإذا قلت: (أبا) فقد رفعت الإبهام عن الذات المقدّرة، كما رفعت الإبهام في «عشرين درهما» عن الذات المذكورة ومميز الذات المذكورة هو مميز المفرد، ومميز الذات المقدّرة هو مميّز الجملة (¬2). وحقيقة الذات المقدّرة أنّها النسبة الحاصلة بين منتسبين فكلما ميّز نسبة أطلق عليه مميّز جملة، وما لم يميز نسبة فهو مميز مفرد، ويعبّر النحويون عن القسم الأول - أعني مميز الجملة - بأنه المنتصب عن تمام الكلام، وعن القسم الثاني بأنه المنتصب عن تمام الاسم. واعلم أن التمييز مناسب للحال من وجوه ومفارق لها من وجوه: أمّا المناسبة: فكونهما نكرتين، ويأتيان بعد تمام الكلام، ويبيّن بهما، فالتمييز يبيّن به الذوات، والحال يبين بها الهيئات. وأمّا المفارقة: فمن جهة أنّ الحال بابها الاشتقاق، والتمييز بابه الجمود. والحال يحسن معها تقدير (في)، والتمييز يحسن معه تقدير (من). والحال ليس في تقديمها على العامل المتصرف خلاف بين البصريين، وفي التمييز خلاف. والحال تكون منتقلة في أحد أقسامها، والتمييز لا يكون منتقلا. والحال تقع جملة، - ¬

_ (¬1) ينظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 348) وهذا تعريف الزمخشري. (¬2) استفاد هذا الشرح من كلام ابن الحاجب. يراجع الإيضاح في شرح المفصل (1/ 348 - 350).

[قسما التمييز: ما يميز مفردا وما يميز جملة]

[قسما التمييز: ما يميز مفردا وما يميز جملة] قال ابن مالك: (ويميز إمّا جملة - وستبيّن - وإمّا مفردا عددا أو مفهم مقدار أو مثليّة، أو غيريّة، أو تعجّب بالنصّ على جنس المراد بعد تمام بإضافة أو تنوين، أو نون تثنية أو جمع أو شبهه) (¬1). - والتمييز ليس كذلك (¬2). قال ناظر الجيش: قد تقرر أنّ التمييز قسمان: قسم يميّز المفرد، وقدّم المصنف ذكره، وقسم يميّز الجملة، وقد أخّر المصنف الكلام عليه. وعند صاحب الكتاب (¬3) أنّ مميز الجملة ما ذكر بعد جملة فعلية مبهمة النسبة، نحو: «طاب زيد نفسا» وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (¬4). ومميز المفرد ما عدا ذلك، ولهذا عدّ من مميز المفرد نحو: «هو طيب نفسا، ومنشرح صدرا» كما سيأتي بعد عند ذكر العامل في التمييز، وما ذكره غير ظاهر فإنّ المبهم في هذين المثالين إنّما هو النّسبة، وكلّما ميّز نسبة فهو من قبيل مميّز الجملة لا المفرد، وليس من شرط النسبة وجود جملة، بل وجود المنتسبين، كان بينهما إسناد جملي أو لم يكن. وقد حقّق ابن الحاجب ذلك فقال: الذات المقدّرة إنّما تكون باعتبار النسب، وذلك في الجمل كـ «حسن زيد أبا» وما يضاهيها من الصفة المنسوبة لمعمولها نحو: «زيد حسن أبا» والمضاف بالنسبة إلى المضاف إليه نحو: «يعجبني حسن زيد أبا»؛ لأنها جميعها قصد فيها إلى نسبة الحكم إلى متعلق بالمذكور، وهو مبهم فكان ما ذكره تمييزا له. انتهى (¬5). وإذا كان المميز في «طاب زيد نفسا» وفي «هو طيب نفسا» واحدا، وهو النسبة فكيف نخصّ مميز الأول باسم مميز الجملة دون مميز الثاني، وكأنّ المصنف لاحظ صورة الجملة فقط دون التفات إلى المعنى، وهو غير واضح؛ لأنّ التمييز إنما - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 114). (¬2) انظر ما اجتمع فيه الحال والتمييز وما افترقا بتفصيل أكثر في كتاب مغني اللبيب (2/ 460) بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين، وكتب المتأخرين الأخرى آخر البابين. (¬3) يقصد المصنف ابن مالك. (¬4) سورة القمر: 12. (¬5) ينظر: الإيضاح في شرح المفصل (1/ 350).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انقسم إلى القسمين المذكورين باعتبار ما ميّزه، لا باعتبار ما يذكر معه من جملة أو غيره. وقسّم المصنف المفرد إلى عدد وإلى ما أفهم مقدارا، أو مثليّة أو غيريّة، أو تعجّبا: فالعدد نحو: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً (¬1)، وأَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً (¬2). والذي يفهم المقدار يتناول الكيل والوزن والمساحة، نحو: «إردبّ قمحا، ورطل زيتا، وقدر راحة سحابا» وإنّما أفرد المصنف العدد بالذكر ولم يدخله تحت مفهم المقدار، وإن كان مقدارا من جهة أنه ليس له آلة يعرف بها (¬3) كالمكيال للمكيل، والميزان للموزون، والذراع للممسوح، على أنّ بعضهم أدرجه في المقادير ولم [3/ 89] يلتفت إلى هذا، وكذا فعل ابن الضائع (¬4). ومفهم المثليّة نحو قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «دعوا لي أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه» (¬5)، ومنه قول الشاعر: 1896 - فإن خفت يوما أن يلجّ بك الهوى ... فإنّ الهوى يكفيكه مثله صبرا (¬6) وقول العرب: «لنا أمثالها إبلا». ومفهم الغيريّة نحو قولهم: «لنا غيرها شاء». ومفهم التعجب نحو: «ويحه رجلا، وحسبك به فارسا، ولله درّه إنسانا (¬7)، - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 142. (¬2) سورة يوسف: 4. (¬3) ينظر: التذييل (4/ 20 - 22)، وفيه قال: وجعل المصنف مفهم مقدار قسيما للعدد هو قول أبي علي الفارسي، قال في الإيضاح: والمقادير على ثلاثة أضرب: ممسوح ومكيل وموزون، وكذا قال ابن عصفور. وينظر: الإيضاح (ص 180)، والمقرب (1/ 164). (¬4) قال أبو حيان: وأدرج شيخنا أبو الحسن الأبّذي وابن الضائع تحت المقادير العدد. التذييل (4/ 21)، وينظر: شرح الجمل لابن الضائع (1/ 146 أ) مخطوط تحت رقم (20 نحو). (¬5) ينظر في: سنن أبي داود (2/ 518)، وصحيح البخاري (2/ 29) وذكر في شرح المصنف (2/ 380)، والتذييل (4/ 23). (¬6) البيت من الطويل، وقائله الرماح بن أبرد، وينظر في شرح المصنف (2/ 380)، وشرح الكافية الشافية (2/ 773)، والتذييل (3/ 725)، (4/ 24). (¬7) تنظر هذه الأقوال في: شرح المصنف (2/ 380).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و: 1897 - ... ... أبرحت جارا (¬1) و: 1898 - ... يا جارتا ما أنت جاره (¬2) واعلم أنّ مميز المفرد أكثره فيما كان مقدارا وإن جاء في غيره فلشبهه به ومناسبته إيّاه، وذلك قليل، ومنه الأمثلة السابقة المتقدمة. قال الشيخ: مذهب الفارسي أنّ (مثلا) ليس من المقادير (¬3). وعلى هذا أتى به المصنف فعطفه على المقدار. وجعله سيبويه من المقادير (¬4)، ووجهه أنّ مثل الشيء يساويه ويقادره في الشيء الذي أشبهه فيه (¬5). وقال ابن الضائع: «لي مثله رجلا» شبيه بالمقادير؛ لأنّه لمّا حذف موصوف «مثله» وانبهم أشبه المقدار، وقد جعله سيبويه - لشبهه بالمقادير - منها (¬6). وقال الشيخ أيضا: إنّ سيبويه جعل «ويحه رجلا، وحسبك به فارسا، ولله درّه إنسانا» شبيهة بالمقادير. انتهى (¬7). - ¬

_ (¬1) جزء من بيت للأعشى وهو بتمامه: تقول ابنتي حين جدّ الرّحي ... لـ أبرحت ربّا وأبرحت جارا وهو من المتقارب، وينظر في: ديوانه (ص 49)، والكتاب (1/ 299)، والإيضاح لابن الحاجب (1/ 350). والمراد بالربّ هنا الممدوح. (¬2) من مجزوء الكامل للأعشى أيضا وسبق تخريجه في باب الحال. (¬3) ينظر: التذييل (4/ 24)، وعبارة الفارسي في الإيضاح: وقالوا: «لي مثله رجلا» فنصبوا «رجلا» لحجز الإضافة بينه وبين «مثل» وإن لم يكن ما تقدم من المقادير، ولكن لما كان «مثله» شائعا في أشياء مبهما فيها صار الناصب لذلك في التبيين كتبيين الناصب في المقادير. (ص 180) بتحقيق د/ كاظم المرجان. (¬4) ينظر: الكتاب (2/ 172). (¬5) ينظر: التذييل (4/ 24). (¬6) السابق نفسه، وينظر: شرح الجمل لابن الضائع (1/ 146 ب مخطوط). (¬7) التذييل (4/ 32)، وينظر: الكتاب (2/ 174)، وعبارته: هذا باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد المقادير، وذلك قولك: «ويحه رجلا، ولله درّه رجلا، وحسبك به رجلا» وما أشبه ذلك. ثم قال: وانتصب الرجل؛ لأنه ليس من الكلام الأول، وعمل فيه الكلام الأول، فصارت الهاء بمنزلة التنوين. ومع هذا أيضا أنّك إذا قلت: ويحه فقد تعجبت وأبهمت من أيّ أمور الرجل تعجبت، وأي الأنواع تعجبت منه، فإذا قلت: فارسا وحافظا فقد اختصصت ولم تبهم، وبيّنت في أي نوع هو. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يريد سيبويه أنّها شبيهة بالمقادير في المقدارية؛ لأنّ هذا لا يصحّ وإنّما أراد أنّ في نحو: «حسبك به فارسا» احتمالات مبهمة والتمييز أزالها كما أزال الإبهام عن المقدار، وكذا إذا قيل: «لله درّه فارسا»؛ لأنّه يتعجب منه في صور شتّى، فلا يعلم أيّها هو، فـ (فارسا) بيّن أنّ التعجب وقع من فروسيته (¬1). ولم يجعل ابن الحاجب التمييز في نحو: «لله درّه فارسا، وحسبك به شجاعا» مميز مفرد، قال: لأنّ المعنى فيه: لله درّ فروسيّته، فهو مثل: «يعجبني حسن زيد أبا» والمعنى: حسن أبوّته، وإذا كان المعنى كذلك فهو من باب تمييز الجمل؛ لأنه من باب تمييز النسبة الإضافية، وكذا المعنى في «حسبك به ناصرا»: حسبك بنصرته (¬2). وفي كلام ابن الدّهان ما يعضد هذا، فإنّه قال - بعد أن نفى أن يكون هذا من التمييز المنقول، ومن الذي انتصب عن تمام الاسم في المقادير -: والذي عندي في هذا أنّ التقدير: لله درّ شجاعته زيد، ثم نقل «زيد» فجعل مضافا إليه «در» فخرجت «الشجاعة» تمييزا، وقام «الشجاع» مقامها توسعا. قال: وكذلك: 1899 - يا جارتا ما أنت جاره (¬3) في أحد قولي الفارسي (¬4)، تقديره: ما جوارك، أقام الكاف مقام الجوار، فقال: ما أنت، فخرج الجوار منصوبا على التمييز، وجعل موضعه (جارة) كما تقدّم. وإن جعل (ما) نافية، وجعل (جارة) خبر (أنت) استراح، أي: ما أنت جارة، بل أكثر من ذلك. انتهى كلام ابن الدهان، ولا يبعد المعنى على ما قرره. ومعنى «أبرحت جارا» بيّن أن الإعجاب من جهة الجوار، فعلى هذا التمييز للنسبة، وكلام المصنف إنما هو في تمييز المفرد، فلا ينبغي التمثيل به في هذا الفصل. قال الشيخ: «أبرحت جارا» من قول الشاعر: 1900 - فأبرحت ربّا وأبرحت جارا - ¬

_ (¬1) وهذا مفهوم كلامه السابق. (¬2) ينظر: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 355). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 180) بتحقيق د/ كاظم المرجان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنشده سيبويه، وقال الأعلم: هو عجز بيت، وأوله: 1901 - تقول ابنتي حين جدّ الرّحي ... لـ أبرحت ربّا وأبرحت جارا (¬1) قال: وذهب الأعلم إلى أنه مما انتصب عن تمام الكلام، وأنه منقول من فاعل، وتقديره: أبرح ربّك وأبرح جارك، فأسند الفعل إلى غيرهما، ثم نصبهما تفسيرا. وذهب ابن خروف إلى أنّه مما انتصب عن تمام الاسم، وعلى هذا أنشده سيبويه، وجاء به على أن الربّ هو التاء في أبرحت وهو خطاب الشاعر لممدوحه، ويقوي ذلك إنشاده إياه: (فأبرحت) بالفاء، ولا يصح إيصاله بصدر البيت على أن يكون معمولا للقول، فلا يكون عجزا لذلك الصدر. انتهى (¬2). وعلى ما ذهب إليه ابن خروف من أنّه تمييز منتصب عن تمام الاسم يحسن تمثيل المصنف به ومجيئه بذلك على أنه من قبيل مميز المفرد، لكن الظاهر خلاف ذلك، وتفسيرهم إياه بأن معناه: أعجبت جارا وأنّ الإعجاب من جهة الجوار يدلّ على أنّ التمييز فيه مميز جملة، لا مميز مفرد، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يمثل به المصنف؛ لأنّه بصدد ذكر مميز المفرد، وهذا مميز جملة. والباء من قوله (¬3): بالنصّ على جنس المراد تتعلق بـ: يميّز. قال الشيخ: وينبغي أنّ النكرة إذا لم يكن فيها بيان ألّا تقع تمييزا. وقد اختلفوا من ذلك في مسائل: منها: (ما) في باب (نعم) أجاز الفارسيّ أن تكون تامة بمعنى «شيء» وتنتصب تمييزا (¬4)، وتبعه الزمخشري (¬5)، ومنع ذلك غيره (¬6). - ¬

_ (¬1) البيت للأعشى وسبق تخريجه وينظر: الكتاب (2/ 175)، وتحصيل عين الذهب للأعلم بهامش الكتاب (1/ 299) بولاق. (¬2) انتهى كلام الشيخ: أبي حيان وينظر: في التذييل (4/ 24 - 33). (¬3) أي: المصنف في المتن. (¬4) ينظر: المسائل الشيرازيات للفارسي (2/ 550) رسالة دكتوراه بجامعة عين شمس تحقيق د/ علي منصور تحت رقم (211210). (¬5) ينظر: المفصل (ص 273)، وشرح المفصل (7/ 134). (¬6) منهم أبو ذرّ مصعب بن أبي بكر الخشني. التذييل (4/ 37).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: (مثل) أجاز سيبويه التمييز بها، فتقول: «لي عشرون مثله» (¬1) وحكى «لي ملء الدار أمثالك» (¬2) ومنع ذلك الكوفيون (¬3). ومنها: (غير) أجاز يونس التمييز بها، فتقول: «لي عشرون غيرك» (¬4) ومنع ذلك الفراء (¬5). قال (¬6): وهو أحرى أن يمنعه الكوفيون، وقد تلقى سيبويه هذا عن يونس بالقبول، فينبغي أن ينسب إليه جوازه. ومنها: «أيّما رجل» أجاز التمييز بها الجمهور، ومنع ذلك الخليل وسيبويه (¬7). وتمام المميز بإضافة نحو: «لله درّه إنسانا»، ومِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً (¬8)، وأَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (¬9)، ومنه «زيد أشجع الناس رجلا». وتمامه بتنوين نحو: «رطل زيتا، ومدّ برّا». [3/ 90] وقد يكون التنوين مقدرا كما يأتي تمثيله. وتمامه بنون تثنية نحو: «لي منوان سمنا» وتمامه بنون جمع نحو: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (¬10). وجرى المصنف في تمثيله بهذه الآية الكريمة، وبنحو: مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وما يورده من المضاف في قسم مميز المفرد على ما تقدّم تقريره عنه في ذلك، وقد علمت مما تقدّم أنّ هذا قسم مميز الجملة، لأنه ميّز نسبة. وتمامه بنون شبه الجمع نحو: وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً (¬11). قال المصنف: وفهم من سكوتي عن نون شبه المثنى أنّ التمييز لا يقع بعده، ويعني بذلك «اثنين واثنتين» (¬12). ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 427). (¬2) ينظر: الكتاب (2/ 173). (¬3) ينظر: الهمع (1/ 250). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 428). (¬5) ينظر: الهمع (1/ 250). (¬6) القائل هو أبو حيان في التذييل (4/ 38). (¬7) إلى هنا انتهى نقله عن أبي حيان وينظر في: التذييل (4/ 36 - 39). (¬8) سورة آل عمران: 91. (¬9) سورة المائدة: 95. (¬10) سورة الكهف: 103. (¬11) سورة الأعراف: 142. (¬12) ينظر: شرح المصنف (2/ 380، 381).

[أحكام تمييز المفرد]

[أحكام تمييز المفرد] قال ابن مالك: (وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل أو شبهه، ويجرّه بالإضافة إن حذف ما به التّمام، ولا يحذف إلّا أن يكون تنوينا ظاهرا في غير «ممتليء ماء» ونحوه، أو مقدّرا في غير «ملآن ماء» و «أحد عشر درهما» و «أنا أكثر مالا» ونحوهنّ، أو يكون نون تثنية، أو جمع تصحيح، أو مضافا إليه صالحا لقيام التّمييز مقامه في غير «ممتلئين أو ممتلئين غضبا») (¬1). قال ناظر الجيش: قد تقدّم أنّ هذا الفصل معقود لتمييز المفرد فالأحكام التي يذكرها راجعة إليه، لا إلى مميز الجملة، فنبّه الآن على أنّ ناصب التمييز ما ميّزه، ومثال ما ينصبه لشبهه بالفعل: «هو مسرور قلبا، ومنشرح صدرا، وطيّب نفسا باشتعال رأسه شيبا، وسرعان ذا إهالة» (¬2). وأما ما ينصبه مميزه لشبهه شبه الفعل فمميز العدد، ومبهم المقدار، وكذا مميّز مفهم المثليّة والغيريّة والتعجب، وقد تقدمت أمثلة ذلك فلا حاجة إلى إعادتها. واستثنى المصنف من الأمثلة المتقدمة «أبرحت جارا» (¬3). قال الشيخ: لأنّ (جارا) منصوب بالفعل، لا بشبه الفعل، ولا بشبه شبه الفعل، ولهذا استثناه مما قبله. انتهى (¬4). ولا ينتظم تمثيل المصنف به أولا مع استثنائه عند ذكر العامل ثانيا، واعتذار الشيخ عنه بأنّه إنما استثناه لكون الفعل عاملا لا شبهه، ولا شبه شبهه؛ لأنّ (جارا) إمّا مميز جملة، أو مميز مفرد، إن كان الأول صحّ أن يقال: العامل فيه الفعل لكن ليس لذكره مع الأمثلة المتقدّمة وجه، فإنّ المميز فيها مميّز مفرد، وإن كان الثاني صحّ أن يمثل به لكن لا وجه لاستثنائه، ولا لقول الشيخ العامل فيه الفعل، وقد تقدّم ذكر الخلاف في المثال المذكور، وأنّ الظاهر فيه أنه من قبيل مميز الجملة لا المفرد. وقد مثّل المصنف للعامل في التمييز لشبهه بالفعل بنحو: «هو مسرور قلبا، - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 114). (¬2) ينظر: التذييل (4/ 41). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 381). (¬4) ينظر: التذييل (4/ 42).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنشرح صدرا (¬1) ... إلى آخره، والمميز نسبة الكلام في هذا الفصل إنّما هو تمييز لمفرد، والمصنف في هذا جار على اصطلاحه الذي تقدّم ذكره عنه، وهو فيه مخالف لاصطلاح النحاة. وقد يقال: إن المصنف يرى أنّ مميز النسبة قسمان، فالنسبة التي تتضمنها جملة يسمّى مميّزها مميّز جملة، والنسبة التي لا تتضمنها جملة يسمّى مميزها مميز مفرد. والجواب: أنّ في كلام المصنف ما يدفع أنه يرى هذا، وذلك أنه حصر مميز المفرد في العدد وفي ما أفهم مقدارا أو مثليّة أو غيريّة أو تعجبا، وليس التمييز في نحو: «هو مسرور قلبا» مميّز شيء منها، فيلزم المصنف القول بأنه مميز جملة لذلك. ثم إنّ قوله: وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل وتمثيله بنحو: «هو مسرور قلبا ...» إلى آخره فيه إشكال (¬2)، وتدافع ظاهر، فإنه قد تقرر أنّ العامل في التمييز إذا كان عن مفرد نفس ذلك المفرد المميز، ولا شبهة في أنّ المميز في نحو: «هو مسرور قلبا» هو النسبة، فينبغي أن تكون هي العاملة، وقد قال: إنّ العامل هو (مسرور) ونحوه من الصفات لشبهها بالفعل، فيقتضي أن يكون المميز في الأمثلة التي ذكرها الصفات المذكورة لقوله: وينصبه مميّزه لشبهه بالفعل ولا قائل بذلك. وإذا تقرر هذا علم أنّه لم يتحقق في تمييز المفرد التمثيل بما يكون العامل فيه شبه الفعل، وأمّا التمثيل لشبه شبه الفعل فصحيح، لكن الذي يقتضيه كلام المصنف أنّ أسماء الأعداد والمقادير وما ذكر معها عملت في التمييز لشبهها باسم الفاعل. وقال الشيخ (¬3): عملت هذه الأسماء - يعني «عشرين، وقفيزا، ورطلا، وذراعا» - وإن كانت جوامد؛ لأن عملها على طريق التشبيه. واختلف البصريون في الذي شبهت به: فقيل: شبهت باسم الفاعل لطلبها اسما بعدها، كما أنّ اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال كذلك وقيل: لشبهها بـ (أفعل - ¬

_ (¬1) لم يذكر المصنف هذه الأمثلة وإنما نقل المؤلف هذا الكلام عن أبي حيان في التذييل (4/ 42)، ويراجع كلام المصنف في شرحه (2/ 379 - 381) المطبوع. (¬2) ولذلك أسقطها المصنف من شرحه كما أشرت سابقا. (¬3) انظر هذا النقل الطويل لأبي حيان من كتابه التذييل والتكميل (4/ 44). وهو تحقيق د/ الشربيني أبو طالب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من) في طلبها اسما بعدها على طريق التبيين ملتزما فيه التنكير كذلك، فالفعل هو الأصل؛ لأنه يعمل معتمدا وغير معتمد، واسم الفاعل لا يعمل إلا معتمدا ويعمل في السببي والأجنبي، والصفة المشبهة تعمل في المعرفة والنكرة ولا تعمل إلّا في السببي، و (أفعل من) لا تعمل إلّا في النكرة، لكنها تتحمل الضمير، فكل واحد من هذه أضعف من الذي قبله من الجهات التي ذكرناها، فشبه هذه الأسماء بـ (أفعل من) أقوى من شبهها باسم الفاعل. انتهى (¬1). وفهم من هذا: أنّ النصب في التمييز يكون في خامس رتبة من منصوب الفعل؛ لأنّ النصب بعدها مشبه بنصب (أفعل من) و (أفعل منه) مشبّه بالصفة المشبهة، وهي مشبهة باسم الفاعل وهو مشبه بالفعل. وعلى ما أشعر به كلام المصنف [3/ 91] يكون التمييز في ثالث رتبة من منصوب الفعل. وقد قيل: إن العامل في التمييز هو التنوين والنون والإضافة. وتحقيق ذلك أنّ الاسم عامل بتمامه بأحد الثلاثة، لا أنّها هي العاملة. وقيل: العامل الظرف أو شبه الظرف المذكور مع الاسم المميز نحو: «لي عشرون جملا» (¬2). وهو منقوص بما إذا جيء بالعدد ونحوه وليس مذكورا معه ظرف أو شبهه. وقوله: ويجرّه بالاضافة إن حذف ما به التّمام إشارة إلى أنّه قد يحذف من الاسم المميّز ما حصل به تمامه فيجر التمييز بالإضافة ولما تقدّم أنّ ما به التمام قد يكون إضافة، وقد يكون تنوينا ظاهرا أو مقدرا، وقد يكون نون تثنية أو نون جمع أو نون شبه الجمع، وكان بعضه يجوز حذفه، وبعضه يمتنع حذفه شرع الآن في بيان ذلك، وقد ذكر ما يجوز حذفه واستثنى منه صورا، وعلم بسكوته عن غيره أنه يمتنع حذفه وليعلم أنّ شرط جواز الإضافة المذكورة ألّا يكون الاسم الذي يقصد إضافته مقدر الإضافة إلى غير التمييز فلهذا استثنى المصنف مادة الامتلاء من كل صورة ذكر فيها جواز الحذف، كما يأتي بيانه. - ¬

_ (¬1) انتهى كلام الشيخ أبي حيان وينظر في: التذييل (4/ 44)، ويراجع التصريح (1/ 395)، والهمع (1/ 250). (¬2) ينظر: التذييل (4/ 46).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فما يجوز حذفه التنوين الظاهر: كقولك في «رطل زيتا، وذراع ثوبا»: «رطل زيت، وذراع ثوب» ولا يحذف من نحو: «البيت ممتلئ برّا»؛ لأنّ تقديره: البيت ممتلئ الأقطار برّا، فامتنع مع تقدير الإضافة ما كان يمتنع مع التصريح بها، وكذلك يجوز حذف التنوين المقدّر أيضا نحو أن يقال في «هند شنباء أنيابا»: «هند شنباء أنياب» (¬1) وفي «زيد أشعث رأسا»: «زيد أشعث رأس» واستثنى المصنف من ذلك ثلاثة أشياء: ملآن ماء، وأحد عشر درهما، وأكثر مالا، ونحوهن. أمّا «ملآن ماء» فلما علمت، وأمّا «أحد عشر درهما» فلامتناع إضافة العدد المركب؛ لقيام ثاني المركبين مقام التنوين، وأمّا «أكثر مالا» فلامتناع الإضافة في مثله، وهو أفعل التفضيل المميّز لسببي وعلامة السببي صلاحيته للفاعلية بعد تصيير (أفعل) فعلا، كما تقول في «زيد أكثر مالا»: كثر ماله، ولهذا إذا لم يصلح لذلك تتعين الإضافة كقولك: «زيد أكرم رجل» (¬2). ومما يجوز حذفه نون التثنية: كقولك في منوان سمنا، وذراعان ثوبا: «منوا سمن، وذراعا ثوب». ويستثنى من ذلك نحو: «ممتلئين غضبا» لما تقدّم. وكذا نون جمع التصحيح: نحو: «هم حسنو وجوه» وقد علمت أنّ هذا من قبيل مميز الجملة، فلا وجه لذكره هنا، ولكن المصنف مشى على ما قرّره أوّلا (¬3)، واستثنى من نون الجمع نحو: «ممتلئين غضبا» لما تقدّم أيضا. وعلى الذي علم من اصطلاح النحاة في تمييز الجملة وتمييز المفرد لا وجه لاستثناء «ممتلئ ماء، وممتلئين غضبا»؛ لأنّ المميز المذكور بعدهما من قبيل مميز الجملة، وكذا لا وجه لاستثناء «ملآن ماء، وأنا أكثر مالا» من الذي تنوينه مقدر، لأنّ المميز بعدها من قبيل مميز الجملة أيضا، وهذا الفصل معقود لمميز المفرد خاصة، وكذا لا وجه لتمثيله للتنوين المقدّر بنحو «هند شنباء أنيابا»؛ لأن التمييز فيه لنسبة، فهو من قبيل مميز الجملة أيضا، وأمّا استثناء (ممتلئين) فلا وجه له أيضا، ولا لذكر ما استثنى منه هنا (¬4). وعلم من سكوته عن نون شبه الجمع: أن لا يجوز حذفها، وإضافة ما تمّ بها إلى - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 381). (¬2) شرح المصنف (2/ 381). (¬3) ينظر: التذييل (4/ 54). (¬4) ينظر: التذييل (4/ 57).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التمييز، فلا يقال: «عشر ودرهم» بل: «عشرون درهما» وحكى الكسائي أنّ من العرب من يقول: «عشر ودرهم» (¬1). ومما يجوز حذفه مما حصل به التمام المضاف إليه الصالح لقيام التمييز مقامه: كقولك في «زيد أشجع الناس رجلا»: «زيد أشجع رجل» فاحترز بالصالح لقيام التمييز مقامه من مضاف إليه لا يصلح لذلك، نحو: «لله درّه فارسا، ويا ويحه رجلا» فلا يجوز: «لله درّ فارس»، ولا «يا ويح رجل». ويمكن أنه احترز بذلك أيضا من نحو: «زيد أكثر الناس مالا» فإنه لا يجوز فيه الحذف وإقامة التمييز مقام المحذوف، بل إن حذفت المضاف إليه بقي ما بعده تمييزا بحاله، وهذا الذي يظهر من شرح المصنف لكلام نفسه كما يأتي. وإدراج مثل «زيد أشجع الناس رجلا، وأكثر مالا» في فصل مميّز المفرد على (¬2) قاعدته في ذلك، وإنّما هو من قبيل مميّز الجملة؛ لأنه ميّز نسبة، وشرح المصنف لهذا الموضع لا يطابق عبارته في المتن ظاهرا، فإنّه قال: إن كان أفعل مضافا إلى جمع بعده تمييز لا يمتنع جعله مكان (أفعل) جاز بقاؤهما على ما كان عليه، وجاز حذف الجمع، والإضافة إلى ما كان تمييزا كقولك: زيد أشجع الناس رجلا، وأشجع رجل». انتهى (¬3). واحترز بقوله: لا يمتنع جعله مكان (أفعل) من مثل: «زيد أكثر الناس مالا» واقتضت عبارته في الشرح أن المعتبر هو إقامة التمييز مقام أفعل، وهو المضاف لا إقامته مقام المضاف إليه، وهو ما بعد (أفعل) وعبارة المتن تقتضي عكس ذلك فإنّ قوله: أو مضافا إليه معطوف على قوله: تنوينا فكأنه قال: لا يحذف ما به التمام إلا أن يكون مضافا إليه، ثم قال: صالحا لقيام التمييز مقامه فالضمير إنما يدل على المضاف إليه لا على المضاف؛ لأنّه لم يتقدم له ذكر، والاعتباران صحيحان، لكن المذكور في الشرح أنه جعل صحة الإضافة إلى التمييز موقوفة على جواز وقوع [3/ 92] التمييز موقع (أفعل)، وأما الذي يقتضيه كلامه في المتن فهو وقوف صحة الإضافة على جواز وقوع التمييز موقع المضاف إليه فرجع إلى وقوف صحة الإضافة على نفسها، وهو دور. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 381). (¬2) في المخطوط: وعلى، والصواب ما أثبته. (¬3) شرح المصنف (2/ 381).

[الأوجه الجائزة في تمييز المفرد من إضافة وغيرها]

[الأوجه الجائزة في تمييز المفرد من إضافة وغيرها] قال ابن مالك: (وتجب إضافة مفهم المقدار إن كان في الثّاني معنى اللّام، وكذا إضافة بعض لم تغيّر تسميته بالتّبعيض، فإن تغيّرت به رجّحت الإضافة والجرّ على التّنوين والنّصب وكون المنصوب حينئذ تمييزا أولى من كونه حالا وفاقا لأبي العباس). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد نسب الشيخ المصنف في هذه المسألة إلى سوء الفهم والتخليط الفاحش، قال: لأنّك إذا قلت: «زيد أشجع رجل» فليس (رجل) معناه في هذا التركيب هو الذي كان في «زيد أشجع الناس رجلا» فحذفت (الناس) وأضفت (أشجع) إلى تمييزه، بل لم يكن هذا تمييزا البتّة، وإنما هو اسم مفرد قام مقام الجمع، واكتفى به عن الجمع، والمعنى: زيد أشجع الرجال، فليس التمييز لـ (أشجع) ألا ترى أنّه يجوز أن يأتي بالتمييز بعده، فتقول: «زيد أشجع رجل قلبا، وأحسن رجل وجها». ولا يكون لأشجع ولا لأحسن تمييزان. انتهى (¬1). ولقائل أن يقول: لا ينافي كلام المصنف ما ذكره الشيخ؛ لأنّه يمكن أن يفهم من «زيد أشجع رجل» معنيان: أحدهما: ما أشار إليه الشيخ، وهو أن يكون المراد أنه أشجع الرجال، فأقمنا المفرد مقام الجمع، وليس هنا تمييز، ويجوز أن يأتي بتمييز بعده. والثاني: ما أشار إليه المصنف، وهو أنّ الأصل: زيد أشجع الناس رجلا، فحذفنا، وأقمنا التمييز مقام المحذوف، وليس لنا أن نأتي بتمييز آخر، وهذان اعتباران صحيحان. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان: الأولى: أنّ الدّالّ على مقدار قد لا يراد به المقدار، بل نفس الدلالة التي يقع بها التقدير، فحينئذ يجب إضافته إلى ما بعده، ولا يجوز النصب لعدم إرادة التمييز نحو: «عندي منوا سمن، وقفيز برّ، وذراع ثوب» يريد الرّطلين اللّذين يوزن بهما - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 55).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السّمن، والمكيال الذي يكال به البرّ، والآلة التي يذرع بها الثّوب، وهذا معنى قول المصنف: إن كان في الثّاني معنى اللّام؛ لأنّ المراد: منوان للسمن، وقفيز للبرّ، ولو أريد بالأول المقدار لكان في الثاني معنى (من) لكونه تمييزا، وجاز فيه النصب والجر كما تقدّم. قال المصنف: مثال مفهم المقدار الواجب الإضافة لكون معنى اللام فيما بعده «لي ظرف عسل، وكيس دراهم» تريد: ظرفا يصلح للعسل، وكيسا يصلح للدراهم، فالإضافة لهذا النوع متعينة، فلو أردت أنّ عسلا يملأ ظرفا، ودراهم تملأ كيسا جاز أن تضيف وتجرّ، وأن تنون وتنصب. انتهى (¬1). وليس الظرف والكيس مفهمي مقدار لكنهما في حكم ما أفهم، فالتمثيل فيما تقدّم أصرح. واعلم أنّه إذا أريد بالآلة المقدار جاز في المقدّر المذكور بعدها أربعة أوجه (¬2): أحدها: النصب على التمييز؛ لأنّ الأصل في «عندي رطل زيتا»: عندي مقدار رطل زيتا، وكذلك «قفيز برّا، وذراع ثوبا» وإضافة مقدار إلى التمييز غير ممكنة لحجز المضاف بينهما ثم بعد تقرّر النّصب - كما ذكر - حذفوا المضاف الذي هو (مقدار) وأقاموا ما كان مضافا إليه مقامه فأعربوه بإعرابه وبقي النصب في التمييز على ما كان عليه. الوجه الثاني: الإضافة على معنى (من)؛ لأنه بعض ما أضيف إليه، وذلك أنّ الرطل والقفيز والذراع إنّما يراد بها المقدار المحذوف وليس لها في اللفظ ما يمنعها من الإضافة ويحجزها عنها. وهذان الوجهان قد تقدّم التّنبيه عليهما. الوجه الثالث: جعل ما بعد المقادير صفة لها فتعرب بإعرابها وهو قول سيبويه، وضعفه (¬3)، تقول: «لي منوان سمن، وقفيز برّ» وسبب ضعفه أنّ الجامد لا يوصف به إلّا بعد تكلف تضمينه معنى المشتق وهو قليل، وجوّز ابن السراج أن يكون الإتباع في مثل ذلك على البدلية (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 382). (¬2) ينظر في التذييل (4/ 59 - 61). (¬3) ينظر: الكتاب (2/ 117 - 118، 181، 182). (¬4) نصه في الأصول (1/ 308): يقول ابن السراج: يجوز أن تقول: عندي رطل زيت وخمسة أثواب على البدل؛ لأنه جائز أن تقول: عندي زيت رطل وأثواب خمسة فتؤخرها على هذا المعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجه الرابع: نصبه على الحال، ويكون أيضا قد ضمّن في هذا الوجه معنى المشتق، كما كان في الصفة، وحسّن وقوع الحال بعد النكرة كونه غير وصف في الأصل نحو: «مررت بماء قعدة رجل». قال الشيخ - بعد ذكر هذه الأوجه -: واعلم أنّ انتصاب الاسم في الأعداد والمقادير إنما يكون إذا تعذّرت الإضافة، فإن لم يتعذّر لم يجز النصب؛ لأنّ النصب في هذا الباب ضعيف لكونه في خامس رتبة من الفعل - كما تقدّم - تقول: «ثلاثة أثواب، ومائة ثوب، وألف درهم» فلا يجوز التنوين والنصب إلا في اضطرار الشعر، وإنّما نصبوا في «عشرين، وأحد عشر» وبابهما؛ لأنّ الأصل: من الرجال، واختصروا بحذف (من) و (أل) واجتزائهم بالمفرد المراد به الجنس عن الجمع ولم يجيزوا «عشرو رجل» ولا «أحد عشر رجل»؛ لأن الإضافة على معنى (من) ولو صرح بـ (من) عاودت الأصل وهو الجمع بـ (ال)، فكما امتنع دخول (من) على المفرد امتنعت الإضافة إليه؛ لأنّه مفرد، وجاز النصب في «رطل سمنا» باعتبار أنّ الأصل: مقدار رطل سمنا، كما تقدّم (¬1). المسألة الثانية: أنّه إذا كان معنا اسمان والأول منهما بعض من الثاني ومبيّن به، فلا يخلو إمّا أن يستبدل الأول باسمه الذي كان له غيره، أو لا، إن لم يستبدل وجبت إضافته إلى الثاني نحو: «عندي جوز قطن، وحبّ رمّان، وغصن ريحان، وتمر نخلة، وسعف مقل» وإن استبدل اسما جاز في الثاني الجر بالإضافة، والنصب على التمييز أو الحال - كما سيأتي - نحو: «جبّة خزّ، وخاتم فضة، وسوار ذهب» فإنّ أسماءها حادثة بعض التبعيض [3/ 93] والعمل الذي هيّأها بالهيئات اللائقة بها، وأشار المصنف إلى القسم الأول بقوله: وكذا إضافة بعض لم تتغير تسميته بالتبعيض أي: بسبب التبعيض، ثم أشار إلى القسم الثاني بقوله: فإن تغيرت به رجحت الإضافة ... إلى آخره أي: فإن تغيرت تسمية ذلك البعض بسبب التبعيض جاز الوجهان: الجر والنصب، والإضافة أرجح لكونه بعضا. قال المصنف: والنصب على التمييز أو على الحال، والثاني هو ظاهر قول سيبويه (¬2)، وقد تقدّم في باب - ¬

_ (¬1) انتهى كلام الشيخ أبي حيان، وينظر في: التذييل (4/ 61، 62). (¬2) ينظر: الكتاب (2/ 117).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال بيان شبهة سيبويه في جعله حالا، والأول قول أبي العباس (¬1) وهو أولى؛ لأنّه لا يحوج إلى تأويل، مع أنّ فيه ما في المجمع على كونه تمييزا، بخلاف الحكم بالحالية فإنه يحوج إلى تأويل بمشتق مع الاستغناء عن ذلك، ويحوج إلى كثرة تنكير صاحب الحال، وكثرة وقوع الحال غير منتقلة، وكل ذلك على خلاف الأصل فاجتنابه أولى (¬2). ثم قال: فلو كان ما قبل (خزّ وفضّة) وشبههما معرفة رجحت الحالية، وقد تقدّم ذلك في باب الحال. انتهى (¬3). والذي تقدّم له في باب الحال أنّه إذا كان ما قبل معرفة لم يكن ذلك الاسم المنصوب إلّا حالا نحو: «هذا خاتمك حديدا، وهذه جبّتك خزّا» والظاهر أنّ ما (¬4) ذكره هنا أقرب؛ إذ لا وجه لامتناع التمييز بعد المعرفة. ونقل الشيخ عن بعضهم تفصيلا فيما تقدّم فقال: إذا قلت: «عندي جبّة خزّ» فإمّا أن تريد مقدار جبّة، أو الجبّة نفسها التي نسجت من الخزّ، فإن أردت الأول كان بمنزلة «رطل سمنا» فيجوز فيه أربعة الأوجه المتقدمة، وهي الجر بالإضافة، والنصب على التمييز، أو الحال أو التبعية على الوصف، وإن أردت الثاني فالجر بالإضافة، ولا يجوز النصب على التمييز بل إن جاء منصوبا فعلى الحال، وذلك لما تقدّم من أنه لا يجوز النصب على التمييز في هذا الباب إلّا إذا تعذّر الخفض، وهاهنا لا يتعذر لعدم تقدير إضافة مقدار إلى جبّة، ولهذا حمل سيبويه انتصاب (خزّ) في قول العرب: «عندي جبّة خزّا» على الحال، لا على التمييز للعلة التي ذكرناها وهو إذ ذاك مضمّن معنى المشتق والعامل فيه ما في (عندي) من معنى الفعل (¬5). ثم قال الشيخ: ويجري إذ ذاك «جبّة خزّ» وبابه مجرى «رطل زيت» في التقسيم إن أريد بها الآلة فالجرّ بالإضافة، أو المقادير فالوجوه الأربعة. قال: وهذا مخالف لما قرره المصنف (¬6). ¬

_ (¬1) ينظر: المقتضب (3/ 272). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 382). (¬3) السابق نفسه. (¬4) في المخطوط: «إنما» خطأ في الرسم. (¬5) ينظر هذا النقل في: التذييل (4/ 65، 66). (¬6) التذييل (3/ 66).

[حكم آخر لتمييز المفرد]

[حكم آخر لتمييز المفرد] قال ابن مالك: (ويجوز إظهار «من» مع ما ذكر في هذا الفصل إن لم يميّز عددا ولم يكن فاعل المعنى) (¬1). قال ناظر الجيش: المذكور في هذا الفصل هو المميّز المفرد، وذكر أنّه يجوز إظهار (من) معه في جميع الصّور المتقدّمة إلّا (¬2) صورتين، فيقال: «لي ملء الكيس من ذهب، وإردبّ من قمح، وجمام المكوك من دقيق، وأمثالها من إبل، وغيرها من شاء، وويحه من رجل، ولله درّه من فارس، وحسبك به من رجل، وأبرحت من جار، وما أنت من فارس». والصورتان المستثنيان: هما مميّز العدد، والمميز الذي هو فاعل في المعنى، فالأول نحو: «أحد عشر دينارا، وعشرون درهما وشبههما، والثاني مثّله المصنف على قاعدته في مميز المفرد بقوله: «زيد أكثر مالا، وطيّب نفسا، بتفجّر أرضه عيونا» (¬3). وقد علمت ما فيه. قال الشيخ: وفي كلام المصنف مناقشتان: إحداهما: أنّ قوله: فاعل المعنى ليس بجيّد؛ لأنّ من أمثلته أفعل التفضيل و (مالا) في «أكثر مالا» ليس فاعلا معنى؛ إذ لا يقدّر بـ «كثر ماله»؛ لأنّ (كثر) تدلّ على مطلق الكثرة، و (أكثر) يدل على الأكثرية، ولم تبن العرب فعلا يدل على هذا المعنى فليس لنا فعل [مضمن معنى أفعل التفضيل، فلا يصحّ أن يقال: إنّه فاعل في المعنى؛ إذ لا فعل] (¬4) له، ولذلك ذهب بعض النحويين [إلى] (¬5) أنّ هذا التمييز غير منقول لا من فاعل ولا مفعول، وسيأتي. المناقشة الثانية: أنّ من مثل المصنف في شرح «هو مسرور قلبا» (¬6) و (قلبا) ليس فاعلا فعلى ظاهر كلامه يجوز دخول (من) عليه ولا يجوز ذلك، و (قلبا) هو مفعول لما لم يسمّ فاعله. انتهى (¬7). - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 115). (¬2) في المخطوط: «إلى» وهو سهو. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 383). (¬4) ما بين المعقوفين مستدرك. (¬5) زيادة لحاجة السياق من التذييل. (¬6) لم أجد هذا المثال في شرح المصنف المطبوع ويراجع (2/ 382، 383). (¬7) انتهى كلام الشيخ أبي حيان وينظر في: التذييل (4/ 73).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب عن المناقشة الأولى: أنّه لا يلزم من قولنا: «فاعل معنى» صحة وجود فعل مسند إلى ذلك الاسم على أنّه فاعل، ومراد المصنف بذلك أنّ المعنى المنطوي عليه الكلام قائم بذلك الاسم، ولا شكّ أنّ الأكثرية في «زيد أكثر مالا» قائمة بالمال، وإن كانت مسندة إلى ضمير زيد، ومعنى الكلام: مال زيد أكثر من مال غيره، فالمال فاعل معنى بهذا الاعتبار، وإنما امتنع وجود فعل بهذا المعنى لعدم دلالته على المشاركة والزيادة، وأما صيغة «أفعل» فلها دلالة على ذلك، وإسنادها إلى شيء يحقق فاعليته. وأما المناقشة الثانية: فيمكن أن يقال في الجواب عنها: إنّ (قلبا) من «مسرور قلبا» وإن كان في الأصل مفعولا لما لم يسمّ فاعله فحكمه حكم الفاعل في ذلك لقيامه مقامه، فيمتنع فيه ما امتنع في الفاعل، وقد علم مما تقدّم أنّ مميز المفرد على ما يراه المصنف منه ما ينصب، ويجرّ بالإضافة ويجرّ بـ (من) وذلك مميّز الكيل والوزن والمساحة، ومنه ما ينصب ويجرّ بـ (من) ولا يجرّ بالإضافة وهو الواقع بعد مفهم المثليّة والغيريّة ومفهم التعجب في مثل «لله درّه فارسا» ومنه ما ينصب ويجرّ بالإضافة ولا يجرّ بـ (من) نحو: «زيد أشجع الناس رجلا» ومنه ما ينصب فقط وهو مميّز العدد الذي هو فاعل معنى. قال الشيخ: واختلف النحويون في (من) التي تظهر مع التمييز المذكور فقيل: إنّها للتبعيض، ولهذا لم تدخل على التمييز [3/ 94] المنقول؛ لأنّه ليس أعمّ من المبهم الذي أتي به لتفسيره فليس (نفسا) أعمّ من المبهم الذي انطوى عليه «طاب زيد». وقال الأستاذ أبو علي (¬1): ويمكن أن تكون زائدة عند سيبويه؛ لأنه جعل (من) في قوله: «ويحه من رجل» مؤكدة لمعنى التبعيض، وشبّهها في ذلك بقولهم: «ما جاء من أحد» (¬2) إلّا أنّ المشهور أنها لا تزاد في الواجب، وحكم ابن عصفور (¬3) بعدم زيادتها، وجعلها مؤكدة لمعنى التبعيض (¬4). ¬

_ (¬1) ينظر: توضيح المقاصد للمرادي (2/ 184)، والتصريح (1/ 398). (¬2) ينظر: كتاب سيبويه (4/ 225). (¬3) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 283) (أبو جناح) وتوضيح المقاصد (2/ 184) والتصريح (1/ 398)، والأشموني (2/ 200). (¬4) ينظر: كلام أبي حيان في التذييل (4/ 69، 70).

[تمييز الجملة وأحكامه]

[تمييز الجملة وأحكامه] قال ابن مالك: (فصل: مميّز الجملة منصوب منها بفعل يقدّر غالبا إسناده إليه مضافا إلى الأوّل فإن صحّ الإخبار به عن الأوّل فهو له أو لملابسه المقدّر، وإن دلّ الثّاني على هيئة وعني به الأوّل جاز كونه حالا، والأجود استعمال «من» معه عند قصد التّمييز) (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف: المراد بمميّز الجملة ما ذكر بعد جملة فعلية مبهمة النّسبة نحو: «طبت نفسا، واشتعل رأسي شيبا»، وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (¬2)، و «امتلأ الكوز ماء، وكفى الشيب ناهيا» وإنما أطلق مميّز الجملة على هذا النوع خصوصا مع أنّ كل تمييز فضلة عن جملة؛ لأنّ لكلّ واحد من جزئي الجملة في هذا النوع قسطا من الإبهام يرتفع بالتمييز بخلاف غيره، فإن الإبهام في أحد جزئي جملته، فأطلق على مميزه مميّز مفرد، وعلى مميز هذا النوع مميّز جملة (¬3). انتهى. وقد تقدّم الكلام معه في ذلك، وأنّ المراد بمميّز الجملة ما ميّز نسبة مبهمة وأنه ليس من شرط النسبة وجود جملة، بل وجود المنتسبين، كان بينهما إسناد جملي أو لم يكن، ولا وجه لتخصيص المصنف ذلك بما ذكر بعد جملة فعلية، وتعليله ذلك بأنّ لكل واحد من جزئي الجملة في هذا النوع قسطا من الإبهام غير ظاهر؛ إذ المبهم في مثل: «طاب زيد نفسا» إنما هو النسبة، ولا إبهام في واحد من جزئيها إلّا أن يقول المصنف: لما كان الإبهام في النسبة وهي تستلزم ذكر الجزءين صحّ نسبة الإبهام إليهما بواسطة أنهما مستلزما النسبة المبهمة، وفيه بعد. وقال الشيخ: هذا الذي شرطه المصنف في مميز الجملة لم يشترطه النحاة بل ذلك عندهم يكون بعد جملة فعلية، أو جملة اسمية، أو اسم وفعل، مثل «زيد طيّب نفسا، وأكثر مالا، وسرعان ذا إهالة» فهذا من قبيل ما انتصب عن الجملة، وهو الذي يعبرون عنه بأنّه انتصب عن تمام الكلام، وقد جعل المصنف ذلك من قبيل مميز المفرد، ولا نعلم له سلفا في هذا الاصطلاح. انتهى (¬4). - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 115). (¬2) سورة القمر: 12. (¬3) شرح المصنف (2/ 383). (¬4) التذييل (4/ 75، 76).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يظهر أن التمييز في مثل: «زيد طيب نفسا» بعد جملة اسمية؛ لأنّ جزئي النسبة المميزة إنّما هما (طيب) والضمير المرتفع به وليس بجملة، وكذا «زيد أكثر مالا» وكأنّ الشيخ نظر إلى مجموع «زيد طيّب نفسا» وهو غير واضح، وأمّا «سرعان ذا إهالة» فالتمييز فيه بعد جملة اسمية، وإذا كان كذلك فلا يتجه أن يجعل قسيما للجملة الاسمية، كما ذكره. ولمّا كان مميز الجملة عند المصنف هو المذكور بعد جملة فعلية أشار إلى أنّ العامل فيه هو الفعل بقوله: منصوب منها أي: من الجملة بفعل وأمّا على الذي يقرر في المميز المذكور فقد يكون العامل الفعل، وما حمل عليه كالمصدر والوصف واسم الفعل، وهذا مذهب سيبويه (¬1) والمازني (¬2) والمبرد (¬3) والزجاج (¬4) والفارسي (¬5). وقال ابن عصفور: ذهب المحققون إلى أن العامل فيه الجملة التي انتصب عن تمامها، لا الفعل ولا الاسم الجاري مجراه واختاره ابن عصفور، واستدلّ على ذلك بقوله: «داري خلف دارك فرسخا» فهو منتصب عن تمام الكلام، وليس ثمّ فعل ولا ما يشبهه، وليس من قبيل المنتصب عن تمام الاسم؛ لأنّ الدار ليست الفرسخ، وكذلك الخلف؛ إذ الخلف ليس له مقدار يحصره، والفرسخ معلوم المقدار واستدلّ أيضا بأنه قد يكون في الكلام فعل، ولا يكون طالبا للتمييز نحو: «امتلأ الإناء ماء» (¬6). ونازعه الشيخ في الدليلين؛ أما الأول: فيدّعي فيه أنّ التمييز منتصب عن تمام الاسم؛ لأنّ الخلف مبهم المسافة، وقوله: إن الخلف ليس بالفرسخ، أما من حيث المدلول والقطع عن هذا التركيب فصحيح. - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 204)، وفيه قال: «وقد جاء من الفعل ما قد أنفذ إلى مفعول ولم يقو قوة غيره ممّا قد تعدى إلى مفعول، وذلك قولك: امتلأت ماء، وتفقأت شحما». (¬2) ينظر: رأي المازني في التذييل (4/ 77)، وتوضيح المقاصد (2/ 175). (¬3) ينظر: المقتضب (3/ 32). (¬4) ينظر: التذييل (4/ 78)، والهمع (1/ 251). (¬5) ينظر: الإيضاح للفارسي (ص 173) بتحقيق د/ كاظم المرجان. (¬6) لعل هذا كلام ابن عصفور في شرح الإيضاح، وينظر: في التذييل (4/ 78)، ويراجع المقرب (1/ 163).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما في هذا التركيب فليس بصحيح، بل مسافة خلف دارك هي الفرسخ. وأما الثاني: فقال: لا أسلم أنّ (امتلأ) لا يطلب (ماء) بل هو طالب له من حيث إنّ المطاوع دالّ على العامل وهو طالب له من حيث المعنى، وإن لم يصح إسناده إليه. انتهى (¬1). وأشار المصنف بقوله: يقدّر غالبا إسناده إليه ... إلى آخره - إلى أنّ الأكثر أن يصلح مميّز الجملة لإسناد الفعل إليه مضافا إلى المجعول فاعلا كقولك: «طابت نفسي، واشتعل شيب رأسي»، ومنه: وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (¬2). لأنّ الأصل: وسع علمه كل شيء، ومن هذا النوع قول الشاعر: 1902 - تلفّتّ نحو الحيّ حتّى وجدتني ... وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا (¬3) وهذا هو التمييز المحوّل، وهو الذي تعنيه النحاة بقولهم: مميّز الجملة يكون منقولا من فاعل. واحترز المصنف بقوله: غالبا إلى أنّ مميز الجملة قد ينسلب عنه هذا الوصف الذي ذكره، وذلك بألّا يصح إسناد الفعل إليه، وإذا لم يصح إسناد الفعل إليه فقد يصح وقوعه عليه مضافا إلى المجعول مفعولا كقوله تعالى: وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ [3/ 95] عُيُوناً (¬4). قال المصنف: فإن أصله - على الأصح -: وفجرنا عيون الأرض. وقد لا يصح وقوع الفعل عليه كما لم يصح إسناده إليه، نحو: «امتلأ الكوز ماء»، ونحو قوله تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (¬5). فأفاد كلام المصنف أنّ مميّز الجملة على ثلاثة أقسام، منه ما هو منقول من الفاعل وهو الغالب، ومنه ما هو منقول من المفعول، ومنه ما ليس بمنقول من أحدهما، لا بمعنى أنه منقول من شيء آخر غيرهما؛ بل بمعنى أنه لا يصح فيه أن يكون منقولا. فأمّا كون التمييز منقولا من الفاعل فمجمع عليه، وأمّا كونه منقولا من المفعول - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (4/ 79). (¬2) سورة طه: 98. (¬3) البيت من الطويل، وقائله الصمّة بن عبد الله القشيري، وينظر في: حماسة أبي تمام (2/ 56)، وشرح المصنف (2/ 383)، والصحاح واللسان «وجع». والليت: صفحة العنق، والأخدع: عرق في العنق. (¬4) سورة القمر: 12. (¬5) سورة النساء: 79، 166. وينظر: شرح المصنف (2/ 384).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعليه أكثر المتأخرين، وقد أنكر ذلك الآمدي، وقال: لم يذكره النحويون، وأوّل كلام الجزولي على أن يكون مراده أنّه منقول من المفعول الذي لم يسمّ فاعله، نحو «ضرب زيد ظهرا وبطنا، وفجّرت الأرض عيونا» (¬1) ووافق هذا رأي الشلوبين، فإنه لم ينصب (عيونا) على التمييز، بل جعل نصبها على الحال، قال: وهي حال مقدّرة (¬2)، ونازعه ابن الضائع في كونها مقدّرة، وقال: إنّ التفجير، وكونها عيونا - مثلا - زمان ليس أحدهما قبل الآخر، ولكن (عيونا) ليس بمشتق فيحتاج إلى تأويله بما هو مشتق (¬3). وجعل ابن أبي الربيع (عيونا) بدلا من (الأرض)، أي: عيونها، وحذف الضمير، وجوّز أن يكون نصبها على إسقاط حرف الجرّ أيضا، والأصل: وفجرنا الأرض بعيون (¬4). ولا يخفى ما في تخريجي الشلوبين وابن أبي الربيع من التكلف الذي لا داعي إليه، والقول بأنّه تمييز منقول من المفعول أسهل من ذلك مع أنّه لا محذور فيه ولا مانع يمنع منه. وأمّا نحو: «امتلأ الكوز ماء» ومثله «تفقأ زيد شحما» فليس ثمّ خلاف في أنّ المنصوب فيه تمييز؛ لأنّ العرب ألزمت فيه التنكير والتأخير، وقد عرفت أنّ التمييز فيه لا يصلح أن يكون منقولا من فاعل ولا مفعول، فيكون التمييز في مثله مشبّها بالمنقول في أنّه وقع بعد كلام مبهم النسبة فأزال إبهامها، على أنّ منهم (¬5) من جعل التمييز في ذلك من قسم المنقول أيضا وذلك بأن جعله فاعلا لفعل يطاوعه (امتلأ) وهو (ملأ) ولفعل يطاوعه (تفقّأ) وهو غير ظاهر، فإنّ المراد من قول النحاة: تمييز محول من الفاعل؛ أنّه يصح تقدير كونه فاعلا للفعل الذي نصبه تمييزا، و «امتلأ الكوز ماء» ليس كذلك، وأيضا فإنّه لا بدّ مع تقديره فاعلا أن يقدّر مضافا إلى الاسم الذي يصير فاعلا آخر الأمر، وأنت لو قلت: «ملأ ماء الكوز» لم يكن صحيحا. - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (4/ 81)، والارتشاف (2/ 378). (¬2) ينظر: في المرجعين السابقين. وكلام أبي علي الشلوبين في شرح الجزولية الكبير (3/ 1007) موافق لما عليه ابن مالك. (¬3) ينظر في: التذييل (4/ 82)، وشرح الجمل لابن الضائع (67 / ب) مخطوط رقم (19 نحو). (¬4) التذييل (4/ 83 - 85)، والارتشاف (2/ 378). (¬5) هو أبو حيان في التذييل (4/ 85).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهر أن التمييز في نحو: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (¬1) من التمييز المشبّه بالمنقول؛ إذ لا يتصور فيه النقل، والذي يدل على أنّ المنصوب في هذا المذهب مميّز جواز دخول (من) عليه. وقد جعله بعضهم من المنتصب عن تمام الاسم، كالمنتصب في «لله درّه شجاعا، وحسبك به فارسا، وويحه رجلا» يعني أنّ هذه الكلمات مشبّهة بالمقادير، فانتصب التمييز بعدها كما ينتصب بعد المقادير (¬2)، وقد تقدّم لنا البحث في نحو: «لله درّه فارسا» وتقدير ابن الحاجب فيه أنه من مميز الجملة، وتقدّم بحث ابن الدّهان في ذلك أيضا، ولا يخفى أنّ الحكم بأنّ التمييز في نحو: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * شبيه بتمييز الأعداد والمقادير، بعيد جدّا فلا ينبغي التعويل عليه. واعلم أنّ في تقسيم التمييز المنتصب عن تمام الكلام طريقة أخرى، وهو أنه ثلاثة أقسام: منقول، ومشبه بالمنقول، وما ليس بمنقول ولا مشبّه به. فالمنقول: إمّا من فاعل، أو من مفعول، أو من مبتدأ، نحو: «طاب زيد نفسا»، وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (¬3)، و «زيد أحسن وجها منك» فإنّ أصله: وجه زيد أحسن من وجهك، وإذا اختصرت قلت: منقول من مضاف، فإنه يشمل الثلاثة؛ إذ الأصل في المثالين الأولين أيضا: طابت نفس زيد، وفجرنا عيون الأرض. والمشبّه بالمنقول: نحو: «امتلأ الإناء ماء» وقد عرفت وجه كونه مشبّها. والذي ليس بمنقول ولا مشبّه به: نحو: «حبّذا رجلا زيد» وأدرج ابن الضائع «حبّذا رجلا» في المشبّه بالمنقول (¬4) وهو الأقرب فعلى هذا لا تكون الأقسام ثلاثة، بل إنّما يكون معنا قسمان لا غير. وقد أدرجوا في المشبّه بالمنقول نحو: «نعم رجلا زيد» وكون التمييز في «نعم رجلا زيد» منتصبا عن تمام الكلام نظر. والظاهر أنه لم يميّز نسبة، إنّما ميز الضمير المبهم المرفوع بـ «نعم» فهو على هذا مميز مفرد، فيكون منتصبا عن تمام الاسم، ويعضد هذا الذي ذكرته قول ابن الضائع: والظاهر من كلام سيبويه أنّ التمييز في «نعم رجلا» ونحوه أشبه بالمقادير. وقول ابن عصفور أنّه أشبه بالمنقول ليس كذلك، بل هو كـ «ويحه رجلا» - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 79، 166، وسورة الفتح: 28. (¬2) ينظر في: التذييل (4/ 86). (¬3) القمر: 12. (¬4) ينظر: التذييل (4/ 90)، وشرح الجمل لابن الضائع (146 / أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبابه، ومنه أيضا: «ربّه رجلا» فهذا كله نمط واحد. انتهى (¬1). وليس المراد بأنّ «نعم رجلا» أشبه بالمقادير أنه شبهها في المقدارية؛ لأنّ ذلك باطل قطعا، وإنّما المراد أنه بيّن المراد من لفظ الضمير كما بين «درهما» «عشرين» مثلا وقد تقدّم في الفصل الأول عند الكلام على «ويحه رجلا، وحسبك به فارسا» ما يشبه هذا. ثم نبّه المصنف بقوله: فإن صحّ الإخبار به عن الأوّل فهو له أو لملابسه المقدّر على أنّه إذا قيل: «كرم زيد أبا» مثلا، كان فيه احتمالان: الأول: أن يكون المراد: كرم زيد نفسه أبا، أي: ما أكرمه من أب. الثاني: أن يكون المراد: كرم أبو زيد أبا، أي: ما أكرم أباه من أب، فالتمييز في الاحتمال المتقدّم للأول - أي: هما في الحقيقة شيء واحد - وهو في الاحتمال المتأخر لملابس الأول [3/ 96] أي المضاف إليه تقديرا، وليس تقدير الإضافة شرطا، وإنّما ذكرته تقريبا. هذا كلام المصنف (¬2)، ومفهومه أنه إن لم يصح الإخبار به عن الأول لا يكون فيه هذان الاحتمالان، بل احتمال واحد. لكن كلام المصنف وإن أفهم نفي الاحتمالين، لا يفهم تعيين أحدهما، والمتعين هو أن يكون للمتعلق خاصة، وذلك نحو: «حسن زيد علما» وليس في كلام المصنف ما يشعر بذلك، وكأنه إنما استغنى عن ذكره؛ لأنّه قد علم من قوله: إنّ مميز الجملة يقدر مضافا إلى الاسم الأول - أنّ التمييز يجب أن يكون مباينا للاسم الذي أسند الفعل إليه آخرا؛ لأنه لو لم يباينه لكان بمعناه، فلا يصح حينئذ تقدير إضافته إليه، فكان الأصل في مميز الجملة أن يكون غير الأول، وذلك الغير هو المتعلق فكان المذكور تمييزا للمتعلق، أي: لمتعلق الاسم الأول لا له، فإذا اتّفق أنّ في بعض الصور صورة يمكن أن يصدق التمييز فيها على الاسم المذكور قبله ساغ لك مع الوجه الأول وهو جعل التمييز للمتعلق أن يجعله لذلك الاسم نفسه. وقد تلخص لنا مما تقدّم: أنّ مميز الجملة - أعني مميز النسبة - إن كان صالحا؛ - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (4/ 90)، ويراجع سيبويه (2/ 175). (¬2) انظر: شرح التسهيل (2/ 384).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن يجعل خبرا لما نسب إليه الحكم صحّ أن يجعل له، وصحّ أن يجعل لمتعلق له نحو: «حسن زيد أبا» فإنّ (أبا) صالح لأن يكون خبرا عن زيد فجاز أن يراد به نفس زيد، فيكون الممدوح بحسن الأبوّة زيدا باعتبار أبوّته لغيره، وجاز أن يراد أبو زيد فتكون الأبوّة الممدوحة هي المتعلقة بزيد. وإن كان الاسم غير صالح لما ذكر لم يكن إلّا للمتعلق خاصة، وذلك نحو: «حسن زيد دارا». وقد يتوجه ها هنا سؤال: وهو أن يقال: قد تقرر أنّ مميز الجملة يقدّر في الأصل مضافا إلى الاسم الذي قبله، فإذا قلت: «كرم زيد أبا» وكان المراد نفسه، أي: أنّه هو الأب، فما وجه صحة الإضافة فيه؟ والذي يظهر في الجواب: أن تمنع هذه الدعوى من أصلها، فيقال: لا نسلم أنّ مميز الجملة على الإطلاق يقدّر مضافا إلى الاسم الأول، وإنما يلزم ذلك في المميز المنقول، وأما غير المنقول فليس فيه التقدير المذكور، ومن ثمّ يعلم أنّ مميّز الجملة ليس محصورا في المنقول، بل الأكثر فيه كونه منقولا، وقد يكون غير منقول كما تقدّم، ومما يوضح ذلك أنّ الأب في قولنا: «كرم زيد أبا» إذا كان هو زيدا جاز دخول (من) عليه، فيقال: «كرم زيد من أب» بخلاف إذا كان المراد بالتمييز المذكور أبا زيد، فإنه لا يجوز دخولها عليه؛ لأنّه منقول، والمنقول لا يجوز ذلك فيه. وقد أشار المصنف إلى جواز دخول (من) على مثل هذا التمييز في المسألة التي ذكرها متفرعة عمّا تقدّم، وذلك قوله: وإن دلّ التّالي على هيئة وعني به الأوّل جاز كونه حالا والأجود استعمال «من» معه عند قصد التّمييز والمراد بهذا الكلام أنك إذا قلت: «كرم زيد ضيفا» وقصدت أنّ زيدا ضيف كريم، جاز لك أن تجعل (ضيفا) حالا لدلالته على هيئة، وجاز أن تجعله تمييزا لصلاحيته لأن يقرن بـ (من) وأنّ الأجود عند قصد التمييز، أن يجاء بـ (من) رفعا لتوهم الحالية. وإن لم يعن به الأول بل أريد كرم ضيف زيد، لم يجز نصبه على الحال، بل يتعين كونه تمييزا، ولا يجوز دخول (من) عليه؛ لأنه فاعل في الأصل.

[أحكام أخرى لتمييز الجملة]

[أحكام أخرى لتمييز الجملة] قال ابن مالك: (ولمميّز الجملة من مطابقة ما قبله إن اتحدا معنى ما له خبرا وكذا إن لم يتّحدا ولم يلزم إفراد المميّز؛ لإفراد معناه أو كونه مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه. وإفراد المباين بعد جمع إن لم يوقع في محذور أولى) (¬1). قال ناظر الجيش: اعلم أن مميّز الجملة تجب فيه المطابقة للاسم الذي قبله في إفراد وتثنية وجمع سواء أكان المميّز في المعنى له أم لمتعلقه، فيقال: «كرم زيد رجلا، والزيدان رجلين، والزيدون رجالا» وكذا يقال: «حسن زيد وجها، والزيدان وجهين، والزيدون وجوها» فيطابق في الحالين ما قبله، كما يطابقه لو كان خبرا عنه. فأمّا قوله تعالى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (¬2) ففيه توجيهان: أحدهما: أن الرفيق والخليط والصديق والعدو يستغني بمفردها عن جمعها كثيرا في الإخبار وغيره. قال المصنف: ويزيده هنا حسنا أنه تمييز، والتمييز قد اطرد في كثير منه الاستغناء بالمفرد عن الجمع، نحو: «عشرون رجلا». التوجيه الثاني: أنّ الأصل: وحسن رفيق أولئك [رفيقا] (¬3)، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وجاء التمييز على وفق المحذوف (¬4). ثم إنه يستثنى من التمييز إذا كان للمتعلق صورتان لا يطابق فيهما المميز ما قبله في تثنية ولا جمع، بل يلزم إفراده مع تثنية ما قبله أو جمعه، كما يلزم ذلك إذا كان ما قبله مفردا، وقد أشار المصنف إلى وجوب المطابقة في القسمين بقوله: ولمميّز الجملة من مطابقة ما قبله إن اتّحدا معنى ماله خبرا، وكذا إن لم يتّحدا، وأراد باتحادهما معنى: أن يكون المميّز في المعنى لذلك الاسم، وبعدم اتحاده: أن يكون لمتعلقه، كما بيّنّا. ثم أشار إلى الصورتين اللّتين يلزم فيهما عدم المطابقة بقوله: ولم يلزم إفراد المميّز لإفراد معناه، أو كونه مصدرا، ومثال ما يلزم فيه الإفراد لإفراد معناه قولك في أبناء رجل واحد: «طاب بنو فلان أصلا، وكرموا أبا»، ومثال ما يلزم فيه الإفراد لكونه مصدرا لم يقصد اختلاف أنواعه: «زكا الأزكياء سعيا، وجاد الأتقياء وعيا». - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 115). (¬2) سورة النساء: 69. (¬3) تكملة للسياق من كلام ابن مالك. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 384، 385).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفهم التقييد بقوله: لم يقصد [3/ 97] اختلاف أنواعه أنه إذا قصد اختلاف أنواع المصدر لاختلاف محالّه لا يلزم في المصدر حينئذ الإفراد، بل يجوز فيه المطابقة، كقولك: «تخالف الناس أغراضا، وتفاوتوا أذهانا» ومنه قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (¬1)؛ لأنّ أعمالهم مختلفة المحالّ. ثم نبّه المصنف بقوله: وإفراد المباين بعد جمع إن لم يوقع في محذور أولى على أنّ المميز الذي لم يتحد بالأول معنى قد يكون بعد جمع فيختار إفراده إذا لم يوقع في محذور كقوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً (¬2)، قال: فالإفراد في هذا النوع أولى من الجمع؛ لأنّه أخف، والجمعية مفهومة مما قبل، فأشبه مميّز (عشرين) وأخواته (¬3). انتهى. وكذا لو قلت: «الزيدون قرّوا عينا» كان الإفراد أولى، ولا شك أنّ الجميع لا يكونون ذوي نفس واحدة، ولا ذوي عين واحدة، ويفهم من قول المصنف أنّ الإفراد في ذلك أولى: أنّ الجمع غير ممتنع فيجوز أن يقال: «طاب الزيدون أنفسا، وقرّوا أعينا». ثم قال المصنف: فإن أوقع الإفراد في محذور لزمت المطابقة، كقولك: «كرم الزيدون أبا» أي: ما أكرمهم من آباء، فلا بدّ من كون مميز هذا النوع جمعا؛ لأنّه لو أفرد لفهم أنّ المراد كون أبيهم واحدا موصوفا بالكرم، وفي الجمع أيضا احتمال أن يكون المراد: كرم أبا الزيدين، ولكنه مغتفر؛ لأن اعتقاده لا يمنع من ثبوت المعنى الآخر (¬4). قال الشيخ: وقد يلزم الجمع أيضا بعد المفرد في المباين إذا كان معنى الجمع يفوت بقيام المفرد مقامه، نحو قولك: «نظف زيد ثيابا»؛ لأنك لو قلت: (ثوبا) توهّم أنّ له ثوبا واحدا نظيفا. انتهى (¬5). وها هنا بحثان: الأول: أن تمثيل المصنف لما يجب فيه المطابقة بنحو: «كرم الزيدون آباء» غير ظاهر؛ لأنّ كلامه الآن إنما هو في المميّز المباين وليس (آباء) بمباين للزيدين؛ لأنّ المراد - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 103، وينظر: التذييل (4/ 93). (¬2) سورة النساء: 4. (¬3) شرح المصنف (2/ 385). (¬4) السابق نفسه. (¬5) التذييل (4/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالمباين ما لا يصدق على الاسم الذي قبله، ولا شك في صدق (آباء) على الزيدين، فلا يكون مباينا فكان الواجب التمثيل بما فيه مباينة، نحو: «حسن الزيدون دورا» إذا كان لكل منهم دار، فلا يجوز الإفراد هنا لئلّا يتوهم أن للجميع دارا واحدة، أو الاقتصار على قوله: وإفراد المميز بعد جمع إن لم يوقع في محذور أولى دون تقييد بالمباين ليشمل المتحد والمباين، وحينئذ يتمشى التمثيل بنحو: «كرم الزيدون آباء». فإن أجيب عن ذلك بأن المراد بالمباين: ألا يكون التمييز لذلك الاسم الذي قبله بل لمتعلقه سواء صدق المميز عليه نحو: «كرم زيد أبا» إذا كان الممدوح هو أبو زيد، أم لم يصدق نحو: «حسن زيد علما» كان هذا الجواب مدفوعا بأمرين: أحدهما: أن المصنف لما مثّل للمسألة بنحو: «كرم الزيدون آباء» إنّما فسّره بما أكرمهم من آباء، فبيّن أنّ المراد بآباء نفس الزيدين، ولم يجعل المراد بهم متعلق الزيدين، وهو آباؤهم. الثاني: أنه قال في أول الفصل: فإن صحّ الإخبار به عن الأوّل فهو له أو لملابسه فجوّز في ما يصح الإخبار به عما قبله أن يكون لملابسه - يعني لمتعلقه - ولا شك أن ما صح الإخبار به عن شيء لا يكون مباينا لذلك الشيء، فلزم من هذا ألّا يكون مراده بالمباين ما كان لمتعلق الاسم، بل ما لا يصدق على ذلك الاسم، وإذا كان كذلك تبيّن أن التمثيل لما يجب فيه المطابقة من المباين بـ «كرم الزيدون آباء» ليس بجيّد، ثم تفسير المصنف لذلك بأنّ المراد: ما أكرمهم من آباء، غير واضح، ولو قلنا: إنّ المراد بالمباين هنا هو أن يكون التمييز لمتعلق الاسم لا له؛ لأنّه قد جعل التمييز للاسم الأول حيث جعل الزيدين هم الآباء، وكان الواجب أن يجعله لمتعلقه، فيقال: المراد: ما أكرم آباؤهم، وما برحت أستشكل هذا الموضع من كلام المصنف. البحث الثاني: قال الشيخ: قول المصنف: إن لم يوقع في محذور شرط في كون المباين أولى من المطابقة في الجمع، ومفهوم الشرط: أنه إذا أوقع في محذور لزمت المطابقة. انتهى. والأمر في لزوم المطابقة حينئذ كما قال، وقد تقدّم لك من كلام المصنف في شرحه التصريح بذلك، ولكن الذي ألزم به المصنف غير لازم؛ لأنه قد ذكر قبل أنّ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطابقة مميّز الجملة لما قبله واجبة سواء اتّحد المميز وهو أم لم يتحد، إلّا ما استثناه من ذلك، فأثبت وجوب المطابقة بالمنطوق، ثم لما كان غير المطابقة جائزا في بعض الصور التي شملها الإطلاق الأول وكان مع جوازه أولى من المطابقة وجب أن يحمل قوله: أولى على أنّ المراد به أنّه جائز جوازا أولى؛ لأن عدم المطابقة لم يكن جائزا، فيقال: أنه في هذه الصورة التي ذكرها أولى، بل كان ممتنعا بما دلّ عليه كلامه المتقدّم، وإذا كان ممتنعا فلا بدّ من التنبيه على جوازه، ولذا اتفق مع جوازه أنّه أولى من الوجه الآخر الجائز، وهو المطابقة، فقصد المصنف بقوله: أولى إفادة جواز عدم المطابقة في مثل هذه الصورة مع التنبيه على الأولوية، وإذا تقرر هذا، كان قوله: إن لم يوقع في محذور شرطا للجواز، لا للأولوية، وإذا كان كذلك كان مفهومه أنه إذا أوقع في محذور انتفى الجواز، أي: جواز عدم المطابقة، وإذا انتفى ذلك لزمت المطابقة. واعلم أنّ الشيخ أبا عمرو بن الحاجب - رحمه الله تعالى - ذكر مسائل مطابقة التمييز وعدم مطابقته بطريق أخصر من الطريق التي ذكرها المصنف، ثم إنه لم يقتصر على [3/ 98] ذكر مميز الجملة، بل تعرّض لذكر مميز المفرد أيضا، فقال: تمييز النسبة إما أن يكون اسم جنس أو غيره، فإن كان غيره طابق ما قصد به، وإن كان اسم جنس كان مفردا إلّا أن يقصد الأنواع. مثال الأول: «حسن زيد أبا» إذا قصدت إلى أبوّته لابنه، أو أبوّة أبيه خاصة له، فإن قصدت أبوّة قلت: «حسن زيد آباء» وكذلك إذا قلت: «حسن الزيدان» وقصدت إلى مدحهما بأبوتهما لغيرهما، قلت: «حسن الزيدان أبوين» وإن قصدت إلى مدح أبوّة أبيهما لهما، قلت: «حسن الزيدان أبا» وكذلك: «حسن زيد دارا واحدة، ودارين، ودورا» إذا قصدت اثنين أو جماعة. ومثال الثاني: «طاب زيد ماء، وعسلا، وتمرا» فهذا يجب إفراده إذا قصد إلى الحقيقة؛ لأنه لا يستقيم تثنية ولا جمع فيه، فإن قصدت إلى الأنواع كان الأمر فيه كما تقدّم من جواز التثنية والجمع. وأما تمييز المفرد فلا يخلو إما أن يكون جنسا أو غيره، إن كان جنسا أفرد إلّا أن يقصد الأنواع فيثني ويجمع، وإن كان غيره جمع لا غير. تقول في الأول: «عندي راقود خلّا، ورطل زيتا» فإن قصدت الأنواع قلت: «خلّين، وزيتين، وزيوتا». وتقول في الثاني: -

[تعريف تمييز الجملة، وتقدير تنكيره، أو تأويل ناصبه]

[تعريف تمييز الجملة، وتقدير تنكيره، أو تأويل ناصبه] قال ابن مالك: (ويعرض لمميّز الجملة تعريفه لفظا فيقدّر تنكيره، أو يؤوّل ناصبه بمتعدّ بنفسه أو بحرف جرّ محذوف أو ينصب على التّشبيه بالمفعول به، لا على التّمييز محكوما بتعريفه خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ «عندي قنطار أثوابا أو خواتم» أو ما أشبهه فيما ليس بجنس، فلا بدّ من جمعه، وسببه أنّ اسم الجنس لما كان دالّا على الحقيقة أغنى عن التثنية والجمع، وهذا لما كان مفردا لا دلالة له على الجنس، واختص بالدلالة على المفرد عدل عن لفظ إفراده إلى ما هو أدلّ منه على الجنس، فقيل: قنطار خواتم، وقنطار أثوابا. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قد يرد مميز الجملة مقرونا بالألف واللام فيحكم بزيادتهما وبقاء التنكير كقول الشاعر: 1903 - رأيتك لمّا أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النّفس يا قيس عن عمرو (¬2) أراد: وطبت نفسا، ومثله قول الشاعر: 1904 - علام ملئت الرّعب والحرب لم تقد ... لظاها ولم تستعمل البيض والسّمر (¬3) أراد: ملئت رعبا، فزاد الألف واللام، كما زيدتا في رواية البغداديين أنّ من العرب من يقول: «قبضت الأحد عشر درهما» ومن يقول: «قبضت الأحد العشر الدرهم» وكما زيدتا مع المضاف فيما أنشد أبو علي من قول الشاعر: 1905 - تولي الضّجيع إذا تنبّه موهنا ... كالأقحوان من الرّشاش المستقي (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (2/ 385). (¬2) البيت من بحر الطويل منسوب في مراجعه إلى راشد بن شهاب اليشكري (شاعر جاهلي) وفيه يخاطب الشاعر صاحبه أنه طاب نفسا عن حميمه المقتول وآثر السلامة دون قتال. وشاهده: قوله: «وطبت النفس»؛ حيث جاء التمييز مقترنا بـ «ال» والواجب أن يكون نكرة ولذلك حكم عليها بالزيادة. والشاهد في شرح التسهيل (2/ 386)، والعيني (3/ 225)، والتصريح (1/ 151)، والدرر (1/ 53). (¬3) البيت من بحر الطويل غير منسوب في مراجعه. اللغة: البيض: جمع أبيض وهو السيف، السمر: الرماح. وشاهده: زيادة أل في التمييز في قوله: «الرعب»، وهو جائز عند الكوفيين غير جائز عند البصريين. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 386)، وفي الهمع (1/ 252)، والدرر (1/ 209). (¬4) البيت من بحر الكامل وهو للقطامي (شاعر إسلامي أموي) والبيت ملفق من بيتين في الديوان انظر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: من رشاش المستقي. وقد يرد مميز الجملة مضافا إلى معرفة: كقول العرب: «غبن فلان رأيه، ووجع بطنه، وألم رأسه» وفيه توجيهات (¬1): أحدها: أن تجعل الإضافة منويّة الانفصال ويحكم بتنكير المضاف، كما فعل في قولهم: «كم ناقة وفصيلها لك؟، وقدر كم ناقة وفصيلا لها؟» وكما فعل سيبويه في قولهم: كل شاة وسخلتها بدرهم، فقال: وإنما يريد: كل شاة وسخلة لها بدرهم (¬2). وحكي عن بعضهم: «هذه ناقة وفصيلها راتعان» على تقدير هذه ناقة وفصيل لها راتعان. ثم قال: والوجه: كل شاة وسخلتها بدرهم، وهذه ناقة وفصيلها راتعين؛ لأنّ هذا أكثر في كلامهم، وهو القياس، والوجه الآخر قاله بعض العرب. التوجيه الثاني: أن ينصب (رأيه) وما كان مثله مفعولا به بالفعل الذي قبله مضمّنا معنى فعل متعدّ، كأنه قيل: سوّأ رأيه - أي: جعله سيئا - وشكا بطنه ورأسه، وبهذا الاعتبار قال بعضهم في سَفِهَ نَفْسَهُ (¬3): إنّ معناه: أهلك نفسه. وقال المبرد: معناه: ضيّع نفسه (¬4). وقال الزمخشري: معناه: امتهن نفسه (¬5) وجعله نظير قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الكبر أن يسفه الحق» (¬6). وقال صاحب العجائب - ¬

_ - الديوان (ص 256) طبعة الهيئة العامة للكتاب. اللغة: الضجيع: الزوج. الموهن: الوقت المتأخر من الليل. وشاهده: زيادة أل في المضاف كما ذكره الشارح. والبيت في: شرح التسهيل (2/ 386) والعيني (4/ 40) والديوان (ص 256). (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (1/ 386). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 300) (هارون). (¬3) سورة البقرة: 130 وأولها: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. (¬4) انظر: رأي المبرد في شرح التسهيل (2/ 387)، والبحر المحيط (1/ 394). (¬5) انظر: الكشاف للزمخشري (1/ 312). (¬6) انظر: تخريج الحديث في: مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 133)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 165).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والغرائب (¬1): مَنْ سَفِهَ في موضع نصب بالاستثناء من فاعل يَرْغَبُ ونَفْسَهُ توكيد للمستثنى، كما يقال: «ما قام أحد إلا زيدا نفسه». التوجيه الثالث: أن ينصب (رأيه) وما كان مثله بإسقاط حرف الجرّ، كأنه قيل: «غبن في رأيه، ووجع في بطنه، وألم في رأسه»، ثم أسقط حرف الجر، وتعدّى الفعل فنصب. التوجيه الرابع: أن ينصب (رأيه) وما كان مثله على التشبيه بالمفعول به، ويحمل الفعل اللازم على الفعل المتعدي، كما حملت الصفة اللازمة على الصفة المتعدية، فقالوا: «غبن رأيه، والرأي، ووجع بطنه، والبطن» كما قالوا: «هو حسن وجهه والوجه» ومن ذلك قراءة بعضهم: فإنه آثم قلبه (¬2) ومنه قول الشاعر: 1906 - وما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرّقابا (¬3) إلّا أن النصب على التشبيه بالمفعول به نادر في الأفعال مطرد في الصفات. وإنما كان الأمر كذلك لوجهين: أحدهما: أنّ الصفة اللازمة تساوي الصفة المتعدية في عمل الجر بالإضافة بعد رفعهما ضميرا، والجرّ أخو النصب وشريكه في الفضلية، فجاز أن يساويها في استبدال النصب بالجر، والفعل بخلاف ذلك. الثاني: أن المنصوب [3/ 99] على التشبيه بالمفعول به لو حكم باطراده في الفعل اللازم، كما حكم باطراده في الصفة اللازمة لم يتميز لازم الأفعال من متعديها، بل - ¬

_ (¬1) هو أبو القاسم برهان الدين المعروف بتاج القراء إمام كبير ثقة من مؤلفاته: لباب التفسير - الإيجاز في النحو - عجائب القرآن وهو في التفسير (492 تفسير، طبعة دار الكتب). (¬2) سورة البقرة: 283، هي قراءة ابن أبي عبلة وهي بنصب (قلبه) والمعنى جعله آثما وعليه فآثم صفة مشبهة على وزن فاعل انظر القراءة والتوجيه في الكشاف (1/ 406) والبحر المحيط (1/ 394) ومغني اللبيب (2/ 572). (¬3) البيت للحارث بن ظالم المرّي من بني سعد (جاهلي قديم) يمدح قومه. اللغة: الشّعر: جمع أشعر وهو الغزير شعر القفا وهو عيب كانت تعاب به قبيلة فزارة من العرب. والشاهد فيه: نصب «الرقابا» بـ «الشعر» على التشبيه بالمفعول به وقد أعمل الصفة المشبهة المقرونة بـ «أل» والبيت في الكتاب (1/ 201)، والمقتضب (4/ 161)، والإنصاف (1/ 84)، وابن الشجري (2/ 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان اللازم يظنّ متعدّيا، ولا يعرض مثل ذلك إذا كان النصب على التشبيه بالمفعول به مقصور الاطراد على الصفات، شاذ في الأفعال، فإنّ في ذلك إشعارا بيّنا بالفرق بين المتعدي واللازم ومما شذّ وروده في الفعل ما في الحديث من قول راويه: «إن امرأة كانت تهراق الدماء» (¬1) أراد: تهراق دماؤها، فأسند الفعل إلى ضمير المرأة مبالغة، ثم نصب الدماء على التشبيه بالمفعول به، أو على التمييز وإلغاء الألف واللام. ويجوز أن يكون أراد: تهريق الدماء، ثم فتح الراء، وقلب الياء ألفا، لا لأنّه فعل لما لم يسم فاعله، بل على لغة طيئ، كما قال شاعرهم: 1907 - نستوقد النّبل بالحضيض ونص ... طاد نفوسا بنت على الكرم (¬2) وكما قال الآخر: 1908 - أفي كلّ عام مأتم تبعثونه ... على محمر ثوّبتموه وما رضا (¬3) أراد في الأول: بنيت، وفي الثاني: رضي. إلّا أنّ المشهور في لغة طيئ أن يفعل هذا بلام الفعل، لا بعينه، وحرف العلة في (تهراق) عين، فمعاملته معاملة اللام على خلاف المعهود. ومن المنصوب بفعل على التشبيه بمفعول به قوله تعالى: - ¬

_ (¬1) الحديث في سنن أبي داود (1/ 62، 63) (الحلبي) كتاب الطهارة باب المرأة تستحاض وهو في سنن الدارمي (1/ 199) كتاب الصلاة والوضوء. (¬2) البيت من المنسرح لم تعين مراجعه قائله. اللغة والمعنى: النبل: السهام، الحضيض: أسفل الجبل. نفوسا بنت على الكرم: يقصد رؤساء القوم، والبيت في الفخر بالشجاعة. الشاهد فيه: قوله: بنت على الكرم، وأصله بنيت فحرك ما قبل الياء بالفتح ثم قلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف. والبيت في شواهد الشافية للبغدادي (4/ 48) واللسان «بقي» والحماسة لأبي تمام (ص 54). وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 388). (¬3) البيت من بحر الطويل قائله زيد الخير بن مهلهل وقد سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيد الخير بعد إسلامه مع وفد من طيئ. اللغة: المأتم اجتماع النساء عند الموت للحزن. المحمر: الفرس اللئيم. ثوبتموه جعلتموه ثوابا على معروف. وما رضا: أي غير راض. وشاهده: قوله: «وما رضا»؛ حيث قلبت الكسرة فتحة والياء ألفا. والبيت في الكتاب (1/ 129)، واللسان «أتم»، وشرح التسهيل (2/ 388).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها (¬1) ويحتمل أن يكون تمييزا على تقدير الانفصال والتنكير، ويحتمل أن يكون منصوبا على إسقاط حرف الجر، ويحتمل أن يكون الأصل: بطرت مدة معيشتها، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه فانتصب على الظرفية، نحو: وَإِدْبارَ النُّجُومِ (¬2). انتهى كلام المصنف (¬3)، وقد ناقشه الشيخ في أمور (¬4): أحدها: أنّ تخصيصه عروض التعريف بمميّز الجملة لا فائدة له؛ إذ الخلاف واقع في مميز المفرد ومميز الجملة، والسماع ورد بهما. والجواب: أنّ المصنف يمنع ورود ذلك في مميز المفرد، ولهذا حكم بزيادة اللام في «الأحد عشر الدرهم» كما تقدّم. على أنّ المصنف أراد أنّ المميّز يعرض له التعريفان معا، أعني تعريف الأداة وتعريف الإضافة، وكلاهما عرض لمميّز الجملة، وأما مميز المفرد فلم يرد معرفة بالإضافة، وإنّما ورد فيه اللام، ومع ذلك فقد حكم المصنف بأنها زائدة، لا معرّفة. الأمر الثاني: أنّه قال (¬5): لا يتخرج «غبن زيد رأيه، ووجع بطنه» على أنّها إضافة يراد بها الانفصال كان هذا ضميرا يعود على معرفة، وليس موضع انفصال بالإضافة (¬6)، فهي إضافة محضة قال: ولا يسوغ قياسا على «كم ناقة وفصيلها لك؟» ولا [على] (¬7) «كل شاة وسخلتها [بدرهم] (¬8)، وهذه ناقة وفصيلها راتعان»؛ لأنّ الضمير في هذه عائدة على نكرة، فيمكن أن يلحظ فيه التنكير بالنسبة إلى ما عاد عليه من النكرة، وإن كان الأكثر أن يلحظ فيه التعريف، ألا ترى إلى جعل سيبويه [قول الشاعر] (¬9): 1909 - أظبي كان أمّك أم حمارا (¬10) - ¬

_ (¬1) سورة القصص: 58. (¬2) سورة الطور: 49. (¬3) شرح التسهيل (2/ 389). (¬4) انظر ذلك في: التذييل والتكميل (4/ 98) وما بعدها. (¬5) انظر التذييل والتكميل (3/ 100). (¬6) في التذييل: «وليس من مواضع انفصال الإضافة». (¬7) إضافة لحاجة السياق من التذييل. (¬8)، (¬9) إضافة من التذييل. (¬10) شطر بيت من بحر الوافر لخداش بن زهير (جاهلي) وهو عجز وصدره: فإنك لا تبالي بعد حول والشاعر يصف تغير الزمان وأن الإنسان إذا استغنى بنفسه فلا يهمه أن ينتسب لأي أحد وضيع أم شريف. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من قبيل ما أخبر فيه عن النكرة بالمعرفة: والجواب: أنّ المقتضي بجعل الإضافة الانفصال، والحكم بتنكير المضاف في نحو: «كم ناقة وفصيلها ...» هو المقتضي لذلك أيضا في نحو: «غبن زيد رأيه» ولا نظر إلى كون المضاف إليه ضمير معرفة أو ضمير نكرة، على أنّ الملحوظ في ضمير النكرة إنما هو التعريف وإنما حكم سيبويه بتنكيره في: 1910 - أظبي كان أمّك أم حمار من أجل أنّ ضمير النكرة يعامل عندهم في باب الإخبار معاملة النكرة (¬1). الأمر الثالث: أنّه قال (¬2): تخريج المصنف قراءة من قرأ فإنه آثم قلبه على أنه منصوب على التشبيه بالمفعول به غير متعين؛ لأنّه يجوز أن يكون (قلبه) منصوبا على البدل من اسم (إنّ) أي: فإنّ قلبه آثم. قلت: وفيما ذكره الشيخ نظر؛ لأنّ البدل هو المعتمد عليه في الإخبار لا المبدل منه، وإذا كان كذلك وجب أن يكون (آثم) خبرا عن (قلبه) ومتى كان خبرا عن (قلبه) امتنع تقديمه عليه؛ لأنّ التقدير يصير: فإنّ قلبه آثم، وتقديم خبر (إنّ) على اسمها غير جائز إلا فيما استثني. الأمر الرابع: أنه قال في تخريج المصنف: «تهراق الدماء» على أنّ أصله: تهريق الدماء: أنّ ذلك في غاية البعد؛ لأنّ ذلك إنما تفعله طيئ بالياء المتحركة لفظا بالفتح، ويكون لام الكلمة وهذا ليس كذلك (¬3). قلت: أمّا كون الياء تكون لام الكلمة فقد قاله المصنف، وذكر أنّ العين عوملت معاملة اللام، وأنه خلاف المعهود، ولا شك أنّ الياء متى كانت عينا في فعل وجب كونها ساكنة، فلازم كونها عينا سكونها، وإذا كان كذلك اندفع أن يقال: إنما يكون ذلك في الياء المتحركة لفظا بالفتح. ¬

_ - والشاهد فيه: مجيء اسم كان نكرة والخبر معرفة ضرورة. والشاهد في الكتاب: (1/ 48)، والمقتضب (4/ 94)، وابن يعيش (7/ 95)، ومغني اللبيب (1/ 829)، والخزانة (7/ 192). (¬1) انظر: الكتاب (1/ 48). (¬2) انظر: التذييل والتكميل (3/ 106). (¬3) المرجع السابق (3/ 109).

[أحكام تقديم التمييز على عامله]

[أحكام تقديم التمييز على عامله] قال ابن مالك: (ولا يمنع تقديم المميّز على عامله إن كان فعلا متصرفا وفاقا للكسائي والمازنيّ والمبرّد، ويمتنع إن لم يكنه بإجماع، وقد يستباح في الضّرورة). قال ناظر الجيش: قد علم أنّ المميز نوعان: منتصب عن تمام الاسم، ومنتصب عن تمام الكلام، أما المنتصب عن تمام الاسم فلا يجوز تقديمه على العامل فيه، وأمّا المنتصب عن تمام الكلام فمنه ما هو منقول، ومنه ما هو غير منقول، أما عن غير المنقول فلا يجوز تقديمه على العامل فيه أيضا نحو: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (¬1) و «ما أحسن زيدا رجلا». وأما المنقول فإن كان [3/ 100] العامل فيه فعلا لا يتصرف امتنع التقديم عليه أيضا نحو: «ما أحسن زيدا عقلا» وبيان كونه منقولا أنّ أصله: حسن زيد عقلا، أي: حسن عقل زيد، وهذا بخلاف «ما أحسن زيدا رجلا» حيث قيل: لا نقل فيه، وامتناع التقديم في هذه الصور الثلاث مجمع عليه. وإن كان العامل في المنقول فعلا متصرفا نحو: «طاب زيد نفسا» فقد قيل: بامتناع التقديم عليه أيضا، وهو مذهب سيبويه ومن وافقه (¬2)، وعلى هذا يصح إطلاق امتناع تقديم التمييز على عامله كائنا ما كان، فلا يجوز تقديم المميز على عامله في صورة أصلا. وذهب الكسائي والمازني والمبرد إلى جواز التقديم على العامل إذا كان فعلا متصرفا (¬3). قال المصنف (¬4): أجمع النحويون على منع تقديم التمييز على عامله إذا لم يكن فعلا متصرفا، فإن كان إياه نحو: «طاب زيد نفسا» ففيه خلاف، والمنع مذهب سيبويه، والجواز مذهب الكسائي والمازني والمبرد، وبقولهم أقول قياسا على سائر الفضلات المنصوبة بفعل متصرف، ولصحة ورود ذلك في الكلام الفصيح بالنقل الصحيح، كقول بعض الطائيين: 1911 - إذا المرء عينا قرّ بالأهل مثريا ... ولم يعن بالإحسان كان مذمّما (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة الرعد: 43. (¬2) الكتاب (1/ 205). (¬3) المقتضب (3/ 36)، والإنصاف (2/ 439)، والتذييل (4/ 116). (¬4) شرح التسهيل (2/ 389). (¬5) البيت من بحر الطويل وهو لقائل مجهول في الحكمة والأمثال يقول: إذا كان الإنسان مسرورا بأهله -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول ربيعة بن مقروم الضبي (¬1): 1912 - وواردة كأنّها عصب القطا ... تثير عجاجا بالسّنابك أصهبا رددت بمثل السّيد نهد مقلّص ... كميش إذا عطفاه ماء تحلّبا (¬2) وكقول الآخر: 1913 - أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب (¬3) وكقول الآخر: 1914 - ضيّعت حزمي في إبعادي الأملا ... وما ارعويت وشيبا رأسي اشتعلا (¬4) ومثله: 1915 - ولست إذا ذرعا أضيق بضارع ... ولا يائس عند التعسّر من يسر (¬5) - ¬

_ - فلا بد أن يكون كريما معهم. وشاهده: قوله: «إذا المرء عينا قر»؛ حيث تقدم التمييز هنا على عامله وأصله: قر عينا ورد ذلك بأن «المرء» فاعل بفعل محذوف وأصله إذا قر المرء عينا قر ولكن ابن مالك تابعا ابن جني أجاز وقوع الاسم بعد إذا وعليه بقي الشاهد. والبيت في التذييل والتكميل (4/ 125) وحاشية الصبان (2/ 202). (¬1) شاعر مخضرم أسلم وشهد القادسية. الشعر والشعراء (1/ 326). (¬2) البيتان من بحر الطويل وهما في الوصف لربيعة بن مقروم الضبي. اللغة: الواردة: القطيع من الخيل. عصب القطا: جماعتها. الفجاج: الغبار، السيد: الذئب، النهد: الضخم. المقلص: طويل القوائم. الكميش: السريع العدو. ماء تحلبا: عرقا يسيل. وشاهده: قوله: «ماء تحلبا»؛ حيث تقدم التمييز على عامله. والبيتان في شرح الكافية للرضي (1/ 257) وحاشية الصبان (2/ 202) وابن الشجري (2/ 33). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو للمخبل السعدي ربيعة بن مالك في الغزل. وشاهده: قوله: «وما كان نفسا بالفراق تطيب»؛ حيث تقدم التمييز على عامله. والشاهد في: المقتضب (3/ 37) والإنصاف (2/ 493) وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 73). (¬4) البيت من بحر البسيط لقائل مجهول. اللغة: الحزم: الاستعداد للأمر. وما ارعويت: ما رجعت عن القبيح. وشيبا رأسي اشتعلا: كناية عن الطعن في السن. وشاهده كالذي قبله. والبيت في مغني اللبيب (2/ 462)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 389)، وحاشية الصبان (2/ 201)، والعيني (3/ 240). (¬5) البيت من بحر الطويل وهو كسابقه مجهول القائل: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 1916 - أنفسا تطيب بنيل المنى ... وداعي المنون ينادي جهارا (¬1) وانتصر لسيبويه بأنّ فاعل هذا النوع فاعل في الأصل، وقد أوهن بجعله كبعض الفضلات، فلو قدّم لازداد إلى وهنه وهنا، فمنع ذلك؛ لأنه إجحاف. قلت: وهذا الاحتجاج مردود بوجوه: أحدها: أنه دفع روايات برأي لا دليل عليه، فلا يلتفت إليه. الثاني: أن جعل التمييز كبعض الفضلات محصل لضرب من المبالغة ففيه تقوية لا توهين، فإذا حكم بعد ذلك بجواز التقديم ازدادت التقوية وتأكدت المبالغة، فاندفع الإشكال. الثالث: أنّ أصالة فاعلية التمييز المذكور كأصالة فاعلية الحال في نحو: «جاء راكبا رجل» فإن أصله: جاء راكب، على الاستغناء بالصفة، «وجاء رجل راكب» على عدم الاستغناء بها، والصفة والموصوف شيء واحد في المعنى، فقدّم (راكب) ونصب بمقتضى الحالية، ولم يمنع ذلك تقديمه على (جاء) مع أنّه مزال عن إعرابه الأصلي، وعن صلاحيته للاستغناء به عن الموصوف، كما تنوسي الأصل في الحال، كذلك تنوسي في التمييز. الرابع: أنه لو صحّ اعتبار الأصالة في عمدة جعلت فضلة لصحّ اعتبارها في فضلة جعلت عمدة، فكأنه يجوز للنائب عن الفاعل من التقديم على رافعه ما كان يجوز له قبل النيابة، والأمر بخلاف ذلك؛ لأنّ حكم النائب فيه حكم المنوب عنه، ولا يعتبر حاله التي انتقل عنها، فكذلك لا تعتبر الحال التي انتقل عنها التمييز المذكور. - ¬

_ - اللغة: الضارع: الذليل. اليائس: من ضاق بالناس والحياة. والمعنى: أنه لا يكون ذليلا أبدا ولا يائسا من الفرج. وشاهده: كالذي قبله من تقدم التمييز على عامله في قوله: إذا ذرعا أضيق، وقيل: ذرعا معمول لعامل محذوف داخلة إذا عليه فسره المذكور. والبيت في ابن الناظم (ص 139)، والعيني (3/ 233)، وشرح الكافية الشافية (2/ 777). (¬1) البيت من بحر المتقارب وأقصى نسبة له أنه لشاعر من طيئ. ومعناه: أنه لا يطيب لك أيها الإنسان عيش ما دام الموت في انتظارك. وشاهده: تقدم التمييز أيضا في قوله: «أنفسا تطيب» وأصله: أتطيب نفسا؟. والبيت في توضيح المقاصد للمرادي (2/ 186)، والتصريح (1/ 400)، وحاشية الصبان (2/ 201).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامس: أنّ منع تقديم التمييز المذكور عند من منعه مرتب على كونه فاعلا في الأصل، وذلك إنّما هو في بعض الصور، وفي غيرها هو بخلاف ذلك، نحو: «امتلأ الكوز ماء» وفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً (¬1) وفي هذا دلالة على ضعف علة المنع لقصورها عن عموم جميع الصور. السادس: أن اعتبار أصالة الفاعلية في منع التقديم على العامل متروك في نحو: «أعطيت زيدا درهما» فإنّ (زيدا) في الأصل فاعل، وبعد جعله مفعولا لم يعتبر ما كان له من منع التقديم، بل أجيز فيه ما يجوز في ما لا فاعلية له في الأصل فكذا ينبغي أن يفعل بالتمييز المذكور. فثبت بما بينته أن تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا متصرفا جائز وإن كان سيبويه لم يجزه. وحكى ابن كيسان أنّ الكسائي أجاز «نفسه طاب زيد» وأنّ الفراء منع ذلك (¬2). فإن كان عامل التمييز غير فعل، أو فعلا غير متصرف لم يجز التقديم بإجماع، فإن استجيز في ضرورة عدّ نادرا كقول الراجز: 1917 - ونارنا لم ير نارا مثلها ... قد علمت ذاك معدّ كلّها (¬3) أراد: لم ير مثلها نارا، فنصب نارا بعد «مثل» بمثل، كما نصبوا «زبدا» في قولهم: «على التمرة مثلها زبدا» ثم قدّم «نارا» على «مثل» مع كونه عاملا لا يتصرف، ولولا الضرورة لم يستبح. انتهى كلام المصنف (¬4). وقد تقدم في أول الفصل عن ابن عصفور: أن مذهب المحققين أنّ العامل في [3/ 101] المميز الذي ينتصب عن تمام الكلام هو الجملة التي انتصب عن تمامها، وأنّه مختاره، وتقدّم ذكر استدلاله ومنازعة الشيخ له في الدليل الذي أورده، وعلى - ¬

_ (¬1) سورة القمر: 12. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 390). (¬3) البيتان من الرجز المشطور لقائل مجهول وفيه يفتخر بالكرم وأن العرب كلها تعرف ذلك. وشاهده: تقدم التمييز على عامله وهو غير فعل في قوله: «لم ير نارا مثلها»؛ حيث نصب «نارا» بلفظ المثل وهو ضرورة. والبيت في: ابن الناظم (ص 139)، وشرح الكافية الشافية (2/ 779)، والمساعد على ابن عقيل (2/ 67). (¬4) انظر: شرح التسهيل (2/ 391).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا بنى ابن عصفور منع تقديم المميز على الجملة. وأما المصنف: فالعامل عنده في المميز المذكور إنّما هو الفعل، وإنما لم يعد من العوامل ما حمل على الفعل في العمل من مصدر أو صفة أو اسم فعل؛ لأنّ مميز الجملة عنده منحصر في ما كان بعد جملة فعلية كما علمت، وقد تبيّن أنّ الأمر بخلاف ذلك، وأنّ المصدر والوصف واسم الفعل كالفعل في العمل في التمييز، وإذا كان كذلك وكان العامل في التمييز وصفا مشاركا للفعل المتصرف في الاشتقاق من المصدر، فالذي يجيز التقديم على العامل إذا كان فعلا متصرفا يلزمه أن يجيز التقديم على الوصف، وذلك نحو: «زيد نفسا طيّب، وعمرو غضبا ممتلئ». نعم إذا كان الوصف أفعل التفضيل لا يجوز التقديم عليه، فلا يقال: «زيد وجها أحسن منك»؛ لأنّ أفعل التفضيل ليس كامل الشبه بالفعل المتصرف فانحطت رتبته عن اسم الفاعل، وأمّا المنصوب في نحو: «زيد حسن وجها» فينبغي أن يقال فيه: إن كان نصب «وجها» على التشبيه بالمفعول به امتنع تقديمه على العامل؛ لأنّ معمول الصفة المشبهة لا يتقدّم عليها، وإن كان نصبه على التمييز جاز تقديمه عليه، لأنّه مميز نسبة والصفة العاملة فيه متصرفة، وليست مشبهة الآن فلا يمتنع التقديم عليها، وعبارة المصنف تقتضي منع التقديم على الوصف مطلقا لقوله: ويمتنع إن لم يكنه بإجماع يعني إن لم يكن العامل فعلا متصرفا. ثم اعلم أنّ في عبارة المصنف حيث قال: ولا يمتنع تقديم التّمييز على عامله إشعارا بأنّ الخلاف في جواز التقديم إنما هو حيث يتقدم على العامل، فعلى هذا إذا توسط بين العامل والمعمول ينبغي ألّا يجيء هذا الخلاف نحو: «طاب نفسا زيد، وكرم أصلا عمرو، وحسن وجها عمر». قال الشيخ (¬1): ولا نعلم خلافا في جواز ذلك، قال زفر بن الحارث (¬2): 1918 - فلو نبش المقابر عن عمير ... فيخبر عن بلاء أبي هذيل نطاعن عنهم الأقران حتّى ... جرى منهم دما مرج الكحيل (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل والتكميل (4/ 112). (¬2) هو زفر بن الحارث الكلابي من بني عمرو بن كلاب، وكان زفر كبير قيس في زمانه وفي الطبقة الأولى من التابعين. جمهرة أنساب العرب (ص 286). (¬3) البيتان من بحر الوافر من قصيدة لزفر بن الحارث مفتخرا بانتصار قيس على تغلب مطلعها: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن الضائع: تقول: «تفقّأ شحما زيد، وحسن وجها عبد الله» وهو متفق عليه. وكذا يكون ما حكى المصنف، أعني أنه إذا توسط التمييز بينه وبين معموله كان جائزا بلا خلاف، نحو: «أطيّب نفسا زيد، وما حسن وجها عمرو» (¬1). وإذ قد عرف هذا فاعلم أنّ الشيخ وافق المصنف في اختيار جواز تقديم المميز على عامله المنصرف، فقال: وهو الصحيح لكثرة ما ورد من الشواهد على ذلك، وقياسا على سائر الفضلات. قال: وسيبويه لم ينقل المنع عن العرب، إنّما ذلك من رأيه، ولو اطلع على ما قالته العرب لاتبعه، لكنه لم يطلع، وقد جاء منه جملة تبنى القواعد الكلية على مثلها، والحقّ أحقّ أن يتبع. ثم إنه ناقش المصنف في أمور (¬2): أحدها: أنّ كلامه يقتضي جواز تقديم التمييز على عامله مطلقا إذا كان الفعل متصرفا، وليس كذلك؛ لأنّ التمييز غير المنقول لا يجوز تقديمه على العامل بإجماع، وإن كان فعلا متصرفا، نحو: «كفى بزيد ناصرا» والمصنف قد عدّه في مميّز الجملة. ثانيها: ما ذكره عن ابن كيسان أنه حكى عن الكسائي إجازة «نفسه طاب زيد» وكونه جعل هذا النقل دليلا على إجازة تقديم التمييز على عامله، فقال: ليس مذهب الكسائي في «طاب زيد نفسه ووجع زيد بطنه، وألم بكر ظهره» أنه تمييز، بل مذهبه في ذلك أنه مشبه بالمفعول به، ولذلك خالفه الفراء في ذلك، فالفراء يعتقد أنه تمييز، ولذا منع من تقديمه على الفعل، والكسائي أجازه لاعتقاده أنه مشبّه بالمفعول، وحكى عن العرب: «من المسفوه رأيه، ومن الموجوع بطنه، وخذه - ¬

_ - ولما أن نعى الناعي عميرا ... حسبت سماءهم دهيت بليل والمعنى: يقول الشاعر إنه لو بعث عمير بن الحباب وسئل عن بطولتي لأخبر بذلك حيث قتلته شر قتلة. وشاهده: توسط التمييز بين عامله الفعل ومميزه وهو جائز. والشاهد في المقرب (1/ 165)، والتذييل والتكميل (1/ 112). (¬1) انظر رأي ابن الضائع في التذييل والتكميل (4/ 113). (¬2) انظر هذه الأمور في التذييل والتكميل (4/ 114) وما بعدها بتحقيق د/ الشربيني أبو طالب رحمه الله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطيوبة به نفس. قال: وقد بيّنّا وهم المصنف على الكسائي في أنه يجيز بناء الفعل الذي لم يسم فاعله للتمييز في باب النائب عن الفاعل في قوله: ولا مميّز خلافا للكسائي. قال: ووافق البصريون الكسائي في جواز التقديم في «رأسه وجع زيد، ورأيه سفه عمرو» وذلك لاعتقادهم أنه غير تمييز. ثالثها: في قوله: إن أصالة فاعلية التمييز كأصالة فاعلية الحال؛ فقال: لا أعلم أحدا ذهب إلى أنّ الحال أصلها أن تكون فاعلة ولا أنها منقولة من الفاعل غير هذا الرجل. والجواب عن هذه المناقشة: أنّ المصنف لم يدّع أنّ الحال أصلها أن تكون فاعلة على الإطلاق، بل في نحو: «جاء راكبا رجل» وقد قرر المصنف فاعليته بالطريق التي ذكرها، وهي لطيفة. رابعها: في قوله: إن اعتبار أصالة الفاعلية في منع التقديم على العامل متروك في نحو: «أعطيت زيدا درهما» ... إلى آخره، فقال: ليس فاعلية (زيد) في «أعطيت زيدا درهما» لـ (أعطيت) إنّما كانت لـ (عطا، يعطو) بمعنى: تناول، وفاعلية (نفس) في «طاب زيد نفسا» كانت لـ (طاب نفسه) وفرق بين ما يصحّ إسناده إلى الفعل من غير تغيير للفعل، وبين ما لا يصح إسناده إليه، وحاصله أنّ فاعلية (زيد) في «أعطيت زيدا» قد أميتت، وجيء بصيغة لا تقبل الفاعلية التي كانت، وأما فاعلية التمييز فإنّ الفعل يقبلها، فلا يشبه «طاب زيد نفسا» [3/ 102] «أعطيت زيدا درهما». خامسها: في قوله: ويمنع إن لم يكنه بإجماع وفي قوله في الشرح: أجمع النحويون على منع تقديم المميّز على عامله إذا لم يكن فعلا متصرفا. فقال: في بعض صور التمييز عن تمام الاسم خلاف بين النحويين وذلك إذا انتصب التمييز بعد اسم شبّه به الأول، نحو: «زيد القمر حسنا، وثوبك السّلق خضرة» فيجوز عند الفراء «زيد حسنا القمر، وثوبك خضرة السّلق» وذلك على أن يكون (زيد)، و (ثوبك) هما المبتدآن، و (القمر) و (السّلق) هما الخبران، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن عكست لم يجز التقديم؛ لأنّ صلة الاسم لا تتقدم عليه، والخبر مبني على التصرف، فلو قلت: «مررت بعبد الله القمر حسنا» لم يجز تقديم (حسنا) على (القمر)؛ لأن (القمر) ليس بخبر، قال: فهذا نوع من التمييز المنتصب عن تمام الاسم ووقع فيه الخلاف؛ إذ العامل فيه هو القمر والسّلق لقيامهما قيام (مثل) المحذوفة التي ينتصب عنها التمييز في قولنا: «زيد مثل زهير شعرا» وقد ارتكب مذهب الفراء في هذه المسألة الخالديان (¬1) في أبيات يمدحان بها سيف الدولة (¬2) وكان قد أهدى إليهما هدية فيها وصيف ووصيفة، فقال: 1919 - رشأ أتانا وهو حسنا يوسف ... وغزالة هي بهجة بلقيس (¬3) ويمكن الجواب عن هذه المناقشة: بأن المصنف يرى أن (شعرا) في نحو: «زيد زهير شعرا» منصوب على الحال، لا على التمييز وقد تقدم ذلك في باب الحال، لكن النصب على التمييز أظهر. واعلم أنهم قد أخرجوا هذا البيت أعني قوله: 1920 - ونارنا لم ير نارا مثلها عن أن يكون ضرورة، بأن جعلوا (لم ير) فيه علمية، و (مثلها) المفعول الأول، و (نارا) المفعول الثاني، أي: لم يعلم مثلها نارا، وقد توهم ابن عصفور وابن الضائع أنّ هذا من توسط التمييز بين الفاعل العامل فيه ومعموله، نحو: طاب نفسا زيد» وليس الأمر كما توهماه؛ لأن التمييز المذكور ليس منتصبا عن تمام الكلام، إنما هو منتصب عن تمام الاسم بالإضافة والمميّز هو (مثل) نفسه وليس نسبة مجهولة تحتاج - ¬

_ (¬1) هما أبو بكر محمد الخالدي الأخ الأكبر المتوفى سنة (380 هـ) والثاني هو أبو عثمان سعيد الخالدي المتوفى سنة (390 هـ) من قرية بالموصل تعرف بالخالدية وكانا شاعرين أديبين ولهما من الكتب: أخبار الحماسة في شعر أبي تمام ومحاسنه وأخبار الموصل. انظر يتيمة الدهر (2/ 183) طبعة دار الكتب العلمية. (¬2) هو سيف الدولة الحمداني الأمير العربي المشهور على ولاية حلب قصده الأدباء والشعراء واشتهر المتنبي بمدحه إياه بأجود القصائد. (¬3) البيت من بحر الكامل من قصيدة للخالدين في مدح سيف الدولة أولها: لم يغد شكرك في الخلائق مطلقا ... إلا ومالك في النوال حبيس والرشأ: الظبي إذا قوي ومشى مع أمه. بلقيس: ملكة سبأ المشهورة قصتها في القرآن. والشاهد فيه: تقدم التمييز المنتصب بعد اسم شبه به الأول على مذهب الفراء في موضعين من البيت قوله: «وهو حسنا يوسف» وقوله: «هي بهجة بلقيس»، وانظر البيت في التذييل والتكميل (4/ 135).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى تمييز وقد ختم الشيخ الباب بمسألة وهي أنّ التمييز يجوز حذفه إذا قصد إبقاء الإبهام، أو كان في الكلام ما يدل عليه ويجوز أن يبدل كقوله تعالى: ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ (¬1)، واثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً (¬2). [قيل: ويكون في المعطوف عليه نحو: «ثلاثة وعشرون درهما» ونحوه، الأصل: ثلاثة دراهم، لكنهم تركوه تشبيها بخمسة عشر، لدلالة ما بعده عليه. ولا يجوز حذف المميّز؛ لأنه يزيل دلالة الإبهام، إلّا أن يوضع غيره موضعه، كقولهم: «ما رأيت كاليوم رجلا» وقد يحذف من غير بدل كقولهم: «تالله] رجلا» أي: تالله ما رأيت كاليوم رجلا. * * * ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 25. (¬2) سورة الأعراف: 160.

الباب الثلاثون باب العدد

الباب الثلاثون باب العدد [حكم تمييز الأعداد من واحد إلى مائة] قال ابن مالك: (مفسّر ما بين عشرة ومائة واحد منصوب على التمييز، ويضاف غيره إلى مفسّره مجموعا مع ما بين اثنين وأحد عشر، ما لم يكن مائة فيفرد غالبا، ومفردا مع مائة فصاعدا، وقد يجمع معها وقد يفرد تمييزا، وربّما قيل: عشرو درهم، وأربعو ثوبه، وخمسة أثوابا، ونحو ذلك، ولا يفسّر واحد واثنان، و «ثنتا حنظل» ضرورة) (¬1). قال ناظر الجيش: [3/ 103] لما كان العدد مفتقرا إلى التمييز وصل بابه ببابه (¬2)، وقدّم فيه الكلام على العدد المميز بمنصوب ولا بدّ في الترجمة من مضاف محذوف والتقدير: باب اسم العدد، واسم العدد ما وضع لكميّة آحاد الأشياء، وأصوله اثنتا عشرة كلمة: واحد إلى عشرة، ومائة وألف، وأما ألفاظ العقود كعشرين وثلاثين إلى تسعين ففروع لاشتراكها مع الآحاد في اللفظ، ولأنها تكرير للعشرة في المعنى. ثم العدد بالنسبة للاستعمال أربعة أنواع: مفرد ومضاف ومركب ومعطوف (¬3). فالمفرد: واحد واثنان للمذكر، وواحدة واثنتان للمؤنث، والعقود الثمانية، وهي: عشرون وتسعون وما بينهما، ويستعمل للمذكر والمؤنث بلفظ واحد. والمضاف: ثلاثة وعشرة وما بينهما في التذكير، وثلاث وعشر وما بينهما في التأنيث، ومائة وتثنيتها، وألف وتثنيته وجمعه، واستعمال هذه بلفظ واحد في التذكير والتأنيث. والمركب: أحد عشر واثنا عشر وثلاثة عشر إلى تسعة عشر في التذكير، وإحدى - ¬

_ (¬1) تسهيل الفوائد (ص 116) تحقيق (محمد كامل بركات) وزارة الثقافة. (¬2) إجابة لسؤال وهو: لم أردف ابن مالك هنا التمييز باب العدد؟ وقد أجاب أن العدد لإبهامه يفتقر إلى التمييز كما أن العدد وتمييزه من أنواع تمييز المفرد، أما في الألفية فقد تحدث عن العدد بعد الانتهاء من أكثر أبواب النحو حيث لم يندرج تحت باب من أبوابه التي نظمها. (¬3) حديث إجمالي لناظر الجيش وسرد القواعد في هذا الباب، أما التمثيل والاستشهاد فسيأتي مع طول الحديث وكثرة المسائل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة واثنتا عشرة وثلاث عشرة إلى تسع عشرة في التأنيث. والمعطوف: العقود المعطوفة على النيّف: أحد وعشرون واثنان وعشرون وثلاثة وعشرون وهكذا إلى تسعة وتسعين في التذكير، وإحدى وعشرون واثنتان وعشرون وثلاث وعشرون وهكذا إلى تسع وتسعين في التأنيث. ثم من هذه الأنواع ما لا يذكر معه تمييز وهو المفرد الذي هو واحد واثنان تذكيرا وتأنيثا؛ وذلك لأنّ المعدود إذا اقتصر على واحده ومثناه عرف جنسه ومقداره نحو: رجل ورجلان ودرهم ودرهمان. وهذا بخلاف الجمع فإنه إذا اقتصر معه على الاسم كرجال مثلا جهل مقداره (¬1). والحاصل: أنّ لفظ المفرد ولفظ المثنى يدلان على جنس المعدود وكميته فاستغني فيهما عن اسم العدد بخلاف لفظ الجمع فإنه وإن دلّ على الجنس لا يفيد الدلالة على الكمية. وأما المفرد الذي هو عشرون وثلاثون وأخواتهما، والأنواع الثلاثة الأخر فلا بدّ لها من تمييز؛ لأنّ اسم العدد إنما يفيد الكميّة فقط فيحتاج إلى ذكر ما يفيد الجنسية، فمن ثم كان ذكر التمييز لازما، ثم مميز المفرد الذي هو ألفاظ العقود ومميز المركب ومميز المعطوف واحد منصوب فهو تمييز اصطلاحي، كما أنه تمييز لغوي، ومميز المضاف مجرور فهو تمييز لغوي لا اصطلاحي (¬2)، لكنه مع الثلاثة فما فوقها إلى العشرة مجموع، ومع المائة فما فوقها مفرد، هذا هو أصل الباب، وقد يقع الاستعمال بخلافه فيعدّ ذلك قليلا أو ضرورة كما ستقف عليه. إذا عرف هذا فلنرجع إلى الشرح معتمدين كلام المصنف أولا فنقول: قد تناول قوله: مفسّر ما بين عشرة ومائة واحد منصوب على التمييز: أحد عشر (¬3) وإحدى - ¬

_ (¬1) قصده أنك إذا قلت: رجل. فقد عرف منه المقدار وهو أنه واحد، وكذا الجنس وهو ما دل عليه، ومثله قولك رجلان، بخلاف قولك ثلاثة رجال فلا بد من الجمع بينهما؛ فثلاثة يفهم منه المقدار ورجال يفهم منه الجنس فلا يجوز الاقتصار على واحد. (¬2) إنما كان تمييز ألفاظ العقود والمركب والمعطوف تمييزا لغويّا واصطلاحيّا؛ لأن التمييز المفرد إنما يرفع إبهام عدد أو مقدار أو غير ذلك، كما أن تمييز هذه الأنواع منصوب (عشرون رجلا) فانطبق عليه تعريف التمييز وهو ما فيه معنى من الجنسية من نكرة منصوبة فضلة غير تابع. أما تمييز المضاف فكان مجرورا (ثلاثة أبواب) فقد رفع إبهام العدد وكان نكرة على معنى (من) إلا أن استعماله مجرورا أخرجه عن التمييز الاصطلاحي. (¬3) أحد عشر وما بعده مفعول: تناول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عشرة وتسعة وتسعين وتسعا وتسعين وما بينهما كقوله تعالى حكاية: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً (¬1) وكقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إن لله تسعة وتسعين اسما» (¬2). ودلّ قوله: واحد على أن جمعه وهو تمييز لا يجوز مطلقا. وزعم الزمخشري في الكشاف (¬3) أنّ أَسْباطاً من قوله تعالى: وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً (¬4) تمييز، ثم قال: فإن قلت: مميز ماعدا العشرة مفرد، فما وجه مجيئه مجموعا؟ وأجاب: بأن المراد: وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة وأنّ كل قبيلة أسباط لا سبط، فأوقع أَسْباطاً موقع قبيلة، كما قال: 1921 - بين رماحي مالك ونهشل (¬5) انتهى (¬6). قال المصنف: فمقتضى ما ذهب إليه أن يقال: «رأيت إحدى عشرة أنعاما» إذا أريد: إحدى عشرة جماعة، كل واحدة منها أنعام، ولا بأس برأيه في هذا لو ساعده استعمال، لكن قوله: كل قبيلة أسباط لا سبط - مخالف لما يقوله أهل اللغة: إنّ السبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في العرب، فعلى هذا معنى وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 4. (¬2) روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة إلا أبا داود وهو بلفظه في الفتوحات الربانية على الأذكار النووية للعلامة ابن علان (3/ 221) مرويّا عن أبي هريرة رضي الله عنه. (¬3) انظر: الكتاب المذكور (2/ 168) دار الريان للتراث والكلام بنصه. (¬4) سورة الأعراف: 160. (¬5) بيت من بحر الرجز المشطور قائله أبو النجم العجلي وهو الفضل بن قدامة أحد رجاز الإسلام المتقدمين. ترجمته في الخزانة (1/ 103) هارون وقبله - وهو في وصف قطيع من الأغنام - قوله: تبقلت من أول التبقل اللغة: تبقلت: أي الغنم وغيرها رعت البقل وهو النبات الرطب، مالك ونهشل: قبيلتان الأولى من هوازن والثانية من ربيعة وكانت بينهما حروب في مكة. الشاهد فيه: قوله: «بين رماحي مالك ونهشل»؛ حيث يجوز تثنية الجمع لتأويله بالجماعتين، وقد جعله الزمخشري نظير وضع أسباطا موضع قبيلة كما وضع الرماح وهو جمع رمح موضع جماعتين من الرماح وثنى على تأويل رماح هذه وتلك. والبيت في: شرح المفصل (4/ 155)، وشرح شواهد الشافية (4/ 312)، واللسان «بقل». (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 393) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَشْرَةَ أَسْباطاً [3/ 104]: قطعناهم اثنتى عشرة قبائل، فأسباط واقع موقع قبائل، لا موقع قبيلة، فلا يصح كونه تمييزا، وإنما هو بدل، والتمييز محذوف (¬1). وأجاز بعض العلماء أن يقول القائل: «عندي عشرون دراهم لعشرين رجلا». قاصدا أنّ لكل منهم عشرين درهما. قال المصنف (¬2): وهذا إذا دعت الحاجة إليه فاستعماله حسن وإن لم تستعمله العرب؛ لأنه استعمال لا يفهم معناه بغيره ولا يجمع مميز عشرين وبابه في غير هذا النوع فإن وقع موقع تمييز شيء منها جمع فهو حال أو تابع، كبني مخاض في قول ابن مسعود (¬3): «قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض وعشرين بني مخاض وعشرين ابنة لبون وعشرين حقّة وعشرين جذعة» (¬4) فـ (بني مخاض) نعت أو حال. انتهى. والتمييز الذي ادّعى المصنف حذفه في اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً هو (فرقة) ثم إنّ المصنف لم يبيّن المبدل منه ما هو، لكن بينه الشيخ فقال (¬5): هو بدل من اثْنَتَيْ عَشْرَةَ التقدير: وقطعناهم أسباطا، أي: قبائل، ولا يجوز أن يكون بدلا من المحذوف يعني التمييز الذي هو (فرقة)؛ لأنّ العامل إذ ذاك يكون هو العامل في المبدل منه، أو يقدّر له عامل مثله، فيلزم حينئذ ما فررنا منه (¬6)، وكذا يقال في - ¬

_ (¬1) التمييز المحذوف سيذكره بعد وهو قوله: فرقة. وأما أسباطا فقد جعله بدلا من اثنتي عشرة الواقع مفعولا به. (¬2) شرح التسهيل (2/ 393). (¬3) انظر الحديث في سنن الترمذي (2/ 423) باب ما جاء في الدية، وهو في سنن ابن ماجه (2/ 7) باب دية الخطأ، وسنن أبي داود (2/ 491) كتاب الديات. (¬4) الجذع: من الإبل ما دخل في السنة الخامسة، والحق: ما دخل في الرابعة، وابن اللبون: ما دخل في الثالثة، وابن المخاض: ما دخل في الثانية وهكذا، والمؤنث منه بزيادة التاء. (¬5) انظر التذييل والتكميل (3/ 142) رسالة دكتوراه بتحقيق د/ الشربيني أبو طالب رحمه الله (كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر). (¬6) معناه أن أَسْباطاً بدل من اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ولا يجوز أن يكون بدلا من (فرقة) وهو التمييز المحذوف؛ لأنه إذا جعل كذلك كان العامل في البدل هو العامل في المبدل منه والعامل في المبدل منه (وقطعنهم) فيكون (أسباطا) وهو جمع تمييزا ال (اثنتى عشرة) وهو لا يجوز ولو قدر للبدل عامل آخر لزم أيضا ما هو محظور من جعل تمييز (اثنتى عشرة) جمعا؛ لأن البدل على نية طرح المبدل منه أو تكرير العامل، أما جعله بدلا من (اثنتى عشرة) فلا شيء فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: فـ (بني مخاض) نعت أو حال: إنه نعت لـ (عشرين) أو حال منها، والتمييز محذوف، التقدير: وعشرين جملا بني مخاض (¬1). وقال أيضا (¬2): الجمهور لا يجيزون الجمع في التمييز المنصوب بعد العدد، وذهب الفراء إلى أنّ ذلك جائز، فتقول: «عندي أحد عشر رجالا، وقام ثلاثون رجالا». قال: ويمكن الاستدلال له بقوله تعالى: اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً (¬3). انتهى. وأقول: إنني لم أتحقق ما قاله المصنف في «عندي عشرون دراهم لعشرين رجلا» وهو أنه يفهم منه أنّ لكلّ رجل عشرين درهما. وقد نازع الشيخ في ذلك، قال (¬4): لأنّ المفرد في عشرين درهما واقع موقع الجمع، فكما أنّ هذا المفرد لا يدل على ذلك المعنى فكذلك هذا الجمع لا يفيده، بل لو صرح فيه بالتركيب العربي الذي لا خلاف في جوازه، وهو أن يقال: «عندي دراهم عشرون، أو عندي عشرون من الدراهم لعشرين رجلا» لم يفد ذلك أنّ عنده لكل رجل عشرين درهما. ثم إنّ المصنف أشار بقوله: ويضاف غيره إلى مفسّره إلى المميز المجرور وهو مميز المضاف؛ لأن الضمير في (غيره) و (مفسّره) عائد على ما بين عشرة ومائة، فعلم منه تساوي المائة فما فوقها، والعشرة فما دونها في الإضافة إلى المفسّر (¬5). ثم ذكر أنّ المفسّر جمع أو مفرد مشيرا إلى ذلك بقوله: مجموعا مع ما بين اثنين وأحد عشر ومفردا مع مائة فصاعدا فيقال: ثلاثة أيام، وثلاث ليال، وعشرة أشهر، وعشر سنين، ومائة دينار، وألف درهم، وكذا يقال في ما أشبه ما ذكرنا. نعم إن كان مفسر الثلاثة إلى التسعة مائة أفرد، فيقال: ثلاثمائة إلى تسعمائة بالإفراد، قال المصنف (¬6): والقياس يقتضي أن يقال: ثلاث مئات أو مئين، كما يقال: ثلاثة - ¬

_ (¬1) إنما أعرب بني مخاض نعتا أو حالا في قوله: عشرين بني مخاض، وجعل التمييز محذوفا وهو: جملا لئلا يلزم تمييز ألفاظ العقود بالجمع، والأصل فيه أن يكون مفردا (عشرون رجلا). (¬2) القائل: هو أبو حيان انظر التذييل والتكميل (3/ 140). (¬3) سورة الأعراف: 160. (¬4) التذييل والتكميل (3/ 143). (¬5) يشير إلى أن التمييز للأعداد من ثلاثة إلى عشرة يكون مجرورا وكذا تمييز الألف والمائة إلا أنّ تمييز من الثلاثة إلى عشرة يكون جمعا (ثلاثة أشهر - تسعة أعوام) وتمييز المائة والألف يكون مفردا (مائة عام - ألف عام). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 394).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آلاف، إلّا أنّ العرب لا تجمع المائة إذا أضيف إليها عدد إلّا قليلا، كقول الشاعر: 1922 - ثلاث مئين للملوك وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم (¬1) ومن أجل هذا الوارد بجمع قيّد إفراد (المائة) بقوله: غالبا، ثمّ أشار (¬2) إلى أنّ المفسّر قد يجمع مع (المائة) وقد يفرد تمييزا، أي منصوبا، منبّها بذكر (قد) مع الفعلين، على أنّ ذلك قليل، فأما الجمع فكقراءة حمزة والكسائيّ: ثلث مائة سنين (¬3) بإضافة (مائة) وأما الإفراد والنصب فنحو قول الربيع بن ضبع الفزاريّ (¬4): 1923 - إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب المسرّة والفتاء (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل وهو من قصيدة للفرزدق يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو فيها جريرا وهي في ديوان الفرزدق بهذه الرواية: فدى لسيوف من تميم وفى بها ... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم وهو بهذه الرواية لا شاهد فيه. اللغة: جلت: كشفت. الأهاتم: يعني بهم الأهتم بن سنان. المعنى: يفتخر الشاعر أن دفع ثلاثمائة بعير دية لقتل ثلاثة رجال من قبيلة الأهتم. الشاهد فيه: قوله: «ثلاث مئين»؛ حيث جمع المائة مع أنها تمييز للثلاث والقياس الإفراد أي: ثلاثمائة. وعلله ابن يعيش بأن الشعراء يقسم لهم في مراجعة الأصول المرفوضة قال: وهذا وإن كان القياس إلا أنه شاذ في الاستعمال. البيت في: الخزانة (7/ 370)، ابن يعيش (6/ 21)، الديوان (2/ 310)، المقتضب (2/ 167)، الأشموني (4/ 65). (¬2) من أول هنا في نسخة دار الكتب المصرية (349 نحو) وما مضى من أبواب (آخر باب الاستثناء - باب الحال - باب التمييز - أول باب العدد) مأخوذ من نسخة تركيا ولا توجد في غيرها من نسخ دار الكتب المصرية أو معهد المخطوطات. (¬3) سورة الكهف: 25. وتنظر في: إتحاف فضلاء البشر (ص 289)، والتحبير والتيسير (ص 135). (¬4) أحد المعمرين، نيف على مائتي سنة، وقيل: عاش ثلاثمائة وأربعين سنة، ينظر في ترجمته: جمهرة الأنساب (ص 225). وقد نسب سيبويه هذا البيت - مرة ثانية - ليزيد بن حنبه. الكتاب (2/ 162) وصحح البغدادي هذه النسبة. (¬5) البيت من الوافر، وهو من شواهد سيبويه (1/ 208)، (2/ 162). والمقتضب (2/ 169)، والعيني (4/ 481)، والهمع (1/ 253)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 21، 23). والشاهد فيه: إثبات النون في «مائتين» ونصب ما بعدها للضرورة، ويروى: إذا عاش الفتى تسعين عاما فلا شاهد فيه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله - في رواية من نصب (مائة) - قول حذيفة (¬1) رضي الله تعالى عنه: «فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا، ونحن ما بين السّتّ مائة، والسبع مائة» (¬2) فأجرى الألف واللّام - في تصحيح نصب المميز - مجرى النّون، من «مائتين عاما»، لاستوائهما في المنع من الإضافة، قال المصنف: وهذا يقوّي ما ذهب إليه ابن كيسان، من جواز: الألف درهما، والمائة دينارا (¬3)، قال: ويروى «ما بين الستّ مائة، إلى السبع مائة؟» بجرّ (مائة) وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون أراد (مئات) على (¬4) أنه بدل، ثمّ استعمل المفرد مكان الجمع، على فهم المعنى، كما قيل في قوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (¬5). والثّاني: أن يجعل الألف واللام زائدين، فلم يمنعا من الإضافة، كما لم يمنعا في قول الشاعر: 1924 - تولي الضّجيع إذا تنبّه موهنا ... كالأقحوان من الرشاش المستقي (¬6) الثالث: أن يكون أراد ما بين الستّ ستمائة، ثم حذف المضاف، وأبقى عمله، - ¬

_ (¬1) هو أبو عبد الله، حذيفة بن اليمان، الصحابي، رضي الله تعالى عنهما، أسلم هو وأبوه، وشهد أحدا، وروى عنه جماعة من الصحابة رضي الله عنه منهم: عمر، وعلي، وعمار رضي الله عنه. توفي بالمدائن سنة (36 هـ). ينظر في ترجمته: تهذيب الأسماء واللغات للإمام أبي زكريا النووي (1/ 155) ط. بيروت. دار الكتب العلمية. (¬2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب الاستسرار بالإيمان للخائف (1/ 73، 74) والرواية بتمامها: «عن حذيفة رضي الله تعالى عنه، قال: «كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: احصوا لي كم يلفظ الإسلام، قال: فقلنا: يا رسول الله. أتخاف علينا، ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: إنكم لا تدرون، لعلكم أن تبتلوا قال: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرّا». اه. (¬3) ينظر رأي ابن كيسان هذا في: شرح التصريح (2/ 273)، والهمع (1/ 253)، والأشموني (4/ 67)، والتذييل والتكميل (4/ 164). (¬4) كلمة على: من الهامش. (¬5) سورة القمر: 54. في معاني القرآن للفراء (3/ 111): «وقوله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ يقرأ «نهر» بفتح النون وهو واحد في معنى الجمع، ويقرأ بضم النون والهاء، على الجمع، مثل: أسد، وأسد. والمراد - هنا - إبدال (مائة) من المخفوض، على إنابة المفرد على الجمع مثل: فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. (¬6) سبق تخريجه في الباب السابق (باب التمييز).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقراءة بعض القراء: والله يريد الآخرة، (¬1)، أي: عرض الآخرة، فحذف المضاف، وأبقى عمله وحكى الكسائيّ أن من العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى المفسّر منكرا أو معرّفا، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: وربّما قيل: عشرو درهم، وأربعو ثوبه (¬2) ومنهم [3/ 63] من ينصب مفسّر الثلاثة وأخواتها على التمييز، فيقول: لي خمسة أثوابا (¬3)، وهو نظير قول الربيع: 1925 - إذا عاش الفتى مائتين عاما ونظيره: «ونحن ما بين الستّ مائة» بالنصب. هذا ما ذكره المصنف (¬4). ثم إنّنا نشير إلى أمور. منها: أن تسأل عن الموجب لإفراد المائة المفسرة للعدد، من ثلاثة إلى تسعة ما هو؟ فأما بعضهم فإنه علّل ذلك بأنّ المائة جمع في المعنى، ولا يخفى أنّ هذا التعليل غير متّجه، لانتقاضه بالألف، فإنّه جمع في المعنى ومع هذا لا يفسّر به إلا وهو جمع، وقد ذكر الفارسيّ كلاما حسنا فقال: «والأصل فيما يبين العدد الإفراد؛ لأنّ المعدود قد علم قدره، وإنّما يحتاج إلى بيان جنسه، والواحد كاف في ذلك، ولفظه أخفّ من لفظ الجمع» (¬5). - ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: 67. قال ابن جني في المحتسب (1/ 281): «ومن ذلك قراءة ابن جماز - سليمان بن جماز المدني -: والله يريد الآخرة يحملها على «عرض الآخرة» ثم قال: وجه جواز ذلك - على عزته، وقلة نظيره - أنه لما قال: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا فجرى ذكر العرض، صار كأنه عرضه ثانيا فقال: «عرض الآخرة» ولا ينكر نحو ذلك، ألا ترى إلى بيت الكتاب: أكل امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا وينظر ذلك أيضا في: البحر المحيط (4/ 518)، والكشاف للزمخشري (2/ 168). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 395)، والمساعد لابن عقيل (2/ 70)، والتذييل والتكميل (4/ 168)، حيث قال الشيخ أبو حيان: «وفي قوله: (وربما) إشارة إلى تقليل ذلك، وأنه جائز على قلة، فأما «عشرو درهم» فهو عند أصحابنا شاذ، لا تبنى على مثله قاعدة، وينظر أيضا: المقرب لابن عصفور، حيث قال - (1/ 305) -: «وأما ما حكاه الكسائي من قولهم: أخذته بمائة وعشري درهم، فشاذ لا يلتفت إليه». اه. (¬3) في الأصل (أثواب) والصحيح ما أثبته. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 395). (¬5) عبارة الفارسي - في الشيرازيات -: «... الأصل في الأسماء التي تبين العدد أن تكون مفردة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى ذلك جاء الاستعمال في ضروب العدد، إلا ما كان من الثلاثة إلى العشرة، فإنه يبين بجموع القلة؛ لأنّها تشبه الآحاد، من جهة تكسيرها تكسير الآحاد، وتحقيرها على لفظها، كما تحقّر الآحاد ومن جهة أنّها توصف بها الآحاد، نحو: برمة أعشار، وثوب أخلاق (¬1)، ومن جهة عود الضمير المفرد المذكّر عليها، نحو قوله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ (¬2)، ومما حسن تبيينها بها مناسبتها لها في القلة، ومما يبيّن لك أنّ الأصل في مفسّر الثلاثة إلى العشرة، التعيين بالمفرد أنّهم قد بيّنوا ضربا منها به، وذلك قولهم: ثلاثمائة، وأربعمائة، إلى الألف (¬3)، وقولهم: ثلاث مئين وثلاث مئات شاذّ في القياس، وإنّما يجيء في الشعر، وأما إضافة الثلاثة، وأخواتها إلى جمع الكثرة فقليل، وغيره مقيس. اه (¬4). ولكن قد تقدّم قول المصنف: والقياس يقتضي أن يقال: ثلاث مئات، أو مئين. وقال سيبويه - رحمه الله تعالى -: وأما تسعمائة، وثلاثمائة فكان ينبغي أن يكون في القياس مئين، أو مئات، ولكنّهم شبهوه بعشرين، وأحد عشر، حين جعلوا ما يبين العدد واحدا؛ لأنه اسم لعدد، وليس بمستنكر في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا، والمعنى جمع (¬5). انتهى، وهو خلاف ما قاله الفارسيّ، وقد جمع النحاة بين القولين بأن قالوا: لنا قياسان (¬6): أحدهما: أصل، وهو أنّ أصل تمييز العدد أن يكون واحدا. - ¬

_ - وذلك أنّ المعدود قد علم قدره بذلك العدد، وإنّما يحتاج إلى ما يبين جنسه، والواحد يكفي في ذلك ولفظه أخف من لفظ الجمع، فكان التبيين به أولى ...». ينظر: التذييل والتكميل (4/ 150) تحقيق د/ الشربيني أبو طالب. (¬1) في اللسان مادة «خلق»: وقد يقال: ثوب أخلاق، يصفون به الواحد، إذا كانت الخلوقة فيه كله، كما قالوا: «برمة أعشار». (¬2) سورة النحل: 66. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 151): «وجاء الاستعمال بها في حال السعة والاختيار». (¬4) ينظر: المرجع السابق (4/ 152) والمسائل الشيرازيات: المسألة الثانية والعشرون (2/ 353 - 365) رسالة دكتوراه تحقيق د. علي جابر منصور، بجامعة عين شمس تحت رقم (21210). (¬5) في هذا النقل عن سيبويه تصرف في العبارة. ينظر: الكتاب (1/ 209). (¬6) نقل ناظر الجيش عن أبي حيان هذين القياسين، ولم ينسبهما إليه. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 155).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنهم حينما خالفوا هذا الأصل، فأضافوا (ثلاثة وتسعة)، وما بينهما إلى جمع صار هذا أصلا ثانيا، فلما أضافوا إلى المائة كان القياس فيها أن تجمع، فترك هذا القياس، وأضيفت إلى لفظ مائة مفردة. وقد ذكر عن الفراء - في إفراد المائة، بعد اسم العدد من الثلاثة إلى التسعة - تعليل غير ذلك (¬1)، ولكنّي تركت ذكره خوف الإطالة. ومنها: أنّه قد تقدمت الإشارة إلى أنّ مميز المائة قد يجمع، وعليه قراءة من قرأ: ثلث مائة سنين (¬2) وأما من قرأ بالتنوين (¬3) فيكون إعراب سنين عطف بيان، أو بدلا (¬4). وقيل: ولا يجوز كونه تفسيرا؛ لأنّه يلزم منه أن يكون أقلّ ما لبثوا تسعمائة سنة، سوى التسع (¬5)، وكأنّ مستند هذا القائل أنّ (سنين) جمع، وهو مفسر لـ ثَلاثَ مِائَةٍ، فكأنّه يقول: كلّ مائة سنة هي جمع، وأقلّ الجمع ثلاثة، فتعين أن يكون ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ تسعمائة سنة، ولا يخفى ضعف هذا التقدير. - ¬

_ (¬1) قال المرادي - في توضيح المقاصد (4/ 309) تحقيق د. عبد الرحمن سليمان (ط 1396 هـ) -: «وفي كتاب الصفار، عن الفراء: لا يقول: ثلاث مئين. إلا من لا يقول: ألف، وإنما يقول: عشر مئين». اه. وفي التذييل والتكميل (4/ 156): «ومن يقول: ألف، ولا يقول: عشر مئين، لا يقول: ثلاث مئين». اه. (¬2) سورة الكهف: 25، وهي قراءة حمزة والكسائي، بإضافة (مائة) ينظر: الكشف عن وجوه القراءات السبع (2/ 58) وإرشاد المبتدي (ص 416). (¬3) وهم: ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر. تنظر: القراءات السبعة لابن مجاهد (ص 389) والمرجعان السابقان، والبحر المحيط: (6/ 117). (¬4) ينظر: البحر المحيط (6/ 117)، وشرح التصريح (2/ 273)، والحجة لابن خالويه (ص 223)، وإتحاف فضلاء البشر (ص 289)، والتبيان لأبي البقاء العكبري (2/ 4). (¬5) هذا قول الزجاج، وقد نسبه إليه ابن يعيش في شرح المفصل (6/ 24) والدماميني في تعليق الفرائد (353، 354) حيث قال: «قال أبو إسحاق الزجاج: «لو أتبعت سنين، على التمييز، لوجب أن يكونوا قد لبثوا تسعمائة سنة، قال ابن الحاجب: ووجهه أنه فهم من لغة العرب أن مميز المائة واحد من مائة، فإذا قلت: مائة رجل، فمميزها رجل، وهو واحد من المائة، وإذا كان كذلك وقلت: (مئتين) فتكون (مئين) واحدة من المائة، وهي ثلاثمائة، وأقل الجمع ثلاثة، فيجب أن يكون (تسعمائة) .. وهذا الذي ذكره الزجاج يرد على قراءة حمزة والكسائي: ثلث مائة سنين بإضافة سنين عندهما، وإن لم يكن منصوبا، ولا شك أن قراءة الجماعة أقيس عند النحاة، وما ذكره الزجاج غير لازم، وذلك أن الذي ذكر مخصوص بأن يكون التمييز مفردا، أما إذا كان جمعا، فالقصد فيه كالقصد في وقوع التمييز جمعا، في نحو: ثلاثة أثواب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنّ تمييز الثلاثة إلى العشرة لا يلزم ذكره مضافا إليه، بل قد يذكر بعد اسم العدد، مجرورا بـ (من) نحو: ثلاثة من الرجال، وقد يذكر تابعا لاسم العدد، نحو: ثلاثة قرشيّون، وقد نصّوا على أنّ الإتباع في نحو: ثلاثة قرشيّون - يعنون في الصّفة - أحسن من الإضافة. وقد ذكر ابن عصفور تقسيما، فقال: المعدود إمّا صفة أو جامد، فإن كان جامدا فالأحسن فيه الإضافة، نحو: «ثلاثة رجال»، ثم الفصل بـ (من) نحو: «ثلاثة من الرّجال»، ثم النصب على التمييز، نحو: «ثلاثة رجالا»، وإن كان صفة فالأحسن فيه الإتباع، نحو: «ثلاثة قرشيّون»، ثم يليه النصب على الحال من (ثلاثة) نحو: «ثلاثة قرشيّين»، ثمّ الإضافة، نحو: «ثلاثة قرشيين»، وهذا أضعفها، وسبب ضعفه استعمال الصفة استعمال الأسماء، يعني أن العامل أولها، ولا تستعمل الصفة استعمال الأسماء بقياس (¬1). انتهى. وهو كلام مقبول، غير قوله: إنّ المعدود ينصب تمييزا نحو: «ثلاثة رجالا»؛ فإنّ ذلك لا يجوز عند البصريّين، وذكر الشيخ أنّ الفراء يجيزه قياسا (¬2). وقد ذكر سيبويه أنّ نحو: «ثلاثة أثواب»، قد تنوّن في الشّعر وينصب ما بعده (¬3) ولم يجزه في الكلام (¬4). وأقول: إذا ورد نحو: «ثلاثة أثوابا» في الشّعر، أمكن أن يجعل (أثوابا) حالا - ¬

_ (¬1) هذا الكلام منقول - بتصرف - عن الشرح الكبير، لابن عصفور (2/ 32) بتحقيق أبو جناح. وينظر: التذييل والتكميل (4/ 168) حيث نقله أبو حيان بتصرف - أيضا - ولم يصرح بنسبته إلى ابن عصفور. وقال ابن عقيل - في المساعد (2/ 70) -: «وقالوا: أي المغاربة - في باب خمسة - إن كان المعدود جامدا فالأحسن فيه الإضافة كـ: ثلاثة أثواب، ثم الفصل بـ (من) ثم النصب على التمييز». اه. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 169). (¬3) ينظر: الكتاب (2/ 161، 162). (¬4) ظاهر كلام سيبويه جواز ذلك في الكلام. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 157). والكتاب (1/ 260 - 266)، حيث قال سيبويه: «... ومثل ذلك في الكلام قوله تعالى: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً [النساء: 4]، وقررنا به عينا، وإن شئت قلت: أعينا وأنفسا، كما قلت: ثلاثمائة وثلاث مئين ومئات». اه.

[أحكام خاصة بالتمييز «المفسر»]

[أحكام خاصة بالتمييز «المفسّر»] قال ابن مالك: (ولا يجمع المفسّر جمع تصحيح، ولا بمثال كثرة، من غير باب مفاعل إن كثر استعمال غيرهما، إلّا قليلا، ولا يسوّغ: ثلاثة كلاب ونحوه، تأوّله بثلاث من كذا، خلافا للمبرّد، وإن كان المفسّر اسم جنس، أو جمع فصل بـ «من» وإن ندر مضافا إليه لم يقس عليه، ويغني عن تمييز العدد إضافته إلى غيره). ـــــــــــــــــــــــــــــ من (ثلاثة) على حدّ قولهم: «عليه مائة بيضا» (¬1) وعلى هذا لا يتجه قول ابن عصفور: ثم النصب على التمييز، نحو: ثلاثة رجالا؛ لأنّ في هذا خرم القاعدة المستقرة، من أنّ مميز الثلاثة إلى العشرة لا ينصب (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف: لا تضاف الثلاثة وأخواتها إلى جمع تصحيح إلّا إن أهمل غيره، أو جاور [3/ 64] ما أهمل غيره فالأول نحو: سَبْعَ سَماواتٍ * (¬3)، وتِسْعِ آياتٍ (¬4) وخمس صلوات، والثاني نحو: وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ * (¬5) فإنّه حقيق بأن يجيء على مثال (مفاعل)؛ لأنّه أولى مما واحده صالح له من جمع التّصحيح، كقوله تعالى: أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ (¬6)، وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ (¬7)، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ (¬8)، فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ (¬9). - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 160) حيث قال أبو حيان: «وقد أجاز أبو العباس في قولهم: «عليه مائة بيضا» أن تكون (بيضا) تمييزا، ورد عليه بأن (المائة) لا تفسر بجمع منصوب، وإنما تفسّر بمفرد مجرور، وخرج سيبويه ذلك على الحال من النكرة، ألا ترى أنه لو رفع لكان صفة للمائة، والمائة مبهمة الوصف، فلذلك كان النصب حالا، والرفع صفة». اه. وينظر أيضا: الكتاب (2/ 112). (¬2) ينظر: المرجع السابق (4/ 161) حيث قال الشيخ أبو حيان: «واعلم أن انتصاب التمييز عن تمام الاسم في الأعداد والمقادير، إنما يكون إذا تعذرت الإضافة، فإن لم تتعذر لم يجز النصب إلا في اضطرار الشعر». اه. (¬3) سورة البقرة: 29، سورة الطلاق: 12، سورة الملك: 3. (¬4) سورة النمل: 12. (¬5) سورة يوسف: 43، 46. (¬6) سورة البقرة: 261. (¬7) سورة المؤمنون: 17. (¬8) سورة الحاقة: 7. (¬9) سورة المائدة: 89.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يؤثر ما لا يماثل (مفاعل) من أمثلة الكثرة على جمع التصحيح، دون مجاور تقصد مشاكلته، نحو: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ (¬1). وقد يؤثر مثال كثرة، على مثال قلة، لخروجه عن القياس، أو لقلّة استعماله، فالأول نحو: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (¬2)، والثاني نحو: «ثلاثة شسوع». فأوثر قُرُوءٍ على (أقراء)؛ لأنّ واحده (قرء) كـ: (فلس)، وجمع مثله على (أفعال) شاذّ (¬3)، وأوثر (شسوع) على (أشساع) لقلّة استعماله، وإن لم يكن شاذّا؛ لأنّ واحده (شسع) وجمع مثله على (أفعال) مطرد، لكنّ أكثر العرب يستغنون في جمع (شسع) بـ (فعول) عن غيره (¬4)، ومثل إيثار قُرُوءٍ على (أقراء)، لخروجه عن القياس، إيثار (شهداء) على (أشهاد) في قوله تعالى: لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (¬5)؛ لأنّ واحد شُهَداءَ إمّا (شهيد) وإمّا (شاهد) ولكلّ واحد منهما نصيب في (أفعال) كـ (شريف) و (أشراف) و (صاحب) و (أصحاب)، وكلاهما شاذّ، فعدل إلى (فعلاء) لما عدل من (أقراء) إلى قُرُوءٍ (¬6). قال المبرد - في المقتضب -: فإن قلت: ثلاث حمير، وخمس كلاب جاز، على أنك تريد: ثلاثة من الحمير، وخمسة من الكلاب، وجعل من ذلك ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (¬7). ولو جاز هذا لم يكن معنى في الحجر بجمع القلّة؛ لأنّ كلّ جمع كثرة صالح لأن يراد به مثل هذا، فكان يقال: ثلاثة فلوس، وثلاث دور، على تقدير: ثلاثة من الفلوس، وثلاث من الدّور، وإلى هذا أشرت بقولي: ولا يسوغ ثلاثة كلاب ونحوه، تأوّله بثلاثة من كذا، خلافا للمبرّد (¬8). وإن فسّر عدد باسم جنس، أو باسم جمع، لم يضف إليه إلّا بسماع، - ¬

_ (¬1) سورة القصص: 27. (¬2) سورة البقرة: 228. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 176، 177)، وشرح المصنف (2/ 396)، وتوضيح المقاصد للمرادي (4/ 107). وينظر: شرح التصريح (2/ 272)، والكشاف للزمخشري (1/ 366). والمفصّل للزمخشري (ص 215). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 174). (¬5) سورة النور: 13. (¬6) شرح المصنف (2/ 396). (¬7) وينظر في ذلك: المقتضب للمبرد (2/ 156، 157) طبعة. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بالقاهرة (1399 هـ). (¬8) ينظر: شرح المصنف (2/ 397).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقوله تعالى: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ (¬1) وكقوله - عليه الصلاة والسّلام -: «ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة» (¬2) وكقول العرب: «خمسة رجلة» والأصل أن يجاء بمفسّر هذا النوع مقرونا بـ (من) نحو: ثلاثة من القوم، وأربعة من الحيّ، وخمسة من الركب، وعشرة من البطّ، قال الله تعالى: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ (¬3). ويستغني العدد عن مفسّر بإضافته إلى غيره، كقولك: اقبض عشرتك، وعشري زيد؛ لأنك لم تضفه إلّا وهو عند السامع معلوم الجنس، فاستغنى عن مفسّر والله تعالى أعلم (¬4). انتهى كلام المصنف. وفي فهم المراد من قوله: ولا يجمع المفسّر إلى قوله: إلّا قليلا، قلق، وإن كان في شرحه له بعض إيضاح. والذي تلخص لي منه (¬5) ومن كلام الشّيخ ما أذكره: وهو إمّا أن يوجد للمعدود جمع تصحيح فقط، فيتعيّن، نحو: سَبْعَ سَماواتٍ * (¬6) وسَبْعَ بَقَراتٍ * (¬7) أو يوجد معه جمع تكسير وهو من باب (مفاعل) فيؤثر جمع التكسير المذكور عليه حينئذ، كـ: سَبْعَ سَنابِلَ (¬8) و «ثلاث أحامد»، و «ثلاث زيانب»، والتصحيح قليل، بأن يقال: سبع سنبلات، وثلاث أحمدين، وثلاث زينبات، إلّا إن حصلت مجاورته لما أهمل فيه غير جمع التصحيح، فيؤثر - إذ ذاك - جمع - ¬

_ (¬1) سورة النمل: 48، وينظر في ذلك: البرهان في علوم القرآن (4/ 118). (¬2) ينظر: صحيح البخاري - كتاب الزكاة (1/ 254) ونصه: عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «... وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة». وصحيح مسلم (1/ 390، 391) كتاب الزكاة، والترمذي (2/ 69). والذود: اسم لعدد من الإبل غير كثير، يقال: ما بين الثلاث إلى العشر، واحده بعير، وليس من لفظه. (¬3) سورة البقرة: 260. وينظر في ذلك: البرهان في علوم القرآن (4/ 118). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 397). (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 392 - 397). والتذييل والتكميل (4/ 172). (¬6) سورة البقرة: 29، سورة الطلاق: 12، سورة الملك: 3. (¬7) سورة يوسف: 43، 46. (¬8) سورة البقرة: 261. ينظر: الكشاف للزمخشري (1/ 393).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التصحيح على جمع التكسير، كـ: سَبْعَ سُنْبُلاتٍ * (¬1) بعد سَبْعَ بَقَراتٍ * (¬2). وإن كان جمع التكسير من غير باب (مفاعل) أوثر على جمع التّصحيح، والتصحيح قليل، كقوله تعالى: ثَمانِيَ حِجَجٍ (¬3) وإن لم يوجد جمع تصحيح تعيّن التكسير. ثم إن وجد أحد الجمعين من قلة، أو كثرة تعيّن، كـ: ثلاثة رجال وثلاث أرجل، وإن وجدا معا فجمع القلة يتعين في الأكثر، وقد يوقع موقعه جمع الكثرة، وفي الأكثر لا يعدل عن جمع القلّة إلى جمع الكثرة، إلا لخروج جمع (القلّة) عن القياس، أو لقلة الاستعمال، الأول: كـ قُرُوءٍ (¬4)، والثاني: كـ «شسوع». ويظهر لي أنّ قول المصنف - في الشرح -: «لا تضاف الثلاثة وأخواتها إلى جمع التصحيح إلا إن أهمل غيره، أو جاور ما أهمل غيره» لا يطابق قوله - في المتن -: ولا يجمع المفسّر جمع تصحيح، ولا بمثال كثرة، من غير باب (مفاعل) إن كثر استعمال غيره، إلا قليلا؛ لأنّ هذا يفهم منه أنّ المفسر لهذه الكلمات قد يكون جمع تصحيح، مع وجود غيره، ولكنّه قليل، والظاهر أن الأمر على ما قاله في الشرح. ثم إنّ كلام المصنف يعطي ظاهره أنّ الجمع من باب (مفاعل) تقدّم على غيره، وإن وجد غيره، مع أنّه جمع كثرة، وقد عرف أنّ جمع القلة إذا وجد كان هو المؤثر على جمع الكثرة، ومثل لذلك بـ: سنابل، وطرائق، وليال، ومساكن، فإن كانت مفردات هذه الكلمات الأربع جمعت جمع تكسير على غير هذه الصيغة - أعني (مفاعل) - تم كلام المصنف، لكن يحتاج إلى بيان الأمر المسوّغ لذلك. وإن كانت لم تجمع بهذه الصيغة، فلا وجه لاستثناء باب (مفاعل) وتخصيصه بالذّكر؛ لأنّ الكلمة إذا لم يكن لها إلّا جمع واحد، جمع كثرة كان، أو جمع قلّة، تعيّن. وكلام الشيخ يقتضي أنّ الجمع بصيغة (مفاعل) يؤثر على جمع التصحيح فيقال: ثلاثة أحامد، وثلاث زيانب، ويجوز التصحيح على قلّة فيقال: ثلاثة أحمدين، وثلاث زينبات (¬5) وهو عجب، فإنّه قال - قبل ذلك بأسطر -: إن - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة يوسف، 43، 46. (¬3) سورة القصص: 27. وقوله تعالى: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [البقرة: 234]. (¬4) سورة البقرة: 228. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 173).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جمع التصحيح لا يضاف إليه، إلا إذا لم يكن لذلك المفرد جمع غير هذا الجمع (¬1)، فتبين مناقضة كلامه الثاني لكلامه الأول. وبعد: فهذا الموضع لم يتحصل لي من كلام هذين الرجلين ضبطه على وجه منظوم، على أنّ ما ذكرته فيه للناظر الحاذق كفاية، ولا شكّ أنّ الأمر في ذلك قريب، وقد عرف من قول المصنّف: وإن كان المفسر اسم جنس أو جمع أنّ المراد بقوله: مجموعا مع ما بين اثنين، وأحد عشر الجمع اللّغويّ، لا الجمع الاصطلاحيّ. ويفهم من كلامه أنّ إضافة اسم العدد، إلى اسم الجنس، واسم الجمع لا تنقاس [3/ 65] وإنّما ذلك موقوف على السماع. قال الشيخ: وهذا اتّبع فيه الأخفش (¬2)، ثمّ ذكر أنّ في ذلك مذهبين آخرين: أحدهما: أنه ينقاس. والثّاني: التفصيل، بين ما يستعمل من اسم الجنس للقلة، فيجوز: ثلاثة نفر، وثلاث ذود، وتسع رهط، أو يستعمل للكثير، أو للقليل والكثير، فلا يجوز. فلا يقال: ثلاثة بشر؛ لأنّ (بشر) تكون للكثير، ولا: ثلاثة قوم؛ لأنّ (قوم) تكون للقليل والكثير، وليس كذلك: رهط، وذود، ونفر؛ لأنّها لا تكون إلّا للقليل. انتهى. ويبعد أن يقوم دليل على ذلك. والذي ذكره المصنف هو المشهور المعروف، ولا ينبغي العدول عنه. وقد قال ابن هشام (¬3): ولا يجوز: خمسة قوم، وثلاثة إبل، وكذلك في الأجناس، وهي أسماء مفردة، وتكسّر كما تكسّر أسماء الجموع، فقد قالوا: ذود وأذواد (¬4)، ورطب وأرطاب، وعنب وأعناب، وطلح وطلاح (¬5)، فصارت - ¬

_ (¬1) ينظر: المرجع السابق (4/ 172). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 183) حيث قال أبو حيان: «وتلخص من هذه النقول أقوال: أحدها: أن اسم الجمع، واسم الجنس لا تنقاس الإضافة إليهما، وهو قول المصنف، واتبع فيه الأخفش، والثاني: أنه يجوز ذلك وينقاس، وإن كان قليلا. والثالث: التفرقة بين ما يستعمل ...». اه. وينظر في بيان هذه الآراء: المساعد لابن عقيل (2/ 73) تحقيق بركات. (¬3) يعني ابن هشام الخضراوي. (¬4) في اللسان مادة «ذود»، قال اللغويون: الذود: جمع لا واحد له من لفظه، كالنعم، وقال بعضهم: الذود واحد وجمع، وفي المثل: الذود إلى الذود. إبل. اه. (¬5) في القاموس مادة «طلح»: «الطلح: شجر عظام كالطلاح ككتاب». اه.

[حذف تاء الثلاثة وأخواتها]

[حذف تاء الثلاثة وأخواتها] قال ابن مالك: (فصل: تحذف تاء الثّلاثة وأخواتها إن كان واحد المعدود مؤنّث المعنى حقيقة أو مجازا، أو كان المعدود اسم جنس أو جمع مؤنثا، غير نائب عن جمع مذكّر، ولا مسبوق بوصف يدلّ على التّذكير، وربّما أوّل مذكّر بمؤنّث، ومؤنّث بمذكر، فجيء بالعدد على حسب التأويل، وإن كان في المذكور لغتان، فالحذف والإثبات سيّان، وإن كان المذكور صفة نابت عن الموصوف اعتبر غالبا حاله لا حالها). ـــــــــــــــــــــــــــــ كالمفرد، فكما لا يضاف إلى المفرد، لا ينبغي أن يضاف إلى هذه» (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): الثلاثة وأخواتها أسماء جماعات، كـ: زمرة (¬3)، وأمّة، وعصبة، وفرقة، وسربة (¬4)، وفتية، وعشيرة، وقبيلة، وفصيلة، فالأصل أن تكون بالتاء، لتوافق الأسماء التي هي بمنزلتها. فاستصحب الأصل مع المعدود المذكّر، لتقدّم رتبته، وحذفت التاء مع المعدود المؤنّث، لتأخّر رتبته (¬5)، فقيل: ثلاثة أعبد، وثلاث جوار، والمعتبر من التأنيث - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 185). (¬2) شرح التسهيل (2/ 398) وما بعدها. (¬3) قبل أن يورد الشيخ أبو حيان كلام المصنف الآتي قال - في التذييل والتكميل (4/ 190) -: «تكلم النحويون في العلة الموجبة لإثبات تاء التأنيث من ثلاثة إلى عشرة مع المذكر المضاف إليه اسم العدد، وحذفها مع المؤنث، وذلك من الوضيعيات، ونحن لا نرى تعليل الوضيعيات، لكنه ينبغي أن نوافقهم فنذكر شيئا مما ذكروا». اه. (¬4) في القاموس - مادة (سرب) -: «والسربة بالضم: المذهب والطريقة وجماعة الخيل ما بين العشرين إلى الثلاثين، ثم قال: وجماعة النخل». (¬5) قال ابن الأنباري - في المذكر والمؤنث (ص 626) -: «وقال محمد بن يزيد البصري: إن قال قائل: ما بال علامة التأنيث لحقت ما كان مذكرا، وإنما حدها أن تلحق المؤنث فتفصله من المذكر؟ قيل له: العلة في هذا أن التأنيث والتذكير، إذا وقعا لما حقيقته التأنيث والتذكير، كان حق المذكر أن يجري على أصله، ويكون المؤنث بائنا منه العلامة». وفي التذييل والتكميل (3/ 190) ما نصّه: «أرادوا التفرقة بين عدد المذكر وعدد المؤنث، واختص المذكر بالتاء؛ لأن العدد كله مؤنث، لمذكر كان أو مؤنث، وأصل المؤنث أن يكون بعلامة تدل على تأنيثه، والمذكر هو السابق بحق الأصالة فحصلت له العلامة». وينظر في ذلك أيضا: ما قاله ابن يعيش في شرحه على المفصل (6/ 18).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تأنيث المفرد (¬1)، لا تأنيث الجمع، سواء كان كل واحد منهما حقيقة أم مجازا، فلذلك يقال: ثلاثة سجلات، وعشرة دنينيرات، بثبوت التاء؛ لأنّ مفرديهما مذكّران (¬2). ولا يعتبر تأنيث المفرد إذا كان علما لمذكّر، نحو: طلحة، وسلمة؛ لأنّه تأنيث لا تعلق له بالمعنى لا حقيقة ولا مجازا؛ ولذلك لا يؤنث ضميره ولا ما يشار به إليه، فيقال: ثلاثة الطلحات لقيتهم، وثلاث المسلمات لقيتهن فتثبت التاء؛ لأنّ تأنيثه لمجرد اللّفظ، ومن أجل ذلك لا يؤنّث ضميره، ولا ما يشار به إليه، كقولك: الطلحات ذهبوا، والمسلمات أتوا، ويقال في الثاني - وهو الذي يتعلق تأنيثه بالمعنى حقيقة أو مجازا -: ثلاثة الفتيات رقين عشر الدرجات (¬3). وإن كان مفسّر الثلاثة وأخواتها اسم جنس، أو جمع مؤنث، جيء بالمفسر مقرونا بـ (من)، وحذفت التاء من اسم العدد، إن وليه المفسر موصوفا، نحو: لي ثلاث من البط ذكور، أو غير موصوف، كـ: عندي خمس من النخل (¬4) فإن توسط دليل تذكير لزم إثبات التاء، نحو: لي ثلاثة ذكور من البط، وأربعة فحول من الإبل، وإلى نحو هذا أشرت بقولي: ولا مسبوق بوصف يدل على التذكير (¬5). والحاصل: أنّ تاء الثلاثة وأخواتها تسقط لتأنيث واحد مفسرها، لا لتأنيثه نفسه، إن كان جمعا، ولتأنيثه نفسه دون تعرّض لواحد، إن كان اسم جنس، أو جمع. وأما قولهم: ثلاثة أشياء وثلاثة رجلة (¬6)، ففيهما شذوذان: - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 306). (¬2) ينظر: شرح المصنف (2/ 398) والتذييل والتكميل (4/ 197) حيث قال ما نصه: «وقوله - أي المصنف -: مؤنث المعنى حقيقة أو مجازا؛ مثاله عندي: ثلاث فتيات، وعشر خشبات، وخمس أعنق، وثلاث أذرع ...». اه. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 398)، والمرجع قبل السابق (4/ 100) حيث قال الشيخ أبو حيان: مثاله عندي: ثلاث فتيات، وعشر خشبات، وخمس أعنق، وثلاث أذرع». اه. (¬4) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها حيث قال أبو حيان ما نصه: «فالبط والنخل من اسم الجنس الذي استعملته العرب مؤنثا فقط ومدرك هذا النوع السماع». (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 398). (¬6) والرجلة، بفتح الراء وكسرها، فإذا زالت التاء فالفتح لا غير، كالركب، والصحب، والسفر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: الإضافة إلى المفسّر، وحقّه أن ينفصل مقرونا بـ (من) كسائر أسماء الأجناس. الثاني: ثبوت التّاء في عددهما، والقياس الحذف؛ لأنّ اسم الجنس، أو الجمع لا يعتبر في التأنيث والتذكير حال واحده، وإنّما يعتبر فيها حاله، ولذلك يقال: ثلاث من البطّ ذكور، وواحده بطّة ذكر، ومع ذلك لم يقل: ثلاثة بل قيل: ثلاث، وقد وجّه ثبوت التاء، في عدد أشياء، ورجلة، بأنهما نائبان عن جمع مفرديهما على (أفعال)، فإنّ واحد (أشياء) شيء كـ (فيء) فقياسه أن يساويه في جمعه، وواحد (رجلة) راجل، فكان له نصيب من الجمع على (أفعال)، كما قيل: صاحب، وأصحاب، فعدل في جمع (شيء) من (أفعال) إلى (فعلاء)، ثم قدّمت لامه على فائه، فصار في الوزن (لفعاء) (¬1) استصحب منع صرفه لتأنيثه، ولزم التأنيث، وثبتت التاء في عدده، كما كانت تثبت مع المنوب عنه) وهو (أفعال)، وعدل في جمع (راجل) من (أفعال) إلى (فعلة) وتثبت تاء عدده أيضا، كما كانت تثبت مع المنوب عنه، وقد يؤوّل مذكر بمؤنث، فتسقط التاء، ومؤنث بمذكّر، فتثبت التاء (¬2)، فالأول (¬3) كقول الشاعر: 1926 - وإنّ كلابا هذه عشر أبطن ... وأنت بريء من قبائلها العشر (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 203) حيث قال الشيخ أبو حيان ما نصه: «وشذ من هذا النوع (أشياء) على مذهب سيبويه، فقالوا: ثلاثة أشياء. وكان قياسه حذف التاء؛ لأنه اسم جمع لا يعقل، كالطرفاء: شجر. والحلفاء: نبت، لكنه بنى العدد على المفرد. وينظر: الكتاب (3/ 564) حيث قال سيبويه: وأما ثلاثة أشياء، فقالوها؛ لأنهم جعلوا أشياء بمنزلة أفعال لو كسروا عليها (فعل) وصار بدلا من أفعال، ومثل ذلك قولهم: ثلاثة رجلة، إلا أن (رجلة) صار بدلا من أرجال. (¬2) أي يجاء بكل منهما حسب التأويل، وذلك جائز على قلة. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 209). (¬3) تأويل المذكر بالمؤنث. (¬4) البيت من بحر الطويل وقائله النواح الكلابي، هجا رجلا ادعى نسبه في بني كلاب، فذكر له أن بطونهم عشرة، ولا نسب له معلوم في أحدهم، وهو في المقتضب (2/ 146)، والهمع (2/ 194)، والأشموني (4/ 63). والشاهد فيه: تأنيث الأبطن، وحذف الهاء من العدد قبلها حملا للبطن على معنى القبيلة، بقرينة ذكر القبائل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 1927 - فكان مجنّي دون من كنت أتّقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر (¬1) ومثال الثّاني (¬2) قول الشاعر: 1928 - ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... لقد جار الزّمان على عيالي (¬3) ومثله (¬4) قول الآخر: 1929 - وقائع في مضر تسعة ... وفي وائل كانت العاشرة (¬5) أوّل (الأبطن) بـ (القبائل)، و (الشّخوص) بـ (الجواري)، فأسقط تاءي (عشرة)، و (ثلاثة)، وأول (الأنفس) بـ (أشخاص)، والوقائع بـ (مشاهد) فأثبت التاء، وقد يكون في المذكور لغتان، فيجوز في عدده وجهان كـ (حال) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو في ديوان عمر بن أبي ربيعة (92)، وترجمته في الشعر والشعراء (2/ 557). ينظر: المقتضب (2/ 148)، والمقرب (ص 67)، والتصريح (2/ 271، 275)، والأشموني (3/ 62)، والكتاب (2/ 174). ويروى: «فكان نصيري»، والمجن: الترس. يذكر أنه استتر من الرقباء بثلاث نسوة، كاعبان: والكاعب التي نهد ثديها. ومعصر: وهي التي دخلت في عصر شبابها. والشاهد فيه: معاملة شخوص معاملة المؤنث؛ لأنه أراد بالشخص المرأة، فجعل لها عدد المؤنث. (¬2) أي تأويل المؤنث بالمذكر. (¬3) البيت من الوافر، وقائله الحطيئة، وهو في ديوانه (ص 207) برواية: ونحن ثلاثة وثلاث ذود ... ... البيت وفي الدرر (1/ 209) قيل: إنه ثالث أبيات للحطيئة، قالها وكانت معه امرأته أمامة، وابنته مليكة، وكان في سفر فنزل وسرح ذودا ثلاثا، فلما قام للرواح فقد إحداها، والذود من الإبل. والشاهد: قوله: ثلاث ذود على أنه يجوز إضافة العدد إلى اسم الجمع، وهو هنا ذود، وأنشده سيبويه شاهدا على تأنيث (ثلاثة أنفس) والقياس: ثلاث أنفس؛ لأن النفس مؤنثة. ينظر: الكتاب (3/ 565)، والخصائص (2/ 412)، واللسان مادة «نفس». (¬4) أي تأويل المؤنث بالمذكر. (¬5) البيت من المتقارب، ولم ينسب لقائل معين، ولم أهتد إلى قائله. والشاهد: في قوله: «وقائع .. تسعة»، وكان ينبغي أن يقال: تسع؛ لأن الوقعة مؤنثة، ولكنه ذهب إلى الأيام والمشاهد؛ لأن من معنى الوقائع - عند العرب - الأيام، فيقال: هو عالم بأيام العرب، يريد: وقائعها. ينظر: اللسان: «يوم»، ومعاني القرآن للفراء (1/ 126)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 399)، والهمع (2/ 149)، والدرر (2/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (عضد)، و (لسان)، فإنّها تذكّر وتؤنث، فيقال - على لغة من ذكّر -: ثلاثة أحوال، وثلاثة أعضاد، وثلاثة ألسنة (¬1). ويكثر الوجهان في أسماء الأجناس المميز واحدها بالتاء، كبقر، ونخل، وسحاب، فيقال - على لغة من ذكّر -: لزيد ثلاثة من البقر، وثلاثة من النخل، وسقيت أرضا بثلاثة من السحاب، ويقال - على لغة من أنّث -: ثلاث، وإن كان المذكور صفة قامت مقام موصوفها اعتبر في الغالب حال موصوفها، لا حالها (¬2) فنقول: ثلاثة ربعات - بإثبات التاء - إذا أردت رجالا، وثلاث ربعات - بإسقاطها - إذا أردت نساء، ومن اعتبار حال الموصوف قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (¬3) فلولا قصد [3/ 66] الحسنات لقيل: عشرة أمثالها؛ لأنّ واحد الأمثال مذكر. ومن العرب من يسقط تاء العدد المضاف إلى (دوابّ) لتأنيث لفظها، مع قصد تذكير الموصوف؛ لأنّ الدابة جرت مجرى الأسماء الجامدة، فاعتبر في العدد لفظها، ومنها احترزت بقولي: اعتبر غالبا حاله، لا حالها (¬4). انتهى كلام المصنّف. ولا بدّ من الإشارة إلى أمور: منها: أنّ العلة التي أشار إليها المصنف أنّها موجبة لإثبات تاء الثلاثة وأخواتها، إذا كان المعدود بها مذكرا، وحذفها إذا كان مؤنثا هي العلة المعروفة، وهي أن أسماء العدد مصحوبة بالتاء وضعا، قبل أن يذكر معها معدود بدليل أنّك تقول: ستّة ضعف ثلاثة، وأربعة نصف ثمانية فكأنّ ذكرها مصحوبة بالتاء هو الأصل، ولا شكّ أنّ المذكر هو الأصل بالنسبة إلى المؤنث، فناسب أن يكون الأصل للأصل، والفرع للفرع (¬5)، ومن ثمّ لم يحتج المصنف إلى أن يذكر إثبات التاء في هذه الكلمات مع - ¬

_ (¬1) ويقال على لغة من أنث: ثلاث أحوال، وثلاث أعضاد، وثلاث ألسن. التذييل والتكميل (4/ 338). (¬2) أي: اعتبر حال الموصوف، لا حال الصفة. (¬3) سورة الأنعام: 160. (¬4) شرح المصنف (2/ 400) والمقصود اعتبار حال الموصوف، لا حال الصفة. قال ابن عصفور في المقرب (1/ 307) ما نصه: «فأما قولهم: ثلاث دواب ذكور، فعلى جعل الدّابة اسما». (¬5) قال ابن يعيش - في شرحه على المفصل (6/ 18) - ما نصه: «وإنما اختص المذكر بالتاء؛ لأن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكّر، بل قال: تحذف تاء الثلاثة وأخواتها، إن كان واحد المعدود مؤنث المعنى فأفاد ذلك أنّ ثبوت التاء في هذه الكلمات هو الأصل، وإنّما تحذف لموجب، فوجب لذلك الاقتصار على ذكره. وقد ذكر ابن عصفور عللا أخرى؛ منها ما هو مقبول، ومنها ما هو غير مقبول (¬1)، واختار هو علة منها، والذي اختاره يرجع - إذا حقّق الأمر فيه - إلى الذي ذكره المصنّف. ومنها: أنّ التاء قد تحذف من هذه الكلمات، ومع كون المعدود مذكّرا، لكن إنّما يكون ذلك عند عدم ذكر المعدود معها، نبّه على ذلك ابن عصفور، وغيره، قال: حكى الكسائيّ: صمنا من شهر كذا خمسا، ولا شكّ أنّ هذا حقّ، لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من صام رمضان، وأتبعه بستّ من شوال، فكأنما صام الدّهر» (¬2). ومنها: أنّ أهل بغداد لا يعتبرون واحد المعدود المضاف إليه اسم العدد، بل المعتبر عندهم لفظ ما أضيف إليه العدد، بالنسبة إلى التذكير، والتأنيث، فتقول: ثلاث حمامات، اعتبارا بلفظ الجمع، ذكر ابن عصفور ذلك عنهم (¬3)، ولا معوّل على هذا المذهب (¬4). ومنها: أنّ المصنف لم يذكر ما يدل على تأنيث اسم الجمع، لتحذف التاء من اسم عدده، وكأنه وكل الأمر في ذلك إلى الأخذ عن أهل اللغة، لكنّ ابن عصفور - في المقرّب - قال: إن كان اسم الجمع لمن يعقل فحكمه حكم المذكر، وإن كان لما - ¬

_ - أصل العدد قبل تعليقه على معدوده أن يكون مؤنثا بالتاء نحو: ثلاثة وأربعة، ونحوهما من أسماء العدد، فإذا أردت تعليقه على معدود هو أصل وفرع، جعل الأصل للأصل فأثبتت العلامة، والفرع للفرع فأسقطت العلامة، فمن أجل هذا قلت: ثلاثة رجال، وأربع نسوة. (¬1) ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 30) تحقيق أبو جناح، وشرح ألفية ابن مالك للمرادي (4/ 301). (¬2) هذا الحديث أخرجه أبو داود بهذه الرواية: (1/ 567)، وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه: (1/ 475) كتاب الصيام - باب صيام ستة أيام من شوال برواية: (ثم أتبعه ستّا من شوال). (¬3) قال ابن عصفور في الشرح الكبير (2/ 31) بتحقيق أبو جناح: «وأهل بغداد يعتبرون المفرد، إلا أن يكون الجمع مؤنث اللفظ، فإن المعتبر عندهم لفظ المضاف إليه العدد، فيقولون: ثلاث حمامات. (¬4) أي فلا يقال إلا: ثلاثة حمامات، بإدخال التاء في (ثلاثة)؛ لأن واحده (حمام) وهو مذكر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يعقل فحكمه حكم المؤنث (¬1)، وينتقض ما قاله (¬2) بقوله تعالى: قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ (¬3)، فالطير لا يعقل وقد عومل معاملة المذكّر في إثبات التاء في اسم عدده (¬4)، ثمّ قد جاء التأنيث في (قوم)، قال تعالى: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ * (¬5)، مع أنّه مختصّ بالعقلاء من الرّجال، وأما اسم الجنس فمعلوم أنّ التأنيث فيه لغة الحجازيّين (¬6)، والتذكير لغة التميميّين (¬7). قال ابن عصفور - في المقرب -: إلّا ألفاظا، فإنّها استعملت مذكّرة وهي: عنب، وموز، وسدر (¬8)، وفي شرح الشّيخ: وقمح أيضا (¬9). ويعطي كلام المصنّف أنّ البطّ التزم تأنيثه، مع أنّ الشيخ صرّح بتأنيثه وتأنيث النخل أيضا وعلى هذا فالواجب أن يقال: اسم الجنس فيه لغتان التذكير والتأنيث، إلا ألفاظا استعملت مذكرة، وألفاظا استعملت مؤنثة (¬10)، ولا يقتصر على استثناء المذكّر، كما فعل ابن عصفور (¬11). ثم الظاهر أنّ الحجازيين يستعملون (عنبا)، وما ذكر معه مذكّرات، وإن كان من لغتهم تأنيث اسم الجنس، وإلّا فلا فائدة في الاستثناء؛ وكذلك ينبغي أنّ التميميّين يستعملون البطّ والنخل مؤنثين، ولو كان لغتهم التذكير، ويبقى مدرك - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 307) حيث مثل للعاقل بقوله: ثلاثة رهط، ولغير العاقل بقوله: ثلاث ذود. (¬2) أي ابن عصفور في المقرب (1/ 307). (¬3) سورة البقرة: 260. (¬4) ينظر التذييل والتكميل (4/ 204). (¬5) سورة ص: 12، سورة غافر: 5. (¬6) وحسّنها ابن عصفور في المقرب (1/ 308) حيث قال: «وإن أضفتها - الثلاثة - إلى اسم الجنس كنت في إلحاق التاء بالخيار، فتقول: ثلاثة نخل. والأحسن إلحاقها». اه. (¬7) فيقولون: ثلاث نخل. بحذف التاء. (¬8) ينظر: المقرب (1/ 307). وفي القاموس مادة (سدر): «السدر: شجر النبق، الواحدة - سدرة - بهاء». (¬9) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 202)، والهمع (2/ 149). (¬10) قال الشيخ أبو حيان - في التذييل والتكميل (4/ 200) - ما نصه: «فالبطّ والنخل من أسماء الجنس الذي استعملته العرب مؤنثا فقط». اه. (¬11) حين اقتصر على اسم الجمع المذكر، في: عنب، وموز، وسدر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك السّماع (¬1)، وإن كان الأمر كذلك فالذي اعتمده المصنف هو المعتبر، وهو أنّه قال: إن كان المعدود اسم جنس، أو مقتصرا على ذلك؛ لأنّ الأمر بالتذكير والتأنيث راجع إلى استعمال موقوف على السّماع، فوكل هو الأمر إلى ما يثبت من استعمال الكلمة بالتذكير والتأنيث في اللغة، وكأنّ الذي ذكره ابن عصفور هو الغالب، أما أنّه توقّف عنده ويلتزم فلا. ومنها: أنّ القياس والأكثر في الاستعمال، أنّ مفسر العدد من الثلاثة إلى العشرة - إذا كان اسم جنس، أو اسم جمع - أن يجرّ بعد اسم العدد بـ (من)؛ قال الله تعالى: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ (¬2) وتجوز الإضافة أيضا (¬3)، قال تعالى: وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ (¬4) وهذا الأمر يستفاد من قول المصنف - في ثلاثة أشياء، وثلاثة رجلة - كان حقّه أن يفصل مقرونا بـ (من) كسائر أسماء الأجناس (¬5). ومنها: أنّ المصنف ربما توجه مناقشته في (شيء) وهو أنّه احترز بـ: غالبا من قوله: وإن كان المذكور صفة نابت عن الموصوف اعتبر غالبا حاله لا حالها من قول بعض العرب: ثلاث دوابّ - بإسقاط التاء - يعني: مرادا بالدواب الذكور. ثم قال: لأنّ الدوابّ جرت مجرى الأسماء الجامدة فاعتبر في العدد لفظها. فيقال له: هذا التعليل يخرج الدابة عن أن تكون صفة هنا، وإذا خرجت عن أن تكون صفة فلا يقال: إنّ حال الصفة اعتبر دون الموصوف؛ لأننا ما اعتبرنا حال الصّفة أصلا؛ لأنّ ذلك الاعتبار إنما يكون مع بقائها على الوصفية، والغرض أنّها تجري مجرى الأسماء الجامدة. وقد قال ابن عصفور: وأما قولهم: ثلاث دوابّ ذكور، فعلى جعل الدّابة اسما (¬6)، وهو كلام حسن. ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (2/ 149)، والتذييل والتكميل (4/ 202) حيث قال أبو حيان: «فمثال اسم الجنس المذكر: عنب، وموز، وسدر، وقمح، نصوا على أنّ العرب؟ استعملتها مذكرة، ومدرك هذا النوع السماع، واستعملت سائر أسماء الجنس مؤنثة ...». اه. (¬2) سورة البقرة: 260. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 179): «وقوله - أي المصنف -: «وإن كان اسم جنس أو جمع فصل بـ (من)» مثاله: ثلاثة من القوم، وقال تعالى: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ - من الآية 260 من سورة البقرة - وتقول: عندي ثلاث من الشجر، وسبع من النخل». (¬4) سورة النمل: 48. (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 397) والتذييل والتكميل (4/ 179). (¬6) ينظر: المقرب (1/ 307).

[عطف العشرين وأخواته على النيف]

[عطف العشرين وأخواته على النيف] قال ابن مالك: (فصل: يعطف العشرون وأخواته على النّيّف، وهو إن قصد التعيين واحد، أو أحد، واثنان، وثلاثة، وواحدة، أو إحدى، واثنتان، وثلاث، إلى تسعة في التذكير، وتسع في التأنيث، وإن لم يقصد التّعيين فيهما فبضعة وبضع، ويستعملان أيضا دون تنييف، وتجعل العشرة مع النيّف اسما واحدا مبنيّا على الفتح، ما لم يظهر العاطف. ولتاء الثلاثة والتّسعة، وما بينهما عند عطف عشرين وأخواتها ما لها قبل النّيّف، ولتاء العشرة في التركيب عكس ما لها قبله، ويسكّن شينها في التأنيث الحجازيّون، ويكسرها التميميّون [3/ 67] وقد تفتح، وربّما سكّن عين عشر). قال ناظر الجيش: قال المصنف: النيّف (¬1) عند قصد التعيين: تسعة فما دونها، وعند عدم قصده: بضعة في التذكير، وبضع في التأنيث، ولا يقال للشّيء منها: نيّف، إلّا وبعده عشرة، أو عشرون، فيقال في تعيين المعطوف عليه: ثلاثة وعشرون رجلا، وثلاث وعشرون امرأة. ويقال في الإبهام: بضعة وعشرون، وبضع (¬2) وعشرون، وبضعة عشر، وبضع عشرة، إلى: وبضعة وتسعين، وبضع وتسعين، وقد يستعمل (بضعة) و (بضع) دون تنييف (¬3) كقوله تعالى: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ (¬4). وقد تناول قولي: وتجعل العشرة مع النيف اسما واحدا: أحد عشر، وتسعة عشر، وما بينهما، ونبهت بقولي: ما لم يظهر العاطف على أنّ ظهور العاطف مانع من البناء والتركيب ومنه قول الشّاعر: - ¬

_ (¬1) النيف: الزيادة، يخفف ويشدد، وأصله من الواو، ويقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف، وكل ما زاد على العقد فهو نيف، حتى يبلغ العقد الثاني، ونيف فلان على السبعين: أي زاد. وأنافت الدراهم: أي زادت. وأناف: أشرف. ينظر: الصحاح للجوهري مادة «نيف» (4/ 1346). (¬2) في القاموس مادة «بضع» - بالكسر ويفتح - ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، فإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، لا يقال: بضع وعشرون، أو يقال ذلك. (¬3) أي لا يكون بعدهما عشرة ولا عشرون. (¬4) سورة الروم: 3، 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1930 - كأنّ بها البدر ابن عشر وأربع ... إذا هبوات الصّيف عنه تجلّت (¬1) وللنّيف المعطوف عليه عشرون وأخواته من ثبوت التاء وسقوطها ما له لو استعمل دون عطف، فيقال في الذكور: ثلاثة وعشرون، وفي الإناث ثلاث وعشرون، كما يقال عند عدم العطف: ثلاثة، وثلاث، ثم قلت: ولتاء العشرة في التركيب عكس ما لها قبله. ثم أشرت إلى شين عشرة في التركيب، ساكنة عند الحجازيين، ومكسورة عند بني تميم (¬2) وعلى لغتهم قراءة بعض القراء (¬3): (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) (¬4) وقرأ الأعمش (¬5): (اثنتا عشرة) بالفتح (¬6)، وهي أشهر من قراءة من قرأ بالكسر. وقرأ يزيد بن القعقاع (¬7): أحد عشر (¬8) بسكون العين (¬9)، وقرأ - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، ولم ينسبه أحد إلى قائل معين، ولم أهتد إلى قائله. هبوات: جمع هبوة: الغبرة، والهباء الغبار، أو يشبه الدخان، ودقاق التراب، ينظر القاموس، مادة «هبو». الشاهد قوله: «ابن عشر وأربع»؛ حيث جوز ابن مالك ظهور الواو العاطفة فمنع التركيب والبناء. ينظر: الصبّان (4/ 68)، والهمع (2/ 150). (¬2) المرجع السابق الصفحة نفسها ما نصه: «ويسكن شينها في التأنيث الحجازيون، ويكسرها التميميون». (¬3) ينظر: البحر المحيط (1/ 229) حيث نسب هذه القراءة إلى مجاهد وطلحة، وعيسى ويحيى بن وثاب، وابن أبي ليلى ويزيد. (¬4) سورة البقرة: 60. (¬5) هو سليمان بن مهران الأعمش أبو محمد الأسدي الكوفي، ولد سنة (60 هـ) أخذ القراءة عرضا عن إبراهيم النخعي، وزيد بن حبيش، ويزيد بن وهب، وعاصم بن أبي النجود، وغيرهم، وروى عنه عرضا وسماعا حمزة الزيات، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. توفي سنة (148 هـ). ينظر: غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجوزي (1/ 315). (¬6) ينظر: البحر المحيط (1/ 229) حيث قال أبو حيّان ما نصّه: «وقرأ ابن الفضل الأنصاري والأعمش بفتح الشين». (¬7) هو أبو جعفر أحد القراء الثلاثة بعد السبعة وقارئ المدينة، توفي سنة (130 هـ). وفي قراءة هؤلاء الثلاثة وتوجيهها نحويّا وصرفيّا كتاب مشهور للدكتور علي محمد فاخر، طبع سنة (1998 م). (¬8) سورة يوسف: 4. (¬9) في الإتحاف (ص 262): (أحد عشر) بسكون العين، أبو جعفر كأنه نبه بذلك على أنّ الاسمين جعلا اسما واحدا. وينظر في ذلك: المحتسب لابن جني (1/ 332). وفي النشر في القراءات العشر (3/ 95): «واختلفوا في (اثنا عشر، وأحد عشر، وتسعة عشر) فقرأ أبو جعفر بإسكان العين من الثلاثة». وينظر أيضا: البحر المحيط (5/ 279).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هبيرة (¬1)، صاحب حفص (¬2)، بسكون عين اثنا عشر شهرا (¬3) وهي أشذّ (¬4) من قراءة يزيد، وكلّ هذه الوجوه مشار إليها في متن الكتاب. انتهى كلامه رحمه الله تعالى، ويتعين التعرض لذكر أمور: منها: أنّ الشيخ قال: ظاهر كلام المصنف أنّ استعمال بضعة، وبضع، يكون مع المعطوف فقط، وليس كذلك (¬5). وهذا عجب من الشيخ، فإنّ المصنف قد قال: «وتجعل العشرة مع النّيّف اسما واحدا» وقد عرفت أنّ النيف يشمل ما قصد به التعيين، وما قصد به الإبهام، فكيف يكون ظاهر كلامه ما ذكر؟!. ومنها: أن كلامه يقتضي أنّ البضع يطلق على ما دون الثلاثة، إنّما هو للثلاثة، إلى التسعة، قالوا: إنه اسم جمع كالنفر، وهو من البضع، الذي هو القطع، فهو بفتح الباء مصدر، وبكسرها اسم، وأما النّيّف فهو من: أناف على الشيء، إذا زاد عليه، ويطلق على الواحد، إلى التسع (¬6)، ولا يستعمل مفردا، فلا يقال: عندي نيف، بل يقال: عندي عشرة، أو عشر، ونيّف، معينا كان أو مبهما، فيجعلان اسما واحدا مبنيّا على الفتح، كما أشار إلى ذلك المصنف، في متن الكتاب إلا إن ظهر العطف فيتعين الإعراب لانتفاء التركيب وقد أنشد المصنف: 1931 - كأنّ بها البدر ... البيت مستشهدا به على مراده، فقال الشيخ: هذا التركيب الذي في الشعر مخالف لتركيب أربع عشر، بتقديم النّيف على عشر، فلا يصحّ الاستدلال به على هذا التركيب (¬7). - ¬

_ (¬1) هو هبيرة بن محمد النجار، أبو عمر الأبرش، البغدادي، أخذ القراءة عرضا عن حفص بن سليمان عن عاصم، وقرأ عليه حسنون بن الهيثم وأحمد بن علي بن الفضل الخزار، والخضر بن الهيثم الطوسي عرضا وسماعا. ينظر: غاية النهاية في طبقات القراء (3/ 353). (¬2) هو حفص بن سليمان بن المغيرة، أخذ القراءة عن عاصم، توفي سنة (180 هـ). غاية النهاية: (1/ 254). (¬3) سورة التوبة: 36. (¬4) في البحر المحيط (5/ 38): «قرأ ابن القعقاع وهبيرة، عن حفص، بإسكان العين، مع إثبات الألف، وهو جمع بين ساكنين على غير حده. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 215). (¬6) ينظر: المرجع السابق (4/ 216). (¬7) المرجع السابق (4/ 222).

[مذكر ما دون ثلاثة عشر ومؤنثه]

[مذكر ما دون ثلاثة عشر ومؤنثه] قال ابن مالك: (ويقال في مذكّر ما دون ثلاثة عشر: أحد عشر، واثنا عشر، وفي مؤنّثه: إحدى عشرة، واثنتا عشرة، وربّما قيل: وحد عشر، وواحد عشر، وواحدة عشرة. وإعراب «اثنا»، و «اثنتا» باق لوقوع ما بعدهما موقع النّون، ولذلك لا يضافان، بخلاف أخواتهما، وقد يجرى ما أضيف منهما مجرى «بعلبك» أو «ابن عرس»، ولا يقاس على الأول خلافا للأخفش، ولا على الثاني خلافا للفراء، ولا يجوز بإجماع ثماني عشرة إلا في الشعر). ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب: أنّ مراد المصنف أنه إذا لم يحصل تركيب امتنع البناء، سواء كان النيف مقدما أو مؤخرا، والحقّ أنّه لا حاجة إلى قول المصنف: ما لم يظهر العاطف؛ لأنّ الإعراب في هاتين الكلمتين هو الأصل، ولا تبنيان إلا إذا جعلتا اسما واحدا، وذلك لا يتصور فيهما إلا مع التركيب، وحرف العطف لا تركيب معه، فإذا فقد التركيب امتنع البناء، لزوال موجبه؛ وعادت الكلمتان إلى أصلهما من الإعراب. ومنها: أنّ التميميين يكسرون شين العشرة في التأنيث حال تركيبها مع النيف كما تقدّم (¬1). فقال الشيخ: وكان القياس في لغتهم أن لا تكسر، وأنّ لغتهم أن يقولوا في (كبد): (كبد)، وفي (علم): علم، فإذا كانوا قد سكّنوا ما الكسر فيه أصل الوضع، فكان ينبغي أن لا يكسروا ما أصل الوضع فيه الفتح. ثم قال: لكنه لما غير الحجازيّون شينها في التركيب، من الفتح إلى السكون، غيرت ذلك تميم إلى الكسر. انتهى. وفي هذا التعليل نظر، وكيف جعل ما ينطق به العربيّ بلغته التي جبل عليها إنّما قصد به مخالفة لغة قوم آخرين؟!. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): أصل أحد عشر، وإحدى عشرة: - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 223): «وعلى لغتهم قرأ بعض القراء: فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا [البقرة: 60]». (¬2) شرح التسهيل (2/ 402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحد عشر، ووحدى عشرة، فأبدلت واوهما همزة على غير قياس، ومن العرب من يقول: وحدة عشر، وواحد عشر، وواحدة عشرة (¬1) وبني عجز هذا المركب لتضمّنه معنى الواو، وبني صدره؛ لوقوع العجز منه موقع النّون، ولوقوع العجز منهما موقع النّون لم يضافا، كما لا يضاف ما فيه النون بخلاف أخواتها (¬2)، فيقال: أحد عشرك، ولا يقال: اثنا عشرك، واستثقل اجتماع علامتي تأنيث في ثلاثة عشر، ونحوه؛ لأنهما بلفظ واحد، ولمعنى واحد فإنّ مدلول تاء (ثلاثة) و (عشرة)، تذكير المعدود فاتّحدا لفظا ومعنى، فكره اجتماعهما في شيئين كشيء واحد بخلاف إحدى عشرة، فإنّ علامتيه مختلفتا اللفظ والمعنى، أما اللفظ فظاهر، وأما المعنى فلأنّ الألف في (إحدى) دالة على التأنيث، وتاء (عشرة) دالة على التذكير، وكذا (واحدة) و (عشرة)، فإن علامتيه وإن اتحدتا لفظا فقد اختلفتا معنى؛ لأنّ مدلول تاء (واحدة) تأنيث، ومدلول تاء (عشرة) تذكير [3/ 68] فلم يكن اجتماعهما كاجتماع تاءي (ثلاثة عشرة) والأجود فيما أضيف من هذا التركيب أن يبقى مبنيّا، كما بقي مع دخول الألف واللام عليه، لاستواء الإضافة، والألف واللّام، في الاختصاص بالأسماء، فيقال: أحد عشرك مع أحد عشر زيد، بالبناء، كما يقال: الأحد عشر مع الأحد عشر؛ لأنّ العرب يجمعون على بقاء البناء مع الألف واللّام. وحكى سيبويه عن بعض العرب إعراب المضاف، مع بقاء التركيب، كقولك: أحد عشرك مع أحد عشر زيد، وهي لغة ضعيفة عند سيبويه (¬3)، فيبقى الصدر - ¬

_ (¬1) (واحدة) هو القياس لأنه تأنيث (واحد). ينظر: التذييل والتكميل (4/ 214). وفي شرح الرضي: (2/ 146): «جرى واحد واثنان في التذكير والتأنيث على القياس، فرد التاء للمؤنث، والمجرد عنها للمذكر». وفي المذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 632): «وكان الأصل في أحد عشر: واحد عشر، فحذفوا الألف الزائدة من (واحد) وأبدلوا من الواو المفتوحة همزة». (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 223) حيث قال: «وأخواتها هي: أحد عشر، وثلاثة عشر، إلى تسعة عشر، وكذلك المؤنث، فهذه يجوز إضافتها، فيبقى الاسمان على تركيبهما، فتقول: قام أحد عشرك، ورأيت أحد عشرك، ومررت بأحد عشرك، أجروا الإضافة مجرى الألف واللام، فكما أن التركيب باق مع الألف واللام كذلك هو باق مع الإضافة؛ إذ كل من الألف واللام والإضافة مختص بالاسم، والعرب مجمعون على بقاء التركيب مع الألف واللام». (¬3) في الكتاب (1/ 299): «واعلم أن العرب تعد خمسة عشر في الإضافة، والألف واللام على حال واحدة، كما تقول: اضرب أيهم أفضل، وكالآن، وذلك لكثرتها في الكلام، وأنها فكرة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفتوحا، ويعرب آخر العجز، كما تفعل بـ (بعلبك) إذا دعت الحاجة إلى إضافته، والقياس على هذا الوجه جائز عند الأخفش (¬1) واستحسنه، ولا وجه لهذا الاستحسان، فإن المبنيّ قد يضاف، نحو: كم رجل عندك، ومِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (¬2) ورأيت أيهم في الدار، ولا تخرجه الإضافة إلى الإعراب. وأجاز الفراء إذا دعت حاجة إلى إضافة العدد المركّب إضافة صدره إلى عجزه، مزيلا بناءهما، وحكى أنّه سمع عن أبي فقعس الأسدي (¬3) وأبي الهيثم العقيليّ: ما فعلت خمسة عشرك، وإلى هذين الوجهين أشرت بقولي: وقد يجرى ما أضيف منها مجرى (بعلبك) أو (ابن عرس) (¬4). وقد يضاف - في الشّعر - الصدر إلى العجز، دون إضافة (¬5) كقول القائل: 1932 - كلّف من عنائه وشقوته ... بنت ثماني عشرة من حجّته (¬6) - ¬

_ - فلا تغير، ومن العرب من يقول: «خمسة عشرك» وهي لغة رديئة». اه. واعترض المراديّ على ذلك حيث قال - في توضيح المقاصد والمسالك (4/ 316) -: «قال بعضهم: وهي لغة ضعيفة عند سيبويه، وإذا ثبت كونها لغة لم يمتنع القياس عليها وإن كانت ضعيفة». (¬1) وينظر: شرح الرضي (2/ 155) حيث قال: «فالأخفش يعرب ثاني الاسمين قياسا مع الإضافة، نحو: جاءني خمسة عشر زيد، أجراه مجرى بعلبك». والهمع (2/ 149) حيث قال: «وجوز الأخفش إعرابها مضافة إلى اسم بعدها، كـ: بعلبك، فقال: هذه خمسة عشرك، ببقاء الصدر مفتوحا، وتغيير آخر العجز بالعوامل». (¬2) سورة هود: 1. (¬3) أبو فقعس الأسدي من الأعراب الفصحاء، الذين نصروا الكسائيّ على سيبويه في المسألة الزنبوريّة، ومن الذين أخذ عنهم الفراء، ينظر في ترجمته: طبقات النحويين واللغويين للزبيدي (ص 71). (¬4) قال الفراء في معاني القرآن (2/ 33، 34) وإذا أضفت الخمسة العشر إلى نفسك رفعت الخمسة فتقول: ما فعلت خمسة عشري؟ ورأيت خمسة عشري، ومررت بخمسة عشري، وإنّما أعربت الخمسة لإضافتك العشر، فلمّا أضيفت العشر إلى الياء منك لم يستقم للخمسة أن تضاف إليها، وبينهما عشر، فأضيفت إلى عشر لتصير اسما، كما صار ما بعدها بالإضافة اسما، سمعتها من أبي فقعس الأسدي، وأبي الهيثم العقيلي ما فعلت خمسة عشرك؟». اه. وانظر الهمع (2/ 149)، وشرح الكافية للرضي (2/ 115). (¬5) أي: دون إضافة (عشرة) إلى شيء آخر. (¬6) البيت من الرجز، ونسب في التصريح (2/ 275) لنفيع بن طارق، وظاهر كلام العيني بهامش الخزانة (4/ 288) أنه ليس له، وقد ورد في التذييل والتكميل (4/ 220) برواية: علق من عنائه ... ... ... اللغة: من: للتعليل. والعناء: التعب. بنت - بالنّصب -: مفعول ثان لـ (كلّف). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا مخصوص بالشّعر بلا خلاف. انتهى كلام المصنّف رحمه الله تعالى، ونتبعه بذكر أمور: منها: أنّ ابن عصفور - لما ذكر العدد المركب - قال: والنيّف مبنيّ مع العقد لتضمّنه معنى الحرف، فإذا قلت: خمسة عشر، فكأنك قلت: خمسة وعشرة، فلمّا تضمّنت معنى الحرف بنيت، إلا اثني عشر، فإنّه معرب. وإنّما أعرب؛ لأنه اسم مبنيّ، والأسماء المبنية لم توجد مبنية بعد العوامل في موضع أصلا، وإنّما بني (عشر)؛ لأنّه وقع موقع النّون (¬1)، وظاهر كلامه أنّ العلة في بناء الصدر والعجز واحدة، وهي تضمن معنى الحرف. انتهى (¬2). ومن ثمّ قال الشيخ - لما ذكر كلام المصنّف (¬3) -: وهذا مخالف لكلام أصحابنا، فإنهم يقولون: بني الاثنان لتضمنهما معنى حرف العطف. قال: والعطف هو نسبة بين المعطوف عليه والمعطوف، فلا يمكن أن يوجد العطف إلا بوجودهما. انتهى (¬4)، وفي ذلك نظر فإنّ الحرف إنما يضمّن معناه من الأسماء ما هو محتاج إليه، ولا شكّ أنّ الصدر ليس به احتياج إلى أن يعطف عليه غيره، وإنّما الذي يحتاج إلى العطف العقد، وذلك أنّ المتكلّم بنحو: - ¬

_ - والشاهد في: «ثماني عشرة» حيث أضاف صدره إلى عجزه، فهو شاهد على تجويز الكوفيين إضافة النيف إلى العشرة، وأجيب بأنه ضرورة. والبيت من شواهد العيني، قال: الاستشهاد فيه في قوله: ثماني عشرة، حيث أضاف صدره إلى عجزه، بدون إضافة (عشرة) إلى شيء آخر، وهذا لا يجوز بالإجماع إلا في ضرورة الشعر، وادّعى ابن مالك الإجماع فيه، وهذه الدعوى ليست بصحيحة، وأنّ غيره حكى عن الكوفيّين أنهم أجازوا ذلك، مطلقا في الشّعر وغيره. وينظر الشاهد أيضا في: الإنصاف (1/ 194)، والهمع (2/ 149)، والأشموني (4/ 72)، والدرر (2/ 240)، وشرح المرادي على الألفية (4 / 317). (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 230): «وتعليل المصنف بقاء الإعراب في اثني عشر، واثنتي عشرة بوقوع ما بعدهما موقع النون تعليل حسن». اه. (¬2) ينظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها. (¬3) أي قول المصنف في شرح التسهيل (2/ 402): «وبني عجز هذا المركب لتضمنه معنى الواو، وبني صدره لوقوع العجز منه موقع تاء التأنيث في: ثلاث عشرة وأخواته، ويشبهه بما هو كذلك في البواقي». اه. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 228).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خمسة عشر، أراد بعد قوله: (خمسة) أن يذكر (عشر) منضمة إليها، ليفيد مقصوده، وكان سبيله أن يعطف (عشر) فلما عدل عن العطف، وركّب العقد مع النيّف، وكأنّ العقد هو الذي تضمن معنى الحرف كما قال المصنف. ثم مقتضى ما ذكره ابن عصفور، ورضيه الشيخ أن لا يبنى العقد من اثني عشر، لأن إعراب أحد الجزءين يقتضي انتفاء علة البناء، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم المعلول بها، وقول ابن عصفور: وإنّه إنما يبنى، لوقوعه موقع النّون، من اثنين غير ظاهر؛ لأنّ مقتضى ذلك أن يبنى (زيد) من قولنا: غلاما زيد، لوقوعه موقع النّون. وبعد، فالحقّ ما قاله المصنف، من أنّ عجز المركب يبنى لتضمّنه معنى الواو، وأنّ الصدر يبنى لوقوع العجز منه موقع تاء التأنيث، في (ثلاث عشرة) وأخواته، ولشبهه بما هو كذلك في البواقي. وكذلك ما قال أيضا، من أنّ صدر (اثني عشر) و (اثنتي عشرة) أعربا لوقوع العجز منهما موقع النّون، وما قبل النّون محلّ إعراب، لا بناء. واعلم أنّ الشيخ نقل أنّ ابن درستويه، وابن كيسان ذهبا إلى أنّ الصدر، من (اثني عشر) و (اثنتي عشرة) كصدر أخواتهما من المركّب، ولا يخفى أنّ هذا شيء لا يعول عليه والواجب ألا يسطر مثل ذلك في الكتب، ولكنّ الشيخ - رحمه الله تعالى - مولع بذكر الخلاف، سواء كان قول المخالف مقبولا، أم غير مقبول، ولا ينبغي شغل الأذهان بمثل هذه الأقوال الواهية المناقضة للقواعد (¬1). ومنها: أنّه قد استفيد من كلام المصنّف، حيث قال: «إنّ ألف إحدى دلت على التأنيث، وتاء (عشرة) دالة على التذكير (¬2)، إذا قلنا (إحدى عشرة) فلم يمنع اجتماعهما أنّ هذا بعينه يقال في (اثنتي عشرة) وهو التاء في النيّف، لتأنيث المعدود، وفي (عشرة) هي تاء تذكير، ونحا ابن عصفور في هذه المسألة إلى - ¬

_ (¬1) ينظر: رأي ابن درستويه وابن كيسان في التذييل والتكميل (4/ 229)، والتصريح (2/ 273)، والهمع (2/ 150)، والمساعد لابن عقيل (2/ 80) وابن كيسان النحوي، للدكتور/ محمد إبراهيم البنا (ص 150، 151) طبعة. دار الاعتصام سنة (1395 هـ). (¬2) شرح التسهيل (2/ 402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب آخر، وهو أنّ التاء في (اثنتا) للإلحاق، وليست للتأنيث (¬1)، قال: والدليل على ذلك أنّ علامة التأنيث، لا يكون قبلها إلا متحرك، وهذه قبلها ساكن (¬2). ومنها: أنّ المصنف قال: إنّ الأجود فيما أضيف من المركّب أن يبقى مبنيّا (¬3). وذكر أنّ سيبويه حكى عن بعض العرب إعراب المضاف، مع بقاء التركيب يعني إعراب المركّب الذي قد أضيف إلى صاحبه، لا المركب دون إضافة، ففهم منه أنّ الإعراب ضعيف، وأما ابن عصفور؛ فإنّ كلامه في المقرّب وشرح الجمل يفهم منه التسوية بين الإعراب والبناء (¬4). لكن نقل الشيخ عنه أنّه اختار الوجه الذي ذكره سيبويه، وحكى عن العرب، الإعراب، وقال: إنّه بدأ به، ورجّحه، فقال: الأفصح أن يعرب الاسم الثّاني، ويبقى على بنائه، ثمّ ذكر الوجه الآخر، وهو بقاؤهما على البناء. قال: وهو ضعيف. انتهى (¬5). وأما الوجه الذي جنح إليه الفراء - وهو إضافة النيّف، إلى العقد، والعقد إلى الاسم - فقال ابن عصفور: وهذا باطل؛ لأنّه لم يسمع من كلامهم (¬6). وقد تقدم قول المصنف [3/ 69] أنّ الفراء سمع من ابن أبي فقعس، وأبي الهيثم: «ما فعلت خمسة عشرك؟». ومنها: أنّ الشيخ ردّ على المصنّف دعوى الإجماع على منع إضافة الصدر إلى - ¬

_ (¬1) و (¬2) ينظر هذا الرأي في التذييل والتكميل (4/ 227) حيث قال ما نصه: «ولأن اثنتا بمنزلة ثنتا، وتاء ثنتا للإلحاق، بمنزلة بنت وأخت، وإذا كانت للإلحاق ولم تكن لخالص التأنيث لم يكن جمعا بين علامتي تأنيث». ولم ينسب أبو حيان هذا الرأي صراحة لابن عصفور، وإنما قال: «وقال بعض شيوخنا ...» وكذلك فعل المرادي في شرحه على التسهيل (ص 174) مخطوط، فعزى هذا الرأي لبعضهم، ولم يصرح باسم صاحبه، ولم يذكر النقل من أبي حيان. (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 402). (¬4) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 309) وشرح الجمل (2/ 32 - 36). (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 236) مع بعض تصرف في العبارة، وقد أورد الشيخ بعد هذه العبارة قول ابن عصفور: «والسبب في إعرابها إذا أضيفت أن الأشياء هي معربة في الأصل، ثم طرأ عليها ما يوجب بناءها، فإن الإضافة تردها إلى أصلها من الإعراب». اه. (¬6) ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 32 - 36). والمرجع السابق (4/ 237) بلفظ: «وهذا الذي ذهب إليه الفراء باطل ...». اه.

[ياء الثماني في التركيب والإفراد]

[ياء الثماني في التركيب والإفراد] قال ابن مالك: (وياء الثّماني في التّركيب مفتوحة أو ساكنة، أو محذوفة، بعد كسرة أو فتحة، وقد تحذف في الإفراد، ويجعل الإعراب في متلوّها، وقد يفعل ذلك برباع، وشناح، وجوار وشبهها). ـــــــــــــــــــــــــــــ العجز، دون إضافة العدد إلى شيء، إلا في الشّعر، فقال: «المنقول عن الكوفيّين أنهم يجيزون ذلك مطلقا يعني وجدت الإضافة، أو لم توجد». انتهى. والنقول لا تدفع، ولكن ما أعلم أي معنى يستفاد من قول القائل: هذه خمسة عشر، فإنّ المحكوم عليه إنّما هو المضاف دون المضاف إليه، وكذلك المحكوم به؛ وليس مراد القائل بقوله: (هذه خمسة عشر) إلا الحكم على الاسم المشار به، بأنه خمسة وعشرة، لا خمسة من عشرة، ولا خمسة العشرة، وإذا كان كذلك فكيف يقبل قول من أجاز ذلك، ويردّ به على من خالفه، بل الواجب ألّا يقبل ذلك القول أصلا، وإذا لم يكن مقبولا لم يكن مبطلا للإجماع (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف: يقال في تركيب ثمانية وعشرة: ثمانية عشر، في التذكير، وثماني عشرة في التأنيث، بفتح الياء (¬2)، وثماني عشرة، بسكونها، وثمان عشرة، بحذفها، وبقاء الكسرة دالة عليها، وثمان عشرة، بحذفها لفظا، ونية، ومن العرب من يفعل ذلك في الإفراد، ويحرّك النّون بحركات الإعراب (¬3)، ومن ذلك قول (¬4) الراجز: 1933 - لها ثنايا أربع حسان ... وأربع فثغرها ثمان (¬5) - ¬

_ (¬1) كان هذا رد العلامة ناظر الجيش كلام الشيخ أبي حيان، في اعتراضه على المصنف. (¬2) ينظر الصفحة التالية، والتذييل والتكميل (4/ 238) اختيار أبي حيان فتح الياء في (ثماني عشرة). (¬3) فيقول: هذه ثمان، ورأيت ثمانا، ومررت بثمان. ينظر: المرجع السابق (4/ 239). (¬4) أي حذف الياء وجعل الإعراب في متلوها. (¬5) هذا البيت من الرجز، لم ينسب لقائل معين، ولم أهتد إلى قائله. اللغة: الثنايا: جمع ثنية، أو هي أربع من تقدم الأسنان، ثنتان من فوق، وثنتان من تحت، وأراد بالأربع الثانية الرّباعيات، بفتح الراء، وتخفيف الياء، وهي أربع أسنان، ثنتان من يمين الثنية، واحدة من فوق، وواحدة من تحت، وثنتان من شمالها كذلك، والثغر: المبسم، على وزن محبس، والإنسان إذا ضحك فإنما يرى من أسنانه الثنايا والرباعيات، وهي ثمانية. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثل قوله - في ثماني -: ثمان قول بعض العرب: رباع، في الرباعي، من الحيوان، وهو ما فوق الثني، ومثله: شناح، في الشّناحي، وهو الطويل، ومثله قراءة بعض السّلف: ومن فوقهم غواش (¬1) بضم الشين، وروي أنّ عبد الله بن مسعود (¬2) رضي الله تعالى عنه قرأ: وله الجوار المنشئآت (¬3)، بضم الراء. وكل هذا أشار إليه في متن الكتاب. انتهى. قال الشيخ: الياء في (ثماني) زائدة، وهو اسم جرى في الإعراب مجرى المنقوص، تقول: جاءني ثمان، ورأيت ثمانيا، ومررت بثمان (¬4). قال: كذلك الياء في (رباعي) و (شناحي) (¬5) زائدة أيضا، وكونها زائدة هو المسوّغ لحذفها، وأما الياء في (جوار) فأصلية، ثم قال: وفتح الياء في (ثماني عشرة) هو الوجه؛ لأنه لما ركّب الاثنان فتحا، والياء قابلة للفتحة إعرابا، فكذلك تقبلها بناء، - ¬

_ - والشاهد فيه: قوله: «ثمان»؛ حيث إنه قد حذفت الياء من (ثماني) في الإفراد، وجعل الإعراب على النون، وأنكر الحريري في درة الغواص (ص 164) حذف هذه الياء، وينظر هذا الشاهد في التذييل والتكميل (4/ 239)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 403) والأشموني (4/ 72). (¬1) سورة الأعراف: 41. وهذه القراءة في شرح المصنف (2/ 403) وفي الكشاف (2/ 79)، والبحر المحيط (4/ 289) ما نصه: «وقريء غواش بالرفع كقراءة عبد الله - يعني ابن مسعود - وله الجوار المنشئآت [الرحمن: 24]. (¬2) هو عبد الله بن مسعود بن الحارث بن غافل بن حبيب، أبو عبد الرحمن، الهذلي المكي، أحد السابقين والبدريين، والعلماء الكبار من الصحابة أسلم قبل عمر رضي الله عنهما، عرض القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبشره النبي صلّى الله عليه وسلّم بالجنة، مات بالمدينة ودفن بالبقيع آخر سنة (32 هـ). ينظر في ترجمته: الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 106) من القسم الأول طبعة. دار التحرير بالقاهرة (1388 هـ)، غاية النهاية في طبقات القراء (1/ 458، 459). (¬3) سورة الرحمن: 24، وهي في المصحف: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ. والقراءة في الكشاف (2/ 79) وقال في البحر المحيط (8/ 192): وقرأ عبد الله والحسن وعبد الوارث، عن أبي عمرو بضم الراء، ونسبت للحسن في الإتحاف (ص 446). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 238) ونص العبارة: «الياء في الثماني زائدة، وهو اسم أجري في الإعراب مجرى المنقوص، فتقول: جاءني ثمان، ومررت بثمان، ورأيت ثمانيا». (¬5) هذه الكلمة وردت هكذا - بالسين المهملة - هنا، وفي بعض نسخ التذييل والتكميل، ولكنها في إحدى نسخ التذييل والتكميل بالشين المعجمة، وهو الصحيح، ومعنى (شناحي): الطويل، ومعنى (رباعي): ما فوق الثني من الحيوان.

[استعمال «أحد» استعمال «واحد»]

[استعمال «أحد» استعمال «واحد»] قال ابن مالك: (وقد يستعمل «أحد» استعمال «واحد» في غير تنييف، وقد يغني بعد نفي أو استفهام عن قوم، أو نسوة، وتعريفه - حينئذ - نادر، ولا تستعمل «إحدى» في تنييف وغيره دون إضافة؛ وقد يقال لما يستعظم مما لا نظير له: هو أحد الأحدين وإحدى الإحد). ـــــــــــــــــــــــــــــ وسكونها كسكونها في (معديكرب) حالة البناء. وسكونها في (معديكرب) لشبهها بياء (دردبيس) (¬1)؛ إذ (معديكرب) جعل اسما لواحد، كما أنّ (دردبيس) كذلك. وأما حذفها فلأنّها زائدة وأبقيت الكسرة قبلها للدّلالة على المحذوف. وأما فتحها فيظهر أنّ ذلك على لغة من حذف الياء في الإفراد، قبل أن تركّب في العدد، فلما ركبت بنيت على الفتحة، كما أنّها في الإفراد - في هذه اللغة - تعرب حالة النصب بالفتحة. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): قد يستعمل (أحد) استعمال (واحد) في غير تنييف، من ذلك قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ (¬3)، ومنه قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (¬4)، ومنه قول الشاعر: 1934 - وقد ظهرت، فما تخفى على أحد ... إلّا على أحد لا يعرف القمرا (¬5) أراد: إلّا على واحد لا يعرف القمر، ومثله قول الآخر: - ¬

_ (¬1) في القاموس: «الدردبيس: الداهية، والشيخ، والعجوز الفانية». (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 404) وقال صاحب التذييل والتكميل (4/ 241): «هذه المسائل ليست من باب العدد، وإنما ذكرها استطرادا على عادته». (¬3) سورة التوبة: 60. (¬4) سورة الإخلاص: 1. (¬5) البيت من الطويل، وهو لذي الرمة، يمدح ابن هبيرة الفزاري، وأخطأ السيرافي فنسبه إلى الأخطل، ورواية الديوان والسيرافي (حتى بهرت). والمعنى: غلب ضوؤك كل ضوء، يريد علوت كل من يفاخرك، وظهرت، وقوله: «على أحد» أحد: - هنا - بمعنى واحد؛ لأن أحدا المستعمل بعد النفي في قولك: ما أحد في الدار لا يصحّ استعماله في الواجب. والشاهد: في قوله: «على أحد»؛ حيث استعمل (أحد) بمعنى واحد. ينظر: ديوان ذي الرمة (2/ 1163)، شرح السيرافي (3/ 138)، والهمع (2/ 150)، والدرر (2/ 205)، واللسان «وحد»، «بهر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1935 - إذا ناقة شدّت برحل ونمرق ... إلى أحد بعدي فضلّ ضلالها (¬1) وقد يغني (أحد) - بعد نفي أو استفهام - عن قوم، ونسوة فإغناؤه - بعد نفي - عن قوم، قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (¬2)، وإغناؤه - بعد استفهام - عن قوم ما جاء في الحديث، من قول أبي عبيدة (¬3) رضي الله عنه: «يا رسول الله: أحد خير منّا؟» أصله: أأحد خير منّا؟ (¬4) فحذف همزة الاستفهام، وأوقع (أحد) موقع (قوم). وإغناؤه عن نسوة كقوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ (¬5). وحقّه - إذا أغنى عن قوم أو نسوة - أن يكون نكرة، وشذّ تعريفه في قول الشاعر: 1936 - وليس يظلمني في أمر غانية ... إلّا كعمرو، وما عمرو من الأحد (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر، وهو في ديوانه (ص 100)، مدح به الحكم بن مروان القيس، ورواية الديوان: (إلى حكم) وعليها فلا شاهد فيه. اللغة: النمرق: كساء يوضع فوق الرحل، على ظهر البعير. والشاهد: قوله: «إلى أحد»؛ حيث استعمل (أحد) بمعنى واحد. ينظر: الشاهد في: شرح المصنف (2/ 404)، والمحتسب لابن جني (2/ 201)، واللسان «ضلل». (¬2) سورة الحاقة: 47. (¬3) هو الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال، أمين هذه الأمة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، يلتقي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأب السابع، شهد بدرا والمواقع مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفتح الله على يديه اليرموك، وولاه عمر بن الخطاب الشام، توفى في طاعون عمراس، وهي قرية بالشام سنة (18 هـ). تنظر ترجمته في: نسب قريش (ص 445)، وجمهرة الأمثال (ص 176)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 259). (¬4) لفظ الحديث في مسند الإمام أحمد (4/ 106)، في حديث أبي جمعة حبيب بن سباع، ونصه: تغذينا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فقال: يا رسول الله: أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك؟ قال: «نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي، ولم يروني». اه. ينظر الحديث في: إعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 75)، أسد الغابة (1/ 444). (¬5) سورة الأحزاب: 32. (¬6) البيت من البسيط، ولم يعين قائله، وهو في اللسان «وحد». والشاهد: قوله: «الأحد»؛ حيث استعمل بمعنى الناس نادر، وينظر أيضا التذييل والتكميل (3/ 611)، (4/ 243)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 405).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال اللّحيانيّ (¬1): قالوا ما أنت من الأحد: أي من الناس (¬2) وأنشد هذا البيت. ويقال للموصوف بعدم النظير: هو أحد الأحد، وإحدى الإحد، أي: الدّواهي المقول لكلّ واحدة منها: لا نظير لها. قال الراجز: 1937 - حتّى استثاروا بي إحدى الإحد ... ليثا هزبرا ذا سلاح معتد (¬3) انتهى ما ذكره المصنّف. فأمّا قوله: إنّ (أحدا) قد يستعمل استعمال (واحد) في غير تنييف؛ فحق وأمّا قوله: إنّه يغني - بعد نفي أو استفهام - عن قوم ونسوة؛ فيحتاج إلى تحقيق ذاك، فيما استشهد به على هذه الدّعوى، فتقول: أمّا (أحد) في قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (¬4) فالظاهر، بل المتعين أنّه ليس هذا، بل الذي يختصّ في استعماله بالنّفي، مقصودا به عموم النفي (¬5)، كقوله تعالى: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (¬6)، فالمعنى المستفاد من قوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ (¬7) نظير المعنى المستفاد من قولك: ما رأيت منكم أحدا. - ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن المبارك توفي سنة (220 هـ) سبقت ترجمته. (¬2) ينظر هذا القول في التذييل والتكميل (4/ 244)، واللسان مادة «وحد». (¬3) البيت من الرجز وقائله المرار بن سعيد الفقعسي، كما في الأغاني والخزانة، وهو شاعر إسلامي في الدولة المروانية، وكان لصّا من لصوص العرب، وكان شديد القصر، ضئيل الجسم. اللغة: استثاروا بي: هيجوا بي، إحدى الإحد: إحدى الدواهي، ليثا وهزبرا: بمعنى الأسد، قال في الخزانة: وهذا تفسير لإحدى الإحد، وذا سلاح صفة لقوله: ليثا وكذا معتد من الاعتداء، إلا أنه وقف عليه بتسكين المنصوب على لغة ربيعة. والشاهد: في قوله: «إحدى الإحد»؛ حيث استعمل (إحدى) في المدح ونفي المثل؛ لأنه لما يستعظم. ينظر الشاهد في: الأغاني (9/ 151)، اللسان «وحد». (¬4) سورة الحاقة: 47، وينظر البحر المحيط (2/ 365). (¬5) (أحد) الواقع في التنييف وفي غيره أي المستعمل في العدد، والذي للعموم هو (أحد) الواقع بعد النفي وشبهه. ينظر التذييل والتكميل (4/ 243). (¬6) سورة الجن: 18. (¬7) سورة الحاقة: 47.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يقال: الذي يدلّ على أنّ (أحد) في هذه الآية الشريفة بمعنى (قوم) مجيء المخبر عنه جمعا؛ لأنّا نقول: لمّا كان (أحد) دالّا على العموم كان جمعا في المعنى، فجاز مجيء خبره جمعا، بهذا الاعتبار، ويؤيد ذلك قوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (¬1)؛ لأنّ (بين) لا تضاف إلّا إلى متعدّد، فلولا ملاحظة تعدّده معنى لم يجز إضافة (بين) إليه. وكذلك تقول في الآية الشريفة التي هي: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ (¬2) [3/ 70] إنّ (أحدا) - فيها - المراد به العموم، لوقوعه في سياق النّفي، والمعنى: ليست واحدة منكنّ كأحد من النساء، وليس المعنى لستنّ كنسوة، إذ لا فائدة في الإخبار بذلك، والمراد إنما هو تفضيل نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - لشرفهنّ - على كلّ من النساء، وغيرهنّ. وأمّا قول أبي عبيدة: «أحد خير؟» فإمّا أن يكون المراد بهذا الاستفهام النفي، وهو الظاهر، فأحد للعموم، كما هي في الآيتين الشريفتين المذكورتين (¬3). وإما أن يكون الاستفهام هو المراد، فلا يكون (أحد) للعموم، ويتعين أن يكون (أحد) هو المستعمل في العدد، وحينئذ يتعين أن يكون المراد: هل قوم من الأقوام خير منّا؟ لأنّ القطع حاصل بأنّه لا يجوز أن يكون التقدير: هل واحد من الناس خير منّا؟ إذ ذلك غير مراد جزما. وقد نازع الشيخ المصنّف فيما ادّعاه، وقال: إنّ الذي ادّعاه ليس بصحيح (¬4) وأجاب عما استشهد به بما توقّف عليه من كلامه. - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 285، وفي البحر المحيط (2/ 365): «أحد هو المختص بالنفي وما أشبهه فهو للعموم، والمعنى: بين آحادهم، وإن كان (أحد) بمعنى واحد ففي الكلام معطوف محذوف، دل عليه (بين) والتقدير: بين واحد من رسله، وواحد منهم. (¬2) سورة الأحزاب: 32. (¬3) أي قوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285]. وقوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب: 32]. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 244).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأمّا قوله: وتعريفه - حينئذ - نادر أي حين يغني عن قوم، أو نسوة، واستشهاده بقول الشاعر: 1938 - وليس يظلمني في أمر غانية ... إلّا كعمرو وما عمرو من الأحد (¬1) فغير ظاهر، فإنّ (أحد) المعرّف في البيت هو (أحد) المختصّ بالنّفي، الدالّ على العموم، وليس بمعنى (قوم) ولا (نسوة) ولا شكّ أنّ (أحدا) المختصّ بالنفي لازم التنكير، ليفيد العموم، فكان الواجب أن يؤخّر قوله: وتعريفه نادر إلى أن يذكر (أحدا) ذاك، أعني الدالّ على العموم، مع النّفي. وأمّا قوله: ولا تستعمل إحدى في تنييف وغيره دون إضافة فإنّ المصنف لم يتعرض إلى شرحه، قال الشيخ: «وبعضه وهم؛ لأنّ (إحدى) تستعمل في تنييف دون إضافة، فإنك تقول: إحدى وعشرون امرأة، وإحدى عشرة جارية، قال: وإصلاح ذلك أن تقول: ولا تستعمل (إحدى) في غير تنييف، دون إضافة، فإنه حكم صحيح، قال الله تعالى: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (¬2)، أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (¬3)، قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ (¬4)، قال: «ولها شرط في الإضافة، وهو: أنّها لا تضاف إلى العلم (¬5). وأمّا قول النّابغة (¬6): 1939 - إحدى بليّ وما هام الفؤاد بها ... إلا السّفاه، وإلا ذكرة حلما (¬7) - ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا الشاهد. (¬2) سورة المدثر: 35. (¬3) سورة البقرة: 282. (¬4) سورة القصص: 26. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 244). (¬6) النابغة الذبياني، الشاعر الجاهلي المشهور، وهو زياد بن معاوية، نبغ في الشعر وهو كبير، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 163). (¬7) البيت من البسيط، وهو في ديوان النابغة (ص 61). اللغة: إحدى بلي: يريد أن سعاد من بلي، وبلي: حي من قضاعة. والمعنى: يذكر أنه لم يكلف بحبها إلا سفها منه، وتذكر منه كان من أجل رؤيتها في النوم؛ لأن الصبا لا يصلح له. والشاهد فيه: إضافة (إحدى) في الظاهر، إلى (بلي) مع أنّها علم، وقد تؤول على حذف مضاف، والتقدير: إحدى نساء بلي. ينظر الشاهد أيضا في: المساعد لابن عقيل (2/ 85)، والأغاني (1/ 23)، والدرر (2/ 205)، والتذييل والتكميل (4/ 244)، وديوان شعراء النصرانية قبل الإسلام (ص 704).

[اختصاص «أحد» بعموم من يعقل]

[اختصاص «أحد» بعموم من يعقل] قال ابن مالك: (ويختصّ «أحد» بعد نفي محض أو نهي أو شبههما بعموم من يعقل، لازم الإفراد والتّذكير، ولا يقع بعد إيجاب يراد به العموم، خلافا للمبرد، ومثله: عريب، وديّار، وشفر، وكتيع، وكرّاب، ودعويّ، ونميّ، وداريّ، ودوريّ، وطوريّ وطوئيّ، وطؤويّ وطأويّ، ودّبيّ، ودبّيج، ودبّيج، وأريم، وأرم، ووابر، ووابن، وتأمور، وتؤمور، وقد يغني عن نفي ما قبل «أحد» نفي ما بعده، إن تضمّن ضميره، أو ما يقوم مقامه، وقد لا يصحب «شفر» نفيا، وقد تضمّ شينه). ـــــــــــــــــــــــــــــ و (بليّ) حي من قضاعة، علم، فقد يؤوّل على حذف مضاف، تقديره: إحدى نساء بليّ. ومن إضافتها إلى غير العلم قوله تعالى: إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ (¬1) وكذا: إِحْدَى ابْنَتَيَّ (¬2)، وأمّا قوله: وقد يقال فيما يستعظم ... إلى آخره فقد شرحه، وحقيقة المراد بذلك أنّه لا مثيل له، ويقال أيضا: هو واحد الآحاد، وقالوا - أيضا -: الأحد، كما قالوا: الكبر (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): لا يراد بـ (أحد) في نحو: ما فيها أحد إلا من يعقل، على سبيل الشمول والإحاطة، ولذلك لا يثنّى ولا يجمع، ولا يؤنث، ولا يعرف؛ لأنّه قصد به حالة واحدة، فاستغني عن علامة تدلّ على غيرها. ولا يكون إلا بعد نفي، نحو قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (¬5) أو نهي، نحو: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ (¬6) أو ما يشبه النّفي المحض، نحو: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ (¬7)، ونحو: قلما يقول ذلك أحد إلا زيد، وليتني - ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 52. (¬2) سورة القصص: 27. (¬3) ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 246) حيث قال أبو حيان ما نصه: «وقال ثعلب: يقال: هو أحد الأحد، وأحد الأحدين، وواحد الآحاد، على معنى: لا مثل له، وقالوا: الأحد، كما قالوا: الكبر ...». (¬4) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 405). (¬5) سورة الإخلاص: 4. (¬6) سورة هود: 81. (¬7) سورة مريم: 98.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أسمع أحدا يتكلم؛ لأنّ المعنى لا أسمع أحدا يتكلم، ذكره الفراء في كتاب الحدّ (¬1)، وقيّدت النفي بالمحض احترازا من (أليس) و (ما زال) ونحوهما، وأشرت بشبه النهي إلى قول الفراء في كتاب الحدّ: لأضربنّ أحدا يقول ذلك، وساقه مساقا يشعر بشهرته، والمعنى فيه: لا يقل أحد ذلك، وأجاز المبرد إيقاعه في الإيجاب المراد به العموم، نحو: جاء كلّ واحد، ومنع ذلك غيره، ذكر ذلك السيرافي في باب (كان)، من شرح الكتاب، ويساوي (أحدا) في جميع ما نسب إليه (عريب) وما ذكره بعده، ومن شواهده قول الشاعر: 1940 - ليت هذا اللّيل شهر ... لا نرى فيه عريبا ليس إياي وإيّا ... كـ ولا نخشى رقيبا (¬2) وقول العجّاج: 1941 - وبلدة ليس بها طوريّ ... ولا خلا الجنّ بها إنسيّ (¬3) ويروى: طوئيّ. ومن شواهد (أرم) قول الشاعر: 1942 - تلك القرون ورثنا الأرض بعدهم ... فما يحسّ عليها منهم أرم (¬4) - ¬

_ (¬1) كتاب الحد من كتب الفراء المفقودة، ولعله كتاب الحدود الذي ورد ذكره في كثير من الكتب، ومنها: نزهة الألبّاء لأبي البركات الأنباري (ص 66)، ووفيات الأعيان (6/ 176، 180). ومراجعة ما ذكره الفراء في كتاب الحد المشار إليه ينظر: التذييل والتكميل (4/ 247). (¬2) البيتان لعمر بن أبي ربيعة الأموي، المشهور، المتوفى سنة (93 هـ)، وهما من مجزوء الرّمل، وهما في ديوانه (ص 35، 36) برواية (غريبا) بالغين المعجمة، وعليها فلا شاهد هنا؛ لأن موطن الشاهد هنا: كلمة (عربيا)؛ حيث استعملت بمعنى (أحد) فـ (عريب) من الألفاظ الملازمة للنفي، وهو شاهد أيضا على فصل خبر ليس، والمعنى: ليت هذا الليل الذي نجتمع فيه طويل كالشهر لا نبصر فيه أحدا، وليس فيه غيري وغيرك. ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 358) طبعة. هارون، والمقتضب (3/ 98)، والخزانة (5/ 322)، واللسان «ليس». (¬3) سبق تخريجه في باب الاستثناء. والشاهد فيه هنا: استعمال (طوري) بعد النفي، استعمال (أحد) مرادا به العموم. (¬4) البيت من البسيط، ولم ينسبه أحد لقائل معين، ولم أهتد إلى معرفة قائله. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد ابن الأعرابيّ: 1943 - يمينا أرى من آل شيبان وابرا ... فيفلت منّي دون منقطع الحبل (¬1) وأنشد غيره: 1944 - أجدّ الحيّ فاحتملوا سراعا ... فما بالدّار بعدهم كتيع (¬2) ومثال ما أغنى فيه نفي ما بعد (واحد) عن نفي ما قبله - لتضمّن ضمير (أحد) - قول الشاعر: 1945 - إذا أحد لم يعنه شأن طارق ... لعدم فإنّا مؤثرون على الأهل (¬3) ومثال ما أغنى فيه نفي ما بعد (أحد) القائم مقام ضميره قول الشّاعر: 1946 - ولو سئلت عنّي نوار وأهلها ... إذن أحد لم تنطق الشّفتان (¬4) - ¬

_ - وقال القالي في أماليه (1/ 250): «وأنشدنا أبو بكر بن الأنباري: تلك القرون ... البيت والشاهد: قوله: «فما يحس عليها منهم أرم»؛ حيث استعملت أرم، كأحد الملازمة للنفي. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (2/ 406)، اللسان مادة «أرم»، والتذييل والتكميل (4/ 252). (¬1) البيت من الطويل، ولم أهتد إلى قائله، وأنشده ابن الأعرابي، كما في أمالي القالي (1/ 250) برواية: (زبان) بدل (شيبان). والشاهد: في قوله: «وابرا»؛ حيث استعمل بمعنى (أحد)؛ لأن الفعل منفي في جواب القسم، والمعنى: لا أرى ... وفي الخزانة: قال ابن السيد: يجوز أن يكون معناه: ذا وبر، أي مالك إبل، ويجوز أن يكون معناه: مخيم بخباء من (وبر). وينظر الشاهد في: شرح المصنف (2/ 406)، والتذييل والتكميل (4/ 252)، والخزانة (7/ 360). (¬2) البيت من الوافر، وقائله هو بشر بن أبي خازم، وأبو خازم اسمه عمرو، وخازم هو ابن عوف بن حميري، والبيت في ديوانه (ص 129) بلفظ (أجد البين) بدل (أجد الحي) و (إذ ظعنوا) بدل (بعدهم). والكتيع بمعنى: المفرد من الناس. والشاهد: في قوله: «كتيع»؛ حيث استعمله بمعنى (أحد). وينظر الشاهد في: شرح المصنف (1/ 406)، والخزانة (7/ 358)، والتذييل والتكميل (4/ 252). (¬3) البيت من الطويل، ولم أهتد إلى قائله. والشاهد: في قوله: «إذن أحد لم يعنه شأن طارق»؛ حيث أغنى نفي ما بعد (أحد) عن نفي ما قبله؛ لأن ما بعده تضمن ضميره، أي أن قوله: (لم يعنه) قد تضمن ضمير (أحد) منفي. يراجع الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 253)، شرح المصنف (2/ 407). (¬4) البيت من الطويل، وقائله الفرزدق في قصيدة له، وقد خرج في نفر من الكوفة، يريد يزيد بن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: لم تنطق شفتاه، فأقام الألف واللّام مقام الضّمير. ومثال استعمال (شفر) في جملة خالية من نفي قول الشاعر: 1947 - فو الله لا تنفكّ منّا عداوة ... ولا منهم ما دام من نسلنا شفر (¬1) انتهى كلامه. وظاهره يعطي أنّ (أحدا) هذه - أعني التي تستعمل بعد النفي لإرادة العموم - هي (أحد) التي تقدّم ذكرها - أعني المستعملة في العدد - والمشهور المعروف أنّهما غيران، فالهمزة أصلية في هذه، وبدل من الواو في تلك، والأولى دالة على الانفراد، وهذه دالة على العموم، وهذه يشترط في استعمالها أن يتقدمها نفي، أو شبهه، والأولى بخلاف ذلك، والظّاهر أنّ الحقّ أنّهما غيران (¬2) [3/ 71] وأما استدلال المبرّد على أنّ (أحدا) هذه تستعمل في الإيجاب بأن تقول: جاء كل أحد، فلا يخفى أنّ (أحدا) - في هذا المثال - المراد بها (واحد) والعموم إنّما استفيد من (كلّ) كما يستفاد منها في مثل: كلّ إنسان حيوان. ¬

_ - المهلب، وفي الليل أدرك ذئب ركابه، وكانت له معه قصة. والبيت في ديوانه (2/ 330) ط. صادر بيروت ورواية الديوان: ولو سئلت عني النوار وقومها ... إذن لم توار الناجذ الشفتان وعلى رواية الديوان هذه لا شاهد فيه؛ لأن موطن الشاهد: «إذن أحد لم تنطق الشفتان»، واستشهد به على إيقاع (أحد) في الإيجاب المؤول بالنفي، فأوقع (أحدا) قبل النفي؛ لأنه بعده بالتأويل، كأنه قال: إذن لم ينطق منهم أحد، أو ذلك على أنه أراد: لم تنطق شفتاه، فحذف الضمير - الهاء - وأقام الألف واللام مكانها، وفي التذييل والتكميل (4/ 252): «وهو منزع كوفي، وأما تخريجه على مذهب البصريين فتقول: حذف الضمير منه، وتقديره: لم تنطق الشفتان منه». اه. وينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (2/ 407)، وشواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك (ص 216)، والتذييل والتكميل (4/ 253). (¬1) البيت من الطويل، وهو لأبي طالب بن عبد المطّلب، شيخ الأباطح، وعمّ النبي صلّى الله عليه وسلّم، والبيت في ديوانه (ص 23) طبعة. العراق (1356 هـ) جمعه: أبو هفان عبد الله بن أحمد المهزمي. والشاهد: في قوله: (شفر) فقد استعملها في جملة خالية من نفي. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (2/ 406)، والتذييل والتكميل (4/ 254). (¬2) قال أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 246): «(أحد) هذا يعني الذي يستعمل بعد النفي لإرادة العموم، هو الذي ذكره النحاة أنّ مادته همزة وحاء ودال، وليس مشتقّا من الوحدة، وهو مخالف لـ (أحد) بمعنى واحد، مادة، ومعنى، واستعمالا».

[حكم تثنية وجمع أسماء العدد]

[حكم تثنية وجمع أسماء العدد] قال ابن مالك: (فصل: لا يثنّى ولا يجمع من أسماء العدد المفتقرة إلى تمييز إلّا مائة وألف، واختصّ الألف بالتّمييز به مطلقا، ولم يميّز بالمائة إلا ثلاث وإحدى عشرة وأخواتهما). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): انفرد الألف من بين أسماء العدد المفتقرة إلى التمييز فإنّه لم يوضع لشيء من مجموعاته لفظ يغني عن جمعه، فجرى على قياس الأسماء في الجمعيّة، مفسّرا كان؛ نحو: ثلاثة آلاف، أو غير مفسر؛ نحو: وَهُمْ أُلُوفٌ (¬2) وشاركته المائة في عدم وضع ما يغني عن التثنية إن قصدت، وعن الجمع إن قصد، كالعشرة، والعشرين، فإنهما أغنيا عن تثنية عشرة، وجمعها، وللمائة شبه بالثلاثة وأخواتها، في أنّ لها لفظا يغني عن جمعها، إن كانت المائة عشر مئات، وذلك اللفظ هو الألف (¬3) ولها شبه بالألف في إهمال ما يغني عن جمعها، إن لم يكن عشرة، فإن كان عشرة فله ألف، فألف من مائة، كمائة من عشرة، فلمّا لم تكن المائة والألف في عموم إهمال ما يغني عن الجمع، ولا كعشرة، في عموم وضع في الأصل غيره ذلك وسط أمرها، فأفردت كخمسمائة، وجمعت كثلاث مئين واختصّ الألف بأن يميز به الثلاثة وأخواتها، كثلاثة آلاف، وأحد عشر وعشرون، وأخواتها، كـ: أحد عشر ألفا، وعشرين ألفا، ومائة وألف، وما تفرع عنها، كـ: مائة ألف ومائتي ألف، وألف ألف. وإلى هذا وأمثاله أشرت بقولي: واختصّ الألف بالتمييز به مطلقا (¬4). ثم قلت: «ولم يميّز بالمائة إلا ثلاث، وإحدى عشرة، وأخواتهما. فنبهت بذلك على أنه يقال: ثلاثمائة، وأربعمائة، إلى: تسعمائة، وعلى أنّه يقال: إحدى عشرة مائة، واثنتا عشرة مائة إلى: تسع عشرة مائة، ولا يقال: عشر مائة، ولا: عشرون مائة، - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 407). (¬2) سورة البقرة: 243. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 257). (¬4) أورد الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 257) عبارة المصنف هذه، ثم شرحها بقوله: أي يميز به العدد المضاف والمركب والعقود، والمعطوف، فيقال: ثلاثة آلاف، وأحد عشر ألفا، وعشرون ألفا، وثلاثة وثلاثون ألفا، ومائة ألف، وألف ألف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استغناء بألف، وألفين، ومن تمييز المركّب بمائة (¬1) قول جابر (¬2) رضي الله تعالى عنه: «كنّا خمس عشرة مائة» (¬3) يعني أهل الحديبية، وفي حديث البراء (¬4) رضي الله تعالى عنه: «كنّا يوم الحديبية أربع عشرة مائة» (¬5) هذا آخر كلام المصنف (¬6) وقد عرفت أن الذي لا يميز من أسماء العدد إنما هو واحد، اثنان. واعلم أنّ النحاة لما ذكروا - ¬

_ (¬1) قال الشيخ أبو حيان - في التذييل والتكميل (4/ 258) - ما نصه: «وأما ما ذكره المصنف من أنه يميز المركب بمائة، فتقول: إحدى عشرة مائة، واثنتا عشرة مائة إلى تسع عشرة مائة، فإنه يحتاج في ذلك إلى صحة نقل أن ذلك مسموع من كلام العرب بل المعروف في ذلك أن يقال: ألف ومائة، وألفان ومائتان، وألف وثلاثمائة إلى ألف وتسعمائة». اه. ورأي أبي حيان هذا قد سلم به المرادي في شرحه للتسهيل (176 / أ) وأشار إلى هذا الرأي أيضا ابن عقيل في المساعد (2/ 89) وذكره الدماميني في تعليق الفرائد (2/ 357، 376) ولم يوافق عليه. (¬2) هو أبو عبد الله وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو محمد جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام - بالراء - الأنصاري السلمي، وهو أحد المكثرين الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وروى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي عبيدة، وغيرهم، وروى عنه جماعات من أئمة التابعين منهم: سعيد بن المسيب، وأبو سلمى، ومحمد الباقر، غزا مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم تسع عشرة غزوة، ولم يشهد بدرا ولا أحدا توفي بالمدينة سنة (73 هـ) وقيل: سنة (78 هـ). تنظر ترجمته في: جمهرة أنساب العرب (ص 359)، تهذيب الأسماء واللغات (1/ 143). (¬3) الحديث في صحيح البخاري (2/ 275) كتاب (بدء الخلق) باب علامات النبوة ولفظه: «عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلّى الله عليه وسلّم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه، فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يديه في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه، كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، وكنا خمس عشرة مائة» وينظر كذلك: صحيح البخاري (3/ 42). (¬4) البراء - بتخفيف الراء وبالمدّ - الصحابي ابن الصحابي رضي الله عنهما، وهو أبو عمارة، أو أبو عمر، أو أبو الطفيل، البراء بن عازب بن الحارث، الأوسي الأنصاري، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثمائة حديث، وروى عنه عبد الله بن يزيد الحطمي، وأبو جحيفة الصحابيان وجماعة من التابعين، نزل الكوفة ومات بها زمن مصعب بن الزبير. تنظر ترجمته في: جمهرة أنساب العرب (ص 341) وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 132). (¬5) ينظر: البخاري (2/ 275) كتاب بدء الخلق، باب علامات النبوة، ونص الحديث عن البراء رضي الله عنه قال: «كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة، فجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم على شفير البئر، فدعا بماء، فمضمض، ومج في البئر فمكثنا غير بعيد، ثم استقينا، ورويت أو صدرت ركائبنا»، وينظر: البخاري (3/ 42). (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 408).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسماء التي لا تثنّى ولا تجمع ذكروا أسماء العدد، واستثنوا المائة، والألف، ولم يقيدوا اسم العدد بكونه مفتقرا إلى تمييز، أو غير مفتقر، ومن ثمّ قال الشيخ: لا حاجة به - يعني المصنّف - إلى تقييد أسماء العدد بقوله: والمفتقر إلى تمييز؛ لأن أسماء العدد ما افتقر منها إلى تمييز، وما لم يفتقر لا يثنى ولا يجمع ما عدا مائة وألفا (¬1). انتهى. ولا شكّ أنّ (واحدا) يكون صفة، قال الله تعالى: إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ (¬2) وإذا كان صفة فإنّه يجمع على وحدان، كقول القائل: 1948 - ... طاروا إليه زرافات ووحدانا (¬3) وقد يجمع جمع سلامة كقوله: 1949 - ... وقد رجعوا لحيّ واحدينا (¬4) وقد يثنّى كقوله: - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 256). (¬2) سورة النساء: 171. (¬3) البيت من أولى قصائد حماسة أبي تمام (ص 14) وهو من البسيط وقائله قريط بن أنيف العنبري، ومناسبة النص: أنه أغار ناس من بني شيبان على قريط، واستنجد قومه فلم ينجدوه، فأتى بني مازن فأغاثوه، ولهذا فهو يعتب على قومه، ويمدح بني مازن والبيت بتمامه: قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا اللغة: أبدى الشر ناجذيه: مثل يضرب لشدته، والزرافات: الجماعات يصفهم بالإقدام على المكاره والإسراع إلى النجدة، مجتمعين ومتفرقين. والشاهد: في قوله: «وحدانا»؛ فهو جمع واحد لأنه صفة، ولم يقصد به العدد. ينظر الشاهد في: شرح ديوان المتنبي للعكبري (2/ 230)، والمساعد لابن عقيل (2/ 88)، والتذييل والتكميل (4/ 255)، والمزهر للسيوطي (1/ 30). (¬4) البيت من الوافر. وقائله الكميت بن زيد الشاعر المشهور كان متشيعا وله في أهل البيت الهاشميات التي مدحهم بها، وهي من أجود شعره. توفي سنة (126 هـ) الخزانة (1/ 144). والبيت بتمامه: تضمّ قواصي الأحياء منهم ... وقد رجعوا لحي واحدينا وهو في ديوان الكميت (2/ 122) جمع داود سلوم بغداد سنة (1969 م) وهو من قصيدته المذهبة في هجائه قبائل اليمن، والدفاع عن مضر. والشاهد: في قوله: «واحدينا»؛ لأنه جمع بالواو والنون (واحد) حيث جاء صفة، وإنما يجمع من غير لفظه إذا كان اسم عدد فيقال: ثلاثة. ينظر الشاهد في: المساعد لابن عقيل (2/ 88)، واللسان مادة «وحد»، ومعاني الفراء (2/ 280)، والمزهر (2/ 107).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1950 - ... فلمّا التقينا واحدين علوته (¬1) ثم إنّ الشيخ أنكر على المصنف استدلاله بالحديث، وقال: إنّ علماء العربية الذين أثبتوا قوانينها، وقواعدها لم يبنوا الأحكام على ما ورد في الحديث (¬2) قال: وجاء الرجل متأخرا، في أواخر قرن سبعمائة، فزعم أنّه يستدرك على المتقدمين ما أغفلوه، وينبه الناس على ما أهملوه ولله درّ القائل: لن يأتي آخر هذه الأمة بأفضل ممّا أتى به أولها (¬3). انتهى. والمصنف لم يدّع الاستدراك على من تقدم لأنّه لم يقل: أغفل المتقدمون كذا وقد ذكرته، غايته أنّه ذكر حكما مستدلّا عليه بدليل فإن ثبت الدليل ثبت الحكم، وإن لم يثبت انتفى، ثمّ إنّ الله تعالى لم يحصر العلم في شخص، بل بثّه في الخلق أجمعين؛ لينال كلّ من الناس نصيبه من ذلك، فالمتقدم له فضل السبق والاختراع، والتدوين، وللمتأخر فضل التنقيح والتهذيب، وتقييد ما أطلق، وتفصيل ما أجمل واستدراك ما لعلّه فات الأول، وقد يدرك المتأخر ما لم يدركه المتقدم، كما أنّ المتقدم أدرك ما لم يدركه المتأخر. وأما قول القائل: لن يأتي آخر هذه الأمّة بما أتى به أولها، فليس مرادا؛ ولكنّ المراد بذلك الأعمال الصالحة لا المسائل العلميّة والموجب للشّيخ أن يتكلم في حقّ المصنف بنحو هذا الكلام أنّه كان يرى تفضيل الجماعة كابن عصفور، وابن الضائع، وأندادهما من طلبة الشلوبين، على هذا الرجل، ولا شكّ أنّ هؤلاء أئمة وسادة، وقد وفّر الله تعالى نصيبهم في هذا الفنّ ولكنّ المصنف أيضا قد آتاه الله - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين ولم أهتد إلى قائله وهو بتمامه: فلما التقينا واحدين علوته ... ندى الكف أني للكماة ضروب وهو في المساعد لابن عقيل (2/ 88): فلما التقيا واحدين علوته ... بأبيض ماضي الشفرتين يمان والشاهد: في قوله: «واحدين»؛ حيث هو مثنى (واحد) من لفظه؛ لأنه أريد بواحد الصفة، وينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 255) والمزهر (2/ 107) وكتاب: «ليس» لابن خالويه (ص 43). (¬2) ينظر في ذلك: موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث الشريف، تأليف الدكتورة: خديجة الحديثي، وزارة الثقافة بالعراق (ص 367) وما بعدها. (¬3) ينظر التذييل والتكميل (4/ 259) حيث يظهر بعض تصرف ناظر الجيش في نقل عبارة أبي حيان.

[إدخال حرف التعريف على العدد]

[إدخال حرف التعريف على العدد] قال ابن مالك: (وإذا قصد تعريف العدد أدخل حرفه عليه، إن كان مفردا غير مفسّر، أو مفسّرا بتمييز وعلى الآخر إن كان مضافا، أو علما، شذوذا لا قياسا، خلافا للكوفيّين وتدخل على الأول، والثّاني، إن كان معطوفا، ومعطوفا عليه، وعلى الأول إن كان مركّبا، وقد يدخل على جزءيه بضعف، وعليهما وعلى التّمييز بقبح). ـــــــــــــــــــــــــــــ علما ونظرا واجتهادا؛ فهو ينبّه على ما لم ينبّهوا عليه، كما أنّهم هم أيضا يذكرون ما لا يذكره، ويشيرون إلى ما لا يشير إليه، ولا شكّ أنّ فضل ابن مالك لا يجهل ولكن: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم (¬1) وهبني قلت: هذا الصّبح ليل أيعمى العالمون عن الضّياء (¬2) قال ناظر الجيش: [3/ 72] قد تقدّم أنّ العدد أربعة أنواع، وهي التي تضمنها كلام المصنف هنا، حيث أشار إلى حكم اللام أعني لام التعريف، ولا شك أنّ تعريف المفرد بإدخال الألف واللام واضح؛ لأنك تقول: الواحد، الاثنان، الثلاثة، - ¬

_ (¬1) نسب البيت لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه (ص 129) تحقيق الشيخ محمد حسن آل ياسين، نشر مكتبة نهضة بغداد، طبعة. دار المعارف بغداد (1384 هـ/ 1964 م). ولم يرد البيت هنا لشاهد نحوي، ولكن ناظر الجيش يشير به إلى حقد الشيخ أبي حيان على العلامة ابن مالك، حيث لم يبلغ شأوه، والناس أعداء وخصوم لمن يتفوق عليهم. (¬2) هذا البيت من الوافر، وقائله أبو الطيب المتنبي، ينظر: ديوانه (1/ 9) وهذا البيت كسابقه، لم يرد هنا لشاهد نحوي، وإنما يشير ناظر الجيش - متمثلا بهذا البيت - إلى حقيقة، وهي أن الواضح من الأمور لا يخفي حقيقته المغالطات والأكاذيب. وقد تمثل ناظر الجيش بهذا البيت قبل ذلك، بعيد قوله: «وقد تكلم الشيخ هنا في جانب المصنف بكلام غير مناسب، وجعله مكابرا، ومكذبا لسيبويه، واعتذر عنه بأنه قليل الإلمام بكتاب سيبويه، وأنه يلمح شيئا منه يبادئ النظر، فيستدل به، من غير تتبع لما قبله، ولما بعده، وكم شيء فاته من علم سيبويه، لقلة إلمامه به» ثم قال: «والمصنف لم يجهل أن سيبويه قال ذلك، ولو جهله لم يصرح في الشرح بخلافه، حيث قال: «خلافا لسيبويه ومن تبعه» ولكن هذه عادة الشيخ مع المصنف». ينظر: تمهيد القواعد (1/ 505، 506) (قسم الدراسة) تحقيق د/ علي فاخر، رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العشرون، الثلاثون، المائة والألف، وهذا مراد المصنف بقوله: إن كان مفردا غير مفسّر، وأما قوله: أو مفسّرا بتمييز فمثاله: العشرون درهما، والثلاثون دينارا، وكذا بقية ألفاظ العقود؛ لأنها من قسم المفرد ولم يمثل المصنف لذلك. وإنّما مثّل به بأن قال: خذ المائة دينارا، ودع الألف درهما (¬1) قال: وهذا على لغة من لا يضيف، عومل فيها ذو الألف واللّام معاملة المنوّن، ذكر ذلك ابن كيسان (¬2) وعليه ورد قول حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه: «يا رسول الله أتخاف علينا ونحن بين الستّ مائة، إلى السبع مائة؟!». وقد تقدّم أنّ مفسّر المائة فما فوقها قد يجمع، وقد يفرد تمييزا ولا شكّ أنه قد ثبت عن العرب ذلك، أما كونه لغة، أو ضرورة فذاك شيء آخر، لا تعلق له بقول المصنّف: إنّك تدخل اللام عليه إذا قصدت تعريفه، وحينئذ لا تتوجه مؤاخذة الشيخ له أنّ ذلك ضرورة، وأنّ كلامه يعطي أنّه لغة (¬3). وأما المضاف فتعريفه بإدخال اللّام على الآخر منه، كقول ذي الرمة: 1951 - وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والدّيار البلاقع (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 260) حيث قال: «يشمل قوله: «غير مفسر» ما لا يقبل التفسير كواحد واثنين، وما يقبله كما بعدهما من الأعداد». اه. (¬2) قال د: محمد البنا في كتابه (ابن كيسان) (ص 176) «وعلى ذلك فابن كيسان يجيز للناثر والشاعر صورتين صورة الإضافة وصورة النصب». اه. (¬3) قال أبو حيان - في التذييل والتكميل (4/ 260) - ما نصه: «وقد بينا أنه إن قيل ذلك فهو من باب الضرائر، وأفهم كلامه هنا - يعني المصنف - أن ذلك لغة للعرب، وقال: ذلك ذلك ابن كيسان، وعليه ورد قول حذيفة وأنشد بيت الربيع: إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب المسرّة والفناء ثم قال أبو حيان في نفس المرجع (4/ 261): «وهذا يشعر أنّ هذا تجويز من ابن كيسان، انفرد به فلا يكون ذلك لغة، ونصوص أئمة العربية أنه متى ذكر تمييز مائة وألف، فإنه لا يكون إلا مجرورا، إلا ما حكى هذا المصنف عن ابن كيسان: أنّه أجاز نصبه». اه. (¬4) هذا البيت من الطويل، وهو في ديوان ذي الرّمة (2/ 273). اللغة: يرجع: بضم الياء مضارع (أرجع) أو بفتح الياء مضارع (رجع) لمجيئه متعديا أيضا. الأثافي: جمع أثفية أحد الأحجار، كما في القاموس، وإن قيل: هي نفس الأحجار، البلاقع: جمع بلقع، الأرض المقفرة، والرواية في المقتضب (2/ 174) «... أو يدفع البكا ...» ودرة الغواص (ص 125): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدول المصنف عن التعبير بالثّاني، إلى التعبير بالآخر، لتناول العبارة إضافة واحدة، أو ما تضمن إضافتين أو أكثر نحو: قبضت خمسمائة ألف دينار؛ وروى الكوفيون إدخال حرف التعريف على العدد المضاف إلى ما فيه الألف واللام كقولك: قبضت العشرة الدنانير، واشتريت الخمسة الأثواب، وهو شاذّ، يحفظ ولا يقاس عليه (¬1)، وأمّا العدد المشتمل على العطف فتعريفه بإدخال الحرف على أول الجزءين منه (¬2). قال: وروى بعضهم أيضا دخوله عليهما، وعلى التمييز وهو أبعد من الذي قبله (¬3) ويوجه أيضا بزيادة حرف التعريف مرتين ولا يستعمل منه إلا ما سمع (¬4) فيجاء به منبها على ضعفه وقبحه، ويسوغ الفراء القياس على ذلك (¬5). انتهى. - ¬

_ - «أو يكشف العنا» وفي التذييل والتكميل (4/ 261): «والرسوم البلاقع». والمعنى: هل يرد التحية، أو يزيل الجهد والتعب مواضع طبخ الأحباب، وديارهم الخالية؟ والشاهد: في قوله: «ثلاث الأثافي»؛ حيث عرف العدد المجرد من الألف واللام بإضافته للمعرفة، فحصلت معرفته بالإضافة. ينظر الشاهد في المراجع السابقة، وفي جمل الزجاجي (ص 141)، والأغاني (5/ 37)، وشرح السيرافي (2/ 890)، والأشموني (1/ 187)، والدرر (1/ 185). (¬1) ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 409) والتذييل والتكميل (4/ 263)، حيث نقل الشيخ أبو حيان كلام المصنف في شرحه، ثم قال: وحكى أبو زيد ذلك عن قوم من العرب ليسوا فصحاء، وقال الفارسي: حكى الكسائي: الثلاثة الأثواب. (¬2) أي: إدخال حرف التعريف على أول المعطوف وأول المعطوف عليه، وهذا بالإجماع، ينظر التذييل والتكميل (4/ 265)، قال الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 266): «هذا جنوح من المصنف إلى مذهب الأخفش والكوفيين، فإن مذهبهم جواز تعريف الاسمين المركبين، وحكاه الأخفش، نحو: عندي الخمسة العشر درهما، فإن الأصل فيهما العطف فهما اسمان في اللفظ، فإن أردت التعريف أدخلت (ال) على كل منهما، ألا ترى أنك لو فككت التركيب فعطفت أحدهما على الآخر لعرفت الاسمين، فكذلك هذا لأنه في ضمنهما». وينظر في ذلك أيضا: الإنصاف (1/ 195، 196) شرح الرضي على الكافية (2/ 156). (¬3) قال الشيخ أبو حيان - في التذييل (4/ 267) -: «وذهب طائفة من الكتاب إلى إدخال (ال) على المركبين والتمييز» وينظر في ذلك الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 25) رسالة. (¬4) ينبغي أن يحمل ما سمع من ذلك على زيادتها في ثاني المركبين وفي التمييز» ينظر التذييل والتكميل (4/ 268). (¬5) ينظر رأي الفراء في التذييل والتكميل (4/ 268)، وشرح التسهيل للمرادي (176 / أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر ابن عصفور أنّ بعض النحويين يجيز إدخال حرف التعريف، على المعطوف والمعطوف عليه (¬1) كقول الشاعر: 1952 - إذا الخمس والخمسين جاوزت فارتقب ... قدوما على الأموات غير بعيد (¬2) وأما العدد فتعريفه بإدخال التّعريف على النّيّف، دون العقد إذا كان ثمّ عطف، فتقول: عندي الأحد وعشرون (¬3)، قال: هو فاسد؛ لأنه لا يتعرف الثاني بإدخال حرف التعريف على الأول؛ لأنه ليس معه كالشيء الواحد، وذكر أيضا أنّ الكوفيّين إنما أجازوا: الثلاثة الرّجال، قياسا على: الحسن الوجه قال: وهو خطأ؛ لأنّه إنّما جاز الجمع بين الألف واللام والإضافة في باب (الحسن الوجه)؛ لأنّ الإضافة فيه غير محضة، والإضافة هنا محضة (¬4)، قال: وأما إدخال حرف التعريف على الأول دون الثاني، يعني في العدد المضاف، فيقال: الثلاثة رجال. فلا يجوز بإجماع؛ لأنّه على غير طريق الإضافة، وهو إضافة المعرفة إلى النكرة، وباب الإضافة على خلاف ذلك (¬5). - ¬

_ (¬1) في شرح الجمل الكبير (2/ 38): «حكى أبو زيد رحمه الله عن العرب: الأحد العشر الدرهم بإدخال الألف واللام على الأول والثاني، وعلى التمييز وذلك شاذ جدّا وهو عندنا يتخرج على زيادة الألف واللام، وفي التمييز؛ لأن التمييز لا يكون أبدا إلا نكرة، وأجاز بعض النحويين إدخال الألف واللام في النيف والعقد، والتمييز وهذا خطأ لما قدمناه». اه. وينظر في ذلك أيضا: التذييل والتكميل (4/ 268)، وشرح التسهيل لابن مالك (2/ 409). (¬2) البيت من الطويل، ولم أهتد إلى قائله، وصدره في الأشباه والنظائر (2/ 102)، والهمع (2/ 150)، والتذييل والتكميل (4/ 265)، والدرر اللوامع (2/ 205). والشاهد فيه: دخول (أل) في كل واحد من جزءي العدد، إذا تعاطفا بالإجماع. (¬3) قال الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 265): «وهو اختيار أستاذنا أبي الحسن الأبذي، قال: ويجوز: الثلاثة وعشرون رجلا؛ لأنّ الثاني معطوف على الأول، فأشبها المركب الذي أصله العطف ..». اه. (¬4) قال الشيخ أبو حيان - في المرجع السابق -: «وقال الفارسي: (حكى الكسائي الثلاثة الأثواب). اه. وقاسه أهل الكوفة على الحسن الوجه، وأما السماع فحمله البصريون - إن صحّ - على زيادة الألف واللام في الأول، وأما القياس فقالوا: لا يشبه الحسن الوجه؛ لأن (الوجه) مجرور اللفظ مرفوع التقدير؛ لأنه الذي حسن، وليس المعدود مع العدد كذلك، فإن قلت: الثلاثة الأثواب، والعشرة الغلمان على البدل جاز». اه. (¬5) قال الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 264): «ولا خلاف في امتناع: الثلاثة أثواب بإدخال (أل) على الثلاثة، ونزعها كما امتنع: الغلام رجل؛ لأنّ الباب أن يكتسي المضاف التعريف من -

[حكم العدد المميز بشيئين في التركيب]

[حكم العدد المميز بشيئين في التركيب] قال ابن مالك: (فصل: حكم العدد المميّز بشيئين في التّركيب لمذكرهما مطلقا إن وجد العقل، وإلّا فلسابقهما بشرط الاتصال، ولمؤنثهما إن فصلا بـ «بين» وعدم العقل ولسابقهما في الإضافة مطلقا، والمراد بـ: كتب لعشر بين يوم وليلة: عشر ليال، وعشرة أيام، وب: اشتريت عشرة بين عبد وأمة: خمسة أعبد وخمس آم). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال - مقوّيا لمذهب البصريين (¬1)؛ وهو أنّ حرف التعريف إنّما يدخل على أوّل جزءي العدد المركب خاصّة -: إن المركّب مبنيّ فصار كالاسم الواحد، فلا يعرف إلا بمثل ما يعرف به الاسم الواحد. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): تقول: عندي خمسة عشر عبدا وجارية، وخمسة عشر جارية وعبدا؛ تجعل الحكم للمذكر، قدمته أو أخرته، وكذا تفعل أبدا بكلّ مركب من عدد من يعقل، إذا ميز بمذكّر ومؤنّث متصلا كان المميز كما في المثال المذكور أو منفصلا بـ (بين) كقولك: عندي خمسة عشر بين رجل وامرأة، وخمسة عشر بين امرأة ورجل، وتقول: نحرت خمسة عشر جملا وناقة، في خمسة عشر يوما وليلة (¬3)، وركبت خمس عشرة ناقة وجملا، في خمس عشرة ليلة ويوما؛ فيجعل الحكم لسابقهما، مذكرا كان أو مؤنثا، وكذا تفعل أيضا بكلّ مركب من عدد ما لا يعقل، إذا اتصل بمميزه، والمميز مذكر ومؤنث (¬4) - ¬

_ - المضاف إليه أما العكس فلا، قال ابن عصفور: وبعض الكتاب يجيزون ذلك وهو قليل جدّا ويقولون عندي الخمسة أثواب». اه. (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 266) حيث قال الشيخ أبو حيان: «أكثر البصريين لا يجيزون في تعريف المركب إلا إدخال (أل) على الأول منهما فتقول: ما فعلت الأحد عشر درهما؟». اه. (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (2/ 410). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 669): «لا يعتبر التقديم في المذكر ولا التأخير ولا اتصال التمييز بالمركب، أو فصله منهما بـ (بين) بل الحكم للمذكر إذا كان العقل للمذكر والمؤنث وسواء اتصل التمييز بهما أو انفصل». اه. (¬4) قال الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 269) ما نصه: «وإن لم يوجد العقل فيهما - أي في المذكر والمؤنث المميز بهما العدد - فالحكم لما سبق بشرط اتصال التمييز بهما».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقول: عندي ستّ عشرة بين ناقة وجمل، واشتريت ستّ عشرة بين كبش ونعجة، فيجعل الحكم لمؤنثهما قدمته أو أخرته إذا انفصل المميز وكان ممّا لا يعقل (¬1). والمراد في الحالين أنّ نصف العدد المذكور ذكور، ونصفه إناث، وهكذا أبدا في غير الليالي والأيام، وأما فيهنّ فالعدد المذكور لليالي والأيام مثله، فإذا قلت: كتب لعشرين يوم وليلة، فالمراد: عشر ليال وعشرة أيام. هذا ظاهر معنى كلام سيبويه (¬2). وتقول: عندي عشرة أعبد وجوار، وعشر جوار وأعبد، فيجعل الحكم عند الإضافة للسابق من المميزين، مذكرا كان أو مؤنثا عاقلا أو غير عاقل ولا يكون مميز هذا النوع أقلّ من ستة؛ لأنهما إذا كانا [3/ 73] أقلّ من ستة كان أحدهما أقلّ من ثلاثة والخمسة وأخواتها لا تضاف إلى أقلّ من ثلاثة ولا فرق في ذلك بين أن يتّصل المضاف إليه بالمضاف أو ينفصل منه بعطف. انتهى (¬3). وتلخص مما ذكره: أنّ العدد المركّب بالنسبة إلى اعتبار التذكير والتأنيث ثلاثة أقسام: قسم يتعين فيه جعل الحكم للسابق، وذلك إذا فقد العقل، واتصل المميز باسم العدد. وأنّ العدد المضاف يتعين فيه جعل الحكم للسابق مطلقا، أي سواء وجد العقل أم لا، وسواء وصل المميز باسم العدد، أم فصل بـ (بين). وقد سكت المصنف عن حكم العدد المعطوف، ومقتضى كلام ابن عصفور - في المقرّب - أنّ حكمه حكم المركّب، لكنّه لم يصرح به، وذلك أنّه قال: وإن نصبت المعدود المختلط بعد العدد فإنّك في العاقل تبني العدد على المذكر، تقدّم أو تأخر، وفي غير العاقل تبني على المتقدّم، وإن أثبته بالمعدود بعد (بين) غلبت في العاقل المذكر، تقدّم أو تأخر، وفي غيره المؤنث، تقدّم أو تأخر. انتهى (¬4). فقوله: وإن نصبت المعدود؛ يشمل ما نصب بعد المركّب، وما نصب بعد المعطوف لكنّه - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 370): «وإنما غلب المذكر فيما يعقل؛ لأنه ليس تحتها عدد يحتوي على جمعين، وغلب في الثانية السابق؛ لأن الحكم للأول إذ يصح الاستغناء عن الثاني، وغلب في الثالثة التأنيث؛ لأن المذكر فيما لا يعقل كالمؤنث». وينظر في ذلك أيضا: المقرب لابن عصفور (1/ 310). (¬2) قال سيبويه - في الكتاب (3/ 564) -: «وقد يجوز في القياس: خمسة عشر من بين يوم وليلة، وليس بحد كلام العرب». (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 410). (¬4) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 310).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يمثّل في الكتاب إلّا بالمركب. وبعد؛ فإنّي لم أفهم - لما ذكره النحاة في هذه المسألة - علّة مقتضية لهذه الاختصاصات، والظاهر أنّ أحكامها توقيفية. والله سبحانه أعلم. ومما ينبّه عليه: أنّ المصنف قد وقع في كلامه لمّا مثّل لهذه المسائل؛ إذ قال: والمراد في الحالين أن نصف العدد المذكور ذكور، ونصفه إناث، وهكذا أبدا في غير الليالي والأيّام (¬1). والظاهر أنّه أراد بالنّصف البعض، ولم يرد النصف حقيقة، ويدلّ على ذلك أنّه مثّل بقوله: «عندي خمسة عشر عبدا وجارية»، وبقوله: «نحرت خمسة عشر جملا وناقة» وهذا لا يتصور فيه التنصيف الحقيقيّ. وقد قال الشيخ - عند تمثيله بـ: اشتريت ستة عشر بين عبد وأمة -: ولا يشترط تنصيف العدد بينهما ولا كثرة المذكّرين لو كان عشر نساء، ورجل واحد، لقلت: أحد عشر، وغلّبت المذكّر. لكنّه قال - بعد سطور -: التمييز المختلط، المنصوب أو المجرور يبين فيما ذكرناه، إن كان العدد يقبل التنصيف كان التمييز منصفا، بين المذكر والمؤنّث، وإن كان لا يقبل التنصيف فيكون التمييز مجملا، نحو: اشتريت أحد عشر عبدا وأمة وبين عبد وأمة. ثم إنّ الشيخ ذكر مسألة، وهي: لو كان أحد المميزين بين عبد وأمة من مذكر ومؤنث عاقلا والآخر غير عاقل فالذي يقتضيه القياس تغليب المذكّر العاقل؛ لأنّه إذا كان يغلّب مع المؤنّث العاقل فلأن يغلب مع المؤنث غير العاقل أولى، مثاله: اشتريت أربعة عشر عبدا وناقة، واشتريت أربعة عشر ناقة وعبدا، فإن كان العاقل مؤنثا والذي لا يعقل مذكرا، فالذي يقتضيه القياس أنّ تغليب المؤنث الذي لا يعقل أولى، مثاله: اشتريت أربع عشرة بين أمة وجمل، أو بين جمل وأمة، فإن اتصل المميز فالظاهر أنّه يعتبر العاقل المذكر، تقدم أو تأخر؛ لأنّه إذا كان يغلب المذكر العاقل المؤنث العاقل، فلأن يغلب المؤنث الذي لا يعقل أولى، مثاله: اشتريت أربعة عشر ناقة وعبدا، أو عبدا وناقة (¬2). انتهى. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 410). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 269) تحقيق د/ الشربيني أبو طالب.

[التأريخ بالليالي لسبقها]

[التأريخ بالليالي لسبقها] قال ابن مالك: (فصل: يؤرخ باللّيالي لسبقها، فيقال أوّل الشّهر: كتب لأوّل ليلة منه، أو لغرّته أو مهلّه، أو مستهلّه، ثم لليلة خلت. ثم خلتا ثم خلون، إلى العشر، ثم خلت إلى النصف من كذا، وهو أجود من: لخمس عشرة خلت أو بقيت، ثم لأربع عشرة بقيت إلى عشر بقين، إلى ليلة بقيت، ثم لآخر ليلة منه أو سلخه أو انسلاخه، ثم لآخر يوم منه أو سلخه أو انسلاخه، وقد تخلف التّاء النّون، وبالعكس). ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنّ الليالي تستتبع الأيّام، والأيام تستتبع الليالي، والدليل على ذلك قوله تعالى: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً (¬1)، وقال تعالى: أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (¬2)، والقصة واحدة، فلذلك إذا قيل: كتب ذلك لعشرين يوم وليلة كان المراد عشر ليال، وعشرة أيّام. قال ناظر الجيش: قال المصنّف (¬3): لا ريب في أنّ أوّل الشهر ليلة، وآخره يوم، وقد علم أنّ لكلّ ليلة يوما يتلوها، فلذلك استغني في التأريخ (¬4) بالليالي عن الأيام، فلذا قيل: كتب لخمس خلون، فقصدت الليالي، وسكتّ عن الأيام، لعدم الحاجة إلى ذكرها. وقد توهم قوم أنّ هذا الكلام قد غلّب فيه المذكر على المؤنّث وليس ما توهموه بصحيح؛ لأنّ التغليب إنّما هو في لفظ يعمّ القبيلين ويجري عليهما معا حكم أحدهما (¬5) كقوله تعالى: أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 41. (¬2) سورة مريم: 10. (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 410). (¬4) قال الشيخ أبو حيان - في التذييل والتكميل (4/ 275): «التأريخ عدد الليالي والأيام بالنظر إلى ما مضى من السنة أو الشهر، وإلى ما بقي منهما، وفعله أرخ، وورخ، وهما لغتان، فلذلك جاء فيهما: تأريخ وتوريخ كتأكيد وتوكيد». اه. (¬5) المرجع السابق، حيث قال الشيخ أبو حيان: «وذهب قوم منهم الزجاجي إلى أنّ هذا من تغليب المؤنث على المذكر وزعم أنه ليس في العربية موضع يغلب فيه المؤنث على المذكر إلا في باب التأريخ، فأما سوى هذا فيغلب فيه المذكر على المؤنث وكلا القولين فاسد، أما أنه من باب التغليب فليس بصحيح؛ لأن التغليب إنما هو في لفظ يعم القبيلين، ويجري عليهما معا حكم أحدهما ..». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْبَيْتِ (¬1) وكقوله تعالى - بعد خطاب نساء النبيّ -: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (¬2) وكقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي ... (¬3). فأعاد ضمير الذكور العقلاء على كلّ دابة، على سبيل التغليب (¬4). وقالوا فيما فوق العشر: خلت، بقيت؛ لأنّ مميزه ليلة مقدرة، ولو ذكرت لكان الفعل بعدها هكذا، فجيء به مع تقديرها، على ما كان ينبغي له مع ذكرها (¬5) وقالوا - في العشر وأخواتها -: خلون، وبقين؛ لأنّ مميزها - في التقدير - جمع مؤنّث، ولو ظهر لكان: خلون، وبقين، أولى من: خلت، وبقيت؛ لأنّ النّون نصّ في الجمعية والتأنيث، والتاء ليست كذلك (¬6)، ولما استمرّ هذا الاستعمال في التأريخ حمل غيره عليه، فقيل - في الكثرة -: الجذوع انكسرت؛ حملا على: لإحدى عشرة خلت، وقيل - في القلّة -: الأجذاع انكسرت؛ حملا على: لعشر خلون، وهذا إنّما هو على مراعاة الأحسن، ولو عكس في التأريخ وغيره لجاز. ¬

_ (¬1) سورة هود: 73. (¬2) سورة الأحزاب: 33. (¬3) سورة النور: 45. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 411)، والتذييل والتكميل (4/ 277)، وشرح التسهيل للمرادي (176 / ب)، والمساعد لابن عقيل (2/ 94). وقال ابن عصفور في الشرح الصغير للجمل (ص 111) مخطوط: «وليس هذا من تغليب المؤنث على المذكر، كما ذكر أبو القاسم، وإنما هو من باب الاستغناء بالمؤنث عن المذكر». (¬5) المرجع السابق (4/ 280) وقوله: «ثمّ خلت» يعني: من مضي إحدى عشرة ليلة تحسن التاء؛ لأنّه إذ ذاك جمع كثرة، فكما يحسن: الجذوع انكسرت، كذلك يحسن: لإحدى عشرة خلت، ويجوز: خلون، وهذا الذي ذكره المصنف هو ما لم يذكر التمييز، فإن ذكرته فإما أن تردّ الإخبار إليه أو إلى العدد المميز، فإن رددته إليه قلت: خلت، وبقيت إن كان مؤنثا، وخلا وبقي إن كان مذكرا، نحو: لأحد عشر يوما خلا، أو بقي». اه. (¬6) في المرجع السابق: «وإنما قال: خلون، إلى العشر؛ لأنه يريد: لثلاث ليال خلون، ولأربع ليال خلون، وكذا إلى العشر فالعدد مضاف إلى معدود يراد به القلة؛ إذ من الثلاث إلى العشر هو قليل وجمع القلة الأحسن فيه النون، نحو: الأجذاع انكسرن، وإنما كانت النون أحسن لأنها نصّ على الجمعية والتأنيث، والتاء ليست كذلك». اه.

[صياغة وحكم اسم الفاعل المشتق من العدد]

[صياغة وحكم اسم الفاعل المشتق من العدد] قال ابن مالك: (فصل: [3/ 74] يصاغ موازن «فاعل» من اثنين إلى عشرة، بمعنى بعض أصله، فيفرد، أو يضاف إلى أصله، وينصبه إن كان اثنين، لا مطلقا خلافا للأخفش، ويضاف المصوغ من تسعة فما دونها إلى المركّب المصدّر بأصله، أو يعطف عليه العشرون وأخواته، أو تركّب معه العشرة، تركبها مع النّيّف مقتصرا عليه، أو مضافا إلى المركّب المطابق له، وقد يعرب الأوّل مضافا إلى الثّاني مبنيّا، عند الاقتصار على ثالث عشر ونحوه، ويستعمل الاستعمال المذكور في الزائد على عشرة الواحد مجعولا حاديا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): موازن (فاعل) من ثلاثة إلى عشرة بمعنيين: أحدهما: أن يكون بمعنى أصله، أي بمعنى بعض ما صيغ منه، ويستعمل هذا مفردا، كـ: (ثالث) إلى عاشر، ومضافا إلى أصله، كـ: ثالث ثلاثة، وعاشر عشرة (¬2)، وأجاز الأخفش تنوينه، والنصب فيه، وما ذهب إليه غير مرضيّ (¬3)؛ لأنّ موازن (فاعل) المشار إليه إذا أريد به معنى بعض لا فعل له، إلا أن يكون ثانيا، فإن العرب تقول: ثنيت الرجلين، إذا كنت الثاني منهما فمن قال: ثان اثنين بهذا المعنى عذر؛ لأنّ له فعلا، ومن قال: ثالث ثلاثة لم يعذر؛ لأنّه لا فعل له (¬4). - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (2/ 412). (¬2) قال ابن عقيل في المساعد (2/ 95): «وإنما قال المصنف: «من اثنين» وإن كان (فاعل) استعمل فيما قبل ذلك كواحد؛ لأنّ المقصود بيان ما يضاف إلى أصله ويفرد، وهذا لم يضع من اسم العدد، كـ «ثان»، وما معه، فلا يأتي فيه الاستعمالان؛ لأنه اسم العدد، ولكنه جار على الفعل كـ «ثان» وباقيها .. إلا أن واحدا ليس له أصل يضاف إليه بخلاف الباقي». اه. (¬3) ينظر رأي الأخفش في: التذييل والتكميل (4/ 285)، والمساعد لابن عقيل (2/ 95). (¬4) قال أبو حيان: «ويفهم من كلام المصنف أنّه إذا كان اسم الفاعل ثانيا فإنه ينصب اثنين، وليس ذلك بحتم، بل يجوز الإضافة، ولا يتحتّم - يعني النصب». اه. التذييل والتكميل (4/ 288). وقال المرادي - في شرح التسهيل (2/ 177 / أ) -: «واختلف في جواز نصبه - أي اسم الفاعل من العدد - أصله على ثلاثة أحوال: المنع: وهو مذهب الجمهور. والجواز: وهو مذهب الأخفش، ونسبه بعضهم إلى ثعلب، وكذلك نسبه المصنف إليه في الكافية، قال: وثعلب أجاز نحو: رابع أربعة، وماله من تابع، ونسبه صاحب البديع إلى الكسائي، وصاحب الإفصاح إلى الكسائي وقطرب. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى الثّاني: أن يكون موازن (فاعل) المصوغ من ثلاثة إلى عشرة، بمعنى: جاعل ما تحت أصله معدودا به، نحو: هذا ثالث اثنين، بمعنى: جاعل اثنين بنفسه ثلاثة، فلك في هذا أن تضيفه، وأن تنوّنه، وتنصب به؛ لأنه اسم فاعل فعل مستعمل، فإنّه يقال: ثلاث اثنين إلى عشرة التسعة (¬1). ومضارع (ربع، وسبع، وتسع) مفتوح العين، ومضارع البواقي مكسورها (¬2)، ولم يستعمل بهذا المعنى (ثان) فيقال: هذا ثان واحدا، بمعنى: جاعل واحدا بنفسه اثنين، بل استعمل (ثان) بمعنى: بعض اثنين (¬3)، ويقال: تاسع تسعة عشر، وتاسعة تسع عشرة، إلى: حادي أحد عشر، وحادية إحدى عشرة، وإلى هذا أشرت بقولي: ويضاف المصوغ من تسعة فما دونها، إلى المركب المصدّر بأصله؛ أي يضاف (تاسع) إلى المركّب المصدّر بـ (تسعة) و (حاد) إلى المركّب المصدّر بـ (أحد) وكذلك ما بينهما (¬4)، ثم قلت: أو يعطف عليه العشرون وأخواته، فأشرت إلى أنّه يقال: التاسع والعشرون، والحادي والعشرون، والتاسع والتسعون، والحادي والتسعون. وكذا ما بين التاسع والحادي، فيما بين التسعين والعشرين. ثمّ قلت: أو يركب معه العشرة، تركيبها مع النّيّف، مقتصرا عليه، فأشرت إلى أنّه يقال: التاسع عشر، والحادي عشر (¬5)، فيبنى الصدر والعجز، كما يبنى الصدر والعجز من (تسعة عشر)، ويجعل عجز هذا المركّب في التذكير - ¬

_ - الثالث: التفصيل بين أن يكون ثانيا فيجوز، وغيره فيمتنع، وهو اختيار المصنف». اه. وينظر: شرح الكافية (2/ 1684) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، وشرح فصول ابن معط (2/ 527). (¬1) وفي شرح الكافية لابن مالك (2/ 1684): «والمستعمل مع ما سفل يجوز أن يضاف، وأن ينون، وينصب ما يليه، فيقال: هذا رابع ثلاثة، ورابع ثلاثة، ورابعة ثلاث، ورابعة ثلاثا؛ لأن المراد: هذا جاعل ثلاثة أربعة، فعومل معاملة ما هو بمعناه، ولأنه اسم فاعل حقيقة، فإنه يقال: ثلثت الرجلين، إذا انضممت إليهما فصرتم ثلاثة، وكذلك: ربعت الثلاثة إلى عشرت التسعة، ففاعل هذا بمعنى جاعل، وجار مجراه لمساواته له في المعنى، والتفرع على فعل». (¬2) يثلث، يخمس، يسدس، يثمن، يعشر. (¬3) كقوله تعالى: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ [التوبة: 40]. (¬4) ويعرب اسم الفاعل، لزوال التركيب، إذا كان أصله: تاسع عشرة، تسعة عشر. (¬5) وكذلك ما بينهما، وتقول: التاسعة عشرة، والحادية عشرة، بتاء التأنيث فيهما في المؤنث. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 290).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتأنيث، كما كان مع أحد وإحدى، وأخواتهما، ويعطى صدره ما لاسم الفاعل، من لحاق التاء في التأنيث، وسقوطها في التذكير، فنجد أنّ هذا التركيب يقتصر عليه غالبا، إن كان (ثالثا) ونحوه. وقد يضاف هذا المركب إلى المركّب المصدّر بأصل ما صدّر به المضاف، فيقال: هذا حادي عشر أحد عشر، وثاني عشر اثني عشر إلى تاسع عشر تسعة عشر (¬1)، وإلى هذا أشرت بقولي: أو مضافا إلى المركب المطابق له، فأول هذين المركبين مضاف إلى ثانيهما، وكلاهما مبنيّ (¬2)، وقد يقتصر على صيغة (فاعل) وتاليه، مضافا ومضافا إليه؛ مع إعراب الأول وبناء الثاني على تقدير تركيبه، مع ما صيغ منه (فاعل) فيقال: هذا ثالث عشر، ورأيت ثالث عشر، ومررت بثالث عشر، برفع (ثالث) ونصبه، وجرّه (¬3)، وبناء (عشر) (¬4) على تقدير: ثالث ثلاثة عشر، فحذف الصدر، ونوي بقاؤه، فاستصحب بناء العجز. وهذا شبيه بقول من قال: لا حول لا قوّة إلا بالله، على تقدير: لا قوة، بالتركيب والبناء، ثمّ حذفت (لا) ونوي بقاؤها، فاستصحب البناء، ويستعمل استعمال (فاعل) المصوغ من (اثنين) وأخواته (أحد) مجعولا حاديا، و (واحدة) مجعولة حادية، فيقال في التركيب: حادي عشر، وحادية عشرة، ومع عطف (عشرين) وأخواته: الحادي والعشرون، والحادية والعشرون (¬5)، وهذا زيادة بيان لما تقدّم من ذكر ذلك (¬6). انتهى كلام المصنّف. ويتعلق به ذكر أمور: الأول: الإشارة إلى تلخيص المسائل المذكورة في هذا الفصل، فنقول: إنّ اسم - ¬

_ (¬1) هذا في المذكر، ويقال في المؤنث: تاسعة عشرة تسع عشرة، إلى: حادية عشرة إحدى عشرة، ولا يتغير اسم الفاعل المركّب، ولا ما أضيف إليه من العدد المركب، بحسب العوامل؛ لأنهما مبنيان لأجل التركيب. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 292)، وشرح الكافية (2/ 1686). (¬2) والمركب الثاني في محل جرّ بالإضافة لتنزله منزلة (ثلاثة) من: ثالث ثلاثة. ينظر: شرح فصول ابن معط (2/ 528). (¬3) معربا على حسب العوامل؛ لانتفاء التركيب. (¬4) اقتصارا على السماع، وإن كان القياس إعرابه، لخلوه من التركيب. ينظر: شرح فصول ابن معط (2/ 528). (¬5) وكذلك باقي أخوات العشرين. ينظر: المرجع السابق (4/ 289). (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 413).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفاعل المصوغ من اسم العدد؛ إما أن يستعمل دون تركيب وعطف، أو مع تركيب، أو مع عطف والذي دون تركيب وعطف إمّا أن يستعمل مفردا أي وحده، دون شيء معه، وإما غير مفرد، وغير المفرد إما أن يذكر مع ما هو أصله، وإمّا أن يذكر مع ما هو تحت أصله. فالمفرد: كقولك: الثاني، والثالث، والرابع، والثانية، والثالثة، والرابعة إلى العاشر والعاشرة، والمراد بكلّ منها: الدلالة على أنّ المذكور هو في هذه الرتبة من العدد (¬1)، كما يفهم من قولنا: الحديث الثالث، الحديث الخامس، الحديث العاشر، وقولنا: المسألة الثالثة، المسألة الخامسة، المسألة العاشرة. وإنّما قال المصنف: يصاغ موازن (فاعل) من اثنين إلى عشرة؛ لأنّ ما دون اثنين وضع من أوّل أمره على (فاعل)، كـ واحد، وواحدة، فلم يكن هذا الصوغ له متجددا. وغير المفرد الذي يذكر مع ما هو أصله: كقولك: هذا ثاني اثنين، وزيد ثالث ثلاثة، وعمرو رابع أربعة، وهذه ثانية اثنين، وثالثة ثلاث، ورابعة أربع إلى آخرها، والمراد به بعض أصله؛ لأن معنى رابع أربعة: بعض جماعة عدتهم الأربعة، وهذا القسم يتعين جرّ ما بعده، بإضافته إليه عند الجمهور. وفيه مذهبان آخران: أحدهما: جواز النّصب مطلقا، وذلك إذا وجد الشرط المصحح لعمل اسم الفاعل؛ لأنّ حكمه حكمه، وقد أشار المصنف إلى هذا المذهب، ونسبه إلى الأخفش، والمغاربة ينسبونه [3/ 75] إلى ثعلب، ونسبه قوم إلى الكسائيّ، وقوم إلى قطرب، ويجوز أنّ كلّا من الجماعة المذكورين قال به، فتوافقت أقوالهم، وهذا هو الظاهر؛ إذ النقول لا تدفع. - ¬

_ (¬1) في البرهان في علوم القرآن للإمام الزركشي، تحقيق الأستاذ/ محمد أبو الفضل إبراهيم، طبعة. بيروت (4/ 117، 118): «أن يراد به واحد من ذلك العدد، فهو يضاف للعدد الموافق له، نحو: رابع أربعة، وخامس خمسة، وليس فيه إلا الإضافة خلافا لثعلب، فإنه أجاز: ثالث ثلاثة، بالتنوين، قال تعالى: ثانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة: 40] التوبة، وهذا القسم لا يجوز إطلاقه في حق الله تعالى، ولهذا قال الله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة: 73]». اه. وينظر: شرح الكافية (3/ 1684).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيهما: التفصيل، فإن كان اسم الفاعل ثانيا جاز النصب بشرطه، وإن كان غيره وجبت إضافته إلى ما يليه، وهذا المذهب هو اختيار المصنّف، كما عرفت، وسيأتي الكلام معه فيما استدلّ به على مختاره. وغير المفرد الذي يذكر مع ما هو تحت أصله: كقولك: ثالث اثنين، ورابع ثلاثة، وثالثة اثنين، ورابعة ثلاث، إلى آخرها، والمراد به أنه جاعل ما دونه من اسم العدد المذكور في رتبته، أي صيّر الاثنين به ثلاثة، وصيّر الثلاثة أربعة، كأنّها صارت به كذلك، فهو الجاعل لها في هذه الرتبة، وهذا القسم يجوز فيه الأمران باتفاق، أعني الإضافة، والنصب بشرطه (¬1)، وسيذكره المصنف، في بقية الفصل. وأما المستعمل في التركيب: فإمّا مع ما هو أصله، وإمّا مع ما هو تحت أصله. أما المستعمل مع ما هو أصله: ففي كيفية استعماله أوجه: الأول: أن يأتي باسم الفاعل خاصة، ويضيفه إلى المركب برمّته، فيقال: حادي أحد عشر، وحادية إحدى عشرة، إلى تاسع تسعة عشر، وتاسعة تسع عشرة، ولا شكّ في إعراب اسم الفاعل حينئذ؛ لانتفاء التركيب الموجب للبناء، والأصل فيه: تاسع عشر تسعة عشر، وتاسعة عشرة تسع عشرة، ثم حذف العجز، واقتصر على الصّدر، وليس في عبارة المصنّف إشعار بأنّ الأصل كذلك، ثم حصل حذف الثاني، والاقتصار على الأول، وسيذكر هذا الوجه بعد. الوجه الثاني: أن يأتي باسم الفاعل، ويركّب معه العشرة تركّبها مع النيّف، ويقتصر على ذلك، ويبنى الجزءان - أعني النّيّف مع العقد - وذلك نحو أن يقال: ثالث عشر، وثالثة عشرة، إلى آخرها (¬2). والذي فهمته من كلام المصنف أنّ هذا - ¬

_ (¬1) ينظر: البرهان في علوم القرآن (4/ 118) حيث قال الإمام الزركشي: «أن يكون بمعنى التصيير، وهذا يضاف إلى العدد المخالف له في اللفظ، بشرط أن يكون أنقص منه بواحد، كقولك: ثالث اثنين، ورابع ثلاثة، وخامس أربعة، كقوله تعالى: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ [المجادلة: 7]، أي يصيرهم بعلمه وإحاطته أربعة وخمسة». اه. وينظر: شرح الكافية (3/ 1684)، وفي اللسان «ثلث»: «ولو قلت: أنت ثالث اثنين جاز أن يقال: ثالث، وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة، وأنت رابع ثلاثة، جاز ذلك». والكتاب (2/ 172). (¬2) قال الشيخ أبو حيان - في التذييل والتكميل (4/ 290) -: «مثاله: التاسع عشر، والحادي عشر، وكذلك ما بينهما، وتقول: التاسعة عشرة، والتاسعة عشرة، بتاء التأنيث فيهما، في المؤنث». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تركيب مستقلّ بنفسه، وهو أنّا ركّبنا لفظ (عشرة) مع اسم الفاعل، مقتصرين على ذلك، تاركين التركيب الثاني برمّته، لم تذكره، ولا تقدره أيضا، لكنّ المغاربة يذكرون أنّ أصل هذا التركيب: ثالث عشر ثلاثة عشر، فحذف العقد من الأول، والنيّف من الثاني. الوجه الثالث: أن يأتي بنحو هذا التركيب، الذي هو الوجه الثّاني، لكن يعرب الجزء الأول، ويستمرّ الجزء الثاني على البناء، وهذا الوجه هو الذي أشار إليه المصنّف، بقوله: وقد يعرب الأول مضافا إلى الثّاني مبنيّا. وقد قال المصنف: إنّ التقدير فيه: ثالث ثلاثة عشر، فحذف الصدر، ونوي بقاؤه، واستصحب بناء العجز لذلك (¬1). الوجه الرابع: أن يأتي باسم الفاعل، مركّبا معه العشرة، ويأتي بعده بالمركب المصدّر بأصل ما صدّر به الأول، كقولك: حادي عشر أحد عشر، إلى: تاسع عشر تسعة عشر، وحادية عشرة إحدى عشرة، إلى تاسعة عشرة تسع عشرة (¬2)، وهذه الأوجه الأربعة هي التي تضمنها كلام المصنف. وذكر الشيخ أن الأوجه المتفق عليها، والمختلف فيها في المسألة خمسة: الأول: حادي عشر أحد عشر، فتبنيهما، وتضيف التركيب الأول إلى الثاني، وهذا هو الأصل، وهو أقلّها. الثاني: حادي أحد عشر، بحذف (عشر) من الأول، وإعراب ما بقي منه، وهو أكثر استعمالا من الأول. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية لابن مالك (2/ 1686) وشرح فصول ابن معط، رسالة حيث قال في (2/ 528): «وهو: أن تحذف الثاني والثالث، وتنطق بالأول والرابع، معربا الأول؛ لانتفاء التركيب، وتبني الثاني - وإن كان القياس إعرابه لخلوّه من التركيب؛ لأنه اقتصر فيه على السماع». اه. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 292): «ولا يتغير اسم الفاعل المركب، ولا ما أضيف إليه من العدد المركب بحسب العوامل؛ لأنهما مبنيان لأجل التركيب». اه. وفي شرح فصول ابن معط (2/ 528): «فيكون (أحد عشر) و (ثلاث عشرة) في محل الجرّ بالإضافة - يعني المركب الثاني - لتنزله منزلة ثلاثة من (ثالث ثلاثة)». اه. وفي شرح الكافية (2/ 1686): «... بأربع كلمات، مركبا أولاهن مع الثانية، وثالثتهن مع الرابعة، والمركب الأول مضاف إلى الثاني إضافة فاعل إلى ما اشتق منه». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: حذف العقد والنيف - يعني العقد من الأول، والنّيّف من الثاني - وبناء ما بقي مرادا ما حذف منهما. الرابع: حذفهما، وإعراب ما بقي. الخامس: إعراب اسم الفاعل، مع حذف عقده، وبناء (عشر) مع حذف نيفه. انتهى (¬1). وأقول: أما الوجه الأول من هذه الخمسة فقد أشار إليه المصنف، بقوله: أو مضافا إلى المركب المطابق له بعد قوله: أو تركب معه العشرة، تركبها مع النيف مقتصرا عليه؛ فإنّ مراده أن تأتي بالتركيب الأول، مقتصرا عليه، وتضيفه إلى المركّب المطابق له. وأما الوجه الثّاني: فأشار إليه بقوله أولا: ويضاف المصوغ من تسعة فما دونها إلى المركب المصدّر بأصله، وإنّما بدأ به المصنف، لأنه أكثر استعمالا من الذي ذكرناه الآن قبله، كما عرفت، ولكن ليس في كلام المصنف إشعار بأن الأصل: تاسع عشر تسعة عشر فحذف العقد من الأول، غير أن النظر يقتضي أن الأصل هو ذلك، ومن ثم لما ذكر الشيخ هذا الوجه شارحا له قال: ولا يشعر كلام المصنف، لا في نصّه، ولا في شرحه، أنّ أصله التركيب، قال: ونصّ أصحابنا عليه (¬2). وأما الوجه الثالث: وهو حذف العقد من الأول، والنيف من الثّاني، وبناء ما بقي - أعني بناء الجزءين الباقيين من المركبين، كقولك: حادي عشر، وتاسع عشر، فلا شكّ أنّ المصنّف قد أشار إلى هذا التركيب بقوله: أو تركب معه العشرة تركّبها مع النيف، وتقدّم لنا أنّ الجزءين مبنيان، ولكن قد ذكرت هناك أنّ الذي فهمته من كلام المصنّف أنّ هذا تركيب مستقلّ بنفسه، وأنّا لا نقدّر أنّ أصله تاسع عشر تسعة عشر، وأن الجماعة يرون أنّ أصله تركيبان حذف عجز الأول، وصدر الثّاني، وضمّ صدر الأول، إلى عجز الثّاني، واستمرّ كلّ منهما على بنائه، فإن كان المصنف قصد ما ذكرته، فيكون هذا التركيب - أعني الذي لا حذف فيه - تركيبا مستقلّا بنفسه، أتي به ابتداء، وهو أنّنا ركّبنا لفظ العشرة مع اسم الفاعل، - ¬

_ (¬1) تنظر هذه الأوجه كلها في التذييل والتكميل (4/ 293). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 289).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم ننظر إلى التركيب الآخر، أعني الثّاني، رأسا. وإنّما قلت: إن قوة كلام المصنف يفهم منها ذلك، لقوله: مقتصرا عليه، فلو كان الأمر كما قال غيره لكان يقول: مقتصرا على نيّف الأول وعقد الثاني، ويدلّ على ذلك أيضا قوله: أو تركّب معه العشرة تركيبها مع النيّف يعني أنّ العشرة كما ركّبت مع النيف في (تسعة عشر) تركب مع اسم الفاعل في (تاسع عشر) فلو كانت [3/ 73] هذه العشرة التي مع اسم الفاعل هي التي كانت مع نيف المركّب الثاني لما احتاج إلى أن يتعرض لذكر علة بنائها، وعلى هذا يكون هذا الوجه زائدا على الأوجه الخمسة، التي ذكرها الشيخ، فتصير الأوجه في المسألة ستة، فإن قيل: قول المصنف: وقد يعرب الأول مضافا إلى الثاني مبنيّا يشعر بأنّ الأصل في نحو: «ثالث عشر» إذا أعربنا الأول تركيبان، فلما حذف العقد من الأول أعرب النّيف؛ لزوال المقتضي للبناء، أجبت بأنّ المصنف قد ذكر أنّ الأصل في: «ثالث عشر»: ثالث ثلاثة عشر، فأعرب الأول؛ لأنّه لم يركب مع شيء، وبني الثاني؛ لأنّ الأصل: ثالث ثلاثة عشر، فحذف الصدر، ونوي بقاؤه، فاستصحب لذلك بناء العجز. وأما الوجه الرابع: وهو حذف العقد من الأول، والنيف من الثاني، وإعراب ما بقي، فلم يذكره المصنف، وتوجيهه ظاهر، فإنّ مقتضى البناء قد زال من كلّ منهما (¬1)، والظاهر أنه أقوى من الوجه الذي يعرب فيه الأول، ويبقى الثاني على بنائه (¬2)، وقد ذكره المصنف، فكان الوجه الذي يعرب فيه الجزءان أولى بالذكر منه. وأما الوجه الخامس: وهو إعراب الأوّل مع حذف عقده، وبناء (عشر) مع حذف نيفه - فقد أشار إليه المصنف بقوله: وقد يعرب الأول مضافا إلى الثاني مبنيّا، عند الاقتصار على ثالث عشر ونحوه (¬3). وأما المستعمل في التركيب مع ما هو تحت أصله فسيذكره المصنف عند ذكره غير المركّب الذي يذكر مع ما هو تحت أصله أيضا، وأما اسم الفاعل المستعمل مع العطف، فكقولك: الحادي والعشرون، والحادية والعشرون، إلى التاسع والتسعين، والتاسعة والتسعين، وأمره واضح ولا يحتاج إلى بيان. - ¬

_ (¬1) بزوال التركيب. (¬2) لنية بقاء الصدر في التركيب الثاني. (¬3) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الثاني: المراد من قولنا: حادي عشر، وتاسع عشر، المذكور في الرتبة (¬1)، فالحادي عشر، والحادية عشرة، إلى التاسع عشر، والتاسعة عشرة، فائدة كلّ منهما فائدة المفرد، الذي هو الثاني، والثالث، والرابع، والمراد من «ثالث عشر ثلاثة عشر» أن المعبّر عنه باسم الفاعل بعض هذا العدد الخاصّ؛ أي المنحصر في هذه الجملة، فيستفاد منه ما استفيد من «ثاني اثنين» و «رابع أربعة» فمعنى «ثالث عشر ثلاثة عشر»: واحد من ثلاثة عشر، إلّا أنك - مع لفظ الواحد - لا تعلم هل هو الذي انتهى به العدد أو لا؟ بخلاف «ثالث عشر ثلاثة عشر» فإنّه يفهم منه أنه الذي انتهى إليه العدد (¬2). وكذلك الأمر في: «ثالث ثلاثة عشر» و «ثالث عشر» سواء أعربت الجزءين أم بنيتهما، أم أعربت الأول، وبنيت الثاني. قلت: وكون المراد من نحو: «ثالث عشر» المذكور في هذه الرتبة ما قلناه من أنّه تركيب مستقلّ بنفسه، ولا ينظر معه إلى التركيب الذي هو أصله (¬3). الأمر الثالث: لم يتجه لي استدلال المصنّف ما ذهب إليه، من أنّ (ثانيا) إذا ذكر مع ما هو أصله، كـ (ثاني) جاز أن تنصبه؛ لقول العرب: ثنيت الرجلين إذا كنت الثاني منهما؛ لأنه كيف يتصور أن يثني الاثنين، واستشكلت هذا حتّى رأيت الشيخ قال: إن صحّ عن العرب ما نقله المصنف من: (ثنيت الرجلين) وجب تأويله، على حذف مضاف، تقديره: ثنيت أحد الرجلين (¬4). فحقق ذلك عندي ما استشكلته. ثمّ قال الشيخ: وقولهم: «ثنيت الرجلين» ليس نصّا في: «ثنيت الاثنين»، حتى بني عليه: «هذا ثاني اثنين» بالإعمال (¬5). الأمر الرابع: في شرح الشيخ: إنّما لم يقل العرب: ثلثت الثلاثة؛ لأنّه لو قيل ذلك لكان القائل قد ثلّث نفسه؛ لأنّه أحد الثلاثة، وهو لا يجوز؛ لأنّه يؤدّي إلى تعدية فعل المضمر إلى ظاهره، مثل: «زيد ضرب»، إذا أردت أنّه - ¬

_ (¬1) أي في هذه الرتبة من العدد، وليس بمعنى: متمم، أو جاعل. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 294) حيث نقل ذلك الشيخ أبو حيان عن صاحب البديع، مشيرا إليه، ولم يشر إلى ذلك هنا العلامة ناظر الجيش. (¬3) أي: ثالث ثلاثة عشر، أو: ثالث عشر ثلاثة عشر. (¬4)، (¬5) ينظر: المرجع السابق (4/ 288).

[استعمال «فاعل» المصوغ من العدد]

[استعمال «فاعل» المصوغ من العدد] قال ابن مالك: (وإن قصد بـ «فاعل» المصوغ من ثلاثة إلى عشرة جعل الذي تحت أصله معدودا به استعمل مع المجعول استعمال «جاعل»؛ لأن له فعلا، وقد يجاوز به العشرة، فيقال: رابع ثلاثة عشر، أو رابع عشر ثلاثة عشر، ونحو ذلك؛ وفاقا لسيبويه، بشرط الإضافة وحكم «فاعل» المذكور في الأحوال كلّها بالنسبة إلى التذكير والتأنيث حكم اسم الفاعل). ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب نفسه (¬1)، وأنّ حجة من أجاز النصب أنّ المعنى في: «ثالث ثلاثة، ورابع أربعة»: متمم ثلاثة، ومتمم أربعة، قال: وليس بجيّد؛ لأنّه يلزم منه أن يتمم نفسه، فيلزم تعدّي فعل المضمر إلى ظاهره؛ لأنه أحد الثلاثة (¬2). انتهى. وفي تحقّق هذه العلّة نظر. الأمر الخامس: يجوز في الياء من (حادي عشر) الفتح، والسكون، وكذا في الياء من (ثاني عشر) (¬3) ولا يخفى أنّ ما عداهما من النيف المركب مع العقد ليس فيه إلا البناء على الفتح، وأنّ البناء؛ لأجل التركيب، وأما بناء العقد فقد قالوا: إنه لتضمّن معنى حرف العطف، ولو قيل: إنّ بناءهما معا للتركيب لكان أقرب. قال ناظر الجيش: تقدّم لنا القول بأنّ المصنف سيذكر اسم الفاعل المستعمل مع ما هو تحت أصله، دون تركيب، كـ: ثالث اثنين، ورابع ثلاثة، وفي تركيب أيضا، - ¬

_ (¬1) ينظر: المرجع السابق (4/ 287). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 288) مع تصرف في النقل. (¬3) ينظر: المرجع السابق (4/ 294) وكذلك (ص 291) حيث قال: «واسم الفاعل المبني من النيف إن كان في آخره ياء جاز فيه فتح الياء وإسكانها، فتقول: جاء حادي عشر، وثاني عشر، وإن لم يكن في آخره ياء لم يجز فيه إلا البناء على الفتح، وهذا البناء لأجل التركيب، لا لتضمن معنى حرف العطف». اه. وفي (ص 310): «وذكر أبو عليّ أنّ الياء في حادي عشر، وثاني عشر يجوز فيها الفتح، وقياس المركب إذا كان في آخره ياء أن يسكن، ولا يفتح، لكنها لما كانت تفتح في حادية عشرة وثانية عشرة لأجل تاء التأنيث أجراها بعض العرب على ذلك في المذكر». وتنظر: التكملة للفارسي (ص 84).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كـ: رابع عشر ثلاثة عشر، وها هو قد ذكرهما الآن. قال رحمه الله تعالى (¬1): قد تقدم في شرح أول شطري هذا الفصل أنّ موازن (فاعل) يصاغ من: ثلاثة إلى عشرة، بمعنى: جاعل (¬2)؛ لأنّ المصوغ بهذا المعنى اسم فاعل فعل مستعمل، وفي ذلك الكلام غنى عن إعادة معناه هنا، وقولي: المصوغ من ثلاثة (¬3) تقريب على المتعلّم، والحقيقة أن يقال: المصوغ من الثلث، والربع، إلى: التسع، والعشر، والمراد بالثلث، وما عطف عليه، مصادر ثلثت الاثنين، وربعت الثلاثة، إلى عشرت التسعة (¬4)، وإنّما كانت الحقيقة هذه؛ لأنّ (فاعلا) المشار إليه اسم فاعل، واسم الفاعل مشتقّ من المصدر، إلا أنّ في هذا غموضا، وفي الأول وضوح وسهولة فكان التعبير به أولى، والهاء من قولي: تحت أصله - عائدة إلى فاعل المصوغ (¬5)، والمراد أنك إذا قلت: هذا ثالث اثنين فمعناه: جاعل اثنين ثلاثة بانضمامه إليها فأصله ثلاثة؛ لأنه مصوغ من لفظها، والذي تحت الثلاثة الاثنان، فالقائل: هذا ثالث اثنين قاصد جعل اثنين معدودا [3/ 77] بثلاثة، وفي استعمل من قولي: استعمل مع المجعول - ضمير يعود على فاعل المصوغ، والمراد بالمجعول: العدد الذي تحت المصوغ منه فاعل كالاثنين بالنسبة إلى ثالث وكالثلاثة بالنسبة إلى رابع (¬6) وأشرت بـ: استعمال جاعل - إلى أنه إن كان بمعنى المضيّ وجبت إضافته، وإن كان بمعنى الحال أو الاستقبال جازت إضافته وإعماله على نحو - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 413). (¬2) سبق وفي المساعد لابن عقيل (2/ 98) تحقيق د. بركات: «وذكر (جاعل) أولى من ذكر (مصير) وإن كان هذا هو المشهور، لموافقة جاعل المذكور وزنا، ومعنى». اه. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 296): «إنما قال: المصوغ من ثلاثة» لأنه لا يصاغ من (اثنين) فاعل، فيضاف إلى (واحد) أو يعمل كاسم الفاعل، فلا يقال: هذا ثاني واحد أو: ثان واحدا، هذا مذهب سيبويه». اه. ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 98) تحقيق د. بركات، وينظر: الكتاب (3/ 559). (¬4) في التذييل والتكميل (4/ 296): «وهذه المصادر على وزن (فعل)؛ لأن فعلها متعد، فقياس المصدر فعل». (¬5) أي: جعل العدد الذي هو تحت أصل المصوغ معدودا به، ينظر: التذييل والتكميل (4/ 297). (¬6) في التذييل والتكميل (4/ 297): «وقوله: استعمل هو: أي المصوغ مع المجعول استعمال جاعل، يعني: جاعل بمعنى مصيّر، وبهذا قدّره النحويون، أي يصير الاثنين به ثلاثة ويصير الثلاثة به أربعة ..». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يفعل بـ (جاعل) وغيره من أسماء الفاعلين، وكان ذكر جاعل أولى؛ لأنه موافق (فاعل) المذكور وزنا ومعنى (¬1). ونبهت على سبب إعماله بقولي: لأنّ له فعلا (¬2) يفهم من هذا أنّ ما لا فعل له لا ينصب تاليه كـ (ثالث ثلاثة) (¬3) وأنّ ما له فعل ينصبه كـ (ثالث اثنين) و (رابع ثلاثة) وينبغي أن ينبّه هذا إلى جواز قول القائل: هذا ثالث تسعة وعشرين؛ لأنّه يقال: كانوا تسعة وعشرين، فثلثتهم؛ أي صيرتهم ثلاثين (¬4). وأجاز سيبويه (¬5) أن يقال: رابع ثلاثة عشر، ورابع عشر ثلاثة عشر، إلى تاسع ثمانية عشر، وتاسع عشر ثمانية عشر، بإضافة (فاعل) مفردا، أو مركبا، إلى المركب الذي يليه (¬6). انتهى كلام المصنف. وقد عرفت أنه لما ذكر في الكلام على أول الفصل أنّ اسم الفاعل بمعنى (جاعل) لك أن تضيفه وأن تنوّنه، وتنصب به، قال: ولم يستعمل بهذا المعنى (ثان) فيقال: هذا ثان واحدا، بمعنى جاعل واحدا بنفسه اثنين فمن ثمّ لمّا ذكر اسم الفاعل هنا قيّده بقوله: المصوغ من ثلاثة ليفهم من ذلك أنّه لا يصاغ من اثنين بهذا المعنى، وكذا يقال: ثاني واحد بالإضافة، نصّ على ذلك سيبويه (¬7). وعبارة المصنّف تشمل القسمين: أعني الإضافة، والنصب؛ لأنّه بعد أن ذكر أنّه يضاف، وأنّه ينون، وينصب به قال: ولم يستعمل بهذا المعنى (ثان) لكنّه قد مثل بالمنون خاصة. وفي شرح الشيخ أنّ بعضهم أجاز صوغه بهذا المعنى قياسا (¬8). والحقّ أن لا تعويل على ذلك. - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 414). (¬2) أي فعلا يستعمل لاسم الفاعل مع العدد الذي تحته فعل، فتقول: ثلثت الاثنين وربعت الأربعة، فأنا ثالثهم ورابعهم وكذلك إلى العشرة». اه. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 297). (¬3) لأن العرب لا تقول: ثلثت الثلاثة، ولا ربعت الأربعة. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 414)، والتذييل والتكميل (4/ 298) حيث قال الشيخ أبو حيان: «وقال أبو عبيد: «كانوا تسعة وعشرين فثلثتهم؛ أي صرت لهم تمام الثلاثين، وكانوا تسعة وثلاثين فربعتهم، مثل: لفظ الثلاثة والأربعة، وكذلك جميع العقود إلى المائة، فإذا بلغت المائة قلت: كانوا تسعة وتسعين فأمأيتهم، مثل: أفعلتهم، وكانوا تسعمائة وتسعة وتسعين فآلفتهم، ممدودة - أي الهمزة - وكذلك إذا صاروا هم كذلك قلت: قد أمأوا، وآلفوا، مثال: أفعلوا، أي صاروا مائة وألفا». اه. (¬5) ينظر: الكتاب (3/ 559). (¬6) ينظر: شرح المصنف (2/ 414). (¬7) ينظر: الكتاب (3/ 559). (¬8) قال الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 301): «وذكر النحويون النصب به كالمبرد وغيره وذلك - والله أعلم - قياس لأنهم لم يسمعوه فيه». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمّ قول المصنّف: وأشرت باستعمال (جاعل) إلى أنّه إذا كان بمعنى المضيّ وجبت إضافته (¬1) إلى آخره فيه دفع لما توهمه الشيخ من قوله أولا: وينصبه إن كان اثنين، حتّى احتاج إلى أن قال: ينبغي للمصنف التقدير فيما ذكره، بأن يقول: إن كان في (ثان) الألف واللام فإن عرّي عنها وكان بمعنى الحال أو الاستقبال نصب أصله على سبيل الجواز؛ لأنّه اسم فاعل فحكمه حكمه (¬2). قال: ويفهم من كلام المصنّف أنّه إذا كان اسم الفاعل ثانيا فإنّه ينصب اثنين. قال: وليس بحتم (¬3). انتهى. وهو توهم عجيب، وقد عرفت ما يدفعه، على أن هذا - لو لم يكن في كلام المصنف ما يدل على دفعه لكان مرفوعا رأسا، لما هو المعروف المقرر من شروط عمل اسم الفاعل، ومن أنّ عمله جائز لا واجب، وكما ذكر الشيخ قول المصنف: إنّه يقال: كانوا تسعة وعشرين فثلثتهم، أي صيّرتهم ثلاثين (¬4) - قال: وقال أبو عبيد (¬5): كانوا تسعة وعشرين فثلثتهم؛ أي صيّرتهم تمام الثلاثين، وكانوا تسعة وثلاثين فربعتهم مثل: لفظ الثلاثة والأربعة، وكذلك جميع العقود، إلى المائة. فإذا بلغت المائة قلت: كانوا تسعة وتسعين فأمأيتهم، مثل: أفعلتهم، وكانوا تسعمائة وتسعة وتسعين فآلفتهم، وتقول: كانوا ثلاثة فأربعوا؛ أي: صاروا أربعة (¬6) إلى العشرة، ثم إنّ الشيخ لما ذكر (ثالث اثنين) و (ثالثة اثنتين) إلى (عاشر تسعة) و (عاشرة تسع) - قال: والمحفوظ عن العرب في هذا النوع الإضافة بمعنى الماضي (¬7). قال: ولم يذكر سيبويه فيه إلا معنى المضيّ، ولم يذكر فيه إلا الإضافة وقال: - - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 300). (¬2) ينظر: المرجع السابق (4/ 286). (¬3) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 414) والمرجع السابق (4/ 298). (¬5) هو القاسم بن سلّام - بتشديد اللام - أبو عبيد إمام عصره أخذ عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي وأبي محمد اليزيدي، وابن الأعرابي، والكسائي، والفراء، وغيرهم. سمع منه يحيى بن معين، وغيره، ومن مصنفاته: الغريب المصنف، غريب القرآن، غريب الحديث، معاني القرآن، المذكر والمؤنث، الأمثال السائرة، وغير ذلك. توفي سنة (224 هـ) وقيل: (230 هـ). تنظر ترجمته في: مراتب النحويين (ص 17، 18)، وطبقات النحويين واللغويين (ص 199)، وبغية الوعاة (2/ 253). (¬6) في التذييل والتكميل (4/ 299): «كانوا ثلاثة فربعتهم أي: صرت رابعهم، إلى العشرة». (¬7) ينظر: المرجع السابق (4/ 300)، والكتاب (3/ 559).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنه قليل في كلام العرب (¬1). ثم قال: وتقول: هذا الخامس أربعة، وذلك أنّك تريد: هذا الذي خمّس الأربعة، كما تقول: خمستهم وربعتهم (¬2). قال: وإنما يريد: هذا الذي صيّر أربعة خمسة، وقلما يريد العرب هذا، وهو قياس ألا ترى أنك لا تسمع أحدا يقول: ثنيت الواحد، ولا ثاني واحد (¬3). قال - في آخر الباب -: وتقول: هذا خامس أربع، إذا أردت أنّه صيّر أربع نسوة خمسة، ولا تكاد العرب تتكلم به، كما ذكرت لك، وعلى هذا تقول: رابع ثلاثة عشر، كما قلت: خامس أربعة (¬4). قال الشيخ: فهذا جملة ما تكلّم عليه سيبويه في المختلف اللفظ، فلم يذكر فيه التنوين والنصب، ولا معنى الحال والاستقبال، ولم يذكر فيه إلا معنى المضيّ، وذكر أنه لمّا تكلم به العرب وجعله قياسا فيما سمع من الماضي، وقاس عليه: رابع ثلاثة عشر (¬5). ثمّ قال: وذهب أكثر النحويين والأخفش والمبرّد وغيرهما، إلى خلاف ما ذهب إليه سيبويه، فجعلوا له حكم اسم الفاعل، في إجازة الوجهين أعني الإضافة والنصب، ومال - في البسيط - كثيرا إلى نحو: خامس أربعة: «وقلّله سيبويه في كلام العرب، وذكر أنّه قياس» (¬6) ولم يذكر سيبويه النصب، وتأوله على الماضي لأنه قال: هذا الذي خمس الأربعة، فلم يجره مجرى اسم الفاعل مطلقا، فإضافته على هذا تكون محضة (¬7)، وذكر النحويّون النصب به كالمبرّد وغيره. وذلك - والله أعلم - قياس؛ لأنّهم لم يسمعوه، فتكون إضافته على هذا - إن قصد العمل، بمعنى الحال، أو الاستقبال - غير محضة (¬8). ونقل الشيخ كلام الخفاف - ¬

_ (¬1) و (¬2) و (¬3) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4) ينظر: الكتاب (3/ 561) والتذييل والتكميل (4/ 300). (¬5) هذا الكلام بنصه في المرجع السابق، الصفحة نفسها. (¬6) ينظر: الكتاب (3/ 559)، والمرجع السابق (4/ 299). (¬7) في الكتاب (3/ 559): «وتقول: هذا خامس أربعة، وذلك أنك تريد أن تقول: هذا الذي خمس الأربعة، كما تقول: خمستهم وربعتهم، وتقول في المؤنث: خامسة أربع وكذلك جميع هذا من الثلاثة إلى العشرة». اه. وينظر: التذييل والتكميل (4/ 300). (¬8) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 301) وفي المقتضب (2/ 179): «فإن قلت: هذا ثالث اثنين فعلى غير هذا الوجه، إنما معناه: هذا الذي جاء إلى اثنين فثلثهما، فمعناه الفعل، وكذلك: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المسألة أيضا (¬1) وهو نظير كلام صاحب البسيط في حكاية مذهب سيبويه. وزاد بأن قال: ذكر غير سيبويه النصب والتنوين، ولم يستشهدوا على النّصب بكلمة واحدة، فدلّ ذلك على أنه منهم قياس، وأكثر كلام الشيخ من نقل الأئمة، في هذه المسألة، وكلّهم متطابقون على أنّ سيبويه لا يجيز النصب، ولا شك أنّ كلام سيبويه يقتضي ذلك، وأمّا قول المصنف: وقد يجاوز به العشرة فالضمير في (به) يعود إلى (فاعل)، الذي قصد به جعل الذي تحت أصله معدودا به، يريد بذلك أنّه يستعمل مع المركب، كما استعمل مع غير المركّب (¬2)، وأنه كما سبق في التركيب، وأريد به بعض العدد الموافق له في الاشتقاق كذا يستعمل فيه أيضا، ويراد به أنّه جاعل العدد المخالف له في الاشتقاق في رتبته، فيقال: رابع ثلاثة، ورابع عشر ثلاثة عشر في التركيب الثاني هو الأصل، وأما الأول فقالوا: إن العقد حذف منه، واقتصر فيه على النيف، الذي هو اسم الفاعل، فقيل: رابع ثلاثة عشر، والأصل: رابع عشر ثلاثة عشر والذي قالوه هو الظاهر (¬3). وفهم من قوله: وفاقا لسيبويه أنّ في المسألة خلافا وأنّ المجيز لها سيبويه ومن وافقه، وغيرهم لا يجيزها، وأن سيبويه أجاز صوغ اسم الفاعل مع المركّب (¬4) على الوجهين اللذين ذكرا (¬5) [3/ 78] ولكنّ سيبويه - مع إجازته لذلك - يوجب إضافة الأول إلى الثّاني، فلا يجيز أن ينصب ما بعده، سواء حذف منه العقد أو لم يحذف فلا يقال: رابع ثلاثة عشر، بتنوين (رابع) واعتقاد أنّ (ثلاثة عشر) في موضع نصب، ولا: رابع عشر ثلاثة عشر، فيعمله وهو مبنيّ، ويعتقد نصب ما بعده؛ لأنّ مثل هذا لم يسمع منه فعل، لا تقول: كانوا ثلاثة عشر فربعتهم؛ أي: صاروا بك أربعة - ¬

_ - هذا رابع ثلاثة ورابع ثلاثة لأن معناه أنه ربعهم وثلثهم وعلى هذا قوله عز وجل: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ومثله قوله عز وجل: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ. (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 302): «وفي شرح الخفاف: لم يذكر سيبويه في الوجهين إلا الإضافة ولم يذكر التنوين والنصب في المختلف اللفظ وقدره بالفعل». اه. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 303): وقوله: «وقد يجاوز به العشرة» يعني أنه يستعمل مع المركب كما استعمل مع اثنين وثلاثة فيكون اسم فاعل مع المركب كما كان مع العدد الموافق له في الاشتقاق». اه. (¬3) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4) هذا الكلام من الكتاب (3/ 560) مع تصرف في العبارة وهو بنصه في التذييل والتكميل (4/ 304). (¬5) أي الوجهين اللذين ذكرهما المصنف وأشير إليهما في المرجع السابق، الصفحة نفسها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عشر (¬1). وهذه المسألة التي أجازها سيبويه خالفه فيها الجمهور والأخفش والمازنيّ والمبرّد والفارسيّ (¬2) قالوا: والعرب لم تتكلم بذلك، وإنّما أجازه سيبويه قياسا (¬3). ومستند المانعين: أنه إنّما جاز ذلك في الإفراد على معنى العمل؛ لأنّهم اشتقّوا منه فعلا فقالوا: خمستهم، وثلثتهم، بمعنى صيّرتهم ولم يشتقّوا من (خمسة عشر) فعلا بهذا المعنى، فلم يجز (¬4). ومن ثمّ قال أبو عليّ: ومن قال: خامس أربعة، لم يقل: رابع ثلاثة عشر، ولا: رابع عشر ثلاثة عشر؛ لأنّ اسم الفاعل الجاري على الفعل لا يكون هكذا (¬5) يعني أنه لا يبنى من شيئين (¬6) ومستند المجيز: أنّهم يقولون: إنّما جاز ذلك اتكالا على المعنى ولا يلتفت إلى (خمستهم)، ونحوه؛ لأنّ المجيز لذلك لا يعمله، وإنّما يوجب إضافته (¬7). وقد عرفت أنّ سيبويه أجاز ذلك (¬8) - ¬

_ (¬1) ينظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها، والكتاب (3/ 560). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 305) والمقتضب (2/ 81)، (2/ 98، 99)، والتكملة للفارسي (ص 85). (¬3) المساعد لابن عقيل (2/ 98، 99) ونص عبارته: «وهذا الذي أجازه سيبويه، هو قياس ولم تتكلم به العرب ولا هو مسموع منها». اه. (¬4) هذه العبارة من التذييل والتكميل (4/ 306) ونصها: «ومنع الكوفيون في الوجهين، محتجين بأنه لا يشتقّ من أكثر من اسم واحد، والذي يظهر أنهم إن قالوا هذا قياسا ففيه نظر، وإن سمع فيرجع إليه، ويكون وجهه أنهم إذا قالوا: ثالث عشر ثلاثة عشر، فقالوا: ثالث ثلاثة عشر، أي أحد الثلاثة التي هي مع العشرة، ثم أقحموا (عشر) بيانا بأنه ليس ثالث ثلاثة خاصة، فلا يلزم ما قال الكوفيّون». اه. وينظر: شرح فصول ابن معط للقاضي الخوي (2/ 29) رسالة. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 306)، وقد ذكر الشيخ أبو حيان أن هذا قول أبي علي الفارسي في الإيضاح، وليس كذلك، وإنما هو في التكملة (ص 85) رسالة ماجستير بجامعة القاهرة تحقيق الأستاذ/ كاظم بحر المرجان. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 306)، والمقتضب للمبرد (2/ 181) حيث قال: (إذا قلت: رابع ثلاثة فإنما تجريه مجرى ضارب، ونحوه؛ لأنك كنت تقول: كانوا ثلاثة فربعتهم وخمسة فسدستهم، ولا يجوز أن تبني فاعلا من خمسة وعشرة جميعا؛ لأن الأصل خامس عشر أربعة عشر». اه. وينظر: شرح الفصول الخمسون لابن معط (2/ 529). (¬7) هذه العبارة في التذييل والتكميل (4/ 306)، ونصها: «فأما المجوزون في غير الموافق يقولون: هذا ثالث عشر اثني عشر، اتكالا على المعنى، ولا يلتفت إلى خمستهم ونحوه؛ لأن القائل به لا يعمله، وإنما يكون مضافا كما تقول: خمسة عشر زيد؛ لأنه لا يشتق فعل منه». اه. (¬8) تقدم، وانظر: الكتاب (3/ 559).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتلقاه المصنف منه بالقبول، ولم يتوقف فيه، ولم يخدشه، وكفى بذلك دليلا على الصّحة. واعلم أنّ كلام سيبويه يعطي أنّ ثمّ وجها ثالثا، غير الوجهين المتقدمي الذكر، وذلك أنّه قال: «هذا المختلف مثل الموافق» (¬1) فكما جاز في «حادي عشر أحد عشر» وأخواته حذف العقد من الأول، وإضافته إلى الموافق، وإثباته والإضافة إلى الموافق وحذف العقد من الأول، وحذف نيّف الثّاني، كذلك جاز هنا. ومن ثمّ قال الشيخ - عند ذكر الوجهين اللذين ذكرهما المصنف -: وترك المصنف وجها ثالثا في هذه المسألة على مذهب سيبويه، وهو: هذا الخامس عشر؛ إما ببنائهما، أو إعرابهما على الخلاف الذي مرّ في الموافق (¬2). انتهى. والذي يظهر أنّ إجازة هذا الوجه يجب أن تكون موقوفة على شيء، وهو أن يكون المخاطب به تحقق ما أراده المتكلم، إما بقرينة مقالية تقدّمت هذا الكلام، وإما بقرينة حاليّة، ولعلّ هذا مراد سيبويه، وإلّا فكيف يعلم من قول القائل: الخامس عشر أنّه أراد: خامس عشر أربعة عشر، أو خامس أربعة عشر، هذا لا يعلم، وإذا لم يعلم فما وجه صحته؟. وقد نقل الشيخ عن بعضهم أنّه قال: وفي هذا الوجه إلباس بالمتفق اللفظ فلا يجوز (¬3). انتهى. وهذا هو الحقّ، وكلام سيبويه محمول على ما قلته، وأما قول المصنّف: وحكم (فاعل) المذكور في الأحوال كلّها بالنسبة إلى التذكير والتأنيث حكم اسم الفاعل (¬4) فواضح غنيّ عن الشرح، خاتما للكلام على مسائل الفصل. وبقي الكلام في المعقود فنقول: أما عشرون، وسائر العقود إلى تسعين والمائة والألف، فلم يسمع من العرب بناء اسم الفاعل منها، لم يقولوا: عاشر عشرين، - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (3/ 561)، وفي شرح الجمل لابن الضائع مخطوط برقم 20 بدار الكتب المصرية (2/ 43 / أ): «فإذا اختلف اللفظان كان لك فيه وجهان: أحدهما وهو الأجود. زعم ابن خروف أنّ التنوين والنصب لم يحكه أحد، واستشهد عليه بشيء من كلام العرب، قال: فهو قياس من كل من أجازه، قال: لكن قولهم ثلثت الرجلين، وربعت الثلاثة فصيح، فلا يمتنع القياس عليه، وما قيس على كلامهم قياسا صحيحا فهو من كلامهم، لكن لا ينبغي أن يجوز فيه التنوين والنصب إلا إذا أريد به معنى الحال أو الاستقبال فقط». اه. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 305) وفي العبارة تصرف. (¬3) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 414).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ثالث ثلاثين، ولا: رابع أربعين (¬1). والقياس يقتضي أن لا يقال ذلك؛ لأنّ الاشتقاق من الأسماء الجامدة لا ينقاس (¬2) لقلته. انتهى. وأعطى هذا الكلام منه أنّ المانع من ذلك إنّما هو عدم الاشتقاق من الأسماء الجامدة، ومقتضاه أن الاشتقاق لو جاز لجاز أن يقال: ثالث ثلاثين، ورابع أربعين وهذا لا يتحقّق وذلك أنّ مدلول ثالث هو العدد الزائد على اثنين بواحد، وكذا مدلول رابع: وهو العدد الزائد على الثلاثة بواحد (¬3). ولا شكّ أنّ مدلول الثلاثة، ومدلول الأربعة كذلك، فمن هذه الجهة صحت إضافة ثالث إلى ثلاثة، ورابع إلى أربعة، وكذا إلى عاشر عشرة، وأمّا نحو: ثالث ثلاثين، فلا يصحّ لاختلاف المدلول، وإن حصل اشتراك الكلمتين في اللفظ، وذلك أنّ مدلول ثالث قد عرفته، ومدلول ثلاثين إنما هو العدد الزائد على تسعة وعشرين بواحد، فأين أحدهما من الآخر؟ ثمّ لا يقول أحد: إن المراد بثالث الثلاثين واحد الثّلاثين، كما قلنا: إنّ المراد بثالث الثلاثة واحد الثلاثة؛ لأنّ (ثالثا) ليس بواحد من الثلاثين، وكذا (رابع) ليس بواحد من الأربعين، وإذا كان كذلك فكيف يتصور صحّة قولنا: ثالث الثلاثين، ورابع أربعين؟ ثم ذكر الشيخ عن سيبويه (¬4) والفراء (¬5)، وعن غيرهما من النّحاة أنّهم قالوا: إنا إذا قلنا: هذا الجزء العشرون، فالمعنى تمام العشرين، أو كمال العشرين، فحذف المضاف أو الموفي كذا، والموفية كذا (¬6) وقال بعضهم: هذا متمم عشرين، أو مكمّل عشرين. قال: وليس بشيء؛ لأنه يلزم منه أن يتمم نفسه، أو يكمّل نفسه (¬7). ¬

_ (¬1) يعني: «يقال: ثان وثانية إلى: عاشر وعاشرة» وثاني اثنين، وثانية اثنتين، وثالث ثلاثة، وثالثة ثلاث، وثالث اثنين، وثالثة اثنتين، والثالث والثلاثون رجلا، والثالثة والثلاثون امرأة، والثالث عشر ثلاثة عشر، والثالث ثلاثة عشر، وثالث عشر، والثالثة عشرة ثلاث عشرة، والثالثة ثلاث عشرة، وثالثة عشرة، ورابع عشرة ثلاثة عشر، ورابعة ثلاثة عشر، ورابعة عشر ثلاث عشرة، ورابعة ثلاث عشرة». ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 99) تحقيق د. بركات، والتذييل والتكميل (4/ 311). (¬2) عبارة المرجع السابق (4/ 312): «لا يقاس» (¬3) ينظر المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4)، (¬5) ينظر التذييل والتكميل (4/ 212) وتوضيح المقاصد للمرادي (4/ 323)، وشرح تسهيل المرادي، وفي الهمع (2/ 152): «وأباه سيبويه والفراء وقالا: يقال: هذا الجزء العشرون». (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 312). (¬7) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.

[ما يستعمل استعمال خمسة عشر من الظروف والأحوال]

[ما يستعمل استعمال خمسة عشر من الظروف والأحوال] قال ابن مالك: (فصل: استعمل كخمسة عشر ظروف، كيوم يوم، وصباح مساء، وبين بين، وأحوال أصلها العطف كـ: تفرقوا شغر بغر وشذر مذر (¬1)، وجذع مذع (¬2)، وأخول أخول، وتركت البلاد حيث بيث (¬3)، وهو جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة، وأخبرته صحرة بحرة، وأحوال أصلها الإضافة كـ: بادي بدا، أو بادي بدي، وأيدي سبا، وأيادي سبا، وقد يجرّ بالإضافة الثاني من مركّب الظروف، ومن «بيت» وتالييه ويتعيّن ذلك للخلوّ من الظرفية، وقد يقال: بادئ بدء، وبادي بداء وبديء، أو بدء، وبدء ذي بدء، أو ذي بدأة أو ذي بداءة، وقد يقال: سبا بالتنوين، وحاث باث وحوثا بوثا، وكفّة عن كفّة، وألحق بهذا: وقعوا في حيص بيص، وحيص بيص والخاز باز). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): قد تقدّم في باب الظروف (¬5) أنّ من الظروف التي لا تتصرّف ما ركّب تركيب خمسة عشر كقولك: فلان يتعهّدنا يوم يوم، وصباح مساء؛ أي كلّ يوم؛ وكلّ صباح ومساء، واستشهدت على ذلك بقول الشاعر: 1953 - ومن لا يصرف الواشين عنه ... صباح مساء يضنوه خبالا (¬6) - ¬

_ (¬1) بفتح الشين والميم وبكسرهما، ومعناه: هبوا إلى كل الوجوه. (¬2) في شرح التسهيل للدماميني (2/ 391) جذع: من قولهم: لحم مجذع، أي مقطع، ومذع من قولهم: مذع السر أفشاه. (¬3) بفتح الحاء والباء، وبكسرهما، والمعنى: مضيعة مبددة. (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 414). (¬5) في التذييل والتكميل (4/ 314): «هذا الفصل ليس من أبواب العدد في شيء إلا أنه استطرد إليه، من حيث جعل اسمين اسما واحدا مركّبا لخمسة عشر، وفي شرح المصنف: «ومن الظروف التي لا تتصرف ما ركب نحو خمسة عشر، كقولك: فلان يتعهدنا يوم يوم، وصباح مساء، أي كل يوم، وكل صباح ومساء فمثل هذا لا يستعمل إلا ظرفا ..». اه. (¬6) البيت من الوافر، قائله: كعب بن زهير بن أبي سلمى الصحابي الجليل، وأحد فحول الشعراء المخضرمين. وهو في التذييل والتكميل (3/ 292)، والهمع (1/ 196)، وديوان كعب بن زهير (ص 201)، والدرر (1/ 167)، وشذور الذهب (ص 104). والشاهد: في قوله: «صباح مساء»؛ حيث نصب على الظرفية وجوبا؛ لأنه مما لم يضف من مركب الأحيان، فلو أضيف صدره إلى عجزه جاز استعماله ظرفا، وغير ظرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول الآخر: [3/ 79]. 1954 - آت الرّزق يوم يوم فأجمل ... طلبا وابغ للقيامة زادا (¬1) إلّا أنّه ذكر هناك لكونه من الظّروف التي لا تتصرف، وذكر هنا لكونه من المركّب الجاري مجرى (خمسة عشر) ولا يستعمل منه إلا ما سمع (¬2). فمن المسموع حديث قتادة الأسدي رضي الله تعالى عنه: «اللهمّ اجعل قوت فلان يوم يوم» (¬3). ومنه قول الشاعر: 1955 - إذ نحن في غمرة الدّنيا وبهجتها ... والدّار جامعة أزمان أزمانا (¬4) ومن المسموع (في المكان) (¬5) (بين بين) (¬6) كقول الشّاعر: 1956 - نحمي حقيقتنا وبع ... ض القوم يسقط بين بينا (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين، ولم أهتد إلى قائله، وهو في التذييل (2/ 292)، والهمع (1/ 196)، والدرر (1/ 167)، وشذور الذهب (ص 105). والشاهد: في قوله: «يوم يوم»؛ حيث نصب على الظرفيّة وجوبا؛ لأنّه من مركّب الأحيان ولم يضف. (¬2) في شرح الكافية لابن مالك (2/ 1694): «وشبهت بخمسة عشر أحوال، مثل (كفة كفة) وظروف، كـ (يوم يوم)، فبنيت إلا أن الإضافة سائغة في هذا النوع لوجهين أحدهما: أنها أخف من التركيب واستعمالها فيه لا يوقع في لبس، بخلاف خمسة عشر، فإن إضافة صدره إلى عجزه توقع في لبس، ففرق بين البابين؛ لجواز الإضافة في أحدهما دون الآخر». اه. (¬3) ينظر: إعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 180) برقم الحديث (368) ومسند الإمام أحمد بن حنبل (5/ 77). (¬4) البيت من البسيط، وفي معجم شواهد العربية: البيت للأعلم بن جرادة السعدي، أو لابن المعتز، وليس في ديوانه، أو لجرير، وليس في ديوانه، وفي الخصائص (2/ 364): «إذ نحن في غرة الدنيا ولذتها» وقبله قال صاحب الخصائص: «وإن شئت كان مركبا»، على حد قوله: ... وذكر البيت. وفي هامش نفس الصفحة من الخصائص وفي بعض النسخ: على حد قول جرير. والشاهد في البيت: تركيب: «أزمان أزمانا» تركيب (خمسة عشر). ينظر البيت في: شرح المصنف (2/ 415)، والمساعد (2/ 99، 100) تحقيق د. بركات. (¬5) ما بين القوسين من الهامش. (¬6) في المساعد لابن عقيل (2/ 100) تحقيق د. بركات: والمسموع في المكان (بين بين) فلا يقال: خلف خلف، ولا: أمام أمام، والبناء لتضمن معنى الواو لخمسة عشر». اه. (¬7) هذا البيت من مجزوء الكامل، وقائله عبيد بن الأبرص، من بني أسد، من فحول شعراء الجاهلية ومن المعمرين. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يقاس على شيء منه، فلا يقاس على (خمسة عشر) وأخواته غيرها من الأعداد، ولو جاز القياس على ما سمع لقيل: فلان يأتينا وقت وقت، ونهار ليل، وعام عام، قياسا على يأتينا يوم يوم، وصباح مساء، وإذا لم يقس على أسماء الزمان مع أنّ فيها كثرة ما، فأن لا يقاس على اسم المكان الذي هو متعين أحقّ وأولى (¬1)، فإنّ الظروف المكانيّة أقلّ من الظروف الزمانية، وإنّما هي تبع لها في هذا الاستعمال، كما أنّها تبع لها في الإضافة إلى الجمل، ولذلك لم يضف من أسماء المكان إلى الجمل إلّا (حيث) وأضيف إليها من أسماء الزمان إذ، وإذا، وما أشبهها في المعنى (¬2). والحاصل: أنّه لو ساغ أن يقاس على (يوم يوم) لم يسغ أن يقاس على (بين بين) وأما ما جاء في حديث حذيفة (¬3) رضي الله تعالى عنه، ومن قول إبراهيم - عليه الصلاة والسّلام -: «إنما كنت خليلا من وراء وراء» (¬4) فقد روي بالضمّ - ¬

_ - والشاهد فيه: قوله: «بين بين»؛ حيث هو من ظروف المكان، وقد استعمل استعمال (خمسة عشر). ينظر البيت في: ديوان عبيد بن الأبرص (ص 141) ومعاني القرآن للفراء (1/ 177) وشرح ابن يعيش (4/ 117) وما لا ينصرف للزجاج (ص 106)، وشذور الذهب (ص 106)، والهمع (2/ 229) والدرر (2/ 240). (¬1) في المساعد لابن عقيل (2/ 100) تحقيق د. بركات: «والمسموع في المكان بين بين، فلا يقال: خلف خلف، ولا أمام أمام، والبناء لتضمّن معنى الواو كخمسة عشر». اه. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 314): «وأما المسموع من ظرف المكان فبين بين ولا يقاس عليه فيقال: خلف خلف، ولا أمام أمام، وإذا لم يقس ذلك في ظروف الزمان - مع أنها أكثر - فالأحرى ألا يقاس على ظرف المكان، إذ ظرف المكان تبع لها في هذا الحكم، كما أنه تبع لها في الإضافة إلى الجمل؛ إذ لم يضف منها إلا حيث». اه. (¬3) هو أبو عبد الله حذيفة بن اليمان الصحابي رضي الله عنهما ولقب باليمان؛ لأنه خالف الأنصار، وهو من اليمن، أسلم حذيفة وأبوه، وهاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشهدوا جميعا أحدا، روى عن حذيفة جماعة من الصحابة، وروى عنه بعض التابعين، وولاه عمر رضي الله عنه المدائن، وتوفي حذيفة رضي الله عنه بالمدائن سنة (36 هـ). تنظر ترجمته في: تهذيب الأسماء واللغات (1/ 153، 154). (¬4) هذا الحديث في صحيح مسلم (1/ 105) كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها، من حديث طويل. قوله: «وراء وراء» بالفتح فيهما، وقيل: بالضم بلا تنوين، ومعناه: ليست بتلك الدرجة الرفيعة وهي كلمة تذكر على سبيل التواضع. والحديث أيضا في إعراب الحديث النبوي للعكبري برقم (152 / ص 82) يقول الشيخ: «الصواب (من وراء) بالضم لأن تقديره: من وراء ذلك، أو من وراء شيء آخر، فلما حذف المضاف إليه بناه على الضم كقبل وبعد، فإذا كان الفتح محفوظا احتمل أن تكون الكلمة مركبة مثل: شذر مذر، وسقطوا بين بين». اه. وينظر: شرح النووي لصحيح الإمام مسلم (1/ 474) طبعة. دار الشعب بمصر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن يكون مبنيّا لقطعه عن الإضافة، وجعل الثّاني توكيدا للأوّل، والجيّد أن يقال: وراء وراء، بإضافة الأول إلى الثاني، فإنّ هذا حكم ما خرج على الظرفية، ممّا ركّب من الظروف تركيب (خمسة عشر). وعلى هذا أنشد سيبويه: 1957 - ولولا يوم يوم ما أردنا ... جزاءك، والقروض لها جزاء (¬1) وأنشد أيضا: 1958 - ما بال جهلك بعد الحلم والدّين ... وقد علاك مشيب حين لا حين (¬2) أنشده وقال: إنّما هو حين حين، و (لا) بمنزلة (ما) إذا ألغيت (¬3). ولشبه الحال بالظروف أشرك بينهما في الجريان مجرى خمسة عشر، في ألفاظ محفوظة إلا أن الغلبة للحال، وكذلك كان منه ما أصله العطف، وما أصله الإضافة وليس في مركب الظروف ما أصله الإضافة (¬4)، وكان الحال جديرا بالغلبة؛ لأنّ - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر، وهو للفرزدق. ينظر ديوانه (ص 9). اللغة: يوم يوم: يوم الأول: وضح النهار، والثاني: البرهة، القروض: جمع قرض، أصله ما تدين به غيرك من المال، وكل ما تقدم من بر وصلة، جزاء: مكافأة تقابله. والمعنى: لولا نصرنا لك في اليوم الذي تعلم ما طلبنا جزاءك، وجعل نصرهم له قرضا يطالبونه بالجزاء عليه. والشاهد فيه: إضافة يوم الأول إلى يوم الثاني، على حدّ قولهم: معديكرب فيمن أضاف الأول إلى الثاني؛ وذلك لأنه لم يرد بها الظرفية. ينظر الشاهد في الكتاب (3/ 303) حيث يقول سيبويه: «ولا يجعلون شيئا من هذه الأسماء بمنزلة اسم واحد، إلا في حال الظرف أو الحال». اه. وينظر أيضا في الهمع (1/ 197)، والدرر (1/ 168)، والخزانة (4/ 46). (¬2) البيت من البسيط وهو مطلع قصيدة لجرير، يهجو فيها الفرزدق، وهو في ديوان جرير (3/ 557). اللغة: الجهل: نقيض العلم والعقل والخبرة، والمراد العقل المستهجن، حين لا حين: أي حين حدوثه ووجوبه، ويجوز أن يكون المعنى: ما بال جهلك بعد الحلم والدين، حين لا حين جهل ولا صبا، فيكون (لا) لغوا في اللفظ دون المعنى، وإنما أضاف الحين إلى الحين؛ لأنه قد رأى أحدهما بمعنى التوقيت فكأنه قال: حين وقت حدوثه ووجوبه. الشاهد فيه: إضافة حين الأولى إلى الآخرة، في قوله: (حين لا حين) على تقدير زيادة (لا) لفظا ومعنى. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (2/ 416)، والتذييل والتكميل (4/ 316)، وابن الشجري في أماليه (139)، والهمع (1/ 197)، والدرر (1/ 168). (¬3) ينظر: شرح المصنف (2/ 416) والتذييل والتكميل (4/ 316) حيث يقول الشيخ أبو حيان: «فجعل المصنف (حين لا حين) من باب (ولا يوم يوم) وليس كذلك». اه. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 317)، والمساعد لابن عقيل (2/ 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواقع حالا من هذا النوع قائم مقام مفرد، ومغن عنه، كما أنّ مركب العدد قائم مقام مفرد، ومغن عنه، وذلك أنّ ما دون العشرة إذا زيد عليه واحد استحقّ مفردا يدلّ على الزائد والمزيد عليه، كقولنا - للاثنين مزيدا عليهما واحد -: ثلاثة وهكذا إلى التسعة المزيد عليها واحد، أما العشرة المزيد عليها فترك فيها هذا الأصل، واستغني بالمركّب عنه، ثمّ رجع إليه في تضعيف العشرة، وما فوقه، والأحوال المشار إليها بمنزلة مركب العدد في القيام مقام مفرد؛ لأنّ شغر بغر بمعنى: منتشرين، وشذر مذر بمعنى: متفرقين، وجذع مذع بمعنى: متقطعين وأخول أخول في قوله (¬1): 1959 - سقاط شرار القين أخول أخولا (¬2) يعني: متفرقا، وحيث بيث بمعنى: منحوّ به، وبيت بيت بمعنى: مقاربا، وكفة كفة بمعنى: مواجها، وصحرة بحرة، بمعنى: منكسفا، وبادي بدي، بمعنى: مبتد، وسبب بناء ما أصله العطف كسبب بناء العدد المركّب، وهو في مركب الأحوال أوكد؛ لأنّ تركيبه ألزم، وأما ما أصله الإضافة فسبب بنائه شبهه بما أصله العطف في التركيب، من شيئين يؤدّيان معنى واحدا، وفي لزوم معنى (في) وامتناع الألف واللام، والإضافة والتصغير، وبنيا على حركة؛ لأنّ لهما أصلا في التمكّن، وكانت الحركة فتحة؛ لأنّ مع التركيب ثقلا، فكره اجتماع ثقلين لو جيء معه بكسرة أو ضمة. ومن قال: حاث باث وخاز باز (¬3)، بالكسر دون الفتح، فإنّه فرّ من ستّ فتحات تقديرا؛ لأنّ الألفين بمنزلة فتحتين، وقبلهما فتحتان، فإذا أفتح ثالثاهما اجتمع ستّ - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 416). (¬2) هذا عجز بيت من الطويل وصدره: يساقط عنه روقه ضارياتها وقائله ضبائي بن الحرث البرجمي، كما في الأصمعيات (ص 183)، والدرر (1/ 208)، واللسان «خول»، قاله يصف ثورا يطعن الكلاب. ينظر الشاهد في المحتسب (1/ 86)، والخصائص (2/ 130)، ونوادر أبي زيد (ص 135)، والهمع (1/ 249)، وشذور الذهب (ص 67). (¬3) ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 468)، وإصلاح المنطق لابن السكيت (ص 440)، والصحاح «فقأ» (1/ 63) والمخصص لابن سيده (14/ 96)، والتذييل والتكميل (4/ 267) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتحات تقديرا، فأوثر الكسر، تخلصا من توالي الأمثال، ومعنى: «وقعوا في حيص بيص» (¬1): وقعوا في شدّة ذات تأخر وتقدّم، وهو من: حاص عن الشيء يحيص: إذا تأخّر عنه خوفا منه، وباص يبوص بوصا: إذا تقدّم، فأبدلت واو (بوص) ياء، لتشاكل (حيص) كما فعل بواو (تلوت) حين قيل: «لا دريت ولا تليت» (¬2). وقد عكس من قال في «حوص بوص» فجاء (بوص) على أصله وأبدل ياء (حيص) واوا وهذا من إتباع الأول الثاني، وهو نظير: «مأزورات غير مأجورات» (¬3) فإنّه من الوزر فحقّه: موزورات، إلا أنّ واوه جعلت ألفا، ليشاكل ما بعده، و (الخاز باز) عشب وذباب، وصوت الذّباب، ودافئ اللهازم، وبعض أسماء السور، ومن فتح زاييه أجراه مجرى (خمسة عشر) ومن كسرها أجراه مجرى (حاث باث) ومن قال: خاز باز أجراه مجرى بعلبك، ومن قال: خاز باز أضاف صدره إلى عجزه. وأما: خزباء، وخازباء فمفردان، كـ: قرطاس وقاصعاء. انتهى كلام المصنّف (¬4) - رحمه الله تعالى - وهو واف بشرح هذا الفصل. وقد تكلّم الشيخ في شرحه (¬5) على بعض كلمات، زيادة على ما ذكره المصنف، وليس في ذلك كبير فائدة، فتركت التعرض إليه خشية الإطالة. * * * ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 298) ط. هارون، والصحاح «حيص» (3/ 1035)، والتذييل والتكميل (4/ 330) رسالة. (¬2) هذا جزء من حديث شريف رواه الإمام أحمد في مسنده (3/ 126) «... وأما الكافر والمنافق فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس. فيقال له: لا دريت ولا تليت». (¬3) هذا جزء من حديث شريف أخرجه ابن ماجه في سننه (1/ 502) برقم (1578) باب ما جاء في اتباع الجنائز ونصه عن ابن الحنفية عن عليّ قال: «خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإذا نسوة جلوس فقال: ما يجلسكنّ؟ قلن: ننتظر الجنازة، قال: هل تغسّلن؟ قلن: لا. قال: هل تحملن؟ قلن: لا، قال: هل تدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا، قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات». اه. ص والحديث أيضا في الجامع الكبير للسيوطي (1/ 101)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 207، 208). (¬4) ينظر: شرح المصنف (2/ 417) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 323، 324).

الباب الحادي والثلاثون باب كم وكأين وكذا

الباب الحادي والثلاثون باب كم وكأين وكذا [معنى كم - نوعاها - حكم تمييز كل نوع] قال ابن مالك: («كم» اسم لعدد مبهم، فيفتقر إلى مميّز لا يحذف إلّا لدليل، وهو إن استفهم بها كمميّز عشرين وأخواته، لكنّ فصله جائز هنا في الاختيار، وهناك في الاضطرار، وإن دخل عليها حرف جر، فجرّه جائز بـ «من» مضمرة، لا بإضافتها إليه خلافا لأبي إسحاق، ولا يكون مميزها جمعا خلافا للكوفيين، وما أوهم ذلك فحال، والمميز محذوف. وإن أخبر بـ «كم» قصدا للتكثير فمميزها كمميز عشرة، أو مائة، مجرور بإضافتها إليه، لا بـ «من» محذوفة خلافا للفراء، وإن فصل نصب حملا على الاستفهامية، وربّما نصب غير مفصول [3/ 80] وقد يجرّ في الشّعر مفصولا بظرف، أو جارّ ومجرور، لا بجملة، ولا بهما معا) (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): يدلّ على اسمية (كم): الإسناد إليها، وعود الضّمير عليها، في نحو: «كم رجلا زارك؟» ودخول حرف الجرّ عليها، والإضافة إليها، في نحو: «بكم رجل مررت؟» و «رزق كم نفسا ضمنت؟» وتسليط عوامل النصب عليها نحو: «كم يوما صمت؟ وكم فرسخا سرت، وكم كانت دراهمك؟» (¬3). وهي في الكلام على ضربين: استفهامية، كالمذكورة آنفا، وخبرية يقصد بها التكثير (¬4) كقوله تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ (¬5). - ¬

_ (¬1) مناسبة هذا الباب لأبواب العدد ظاهرة، من حيث إنّ (كم) اسم لعدد مبهم، و (كأين) و (كذا) كذلك أيضا، وكلّ منها مفتقرة إلى تمييز». اه. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 335). (¬2) انظر شرح التسهيل (2/ 418). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 338). (¬4) ينظر شرح المصنف (2/ 418)، والتذييل والتكميل (4/ 356) حيث يقول الشيخ أبو حيان: «وما ذكره المصنف من كون «كم» الخبرية يراد بها العدد الكثير هو مذهب المبرد، ومن بعده من النحاة إلا أبا بكر بن طاهر، وتلميذه ابن خروف، فإنهما زعما أنها تقع على القليل والكثير، من حيث كان معناها معنى ربّ ..». اه. وفي المقتضب للمبرد (3/ 57): «فأما (كم) التي تقع خبرا فمعناها معنى (ربّ) إلا أنّها اسم، و (ربّ) حرف، وذلك قولك: كم رجل رأيته أفضل من زيد». اه. (¬5) سورة البقرة: 249.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهي في حالتيها أشدّ إبهاما من أسماء العدد (¬1)؛ لأنّ أسماء العدد تدلّ على العدد دلالة تنصيص، ولا تدلّ على جنس المعدود، والأمر أن تذكر (كم) مبهمة، فكان افتقارها إلى مميّز أشدّ من افتقار أسماء العدد (¬2)، ولما كانت الاستفهامية بمنزلة عدد مقرون بهمزة الاستفهام أشبهت العدد المركب، فأجريت مجراه، بأن جعل مميزها كمميّزه في النّصب والإفراد، فقيل: «كم درهما لك؟» (¬3) كما قيل: لك خمسة عشر درهما (¬4) ثم قصد امتياز الخبرية، فحملت من العدد على ما يضاف إلى مميّزه: وهو ضربان: مميّز بجمع، كـ: عشرة دراهم، ومميز بمفرد، كـ: مائة دينار، ولم يكن حملها على أحد الضربين بأولى من حملها على الضرب الآخر، فحملت عليهما معا، فتارة تضاف إلى جمع؛ حملا على (عشرة)، وتارة تضاف إلى مفرد؛ حملا على (مائة)، فيقال: «كم رجال صحبت»، و «كم بلد دخلت»، كما يقال: عشرة رجال صحبت، ومائة بلد دخلت (¬5). ويجوز حذف مميز (كم) كما يجوز حذف مميّز العدد (¬6) فحذف مميز (كم) كقوله تعالى: (كم لبثتم) (¬7) وحذف مميّز العدد كقوله تعالى: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (¬8). ويجوز الفصل بين الاستفهامية ومميزها في السعة، ولا يجوز الفصل بين العدد ومميزه إلا في الضرورة، كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) في شرح الكافية لابن مالك (4/ 1704): «وهي في الكلام على ضربين: استفهامية وخبرية، ومدلولهما في الحالتين عدد مبهم الجنس والمقدار، فلا بد معهما من مميز أو ما يقوم مقامه». اه. (¬2) وفي التذييل والتكميل (4/ 339): «وهي أشد إبهاما من أسماء العدد؛ لأنه ينبهم معها العدد والمعدود، وأسماء العدد نصّ فيه فلا إبهام فيه، لكنها لا تدل على جنس المعدود، فيحتاج من أجل ذلك إلى ذكر جنسه، ليتميز به العدد، واحتياج (كم) إلى مميز أشدّ من احتياج أسماء العدد». اه. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 339). (¬4) في شرح الكافية (4/ 1704): «ومميز الاستفهامية كمميز المركب، وما جرى مجراه؛ لأنها فرع على الخبرية، والمركب فرع على المفرد». اه. (¬5) ينظر: شرح المصنف (2/ 419) والتذييل والتكميل (4/ 358) حيث قال الشيخ أبو حيان: «يعني أنه - أي مميز الخبرية - يكون جمعا مجرورا كمميز عشرة، ومفردا مجرورا كمميز مائة» ينظر: شرح فصول ابن معط (2/ 533). (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 340، 341). (¬7) سورة المؤمنون: 113. (¬8) سورة المدثر: 30.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1960 - على أنّني بعد ما قد مضى ... ثلاثون للهجر حولا كميلا (¬1) ولو استعمل مثل هذا في غير ضرورة شعر لم يجز، بخلاف (كم)، فلك أن تفصل بينها وبين مميزها، دون ضرورة، فيقال: «كم لك درهما؟» (¬2)، وإنّما كان الأمر كذلك؛ لأنّ العدد المميز بمنصوب مستطال بالتركيب إن كان مركبا، وبالزيادتين في آخره إن كان العشرين أو إحدى أخواتها، فموقع التمييز منه بعيد دون فصل، فلو فصل بشيء لازداد بعدا، فمنع الانفصال، إلّا في ضرورة، و (كم) بخلاف ذلك فلم يلزم اتصال مميزها (¬3)، وإن دخل على استفهامية حرف جرّ جاز بقاء مميزها منصوبا: كقولك: «بكم رجلا مررت؟»، وجاز أن يجرّ بـ (من) مقدرة، كقولك: «بكم درهم تصدّقت؟» تريد: بكم من درهم، فحذفت (من) وأبقيت عملها، قال ابن خروف - قاصدا إلى حذف (من) وإبقاء عملها -: هو مذهب الخليل وسيبويه والجماعة (¬4)، وزعم ابن بابشاذ أنه ليس مذهب المحققين، وقوله فاسد (¬5)، وإضمار الحرف نصّ في كلامهم، إلا الزجاج وحده، - ¬

_ (¬1) البيت من المتقارب، وقد نسبه العيني (4/ 489) للعباس بن مرداس الصحابي، وأمه الخنساء الصحابية الشاعرة، وترجمته في الخزانة (1/ 145) ولم ينسبه سيبويه (2/ 158). اللغة: كميل: كامل. والشاهد: في قوله: «ثلاثون للهجر حولا كميلا»؛ حيث فصل بين المميز وهو (ثلاثون) والتمييز، وهو (حولا) بقوله: (للهجر) وذلك ضرورة. انظر: التذييل والتكميل (1/ 145)، والكتاب (2/ 158)، ومجالس ثعلب (2/ 424)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 130)، والأشموني (4 / 71)، والمقتضب (3/ 55)، والملخص لابن أبي الربيع (ص 480). (¬2) في الكتاب (2/ 158): «وزعم أن (كم درهما لك؟) أقوى من (كم لك درهما؟) وإن كانت عربية جيدة». اه. (¬3) ينظر: شرح المصنف للتسهيل (2/ 419) والتذييل والتكميل (4/ 343) حيث قال الشيخ أبو حيان: «فعلى هذا يجوز أن تقول: كم لك درهما؟ وكم أتاك رجالا؟ وكم ضربت رجلا؟ ولكن اتصال التمييز هو الأصل، وهو أقوى». اه. وينظر: الكتاب (2/ 158، 159). (¬4) في الكتاب (2/ 160): «وسألته - يعني الخليل رحمه الله تعالى عن قولهم: على كم جذع بيتك مبني؟ فقال: القياس النصب، وهو قول عامة الناس، وأما الذين جرّوا فإنهم أرادوا معنى (من)، ولكنهم حذفوها هنا تخفيفا على اللسان وصارت (على) عوضا منها». اه. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 342).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فابن النّحاس حكى عنه أنّه كان يخفض هنا بـ (كم)، ولا يحذف شيئا (¬1). قال ابن خروف: ولا يمكن الخفض بها؛ لأنّها بمنزلة عدد ينصب ما بعده، ولا يخفضه، فلو خفضت ما بعدها مرة، ونصبته مرة لزم تفضيل الفرع على الأصل، وأيضا لو كانت صالحة للجرّ بها إذا دخل عليها حرف جرّ لصلحت للجرّ بها إذا عريت من حرف الجرّ، ولا شيء من المميزات الصالحة لنصب مميزها، ولجرّه بإضافتها إليه يشترط في إضافته أن يكون هو مجرورا، فالحكم بما حكم به الزجاج، ومن وافقه حكم بما لا نظير له، فخولف مقتضيه، ورغب عنه لا فيه. ولا يجوز جمع مميّز الاستفهامية، كما لا يجوز جمع مميز العدد الذي أجريت مجراه وأجاز ذلك الكوفيّون، ولا حجّة لهم (¬2)، وإن ورد ما يوهم جواز ذلك حمل على أنّ المميز محذوف، وأنّ الجمع الموجود منصوب على الحال، نحو أن يقال: «كم لك شهودا؟» و «كم عليك رقباء؟»، والتقدير: كم إنسانا لك شهودا؟، وكم نفسا عليك رقباء؟ (¬3) ولو قصد بـ (كم) الإخبار على سبيل التكثير جرت مجرى (عشرة) مرة، ومجرى (مائة) أخرى وقد سبق الكلام على ذلك تبيينا وتمثيلا، ومميزها مجرور بإضافتها إليه، كمميّز ما حملت عليه. وزعم الفراء أنّ الجرّ بعدها بـ (من) مقدرة، ولا سبيل إلى ذلك، كما لا سبيل إليه فيما حملت عليه، ولأن الجرّ بعدها لو كان بـ (من) مقدرة، لكان جوازه مع الفصل مساويا لجوازه بلا فصل؛ لأنّ معنى (من) مراد واستعمالها سائغ - ¬

_ (¬1) في المساعد لابن عقيل (2/ 108 - 109): «وخالف الزجاج وحده، فحكى النحاس عنه أنه كان يخفض هنا بـ (كم) ولا يحذف شيئا وهو ضعيف، لالتزامهم حينئذ دخول حرف الجر عليه، ولو كان على الإضافة لم يلزم ذلك ولأنها بمنزلة عدد ولا يكون ذلك فيه». اه. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 352، 353): «وهذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب: أحدها: مذهب جمهور البصريين، أنه لا يجوز أن يكون تمييز الاستفهامية جمعا. الثاني: أنه يجوز، وهو مذهب الكوفيين، حكاه عنهم الأخفش كما يجوز ذلك في التمييز الخبرية. الثالث: أنك إذا أردت بالجمع أصنافا من الغلمان جاز، فتقول: كم غلمانا لك؟ تريد: كم عندك من هذه الأصناف، وهو مذهب الأخفش وإليه جنح بعض أصحابنا ..». اه. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 353) حيث قال: «فيخرجها البصريّون على أن (غلمانا) انتصب على الحال، والتمييز محذوف مفرد، والتقدير: كم نفسا لك؟، و (لك) في موضع الخبر، وجاءت الحال جمعا على المعنى، إذ يجوز أن يراعي لفظ (كم) فيفرد الخبر والحال». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع الاتصال والانفصال، فلو كان عملها بعد الحذف جائز البقاء مع الاتصال لكان جائز البقاء مع الانفصال في النثر والنظم، وفي كون الواقع بخلاف ذلك دلالة على أنّ الجرّ بالإضافة لا بـ (من) مقدرة (¬1). وإذا فصل مميز (كم) الخبرية بجملة، أو بظرف وجارّ ومجرور معا وجب نصبه مطلقا حملا على الاستفهاميّة (¬2): فالأول (¬3) كقول الشاعر: 1961 - كم نالني منهم فضلا على عدم ... إذ لا أكاد من الإقتار أحتمل (¬4) والثاني (¬5) كقول الآخر: 1962 - تؤمّ سنانا وكم دونه ... من الأرض محدودبا غارها (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر شرح المصنف (2/ 420) والتذييل والتكميل (4/ 362)، حيث نقل الشيخ أبو حيان كلام المصنف هذا، ناسبا إياه له، ثم قال الشيخ أبو حيان: «وهذا المذهب الذي نسبه المصنف إلى الفراء نسبه غيره إلى الكوفيين، زعموا أنّ الخفض هو بمن مقدرة ثم حذفت وأبقي عملها». اه. وينظر في ذلك أيضا: الهمع (1/ 255). (¬2) قال الشيخ أبو حيان - في التذييل والتكميل (4/ 364): «وزعم بعض قدماء النحويين أن الأصل في تمييز (كم) الخبرية والاستفهامية النصب، ولا يكون الخفض فيهما إلا بتقدير (من) كما في قولهم: على كم جذع، ويدل عليه ظهورها وقواه الخليل بأن حروف الجر قد تضمر، وتعمل، كقوله: لاه أبوك، ولقيته أمس، تريد بالأمس، لأنهم لا يستعملونه إلا بالباء». اه. (¬3) يعني الفصل بين (كم) الخبرية ومميزها بجملة. (¬4) البيت من البسيط وقائله القطامي، وهو عمرو بن شبيم، من بني ثعلب، كان نصرانيّا فأسلم، تنظر ترجمته في: الشعر والشعراء (2/ 727). ينظر: ديوانه (ص 30). اللغة: عدم: فقد المال وقلته، الإقتار: الافتقار، من: أقتر الرجل إذا افتقر، احتمل - بالحاء المهملة - من الاحتمال، يمدح هؤلاء فيقول: أنعموا على عند عدمي، وحين بلغ مني الجهد، أنني لا أستطيع الاحتمال، والارتحال لطلب الرزق. والشاهد فيه: نصب (فضلا) على التمييز من (كم) الخبرية، حين فصل بينهما بفاصل. ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 165)، وشرح المفصل (4/ 131)، والمقتضب (3/ 60)، والإنصاف (1/ 191)، والعيني (4/ 494)، والدرر (1/ 212). (¬5) يعني الفصل بين كم الخبرية ومميزها بظرف أو جار ومجرور. (¬6) البيت من الوافر، وقد نسب لزهير في الكتاب (2/ 164) ونسب أيضا لابنه كعب وليس في ديوانيهما. اللغة: تؤم: تقصد، سنانا: هو سنان بن حارثة المري، محدودبا: من الحدب، وهو ما ارتفع من الأرض، غارها - بالغين المعجمة - أصله: غائرها فحذف عين الفعل، كما في رجل شاك، وأصله: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو كان الفاصل ظرفا، أو جارّا ومجرورا جاز النصب والجرّ، إلّا أنّ الجرّ مخصوص بالشّعر، كقول الشاعر: 1963 - كم دون ميّة موماة يهال لها ... إذا تيمّمها الخرّيت ذو الجلد (¬1) وكقول الآخر: 1964 - كم بجود مقرف نال العلا ... وكريم بخله قد وضعه (¬2) وربّما نصب مميز الخبريّة متّصلا بها، وزعم بعضهم [3/ 81] أنها لغة بني تميم. ومنه قول الفرزدق: - ¬

_ - شائك، وهو المطمئن الغائر من الأرض. المعنى: يصف ناقته فيقول: تقصد سنانا هذا الممدوح على بعد المسافة بينهما ومشقة الطريق. والشاهد: في قوله: «كم دونه من الأرض محدودبا»؛ حيث فصل بين (كم) الخبرية ومميزها بظرف وجار ومجرور، ونصب التمييز وهو (محدودب) وقال العيني (4/ 491): «ويجوز بقاء جرّه، والمختار نصبه في مثل هذا». وينظر الشاهد أيضا في: الكتاب (2/ 165)، وشرح المفصل لابن يعيش (4/ 129، 188)، والإنصاف لابن الأنباري (1/ 192)، وتوضيح المقاصد (4/ 322). (¬1) البيت من البسيط، وقد نسبه العيني لذي الرمة وليس في ديوانه. اللغة: كم: خبرية، ميّة: اسم محبوبته، موماة: الصحراء، يهال: مبني للمجهول، أي: يفزع منها، تيمّمها: قصدها، الخرّيت: الماهر الحاذق، ذو الجلد: - بفتح الجيم واللام - أي: ذو قوة، وقيل: يجوز أن يكون بالخاء أي: ذو بال قوي. والشاهد: في قوله: «كم دون مية موماة»؛ حيث فصل بين (كم) ومميزه (موماة) بالظرف (دون ميّة). ينظر الشاهد في: الأشموني (3/ 81)، والمقاصد النحوية للعيني (4/ 496)، وتوضيح المقاصد (4/ 328). (¬2) البيت من الرمل، وروي عجزه: وشريف بخله قد وضعه وهو من أبيات قالها أنس بن زنيم الصحابي المشهور كما في الخزانة (6/ 471) وهذه الأبيات قالها لعبيد ابن زياد ابن سمية، ونسبت لعبد الله بن كريز، أو لأبي الأسود الدؤلي. اللغة: كم: خبرية، والتمييز محذوف، والتقدير: كم مرة، ومقرف: اللئيم الأصل، من جهة الأب، شريف: أصيل من طرفيه، وضعه: حط به. والمعنى: قد يرتفع اللئيم بجوده، ويتضع الرفيع الأصل ببخله. والشاهد فيه: رفع (مقرف)، على أن تجعل (كم) ظرفا لتكثير المرار. ينظر الشاهد في: الإنصاف (1/ 191)، والمقتضب (3/ 261)، والأشموني (4/ 82)، والدرر (6/ 468)، وجمل الزجاج (ص 147)، والكتاب (2/ 44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1965 - كم عمّة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (¬1) انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬2). وقد تعرض الشيخ في شرحه لذكر أمور: منها: أنّ النحاة بينهم خلاف في (كم) أهي مفردة، قال: وهو قول الجمهور أم مركبة من كاف التشبيه، وما الاستفهامية، وحذفت ألفها كما تحذف مع سائر حروف الجرّ، كما قالوا: لم؟ وبم؟ وعمّ؟ وكثر الاستعمال لها، فأسكنت، وأجريت مجرى الساكن في الشّعر (¬3) كقول القائل: 1966 - فلم دفنتم عبيد الله في جدث (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل، وهو في ديوان الفرزدق (1/ 361)، ويروى: عمة، وخالة بالرفع والنصب والجر. اللغة: فدعاء: المرأة التي اعوجت إصبعها من كثرة الحلب، وقيل: هي التي أصاب رجلها فدع من كثرة مشيها وراء الإبل، وقد وصف بها الفرزدق عمات جرير وخالاته، أي: كم عمة لك فدعاء، وخالة لك فدعاء، قد حلبتا. عشاري: جمع عشر، أو الناقة التي أتت عليها عشرة أشهر من حلبها، وحلبت عليّ: أي على كره مني. والمعنى: كثيرا ما خدمتني عمة لك يا جرير وخالة، على بغضي لها. والشاهد: في قوله: «كم عمة»، برفع عمة وخالة، على حذف التمييز، والتقدير: كم مرة، أو كم وقتا، ويكون الرفع لـ (عمة) وخالة على الابتداء. وكم في محل نصب، على أنها ظرف، أو مفعول مطلق وتوجيه الجر على اللغة المشهورة على أن (كم) خبرية، أما النصب فعلى أن (كم) استفهامية، ورواية الرفع تدل على أن لجرير عمة واحدة، وخالة حلبتا عليه عشارة في أوقات كثيرة، أما رواية الجر والنصب فهي تفيد أن له عمات وخالات أجيرات ممتهنات. ينظر الشاهد في المقتضب (3/ 58)، والخزانة (6/ 486، 487)، والكتاب (2/ 72)، والعين (1/ 287)، والتوطئة (ص 260)، وشواهد المغني (1/ 511)، والأشباه والنظائر (4/ 199). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 421). (¬3) لمراجعة الخلاف في (كم) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 335)، والإنصاف لابن الأنباري مسألة (رقم 40) وهي: «ذهب الكوفيون إلى أن (كم) مركبة وذهب البصريون إلى أنها مفردة موضوعة للعدد». (¬4) البيت من البسيط، وهو بتمامه: فلم دفنتم عبيد الله في جدث ... ولم تعجّلتم ولم تروحونا لم ينسب لقائل معين، ولم أهتد إلى قائله. أنشده الكسائي كما في إعراب القرآن للنحاس، في سورة الدخان (3/ 1075)، والشاهد: في قوله: «فلم» أصلها (لما) وحذفت ألفها كما تحذف مع سائر حروف الجر، ولضرورة الشعر أسكنت الميم فقالوا: لم. ينظر التذييل والتكميل (4/ 335).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وهو مذهب الكسائيّ والفرّاء (¬1)، وردّه بأنّ الأمر لو كان كذلك لقيل - في جواب من قال: كم مالك؟ - كمال زيد، كما يقال - في جواب من قال: كمن زيد؟ -: كبكر وهذا لا يقوله أحد (¬2). قال الشيخ: «ويجاب عن هذا بأنّ التركيب حدث معه معنى غير الذي كان لكلّ واحد منهما كما في: لولا، وهلّا» (¬3). انتهى. وأقول: إنّ الاشتغال بإيراد مثل هذه الأشياء إضاعة للزمان، مع تسويد الأوراق، وتوجيه الذّهن إلى ما لا فائدة فيه، ولا ينتج عنه شيء. ومنها: أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ (كم) حرف للتكثير في مقابلة (ربّ) الدالّة على التقليل (¬4). انتهى. وأقول: الكلام في ذلك كالكلام فيما قبله. ومنها: أنّ ظاهر قول المصنّف: ولا يحذف إلّا لدليل يشمل تمييز (كم) الاستفهامية والخبرية، قال: ونصّ بعض شيوخنا على أنّه لا يجوز حذف مميز الخبريّة معلّلا ذلك بأنّه لا يقتصر على المضاف، دون المضاف إليه، فكما لا يجوز: عندي ثلاثة، تريد: ثلاثة أبواب، لا تقول: (كم) وأنت تريد: كم غلمان؟ (¬5) قال: وأجاز ابن عصفور ذلك (¬6) حتّى قال: ويحسن إذا كان ظرفا، نحو: 1967 - كم عمّة لك يا جرير وخالة (¬7) في رواية من رفع (¬8). قال (¬9): وأجاز صاحب البسيط أيضا ذلك (¬10) ومثّل بهذا البيت (¬11). - ¬

_ (¬1) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬2) في المرجع السابق (4/ 336). «فدلّ على فساد قوله». (¬3) التذييل والتكميل (4/ 336). (¬4) ذكر هذا الرأي صاحب البسيط، ينظر: التذييل والتكميل (4/ 338). (¬5) ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 340)، شرح التسهيل للمرادي (2/ 178 ب). (¬6) أي: حذف تمييز (كم) الخبرية. (¬7) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا. (¬8) عبارة التذييل والتكميل (4/ 340، 341): «وقال صاحب البسيط وابن عصفور: يجوز حذف تمييز (كم) الخبرية إذا دل عليه الدليل، قال ابن عصفور: ويحسن إذا كان ظرفا نحو: «كم عمة لك يا جرير وخالة» في رواية من رفع». اه. (¬9) أي: الشيخ أبو حيان. (¬10) رأي حذف تمييز الخبرية. (¬11) كم عمة لك يا جرير وخالة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقول الآخر: 1968 - كم بجود مقرف نال العلا ... ... (¬1) في رواية من رفع (مقرف) وكم قد أتاني زيد، وكم عندك ضارب زيدا (¬2). قال الشيخ: والذي ينبغي أن يقال في الحذف: أنّه إن كان تمييز الخبرية منصوبا أو مجرورا بـ (من) جاز الحذف لدليل، وإن كان مجرورا بالإضافة فلا يجوز حذفه (¬3). انتهى. وأقول: إنّ حذف المضاف إليه إنّما يمتنع إذا بقى المضاف بعد الحذف على الحالة التي كان عليها قبل الحذف، إلا فيما استثني، أعني أن يبقى بصورة المضاف، كقولك في غلام زيد، كتاب عمرو -: هذا غلام، وهذا كتاب، بغير تنوين فيهما، أمّا إذا كان الاسم بحاله، لو لم يكن مضافا، وذلك بأن تكون صورته - مضافا وغير مضاف واحدة كما في (كم) فما وجه امتناعه؟ ثم إنّ المقصود في قولنا: كم رجل، وكم مال إنّما هو ذكر ما يحصل به التمييز لـ (كم)، وليست الإضافة مقصودة لذاتها، وعلى هذا إذا دلّ دليل على ذلك التمييز فما المانع من حذفه؟. ومنها: أنّ من النّحاة من منع جرّ الاسم الواقع بعد (كم) الاستفهامية ولو دخل على (كم) حرف جرّ. والحاصل أنّ المذاهب في الواقع بعد كم الاستفهامية ثلاثة: [المذهب الأول]: جواز الجرّ بـ (من) مقدرة، إذا دخل على كم حرف جرّ، وهو مذهب الخليل وسيبويه (¬4)، والفراء (¬5)، والجمهور (¬6) فيقال: «على كم جذع بنيت بيتك؟» وجعل حرف الجرّ عوضا من (من) المقدرة، ودخولها على - ¬

_ - وقد سبق تحقيقه قريبا من هذا البحث. (¬1) سبق تحقيق هذا البيت. والشاهد فيه هنا: حذف تمييز (كم) الخبرية جوازا. (¬2) فتمييز الخبرية في المثالين محذوف أيضا. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 342). (¬4) ينظر: الكتاب (2/ 160). (¬5) معاني الفراء (1/ 125). (¬6) تراجع كل هذه الآراء في: شرح التسهيل للمرادي (179 / أ)، والهمع (1/ 254)، وفي المساعد لابن عقيل (2/ 108، 109) تحقيق د. بركات. وفي التذييل والتكميل (4/ 348): «ومذهب سيبويه والخليل والفراء والجماعة أن الخفض هو بإضمار (من) إلا الزجاج، فإن النحاس حكى عنه أنه مخفوض بإضافة (كم) لا بإضمار (من).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاف ولذلك لا يجتمعان، لا تقول: على كم من جذع بيتك مبنيّ؟ قال سيبويه: وسألته - يعني الخليل - عن قولهم: على كم جذع بيتك مبنيّ؟ فقال: القياس النصب وهو قول عامة النّاس، وأما الذين جرّوا فإنهم أرادوا معنى (من) ولكنّهم حذفوها تخفيفا وصارت (على) عوضا منها. انتهى (¬1). [المذهب الثاني]: وجواز خفضه مطلقا، سواء أدخل على (كم) حرف جرّ أم لم يدخل. قال الشيخ: وهو مذهب الفراء والزجاج وابن السراج وجماعة (¬2) قال: وحمل عليه أكثرهم: 1969 - كم عمّة لك يا جرير وخالة (¬3) والمذهب الثالث: منع الجرّ مطلقا، فلا يحمل مميز الاستفهامية على مميّز الخبريّة أصلا. ومنها: أنك قد عرفت أنّ مميز (كم) الخبرية قد ينصب دون فصل بينها وبينه (¬4) فاعلم أنّ القول بجواز نصب مميزها على الإطلاق كالقول بجواز جرّ مميز الاستفهامية على الإطلاق والذي يقتضيه النظر أن يقال: إنّما يجوز نصب مميز الخبرية، حيث تدلّ على أن المراد الإخبار، لا الاستفهام، وكذا لا يجوز جرّ مميز الاستفهامية، دون أن يدخل عليها حرف جرّ، إلا إذا دلت القرائن على أنّ المراد هو الاستفهام؛ إذ لو لم يقل بذلك التبس الحال، فلا يعلم المراد أهو إخبار، أم استفهام وذكروا أنّه إذا انتصب مميز الخبرية بفصل، أو بلا فصل جاز أن يكون مفردا أو جمعا كما كان حال خفضه، ولأنّ السيرافي نصّ على جواز الجمع في هذه اللغة، وأنّ في كتاب سيبويه ما يدلّ على ذلك وأنه ظاهر كلام المبرّد وأنّ ابن هشام تبعه (¬5). - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 160). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 351، 352). (¬3) سبق تحقيق هذا الشاهد. والشاهد فيه هنا: جواز خفض مميز (كم) الخبرية (عمة) مع أنه لم يدخل عليه حرف جر. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 349، 352). (¬5) ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 111)، والمقتضب للمبرد (3/ 59، 60) وفي التذييل والتكميل (4/ 369). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: قد يقال: إنّ الذي قاله الشلوبين هو الظاهر، فإنّ النصب هو الأصل في مميّز الاستفهامية وقد عرفت أنه لا يكون جمعا في مذهب البصريين، فكيف يكون جمعا فيما هو كالفرع على غيره؟!. ولكن للمنتصر للسيرافي أن يقول: قد ثبت أنّ مميز الخبرية يكون حال جرّه مفردا ويكون جمعا، فإذا نصب على لغة من ينصبه فالأمران مستمرّان، أعني الإفراد والجمع؛ لأنّ نصب مميزها ليس بالحمل على مميز الاستفهامية (¬1)، وإذا كان كذلك فليس فرعا عنها. ومنها: أنّ (كم) الخبرية المقصود بها التكثير، كما دلّ عليه كلام المصنف والمغاربة يذكرون أنّ كونها للتكثير هو المشهور؛ قالوا: وهو مذهب المبرّد (¬2)، ومن بعده من النّحاة إلا ابن طاهر (¬3)، وابن خروف فإنهما زعما أنّها تقع على القليل والكثير، وزعما أنّه مذهب سيبويه. واختار ابن عصفور ذلك، واستدلّ بما توقف عليه من كلامه، وقال سيبويه: معنى (كم) معنى (ربّ). قلت: ولا دليل فيه، بل هذا الكلام من سيبويه (¬4) رحمه الله تعالى يدلّ على أنّ (ربّ) للتكثير، لا للتقليل؛ لأنّ (ربّ) لو كانت للتقليل لوجب أن تكون كم للتقليل أبدا، لقوله [3/ 82]: ومعنى (كم) معنى (ربّ)، وليس كذلك؛ لأنّ من قال: إنّها تكون للتقليل يثبت لها التكثير قطعا. ومنها: أنّ ثمّ صورا ومسائل تعرض الشيخ لإيرادها في شرحه، فقال: (كم) - ¬

_ - وقال سيبويه في الكتاب (2/ 161): «واعلم أن (كم) في الخبر بمنزلة اسم يتصرف في الكلام غير منون، يجر بما بعده إذا أسقط التنوين، وذلك الاسم نحو: مائتي درهم، ثم قال: واعلم أنّ ناسا من العرب يعملونها فيما بعدها في الخبر كما يعملونها في الاستفهام، فينصبون بها كأنها اسم منون». اه. (¬1) في الإيضاح للفارسي (1/ 220) باب (كم): «وقد تجعل (كم) - في الخبر - بمنزلة عشرين فتنصب ما بعدها ويختار ذلك إذا وقع الفصل بين المضاف والمضاف إليه». (¬2) في المقتضب (3/ 57) فأما (كم) التي تقع خبرا فمعناها معنى (ربّ)، إلا أنها اسم، و (رب) حرف، وذلك قولك: كم رجل قد رأيته أفضل من زيد». اه. (¬3) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن ظاهر المشهور بالخدب، أي الرجل الطويل وهو نحويّ مشهور. توفي في سنة (580 هـ) سبقت ترجمته. (¬4) ينظر: الكتاب (2/ 156).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفهامية تقتضي جوابا، وإذا أبدل منها أعيد مع البدل همزة الاستفهام (¬1). قلت: وهذان الأمران لا فائدة في ذكرهما؛ لأنّ الاستفهام لا بدّ له من جواب، ولأنّ من المعلوم أننا إذا أبدلنا من اسم يتضمن معنى الاستفهام فلا بدّ من ذكر الهمزة مع البدل. ثم قال: وإذا دخلت إلّا في حيّزها - يعني الاستفهامية كان إعراب ما دخلت عليه على حدّ إعراب (كم) وأفادت معنى التحقير والتقليل (¬2) نحو: «كم مالك إلا عشرون». قال: ولا يعطف عليها بـ (لا) (¬3) بخلاف (كم) الخبرية، تقول: كم ضربت رجلا، ولا يجوز أن يكون (رجلا) تمييزا، ويجوز أن يكون مفعولا بـ (ضربت) والتمييز محذوف. وقد ترفع النكرة بعدها، ويحذف التمييز، ويقدّر ما يحمله الكلام، فإذا قلت: كم رجل جاءك، تقدر: كم مرة، أو يوما، فـ (رجل) مبتدأ، وما بعده الخبر، ولا يتعدّد الرجل، بل فعلاته (¬4) أو زمانه، أو ما يناسبه. قال: ولا يجوز أن يكون التمييز منفيّا، لا في الخبريّة، ولا في الاستفهاميّة لو قلت: كم رجل، ولا رجلين صحبت؟ أو كم لا رجل، ولا رجلين جاءك؟ لم يجز كما لم يجز ذلك في عشرين، نصّ على ذلك سيبويه (¬5)، ويجوز أن يعطف على (كم) الخبرية بالنفي، تقول: كم شخص أتاني، لا رجل ولا رجلان، وكم فرس ركبت، لا فرسا ولا فرسين أي: كثير أتاني لا رجل ولا رجلان، وكثيرا من - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 355) والهمع (1/ 254) ومغني اللبيب تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (1/ 184). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 355). (¬3) هذا الحكم للاستفهامية دون الخبرية. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 355) وتوضيح المقاصد للمرادي (4/ 314). (¬4) نص هذه العبارة في التذييل والتكميل (4/ 355): «وقد ترفع النكرة بعد (كم) إذا كانت استفهاما، ويكون التمييز محذوفا، وتقدر ما يحتمله من الكلام كقولك: كم رجل جاءك، أي كم مرة أو يوما، ورجل مبتدأ وما بعده الخبر، وإذا رفعت لم يتعدد الرجل، بل تتعدد فعلاته». اه. (¬5) قال في الكتاب (2/ 168): «ولو قلت: كم لا رجلا ولا رجلين في الخبر أو الاستفهام كان غير جائز؛ لأنه ليس هكذا تفسير العدد، ولو جاز ذا لقلت: له عشرون لا عبيد، ولا عبيدين، فلا رجل، ولا رجلين، توكيد لـ (كم) لا للذي عمل فيه؛ لأنه لو كان عليه كان محالا، أو كان نقضا». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأفراس ركبت، لا فرسا ولا فرسين (¬1). ويقال: كم رجل جاءك، لا ثلاثة، ولا أربعة، معطوفة بـ (لا) على (كم) عند بعضهم، والأحسن أن تكون (لا ثلاثة، ولا أربعة) من نعت (كم). اه. ويلتحق بما قدمناه الكلام على بيت الفرزدق المشهور وهو: 1970 - كم عمّة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت عليّ عشاري (¬2) وهذا البيت يروى بجرّ (عمّة)، و (خالة)، ونصبهما، ورفعهما، فالجرّ على أنّ (كم) خبريّة، وهو ظاهر، وأما النصب فقد تكون معه (كم) خبريّة أيضا؛ لأنك قد عرفت مما تقدم أنّ مميز الخبريّة قد ينصب، وأنّ بعضهم ذكر أنّ نصب مميز الخبريّة بدون فصل بينها وبينه لغة تميميّة (¬3) والفرزدق تميميّ، وقد قيل في توجيه النصب: إنّ (كم) استفهامية، ولا شكّ أنّ حقيقة الاستفهام غير مرادة فليكن ذلك استفهاما على سبيل التهكّم، وعلى هذا فالتكثير مراد معها أيضا، كما هو مراد مع الخبريّة، ثمّ (كم) مبتدأ، والخبر عنه (قد حلبت) والضمير في (حلبت) لجملة العمّات والخالات. وأما الرفع فعلى أنّ (عمة) مبتدأ، و (قد حلبت) خبر، لكن (خالة) معطوفة على (عمة) و (حلبت) إنّما يصحّ الإخبار بها عن واحد، لا عن اثنين، فيجب حينئذ تقدير خبر محذوف، لـ (خالة) ليكون الحذف من الثاني لدلالة الأول، وهو أولى من جعل (قد حلبت) خبرا لـ (خالة)، ويكون خبر (عمّة) محذوفا؛ لأنّ الحذف إذ ذاك يكون من الأول، لدلالة الثاني، وهو قليل وإذا كانت (عمّة) مبتدأ، فـ (كم) في محلّ نصب، إما على المصدريّة، والتقدير: كم حلبة، وإما على الظرفية، والتقدير: كم وقت حلبت، والعامل فيها - على التقديرين - (حلبت) (¬4). ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (2/ 168): «وتقول: كم قد أتاني لا رجل ولا رجلان وكم عبد لك، لا عبد ولا عبدان، فهذا محمول على ما حمل عليه (كم)، لا على ما تعمل فيه، كأنك قلت: لا رجل أتاني، ولا رجلان، ولا عبد ولا عبدان .. وهذا جائز في التي تقع في الخبر». اه. (¬2) سبق تخريج هذا البيت. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 341، 486). (¬4) ينظر: شرح جمل الزجاجي - الشرح الكبير - لابن عصفور (2/ 49 - 50)، والإفصاح للفارقي (ص 222)، ومجمع الأمثال (2/ 414)، والتوطئة (ص 285 - 286).

[أحكام مختلفة ل «كم» بنوعيها]

[أحكام مختلفة لـ «كم» بنوعيها] قال ابن مالك: (فصل: لزمت «كم» التصدير، وبنيت في الاستفهام، لتضمّنها معنى حرفه، وفي الخبر لشبهها بالاستفهاميّة لفظا ومعنى، وتقع في حالتيها مبتدأ، ومفعولا، ومضافا إليها، وظرفا، ومصدرا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): أداة الاستفهام منبّهة للمستفهم منه، ومؤذنة بحاجة المستفهم، إلى إبداء ما عنده، فنزلت ممّا في حيّزها منزلة حرف النداء من المنادى في استحقاقه التقدم، فلذلك امتنع تأخيرها، والتزم تصديرها، ولا فرق في ذلك بين (كم) وغيرها، فلذلك وجب رفع صاحب الضمير في نحو: «زيد كم ضربته؟» كما وجب في نحو: «زيد أين لقيته؟» و «بشر متى رأيته؟» والخبريّة جارية مجرى الاستفهاميّة في وجوب التصدير، فلذلك لا يجوز في نحو: «زيد كم دراهم أعطيته» إلّا الرفع، وهي أيضا مساوية لها في وجوب البناء لتساويهما في مشابهة الحرف وضعا وإبهاما. وتنفرد الاستفهامية بتضمّن معنى حرف الاستفهام، والخبرية بمناسبة (ربّ) إن قصد بها التكثير، وبمقابلتها إن قصد بها التقليل، وهو الغالب على (ربّ)، ووقوع (كم) في حالتيها (¬2) مبتدأ (¬3) ومفعولا (¬4)، ومضافا إليها (¬5)، كقولك: - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (2/ 411). (¬2) أي: الاستفهام والخبر، وفي التذييل والتكميل (4/ 382): «أخذ المصنف في ذكر محالها من الإعراب؛ لئلا يتوهم أنها لما أشبهت (رب) كانت حرفا». (¬3) من استعمالها مبتدأة قول العرب: كم رجل أفضل منك، برفع (أفضل)، ولا يقولون رب رجل أفضل منك في فصيح الكلام. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 382). (¬4) في التذييل والتكميل (4/ 387): «يريد: ومفعولا به، سواء تعدى الفعل إليه بحرف جر، أو بنفسه، مثال ما وصل إليه الفعل بنفسه: كم غلاما اشتريت؟ وكم غلام اشتريت، فموضع (كم) نصب على المفعول به، وكأنك قلت: عشرين غلاما اشتريت أم ثلاثين؟ وكثيرا من الغلمان اشتريت، والدليل على أن (كم) مفعول بها أن (اشتريت) فعل متعد إلى واحد، وهو مفرغ للعمل في (كم)؛ لأنه لم يشتغل بغيرها فوجب لذلك أن يحكم عليها بأنها في موضع نصب على المفعول بـ (اشتريت)؛ لأنك لو لم تفعل ذلك لكنت قد هيأت العامل للعمل وقطعته عنه، وذلك غير جائز، ومثال وصول الفعل بحرف جر: على كم مسكين تصدقت؟ أو تصدقت. (¬5) في المرجع السابق، الصفحة نفسها: «مثاله: غلام كم رجل ضربت، ورقبة كم أسير فككت».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كم درهما لك؟ (¬1)، وكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً (¬2) وكم حزبا قرأت؟ وكم من رجال صحبت (¬3)، وحاجة كم رجل قضيت (¬4). ووقوعها في حالتيها ظرفا، ومصدرا (¬5)، كقولك: كم فرسخا سرت؟ وكم فراسخ سرت وكم طعنة طعنت؟ وكم طعنات طعنت. انتهى. قال الشيخ: أما ما ذكره من لزوم (¬6) التصدير في الاستفهام والخبر فعليه مناقشتان فيهما: أمّا في الاستفهام: فإنّه ذكر التزام تصدير (كم) وأنّه لا فرق في ذلك بين (كم) وغيرها (¬7)، وهذا ليس على إطلاقه، كما ذكر، بل بعض أدوات الاستفهام في الاستثبات يجوز ألّا تتصدّر، وأن يتقدمها العامل اللفظيّ غير الجارّ، وذلك (من) و (ما) و (أيّ) فتقول لمن قال: لقيت زيدا - إذا استثبت - لقيت من؟ ولمن قال: أكلت خبزا: أكلت ما؟، ولمن قال: ضربت رجلا: ضربت أيّا؟، ومجوّز ذلك هو أنّ الذي تكلم بالكلام قبلك قد كان أجرى الفعل في كلام، فاستغنيت به عن إعادة آخر مثله، فوقع ذكرك لذلك الفعل كالتكرار، فكأنك لم تذكر قبل أداة الاستفهام فعلا، ولذلك لم يفعلوه إلا في الاستثبات، ولا يجوز ذلك في بقية أدوات الاستفهام، كقول القائل: خرجت يوم الجمعة، فتقول - في الاستثبات -: متى خرجت؟ ولا تقول: خرجت متى؟ وتقول [3/ 83]: سرت ضاحكا، فتقول - في الاستثبات -: كيف سرت؟ ولا تقول: سرت كيف؟ وتقول: قعدت خلف بكر، فتقول - في الاستثبات -: أين قعدت؟ ولا تقول: قعدت أين؟ وتقول - لمن قال: اشتريت عشرين فرسا، إذا استثبتّ -: كم فرسا اشتريت؟ ولا تقول: اشتريت كم فرسا؟ (¬8). - ¬

_ (¬1) هذا مثال لوقوع (كم) الاستفهامية مبتدأ. (¬2) سورة البقرة: 249، وهو مثال لوقوع (كم) الخبرية مبتدأ. (¬3) هذا مثال لوقوع كم الخبرية مفعولا به، وما قبله لوقوع (كم) الاستفهامية مفعولا به. (¬4) هذا مثال لوقوع (كم) مضافا إليه. (¬5) في التذييل والتكميل (4/ 388): «مثال ذلك: كم ضربة ضربت زيدا، وكم ميلا سرت، وكم يوما صمت. (¬6) عبارة الشيخ أبي حيان: «من لزوم (كم) التصدير» التذييل والتكميل (4/ 376). (¬7) يعني: أنه لا فرق بين (كم) وغيرها من أدوات الاستفهام، في لزوم التصدير، وفي المساعد لابن عقيل (2/ 113) تحقيق د/ بركات: «لزمت (كم) التصدير، استفهامية كانت أو خبرية». (¬8) من أول قوله: «وأما ما ذكره من لزوم التصدير» إلى هنا من كلام الشيخ أبي حيان. التذييل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يجيء ذلك في (كم) في العطف، حكى من كلامهم: قبضت عشرين وكم؟ (¬1)، إذا استثبتّ من قال: قبضت عشرين كذا وكذا، ومحسّن ذلك هو أنّه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه، فهذه مناقشة على المصنّف، في نفس (كم) إذا جاز تقدم العامل عليها في العطف، وكونها لم تلزم الصدر وعلى قوله: ولا فرق في ذلك بين (كم) وغيرها، وقد بينّا الفرق بينها وبين بعض أدوات الاستفهام، في كون (أيّ) و (من) و (ما) للاستفهام، يجوز ألّا تقع صدرا، وأن يتقدم العامل عليها في الاستثبات. وأما في الخبرية: فإنّه ذكر أنّ الخبرية تجرى مجرى الاستفهاميّة، في وجوب التصدير، وهذا الذي ذكره بالنسبة إلى أشهر اللغات، وأما في بعض اللغات فإنّه يجوز ألّا تتصدّر ويتقدمها العامل، فتقول: فككت كم عان وملكت كم غلام. وهي لغة قليلة، وهذه اللغة (¬2) القياس؛ لأنّها بمعنى (كثير) (¬3) وهذه اللغة حكاها الأخفش، ثمّ منهم من أجاز القياس عليها (¬4)، ومنهم من منعه؛ لأنّها من القلّة بحيث لا يلتفت إليها. ناقض قول المصنّف أيضا: إنها لزمت التصدير قوله - بعد حين ذكر محال إعرابها -: ومضافا إليها، فإنّها إذا كانت مضافا إليها لم تلزم التصدير، إذ قد تقدّمها ما عمل فيها، وما انخفضت بسببه، وكذلك إذا دخل عليها حرف جرّ لم يلزم التصدير، نحو: «بكم درهم اشتريت ثوبك؟»؛ لأنه دخل عليها عامل، فخفضها، فكان ينبغي أن يقيد كلامه فيها، فيقول: (كم) لزمت التصدير، إلا إذا أضيف إليها أو دخل عليها حرف جرّ، أو كانت استفهاما، وعطفت في الاستثبات فإنّه يجوز ألا تتصدر، أو كانت خبرا في اللغة الشهيرة، - ¬

_ - والتكميل (4/ 376). (¬1) تراجع هذه الحكاية في التذييل والتكميل (4/ 377). المرجع السابق. وفي المساعد لابن عقيل (2/ 114) تحقيق بركات: «قد جاء في الاستفهامية عند الاستثبات تقديم العامل عليها معطوفة، حكى من كلامهم: قبضت عشرين وكم؟ في استثبات قائل: قبضت عشرين كذا وكذا. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 377): «... كانت القياس». (¬3) ينظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها، والمساعد لابن عقيل (2/ 114). (¬4) في التذييل والتكميل (4/ 377): «فإذا قلت: كم عان فككت فالمعنى: كثير من العناة فككت، فكما يجوز فككت كثيرا من العناة، وهو الأصل، أعني تقديم العامل هنا، فكذلك كان ينبغي أن يجوز في (كم) الخبرية».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما في اللغة الأخرى فيجوز ألا تتصدر (¬1). انتهى كلام الشيخ. والموجب لذكره المناقشتين المذكورتين هو أنّ أبا الحسن ابن عصفور - رحمه الله تعالى - قال في شرح المقرب (¬2): إنّ العامل قد يتقدم في الاستثبات على (من) و (ما) و (أيّ)، ومثل لذلك وأردفه بكلام متعلق بالمسألة، لكنّه قال: إنّ هذا مذهب الكوفيّين، وإنّ مذهب البصريين أنّ أسماء الاستفهام كلّها لها الصدر في الاستثبات وغيره»، قال: ولم يحفظوا من تقديم الكلام عليها، في الاستثبات إلّا قول بعض العرب: ضرب من منّا؟ وهو عندهم شذوذ. وقال أيضا في الشرح المشار إليه: إنّ (كم) الخبرية في لغة غير فصيحة يعمل فيها العامل المتقدم عليها، وذكر أنّ الأخفش حكى هذه اللغة. والحقّ أنّ هاتين المناقشتين لا تتوجّهان على المصنّف: أما الأولى: فلأنّ تقديم العامل على ثلاث الكلمات - في الاستثبات - إن ثبت عن العرب فإنّ التكلم به يكون في غاية القلّة، على أنّه مع ذلك مذهب الكوفيّين، لا مذهب البصريّين، كما ذكر ابن عصفور، ثم إنّ ذلك لا معول عليه عند أرباب الصّناعة، فكلام المصنف حينئذ جار على مذهب البصريّين، وعلى المعروف المشهور، وبتقدير أن يكون ذلك من مذهب البصريّين، فهو في غاية الندارة، وإذا كان بهذه الحيثية فكيف يذكره المصنف؟ بل أقول: لو تعرّض المصنف لذكر ذلك لكان الشيخ يردّ عليه بأن هذا الذي ذكره مذهب كوفي، ويشنّع عليه بذلك، كما فعل هذا في أماكن عدة من هذا الكتاب. وأما الثانية فلأنّ اللغة التي تنسب إلى حكاية الأخفش، إن ثبتت فهي غير فصيحة؛ لأنّ ابن عصفور قال: اللغة الشهيرة هي الفصيحة، ثم إنّها لا معول عليها، وإذا كان كذلك فكيف يناقش المصنف في أنه لم يذكر لغة ضعيفة؟. وأما قول الشيخ: ويناقض قول المصنف: إنّها لزمت التصدير قوله - بعد ذلك -: وتقع مضافا إليها، فإنّها إذا كانت مضافا إليها لم تلزم التصدير؛ إذ قد يتقدمها ما - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 379). (¬2) كتاب مفقود لابن عصفور وقد بحثنا عنه كثيرا فلم نجده وأما شرح المقرب الموجود فهو للدكتور علي محمد فاخر، فك به طلاسم المقرب في عدة أجزاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمل فيها، وكذلك إذا دخل عليها حرف الجرّ لم يلزم التصدير، نحو: «بكم درهم اشتريت ثوبك؟» (¬1). اه. حتّى (قال) (¬2): كان ينبغي للمصنف أن يستثني هاتين الصورتين من الحكم بلزوم التصدير (¬3)، فالجواب عنه أن يقال: تقدّم عامل الخفض كلا تقدّم، لعدم استقلاله؛ لأنّ الخفض - إن كان بالإضافة فالمضاف لا بدّ له من عامل فيه: لأنّ الجملة إنّما يتصور وجودها به، فهو الذي يصير اللفظ جملة، فتقدم الاسم على هذا العامل كاف في التصدير، وتقدم المضاف لازم؛ لأنه عامل جرّ، وعامل الجرّ لا يمكن تأخره، فإذا ذكر مقدما كنّا قد وفينا حقّ الخافض بتقديمه، وحقّ الاسم الذي يستوجب التصدير بتصديره؛ لأنه تقدّم على العامل في المضاف، وذلك العامل هو العمدة في تصيير اللفظ جملة، وإن كان بالحرف فالأمر أقرب؛ لأنّ الحرف إنّما هو موصل معنى العامل إلى الاسم الذي دخل عليه، فالاسم إنما هو معمول للعامل الذي تعلق حرف الجرّ به، ولا شكّ أنّه مؤخر عن الاسم، وإنّما قدّم الحرف؛ لأنّ الخافض لا يكون مؤخرا، وإذا كان كذلك فكلّ من المضاف إليه في نحو: «غلام من أكرمت؟» والمجرور بحرف، نحو: «بكم درهم اشتريت ثوبك؟» (¬4)، مصدّر على جملته، بل على عامله أو على العامل فيما أضيف إليه، وإذا كان كذلك كان كلام المصنّف صحيحا، ولا تناقض فيه وليعلم أنّ معنى قول المصنّف - في المتن -: إنّ (كم) [3/ 84] الخبرية شابهت الاستفهامية معنى، مع مشابهتها لها لفظا، وهو أنّ (كم) الخبرية كناية عن عدد مبهم، كما أنّ (كم) الاستفهامية كذلك، فالمراد المشابهة المعنويّة، ذلك، وإلا فمدلول الخبرية غير مدلول الاستفهامية، ثم إنّ في قوله - في الشرح -: وهو الغالب على (ربّ) بعد قوله: وبمقابلتها إن قصد به التقليل ينافي قوله - في باب حروف الجرّ -: والتعليل بها - يعني (ربّ) - نادر. والذي تلخّص في الموجب لبناء (كم): أمّا إذا كانت استفهامية فلتضمّنها معنى - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 379). (¬2) ما بين القوسين من الهامش. (¬3) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 379)، وشرح المصنف (2/ 421)، والمساعد لابن عقيل (2/ 114) تحقيق بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف الاستفهام (¬1)، وأما إذا كانت خبرية فلمشابهتها الاستفهاميّة (¬2)، وقال الشيخ: وزعم بعضهم أنّ (كم) الخبرية بنيت لشبهها بـ (ربّ) في أن كل واحدة منهما تستعمل في المباهاة والافتخار، ولذلك عطفت (كم) على (ربّ) قال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير (¬3): 1971 - فإن تكن الأيام شيّبن مفرقي ... وكثّرن أشجاني وفللن من غربي فيا ربّ يوم قد شربت بمشرب ... شفيت به عنّي الظما بارد عذب وكم ليلة قد بتّها غير آثم ... بساجية الحجلين مفعمة القلب (¬4) وقد فهم من كلام المصنف أنّ بناء (كم) الخبرية قد يعلّل بأنّ (كم) حملت على (ربّ) وأنّ (ربّ) للتقليل، و (كم) للتكثير، وهذا هو الذي أراده بقوله: ومقابلتها إن قصد بها التقليل. يعني أنّ (كم) قابلت (ربّ)؛ لأنّ (كم) - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 380): «لما تضمنت معنى همزة الاستفهام بنيت». اه. وفي المساعد لابن عقيل (134 / أ) «وبنيت في الاستفهام لتضمنه معنى حرفه، وهو همزة الاستفهام، وبذلك علل النحويون بناءها». اه. (¬2) قال ابن مالك في شرح التسهيل (2/ 422): «وهي أيضا - يعني الخبرية - مشابهة لها - أي الاستفهامية - في وجوب البناء، لتساويهما في معنى الحرف، وضعا وإبهاما». اه. (¬3) هو شاعر وابن شاعر، وابن عم جرير الشاعر المشهور، تنظر ترجمته: في: ترجمة الأنساب (ص 226) وينتهي نسبه إلى بني كليب بن يربوع. (¬4) الأبيات من بحر الطويل، وقد أنشدها الشاعر في مولاة لبني الحجاج. اللغة: الغرب: حد الشيء، والدمع، كما في القاموس مادة (غرب) والقلب: - بضم القاف ولام ساكنة - سوار المرأة. والأبيات الثلاثة في أمالي القالي (2/ 60) مع اختلاف الرواية في بعض الألفاظ، يروى: «فإن يصبح الأيام .. وأذهبن أشجاني .. شفيت به غيم الصدى .. ومن ليلة قد بتها»، بدل «وكم ليلة» وعلى ذلك فلا شاهد هنا، وروي: «بناحية الحجلين»، وروى: «ريانة القلب»، و «منعمة القلب». والشاهد هنا: قوله: «فيا رب يوم قد شربت» و «وكم ليلة قد بتها»؛ حيث عطفت (كم) على (رب) واستعملت (كم) و (رب) في معنى المباهاة، إذ يفتخر بكثرة الجواري اللاتي تمتع بهن، ولهذا زعم بعضهم أن سبب بناء (كم) هنا شبهها بـ (رب)، كما في هذه الأبيات. ينظر الشاهد في توضيح المقاصد للمرادي (3/ 327)، والأشموني (4/ 80)، والتذييل والتكميل (4/ 381).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للتكثير، كما أنّ (ربّ) للتقليل (¬1) ثم إنّك قد عرفت أنّ المصنف ذكر أنّ (كم) في حالتيها (¬2) تقع في خمسة مواضع من محالّ الإعراب، فتكون مبتدأة، ومفعولا بها، ومضافا إليها، وظرفا، ومصدرا، وتقدمت الأمثلة لذلك. غير أنّ الشيخ تعرض لذكر أمور يقتضي الحال إيرادها: منها: أنّه قال: إذا كانت مبتدأة، فالأحسن في خبرها أن يكون فعلا، واسما نكرة، نحو قولك: كم رجل قام؟ وكم رجل ذاهب؟ وكم رجال قاموا؟ وكم رجال ذاهبون؟ ويقبح أن يكون خبرها اسما معرفة، نحو: كم رجال قومك؟ وكم غلمان غلمانك؟، يريد قوما معهودين، أو غلمانا معهودين (¬3)، وكذلك لا يحسن أن يخبر عنها بالظرف، ولا بالمجرور؛ لأنّ في ذلك ضربا من التخصيص، ألا ترى أنّ قولك: كم غلمان لك؟ معناه معنى قولك: كم غلمان غلمانك؟ سواء بسواء فضعف لذلك (¬4). وقد يحذف الخبر إذا دلّ عليه دليل، كقوله: 1972 - وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى (¬5) - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 381): «وقيل: حملت - يعني كم - على (ربّ) في البناء؛ لأن (ربّ) للتقليل و (كم) للتكثير، والشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره». اه. (¬2) يعني الاستفهام والخبر. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 384): «فإن لم ترد ذلك بل أردت أن تقول: كم رجال هم قومك؟ وكم غلمان هم غلمانك؟ جاز ذلك». اه. (¬4) في المرجع السابق الصفحة نفسها: «ومما يبين لك أنّ الأحسن في خبرها أن يكون مبهما أنه لا يجوز الإخبار عنها بالمؤقت، لو قلت: كم رجل عشرون، وكم امرأة ثلاثون، لم يسغ ذلك؛ لأنّ الإخبار عنها بالمؤقت ينافي ما وضعت له من الإبهام». اه. وفي الهمع (2/ 75): «فيقبح الإخبار عنها بمعرفة وظرف، ويمنع بمؤقت». اه. (¬5) البيت من الطويل، قائله الشاعر المشهور عمر بن أبي ربيعة المخزومي في بنت مروان بن الحكم، وكانت قد حجت، وباقي القصة في الحلل. ينظر: الشعر والشعراء (2/ 557)، والبيت في ديوانه (ص 8) طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب برواية: ومن مالئ عينيه من شيء غيره ... ... ولا شاهد هنا على هذه الرواية. ورواية سيبويه (1/ 165)، والأعلم (1/ 83)، والأغاني (1/ 62)، (8/ 53)، كرواية الديوان، ويروى (البيض) بالرفع وهو المشهور، ويروى (البيض) بالخفض على -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنّه قال: في الحجّ أو بمنى، لدلالة الكلام عليه (¬1). انتهى. أما قوله: إنّ المعرفة يصحّ وقوعها خبرا عن (كم)، فغير ظاهر؛ لأنّ سيبويه جعل (مالك) خبرا عن (كم) في نحو: كم مالك مع إمكان أن يكون (كم) في هذا التركيب خبرا، و (مالك) مبتدأ، فكيف ترك سيبويه الأمر الجائز، بل الظاهر، الذي هو الأصل - وهو جعل النكرة خبرا عن المعرفة، إلى شيء فيه قبح هذا أمر فيه بعد، وأما أنّ الإخبار عنها بالظرف والمجرور لا يحسن فلم يظهر لي عدم حسنه؛ لأنّني لم أتحقق العلة التي ذكرها، وهي قوله: إنّ في ذلك ضربا من التّخصيص (¬2)، وأمّا قوله: «وأنّ معنى قولك: كم غلمان لك؟ كم غلمان غلمانك (¬3)»، فغير ظاهر؛ فإنّ المعنى: كثير من الغلمان استقرّ لك، ويلزم من ذلك أن الغلمان المستكثرة غلمانه، فيستفاد من الكلام أنّ الغلمان الذين له كثيرون. ومنها: أنّه قال: ذكر المصنف لـ (كم) خمسة مواضع من الإعراب، وترك ثلاثة. أحدها: أن يكون خبرا للمبتدأ، نحو: كم درهمك؟ في أحد الوجهين، يعني إذا لم تجعل (كم) مبتدأ (¬4). الثاني: أن يكون خبرا لـ (كان) وأخواتها المتصرفة في معمولها، نحو: كم غلاما كان غلمانك، وكم كريم كان قومك. - ¬

_ - البدل من (شيء)، كأنه قال: وكم مالئ عينيه من البيض كالدمي. ينظر: الحلل (116). اللغة: من شيء غيره: يعني نساء غيره، الجمرة: موضع رمي الجمار بمنى، وسميت جمرة العقبة، والجمرة الكبرى، وهي تلي مكة من آخر منى، والبيض: النساء البيض، والدمى: جمع دمية، الصور، تشبه النساء بها، لما يبذل في تحسينها، ولما لهن من الوقار. والمعنى: وكم مالئ عينيه من النظر إلى نساء غيره الجميلات، إذا راح لرمي الجمرة بمنى. فالشاهد: في قوله: «وكم مالئ عينيه من شيء غيره»؛ حيث حذف خبر (كم) كأنه قال: في الحج، أو بمنى؛ لوجود الدليل على الخبر، وهذا الشطر الثاني من البيت. وينظر الشاهد أيضا في التذييل والتكميل (4/ 386)، والجمل للزجاجي (ص 97)، وأمالي المرتضي (ص 506)، والكامل للمبرد (2/ 10). (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 386). (¬2) ينظر: المرجع السابق (4/ 384)، والهمع (2/ 75). (¬3) ينظر: المرجع قبل السابق الصفحة نفسها، والهمع (2/ 75). (¬4) في المرجع السابق (4/ 388): «فإنه يجوز أن تعرب (كم) مبتدأ، ويجوز أن تعرب خبرا، و (درهمك) هو المبتدأ، وهو أقيس الوجهين». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أن تكون مجرورة بحرف جرّ (¬1)، نحو: بكم درهم اشتريت ثوبك؟ وبكم جارية تمتعت؟ ولكم عرض قصدتني؟ (¬2). انتهى. وهذه الثّلاثة التي ذكرها هي اثنان لا غير؛ لأنّ خبر (كان) وأخواتها دخل تحت قوله: أن يكون خبرا لمبتدأ. ثمّ العذر عن المصنّف في أنّه لم يذكر هذين الموضعين، أما المجرورة بحرف، فهي مندرجة في قول المصنف: ومفعولا بها؛ لأنّ الحرف إنّما هو متعدّ للعامل، ولهذا يقال: المجرور في موضع نصب، وإذا سقط الحرف لضرورة أو غيرها انتصب الاسم. وأما كونها خبرا لمبتدأ فلا شكّ أنّها نكرة، والأصل في الخبر التنكير، فنحن، في نحو: كم دراهمك؟ - نعرب (كم) خبرا، ولولا قول الأئمة بجواز الابتداء في هذا التركيب بـ (كم) لما أقدم عليه (¬3)، فلمّا كان كونها خبرا هو الأصل لم يحتج المصنف إلى ذكره، واحتاج أن ينبّه على وقوعها مبتدأ من جهة أنّ الابتداء بالنكرة خلاف الأصل، أو يقال: مراد المصنف التنبيه على أنّ (كم) تقع عمدة، وتقع فضلة، فاكتفى بالعمديّة بذكر المبتدأ؛ لأنه الأصل في العمد، وما صحّ وقوعه مبتدأ صحّ وقوعه خبرا؛ إذ لم تلزم ابتدائيته، وعلى هذا لا يحتاج إلى أن يذكر وقوعها خبرا، وإنّما ذكر المصنف وقوعها مصدرا، أو ظرفا مع أنهما من الفضلات كالواقعة مفعولا بها ليحصر المواضع التي تقع (كم) فيها منصوبة، فيعلم منها أنّها لا تقع منصوبة في غير ما أشار إليه (¬4)، ولهذا قالوا: إنّها لا تكون مفعولا لها؛ لأنّها ليست مصدرا، ولا مفعولا معه. - ¬

_ (¬1) بشرط أن يكون ذلك الحرف متعلقا بالفعل بعدها، ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬2) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها حيث قال بعد ذلك: «إلا أنّ من قاس على اللغة التي حكاها الأخفش في الخبرية، من أنه يتقدم عليها العامل» في نحو: ملكت كم غلام؟ يجوز في قوله أن يتقدم هنا الفعل، الذي يتعلق به حرف الجر، فتقول: تمتعت بكم جارية؟». اه. وفي توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 333): «وحكى الأخفش أن بعض العرب يقدم العامل على (كم) الخبرية، فيقول: ملكت كم غلام. فقيل: هي من القلة بحيث لا يقاس عليها، والصحيح أنه يجوز القياس عليها وأنها لغة». اه. (¬3) ينظر: المرجع قبل السابق الصفحة نفسها، وشرح التسهيل للمرادي (179 / ب)، وحاشية الصبان (4/ 83). (¬4) ينظر: الهمع (2/ 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنّه (¬1) ذكر مسائل: الأولى: قال: تقول - في الاستفهامية -: كم مالك إلا درهمان؟ وكم عطاؤك إلا عشرون؟ إذا كنت تستقلّه كما تقول: هل الدنيا إلا ظلّ زائل؟ فما بعد (إلّا) بدل، ترفعه إذا كانت (كم) رفعا، وتنصبه إذا كانت نصبا نحو: كم أعطيت إلا درهما؟ وتجرّه إذا كانت جرّا، نحو: بكم أخذت [3/ 85] ثوبك إلا بدرهم؟ ولا يكون هذا البدل في الخبريّة؛ لأنّه استثناء من موجب (¬2). انتهى. ويعطي كلامه أنّ الاستفهام في: «كم مالك إلا درهما؟» مراد، وليس بظاهر، فإنّ تقدير: «كم مالك إلا درهما؟»: أيّ شيء مالك إلا درهما؟ والمراد بهذا الاستفهام النفي، فالمعنى: ما لك شيء إلا درهما، ومن ثمّ جاز الإبدال؛ لأنه إنّما يجوز بعد كلام تضمن نفيا، أو معنى النّفي، وتنظيره المسألة بقولهم: هل الدنيا إلا ظلّ زائل؟ تحقق أنّ المراد بقولك: «كم مالك إلا درهمان؟»: النفي؛ لأنّ معنى: «هل الدنيا إلا ظلّ زائل؟»: ما الدّنيا إلا ظلّ زائل، وإذا كان الأمر كذلك فلا حاجة إلى التنبيه على هذه المسألة؛ لأنّه أمر لا يجهل، وكذا لا حاجة إلى قوله: ولا يكون ذلك في الخبريّة (¬3). الثانية: قال: وتقول في الخبريّة: كم رجل جاءك، لا رجل ولا رجلان؛ فيعطف على (كم) بـ (لا)؛ لأنّ الكلام موجب، ولا يكون هذا في الاستفهامية؛ لأنّ (لا) لا يعطف بها في الاستفهام (¬4). انتهى. هذا أيضا من الأمور الواضحة. الثالثة: قال: وتمييز (كم) يجوز دخول (من) عليه، سواء كان متصلا بها، أم متأخرا عليها، وسواء كانت خبرية أم استفهامية، إلّا إذا دخل على (كم) الاستفهامية حرف - ¬

_ (¬1) يعني الشيخ أبا حيان. (¬2) ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 390). (¬3) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جرّ، فلا يدخل (من) على التمييز حينئذ؛ لأنّ الحرف الداخل على (كم) جعل عوضا من (من) فلا يجمع بينهما (¬1). انتهى وهذا أيضا من الأمور التي لا تخفى. الرّابعة: قال: (كم) لفظها مفرد ومعناها الجمع، واللفظ يتبع تمييزها في التذكير والتأنيث، تقول: كم رجل لقيته، وكم امرأة رأيتها، قال تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (¬2) ويتبع المعنى فيكون العائد جمعا، فيقال: كم رجل رأيتهم، وكم امرأة رأيتهنّ، وقال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً (¬3)، ومتى كان التمييز جمعا - وذلك في الخبريّة - تعيّن أن يكون الضمير العائد ضمير جمع، كقوله: 1973 - كم ملوك باد ملكهم ... ... (¬4) ولا يجوز أن يعود مفردا. انتهى. وقد ذكر المصنف هذه المسألة - أعني أنّ (كم) لها لفظ ولها معنى - في باب الموصول. - ¬

_ (¬1) عبارة التذييل والتكميل (4/ 391): «... فلا يجوز أن تدخل على تمييزها (من)؛ لأن ذلك الحرف جعل عوضا من (من) فلا يجتمعان». اه. (¬2) سورة الأعراف: 4. (¬3) سورة النجم: 26. وفي المرجع السابق الصفحة نفسها: «والحمل على اللفظ هو الأقيس؛ لأن الضمير والمظهر من قبيل الألفاظ». اه. (¬4) البيت لعدي بن زيد العبادي، وهو من المديد. ينظر: ديوانه (ص 131) تحقيق محمد عبد الجبار المعيبيد طبعة بغداد سنة (1965 م) لكن روايته في الديوان: كم ملوك بار ملكهم ... ونعيم سوقه بارا وهو في حاشية مجاز القرآن لأبي عبيدة (2/ 153) منسوب إلى عدي بن زيد العبادي وبنفس رواية الديوان. وقال العيني: لم أقف على اسم قائله. اللغة: باد: هلك، ونعيم: - بالجر - عطفا على ملوك، تقديره: وكم نعيم سوقه، والمعنى: كثير من الملوك هلك ملكهم، وكم من نعيم بار سوقه. والشاهد فيه: قوله: «كم ملوك باد ملكهم»؛ حيث إنّ تمييز (كم) الخبرية هنا جمع، ولذلك كان الضمير العائد ضمير جمع، وهو (هم) في (ملكهم)، وهذا باعتبار معنى (كم)؛ لأن معناها الجمع، وإن كان لفظها مفردا، ولا خلاف في جواز هذا وحسنه وكثرته. ينظر الشاهد في: العيني (4/ 495)، والتذييل والتكميل (4/ 358، 391)، والشرح الكبير لابن عصفور (2/ 33)، والأشموني (4/ 80)، والهمع (1/ 254)، والدرر (1/ 211)، وشرح الألفية للمرادي (4/ 336).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخامسة: قال: لا تستعمل (كم) - يعني الخبرية - و (ربّ) إلّا في الماضي، والمستقبل المتحقّق الوقوع، تقول: كم غلام لقيته، وربّ عالم لقيته، ولا تقول: كم غلام ألقاه، ولا: ربّ غلام سألقاه، وقال تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬1) فـ «يودّ» مستقبل متحقّق الوقوع، ثابت، كما أنّ الماضي كذلك، قال الشاعر: 1974 - فإن أهلك فربّ فتى سيبكي ... عليّ مهذّب رخص البنان (¬2) ولو وقعت (كم) هنا - فقيل: كم فتى سيبكي - لساغ ذلك (¬3). اه. السادسة: قال: قول القائل - ويعزى إلى الحجّاج بن يوسف (¬4) -: كم ترى الحروريّة رجلا (¬5) - يحتمل أن تكون (كم) فيه استفهامية، أو خبرية، وكلاهما لأبي علي، وتروى مبنية للمفعول، فإنّ أعملت فالضمير المستكنّ فيها هو المفعول الأول، - ¬

_ (¬1) سورة الحجر: 2. (¬2) البيت من الوافر، وقائله: جحدر بن مالك من بني حنيفة من اليمامة، وكان لصّا مبرزا فتاكا شجاعا، وتنظر ترجمته في الخزانة (7/ 463) تحقيق الأستاذ/ عبد السّلام هارون. وروي (مخضب) بدل (مهذب) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 393)، رخص: ناعم، البنان: طرف الإصبع. والشاهد: في قوله: «فرب فتى سيبكي»؛ حيث جاز وقوع الفعل الدال على المستقبل بعد (رب) ولو وقعت (كم) بدل (رب) لساغ ذلك. ينظر الشاهد أيضا في: أمالي القالي (1/ 282)، والتوطئة للشلوبين (ص 228)، والبحر المحيط (5/ 444)، وشواهد التوضيح لابن مالك (ص 106). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 393). (¬4) هو الحجاج بن يوسف الثقفي المشهور، وهو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل ابن مسعود، ينتهي نسبه إلى بني عوف بن ثقيف، وقد أمر بقتل ابن الزبير رضي الله عنه وقد صلبه بمكة سنة (13 هـ) فولاه عبد الملك بن مروان الحجاز ثلاث سنين، ثم ولاه العراق فوليها عشرين سنة، وقد ظلم أهلها، توفي بواسط، ودفن بها، وقد عفى قبره، وكان موته سنة (95 هـ). تنظر ترجمته في: جمهرة الأنساب (ص 267)، ووفيات الأعيان (2/ 29، 54)، ترجمة (149). (¬5) في المقتصد في شرح الإيضاح قول أبي علي الفارسي: «وتقول: كم ترى الحرورية رجلا، إذا أعملت (ترى) كأنك قلت: أعشرين رجلا ترى الحرورية؟ وإن شئت ألغيت فقلت: كم ترى الحرورية رجلا». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (كم) هي الثاني، و (الحرورية) هو الثالث، وإن ألغيت فـ (كم) في موضع رفع على الابتداء، والحرورية خبر، ويجوز العكس، و (رجلا) في الحالين تمييز، قد فصل بينه وبين (كم). والأحسن: كم رجلا ترى الحرورية؟ أو كم رجل ترى الحرورية، والحرورية صنف من الخوارج، ويقال: إن عليّا (¬1) أسماهم بذلك، نسبة إلى (حروراء) قالوا فيها: حروريّ (¬2) وهو من شاذ النسب (¬3). السابعة: قال: تقول: بكم ثوبك مصبوغا؟ النصب على الحال، وهو يسأل: كم يساوي الثوب في تلك الحال؟ و (ثوبك) مبتدأ و (بكم) خبره، وإن قلت: بكم ثوبك مصبوغ؟ فالمعنى: بكم صبغ الثوب؟ فـ (ثوبك) مبتدأ و (مصبوغ) خبره، و (بكم) متعلق بـ (مصبوغ) (¬4). انتهى، ثم قد بقي الكلام على مواضع (كم) من الإعراب، بالنسبة إلى التراكيب الواقعة فيها (¬5): فاعلم أنّ (كم) إن تقدّمها حرف جرّ فهي مجرورة به، وكذا إن تقدمها مضاف إليها وإلّا: فإن كانت كناية عن مصدر، أو ظرف زمان، أو ظرف مكان، فهي منصوبة على المصدر، أو الظرف، وإلّا (¬6): فإن لم يلها فعل، أو وليها فعل لازم، أو مقدر رافع ضميرها، أو مسببها فهي مبتدأ، وإن وليها فعل متعدّ، ولم يأخذ مفعوله، فهي معمولة له. وإن أخذه فهي مبتدأ، إلا أن يكون ضميرا يعود عليها ففيها الابتداء، والنصب بفعل مضمر، فتكون المسألة إذا من باب الاشتغال (¬7). ثمّ حرف الجرّ الداخل على (كم) يتعلق بالعامل الذي بعد (كم)، وأما المضاف إليها فحكمه في الإعراب حكم (كم) كما ذكرناه آنفا. - ¬

_ (¬1) هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، كرم الله وجهه، تنظر ترجمته في: كتاب نسب قريش (ص 39). (¬2) في القاموس مادة «حرر»: حروراء كجلولاء، وقد تقصر، قرية بالكوفة، وهو حروري بين الحرورية». (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 394). (¬4) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها، ودرة الغواص (ص 264)، مسألة رقم (202). (¬5) في هذه المسألة التالية يتكلم الشيخ أبو حيان عن مواضع (كم) من الإعراب بالنسبة إلى التراكيب الواقعة فيها. (¬6) عبارة التذييل والتكميل (4/ 395): وإن لم يكن كناية عن ذلك». اه. (¬7) هذه المسألة من كلام الشيخ أبي حيان نقلها العلامة ناظر الجيش هنا، مع تصرف كثير في النقل، ولذا يحسن الرجوع إليها في التذييل والتكميل (4/ 395).

[«كأين» و «كذا» وأحكامهما]

[«كأيّن» و «كذا» وأحكامهما] [3/ 86] قال ابن مالك: (فصل: معنى «كأيّن» و «كذا» كمعنى «كم» الخبريّة، ويقتضيان مميّزا منصوبا، والأكثر جرّه بـ «من» بعد «كأيّن» وتنفرد من (كذا) بلزوم التصدير، وأنّها قد يستفهم بها، ويقال: كيء، وكاء، وكأي، وقلّ ورود (كذا) مفردا، أو مكررا بلا واو، وكنى بعضهم بالمفرد المميز بجمع عن ثلاثة وبابه، وبالمفرد المميز بمفرد، عن مائة وبابه، وبالمكرر دون عطف عن أحد عشر وبابه، وبالمكرر مع عطف عن أحد وعشرين وبابه). ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنّ هذا الذي ذكرناه لا يختصّ بـ (كم) بل كلّ اسم له تصدّر الكلام، كأسماء الشرط، وأسماء الاستفهام، فإنّ لها في الإعراب في مواضعها من الأحكام ما ذكر لـ (كم) غير أنّ أسماء الشرط لا يليها إلا الأفعال، بخلاف (كم) وأسماء الاستفهام، فلا فرق بين أسماء الشرط، وغيرها ممّا له الصدر، إلا هذا الذي ذكرناه. ثم إنّ الشيخ ختم الكلام على هذا الفصل بمسألة: وهي أنّ جواب (كم) الاستفهاميّة يجوز أن يكون مرفوعا، وإن اختلف موضع كلّ من الرفع، والنّصب والجرّ، ويجوز أن يكون على حسب موضعها، وهذا هو الأولى والأجود، مثال ذلك: كم عبدا دخل في ملكك؟ وكم عبدا اشتريت؟ وبكم عبدا استعنت؟ ويجوز في جواب هذه كلّها أن تقول في المثال الأوّل: عشرون، وفي الثاني: عشرين، وفي الثالث: بعشرين، وكذلك إذا كانت ممّا يسوغ فيها الاشتغال، نحو: كم عبدا اشتريت؟ يكون الجواب مرفوعا إن اعتقدت أنّ (كم) مبتدأ، وإن اعتقدت أنها منصوبة بإضمار فعل يكون في الجواب الرفع والنصب (¬1). انتهى. وما ذكره واضح لو لم يذكره؛ لأنّ جملة الجواب لا يجب مطابقتها لجملة السّؤال، فتجاب الجملة الفعليّة بالاسمية، كما تجاب بمثلها، ومعلوم أنّ التوافق بينهما أولى من التخالف، ولا شكّ أنّ هذا من المسائل المقرّرة المعروفة عند النحاة. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): قد تقدّم أنّ (كم) الخبرية اسم يقصد به الإخبار على سبيل التكثير، وأنّها مفتقرة إلى مميز، كمميز عشرة ومائة وكمميز مائة - ¬

_ (¬1) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 422).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى، وذكرت الآن أنّ معنى كأيّن وكذا كمعناها، فكان حقّهما أن يضافا إلى مميزهما، كما تضاف (كم) التي تساويها في المعنى إلى مميّزها. لكن منع من إضافة (كأيّن) أنّها لو أضيفت لزم نزع تنوينها، وهي مستحقة للحكاية؛ لأنّها مركبة من كاف التشبيه وأيّ فكانت بمنزلة (يزيد) مسمّى به، فإنّه يلزم أن يجرى مجرى الجملة المسمّى بها، في لزوم الحكاية، والمحافظة على كلّ جزء من أجزائها، فيقال - فيمن اسمه (يزيد) -: هذا يزيد، ورأيت يزيد، ونظرت إلى يزيد، وكذلك يقال في زيد لو سمّي به، فلو جعل (من زيد) اسما لجاز فيه ما جاز في (يزيد) من الحكاية، وجاز أيضا أن يحرّك منه نون (من) بحركات الإعراب ويضاف إلى (زيد)، ولاستيفاء الكلام على هذا وشبهه موضع هو به أولى (¬1). وأمّا (كذا) ففيها ما في (كأيّن) من التركيب الموجب للحكاية، وفيها زيادة مانعة من الإضافة، وذلك أنّ عجزها اسم لم يكن له قبل التركيب نصيب في الإضافة فأبقي على ما كان عليه، والأكثر جرّ مميّز (كأيّن) بـ (من) كقوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (¬2) ومن نصب مميّزها قول الشّاعر: 1975 - اطرد اليأس بالرجا فكأيّن ... آملا حمّ يسره بعد عسر (¬3) وأما (كذا) فلم يجئ مميزها إلّا منصوبا كقول الشاعر: 1976 - عد النّفس نعمى بعد بؤساك ذاكرا ... كذا وكذا لطفا به نسي الجهد (¬4) - ¬

_ (¬1) في المساعد لابن عقيل (2/ 116) تحقيق د. بركات: «ولا يجوز أن يضافا - يعني: كأين وكذا - إلى المميز، ولا إلى غيره؛ لأن المركب محكي، والإضافة تقتضي نزع التنوين، فتفوت الحكاية». اه. (¬2) سورة يوسف: 105. (¬3) البيت من الخفيف، ولم أهتد إلى قائله. اللغة: اطرد: أمر من طرد يطرد كقتل يقتل، واليأس: القنوط، الرجاء: الأمل، حمّ: قدّر، والمعنى لا يقنط، وترج حصول الفرج بعد الشدّة فكم من صاحب أمل قدر الله غناه بعد فقره، ويروى البيت بمد الرجاء وكائن، وقصرهما، ويروى: فكأين وآلما، وبالمد: اسم فاعل، من: ألم يألم، بمعنى: صاحب ألم. والشاهد في البيت: قوله: «فكأين آملا»؛ حيث استشهد به على نصب تمييز كأين ينظر الشاهد في الأشموني (4/ 85)، والتذييل والتكميل (4/ 401)، والمقاصد النحوية للعيني (4/ 495)، وشرح التصريح (2/ 281)، والهمع (1/ 255)، والدرر (1/ 212). (¬4) البيت من الطويل، وهو غير منسوب لقائل. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وانفردت (كأين) بموافقة (كم) في لزوم التصدير، فلا يعمل فيها ما قبلها بخلاف (كذا) فإنها يعمل فيها ما قبلها، وما بعدها (¬1). وانفردت (كأيّن) - أيضا (¬2) - بأنّها قد يستفهم بها (¬3)؛ لقول أبيّ بن كعب (¬4) لعبد الله (¬5) - رضي الله تعالى عنهما -: كأيّن تقرأ سورة الأحزاب؟ أو: كأيّن تعدّ سورة الأحزاب؟ فقال عبد الله: ثلاثا وسبعين، فقال أبيّ: قطّ (¬6)، وأراد: ما كانت كذا قطّ (¬7). - ¬

_ - اللغة: النفس: مفعول (عد)، ونعمى: مفعول ثان، وهو بضم النون النعمة، وبؤس - بضم الباء الموحدة -: الشدة مثل البأساء، والجهد: بفتح الجيم: الطاقة، وبضمها: المشقة، وقيل: لا فرق بينهما، والأول أصح، ونسي: من النسيان، أو بمعنى الترك، ولطفا: تمييز، وقوله: «نسي الجهد» جملة في محل نصب، صفة (لطفا)، والمعنى: عد نفسك بالنعمة عند حصول المشقة، حالة كونك ذاكرا لطف الله، ورفقه بك، فإذا ذكرت ذلك نسيت المشقة والجهد. والشاهد: في قوله: «كذا وكذا لطفا» على أن مميز (كذا) لا يكون إلا مفردا منصوبا، وشاهد آخر في قوله: «كذا وكذا» على أن (كذا) إذا كانت كناية عن عدد لا تستعمل إلا مكررة بالعطف. ينظر الشاهد في: الأشباه والنظائر (4/ 155)، والهمع (1/ 256)، والأشموني (4/ 86)، والعيني (4/ 497)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 337)، والدرر (1/ 213). (¬1) عبارة التذييل والتكميل (4/ 406): «وتنفرد - يعني (كأين) - من (كذا) بلزوم التصدير، يعني أنّ (كأين) تلزم الصدر، بخلاف (كذا)، فإنه لا يلتزم فيه التصدير، بل يجوز أن يتقدم عليها العوامل. (¬2) يعني: انفردت من (كذا). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 408): «الذي وقفنا عليه من كلام النحويين ينص على أن (كأين) استعملت في الخبر، وهذا المصنف ذكر أنّها قد يستفهم بها». اه. وينظر أيضا: توضيح المقاصد والمسالك (4/ 335)، والمغني (1/ 186). (¬4) هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية أبو المنذر الأنصاري المدني، سيد القراء، بالاستحقاق، وأقرأ هذه الأمة على الإطلاق، قرأ على الرسول صلّى الله عليه وسلّم القرآن العظيم، وقرأ عليه نفر من الصحابة منهم: ابن عباس، وأبو هريرة توفي سنة (23 هـ). تنظر ترجمته في: طبقات ابن سعد (2/ 103) وغاية النهاية لابن الجزري (1/ 31) برقم (131). (¬5) هو عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة توفي سنة (32 هـ). (¬6) ينظر في مسند الإمام أحمد (5/ 132)، وقد ورد هكذا: «عن أبي ذر قال: قال لي أبي ابن كعب: كائن تقرأ سورة الأحزاب، أو كائن تعدها؟، قال: قلت: ثلاثا وسبعين آية، فقال: قط. وقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة». وينظر أيضا في إعراب الحديث النبوي للعكبري (ص 8) برقم (8)، وشرح الرضي (2/ 94)، والمغني (1/ 186) والأشموني (4/ 85). والشاهد هنا: استعمال (كائن) للاستفهام. (¬7) ينظر: شرح المصنف (2/ 423)، والتذييل والتكميل (4/ 408) وقد عقب على ذلك الشيخ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقال: كئي، وأصله كيّء، بتقديم الياء على الهمزة، ثم عومل معاملة (ميت) فقيل: كيئ (¬1)، ثم أبدلت ياؤه ألفا، فقيل: كاء (¬2)، وبه قرأ ابن كثير (¬3). ثمّ حذفت ألفه فقيل: كإ (¬4) وأما كأي فمقلوب كيء، وبها قرأ ابن محيصن (¬5) والأشهب (¬6). اه. - واستعمال (كذا) دون تكرار قليل وكذا استعماله مكررا بلا عطف، وجعل بعضهم (كذا) مميز الجمع كناية عن ثلاثة، أو إحدى أخواتها و (كذا) مميزا بمفرد كناية عن مائة، فما فوقها و (كذا كذا) عن أحد عشر وأخواته و (كذا وكذا) عن أحد وعشرين، وأخواته، ومستند هذا التفصيل الرأي، لا الرواية (¬7). انتهى كلامه رحمه الله تعالى، ونتبعه بالإشارة إلى أمور: الأول: أنّ القول بتركيب (كأيّن) من الكاف، وأيّ (¬8) وبتركيب (كذا) من - ¬

_ - أبو حيان بقوله: «ولم يذكر - يعني ابن مالك - دليلا على أنه يستفهم بها سوى هذا الخبر، وقد تقدم لنا الكلام معه في أنه مخالف للنحاة في إثبات القواعد النحوية بما ورد في الآثار، كذا الأثر وغيره، وبينا العلة التي عدل النحويون لأجلها عن الاستشهاد بذلك». اه. (¬1) قال في المساعد (2/ 117): «والأصل: كيّئ بتقديم الياء المشددة على الهمزة، ثم خففت كـ (ميت)». اه. (¬2) هذه الكلمة بهذا الضبط في المساعد لابن عقيل (2/ 117). فقال: «وكاء بالألف بعد الكاف، وهمزة مكسورة منونة، والألف بدل من الياء المخففة، وبها قرأ ابن كثير». اه. (¬3) هو عبد الله بن كثير بن المطلب أبو معبد المكي الداري، إمام أهل مكة في القراءة، وكان فصيحا عليما بالعربية، أخذ القراءة عرضا عن مجاهد بن جبير ودرياس مولى ابن عباس، وأخذ عنه أبو عمرو بن العلاء، توفي سنة (120 هـ). تنظر ترجمته في: طبقات القراء لابن سعد (1 / 443)، وتنظر القراءة في تحبير التيسير لابن الجزري (ص 99)، والبحر المحيط (3/ 72)، وإتحاف فضلاء البشر (ص 179). (¬4) في البحر المحيط (3/ 72): «وقرأ ابن محيصن فيما حكاه الداني: كإعلى مثال: كع». (¬5) هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، ثقة روى له مسلم، قال ابن مجاهد: كان لابن محيصن اختيار في القراءة، على مذهب العربية، فخرج به عن إجماع أهل بلده، فرغب الناس عن قراءته، وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه. توفي ابن محيصن سنة (123 هـ). ينظر في ترجمته: القراءات السبعة لابن مجاهد (ص 65). (¬6) هو الأشهب العقيلي كما ذكر في البحر المحيط، وغيره من الكتب التي وردت بها هذه القراءة، ولعله هو أشهب صاحب الإمام مالك، واسمه مسكين بن عبد العزيز بن داود الذي ترجم له في غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (2/ 296). (¬7) ينظر: شرح المصنف (2/ 424). (¬8) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 409، 410)، والبحر المحيط (3/ 72)، والمساعد لابن عقيل (134 / ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكاف وذا لعلّه إطباق من النحاة، ولكنّ كلّا منهما قد صار بعد التركيب دالّا على معنى لم يكن لشيء من جزئيه قبل التركيب. وقد نقل الشيخ عن بعضهم القول باحتمال بساطة (كأيّن)، وجنح هو إلى ذلك قال: ويدلّ عليه تلاعب العرب بها، ونطقهم فيها بلغات (¬1). ولا شكّ أنّ القول ببساطتها وبساطة (كذا)، ممكن وربّما يكون أقرب من القول بتركيبها لكنّ النحاة كالمجمعين على القول بالتركيب، فلا يسع في ذلك إلّا التسليم لما قالوه فإنّ مخالفة الإجماع لا تمكن. الثاني: قد عرفت قول المصنف - مشيرا إلى تمييز (كأين) و (كذا): «والأكثر جرّه بـ (من) بعد (كأيّن) وأنّ نصبه بعد (كأيّن) جائز، لكنّه قليل، وهذا هو الحقّ إلا ما ادّعاه ابن عصفور، من لزوم جرّه، فقد تقدم إنشاد البيت المتضمّن لقوله: 1977 - فكأيّن ... آملا حمّ يسره بعد عسر (¬2) قال الشيخ: ويقتضي الاستقراء أنّ تمييزها لا يكون جمعا، فليست مثل (كم) الخبرية في التمييز؛ إذ الصحيح المسموع في تمييز (كم) أن يكون جمعا (¬3). ومثله أيضا قول الآخر: 1978 - وكائن لنا فضلا عليكم ونعمة ... قديما، ولا تدرون ما منّ منعم (¬4) - ¬

_ (¬1) قال الأعلم الشنتمري على هامش الكتاب (1/ 297): «وفيها لغات: كاء على لفظ فاع من المنقوص نحو: ثاء وجاء وكيء على وزن: كيع، وكأين على وزن: كعين وكئن على وزن: كع ومعناها كلها معنى: كأي وهي بتأويل كم ورب وقد بينت أصلها وحكمها وعلّتها في كتاب النكت». اه. وينظر المساعد لابن عقيل (2/ 135)، وشرح التسهيل للمرادي (180 / أ)، والدرر (1/ 213). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 400). (¬4) البيت من الطويل ولم ينسبه أحد في كتب النحو، وقال في الدرر: «ولم أعثر على قائل هذا البيت» وهو في ديوان الأعشى قيس الشاعر المشهور من قصيدة يهجو بها عمير بن عبد الله بن المنذر بن عيدان، ينظر ديوان الأعشى (ص 185). والشاهد: في قوله: «وكائن لنا فضلا»؛ حيث إنّ (فضلا) تمييز منصوب لـ «كائن» ينظر الشاهد في: مغني اللبيب (1/ 186) برقم (309) وشرح شواهده (2/ 513) برقم (300)، والعيني (4/ 395)، والهمع (1/ 255)، والأشموني (4/ 85)، والدرر (1/ 212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال سيبويه: وكأين رجلا [قد] رأيت، زعم ذلك يونس، وكأين قد أتاني رجلا، إلّا أنّ أكثر العرب إنّما يتكلمون بها مع (من) (¬1). انتهى. واعلم أنّه لما تعذّرت الإضافة إلى تمييز (كأيّن) لم يبق إلّا النصب وجرّه بـ (من) أكثر من استعماله منصوبا؛ لأنّها بمنزلة (كم) الخبرية في المعنى، وكم الخبرية يقلّ نصب تمييزها إذا لم يفصل (¬2) بينها وبينه (¬3). ثمّ قال الشيخ: ولا يحفظ جرّ التمييز بعد (كأيّن) فإن جاء كان بإضمار (من) وهو مذهب الخليل (¬4)، والكسائي (¬5) كأنّ الشيخ يعني أنّ هذين الإمامين يجيزان بقاء الكلمة مجرورة، بعد حرف الجرّ، وهي المسألة المشهورة المذكورة في باب تعدّي الفعل، ولزومه، قال: ولا يحمل ذلك على إضافة (كأيّن) كما ذهب إليه ابن كيسان (¬6). يعني: لما علمت من أنّ إضافة (كأيّن) إلى ما بعدها لا يجوز. ومن ثمّ قال سيبويه: قال الخليل: إن جرّ أحد من العرب، فعسى أن يجرّ بإضمار (من) (¬7). وقال ابن خروف: يكون في مميزها النصب، ويجوز الجرّ بـ (من)، لكنّه قال: وبغير (من)، بفصل، وبغير فصل، ومعناها التكثير ولها حكم الخبرية في جميع أحوالها (¬8)، وهذا من ابن خروف يدلّ على أنّ الجرّ بعدها يكون بالإضافة أيضا، كما يكون بـ (من) مقدرة [3/ 87] والأكثر أن يكون مفردا. الثالث: جوّز المبرد في: «كأين رجلا ضربت» أن يكون (رجلا) مفعول (ضربت) ويكون التمييز محذوفا، التقدير: كأين مرة رجلا ضربت، فيكون (رجلا) واحدا لفظا ومعنى، وجوّز أن يكون (رجلا) تمييزا، فيكون واحدا في - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 170). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 402): «لم يحل» بدل «لم يفصل» هذه. (¬3) ينظر المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬4)، (¬5) ينظر المرجع السابق الصفحة نفسها والكتاب (2/ 171) حيث قال سيبويه: «قال - أي الخليل -: إن جرها أحد من العرب فعسى أن يجرها بإضمار (من) كما جاز ذلك فيما ذكرنا في (كم)». اه. (¬6) ينظر رأي ابن كيسان في: التذييل والتكميل (4/ 404)، وينظر في كتاب (ابن كيسان النحوي) (ص 169) للدكتور محمد البنا. (¬7) ينظر: الكتاب (2/ 171). (¬8) ينظر رأي ابن خروف في: التذييل والتكميل (4/ 404).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى الجمع. لكن ذكر صاحب البسيط أنّ حذفه (ضعيف) (¬1). قال الشيخ: وقد تتبعت كثيرا ممّا ورد في الأشعار من (كأين) فلم أره محذوفا، ولا في موضع (واحد) (¬2). الرابع: قد عرفت أنّ (كأين) انفردت عن (كذا) بلزوم التصدير، فيكون حكمها في ذلك حكم (كم) وعلى هذا ينبغي أن تجرى في مجال الإعراب مجراه، فتكون مبتدأة قال الله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ (¬3). ولم تجئ في القرآن إلا مبتدأ. قال الشيخ: وقد استقرأت جملة ما وقعت فيه مبتدأة، فوجدت الخبر لا يكون إلّا جملة فعلية، مصدّرة بماض، أو مضارع، ولم يقف على كونه اسما مفردا، ولا جملة اسمية، ولا مصدرة بمستقبل، ولا ظرفا ولا مجرورا، فينبغي ألّا يقدّم على ذلك إلا بسماع من العرب (¬4) ويكون مفعوله نحو قوله: 1979 - وكائن رددنا عنكم من مدجّج ... يجيء أمام القوم يردى مقنّعا (¬5) وأما كونها تكون في موضع نصب على المصدر، أو على الظرف، أو على خبر (كان) فلا يمنع منه مانع. - ¬

_ (¬1) ما بين القوسين من الهامش، ولبيان رأي صاحب البسيط، ينظر: التذييل والتكميل (4/ 403)، والهمع (1/ 255) حيث قال: «واختلف في جواز حذفه فجوزه المبرد والأكثرون، وقال صاحب البسيط: إنه ضعيف، للزوم (من) ففيه حذف عامل ومعمول». اه. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 403). (¬3) سورة آل عمران: 146. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 407). (¬5) البيت من الطويل، وقائله عمرو بن شأس من فحول الجاهليين والمخضرمين أدرك الإسلام شيخا. تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 432) برقم (73). اللغة: المدجج: اللابس السلاح، ومعنى يردى: يمشي الرديان، وهو ضرب من المشي فيه تبختر، المقنع: من تقنع بالسلاح كالبيضة. والمعنى: يمنّ عمرو بن شأس على بني أسد بما فعله قومه، من المدافعة وقتل الأبطال، برغم ما هم فيه من سلاح. والشاهد في البيت: قوله: «وكائن رددنا عنكم من مدجّج»؛ حيث وقعت «كائن» مفعولة ومعناها معنى (كم). ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 170)، ومعاني القرآن للزجاج (1/ 489)، وشرح السيرافي (3/ 538)، والدرر (1/ 213).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قال الشيخ: القياس يقتضيه، كما كان ذلك في (كم) (¬1). وأما كونها مجرورة بحرف، أو بإضافة إليها، فالظاهر جواز ذلك، كما أنّه جائز في (كم) ولا تخرج بالإضافة إليها عن التصدير، ولا بدخول حرف الجرّ عليها، قال: وقد أجاز ابن قتيبة (¬2)، وتبعه ابن عصفور دخول حرف الجرّ عليها (¬3). انتهى. وأقول: إن كان امتناع ذلك؛ لأجل لزومها التصدير فقد عرفت فيما تقدّم أنّ ذلك لا يخرج الكلمة عن التصدير، وإن كان امتناعه لغير هذا فذاك أمر آخر. الخامس: يجوز الفصل بين (كأيّن) وبين تمييزها بالظرف، والمجرور، وبالجملة. قال الشاعر: 1980 - وكائن رددنا عنكم من مدجّج ... ... البيت وقال الفرزدق: 1981 - وكائن إليكم قاد من رأس فتنة ... جنودا وأمثال الجبال كتائبه (¬4) وقال آخر: 1982 - وكائن حواها من رئيس سلاحه ... إلى الرّدع صخر مائل الشّقّ أبكم (¬5) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 407). (¬2) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، النحوي، اللغوي، الكاتب نسبة إلى الدينور من بلاد فارس لتوليه القضاء بها كان رأسا في العربية واللغة والأخبار، وأيام الناس، ثقة، متديّنا فاضلا، أقام ببغداد وسمع من الزيادي وغيره، صنف مؤلفات كثيرة منها: إعراب القرآن، والشعر والشعراء، جامع النحو، ومشكل القرآن، ودلائل النبوة، توفي سنة (276 هـ) وقيل: (286 هـ) وقيل: (296 هـ) تنظر ترجمته في طبقات النحويين للزبيدي (ص 183)، وبغية الوعاة للسيوطي (2/ 63) برقم (1444)، (ص 151). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 406). (¬4) البيت من الطويل، وهو من قصيدة للفرزدق، الشاعر المشهور يمدح هشام بن عبد الملك. ينظر ديوانه (1/ 88). والمعنى: لقد نصركم الله بجنوده؛ لأنكم حزب الله الغالب، وكثير من رؤوس الفتنة قد هزموا رغم أنهم قادوا جنودا وكتائب كثيفة كالجبال. والشاهد فيه: الفصل بين (كائن) وتمييزها من رأس فتنة بقوله: «إليكم قاد» وهذا جائز وينظر البيت أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 418). (¬5) هو للسليك بن سلكة منسوب إلى أمه، وأبوه عمرو بن يثربي بن سنان السعدي بن كعب بن سعد ابن مناة بن تميم، أحد صعاليك العرب. تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 372). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ذو الرّمّة: 1983 - وكائن ترى من رشدة في كريهة ... ومن غيّة تلقى عليها الشّراشر (¬1) وقال أيضا: 1984 - وكائن ذعرنا من مهاة ورامح ... بلاد العدا ليست له ببلاد (¬2) وقال الكميت: 1985 - وكائن ترى فينا من ابن أخيذة ... أبى العتق من خالاته أن يغيّرا (¬3) [وقال مسكين]: 1986 - وكائن ترى فينا من ابن سبيئة ... إذا لقي الأبطال يضربهم هبرا (¬4) - ¬

_ - والشاهد في البيت: الفصل بين (كائن) وتمييزها (من رئيس) بقوله: (حواها) والبيت من الطويل. وهو من شواهد التذييل والتكميل (4/ 418). (¬1) البيت من الطويل وهو من قصيدة قالها ذو الرّمة في مدح بلال بن بردة ومطلعها: لمية أطلال بحزوى دوائر ... عفتها السوافي بعدنا والمواطر اللغة: وكائن ترى: أكثر ما ترى، رشدة: إصابة رشد، في كريهة: ما جاءتك فكرهتها. من غية: اتباع غي، تلقى عليها الشراشر: أي يلقي نفسه عليها من حبه، والشراشر: المحبة. والشاهد في البيت: الفصل بين (كائن) وتمييزه (من رشده) بقوله: (ترى) وهذا جائز. ينظر الشاهد في: ديوان ذي الرمة (2/ 1037)، واللسان «رشد»، أساس البلاغة مادة «شرر» والمخصص (12/ 245). (¬2) البيت من الطويل، وقائله ذو الرمة. ينظر ديوانه (2/ 588). اللغة: وكائن: أي: وكم، مهاة: واحدة المها، بقر الوحش، رامح: ثور له قرن، وسمّي (رامح) لأن قرنه بمنزلة الرمح، فهو رامح، الورى: الخلق وهي رواية الديوان، والرواية هنا (العدى). يقول: كم أثرنا من بقرة وحشية وثور ذي قرن لا يقيم مع الإنس في مكان. والشاهد فيه: كسابقه، حيث فصل بين (كائن)، وتمييزها (مهاة) بجملة (ذعرنا) ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 419)، والمخصص (6/ 28)، واللسان «كين». (¬3) البيت من الطويل، وهو للكميت بن زيد الأسدي المشهور، وقد نسبه إليه أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 419)، ولكنه غير موجود في ديوانه، ولا في الهاشميات. ولعل الشيخ أبا حيان اطلع على نسخة من الديوان لم نعثر عليها، فيها هذا البيت للكميت. اللغة: في أساس البلاغة «أخذ»: فلان أخيذ في يد العدو، وفي اللسان «أخذ» الأخيذة: المرأة السبي، والأخيذ: الأسير. والشاهد في البيت: الفصل بين (كائن) وتمييزها (من ابن أخيذة) بقوله: (ترى فينا). (¬4) البيت من الطويل، وهو للشاعر المشهور بـ (مسكين الدارمي) واسمه: ربيعة بن عامر. سبقت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: 1987 - وكائن بالأباطح من صديق ... يراني إن أصبت هو المصابا (¬1) لكنّ الأفصح اتّصال تمييزها بها، كما في القرآن العزيز. السادس: ذكر الشيخ - في شرحه - أنّه كان ألّف كتابا في أحكام (كذا) سماه: كتاب الشّذا في أحكام كذا (¬2)، ثم قال: فأنا أسرد تلك الأحكام، وأذكر ما اخترناه منها (¬3). ثم إنه شرع في إيراد ذلك، وأنا أذكر منه ما تيسّر ملخّصا، قال: أمّا (كذا) فالكاف للتشبيه و (ذا) اسم إشارة، وقد يبقى كلّ منهما على موضوعه الأصليّ، وهو واضح ولا تركيب حينئذ - بل هما كلمتان مستقلتان بمعناهما، وإن أخرجت الكلمتان عن موضوعهما الأصلي، وركّبتا، وصارتا كلمة واحدة، فإنّ العرب استعملتهما كناية عن عدد، وعن غير عدد (¬4). فإن كانت - ¬

_ - ترجمته ورواية الديوان «يطعنهم شزرا» بدل «يضربهم هبرا». اللغة: يضربهم هبرا: يقطع اللحم قطعا كبارا. والشاهد في البيت: جواز الفصل بين (كائن) وتمييزها (من ابن سبيئة) بجملة (ترى فينا). ينظر الشاهد بنصه في التذييل (4/ 420)، وديوان مسكين الدارمي (ص 46) طبعة بغداد سنة (1389 هـ/ 1970 م)، تحقيق: خليل إبراهيم العطية وعبد الله الجبوري. (¬1) البيت من الوافر، وهو لجرير الشاعر الأموي المشهور، وهو من قصيدة بائية له في مدح الحجاج ابن يوسف، مطلعها: سئمت من المواصلة العتابا ... وأمس الشيب قد ورث الشبابا اللغة: الأباطح: جمع أبطح، وهو المتسع من الأرض، ويقصد هنا منشأه. والشاهد في البيت: الفصل بين (كائن) وتمييزها (من صديق) بالجار والمجرور وهو قوله: (بالأباطح) وقد تناول النحاة هذا الشاهد في غير هذا الموضع، في موضوع (ضمير الفصل) كما في الدرر (1/ 46). ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 421)، والمقتصد في شرح الإيضاح (2/ 750) برواية «لو أصبت»، ومعاني القرآن للزجاج (1/ 489)، والدرر (2/ 92)، والأشموني (4/ 87)، وأمالي ابن الشجري (1/ 106). (¬2)، (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 423، 424). (¬4) بين هذا الكلام وعبارة أبي حيان اختلاف كبير، ولذا يحسن إيراد عبارة أبي حيان بنصّها، قال في المرجع السابق (4/ 424): «أما الكاف فأصلها التشبيه، وذا أصلها أنها اسم اشارة للمفرد المذكر، فمتى أبقيت كل واحدة منهما على موضوعها الأصلي، فلا تركيب فيها، ولا يكون إذ ذاك كناية عن شيء وإن أخرجت عن موضوعها الأصلي فإنّ العرب استعملتها كناية عن عدد وعن غير عدد، وفي كلتا الحالتين تكون مركبة، ولذلك لا تثنى (ذا) ولا تجمع ولا تؤنث، ولا تتبع بتابع، لا نعت ولا عطف، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كناية عن غير عدد كانت مفردة، ومعطوفة. يقول العرب: مررت بدار كذا ونزل المطر بمكان كذا فمكان كذا، وقالت العرب: أما بمكان كذا وكذا وجذ (¬1). وهو كناية عن معرفة. ومن وقوعه على النكرة قوله: 1988 - وأسلمنى الزّمان كذا ... فلا طرب ولا أنس (¬2) أوقع (كذا) موقع الحال، وهي نكرة، وتقول العرب: مررت بدار (كذا) فتصف به النكرة، فدل على أنه نكرة. وإن كانت كناية عن عدد فمذهب البصريّين أن تمييزها يكون مفردا، سواء أكانت مفردة أم معطوفة، وأريد بها عدد قليل أو كثير، فتقول: له عندي كذا درهما، وله عندي كذا وكذا درهما (¬3). وقد نازع ابن خروف في إفرادها، إذا كانت كناية عن العدد، وزعم أنّه غير - ¬

_ - ولا تأكيد ولا بدل، ولا تتعلق الكاف بشيء، ولا تدل على تشبيه؛ لأنهما بالتركيب حدث لهما معنى لم يكن قبل ولا تلزم الصدر، ولا تكون مقصورة على إعراب خاص، بل تستعمل في موضع رفع وفي موضع نصب، وفي موضع جرّ بالإضافة، وبالحرف». اه. انظر: الهمع (2/ 276)، وينظر: حاشية الصبان على الأشموني (4/ 86). (¬1) في القاموس المحيط «وجذ» الوجذ: النقرة في الجبل، تمسك الماء والحوض، الجمع: وجذان، ووجاذ، بكسرهما». اه. وفي حاشية الأمير على مغني اللبيب (1/ 160): أن عربيّا قال لآخر: أما بمكة أو بالمدينة مثلا وجذ؟ فقال له الآخر: بلى، فيه وجاذ متعددة. (¬2) البيت من مجزوء الوافر، ولم ينسب لقائل معين ولم أهتد إلى قائله. اللغة: أسلمني: خذلني، وأسلمني الزمان كذا، أي كهذا الأسلوب، والحال التي أنا عليها، فلا طرب: المراد بالطرب هنا الفرح، وإلا فهو من الأضداد، يطلق على الحزن والفرح، وفي حاشية الأمير (1/ 159): «وبعضهم يقول: الطرب خفة تصيب الإنسان، تسره أو تحزنه». اه. الأنس: ضد الوحشية. والمعنى: خذلني الزمان، فصيرني حزينا مستوحشا، لا فرح عندي ولا أنس. والشاهد: وقوع (كذا) موقع الحال، في قوله: «وأسلمني الزمان كذا»، والحال نكرة، فدل أن (كذا) نكرة. من مراجع الشاهد: الأشباه والنظائر (4/ 152)، والأشموني (4/ 88)، والتذييل والتكميل (4/ 425). (¬3) يراجع مذهب البصريين في كتاب سيبويه (2/ 170، 171)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 337)، والتذييل والتكميل (4/ 426)، والأشباه والنظائر للسيوطي (4/ 157).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مستعمل في كلام العرب (¬1) ومذهب الكوفيّين أنّها تفسر بما يفسر به العدد الذي هو كناية عنه فمن الثلاثة إلى العشرة بالجمع المخفوض، نحو: له عندي كذا جوار، وتكون هي مفردة، وعن المركّب بالمفرد المنصوب، وتركب هي، تقول: له عندي كذا [كذا] درهما، وعن العقود بالمفرد المنصوب، وتفرد هي تقول: له عندي كذا درهما، وعن المعطوف بالمفرد المنصوب، وتكون هي معطوفة على مثلها، تقول: له عندي كذا وكذا درهما، وعن المائة والألف بالمفرد المجرور، وتفرد هي، نحو: له [عندي] كذا درهم (¬2) وقد وافق الكوفيّين على هذا المذهب الأخفش (¬3)، والمبرد (¬4) وابن الدّهان (¬5) وابن معط (¬6) وابن عصفور (¬7)، ونقل عن الأخفش أيضا موافقتهم - ¬

_ (¬1) ينظر مذهب ابن خروف في: شرح التسهيل للمرادي (180 / ب)، والتذييل والتكميل (4/ 426)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 337). (¬2) نقل ناظر الجيش هذا الكلام بنصه عن أبي حيان. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 426)، وينظر مذهب الكوفيين هذا أيضا في: توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 337، 338). (¬3) ينظر - في موافقة الأخفش مذهب الكوفيين - توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 338)، وشرح التسهيل للمرادي (180 / ب)، والتذييل والتكميل (4/ 427)، وحاشية الأمير على مغني اللبيب (1/ 160). (¬4) في الكامل للمبرد (2/ 192): «له كذا وكذا درهما إنما هي (ذا) دخلت عليها الكاف، والمعنى: له كهذا العدد من الدراهم، فإذا قال: له كذا كذا درهما فهو كناية عن أحد عشر درهما إلى تسعة عشر لأنه ضمّ العددين، فإذا قال: كذا وكذا فهو كناية عن أحد وعشرين إلى ما جاز فيه العطف بعده». اه. (¬5) ابن الدهان: هو سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله الإمام ناصح الدين بن الدهان، النحوي البغدادي، وكان سيبويه عصره، وسكن الموصل، من تصانيفه: شرح الإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي، المسمّى بالغرّة، في نيف وأربعين مجلدا، وشرح اللمع لابن جني، والفصول في النحو، توفي سنة (569 هـ) تنظر ترجمته في: وفيات الأعيان (2/ 378)، وبغية الوعاة (1/ 587)، ونشأة النحو (ص 177). وتنظر موافقة ابن الدهان لمذهب الكوفيين في توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 338) والتذييل والتكميل (4/ 427) والمساعد لابن عقيل (135 / أ) ولا توجد الموافقة هذه في كتاب الغرة لابن الدهان المكون من جزءين بدار الكتب المصرية مخطوطين برقم (171) نحو. (¬6) هو يحيى بن معط صاحب الألفية في النحو، التي أشار إليها ابن مالك، والفصول وشرح الجمل. توفي سنة (628 هـ) وسبقت ترجمته. وتنظر موافقة ابن معط للكوفيين في: شرح الفصول الخمسة لابن معط (2/ 531)، تحقيق د. أحمد مرسي الجمل «رسالة بكلية اللغة العربية»، وشرح التسهيل للمرادي (180 / ب) حيث قال: «وهذا التفصيل مذهب الكوفيين ووافقهم الأخفش على ما نقله صاحب البسيط، والمبرد والدهان وابن معط». اه. (¬7) ينظر رأي ابن عصفور في: المقرب (1/ 314)، والشرح الكبير لابن عصفور (2/ 37) حيث -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المركب (¬1) والمعطوف وكذا ابن عصفور (¬2) إلا أنّه قال - في الكناية عن الثلاثة إلى العشرة، وعن المائة والألف -: له عندي كذا من الدراهم فردّ التمييز إلى الجمع معرفا بـ (أل) وزعم أنّه مذهب البصريّين (¬3). واضطرب قول أبي عليّ، فمرة يقول بمذهب البصريّين ومرة يقول (بمذهب) الكوفيّين (¬4). ثمّ قال الشيخ: وتحصل لنا أنّ المذاهب ثلاثة: مذهب البصريين - غير من خالفهم (¬5) - أنها كناية عن العدد، مطلقا، سواء كان مركبا، أو معطوفا، أم عقدا، أم غير ذلك. [3/ 88] ومذهب الكوفيّين، ومن وافقهم من البصريّين: أنّها كناية عن العدد، فتطابق هي في تفسيرها ما هي كناية عنه، من إفراد وتفسير بجمع مجرور أو مركب، وتفسير بمفرد منصوب، أو إفراد وتفسير بمفرد منصوب، أو عطف وتفسير بمفرد منصوب، أو إفراد وتفسير بمفرد مجرور (¬6). ومذهب ثالث: وهو مركب من هذين المذهبين وهو موافقة الكوفيّين في المركّب والعقد والمعطوف، ومخالفتهم في المضاف، وهو الثلاثة إلى العشرة، والمائة - ¬

_ - قال: «ومما جرى مجرى (كم) في أنه كناية عن العدد (كذا) فتقول - إذا كنيت عن الثلاثة إلى العشرة -: له كذا من الدراهم، وإن كنيت عن أحد عشر إلى تسعة عشر قلت: له كذا كذا درهما فإن كنيت عن العقود من عشرين إلى تسعين قلت: له كذا درهما فإن كنيت عن المعطوفات من واحد وعشرين إلى تسعة وتسعين قلت له: كذا وكذا درهما، وتكني عن المائة والألف كما تكني عن الثلاثة إلى العشرة. (¬1) و (¬2) ينظر في موافقة الأخفش وابن عصفور للكوفيين: مغني اللبيب (1/ 188)، وفي المساعد لابن عقيل (135 / أ): «هذا شيء ذكره الكوفيون، ووافقهم فيه الأخفش» وفي الأشباه والنظائر (4/ 157): «وهذا قول المبرد والأخفش ... وابن عصفور». والتذييل والتكميل (4/ 428)، والأشموني (4/ 87) والمقرب لابن عصفور (4/ 314) والشرح الكبير لابن عصفور (2/ 52). (¬3) ينظر: المرجعان السابقان لابن عصفور، الصفحات نفسها. (¬4) ينظر رأي أبي علي الفارسي في: الأشباه والنظائر (4/ 157)، والتذييل والتكميل (4/ 430)، وشرح التسهيل للمرادي (180 / ب)، والإيضاح (1/ 224)، والبغداديات (ص 232). (¬5) عبارة التذييل والتكميل (4/ 429): «غير المبرد ومن وافقه». (¬6) أمثلة ذلك في شرح التسهيل للمرادي (180 / ب)، حيث قال: «فعلى هذا إذا قيل: عندي كذا أعبد فهو كناية عن ثلاثة إلى عشرة، وكذا عبيد، من مائة فصاعدا، وكذا كذا عبدا فهو كناية عن: أحد عشر إلى تسعة عشر، وكذا وكذا عبدا كناية عن أحد وعشرين إلى تسعة وتسعين، ثم قال: «وهذا التفصيل مذهب الكوفيين». اه. وينظر: شرح فصول ابن معط (2/ 531 - 533) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والألف، مفسّران (¬1) بجمع معرّف باللّام (¬2)، مجرور بـ (من) وهو اختيار ابن عصفور (¬3)، وقال: وينبغي الرجوع إلى السّماع والمسموع من لسان العرب أنّ (كذا) إذا كانت كناية عن غير عدد كانت مفردة، أو معطوفة، خاصة ولا يحفظ تركيبها، وإذا كانت كناية عن عدد فلا يحفظ إلا كونها معطوفة، ولا تحفظ مفردة ولا مركبة (¬4)، قال: ولذلك لم يمثل بها سيبويه والأخفش والفارسيّ في الأعداد، إلا معطوفة (¬5). ثم ذكر سيبويه أنّها كناية للعدد، ولم يخصّ عددا دون عدد (¬6). قال: وسائر التراكيب التي أجازها الكوفيون ليست من لسان العرب (¬7). وقد قال ابن أبي الربيع عن قول الكوفيين (¬8): وهذا كلّه إنّما قالوه بنوع من القياس لم يرد به سماع. قال: فعلى هذا الذي تقرر، لو قال: له عندي كذا وكذا درهما، نزلناه على درهم واحد، إلا إن قال: أردت عددا أكثر من ذلك، فيرجع إلى تفسيره، ولو قال: كذا وكذا درهما، لم يجعله تركيبا، بل يكون مما حذف منه حرف العطف، على رأي من يجيز الحذف، وأصله: كذا وكذا، ولو قال: كذا درهما لم يجعله مفردا، بل يكون مما حذف منه المعطوف، وأصله: كذا وكذا. - ¬

_ (¬1) عبارة التذييل والتكميل (4/ 43): «فيفسران». اه. (¬2) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها «بالألف واللام». اه. (¬3) بعد ذلك في المرجع السابق الصفحة نفسها: «وزعم أنه مذهب البصريين». اه. (¬4) نقل كلام أبي حيان هذا - أيضا - المرادي في شرح التسهيل (180 / ب). (¬5) تنظر هذه الآراء في التذييل والتكميل (4/ 459)، وينظر رأي سيبويه - أيضا - في الكتاب (2/ 170) «هذا باب ما جرى مجرى (كم) في الاستفهام، وذلك قولك: له كذا وكذا درهما». اه. وهكذا نجد أن سيبويه مثل للمعطوف ولم يمثل لغيره. وقال الفارسي في البغداديات (ص 232): «فأما قولهم: كذا وكذا فهو كناية عن العدد». اه. وقال في الإيضاح (1/ 224): «قولهم: لي عنده كذا وكذا درهما فكذا كناية عن العدد». اه. (¬6) في الكتاب (2/ 170): «هذا باب ما جرى مجرى (كم) الاستفهامية، وذلك قولك: له كذا وكذا درهما وهو مبهم في الأشياء، بمنزلة (كم)، وهو كناية للعدد». اه. (¬7) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 432)، وتعليق الفرائد للدماميني (2/ 404)، وشرح التسهيل للمرادي (180 / ب). (¬8) عبارة التذييل والتكميل (4/ 232): «حين حكى مذهب الكوفيين».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمّ قال: وأما تجويزهم بعد (كذا) الرفع فخطأ؛ لأنّه لم يسمع من لسانهم (¬1). وأما الخفض بعدها فلا يجوز لا على الإضافة ولا على البدل (¬2). ثم قال: وقد اختلفت مذاهب الفقهاء في الإقرار بهذه الكنايات (¬3). ثمّ قال: والعجب أنّه لم يقل أحد منهم بما يوافق اللغة (¬4). انتهى كلام الشيخ. وجميع ما قاله قد أشار إليه المصنف، واستفيد من كلامه، أما قول الشّيخ: إنّ الكاف في (كذا) قد تبقى على معناها من التشبيه و (ذا) على معناها من الإشارة دون تركيب (¬5)؛ فهذا أمر ظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه، وأما قوله: إنّ (كذا) يكون كناية عن غير العدد (¬6)؛ فقد ذكر المصنف ذلك في باب العلم حيث قال: وكنوا (كذا) عن (كذا) .. إلى أن قال: وب (كيت)، أو (كية) وب (ذيت) أو (ذيّة) أو (كذا) عن الحديث. وأما قوله - في (كذا) التي هي كناية عن العدد -: إنّ مميزها لا يجوز فيه الرفع ولا الخفض (¬7)؛ فقد قال المصنف - مشيرا إلى (كأيّن)، و (كذا) -: ويقتضيان مميزا منصوبا. وأما قوله: إن مذهب الكوفيّين، وتفصيلهم ليس مسموعا من كلام العرب (¬8)؛ فقد قال المصنف - حين ذكر تفصيل هذا المذهب -: ومستند هذا الرأي لا الرواية (¬9). فجميع ما ذكره الشيخ قد تضمنه كلام المصنف رحمه الله تعالى. - ¬

_ (¬1) ينظر المرجع السابق (4/ 433)، وشرح التسهيل للمرادي (180 / ب)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (4/ 336). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 434)، وقد أجاز ذلك ابن قتيبة، وينظر في ذلك: أدب الكاتب، تحقيق المرحوم محمد محيي الدين عبد الحميد. طبعة السعادة .. (1382 هـ/ 1963 م). (¬3) ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 436) وقد أشار إلى هذا الاختلاف أبو البقاء العكبري، حيث قال في اللباب - رسالة دكتوراه بجامعة القاهرة برقم (1650) رسائل (ص 257) -: «ومما ألحق بـ (كم) (كذا) كقولك: له عندي كذا درهما وكذا كذا درهما، وقد فرع الفقهاء على هذا مسائل في الإقرار تحتاج إلى نظر». اه. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 436) وشرح التسهيل للمرادي (181 / أ). (¬5) ينظر: المرجع قبل السابق الصفحة نفسها. (¬6) ينظر: المرجع السابق. (¬7) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 433، 434). (¬8) ينظر: المرجع قبل السابق (4/ 432). (¬9) ينظر: شرح المصنف (2/ 424)، وينظر: شرح التسهيل للمرادي (180 / ب)، وتوضيح المقاصد للمرادي (4/ 336)، وينظر: التذييل والتكميل (4/ 433).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السابع: قد عرفت من قول المصنّف - مشيرا إلى (كأيّن) -: وتنفرد من (كذا) بلزوم التصدير (¬1) أنّ (كذا) لا تلزم التصدير، فيجوز أن يعمل فيها ما قبلها كقولك: قبضت كذا وكذا درهما، وأنّها لا تكون مقصورة على إعراب خاصّ، بل تستعمل في موضع رفع وفي موضع نصب، وفي موضع جرّ بالإضافة، وبالحرف. واعلم أنّ الشيخ لم يقصر (كذا) على التكثير، فإنّه قال: وأما (كذا) فالذي يظهر أنّها لم توضع للتكثير بل هي مبهمة في العدد، سواء كان كثيرا، أم قليلا (¬2). انتهى. ويظهر أنّ الأمر كما قال. * * * ¬

_ (¬1)، (¬2) المرجع السابق (4/ 399، 406).

الباب الثاني والثلاثون باب نعم وبئس

الباب الثاني والثلاثون باب نعم وبئس [فعلان أم اسمان والأدلة على كلّ] قال ابن مالك: (وليسا باسمين فيليا عوامل الأسماء خلافا للفرّاء، بل هما فعلان لا يتصرّفان؛ للزومهما إنشاء المدح والذّمّ على سبيل المبالغة) (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): يدلّ على فعليّة (نعم وبئس) اتصال تاء التأنيث السّاكنة بهما في كلّ اللغات، واتصال ضمير الرفع البارز بهما في لغة، حكاها الكسائيّ نحو: أخواك نعما رجلين وإخوتك نعموا رجالا، والهندات نعمن نساء (¬3). وقال ابن برهان (¬4): الدليل على أنّ (نعم) فعل ماض، رفعه الظاهر، وتضمنه الضمير، ودخول لام القسم، وعطفه على الفعل الماضي والحكم بفعليتهما هو مذهب البصريين والكسائي وزعم الفراء وأكثر الكوفيّين (¬5) أنهما اسمان، واستدلوا على ذلك بدخول حرف الجرّ عليهما، كقول بعض العرب - وقد قيل له في بنت ولدت له: نعم الولد -: والله ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء وبرّها سرقة (¬6) - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 438): «مناسبة هذا الباب لما قبله - يعني باب التمييز - هي أن (نعم وبئس) قد يكون معهما تمييز، كما كان ذلك في الباب الذي قبله، وقد ذكره بعض النحويين عقب باب الفاعل، وهو مناسب، وأفرد بالذكر؛ لأن الفاعل فيهما جرى على طريقة لم تجز في غيرهما». اه. (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن المالك (3/ 5) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون. (¬3) انظر في هذه المسألة هذه المراجع: التذييل والتكميل (4/ 438) رسالة، والإنصاف (1/ 66)، مسألة رقم (14)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (3/ 75)، وشرح التسهيل للمرادي أيضا (181 / أ)، والمساعد لابن عقيل (2/ 120)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 4) رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية تحقيق د/ بسيوني سعد لبن. (¬4) ابن برهان - بفتح الباء الموحدة هو عبد الواحد بن علي المتوفى سنة (456 هـ)، سبقت ترجمته. (¬5) لمراجعة زعم الفراء وأكثر الكوفيين، ينظر: منهج السالك لأبي حيان (ص 387). والمقرب (1/ 65) والمراجع المذكورة قريبا. (¬6) حكاه ابن الأنباري عن ثعلب عن الفراء. ينظر: الإنصاف (1/ 98)، وشرح المرادي (3/ 75)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 4) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول بعضهم: «نعم السير على بئس العير» (¬1)، وكقول الآخر: 1989 - صبّحك الله بخير باكر ... بنعم طير وشباب فاخر (¬2) ولا حجّة في ذلك أمّا الأول والثاني فيعتذر عنهما بما اعتذر به عن قول الآخر: 1990 - عمرك ما ليلي بنام صاحبه (¬3) فقيل: إنّه أراد: ما ليلي بمقول فيه: نام صاحبه، فكذا يقال في «ما هي بنعم الولد» و «على بئس العير»: إنّ معناهما: ما هي بمقول فيها: نعم الولد، ونعم السير على مقول فيه: بئس العير، وأما قول الآخر: «بنعم طير» فيحمل على أنّه جعل (نعم) اسما أضيف إلى (طير) وحكى لفظه الذي كان عليه قبل عروض الاسمية كما قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر الإنصاف (1/ 98)، والمقرب (1/ 65)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 182)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 4) رسالة. والعير: - بفتح العين وسكون الياء - الحمار، وجمعه أعيار، والأنثى: عيرة. ينظر اللسان مادة «عير». (¬2) هذا البيت من الرجز لم ينسب لقائل معين. قال العيني (4/ 2): «لم أقف على اسم راجزه». اللغة: بخير باكر: أي مبكر سريع عاجل، بنعم طير: بخير طائر، أنزل (نعم) منزل خير، وأضافها لـ (طير). والشاهد في البيت: «بنعم طير»؛ حيث استشهد به على اسمية (نعم) فيه، بدليل إضافتها إلى ما بعدها. وهذا عند الكوفيين، واستشهد به الفراء على اسمية (نعم) لدخول حرف الجر عليها، ورد هذا الاستشهاد الشيخ محمد الطنطاوي في نشأة النحو (ص 231) برواية اللسان «بنعم عين» وبذلك رد استشهاد الأشموني أيضا، ينظر: نشأة النحو (ص 249). ينظر هذا البيت في: التذييل والتكميل (4/ 441) رسالة، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 182)، والأشموني (3/ 27)، والمقاصد النحوية (4/ 2)، والهمع (2/ 84)، والدرر (2/ 108). (¬3) هذا صدر بيت من الرجز وعجزه: ولا مخالط الليان جانبه وقائله العناني، كما في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (2/ 353). اللغة: الليان: الملاينة، وبالفتح: مصدر (لان) بمعنى: اللين، يقال: هو في ليان من العيش، أي: في نعيم، وسهولة، ورخاء. المعنى: يصف حاله بأنه طال سهره وجفا جنبه عن الفراش، فكأنه نائم على شيء خشن لا لين فيه. والشاهد في البيت قوله: «بنام صاحبه»؛ حيث لا تدل الباء على اسمية (نعم)؛ لأنه مؤول على التقدير الذي ذكره فالجار في الحقيقة دخل على المحذوف لا على الفعل وكذا دخوله على (نعم، وبئس) في قولهم: «بنعم الولد» و «على بئس العير» ينظر الشاهد أيضا في: أمالي الشجري (2/ 148)، ومعجم الشواهد العربية (2/ 444)، وشرح ابن الناظم (ص 182)، والتذييل والتكميل (4/ 443) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 1991 - بثين الزمي (لا) إنّ [لا] إن لزمته ... على كثرة الواشين أيّ معون (¬1) فأوقع (الزمي) على (لا) ثمّ أدخل عليها (إنّ) فأجراها مجرى اسم حين دعت الحاجة إلى أن يعامل لفظها معاملة الأسماء، ولم يلزم من ذلك أن يحكم باسميتها؛ إذ لم تستعمل هذا الاستعمال، فكذلك القول في «نعم» من قوله: «بنعم طير» ومعنى (نعم، وبئس) المبالغة في المدح والذمّ وربّما [3/ 89] توهّم غير ذلك. روي أنّ شريك بن عبد الله النخعيّ (¬2) ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال جليس له: نعم الرجل علي، فغضب وقال: ألعلي تقول: نعم الرجل؟ فأمسك القائل عن شريك حتّى سكن غضبه ثمّ قال: يا أبا عبد الله ألم يقل الله تعالى: وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (¬3)، فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (¬4)، نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (¬5)، قال شريك: بلى. فقال: ألا ترضى لعليّ ما رضيه الله لنفسه، ولأنبيائه؟! فنبّهه على موضع غلطه. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ويتصل به أبحاث: الأول: ذكر ابن عصفور في شرح المقرب (¬6) أنّ كون (نعم وبئس) فعلين لم يختلف فيه - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وقائله جميل بن معمر العذري، صاحب بثينة، وهو في ديوانه (ص 105) طبعة. المؤسسة العربية للطباعة - بيروت، بهذه الرواية. اللغة: في الخصائص (3/ 212): «أراد: أي معونة، فحذف التاء وقد كثر حذفها في غير هذا» وفي إصلاح المنطق (ص 23): «وقوله (معون) أراد جمع معونة». والمعنى: إن سألك سائل فقال: هل بينك وبين جميل صلة؟ فقولي: لا، فإن فيه عونا على الواشين ودفعا لشرهم. الشاهد في البيت: قوله: «الزمي لا إنّ لا»؛ حيث قصد لفظ (لا) فحكاها وأجراها مجرى الاسم وعاملها معاملة الأسماء ولهذا أوقع عليها (الزمي) وجعلها أيضا اسم (إنّ) ولولا الحكاية لم تجعل اسما وكذلك (نعم وبئس) يحكيان على أصل لفظهما ويجعلان اسمين. ينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 444). (¬2) هو القاضي شريك بن عبد الله بن أبي شريك واسمه الحارث بن أوس بن الحارث وينتهي نسبه إلى النخع بن عامر. تنظر ترجمته في: جمهرة الأنساب (ص 415). (¬3) سورة الصافات: 75. (¬4) سورة المرسلات: 23. (¬5) سورة ص: 44. (¬6) من الكتب المفقودة لابن عصفور وتوجد منه نسخة مطموسة جدّا في مكتبة جامعة الإمام بالرياض، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد من النحويين البصريين والكوفيين، وإنما الخلاف بينهم بعد إسنادهما إلى الفاعل، فذهب البصريّون إلى أن (نعم الرجل) جملة وكذلك (بئس الرجل) وذهب الكسائي إلى أن قولك: (نعم الرجل)، و (بئس الرجل) اسمان محكيان، حيث وقعا بمنزلة قولك: (تأبّط شرّا) و (برق نحره) و (نعم الرجل) - عنده - اسم للممدوح، و (بئس الرجل) - عنده - اسم للمذموم، وهما جملتان في الأصل نقلا عن اسمهما وسمّي بهما، قال: وذهب الفراء إلى أنّ الأصل في «نعم الرجل زيد» و «بئس الرجل عمرو»: رجل نعم الرجل زيد، ورجل بئس الرجل عمرو، فحذف الموصوف الذي هو (رجل)، وأقيمت الجملة التي هي صفته مقامه فحكم لها بحكمه، و (نعم الرّجل)، و (بئس الرّجل) - عندهما - في هذين المثالين رافعان لـ: (زيد)، و (عمرو)، كما أنك لو قلت: الممدوح زيد، والمذموم عمرو لكان كذلك (¬1). ثم أبطل مذهب الكسائيّ بأنّه: لو كان الأمر كما قال لوقعا موقع الأسماء في فصيح الكلام، فكنت تقول: إنّ نعم الرجل قائم، وإنّ بئس الرجل منطلق، وظننت نعم الرجل قائما، وبئس الرجل منطلقا. قال: ويبطل مذهب الفراء شيئان: أحدهما: ما أبطل به مذهب الكسائي. والآخر: أنّه يؤدّي إلى حذف الموصوف، وإبقاء الجملة التي هي صفة في فصيح الكلام وذلك لا يكون إلا مع (من) أو (في) قال: وبابه في ذلك الشعر (¬2). انتهى. والطريقة التي ذكرها في هذه المسألة غير الطّريقة التي ذكرها المصنف، وما ذكره ابن عصفور من أنّ الخلاف بين الفريقين إنما هو بعد إسناد هاتين الكلمتين إلى الفاعل - ¬

_ - ويتميز شرح ناظر الجيش بنقله نصوصا بين الحين والحين من هذا الكتاب، والموجود الآن في المكتبات من شرح المقرب هو شرح كبير للدكتور علي محمد فاخر من عدة أجزاء فك به رموز المقرب، وشرح غامضه بنصوص من كتب التراث لابن عصفور وغيره. (¬1) لمراجعة مذهب الفراء ينظر: التذييل والتكميل (4/ 446)، ومنهج السالك (ص 387)، وشرح المرادي (181 / ب) مخطوط، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 76). (¬2) ينظر في إبطال مذهب الكسائي والفراء: التذييل والتكميل (4/ 447)، ومنهج السالك (ص 387) ففيهما نص هذا الكلام وفي المساعد لابن عقيل (2/ 121) ورد قول الكوفيين على الطريقة الثانية بعدم دخول النواسخ ونحوها، فلا يقال: إن نعم الرجل قائم، كما يقال: إنّ تأبط شرّا قائم. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقرب من حيث النظر فإنّ المنازعة في فعلية (نعم) و (بئس) دون إسناد تكون مكابرة وزيفا عن الحق، أما القول باسميتهما بعد الإسناد فيمكن بالتوجّه الذي تقدم ذكره على أنّ الحقّ خلاف ذلك (¬1). فإن قيل: لو كان الأمر كما قاله ابن عصفور لم يحسن استدلال المخالف في الفعلية بقوله: «بنعم طير» فإنّ (نعم) لم تكن في هذا البيت متنكرة. فالجواب: أن يقال: إنّ المخالف لم يستدل بهذا البيت، وإنّما استدلّ بقولهم: «ما هي بنعم الولد» وبقولهم: «على بئس العير». نعم، المصنف ذكر استدلال المخالف في الفعلية بقوله: «بنعم طير» أيضا؛ لأنّ الطريقة التي ذكرها تتضمن أنّ المخالف يقول باسميّة (نعم) و (بئس) على الإطلاق، وأما ابن عصفور فلم يذكر بـ «نعم بال» من قول الشاعر: 1992 - فقد بدّلت ذاك بنعم بال ... وأيام لياليها قصار (¬2) على وجه الاستدلال، بل قال: لمّا ذكرت أنّ (نعم) فعل، خفت أن يتوهم من هذا البيت أنّها ليست بفعل بدليل إضافتها إلى ما بعدها. قال: والجواب عن ذلك: أنها لم تضف حتى يغلب عليها من الفعلية وسمّي بها، وحكيت بعد التسمية كما فعل بـ (دبّ) و (شبّ) في قولهم: «ما رأيته من شبّ إلى دبّ» (¬3) وب (قيل) و (قال) فيما يؤثر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أنّه نهى عن (قيل) و (قال) (¬4). ثمّ قال: ومثل بـ «نعم بال»، و «بنعم طير»، من قول الآخر: 1993 - صبّحك الله بخير ... ... ... البيت - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 446). (¬2) البيت من الوافر، وقد نسب لعدي بن زيد وليس في ديوانه. والشاهد فيه: قوله: «بنعم بال» على أنّ (نعم) اسم بدليل إضافتها إلى ما بعدها. وفي المقرب (1/ 65): وهي في الأصل (نعم) التي هي فعل سمي بها وحكيت على حدّ قولهم: ما رأيته مذ شب إلى دب. ينظر الشاهد أيضا في: منهج السالك (ص 387)، والتذييل والتكميل (4/ 441). والمقرب (1/ 65). (¬3) يعني أنهما جعلا اسمين، وحكى فيهما لفظ أصلهما وهو الفعل في المستقصى للزمخشري (1/ 257): «ويروى من شبّ إلى دبّ، بغير تنوين على طريق حكاية الفعل». اه. وفي جمهرة الأمثال للعسكري (ص 53): «بمن شبّ إلى دبّ: أي من لدن شببت إلى أن دببت هرما». اه. (¬4) هذا الحديث في الجامع الصغير (ص 70) ولفظه: «عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال». اه. ومعنى: قيل وقال، أي: كره الاشتغال بنقل الأخبار، من غير تمييز بين صحيحها وسقيمها. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى. وهو كلام حسن إلا أنّ في قوله: أنهما سمّي بهما نظرا؛ لأنها لم يسمّ بها شيء، وإنما أريد لفظ الكلمة خاصة، ولم يقصد معناها الذي وضعت له، ولا شكّ أنّ اللفظ المجرد عن معناه إذا أسند، أو أسند إليه أو أضيف حكم له بحكم الأسماء، ولهذا نظر المصنف قول القائل: «بنعم طير»، بقول الآخر: 1994 - بثين الزمي (لا [إنّ (لا) إن لزمته] ... ... البيت ثمّ قال: فأجراها مجرى اسم، حين دعت الحاجة إلى أن يعامل لفظها معاملة الأسماء، ولم يقل: سمّي بها، كما قال ابن عصفور. البحث الثاني: (نعم) و (بئس) - وإن كانا فعلين ماضيين - ليسا من الأفعال الماضية المنقطعة، بل من الأفعال الماضية التي يراد بها الدوام، و (نعم) و (بئس) من قولك: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، لا يدلان على انقطاع المدح والذمّ، بل المدح والذّمّ في حال الإخبار بهما وبعده ثابتان، كما أنهما قبل الإخبار كذلك (¬1). البحث الثالث: لا شكّ أنّ هذين الفعلين - أعني (نعم) و (بئس) - لا يتصرفان، وعلّل المصنف عدم تصرفهما بلزومهما إنشاء المدح والذمّ كأنه يريد بذلك أنّ الفعلين المذكورين لما خرجا في الاستعمال عن المعنى الذي وضعا له هو الإخبار عن أمر قد انقضى وجب أن لا يتصرفا لنقلهما عن معناهما الأصلي، واستعمالهما في معنى ليس لهما بالوضع (¬2). ومن ثمّ قال بعضهم: أفعال المدح والذمّ لزمت معنى من المعاني وسلبت دلالتهما على الزمان بحسب صيغها، وكذا الدلالة على المصدر فامتنع تصرفها وامتنع أن ينصب الزمان والمصدر. قال: وإنمّا سلبت ذلك؛ لأنها لزمت المدح والذمّ، وهما - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 6) رسالة دكتوراه بكلية اللغة العربية - القاهرة. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 448): «وقد كانا قبل أن يركّبا هذا التركيب يستعملان في غير المدح والذم؛ لأن (نعم) متقولة من قولك: نعم الرجل إذا أصاب نعمة، و (بئس) متقولة من: بئس إذا أصاب بؤسا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكونان إلّا بما ثبت، واستمرّ. ولهذا لا يقال: نعم الرجل أمس ولا نعم الرجل، غدا. بقي أن يقال: فما المراد بالإنشاء؟ إن أريد به ما يقابل الخبر - كما صرح بذلك بعض العلماء - أشكل الأمر؛ لأنّ نحو: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، يقبل التصديق والتكذيب، والإنشاء لا يقبل ذلك وإن أريد به غير ذلك فلا بأس، لكن [3/ 90] يحتاج إلى معرفته، ولم يظهر لي ما هو على التحقيق (¬1) نعم قد يدّعى أن المراد بالإنشاء هنا الحال، وليس المراد بالحال ما يقابل الماضي والمستقبل، بل المراد بها الأمر الدائم المستمرّ كما تقدّم تقديره. وهذا كما يقال في الصفة المشبهة: إنّ معناها الحال أي: الزمن الحاضر، وليس المراد به إلا الدوام والاستمرار. أمّا قوله: على سبيل المبالغة فالمراد به أنّ نحو: «نعم الرجل فلان» هو الغاية في المدح، و «بئس الرجل فلان» هو الغاية في الذّمّ، ولهذا قال المصنف - بعد أن ذكر المبالغة -: وربّما توهّم غير ذلك، وذكر الحكاية عن شريك، إلا أنّ في قوله: على سبيل المبالغة نظرا؛ لأنّ ذلك يقتضي أنّ المبالغة حصلت من قائل: «نعم الرجل فلان»، ولا يلزم من ذلك أن يكون المذكور مستحقّا لما مدح به، والأولى العدول إلى عبارة الزمخشري فإنّه قال: إنّ (نعم) وضعت للمدح العامّ، يعني المدح لا خصوصيّة فيه؛ لأنك إذا قلت: نعم الرجل زيد فقد مدحته مطلقا من غير تعيين خصلة معينة مدحته بها، وكذلك الكلام في (بئس) فهي للذّمّ العامّ أي لذمّ لا خصوصية فيه، فإذا قلت: «بئس الرجل فلان» فقد ذممته مطلقا من غير تعيين خصلة معينة ذممته بها، والمراد أنّك في المدح مدحته من كلّ الوجوه وفي الذّمّ ذممته من كلّ الوجوه (¬2). ومما يحقق لك أنّ قول الزمخشريّ أنّ هذين الفعلين للمدح العام والذّمّ العام أولى وأتمّ من قول المصنف: على سبيل المبالغة - ما ذكره بعض النحاة (¬3) وهو أنّ هذين الفعلين قد خالفا سائر الأفعال الموضوعة للمدح والذّمّ؛ لأن كلّ فعل استعملته لجهة من المدح كان مقصورا عليها لا يتعدّى إلى غيرها، وكذلك الذّمّ نحو: «كرم الرجل - ¬

_ (¬1) لعل المراد بالإنشاء - وهو ما لم يظهر للعلامة ناظر الجيش - إحداث وحصول المدح بـ (نعم) والذمّ بـ (بئس) بعد أن كانتا في أصل وضعهما (نعم، وبئس) للدلالة على النعمة والبؤس. ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 2) رسالة. (¬2) ينظر: المفصل بشرح ابن يعيش (7/ 127). (¬3) يقصد العبدي كما في التذييل والتكميل (4/ 448) رسالة.

[اللغات فيهما]

[اللغات فيهما] قال ابن مالك: (وأصلهما «فعل» وقد يردان كذلك، أو بسكون العين، وفتح الفاء أو كسرها أو بكسرهما، وكذا كلّ ذي عين حلقيّة من «فعل» فعلا أو اسما، وقد تجعل العين الحلقية متبوعة الفاء في «فعيل»، وتابعتها في «فعل» وقد يتبع الثّاني الأول في مثل: نحو، ومحموم، وقد يقال في «بئس»: بيس). ـــــــــــــــــــــــــــــ فلان» إذا وصفت جوده، و «لؤم الرجل فلان»، إذا وصفت بخله، وليس كذلك (نعم)؛ لأنّ كلّ صفة مدح تدخل تحتها، ولا (بئس)؛ لأنّ كل صفة ذمّ تدخل تحتها. قال ناظر الجيش: ذكر المصنّف أن فيهما أربع لغات (¬1): نعم، وبئس، وهي الأصل (¬2)، ونعم وبيس، بالتخفيف، ونعم وبئس بالإتباع، ونعم وبئس بالتخفيف بعد الإتباع، قال: وهذه اللغة أبعد من الأصل وأكثر في الاستعمال وحكى أبو علي (بيس) بياء ساكنة بعد فتحة وهو غريب (¬3) وأما اللغات المتقدمة فجائزة في كلّ ما كان من الأفعال أو الأسماء ثلاثيّا أوّله مفتوح، وثانيه حلقيّ مكسور فيقال في (شهد): شهد وشهد، وشهد، وكذا يقال في (فخذ): فخذ، وفخذ، وفخذ، قال الشاعر: 1995 - إذا غاب [عنّا] غاب عنّا ربيعنا ... وإن شهد أجدى خيره ونوافله (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 6). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 451) رسالة، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 231) رسالة، وفي شرح فصول ابن معط (124) رسالة: «لأنه ليس في الأفعال الثلاثية ما أوسطه ساكن ولذلك اعتقد بعضهم اسميتها واسمية ليس». اه. (¬3) في الحجة لأبي علي الفارسي (1/ 67) الهيئة العامة للكتاب (1403 هـ) قالوا: «بيس» فلم يحقق الهمزة، وأقر مع ذلك كسرة الياء فيها، كما كان يكسرها لو حقق الهمزة أفلا ترى أنه جعل حكم الحرف المغير حكمه قبل أن يغيره. اه. وينظر أيضا: المساعد لابن عقيل (2/ 122)، وشرح التسهيل للمرادي (182 / أ)، وشرح المصنف (3/ 6)، وشرح فصول ابن معط (ص 124، 125) رسالة. (¬4) هذا البيت من الطويل وقائله الأخطل التغلبيّ، غياث بن غوث الشاعر الأموي المشهور قاله في مدح بشر بن مروان بن الحكم. اللغة: أجدى: أفاد وأغنى، نوافله: جمع نافلة وهي الزيادة. والمعنى: غيبته عنا وبعده كغيبة الربيع الذي يحيا به الناس وإن حضر أغنى بما يتفضل به من خير وزيادة عطاء. والشاهد في البيت: إسكان الهاء من (شهد) تخفيفا مع جواز الأوجه الأربعة. ينظر الشاهد في: الكتاب (4/ 116)، وابن السيرافي (2/ 94)، والأعلم (2/ 258)، والهمع (2/ 84)، والدرر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تجعل العين الحلقية متبوعة للفاء في (فعيل) (¬1)، فيقال في (شهيد): شهيد وفي (ضئيل): ضئيل، وفي (بعير): بعير، وفي (صغير): صغير، وفي (نحيف): نحيف، وفي (نخيل): نخيل. وقد تجعل العين الحلقية الساكنة تابعة للفاء المفتوحة، فتفتح وإن لم يكن لها أصل في الفتح كقولك في (فحم): فحم، وفي (قعر): قعر، وفي (دهر): دهر. ومذهب البصريّين: أنّ الفتح فيما ثبت سكونه من هذا النوع مقصور على السّماع، وأنّ الوراد منه بوجهين ليس أصله السكون، ثم فتح ولا هو بالعكس (¬2) وإنّما هو ممّا وضع على لغتين، ومذهب الكوفيّين: أنّ بعضه ذو لغتين؛ وبعضه أصله السكون، ثمّ فتح؛ لأنّ الفتحة من الألف وهو من حروف الحلق فكان في جعلها على العين والعين حلقية مسبوقة بفتحة مشاكلة ظاهرة، ومناسبات متجاورة، واختار ابن جنّي مذهب الكوفيّين مستدلّا بقول بعض العرب في (نحو): (نحو) وفي (محموم) محموم، فقال: لو لم تكن الفتحة عارضة في (نحو) لزم انقلاب الواو ألفا لكنها فتحة عرضت في محلّ سكون، فعومل ما جاورها بما كان يعامل مع السكون ولم يعتد بها وكذا فتحة (محموم) لو لم تكن عارضة لزم ثبوت (مفعول) أصلا، ولا سبيل إلى ذلك لكنّ فتحة الحاء منه في محلّ سكون، فأمن بذلك عدم النظير. وكان هذا التقدير أحسن التقدير. قلت: هذا - يعني قول ابن جنّى واعتبار ما اعتبره - حسن بيّن الحسن وهو نظير قولنا في (يسع): إنّ الفتحة في محلّ كسرة ولولا ذلك لقيل: (يوسع) كما قيل: يرجع لكنّه عومل معاملة (يعد) فحذفت واوه، لوقوعها بين ياء وكسرة إلا أنّ كسرة (يعد) ملفوظ بها، وكسرة (يسع) مقدرة في محلّ الفتحة كتقدير السكون في محلّ الفتحة نحو: (محموم) وشبيه هذا قولهم في (جيأل وتوأم): جيل وتوم، صحّحوا الياء والواو، مع تحرّكهما، وانفتاح ما قبلهما؛ لأن تحركهما عارض منويّ في محلّه السكون، وشبيه هذا أيضا - ¬

_ - (2/ 109)، وديوان الأخطل (ص 64) طبعة. الكاثوليكية. لبنان. (¬1) يعني تكسر الفاء تبعا لكسرة العين. ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (7/ 128)، والتذييل والتكميل (4/ 451) رسالة، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 2) رسالة، وشرح فصول ابن معط (2/ 126) رسالة. (¬2) أي ليس أصله الفتح ثم سكن طلبا للتخفيف ويراجع مذهب البصريين هذا في التذييل والتكميل (4/ 456)، والمساعد لابن عقيل (2/ 124).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهم في (بيوت): بيوت، ففتحوا الجمع مع أنه أثقل من المفرد بكسرة تليها ضمّة، وقد رفضوا ذلك في المفرد مع أنّه أخفّ إلا أنّ الكسرة عارضة للإيقاع والضمة منوية في محلّها فعاد الصعب هيّنا والعذر بيّنا. وما حكى أبو عليّ من قولهم: (بيس) فالوجه فيه أنّ أصله: بيس، فخفّف (بئس)، ثم فتحت الباء التفاتا إلى الأصل وترك ما نشأ [3/ 91] من الكسرة؛ لأن استعمالها أكثر فكانت جديرة بأن تنوى مع رجوع الفتحة لشبهها بالعارضة في قلّة الاستعمال (¬1) انتهى. ولم يذكر ابن عصفور سوى لغتين كسر الباء، وفتحها ولا شكّ أن قول من حفظ حجّة على من لم يحفظ مع أنّ اطلاع المصنّف على اللغة أمر لا ينكر. ثمّ إن الشيخ اعترض على المصنّف في قوله: وكذا كلّ ذي عين حلقية من (فعل) فعلا أو اسما فقال: قد أطلق المصنف وغيره هذا، وينبغي أن يعتبر ذلك بشرط ألّا يكون ممّا شذّت العرب في فكّه، نحو: لححت عينه، أو اتصل بآخر الفعل ما يسكن له نحو: شهدت، أو كان اسم فاعل من فعل معتلّ اللام نحو: ضح، من قولهم: ضحي الثوب ضحا، [فهو ضح] إذا اتسخ، وسخي سخا فهو سخ أيضا، إذا اتّسخ فإن هذه لا يجوز تسكين عينها (¬2). انتهى. وأقول: إن الحكم العامّ إذا امتنع في بعض الصّور، لا لأمر يرجع إلى ذات الشيء بل لعارض يتحقق امتناع ذلك الحكم لأصله لا يحتاج إلى التنبيه عليه، وبيان ذلك فيما نحن بصدده، أنّ نحو: (لححت) لو سكن لوجب الإدغام، والغرض أنّ تلك الكلمة إنما استعملت غير مدغمة فالمانع من التسكين إنما هو مخالفة الاستعمال ومخالفة استعمال العرب غير جائزة، وأما نحو: (شهدت) فتسكين عينه ممتنع حينا فأيّ حاجة إلى استثنائه؟! وأما اسم الفاعل من الفعل المعتلّ فلا شكّ أنّه لو سكنت عينه لصحّت لامه، فكان يقال في (ضح): (ضحي) ولو قيل ذلك لانتقل اسم الفاعل من الإعلال إلى التصحيح، ولا شكّ في أنّ اسم الفاعل يتبع الفعل في الصحّة والإعلال، فلو صحّ اسم الفاعل هنا لزم التخالف بينه وبين فعله في الإعلال وذلك غير جائز. ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 8) والتذييل والتكميل (4/ 458). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 454، 455).

[أنواع فاعل «نعم» و «بئس»]

[أنواع فاعل «نعم» و «بئس»] قال ابن مالك: (فصل: فاعل «نعم» و «بئس» في الغالب ظاهر معرّف بالألف واللّام، أو مضاف إلى المعرّف بهما مباشرا أو بواسطة، وقد يقوم مقام ذي الألف واللّام «ما» معرفة تامّة؛ وفاقا لسيبويه، والكسائيّ لا موصولة؛ خلافا للفرّاء والفارسيّ. وليست بنكرة مميزة، خلافا للزّمخشريّ، وللفارسيّ في أحد قوليه، ولا يؤكّد فاعلها توكيدا معنويّا، وقد يوصف خلافا لابن السرّاج والفارسيّ، وقد ينكّر مفردا أو مضافا، ويضمر ممنوع الإتباع مفسّرا بتمييز مؤخّر، مطابق قابل «أل» لازم غالبا، وقد يرد بعد الفاعل الظاهر مؤكدا وفاقا للمبرّد، والفارسيّ، ولا يمتنع عندهما إسناد «نعم» و «بئس» إلى الذي الجنسيّة، وندر نحو: نعم زيد رجلا ومرّ بقوم نعموا قوما، ونعم بهم قوما، ونعم عبد الله خالد، وبئس عبد الله أنا إن كان كذا وشهدت صفّين، وبئست صفّون). قال ناظر الجيش: اعلم أنه كما اختصّ هذان الفعلان اللذان هما (نعم وبئس) في الاستعمال بمعنى مخصوص غير ما يقتضيه وضعهما وهو المدح العامّ أو الذّمّ العامّ اختصّا بأن يكون فاعلهما اسما مخصوصا مذكورا بعده المخصوص بالمدح أو الذّمّ؛ لتحصل المبالغة في حقّ فاعلهما كما كان العموم فيهما، فكان الفاعل كذلك اسما معرّفا باللّام (¬1)، أو مضمرا مستترا، مفسرا باسم نكرة بعده (¬2). وأمّا (ما) فالأمر فيها لا يخرج عن القسمين (¬3)؛ لأنّها إن كانت فاعلة فهي قائمة مقام اسم فيه اللام - ¬

_ (¬1) في شرح الفصول لابن معط (ص 130) رسالة: «فإن كان فاعلهما - أي نعم وبئس - اسما ظاهرا لزمته الألف واللام أو إضافته لما فيه الألف واللام، وإنما اشترط تعريفه باللام؛ ليفيد العموم فيوافق فعله فيما يقتضيه من العموم فإن نعم وبئس موضوعان للمدح العام والذم العام». اه. وينظر: شرح الألفية للشاطبي (ص 9، 10). (¬2) شرح الفصول لابن معط (ص 127) رسالة: «فالمضمر يلزم تفسيره بمفرد نكرة منصوبة على التمييز نحو: نعم رجلا زيد، وجاز إضمار الفاعل من غير تقدم شيء يعود عليه الضمير اعتمادا على المفسر المذكور بعده». اه. وينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 10، 11) رسالة. (¬3) المرجع السابق (4/ 20) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كانت تمييزا فالفاعل حينئذ - ضمير مفسّر بها وكون فاعلي هذين الفعلين ما ذكر هو أشهر اللّغات وهو الغالب في الاستعمال وقد يكون فاعلهما غير ذلك. والذي ذكره المصنّف أربعة أشياء: أحدها: الاسم النكرة مفردة أو مضافة. ثانيها: الذي الجنسية. ثالثها: الاسم العلم نحو: نعم زيد ونعم عبد الله. ورابعها: الضمير البارز عائدا على اسم تقدّم على كلّ من الفعلين كما ستجيء الإشارة إلى ذلك كلّه ثمّ من هذه الأربعة ما هو أشهر وما هو أندر. وبعد الإشارة إلى ما ذكرنا فأنا أورد كلامه ثمّ أعود إلى ذكر ما يتعلق بمسائل الفصل: قال رحمه الله تعالى (¬1): الغالب في فاعل (نعم وبئس) أن يكون معرفا بالألف واللام، أو مضافا إلى المعرّف بهما، أو مضافا إلى المضاف إلى المعرّف بهما، أو ضميرا مستترا مفسّرا بنكرة منصوبة على التمييز. فالأول (¬2): كقوله تعالى: نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (¬3)، والثاني (¬4): كقوله تعالى: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (¬5)، والثالث (¬6): كقول الشاعر: 1996 - فإن تك فقعس بانت وبنّا ... فنعم ذوو مجاملة الخليل (¬7) وكقول الآخر: 1997 - فنعم ابن أخت القوم غير مكذّب ... زهير حسام مفرد من حمائل (¬8) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 8). (¬2) يعني: فاعل (نعم) المعرف بالألف واللام. (¬3) سورة الأنفال: 40. (¬4) يعني فاعل (نعم) المضاف إلى المعرف بالألف واللام. (¬5) سورة النحل: 30. (¬6) يعني: فاعل (نعم) المعرف بالإضافة إلى المضاف إلى المعرف بالألف واللام. (¬7) البيت من الوافر ولم أهتد إلى قائله. والشاهد في البيت: قوله: «فنعم ذوو مجاملة الخليل»؛ فقد استشهد به على مجيء فاعل (نعم) مضافا لما أضيف لما فيه (أل) وقد عبر عن ذلك أبو حيان بأنه مضاف إلى ذي (أل) بواسطة. ينظر الشاهد في منهج السالك لأبي حيان (ص 388)، والدرر (2/ 110)، والهمع (2/ 85)، ومعجم الشواهد العربية (1/ 317). (¬8) البيت من بحر الطويل، وقائله أبو طالب بن عبد المطلب عم الرسول عليه الصلاة والسّلام من قصيدة طويلة يمدح فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم ويعاتب قريشا على ما حدث منها، وقد روي في الروض الأنف (2/ 16) «حساما مفردا» بالنصب. اللغة: أخت القوم: عاتكة بنت عبد المطلب، وزهير: هو زهير بن أمية بن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى ما في (ابن) أشرت بقولي: أو بواسطة، ومثال الرّافع قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (¬1)، وقول الشاعر: 1998 - لنعم موئلا المولى إذا حذرت ... بأساء ذي البغي واستيلاء ذي الإحن (¬2) و (ما) في نحو: «ما صنعت» عند سيبويه والكسائيّ فاعل بمنزلة ذي الألف واللّام وهي معرفة تامة (¬3) أي غير مفتقرة إلى صلة، وإلى ذا أشرت بقولي: وقد يقوم مقام ذي الألف واللّام (ما) معرفة تامة وهي عند الفرّاء وأبي علي الفارسيّ فاعلة موصولة مكتفى بها، وبصلتها عن المخصوص (¬4)، وأجاز الفراء أن يركب (نعم) مع (ما) تركيب (حبّ) مع (ذا) كقول العرب: «بئسما تزويج، ولا مهر» (¬5) - ¬

_ - المغيرة وأمه عاتكة المذكورة غير حال، وزهير مخصوص بالمدح، حسام: سيف قاطع، وحسام، ومفرد، خبران لمبتدأ محذوف، أي هو حسام مفرد، وحمائل: علّاقة السيف. والشاهد فيه: «فنعم ابن أخت القوم»؛ فقد جاء فاعل (نعم) اسما مضافا إلى اسم مضاف إلى مقترن بـ (أل). ينظر الشاهد في ديوان أبي طالب (ورقة 3) مخطوط بدار الكتب برقم (38 ش)، وشرح ابن الناظم (182)، والأشموني (3/ 28) والهمع (2/ 85)، والتصريح (2/ 95)، والدرر (2/ 109). (¬1) سورة الكهف: 50. (¬2) البيت من البسيط ولم ينسب لقائل معين. اللغة: اللام - في (لنعم) - للتوكيد، موئلا: ملجأ، المولى: مخصوص بالمدح، حذرت: خيفت، والبأساء: الشدة، والبغي: الظلم، الإحن: بكسر الهمزة وفتح الحاء جمع (إحنة) بكسر الهمزة وسكون الحاء وهي الحقد. الشاهد في البيت: «لنعم موئلا المولى»؛ حيث إن فاعل (نعم) فيه ضمير مستتر مفسر بالتمييز وهو قوله: «موئلا» والتقدير: لنعم الموئل موئلا المولى .. ينظر الشاهد في شرح ابن الناظم على الألفية (ص 182)، ومنهج السالك لأبي حيان (ص 389)، والأشموني (3/ 32)، والمقاصد النحوية (4/ 6). (¬3) أي: اسم تام مكنى به عن اسم معرف بـ (أل) الجنسية. يراجع رأي سيبويه في الكتاب (1/ 73) والتذييل والتكميل (4/ 473)، ومنهج السالك (ص 395)، والأشموني (3/ 36)، ويراجع رأي الكسائي في: التذييل والتكميل (4/ 473)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي أيضا (3/ 97)، والأشموني (3/ 36). (¬4) لمراجعة رأي الفراء ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 57)، والتذييل والتكميل (4/ 473) رسالة، وشرح التسهيل للمرادي (183 / أ)، وشرح الأشموني (3/ 36). ولمراجعة رأي الفارسي ينظر: الشيرازيات (2/ 550) رسالة، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 97)، والأشموني (3/ 36). (¬5) في معاني القرآن للفراء (1/ 57، 58): «فإذا جعلت (نعم) صلة لـ (ما) كانت بمنزلة قولك: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصحيح جعل (ما) فاعلة بـ (بئس) وكونها خبر (تزويج ولا مهر) والتقدير: بئس التزويج تزويج مع انتفاء المهر. وجعل الزمخشريّ وأبو علي الفارسيّ - في أحد قوليه - (ما) نكرة مميزة (¬1) وسيأتي إبطال ذلك إن شاء الله تعالى. ولا يؤكد فاعل (نعم) وبئس توكيدا معنويّا باتفاق؛ لأنّ القصد [3/ 92] بالتوكيد المعنويّ دفع توهّم إرادة الخصوص بما ظاهره العموم أو دفع توهّم المجاز بما ظاهره الحقيقة وفاعل (نعم) و (بئس) في الغالب بخلاف ذلك؛ لأنه قائم مقام الجنس إن كان ذا جنس، أو مؤول بالجامع لأكمل خصال المدح اللائق بمسمّاه، إن كان فاعل (نعم) وبالجامع لأكمل خصال الذّم إن كان فاعل (بئس) والتوكيد المعنويّ مناف للقصدين فاتفق على منعه. وأما التوكيد اللفظيّ فلا يمتنع؛ فلك أن تقول: نعم الرجل الرجل زيد. وأما النعت؛ فلا ينبغي أن يمنع على الإطلاق، بل يمنع إذا قصد به التخصيص مع إقامة الفاعل مقام الجنس؛ لأنّ تخصيصه - حينئذ - مناف لذلك القصد، وأمّا إذا تؤول بالجامع لأكمل الخصال فلا مانع، من نعته حينئذ؛ لإمكان أن ينوى في النّعت ما نوي في المنعوت (¬2) وعلى هذا يحمل قول الشاعر: 1999 - نعم الفتى المرّي أنت إذا هم ... حضروا لدى الحجرات نار الموقد (¬3) - ¬

_ - (كلما) وإنما كان بمنزلة (حبذا) فرفعت بها الأسماء ثم قال: «وسمعت العرب تقول في (نعم) المكتفية: بئسما تزويج ولا مهر، فيرفعون التزويج بـ (بئس)». اه. وينظر: الكشاف (1/ 397)، ويراجع رأي الفارسي هذا في الشيرازيات (2/ 550) وكذلك رأيه الثاني. (¬1) في المفصل للزمخشري (ص 273): «وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (نعم) فيه مسندة إلى الفاعل المضمر، و (ما) مميزة وهي نكرة لا موصوفة ولا موصولة والتقدير: نعم شيئا هي». اه. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 484)، ومنهج السالك (ص 392). (¬3) البيت الكامل، وقائله زهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي المشهور، من قصيدة يمدح بها سنان بن أبي حارثة المرّي. اللغة: المري: - بضم الميم، وتشديد الراء - نسبة إلى مرة، أحد أجداده، والحجرات: - جمع حجرة بفتحتين - وهي شدّة الشتاء. والشاهد في البيت: قوله: «المرّي» فهو صفة للفتى، الذي هو فاعل (نعم) و (أنت) مخصوص بالمدح. والجمهور على منع النعت خلافا لأبي الفتح ابن جني، وحمله ابن السراج وأبو علي الفارسي على البدل ولا حجة لهما في ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمل ابن السّراج، وأبو عليّ مثل هذا على البدل، وأبيا النعت، ولا حجة لهما (¬1). وحكى الأخفش: أنّ ناسا من العرب يرفعون بـ (نعم) النكرة مفردة ومضافة (¬2)، فإلى هذا أشرت بقولي: وقد ينكر مفردا أو مضافا (¬3)، فيقال على هذا: نعم امرأ زيد، ونعم صاحب قوم عمرو، ومنه قول الشّاعر: 2000 - بئس قرينا بفن هالك ... أمّ عبيد وأبو مالك (¬4) ومن ورود الفاعل نكرة، غير مضافة قول الشّاعر: 2001 - أتحسبني شغفت بغير سلمى ... وسلمى بي متيّمة تهيم وسلمى أكمل الثقلين حسنا ... وفي أثوابها قمر وريم نياف القرط غرّاء الثنايا ... ورئد للنّساء، ونعم نيم (¬5) - ¬

_ (¬1) في الأصول لابن السراج (1/ 76): «ولا يجوز توكيد المرفوع بـ (نعم)، قالوا: وقد جاء في الشعر منسوبا لزهير: نعم الفتى المرّي أنت ... وهذا يجوز أن يكون بدلا غير نعت، فكأنه قال: نعم المري أنت». اه. ويراجع مذهب ابن السراج أيضا في: منهج السالك لأبي حيان (ص 392)، والتذييل والتكميل (4/ 484)، ومغني اللبيب بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ص 587). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 488) رسالة: «فأما رفعهما النكرة المفردة، وما أضيف إلى نكرة فأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وابن السراج ومنعه عامة النحويين إلا في الضرورة». وينظر أيضا: منهج السالك (391، 392) وشرح المرادي (184 / أ)، والدرر (2/ 613)، والخزانة (9/ 416). (¬3) شرح التسهيل (3/ 10). (¬4) البيت من السريع، ولم أهتد إلى قائله. اللغة: بفن: الشيخ الكبير، هالك: صفة له، أم عبيد: الفلاة، والمفازة، وقيل: الأرض الخالية أو ما أخطأها المطر، وأبو مالك: كناية عن الجوع الكبير. والشاهد في البيت: «بئس قرينا بفن»؛ فقد وقع فاعل بئس - في الشعر - نكرة مضافة إلى نكرة». ينظر الشاهد في منهج السالك (ص 391)، وأمالي القالي (2/ 183)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 663). (¬5) هذه الأبيات من الوافر وقائلها تأبط شرّا، ثابت بن جابر بن سفيان، كما في اللسان مادة «فوم». تنظر ترجمة تأبط شرّا في الشعر والشعراء (1/ 318). اللغة: ريم: ولد الظبية، ويكنى به عن طويلة العنق، القرط: - بضم القاف وسكون الراء - ما يعلق في الأذن من الحلي، ونياف القرط: بعيدة مهواه ويكنى به عن طويلة العنق، غراء الثنايا: وهي الأسنان التي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووافق الفراء الأخفش في كون الفاعل نكرة مضافة، قال (¬1): فإن أضفت النكرة إلى نكرة رفعت ونصبت، كقولك: نعم غلام سفر زيد (¬2)، وقال أبو الحسن الأخفش: من قال هذا رجل وأخوه ذاهبان على تنكير الأخ قال هنا: نعم أخو قوم، وصاحبهم زيد، ومن قال: هذا رجل وأخوه ذاهبين - على تعريف الأخ - لم يجز العطف هنا؛ لأنّ (نعم) لا ترفع معرفة إلا بالألف واللام، أو بالإضافة إلى معرّف بها. فظاهر هذا القول من أبي الحسن يشعر بأنّه لا يجيز: نعم الذي يفعل زيد، ولا: نعم من فعل زيد، ومثل هذا لا ينبغي أن يمتنع؛ لأنّ (الذي يفعل) بمنزلة الفاعل، ولذلك اطرد الوصف؛ ويقتضي النظر الصحيح أنّه لا يجوز مطلقا ولا يمنع مطلقا، بل إذا قصد به الجنس جاز، وإذا قصد به العهد منع، وهذا مذهب المبرّد والفارسيّ (¬3) وهو الصّحيح، وممّا يدلّ على أن فاعل (نعم) قد يكون موصولا أو مضافا إلى موصول قول الشاعر: 2002 - وكيف أرهب أمرا أو أراع له ... وقد زكأت إلى بشر بن مروان فنعم مزكأ من ضاقت مذاهبه ... ونعم من هو في سرّ وإعلان (¬4) - ¬

_ - في مقدم الفم، ريد - مسهلة الهمزة -: الترب، بكسر التاء، ورئد الرجل كذلك، نيم: قيل: القطيفة، وقيل: الضجيع، والمقصود هنا النعمة التامة ومن يؤتنس به». الشاهد: في البيت الأخير قوله: «ونعم نيم»؛ حيث وقع فاعل (نعم) اسما منكرا مفردا. ينظر الشاهد في: منهج السالك (392)، والدرر (2/ 613)، وشرح التسهيل للمرادي (184 / أ)، والخزانة (9/ 416). (¬1) الضمير المستتر في (قال) عائد على الفراء وانظر شرح التسهيل (3/ 10). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 492) وقال الفراء: «يجوز رفع النكرة المضافة إلى نكرة ونصبها فتقول: نعم غلام سفر غلامك، ونعم غلام سفر غلامك». اه. وينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 57). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (484)، ومنهج السالك (ص 392)، والمساعد لابن عقيل (137 / أ). (¬4) البيتان من البسيط ولم ينسبا لقائل معين. اللغة: أرهب: الرهب: - بتحريك الهاء - الخوف، أراع: من الروع وهو الفزع، زكأت: لجأت، مزكأ: مفعل منه: اسم مكان منه بمعنى ملجأ، وبشر: هو ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي العيشمي الأموي، كان سمحا جوادا مات سنة (75 هـ)، وكان قد ولي إمرة العراقيين لأخيه عبد الملك، وهو أول أمير مات بالبصرة. والشاهد في البيت: قوله: «ونعم من هو»؛ على مجيء (من) الثانية في البيت موصولا بمعنى: الذي، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو لم يكن في هذا الإسناد (نعم) المضاف إلى (من) لكان فيه حجّة على صحة إسناد (نعم) إلى (من)؛ لأنّ فاعل (نعم) لا يضاف في غير ندور إلّا إلى ما يصحّ إسناد (نعم) إليه فكيف وفيه: ونعم من هو، فـ (من) هذه: إمّا تمييز، والفاعل مضمر كما زعم أبو علي (¬1) وقد تقدم ذلك في باب الموصولات، وإمّا فاعل. فالأول لا يصحّ لوجهين (¬2): أحدهما: أنّ التمييز لا يقع في الكلام - بالاستقراء إلّا نكرة صالحة للألف واللام و (من) بخلاف ذلك، فلا يجوز كونها تمييزا. الثاني: أنّ الحكم عليها بالتمييز - عند القائل به - مرتب على كون (من) نكرة غير موصوفة وذلك منتف بإجماع في غير محل النزاع، فلا يصار إليه، بلا دليل عليه (¬3). فصحّ القول بأنّ (من) في موضع رفع بـ (نعم)؛ إذ لا قائل يقول ذلك مع شهادة صدر البيت فإنّ فيه «نعم مزكأ من»، فأسندت (نعم) إلى المضاف إلى (من) وقد ثبت أنّ الذي يسند إليه لا يضاف كما لا يصح إسنادها إليه، وفي هذا كناية، ويقع فاعل هذا الباب ضميرا مستترا، مفسرا بتمييز مطابق للمخصوص بالمدح أو الذّم، نحو: نعم رجلا زيد، ونعم امرأة هند، ونعم رجلين الزيدان، ونعمت امرأتين الهندان، ونعم رجالا الزيدون، ونعم نساء الهندات. وهذا الضمير المجعول فاعلا، في هذا الباب شبيه بضمير الشأن، في أنه قصد إبهامه تعظيما لمعناه، فاستويا لذلك، في عدم الإتباع توكيدا وغيره، ونبهت على أنّ مميزه لا يكون إلا صالحا للألف واللّام - مع أنّ كل مميز لا يكون إلّا كذلك - ¬

_ - وقعت فاعلا لنعم، و (هو) مبتدأ وخبره محذوف تقديره: مثله، والجملة صلة (من) والمخصوص بالمدح محذوف وتقديره: بشر. ينظر الشاهد في: الهمع (2/ 86)، والأشموني (1/ 155)، والدرر (2/ 114)، والخزانة (9/ 410)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 29). (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 520): «وأما «ونعم من هو» فتأوله أبو علي على أنه تمييز وفي (نعم) ضمير، و (من) تفسير له، فهو في موضع نصب». اه. وينظر أيضا مغني اللبيب (ص 329) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، وخزانة الأدب (9/ 412). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 11). (¬3) ذكر ابن مالك هذا الوجه في الرد على أبي علي. ينظر شرح المصنف (3/ 11)، والتذييل والتكميل (4/ 520)، وخزانة الأدب (9/ 413).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالاستقراء - لأنّ أبا عليّ والزمخشريّ يجيزان التمييز في هذا الباب بـ (ما) فيزعمان أنّ فاعل (نعم) في قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (¬1) وشبهه، مضمر كما هو في: نعم رجلا زيد، و (ما) في موضع نصب على التمييز (¬2)، وربما اعتقد من لا يعرف أنّ هذا مذهب سيبويه وذلك باطل، بل مذهب سيبويه أنّ (ما) اسم تامّ مكنيّ به عن اسم معرّف بالألف واللام الجنسية مقدّر بحسب المعنى (¬3) كقولك في إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ (¬4): إنّ معناها: فنعم الشيء إبداؤها، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. قال أبو الحسن بن خروف: وتكون (ما) تامة معرفة بغير صلة نحو: دققته دقّا نعمّا، قال سيبويه (¬5): أي: نعم الدقّ، ونعمّا هي: أي نعم الشيء إبداؤها، ونعمّا صنعت، وبئسما فعلت، أي: نعم الشيء: شيء صنعت. هذا كلام ابن خروف معتمدا على كلام سيبويه، وسبقه إلى ذلك السيرافي، وجعل نظيره قول العرب: إنّي ممّا أن أصنع (¬6)، أي: من الأمر أن أصنع، فجعل (ما) وحدها في موضع الأمر، ولم يصلها بشيء، وتقدير الكلام: إنّني من الأمر صنعي كذا وكذا فالياء اسم (إنّ) و (صنعي) مبتدأ و (من الأمر) خبر [3/ 96] (صنعي) والجملة في موضع خبر (إنّ) هذا كلام السيرافيّ، وهو موافق لكلام سيبويه رحمه الله تعالى فإنّه قال: ونظير جعلهم (ما) وحدها اسما قول العرب: إني ممّا أن أصنع أي من الأمر أن أصنع، فجعلوا (ما) وحدها اسما (¬7)، ومثل ذلك: غسلته غسلا نعمّا، أي: نعم الغسل (¬8) فقدّر (ما) بالأمر، وبالغسل ولم يقدرها بأمر، ولا غسل، فعلم أنها عنده معرفة، وحكى الفراء عن الكسائي أنّه قال: أرادت العرب أن تجعل (ما) بمنزلة الرجل ظرفا - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 271. (¬2) ينظر رأي أبي علي في الإغفال له (1/ 317، 318) والشيرازيات (2/ 550)، والمسائل البغداديات (ص 127) رسالة، وينظر رأي الزمخشري في المفصل (273)، والكشاف (1/ 397). (¬3) ذكر ابن مالك هذا الوجه أيضا في الرد على أبي علي. ينظر شرح المصنف (3/ 11)، والتذييل والتكميل (4/ 520)، وخزانة الأدب (9/ 413). (¬4) سورة البقرة: 271، أي إبداء الصدقات. (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 73)، وابن الناظم (183)، والشاطبي (4/ 23). (¬6) ينظر: الكتاب (1/ 73)، والمقتضب (4/ 175)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 24) رسالة. (¬7) في شرح الكافية: «ويقوي تعريف (ما) في نحو: «مما أن أصنع» كونها مجرورة بحرف مخبر به وتعريف ما كان كذلك أو تخصيصه لازم بالاستقراء. (¬8) ينظر: الكتاب (1/ 73).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تامّا، ثم أضمروا ما يشير إلى أنّ قولهم: «بئس ما صنعت» معناه: بئس الشيء ما صنعت، والموجود فاعل و (ما) المقدرة مبتدأ (¬1). هذا معنى ما نقله الفراء عن الكسائي، فمذهبه كمذهب سيبويه إلّا أنّ المحقق من أصحاب سيبويه يجعل التقدير: نعم الشيء شيئا صنعت (¬2)، ويقوي تعريف ما بعد (نعم) كثرة الاقتصار عليها في نحو: غسلته غسلا نعمّا، والنكرة التالية (نعم) لا يقتصر عليها إلا في نادر من القول (¬3)، كقول الراجز: 2003 - تقول عرسي وهي لي عومره ... بئس امرأ، وإنّني بئس المره (¬4) ويقوى أيضا فاعلية (ما) المذكورة وأنها ليست تمييزا: أنّ التمييز إنما يجاء به لتعيين جنس المميّز، و (ما) المذكورة مساوية للمضمر في الإبهام، فلا يكون تمييزا (¬5)، ويقوّي تعريف (ما) في نحو: «مما أن أصنع» كونها مجرورة بحرف مخبر به، وما كان كذلك فلا يكون - بالاستقراء - إلا معرفة، أو نكرة موصوفة، و (ما) المذكورة غير نكرة موصوفة فتعين كونها معرفة، وإلّا لزم ثبوت ما لا نظير له، قال أبو علي في البغداديات - في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ (¬6) -: يجوز أن تكون (ما) معرفة، ويجوز أن تكون نكرة، فإن حملته على أنّه معرفة كان رفعا ولم يكن لقوله: يَعِظُكُمْ موضع من الإعراب، وإن حملته على أنّه نكرة كانت - ¬

_ (¬1) ينظر: معاني القرآن للفراء (1/ 57). (¬2) هذا رأي الجرمي وينظر في التذييل والتكميل (4/ 476) والمساعد لابن عقيل (137 / أ). (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 11) وفي التذييل والتكميل (4/ 474، 475) وليس بنادر كما قال لقوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا فهذا كقوله: بئس امرأ. (¬4) هذا البيت من الرجز لم أهتد إلى قائله، وقال العيني: لم أقف على اسم قائله وروي: بئس امرؤ، بالرفع وليس كذلك. اللغة: عرسي: - بكسر العين وسكون الراء - زوجتي، لي: معي، عومرة: صخب وجلبة وفي جمهرة اللغة: وقع القوم في عومرة، أي: تخبط وشر. والشاهد في البيت: قوله: «بئس امرأ»؛ حيث أضمر الفاعل فيه وفسرته النكرة بعده المنصوبة على التمييز وفيه ثلاثة أشياء: تذكير الفعل المسند إلى المؤنث أي: بئست المرأة، وتقديم المخصوص بالذم على بئس، لدخول الناسخ عليه، وتخفيف الهمزة من المرأة. ينظر الشاهد في التذييل والتكميل (4/ 474)، والعيني (4/ 29)، والأشموني (3/ 32). (¬5) ينظر: شرح الكافية الشافية (2/ 1112)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 24) رسالة. (¬6) سورة النساء: 58.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منصوبة، وموضع يعظكم نصب، لكونه وصفا للاسم المنصوب (¬1) هذا نصّه. وينبغي أن ينتبه بتقييدي مميز فاعل هذا الباب بقبول (أل) على أنّه لا يجوز أن يكون بلفظ (مثل) ولا (غير) ولا (أيّ) ولا أفعل من كذا؛ لأنه خلف عن فاعل مقرون بالألف واللام، فاشترط صلاحيته لهما، وكل ما ذكرته آنفا لا يصلح لهما، فلم يجز أن يخلف مقرونا بهما، وقلت: غالبا - بعد التقييد بـ: لازم - احترازا من حذف المميّز في قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من توضّأ يوم الجمعة فبها ونعمت» (¬2) أي فبالسّنّة أتى، ونعمت السنة سنّة، فأضمر الفاعل على شريطة التفسير، وحذف المميز للعلم به (¬3)، وإذا ثبت أنّ مميز هذا الباب قد يحذف للعلم به أمكن أن يحمل عليه ما أوهم بظاهره أنّ الفاعل فيه علم، أو مضاف إلى علم كقول ابن مسعود - رضى الله تعالى عنه - أو غيره من العبادلة: «بئس عبد الله أنا، إن كان كذا» وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «نعم عبد الله خالد بن الوليد» (¬4) فيكون (نعم) و (بئس) مسندين - ¬

_ (¬1) ينظر: المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات (ص 252) تحقيق صلاح الدين السنكاوي. (¬2) ينظر: الترمذي (3/ 4) باب: في الوضوء يوم الجمعة في (3/ 94) طبعة. دار الفكر - بيروت (1348 هـ/ 1930 م) وفي النهاية لابن الأثير (4/ 158) مادة «نعم»: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، أي: ونعمت الخصلة والفعلة هي، فحذف المخصوص بالمدح، والباء في قوله: «فبها» متعلقة بفعل مضمر، أي فبهذه الخصلة أو الفعلة، يعني: الوضوء ينال الفضل، وقيل: هو راجع إلى السنة، فبالسنة أخذ فأضمر ذلك». اه. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 502): «وهذا الذي ذكره من جواز حذف التمييز ذكره ابن عصفور، قال: «ولا بد من ذكر اسم الممدوح أو المذموم ومن ذكر التمييز إذا كان الفاعل مضمرا، وقد يجوز حذف ذلك لفهم المعنى ومن كلامهم: إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت أي: ونعمت فعلة فعلتك فحذف التمييز واسم الممدوح». اه. وينظر: المقرب (1/ 66، 67). (¬4) هذا الحديث في سنن الترمذي (5/ 352)، ولفظه: «عن أبي هريرة قال: نزلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منزلا فجعل الناس يمرون، فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من هذا يا أبا هريرة؟ فأقول: فلان فيقول بئس عبد الله هذا، حتى مرّ خالد بن الوليد، فقال: من هذا؟ فقلت: هذا خالد بن الوليد، قال: نعم خالد بن الوليد سيف من سيوف الله». اه. وخالد بن الوليد هو الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي، سيف الله، أسلم بعد الحديبية، وشهد غزوة مؤتة، وسماه النبي صلّى الله عليه وسلّم يومئذ، كما شهد خيبر وفتح مكة وحنينا، وله آثاره في حروب الشام والعراق، وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة (21 هـ) تنظر ترجمته في جمهرة أنساب العرب (ص 147)، ونسب قريش (ص 320).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى ضميرين، حذف مفسراهما و (عبد الله) مبتدأ، و (أنا) و (خالد) بدلان، ومن هذا النوع - أيضا - قول سهل بن حنيف (¬1) رضي الله عنه: «شهدت صفين، وبئست صفون» (¬2)، وأما ما روي من قول بعضهم: نعم زيد رجلا، فيحمل على أنّ الأصل فيه: نعم رجلا زيد، على أنّ الفاعل مضمر، و (رجلا) مفسره و (زيد) مبتدأ خبره (نعم) وفاعلها، وليس فيه شذوذ، إلّا أن يكون التمييز مسبوقا بالمبتدأ، فيكون في ذلك نظير قول الشاعر: 2004 - والتّغلبيّون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمّهم زلّاء منطيق (¬3) وهذه توجيهات أعنت عليها، ولم أسبق إليها، والحمد لله ربّ العالمين (¬4). والحاصل: أنّ فاعل (نعم وبئس) لا يكون إلّا ظاهرا معرفا بـ (أل) أو مضافا إليه، أو إلى مضاف إليه، أو نكرة مضافة، أو مفردة، أو موصولا، أو مضافا إليه، أو ضميرا مفسرا بتمييز، موجود أو مقدّر، ولا يكون غير ذلك إلّا ما ندر من نحو: مررت بقوم نعموا رجالا، ومن قال: نعم هم، فمراده نعموا، ولكن زاد ياء الجرّ في الفاعل، كما زيدت في: وَكَفى بِاللَّهِ (¬5) ومنع سيبويه الجمع - ¬

_ (¬1) هو الصحابي الجليل سهل بن حنيف بن واهب الأوسي الأنصاري، شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، توفي بالكوفة، وصلى عليه عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه، وحديثه يوم صفين مشهور توفي سنة (38 هـ) تنظر ترجمته في: تهذيب الأسماء، والكتاب (ص 237). (¬2) وهذا الأثر في النهاية لابن الأثير (2/ 268) هكذا: في حديث أبي وائل: «شهدت صفين، وبئست الصفون» وهو كذلك في شرح الرضي (2/ 317) وبئست الصفون. (¬3) هذا البيت من البسيط، وقائله جرير، يهجو الأخطل التغلبي. اللغة: التغلبيون: جمع تغلبي نسبة إلى بني تغلب قوم من النصارى العرب، بقرب الروم، والأخطل منهم، زلاء: - بفتح الزّاي، وتشديد اللام ممدودة - هي لا صقة العجز خفيفة الإلية، منطيق - بكسر الميم - صيغة مبالغة، يستوي فيها المذكر والمؤنث، وهو البليغ، والمراد هنا: المرأة التي تأتزر - بحشية، تعظم بها عجيزتها. والشاهد في هذا البيت: «بئس الفحل .. فحلا»؛ حيث جمع بين الفاعل الظاهر والتمييز، للتأكيد، وقيل: هو حال مؤكدة. ينظر الشاهد في: ديوان جرير (1/ 192)، ومنهج السالك (ص 393)، والمقاصد النحوية (4/ 7)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 183)، والأشموني (3/ 34)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 112). (¬4) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 14). (¬5) هذا جزء من آيات كثيرة في القرآن الكريم منها سورة النساء: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بين التمييز، وإظهار الفاعل (¬1) وأجاز ذلك أبو العبّاس، وقوله - في هذا - هو الصّحيح، وحامل سيبويه على المنع كون التمييز في (¬2) الأصل - مسوقا لرفع الإبهام، والإبهام إذا ظهر الفاعل زائل فلا حاجة إلى التمييز، وهذا الاعتبار يلزم منه منع التمييز في كلّ ما لا إبهام فيه كقولك: له من الدراهم عشرون درهما، ومثل هذا جائز، بلا خلاف. ومنه قوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً (¬3)، وقوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا (¬4)، وقوله تعالى: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (¬5)، وقوله تعالى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (¬6) فكما حكم بالجواز في مثل هذا وجعل سبب الجواز التوكيد، لا رفع الإبهام، فكذلك يفعل في نحو: «نعم الرجل رجلا» ولا يمنع؛ لأنّ تخصيصه بالمنع تحكم، بلا دليل، هذا لو لم تستعمله العرب، فكيف وقد استعملته، كقول الشاعر: 2005 - والتّغلبيّون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمّهم زلّاء منطيق ومثله: 2006 - نعم الفتاة فتاة هند لو بذلت ... ردّ التّحيّة نطقا أو بإيماء (¬7) ومثله - على الأظهر، والأبعد من التكلّف -: - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 177)، وشواهد التوضيح والتصحيح لابن مالك (107)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 14) رسالة. (¬2) ينظر: المقتضب (2/ 148)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 15) رسالة، ومنهم من أجاز ذلك، وهم: المبرد، وابن السراج، وظاهر قول الفارسي في الإيضاح وشبه ذلك المبرد، وابن السراج بقولهم: لي من الدراهم عشرون درهما. اه. (¬3) سورة التوبة: 36. (¬4) سورة الأعراف: 155. (¬5) سورة الأعراف: 142. (¬6) سورة البقرة: 74. (¬7) هذا البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: بذلت: أعطت، بإيماء: بإشارة، مصدر: أومأ إلى الشيء. الشاهد في البيت: قوله: «نعم الفتاة فتاة»؛ حيث جمع بين الفاعل الظاهر: (الفتاة)، وبين التمييز (فتاة) للتأكيد. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 508) والأشموني (2/ 28)، (3/ 34) والهمع (2/ 86) والدرر (2/ 112).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2007 - تزوّد مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزّاد زاد أبيك زادا (¬1) ومن ورود التمييز للتوكيد، لا لرفع الإبهام قول أبي طالب (¬2): 2008 - ولقد علمت بأنّ دين محمّد ... من خير أديان البريّة دينا (¬3) ومثله قول الآخر: 2009 - فأمّا التي خيرها يرتجى ... فأجود جودا من اللّافظه (¬4) انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬5). أما ما يتعلق بمسائل الفصل فأبحاث: الأول: [3/ 97] أنّ النحاة بينهم اختلاف، في اللام المصاحبة لفاعلي الفعلين هل هي جنسية، أو عهديّة؟ فإذا كانت جنسية، فهل المراد الجنس حقيقة، أو الجنس مجازا، وإذا كانت عهدية، فهل العهد خارجيّ، أو ذهنيّ، فهذه أربعة أمور: - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر، وقائله: جرير بن عطية، من قصيدة يمدح فيها عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. اللغة: تزود: فعل أمر، معناه: اتخذ زادا، والمعنى هنا: اتخذ سلوكا حميدا، وسيرة حسنة، و (مثل) نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي: تزود زادا مثل زاد أبيك. والشاهد في البيت: قوله: «فنعم الزاد زاد أبيك زادا»؛ حيث جمع فيه بين الفاعل الظاهر، والنكرة المفسرة تأكيدا. ينظر الشاهد في ديوان جرير (ص 14)، والمقتضب (2/ 148)، واللسان «زود»، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 17) رسالة. (¬2) هو أبو طالب، عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، تنظر ترجمته في: نسب قريش (ص 17). (¬3) البيت من الكامل، وهو في ديوان أبي طالب. اللغة: ولقد: اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق، والباء: - في (بأن) - زائدة للتوكيد. الشاهد في البيت: قوله: «دينا»؛ فهو تمييز منصوب مؤكد. ينظر الشاهد في ديوان أبي طالب (ص 13)، وتوضيح المقاصد (3/ 90)، والشذور (ص 18)، والعيني (4/ 8)، والأشموني (3/ 34)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 18) رسالة. (¬4) هذا البيت من المتقارب، وقد نسب في التصريح والعيني لطرفة بن العبد البكري. اللغة: اللافظه: البحر، والهاء فيه للمبالغة، وفي المثل: «أسمح من لافظة: أي بحر. الشاهد: «جودا»؛ حيث نصب على التمييز بـ (أجود) وهو تمييز مؤكد. ينظر الشاهد في: المقاصد النحوية للعيني (1/ 572)، والأشباه والنظائر (4/ 45). (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 16).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أولها: أنها جنسيّة، والمراد الجنس حقيقة (¬1)، ودليله: أنهم التزموا في الفاعل، أو فيما أضيف هو إليه اللّام (¬2)، أو كونه مضمرا، مفسره اسم الجنس، فلولا أنّ المراد الجنس حقيقة ما التزموا ذلك، وأنهم يقولون - في فصيح الكلام -: نعم المرأة، ولولا إرادة الجنس ما ساغ إسناد الفعل إلى المؤنث الحقيقيّ (¬3) دون فصل، بغير تاء التأنيث، فعلى هذا إذا قلت: نعم الرجل زيد، فكأنّك قلت: نعم جنسه، الذي هو الرجال فينجرّ لزيد الثناء معهم، ثم تخصّه بالذكر؛ تنبيها على أنه المقصود بالمدح؛ لتحصل المبالغة في مدحه، ويقوي ذلك أنّ نحو: «زيد نعم الرجل» لا رابط في الجملة الواقعة فيه خبرا، يربطها بالمبتدأ، إلا العموم المفهوم من الرّجل، فلولا أنّ المراد الجنس لما حصل العموم، وأورد على هذا الوجه قولهم: نعم الرجلان، ونعم الرجال، والجنس لا يثنّى ولا يجمع، وأجيب عنه بأنّ كلّا من المثنّى والمجموع جعل جمع الجنس. وفيه نظر، وقد ردّ كون المراد الجنس حقيقة بأمرين: أحدهما: أنك إذا مدحت الجنس جعلت المقصود بالمدح تبعا فيصير المقصود غير مقصود (¬4). ثانيهما: أنّه يؤدي إلى التكاذب، فيما إذا قلت: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، ووصفت بهاتين الجملتين معا، وقد قال الله تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ (¬5) لنبيّه أيّوب، صلّى الله على نبيّنا وعليه وسلم، وليس كلّ العبد ممدوحا. ثانيها (¬6): أنها جنسية مجازا، وذلك بأن يجعل الممدوح هو جميع الجنس كلّه مبالغة، فإذا قلت: زيد نعم الرجل، فكأنك قلت: زيد نعم الذي هو جنس الرجال - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 461) رسالة: «فقال قوم: هي جنسية حقيقة، فإذا قلت: نعم الرجل زيد، فالرجل عام، والجنس كله هو الممدوح، وزيد مندرج تحت الجنس؛ لأنه فرد من أفراده». اه. (¬2) ينظر: منهج السالك (ص 388)، والتذييل والتكميل (4/ 461) وشرح التسهيل للمرادي (182 / ب). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 462): «والوجه الثاني: قول العرب في فصيح كلامها: نعم المرأة هند، وبئس المرأة جمل، فلا تلحقهما تاء التأنيث، ولا يقولون: قام فلانة، في فصيح الكلام، فدل ذلك على أن (أل) للجنس ...». اه. (¬4) في التذييل والتكميل (4/ 463) ذكر الشيخ أبو حيان هذا الكلام، وزاد عليه قوله: «ولأن ما ثبت للشيء على جهة الشركة فيه لا يكون مدحا يؤثر ميلا إلى الممدوح بخصوصيته، والمراد بالمدح ذلك». اه. (¬5) سورة ص: 44. (¬6) راجع إلى قوله: أربعة أمور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو لم تقصد غير مدح زيد بذلك. والعرب قد تجعل المفرد بمنزلة الجنس كلّه، مبالغة في المدح، فمن كلامهم: «أكلت شاة كلّ شاة» فجعلوا الشاة المأكولة هي جميع الشياة مبالغة، وهكذا يكون نظيره في الذمّ، قالوا: وعلى هذا التقرير لا إشكال في التثنية والجمع؛ لأنّ كلّا منهما يجعل الجنس مجازا فالجنس هو الرجلان، أو الرجال، مثلا، وأورد على هذا الوجه أنّ ربط الخبر بالمبتدأ في نحو: زيد نعم الرجل يكون المعنى نظير قولنا: زيد قام أبو عمرو، إذا كان أبو عمرو كنية لزيد، وسيبويه لا يجيزه (¬1)، وأجيب عن ذلك بأنّ المنع في نحو: زيد قام أبو عمرو إنما هو من أجل أنّ (أبا عمرو) لا يفهم منه أنّ المراد به زيد، ولو فهم لجاز، وأمّا نحو: زيد نعم الرجل، فليس فيه ما يلتبس به زيد؛ لأنّه الجنس كلّه، والجنس لا ثاني له فيلتبس به. ثالثها (¬2): أنّها عهدية والمراد العهد الخارجيّ (¬3)، فالمراد بالرجل في قولنا: «زيد نعم الرجل» الممدوح خاصة، وكذا المراد المذموم خاصة في قولنا: «زيد بئس الرجل» حتّى كأنّك تريد: نعم هو وادّعى القائل بهذا الوجه (¬4) جواز الرّبط بالمعنى، متمسكا بمذهب الأخفش، في إجازة ذلك (¬5). أو يقول: إنّ سيبويه لا يمنع الربط بالمعنى على الإطلاق، فإنّما منعه في نحو: زيد قام أبو عمرو لما تقدم وهو كلام لا يبعد أن يكون متوجها. رابعها: أنّها عهدية والمراد العهد الذهني (¬6)، وهذا الوجه هو الذي عليه الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله؛ فإنّه قال: وإنّما امتازت هذه الأفعال بأنّ فاعلها لا يكون إلا باللام، أو مضمرا مفسرا بنكرة منصوبة من جهة أنهم قصدوا إبهام الممدوح أولا، ثمّ تفسيره فلذلك أتوا به على هذه الصفة، ووجه الإبهام فيما فيه - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل والتكميل (4/ 464) رسالة، وتوضيح المقاصد للمرادي أيضا (3/ 84) وفي المقرب لابن عصفور (1/ 67): «وكأنك جعلت الممدوح أو المذموم جميع الجنس على حد قولهم: «أكلت شاة كل شاة» لما أثنوا على قد الشاة بالسمنة جعلوها جميع الجنس». اه. (¬2) أي: الأمور الأربعة. (¬3) أي: العهد في الشخص الممدوح. (¬4) في التذييل والتكميل (4/ 466): «وإلى هذا ذهب الأستاذ أبو اسحاق بن ملكون، من أصحابنا، وأبو منصور الجواليقي اللغوي من أهل بغداد». اه. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 466). (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 465) رسالة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الألف واللام أنّه قصد إلى معهود في الذهن، غير معيّن في الوجود، كقولك: «ادخل السوق» وإن لم يكن بينك وبين مخاطبك سوق معهود في الوجود، وهذا التعريف باللام نحو التعريف الذي ذكرناه في باب: (أسامة) وإن اختلفت جهات التّعريف، وإذا كان كذلك ثبت فيه إبهام، باعتبار الوجود، ولهذا ظنّ بعض النحويّين أنّه موضوع للجنس بكماله - يعني المعرّف باللّام - كما ظنّ بعضهم أنّ أسامة موضوع للجنس بكامله، وهو خطأ محض في البابين جميعا، ألا ترى أنّك إذا قلت: نعم الرجل، لم ترد جميع الرجال، هذا مقطوع به في قصد المتكلم ولذلك وجب أن يكون المفسر له مطابقا، ووجب إذا قصد التثنية أن يثنى، ولو كان كما زعموا لوجب أن يطابق الجميع الجنس، وأن لا يثنّى ولا يجمع؛ لأنّ أسماء الأجناس لا تثنّى ولا تجمع، إذا قصد المتكلم بها الجنس (¬1). فإن زعموا أنّ المخصوص بالمدح مرفوع على الابتداء في الأصل، و «نعم الرجل» خبره ولا في الجملة الواقعة خبرا من ضمير، أو ما يقوم مقامه، فالجواب: أنّ هذه الشبهة لا تعارض الأمور القطعية، وما ذكرناه مقطوع به، وأيضا فما ذكرتموه إنّما هو أحد الاحتمالين في الإعراب، فإن تعذر واحد منها تعين الآخر، وما ذكرناه متعيّن وأيضا فإنّا متفقون على صحّة «نعم رجلا زيد» و (زيد) يحتمل أن يكون مبتدأ - كما زعمتم - وخبره (نعم)، ولا يصحّ أن يقال: الضمير عائد على (زيد)؛ لأنه يجب ألّا يكون عائدا على متقدم، وإلّا ورد نحو: نعم رجلين الزيدان، ونعم رجالا الزيدون، وأيضا فإنّه [3/ 98] كان يفوت الإبهام الذي هو مقصود في غرض الباب. ثمّ قال (¬2): والتحقيق في جواب شبهتهم أمران: أحدهما: أنّ الأصل أن يكون الرجل لـ (زيد) المذكور مضمرا عائدا عليه فاستعمل تارة مضمرا وتارة مظهرا، وحصل الإبهام بتأخير المفسر عنه، والآخر: أنهم لما قصدوا إلى معهود في الذهن، كان كاسم الجنس الذي له شمول في المعنى فكما يصحّ أن يقوم اسم الجنس مقام الضمير صحّ أن يقام الاسم باعتبار المعقول في الذهن مقام الضمير؛ لأنّه يندرج تحت ما يقدر من إجازة في المعنى فإن قصدوا بقولهم: (اسم جنس) هذا المعنى فهو مستقيم، وإن قصدوا تحقيق وصفه للجملة - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 467). (¬2) أي: قال ابن الحاجب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على التفضيل فهو مردود بما تقدم (¬1). هذا كلّه كلام ابن الحاجب، ولا يخفى تجاذب الأدلّة، في هذه (الأوجه) (¬2)، فعلى الناظر أن يتأمل ويرجح من الأربعة ما هو أقلّ خدشا من غيره، والذي يظهر أنّها عهديّة إما تعهد ذهني، أو تعهد خارجي، والربط بالمعنى جائز إذا لم يحصل لبس، كما تقدم فلا ينسب منعه إلى سيبويه. البحث الثاني: الذي ذكره المصنف في (ما) من نحو: «ما صنعت» ثلاثة أقوال للأئمة، أشار إليها في متن الكتاب: أن تكون معرفة تامة، وأن تكون موصولة يكتفى بها، وبصلتها عن المخصوص، وأن تكون نكرة منصوبة على التمييز، وذكر في الشرح أنها تركب مع الفعل، لكنّ ظاهر ما أورد أنّ التركيب ليس في نحو: «نعم ما صنعت»، وإنّما هو في نحو: «بئسما تزويج ولا مهر» (¬3) وذلك حيث وليها اسم. وابن عصفور ذكر هذه الأقوال الأربعة، وزاد قولين آخرين: أحدهما: أن تكون نكرة غير موصوفة، وهذا القول غير الذي ذكره المصنف؛ لأنّ المصنف أراد بقوله: نكرة: النكرة المنصوبة على التمييز، والنكرة التي أرادها ابن عصفور النكرة التي هي غير تمييز (¬4)؛ لأنه جعلها في الأصل قسيمة التي هي تمييز. ثانيهما: أن تكون مصدريّة. وما ذكره الشيخ في شرحه من أنّها تكون كافة أيضا (¬5)، ليس خارجا من هذه الأقسام؛ لأنّ الكافة هي التي تركب مع الفعل، فيصيران معا شيئا واحدا، فليست قسما زائدا، والذي تلخص من كلام الرجلين - أعني المصنف وابن عصفور: - أن (ما) إما في موضع نصب، أو موضع رفع أو لا موضع لها. والتي في موضع رفع: إمّا تامة، وإما نكرة، وإمّا موصولة، وإما مصدرية. فالتي في موضع نصب تمييز - ¬

_ (¬1) ينظر: الفوائد الضيائية وشرح كافية ابن الحاجب تحقيق د/ أسامة طه الرفاعي (2/ 313)، وشرح كافية ابن الحاجب للرضي (2/ 314). (¬2) ما بين القوسين من الهامش. (¬3) في معاني الفراء (1/ 57، 58) جعلت (نعم) صلة لما، بمنزلة قولك: كلما، وإنما كانت بمنزلة حبذا فرفعت بها الأسماء، ثم قال: «وسمعت العرب تقول في (نعم) المكتفية بما: بئسما تزويج ولا مهر؛ فيرفعون التزويج بـ (بئسما)». اه. وينظر: التذييل والتكميل (4/ 473، 474، 482). (¬4) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 66). (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 582).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لضمير مستتر، ذلك الضمير هو الفاعل، والتامة، والنكرة، والموصولة في موضع رفع بالفاعلية وكذا المصدرية، لكنّ الموضع ليس لها وحدها، بل لها مع الفعل الذي هي صلته، والتي لا موضع لها هي المركبة مع الفعل، وتسمّى الكافة أيضا إذا وليها فعل، فهذه ستة أقوال (¬1) في (ما)، لكنّ ابن عصفور خالف المصنف، فرجّح كون (ما) تمييزا لا فاعلا (¬2)، وقال: إنّ ذلك هو مذهب البصريّين، وهو عجيب، فإنّ سيبويه قد قال بفاعليتها (¬3)، وهو إمام البصريّين. وبعد، فأنا أورد كلامه؛ ليتحقّق الواقف عليه ما ذكرته: قال (¬4) - بعد أن حكم بأن كونه تمييزا هو مذهب البصريين -: فإذا لم يكن بعدها فعل فهي نكرة، غير موصوفة، وإذا كان بعدها فعل فهي نكرة موصوفة و (ما) مفسرة للضمير المستتر في (نعم) و (بئس)؛ لأنهما اسم مبهم يعمّ الأشياء كلّها، وموضوع للشيء الذي يراد به الغاية، ومن ذلك قولهم: دققته دقّا نعمّا، أي: بلغت به غاية الدقّة، فوضعت مع (نعم)، و (بئس) لعموم المدح والذمّ فيهما، فقيل، نعم ما زيد، وبئسما عمرو، وذهب ابن كيسان إلى أنها اسم تامّ، تقديره في الإعراب الرفع؛ قال: وليس يمتنع أن يكون تقديره النصب، يجريه مجرى النكرة، مرّة ومجرى المعرفة أخرى (¬5). قال: وقد قال قوم: إنّها ليست مع (نعم) و (بئس) كالشيء الواحد، لا موضع لها من الإعراب، وأنّ الاسم الواقع بعدها مرفوع بـ (نعم)، و (بئس). قال: والذي أذهب إليه أنها غير مخرجة من الإعراب؛ إذ الإعراب ممكن فيها، لاستحقاق الإعراب. قال: وإذا قلت: نعم ما صنعت، وبئس ما صنعت، فجئت بعدها بالأفعال، كان التقدير: نعم ما ما صنعت، وبئس ما ما صنعت، فتكون (ما) الأولى مبهمة والثانية مبهمة، تفسيرها ما في صلتهما، وكفت إحداهما عن الأخرى (¬6). قال: وقال بعض النحويّين - يعني الكسائي -: الثانية هي المحذوفة وقال بعضهم - يعني الفراء -: الأولى هي المحذوفة، وقال قوم: ليس هنا حذف، وإنمّا تأويله: بئس صنعك، ولا يحسن ذلك في الكلام، حتّى يقول: بئس الصنع صنعك وكما أنّك - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 482) أنها سبعة أقوال. (¬2) ينظر: المقرب (1/ 70). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 37). (¬4) يعني: ابن عصفور. (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 73)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 183)، والتذييل والتكميل (4/ 479). (¬6) ينظر: المرجع السابق - الصفحة نفسها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: أظنّ أن تقوم، ولا يحسن: أظنّ قيامك، وهو بمعناه. قال: وأقول: إنك إذا قدّرت (ما) تقدير (الذي والتي)؛ لا يجوز أن يلي (نعم)، و (بئس) إلا وقبله ما تعتمد (نعم)، و (بئس) عليه، من المفسّر ومعناها فهناك، (ما) محذوفة، مكتفى عنها، بالتي وصلت بالفعل وتقديرها - لو جيء بها - تقدير المنصوب. قال: وإن جعلت (ما) في معنى ما فيه الألف واللام اكتفيت بها عن التي في معنى (الذي وصارت كقول العرب: نعم الرجل عندك، ونعم الرجل أكرمت، هذا كلّه كلام ابن كيسان (¬1)، نقله ابن عصفور في الكتاب المشار إليه (¬2). ثمّ قال: والصحيح قول أهل البصرة؛ لأنّها إذا حملت على ما ذهبوا إليه كان قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (¬3) بمنزلة قولك: نعم شيئا، وقوله سبحانه وتعالى: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ (¬4) بمنزلة قولك: بئس شيئا اشتروا به أنفسهم أن يكفروا. وإذا لم يحمل على ما ذهب إليه أهل البصرة كان في ذلك إخراج (نعم) و (بئس) عمّا استقرّ لهما في الاستعمال، ألا ترى أنّ جعل (ما) نكرة موصوفة، أو غير موصوفة في موضع رفع بـ (نعم) و (بئس) مخرج لهما عمّا استقرّ لهما في الاستعمال؛ لأنّ ارتفاع النكرة غير المضافة بهما، على أنها [3/ 99] فاعل، لا يحفظ من كلامهم (¬5) وكذلك أيضا جعل (ما) في قوله تعالى: بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ اسما موصولا في موضع رفع بـ (بئس) لا يجوز؛ لأنّ (ما) الموصولة لا تكون نكرة في حال، وكلّ اسم ظاهر لا يكون نكرة، لا يكون فاعلا لـ (نعم) و (بئس) (¬6). ولذلك أيضا جعل (ما) المصدرية في قوله: بئسما - ¬

_ (¬1) لمراجعة كلام ابن كيسان ينظر: التذييل والتكميل (4/ 459)، ومنهج السالك (ص 395)، والمساعد لابن عقيل (2/ 117) تحقيق بركات. (¬2) ينظر: شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (49). (¬3) سورة البقرة: 271. (¬4) سورة البقرة: 90. (¬5) فوجب أن تكون تمييزا، ويقدر الفاعل ضميرا ينظر الشاطبي (4/ 26). (¬6) لأنها حينئذ ليست جنسية، بل معينة ولا يكون فاعل (نعم وبئس) الظاهر معرفة معينة ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 25).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صنعت، وأمثاله - سادّة مسدّ الفاعل كما سدّت (أن) مع الفعل المنصوب بها، مسدّ مفعولي (ظننت) باطل؛ لأنّ (ما) المصدرية لم يثبت لها أن تسدّ مسدّ اسمين، ألا ترى أنها لا تسدّ مع الفعل الذي بعدها مسدّ مفعولي (ظننت) وأخواتهما، وإنما استقرّ ذلك في (إنّ) و (أنّ) مع صلتهما لجريان ذكر الخبر، والمخبر عنه في الصّلة التي لهما. وأما ما ذهب إليه الكسائيّ، والفراء من الحذف، فلا ينبغي أن يقال به ما وجدت عنه مندوحة، وأيضا فإنّ حذف (ما) الثانية إن قدرت موصولة فاسد؛ لأنّ حذف الموصول، وإبقاء صلته لا يجوز، وحذفها إن قدّرت نكرة موصوفة ضعيف؛ لأنّ حذف الموصوف، وإبقاء الجملة الواقعة صفة له إنما يجيء في شذوذ من الكلام يحفظ، ولا يقاس عليه وأما ما ذهب إليه من جعلها زائدة لا موضع لها من الإعراب فباطل؛ لما ذكره ابن كيسان، ولأنّ ارتفاع زيد الواقع بعد (ما) وأمثاله، من الأسماء الواقعة بعد (نعم) و (بئس) على أنه فاعل بهما لا يجوز، انتهى كلام ابن عصفور (¬1). وقال الشيخ: إنّ في (ما) من نحو: «بئسما تزويج ولا مهر» ثلاثة أقوال (¬2): فاعل (¬3)، أو تمييز (¬4)، أو مركبة مع الفعل (بئس)، و (تزويج) فاعل (¬5) وأنّ فيهما من نحو: «نعم ما صنعت» عشرة أقوال (¬6) هكذا قال، والذي يظهر أنّ هذه العشرة التي ذكرها هي بالحقيقة - الستة التي تقدّم ذكرها - وإنمّا النكرة المنصوبة في الأصل لها ثلاث صور، وهي: أن يكون الفعل صفة لمخصوص النكرة المنصوبة محذوف، وأن يكون صفة لـ (ما) والمخصوص محذوف، وأن يكون الفعل صفة لـ (ما) أخرى محذوفة وكذلك صوّروا للموصولة ثلاث صور أيضا: أن يكون الفعل صلتها، والمخصوص محذوف، وأن تكون هي المخصوص، و (ما) أخرى تمييز محذوف، التقدير: نعم شيئا الذي صنعته، وأن لا يكون حذف، بل اكتفى بها، وبصلتها عن المخصوص، فمن ثمّ صارت الأقوال عشرة. وبعد، فالواجب - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 482) رسالة. (¬2) المراد أنه إذا جاء بعد (ما) اسم، ففي إعراب (ما) ثلاثة أقوال. (¬3) أي (ما) فاعل (بئس) على أنها معرفة تامة. (¬4) أي (ما) تمييز، وفاعل (بئس) مضمر مفسّر بلفظ (ما). (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 482)، ومنهج السالك (ص 395). (¬6) الذي ذكره الشيخ في: «نعم ما صنعت» سبعة أقوال فقط. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 482)، ومنهج السالك (ص 395).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعراض عن أكثر هذه الأقوال والاستمساك بما يقوم الدليل على رجحانه. وقد عرفت أنّ المصنف ذكر أنّ مذهب سيبويه: أنّ (ما) اسم تامّ، مكنيّ به عن اسم معرّف باللام الجنسيّة مقدّر بحسب المعنى، وأنّ ابن خروف والسيرافي قرّرا ذلك، وعلى قول سيبويه والمبرد، وابن السرّاج، والفارسي في أحد قوليه، والكسائيّ موافق لسيبويه (¬1) كما قال المصنف، وكيف تكون (ما) تمييزا وهي مبهمة، تحتاج إلى ما يميزها. وقد قال سيبويه: فأمّا (ما) فإنّها مبهمة، تقع على كلّ شيء (¬2). وقد قال بعض العلماء: زاد على من قال: إنّ (ما) في قوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ (¬3) في موضع نصب على التمييز و (ما) كالمضمر المجهول، الذي في (نعم) لا يدرى ما يعنى به، فكيف يفسر الشيء بما هو مثله في الإبهام،؟ قال: وإنّما ينبغي أن تكون (ما) في الآية الشريفة فاعلة (نعم)، أي فنعم الشيء هي. والذي يظهر أنّ من ادّعى أنّ (ما) تمييز فإنّه يشترط أن توصف، فعلى هذا لا تكون تمييزا في قوله تعالي: فَنِعِمَّا هِيَ؛ إذ لا توصف، بل يتعين القول بفاعليتها فتكون اسما تامّا، ويجوز أن تكون تمييزا في قوله تعالى: نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ (¬4) بأن تجعل الجملة بعدها صفة لها، فحاصل الأمر: أنّ (ما) في قوله تعالى: نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ، وقوله تعالى: فَنِعِمَّا هِيَ تامة قائمة مقام اسم فيه الألف واللّام، التقدير: نعم الشيء شيء يعظكم به، ونعم الشيء شيء هو إبداؤها، فحذف المخصوص في الآيتين الشريفتين وبقيت صفته، ويجوز أن تكون موصولة في نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ على رأي من يجيز أن يكون فاعل (نعم) اسما موصولا وأن يكون تمييزا على رأي من يرى ذلك، لو جرّد الوصف. وأما في فَنِعِمَّا هِيَ فلا يظهر فيها أن تكون غير فاعلة، وقد عرفت أنّ المصنف أبطل كون (ما) تمييزا بشيء آخر، وهو أنّ المميز في هذا الباب، لا يكون إلّا صالحا للألف واللّام، و (ما) غير صالحة لذلك وقد طال الكلام في هذه المسألة، والله سبحانه هو الهادي إلى الحقّ. - ¬

_ (¬1) تراجع كل هذه الآراء في والتذييل والتكميل (4/ 473)، والكسائي إمام الكوفيين - رسالة ماجستير (ص 243). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 73)، ومنهج السالك (ص 395)، والأشموني (3/ 36). (¬3) سورة البقرة: 271. (¬4) سورة النساء: 58.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الثالث: تقدّم من المصنّف - مستدلّا على فاعلية (ما) - قوله: ويقوي تعريف (ما) بعد (نعم) كثرة الاقتصار عليها في نحو: غسلته غسلا نعمّا، والنكرة التالية (نعم) لا يقتصر عليها إلا في نادر من القول كقول الراجز: 2010 - ... بئس امرؤ، وإنّني بئس المره (¬1) فقال الشيخ: وليس بنادر. كما قال - لقوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (¬2) - قال: فهذا كقوله: «بئس امرؤ ...» (¬3). انتهى، وأقول: الظاهر أنّ (امرأ) من الرجز، ليس بمنصوب، وإنما هو مرفوع، على أنه فاعل (بئس) كما جاءت النكرة مرفوعة بعد (نعم) مقتصرا عليها في الأبيات المتقدمة الإنشاد، وذلك قوله: 2011 - ورئد للنساء ونعم نيم (¬4) وإلّا فكيف يقول المصنف: إن ذلك لا يكون إلا في نادر من القول، مع وروده في الكتاب العزيز، وكثرته في كلام العرب، نثرا ونظما. نعم: إن كانت الرواية بنصب (امرأ) قد أجمع عليها الرواة، فالمؤاخذة متوجهة كما قال الشيخ (¬5). البحث الرابع: قال ابن أبي الربيع: لا يجوز الفصل بين (نعم) وفاعلها بشيء لا تقول: نعم في الدار الرجل زيد، وتقول: نعم الرجل في الدّار زيد (¬6). قال الشيخ: ووجدت في شعر العرب الفصل بين (بئس) ومرفوعها بـ (إذن)، كقول الشاعر: 2012 - أروح ولم أحدث لليلى زيارة ... لبئس إذن راعي المودّة والوصل (¬7) - ¬

_ (¬1) تقدم هذا الشاهد. (¬2) سورة الكهف: 50. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 474، 475) رسالة. (¬4) تقدم تخريج هذا الشاهد. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 474، 475). (¬6) في الملخص لابن أبي الربيع (ص 413) رسالة: «ولا يجوز أن يفصل بين (نعم) وفاعلها بشيء، وإن كان ظرفا، أو مجرورا، تقول: نعم الرجل في الدار زيد، ولا تقول: نعم في الدار الرجل زيد». (¬7) هذا البيت من الطويل، وقائله غصين بن براق، وهو أبو هلال الأحدب الأعرابي، وفي المؤتلف والمختلف: «ذكره أبو علي دعبل الخزاعي في كتاب شعراء بغداد» تنظر ترجمته في المؤتلف والمختلف (ص 89). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الفصل بين (نعم) ومفسر الضمير فقيل: لا يجوز أيضا، فلا يقال: نعم في الدار رجلا. والأصحّ الجواز، بدليل قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (¬1). البحث الخامس: قد عرفت أنّ الفاعل في نحو قولنا: (نعم رجلا زيد) ضمير مستتر [3/ 100] مفسر بالنكرة المذكورة، وهذا هو مذهب البصريين، وذكروا أنّ الضمير المذكور يراد به الجنس، كما يراد به إذا كان اسما ظاهرا، واستغنى بتثنية مفسره وبجمعه، عن تثنيته وجمعه (¬2). والمنقول عن الكسائيّ والفراء أنّ الاسم المرفوع بعد النكرة المنصوبة هو فاعل (نعم)، ثمّ اختلفا في النكرة المنصوبة؛ فقال الكسائيّ: إنّها حال (¬3). وقال الفراء: إنّها تمييز، وهو عنده، من قبيل التمييز المنقول، والأصل عنده: رجل نعم الرجل زيد، فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه، فقيل: نعم الرجل زيد، ثم نقل الفعل إلى اسم الممدوح، فقيل: نعم رجلا. وأقول: إنّ مذاهب الكوفيّين مبنية على أصول لهم لا يعتبرها البصريّون، ولا يصادم قول هؤلاء، بقول هؤلاء (¬4). ولكن قال ابن عصفور: والصحيح ما ذهب إليه البصريّون، لثلاثة أوجه: أحدها: قول العرب: نعم رجلا كان عبد الله، فيعملون في الاسم المرفوع بعد الممكن - كان وأشباهها، من نواسخ الابتداء، ولو كان فاعلا بـ (نعم) لم يجز إعمال الناسخ فيه. - ¬

_ - اللغة: أروح: بحذف همزة الاستفهام الإنكاري، واللام - من قوله: «لبئس» -: لام الابتداء والمذموم محذوف؛ لأن المراد مفهوم، وكان أهله استعجلوه عن زيارة ليلى، حيث جاء بعده في حماسة أبي تمام، والمؤتلف والمختلف: تراب لأهلي لا ولا نعمة لهم ... لشد إذن ما قد تعبدني أهلي دعا على أهله؛ فقد أرادوا منه ترك ليلى وجعله عبدا لهم، كما قال التبريزي. والشاهد: جواز الفصل بين (بئس) وفاعلها بـ (إذن). ينظر الشاهد في حماسة أبي تمام، بمختصر شرح التبريزي (2/ 109)، والمؤتلف والمختلف (ص 90)، والهمع (2/ 85)، والدرر (2/ 111)، ومعجم شواهد العربية (1/ 302). (¬1) سورة الكهف: 50. (¬2) ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 11). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 488). (¬4) نصب النكرة على التمييز للفاعل المضمر مذهب جمهور البصريين، والكسائي على أن النكرة منصوبة على الحال، والاسم المؤخر فاعل، والفراء على أن النكرة منصوبة على التمييز، والاسم المرفوع -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيها: قول العرب: إخوتك نعم رجالا، فيقدمون اسم الممدوح على (نعم) ولا يضمرون فيها ضميرا عائدا عليه، فكنت تقول: إخوتك نعموا رجالا ولو كان فاعلا حال تأخره لم يكن بدّ من تحمّل (نعم) ضميرا عائدا عليه وإذا انتفى كون الاسم المرفوع فاعلا تعين كون الفاعل ضميرا مستترا. ثالثها: قول العرب: نعم رجلا أنت، فيفصلون الضمير، ولو كان فاعلا بـ (نعم) لزم اتصاله (¬1). البحث السادس: ذكر ابن عصفور أنّ النكرة التي يفسرها الضمير - في هذا الباب - يشترط فيها ثلاثة شروط: أحدها: أن تكون مبنية للنوع، الذي قصد فيه المدح أو الذمّ، نحو: نعم رجلا زيد، ونعم فارسا عمرو، ولو قلت: نعم غيرك زيد، لم يجز؛ لأنّ (غير) لا تبيّن النوع الذي قصدت أن تمدح زيدا فيه. ثانيها: أن تكون عامة، فلو قلت: نعم شمسا هذه الشمس، ونعم قمرا هذا القمر، لم يجز؛ لأنّ (شمسا)، و (قمرا)، مفردان في الوجود، ولو قلت: نعم شمسا شمس هذا اليوم ونعم قمرا قمر هذه الليلة؛ جاز ذلك. ثالثها: ألّا يراد بتلك النكرة معنى المفاضلة، نحو: أفضل من زيد، وأفضل رجل؛ لأن فيها معنى مدح معلوم مقداره، فلو قلت: نعم أفضل من زيد أنت، ونعم أفضل رجل أنت، لم يزد فيه (نعم شيئا) لم يكن قبل دخولها. انتهى (¬2). أمّا امتناع كون النكرة المميزة لهذا الضمير المستتر تكون كلمة (غير) و (أفعل من) فقد نبّه المصنف عليه باشتراط قبولها (ال) -، حيث ذكر الضمير فقال مفسرا بتمييز موجز، مطابق، قابل (ال). وقال في الشرح: ونبهت بذلك على - ¬

_ - هو الفاعل أيضا. (¬1) انظر في هذه الأوجه الثلاثة: شرح المقرب لابن عصفور (1/ 381) (مرفوعات قسم أول) والتذييل والتكميل (4/ 471)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 12). (¬2) ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 13). وتنظر الشروط الثلاثة في شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (47).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه لا يجوز أن تكون بلفظ (مثل) ولا (غير) ولا (أي) ولا (أفعل من) وعلل ذلك بأنّه خلف عن فاعل، مقرون بالألف واللام، قال: فاشترط صلاحيته لها وكل ما ذكرته آنفا لا يصلح لها فلم يجز أن يخلف مقرونا بهما، وأما امتناع نحو: نعم شمسا هذه الشمس فظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه؛ لأنّ الضمير الذي هو فاعل لا دلالة له على الجنس، ومن شرط الفاعل في هذا - مظهرا أو مضمرا - أن يكون مرادا به الجنس كما تقدم (¬1). البحث السابع: قد تقدم قول المصنف عند ذكر المميز المفسر للضمير المستتر في (نعم) وقلت: غالبا - بعد التقييد بـ: لازم - احترازا من حذف المميز، في قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» (¬2) أي: فبالسنة أتى، ونعمت السنة سنة، فأضمر الفاعل، على شريطة التفسير، وحذف المميز، للعلم به، وهو تقرير صحيح. ولو أتمّ الكلام بأن قال: والمخصوص للعلم بهما، بعد قوله: وحذف المميز - لكان أولى؛ لأنّ الواقع كذلك، ولما ذكر ابن عصفور المسألة قال: ومن كلامهم: إن فعلت كذا وكذا فبها ونعمت، أي: فنعمت فعلة فعلتك، بحذف التمييز، واسم الممدوح (¬3). انتهى، وأشار إلى حذف المخصوص وقدم - في التفسير - ذكر المميز فكان كلامه أتمّ من كلام المصنف. واعلم أنّ سيبويه قد نصّ على وجوب ذكر هذا التمييز ولزومه، فبعد أن ذكر: نعم رجلا عبد الله، وبعد أن قال: ومثله: ربّه رجلا، قال: ولا يجوز لك أن تقول: نعم، ولا: ربّه، وتسكت؛ لأنهم إنّما بدأوا بالإضمار على شريطة التفسير، وإنما هو إضمار مقدم، قبل الاسم، والإضمار الذي يجوز السكوت عليه إضمار بعد ما ذكر الاسم مظهرا، فالذي تقدّم من الإضمار لازم له التفسير حتى يبينه (¬4). انتهى. - ¬

_ (¬1) ينظر شرح الألفية للشاطبي (4/ 13) والتذييل والتكميل (4/ 472). (¬2) وتتمة الحديث: «ومن اغتسل فالغسل أفضل» والحديث في صحيح البخاري كتاب الوضوء، وصحيح مسلم كتاب الطهارة، ومسند ابن حنبل (5/ 8). (¬3) المقرب (ص 68) وشرح المقرب (1/ 362) المرفوعات: قسم أول. (¬4) كتاب سيبويه (2/ 176).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يرد على سيبويه بما ورد في الحديث، فإنّه إنّما قال: على شريطة التفسير، ولا شكّ أنّ الوارد في الحديث فيه الدلالة على المفسر، فكان في حكم المذكور. البحث الثامن: إذا كان مفسّر الضمير المستتر - في هذا الباب - مؤنثا نحو قولك: نعم امرأة هند، وبئس امرأة فلانة - اختلفت أقوال النحاة المتأخرين، في لحاق الفعل تاء التأنيث، فقال ابن أبي الربيع: إنها لا تلحق. قال: فلا يقال: نعمت امرأة هند، وإنمّا يقال: نعم امرأة هند، استغنوا بتأنيث المفسّر (¬1) وما ورد في الحديث الشريف، من قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فبها ونعمت» يردّ ما قاله، وكان منهم من أوجب لحاق التاء، ومنهم من أجاز الأمرين، وهذا هو الظاهر، وتقدم تمثيل المصنف - عند ذكر مسألة الضمير - بنحو: نعمت امرأتين الهندان، بإثبات التاء، وكأنّ الشيخ فهم - من كونه مثّل بذلك - وجوب لحاق التاء، وتبعد إرادة المصنف ذلك، وبعد فقد ذكروا أنّ المراد بالضمير الجنس، كما أنّ المراد بالفاعل الظاهر الجنس، ولا شكّ أنّ اللحاق جائز مع الاسم الظاهر، غير واجب فليكن حكم المضمر - حيث كان مرادا به الجنس - حكم الظاهر. البحث التاسع: قد عرفت أنّ مذهب أبي العبّاس جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر وأنّ المصنف صحّح مذهبه، مستدلّا عليه بما تقدّم ذكره من الشّواهد (¬2)، ولا شكّ أنّه لا يعقل معنى التمييز، في نحو: نعم الرجل رجلا، إذا لم يكن في الكلام شيء مبهم مفتقر إلى تمييز. وأما قول المصنف: إنّ هذا الاعتبار يلزم منه التمييز في كلّ ما لا إبهام فيه، كقولك: لي من الدراهم عشرون درهما، ومثل هذا جائز بلا خلاف، إلى آخر ما ذكره. - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 462، 467، 505) وفي الملخص لابن أبي الربيع (ص 414) رسالة: «لا تقول: نعمت امرأة هند إنما تقول: نعم امرأة هند استغنوا بتأنيث المفسر». وينظر: شرح الألفية للمرادي (2/ 87، 88). (¬2) ينظر: المقتضب (2/ 148)، والأصول لابن السراج (1/ 138)، وابن يعيش (7/ 132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالجواب عنه أنّه يقال: نعم التمييز يمتنع في كلّ ما لا إبهام [3/ 101] فيه ولا دليل في الآيات الشريفة (¬1) على ما ذكره؛ لأنّ أسماء العدد مبهمة في أصل وضعها، فهي محتاجة إلى التمييز من الأصل، فإذا انطوى الكلام الذي هي فيه على ما يدلّ على المراد بها، ثم ذكر التمييز كان ذكره بعدها منصرفا إلى التأكيد، لكنها لوضعها مبهمة، واحتياجها إليه في الأصل لم يستنكر ذكره معها؛ لأنّ استغناءها عن التمييز إنّما هو لأمر عارض، فلا يمتنع ذكر ما يستحق بالأصالة، من أجل ذلك العارض، وقد وقفت في كلام الشيخ على شيء من هذا المعنى (¬2)، وكان ذلك قد وقع في خاطري قبل الوقوف عليه، فمن أجل هذا لم أنسبه إلى الشيخ أولا، وأمّا الأبيات التي استشهد بها المصنف فليس فيها دليل، أمّا: «بئس الفحل فحلهم فحلا» (¬3) و «نعم الزاد زاد أبيك زادا» (¬4)؛ فقال ابن عصفور (¬5): إنّ (فحلا) حال مؤكدة، وساغ ذلك؛ لأنّ (فحلا) فيه معنى الاشتقاق، والعامل فيها (نعم) ولا ينكر إعمال (نعم) و (بئس) في الحال، كما أنهما قد يعملان في المجرور، ومن ذلك قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (¬6). قال: و (زادا) معمول لـ (تزود)، ويحتمل هذا التأويل بأمرين: أحدهما: أن يكون مصدرا له، على حذف الزوائد، وقد حكى الفراء استعمال (الزّاد) مصدرا، وعلى هذا تكون (مثل) مفعولا لـ (تزود). الثاني: أن تكون مفعولا به لـ (تزود)، ويكون (مثل) - إذ ذاك - منصوبا على الحال، من (زاد)؛ لأن صفة النكرة إذا قدّمت عليها انتصبت على الحال. قال: ويحتمل أيضا وجهين آخرين: أحدهما: أن يكون تمييزا، فيكون من قبيل التمييز الآتي بعد تمام الاسم، نحو: لي - ¬

_ (¬1) هذه الآيات هي: قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا [الأعراف: 155]، وقوله تعالى: فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف: 142]، وقوله تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً [التوبة: 36]. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 507، 508). (¬3)، (¬4) جزأن من بيتين شعريين سبق تحقيقهما قريبا. (¬5) ينظر: شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (47). (¬6) سورة الكهف: 50.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثله رجلا، التقدير: تزود مثل زاد أبيك فينا زادا، فيكون إذ ذاك مفسّرا لـ (مثل). والثّاني: أن يكون مبدلا من (مثل) ويكون (مثل) في الوجهين مفعولا به، لـ (تزود) إلّا أنّ التاويل الذي يكون فيه معمولا لـ (تزود) أولى من جهة أنّ قوله: «فنعم الزاد زاد أبيك» جملة اعتراض، فإذا جعل (زاد) معمولا لـ (تزود) كان قد فصل بها من الفعل الذي هو (تزود) ومعموله، الذي هو (زادا) وإذا جعل تفسيرا لـ (مثل) كانت قد فصل بها بين التمييز والاسم الناصب له، وإذا جعل بدلا كانت قد فصل بها بين البدل والمبدل منه، والوصل بجمل الاعتراض بين الفعل ومعموله أكثر من الفصل بها بين التمييز والاسم الناصب له، وبين التابع والمتبوع. انتهى كلام ابن عصفور (¬1) وكذا (فتاة) من قوله: «نعم الفتاة فتاة»، جعلت حالا. قال الشيخ (¬2): وعندي تأويل غير ما ذكروه، وهو أقرب، وذلك أن يدعى أنّ في (نعم) و (بئس) ضميرا و (فحلا) و (فتاة) و (زادا) تمييز لذلك الضمير، وتأخر عن المخصوص على جهة الندور، كما روي نادرا: نعم زيد رجلا، على نية التقديم، أي: نعم رجلا زيد، والفحل والزاد والفتاة، هي المخصوص، و (فحلهم) و (هند) و (زاد أبيك) أبدال من المرفوع قبلها، قال: وهذا تأويل سائغ سهل. انتهى، وفيه أنّه قد ورد على المصنف تقديم المخصوص على التمييز حيث قال في قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «فبها ونعمت»: إنّ التقدير: ونعمت السنة سنة وقال: هذا ليس بجيد. فكيف يقول هو بشيء، ويستحسنه بعد أن أنكر نظيره على غيره، بل قال في شرحه: وهذه المسألة فيها خلاف، البصريون يوجبون تقديم التمييز على المخصوص، فلا يجوزون: «نعم زيد رجلا» وقد منع ذلك سيبويه في كتابه، وذهب الكوفيون إلى الجواز (¬3)، وقبّحه الفراء (¬4). ثمّ إنّ هذا التخريج إنّما أخذه من كلام المصنف، - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 68)، وشرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (47) وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 94)، والتذييل والتكميل (4/ 512). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 513). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 521)، وفي العبارة تصرف، وينظر أيضا: شرح التسهيل للمرادي (185)، والمساعد لابن عقيل (2/ 131) تحقيق بركات، والكتاب (2/ 176، 178). (¬4) لمراجعة رأي الفراء ينظر: تعليق الفرائد للدماميني (2/ 422). وشرح المرادي (185 / ب) والمساعد لابن عقيل (2/ 132) تحقيق بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث خرج نحو: نعم زيد رجلا؛ على أن أصله: نعم رجلا زيد كما تقدم تقرير ذلك، حتّى قال المصنف بعد ذكره هذه الصور ونظيرها: وهذه توجيهات أعنت عليها، ولم أسبق إليها، واعلم أنّ ابن عصفور لم يمنع المسألة، ولم يجوزها على الإطلاق؛ بل ذكر فيها تفصيلا، فقال (¬1): إن أفاد التمييز معنى لا يفيده الفاعل جاز نحو: نعم الرجل رجلا فارسا زيد، قيل: ومنه قول الشاعر: 2013 - تخيّره ولم يعدل سواه ... فنعم المرء من رجل تهام (¬2) قال (¬3): ولا يجوز دخول (من) على هذا التمييز إلّا في شذوذ من الكلام أو في ضرورة نحو قوله: وأنشد: 2014 - فنعم المرء من رجل تهام وعلل ذلك بأن قال: إنّ التمييز المنقول لا يجوز دخول (من) عليه كما لا يجوز دخولها عليه قبل نقله، قال: والتمييز في باب (نعم)، و (بئس) يشبه المنقول، ألا ترى أنه كان فاعلا، قبل الإضمار في (نعم)، فلمّا أضمر فيها الفاعل صار منتصبا على التمييز لذلك الضمير، وإنما جعلته شبيها بالمنقول - ولم - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب (1/ 69). (¬2) هذا البيت من الوافر وقد نسبه أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 513) لأبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي، وشعوب أم الأسود. تنظر ترجمته في جمهرة أنساب العرب (ص 182)، وهو من أبيات قالها في رثاء هشام بن المغيرة من أشراف قريش، وقد نسب البيت لبحير بن عبد الله القشيري في الوحشيات لأبي تمام (57)، والمؤتلف والمختلف للآمدي (ص 76)، والعيني (4/ 14) وروايته في التذييل والتكميل (4/ 513). ... ... فنعم الحي من حي تهام اللغة: تخيره: اصطفاه، لم يعدل سواه: لم يمل إلى غيره، تهامي: منسوب إلى تهامة، وهو اسم نزل عن نجد. الشاهد في البيت: «فنعم المرء من رجل»؛ حيث جمع بين فاعل (نعم) الظاهر، وهو المرء والتمييز، وهو رجل، وأفاد التمييز معنى زائدا على الفاعل، وهو كونه تهاميّا. ينظر الشاهد في: الاشتقاق (ص 101)، والتذييل والتكميل (4/ 513)، والكامل (1/ 264)، والأشموني (3/ 35)، والتصريح (2/ 96)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 112)، واللسان (14/ 239) «تهم»، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 95)، وتهذيب النحو (ص 224)، والمقرب (ص 69)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 17). (¬3) أي: قال ابن عصفور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجعله منقولا؛ لأنّ النقل فيه إنّما هو في اللفظ، لا في المعنى، ألا ترى أن الضمير الفاعل في (نعم) هو الاسم المنتصب على التمييز في المعنى، وليس كذلك الفاعل في: تصبّب زيد عرقا، ووَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً (¬1). قال: و (من) الداخلة عليه زائدة وليست للتبعيض؛ لأنّ الضمير هو التمييز في المعنى، ولكون (من) لا تزاد في الموجب، بقياس، لم تدخل عليه إلّا في ضرورة شعر، كالبيت الذي تقدّم أو في شذوذ من الكلام، كالوارد في الأثر: «نعم الرجل من رجل لم يطأ لنا فراشا» (¬2). البحث العاشر: قد تقدّم من كلام المصنف ما يفهم منه أنّ شرط الفاعل في هذا الباب - إذا كان معرفا باللّام - أن يجوز فيه نزع اللّام، وجعله تفسيرا للضمير المستكن، وكذا إذا كان الفاعل مضافا إلى ما فيه اللام، بشرط ذلك أيضا، فمن ثمّ جاز: نعم الرجل زيد، ونعم غلام القوم عمرو؛ لجواز أن يقال: نعم رجلا زيد، ونعم غلام القوم عمرو، وأمّا ما جاء من قولهم: «نعم العمر عمر بن الخطاب» (¬3) فقالوا: هو من تنكير العلم كقولهم: 2015 - لا هيثم اللّيلة للمطيّ (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة مريم: 4. (¬2) ينظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري (9/ 94). (¬3) ينظر هذا القول في: التذييل والتكميل (4/ 525) وينظر مع تأويله في منهج السالك (ص 392). (¬4) البيت من الرجز وهو بتمامه: لا هيثم الليلة للمطيّ ... ولا فتى مثل ابن خيبريّ وهو من شواهد سيبويه التي لم يعرف قائلها، ونسب لبعض بني دبير في الدرر (1/ 134)، و (بني دبير) من بني أسد كما في الخزانة (4/ 95) اللغة: هيثم: اسم رجل، كان حسن الحداء للإبل، وقيل: جيد الرعية، وقيل: هو هيثم بن الأشتر، وكان مشهورا بين العرب بحسن الصوت في حدائه، وابن خيبري: جميل صاحب بثينة المشهور، نسب إلى أحد أجداده، وكان شجاعا، ذا نجدة، يحمي الإبل، وقيل: أراد بابن خيبريّ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وقيل: أراد الذي بارز عليّا يوم خيبر فقتله علي، وكلاهما بعيد. اه. ينظر: شرح أبيات المفصل بهامش (ص 76) والخزانة (4/ 58، 59).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فكأنّه قيل: نعم المسمّون بهذا الاسم. وقد جاء في الشّعر [3/ 102]: 2016 - بئس قوم الله قوم طرقوا ... فقروا جارهم لحما وحر (¬1) مع أنّ نزع اللّام من الاسم المعظّم لا يجوز وأشدّ منه مجيء اسم الإشارة فاعلا لـ (بئس) قال الشاعر: 2017 - بئس هذا الحيّ حيّا ناصرا ... ليت أحياءهم فيمن هلك (¬2) وفي هذا البيت الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز، ويحتمل أن يخرج البيت على ما خرج عليه «نعم عبد الله رجلا»، التقدير: بئس حيّا ناصرا هذا الحيّ، فلا يكون فيه إلا تقديم المخصوص على التمييز، والكوفيون لا يمنعون ذلك، والبصريون يجيزونه، على قبح. ¬

_ - الشاهد في البيت قوله: «لا هيثم»؛ حيث نصب (هيثم) بـ (لا) النافية للجنس وهو اسم علم، وهي لا تعمل إلا في نكرة، ولا تدخل على العلم، ولذلك أول البيت، إما بتقدير مضاف، على أن (لا) نافية للجنس، واسمها محذوف، أي: مثل، وإما بتأويل العلم - وهو هيثم - باسم الجنس. ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 296)، والمقتضب (4/ 362)، وابن الشجري (1/ 239)، والأشموني (2/ 4)، والهمع (1/ 645). (¬1) هذا البيت من الرمل، ولم أقف على اسم قائله. اللغة: طرقوا: من الطرق، وهو الإتيان ليلا، فقروا: أطعموا من القرى، وهو الضيافة، وحر: بفتح الواو، وكسر الحاء -: اللحم الذي دبت عليه الوحرة، دابة صحراوية، من نوع الوزغ، صغيرة حمراء، لها ذنب دقيق، وحر: أصله: وحرا، فأسكنت الراء للضرورة. الشاهد في البيت: «بئس قوم الله»؛ حيث ورد فيه فاعل (بئس) اسما مضافا إلى علم، وهو لفظ الجلالة. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 534)، ومنهج السالك (ص 392)، والمخصص لابن سيده (16/ 132)، وتوضيح المقاصد (3/ 82)، والعيني (4/ 19)، والهمع (2/ 87)، والأشموني (3/ 29)، والدرر (2/ 114). (¬2) البيت من الرمل، ولم أعرف قائله. والشاهد فيه: «بئس هذا الحيّ»؛ فقد استشهد به على شذوذ مجيء فاعل (نعم وبئس) اسم إشارة متبوعا بذي أل. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 525)، ومنهج السالك (ص 392)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 114).

[أحوال وأحكام المخصوص بالمدح والذم]

[أحوال وأحكام المخصوص بالمدح والذم] قال ابن مالك: (ويدلّ على المخصوص، بمفهومي «نعم» و «بئس»، أو يذكر قبلهما، معمولا للابتداء، أو لبعض نواسخه، أو بعد فاعلهما، مبتدأ أو خبر مبتدأ، لا يظهر أو أول معمولي فعل ناسخ، ومن حقّه أن يختصّ ويصلح للإخبار به عن الفاعل، موصوفا بالممدوح بعد «نعم»، وبالمذموم بعد «بئس» فإن باينه أوّل، وقد يحذف، وتخلفه صفته اسما وفعلا وقد يغني متعلق بهما، وإن كان المخصوص مؤنثا جاز أن يقال: نعمت وبئست، مع تذكير الفاعل). قال ناظر الجيش: قال المصنّف (¬1): المخصوص بمفهومي (نعم) و (بئس) هو للمقصود بالمدح، بعد (نعم)، وبالذّم بعد (بئس)، كزيد، وعمرو، في قولك: نعم الرجل زيد، وبئس القرين عمرو، وإذا كان مذكورا هكذا (¬2) فهو مبتدأ، مخبر عنه، بما قبله، من الفعل والفاعل، ولا يضرّ خلوّ الجملة من ضمير، يعود على المبتدأ؛ لأنّ الفاعل هو المبتدأ في المعنى، فلم يحتج إلى رابط؛ إذ هو مرتبط بنفسه، كما لا يحتاج إلى رابط، إذا كانت الجملة نفس المبتدأ، في المعنى، نحو: كلامي الله ربّنا (¬3). وأجاز سيبويه كون المخصوص خبر مبتدأ واجب الإضمار والأول أولى (¬4) بل هو عندي متعين لصحّته في المعنى وسلامته من مخالفة أصله بخلاف الوجه الثّاني، وهو كون المخصوص خبرا، فإنّه يلزم منه أن ينصب لدخول (كان)، إذا قيل: نعم الرجل كان زيد؛ لأنّ خبر المبتدأ - بعد دخول كان - يلزم النصب، ولم نجد العرب تعدل في مثل هذا إلى الرفع، فعلم أنه - قبل دخول (كان) - لم يكن خبرا، وإنّما كان مبتدأ ومن لوازم كونه خبرا قبل دخول (كان) أن يقال في «نعم الرجال الزيدون»: نعم الرجال كانوا الزيدين، وفي «نعم النساء الهندات»: نعم النساء كنّ الهندات. ومن لوازم ذلك أيضا أن يقال إذا دخلت (ظننت) على «نعم الرجل زيد»: نعم الرجل ظننته زيدا، وأن يقال إذا دخلت (وجد) على «نعم - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 16). (¬2) أي كان ترتيب الجملة هكذا، أي بتأخير المخصوص. (¬3) في الرابط بهذه الجملة أربعة مذاهب، وهذا أحدها. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 528 - 532) ومنهج السالك (ص 399)، وشرح التسهيل للمرادي (186 / أ). (¬4) كون المخصوص مبتدأ. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 538)، وشرح المصنف (3/ 16).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجلان أنتما»: نعم الرجلان وجدا إياكما، ولكنّ العرب لم تقل إلا: نعم الرجال كان الزيدون، ونعم النساء كانت الهندات، ونعم الرجل ظننت زيد، ونعم الرجلان وجدتما كما قال زهير (¬1): 2018 - يمينا لنعم السّيدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرم (¬2) فعلم بهذا أنّ المخصوص لم يكن قبله ضمير، فيكون هو خبره، بل كان المخصوص مبتدأ مخبرا عنه بجملة المدح أو الذم ومن لوازم كون المخصوص خبرا جواز دخول (إن)؛ لأن الخبر، والمخبر عنه - عند من يرى صحة ذلك - جملة خبرية - أجيب بهما سؤال مقدر، وتوكيد ما هو كذلك بـ (إنّ) جائز، والجواز هنا منتف مع أنّه من لوازم الخبرية، فالخبرية إذا منتفية؛ لأنّ انتفاء اللازم يدلّ على انتفاء الملزوم، وأمّا على القول بأنّ المخصوص مبتدأ مقدم الخبر، فيلزم منه موافقة الواقع، وهو امتناع دخول (إنّ) إلا مع تقدم المخصوص كقولك في «زيد نعم الفتى»: إنّ زيدا نعم الفتى (¬3). وأجاز ابن عصفور أن يجعل المخصوص مبتدأ، محذوف الخبر، وهذا أيضا غير صحيح؛ لأنّ هذا الحذف ملتزم ولم تجد خبرا يلتزم حذفه، إلا ومحلّه مشغول - ¬

_ (¬1) هو زهير بن أبي سلمى، الشاعر المشهور، واسم أبي سلمى: ربيعة بن فرط بن رباح المزني، من مزينة مضر، وهو من أصحاب المعلقات وجاهلي لم يدرك الإسلام. تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (ص 143) برقم (3). (¬2) البيت من الطويل، وهو من معلقته المشهورة في ديوانه (ص 23) طبعة. المكتبة الثقافية - بيروت (1968 م). اللغة: لنعم السيدان: جواب قسم، والقسم وجوابه في موضع المفعول الثاني، لـ (وجد) وجملة المدح خبر، وألف الاثنين في (وجدتما) للحارث بن عوف، وهرم بن سنان. سحيل: الخيط الذي لم يحكم فتله، ومعناه الأمر السهل، وحالة السلم، ومبرم: الخيط الذي أحكم فتله، وأراد هنا: الأمر الشديد، وحالة الحرب. والشاهد في البيت: قوله: «لنعم السيدان وجدتما»؛ حيث دخل الفعل الناسخ على المخصوص بالمدح، وأصله: لنعم السيدان أنتما، فأدخل الناسخ عليه فصار «وجدتما». ينظر الشاهد في: شرح الكافية للرضى (2/ 315)، وخزانة الأدب (9/ 387)، والتذييل والتكميل (4/ 534)، والأشباه والنظائر (4/ 234)، والدرر (2/ 47). (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 17)، والتذييل والتكميل (4/ 538).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بشيء يسدّ مسدّه، كخبر المبتدأ بعد (لولا)، وهذا بخلاف ذلك، ولا يصحّ ما ذهب إليه ابن عصفور (¬1). والحاصل: أنّ المخصوص بالمدح والذّمّ لا يجب أن يصرّح بذكره، ولا أن يؤخر إذا ذكر، بل الواجب أن يكون معلوما، فإن ذكر، وأخّر، فهو إمّا مبتدأ، كما مضى، وإمّا مرفوع بـ (كان) أو (وجد) أو إحدى أخواتها أو أول مفعولي (ظن) أو إحدى أخواتها، والجملة قبل الفعل في موضع نصب به، خبرا، أو مفعولا ثانيا، وإن ذكر وقدّم، والجملة واحدة، فهو مبتدأ، أو أول معمولي (كان) أو (إنّ) أو (ظنّ) أو إحدى أخواتهنّ (¬2) فمن ذلك قول الشاعر: 2019 - إذا أرسلوني عند تعذير حاجة ... أمارس فيها كنت نعم الممارس (¬3) ومثله: 2020 - لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم ... لبئس الندامى كنتم آل أبجرا (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 536) وقد قال ابن عصفور - في المقرب (1/ 69) -: «وإن تأخر عنه جاز فيه أن يكون مبتدأ، والجملة قبله خبره، وأن يكون خبر ابتداء مضمر، أو مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: الممدوح زيد، والمذموم زيد». اه. وذكر ابن عصفور مثل هذا في الشرح الكبير (1/ 603). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 532، 533). (¬3) هذا البيت من الطويل، وقائله يزيد بن الطثرية، بسكون الثّاء المثلثة والطثرية أمه، وأبوه سلمة بن سمرة، ينتهي نسبه إلى عامر بن صعصعة، وكان شاعرا مطبوعا، كامل الأدب: من شعراء بني أمية، مقدما عندهم، قتل سنة (126 هـ). تنظر ترجمته في: الشعر والشعراء (ص 434) برقم (74)، والأغاني (7/ 140). اللغة: تعذير حاجة: عند تعذرها وتعسرها، أمارس فيها: أعالجها وأحتال لقضائها. الشاهد فيه: قوله: «كنت نعم الممارس» حيث دخلت (كان) وهي من نواسخ المبتدأ، على نعم وفاعلها، وتقدم المخصوص قبلها فالمخصوص هو اسم كان. ينظر الشاهد في: شرح الألفية لابن الناظم (ص 184)، ومنهج السالك (ص 399)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (3/ 102)، والهمع (2/ 88)، والأشموني (3/ 38)، والدرر (2/ 115)، والعيني (4/ 34). (¬4) البيت من الطويل وقائله الأبيرد، كما نسبه الجوهري في الصحاح واللسان «نزف» ونسبه أبو حيان للأسود، ينظر: البحر المحيط (7/ 350). اللغة: أنزفتم: من أنزف الشارب، إذا ذهب عقله أو شرابه من السكر، أبجرا: وهو أبجر بن جابر العجلي. الشاهد: أنه أعمل (كنتم) في ضمير المذمومين، وجعل (لبئس الندامى) في موضع خبر (كنتم) فرفع المخصوص أول معمولي فعل ناسخ. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ذلك قول زهير: 2021 - يمينا لنعم السّيدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرم ومن ذلك قول الآخر: 2022 - إنّ ابن عبد الله نع ... م أخو النّدى وابن العشيرة (¬1) ومثله: 2023 - إنّى إذا أغلق باب الصّيدن ... نعم صنيع الزائر المستأذن (¬2) وإن ذكر وقدّم، والكلام جملتان، قدّر المخصوص مبتدأ مؤخرا، كقول الله تعالى: وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (¬3)، وكقوله تعالى: وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (¬4)، وقول الشاعر: 2024 - إنّى اعتمدتك يا يزي ... د ونعم معتمد الوسائل (¬5) - ¬

_ - ينظر الشاهد في: البحر المحيط (7/ 350)، واللسان «نزف»، والمحتسب لابن جني (2/ 308)، والهمع (2/ 86)، والدرر (2/ 114). (¬1) البيت من مجزوء الكامل، وقائله أبو دهبل الجمحي، من أبيات يمدح بها المغيرة بن عبد الله. اللغة: أخو الندى: صاحب الكرم والسخاء. الشاهد في البيت: قوله: «إن ابن عبد الله نعم أخو النّدى»؛ فقد دخلت (إنّ) على المخصوص بالمدح، وعملت فيه، مع تقدمه على (نعم) وفاعلها. وتقدّم (إنّ) واجب في هذا المثال ونحوه. ينظر الشاهد في التذييل والتكميل (4/ 533)، وتوضيح المقاصد والمسالك (3/ 103)، والدرر (2/ 114)، والأشموني (3/ 37)، والهمع (2/ 87)، والعيني (4/ 35). (¬2) هذا البيت من الرجز، وقائله رؤبة بن العجاج، الراجز المشهور، أحد بني مالك بن سعد بن زيد مناة ابن تميم، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 598)، والبيت من قصيدة يمدح فيها بلال بن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري. اللغة: الصيدن: البناء المحكم والملك، وهو المراد هنا. والشاهد في البيت: دخول (إنّ) على المخصوص المتقدم على (نعم) وفاعلها. ينظر الشاهد في: ديوان رؤبة (ص 160)، والتذييل والتكميل (4/ 533)، ومنهج السالك (ص 399). (¬3) سورة الصافات: 75. (¬4) سورة الذاريات: 48. (¬5) البيت من مجزوء الكامل، وقائله هو الطرماح بن حكيم، والطرماح لقب عرف به. تنظر ترجمته في جمهرة الأنساب (402، 403). والبيت من قصيدة له، يمدح بها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي. والشاهد في البيت: قوله: «ونعم معتمد الوسائل»؛ حيث حذف المخصوص للدلالة عليه بما قبله، وهو (يا يزيد) والتقدير: فنعم معتمد الوسائل أنت، على ما ذكره الشارح. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: ونعم معتمد الوسائل أنت، ومن حقّ المخصوص بالمدح، أو الذمّ أن يكونا معرفة، أو مقاربا لها بالتخصيص، نحو: نعم الفتى رجل من بني فلان، ونعم العمل طاعة، وقول معروف، ومن حقّه أيضا أن يصلح الإخبار به عن الفاعل، موصوفا بالممدوح بعد (نعم) كقولك في «نعم الرجل زيد»: الرجل الممدوح زيد، وبالمذموم بعد (بئس) كقولك في «بئس الولد العاقّ أباه»: الولد المذموم العاقّ أباه (¬1). فإن ورد ما لا يصلح جعله خبرا عن الفاعل أوّل، وقدّر بما يردّه إلى ما حقّه أن يكون عليه (¬2)، فمن ذلك قوله تعالى: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ (¬3). فلو حذفت بِئْسَ وأخبرت ب الَّذِينَ عن مَثَلُ الْقَوْمِ لم يجز فوجب لذلك التأويل، إمّا بجعل الَّذِينَ [3/ 103] في محلّ جرّ نعتا لـ الْقَوْمِ، وجعل المخصوص محذوفا، وإما بجعل الَّذِينَ هو المخصوص، على تقدير: بئس مثل القوم مثل الذين، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، في الرفع بالابتداء (¬4)، كما ينبغي في المخصوص، الجاري على الأصل، وإلى هذا وشبهه أشرت بقولي: فإن باينه أوّل، ثم قلت: وقد يحذف. فنبّهت على أنّ مخصوص (نعم)، و (بئس) قد يحذف، وتقام صفته مقامه، وأنّ ذلك قد يكون والصفة اسم، كقولك: نعم الصديق حليم كريم، وبئس الصاحب عزول خذول. ويكثر ذلك إذا كانت الصفة فعلا، والفاعل (ما)، كقوله تعالى: بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ (¬5)، وكقوله تعالى: وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ (¬6). ويقلّ إذا لم يكن الفاعل (ما) كقولك: نعم الصاحب تستعين به فيعينك، والتقدير: نعم الصاحب صاحب تستعين به فيعينك، ومنه قول الشّاعر: - ¬

_ - ينظر الشاهد في: ديوان الطرماح بن حكيم ص 374 تحقيق د/ عزة حسن، منشورات وزارة الثقافة (1388 هـ/ 1968 م)، والتذييل والتكميل (4/ 526)، والعيني (4/ 11). (¬1) ينظر: شرح المصنف (2/ 141) والتذييل والتكميل (4/ 545). (¬2) مثال ذلك قولك: بئس مثلا زيد، فإن المذموم هنا المثل، وزيد مباين. ينظر التذييل والتكميل (4/ 545). (¬3) سورة الجمعة: 5. (¬4) هذان التأويلان لأبي علي الفارسي، لمراجعة ذلك ينظر: الإيضاح للفارسي (1/ 87، 88) والتذييل والتكميل (4/ 546). (¬5) سورة البقرة: 93. (¬6) سورة البقرة: 102.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2025 - لبئس المرء قد ملئ ارتياعا ... ويأبى أن يراعي ما يراعى (¬1) وجاز هذا في المبتدأ، كما جاز في غيره من المبتدآت، كقول الشّاعر: 2026 - وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما ... أموت، وأخرى أبتغي العيش أكدح (¬2) وكما جاز في المضاف إليه، كقول الشّاعر: 2027 - لكم مسجدا الله المزوران والحصى ... لكم قبصه من بين أثرى وأقترا (¬3) والتقدير: لبئس المرء امرأ قد ملئ ارتياعا، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وكذا فعل في البيت الثاني، والثالث، والأصل: فمنهما تارة أموت فيها، وما بين من أثرى، ومن أقتر، فحذفت (من) وهي نكرة موصوفة، مضاف إليها، وأقيمت الصفة مقامها، وقد يحذف الموصوف وصفته ويبقى ما يتعلق بهما، كقوله: 2028 - بئس مقام الشيخ أمرس أمرس ... إمّا على قعو، وإمّا اقعنسس (¬4) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر، ولم أعرف قائله. والشاهد فيه: قوله: «لبئس المرء قد ملئ ارتياعا»؛ حيث حذف المخصوص وقامت صفته مقامه، وذلك قليل؛ لأن الفاعل ليس (ما) والتقدير: لبئس المرء مرء قد ملئ ارتياعا. ينظر الشاهد في التذييل والتكميل (4/ 840)، ومنهج السالك (ص 395). (¬2) البيت من الطويل، وقائله تميم بن أبيّ بن مقبل بن عوف، شاعر مخضرم، وعمّر حتى بلغ مائة وعشرين عاما، تنظر ترجمته في الخزانة (1/ 231) طبعة الهيئة العامة للكتاب (1979 م). اللغة: تارتان: مرّتان، يريد أنّ الإنسان بين حالتين، وكلتاهما فيها له أذى، وعليه مشقة، أكدح: أكتسب. والشاهد في البيت: قوله: «فمنهما أموت»؛ حيث حذف الموصوف والتقدير: فمنهما تارة أموت. ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 346)، والمقتضب (2/ 136)، ومعاني الفراء (2/ 323)، والكامل (2/ 127)، وديوان تميم (ص 24) تحقيق د/ عزة حسن طبعة دمشق (1381 هـ/ 1962 م). (¬3) البيت من الطويل، وقائله الكميت. ينظر ديوانه (1/ 192). اللغة: القبص: المراد به هنا العدد الكثير. الشاهد: حذف (من) وهي نكرة موصوفة في قوله: «أثرى وأقترا» وأصله: من أثرى، ومن أقتر، على ما ذكره الشارح. ينظر الشاهد في: المثلث لابن السيد البطليوسي. تحقيق د/ صلاح مهدي الفرطوسي (2/ 362) طبعة دار الرشيد للنشر. العراق (1401 هـ/ 1981 م) الصحاح «قبص» واللسان «قبص»، وإصلاح المنطق (397). (¬4) هذا رجز لم ينسب لقائل، اللغة: أمرس أمرس في مجمع الأمثال (1/ 97): يقال: مرس الحبل يمرس إذا وقع في أحد جانبي البكرة. فإذا أعدته إلى مجراه قلت: أمرسته. وتقدير الكلام: بئس مقام الشيخ المقام الذي يقال له فيه: أمرس، وهو أن يعجز عن الاستسقاء لضعفه، ويضرب بذلك المثل لمن يحوجه الأمر إلى ما لا طاقة له به. اقعنسس: تأخّر ورجع إلى الخلف، والاقعنساس -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي بئس مقام الشيخ مقام مقول فيه: أمرس أمرس، وإن كان الفاعل مذكر اللفظ، والمخصوص مؤنثا، جاز أن يقال: نعمت وبئست، مع كون الفاعل عاريا من التأنيث؛ لأنهما في المعنى شيء واحد، إلّا أنّ ترك التاء أجود كقوله تعالى: نِعْمَ الثَّوابُ (¬1) ولو قيل: نعم الثواب الجنّة؛ لكان جيّدا، كقوله: 2029 - نعمت جزاء المتّقين الجنّة ... دار الأماني والمنى والمنّه (¬2) ومثله: 2030 - أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة ... دعائم الزّور نعمت زورق البلد (¬3) ومثله: 2031 - نعمت كساء الضّجيع شهلة فضل ... غرّاء بهكنة شنباء عطبول (¬4) - ¬

_ - أن يطأطئ ظهره يريد أن يخلصه. والشاهد في البيت: قوله: «بئس مقام الشيخ أمرس أمرس» وهو شاهد على حذف المخصوص وصفته، وبقاء متعلقهما، وهذا قليل، أبقى مقول القول. ينظر الشاهد أيضا في مجالس ثعلب (1/ 213)، والتذييل والتكميل (4/ 548)، والإنصاف (1/ 76)، وشرح الشاطبي (4/ 223). (¬1) سورة الكهف: 31. (¬2) هذا البيت من الرجز، لا يعرف قائله. اللغة: الأماني: جمع أمنية، بضم الهمزة، وتشديد الياء وتخفيفها، المنى: بضم الميم وفتح النون ما يتمناه الإنسان، المنة: - بكسر الميم وتشديد النون - العطية. والشاهد في البيت: قوله: «نعمت جزاء المتقين الجنّة» فقد أنث (نعم) بالتاء، مع تذكير فاعلها، وهو جزاء المتقين، لكون المخصوص، وهو الجنة مؤنثا، ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 549)، ومنهج السالك (ص 400)، والشذور (ص 21). (¬3) هذا البيت من البسيط وقائله ذو الرمة، غيلان بن عقبة العدوي المتوفى سنة (117 هـ) من قصيدة يمدح بها بلال بن أبي بردة، وهذا البيت في وصف الناقة. اللغة: حرّة: ناقة، عيطل: طويل العنق، ثبجاء: ضخمة الوسط أو السنام، مجفرة: ضخمة الوسط، دعائم الزور: عظيمة القوائم، زورق البلد: عظيمة الصدر. والشاهد: قوله: «نعمت زورق البلد»؛ حيث أنث الفعل، فدخلت تاء التأنيث عليه، والزورق مذكر لكنّه أنث على المعنى؟ لأنه كنى به عن الحرة وهي الناقة. ينظر الشاهد: في التذييل والتكميل (4/ 549)، ومنهج السالك (ص 400)، وديوان ذي الرمة (1/ 174)، ومعاني القرآن للفرّاء (1/ 268)، والمقرب (1/ 68). (¬4) البيت من البسيط، ولم يعين قائله. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى كلام المصنف، رحمه الله تعالى (¬1)، وتضمّن الإشارة إلى أمور أربعة وهي: أنّ المخصوص بالمدح أو الذمّ لا بدّ من ذكره، إما قبل فعلي المدح والذّم، وإمّا بعد فاعلي الفعلين المذكورين، إلّا أن يدلّ عليه دليل، في كلام سابق، على الكلام المتضمّن للمدح، أو الذّم، فيجوز ألّا يذكر حينئذ، وأنّ من حقّه أن يختصّ، ويصلح للإخبار به عن الفاعل بالطريق الذي ذكره، وأنّه قد يحذف فتخلفه صفته، أو المتعلق بها، وأنّه إذا كان مؤنثا جاز إلحاق الفعل أعني (نعم) أو (بئس) تاء التأنيث، مع كون الفاعل مذكّرا. إذا عرف هذا فلنذكر أبحاثا: الأول: أنّ المراد بقوله: ويدلّ على المخصوص أنّ الدلالة عليه تستفاد من كلام سابق على جملتي المدح، والذمّ، بأن يكون مذكورا في ذلك الكلام المتقدم، كقوله تعالى: وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (¬2) التقدير: فنعم الماهدون نحن، وكقوله تعالى: فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (¬3) أي: نحن، وقوله تعالى: إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ (¬4) أي: أيّوب، أمّا إذا ذكر متقدّما منضمّا إلى إحدى الجملتين، نحو: زيد نعم الرجل فهو المخصوص نفسه، ولكنه قدم ولا يحتاج - على هذا - أن تقدّر بعد الفاعل شيئا محذوفا، يكون هو المخصوص؛ لأنّه قد ذكر متقدما، لكن قد يقتضي قول المصنف المتقدم نقله عنه: وإن ذكر - يعني المخصوص - وقدم والجملة واحدة؛ أنّه - مع ذكره متقدّما - قد لا يجعل هو المخصوص، حيث لا تكون الجملة واحدة، وذلك بأن يكون الكلام جملتين إحداهما الملفوظ بها، والأخرى مقدرة، فتكون تلك المقدرة هي المشتملة على المخصوص، وحينئذ فيقدّر المخصوص مؤخّرا، - ¬

_ - اللغة: شهلة: النّصف العاقلة، خاص بالنساء، فضل: في القاموس مادة «فضل»: وامرأة فضل متفضلة في ثوب واحد. اه. البهكنة: المرأة الغضة النعمة، شنباء - من الشنب محركة -: رقة وبرد وعذوبة في الأسنان، عطبول: المرأة الفتية الجميلة الممتلئة والطويلة العنق. اه. والشاهد في البيت: قوله: «نعمت كساء الضجيع شهلة»؛ حيث أنّث (نعم) فألحقه التاء مع تذكير فاعلها (كساء الضجيع)؛ لأنه مؤنث المعنى. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 549)، ومنهج السالك (ص 400). (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 20). (¬2) سورة الذاريات: 48. (¬3) سورة المرسلات: 23. (¬4) سورة ص: 44.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وينوى له مبتدأ يكون هو خبرا عنه، فإذا قلنا: زيد نعم الرجل، كان التقدير: زيد نعم الرجل زيد، أي: هو زيد، فـ (زيد) الثاني هو المخصوص، وهو خبر مبتدأ مقدّر، وعلى هذا لا يكون (زيد) الذي ذكر أولا هو المخصوص، وقد قدّم، وإنّما هو دالّ على المخصوص المقدّر، هذا الذي فهمته من قوله: وإن ذكر، وقدّم، والجملة واحدة. ولو لم يكن مراده ذلك فأيّ فائدة لقوله: والجملة واحدة، فإن قيل: يدفع أن يكون هذا مراده أنّه قد أبطل قول من يقول: إنّ المخصوص في نحو قولنا: نعم الرجل زيد خبر مبتدأ محذوف، وما قررته يلزم منه القول بذلك، فكيف تقرر كلام الرجل على وجه هو لا يراه صحيحا؟ أجيب عن ذلك: بأنّه في نحو: «نعم الرجل زيد» يجعل (زيد) هو المبتدأ والجملة المتقدمة هي الخبر وإذا أمكن جعله مبتدأ مؤخرا، وما قبله خبر عنه، فأيّ حاجة تدعو إلى أن يجعل خبرا لمبتدأ محذوف لو سلّم ما يمنع ذلك؟ فكيف وقد ذكر أنه له موانع؟! أما في نحو قولنا: زيد نعم الرجل، إذا قدرنا المخصوص، وجعلناه محذوفا، فرّبما يتعذر جعله مبتدأ، مخبرا عنه بما قبله لأنّه لا معنى لقولنا: «زيد نعم الرجل» إلا: زيد نعم الرجل. و «زيد نعم الرجل» كاف في المقصود، فلا فائدة في تقدير مبتدأ آخر، هو بلفظ المبتدأ الموجود. أو يقال في الجواب: لا يلزم من كون المصنّف لا يرى ذلك أعني كون المخصوص، في قولنا: «نعم الرجل زيد» خبر مبتدأ مقدّر أن يمتنع رأينا، كيف وهو قول النحاة قاطبة؟ فليكن كون المخصوص المذكور مؤخرا خبر مبتدأ محذوف أمرا مقبولا معمولا به. البحث الثاني: قد عرفت قول المصنّف بعد أن مثل بـ: «نعم الرجل زيد»، و «بئس القرين عمرو» وإذا كان مذكورا هكذا، يعني المخصوص، حيث يذكر مؤخرا [3/ 104] فهو مبتدأ، مخبر عنه بما قبله، من الفعل والفاعل، ولا يضر خلوّ الجملة من ضمير يعود على المبتدأ؛ لأنّ الفاعل هو المبتدأ في المعنى، فلم يحتج إلى رابط؛ إذ هو مرتبط بنفسه، كما لم يحتج إلى رابط؛ إذا كانت الجملة نفس المبتدأ في المعنى نحو: «كلامي الله ربّنا». وهذا منه يقتضي أنّ الرّبط في هذا التركيب ربط بالمعنى، والمعروف أن سيبويه لا يجيزه، ولم يعرف من المصنف التصريح بجوازه، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث ذكر الروابط في باب المبتدأ ثم إنّ قوله: لأنّ الفاعل هو المبتدأ في المعنى. يقتضي أن اللّام للعهد، والأصحّ أنّ اللّام للجنس، وهو قول الجمهور وقد قال هو في الألفية: والحذف في (نعم الفتاة) استحسنوا ... لأنّ قصد الجنس فيه بيّن فصرّح بأنّ الجنس مراد، ومتى كان الجنس مرادا، امتنع أن تكون اللام للعهد، والمعروف المشهور أنّ الربط في نحو: «زيد نعم الرجل» إنّما حصل بالعموم، كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (¬1) وذكر الشيخ - في شرحه في الرابط، في مثل: (زيد نعم الرجل) - عن النّحاة مذاهب أربعة (¬2): أحدها: هذا الذي ذكرناه، وهو العموم، قال: وهو مذهب الجمهور. ثانيها: أن الرّبط حصل بتكرير المبتدأ، باسم، هو المبتدأ، من حيث المعنى كما هو مذهب الأخفش، وهو قول من يرى أنّ اللام للعهد. ثالثها: لابن السّيد، أنّ الرابط محذوف، والتقدير: زيد هو نعم الرجل، وفيه نظر؛ لأنّ الربط - وإن حصل لـ (زيد)، فأين الرابط الذي يربط (نعم الرجل) بالضمير الذي الجملة خبر عنه؟ (¬3). رابعها: لابن الطراوة، وهو أنّ (نعم الرجل) متحمل ضمير الاسم الذي هو المبتدأ. وهذا بناء منه على أنّ (نعم الرجل) صار بجملته اسما، بمعنى الممدوح، فيتحمل الضمير الذي يتحمله الممدوح، أو الضمير الذي يتحمله المذموم (¬4)، ولا يخفى أنّ هذا المذهب لا ينبغي عدّه؛ لأنّه مبنيّ على مذهب باطل مردود (¬5). وأمّا ما - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 170. (¬2) ينظر التذييل والتكميل (4/ 528). (¬3) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 532)، ومنهج السالك (399) حيث نسب هذا القول لابن ملكون. (¬4) لمراجعة ذلك ينظر: منهج السالك (399)، والتذييل والتكميل (4/ 531)، وشرح التسهيل للمرادي (186 / أ). (¬5) لأن مذهبه أن التركيب جعله اسما، بمعنى الممدوح، أو المذموم فتحمل الضمير الذي يتحمله الممدوح أو المذموم، ينظر: التذييل والتكميل (4/ 531).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذهب إليه ابن السيد فقد عرفت ما فيه (¬1) فلم يبق إلا المذهبان الأوّلان لكن المشهور هو الأول منهما، وقد عرفت أنّ كلام المصنّف يعطي أنّه قائل بالثّاني، ولا أظنّ أن يقول بذلك، أعني أنّ اللام للعهد، والظاهر بل الذي يقطع به أنّ اللام عنده للجنس، وإذا كان كذلك فينبغي تدبّر كلامه، والرجوع به إلى ما يوافق ما هو قائل به. البحث الثالث: ما ألزم المصنف به القائل بأنّ المخصوص في نحو: «نعم الرجل زيد» يجوز كونه خبر مبتدأ، واجب الإضمار، غير ظاهر، أما كونه كان يلزم نصبه لدخول (كان) إذا قيل: «نعم الرجل كان زيد»، وأنه كان يلزم أيضا أن يقال في «نعم الرجال الزيدون» - إذا دخلت كان -: نعم الرجال كانوا الزيدين، وفي «نعم النساء الهندات»: نعم النساء كنّ الهندات، وأنّه كان يلزم أن يقال إذا دخلت ظننت على «نعم الرجل زيد»: نعم الرجل ظننته زيدا وأن يقال إذا دخلت وجد على «نعم الرجلان أنتما»: نعم الرجلان وجد إياكما لكنّ العرب لم تقل إلا: نعم الرجال كان الزيدون، ونعم النساء كانت الهندات، ونعم الرجل ظننت زيدا، ونعم الرجلان وجدتما، كما قال زهير: 2032 - يمينا لنعم السّيّدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرم فالجواب عن جميع ما ألزم به شيء واحد، وهو أنّ نواسخ الابتداء لا تدخل على مبتدأ واجب الحذف، وإذا كان الأمر كذلك وجب عند دخول الناسخ على نحو: «نعم الرجل زيد»، و «بئس الرجل عمرو» أن يكون المخصوص مبتدأ لتصحّ مباشرة الناسخ له، والجملة قبله في موضع الخبر، وصار الوجه الآخر الذي كان جائزا قبل دخول الناسخ - وهو كون المخصوص خبرا لمبتدأ محذوف - ممتنعا حينئذ؛ لعدم صلاحية مباشرة الناسخ له، ولا يلزم من امتناعه عند دخول الناسخ لأمر اقتضاه حال الناسخ أن يكون ممتنعا حين لا ناسخ يباشره، ومن هذا التقرير يعلم أنّ الناسخ الذي هو (إنّ) لا يصحّ دخوله على هذا التركيب عند تأخر المخصوص، - ¬

_ (¬1) لأنه يؤدي إلى تقديرات مبتدآت لا نهاية لها. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 531). ولأن الربط - على هذا المذهب - وإن حصل للمبتدأ فأين الرابط الذي يربط (نعم) بالضمير الذي الجملة خبر عنه؟ ينظر: منهج السالك (ص 399).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أمّا على القول بأنه مبتدأ فلأن (خبر) إنّ لا يتقدم على اسمها، إذا كان خبرا لمبتدأ محذوف، فلما عرفت أنّ الناسخ لا يدخل على مبتدأ واجب الحذف غير ظرف أو جارّ ومجرور. نعم، قد ذكر الشيخ في شرحه (¬1) - عن ابن الباذش (¬2) - أنه قال: لا يجيز سيبويه أن يكون المخصوص بالمدح والذّمّ إلا مبتدأ، في: نعم الرجل زيد، وبئس الرجل عمرو، كما كان في: زيد نعم الرجل، وعمرو بئس الرجل، وتكون الجملة في موضع رفع وذلك أنّ (نعم) و (بئس) لا يتمّ المعنى المقصود بهما إلا باجتماع المختصّ بالمدح، والذم مع الجنس الذي هو منه فلا يتقدر على هذا إلا مبتدأ، كما لا يتقدر مذهب أخوه زيد إلا مبتدأ، ويدلّ على فساد الوجه الآخر أن الاسم المختصّ بالمدح أو الذّم يجوز حذفه، فإن كان خبر المبتدأ محذوفا، ثم حذف هو أدى إلى حذف الجملة كلها، وذلك غير جائز. قال: ولهذا يقوي أبو الفتح كونه لا يكون إلّا مبتدأ (¬3). قال سيبويه: وأما قولهم: نعم الرجل عبد الله، فهو بمنزلة «عبد الله ذهب أخوه» (¬4) فسوّى سيبويه بين التركيبين، تأخير المخصوص وتقديمه. ثمّ قال سيبويه: كأنّه قال: نعم الرجل، فقيل له: من هو؟ فقال: عبد الله، وإذا قال: عبد الله قيل له: ما شأنه؟ فقال: نعم الرجل (¬5). هذا نصّ سيبويه. قالوا: فلم يرد بقوله: «من هو؟» أنّ الكلام على جملتين إذا تأخر المخصوص، كما لم يرد ذلك إذا قال: عبد الله، فكأنّه قيل له: ما شأنه؟. فقال: نعم الرجل؛ لأنّ (عبد الله) حالة التقديم يستحيل أن يكون جملة، وإنّما أرادوا أنّ تعلق المبتدأ بالخبر، والخبر [3/ 105] بالمبتدأ تعلق لازم، فإذا بدأت بالمبتدأ احتجت إلى خبر، - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 539). (¬2) ينظر ما قاله أبو الحسن بن الباذش في منهج السالك (ص 397)، والتذييل والتكميل (4/ 539)، والأشموني (3/ 37)، وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (3/ 100، 101). (¬3) يراجع ذلك في التذييل والتكميل (4/ 539). وفي اللمع لابن جني (ص 222): «قولك: نعم الرجل زيد، وبئس الغلام جعفر، فالرجل مرفوع بفعله، وزيد مرفوع؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف، كأن قائلا قال: من هذا الممدوح؟، فقلت: زيد أي هو زيد، وإن شئت كان زيد مرفوعا بالابتداء، وما قبله خبر عنه مقدم عليه». اه. فابن جني يفضل إعراب المخصوص خبرا لمبتدأ محذوف على إعرابه مبتدأ، والجملة قبله خبر، وهذا غير ما استنتج ابن الباذش عن ابن جني. (¬4) ينظر: الكتاب (3/ 176). (¬5) ينظر: الكتاب (2/ 176، 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا بدأت بالخبر احتجت إلى مبتدأ؛ لأنّ ذلك على جملتين، ومن ثمّ علم أنّ سيبويه لا يقول - في نحو: «نعم الرجل زيد» - بأنّ المخصوص خبر مبتدأ محذوف فلا يصحّ نسبة ذلك إليه، فإن قيل: كيف قال المصنف: وأجاز سيبويه كون المخصوص خبر مبتدأ واجب الإضمار؟ أجيب بأن المصنف عدل عارف بما ينقله، فربّما فهم هذا من نصّ آخر لسيبويه في غير هذا الباب، أو أخذه من ظاهر قوله؛ إذ قال: نعم الرجل، فقال: من هو؟ قال: عبد الله. فإن ظاهر هذا الكلام يعطي أنّ (عبد الله) جواب، ولا يصحّ كونه جوابا إلّا بتقدير مبتدأ قبله. واحتجّ ابن عصفور على أنّه لا يلزم فيه كونه مبتدأ، والجملة خبرا (¬1) أعني في نحو: نعم الرجل زيد، يقول العرب: نعم البعير جمل، ونعم الإنسان رجل، ونعم مالا ألف، ومنه قوله - عليه الصلاة والسّلام -: «نعم المال أربعون» (¬2)، فـ (أربعون) و (ألف)، و (رجل)، و (جمل) أخبار لمبتدآت مضمرة، ولا يجوز أن تكون مبتدآت وما قبلها خبر لها، إذ لا مسوغ للابتداء بها، وإذا ثبت جعله خبر مبتدأ محذوف لفهم المعنى فلا مانع من جواز جعله مبتدأ والخبر محذوف لفهم المعنى (¬3)، قال الشيخ: وما ذكره من أنه لا مسوغ غير صحيح، بل ثمّ مسوّغان: أحدهما: ذكره هو في باب المبتدأ والخبر، وهو أن تكون النكرة لا تراد لعينها، نحو: رجل خير من امرأة، وتمرة خير من جرادة (¬4) والنكرات التي مثّل بها مع (نعم) وفاعلها لا يراد شيء منها لعينه، وإنّما حكم على واحد من الجمال بأنه نعم - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 540): «وقال ابن عصفور: الذي يدلّ على أنّه يعني المخصوص - إذا تأخر لا يلزم فيه أن يكون مبتدأ والجملة خبر، قولهم: نعم البعير جمل ... إلخ». اه. (¬2) هذا الحديث في الجامع الكبير للسيوطي (1/ 855، 856) ولفظه: «نعم المال الأربعون، والكثير ستون، وويل لأصحاب المئين. اللغة: القانع: الذي يقنع بما يعطى، ولا يسأل، ولا يتعرض، والمعتر: السائل، أو المتعرض. والشاهد في الحديث: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم المال أربعون» أي أن قوله: «أربعون» خبر لمبتدأ محذوف وليس مبتدأ؛ لأنه نكرة ولا مسوغ للابتداء به، أما على رواية الجامع الكبير المذكورة: نعم المال الأربعون، فلا شاهد هنا؛ لأنه معرف بـ (أل) فيجوز إعرابه مبتدأ. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 540)، ومنهج السالك (ص 397). (¬4) هذا قول مأثور لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، قاله حينما جاءه رجل فسأله عن جرادات قتلها، وهو محرم، فقال لكعب: تعال حتى تحكم فقال كعب: درهم، فقال عمر لكعب: إنّك لتجد الدراهم، لتمرة خير من جرادة. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البعير، وعلى واحد من الألف بأنه نعم المال (¬1). والمسوغ الآخر: ذكره غيره، يعني بغيره: صاحب التسهيل، وهو المصنف - رحمه الله تعالى - وهو أنه إذا كان الخبر جملة مشتملة على فائدة جاز تنكير المبتدأ، ولكن يجب تأخيره، وذلك نحو: قصدك غلامه رجل [فإنه يجوز] كما يجوز: عندك رجل، وفي الدّار امرأة (¬2) وعلة ذلك قد ذكرت في باب المبتدأ [لأنّ في تقديم الجملة ما في تقدّم الظرف، من رفع توهّم الوصفيّة، مع عدم قبول الابتداء] ولا شكّ أنّ الأمر في نحو: نعم البعير جمل، كذلك، إلا أنّه لا يجوز تقديم هذا المبتدأ؛ لأنّ تقديم الخبر هو المسوغ للابتداء به. وإنّما ذكرت هذا الذي ذكرته ليظهر أنّ ما ذهب إليه المصنف من أنّ المخصوص حال ذكره بعد الجملة مبتدأ مخبر عنه بها، كحاله إذا كان مذكورا قبلها، هو الحقّ، وإن كان ما ألزم به المخالف لهذا المذهب لم يثبت؛ إذ لا يلزم من إبطال دليل على شيء إبطال ذلك الشيء نفسه، فقد يكون له دليل آخر. البحث الرابع: ما ذهب إليه ابن عصفور، من أنّ المخصوص في نحو: نعم رجلا زيد، يجوز كونه مبتدأ محذوف الخبر، قد عرفت أنّ المصنّف ردّه من جهة الصناعة بما تقدّم ذكره، وقد يضعف قول ابن عصفور من وجه آخر، وذلك أنّ الشيء قد يكون له أمران، وذانك الأمران معروفان في أصلهما للسامع، لكنّه عالم باتصاف ذلك الشيء بأحد الأمرين دون الآخر. فالمتكلم - حينئذ يجب أن يعمد إلى الأمر الذي يعلم السامع أنّه ثابت لذلك الشيء، فيجعله مبتدأ، ويعمد إلى الأمر الذي لا يعلم السامع أنّه كذلك، فيجعله خبرا، ليفيد السامع ما كان يجهله، من ثبوت الأمر الثاني لذلك الشيء، وإذا كان كذلك فلا شكّ أنّ قصد المتكلّم بنحو: «نعم الرجل زيد» الإخبار بأنّ الممدوح هو زيد؛ لأنّ السامع قد علم من (نعم الرجل) ثبوت المدح لواحد، وكونه (زيدا) - ¬

_ (¬1) في نقل هذا الكلام عن الشيخ أبي حيّان تصرف، واختصار، ينظر: التذييل والتكميل (4/ 540) ومنهج السالك (ص 398). (¬2) ينظر: منهج السالك (ص 398)، والتذييل والتكميل (4/ 542).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو غيره مجهول عنده، فوجب أن يجعل مجهوله الخبر، فقدر: الممدوح زيد، ولو جعل (زيد) مبتدأ لكان التقدير: زيد الممدوح، فينعكس المراد. البحث الخامس: مقتضى كلام الأئمة، وتمثيلهم بـ (إنّ زيدا) من قولنا: زيد نعم رجلا؛ مبتدأ مخبر عنه بالجملة بعده، كما هو في قولنا: زيد نعم الرجل، وفي ذلك بحث، وهو أنّ الجملة الواقعة خبرا لا بدّ فيها من رابط، يربطها بالمبتدأ وليس هنا ما يصلح للربط إلّا الضمير، لكنّ هذا الضمير مجهول، مفسر بما بعده، ولهذا كان ذكره مفسّره واجبا، وإذا كان مفسّرا بما بعده، فليس عائدا على زيد، الذي هو المبتدأ، وإذا كان كذلك فلا يكون في الجملة على هذا رابط. وهذا الموضع ما برحت أستشكله، والذي يظهر أن يقال: إنّهم قد قالوا: إنّ الضمير في قولنا: «نعم رجلا زيد» يراد به الجنس كما أنّ الفاعل الظاهر يراد به ذلك، فإن صحّ هذا فالضمير في نحو: زيد نعم رجلا، ليس عائدا على زيد، وإنّما هو باق على مجهوليته وعلى هذا يكون الرابط العموم الذي في الضمير، من حيث أريد به الجنس، ولا يظهر لي في توجيهه غير هذا، لكن في دعوى أنّ الضمير أريد به الجنس نظر، وهو أنّ الاسم المفرد المذكور بعده الذي هو (رجلا) مفسر له، ولا شكّ أنّ مدلول المفسّر والمفسّر واحد، وإذا كان مدلولهما واحدا، وجب أن يكون المراد بالضمير ما أريد بـ (رجل) المذكور بعده وحينئذ يتعذر إرادة الجنس بذلك الضمير. البحث السادس: ناقش الشيخ المصنف في أمرين: أحدهما: قوله في المخصوص: ومن حقه أن يختصّ، قال: يردّ على ما قال قولهم: نعم البعير جمل، ونعم الإنسان رجل، ونعم مالا ألف، ونعم المال أربعون، قال: فهذه مخصوصات، ولم يختصّ (¬1). - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 545) رسالة. وقد نقل الدماميني رد أبي حيّان هذا في تعليق الفرائد (2/ 425)، ثم قال الدماميني: «ولك أن تجيب - أي عن كلام أبي حيان - بوجهين: الأول: أنه وجد في كل ما ذكره مسوغ الابتداء بالنكرة، وهو تقدم الخبر، والثاني: أن كل ما ذكره قليل، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيهما: قوله في المخصوص - أيضا - إنّ من حقّه أن يصلح للإخبار به عن الفاعل موصوفا بالممدوح بعد (نعم)، وبالمذموم بعد (بئس). «قال: فإنّ هذا الذي ذكره لا يسوغ، إذا كان المرفوع بـ (نعم، وبئس) المضمر، فإنّ ما ذكره لا يصلح فيه، إنما يعتبر ذلك في التمييز فإنّ قولنا: (نعم رجلا زيد) يسوغ فيه: الرجل الممدوح (¬1) زيد. انتهى. والجواب عن الأوّل: أنّ المراد بكونه مختصّا، أن يعلم ما أريد به لتحصل الفائدة سواء كان خاصّا [3/ 106] أم عامّا، وهو قد سوغ الابتداء بهذه الكلمات، حيث ردّ على ابن عصفور، ومتى ساغ الابتداء بشيء، وجب أن يكون مختصّا (¬2). وعن الثاني: أنّ من المعلوم أنّ الضمائر لا توصف مع بروزها، فكيف مع كونها غير بارزة، ولا شكّ أنّ الضمير الذي هو فاعل، مفسر بالتمييز، والمفسّر هو نفس المفسّر، فإذا أخبرنا بالمخصوص عن مفسّر الفاعل، فقد أخبرنا عن الفاعل، ثمّ قد عرفت أنّ المصنف ختم كلامه بمسألة، وهي أنّه يجوز أن يقال: (نعمت، وبئست) مع تذكير الفاعل، إذا كان المخصوص مؤنثا وأنّ ترك التاء أجود، ولم يحتج أن يذكر عكس هذه الصّورة، كما فعل ابن عصفور، وهو أن يحذف التاء - مع تأنيث الفاعل - إذا كان المخصوص مذكّرا، كقولك: نعم الدار هذا البلد؛ لأنّ حذف التاء مع (نعم، وبئس) جائز إذا كان الفاعل مؤنثا، مع كون المخصوص مؤنثا، كقولك: نعم الفتاة هند كما عرف ذلك في باب الفاعل (¬3)، وأما إثبات التاء مع تذكير الفاعل، إذا كان المخصوص مؤنثا، فهو المحتاج إلى ذكره؛ لأنّه لم يتقدم له ذكر قبل. ¬

_ - والمصنف قد قال: ومن حقّه وهو مشعر بأنه قد يجيء على خلاف ذلك». اه. (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 545). (¬2) ينظر مع ذلك ما سبق في تعليق الفرائد (2/ 425). (¬3) انظر باب الفاعل الكتاب الذي بين يديك وانظر جواز التأنيث مع فاعل (نعم وبئس) في باب الفاعل من شرح التسهيل لابن مالك (2/ 114) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

[الأفعال المحولة للمدح والذم]

[الأفعال المحولة للمدح والذم] قال ابن مالك: (وتلحق «ساء» بـ «بئس» وبها وب «نعم» «فعل» موضوعا أو محوّلا من «فعل»، أو «فعل»، مضمّنا تعجّبا، ويكثر انجرار فاعله بالباء، واستغناؤه عن الألف واللام، وإضماره على وفق ما قبله). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): يقال: ساء الرجل أبو لهب، وساءت المرأة حمالة الحطب، وساء رجلا هو، وساءت امرأة هي - بإجراء (ساء) مجرى (بئس) في كلّ ما ذكر (¬2)، وكذلك استغني بـ (ساء) عن (بئس) في قوله تعالى: ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ (¬3)، وأجري باطراد مجرى (نعم وبئس) ما كان على (فعل) مضمّنا تعجبا، نحو: حسن الخلق حلم الحلماء، وعظم الكرم تقوى الأتقياء، وقبح العمل عناد المبطلين، وشنعت الوجوه وجوه الكافرين (¬4)، ومنه: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (¬5) وقرئ بسكون الباء، فهذا من أمثلة (فعل) الموضوع، وأما أمثلة المحوّل من (فعل) أو (فعل) فمنهما قول العرب، قضو الرجل فلان، وعلم الرجل فلان، بمعنى: نعم القاضي هو، ونعم العالم هو، وفيه معنى: ما أقضاه وما أعلمه، ولا يقتصر في هذا النوع على المسموع، كما لم يقتصر في التعجب، ولكون (فعل) المذكور مضمّنا تعجّبا استحسن فيه ما لم يستحسن في (نعم) من جرّ فاعله بالباء حملا على (أفعل) في التعجب، ومن كثرة مجيئه مستغنيا عن الألف واللّام، ومضمرا، ومطابقا لما قبله. فإذا قيل: حسن زيد رجلا؛ نزّل منزلة أحسن بزيد رجلا، وإذا قيل (¬6): وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (¬7)؛ نزّل منزلة: ما أحسن أولئك رفيقا، وإذا قيل: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 20). (¬2) في شرح فصول ابن معط، للقاضي الخويي (ص 129) رسالة: «وأصل ساء: سوء، على مثال: كبر، وشرف، إلا أن الواو انقلبت ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، واعلم أن جريان كَبُرَتْ كَلِمَةً وساءَ مَثَلًا مجرى (نعم وبئس) ليس من خصائصهما، بل ذلك جار في كل ما بني على (فعل) لغرض الإلحاق بباب (نعم وبئس) ...». (¬3) سورة الأعراف: 177. (¬4) شنعت - من باب ظرف - من الشناعة، وهي الفظاعة ومعنى الإلحاق أنه يثبت لـ (فعل) سائر الأحكام التي لـ (نعم) و (بئس)، من الفاعل والتمييز، والمضمر ومجيء (ما) بعده، كقوله تعالى: ساءَ ما يَحْكُمُونَ [الأنعام: 136]. (¬5) سورة الكهف: 5. (¬6) لعل الأولى أن يقول: وقوله تعالى: وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. (¬7) سورة النساء: 69.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الزيدون كرموا رجالا؛ نزّل منزلة: الزيدون ما أكرمهم رجالا، فهذا سبب استحسان ما استحسن مع (فعل) المذكور، ممّا لم يستحسن مع (نعم، وبئس) ويحتمل قوله تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً (¬1) أن يكون مثل: «نعمت امرأة هند» على تقدير: كبرت الكلمة كلمة، وهو قول ابن برهان (¬2)، وأن يكون فاعل كَبُرَتْ ضميرا يرجع إلى اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً (¬3) وهو قول الزمخشريّ في الكشاف (¬4). انتهى كلام المصنف - رحمه الله تعالى - ويتعلق به أبحاث: الأوّل: انتقد الشيخ على المصنّف أمرين (¬5): أحدهما: إفراد (ساء) بالذّكر وهي فرد من أفراد (فعل) المجرى مجرى (بئس، ونعم)، و (ساء) - في الأصل - فعل متعدّ إلى واحد، متصرف، على وزن (فعل) بفتح العين، تقول: ساء الأمر زيدا، يسوءه، فحوّل إلى (فعل) بضمّ العين؛ لما في ذلك من المبالغة. قال: فهو مندرج تحت قوله: أو محوّلا من (فعل) فإفراده بالذكر لا وجه له. ثانيهما: قوله: إنه استغني بـ (بئس) عن (ساء) في قوله تعالى: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ (¬6)، قال: وليس هذا استغناء؛ لأنّ ما جاء على الأصل لا يقال فيه ذلك، نعم، يقال: استغني بـ (ساء) عن بئس؛ لأنّها ضمّنت معنى (بئس) فأمّا (بئس) - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 5. (¬2) في شرح اللمع لابن برهان العكبري (ماجستير إعداد فائز فارس بجامعة القاهرة برقم (1263) قال ابن برهان (ص 356) ما نصه: «وتقول: حبذا هند ولا تغير لفظ (ذا) إلى غيره من ألفاظ المؤنث، كما قلت: نعمت البلدة مكة؛ لأنه كالمثل، والمثل لا يغير، تقول للرجل: الصيف ضيعت اللبن، ولأن المرتفع بها جنسي وتأنيث الجنس غير حقيقي، ولذلك قال تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أي: كبرت الكلمة كلمة تخرج من أفواههم، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ فأضمر الفاعل قبل ذكره، وألزم فعله المفسر ليدل على المضمر، وحذف المخصوص بعد (الجملة) وأبقى صفته». اه. (¬3) سورة الكهف: 4. (¬4) في الكشاف (2/ 472): «قرئ: كبرت كلمة وكلمة، بالنصب على التمييز والرفع على الفاعلية، والنصب أقوى وأبلغ، وفيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أكبرها كلمة تخرج من أفواههم. فإن قلت: إلام يرجع الضمير في «كبرت» قلت: إلى قولهم: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً». اه. (¬5) ينظر التذييل والتكميل (4/ 552) وما بعدها. (¬6) سورة الجمعة: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلم تضمّن معنى (ساء). انتهى. والجواب عن الأول أن يقال: لا نسلّم أنّ «ساء الرجل زيد» محوّل من «ساء الأمر زيدا»، بل اللازم غير المتعدّي، فـ (ساء) من «ساء الرجل زيد» فعل أصلا، ليس محولا من (ساء) المتعدّي ويدلّ على ذلك أنّ (ساء) من «ساء الأمر زيدا» ليس معناه الذمّ، إنّما معناه أنّه أحزن زيدا، أو آلمه، أو شوش عليه، أو نحو ذلك، وقد يكون ذلك الأمر الذي شوش على زيد، حسنا في نفسه، بالنسبة إلى غير زيد بل قد يسرّ الغير أيضا ومعنى (ساء) من «ساء الرجل فلان» القبح، والفحش ومن ثمّ كان معناه الذمّ، وإذا كان كذلك فكيف يحكم بأنه محوّل من (ساء) المتعدّي. وأمّا الجواب عن الثّاني: فإنّ معنى قول المصنف: استغني بـ (بئس) عن (ساء) وقوله أولا: استغني بـ (ساء) عن (بئس) أنّ كلّا منهما أوقع موقع الآخر؛ لأنّ معناهما واحد، ثم إنّ المصنف لم يمثّل لذلك بما أورده الشيخ (¬1). إنما مثل بقوله تعالى: بِئْسَ الشَّرابُ (¬2) ولا شكّ أنّ تمام الآية الشريفة: وَساءَتْ مُرْتَفَقاً (¬3)؛ فكأنّه قد قيل: ساء الشراب، وساءت مرتفقا (¬4). البحث الثاني: مقتضى كلام المصنّف أنّ تحويل الفعل المقصود إلحاقه بـ (نعم، وبئس) إلى (فعل) لا بدّ منه، كائنا ما كان، ولذا مثّل بـ (علم الرجل) لكن لمّا ذكر ابن عصفور هذه المسألة، قال: كلّ فعل ثلاثيّ يجوز فيه أن يبنى على (فعل) بضمّ العين، ويراد به معنى المدح أو الذّمّ، استثنى ثلاثة أفعال وهي: علم، وجهل، وسمع، بمعنى أنها لا تحول إلى (فعل) بل تستعمل على صيغها مرادا بها ما يراد بـ (نعم، وبئس)، وتصير (حينئذ) لازمة، فيقال: علم الرّجل زيد، وجهل الرّجل عمرو، وسمع الرجل عمر، إذا أرادوا المبالغة في علمه، وجهله، وسماعه (¬5) وفي ارتشاف الضرب للشيخ، كذا قال الكسائي: إنّه يجوز أن يبنى على (فعل) إلا في هذه الأفعال الثلاثة: قال: ومن - ¬

_ (¬1) الذي أورده الشيخ قول الله تعالى: بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ [الجمعة: 5]، ينظر التذييل والتكميل (4/ 552). (¬2)، (¬3) سورة الكهف: 29. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 552) رسالة، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 46) رسالة. (¬5) المقرب لابن عصفور (1/ 69) وشرح الشاطبي (4/ 47) وقد شذت العرب في هذه الأفعال الثلاثة، فلم تحولها إلى (فعل) عند قصد المبالغة، بل استعملتها استعمال نعم وبئس من غير تحويل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النحويين من أجاز فيها - سمع، وعلم، وجعل بضمّ العين. انتهى (¬1). قلت: وإذا كان ذلك جائزا خلص المصنف من أن يستدرك [3/ 107] عليه تمثيله بعلم. ثمّ إنّ ابن عصفور قيد الفعل الذي يحوّل إلى صيغة (فعل) بأن يكون من الأفعال التي يجوز التعجب منها، مستندا في ذلك إلى ما حكاه الأخفش من أنّ العرب لا تفعل ذلك إلّا في الأفعال التي يجوز التعجب منها بقياس، وقال ابن عصفور (¬2): إلا أنّ منهم من يجريه مجرى (نعم، وبئس) فيجعل فاعله كفاعلها، لما تضمّنه من معنى المدح أو الذمّ، ومنهم من لا يجريه مجراهما، فلا يلزم إذ ذاك أن يكون فاعلها كفاعل (نعم وبئس) رعيا لما فيه من معنى التعجّب، ولهذا يجوز زيادة الباء في فاعله؛ لأنها تزاد في فاعل فعل التعجّب دلّ ذلك على أنّه حكم له بحكم (أفعل به)؛ لأنّه بمعناه. هذا كلام ابن عصفور. وقد قال المصنف: ولكن (فعل) المذكور مضمّنا تعجّبا استحسن ما لم يستحسن في (نعم) من جرّ فاعله بالباء، حملا على (أفعل) في التعجّب فوافق كلامه كلام ابن عصفور. وقال الشيخ: هذان مذهبان للنحاة؛ مذهب الأخفش، ما ذكر عنه من إجازة الاستعمالين، ووافقه المبرّد، قال: ومذهب الفارسيّ، وأكثر النحويّين إلحاقه بباب (نعم، وبئس) فقط (¬3)، والدليل على استعمال فاعل (فعل) مجرورا بالباء ما حكاه الكسائيّ عن العرب، مررت بأبيات جاد بهنّ أبياتا وجدن أبياتا (¬4)، وقال الشاعر: 2033 - حبّ بالزّور الذي لا يرى ... منه إلّا صفحة أو لمام (¬5) - ¬

_ (¬1) ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان (3/ 27) تحقيق د/ النماس. (¬2) ينظر: شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (49). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 555)، والبحر المحيط (3/ 298)، والمقتضب (2/ 147 - 148) وشرح التصريح (2/ 98)، والأشموني (3/ 39)، والصحيح مذهب الأخفش والمبرّد، كما قال صاحب التصريح، فلا يلزم فاعله (أل) أو الإضمار. (¬4) تراجع حكاية الكسائي هذه في: التذييل والتكميل (3/ 560)، وشرح التسهيل للمرادي (187 / أ)، والهمع (2/ 89). (¬5) هذا البيت من المديد، وقائله الطرماح بن حكيم، ورواية الديوان: حبذا الزور الذي لا يرى ... منه إلا صفحة أو لمام ولا شاهد في البيت على هذه الرواية. اللغة: حب: بمعنى أحبب، وضم الحاء لأنه فعل المذكور يجوز فيه أن تسكن عينه، وأن تنقل حركتها، الزور - بفتح الزاي - بمعنى: الزائر، يكون للواحد والجمع، والمذكر، والمؤنث، بلفظ واحد؛ لأنه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2034 - لحبّ بنار أوقدت بين محلب ... وفردة لو يدنو من الحبل واصله (¬1) وقال الآخر: 2035 - يضيء سناه الهضب هضب متالع ... وحبّ بذاك البرق لو كان دانيا (¬2) وقال الآخر: 2036 - سرت تخبط الظلماء من جانبي قسا ... وحبّ بها من خابط اللّيل زائر (¬3) وقال الآخر: 2037 - فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحبّ بها مقتولة حين تقتل (¬4) - ¬

_ - مصدر، صفحة كل شيء: جانبه، واللمام: الشعر يجاوز شحمة الأذن، والمراد: اللقاء اليسير. والشاهد في البيت: قوله: «حب بالزور» فقد زاد الباء في الفاعل حملا على أحبب بالزور. ينظر الشاهد في: ديوان الطرماح (ص 393) تحقيق د/ عزة حسن (1388 هـ)، وشرح التصريح (2/ 99)، والهمع (2/ 89)، والدرر (2/ 119)، والعيني (4/ 15)، والأشموني (3/ 39). (¬1) هذا البيت من الطويل، وقائله جرير بن عطية الخطفي، الشاعر الأموي المشهور، يردّ على الفرزدق. اللغة: محلب: قاع، وفردة: اسم قارة، والقارة: الجبل الصغير. والشاهد: «لحب بنار»؛ حيث جر فاعل (حبّ) وهو نار بالباء الزائدة حملا على: أحبب بنار. ينظر الشاهد في: ديوان جرير (2/ 963) طبعة دار المعارف (1971 م) تحقيق د/ نعمان طه، النقائض (2/ 360)، والتذييل والتكميل (4/ 561)، ومنهج السالك (ص 378). (¬2) هذا البيت من الطويل، وقائله سحيم عبد بني الحسحاس. ينظر ديوانه (ص 31) وفيه: «الهضب»، بدل «البرق». اللغة: الهضب: الجبل المنبسط ينبسط على الأرض كالهضبة، متالع: جبل بالبادية. الشاهد: «وحبّ بذاك البرق»؛ حيث جرّ فاعل (حبّ) وهو «ذاك» وهو على وزن فعل، حملا على أحبب. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 561)، ومنهج السالك (ص 378). (¬3) هذا البيت من الطويل وقائله ذو الرمة غيلان بن عقبة، الشاعر المشهور. اللغة: سرت: سارت بالليل، يعني خيالها، وحبّ بها أصله: حبب بها، ثم أدغم، يريد: ما أحبّها إلى قسا: موضع تخبط الظلماء: تسير على غير هداية، زائر: نعت لخابط، والشاهد فيه: وحب بها، وهو كالبيت السابق. ينظر الشاهد في: ديوان ذي الرمة (3/ 1683)، والكتاب (1/ 212) طبعة بولاق، وابن السيرافي (1/ 236). (¬4) البيت من الطويل وقائله الأخطل غوث بن غياث، الشاعر المشهور. اللغة: فقلت: الفاء للعطف، اقتلوها: أي الخمر، من قولهم: قتلت الشراب، إذا مزجته بالماء، وحبّ بها: ما أحبها. مقتولة: ممزوجة. والشاهد: «وحبّ بها»؛ حيث جاء فاعل. حبّ مجرورا بالباء الزائدة فالضمير في (بها) في موضع رفع. ينظر الشاهد في: ديوانه (ص 4) طبعة. بيروت (1891 م)، والتذييل والتكميل (4/ 561)، واللسان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر: 2038 - بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل (¬1) البحث الثالث: في الإشارة إلى كيفية بناء: (فعل) جاريا مجرى (نعم، وبئس) أو مرادا به التعجّب (¬2) - لا شكّ أنّ الفعل إذا كان صحيح العين واللام، فأمره واضح، يقال: حسن الوجه وجهك، ويجوز تسكين العين، كما يجوز ذلك في غير هذا الباب، وأمّا نقل حركة العين إلى الفاء، فقالوا: إن أجريته مجرى (نعم) جاز وإن أجريته مجرى فعل التعجب لا يجوز إلا إن كان مضعفا فيجب الإدغام، ويجوز النقل نحو: لحب الرجل زيد، ويجوز ألّا تنقل، فيقال: لحب الرجل، وإن كانت العين معتلة - فإنّه يلزم قبلها ألفا، لتحرّكها، وانفتاح ما قبلها، فيقال: لجار الرجل زيد، وإن كان معتلّ العين واللام فإن كانا واوين، فإنك تقلب ضمة العين كسرة، والواو التي هي لام ياء، استثقالا للواوين، والضّمة، فيقال: لقوي الرجل عمرو، وإن كانت العين واوا، واللام ياء، قلبت الياء واوا لتطرّفها وانضمام ما قبلها. فيجتمع حينئذ واوان وضمة، وتنقل الكلمة، فتقلب الضمة كسرة، وتعود الواو - ¬

_ - «قتل»، والأشموني (3/ 42)، والدرر (2/ 118). (¬1) هذا البيت من الوافر، ونسب لكعب بن مالك الأنصاري (3/ 223) وقيل: هو لحسان بن ثابت، وهو في ديوان عبد الله بن رواحة الأنصاري (ص 98) تحقيق د/ محمد حسن باجودة، مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة (1392 هـ/ 1972 م). اللغة: البكاء: - بالمد - الصوت مع الدموع، وبالقصر: الدموع مع خروجها. حقّ لها: وجب، فبكاها فاعل لا مفعول. والشاهد في البيت: قوله: «وحقّ لها بكاها»؛ حيث جرّ فاعل (حقّ) لأنه على فعل. ينظر الشاهد في مجالس ثعلب (1/ 88)، والتذييل والتكميل (4/ 562)، ومنهج السالك (ص 378). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 558): «وكيفية بنائه أنه إما أن يكون صحيحا عينه ولامه، أو معتلها، أو معتل أحدهما، أو مضعفها، إن كان صحيحا على (فعل)، وضعا أو تحويلا من فعل، وفعل، فإما أن تجريه مجرى (نعم)، أو مجرى فعل التعجب. إن أجريته مجرى (نعم) نحو: حسن الوجه وجهك، فيجوز فيه إقرار ضمة العين، وتسكينها، ونقلها إلى فاء الكلمة. وإن أجريته مجرى فعل التعجب جاز الضم والتسكين، ولا يجوز النقل، وإن كان مضعفا بالإدغام فنقول: لحب الرجل زيد، ويجوز النقل إلى الفاء فنقول: لحب الرجل زيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتطرفة إلى أصلها، وهو الياء، فيقال: لشوي الرجل عمرو، وإن كانت لام الفعل واوا بقيت. فيقال: لغزو الرجل وإن كانت لام الفعل ياء نحو: رمى، قلت: لرمو الرجل فنقلبها واوا؛ لانضمام ما قبلها. قال ابن عصفور (¬1): ومن النحويين من لا يجيز ذلك، بل يبقيه على حاله، فيقول: لرمي الرجل ولغزا الرجل يريد: ما أرماه، وما أغزاه؛ قال: ولا يجوز عنده: لرمو ولغزو؛ لأن هذا الفعل لا يفارقه معنى التعجّب، وفعل التعجّب يجري مجرى أفعال التفضيل لعدم تصرّفه؛ ولأنّ وزنهما واحد ولذلك صحّت العين في: ما أطوله، وما أبينه، كما صحّت في: هذا أطول، وهو أبين، ولو لم يكن الفعل فعل تعجّب وجب الإعلال، فيقال: أطال، وأبان، فكما أجري فيما ذكر مجرى (أفعل من) فكذلك ينبغي أن يعامل معاملة الأسماء في أن لا يكون آخره واوا مضموما ما قبلها، والصحيح أنه يجب البناء على (فعل). إذا أريد معنى المدح أو الذّمّ، أو التعجّب؛ لأنّ معنى التحويل إلى (فعل) في الصحيح اللّام موجود في المعتلّ اللّام، وذلك أن (فعل) بالضّمّ هو من أفعال الغرائز. ولا يبنى فعل التعجب إلا من فعل قد حوّل إلى (فعل)؛ لأنهم أرادوا أن يجعلوا الوصف المتعجّب منه كأنه غريزة في التعجّل من وصفه، وما قاله هذا القائل أنّه يكره أن يجيء، وفي آخره واو مضموم ما قبلها؛ لإجرائهم لها مجرى الأسماء ليس فيه حجّة؛ لأنّ الأسماء إنما كره ذلك فيها؛ لأنها متعرضة لإضافتها إلى ياء المتكلم، وللحاق ياء النسب، ولذلك احتملوا الواو المضموم ما قبلها في الأفعال، نحو: يدعو، ويغزو؛ لأنها غير متعرضة لذلك فعلى هذا لا يمتنع أن يقال: لقضو الرجل وإذ سكنت العين من قضو، ورمو، وأمثالهما؛ تخفيفا قلت: لرمو الرجل فلا تردّ الواو إلى أصلها، وهو الياء، وإن ذهبت الضمة الموجبة لقلبها ياء؛ لأنّ ذهابها عارض، والعارض غير معتدّ به (¬2) انتهى كلام ابن عصفور. * * * ¬

_ (¬1) شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (49) (مخطوط بدار الكتب). (¬2) ينظر: شرح الجمل الصغير لابن عصفور، ورقة (49)، وينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 50، 51) رسالة.

الباب الثالث والثلاثون باب حبذا

الباب الثالث والثلاثون باب حبّذا [أصلها - فاعلها - تمييزها - مخصوصها - إفرادها] قال ابن مالك: (أصل «حبّ» من «حبّذا» حبب، أي صار حبيبا، فأدغم كغيره، وألزم منع التّصرّف وإيلاء ذا فاعلا، في إفراد، وتذكير وغيرهما، وليس هذا التركيب مزيلا فعليّة «حبّ» فتكون مع «ذا» مبتدأ، خلافا للمبرّد، وابن السّرّاج، ومن وافقهما، ولا اسميّة «ذا» فيكون مع «حبّ» فعلا، فاعله المخصوص خلافا لقوم، وتدخل عليها «لا» فتحصل موافقة «بئس» معنى ويذكر بعدهما المخصوص بمعناهما مبتدأ مخبرا عنه بهما، أو خبر مبتدأ لا يظهر، ولا تعمل فيه النّواسخ، ولا يقدّم، وقد يكون قبله أو بعده تمييز مطابق، أو حال عامله «حبّ»، وربّما استغني به، أو بدليل آخر عن المخصوص، وقد تفرد «حبّ» فيجوز نقل ضمّة عينها إلى فائها، وكذا كلّ فعل حلقيّ الفاء، مراد به مدح أو تعجّب، وقد يجرّ فاعل «حبّ» بباء زائدة، تشبيها بفاعل «أفعل» تعجّبا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): الصحيح أنّ (حبذا) فعل وفاعل، [3/ 108] ولكنه جرى مجرى المثل، فاستغني فيه بـ (ذا) عن (ذي)، في نحو قول الراجز: 2039 - يا حبّذا القمراء واللّيل السّاج ... وطرق مثل ملاء النّسّاج (¬2) وعن (ذين) في نحو قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 22). (¬2) البيت من السريع، وقائله الحارثي، كما في اللسان مادة «سجا». اللغة: القمراء: الليلة المقمرة المنيرة بضوء القمر. والملاء: جمع ملاءة. النساج: الحائك، قيل: (شبه خيوط الطرق، وقد سطع نور القمر عليها بخيوط ملاءة بيضاء وقد نسجت). اه. ينظر: هامش الخصائص (2/ 115). الشاهد في البيت قوله: «حبذا القمراء»؛ حيث أفردت (ذا) مع التذكير مع تأنيث المخصوص، وهو (القمراء). ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 405)، والتذييل والتكميل (4/ 568)، والخصائص (2/ 115)، واللسان «سجا»، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 57).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2040 - حبّذا أنتما خليليّ إن لم ... تعذلاني في دمعي المهراق (¬1) وعن (أولئك) في نحو قول الشاعر: 2041 - ألا حبّذا أهل الملا غير أنّه ... إذا ذكرت سلمى فلا حبّذا هيا (¬2) وأصل (حبّ): حبب، وهو وزن يندر في المضاعف؛ لاستثقال ضمة عين، تماثلها اللّام، لكن سهّله هنا عدم ظهوره، للزوم الإدغام وعدم التصرف، بخلاف: لبّ الرجل؛ فإنّه يقال فيه: لببت ولم يلبب؛ فثقل وقلّت، ودلنا على أنّ (حبّ) في الأصل: حبب؛ قولهم فيه - إذا جرّد -: حبّ؛ إن قصد نقل حركة العين إلى الفاء، وإن لم يقصد ذلك قيل: حبّ بالفتح (¬3) ويروى بالوجهين قال الشاعر: 2042 - فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحبّ بها مقتولة حين تقتل (¬4) ولا يجوز مع ذكر (ذا) إلا الفتح (¬5)، والذي اخترته من كون (حبّ) باقيا على فعليّته، وكون (ذا) باقيا على فاعليته هو اختيار أبي علي الفارسيّ، وابن برهان، وابن خروف، وهو ظاهر كلام سيبويه، وزعم قوم - منهم ابن هشام - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: تعذلاني: من العذل، وهو اللوم، المهراق: المصبوب، من هراق الماء، أي صبه، وأصله: أراق، فأبدلت الهمزة هاء. والشاهد في البيت: قوله: «حبذا أنتما»؛ حيث إنّ (ذا) لزمت الإفراد والتذكير، مع أن المخصوص مثنى. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 567) رسالة، والهمع (2/ 88)، والدرر (2/ 115)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 57) رسالة. (¬2) البيت من الطويل، ونسبه أبو تمام في الحماسة (2/ 273) لكنزة أم شملة وقيل: قائله ذو الرمة في محبوبته، وكانت من أجمل النساء، ولم تره قط. فلما رأته دميما نفرت، فقال ذو الرمة أبياتا منها هذا البيت. اللغة: ألا: للتنبيه. والمعنى: نعم أهل الملا، إلا سلمى، فإنها إن ذكرت لا تستحق مدحا. والشاهد في البيت: قوله: «فلا حبذا هيا»؛ حيث صارت (حبذا) للذم، بدخول (لا) عليها، و (هيا) كناية عن (سلمى)، والألف للإشباع. ينظر الشاهد في: ملحقات ديوان ذي الرمة (ص 1920)، وشرح التصريح (2/ 99)، والأشموني (3/ 40)، والهمع (2/ 89)، والدرر (2/ 117)، (4/ 58) رسالة. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 565)، وشرح التسهيل للمرادي (187 / أ). (¬4) سبق تخريج هذا البيت. والشاهد في هذا: قوله: «حب» بدون (ذا)؛ حيث ورد بالوجهين بضم الحاء بعد النقل أو فتحها. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 565)، ومنهج السالك (ص 402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللخميّ - أنّ مذهب سيبويه جعل (حبّذا) مبتدأ مخبرا عنه بما بعده (¬1). قال ابن خروف: (حبّ) فعل، و (ذا) فاعله، و (زيد) مبتدأ، وخبره (حبّذا) هذا قول سيبويه، وأخطأ من زعم غير ذلك. قلت: صرّح المبرد في المقتضب، وابن السّراج في الأصول، بأنّ (حبّ) و (ذا) جعلتا اسما مرفوعا بالابتداء (¬2)، ولا يصحّ ما ذهب إليه من ذلك؛ لأنّهما مقرّان بفعلية (حبّ) وفاعليّة (ذا) قبل التركيب، وأنّهما بعد التركيب لم يتغيرا، معنى ولا لفظا، فوجب بقاؤهما على ما كانا عليه، كما وجب بقاء حرفية (لا) واسميّة ما ركّب معها، في نحو: لا غلام لك، مع أنّ التركيب قد أحدث في اسم (لا) لفظا ومعنى ما لم يكن، فبقاء جزأي (حبذا) على ما كانا عليه أولى؛ لأنّ التركيب لم يغيرها، لا لفظا، ولا معنى، وأيضا: لو كان (حبّذا) مركبا تركيبا مخرجا من نوع إلى نوع لكان لازما كلزوم تركيب (إذ ما) ومعلوم أنّ تركيب (حبّذا) لا يلزم، لجواز الاقتصار على (حبّ) عند العطف (¬3) كقول بعض الأنصار رضي الله عنه (¬4): 2043 - فحبّذا ربّا وحبّ دينا (¬5) أراد: حبّذا دينا، فحذف (ذا) ولم يتغيّر المعنى، ولا يفعل ذلك بـ (إذ ما) - ¬

_ (¬1) ينظر: البغداديات (2/ 94)، وابن الناظم (ص 185)، والمرادي (3/ 108). (¬2) ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 53)، والمقتضب (2/ 143)، والمرادي (3/ 108)، والأصول لابن السراج (1/ 135)، والتذييل والتكميل (4/ 571). (¬3) في شرح الألفية للشاطبي (4/ 54) رسالة: «لو كان تركيبهما مزيلا لهما عن حكمهما الأصلي لكان ذلك لازما، كلزوم (ما) لـ (إذ) في (إذ ما) ومعلوم أنّ (ذا) مع (حبّ) ليس كذلك، إذ يجوز أن تفصل (ذا) من (حب)». اه. وينظر: التذييل والتكميل (4/ 571) رسالة. (¬4) هو عبد الله بن رواحة: صحابي جليل، أسلم، وحسن إسلامه، وكان أحد الأمراء الثلاثة الذين قتلوا يوم مؤتة. تنظر ترجمته في طبقات ابن سلام (ص 188)، والأغاني (4/ 138). (¬5) هذا شطر بيت من الرجز، وقبله: باسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا اللغة: فحبّذا ربّا: ما أحبّه من ربّ، وحبّ دينا: ما أحبّه من دين، والمراد تمجيد الله تعالى، ودينه. والشاهد في البيت: قوله: «وحبّ دينا»؛ حيث إن (ذا) من (حبذا) لو كانت إشارية ما حذفت. ينظر الشاهد في: ديوان عبد الله بن رواحة (ص 107)، وشرح المصنف (3/ 24)، والأشموني (3/ 42)، والدرر (2/ 116).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرها من المركّبات تركيبا مخرجا من نوع إلى نوع، فعلم بذلك أنّ تركيب (حبّذا) ليس تركيبا مخرجا من نوع إلى نوع. وأيضا: لو كان (حبّذا) مبتدأ لدخلت عليه نواسخ الابتداء، كما تدخل على غيره من المبتدآت، فكان يقال: إنّ حبّذا زيد، وكان حبذا زيد، وفي منع ذلك دلالة على أنّ (حبّذا) ليس مبتدأ. وأيضا: لو كان مبتدأ للزم إذا دخلت عليه (لا) أن يعطف عليه منفيّ بـ (لا) أخرى، فكان يمتنع أن يقال: ألا حبّذا زيد، حتّى يقال: ولا المرضيّ فعله، ونحو ذلك، كما يفعل مع المبتدأ الذي (حبّذا) مؤدّ معناه (¬1). واختار ابن عصفور اسمية (حبّذا) مستدلّا بأنّ العرب قد أكثرت من دخول (يا) عليها، دون استيحاش، وزعم أنّ فعل ذلك مع غيرها، ممّا فعليته محققة مستوحش (¬2) كقوله: 2044 - ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال (¬3) وعكس ما ادعاه أولى بالصحة؛ لأنّ دخول (يا) على فعل الأمر أكثر من دخولها على (حبّذا) فمن ذلك قراءة الكسائيّ: ألا يا اسجدوا لله (¬4) وقال العلماء: تقديره: ألا يا هؤلاء اسجدوا؛ فكذلك يكون التقدير في «يا حبّذا»: يا قوم حبّذا، أو نحو ذلك. - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 572). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 572). وفي المقرب لابن عصفور (1/ 70): «كثر إدخالهم حرف النداء على (حبّذا) مما يدلّ على أنها اسم، ولذلك لم يستوحشوا من مباشرته الفعل، في نحو قوله: ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال ولذلك قل». اه. (¬3) هذا صدر بيت من الطويل للشماخ بن ضرار الذبياني، من أبيات رثى بها بكير بن شداد الليثي، وكان غزا مع سعيد بن العاص حتى فتح أذربيجان، والبيت في ديوانه (ص 456) طبعة دار المعارف (1977 م) برواية: ألا يا اصبحاني قبل غارة سنجال ... وقبل منايا باكرات وآجال اللغة: سنجال: موضع بناحية أذربيجان، أو اسم رجل، والشاهد في البيت: قوله: «ألا يا اسقياني»؛ فقد دخلت (يا) التي للنداء، على فعل الأمر، وذلك مستوحش عند ابن عصفور. ينظر الشاهد في: شرح الأبيات لابن السيرافي (2/ 283)، والمقرب (1/ 70)، والمغني (ص 609)، وشرح شواهده (ص 796). (¬4) سورة النمل: 25.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنّ حذف المنادى، وإبقاء حرف النداء يجوز بإجماع، ومنه قول الشاعر: 2045 - يا لعنة الله والأقوام كلّهم ... والصّالحين على سمعان من جار (¬1) وليس بشيء قول من قال - في قراءة الكسائيّ -: إنّ معناه: ألا ليسجدوا فحذف لام الأمر، وبقي الفعل مجزوما؛ لأنه قد روي عن الكسائيّ أنّ القارئ بروايته إذا اضطرّ للوقوف على الياء يقف بالألف، ويبدأ بعدها (اسجدوا) بضم الهمزة (¬2)؛ فعلم بذلك أنه فعل أمر قبله (يا) وقد جعل بعض العلماء (يا) في مثل هذا لمجرّد التنبيه، دون قصد نداء، مثل (ها) ومثل (ألا) الاستفتاحية (¬3)، وهذا هو الظاهر من كلام سيبويه في باب: عدّة ما يكون عليه الكلم (¬4)، ويؤيد هذا كثرة دخولها على (ليت) (¬5) في كلام من لا يحضره منادى، ولا يقصد نداء، كقوله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ (¬6)، وكثرة معاقبتها (ألا) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط، وهو من أبيات سيبويه مجهولة القائل. يروى: «الصالحين» - بالجر - عطفا على لفظ الجلالة، وبالرفع عطفا على محل لفظ الجلالة، إذا كان فاعلا في المعنى. «سمعان» بفتح السين، وكسرها «من جار» للبيان، متعلق بمحذوف، تقديره: على سمعان الحاصل من الجيران، أو: حاصلا من الجيران. والشاهد في البيت: قوله: «يا لعنة الله»؛ حيث حذف المنادى لدلالة حرف النداء عليه، والمعنى: يا قوم، أو: يا هؤلاء لعنة الله على سمعان. ولذلك رفع (لعنة) على الابتداء، ولو أوقع النداء عليها لنصبها، وقيل: يحتمل أن تكون (يا) لمجرد التنبيه. ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 219)، وشرح المفصل (2/ 24)، ومغني اللبيب (ص 610)، والهمع (1/ 174)، (2/ 70)، والدرر (1/ 150)، (2 / 86). (¬2) ينظر: البحر المحيط (7/ 69)، والتذييل والتكميل (4/ 573)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 24). (¬3) في الخصائص (2/ 376، 377): فأما قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا فليس المنادى هنا محذوفا، ولا مرادا، كما ذهب إليه محمد بن يزيد، وقد أخلصت «يا» للتنبيه، مجردا من النداء، كما أنّ «ها» من قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ [النساء: 109] للتنبيه، من غير أن تكون للنداء». اه. وينظر: البحر المحيط (7/ 69)، والتذييل والتكميل (4/ 573). (¬4) في الكتاب (4/ 224): «وأما (يا) فتنبيه، ألا تراها في النداء، وفي الأمر، كأنك تنبه المأمور، قال الشاعر - وهو الشماخ: ألا يا اسقياني ... ... ... البيت». اه. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 573)، والهمع (2/ 70). (¬6) سورة النساء: 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفتاحية، قبل (ليت) و (ربّ) كقول الشّاعر: 2046 - ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل (¬1) وكقول الآخر: 2047 - يا ليت شعري هل يقضى انقضاء نوى ... فيجمع الله بين الرّوح والجسد (¬2) وكقول امرئ القيس: 2048 - ألا ربّ يوم صالح لك منهما ... ولا سيّما يوم بدارة جلجل (¬3) وكقول امرئ القيس أيضا: 2049 - فيا ربّ مكروب كررت وراءه ... وطاعنت عنه الخيل حتّى تنفّسا (¬4) وذهب قوم إلى أنّ (حبّ) حين ضمّ إليها (ذا) نزّل منها منزلة حرف زائد، في الفعل، وصار المجموع فعلا مقتصرا على فاعل، فجعل المخصوص فاعلا، فإذا - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل، وتمثل به سيدنا بلال رضي الله عنه لمدح الرسول - عليه الصلاة والسّلام - نسب في: الحماسة البصرية (2/ 131) لبلال بن حمامة. اللغة: الإذخر: نبات طيب الرائحة، الجليل: الثمام، وهو نبت ضعيف، يحشى به متاع البيوت. والشاهد في البيت: قوله: «ألا ليت»؛ حيث وقعت (ألا) للتنبيه، والاستفتاح، قبل (ليت) كما هنا، وتكثر معاقبة (يا) التي للنداء، لـ (ألا) فتكون (يا) للتنبيه أيضا. ينظر الشاهد في: التعازي والمراثي للمبرد (ص 267)، واللسان «فج»، وشرح المصنف (3/ 25) والتذييل والتكميل (4/ 574). (¬2) هذا البيت من البسيط ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: قوله: «يا ليت»؛ حيث قصد بـ (يا) التنبيه دون قصد النداء، لدخولها على (ليت) في كلام من لا يحضره منادى، ولم يقصد النداء. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 26)، والتذييل والتكميل (4/ 574). (¬3) سبق تخريج هذا البيت. (¬4) هذا البيت من الطويل، وهو من معلقة امرئ القيس بن حجر الكندي الشاعر الجاهلي المشهور، من أهل نجد، ومن الطبقة الأولى، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 111) والبيت في ديوانه (ص 117)، قالها لما أصيب بالقروح. والشاهد في البيت: قوله: «فيا رب»؛ حيث دخل (يا) على (ربّ) وقصد بها التنبيه دون النداء. ينظر الشاهد في: شرح التذييل والتكميل (4/ 574)، (1/ 138)، وشعراء النصرانية قبل الإسلام (ص 33).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل: حبّذا زيد، فـ (حبّذا) بمجموعيه فعل، فاعله زيد (¬1). وهذا قول في غاية من الضّعف؛ لأنّه مؤسس على دعوى مجردة عن الدليل، مع ما فيه من تغليب أضعف الجزءين على أقواهما، ومن ادّعاء تركيب فعل، من فعل واسم، ولا نظير لذلك (¬2)؛ بل المعروف تركيب اسم من فعل واسم، كـ: (برق نحره) (¬3)، و (تأبّط شرّا) (¬4). والصحيح: أنّ (حبّ) فعل يقصد به المحبّة والمدح وجعل فاعله (ذا) ليدلّ بذلك على الحضور في القلب، ولم يغيرا لجريانهما مجرى الأمثال، فإن قصد به بغض وذمّ قيل: لا حبّذا [3/ 109] كما قال الشاعر: 2050 - ألا حبّذا عاذري في الهوى ... ولا حبّذا الجاهل العاذل (¬5) وقال الآخر: 2051 - لا حبّذا أنت يا صنعاء من بلد ... ولا شعوب هوى منّا ولا نقم (¬6) - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 577): «وممن ذهب إلى كونه مركبا وأنه كله فعل، والمخصوص فاعل أبو الحسن الأخفش، وأبو بكر خطاب». اه. وينظر أيضا: تعليق الفرائد للدماميني (2/ 428)، والمساعد لابن عقيل (2/ 142)، ومنهج السالك (ص 403). (¬2) في شرح الشاطبي على الألفية (4/ 55)، رسالة: «فهو ضعيف جدّا؛ لأنه مؤسّس على دعوى لا دليل عليها، وأيضا: ففيه تغليب أحد الجزءين وهو الفعل على أقواهما وهو الاسم، وذلك خلاف القياس، وأيضا: ففيه عدم النظير، وهو تركيب فعل واسم؛ إذ لا يوجد في كلام العرب مثله، فظهر أن الأمر ليس كما زعم ذلك القائل». اه. (¬3)، (¬4) فالاسم هنا جملة فعليّة. في اللسان مادة «أبط»: تأبط سيفا، أو شيئا، أخذه تحت إبطه، وبه سمّي ثابت بن جابر الفهمي «تأبط شرّا» لأنه - كما زعموا - كان لا يفارقه السيف، وتقول: جاء تأبط شرّا، ومررت بتأبط شرّا، تدعه على لفظه؛ لأنك لم تنقله من فعل إلى اسم، وإنما سميت بالفعل مع الفاعل رجلا، فوجب أن تحكيه، ولا كغيره قال: وكذلك كل جملة تسمّي بها مثل: برق نحره، وذرى حبّا. (¬5) البيت من المتقارب، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: العاذل: اللائم. الشاهد في البيت: قوله: «لا حبذا الجاهل»؛ حيث دخلت (لا) على (حبذا) فصارت مثل (بئس) في العمل والمعنى. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 26)، والهمع (2/ 89)، والدرر (2/ 117)، وشرح التصريح (2/ 99). (¬6) هذا البيت من البسيط ونسبه أبو تمام في حماسته (2/ 44) لزياد بن منقذ أحد بني عدي من بني تميم، وكان قد نزل صنعاء، فاستوبأها، وكان منزله بنجد، فقال قصيدة أولها هذا البيت: لا حبذا أنت يا صنعاء .. اللغة: صنعاء: مدينة باليمن مشهورة، شعوب: قصر باليمن معروف بالارتفاع، أو بساتين ورياض -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى هذا أشرت بقولي: وتدخل عليهما (لا)، فتحصل موافقة «بئس» معنى. ثمّ قلت: ويذكر بعدهما المخصوص بمعناهما مبتدأ مخبرا عنه بهما، أو خبر مبتدأ لا يظهر. فأشرت بذلك إلى أنّك إذا قلت: حبّذا زيد، أو نحو ذلك؛ فإنّ الواقع بعد (حبّذا) يسمّى المخصوص، وأنه مرفوع بالابتداء، وخبره (حبّذا) و (ذا) هو صاحب الخبر في المعنى، فأغنى عن العائد إغناء (ذلك) في قوله تعالى: وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ (¬1). ويجوز كون المخصوص خبر مبتدأ مضمر كأنّه قيل - لمن قال: حبّذا - من المحبوب؟ فقال: زيد، يريد: هو زيد، والحكم عليه بالخبريّة - هنا - أسهل منه في باب (نعم)؛ لأنّ مصعبه - هناك - نشأ من دخول نواسخ الابتداء، وهي هاهنا - لا تدخل؛ لأنّ (حبّذا) جار مجرى المثل، والمثل وما جرى مجراه لا يغيران (¬2) وهذا المعنى أيضا منع - هنا - من تقديم المخصوص، فلا يقال: زيد حبذا، وقد أغفل أكثر النحويّين التنبيه على امتناع تقديم المخصوص في هذا الباب وعلى امتناع نسخ ابتدائيته. وهو من المهمات (¬3). وتنبّه ابن بابشاذ إلى التنبيه على امتناع التقديم، ولكن جعل سبب ذلك، خوف توهّم كون المراد من «زيد حبّذا»: زيد أحبّ ذا (¬4)، وتوهّم هذا بعيد، فلا ينبغي أن يكون المنع من أجله؛ بل المنع من أجل إجراء (حبّذا) مجرى المثل، وما كان كذلك فلا يغيّر، بتقديم بعضه على بعض، ولا يغير ذلك (¬5). - ¬

_ - بظاهر صنعاء، نقم - بضمتين أو بفتحين -: جبل مطل على صنعاء اليمن، والهوى: المهوي. والمعنى: لا محبوبة في الأشياء أنت يا صنعاء، ولا محبوب في الأشياء أيضا شعوب، ولا نقم. والشاهد فيه: «لا حبّذا»؛ حيث دخلت عليها (لا) فساوت (بئس) في المعنى، والعمل. ينظر الشاهد أيضا في: شرح ابن يعيش (7/ 139)، وشرح المصنف (3/ 26)، والهمع (2/ 89)، والدرر (2/ 117). (¬1) سورة الأعراف: 26. (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 27)، والتذييل والتكميل (4/ 581). (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 27)، والتذييل والتكميل (4/ 583) والنقل فيه تصرف. (¬4) قال ابن بابشاذ في شرح الجمل (1/ 954): «إلا أنّ المخصوص بالمدح لا يجوز تقديمه في هذا الباب، ويجوز في الأصل أن تقول: زيد حبذا، وإنما امتنع لئلا يلتبس بباب المحبة والإيثار». اه. وفي شرح التصريح (2/ 100)، وقال ابن بابشاذ: «إنما امتنع تقديم المخصوص على (حبّذا) لئلا يتوهم في (حبّ) ضميرا مرفوعا، على الفاعلية يعود على المخصوص، وأنّ (ذا) مفعول به». اه. (¬5) ينظر: شرح المصنف (3/ 27)، والتذييل والتكميل (4/ 583). وفي النقل تصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون قبل مخصوص (حبّذا) أو بعده تمييز مطابق أو حال: فأمّا التمييز فكثير متفق على استعماله مطابقا للمخصوص، فيما له من إفراد وتذكير، وفروعهما، كقولك: حبّذا رجلا الحارث، و: حبّذا غلامين ابناك و: حبّذا رجالا الزيدون، و: حبّذا امرأة هند، و: حبّذا جاريتين ابنتاهما، و: حبّذا نسوة الفواطم، فهذه أمثلة تقديم التمييز على المخصوص، فإذا قدّم عليه المخصوص وأخّر في كلّ واحد من الأمثلة المذكورة فهو سهل يسير، واستعماله كثير، إلّا أنّ الأوّل أولى وأكثر (¬1). فمن تقديم التمييز على المخصوص قول الشّاعر: 2052 - ألا حبّذا قوما سليم فإنّهم ... وفوا إذ تواصوا بالإعانة والنّصر (¬2) ومن تأخير التمييز على المخصوص قول رجل من طيئ: 2053 - حبّذا الصّبر شيمة لامرئ ... رام مباراة مولع بالمعالي (¬3) وقد يقع موقع هذا التمييز حال كقولك: حبّذا زيد مقصودا وقاصدا، ولا حبّذا عمرو صادرا ولا واردا، ومنه قول الشاعر: 2054 - يا حبّذا المال مبذولا بلا سرف ... في أوجه البرّ إسرارا وإعلانا (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 27). (¬2) هذا البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين، وروي «الصبر» بدل «النصر». والشاهد في البيت: قوله: «حبذا قوما سليم»، قال في الدرر: «استشهد به على أنه يجوز أن يكون قبل المخصوص نكرة، منصوبة مطابقة و (قوما) في البيت منصوب على التمييز. وكان حقه أن يتأخر عن سليم والكوفيون يجيزون ذلك، ووافقهم المازني والمبرد وابن مالك، وأما البصريون فذلك عندهم ضرورة». اه. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 28)، والتذييل والتكميل (4/ 583)، والهمع (2/ 89)، والدرر (2/ 117). (¬3) هذا البيت من الخفيف، وقائله رجل من طيئ لم يبين اسمه. والشاهد في البيت: قوله: «حبذا الصبر شيمة» استشهد به على مجيء (شيمة) منصوبا على التمييز بعد المخصوص، وهذا التمييز نكرة مطابقة لهذا المخصوص. ينظر الشاهد في شرح المصنف (3/ 28)، والتذييل والتكميل (4/ 584)، وشرح التصريح (2/ 100)، والهمع (2/ 89)، والدرر (2/ 117). (¬4) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: قوله: «يا حبذا المال مبذولا»؛ فقد جاء الحال من مخصوص (حبذا). ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 28)، والتذييل والتكميل (4/ 586).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتزم بعض المتأخرين كون المنطوق بعد (ذا) تمييزا وليس ملتزما؛ لأنّ الحال قد أغنت عنه في النظم والنثر، وقد يستغنى هنا عن المخصوص لظهور معناه (¬1)، فمن الاستغناء عنه قول بعض الأنصار - رضي الله تعالى عنهم -: 2055 - باسم الإله وبه بدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا فحبّذا ربّا وحبّ دينا (¬2) فاستغني عنه - هنا - بذكر التمييز وقد يستغنى عنه دون تمييز كقول الشاعر: 2056 - ألا حبّذا لولا الحياء وربّما ... منحت الهوى ما ليس بالمتقارب (¬3) وقد تفرد (حبّ) فيجوز - حينئذ - أن تفتح حاؤها استصحابا لحالها، وأن تجعل عليها الضمة، التي كانت للعين، فيقال: حبّ زيد، وحبّ زيد. وهذا النقل جائز في كلّ فعل حلقيّ الفاء، على (فعل) مقصودا به التعجب، كقول الشاعر: 2057 - حسن فعلا لقاء ذي الثّروة المم ... لق بالبشر والعطاء الجزيل (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 28)، والتذييل والتكميل (4/ 588). (¬2) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا. وهو هنا شاهد على حذف المخصوص، وهو (الإله) للاستغناء عنه بذكر التمييز، وهو ربّا، ودينا، أي حبذا الإله ربّا. (¬3) البيت من الطويل، وقد نسبه أبو تمام في حماسته، لمرداس بن همام الطائع. اللغة: ألا: للتنبيه، وحبذا: للمدح. أي ربما منحت هواي من لا أطمع في دنوه، ولا ينصفني. الشاهد في البيت: قوله: «ألا حبذا»؛ حيث حذف المخصوص بالمدح للعلم به، وتقديره: ألا حبذا حالي معك، وقيل تقديره: ألا حبذا ذكر هذه النساء، لولا أني أستحي من ذكرهن. ينظر الشاهد (3/ 29) من شرح المصنف، والعيني (4/ 24)، والأشموني (3/ 41)، والهمع (2/ 89)، (2/ 136)، وفي التذييل والتكميل (4/ 589): «وفي جواز حذفه دليل على فساد قول من ذهب إلى أنّ (حبذا) كلّه فعل، وأن المخصوص فاعل به؛ إذ الفاعل لا يجوز حذفه، ودليل على أنه لا يكون خبر مبتدأ محذوف؛ إذ يلزم حذف الجملة بأسرها من غير عوض عنها، ولا قائم مقامها، وذلك لا يجوز». اه. (¬4) هذا البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. والمعنى: نعم فعلا ملاقاة الغني الفقير بالوجه الطلق، وتقديم المعونة له في سخاء. والشاهد في البيت: قوله: «حسن» على أن (فعل) الذي يستعمل كـ (نعم) في المدح يجوز نقل ضمة عينه إلى الفاء فتسكن، وجواز فتح حاء (حب) وضمها. ينظر الشاهد في شرح المصنف (3/ 28)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يجرّ فاعل (حبّ) بباء زائدة، تشبيها بفاعل (أفعل) تعجبا، ومنه قول الشاعر: 2058 - فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحبّ بها مقتولة حين تقتل (¬1) يروى بضمّ الحاء، وفتحها، وحكى الكسائيّ: مررت بأبيات جاد بهن أبياتا، وجدن أبياتا (¬2)؛ فحذف الباء، وجاء بضمير الرفع، وهذا الاستعمال جائز في كلّ فعل ثلاثيّ مضمّن معنى التعجّب (¬3). انتهى كلام المصنّف رحمه الله تعالى، وهو كلام يستغني الناظر فيه به عن النظر في غيره. ثمّ لنشر إلى أمور: منها: أنّ (حبّ) في الأصل متعدّ، وهو (فعل) بفتح العين، يقال: حببت زيدا، أحبّه كما يقال: أحببته وأحبه، وقد قرئ: فاتبعوني يحبكم الله (¬4)، و (حبب) محوّل عنه، ولمّا حوّلت إلى (فعل) صارت لازمة؛ لأنها لحقت بأفعال الغرائز. ذكر ذلك ابن عصفور، ثمّ قال: وكان ينبغي - على هذا - أن يسند إلى ما تسند إليه (نعم وبئس) من الأسماء، لكنهم أتوا بدل اسم الجنس باسم إشارة مشارا به إلى الجنس الممدوح من جهة أنّ (ذا) إشارة إلى ما قرب، كما أنّ (ذلك) إشارة إلى ما بعد، وهم إنّما يمدحون بـ (حبّذا) كلّ ما قرب من القلب وهو كلّ محبوب، فلو - ¬

_ - والتذييل والتكميل (4/ 593)، والهمع (2/ 89)، والدرر (2/ 118). (¬1) سبق تخريج هذا الشاهد. والشاهد هنا: قوله: «وحبّ بها»؛ حيث جرّ فاعل (حبّ) بالباء الزائدة. (¬2) تراجع حكاية الكسائي هذه في: التذييل والتكميل (4/ 560)، والهمع (2/ 89). وفي شرح التصريح (2/ 98، 99): «مررت بأبيات جاد بهن أبياتا، وجدن أبياتا» حكاه الكسائي، بزيادة الباء في الفاعل أولا، وتجرده منها ثانيا، وأصل جاد بهن أبياتا، وجدن أبياتا من: جاد الشيء جودة، إذا صار جيدا، وأصل (جاد): (جود) بفتح العين، فحوّل إلى (فعل) بضمها؛ لقصد المبالغة والتعجّب، وزيدت الباء في الفاعل، وعوض من ضمير الرفع ضمير الجر، فقيل: بهن، وأبياتا: تمييز، وجدن أبياتا على الأصل، من عدم زيادة الباء فلذلك ثبت ضمير الرفع، وأبياتا: تمييز، وفي كلّ منهما الجمع بين الفاعل والتمييز. اه. (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 29). (¬4) سورة آل عمران: 31. والقراءة: يحبكم الله بكسر الحاء، وفتح الباء، تراجع هذه القراءة في الكشاف (1/ 424) وفي البحر المحيط (2/ 431): وقرأ أبو رجاء العطاردي: (تحبّون، ويحبّكم)، بفتح الحاء، والباء من (حبّ) ثم قال: وذكر الزمخشري أنه قرأ بفتح الباء والإدغام. اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضع الرجل موضع (ذا) لما فهم منه ما أرادوه من التقريب (¬1). قال: وإذا أرادوا معنى الذم أدخلوا عليها (لا) النافية؛ لأنّ نفي المدح ذمّ (¬2). ومنها: أنّ ابن عصفور استدلّ على أنّ (حبّذا) جعل بمنزلة لفظ واحد، فكانت مبتدأ، وإن كان أصلها الفعل والفاعل (¬3) بشيئين: أولهما: أنّ (ذا) لا تتغير بحسب المشار إليه، فكما يقال: حبذا زيد، يقال: حبذا الزيدان، وحبذا الزيدون، وحبّذا الهندات (¬4)، وقد قال الشاعر: 2059 - وحبّذا نفحات من يمانية ... تأتيك من قبل الرّيّان أحيانا (¬5) ثانيهما: أنّهم لا يفصلون بين (حبّ) و (ذا) بشيء، لا يقال: حبّ اليوم ذا. فدلّ هذان الأمران على أنّهم أخرجوا الجملة المركبة، من (حبّ) و (ذا) عن أصلها، وجعلوها بمنزلة لفظ واحد. انتهى. وقد عرفت [3/ 110] ما استدلّ به المصنف على أن (حبّذا) - من قولنا: حبّذا زيد - فعل وفاعل، لم يحصل فيهما تغيير، وكفى به، وأما ما استدلّ به ابن عصفور، فالجواب: أنّ (حبذا) جار مجرى المثل، وأنّ الأمثال وما جرى مجراها لا يغيّران، وأما قول ابن عصفور: إنّ (حبّذا) مبتدأ، مخبر عنه بما بعده، والتقدير: المحبوب زيد، فقد تقدم نقل المصنف عن ابن خروف أنّ (حبّ) فعل، و (ذا) فاعله و (زيد) مبتدأ، وخبره (حبذا)، وأنّ ابن خروف قال: وهذا قول سيبويه، وأخطأ من زعم غير ذلك (¬6). ونصّ سيبويه هو أن قال: وزعم الخليل أنّ (حبذا) - ¬

_ (¬1) و (¬2) ينظر: شرح الجمل الصغيرة لابن عصفور، ورقة (49). (¬3) ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 52) رسالة. (¬4) ينظر: المقرب (1/ 70)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 55، 56). (¬5) البيت من البسيط، وقائله جرير، من قصيدة في هجاء الأخطل. اللغة: نفحات: جمع نفحة، وهي الدفعة التي تندفع من الريح، الشاهد في البيت: قوله: «حبذا نفحات»؛ حيث لزمت (ذا) الإفراد والتذكير مع أن المخصوص جمع، وهو (نفحات). ينظر الشاهد في: ديوان جرير (1/ 165)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (1/ 67)، واللسان «حبب»، والهمع (2/ 88)، والدرر (2/ 15)، وفي التذييل والتكميل (4/ 569) بيان الآراء في علة إفراد اسم الإشارة وتذكيره في (حبذا) وإن اختلف المخصوص بالتثنية والجمع والتأنيث. (¬6) سبق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمنزلة: حبّ الشيء، ولكنّ (ذا) و (حبّ) بمنزلة كلمة واحدة، نحو: لولا، وهو اسم مرفوع، كما تقول: يا ابن عمّ، فالعمّ مجرور ألا ترى أنّك تقول للمؤنث: حبّذا، ولا تقول: حبذه؛ لأنه صار مع (حبّ) على ما ذكرت لك، وصار المذكور هو اللازم؛ لأنّه كالمثل (¬1). انتهى. ولا شكّ أن ظاهر كلامه يعطي ما ذهب إليه ابن عصفور وغيره. ولكن قد قال بعض العلماء: لا تعلق لمن ينسب إلى سيبويه أنّ (حبذا) كلمة، اسم بهذا اللفظ؛ إذ ليس صريحا، بل لو قيل: إنّ ظاهره يعطي خلاف ذلك لكان الوجه، ألا ترى في تنظيره بـ (ابن عمّ) وقوله: فالعمّ مجرور؛ إشارة منه إلى تعليل بناء (ذا) مع المذكر والمؤنث على صورة واحدة، قال: ولهذا عول ابن خروف والشلوبين على هذا المفهوم (¬2). ومنها: أن المنقول عن ابن كيسان أنّ (ذا) من (حبّذا) مشار به أبدا إلى مذكّر محذوف، والتقدير: حبذا حسن زيد، وحبّذا امرأة، وشأنه، وكذلك التقدير في: حبذا الزيدان، وحبذا الزيدون، وحبذا الهندات، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه (¬3). وقد ردّ ذلك: بأنّ هذه دعوى لا دليل عليها، إذ لم يتكلموا به في موضع وإنما يدعي الإضمار، لو نطق بذلك المضمر في موضع (¬4) وبأنّ ما بعد اسم الإشارة وصف له، ولا يحذف؛ لأنّه هو العمدة، لأنّ اسم الإشارة لازم الوصف في مواضع الإبهام، كما في النداء؛ لأنه كالمضمر في التفسير، وبأنه لو كان الأمر كذلك لجاز أن يقال: حبّذا، ويتمّ المقصود؛ لأنه ليس لازم الوصف، من حيث إنّ القائل بهذا القول قد جوّز الحذف (¬5). - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 180). (¬2) ينظر: شرح الألفية للشاطبي (4/ 52) رسالة، وشرح الكافية الشافية (2/ 1117) بتحقيق د/ عبد المنعم هريدي، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 185)، وشرح الألفية للمرادي (3/ 108). (¬3) ينظر: رأي ابن كيسان في التذييل والتكميل (4/ 569) رسالة، ومنهج السالك (ص 403)، وتعليق الفرائد للدماميني (2/ 427). (¬4) ينظر في الرد على ابن كيسان: التذييل والتكميل (4/ 570)، والأشموني (3/ 41). (¬5) في التذييل والتكميل (4/ 570): «وبأنه لو كان الأمر كذلك لجاز أن يقول: حبذا ويتم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شكّ أنّ هذا القول المنقول عن ابن كيسان بعيد عن المراد فلا ينبغي أن يعرّج عليه. ومنها: أنّ الشيخ قال: دخول (لا) على (حبذا) لا يخلو من إشكال؛ لأنّ (حبّذا) إما فعل، و (ذا) فاعل، أو كلّه فعل، وعلى كلا التقديرين لا ينبغي أن يدخل (لا) عليه؛ لأنّ (لا) لا تدخل على الماضي غير المتصرف، وتدخل على المتصرف قليلا، وأما هو بمجموعه اسم؛ فلا ينبغي أن يدخل (لا) عليه أيضا؛ لأنه إما أن يقدر منصوبا بها وليس بجيد؛ لأنّ النصب على العموم، نحو: لا رجل، ولا يصح هنا؛ لأنه خصوص. وإما أن يقدّر مرفوعا، وليس بجيد؛ لأن الأصحّ تكرار (لا) فلا بدّ منه، ولا يجوز إذا ارتفعت الأسماء بعدها بالابتداء ألّا تكرر إلا على مذهب الأخفش والمبرّد (¬1). انتهى. ونحن إذا مشينا على المذهب الذي رجّحه المصنف، واختاره وهو أنّ (حبّذا) فعل وفاعل سهل الأمر؛ وذلك أن يقال للشّيخ: (حبّذا) وإن كان لا يتصرف الآن؛ فهو قبل إسناده إلى (ذا) متصرف، وإنّما عدم التصرّف له عارض، فلا يعتبر، وأنت قد اعترفت بأنّ (لا) تدخل على الفعل المتصرف قليلا، فهذا من القليل الذي أشرت إليه. ومنها: أنّ المصنف قد جوز في إعراب المخصوص الواقع بعد (حبّذا) وجهين: أن يكون مبتدأ والجملة بعده هي الخبر عنه، وأن يكون خبر مبتدأ مقدّر (¬2)، وذكر الشيخ أنّ منهم من يقول: إنّه مبتدأ محذوف الخبر، فيصير فيه ثلاثة أقوال، كالثلاثة التي ذكرها في (زيد) من نحو: نعم الرجل زيد. وأقول: قد تقدّم بيان ضعف هذا القول الثالث، فلا ينبغي التعويل عليه، وقد تقدم عن ابن كيسان أنّ (ذا) من (حبّذا) مشار به أبدا إلى مذكّر محذوف، والتقدير: حبّذا حسن زيد؛ فعلى مذهبه يقال: إنّ «زيدا» من نحو: حبذا زيد - ¬

_ - المقصود؛ لأنه ليس لازم الوصف؛ لجواز الحذف بالغرض، ولأنّ بعض العرب ينصب بها التمييز لما أراد بيان الذات، ولو كان لكان الأولى رد الأصل». اه. (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 579) وفي النقل تصرف يسير. (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 26).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تابع لـ (ذا) على البدل تبعا لازما، وكأنّه حكم للمضاف إليه بعد حذف المضاف، بما كان يحكم به للمضاف، وأمّا القائل بأنّ المجموع اسم فقد عرفت أنّ المخصوص هو الخبر عنده و (حبّذا) قبله هو المبتدأ. قال الشيخ: وهو قول المبرّد، وأباه أبو عليّ، واختار أن يكون (حبّذا) خبرا، والمخصوص مبتدأ (¬1). ومنها: أنّ الذي أفهمه كلام المصنّف، وتمثيله في شرحه لقوله: وقد يكون قبله أو بعده تمييز مطابق أو حال عامله (حبّ) أنّه حيث كانّ ذلك الاسم المنصوب جامدا حكمنا بأنه تمييز، وحيث كان مشتقّا حكمنا بأنّه حال؛ لأنّه مثّل للحال بقوله: حبذا زيد مقصودا وقاصدا، ولا حبذا عمرو صادرا ولا واردا، وبقول الشّاعر: 2060 - يا حبّذا المال مبذولا بلا سرف (¬2) وأما ابن عصفور فإنّه قال: والاسم المنصوب بعد (حبّذا) - جامدا كان أو مشتقّا - تمييز، بدليل جواز دخول (من) عليه، كقولك: حبّذا من رجل زيد، وحبذا من راكب زيد (¬3). قال: ومن النحويين من يجعله إذا كان مشتقّا حالا، وهو باطل؛ لأنّ (من) لا تدخل على الحال (¬4)، وذكر الشيخ في شرحه أنّ في ذلك للنحاة مذاهب ثلاثة: الأول: مذهب جماعة، منهم الأخفش والفارسيّ (¬5): أنّ ذلك الاسم منصوب على الحال لا غير، سواء كان جامدا، أم مشتقّا. الثاني: مذهب أبي عمرو بن العلاء (¬6): أنه منصوب على التمييز، لا غير، سواء كان جامدا أم مشتقّا. - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 581) رسالة وينظر أيضا: الهمع (2/ 88)، والمقتضب (3/ 143). (¬2) سبق تخريج هذا البيت والشاهد فيه هنا: قوله: «يا حبذا المال مبذولا»؛ حيث جاء الحال بعد مخصوص (حبذا). (¬3)، (¬4) ينظر: الشرح الصغير على الجمل لابن عصفور، ورقة (48). (¬5) هو زبان بن العلاء، أحد القراء السبعة، وإمام أهل البصرة في القراءات والنحو واللغة. توفي سنة (159 هـ) سبقت ترجمته. (¬6) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 588)، ومنهج السالك (ص 405)، والمساعد لابن عقيل (2/ 144)، والهمع (2/ 89).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: مذهب بعضهم: وهو أنّه إن كان مشتقّا فحال، وإن كان جامدا فتمييز (¬1)، قال: وقبول الجامد والمشتقّ دخول (من) عليهما [3/ 111]، يرجّح أن ينتصبا على التمييز؛ لأنّ الحال لا تدخل عليها (من) وهذه إشارة من الشيخ إلى ما قاله ابن عصفور، ثمّ قال الشيخ: والذي يظهر أنه إن كان جامدا كان تمييزا، وإن كان مشتقّا فمقصدان للمتكلم: إن أراد تقييد المبالغة في مدح المخصوص بوصف كان ذلك المنصوب حالا، ولا يصحّ دخول (من) عليه إذ ذاك. وإن أراد عدم التقييد، بل جنس المبالغ في مدحه كان ذلك المنصوب تمييزا. فمثال الأول: حبذا هند مواصلة، أي في حال مواصلتها. ومثال الثاني: حبذا راكبا زيد، وهو الذي تدخل عليه (من) (¬2). انتهى. وهو كلام حسن مقبول. وقال ابن عصفور: وإنما ساغ دخول (من) على تمييز (حبّذا) ولم يسغ ذلك في تمييز (نعم)؛ لأنّه هنا لا يشبه المنقول؛ لأنّ (حبّ) لم تكن مسندة إليه، في حال من الأحوال، ولأنّه جنس، والمحبوب الذي قصدت أن تبيّن أنه محبوب بالنّظر إليه بعضه، فساغ دخول (من) المبعضة عليه لذلك (¬3). ومنها: أنّ المصنف أنشد: فحبّذا ربّا (¬4) مستدلّا به على أنّه قد استغني فيه بالتمييز عن المخصوص، وأنشد أيضا: 2061 - ألا حبّذا لولا الحياء ... ... ... البيت (¬5) مستدلّا به على أنّه قد استغني فيه عن المخصوص، دون تمييز. فأما الأول (¬6): فالتقدير فيه: فحبذا ربّا الإله، وأمّا الثّاني (¬7): فالتقدير فيه: ألا حبّذا حالتي معك، مشيرا إلى هواه إياها، وزيارته، وما رتب على ذلك في قوله: هويتك حتّى كاد يقتلني الهوى ... وزرتك حتّى لامني كلّ صاحب - ¬

_ (¬1) تراجع هذه المذاهب الثلاثة في التذييل والتكميل (4/ 587، 588)، ومنهج السالك (ص 405). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 588). (¬3) ينظر: شرح الجمل الصغير لابن عصفور ورقة (48). (¬4) سبق تخريج هذا البيت قريبا. والشاهد فيه هنا: الاستغناء بالتمييز عن المخصوص، كما ذكره الشارح. (¬5) سبق تخريج هذا البيت قريبا. والشاهد فيه هنا: الاستغناء عن المخصوص، مع عدم ذكر التمييز للعلم به. (¬6) قوله: فحبّذا ربّا وحبّ دينا (¬7) قوله: ألا حبذا لولا الحياء ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحتّى رأى منّي أدانيك رقّة ... عليك، ولولا أنت ما لان جانبي (¬1) وبعد ذلك البيت: بأهلي ظباء من ربيعة عامر ... عذاب الثّنايا مشرفات الحقائب (¬2) قال الشيخ: وفي جواز حذفه - أي: حذف المخصوص - دليل على فساد قول من ذهب إلى أنّ (حبّذا) كلّه فعل، وأنّ المخصوص فاعل به؛ إذ الفاعل لا يجوز حذفه، ودليل على أنّه لا يكون خبر مبتدأ؛ إذ يلزم حذف الجملة بأسرها، من غير عوض عنها، ولا قائم مقامها، وذلك لا يجوز. ومنها: أنّ المصنف قال - في قول القائل: وحبّ دينا -: إنّه أراد: وحبذا دينا، فحذف (ذا) ولم يتغيّر المعنى (¬3)، فقال الشيخ فيه: إنّ القواعد تأبى ذلك؛ لأنّه إن كان فاعلا فلا يجوز حذفه، وإن كان جزءا من المركّب الذي حكم عليه بأنّه اسم كلّه، أو بأنّه فعل كلّه، فلا يجوز حذفه؛ لأنّه - حال التركيب - صار جزءا من أجزاء الاسم، أو أجزاء الفعل، فكما لا يصحّ حذف بعض الاسم، ولا بعض الفعل، كذلك لا يصحّ في (حبّذا) (¬4). وأمّا: «وحبّ دينا» فلا حذف فيه؛ لأنّ لـ (حبّ) استعمالين: أحدهما: أن يليها (ذا) وتضمّن المبالغة في المدح. والثاني: أن لا يليها (ذا) وتكون ممّا بني على (فعل) وأجري مجرى (نعم) و (بئس) فيتخرج «حبّ دينا» على أن تكون (حبّ) استعملت هذا الاستعمال الثاني، وعلى هذا يكون في (حبّ) ضمير يفسره قوله: (دينا) ويكون قد حذف المخصوص، والتقدير: وحبّ دينا ديننا، كما أنك تقول - لمن ذكر زيدا -: نعم رجلا زيد، فيكون مثل قول الشّاعر: - ¬

_ (¬1) لامني: عذلني، والمعنى: عشقتك حتى كاد يقتلني العشق، وأكثرت زيارتك، حتى لم يبق صاحب إلا عذلني. أدانيك: أقاربك، والمراد: الوشاة، ويروى: «أعاديك»، والمراد: رأى الأعادي لينا مني، ولولاك ما لنت لهم. (¬2) المعنى: أفدي بأهلي نساء كالظباء عذاب الأفواه المبتسمة، مشرفات الحقائب، أي: عظيمات الأرداف. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 589). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 591)، ومنهج السالك (ص 405).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2062 - وزاده كلفا بالحبّ أن منعت ... وحبّ شيئا إلى الإنسان ما منعا (¬1) وإذا احتمل أن يكون من باب (نعم) و (بئس) لم يكن في قول القائل: «وحبّ دينا» دليل على جواز حذف (ما) منها (¬2). ومنها: أنّ الشيخ قال: ومن ذهب إلى أنّ (ذا) فاعل بـ (حبّ) في (حبّذا) لا يجيز إتباعه بنعت، ولا عطف، ولا تأكيد، ولا بدل، وأما المخصوص فيجوز فيه ذلك (¬3). انتهى. ولا شكّ أنّ هذا الذي ذكره يعلم من قول المصّنف: إنّ (حبّذا) جرى مجرى الأمثال، وما جرى مجرى الأمثال حكمه حكم الأمثال، وقد علم أنّ الأمثال لا تغيّر فـ (ذا) من (حبّذا) - وإن أعربناه فاعلا - إنّما هو باعتبار الأصل؛ لأنه اسم قدّم عليه فعل فارغ؛ فوجب إسناده إليه ولكنّه في هذا الاستعمال - أعني «حبّذا زيد» - صار الإخبار عنه بالفعل غير مقصود، وصار المقصود إنما هو الإخبار بمدح المخصوص في (حبّذا) أو ذمّه في (لا حبّذا). وإذا كان كذلك، فكيف يتبع ما هو غير المقصود تابع؟!. ومنها: أنّ المصنف لمّا ذكر النقل في (حبّ) إذا أفردت عن (ذا) قال: وكذا كلّ فعل حلقيّ الفاء مراد به مدح أو تعجّب، فقال الشيخ: ليس النقل مختصّا بكون الفعل حلقيّ الفاء، بل كلّ فعل على (فعل) أصلا أو محولا لمدح أو ذمّ يجوز فيه النقل فيقال: لضرب الرّجل (¬4). * * * ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط وهو للأحوص الأنصاري، وروايته في ديوانه (ص 153): وزادني كلفا في الحبّ أن منعت ... وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا والبيت أيضا في ديوان قيس «مجنون ليلى» بلفظ: «أحب شيئا»، (ص 16) ط. الحلبي (1358 هـ)، وروي: «قد زادني كلفا بالحبّ». اللغة: وحبّ شيئا: أراد: نعم شيئا. والشاهد في البيت هنا: قوله: «وحب شيئا»؛ حيث إنّ «حبّ» بني على «فعل» وأجري مجرى (نعم، وبئس) فيكون في (حبّ) ضمير، يفسره قوله: (شيئا)، وفي البيت شاهد آخر - في كلمة (حبّ) - على أن حذف الهمزة في أفعل التفضيل نادر، إذا كان غير: خير، وشر. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 592)، والأشموني (3/ 43)، والهمع (2/ 166)، والدرر (2/ 224). (¬2)، (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 592) ومنهج السالك (ص 504). (¬4) في التذييل والتكميل (4/ 594): «وظاهر كلام المصنف أنّ النقل مختص بما فاؤه حرف حلقي، نحو: حبّ، وحسن، وخبب، وغلظ، وكان على وزن (فعل) مراد به مدح أو تعجب. وليس مختصّا بذلك، بل كل «فعل» أصلا، أو تمّ تحويلها لمدح أو ذم يجوز فيه النقل، فتقول: لضرب الرجل». اه.

الباب الرابع والثلاثون باب التعجب

الباب الرابع والثلاثون باب التّعجّب [تعريفه وصيغه - حكم المتعجب منه] قال ابن مالك: (ينصب المتعجّب منه مفعولا بموازن «أفعل» فعلا لا اسما، خلافا للكوفيّين، غير الكسائيّ، مخبرا به عن «ما» متقدّمة بمعنى شيء، لا استفهاميّة خلافا لبعضهم، ولا موصولة خلافا للأخفش في أحد قوليه، وك «أفعل» «أفعل» خبرا لا أمرا، مجرورا بعده المتعجّب منه بياء زائدة لازمة، وقد تفارقه إن كان «أن» وصلتها، وموضعه رفع بالفاعلية لا نصب بالمفعوليّة، خلافا للفرّاء والزّمخشريّ وابن خروف. واستفيد الخبر من الأمر هنا، وفي جواب الشّرط، كما استفيد الأمر من مثبت الخبر والنّهي من منفيه، وربّما استفيد الأمر من الاستفهام، ولا يتعجّب إلّا من مختصّ، وإذا علم جاز حذفه مطلقا، وربّما أكّد «أفعل» بالنّون، ولا يؤكّد مصدر فعل تعجّب، ولا أفعل تفضيل). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): للتعجّب ألفاظ كثيرة لا يتعرض لها النحويّون، في باب التعجب، كقول العرب: «لله أنت» (¬2) و «واها له» (¬3) وكقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 30). التعجب لغة: هو التأثر الحاصل للنفس عند الاستطلاع على أمر زائد عن المعهود للمتأثر، وقيل: هو انفعال يحدث فى النفس عند الشعور بأمر خفي سببه. واصطلاحا: هو استعظام زيادة في وصف الفاعل، خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قلّ نظيره. وقيل: هو استعظام فعل فاعل ظاهر المزية بألفاظ كثيرة. ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 71)، والشرح الكبير لابن عصفور أيضا (1/ 419)، والتذييل والتكميل (4/ 595، 596)، وشرح الأشموني (3/ 16، 17)، وشرح التصريح (2/ 86، 87). (¬2) في حاشية الصبان (3/ 17): (قوله: «لله أنت»: أي في جميع الكمالات، يدل عليه حذف جهة التعجب، فهو أبلغ من نحو: «لله درك فارسا») اهـ. (¬3) واها: اسم فعل مضارع بمعنى: أعجب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأبي هريرة (¬1) رضي الله عنه: «سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس» (¬2). ومن ألفاظه «فعل» المتقدم ذكره في باب «نعم» نحو: بغض الرجل زيد (¬3)، ومنها المذكور فى باب الاستغاثة نحو: يا للمراء، ومنها ما يذكر في باب القسم من نحو: لله لا يؤخّر الأجل (¬4)، وإنما ينوب في النحو من ألفاظه لـ «أفعل» و «أفعل» وهما فعلان غير متصرّفين (¬5)، ولا خلاف في فعليّة [3/ 112] «أفعل»؛ لأنه على وزن مختصّ بالأفعال ولأنه قد يؤكد بالنّون كقول الشاعر: 2063 - ومستبدل من بعد غضبى صريمة ... فأحر به من طول فقر وأحريا (¬6) أراد: وأحرين، فأبدل النّون ألفا للوقف، وأما «أفعل» فمختلف فى فعليّته عند - ¬

_ (¬1) أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر، توفي سنة (59 هـ)، نشأ يتيما، وأسلم سنة (7 هـ) وصحب النبي صلّى الله عليه وسلّم وأكثر من الرواية عنه، ولاه عمر المدينة مدة، ثم عزله، ومات بها. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 202، 213). (¬2) لقيه النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان أبو هريرة جنبا، فانسل، واغتسل، ثم رجع، فسأله النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أين كنت؟» فقال: إني كنت جنبا فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سبحان الله!». ينظر: البخاري الباب (23) من كتاب الغسل، ومسلم حديث (66) من كتاب الحيض، والنسائي الباب (17) من كتاب الطهارة. وفي حاشية الشيخ يس على التصريح (2/ 86): (إن قلت: ما معنى التعجب في كلمة التسبيح؟ قلت: أصل ذلك أن يسبح الله عند رؤية العجب من صنائعه، ثم كثر، حتى استعمل في كل ما يتعجب منه) اهـ. وهذا الحديث الشريف وما قبله من التعجب السماعي. (¬3) سبق شرحه، وهو تعجب قياسي. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 598)، والهمع (2/ 92) وهذا من التعجب السماعي. (¬5) في شرح التصريح (2/ 86، 88): (والمبوب له منها في النحو صيغتان اثنتان موضوعتان له: إحداهما: ما أفعله ... والثانية: أفعل به). (¬6) هذا البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وفي اللسان مادة «غضب»: (أنشده ابن الأعرابي). الروايات واللغة: ومستبدل اسم فاعل من الاستبدال، وغضبى المائة من الإبل، صريمة تصغير صرمة بكسر الصاد، قطعة من الإبل، نحو الثلاثين، وصغرها للتقليل، فأحر به: أجدر به، تعجب، من: حري أن يفعل كذا، أحريا: أصله أحرين، فأبدل النون ألفا في الوقف. والشاهد فيه: «وأحريا» حيث أكد «أفعل» بنون التوكيد. ينظر: الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 629)، وشرح الكافية الشافية (2/ 1077)، والمساعد لابن عقيل (2/ 153)، والأشموني (3/ 221).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفيين، ومتفق على فعليته عند البصريين (¬1)، وهو الصحيح؛ للزوم اتّصال نون الوقاية به (¬2) عاملا في ياء المتكلّم، نحو: ما أفقرني إلى عفو الله (¬3)، ولا يكون كذلك إلا فعل، ولا يرد على هذا «عليكني» ولا «رويدني» فإنّه قد يقال فيهما: عليك بي، ورويد لي، فيستغنى فيها عن نون الوقاية بالباء واللام، بخلاف: «ما أفقرني» ونحوه، فإنّ النون فيه لازمة، غير مستغنى عنها بغيرها (¬4)، والمتعجب منه منصوب بـ «أفعل» على المفعوليّة، إن وقع بعده، نحو: ما أظهر الحقّ، وما أدحض الباطل (¬5)، ومجرور بباء لازمة إن وقع بعد «أفعل» نحو: أكرم بزيد، و «ما» الواقعة قبل «أفعل» اسم مبتدأ، بلا خلاف، لأنّ «أفعل» ثابت الفعلية (¬6) ولا بدّ له من فاعل، وليس ظاهرا، فتعيّن كونه ضميرا، ولا مذكور يرجع إليه غير «ما» فتعيّن كونها اسما، وبعد ثبوت اسميّتها فهي إمّا بمعنى شيء (¬7)، وإما بمعنى الذي، وإما استفهاميّة، والقول الأول قول البصريين وهو الصحيح، لأنّ قصد المتعجّب الإعلام بأنّ المتعجّب منه ذو مزية إدراكها جليّ، وسبب الاختصاص خفيّ، فاستحقت الجملة المعبّر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصّة، ليحصل - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 601): (يعني أنّ «أفعل» في التعجب فعل عند البصريين والكسائي، والهمزة فيه للنقل، وهو اسم عند الكوفيين، غير الكسائي، ونقل بعض أصحابنا أنه اسم عند الكوفيين، ولم يستثن منهم الكسائي، فلعل له قولين) اه. ينظر: الإنصاف (1/ 81) مسألة (15)، ومنهج السالك (ص 370)، والمساعد لابن عقيل (2/ 147)، وشرح التسهيل للمرادي (188 / ب). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 602): (وما ذكروه من لزوم نون الوقاية لفعل التعجب هو على طريقة البصريين، وأما الكوفيون فإنهم يجيزون: ما أظرفني أو ما أظرفي؛ يجعلون نون الوقاية جائزة مع ياء المتكلم، لا واجبة، وحكوه سماعا عن العرب) اهـ وينظر: الإنصاف مسألة (15) (1/ 82)، وشرح التسهيل للمرادي (188 / ب)، وتوضيح المقاصد للمرادي أيضا (3/ 62). (¬3) هذا الكلام بنصه في شرح الكافية الشافية (2/ 1078). (¬4) ينظر: شرح المصنف، والتذييل والتكميل (4/ 601). (¬5) في التذييل والتكميل (4/ 600): (ومذهب سيبويه والبصريين أنّ نصب الاسم في: «ما أظرف زيدا» هو على المفعول به) اهـ. وينظر: الكتاب (1/ 96)، وشرح التسهيل للمرادي (188 / ب)، والمساعد لابن عقيل (2/ 147). (¬6) أي عند البصريين. وهو الصحيح. (¬7) أي نكرة غير موصولة، ولا موصوفة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك إبهام، متلوّ بإفهام ولا ريب أنّ الإبهام حاصل بإيقاع «أفعل» على المتعجّب منه؛ إذ لا يكون مختصّا، فتعين كون الباقي مقتضيا الإبهام، وهو «ما» فلذلك اختير القول بتنكيرها، ولا يمتنع الابتداء بها - وإن كانت نكرة غير مختصّة - كما لم يمتنع الابتداء بـ «من» و «ما» الشرطيّتين والاستفهاميتين، ووافق أبو الحسن الأخفش على صحّة جعل «ما» التعجبية نكرة، وأجاز كونها موصولة بفعل التعجّب، مخبرا عنها بخبر لازم الحذف (¬1)؛ فتحصّل أيضا بقوله هذا إفهام وإبهام، فحصول الإفهام بذكر المبتدأ أو صلته، وحصول الإبهام بالتزام حذف الخبر، إلا أنّ هذا القول يستلزم مخالفة النظائر من وجهين (¬2): أحدهما: تقدّم الإفهام، وتأخّر الإبهام، والمعتاد فيما تضمّن من الكلام إفهاما، وإبهاما: تقدّم ما به الإبّهام، وتأخّر ما به الإفهام، كما فعل بضمير الشأن ومفسّره، وبضميري «نعم»، و «ربّ»، وبالعموم والتخصيص، وبالمميّز والتمييز، وأشباه ذلك. الثّاني: كون الخبر فيه ملتزم الحذف دون شيء، يسدّ مسدّه، والمعتاد في الخبر، الملتزم الحذف، أن يسدّ مسدّه شيء، يحصل به استطالة كما كان بعد «لولا»، وفي نحو: لعمرك لأفعلنّ، فالحكم بموصوليّة «ما» وكون الخبر محذوفا، دون استطالة حكم بما لا نظير له؛ فلم يعول عليه ولا أجيب الدّاعي إليه، وأيضا يقال لمن ذهب هذا المذهب: أخبرني عن الخبر الذي ادّعيت حذفه، أمعلوم هو أم مجهول؟ فإن قال: هو معلوم؛ فقد أبطل الإبهام المقصود، وإن قال: هو مجهول؛ لزمه حذف ما لا يصحّ حذفه، فإنّ شرط صحة حذف الخبر ألا يكون مجهولا، وهذا كاف في بيان ضعف القول بأن «ما» التعجبية موصولة بفعل التعجّب، وأما كونها استفهامية وهو قول الكوفيين (¬3) فليس بصحيح؛ لأنّ قائل - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح فصول ابن معط (ص 138)، والتذييل: (4/ 607)، والمساعد (2/ 148). (¬2) شرح المصنف (3/ 31). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 604): (وذهب الفراء وابن درستويه إلى أنّ «ما» استفهامية دخلها معنى التعجب وتأوله ابن درستويه على الخليل رحمه الله قال: معنى قول الخليل «ما» في «ما أحسن زيدا»، أنه استفهام دخله معنى التعجب كأنه هو الذي من حقه أن يقال فيه: أي شيء حسنه؟ واستدل عليه بإجماعهم على أنّ قولهم: أيّ رجل زيد؟ استفهام دخله معنى التعجب) اه، وينظر: منهج السالك لأبي حيّان (370)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / أ)، والمساعد لابن عقيل (2/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك إما أن يدّعي تجردها للاستفهام، وأما أن يدعي كونها للاستفهام والتعجّب معا، كما هي في قوله تعالى: فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (¬1). فالأول باطل بإجماع، ولأنّ اللفظ المجرد للاستفهام لا يتوجّه ممّن يعلم إلى من يعلم، و «ما أفعله» صالح لذلك، فلم يكن لمجرد الاستفهام، والثاني أيضا باطل؛ لأنّ الاستفهام المشوب بتعجّب لا يليه - غالبا - إلا الأسماء، نحو: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (¬2)، وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (¬3)، الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (¬4)، الْقارِعَةُ (1) مَا الْقارِعَةُ (¬5)، ونحو قول الشاعر: 2064 - يا سيّدا ما أنت من سيّد ... موطّأ الأكناف رحب الذّراع (¬6) ومثله: 2065 - يا جارتا ما أنت جارة (¬7) و «ما» المشار إليها مخصوصة بالأفعال، فعلم أنّها غير المضمّنة استفهاما، وأيضا: لو كان فيها معنى استفهام لجاز أن تخلفها «أيّ» كما يجوز أن تخلفها في نحو: (... ما أنت من سيّد) لأنّ استعمال «أيّ» في الاستفهام المضمّن تعجّبا كثير، كقوله: 2066 - أيّ فتى هيجاء أنت وجارها (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة الواقعة: 8. (¬2) سورة الواقعة: 27. (¬3) سورة الواقعة: 41. (¬4) سورة الحاقة: 1، 2. (¬5) سورة القارعة: 1، 2. (¬6) سبق تخريج هذا الشاهد في باب التمييز. والشاهد هنا قوله: «ما أنت من سيّد»؛ حيث إنّ «ما» الاستفهامية المشوبة بالتعجب جاء بعدها اسم هو «أنت». (¬7) سبق تخرج هذا الشاهد في باب التمييز أيضا. والشاهد هنا قوله: «ما أنت جارة»؛ حيث إنّ «ما» قد يقصد بها الاستفهام المشوب بالتعجب، ويعقبها الاسم غالبا، كما هنا. (¬8) هذا صدر بيت من الطويل، وعجزه: إذا ما رجال بالرّجال استقلّت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيضا، فإنّ قصد التعجّب بـ «ما أفعله» مجمع عليه، وكونه مشوبا باستفهام، أو ملموحا فيه الاستفهام زيادة لا دليل عليها، فلا يلتفت إليها (¬1). وفي «أفعل» المتعجّب به، مع الإجماع (¬2) على فاعليته قولان: أحدهما: أنّه في اللفظ أمر، وفي المعنى خبر إنشائي مسند إلى المتعجّب منه المجرور بالباء (¬3). الثاني: أنّه أمر باستدعاء التعجّب من المخاطب، مسند إلى ضميره، وهو قول الفرّاء واستحسنه الزمخشريّ، وابن خروف (¬4) والأول هو الصحيح، لسلامته ممّا يرد على الثاني من استشكالات: أحدها: أنّه لو كان الناطق بـ «أفعل» المذكور آمرا بالتعجّب لم يكن متعجّبا، كما لا يكون الآمر بالحلف، والنّداء، والتشبيه، حالفا، ولا مناديا، ولا مشبها، ولا خلاف في كون الناطق بـ «أفعل» المذكور متعجّبا، وإنما الخلاف في انفراد التعجّب، ومجامعة الأمريّة (¬5). الثاني: أنّه لو كان أمرا مع الإجماع على فعليّته لزم إبراز ضميره في التأنيث، والتثنية والجمع، كما يلزم في كلّ فعل أمر، متصرفا كان أو غير متصرّف، - ¬

_ - ولم ينسب لقائل معين، وهو من أبيات سيبويه التي جهل قائلها. اللغة: أي فتى هيجاء أنت وجارها: يريد: أي فتى حرب، وأي جار حرب أنت، والجار: الكافي لها، استقلت: نهضت. والشاهد هنا: أي فتى هيجاء وجارها، حيث استعملت «أي» للاستفهام المتضمن تعجبا. ينظر الشاهد في: الكتاب (2/ 55)، وشرح المصنف (3/ 33)، والتذييل والتكميل (4/ 605). (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 33). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 609): (لا خلاف في فعلية «أفعل» إذ هذا الوزن لا يوجد في الأسماء إلا قليلا جدّا، نحو: أصبع، إحدى لغات الإصبع، هكذا نقلوا، وفي كلام ابن الأنباري ما يدل على أنّ «أفعل» اسم، لا فعل) اهـ. (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 33) والتذييل والتكميل (4/ 605). (¬4) تنظر هذه الآراء في: معاني القرآن للفراء (2/ 139)، والتذييل والتكميل (4/ 612)، والمفصل (ص 276). (¬5) ينظر: منهج السالك (ص 371)، والتذييل والتكميل (4/ 612)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يعتذر [3/ 113] عن ذلك بأنه مثل أو جار مجرى المثل (¬1)، لأنّ المثل يلزم لفظا واحدا دون تبديل، ولا تغيير، نحو: أطرّي فإنّك ناعلة (¬2): 2067 - ... خلالك الجوّ فبيضي واصغري (¬3) والجاري مجرى المثل يلزم لفظا واحدا مع اغتفار بعض التغيير، نحو: حبّذا ولله درّك، فالتزم لفظ «حبّذا»، و «لله» أن تختم الجملتان بما كان للناطق بهما غرض في الختم به، و «أفعل» المذكور لا يلزم لفظا واحدا، أصلا، فليس مثلا، ولا جاريا مجرى المثل، فلو كان فعل أمر مسند إلى المخاطب لبرز ضميره في التأنيث، والتثنية، والجمع، كما برز مع غيره، من أفعال الأمر العارية من المثلية، وقيدت أفعال الأمر بالعارية من المثلية احترازا من نحو: «خذ ما صفا، ودع ما كدر» (¬4) و «زر غبّا تزدد حبّا» (¬5) على أنّ قولهم: «اذهب بذي تسلم» أشبه بالأمثال، - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 610، 617)، ومنهج السالك (371)، والمساعد لابن عقيل (141 / ب). (¬2) أطرّي: خذي طرر الوادي، وهى نواحيه، فإنّك ناعلة: فإن عليك نعلين، وقيل: عنى بالنعلين غلظ في جلد قدميها، ويضرب لمن يؤمر بارتكاب الأمر الشديد، لاقتداره عليه، يستوي فيه خطاب المذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والجمع. ينظر هذا المثل في: الكتاب (1/ 292)، جمهرة الأمثال لأبن لأبي هلال العسكري (1/ 50)، برقم (24)، ومجمع الأمثال (1/ 430)، وشرح المفصل لابن يعيش (3/ 428) اللسان «طرر». (¬3) هذا عجز بيت من الرجز، جرى مجرى المثل، وقائله طرفة بن العبد، الشاعر المشهور، وذلك أنه كان في سفر مع عمه، فذهب طرفة بفخ له، بمكان اسمه معمر، فنصبه للقنابر، وظل طوال يومه لم يصد شيئا، ثم حمل فخه، وعاد إلى عمه، فرحلا من هذا المكان، فرأى القنابر يلقطن ما كان نثر لهن، فقال أبياتا منها هذا الشاهد، وصدره: يا لك من قنبرة بعنبر ... ... وينسب الشاهد أيضا لكليب ابن أخي المهلهل، ويضرب المثل في الحاجة يتمكن منها صاحبها. والشاهد: لزوم المثل لفظا واحدا دون تغيير. ينظر الشاهد في: ديوان طرفة بن العبد (ص 46)، ومجمع الأمثال (1/ 239)، والفاخر (179)، وجمهرة الأمثال للعسكري (ص 422). (¬4) ينظر هذا المثل في المستقصى للزمخشري (2/ 72)، برقم (258)، والشاهد فيه لزوم الأمر لفظا واحدا، لأنه ليس عاريا من المثلية. (¬5) هذا الحديث أورده ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 146) مادة «غبب» وذكره -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأحق بأن يجرى مجراها، ولم يمنع ذلك من بروز فاعل الفعلين في التثنية والجمع، والتأنيث، فلو كان المذكور جاريا مجرى المثل لعومل معاملة: «اذهب» و «تسلم» (¬1). الثالث من الإشكالات: أن «أفعل» المذكور لو كان مسندا إلى المخاطب لم يجز أن يليه ضمير المخاطب، نحو: أحسن بك؛ لأنّ في ذلك إعمال فعل واحد في ضميري فاعل ومفعول، لمسمّى واحد (¬2). الرابع من الإشكالات: أنّ «أفعل» المشار إليه لو كان بمعنى الأمر، لا بمعنى «أفعل» تالي «ما» لوجب له من الإعلال - إذا كانت عينه ياء، أو واوا - ما وجب لـ: أبن، وأقم، ونحوهما، ولم يقل: أبين، وأقوم، فيلزم مخالفة النظائر، فإذا جعل مخالفا لـ: أبن، وأقم، ونحوهما في الأمريّة، موافقا لأبين وأقوم، من: ما أبينه، وما أقومهّ في التعجّب، سلك به سبيل الاستدلال، وأمن الشذوذ من التصحيح والإعلال (¬3)، وقد تبين بعد ما ذكرت فاعليته ما بعد «أفعل» من المجرور بالباء، وهو نظير المجرور بعد (كفى) في نحو: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (¬4) إلا أنّ بينهما فرقا من وجهين: أحدهما: أنّ الباء في: كَفى بِاللَّهِ * ونحوه قد يحذف، ويرتفع مصحوبه كقول الشاعر: 2068 - عميرة ودّع إن تجهّزت غازيا ... كفى الشّيب والإسلام للمرء ناهيا (¬5) - ¬

_ - السيوطي في الجامع الكبير (1/ 537)، وهذا الحديث من الأمثال، وتمثل به النبي صلّى الله عليه وسلّم، وفي مجمع الأمثال للميداني (1/ 322) برقم (1732): قال المفضل: «أول من قال ذلك معاذ بن حزم الخزاعي، وكانت أمه من عك، وكان فارس خزاعة، وكان يكثر زيارة أخواله ... إلخ». (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 34)، والتذييل والتكميل (4/ 618). (¬2) يراجع هذا الإشكال في: شرح المصنف (3/ 34)، والتذييل والتكميل (4/ 619) وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 57)، والهمع (2/ 9). (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 34)، والتذييل والتكميل (4/ 619). (¬4) سورة الرعد: 43، وسورة الإسراء: 96. (¬5) البيت من الطويل، وقائله سحيم عبد بني الحساس، الشاعر المشهور، وهو في طبقات الشعراء لابن سلام (ص 70): ... ... إن تجهّزت غاديا وفي اللسان مادة «نهى»: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والباء الجارّة ما بعد «أفعل» لا تحذف، إلّا إذا كان مصحوبها «أن» والفعل كقول الشاعر: 2069 - وقال نبيّ المسلمين تقدّموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقدّما (¬1) ولو اضطرّ شاعر إلى حذف الباء المصاحبة غير أن بعد «أفعل»، لزمه أن يرفع، وعلى مذهب الفراء يلزم النصب (¬2)، ولا حجة له في قول الشاعر: 2070 - ألا طرقت رجال القوم ليلى ... فأبعد دار مرتحل مزارا (¬3) لإمكان جعل «أبعد» دعاء، على معنى: أبعد الله دار مرتحل عن مزار محبوبته، كأنّه يحرّض نفسه على الإقامة في منزل طروق ليلى، لأنه صار طروقها مزارا (¬4)، ولا حجة له في قول الآخر: - ¬

_ - سميّة ودع ... اللغة: عميرة: اسم امرأة، تصغير عمرة، وفي ديوان سحيم: قال أبو عبيدة: كانت حبيبته التي شغف بها تسمى: غالية، وهي من أشراف تميم بن مر، ولم يتجاسر على ذكر اسمها، ودّع: اترك التودد إليها. والشاهد في البيت قوله: «كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا»؛ حيث أتى الشاعر بفاعل «كفى» الشيب وما عطف عليه غير مجرور بالباء الزائدة، وهذا دليل على جواز حذف هذه الباء. ينظر هذا الشاهد في: ديوان سحيم (ص 16)، والتذييل والتكميل (4/ 611)، والإنصاف (1/ 110)، وقطر الندى (323)، وشواهد المغني للسيوطي (325)، والأشموني (3/ 19). (¬1) البيت من الطويل، وقائله: العباس بن مرداس الصحابي، في غزوة حنين. والشاهد في البيت قوله: «وأحبب إلينا أن تكون المقدما» فقد استشهد به على جواز حذف الباء التي تجر المتعجب منه بعد «أنّ، وأن» المصدرتين؛ وذلك لاطراد حذف الجار منهما. وينظر الشاهد في: ديوان العباس بن مرداس (ص 102)، وشرح المصنف (3/ 35)، والمساعد لابن عقيل (2/ 150)، والدرر (2/ 121)، الأشموني (3/ 19). (¬2) ينظر: منهج السالك (372)، والتذييل والتكميل (4/ 621). (¬3) لم يعرف قائله، وهو من بحر الوافر. وروي: «الحي» بدل «القوم». الشاهد فيه: «فأبعد دار مرتحل» حيث نصب الاسم بعد «أفعل» لما حذفت الباء وهذا دليل على أن المجرور بعد أفعل في موضع نصب على المفعولية. وهو من شواهد المصنف (3/ 35)، والتذييل والتكميل (4/ 621)، ومنهج السالك (372)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / ب)، وتعليق الفرائد (2/ 435)، والدرر (2/ 120)، والمساعد (2/ 150)، والهمع (2/ 91). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 621).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2071 - فأجدر مثل ذلك أن يكونا (¬1) لاحتمال أن يكون «أجدر» فعل أمر، عاريا من التعجّب بمعنى: اجعل مثل ذلك جديرا بأن يكون، أي: حقيقا بالكون (¬2)، يقال: جدر بكذا جدارة، أي: صار به جديرا (¬3)، وأجدرته به، أي: جعلته جديرا به، أي: حقيقا (¬4)، ويحتمل أن يكون «أجدر» فعل تعجّب، مسندا إلى «مثل ذلك»، ثم حذفت الباء اضطرارا واستحقّ مصحوبها الرفع على الفاعلية لكنه بني، لإضافته إلى مبني، كما بني في قوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (¬5) على قراءة غير أبي بكر، وحمزة والكسائي (¬6). والثاني من جهتي الفرق: أن «كفى» قد تسند إلى غير المجرور بالباء فيكون هو في موضع نصب، ولا يفعل ذلك بـ «أفعل»، أصلا، ومن المواضع التي أسند فيها «كفى» إلى غير المجرور بالباء قول الشاعر: 2072 - فكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النّبيّ محمّد إيّانا (¬7) ونظير ما جاء في التعجّب من لفظ الأمر مرادا به الخبر ما جاء من ذلك في جواب - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الوافر لم أهتد إلى قائله، ولم أعرف تتمته فيما قرأت من المراجع. والشاهد فيه قوله: «فأجدر مثل ذلك أن يكون»؛ حيث نصب «مثل» الذي كان مجرورا بعد «أجدر» ونصب على إسقاط الخافض، وهذا دليل على أنّ موضعه نصب على المفعول به. ينظر الشاهد في: شرح التسهيل (3/ 35)، والهمع (1/ 91)، الدرر (2/ 120). (¬2) ينظر هذا التأويل في: التذييل والتكميل (4/ 621)، ومنهج السالك (372)، وشرح التسهيل للمرادي (189 / ب) وهو بحروفه في الدرر (2/ 120، 121). (¬3) في اللسان مادة «جدر» (5/ 189): (هو جدير بكذا، ولكذا، أي خليق له، وقد جدر جدارة) اهـ. (¬4) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 622)، وشرح المصنف (3/ 35) وتعليق الفرائد للدماميني (2/ 435). (¬5) سورة الذاريات: 23. (¬6) القراءة في النشر (3/ 213) وتحبير التيسير (ص 179)، والإتحاف (ص 399)، والكشاف (4/ 17)، والبحر المحيط (8/ 136، 137)، وإملاء ما من به الرحمن (2/ 244)، والبيان في غريب القرآن (2/ 391)، وفي كتاب السبعة لابن مجاهد (609): (قوله: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، وحفص عن عاصم: مثل مآ نصبا) اه. وفي الحجة لابن خالويه (312): (والحجّة لمن نصب أنه بناه مع «ما» بناء: «لا رجل عندك») اهـ. (¬7) سبق تخريج هذا الشاهد في (باب الاستثناء)، والشاهد فيه هنا قوله: «فكفى بنا حبّ النبيّ محمّد»؛ حيث أسند «كفى» إلى «حب» والجار والمجرور في موضع نصب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرط: كقوله تعالى: قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا (¬1)، وكقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النّار» (¬2)، وإلى هذا النوع أشرت بقولي: (واستفيد الخبر من الأمر هنا، وفي جواب الشرط). ثم قلت: (كما استفيد الأمر من مثبت الخبر، والنهي من منفيّه) فمثال الأوّل (¬3): قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (¬4) ومثال الثاني: قوله تعالى: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها (¬5) بضمّ الراء، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو (¬6). ثم قلت: (وربما استفيد الأمر من الاستفهام) مشيرا إلى قوله تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ (¬7)، وقوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (¬8) ثمّ قلت: (ولا يتعجّب إلّا من مختصّ) (¬9) فنبهت بذلك على أنّ المتعجّب منه مخبر عنه في المعنى، فلا يكون إلا معرفة، أو نكرة مختصة، فيقال: ما أحسنك وما أكرم زيدا، وما أسعد رجلا اتقى الله، ولا يقال: ما أحسن غلاما، ولا: ما أسعد رجلا من الناس؛ لأنه لا فائدة في ذلك (¬10)، ثمّ قلت: وإذا علم جاز حذفه، أي: إذا علم المتعجب منه، والمقصود به، جاز حذفه، معمول «أفعل» - ¬

_ (¬1) سورة مريم: 75، والأمر في الآية معناه الخبر، فهى من نظائر أفعل، كما في شرح المصنف، والتذييل والتكميل (4/ 621، 623). (¬2) هذا الحديث أخرجه البخاري ولفظه (1/ 31) باب: إثم من كذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم، رواه أبو هريرة: «تسمّوا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده في النار». (¬3) وضع الأمر موضع الخبر. (¬4) سورة البقرة: 228. والمعنى: ليتربصن. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 623)، وشرح المصنف (3/ 36). (¬5) سورة البقرة: 223. (¬6) في كتاب السبعة لابن مجاهد (ص 183): (فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبان عن عاصم: (لا تضارّ والدة) رفعا) اهـ. وفي الإتحاف (ص 158): (واختلف في لا تُضَارَّ فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وكذا يعقوب، برفع الراء مشددة؛ لأنه مضارع، لم يدخل عليه ناصب، ولا جازم، فرفع، فلا نافية، ومعناه النهي للمشاكلة، من حيث إنه عطف جملة خبرية على مثلها، من حيث اللفظ، ووافقهم ابن محيصن واليزيدي) اه. (¬7) سورة آل عمران: 20. والمعنى: أسلموا. (¬8) سورة المائدة: 91. والمعنى: انتهوا. (¬9) ينظر: المرجع السابق في التعليق الأول الصفحة نفسها. (¬10) ينظر: شرح المصنف (3/ 36)، والتذييل والتكميل (4/ 624).

كان، أو معمول «أفعل» (¬1)، فمثال حذف معمول «أفعل» قول الشاعر: 2073 - جزى الله عنّا بحتريّا ورهطه ... بني عبد عمرو، ما أعفّ وأمجدا (¬2) أراد: ما أعفّهم، وأمجدهم، فحذف لكون المراد معلوما. ومثال حذف معمول «أفعل» قول الآخر: 2074 - فذلك إن يلق المنيّة يلقها ... حميدا، وإن يستغن يوما فأجدر (¬3) أراد: فأجدر به، فحذف مع كونه فاعلا؛ لأن لزومه الجرّ كساه صورة الفضلة، ولأنه كمعمول «أفعل» في المعنى، وزعم قوم أنّه ليس محذوفا، لكن استتر في الفعل، حين حذفت الباء، كما يستتر ضمير «زيد»، إذا حذفت الباء من قولك: زيد كفى به فارسا (¬4) فتقول: زيد كفى فارسا، وهذه [3/ 114] الدعوى لا تصحّ، لأنّ صحتها تستلزم أن يبرز الضمير في التثنية والجمع، كما يبرز في «كفى» إذا قيل في الزيدان كفى بهما فارسين، و: الزيدون كفى بهم فرسانا: الزيدان كفيا فارسين، والزيدون كفوا فرسانا (¬5)، ومعلوم أنّه لا يبرز ضمير مع - ¬

_ (¬1) أجاز ذلك الجمهور، ومنعه الفراء، يراجع ذلك في المرجع الثاني الصفحة نفسها، ومنهج السالك (ص 384، 385)، وهمع الهوامع (2/ 91). (¬2) هذا البيت من الطويل وقائله الحصين بن القعقاع، كما في لسان العرب «بحتر» و «بختر». والشاهد في البيت قوله: «ما أعف وأمجدا» حيث حذف المتعجب منه جوازا، للعلم به، بعد «أفعل» والتقدير: ما أعفهم، وأمجدهم. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 37)، ومنهج السالك (ص 372)، والتذييل والتكميل (4/ 626). (¬3) هذا البيت من الطويل، وقائله: عروة بن الورد، الملقب بعروة الصعاليك، وكان شاعرا جوادا، من شعراء بني عبس المعدودين في الجاهلية، توفي سنة (616 م). تنظر: مقدمة ديوانه (ص 7 - 9). والشاهد في البيت قوله: «فأجدر»؛ حيث حذف المتعجب منه بعد «أفعل» والتقدير: فأجدر به، كما ذكره. ينظر الشاهد في: ديوانه (ص 37) ط. دار بيروت، والأصمعيات (ص 46)، وشرح المصنف (3/ 47)، والتذييل والتكميل (4/ 620)، والهمع (2/ 90)، والدرر (2/ 120). (¬4) لمراجعة هذا الزعم، ينظر: منهج السالك (ص 373)، وشرح التسهيل للمرادي (190 / أ)، وفي التذييل والتكميل (4/ 628): (وزعم الفارسي، وقوم من النحويين أنه لم يحذف الفاعل في «أفعل» بل لما حذف حرف الجر استتر الفاعل في «أفعل». اه. (¬5) ينظر هذا الرد في: شرح المصنف (3/ 137)، والتذييل والتكميل (4/ 628)، وهذا الرد أيضا في منهج السالك (ص 373) وزيد عليه: (وأجيب بأن الضمير استتر في الفعل، فلم يظهر، وسواء أكان ضمير جمع أو تثنية، أو مفرد؛ لأنه أجري مجرى الأمثال، وفي بقائها على صورة واحدة) اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «أفعل»، كقوله تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ (¬1) فعلم بذلك عدم صحة الدعوى المذكورة، ومما يدلّ على عدم صحتها أنّ من الضمائر ما لا يقبل الاستتار، كـ «نا» من نحو: أكرم بنا، وأحلم بنا؛ لأنّ «نا» لا تقبل الاستتار، والمقبول إنّما هو: أكرم، وأحلم، ونحو ذلك (¬2)، كما قال الراجز: 2075 - أعزز بنا واكف إن دعينا ... يوما إلى نصرة من يلينا (¬3) وقد يتوهم أنّ «أفعل» خوطب به المصدر على سبيل المجاز، كأنّ من قال: أحسن به، قال: يا حسن به، فلهذا لزم الإفراد والتذكير، أشار إلى هذا أبو علي في البغداديات، منفرا منه، وناهيا عنه (¬4)، ومما يبين فساده أنّ من الضمائر المصوغ منها «أفعل» ما لا يكون إلّا مؤنثا، كالسهولة والنجابة، فلو كان هذا الأمر على ما توهمه صاحب الرأي لقيل في أسهل به، وأنجب به: أسهلي، وأنجبي به، لكنّه لم يقل؛ فصحّ بذلك فساد ما أدّى إليه (¬5)، ولشبه «أفعل» بفعل الأمر جاز أن يؤكد بالنون كقول الشاعر: 2076 - ومستبدل من بعد غضبى صريمة ... فأحر به من طول فقر وأحريا (¬6) وهذا من إلحاق شيء لمجرد شبه لفظيّ، وهو نظير تركيب النكرة مع «لا» الزائدة، لشبهها بـ «لا» النافية للجنس، ونظيره زيادة «أن» بعد «ما» الموصولة، لشبهها بـ «ما» النافية (¬7)، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك، ولما كان فعل - ¬

_ (¬1) سورة مريم: 38. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 628): (ولأنّ من الضمائر ما لا يمكن استتاره، نحوا ضمير المتكلم، تقول: أكرم بي، وأعزز بنا، فلو حذف الباء وحدها لقيل: أكرمنا، وأعززنا، ولم يقل، إنما قالوا: أكرم، وأعزز؛ فدل ذلك على أنّ المحذوف هو حرف الجر، ومعموله). (¬3) البيت من الرجز، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «واكف»؛ حيث حذف المتعجب منه بعد «أفعل» والتقدير كما ذكر: واكف بنا. ينظر: الشاهد في: شرح المصنف (3/ 137)، ومنهج السالك (ص 373)، والدرر (2/ 120)، والتذييل (4/ 627). (¬4) ينظر: منهج السالك (ص 373)، وشرح التسهيل للمرادي (190 / أ). (¬5) ينظر: شرح المصنف (3/ 138). (¬6) سبق تخريج هذا الشاهد. والشاهد هنا قوله: «أحريا»؛ حيث أكد «أفعل» بنون التوكيد. (¬7) ينظر: شرح المصنف (3/ 183) والتذييل والتكميل (4/ 629).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التعجب دالّا على المبالغة والمزيّة استغني عن توكيده بالمصدر، وكذلك أفعل التفضيل، وعلى ذلك نبهت بقولي: (ولا يؤكد مصدر فعل تعجّب ولا أفعل تفضيل)، انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى، وهو كلام من زرق التوفيق وهدي في أداء مقاصده السنية إلى أحسن طريق ولنتبعه بذكر أمرين: أحدهما: أنّ ابن عصفور حدّ التعجب بأنه استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قلّ نظيره (¬1) فذكر الاستعظام تنبيها على أنّ التعجب لا يجوز من الله، والتعجب الوارد في القرآن الكريم مصروف إلى المخاطب (¬2)، أما ذكر الزيادة، وكون الوصف لفاعل فسيأتي التعرض لها في كلام المصنف، وأما ذكر خفاء السبب فقال هو في شرحه: إنّ التعجّب لا يكون إلا من خفيّ السّبب؛ ألا ترى أنّ الإنسان لا يعجب إلا ممّا كان يعلمه ولا يقدر وقوعه، فيتعجب كيف وقع مثله، وأمّا ذكر خروج المتعجّب منه بالزيادة عن نظائره، وأن يقلّ نظيره، فقال في شرحه أيضا: الزيادة المستعظمة في وصف الفاعل لا يتعجب منها إلا إذا بلغت هذا المبلغ. الثّاني: أنّ ابن عصفور أيضا وهو يذكر الصيغتين اللتين هما: ما أفعل، وأفعل به قال: إلا أنّ فيها خلافا، منهم من ألحقها بباب التعجّب، كالأخفش ومن معه ومنهم من ألحقها بباب «نعم» ثم صحح أنها من صيغ التعجّب قال: بدليل أنّ العرب لا تبني الفعل الثلاثي على «فعل»، وتضمنه معنى المدح أو الذّمّ، إلّا بشرط أن يكون ذلك الفعل يمكن التعجب منه بقياس، قال: ولو لم يكن معناه التعجب لما لزم ذلك فيه، إلّا أنّ منهم من يجريه مجرى «نعم»، رعيا لما تضمنته من معنى المدح أو الذّم، ومن ذلك قوله تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ (¬3)، وهذه الآية الشريفة على حدّ: نعم رجلا زيد، ومنهم من لا يجريه مجرى «نعم»؛ - ¬

_ (¬1) ينظر: هذا التعريف في: المقرب (1/ 71)، وهو بحروفه - كما هنا - في الشرح الكبير (1/ 576) بتحقيق أبو جناح، والتذييل والتكميل (4/ 599). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 595): (لا يجوز - يعني التعجب - من الله تعالى؛ لعلمه بجميع الأمور سبحانه تعالى فلا يتأثر بشيء؛ لأنه قديم لا يقبل الحوادث) اهـ. (¬3) سورة الكهف: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رعيا لما تضّمنته من معنى التعجّب، ولا يلزم إذا أن يكون فاعله كفاعل «نعم» قال: والدليل على ذلك قوله: 2077 - فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها ... وحبّ بها مقتولة حين تقتل (¬1) وقول الآخر: - 2078 - لم يمنع النّاس منّي ما أردت ولا ... أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا (¬2) ففاعل «حبّ» في البيت الأول ضمير عائد على ما تقدّم، وفاعل «حسن» في البيت الثاني اسم إشارة، والضمير العائد على ما قبله واسم الإشارة لا يكونان فاعلي «نعم» (¬3). انتهى. وقد تقدم ذكر هذه المسألة في باب «نعم» وأشار المصنف إلى أنّ «فعل» يستعمل استعمال «نعم» و «بئس» متضمنا تعجبا، وذكر انجرار فاعله بالباء، واستغناءه، عن الألف واللّام، وإضماره، على وفق ما قبله، لكون الصيغة مضمنة معنى التعجب، مع أنّ المدح أو الذّمّ بها مقصود، ومقتضى كلام ابن عصفور أنّ إرادة التعجّب بها منفصلة عن إرادة المدح أو الذمّ، وأنّ أحد الاستعمالين لا يدخل في الآخر، بل قد تستعمل مرادا بها هذا المعنى، وقد تستعمل مرادا بها المعنى الآخر (¬4)، واعلم أنّ الشيخ ذكر مسائل سبعا، عند شرحه قول المصنف: «ولا - ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا الشاهد في أفعال المدح والذم. (¬2) هذا البيت من البسيط، وقائله: سهم بن حنظلة الغنوي. اللغة: قال الجوهري في الصحاح: «حسن»: قد حسن الشيء، إن شئت خففت الضم فقلت: حسن الشيء، ولا يجوز أن تنقل الضم إلى الحاء، وإنما يجوز إذا كان بمعنى المدح أو الذم، تشبيها بـ «نعم، وبئس»، إذ أصلهما: نعم وبئس. والشاهد في البيت قوله: «حسن»؛ حيث خففت الكلمة، بنقل ضمة العين إلى الفاء، وهذا جائز. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 564)، واللسان «حسن»، والأشباه والنظائر (3/ 175)، والخزانة (9/ 431). (¬3) هذا النص ليس في شرح الكبير والصغير ولا في مثل المقرب فلعله في شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور. (¬4) في الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 607): (وكل فعل ثلاثى يجوز فيه أن يبنى على وزن «فعل» يراد به معنى المدح، أو الذم، ويكون حكمه إذ ذاك كحكم «نعم وبئس» في الفاعل وفي التمييز، وفي ذكر اسم الممدوح).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتعجّب إلّا من مختصّ»: الأولى: إذا كان المتعجب منه معرفا بـ «ال» العهد، نحو: ما أحسن الابن، تعني به ابنا معهودا بينك وبين المخاطب، قال: الجمهور على الجواز، ومنها الفراء (¬1). الثانية: إذا كان «أيّا» الموصولة بفعل ماض، هو صلتها، نحو: ما أحسن أيّهم قال ذلك، منعها الكوفيّون والأخفش (¬2) وأجازها غيرهم، فإن كانت صلتها مضارعا جاز عند الجميع، نحو: ما أحسن أيّهم يقول ذلك. الثالثة: ما أحسن ما كان زيد، أجازها هشام ومنعها غيره من الكوفيين، قال النحاس (¬3): وهي على أصل البصريين جائزة (¬4)، أي: ما أحسن ما كانت كينونة زيد، فالأولى في موضع نصب، والثانية في موضع رفع. [3/ 115] الرابعة: ما أحسن ما كان زيد ضاحكا، إذا كانت «كان» ناقصة، أجاز ذلك الفراء وجماعة، ومنعها البصريّون، فإن جعلت «كان» تامة، ونصبت «ضاحكا» على الحال جاز ذلك عند الجميع. الخامسة: ما أحسن ما ظننت عبد الله قائما، قال الفراء: إن شئت لم تأت بقائم؛ لأنه - ¬

_ (¬1) ينظر: منهج السالك (ص 384، 385)، والتذييل والتكميل (4/ 624)، والهمع (2/ 91). (¬2) ينظر: المراجع المذكورة في التعليق السابق بنفس الصفحات. (¬3) هو الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد المصري، المعروف بالنحاس، تعلم في مصر، ثم رحل إلى العراق، وأخذ عن الأخفش الصغير، والزجاج ونفطويه وابن الأنباري، وغيرهم، وناظر ابن ولاد. من مصنفاته: إعراب القرآن، وكتاب المقنع في اختلاف البصريين والكوفيين، والتفاحة، والكافي، وغير ذلك، توفي سنة (338 هـ). تنظر ترجمته في: طبقات القاضي ابن شهبة (2/ 375)، ونشأة النحو (ص 157). (¬4) لمراجعة ما قاله ينظر: التذييل والتكميل (4/ 625)، ومنهج السالك (ص 385).

[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين]

[همزة (أفعل) و (أفعل) وأحكام هاتين الصيغتين] قال ابن مالك: (فصل: همزة «أفعل» في التّعجّب لتعدية ما عدم التّعدّي في الأصل أو الحال، وهمزة «أفعل» للصّيرورة، ويجب تصحيح عينيهما، وفكّ «أفعل» المضعّف، وشذّ تصغير «أفعل» مقصورا على السّماع، خلافا لابن كيسان، في اطّراده، وقياس «أفعل» عليه، ولا يتصرّفان، ولا يليهما غير المتعجّب منه، إن لم يتعلّق بهما، وكذا إن تعلّق بهما، وكان غير ظرف أو حرف جرّ، وإن كان أحدهما فقد يلي، وفاقا للفرّاء والجرميّ والفارسي، وابن خروف، والشّلوبين، وقد يليهما عند ابن كيسان «لولا» الامتناعيّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ نصب على الحال، لا غير، وهو عند البصريّين خبر، ولا يجوز حذفه. السادسة: ما أحسن أحدا يقول ذلك، أجازها الكسائي، ومنعها الفراء والبصريّون، وألزمه الفراء أن يقول: اضرب أحدا يقول ذلك، ولتضربنّ أحدا يقول ذلك، وعليك بأحد يقول ذلك، وهو إلزام صحيح لأنّ الكسائي شبه «أحدا» بـ «أيهم» من جهة الإبهام، وهو يجيز ما ألزمه في «أيهم»، فإن جعلت «أحدا» في معنى «واحد» صحت المسألة (¬1). المسألة السابعة: ما أحسن ما ليس يذكرك زيد، أجازها بعضهم. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): يدلّ على كون همزة «أفعل» المتعجّب به معدية حدوث التعدّي بزيادتهما على ما لا يتعدّى له، كقولك في: حسن زيد، وجزع بكر، وصبر خالد: ما أحسن زيدا، وما أجزع بكرا، وما أصبر خالدا، وإلى هذه الأفعال الثلاثة أشرت بعدم التعدّي في الأصل. - ¬

_ (¬1) تنظر هذه المسألة، ورأي الكسائي، والفراء، والبصريين في: منهج السالك (ص 385)، والتذييل والتكميل (4/ 625). (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 38).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشرت بعدم التعدّي في الحال إلى نحو: ما أعرف زيدا بالحقّ، فإنّ «عرف» - قبل التعجّب - متعدّ بنفسه إلى الحقّ، فلما قصد به التعجّب ضمّن ما لا يتعدى من أفعال الغرائز، كقوي، وضعف، وكمل، ونقص؛ فقصر عن نصب ما كان منصوبا به وعدي إليه بالباء، كما تعدّى قصر ونحوه، مما هو في أصله غير متعدّ، وصار ما كان فاعلا - قبل - مفعولا، كما يصير فاعل «ظهر» من قولك: ظهر الحقّ، مفعولا، إذا أدخلت الهمزة، فقلت: أظهرت الحقّ، ولا يصحّ قول من قال: زعم أنّ «أفعل» المتعجب به لا يكون إلا من «فعل»، موضوعا، أو مردودا إليه، لوجهين: أحدهما: أنّ «فعل، وفعل» اللازمين، كجزع، وصبر، مساويان «فعل»، في عدم التعدّي، وقبول همزة التعدية، فتقدير ردّهما إلى الفعل لا حاجة إليه. الثاني: أنّ من الأفعال ما رفضت العرب صوغه على «فعل»: وهو المضاعف واليائيّ العين أو اللام، فإن قصد بالمضاعف معنى غريزي دلّوا عليه في غير شذوذ، بـ «فعل» نحو: جلّ يجلّ، وعزّ يعزّ، وخفّ يخفّ، وقلّ يقلّ، ونسب إلى الشذوذ نحو: لببت وبذلك استغنوا في اليائيّ العين عن «فعل بـ «فعل» نحو: طاب يطيب، ولان يلين، وضاق يضيق، أما اليائيّ اللام فاستغنوا فيه عن «فعل» بـ «فعل»، نحو: حيي، وعمي، وغني، فإذا قصد تعجب بشيء من هذه الأنواع أدخلت الهمزة عليها، ولم تردّها إلى «فعل»؛ لأنّ «فعل» فيها مرفوض (¬1)، وهمزة «أفعل». المتعجّب به للصيرورة، أي لتجعل فاعله ذا كذا، فأصل قولك: أحسن بزيد: أحسن زيد، أي: صار ذا حسن تام، وهو نظير: أثر الرجل: صار ذا أثرة، وأترب: صار ذا مال كالتراب، وأنجب وأظرف: صار ذا ولد نجيب وذا ولد ظريف وأخلأت الأرض وأكلأت وأكمأت، أي: صارت ذات خلأ وكلأ وكمأة، وأورقت الشجرة وأثمرت - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان: (ولا يلزم قوله: لأن هذا التحويل هو أمر تقديري، لا وجودي، والمقدرات ليست كالموجودات، فقد يكون الشيء مقدرا، ولا ينطق به، ولا يلفظ، وهذا كثير في هذه الصناعة، ألا ترى إلى المنصوب على الاشتغال، وإلى المرفوع، أو المنصوب، من النعوت المقطوعة، كيف يحكم بعواملها، وتقدّر، وليست موجودة ولا يلفظ بها، ولا ينطق في لسان العرب) اه. التذييل والتكميل (4/ 635)، ومنهج السالك (ص 377).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأزهرت: صارت ذات ورق، وزهر، وثمر (¬1)، وإذا كانت عين «أفعل» المتعجّب به ياء، أو واوا، وجب تصحيحها نحو: ما أبين الحقّ، وأنوره، وأصله الإعلال لكن صحح؛ حملا على «أفعل» التفضيل، كما حمل هو على المتعجّب به في امتناع التأنيث والتثنية والجمع؛ فإنهما يتناسبان وزنا ومعنى، فأتبع أحدهما الآخر فيما هو أصل فيه كما أجري اسم الفاعل مجرى المضارع في العمل، وأجري المضارع، مجرى اسم الفاعل في الإعراب، وكما أجري: الحسن الوجه على: الضارب الرجل في النصب، والضارب الرجل على: الحسن الوجه في الجرّ، وحمل أفعل المتعجّب به، على أخيه، فقيل: أبين بالحقّ وأنور به، كما قيل: ما أبينه، وما أنوره. ولزم فكّ «أفعل» المضاعف نحو: أجلل به، وأعزز؛ لأنّ سبب الإدغام في هذا النوع إنّما هو تلاقي المثلين، متّصلين، متحركين، تحركا غير عارض، أو ساكنا أحدهما سكونا غير لازم، كسكون «أجلل» إذا لم يكن تعجبا؛ لأنه معرض للحركة في نحو: أجلل الله، وأجلّاه وأجلّوه، وأجلّيه؛ فلذلك لم يجب فكّ «أفعل» إذا لم يكن تعجبا، ووجب إذا كان إياه، ولشبه «أفعل» المتعجب به بـ «أفعل» التفضيل أقدم على تصغيره بعض العرب فقال: 2079 - يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا ... من هؤليّائكنّ الضّالّ والسمر (¬2) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 39)، وكذلك التذييل والتكميل (4/ 637) وفيه: (وهذا الذي ذكره مذهب البصريين) اهـ. وينظر أيضا: شرح التسهيل للمرادي (190 / أ)، وتعليق الفرائد للدماميني (2/ 238). (¬2) هذا البيت من البسيط، وقائله: عبد الله بن عمر بن عثمان المشهور بالعرجي الشاعر، ووسمى بالعرجي بماء له يقال: له العرج، نحو الطائف. تنظر ترجمته في: القاموس المحيط «عرج»، ومقدمة ديوانه (ص 6)، ونسب أيضا لقيس المجنون، ولذي الرمة، وللحسين بن عبد الله، وفي الدرر (1/ 49): قائله كامل الثقفي. اللغة: يا: حرف نداء، والمنادى محذوف، أي: صاحبي ونحوه، ما أميلح: وأصله: ما أملح فصغر وهو من الملاحة أي: البهجة، وحسن المنظر، غزلانا: جمع غزال، وهو ولد الظبية، شدن: من شدن الظبي، أي قوي، وطلع قرناه، لنا: صفة ثانية للغزال، والضال: شجر السدر البري، والسمر: شجر الطلح بحاء مهملة والشاهد فيه هنا قوله: «يا ما أميلح»؛ حيث استشهد به على تصغير «أفعل» في التعجب، لشبهه بـ «أفعل» التفضيل، وهو شاهد الكوفيين، غير الكسائي على اسمية فعل التعجب. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 40)، والتذييل والتكميل (4/ 640)، وشرح المفصل لابن يعيش (1/ 61)، (3/ 134)، والأشموني (3/ 18)، والهمع (1/ 76)، والدرر (1/ 49)، وهو في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو في غاية الشذوذ، فلا يقاس عليه، فيقال - في: ما أجمله وما أظرفه: ما أجيمله، وما أظيرفه - لأنّ التصغير وصف في المعنى، والفعل لا يوصف، فلا يصغر وأجاز ابن كيسان اطراد تصغير «أفعل» (¬1) وضعف رأيه في ذلك بيّن، وخلافه متعيّن. ولا خلاف في عدم تصرّف فعلي التعجّب (¬2)، ولا في منع إيلائهما ما لا يتعلق بهما كـ: عند الحاجة، و: معروف، من قولك: ما أنفع معطيك عند الحاجة، وما أصلح أمرك بمعروف، وأنفع بمعطيك عند الحاجة، وأصلح بأمرك بمعروف (¬3)، وكذا لا خلاف في منع إيلائهما ما يتعلّق بهما، من غير ظرف، وجارّ ومجرور، نحو: ما أحسن زيدا مقبلا وأكرم به رجلا فلو قلت: ما أحسن [3/ 116] مقبلا زيدا، وأكرم رجلا به؛ لم يجز بإجماع (¬4). وكذا لا يجوز بإجماع تقديم المتعجب منه، نحو: زيدا ما أحسن، وبه أكرم؛ لأنّ فعلي التعجّب أشبها الحروف في منع التصرّف، فجريا مجراها في منع تقديم معمولها، فلو فصل بينهما، وبين المتعجب منه بما يتعلق بهما من ظرف أو جارّ ومجرور، لم يمتنع ولم يضعف لثبوت ذلك نثرا، ونظما، وقياسا: فمن النثر قول عمرو بن معديكرب (¬5): - ¬

_ - ديوان العرجي الشاعر (ص 183) في ذيل الديوان. (¬1) يراجع مذهب ابن كيسان هذا في: التذييل والتكميل (4/ 640) وفيه: (وهذا الذي ذكره ابن كيسان، من اطراد تصغير «أفعل» في التعجب هو نص كلام البصريين والكوفيين، أما الكوفيون فإنهم اعتقدوا اسمية «أفعل» فهو عندهم مقيس فيه، وأما البصريون فنصوا على ذلك في كتبهم، وإن كان خارجا عن القياس) اه. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 643): (وما ذكره المصنف من كونهما لا يتصرفان صحيح، لكن في «أفعل» بعد «ما» خلاف، ذهب البصريون إلى أنه يلزم فيه لفظ الماضي، لا خلاف عنهم في ذلك) اهـ. وينظر: منهج السالك (ص 373). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 643): (يعنى أنه لا يفصل بين «أفعل» ومنصوبه، ولا «أفعل» ومجروره، بشيء لا يتعلق بهما، وسبب ذلك ضعفهما؛ بكونهما لا يتصرفان، فأشبها «إنّ» وأخواتها، وقيل: لأنهما مشتبهان بالصلة، والموصول؛ لافتقار الأول إلى الثاني، من جهة المعنى، فإذا كان ثم ما يتعلق بغيرهما فلا يجوز أن يليهما) اهـ. (¬4) في التذييل (4/ 644): (وهذا الذي ذكر أنه لا يجوز: «ما أحسن مقبلا زيدا» فيفصل بينهما بالحال بإجماع، تبعه في ذلك بدر الدين، وليس كما ذكرا، بل الخلاف في الحال موجود، ذهب الجرمى من البصريين، وهشام من الكوفيين إلى أنه يجوز الفصل بينهما بالحال) اهـ. (¬5) هو الصحابي عمرو بن معديكرب بن عبد الله بن عمرو بن خضم الزبيدي من فرسان الجاهلية والإسلام، استشهد يوم القادسية، وقيل: (21 هـ) بعد أن شهد نهاوند، ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 33). وقال عمر هذا القول حينما أتى مجاشع بن مسعود بالبصرة يسأله الصلة فأعطاه، ينظر: الدرر (2/ 121).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «لله درّ بني مجاشع، وروي: لله درّ بني سليم؛ ما أحسن في الهيجاء لقاءها، وأحسن في اللزبات عطاءها وروي: وأثبت في المكرمات بقاءها» (¬1). ومن النظم قول بعض الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -: 2080 - وقال نبيّ المسلمين تقدّموا ... وأحبب إلينا أن يكون المقدّما (¬2) وقول الآخر: 2081 - أقيم بدار الحزم ما دام حزمها ... وأحر إذا حالت بأن أتحوّلا (¬3) قول الآخر: 2082 - فصدّت وقالت بل تريد فضيحتي ... وأحبب إلى قلبي بها متغضّبا (¬4) وقول الآخر: 2083 - خليليّ ما أحرى بذي اللّبّ أن يرى ... صبورا ولكن لا سبيل إلى الصّبر (¬5) - ¬

_ (¬1) الهيجا - بمد وقصر -: الحرب، واللزبات: جمع لزبة: الشدة والقحط، والمكرمات: جمع مكرمة: الكرم، والشاهد هنا: الفصل بالجار والمجرور بين فعل التعجب ومعموله. ينظر هذا القول في: منهج السالك (ص 381)، وتوضيح المقاصد والمسالك (3/ 72)، والتذييل والتكميل (4/ 649)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 1097) رسالة. (¬2) سبق تخريجه قريبا أول الباب. والشاهد فيه هنا: الفصل بالجار والمجرور بين فعل التعجب «أحبب» ومعموله «أن يكون». (¬3) البيت من الطويل، وقائله أوس بن حجر، وهو في ديوانه (ص 83) وحماسة البحتري (ص 120). اللغة: دار الحزم: الدار التي تعتبر الإقامة فيها حزما، أحر: أجدر، حالت: تغيرت. والمعنى: أقيم بالمكان الذي يكون الإنسان فيه معززا مكرما، والإقامة فيه دليل الحزم، وحسن التصرف فإذا تغيّرت الحال فالأولى أن أتحول. والشاهد في البيت قوله: «وأحر»؛ حيث فصل بينه وبين فاعله بالظرف وهو «إذا حالت». وينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 650)، ومنهج السالك (ص 381)، وشرح ابن الناظم (ص 181)، والأشموني (3/ 24). (¬4) هذا البيت من بحر الطويل: وقائله عمر بن أبي ربيعة الشاعر المشهور توفي (93 هـ) والبيت في ديوانه (ص 21). والشاهد في البيت قوله: «وأجبب»؛ حيث فصل بينه وبين فاعله بها بالجار والمجرور، وهو «إلى قلبي». وينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 650)، ومنهج السالك (ص 381). (¬5) هذا البيت من الطويل، وقال العينى: احتج به الجرمي وغيره، ولم يذكر أحد منهم قائله ولم أهتد إلى معرفته. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول الآخر: 2084 - حلمت وما أشفى لمن غيظ حلمه ... فآض الّذي عاداك خلّا مواليا (¬1) وأمّا صحّة هذا الفصل قياسا فمن قيل أنّ الظرف والجارّ والمجرور يغتفر الفصل بهما بين المضاف والمضاف إليه مع أنهما كالشيء الواحد، فاغتفار الفصل بهما بين فعل التعجّب والمتعجّب منه كشيء واحد أحقّ وأولى. وأيضا فإنّ «بئس» أضعف من فعل التعجّب، وقد فصل بينه وبين معموله بالجارّ والمجرور، في قوله تعالى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (¬2) فأن يقع مثل ذلك بين التعجّب ومعموله أولى بالجواز، وهذا الدليل ذكره أبو عليّ الفارسيّ، وقد بين أنّه من الفصل المشار إليه (¬3)، أما كون ذلك مذهب الجرمي فمشهور (¬4)، واختار هذا المذهب ابن خروف في شرح كتاب سيبويه. وقال الشيخ أبو عليّ الشلوبين: حكى الصيمريّ (¬5) أنّ مذهب سيبويه منع الفصل بالظرف، بين فعل التعجب ومعموله، والصواب أنّ ذلك جائز، وهو - ¬

_ - والشاهد فيه: الفصل بين «ما أحرى» وبين فاعله: «أن يرى» بالجار والمجرور، و «صبورا» مفعول ثان، وخبر «لا» التي لنفي الجنس محذوف، أي: لا سبيل موجود. ينظر الشاهد في: شرح ابن الناظم (ص 181)، والتذييل والتكميل (4/ 650)، ومنهج السالك (ص 381)، والأشموني (3/ 24)، والهمع (2/ 91)، والدرر (2/ 121). (¬1) هذا البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. الروايات واللغة: روي: «حملت» بدل «حلمت» وما أثبته أصح. فآض: في المصباح المنير: آض يئيض أيضا، مثل باع يبيع بيعا، إذا رجع، خلّا: صديقا. والشاهد فيه قوله: «لمن غيظ»؛ حيث فصل به، وهو جار ومجرور، بين فعل التعجب «أشفى» ومعموله وهو «حلمه»، وهذا دليل من النظم على جواز الفصل. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 381)، والتذييل والتكميل (4/ 650). (¬2) سورة الكهف: 50. (¬3) ينظر: شرح المفصل لابن يعيش (7/ 150)، وشرح الرضي (2/ 309)، والهمع (2/ 91)، والتصريح (2/ 90). (¬4) ينظر: المفصل (ص 277)، والأشموني (3/ 25)، والهمع (2/ 96)، وفي شرح الرضي للكافية (2/ 287، 288): (أجازه الفراء والجرمي وأبو علي والمازني) اه. (¬5) هو أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري، من نحاة القرن الرابع الهجري، له: التبصرة في النحو، وهو كتاب جليل مطبوع مشهور من جزأين، سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المشهور والمنصور (¬1)، هكذا قال الأستاذ أبو عليّ، وهو المنتهى إليه في هذا الفنّ (¬2). وقال السيرافيّ - في قول سيبويه: ولا نزيل شيئا عن موضعه (¬3) -: إنّما أراد بذلك أن تقدّم «ما» وتوليها الفعل، ويكون الاسم المتعجّب منه بعد الفعل، ولم يتعرض للفصل بين الفعل والمتعجب منه، وكثير من أصحابنا يجيز ذلك، منهم الجرميّ، وكثير منهم يأباه، منهم الأخفش والمبرّد (¬4)، وقال الزمخشريّ - بعد أن حكم بمنع الفصل -: وقد أجاز الجرميّ، وغيره من أصحابنا الفصل وينصرهم قول القائل: ما أحسن بالرجل أن يصدق، ومن العجب اعترافه بنصرهم، والتنبيه على بعض حججهم، بعد أن خالفهم بلا دليل (¬5)، ولما كان فعل التعّجب مسلوب الدلالة على المضيّ، وكان المتعجب منه صالحا للمضيّ أجازوا زيادة «كان» إشعارا بذلك عند قصده، نحو: ما كان أحسن زيدا (¬6)، وكقول بعض مدّاح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: 2085 - ما كان أسعد من أجابك آخذا ... بهداك مجتنبا هوى وعنادا (¬7) - ¬

_ (¬1) في التبصرة والتذكرة للصيمري (1/ 268): (ولا يجوز الفصل بين فعل التعجب، وبين ما عمل فيه عند سيبويه؛ لأن فعل التعجب لا يتصرف فيه) اهـ. (¬2) ينظر: شرح الكافية الشافية (2/ 1098) وفيه: (وهكذا قال الأستاذ أبو علي، وهو المنتهى في المعرفة بهذا الفنّ، نقلا وفهما) اهـ. وفي شرح المقدمة الجزولية (2/ 892) نحو: قال الشلوبين: (الجملة التعجبية تجري مجرى الأمثال، ولا يتصرف فيها بتقديم ولا بتأخير، فلا يقال: ما زيدا أحسن، ولا زيدا ما أحسن، واختلفوا في الفصل وأجازه بعضهم، قال سيبويه: والصواب جوازه بالإجماع، والصيمري نسب امتناع ذلك إلى سيبويه، ولا يصح) اهـ. (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 73) ط. هارون. (¬4) ينظر: شرح السيرافي (2/ 429، 430)، رسالة دكتوراه، إعداد: دردير أبو السعود، والبهجة المرضية (ص 309)، والنص بتمامه في شرح الكافية (2/ 1098)، وينظر: التذييل والتكميل (4/ 653). (¬5) النص بتمامه في شرح الكافية (3/ 1098)، وعبارة المفصل (ص 277): (وقد أجاز الجرمي الفصل وغيره من أصحابنا) اه. وينظر: شرح المصنف (2/ 145). (¬6) ينظر: شرح الكافية (2/ 1099) وفي الكتاب (1/ 73): (وتقول: ما كان أحسن زيدا، فتذكر «كان» لتدل أنه فيما مضى) اه. والتذييل والتكميل (4/ 653). (¬7) هذا البيت من الكامل، وقائله عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، كما في العيني (3/ 663). والشاهد فيه: زيادة «كان» بين «ما» وفعل التعجب للدلالة على أنه فيما مضى، كما ذكره الشارح. ينظر: شرح المصنف (3/ 43)، وشرح الكافية (2/ 1099)، وشرح العمدة (ص 70)، والأشموني (3/ 25).

[جر ما يتعلق بصيغتي التعجب]

[جرّ ما يتعلّق بصيغتي التعجّب] قال ابن مالك: (ويجرّ ما تعلّق بهما من غير ما ذكر بـ «إلى إن كان فاعلا، وإلّا فبالباء إن كان من مفهم علما أو جهلا، وباللّام إن كانا من متعدّ غيره، وإن كانا من متعدّ بحرف جرّ فبما كان يتعدّى به، ويقال في التّعجّب من «كسا زيد الفقراء الثّياب» و «ظنّ عمرو بشرا صديقا» و «ما أكسى زيدا الفقراء الثّياب» و «ما أظنّ عمرا لبشر صديقا» وينصب الآخر بمدلول عليه بأفعل لا به، خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز ابن كيسان الفصل بين «أفعل» والمتعجّب منه، بـ «لولا» الامتناعية، ومصحوبها، كقولك: ما أحسن لولا بخله زيدا، ولا حجة على ذلك (¬1). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى. ونظرت في شرح الشيخ بعد ذلك فلم أجده ذكر شيئا كبير الفائدة، يتعلق بهذا الفصل، مع أنه أطال الكلام، ولكن لم يتحصل لي فيه ما يتعين إثباته، وكلام المصنّف - إذا تأمله الناظر - كان فيه غنية عن كثير من التصانيف، فسبحان الملك الوهاب ولا مانع لما أعطى جلّ وعزّ وعلا. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): الإشارة بما ذكر إلى المتعجّب منه، والظرف والحال، والتمييز، فما ليس واحدا منها، وله تعلّق بفعل التعجّب، يجرّ بـ «إلى» إن كان فاعلا في المعنى، نحو: ما أحبّني إلى زيد، فـ «زيد» فاعل في المعنى، لأنّ المراد يحبّني زيد حبّا بليغا (¬3)، وإن لم يكن فاعلا في المعنى جرّ بالباء إن كان فعل التعجّب مصوغا من فعل علم أو جهل، نحو: ما أعرفني بزيد، وما أجهله بي، وإن صيغ من غير ذلك، وكان فعل التعجّب متعدّيا عدّي في التعجّب باللّام، - ¬

_ (¬1) لمراجعة ذلك ينظر: شرح المصنف (3/ 43)، والتذييل والتكميل (4/ 652)، ومنهج السالك (ص 381)، وشرح التسهيل للمرادي (191 / أ)، والمساعد لابن عقيل (2/ 157 - 158). وفي تعليق الفرائد للدماميني (2/ 441): (فإن كان عن سماع فهو معذور، وإلا فهو جملة اعتراض، فما وجه تخصيص اعتراضه، مفتتحة بلولا، عن اعتراضه غير مفتتحة بها؟!) اه. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 43). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 664) وفيه زيادة «أحبب بزيد إلى عمرو، وأبغض بعمرو إلى بكر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: ما أضربني لزيد، وما أنصرني لعمرو، فإن كان فعل التعجّب متعدّيا بحرف جرّ عدّي به حال التعجّب، نحو: ما أزهد زيدا في الدّنيا، وما أبعده عن الشرّ (¬1)، وما أصبره على الأذى، فإن كان فعل التعجّب متعديا إلى اثنين جررت الأول باللام، ونصبت الثاني عند البصريين (¬2) بمضمر مجرّد مماثل لتالي «ما» نحو: ما أكسى زيدا للفقراء الثياب، فالتقدير: يكسوهم الثياب، وكذا يفعلون في: ما أظنّ عمرا لبشر صديقا، يقدرون: يظنّه صديقا، والكوفيّون لا يضمرون، بل ينصبون الثاني [3/ 117] بتالي «ما» بنفسه (¬3)، ذكر هذه المسألة ابن كيسان في المهذّب (¬4). انتهى. ويتعلق بهذا الموضوع بحثان: الأول: أنّ المصنف اقتصر في صورة المسألة على التمثيل لها بصيغة «ما أفعل» وأما الشيخ فإنّه مثل بالصيغتين معا، فمثّل - مع: ما أحبّ زيدا إلى عمرو - بقوله: أحبب بزيد إلى عمرو، ومثّل - مع: ما أبصر زيدا بالشّعر وما أجهل عمرا بالفقه - بقوله: أبصر بزيد بالشعر، وأجهل بعمر بالفقه، ومثل - مع قوله: ما أضرب زيدا لعمرو - بقوله: أضرب بزيد لعمرو، ومثّل - مع ما أعزّ زيدا عليّ، وما أزهده في الدّنيا - بقوله: أعزز بزيد عليّ، وأزهد به في الدنيا (¬5). وأقول: إنّ في استعمال - ¬

_ (¬1) (وتقول: أزهد بزيد في الدنيا، وأبعد به عن الشرّ، والتركيب قبل هذا: زهد زيد في الدنيا، وبعد عن الشرّ). التذييل والتكميل (4/ 665). (¬2)، (¬3) ينظر: منهج السالك (ص 383، 384)، وشرح التسهيل للمرادي (191 / أ) وفي التذييل والتكميل (4/ 666): (المتعدي إلى اثنين إن كان من باب أعطى جاز أن يقتصر على ما كان فاعلا في المعنى قبل التعجب نحو: ما أعطى زيدا، وما أكسى خالدا، وجاز أن يعديه بعد ذلك إلى أحد المفعولين باللام، فتقول: ما أكسى زيدا لعمرو، وما أكسى زيدا للثياب، فإن جاء من كلامهم: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم، وما أكسى زيدا للفقراء الثياب، فمذهب البصريين أنه ينصب بإضمار فعل، تقديره: أعطاهم الدراهم، أو كساهم الثياب، ومذهب الكوفيين أنه منصوب بنفس فعل التعجب) اهـ. (¬4) كتاب المهذب لابن كيسان من الكتب المفقودة، وقد ذكر الكتاب في بغية الوعاة، في ترجمة ابن كيسان (1/ 19)، وينظر: ذكر ابن كيسان لهذه المسألة في التذييل والتكميل (4/ 666)، وشرح التسهيل للمرادي (191 / أ)، وتعليق الفرائد (2/ 443)، وفي المساعد لابن عقيل (2/ 159). (¬5) ينظر هذا التمثيل في: التذييل والتكميل (4/ 665).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صيغة «أفعل» في بعض هذه الصّور نظرا، وذلك أنّ معنى: أحبب بزيد إلى عمرو: أحبّ زيد، كما أن معنى: أحسن بزيد: أحسن زيد، و «زيد» هو الفاعل، والتقدير: صار زيد ذا حبّ إلى عمرو، فالحبّ قائم به كما أن الحسن قائم بزيد في قولنا: أحسن بزيد، وقد قرر أنّ المراد بقولنا: أحبب بزيد إلى عمرو، هو الذي أريد بقولنا: ما أحبّ زيدا إلى عمرو، و «عمرو» في هذا التركيب هو الفاعل، كما عرفت فكيف يكون «أحبب بزيد إلى عمرو» بمعناه وقد اختلف الفاعل فيهما؟ وقال الشيخ - بعد أن مثّل بـ: ما أضرب زيدا لعمرو -: أضرب بزيد لعمرو، وتعدية «أضرب» لـ «عمرو» باللّام مشكلة لأن معناه: أضرب زيد، و «أضرب زيد»، لا يتعدّى، قال: ولا ينبغي أن يجوز هذا التركيب، ولا يقدم عليه إلا بعد سماعه من العرب (¬1) انتهى. وقوله: إنّ «أضرب زيد» لا يتعدّى صحيح، ولكونه لا يتعدّى احتيج إلى إدخال اللام على معموله، أو يقول: أضرب بزيد لعمرو، صار زيد ذا ضرب لعمرو، فالمجرور باللام إمّا معمول لذلك المصدر، والذي تضمنه معنى الكلام، إن جوز إعمال المصدر مقدرا، وإمّا نعت له، والتقدير: صار زيد ذا ضرب كائن لعمرو. البحث الثّاني: ما ذكره المصنف، نقلا عن المهذّب، لابن كيسان أنّه قال: ما أكسى زيدا للفقراء الثياب، وما أظنّ عمرا لبشر صديقا، وأن البصريين يقدرون ناصبا للثاني، من مفعولي «كسا وظنّ»، وأن الكوفيين لا يقدّرون شيئا، بل ينصبونه (¬2)، ذكر ابن عصفور خلافه، وهو أنّه قال: إذا تعجّب من فعل، من باب «أعطى»؛ لا يجوز أن يبقى متعدّيا إلى مفعوليه، بل لا بدّ إذ ذاك من الاقتصار على الفاعل وحده، أو على الفاعل وأحد المفعولين، بشرط أن تدخل عليه اللام، فيقول: ما أعطى زيدا، وما أعطى زيدا لعمرو، وما أعطى زيدا للثياب، قال: ولا يجوز أن يذكر المفعولين، فيقول: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم؛ لأنّ فعل التعجّب قبل دخول الهمزة لا يتعدّى، فإذا دخلت همزة النقل تعدّى إلى واحد فإن جاء من كلامهم مثل قولك: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم، فينبغي أن يحمل على أنّ - ¬

_ (¬1) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬2) ينظر: المرجع السابق (4/ 666)، وقد تقدم في الصفحة السابقة من هذا البحث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الدراهم منصوبة بفعل مضمر، دلّ عليه فعل التعجّب، والتقدير: أعطاه الدراهم. ولا يجوز أن تدخل اللام على المفعولين؛ لما يلزم من تعدّي فعل بحرفي جرّ من جنس واحد، على معنى واحد، وذلك لا يجوز، فإذا تعجبت من فعل من باب ظننت لم يجز التعجب منه إلّا بشرط أن يقتصر فيه على الفاعل؛ لأنّه قد ألحق بأفعال الغرائز، في أنّه لا يتعدّى ثم أدخلت عليه همزة النقل، فلا يتعدّى حينئذ إلا إلى مفعول واحد، لأنهما لو ذكرا فإمّا أن ينصبا، أو يدخل عليهما أو على أحدهما اللام، قال: ولا يجوز نصبهما، ولا نصب أحدهما لما ذكر، من أنّ «فعل» إذا نقل بالهمزة لا يتعدّى إلّا إلى منصوب واحد، ولا يجوز إدخال اللّام عليهما لما يؤدّي ذلك إليه من تعدّي فعل بحرفي جرّ من جنس واحد، على معنى واحد، وهو غير جائز، ثمّ قال: وهذا الذي ذكرته هو مذهب البصريين أما الكوفيّون فيجيزون ذكرها، بشرط أن تدخل اللام على الأول، وينصب الثاني، نحو: ما أظنّ زيدا لعمرو قائما، هذا إن أمن اللّبس، فإن خيف اللّبس، أدخلت اللام على كل منهما، نحو: ما أظنّ زيدا لأخيك لأبيك قال: وما ذهبوا إليه باطل؛ للعلّة التي تقدم ذكرها (¬1). انتهى ما ذكره ابن عصفور. والذي يظهر أنّ الذي ذكره طريق النّحاة، وما ذكره المصنّف عن ابن كيسان طريق آخر، ولا مصادمة بين النقلين، ولا شكّ أنّ الطريق الذي ذكره المصنّف أقرب إلى الحقّ، ويمكن ردّ ما ذكره ابن عصفور إليه، أمّا إذا كان الفعل من باب أعطى، فموافقة كلامه لكلام المصنف واضحة؛ لأنه أدخل على أحد المفعولين، كما فعل المصنّف إلا أنّه خالف في قوله: أنّه يقتصر على أحد الفعلين، إلّا أنّه قال: فإن جاء من كلامهم: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم، كانت الدراهم منصوبة بفعل مقدّر، وهذا الذي انتهى إليه كلام ابن عصفور آخرا هو الذي ذكره المصنّف أولا، وأمّا إذا كان الفعل من باب ظنّ فلم يظهر لي وجوب الاعتماد على الفاعل، إذا قصد - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور في الشرح الكبير (1/ 580، 581): (وأما ظننت فيجوز التعجب منه ومن أخواته، بشرط الاقتصار على الفاعل، فتقول: ما أظنني، ولا تذكر المفعولين، ولا أحدهما، وتحذف الآخر، أما ذكر أحدهما فيؤدي إلى بقاء الخبر دون مبتدأ، أو المبتدأ دون خبر، وباطل أن تذكر المفعولين، لأنه لا بد من نقله إلى «فعل» و «فعل» لا يتعدى، ولا يجوز دخول اللام على المفعولين؛ لأنه لا يجوز دخول اللام على المبتدأ والخبر) اهـ.

[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط]

[شروط ما تبنى منه صيغتا التعجب، وكيفية بنائهما من غير المستوفي للشروط] قال ابن مالك: (فصل: بناء هذين الفعلين من فعل ثلاثيّ مجرّد تامّ مثبت متصرّف قابل معناه للكثرة غير مبنيّ للمفعول، ولا معبّر عن فاعله بـ «أفعل فعلاء»، وقد يبنيان من المفعول: إن أمن اللّبس، ومن فعل «أفعل» مفهم عسر أو جهل، ومن مزيد فيه، فإن كان «أفعل» قيس عليه، وفاقا لسيبويه، وربّما بنيا من غير فعل، أو فعل غير متصرّف وقد يغني في التّعجّب فعل عن فعل مستوف للشّروط كما يغني في غيره، ويتوصّل إلى التّعجّب بفعل مثبت متصرّف، مصوغ للفاعل، ذي مصدر مشهور إن لم يستوف الشّروط بإعطاء المصدر ما للمتعجّب منه مضافا إليه، بعد ما أشدّ أو أشدد ونحوهما، وإن لم يعدم الفعل إلّا الصّوغ للفاعل جيء به صلة لما المصدريّة آخذة ما للمتعجّب منه بعد «ما أشدّ» أو «أشدد» ونحوهما). ـــــــــــــــــــــــــــــ التعجّب به؛ لأنّ المقاصد مختلفة، فقد يكون التعجب من كثرة ظنّ زيد، أو قوته، أو نحو ذلك من غير نظر إلى متعلّق، وحينئذ يقتصر على الفاعل فيقال: ما أظنّ زيدا ولا يحتاج مع هذا إلى شئ آخر، وقد يكون التعجّب من كثرة ظنّ زيد، بالنسبة إلى متعلّق الظنّ، وحينئذ يجب ذكر المتعلّق؛ إذ لو لم يذكر لم يحصل المعنى المقصود من الكلام. وعلى هذا نقول: ما أظنّ زيدا لبشر صديقا، فلم تدخل اللام إلا على أحد المفعولين، وأما المفعول الآخر فلم تنصبه بفعل التعجّب، إنّما نصبناه بفعل مقدّر، وإذا كان كذلك فما المانع له؟ ويصير قولنا: ما أظنّ زيدا لبشر صديقا؛ بمنزلة قولنا: ما أعطى زيدا لعمرو الدراهم، وهو قد أجاز الثانية؛ فيلزمه [3/ 118] إجازة الأولى، وإلا فما الفرق؟ وقد تبين مما ذكرته أن الطريق الذي ذكره المصنف هو الذي ينبغي التعويل عليه، والعمل به. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قيّد ما يبنى منه التعجّب بكونه فعلا تنبيها - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على خطأ من يقول من «الكلب»: ما أكلبه، ومن «الحمار»: ما أحمره، ومن «الجلف» (¬1): ما أجلفه، وربما يكون من «الجلد»: ما أجلده. وقيد بكونه ثلاثيّا ليعلم امتناع بنائه من ذي أصول أربعة، مجردا كان كـ: «دحرج»، أو غير مجرّد كـ: «ابرنشق». وقيد كون الثلاثي مجردا، تنبيها على أنّ حقه ألّا يبنى من ثلاثيّ مزيد فيه كـ: «علّم» و «تعلّم»، و «قارب»، و «اقترب». وقيّد بكونه فعلا تامّا تنبيها على أنّه لا يبنى من فعل ناقص كـ: «كان»، و «ظلّ» و «كرب»، و «كاد» (¬2). وقيّد بكونه مثبتا تنبيها على أنّه لا يبنى من فعل مقصود نفيه لزوما، كـ: «لم يعج»، وجوازا، كـ: «لم يعج» (¬3). وقيد بالتصرف تنبيها على امتناع بنائه من «يذر» و «يدع» ونحوهما. وقيد بقبول معناه للكثرة تنبيها على امتناع بنائه من «حدث»، «وفني» ونحوهما (¬4). وقيد بكونه غير مبنيّ للمفعول تنبيها على أنّ حقّه أن يبنى من فعل الفاعل لا من فعل المفعول، كـ: «علم» (¬5). وقيد - ¬

_ (¬1) في المصباح المنير: الجلف: العربي الجافي، وقيل: الدنّ الفارغ، وقيل غير ذلك، والحمار: هو الحيوان المعروف، وما أحمره: بمعنى: ما أبلده، وما أجلفه: ما أجفاه. (¬2) في التذييل والتكميل: (4/ 671): (وأما كون الفعل المصوغ منه «أفعل» و «أفعل» ثلاثيّا فاحتراز من أن يكون رباعيّا أصلا، أو مزيدا نحو: دحرج وتدحرج، فإنه لا يمكن منه بناء «أفعل» و «أفعل» لهدم بنيته، ولزوم حذف بعض أصوله، وأما كونه مجردا فاحتراز من أن يكون غير مجرد، وأما كونه تامّا فاحتراز من أن يكون ثلاثيّا مجردا غير تام، نحو «كان» الناقصة، و «ظلّ، وكرب، وكاد»، ونحوهن من أخوات «كان»، وهذا الشرط ذهب إليه الجمهور، وأجاز بناءه من «كان» الناقصة بعضهم، قال أبو بكر بن الأنباري: وتقول: كان عبد الله قائما، فإذا تعجبت منه قلت: ما أكون عبد الله قائما) اهـ. وينظر: شرح فصول ابن معط (ص 136) رسالة. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 673): (وأما كونه مثبتا فاحتراز من أن يكون منفيّا)؛ لأنه لا يتعجب منه؛ لأن فعل التعجب مثبت فمحال أن يبنى من المنفي) اهـ. في المرجع السابق (4/ 674): (وأما كونه متصرفا فاحتراز مما لا يتصرف، نحو: يذر، ويدع، ونحوهما، فإنه لا يجوز أن يصاغ منه؛ لأنها إذا بني منه كان تصرفا فيه، والغرض أنه غير متصرف) اهـ. (¬4) وفي التذييل والتكميل (4/ 674): (وأما كون معناه قابلا للكثرة فاشترطه الفراء وهو صحيح، واحتراز من الأفعال التي لا تقبل الزيادة، نحو: مات وفني وحدث، فلا تقول: ما أموت، ولا: أموت به، وقد شذّ من الألفاظ الثابتة التي لا يقبل معناها الزيادة قولهم: ما أحسنه، وما أقبحه، وما أكثره، وما أطوله، وما أهوجه، وما أشنعه، وما أجمعه) اهـ. (¬5) في التذييل والتكميل (4/ 676): (وأما كونه غير مبني للمفعول فلأنه لا يجوز: ما أضرب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بكونه لا يعبّر عن فاعله بـ «أفعل فعلاء» احترازا من «شنب (¬1)، ودعج (¬2) ولمي (¬3)» ونحوها من الأفعال التي بناء الوصف منها للمذكر «أفعل»، وللمؤنث «فعلاء»، ولا فرق في النوع بين ما هو من العيوب، كـ: «برص، وبرش (¬4)، وحول، وعور» وبين ما هو من المحاسن كـ: «شهل (¬5)، وكحل، وطهي، ولمي» وإنّما لم يبن من هذا النوع فعل تعجّب، لأنّ مبناه من الفعل حقه أن يكون ثلاثيّا محضا (¬6)، وأصل الفعل في هذا النوع أن يكون على «أفعل» ولذلك صحت منه العين إذا كان ثلاثيّ اللفظ، كـ: «هيف، وحيد، وعور، وحول» ولم تقلب ألفا، كما فعل بـ «هاب ونال، وخاف، ونام» مع أنّ العين من جميعها حرف لين متحرك مفتوح ما قبله. وهذا الذي فعل بـ «فعل» من الصحيح حملا على: «فعل»، مقدرا أو موجودا، شبيه بما فعل بـ «اجتوروا» حملا على «تجاوروا» و «مخيط» حملا على «مخياط» ولولا ذلك لقيل في «اجتوروا»: «تجاوروا» كما قيل: «اجتازوا» و «اقتادوا» ولقيل في «مخيط»: «مخاط» كما قيل: «مثال» و «معاش»، فكان تصحيح «هيف» وأخواته، مع استحقاقه ما استحقه «هاب» وأخواته؛ دليلا على أنّ أصله «أفعل» و «أفعل» لا يبنى منه فعل تعجّب، فجرى مجراه ما هو بمعناه، وواقع موقعه، وهذا التعليل هو المشهور عند النحوييّن. وعندي تعليل آخر، أسهل منه، وهو أن يقال: لما كان بناء الوصف من هذا النوع على «أفعل» (¬7) لم يبن منه أفعل تفضيل؛ لئلّا يلتبس أحدهما بالآخر، فلمّا - ¬

_ - زيدا، وأنت تتعجب من الضرب الذي حل بزيد، وعلة المنع كونه يلتبس بفعل الفاعل، هكذا علله بعضهم، فيظهر من صاحب هذا التعليل أنه يجيز التعجب من فعل المفعول إذا عدم اللبس) اهـ. (¬1) الشنب - محركة -: ماء، ورقة، وبرد، وعذوبة في الأسنان، وفعله «شنب»، كفرح. القاموس. (¬2) في المصباح المنير: دعجت العين دعجا، من باب تعب، وهو سعة مع سواد، وقيل: شدة سوادها، في شدة بياضها. (¬3) في مختار الصحاح: (اللمى: سمرة في الشفة تستحسن، ورجل ألمى، وجارية لمياء، بينة اللمى) اهـ. (¬4) في المصباح المنير: (برش، يبرش، برشا، فهو أبرش، والأنثى برشاء، مثل برص، وزنا ومعنى) اهـ. (¬5) شهل يشهل شهلا: كانت في عينه شهلة، والشهلة في العين: أن يشوب سوادها زرقة. (¬6) في التذييل والتكميل (4/ 678): (وعلة منع ذلك أن حق الفعل الذي يبنى للتعجب أن يكون قبل التعجب ثلاثيّا، محضا، وأصل الفعل في هذا أن يكون على وزن «أفعل» ولذلك صحت عينه في الثلاثي اللفظ ...) اهـ. (¬7) يعني نحو: أعور، وأهيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ امتنع صوغ أفعل التفضيل، امتنع، صوغ فعل التعجّب، لتساويهما وزنا ومعنى، وجريانهما مجرى واحدا، في أمور كثيرة، وهذا الاعتبار هيّن بيّن، ورجحانه متعين. وقد يبنى فعل التعجّب من فعل المفعول، إن أمن الالتباس بفعل الفاعل نحو: ما أجنه وما أنجبه، وما أشغفه، وهذا الاستعمال في أفعل التفضيل أكثر منه في التعجّب، كـ: أزهى من ديك (¬1)، وأشغل من ذات النحيين (¬2)، وأشهر من غيره، وأعذر، وألوم، وأعرف، وأنكر، وأخوف، وأرجى، من: شهر، وعذر، وليم وعرف، ونكر، وخيف، ورجي. وعندي أنّ صوغ فعل التعجّب، وأفعل التفضيل من فعل المفعول الثلاثيّ الذي لا يلتبس بفعل الفاعل، لا يقتصر فيه على المسموع، بل يحكم باطراده، لعدم الضائر، وكثرة النظائر، وقد يبنى فعل التعجب من فعل «أفعل» مفهم جهل، أو عسر، والإشارة بذلك إلى: حمق، ورعن، وهوج، ونوك (¬3)، وألد، إذا كان عسر الخصومة، وبناء الوصف من هذه الأفعال على أفعل في التذكير، وفعلاء في التأنيث، لكنها ناسبت - في المعنى - «جهل وعسر» فجرت في التفضيل والتعجّب مجراهما، فقيل: ما أحمقه، وأرعنه، وأهوجه، وأنوكه، وألدّه! وهو أحمق منه، وأرعن، وأهوج، وأنوك، وألدّ (¬4). وقد يبنى فعل التعجّب من ثلاثيّ مزيد فيه، كقولهم من «اشتد»: ما أشدّه، - ¬

_ (¬1) مجمع الأمثال للميداني (1/ 327). (¬2) هذا مثل، قيل في امرأة، من بني تيم الله بن ثعلبة، كانت تبيع السمن في الجاهلية، ساومها خوات ابن جبير الأنصاري، ليبتاع منها السمن، وشغل يديها، وقضى ما أراد وانصرف، ثم أسلم وتاب. النحي: الزق، وقيل: هو ما كان للسمن خاصة. والشاهد فيه: «أشغل من»: حيث صاغ «أفعل» من فعل المفعول أي: شغلت، وحق فعل المفعول بالزوائد، وهو «افتعل» فلا يجيء أفعل منه إلا قليلا. ينظر المثل في: جمهرة الأمثال للعسكري (ص 564)، ومجمع الأمثال (1/ 376)، وهو في اللسان «نحي» والمثل في كتاب «أفعل» لأبي علي القالي (ص 64). (¬3) النوك: الحمق، وقد نوك، أي: حمق، وهو أنوك، ينظر: اللسان «نوك». (¬4) ينظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 46).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن «اشتاق»: ما أشوقه، ومن «اختال»: ما أخوله، ومن: «اختصر الشيء»: ما أخصره وفي هذا شذوذ من وجهين: أحدهما: أنه من مزيد فيه، والآخر: أنّه من فعل المفعول، وأكثر النحويين يجعلون من شاذّ التعجّب: ما أفقره! وما أشهاه! وما أحياه! وما أمقته! لاعتقادهم أنّ ثلاثي: «افتقر، واشتهى، واستحيى» مهمل، وأنّ فعل الفاعل من «مقت» غير مستعمل، وليس الأمر كما اعتقدوه، بل استعملت العرب «فقر» بمعنى «افتقر»، و «شهي الشيء» بمعنى «اشتهاه»، و «حيي» بمعنى «استحيى»، وكذلك استعملت: مقت الرجل مقاتة، إذا صار مقيتا، أي: بغيضا [3/ 119] فليس قولهم: ما أفقره من افتقر؛ بل من فقر، أو فقر، ولا: ما أشهاه من اشتهى؛ بل من شهي، ولا ما أحياه، من استحيى، بل من حيي، ولا: ما أمقته من مقت؛ بل من مقت، وممّن خفي عليه استعمال «فقر، وفقر، ومقت» سيبويه (¬1)، ولا حجّة في قول من خفي عليه ما ظهر لغيره، بل الزيادة من الثّقة مقبولة. وقد ذكر استعمال ما ادعيت استعماله جماعة من أئمة اللّغة وإن كان المزيد فيه على وزن «أفعل» لم يقتصر في صوغ فعلي التعجّب منه على المسموع، بل يحكم فيه بالاطراد، وقياس ما لم يسمع منه على ما سمع، ما لم يمنع مانع آخر، هذا هو مذهب سيبويه والمحقّقين من النّحاة (¬2)، ولا فرق بين ما همزته للتعدية، كـ: «أعطى»، وبين ما همزته لغير التعدية، كـ: «أغفى»، ويشهد بأنّ هذا مذهب سيبويه قوله في الباب المترجم بهذا باب ما يعمل عمل الفعل، ولم يجر مجرى الفعل، ولم يتمكن تمكنه: وبناؤه أبدا من فعل، وفعل، وفعل، وأفعل. هذا نصّه؛ فسوّى بين «أفعل»، والثّلاثة الثلاثيّة، في صحة بناء فعل التعجب منها، وأطلق القول بـ «أفعل» فعلم أنّه لا يفرق بين ما همزته للتعدية، وما همزته لغير التعدية (¬3) - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 687): (وهذا الذي تبجح - أي ابن مالك - بالاطلاع عليه، لا يقدح فيما قاله سيبويه؛ لأن سيبويه إنما ينقل فصيح اللغة ومستعملها، لا شاذها، فالذين قالوا: ما أفقره؛ تكون لغتهم «افتقر» لا «فقر» ولا «فقر» وإن شيئا غابت معرفته عن سيبويه لجدير بأن يطرح) اهـ. (¬2) التذييل والتكميل (4/ 689). (¬3) ينظر: منهج السالك (ص 374) وابن عصفور هو الذي نسب هذا التفصيل إلى سيبويه، وينظر: شرح التسهيل للمرادي (192 / أ)، والمساعد لابن عقيل (2/ 163)، وفي التذييل والتكميل (4/ 690): (فظاهر كلام سيبويه هنا أنه يجوز التعجب من «أفعل») اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما فعل ابن عصفور (¬1)؛ إذ أجاز القياس على: ما أغفى زيدا؛ لأنّ همزته غير معدّية، ولم يقس على: «ما أعطاه»؛ لأنّ همزته معدية، وهو تحكم بلا دليل. هذا مع أنّ سيبويه قال - بعد قوله: وبناؤه أبدا من فعل وفعل وفعل وأفعل فشبه هذا بما ليس من الفعل، نحو: «لات» -: وإن كان من: حسن وكرم وأعطى (¬2)؛ فلم يفرق بين «أعطى»، و «كرم»، مع العلم بأنّ همزة «أعطى» معدّية، لأنّه يقال: عطوت الشيء، بمعنى: تناولته، وأعطيته فلانا؛ فيصير «عطوت» بالهمزة متعديا إلى اثنين، بعد أن كان دونها متعديا إلى واحد، ومن تصريح سيبويه باطراد: ما أعطاه، وشبهه قوله - في الربع الأخير من كتابه -: هذا باب ما يستغنى فيه عن «ما أفعله» بـ «ما أفعل فعله»، ثم قال (¬3): كما استغني بـ «تركت» عن «ودعت» وكما استغني بـ «نسوة» عن أن يجمعوا المرأة على لفظها، وكذلك في الجواب، ألا ترى أنك لا تقول: ما أجوبه!، إنّما تقول: ما أجود جوابه!». ثمّ قال: وكذلك لا تقول: أجوب به، وإنما تقول: أجود بجوابه، ولا يقولون في قال يقيل: «ما أقيله!» استغنوا بـ «ما أكثر قائلته»، و «ما أنومه في ساعة كذا»، كما قالوا: «تركت»، ولم يقولوا: «ودعت» هذا نصّه؛ فجعل استغناءهم عن: «ما أجوبه!» بـ «ما أجود جوابه!» مساويا لاستغنائهم عن «ودعت» ماضي «يدع» بـ «تركت»، وعن «ما أقيله» بـ «ما أكثر قائلته»، مع العلم بأنّ عدولهم عن «ودع» إلى «ترك»، وعن «ما أقيله» إلى ما أكثر قائلته!» على خلاف القياس وأنّ «ودع»، و «ما أقيله!» موافقان للقياس، فيلزم أن يكون ما أجوبه موافقا للقياس، وهذا بيّن، والاعتراف بصحته متعين، وإنما استحق «أفعل» مساواة الثلاثيّ المحض، في هذا الاستعمال، دون غيره، من أمثلة المزيد فيه؛ لشبهه به لفظا، ولكثرة موافقته له معنى (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: المقرب لابن عصفور (1/ 73). (¬2) ينظر الكتاب (1/ 73)، والتذييل والتكميل (4/ 691). (¬3) ينظر: الكتاب (4/ 99). (¬4) ينظر: شرح المصنف (3/ 48)، والتذييل والتكميل (4/ 692)، وفي نقل الشيخ أبي حيان، والعلامة ناظر الجيش عن شرح المصنف بعض تصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما الموافقة لفظا: فمن قبل أنّ مضارعه، واسم فاعله، واسم زمانه، واسم مكانه [لمضارع الثلاثي، واسم فاعله، وزمانه ومكانه] في عدّة الحروف، والحركات، وسكون الثاني، بخلاف غيره من المزيد فيه، وأما الموافقة في المعنى: فكثيرة؛ فمن موافقته لـ «فعل»: سرى وأسرى، وطلع على القوم وأطلع، أي: أشرف، وطفلت الشمس وأطفلت، أي: دنت للغروب، وعتم الليل وأعتم، أي: أظلم، وعكل الأمر وأعكل، أي: أشكل، ومن موافقته لـ «فعل»: غطش الليل وأغطش، أي: أظلم، وعوز الشيء وأعوز، أي: تعذّر، وكذلك الرجل إذا افتقر، وعدم الشيء وأعدمه، أي: فقره، وعيست الإبل وأعيست، أي: دنّست أدبارها ومن موافقته لـ «فعل»: خلق الثوب وأخلق، أي: بلي، وبطؤ وأبطأ معلوم، وبؤس وأبأس، أي: ساءت حالته، ونظائر ذلك كثيرة، فلكون «أفعل» مختصّا من بين الأفعال المغايرة للثلاثيّ بمشابهته لفظا، وموافقته معنى، أجراه سيبويه مجراه في اطراد بناء فعلي التعجّب منه. وقد يبنيان من غير فعل، كقولهم: ما أذرع فلانة! بمعنى: ما أخفّها في الغزل، وهو من قولهم: امرأة ذراع، وهي الخفيفة اليد في الغزل، ولم يسمع منه فعل، مثله، في البناء من وصف لا فعل له، وأقمن به أي: أحقق، اشتقوه من قولهم: هو قمن بكذا، أي: حقيق به، وهذان وما أشبههما شواذ، لبنائهما من غير فعل (¬1)، ومثلهما في الشذوذ: ما أعساه! وأعسى به! بمعنى: ما أحقه، وأحقق به، فبنوا فعلي التعجب من «عسى»، وهو فعل غير متصرف، وإلى هذا أشرت بقولي: (أو فعل غير متصرف) ومن الأفعال ما لم يصغ منه فعل تعجب، مع كونه ثلاثيّا، مجردا، تامّا، مثبتا، متصرفا، قابلا للكثرة، مصوغا للفاعل، غير معبر عن فاعله عن بـ «أفعل فعلاء»، فمن ذلك: سكر، وقعد، وجلس ضد «أقام»، وقال، من القائلة، استغنت العرب فيهن بـ: ما أشد سكره، وما أكثر قعوده، - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 48). وفي التذييل والتكميل (4/ 670): (فأما دعواه أن ما أذرع فلانة! بمعنى: ما أخفها في الغزل، ولم يسمع منه فعل، فليست بصحيحة، قال ابن القطاع: ذرعت المرأة: خفت يداها في العمل؛ فهي ذراع، فعلى هذا لا يكون قوله: ما أذرع فلانة، شاذّا؛ إذ هو مصوغ من فعل) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجلوسه، وقائلته! عن: ما أسكره، وأقعده، وأجلسه، وأقيله!. وإليها أشرت بقولي: (وقد يغني في التعجب فعل عن فعل، مستوف للشروط، كما يغني في غيره) ثم قلت: (ويتوصل إلى التعجب بفعل مثبت متصرف، مصوغ للفاعل، ذي مصدر مشهور، إن لم يستوف الشروط بإعطاء المصدر ما للمتعجب منه، مضافا إليه، بعد «ما أشد»، أو «أشدد»، ونحوهما) ففهم من هذا أنه يقال - في دحرج، وانطلق -: ما أشد دحرجته، وانطلاقته، وفي كان زيد صديقك: ما أشد كون زيد صديقك، وفي مات زيد: ما أقطع موت زيد، وفي هيفت المرأة: ما أحسن هيفها، وكذا يقال: أشدد بدحرجته وانطلاقه، وبكونه صديقك [3/ 120] وأفظع بموته، وأحسن بهيفها، ثم قلت: (فإن لم يعدم الفعل إلا الصوغ للفاعل جيء به صلة لـ «ما» المصدرية، آخذة ما للمتعجب منه، بعد «ما أشد»، أو «أشدد»، أو نحوهما) ففهم من هذا أنه يقال: ما أشد ما ضرب زيد، وأشدد بما ضرب زيد، ولم يغن ذكر المصدر؛ لأن كون المتعجب منه مفعولا، لا يعلم بذلك، وإنما يعلم بذكر «ما» موصولة بفعل مصوغ للمفعول (¬1). هذا آخر كلام المصنّف رحمه الله تعالى. وملخص ما ذكره: أنّ شروط ما يبنى منه فعل التعجّب تسعة: وهى كونه فعلا، ثلاثيّا مجرّدا، تامّا، مثبتا، متصرفا، قابلا معناه للكثرة، غير مبني للمفعول، ولا معبرا عن فاعله بأفعل فعلاء (¬2)، وأنّ الفعلين المذكورين قد يبنيان شذوذا، من غير فعل مزيد فيه، ومن فعل مزيد فيه أي: غير مجرّد من الزيادة، ومن فعل غير متصرف، ومن فعل مبني للمفعول، ومن فعل معبّر عن فاعله بأفعل فعلاء، وباقتصاره على ما ذكره، وسكوته عن الباقي علم أنهما لا يبنيان ولو شذوذا من فعل رباعيّ، ولا من فعل ناقص، ولا من فعل منفيّ، ولا من فعل غير قابل معناه للكثرة، أما الفعل الرباعيّ؛ فلكون بناء هذين الفعلين منه غير ممكن، وأما الفعل - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 49). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 669): (وزاد غيره - أي على الشروط التسعة - أن يكون على وزن «فعل» أصلا، أو تحويلا، وألا يكون قد استغنى عن الباء، في هذا الباب وغيره، وزاد آخرون أن يكون واقعا، وآخرون أن يكون دائما) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناقص؛ فإنّ المصنف لم يصرح بالعلة المقتضية لعدم جواز بناء فعل التعجب منه، لكنّ العلة في ذلك تعرف من قوله: إنّ همزة أفعل في التعجب لتعدية ما عدم التعدي في الأصل أو الحال، والحاصل: أنّه لا بدّ أن يتصور اللزوم في الفعل الذي يبنى منه هذان الفعلان - أعني فعلي التعجّب - قبل أن يبنيا، وإذا كان كذلك امتنع التعجب من نحو: «كان»؛ لأنّك إذا قلت: ما أكون زيدا، أو افتقرت، لزم حذف الخبر، وإبقاء المخبر عنه في المعنى دون خبر غير جائز، وذكر الخبر ممتنع؛ لأنك إن ذكرته منصوبا لم يكن له ناصب؛ لأنّ «أفعل»، الذي هو «أكون» لا يتعدّى إلا إلى واحد، وقد استوفاه، وإن ذكرته مجرورا باللّام أدّى ذلك إلى إدخال اللام الجارة على ما هو خبر في الأصل، قال ابن عصفور: ولا نظير لذلك في كلامهم (¬1)، وأما ما ذكره الشيخ في شرحه، أنّ بعضهم أجاز التعجّب من «كان» فيقول: ما أكون عبد الله قائما (¬2)، فيكون «قائما» منصوبا على أنّه خبر «كان»، فلا معوّل عليه، وقد قال هو: إن الذي ذكره المصنف، من عدم الجواز في «كان»، وأخواتها؛ هو مذهب الجمهور (¬3)، وكفى بذلك، وأما الفعل المنفيّ، فلعدم إمكان البناء منه، مع مراعاة معنى النّفي، وأما الفعل غير القابل معناه للكثرة، فلمنافاة المعنى المقصود بالتعجّب، ثمّ إنّ الذي يتعذر التعجب منه من الأفعال لمانع من الموانع التي ذكرت؛ فإن كان المانع مصاحبة ناف الفعل، أو عدم تصرّف الفعل؛ فلا سبيل إلى التعجّب من الفعلين، وإن كان المانع غير هذين الأمرين أمكن التعجب، لكن بطريق، وهو أن يؤتى بمصدر ذلك الفعل، ويعطى ما للمتعجّب منه مضافا إليه (¬4)، بعد «أشدّ»، أو «أشدد»، ونحوهما، بـ «ما» المصدرية، متلوة بالفعل الذي هو مصوغ للمفعول، فتقول: ما أشدّ ما ضرب زيد، وأشدد بما ضرب زيد، كما تقول فيما ذكر قبل: ما أشدّ انطلاق زيد، وأشدد بانطلاقه؛ فالإتيان بالمصدر لا بدّ منه إلا أنّه قد يؤتى به مؤولا، إنما وجب الإتيان به مؤولا، لأنّه لو أتي - ¬

_ (¬1) ينظر ابن عصفور في الشرح الكبير (1/ 581): (فأما ما كان من باب «كان» فلم يجز التعجب منه، لأنه إذا بني على «فعل» لم يحتج إلى أكثر من فاعل، فتدخل عليه همزة النقل، فيصير الفاعل مفعولا فتقول: ما أكون زيدا؛ فيؤدي إلى إلغاء المبتدأ دون خبره، ولا يجوز: ما أكون زيدا القائم؛ لأن اللام لا تدخل على خبر المبتدأ) اهـ. (¬2)، (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 671). (¬4) ينظر: المرجع السابق (4/ 695).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به صريحا لما علم هل هو مصدر فعل فاعل، أو مصدر فعل مفعول كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في كلام المصنف (¬1)، واعلم أنه إذا لم يكن للفعل مصدر مشهور، وتعذّر التعجب من ذلك الفعل، فالطريق في التوصل إلى التعجّب منه أن يجعل الفعل صلة لـ «ما» كما كان ذلك في الفعل المبني للمفعول، فيقال: ما أكثر ما يذر زيد الشرّ، وأكثر بما يذر زيد الشرّ. وإذ قد عرف ذلك فلنشر إلى أمور: منها: أنّ الشيخ نقل (¬2) عن ابن القطاع (¬3) أنّهم يقولون: ذرعت المرأة، إذا خفت يداها في العمل، فهي ذراع (¬4)، قال (¬5): وعلى هذا لا يكون قولهم: ما أذرع فلانة شاذّا؛ لأنّه مصوغ من فعل، ثمّ قال: وأما يعج فإنّه قد استعمل مثبتا (¬6)، وأنشد البيت الذي تقدم إنشاده له في باب «كان» وهو: 2086 - ولم أر شيئا بعد ليلى ألذّه ... ولا مشربا أروى به فأعيج (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 44). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 670). (¬3) هو علي بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن أحمد بن محمد، المعروف بابن القطاع الصقلي السعدي، أبو القاسم، كان إمام وقته بمصر في علم العربية، وفنون الأدب، قرأ على أبي بكر الصقلي، وروى عنه الصحاح للجوهري، وصنف: كتاب الأفعال - أبنية الأسماء - حواشي الصحاح، وغير ذلك، توفي بمصر سنة (514 هـ). وقيل: سنة (515 هـ). تنظر ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 153)، وطبقات ابن قاضي شهبة (2/ 143). (¬4) ينظر: كتاب الأفعال، لابن القطاع (1/ 383) مادة «ذرع» الطبعة الأولى سنة (1360 هـ) بحيدرآباد، المطبعة العثمانية. وينظر: التذييل والتكميل (4/ 670)، ومنهج السالك (ص 375)، ومثله توضيح المقاصد والمسالك للمرادي (3/ 64). (¬5) أي: قال الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 670). (¬6) في المرجع السابق (4/ 673): (وما ذهب إليه المصنف من أن «عاج» بمعنى «انتفع» استعملته العرب منفيّا لا مثبتا ليس بالصحيح ...) ا هـ. (¬7) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وهو في أمالي القالي (2/ 168): أنشده أحمد بن يحيى، عن ابن الأعرابي، قال القالي: أعيج: أنتفع، يقال: شربت دواء، فما عجت به، أي: ما انتفعت به. والشاهد فيه قوله: «فأعيج»؛ حيث استعمله مثبتا، بمعنى: أنتفع، كما قال أبو علي، واستشهد به أبو حيان على الإثبات ردّا على المصنف ابن مالك في أنه للنفي فقط. وينظر الشاهد في: اللسان «عيج»، ومنهج السالك (ص 375)، والتذييل والتكميل (4/ 673).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأمر في ذلك أقرب (¬1)؛ لأنّ قولهم: ذرعت المرأة - إن ثبت - كان في غاية النّدور، فلا اعتداد به وكذا استعمال «يعيج» مثبتا لا عبرة به لندوره على أنّ لقائل أن يدّعي أنّ «أعيج» - في البيت - منفيّ؛ لأنّ الشاعر نفى الشرب الذي يحصل به الريّ، والانتفاع، فكأنّه قد نفى الريّ والانتفاع؛ إذ مراده أنه لا ريّ، ولا انتفاع، لانتفاء المشروب الذي من شأنه أن يحصل بسببه هذان الأمران. ومنها: أنّ المصنف مثل لما لا يكون من الأفعال قابلا معناه للكثرة، نحو: مات، وفني، وحدث، كما تقدّم، وتبعه الشيخ في التمثيل بذلك، وأدرج معه في التمثيل قولهم: ما أحسنه! وما أقبحه! وما أطوله، وما أهوجه! وما أحمقه! وما أنوكه! (¬2) وما أشنعه! (¬3) فعدّ نحو هذه الأمثلة من الشاذّ، وتبع في ذلك ابن عصفور، فإنّه قال: العجب لا يكون إلا مما يزيد وينقص (¬4). وأمّا [3/ 121] الخلق الثابتة فلا يجوز أن تتعجب منها ثم قال: وكذلك الألوان وإنّما تتعجب من أوصافها ولا يتعجب منها إلا أن يشذّ من ذلك شيء فلا يقاس عليه، والذي شذّ من ذلك: ما أحسنه ... ، وسرد الأمثلة المتقدمة إلى آخرها، ولم يظهر لي كون الحسن، وما ذكر معه لا يزيد ولا ينقص؛ إذ المحسوس خلاف ذلك، ثم لم يظهر لي أيضا قول ابن عصفور، والظاهر أنه أراد بذلك الزيادة والنقص، لقوله: كالشدّة والضّعف، وإذا كان مراده ذلك فما المانع من التعجب؟، ويقوي ذلك قوله: ويتعجّب من أوصافها، والذي يظهر أنّ المصنف لا يرى شذوذ نحو: ما أحسنه! وما أقبحه! لأنّه إنما اشترط في الفعل الذي يبنى منه صيغتا التعجّب أن يكون قابلا معناه للكثرة. ولا شكّ أنّ «حسن» و «قبح» قابل معناه لها، وبعد أن كتبت هذا الذي - ¬

_ (¬1) في هذا الكلام يرد ناظر الجيش اعتراض الشيخ أبي حيان، على ابن مالك. (¬2) في اللسان «نوك»: (النّوك - بالضم -: الحمق، وقد نوك - بكسر الواو - نوكا ونوكا - بفتح النون، وضمها - ونواكة: حمق، ثم قال: وقالوا: ما أنوكه! ولم يقولوا: أنوك به! وهو قياس عن السراج) اهـ. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 674) وفي المصباح المنير «شنع» شنع الشّيء شناعة - بالضم - قبح. (¬4) ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 576).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكرته، وقفت على كلام الشيخ فوجدته قد نحا إلى ما نحوت إليه، حتّى قال: ولست أعلم أنّ أحدا من النحاة عدّد في الشواذّ ما عدّده ابن عصفور، ولم يسلم له مثال مما ذكر أنّه شاذ، فحصل لي اعتضاد بما ذكره رحمه الله تعالى، ومنها أنّ ابن عصفور ذكر ألفاظا، بنيت من الفعل المزيد فيه، مقصودا بها التعجّب (¬1)، غير ما ذكره المصنف، وهي: ما أتقاه! من «اتّقى»، وما أقومه! من «استقام»، وما أمكنه عند الأمير! من «تمكّن»، وما أملأ القربة! من «امتلأ»، وما آبل الرجل! أي: ما أكثر إبله، وإنّما يقال: يأبل إبلا، إذا اتخذها، وذكر غيره: ما أرفقه! وما أحوجه! وقد قيل: إنّ لكلّ من هذه الصيغ فعلا ثلاثيّا، والحقّ أنّ ذلك غير ثابت. ومنها: أنك قد عرفت ما ذكره المصنف، من الخلاف في بناء هذين الفعلين، من «أفعل»، والذي تلخّص أنّ في ذلك مذاهب ثلاثة، يفرق في الثالث بين ما همزته للنقل، وما همزته لغير النّقل، فلا يبنى من الأول، ويبنى من الثّاني (¬2). وقد عرفت ما ذكره المصنف من أنه لا فرق بينهما، وأنّه يجوز بناء فعلي التعجّب من كلّ من الفعلين - أعني: ما همزته للتعدية، وما همزته لغيرها - وقد قال المصنف: إنّه مذهب سيبويه والمحققين (¬3)، ووافق المصنف على تصحيح هذا المذهب ابن هشام الخضراويّ، ومن المسموع مما الهمزة فيه للتعدية قولهم: ما آتاه للمعروف! وما أعطاه للدراهم! وما أولاه بالمعروف! وما أضيعه لكذا! ومن المسموع مما الهمزة فيه لغير التعدية قولهم: ما أنتنه! في لغة من قال: أنتن، وما أخطأه! وما أصوبه! وما أيسره! وما أعدمه! وما أسنّه! وما أوحش المكان الفلانيّ! وما أمتعه! وما أشرفه! وما أفرط جهله! وما أظلمه! وما أضوأه! (¬4). - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور في الشرح الكبير (1/ 576): (فلا يجوز التعجب إلا ما شذ، وهو: ما أحسنه! وما أقبحه! وما أطوله! وما أقصره! وما أهوجه! وما أنوكه! وما أحمقه!) اهـ. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 688). (¬3) ينظر: المقتضب للمبرد (4/ 178)، والمرجع الذي قبله (4/ 688، 689)، ومنهج السالك (ص 374)، وشرح التسهيل للمرادي (192 / أ)، والمساعد (144 / أ، ب) وتوضيح المقاصد والمسالك (3/ 95). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 690).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنّ صفات الله تعالى لا يتعجّب منها، فإنها لا تقبل الزيادة، إذ هي في أكمل الصفات، ولا يتصور فيها خلاف ذلك. وأما قول العرب: ما أعظم الله! وما أجلّ الله! (¬1)، وقول الآخر: 2087 - ما أقدر الله أن يدني على شحط ... من داره الحزن ممّن داره صول (¬2) فقالت الأئمة فيه: إنّ التعجب منهم غير مقصود، ولكنّ هذا كلام يجري مجرى الذكر والتعظيم لله تعالى (¬3). - ¬

_ (¬1) ينظر: منهج السالك (ص 375). وفي حاشية الشيخ يس على شرح التصريح (2/ 86): (توقف بعضهم في صحة قولنا - مثلا -: ما أعظم الله وما أجلّه! لأنه يقتضي بظاهره أن المعنى شيء عظيم، أعظم الله أي: جعله عظيما، وهذا إن لم يكن كفرا فهو قريب منه، وقدر بعضهم مضافا قبل «الله» فيكون التقدير: شيء عظيم قدر الله، وهذا الشيء هو «الله» وفيه إطلاق ما على الله تعالى) اهـ وأقول: صرح ابن الأنباري بصحة: ما أعظم الله، وبسط شيخ الإسلام السبكي الكلام على المسألة، وذكرنا ما يتعلق به في حاشية الألفية اهـ. (¬2) هذا البيت من البسيط، وهو لحندج بن حندج المري، كما نسبه القالي، وأبو تمام والعيني. اللغة: ما أقدر الله: مثل ما أعظم الله! وهو صيغة تعجب، وعلى: بمعنى مع، شحط: بعد، والحزن: - بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ونون - موضع ببلاد العرب، وصول: - بضم الصاد المهملة - قال التبريزي: من بلاد الترك، والمعنى: ما أقدر الله على إدناء من هو مقيم بالحزن، ممن هو بصول. والشاهد فيه قوله: «ما أقدر الله»؛ حيث استشهد به على شذوذ قوله: «ما أقدر الله!» لعدم قبول صفات الله الكثرة. ينظر الشاهد في: الإنصاف (1/ 82، 95)، ومنهج السالك (ص 375)، والتذييل والتكميل (4/ 675)، والأشموني (1/ 101)، والهمع (2/ 167)، والدرر (2/ 224). (¬3) وفي الهمع (2/ 167): (ترجيح التعجب من صفات الله حيث قال ما ملخصه: قال أبو حيان: وشذ أيضا قولهم: ما أعظم الله، وما أقدره في قوله: ما أقدر الله أن يدني على شحط ... ... لعدم قبول صفات الكثرة، والمختار - وفاقا للسبكي وجماعة، كابن السراج، وابن الأنباري، والصيمري جوازه، والمعنى - في: ما أعظم الله! - أنه في غاية العظمة، ومعنى التعجب فيه أنه لا ينكر؛ لأنه مما تحار فيه العقول، وإعظامه تعالى وتعظيمه الثناء عليه بالعظمة، واعتقادها، وكلاهما حاصل والموجب لهما أمر عظيم، والدليل على جواز إطلاقه صيغة التعجب والتفضيل في صفاته تعالى: أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ أي ما أسمعه وأبصره) اهـ. ينظر: الإنصاف مسألة رقم (15) (ص 82). وفي الأشباه والنظائر (4/ 106، 109): ذكر قول النحاة وتأولهم قول العرب: ما أعظم الله!.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنّ المصنف جعل بناء هذين الفعلين من الفعل المبنيّ للمفعول؛ غير مقصور على السّماع، لكن قال الشيخ: قصر ذلك على السماع هو قول الجمهور. ومنها: أنّه تقدم أنّ العرب تركت التعجّب من أفعال مستوفية للشروط، واستغنت عنها بغيرها، وذكر أنّ من جملتها: قام، وقعد، وجلس (¬1). قال الشيخ: ومن عدّ «نام» فيها فليس قوله بصحيح؛ لأنّ سيبويه حكى: ما أنومه (¬2)! وقالت العرب: هو أنوم من فهد (¬3). وحكى الأخفش عن بعض العرب: ما أغضبه! (¬4). ومنها: أنّ الشيخ قال في قول المصنف: ويتوصّل إلى التعجّب إلى آخره: إنّ هذا الحكم لا يختض بما فقد فيه شرط من الشروط، بل يجوز هذا الحكم فيما استوفى الشروط، فتقول: ما أكثر ضرب زيد لعمرو، وأكثر بضرب زيد لعمرو، وما أكثر ما ضرب زيد عمرا، وأكثر بما ضرب زيد عمرا (¬5) انتهى، وفيما ذكره نظر، فإنّ التعجب فيما مثّل به ليس من الضّرب، إنّما هو من كثرة الضّرب، و «أكثر» ليس نائبا عن شيء، إنما هو صيغة «أفعل» التفضيل، والفعل الذي بنى منه هو كثر، كما أنّ «أحسن» - مثلا - صيغة تفضيل، وهو من «حسن». والحاصل: أنّ الفرق معقول بين قولنا: ما أضرب زيدا لعمرو، وقولنا: ما أكثر ضرب زيد لعمرو، ففي المثال الأول: التعجّب من الضرب، وفي المثال الثاني: التعجّب من كثرته، لا منه. ومنها: أنّ المانع من التعجّب، إن كان كون الفعل منفيّا، جعلت الفعل في صلة أن، نحو: ما أقبح أن لا يأمر بالمعروف، وأقبح بأن لا تأمر بالمعروف، قالوا: فلو كان الفعل من باب «كان» ممّا لزمه النّفي لكونه وضع له وهو «ليس»، أو لكونه - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 693)، وشرح المصنف (3/ 47). (¬2) ينظر: الكتاب (4/ 69) ونصه: «وما أنومه في ساعة كذا وكذا». (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 694) وقد ذكر هذا القول في كتاب «أفعل» لأبي علي القالي (ص 82) تحقيق: الفاضل بن عاشور ط. تونس سنة (1972 م). (¬4) لمراجعة ما حكاه الأخفش ينظر: منهج السالك (ص 377)، والتذييل والتكميل (4/ 693). (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 696).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يستعمل إلّا مقرونا بحرف أو بحرف النهي أو الدّعاء، نحو: ما زال؛ ففيه خلاف، أجاز البغداديون: ما أحسن ما ليس يذكرك زيد، وما أحسن ما لا يزال يذكرك زيد، وتابعهم ابن السرّاج، يقول ابن السراج (¬1): كما جاز لك ذلك في «كان» ولكن يجوز: ما أحسن ما ليس يذكرك زيد: وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد، وهذا مذهب البغداديين (¬2). قال الشيخ: ويقوي ذلك في «ليس» أنها قد وقعت صلة لـ «ما» المصدريّة، قال: 2088 - ... بما لستما أهل الخيانة والغدر (¬3) ويقوّي ذلك في «لا يزال» أنّ صورته صورة النّفي، وهو موجب من حيث المعنى، فكأن «ما» المصدرية إنّما دخلت على موجب، لا على منفيّ، قال: فإن كان الفعل «نعم، وبئس»، وغيرهما، ممّا لا يتصرف فلا يقع صلة «ما» ولا لـ «أن» (¬4). ومنها: أنّ ما شذّوا فيه فقالوا: ما أفعله، نحو: ما أملأ هذه القربة! وما أمكنه عند الملك! لا يجوز أن يبنى منه «لفعل» مرادا به التعجب، فلا يقال: لملؤت القربة، ولا: لمكن زيد، وذلك أنّ «أفعل» في التعجّب، قليلة الاستعمال، فلم يجز استعمالها، إلا حيث يستعمل «ما أفعله» بقياس (¬5). - ¬

_ (¬1) و (¬2) ينظر مذهب البغداديين في: التذييل والتكميل (4/ 696)، ومنهج السالك (ص 379)، وشرح التسهيل للمرادي (192 / ب)، والمساعد لابن عقيل (2/ 165). وفي الأصول لابن السراج (1/ 65): (ولا يجوز: ما أحسن ما ليس زيدا، ولا: ما أحسن ما زال زيدا، كما جاز ذلك في «كان»، ولكن يجوز: ما أحسن ما ليس يذكر زيد، وما أحسن ما لا يزال يذكرنا زيد، وهذا مذهب البغداديين) اه. (¬3) هذا عجز بيت من الطويل، ولم يسم قائله، وهو بتمامه: أليس أميري في الأمور بأنتما ... بما لستما أهل الخيانة والغدر اللغة والإعراب: قال السيوطي في شرح شواهد المغني (ص 717): والباء في «بأنتما» زائدة، وقوله: «بما لستما» ما: موصول حرفي، ووصلت بـ «ليس» ندورا، وقيل: إنها موصول اسمي، والعائد محذوف. والشاهد في البيت: وقوع «ليس» صلة لـ «ما» في قوله: «بما لستما». ينظر الشاهد في منهج السالك (ص 379)، ومغني اللبيب، بحاشية الأمير (2/ 7). (¬4) تنظر أقوال الشيخ أبي حيان هذه في: التذييل والتكميل (4/ 696)، ومنهج السالك (ص 379)، وشرح التسهيل للمرادي (192 / ب). (¬5) هذا هو كلام الشيخ أبي حيان في التذييل والتكميل (4/ 699).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنّ نحو: ما أحسن [3/ 122] زيدا لا ما أشرفه! وما أحسن زيد لا أشرفه! منع من إجازتهما الكسائي، وقال النحاس: إنّهما جائزتان على مذهب البصريين؛ لأنّ حكم «لا» أن يكون بعد الإيجاب (¬1). انتهى. وفي إجازة المسألة الأولى نظر، لأنّ «لا» إنّما يعطف بها المفرد، لا الجملة. * * * ¬

_ (¬1) يراجع ذلك في: منهج السالك (ص 385)، والمرجع السابق (4/ 700).

الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التفضيل

الباب الخامس والثلاثون باب «أفعل» التّفضيل [تعريفه وصياغته وشروط صياغته] قال ابن مالك: (يصاغ للتّفضيل موازن «أفعل» اسما، ممّا صيغ منه في التّعجّب فعلا، على نحو ما سبق من اطّراد وشذوذ، ونيابة «أشدّ» وشبهه، وهو هنا اسم ناصب مصدر المحوج إليه تمييزا، وغلب حذف همزة «أخير، وأشر» في التّفضيل وندر في التعجّب). قال ناظر الجيش: لم يحدّ المصنف «أفعل» التّفضيل، وحدّه غيره فقال: هو ما اشتقّ من فعل الموصوف بزيادة على غيره، قال: فيدخل في (ما اشتقّ من فعل): اسم الفاعل، واسم الزمان والمكان، وقوله: (الموصوف) يخرج الزمان والمكان، وقوله: (بزيادة على غيره) يفصله عمّا عداه (¬1). انتهى، وهو حدّ جيد، إلّا أنّ قوله: (اشتقّ من فعل) فيه مناقشة؛ لأنّ الاشتقاق إنما هو من المصدر، فالصفات كالأفعال في أنّها مشتقة مما اشتقّ الفعل منه، هذا هو المذهب الحقّ (¬2). ثمّ قال المصنف: قد تقدم أنّ «أفعل» المتعجّب به مناسب أفعل التفضيل وزنا ومعنى، وأنّ كلّ واحد منهما محمول على الآخر فيما هو أصل فيه، ومن أجل مناسبتهما سوّت العرب بينهما، في أن يصاغ كلّ منهما ممّا يصاغ منه الآخر، وألا يصاغ مما لا يصاغ منه؟ وقد تبين في التعجب أن فعله لا يبنى دون شذوذ إلا من فعل ثلاثيّ مجرّد، تامّ، مثبت، متصرّف، قابل معناه للكثرة غير مبنيّ للمفعول، ولا معبّر عن فاعله بأفعل فعلاء. فكذلك أفعل التفضيل لا يبنى دون شذوذ إلّا من فعل مستوف القيود المذكورة (¬3) - ¬

_ (¬1) هو حد جيّد؛ لأنه جامع مانع مختصر، ينظر: التذييل والتكميل (4/ 701)، وفي شرح التصريح (2/ 100): (وهو الوصف المبني على «أفعل» لزيادة صاحبه على غيره في أصل الفعل) اهـ. (¬2) وهو مذهب البصريين، فإنهم يرون أنّ المصدر أصل الفعل، وأصل جميع المشتقات؛ لأن المصدر بسيط لدلالته على الحدث غير مقترن بزمان، والفعل يدل على الحدث مقترنا بالزمان. (¬3) في شرح الكافية الشافية لابن مالك (2/ 1121) قال: (فيمتنع بناء التفضيل ممّا ليس ثلاثيّا، كانطلق ودحرج، وما ليس متصرفا كنعم وبئس، وما ليس تامّا كظل وصار، وما لا يقبل التفاوت كمات وفني، ومن مبني للمفعول غير مأمون اللبس كضرب، ومن ملازم للنفي نحو: ما عجبت به، ومن مدلول على فاعله بأفعل كعمي وعرج ولمي ودعج، كما امتنع بناء فعل التعجب منها).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيقال في بنائه من كتب، وعلم، وظرف: هو أكتب منه، وأعلم، وأظرف، كما قيل في التعجّب: ما أكتبه، وأعلمه، وأظرفه، ويحكم في هذا ونحوه بالاطراد؛ لأنّه من فعل مستوف للقيود، ويحكم بالشذوذ فيما لا فعل له، وفيما له فعل لم يستوف القيود، كما فعل في التعجّب (¬1). فمن أمثلة «أفعل» التفضيل الذي لا فعل له قولهم: هذا أمقر (¬2) من هذا، أي: أمرّ، وهو ألصّ من شظاظ (¬3) أي: أعظم لصوصيّة. وشظاظ اسم رجل من ضبة، ومن هذا النّوع (¬4): أول وآخر. ومن أمثلة سيبويه فيما لا فعل له: أحنك الشّاتين والبعيرين (¬5)، أي: آكلهما، وآبل النّاس، أي: أرعاهم للإبل، ومن أمثلة غيره: هذا التمر أصفر من غيره، أي: أكثر صفرا، وهذا المكان أشجر من هذا المكان، أي: أكثر شجرا، وفلان أضيع من غيره، أي: أكثر ضياعا (¬6)، والصحيح أنّ «أحنك» من قولهم: احتنك الجراد ما على الأرض أي: أكله، ولكنّه شاذّ لكونه من «افتعل» فهو نظير «أشدّ» من: - ¬

_ (¬1) في شرح الألفية للشاطبي (4/ 74): (فإذا تخلف شرط من هذه الشروط لم يبن منه قياسا، وما سمع منه وقف على محله، فلا يبنى من غير فعل فلا يقال: هو أثوب من زيد، تريد: أكثر ثيابا ولا: أمول منه، من المال، ولا ما أشبه ذلك) اهـ. (¬2) في المصباح المنير مادة «مقر»: (مقر مقرا، فهو مقر، باب «تعب» صار مرّا، قال الأصمعي: المقر: الصبر، وقال ابن قتيبة: شبه الصبر، وأمقر مقارا لغة) اهـ. ومن هذا الكلام في المصباح يظهر أن هذا تفضيل مما له فعل. (¬3) في كتاب «أفعل» لأبي علي القالي (ص 82): (وتقول العرب: ألص من شظاظ؛ بكسر الشين وهو رجل من بني ضبة كان مشهورا باللصوصية) اهـ. وقد بنوا «ألص» من اللص، وقالوا: لا فعل له، لكن ابن القطاع حكى في أفعاله (1/ 328): لصص - بالفتح - إذا استتر، وحكى غيره: لصصه إذا أخذه خفية، وعلى هذا فلا شذوذ لوجود الفعل. (¬4) أي: صوغ أفعل التفضيل مما لا فعل له. (¬5)، (¬6) ينظر: الكتاب (4/ 100) تحقيق هارون، و «أحنك»: مشتق من الحنك وهو ما تحت الذقن. والمعنى: أكثرها أكلا؛ لأن الأكل يحرك حنكه، وورود مثل هذا عن العرب يدل على أنه يجوز بناء أفعل التفضيل من الاسم ولكنه ليس بقياس، لما ذكره سيبويه، وفي شرح التصريح (2/ 101): (وشذ بناؤه - يعني أفعل التفضيل - من اسم عين نحو: هو أحنك البعيرين، بنوه من الحنك وهو اسم عين) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اشتد، ونظير قولهم: هو أسوأ من هذا، بمعنى: أشدّ استواء، وكذا الصّحيح أنّ «آبل» من قولهم: أبل الرجل أبالة، وأبل أبلا إذا درب بسياسة الإبل، والقيام عليها فلا شذوذ فيه أصلا. وكذا الصحيح أن «أصفر» من: صفر الرطب، إذا صار ذا صفر، فلا شذوذ فيه وكذا «أشجر» من قولهم: أشجر المكان، أي: صار ذا شجر، ولا شذوذ فيه على مذهب سيبويه (¬1)؛ لأنّ «أفعل» - عنده - يساوي: فعل، فعل، فعل في بناء «أفعل» التفضيل، وقد تقدّم بيان ذلك، وكذا قولهم: فلان أضيع من غيره، هو من قولهم: أضاع الرجل، إذا كثرت ضياعه، ولا شذوذ فيه، على مذهب سيبويه ونظيره: هو أعطاهم للدّراهم، وأولاهم للمعروف، وأكرم لي من زيد، أي: أشدّ إكراما، وهذا المكان أقفر من ذلك، والفعل من جميعها على وزن «أفعل» (¬2) ومن المحكوم بشذوذه لكونه من مزيد فيه قول عمر رضي الله عنه: «إنّ أهمّ أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع» (¬3) فأوقع «أضيع» موقع: أشدّ تضييعا، ومن المحكوم بشذوذه من جهتين قولهم: هذا أخصر من هذا، فبنوه من «اختصر» وفيه مانعان: أحدهما: أنه من مزيد فيه، والثاني: أنه من فعل ما لم يسمّ فاعله (¬4)، ومثله - على مذهب غير - ¬

_ (¬1) في الكتاب (4/ 100) ط. هارون: (وقولهم: آبل الناس؛ بمنزلة: آبل منه؛ لأن ما جاز فيه: أفعل الناس، جاز فيه هذا، وما لم يجز فيه ذلك لم يجز فيه هذا) اهـ. وفي شرح التصريح (2/ 91): (فقيل: يجوز من «أفعل» قياسا مطلقا، سواء كانت الهمزة فيه للنقل أم لا. وهو مذهب سيبويه، والمحققين من أصحابه، وقيل: يمتنع مطلقا إلا إن شذّ منه شيء، فيحفظ ولا يقاس عليه، وهو مذهب المازني والأخفش والمبرّد وابن السرّاج والفارسيّ ومن وافقهم، وقيل: يجوز إن كانت الهمزة لغير النقل، نحو: ما أظلم الليل، وما أقفر هذا المكان، ويمتنع إن كانت للنقل، نحو: ما أذهب نوره) اهـ. وكلامه هذا في التعجّب، و «أفعل» التفضيل مثله في صوغه قياسا أو شذوذا. (¬2) وإنما امتنع ما كان الوصف منه على «أفعل فعلاء»؛ لأنه يبنى منها «أفعل» لغير التفضيل، فلو بني منها «أفعل» للتفضيل لالتبس بما ليس للتفضيل وأنّها زائدة على الثلاثة في الأصل نحو: أحمر، وأسود، وأحول، وأما «حمر» و «سود» و «حول» ففي تقدير: احمرّ واسودّ واحولّ، و «أفعل» التفضيل لا يبنى إلا من ثلاثي. (¬3) هذا الحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ، في كتاب: أوقات الصلاة (ص 31) برقم (6)، وهذا الحديث أيضا في شرح ابن الناظم (ص 186). (¬4) ينظر: شرح التصريح (2/ 101).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه - قولهم - فيمن أصيب بمكروه -: هو أصوب من غيره، وهو من «أصيب»، فعلى مذهب سيبويه ليس شاذّا، إلا من قبيل ما هو من فعل المفعول، وذلك لا يحكم بشذوذه إلا فيما يلتبس فيه قصد المفعول بقصد الفاعل (¬1) وذلك إذا كان الفعل مستعملا بالبناءين كثيرا، ولم يقارن أفعل ما يمنع من أن يراد به الفاعلية كقولك: هذا أضرب من ذاك، وأنت تريد أنّ الضرب الواقع فيه أشدّ من الواقع بغيره فإنّ هذا لا يجوز لأنّ المراد به لا دليل عليه، بل السابق إلى ذهن من يسمعه التفضيل في الفاعلية، فإن اقترن بما يمنع من قصد الفاعلية جاز وحسن. ومن هذا قولهم: أكسى من بصلة (¬2)، وأشغل من ذات النّحيين (¬3)، ويصحّ على هذا أن يقال: عبد الله بن أبيّ (¬4) ألعن ممّن لعن على لسان داود، ولا أحرم ممن عدم الإنصاف، ولا أظلم من قتيل كربلاء (¬5)، فلو كان مما لازم بناء ما لم يسمّ فاعله، أو غلبت قلّته؛ لم يتوقف في جوازه، لعدم اللبس وكثرة النظائر، كأزهى، وأغنى (¬6)، وقد تقدم من قولي: إن ورود هذا في التفضيل أكثر منه في التعجب، وأنّه لا ينبغي أن يقتصر فيه على المسموع، ومن المحكوم بشذوذه قولهم: هو أسود - ¬

_ (¬1) معنى هذا الكلام أن سيبويه يجيز صوغ «أفعل» التفضيل من الفعل الذي على وزن «أفعل» فلا شذوذ في المثالين على مذهبه. ينظر الكتاب (4/ 100) ط. هارون، وإنما الشذوذ عنده أن هذا الصوغ من فعل مبني للمفعول - وأيضا - لا يحكم في هذه الحالة بالشذوذ إلا فيما يلتبس فيه قصد المفعول بقصد الفاعل. (¬2) هذا مثل يضرب لمن لبس الثياب الكثيرة، وينظر المثل في: مجمع الأمثال للميداني (2/ 169) اللسان «كسا». (¬3) سبق تخريج هذا المثل في الباب السابق (التعجب). (¬4) هو عبد الله بن أبيّ بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم، ينتهي نسبه إلى بني غنم بن الخزرج بن حارثة، وهو رئيس المنافقين، وهو ابن سلول، وهي جدته نسب إليها، تنظر ترجمته في: جمهرة أنساب العرب (ص 354). (¬5) المعنى: ليس هناك ظلم أشد من الظلم الواقع بقتيل كربلاء، وهو الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وريحانته وهو وأخوه الحسن سيّدا شباب أهل الجنة وقد قتل الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء سنة (61 هـ) بكربلاء، من أرض العراق، تنظر ترجمته في كتاب: نسب قريش (ص 24) وجمهرة أنساب العرب (ص 52) وتهذيب الأسماء واللغات لابن شرف النووي (1/ 162، 163). (¬6) في اللسان «زهي» وقد زهي على لفظ ما لم يسم فاعله، جزم به أبو زيد، وثعلب، وحكى ابن السكيت: زهيت، وزهوت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من حنك الغراب (¬1)، وقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم - في صفة الحوض -: «أبيض من اللّبن» (¬2) وإنّما كان هذان شاذّين؛ لأنهما من باب: أفعل فعلاء، وليسا كألدّ وأخواته، ممّا يناسب عسرا أو جهلا، وقد تقدم الكلام على ذلك. وفي: «صيغ» - من قولي في أول هذا الباب: (مما صيغ منه التعجب) - ضمير يرجع إلى موازن الفعل والضمير في «منه» يرجع إلى «ما» أي: من اللفظ الذي صيغ منه موازن «أفعل» [3/ 123] والتعجب، وأشرت بقولي: (ونيابة أشدّ ونحوه) إلى أنّ الفعل الذي يقصد أن يصاغ منه أفعل التفضيل إن لم يستوف القيود يتوصل إلى معنى التفضيل فيه بذكر «أشدّ» أو نحوه، ناصبا مصدر ذلك الفعل على التمييز، كقولك في «دحرج» و «علّم» و «اقترب»: هو أشدّ دحرجة، وأصحّ تعليما، وأكثر اقترابا، وكقولك: هو أفظع موتا، وفي «عور»: هو أقبح عورا، وفي «كحل» هو أحسن كحلا (¬3). ولما كثر استعمال صيغة التفضيل من الخير والشر اختصروها، فحذفوا الهمزة، وقالوا في المدح والذّم: هو خير من كذا، وشرّ من كذا، ورفض: أخير، وأشرّ، إلا فيما ندر كقول الراجز: 2089 - بلال خير النّاس وابن الأخير (¬4) - ¬

_ (¬1) في المستقصى للزمخشري (1/ 192) بلفظ: أشد سوادا من حنك الغراب، و «حنك الغراب» هو منقاره. وفي كتاب «أفعل» لأبي عليّ القالي (ص 94) بلفظ: أشد سوادا من حنك الغراب. وينظر: شرح المفصل لابن يعيش (3/ 94). (¬2) في صحيح مسلم (2/ 327) - في صفة الحوض -: «وماؤه أبيض من الورق» وفي (ص 320): «أشدّ بياضا من اللبن». (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 52)، والتذييل والتكميل (4/ 706)، والمساعد لابن عقيل (2/ 166). (¬4) هذا البيت من مشطور الرجز، وقد نسبه ابن جني في المحتسب (2/ 299) لرؤبة بن العجاج وبعضهم نسبه لذي الرمة، غيلان بن عقبة، صاحب فيه، يمدح بلال ابن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري. والشاهد فيه قوله: «الأخير» وهو شاهد على ندور إثبات همزة «أخير» في التفضيل. ينظر الشاهد أيضا في: شرح العمدة (ص 429)، وشرح التصريح (2/ 101)، والهمع (2/ 166) والأشموني (3/ 43)، والدرر (2/ 224).

[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه]

[أحكام أفعل التفضيل المجرد من «أل» والإضافة، وأحوال المفضول منه] قال ابن مالك: (ويلزم «أفعل» التّفضيل عاريا الإفراد والتّذكير وأن يليه أو معموله المفضول مجرورا بـ «من» وقد يسبقانه ويلزم ذلك إن كان المفضول اسم استفهام أو مضافا إليه، وقد يفصل بين «أفعل» و «من» بـ «لو» وما اتّصل بها ولا يخلو المقرون بـ «من» في غير تهكّم من مشاركة المفضّل في المعنى، أو تقدير مشاركته وإن كان «أفعل» خبرا حذف للعلم به المفضول غالبا ويقلّ ذلك إن لم يكن خبرا ولا تصاحب «من» المذكورة غير العاري إلّا وهو مضاف إلى غير معتدّ به أو ذو ألف ولام زائدتين، أو دالّ على عار متعلّق به «من» أو شاذّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن النّادر قراءة الآية (¬1): سيعلمون غدا من الكذاب الأشر (¬2) وكما ندر ردّ الهمزة في التفضيل نذر سقوطها في التعجّب، فقيل: ما خيره، بمعنى: ما أخيره، وما شرّه، بمعنى: ما أشرّه، وشذّ حذف همزة «أحبّ» في التفضيل، كقول الأحوص: 2090 - وزادني كلفا بالحبّ أن منعت ... وحبّ شيء إلى الإنسان ما منعا (¬3) قال ناظر الجيش: اعلم أنّ لـ «أفعل» التّفضيل استعمالات ثلاثا لا يتجاوزها وهي أن تقرن به «من» ومجرورها، ويعبّر عنه بالعاري أي عن اللام والإضافة، وأن تباشره اللام، وأن يضاف. وقد تكلم المصنف على المقرون بـ «من» هنا إلى آخر هذا الفصل وتكلم في الفصل الذي يليه على الاستعمالين الآخرين. والسبب في أنّ «أفعل» التفضيل لا يتجاوز ثلاثة الاستعمالات أنّ الغرض منه إفادة الزيادة في موصوفه على غيره - ¬

_ (¬1) نسبت القراءة المذكورة في البحر المحيط (8/ 180) لقتادة وأبي قلابة، وفي المحتسب (2/ 299): (الأشر - بتشديد الراء - هو الأصل المرفوض؛ لأن أصل قولهم: هذا خير منه، وهذا شر منه: هذا أخير منه وهذا أشر منه) اهـ. (¬2) سورة القمر: 26. (¬3) سبق تخريج هذا الشاهد. والشاهد فيه هنا قوله: «وحبّ شيء» حيث حذف همزة أفعل التفضيل من «حبّ» شذوذا وهو نادر لا يقاس عليه، ولم يوجد في السعة إلا في «خير وشرّ».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقصد إلى ذكر الغير ليوفر ما يقتضيه معناه وذلك لا يحصل إذا تجرد عن هذه الثلاثة؛ لأنك إذا قلت: زيد أشرف لم يفهم من هو الذي زاد عليه هو في الشرف، فإذا أتيت بـ «من» أو أضفته علم المفضل عليه، وإذا أتيت باللام كقولك: زيد الأشرف، فالتعريف هو تعريف العهد وهو لا يكون معهودا، إلا على الصفة المذكورة، فإذا عرفته بالعهد فهو المعهود الذي قد عرف من هم المفضل عليهم هو ولا يجمع بين «من» واللام أو الإضافة، فلا يقال: زيد الأفضل من عمرو، ولأنهم لم يأتوأ بـ «من» إلا لما ذكرناه، من بيان المفضّل عليه وقد علم أنّ اللام تفيد ذلك، فلم يكن للجمع بينهما معنى. وأيضا فإنّ معنى التعريف باللام أن يجعله للمعهود المفضل على من عهد تفضيله عليه بمعنى «من» تفضيله على من ذكر بعدها دون من سواه فيصير المعنى - عند الاجتماع - تفضيله باعتبار المعهود ولا باعتبار المعهود وذلك تناقض، وأيضا فإنّ «من» تشعر باحتياجه ونقصانه، واللام تشعر باستغنائه وكماله. فلو جمع بينهما لكان كالجمع بين النقيضين. قال المصنف (¬1): ويلزم «أفعل» التفضيل الإفراد والتذكير إذا كان عاريا أي: غير مضاف ولا مشفوع بحرف التعريف، فيقال: زيد أكرم من عمرو، وهما أكرم من بشر، وهم أشجع من غيرهم، وهند أجمل من دعد، وبنتاهما أصلح، والأمّهات أشفق من الأخوات (¬2)، ويلزم العاري أيضا أن يذكر بعده المفضول، مقرونا بـ «من» متصلة به كما رأيته من الأمثلة المذكورة آنفا، أو مفصولا بين «من» وبينه بمتعلق به، فصاعدا، كقوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ (¬3). وكقول الشّاعر: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 53). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 707، 708): (إنّما كان بلفظ واحد مع «من»؛ لأن الغرض إنما هو تفضيل كرم زيد على كرم عمرو، فهو في المعنى إخبار عن المصدر؛ فوجب التذكير لغلبته على المصدر، فرفض فيه «فعلى») اهـ. وهذه أيضا علة عدم تثنيته وجمعه. (¬3) سورة الأحزاب: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2091 - فلأنت أسمح للعفاة بسؤلهم ... عند الشّصائب من أب لبنينا (¬1) وكقوله: 2092 - ما زلت أبسط في غصن الزمان يدا ... للناس بالخير من عمرو ومن هرم (¬2) ويجب تقديم «من» والمفضول (¬3) إن كان اسم استفهام، أو مضافا إليه، نحو: ممّن أنت أحلم؟ ونحو: ممّن أنت أعلم؟ ومن أيّ الرّجال أنت أكرم؟ وممّ قدّك أعدل؟ ومن وجه من وجهك أجمل؟ ذكر أصل هذه المسألة أبو عليّ في التّذكرة (¬4) وهي من المسائل المغفول عنها. فإن كان المفضول غير ذلك لم يجز تقديمه إلّا في نادر من الكلام، كقول ذي الرّمّة: 2093 - ولا عيب فيها غير أنّ سريعها ... قطوف وأن لا شيء منهنّ أكسل (¬5) وكقول الآخر: - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الكامل، ولم ينسب لقائل معين، والشصائب: الشدائد، شصب - بكسر الشين المثلثة، وبعدها صاد مهملة ثم باء موحّدة - وهو الشّدّة، من: شصب الأمر: اشتدّ، وشصب العيش يشصب - بالضم - شصوبا، وأشصب الله عيشه. والشاهد في البيت: الفصل بين اسم التفضيل «أسمح» والمفضول، بجارّين ومجرورين وظرف. ينظر الشاهد في: شرح المصنف والتذييل والتكميل (4/ 708) وهو في الارتشاف (3/ 53). (¬2) البيت من البسيط، ولم أهتد إلى قائله. والشاهد فيه: الفصل بين اسم التفضيل العاري من «أل» ومن الإضافة وهو «أبسط» وبين المفضول بثلاثة جار ومجرور، وتمييز. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 807)، ومنهج السالك (ص 409)، وشرح المصنف (3/ 54). (¬3) أي: يجب تقديمها على «أفعل». (¬4) التذكرة من كتب أبي علي الفارسي المفقودة، ينظر هذا الكلام في شرح المصنف. (¬5) هذا البيت من الطويل. اللغة: ولا عيب فيها: أي: لا عيب حاصل فيها، أي: في النساء المذكورة فيما قبل، وغير منصوب على الاستثناء. قطوف: متقارب الخطو، وهذا من تأكيد المدح بما يشبه الذم. والشاهد في البيت قوله: «منهنّ أكسل» حيث قدّم المجرور بـ «من» على «أفعل» التفضيل، وهو «أكسل» المرفوع على الخبريّة. وتقديم معمول «أفعل» التفضيل في الإخبار نادر وقليل؛ لأن «أفعل» التفضيل من العوامل غير المتصرفة في نفسها، فلا يتصرف في معمولها. ينظر الشاهد في: ديوان ذي الرمة (ص 641)، والعيني (4/ 44)، والأشموني (3/ 52)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 189).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2094 - فقالت لنا أهلا وسهلا وزوّدت ... جنى النّحل بل ما زوّدت منه أطيب (¬1) وقد يفصل «أفعل» و «من» بـ «لو» وما اتصل بها كقول الشّاعر: 2095 - ولفوك أطيب لو بذلت لنا ... من ماء موهبة على خمر (¬2) ولا بدّ من كون المفضول مشاركا للمفضّل فيما ثبت فيه التفضيل فيقال: الخبز أغذى من السويق، والعسل أحلى من التّمر، ولا يقال: الخبز أغذى من الماء، ولا: الماء أروى من الخبز؛ فإن ورد لفظ تفضيل دون ظهور مشاركة قدّرت المشاركة بوجه ما، كقولهم في البغيضين: هذا أحبّ إليّ من هذا، وفي الشرّين: هذا خير من هذا، وفي الصّعبين: هذا أهون من هذا، وفي القبيحين: هذا أحسن من هذا، بمعنى: أقل بغضا، وأقل شرّا، وأقلّ صعوبة، وأقلّ قبحا ومنه قوله تعالى: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (¬3). [3/ 124] وقول الرّاجز: 2096 - أظلّ أرعى وأبيت أطحن ... الموت من بعض الحياة أهون (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وقائله الفرزدق. اللغة: أهلا وسهلا: أي: أتيتم أهلا، ومكانا سهلا، جنى النّحل: شهده، والمراد شبيهه. والشاهد فيه قوله: «منه أطيب» حيث قدم المجرور بـ «من» على أفعل التفضيل مع أنه غير استفهام وهو قليل، فالاستشهاد مبنيّ على أنّ «منه» متعلق بـ «أطيب». ينظر الشاهد في: النقائض (2/ 612)، وشرح ابن يعيش (2/ 60)، والهمع (2/ 104)، والدرر (2/ 137)، والأشموني (3/ 52)، وديوان الفرزدق ط. الصاوي (ص 32)، وشرح العمدة (ص 427)، وشرح الكافية (2/ 433). (¬2) البيت من الكامل، ونسب لأبي ذؤيب الهذلي، خويلد بن خالد، أحد المخضرمين، أسلم، ومات في سنة (26 هـ). اللغة: أطيب: أعذب، بذلت: سخوت، موهبة: هي السحابة، أو نقرة الشجرة، يجمع فيها ماء السحاب، كما في الاشتقاق. والشاهد فيه قوله: «أطيب» فإنه «أفعل» تفضيل، وقد فصل بينه وبين «من» الجارة للمفضول بـ «لو» ينظر الشاهد أيضا في: الهمع (2/ 104)، والدرر (2/ 137)، والأشموني (3/ 46). (¬3) سورة يوسف: 33. (¬4) هذا البيت من الرّجز، ولم أهتد إلى قائله. والشاهد فيه قوله: «أهون»؛ حيث إنه «أفعل» تفضيل، لا تظهر فيه المشاركة بين المفضل، والمفضل عليه؛ لأن المفضل هنا الموت، ولذلك تقرر المشاركة بوجه ما، فكأنه يريد: أهون صعوبة عنده. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 2097 - عجيّز لطعاء دردبيس ... أحسن من منظرها إبليس (¬1) ومن الملحق بالتهكم قول الآخر: 2098 - لأكلة من أقط بسمن ... ألين مسّا في حوايا البطن من يثربيّات قذاذ خشن (¬2) ومنه قول الشّاعر: 2099 - الحزم والقوّة خير من ... الإدهان والفكّة والهاع (¬3) - ¬

_ - كما يصلح البيت شاهدا على تقديم المفضل عليه «من بعض الحياة» على اسم التفضيل «أهون» على ما في الشواهد السابقة. ينظر الشاهد في: شرح الألفية للشاطبي (4/ 93)، والتذييل والتكميل (4/ 714). (¬1) هذا بيت من الرجز، ولم أهتد إلى قائله. اللغة: اللطعاء: التي قد انتثر مقدم فيها، أي: سقطت أسنانها، والدردبيس: العجوز المسنة. والشاهد هنا: «أحسن من منظرها إبليس»؛ إذ تقدّر المشاركة في «أحسن» بأقل قبحا. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 55)، والتذييل والتكميل (4/ 714). (¬2) وهذا الرجز لمرداس، كما جاء في كتاب القلب والإبدال، ضمن الكنز اللغوي (ص 55). اللغة: أكلة: لقمة. أقط: شيء يتخذ من اللبن فيصير جبنا معقودا، قذاذ - جمع أقذ -: السهم الذي لا ريش عليه. خشن: جمع أخشن بمعنى: خشن. والشاهد فيه: يجيء أفعل التفضيل مجرّدا من «أل» والإضافة، واقترن المفضل عليه بـ «من» لكن الأسلوب للتهكم؛ ولذلك احترز به من مشاركة المفضل عليه للمفضل في المعنى، لكنه لا يخلو المقرون بـ «من» في غير تهكم من مشاركة المفضل في المعنى. ينظر الشاهد أيضا في: العيني (4/ 46)، ومنهج السالك (ص 409)، والتذييل والتكميل (4/ 713)، واللسان «خشن». ويستشهد بذلك أيضا على الفصل بين اسم التفضيل والمفضول في قوله: ألين مسّا - في حوايا البطن - ... من يثربيّات ... (¬3) هذا البيت من السريع، وقائله أبو قيس بن الأسلت الأنصاري، رئيس الأوس في حرب حاطب قبل الإسلام، بين بطون الأوس والخزرج كلها، وكان قد هجر الراحة، لقيادة هذه الحرب، ثمّ جاء إلى امرأته فأنكرته لشحوبه ثم عرفته من كلامه، فقال القصيدة التي منها هذا الشاهد، وأولها: قالت ولم تقصد لقيل الخنا ... مهلا فقد أبلغت أسماعي تنظر ترجمة هذا الشاعر في خزانة الأدب (3/ 109، 110) تحقيق هارون. اللغة: الإدهان - من المداهنة -: وهي مثل النفاق والمخادعة، والفكة: الحمق، والهاع: الحرص. والشاهد فيه: كالذي قبله؛ أنّ «أفعل» التفضيل المجرد من «أل» ومن الإضافة للتهكم هنا لذلك لم يشارك المقرون بـ «من» المفضل في المعنى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وممّا تقدّر فيه المشاركة قول بعضهم: الصّيف أحرّ من الشّتاء، وله توجيهات: أحدها: أن يكون من «أحرّ القتل» بمعنى: استحرّ، أي اشتدّ، فكأنّه قيل: الصيف أشدّ احترارا من الشتاء؛ لأنّ حروبهم في الصّيف كانت أكثر من حروبهم في الشتاء (¬1)، ويمكن أن يشار بذلك إلى أنّ الشّتاء يتحيّل فيه على الحرّ بموقيات البرد وأنّ الصيف لا يحتاج فيه إلى تحيّل، فحرّه أشدّ من حرّ الشتاء (¬2)، ويمكن أن يشار بذلك إلى «حرّ الأمر» جدّ، وأنّه في الصيف أشدّ منه في الشتاء (¬3). وزعم بعض العلماء أنه يقال: العسل أحلى من الخلّ، وهذا موجه بثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون قائل هذا أسمى العنب خلّا، لمآله إليه، كما سمّي خمرا في قوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً (¬4). الثاني: أن يكون «أحلى» من: حلي بعيني، إذا حسن منظره. الثالث: أن يكون هذا قد وضع «أحلى» موضع «أطيب» لأنّ الخلّ يتأدّم به، فله من الطيب نصيب، لكنّه دون طيب العسل (¬5). ويكثر حذف المفضول إذا دلّ عليه دليل، وكان «أفعل» خبرا، كقوله تعالى: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (¬6)، ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا (¬7)، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ (¬8)، وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ (¬9)، إِنَّما عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (¬10)، وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلًا (¬11)، أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (¬12)، فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (¬13). وهو كثير، ومنه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1)، (¬2)، (¬3) هذه توجيهات ثلاثة. (¬4) سورة يوسف: 36. (¬5) تنظر هذه الأوجه الثلاثة في: شرح المصنف (3/ 56) والتذييل والتكميل (4/ 713)، وفي المساعد لابن عقيل (2/ 171)، تحقيق بركات: (... أو أراد بالخلّ العنب كما يسمّى العنب خمرا، والتهكم لا يمتنع) اهـ. (¬6) سورة البقرة: 61. (¬7) سورة البقرة: 282. (¬8) سورة آل عمران: 36. (¬9) سورة آل عمران: 118. (¬10) سورة النحل: 95. (¬11) سورة الكهف: 46. (¬12) سورة مريم: 73. (¬13) سورة مريم: 75.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2100 - إذا المرء علبي ثم أصبح جلده ... كرحض غسيل فالتّيمّن أروح (¬1) أي: فدفنه على اليمين أروح له، وقد يحذف المفضول، وأفعل ليس بخبر، فمن ذلك قوله تعالى: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (¬2). ومن ذلك قول الشاعر: 2101 - دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا ... فظلّ فؤادي في هواك مضلّلا (¬3) أي: دنوت أجمل من البدر، وقد خلناك مثله. ومثله: 2102 - ليلقك من أرضاك قدما أجدّ في ... مراضيه فالمسبوق إن زاد سابق (¬4) ومثله قول رجل من طيئ: 2103 - عملا زاكيا توخّ لكي تج ... زى جزاء أزكى وتلفى حميدا (¬5) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل للنابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله وقيل: حيان بن قيس. الديوان (ص 218) طبعة دمشق. اللغة: علبى: تشنجت علباؤه، وهي العصبة في العنق، وفي اللسان «علب»: علبى الرجل: انحط علباواه كبرا، كرحض: أي كثوب رحض: غسل حتى خلق، وينظر: اللسان «رحض»، فالتيمّن: فالموت. وفي اللسان «يمن» يقال: تيمن فلان تيمنا إذا مات، والأصل فيه: أنه يوسد عينه إذا مات في قبره، يريد هذا الشاعر أنّه إذا انتهى في الهرم إلى هذا الحد فالموت أروح له. والشاهد في «أروح»؛ حيث إنه أفعل تفضيل وقع خبرا، حذف المفضول بعده للعلم به. (¬2) سورة طه: 7. (¬3) البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معيّن. اللغة: الخطاب للمؤنث، مضللا: خبر ظل. والشاهد في البيت قوله: «أجملا»؛ حيث هو تفضيل، حذف منه «من» والمفضول، والتقدير: أجمل من البدر، وأكثر ما تحذف «من» والمفضول في «أفعل» التفضيل - إذا كان خبرا لا حالا كما في هذا البيت. ينظر الشاهد في: العيني (4/ 50)، والأشموني (3/ 46)، وشرح المصنف (3/ 57). (¬4) هذا البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: قوله: «أجدّ»؛ حيث إنه «أفعل» تفضيل، حذفت منه «من» والتقدير: أجدّ في مراضيه من غيرك، وأكثر ما تحذف «من» في «أفعل» التفضيل إذا كان خبرا. ينظر البيت في: شرح المصنف (3/ 57)، والتذييل والتكميل (4/ 717). (¬5) هذا البيت من الخفيف وقد نسب لرجل من طيئ لم يحدّد اسمه. والشاهد في قوله: «أزكى» فإنه «أفعل» تفضيل وقع صفة وحذف بعده (من) والمفضول، والتقدير: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: لكي تجزى جزاء أوفى من العمل الزّاكي. ومثله قول الآخر: 2104 - تروّحي أجدر أن تقيلي ... غدا بجنّتي بارد ظليل (¬1) أي ترّوحي، وأتي مكانا أجدر مكانا بأن تقيليه، أي: تقيلي فيه، وهذا أغرب من الذي قبله، لكثرة الحذف فيه. ولا توجد «من» جارّة للمفضول، إلا و «أفعل» عار من الإضافة، والألف واللّام، وندر إيقاع «من» بعد مضاف إلى ما لا اعتداد بذكره، والإشارة بذلك إلى قول الشّاعر: 2105 - نحن بغرس الوديّ أعلمنا ... منّا بركض الجياد في السّدف (¬2) أراد: أعلم منّا، فأضاف، ناويا إطراح المضاف إليه كما تدخل الألف واللام في - ¬

_ - أزكى من العمل الزاكي، وهذا قليل ولا يكثر الحذف إلا إذا كان «أفعل» خبرا. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 57)، والتذييل والتكميل (4/ 717)، والارتشاف برقم (1011) (ص 1087)، ومنهج السالك (ص 408)، والتذييل والتكميل (4/ 717). (¬1) هذا البيت من الرجز وقائله: أحيحة بن الجلّاح. وقبله في المحتسب (1/ 212): ترّوحي يا خيرة الفسيل اللغة: الخطاب - على رأي العيني - للفسيل بفتح الفاء وهو صغار النّخل، تروحي: من تروح النبت إذا طال، والمعنى: طولي يا فسيل، وكنى بالقيلولة عن النموّ والزهو بكونها في جنتي بارد ظليل. والشاهد فيه قوله: «أجدر» فإنه «أفعل» تفضيل، واستعمل بغير ذكر «من» وهو قليل لكونه صفة لمحذوف ولم يقع خبرا؛ إذ التقدير: وأتي مكانا أجدر أن تقيلي فيه من غيره. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 57)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 187)، والأمالي الشجرية (1/ 343)، والأشموني (3/ 46)، وشرح التصريح (2/ 103). (¬2) هذا البيت من المنسرح، وفي المقاصد النحوية (4/ 55) إنه لسعد القرقرة من أهل هجر، وهو في ديوان قيس بن الخطيم (ص 236) ط. دار صادر بيروت. اللغة: الودي - بفتح الواو وكسر الدال وتشديد الياء - جمع ودية، وهي النخلة الصغيرة وروي «الورد» بدل «الودي»، السدف - بفتح المهملتين السين والدال، وبعدهما فاء - الصبح وإقباله. والشاهد في البيت: قوله: «أعلمنا» الواقع خبرا لـ «نحن» استشهد به على الجمع بين الإضافة و «من»، وفي هامش ديوان قيس بن الخطيم: (إنها لغة يمنية معروفة) اهـ. ينظر الشاهد في: اللسان «سدف»، ومقاييس اللغة (3/ 148)، وشرح المصنف (3/ 57)، والتذييل والتكميل (4/ 719)، ومنهج السالك (ص 4094)، والأشموني (3/ 47).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض الامكنة، وينوى سقوطها. وندر إيقاع «من» في قول الشاعر: 2106 - ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنّما العزّة للكاثر (¬1) وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون من المعتاد وقوعها بعد العاري، والألف واللام زائدتان. والثّاني: أن تكون متعلّقة بـ «أكثر» مقدرا، مدلولا عليه بالموجود المصاحب للألف واللام، كأنه قال: ولست بالأكثر، وأكثر منهم حصى (¬2)، وهذا التقدير شبيه بما يقال في قوله تعالى: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (¬3) أي: كانوا زاهدين فيه من الزاهدين. والثالث: أن تكون «من» للتبيين، كأنّه قال: ولست بالأكثر من بينهم وإلى ما فيه من الأوجه أشرت بقولي: (ولا تصاحب «من» المذكورة غير العاري) (¬4) إلى آخر الكلام، والله تعالى أعلم. هذا آخر كلام المصنف، ونتبعه الإشارة إلى أمور: الأول: ذكر شواهد على بعض المسائل المذكورة، ذكرها غير المصنف: منها: شاهد الفصل، بين «أفعل» وبين ما هو معمول لـ «أفعل»، قال الله تعالى: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (¬5). وقال الشاعر: - ¬

_ (¬1) هذا البيت من السريع، وجعله العيني من الرجز وهذا غير صحيح وقائله الأعشى المشهور، يهجو علقمة بن علاثة، ويمدح عامر بن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما، والمعنى: بم تزعم العزة، ولست بالأكثر منه عددا والعزة لصاحب الكثرة. والشاهد في البيت قوله: «بالأكثر منهم»؛ حيث جمع فيه بين الألف واللام و «من» وأجيب بزيادة «ال» أو على تقدير: بالأكثر بأكثر منهم، والمحذوف بدل من المذكور، أو: أنّ «من» لبيان الجنس، أو هي بمعنى «في» أي: فيهم. من مراجع الشاهد: ديوان الأعشى (ص 94)، واللسان «حصى»، والخصائص (1/ 185)، والأشموني (3/ 47). (¬2) ينظر هذا التقدير في التذييل والتكميل (4/ 719). (¬3) سورة يوسف: 20 - يعني التقدير في الآية الكريمة. (¬4) ينظر: شرح المصنف (3/ 58). (¬5) سورة يوسف: 33.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2107 - ألين مسّا في حوايا البطن ... من يثربيات قذاذ خشن (¬1) وقال آخر: 2108 - وسبع الدّار أشجع حين يبلى ... لدى الهيجاء من ليث بغاب (¬2) وليعلم أنّ الفصل قد حصل في الشواهد التي ذكرها المصنف، والتي ذكرها غيره بشيئين وبثلاثة أيضا، وكذا بأربعة أشياء في البيت الذي أنشده المصنّف وهو: 2109 - ما زلت أبسط في غضن الزّمان يدا ... للنّاس بالخير من عمرو ومن هرم (¬3) ومنها: شاهد سبق «من» ومجرورها «أفعل» قال الشاعر: 2110 - إذا سايرت أسماء يوما ظعينة ... فأسماء من تلك الظّعينة أملح (¬4) وقال آخر: 2111 - ولولا النّهى أنبأتك اليوم أنّني ... من الطّابن الطبّ المجرّب أعلم (¬5) وقال آخر: - ¬

_ (¬1) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا في هذا الباب. (¬2) هذا البيت من الوافر وقائله كثير بن عبد الرّحمن بن أبي جمعه، صاحب عزّة، من خزاعة. تنظر ترجمته في: الشعر والشعراء (1/ 510) والخزانة (5/ 621). وقد نسب هذا البيت في: منهج السالك (409) لكثير عزة، وليس في ديوانه تحقيق د/ إحسان عباس ط. بيروت (1391 هـ). ومن مراجع الشاهد أيضا: التذييل والتكميل (4/ 708). (¬3) سبق تخريجه قريبا أول شرح هذا المتن. (¬4) هذا البيت من الطويل، وقائله: جرير بن عطية الخطفي. اللغة: سايرت: من المسايرة. أسماء: اسم امرأة، ظعينة: الهودج، سواء كانت فيه امرأة أو لم تكن. ومراده من في الهودج، أملح: أفعل تفضيل من: ملح الشيء، أي: حسن. والشاهد في البيت: تقديم «من» ومجرورها على «أملح» في غير استفهام. ينظر الشاهد في ديوان جرير (ص 835)، والنقائض (1/ 500)، والعيني (4/ 52)، وشرح التصريح (2/ 103)، والتذييل والتكميل (4/ 709)، وشرح الأشموني (3/ 52). (¬5) هذا البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين. اللغة: الطابن: من الطبن بالتحريك أي الفطنة وفي اللسان «طبن» رجل طبن: فطن حاذق عالم بكل شيء وكذلك طابن، الطب: الطبيب من الوصف بالمصدر. والشاهد في البيت: تقديم «من» ومجرورها على اسم التفضيل «أعلم» في غير الاستفهام وهو قليل شاذ. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 413)، والتذييل والتكميل (4/ 709).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2112 - فقلت لها: لا تجزعي وتصبّري ... فقالت بحقّ: إنّني منك أصبر فقلت لها: والله ما قلت باطلا ... وإنّي بما قد قلت لي منك أبصر (¬1) إلّا أنّ قوله: 2113 - بل ما زوّدت منه أطيب ليس فيه دليل على التقديم صريحا، لاحتمال أن يعلق «منه» بـ «زودت». ومنها: شاهد حذف المفضول، إذا وقع خبرا، قال الشاعر: 2114 - فخرت بنو أسد بمقتل مالك ... فخرت بنو أسد عتيبة أفضل (¬2) أي: من الجماعة [3/ 125] الذين قتلوا به، وقال آخر: 2115 - إذا ما ستور البيت أرخين لم يكن ... سراج لنا إلّا ووجهك أنور (¬3) وقال آخر: 2116 - وما مسّ كفّ من يد طاب ريحها ... من النّاس إلّا ريح كفّك أطيب (¬4) - ¬

_ (¬1) البيتان من الطويل ولم ينسبا لقائل بعينه. ومعناهما وضح وروي «أخبر» بدل «أبصر» في نهاية البيت الثاني. والشاهد في قوله: «منك أصبر ومنك أبصر»؛ حيث تقدمت «من» ومجرورها على «أفعل» في غير الاستفهام. وذلك قليل وشاذ. ينظر: المساعد على تسهيل الفوائد (2/ 168)، والتذييل والتكميل (4/ 709)، ومنهج السالك (ص 413). (¬2) هذا البيت من بحر الكامل وقائله هو مالك بن نويرة في ذؤاب بن ربيعة حين قتل عتبة بن الحارث بن شهاب وفخر بنو أسد بذلك مع كثرة من قتلت بنو يربوع منهم. وقال المبرد بعد ذكر البيت: فإنما معناه: أفضل ممّن قتلوا. والشاهد في البيت: قوله: «أفضل» استشهد به على حذف المفضول بعده لوقوعه خبرا. ينظر الشاهد في: الكامل للمبرد (2/ 48)، والخزانة (8/ 246)، والتذييل والتكميل (4/ 715). (¬3) هذا البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين. والشاهد في قوله: «أنور»؛ حيث إنّه اسم التفضيل وقع خبرا وحذف بعده المفضول، والتقدير: أنور من غيره. وينظر البيت في: معاني القرآن للفراء (2/ 83)، والزاهر لابن الأنباري (1/ 124)، وشرح القصائد السبع لابن الأنباري أيضا (ص 467)، والأزهية للهروي (ص 239)، والخزانة (8/ 244)، والدرر (1/ 86). (¬4) هذا البيت من الطويل، ولم أقف على نسبة له لقائل معين. وهو بهذه الرواية في: الأزهية للهروي (ص 239). والشاهد فيه: حذف المفضول بعد «أطيب» الواقع خبرا للعلم به، ينظر الشاهد أيضا في: شرح القصائد السبع الطوال (ص 467)، والتذييل والتكميل (4/ 715).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الثّاني: ذكروا لوجوب الإفراد والتذكير في العاري عن اللام والإضافة عللا: إحداها: أنّ الغرض من قولنا: زيد أكرم من عمرو، إنّما هو تفضيل كرم زيد على عمرو فهو في المعنى إخبار عن المصدر والمصدر لا يؤنث ولا يثنّى ولا يجمع (¬1). ثانيها: أنّه يشبه «أفعل» المتعجّب به لفظا، ومعنى فلم يجز فيه ما لم يجز في ذلك. ثالثها: أنّ «من» المذكورة بعد «أفعل» هي من تمامه، فهي كجزء منه، والاسم لا يثنّى جزء منه ولا يجمع، ولا يؤنث، وأقول: إنّني لم أتحقّق من هذه العلل الثلاث شيئا. الأمر الثّالث: قد عرف أنّ تقديم «من» ومجرورها على «أفعل» واجب في نحو: ممّن أنت أفضل؟ وممّ قوامك أعدل؟ قال الشيخ (¬2): وينبغي أن ينبه على سبقه أيضا ما كان «أفعل» خبرا عنه، نحو ما مثل به، ونحو: ممن كان زيد أفضل؟ وممّن ظننت زيدا أفضل؟ لئلا يتوهم أنه يجوز توسيطهما بين المخبر عنه والخبر، وهو لا يجوز فلا يقال: زيد ممن أفضل؟ ولا: كان زيد ممّن أفضل؟ ولا: ظننت زيدا ممّن أفضل؟ وقد عرفت أنّ الفصل بـ «لو» وما اتّصل بها قد وقع بين أفعل و «من». قال الشيخ (¬3): وقد جاء الفصل بالمنادى قال جرير: 2117 - لم نلق أخبث يا فرزدق منكم ... ليلا وأخبث بالنّهار نهارا (¬4) الأمر الرابع: ناقش الشيخ المصنف في قوله: ولا يقال: الخبز أغذى من الماء، - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 707)، وشرح التسهيل للمرادي (193 / ب). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 710). (¬3) ينظر: المرجع السابق (4/ 711)، وهذا من الفصل بين «أفعل» و «من» بغير المعمول. (¬4) هذا البيت من الكامل وقائله هو جرير بن عطية الخطفي الشاعر المشهور يهجو الفرزدق، وهو في: ديوانه (1/ 522)، وفي الدرر (2/ 138)، وفي الخزانة (8/ 263) بلفظ «لم ألق». والشاهد فيه قوله: «أخبث» فإنّه «أفعل» تفضيل وقد فصل بينه وبين «من» الجارة للمفضول بالمنادى وهو في قوله: «يا فرزدق». وفي البيت شاهد آخر وهو: حذف «من» من «أفعل» التفضيل لتقدّم ما يدل عليها أعني في قوله: وأخبث في النهار، فإنّ الأصل: وأخبث منكم فحذف «من» لدلالة «من» عليه في قوله: لم ألق أخبث يا فرزدق منكم. وينظر الشاهد أيضا في منهج السالك (ص 409)، والتذييل والتكميل (4/ 711)، والهمع (2/ 104)، وشرح التسهيل للمرادي (193 / ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: بل ذلك جائز، والماء في لغة العرب يغذو قال الشاعر: 2118 - كبكر مقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير المحلّل (¬1) وأقول: ما ذكره المصنف هو الحقّ، فإنهم نصّوا على أنّ الماء لبساطته لا يغذو، وأمّا قول الشّاعر: «غذاها نمير الماء» فمجاز، أطلق على الماء أنّه غاذ؛ للعلاقة التي بينه وبين الغاذي حقيقة، وهي التناول. ثمّ قد علمت أنّ المصنف وجه ما أجازه بعض العلماء من أن يقال: العسل أحلى من الخلّ بالثّلاثة الأوجه التي تقدم ذكرها، فلقائل أن يقول: إذا كان الأمر كما ذكره - من أنّ الخل أريد به العنب، أو أنّ «أحلى» أوقع موقع «أطيب»؛ لأنّ الخلّ يتأدّم به فله من الطيب نصيب - لم يخالف أحد في جوازه، نعم، إن كان هذا المثال ورد عن العرب أفاد فيه هذا التخريج. الأمر الخامس: قد عرف أنّ المصنف أشار بقوله: أو تقدير مشاركته إلى أنّ المشاركة تقدّر بوجه ما فيما لا مشاركة فيه، كقولهم في البغيضين: هذا أحبّ إليّ من هذا، إلى آخر ما ذكره. وأقول: إننّي لم يظهر لي في الأمثلة التي ذكرها أنّها من هذا القبيل، أعني من قبيل ما تقدّر فيه المشاركة بوجه ما؛ لأنّ من مدلول الوصف المذكور منها منتف عن المفضّل والمفضّل عليه، فلو وجد في أحدهما دون الآخر اتّجه أن يقال: تقدر المشاركة بينهما في مدلول الوصف المذكور، والأمر ليس كذلك وإنّما ارتكب المجاز في الأمثلة المذكورة فوصف كلّا من المفضّل والمفضّل عليه بنقيض ما هو لهما، على - ¬

_ (¬1) هذا البيت من بحر الطويل وقائله هو امرؤ القيس من معلقته المشهورة والبيت في ديوان امرئ القيس (ص 43) ط. دار صادر. ويجوز خفض «البياض» بالإضافة أو نصبه على التشبيه بالمفعول به. اللغة: بكر: ما لم يسبقه مثله من كل صنف: مقاناة: خلط من قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر، وبكر المقاناة: أول بيضة تبيض النعام، وكل لون صفرة في بياض فهو مقاناة. نمير الماء: عذب الماء، والنمير: النامي في الجسد، غير محلل: لم يحلل عليه أحد فيعكره. والمعنى: أنّ لون العشيقة كلون بياض النعّام فهو بياض خالطته صفرة يسيرة وهو أحسن ألوان النساء عند العرب كما أنّ هذه العشيقة حسنة الغذاء إذ غذاها نمير عذب لم يكدر بكثرة الحلول عليه من الناس. والشاهد فيه: «غذاها نمير الماء» استشهد به على أنّ الماء يغذو عند العرب فهو أكثر تأثيرا في الغذاء لفرط الحاجة إليه ودليل ذلك أنّ امرأ القيس عبّر عن ذلك بأنّ غذاءها نمير صاف لم يحلل عليه أحد. ينظر الشاهد أيضا في: مقاييس اللغة (2/ 22)، وشرح القصائد السبع الطوال (ص 70)، والتذييل والتكميل (4/ 712).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سبيل المجاز، فصار الوصف ثابتا لهما مجازا، وإذا كان كذلك فليست المشاركة ثابتة بينهما تقديرا، والسّبب في العدول عن الحقيقة أنّ ارتكاب المجاز في هذه الأمثلة، فيه إشعار بميل المتكلم إلى أحد الأمرين، ولو أتى بحقيقة الكلام ما أشعر بذلك، بل ربّما يشعر بخلافه. الأمر السادس: قد أشعر قول المصنّف: وإن كان أفعل خبرا حذف للعلم به المفضول غالبا أنّ المفضول قد لا يحذف مع كون «أفعل» واقعا خبرا، والمفضول معلوم، لكنّه لم يمثل لذلك ومثاله قوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ (¬1). وشمل قول المصنف: خبرا خبر المبتدأ وخبر «كان» وخبر «إنّ» وما في مفعولي «ظننت»، قال الشاعر: 2119 - سقيناهم كأسا شربنا بمثلها ... ولكنّهم كانوا على الموت أصبرا (¬2) أي: منا، وقال الله تعالى: تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً (¬3). قال الشيخ: فإن كان «أفعل» التفضيل في موضع الفاعل، أو في موضع اسم «إنّ» ففي ذلك خلاف؛ أجاز البصريون حذف المفضول للعلم، ومنعه الكوفيون، ومثال ذلك: جاءني أفضل، وإنّ أكبر الله (¬4). قال: وزعم الرماني أنّه لا يجوز الحذف إلّا في الخبر، ولا يجوز في الصّفة، ولا شكّ أنّ السماع يردّ هذا القول. وقد تقدّم ذكر الشواهد على ذلك (¬5). - ¬

_ (¬1) سورة الجمعة: 11. (¬2) هذا البيت من الطويل وقائله النابغة الجعدي واسمه قيس بن عبد الله، وقيل: حيان بن قيس، وهو في ديوانه (ص 72) ط. دمشق (1384 هـ). والشاهد فيه هو: حذف المفضول بعد «أصبرا»؛ لوقوع اسم التفضيل خبرا لكان وحذف للعلم به والتقدير: أصبر منّا. وينظر الشاهد أيضا في: أمالي الزجاجي (ص 9)، والتذييل والتكميل (4/ 716)، والهمع (2/ 104)، والدرر (2/ 137). (¬3) سورة المزمل: 20. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 718). ولمراجعة مذهب البصريين والكوفيين ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬5) وهذه الشواهد هي: قوله تعالى: فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى [طه: 7]. وقول الشاعر: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر السابع: تقدّم ذكر الأوجه الثلاثة التي ذكرها المصنف في تخريج قول الشاعر: 2120 - ولست بالأكثر منهم حصى وأنّ منها أن تكون «من» للتبيين. قال الشيخ: فيكون ذلك نظير قول الشاعر: 2121 - أعكرم إن كانت بعينك كمنة ... فعندي لعينيك الأمضّ من الكحل (¬1) قال الشيخ: وإذا كان «أفعل» التفضيل مصوغا ممّا يتعدى بـ «من» يعدّى بها، مجرّدا أو مضافا، ومع «أل» (¬2)، قال الكميت: 2122 - فهم الأقربون من كلّ خير ... وهم الأبعدون من كلّ ذام (¬3) وأقول: هذا واضح، لا يحتاج إلى التنبيه عليه. ثمّ قال (¬4): ويجمع بينها وبين «من» الداخلة على المفضول، إذا جرّد تقول: زيد أقرب من كلّ خير من عمرو، وإذا جمع بينهما فيجوز تقديم «من» الداخلة على المفضول، على «من» الذي يتعلق «أفعل» به، فتقول: زيد أقرب من عمرو - ¬

_ - دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا ... ...... إلخ وكذلك الشواهد الشعرية الثلاثة التي ذكرها ناظر الجيش بعدها. (¬1) هذا البيت من البحر الطويل، وقائله عبد الله بن الزبير الأسدي. اللغة: كمنة: ظلمة، وفي القاموس «كمن» والكمنة بالضّم - ظلمة في البصر أو جرب وحمرة فيه والفعل كسمع وغني، الأمض من الكحل: الذي يلذع بحدته، وفي المصباح المنير مادة «مضض»: (والكحل يمض العين بحدته أي: يلذع مضيضا) اهـ. والشاهد في قوله: «الأمضّ من الكحل»؛ حيث جاءت «من» للتبيين. ينظر البيت أيضا في: منهج السالك لأبي حيان (ص 409)، والتذييل والتكميل (4/ 720). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 720). (¬3) هذا البيت من المديد، وقائله هو الكميت بن زيد الأسدي كما نسبه أبو حيان في المرجع السابق الصفحة وهو من قصيدة للكميت في مدح بني هاشم وآل البيت النبوي الكريم رضي الله عنهم. وروي «ذم» بدل «ذام» والذم والذام واحد وهو العيب. والشاهد في قوله: «الأقربون من كلّ خير»، و ... «الأبعدون من كل ذام»؛ حيث إن «أفعل» التفضيل فيهما مصوغ مما يتعدى بـ «من» ولذلك عدّى بها هنا وجمع بين «أل» فيهما وبين «من». وينظر الشاهد أيضا في: ديوان الكميت (1/ 60) «أل» د/ داود سلوم ط. بغداد مكتبة الأندلس (1969 م) حاشية الصبان (3/ 47). (¬4) يعني: قال الشيخ أبو حيان.

[أفعل المقترن ب «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما]

[أفعل المقترن بـ «أل»، أو المضاف إلى معرفة، وما يتعلق بهما] قال ابن مالك: (فصل: إن قرن «أفعل» التّفضيل بحرف التّعريف، أو أضيف إلى معرفة مطلقا له التّفضيل، أو مؤوّلا بما لا تفضيل فيه، طابق ما هو له في الإفراد والتّذكير وفروعهما، وإن قيّدت إضافته بتضمين معنى «من» جاز أن يطابق وأن يستعمل استعمال العاري، ولا يتعيّن الثّاني، خلافا لابن السّرّاج، ولا يكون حينئذ إلّا بعض ما أضيف إليه، وشذّ: أظلمي وأظلمه، واستعماله عاريا، دون «من» مجرّدا عن معنى التّفضيل مؤوّلا باسم فاعل أو صفة مشبّهة مطّرد عند أبي العبّاس، والأصحّ قصره على السّماع، ولزوم الإفراد والتّذكير فيما ورد كذلك أكثر من المطابقة). ـــــــــــــــــــــــــــــ من كلّ خير؛ لأنّ كلّا من الجارّين متعلق بـ «أفعل» قال: وكذلك لو كان حرف الجرّ غير «من» نحو: زيد أبصر من عمرو بالنّحو [3/ 126] وبكر أضرب من عمرو لزيد، وبه جاء السماع، قال الله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (¬1). وأقول: إنّ ما ذكره الشيخ أمر جليّ واضح، تقتضيه القواعد، ومستغنى عن أن ينبّه عليه. قال ناظر الجيش: قد تقدّم أنّ لـ «أفعل» التفضيل ثلاث استعمالات: أحدها: بـ «من» ويلزم معها الإفراد والتذكير، كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك. ثانيها: أن تقرن بـ «أل» وتلزم معها مطابقته لما هو له، في الإفراد، والتثنية والجمع، والتذكير، والتأنيث. ثالثها: أن يكون مضافا، فإمّا إلى نكرة، وحكمه حكم المقرون بـ «من» وسيأتي الكلام عليه بعد، وإما إلى معرفة، وقد قسم ثلاثة أقسام: الأول: أن يقصد به مطلق التفضيل، أي: اتصاف المفضل بالمفضل الزائد، دون نظر إلى مفضّل عليه، فلا ينوى بعده «من». الثاني: أن يؤوّل بما لا تفضيل فيه البتّة، بل يكون معناه معنى اسم الفاعل، - ¬

_ (¬1) سورة ق: 16.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصفة المشبّهة، وأن يكون التفضيل به مقصودا، فتكون إضافته على معنى «من»؛ (فهذان القسمان) (¬1) يلزم فيهما المطابقة، ولا يلزم أن يكونا بعض المعرفة المضاف إليها هي (¬2)، كما قالوا في: زيد أفضل القوم: إنه على تقدير من القوم، وأنه لا يتعرّف. وأما القسم الثالث، فيجوز فيه الوجهان، أعني المطابقة وعدمهما، وإذ قد أشير إلى المقصود إجمالا، فلنذكره تفصيلا. قال المصنف (¬3): قد تقدّم التنبيه على أنّ «أفعل» التفضيل منع التأنيث، والتثنية، والجمع لشبهه بـ «أفعل» المتعجّب به، ولا يكمل شبهه به إلا بتنكيره؛ لأنه حينئذ يكون قد شابهه لفظا، ومعنى فإن قرن بالألف واللام نقص شبهه به نقصا بيّنا، فزال عنه ما كان له بمقتضى كمال الشبه من معنى التأنيث والتثنية والجمع، واستحقّ أن يطابق ما هو له، كغيره من الصفات المحضة فيقال: جاء الرجل الأكبر والمرأة الكبرى، وجاء الرجلان الأكبران والمرأتان الكبريان، وجاء الرجل الأكبرون أو الأكابر والنسوة الكبريات، أو الكبر. فإذا أضيف إلى معرفة، وأطلق له التفضيل، ولم ينو بعده معنى «من» أو أوّل بما لا تفضيل فيه، عومل من لزوم المطابقة بما عومل به المقرون بالألف واللّام؛ لشبهه به في إخلائه من لفظ «من» ومعناها، ولا يلزم حينئذ كونه بعض ما أضيف إليه. وإن أضيف منويّا بعده معنى «من» كان له شبه بذي الألف واللّام في التعريف، وعدم لفظ «من» لزوما وشبه بالعاري الذي حذفت بعده «من» وأريد معناها، فجاز استعماله مطابقا، لما هو، بمقتضى شبهه بذي الألف واللّام، وجاز استعماله غير مطابق بمقتضى شبهه بالعاري، ولا يكون حينئذ إلا بعض ما يضاف له فيقال - ¬

_ (¬1) لعل هذا التعبير أولى مما في الأصل: «فالقسمان الأولان»؛ لأنه لم يذكر غيرهما. (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 723): (وهذان القسمان فيهما خلاف، أما الأول فمذهب البصريين أن أفعل التفضيل متى أضيف إلى معرفة فإنه لا بد أن يكون بعض ما أضيف إليه، ولا يجوز عندهم: يوسف أفضل إخوته، وأجاز ذلك الكوفيون؛ لأنه عندهم على معنى: من أخوته كما قالوا في: زيد أفضل القوم: إنه على تقدير: من القوم، وإنه لا يتعرف) اهـ. (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 58) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الإخلاء من معنى «من» -: يوسف أحسن من إخوته، أي: حسنهم أو الأحسن من بينهم، ويقال - على إرادة معنى «من» يوسف أحسن أبناء يعقوب. ويمتنع على هذا القصد أن يقال: يوسف أحسن من إخوته؛ والدليل على أنه مع قصد معنى «من» تجوز المطابقة وعدمها اجتماعهما في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ألا أخبركم بأحبّكم إليّ، وأقربكم منّي مجالس يوم القيامة؛ أحاسنكم أخلاقا، الموطّئون أكنافا، الذين يألفون يؤلفون» (¬1). فأفرد «أحبّ» و «أقرب» وجمع «أحسن» ومعنى «من» مراد في الثلاثة. وزعم ابن السرّاج أنّ المضاف إذا أريد به معنى «من» عومل معاملة العاري، والحديث الذي ذكرته حجة عليه لتضمّنه الاستعمالين، مع أنّ المضاف الذي في إضافته معنى «من» أشبه بذي الألف واللّام منه واللّام منه بالعاري، فإجراؤه مجرى ذي الألف واللام أولى من إجرائه مجرى العاري، فإذا لم يعط الاختصاص بجريانه مجراه، فلا أقلّ من أن يشارك، وإلّا لزم ترجيح أضعف الشبهين، أو ترجيح أحد المتساويين دون مرجّح، وقد يستعمل العاري الذي ليس معه «من» مجرّدا عن التفضيل، مؤوّلا باسم الفاعل كقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (¬2)، أو مؤولا بصفة مشبهة كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (¬3)؛ فـ (أعلم) - هنا - بمعنى عالم؛ إذ لا مشارك لله تعالى، في علمه بذلك، و (أهون) بمعنى هيّن؛ إذ لا تفاوت في نسبة المقدورات إلى قدرته تبارك وتعالى (¬4). ومن ورود «أفعل» مؤولا بما لا تفضيل فيه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) هذا الحديث بهذا اللفظ في النهاية لابن الأثير مادة «وطأ» (4/ 218) وفي مسند الإمام أحمد (4/ 193): (عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي في الآخرة محاسنكم أخلاقا وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتفيهقون المتشدّقون» اهـ. (¬2) سورة النجم: 32. (¬3) سورة الروم: 37. (¬4) فالشاهد في هاتين الآيتين: خلو أفعل من معنى التفضيل، فقوله تعالى: (أعلم) مؤول باسم الفاعل عالم (أهون) مؤول بالصفة المشبهة بمعنى هيّن وفي التذييل والتكميل (4/ 726): أنّ هذا شيء ذهب إليه المتأخرون. وينظر في ذلك: شرح المرادي على التسهيل (194 / ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2123 - إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعزّ وأطول (¬1) أي عزيزة، طويلة، ومنه قول الشنفرى: 2124 - وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل (¬2) أراد: لم أكن عجلا، ولم يرد: لم أكن أكثرهم عجلة؛ لأنّ قصده ذلك يستلزم عجلة غير فائقة، وليس غرضه إلا التمدح، ينفى العجلة قليلها، وكثيرها (¬3)، واختار أبو العبّاس محمد بن يزيد المبرّد استعمال «أفعل» مؤولا بما لا تفضيل فيه، قياسا (¬4) والأولى أن يمنع فيه القياس، ويقتصر فيه على ما سمع، والذي سمع منه كالمشهور فيه التزام الإفراد، والتذكير، إذا كان ما هو له مجموعا، - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الكامل، وقائله الفرزدق، الشاعر الأموي المشهور، وسمك السماء: رفعها، وأراد بالبيت: الكعبة. والشاهد في: «أعزّ، وأطول»؛ حيث لم يقصد بهما تفضيل، بل هما بمعنى: عزيزة طويلة. ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (2/ 155)، والنقائض (1/ 202)، واللسان مادة «عزز»، الأشموني (3/ 51). (¬2) هذا البيت من الطويل وقائله الشنفرى الأزدي، عمر بن براق، وفي مختارات ابن الشجري (ص 18)، واسمه شمس بن مالك، والبيت من القصيدة المشهورة بلامية العرب. اللغة: أجشع: أفعل من الجشع، وهو أشد الحرص على الأكل، أعجل: المتعجل السريع، أي إلى الأكل. والشاهد في البيت قوله: «أعجلهم»؛ حيث لم يرد به معنى التفضيل، بل أراد: ولم أكن عجلا، ولم يرد: ولم أكن أكثرهم عجلة. ينظر الشاهد في: قطر الندى (ص 188)، وشرح التصريح (1/ 202)، والأشموني (1/ 251)، (2/ 51)، الدرر (1/ 101). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 727) وفي النقل تصرف. (¬4) ينظر: المرجع السابق نفس الصفحة وفي المقتضب للمبرد (3/ 245، 246): («أفعل» يقع على وجهين: أحدهما: أن يكون نعتا قائما في المنعوت، نحو: أحمر، وأصفر، وأعور. والوجه الآخر: أن يكون للتفضيل، ثم قال: فأما قوله في الأذان: «الله أكبر» فتأويله كبير، كما قال الله عزّ وجلّ: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فإنما تأويله: وهو عليه هين؛ لأنه لا يقال: شيء أهون عليه من شيء، ونظير ذلك: لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول أي: (إني لوجل) انتهى ملخصا، وانظر الكامل (2/ 47، 48).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظا ومعنى، كقوله تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا (¬1)، أو لفظا، لا معنى، كقوله تعالى: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ (¬2) ونَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ (¬3) وقد يجمع، إذا كان ما هو له جمعا، كقول الشاعر [3/ 127]: 2125 - إذا غاب عنكم أسود العين كنتم ... كراما، وأنتم - ما أقام - ألائم (¬4) أراد: وأنتم - ما أقام - لئام، فـ «ألائم» جمع «ألأم» بمعنى «لئيم» فكذلك جمعه، إلا أنّ ترك جمعه أجود؛ لأنّ اللفظ المستقرّ له حكم، إذا قصد به غير معناه على سبيل النيابة لا يغيّر حكمه، ولذا لم يغير حكم الاستفهام، في مثل: علمت أيّ القوم صديقك، ولا حكم النّفي في نحو: 2126 - ألا طعان ألا فرسان عادية (¬5) ... ... - ¬

_ (¬1) سورة الفرقان: 24، وقد قال الفراء: في معاني القرآن (2/ 266، 267): (وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا: هذا أحمق الرجلين، ولا: أعقل الرجلين. ويقولون: لا تقل هذا أعقل الرجلين إلا لعاقلين، تفضل أحدهما على صاحبه، وقد سمعت قول الله: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا فجعل أهل الجنة خيرا مستقرا من أهل النار وليس في مستقر أهل النار شيء من الخير) اهـ. (¬2) سورة الإسراء: 49. (¬3) سورة ق: 45. (¬4) هذا البيت من الطويل وقد نسب للفرزدق في اللسان مادة «عين» وليس في ديوانه. اللغة: أسود العين: اسم جبل، وضمير «ما أقام» عائد إليه، وأخطأ من قال: اسم رجل، ما أقام: أي: أسود العين، أي: مدة إقامته، وكنى بذلك عن عدم زوال البخل عنهم، كما لا يزول هذا الجبل عن موضعه. والشاهد في هذا البيت: قوله: «ألائم» فإنه جمع ألأم، وإنّما يجمع إذا كان ما هو له جمعا، وجرد عن معنى التفضيل، وكان عاريا من «أل». ينظر البيت في: أمالي القالي (1/ 171)، (2/ 47) اللسان «لأم»، والعيني (4/ 57)، والأشموني (3/ 51). (¬5) هذا صدر بيت من البسيط وعجزه: ... ... ألا تجشّؤكم حول التنانير وقائله: سيدنا حسان بن ثابت الأنصاري الصحابي، رضي الله تعالى عنه، من قصيدة يهجو بها الحارث ابن كعب المجاشعي، ونسبه ابن السيرافي في شرح أبيات الكتاب (2/ 10) لخداش بن زهير، وفي شرح السيرافي: «ألا جفان» وهي رواية سيبويه (2/ 306) تحقيق هارون. وروي: «غادية» - بالغين المعجمة من الغدو، ضد الرواح. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا صحّ جمع «أفعل» العاري لتجّرده من معنى التّفضيل، إذا جرى على جمع جاز أن يؤنّث إذا جرى على مؤنّث، ويجوز أن يكون من هذا قول حنيف الحناتم (¬1) في صفات الإبل: سرعى، ونهيا، وعزرى (¬2)، وكان الأجود أن يقول: أسرع، وأنهى وأعزر، إلّا أنّه لم يقصد التفضيل، فجاء بـ «فعلى» في موضع «فعيلة» كما جاء قائل ذلك البيت بـ «ألائم» في موضع لئام، وعلى هذا يكون قول ابن هانئ: 2127 - كأنّ صغرى وكبرى من فقاقعها (¬3) ... ... - ¬

_ - اللغة: ألا طعان، ألا فرسان عادية: الهمزة في «ألا» للاستفهام، دخلت على «لا» النافية للجنس، والطعان: بمعنى المطاعنة، أو «طعان» اسم «لا» ولا خبر لها عند سيبويه والخليل، وقيل: خبرهما محذوف تقديره: موجود، وفرسان: جمع فارس وعادية: حال من الفرسان بمعنى العدو، التجشؤ: تنفس المعدة عند الامتلاء، والتنانير: جمع تنور: ما يوقد فيه النار لصنع الخبز. والمعنى: هم أهل نهم وحرص على الطعام، لا أهل غارة وقتال. والشاهد في البيت قوله: «ألا»؛ حيث عملت «لا» النافية للجنس، مع دخول همزة الاستفهام عليها؛ لأن معناها كمعناها؛ لأنّ الأصل فيه أنه حرف للتبرئة فلم يغير المعنى الطارئ على «لا» حكمها. ينظر الشاهد في: ديوان حسان بن ثابت (ص 215)، والحلل (ص 328)، والأشموني (2/ 14)، والعيني (3/ 362). (¬1) هو أحد بني حنتم بن عدي بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة - ويقال لهم: الحناتم، ويضرب به المثل في حذق رعاية الإبل، كما يضرب به المثل أيضا في الزهو بنفسه، كما في كتاب «أفعل» لأبي علي القالي (ص 81): تقول العرب: أزهى من حنتم الحناتم، وينظر: شرح المفصل لابن يعيش (3/ 94). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 739). (¬3) هذا صدر بيت من البسيط، قائله: الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصبّاح توفي سنة (195 هـ) وقيل (196، 197 هـ). وعجز البيت هو: ... ... حصباء درّ على أرض من الذّهب وصغرى وكبرى: معناهما هنا: تأنيث أصغر وأكبر بمعنى: صغير وكبير، والفواقع: النفاخات التي تطفو على الماء، والحصباء: الحصى. والمعنى: كأن الفواقع البيضاء الطافية التي تعلو كأس الخمر في لونها الذّهبي حبات من اللؤلؤ على أرض من الذّهب. والشاهد في قوله: صغرى، وكبرى، حيث هما تأنيث أصغر بمعنى صغير وأكبر بمعنى كبير حيث لم يقصد بهما التفضيل، كما ذكره الشارح. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صحيحا لأنّه مؤنث «أصغر» و «أكبر» المقصود بهما التفضيل وإنّما أنّث «أصغر» بمعنى صغير، و «أكبر» بمعنى كبير (¬1) انتهى كلام المصنف - رحمه الله تعالى -. ثم هنا أبحاث: الأول: أنّ الشيخ قال في القسمين اللّذين ذكرهما المصنّف - في المضاف إلى معرفة - وهما: أن يراد مطلق التفضيل، فلا ينوى بعده «من» نحو: يوسف أحسن إخوته، وأن يؤول بما لا تفضيل فيه، نحو: زيد أعلم المدينة؛ أنّ فيهما خلافا. قال: فأما الأول فمذهب البصريين، أنّ أفعل التفضيل متى أضيف إلى معرفة، فإنّه لا بدّ أن تكون ببعض ما أضيف إليه، ولا يجوز عندهم: يوسف أفضل إخوته، وأجاز ذلك الكوفيون؛ لأنه - عندهم - على معنى: من إخوته، كما قالوا في زيد أفضل القوم: إنّه على تقدير: من القوم، وإنه لا يتعرف (¬2) وقد جاء قول القائل: 2128 - يا خير إخوانه، وأعطفهم ... عليهم راضيا وغضبانا (¬3) وقال جماعة منهم الزمخشريّ - هذا جائز، على أنّ أفعل - هنا - كقولك: - ¬

_ - ينظر الشاهد في: ديوان أبي نواس (ص 454) تحقيق أحمد الغزالي، مطبعة الكتاب العربي، ودرة الغواص (ص 59)، والتوطئة (ص 306)، والأشموني (3/ 48، 52). (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 739، 740)، وفي شرح التصريح (2/ 102): (إنه لحن حيث أنث صغرى وكبرى، وكان حقه أن يقول: أصغر وأكبر بالتذكير. وأجيب عنه بأنه لم يقصد حقيقة المفاضلة فهو كقول العروضيين: فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى) اهـ. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 723) وينظر خلاف البصريين والكوفيين أيضا في: شرح التسهيل للمرادي (194 / ب) والمساعد لابن عقيل (146 / ب). (¬3) هذا البيت من المنسرح وقائله عبد الرحمن العتبي، يرثي علي بن سهل بن الصباح وكان له صديقا. والشاهد في البيت قوله: «يا خير إخوانه»؛ حيث أضيف «أفعل» إلى معرفة، وجاز ذلك على مذهب الكوفيين لأنه عندهم على معنى: من إخوانه مع أنّ «أفعل» ليس جزءا مما أضيف إليه، وذلك ممتنع عند البصريين إذ اشترطوا في أفعل المضاف إلى معرفة أن يكون جزءا مما أضيف إليه. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 723).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاعل، فيضاف لمجرّد التخصيص، كقولك: فاضل إخوته (¬1)، قال: وقد أثبت «أفعل» صفة، لا للتفضيل، والاشتراك في الصّفة، أبو العبّاس (¬2)، ومنه عنده: الله أكبر إذ لا كبير معه، ومنه: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (¬3) وقوله تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا (¬4). قال: وأما القسم الثّاني - وهو أن يؤوّل بما لا تفضيل فيه البتة ويصير كاسم الفاعل، والصفة المشبّهة، فهذا شيء ذهب إليه المتأخرون، مستدلّين بقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ (¬5)، وقوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ انتهى (¬6). وأقول: أما قوله: إنّ مذهب البصريين أنّ «أفعل» التفضيل متى أضيف إلى معرفة لا بد أن يكون بعض ما أضيف إليه فلا يجوز عندهم يوسف أحسن إخوته (¬7)، وهذا ليس فيه نقض لكلام المصنّف؛ لأنّه يوافق البصريين في أنّ أفعل التفضيل لا بدّ أن يكون بعض ما أضيف إليه. ويقول: إنّ قولنا: يوسف أحسن إخوته، ليس «أحسن» فيه للتفضيل، بل - ¬

_ (¬1) في المفصل للزمخشري (ص 89، 90): (وله معنيان: أحدهما: أن يراد أنه زائد على المضاف إليه في الخصلة التي هو وهم فيها شركاء، والثاني: أن يؤخذ مطلقا له الزيادة فيها إطلاقا، ثمّ يضاف لا للتفضيل على المضاف إليهم، لكن لمجرد التخصيص كما يضاف ما لا تفضيل فيه، وذلك نحو قولك: الناقص والأشج أعدلا بني مروان. كأنك قلت: عادلا بني مروان ثم قال: وعلى الوجه الأول لا يجوز: يوسف أحسن إخوته؛ لأنك لما أضفت الإخوة إلى ضميره، فقد أخرجته من جملتهم من قبل أنّ المضاف حقه أن يكون غير المضاف إليه، ألا ترى أنك إذا قلت: هؤلاء إخوة زيد، لم يكن زيد في عداد المضافين إليه، وإذا خرج من جملتهم لم يجز إضافة «أفعل» الذي هو هو إليهم لأن من شرطه إضافته إلى جملة هو بعضها، وعلى الوجه الثاني لا يمتنع، ومنه قول من قال لنصيب: أنت أشعر أهل جلدتك، كأنه قال: أنت شاعرهم) اهـ ملخصا. (¬2) ينظر: المقتضب (3/ 245، 246). (¬3) سورة الروم: 27. (¬4) سورة الفرقان: 24. (¬5) سورة النجم: 32. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 726)، وشرح التسهيل للمرادي (194 / ب). والشاهد في الآيتين المذكورتين خلو «أفعل» عن معنى التفضيل وقوله تعالى: (أعلم) مؤول باسم الفاعل «عالم» و (أهون) مؤول بالصّفة المشبهة بمعنى «هيّن». (¬7) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 723)، وشرح الكافية لابن مالك (1138) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، والمساعد لابن عقيل (2/ 175) تحقيق د/ بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لإثبات الحسن الزائد، من غير نظر إلى مفضل عليه (¬1)، وهذا واضح، وإنّما كان قصد الشيخ - في الردّ على المصنّف - أن يقول: مذهب البصريين أنه لا يجوز استعمال «أفعل» لإثبات الفضل الزائد، أما أن يقول: إنّهم لا يضيفون «أفعل» التفضيل إلّا إلى ما هو بعضه؛ فالمصنّف لا يخالف في ذلك وما أنشده الشيخ من قول الشاعر: 2129 - يا خير إخوانه ... ... ... فهو مثبت ما ادّعاه المصنّف من جواز: يوسف أحسن إخوته، بالمعنى الذي قرره (¬2). ثمّ، ليس مراد الزمخشري بقوله: إنّ «أفعل» هنا كقولك: فاعل؛ أنّه بمعنى فاعل؛ لأنّ «فاعلا» لا دلالة له على إثبات فضل زائد للموصوف، بل يراد بذلك أنّ إضافته تكون لمجرّد التخصيص كما أنّ «فاعلا» إذا أضيف كان لمجرد التخصيص، وأما قول الشيخ: إنّ تأويل «أفعل» بما لا تفضيل فيه البتة، وإنّه يصير كاسم الفاعل، والصفة المشبهة فشيء ذهب إليه المتأخرون (¬3)، إلى آخر ما ذكره - فكلام عجيب؛ لأن المصنف كلامه الآن في «أفعل» المضاف إلى معرفة، لا في «أفعل» المجرّد، ثمّ لم ينتظم لي قوله هذا مع قوله قبل: وقد أثبت «أفعل» صفة، لا للتفضيل، والاشتراك في الصفة، أبو العبّاس - يعني المبرّد -، ولا شكّ أنّ المبرّد من كبار المتقدمين، فكيف ينسب هذا القول إليه ثم يقول: هذا شيء، ذهب إلى المتأخرون؟! وبعد فلم يتحقق لي في كلام الشيخ شيء في هذا الموضع، لما فيه من الاضطراب (¬4). البحث الثاني: قد علمت أنّ «أفعل» المضاف إلى معرفة إذا أريد به معنى «من» يجوز فيه المطابقة لما قبله، كذي الألف واللّام، وعدم المطابقة كالعاري، قال الله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها (¬5)، وقال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 723). (¬2) من إضافة «أفعل» إلى معرفة، وجواز ذلك على مذهب الكوفيين حيث لا يشترطون في «أفعل» أن يكون جزءا من المضاف إليه. (¬3) ينظر التذييل والتكميل (4/ 726). (¬4) أي: التناقض في كلامه؛ حيث نسب هذا القول لأبي العباس المبرّد - وهو من كبار المتقدمين - ثم ادعى أن هذا مذهب المتأخرين. (¬5) سورة الأنعام: 123. وهذه الآية الكريمة شاهد على مطابقة «أفعل» لما قبله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ (¬1). وقد ورد في الحديث الشريف الذي تقدّم الاستشهاد به الجمع بين الأمرين، وتقدّمت الإشارة إلى ما زعمه ابن السرّاج، ولا شك أنّ القرآن العزيز، والحديث الشريف حجّة عليه. والظاهر أنّ الأمرين جائزان، على السّواء، لكن ذكر الشيخ عن بعضهم أنّ الأفصح من الوجهين المطابقة حتّى ردّ القائل بهذا على ثعلب قوله: اخترنا أفصحهنّ، فقال: كان الأولى أن يقول: فصحاهنّ؛ لأنه الأفصح، كما شرط في كتابه. وقال ابن الأنباري: الإفراد، والتذكير أفصح؛ معللا لذلك بأنّ تثنيته ما أضيف إليه وجمعه وتأنيثه، أغنى عن تثنيته «أفعل» وجمعه وتأنيثه (¬2). وأقول: إذا اشتمل القرآن العزيز والحديث الشريف على الأمرين، فلا وجه لترجيح أحدهما على الآخر (¬3) [3/ 128]. البحث الثالث: فهم الشيخ من قول المصنف، وإن قيدت إضافته بتضمين معنى «من» أن تقدر بين «أفعل» وما أضيف إليه فقال: وكون إضافته بتضمين معنى «من» مبنيّ على أنّ إضافته غير محضة، وأنّها نوي بها الانفصال، قال: وإلى ذلك ذهب الكوفيون (¬4). انتهى. والذي يظهر أنّ المصنف لم يقصد ما أشار إليه الشيخ أصلا، وإنّما أراد بقوله: تضمين معنى «من»؛ أنّ «أفعل» - حينئذ - قصد به التفضيل، لا مطلقا بل بالنسبة إلى مفضل عليه؛ فالمراد بقولك: زيد أفضل القوم - على هذا الذي قال -: زيد أفضل من القوم، ويؤيد ذلك قوله في الألفية: وتلو أل طبق، وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 96. وهذه الآية الكريمة شاهد على عدم مطابقة «أفعل» لما قبله. (¬2) ينظر هذا الكلام لابن الأنباري في: منهج السالك (ص 411)، والتذييل والتكميل (4/ 734). (¬3) يشير إلى أنّ القرآن الكريم قد ورد فيه المطابقة وعدمها، كما في الآيات الواردة من هذا البحث ويشير كذلك إلى ورود المطابقة وعدمها في الحديث الشريف، وقد سبق ذلك. (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 730، 731). (¬5) في شرح الألفية لابن الناظم (ص 482): (وإذا كان - يعني أفعل التفضيل - معرفا بالألف واللام -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا إذا نويت معنى «من» يعني إذا أردت بـ «أفعل» المضاف ما تريد بـ «أفعل به»، ويدلّ على ذلك أيضا أنّ إضافة «أفعل» التفضيل عند المصنف محضة، والشيخ جعل ذلك مبنيّا على أنّ إضافته غير محضة، ولا شكّ أنّ المصنف لا يرى ذلك. البحث الرابع: قد تقدّم ذكر الشّواهد، التي أوردها المصنف، مستدلّا بها على استعمال «أفعل» العاري من الألف واللّام، والإضافة دون «من»، مجرّدا عن معنى التفضيل، مؤولا باسم فاعل (¬1) أو صفة مشبهة (¬2)، ومن الشواهد التي ذكرها غير دالة على ذلك قول الشاعر: 2130 - لئن كنت قد بلّغت عنّى وشاية ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب (¬3) أي: غاشّ كاذب، ولا يريد: أغشّ منّي، وقول حسّان رضي الله تعالى عنه: 2131 - أتهجوه ولست له بكفء ... فشرّكما لخيركما الفداء (¬4) أي: خبيثكما لطيبكما، وقول الآخر: - ¬

_ - لزمه مطابقة ما هو له في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع وهو المراد بقوله: وتلو «ال» طبق ... وإن أضيف إلى معرفة جاز أن يوافق المجرّد في لزوم الإفراد والتذكير ... وجاز أن يوافق المعرف بالألف واللام في لزوم المطابقة لما هو له ...) وشرح الألفية للشاطبي (4/ 79، 80)، وشرح الألفية للمرادي (3/ 125). (¬1) كقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [النجم: 32] أي عالم. (¬2) كقوله تعالى: وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الروم: 37]. أي: هين. (¬3) هذا البيت من الطويل للنابغة الذبياني المشهور. والشاهد في قوله: «أغش وأكذب»؛ حيث إن أفعل هنا لم يرد به معنى التفضيل بل هو بمعنى: غاش وكاذب، والشاهد في: ديوانه (ص 72)، وجمهرة أشعار العرب (ص 74)، وشعراء النصرانية قبل الإسلام (ص 460، 655)، والتذييل والتكميل (4/ 727). (¬4) هذا البيت من الوافر لحسان بن ثابت الصحابي الجليل رضي الله عنه قاله في مدح النبي صلّى الله عليه وسلّم قبل فتح مكة، وهجاء أبي سفيان حينما هجا الرسول الكريم قبل إسلام أبي سفيان. اللغة: لست بكفء: أي: لست له بنظير. والاستفهام للإنكار أي: ما كان ينبغي لك أن تهجوه ولست من أكفائه ونظرائه فلم تنصفه. وقوله: «فشركما لخيركما الفداء» جار على أسلوب الكلام المنصف من نفسه أو ممن يتكلم من جهته، والرسول خيرهما بلا شك. والشاهد قوله: «فشركما لخيركما الفداء»؛ حيث إن الأسلوب لم يقصد به معنى التفضيل، والشاهد في: ديوان حسان (ص 16)، والأشموني (3/ 51)، والتذييل والتكميل (4/ 727).

[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه]

[«أفعل» المضاف إلى نكرة وأحكامه] قال ابن مالك: (ونحو: هو أفضل رجل، وهي أفضل امرأة، وهما أفضل رجلين أو امرأتين، وهم أفضل رجال، وهنّ أفضل نسوة، معناه ثبوت المزيّة للأوّل على المتفاضلين واحدا واحدا، أو اثنين اثنين، أو جماعة جماعة. وإن كان المضاف إليه مشتقّا جاز إفراده مع كون الأول غير مفرد). ـــــــــــــــــــــــــــــ 2132 - قسما إليك مع الصّدود لأميل (¬1) أي: مائل، وقال الله تعالى - حكاية -: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ (¬2) أي: طاهرات، وقال تعالى: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (¬3) أي: الشقيّ، واعلم أنّ الشيخ - بعد إيراد هذه الشواهد - أعاد كلامه الأول، فقال: هو شيء ذهب إليه أبو عبيدة (¬4)، قال: ولم يسلم النحاة له هذا الاختيار، وقالوا: لا يخلو أفعل من التفضيل، وتأولوا ما استدلّ به على ذلك (¬5). انتهى. ولا أعرف كيف يذكر الشيخ هذا مع تقريره لقول المصنّف: إنّ هذا الاستعمال يطرد عند أبي العباس، فكيف يخصّ أبو عبيدة بالقول بهذه المسألة مع تقرير أنّ هذا الرجل الكبير الذي هو المبرّد، قائل بذلك، ثمّ إنّه ما كفاه القول به حتّى قال باطراده أيضا. ومع هذا يقول الشيخ: وهو شيء ذهب إليه أبو عبيدة، ثم إنّ القول بمنع صيغة «أفعل» لغير التفضيل إنما كان يتجه لو كان بناء هذه الصيغة ممتنعا، لغير التفضيل، ولا شكّ أنّ الأمر ليس كذلك. قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام على المقرون بـ «من» والمعرّف باللّام، - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الكامل، وقائله الأحوص الأنصاري، وصدر البيت: إنّي لأمنحك الصدود وإنني ... ... والشاهد فيه: استعمال «أميل» بمعنى «مائل» فليس فيه معنى التفضيل. ينظر الشاهد في: ديوان الأحوص (166)، والمقتضب (3/ 233، 267)، وشرح الأبيات لابن السيرافي (1/ 185). (¬2) سورة هود: 78. (¬3) سورة الليل: 15. (¬4) أبو عبيدة هو معمر بن المثنى اللغوي البصري، مولى بني تيم، أخذ عن يونس، وأبي عمرو، وأخذ عنه أبو عبيد، وأبو حاتم والمازني، وصنف: المجاز في غريب القرآن، وهو أول من صنف غريب الحديث، وله: أيام العرب، والمصادر، وغير ذلك. توفي سنة (210 هـ) وقيل: سنة (211 هـ)، ترجمته في: بغية الوعاة (2/ 294). (¬5) ينظر ما قاله الشيخ في التذييل والتكميل (4/ 729).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمضاف إلى معرفة شرع في ذكر ما بقي من الأقسام، وهو المضاف إلى نكرة، وشرح ذلك بأن قال (¬1): إذا قيل زيد أفضل رجل، والزيدان أفضل رجلين، والزيدون أفضل رجال. فمعناه: زيد أفضل من كل رجل، قيس فضله بفضله، والزيدان أفضل من كل رجلين، قيس فضلهما بفضلهما، والزيدون أفضل من كلّ رجال، وقيس فضلهم بفضلهم، فحذفت «من كلّ» وأضيف «أفعل» إلى ما كان «كلّ» مضافا إليه (¬2). والكلام في: أفضل امرأة، وأفضل امرأتين، وأفضل نسوة: كالكلام في: أفضل رجل، وأفضل رجلين، وأفضل رجال، ويلزم «أفعل» المستعمل هذا الاستعمال الإفراد، والتذكير، لشبهه بالعاري، في التنكير، وظهور «من» بعده، بأسهل تقدير ولا بدّ من كون المضاف إليه مطابقا لما قبل المضاف، ما لم يكن المضاف إليه مشتقّا فيجوز إفراده مع جمعيّة ما قبل المضاف، ومنه قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ (¬3). وقد يضمن الإفراد والمطابقة، ما أنشد الفرّاء (¬4) من قول الشاعر: 2133 - فإذا هم طعموا فألأم طاعم ... فإذا هم جاعوا فشرّ جياع (¬5) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 62). (¬2) في المساعد لابن عقيل (2/ 180) تحقيق د/ بركات: (ويجب مطابقة النكرة في هذا لما أسند إليه «أفعل» ولا يجوز عدم المطابقة، ولا يقال: الزيدون أفضل رجل، ويجب أيضا كون النكرة مما يصدق على المسند إليه أفعل، فلا يجوز: زيد أفضل امرأة). (¬3) سورة البقرة: 41. وفي التذييل والتكميل (4/ 751، 752): (وقد يؤول قوله تعالى: أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ على حذف موصوف، هو جمع في المعنى، أي: أول فريق كافر) اه. ثم قال: ولا تكونوا أول كافر به، (وليس فاصلة فاختير فيه الإفراد؛ لأنه أخف ويغني عن الجمع) اه وفي المساعد (2/ 181) تحقيق د/ بركات: المعنى: (أول من كفر). (¬4) في معاني القرآن (1/ 33). (¬5) هذا البيت من الكامل، وقد نسب لرجل جاهلي في نوادر أبي زيد (ص 334). والمقصود بالطاعم: الآكل. والشاهد في البيت قوله: «فالأم طاعم، فشر جياع»؛ حيث تضمن البيت الإفراد بعد «أفعل» في: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنّما جاز الوجهان مع المشتقّ؛ لأنّه و «أفعل» مقدّران بـ «من» والفعل، و «من» بها جمع يجوز في ضميرها الإفراد، باعتبار اللفظ، والجمع باعتبار المعنى (¬1). انتهى. ويتعلق بهذا الوضع التنبيه على أمرين: أحدهما: أنّ الفراء نقل عنه أنه يجيز تأنيث «أفعل» المضاف إلى نكرة، وتثنيته، إذا كانت النكرة موصوفة بفعل، فيقول: هند فضلى امرأة تقصدنا، ودعد حورى إنسانة تلمّ بنا، والهندان فضليا امرأتين تزوراننا، وأجاز أيضا - مع تأنيث المضاف إلى نكرة - تثنية المضاف إليه مع كون «أفعل» خبرا عن مفرد، فتقول: هند فضلى امرأتين تزوراننا، ذكر الشيخ في شرحه ذلك (¬2)، ثم ذكر عن ابن الأنباريّ كلاما طويلا، يتعلق بجرّ ما بعد «أفعل» ونصبه، إذا كان نكرة (¬3). ثمّ قال: وهذا شيء لا نعرفه (¬4)، ولا شكّ أنّ هذه الأمور التي هي مخالفة للقواعد، تشوش الأذهان، وتوقع الواقف عليها في خبط، ولا يصحّ منها شيء، فالإضراب عن ذلك أولى من الاشتغال به. ثانيهما: أنّ المصنف قد ذكر وجوب مطابقة ما بعد «أفعل» المضاف إلى نكرة، لما قبله واستثنى من المضاف [3/ 129] إليه ما كان مشتقّا، فأجاز إفراده، مع كون ما قبل «أفعل» جمعا، وعلل إجازة ذلك، بما تقدم ذكره، وما ذكره حسن، غير أنّ الجماعة يلزمون المطابقة مطلقا، ويجيبون عن هذه الآية الشريفة بأنّ ثمّ موصوفا - ¬

_ - «طاعم» مع كون المضاف إليه «أفعل» مشتقّا، كما تضمن المطابقة في قوله: «جياع» مع كونه مشتقّا. ينظر الشاهد في: معاني الفراء (1/ 33)، والتكميل (4/ 751)، وشرح الألفية للشاطبي (4/ 88). (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 62). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 741) ومنهج السالك (ص 410). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 741): (وقال أبو بكر بن الأنباري: إذا أضيف «أفعل» التفضيل إلى نكرة توافق معناه كان كلها فقيل: أبوك أفضل عالم، وأخوك أكمل فارس وتقديره: أبوك العالم الأفضل، وأخوك الفارس الأكمل، فأضيف «أفعل» إلى ما هو هو في المعنى، كما فعل ذلك في: حبة الخضراء، وليلة القمر، ومسجد الجامع، وباب الحديد) اهـ. وينظر أيضا: منهج السالك (ص 410). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 743).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوفا، هو جمع في المعنى، والمشتق الواقع بعد «أفعل» صفة له، والتقدير: ولا تكونوا أول فريق كافر به (¬1). وأما قوله تعالى: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (¬2) فقد أتى ما بعد (أفعل) فيه جمعا، مع أنّ ما قبله مفرد، والمسوغ لذلك كون المفرد المذكور لم يكن المراد به مفردا، وهو قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (¬3)، ويحقق ذلك استثناء الَّذِينَ آمَنُوا (¬4) منه، فقد روعي المعنى في الإنسان، دون اللفظ؛ فمن ثمّ جاء ما بعد «أفعل» التفضيل مجموعا لا مفردا، والمحسن لمراعاة المعنى كون المضاف إليه «أفعل» فاصلة، فناسب أَسْفَلَ سافِلِينَ ما قبله من الفواصل، وما بعده أيضا، ومنهم من قال: التقدير: أسفل قوم سافلين، ثم إنّهم قالوا في قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ (¬5): لما لم تكن فاصلة اختير فيه الإفراد؛ لأنّه أخفّ، ويغني عن الجمع (¬6). وأقول: إنّ هذا الذي ذكروه لا ينتظم لي، مع قولهم: إنّ التقدير في الآية الشريفة (¬7): ولا تكونوا أول فريق كافر به؛ لأنهم قدّروا مقدّرا يسوغ معه الإفراد، ولكنّ ما ذكروه يناسب أن يكون علة على التخريج الذي خرّجه المصنف، فإنه إنّما أحوجه إلى أن يستثني المشتقّ وروده في الآية الشريفة، فقال: إنّ المضاف إليه «أفعل» إذا كان مشتقّا جاز الأمران، فيقال له: لم اختير الإفراد على الجمع؟ فيكون الجواب ما تقدم، وهو أن المفرد أخفّ من الجمع، مع أنّه ليس فيه مخالفة بين الفواصل. ¬

_ (¬1) ينظر المساعد لابن عقيل (2/ 180، 181) تحقيق د/ بركات. وفي شرح التصريح (2/ 105): (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ بالإفراد - ومقتضى القاعدة «كافرين» بالجمع ليطابق الواو في، (تكونوا) - فالجواب ما قاله المبرد: إنه على حذف موصوف، والتقدير: أول فريق كافر به، وقال الفراء: إنما وجد؛ لأنه في معنى الفعل أي: أول من كفر، ولو أريد به الاسم لم يجز إلا الجمع) اهـ. (¬2) سورة التين: 5. (¬3) سورة التين: 4. (¬4) سورة التين: 6. (¬5) سورة البقرة: 41. (¬6) هذا الكلام من التذييل والتكميل - بتصرف - (4/ 752، 753). (¬7) سورة البقرة: 41. وهي قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ.

[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية]

[حكم كلمة «أول» صفة لأفعل التفضيل أو مجردة عن الوصفية] قال ابن مالك: (وألحق بأسبق مطلقا «أوّل» صفة، وإن نويت إضافته بني على الضّمّ وربّما أعطي مع نيّتها ما له مع وجودها، وإن جرّد عن الوصفيّة جرى مجرى «أفكل» وألحق «آخر» بـ «أوّل» غير المجرّد فيما له مع الإفراد والتّذكير وفروعهما من الأوزان، إلّا (¬1) أنّ «آخر» يطابق في التّنكير والتّعريف ما هو له، ولا تليه «من» وتاليها، ولا يضاف بخلاف «أوّل»، وقد تنكّر «الدنيا» و «الجلّى» لشبههما بالجوامد، وأمّا «حسنى» و «سوءى» فمصدران). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): استعمل «أوّل» صفة جارية مجرى «أفعل» التفضيل في اللّفظ مطلقا، فألزمت في التنكير، والإفراد والتذكير، وأوليت «من» ومجرورا بها على حدّ ما وليا أسبق، وأضيف إلى نكرة، كقوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ (¬3). وإلى معرفة، كقوله تعالى: وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (¬4)، وجعل له فروع مخصوصة بحال التعريف، كما فعل بـ «أفعل» التفضيل فقيل: الأولان، والأولون، والأوائل، والأولى، والأوليان، والأوليات، والأول. وحكى الفارسيّ: «أبدأ بهذا من أول» بالفتح على أنّه مجرور، وممنوع من الصرف، للوصفية والوزن، «ومن أول» بالضمّ؛ لنية الإضافة، وقطعه عنها، و «من أول» بالخفض، على تقدير الإضافة إلى مقدّر الثبوت، كما قال الراجز: 2134 - خالط من سلمى خياشيم وفا (¬5) - ¬

_ (¬1) في الأصل: إلى، وهو خطأ إملائي. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 62). (¬3) سورة آل عمران: 96. (¬4) سورة الأنعام: 163. (¬5) هذا شطر بيت من الرجز وقائله العجاج، واسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد، ينتهي نسبه إلى زيد مناة، من تميم. وهو في ديوان العجاج (ص 492) تحقيق د/ عزة حسن ط. دار الشرق. بيروت (1971 م). وقبله في الديوان: حتى تناهى في صهاريج الصفا اللغة: خالط: من المخالطة، سلمى: اسم امرأة، والخياشيم: جمع خيشوم ليس فيه كدر، كأن ريح فيها وخياشيمها هذه الخمر. والشاهد في قوله: «وفا»؛ حيث إن أصله: وفاها، فحذف المضاف إليه، وقدر ثبوته، وترك المضاف على حاله. ينظر الشاهد في: المقتضب (1/ 375)، ودرة الغواص (ص 90).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد وفاها، فحذف المضاف إليه، وقدّر ثبوته، فأعطى المضاف ما يكون له مع عدم الحذف واستعمل «أول» مجردا عن الوصفية، فجرى «أفعل» في الصّرف، نحو: ما له أول، ولا آخر، فلو جعل علما منع الصّرف، كقول الشاعر: 2135 - أؤمّل أن أعيش وإنّ يومي ... بأوّل أو بأهون أو جبار (¬1) فـ «أول» - هنا - علم ليوم الأحد ممنوع الصّرف، فلو جعل الكلّ - وهو - علما، لمنع الصّرف، كما منع «أول» (¬2) وأجرى العرب «آخر» مجرى «أفعل» التفضيل في الوصفية والتأنيث، والتصحيح والتكسير، فقالوا: الآخر والأخرى، والآخرون، والأواخر والأخريات، والأخر (¬3)، كما قالوا: الأكبر والكبرى، والأكبرون، والكبريات، والكبر، إلا أنّه لا دلالة فيه على تفضيل بنفسه، ولا بتأويل؛ إذ لا يصلح في موضعه ما يدلّ على تفضيل، كصلاحية «أسبق» في موضع «أول» وكصلاحية «أمرّ» في موضع «أمقر»، وكصلاحية «أسرق» في موضع «ألصّ» فلذلك لم يله مجرور بـ «من» على حدّ ما يلي «أفعل» التفضيل، ولا بإضافة لكن مقتضى جعله من باب «أفعل» التفضيل أن يلازمه في التنكير لفظ الإفراد والتذكير، وألّا يؤنث، ولا يثنى، ولا يجمع، إلّا معرّفا فمنع هذا المقتضي، وكان بذلك معدولا عمّا هو به أولى، فلذلك منع «آخر» من الصّرف، وأجري مجرى «ثلاث» وإخوته، ويأتي تتميم الكلام على ذلك في باب موانع الصّرف، - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، وهو مجهول القائل، وقد أنشده الفراء بلا نسبة في كتاب الأيام والليالي والشهور (ص 6) وفي اللسان (17/ 331)، ونسب لبعض شعراء الجاهلية وروايته في كتاب الأيام للفراء: أرجي أن أعيش ... وقد قال الفراء - فيه أيضا -: ومن العرب من يسمى الأحد: أول، والاثنين: أهون، والثلاثاء: جبار، والأربعاء: وبار، والخميس: مؤنس، والجمعة: العروبة. والشاهد في البيت قوله: «أول» حيث استعمل هنا علما ليوم الأحد، فمنع من الصرف. لوزن الفعل والعلمية. ينظر الشاهد في: اللسان «عرب»، والتذييل والتكميل (4/ 755)، والإنصاف (2/ 191)، والدرر (1/ 37). (¬2) في شرح المصنف: (ولا يلزم من كون «أول» علما ليوم الأحد، أن يكون منقولا من أول الاسم الذي هو مصروف؛ إذ يجوز أن يكون منقولا من «أول» الذي هو وصف ممنوع الصرف) اه. وينظر: التذييل والتكميل (4/ 755). (¬3) هذا بيان لقول المصنّف: (وألحق آخر بأول غير المجرّد).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن شاء الله تعالى. و «الدنيا»، و «الجلّى» مؤنثا «الأدنى، الأجلّ» فكان حقهما أن لا ينكّرا إلا إذا ذكرا لكنّهما كثرا أن يستعملا استعمال الأسماء المختصّة فلذلك جاز تنكيرهما، كقوله: 2136 - في سعي دنيا طالما قد مدّت (¬1) وكقول الآخر: 2137 - وإن دعوت إلى جلّى ومكرمة ... يوما سراة كرام النّاس فادعينا (¬2) وقراءة بعض الشّواذّ: (وقولوا للنّاس حسنى) (¬3) وهو مصدر على فعلى، كالرّجعى فالحسن والحسنى، والعذر والعذرى، والسّوء والسّوءى من المصادر التي جاءت على «فعل» و «فعلى» بمعنى واحد. ¬

_ (¬1) هذا البيت من الرجز وقائله العجاج من قصيدة نائية في ديوانه (ص 267). اللغة: في سعي: أي: من سعى في الدنيا، مدت: طالت. والشاهد في قوله: «دنيا»؛ حيث جاءت نكرة مع أنها مؤنث الأدنى الذي لا ينكر إلا عند تذكيره ولكنها نكرة لاستعمالها اسما مختصّا بمعنى العاجلة. ينظر الشاهد في: ابن يعيش (6/ 100)، وخزانة الأدب (8/ 296) - التذييل والتكميل (4/ 757). (¬2) البيت من البسيط، ونسب للمرقش الأكبر، كما نسب لبشامة بن مزن النهشلي، وينظر: الخزانة (8/ 301)، والبيت في المفضليات (2/ 877) برواية «خيار الناس»، وفي اللسان (13/ 123) برواية «يوما كراما من الأقوام». والمعنى: إن أشدت بذكر خيار الناس بجليلة نابت أو مكرمة عرضت فأشيدي بذكرنا. والشاهد قوله: جلى هو نكرة للجلى مؤنث الأجل، ونكر لجريانه مجرى الأسماء المختصة؛ فهو بمعنى جليلة. ينظر الشاهد أيضا في: الصحاح «جلل»، وشرح المصنف (3/ 64)، والبحر المحيط (1/ 286). (¬3) سورة البقرة: 83. وقد نسبت هذه القراءة لأبي الحسن. ففي المحتسب (2/ 263): (قرئ: بطغوئهآ من سورة الشمس قال أبو الفتح: هذا مصدر على فعلى كأخوته من: الرجعى، والحسنى والبؤسى، والنعمى، وعليه ما حكاه أبو الحسن من قراءة بعضهم: (وقولوا للنّاس حسنى) وفي الإتحاف (ص 140) وعن الحسن بغير تنوين، بوزن القربى والعقبى، أي: كلمة، أو مقالة حسنى) اه. وينظر: البحر المحيط (1/ 285).

[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه؟]

[متى يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر، وعلة ذلك، وأحكامه؟] قال ابن مالك: (لا يرفع أفعل التفضيل في الأعرف ظاهرا إلّا قبل مفضول هو مذكور أو مقدّر، وبعد ضمير مذكور أو مقدّر مفسّر بعد نفي أو شبهه يصاحب «أفعل» ولا ينصب مفعولا به، وقد يدلّ على ناصبه، وإن أوّل بما لا تفضيل فيه جاز على رأي أن ينصبه، وتتعلّق به حروف الجرّ على نحو تعلّقها بـ «أفعل» المتعجّب به). قال ناظر الجيش: قال المصنف: لأفعل التّفضيل شبه بـ «أفعل» المتعجّب به أوجبت له القصور عن الصّفة المشبّهة في اللفظ، وفي العمل، أما في اللفظ فللزومه [3/ 130] في حال التنكير لفظا واحدا، وأما في العمل فلكونه لا يرفع فاعلا ظاهرا، إلّا على لغة ضعيفة، حكاها سيبويه (¬1) فيقال على تلك اللغة: مررت برجل أكرم منه أبوه؛ لأنه بمعنى: مررت برجل، فاقه في الكرم أبوه. ومن هذه اللغة احترزت بقولي: (لا يرفع «أفعل» التفضيل في الأعرف ظاهرا). ثم أشرت إلى قرائن تهيؤه لرفع الظاهر عند جميع العرب، وذلك أن يكون الظاهر مفضلا على ما هو هو في المعنى من مذكور بعده، أو مقدرا، وأن يكون الظاهر أيضا بعد ضمير، مذكور أو مقدر، وذلك الضمير مفسر بعد نفي، أو شبهه بـ «ما أفعل» صفة له أو خبرا (¬2) وذلك كقول الشاعر: 2138 - ما علمت امرأ أحبّ إليه ال ... بذل منه إليك يا ابن سنان (¬3) - ¬

_ (¬1) في الكتاب (2/ 34): (وتقول: مررت بعبد الله خير منه أبوه، فكذلك هذا وما أشبهه، ومن أجرى هذا على الأول فإنه ينبغي له أن ينسبه في المعرفة فيقول: مررت بعبد الله خير منه أبوه، وهي لغة رديئة وليست بمنزلة العمل، نحو: ضارب، وملازم، ومضارعه نحو: حسن الوجه، ألا ترى أنّ هذا عمل يجوز فيه: يضرب، ويلازم، وضرب، ولازم، ولو قلت: مررت بخير منه؛ كان قبيحا فكذلك بأبي عشرة أبوه، ولكنه حين خلص للأول جرى عليه كأنك قلت: مررت برجل خير منك) اه. وفي المساعد لابن عقيل (2/ 184): (لا يرفع «أفعل» التفضيل في الأعرف ظاهرا فلا يقال: مررت برجل أفضل منه أبوه، برفع الأب بأفضل، إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه وغيره). وينظر: شرح الألفية لابن الناظم (487). (¬2) ينظر: المساعد لابن عقيل تحقيق د/ بركات (2/ 184). (¬3) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 2139 - لا قول أبعد عنه نفع منه عن ... نهي الخلىّ عن الغرام متيّما (¬1) والمثال في ذلك: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد. وقد تختصّ فيقال: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من عين زيد، و «من زيد» على تقدير: من كحل عين زيد، فمن قال: من عين زيد، حذف مضافا واحدا، ومن قال: من زيد؛ حذف مضافين، كما حذفا في قولهم: (لا فعل ذلك هبيرة بن سعد) (¬2). ومن كلامهم المأثور: «ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهد، من كذبة أمير على منبر»؛ فهذا فيه حذف مضاف واحد، والتقدير: ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهد، من شهود كذبة أمير على منبر (¬3). وقد يستغنى عن المفضول، للعلم به، ولا يقام مقامه شيء كقولك: ما رأيت كزيد رجلا أبغض إليه الشرّ، والأصل: ما رأيت كزيد رجلا أبغض إليه الشرّ منه إليه؛ فحذف «منه» و «إليه» للعلم بهما (¬4)، وأنشد سيبويه في مثل هذا: 2140 - مررت على وادي السّباع ولا أرى ... كوادي السّباع حين يظلم واديا أقلّ به ركب أتوه تئية ... وأخوف إلّا ما وقى الله ساريا (¬5) - ¬

_ - والشاهد في البيت قوله: «أحب، البذل»؛ استشهد به على رفع «أفعل» التفضيل الاسم الظاهر واسم التفضيل صفة لاسم الجنس «امرأ» وسبق بنفي والفاعل الظاهر مفضل على نفسه باعتبارين، باعتبار كونه محبوبا لابن سنان أفضل منه باعتبار كونه محبوبا لغيره، وهذا الذي يعبر عنه العلماء بمسألة الكحل. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 759). (¬1) هذا البيت من الكامل، ولم أعرف قائله. والشاهد قوله: «أبعد ... نفع»؛ حيث رفع «أفعل» التفضيل الاسم الظاهر، ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 65) والتذييل والتكميل (4/ 760). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 760). (¬3) فحذف «شهودا» وأقام المضاف إليه مقامه. (¬4) يراجع ذلك في التذييل والتكميل (4/ 759). (¬5) البيتان لسحيم بن وثيل، عاش في الجاهلية أربعين سنة وفي الإسلام ستين سنة، ينظر في ترجمته: طبقات ابن سلام (2/ 576)، والأصمعيات (ص 17). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «ركب» مرفوع بـ «أقل» كارتفاع «الشرّ» بـ «أبغض». الأصل: ولا أرى واديا أقل به ركب منه بوادي السّباع؛ فحذف المفضول للعلم به ولم يقم مقامه شيئا، ومثله قول الآخر: 2141 - ما إن رأيت كعبد الله من أحد ... أولى به الحمد في وجد وإعدام (¬1) وقد يستغنى عن تقدير مضاف، في نحو: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من زيد؛ فأدخلوا «من» على زيد، مع ارتفاع الكحل، على حدّ إدخالها عليه، مع جرّه؛ لأن المعنى واحد، وهذا وجه حسن، لا تكلف فيه، وله نظائر يلحظ فيها المعنى ويترتب الحكم عليه، مع تناسي اللفظ، ومن نظائره قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ (¬2)؛ فدخلت الياء على خبر (أن) لتقدم (أولم) وجعلها الكلام بمعنى: أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر. ومن قدّر: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من زيد بـ: ما رأيت أحدا أحسن بالكحل من زيد، يقدر: ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهد من كذبة أمير على منبر، ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهدا من كذبة أمير على منبر، وكذا يفعل بكلّ ما أشبه ذلك، حيثما ورد، وكلّ واحد من الأمثلة التي ذكرتها آنفا متضمنة لضمير مذكور بين «أفعل» والظاهر المرفوع، عائد على موصوف بـ «أفعل» مسبوق بنفي، وقد يحذف الضمير إذا كان معلوما، ومن المسموع في ذلك قول بعضهم: ما رأيت قوما أشبه بعض ببعض من قومك، كأنه قال: ما رأيت أبين فيهم شبه بعض ببعض، - ¬

_ - البيتان من الطويل وركب: اسم جنس، بمعنى الركبان، وقيل: جمع راكب، وتئية: متكئا. والمعنى: إنّ ثبوت الركب في وادي السباع أقل من ثبوته في غيره من الأدوية. والشاهد في قوله: «أقلّ به ركب» على أنّ «أفعل» التفضيل رفع الظاهر كما في مسألة الكحل، وهذا كثير. ينظر: الكتاب (2/ 33)، والعيني (4/ 48). (¬1) البيت من البحر البسيط، ولم ينسب إلى قائل بعينه. والشاهد قوله: «أولى به الحمد»؛ حيث يرفع اسم التفضيل الفاعل الظاهر وهو «الحمد» وحذف بعده المفضول للعلم به. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 66)، والأشباه والنظائر (4/ 209)، والتذييل والتكميل (4/ 759). (¬2) سورة الأحقاف: 33.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن شبه بعض قومك ببعض قومك فجعل «أشبه» موضع «أبين»، واستغنى به عن ذكر الشبه المضاف إلى بعض، ثم كمل الاختصار؛ لوضوح المعنى. ومن قدّر: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من زيد، بـ: ما رأيت أحدا أحسن بالكحل من زيد، يقدّر هذا بـ: ما رأيت قوما أشدّ تشابها من قومك، والسبب في رفع «أفعل» التفضيل الظاهر في هذه الأمثلة ونحوها؛ تهيؤه بالقرائن التي قارنته لمعاقبة الفعل إياه، على وجه لا يكون بدونها، ألا ترى أنّ قولك: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، لو قلت بدله: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد، لكان المعنى واحدا (¬1) بخلاف قولك - في الإثبات -: رأيت رجلا الكحل في عينه أحسن منه في عين زيد، فإنّ إيقاع الفعل فيه موقع «أفعل» يغير المعنى، فكان رفع «أفعل» للظاهر؛ لوقوعه موقعا صالحا للفعل على وجه لا يغير المعنى - بمنزلة إعمال اسم الفاعل الماضي معنى، إذا وصل بالألف واللّام، فإنّه كان ممنوع العمل لعدم شبهه بالفعل، الذي في معناه، فلمّا وقع صلة قدّر بفعل وفاعل، ليكون جملة، فإنّ المفرد لا يوصل به موصول، فانجبر بوقوعه موقع الفعل ما كان فائتا من الشبه، فأعطي العمل بعد أن منعه، فكذلك «أفعل» الواقع في الموقع المشار إليه، حدث له بالقرائن التي قارنته في معاقبة الفعل، على وجه لم يكن بدونها، فرفع الفاعل الظاهر بعد أن كان لا يرفعه وأيضا، فإنّه حدث له في الموقع المشار إليه معنى زائد عن التفضيل، وذلك أنك إذا قلت: ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو؛ لم يكن فيه تعرض لنفي المساواة. وإنّما تعرض نفيه لنفي المزية، بخلاف قولك: ما رأيت أحدا أحسن في عينه - ¬

_ (¬1) في شرح الألفية لابن الناظم (486، 487): (ويمكن أن يعلل ذلك - أي رفع «أفعل» التفضيل الظاهر - بأمرين: أحدهما: أنّه من حسن أن يقع «أفعل» التفضيل فعل بمعناه صحّ رفعه الظاهر، كما صحّ إعمال اسم الفاعل، بمعنى المضيّ في صلة الألف واللام فقالوا: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ لأنه في معنى ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد. الأمر الثاني: أنّ «أفعل» التفضيل متى ورد على الوجه المذكور وجب رفعه الظاهر؛ لئلا يلزم الفصل بينه وبين «من» بأجنبيّ، فإنّ ما هو له في المعنى، لو لم يجعل فاعلا لوجب كونه مبتدأ ولتعذر الفصل به).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكحل منه في عين زيد، فإنّ المقصود به نفي المساواة ونفي المزية ولهذا قدّره سيبويه رحمه الله تعالى بـ: ما رأيت أحدا يعمل في عينه الكحل كعمله في عين زيد (¬1). فكان لأفعل في هذا الموضع ما للصفة المشبّهة من تناول المساواة والمزية، فاستحقّ بذلك التفضيل على «أفعل» المقصود على المزية، ففضل برفعه الظاهر (¬2). وأيضا فإنّ قاصد المعنى المفهوم من: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ إمّا أن يجعل «أفعل» صفة [3/ 131] لما قبلها، رافعة لما بعدها. وإمّا أن يجعله خبرا للكحل، فهذا الوجه ممتنع بإجماع العرب لاستلزامه الفصل بالمبتدأ بين «أفعل» و «من» مع كونهما بمنزلة المضاف والمضاف إليه، والوجه الآخر لم يجمع العرب على منعه، بل هو جائز عند بعضهم، فلما ألجأت الحاجة إليه اتفق عليه اهـ. فإن قيل: لا نسلم الالتجاء إليه؛ لإمكان أن يقال: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينيه منه في عين زيد. فالجواب: أنّ إمكان هذا اللفظ مسلّم، ولكن ليس بمسلم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر من اقتضاء المزية، والمساواة معا، وإنّما مقتضى: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد، نفي رؤية الزائد حسنه، لا نفي رؤية المساوي، وإذا لم يتوصل إلى ذلك المعنى إلّا بالترتيب المنصوص عليه صحّ القول بالالتجاء إليه، ولم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بـ «أفعل» التفضيل إلّا بعد نفي، ولا بأس باستعماله بعد نهي، أو استفهام فيه معنى النفي، كقولك: لا يكن عبدك أحبّ إليه الخير منه إليك، وهل في الناس رجل أحقّ به الحمد منه بمحسن لا يمنّ، ولا ينصب «أفعل» التفضيل مفعولا به (¬3)، بل يعدّى إليه باللام، إن كان من متعدّ إلى واحد كقولك: زيد أوعى للعلم، وأبذل للمعروف، وإن كان من متعدّ إلى - ¬

_ (¬1) في الكتاب (2/ 31): (وأنت في قولك: أحسن في عينه الكحل منه في عينه؛ لا تريد أن تفضل الكحل على الاسم الذي في «من» ولا تزعم أنه قد نقص عن أن يكون مثله لكنك زعمت أن للكحل هنا عملا، وهيئة ليست له في غيره من المواضع فكأنك قلت: ما رأيت رجلا عاملا في عينه الكحل كعمله في عين زيد) اهـ. (¬2) ينظر شرح المصنف (3/ 66) وقد نقل هذا الكلام الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 764)، وعقب عليه بقوله: (وهذا كلام فيه تكثير لا طائل تحته). (¬3) يعني أنه إذا كان مشتقّا من مصدر يتعدّى فعله إلى مفعول به، فإنه لا ينصب المفعول به، بل يعدّى إليه باللام، إن كان الفعل يتعدّى إلى واحد، تقول: زيد أبذل للمعروف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اثنين عدّي إلى أحدهما باللّام، وأضمر ناصب الثاني، كقولك: هو أكسى للفقراء الثياب، أي: يكسوهم الثياب (¬1)، وإن ورد ما يوهم نصب مفعول به بـ «أفعل» نسب العمل لفعل محذوف وجعل «أفعل» دليلا عليه، فمن ذلك قول الشاعر: 2142 - فلم أر مثل الحيّ حيّا مصبّحا ... ولا مثلنا يوم التقينا فوارسا أكرّ وأحمى للحقيقة منهم ... وأضرب منّا بالسّيوف القوانسا (¬2) ومثله قول الآخر: 2143 - فما ظفرت نفس امرئ يبغي المنى ... بأبذل من يحيى جزيل المواهب (¬3) ومنه قوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (¬4) فـ (حيث) هنا ليس بظرف وإنما هو مفعول به، وناصبه فعل مدلول عليه بـ «أعلم»، والتقدير: الله أعلم مجردا عن التفضيل (¬5)، ويكون هو العامل، وتتعلق حروف الجرّ بـ «أفعل» التفضيل، على نحو ما يتعلق بـ «أفعل» المتعجّب به، فيقال: زيد أرغب في الخير من عمرو، وعمرو أجمع للمال من زيد، ومحمد أرأف بنا من غيره، وكذلك ما أشبهه، والله - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 771): (وينبغي ألّا يقال هذا التركيب إلا إن كان مسموعا من لسانهم) اهـ. (¬2) البيتان من الطويل ضمن قصيدة لعباس بن مرداس الصحابي، وتعد من المصنفات التي أنصف فيها قائلوها أعداءهم. اللغة: أكر: أكثر كرّا، الحقيقة: ما يحق على المرء أن يحميه. القوانس: جمع قونس وهو أعلى بيضة الرأس. والمعنى كما قال التبريزي: لم أر مثل عشيرتي. والشاهد قوله: «القوانسا»؛ حيث انتصب بفعل محذوف دل عليه بأفعل أي: يضرب القوانس. ينظر الشاهد في: ديوان العباس بن مرداس (69)، ونوادر أبي زيد (ص 260)، والتذييل والتكميل (4/ 769). (¬3) البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين. الشاهد فيه: نصب جزيل بفعل محذوف دل عليه بأبذل وتقديره يبذل جزيل المواهب، والبيت من شواهد شرح المصنف (3/ 69)، والتذييل والتكميل (4/ 769)، والمساعد لابن عقيل. تحقيق د/ محمد كامل بركات (2/ 186)، وشرح التصريح (2/ 106) وفيه: (وحكمة كونه لا ينصب المفعول المطلق إعطاؤه حكم فعل التعجب؛ لأن معناهما المبالغة) اهـ. (¬4) سورة الأنعام: 124. (¬5) في التذييل والتكميل (4/ 770): (فـ (حيث) هنا ليس بظرف وإنما هو مفعول به وناصبه فعل مدلول عليه بـ «أعلم» والتقدير: الله أعلم، يعلم مكان جعل رسالته) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى أعلم (¬1). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى. ولكن تتعين الإشارة إلى أمور: منها: أنّ الشروط التي ذكرها المصنف لرفع «أفعل» التفضيل الظاهر أربعة: - أن يكون ثمّ مفضول، بعد الظاهر المرفوع، وذلك المفضول هو نفس الظّاهر. - أن يكون قبل الظاهر ضمير. - أن يكون ذلك الضمير مفسّرا بما جرى عليه «أفعل». - أن يكون هذا كلّه بعد نفي، أو شبهه. والمثال المنطبق على هذه قولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، فالضمير المجرور بـ «من» هو المفضول، وهو بعد الظاهر المرفوع بـ «أفعل» وهو - أي: المفضول - هو الظاهر، فضّل على نفسه باعتبار المحل، والضمير الذي قبل الظاهر هو الذي في قولنا: «عينه» وهو المفسر لصاحب «أفعل» وهو «رجلا» أنّ الضمير عائد عليه، وقد حصل هذا كلّه بعد النّفي وهو قولنا: «ما رأيت». ثمّ إنّ المفضول قد لا يذكر، بل يكون مقدرا، وذلك إذا دلّ عليه دليل، وكذا الضمير الذي قبل الظاهر، قد يعرض له ذلك إذا دلّ عليه أيضا، أما إذا لم يذكر المفضول؛ فإمّا أن يقام شيء مقامه، وإمّا أن لا يقام هذا مع كونه معلوما. مثال الأوّل (¬2) قولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد، أو: من زيد، والأصل: منه في عين زيد؛ فحذف المفضول الذي هو مجرور «من»، وحرف الجر الذي هو «في» وأدخلت «من» على ما دخلت عليه «في»، ولكنك أقمت المضاف إليه مقام المضاف بعد حذفه (¬3)، في قولك: من زيد، وإلى هذا أشار المصنف في الشرح بقوله: وقد يختصر بعد «من» مثل: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد. ومثال الثاني: وهو أن لا يقام شيء مقام المحذوف، يعني أن لا يذكر بعد المرفوع الذي هو الظاهر شيء، بل يدل على المحذوف بشيء متقدّم قولهم: ما رأيت رجلا - ¬

_ (¬1) ينظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 69). (¬2) ما حذف فيه المفضول المجرور بـ «من»، وحرف الجر الذي هو «في». (¬3) يعني: أقمت «زيد» مقام «عين» بعد حذف «عين».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كزيد أبغض إليه الشرّ. الأصل: ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ منه إلى زيد، ثمّ: ما رأيت كزيد رجلا أبغض إليه الشرّ، وإلى هذا أشار المصنف في الشرح أيضا بقوله: «وقد يستغنى عن المفضول للعلم به، ونظير قولهم: ما رأيت كزيد رجلا أبغض إليه الشرّ؛ قول الشاعر: 2144 - [مررت على وادي السباع] ولا أرى ... كوادي السّباع حين يظلم واديا أقلّ به ركب ... ... ... (¬1) فيكون الأصل: ولا أرى واديا أقلّ به ركب منه بوادي السباع، ثمّ صار: ولا أرى كوادي السباع واديا أقلّ ركب منه به، ثمّ صار: ولا أرى كوادي السّباع واديا أقلّ به ركب وقد جعل المصنّف - كما ترى - قول الشاعر: ... ولا أرى ... كوادي السّباع ... من صور ما لا يقام مقام المحذوف فيه شيء. ولمّا لم يتعرض ابن الحاجب إلى ذكر هذا القسم - يعني ما لا يقام مقام المحذوف فيه شيء - جعل قول الشاعر: ... ولا أرى ... كوادي السّباع ... وقولهم: أبغض إليه الشّرّ، من صور ما أقيم فيه شيء مقام المحذوف، وهو قولهم: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من زيد، فإنّه لمّا ذكر المسألة من أصلها مثّل لها بقولهم: ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ منه كزيد (¬2)، ثمّ قال: ولك أن تختصر فتقول: أبغض إليه الشرّ من زيد (¬3)، ثمّ قال [3/ 132]: ولك أن تقول: ما رأيت كزيد أبغض إليه الشرّ، ويفيد ذلك المعنى (¬4)، وأنشد: مررت على وادي السّباع ... ... ... البيتين - ¬

_ (¬1) تقدم. والشاهد هنا على ما ذكره الشارح. (¬2) ينظر: الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 662) تحقيق موسى بناي العليلي. (¬3) ينظر: المرجع السابق الصفحة نفسها وفيه العبارة بنصها، وبعدها قوله: (فتحذف الضمير من «منه» وحرف الجر الذي هو «في» وتدخل «من» على ما دخلت «في» عليه) اهـ. (¬4) ينظر المرجع السابق الصفحة نفسها، وبعد ذلك قول ابن الحاجب: ومنه ما أنشده سيبويه: مررت على وادي السباع ... ...

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثمّ قال: وإذا عبّرت بالعبارة الأولى قلت: ولا أرى واديا أقل به ركب منه بوادي السّباع، وعلى العبارة الثانية تقول: ولا أرى واديا أقلّ به ركب من وادي السباع، والثالثة هي عين ما ذكره في البيت (¬1). انتهى. وهذا التقدير أسهل [من] تقدير المصنف وأقرب إلى الخاطر، وتجري به صور هذه المسألة على سنن واحد، والذي ذكره المصنف أكثر عملا، وأعلى نظرا ولكن قد يقال: إنّ قولنا: ما رأيت كزيد أبغض إليه الشرّ، وإن لم يذكر بعد المرفوع الظاهر فيه شيء لفظا، فهو مقدّر فيه، ولا شك أنّ المقدر في حكم الملفوظ، وحينئذ يستوي القسمان، أعني ما لم يقم فيه شيء مقام المحذوف، وما أقيم؛ فيكون القسمان واحدا إلا أن يمنع المصنف التقدير، فيقول: لا أقدّر شيئا لعدم الحاجة إليه، فيتمّ إذ ذاك بقسميه، ويرجح تقديره على تقدير غيره. وأما عدم ذكر الضمير الذي قبل الظاهر لفظا استغناء بتقديره، فمثال قولهم: ما رأيت قوما أشبه بعض ببعض من قومك؛ قدّره المصنف كما عرفت بـ: ما رأيت قوما أبين فيهم شبه بعض ببعض من شبه بعض قومك ببعض قومك، قال: فجعل «أشبه» موضع «أبين» واستغنى به عن ذكر الشبه المضاف إلى «بعض» ثم أكمل الاختصار بوضوح المعنى (¬2). قلت: وينبغي أن يكون التقدير في المثال المذكور: ما رأيت قوما أبين فيهم شبه بعض ببعض منه في قومك، ثم حذف الضمير المجرور بـ «من» العائد على الشبه وأدخلت «من» على «شبه»، فصار الكلام: من شبه بعض قومك ببعض، ثم حذف «شبه» و «بعض» وحذف متعلّق «شبه» أيضا وهو «ببعض» لحذف ما تعلق به، فباشرت «من» - ¬

_ (¬1) في الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 662) - بعد هذا الكلام: - (و «أفعل» هنا «أقل» جرى لشيء وهو في المعنى لمسبّب هو «الركب»، مفضل باعتبار من هو له على نفسه باعتبار «وادي السباع» و «أتوه» صفة لـ «ركب» «تئية» إما مصدر على أصله لأنّ الإتيان قد يكون «تئية» أي بتوقف، وتحبس وقد يكون بغيره وإمّا مصدر في موضع الحال، أي متوقفين متلبسين، وإما غير هذا الباب الذي قيدناه من المسائل، فلا يجوز أن يرفع به الظاهر، بل يرتفعان جميعا على الابتداء والخبر، وتكون الجملة صفة الأول، كقولك: مررت برجل أفضل منه أبوه اهـ. فـ «أبوه» و «أفضل» مبتدأ وخبر والجملة صفة لـ «رجل» ولا يجوز الخفض صفة لرجل، ورفع «أبوه» بـ «أفعل») اهـ. (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 67)، والتذييل والتكميل (4/ 762).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «قومك» وحاصل الأمر: أن يقدر حذف اسمين بعد حذف الضّمير المجرور بـ «من». ومنها: أنّا نستفيد من قول المصنف لمّا ذكر الحذف للاختصار في: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من عين زيد: ومن زيد أيضا، وأنّ التقدير فيه: من كحل عين زيد، أنه لما حذف المفضول وهو الضمير المجرور بـ «من» العائد على الظاهر المرفوع بـ «أفعل» أقيم الظاهر مقامه، ثم أضيف ذلك القائم مقام الضّمير إلى ما بعده، وبعد حذف حرف الجرّ الذي هو «من»، فالأصل: من كحل عين زيد، ثم: من عين زيد، ثمّ: من زيد، ومن ثمّ حكم بحذف مضافين في قولنا: من زيد. والحاصل: أنّ «من» - بعد حذف الضمير المجرور بها - إمّا أن تباشر الظاهر الذي الضمير له وهو «الكحل»، وإمّا أن تباشر المحلّى الذي يحلّ فيه ذلك الظاهر، وهو العين، وإمّا أن تباشر صاحب ذلك المحلّ وهو زيد. لكنّ المصنف - مع تقديره أنّ الأصل: من كحل عين زيد - لم يصرح بالظاهر لفظا، فقد يقال: إنّ التصريح به غير جائز والذي يظهر أنّ التصريح به غير ممتنع، وإنما قدّره المصنف ولم يصرح به؛ لأنه ذكر أنّ هذا المثال الذي هو: ما رأيت أحدا أحسن فيه الكحل منه في عين زيد، قد يختصر فيقال فيه: من عين زيد، ومن زيد، ومع التصريح بالظاهر لا يكون اختصار؛ لأنّ التصريح به كذكر الضمير، فينتفي الاختصار حينئذ كذكر الضمير ثمّ قد عرفت أنّ من كلامهم: ما رأيت كذبة أكثر عليها شاهد من كذبة أمير على منبر وأنّ التقدير فيه: من شهود كذبة أمير؛ ففيه حذف مضاف واحد، كما أنّ قولنا: في عينه الكحل من عين زيد؛ فيه حذف مضاف واحد، على الوجه الذي ذكره المصنف، ومما حذف فيه مضاف واحد المثال الذي ذكره المصنف في الألفية وهو: فلن ترى في النّاس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق (¬1) الأصل فيه: أولى به الفضل منه بالصديق، ثمّ حذف الضمير وأقيم الظاهر مقامه، فصار: من الفضل بالصّديق، ثمّ أضيف «الفضل» إلى «الصديق» ثم - ¬

_ (¬1) في شرح الألفية للمرادي (2/ 128): (الأصل: أولى به الفضل منه بالصديق؛ فاختصر). وفي شرح الألفية للشاطبي (4/ 96): (تقول: لن ترى في الناس من رفيق يحقّ له الفضل كالصديق، فالمعنى في هذا الكلام كالمعنى في المثال، ومن ذلك قولهم: ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ منه إلى زيد) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حذف الباء، بملابسته إياه، فصار: من فضل الصديق، ثم حذف المضاف، فصار: من الصديق، وكذا يقال: ما أحد أحسن به الجميل من زيد، الأصل: منه بزيد، ثم: من الجميل بزيد، ثمّ: من جميل زيد، ثمّ: من زيد، واعلم أنّ بعض الفضلاء ممّن تكلم على الألفية جعل التقدير الأصليّ، في هذين المثالين قبل الحذف، من ولاية الفضل بالصديق ومن حسن الجميل بزيد. ولم يظهر لي ذلك، فإنّ «من» إنما تدخل على ضمير ذلك الاسم الظاهر الذي هو المرفوع، أو على ظاهر يقوم مقامه، والذي قدّر ذلك رجل معتبر، لكنني لم يتجه لي كلامه فليتأمل. ومنها: أنّ المصنف قال - كما عرفت -: وقد يستغني عن تقدير مضاف، في نحو: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من زيد؛ بأن يقال: إن تقديره: ما رأيت أحدا أحسن بالكحل من زيد، أدخلوا «من» على «زيد»، مع ارتفاع «الكحل» على حدّ إدخالها عليه مع جرّه لأنّ المعنى واحد، وهذا وجه حسن، لا تكلف فيه، وله نظائر يلحظ فيها المعنى ويترتب الحكم عليه مع تناسي اللفظ إلى آخر ما ذكره (¬1). فقال الشيخ ما معناه: إن المعنى المستفاد من قولنا: ما رأيت أحدا أحسن بالكحل من زيد، غير المعنى المستفاد من قولنا: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل من زيد؛ لأن المحكوم له بالأحسنية في المثال الأول المكتحل، وفي المثال الثاني الكحل (¬2)، وما قاله [3/ 133] حق، وقد كان ظهر لي ذلك، قبل الوقوف على كلامه ولكن لما ذكره تعينت نسبته إليه. ومنها: أن المصنف تضمن كلامه - في شرح الكافية - شرطا خامسا لهذه المسألة - أعني ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل - وهو: كون الظاهر المرفوع فاعلا بـ «أفعل» سببا لموصوف «أفعل» قال: كالصوم بالنسبة للأيام (¬3) في قول - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 66). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 763). (¬3) في شرح الكافية (2/ 1140) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي: (فإن أدى ترك رفعه الظاهر إلى فصل بمبتدأ بين أفعل التفضيل والمفضل عليه تخلص من ذلك بجعل المبتدأ فاعل أفعل بشرط كونه سببيّا كالصوم بالنسبة إلى الأيام) ... إلخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيام أحبّ إلى الله فيها الصوم من أيام العشر» (¬1). قال: «وإنّما اشترطوا كون الظاهر سببيّا؛ لأنّ ذلك يجعله صالحا للقيام مقام الضمير؛ فإن الاستغناء بالظاهر السببيّ عن الضمير كثير، ولأنّ كونه سببيّا على الوجه المستعمل يجعل أفعل واقعا موقع الفعل (¬2)، هذا كلامه في شرح الكافية، وكأنّه يعني بالضمير الذي صلح الظاهر لقيامه مقام الضمير الذي يرفعه «أفعل» بالغا عليه وكلام الإمام بدر الدّين في شرح الألفية، يخالف ظاهرا كلام والده، فإنه قال: لم يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر عند أكثر العرب، إلا إذا ولي نفيا [أو استفهاما]، وكان مرفوعه أجنبيّا، مفضلا على نفسه باعتبارين، نحو قولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد (¬3). وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيام أحب إلى الله فيها الصّوم منه في عشر ذي الحجة» انتهى. وما قاله المصنف هو الظاهر؛ لأنّ «الصّوم» إنما وقع في الأيام التي هي موصوف «أفعل»، فكأنه قيل: فصومها، وكذا «الكحل»، وإنما هو حاصل في عين الموصوف بـ «أفعل» فكأنه قيل: كحل عينه فإن قيل: فإذا كان كذلك فلم لم يتعرض إلى ذكر السببية وجعلها شرطا في التسهيل، فالجواب أنه لا يحتاج إلى ذكره؛ لأن الشروط التي ذكرها - متى وجدت - لا يكون الظّاهر المرفوع بـ «أفعل» إلا كذلك، فكان في الاقتصار عليها غنية، ثم لا يعتذر عن بدر الدين بأن يقال: لا شكّ أنّ نحو: ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه، غير جائز؛ لأننا نقول: إنّ امتناع هذا التركيب ليس من جهة أنّ المرفوع سببي بل من جهة أنّه لا يصحّ أن يقع موقع «أفعل» فعل يفيد معنى التفضيل كما سيأتي ذكر ذلك. واعلم أن ابن الحاجب لما تعرض إلى المسألة قال: ولا يعمل - يعني «أفعل» - ¬

_ (¬1) الحديث في: مسند الإمام أحمد بن حنبل (1/ 224، 338، 346) ومسند الدارمي الباب (52) من كتاب الصوم، والبخاري الباب (11) من كتاب العيدين، والترمذي الباب (51) من كتاب الصوم، وابن ماجه الباب (59) من كتاب الصيام. (¬2) شرح الكافية لابن مالك (2/ 1140) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) شرح الألفية لابن الناظم (485، 486).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التفضيل - في مظهر إلا إذا كان صفة لشيء وهو في المعنى لمسبّب مفضّل باعتبار الأول على نفسه باعتبار غيره (¬1). وقال - في شرح المفصل -: «أفعل» التفضيل يعمل عمل الفعل في بعض المواضع وهو كل موضع كان فيه لمسبّب مفضل باعتبار من هو له على نفسه، باعتبار غيره، فعند ذلك يعمل عمل فعله في ذلك المسبّب، مثاله: قولهم: ما رأيت رجلا أبغض إليه الشرّ منه إلى زيد، وما أشبه ذلك فـ «أبغض» ههنا في المعنى لمسبب - لرجل - وهو «الشرّ» مفضل باعتبار الرجل على نفسه باعتبار غيره وهو «زيد» انتهى (¬2). ومراده بقوله (¬3): إلّا إذا كان صفة لشيء وهو في المعنى لمسبّب؛ أنّ «أفعل» التفضيل في المثال الذي ذكره هو الرجل في اللّفظ وهو في المعنى لسببه، وهو الشرّ يعني أنّ الشرّ مسبّب عن الرّجل، هكذا فهمت في هذا الموضع، دون تحقق فإن «الكحل» في: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل، كيف يكون مسبّبا عن «رجل»؟. ثمّ إنّ ابن الحاجب جعل هذا الظاهر المرفوع بـ «أفعل» مسبّبا وقد عرفت أنّ المصنف جعله سببيّا فإن كان مراد من قال: إنّه سبب غير مراد من قال: إنّه سببيّ - وهو الظاهر - فلا كلام وإلّا أشكل الأمر. ومنها: أنك عرفت أنّ المصنّف ذكر لرفع «أفعل» التفضيل الظّاهر سببين: أحدهما: معاقبة الفعل إياه. الثاني: ما يلزم من الفصل بينه وبين «من» بأجنبي لو لم نرفعه على الفاعلية، وجعلناه مبتدأ مخبرا عنه بما قبله، وقرر ذلك أحسن تقرير، فتبعه الإمام بدر الدين - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المقدمة الكافية في علم الإعراب لابن الحاجب المجلد الثالث (ص 854) (نزار الباز) تحقيق الدكتور/ جمال عبد العاطي مخيمر. وبعد ذلك قول ابن الحاجب: (منفيّا مثل: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ لأنه بمعنى «حسن» مع أنهم لو رفعوا لفصلوا بين «أحسن» ومعموله بأجنبي وهو الكحل) اهـ. (¬2) النص بتمامه في الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 661) تحقيق الدكتور/ موسى بناي العليلي ط. العاني بغداد (1982). (¬3) أي: مراد ابن الحاجب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولده وذكر ما ذكره والده، وضمّ إلى ذلك بحثا، فأجببت إيراده، قال (¬1) رحمه الله تعالى: ويمكن أن يعلّل رفع «أفعل» التفضيل الظاهر معنى، في الأمثلة التي ذكرت بأمرين: أحدهما: معاقبة الفعل إياه، فاستحقّ العمل، كما استحقّ اسم الفاعل معنى المعنى، إذا وقع صلة للألف واللام، وقرر ذلك إلى آخره، ثمّ قال: فإن قلت: فكان ينبغي أن يقضي جواز مثل هذا، بجواز رفع «أفعل» التفضيل للسببيّ المضاف إلى ضمير الموصوف نحو: ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه، وفي الإثبات نحو: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ لأنّه يصحّ في ذلك كلّه وقوع الفعل موقع «أفعل» التفضيل. قلت: المعتبر في اطراد رفع «أفعل» التفضيل الظاهر: جواز أن يقع موقعه الفعل الذي يبنى منه مفيدا فائدته، وما أوردته ليس كذلك، ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا يحسن أبوه كحسنه؛ فأتيت موضع «أحسن» بمضارع «حسن» فاتت الدلالة على التفضيل، أو قلت: ما رأيت رجلا يحسنه أبوه؛ فأتيت موضع «أحسن» بمضارع «حسن» إذا فاقه في الحسن، كنت قد جئت بغير الفعل الذي يبنى منه «أحسن»، وفاتت الدلالة على الغريزة المستفادة من «أفعل» التفضيل، ولو رمت أن توقع الفعل موقع «أحسن» على غير هذين الوجهين لم تستطع، وكذا القول في نحو: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ فإنك لو جعلت فيه «يحسن» مكان «أحسن» فقلت: رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد، أو: يحسن في عينه الكحل كحلا في عين زيد، فاتت الدلالة على التفضيل في الأول، وعلى [3/ 134] الغريزة في الثاني (¬2). الأمر الثّاني: أنّ «أفعل» التفضيل متى ورد على الوجه المذكور وجب رفعه الظّاهر لئلّا يلزم الفصل بينه وبين «من» بأجنبي؛ فإنّ ما هو له في المعنى لو لم يجعل فاعلا لوجب كونه مبتدأ ولتعذّر الفصل به. - ¬

_ (¬1) أي: قال الإمام بدر الدين بن مالك. وقد نقل عنه العلامة ناظر الجيش الكلام الآتي في الصفحات التالية، من هنا إلى قوله: (اطرد عند العرب إجراؤه مجرى اسم الفاعل، فيقولون: مررت برجل أفضل منه أبوه). وهذا من شرح الألفية لابن الناظم (ص 486، 487، 488). (¬2) الكلام بنصه من شرح الألفية لابن الناظم (ص 487).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قلت: وأيّ حاجة إلى ذلك ولم يجعل مبتدأ مؤخرا عن «من»، فيقال: ما رأيت رجلا أحسن في عينه منه في عين زيد الكحل، أو مقدما على «أحسن»؛ فيقال: ما رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد. قلت (¬1): لم يؤخر تجنبا عن قبح اجتماع تقديم الضّمير على مفسره وإعمال الخبر في ضميرين لمسمى واحد، وليس هو من أفعال القلوب ولم يقدم كراهية أن يقدموا لغير ضرورة ما ليس بأهم؛ فإن الامتناع من رفع «أفعل» التفضيل الظاهر ليس لعلة موجبة إنما هو لأمر استحساني. فيجوز التخلف عن مقتضاه إذا زاحمه ما رعايته أولى وهو تقديم ما هو أهم وإيراده في الذكر أتم وذلك صفة ما يستلزم صدق الكلام تخصيصه، ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا؛ كان صدق الكلام موقوفا على تخصيص رجل بأمر يمكن أنّه لم يحصل لمن رأيته من الرجال؛ لأنه ما من راء إلا وقد رأى رجلا ما، فلمّا كان موقوف الصدق على المخصّص وهو الوصف؛ كان تقديمه مطلوبا فوق كل مطلوب فقدم، واغتفر ما ترتب على التقديم من الخروج عن الأصل، فإن قلت: فلم لم يجز على مقتضى ما ذكرتم أن يرفع «أفعل» التفضيل الظاهر في الإثبات فيقال: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؟ قلت: لأنّ مطلوبية المخصص في الإثبات دون مطلوبيته في النفي؛ لأنّه في الإثبات يزيد في الفائدة، وفي النفي يصون الكلام عن كونه كذبا فلما كان ذلك كذلك كان لهم عن تقديم الصفة ورفعها الظاهر مندوحة؛ بتقديم ما هي له في المعنى، وجعله مبتدأ فيقال: رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد، ثمّ قال: ولكون المانع من رفع «أفعل» التفضيل الظاهر ليس أمرا موجبا؛ اطرد عند بعض العرب إجراؤه مجرى اسم الفاعل، فيقولون: مررت برجل أفضل منه أبوه (¬2). ومنها: ما ذكره الشيخ بحثا ومناقشة للمصنف. وذلك في مواضع: الأول: قول المصنف: والسبب في رفع «أفعل» التفضيل الظاهر في هذه الأمثلة تهيؤه بالقرائن التي قارنته لمعاقبة الفعل إياه وعلى وجه لا يكون بدونها، ألا ترى أنّ - ¬

_ (¬1) الكلام بنصه من المرجع السابق (ص 488). (¬2) لمراجعة كلام الإمام بدر الدين هذا، ينظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 486، 487، 488)، وفي (ص 488): (أحسن منه أبوه).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد، لو قلت بدله: ما رأيت أحدا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد؛ لكان المعنى واحدا، بخلاف قولك في الإثبات: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ فإنّ إيقاع الفعل فيه موقع «أفعل» يغير المعنى (¬1). انتهى. فقال الشيخ - بعد نقله هذا الكلام -: وهذا خطابه وليس معنى «أحسن» «يحسن» بل معناه: يزيد حسن الكحل في عينه على حسنه في عين زيد، وعلى تقديره بـ «يحسن» لا يفيد المعنى إلا من حيث أنّ الإيجاب يغاير النفي، ولو جاء ذلك في الإثبات لكان صحيح المعنى وتقديره: رأيت رجلا يحسن الكحل في عينه كحسنه في عين زيد، وهذا معنى صحيح لا ينكره عاقل. انتهى (¬2). وأقول: أما قوله: وليس معنى «أحسن» «يحسن»؛ فالمصنف لم يقل: معنى «أحسن» «يحسن» مقتصرا على ذلك، بل قال: المعنى: يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد، ولا شك أنّ هذا معناه يزيد حسن الكحل في عينه على حسنه في عين زيد. فمعنى «ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد» و «ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد» واحد، فنحن نفهم من قولنا: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد؛ أنّ حسن الكحل في عين زيد زائد على حسنه في عين غيره، وإذا كان كذلك سقطت المناقشة التي ذكرها الشيخ. وأمّا قوله: إنّ ذلك لو جاء في الإثبات لكان صحيح المعنى؛ فحق، لكن يكون المعنى المفهوم في صورة الإثبات غير المعنى المفهوم في صورة النّفي، وذلك أنّ المفهوم من قولنا: رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد؛ ثبوت المساواة بينهما في الحسن. والمفهوم من قولنا: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيد؛ ثبوت زيادة الحسن في أحد المحلين على الآخر (¬3)، ولا شكّ أنّ هذا الثاني هو - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 67). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 763). (¬3) سبق ذكر هذا المفهوم في كلام الإمام بدر الدين بن مالك. ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 488).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مدلول «أفعل» التفضيل فلمّا كان كذلك صحّ رفع «أفعل» التفضيل الظاهر في صورة المعنى؛ لأنّ الفعل يعاقبه ومعنى التفضيل باق، ولم يصحّ في صورة الإثبات لأنا إذا أوقعنا الفعل موقعه لا يبقى معنى التفضيل بل يصير لذلك التركيب معنى آخر. الموضع الثاني: قول المصنف: فإن قيل: لا نسلم الالتجاء إليه - يعني إلى رفع «أفعل» التفضيل الاسم الظاهر فاعلا - بل نجعله مبتدأ، ونقدّمه على «أحسن»، وذلك بأن يقال: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد، فالجواب أنّ إمكان هذا اللفظ مسلم، ولكن ليس بمسلم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر من اقتضاء المزية والمساواة معا. وإنما مقتضى: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد؛ نفي رؤية الزائد حسنه لا نفي رؤية المساوي، وإذا لم يتوصل إلى ذلك المعنى إلا بالترتيب المنصوص عليه صحّ القول بالالتجاء إليه (¬1)، وكان قد تقدم له قبل [3/ 135] هذا أن قال معللا رفع أفعل التفضيل الظاهر، في المثال المعروف، وهو: ما رأيت أحدا أحسن في عينيه الكحل منه في عين زيد، وذلك أنه حدث له - في الموقع المشار إليه - معنى زائد على التفضيل، وبيانه أنك إذا قلت: ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو، ولم يكن فيه تعرض لنفي المساواة، وإنّما تعرض فيه لنفي المزية، بخلاف قولك: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ فإنّ المقصود به نفي المساواة، ونفي المزيّة. ولهذا قدّره سيبويه بـ: ما رأيت أحدا يعمل في عينه الكحل، كعمله في عين زيد (¬2). فقال الشيخ - في قوله: إنّه حدث في الموقع المشار إليه معنى زائد على التفضيل إلخ -: هذا الكلام فيه تكثير لا طائل تحته، ودعوى أنّ قولك: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ قصد به نفي المساواة ونفي المزية، لا دليل على ذلك، بل لا فرق بين قولك: ما رأيت أحدا الكحل في عينه أحسن منه في - ¬

_ (¬1) شرح المصنف (3/ 68). (¬2) شرح المصنف (3/ 67) والكتاب (2/ 31).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عين زيد، وبين المثال السابق؛ كلاهما فيه نفي المزية لا نفي المساواة، و «أفعل» التفضيل سواء أرفعت به المضمر أم المظهر، وإنما يدلّ على الزيادة في ذلك الوصف فإن كان الكلام مثبتا كانت تلك الزيادة ثابتة، وإن كان منفيّا كانت تلك الزيادة منفية، ولا يدلّ انتفاء تلك الزيادة على انتفاء المساواة بوجه. قال: وأما قول المصنف: ولهذا قدره سيبويه ... إلخ؛ فليس على ما فهمه، وإنما أراد سيبويه أن يبين أنّ رفع «الكحل» بـ «أحسن» هو على طريق الفاعلية، وأنه جرى في ذلك مجرى الفعل فكما رفع الفعل الظاهر كذلك رفعه هنا «أفعل» التفضيل وأما أن يريد بذلك أنه انتفت المزية والمساواة فلا (¬1). وقال (¬2) أيضا - في قوله: فإن قيل: لا نسلم الالتجاء إليه؛ لإمكان أن يقال: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد، فالجواب أنّ إمكان هذا اللفظ مسلم، ولكن ليس بمسلم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر، من اقتضاء المزية والمساواة معا ... إلى آخره قد بيّنّا أنّ ذلك دعوى لا تصحّ البتة ولا فرق بين تقدم الوصف ورفع الاسم به أو تأخره وجعله خبرا للاسم. ألا ترى أنه لا فرق بين: ما رأيت رجلا قائما أبوه، ولا بين: ما رأيت رجلا أبوه قائم؟ (¬3). هذا كلام الشيخ مع المصنف أولا وثانيا. وأقول: أما قوله: إن «أفعل» التفضيل إنما يدلّ على الزيادة في ذلك الوصف فإن كان الكلام مثبتا كانت الزيادة ثابتة وإن كان منفيّا كانت الزيادة منفية ولا يدلّ انتفاء الزيادة على انتفاء المساواة - فكلام صحيح، ولكن إنما يكون ذلك إذا سبق الكلام للدلالة على الإثبات فقط، كقولك: زيد أفضل من عمرو، أو على الانتفاء فقط كقولك: ليس زيد أفضل من عمرو، وأما الكلام الذي قصد به نفي الزيادة عن شيء باعتبار، وإثباتها لذلك الشيء باعتبار آخر نحو: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد؛ فليس الأمر فيه كذلك. فإنّ إثبات الزيادة يلزم منه انتفاء المساواة؛ إذ لو حصلت المساواة لم تكن الزيادة ثابتة فانتفاء المزية عن المفضول دلّ عليه بالمنطوق، وانتفاء المساواة دلّ عليه باللزوم، وإذا كان كذلك ثمّ قول - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل والتكميل (4/ 764، 765). (¬2) أي: قال الشيخ أبو حيان. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 766).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف: إنّ المقصود بهذا التركيب نفي المساواة ونفي المزية. ولا شكّ أنّ قولنا: ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو؛ نفي محض لم يقصد فيه إلى إثبات شيء فهو إنما يدلّ على نفي الزيادة فتمّ أيضا قول المصنف فيه إن لم يكن فيه تعرض لنفي المساواة وإنّما تعرض فيه لنفي المزية، وإدراك الفرق بين هذين التركيبين - أعني: ما الكحل في عين زيد أحسن منه في عين عمرو، و: ما رأيت أحدا أحسن في عينه الكحل منه في عين عمرو ظاهر، ولعلّه لا يخفى على من له أدنى تحصيل. وإذا تبين أنّ قول المصنف تمّ فيما ذكره، تبين صحة قوله آخرا: فالجواب أنّ إمكان هذا اللفظ مسلم - يعني: ما رأيت أحدا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيد - ولكن ليس بمسلّم إفادته ما يفيده اللفظ الآخر من اقتضاء المزية والمساواة معا، وإنّما مقتضى: ما رأيت أحدا الكحل في عينه منه في عين زيد؛ نفي رؤية الزائد حسنه لا نفي رؤية المساوي، واندفع كلام الشيخ حينئذ، واعلم أنّ الذي ذكره المصنف في هذا المثال - من أنّ سبب العدول عنه إلى المثال المشهور في هذه المسألة أنّ هذا المثال مقتضاه نفي رؤية الزائد حسنه لا نفي رؤية المساوي - أحسن من قول الإمام بدر الدين فيه: إنّ المانع منه كراهية أن يقدّموا لغير ضرورة ما ليس بأهمّ كما تقدم لنا نقل ذلك عنه (¬1). الموضع الثالث: قول المصنّف: ولم يرد هذا الكلام، المتضمن ارتفاع الظّاهر بـ «أفعل» التفضيل إلا بعد نفي، ولا بأس باستعماله بعد نهي، أو استفهام، فيه معنى النفي كقولك: لا يكن غيرك أحبّ إليه الخير منه إليك، وهل في النّاس رجل أحقّ به الحمد منه بمحسن، لا يمنّ (¬2)؛ فقال فيه الشيخ: وإذا كان لن يرد هذا الاستعمال إلا بعد نفي وجب اتباع السماع فيه، والاقتصار على ما قالته العرب (¬3). انتهى. ولا شكّ أنّ ما ذكره المصنف لا مانع منه من حيث الصناعة النحويّة، كيف ولا فرق في المعنى بين النّهي والاستفهام المراد به النفي، وبين النفي الحقيقي. - ¬

_ (¬1) شرح الألفية لابن الناظم (ص 488). (¬2) شرح المصنف (3/ 68). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 768) وبعده: (ولا يقاس عليه النهي ولا الاستفهام الذي يراد به النفي لا سيما ورفعه الظاهر إنما جاء في لغة شاذة فينبغي أن يقتصر في ذلك على مورد السماع، على أنّ إلحاقهما بالنفي ظاهر في القياس، ولكن الأولى اتباع السماع) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنّ المصنف - كما عرفت - قد حكم على (حيث) من قوله تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (¬1) بأنها مفعول به [3/ 136] وناصبه فعل مدلول عليه بـ (أعلم) وأن التقدير: الله أعلم، يعلم مكان جعل رسالته (¬2). وقال الشيخ: قد خرّجنا نحن الآية الشريفة، باقية فيها على بابها من الظرفيّة؛ لأنّ (حيث) من الظروف التي لم يتصرف فيها بابتدائية ولا فاعلية ولا مفعوليّة فنصبها على المفعولية بفعل محذوف مخرج لها عن بابها (¬3). ومنها: أنّه قال: في قول المصنّف: وإن أوّل بما لا تفضيل فيه جاز على رأي أن تنصبه (¬4)، هذا الرأي ضعيف؛ لأنّه - وإن أوّل بما لا تفضيل فيه - فلا يلزم تعدّيه كتعديه، وللتركيب خصوصيات ألا ترى أنّ «فعولا» وأخواتها تعمل، و «فعيل» لا يعمل، نحو: شريب وطبيخ، لا يقال: هذا شريب الماء، ولا طبيخ الطعام، وإن كان يقال: هذا شرّاب الماء، وطبّاخ الطعام. وناقش المصنف - في تمثيله، بقوله: وعمرو أجمع للمال من زيد (¬5) للأفعال التي تتعدّى بحروف الجرّ - فقال: ليس «أجمع للمال» من هذا الفصل، بل من باب ما يتعدّى الفعل فيه إلى مفعول به تقول: جمع زيد المال، فـ «أجمع للمال» من فصل: أضرب لزيد، وأشرب للماء (¬6) انتهى. وما ذكره في «أجمع» ظاهر وأما ما ذكره قبله فغير ظاهر، ولا يتوجّه إلى منع «فعيل» العمل، وقد قالت العرب: - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 124. (¬2) تقدم ذلك، وهو في شرح المصنف (3/ 69). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 770): (وقد خرجناه نحن في كتابنا في التفسير المسمى بالبحر المحيط على أن تكون حيث من الظروف التي لم يتصرف فيها بابتدائية ولا فاعلية ولا مفعولية، فنصبها على المفعولية بفعل محذوف مخرج لها عن بابها، والتخريج الذي خرجناه عليه هو إقرار (حيث) على الظرفية المجازية على أن تضمن (أعلم) معنى ما يتعدى إلى الظرف فيكون التقدير: الله أنفذ علما حيث يجعل رسالاته، أي هو نافذ العلم في الموضع الذي يجعل فيه رسالته ..) إلى آخره. (¬4) وقد علل نصبه بأنه كاسم الفاعل وعلل منعه بأن صورته صورة «أفعل» التفضيل، وينظر: المساعد لابن عقيل (ص 186، 187) تحقيق بركات. (¬5) في شرح المصنف (3/ 69): (فيقال: زيد أرغب في الخير من عمرو، وعمرو أجمع للمال من زيد، ومحمد أرأف بنا من غيره) اهـ. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 771).

الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل

الباب السادس والثلاثون باب اسم الفاعل [تعريفه - وزنه من الثلاثي المجرد - الاستغناء ببعض الأوزان عن بعض] قال ابن مالك: (اسم الفاعل، هو الصّفة الدّالّة على فاعل جارية في التّذكير والتّأنيث على المضارع من أفعالها لمعناه أو معنى الماضي، ويوازن في الثّلاثّي المجرّد «فاعلا» وفي غيره المضارع مكسور ما قبل الآخر، مبدوءا بميم مضمومة، وربّما كسرت في «مفعل» أو ضمّت عينه، وربّما ضمّت عين «منفعل» مرفوعا، وربّما استغني عن «فاعل» بـ «مفعل» وعن «مفعل» بـ «مفعول» فيما له ثلاثيّ وفيما لا ثلاثيّ له، وعن «مفعل» بـ «فاعل» ونحوه، أو بـ «مفعل»، وعن «فاعل» بـ «مفعل» أو «مفعل»، وربما خلف «فاعل» «مفعولا»، و «مفعول» «فاعلا»). ـــــــــــــــــــــــــــــ 2145 - فتاتان أما منهما فشبيهة ... هلالا والأخرى منهما تشبه البدرا (¬1) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): ذكر «الصّفة» مخرج للأسماء الجامدة (¬3)، ومتناول لاسمي الفاعل والمفعول، وأمثلة المبالغة، والصفة المشبّهة، وغير المشبهة، وذكر (الدالة على الفاعل) مخرج لاسم المفعول، والمؤدّي معناه، وذكر (الجارية - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل، وهو لعبد الله بن قيس الرقيات. والشاهد فيه قوله: «فشبيهة»؛ حيث نصبت «هلالا»؛ لأنها صيغة مبالغة فهي مؤنث (شبيه) مع كونه من (أشبه) كنذير من أنذر، ويؤيد الشارح هذا الإعراب. وفي التذييل والتكميل (4/ 791): (وقد يقال: إنه على إسقاط حرف الجرّ، أي: فشبيهة بهلال؛ لأن «شبيها» يتعدى بالباء، قالوا: ما زيد كعمرو، ولا شبيها به) اهـ. ينظر الشاهد أيضا في: منهج السالك (ص 334)، والعيني (3/ 452)، والأشموني (2/ 297). (¬2) شرح التسهيل (3/ 70) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد وصاحبه. (¬3) كالمصدر الموصوف به، وفي التذييل والتكميل (4/ 773): (وما أدى معناه، كالمصدر الموصوف به في نحو: هذا درهم ضرب الأمير) اه. وفي شرح التسهيل للمرادي: (فـ «ضرب» مصدر مؤول بالمشتق واقع صفة، بمعنى: مضروب الأمير) اهـ. وينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 188) تحقيق د/ بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على المضارع) مخرج للجارية على الماضي كـ: فرح، وحسن، ويقظ، ولغير الجارية كـ: سهل، وكريم، ومتناول لاسم الفاعل، ولنحو: ضامر الكشح (¬1)، ومنطلق اللسان، من الصفات الموافقة اسم الفاعل، لفظا، لا معنى ولنحو: أهيف (¬2)، وأعمى، من الصفات التي على «أفعل» وفعلها على «فعل» فالنوعان جاريان على المضارع من أفعالهما، أي: موافقان له، في عدّة الحروف، وتقابل الحركات، والسكون فخرج باب «ضامر» بقولي: (لمعناه أو معنى الماضي) فإنّ «ضامرا»، ونحوه لا يتعرّض به لاستقبال، ولا مضيّ، وإنّما يراد به معنى ثابت، ولذلك أضيف إلى ما هو فاعل في المعنى، كما تضاف الصفة التي لا تجاري المضارع؛ فيقال: ضامر الكشح، كما يقال: لطيف الكشح، فخالف باب «ضامر» الفعل معنى، وإن وافقه لفظا (¬3). وخرج باب «أهيف» بذكر التذكير والتأنيث، فإنّ مؤنثه على فعلاء، فلا مجاراة فيه، إلا في حال التذكير، بخلاف اسم الفاعل، فإنّ تأنيثه لا يغيّر بنيته فيعرى عن المجاراة، بل هو مستصحبها في حالة تذكيره وتأنيثه؛ لأنّ تأنيثه بالتاء، وهي في نية الانفصال، ولزم من تقييد اسم الفاعل بكونه (صفة جارية) خروج أمثلة المبالغة ولم يكن في ذلك ضمير؛ لأنّ اسم الفاعل غيرها، وجريانها في العمل مجراه سينبّه عليه في موضعه إن شاء الله تعالى. ولمّا كمل الكلام على حدّ اسم الفاعل نبهت على كيفية صوغه من الأفعال: فأعلمت أنه من الثلاثي المجرّد (¬4) على زنة «فاعل» كـ: ضارب، وشارب، ومن - ¬

_ (¬1) فضامر الكشح من الصفة المشبهة، وإن كان لفظ «ضامر» اسم فاعل، «والكشح»: مثال فلس - أي بفتح الكاف، وإسكان الشين المعجمة - ما بين الخاصرتين إلى الضلع الخلفي. ينظر: المصباح المنير مادة «كشح»، والمساعد لابن عقيل (2/ 188) تحقيق د/ بركات. (¬2) في مختار الصحاح مادة «هيف» (الهيف: ضمور البطن والخاصرة ورجل أهيف، وامرأة هيفاء) اهـ. (¬3) في المساعد لابن عقيل (2/ 188) تحقيق د/ بركات: (فخرج باب ضامر الكشح، ومنطلق اللسان، فلا ينوى به استقبال، ولا مضي بل المراد معنى ثابت، ولذا أضيف إلى الفاعل معنى، كالصفة التي لا تجري على المضارع، فيقال: ضامر الكشح، كما يقال: لطيف الكشح) اه. (¬4) يعني: المجرد من حروف الزيادة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره على زنة المضارع، بكسر ما قبل الآخر، وزيادة ميم مضمومة، موضع حرف المضارعة، كـ: مكرم، ومعلّم، ومتعلّم، ومستخرج، ومدحرج، ومطمئن، ومحرنجم، قالوا: أنتن الشيء فهو منتن، على القياس، وقالوا - أيضا -: منتن؛ بإتباع الميم العين، ومنتن (¬1)؛ بإتباع العين الميم (¬2)، وإليهما أشرت بقولي: (وربما كسرت في (مفعل) أو ضمّت عينه، ومثل «منتن» قولهم في «المغيرة» (¬3): «مغيرة» (¬4)، ثمّ قلت: وربّما ضمّت عين «منفعل» مرفوعا، فأشرت بذلك إلى قولهم: هو منحدر، بضمّ الدال، إتباعا للراء، حكاه أبو الفتح بن جنّي وغيره (¬5). ثم قلت: وربّما استغنى عن «فاعل» بـ «مفعل» وعن «مفعل» بـ «مفعول» فيما له فعل ثلاثي، فأشرت بالأول إلى «حبّ» فهو محبّ، ولم يقولوا: حابّ، وأشرت بالثاني إلى قولهم: أحزنه الأمر، فهو محزون، فأغناهم عن محزن، وكذا: أحبّه، فهو محبوب، أغناهم عن محبّ، وندر قول عنترة: 2146 - ولقد نزلت فلا تظنّي غيره ... منّي بمنزلة المحبّ المكرم (¬6) وأشرت بقولي: (فيما له فعل ثلاثي) إلى قول الشّاعر: 2147 - معي ردينيّ أقوام أذود به ... عن عرضهم وفريصي غير مرعود (¬7) - ¬

_ (¬1) لمراجعة ما ورد في «منتن» ينظر: كتاب «ليس في كلام العرب» لابن خالويه (ص 13)، والمخصص لابن سيده (14/ 14)، والمساعد لابن عقيل (2/ 189) تحقيق د/ بركات. (¬2) يعني: كسرت الميم. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 776). (¬3)، (¬4) في الأصل: (المفسرة، مغرة) والصواب ما أثبته. (¬5) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 777) ولمراجعة ما حكاه ابن جني ينظر: الخصائص (2/ 336) وفيه: (ومن حركات الإتباع قولهم: أنا أجؤك وأنبؤك وهو منحدر من الجبل، ومنتن ومغيرة) اهـ. (¬6) هذا البيت من بحر الكامل، وعنترة شاعر جاهلي، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 256). والشاهد في البيت قوله: «المحبّ» فإنه اسم مفعول، جاء على الأصل، من أحب، وأحببت، والكثير عند العرب هو محبوب حيث أغناهم عن محبّ. وفي الدرر اللوامع (1/ 134): (قال الكسائي: محبوب من حببت، وكأنها لغة قد ماتت، أي تركت) اهـ. ينظر الشاهد أيضا في: ديوان عنترة (ص 119)، والأغاني (8/ 129)، والخصائص (2/ 16)، ودرة الغواص (ص 13)، والتذييل والتكميل (4/ 777). (¬7) هذا البيت من البسيط، وقائله الشماخ بن ضرار الذبياني، من قصيدة يهجو فيها الربيع بن علياء، والبيت في ديوان الشماخ (ص 119). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يقولوا: رعدت الفرائص، وإنّما قالوا أرعدت، ومثل «مرعود» بمعنى «مرعد» قولهم: مرقوق (¬1) بمعنى «مرقّ». وأمّا قولي: وعن «مفعل» بـ «فاعل» ونحوه أو بـ «مفعل»، فأشرت [3/ 137] به إلى قولهم: أيفع الغلام إذا شبّ؛ فهو يافع، وأورس الزمت - وهو شجر - إذا اصفرّ؛ فهو وارس، وأقرب القوم؛ فهم قاربون، إذا كانت إبلهم قوارب، ولا يقال: مقربون. وأشرت بقولي: ونحوه إلى قولهم: أعقّت الفرس فهي عقوق، إذا حملت، وأحصرت الناقة إذا ضاق مجرى لبنها، فهي حصور، وأشرت بقولي: أو بـ «مفعل» إلى قولهم: أسهب الرجل في الكلام، إذا أكثر، فهو مسهب، كذا إذا ذهب عقله من لدغ الحية، وألفج الرجل إذا ذهب ماله، فهو ملفج (¬2)، وقيل أيضا: يفع، ودرس، وعقت، وحصرت، وأسهب اللديغ، وألفج ذو المال (¬3)، فاستغني باسم فاعل الثلاثي عن اسم فاعل الرباعي، وبالمبني على أسهب اللديغ، وألفج ذو المال عن المبني على أسهب وألفج، ولم يرد في «أسهب» إلا فعل الفاعل، هذا إذا كان بمعنى أكثر الكلام (¬4)، فأمّا «أسهب» بمعنى فصح (¬5) وبمعنى بلغ الرّجل في حفره، وبمعنى أكثر العطاء (¬6)، وبمعنى تغيّر وجهه (¬7)، وبمعنى نزل السهب، أي: المكان السهل (¬8)، فاسم الفاعل الوصف منه بكسر الهاء على القياس، وكذا من: أسهب الفرس، إذا كان سابقا. - ¬

_ - اللغة: فريصي: من الفريصة، وهي مضغة لحم، عند منبض القلب، أو بين الثدي والكتف، وهما فريصتان ترتعدان عند الفزع. والشاهد فيه قوله: «مرعود»؛ فإنه اسم مفعول على غير قياس؛ لأنه من قولهم: أرعدت فرائصه. ينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 777) رسالة. (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 777): (قولهم: مرقوق من أرقه، أي: ملكه) اه. (¬2) ينظر هذا في: كتاب «ليس في كلام العرب» لابن خالويه (ص 5). (¬3) ألفج الرجل: ذهب ماله، فهو ملفج، ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 190) تحقيق د/ بركات. (¬4) ينظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها، والتذييل والتكميل (4/ 778). (¬5) في اللسان مادة «سهب»: حضر القوم حتى أسهبوا، أي: بلغوا الرحل. (¬6) ينظر هذا المعنى في: المخصص (14/ 257)، واللسان والقاموس مادة «سهب». (¬7) في اللسان مادة «سهب» والمسهب: المتغير اللون من حب أو فزع. (¬8) ينظر التذييل والتكميل (4/ 779).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى ابن سيده (¬1) أنه يقال: عمّ الرجل بمعروفه، ولمّ متاع القوم فهو معمّ، وملمّ ولم يقل بهذا المعنى عامّ، ولا: لامّ، ولا نظير لهما (¬2)، وإليهما أشرت بقولي: وعن «فاعل» بـ «مفعل» أو «مفعل»، ثم قلت: (وربما خلف «فاعل» «مفعولا»، و «مفعول» «فاعلا») فأشرت بالأول إلى نحو: كاس، بمعنى مكسو، وبالثاني إلى قولهم: قطّ السعر (¬3) فهو مقطوط، إذا غلا، ولم يقولوا: قاطّ، ذكره ابن سيده، وهو نادر بمعنى مكسوّ. وممّا خلف فيه فاعل مفعولا قول الشّاعر: 2148 - لقد عيّل الأيتام طعنة ناشره ... أناشر لا زالت يمينك آشره (¬4) أي: مأشورة، والمأشورة: المقطوعة بمئشار (¬5)، والله تعالى أعلم. هذا كلام المصنف (¬6)، وقد استفيد من قوله - في حدّ اسم الفاعل -: لمعناه - ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن إسماعيل الأندلسي المعروف بابن سيده صاحب المحكم والمخصص، توفي سنة (458 هـ) سبقت ترجمته. (¬2) حكاية ابن سيده هذه في المحكم والمحيط الأعظم (1/ 52) ط. مصطفى الحلبي (1377 هـ 1958 م): (ورجل معم ومعم كثير الأعمام) وفي (1/ 54): (ورجل معم، يعم القوم بخبره، ورجل معم: يعم الناس بمعروفه، أي: يجمعهم، وكذلك: ملم، يلمهم، أي: يجمعهم، ولا يكاد يوجد: فعل فهو مفعل غيرهما) اه وينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 190). (¬3) في الأصل «الشعر» بالشين المعجمة وهو تصحيف لا يستقيم معه المعنى، والصواب: «السعر»، بالسين المهملة، كما أثبته، وفي اللسان مادة «قطط»: (وشعر قط، وقطط: جعد قصير، ورجل قط الشعر وقططه ... وقط السعر: بالسين المهملة يقط بالكسر قطّا، وقطوطا، فهو قاط، ومقطوط، بمعنى فاعل: غلا، ثم نقل عن الفراء قوله: سعر مقطوط، وقد قط، إذا غلا) اهـ. وفي المحكم لابن سيده (6/ 71): مادة «قطط»: (قط السعر يقط قططا فهو قاط ومقطوط، مفعول بمعنى فاعل: غلا) اهـ. (¬4) هذا البيت من الطويل، وقائله: باكي همام بن مرة بن ذهل من بكر، كما في الأغاني (4/ 143)، ونسب لأم همام، فهي التي بكته، حينما قتله ناشرة غدرا، في حرب كانت بين بكر وتغلب. اللغة: أناشر: هو ناشرة، المذكور في صدر البيت، ورخم بحذف التاء، ترخيم المنادى. والشاهد فيه قوله: «آشره»؛ حيث استشهد به على مجيء فاعل بمعنى مفعول. ينظر الشاهد في: الخصائص (1/ 152)، والتذييل والتكميل (4/ 779)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 81)، والمساعد لابن عقيل (2/ 190) تحقيق د/ بركات. (¬5) ينظر التذييل والتكميل (4/ 779). (¬6) شرح المصنف (3/ 72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو معنى الماضي ما أراده غيره بقوله: إنّ اسم الفاعل العامل هو المذهوب به مذهب الزّمان، فإنّ الذي لا يذهب به مذهبه يجري مجرى الأسماء الجامدة، فلا يعمل أصلا، نحو قول الحطيئة: 2149 - ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر (¬1) فلم يرد بـ «كاسبهم» أنه كسب لهم، ولا أنّه يكسب لهم في حال ولا استقبال؛ فصار «كاسب» في البيت بمنزلة «والد» (¬2)، كأنّه قال: ألقيت والدهم، فـ «والد» لا يعمل، كما لا يعمل «أب» فكذلك «كاسبهم» إذا أريد به هذا المعنى، وكذا يستفاد من قولي: (جارية في التذكير والتأنيث على المضارع من أفعالها) أنّ اسم الفاعل إذا لم يكن بهذه الصفة لا يعمل، فلا يجوز أن يقال: هذه امرأة مرضع ولدها؛ لأن اسم الفاعل - إذ ذاك - لا يذهب به مذهب الفعل، بل مذهب السبب، فمعنى «مرضع»: ذات إرضاع، ولو ذهب به مذهب الفعل لم يكن بدّ من التاء، كما قال: 2150 - كمرضعة أولاد أخرى .. ... ... البيت (¬3) ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، وقائله: الحطيئة، الشاعر المشهور، من أبيات قالها لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما سجنه، إثر هجائه الزبرقان، واستعداء الزبرقان عمر بن الخطاب على الحطيئة. ومعنى البيت: إنك ألقيت كاسب الأولاد وأباهم في سجن مظلم، وكانت السجون قبل آبارا. والشاهد فيه: على ما ذكره الشارح. ينظر: ديوان الحطيئة (ص 164) ط. المؤسسة العربية بيروت. (¬2) في المساعد لابن عقيل (2/ 191) تحقيق د/ بركات: (وأثبت بعضهم في «كاس» كونه بمعنى «مكسو»، والأصح أنه اسم فاعل) اه. (¬3) هذا جزء بيت من الطويل، وهو بتمامه: كمرضعة أولاد أخرى وضيّعت ... بني بطنها هذا الضلال عن القصد وقائله: العديل بن الفرح العجلي، كما نسبه أبو تمام في الحماسة (1/ 312)، والعديل: شاعر إسلامي، عاش في العهد الأموي، من رهط أبي النجم العجلي. اللغة: القصد: الصواب، والمعنى: من قاطع أصدقاءه صار كمرضعة ضلت الصواب، فأرضعت أولاد غيرها، وتركت أولادها. والشاهد فيه قوله: «كمرضعة أولاد أخرى»؛ حيث عمل اسم الفاعل «مرضعة» في «أولاد»؛ حيث أجري «مرضع» مجرى الفعل في تأنيثه، وذهب به مذهب الفعل. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 783)، ومنهج السالك (ص 328).

[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة]

[عمل اسم الفاعل غير المصغر والموصوف عمل فعله قد يحول «فاعل» للمبالغة إلى الأمثلة الخمسة] قال ابن مالك: (فصل: يعمل اسم الفاعل غير المصغّر والموصوف خلافا للكسائي، مفردا وغير مفرد، عمل فعله مطلقا، وكذا إن حوّل للمبالغة من «فاعل» إلى «فعّال» أو «فعول» أو «مفعال» خلافا للكوفيّين، وربّما عمل محوّلا إلى «فعيل» أو «فعل» وربّما وربّما بني «فعّال» و «مفعال» و «فعيل» و «فعول» من «أفعل»، ولا يعمل غير المعتمد على صاحب مذكور أو منويّ، أو على نفي صريح أو مؤوّل، أو استفهام موجود أو مقدّر، ولا الماضي غير الموصول به «أل» أو محكيّ به الحال خلافا للكسائيّ، بل يدلّ على فعل ناصب لما يقع بعده من مفعول به يتوهّم أنّه معموله، وليس نصب ما بعد المقرون بـ «أل» مخصوصا بالمضيّ، خلافا للرّمّاني ومن وافقه، ولا على التّشبيه بالمفعول به، خلافا للأخفش، ولا بفعل مضمر خلافا لقوم). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قد تقدم أنّ اسم الفاعل هو الصفة الدالة على «فاعل» جارية في التذكير والتأنيث على المضارع، وشرح ذلك ببيان (تامّ) (¬2)، ثم أشير - بعد ذلك - إلى عمله، ليعلم أنّه يعمل عمل فعله، إن أريد به الحال والاستقبال واعتمد على صاحب مذكور، نحو: زيد مكرم رجلا طالبا العلم، محققا معناه (¬3)، أو على صاحب منويّ كقول الشاعر: 2151 - وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه ... وما كلّ مؤت نصحه بلبيب (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (3/ 73). (¬2) زيدت كلمة «تام» ليستقيم المعنى، وهي في شرح المصنف (3/ 73). (¬3) قال ناظر الجيش في الهامش: «هذا المثال الذي مثل به غاية الحسن؛ لأنه اشتمل على ما يقع خبرا وصفة، وحالا، يعني تمثيل المصنف بقوله: «زيد مكرم رجلا، طالبا العلم محققا معناه». (¬4) البيت من الطويل، وقائله: أبو الأسود الدؤلي، ونسب إليه، ولبشار بن برد في رسالة الغفران، لأبي العلاء (ص 140) ط. هندية بالأزبكية (1321 هـ). والمعنى: ينبغي للعاقل أن يرتاد موضعا مستحقّا للنصحية. والشاهد في البيت: اعتماد اسم الفاعل على الوصف المقدر، مما يسوغ عمله. والتقدير: ما كلّ رجل مؤت نصحه، وبهذا المثال ساغ عمل اسم الفاعل، فنصب المفعول به. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 2152 - إنّي حلفت برافعين أكفّهم ... بين الحطيم وبين حوضي زمزم (¬1) وكقول الآخر: 2153 - وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمي (¬2) ويروى: «ومن مالئ». وكقول الآخر: 2154 - إنّ النّدى وأبا العبّاس فارتحلوا ... مثل الفرات إذا ما موجه زخرا إن تبلغوه تكونوا مثل منتجع ... غيثا يمجّ ثراه الماء والزّهرا (¬3) أو على نفي صريح كقول الشّاعر: 2155 - ما راع الخلّان ذمّة ناكث ... بل من وفى يجد الخليل خليلا (¬4) - ¬

_ - ينظر الشاهد في: ديوان أبي الأسود الدؤلي (ص 199)، والمؤتلف للآمدي (ص 224)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (2/ 273). (¬1) البيت من الكامل، وقائله: الفرزدق، قاله للأسود بن الهيثم النخعي أبي العريان، صاحب شرطة خالد بن عبد الله القسري، وقيل: إنه قالها يمدح بها قيس بن الهيثم، صاحب خراسان. والشاهد فيه قوله: «برافعين أكفهم»؛ حيث أعمل اسم الفاعل «رافعين» فنصب «أكفهم» لكونه معتمدا على موصوف محذوف؛ إذ التقدير: حلفت برجال رافعين أكفهم، والمحذوف المدلول عليه كالمذكور. ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (2/ 204)، ومنهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 801)، وقطر الندى (ص 272). (¬2) سبق تخريجه في باب «كم وكأين وكذا». والشاهد فيه هنا قوله: «وكم مالئ عينيه»؛ حيث أعمل اسم الفاعل «مالئ» في «عينيه» لأنه نعت. (¬3) البيتان من البسيط وهما للفرزدق، يمدح العباس بن الوليد بن عبد الملك، المكنى بأبي الحارث، ورواية الديوان: ويد العباس. والشاهد فيه قوله: «منتجع غيثا»؛ حيث أعمل اسم الفاعل «منتجع» هنا، فنصب «غيثا» وساغ ذلك لأنه صفة لمحذوف مدلول عليه فهو كالمذكور. ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (1/ 341)، ومنهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 802). (¬4) هذا البيت من الكامل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «ما راع الخلان ذمة ناكث»؛ حيث أعمل اسم الفاعل، وهو قوله: «راع» في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو على نفي مؤوّل كقوله: 2156 - وإنّ امرأ لم يعن إلّا بصالح ... لغير مهين نفسه بالمطامع (¬1) وعلى استفهام موجود كقول الشّاعر: 2157 - أناو رجالك قتل امرئ ... من العزّ في حبّك اعتاض ذلّا (¬2) أو على استفهام مقدّر كقوله: 2158 - ليت شعري مقيم العذر قومي ... لي أم هم في الحبّ لي عاذلونا (¬3) ولا يعمل اسم الفاعل، إذا لم يقصد به معنى الفعل (¬4) كـ «صاحب» في أكثر - ¬

_ - المفعول به الذي هو قوله: «ذمة ناكث» بعد أن رفع الفاعل المغني عن الخبر، وإنما أعمل اسم الفاعل في المفعول به؛ لكونه معتمدا على حرف النفي، وهو «ما». ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 802)، وشرح شذور الذهب بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد (ص 388). (¬1) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «لغير مهين نفسه بالمطامع»؛ حيث أعمل اسم الفاعل «مهين» فنصب المفعول به «نفسه»؛ لأنه مؤول بالنفي الصريح. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 327)، والتذييل والتكميل (4/ 803)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / أ)، والمساعد لابن عقيل (150 / أ). (¬2) البيت من المتقارب، ولم ينسب لقائل معين. وقيل: هو لسيدنا حسان بن ثابت، وليس في ديوانه، وقد ذكر ذلك في هامش شذور الذهب (ص 389)، وقال: (لأنه قد صار إلى حالة الذل لا تظهر عليه مسحة شعر حسان رضي الله تعالى عنه) اهـ. والشاهد في البيت: إعمال اسم الفاعل قد اعتمد على حرف الاستفهام. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 73)، ومنهج السالك (ص 326)، وشواهد العيني (3/ 566)، والهمع (2/ 95)، والدرر (2/ 128). (¬3) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: ليت شعري: ليت علمي حاصل. والشاهد فيه قوله: «مقيم العذر قومي لي»؛ حيث أعمل اسم الفاعل، وهو قوله: «مقيم» فرفع الفاعل، وهو «قومي» ونصب المفعول به، وهو «العذر» لكونه معتمدا على همزة الاستفهام المحذوفة. والتقدير: أمقيم العذر. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 74)، والتذييل والتكميل (4/ 803)، والهمع (2/ 95)، والدرر (2/ 128). (¬4) في شرح فصول ابن معط (1/ 350) رسالة: (وإنما عمل - يعني اسم الفاعل - عمل الفعل؛ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستعمال؛ لعدم الاعتماد على صاحب مذكور، أو منويّ، ولا إذا صغّر أو وصف، أو قصد به المضي، ولم يوصل به الألف واللام، ولا حكيت به حال [3/ 138] فلا يقال: هذا ضويرب زيدا، ولا: هذا ضارب عنيف زيدا، ولا: هذا ضارب أمس زيدا، لا اليوم، وإنّما امتنع العمل بالتصغير والوصف؛ لأنّهما من خصائص الأسماء، فيزيلان شبه الفعل معنى ولفظا. ولم ير الكسائيّ ذلك مانعا؛ لأنّه حكى عن بعض العرب: أظنّني مرتحلا وسويئرا فرسخا، وأجاز أن يقال: أنا زيدا ضارب، أي ضارب (¬1)، ولا حجة فيما حكاه، لأنّ فرسخا ظرف، والظرف يعمل فيه رائحة الفعل، وأما إجازته: أنا زيدا ضارب، أيّ ضارب؛ فلا حجة فيه؛ لأنّه لم يقل: سمعته عن العرب، بل ذكره تمثيلا، ولو رواه عن العرب لم يكن فيه حجّة؛ لأنّه كان يحمل على أنّ «زيدا» منصوب بـ «ضارب» و «ضارب» خبر «أنا»، وأي ضارب خبر ثان، وهذا توجيه سهل موافق للأصول المجمع عليها، فلا يعدل عنه، وقد احتجّ الكسائي بقول الشاعر: 2159 - إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت ... ذكرت سليمى في الخليط المزايل (¬2) ولا حجّة في هذا أيضا؛ لإمكان تخريجه على جعل «فرخين» منصوبا - ¬

_ - لشبهه بالفعل المضارع في اللفظ والمعنى، أما اللفظ فلأن كل واحد منهما في الغالب على عدة حروف الآخر، وكل منهما متحرك الأول ساكن الثاني، وأما المعنى فلاشتراكهما في وقوعهما نعتا، وحالا، وفي لحوق حروف التثنية والجمع لهما، واتصال الظروف بهما، ودخول لام الابتداء عليهما) اهـ. وفيه أيضا: (فإن كان للمضي لم يعمل فلا تقول: مررت بضارب زيدا أمس؛ لأنه إنما عمل لما ذكرناه من الشبه بينه وبين المضارع، وأما الماضي، فلم تقو مشابهته له، فلا يعمل إذا كان بمعناه) اهـ. (¬1) ينظر مذهب الكسائي في: التذييل والتكميل (4/ 806). (¬2) هذا البيت من الطويل، ونسبه العيني لبشر بن أبي خازم، ولم أجده في ديوانه ط. دمشق (1960 م) تحقيق د/ عزة حسن، وروي «المباين» في التذييل (4/ 782). اللغة: إذا فاقد: أي إذا رجعت امرأة فاقد، وهي التي تفقد ولدها، خطباء: بينة الخطب، أي: الكرب، فرخين: ولدين، رجعت: قالت: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، والخليط: المخالط. والشاهد في البيت قوله: «فاقد خطباء فرخين»؛ حيث استدل به الكسائي على جواز إعمال اسم الفاعل الموصوف؛ إذ «فرخين» معمول لفاقد بعد ما وصف بـ «خطباء». ينظر الشاهد في: المقرب (1/ 124)، والتذييل والتكميل (4/ 782)، ومنهج السالك (ص 328)، اللسان مادة «فقد» وهو عنده «في الخليط المباين».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ «رجّعت» على إسقاط حرف الجرّ، وأصله: رجّعت على فرخين، فحذف «على» وتعدّى الفعل بنفسه فنصب، ويجوز نصب «فرخين» بـ «فقدت» مقدرا (¬1)، مدلولا عليه باسم الفاعل الموصوف، فإنّ ما لا يعمل يجوز أن يدلّ على ما يعمل. وقد يحتجّ الكسائيّ أيضا بقول الشاعر: 2160 - وقائلة تخشى عليّ: أظنّه ... سيودي به ترحاله ومذاهبه (¬2) فإنّ «تخشى» صفة «قائلة» وقد وقعت قبل المقول، الذي هو «أظنّه» والجواب أن يقال: إنّ «أظنّه» محكيّ بـ «قالت» أو «تقول»، مقدرا، فبطل الاحتجاج (¬3). ووافق (¬4) بعض أصحابنا الكسائيّ في إعمال الموصوف قبل الصفة؛ لأنّ ضعفه يحصل بعد ذكرها، لا قبله، فأجاز: أنا زيدا ضارب أيّ ضارب، ومنع: أنا ضارب، أي ضارب زيدا، واستدلّ صاحب هذا الرأي بقول الشاعر: 2161 - وولّى كشؤبوب العشيّ بوابل ... ويخرجن من جعد ثراه منصّب (¬5) فرفع «ثراه» بـ «جعد» ثم نعته بـ (منصّب) (¬6). - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 783). (¬2) هذا البيت من الطويل، وقائله: ذو الرمة، غيلان بن عقبة، صاحب مية. والبيت في ديوانه (2/ 858). اللغة: سيودي به: سيهلكه. والشاهد في البيت: «وقائلة تخشى عليّ أظنه» فإن «أظنه» معمول لـ «قائلة» مع وصفه «تخشى عليّ». ينظر الشاهد أيضا في: منهج السالك (ص 328)، والتذييل والتكميل (4/ 782)، وحاشية الأمير على اللبيب (2/ 74). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 784). (¬4) الكلام الآتي - إلى قوله: «منصب» - في التذييل والتكميل (4/ 784) منسوبا إلى المصنف، ولكنه غير موجود في شرحه، وهذا الكلام أيضا في تعليق الفرائد للدماميني (3/ 6)، وتوضيح المقاصد للمرادي (3/ 17). (¬5) البيت من الطويل، وقائله: امرؤ القيس، من قصيدة أولها: خليليّ مرّا بي على أمّ جندب ... نقض لبانات الفؤاد المعذب وبيت الشاهد في ديوانه (ص 69). والشاهد في البيت قوله: «جعد ثراه منصب»؛ حيث أعمل اسم الفاعل الموصوف، قبل استكماله الصفة. ينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 784)، والهمع (2/ 96)، والدرر (2/ 129). (¬6) في الأصل: منصف، والصحيح ما أثبته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز الكسائيّ أيضا إعمال اسم الفاعل المقصود به المضي، مع كونه عاريا من الألف واللّام، ومذهبه في هذه المسألة ضعيف؛ لأنّ اسم الفاعل الذي يراد به المضيّ لا يشبه الفعل الماضي إلا من قبيل المعنى، فلا يعطى ما أعطي المشابه لفظا ومعنى، أعني الذي يراد به معنى المضارع، كما لم يعط الاسم من منع الصرف بعلة واحدة ما أعطي ذو العلتين، وأيضا فإنّ الفعل المضارع محمول على اسم الفاعل في الإعراب فحمل اسم الفاعل عليه في العمل، ولم يحمل الفعل الماضي على اسم الفاعل في إعراب فلم يحمل اسم الفاعل عليه في العمل (¬1). قال سيبويه: وإذا أخبر أنّ الفعل قد وقع وانقطع، فهو بغير التنوين البتة؛ لأنه إنما أجري مجرى الفعل المضارع له، كما أشبهه الفعل المضارع في الإعراب، فكلّ واحد منهما داخل على صاحبه (¬2)، هذا نصّه، قلت (¬3): فالمسوي في العمل بين اسم الفاعل المقصود به معنى الماضي، وبين اسم الفاعل المقصود به معنى المضارع كالمسوي بين الفعل الماضي والفعل المضارع في الإعراب وهذا لا يصحّ، فلا يصحّ ما هو بمنزلته، فإن وقع الذي بمعنى الماضي صلة للألف واللام استوى هو والذي بمعنى المضارع في استحقاق العمل؛ لأنّه وقع موقعا يجب تأويله فيه بالفعل، كما يجل تأول الألف واللام بالذي، أو أحد فروعه، فقام تأويله بالفعل مقام ما فاته من الشبه اللفظي، كما قام لزوم التأنيث في المؤنث بالألف، وعدم التكسير (¬4) في الجمع مقام سبب ثان، في منع الصّرف، وإذا كان في وقوع الذي بمعنى الماضي صلة تصحيح لعمله، بعد أن لم يكن عاملا؛ كان في وقوع الذي بمعنى المضارع صلة توكيد لاستحقاق ما كان له من العمل. والحاصل: أنّ اسم الفاعل الموصول به الألف واللام يعمل في المضيّ، والحضور، والاستقبال، وقد ظنّ قوم منهم الرماني (¬5) أنّه لا يعمل إلا في الماضي، وحملهم على - ¬

_ (¬1) من قوله: «وأجاز الكسائي» إلى هنا في شرح المصنف (3/ 75). وينظر: شرح فصول ابن معط للقاضي الخوي (1/ 350)، وقد سبق نقل كلامه. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 171) تحقيق هارون. (¬3) القائل هو: ابن مالك، في شرحه على التسهيل. (¬4) في المرجع السابق «النظير» بدل «التكسير» وما هنا أدق وأنسب. (¬5) يراجع مذهب الرماني ومن معه، في الكتاب (1/ 127)، والتذييل والتكميل (4/ 818).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك أنّ سيبويه - حين ذكر إعمال اسم الفاعل المقرون بالألف واللام لم يقدره إلا بالذي فعل، فقال: هذا (¬1) باب من الاستفهام، يكون فيه الاسم رفعا -: وممّا لا يكون فيه إلا الرفع: أعبد الله أنت الضاربه؟ (¬2) لأنك إنما تريد معنى: أنت الذي ضربه (¬3). وقال (¬4) - بعد هذا الباب بأبواب يسيرة -: هذا باب صار فيه الفاعل بمنزلة الذي فعل في المعنى (¬5)، ثمّ قال بعد ذلك: قولك: هذا الضارب زيدا، فصار في معنى: هذا الذي ضرب زيدا، وعمل عمله (¬6)، هذا نصّه، ثم تمادى على مثل هذا في جميع الباب، ولم يتعرّض للذي بمعنى المضارع؛ لأنّه قد صحّ له العمل دون الألف واللّام، فعمله عند اقترانه بهما، على معنى الذي أحقّ وأولى، للعلّة السابق ذكرها، ولو لم يكن إعمال الذي بمعنى المضارع مسموعا عند وصل الألف واللّام، لوجب الحكم بجوازه؛ للأولوية المشار إليها، فكيف وقد ثبت إعماله في القرآن العزيز وغيره؟. فمن إعماله في القرآن العزيز قوله تعالى: وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ (¬7)، ومن إعماله في غير القرآن قول الشاعر: 2162 - فبتّ والهمّ تغشاني طوارقه ... منّ خوف رحلة بين الظّاعنين غدا (¬8) ومنه قول عمرو بن كلثوم [3/ 139]: 2163 - وأنّا المنعمون إذا قدرنا ... وأنّا المهلكون إذا أتينا وأنّا الشّاربون الماء صفوا ... ويشرب غيرنا كدرا وطينا (¬9) - ¬

_ (¬1) في الأصل: (في) بدل (هذا) والصواب ما أثبته. (¬2) في الأصل (الضارب) والصواب ما أثبته. (¬3) انتهى النقل من كتاب سيبويه، وهو بنصه في (1/ 130). (¬4) أي: قال سيبويه. (¬5) ينظر: الكتاب (1/ 181). (¬6) المرجع السابق (1/ 181، 182). (¬7) سورة الأحزاب: 35. (¬8) البيت من بحر البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «الظاعنين غدا» استشهد به على إعمال اسم الفاعل، الواقع صلة لـ «أل» حالة كونه دالّا على الاستقبال، وفي هذا رد على الرماني، ومن معه، لقولهم: إنه لا يعمل في هذه الحالة إلا إذا كان للماضي. (¬9) هذان البيتان من الوافر، وقائلهما - كما ذكر الشارح - عمرو بن كلثوم التغلبي، من بني عتاب، وهو جاهلي قديم. تنظر ترجمته في: الشعر والشعراء (1/ 240)، وخزانة الأدب (3/ 183). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول الآخر: 2164 - إذا كنت معنيّا بمجد وسؤدد ... فلا تك إلّا المجمل القول والفعلا ولا تلف إن أوذيت يوما مكافئا ... فمن كافأ الباغين لم يكمل الفضلا (¬1) ومذهب الأخفش أن النصب بعد مصحوب «أل»، على التشبيه بالمفعول به، وأصحابه يقولون: إن قصد بـ «أل» العهد، فالنصب على التشبيه بالمفعول، وإن قصد معنى الذي فالنصب باسم الفاعل (¬2)، وقال قوم: النصب بفعل محذوف بعد ما قرن بـ «أل» من اسم فاعل، أو مصدر، وكلّ ذلك تكلف، لا حاجة إليه، وقد نبه على ذلك كله، في متن الكتاب، وإذا أضيف اسم الفاعل، الذي بمعنى الماضي، واقتضى بعد الإضافة - من جهة المعنى - مفعولا به، جيء به منصوبا، كقولك: هذا معطي زيد (أمس) (¬3) درهما، ونصبه عند الجمهور بفعل مقدر مدلول عليه باسم الفاعل؛ لأنّ الدلالة يكتفى فيها بالمعنى المجرّد فأن يكتفى فيها بمعنى ولفظ يتضمن حروف المدلول عليه أحقّ وأولى. وأجاز السيرافي نصبه باسم الفاعل، وإن كان بمعنى الماضي (¬4)؛ لأنّه اكتسب - ¬

_ - والشاهد في قوله: «المنعمون إذا قدرنا، المهلكون إذا أتينا»؛ حيث أعمل اسم الفاعل المحلى بـ «أل» مع دلالته على الاستقبال. ينظر الشاهد أيضا في: شرح معلقة ابن كلثوم (ص 108)، تحقيق د/ محمد إبراهيم البنا، وجمهرة أشعار العرب (1/ 363)، والتذييل والتكميل (4/ 818). (¬1) البيتان من الطويل، ولم ينسب لقائل معين وكلمة الباغين رويت في الأصل: البالغين وهو خطأ. والشاهد في قوله: «المجمل القول والفعلا»؛ فقد استشهد به على إعمال اسم الفاعل الواقع صلة لـ «أل» حال كونه دالّا على الاستقبال، كما في الشاهد الذي قبله. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 331)، والتذييل والتكميل (4/ 818)، والهمع (2/ 96)، والدرر (2/ 129). (¬2) لمراجعة مذهب أصحاب الأخفش ينظر: منهج السالك (ص 313)، والمساعد لابن عقيل (2/ 199) تحقيق د/ بركات. (¬3) زدت كلمة «أمس» من شرح المصنف (3/ 78)، ليستقيم الكلام، ويصح المراد بذكرها. (¬4) في شرح السيرافي (2/ 586، 587): (فإذا قلت: هذا معطي زيد درهما أمس، وهذا ظان زيد منطلقا أمس، فكثير من أصحابنا يزعمون أن الثاني منتصب بإضمار فعل آخر، كأنه قال: هذا معطي زيد، أعطاه درهما أمس، وهذا ظان زيد، ظنه منطلقا أمس، والأجود عندي أن يكون منصوبا بهذا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإضافة إلى الأول شبها بمصحوب الألف واللام، ولأنّ ارتباطه بما يقتضيه لا بدّ منه، والارتباط إما بالإضافة، وإما بنصبه إياه، امتنعت الإضافة؛ لأنّ شيئا واحدا لا يضاف إلى شيئين، فتعيّن الارتباط بنصبه إياه، ونزّل هذا منزلة رفع «أفعل» التفضيل الظاهر في مسألة الكحل، ونظائرها، وإن كان أصله المنع، وقوى أبو علي الشلوبين (¬1) مذهب السيرافي بقولهم: هو ظانّ زيد أمس فاضلا، فإنّ «فاضلا» يتعين نصبه بـ «ظان»؛ لأنّه إن أضمر له ناصب لزم حذف أول مفعوليه، وثاني مفعولي «ظان»، وذلك لا يجوز؛ لامتناع الاقتصار على أحد مفعولي ظنّ، والصحيح قول الجمهور والتعليل بشبه المضاف بذي الألف واللّام ضعيف؛ لأنّ عمل ذي الألف واللّام إنما صحّ لوقوعه صلة، ووجوب تأويله لذلك بفعل، والمضاف بضد ذلك. وأمّا الارتباط بزائد على المضاف إليه، فيكفي فيه شعور الذهن به، وأما: هو ظانّ زيدا أمس فاضلا، فليس إلا حذف أول مفعولي «ظنّ» المدلول عليه بـ «ظان»، وذلك شبيه بحذف ثاني مفعولي «ظنّ» المحذوف في: أزيدا ظننته فاضلا؟ (¬2)، وأمّا «ظان» فليست إضافته على نية العمل، فيطلب مفعولا ثانيا، ولكن إضافته كإضافة اسم جامد، وكاستعماله غير مضاف في نحو، هذا ظانّ أمس زيدا فاضلا، على نصب زيد، وفاضل بـ «ظنّ» مدلولا عليه باسم الفاعل فهذا وأمثاله لا خلاف في جوازه، وبه يتخلص من إعمال اسم الفاعل الماضي، غير موصول به الألف واللام، ولا يمنع التثنية، ولا الجمع مطلقا إعمال اسم الفاعل، المستوفي شروط العمل، ولا فرق في ذلك بين جمع التكسير، وجمعي التصحيح، فإن قيل: - ¬

_ - الفعل بعينه؛ وذلك لأن الفعل الماضي فيه بعض المضارعة، ولذلك بني على حركة، فبذلك الجزء من المضارعة يعمل الاسم الجاري عليه عملا ما، دون الاسم الجاري على الفعل المضارع، فعمل في الاسم الثاني لما لم يمكن إضافته إليه؛ لأنه لا يضاف إلى اسمين، فأضيف إلى الاسم الذي قبله، وصارت إضافته بمنزلة التنوين له، وعمل في الباقي بما فيه من معنى الفعل والتنوين) اهـ. (¬1) في التوطئة لأبي علي الشلوبين (ص 241، 242): (وإذا وجهت الإضافة، واتفق أن كان الفعل له أكثر من مفعول واحد، وانتصب ما زاد على الواحد بإضمار فعل نحو: هذا معطي زيد درهما، أن هذا مذهب الأكثر، وأجاز بعضهم نصبه باسم الفاعل، واحتج بقولهم هذا ظان زيد منطلقا أمس) انتهى. ويراجع أيضا مذهب الشلوبين وأصحابه في التذييل والتكميل (4/ 810، 811) ومنهج السالك (ص 328). (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 73 - 82) فقد نقل عنه ناظر الجيش هذا الموضوع كله حتى قوله: (هذا آخر كلام المصنف، رحمه الله تعالى، وهو كلام شاف).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هلّا امتنع بجمع التكسير العمل، كما امتنع بالتصغير، لاستوائهما في تغيير نظم الواحد، فالجواب: أنّ التصغير لم يمنع العمل، لتغيير نظم الواحد فحسب، بلّ لكونه مغيرا نظم الواحد، ومحدثا فيه معنى غير لائق بالفعل وهو معنى الوصفية، فإنّ معنى قولك: ضويرب: ضارب صغير، والجمع - وإن غير نظم الواحد - ليس محدثا (¬1) في المجموع معنى لا يليق بالفعل؛ لأن الجمع بمعنى العطف، فإنّ معنى قولك: ضرّاب: ضارب، وضارب، وضارب والعطف لائق بالفعل، فلذلك امتنع عمل اسم الفاعل بالتصغير دون التكسير، وأما التثنية وجمع التصحيح فحقيقان بأن يبقى العمل معهما؛ لأنّهما يساويان جمع التكسير في تضمّن معنى العطف، ويفوقانه بأنهما لم يغيرا نظم الواحد، ويساوي اسم الفاعل - في العمل بالشروط المذكورة، في إفراده وغيره - ما قصد به المبالغة، من موازن: فعّال، ومفعال، وفعول، كقول من سمعه سيبويه: أما العسل فأنا شرّاب (¬2)، وكقول الشاعر: 2165 - أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها ... وليس بولّاج الخوالف أعقلا (¬3) وكقول رؤبة: 2166 - كم رامنا من ذي عديد مبز ... حتّى وقفنا كيده بالرّجز برأس دمّاغ رؤوس العزّ (¬4) - ¬

_ (¬1) في الأصل: فليس تحدثا، والصواب ما أثبته. (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 111) والشاهد في هذا القول: نصب «العسل» بصيغة المبالغة «شراب». (¬3) هذا البيت من الطويل، وقائله: القلاح بن حزن بن خباب التميمي، في ردّه على سوار بن حنان المنقري. اللغة: أخا الحرب: الملازم للحرب المستعدّ لها، جلالها: جمع جل - بضم الجيم - ما يلبسه الفارس من السلاح، ولاج: دخال، أي: كثير الدخول، الخوالف: جمع خالفة، وهي عمود في مؤخرة البيت، أعقلا: الذي يضرب في مشيه من خوف أو وجع. والمعنى: إذا حضر البأس والخوف، لم ألج البيت مستترا، بل أجاهر بالحرب، وأمضي ثابت القدم، غير مضطرب، ولا أتزعزع. والشاهد فيه قوله: «لباسا إليها جلالها»؛ حيث أعمل «لباسا» - وهي صيغة مبالغة - عمل الفعل. ينظر الشاهد في: العين للخليل (ص 182)، والكتاب (1/ 111)، والمقتضب (2/ 112)، والأشموني (2/ 296)، والدرر (2/ 129). (¬4) هذه الأبيات من مشطور الرجز، وقائلها: رؤبة بن العجاج، كما نسبه المصنف (ابن مالك) وهو -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 2167 - هجوم عليها نفسه غير أنّه ... متى يرم في عينيه بالشّبح ينهض (¬1) وكقول الآخر: 2168 - عشيّة سعدى لو تراءت لراهب ... بدومة تجر عنده وحجيج قلا دينه واهتاج للشّوق إنّها ... على الشّوق إخوان العزاء هيوج (¬2) - ¬

_ - في ديوان رؤبة (ص 64)، من قصيدة يمدح بها أبان بن الوليد البجلي، ولفظ الديوان: إلا وقمنا كيده بالرجز اللغة: الدماغ: مبالغة «دامغ» وهو الذي يبلغ بالشجة إلى الدّماغ، رؤوس العز: أي رؤوس أهل العز، والرجز: العذاب، والرأس: الرئيس. والشاهد فيه قوله: «دماغ رؤوس العز»؛ حيث نصب «رؤوس العز» بـ «دماغ» صيغة مبالغة. ينظر الشاهد في: الديوان (ص 64)، والكتاب (1/ 113)، ومنهج السالك (ص 322)، والتذييل والتكميل (4/ 790). (¬1) هذا البيت من الطويل، من أبيات قالها ذو الرمة، غيلان بن عقبة، يصف بها ذكر نعام، يهجم هو نفسه على البيض، أي: يلقي نفسه عليها، حاضنا إياها، فإذا فوجئ بشبح أي: شخص؛ نهض هاربا، وترك بيضه. اللغة: الشبح: - بسكون الباء الموحدة - لغة في الشبح، وهو الشخص. الشاهد فيه: «هجوم نفسه»؛ حيث أعمل «هجوم» مبالغة «هاجم»، فنصب «نفسه». ينظر الشاهد في: ديوان ذي الرمة (ص 1832)، القسم الرابع، والكتاب (1/ 110)، وأمالي القالي (1/ 25)، (2/ 294)، ومنهج السالك (ص 232)، والتذييل والتكميل (4/ 787). (¬2) هذان البيتان من الطويل، وهما للراعي النميري الشاعر المشهور، المتوفى سنة (90 هـ)، كما في اللسان «هيج» ونسب سيبويه الشاهد لأبي ذؤيب الهذلي كما في الكتاب (1/ 111) ولم أجد هذا الشاهد في ديوان الهذليين، فالصواب أنه للراعي النميري. اللغة: سعدى: اسم محبوبته التي يشبب بها، دومة: هي دومة الجندل، موضع بين الشام والعراق - تجر - بفتح التاء -: جمع تاجر، قلا - بفتح القاف -: أبغض، اهتاج: ثار، إخوان العزاء: أصحاب الصبر، هيوج - على وزن فعول -: في معنى اسم الفاعل. والمعنى: يصف امرأة بأنها حسنة، لو نظر إليها راهب لأبغض دينه وتركه واهتاج شوقا، كما أنها تسلب أصحاب العزاء والصبر صبرهم، وتحملهم على الصياح. والشاهد فيه: نصب «هيوج» «إخوان العزاء»؛ لأنها صيغة مبالغة. ينظر الشاهد في: ديوان الراعي (ص 29)، ومنهج السالك (ص 333)، وشواهد العيني (3/ 336، 337)، والأشموني (3/ 297).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول بعض العرب: إنّه لمنحار بوائكها (¬1). وكقول الشاعر: 2169 - ثمّ زادوا أنّهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فجر (¬2) وكقول الآخر: 2170 - شمّ مهاوين أبدان الجزور مخامي ... ص العشيّات لا خور ولا قزم (¬3) فـ «غفر» جمع غفور، و «مهاوين» جمع «مهوان»، وكان أصله «مهينا» فبني على «مفعال»؛ لقصد المبالغة، واستصحب العمل له مفردا أو مجموعا، وكذلك فعول إذا جمع على فعل، كما قال: ... ... غفر ذنبهم ... ولو كسّر «فعّال» لاستصحب أيضا عمله، إلّا أن العرب استغنت بتصحيحه عن تكسيره، لاستثقال فكّ التضعيف، وألحق سيبويه بالثلاثة «فعيلا» و «فعلا»، - ¬

_ (¬1) هذا القول في الكتاب لسيبويه (1/ 112)، والبوائك: جمع بائكة، وهي الناقة الحسنة السمينة، وينظر: الأشموني (2/ 297)، والشرح الكبير لابن عصفور (1/ 561). (¬2) هذا البيت من الرمل لطرفة بن العبد الشاعر الجاهلي المشهور، والبيت في ديوانه (ص 55). ومعنى البيت: يمدح طرفة قومه بأنهم تفوقوا على غيرهم في محاسن الصفات وزادوا عليهم بأنهم يغفرون ذنوبهم بالصفح وأنهم لا يفجرون أي: لا يكذبون أو لا يفخرون بما أسدوا من جميل. والشاهد فيه قوله: «غفر ذنبهم» فـ «ذنبهم» مفعول «غفر»، وهي جمع «غفور» التي هي صيغة مبالغة على وزن فعول. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 113)، والجمل للزجاجي (ص 106)، والنوادر لأبي زيد (ص 157)، والأشموني (2/ 299)، والدرر (2/ 131). (¬3) هذا البيت من الطويل وقائله الكميت بن زيد الأسدي، وهو في ديوانه (2/ 104) تحقيق د/ داود سلوم ط: بغداد (1969 م)، ونسبه ابن السيرافي في شرح الأبيات (1/ 147) لابن مقبل تميم بن أبي، ولم أجده في ديوان تميم، تحقيق د/ عزة حسن. دمشق (1381 هـ). اللغة: شم: جمع «أشم» كناية عن العزة، والشمم: ارتفاع الأنوف، مهاوين: جمع مهوان وهو من مهين الجزور ينحرها للضيفان، وأبدان: جمع بدنة وهي الناقة، ويروى «أبداء الجزور» جمع بدء وهو أفضل الأعضاء، مخاميص العشيات: من يؤخر العشاء إيثارا للضيف فتضمر بطونهم، لا خور: ليسوا ضعافا في الشدة، ولا قزم: ليسوا أراذل. والشاهد فيه: نصب «أبدان الجزور» بـ «مهاوين» جمع «مهوان» لأنه تكثير ومبالغة كمضراب. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 114)، وشواهد الأعلم (1/ 59)، والهمع (2/ 97)، والدرر (2/ 131).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مقصودا بهما المبالغة (¬1)، ثمّ قال: و «فعل» أقل من «فعيل» بكثير (¬2)، ثم قال: (ومنه قول) ساعدة بن جؤية (¬3): 2171 - حتّى شآها كليل موهنا عمل ... باتت طرابا، وبات اللّيل لم ينم (¬4) قال أبو الحجّاج يوسف بن سليمان الشنتمري (¬5): قال النحويون: هذا غلط من سيبويه، وذلك [3/ 140] أنّ الكليل هو البرق الضعيف، وفعله لا يتعدّى، والموهن الساعة من الليل، فهو منتصب على الظرف، واعتذر لسيبويه أن «كليلا» بمعنى «مكل»، كأنه قال: هذا البرق مكل الوقت بدوامه عليه، كما يقال: أتعبت يومك، وغير ذلك من المجاز، قال محمد بن مالك: وهذا عندي تكلف، لا حاجة إليه، وإنما ذكر سيبويه هذا البيت شاهدا على أنّ «فاعلا» قد يعدل به إلى «فعيل» و «فعل» على سبيل المبالغة، كما يعدل به إلى «فعول» و «فعّال» و «مفعال» فذكر هذا البيت لاشتماله على «كليل» للعدل عن «كالّ» وعلى «عمل»، للعدل به عن «عامل»، ولم يتعرض لوقوع الإعمال، وإنما يحتج له في ثبوت إعمال «فعيل» بقول بعض العرب: إنّ الله سميع دعاء من دعاه، رواه بعض الثقات (¬6). وممّا يحتجّ له به قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب لسيبويه (1/ 112). (¬2) الكتاب (1/ 112)، والقول: بحروفه، وما بعده بين القوسين من الهامش. (¬3) هو ساعدة بن جؤبة الهذلي أخو بني كعب بن كاهل بن الحارث بن تميم بن هذيل، شاعر مخضرم، وقد أسلم، تنظر ترجمته في خزانة الأدب (3/ 86، 87) تحقيق الأستاذ/ عبد السّلام هارون. (¬4) هذا البيت من البسيط وهو لساعدة بن جؤبة كما نسبه سيبويه، والبيت في ديوان الهذليين (1/ 198)، وقد نسبه الفارقي لذي الرمة. اللغة: حتى شآها: أي: البقر، وشآها: أزعجها وسلقها، كليل: برق ضعيف، موهنا: بعد هدء من الليل، عمل: ذو عمل، بات الليل: يعني البرق بات ليله لم ينم وهو مجاز أي: استمر في لمعانه. والمعنى: نظرت البقرة الوحشية إلى برق مليء بالغيث يضعف الموهن لمعانه؛ فطربت للمعانه وانساقت إليه وظل البرق لامعا طول ليله لم ينم. والشاهد: نصب «موهنا» بكليل؛ لأنه بمعنى «مكل». ومن مراجع البيت إضافة إلى ما سبق: المقتضب (2/ 114)، واللسان: «عمل». (¬5) المشهور بالأعلم توفي سنة (476 هـ) سبقت ترجمته. (¬6) ينظر هذا القول في: التذييل والتكميل (4/ 491) وتوضيح المقاصد والمسالك للمرادي (3/ 22)، والهمع (2/ 97).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2172 - فتاتان أمّا منهما فشبيهة ... هلالا والأخرى منهما تشبه البدرا (¬1) فأعمل «شبيهة»، أنثى «شبيه»، مع كونه من «أشبه»، كـ «نذير» من «أنذر» (¬2)، وإذا ثبت إعمال «فعيل» من «أفعل» مع قلة نظائره، كان إعمال «فعيل» من الثلاثي أولى لكثرته، وأنشد سيبويه - مستشهدا على إعمال «فعيل» (¬3) - قول الشاعر: 2173 - حذر أمورا لا تضير وآمن ... ما ليس منجيه من الأقدار (¬4) وروي عن المازني أنّ اللاحقيّ (¬5) قال: سألني سيبويه عن شاهد في تعدّي «فعل» فعملت له هذا البيت. وينسب مثل هذا القول إلى ابن المقفّع (¬6)، والاختلاف في تسمية هذا المدّعي يشعر بأنّها رواية موضوعة، ووقوع مثل هذا مستبعد، فإنّ سيبويه لم يكن ليحتج بشاهد، لا يثق بانتسابه إلى من يحتجّ بقوله: وإنما يحمل القدح في البيت المذكور على أنّه من وضع الحاسدين، وتقوّل المتعنتين، وقد جاء إعمال فعل فيما لا سبيل إلى القدح فيه، وهو قول زيد الخيل: - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو لعبد الله بن قيس الرقيات. والشاهد في قوله: «فشبيهة»؛ حيث نصب هلالا؛ لأنها صيغة مبالغة فهي مؤنث «شبيه»، وقد سبق. (¬2) قال أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 791) ما نصه: (وقد يقال: إنه على إسقاط حرف الجر أي: فشبية بهلال؛ لأن شبيها يتعدى بالباء قالوا: ما زيد لعمرو ولا شبيها به) اهـ. (¬3) الكتاب (1/ 113). (¬4) هذا البيت من الكامل ونسب لأبي يحيى أبان بن عبد الحميد اللاحقي كما نسب لعبد الله بن المقفع، وقيل: إن البيت مصنوع. اللغة: لا تضير: لا تؤذي، وآمن من الأقدار ما ليس منجيه، ويحتمل أن يكون معنى البيت: أنه يصف إنسانا بالجهل وقلة المعرفة ولذلك فهو يحذر ما لا يضره ويأمن ما لا ينجو منه. والشاهد فيه: إعمال «حذر» وهو على وزن «فعل» عمل الفعل فنصب «أمورا» والبيت من شواهد سيبويه في كتابه على إعمال «فعل» (1/ 113) بلفظ «لا تخاف» بدل «لا تضير»، والبيت أيضا في المقتضب (2/ 115)، والجمل للزجاجي (ص 105)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (1/ 270)، وشواهد الأعلم (1/ 58)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 71)، والعيني (3/ 543)، والخزانة (8/ 169). (¬5) هو أبان بن عبد الحميد اللاحقي شاعر بصري مطبوع من شعراء هارون الرشيد تنظر ترجمته في: خزانة الأدب (8/ 173). (¬6) أما ابن المقفع فهو عبد الله بن المقفع كاتب بليغ له حكم وأمثال تكنى بأبي محمد بعد إسلامه ولقب بالمقفع أي المتشبك اليدين لما ضربه الحجاج بن يوسف الثقفي، وترجمة ابن المقفع في خزانة الأدب (8/ 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2174 - أتاني أنّهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لها فديد (¬1) فأعمل «مزقا» وهو «فعل» عدل به للمبالغة عن «مازق». ووافق الجرمي سيبويه في إعمال «فعل» وقال: إنّه على وزن الفعل، فجاز أن يجرى مجراه، وحقّ لـ «فعل» أن يكثر استعماله؛ لأنه مقصور «فاعل» (¬2)، ومنه قول الشاعر: 2175 - أصبح قلبي صردا ... لا يشتهي أن يردا إلّا عوارا عردا ... أو صليانا بردا (¬3) أراد: عاردا، وباردا. وكثر ذلك في المضاعف، كقولهم: برّ، وشرّ، بمعنى: بارّ، وشارّ (¬4)، - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر وقائله زيد الخيل بن مهلهل من طيئ جاهلي ثم وفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم في وفد طيئ، وأسلم وسماه النبي عليه السّلام زيد الخيل، قيل: مات في نهاية خلافة سيدنا عمر. تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 292)، والخزانة (5/ 379). اللغة: الكرملين - بكسر الكاف -: اسم ماء في جبل طيئ، والفديد: الصوت. والمعنى: بلغني أنّ هؤلاء مزقوا عرضي وهم عندي كجحاش هذا الموضع التي تصيح. والشاهد فيه: إعمال «مزقون» فنصب المفعول به «عرضي». ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (2/ 292)، والهمع (2/ 97)، والدرر (2/ 13). (¬2) موافقة الجرمي لسيبويه في إعمال «فعل» منقولة عن شرح المصنف (3/ 82)، وينظر أيضا: التذييل والتكميل (4/ 796)، لكن عبارة الشارح «لكنه مقصور على فاعل» فزاد الناسخ كلمة «على» وزيادتها سهو. (¬3) هذان البيتان من مجزوء الرجز، وهو من شعر الضب فيما زعم العرب حين يقال له: وردا يا ضب؛ لأن الضب لا يشرب ماء أبدا، وهذا واضح أنه من كلامهم الذي يضعونه على ألسنة البهائم، ويراجع في ذلك: إصلاح المنطق لابن الكميت (ص 394). اللغة: صرد: بكسر الراء يصرد صردا: يجد البرد سريعا، عوار: نبت، وعرد: ملتف. والصليان: نبت في البادية وفي الصحاح: (بردا: أي ذو برودة) اهـ، وقيل: بردا تصحيف من القدماء فتبعهم فيه الخلف ويروى «زردا» وهو السريع الازدراد أي: الابتلاع. والشاهد في قوله: «عردا وبردا»؛ لأنهما على وزن «فعل» وقد أراد: عاردا وباردا. ينظر الشاهد في: المحتسب (1/ 171)، (2/ 5، 82، 257)، والخصائص (2/ 365). (¬4) في الأصل: «وشر وشار» بالشين المعجمة وذلك تصحيف، والصواب أنهما بالسين المهملة، ينظر: شرح المصنف (3/ 82)، والتذييل والتكميل (4/ 896).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشهور بناء هذه الأمثلة من الثلاثي، وقد يبنى من «أفعل» «فعّال»، كأدرك؛ فهو درّاك، وأسأر، فهو سآر (¬1)، و «فعيل»، كأنذر؛ فهو نذير، وآلم؛ فهو أليم، وأسمع؛ فهو سميع، ومنه قول الشّاعر: 2176 - أمن ريحانة الدّاعي السّميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع (¬2) أي: الدّاعي المسمع. وقد بني أيضا من «أفعل» «مفعال»، كمعطاء، ومهداء، ومعوان، ومهوان، وندر بناء فعول ذي المبالغة، من «أفعل»، في قول الشاعر يصف ناقة جهول: 2177 - جهول، وكان الجهل منها سجيّة ... غشمشمة للقائدين زهوق (¬3) أي: كثيرة الإزهاق من يقودها، هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى وهو كلام شاف واف بالمقصود (¬4)، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أمور: منها: أنك عرفت - من قول المصنف: يعمل اسم الفاعل غير المصغّر والموصوف دون تقييد بكون الوصف قبل العمل أو بعده، ومن قوله - في الشرح -: ووافق بعض أصحابنا الكسائيّ في إعمال الموصوف قبل الصفة - أنّ اسم الفاعل متى وصف لا يعمل، سواء أكان الوصف قبل العمل، أم بعده. - ¬

_ (¬1) في اللسان مادة «سأر»: السؤر: بقية الشيء، وأسأر منه شيئا: أبقى، والنعت منه سآر، على غير قياس؛ لأن قياسه مسئر ... ثم قال صاحب اللسان: قال الأزهري: ويجوز أن يكون سآر من «سأرت» ومن «أسأرت» كأنه رد إلى الأصل، كما قالوا: «درك» من «أدركت» و «جبار»، من: «أجبرت» اهـ. (¬2) هذا البيت من الوافر، وقائله: عمرو بن معديكرب، وترجمته في الخزانة (2/ 444، 446). اللغة: ريحانة: امرأته المطلقة، وقيل: أخته، أم دريد بن الصمة، السميع: المسمع، صيغة مبالغة «مفعل» من «أسمع» مثل: بديع، في معنى مبدع. الشاهد فيه قوله: «السميع»؛ إذ قد جاء لمبالغة «مفعل» على رأي الجمهور، فهو مثل: أليم بمعنى مؤلم. ينظر الشاهد في: ديوان عمرو بن معديكرب (ص 128)، والأصمعيات (ص 172)، والكامل (1/ 99)، وابن الشجري (1/ 64)، (2/ 106)، واللسان «سمع». (¬3) هذا البيت من الطويل، وقائله حميد بن ثور الهلالي، وهو في ديوانه (ص 36)، والقافية فيه «رهوق»، بالراء المهملة، كأنها ترهق من يقودها حتى تكاد تطؤه بخفها. والشاهد فيه قوله: «زهوق» لأنها صيغة مبالغة من «أزهق» على وزن «فعول»، أي: كثيرة الإزهاق. ينظر الشاهد في: المخصص لابن سيده (7/ 123)، والتذييل والتكميل (4/ 799)، واللسان «زهق، وغشم». (¬4) ينظر شرح المصنف (3/ 82).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكنّ ابن عصفور يقول: إن المانع من عمل اسم الفاعل هو وصفه قبل العمل، وأما وصفه بعد العمل فسائغ؛ لأنه لم يوصف إلا بعد أن استحقّ العمل بشبه الفعل، ووصفه قبل العمل يبعد شبهه به، فلا يجوز: هذا ضارب ظريف، زيدا، ويجوز: هذا ضارب زيدا ظريف (¬1). ومن ثمّ قال الشيخ في شرحه، عند ذكر هذه المسألة: هذا الذي ذكره - يعني المصنف - لا نعلم فيه خلافا، من أنّه إذا وصف بعد أخذه مفعوله، جاز ذلك، وليس وصفه، بعد أخذه معموله قادحا في عمله (¬2) انتهى. والذي اختاره المصنف هو الذي يقتضيه النظر، وذلك أنّ العلة المانعة من عمل الموصوف إنما هي كون الوصف من خصائص الأسماء، كما أنّ التصغير كذلك، ولا شكّ أنه إذا اقترن بالاسم المشبه الفعل، ما هو من خصائص الأسماء، أزال اقترانه به ذلك الشبه. ومعلوم أنّ اتصال الصفة بالموصوف، أشدّ من اتصال العامل بالمعمول، وإذا كان كذلك فلا فرق، أن يذكر الوصف مقدما على المعمول، أو مؤخرا عنه (¬3). ومنها: أنّ من جملة شروط عمل اسم الفاعل الاعتماد - كما عرفت - إما على صاحب من مبتدأ، أو صاحب حال، أو موصوف، وإما على نفي، أو شبهه، من نهي، أو استفهام (¬4)، وإنّما كان ذلك شرطا؛ لأنّ الاعتماد على النفي والاستفهام يقوّي في الاسم جانب الفعلية، وهذا ظاهر، وأما الاعتماد على صاحب فلأنّ الوصف لا يكون إلا بالمشتق، أو بما هو في حكمه وكذلك الحال أيضا لا يكون إلا بما هو كذلك، وأما الخبر فلأنّ المشتق منه يعامل معاملة الفعل، بدليل تحمّله للضمير. ولا شكّ أن الخبر - إذا كان مشتقّا - هو المبتدأ في المعنى، فلولا أنّه جرى - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير لابن عصفور) (1/ 554) تحقيق صاحب أبو جناح. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 784). (¬3) هذا الكلام رد على قول ابن عصفور: (وإذا وصفت اسم الفاعل فلا يخلو أن تصفه قبل العمل، أو بعده، فإن كانت الصفة بعد العمل عمل؛ لأنه لم يوصف إلا بعد ما أعمل، مثال ذلك: هذا ضارب زيدا عاقل) اهـ. (¬4) سبق الكلام على ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجرى الفعل، الذي هو غير المبتدأ في المعنى لما احتيج فيه إلى ذكر ضمير يعود إلى المبتدأ، أشار إلى هذا التعليل ابن عصفور (¬1)، ولم يظهره لي ما ذكره، أما قوله: إن الوصف لا يكون إلا بالمشتق، وكذلك الحال أيضا فهذا إنما كان يفيد لو كان اسم الفاعل غير مشتق، فيقال: إنما ساغ عمله؛ لأنه وقع موقعا هو المشتق، لكنّ اسم الفاعل الذي الكلام فيه مشتق، فكيف نعلل اشتراط اعتماده على موصوف، أو ذي حال، بأنّ الوصف والحال لا يكونان [3/ 141] إلا بالمشتق. وأمّا قوله: إنّ المشتقّ إذا وقع خبرا يعامل معاملة الفعل؛ فهذا إنما كان يفيد أنّه لو كان صالحا لا يحتمل ضميرا، وإنما عمله تشبيها له بالفعل، وليس الأمر كذلك؛ لأنّ المشتقّ من حيث هو مشتق يجب عمله في الضمير مع قطع النّظر عن الفعل؛ لأنّ المشتقّ في الاصطلاح هو الدالّ على ذات قام بها معنى وإذا كان كذلك لم يتوجه ذكره، والذي ذكره غيره وهو أولى أنّه إنما اشترط اعتماد اسم الفاعل حال العمل على صاحب له؛ لأنّ ذلك أصل وضعه؛ لأنّه صفة في المعنى ولا بدّ من محكوم عليه، والمحكوم عليه به قد يكون مبتدأ وقد يكون موصوفا، ولا شكّ أنّ صاحب الحال حكمه حكم المبتدأ، وحكم الموصوف، فإنما اكتفى بالاستفهام والنفي إذا قدما ولم يحتج إلى اعتماد على صاحب؛ لأنهم لم يستعملوا الصفة قائمة مقام الفعل إلا في هذين الموضعين. والذي يدلّ على أنّه موضوع موضع الفعل لا موضع الأسماء والصفات أنه يستقل بفاعله كلاما في قولنا: أقائم الزيدان، ولولا أنّه بمثابة قولك: أيقوم الزيدان؟ لم يستقل كلاما؛ إذ الصفة لا يثبت استقلالها بفاعلها، ولو قيل: إنّما اشترط في عمل اسم الفاعل الاعتماد على صاحبه، ليحقق كونه وصفا، فيتبين أنه يستحقّ العمل؛ إذ لو لم يكن خبرا ولا صفة ولا حالا لم تحقق وصفيته واحتمل أن يكون قد استعمل استعمال الأسماء كـ «والد» لكان أقرب. ومنها: أنّ الأخفش والكوفيين لا يشترطون في إعمال اسم الفاعل الاعتماد، ومن ثمّ أجازوا: قائم «الزيدان»، و: قائم الزيدون؛ على أنّ «قائما» مبتدأ، وما بعده فاعل به (¬2)، - ¬

_ (¬1) الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 553). (¬2) ينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 800)، ومنهج السالك (ص 327).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستدل الأخفش بقوله تعالى: وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها (¬1) في قراءة من رفع دانية (¬2). والجواب عن ذلك ظاهر، والذي عليه الجمهور أنّ ذلك لا يجوز، قالوا: لأنّ اسم الفاعل لا يسوغ له العمل إلّا في موضع يسوغ فيه وقوع الفعل، قال ابن عصفور: ولذلك منع النحويون أن يقال: هذان ضارب زيدا وتاركه، إذا أردت أن أحدهما يضربه والآخر يتركه؛ لأنّه لا يجوز أن يقع الفعل في موضعه، لا تقول: هذان يضرب زيدا ويتركه، وأنت تريد أنّ أحدهما يضربه، والآخر يتركه (¬3) انتهى. وإنما عمل اسم الفاعل في «أقائم الزيدان؟» لما تقدّم تقريره. ومنها: أنك قد عرفت أنّ اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي ولم يكن صلة للألف واللام لا يعمل إلّا إذا قصد به حكاية الحال لكنّ المصنف لم يذكر مثالا للعامل محكيّا به الحال، والشاهد لذلك قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ (¬4) قال ابن عصفور: والدليل على أنّ اسم الفاعل إذا كان ماضيا وعمل دون ألف ولام كان المراد به حكاية الحال أنه لا يوجد عاملا إلّا في موضع يسوغ فيه الفعل المضارع، نحو قولنا: كان زيد ضاربا عمرا، فلا شكّ أنّ «ضاربا» معناه المضيّ، وأنت لو صرحت بالفعل فيه لقلت: كان زيد يضرب عمرا. قال ابن عصفور: وقوع الماضي هنا قبيح، فلولا أنهم أرادوا حكاية الحال في هذا الموضع لما كان وجه لوقوع الماضي فيه، وكذلك قولك: جاء زيد واضعا يده على رأسه، فـ «واضعا يده على رأسه» في هذا الكلام ماض من جهة المعنى، واسم الفاعل قد عمل؛ لأنك لو أتيت بالفعل في موضعه لقلت: جاء زيد يضع يده على - ¬

_ (¬1) سورة الإنسان: 14. (¬2) في البحر المحيط (8/ 396): (وقرأ أبو حيوة «ودانية» بالرفع، واستدل به الأخفش على جواز رفع اسم الفاعل، من غير أن يعتمد، نحو قولك: قائم الزيدون). ثم قال: (وقرأ أبي: «ودان» مرفوع، فهذا يمكن أن يستدل به الأخفش) اهـ. (¬3) الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 556)، تحقيق صاحب أبو جناح. (¬4) سورة الكهف: 18. وفي المرجع السابق (شرح الجمل) (1/ 557): (وأما قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ فعلى حكاية الحال الماضية، ألا ترى أن الواو في (وكلبهم) واو الحال، تقديره: وكلبهم يبسط، فبطل حال المذهب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رأسه قال: فدلّ ذلك على أنهم قصدوا حكاية الحال، وكذلك قول امرئ القيس: 2178 - ومجر كغلّان الأنيعم بالغ ... ديار العدوّ ذي زهاء وأركان (¬1) فـ «بالغ» - فيه - بمعنى الماضي، بدليل قوله بعده: 2179 - سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم ... وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (¬2) وهو - مع ذلك - قد عمل؛ لأنك لو أتيت في موضعه بفعل مضارع لساغ، قال: فلّما رأينا اسم الفاعل، إذا كان بمعنى المضي لا يعمل إلّا في موضع يقع فيه الفعل المضارع دلّ ذلك على أنّه إنما عمل لقصد حكاية الحال قال: «وإذا ثبت ما ذكرناه لم يكن في الآية الشريفة حجّة؛ لأنّ قوله سبحانه تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ (¬3) جملة في موضع الحال (¬4). فقد وقع اسم الفاعل في موضع يقع فيه الفعل المضارع بدلا عنه، وإن كان من جهة المعنى ماضيا، ألا ترى أنك تقول: جاء زيد وأبوه يضحك، ولا يحسن أن - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس، وهو في ديوانه (ص 175) من قصيدة أولها: قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ... وربع خلت آياته منذ أزمان اللغة: مجر: جيش كبير، ثقيل السير من كثرته، الغلان: الأودية، واحدها «غال»، زهاء: كثرة شجره وارتفاعه، والأنيعم: اسم مكان وبالغ ديار العدو: يعني أنه لا يمكن رده عن المكان الذي يسير إليه، لكثرته وعزه. والشاهد فيه قوله: ومجر بالغ ديار العدو؛ حيث أعمل اسم الفاعل «بالغ» في «ديار العدو» مع أنه اسم فاعل للماضي؛ لأنّ «واو رب» تخلص ما تدخل عليه إلى الماضي. ينظر الشاهد في: شرح أبيات سيبويه (2/ 72)، وأمالي المرتضي (1/ 528) والتذييل والتكميل (4/ 806). (¬2) البيت من الطويل، وقائله امرؤ القيس ينظر ديوانه (ص 175). اللغة: سريت بهم: حملتهم على السير، حتى: ابتدائية، يقع بعدها الجمل المستأنفة، تكل - بفتح التاء وكسر الكاف - تتعب، والمطي: جمع مطية وهي الدابة، والجياد: جمع جواد، وهو الفرس الجيد، والأرسان: جمع «رسن» وهو الحبل. والمعنى: أنها تساق معطلات دون حبال، لبعد الغزو، وإفراط الكلال. والشاهد: الاستدلال بما في هذا البيت من معنى المضي في «سريت» على إعمال اسم الفاعل «بالغ» مع أنه بمعنى الماضي. ينظر الشاهد في: معاني القرآن للفراء (1/ 133)، والأشموني (3/ 98). (¬3) سورة الكهف: 18. (¬4) ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 551).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: جاء زيد وأبوه ضحك، وإنّما كان يثبت ما قال الكسائيّ: لو جاء من كلامهم: هذا ضارب زيد أمس، ولا يحسن أن تقول: هذا يضرب زيدا أمس، قال: ومما يبين فساد مذهب الكسائي أنّ اسم الفاعل بمعنى الماضي، لو كان عاملا لم يتعرف بالإضافة، ولكنه يتعرف بها ولذلك وصف بالمعرفة، في قول الشاعر: 2180 - لئن كنت قد بلّغت عنّي وشاية ... لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب (¬1) انتهى كلام ابن عصفور، ولا شكّ أن مذهب الكسائي في هذه المسألة باطل، لكن في إبطاله بما أنشده نظر، فإنّ الإضافة اللفظية يجوز فيها أن تصير معنوية إلا ما استثني، وحينئذ تعود الإضافة محضة فيحصل بها التعريف، وهو ذكر ذلك في كتبه. بقي هنا أن يشار إلى مسألتين تتعلقان باسم الفاعل الذي معناه ماض: إحداهما: أنّ الخلاف المذكور في عمله إنما هو بالنسبة إلى المفعول به، أما رفعه الفاعل فالظاهر أنه لا بدّ منه، لكن من النحاة من منع رفعه [3/ 142] الفاعل أيضا وبه قال ابن جنّي، واختاره الشلوبين (¬2)، والمتأخرون من المغاربة خلا ابن عصفور، هذا إذا كان الفاعل ظاهرا، فإن كان الفاعل مضمرا؛ فحكى ابن عصفور الاتفاق على أنه يرفعه. قال الشيخ: وليس كذلك بل ذهب ابن طاهر وابن خروف إلى أنّه لا يرفع المضمر أيضا، قال: والذي تلقيناه أنّه لاشتقاقه يتحمل الضمير (¬3). انتهى. وأقول: لا يتوجه لي كون اسم الفاعل الماضي لا يرفع، وذلك أنّ المشتقّ بذاته من حيث هو مشتق يستلزم مرفوعا، فليس محله الرفع بمشابهة الفعل، بل العمل الذي يعمله لمشابهته الفعل إنما هو النصب، ومما يدل على ذلك أنّ اسم الفاعل الذي معناه ماض معنى الوصفية فيه باق، ولا يتصور وجود معنى الوصف دون من يقوم به ذلك، وإذا ثبت أنّه لا بدّ له من مرفوع يقتضيه لذاته؛ فلا فرق فيه بين أن يكون مضمرا أو ظاهرا. - ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا الشاهد. والشاهد فيه هنا قوله: «لمبلغك»؛ حيث تعرف اسم الفاعل بالإضافة، ولذلك وصف بالمعرفة «الواشي» ولو عمل «مبلغ» لم يتعرف، بل كان نكرة. (¬2) ينظر التوطئة (ص 242). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 810)، ومنهج السالك (ص 326)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الثانية: أنّ اسم الفاعل الذي معناه ماض إذا أضيف، واقتضى بعد الإضافة من جهة المعنى مفعولا به، بأن يكون من فعل يتعدّى إلى مفعولين، جيء بذلك الذي يقتضيه بعد الإضافة منصوبا، كقولك: هذا معطي زيد درهما أمس، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، في كلام المصنف رحمه الله تعالى، وقد عرفت أنّ مذهب الجمهور أنّه منصوب بفعل مقدّر مدلول عليه باسم الفاعل وأنّ السيرافيّ يرى نصبه باسم الفاعل وإن كان بمعنى الماضي (¬1)، وأنّ المصنف اختار مذهب الجمهور (¬2)، وقد تعرض الشيخ في شرحه (¬3) لذكر المسألة فقال: ذهب الجمهور ومنهم الجرميّ (¬4)، والفارسيّ (¬5)، إلى أنّ الثاني منصوب بفعل مضمر يفسّره اسم الفاعل، ووقفوا في ذلك مع الأصل، وهو أنّ اسم الفاعل بغير «أل» لا يعمل إذا كان معناه ماضيا فالتقدير: أعطاه درهما، وذهب السيرافيّ والأعلم، وبعض المحققين، كالأستاذ أبي عليّ (¬6)، وأصحابه إلى أنه منصوب باسم الفاعل، وإن كان بمعنى الماضي، قالوا: لأنه قوّى شبهه بالفعل هنا، وذلك أنه يطلب ما بعده من جهة المعنى ولا يمكن إضافته - ¬

_ (¬1) في شرح السيرافي (2/ 586، 587): (فإذا قلت: هذا معطي زيد درهما أمس، وهذا ظان زيد منطلقا أمس، فكثير من أصحابنا يزعمون أن الثاني منتصب بإضمار فعل آخر، كأنه قال: هذا معطي زيد، أعطاه درهما أمس، وهذا ظان زيد، ظنه منطلقا أمس. والأجود عندي أن يكون منصوبا بهذا الفعل بعينه؛ وذلك لأنّ الفعل الماضي فيه بعض ما لمضارعه ولذلك بني على حركة؛ فبذلك الجزء من المضارعة يعمل الاسم الجاري عليه عملا ما، دون الاسم الجاري على الفعل المضارع، فعمل في الاسم الثاني لما لم يمكن إضافته إليه؛ لأنه لا يضاف إلى اسمين، فأضيف إلى الاسم الذي قبله فصارت إضافته بمنزلة التنوين له، وعمل في الباقي بما فيه من معنى الفعل والتنوين) اهـ. (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 78). (¬3) التذييل والتكميل (4/ 810، 811، 812). (¬4) يراجع مذهب الجرمي في المساعد لابن عقيل (2/ 204) تحقيق د/ بركات. (¬5) في الإيضاح (1/ 143، 144): (فأما قولهم: هذا معطي زيد أمس درهما، فدرهم نصب على إضمار دل عليه «معط»، ومثل ذلك قوله عزّ وجل: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً) اهـ. وينظر رأي الجمهور في منهج السالك (ص 326). (¬6) في التوطئة لأبي علي الشلوبين (ص 241، 242): (وإذا وجهت الإضافة واتفق أن كان الفعل له أكثر من مفعول واحد؛ انتصب ما زاد على الواحد بإضمار فعل، نحو: هذا معطي زيد درهما أمس، مذهب الأكثر وأجاز بعضهم نصبه باسم الفاعل، واحتج بقولهم: هذا ظان زيد منطلقا أمس) اهـ. وينظر أيضا: منهج السالك (ص 328) وشرح المرادي (198 / أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه؛ لأنه قد اشتمل بإضافته إلى الأول فأشبه الفعل بهذا؛ لأنّ الفعل يطلب ما بعده، ولا يمكن إضافته إليه، وصار في ذلك كالمعرّف بالألف واللام، واستدلّ لصحة هذا القول باسم الفاعل من باب «ظنّ» إذا قلت: هذا ظان زيدا قائما أمس، فإنّه يطلب اسمية، ولا يجوز حذف أحدهما اقتصارا ولو نصبت «قائما» بمضمر لزمك حذف الثّاني، الذي يطلب «ظان» ولا يجوز حذفه اقتصارا، فيبقى حذفه اختصارا، والمحذوف اختصارا بمنزلة الثابت، فيلزم أن يكون اسم الفاعل عاملا فيه أو نقدر ذلك المحذوف عاملا فيلزم حذف الثّاني لاسم الفاعل ويرجع الكلام في ذلك إلى المحذوف الثّاني، ويتسلسل إلى ما لا نهاية له، وبهذا اعترض أبو الفتح (¬1) على أبي عليّ فسكت (¬2)، وإذا لزم إعمال «ظان» بمعنى الماضي في الاسم الثّاني، وجب أن يعتقد أنّ الثاني منصوب بفعل مضمر، إلا أن يقول: إنّ العرب لا تقول: هذا ظانّ زيد قائما أمس، وإنها استغنت عنه بقولها: هذا ظنّ زيدا قائما أمس؛ لكن في هذا القول خروج عما عهد في الأفعال المتصرفة، من جواز بناء اسم الفاعل منها للحال والاستقبال، والمضي (¬3). قال الشيخ: وسألت شيخنا الأستاذ أبا الحسن ابن الضائع عن هذه المسألة، وذكرت له المذهبين، واعتراض ابن جني وسكوت أبي عليّ؛ فقال: سكوت أبي عليّ عنه استهزاء به، وتضعيف لاعتراضه لا قصور (¬4)، والصحيح ما ذهب إليه أبو عليّ، ثم أملى عليّ ما نصّه: فإنّ قيل: هذا لا يتصور في باب الظن من قبيل أنّه لا يجوز فيه الاقتصار، وكذلك الاختصار؛ لأنّ المحذوف اختصارا كالمنطوق به، فإن قدرت عاملا لزم التسلسل، فالجواب من وجهين: أحدهما: أنّ قولهم: هذا ظان زيدا، إنما يكون على حد قولهم: ظننت بزيد، ثمّ جئت باسم الفاعل منه فقلت هذا ظانّ زيد وأصله ظان بزيد فلا يحتاج هذا إلى مفعولين ثمّ حذفت وأضفت فـ «زيد» في الموضعين ليس مذكورا على أنّه مفعول به بل على أنّه محل لوقوع الظن (¬5). - ¬

_ (¬1) أي: أبو الفتح ابن جني. (¬2) ينظر المرجعان السابقان في التعليق الأخير. (¬3) ينظر التذييل والتكميل (4/ 812)، ومنهج السالك (ص 329). (¬4) ينظر: المرجعان السابقان، الصفحتان نفساهما وشرح التسهيل للمرادي (198 / ب). (¬5) لمراجعة ما أملاه ابن الضائع ينظر: المراجع المذكورة في التعليق السابق الصفحتان نفساهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوجه الثّاني: قال (¬1) وهو الذي انفصل به شيخنا أبو زكريا ابن ذي النّون (¬2) عما ألزم به أبو عليّ أنّ حذف الاقتصار وإنما يمتنع حيث لا يذكر المفعول الثاني أما إذا كان الكلام قد اشتمل على المفعولين معا وإن لم يذكر الثاني على أنه مفعول بذلك الفعل فإنّه يجوز كقولهم: ظننت أنّ زيدا منطلق؛ لمّا اشتمل الكلام على ذكر المفعولين معا وإن لم يكن لظننت إلا مفعول واحد هنا جاز، فكذلك مسألتنا قد اشتمل الكلام فيها على ذكر المفعولين معا وكذلك في الاشتغال، إذا قلت: أزيدا ظننته منطلقا فلا يحتاج هنا إلى تقدير مفعول ثان لظننت المحذوفة؛ لأنّ المفعول الثّاني قد ذكر مع المفسر (¬3). انتهى. قال الشيخ في الوجه الأول: هذا الوجه هو إحالة لصورة المسألة؛ لأنّ الخلاف إنما وقع في اسم الفاعل الماضي المضاف إلى المفعول الأول والجائي بعده المفعول الثاني منصوبا فهل ينسب العمل في الثاني إليه أو إلى فعل محذوف فلم يقع الخلاف [3/ 143] في هذا التركيب إلّا على هذا التقدير، وأما إجازته على أنه اسم فاعل من قولهم: ظننت بزيد، (أي: جعلته محلّ ظنّي ولا يتعدّى ذلك إلى مفعولين) (¬4)؛ فليس المتنازع فيه، بل تخريج هذا التركيب على هذا التأويل هو اعتراف بصحّة الإلزام فنقلت: قال: وأما الوجه الثاني، الذي انفصل به أبو زكريّا فقد تقدمه إلى مثله الأستاذ أبو جعفر أحمد بن أبي الحسن بن الباذش نقلت من خطه ما يدلّ على أنّ (سكنا) من قوله تعالى: وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً (¬5) منصوب بإضمار فعل، على ما ذهب إليه أبو عليّ (¬6) في قولهم: عبد الله أظنّه ذاهبا، ولولا قياس إحدى الجملتين بالأخرى ما جاز أن تقول: أظنّ عبد الله؛ لأنّ الاقتصار لا يجوز، ولكنّ الحذف لدلالة المفعول في الجملة الثانية (¬7). انتهى ما نقله الشيخ. - ¬

_ (¬1) أي: قال أبو الحسن بن الضائع. (¬2) الشيخ أبو زكريا بن ذي النون، أستاذ ابن الضائع. وفي بغية الوعاة (1/ 234) ومعجم المؤلفين (11/ 256) هو محمد بن محمد بن عيسى بن علي بن ذي النون الأنصاري المالقي أبو عبد الله النحوي وقد ورد ذكره ورأيه في منهج السالك (ص 329). (¬3) لمراجعة هذا التوجيه الثاني ينظر: منهج السالك (ص 329)، والتذييل والتكميل (4/ 814)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / ب). (¬4) ما بين القوسين تتميم من التذييل والتكميل (4/ 813). (¬5) سورة الأنعام: 96. (¬6) ينظر: الإفصاح (1/ 143 - 144) وقد ذكرت عبارته في تعليق سابق قريب. (¬7) لمراجعة ما نقله أبو حيان من خط ابن الباذش ينظر: منهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 815).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: أما الوجه الأول من وجهي جواب ابن الضائع، وهو أنّ «ظأنّا» - من قولنا: هذا ظان زيد أمس قائما - ليس له عمل، ولا يحتاج إلى مفعول، فقد قرره المصنف على وجه أولى من الوجه الذي قرره ابن الضائع عليه، وهو أنّ إضافته ليست على نية العمل، فيطلب مفعولا ثانيا، ولكنّ إضافته كإضافة اسم جامد، وكاستعماله غير مضاف في نحو: هذا ظان أمس زيدا فاضلا، على نصب: «زيد، وفاضل» بـ «ظنّ» مدلولا عليه باسم الفاعل، ثمّ إنه لا يتوجه عليه ما اعترض به الشيخ على ابن الضائع (¬1)، من أنّ هذا تركيب آخر، وهب أنّ هذا الجواب يتمشّى له في: هذا ظان زيد أمس قائما، فكيف يتأتّى له جوابا على حذف المفعول الأول للفعل المقدر، الذي هو «ظنّ»؟ فانظر إلى هذا الرجل - أعني المصنف - كيف أتى بجواب شاف، فتضمّن أن اسم الفاعل، الذي هو «ظان»، لا مفعول له البتة، وأنّ المفعول الأول الذي هو معمول للفعل المقدّر حذف؛ للدلالة عليه بالمضاف إلى «ظان»، وهو «زيد»، وابن الضائع لم يتعرض إلى الجواب عن حذف أول مفعولي الفعل المقدّر أصلا. وأمّا الوجه الثاني المنقول عن الشّيخ أبي زكريّا، وهو أنّ حذف الاقتصار إنما يمتنع حيث لا يذكر المفعول الثاني، أما إذا اشتمل الكلام على معمولين معا، وإن لم يذكر الثاني على أنه مفعول بذلك الفعل فإنه يجوز، كقولهم: ظننت أنّ زيدا منطلق، إلى آخره؛ ففيه بحث، وهو أن يقال: أما نحو: ظننت أنّ زيدا منطلق فالجملة المشتملة على المسند إليه والمسند واحدة، وما اشتملت عليه مفيد ما يفيده التصريح بذكر المفعولين، فاكتفى بذلك عن مفعول ثان، وأما المسألة التي الكلام فيها، وهي: هذا ظان زيدا أمس قائما، فقد قرر أنّ التقدير فيها: ظنّه أمس قائما، فـ «قائم» الذي هو المفعول الثاني للفعل المقدّر من جملة أخرى مستقلة، فكيف يكون مكتفى به عن ثاني مفعولي «ظانّ» من قولنا: هذا ظانّ زيد أمس، وهو من جملة أخرى لا تعلق لها بالثانية. وحاصل الأمر: أنّه لا يلزم من الاكتفاء بالمسند إليه، والمسند، عن المفعول الثاني إذا حلّا محلّ المفعول الأول في جملة واحدة، أن يحصل الاكتفاء بهما عنه في جملتين. - ¬

_ (¬1) سبق هذا الاعتراض قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: يدلّ على الاكتفاء بذلك في جملتين مسألة الاشتغال، وهي: أزيدا ظننته منطلقا، فإن التقدير: أظننت زيدا منطلقا ظننته منطلقا، فحذف المفعول الثاني من الجملة الأولى، لاشتمال الجملة الثانية عليه، فالجواب: أنّ الجملة الثانية في الاشتغال مفسرة للجملة الأولى، والمفسّرة في باب الاشتغال هي المفسّرة نفسها، ومن ثم لم يجز الجمع بينهما، وكان شرط العامل المقدّر أن يضمر عمله في الاسم السابق، لو سلّط عليه، وإذا كان كذلك فكأنّ الجملة الثانية هي الجملة الأولى، فالمذكور فيها كالمذكور في الجملة التي قبلها، ثمّ هذا البحث، على أنّ الحذف في مسألة اسم الفاعل حذف اقتصار، أمّا الحذف اختصارا فقد عرفت أنّهم أبطلوه، لما لزم من القول به التسلسل، كما مرّ، وفي النفس - من منع الحذف اختصارا - شيء، ولكنّ الأئمة قد قرروه، فلم يسغ إلا التسليم. واعلم أنّ أبا الحسين (¬1) بن أبي الربيع أنكر مجيء نحو: هذا ظانّ زيد أمس شاخصا، قال: وإنما يقول العرب: هذا الظان زيدا أمس شاخصا؛ لأنك إن نصبت «شاخصا» بإضمار فعل كنت قد اقتصرت على واحد، ولا يجوز في باب «ظنّ»، وإن نصبته بـ «ظان» أعملت اسم الفاعل، بمعنى الماضي، وهذا لم يثبت. قال (¬2): وكان الأستاذ أبو عليّ يأخذ في الانفصال عنه (¬3) بوجهين: أحدهما: أنّ العرب لا تقول: هذا ظانّ زيد أمس شاخصا، وإنما تقول: هذا الظانّ زيدا أمس شاخصا (¬4). ثانيهما: أن يفرق بين باب «ظننت» فينصب باسم الفاعل؛ لعدم جواز - ¬

_ (¬1) في الأصل: الحسن، وهو تحريف، والصواب ما أثبته. (¬2) في الملخص لابن أبي الربيع (ص 229) رسالة: (لا تقول: هذا ظان زيد شاخصا أمس، وإنما تقول في هذا: هذا الظان زيدا شاخصا أمس، لأنك إن نصبت «زيدا» بإضمار فعل كنت قد اقتصرت على مفعول واحد، ولا يجوز الاقتصار في «ظننت» على مفعول واحد، وإن نصبت بـ «ظان» أعملت اسم الفاعل بمعنى الماضي، وهذا لم يثبت) اهـ. وينظر أيضا في ذلك: منهج السالك (ص 330)، والتذييل والتكميل (4/ 815). (¬3) أي عن اعتراض ابن جني على أبي علي. (¬4) تتمة الكلام في التذييل والتكميل (4/ 815): (لأن «شاخصا» يتعذر أن ينصب بـ «ظان»؛ لأنه بمعنى الماضي، واسم الفاعل بمعنى الماضي لا يعمل عند غير من ينصب بإضمار فعل؛ لما فيه من الاقتصار حيث لا يقتصر) اهـ. ويراجع في ذلك: منهج السالك (ص 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاقتصار، وبين باب «أعطيت» فينصب فيه بإضمار فعل؛ لجواز الاقتصار. ومنها: أنّ الكوفيين منعوا إعمال أمثلة المبالغة، كما أشار المصنف إلى ذلك في متن الكتاب، ومستند الكوفيين في عدم إعمالها أنها ليست جارية على الفعل، وإنما هي جارية مجرى الأسماء التي يمدح بها ويذمّ، وعندهم أنّ ما يذكر بعدها يجرّ بإضافتها إليه، فإن نوّن شيء منها، ونصب ما بعده كان نصبه بإضمار فعل يدل على الصفة، ومن ثمّ لم يجيزوا تقديم المنصوب على الصفة؛ لأنّ الصفة دالة على الفعل الناصب له، وباب الدليل أن يكون متقدما على ما يدل عليه (¬1). [3/ 144] واستدلّ ابن عصفور على بطلان دعواهم بأنّها لو كانت عاملة النصب فيما بعدها لوجب أن تتعرف بالإضافة إلى معرفة؛ لأنها عندهم ليست من نصب، لكنها تضاف إلى المعرفة، ولا تتعرّف، قال الشاعر: 2181 - أخا الحرب لبّاسا إليها جلالها ... وليس بولّاج الخوالف أعقلا (¬2) فوصف «ولّاج الخوالف» مع كونه مضافا إلى معرفة بـ «أعقل» وهو نكرة. وقال الآخر: 2182 - ربّ ابن عمّ لسليمى مشمعل ... طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل (¬3) - ¬

_ (¬1) في شرح التصريح (2/ 68): (ولم يجز الكوفيّون إعمال شيء منها - أمثلة المبالغة - لمخالفتها لأوزان المضارع، ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، ومنعوا تقديمه عليها) اهـ. وفي المساعد لابن عقيل (2/ 193) تحقيق د/ بركات: (خلافا للكوفيين، في منع أمثلة البالغة، ... وقالوا لزيادتها بالمبالغة على الفعل، إذ لا مبالغة فيه، وزعموا أن ما جاء منصوبا معها على إضمار فعل يفسره المثال) اهـ. (¬2) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا. والشاهد فيه هنا ما ذكره الشارح. (¬3) هذا البيت من الرجز، وفي ديوان الشماخ بن ضرار الذبياني شطره الأول (ص 3889) ط. دار المعارف (1977 م) ونسب فيه إلى جبار أخي الشماخ، والبيت بتمامه بهذه النسبة في شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (1/ 12)، وفي جمهرة اللغة (3/ 401) «خباز» بدل «طباخ». اللغة: ابن عم سليمى: يريد عمه الشماخ، وسليمى: زوجة الشماخ، مشمعل: سريع نشيط، في كل ما أخذ فيه من عمل، الكرى: النعاس، الكسل - بكسر السين -: الكسلان. والمعنى: إذا كسل أصحابه عن طبخ الزاد عند تعريسهم، وغلب الكرى عليهم؛ كفاهم ذلك، وشمّر في خدمتهم، والشاهد في البيت: على ما ذكره الشارح. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 177)، ومجالس ثعلب (1/ 126)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 80)، والكامل للمبرد (1/ 94).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «طباخ» نكرة، بدليل وصف «ابن عمّ» به، مع كونه مضافا إلى معرفة، وهي: إما «ساعات الكرى»، في رواية من نصب «زاد الكسل»، وإمّا «زاد الكسل» في رواية من خفضه، قال: وأما منعهم تقديم المفعول فباطل أيضا بدليل قول الشاعر: 2183 - قلا دينه واهتاج للشّوق إنّها ... على الشّوق إخوان العزاء هيوج (¬1) وقول الآخر: 2184 - بكيت أخا لأواء يحمد يومه ... كريم رؤوس الدارعين ضروب (¬2) قال (¬3): وأمّا البصريّون فاتفقوا على جواز إعمال: «فعول، وفعّال، ومفعال»؛ لكثرة ورودها في كلام العرب معملة، واختلفوا في إعمال: «فعل، وفعيل»، فمذهب سيبويه ومن تابعه الجواز، ومنع ذلك البغداديون، ونازعوا فيما استدلّ به سيبويه على الإعمال (¬4)، أشار إلى ذلك ابن عصفور، وأطال، وقد تقدّم من كلام - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله الراعي النميري، الشاعر المشهور، المتوفى سنة (90 هـ) كما في اللسان «هاج» ونسبه سيبويه لأبي ذؤيب الهذلي في الكتاب (1/ 111) ولم أجده في ديوان الهذليين، والصواب أنه للراعي. اللغة: «هيوج». على وزن «فعول» - بفتح الفاء، بمعنى اسم فاعل. والمعنى: وصف امرأة بأنها لو نظر إليها راهب لأبغض دينه، وتركه، واهتاج شوقا، ولحسنها الزائد تسلب أصحاب العزاء صبرهم وتحملهم على الصياح. والشاهد في البيت قوله: «هيوج»؛ حيث نصب قوله: «إخوان العزاء»؛ لأنه مبالغة، و «هيوج» خبر «إنها» أي سعدي. ينظر الشاهد في: ديوان الراعي (ص 29)، ومنهج السالك (ص 333)، والعيني (3/ 336، 337)، والأشموني (2/ 297). (¬2) هذا البيت من الطويل، وقائله: كعب بن سعد بن عقبة الغنوي، جاهلي، هكذا نسب في الحماسة البصرية (1/ 234)، وروي: «اللأواء» بلامين كما في الكتاب (1/ 111). اللغة: اللأواء: الشدة والجهد، يحمد يومه: كل يوم له فيه فعل محمود، الدارعين - جمع دارع -: لابس الدرع. والمعنى: يصف رجلا كريما، فيقول: بكيت على رجل، يكفي قومه في الشدة، وتحمد أيامه؛ لبسالته في الحرب، ولعطائه في السلم. والشاهد في البيت: نصب «رؤوس الدارعين» بـ «ضروب». ينظر الشاهد في: شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي (1/ 272)، والأعلم بهامش الكتاب (1/ 57)، ومنهج السالك (ص 333). (¬3) أي: قال ابن عصفور. (¬4) ينظر الشرح الكبير لابن عصفور (ص 561).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف في ذلك ما فيه غنية. قال الشيخ: والإنصاف في هذه المسألة القياس على «فعول، وفعّال، ومفعال»، والاقتصار في «فعيل وفعل» على موارد السّماع (¬1). ومن النحويين من أجاز هذه الأمثلة، وإن كان معناها ماضيا، قال: لما فيها من قوة معنى الفعل، بسبب المبالغة، وإلى ذلك ذهب ابن خروف (¬2) من المتأخرين مستدلّا بقول الشاعر: 2185 - كريم رؤوس الدّارعين ضروب قال: لأنه يرثي رجلا شجاعا، فمدحه بما ثبت واستقرّ، والجواب أنّ هذا إنما هو على حكاية الحال (¬3). ومنها: أنّ الموجب لقول الأخفش: إنّ نصب ما بعد اسم الفاعل المقرون بـ «أل» إنما هو على التشبيه بالمفعول به؛ أنّه يرى أنّ «أل» التي باشرت اسم الفاعل إنما هي للتعريف، كما هي في «الرجل»، فخالف الجمهور في القول بأنها اسم موصول (¬4)، وإذا كانت حرف تعريف كان دخولها على اسم الفاعل مبطلا لعمله كما يبطله التصغير والوصف؛ لأنّه يبعد عن الفعل بمباشرة ما هو من خواصّ الأسماء له: فلذلك احتاج أن يقول: إن النصب على التشبيه بالمفعول به، ولا شكّ أنّ هذا المذهب مرغوب عنه، وقد ذكرت الأدلة على بطلانه في غير هذا الموضع (¬5). ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 797). (¬2) في المرجع السابق (4/ 798): (ذهب أبو بكر بن طاهر وتلميذه ابن خروف إلى جواز إعماله ماضيا، وذلك لما فيه من المبالغة، والسماع الوارد بذلك، قال: بكيت أخا لأواء ... ... ... البيت ألا ترى أنه يندب ميتا، فدل ذلك على أنه يريد بـ «ضروب» معنى الماضي، ورد هذا بأنه محمول على حكاية الحال كما قالوا في قوله تعالى: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ. (¬3) ينظر: الشرح الكبير لابن عصفور (ص 561). (¬4) في التذييل والتكميل (4/ 819): («أل» عند الجمهور إذا دخلت على اسم الفاعل كانت موصولة، وذهب الأخفش إلى أنها ليست موصولة، بل هي حرف تعريف، كهي في «الرجل» ودخولها على اسم الفاعل يبطل عمله، كما يبطله التصغير والوصف ..) اهـ. (¬5) ينظر: الرد على الأخفش في: منهج السالك (ص 331)، وشرح التسهيل للمرادي (198 / ب)، -

[إضافة اسم الفاعل المجرد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول- إضافة المقرون بالألف واللام- حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام]

[إضافة اسم الفاعل المجرّد من «أل» إلى المفعول أو ما يشبه المفعول - إضافة المقرون بالألف واللام - حكم المعطوف على مجرور ذي الألف واللام] قال ابن مالك: (يضاف اسم الفاعل المجرّد الصّالح للعمل إلى المفعول به جوازا، إن كان ظاهرا متّصلا، ووجوبا إن كان ضميرا متّصلا، خلافا للأخفش وهشام في كونه منصوب المحلّ، وشذّ فصل المضاف إلى ظاهر بمفعول، أو ظرف، ولا يضاف المقرون بالألف واللّام إلّا إذا كان مثنّى أو مجموعا على حدّه، أو كان المفعول به معرّفا بهما، أو مضافا إلى معرّف بهما، أو إلى ضميره، ولا يغني كون المفعول به معرّفا بغير ذلك، خلافا للفرّاء، ولا كونه ضميرا، خلافا للرّماني، والمبرّد، في أحد قوليه، ويجرّ المعطوف على مجرور ذي الألف واللّام إن كان مثله، أو مضافا إلى مثله، أو إلى ضمير مثله، لا إن كان غير ذلك، وفاقا لأبي العبّاس). قال ناظر الجيش: لما أنهى المصنف الكلام على اسم الفاعل، بالنسبة إلى نصبه المفعول به، وعدم نصبه إياه، شرع الآن في بيان إضافة العامل منه إلى معموله، ولا شكّ أنّ إضافته بحسب مواقعه جائزة، وواجبة، وممتنعة (¬1)، فتجوز في صورتين: إحداهما: أن يكون اسم الفاعل مجردا من الألف واللّام، ومعموله ظاهر متصل باسم الفاعل، أي: غير مفصول بينهما بشيء، نحو: زيد مكرم عمرو (¬2). الثانية: أن يكون اسم الفاعل مقرونا بالألف واللام، وهو مثنّى أو مجموع على - ¬

_ - (199 / أ)، والمساعد لابن عقيل (151 / أ) مخطوط. وفي التذييل والتكميل (4/ 819): (وردّ هذا المذهب بأن المنصوب بالصفة المشبهة لا يكون إلا سببيّا، مشروطا فيه شروط تذكر في باب الصفة المشبهة، وهذا ينصب السببي والأجنبي، نحو: مررت بالضارب غلامه، وبالضارب زيدا. وردّ أيضا بأن اسم الفاعل بمعنى الماضي لو كان المنتصب بعده، على طريق التشبيه لجاز أن ينتصب الاسم بعده، وإن لم تدخل عليه «أل» فلما لم ينتصب بعده دل على بطلان مذهبه، وتبين أنه مفعول باسم الفاعل) اهـ. (¬1) ينظر: الملخص لابن أبي الربيع (ص 223 - 230) رسالة. (¬2) ويجوز: «زيد مكرم عمرا»، بالنصب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حدّه، نحو: هذان الضاربا زيد، وهؤلاء المكرمو عمرو، أو يكون المعمول معرفا بالألف واللام، أو مضافا إلى معرّف بهما، أو إلى ضمير معرّف بهما، نحو هذا الضارب الرجل، والمكرم غلام الرجل، والرجل أنت الضارب غلامه (¬1). [3/ 145] وتجب في صورة واحدة: وهي أن يكون اسم الفاعل مجردا من الألف واللام، والمعمول ضمير متصل بالعامل، أي لم يفصل بينهما بشيء، نحو: زيد مكرمك، والزيدان مكرماك، والزيدون مكرموك (¬2)، فلو فصل بينهما بمعمول آخر كانت الإضافة إلى ذلك المعمول، ووجب النصب في المعمول الثاني نحو: الدّرهم أنا معطيكه (¬3)، وتمتنع في صورتين: إحداهما: أن يكون اسم الفاعل غير مثنّى، ولا مجموع على حده، وهو مقرون بالألف واللام، والمعمول ظاهر، ليس فيه ألف ولام، ولا مضافا إلى ما هما فيه، ولا إلى ضمير ما هما فيه، نحو: هذا الضارب زيدا والمكرم رجلا (¬4). الثانية: أن يكون اسم الفاعل غير مثنّى، ولا مجموع على حدّه، وهو مقرون بالألف واللام، والمعمول ضمير، نحو: هذا المكرمك (¬5)، وهذه الصور في بعضها خلاف، كما أشار إليه المصنف في متن الكتاب، وستعرفه، ولكنّ الذي نشير إليه، - ¬

_ (¬1) في الملخص لابن أبي الربيع (ص 225) رسالة: وإن كان - يعني منصوب اسم الفاعل - بالألف واللام، أو مضافا إلى ما فيه الألف واللام جاز لك مع النصب الخفض بالإضافة، مع التشبيه بالحسن الوجه، فتقول: هذا الضارب الرجل، وهو القائل غلام الرجل، بالنصب والخفض، ويجري مجرى المفرد الجمع المذكر والجمع المؤنث السالم، قال زهير: (وهنّ الشافيات الحوائم) اهـ. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 823). (¬3) في المرجع السابق الصفحة نفسها: (ويعني باتصاله أن يتصل باسم الفاعل، فإن لم يتصل فالنصب، نحو قوله: لا ترج أو تخش غير الله إنّ أذى ... واقيكه الله لا ينفكّ مأمونا فالهاء من «واقيكه» ضمير لم يتصل باسم الفاعل، فهي في موضع نصب، لا غير ...). (¬4) في الملخص لابن أبي الربيع (ص 225) رسالة: (فإن كان منصوبه بغير ألف ولام، ولا مضافا إلى ما فيه الألف واللام لم يجز فيه إلا النصب، نحو: هذا الضارب زيدا) اهـ. (¬5) في الملخص لابن أبي الربيع (ص 225): (فإذا قلت: هذا المكرمك وهم الضرابك وهن الضارباتك؛ فالضمير في هذا كله في موضع نصب) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما هو على أصحّ المذاهب فيها، كما سيبين، ثم إنّ المصنف أشار - مع ذكر هذه المسائل، في هذا الفصل - إلى أمرين آخرين: أحدهما: الفصل بين اسم الفاعل، وما أضيف إليه، من معموله الظاهر. ثانيهما: حكم المعطوف على مجرور اسم الفاعل المقرون بالألف واللّام بالنسبة إلى جواز جره، وعدم جوازه. وبعد: فأنا أورد كلام المصنف ليعرف منه تفصيل ما وقعت الإشارة إليه إجمالا، ثم إن تعلق به شيء ذكرته بعد ذلك. قال - رحمه الله تعالى - (¬1): اسم الفاعل المجرّد هو العاري من الألف واللّام، وذكره مخرج للمقرون، وذكر الصالح للعمل مخرج للمجرّد الذي أريد به المضي (¬2)، ومدخل للمحوّل إلى أحد أبنية المبالغة؛ فإن اسم الفاعل واقع عليه بعد التحويل. والحاصل: أنّ اسم الفاعل المشار إليه ذكر بعده مفعول به ظاهر متصل جاز نصبه بمقتضى المفعولية، وجرّه بمقتضى الإضافة، وإن كان المفعول به ضميرا متصلا وجب كونه مجرورا بالإضافة. فمثال ذي الوجهين لكون المعمول ظاهرا متصلا قوله تعالى: وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (¬3)، وقوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ (¬4). ومثال ذي الوجه الواحد - لكون المعمول ضميرا متصلا - قولك: هذا مكرمك، وهذان مكرماك، وهؤلاء مكرموك، فالكاف - في الأمثلة الثلاثة - وشبهها في موضع جرّ، على مذهب سيبويه، وأكثر المحققين (¬5)، وهو الصحيح؛ لأن الظاهر هو الأصل، والمضمرات نائبة عنه، فلا ينسب إلى شيء منها إعراب؛ لا ينسب - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (3/ 83). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 821): («والصالح للعمل» احتراز من الذي يراد به المضي، فإنه يضاف إلى متعلقه وجوبا، كإضافة الأسماء الجوامد، ويسقط منه التنوين والنون للإضافة، كما يسقط من نحو: غلام، وغلامين، وبنين، فتقول: هذا ضارب زيد أمس، وهذان ضاربا زيد أمس، وهؤلاء ضاربو زيد أمس) اهـ. (¬3) سورة البقرة: 72. (¬4) سورة آل عمران: 9. (¬5) في الكتاب (1/ 187): (ولا يكون في قولهم: هم ضاربوك، أن تكون الكاف في موضع نصب؛ لأنك لو كففت النون في الإظهار لم يكن إلا جرّا، ولا يجوز في الإظهار: هم ضاربو زيدا؛ لأنها ليست في معنى الذي؛ لأنها ليست فيها الألف واللام، كما كانت في الذي) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه، إلا إذا كان المضمر بلفظ غير صالح لإعراب الظاهر، كالكاف والهاء من: لولاك ولولاه؛ فإنّ الجرّ منسوب إليهما عند سيبويه مع أنّه إعراب غير صالح للظاهر، الذي وقع موقعه، وحمله على ذلك أنّ لفظ الكاف والهاء غير صالح للرفع، بل للنصب والجر، ولكنّ النصب ممتنع لامتناع لازمه، وهو أن يقال: لولاني دون لولاي، وإنما يقال: لولاي، دون لولاني، فتعين الحكم بالجر. وزعم الأخفش، وهشام (¬1) الكوفي أنّ كاف «مكرمك» وشبهه في موضع نصب؛ لأنّ موجب النصب المفعولية، وهي محققة، وموجب الجر الإضافة، وهي غير محقّقة؛ إذ لا دليل عليها إلا حذف التنوين، ونوني التثنية والجمع، ولحذفهما سبب غير الإضافة، وهو صون الضمير المتصل من وقوعه منفصلا (¬2)، وهذه شبهة، تحسب قوية، وهي ضعيفة؛ لأنّ النصب الذي تقتضيه المفعولية لا يلزم كونه لفظيّا، بل يكتفى فيه بالتقدير، فلذلك جاز أن يراد بعض حروف الجر، مع بعض المفعولات، نحو: رَدِفَ لَكُمْ (¬3)، وخشّنت بصدره (¬4)، ولولا ذلك لامتنعت إضافة اسم الفاعل إلى المفعول به الظاهر، وأيضا؛ فإنّ عمل الأسماء النصب أقلّ من عملها الجرّ، فينبغي - عند احتمال النصب والجر في معمول اسم - أن يحكم بالجر، حملا على الأكثر. وأمّا جعل سبب حذف التنوين والنونين صون الضّمير المتّصل من وقوعه منفصلا فمستغنى عنه لوجهين: أحدهما: أن حذفه للإضافة محصّل لذلك فلا حاجة إلى سبب آخر. - ¬

_ (¬1) هو هشام بن معاوية الضرير. (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 83)، والتذييل والتكميل (4/ 824)، ومنهج السالك (ص 336). وفي معاني القرآن للأخفش (2/ 62): (قال: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [العنكبوت: 33] فالنصب وجه الكلام؛ لأنك لا تجري الظاهر على المضمر، والكاف في موضع جر لذهاب النون؛ لأنّ هذا إذا سقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون، إن كان في الحال، وإن لم يفعل، تقول: هو ضاربك الساعة أو غدا، وهم ضاربوك) اهـ. (¬3) سورة النمل: 72. (¬4) في أساس البلاغة مادة «خشن»: (ومن المجاز خشن صدره، وبصدره)، و «خشّن» بتشديد الشين المعجمة، وفي اللسان والقاموس «خشن»: (خشن صدره تخشينا أوغره).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثّاني: أن مقتضى الدليل بقاء الاتصال بعد التنوين، ونوني التثنية والجمع؛ لأن نسبتها من الاسم كنسبة نون التوكيد من الفعل، واتصال الضمير لا يزول بنون التوكيد، فكذلك لا يزول بالتنوين، ونوني التثنية والجمع، لو قصد النصب، وقد نبّهوا على جواز ذلك باستعماله في الشعر، كقول الشاعر: 2186 - هم الفاعلون الخير والآمرونه ... إذا ما خشوا من محدث الأمر معظما (¬1) ومثله قول الآخر: 2187 - ولم يرتفق والنّاس محتضرونه ... جميعا، وأيدي المعتفين رواهقه (¬2) ويتعين - غالبا - نصب معمول اسم الفاعل، إذا انفصل، ظاهرا كان، كقوله تعالى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (¬3)، أو مضمرا، كالهاء التي بعد الكاف في قول الشاعر: 2188 - لا ترج أو تخش غير الله إنّ أذى ... واقيكه الله لا ينفكّ مأمونا (¬4) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وفي الكامل للمبرد (1/ 173)، والخزانة للبغدادي (4/ 270) هذا البيت مصنوع وهو بهذه الرواية «الفاعلون الخير» في الخزانة. اللغة: محدث الأمر: حادثه، ومعظم الأمر: ما يعظم دفعه. والشاهد في البيت قوله: «والآمرونه» حيث جمع بين النون والضمير ضرورة، ولم يقل: والآمروه، بحذف نون الجمع للإضافة، وقد عاقب المظهر النون وتنوين مع قوته وانفصاله، فالمضمر أولى بمعاقبتهما؛ لأنه بمنزلتها في الضعف والاتصال. ينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (3/ 84)، ومعاني الفراء (2/ 386)، والكتاب (1/ 88). (¬2) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وفي الخزانة (4/ 272): (وهذا البيت مصنوع) اهـ. اللغة: لم يرتفق: لم يتكئ على المرفق، كناية عن عدم انشغاله عن قضاء حوائج الناس، محتضرونه: حاضرونه، المعتفين: طالبي الإحسان، رواهقه: جمع راهقه، ورهقه بمعنى أدركه. والشاهد في البيت قوله: «محتضرونه»؛ حيث جمع بين النون والضمير، كما أجاز هشام. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 188)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 125)، ومنهج السالك (ص 337)، والخزانة (4/ 271) برقم (297)، والمقرب لابن عصفور (1/ 125). (¬3) سورة البقرة: 30. (¬4) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: قوله: «واقيكه»؛ حيث انفصل اسم الفاعل «واقي» عن الهاء الواقعة مفعولا، فهي في محل نصب لا غير. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 823)، والعيني (1/ 308)، وشرح التصريح (1/ 107).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن هذين المثالين وأشباهما احتزرت بذكر (متصلا) بعد قولي: (إن كان ظاهرا)، وبعد قولي: (إن كان ضميرا)، ثمّ قلت: (وشذّ فصل المضاف إلى ظاهر، بمفعول أو ظرف) فنبّهت بذلك على قراءة بعض القراء: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله (¬1) وعلى قول الشّاعر: 2189 - وكرّار خلف المحجرين جواده ... إذا لم يحام دون أنثى حليلها (¬2) وعلى قول الرّاجز [3/ 146]: 2190 - ربّ ابن عم لسليمى مشمعل ... طبّاخ ساعات الكرى زاد الكسل (¬3) ثمّ نبّهت على أنّ المقرون بالألف واللّام يجوز أن يضاف - إذا كان مثنّى أو مجموعا على حدّه - إلى المفعول به مطلقا، وإن لم يكن مثنّى، ولا مجموعا على حده لم يضف إلا إلى المعرف بالألف واللام، وإلى مضاف إلى مقرون بهما. فالأول: كقول الشاعر: 2191 - إن يغنيا عنّي المستوطنا عدن ... فإنّني لست يوما عنهما بغني (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة ابراهيم: 47، والقراءة بنصب «وعده» وجر «رسله» وفي الكشاف للزمخشري (2/ 384): وقرئ (مخلف وعده رسله) اهـ. (¬2) هذا البيت من الطويل، وقائله الأخطل التغلبي الشاعر الأموي المشهور من قصيدة يمدح به همام بن مطرف التغلبي، والبيت في ديوان الأخطل ط. بيروت (1891 م) (ص 245). اللغة: كرار: وصف لممدوحه بالشجاعة والإقدام، المحجر: الملجأ الذي غشيه العدو، حليلها: زوجها. والمعنى: يكر جواده خلفهم حتى ينقذهم، في الوقت الذي يفر الرجل فيه عن امرأته، ولا يقاتل؛ لعظم الهول. والشاهد: فصل «كرار» المضاف إلى مفعوله، عنه بظرف، والأصل: وكرار جواده خلف المحجرين. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 177)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 181). (¬3) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا. والشاهد فيه هنا على ما ذكره الشارح: الفصل بين «طباخ» ومفعوله «زاد الكسل» بـ «ساعات الكرى» وهو ظرف، والمثال من المبالغة كاسم الفاعل. (¬4) هذا البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: غني يغنى - من باب علم يعلم -: استغنى. والشاهد فيه قوله: «المستوطنا عدن»؛ حيث أضيف اسم الفاعل المحلّى بـ «أل» المثنى إلى المفعول، وقد وليها المفعول، وحذفت النون للإضافة، وقدّرت ولهذا فالجر أكثر. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 337)، والتصريح (2/ 30)، والهمع (2/ 48).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثّاني: كقوله: 2192 - ليس الأخلّاء بالمصغي مسامعهم ... إلى الوشاة، ولو كانوا ذوي رحم (¬1) والثّالث: كقول الآخر: 2193 - أبأنا بهم قتلى وما في دمائهم ... شفاء وهنّ الشّافيات الحوائم (¬2) والرّابع: كقول الآخر: 2194 - لقد ظفر الزّوّار أبنية العدا ... بما جاوز الآمال بالقتل والأسر (¬3) والخامس: كقول الآخر: 2195 - الودّ أنت المستحقّة صفوه ... منّي، وإن لم أرج منك نوالا (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، وهو مجهول القائل، وقد أشار إلى ذلك العيني (3/ 394). اللغة: الأخلاء: الأصدقاء، المصغي: صفة مجموعة جمع مذكر سالم مضافة إلى «مسامعهم» ولذلك حذفت النون منها، الوشاة: جمع واش، وهو النمام بين الأصدقاء، الرحم: القرابة. والشاهد في البيت قوله: «بالمصغي مسامعهم»؛ حيث أضاف اسم الفاعل المجموع إلى المفعول، وقدرت النون محذوفة للإضافة، ولهذا كان الجر أكثر. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 337)، والعيني (3/ 394)، والدرر (2/ 57). (¬2) البيت من الطويل، وقائله الفرزدق الشاعر المشهور، من قصيدة يمدح بها سليمان بن عبد الملك، وفي قتل قتيبة بن مسلم، وروي «وفاء» بدل «شفاء» والحوائم: العطاش التي تحوم حول الماء. والمعنى: ليس الشفاء في الدماء، ولكن في السيوف التي تسفك الدماء. والشاهد في قوله: «الشافيات الحوائم» حيث أضيف اسم الفاعل «الشافيات» المحلى بـ «أل» إلى مضاف فيه «أل» وهو «الحوائم». ينظر الشاهد في: نقائض جرير والفرزدق (1/ 371)، والتذييل والتكميل (4/ 831)، ومنهج السالك (ص 338)، والأشموني (2/ 245). (¬3) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين، وروي «أقفية» بدل «أبنية»، و «ملقتل» بدل «بالقتل». والشاهد في قوله: «الزوار أبنية العدى» فإنّ الزوار جمع الزائر بالألف واللام، اسم فاعل مضاف إلى ما عرف بـ «أل». ينظر الشاهد في: المقاصد النحوية (3/ 391)، والأشموني (2/ 245). (¬4) البيت من الكامل، وقائله مجهول. والشاهد في البيت قوله: «المستحقة صفوه» حيث أضيف اسم الفاعل المقرون بـ «ال»، وهو «المستحقة» إلى مضاف لضمير ما هو مقرون بـ «أل» وهو «الود»، والبيت حجة على المبرد الذي أوجب النصب. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 338)، والأشموني (2/ 246)، والدرر (2/ 57)، والعيني (3/ 392).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجرى الفراء العلم وغيره من المعارف مجرى ذي الألف واللام، في الإضافة إليه (¬1): فيقال - على مذهبه -: هذا الضارب زيد، والضارب عبده، والمكرم ذينك، والمعين اللذين نصراك، ولا مستند له في هذا من نثر ولا نظم، وله من النظر حظ، وذلك بأن تقدّر الإضافة قبل الألف واللّام، وهي إضافة كلا إضافة؛ إذ هي لمجرد التخفيف، فلم يمنع لحاق الألف واللّام، عند قصد التعريف، فإنّ مانع اجتماعهما مع الإضافة إنما هو توقّي اجتماع معرفين، وهو مأمون فيما نحن بصدده، فلم يضرّ جوازه، ولا يلزم من ذلك جواز: الحسن وجهه؛ لأنّ المضاف، والمضاف إليه - في ذلك، وفيما أشبهه - شيء واحد في المعنى، فحقّه أن يمنع هو وغيره، ممّا إضافته كإضافته، إلّا أنّ المستعمل مقبول، وإن خالف القياس، وما خالف القياس، ولم يستعمل تعين اجتنابه، كـ: الحسن وجهه، وزعم الزمخشريّ أنّ كاف «المكرمك» وشبهه في موضع جر، مع منعه الظاهر الواقع موقعه (¬2)، وقد تقدّم في قولي: إنّ الظاهر أصل والمضمر نائب عنه، ولا ينسب إلى النائب ما لا ينسب إلى المنوب عنه (¬3)، فمذهب الزمخشري - في هذا - ضعيف، وقد سبقه إلى ذلك الرمانيّ، والمبرد (¬4)، إلّا أنّ المبرد رجع عن ذلك، كذا قال ابن السراج (¬5). والحاصل: أنّ الضمير المتصل باسم فاعل، مقرون بالألف واللام، غير مثنّى ولا مجموع على حدّه؛ منصوب على مذهب سيبويه والأخفش، مجرور على - ¬

_ (¬1) يراجع رأي الفراء هذا في: شرح المصنف (3/ 86)، ومنهج السالك (ص 337). (¬2) في المفصل للزمخشري: (ولا تقول: الضارب زيد؛ لأنك لا تفيد فيه خفة بالإضافة، كما أفدتها في المثنى والمجموع، وقد أجازه الفراء ... وإذا كان المضاف إليه ضميرا متصلا جاء ما فيه تنوين، أو نون، وما عدم واحد منهما شرعا في صحة الإضافة؛ لأنهم لما رفضوا فيما يوجد فيه التنوين أو النون أن يجمعوا بينه وبين الضمير المتصل جعلوا ما لا يوجد فيه تبعا له: فقالوا: الضاربك، والضارباتك، والضاربي، والضارباني، كما قالوا: ضاربك، والضارباك، والضاربوك، والضاربي). (¬3) شرح المصنف (3/ 86). (¬4) ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 204) تحقيق د/ بركات، وفي المقتضب للمبرد (4/ 152): (وكذلك تقول: هذا ضاربك وزيدا غدا، لما لم يجز أن تعطف الظاهر على المضمر المجرور حملته على الفعل، كقول الله عزّ وجل: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [العنكبوت: 33] كأنه قال: ومنجون أهلك، ولم تعطف على الكاف المجرورة) اهـ. (¬5) ينظر: الأصول في النحو لابن السراج (1/ 81).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مذهب الفراء، وعلى مذهب الرماني والزمخشري إلا أنّ في مذهبهما مخالفة النائب للمنوب عنه، ومذهب الفراء سالم من ذلك، وهما يلزمان الحكم بالجر، والفراء يجيز الجرّ والنصب، كما أجازهما في زيد، ونحوه من: هذا الضارب زيد (¬1)، وأمّا الضمير في نحو: جاء الزائراك والمكرموك، فجائز فيه الوجهان بإجماع، لأنهما جائزان في الظاهر الواقع موقعه (¬2)، ويجوز جرّ المعطوف في نحو: جاء الضارب الغلام والجارية، والطالب العلم وأدب الأبرار، لأنه صالح للوقوع في موضع المعطوف عليه، وكذلك نحو: جاء المشتري الناقة وفصيلها، جائز أيضا؛ لأنّه بمنزلة: جاء المشتري الناقة، وفصيل الناقة؛ لأنّ الضمير عائد عليه، ومثله قول الشّاعر: 2196 - الواهب المائة الهجان وعبدها ... عوذا تزجّي خلفها أطفالها (¬3) فجاز هذا؛ لأنه بمنزلة: الواهب المائة وعبد المائة، فالمسائل الثلاث جائزة بلا خلاف، فإن المعطوف كـ «زيد» مما لا يقرن بالألف واللّام، ولم يضف إلى مقرون بهما، ولا إلى ضمير المقرون بهما، فإنّ سيبويه يجيز جره أيضا، ومنع ذلك أبو العباس، وهو المختار عند أبي بكر بن السراج (¬4). - ¬

_ (¬1) يراجع ذلك في: منهج السالك (ص 337)، وشرح التسهيل للمرادي (199 / ب) والمساعد لابن عقيل (2/ 204) تحقيق د/ بركات، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 124). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 834): (ودعوى المصنف الإجماع على جواز الوجهين باطلة، بل في المسألة خلاف، فمذهب سيبويه، ما ذكر من جواز الوجهين وخالفه الجرمي، والمازني، والمبرد، والجماعة، فجعلوا الضمير في موضع جر فقط) اهـ. (¬3) البيت من الكامل، وقائله الأعشى ميمون الشاعر المشهور، من قصيدة يمدح بها قيس بن معديكرب الكندي. اللغة: الهجان: البيض من الإبل، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والواحد والجمع، وقيل: الهجان: الكرام، وربما قيل: هجائن وعوذا خال من الهجان، وهي جمع عائذ، الحديثة العهد بالنتاج، سميت عائذا؛ لأن ولدها يعوذ بها لصغره، وتزجي: تسوق. وأطفالها: أولادها. والمعنى: إن هذا الممدوح يهب المائة من الإبل الكريمة، ويهب معها راعيها. والشاهد في البيت قوله: «وعبدها» بالجر، عطفا على المائة، وهو مضاف إلى ما ليس فيه «أل»، فجعل ضمير المعرف بـ «أل» في التابع مثل المعرف بها، واغتفر هذا لكونه تابعا، والتابع يجوز فيه ما لا يجوز في المتبوع. ينظر الشاهد في: ديوان الأعشى (ص 152)، والكتاب (1/ 183)، والمقتضب (4/ 163). (¬4) في أصول النحو لابن السراج (1/ 81): (... وأنشدوا: هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق أراد: بباعث، فحذف التنوين ونصب الثاني؛ لأنه أعمل فيه الأول، مقدّرا تنوينه، كأنه قال: أو باعث -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو عندي أصح القولين؛ لأنّ العاطف كالقائم مقام العامل في المعطوف عليه، واسم الفاعل المقرون بالألف واللام على مذهب سيبويه وغيره من البصريين لا يجرّ «زيدا» ونحوه، فلا يصح أن نعطف على المجرور به، ولا حجّة في نحو: ربّ رجل وأخيه، ولا في: 2197 - أيّ فتى هيجاء أنت وجارها لأنّهما في تقدير: ربّ رجل وأخ له، وأيّ فتى أنت وجار لها (¬1)، ومثل هذا التقدير لا يتأتّى فيما نحن بسبيله، فلا يصحّ جوازه، والله تعالى أعلم (¬2). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى، ولنشر بعده إلى أمور: منها: أنّ الشيخ ذكر أنّ ظاهر كلام سيبويه يدلّ على أن النصب باسم الفاعل أولى من الجر به، إذا أمكن الأمران، وأنّ الكسائيّ يسوي بينهما (¬3)، قال: والذي يظهر أنّ الجرّ بالإضافة أولى؛ لأنّ الأصل في الأسماء - إذا تعلّق أحدها بالآخر - الإضافة، والعمل إنما كان لجهة النسبة للمضارع، فالحمل على الأصل أولى، وهو الإضافة (¬4). انتهى. وفيما قال الشيخ (نظر) (¬5)؛ لأنّ اسم الفاعل إنما أضيف إلى معموله بعد استحقاقه العمل فيه، ولهذا كانت إضافته لفظية لا تفيد تعريفا، وإذا كانت إضافته إنما هي مقصودة بعد استحقاقه للعمل، بل إنما حصلت الإضافة لتفيد تحقيقا في اللفظ خاصة، فكيف يقال: إنها الأصل؟! نعم، لو كانت إضافة اسم الفاعل إلى معموله معنوية، واستفيد بها ما يستفاد من العمل، لو لم يضف؛ حسن أن يقال - حينئذ -: إنّ الأصل في الأسماء، إذا تعلق أحدها بالإضافة جر. - ¬

_ - عبد رب، ولو جرّه على ما قبله كان عربيّا جيدا، إلا أن الثاني كلما تباعد من الأول قوي فيه النصب واختير) اهـ. (¬1) ينظر هذا التقرير في: الكتاب (2/ 56)، والمقتضب (4/ 163). (¬2) هذا الكلام بنصه في شرح المصنف. (¬3) ينظر التذييل والتكميل (4/ 823)، ويراجع رأي سيبويه في الكتاب (1/ 164، 165، 166). ويراجع رأي الكسائي في: منهج السالك (ص 335)، وشرح المرادي (199 / أ). (¬4) هذا الكلام بنصه في التذييل والتكميل (4/ 823). (¬5) ما بين القوسين من الهامش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنّ الأخفش وهشاما قد يستدلان على ما ذهبا إليه - من أن الضمير في نحو: زيد مكرمك في محل نصب [3/ 147] بقوله تعالى: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ (¬1) وهو استدلال ظاهر (¬2)، وقد أجيب عنه بأنّ (وأهلك) منصوب بفعل مقدّر، أو أنّه نصب عطفا على الموضع عند من يجوز ذلك دون مجوّز (¬3). ومنها: أنّ الشيخ قال (¬4): وترد على قول المصنف: (ووجوبا إن كان ضميرا): وقد فسّر هو - يعني المصنف - الاتصال بأن يكون الضمير متّصلا باسم الفاعل مسألة يكون فيها الضمير متّصلا باسم الفاعل ويجوز فيها الجرّ بالإضافة والنصب تقول: زيد كائن أخاك، وزيد كائن أخيك، أجروا اسم الفاعل من «كان» الناقصة وخبره مجرى اسم الفاعل من غيرها؛ فإذا أتيت بالضّمير بعد اسم الفاعل من «كان» الناقصة جاز فيه وجهان: أحدهما: الجرّ بالإضافة، فتقول: المحسن زيد كائنه. والثّاني: نصبه فينفصل، فتقول: المحسن زيد كائن إياه. قال: فهذا ضمير قد اتصل باسم الفاعل ولم تجب فيه الإضافة ثمّ قال: وللمصنف أن يقول: كلامنا إنما هو في اسم الفاعل الطالب مفعولا به، وهذا ليس بمفعول حقيقة، وإنما هو مشبّه بالمفعول. ومنها: أنّهم ذكروا أنّ ترك الإضافة والنصب أفصح في ثلاث مسائل هي: زيد الضارب الرجل (¬5)، ومثله: - ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت: 33. (¬2) في معاني القرآن للأخفش الأوسط وقال: (إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ فالنصب وجه الكلام؛ لأنك لا تجري الظاهر على المضمر والكاف في موضع جر لذهاب النون؛ وذلك لأن هذا إذا أسقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون .. فإذا أدخلت الألف واللام قلت: هذا الضارب زيدا ولا يجوز أن تجر «زيدا»؛ لأنّ التنوين كأنه باق في النصب إذا كان فيه الألف واللام؛ لأنّ الألف واللام تعاقبان التنوين) اه. ولمراجعة ما أجازه هشام ينظر: منهج السالك (ص 336)، وشرح التسهيل للمرادي (199 / أ)، والمساعد لابن عقيل (151 / أ). (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 825). (¬4) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 827)، ومنهج السالك (ص 336، 337)، وشرح المرادي (199 / أ). (¬5) يعني: إضافة اسم الفاعل المحلى بـ «أل» إلى ما فيه «أل».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2198 - وهنّ الشّافيات الحوائم (¬1) وزيد الضارب غلام المرأة (¬2)، ومثله: 2199 - لقد ظفر الزّوّار أبنية العدا (¬3) والمرأة أنت الضارب غلامها (¬4)، ومثله: 2200 - الودّ أنت المستحقّة صفوه (¬5) ومنها: أنّ المصنف قد قال: وأمّا الضّمير في نحو: جاء الزائراك والمكرموك؛ فجائز فيه الوجهان بإجماع؛ لأنهما جائزان في الظاهر الواقع موقعه؛ وما قاله ظاهر، وإنما جاز الوجهان؛ لأنّ النون يمكن أنّها حذفت للإضافة، ويمكن أنّها حذفت لتقصير الصلة، فيجيء الجرّ على الأول، والنصب على الثاني. لكن قال الشيخ: دعوى الإجماع باطلة، بل في المسألة خلاف، فمذهب سيبويه ما ذكره من جواز الوجهين وخالفه الجرميّ والمازنيّ والمبرّد وجماعة فجعلوا الضمير في موضع جرّ فقط (¬6). قال: وكأنّ سقوط النّون أصله أن يكون للإضافة، واحتمل هنا أن يكون سقوطها للإضافة أو للطول فحملناه على الأصل؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى ذلك بخلاف الظاهر فإنّ ما ظهر فيه من النصب اضطرنا إلى تقدير سقوطها لغير الإضافة. ومنها: أنّ المصنف - لما ذكر ثلاث المسائل، وهي: جاء الضارب الغلام والجارية، والطالب العلم وأدب الأبرار، والمشتري الناقة وفصيلها - قال: والمسائل الثلاث جائزة بلا خلاف. فقال الشيخ (¬7): إنّ في المسألة الثانية والثالثة خلافا، وهما: أن يكون المعطوف مضافا إلى ما فيه «أل» (¬8)، وإلى ضمير ما فيه «أل» (¬9) ونقل عن ابن عصفور أن المبرد (¬10) - ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا. (¬2) يعني إضافة اسم الفاعل المقترن بـ «أل»، إلى مضاف لمقترن بـ «أل». (¬3) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا. (¬4) يعني: إضافة اسم الفاعل المقترن بـ (أل) إلى مضاف لضمير ما هو مقرون بـ (أل). (¬5) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 834). (¬7) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 837). (¬8) مثال ذلك: هذا الضارب المرأة وغلام الرجل. (¬9) مثال ذلك: هذا الضارب المرأة وغلامها. (¬10) في المقتضب (4/ 164): (فإن قال قائل: ما بالك جررت «عبدها» وإنما يضاف في هذا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خالف في المضاف إلى ضمير ما فيه الألف واللام، فلم يجز إلا النصب على الموضع ومنع الجر، كما خالف في مفعول اسم الفاعل إذا كان مضافا إلى ما فيه ضمير ذي الألف واللام (¬1)، قال: لكنّ الشلوبين حكى عن المبرّد جواز الجرّ فصار النقل عن المبرد مختلفا (¬2). وكلام ابن عصفور يقتضي خلاف ما نقله الشيخ عنه بالنسبة إلى المبرّد فإنّه قال: لا يجوز في قولك: هذا الضارب الرجل وعمرا؛ إلا نصب المعطوف على موضع المخفوض بإضافة اسم الفاعل إليه، هذا مذهب أبي العباس المبرد (¬3)، قال: وسبب ذلك أنّ العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه بوساطة حرف العطف، واسم الفاعل المعرف بالألف واللّام - إذا لم يكن مثنّى ولا مجموعا بالواو والنّون - لا يجوز في معموله - إذا لم يكن معرفا بهما ولا بالإضافة إلى ما هما فيه ولا إلى ضميره - إلا النصب. وأما سيبويه فأجاز في المعطوف على المخفوض - بإضافة اسم الفاعل إليه في المسألة المذكورة وأمثالها - الخفض على اللفظ والنصب على الموضع، واستدلّ على ذلك بقوله: 2201 - الواهب المائة الهجان وعبدها (¬4) لأنه روي بخفض «عبدها» ونصبه ولا حجة في البيت عند أبي العبّاس المبرّد ومن - ¬

_ - الباب إلى ما فيه الألف واللام تشبيها بالحسن الوجه، وأنت لا يجوز لك أن تقول: الواهب المائة والواهب عبدها، فإنما جاز هذا في المعطوف على تقدير: واهب عبدها؛ كما جاز: رب رجل وأخيه، وأنت لا تقول: رب أخيه، ولكنه على تقدير: أخ له) انتهى. (¬1) في الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 556): (فإن كان مضافا إلى ضمير ما فيه الألف واللام ففيه خلاف بين سيبويه والمبرد، فسيبويه يجعل المضاف إلى ضمير ما فيه الألف واللام بمنزلة المضاف إلى ما فيه «أل» فيجيز النصب على الموضع والخفض على اللفظ، وأما المبرد فيخالف سيبويه ولا يجيز إلا النصب، والدليل على صحة مذهب سيبويه ما روي من قوله: الواهب المائة الهجان وعبدها روي بنصب «عبدها» وخفضه) اه بتصرف. (¬2) في التوطئة للشلوبين (ص 242): (وشرط أبي العباس في الحمل على اللفظ أن يكون المعطوف يمكن وقوعه موقع المعطوف عليه، أو يكون في قوته، فأجاز: هذا الضارب الرجل والغلام، وهذا الضارب الرجل وصاحب الغلام، وهذا الضارب الرجل وصاحبه؛ لأنه في قوة: وصاحب الرجل، ومنع: هذا الضارب الرجل وزيد) اه. (¬3) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 556) تحقيق صاحب جعفر أبو جناح. (¬4) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذ بمذهبه؛ لأنّ «عبدها» مضاف إلى الضمير العائد على المائة والمضاف إلى ضمير ما فيه الألف واللام قد يجره به العرب مجرى ما أضيف إلى ما فيه الألف واللام. كقول الشّاعر: 2202 - فنعم فتى الهيجا ونعم شبابها ... ... (¬1) انتهى. ودلّ هذا الكلام على أنّ المبرّد لا يمنع جرّ المعطوف، في نحو: 2203 - الواهب المائة الهجان وعبدها لأنه علّل جواز جره بكونه مضافا ذي ألف ولام، وقد عرفت أنّ الشلوبين حكى عن المبرد جواز الجر أيضا، وعلى هذا لم يثبت الخلاف في المسألة الثالثة. وأما المسألة الثانية فلم يتعرض الشيخ إلى ذكر من خالف فيها، ولا استدلّ بشيء، ولم يزد على قوله: إنّ فيها خلافا. وإذا كان الأمر كما ذكرنا صحّ قول المصنف: (إنّ المسائل الثلاث جائزة بلا خلاف)؛ إذ خلاف المبرد في إحدى المسألتين لم يثبت، والمسألة الأخرى لم يتحقق المخالف فيها. ومنها: أنّك قد عرفت [3/ 148] أنّ المصنّف ذكر أنّ سيبويه يجيز: هذا الضارب الرجل وزيد (¬2)، وأنّ المبرد يخالفه، وأنّ المصنف اختار قول المبرد، وتقدم بحث المصنف في المسألة، وهو ظاهر، وليس لما أجازه سيبويه مسوغ، إلّا أن يقال: يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل، ومما يضعف جواز: هذا الضارب الرجل وزيد؛ أنّهم أوجبوا أن يكون «بشر» في قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) هذا شطر بيت من الطويل، لم ينسب لقائل معين. اللغة: أخو الهيجا أي: صاحب الهيجاء. وهو كناية عن ملازمته الحرب وشدة مباشرتها والهيجاء ممدود: اسم للحرب، وقصرت هنا للوزن، وروي: «ونعم شهابها» والشهاب: الشعلة من النار الساطعة. والشاهد فيه: «ونعم شبابها»؛ حيث أضيف فاعل «نعم» إلى ضمير ما فيه «أل» وهو نادر. ينظر الشاهد في: المرادي (3/ 79)، والأشموني (3/ 28)، والهمع (2/ 85)، والمقاصد النحوية للعيني (4/ 11). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 182)، وفي منهج السالك (ص 339): (وكلام سيبويه محتمل، لم يصرح بجواز: هذا الضارب الرجل وزيد، بل قال: والذي قال: هو الضارب الرجل قال: هو الضارب الرجل وعبد الله) اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2204 - أنا ابن التارك البكريّ بشر (¬1) عطفا، لا بدلا، وموجبه أنّ البدل في نية تكرار العامل، وقد قال المصنف: إنّ العاطف قام مقام العامل، فليكن الحكم مع مباشرة العطف كالحكم مع مباشرة العامل. قال الشيخ (¬2): الذي يدلّ عليه ظاهر كلام سيبويه أنّ مثل: هذا الضارب الرجل وزيد، سماع من العرب فإنّه قال: والذي قال: هو الضارب الرجل، قال: هو الضارب الرجل وعبد الله (¬3)، وكان قد تقدم قبل هذا قوله: ولا يكون: الضارب عمرو، كما لا يكون: هو الحسن وجه، ثم ساق مسألة العطف، قال: فظاهر قوله: الذي قال كذا ... إلى آخره؛ هو سماع من العرب، ورأي سيبويه أنّ حكم التابع بخلاف حكم المتبوع، وأن الاسم بعينه يجوز فيه تابعا ما لا يجوز فيه لو لم يكن تابعا. انتهى. وفي كون كلام سيبويه يدل على أنّ هذا سماع من العرب نظر، وبعد. ومنها: أنّ المصنف اقتصر - من ذكر معمول اسم الفاعل - على المعطوف ثم لم يذكر حكمه إلا مع اسم الفاعل المقرون باللّام، وأما ابن عصفور فإنه استوفى الكلام؛ بالنسبة إلى التوابع الخمسة، وبالنسبة إلى كون اسم الفاعل مجرّدا من اللام، ومقرونا بها، وأنا أورد كلامه في المقرب (¬4) برمته، قال رحمه الله تعالى: وإذا أتبعت معمول اسم الفاعل المرفوع أو المنصوب؛ كان التابع على حسبه في الإعراب، وأمّا المخفوض: فإما أن يتبعه نعت، أو توكيد، أو عطف بيان، أو نسق، أو بدل، فإن أتبعت بنعت، أو تأكيد، أو عطف بيان، فالخفض على اللفظ، والنصب على الموضع، إلا أن يكون خفضه بإضافة اسم الفاعل، بمعنى المضي إليه [وليس فيه ألف ولا لام]؛ فإنه لا يجوز - إذ ذاك - إلا الخفض على اللفظ، نحو - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 182) حيث أورد قول الشاعر: أنا ابن التارك البكري بشر بإجراء «بشر» على مجرى المجرور، وهو عطف بيان، ومسألتنا هنا عطف، وهو من التوابع، فهو مثل عطف البيان. (¬2) ينظر: كلام الشيخ الآتي في: التذييل والتكميل (4/ 839). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 182). (¬4) المقرب (1/ 125، 126، 127)، من هنا إلى قوله: (ولا تجتمع الإضافة والألف واللام حتى يكونا في الثاني) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك: هذا ضارب زيد العاقل نفسه أمس، وإن اتبعته بعطف نسق أو بدل؛ فإمّا أن يكون في اسم الفاعل ألف ولام، أو لا يكون؛ فإن لم يكن فالخفض على اللفظ، والنصب بإضمار فعل، نحو قولك: هذا ضارب زيدا وعمرا، أي: وضرب عمرا أو ويضرب عمرا، وهذا ضارب زيد أخاك، أي: ضرب أخاك أو يضرب أخاك، وإن كان فيه ألف ولام فإنّه إن كان مثنّى، أو جمع سلامة، بالواو والنون، جاز الخفض على اللفظ، والنصب على الموضع، نحو قولك: هذان الضاربان زيد أخيك وعمرو، بخفض الأخ وعمرو ونصبهما، وإن لم يكن مثنى، ولا جمع سلامة بالواو والنون، فإما أن يكون التابع معرفا بالألف واللام، أو بالإضافة إلى ما فيه الألف واللام، أو إلى ضميره، أو غير ذلك، فإن كان معرفا بشيء مما ذكر؛ جاز الخفض على اللفظ، والنصب على الموضع نحو قولك: هذا الضارب الرجل والغلام، وهذا الضارب الغلام وصاحب الدابّة، وهذا الضارب الرجل وغلامه، ومنه: 2205 - الواهب المائة الهجان وعبدها ... ... روي بخفض «عبد» ونصبه وإن لم يكن معرّفا بشيء ممّا ذكر، فالنصب على الموضع، ليس إلّا، نحو قولك: هذا الضارب الرجل وعمرا، بنصب «عمرا» لا غير، وكذلك البدل، على تقدير تكرار العامل، ولا تجتمع الإضافة، والألف واللام حتّى يكونا في الثاني. انتهى. وهو تقسيم حسن جرى فيه على عادته، وكيف لا، وهو الأستاذ الذي انتهت إليه الرئاسة، وحاز قصب السبق، وبرز على الأقران في هذه الصناعة؟! وقد كان رحمه الله تعالى يقصد التقريب على الطالب، والتفهيم، وإيصال المعاني إلى المتعلمين، ويستدل على ذلك بما ضمنه تصانيفه البديعة، ومن وقف على كلامه، وتأمل مقاصده؛ علم ما أشرت إليه، وتحقق ما نبهت عليه، فرحمه الله تعالى. ونشير إلى شيء من شرح ذلك، وذكر خلاف في بعضه، إن كان حسب ما ذكره هو في شرحه: فنقول في قوله: كان التابع على حسبه في الإعراب: ذهب البغداديّون وبعض الكوفيين إلى أنه يجوز في تابع المعمول - إذا كان المعمول منصوبا - الخفض أيضا على توهّم الإضافة (¬1)، واستدلّوا بقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 840)، ومنهج السالك (ص 338)، والمساعد لابن عقيل (2/ 206).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2206 - فظلّ طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل (¬1) قالوا: فـ «قدير» معطوف على «صفيف» بتوهم الخفض فيه، بإضافة «منضج» إليه، ورد ذلك بأن «صفيفا» موضعه نصب كلفظه، وأقول: إنّ لقائل أن يقول: ليس العطف على الموضع إنّما هو باعتبار التوهّم، أي: توهم الجر، بإضافة ما قبله إليه، كما أنشده هو رحمه الله تعالى، وهو قول الشّاعر: 2207 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلّا ببين غرابها (¬2) في رواية من خفض «ناعب» وقد طعن فيما استدلّوا به بأنه يلزم عنه أن يكون التقدير: من بين منضج أحد هذين، وذلك فاسد المعنى؛ لأنه إنما أراد أن يقسم الطهاة إلى صنفين، صنف يطبخ صفيفا، وصنف يطبخ قديرا، وإذا كان المعنى كذلك لم يكن بدّ في البيت من تقدير مضاف محذوف معطوف على «منضج» وكأنه قال: من بين منضج صفيف شواء، أو طابخ قدير، ثمّ حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه (¬3). وقوله: فإن أتبعت بنعت [3/ 149] إلى قوله: هذا ضارب زيد العاقل نفسه أمس؛ ظاهر، وعلم باستثنائه الذي هو بمعنى المضيّ وليس فيه ألف ولام أنّ اسم - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، وهو من معلقة امرئ القيس الشاعر الجاهلي المشهور، والبيت في ديوانه (ص 58). اللغة: طهاة: جمع طاه، بمعنى منضج، وذلك يشمل طبخ اللحم وشيه، صفيف: مصفوف على الحجارة لينضج، قدير: لحم مطبوخ في القدر. والشاهد في البيت قوله: «أو قدير» فقد استشهد به الكوفيون والبغداديون على جر «قدير» عطفا على موضع «صفيف» بتوهم الخفض فيه، بإضافة «منضج» إليه، كما ذكر ذلك الشارح. ينظر الشاهد في: المعلقات السبع (ص 49)، اللسان: «صفف»، والتذييل والتكميل (4/ 840). (¬2) البيت من الطويل، وقائله الفرزدق، أو الأحوص الرباحي. ينظر: معجم الشواهد العربية (1/ 43)، والبين: الفراق. والشاهد فيه: عطف «ناعب» على خبر «ليس» وهو «مصلحين» على توهم دخول الباء عليه. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 165)، والخصائص (2/ 354)، والإنصاف (1/ 193، 395)، وديوان الفرزدق (ص 23). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 840): (يمكن حمله - «قدير» - على «منضج» على تقدير محذوف، أي: ومنضج قدير، فحذف وجعل كالثابت لتقدم ذكره فـ «أو» بمعنى الواو؛ لأن «بين» تقتضي ذلك، وخرجه بعض أصحابنا أيضا أن يكون معطوفا على «شواء» وتكون «أو» بمعنى الواو، وهذا ليس بشيء؛ لأن البينية إنما هي في الطهاة لا في معمول اسم الفاعل) اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفاعل الخافض ما بعده من معمولاته إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، أو بمعنى الماضي، ودخلته الألف واللّام يجوز في تابع معموله الخفض على اللفظ، والنصب على الموضع، إذا كان التابع نعتا أو توكيدا أو عطف بيان. وقوله: وإن أتبعت بعطف نسق أو بدل، إلى قوله: ويضرب أخاك؛ لا خلاف بين النحويين أنّ مخفوض اسم الفاعل غير المعرّف باللام، إذا أتبع اسما على طريق البدل لا يجوز في تابعه إلا الخفض على اللفظ، وإن نصب كان النصب بفعل مضمر، وإنما امتنع البدل على الموضع؛ لأنّ اسم الفاعل إن كان بمعنى المضي لم يكن مخفوضه في موضع نصب، فينتصب على الموضع، وإن كان بمعنى الحال والاستقبال فالأمر كذلك، أي: لا يجوز إلا الخفض، ولا يجوز النصب حملا على الموضع؛ لأنّ البدل في نية تكرار العامل، فلو جعلت «أخاك» - من قولك: هذا ضارب زيد أخاك غدا أو الآن - بدلا من موضع زيد للزم أن يكون التقدير: هذا ضارب زيدا ضارب أخاك الآن أو غدا، وذلك غير سائغ؛ لأنّ اسم الفاعل غير المعرّف باللام، إذا كان منويّا لا ينصب، فلم يبق إلّا أن يكون منصوبا بإضمار فعل، وحكم عطف النسق حكم البدل، إلا أن من النحاة من أجاز النصب على الموضع في العطف، إذا كان اسم الفاعل بمعنى الحال أو الاستقبال، فتقول: هذا ضارب زيد وعمرا، الآن أو غدا، والأصحّ أنّ ذلك لا يجوز؛ لأنّ العامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه، بوساطة حرف العطف، فلو جعل «عمرو» معطوفا على موضع «زيد» لزم منه أن يكون منصوبا بـ «ضارب» وهو غير منوّن، وهو لا ينصب إلا إذا كان منونا. ثم سأل فقال: إن قلت: لم جاز في المخفوض بإضافة اسم الفاعل غير المعرف بالألف واللام إليه إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال أن ينعت ويؤكد ويعطف عليه عطف بيان بالنظر إلى موضعه، ولم يجز البدل وعطف النّسق إلّا بالنظر إلى اللفظ خاصّة؟ فالجواب: أنّ ذلك إنما امتنع في البدل، وعطف النسق، لما تقدم تقريره، من أنّ البدل في نية تكرار العامل وأنّ العامل في عطف النسق هو العامل في المعطوف عليه، بواسطة حرف العطف، وأما النعت والتوكيد وعطف البيان فليست كذلك، والعامل فيها إنما هو تبعيتها لما قبلها (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير) لابن عصفور (1/ 555) تحقيق أبو جناح.

[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه]

[اسم المفعول: عمله عمل فعله الذي لم يسم فاعله وشروط عمله وبناؤه] قال ابن مالك: (يعمل اسم المفعول عمل فعله مشروطا فيه ما شرط في اسم الفاعل، وبناؤه من الثّلاثيّ على زنة «مفعول»، ومن غيره على زنة اسم فاعله مفتوحا ما قبل آخره ما لم يستغن فيه بـ «مفعول» عن «مفعل» وينوب في الدّلالة لا العمل عن «مفعول»، بقلّة: «فعل، وفعل، وفعلة»، وبكثرة: «فعيل»، وليس مقيسا، خلافا لبعضهم، وقد ينوب عن «مفعل»). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): الهاء من قولي: (يعمل عمل فعله) عائدة على المفعول، فكأنّه قيل: يعمل اسم المفعول عمل فعل المفعول، أي: عمل الفعل الذي لم يسمّ فاعله، فيقال: هذا مذهوب به، ومضروب عبده، ومعطى ابنه درهما، ومعلم أخوه زيدا صديقك (¬2)، ويشترط في إعماله ما شرط في إعمال اسم الفاعل، من اعتماد على صاحب مذكور، أو منوي، أو على نفي صريح أو مؤول، أو على استفهام موجود أو مقدر، وغير ذلك. ومن إعماله معتمدا على مقدر قول الشاعر: 2208 - فهنّ من بين متروك به رمق ... صرعى وآخر لم يترك به رمق (¬3) ومثله: 2209 - ونحن تركنا تغلب ابنة وائل ... كمضروبة رجلاه منقطع الظّهر (¬4) - ¬

_ (¬1) قال المصنف (3/ 88). (¬2) زيد في المرجع السابق الصفحة نفسها: كما يقال: «ذهب به، وضرب عبده وأعطي ابنه درهما، وأعلم أخوه زيدا صديقك. (¬3) البيت من البسيط، وقائله: الأخطل التغلبي، الشاعر الأموي المشهور، وهذا البيت في ديوانه (ص 262)، ط. بيروت (1981 م)، من قصيدة يمدح فيها سلم بن زياد. والشاهد في البيت قوله: «متروك به رمق» حيث أعمل اسم المفعول «متروك» عمل فعله، فرفع «رمق» نائبا له؛ لأنه معتمد على موصوف مقدر. وينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (3/ 88)، ومنهج السالك (ص 341). (¬4) البيت من الطويل، وقائله: تميم بن أبي مقبل بن عوف وهو في ديوانه (ص 107) تحقيق د/ عزة حسن ط. دمشق (1381 هـ). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبناؤه من الثلاثي على زنة «مفعول»، نحو: علم فهو معلوم، ومن الرباعي والخماسي والسداسي على زنة اسم فاعله، مفتوحا ما قبل آخره نحو: مدحرج ومجتذب، ومستفهم ما لم يستغن فيه بـ «مفعول» عن «مفعل»، كـ: مزكوم ومحموم ومحزون، ومنه: محبوب في الأكثر، وقد نبّهت على ذلك فيما مضى، ومثال «فعل» النائب عن «مفعول»: ذبح، وطرح، وطحن، بمعنى: مذبوح ومطروح، ومطحون، ومثال «فعل»: لفظ، ولقط، ونقض، وقبض، بمعنى: ملفوظ، وملقوط، ومنقوض ومقبوض، ومثال «فعلة»: أكلة، ومضغة، ولقمة وغرفة وجرية، ومثال «فعيل»: جريح، وكليم، وصريع، وأخيذ، وقتيل، وأسير، ودهين، وخضيب، ولديغ، وغسيل، ودفين، ومقيل. وهذا - مع كثرته - مقصور على السّماع، وجعله بعضهم مقيسا فيما ليس له «فعيل» بمعنى فاعل، كـ «قتيل» لا فيما له فعيل بمعنى فاعل كـ «عليم»، وقد يصاغ فعيل بقصد المفعوليّة من «أفعل»، فمن ذلك قولهم: أعقدت العسل فهو عقيد، وأعلّ الله فلانا، فهو عليل. انتهى كلامه، ويتعلق به الإشارة إلى أمرين: أحدهما: أنه سيعرف في باب الصفة المشبهة أنّ اسم مفعول المتعدّي إلى واحد يجوز أن يعامل معاملة الصفة المشبهة في الاستعمال، فيقال: مررت برجل مضروب الظّهر (¬1)، وبرجل مجذوع الأنف، ولا شكّ أنّ الأصل في هذين المثالين: برجل مضروب الظّهر [3/ 150] ومجذوع الأنف، بالرّفع، ثم بنصب الظّهر والأنف على التشبيه بالمفعول به، بعد إسناد اسمي المفعول إلى ضمير الاسم السابق، ثمّ جر الظّهر والأنف، بإضافة الصفة إليهما، كما في نحو: برجل حسن الوجه. قال الشيخ: فإن كان اسم المفعول (¬2)، ممّا يتعدّى لاثنين فأكثر فقياس هذا أن - ¬

_ - اللغة: تركنا تغلب ابنة وائل: أي حجا تغلب. والشاهد فيه قوله: «كمضروبة رجلاه»؛ حيث أعمل اسم المفعول فرفع قوله: «رجلاه» لكونه معتمدا على موصوف مقدر، والتقدير: كرجل مضروبة رجلاه. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 88)، ومنهج السالك (ص 341)، والهمع (2/ 197)، والدرر (2/ 131). (¬1) ينظر ذلك أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 846). (¬2) من أول هنا إلى قوله: «الأمر الثاني» ساقط من نسخة دار الكتب المصرية وقد أكملناه من التذييل والتكميل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نقول: مررت برجل مكسو الأب جبّة ومظنون الأخ قائما، ومعلم الغلام عمرا ضاحكا وقد منعوه، والسبب في منع ذلك أنّ الإضافة هي من نصب على الصحيح ورفضوا ذلك؛ لأنه من حيث انتصاب الثاني، أو الثاني والثالث، يكون حكمه حكم اسم مفعول الذي يتعدّى إلى المفعول به، ومن حيث انجرار ما يليه يكون حكمه حكم الصفة المشبهة، ويختلف إذ ذاك حكمه بالنظر إلى المنصوبات، ألا ترى أنه يجوز في ذلك تقديم المنصوب؛ لأنه مفعول به، ويلزم ألا يجوز تقديم ما يلي اسم المفعول لو نصب؛ لأنه معمول الصفة المشبّهة وكلّ ما يجر في باب الصفة يجوز أن ينصب؛ لأنّ الجرّ هو من النّصب. ولا يوجد في كلامهم عامل ينصب اسمين أحدهما مفعول به، والآخر يشبه بالمفعول به فيتقدم المفعول به عليه ولا يتقدم المشبه بالمفعول به بل ما وجد من ذلك يجوز تقديمه على العامل فإذا قلت: هذا ضارب اليوم زيدا، واتسعت في اليوم فنصبته على التشبيه بالمفعول به فإنه يجوز تقديمه على «ضارب» كما تقدّم «زيدا» عليه، فلمّا كان ذلك مؤديا إلى المنع في باب اسم المفعول المضاف إلى ما بعده، وما بعده منصوب رفض جواز ذلك. الأمر الثاني: قد فهم من قول المصنف: وينوب في الدلالة لا العمل إلى آخره أنّه لا يجوز بشيء من هذه الألفاظ الثابتة أن يرفع فلا يقال: مررت برجل ذبح كبشه، ولا: طحن برّه، ولا: برجل كحيل عينه، ولا: برجل قتيل أبوه. قال الشيخ: وفي كلام ابن عصفور ما يشعر بالجواز، ثم قال: ويحتاج ذلك إلى سماع عن العرب (¬1)، وقد عرف من قول المصنف: «وليس مقيسا، خلافا لبعضهم أنه لا يقال: ضريب في «مضروب» ولا: عكيم في «معكوم»، ولا: قويل في «مقول» ولا: بييع في «مبيع». وقد استدرك الناس على الإمام بدر الدين ولد المصنف، ذكره الإجماع على أنه لا يقاس على نحو: جريح، وقتيل؛ بأنّ والده قد ذكر أنّ في ذلك خلافا (¬2). ¬

_ (¬1) ينظر التذييل والتكميل: (4/ 849). (¬2) في شرح الألفية لابن الناظم (ص 172): («فعيل» بمعنى «مفعول» كثير في كلام العرب، وعلى كثرته لم يقس عليه بإجماع) اهـ.

الباب السابع والثلاثون باب الصفة المشبهة باسم الفاعل

الباب السابع والثلاثون باب الصّفة المشبّهة باسم الفاعل [تعريفها وشرح التعريف] قال ابن مالك: (وهي الملاقية فعلا لازما، ثابتا معناها تحقيقا أو تقديرا، قابلة للملابسة والتّجرّد، والتّعريف، والتّنكير بلا شرط). قال ناظر الجيش: اعلم أنّ المشتقّ من الأسماء إذا أطلق في عرف النّحاة، إنّما يعنى به ما فيه معنى الفعل وحروفه، وهو أربعة أشياء: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، وأفعل التفضيل؛ وذلك أنّ المشتق إمّا أن يدلّ على حدث ومن قام به، أو على حدث ومن وقع عليه الثاني اسم المفعول، والأول إمّا أن يدلّ على حدث ومن قام به على جهة المشاركة لغيره والزيادة عليه في ذلك فهو أفعل التفضيل. أو لا على سبيل المشاركة، فإن أفاد الدلالة على حدوث ذلك المعنى وتجرّده لما هو له فهو اسم الفاعل، وإن لم يفد الدلالة على التجرّد بل أفاد الدلالة على ثبوت ذلك المعنى لصاحبه فهو الصفة المشبهة. فقول المصنّف: وهي الملاقية فعلا جنس يشمل المشتقّات الأربعة المذكورة، والمراد أنّها تلاقي الفعل في الاشتقاق ومن المصدر، والملاقية كلمة مناسبة لطلب الاختصار. قال المصنف (¬1): واحترز بالملاقية من نحو: قرشيّ وقتات؛ يعني أنّهما لا يلاقيان فعلا، وجرى في ذلك على عادته في الحدود فإنه يحترز بالجنس، وقوله: لازما فصل يخرج به اسم المفعول واسم الفاعل الملاقي فعلا متعديا، كـ: عارف، وجاهل، وهكذا مثّل بهما المصنف، وهو تمثيل جيّد؛ فإنّ معناهما ثابت لصاحبهما، لكنّهما ملاقيان فعلا متعدّيا. وقوله: ثابتا معناها فصل ثان، يخرج به اسم الفاعل، الملاقي فعلا لازما، وليس له دلالة على ثبوت معناه، بل على تجدّده، وحدوثه كقائم، وقاعد، وإنّما قال: تحقيقا؛ توطئة لقوله: تقديرا يعني أنه قد يكون معنى الصفة غير ثابت، فيقدر ثبوته، - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 89).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لـ: منقلب ونحوه (¬1)، وتقديره الثبوت - هنا - فيما هو غير ثابت في نفسه أحسن من قوله - في شرح الكافية -: ودلالتها على معنى ثابت غير لازمة لها، ولو كانت لازمة لم تبن من: عرض، وطرأ، ونحوهما (¬2). وقوله: قابلة للملابسة والتجرّد فصل ثالث، قال المصنف: احترز به من: أب، وأخ ونحوهما، ولا أدري ما يريد بالملابسة والتجرّد. وقال الشيخ (¬3): لا ينبغي أن يحترز منهما؛ لأنهما لم يدخلا في قوله: (الملاقية فعلا)؛ لأنهما لم يلاقيا فعلا بمعناهما، وإذا لم يدخلا فلا احتراز. انتهى. وهو كلام صحيح. وقوله: والتعريف والتنكير بلا شرط. فصل رابع، يخرج به أفعل التفضيل؛ لأنّ الصفة المشبهة قابلة لهما مطلقا، ولا يقبلهما أفعل التفضيل إلا بشرط، وقد مرّ ذلك محكما في بابه. قال الشيخ (¬4) ولا ينبغي أن يحترز من أفعل التفضيل؛ لأنّه لم يدخل فيما قبله لأنه لا يلاقي فعلا، لا لازما ولا متعدّيا؛ لأنّه لم يوجد فعل يدلّ على معنى التفضيل حتّى يكون «أفعل» يلاقيه. انتهى. وما قاله غير ظاهر. وحكمه بأنّ «أفعل» لا يلاقي فعلا ممنوع، بل هو ملاقي الفعل في الاشتقاق خاصّة، بمعنى أنّهما التقيا على الاشتقاق من المصدر، وهو مراد المصنّف، ثم معنى التفضيل إنّما أفاده المشتق نفسه، وهذا شأن المشتقات أنّها تفيد معنى المشتقّ منه ويزيد في الدلالة عليه معنى آخر، ثمّ ذلك المعنى الزائد يختلف بحسب اختلاف الصيغ المشتقة، وهذا آخر الكلام على الحدّ. والمراد بكونها مشبهة: أنّها شبّهت باسم الفاعل المتعدّي فنصبت وهي بذاتها لا تقتضي منصوبا، وأنها شبهت دون أفعل التفضيل لأن كمال المشاركة الذي بينهما وبين اسم الفاعل لم يكن لـ «أفعل»، فاشترك الثلاثة في أنّ كلّا منها صفة فتحمل الضمير طالبه لاسم بعده. وفضلت الصفة بمشاركتها اسم الفاعل، في قبول التأنيث، والتثنية والجمع - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 852). (¬2) ينظر: شرح الكافية (2/ 1055) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 852). (¬4) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنّها تكون معرفة ونكرة، بلا شرط، واتفق النحاة على أنّها مشبهة إذا خفضت أو نصبت، واختلفوا [3/ 151] إذا رفعت فمنهم من لا يجعلها مشبّهة إذ ذاك، وهو الذي نصّ عليه الأستاذ أبو الحسن بن عصفور، في كتبه (¬1)، والقائلون بذلك يجعلون رفعها بالحمل على الفعل، ولا يبالي بعدم جريانها على الفعل في الحركات والسكنات؛ لأنهم إنّما يشترطون الجريان إذا عملت نصبا أو خفضا، ومنهم من يجعلها مشبهة إذا رفعت، كحالها إذا نصبت أو خفضت. قال الشيخ (¬2): وهو اختيار الأستاذ أبي عليّ، ويظهر من كلام ابن جني (¬3) فعملها الرفع إنّما هو بالحمل على اسم الفعل، ولا على الفعل؛ لأنها ليست بجارية عليه، وعند هؤلاء لا يعمل الاسم رفعا، ولا نصبا، ولا خفضا، بالحمل على الفعل يكون جاريا عليه، وبنى الشيخ على القولين إعمال اسم الفاعل الماضي في مرفوع، فيجوز على القول الأول، ويمتنع على القول الثاني، وقد تقدم أنّ الصحيح أنّ اسم الفاعل الماضي يرفع، وهذا يرجح القول الأول. والمصنف لم يصرح باختيار أحد المذهبين، وإنّما يظهر من كلامه في شرح الكافية أنّها إذا رفعت غير مشبهة (¬4)، وهو الذي يقتضيه النظر. ثم لا بدّ في عمل الصفة الشبهة من الاعتماد؛ إمّا على استفهام، أو نفي، أو صاحب خبر، أو حال، أو نعت، فهي في ذلك كاسم الفاعل، ولم يذكر ذلك المصنف هنا اكتفاء بما ذكره في باب اسم الفاعل؛ لأنّ الصفة فرع، فهي أحوج إلى - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان التذييل والتكميل (4/ 862): (ومن النحويين من ذهب إلى أنها لا تكون صفة مشبهة إلا حالة النصب والجر، وهو اختيار ابن عصفور، فإذا رفعت هذه الصفة فبالحمل على الفعل، ولا يشترطون في الصفة - إذا رفعت - الجريان على الفعل في الحركات والسكنات وعدد الحروف، وإنما يشترطون ذلك فيها إذا عملت نصبا، أو خفضا، ويجيزون أن يقال: مررت برجل قاعد أبوه أمس) اهـ. وفي المقرب لابن عصفور (1/ 139): (لا تكون الصفة مشبهة إلا إذا نصبت المعمول أو خفضته؛ لأنّ الإضافة إنما تكون من نصب، وإلا فهي غير مشبهة) اهـ. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 681). (¬3) وفي الخصائص لابن جني (1/ 308): (كما أجازوا أيضا النصب في قولهم: الحسن الوجه حملا له منهم على: هذا الضارب الرجل)، وقد تكلم ابن جني على علاقة الصفة المشبهة باسم الفاعل في مواضع عدة من الخصائص. (¬4) ينظر: شرح الكافية (2/ 1056) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاعتماد منه، ولم يذكر ابن عصفور - في حدّ الصفة المشبّهة - سوى أنّها المأخوذة من فعل غير متعدّ، فيدخل عنده نحو: قائم وجالس ونائم، وفيه نظر. وقال ابن عصفور (¬1): الصفة المشبهة باسم الفاعل هي: كلّ صفة مأخوذة من فعل غير متعدّ؛ لأنّها إنما شبهت باسم الفاعل المأخوذ من الفعل المتعدي فعملت عمله، ووجه الشبه بينهما أنها صفة كما أنّ اسم الفاعل كذلك وأنّها متحملة للضمير كما أنّ اسم الفاعل متحمل ضميرا، وأنّها طالبة للاسم بعدها كما أنّ اسم الفاعل طالب للاسم بعده، وأنّها تذكر وتؤنث وتثنّى وتجمع، كما أنّ اسم الفاعل كذلك، فتقول: مررت برجل حسن الوجه، كما تقول: مررت برجل ضارب زيدا، فلما أشبهته من هذه الوجوه عملت عمله، فإن نقص من هذه الوجوه شيء لم تعمل، مثال ذلك «أفعل من» هو صفة طالب ضميرا، طالب الاسم بعده تقول: زيد أفضل من عمرو أبا، ولا تقول: زيد أفضل من عمرو الأب؛ لأنّه قد نقص منه التثنية والجمع والتأنيث. والصفة المشبهة تنقسم ثلاثة أقسام: قسم اتفق النحويون على أنّه يشبه عموما، وقسم اتفق النحويون على أنه يشبه خصوصا، وقسم فيه خلاف. فالذي يشبه باسم الفاعل عموما: هي كلّ صفة لفظها ومعناها صالح للمذكّر والمؤنّث، ونعني بالعموم أن تجري صفة المؤنّث على المؤنّث، والمذكر على المذكر، والمذكر على المؤنث، والمؤنث على المذكر؛ مثال ذلك: مررت برجل حسن الوجه، والذي يشبه باسم الفاعل خصوصا: كلّ صفة لفظها ومعناها خاص بالمذكر أو بالمؤنث ونعني بالخصوص أن تجري صفة المذكر على المذكر والمؤنّث على المؤنث، مثال ذلك: «عذراء» في المؤنث، و «ملتح» في المذكر، تقول: مررت برجل ملتح الابن، وبامرأة عذراء البنت، ولا يجوز أن تقول: مررت برجل أعذر البنت، ولا بامرأة ملتحية الابن؛ لئلّا تحدث لفظا ليس من كلام العرب، والذي فيه خلاف كلّ صفة لفظها صالح للمذكر والمؤنث ومعناها خاصّ بأحدهما؛ مثال ذلك «حائض» في المؤنث و «خصيّ» في المذكر، فتقول: مررت برجل خصيّ الابن وبامرأة حائض البنت ... ثم قال ابن عصفور: الصفة لا تكون مشبهة حتّى تنصب أو تخفض؛ لأنّ الخفض لا يكون إلّا من النصب، ولا يجوز أن يكون من الرفع؛ لئلّا يؤدي إلى إضافة الشيء إلى نفسه (¬2). ¬

_ (¬1)، (¬2) هذا النص الطويل من شرح الجمل لابن عصفور (1/ 566 - 567).

[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره]

[موازنتها للمضارع من الثلاثي وغيره] قال ابن مالك: (موازنتها للمضارع قليلة إن كانت من ثلاثيّ ولازمة إن كانت من غيره ويميّزها من اسم فاعل الفعل اللّازم اطّراد إضافتها إلى الفاعل معنى). قال ناظر الجيش: إذا كانت الصفة مصوغة من فعل ثلاثيّ فالغالب كونها غير موازنة للفعل المضارع، كـ: جميل الوجه، وليّن العريكة، وعظيم المقدار، وحسن السيرة، وخشن البشرة، ويقظان القلب، وألمى الشفة (¬1). وقد توازن المضارع، كـ: ضامر البطن، وساهم الوجه، وخامل الذّكر، وحائل اللون، وظاهر الفاقة، وطاهر العرض، وإذا كانت مصوغة من غير ثلاثيّ فلا بدّ من موازنتها المضارع، كـ: منطلق اللّسان، ومطمئنّ القلب، ومستسلم النّفس، ومغدودن الشّعر، ومتناسب الشّمائل. قال الشاعر: 2210 - أهوى لها أسفع الخدّين مطّرق ... ريش القوادم لم تنصب له الشّبك (¬2) وقول آخر: 2211 - ومن يك منحلّ العزائم تابعا ... هواه فإنّ الرّشد منه بعيد (¬3) - ¬

_ (¬1) اللمى: سمرة الشفة، تدل على الحيوية وتدفق دماء العافية، فيظهر الشفتان سمراوين؛ لشدة الدم فيهما. (¬2) البيت من البسيط، وقائله: زهير بن أبي سلمى، الشاعر الجاهلي المشهور، والبيت بلفظ «ينصب» من قصيدة في ديوانه (ص 66) ط. المكتبة الثقافية. بيروت (1968 م). والبيت في وصف صقر انقض على قطاة. اللغة: أهوى: انقض، لها: للقطاة، أسفع: أراد به الصقر الأسود، مطرق: من الإطراق، وهو تراكب الريش الذي بعضه على بعض، والقوادم: ريش مقدم الجناح. والمعنى: أنّ هذا الصقر وحش، لم يصد، ولم يذلل، وذلك دليل قوته وسرعة طيرانه. والشاهد فيه قوله: «مطرق ريش القوادم»؛ حيث نصب «ريش» بـ «مطرق» وهي صفة مشبهة لازمة في موازنتها للمضارع؛ لأنها من غير الثلاثي. يراجع الشاهد في: الكتاب (1/ 195)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (1/ 55)، والأشباه. والنظائر (3/ 183). (¬3) البيت من الطويل: ونسب في منهج السالك (ص 357) لرجل من طيئ وكذا في التذييل والتكميل (4/ 854) ولم يعينه أحد فيما عرفت. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الصفار - في شرح كتاب سيبويه -: وزعم الزمخشري أنّ الصفة المشبهة هي التي لا تجري على فعلها، نحو: حسن، وشديد (¬1)، وهو ظاهر كلام أبي عليّ في الإيضاح (¬2). وهذا خلف ألا تراهم متفقين في قوله: 2212 - من صديق أو أخي ثقة ... أو عدوّ شاحط دارا (¬3) على أنّ شاحطا صفة مشبّهة (¬4) انتهى، وقال الشاعر: 2213 - تباركت إنّي من عذابك خائف ... وإنّي إليك تائب النّفس ضارع (¬5) ويميز الصفة المشبّهة من اسم فاعل الفعل اللازم إمكان إضافتها إلى ما هو فاعل في المعنى، كما رأيت في الأمثلة المتقدمة آنفا، فكلّ اسم فاعل فعل لازم يعتبر بإضافته إلى ما هو فاعل في المعنى، فإن صحّ ذلك فيه كان صفة مشبهة، وإلا فليس أياها. قال الشيخ بدر الدّين ابن المصنّف، رحمهما الله تعالى: لا تسوغ الإضافة في - ¬

_ - والشاهد فيه قوله: «منحل العزائم» حيث إن «منحل» صفة مشبهة لازمة؛ لموازنتها المضارع من غير الثلاثي. وينظر الشاهد أيضا في: المساعد لابن عقيل (2/ 211). (¬1) في المفصل للزمخشري في باب الصفة المشبهة (ص 230): (وهي التي ليست من الصفات الجارية وإنما هي مشبهة بها، في أنها تذكر وتؤنث وتثنى وتجمع نحو: كريم، وحسن، وصعب) اهـ. (¬2) في الإيضاح العضدي للفارسي (1/ 151): (وتنقص هذه الصفات عن رتبة اسم الفاعل بأنها ليست جارية على الفعل، فلم تكن على أوزان الفعل كما كان «ضارب» في وزن الفعل، وعلى حركاته وسكونه، تقول: مررت برجل حسن وجهه، وشديد ساعده) اهـ. (¬3) البيت من المديد، وقائله عدي بن زيد التميمي، شاعر جاهلي، والبيت في ديوانه (ص 139)، ط. حلب (1387 هـ - 1967 م) بقلم محمد علي الهاشمي. اللغة والمعنى: شاحط: بعيد والبيت مع ما قبله يدل أنه يصف الدهر بأنه يعم بنوائبه الصديق والعدو والقريب. والشاهد في قوله: «شاحط» على أنه صفة مشبهة باتفاقهم مع أنها جارية على فعلها ردّا على الفارسي والزمخشري. ينظر الشاهد في: المساعد لابن عقيل (2/ 211)، والعيني (3/ 121)، والمغني برقم (700). (¬4) أي: انتهى كلام الصفار. (¬5) البيت من الطويل وقائله عبد الله بن رواحة الأنصاريّ كما في مراجعه، ولم أجد هذا البيت في ديوان ابن رواحة ط. مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة سنة (1392 هـ - 1972 م). والشاهد فيه قوله: «تائب النفس ضارع» على أن تائب وضارع صفتان مشبهتان مع جريانهما على الفعل. ينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (3/ 91)، وشرح التصريح (2/ 71).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم الفاعل إلا إن أمن اللبس، فقد يجوز على ضعف، وقلّة الكلام نحو: زيد كاتب الأمير، كاتب الأب، تريد: كاتب أبوه (¬1) انتهى. وهو غير ظاهر، فإنّنا لم نضعّفه حتّى جعلناه صفة مشبهة، ولهذا قال المصنف في آخر هذا الباب: وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصفة المشبّهة. واعلم أنّه إذا أضيفت الصفة المشبهة إلى معمولها، فالأكثرون (¬2) على أنّ الإضافة إنّما هي من نصب، لا من رفع، فإذا قلت: مررت برجل حسن الوجه؛ فأصله: حسن الوجه، بالنّصب، شبه اللازم بالمتعدّي؛ فنصب ثمّ جرّ المنصوب كما يجرّ منصوب اسم الفاعل المنصوب وصار الفاعل ضميرا، مستكنّا في الصفة فالنصب على هذا ناشئ عن الرفع، والخفض ناشئ عن النصب وذهب بعضهم إلى أنّ الإضافة يمكن أن تكون من نصب وأن تكون من رفع (¬3). وعلّله بأنك إذا قلت: مررت برجل حسن وجهه، بالرفع وهو الأصل، أردت أن تنقل الضمير إلى الصفة مبالغة، فلمّا نقلت بقي الوجه دون إعراب فإما أن تنصبه ثم تخفضه، وإما أن تخفضه من أول وهلة. قلت: ولا يلزم منه إضافة الشّيء إلى نفسه لأننا إنّما أضفنا بعد النقل، وحينئذ صار «الحسن» هو الضمير، لا «الوجه» فخفض «الوجه» بالإضافة، على ما يجب في الأسماء، من إضافة بعضها إلى بعض. انتهى. - ¬

_ (¬1) في شرح الألفية لابن بالناظم (ص 172 - 173): (ومما تختص به الصفة المشبهة عن اسم الفاعل استحسان جرها الفاعل بالإضافة نحو: طاهر القلب جميل الظاهر، تقديره: طاهر قلبه جميل ظاهره؛ فإن ذلك لا يسوغ في اسم الفاعل إلا إن أمن اللبس فقد يجوز على ضعف وقلة في الكلام نحو: زيد كاتب الأب، يريد: كاتب أبوه) اهـ. (¬2) ذهب إلى هذا ابن السيد البطليوسي والأستاذ أبو علي الشلوبين وأكثر أصحابه كما في التذييل والتكميل (4/ 855) حيث جاء فيه ما نصه: (من النحويين من زعم أن الإضافة من نصب لا من رفع فإذا قلت: مررت برجل حسن الوجه؛ فأصله: «الوجه» بالنصب مشبه الوصف اللازم بالوصف المتعدي فنصب ثم جر المنصوب كما جر منصوب اسم الفاعل المتعدي إذا كان قد استكن في الصفة المشبهة ضمير وبقي «الوجه» فضلة فانتصبت فجاز جرّه، وإلى هذا ذهب أبو محمد بن السيد والأستاذ أبو علي وأكثر الصحابة فالخفض عندهم ناشئ عن النصب والنصب ناشئ عن الرفع) انتهى. (¬3) هذا ما ذهب إليه الأستاذ أبو الحسن علي بن الدباج الأنصاري المشهور بالدباج وأبو عبد الله ابن هشام الخضراوي. وينظر في ذلك: التذييل والتكميل (4/ 855)، والمساعد (2/ 212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأمر في ذلك قريب ولا يترتب على هذا الخلاف حكم والذي تقتضيه الصناعة أن تكون الإضافة من نصب، قال ابن عصفور: وهو مذهب سيبويه (¬1). وقال الشيخ: ظاهر كلام المصنف يدلّ على أنّ الإضافة من رفع (¬2) انتهى. وظاهر كلام المصنف يدلّ على أنّ الإضافة ليست من رفع؛ لقوله: الفاعل معنى ولو أراد أنّها من رفع، لم يقيد الفاعل بالمعنى بل كان يطلق، وههنا تنبيهان: الأول: يستفاد من قول المصنف في الحدّ: (ثابتا معناها) أنّها للزّمان الدائم، فلا تختصّ بزمان، دون زمان، وقال ولده رحمه الله تعالى - في شرح الألفيّة -: لا تكون للماضي المنقطع ولا للمستقبل الذي لم يقع، وإنّما تكون للحال الدائم، وهو الأصل في باب الوصف (¬3). انتهى. وما استفيد من كلام المصنّف، وصرّح به ولده هو الحقّ. ونقل [3/ 152] الشيخ عن النّحاة في زمان هذه الصفة أقوالا مختلفة ظاهرها التدافع (¬4)، وذكر عن بعضهم الجمع بين قولين منها ظاهري التناقض، على أنّه يمكن رد الأقوال كلّها إلى ما يراه المصنف، لأنّ مقاصد قائليها يمكن أن تكون واحدة، وإن اختلفت عباراتهم، والذي ذكره الشيخ هو أنّ أكثرهم ذهب إلى أنّه لا يشترط أن يكون بمعنى الحال، وأنّ ابن طاهر ذهب إلى أنها تكون للأزمنة الثلاثة، وأنّ السيرافي ذهب إلى أنّها أبدا بمعنى الماضي، وأنّ ابن السراج والفارسي ذهبا إلى أنّها لا تكون بمعنى الماضي (¬5)، وذكر أنّ صاحب البسيط ذكر عن بعضهم أنّها - ¬

_ (¬1) ينظر الشرح الكبير لابن عصفور (1/ 416، 417) وقد جاء فيه: (والدليل على ما ذكره سيبويه من أنّ الإضافة فيه من نصب قوله: وقد جاء في الشعر: حسنة وجهها؛ فباطل أن تكون الإضافة هنا من رفع؛ لأنه لو كان كذلك لوجب أن تكون: حسن وجهها؛ لأن الصفة إذا رفعت الظاهر كانت على حسبه من تذكير وتأنيث وإذا رفعت المضمر كانت على حسبه فدل ذلك على أنه في «حسن» من قولك: مررت بامرأة حسن وجهها؛ ضميرا يعود على «امرأة» ويكون «وجهها» إذ ذاك في موضع نصب) انتهى. (¬2) التذييل والتكميل (4/ 854). (¬3) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 172). (¬4) ينظر: التذييل (4/ 863). (¬5) قال السيرافي في شرح الكتاب (2/ 813): (ولم تقو أن تعمل عمل الفعل؛ لأنها ليست في معنى الفعل المضارع) ثم قال في (ص 819): (فمن ذلك أن «حسن الوجه» إنّما هو مأخوذ من فعل ماض -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تكون إلا حالا، وقال صاحب البسيط: ليس ذلك على جهة الشرط بل إنّ وضعها لذلك لكونها دالة على الثّبوت، والثبوت من ضرورته الحال، وهذا الكلام من هذا الرجل يؤيد ما يراه المصنف وابنه في ذلك. الثاني: ذكروا بين الصّفة المشبّهة واسم الفاعل بالنّسبة إلى الأحكام - فروقا: منها: أنّ الصفة لا يكون معمولها إلّا سببيّا كما سيأتي، وأنّه لا يتقدم المعمول عليها، وأنه لا يفصل بينها وبينه، وقال الشيخ بدر الدين ولد المصنف - مشيرا إلى الحكمين الأولين -: هذا بالنسبة إلى ما هو فاعل (¬1) في المعنى، وأما غيره كالجار والمجرور فإنّ الصفة تعمل فيه متأخّرا عنها ومتقدما، وسببيّا وغير سببي، تقول: زيد بك فرح وجذلان في دار عمرو، كما تقول: في داره (¬2)، وأمّا الفصل فنقل الشيخ عن بعضهم (¬3)، أنّه يجوز إذا كان العامل مرفوعا أو منصوبا كقوله تعالى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (¬4)، وذكر في شرح الخفاف (¬5) أنّ الفصل في قوله: 2214 - والأكرمون إذا ما ينسبون أبا (¬6) ضرورة. - ¬

_ - وأمر مستقر) اهـ. في الأصول لابن السراج (1/ 86): (واعلم أنّ «حسنا» وما أشبهه إذا أعملته عمل اسم الفاعل فليس يجوز عندي أن يكون لما مضى، ولا لما يأتي فلا تريد به إلا الحال؛ لأنه صفة، وحق الصفة صحبة الموصوف) اهـ. (¬1) في شرح الألفية لابن الناظر (ص 173): (هذا بالنسبة إلى عملها فهو فاعل في المعنى ...) إلخ. (¬2) انتهى النقل من شرح الألفية لابن الناظم (ص 173). (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 889) إنّ هذا عن كتاب البسيط وينظر: تعليق الفرائد (3/ 34). (¬4) سورة ص: 50. (¬5) سبقت ترجمته. أما شرح الخفاف المشار إليه فهو مفقود ولمراجعة ما نقل هنا عن شرح الخفاف ينظر: التذييل والتكميل (4/ 889)، وتعليق الفرائد للدماميني (3/ 34). (¬6) هذا عجز بيت من البسيط وهو بتمامه: سيري أمام فإن الأكثرين حصى ... والأكرمون إذا ما ينسبون أبا وقائله الحطيئة الشاعر المخضرم المشهور ينظر: ديوانه (ص 16). والشاهد في البيت: الفصل بين الصفة المشبهة «الأكرمون» وبين معمولها وهو كلمة «أبا» بقوله: «إذا ما ينسبون». ينظر الشاهد في: الهمع (2/ 97)، والدرر (2/ 131).

[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها]

[أحوال الصفة المشبهة وأحكامها] قال ابن مالك: (وهي إمّا صالحة للمذكّر والمؤنّث معنى ولفظا أو معنى لا لفظا أو لفظا لا معنى أو خاصّة بأحدهما، معنى ولفظا فالأولى تجري على مثلها وضدّها والبواقي تجري على مثلها لا ضدّها، خلافا للكسائيّ والأخفش). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما اسم الفاعل فيعمل في السببيّ والأجنبيّ، ويتقدم معموله عليه بشرطه، ويجوز الفصل بينه وبين معموله فتقول: زيد ضارب في دار عمرو بكرا. ومنها: أنها تضاف إلى ما هو فاعل في المعنى بخلاف اسم الفاعل. ومنها: أنّها لا تعمل مقدرة بخلاف اسم الفاعل، فإنّه يعمل مقدرا، تقول: أنا زيد ضاربه، وأنه يقبح أن يضمر فيها الموصوف، ويضاف معمولها إلى ضميره، نحو: حسن وجهه، كما سيأتي. بخلاف اسم الفاعل، تقول: مررت برجل ضارب أباه. ومنها: أنها إذا كانت هي ومعمولها داخلا عليها «أل» كان الأحسن الجرّ إذا قدر دخول «أل» بعد الإضافة بخلاف اسم الفاعل نحو: الضارب الرجل فإنّ الأحسن فيه النصب، وأمّا إذا قدّر دخول «أل» في الصفة ومعمولها، قبل الإضافة، فالأحسن، إذ ذاك النصب كاسم الفاعل. قال ناظر الجيش: ذكر أنّ الصفة أربعة أقسام لأنّها إمّا أن تصلح للمذكر والمؤنث معنى ولفظا، أو لا تصلح لا معنى ولا لفظا إلا لأحدهما، أو تصلح لهما معنى دون لفظ أو لفظا (¬1) دون معنى. الأولى: كلّ صفة يصلح معناها للمذكّر والمؤنث ويستعمل لفظها للمذكر وللمؤنث كـ: حسن، وقبيح، وكريم، وبخيل. الثانية: كلّ صفة معناها خاصّ بالمذكر واللفظ خاصّ به، أو معناها خاص بالمؤنّث - ¬

_ (¬1) في التذييل والتكميل (4/ 858): (وقد بنت العرب من اسمها لفظا للمذكر والمؤنث) أي من هذا القسم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واللفظ خاص به، مثال الأول: آدر (¬1) وأكمر (¬2)، ومثال الثاني: رتقاء (¬3)، وعفلاء (¬4). الثالثة: كلّ صفة يصلح معناها للمذكّر وللمؤنّث ويخصّ كلّ منها بلفظ، نحو: آلي (¬5) وعجزاء، فإنّ كبر الألية معنى مشترك بينهما لكن خصّ كلّ منهما بلفظ. الرابعة: عكس هذه، وهي كلّ صفة معناها خاصّ بالمذكّر، أو المؤنث واللفظ - من حيث الوزن - صالح لهما نحو: خصي (¬6) وحائض، فالأولى: تجري على مثلها وعلى ضدّها أي يجرى المذكر منها على المذكر، وعلى المؤنث نحو: مررت برجل حسن بشره، وبامرأة حسن بشرها، ويجري المؤنث منها على المؤنث وعلى المذكر، نحو: مررت بامرأة حسنة صورتها، وبرجل حسن صورته، وهذا هو المراد من قولهم: إنّها تشبه عموما. وأما الثلاث الباقية: فإنها تجري على مثلها، ولا تجري على ضدّها إلا عند الكسائيّ، والأخفش (¬7)، وهذا هو المراد من قولهم: تشبه خصوصا، فيقال: مررت برجل آدر ابنه وبامرأة رتقاء بنتها، وبرجل آلي ابنه وبامرأة عجزاء بنتها، وبرجل خصيّ ابنه، وبامرأة حائض بنتها، ويقال - على رأي الكسائيّ والأخفش -: مررت بامرأة آدر ابنها وبرجل رتقاء بنته، وبامرأة إلي ابنها، وبرجل عجزاء بنته، وبامرأة خصيّ ابنها، وبرجل حائض بنته، ولم ينسب ابن عصفور الخلاف إلا إلى - ¬

_ (¬1) في المساعد لابن عقيل (2/ 212): (والأدرة نفخة في الخصية، يقال: رجل آدر، بين الأدرة)، وفي القاموس المحيط مادة «أدر»: (والآدر من يصيبه فتق في إحدى خصييه، آدر كفرح والاسم الأدرة بالضمّ ويحرك) اهـ. (¬2) في الأصل: أكم، وهذا تحريف، والصواب ما أثبته. وفي اللسان مادة «كمر»: (كمر كالكمر، وهو الكبير الكمرة، وهي رأس الذكر) اهـ. (¬3) في القاموس مادة «رتق»: الرتق ضد الفتق ومحركة جمع «رتقة» وامرأة رتقاء: بينة الرتق لا يستطاع جماعها، ولا خرق لها إلا المبال خاصّة. (¬4) في اللسان «عفل»: (وقال ابن دريد: هو غلظ في الرحم) وينظر: القاموس «عفل». (¬5) ألي: كبر الألية للرجل، وعجزاء: كبر العجز للمرأة، وفي التذييل والتكميل (4/ 858): (والثانية: كل صفة يصلح معناها للمذكر والمؤنث واختص كل واحد منها بلفظ، وذلك نحو كبر الألية، فهذا معنى مشترك فيه، ولكن خص الذكر بلفظ آلي، والمؤنث بلفظ عجزاء) اهـ. (¬6) في التذييل (4/ 858): (والخصياء معنى مختص بالمذكر، والصفة منه خصي، على وزن فعيل). (¬7) يراجع مذهب الكسائي والأخفش في: التذييل والتكميل (4/ 859)، والمساعد لابن عقيل (2/ 213) تحقيق د/ بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخفش خاصة، ولم يجعل الخلاف - من هذه الثّلاث - إلا في واحدة، وهي الصفة التي لفظها صالح للمذكر والمؤنث، ومعناها خاصّ بأحدهما، كـ: خصيّ وحائض، قال في شرح الجمل (¬1) ما معناه: هي ثلاثة أقسام، قسم يشبه عموما باتفاق وقسم يشبه خصوصا باتفاق، وقسم فيه خلاف، فالأول: كـ: حسن. والثاني: كـ: عذراء، وملتح، والثالث: كـ: خصيّ، وحائض. أجاز أبو الحسن: مررت برجل حائض البنت، وبامرأة خصيّ الابن، ووجه جوازه - عنده - أنه لم يحدث لفظا ليس من كلام العرب، لأنّ «خصيّا» فعيل بمعنى مفعول يكون للمذكر والمؤنث بغير هاء، وكذلك «حائض»؛ اللفظ صالح لهما، قال: والذي ذهب إليه غير صحيح؛ لأنّ هذا الباب مجاز، والمجاز لا يقال إلّا حيث تسوغ الحقيقة، والحيض لا يكون للرجل حقيقة، فلا يكون له مجازا، وكذلك الخصاء، بالنسبة إلى المرأة (¬2). انتهى. وبقي عليه قسم لم يذكره (¬3): وهو ما لفظ الصفة فيه خاصّ بالمذكر، أو بالمؤنث والمعنى صالح لهما، كـ: آلى، وعجزاء، والظاهر أنّ حكمه - عنده - حكم القسم الثاني، في أنّه يشبه خصوصا [3/ 153] اتفاقا ثمّ في كلامه نظر، من وجوه: أحدها: أنّه مثل في القسم الثاني بـ: مليح، وليس بجيد؛ لأنّ اللفظ ليس مختصّا، لقبوله التاء، وإن اختصّ معناه. ثانيها: قوله في المجاز: لا يقال منه إلا ما سمع؛ ممنوع. ثالثها: قوله فيه - أيضا -: لا يقال إلا حيث تسوغ الحقيقة وقد يمنع أيضا، وقد أدرج الشيخ القسم الثالث الذي فيه خلاف الأخفش عند ابن عصفور في القسم الثاني المتفق عليه عنده، ونقل أحد الضربين من القسم الثاني، فجعله في القسم الثالث، وكان ذلك من شطحان القلم (¬4). ¬

_ (¬1) يراجع ما قاله ابن عصفور في شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير) (1/ 567). (¬2) أي: انتهى ما نقله ابن عصفور في الشرح الكبير (1/ 566، 567)، وهذا النقل بالمعنى. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 859) زيادة إيضاح لهذا القسم الذي لم يذكره ابن عصفور. (¬4) يراجع كلام الشيخ أبي حيان في المرجع السابق (4/ 858، 859).

[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه]

[أقسام معمول الصفة المشبهة وإعرابه] قال ابن مالك: (فصل: معمول الصّفة المشبّهة ضمير بارز متّصل أو سببيّ موصول أو موصوف يشبهه، أو مضاف إلى أحدهما أو مقرون بـ «أل» أو مجرّد أو مضاف إلى ضمير الموصوف أو إلى مضاف إلى ضميره لفظا أو تقديرا أو إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف). قال ناظر الجيش: قد تقدم أنّ معمول هذه الصّفة لا بدّ أن يكون سببيّا والمراد بالسببيّ الملتبس بضمير صاحب الصّفة لفظا أو معنى وبالجملة لا يكون أجنبيّا من الأول، وذكر المصنف اثني عشر نوعا في متن الكتاب منها أحد عشر، والثاني عشر مأخوذ من كلامه في الشرح (¬1). الأول: ضمير بارز متصل، كمعمول «جميل» من قولك: مررت برجل حسن الوجه جميله، وكمعمول «طلق» في قول الشاعر: 2215 - حسن الوجه طلقه أنت في السّل ... م وفي الحرب كالح مكفهر (¬2) الثاني: سببيّ موصول، نحو: رأيت رجلا جميل ما اشتمل عليه من الصفات. وقال عمر بن أبي ربيعة: 2216 - أسيلات أبدان دقاق خصورها ... وثيرات ما التفّت عليه الملاحف (¬3) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 90). (¬2) البيت من الخفيف ولم ينسب لقائل معين. اللغة: طلقه: وجه غير عبوس، السلم - بكسر السين -: الصلح، والكلح: التكشير في عبوس، المكفهر: العابس الغاضب. والشاهد في البيت قوله: «طلقه»،؛ إذ أعمل «طلق» - وهو صفة مشبهة في الضمير البارز المتصل، وهو الهاء من «طلقه». ينظر البيت في: شرح المصنف (3/ 90)، والتذييل والتكميل (4/ 864)، والعيني (3/ 362)، وشرح الأشموني (3/ 5). (¬3) البيت من الطويل، وعمر بن أبي ربيعة شاعر أموي، من بني مخزوم، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 557). اللغة: أسيلات: جمع أسيلة وهي الطويلة، وثيرات: جمع وثيرة أراد طيبات الأرداف والأعجاز. والشاهد في البيت قوله: «وثيرات ما التفت»؛ حيث إنّ «وثيرات» صفة مشبهة أضيفت إلى معمولها -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وفي هذا البيت «أسيلات أبدان» وهو نظير «حسن وجه» و «دقاق خصورها» وهو نظير «حسن وجهه». وقال آخر: 2217 - إن رمت أمنا وعزّة وغنى ... فاقصد يزيد العزيز من قصده (¬1) وأما قول الآخر: 2218 - ومهمه هالك من تعرّجا (¬2) أي: من تعرّج عليه، فقيل: هو من هذا القبيل فيكون نظير «وثيرات ما التفت»، وقيل: «هالك» من هلك المتعدي فإنه سمع متعدّيا أيضا وأما تخريجه على أنّ «هالكا» وقع موقع مهلك نحو: وارس، ويافع من «أورس» و «أيفع» فقد ردّ بأنّ «فاعلا» بمعنى «مفعل» شاذّ وقد قالت العرب: «ورس ويفع» فجاء «وارس ويافع» على هذا الثلاثيّ، ولم يمثل المصنف الموصول إلا بـ: من وما، وكذا غيره ممن وقفت على كلامه. الثالث: موصوف يشبه الموصول يعني أن يكون موصوفا بما يوصل به الموصول - ¬

_ - الموصول وهو «ما» وقال الدماميني في تعليق الفرائد (3/ 23): (ولقائل أن يقول: لا موجب في البيت لأن تكون «ما» موصولة بمعنى الذي؛ لجواز كونها موصوفة بمعنى «شيء»). ينظر الشاهد في: ديوان عمر بن أبي ربيعة (ص 133)، والعيني (3/ 623)، والأشموني (3/ 6). (¬1) البيت من المنسرح ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «العزيز من قصده»؛ حيث إنّ العزيز صفة مشبهة وقد عملت هذه الصفة المشبهة في اسم الموصول «من». ينظر الشاهد في: شرح الأشموني (3/ 14)، ومعجم شواهد العربية (1/ 99). (¬2) من الرجز للعجاج التميمي واسمه عبد الله بن رؤبة بن لبيد، من تميم، تنظر ترجمته في الشعر والشعراء (2/ 595). اللغة: مهمه: أرض قفرة مستوية، وهي المفازة، هالك من تعرجا: أي من تعرج عليه هالك، يقال: تعرج على القوم: عطف عليهم وأقام، وفي الخصائص لابن جني (2/ 210): ومهمه هالك من تعرجا فيه قولان: أحدهما: أنّ هالك بمعنى مهلك، أي: يهلك من تعرج عليه. والآخر: ومهمه هالك المتعرجين فيه، كقولك: هذا رجل حسن الوجه. والشاهد في البيت قوله: «هالك من تعرجا»؛ حيث إنّ «هالك» صفة مشبهة عملت في السببي وهو هنا «من» الموصولة. ينظر الشاهد في: ديوان العجاج (ص 367)، والمقتضب (3/ 180)، واللسان «هلك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من جملة أو شبهها وذلك نحو: رأيت رجلا طويلا رمح يطعن به. قال الشاعر: 2219 - أزور امرأ جمّا نوال أعدّه ... لمن أمّه مستكفيا أزمة الدّهر (¬1) الرابع: مضاف إلى الموصول، نحو: رأيت رجلا طويل غلام من ماشاه. قال الشاعر: 2220 - فعجتها قبيل الأخيار منزلة ... والطيبي كلّ ما التاثت به الأزر (¬2) الخامس: مضاف إلى الموصوف المذكور، نحو: رأيت رجلا حديد سنان رمح يطعن به. السادس: مقرون بـ «أل» نحو قوله تعالى: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ * (¬3)، ومنه قول ابن رواحة رضي الله عنه: 2221 - تباركت إنّي من عذابك خائف ... وإنّي إليك تائب النّفس ضارع السابع: مجرّد، أي: من «أل» ومن الإضافة، نحو: مررت برجل حسن وجه. الثامن: مضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: مررت برجل حسن وجهه، قال - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وقائله مجهول، كما قال العيني في شواهده (3/ 631). اللغة: جمّا: عظيما، نوال: عطاء، أعده - من الإعداد - صفة لنوال، قال العيني: والأولى أن تكون صفة لامرئ و «من» موصولة و «أمه» جملة صلتها، مستكفيا: نصب على أنه مفعول به ثان لـ «أعده» وأزمة الدهر: شدته. والشاهد في البيت قوله: «جمّا نوال أعدّه»، حيث إنّ «نوال» مرفوع بقوله: «جمّا» لأنّه صفة مشبهة عملت عمل فعلها ومعمولها موصوف يشبه الموصول. ينظر البيت في: العيني (2/ 361)، والمساعد لابن عقيل (2/ 214) تحقيق د/ بركات. (¬2) هذا البيت من البسيط وقائله: الفرزدق الشاعر المشهور. اللغة: فعجتها: أي الناقة، أي عطفت رأسها بالزمام، قبل الأخيار: نحوهم، منزلة: تمييز، والتاثت: اختلطت، الأزر: جمع إزار وهذا كناية عن وصفهم بالعفة، كناية بالشيء عما يحويه ويشتمل عليه. والشاهد في البيت قوله: «والطيبي كل ما التاثت به الأزر» فإنّ: «الطيبي» صفة مشبهة مضافة إلى «كل» الذي هو مضاف إلى موصول. ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (ص 221) ط. الصاوي (1354 هـ)، وشرح التصريح (2/ 85)، وشرح الأشموني (3/ 6). (¬3) سورة البقرة: 202، وسورة النور: 39.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (¬1). التاسع: مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف لفظا، نحو: مررت برجل حسن شامة خدّه، وقال الشاعر: 2222 - تراهنّ من بعد إسآدها ... وشدّ النّهار وتدآبها طوال الأخادع خوص العيون ... خماصا مواضع أحقابها (¬2) العاشر: مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف تقديرا نحو: مررت برجل حسن شامة الخدّ، أي: شامة خدّه، وقال الشاعر: 2223 - أأطعمت العراق ورافديه ... فزاريّا أحذّ يد القميص (¬3) أي: قميصه، وأنشد الشيخ (¬4) في شرحه: 2224 - خفيضة أعلى الصّوت ليست بسلفع ... ولا نمّة خرّاجة حين تظهر (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 283، وقد استشهد به على أنّ «قلبه» - بالنصب - على التشبيه بالمفعول به، و «آثم» صفة مشبهة مما جاء على صيغة فاعل، واختارها ابن هشام في المغني (ص 571) تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، وفي معاني القرآن للفراء (1/ 188): (وأجاز قوم «قلبه» بالنصب) ثم قال: (فإن يكن حقّا فهو من جهة قولك: سفهت رأيك وأثمت قلبك) اهـ. وفي البحر المحيط (2/ 375) نسبها إلى ابن أبي عبلة. (¬2) البيتان من المتقارب وقائلهما الأعشى ميمون بن قيس الشاعر المشهور من قصيدة يمدح بها رهط عبد المدان من بني الحارث بن كعب، كما في ديوانه (ص 23) ط. دار صادر بيروت. اللغة: إسآدها: سيرها الليل كله، الأخادع: جمع أخدع، وهو عرق في العنق، خوص العيون: ضيقها وصغرها لتحديق النظر، أحقابها: أراد موضع أحزمتها. والشاهد في قوله: «مواضع أحقابها» فالمعمول هنا مضاف إلى المضاف إلى ضمير الموصوف لفظا. وينظر الشاهد في: ديوان الأعشى (ص 23)، والتذييل والتكميل (4/ 883). (¬3) البيت من الوافر من قصيدة للفرزدق يهجو بها عمر بن هبيرة الوالي على العراق من قبل يزيد بن عبد الملك. اللغة: أحذ: مقطوع يد القميص، والمعنى: أنه قصير اليدين عن نيل المعالي؛ لأنه قصير الكمّين، وقيل: كناية عن السرقة. والشاهد هنا: «أحذ يد القميص» إذ هو موافق: مررت برجل حسن شامة الخد، أي: شامة خدّه، وقد وضح بقوله: أي قميصه. ينظر الشاهد في: ديوان الفرزدق (1/ 389)، والشعر والشعراء (1/ 194)، (2/ 87)، واللسان «رفد»، والدرر (1/ 25). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 877). (¬5) البيت من الطويل، وقائله أبو قيس صفي بن الأسلت الأوسي شاعر جاهلي. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: أعلى صوتها. قال المصنف (¬1): وقد اجتمع هذا، والذي قبله في قوله: 2225 - إنّ كثيرا كثير فضل نائله ... مرتفع في قريش موقد النّار (¬2) الحادي عشر: مضاف إلى ضمير، مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: مررت بامرأة حسنة وجه جاريتها، جميلة أنفه، فالأنف معمول «جميلة»، وهو مضاف إلى ضمير «الوجه»، و «الوجه» إلى (¬3) «الجارية» و «الجارية» مضافة إلى ضمير «المرأة»، وهو الموصوف فـ «الأنف» إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف. الثاني عشر: وهو الذي ذكره في الشرح مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى نحو: مررت برجل حسن الوجنة جميل خالها، فـ «الخال» مضاف إلى ضمير «الوجنة» وهي معمولة لصفة أخرى وهي «حسن». قال الشاعر: 2226 - سبتني الفتاة البضّة المتجرّد اللّ ... طيفة كشحه، وما خلت أن أسبى (¬4) - ¬

_ - اللغة: ليست بسلفع: ليست جريئة دنيئة، ولا نمّة: ليست بنقالة للحديث من قوم إلى قوم، على جهة النميمة والإفساد، ولا خراجة: من قولهم: رجل خراج، أي ولاج كثير الظرف. والشاهد في البيت: قوله: «خفيضة أعلى الصوت» حيث هي صفة مشبهة، ومعمولها هنا هو قوله: «أعلى الصوت»، وقد جاء مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف تقديرا، يريد أعلى صوتها. ينظر الشاهد في: ديوان أبي قيس بن الأسلت (ص 72) تحقيق د/ حسن باجوده ط. دار التراث (1391 هـ) التذييل والتكميل (4/ 867). (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 92). (¬2) هذا البيت من شواهد شرح التسهيل لابن مالك ولم ينسبه لأحد ولم أعرف قائله. وفي البيت شاهدان للنوعين التاسع والعاشر السابقين من مواضع معمول الصفة المشبهة. (¬3) أي: والوجه مضاف إلى الجارية، كما في المرجع السابق؛ والكلام هنا منقول منه بنصه. (¬4) البيت من الطويل ولم ينسب لقائل معين. اللغة: الفتاة: الشابة، البضة، رقيقة الجلد الممتلئة. المتجرد - بضم الميم، وفتح التاء والجيم -: بمعنى التجرد والعري، وكشحه بالرفع والجر. والكشح: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلفي، وما خلت أن أسبى: من السبي وهو الأسر. والشاهد في البيت: قوله: «البضة المتجرّد اللطيفة كشحه» فإنّ «كشحه» معمول للصفة المشبهة هنا وهي «اللطيفة» وهو معمول مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى أي أضيف «الكشح» إلى ضمير -

[عمل الصفة المشبهة في الضمير]

[عمل الصفة المشبهة في الضمير] قال ابن مالك: (وعملها في الضّمير جرّ بالإضافة إن باشرته وخلت من «أل»، ونصب على التّشبيه بالمفعول به إن فصلت أو قرنت بـ «أل» ويجوز النّصب مع المباشرة والخلوّ من «أل» وفاقا للكسائيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: وهو نادر (¬1). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على صور معمول الصفة، شرع في ذكر أحكامها بالنسبة إلى الإعراب، وأتى بذلك على ترتيب ما ذكره، فبدأ بالكلام على الضّمير، وذكر أنه إما مجرور، أو منصوب، أما الرفع فلا يتصور فيه؛ لأنه قيد الضمير بكونه بارزا، وضمير الرفع لا يبرز مع الأسماء. وتفصيل القول في ذلك: أنّ الصفة إمّا مجردة من «أل» أو مقرونة بها، والمجردة إما أن تباشر الضمير أو لا تباشره، فإن كانت مجردة وباشرت الضمير فالضمير في موضع جرّ بالإضافة نحو قوله: 2227 - حسن الوجه أنت ... ... ... البيت المتقدم قال المصنف (¬2): إذا جرّدت [3/ 154] الصفة المتصل بها ضمير بارز فقد تقصد إضافتها إليه، وقد لا تقصد، فإن قصدت حكم بالجرّ وإن لم تقصد حكم بالنّصب على التشبيه بالمفعول به (¬3)، وإنّما يمكن القصدان والمعمول ضمير إذا كانت الصفة غير متصرفة، نحو: رأيت غلاما حسن الوجه أحمره، فالجرّ بالإضافة، والنصب على التّشبيه بالمفعول به جائز عند الكسائي، والجرّ عند غيره - ¬

_ - «المتجرد» المضاف إليه «البضة». ينظر الشاهد في: المساعد (2/ 215) تحقيق د/ بركات، والعيني (3/ 623)، والأشموني (3/ 7، 14). (¬1) غير موجود في المطبوع من شرح التسهيل لابن مالك. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 93). (¬3) وفي التذييل والتكميل (4/ 869): (وإن كان غير مرفوع وباشرته الصفة، وخلت من «أل» فالضمير مجرور بالإضافة، نحو: مررت برجل حسن الوجه جميله، وأجاز الفراء التنوين والنصب، فتقول: جميل إياه، وهو فاسد إذ لا يفصل الضمير ما قدر على اتصاله) اهـ. وفي المقرّب لابن عصفور (1/ 141): (وإن كانت غير متصرفة جاز في الضمير أن يكون في موضع خفض، وأن يكون في موضع نصب، فتقول: مررت برجل حسن الوجه أحمره، بكسر الراء إن قدرت الضمير مخفوضا، وفتحها إن قدرته منصوبا، وسمع الكسائي: لا عهد لي بألأم قفا منه، ولا أوضعه، بفتح العين) اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متعين، ومذهب الكسائي هو الصحيح؛ لأنّه روي عن بعض العرب: «لا عهد لي بألأم منه قفا، ولا أوضعه» بفتح العين، وبمثل هذا ظهر الفرق بين قصد الإضافة، وغيرها، وعلى هذا يقال - إذا قصدت الإضافة -: مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره، إلّا أنّ هذا الوجه لم يجزه من القدماء غير الكسائي. انتهى كلام المصنف. وذكر ابن عصفور في المقرب الجرّ وغيره، ولم يخصّ الكسائيّ ولا غيره بتجويز النصب، وإن كانت الصفة مجردة، ولم تباشر الضمير، أو مقرونة بـ «أل»، فالضمير في موضع نصب، وإلى هذا الإشارة بقوله: ونصب على التشبيه بالمفعول به إن فصلت - يعني الصفة المشبهة - أو قرنت بـ «أل» المجردة غير المباشرة مثل قولك: قريش أحسن الناس ذرية، وكرامهموهم، وقال: والأصل في صحة هذا الاستعمال: ما روى الكسائي عن قوم من العرب: هم أحسن الناس وجوها وأنضرهموها (¬1)، وقال أيضا: ويتعين النصب بلا خلاف، في الضّمير الذي انفصلت الصفة منه، بضمير آخر. اهـ. ولا يكون قول العرب: هم أحسن الناس وجوها وأنضرهموها من هذا الباب، إلا إذا لم يقصد بـ «أفعل» فيه تفضيل، وكأنّ عدم التفضيل فيه لازم لأنّ الضمير المفصول من الصفة منصوب كما تقرر، فلا بدّ له من ناصب و «أفعل» التفضيل لا ينصب أصالة ولا يشبه المنصوب، وعلى هذا يتعين كون «أفعل» منه صفة مشبهة، وإذا تقرر ذلك: علم أنّ الصفة المجردة غير المباشرة للضمير قسمان: متصرفة وغير متصرفة، كالصفة المجرّدة المباشرة، إلّا أنّ الضمير مع غير المباشرة متعين النصب في القسمين، بلا خلاف للفصل، وأما مع المباشرة فمتعين في المتصرفة، جائز في غير المتصرفة، إمّا على رأي الكسائيّ خاصة كما قال المصنف، أو على كلّ رأي، كما هو ظاهر كلام صاحب المقرّب، وأما المقرونة بـ «أل» فقسمان - أيضا -: متصرفة، وغير متصرفة، مثال المتصرفة: مررت بالرجل الحسن الوجه الجميل، ومثال غير المتصرفة مررت بالغلام الحسن الوجه الأحمره، - ¬

_ (¬1) في حاشية الصبان (3/ 15): قوله: (وعملها جرّ بالإضافة إن باشرته وخلت من «أل» جوز في التسهيل وفاقا للكسائي - مع المباشرة، والخلو من «أل» - أن تعمل الصفة في الضمير النصب على التشبيه بالمفعول به، فعلى هذا الجر غالب لا لازم، قال: (ويظهر الفرق بين قصد الإضافة وعدم قصدها في مثل: مررت برجل أحمر الوجه لا أصفره، بكسر الراء عند قصد الإضافة، وفتحها عند عدم قصدها) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والنصب لازم في القسمين كما تقدم، وذكر الشيخ عن بعضهم أنّه يقول: إنّ الضمير مع المتصرفة في موضع جر (¬1)، والظاهر أنّ هذا إنّما يكون على رأي من يحكم على الضّمير في نحو: «الضاربك» أنّه في موضع جر، وهو الرماني، ومن وافقه، وذكر المصنف في الصفة غير المتصرفة أنّ الفراء يظهر من كلامه أن الضمير معها جائز الجرّ وأنه راجح على النصب فإنّه قال في: «أنت الضاربه» الهاء وخفض ولو نويت بها النصب كان وجها. اهـ (¬2). وينبغي أن يجيء قول الفراء هذا في الصفة المتصرفة أيضا، فيكون الضمير معها عنده مرجح الجرّ على النصب؛ إذ لا فرق، وهو موافق لما ذكره الشيخ عن بعضهم، وقاعدة الفراء لا تأبى ذلك لتجويزه نحو: الضارب زيد. وقد تلخص من هذا جميعه: أن الضمير مع الصفة المجرورة المباشرة له مجرور، إن كانت الصفة متصرفة، ولم يذكروا فيه خلافا، ويمكن أن يأتي فيه خلاف الأخفش وهشام المذكور في نحو: ضاربك، فيكون في موضع نصب على رأيهما، وإن كانت غير متصرفة، فكذلك يجوز الحكم على الضّمير بالنصب أيضا إما على رأي الكسائيّ أو على كل رأي كما تقدم، وأنه مع الصفة المجرورة غير المباشرة منصوب، بلا خلاف، متصرفة كانت الصفة أو غير متصرفة، وأنه مع الصفة المقرونة بـ «أل» منصوب، متصرفة كانت الصفة أو غير متصرفة، وقد علمت ما نقله الشيخ عن بعضهم في المتصرفة، أن الضمير معها مجرور وما ذكره المصنف عن الفراء من ترجيح الجرّ على النصب في غير المتصرفة، وإنّما قيد المصنف الجر بكونه بالإضافة؛ لأنه أراد تقييد النصب بأنه على التشبيه بالمفعول به، فلزم تقييد ما يقابله، وإنّما قيد النصب بأنه على التشبيه، خشية أن يتوهم فيه أنه نصب على التمييز كما في: الحسن وجها، أو يقال: أراد أن يبين أنّ الجرّ في هذا الباب إنّما هو بالإضافة، وأنّ النصب في المعرفة إنّما هو على التشبيه بالمفعول به، وهذا أول ذكره للجرّ والنّصب، فبين جهتها. ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 869). (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 93) وقال أبو حيان في التذييل والتكميل (4/ 870): (وإن كانت الصفة غير متصرفة في الأصل، وقرنت بـ «أل» نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه الأحمر، فالضمير في موضع نصب عند سيبويه، ويظهر من كلام الفراء ترجيح الجر على النصب، وعن المبرد الجر ثم رجع إلى النصب) اهـ. وينظر أيضا: معاني القرآن للفراء (2/ 226).

[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف]

[عمل الصفة المشبهة في الموصول والموصوف] قال ابن مالك: (وعملها في الموصول والموصوف رفع ونصب مطلقا، وجرّ إن خلت من «أل» وقصدت الإضافة). ـــــــــــــــــــــــــــــ لما ذكر أنّ عملها في الضمير البارز جرّ أو نصب؛ ذكر أنّ عملها في الموصول والموصوف رفع، ونصب وجرّ، إلّا أنّ عملها الجرّ فيها مشروط بخلوّ الصفة من «أل»، وأما الرفع والنصب فيعمله فيهما مطلقا، يعني قرنت الصفة بـ «أل» أو لم تقرن، فمثال المقرونة مع الموصول: رأيت الرجل الجميل ما اشتملت عليه ثيابه، وقول الشاعر: 2228 - إن رمت أمنا وعزّة وغنى ... فاقصد بزيد العزيز من قصده (¬1) فيجوز الحكم على «ما، ومن» بالرفع على الفاعلية، وبالنصب على التشبيه بالمفعول به، ومثالها مع الموصول - كما رأيت - الرجل الطويل رمح يطعن به، أو الطويل رمحا يطعن به، ومثال غير المقرونة مع الموصول: رأيت رجلا جميلا ما التفت عليه ثيابه، وقوله: 2229 - عزّ امرؤ بطل من كان معتصما ... به، ولو انّه من أضعف البشر (¬2) فيجوز الحكم على «ما» في المثال، و «من» في البيت بالرفع والنصب ومثالهما مع الموصوف: رأيت رجلا طويلا رمح يطعن به، وطويلا رمحا يطعن به، ومثال الجرّ مع غير المقرونة، والمجرور موصول ما تقدم إنشاده من قول ابن أبي ربيعة [3/ 155]: 2230 - وثيرات ما التفّت عليه الملاحف ومثاله معها - والمجرور موصوف -: رأيت رجلا طويل رمح يطعن به. - ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا البيت قريبا. والشاهد هنا قوله: «العزيز من قصده»؛ حيث إن «العزيز» صفة مشبهة، وقد عملت هذه الصفة في اسم الموصول، «من» ويستوي الرفع والنصب. (¬2) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد في قوله: «بطل من كان معتصما» حيث لم يقترن «بطل» بـ «بأل» وهو صفة مشبهة، فجاز في معمولها وهو «من» اسم موصول أن يكون في محل رفع أو نصب. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 94)، والتذييل والتكميل (4/ 871).

[بقية أحكام الصفة المشبهة]

[بقية أحكام الصفة المشبهة] قال ابن مالك: (وإن وليها سببيّ غير ذلك عملت فيه مطلقا رفعا ونصبا وجرّا، إلّا أنّ مجرور المقرونة بـ «أل» مقرون بـ «أل» أو مضاف إلى المقرون بها، أو إلى ضمير المقرون بها، ويقلّ نحو: حسن وجهه، وحسن وجهه، وحسن وجه، ولا يمتنع خلافا لقوم). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف (¬1): ولو استقام الوزن بإضافة في قوله: 2231 - عز امرؤ بطل ... ... ... البيت لجازت. ولو استقام الوزن بتنوين «وثيرات» لجاز الحكم على «ما» بالرفع، وبالنصب، كما حكم بهما على «من» بعد «بطل»، وجوز الشيخ جعل «من» في: 2232 - من كان معتصما ... ... شرطية، ويكون الجواب محذوفا، وتقديره: لجأ، فلا يكون البيت شاهدا على ما أراد المصنف، وفيه بعد؛ لأنّ المعنى على ما أورده المصنف، من أنّ «من» موصولة، بدليل قوله - في آخر البيت: 2233 - ولو انّه من أضعف البشر وإنّما قال المصنف - في المتن -: وقصدت الإضافة؛ احترازا من أن تكون الصفة غير مقرونة بـ «أل» ولا تقصد الإضافة، فلا تجرّ، بل ترفع، أو تنصب، كما تقدم آنفا. قال ناظر الجيش: قد تقدم أنّ معمول الصفة اثنا عشر نوعا، وقد ذكر حكم ثلاثة منها، وهي الضمير البارز، والموصول، والموصوف، والظاهر أنّ حكم المضاف إلى الموصول وإلى الموصوف؛ حكم الموصول والموصوف، وكأنّ المصنف لم يتعرض إليه؛ لوضوحه، فهذه خمسة أنواع. تبقى سبعة، وهي المقرون بـ «أل»، نحو: حسن الوجه، والمجرّد نحو: حسن وجه، والمضاف إلى ضمير الموصوف نحو: حسن وجهه، فهذه ثلاثة، والأربعة الباقية كأنّها فروع هذا الثالث، وهي - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 94).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاف إلى ضمير المضاف إلى ضمير الموصوف لفظا نحو: برجل حسن شامة خدّه، والمضاف إلى المضاف إلى ضمير الموصوف تقديرا، نحو: برجل حسن شامة الخدّ، والمضاف إلى ضمير مضاف إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو: بامرأة حسن وجه جارتها جميلة أنفه، والمضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى نحو: برجل حسن الوجنة جميل خالها. إذا تقرّر هذا فقوله: وإن وليها سببيّ غير ذلك يشمل الأنواع السبعة إلا أنه لم يمثّل في الشرح، ولم يذكر سوى الثلاثة الأوائل، وسكوته عن الأربعة الباقية يشعر بأنّ حكمها حكم أحد الثلاثة الذي هو فروعه كما تقدّم. وذكر أنّ الصفة تعمل في ذلك المعمول الرفع والنصب والجرّ، وإنّما قال: مطلقا ليعم الصفة المقرونة بـ «أل»، والمجردة منها، والمعمول المقرون بـ «أل» والمجرد، والمضاف. ومن هنا كانت صور مسائل هذا الباب ثماني عشرة صورة: وذلك أنّ الصفة إما مقرونة بـ «أل» أو غير مقرونة بها، وعلى التقديرين؛ معمولها: إمّا مقرون بـ «أل»، أو مجرد أو مضاف؛ فهذه ستّ صور، ثم إنّ المعمول يتصور فيه الرفع والنصب والجرّ. فأمثلة المقرونة في الرفع: رأيت الرجل الجميل الوجه، ووجهه ووجه، وأمثلتها في النصب: رأيت رجلا جميلا الوجه، ووجهه، ووجها، وأمثلتها في الجرّ: رأيت رجلا جميل الوجه، ووجهه، ووجه. الممتنع من الصور المذكورة صورتان، وهما: الجميل وجهه، والجميل وجه، وبالجرّ فيهما، وإليه الإشارة بقوله: إلا أنّ مجرور المقرونة بـ «أل» مقرون إلخ، وحاصله أنّ الصفة المقرونة بـ «أل» تمتنع إضافتها إلى معمول ليس فيه «أل»، فلا يضاف إلا إلى معمول مقرون بـ «أل»، نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه، أو مضاف إلى المقرون بها، نحو مررت بالرجل الحسن وجه الغلام، أو مضاف إلى ضمير المقرون بها، نحو: بالرجل الكريم الآباء، الغامر جوده. ومثل المصنف لهذا، ولما قبله بقوله: رأيت عمرا الكريم حسب الآباء، البيّن سؤددهم، ثم قال (¬1): ومثل هذا المثال نادر، كقول الشاعر، وأنشد البيت المتقدم، وهو: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2234 - سبتني الفتاة البضّة المتجرّد ... ... البيت وهذا هو الذي معمول الصفة فيه مضاف إلى ضمير معمول صفة أخرى، وتقدم أنه أخذ من كلامه في الشرح، ومن هذا الموضع أخذ، وإذا كان الممتنع صورتين، فالصّور الباقية - وهي ست عشرة - كلّها جائزة، لكن ذكر المصنف أنّ ثلاثا منها منها قليلة غير ممتنعة، خلافا [لمن] حكم بامتناعها، وهي: حسن وجه بالجرّ، وحسن وجهه بالنصب، وحسن وجهه بالرفع، وسيأتي الاستدلال على جوازها، وإبطال قول المخالف. والمراد بالقلة - هنا - الضعف، وبه عبّر في شرح الكافية (¬1)، وجعل نحو: حسن وجه، أضعف من الصورتين الأخريين. وزاد صورة أخرى، حكم بضعفها، لم يذكرها هنا، وهي: حسن الوجه بالنصب، وذكر ابن عصفور صورة حكم بضعفها، وهي: الحسن وجهه بالنّصب، ولا يبعد ذلك؛ لأنّها مثل: حسن وجهه، وقد حكم المصنف بضعفها، إلّا أنّ ابن عصفور أخرج نحو: حسن وجهه، وحسن الوجه - في النصب - في الجائز الضعيف، فيؤخذ من مجموع كلام الرجلين أن الصور الضعيفة خمس وهي: حسن وجهه بالجرّ، حسن وجهه بالنصب، وهاتان الصورتان متفق على ضعفهما عندهما، وحسن الوجه بالنصب، وحسن وجه بالرفع، عند المصنّف، لا عند ابن عصفور، والحسن وجهه، عنده، لا عند المصنف إذا مشينا على ظاهر كلامه. ولا يبعد أن يكون حكم: الحسن وجه - بالرفع - حكم: حسن وجه، في الضعف؛ إذ لا فرق، ولهذا منعهما ابن خروف، وقال: لا سبيل إلى جوازهما (¬2)، فعلى هذا تكون الصور الضعيفة ستّا، والجائز دون قلّة عشر صور، وإن اختلفت مراتبها في الحسن، وهي: الجميل الوجه، ووجهه بالرفع، والجميل الوجه، ووجها بالنصب، والجميل الوجه، خاصة بالجرّ، والجميل الوجه، ووجهه بالرفع [3/ 156] وجميل وجها بالنصب، وجميل الوجه، ووجه بالجرّ، وسيأتي - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية (2/ 1070) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) ينظر: ما قاله ابن خروف في شرح المصنف (3/ 96)، والتذييل والتكميل (4/ 876)، والدرر اللوامع (2/ 34) نقلا عن أبي حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستشهاد على أكثر هذه الصور، وبعد أن عرف ذلك فننبه على أمور: الأول: إنّما أفرد المصنف السببيّ غير الموصول والموصوف بالذكر، وإن اشترك الكلّ في جواز الرفع والنصب؛ لأنّ السببي غيرهما، لا يجوز جرّه بالصفة المقرونة بـ «أل» إلا إذا قرن هو بها، وأما الموصول والموصوف فلا يجرّان إلّا بالصفة غير المقرونة بـ «أل» ولا يتصور جرّهما بالمقرونة بها؛ لأنّ شرط التجويز في السببيّ غيرهما، وهو اقترانه بـ «أل» لا يتصور فيهما فلما لم يستويا في الحكم بالجرّ عليهما أفرد كلّا بالذكر. الثاني: جعل المصنف صور هذا الباب - في شرح الكافية (¬1) - ستّا وثلاثين صورة، وذلك بزيادة مضاف، في الصّور، الثماني عشرة المتقدمة، وكذا مثل بها في شرح هذا الكتاب (¬2)، وكذا ذكرها الشيخ بدر الدّين ولده - في شرح الألفيّة (¬3) - والمقتضي لإيرادها كذلك شيئان: أحدهما: أنّ بعض الشّواهد إنّما ورد كذلك، كقوله: 2235 - ... والطّيبون معاقد الأزر (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية (2/ 1020). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 94، 95). (¬3) شرح الألفية لابن الناظم (ص 174). (¬4) هذا عجز بيت من الكامل لخرنق بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر النون وبعدها قاف وهي شاعرة جاهلية واسمها: خرنق بنت بدر بن هفان بن مالك من بني قيس بن ثعلبة بن عكابة، وقيل: هي أخت طرفة بن العبد لأمه، وقيل: هي عمته، وتنظر ترجمتها في خزانة الأدب (5/ 55). والشاهد فمن قصيدة ترثي زوجها بشر بن عمرو بن مرثد وابنها علقمة حينما قتلا في معركة مع بني أسد وقبل الشاهد: لا يبعدن قومي الذين هم ... سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك ... والطيبون معاقد الأزر اللغة: الأزر: جمع إزار، وهي الملحفة التي تشد على الوسط، والمعاقد: مواضع عقد الإزار، وطيب المعاقد: كناية عن العفة وأنها أي المعاقد لا تحل لفاحشة. والشاهد في قوله: «والطيبون معاقد الأزر» حيث جعله الإمام ابن مالك نظير: الحسن وجه الأب، واستشهد به سيبويه (1/ 202) على نصب معاقد بالصفة «الطيبون» فالمجموع من الصفة المقرونة بـ «أل» يجب نصب ما بعدها ما ثبتت فيها النون وكذلك المثنى. ينظر الشاهد في: ديوان الخرنق (ص 29)، تحقيق د/ حسين نصار ط. دار الكتب (1969 م)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 105)، والإنصاف (2/ 276)، والعيني (3/ 602).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مثلا، فصور ذلك في الأصل ليكون الشاهد مطابقا له عند الاستشهاد. ثانيهما: أنّ الصفة المقرونة بـ «أل» إضافتها إلى غير المقرون بها، إذا كان مضافا إلى المقرون بها، فلزم أن يصور ذلك في الأصل، ليبتني عليه جواز هذه الصورة، ولمّا كان الحكم لا يتغير بزيادة مضاف، اقتصرت على ذكرها ثماني عشرة؛ لأنه أقرب إلى الضبط، ولأنّه لا يخفى مثل ذلك على المحصل. الثالث: قسم الشيخ بدر الدين ولد المصنف الصور غير الممتنعة إلى قبيح وضعيف وحسن (¬1)، قال: فأمّا القبيح فرفع الصّفة مجردة، أو مقرونة بـ «أل» المجرد منها ومن الضمير وهما صورتان حسن وجه، والحسن وجه قال: وهما على قبحهما جائزتان في الاستعمال؛ لقيام السببية في المعنى مقام وجودها في اللفظ، وأمّا الضعيف فهو نصب المجرّدة من «أل» المقرون بها والمضاف إلى ضمير الموصوف، وجرّها المضاف إلى ضمير الموصوف، وهي ثلاث صور: حسن الوجه، وحسن وجهه نصبا، وحسن وجهه جرّا، وأما القويّ فهو في رفع الصفة المجردة من «أل» المقرون بها، والمضاف إلى ضمير الموصوف، ونصبها المجرد من «أل» والإضافة، وجرّها المقرون بـ «أل» والمجرد منها ومن الإضافة، ورفع الصفة المقرونة بـ «أل» المقرون بها، أو المضاف إلى ضمير الموصوف، ونصبهما المقرون بـ «أل» والمضاف إلى الضمير، والمجرد من «أل» ومن الإضافة، وجرها المقرون بـ «أل» فهذه إحدى عشرة صورة - أمثلتها - والصفة غير مقرونة بـ «أل» حسن الوجه، ووجهه بالرفع فيهما، وحسن وجها بالنصب، وحسن الوجه، ووجه بالجرّ فيهما، وأمثلتها - والصفة مقرونة بـ «أل» الحسن الوجه، ووجهه بالرفع فيهما، والحسن الوجه، ووجهه، ووجها بالنصب في الثلاث، والحسن الوجه بالجرّ. هذا كلام بدر الدّين (¬2)، وهو موافق لكلام أبيه - في شرح الكافية - إلّا أنّ أباه لم يتعرض لذكر نحو: الحسن وجه، وهو جعلها في رتبة: حسن وجه، وهو الحقّ، وظاهر كلام المصنّف - في الشرح (¬3) - يشعر بتساويهما وكأنّه إنّما ترك التصريح - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 448) بتحقيق د/ عبد الحميد السيد طلب. (¬2) شرح الألفية لابن الناظم (ص 175، 176). (¬3) شرح المصنف (3/ 96).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك اتكالا منه على فهم أنّهما سواء. ولما جعل المصنف نحو: حسن وجه؛ أضعف من الصور المذكورة معه نقله بدر الدين من مرتبة الأضعفية إلى مرتبة القبح، وقد عرفت أيضا أنّ بدر الدّين لم يوافق ابن عصفور على ضعف نحو: حسن وجهه، بل جعل ذلك في رتبة القوي، وقد جعل أبو عمرو بن الحاجب الأقسام ثلاثة أيضا، لكنّه قال: منها ما هو أحسن؛ وهو ما كان فيه ضمير واحد، وما هو حسن؛ وهو ما كان فيه ضميران، وما هو قبيح؛ وهو ما لا ضمير فيه (¬1)، فوافقه بدر الدّين في تسمية هذا القسم قبيحا. وقسم بعضهم الصور الجائزة - وهي الستّ عشرة - إلى قوي، وضعيف، ومتوسط بينهما، قال: فالقويّ: ما كان فيه ضمير واحد، والضعيف: ما عريت فيه الصفة ومعمولها، والمتوسط: ما اجتمع فيه ضميران ضمير في الصفة، وضمير في المعمول. فالقويّ تسع؛ وهي: حسن وجهه، حسن الوجه، حسن الوجه، حسن وجها، حسن وجه، الحسن وجهه، الحسن الوجه، الحسن الوجه، الحسن وجها. والضعيف أربع؛ وهي: حسن الوجه، حسن وجه، الحسن الوجه، الحسن وجه. والمتوسط ثلاث؛ وهي: حسن وجهه، حسن وجهه، الحسن وجهه. قال الشيخ: وتلقفنا عن شيوخنا أنّ ما تكرر فيه الضمير، أو عري منه فهو ضعيف، وما وجد فيه ضمير واحد فهو قويّ (¬2). الأمر الرابع: قال ابن عصفور: الرفع في هذا الباب أحسن من الخفض والنصب؛ لأنه هو الحقيقة، وما عداه مجاز، ثم يليه الخفض؛ لأنها إذا خفضت ما بعدها كانت في اللفظ غير عاملة، فقربت من الأصل، ثمّ النصب، إلّا أن يكون النصب على التمييز، فإنّه في رتبة الرفع، والأصل هذا ما لم يؤدّ الرفع إلى حذف الضمير فإنّه يكون - إذ ذاك - دون الخفض، والأحسن أيضا في معمول هذه الصفة - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الإمام الرضي على الكافية في النحو لأبي عمرو بن الحاجب (2/ 210) وما نقله ناظر الجيش عنه صحيح. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 886)، وقد قال أبو حيان عقب الفقرة المنقولة ما نصه: (إلا ما وقع الاتفاق على منعه وهو: الحسن وجه، والحسن وجهه) وينظر أيضا: منهج السالك لأبي حيان (ص 360).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون معرفا بالإضافة؛ لأنه يشبه الأصل. انتهى. ثم الجرّ في هذا الباب بالإضافة والنصب على التشبيه بالمفعول به، إن كان المعمول معرفة، وإن كان نكرة جاز نصبه على التشبيه أيضا، والأولى نصبه على التمييز والرفع على الفاعلية، فإن كان المرفوع مضافا إلى ضمير صاحب الصفة فلا كلام، وإن كان مجرّدا من الإضافة إليه وليس فيه «أل» فالضمير الرابط محذوف على رأي من يجوز هذه الصورة، وإن كان مقرونا بـ «أل» نحو: الحسن الوجه، وحسن الوجه، فمذهب سيبويه رحمه الله تعالى والبصريين أنّ الضمير محذوف، والتقدير منه (¬1)، ومذهب الكوفيين أنّ «أل» عوض من الضّمير (¬2)، وحكوا: مررت برجل ظريف الأب بالرفع، وكريم الأخ. وذهب أبو علي [3/ 157]- في الإيضاح - إلى أنه ليس فاعلا، وأنّ ارتفاعه على البدل، من ضمير مستكنّ في الصفة، على زعمه (¬3). وقد أبطل المذهبان، أمّا مذهب الكوفيين فيمحى الضمير مع «أل» قال الشاعر: 2236 - رحيب قطاب الجيب منها رقيقة ... بجسّ النّدامى بضّة المتجرّد (¬4) - ¬

_ (¬1) المقصود بالضمير الرابط المحذوف وتقديره: الحسن الوجه منه ولمراجعة مذهب البصريين وسيبويه ينظر التذييل والتكميل (4/ 878)، والكتاب (1/ 193). (¬2) لمراجعة مذهب الكوفيين في هذا ينظر: التذييل والتكميل (4/ 879)، ومنهج السالك لأبي حيان (2/ 362). (¬3) ما ذهب إليه أبو علي في الإيضاح نقله ناظر الجيش من التذييل والتكميل (4/ 879) بنصه، وقد قال أبو علي الفارسي رحمه الله في الإيضاح (1/ 154) ما نصه: (ولم يستحسنوا: مررت برجل حسن الوجه، ولا: بامرأة حسن الوجه، وأنت تريد «منها» لما ذكرت من أن الصفة يحتاج منها إلى ذكر يعود منها إلى الموصوف، ولو استحسنوا هذا الحذف من الصفة كما استحسنوه في الصلة لما قالوا: مررت بامرأة حسنة الوجه، وأما قوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ: فليس على: مفتحة لهم الأبواب منها، ولا على أن الألف واللام سدتا مسد الضمير العائد من الصفة. ولكن (الأبوب) بدل من الضمير الذي في (مفتحة) لأنك تقول: فتحت الجنان؛ إذا فتحت أبوابها، فصار كقولك: شرب زيد رأسه) اهـ. (¬4) نقلت البيت من التذييل والتكميل (4/ 880) حيث لم أجده في الأصل، والكلام في إبطال مذهب الكوفيين منقول من المرجع والصفحة نفسيهما. والبيت من الطويل وقائله طرفة بن العبد وهو من معلقته التي مطلعها: لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد اللغة: قطاب الجيب: مخرج الرأس منه، بضة المتجرد: ناعمة صافية اللون لما تقري منها. المعنى: كما قال شارح الديوان: هذه القينة واسعة الجيب لإدخال الندامى أيديهم في جيبها للمسها، ثم قال: (هي رقيقة على جس الندامى إياها، وما يقري من جسدها ناعم اللحم رقيق الجلد صافي اللون) اهـ. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيضا لو كانت «أل» عوضا من الضمير هنا لاطرد، فكنت تقول: زيد الغلام حسن، تريد: غلامه، ولا يجوز، فكذلك هنا. وأما ما ذهب إليه أبو علي، فيما حكاه الفرّاء من قولهم: مررت بامرأة حسن الوجه، وحكى الكوفيون مررت: بامرأة قويم الأنف، برفع الوجه والأنف (¬1)، ألا ترى أنه لا يجوز أن ينوى في «حسن» ضمير المرأة، والوجه بدل منه؛ لأنّ ذلك يوجب تأنيث الصفة، لتأنيث الضمير، وكذلك: مررت برجل مضروب الأب، لا يجوز رفعه على البدل؛ لأنّه ليس بدل شيء من شيء، ولا بدل بعض من كل؛ إذ ليس إياه، ولا بعضه. الأمر الخامس: ذكر الشواهد على الصّور الجائزة، وذكر خلاف من خالف في بعضها، والجائز ستّ عشرة صورة، كما تقدم، القويّ منها عشر، كما عرفت، فشاهد «الجميل الوجه» قول الشاعر: 2237 - لقد علم الأيقاظ أخفية الكرى ... تزجّجها من حالك واكتحالها (¬2) لكنّه زاد مضافا في رواية من رفع، فإنّه يروى بالنصب، والخفض أيضا ومثله دون مضاف: 2238 - كبكر المقاناة البياض بصفرة ... ... (¬3) - ¬

_ - والشاهد في قوله: «رحيب قطاب الجيب منها»؛ حيث جمع بين «أل» والضمير مما يبطل مذهب الكوفيين. ينظر الشاهد في ديوان طرفة بن العبد (ص 30). (¬1) في معاني القرآن للفراء (2/ 408) ما نصه: (والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون: مررت على رجل حسنة العين قبيح الأنف، والمعنى: حسنة عينه قبيح أنفه) اهـ. وما حكاه الفراء أيضا في منهج السالك (2/ 362)، والتذييل والتكميل (4/ 880). (¬2) البيت من الطويل، ونسبه العيني في المقاصد النحوية على هامش الخزانة ط. بولاق (3/ 612) للشاعر المشهور الكميت بن زيد الأسدي. اللغة: أخفية: جمع خفاء، الكرى: النوم، وأراد: الأيقاظ عيونا، وجعل الأعين في اشتمالها على النوم بمنزلة الخفاء في اشتماله على ما ستر به، تزججها: تدفقها. والشاهد فيه: جواز الرفع والنصب والجر في معمول الصفة وهو «أخفية الكرى» والنصب على التشبيه بالمفعول أو على التمييز عند الكوفيين. ينظر الشاهد في: المحتسب لابن جني (2/ 47)، وسر الصناعة (1/ 43). (¬3) البيت من الطويل لامرئ القيس من معلقته، والشاهد: صدر البيت وهو بتمامه: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشاهد «الجميل الوجه» قول الشاعر: 2239 - وما قومي بثعلبة بن سعد ... ولا بفزارة الشّعر الرّقابا (¬1) وشاهد «الجميل وجها» قول رؤبة: 2240 - الحزن بابا والعقور كلبا (¬2) وشاهد «الجميل الوجه» قول الشّاعر - لكنّه بزيادة مضاف -: 2241 - لا يبعدن قومي الّذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر النّازلون بكلّ معترك ... والطّيّبون معاقد الأزر (¬3) - ¬

_ - كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير المحلل اللغة: بكر: ما لم يسبقه مثله من كل صنف، مقاناة: خلط من قانيت بين الشيئين إذا خلطت أحدهما بالآخر، وبكر المقاناة: أول بيضة تبيضها النعامة وكل لون صفرة في بياض فهو مقاناة. والمعنى: إن لون العشيقة كلون بيض النعام فهو بياض خالطته صفرة يسيرة، وهو أحسن ألوان النساء عند العرب، كما أن هذه العشيقة حسنة الغذاء؛ إذ غذاها نمير عذب لم يعكر بكثرة الحلول عليه من الناس. والشاهد قوله: «كبكر المقاناة البياض» حيث يجوز خفض «البياض» بالإضافة أو بنصبه على التشبيه بالمفعول به. ينظر الشاهد في: ديوان امرئ القيس (ص 43) ط. دار صادر بيروت، والمخصص (2/ 325)، اللسان «حلل» و «قنا». (¬1) سبق تحقيق البيت قريبا. والشاهد هنا قوله: «الشعر الرقابا»؛ حيث هو نظير لـ: «الجميل الوجه». (¬2) البيت من الرجز لرؤبة بن العجاج من قصيدة طويلة بعنوان: «وقال أيضا في مدح المصطفى» وقبل الشاهد: فذاك وخم لا يبالي السبا قال العيني (3/ 617) يذم به إنسانا بأنّ بابه مغلق دون الأضياف وأن كلبه عقور. والشاهد في قوله: «الحزن بابا والعقور كلبا»؛ فهو نظير «الحسن وجها» فكما أن الحسن صفة مشبهة نصبت «وجها» وهو مجرد عن الألف واللام والإضافة فكذلك قوله: «الحزن بابا»، وقوله: «العقور كلبا»، فإن «الحزن والعقور» صفتان مشبهتان، وقد نصبتا «بابا وكلبا» مع تجردها من الألف واللام. ينظر الشاهد في: ديوان رؤبة بن العجاج (ص 25) ط. بيروت (1903 م)، والمقتضب (4/ 162)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 176)، وشرح الأشموني (3/ 14). (¬3) البيتان من الطويل لخرنق بنت هفان وسبق تخريجهما قريبا. والشاهد هنا قوله: «والطيبون معاقد الأزر» في أن الصفة المشبهة هنا وهي «الطيبون معاقد الأزر» مثل «الجميل الوجه» بزيادة مضاف وهو «معاقد».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشاهد «جميل الوجه» قول الشاعر: 2242 - ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجبّ الظّهر ليس له سنام (¬1) في رواية من رفع «الظّهر». وشاهد «جميل وجهه» قوله تعالى: وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (¬2)، وشاهد «جميل وجها» قول الشاعر: 2243 - هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة ... مخطوطة جدلت شنباء أنيابا (¬3) وشاهد «جميل الوجه» البيت المتقدم: 2244 - ونأخذ بعده بذناب عيش (¬4) في رواية من جرّ «الظّهر». - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر وقائله النابغة الذبياني من قصيدة يمدح بها النعمان بن الحارث الأصفر والبيت في ديوان النابغة (ص 106) بلفظ: ونمسك بعده بذناب ... ... ... البيت اللغة: بذناب: بجر الذال المعجمة عقب كل شيء، وأجب الظهر: أي: مقطوع السنام. والمعنى: ونأخذ بعده بطرف عيش قليل الخير بمنزلة البعير المهزول الذي ذهب سنامه وانقطع لشدة هزاله. والشاهد هنا: «أجب الظهر»: برفع «الظهر» بالصفة المشبهة «أجب» كما يجوز جر الظهر ونصبه وليس موضع الشاهد هنا. ينظر الشاهد في: معاني القرآن للفراء (2/ 409)، (3/ 24)، والمقتضب (2/ 177)، والدرر اللوامع (2/ 135). (¬2) سورة البقرة: 283. والشاهد فيها نصب (قلبه) بالصفة (ءاثم) فهي مثل: «جميل وجهه». (¬3) البيت من البسيط وقائله أبو زبيد الطائي واسمه قرملة بن المنذر (ت 41 هـ) والبيت في ديوان شعره (ص 36) تحقيق د. حمودة القيس ط. المجمع العراقي (1967 م). اللغة: هيفاء: ضامرة كما في شرح العيني، عجزاء: عظيمة العجز، مخطوطة: موشومة بالخط وهو ما يوشم به، جدلت: مبني للمجهول أي محسنة الخلق، شنباء: صافية الأسنان. والشاهد قوله: «شنباء أنيابا»: فـ «شنباء» صفة مشبهة نصبت «أنيابا» التي هي محذوفة الألف واللام. ينظر الشاهد في: كتاب خلق الإنسان (ص 170)، وشواهد العيني (3/ 893)، واللسان «هلب»، وحاشية الصبان (3/ 130). (¬4) هذا صدر بيت تقدم تخريجه قريبا. والشاهد في الشطر الثاني: «أجب الظهر ليس له سنام» حيث جر «الظهر» بالصفة «أجب»، مثل: «جميل الوجه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشاهد «جميل الوجه» قول عمرو بن شأس (¬1): 2245 - ألكني إلى قومي السّلام رسالة ... بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا ولا سيّئي زيّ إذا ما تلبّسوا ... إلى حاجة يوما مخبّسة بزلا (¬2) والضعيف ستّ؛ فشاهد «حسن الوجه» البيت المتقدم: 2246 - ونأخذ بعده بذناب عيش (¬3) في رواية من نصب «الظهر». وقد ذكر المصنف في إجازة ثلاث منها خلافا (¬4)، وهي: حسن وجهه، وحسن وجهه، وحسن وجه، فأما حسن وجهه فمنعها المبرد مطلقا، أي في الكلام والشعر، وأجازها الكوفيّون (¬5) مطلقا، وسيبويه (¬6) منع جوازها في غير الشعر، واختار المصنف مذهب الكوفيين واستدلّ بما جاء في الحديث من قوله صلّى الله عليه وسلّم في - ¬

_ (¬1) هكذا (عمرو بن شأس) كما في المقاصد النحوية شرح شواهد الألفية للإمام العيني محمود (3/ 596)، واللسان مادة «ألك». (¬2) البيتان من الطويل وهما لعمرو بن شأس كما نسبهما ناظر الجيش وأكد ذلك العيني وصاحب اللسان. اللغة: ألكني: بفتح الهمزة وكسر اللام وسكون الكاف قيل: معناه: بلغني، وقيل: معناها: تحمل رسالتي إليه، وقيل: هو من ألاك يليك إذا أرسل، وزي بكسر الزاي: الهيئة، إلى حاجة: لأجل حاجة، تلبسوا: ركبوا، مخبسة: بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء التحتية مفتوحة وسين مهملة بمعنى مذللة، منصوب بتلبسوا، وهي صفة في الأصل لـ «بذلا» ثم تقدمت وأعربت حالا، بزلا: المسنة. والشاهد: قوله: «سيّئ زي»؛ فهو دليل على «حسن وجه» بالإضافة وبتجريد المضاف إليه من «أل». والمعنى: وضح الشاعر أنه تغرب عن قومه من بني أسد فحمل رجلا رسالة إليهم مسلما عليهم ومدللا على كونه منهم، بمعرفته ما وصفهم به من القوة على العدو وإقبالهم على الملك بأحس زي. ينظر البيتان في: الدرر (2/ 64)، وحاشية الصبان (3/ 13). (¬3) سبق تخريج البيت قريبا. (¬4) ينظر: شرح المصنف (3/ 96). (¬5) لمراجعة مذهب المبرد والكوفيين ينظر: شرح الرضي على الكافية (2/ 207، 208)، والتذييل والتكميل (4/ 874). (¬6) قال سيبويه في الكتاب (1/ 199) ما نصه: وقد جاء في الشعر «حسنة وجها» شبهوه بـ: حسنة الوجه، وذلك رديء؛ لأنه بالهاء معرفة كما كان بالألف واللام، وهو من سبب الأول، كما أنه من سببه بالألف واللام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصف الدّجال: «أعور عينه اليمنى» (¬1)، وفي حديث أم زرع: «صفر وشاحها» (¬2) وفي صفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «شتن أصابعه» وجاء أيضا: شثن الكفين والقدمين طويل أصابعهما (¬3). وأنشد سيبويه (¬4) قول الشمّاخ: 2247 - أمن دمنتين عرّج الدّهر فيهما ... بحقل الرّخامى قد عفا طللاهما أتامت على ربعيهما جارتا صفا ... كميتا الأعالي جونتا مصطلاهما (¬5) وقال أبو حبّة النميري: 2248 - على أنّني مطروف عينيه كلّما ... تصدّى من البيض الحسان قبيل (¬6) - ¬

_ (¬1) هذا الحديث أخرجه البخاري (2/ 255) بهذا اللفظ في كتاب بدء الخلق: والحديث في وصف الدجال من حديث طويل عن سالم ولفظه في صحيح مسلم (2/ 570): «ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى». (¬2) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2/ 376) في كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر حديث أم زرع وفي النهاية لابن الأثير (2/ 266) مادة «صفر». والشاهد في: «صفر شاحها بخفض شاحها» مثل: حسنة وجهها. (¬3) هذا ما أورده أبو علي القالي في الأمالي (2/ 69) في وصف سيدنا علي - كرم الله وجهه - لسيدنا محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال أبو علي القالي: (نعت النبي صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ضخم الهامة، إلى أن قال: شثن الكفين والقدمين طويل أصابعهما - هكذا - الحديث). انتهى. (¬4) ينظر: الكتاب لسيبويه (1/ 199) تحقيق الأستاذ/ عبد السّلام هارون. (¬5) البيتان من الطويل ونسبتهما للشماخ بن ضرار الذبياني صحيحة فالبيتان في ديوانه (ص 307، 308). اللغة: دمنتين: ما بقي من آثار الديار، حقل الرخامى: موضع ربعيهما موضع نزولهما، جارتا صفا: أي الأثفيتان، جونتا مصطلاهما: أسود موضع الصلا وهو النار منهما. الشاهد فيه: «جونتا مصطلاهما»؛ حيث أضيفت الصفة المشبهة وهي «جونتا» إلى معمول يشتمل على ضمير الموصوف وهذا قليل. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 199)، والعيني (3/ 587)، وابن يعيش (6/ 86)، والهمع (2/ 99)، والأشموني (3/ 11)، والدرر اللوامع (2/ 132). (¬6) البيت من الطويل وهو لأبي حبة النميري: واسمه الهيثم بن الربيع - شاعر مجيد متقدم من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، وقد كان فصيحا من ساكني البصرة وكان أبو عمرو بن العلاء يقدمه على غيره. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (وقال آخر) (¬1). 2249 - تمنّي لقاي الجون مغرور نفسه ... فلمّا رآني ارتاع ثمّت عرّدا (¬2) قال المصنف (¬3): الضمير في «مصطلاهما» للأثفيتين، المعبر عنهما بجارتين، فوصفهما بسواد أسفلهما، وحمرة أعلاهما. وزعم المبرد أنّ الضمير عائد على «الأعالي»، وجاء بلفظ التثنية؛ لأنّ «الأعالي» جمع في اللفظ، مثنّى في المعنى، كما يقال: قلوبكما نورهما الله تعالى، وهذا صحيح في الاستعمال مناف للمعنى؛ لأنّ مصطلى الأثفية أسفلها فإضافته إلى «أعلاهما» بمنزلة إضافة «أسفل» إليه، وأسفل الشيء لا يضاف إلى أعلاه، ولا أعلاه إلى أسفله، بل يضافان إلى ما هما له أسفل وأعلى (¬4). وأمّا «حسن وجهه» فلم يذكر المصنف، ولا الشيخ من منعهما، وإنّما قال المصنف: من شواهدهما ما أنشده الكسائيّ: 2250 - أنعتها إنّي من نعّاتها ... كوم الذّرى وادقه سرّاتها (¬5) - ¬

_ - تنظر ترجمته في: الشعر الشعراء لابن قتيبة (2/ 778)، وخزانة الأدب (10/ 217). والشاهد قوله: «مطروف عينيه»؛ حيث أضيفت الصفة المشبهة إلى ما أضيف إلى ضمير موصوفهما كالشاهد قبله، ومطروف: اسم صار صفة مشبهة لدلالته على الثبوت والدوام. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 874)، ومنهج السالك (ص 364). (¬1) زدت ما بين القوسين لاستقامة المعنى، وهذه الزيادة في التذييل والتكميل (4/ 874). (¬2) البيت من الطويل، ولم أهتد إلى قائله. اللغة: الجون: في اللسان مادة «جون» كل أخ يقال له جوين وجون، عردا: من عرد الرجل تعريدا أي فر. والشاهد قوله: «مغرور نفسه»؛ حيث أنه مثل: «حسن وجهه» في إضافة الصفة المشبهة إلى معمول يشتمل على ضمير الموصوف وأصله «مغرور» اسم مفعول ثم صار صفة مشبهة لدلالته على الثبوت، والدوام ثم أضيف إلى نائبه في المعنى. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 874)، والدرر اللوامع (2/ 135). (¬3) شرح المصنف (3/ 99). (¬4) انتهى ما قاله المصنف ونقله ناظر الجيش من المرجع السابق، الصفحة نفسها. (¬5) البيت من الرجز، ونسبه العيني (3/ 583) على هامش خزانة الأدب ط. الأميرية لعمر ابن لحاء التيمي بالحاء المهملة في لحاء، وقال الشنقيطي في الدرر اللوامع (2/ 135): (ولعله غير الذي كان هاجى جريرا فإن ذلك بالجيم والله أعلم) انتهى، وهذا الشاهد بنصه كما شرح الأشموني (3/ 11). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ومنه قراءة من قرأ: فإنه آثم قلبه (¬1) بالنّصب (¬2). وأمّا «حسن وجه» فمنعها أكثر البصريّين، قال المصنف: وأجاز ذلك الكوفيّون، وبجوازه أقول (¬3)، ويدلّ على الجواز قول الراجز: 2251 - ببهمة منيت شهم قلب ... منجّذ لا ذي كهام ينبو (¬4) ومثله ما أنشده الفراء (¬5) عن بعض العرب: 2252 - بثوب ودينار وشاة ودرهم ... فهل أنت مرفوع بما هاهنا رأس (¬6) - ¬

_ - اللغة: أنعتها: أصفها، يعني الإبل، كوم الذرى: عظيمات السنام جمع كوماء، والسرات: جمع سرة، ووادقة: من ودقت السرة إذا دنت من الأرض لكثرة شحمها وسمنها. والشاهد قوله: «وادقة سراتها»؛ فـ «وادقة» اسم فاعل صار صفة مشبهة لدلالته على الثبوت والدوام، ونصبت الصفة المشبهة المضاف إلى ضمير الموصوف وعلامة النصب الكسرة في «سراتها» وهو دليل على جواز: زيد حسن وجهه بالنصب. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 96)، الصحاح «عقر»، التذييل والتكميل (4/ 875)، منهج السالك (ص 364). (¬1) و (¬2) سورة البقرة: 283، وهذا التخريج والقراءة في: البحر المحيط (2/ 357)، ومنهج السالك (364)، والدرر (2/ 135). (¬3) شرح المصنف (3/ 96). (¬4) البيت من الرجز ولم أهتد لقائله. اللغة: البهمة: بضم الباء الموحدة: الفارس الذي لا يدرى من أين يؤتى؟ من شدة بأسه، والجمع «بهم»، ويقال أيضا للجيش: بهمة، منيت: على صيغة المبني للمجهول، أي: ابتليت، وشهم بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء أي جلد ذكي الفؤاد حديده، منجذ - بالذال المعجمة - أي: مجرب حنكته الأيام والتجارب، وذي كهام: أي غير قليل ومنه: سيف كهام - بفتح الكاف والهاء المخففة - أي: سيف بطيء، ينبو: نبا الشيء إذا تباعد. والشاهد فيه قوله: «شهم قلب»؛ فإن «شهم» صفة مشبهة، و «قلب» مرفوع بها وهو دليل على جواز «حسن وجه» بالرفع وهذا ضعيف لعدم رابط في اللفظ بين الصفة والموصوف. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 364)، والعيني (32/ 577)، والأشموني (3/ 10)، واللوامع (2/ 133). (¬5) شرح المصنف (3/ 96). (¬6) البيت من الطويل وأنشده الفراء في معانيه (1/ 52)، مع بيتين آخرين وأنشده مرة أخرى في المعاني (2/ 212). والشاهد قوله: «مرفوع رأس»؛ حيث إنّ اسم المفعول «مرفوع» تحول إلى صفة مشبهة لدلالته -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا ثبت جواز نحو: حسن وجهه، حسن وجه؛ ثبت جواز الصورتين الباقيتين من الست، وهما: الحسن وجهه، والحسن وجه؛ إذ لا فرق بينهما وبين ما قبلهما. الأمر السادس: ذكروا أنّ معمول الصفة المشبهة يجوز أنّ يتبع بجميع التوابع، ما عدا الصفة، فإنّ الزجاج زعم أنه لم يسمع من كلامهم، فلا يجوز: جاءني الحسن الوجه الجميل (¬1)، لكن جاء في الحديث صفة الدجال: «أعور عينه اليمنى». قال الشيخ (¬2): وعلل بعضهم منع ذلك بأنّ معمول الصفة محال أبدا على الأول [3/ 158] فأشبه المضمر؛ لأنّه قد علم أنك لا تعني من الوجوه إلّا وجه زيد، في نحو: مررت بزيد الحسن الوجه، قال: وحكى لى هذا التعليل الشيخ بهاء الدّين ابن النحاس (¬3) - رحمه الله تعالى - عن عبد المنعم الإسكندري (¬4)، من تلاميذ ابن برّي (¬5). قال الشيخ بهاء الدّين: وقد كان يظهر لي ما نسبه هذا، وهو أنّ الصفة هي في - ¬

_ - على الثبوت والدوام، وأتى بعده المعمول مرفوعا وهو «رأس» وهذا دليل على جواز «حسن وجه» بالرفع. ينظر الشاهد أيضا في: البحر المحيط (6/ 340)، والتصريح (2/ 72)، والهمع (2/ 99)، والدرر (2/ 133، 134). (¬1) لمراجعة ما زعم الزجاج ينظر: التذييل والتكميل (4/ 890)، ومنهج السالك (2/ 366). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 490). (¬3) سبقت ترجمته. (¬4) الإسكندري هو عبد المنعم بن صالح بن أحمد بن محمد أبو محمد المصري القرشي التيمي المكي الإسكندري، لازم ابن بري مدة وكان علامة ديار مصر أدبا ونحوا، من مؤلفاته: النوادر والغرائب (ت 633 هـ). تنظر ترجمته في: طبقات ابن قاضي شهبة (2/ 133)، وبغية الوعاة (2/ 115، 116). (¬5) هو عبد الله بن بري عبد الجبار أبو محمد، المقدسي الأصل، المصري الدار، النحوي اللغوي الفقيه الشافعي كان قيما بالنحو واللغة والشواهد، ثقة، قرأ على الجزولي. من مصنفاته: اللباب في الردّ على ابن الخشاب، وشرح شواهد الإيضاح، وحواشي على الصحاح، ودرة الغواص (ت 582 هـ). تنظر ترجمته في: طبقات ابن قاضي شهبة (2/ 24)، وبغية الوعاة (2/ 34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحقيقة لـ «الوجه»، وإن أسندت إلى «زيد» مثلا، وقد تبين «الوجه» بالصفة، فلا يحتاج إلى تبيين». قال الشيخ: فقلت له: الصفة قد تكون لغير التبيين، كالمدح والذّمّ، وغيرهما، فهلّا جاز أن يوصف بصفات هذه المعاني؟ فقال: أصل الصفة أن تأتي للتبيين، ومجيئها لما ذكرت هو بحقّ الفرع، وإذا امتنع الأصل فأحرى أن يمتنع الفرع (¬1). انتهى. ثمّ التابع للمعمول من توكيد أو عطف أو بدل؛ يكون إعرابه تابعا للفظ المعمول، ولا يجوز الإتباع على الموضع (¬2). وأجاز الفراء أن يتبع المجرور على موضعه من الرفع، فأجاز: مررت بالرّجل الحسن الوجه نفسه، وهذا قويّ اليد والرّجل، برفع: «نفسه»، و «الرّجل»، مع جرّ المعمول، كأنك قلت: الحسن وجهه، وقوي يده ورجله، وقد صرح سيبويه بمنع ذلك، وأنه لم يسمع منهم في هذا الباب (¬3)، وأما أن يعطف على المعمول المجرور نصبا، فنص على أنه لا يجوز، لا تقول: هذا حسن الوجه واليد، وذلك بخلاف اسم الفاعل، فإنّه يجوز فيه ذلك، إمّا عطفا على الموضع، وإمّا على إضمار فعل كما تقدّم في بابه، وأما هنا فلا يجوز، لا على الموضع ولا على إضمار فعل؛ لأنّ الفعل لا يشبّه، إنّما يشبه الوصف، لا فعله، ولا يجوز إضمار صفة تنصب؛ لأن الصفة المشبهة لا تعمل مقدرة كما تقدم، وأجاز البغداديون الخفض في العطف على المنصوب، فتقول: هذا حسن وجها ويدا؛ لأنّ الإضافة كثرت، فكأنّها ملفوظ بها (¬4). ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 890). (¬2) أي من نصب أو جر كما في المرجع السابق (4/ 891). (¬3) في الكتاب (1/ 160) قال: (فإن قلت: ضرب زيد اليد والرجل؛ جاز على أن يكون بدلا من أن يكون توكيدا، وإن نصبته لم يحسن؛ لأن الفعل إنّما أنفذ في هذه الأسماء خاصة إلى المنصوب إذا حذفت منه حرف الجر، إلا أن تسمع العرب تقول في غيره: وقد سمعناهم يقولون: مطرتهم ظهرا وبطنا). (¬4) لمراجعة إجازة الكوفيين كما هنا ينظر: التذييل والتكميل (4/ 892).

[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها]

[أحوال الصفة المشبهة بالنسبة إلى الموصوف بها] قال ابن مالك: (فصل: إذا كان معنى الصّفة لسابقها رفعت ضميره، وطابقته في إفراد وتذكير، وفروعهما ما لم يمنع من المطابقة مانع، وكذلك إن كان معناها لغيره ولم ترفعه فإن رفعته جرت في المطابقة مجرى الفعل المسند إليه، وإن أمكن تكسيرها حينئذ مسندة إلى جمع فهو أولى من إفرادها، وتثنّى وتجمع جمع المذكّر السّالم على لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» وقد تعامل غير الرّافعة ما هي له، إن قرن بـ «أل» معاملتها إذا رفعته). قال ناظر الجيش: مقصود المصنف من هذا الكلام: أن يبين أحوال الصفة بالنسبة إلى الموصوف بها، من مطابقتها له في الإفراد وما يقابله، والتذكير وما يقابله. وعدّ هذا مخصوصا بالصفة المشبهة، بل هذا الذي ذكره شامل لكلّ صفة جرت على موصوف ولذلك لم يتعرض لذكر شيء من ذلك في باب النعت، وعادته في بقية تصانيفه أن يذكره ثمّ. فالصفة إما أن يكون معناها لموصوفها الجارية هي عليه، أو لسببيّ موصوفها، وإذا كان معناها للسببيّ فإمّا أن ترفعه أو لا ترفعه فهي ثلاثة أقسام، فإن كان معناها لموصوفها، أو لسببيّ موصوفها، ولم ترفعه، وجب في القسمين أن يرفع ضمير الموصوف، وأن تطابقه في إفراد، أو تثنية، أو جمع، وفي تذكير، أو تأنيث، تقول - فيما معناه لموصوفه -: مررت برجل حسن، وبرجلين حسنين، وبرجال حسنين أو حسان، وبامرأة حسنة، وبامرأتين حسنتين، ونساء حسنات، أو حسنيات، أو حسان (¬1). وتقول - فيما معناه لسببيّ موصوفه، ولم يرفع السببي -: مررت برجل حسن الغلام، أو: حسن غلاما، ورجلين حسني الغلمان، وبرجال حسني الغلام، أو حسنين غلمانا، أو حسانا الغلمان، أو حسان غلمانا، وبامرأة حسنة الغلام، أو حسنة غلاما، وبامرأتين حسنتي الغلمان، أو حسنتين غلمانا، وبنساء حسنات الغلمان، أو حسنات غلمانا، أو حسان الغلمان، أو حسان غلمانا، فجيء - في الأول - بالصفات مطابقة لما قبلها، ونوي معها ضمائر موافقة؛ لأنّ معناها لما جرت هي عليه، وجيء - في الثاني - بها مطابقة لما قبلها أيضا، وإن كان معناها - ¬

_ (¬1) ينظر شرح المصنف (3/ 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس لما جرت هي عليه، وإنّما هو لما بعدها؛ لأنّها لم ترفعه، إنّما رفعت ضمائر ما قبلها؛ فجرت مجرى ما هي لما قبلها معنى ولفظا. وإلى هذين القسمين أشار بقوله: إذا كان معنى الصفة لسابقها إلى قوله: ولم ترفعه، ولما كان من الصفات ما لا يطابق ما قبله لأمر يرجع إلى ذات الصّفة، من حيث الاستعمال، أشار إلى ذلك بقوله: ما لم يمنع من المطابقة مانع واحترز به من صفة وقع فيها الاشتراك مطلقا، كـ: «جنب»، ومثله: «أفعل من» والمصدر الموصوف به الأفصح فيه، ومن صفة اشترك فيها المذكر والمؤنث، نحو: ثيّب وربعة، ومثلهما: جريح وصبور. قال المصنف: (ومما يخصّ المذكر أو المؤنث لفظا ومعنى، أو لفظا لا معنى، أو معنى لا لفظا). انتهى. وهذا إنما يتأتى على مذهب الكسائيّ والأخفش؛ لأنهما هما اللذان يجريان المذكّر في الأقسام الثلاثة على المؤنث، والمؤنث على المذكر، وإذا أجريا فلا مطابقة، وأما غيرهما فلا يجري؛ فلا يحتاج إلى الاحتراز من ذلك على رأيه. وإن كان [3/ 159] معنى الصفة لسببيّ موصوفها ورفعته - وهذا هو الحكم الثالث - فالحكم أنها تجري في المطابقة مجرى الفعل المسند إلى ذلك السببيّ المرفوع بها، إذا وقع موقعها، فقد تطابق كما في: مررت برجل حسن غلامه، وبامرأة حسنة جاريتها، وقد لا تطابق، كما في: مررت برجل حسنة جاريته وبامرأة حسن غلامها، وبرجلين حسن غلامهما، وحسنة جاريتاهما، وبرجال حسن غلمانهم، وحسنة جواريهم، وبامرأتين حسن غلامهما، وحسنة جاريتاهما، وبنساء حسن غلمانهنّ وحسنة جواريهن؛ لأنك تفرد الفعل إذا أوقعته موقع هذه الصفات عن ضمير التثنية والجمع، وتلحقه علامة التأنيث مع المؤنث، فعوملت الصفات معاملته في ذلك ولم يخرجوا عن هذا الأصل إلا في صورة واحدة، وهي ما إذا كان السببي المرفوع جمعا وأمكن تكسير الصفة المسندة إليه؛ فإنّ تكسير الصفة - إذ ذاك - جائز وهو أولى من إفرادها، كقولك: مررت برجال حسان غلمانهم، واحترز بإمكان التكسير من صفة لا يمكن تكسيرها، فيتعين الإفراد. قال الشيخ: فيكون الإفراد فيه أحسن (¬1)، وليس بجيد وذلك كصيغة «فعّال»، - ¬

_ (¬1) ينظر كلام الشيخ أبي حيان في: التذييل والتكميل (4/ 894).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كـ «شرّاب»، وفعّال؛ كـ «حسّان» في الكثير الحسن، وفعيل؛ كـ «فسيق»، ومفعول؛ كـ: «مضروب» فيقال: مررت برجال شرّاب غلمانهم وفسيق عبدهم، وقد كان المصنف غير محتاج إلى هذا الاحتراز؛ لأنّ ما لا يمكن كسره لا يكسر، قال الله تعالى: خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ (¬1)، وقرئ خاشعا (¬2)، و «خشّع» أكثر كلام العرب. ونقل الشيخ كلاما كثيرا عن النحاة في هذا الموضع، ثمّ قال: وتلخص أنّ في الصفة - إذا كانت مما تجمع بالجمعين وكان المعمول جمعا - ثلاثة مذاهب (¬3): أحدها: أنّ التكسير أولى من الإفراد وهو نصّ سيبويه في بعض نسخ كتابه (¬4) ومذهب المبرد (¬5). والثاني: العكس وهو مذهب الجمهور واختيار الأستاذ أبي عليّ (¬6) وشيخنا أبي الحسن الأبّذي (¬7). والثالث: أنّ الصفة إن كانت تابعة لجمع كان التكسير أولى من الإفراد، وإن كانت تابعة لمفرد أو مثنى كان الإفراد أحسن من التكسير (¬8). انتهى. - ¬

_ (¬1) سورة القمر: 7. (¬2) في كتاب السبعة (ص 617، 618): (قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر خشعا أي بجمع التكسير، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي «خاشعا» بألف). انتهى. وفي تحبير التيسير (ص 182): (أبو عمرو ويعقوب وحمزة والكسائي وخلف «خاشعا» بفتح الخاء وألف بعدها، وكسر الشين مخففة ونصب على الحال) انتهى. وينظر النشر (3/ 3190) لابن الجزري أيضا. (¬3) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 897 - 899). (¬4) قال سيبويه في الكتاب (2/ 43) ما نصه: (واعلم أن ما كان يجمع بغير الواو والنون نحو: حسن وحسان؛ فإن الأجود فيه أن تقول: «مررت برجل حسان قومه» وما كان يجمع بالواو والنون نحو: منطلق ومنطلقين؛ فإن الأجود فيه أن يجعل بمنزلة الفعل المقدم فتقول: «مررت برجل منطلق قومه»). اهـ (وينظر: التذييل (4/ 898). (¬5) يراجع مذهب المبرد في التذييل (4/ 898، 899) أيضا. (¬6) في التوطئة للشلوبين (ص 267): (وكان التكسير أجود من الإفراد إن أمكن، نحو: مررت برجال حسان آباؤهم، هذا قول بعضهم والصواب أن الإفراد أحسن من التكسير، وإنما قال: «إن أمكن»؛ لأن من الصفات ما لا يكسر نحو: مررت بفرس معلم فارسه) اهـ. (¬7) أشير إلى مذهب الأبذي في ارتشاف الضرب (3/ 205) تحقيق د/ مصطفى النماس (2/ 368)، والتذييل والتكميل (4/ 899). (¬8) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 899).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أنّ من لغته أن يقدم على الفاعل علامة تثنية وجمع، فيقول: مررت برجلين حسنا غلامهما، وبرجال حسنوا غلمانهم، فإنه يقول: مررت برجلين حسنين غلاماهما، وبرجال حسنين غلمانهم، وإلى هذا أشار بقوله: وتجمع جمع المذكر السالم على لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» (¬1)، وأشار بقوله: وقد تعامل غير الرافعة إلى آخره؛ إلى أنّ الصفة إذا كان معناها لسببيّ موصوفها ولم ترفعه كان معمولها مقرونا بـ «أل» وقد يعامل معاملتها إذا رفعته - في عدم المطابقة لما قبلها - فيقال: مررت برجل حسنة العين، كما يقال: حسنة عينه. قال المصنف (¬2): حكى ذلك الفراء في سورة ص وَالْقُرْآنِ (¬3). قال (¬4): والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون: مررت برجل حسنة العين، قبيح الأنف، والمعنى: حسنة عينه، قبيح أنفه (¬5)، قال المصنف: فعلى هذا يقال: مررت برجل حسان الغلمان، وبرجل كريمة الأم، وبامرأة كرام الآباء، وكريم الأب، كما يقال: مررت برجل حسان غلمانه، وبرجل كريمة أمه، وبامرأة كرام آباؤها، وكريم أبوها، ومنه قول الشاعر: 2253 - أيا ليلة خرس الدّجاج (¬6) شهدتها ... ببغداد ما كادت عن الصّبح تنجلي (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر الحديث بهذه الرواية وروايات أخرى في: البخاري باب (16) من كتاب المواقيت، وباب (23، 33) من كتاب التوحيد، وموطأ مالك حديث (82) من كتاب السفر، وابن حنبل (2/ 257). (¬2) شرح المصنف (3/ 101). (¬3) سورة ص: 1. (¬4) يعني: قال الفراء. (¬5) هذا الكلام بنصه في معاني القرآن (2/ 480)، والتذييل والتكميل (4/ 900). (¬6) صحة ذلك أن يقال: خرساء دجاجها، يراجع: شرح المصنف (3/ 101)، والتذييل والتكميل (4/ 901). (¬7) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: ليلة خرس، أي: لم يسمع فيها صوت، وفي اللسان مادة «خرس»: خرس خرسا فهو أخرس، وسحابة خرساء لا رعد فيها. والشاهد فيه قوله: «خرس الدجاج»؛ حيث إنّ العرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة، فخرس الدجاج على معنى: خرساء دجاجها، كما يقال: مررت برجل حسنة العين؛ والمعنى: حسنة عينه، ولذلك تعامل الصفة والمعمول بـ «أل» في الجر والنصب معاملتهما، والمعمول مضاف إلى الضمير في الرفع، فشبه ثم جمع الصفة، وجعلها على حسب الثاني. ويجوز أن يقول: خرساء الدجاج، لكنه حمله على المعنى من لفظ الدجاج حيث كان جمع دجاجة. ينظر الشاهد أيضا: مجمع الأمثال (2/ 165)، وأمالي المرتضي (1/ 434)، وشرح الصفار (171 / أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: خرس الدجاج، كما يقال: خرس دجاجها. ومثله قول الآخر: 2254 - فناجت به غرّ الثّنايا مفلجا ... وسيما جلا عنه الظّلال موشّما (¬1) أراد: فما غرّ الثنية، فجمع مع الألف واللّام، كما يجمع مع الضمير إذا قيل: فناجت به فما غرّا ثناياه. ومثله قول الآخر في وصف عقاب يأوي إلى قبّة: 2255 - حجن المخالب لا يغتاله الشّبع (¬2) فقال: حجن المخالب كما كان يقول: حجن مخالبها، ثم بدأ، بعد هذا أراد المصنف أن يستدلّ على مجيء «أل» خلفا من الضمير في غير باب الصفة المشبهة فقال (¬3): ومن وقوع الألف واللام خلفا عن الضمير في غير هذا الباب قول الله تعالى: فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (¬4)، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (¬5)، ومنه قول الأعشى: 2256 - وأمّا إذا ركبوا فالوجو ... هـ في الرّوع من صدأ البيض حمّ (¬6) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «غر الثنايا» حيث خلفت الألف واللام الإضافة إلى الضمير فجمع الصفة المشبهة كما يجمع مع الضمير، فمعناه: فناجت به فما غرّا ثناياه، وكان قياسه: أغر الثنايا. ينظر الشاهد في شرح المصنف (3/ 101)، والتذييل والتكميل (4/ 901)، ومنهج السالك (ص 358). (¬2) البيت من البسيط ولم ينسب لقائل معين. اللغة: حجن المخالب: من قولهم: صقر أحجن المخالب، أي: معوجها، لا يغتاله الشبع: أي لا يغتاله فقد الشبع. والشاهد فيه: قوله: «حجن المخالب»؛ حيث جمع الصفة المشبهة، مع الإضافة إلى ما فيه الألف واللام، كما يقال: حجن مخالبها. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 901)، ومنهج السالك (ص 358). (¬3) الكلام الآتي من شرح المصنف، وينظر أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 902). (¬4) سورة النازعات: 39. (¬5) سورة النازعات: 41. (¬6) البيت من المتقارب، ونسبه ابن مالك للأعشى وليس هذا البيت في ديوانه ط. دار صادر بيروت، وفي الديوان قصيدة بهذا الوزن وهذه القافية، ولعله سقط من هذه القصيدة. حم: من الحمم مصدر الأحم والجمع الحم، وهو الأسود من كل شيء، والاسم الحمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: فوجوههم (¬1)، وقول الآخر: 2257 - ولكن نرى أقدامنا في نعالكم ... وآنفنا بين اللّحى والحواجب (¬2) أي: بين لحاكم، وقول ذي الرمّة: 2258 - تخلّلن أبواب الخدور بأعين ... غرابيب والألوان بيض نواصع (¬3) أي: وألوانهنّ. قال: وقد سوّى سيبويه بين: ضرب زيد ظهره وبطنه، وضرب زيد الظهر والبطن، وبين: مطرنا سهلنا وجبلنا، ومطرنا السهل والجبل (¬4) فالظاهر من قوله أنه موافق لقول - ¬

_ - والشاهد فيه قوله: «فالوجوه»؛ حيث وقعت «أل» خلفا من الضمير، والتقدير: وجوههم، وهذا في غير باب الصفة المشبهة. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 102)، والتذييل والتكميل (4/ 902)، واللسان «حمم». (¬1) وتقدير هِيَ الْمَأْوى: هي مأواه. (¬2) البيت من الطويل، وقد نسب لبعض بني عبس، وقد روي في حماسة أبي تمام، بشرح مختصر التبريزي (1/ 128): وإنا نرى أقدامنا في نعالهم ... وآنفنا بين اللحى والحواجب اللغة: آنفنا: جمع أنف، وفي معاني القرآن للفراء (2/ 408): ومعناه: ونرى آنفنا بين لحاكم وحواجبكم في الشبه. والمعنى: أنه يرى أقدامهم آنفهم تشبه أقدامهم وآنفهم للقرابة، وأنه يرقّ لهم لذلك؛ حيث هم قومه. والشاهد في البيت قوله: «اللحى والحواجب» حيث وقعت «أل» خلفا من الضمير، في غير باب الصفة المشبهة، فتقديره: لحاكم، وحواجبكم، ينظر الشاهد في: معاني القرآن للفراء (2/ 408)، ومجمع الأمثال (1/ 288)، والتذييل والتكميل (4/ 902). (¬3) البيت من الطويل وقائله: ذو الرمة. اللغة: تخللن: بأعينهن من وراء الستور، غرابيب: سود، يريد: سود الأعين، بيض نواصع: شديدات البياض. والشاهد في البيت قوله: «والألوان»، حيث خلفت «أل» الضمير في غير باب الصفة المشبهة، والتقدير: وألوانهن. ينظر الشاهد في: ديوان ذي الرمة (2/ 129)، وشرح المصنف (3/ 102)، والتذييل والتكميل (4/ 902). (¬4) في الكتاب (1/ 158) في باب من الفعل، يبدل فيه الآخر من الأول: (فالبدل أن تقول: ضرب عبد الله ظهره وبطنه، وضرب زيد الظهر والبطن، وقلب عمرو ظهره وبطنه، ومطرنا سهلنا وجبلنا، ومطرنا السهل والجبل) اه. وينظر أيضا: التذييل والتكميل (4/ 903).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفراء (¬1)، وليس هذا على تقدير «منه»؛ إذ لو كان كذلك لاستوى وجود الألف واللام وعدمها، كما استويا في مثل: البر الكر (¬2) بستين، فكان يجوز أن يقال: ضرب زيد ظهر وبطن، ومطرنا سهل وجبل، كما جاز أن يقال: البرّ كرّ بستّين، والسمن منوان بدرهم؛ لأنّ البعضية مفهومة مع عدم الألف واللام، كما هي مفهومة مع وجودهما. ومن الاستغناء عن الضمير بالألف واللام قوله تعالى: مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (¬3) أي: مفتحة لهم أبوابها (¬4). انتهى. وقال الشيخ: وهذه نزعة كوفية (¬5). وتقدم الردّ على هذه المذاهب وقد تأول الفارسيّ قوله: «خرس الدجاج»؛ على أنّ الليلة لطولها كالجمع، فكأنّ كلّ جزء ليلة (¬6)، كقولهم: [3/ 160] ثوب أخلاق (¬7)، ويحكى عن الأصمعي أنّ العرب تقول: ليلة خرس (¬8)؛ إذا لم يسمع فيها صوت، ثم خفّف بسكون العين، فهو مفرد وصف به مفرد (¬9). انتهى. والأدلة التي أوردها المصنف دالة على صحّة هذا الاستعمال فوجب القبول، على أنّ الشيخ حكى في ذلك خلافا بين النحويين (¬10)، ثمّ قال: وينبغي ألّا يمنع ذلك، لكن في القياس على ما سمع منه نظر. ¬

_ (¬1) معاني القرآن للفراء (2/ 408). (¬2) الكر: كيل معروف، والجمع أكرار وهو ستون قفيزا، والقفيز: ثمانية مكاكيك، والمكوك: صاع ونصف، ينظر: المصباح المنير «كرر». (¬3) سورة ص: 50. (¬4) ينظر هذا في: شرح المصنف (3/ 103). (¬5) ينظر: معاني القرآن للفراء (2/ 408) ويقصد بقوله: «نزعة كوفية»: قول الكوفيين بأن «أل» تخلف الضمير. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 904)، وفي شرح الصفار (1/ 171) (أخرجه الفارسي على أن يكون جعل كلّ جزء من الليلة ليلة، فجعل كل ليلة خرساء، ثم جمع فقال: ليلة خرس، كما قالوا: ثوب أسمال، وبرمة أعشار؛ لأن كل جزء منها كل، فهذا وجه) اه. وينظر أيضا: منهج السالك (3/ 356). (¬7) خلق الثوب - بضم اللام - إذا بلي، فهو خلق - بفتحتين - وأخلق لغة. ومثل «ثوب أخلاق» في هذا: برمة أعشار، وبرد أسمال. (¬8) خرس - بضم الأول والثاني - بوزن «عنق». (¬9) ينظر ما حكي عن الأصمعي في: كتاب المذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 686) ط. بغداد (1978 م) ومنهج السالك (ص 358). (¬10) يراجع هذا الخلاف بين النحويين في: التذييل والتكميل (ص 904، 905).

[رد الصفة المشبهة إلى اسم الفاعل]

[ردّ الصّفة المشبّهة إلى اسم الفاعل] قال ابن مالك: (وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثيّ على غير فاعل ردّت إليه ما لم يقدّر الوقوع، وإن قصد ثبوت معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصّفة المشبّهة، ولو كان من متعدّ إن أمن اللبس، وفاقا للفارسيّ، والأصحّ أن يجعل اسم مفعول المتعدّي إلى واحد من هذا الباب مطلقا، وقد يفعل ذلك بجامد لتأوّله بمشتقّ، ولا تعمل الصّفة المشبهّة في أجنبيّ محض، ولا تؤخّر عن منصوبها). قال ناظر الجيش: هذا الكلام مشتمل على خمس مسائل: الأولى: أنه إذا كانت الصفة المشبهة مصوغة من فعل ثلاثيّ، وهي على غير زنة فاعل، كـ: شريف، وشجاع، وحسن، وفرح، وما أشبهها، وقصد استعمال معناها حولت إلى وزن فاعل، فتقول: شارف، وشاجع، وحاسن، وفارح، ومقتضى كلام المصنّف أنّه لا يجوز التحويل إلى صيغة فاعل إلّا إذا قصد الاستقبال، وقال - في الشرح -: قال الفراء (¬1): العرب تقول - لمن لم يمت -: إنك مائت عن قليل، ولا يقولون - لمن قد مات -: هذا مائت، وإنّما يقال في الاستقبال، وكذا يقال: هذا سيد قومه، فإذا أخبرت أنه سيسودهم قلت: هذا سائد قومه عن قليل، وكذا الشريف والمطمع وأشباههما إذا قصد بهما الاستقبال صيغت إلى «فاعل» (¬2). انتهى. فوقف المصنف مع ظاهر قول الفراء في شرط الاستقبال، وقال الإمام بدر الدّين - في شرح الألفية - (¬3): إذا قصد بالصفة المشبهة معنى الحدوث حولت إلى بناء اسم الفاعل، واستعملت كلّ استعماله، كقولك: زيد فارح أمس، وجازع غدا، - ¬

_ (¬1) ينظر قول الفراء الآتي في: معاني القرآن (2/ 72)، (2/ 232)، وفي النقل تصرف يسير. (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 103) وبعد ذلك قوله: (وإلى هذا أشرت بقولي: وإذا قصد استقبال المصوغة من ثلاثي على غير فاعل ردت إليه صيغة فاعل) اه. (¬3) الكلام الآتي من شرح الألفية لابن الناظم (ص 173)، ولفظه «لو» بدل «إذا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشّاعر: 2259 - وما أنا من زرء وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح (¬1) فلم يقيد ذلك باستقبال ولا غيره، قال المصنف - بعد كلامه المتقدم -: «ومن هذا الردّ - يعني ردّ غير فاعل إلى فاعل - قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ (¬2)، وعلى هذا المعنى قراءة بعض السلف: (إنك مائت وإنهم مائتون) (¬3) والمعنى - على قراءة الجماعة - إنك وإياهم، وإن كنتم أحياء فأنتم في عداد الموتى؛ لأنّ ما هو كائن فكأنّه قد كان (¬4)، وعلى هذا نبّهت بقولي: (ما لم يقدّر الوقوع) (¬5)». انتهى. يعني أنه إذا قصد الاستقبال ردّت إلى صيغة فاعل ما لم يقدر الوقوع فإن الصفة لا تردّ، كما في: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (¬6)، ثمّ قال (¬7): ومن الردّ إلى «فاعل» بقصد الاستقبال قول الحكم بن صخر: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله: أشجع السلمي، من شعراء العصر العباسي، وقيل: هو لمطيع بن إياس، يرثي يحيى بن زياد، ولعل هذه النسبة أصحّ؛ لأن أشجع السلمي من المولدين الذين لا يحتج بشعرهم. اللغة: الرزء: المصيبة. والمعنى: مصيبتي فيك عظيمة، لست أجزع لما يصيبني بعدها، وإن عظم، ولا أفرح بما أنال من المسرات. اه. والشاهد في قوله: «فارح»؛ حيث ردت الصفة المشبهة «فرح» ردت إلى فاعل، على صيغة اسم الفاعل، واستعملت استعماله؛ لإفادة معنى الحصول في المستقبل. ينظر الشاهد في: العيني (3/ 574)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 172)، والتذييل والتكميل (4/ 907)، منهج السالك (ص 350). (¬2) سورة هود: 12. (¬3) سورة الزمر: 30. (¬4) في البحر المحيط (7/ 425): وقرأ ابن الزبير، وابن أبي إسحاق، وابن محيصن، وعيسى، واليماني، وابن أبي غوث، وابن أبي عبلة: (إنك مائت وهم مائتون) وهي تشعر بحدوث الصفة. (¬5) من شرح المصنف (3/ 103). (¬6) وهذه قراءة الجمهور، في البحر المحيط (7/ 425): (والجمهور: (ميت) و (ميتون،) وهي تشعر بالثبوت واللزوم) اه. وقال الدماميني في شرحه على التسهيل (3/ 32): وهذه القراءة، وهي قراءة السبعة، أبلغ من قراءة بعضهم: (إنك مائت وإنهم مائتون) اه. (¬7) الكلام الآتي من شرح المصنف (3/ 103).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2260 - أرى النّاس مثل السّفر والموت منهل ... له كلّ يوم وارد ثمّ وارد إلى حيث يشقي الله من كان شاقيا ... ويسعد من في علمه هو ساعد (¬1) ومثله قول قيس بن العيزارة: 2261 - فقلت لهم شاء رغيب وجامل ... فكلّكم من ذلك المال شابع (¬2) المسألة الثانية: أنه إذا قصد معنى اسم الفاعل عومل معاملة الصفة المشبهة، وهذه كأنها عكس المسألة الأولى؛ لأنه في الأولى إذا لم يقصد الثبوت تحول الصيغة إلى صيغة «فاعل»، وتعامل معاملته، إمّا مع قصد الاستقبال، أو مطلقا، على ما تقدّم من كلام المصنف وولده في الثانية، يقصد بالصيغة الدالة على الحدوث معنى الثبوت، فيترتب على ذلك أحكام الصفة المشبهة، فعلى هذا إذا قصد ثبوت معنى اسم الفاعل ساغت إضافته إلى ما هو فاعل في المعنى، ونصبه إياه على التمييز إن كان نكرة، وعلى التشبيه به إن كان معرفة، فتقول: زيد قائم الأب، وقائم الأب، وقائم أبا، قال ابن رواحة: 2262 - تباركت إنّي من عذابك خائف ... وإنّي إليك تائب النّفس ضارع (¬3) - ¬

_ (¬1) البيتان من الطويل، وقائلهما الحكم بن صخر، كما هنا، وكما في شرح المصنف (3/ 105)، وكما في التذييل والتكميل (4/ 907). والشاهد في قوله: «شاقيا، وساعد»؛ حيث ردت الصفة، وهي: «شقي، وسعيد»، إلى وزن «فاعل»، لقصد الاستقبال؛ لأن الصفة مصوغة من ثلاثي. ينظر الشاهد أيضا في: تعليق الفرائد للدماميني (3/ 32). (¬2) البيت من الطويل، وقائله قيس بن العيزارة من شعراء بني هذيل، وعيزارة أمه، وبها يعرف، وهو قيس بن خويلد، أخو بني صاهلة، تنظر ترجمته في ديوان الهذليين (3/ 76). اللغة: الرغيب: الكثير، أي: خذوا مالي، ودعوني، وجامل: جمع جمال. والشاهد في البيت قوله: «شابع»؛ حيث ردّت الصفة المشبهة من الثلاثي «شبع» إلى وزن فاعل، لقصد استقبال الصفة. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 103)، والتذييل والتكميل (4/ 908)، وتعليق الفرائد للدماميني (3/ 32). (¬3) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال رجل من طيئ: 2263 - ومن يك منحلّ العزائم تابعا ... هواه فإنّ الرّشد منه بعيد (¬1) هذا إذا كان متعديا فقد جوز المصنف فيه ذلك أيضا، بشرط السلامة من اللبس، قال: فيقال: زيد ظالم العبيد خاذلهم، وراحم الأبناء ناصرهم، إذا كان له عبيد ظالمون خاذلون، ثمّ قال: قال أبو عليّ في التذكرة: من قال: زيد الحسن عينين؛ فلا بأس أن يقول: زيد الضارب أبوين، والضارب الأبوين، والضارب الأبوان، والأبوان فاعل على قولك: الحسن الوجه، ومثله: الضارب الرجل، إذا أردت الضارب رجله (¬2). قال المصنف: هكذا قال أبو عليّ، ولم يقيد بأمن اللّبس، والأصحّ (¬3) أن جواز ذلك متوقف على أمن اللبس، إلّا أنه قال: ويكثر أمن اللبس في اسم فاعل غير المتعدي. انتهى. فدلّ هذا الكلام منه على أن قوله - في المتن -: إن أمن اللبس، لا يرجع إلى المتعدي فقط، بل إلى اسم الفاعل مطلقا، ولا يتصور لي وجود اللبس في اللازم؛ لأنّ اللبس إنما جاز حصوله في المتعدّي لأن له منصوبا، فربما يظنّ أنّ المعمول المقرون به هو مفعوله الأصلي، إذا لم يكن قرينة تبين أنه غيره، وأما اللازم فلا يتأتّى فيه ذلك، وأنشد المصنف شاهدا على المصوغ من متعدّ: - ¬

_ - والشاهد فيه - هنا -: «تائب النفس ضارع»؛ حيث قصد ثبوت معنى اسم الفاعل، ولذلك يعامل معاملة الصفة المشبهة حيث أمن اللبس؛ لأن اسم الفاعل فيهما مصوغ من غير المتعدي، فيضاف اسم الفاعل - هنا - إلى ما هو فاعل في المعنى، أو ينصب على التشبيه به؛ لأنه معرفة، ولو كان نكرة نصب على التمييز. (¬1) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا. والشاهد فيه - هنا - قوله: «منحلّ العزائم» على أنّ الصفة المشبهة «منحل» موازنة للمضارع كـ: منطلق اللسان، مع أنها صيغت من فعل لازم، ولذلك أمن اللبس، و «منحل» اسم فاعل قصد به ثبوت معناه، فعومل كالصفة المشبهة. (¬2) التذكرة من كتب أبي علي المفقودة، ولمراجعة ما قاله فيها ينظر: شرح المصنف (3/ 105)، والتذييل والتكميل (4/ 909)، ومنهج السالك (ص 358). (¬3) في شرح المصنف (3/ 104)، والتذييل والتكميل (4/ 909): «والصحيح».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2264 - ما الرّاحم القلب ظلّاما وإن ظلما ... ولا الكريم بمنّاع وإن حرما (¬1) فقال الشيخ (¬2): عبارة المصنف في المتعدّي مطلقة، والقول في ذلك: إنّه إن تعدّى بنفسه إلى أكثر من واحد فلا خلاف أنّه لا يجوز تشبيهه، فإذا قلت: مررت برجل معطى أبوه درهما، أو معلم أبوه زيدا قائما؛ لا يجوز: معطى الأب درهما، ولا: معلم الأب زيدا قائما، وإن تعدّى [3/ 161] لواحد بحرف جر فجوزه الأخفش، وصححه ابن عصفور (¬3)، فتقول: مررت برجل بارّ الأب بزيد، بنصب «الأب» أو بجرّه، ويستدل بقولهم: هو حديث عهد بالوجع (¬4)، فـ «الوجع» متعلق بـ (حديث) وهو صفة مشبهة، ومنع ذلك الجمهور فقالوا: «بالوجع» متعلق بـ (عهد) لا بالصفة (¬5). وإن تعدّى إلى واحد بنفسه فمنعه الأكثرون (¬6)، وأجازته طائفة، وفصل آخرون، فقالوا: إن حذف المفعول اقتصارا جاز، وإلّا لم يجز، وهو اختيار ابن عصفور، وابن أبي الربيع، قال: وهو تفضيل حسن؛ لأنه إن لم يحذف المفعول، أو حذف اختصارا فهو كالمثبت، فيكون الوصف - إذ ذاك - مختلف التعدّي والتشبيه، وهو واحد، وذلك لا يجوز (¬7). انتهى. وتمثيل المصنف، والمثال الذي ذكره عن أبي عليّ والبيت الذي أنشده يشعر بأنه لا يجوز إلا فيما تعدّى إلى واحد بنفسه، وقد حذف اقتصارا، ونقل الشيخ عن الصّفار أنه أنشد: - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين، وفي العيني (3/ 618): (ما الراحم القلب بذي ظلم، وليس بذي منع، وليس المراد به المبالغة) اه. والشاهد فيه: «ما الراحم القلب»؛ فقد قصد ثبوت المعنى في اسم الفاعل المصوغ من المتعدي، فعومل معاملة الصفة المشبهة. ينظر الشاهد في: شرح التصريح (2/ 71)، والأشموني (2/ 202)، والدرر (2/ 136). (¬2) الكلام الآتي في التذييل والتكميل (4/ 910، 911)، والنقل هنا بتصرف. (¬3) لمراجعة رأي الأخفش وابن عصفور ينظر: منهج السالك (ص 358)، والتذييل والتكميل (4/ 910). (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 197)، وشرح الصفار (173 / أ)، والتذييل والتكميل (4/ 910). (¬5) ينظر: منهج السالك (ص 358)، والتذييل والتكميل (4/ 910). (¬6) ينظر: منهج السالك (ص 358)، وشرح التسهيل للمرادي (203 / أ)، والتذييل والتكميل (4/ 911). (¬7) أي: انتهى كلام الشيخ أبي حيان، وهو في التذييل والتكميل (4/ 910، 911).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2265 - الحزن بابا والعقور كلبا (¬1) وقال: هو من: عقر الرجل غيره، وعقر كلبه غيره فتكون الصفة متعدية، وحذف مفعولها رأسا، ولم يرد، ثم شبهت، ولا خلاف في تشبيه هذا، وإنّما الخلاف فيما يتعدّى عند ذكر مفعوله (¬2). المسألة الثالثة: أنّ اسم مفعول الفعل المتعدّي إلى واحد يصحّ أن يجعل من هذا الباب، وعنى بقوله: مطلقا أنه يرفع السببيّ، وينصبه، ويجرّه، بشروطه المعتبرة على ما تقرر في غير اسم المفعول، فيجيء فيه ما هو قويّ وما هو ضعيف. قال المصنف (¬3): وأقل مسائل الصفة استعمالا نحو: حسن وجهه، وحسن وجهه، وحسن وجه، ولها مع ذلك تطابق في مسائل اسم المفعول ونظير حسن وجهه قول الشاعر: 2266 - تمنى لقاي الجون مغرور نفسه ... ... البيت المتقدم الإنشاد ونظير «حسن وجهه» قول الآخر: 2267 - لو صنت طرفك لم ترع بصفاتها ... لمّا بدت مجلوّة وجناتها (¬4) ونظير «حسن وجه» قول الآخر: 2268 - بثوب ودينار وشاة ودرهم ... فهل أنت مرفوع بما ههنا رأس (¬5) قال الشيخ: قول المصنّف: (والأصح) يدلّ على خلاف في المسألة، ولا نعلم أحدا منعها (¬6). - ¬

_ (¬1) سبق تحقيق هذا الشاهد قريبا. والشاهد فيه: «العقور كلبا»؛ فقد استعمل الصفة المشبهة، وهي من المتعدي الذي حذف مفعوله، ولا خلاف في هذا، وإنما الخلاف فيما يتعدى، وذكر مفعوله. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 912). (¬3) ينظر الآتي في: شرح المصنف (3/ 105). (¬4) البيت من بحر الكامل وهو لعمرو بن لجأ التميمي في القرى. وشاهده: قوله: «مجلوة وجناتها»؛ حيث إن هذا يشبه: «هذا حسن وجهه» بالنصب، والبيت في: التصريح (2/ 72)، والدرر (2/ 134)، والمساعد (2/ 18). (¬5) سبق الاستشهاد به قريبا. (¬6) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 913).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الرابعة: أنه قد يؤول الجامد بمشتقّ، فيعامل معاملة الصفة المشبهة، فيقال: وردنا منهلا عسلا ماؤه، أو عسل الماء، ونزلنا بقوم أسد أنصارهم، وأسد الأنصار، ومررنا بحيّ أقمار نساؤهم، وأقمار النساء، على تأويل «عسل» بـ «حلو»، و «أسد» بـ «شجعان»، و «أقمار» بـ «حسان» (¬1) ومنه قول الشاعر: 2269 - فراشة الحلم فرعون العذاب ... وإن تطلب نداه فكلب دونه كلب (¬2) فعامل «فراشة» و «فرعون» معاملة «طائش» و «مهلك» ومثله قول الآخر: 2270 - فلولا الله والمهر المفدّى ... لأبت وأنت غربال الإهاب (¬3) فعامل «غربال» معاملة «مثقب». قال المصنف: وأكثر ما يجيء هذا الاستعمال في أسماء النسب، كقولك: مررت برجل هاشميّ أبوه، تميمة أمّه، وإن أضفت قلت: هاشميّ الأب، تميميّ - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 105)، والتذييل والتكميل (4/ 913). (¬2) البيت من البسيط، وقائله الضحاك بن سعيد، أو سعيد بن العاص، أو رجل من ولده، كما في معجم الشواهد (ص 45). اللغة: فراشة الحلم: بمعنى طائش، فرعون: بمعنى مهلك، أو أليم العذاب، كلب - بكسر اللام -: داء يصيب الكلب، يشبه الجنون، فإذا عض هذا الكلب إنسانا صار مثله. والشاهد في البيت: تضمن الجامد فيه وهو «فراشة» معنى طائش، و «فرعون» معنى «مهلك» أي تأويلهما بمشتق، وإعطاؤهما حكم الصفة المشبهة فأضيفا إلى المعمول. ينظر الشاهد في: الأشموني (3/ 16)، وشرح التصريح (2/ 72)، والهمع (2/ 101)، والدرر (2/ 136). (¬3) البيت من الوافر، ونسب لعفيرة بن طرافة الكليبية، كما في الوحشيات (ص 8) كما نسب لمنذر ابن حسان في المقاصد النحوية للعيني (3/ 140)، ونسب في معجم الشواهد العربية (ص 63) لحسان بن ثابت، وليس في ديوانه. اللغة: المهر المفدى: القوي الجري، غربال: الآلة المعروفة، والمراد: مثقب الجلد من وقع الأسنة. والشاهد في البيت قوله: «غربال الإهاب» فإنّ «غربال» جامد مضمن معنى المشتق، تأويله: مثقب الجلد، أو مخرق، فأجري الصفة المشبهة، وأضاف «غربال» إلى معموله، الذي هو فاعل في المعنى. وفي الأشموني (3/ 16): (ولو رفع بها أو نصب جاز، والله أعلم) اه. ينظر الشاهد في: الخصائص (2/ 221)، والأشباه والنظائر (1/ 307)، والهمع (2/ 101)، والدرر (2/ 136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمّ، وكذلك ما أشبهه (¬1). المسألة الخامسة: أنّ معمول الصفة لا يكون أجنبيّا محضا، وأنّ منصوبها لا يتقدم عليها، وقد تقدم الكلام على هذين الحكمين في أوائل الباب، على أنّ المصنف لم يتعرض إلى شرح ذلك، ولا الشيخ أيضا، إما لوضوحه، وإما لأنه غير ثابت في الأصل. وختم الشيخ الباب بمسألة: وهي: أنهم اختلفوا في تشبيه الفعل اللازم بالفعل المتعدّي كما شبّه وصفه بوصفه، فأجاز ذلك بعض المتأخرين، فتقول: زيد تفقأ الشحم، أصله: تفقأ شحمه (¬2)؛ فأضمرت في «تفقأ»، ونصبت «الشحم»؛ تشبيها بالمفعول به، واستدل بما روي في الحديث: «كانت امرأة تهراق الدماء» (¬3) ومنع من ذلك الأستاذ أبو علي، وقال: لا يكون ذلك إلا في الصفات، وأسماء الفاعلين والمفعولين (¬4). وقد تأولوا الأثر على أنه على إسقاط حرف الجرّ، أو على إضمار فعل، أي: بالدماء، أو: يهريق الله الدماء منها، قال: وهذا هو الصحيح (¬5). ¬

_ (¬1) ينظر: شرح المصنف (3/ 105). (¬2) ينظر التذييل والتكميل (4/ 915)، وفي منهج السالك (ص 368) توضيح لهذه المسألة حيث قال: (فرع نختم به هذا الباب، وهو: هل تغفل العرب هذا النوع، والتشبيه بالفعل اللازم، فتشبه بالفعل المتعدي، كما شبهت الوصف باسم الفاعل المتعدي؟ في ذلك خلاف؛ ذهب بعض المتأخرين إلى أن العرب تفعل ذلك فأجاز: زيد تفقأ الشحم، والتقدير عنده: زيد تفقأ شحمه، ثم جعل الضمير فاعلا، ونصب «الشحم» تشبيها بالمفعول به، واستدل على هذا بقولهم - في الأثر - «كانت امرأة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تهراق الدماء»، على التشبيه بالمفعول، وكان الأستاذ أبو علي يذهب إلى أن النصب على التشبيه بالمفعول لا يكون في الأفعال، وإنما يكون في الصفات، وأسماء الفاعلين والمفعولين على الشروط المذكورة ويتأول الحديث على حذف حرف الجر) اهـ. (¬3) هذا جزء من حديث شريف، سبق تخريجه وهو في التذييل والتكميل (4/ 107، 915). (¬4) يراجع قول الأستاذ أبي علي في التذييل والتكميل (4/ 915). وفي ارتشاف الضرب (1108): (ومنع من ذلك الأستاذ أبو علي، وهو الصحيح؛ إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب، ولا حجة في: «تهراق الدماء» - إن صح -؛ لاحتماله التأويل) اهـ. (¬5) في منهج السالك (ص 368): (والذي يظهر لي ما ذكر، وأن هذا لا يكون في الأفعال، ويدل على ذلك أنك لا تقول: زيد حسن الوجه، ولا: تصبب العرق؛ فإن ادعى أنه يقال هذا فقد ادعى ما لم يسمع، وإنما قاله بالقياس على ما جاء في الأثر - «تهراق الدماء» - وقد مضى تأويله، ولا تقوم الحجة بمتأول، ويكون هذا بمنزلة: ذهبت به، وأذهبته) اهـ.

الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر

الباب الثامن والثلاثون باب إعمال المصدر [علة إعمال المصدر - أحوال إعماله] قال ابن مالك: (يعمل المصدر مظهرا، مكبّرا، غير محدود، ولا منعوت قبل تمامه، عمل فعله). قال ناظر الجيش: لمّا أنهى المصنف الكلام على المشتقّات الأربعة المحمولة في أصل عملها على الفعل، شرع في ذكر عمل المصدر، والذي هو أصلها، وأصل الفعل. فقال المصنف (¬1): إنّ المصدر يعمل، لا لشبهه بالفعل، بل لأنّه أصل، والفعل فرع، ولذلك لم يتقيد عمله بزمان، دون زمان، بل يعمل مرادا به المضيّ، أو الحال، أو الاستقبال؛ لأنه أصل لكل من الأفعال الثلاثة الدّالة على هذه الأزمنة، بخلاف اسم الفاعل، فإنّه يعمل لشبهه بالفعل المضارع، فاشترط كونه حالا، أو مستقبلا؛ لأنهما مدلولا المضارع، انتهى. ولذلك لم يشترط في عمله الاعتماد أيضا، بخلاف المشتقات التي تعمل لشبه الفعل. ثم قال المصنف (¬2): ولما ترتب عمل المصدر على الأصالة، اشترط في كونه عاملا بقاؤه على صيغته الأصلية، التي اشتقّ منها الفعل، فلزم من ذلك ألا يعمل إذا غير لفظه، بإضمار، ولا بتصغير، ولا بردّه إلى فعله، قصدا للتوحيد، ولا بنعت، قبل تمام مطلوبه انتهى. وسيتبين أنّ امتناع نعته، قبل تمامه إنّما هو لعلّة أخرى، لا لترتبه على الأصالة، وقد ذكر المصنف لإعمال المصدر شروطا أربعة، ويؤخذ من كلامه في الشرح شرط خامس ومجموع الشروط ستّة: الأول: أن يكون مظهرا، فلا يقال: ضربك المسيء حسن، وهو المحسن [3/ 162] قبيح، أي: ضربك المحسن؛ فإنّ الضمير مباين للصيغة التي هي أصل الفعل، وهو إنما عمل بالأصالة، كما تقدّم، وكذا لو كان المتعلق مجرورا، أو ظرفا فلا يقال: مرورك بزيد حسن، وهو بعمرو قبيح، هذا مذهب البصريّين (¬3)، وأمّا الكوفيون - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 106). (¬2) المرجع السابق. (¬3) يراجع مذهب البصريين في منع إعمال ضمير المصدر في: التذييل والتكميل (4/ 918)، منهج السالك (ص 318).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فضمير المصدر عندهم كظاهره في العمل (¬1)، قال ابن عصفور: فأجازوا: «ضربي زيدا حسن، وهو عمرا قبيح». انتهى. وذكر الشيخ في شرحه أنّ الفارسيّ، وابن جنّي أجازا عمل الضمير في المجرور (¬2)، واستدلّ الكوفيون بقول زهير: 2271 - وما الحرب إلّا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجّم (¬3) فإنّ ظاهره تعلّق «عنها» بـ «هو» الذي هو ضمير «الحديث»، وخرّج ذلك على أن يكون «عنها» معلّقا بـ «المرجّم»، وقدّم عليه ضرورة، وعلى أن يكون متعلقا بفعل مضمر، كأنه قال: أغنى عنها، وعلى أن يكون تقديره: وما هو مرجّما عنها، وحذف «مرجّما» الأول، لدلالة الثّاني عليه (¬4)، وجعل المصنف ذلك شاذّا. ثمّ قال (¬5): وقد يخرج على أن يكون التقدير: وما هو الحديث عنها، فيتعلق «عن» بـ «الحديث»، ويجعل «الحديث» بدلا من «هو» ثم حذف البدل، وترك المتعلق به دالّا عليه، قال: ولا يخفى ما في هذا التقدير من التكلّف، مع أنّ البدل هو المقصود بالنسبة، ولا يذكر متبوعه - غالبا - إلا توطئة له، قيل: والذي يقطع بالكوفيين أنه - ¬

_ (¬1) ينظر مذهب الكوفيين في جواز إعمال ضمير المصدر في: منهج السالك لأبي حيان (ص 318)، والتذييل والتكميل (4/ 918). (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 918، 919)؛ حيث قال أبو حيان رحمه الله ما نصه: (وحكى عاصم بن أيوب عن الفارسي أنه أجاز أن يعمل المكنى في المجرور وذكر ابن ملكون أنه وقف على إجازة ذلك من كلام أبي علي، وأجاز ذلك الرماني وابن جني في خصائصه) انتهى. وفي الإيضاح العضدي للفارسي (1/ 200، 201) ما نصه: (لم يجيزوا: مروري بزيد حسن، وهو بعمرو قبيح، وإن كان «هو» ضمير «مروري»؛ لأنّ «هو» لا دلالة على لفظ الفعل فيه، كما في لفظ المصدر على لفظه) انتهى. (¬3) البيت من الطويل، لزهير بن أبي سلمى الشاعر الجاهلي المشهور، والبيت من معلقته وهو في ديوانه (ص 25) ط. المكتبة الثقافية بيروت (1968 م). اللغة: المرجم من الحديث: المقول بطريق الظن. والشاهد في قوله: «وما هو عنها» فهو ضمير المصدر على رأي الكوفيين والتقدير: وما الحديث عنها؛ فـ «هو» ضمير «الحديث» واستشهد به الكوفيون على إعمال ضمير المصدر في الجار والمجرور. (¬4) ينظر ذلك في: التذييل والتكميل (4/ 918). (¬5) ينظر: شرح المصنف (3/ 106).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يحفظ من كلام العرب: أعجبني ضرب زيد عمرا، وهو بكرا، أي: وضربه بكرا. الشّرط الثّاني: أن يكون مكبّرا، فلا يقال: عرفت ضريبك زيدا، ونحوه؛ لأنّ التصغير يزيل المصدر عن الصيغة التي هي أصل الفعل، زوالا يلزم منه نقص المعنى (¬1). الشرط الثالث: أن يكون مفردا، فلا يعمل المثنّى، فلا يقال: عجبت من ضريبك زيدا، وأما المجموع ففيه خلاف؛ منهم من أجاز عمله ومنهم من منع (¬2). واختلف مختار المصنف، فاختار - في شرح هذا الكتاب - أنّ المجموع يعمل؛ ولذا لم يشترط - في المتن - عدم جمعيته، وعلّلّ الجواز بأنّ صيغة الجمع - وإن زالت معها الصيغة الأصلية كما زالت في التصغير - المعنى معها باق، ومضاعف بالجمعية؛ لأنّ جمع الشيء بمنزلة ذكره متكرر العطف، فلذلك منع التصغير إعمال المصدر، وإعمال اسم الفاعل، ولم يمنع الجمع إعمالهما، إلّا أنّ جمع اسم الفاعل كثير، وجمع المصدر قليل، فقلّت شواهد إعماله مجموعا (¬3)، ومنها قول علقمة: 2272 - وقد وعدتك موعدا لو وفت به ... مواعد عرقوب أخاه بيثرب (¬4) فنصب «أخاه» بـ «مواعد» وهي جمع موعد، بمعنى: وعد، ويروى: كوعد عرقوب، ويروى: مواعيد عرقوب، جمع ميعاد، بمعنى وعد. قال ابن الزبير الأسدي: - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 919). (¬2) في المرجع السابق (4/ 920، 921): (أما المصدر إذا كان مجموعا ففي إعماله خلاف؛ ذهب قوم إلى جواز ذلك كله، كما ذهب إليه المصنف، وهو اختيار ابن عصفور، وذهب قوم إلى منع إعماله مجموعا، وإلى ذلك ذهب أبو الحسن بن سيده ... ومن منع إعمال المصدر مجموعا تأول السماع على أن المنصوب في ذلك ينتصب بإضمار فعل) اهـ. (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 107)، والتذييل والتكميل (4/ 919). (¬4) البيت من الطويل، وقائله علقمة من قصيدة يعارض بها امرأ القيس، وهو في ديوان علقمة (ص 29). اللغة: وعدتك: من الوعد، ومواعد هنا: جمع موعد، و «عرقوب» فاعله مجرور بإضافته إليه، و «أخاه» مفعوله، وفيه شاهد على جواز إعمال المصدر المجموع مكسرا، ويروى: كموعود، مصدر على مفعول، وعرقوب: هو عرقوب بن صخر، أو ابن معبد من العمالقة، أو من الأوس، يضرب به المثل في خلف الوعد، ويثرب: اسم المدينة المنورة بمقدم الرسول عليه الصلاة والسّلام قبل الإسلام. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 920)، والأشباه والنظائر (1/ 300)، والمساعد لابن عقيل (2/ 227).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2273 - كأنّك لم تنبأ ولم تك شاهدا ... بلائي، وكرّاتي الصّنيع بيبطرا (¬1) فـ: «كراتي» جمع «كرّة» ونصب به «الصنيع» وهو اسم فرسه. وقول أعشى قيس - يمدح هوذة بن عليّ الحنفيّ (¬2): 2274 - قد حمّلوه فتيّ السّنّ ما حملت ... ساداتهم، فأطاق الحمل واضطلعا وجرّبوه فما زادت تجاربهم ... أبا قدامة إلّا الحزم والقنعا (¬3) فـ «تجاربهم» جمع «تجربة» ونصب بها أبا قدامة، وقول أعشى قيس أيضا: 2275 - إنّ عداتك إيّانا لآتية ... حقّا وطيّبة ما نفس موعود (¬4) فـ «عداتك» جمع «عدة» وقد نصب بها «إيانا». ومن ذلك قول العرب: تركته بملاحس البقر أولادها (¬5)، أي: بموضع - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو منسوب هكذا أيضا في: التذييل والتكميل: (4/ 921، 923). وابن الزبير الأسدي، وهو عبد الله بن الزبير الأسدي، بفتح الزاي، كما في جمهرة أنساب العرب، وهو ابن الزبير بن الأشيم بن الأعشى بن بجرة، من ولد منقذ بن طريف، وهو شاعر مشهور، ينتهي نسبه إلى الحارث بن ثعلبة بن دودان، تنظر ترجمته في: جمهرة أنساب العرب (ص 195). والشاهد فيه قوله: «وكراتي الصنيع»؛ حيث أعمل المصدر المجموع «كراتي» فنصب المفعول به «الصنيع». ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 921)، ومنهج السالك (ص 319). (¬2) هو هوذة بن علي بن ثمامة بن عمرو، ينتهي نسبه إلى بني مرة بن الدول بن حنيفة، وقد مدحهم الأعشى، تنظر ترجمته في: جمهرة أنساب العرب (ص 310). (¬3) البيتان من ديوان الأعشى ميمون بن قيس (ص 109) وهما من البسيط. اللغة: قنعا: فضلا. والشاهد في قوله: «زادت تجاربهم أبا قدامة»؛ حيث أعمل المصدر المجموع «تجارب» فنصب المفعول «أبا قدامة». ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 921)، والدرر: (2/ 123)، والأشموني (2/ 287). (¬4) البيت من البسيط، وهو في ديوان الأعشى (ص 53). اللغة: طيبة ما نفس موعود: تطيب نفس الذي وعدته، و «ما» زائدة. والشاهد في البيت قوله: «عداتك إيانا»؛ حيث أعمل المصدر المجموع «عداتك» فنصب المفعول به «إيانا». ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 921)، ومنهج السالك (ص 319). (¬5) في كتاب المستقصى للزمخشري (2/ 25): (تركته بملاحس البقر أولادها أي: بالمواضع التي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ملاحس، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، و «الملاحس» جمع «ملحس»، بمعنى «لحس». قال الشيخ: ومن منع ذلك جعل المنصوب - في هذه الشواهد - منصوبا بإضمار فعل، تقديره: وعد أخاه، وكررت الصنيع، وجربوا أبا قدامة، وإيّانا تعد، ولحست أولادها، ويحتمل في قوله: «أبا قدامة» أن يكون منصوبا بـ «زادت» ووضع الظاهر موضع المضمر؛ تفخيما. وأما في شرح الكافية، فاختار المصنف أنّه لا يعمل، قال: فإن ظفر بإعماله قبل ولم يقس عليه (¬1)، وقال في الكافية: وربّ محدود، ومجموع عمل ... وبسماع، لا قياس قد قبل (¬2) ثمّ في إنشاد المصنّف قول الشاعر: 2276 - ... ... وكرّاتي الصّنيع ... (¬3) وقول الآخر: 2277 - عداتك إيّانا ... ... ... (¬4) إشعار بأنه لا فرق في عمل المجموع، بين جمع التكسير، وجمع التصحيح، وهو الظاهر. وقيّد الشيخ الجمع بكونه مكسرا، ذكر ذلك في ارتشاف الضرب - له - فأمّا أن يكون هذا التقييد لإخراج جمع التصحيح من حكم الجواز، وإمّا لإدخاله في حكمه، دون جمع التكسير. الشرط الرابع: أن يكون غير محدود، قال المصنف: ولا يعمل المحدود، وهو - ¬

_ - تلحس فيها بقر الوحش أولادها، ويروى: بملحس البقر أولادها، والملحس: مصدر بمعنى اللحس، وقيل: هو اسم مكان محذوف، تقديره: موضع ملحس البقر، ولا يجوز أن تجعل الملحس اسم مكان له؛ لأنه لا يعمل حينئذ النصب في أولادها، وهو يضرب لمن ترك بمكان لا أنيس به) اه. وينظر: أيضا الهمع (2/ 97). (¬1) في شرح الكافية (2/ 1015)، تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، ونصه (فإن ظفر بإعماله مجموعا قبل، ولم يقس عليه) اه. (¬2) ينظر: الكافية بشرحها: (2/ 1011)، تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) سبق تخريجه قريبا. (¬4) سبق تخريجه قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المردود إلى فعله؛ قصدا للتوحيد، والدلالة على المرة؛ لأنّه غير عن الصفة التي اشتقّ منها الفعل وعللّ ذلك - في شرح الكافية - بأنّه بالتاء صار بمنزلة أسماء الأجناس التي لا تناسب الأفعال فلا يقال: عرفت ضربتك زيدا، ونحو ذلك، قال: فإن روي مثله عمّن يوثق بعربيته حكم بشذوذه، ولم يقس عليه (¬1)، فمن ذلك ما أنشده الفارسيّ - في التذكرة - (¬2) من قول الشاعر: 2278 - يحايي به الجلد الذي هو حازم ... بضربة كفّيه الملا نفس راكب (¬3) فنصب «نفس راكب» بـ «يحابي» ومعناه يحيي، ونصب «الملا» بـ «ضربة كفّيه» ومراد قائل البيت: وصف مسافر معه ماء، فتيمّم، وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا ومنه قول كثيّر (¬4): 2279 - وأجمع هجرانا لأسماء أن دنت ... بها الدّار لا من زهدة في وصالها (¬5) - ¬

_ (¬1) في شرح الكافية لابن مالك (2/ 1014، 1015)، تحقيق د/ هريدي: (ولذا لا يعمل المصدر إذا حد بالتاء؛ لأن دخول التاء عليه دالة على المرة يجعله بمنزلة أسماء الأجناس التي لا تناسب الأفعال، فلا يقال: عجبت من ضربتك زيدا، فإن سمع ذلك قبل ولم يقس عليه) اه. (¬2) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 923)، والتذكرة من كتب أبي علي الفارسي المفقودة. (¬3) البيت من الطويل، وقد نسب لذي الرمة، وهو في ملحقات ديوانه (3/ 1864)، في القسم الرابع المجهول من شعره، تحقيق د/ عبد القدوس أبو صالح، مطبعة طرين بدمشق (1392 هـ - 1972 م). اللغة: يحايي، بمعنى: يحيي، ومصدره الإحياء، الجلد: القوي، الملا مقصور، وبفتح الميم به: التراب. المعنى: يصف الشاعر مسافرا معه ماء فتيمم، وأحيا بالماء نفس راكب كاد يموت عطشا، وهكذا فسره المرادي في: توضيح المقاصد والمسالك (3/ 7). والشاهد في البيت قوله: «بضربة كفّيه الملا»؛ فإن «ضربة» مصدر محدود، أضيف إلى فاعله، ونصب «الملا» وهو مفعوله، وهذا شاذ، لكنه سمع من موثوق به. ينظر الشاهد أيضا في: العيني: (3/ 527)، والأشموني (2/ 286)، والدرر (2/ 122). (¬4) هو كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة، والمعروف بكثير عزة، وقد سبقت ترجمة مفصلة له. (¬5) البيت من الطويل، وهو في ديوان كثير (ص 92) تحقيق د/ إحسان عباس، ط. بيروت (1391 هـ - 1971 م). اللغة: الزهدة: كالزهد، الإعراض عن الشيء لقلة الرغبة فيه. والشاهد هنا في قوله: «من زهدة في وصالها»؛ حيث أعمل المصدر المحدود وهو «زهدة». ينظر الشاهد في: الشعر والشعراء (1/ 520)، والتذييل والتكميل (4/ 923).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي قول ابن الزّبير: 2280 - ... ... وكرّاتي الصّنيع ... (¬1) شاهد على إعمال المصدر المحدود؛ لأنّ «الكرات» [3/ 163] جمع «كرّة»، وقد نصب بالجمع، فواحده أحقّ بذلك؛ لأنّ الواحد أقرب إلى اللفظ الأصليّ، وهو الكرّ. فلو كان فعله مصدرا غير مقصود به التحديد كـ «رهبة» تساوى العاري منها في صحّة العمل، وذلك نحو قول الشاعر: 2281 - فلولا رجاء النّصر منك ورهبة ... عقابك قد كانوا لنا كالموارد (¬2) الشرط الخامس: أن يكون غير منعوت قبل تمامه، أي قبل استيفائه ما تعلّق به، من مفعول ومجرور، وغير ذلك. قال المصنف (¬3): ولا يتقدم نعت المصدر على معموله، فلا يقال: عرفت سوقك العنيف فرسك؛ لأنّ معمول المصدر منه بمنزلة الصلة من الموصول، فلا يتقدم نعت المصدر على معموله، كما لا يتقدم نعت الموصول على صلته. قال الشيخ (¬4): وفي قول المصنف: (ولا منعوت) قصور، وكان ينبغي أن يقول: ولا متبوع بتابع؛ ليشمل: النعت، والتوكيد، والعطف، والبدل؛ فلا يجوز: عجبت من ضربك الكثير زيدا، ولا: من شربك وأكلك اللبن، ولا: - ¬

_ (¬1) سبق تخريجه قريبا جدّا. (¬2) البيت من الطويل، وهو من شواهد سيبويه التي لم يعرف قائلها. وروي: «ولولا»، «وخيفة» بدل «ورهبة»، «قد صاروا» بدل «قد كانوا». اللغة: الموارد: الطرق إلى الماء، الواحدة: موردة. المعنى: لولا أنهم يرجون أن تنصرهم علينا إن حاربناهم، ورهبتنا لعقابك لنا إن قتلناهم، لقد صاروا لنا أذلاء، نسير فوقهم كما نسير على الطريق. الشاهد: قوله: «ورهبة عقابك» أعمل المصدر المنون عمل الفعل، فنصب «عقابك» بـ «رهبة»، ولم يذكر الفاعل. ينظر: الكتاب (1/ 189)، وابن يعيش (6/ 61)، والبحر المحيط (2/ 245). (¬3) شرح التسهيل (3/ 108). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 924)، وفي النقل تصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من قيامك نفسه إلى زيد، ولا: من إتيانك مشيك إلى عمرو، فلو أخرت هذه التوابع عن متعلقات المصدر جاز كقول الشاعر: 2282 - إنّ وجدي بك الشّديد أراني ... عاذرا من عهدت فيك عذولا (¬1) وإن ورد ما يوهم خلاف ما تقدم قدّر فعل بعد التابع، ليتعلق به المعمول المتأخر (¬2)، فمن ذلك قول الحطيئة: 2283 - أزمعت يأسا مبينا من نوالكم ... ولا ترى طاردا للحرّ كالياس (¬3) فلا يتعلق «من نوالكم» بقوله: «يأسا»، بل بفعل مقدّر، أي: يئست من نوالكم (¬4). الشرط السادس: ألّا يكون مؤكّدا، فإنّ المؤكد لا يعمل، وسيأتي في كلام المصنف ما يدلّ على هذا لكنه قرن بالمؤكّد المبين للنوع، والهيئة وقال ابن عصفور - في شرح الجمل (¬5) -: فأما المصدر المؤكد والمبين فلا يعملان أصلا، نحو: ضربت ضربا، وضربت ضرب شرطيّ؛ فوافق كلامه كلام المصنف، وعلى هذا فلا يكفي أن يقال: شرطه ألا يكون مؤكّدا، بل يقال: شرطه ألا يكون مفعولا مطلقا؛ لأنّ - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين، وفي الدرر: (2/ 56) «وجدت فيك» بدل «عهدت فيك». والشاهد في قوله: «وجدي بك» على أن المصدر يشترط في إعماله ألا يتبع قبل أن يستوفي معموله، أو متعلقاته، ولذلك جاز هنا أن يوصف المصدر، فـ «الشديد» صفة له، و «بك» في محل نصب مفعوله، وسبق الصفة. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 924)، والعيني (3/ 366)، وشرح التصريح (2/ 27)، والهمع (2/ 93)، والدرر (2/ 124)، والأشموني (2/ 242). (¬2) هذا تابع كلام الشيخ أبي حيان. ينظر: التذييل والتكميل: (4/ 924). (¬3) البيت من البسيط، وقائله الحطيئة، الشاعر المشهور، وهذا البيت من سينيته التي يهجو بها الزبرقان ابن بدر، وروي «مريحا» بدل «مبينا». والشاهد في البيت قوله: «يأسا مبينا من نوالكم» على أن المصدر يشترط في إعماله ألا يتبع قبل أن يستكمل عمله، فإذا ورد خلاف ذلك - كما هنا - أول بإضمار عامل محذوف، فـ «يأسا» مصدر، و «مبينا» صفة له، و «من نوالكم» متعلق بـ «يئست» محذوفا بـ «يأسا» المذكور. ينظر الشاهد في: ديوان الحطيئة (ص 107)، والكامل (1/ 284)، والدرر (2/ 124). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 924). (¬5) انظر: الكتاب المذكور (2/ 24) تحقيق صاحب أبو جناح.

[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف- مقدر بالفعل وحده]

[المصدر العامل نوعان: مقدر بالفعل بالفعل والحرف - مقدر بالفعل وحده] قال ابن مالك: (والغالب إن لم يكن بدلا من اللّفظ بفعله تقديره به بعد «أن» المخفّفة، أو المصدريّة، أو «ما» أختها). ـــــــــــــــــــــــــــــ المعدود لا يعمل، لما تقدم أنّ المحدود والمثنّى لا يعملان، وأما المؤكّد، والمبين؛ فقد علمت كيف نصّ على عدم عملهما، إلّا أنّ ذلك يشكل في المبيّن، بقولنا: ضربت ضرب الأمير اللصّ، ونبّه المصنف بقوله: عمل فعله على أنّ حكم المصدر - في اللزوم والتعدّي، إمّا بحرف، أو بنفسه، إلى واحد أو أكثر، وفي رفع الفاعل - حكم فعله، وأمثلة ذلك واضحة وستأتي في مسائل الباب. قال ناظر الجيش: المصدر العامل نوعان: أحدهما: يقدر بالفعل، وحرف مصدريّ. والآخر: يقدّر بالفعل وحده، وهو الآتي بدلا من فعله. أمّا الثاني: فيأتي الكلام عليه في الفصل، آخر الباب. وأما الأول: فهو المقصود الآن بالذّكر، ولذلك قيّده بقوله: إن لم يكن بدلا من اللفظ بفعله. قال المصنف (¬1): وشرط تقديره بفعله، بـ «أن» المخففة أو المصدرية أو «ما» أختها؛ احترازا من المصدر المؤكّد، والمبين النوع والهيئة. انتهى. ثم المقدّر بـ «أن» المخفّفة؛ يجوز نصبه، وحضوره، واستقباله، وكذا المقدر بـ «ما» المصدرية، وأما المقدر بـ «أن» الناصبة؛ ولا يكون إلّا ماضي المعنى ومستقبله، وأما تقدير المخفّفة دون الناصبة، أو الناصبة دونها؛ فبحسب الحال. فالمصدر الواقع بعد ما فيه معنى العلم يقدّر بـ «أن» المخفّفة؛ لأنّه موضع غير صالح لـ «أن» الناصبة، نحو: علمت ضربك زيدا، تقديره: علمت أن قد ضربت زيدا، والمصدر الواقع بعد «لولا» نحو: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ * (¬2)، أو بعد فعل إرادة، أو كراهة، أو خوف، أو طمع، أو شبه ذلك؛ يقدّر بـ «أن»، الناصبة، نحو: أرجو نصر الله المسلمين، وخذلانه الكافرين، فمثال مضيّ المقدّر - ¬

_ (¬1) ينظر شرح المصنف (3/ 109). (¬2) سورة البقرة: 251، سورة الحج: 40.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ «أن» المخفّفة قول الشاعر: 2284 - علمت بذلك بالمعروف خير يد ... فلا أرى فيك إلّا باسطا أملا (¬1) ومثال حضوره قول الآخر: 2285 - لو علمت إيثاري الّذي هوت ... ما كنت منها مشفيا على القلت (¬2) ومثال استقباله قول الآخر: 2286 - لو علمنا أخلافكم عدة السّلم ... عدمتم على النّجاة معينا (¬3) ومثال مضيّ المقدّر بـ «ما» قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ (¬4)، وقول الشاعر: 2287 - وعذّبه الهوى حتّى براه ... كبري القين بالسّفن القداحا (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «علمت بذلك بالمعروف خير يد»؛ فقد استشهد به على أن المصدر يقدّر بـ «أن» المخففة، والفعل للمضي في البيت، ويروى: «بسطك» بدل «بذلك» ينظر: التذييل والتكميل (4/ 930). ينظر الشاهد في: الهمع (2/ 92)، والدرر (2/ 223)، ومعجم شواهد العربية (ص 421). (¬2) البيت من الرجز، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: مشفيا من أشفى عليه: أشرف، وينظر القاموس مادة الشفاء، وفي اللسان «قلت»: والقلت - بفتح القاف واللام وبعدهما تاء مثناة فوقية ساكنة - من قولهم: أصبح على قلت، وأمسى على قلت، بمتحركات، أي: أشرف على هلاك، أو على خوف. والشاهد في البيت قوله: «لو علمت إيثاري الذي هوت» على أن المصدر «إيثاري» يقدر بـ «أن» المخففة، والفعل دال على الحضور. ينظر الشاهد في: الهمع (2/ 93)، والدرر (2/ 123). (¬3) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: مجيء المصدر مقدرا بـ «أن» المخففة، والفعل دال على الاستقبال. ينظر الشاهد في: الهمع (2/ 92)، والدرر (2/ 123). (¬4) سورة البقرة: 200. (¬5) البيت من الوافر، ونسب في أمالي القالي (1/ 162) لقيس بن ذريح، المشهور بقيس ليلى، أو مجنون ليلى، وليس في ديوانه ط. الحلبي سنة (1358 هـ - 1939 م). اللغة: القين: العبد والحداد، والسفن - محركة -: كل ما ينحت به الشيء، وقطعة خشنة يسحج بها القدح، حتى تذهب عنه آثاره المبراه، كما في القاموس. الشاهد في البيت قوله: «كبري القين بالسفن القداحا»؛ حيث إن المصدر مقدر بـ «ما» المصدرية، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر: 2288 - مدمن الخمر سوف يأخذه ... باريه أخذه ثمود وعادا (¬1) ومثال حضوره قوله تعالى: تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ (¬2)، ومنه قول الفرزدق: 2289 - وددت - على حبّي الحياة - لو انّها ... يزاد لها في عمرها من حياتنا (¬3) ومثال مضيّ المقدّر بـ «أن» الناصبة: 2290 - أمن بعد رمي الغانيات فؤاده ... بأسهم ألحاظ يلام على الوجد (¬4) ومثال استقباله قول الفرزدق: 2291 - فرم بيديك هل تسطيع نقلا ... جبالا من تهامة راسيات (¬5) وسيبويه قدّر الحرف بـ «أنّ» الثّقيلة، المسندة إلى ضمير الشّأن؛ لأنّه يعمّ أن - ¬

_ - والفعل دال على المضي. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 110)، والتذييل والتكميل (4/ 930). (¬1) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. وروي في شرح المصنف (3/ 111): «البغي» بدل «الخمر». والشاهد في البيت قوله: «أخذه ثمود وعادا»؛ حيث إن المصدر هنا مقدر بـ «ما» المصدرية، والفعل دال على الماضي. ينظر الشاهد في شرح المصنف (3/ 111)، والتذييل والتكميل (4/ 931). (¬2) سورة الروم: 28. (¬3) البيت من الطويل، وقد نسبه أبو حيان أيضا للفرزدق، وليس في ديوان الفرزدق، والبيت في ديوان جميل بن معمر المعروف بجميل بثينة (ص 120) ط. المؤسسة العربية - بيروت - ونسب لجميل في أمالي القالي (2/ 2244)، وهو أيضا في ديوان المجنون قيس ليلى (ص 63) ط. الحلبي (1358 هـ)، ونسب في الحماسة البصرية (2/ 138) لعبد الله بن الدمينة. والشاهد في البيت قوله: «حبّي الحياة»؛ حيث إن المصدر هنا مقدّر بـ «ما» المصدرية، والفعل الدال على الحضور. ينظر الشاهد أيضا في شرح المصنف (3/ 111)، والتذييل والتكميل (4/ 931). (¬4) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: تقدير المصدر بأن المصدرية، والفعل دال على الماضي. ينظر الشاهد في شرح المصنف (3/ 111)، والتذييل والتكميل (4/ 931)، والهمع (2/ 92). (¬5) البيت من الوافر، وقائله - كما ذكر - الفرزدق الشاعر الأموي المشهور، من قصيدة يهجو بها جريرا، والبيت في ديوانه (1/ 109)، ومع ذلك يقول صاحب الدرر: (لم أعثر على قائل هذا البيت). والشاهد في البيت قوله: «نقلا جبالا» على أنّ المصدر يقدر بـ «أن» والفعل الدال على المستقبل. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون الصّلة ماضية، وحالا، فيقدر في الماضي من: أنّه ضرب زيد عمرا، وفي المضارع من: أنّه يضرب؛ لأنّه يصلح للحال، والاستقبال (¬1). [3/ 164] وقد ناقش الشيخ المصنف، في جعله المصدرية قسيمة المخففة، قال: لأنّ المخففة مصدرية أيضا؛ لأنّها مخففة من الثقيلة والثقيلة مصدرية (¬2)، وهي مناقشة صحيحة (¬3). قال المصنف (¬4): وليس تقدير المصدر العامل بأحد الأحرف الثلاثة شرطا في عمله، ولكنّ الغالب أن يكون كذلك، ومن وقوعه غير مقدّر لأحدهما قول العرب: سمع أذني زيدا يقول ذلك، وقول أعرابي: «اللهمّ إنّ استغفاري إياك مع كثرة ذنوبي لملوم، وإنّ تركي الاستغفار مع علمي بسعة عفوك لعجز» وقول الشاعر: 2292 - عهدي بها الحيّ الجميع وفيهم ... قبل التفرّق ميسر وندام (¬5) وقول الآخر: 2293 - ورأي عينيّ الفتى أخاكا ... يعطي الجزيل فعليك ذاكا (¬6) - ¬

_ - ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 110)، والتذييل والتكميل (4/ 931)، والهمع (2/ 92)، والدرر (2/ 13). (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 189). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 932): (وجعله المصدرية قسيمة المخففة ليس بجيد؛ لأن المخففة مصدرية ...) إلخ. (¬3) نقل المرادي في شرح التسهيل اعتراض أبي حيان هذا على المصنف، موافقا شيخه أبا حيان. (¬4) ينظر: شرح المصنف (3/ 111). (¬5) البيت من الكامل، وقائله لبيد بن ربيعة العامري، وهو في ديوانه (ص 170). اللغة: الجميع: المجتمعون، ميسر: القمار على ما يذبح من الجزر، ندام: جمع نديم، أو ندمان، و «عهدي»: مبتدأ، سد الحال مسد خبره، وهو جملة «وفيهم ... ميسر وندام» كما تقول: «جلوسك متكئا ...». والشاهد في البيت: نصب الحي بـ «عهدي» وليس هذا المصدر مقدرا بأحد حروف المصدر الثلاثة، والفعل، أي بـ «أن» المخففة، أو المشددة، أو «ما» والفعل، ويستشهد به أيضا على عمل المصدر «عهد» وهو غير منون. ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 190)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 26)، والتذييل والتكميل (4/ 927)، واللسان «حضر» والدرر (1/ 78). (¬6) البيت من الرجز، وقائله رؤبة بن العجاج، وهو في ديوانه (ص 181). اللغة: الجزيل: العطاء العظيم، و «رأي»: مبتدأ، وجملة «يعطي الجزيل» جملة حالية، سدت مسد خبر «رأي». -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 2294 - لا رغبة عمّا رغبت فيه ... منّي فأنقصيه أو زيديه (¬1) ومن أمثلة سيبويه: من ظنّك زيدا أميرا (¬2)، وذكر سيبويه - في باب ما جرى من المصادر مجرى الفعل المضارع -: عجبت من ضرب زيد عمرا، ثمّ قال: كأنه قال: عجبت من أنه يضرب زيد عمرا (¬3)، ولم يقدر - في الباب - بغير «أنّ» الثقيلة، وإذا ثبت أنّ عمل المصدر غير مشروط بتقدير حرف مصدريّ، أمكن الاستغناء عن إضماره في نحو: له صوت صوت حمار (¬4)، يعني عن إضمار فعل ناصب «صوت حمار» فيكون «صوت» الأول هو العامل فيه. انتهى. وظاهر كلامه: أنّ المصدر يقدر في المواضع التي مثّل بها، بالفعل وحده، دون الحرف لقوله: وليس تقدير المصدر العامل بأحد الأحرف الثلاثة شرطا في عمله، ولا أعلم ما المانع من تقدير الحرف مع الفعل؟. ويحتمل أن يكون مراده أنّ المصدر - في هذه الأمثلة - لا يقدر بالفعل جملة، ولكنّه استغنى بذكر الحرف؛ لأنه كاللازم له، فإذا انتفى انتفى، وتكون العلّة في عدم تقدير الفعل: أنّ الفعل لا يقع فيما مثل به؛ لأنّه لا يكون مبتدأ، ولا اسم «إنّ» واسم «لا» لكن يقال: إذا قدّرنا الفعل لا نقدّره وحده، إنّما نقدّره بحرف مصدريّ، فيصحّ وقوعه في نحو الأمثلة المذكورة. وما برحت أستشكل هذا الموضع من كلام المصنّف، حتى وقفت على كلام الشيخ، فوجدته قد قال: ليس الأمر كما زعم المصنف: بل كلّها تتقدر بحرف مصدريّ، والفعل كما يتقدّر ضربي زيدا قائما، وكذلك إنّ استغفاري ولا رغبة. - ¬

_ - ينظر الشاهد في: الكتاب (1/ 191)، والهمع (2/ 93)، والأشموني (1/ 220)، والدرر (2/ 124). (¬1) البيت من السريع، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «لا رغبة عما رغبت فيه»؛ حيث إن المصدر العامل هنا - وهو رغبة - لم يشترط في عمله أن يتقدر بحرف مصدري والفعل. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 111)، والتذييل والتكميل (4/ 928)، ومنهج السالك (ص 315). (¬2) ينظر: الكتاب (1/ 125)، والتذييل والتكميل (4/ 928). (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 189)، والتذييل والتكميل (4/ 928). (¬4) ينظر هذا القول في: الكتاب (1/ 355، 356).

[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله]

[أحكام المصدر العامل وأحكام معموله] قال ابن مالك: (ولا يلزم ذكر مرفوعه، ومعموله كصلة، في منع تقدّمه، وفصله، ويضمر عامل فيما أوهم خلاف ذلك، أو يعدّ نادرا). ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: أن أستغفرك، ولا أن أرغب، وكذلك: متى ظنّك؟ أي: متى أن تظنّ؟ (¬1) لكن ذكر صاحب البسيط ما يقوّي ما أشار إليه المصنف، فقال: اختلفوا في تقدير الفعل: هل من شرطه تقديره بالحروف الساكنة أو لا؟ (¬2)، ومن لم يقدر الحرف قال: إنما نقدره حيث يكون المصدر مطلوبا لشيء متقدّم؛ لأنّ الفعل وحده لا يكون معمولا للأول فيحتاج إلى تقدير الحرف، أما الذي ابتدئ فلا يحتاج إليه قبل، وهذا أصحّ للقياس والسّماع؛ أما القياس فمن حيث إنّ الفعل إذا قدّر بـ «أن» كان معناه المصدر، فلم يقع المصدر موقع الفعل، وإنّما وقع موقع نفسه، وأما السّماع فإنّا نجوز: ضربي زيدا قائما، ولو قلت: أن أضرب زيدا قائما لم يكن كلاما إلا بخير، وإنّما كان الحال خبرا - مع ظهور المصدر - لصحّة كون الحال كالزمان، والزمان يكون خبرا عن المصادر فإذا خرج عن لفظه لم يكن ذلك (¬3). انتهى، وفيه نظر. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان: الأولى: أنّه لا يلزم ذكر مرفوع المصدر فالمصدر الصالح للعامل قد يجاء به دون مرفوع، ودون معمول آخر، وقد يجاء به دون مرفوع، كائنا معه معمول آخر. فالأول: نحو قوله تعالى: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ (¬4). والثّاني: قوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً (¬5). وإنّما خصّ المرفوع بجواز الاستغناء عنه مع المصدر؛ لأنّ الاستغناء عن غير - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 929)، وفي النقل تصرف يسير. (¬2) في المرجع السابق الصفحة نفسها: (وليس من شرطه ذلك، فمنهم من يقدر نفس الفعل، ومنهم من يقدره بـ «أن» ومن لم يقدره) اهـ. (¬3) هذا الكلام إلى هنا من أول كلام صاحب البسيط ينظر في: التذييل والتكميل (4/ 929)، وشرح التسهيل للمرادي (204 / أ)، والمساعد لابن عقيل (2/ 229 - 231) تحقيق د/ محمد كامل بركات. (¬4) سورة الزمر: 7. (¬5) سورة البلد: 14، 15.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المرفوع جائز، مع كلّ عامل ليس من النواسخ، وإنّما قال: ذكر مرفوعه ولم يقل: ذكر فاعله؛ ليعمّ الفاعل، ونائبه، واسم «كان». قال المصنف (¬1): جاز أن يستغنى عن مرفوع المصدر، دون مرفوع الفعل، وما أشبهه ممّا ليس مصدرا؛ لأنّ الفعل لو ذكر دون مرفوع لكان حديثا عن غير محدّث عنه. وكذا ما يعمل عمله، من صفة، أو اسم فعل، فإنّه لا يعمل إلا وهو بنفسه واقع موقع الفعل، ومؤدّ معناه، فاستحق ما يستحقّه الفعل من مرفوع، يحدّث به عنه ظاهرا، أو مضمرا؛ فلو خلا عنه لكان في تقدير فعل، خلا من مرفوع، وليس كذلك المصدر؛ لأنّه إذا عمل العمل المنسوب إليه بإجماع، لم يكن إلا في موضع غير صالح للفعل، فجرى مجرى الأسماء الجامدة، في عدم تحمل الضّمير، وجاز أن يرفع ظاهرا؛ لكونه أصلا لما لا يستغني عن مرفوع، ولضعف سبب اقتضائه الرفع عدمت - في غير تردّد - مصاحبته مرفوعا، إن لم يكن مضافا، حتى قال بعض النحويين: إنّها لا تجوز إلا في الشعر، والصحيح جوازها مطلقا، لكنّ استعمالها في النثر قليل، ومن ذلك قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّدا رسول الله، وإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت لمن استطاع إليه سبيلا» والتقدير: وأن يحجّ البيت، فـ «من» في موضع رفع فاعل بـ «حجّ البيت». انتهى. والمنقول عن الفراء أنه لا يجوز أن يتلفظ بالفاعل مع المصدر المنوّن (¬2)، وقال: إنّه لم يحفظ من كلامهم (¬3)، وقد ردّ عليه البصريّون ذلك مستدلين بقول الشاعر: 2295 - حرب تردّد بينهم بتشاجر ... قد كفّرت آباؤها أبناؤها (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر الكلام الآتي في شرح المصنف (3/ 112). (¬2) في معاني القرآن للفراء (2/ 404): (ولا يصلح أن يذكر الفاعل بعد المفعول به فيما ألغيت منه الصفة، فمن قال: عجبت من سؤال نعجتك صاحبك؛ لم يجز له أن يقول: عجبت من دعاء الخبز الناس؛ لأنك إذا أظهرت مرفوعا فإنما رفعته بنية «أن فعل» أو «أن يفعل» فلا بد من ظهور الباء، وما أشبهها من الصفات، فالقول في ذلك أن تقول: عجبت من دعاء بالخير زيد، وعجبت من تسليم على الأمير زيد، وجاز في النعجة؛ لأن الفعل يقع عليها بلا صفة، فتقول: سألت نعجة، ولا تقول: سألت بنعجة، فابن على هذا) اهـ. (¬3) ينظر هذا في التذييل والتكميل (4/ 939)، ومنهج السالك (ص 312)، وشرح التسهيل للمرادي (204 / ب). (¬4) البيت من الكامل وهو للفرزدق، ينظر ديوانه ط. صاوي (ص 8)، وليس في ط. دار صادر بيروت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [3/ 165] قالوا: التقدير: يتشاجر أبناؤها، قد كفّرت آباؤها، أي: لبست الدروع. قال الشيخ (¬1): ولا حجّة فيه، بل ظاهر أنّ قوله: «آباؤها أبناؤها»، مبتدأ وخبر، أي: آباؤها في ضعف الحلوم مثل أبنائها، ألا ترى أنّ قبله ما يدلّ على هذا المعنى، وهو قوله: 2296 - هيهات، قد سفهت أميّة رأيها ... فاستجهلت حلماؤها سفهاؤها (¬2) إذ التقدير: حلماؤها مثل سفهائها، فكذلك يكون تقدير: آباؤها أبناؤها (¬3)، قال: والذي ينبغي أن يعول عليه مذهب الفرّاء؛ لأنّه سامع لغة، وقد نفى ذلك على لسانهم، وليس في لفظ سيبويه ما يدلّ على أنّ ذلك محكيّ عن العرب، فيحتمل أن يكون ما مثّل به رأيا منه. انتهى. وهذا من الشيخ وقوف مع الظاهر، ومثل سيبويه لا يقدم على ذلك، والحقّ ما قاله المصنف. المسألة الثانية: أنّ معمول المصدر يتنزل منه منزلة الصلة من الموصول، في أمرين، منع تقدمه عليه، وفصله منه بأجنبي، وأنّه إن ورد ما يوهم خلاف ذلك أضمر له عامل، أو عدّ نادرا؛ والعلة في ذلك كونه ينحلّ حرف مصدري والفعل، وليس لمعمول المصدر حكم الصّلة من كلّ وجه؛ لأنّه قد خالفهما بجواز الاستغناء عنه (¬4)، والذي ورد ممّا يوهم تقديم المعمول قول تميم العجلاني (¬5): - ¬

_ - والشاهد في البيت: جواز ظهور الفاعل بعد المصدر المنون، ردّا على الفراء الذي لا يجيز ذلك، والتقدير عند البصريين: يتشاجر أبناؤها. ينظر الشاهد في: اللسان «كفر»، والحماسة البصرية (1/ 85). (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 939). (¬2) هذا البيت من الكامل، وهو للفرزدق. ينظر في تخريجه ما في البيت السابق: حرب تردد بينهم بتشاجر ... قد كفرت آباؤها أبناؤها (¬3) هذا الكلام منقول من التذييل والتكميل (4/ 939) بتصرف يسير. (¬4) هذا الكلام منقول بتصرف من التذييل والتكميل (4/ 941). (¬5) هو تميم بن مقبل بن حنيف بن العجلان، يمتد نسبه إلى عامر بن صعصعة، وهو شاعر مخضرم معمر، عاش مائة وعشرين سنة، أسلم، ولكنه ظل يبكي الجاهليين. تنظر ترجمته في: طبقات الشعراء لابن سلام (ص 52، 53)، وخزانة الأدب (1/ 231) ومقدمة ديوانه (ص 5).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2297 - لقد طال عن دهماء لدّي وعذرتي ... وكتمانها أكني بأمّ فلان (¬1) وقول عمر بن أبي ربيعة: 2298 - ظنّها بي ظنّ سوء كلّه ... وبها ظنّي عفاف وكرم (¬2) وقوله: 2299 - طال عن آل زينب الإعراض ... للتّعدّي، وما بنا الإبغاض (¬3) وقول الآخر: 2300 - وبعض الحلم عند الجه ... لـ للذّلّة إذعان (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل. اللغة: دهماء: امرأة تميم في الجاهلية، وقبل إسلامه، وكانت تحت أبيه، فتزوجها، كعادة العرب، في تزوج نساء أبيها في الجاهلية، فلما أسلم فرق الإسلام بين تميم وبينها، ولكنه ظل يحن إليها. والشاهد في البيت قوله: «طال عن دهماء لدّي»؛ حيث تقدم على المصدر «لدي» معموله وهو «عن دهماء» ويوهم هذا تقديم معمول المصدر عليه، فيؤول بإضمار عامل يفسره المصدر، والتقدير: طال لدي عن دهماء لدي. ينظر الشاهد في: ديوان تميم (ص 344) ط. دمشق سنة (1381 هـ) تحقيق د/ عزة حسن، وشرح المصنف (3/ 113)، والتذييل والتكميل (4/ 941)، ومنهج السالك (ص 323). (¬2) البيت من الرمل، وقائله عمر بن أبي ربيعة، وهو في ديوانه (ص 196) ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب (1978 م)، وفي الديوان «فاحش» بدل «كله». والشاهد فيه قوله: «وبها ظني» حيث تقدم ما يوهم أنه معمول المصدر، وهو (بها) فأضمر عامل يفسره المصدر، والتقدير: وظني بها ظن عفاف. ينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (3/ 113)، والتذييل والتكميل (4/ 941). (¬3) البيت من الخفيف، وقائله عمر بن أبي ربيعة، وهو في ديوانه المشار إليه في الشاهد السابق (ص 118)، وروي في الديوان «من» بدل «عن» والبيت أيضا في ديوان العرجي (ص 67). والشاهد في البيت قوله: «عن آل زينب الإعراض» فقد تقدم ما يوهم أنه معمول المصدر، فيضمر عامل تقديره: طال الإعراض عن آل زينب الإعراض. ينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (3/ 114)، والتذييل والتكميل (4/ 941). (¬4) البيت من الهزج، قائله سهل بن شيبان. والشاهد فيه: كسابقه، فـ «إذعان» مصدر، و «للذلة» معمول يضمر له عامل، والتقدير: إذعان للذلة إذعان. ينظر الشاهد أيضا في: الهمع (2/ 93)، والأشموني (2/ 291)، والدرر (2/ 124).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال المصنف: «قلنا في هذه الأبيات إن تعلق ما تقدم بمصدر آخر محذوف، لدلالة الموجود عليه، كأنّه قيل: لدّي عن دهماء لدي وظن بها ظن، وطال الإعراض عن آل زينب، الإعراض، وبعض الحلم عند الجهل إذعان للذلّة إذعان، ويكون هذا التقدير نظير قولهم في: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (¬1): إنّ تقديره: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين (¬2)، ونظير قولهم في: «أينما تميلها»: إنّ تقديره: أينما تميلها الريح تميلها تمل، ولنا أن نجعل ما تقدم متعلقا بنفس المصدر الموجود، إما على نية التقديم والتأخير، وإمّا على أنّ ذلك استبيح في المصدر، وإن لم يستبح مثله في الموصول المحض كما استبيح استثناؤه من معمول لا دليل عليه، وإن لم يستبح مثله في صلة الموصول، والذي ورد ممّا يوهم الفصل قوله تعالى: إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (¬3) فإنّ ظاهره أنّ (يوم) منصوب بـ (رجعه) ولا يجوز ذلك لاستلزامه الفصل بخبر (إن) الذي هو (لقادر) فيقدر له عامل يدلّ عليه المصدر، أي يرجعه يوم تبلى السّرائر (¬4). وممّا يوهم الفصل قول الشّاعر: 2301 - فهنّ وقوف ينتظرن قضاءه ... بضاحي عذاة أمره وهو ضامز (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 20. (¬2) في الكشاف للزمخشري (2/ 309): (وقوله: (فيه) ليس من صلة (الزاهدين) لأن الصلة لا تتقدم على الموصول، ألا تراك لا تقول: وكانوا زيدا من الضاربين، وإنما هو بيان، كأنه قيل: في أي شيء زهدوا؟ فقال: زهدوا فيه) اهـ. (¬3) سورة الطارق: 8، 9. (¬4) ينظر: شرح المصنف (3/ 114)، وشرح الكافية (2/ 1020)، تحقيق د/ عبد المنعم هريدي، وفي الكشاف للزمخشري (4/ 241): (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ منصوب بـ (رجعه،) ومن جعل الضمير في (رجعه) للماء .. نصب الظرف بمضمر) اهـ. وفي المساعد لابن عقيل (2/ 233): (فظاهر نصب (يوم) بـ (رجعه) وقد فصلا بـ (لقادر) فيضمر عامل في (يوم،) أي: يرجعه يوم تبلى السرائر، أو يقال: يحتمل في المصدر المنسبك ما لا يحتمل في الموصول، إذ هو غير صريح في الموصولية) اهـ. (¬5) البيت من الطويل وقائله: الشماخ بن ضرار الذبياني، من قصيدة جيدة، والبيت في ديوانه (ص 177). اللغة: قضاءه: أمر الحمار الوحشي، ووقوفه، ضاحي: بارز، ظاهر من الأرض للشمس، عذاة: أرض كريمة، أمره: مفعول به للمصدر قضاءه، ضامز: ساكت، ممسك عن النهاق. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالجارّ متعلّق بنفس المصدر، ولو علّقناه بالفعل قبله لزمه منه الفصل بين المصدر ومفعوله (¬1)، وكذا قول الشاعر: 2302 - المنّ للذّمّ داع بالعطاء فلا ... تمنن فتلفى بلا حمد ولا مال (¬2) فالمعنى على أنّ الباء الجارة للعطاء متعلقة بالمن، أي: المنّ بالعطاء داع للذّمّ، إلّا أنّ ذلك ممنوع في الإعراب، لاستلزامه فصلا بأجنبي، بين مصدر ومعموله، وإخبارا عن موصول، قبل تمام صلته، فتعلق الباء بمحذوف، كأنّه قيل: المنّ بالذّمّ داع المن بالعطاء، فالمنّ الثاني بدل من الأول فحذف، وبقي معموله دليلا عليه، ويجوز أن يكون «بالعطاء» متعلقا بـ «لا تمنن» أو بفعل من معناه، مضمر يدلّ عليه الظاهر (¬3). قال المصنف: وأنشد الشجريّ: 2303 - ليت شعري إذا القيامة قامت ... ودعا للحساب أين المصيرا؟ (¬4) وجعل التقدير: ليت شعري المصير أين هو؟ فحذف المبتدأ، وفصل المصدر - ¬

_ - والمعنى: وقفت حمر الوحش عطشى تنتظر ورود الماء بإشارة وقضاء فحلها، واقفة في أرض كريمة خصبة، وهو ساكت، انتظار مجيء الليل، حيث لا يشرب الحمر نهارا، خشية الصياد. والشاهد في البيت: تعلق «بضاحي» بالمصدر «قضاءه» لا بـ «ينتظرن»، ولا بـ «وقوف»؛ لئلا يفصل بين المصدر ومفعوله بالأجنبي. ينظر الشاهد في: ابن الشجري (1/ 191)، وشرح المصنف (3/ 114). (¬1) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 942)، والحلل لابن السيد (ص 164). (¬2) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: إيهام الفصل بأجنبي، وهو أن الباء الجارة لـ «العطاء» متعلقة بـ «المن»؛ ليكون التقدير: المن بالعطاء داع للذم، وعليه مدار المعنى، وينظر منع هذا التقدير والتخلص منه في شرح الكافية (2/ 1023) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. وينظر الشاهد أيضا في: شرح الأشموني (2/ 92). (¬3) هذا الكلام في شرح الكافية (2/ 1021) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي مع تصرف يسير في النقل هنا. (¬4) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. وروي: «ودعا بالحساب» وروي: «ودعي بالحساب» في شرح القصائد السبع الطوال (ص 295)، والإفصاح للفارقي (ص 181). والمعنى: ليتني أشعر المصير أين هو؟ إذا قامت القيامة ودعي للحساب. والشاهد في البيت: أن ابن الشجري جعل «المصير» منصوبا بالمصدر «شعري» و «أين»: خبر مبتدأ محذوف تقديره: ليت شعري المصير أين هو؟ فحذف المبتدأ وفصل المصدر مما عمل فيه، وجعل المصنف «المصير» منصوبا بعامل محذوف، تقديره: أين يصير المصير، وذلك أسهل عنده من تقدير ابن الشجري، لكنه متعين عند أبي حيان. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 115)، والتذييل والتكميل (4/ 943)، وأمالي ابن الشجري (1/ 32).

[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر]

[أقسام المصدر العامل وأكثر الأقسام إعمالا من الآخر] قال ابن مالك: (وإعماله مضافا أكثر من إعماله منوّنا وإعماله منوّنا أكثر من إعماله مقرونا بالألف واللّام، ويضاف إلى المرفوع، أو المنصوب، ثمّ يستوفى العمل، كما كان يستوفيه الفعل، ما لم يكن الباقي فاعلا، فيستغني عنه غالبا، وقد يضاف إلى ظرف، فيعمل بعده عمل المنوّن). ـــــــــــــــــــــــــــــ بما عمله فيه (¬1) قال: وأسهل من ذلك أن يكون التقدير: أين يصير المصير؟ أو: أين هو؟ أعني المصير. قال الشيخ: ما قاله الشجريّ لا يجوز؛ لأنّ «شعري» في: «ليت» شعري إنّما استعملته العرب معلقا عن جملة الاستفهام، ولم تلفظ له بمنصوب، فتجويزهما نصب «المصير» بـ «شعري» خطأ قال (¬2): وجوز بعضهم تقدّم الجارّ والمجرور والظرف على المصدر، معمولين له، ولم يجوز ذلك إذا صرح بالحرف المصدري والفعل، قال: وعن الأخفش نقل غريب أنه يجيز تقديم المفعول به على المصدر، فتقول: يعجبني عمرا ضرب زيد (¬3). قال ناظر الجيش: المصدر المقدّر بحرف مصدري وفعل مضاف، أو منوّن، أو مقرون بالألف واللّام، وجعل المصنف إعمال المضاف أكثر من إعمال غير المضاف، قال (¬4): لأنّ الإضافة تجعل المضاف إليه كجزء من المضاف، كما يجعل الإسناد الفاعل كجزء من الفعل، ويجعل المضاف كالفعل، في عدم قبول التنوين، والألف واللّام، فقويت بها مناسبة المصدر فكان إعماله أكثر من إعمال عادم الإضافة، وهو المنون، والمقرون بالألف واللّام، إلا أنّ في المنون شبها بالفعل المؤكد بالنّون الخفيفة، استحقّ به أن يكون أكثر إعمالا من المقترن بالألف واللّام. - ¬

_ (¬1) ينظر أمالي ابن الشجري (1/ 32)، وقد نسب إليه في التذييل والتكميل (4/ 943). (¬2) في التذييل والتكميل (4/ 943): (وقول المصنف: وأسهل من ذلك دليل على تجويز ما قاله الشجري، وهو لا يجوز .. فتجويزهما أن يكون «المصير» معمولا لـ «شعري» خطأ، وخروج عن لسان العرب) اهـ. (¬3) في التذييل والتكميل (4/ 944): «وقد تساهل بعض النحويين في الجار والمجرور والظرف، فجوز تقديمهما على المصدر المقدر بحرف مصدري والفعل، دون الحرف المصدري والفعل». وينظر: أيضا: شرح التسهيل للمرادي (204 / ب)، والمساعد لابن عقيل (2/ 233) تحقيق د/ بركات. (¬4) شرح المصنف (3/ 115).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن إعمال المنوّن قوله تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيماً (¬1)، وقوله تعالى: بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (¬2) في قراءة من نوّن بِزِينَةٍ ويجوز أن يكون منه قوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [3/ 166] ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً (¬3) ومنه قول زياد الأعجم (¬4): 2304 - ببذل في الأمور وصدق بأس ... وإعطاء على العلل المتاعا (¬5) وقول الفرزدق: 2305 - فرم بيديك هل تسطيع نقلا ... جبالا من تهامة راسيات (¬6) ولم يجئ إعمال المقرون باللام إلا في موضع محتمل، وهو قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ (¬7) فيحتمل أن يكون (من) في موضع رفع بـ (الجهر) على تقدير: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول إلّا من ظلم، ويحتمل أن يكون الكلام قد تمّ قبل (إلا) فيكون (من) في موضع نصب على الاستثناء (¬8)، وممّا جاء في الشعر قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة البلد: 14، 15، وهي قراءة نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، كما في شرح المصنف (3/ 116) وقرأ باقي السبعة بالفعل في فك وأطعم. (¬2) سورة الصافات: 6، وهي قراءة أبي بكر بن عاصم، وفيه نصب (الكواكب) مفعولا. (¬3) سورة النحل: 73. (¬4) هو زياد بن سلمى، ويقال: زياد بن جابر بن عمرو بن عامر بن عبد القيس، وكانت فيه لكنة، فقيل: الأعجم. تنظر ترجمته في: الشعر والشعراء (1/ 437). (¬5) البيت من الوافر، وقد نسب لزياد الأعجم في شرح المصنف، والتذييل والتكميل. والشاهد في البيت: إعمال المصدر المنون، مع ذكر الفاعل، و «المتاعا» مفعول لـ «إعطاء». ينظر البيت في: شرح المصنف (3/ 116)، ومنهج السالك (ص 311)، والتذييل والتكميل (4/ 9395). (¬6) سبق تخريج هذا الشاهد قريبا في ثنايا هذا الباب. والشاهد في هذا البيت - هنا -: إعمال المصدر المنوّن، مع عدم ذكر الفاعل - كما في البيت السابق - و «جبالا» مفعول به، وفي عدم ذكر الفاعل كلام كثير. ينظر في: التذييل والتكميل (4/ 936، 937). (¬7) سورة النساء: 148. (¬8) ينظر: الكشاف للزمخشري (1/ 575، 576)، وشرح المصنف (3/ 116) وفي البحر المحيط (3/ 382): (و (بالسوء) متعلق بـ (الجهر،) وهو مصدر معرف بالألف واللام، والفاعل محذوف، وب (الجهر) في موضع نصب، ومن أجاز أن ينوى في المصدر بناؤه للمفعول الذي لم يسم فاعله قدر أن (بالسوء) في موضع رفع) اهـ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2306 - لقد علمت أولى المغيرة أنّني ... كررت فلم أنكل عن الضّرب مسمعا (¬1) وقال الآخر: 2307 - ضعيف النّكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل (¬2) انتهى كلام المصنف (¬3) واعلم أن المضاف لا خلاف في إعماله، وأما المنون فنقل عن الكوفيين أنه لا يعمل، وأن العمل إنما هو لعامل مقدر بعده، وأما المعرف بـ «أل» فذكر الشيخ فيه أربعة مذاهب: أحدها: أنه لا يجوز إعماله، وهو مذهب الكوفيين، والبغداديين، وجماعة من البصريين، منهم ابن السراج (¬4)، وما ظهر بعده من معمول فهو العامل يفسره المصدر كما قالوا في المنوّن (¬5). - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقد نسبه سيبويه (1/ 192، 193) للمرار الأسدي، والمرار - بفتح الميم، وتشديد الراء المهملة الأولى - هو المرار بن سعيد الفقعسي من بني أسد. اللغة: أولى المغيرة: أولها، المغيرة: الخيل تخرج للغارة، والمراد فرسانها، أنكل: من النكول، وهو الرجوع جبنا وخوفا، مسمع: هو مسمع بن شيبان، أحد بني قيس بن ثعلبة. والمعنى: لقد علم أول من لقيت من المغيرين أني صرفتهم عن وجوههم، هازما لهم، ولحقت سيدهم مسمعا، فلم أرجع عن ضربه بسيفي. ينظر الشاهد أيضا في: الحلل (ص 168)، والعيني (3/ 40)، والهمع (2/ 92)، والأشموني (2/ 100، 284)، والدرر (2/ 125). (¬2) البيت من المتقارب، وهو من أبيات سيبويه المجهولة القائل. اللغة: النكاية: مصدر «نكيت» لازما، ومتعديا، يراخي: يباعد. يهجو رجلا بأنه ضعيف التأثير في أعدائه يفر؛ ظنّا منه أن الفرار يؤخر الأجل. والشاهد فيه: كالبيت السابق فإنّ النكاية مصدر معرف بالألف واللام، وقد نصب أعداءه؛ لأن «أل» عاقبت الضمير، والتقدير: ضعيف نكايته أعداءه. ينظر الشاهد في: المقرب لابن عصفور (1/ 131)، والأشموني (2/ 284)، والدرر (2/ 124). (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 116). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 950)، وفي الأصول لابن السراج (1/ 90): (وقال قوم: إذا قلت: أردت الضرب زيدا؛ إنما نصبته بإضمار فعل؛ لأن الضرب لا ينتصب، وهو عندي قول حسن) اهـ. (¬5) ينظر: منهج السالك (ص 313).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أنّه يجوز دون قبح وهو مذهب سيبويه، ونقل عن الفرّاء (¬1). الثالث: أنه يجوز على قبح، وهو مذهب الفارسي، وجماعة من البصريين (¬2). الرابع: التفضيل بين أن يعاقب الضمير «أل» فيجوز إعماله، أو لا يعاقب، فلا يجوز، وهو مذهب ابن الطراوة (¬3)، وأبي بكر بن طلحة، فمثال المعاقب: إنّك والضرب خالدا لمسيء إليه، أي: إنك وضربك خالدا لمسيء إليه، ومثال غير المعاقب: عجبت من الضرب زيدا عمرا، قال (¬4) وهذا هو المذهب الصحيح، قال: وفي كلام بعض أصحابنا أنّ الكوفيين منهم من يرى أن المصدر لا يعمل، على كل حال، وما وجد بعده من العمل فبفعل دلّ هو عليه، وذكر أن مذهب الزجاج، والفارسي، والأستاذ أبي علي أنّ إعمال المنوّن أقوى، ومذهب الفارسي أنّ الأحسن المضاف، ثم المنوّن (¬5). وذهب ابن عصفور إلى أن إعمال المقترن بـ «أل» أقوى من إعمال المضاف في القياس (¬6)، واختار الشيخ ما اختاره المصنف، من أن إعماله مضافا أحسن من - ¬

_ (¬1) ينظر: المساعد لابن عقيل (2/ 234) تحقيق د/ بركات، وفي الكتاب (1/ 192): (وتقول: عجبت من الضرب زيدا، كما تقول: عجبت من الضارب زيدا، تكون الألف واللام بمنزلة التنوين، وقال الشاعر: ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخي الأجل وينظر: التذييل والتكميل (4/ 949)، ومنهج السالك (ص 313). (¬2) ينظر هذا المذهب في: منهج السالك (ص 313)، والتذييل والتكميل (4/ 950)، والمساعد لابن عقيل (2/ 235) تحقيق د/ بركات. وفي الإيضاح لأبي على الفارسي (1/ 160): (ومثال ما أعمل من المصادر وفيه الألف واللام قولك: أعجبني الضرب زيدا عمرا، والشتم بكرا خالدا؛ قبيح وأقيس الوجوه الثلاثة في الإعمال الأول - يعني المنون - ثم المضاف، ولم أعلم شيئا من المصادر بالألف واللام معملا في التنزيل) اهـ. (¬3) لمراجعة مذهب ابن الطراوة، وأبي بكر بن طلحة ينظر أيضا: منهج السالك (ص 313)، والمساعد لابن عقيل (2/ 235) تحقيق د/ بركات. (¬4) أي: قال الشيخ. (¬5) ينظر التذييل والتكميل (4/ 944) وفي الإيضاح للفارسي (ص 160): (وأقيس الوجوه في الإعمال الأول، ثم المضاف، ولم أعلم شيئا من المصادر بالألف واللام معملا في التنزيل) اهـ. وينظر: مذهب الزجاج في الهمع (2/ 93)، ومذهب هؤلاء جميعا في: منهج السالك (ص 310). (¬6) في الشرح الكبير لابن عصفور (2/ 26): (وأما المصدر المعرف بالألف واللام فحكمه حكم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قسميه، وإعمال المنوّن أحسن من إعمال ذي «أل» إلا أنّ المصنف عبر بالأكثريّة، دون الأحسنية. قال المصنف: ومن النحويين من يزعم أنّ العمل بعد المقترن بالألف واللّام لفعل مضمر فيقدر في قوله: «عن الضرب مسمعا»: ضربت مسمعا وهو اسم رجل، ويقدّر في: 2308 - ضعيف النّكاية أعداءه ... ... ينكي أعداءه، وهذا - مع ما فيه من التكلف مردود بإتيان النصب في مواضع، لا يصلح فيها إتيان فعل كقول كثير: 2309 - يلوم امرأ في عنفوان شبابه ... وللتّرك أشياع الضّلالة حين (¬1) وكقول الآخر: 2310 - فإنّك والتّأبين عروة بعد ما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع لكالرّجل الحادي وقد تلع الضّحى ... وطير المنايا فوقهنّ أواقع (¬2) وأنشد الشيخ - في شرحه - (¬3) البيتين المتقدمين أوّلا، وهذه الأبيات، وقول أمية ابن أبي عائذ: - ¬

_ - المصدر المنون، يرفع الفاعل، وينصب المفعول، فتقول: يعجبني الضرب زيد عمرا ...) إلخ وينظر هذا أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 946). (¬1) البيت من الطويل، لكثير عزة، وهو في ديوانه (ص 173) ط. دار الثقافة بيروت سنة (1391 هـ). والشاهد في البيت قوله: «وللترك أشياع الضلالة حين» أعمل المصدر المعرف بـ «أل»؛ لأنه عاقب الضمير، فـ «أشياع» منصوب بـ «الترك». والتقدير: ولتركه أشياع. ينظر الشاهد أيضا في: شرح المصنف (3/ 117)، والتذييل والتكميل (4/ 952)، ومنهج السالك (ص 313). (¬2) البيتان من الطويل، ولم ينسبا لقائل معين. اللغة: التأبين: مصدر «أبّن»، إذا بكى شخصا، وأثنى عليه بعد موته، عروة: اسم رجل، شوارع: ممتدة، لكالرجل: خبر «إنك»، تلع: ارتفع، أواقع: أصله «وواقع»، فأبدلت الواو همزة. والمعنى: مثلك في تأبين عروة، وقد امتدت أيدينا لقتله، كمثل من يحدو إبله، وطيور المنايا منقضة عليها، فلا فائدة في التأبين ولا الحداء. والشاهد فيه - كالبيت السابق - قوله: «والتأبين عروة»؛ حيث نصب المصدر المحلى بـ «أل» - وهو «التأبين» - المفعول به وهو «عروة». ينظر الشاهد في: شرح العيني (3/ 524)، والأشموني (2/ 284)، واللسان «وقع»، وشرح الكافية (2/ 1014) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) التذييل والتكميل (4/ 951).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2311 - فأصبحن ينشرن آذانهنّ ... في الطّرح طرفا يمينا شمالا (¬1) وقول عليّ بن أميّة: 2312 - وداعي الصّباح يطيل الصّياح ... السّلاح السّلاح فما يستفيق (¬2) وقول الأخطل: 2313 - فإنّك والتّكليف نفسك دارما ... كشيء مضى لا يدرك الدّهر طالبه (¬3) وقول الآخر: 2314 - فإن لا يكن جسمي طويلا فإنّني ... له بالفعال الصّالحات وصول (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من المتقارب، وقائله - كما ذكر - أمية بن أبي عائذ. والشاهد في البيت قوله: «الطرح طرفا»؛ حيث نصب المصدر المعرف بـ «أل» المفعول «طرفا»؛ لأنّ «أل» عاقبت الضمير، والتقدير: في طرحهن طرفا. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 951)، ومنهج السالك (ص 314). (¬2) البيت من المتقارب، وقد نسبه أبو حيان - أيضا - لعلي بن أمية. ينظر: التذييل والتكميل (4/ 952). والشاهد في البيت قوله: «الصياح السلاح»؛ حيث عمل المصدر المعرف بـ «أل» «الصياح» عمل فعله؛ لأن «أل» فيه عاقبت الضمير، فـ «السلاح» مفعول منصوب بـ «الصياح» والتقدير: صياحه السلاح. ينظر الشاهد أيضا في: منهج السالك (ص 314). (¬3) البيت من الطويل، وقد نسبه أبو حيان - أيضا - للأخطل، وليس في شعره، نشر د/ أجينوس الميلاني ط. بيروت (1907 م). وليس - أيضا - في كتاب الأخطل في سيرته وشعره ط. دار الثقافة بيروت. والشاهد في البيت قوله: «والتكليف نفسك دارما»؛ حيث نصب المصدر المعرف بـ «أل» «التكليف» المفعول به «نفسك»، والتقدير: وتكليفك نفسك، وذلك على رأي ابن الطراوة وابن طلحة، وصححه أبو حيان؛ لأن «أل» عاقبت الضمير. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 952)، ومنهج السالك (ص 313). (¬4) البيت من الطويل، وقائله رجل من الفزاريين، وفي هامش أمالي القالي (1/ 38) أنه هذيل بن ميسر الفزاري. وروي: «عظمي» بدل «جسمي» و «بالخصال» بدل «بالفعال». والشاهد في البيت قوله: «بالفعال الصالحات»؛ حيث نصبت المفعول به «الصالحات» بالمصدر المحلى بـ «أل» «الفعال» كما في الأبيات السابقة. ينظر الشاهد في: حماسة أبي تمام (2/ 34)، وأمالي القالي (1/ 39)، والتذييل والتكميل (4/ 952)، ومنهج السالك (ص 314).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 2315 - وقد يحسن التّيميّ عقد لجامه ... ولا يحسن العقد القلادة بالمهر (¬1) وقول الآخر: 2316 - ... وكيف التّوقّي ظهر ما أنت راكبه (¬2) وقول الآخر: 2317 - قلّ الغناء إذا لاقى الفتى تلفا ... قول الأحبّة لا يبعد وقد بعدا (¬3) أي: قلّ أن يغني قول الأحبّة شيئا إذا لاقى الفتى تلفا، رفع به الفاعل، ونصب به الظّرف، وحذف المفعول المنصوب، وهو «شيئا». - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله جرير بن عطية، الشاعر الأموي المشهور، والبيت في ديوانه (3/ 596) ط: دار المعارف (1971 م). ولا شاهد في البيت على هذه الرواية؛ لأن المصدر «عقد» غير محلى بـ «أل»، أما على هذه الرواية التي معنا فالشاهد في البيت قوله: «ولا يحسن العقد القلادة»؛ حيث نصب المفعول به «القلادة» بالمصدر المحلى بـ «أل» «العقد» لمعاقبة «أل» للضمير، كما في الشواهد السابقة. ينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 953)، ومنهج السالك (314). (¬2) هذا عجز بيت من الطويل، وقائله المتلمس الضبعي، وهو في ديوانه (ص 197) تحقيق كامل الصيرفي (1388 هـ) بهذه الرواية: فإلا تجللها يعالوك فوقها ... وكيف توقّى ظهر ما أنت راكبه وعلى رواية الديوان هذه فلا شاهد، لتجرّد المصدر «توقي» من «أل» ونسب هذا البيت للوليد بن عقبة في مجمع الأمثال للميداني (1/ 336) بلفظ «وإلا تحللها» بالحاء المهملة، والعجز بلفظ «وكيف يوقى ظهر» وعلى ذلك لا شاهد فيه أيضا. وعجز البيت يضرب به المثل لمن يمتنع عن أمر لا بدّ له منه. اللغة: يعالوك: يعلوك، التوقي: التحامي، والحفظ. والشاهد في البيت قوله: «وكيف التوقي ظهر ما أنت راكبه»؛ حيث نصب المفعول به «ظهر» بقوله «التوقي» وهو مصدر محلى بـ «أل»؛ لأنّ «أل» عاقبت الضمير، على ما سبق. ينظر الشاهد أيضا في: مجمع الأمثال للميداني (2/ 140)، والتذييل والتكميل (4/ 953)، ومنهج السالك (ص 314)، واللسان مادة «علا». (¬3) البيت من البسيط، قائله أعرابي - لم يعرف اسمه - مات ابنه وهو غائب. اللغة: بعد - بكسر العين -: هلك، بعد - بضم العين -: نأى. والشاهد في البيت: عمل المصدر المعرف بـ «أل» كالأبيات السابقة. وحذف المفعول، على ما ذكره الشارح. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 935).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): فهذه مصادر معرفة بـ «أل» وهي معاقبة فيها للضمير، فانتصب بعدها المفعول، التقدير: فلم أنكل عن ضربي مسمعا، وضعيف نكايته أعداءه، وفي طرحهنّ طرفا، وصياحه السلاح السلاح، وتركه أشياع، وتكليفك نفسك، وتأبينك عروة، وبفعلي الصّالحات، وعقده القلادة، وتوقيك ظهر، قال: ولم يرد ما ظاهره رفع الفاعل، بعد المصدر المعرّف بـ «أل» فيما وقفنا عليه، غير بيت واحد وهو قول الشاعر: 2318 - عجبت من الرّزق المسيء إلهه ... وللتّرك بعض المحسنين فقيرا (¬2) وأنكر بعضهم (¬3) أن يكون «رزق» - بكسر الراء - مصدرا، وقال: الرزق بمعنى المرزوق كالرعي، والطحن، فإنّ ثبت هذا؛ فينتصب «المسيء» ويرتفع «إلهه» بإضمار فعل يفسره الرزق، أي يرزق المسيء إلهه (¬4). انتهى. ونبه المصنف بقوله: ويضاف إلى المرفوع، أو المنصوب، ثمّ يستوفى إلى آخره، على أنّه إذا أضيف المصدر إلى مرفوع، كان في الأصل مبتدأ، لم يجز حذف المنصوب، كما لم يجز حذفه مع الفعل، نحو: عرفت كون زيد صديقك، وكذا إذا أضيفت إلى منصوب، هو في الأصل مبتدأ، أو خبر؛ لا يجوز الاكتفاء به، بل لا بدّ من ذكر الجزء الثاني، كما كان في الفعل، وذلك نحو قولك: عرفت كون صديقك زيد، وتبينت ظنّ عمرو عدوك؛ فيمتنع حذف ما بعد المجرور في ذا وأمثاله، كما يمتنع في الفعل؛ لأنه خبر ومخبر عنه، فإن لم يكن المنصوب بعد الإضافة خبرا، ولا مخبرا عنه، فحذفه جائز، كما كان في الفعل نحو: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي (¬5)، وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ (¬6)، وَكَذلِكَ - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 953). (¬2) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «الرزق المسيء إلهه»؛ حيث رفع المصدر المعرف بـ «أل»، ونصب المفعول به «المسيء». ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 952)، ومنهج السالك (ص 314). (¬3) يعني ابن الطراوة وغيره، كما في التذييل والتكميل (4/ 954). (¬4) أي: انتهى ما ذكره الشيخ أبو حيان، ينظر: التذييل والتكميل (4/ 953، 954). (¬5) سورة التوبة: 111. (¬6) سورة التوبة: 114.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ [3/ 167] الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (¬1)، وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ (¬2)، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ (¬3). وذكر المفعول كثير: لقوله تعالى: كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ (¬4)، وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ * (¬5)، وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ (¬6)، عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ (¬7)، وإن كانت إضافة المصدر إلى منصوب، ليس في الأصل خبرا، ولا مخبرا عنه، استغنى عن ذكر الفاعل بعده، في الكثير الأغلب. قال المصنف (¬8): وكذا لم يجئ في القرآن العزيز رفعه بعد الإضافة، إلا في رواية، عن ابن عامر أنّه قرأ: ذكر رحمت ربك عبده زكرياء (¬9) بضم الدال والهمزة (¬10)، وجاء الاستغناء عنه كثيرا نحو: وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ (¬11)، وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ (¬12)، وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ (¬13)، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى (¬14)، قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ (¬15). ومن ذكر الفاعل مرفوعا بعد الإضافة إلى المفعول به قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا» (¬16) فـ «من» في موضع رفع بـ «حج» ويمكن أن يكون مثله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (¬17) على تقدير: - ¬

_ (¬1) سورة هود: 101. (¬2) سورة الرعد: 6. (¬3) سورة الروم: 4، 5. (¬4) سورة البقرة: 200. (¬5) سورة البقرة: 251، وسورة الحج: 40. (¬6) سورة النساء: 161. (¬7) سورة المائدة: 63. (¬8) ينظر الكلام الآتي في: شرح المصنف (3/ 118). (¬9) سورة مريم: 2. (¬10) في تحبير التيسير لابن الجزري (ص 138): (أبو بكر بن عامر: (زكرياء)) اه وفي تفسير القرطبي: (وقرأ بعضهم: عبده زكريآ بالرفع، وهي قراءة أبي العالية) اهـ. (¬11) سورة البقرة: 85. (¬12) سورة النساء: 20. (¬13) سورة النساء: 104. (¬14) سورة النحل: 90. (¬15) سورة ص: 24. (¬16) هذا جزء من حديث نبوي شريف، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان (1/ 26، 27) باب «بني الإسلام على خمس». (¬17) سورة آل عمران: 97.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولله على الناس أن يحجوا البيت من استطاع (¬1). قال المصنف: والمشهور جعل (من) بدلا من (الناس) (¬2)، وأنشد المصنف شاهدا على رفع المصدر الفاعل بعد الإضافة قول الشاعر: 2319 - ألا إنّ ظلم نفسه المرء بيّن ... إذا لم يصنها عن هوى يغلب العقلا (¬3) وقول الآخر: 2320 - أمن رسم دار مربع ومصيف ... بعينيك من ماء الشّؤون وكيف؟ (¬4) وقول الآخر: 2321 - ردّ إضنائك الغرام الذي كان ... عذولا ممهّدا لك عذرا (¬5) والحاصل: أنّ استعمال المصدر مضافا إلى الفاعل ناصبا بعده المفعول به أكثر من - ¬

_ (¬1) في البحر المحيط (3/ 11): (وقال بعض البصريين: (من) موصولة، في موضع رفع، على أنه فاعل بالمصدر الذي هو (حج،) فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول، ورفع به الفاعل، نحو: عجبت من شرب العسل زيد، وهذا القول ضعيف من حيث اللفظ والمعنى) اهـ. (¬2) ينظر: شرح المصنف (3/ 118)، والبحر المحيط (3/ 11) والكشاف للزمخشري (1/ 48). (¬3) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: إضافة المصدر «ظلم» إلى مفعوله «نفسه» ورفع الفاعل بعده، وهو «المرء». ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 118)، والتذييل والتكميل (4/ 958) ومنهج السالك (ص 318)، وشرح التصريح (1/ 269). (¬4) البيت من الطويل، وقائله الحطيئة، من مطلع قصيدة مدح بها سعيدا بن العاص الأموي، ينظر: ديوان الحطيئة (ص 81). اللغة: رسم: مصدر رسمه يرسمه، أي: عفاه، الشؤون: مجاري الدمع، وكيف: سقوط الدمع والقطر. والمعنى: هل جرت الدموع من أن مربعا ومصيفا تركا أثرا بالدار؟!. والشاهد في البيت قوله: «أمن رسم دار مربع ومصيف»؛ حيث أضيف المصدر الذي هو «رسم» إلى المفعول، وارتفع بعده الفاعل، وهو «مربع»، وما عطف عليه، وفي التذييل والتكميل (4/ 959): (فـ «مربع» مرفوع بـ «رسم»، و «رسم» مصدر عند أبي علي) اهـ. وينظر الشاهد أيضا في: أمالي ابن الشجري (1/ 351)، وشرح المفصل لابن يعيش (6/ 62). (¬5) البيت من الخفيف، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «رد أضنائك الغرام» فقد أضيف «أضناؤك» وهو المصدر إلى المفعول، فارتفع بعده، وهو «الغرام». ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 958) ومنهج السالك (ص 318).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استعماله مضافا إلى المفعول، رافعا بعده الفاعل، واعلم أنّ المصدر يضاف إلى الظرف كثيرا، نحو قوله تعالى: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (¬1)، فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ (¬2)، فَصِيامُ شَهْرَيْنِ * (¬3)، بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ (¬4). وذلك مقرر في غير هذا الباب (¬5)، وإنما المراد هنا أنه - بعد إضافته إلى الظرف يجوز أن يجيء بعده بالفاعل والمفعول معطيين الرفع والنصب، نحو: عرفت انتظار يوم الجمعة زيدا عمرا، وإلى ذلك الإشارة بقوله: فيعمل بعده عمل المنوّن. قال المصنف (¬6): ذكر ذلك سيبويه، غير مستشهد بشيء (¬7)، وقال - في شرح الكافية -: وقد يضاف إلى الظرف؛ توسّعا، فيعمل فيما بعده الرفع، والنصب، كقولك: حبّي يوم عاقل لهو صبا، وهو نظير قولهم: يا سارق الليلة أهل الدّار (¬8) أشار إلى ذلك سيبويه (¬9) وغيره، من المحققين (¬10). قال الشيخ: ومن منع ذكر الفاعل، والمصدر المنوّن؛ منع هذه المسألة ونحوها (¬11) اهـ. ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 226. (¬2) سورة المائدة: 89. (¬3) سورة النساء: 92، سورة المجادلة: 4. (¬4) سورة سبأ: 33. وفي التذييل والتكميل (4/ 960، 961): وذلك على حسب التوسع، في أن أجري المصدر في التوسع مجرى الفعل، لا أن ذلك على تقدير الإضافة بـ «في» اهـ. (¬5) يقصد باب الإضافة؛ حيث تقدر الإضافة على معنى «في». (¬6) انظر: شرح التسهيل (3/ 119). (¬7) ينظر: الكتاب (1/ 177، 193). (¬8) من الرجز، مجهول القائل، لم ينسبه سيبويه في الكتاب (1/ 89، 90، 99)، ولم ينسبه غير سيبويه. والشاهد فيه: كما ذكره المصنف إضافة المصدر إلى الظرف توسعا، وعمل المصدر فيما بعد الظرف. ينظر الشاهد أيضا في: معاني القرآن للفراء (2/ 80)، وشرح المفصل لابن يعيش (2/ 45، 46)، والخزانة (1/ 485)، وشرح الكافية الشافية (ص 1018). (¬9) في الكتاب (1/ 99)، إلا أنه ذكر في (1/ 90) أنه لا يجوز إلا في الشعر، قال: (ولا يجوز: يا سارق الليلة أهل الدار، إلا في الشعر؛ كراهية أن يفصلوا بين الجار والمجرور) اهـ. وينظر: الأشموني (2/ 290). (¬10) ينظر: شرح الكافية (ص 1018) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬11) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 961).

[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلا ما لم يمنع مانع]

[إتباع مجرور المصدر لفظا أو محلّا ما لم يمنع مانع] قال ابن مالك: (ويتبع مجروره لفظا، ومحلّا، ما لم يمنع مانع، فإن كان مفعولا، ليس بعده مرفوع بالمصدر جاز في تابعه الرّفع، والنّصب، والجرّ). قال ناظر الجيش: المجرور بالمصدر إمّا مرفوع الموضع، وإما منصوب الموضع فلك في التابع من نعت أو معطوف وغيرهما أن تجره، حملا على اللفظ، وهو الأجود، ولك أن ترفعه حملا على الموضع؛ إن كان المجرور مرفوع الموضع، وأن تنصبه إن كان المجرور منصوب الموضع، فأما الجر فمستغن عن شاهد، وأما الرفع فمن شواهده في النعت قول الشاعر: 2322 - لقد عجبت وما في الدّهر من عجب ... أنّى قتلت، وأنت الحازم البطل؟ السّالك الثّغرة اليقظان سالكها ... مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل (¬1) الفضل: اللابسة ثوب الخلوة، وهو نعت «الهلوك» على الموضع؛ لأنها فاعل المشي، ومن شواهده في العطف قراءة الحسن رضي الله تعالى عنه: (أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعون) (¬2) وقول الشّاعر: - ¬

_ (¬1) البيتان من البسيط، وقائلهما المتنحل الهذلي، واسمه مالك بن عويمر، والبيتان في ديوان الهذليين (2/ 33، 34). اللغة: أنّى قتلت: كيف قتلت؟ الثغرة: موضع المخافة، الهلوك: الفتاة التي تتهالك، وتتغزل، وتتساقط، الخيعل: القميص القصير أو الذي لا كم له، أو الذي ليس تحته إزار، فإن كان «الفضل» صفة لـ «الخيعل» فلا شاهد فيه، وإن كان «الفضل» - وهي المرأة اللابسة ثوب الخلوة - صفة لـ «الهلوك» ففيه الشاهد؛ حيث رفع «الفضل» على أنه صفة لـ «الهلوك» على المحل؛ لأنه فاعل المشي. ينظر الشاهد أيضا في: ابن الشجري (2/ 30)، واللسان مادة «فضل»، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 421). (¬2) سورة آل عمران: 87، ورسمها في المصحف: أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. أما القراءة المستشهد بها ففي القرطبي «تفسيره سورة البقرة» يقول: (وقد قرأ الحسن البصري): والملائكة والناس أجمعون وتأويلها: (أولئك جزاؤهم أن يلعنهم الله ويلعنهم الملائكة، ويلعنهم الناس أجمعون) ثم قال: (وقراءة الحسن هذه مخالفة للمصاحف) اهـ أي لرسم المصاحف. والقراءة في إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري (1/ 70) بالرفع، وهو معطوف على موضع اسم الله؛ لأنه في موضع رفع؛ لأن التقدير: أولئك عليهم أن يلعنهم الله؛ لأنه مصدر أضيف إلى الفاعل. وينظر أيضا: البحر المحيط (1/ 460، 462)، والإتحاف (ص 151).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2323 - يا لعنة الله والأقوام كلّهم ... والصّالحون على سمعان من جار (¬1) وأمّا النصب فمن شواهده في النّعت قول الرّاجز: 2324 - ما جعل امرأ لقوم سيّدا ... إلّا اعتياد الخلق الممجّدا (¬2) ومن شواهده في العطف قول زياد العنبري: 2325 - قد كنت داينت بها حسّانا ... مخافة الإفلاس والليّانا (¬3) وقول الآخر: 2326 - هويت ثناء مستطابا مؤبّدا ... فلم تخل من تمهيد مجد وسؤددا (¬4) وجعل المصنف قوله: ما لم يمنع مانع قيدا في الحمل على اللفظ خاصة، وكأنه احترز به من نحو: يعجبني إكرام زيد وأنت عمرا، وأكره ضرب زيد وإياك عمرو؛ فإنّ الإتباع على اللفظ يتقدر في المثالين، واعلم أنّ المصنف لا يعتبر المحرز في مراعاة - ¬

_ (¬1) سبق تخريج هذا الشاهد في باب «حبذا». (¬2) البيت من الرجز، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «الممجّدا» فقد نصب «الممجدا» نعتا لـ «الخلق» على المحل؛ لأنّ «الخلق» مجرور لفظا بالإضافة، منصوب محلّا بالمصدر «اعتياد». ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 120)، والتذييل والتكميل (4/ 966). (¬3) البيت من الرجز، وقد نسبه الشيخ أبو حيان لزياد العنبري كما هنا، وكذلك ابن يعيش في شرح المفصل (6/ 65)، وقال العيني (3/ 52): (أقول: قائله رؤبة بن العجاج) ونسب لرؤبة أيضا في الكتاب (1/ 191)، وهو في ديوانه (ص 187). اللغة: داينت: من المداينة، حسانا: اسم رجل، الليانا: مصدر نادر، بمعنى المماطلة. والشاهد في البيت: عطف «الليانا» بالنصب، على محل «الإفلاس»، الذي هو مفعول للمصدر «مخافة» فـ «الإفلاس» مجرور بالإضافة إليه، لكنه منصوب المحل، وتأول ذلك سيبويه بتقدير فعل يفسره المصدر، أي: أن تخاف الليانا، وقيل: التقدير: مخافة الإفلاس، ومخافة الليان، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه. ينظر الشاهد أيضا في: شرح التصريح (2/ 65)، والأشموني (2/ 291)، وشرح ابن الناظم (ص 421). (¬4) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد في قوله: «سؤددا»؛ فإنه معطوف على محل «مجد»؛ لأنه مفعول مضاف للمصدر «تمهيد»، ويجوز تقديره: ومهدت سؤددا. ينظر الشاهد في: منهج السالك (ص 322)، والتذييل والتكميل (4/ 965).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضع، ولذلك أجاز الإتباع على المحلّ ههنا، وأما من يعتبر المحرز فلا يجوز. وذكر الشيخ - في مراعاة المحلّ، في هذا الباب ثلاثة مذاهب (¬1): أحدها: مذهب سيبويه، والمحققين، من البصريين، من أنّه لا يجوز (¬2). الثاني: مذهب الكوفيين، وجماعة من البصريين: أنّه يجوز، إلا أن الكوفيين - في الإتباع على محل المفعول المجرور - يلتزمون ذكر الفاعل، ولا يجيزون حذفه، فيقولون: عجبت من شرب الماء واللبن زيد (¬3). الثّالث: مذهب الجرمي، وهو التفصيل، فأجاز ذلك في العطف، والبدل، ومنعه في النعت، والتوكيد، وحجّته أنّ العطف والبدل عنده من جملة أخرى، فالعامل في الثاني غير العامل في الأول، وأما النعت، والتوكيد، فالعامل فيهما واحد وهما شيء واحد ومحال أن يكون الشيء مجرورا مرفوعا، أو مجرورا منصوبا. ثم قال الشيخ: وظاهر ما ورد عن العرب يجوز الإتباع على المحل، ويحتاج مانع ذلك إلى تأويل، وقد تؤول على إضمار عامل في العطف، رافع أو ناصب (¬4). وأمّا في النّعت فقال الشيخ: إنّ بعضهم تأول الرفع في «الفضل» على أنه على الجوار، كالخفض في: هذا حجر ضبّ خرب (¬5). انتهى. وأما النصب في البيت المتقدم، وهو: 2327 - ... إلّا اعتياد الخلق الممجّدا [3/ 168] فيمكن أن يكون بفعل مقدّر، ولا شكّ أنّ التأويل خلاف الأصل، - ¬

_ (¬1) تنظر هذه المذاهب في: التذييل والتكميل (4/ 962، 963). (¬2) أي لا يجوز الإتباع على المحل، وفي الكتاب (1/ 191، 192): (وتقول: عجبت من ضرب زيد وعمرو، إذا أشركت بينهما، كما فعلت ذلك في الفاعل، ومن قال: هذا ضارب زيد وعمرا، قال: عجبت له من ضرب زيد وعمرا، كأنه أضمر: ويضرب عمرا، أو: ضرب عمرا) اهـ. ويفهم منه أنه لم يجز العطف على المحل بل تأوله بإضمار فعل، يفسره المصدر المذكور. (¬3) لمراجعة ذلك ينظر: التذييل والتكميل (4/ 693)، ومنهج السالك (ص 321). (¬4) ينظر ذلك في: التذييل والتكميل (4/ 967). (¬5) التذييل والتكميل (4/ 968).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لم يقصد قال المصنف (¬1): ونبهت بقولي: (فإن كان مفعولا ليس بعده مرفوع بالمصدر) على جواز ثلاثة أوجه، في تابع المجرور، من نحو: عرفت تطليق المرأة، فلك في نعت المرأة، والمعطوف الجرّ على اللفظ، والنصب على تقدير المصدر بفعل الفاعل، والرفع على تقديره بفعل ما لم يسم فاعله. وفي الحديث: «أمر بقتل الأبتر وذو الطفيتين» (¬2)، على تقدير: أمر بأن يقتل الأبتر وذو الطّفيتين. انتهى. وهذا بناء من المصنف على جواز أن ينحلّ المصدر بحرف مصدري، والفعل لم يسمّ فاعله، وهو رأي الجمهور، فيجوز أن تقول: عجبت من جنون بالعلم زيد، ومن أكل الطعام، أي: من الذي أن يجنّ بالعلم زيد، ومن أن أكل الطعام، وجوّزوا في: عجبت من ضرب زيد؛ أن يكون فاعلا بالمصدر، أو مفعولا لم يسمّ فاعله. وذكر ابن أبي الربيع - رحمه الله تعالى - أنّ مذهب أكثر النحويين أنّه لا يجوز أن يكون مع المصدر المفعول الذي لم يسمّ فاعله، وأنّه لا يكون المفعول به مع المصدر إلّا منصوبا، وهو مذهب الأخفش، وإليه كان الأستاذ أبو عليّ يذهب (¬3). قال الشيخ: وفي الإفصاح أجاز جماعة أن يذكر مرفوعا ويقدّر بـ «أنّ» والفعل المسند للمفعول، ومن الناس من منعه، وهو الصّحيح؛ لأنّ ما يرفع الفاعل من الفعل والصفة لا يكون على صيغة ما يرفع المفعول، والمصادر لا تختلف صيغتها، فلا يصحّ فيها ذلك، وكان ابن خروف يقول: يجوز ذلك إذا لم يقع لبس، وهذا كله خطأ؛ لأنه لم يسمع، والقياس يبطله (¬4). انتهى. وأنشد الشيخ في شرحه دليلا على الجواز قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) ينظر الكلام الآتي في: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 121). (¬2) هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب السّلام (2/ 293) وهو في عمدة الحافظ للمصنف أيضا (1/ 90). اللغة: الطفيتان: الخطّان الأبيضان على ظهر الحية، والواحد: طفية، والأبتر: القصير الذنب من الحيات. والشاهد في الحديث: رفع «ذو» بالعطف على محل «الأبتر»، فهو مرفوع محلّا، وإن جر لفظا؛ لإضافته إلى المصدر «قتل». (¬3) التذييل والتكميل (4/ 934). (¬4) المرجع السابق.

[عمل اسم المصدر وأحكامه]

[عمل اسم المصدر وأحكامه] قال ابن مالك: (ويعمل عمله اسمه غير العلم، وهو ما دلّ على معناه وخالفه بخلوّه - لفظا وتقديرا دون عوض - من بعض ما في فعله، فإن وجد عمل بعد ما تضمّن حروف الفعل من اسم ما يفعل به، أو فيه، فهو لمدلول به عليه). ـــــــــــــــــــــــــــــ 2328 - إنّ قهرا ذوو الضّلالة والبا ... طل عزّ لكلّ عبد محقّ (¬1) تقديره: أن يقهر ذوو الضّلالة. ونقل عن الكسائي أنّه لا يجوز ذلك إلّا حيث كان لا يلبس (¬2) وقال - في ارتشاف الضرب -: الذي أختاره أنه إن كان المصدر لفعل لم ينطق به إلّا مبنيّا للمفعول جاز ذلك، نحو: عجبت من جنون بالعلم زيد (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): «من الأسماء ما يقال له: اسم المصدر، وهو ضربان: علم، وغير علم. فالعلم: ما دلّ على معنى المصدر دلالة مغنية عن الألف واللام، لتضمن الإشارة إلى حقيقته كيسار وبرة، وفجار، فهذه وأمثالها لا تعمل عمل المصدر؛ لأنها خالفت المصادر الأصلية بكونها لا يقصد بها الشياع، ولا تضاف ولا تقبل الألف واللام وتوصف، ولا تقع موقع الفعل، ولا موقع ما يوصل بالفعل، ولذلك لم تقم مقام المصدر الأصلي في توكيد الفعل وتبيين نوعه أو مراته. وغير العلم: ما ساواه في المعنى والشياع وقبول الألف واللام والإضافة والوقوع موقع الفعل وموقع ما يوصل بالفعل، وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا دون عوض من بعض ما في الفعل، كـ: «وضوء وغسل»؛ فإنهما مساويان لـ «التوضؤ والاغتسال» - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، ولم أهتد إلى قائله، ولم ينسبه أحد ممن ذكره في المراجع التي ورد بها. والشاهد فيه قوله: «إن قهرا ذوو الضلالة» على جواز رفع «ذوو» على أنه نائب فاعل للمصدر المنون، وتقديره: أن يقهر ذوو الضلالة. ينظر الشاهد في: عمدة الحافظ (ص 89)، والتذييل والتكميل (4/ 934). (¬2) يراجع مذهب الكسائي في التذييل والتكميل (4/ 935). (¬3) ارتشاف الضرب لأبي حيان (3/ 175) تحقيق د/ مصطفى النماس. (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 121) بتحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المعنى والشياع وجميع ما نفي عن العلم وخالفاه بخلوّهما دون عوض من بعض ما في فعليهما وهما «توضأ واغتسل». وحق المصدر أن يتضمن حروف الفعل بمساواة: كتوضأ توضؤا، أو بزيادة عليه، كـ: أعلم إعلاما، ودحرج دحرجة، وقلت: «لفظا وتقديرا»؛ احترازا من «فعال»، مصدر «فاعل»، كـ: «قتال»؛ فإنه مصدر مع خلوّه من المدّة الفاصلة بين فاء فعله، وعينه؛ لأنّها حذفت لفظا، واكتفي بتقديرها بعد الكسرة، وقد تثبت فيقال: قيتال، وقلت: (دون عوض) احترازا من: «عدة» فإنّها مصدر «وعد» ومع خلوه من الواو؛ لأنّ التاء التي في آخره عوض منها، فكأنها باقية، وكذا «تعليم» فإنّه مصدر «علّم» مع خلوه من التضعيف، لكن جعلت التاء في أوله عوضا من التضعيف فكأنه باق. ولذلك إذا جيء بالمصدر مضعّفا كـ: «كذّب كذّابا»، استغني عن التاء، ونسب التعويض إلى تاء «تعليم»، دون يائه؛ لأنّ ياءه مساوية لألف «إكرام، واستماع، وانطلاق، واستخراج» ونحوهما، من المرّات التي قصد بها ترجيح المصدر على لفظ الفعل الزائد على ثلاثة أحرف، دون حاجة إلى تعويض، ومن المحكوم بمصدريته مع خلوه من بعض حروف فعله «كينونة»، أصله: كينونة، ثمّ عومل معاملة «ميّت» إذا قيل: ميت، فحذفت عينه، وعوّض منها التاء. ومن المحكوم بمصدريّته: «ثواب وعطاء» أصلهما: «إثواب، وإعطاء»، وحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال، والمصدريّة باقية، ومن المحكوم بمصدريته، أيضا: «طاعة، وطاقة، وجابة»، والأصل: «إطاعة، وإطاقة، وإجابة»؛ لأنها مصادر: «أطاع، وأطاق، وأجاب»؛ فحذفت الهمزة، واكتفي بالتقدير، فهذه وأمثالها مصادر لقرب ما بينها وبين أصلها، بخلاف ما بينه وبين الأصل بعد وتفاوت، كـ: «عون، وعشرة، وكبر، وعمر، وغرق، وكلام»، بالنسبة إلى: «إعانة، ومعاشرة، وتكبر، وتعمير، وتكليم»؛ فهذه وأمثالها أسماء مصادر. وأمّا ما ليس فيه إلا غرابة وزنه، كـ: «دعاية»، ورهب، وعلوّ»، فهو مصدر، وجعله اسم مصدر تحكم بغير دليل، ومن إعمال «ثواب» قول حسان رضي الله عنه: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2329 - لأنّ ثواب الله كلّ موحّد ... جنان من الفردوس فيها يخلّد (¬1) ومن إعمال «عطاء» قول القطامي: 2330 - أكفرا بعد ردّ الموت عنّي ... وبعد عطائك المائة الرّتاعا (¬2) ومن إعمال اسم المصدر حديث الموطأ: «من قبلة الرّجل امرأته الوضوء» (¬3) ومنه قول الشّاعر: 2331 - إذا صحّ عون الخالق المرء لم يجد ... عسيرا من الآمال إلّا ميسّرا (¬4) ومنه قول الآخر [3/ 169]: 2332 - بعشرتك الكرام تعدّ منهم ... فلا ترين لغيرهم الوفاء (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وقائله سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه، صاحب الرسول الكريم محمد صلّى الله عليه وسلّم والبيت في ديوانه رضي الله عنه (ص 15) ط. المطبعة الرحمانية بمصر سنة (1347 هـ)، ولفظه في في الديوان: وإنّ ثواب الله ... ... ... وروي: «جنانا» مفعول ثان لـ «ثواب». والشاهد في البيت قوله: «ثواب الله كل موحد»؛ حيث أعمل المصدر «ثواب» فنصب المفعول، وهو قوله «كل موحد» ينظر الشاهد أيضا في: شذور الذهب (ص 413)، واللسان (8/ 44)، والأشموني (2/ 288)، والهمع (2/ 59)، والدرر (2/ 128). (¬2) البيت من الوافر، وقائله القطامي، والبيت من قصيدة في ديوانه (ص 37)، ط. بيروت (1960 م)، يمدح زفر بن الحارث الكلابي. والشاهد في البيت: نصب «عطاء» - بمعنى: الإعطاء - «المائة»، والكاف فاعله، والمفعول الآخر محذوف، والتقدير: وبعد إعطائك إياي المائة الرتاعا. ينظر الشاهد في: الشعر والشعراء (2/ 727)، والخصائص (2/ 22)، واللسان «عطا». (¬3) أخرجه الإمام مالك في الموطأ كتاب الطهارة باب: الوضوء من قبلة الرجل امرأته (ص 53). والشاهد فيه: إعمال اسم المصدر «قبلة» ونصب «امرأته» به. وينظر: شرح الموطأ (1/ 81). (¬4) البيت من الطويل، قال العيني (3/ 525، 526): (أنشده الأصمعي، ولم يعزه إلى قائله). والشاهد فيه: إعمال اسم المصدر «عون»؛ حيث نصب المفعول به وهو «المرء»، وقد جعل العيني «عون» مصدرا، قال في المقاصد النحوية على هامش الخزانة (3/ 526): (وإنما قلنا: «عون» مصدر؛ لأنه بمعنى الإعانة، والمصدر حذفت منه همزته، أو غيرها يعمل عمل فعله) اه. وينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 973). (¬5) البيت من الوافر، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «بعشرتك الكرام»؛ فإنّ «عشرة» اسم مصدر بمعنى المعاشرة وقد نصبت المفعول به -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 2333 - قالوا: كلامك دعدا وهي مصغية ... يشفيك؟ قلت: صحيح ذاك لو كانا (¬1) انتهى (¬2). وهو كلام جيد، لكن لم يظهر لي ما الموجب لتفرقته بين «طاعة» وما معها وبين «عون» وما معه؛ إذ حكم بالمصدرية على الألفاظ الأولى دون الآخرة، إلا أن تقول: إنّه لم يحذف من «طاعة» ونحوها سوى الهمزة، ولم يحصل في الكلمة مع الحذف تغيير، فكانت قريبة من أصلها، بخلاف «عون» و «عشرة» وما معهما، فإنّ المحذوف من كلّ منهما حرفان، مع ما حصل من التغيير في اللفظ أيضا، ولهذا جعل «ثوابا» مصدرا والعلة الحذف، وعدم التغيير، وجعل «كلاما» اسم مصدر، لكثرة الحذف، وحصول التغيير. ولم يذكر المصنف اسم المصدر، نحو: «مفعل» من الثلاثي، كـ: «مضرب، ومقتل»، وما كان على صيغة اسم المفعول ممّا زاد على الثلاثة، نحو: «مكرم، ومستخرج»، لم يشملها الحدّ الذي ذكره لاسم المصدر أيضا، فدلّ على أنّ ذلك عنده من قبيل المصدر، وبذلك يشعر كلامه في باب أبنية المصادر، وجعل ولده الإمام بدر الدين بن مالك نحو: «مضرب» اسم مصدر، لا مصدرا (¬3)، ووافقه الشيخ على ذلك (¬4) وظهر من كلام المصنف: أنّ الفارق بين المصدر واسمه أمر لفظيّ، وأنهما في المعنى متفقان، فمدلولهما واحد وجعل الشيخ بهاء الدين بن النحاس، رحمه الله تعالى، مسمّى المصدر لفظا، ومسمّى اسم المصدر معنى، - ¬

_ - «الكرام»، وقد جعله العيني مصدرا، حيث قال في المقاصد النحوية بهامش الخزانة (3/ 527): («بعشرتك» مصدر عمل عمل فعله، وهو مضاف إلى فاعله، و «الكرام» مفعوله). ينظر الشاهد أيضا في: التذييل والتكميل (4/ 973)، والأشموني (2/ 288). (¬1) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. وروى «هندا» بدل «دعدا». والشاهد في البيت قوله: «كلامك دعدا» فقد نصب «كلامك» وهو اسم مصدر بمعنى تكليم «دعدا» على أنه مفعول به. ينظر الشاهد في: الأشموني (2/ 288)، ومعجم شواهد العربية (1/ 382). (¬2) أي انتهى النقل من شرح المصنف (3/ 123). (¬3) ينظر: شرح الألفية للإمام بدر الدين (ص 160). (¬4) ينظر: التذييل والتكميل (4/ 979).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: المصدر في الحقيقة هو الفعل الصادر عن الإنسان، وغيره، كقولنا: إنّ «ضربا» مصدر في قولنا: يعجبني ضرب زيد عمرا، فيكون مدلوله معنى، وسمّوا ما يعبّر به عنه مصدرا مجازا، نحو: شرب، في قولنا: إنّ شربا مصدر منصوب، إذا قلنا: ضربت ضربا فيكون مسمّاه لفظا. واسم المصدر اسم للمعنى الصّادر عن الإنسان وغيره: كـ: «سبحان»، المسمّى به التسبيح، الذي هو صادر عن المسبح، لا لفظ «ت س ب ي ح» بل المعنى المعبّر عنه بهذه الأحرف، وهو البراءة والتنزيه، وأسند ذلك بقول الزمخشري في باب العلم، وقد أجروا المعاني في ذلك، أي في موضع الإعلام مجرى الأعيان، فسمّوا التسبيح بـ «سبحان»، قال: فنص على المسمّى هنا معنى، لا لفظا. انتهى كلام الشيخ بهاء الدّين. فعلى هذا؛ الفارق بينهما أمر معنوي (¬1). وقال الشيخ: اسم المصدر شيئان: أحدهما: ما ينقاس بناؤه من الثلاثي على «مفعل» وممّا زاد على صيغة اسم المفعول، وهذا يعمل عمل المصدر ويجري مجراه في جميع أحكامه. الثاني: ما كان أصل وضعه لغير المصدر، كـ: «الثّواب، والعطاء، والدّهن، والخبر، والكلام، والكرامة، والكحل، والرعي، والطّحن» ونحوها، من الأسماء التي أخذت من موادّ الأحداث، قال: فهذه وضعت لما يثاب به، ولما يعطى، ولما يدهن به، ولما خبز، وللجمل المقولة، ولما يكرم به، ولما يكحل به، ولما يرعى، ولما يطحن، فالبصريّون لا يعلمون شيئا من هذه، وأجاز الكوفيّون والبغداديّون الإعمال. واستثنى الكسائيّ ثلاثة ألفاظ، فلم يعملها، وهي: «الخبز، والقوت، والدّهن»، ثمّ قال: فـ «ثواب» اسم مصدر، وكذا «عطاء» خلافا للمصنف، وأمّا «عون، وعشرة، وكبر، وغرق، وكلام» فمصادر جاءت على غير قياس، لا أسماء مصادر، خلافا للمصنف أيضا (¬2). انتهى. وقد تقدم من كلامه أنّ «كلام» اسم مصدر، فيناقض قول فيه، وأفهم كلامه - ¬

_ (¬1) ينظر: قول الزمخشري في المفصل (ص 10) الطبعة الثانية ط. دار الجيل - بيروت سنة (1323 هـ) مع شرح شواهد المفصل، للسيد محمد بدر الدين، أبي فراس النعساني. (¬2) ينظر التذييل والتكميل (4/ 977)، ومنهج السالك (ص 317)، والهمع (2/ 55).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنّ اسم المصدر، غير المسمّى عنده، هو ما كان اسما لما يفعل به، وفيه بعد. ولقائل أن يقول: إن نحو: «ثواب، وعطاء»، إذا أريد بهما ما يفعل، فإنما هو من إطلاق المصدر، مرادا به المفعول، لا أنها في الأصل أسماء له، واعلم أنّ كلام المصنف يقتضي أنّ اسم المصدر يعمل كالمصدر. وقال ابن عصفور: لا يجيز البصريون ذلك إلا حيث سمع وأما الكوفيّون فيجيزون العمل قياسا مطردا (¬1)، وأشار المصنف بقوله: (فإن وجد عمل) إلى أنّ ما يضمّن حروف الفعل من اسم ما يفعل به أو فيه لا يعمل، فإن وجد بعد شيء منه عمل، أضمر له عامل من معناه كقولك: أعجبني دهن زيد لحيته، وكحل هند عينها. قال المصنف: فقد روي مثل هذا عن العرب وجعل النصب فيه بعامل مضمر كأنّه قيل: دهن لحيته وكحلت عينها (¬2). انتهى. فهذا مثال ما يفعل به، ومثال ما يفعل فيه قوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (25) أَحْياءً وَأَمْواتاً (¬3)؛ لأنّ الكفات ما يكفت فيه الأشياء، أي: يجمع ويحفظ، فكان ذكره منها على فعله، أو ما هو بمنزلة فعله، فكأنّه قيل: يكفت أحياء وأمواتا. قال المصنف: ولك أن تنصب أَحْياءً وَأَمْواتاً، على التمييز؛ لأنّ كفات الشيء مثل وعائه، والموعى ينتصب بعد الوعاء على التمييز. وأمّا قول الشاعر: 2334 - كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها ... عليه قضيم نمّقته الصّوانع (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 27). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 123). (¬3) سورة المرسلات: 25، 26. (¬4) البيت من الطويل، وقائله النابغة الذبياني، الشاعر المشهور من قصيدة في ديوانه (ص 31) يمدح النعمان، ويعتذر إليه، ويهجو مرة بن ربيعة، لما قدم عليه عند النعمان. اللغة: الرامسات: الرياح الشديدات الهبوب، التي ترمس الأثر، أي: تعفيه، وتدفنه، وذيولها: أواخرها؛ لأن أوائلها يجيء بشدة، ثم تسكن أواخرها، شبه آثار ذيول الرياح في هذا الرسم، بحصير تنمقه الصوامع، أي تعمله، وتحسنه، فهو منمّق. والشاهد في البيت قوله: «مجر الرامسات ذيولها» على أن «مجر» اسم مصدر نصب «ذيولها» أو على تقدير عامل. ينظر الشاهد في: اللسان مادة «ذيل»، «قضم» ديوان النصرانية قبل الإسلام (ص 688).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال المصنف: يحتمل أن يكون من هذا، وتجعل «المجرّ» موضع «الجر»، أي تجعله اسم مكان، كأنه قال: كأنّ مهبّ الرامسات جارة ذيولها عليه، فحذف العامل، وأبقى العمل، ويحتمل أن يكون المجرّ مصدرا، والتقدير: كأنّ موضع مجرّ الرامسات؛ ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه في الإعراب، وجاء الخبر على وفق المحذوف، والعمل «المجر»؛ لأنه بمعنى «الجرّ». ومثله قول الآخر: 2335 - كأنّ مجرّه الأبطال قسرا ... إلى أشباله حطب رفيت (¬1) ولنختم الفصل بفوائد: الأولى: اختلفوا في حذف المصدر المنحلّ، وإبقاء معموله، فأجازه بعضهم، ومنعه البصريون؛ لأنّه موصول، والموصول لا يحذف. واستدلّ المجيز بقوله تعالى: هل تستطيع ربك (¬2) [3/ 170] على قراءة الكسائي، التقدير: هل تستطيع سؤال ربك، و (أن ينزل) معمول السؤال المحذوف، ولا يتعلق بـ (يستطيع؛) لأنّ الفعل للغير، ولا يقال: هل يستطيع أن يقوم زيد؛ فهو متعلق بالسؤال المحذوف (¬3). الثانية: ما جاء من المصادر يجوز إعماله، والمراد به التكثير نحو قوله: - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: رفيت: مكسور، كما ذكر في شرح المصنف. والشاهد في البيت قوله: «مجره الأبطال»؛ حيث أعمل «مجره» فنصب «الأبطال». ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 124)، والتذييل والتكميل (4/ 975)، ومنهج السالك (ص 316). (¬2) سورة المائدة: 112. (¬3) في كتاب السبعة لابن مجاهد (ص 249): (فقرأ الكسائي وحده: هل تستطيع ربك بالتاء - يعني تاء المضارعة في أول الفعل - ونصب الباء، واللام مدغمة في التاء). وتراجع قراءة الكسائي هذه في النشر لابن الجزري (3/ 46)، ومعاني القرآن للزجاج (2/ 243)، وفي الحجة لابن خالويه (135): والحجة لمن قرأ بالنصب أنه أراد: هل تستطيع سؤال ربك، ثم حذف السؤال، وأقام «ربّك» مقامه، كما قال: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ يريد: أهل القرية، ومعناه: سل ربك أن يفعل ذلك؛ فإنه عليه قادر.

[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه]

[المصدر الكائن بدلا من الفعل موافقته متعديا والاختلاف في قياسه] قال ابن مالك: (فصل: يجيء بعد المصدر الكائن بدلا من الفعل معمول عامله على الأصحّ البدل لا المبدل منه؛ وفاقا لسيبويه والأخفش). ـــــــــــــــــــــــــــــ 2336 - وما زال تشرابي الخمور ... (¬1) الثالثة: المصدر يأتي دلالة على الماهية فلا يعمل، نحو: العلم حسن، ولا يقضي على ما أضيف هو إليه، ونحو: علم زيد يعجبني؛ يرفع، ولا ينصب، فهو نظير قولك: خاتم زيد يعجبني، ولا يؤكد هذا المصدر. الرابعة: نقل عن صاحب النّهاية أنّه قال: إذا قلت: أتيته ركضا، إن فرّعت على مذهب البصريين، وهو أنّ «ركضا» في معنى «راكض» جاز إعماله، فتقول: أتيته ركضا فرسي، وإن فرعت على قول أبي علي في الإيضاح لم يجز إعماله؛ لأنه كان يكون كـ: «ضربت ضربا». قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام عن النوع الأول من المصدر شرع في ذكر النوع الثاني وهو الآتي بدلا من فعله، وهو الذي يمتنع أن يباشره عامل ظاهر، ويصلح في موضعه فعل عار من صرف مصدريّ وقد بين المصنف في باب المفعول المطلق مواقعه دون تعرّض لتعدّيه، وغرضه هنا بيان مواقعه متعدّيا لأن هذا إنما هو باب إعمال المصدر، فليذكر ما نسبه إلى كونه عاملا لا مطلقا، وقد وقع العامل أمرا، ودعاء، وتوبيخا مع استفهام، وتوبيخا دون استفهام، وخبرا مقصودا به الإنشاء، أو مقصودا به الوعد. إلا أنّ أكثر وقوعه أمرا كقول الشاعر: 2337 - يمرّون بالدهنا خفافا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر الحقائب على حين ألهي النّاس جلّ أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثّعالب (¬2) - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل من معلقة طرفة بن العبد، وهو في اللهو وشرب الخمر وهو هكذا كاملا: وما زال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي. اللغة: التشراب: الشرب وهو من المصادر. الطريف: الحديث وعكسه المتلد: وشاهده: عمل المصدر المراد به المبالغة. (¬2) البيتان من الطويل، أنشدهما سيبويه في الكتاب (1/ 116) ولم ينسبهما، وقال العيني (3/ 46): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في شرح الكافية: ويجوز أن يكون «زريق» منادى مضموما، وأن يكون فاعل «ندلا» (¬1). انتهى. وفي كونه فاعل «ندلا» نظر لا يخفى، ولا يقال بجعل «ندلا» أمرا لغائب فيكون مستندا إلى فاعل ظاهر، كأنّه قال: ليندل زريق المال؛ لأنّ الأخفش قال: في هذا الباب: وكلّ شيء كان في موضع الفعل، فلا يجوز أن تأمر به الغائب وكقول الآخر في الأمر أيضا: 2338 - هجرا المظهر الإخاء إذا لم ... يك في النّائبات جدّ معين (¬2) وأما الدّعاء فكقول الشّاعر: 2339 - يا قابل التّوب غفرانا مآثم قد ... أسلفتها أنا منها مشفق وجل (¬3) ومثله: 2340 - إعانة العبد الضّعيف على الّذي ... أمرت فميقات الجزاء قريب (¬4) - ¬

_ - (أقول: قائله هو الأحوص الأنصاري)، وهو في ديوان الأحوص (ص 215)، وقد ذكر العيني أيضا أنه لأعشى همذان يهجو لصوصا، كما في الحماسة البصرية (2/ 262)، وهو أيضا في ملحقات ديوان جرير (1012). اللغة: ندلا: خطفا، أو أخذا باليدين. وزريق - بالتصغير -: قبيلة في الأنصار، وأخرى في طيئ. والمعنى: يغتنمون شغل الناس عنهم، فيسرقونهم على أنهم لصوص، أو المراد: ينازعونهم في الكسب، بسبب اختلاف أهوائهم إذا كانوا تجارا. والشاهد في البيت قوله: «فندلا»؛ إذ هو مصدر واقع بدلا من اللفظ بفعله، الذي هو أمر، والتقدير: اندل ندلا. ينظر الشاهد أيضا في: الأشموني (2/ 285)، والخصائص (1/ 120)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 422). (¬1) ينظر: شرح الكافية (2/ 1025) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) البيت من الخفيف ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «هجرا المظهر الإخاء»؛ حيث إنّ «هجرا» مصدر بدل من اللفظ بفعله الذي هو أمر، وتقديره: اهجر، والمصدر إذا كان بدلا من اللفظ بفعله يعمل عمل الفعل؛ لأنه يقوم مقامه، فـ «المظهر» مفعول «هجرا». ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 984)، (¬3) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد في البيت: مجيء المصدر الكائن بدلا من اللفظ بفعله في الدّعاء، وهو «غفرانك» وهو يعمل عمل فعله، والتقدير: اغفر مآثم قد أسلفتها. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 984)، والأشموني (2/ 285). (¬4) البيت من الكامل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «إعانة العبد الضعيف»؛ حيث إن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما التوبيخ بعد همزة الاستفهام فكقول المرّار الأسدي: 2341 - أعلاقة أمّ الوليّد بعد ما ... أفنان رأسك كالثّغام المخلس (¬1) وكقول الآخر: 2342 - أبغيا وظلما من علمتم مسالما ... وذلّا وخوفا من يجاهركم حربا (¬2) وقول الآخر: 2343 - أبسطا بإضرار يمينا ومقولا ... ومدّعيا مجدا تليدا وسؤددا (¬3) وأما التوبيخ بغير استفهام فكقول القائل: 2344 - وفاقا بني الأهواء والغيّ والونى ... وغيرك معنيّ بكلّ جميل (¬4) - ¬

_ - «إعانة» مصدر نائب عن اللفظ بفعله في الدعاء، والتقدير: أعن العبد الضعيف، والعبد مفعول المصدر. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 984). (¬1) البيت من الكامل، وقائله المرار الأسدي، كما في الكتاب (1/ 116). اللغة: أفنان رأسك: خصل شعر رأسك، وأصل الفنن الغصن، والثغام: شجر إذا يبس ابيض، ويقال: هو نبت له نور أبيض، فشبه بياض الشيب في سواد الشعر، بياض النور في خضرة النبت، والمخلس: ما اختلط فيه السواد بالبياض، والعلاقة: أن يعلق الحب بالقلب، يصف كبره، وأن الشيب قد شمل رأسه فلا يليق به اللهو. والشاهد فيه: «أعلاقة أمّ الوليد» فـ «علاقة» مصدر بدل من اللفظ بفعله فعمل عمله، ونصب «أمّ الوليد» ووقع بعد استفهام بتوبيخ. ينظر الشاهد في: المقتضب (2/ 53)، وابن الشجري (2/ 242)، واللسان «علق»، والتذييل والتكميل (4/ 984). (¬2) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه قوله: «أبغيا وظلما من علمتم مسالما»؛ فقد وقع المصدر النائب عن فعله بعد الاستفهام التوبيخي. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، ومنهج السالك (ص 320)، والتذييل والتكميل (4/ 984). (¬3) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. والشاهد فيه: وقوع المصدر الكائن بدلا من اللفظ بفعله، وهو «بسطا» بعد الاستفهام التوبيخي، و «يمينا» مفعول «بسطا»؛ لأنه يعمل عمل فعله. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 985). (¬4) البيت من الطويل، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: في المصباح المنير مادة «وني»، (وني في الأمر ونيا، وونيا من باب تعب ووعد: ضعف وفتر) والشاهد في البيت وقوع «وفاقا» وهو مصدر بدلا من اللفظ بفعله، مع وقوعه توبيخا بغير استفهام، وجعله أبو حيان محتملا لأن يكون حذف منه حرف الاستفهام وهو الهمزة. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 985)، ومنهج السالك (ص 320).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الخبر المقصود به الإنشاء فكقول الشاعر: 2345 - حمدا الله ذا الجلال وشكرا ... وبدارا لأمره وانقيادا (¬1) وأمّا الخبر المقصود به الوعد فكقول الآخر: 2346 - قالت: نعم وبلوغا بغية ومنى ... فالصّادق الحبّ مبذول له الأمل (¬2) وبين النحاة خلاف؛ هل ينقاس هذا المصدر، أو لا. قال المصنف: أكثر المتأخرين يزعمون أنّ سيبويه يقصره على السماع، وليس له نصّ على ذلك، بل في كلامه ما يشعر بأنّ ما كان من هذه الأنواع - أمرا أو دعاء، أو توبيخا، أو إنشاء - مقيس (¬3). وأما الأخفش والفراء فعندهما أنّ هذه الأنواع مطردة صالحة للقياس على ما سمع منها، وبذلك أقول لكثرته في كلام العرب، ولما في ذلك من الاختصار والإيجاز (¬4). انتهى. ونقل الشيخ عن بعضهم أنه ينقاس في الأمر والاستفهام فقط فصارت المذاهب في ذلك ثلاثة: ينقاس مطلقا، ولا ينقاس مطلقا، ويفرق بين الأمر والاستفهام وغيرهما. قال الشيخ: وقد جاء المصدر خبرا صرفا عاريا مما ذكر، ومنه: 2347 - وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم ... يقولون: لا تهلك أسى وتجمّل (¬5) - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف. ولم ينسب لقائل معين. اللغة: بدارا: مصدر «بادر إليه» - من باب قاتل - أي: أسرع، كما في المصباح المنير «بدر». والشاهد في البيت: وقوع المصدر النائب عن فعل خبري، مقصود به الإنشاء، كقول المعترف هنا بالنعمة: «حمدا الله وشكرا». ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126) والتذييل والتكميل (4/ 985). (¬2) البيت من البسيط، ولم ينسب لقائل معين. اللغة: بغية - بكسر الباء وضمها -: الحاجة التي تبغيها، وقيل: بالكسر: الهيئة، وبالضم: الحاجة، ينظر: المصباح المنير بغية. والشاهد في البيت: وقوع المصدر النائب عن الفعل الخبري في الوعد، وذلك في قوله: «وبلوغا» و «بغية» مفعول بهذا المصدر. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 126)، والتذييل والتكميل (4/ 985). (¬3) ينظر: شرح المصنف (3/ 127). (¬4) المرجع السابق: الصفحة نفسها، وقد نقله الشيخ أبو حيان في: التذييل والتكميل (4/ 985). (¬5) البيت من الطويل وقائله امرؤ القيس، من معلقته، في ديوانه (ص 31) وهو أيضا في ديوان طرفة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديره: وقف وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم، ولا ينقاس مثل هذا؛ لقلّته. وأمّا قول الشّاعر: 2348 - عهدي بها الحيّ لم تخفف نعامتهم (¬1) فجعله المصنف من المنصوب المراد به الماضي، أي: عهدت، ويحتمل أن يكون مرفوعا، ويكون من باب: ضربي زيدا قائما، والجملة من قوله: «لم تخفف نعامتهم» في موضع الحال. انتهى (¬2). وأشار المصنف بقوله: عامله على الأصح البدل لا المبدل منه إلى أن النّحاة اختلفوا في العامل في المعمول الواقع بعد هذا المصدر، والأصحّ أنّ المصدر هو العامل، وهو مذهب سيبويه (¬3) والأخفش والفراء، والزّجاج، والفارسي (¬4). وقال المصنف (¬5): صرّح سيبويه رحمه الله بأنّ النصب بعد المصادر المذكورة بها أنفسها لا بالأفعال المضمرة، وذهب السيرافيّ إلى أنّ النصب بالأفعال المضمرة أي: الناصبة لذلك المصدر (¬6)، ووافقه على ذلك كثير من النحويين، وليس بصحيح - ¬

_ - ابن العبد (ص 19)، والقافية فيه: «تجلد». اللغة: الوقوف: جمع واقف كالشهور، الصحب: جمع صاحب، المطي: المراكب، لا تهلك أسى: أي من فرط الحزن، ويحمل بالصبر. والشاهد في البيت قوله: «وقوفا» فهو مصدر وقع خبرا عاريا من الدلالة على الأمر والدعاء، وغيره. ينظر الشاهد في: التذييل والتكميل (4/ 989). (¬1) هذا جزء بيت من البسيط، لم أهتد إلى قائله، ولم أعثر على تتمته. والشاهد فيه قوله: «عهدي بها الحي»؛ حيث جاء «عهدي» مصدرا نائبا عن فعله، وهو مصدر عار من الدلالة على الأمر والدعاء، وغيرهما، وهو المضي. ينظر الشاهد في: شرح المصنف (3/ 128)، والتذييل والتكميل (4/ 989). (¬2) أي انتهى النقل من التذييل والتكميل (4/ 989). (¬3) في الكتاب (1/ 391): (وكأن قولك: «حمدا» في موضع أحمد الله)، وفي الكتاب (1/ 116): (... «فندلا زريق المال ندل الثعالب» كأنه قال: اندل). ومن هذا يتضح أن مذهب سيبويه أن المصدر النائب نفسه هو الناصب للمفعول. (¬4) في معاني القرآن للزجاج (2/ 51): (وقال بعض النحويين: (إحسانا) منصوب على: وأحسنوا بالوالدين إحسانا، كما تقول: «ضربا زيدا»، المعنى: اضرب زيدا ضربا) اهـ. (¬5) شرح التسهيل مالك (3/ 128). (¬6) في شرح كتاب سيبويه للسيرافي (2/ 803، 804): (وأما قولك آمرا: «ضربا زيدا»، فكثير -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن نصوص سيبويه في الباب الذي ترجمته هذا الباب جرى في الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين، ومجرى الفعل، وممّا يجري مجرى «فاعل» من المصدر قوله: 2349 - يمرّون بالدّهنا ... وأنشد البيتين، وقال: فـ «ندلا» بدل «اندل»، ثم أنشد سيبويه (¬1): 2350 - أعلاقة ... البيت قال المصنف (¬2): فجعل «ندلا»، و «علاقة»، مساويين لـ: «ضرب بالسّيوف» [3/ 171] وكذلك ينبغي، بل إعمال «ندلا»، و «علاقة» وأشباهها أولى من إعمال «ضرب» وشبهه؛ لأنّ في: «ندلا»، و «علاقة» ما في «ضرب» من وجود أصالة الفعل، إلّا أنّ «ندلا»، و «علاقة» واقعان موقع فعلين محضين و «ضرب» واقع موقع حرف وفعل، ونسبة العمل إلى ما هو بمعنى العامل أولى من نسبته إلى ما هو بمعنى جزءين أحدهما: عامل، والآخر: غير عامل، ولا يمنع من ذلك كون الفعل لا يستغني عن تقدير عامليته، بالنسبة إلى نصب المصدر، كما لم يمنع على الأكثر نصب الظرف بعامل مقدّر، ورفع الظرف الضمير في نحو: زيد عندك، على أنّ ناصب الظّرف أحق أن ينسب العمل إليه، لكونه صالحا للإظهار، بخلاف عامل المصدر المشار إليه؛ فإنه غير صالح للإظهار، فقد صار نسيا منسيّا. انتهى. وقال ابن الضائع: الدليل على أنّ العامل في المنصوب بعد المصدر هو المصدر؛ إضافته إليه. انتهى. وذكر الشيخ: «رويدا» فقال: وقد جاء نوع من هذا المصدر النائب عن الفعل مصغّرا، وهو «رويد» في أحد استعمالاته فيعرب إذ ذاك، تقول: رويدا رويدا - ¬

_ - من النحويين يتسعون فيه فيقولون: العامل في «زيد» المصدر، والحقيقة في ذلك غير ما قالوه اتساعا، وإنما العامل في «زيد» الفعل الذي نصب المصدر، وتقديره: اضرب ضربا زيدا، فالعامل في «ضرب» وفي «زيد» جميعا: الفعل، ولكن هذا المصدر صار بدلا من اللفظ بفعل الأمر، فاتسعوا أن يقولوا: إنه العامل في الاسم، لما كان خلفا فمن العامل) اهـ. (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 115، 116). (¬2) الكلام الآتي من شرح المصنف (3/ 129).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز إضافته إلى الفاعل، نحو: رويدك زيدا، أو إلى المفعول نحو: رويد زيد. انتهى (¬1). وفي كونه يضّاف إلى الفاعل نظر، والمثال الذي مثّل به وهو «رويدك زيدا» لا تتعين المصدرية فيه لـ «رويد» بل «رويد» فيه اسم فعل والكاف حرف خطاب اتصلت به كما يتصل بحيّهل والنجاء اسمي فعل. ثم قال الشيخ: واختلفوا في النّصب به، فذهب المبرد إلى أنه لا يجوز؛ لأنّ تصغيره يمنع من ذلك كما منع اسم الفاعل من العمل؛ لأنّ التصغير من خواصّ الأسماء فالنصب بعده إنما يكون بالفعل الناصب «رويدا» (¬2). وذهب غيره إلى جواز النصب به، واختلفوا في السبب الذي عمل لأجله، وهو مصغر ولم يعمل اسم الفاعل المصغر، فذهب الفارسيّ إلى أنّه إنما عمل وهو مصغر حملا على «رويد» اسم فعل للمشابهة اللفظية، وهذا يقتضي أنّ أبا علي يمنع من إعمال المصدر الموضوع موضع الفعل المصغّر فيما عدا «رويدا». وزعم ابن طاهر، وابن خروف أنّ السبب في جواز إعماله أنّ عمله ليس بالشّبه كاسم الفاعل، وإنما عمل لوضعه موضع الفعل، فلا يقدح التصغير في إعماله، وقال بعض أصحابنا: وهذا هو الصحيح عندي، وسواء في ذلك «رويد»، وغيره من المصادر المصغرة الموضوعة موضع الفعل. انتهى (¬3). واعلم أنّ المبرد كالسيرافي، يرى أنّ النصب بعد هذا النوع من المصدر إنما هو للفعل العامل في المصدر، وقد نقله الشيخ عنه. أو إذا كان كذلك فلا يناسب أن يقال: إنّ النصب بعد «رويد» ليس بها، وإنما هو بالفعل العامل فيها، وإنّ العلة المانعة عنده من العمل إنما هي التصغير؛ لأنّ المبرد لا يعمل غير «رويد» من المصادر الموضوعة موضع الفعل، حتى يلزمه إعمال - ¬

_ (¬1) أي: انتهى ما ذكره الشيخ في التذييل والتكميل (4/ 990). وفي شرح الأشموني (2/ 202): (فأما «رويدا زيدا» فأصله: أرود زيدا إروادا، بمعنى: أمهله إمهالا، ثم صغروا الإرواد تصغير الترخيم، وأقاموه مقام فعله، واستعملوه تارة مضافا إلى مفعوله، فقالوا: رويد زيد، وتارة منونا ناصبا للمفعول فقالوا: رويدا زيدا، ثم إنهم نقلوه وسموا به فعله، فقالوا: رويد زيدا، والدليل على أنه اسم فعل كونه مبنيّا) اهـ. (¬2) في المقتضب للمبرد (3/ 277): «إذا قلت: رويدك زيدا، إنما تريد: أورد زيدا، والكاف للمخاطبة، ألا ترى أنها لو كانت اسم الفاعل كان خطأ» انتهى موجزا. (¬3) أي: انتهى كلام الشيخ أبي حيان في التذييل والتكميل (4/ 990، 991).

[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له]

[المصدر الكائن بدلا من الفعل وأحكام أخرى له] قال ابن مالك: (والأصحّ أيضا مساواة هذا المصدر اسم الفاعل في تحمّل الضّمير، وجواز تقديم المنصوب به، والمجرور بحرف يتعلّق به). ـــــــــــــــــــــــــــــ «رويد» ثم يحتجّ بتصغيره على عدم إعماله، وأما قول ابن طاهر، وابن خروف: إنّ التصغير لا يقدح في الإعمال، فغير ظاهر. قال ناظر الجيش: لم تثبت هذه الزيادة في شرح المصنف ولذا لم يشرحها إلّا أنّه قال في شرح الكافية: وممّا يجوز في هذا النوع - أي: الآتي بدلا من اللفظ بالفعل - ولا يجوز في النوع الأول - أي: المنحل إلى حرف مصدريّ والفعل استتار ضمير مرفوع به (¬1)، وقال أيضا في الشرح المذكور: ويعمل مقدما ومؤخرا؛ لأنه ليس بمنزلة موصول، ولا معموله بمنزلة صلة فيقال: ضربا رأسه، ورأسه ضربا (¬2). انتهى. وفي قوله هنا في متن الكتاب: والأصحّ إشعار بأنّ في ذلك خلافا بين النحاة، وذكر الشيخ (¬3) أنّ الاختلاف في تقديم المنصوب على المصدر مبنيّ على الاختلاف في العامل في المعمول الواقع بعد المصدر ما هو؟ فمن رأى أنّ النصب بالفعل المقدّر الناصب للمصدر؛ أجاز التقديم، ومن جعل العمل للمصدر اختلفوا: هل يجوز التقديم؟ ونقل عن الأخفش الجواز والمنع، وهو ممن يرى أنّ العمل للمصدر لا للفعل كما تقدم. وقال الشيخ أيضا - في ارتشاف الضّرب له -: ومن جعل «ضربا زيدا» منصوبا بالتزام «ضرب» مضمره فـ «ضربا» ينحلّ بحرف مصدريّ، والفعل؛ فلا يجوز تقديم معموله عليه وقال: ومن جعل العمل في المفعول للمصدر اختلفوا: هل يتحمل المصدر ضميرا أو لا يتحمل؟ (¬4). * * * ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الكافية (2/ 1024) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) ينظر: المرجع السابق، الصفحة نفسها. (¬3) ذكر الشيخ هذا في التذييل والتكميل (4/ 987). (¬4) ارتشاف الضرب لأبي حيان (3/ 172).

الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجر]

الباب التاسع والثلاثون [باب حروف الجرّ] (¬1) [تعريفها - سبب عملها - تقسيمها] قال ابن مالك: (باب حروف الجرّ سوى المستثنى بها). قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على المرفوعات والمنصوبات شرع في الكلام على المجرورات. ومعلوم أن الجر إما بحرف وإما بإضافة (¬2)، وها هو يذكر البابين. وإنما قدم الكلام على المجرور بالحروف؛ لأن الجر بالحرف هو الأصل؛ لأن الحرف يستحق العمل فيما اختص به، وأما الجر بالإضافة فإنه لما كان على معنى حرف وهو «من» أو «اللام» (¬3) صار الجر كأنه بذلك الحرف، وإن كان عامله هو الاسم المضاف. ثم قبل الشروع في مسائل الباب لا بد من التعرض إلى ذكر أمور تتعلق بما يذكر فيه: منها: أن المقصود من وضع هذه الحروف إنما هو إيصال معاني الأفعال بها إلى الأسماء ومن ثم يسميها بعضهم (¬4) حروف الإضافة. ولذلك قيل (¬5) في حدها: هي ما وضع للإفضاء بفعل أو معناه إلى ما يليه. فمثال الإفضاء بفعل: مررت بزيد. ولا شك أن شبيه الفعل حكمه حكم الفعل، نحو: أنا مارّ بزيد، ومروري بزيد حسن، ومثال الإفضاء بمعنى الفعل: زيد في الدار، وهذا في الدار أبوك؛ فالعامل في المثال الأول معنى الاستقرار المستفاد من قولك: «في الدار» وفي المثال الثاني ما في هذا من معنى الإشارة. - ¬

_ (¬1) انظر في هذا الباب: الأشموني (2/ 203 - 236)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 130) وأوضح المسالك (3/ 81)، والتصريح (2/ 2 - 23)، والرضي (2/ 319 - 345)، وشرح اللمع (141 - 177)، وشرح المفصل (8/ 7 - 54)، والكتاب (1/ 59، 67، 68، 92، 94، 269، 408، 409، 419، 420، 421، 427، 436، 437)، (2/ 90، 115، 124، 160، 349، 383، 384، 402)، (3/ 5: 7، 9، 21: 24، 79، 84، 111، 268، 412)، (4/ 217)، والكافية (86 - 96، 201، 207، 229 - 231)، والمقرب (1/ 193 - 208)، والهمع (2/ 19 - 40). (¬2) في الهمع (2/ 19): (لا ثالث لهما ومن زاد التبعية فهو رأي الأخفش مرجوح عند الجمهور ...). (¬3) على مذهب سيبويه وقد تكون بمعنى «في» إذا كان المضاف إليه ظرفا للمضاف نحو: مكر الليل، وراجع المصادر السابقة. (¬4) هم الكوفيون. انظر: الصبان (2/ 203)، والهمع (2/ 19). (¬5) ينظر: سر الصناعة (1/ 140)، والسيرافي (2/ 141 / ب)، والمفصل (8/ 7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن هذه الحروف إنما عملت لاختصاصها بما هي عاملة فيه والقاعدة المعروفة أن الحرف إذا اختص بأحد النوعين - أعني الاسم والفعل - ساغ له أن يعمل في ذلك النوع. فعلى هذا إنما تستحق هذه الحروف من العمل الجر، وإذا كان كذلك فلا يحتاج إلى الاعتذار عن عدم عملها الرفع أو النصب، لكنهم اعتذروا عن ذلك بأن قالوا: لم نعمل الرفع؛ لاستئثار العمدة به، ولا النصب؛ لإيهام إهمال الحرف. ومنها: أن عدة الحروف التي ذكرها المصنف عشرون حرفا وهي: من، وإلى، واللام، وكي، والتاء في القسم، والباء، وفي، وعن، وعلى، وحتى، والكاف، ومذ، ومنذ، ورب، ولولا، ولعل، وحتى؛ فهذه سبعة عشر، وذكر في باب المستثنى ثلاثة وهي: خلا وعدا وحاشا، ونقصه من الحروف (¬1) الواو؛ فإنها حرف تجريد لكنها لا تستعمل إلا في القسم، وقد ذكر في الخلاصة، والعجب أنه لم يذكرها في باب القسم (¬2) من هذا الكتاب أيضا إلا أن الجر بـ «لعل ومتى» ينسب إلى بعض اللغات، ولا شك أنه في غاية القلة كما سيأتي الكلام على ذلك. وذكر ابن عصفور (¬3) في حروف الجر أربع كلمات يجر بها في القسم خاصة وهي الميم المضمومة والمكسورة وهمزة الاستفهام وهاء التنبيه وقطع ألف الوصل، وذكر أيضا واو «ربّ» وفاءها و «بل» النائبة مناب «ربّ»، وتعرّض (¬4) إلى ذكر الخلاف في بعضها، ولم يتعرض المصنف إلى ذكر شيء من ذلك؛ لأن الميم عنده ليست حرفا مستقلّا إنما هي بعض «أيمن». وأما الجر بعد هاء التنبيه وألف الوصل المقطوعة؛ فإنما هو بحرف قسم محذوف كما ستعرف ذلك في باب القسم إن شاء الله تعالى. وأما الجر بعد الواو والفاء وبل؛ فإنما هو بـ «ربّ» محذوفة. ومنها: أن من هذه الحروف ما يختص بجر المضمر وهو «لولا»، ومنها ما يختص بجر الأسماء الظاهرة وهو سبعة: الواو والكاف وحتى ومذ ومنذ وربّ - ¬

_ (¬1) قال في الألفية: هاك حروف الجر وهي من وإلى ... حتى خلا حاشا عدا في عن على مذ منذ ربّ اللام كي واو وتا ... والكاف والباء ولعل ومتى وهما البيتان الأول والثاني في حروف الجر (¬2) سيأتي باب القسم بعد هذا الباب. (¬3) في المقرب (1/ 193، 207). (¬4) المقرب (1/ 193، 207).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتاء، لكن الثلاثة الأول لا تختص بظاهر دون ظاهر، و «مذ ومنذ» يختصان بأسماء الزمان، و «ربّ» تختص بالنكرات، والتاء تختص بالله تعالى وربّ مضافا إلى الكعبة أو لياء المتكلم، وقد تجر الكاف الضمير في الضرورة وكذلك «حتى» أيضا، وأما «ربّ» فتجر ضمير الغيبة في السعة. وقد علمت أن ابن عصفور ذكر حروفا زائدة على ما ذكره المصنف وذكر تقسيما شاملا فأنا أورده: وهو أن: هذه الحروف تنقسم - بالنظر إلى ما تجره - ثلاثة أقسام: قسم لا يجر إلا المضمر وهو «لولا»، وقسم لا يجر إلا الظاهر وهو: هاء التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل و «من» في القسم والميم المكسورة والمضمومة في القسم أيضا وواو «ربّ» وفاؤها ومذ ومنذ [3/ 172] وكاف التشبيه وحتى، وقسم يجر الظاهر والمضمر وهو ما عدا ذلك، والحروف التي تجر الظاهر وحده أو مع المضمر منها ما يجر بعض الظواهر دون بعض وهو: لام القسم والميم المكسورة والمضمومة، وهاء التنبيه وهمزة الاستفهام وقطع ألف الوصل لا تجر إلا اسم الله تعالى في القسم، وتاء القسم لا تجر إلا اسم الله تعالى أو الرب، و «من» في القسم لا تجر إلا الرب، «وربّ» وفاؤها وواوها لا تجر من الظاهر إلا النكرات و «مذ ومنذ» لا تجرّان إلا أسماء الزمان، ومنها ما يجر كل ظاهر وهو ما عدا ذلك (¬1). هذا كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى. ومنها: أن من الحروف المذكورة ما يستعمل اسما، ومنها ما يستعمل فعلا. فالذي استعمل حرفا واسما خمسة وهي: عن وعلى والكاف ومذ ومنذ، والذي استعمل حرفا وفعلا ثلاثة وهي: خلا وعدا وحاشا؛ فالأقسام على هذا ثلاثة: ما يستعمل حرفا واسما، وما يستعمل حرفا وفعلا، وما هو مستمر الحرفية لا يستعمل غير حرف. وذكر ابن عصفور قسما رابعا وهو ما يستعمل اسما وفعلا وحرفا قال: وهو على (¬2)؛ فأخرجها من قسم ما يستعمل حرفا واسما وجعلها قسما برأسها. وقد رد المحققون ذلك: بأنه إنما قصد إلى هذا التقسيم باعتبار المحافظة على اللفظ والمعنى الأصلي، ولو لم يكن الأمر كذلك؛ لكان يلزم عد اللام حرفا وفعلا في قولك: لـ زيدا إذ لفظها لفظ قولك: لزيد، وكذلك «من» لأنه أمر من «مان يمين» ولكانت «إلى» تعد حرفا واسما في قولك: إلى زيد بمعنى: نعمة زيد، ولكنهم اعتبروا اللفظ - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 473) وما بعدها تحقيق صاحب أبو جناح. (¬2) شرح الجمل له (1/ 476 - 481).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى الأصلي معا؛ فلم يعدوا اللام؛ لخروجها عن معناها الأصلي، ولأن لفظها في الأصل مخالف للفظها في الحرف، وكذلك «من»، وكذلك «إلى». ألا ترى أن «إلى» التي هي النعمة أصل ألفها ياء، «وإلى» التي هي حرف لا أصل لألفها، وكذلك ألف «على» التي هي فعل أصلها واو، والتي في الاسم والحرف لا أصل لها. وقد عورض هذا التقرير: بأنه يلزم منه أن لا يعد خلا وعدا وحاشا؛ لأن ألفاتها إذا كانت أفعالا منقلبة وإذا كانت حروفا غير منقلبة، وقد جعل ذلك مانعا في «على» فليكن مانعا في هذه الثلاثة أيضا. وأجيب عن ذلك: بأنا لم نعد «حاشا» من مثل قولك: حاشيته، ولا «عدا» من قولك: عدوته، ولا «خلا» من قولك: خلوته، وإنما عددنا خلا وعدا وحاشا الواقعة في الاستثناء؛ فإنها لا تتصرف ولما لم تتصرف تصرف الأفعال أشبهت الحروف فلم يجعل لألفها أصل كما أن الاسم إذا أشبه الحرف لا يكون لألفه أصل انقلبت عنه؛ بل هي أصل بنفسها كما هو مقرر عند أهل هذه الصناعة. ومنها: أن هذه الحروف لا بد لها مما تتعلق به إما ظاهرا وإما مقدرا كما هو مقرر في علم العربية، ويستثنى من ذلك الحروف الزوائد فلا تتعلق بشيء نحو: بحسبك درهم، وهل من أحد قائم؛ لأن الزائد لم يجتلب لمعنى مقصود ولم يكن محتاجا إليه في ذلك التركيب الذي هو فيه فكيف يتصور تعلقه بشيء، و «لولا» إذا جرّ بها حكمها حكم الحرف الزائد في ما ذكر، وكذا «لعل» (¬1) أيضا إذا جرّ بها لا تتعلق بشيء، وسيشار إلى بيان ذلك عند الكلام عليها إن شاء الله تعالى. وذكر ابن عصفور (¬2) أن الكاف في نحو: جاءني الذي كزيد لا تتعلق بشيء ظاهر، إذ ليس في اللفظ ما يمكن أن يعمل فيه ولا بمضمر؛ إذ لا يحذف ما يعمل في المجرور (إذا وقع صلة) إلا ما يناسب الحرف قال: لا تتعلق بشيء نحو: جاءني الذي في الدار تريد الذي استقر في الدار؛ لأن «في» للوعاء، والاستقرار مناسب للوعاء ولو قلت: جاءني الذي في الدار تريد: ضحك في الدار، أو أكل في الدار؛ لم يجز لأنه ليس في الكلام ما يدل على ذلك فلا يمكن أن يكون المحذوف مع الكاف - ¬

_ (¬1) ويضاف إلى هذه الثلاثة: ربّ وكاف التشبيه عند الأخفش وابن عصفور، وخلا وعدا وحاشا إذا خفضن. (¬2) شرح الجمل له (1/ 482) وما بعدها.

[من الجارة: معانيها، وأحكامها]

[من الجارة: معانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (فمنها «من» وقد يقال: منا وهي لابتداء الغاية مطلقا على الأصحّ وللتّبعيض ولبيان الجنس وللتّعليل وللبدل وللمجاوزة وللانتهاء وللاستعلاء وللفصل ولموافقة الباء ولموافقة في. وتزاد لتنصيص العموم أو لمجرّد التّوكيد بعد نفي أو شبهه جارّة نكرة مبتدأ أو فاعلا أو مفعولا به ولا يمتنع تعريفه ولا خلوّه من نفي أو شبهه وفاقا للأخفش وربّما دخلت على حال. وتنفرد «من» بجرّ ظروف لا تتصرّف كـ: قبل وبعد وعند ولدى ولدن ومع وعن وعلى اسمين، وتختصّ مكسورة الميم ومضمومتها في القسم بـ «الرّبّ» والتّاء واللّام بـ «الله» وشذّ فيه: من الله وتربّي). ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا ما يناسبها وهو التشبيه وأنت لو قلت: جاءني الذي أشبه كزيد؛ لم يجز لأن «أشبه» لا يتعدى بالكاف بل يتعدى بنفسه (¬1). انتهى. أما قوله: لا يحذف ما يعمل في المجرور إلا ما إلى آخره؛ فكلام عجيب. ولو كان الأمر كما قال لامتنع أن يقول القائل: جاءني الرجل الذي من بني فلان؛ فإن الاستقرار هو المقدر وليست «من» للوعاء وكذا كان يمتنع قولنا: المال لزيد؛ لأن معنى اللام ليس معنى الاستقرار وقوله: لا يقدر إلا ما يناسب الحرف ممنوع إنما الواجب أن المقدر لا ينافي معنى الحرف ولا شك أن لا منافاة بين الاستقرار ومعنى الكاف، والذي يظهر أن يقال: إن الكون العام يصح تقديره مع كل حرف؛ إذ لا منافاة بين الكون العام وبين شيء؛ لأن كل معنى لا بد أن يكون له كون ما. وهذا هو المراد بالكون العام ومن ثم يعبر عنه بالحصول والوجود ونحو ذلك. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): حكى الفرّاء (¬3) أن بعض العرب يقول في من: منا، وزعم أنه الأصل وخففت لكثرة الاستعمال بحذف الألف وتسكين النون، ومجيء «من» لابتداء الغاية في المكان مجمع عليه كقوله تعالى: مِنَ الْمَسْجِدِ - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 483) وما بعدها. (¬2) شرح التسهيل (3/ 130) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬3) انظر: معاني القرآن له (1/ 384)، وانظر: التذييل (4/ 1)، والهمع (2/ 34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى (¬1) ومجيئها لابتداء الغاية في الزمان مختلف فيه فبعض النحويين منعه، وبعض أجازه. وقول من أجاز ذلك هو الصحيح الموافق لاستعمال العرب، وفي كلام سيبويه تصريح بجوازه، وتصريح بمنعه. فأما التصريح بجوازه فقوله في باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف ومن ذلك قول العرب: 2351 - من لد شولا فإلى إتلائها (¬2) نصب؛ لأنه أراد زمانا والشول لا يكون زمانا ولا مكانا [3/ 173] فيجوز فيه الجر كقولك: من لد شولا شيء يحسن أن يكون زمانا إذا عمل في الشول [ولم يحسن إلا ذا كما لم يحسن ابتداء الأسماء بعد إن حتى أضمرت ما يحسن أن يكون عاملا في الأسماء فكذلك هذا] (¬3) كأنك قلت: من لد أن كانت شولا فإلى إتلائها (¬4). هذا نصه في هذا الباب وفيه تصريح بمجيء «من» لابتداء غاية الزمان ولابتداء غاية المكان. وقال في باب عدة ما يكون عليه الكلم: وأما «من» فتكون لابتداء الغاية في الأماكن (¬5) ثم قال: وأما «من» فتكون لابتداء الغاية في الأيام كما كانت «من» فيما ذكرت لك ولا تدخل واحدة منهما على صاحبتها. فظاهر هذا الكلام منع استعمال «من» في الزمان ومنع استعمال «من» في المكان. فأما منع استعمال «من» في المكان فمجمع عليه، وأما استعمال «من» في الزمان فمنعه غير صحيح بل الصحيح جوازه لثبوت ذلك في القرآن العزيز، والأحاديث الصحيحة، والأشعار الفصيحة، فالذى في القرآن قوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ (¬6)، وقال الأخفش في المعاني: قال بعض العرب: من الآن إلى غد (¬7)، وأما الأحاديث فمنها قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثلكم ومثل اليهود والنّصارى كمثل رجل استعمل عمّالا فقال: - ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 1. (¬2) البيت من الرجز المشطور، والشول: جمع شائلة - على غير قياس - وهي النوق التي خف لبنها وارتفع ضرعها، أي: من كونها شولا إلى زمن كونها متلوة بأولادها. وانظر: التصريح (1/ 194)، والخزانة (2/ 84)، والكتاب (1/ 134)، والهمع (1/ 122) وابن يعيش (4/ 101)، (8/ 35). (¬3) ما بين المعقوفين من الكتاب (1/ 265). (¬4) الكتاب (1/ 264، 265). (¬5) الكتاب (4/ 224). (¬6) سورة التوبة: 108. (¬7) المعاني (1/ 6) وانظر الأشموني (2/ 212) والتصريح (2/ 8).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط، فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، فعملت النصارى من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين. ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، ألا لكم الأجر مرتين» فقد استعملت «من» في هذا الحديث لابتداء غاية الزمان أربع مرات ومن الأحاديث الدالة على ذلك قول من روى حديث الاستسقاء: «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة» (¬1) وقول عائشة رضي الله عنهما «فجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يجلس عندي من يوم قيل فيّ ما قيل» (¬2) وقول أنس رضي الله عنه (¬3): «فلم أزل أحبّ الدّبّا [ء] من يومئذ» (¬4). وهذه الأحاديث كلها في صحيح البخاري (¬5) رحمه الله تعالى. وفي جامع المساند أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة رضي الله عنها: «هذا أول طعام أكله أبوك من ثلاثة أيّام» (¬6)، وأما الأشعار فمنها قول النابغة الذبياني (¬7): 2352 - ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب 2353 - تخيّرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جرّبن كلّ التّجارب (¬8) ومنها قول جبل بن حوال: - ¬

_ (¬1) صحيح البخاري: كتاب الإجارة (37)، باب الإجارة إلى صلاة العصر (9) وشواهد التوضيح (129). (¬2) البخاري: كتاب الشهادات (52) وشواهد التوضيح (ص 131). (¬3) أنس بن مالك الأنصاري صاحب رسول الله وخادمه روى عنه البخاري ومسلم (2286) حديثا (ت 93 هـ) بالبصرة راجع تهذيب ابن عساكر (3/ 139) وصفة الصفوة (1/ 298). (¬4) البخاري: أطعمة (25، 35) بيوع (30) نكاح (51) وشواهد التوضيح (ص 131). (¬5) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة حبر الإسلام صاحب الجامع الصحيح «صحيح البخاري» (ت: 256 هـ). راجع تذكرة الحفاظ (2/ 122) وطبقات الحنابلة (1/ 271 - 279). (¬6) مسند ابن حنبل (5/ 175). (¬7) زياد بن معاوية شاعر جاهلي من الطبقة الأولى (ت نحو: 118 ق. هـ) راجع الأعلام (3/ 92). (¬8) من الطويل ديوانه (ص 6)، وانظر الأشموني (2/ 211)، والتصريح (2/ 8)، والدرر (1/ 195)، والمغني (/ 114)، والهمع (1/ 232). والشاهد في: «من أزمان»؛ حيث استعملت «من» لأبتداء غاية الزمان، ومثله ستة الأبيات الآتية بعده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2354 - وكلّ حسام أخلصته قيونه ... تخيرن من أزمان عاد وجرهم (¬1) ومنها قول الراجز: 2355 - تنتهض الرّعدة في ظهيري ... من لدن الظّهر إلى العصير (¬2) وقول الآخر: 2356 - إنّي زعيم يا نوي ... قة إن أمنت من الرّزاح ونجوت من عرض المنو ... ن من الغدو إلى الرّواح (¬3) ومنها قول بعض الطائيين: 2357 - من الآن قد أزمعت حلما فلن أرى ... أغازل خودا أو أذوق مداما (¬4) ومثله: 2358 - ألفت الهوى من حيث ألفيت يافعا ... إلى الآن منوا بواش وعاذل (¬5) ومثله: 2359 - ما زلت من يوم بنتم والها دنفا ... ذا لوعة عيش من يبلى بها عجب (¬6) وتكون أيضا لابتداء الغاية في غير مكان ولا زمان كقولك: قرأت من أول سورة البقرة إلى آخرها، وأعطيت الفقراء من درهم إلى دينار؛ ولذلك قلت: لابتداء الغاية مطلقا، ولم أقل: في الزمان والمكان، وأشار سيبويه إلى هذا فقال: وتقول إذا كتبت كتابا: من فلان إلى فلان؛ فهذه الأسماء سوى الأماكن بمنزلتها (¬7). هذا نصه. ومجيء «من» للتبعيض كثير؛ كقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وانظره في التذييل (4/ 1). (¬2) الرعدة: من الارتعاد، وظهيري: تصغير ظهر - راجع الأشموني (2/ 262)، والدرر (1/ 184)، (2/ 230)، والهمع (1/ 215)، (2/ 199). (¬3) الزعيم: الكفيل؛ الرزاح: الهزال، المنون: الموت من مجزوء الكامل للقاسم بن معن. وراجع: الأشموني (1/ 292)، والعيني (2/ 297)، وابن يعيش (7/ 9) هذا ورواية الأشموني: «العشي» بدل «الغدو» و «الصباح» بدل «الرواح». (¬4) من الطويل وانظره في التذييل (4/ 1). (¬5) من الطويل واستشهد به أبو حيان في التذييل (4/ 1). (¬6) البيت من البسيط وانظر المصدر السابق. (¬7) الكتاب (4/ 224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ (¬1)، وكقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (¬2)، وعلامتها جواز الاستغناء بـ «بعض» عنها كقراءة عبد الله (لن تنالوا البر حتى تنفقوا بعض ما تحبون) (¬3)، ومجيئها لبيان الجنس كقوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ (¬4)، وقوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (¬5)، ومجيئها للتعليل كقوله تعالى: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ (¬6)، و: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ (¬7)، ومنه قول عائشة رضي الله عنها: «فما أستطيع أن أقضيه إلّا في شعبان الشّغل من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم» (¬8)، وكقول الشاعر: 2360 - ومعتصم بالحيّ من خشية الرّدى ... سيردى وغار مشفق سيؤوب (¬9) والتي للبدل كقوله تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ (¬10) ووَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (¬11)، ومنه قول الشاعر: 2361 - أخذوا المخاض من الفصيل غلبّة ... ظلما ويكتب للأمير أفيلا (¬12) ومجيئها (¬13) للمجاوزة نحو: غدت منه، وأنفت منه، وبرئت منه، وشبعت، ورويت، ولهذا المعنى صاحبت «أفعل» التفضيل؛ فإن القائل: زيد أفضل من عمرو، كأنه قال: جاوز زيد عمرا في الفضل أو الانحطاط، وهذا أولى من أن - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 253. (¬2) سورة النور: 45. (¬3) سورة آل عمران: 92، وانظر: البحر المحيط (2/ 524). (¬4) سورة الكهف: 31. (¬5) سورة الرحمن: 14، 15. (¬6) سورة البقرة: 19. (¬7) سورة المائدة: 32. (¬8) البخاري: صوم (40) والترمذي: صوم (65) وابن حنبل (6/ 179) ومسلم: صيام (151، 175، 177). (¬9) سيأتي هذا البيت منسوبا إلى سليم القشيري وهو من الطويل وانظره في التذييل (4/ 3)، (6/ 173 / أ). (¬10) سورة التوبة: 38. (¬11) سورة الزخرف: 60. (¬12) من الكامل: المخاض: النوق الحوامل لا واحد لها من لفظها بل من معناها وهو خلفة. الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عنها الغلبّة: الغلبة الأفيل: صغير الإبل لأفوله أي غيبته بينها ونصبه بفعل محذوف وهو من الكامل للراعي. راجع الأشموني (2/ 212)، الجمهرة (ص 176)، ديوان الراعي (ص 142). والمغني (ص 320). (¬13) هذا كله كلام ابن مالك في: شرح التسهيل (3/ 134).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: إنها لابتداء الارتفاع في نحو: أفضل منه، أو الانحطاط في نحو: شر منه، كما زعم سيبويه (¬1)؛ إذ لو كان الابتداء [3/ 174] مقصودا لجاز أن يقع بعدها «إلى». وقد أشار سيبويه إلى أن ابتداء الغاية قد يقصد دون إرادة منتهى فقال: وتقول: ما رأيته مذ يومين؛ فجعلتها غاية، كما قلت: أخذته من ذلك المكان؛ فجعلته غاية ولم ترد منتهى (¬2). هذا نصه. والصحيح أن «من» في نحو: أخذته من ذلك المكان؛ للمجاوزة، إذ لو كان الابتداء مقصودا مع «أخذت» كما هو مقصود مع «حملت» في قولك: حملته من ذلك المكان؛ لصدق على استصحاب المأخوذ «أخذ» كما يصدق على استصحاب المحمول «حمل». وأما «مذ» في: ما رأيته مذ يومين، ونحوه؛ فقد جعلها بعضهم بمعنى «في»، وليس كذلك؛ لأن المراد بـ: ما رأيته مذ يومين، ونحوه؛ نفي الرؤية في مدة أتيت في آخرها، والابتداء والانتهاء مقصودان واليومان معينان، ولو جيء بـ «فى» مكان «من» لم يفهم تعين ولا ابتداء ولا انتهاء، وقد تقع «من» موقع «مذ» في مثل هذا كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم لفاطمة رضي الله تعالى عنها: «هذا أوّل طعام أكله أبوك من ثلاثة أيّام»، فلو كان المجرور بـ «مذ»، أو «منذ» حاضرا غير مثنى ولا مجموع؛ صح قصد معنى «في»، كقوله عليه الصلاة والسّلام للملكين عليهما السّلام: «طوّفتماني منذ اللّيلة» (¬3). وأشار سيبويه إلى أن «من» الزائدة قصد بها التبعيض؛ لأنه قال - بعد تمثيله بـ: ما أتاني من رجل -: أدخلت «من»؛ لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأت بعض الرجال (¬4)، هكذا قال. يريد أن «من» دلت على شمول الجنس فلكل بعض منه قسط من المنسوب إلى جميعها؛ فالتبعيض على هذا التقدير مقصود. وهذا غير مرض؛ لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظ العموم للتبعيض، وإنما المقصود بزيادة «من» في نحو: ما أتاني من رجل؛ جعل المجرور بها نصّا في العموم، وإنما تكون للتبعيض إذا لم يقصد عموم، وحسن في موضعها «بعض» نحو: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (¬5)، ومِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ (¬6)، - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 225، 227). (¬2) الكتاب (4/ 226). (¬3) البخاري: جنائز (93) وابن حنبل (5/ 14). (¬4) الكتاب (4/ 225). (¬5) سورة البقرة: 8. (¬6) سورة آل عمران: 110.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ (¬1). وقد صرح بهذا المعنى فقال: وتكون للتبعيض نحو: هذا منهم، كأنك قلت: بعضهم (¬2)، وأشار أيضا إلى قصد التبعيض بالمصاحبة «أفعل» التفضيل فقال: «هو أفضل من زيد؛ فضّله على بعض ولم يعم (¬3). ويبطل كون هذه للتبعيض أمران: أحدهما: عدم صلاحية «بعض» في موضعها. والثاني: صلاحية كون المجرور بها عاما كقولنا: الله أعظم من كل عظيم، وأرحم من كل رحيم، وإذا بطل كون المصاحبة «أفعل» التفضيل لابتداء الغاية وللتبعيض؛ تعين كونها لمعنى المجاوزة كما سبق. ومجيء «من» للانتهاء كقولك: قربت منه؛ فإنه لقولك: تقربت إليه، وقد أشار سيبويه إلى أن من معاني «من» الانتهاء فقال: وتقول: رأيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حين أردت الابتداء. قال ابن السراج رحمه الله تعالى: وحقيقة هذه المسألة أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي؛ فـ «من» لك، وإذا قلت: رأيت الهلال من خلل السحاب فـ «من» للهلال، والهلال غاية لرؤيتك؛ فلذلك جعل سيبويه «من» غاية في قولك: رأيته من ذلك الموضع (¬4) وقد جاءت «من» بمعنى «على» في قوله تعالى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا (¬5) أي: على القوم، كذلك قال أبو الحسن الأخفش (¬6)، وإليه أشرت بذكر الاستعلاء في معاني «من» وأشرت بذكر الفصل إلى دخولها على ثاني المتضادين نحو: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (¬7)، وحَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (¬8)، ومنه قول الشاعر: 2362 - ولم تره قابلا للجميل ... ولا عرف العزّ من ذلّه فسمه الهوان فإنّ الهوان ... دواء لذي الجهل من جهله (¬9) - ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 32. (¬2) الكتاب (4/ 225). (¬3) الكتاب (4/ 225). (¬4) الأصول له (1/ 500). (¬5) سورة الأنبياء: 77. (¬6) راجع الارتشاف (2/ 443) تحقيق د/ النماس، والبحر المحيط (6/ 330)، والتبيان (2/ 923)، والتصريح (2/ 10). (¬7) سورة البقرة: 220. (¬8) سورة آل عمران: 179. (¬9) الأبيات - بغير نسبة - في التذييل (4/ 5).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشرت بموافقة الباء إلى قوله تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (¬1) أي: بطرف خفي، قال الأخفش (¬2): قال يونس: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ أي: بطرف، كما تقول العرب: ضربته من السيف، أي: بالسيف. وأشرت بموافقة «في» إلى نحو: قول عدي بن زيد (¬3): 2363 - عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من اليوم سؤلا أن ييسّر في غد (¬4) وتزاد «من» لتنصيص العموم كقولك: ما في الدار من رجل؛ فـ «من» زائدة؛ لأن الكلام يصح بدونها إذا قلت: ما فيها رجل، لكن «ما فيها من رجل» لا محتمل له غير العموم؛ ولذلك خطئ من قال: ما فيها من رجل بل اثنان، و «ما فيها رجل» محتمل لنفي الجنس على سبيل العموم، ولنفي الواحد دون ما فوقه، ولذلك يجوز أن يقال: ما فيها رجل بل اثنان، فلو كان المجرور بـ «من» هذه «أحد» أو «ديار» أو غيرهما من الأسماء المقصورة على العموم؛ لكانت مزيدة لمجرد التوكيد، فقولك: ما أحد و: ما فيها من أحد؛ سيان في إفهام العموم دون احتمال، ولا يكون المجرور بها عند سيبويه (¬5) إلا نكرة بعد نفي، أو نهي، أو استفهام، نحو: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (¬6)، وإلى النهي والاستفهام أشرت بذكر شبه النفي. وأجاز أبو الحسن الأخفش (¬7) وقوعها في الإيجاب وجرّها المعرفة، وبقوله أقول؛ لثبوت السماع بذلك نثرا ونظما. فمن النثر قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ (¬8)، وقوله تعالى: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (¬9)، وقوله تعالى: وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (¬10)، وقوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ * (¬11)، وقول عائشة رضي الله عنها: «إنّ رسول الله [3/ 175] صلّى الله عليه وسلّم كان - ¬

_ (¬1) سورة الشورى: 45. (¬2) معاني القرآن (1/ 317)، وانظر التصريح (2/ 10). (¬3) شاعر جاهلي فصيح من أهل الحيرة سجنه النعمان وقتله في سجنه بالحيرة (ت: 35 ق. هـ). (¬4) من الطويل وهو بنسبته في الارتشاف (2/ 443)، والتذييل (4/ 5). (¬5) الكتاب (4/ 225). (¬6) سورة فاطر: 3. (¬7) في المعاني له (1/ 479) وانظر: البحر (4/ 113)، والمغني (ص 324)، والهمع (1/ 225)، (2/ 35). (¬8) سورة الكهف: 31. (¬9) سورة البقرة: 271. (¬10) سورة الأحقاف: 31. (¬11) سورة البقرة: 25، 266 وغيرها من سور القرآن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يصلّي جالسا فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته نحو من كذا» (¬1) أخرجه البخاري، وضبط بخط من يعتمد عليه بنصب «نحوا» على زيادة «من» وجعل «قراءته» فاعلا ناصبا «نحوا» والأصل: فإذا بقي قراءته نحوا من كذا، ومن النظم المتضمن زيادة «من» في الإيجاب قول عمر بن أبي ربيعة (¬2): 2364 - وينمي لها حبّها عندنا ... فما قال من كاشح لم يضرّ (¬3) أراد: فما قال كاشح لم يضر، ومنه قول جرير: 2365 - لمّا بلغت إمام العدل قلت له ... قد كان من طول إدلاج وتهجير (¬4) أراد قد كان طول إدلاج وتهجير، ومنه قول الآخر: 2366 - وكنت أرى كالموت من بين ساعة ... فكيف ببين كان موعده الحشر (¬5) أراد: وكنت أرى بين ساعة كالموت، ومثله قول الآخر: 2367 - يظلّ به الحرباء يمثل قائما ... ويكثر فيه من حنين الأباعر (¬6) أراد: ويكثر فيه حنين الأباعر. وممن رأى زيادة «من» في الإيجاب الكسائي، وحمل على ذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» (¬7)؛ فقال: أراد: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون، وممن رأى ذلك أبو الفتح بن جني، وحمل عليه قراءة عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (¬8) وإذ أخذ الله ميثاق النبين لماء اتيتكم من كتب (¬9) تقديره عنده «لمن ما» بزيادة «من» - ¬

_ (¬1) البخاري: صلاة: (18)، أذان (51)، والموطأ: جماعة (17) والنسائي: إمامة (40). (¬2) المخزومي أبو الخطاب أمير الغزليين مات غرقا سنة (93 هـ). الأعلام (5/ 211). (¬3) يضرّ: مضارع ضرّه، أو ضاره. من المتقارب وهو في ديوانه (ص 175). (¬4) من البسيط وهو في ديوانه (ص 195). (¬5) من الطويل قاله سلمة بن يزيد، وانظر: الدرر (2/ 35)، والعيني (3/ 273)، والهمع (2/ 35). (¬6) كسابقه بحرا ومصادر واستشهادا. (¬7) البخاري: لباس (89) ومسلم: اللباس والزينة (96)، والنسائي: الزينة (113). وانظر: التذييل (4/ 7)، والمغني (ص 325). (¬8) حافظ قارئ من أهل المدينة أول من برز في القرآن والسنن مات بالإسكندرية (117 هـ) وراجع تذكرة الحافظ (1/ 91)، ومرآة الجنان (1/ 350). (¬9) سورة آل عمران: 81، وانظر في القراءة: البحر المحيط (2/ 509)، والمغني (325).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الواجب فأدغم نونها في ميم «ما» فصارت «لمما» بثلاث ميمات فحذفت الأولى التي هي ميم «من» وبقيت «لمّا» بميمين، أو لأنها بدل من نون «من» والثانية ميم «ما». وأشرت بقولي: وربما دخلت على حال؛ إلى قراءة زيد بن ثابت (¬1)، وأبي الدرداء (¬2)، وأبي جعفر (¬3)، وزيد بن علي (¬4)، والحسن (¬5)، ومجاهد (¬6) ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ (¬7)، وإذا دخلت «من» على «قبل» و «بعد» و «لدن» فهي زائدة؛ لأن المعنى بثبوتها وسقوطها واحد، وإذا دخلت على «عند» و «لدى» و «مع» و «على» فهي لابتداء الغاية، و «عن» بعد دخول «من» بمعنى: جانب، و «على» بمعنى: فوق، قال جرير في «من عن»: 2368 - وإنّي لعف النفس مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض داري انتقاليا جريء الجنان لا أهال من الرّدى ... إذا ما جعلت السّيف من عن شماليا (¬8) وقال آخر: 2369 - ولقد أراني للرّماح درئية ... من عن يميني تارة وشمالي (¬9) وقال آخر في «من عليه»: - ¬

_ (¬1) ابن الضحاك الأنصاري، كاتب الوحي، له في الصحيحين (92) حديثا (ت: 45 هـ). انظر صفة الصفوة (1/ 294)، وغاية النهاية (1/ 296). (¬2) عويمر بن مالك الأنصاري صحابي (ت: 32 هـ) بالشام، وفي الحديث: «عويمر حكيم أمتي» راجع: حلية الأولياء (1/ 208)، وغاية النهاية (1/ 606). (¬3) يزيد بن القعقاع المخزومي أحد القراء العشرة (ت: 130 هـ) راجع اللطائف (1/ 97) والوفيات (2/ 278). (¬4) ابن الحسين بن علي الهاشمي، أفقه أهل زمانه (ت: 122 هـ) وانظر: الفرق بين الفرق (ص 25) ومقاتل الطالبيين (ص 127). (¬5) ابن يسار البصري إمام أهل البصرة (ت: 110 هـ) انظر: الحلية (2/ 131)، والميزان (1/ 254). (¬6) ابن جبر تابعي مفسر قرأ على ابن عباس (ت: 104 هـ) ومات وهو ساجد. راجع: اللطائف (1/ 123). (¬7) سورة الفرقان: 18. (¬8) البيتان من الطويل وفي ديوان جرير (ص 606)، وانظر التذييل (4/ 9). (¬9) من الكامل لقطري بن الفجاءة، وراجع: الأشموني (2/ 226)، والتصريح (2/ 19) والخزانة (4/ 258)، وشرح المفصل (8/ 40)، والكتاب (2/ 229)، والهمع (1/ 156) ويروى: «وأمامي» بدل «وشمالي».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2370 - غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها ... تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (¬1) فهذا ما تختص به «من»، وتختص أيضا «من» في القسم بـ «الرب» نحو: من ربي لأفعلن، ومن ربي إنك لأشر، وقد يقال: من ربي، بضم الميم ولا يجوز ذلك في غير قسم، وكاختصاص «من» في القسم بـ «الرب» اختصاص التاء فيه واللام بـ «الله» نحو: قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (¬2)، ولله لا يؤخر الأجل، وشذ دخول «من» على «الله» ودخول التاء على الرب؛ انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬3). وقد ذكر أن «من» غير الزائدة لمعان عدتها أحد عشر معنى. وهي: ابتداء الغاية، والتبعيض، وبيان الجنس، والتعليل، والبدل، والمجاوزة، والانتهاء، والاستعلاء، والفصل، وموافقة الباء، وموافقة «في». ولم يذكر ابن عصفور لمعاني غير الزائدة سوى التبعيض، وابتداء الغاية، والغاية، والتبيين (¬4) وأما الزمخشري؛ فإنه لم يذكر من معانيها سوى ابتداء (¬5) الغاية إلا أنه قال: «وكونها مبعضة ومبينة ومزيدة راجع إلى هذا (¬6)؛ يعني إلى ابتداء الغاية. وبعد: فيتعين التعرض إلى ذكر المعاني التي أشار إليها المصنف معنى معنى، ولنورد ذلك في مباحث: الأول: أن الذي اختاره المصنف من أن «من» لابتداء الغاية مطلقا - يعني في الزمان والمكان وغيرهما - هو الحق؛ لقيام الدليل على صحته، وقد قال الشيخ بعد إيراده الشواهد التي ذكرها المصنف: [و] كونها لابتداء الغاية في الزمان مختلف فيه؛ منع ذلك البصريون، وأثبته الكوفيون وهو الصحيح؛ قال: وتأويل البصريين لما ورد من ذلك مع كثرته ليس بشيء انتهى (¬7). - ¬

_ (¬1) من الطويل لمزاحم العقيلي تصل: تصوت أحشاؤها من العطش. والقيض: القشر الأعلى من البيض. زيزاء: أرض غليظة. مجهل: محل لجهل السائر وتوهانه (وتيهانه)، وانظر: الكتاب (2/ 310)، والمقتضب (3/ 53)، والهمع (2/ 36). (¬2) سورة يوسف: 91. (¬3) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 140). (¬4) شرح الجمل الصغير له (ق 33)، والشرح الكبير (1/ 448) وما بعدها. (¬5)، (¬6) المفصل (8/ 10) بتصرف. (¬7) التذييل (4/ 2).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قد فهمت من كلام الزمخشري المذكور آنفا معنى ابتداء الغاية مصاحب لها حال كونها مبعضة ومبينه ومزيدة، ويعضد كلامه قول النحاة إن ابتداء الغاية معنى لا يفارقها. وفي شرح الشيخ: زعم المبرد والأخفش (¬1) الصغير وابن السراج (¬2) وطائفة من الحذاق (¬3) والسهيلي (¬4) أن «من» لا تكون إلا لابتداء الغاية وأن سائر المعاني التي ذكروها راجع إلى هذا المعنى (¬5). انتهى. وأما كونها للتبعيض فأمر مشهور لا يكاد يجهل، وأفهم كلام الشيخ أن هؤلاء الذين ذكرتهم وهم المبرد ومن معه لا يثبتون ذلك؛ لأنه بعد ما ذكره أولا قال: وذهب الفارسي (¬6) والجمهور إلى أنها تكون للتبعيض (¬7)؛ قال: وصححه ابن عصفور مستدلّا بأنك لو جعلت مكانها بعضا لكان المعنى واحدا؛ ألا ترى أنه لا فرق بين قولك: أخذت من ماله، وأخذت بعض ماله، و: قبضت من الدراهم، وقبضت بعض الدراهم (¬8)، قال: ولو وضعتها موضع «من» التي لابتداء الغاية في نحو: سرت من الكوفة؛ لم يسغ أن تقول: سرت بعض الكوفة (¬9). انتهى. ولقائل أن يقول: لا يلزم من قول المبرد ومن ذكر معه أنها لابتداء الغاية نفي قصد التبعيض؛ غاية ما يفهم من مذهبهم أن معنى ابتداء الغاية لازم لها، ثم قد قصد بها معنى آخر منضمّا إلى معنى الابتداء، ويدل على ذلك المعنى الزائد سياق الكلام. ثم قول من قال: إن «من» التبعيضية بمعنى «بعض» وإن معنى «قبضت» من الدراهم قبضت بعض الدراهم؛ فيه إشكال وهو أنه يلزم منه أن تكون «من» اسما؛ لأنها وافقت في المعنى ما هو ثابت الاسمية وهو «بعض» فيجب الحكم باسميتها لذلك. وقد ذكر المصنف في أول الكتاب ما يشير إلى أن ثم معارضا يمنع [3/ 176] من القول - ¬

_ (¬1) هو علي بن سليمان بن الفضل أبو المحاسن نحوي من أهل بغداد من تصانيفه: شرح سيبويه، والمهذب. توفي ببغداد (315 هـ) وراجع: الإنباه (2/ 276). (¬2) الأصول (1/ 498). (¬3) ينظر: الارتشاف (2/ 441) والتذييل (4/ 2). (¬4) نتائج الفكر (2/ 272)، والسهيلي: عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي له الروض الأنف ونتائج الفكر. توفي بمراكش (583 هـ). (¬5) التذييل (4/ 2). (¬6) الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي أخذ عن ابن السراج والزجاج، له: الإيضاح والتكملة والحجة والإغفال (ت: 377 هـ) وراجع: الأعلام (2/ 193)، والبغية (1/ 496). (¬7)، (¬8) التذييل (4/ 2). (¬9) شرح الجمل (1/ 484) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باسميتها، وقد تقدم البحث (¬1) معه في ذلك، وأن المعارضة التي ذكرها لا تتحقق. والذي يظهر أن معنى «من» ابتداء الغاية؛ فقد تتجرد لهذا المعنى، وقد تفيد معه التبعيض من حيث المعنى لا من حيث إن «من» واقعة موقع «بعض» مرادفة لها في هذا المحل أعني في مثل قولنا: قبضت من الدراهم. ثم لازم قول من ادعى ذلك - أعنى أن «من» واقعة موقع «بعض» - أن يكون العامل في قولنا: قبضت من الدراهم؛ منصبّا على الحرف نفسه لا على مدخوله، وليس هذا شأن حروف الجر؛ لأن وضعها أن توصّل معنى العامل إلى ما دخلت هي عليه فالعامل إنما هو منصبّ على المجرور الذي هو مدخول الحرف. وفي كلام ابن أبي الربيع (¬2) ما يعضد ما ذكرته؛ فإنه بعد أن مثل بـ: أكلت من الرغيف، قال: فـ «من» دلت على أن الأكل وقع بالرغيف على جهة التبعيض؛ إذ تعلق الأكل بالرغيف على وجهين: أحدهما: أنه عمّه. والثاني: أنه خصّه ولم يقع بجملته؛ فلحقت «من» لبيان ذلك. وإذا فهمت هذا فهمت الفرق بين «من» و «بعض». فإنك إذا قلت: أكلت بعض الرغيف؛ فليس الرغيف متعلق الأكل؛ إنما متعلقه البعض، وسيق الرغيف لتخصيص ذلك البعض وزوال شياعه، وإذا قلت: أكلت من الرغيف؛ فـ «من» دلت على أن أكل الرغيف على جهة التبعيض، والرغيف متعلق الأكل، ودلت «من» على أنه لم يعمه (¬3). انتهى. وهو تقرير حسن، غير أن لقائل أن يقول: إن في قوله -: إن الرغيف متعلق - ¬

_ (¬1) قال ناظر الجيش في أول الكتاب البحث الثاني: لقائل أن يقول: ما ذكره المصنف من العارض في «من» التبعيضية إنما يترتب على كونها لم يثبت اسميتها ولو ثبت لكانت كـ «بعض» في أنها إذا وليت «أن» كانت اسما لها فكيف يحسن جعل ما يترتب وجوده على عدم ثبوت الاسمية مانعا منها. فظهر أن جواز جعل «من» اسما لـ «أن» موقوف على ثبوت اسميتها. والمصنف عكس فجعل ثبوت اسميتها موقوفا على أنه لا يليها مع مجرورها بعد «أن» إلا الخبر. (¬2) أبو الحسين عبيد الله بن أحمد الإشبيلي لم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه. له الملخص، وشرح الكتاب، وشرح جمل الزجاجي وغيرها (ت: 688 هـ) راجع: البغية (2/ 125، 126). (¬3) التذييل (4/ 2) بغير نسبة إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأكل في قولنا: أكلت من الرغيف، وإن «من» دلت على أن الأكل بالرغيف على جهة التبعيض - نظرا؛ لأن «أكل» فعل متعد بنفسه فهو مستغن عن حرف يعديه. فإن قال: الحرف هنا ليس للتعدي إنما جيء به للمعنى الذي ذكرته وهو الدلالة على التبعيض. قيل: كان يستغنى عن ذلك بأن يقال: أكلت بعض الرغيف أو جزء الرغيف أو شيئا منه. فإن تم هذا الاعتراض أمكن أن يوجه ذلك بشيء آخر وهو أن يقال: إن مفعول «أكلت» يكون محذوفا، والتقدير: أكلت من الرغيف شيئا أو جزءا؛ فتكون «من» لابتداء الغاية مفيدة لبيان جنس ما أكل منه، ويكون التبعيض مستفادا من الكلام بمجموعه لا من «من» وحدها، ومما يحقق لك أن «من» ليست مرادفة لـ «بعض» أن الشواهد التي استدل بها على ذلك فيها ما ينافي ما ذكروه. فقد استدل المصنف بقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ (¬1)، وبقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ (¬2)، ولا يسوغ تفسير «من» بـ «بعض» في هاتين الآيتين الشريفتين؛ إذ لا يقال: بعضهم من كلم الله، ولا: بعضهم من يمشي على بطنه، والحقّ أن التبعيض إنما يفهم من معنى الكلام. ففي قوله تعالى: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، وفي قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ، وكذا في قوله تعالى: وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ (¬3) أفهمه ما أعطاه الكلام من التقسيم. ولا شك أن كل قسم من شيء هو بعض لذلك الشيء، وفي قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (¬4) إنما يفهم التبعيض منه من جهة أن الفعل العامل متعد بنفسه فلا يحتاج إلى حرف يعديه وإذا كان كذلك فالعامل الذي هو حَتَّى تُنْفِقُوا منصبّ على شيء محذوف مقدر بعد «من» ومجرورها كما تقدمت الإشارة إلى تقرير ذلك. وقد مثل بعض (¬5) العلماء الشارحين لكتاب المفصل التبعيض بقوله: أخذت درهما من المال؛ قال: فدلت «من» على أن الذي أخذت بعض المال (¬6)، ولم يظهر لي ما قاله؛ فإن بعض المال إنما عرف - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 253. (¬2) سورة النور: 45. (¬3) سورة البقرة: 253. (¬4) سورة آل عمران: 92. (¬5)، (¬6) هو ابن يعيش في شرح المفصل (8/ 12).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من قولك: «درهما»، وأما «من» في هذا المثال فلا شبهة أنها لابتداء الغاية. البحث الثاني: كون «من» لبيان الجنس معروف وعليه الأكثرون. والمغاربة ينازعون في ذلك، والمنقول عن الشلوبين (¬1) أنه ينكر أن تكون للبيان بالوضع قال: «وإن وجد ذلك فيها فإنما هو بالانجرار». انتهى، ولا شك أن من قال: إنها لابتداء الغاية خاصة؛ يلزم من قوله منع كونها للبيان. قال ابن عصفور: استدل القائلون بذلك بقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ (¬2)؛ لأن الأوثان كلها رجس، وإنما أتى بـ «من» ليبين بما بعدها الجنس الذي قبلها كأنه قيل: فاجتنبوا الرجس التي هي الأوثان أي: اجتنبوا الرجس الوثني، وبقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ (¬3)؛ لأن المعنى: وعد الله الذين هم أنتم؛ لأن الخطاب إنما هو للمؤمنين، وبقوله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ (¬4) أي: من جبال هي برد؛ لأن الجبال هي البرد لا بعضها، ثم أجاب عن الأول - وهو لأبي علي الشلوبين - بأنه يتخرج على أن يكون المراد بالرجس: عبادة الوثن؛ فكأنه قيل: فاجتنبوا من الأوثان الرجس الذي هو العبادة؛ لأن المحرم من الأوثان إنما هو عبادتها. قال: وتكون «من» غاية مثلها في قوله: أخذت من التابوت؛ ألا ترى أن اجتناب عبادة الأوثان ابتداؤه وانتهاؤه في الوثن، وعن الثاني بأن «من» للتبعيض ويكون الخطاب عامّا للمؤمنين وغيرهم، وعن الثالث بأن «من» (مبعضة) (¬5) ويكون المعنى مثله إذا جعلت لتبيين الجنس، وذلك بأن يكون [3/ 177] قوله تعالى: (من جبال) بدلا من (السماء) لأن السماء مشتملة على الجبال التي فيها كأنه قيل «وينزل من جبال في السماء، ويكون (من برد) بدلا من الجبال بدل شيء من شيء، كأنه قيل: وينزل من برد في السماء، ويكون من قبيل ما أعيد فيه العامل مع البدل (¬6). انتهى. وأما ما استدل به المصنف وهو قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ - ¬

_ (¬1) هو عمر بن محمد بن عمر بن عبد الله الأستاذ أبو علي إمام عصره بلا مدافع، له تعليقات على الكتاب وشرحان على الجزولية والتوطئة (ت: 645 هـ). (¬2) سورة الحج: 30. (¬3) سورة النور: 43. (¬4) سورة النور: 55. (¬5) الأصل: «للتبعيض». (¬6) شرح الجمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ (¬1)، وقوله تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (¬2) فقد أجيب عنه: بأن مِنْ ذَهَبٍ في موضع الصفة فهي للتبعيض، وكذا مِنْ سُنْدُسٍ، وأما مِنْ صَلْصالٍ ومِنْ مارِجٍ فـ «من» فيهما لابتداء الغاية؛ أي: ابتدأ خلق الإنسان من صلصال، وابتدأ خلق الجان من مارج، وأما مِنْ نارٍ فـ «من» للتبعيض. انتهى. ولم يظهر لي كون من في مِنْ ذَهَبٍ، ولا في مِنْ سُنْدُسٍ للتبعيض، ولا يخفى أن القول بأن «من» لبيان الجنس أسهل من التخريجات التي ذكرت. وأما التخريج الذي ذكره ابن عصفور في قوله تعالى: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ (¬3)؛ فلا يخفى عدم ظهوره. وقد ذكر ابن يعيش (¬4) في هذه الآية الشريفة أن «من» الأولى لابتداء الغاية، وأن الثانية؛ إما للتبعيض على أن الجبال برد تكثيرا لها فينزل بعضها، وإما لابتداء الغاية كقولك: خرجت من بغداد من داري إلى الكوفة؛ على أن المعنى: من أمثال الجبال من الغيم، وأن الثالثة؛ إما للتبعيض على معنى: ينزل من السماء بعض البرد، وأما للتبيين على أن الجبال من برد. وذكر ابن هشام الخضراوي (¬5) أن الأولى لابتداء الغاية، وكذا الثانية، وأن الثالثة للتبيين قاطعا بذلك، ولا يبعد أن هذا أولى الأقوال. البحث الثالث: في ذكر بقية المعاني التي تضمنها كلام المصنف: فمنها: كونها للتعليل، وقد تقدم استشهاد المصنف على ذلك، ومن الأدلة عليه أيضا قول الفرزدق: 2371 - يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلّم إلّا حين يبتسم (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 31. (¬2) سورة الرحمن: 14، 15. (¬3) سورة النور: 55. (¬4) في شرحه على المفصل (8/ 14). (¬5) التذييل (4/ 3) وشرح المفصل (8/ 14)، وهو أبو عبد الله محمد بن يحيى الخزرجي أخذ عن ابن خروف وغيره: له الإفصاح والاقتراح وغرر الإصباح وكلها على الإيضاح (ت: 646 هـ) بتونس، وراجع: البغية (1/ 267). (¬6) من البسيط وليس في ديوانه، وينسب إلى الحزين الكنائي. راجع: الأغاني (14/ 75)، الحيوان (3/ 133) والمؤتلف (ص 79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قولهم: مات من علته، وضحك زيد من كلام عمرو، وغضب مما قيل، ومنه على أحد القولين قوله تعالى: أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (¬1) أي: بسبب الخوف، والقول الآخر: إن كلّا من الفعلين اللّذين هما (أطعمهم) (وآمنهم) ضمن معنى خلصهم؛ التقدير: خلصهم بالإطعام من جوع، وبالأمن من خوف. ومنها: كونها للبدل وهذا المعنى فيه منازعة. وكان المغاربة لا يثبتونه، وقد تقدم استدلال المصنف على ذلك، ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ (¬2) أي بدل الآخرة، وهو استدلال ظاهر، ومن تأول ذلك فقد أبعد. وأما قول الزمخشري (¬3) إن المعنى: لولّدنا منكم ففي غاية البعد وكذا القول الذي ذكره أبو البقاء (¬4) وهو أن المعنى: لحوّلنا بعضكم ملائكة. ولا شك أن القول بأن «من» للبدل أسهل من ذلك كله وأن المعنى عليه. ومنها: كونها للمجاوزة وقد عرفت أن المصنف جعلها مع أفعل التفضيل للمجاوزة فإذا قيل: زيد أفضل من عمرو؛ فكأنه قيل: جاوز زيد عمرا في الفضل أو الانحطاط، وجعل القول بذلك أولى من القول بأنها لابتداء غاية الارتفاع في نحو: أفضل منه، أو الانحطاط في نحو: شر منه، كما زعم سيبويه. قال (¬5): إذ لو كان الابتداء مقصودا لجاز أن يقع بعدها «إلى»، ثم قال: وقد أشار سيبويه إلى أن ابتداء الغاية قد يقصد دون إرادة منتهى، إلى آخر ما ذكره. ثم قال: وأشار أيضا - يعني سيبويه - إلى قصد التبعيض بالمصاحبة «أفعل» التفضيل فقال في «هو أفضل من زيد»: «فضّله على بعض ولم يعم. وقد عرفت أن المصنف نازع سيبويه في الأمرين - أعني كون المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل لابتداء الغاية أو للتبعيض - وأن المصنف اختار أنها للمجاوزة. قال الشيخ: اختلف النحويون في «من» بعد أفعل التفضيل نحو: زيد أفضل من عمرو؛ فذهب سيبويه إلى أنها لابتداء الغاية ولا تخلو من التبعيض، وذهب المبرد (¬6) إلى أنها لابتداء الغاية دون تبعيض، ومنع ابن ولاد (¬7) أن تكون «من» لابتداء الغاية؛ - ¬

_ (¬1) سورة قريش: 4. (¬2) سورة التوبة: 38. (¬3) الكشاف (4/ 206). (¬4) التبيان (2/ 1141). (¬5) الكتاب (4/ 224) وما بعدها. (¬6) المقتضب (1/ 44، 45)، ومعه الأخفش الصغير. راجع التذييل (4/ 2). (¬7) وانظر: الهمع (2/ 36). وابن ولاد: أبو العباس أحمد بن محمد بن ولاد، ورث النحو عن أبيه وجده، من مصنفاته: الانتصار لسيبويه من المبرد، والمقصور والممدود وغيرهما (ت: 332 هـ) راجع: الإنباه (1/ 99).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الابتداء لا بد أن يكون له انتهاء؛ تقول: خرجت من البصرة إلى الكوفة، ولا تقول: زيد أفضل منك إلى جعفر» انتهى. قلت: وكلام ابن ولاد يعضد كلام المصنف. ثم قال الشيخ: وزعم سيبويه أن «من» تكون غاية فقال: تقول: رأيته من ذلك الموضع؛ تجعله غاية رؤيتك كما جعلته غاية حيث أردت الابتداء يريد أن «من» هنا دخلت على المحل الذي وقع فيه ابتداء الرؤية وانتهاؤها ولذلك سماه غاية لما كان محيطا بغاية الفعل؛ لأن الغاية هي مدى الشيء أي: قدره فيمكن أن تكون في «زيد أفضل من عمرو» كذلك». انتهى. ولقائل أن يدعي أن «من» المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل للبيان؛ لأن المذكور بعدها بين به المفضل عليه، وأما معنى ابتداء الغاية فيها فيحتاج إلى تأمل. وكذا معنى التبعيض يحتاج إلى تأمل أكثر. وبعد أن كتبت أن «من» المصاحبة لـ «أفعل» التفضيل للبيان رأيت ابن هشام الخضراوي ذكر أيضا أنها للتبيين قال: فإن القائل إذا قال: زيد أفضل؛ فهمت الزيادة ولم تعرف على من هي ففسرت «من» ذلك. ومنها: كونها للانتهاء وقد تقدم من كلام المصنف أن سيبويه أشار إلى أن من معاني «من» الانتهاء فقال: وتقول: رأيته من ذلك الموضع؛ فجعلته غاية رؤيتك كما جعلته غاية حين أردت [3/ 178] الابتداء. وتقدم أيضا قول ابن السراج: إن حقيقة المسألة أنك إذا قلت: رأيت الهلال من موضعي فـ «من» لك، وإذا قلت: رأيت الهلال من خلل السحاب فـ «من» للهلال، و «الهلال» غاية لرؤيتك فلذلك جعل سيبويه «من» غاية في قولك: رأيته من ذلك الموضع، قال ابن عصفور (¬1): وأما التي زعم بعض النحويين أنها تكون لانتهاء الغاية فنحو قولك: رأيت الهلال من داري من خلل السحاب؛ فابتداء الرؤية وقع من الدار وانتهاؤها في خلل السحاب، وكذلك: شممت من داري الريحان من الطريق؛ فابتداء شم الريحان من الدار وانتهاؤه إلى الطريق. وهذا وأمثاله لا حجه لهم فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما لابتداء الغاية فتكون الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل، وتكون الثانية لابتداء الغاية في حق المفعول؛ ألا ترى أن ابتداء وقوع رؤية الهلال من الفاعل إنما كان في داره وأن ابتداء وقوع الرؤية بالهلال إنما كان في خلل السحاب؛ لأن - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 490) تحقيق أبو جناح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرؤية إنما وقعت بالهلال وهو في خلل السحاب وكذا ابتداء وقوع الشم إنما كان من الدار، وابتداء وقوعه بالريحان إنما كان من الطريق لا الشم إنما تسلط على الريحان وهو في الطريق ونظير ذلك ما جاء في بعض الآثار: وهو كتاب أبي عبيدة بن الجراح (¬1) إلى عمر بالشام الغوث الغوث، وأبو عبيدة لم يكن في وقت كتبه إلى عمر بالشام بل الذي كان بالشام عمر رضي الله عنه. فقوله: «بالشام» ظرف للفعل بالنظر إلى المفعول. ومن الناس من جعل «من» الثانية لابتداء الغاية إلا أنه جعل العامل فيها محذوفا كأنه قال: رأيت الهلال من داري ظاهرا من خلل السحاب فجعل «من» لابتداء غاية الظهور، وكذا يقدر المثال الآخر: شممت الريحان من داري كائنا من الطريق فـ «من» الثانية لابتداء غاية الكون وهذا عندي فاسد؛ لأنه قد تقدم في باب المبتدأ أن المحذوف الذي يقوم المجرور مقامه إنما يكون مما يناسب معناه الحرف و «من» الابتدائية لا يفهم منها الكون ولا الظهور؛ فلا ينبغي أن يجوز حذفهما (¬2) منه. انتهى كلامه. فأما قوله: إن الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل والثانية لابتداء الغاية في حق المفعول فهو معنى قول ابن السراج: إن «من» لك في قولك: رأيت الهلال من موضعي وأن «من» للهلال في قولك: رأيت الهلال من خلل السحاب؛ فإن هذا يقتضي أن تكون «من» الأولى لابتداء الغاية في حق الفاعل وأن «من» الثانية لابتداء الغاية في حق المفعول، وأما إبطاله أن تكون الثانية لابتداء الغاية على أن العامل فيها محذوف بما أشار إليه من أن المحذوف إنما يكون مما يناسب معناه الحرف فممنوع؛ لأن العلة التي ذكرها لا تظهر صحتها. وقد تقدم البحث معه في ذلك في أوائل هذا الباب. وقد ذكر ابن يعيش المسألة وذكر قول الناس في «من» الثانية: إنها لابتداء الغاية ثم قال (¬3): والجيد أن تكون «من» الثانية لابتداء الغاية في الظهور أو بدلا من الأولى. وكلام السهيلي يجنح إلى ذلك فإنه قال: ولا حجة في قولهم: شممت الريحان من - ¬

_ (¬1) عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي أحد العشرة المبشرين بالجنة وكان لقبه أمين الأمة توفي بالطاعون (18 هـ) ودفن في غور بيسان. راجع: الرياض النضرة (2/ 307). (¬2) شرح الجمل (1/ 346). (¬3) في شرح المفصل (8/ 13، 14) ثم انظر الأصول (1/ 498) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الطريق، ورأيت الهلال من خلل السحاب؛ لأن معنى الكلام أن الريحان نمّ من الطريق حتى شممت رائحته، وأن الهلال لاح من خلل السحاب حتى نظرت إليه. انتهى. فدل كلامه على أن المعنى: نامّا من الطريق ولائحا من خلل السحاب. فكلام ابن يعيش والسهيلي يدفع ما قاله ابن عصفور، وكلام الشلوبين يقتضي ذلك فإنه قال في: رأيت الهلال من داري من خلل السحاب: إن «من خلل السحاب» متعلق بمحذوف تقديره: باديا من خلل السحاب. انتهى. وما قاله هو الظاهر. وبعد: فلم يقم دليل واضح على أنها لانتهاء الغاية. قيل وسيبويه لم يصح بأنها للانتهاء إنما جعلها غاية (¬1)، وكأنهم يجعلون الغاية غير انتهاء الغاية. ولهذا ذكر ابن عصفور المعنيين فقال: وأما التي للغاية فهي التي تدخل على ما هو محل لابتداء الفعل وانتهائه معا نحو: أخذته من زيد؛ فـ «زيد» هو محل ابتداء الأخذ وانتهائه (¬2) معا. انتهى. وعلى هذا حمل قول سيبويه في قولك: من ذلك الموضع؛ جعلته غاية (¬3) رؤيتك؛ فـ «ذلك» الموضع هو محل ابتداء الرؤية وانتهائها. وإذا تقرر هذا: علم أن «من» لا تخلص لانتهاء الغاية؛ وإنما تكون لابتداء الغاية وهو الأغلب في الاستعمال، وتكون لابتداء الغاية وانتهائها وذلك قليل. وأما قول القائل: 2372 - أزمعت من آل ليلى ابتكارا (¬4) فليس «من» فيه للانتهاء أي: أزمعت إلى آل ليلى؛ بل هي للتعليل أي: أزمعت من أجل آل ليلى ابتكارا؛ لأنه إذا أزمع ابتكارا (إليهم) (¬5) فقد أزمعه من أجلهم، وحذف المضاف لدلالة المعنى سائغ. ومنها: كونها للاستعلاء، وقد عرفت استدلال المصنف على ذلك بقوله تعالى: وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا (¬6) مسندا ذلك إلى الأخفش. - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 225). (¬2) شرح الجمل (1/ 490) بنصه. (¬3) الكتاب (4/ 225). (¬4) من بحر المتقارب وهو في التذييل (4/ 4). (¬5) غير واضحة بالأصل. (¬6) سورة الأنبياء: 77.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن في كون «من» تفيد معنى «على» بعد كثير، ولا شك أن تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بـ «من» أولى من أن يجعل الحرف بمعنى حرف آخر. وقد ذكر المعربون كأبي البقاء (¬1) وغيره أن معنى (نصرنه) (¬2) في الآية الشريفة: منعناه، والتحقيق أن: (نصرنه) ضمّن معنى منعناه، وفائدة التضمين أن الفعل حينئذ يستفاد منه أمران وهما: معناه الأصلي الموضوع هو له، والمعنى المضمن الذي دلّ عليه ذلك الحرف الذي ترشد الصناعة النحوية إلى أنه متعلق به؛ [3/ 179] فـ (نصرنه) دل على حصول النصر بالوضع، ودلت تعديته بـ «من» على أنه ضمن معنى: منعناه؛ فصار المعنى: ومنعناه بالنصر؛ لأن المنع قد يكون بغير النصر، ولا شك أن المنع بالنصر أمر عظيم فأفادنا التضمين معنى عاملين مع الاقتصار على ذكر عامل واحد (¬3). ومنها: كونها للفصل، وقال المصنف: إنه أشار بذلك إلى دخولها على ثاني المتضادين نحو قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (¬4)، وحَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (¬5) ونحو أحد الأبيات الثلاثة التي أنشدها وهو: 2373 - ولم تره قابلا للجميل ... ولا عرف العزّ من ذلّه ومن ذلك قولهم: لا تعرف قبيلا من دبير. قال الشيخ (¬6): وليس من شرطها الدخول على المتضادين بل تدخل على المتباينين تقول: فلان لا يعرف زيدا من عمرو انتهى. ومراد المصنف بالمتضادين أنهما اللذان لا يجتمعان، ولا شك أن المتناقضين كذلك. ومنها: كونها بمعنى الباء، وقد عرفت أن المصنف استشهد على ذلك بقوله تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ (¬7) وأنه نقله عن الأخفش عن يونس، وبقول - ¬

_ (¬1) في التبيان له (2/ 923). (¬2) سورة الأنبياء: 77. (¬3) في معنى التضمين، والفرق بينه وبين التقدير، والعدل، والآراء في ذلك. راجع: الأشباه والنظائر (1/ 100 - 106). (¬4) سورة البقرة: 220. (¬5) سورة آل عمران: 179. (¬6) التذييل (4/ 5). (¬7) سورة الشورى: 45.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب: ضربته من السيف، أي: بالسيف. قال الشيخ: وهو قول كوفي. [ثم] قال: يحتمل أن تكون «من» في الآية الشريفة لابتداء الغاية أي: ابتداء نظرهم هو من طرف خفي (¬1). ومنها: كونها بمعنى «في»، وقد تقدم استشهاد المصنف على ذلك بقول الشاعر: 2374 - عسى سائل ذو حاجة إن منعته ... من اليوم سؤلا أن ييسّر في غد واستدل غير المصنف على ذلك أيضا بقوله تعالى: أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ (¬2) أي: في الأرض. قال الشيخ: هذا قول كوفي أيضا، ولا حجة في البيت الذي أنشده؛ لأنه يحتمل أن تكون «من» للتبعيض على حذف مضاف، التقدير: إن منعته سؤلا من سؤلاته اليوم (¬3). انتهى. وأما الآية الشريفة فيحتمل أن تكون «من» فيها لابتداء الغاية أي: ماذا خلقوا من الأرض؟ أي: ماذا وجدوه منها؟ لأن كون الخلق في الأرض لا خصوصية له، بخلاف الخلق من الأرض؛ فإن الخلق يدل على القدرة الباهرة فإذا كان من الأرض كان أعظم (دليل) (¬4) على ذلك. ولا شك أن الآية الشريفة المقصود منها إقامة البرهان على ضلال عبّاد الأصنام بإقامة البرهان على عجزهم عما هو من أفعال من هو إله، وإنما قيد الخلق بكونه مِنَ الْأَرْضِ؛ لأن الخلق من الأرض - أي: من التراب - من أقوى الأدلة على القدرة التي لا تكون إلا لله سبحانه، وذكر بعضهم أن التقدير: من مخلوقات الأرض؛ فحذف المضاف، وهو تخريج لا بأس به، ولكن ما ذكرته أولى. ومما استدل به على ذلك أيضا قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (¬5) قالوا: المراد في يوم الجمعة. ولقائل أن يقول: إن «من» في الآية الشريفة باقية على معناها الأصلي الذي هو ابتداء الغاية، وتقدير ذلك أن المراد التحريض على إتيان صلاة الجمعة. لم تسق الآية الشريفة لغير هذا، وتفسير «من» بـ «في» لا يعلم منه هذا المقصود. ومما يفيد أن المؤمنين مأمورون بالسعي إلى الصلاة إذا نودي لها في يوم الجمعة، ولا يتحتم أن - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 5). (¬2) سورة فاطر: 40. (¬3) التذييل (4/ 5). (¬4) بالأصل: دليلا. (¬5) سورة الجمعة: 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون السعي في يوم الجمعة؛ فقد يجوز أن يعلق الأمر بالسعي في غير يوم الجمعة، على النداء في يوم الجمعة وكذا لا يتحتم أن يكون السعي لصلاة الجمعة، أما إذا كانت «من» لابتداء الغاية فإن الجار والمجرور يكون في موضع الحال من الصلاة، التقدير: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة كائنة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله؛ فيصير المعنى: إذا نودي للصلاة الكائنة في يوم الجمعة فاسعوا إليها، وهذا هو المراد، والله تعالى أعلم. وقد علم مما أشرت إليه: أن المعاني التي ذكرها المصنف لهذا الحرف الذي هو «من» منها ما تحقق، ومنها ما لم يتحقق، ولا شك أن للنظر في ذلك مجالا. وبعد: فقد بقي التنبيه على أمور تتعلق بـ «من» ذكرها الشيخ: منها: أنه قال: وزعم السيرافي (¬1)، والأعلم (¬2)، وابن طاهر (¬3)، وابن خروف (¬4) أن «من» إذا كان بعدها «ما» كانت بمعنى «ربما»، وزعموا أنّ سيبويه يشير بها لهذا المعنى كثيرا في كلامه كقوله في باب ما يكون في اللفظ من الأعراض (¬5): اعلم أنهم مما يحذفون أي: ربما يحذفون. وكان الأستاذ أبو علي لا يرتضي هذا المذهب؛ لكون سيبويه إذا ذكرهما إنما يريد التكثير؛ فلا يحسن إذ ذاك استعمال «رب» إذا كان معناها يناقض المراد. واحتج الذاهبون إلى ذلك بأنه قد سمع ذلك منهم قال: 2375 - وإنّا لممّا نضرب الكبش ضربة ... على وجهه تلقي اللّسان من الفم (¬6) - ¬

_ (¬1) في شرحه على الكتاب (1 / ق 96 / أ) وما بعدها. (¬2) التصريح (2/ 10)، والمغني (ص 322). (¬3) التصريح (2/ 10)، والمغني (ص 322) وهو: أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر، له طرر على الكتاب، توفي بفاس (580 هـ). راجع: البغية (ص 12) والنشأة (ص 230). (¬4) التصريح (2/ 10)، والمغني (ص 322) وابن خروف: علي بن محمد بن يوسف الحضرمي الأندلسي، إمام محقق مدقق في العربية، له شرح جمل الزجاجي (ت: 606 أو 609 هـ) راجع: الأعلام (5/ 151). (¬5) الكتاب (1/ 24) والأعراض: ما يعرض في الكلام فيجيء على غير ما ينبغي أن يكون عليه قياسه. (¬6) من الطويل لأبي حية النميري. وراجع: التصريح (2/ 10)، والخزانة (4/ 282)، والدرر (2/ 35، 41)، والكتاب (1/ 477)، والمغني (311، 322) وروايته رأسه بدل وجهه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: المعنى: لربما، وخرج [الأستاذ] (¬1) أبو علي وأصحابه ذلك على أن «ما» مصدرية و «من» لابتداء الغاية، وكأنهم خلقوا من الضرب؛ لكثرة ما يقع منهم، كما قال تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ (¬2) جعل كأنه مخلوق من العجل؛ لكثرة وقوع العجل منهم، فأما قول الشاعر: 2376 - نصحت أبا زيد فأدّى [نصيحة] ... إليّ وممّا أن تعزّ النّصائح (¬3) وقول الآخر: 2377 - الأغنياء بالقادسيّة إنّني على ... النّأي ممّا أن ألمّ بها ذاكرا (¬4) فلا يمكن أن تكون «ما» مصدرية؛ لأجل أن، قالو: فمعناها ربما، وتأوله من منع ذلك على أن ما نكرة موصوفة بالمنسبك من أن وما بعدها وهو مصدر كأنه قال: إنني على النأي من شيء إلمام بها ذاكرا فجعلهم من إلمامهم ذكرا لكثرة إلمامهم [3/ 180] وكذلك النصيحة للإنسان تشق عليه فكأنه النصح مخلوق مما يشق على الإنسان، وهذا التأويل بعيد، ولا يجوز الوصف بأن والفعل. لا يجوز: مررت برجل أن يصوم، تريد: رجل صوم؛ لأن الوصف بالمصدر مجاز، ونيابة «أن» والفعل عنه مجاز فيكثر التجوز. والأولى في التخريج أن يقال إن «ما» مصدرية وجمع بينهما وبين أن المصدرية لاختلاف لفظهما وذلك في الشعر كما جاء قوله: 2378 - فأصبحن لا يسألنني عن بما به ... أصعّد في علو الهوى أم تصوّبا (¬5) وإذا جمعوا بين حرفي الجر مع كونهما عاملين فالجمع بين ما لا عمل له [و] هو «ما» [المصدرية] وما له عمل وهو «أن» أولى. انتهى (¬6). ومنها: أن المصنف قد تقدم من كلامه أنه قال: وأشار سيبويه إلى أن «من» الزائدة قصد بها التبعيض؛ لأنه قال بعد تمثيله بـ: «ما أتاني من رجل»: أدخلت - ¬

_ (¬1) من التذييل (4/ 5). (¬2) سورة الأنبياء: 37. (¬3) البيت من الطويل، ورواية الأصل: «نصحه» وبها ينكسر البيت وانظره في التذييل (4/ 5). (¬4) كالسابق مصدرا واستشهادا. (¬5) صدر بيت من الطويل وهو للأسود بن يعفر، وراجع: الخزانة (4/ 162)، وسر الصناعة (1/ 153)، واللسان «صعد»، والمغني (ص 390). (¬6) في هامش الأصل: البياض قدر خمسة أسطر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «من» لأن هذا موضع تبعيض فأراد أنه لم يأت بعض الرجال. هكذا قال، يريد أن «من» دلت على شمول الجنس؛ فلكل بعض منه قسط من المنسوب إلى جمعها فالتبعيض على هذا التقدير مقصود. وتقدم أيضا قول المصنف بعد إيراد هذا الكلام: وهذا غير مرض؛ لأنه يلزم منه أن تكون ألفاظ العموم للتبعيض، وإنما المقصود بزيادة «من» في نحو: ما أتاني من رجل جعل المجرور بها نصّا في العموم إلى آخر ما ذكره. قال الشيخ: وما فهمه المصنف عن سيبويه ليس بصحيح؛ لأن سيبويه لم يرد بقوله: «لأن هذا موضع تبعيض» أنه حين زيدت كان الكلام بزيادتها استفيد منه التبعيض وإنما يريد أنها زيدت ناصة على العموم؛ لأن الكلام قبل الزيادة كان يفهم منه التبعيض ولم يكن نصّا العموم كما هو بزيادتها (¬1). ومنها: أنه قال: تقسيم المصنف وغيره «من» هذه الزائدة إلى أنها تكون لاستغراق الجنس ولتأكيد استغراق الجنس ليس مذهب سيبويه بل قولك: ما جاءني من أحد، وما جاءني من رجل؛ «من» في الموضعين لتأكيد استغراق الجنس، قال: وهذا هو الصحيح؛ لأن من لم تدخل في قولك: ما جاءني من رجل، إلا على قولك: ما جاءني رجل؛ المراد به استغراق الجنس (¬2). انتهى. ولم يتضح لي ما ذكره. وقوله: لأن «من» لم تدخل في قولك: ما جاءني من رجل، إلا على قولك: ما جاءني رجل؛ المراد به استغراق الجنس - مسلّم، لكن لا يلزم من كون مراد المتكلم الاستغراق ألا يكون اللفظ محتملا لغير المراد؛ فإن نحو: ما جاءني رجل - وإن كان مراد المتكلم به الاستغراق - يحتمل أن يريد به نفي الواحد دون ما عداه وإذا كان كذلك فلا يصير نصّا في المراد إلا بذكر «من» ويصدق حينئذ أنها لتنصيص العموم، ومع كونها لتنصيص (¬3) العموم يمكن أن يقال: إنها تفيد التوكيد أيضا فهي بالنسبة إلى المتكلم للتوكيد وبالنسبة إلى المخاطب لإفادة التنصيص على العموم، وربما يفهم أنها مفيدة التوكيد مع التنصيص على - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 6). (¬2) التذييل (4/ 6). (¬3) وراجع: التصريح (2/ 8).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العموم قول المصنف أو لمجرد التوكيد بعد قوله: وتزاد لتنصيص العموم؛ فكأنها في قولك: ما جاءني من أحد؛ للتوكيد مجردا عن غيره لإفادته النص بالوضع، وفي قولك: ما جاءني من رجل؛ ليست للتوكيد مجردا بل له مع أمر آخر. والعجب من الشيخ!! كيف قال ما قال، ثم نقل عن أبي العباس أنه ينفي الزيادة عن «من» في نحو قولك: ما جاءني من رجل، معللا ذلك بأن الزائد لا يفيد معنى، ومن هنا يفيد استغراق الجنس؟! قال (¬1): إنما هي زائدة في نحو: ما جاءني من أحد لأنك إذا حذفتها لم يخلّ حذفها بمعنى. فذكر الشيخ لهذا وسكوته عنه يدل على تسليمه أن «من» في (نحو) (¬2): ما جاءني من رجل؛ أفادت معنى الاستغراق، وهو قد قال: إنها للتوكيد في هذا التركيب كما أنها للتوكيد في: ما جاءني من أحد، ويؤيد ذلك أنه بعد ذكر ما قاله أبو العباس نقل عن ابن هشام أنه قال: هذا الذي ذكره أبو العباس صحيح إلا أنها لما كان العامل يطلب موضعها، ولم تكن معدية؛ جعلها سيبويه بهذا الاعتبار زائدة. فقد اعترف ابن هشام بصحة ما قاله أبو العباس حتى أجاب بما أجاب وإيراد الشيخ لذلك أقوى دليل على الاعتراف به. ومنها: أن الاستفهام الذي تزاد «من» بعده ليس عامّا في جميع أدواته، لو قلت: كيف تضرب من رجل، وأين تضرب من رجل؛ لم يجز، إنما يحفظ ذلك مع «هل»، ولهذا اقتصر المصنف لما أشار إلى المسألة على التمثيل بها. قال الشيخ: وفي إلحاق الهمزة بها نظر، ولا أحفظه من لسان العرب (¬3)، وقد تقدم التمثيل لزيادتها مع المبتدأ بعد «هل» بقوله تعالى: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ (¬4)، ومثال الزيادة معه بعد النفي قول الله تعالى: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ * (¬5)، وقال الشاعر: - ¬

_ (¬1) أي المبرد. راجع المقتضب (1/ 45)، (4/ 52، 136 - 138، 420). (¬2) من الهامش، وفي الأصل: أن، ولا معنى له. (¬3) التذييل (4/ 6). (¬4) سورة فاطر: 3. (¬5) سورة الأعراف: 59 وغيرها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2379 - ألا لا من سبيل إلى هند (¬1) ومثال الزيادة مع الفاعل قوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ (¬2)، و: هل قام من رجل؟ و: لا يقم من أحد، وحكم اسم كان وأخواتها حكم الفاعل؛ قال الله تعالى: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ (¬3). أما خبر كان وأخواتها فلا تدخل عليه؛ لأنه ليس فاعلا ولا مفعولا إنما هو خبر، ومثال الزيادة مع المفعول قول الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ (¬4) [و] هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ (¬5)، ويشمل المفعول به ما لم يسم فاعله أيضا. واعلم أنها تدخل على الثاني من مفعولي باب أعطى؛ لأنه مفعول به كالأول وقد تدخل على الأول من باب ظن؛ لأنه [3/ 181] مبتدأ في الأصل، ومن باب علم؛ لأنه فاعل في الأصل. ولا تدخل على ثاني مفعولي باب ظن؛ لأنه ليس مبتدأ ولا فاعلا ولا مفعولا؛ إنما هو خبر في الأصل، ولا على ثالث علم؛ لما ذكرته. قال الشيخ (¬6): وفي دخولها على ثاني [علم] (¬7) نظر، ولا يخفى أنها تدخل على المتسع فيه من ظرف ومصدر نحو: ما سير من ميل، وما صيم من يوم وما ضرب من ضرب شديد. قال ابن عصفور (¬8): وزعم بعض النحويين أن الشرط يجري مجرى النفي والنهي والاستفهام نحو: إن قام من رجل قام عمرو، وصحة من أجاز ذلك أن الشرط غير واجب، يعني أن المشروط غير واقع كما أن النفي غير واقع؛ قال: «والصحيح أنه لا يجوز ذلك؛ لأنك إذا قلت: إن قام من رجل قام عمرو؛ فالقيام وإن لم يكن واقعا فهو مفروض الوقوع، ولا يمكن أن يفرض إلا ما لا تناقض فيه؛ - ¬

_ (¬1) قطعة من بيت وهو بتمامه: فقام يذود النّاس عنها بسيفه ... وقال ألا لا من سبيل إلى هند من الطويل. وراجع: الأشموني (2/ 3)، والتصريح (1/ 239)، والدرر (1/ 125)، والهمع (1/ 146). (¬2) سورة الأنبياء: 2. (¬3) سورة المؤمنون: 91. (¬4) سورة إبراهيم: 4. (¬5) سورة مريم: 98. (¬6) التذييل (4/ 6). (¬7) في الأصل: اعلم. (¬8) شرح الجمل (1/ 487) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا ترى أنك إذا قلت: إن قام من رجل قام عمرو؛ كان معناه: إن قدر وقوع هذا الخبر الذي هو قام من رجل قام عمرو، و «قام من رجل» لا يمكن وقوعه؛ لما ذكرنا من أنه يلزم أن يقوم الرجل وحده مع غيره في حيّز واحد، وذلك لا يمكن تقديره، وكان لما ذكر أن شرط زيادة «من» أن يكون الكلام التي هي فيه غير موجب؛ قال: «وأما التزام كون الكلام غير موجب؛ فلأنك إذا قلت: ما جاءني من رجل؛ فقد نفيت أن يجيئك رجل واحد، وقد نفيت أيضا أن يجيئك أكثر من واحد، فلو قلت على هذا: جاءني من رجل؛ للزمك أن يكون «من رجل» على حده بعد النفي، فيكون كأنك قلت في حين واحد: جاءني رجل وحده لم يجئني رجل وحده بل أكثر من رجل واحد، وذلك تناقض؛ لأنه يلزم اجتماع الضدين في الواجب وهو مجيء الرجل وحده مع غيره، ولا يلزم ذلك في غير الواجب؛ إذ قد يجوز اجتماع الأضداد في ما ليس بواجب؛ لأنك تقول: ما زيد أبيض ولا أسود، ولا تقول: زيد أبيض وأسود. انتهى. وهو كلام عجيب لا يخفى ضعفه. ولا أعلم من أين يلزم أن قولك: «من رجل» في الإثبات يكون على حدّه في النفي حتى يلزم منه اجتماع الضدين. ولا شك أن مدعي جواز الزيادة في الإثبات معترف أنه إذا قال: جاءني من رجل (فإنما) (¬1) جاءه رجل واحد، ولكنه أتى بـ «من» ولم تكن مفيدة لمعنى؛ فحكم بزيادتها، والذي أفادنا عدم مجيء الرجل الواحد وعدم مجيء أكثر من واحد إنما هو النفي و «من» لا مدخل لها في ذلك إنما هي مؤكدة في نحو: ما جاءني من أحد، أو [منبهة] (¬2) على عدم إرادة ما يحتمله اللفظ من غير المراد في نحو: ما جاءني من رجل، وإذا كان كذلك فلم يتم له الذي قصده وهو الاستدلال على عدم جواز زيادة «من» بعد الشرط؛ لأنه بناه على الدليل الذي نقلناه عنه، وقد عرف ما فيه. ومما يتصل بالمسألة التي نحن فيها: أنك إذا قلت: قلما يقول ذلك رجل، وقلما أضرب رجلا؛ فإن جعلت «قلما» مقابلة «كثر ما» لم يجز دخول «من» على رجل؛ لأن الكلام موجب وإن جعلتها للنفي المحض جازت زيادة «من»؛ لأن - ¬

_ (¬1) في الأصل: أنه إنما، وبما أثبتناه يستقيم الأسلوب أكثر. (¬2) في الأصل: منبه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام غير موجب واستعمال «قلما» بالوجهين سائغ في كلام العرب. ومنها: أنك عرفت اختيار المصنف مذهب الأخفش في أن «من» تزاد في الكلام الموجب كما تزاد في غير الواجب، وأن كون مدخولها معرفة لا يمتنع. والمنقول عن الكوفيين (¬1) أنهم يرون زيادتها في الواجب ولكنهم يشترطون أن يكون مدخولها نكرة كما هو مذهب البصريين، وقد تقدم استدلال المصنف على ذلك والمنتصرون لمذهب البصريين أجابوا عن جميع ما استدل به. أما قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (¬2) فقالوا فيه: إن الفاعل مضمر أي: ولقد جاءك هذا النبأ، ومِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ في موضع الحال أي: كائنا من نبأ المرسلين؛ لأن قبله: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا (¬3)، فأخبر تعالى أن هذا النبأ الذي جاءك هو من نبأ المرسلين فتأسّ بما جرى لهم. ولك أن تقول: كون النبأ الذي جاءه صلّى الله عليه وسلّم هو من نبأ المرسلين قد علم قبل من قوله تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وإذا كان قد علم فكيف يخبر ثانيا أنه من نبئهم؟! ولا شك أن كون نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ هو فاعل (جاء) هو الظاهر. وأما قوله تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ (¬4) فأجابوا عنه بأن من فيه للتبعيض، ولو قيل: إنها للبيان؛ لكان أقرب. وأما قوله تعالى: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (¬5)، ويَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ (¬6) فأجابوا عنه بأن الذي يكفر بعض السيئات، والذي يغفر بعض الذنوب؛ لأن ما كان فيه تبعة لآدمي لا يكفر، ولأن المغفور بالإيمان ما اكتسبوه من الكفر لا ما يكتسبونه في الإسلام من الذنوب، وما تقدم لهم من الذنوب في حال الكفر بعض ذنوبهم وإذا كان كذلك فـ «من» في الآيتين الشريفتين للتبعيض. وقد قيل في يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ: إن (يغفر) ضمن معنى يخلص؛ التقدير: يخلصكم من ذنوبكم؛ لأن الكافر ذنوبه - ¬

_ (¬1) راجع في: الارتشاف (ص 727)، والتذييل (4/ 7)، والتصريح (2/ 9)، والكشاف (3/ 527). (¬2)، (¬3) سورة الأنعام: 34. (¬4) سورة الكهف: 31. (¬5) سورة البقرة: 271. (¬6) سورة الأحقاف: 31.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محيطة به لا خلاص له منها إلا بالإيمان، وقد تقدم لنا التنبيه على فائدة التضمين. وأما قوله تعالى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ (¬1) فأجابوا عنه بأن «من» فيه [3/ 182] لابتداء الغاية وهو ظاهر. وأما الحديث الشريف: «فإذا بقي من قراءته نحو من كذا» فأجابوا عنه بأن «من» فيه للتبعيض وأن الفاعل مضمر وهو اسم فاعل يفسره الفعل التقدير: فإذا بقي هو أي باق من قراءته نحوا من كذا. وهذا الجواب الذي أجابوا به الحديث أجابوا [به] عن قول الشاعر: 2380 - فما قال من كاشح وعن قول الآخر: 2381 - قد كان من طول إدلاج وقول الآخر: 2382 - ويكثر فيه من حنين الأباعر وعن قول العرب: قد كان من مطر، وقولهم أيضا: قد كان من حديث فحل عنّي، ولا يخفى ضعف هذا التخريج؛ لعدم ذوقه. وأما قول الآخر: 2383 - وكنت أرى كالموت من بين ساعة فقالوا فيه: إن «من» للسبب أي: أرى شيئا عظيما كالموت من أجل بين ساعة، فكيف يكون حالي ببين موعده الحشر؟! أي: بسبب بين موعده الحشر. وخرّجه الإمام بدر الدين (¬2) ولد المصنف: على أن «من» لابتداء الغاية والكاف اسم، والمعنى: وكنت أرى «من» بين ساعة حالا مثل الموت؛ على حد قولهم: رأيت منك أسدا (¬3). وأقول: لا حاجة إلى تكلف هذه التخريجات لما ورد في هذه الأبيات؛ لأن البصريين يجيزون زيادة «من» في الكلام الموجب ودخولها على المعرفة في الشعر، - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 25. (¬2) وهو: محمد بدر الدين بن محمد له شرح على ألفية أبيه وكافيته وغيرهما (ت: 686 هـ) بدمشق والنجوم الزاهرة (7/ 373). (¬3) شرح الألفيه لابن لناظم (ص 362) بتحقيق د/ عبد الحميد السيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى تكلف الجواب عن الوارد فيه. وأما قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» فقد كفى المصنف مئونة الجواب عنه؛ إذ قال في باب الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر لما ذكر أن ضمير الشأن يكون اسما لـ «إن» وأنه يحذف معها كثيرا قال (¬1): وعليه يحمل «إنّ من أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون» لا على زيادة «من» خلافا للكسائي. وقد خرج ابن عصفور «قد كان من مطر»، و «قد كان من حديث» على أن أصله: قد كان كائن من مطر، و: قد كان كائن من حديث؛ فحذف الموصوف وقامت الصفة مقامه. قال: وإن كانت غير محضة (¬2). وقد ذكر في باب النعت (¬3) أن ذلك يحسن في الكلام مع «من»، ورده الشيخ بأنه يلزم من ذلك أن يكون المجرور فاعلا، والمجرور الذي يجر بحرف غير زائد لا يكون فاعلا. وأما تخريج ابن جني قراءة ابن هرمز فقد استبعده الشيخ، وقال (¬4): هذا تخريج لا يحتمل مثله القرآن العزيز، قال: وكونها على ما استقر في «لما» ظاهر إما على الظرف أي: حين أتيناكم، وإما كونها حرف وجوب لوجوب وأتيناكم التفات من الغيبة إلى الخطاب ولو جرى على الغيبة لكان: لما (أتيناهم) (¬5)، قال: ولا يظهر معنى لتخريج ابن جني لمن ما أتيناكم من كتاب وحكمة. وقد استدل على زيادة «من» في الواجب بأشياء أخر غير الذي ذكره المصنف: منها: قوله تعالى: وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ (¬6)، وقُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ (¬7)، ووَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً [وَأَجْراً عَظِيماً] (¬8). وأجيب بأن التقدير: ولهم مطعوم، أو فاكهة من كل الثمرات لما تقدم ذكر المشروب ذكر المطعوم وحذف المبتدأ لدلالة المعنى عليه جائز ولا سيّما إذا كانت له صفة. وأما يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ فـ «من» للتبعيض؛ لأنهم لم يؤمروا بغض - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك. (¬2) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 485). (¬3) المرجع السابق. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 8). (¬5) التذييل (4/ 8) والذي في الأصل: أتيناكم، وهو تحريف. (¬6) سورة محمد: 15. (¬7) سورة النور: 30. (¬8) سورة الفتح: 29.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبصار وإنما يغضّ منها ما كان في النظرية امتناع شرعي، وكذلك هي للتبعيض في وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً (¬1). ومنها: أنك قد عرفت ما ذكره المصنف من أن «من» الزائدة ربما دخلت على حال واستدلاله على ذلك بقراءة زيد بن ثابت ومن وافقه ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ (¬2) يعني بفتح الخاء وضم النون أي: أولياء. ولا شك أن مسوّغ ذلك انسحاب النفي عليه من حيث المعنى كما انسحب عليه في قراءة الجماعة حين كان مفعولا (¬3) شبه ذلك بانسحاب النفي على الفعل المتعدي إلى مفعول كقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ (¬4). ومنها: أنك قد عرفت أيضا أن «من» تنفرد بجر ظروف لا تتصرف كما أشار المصنف إلى ذلك في متن الكتاب وهذا لا كلام فيه، ولكنه قال في الشرح ما تقدم نقله عنه وهو أن «من» إذا دخلت على «قبل وبعد ولدن وعن» فهي زائدة؛ لأن المعنى بسقوطها وثبوتها واحد. فقال الشيخ: زعم بعض النحويين ذلك (¬5). قال: وليس كما زعم، بل المعنى مختلف؛ فإذا قلت: جئت من قبل زيد؛ كان مجيئك مبتدأ من الزمان المتعقبه زمان مجيء زيد، وإذا قلت: جئت قبل زيد؛ كان مجيئك سابقا على مجيء زيد واحتمل تعقبه زمان مجيء زيد أو كان بينهما مهلة كثيرة أو قليلة؛ لأنه يدل على مطلق السبق، وإذا قلت: جئت من بعد عمرو؛ كان ابتداء مجيئك من الزمان المتعقب زمان مجيء عمرو، وإذا قلت: جئت بعد عمرو احتمل أن يتعقب وأن يتأخر بمهلة كثيرة أو قليلة فـ «من» لابتداء الغاية في القبلية والبعدية، فلو جاء شخص ظهرا وآخر عصرا حسن «قبل وبعد»، ولم يحسن «من قبل» ولا «من بعد» إذ لا [ا] عتقاب في الزمانين (¬6). قال: وكذلك تقول في «من لدن»، و «من عن»: إنها فيهما لابتداء الغاية؛ فإذا قلت: قعد زيد عن يمين عمرو؛ فمعناه ناحية يمين عمرو، واحتمل أن يكون قعوده ملاصقا لأول ناحية يمينه، واحتمل ألا يكون ملاصقا لأولها. وإذا قلت: من - ¬

_ (¬1) سورة الفتح: 29. (¬2) سورة الفرقان: 18. (¬3) البحر المحيط (6/ 488). (¬4) سورة المؤمنون: 91. (¬5)، (¬6) التذييل (4/ 9).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن يمينه؛ كان ابتداء القعود نشأ ملاصقا لأول الناحية (¬1). انتهى. والحاصل: أن المصنف جعل «من» إذا دخلت على الأربعة المذكورة وهي: «قبل، وبعد، ولدن، وعن» زائدة، وقد رأيت بحث الشيخ معه في ذلك وجعلها إذا دخلت على «عند، ولدى، ومع، وعلى» [3/ 183] لابتداء الغاية. ولقائل أن يقول: لا شك أن «عن، وعلى» يصير كل منهما اسما بمباشرة «من» له فإذا قيل: من عن؛ كانت بمعنى: جانب، وإذا قيل: من على؛ كانت «على» بمعنى: فوق وإذا كان كذلك فلا يظهر وجه للتفرقة بينهما في ما ذكر ويحتاج ذلك إلى تأمل. وقد استشهد على مباشرة «من» لـ «عن» ول «على» بأبيات غير ما أورده المصنف منها قول الشاعر. 2384 - فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلّها ... يمينا ومهوى القرط من عن شمالك (¬2) وقول الآخر: 2385 - غدت من عليه تنفض الطّلّ بعد ما ... رأت حاجب الشّمس استوى فترفّعا (¬3) وأما قول الآخر: 2386 - فقلت للرّكب لمّا أن علا بهم ... من عن يمين الخبيّا نظرة قبل (¬4) فهو من إنشادات المصنف في غير هذا الموضع. قيل: وكان القياس أن يقال في «من عليه»: من علاه، كما يقال: من فتاه؛ لأن المقصور من الأسماء لا يتغير مع المظهر والمضمر لما روعي أصلها. وفي شرح الشيخ: وقد تجرّ «عن» بعلى قال الشاعر: 2387 - على عن يميني مرّت الطّير سنّحا ... وكيف سنوح واليمين قطيع (¬5) - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 9). (¬2) البيت من الطويل، وكلمة «من» سقطت من الأصل، وقد زدناها ليتم الشاهد. وانظره في شرح المفصل (8/ 40). (¬3) البيت من الطويل قاله يزيد بن الطثرية وراجع أمالي الشجري (2/ 299)، والتذييل (4/ 9) وشرح المفصل (8/ 38)، والمقتضب (2 / 320)، (3/ 53). (¬4) من البسيط وينسب إلى القطامي - راجع ديوانه (ص 7)، والجمل (ص 73)، وجمهرة القرشي (ص 153) وشرح المفصل (8/ 41)، والمقرب (1/ 195). (¬5) من الطويل، وفي الأصل: قطوع وانظر التذييل (4/ 9)، والدرر (2/ 37)، والمغني (ص 150)، والهمع (2/ 36).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن ابن عصفور حكم على «عن وعلى» بالاسمية إذا (باشرهما حرف جر كما قال المصنف، قال: وكذا - يعني يحكم عليهما بالاسمية - إذا) (¬1) أدّى جعل شيء منهما حرفا إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضميره المتصل كقول القائل في «عن»: 2388 - [و] دع عنك نهبا صيح في حجراته ... ولكن حديثا ما حديث الرّواحل (¬2) وكقول الآخر في «على»: 2389 - [فـ] هوّن عليك فإنّ الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها (¬3) وفي ما ذكره نظر؛ فإن «عنك» في «دع عنك»، و «عليك» في «هون عليك» ليسا مفعولي الفعلين اللّذين هما «دع، وهوّن» وإن كانا من متعلقاتهما إنما مفعول «دع» «نهبا»، وأما مفعول «هون» فمحذوف يدل عليه المعنى، التقدير: هون عليك ما تلقاه. ولو كانت «عن» في البيت لتعدية الفعل الذي قبلها إلى ما بعدها لكان التقدير: دع إياك، أي: نفسك، وليس المعنى على هذا. وكذا كان يكون التقدير في البيت الآخر: هون إياك، أي: نفسك، وهذا لا يقال. فظهر أن المفعول غير ما باشره الحرفان المذكوران، وإذا كان المفعول غير ما باشره الحرف فمن أين يجيء تعدي فعل المضمر المتصل إلى مضمره المتصل، ولو كان ما قاله صحيحا لوجب أن يحكم باسمية «إلى» من قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ (¬4)، [و] وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ (¬5). ولم يذهب أحد إلى أن «إلى» اسم، وقد ذكر عن الأخفش (¬6) نحو ذلك، ولعله هو الموقع لابن عصفور في ما ذكرناه عنه، فإنه استدل على اسمية «على» بقول العرب: - ¬

_ (¬1) من هامش المخطوط. (¬2) من الطويل لامرئ القيس - النهب: الغلبة على المال والقهر، الحجرات: النواحي. راجع: ديوانه (/ 94)، والدرر (2/ 24)، والمغني (ص 150، 532)، برواية القواعل، والهمع (2/ 29). (¬3) من المتقارب واختلف في نسبته، فقيل: لعمر بن الخطاب وقيل: لغيره، وانظره في الدرر (2/ 23)، وسر الصناعة (ص 410)، والكتاب (1/ 32)، والمقتضب (4/ 196) والهمع (2/ 29). والمقرب (1/ 195، 196). (¬4) سورة مريم: 25. (¬5) سورة القصص: 32. (¬6) التذييل (4/ 9).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سويت على ثيابي، بالطريق الذي ذكره ابن عصفور، وقد عرفت أن ذلك لا دليل فيه. وقد سلم الشيخ أن التعدية (¬1) حاصلة فإنه قال: كما أن «إلى» من قوله تعالى: وَهُزِّي إِلَيْكِ (¬2) حرف إجماعا كذلك تقول إن على، وعن حرفان يعني في الأبيات التي ذكرها ابن عصفور لكن هذه التعدية قليلة فلا يكون فيها دلالة على اسمية «عن وعلى» (¬3). انتهى. وهو كلام عجيب!! وكيف يبقي الدلالة على الاسمية بعد أن سلم التعدية التي جعلها المدعي دليلا عليها؟! فإن قلت: فعلى أي وجه تعلق هذه الأحرف الجارة بالفعل وما معناها؟ قلت: الذي يظهر أن «عنك» من قوله: «دع عنك» في موضع الحال من المفعول المذكور - أعني «نهبا» - والتقدير: دع نهبا كائنا عنك، ومعنى «عن» المجاوزة، وكذلك القول في «عليك» من قول الآخر: «هوّن عليك»، التقدير: هوّن ما تلقاه كائنا عليك، ومعنى «على» الاستعلاء فإن ما يلقاه الإنسان من الأمور الصعبة كأنه عليه، فالاستعلاء الذي أفادته هنا معنوي. وأما كون «إليك» من الآيتين الشريفتين في موضع الحال «وإلى» لانتهاء الغاية ففي غاية الظهور، التقدير: وهزي بجذع النخلة كائنا إليك، و: اضمم جناحك كائنا إليك. ثم إن في كتب المغاربة الإشارة إلى مسألتين (¬4): الأولى: أن الفراء ومن وافقه من الكوفيين يزعمون أن «عن، وعلى» إذا دخلت عليهما «من» حرفان كما كانتا قبل دخولها قال: وزعموا أن «من» تدخل على حروف الجر كلها سوى «من» واللام، والباء، وفي»، وذكر عنهم دليلا (¬5). ولا شك أن هذا ونحوه مما لا يشتغل به فالواجب إهمال ذكره. - ¬

_ (¬1) في الهامش: التقدير. (¬2) سورة مريم: 25. (¬3) التذييل (4/ 9). (¬4) هاتان المسألتان مفصلتان في التذييل (4/ 9). (¬5) (لأنها تسد مسد الاسم المخفوض فإذا قلت: نظرت إلى زيد؛ فـ «إلى» عندهم تسد مسد وجه زيد أو ما جرى مجراه ... ولو كانت «عن وعلى» اسمين إذا دخلت عليهما «من» لقيل: عندك مرغوب فيه، يعني به: ناحيتك مرغوب فيها، وهذا لا يلزم كما لا يلزم في الأسماء إذ فيها ما لا يتصرف نحو: أيمن الله وسبحان الله ومعاذ الله ...). التذييل (4/ 9) بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: أن جماعة من النحاة منهم ابن طاهر، وابن خروف، والأستاذ أبو علي في أحد قوليه - ذهبوا (¬1) إلى أن «على» لا تكون حرفا، وزعموا أن ذلك مذهب سيبويه؛ لقوله في باب عدة ما يكون عليه الكلم: وهو اسم ولا يكون إلا ظرفا (¬2)، قالوا: واستدل المخالف لهؤلاء بأن «على» إذا حذفت في ضرورة الشعر نصب ما بعدها على أنه مفعول به. نحو قول الشاعر: 2390 - تحنّ فتبدي ما بها من صبابة ... وأخفي الّذي لولا الأسى لقضاني (¬3) وقول الآخر: 2391 - بخلت فطيمة بالّذي يرضيني ... إلّا الكلام وقلّما يجديني (¬4) أي: لقضى عليّ، وقلما يجدي عليّ، وقال آخر: 2392 - ما شقّ جيب ولا ناحتك نائحة ... ولا بكتك جياد غير أسلاب (¬5) أي: ولا ناحت عليك. وقد أجاز أبو الحسن (¬6) ذلك في الكلام وجعل منه قوله تعالى: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (¬7) أي: على صراطك، واستدل أيضا لذلك بحذفها مع الضمير في الصلة نحو: ركبت على الفرس الذي ركبت، قال الشاعر: 2393 - فأصبح من أسماء قيس كقابض ... على الماء لا يدري بما هو قابض (¬8) أي: عليه، ولو كانت اسما لم يجز ذلك، لو قلت: قعدت وراء الذي قعدت، تريد وراءه؛ لم يجز. ¬

_ (¬1) راجع الارتشاف (2/ 454) وتنقيح الألباب (ص 11). (¬2) الكتاب (4/ 231). (¬3) من الطويل لعروة بن حزام وليس في ديوانه وراجع: الدرر (2/ 22)، (106)، المغني (ص 142، 576، 577)، والهمع (2/ 29، 81). (¬4) البيت من بحر الكامل وهو في التذييل (4/ 10). (¬5) من البسيط وهو في التذييل (4/ 10). (¬6) الأخفش في المعاني (1/ 197). (¬7) سورة الأعراف: 16. (¬8) من الطويل وهو من شواهد أبي حيان في الارتشاف (1/ 536)، (3/ 310) والتذييل (4/ 10).

[إلى الجارة ... معانيها، وأحكامها]

[إلى الجارة ... معانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (ومنها: «إلى» للانتهاء مطلقا، وللمصاحبة، وللتّبيين، ولموافقة اللّام، وفي، ومن. ولا تزاد خلافا للفرّاء). قال ناظر الجيش (¬1): قال [3/ 184] المصنف: أردت بقولي: (للانتهاء مطلقا) شيئين: أحدهما: الزمان والمكان كقولك سرت إلى آخر النهار، وإلى آخر المسافة. والثاني: أن منتهى العمل بها قد يكون آخرا وغير آخر، نحو: سرت إلى نصف النهار، وإلى نصف المسافة. ونبهت بقولي: (وللمصاحبة) على أنها تكون بمعنى مع كقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (¬2) ومَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ * (¬3). قال الفراء في مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ: * قال المفسرون: من أنصاري مع الله (¬4) قال: وهو وجه حسن (¬5)، قال: وإنما تجعل «إلى» كـ «مع» إذا ضممت شيئا إلى شيء، كقول العرب: الذود (¬6) إلى الذود إبل (¬7)، فإن لم يكن ضم لم تكن إلى كمع فلا يقال في مع فلان مال كثير: إلى فلان مال كثير (¬8)، قلت: ومن مجيئها بمعنى (مع) (¬9) قول الشاعر: 2394 - برى الحبّ جسمي ليلة بعد ليلة ... ويوما إلى يوم وشهرا إلى شهر (¬10) ومثله: 2395 - ولقد لهوت إلى كواعب كالدّمى ... بيض الوجوه حديثهنّ رخيم (¬11) - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 141). (¬2) سورة النساء: 2. (¬3) سورة آل عمران: 52، وسورة الصف: 14. (¬4)، (¬5) معاني الفراء (1/ 218). (¬6) في الأصل: إن الذود. (¬7) مثل يضرب في اجتماع القليل إلى القليل حتى يؤدي إلى الكثير. والذود. قليل الإبل من ثلاثة إلى عشرة مجمع الأمثال (1/ 253). (¬8) معاني الفراء (1/ 218) وراجع: الارتشاف (ص 732)، والمغني (1/ 75)، والهمع (2/ 20). (¬9) من الهامش. (¬10) من الطويل، واستشهد به أبو حيان في التذييل (4/ 11). (¬11) من الكامل وينسب إلى كثير عزة وليس في ديوانه وانظر أمالي الشجري (2/ 268)، والتذييل (4/ 11).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 2396 - وإنّ امرأ قد عاش سبعين حجّة ... إلى مائة لم يسأم العيش جاهل (¬1) ومثله قول الآخر: 2397 - فلم أر عذرا بعد عشرين حجّة ... مضت لى وعشر قد مضين إلى عشر (¬2) ونبهت بقولي: (وللتبيين) على المتعلقة - في تعجب أو تفضيل بحب أو بغض مبينة لفاعلية مصحوبها كقول الله تعالى: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (¬3)، وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وايم الله لقد كان خليقا للإمارة وإن كان من أحبّ النّاس إليّ» (¬4) وأشرت بموافقة اللام إلى نحو: وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ (¬5)؛ فاللام في هذا هو الأصل كقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (¬6)، وكقوله تعالى: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (¬7) وهَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ (¬8) ومثل «إلى» من وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ في موافقة اللام «إلى» (المعدية) (¬9) فعل الهدى كقوله تعالى: وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (¬10)؛ فإنها موافقة للام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (¬11)، وقُلِ (اللَّهُ) (¬12) يَهْدِي لِلْحَقِّ (¬13) وإِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (¬14)، ومنه قول عمر رضي الله عنه، لا يمنعنّك قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحقّ» (¬15) وأشرت - ¬

_ (¬1) من الطويل قاله كعب بن زهير، أو زهير بن أبي سلمى. راجع ديوانه (ص 257) وانظر في شرح المفصل (9/ 4)، والشعر والشعراء (ص 100)، وعيون الأخبار (1/ 23). (¬2) البيت من الطويل وانظره في التذييل (4/ 11). (¬3) سورة يوسف: 33. (¬4) الكلام عن زيد بن حارثة مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم ينظر البخاري: الإيمان (2) وفضائل الصحابة (17) ومسند ابن حنبل (2/ 20). (¬5) سورة النمل: 33. (¬6) سورة الروم: 4. (¬7) سورة الانفطار: 19. (¬8) سورة آل عمران: 154. (¬9) من الهامش، والأصل: التي هي. (¬10) سورة يونس: 25. (¬11) سورة الأعراف: 43. (¬12) من الهامش، والأصل: أفمن، وهو تحريف. (¬13) سورة يونس: 35. (¬14) سورة الإسراء: 9. (¬15) من رسالة لعمر بن الخطاب بعث بها إلى أبي موسى الأشعري وقد ولاه عمر قضاء البصرة. العقد الفريد (1/ 86)، وفيه «بالأمس» بدل «اليوم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بموافقة «في» إلى قول الشاعر: 2398 - فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني ... إلى النّاس مطليّ به القار أجرب (¬1) ومثله قول النمر (¬2): 2399 - إذا جئت دعدا لا تتركانني ... إلى آل دعد من سلامان أو نهد (¬3) أراد: في الناس، و: في آل دعد. ويمكن أن يكون من هذا قوله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ * (¬4)، وثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (¬5) ومثل موافقة إلى «من» قول ابن أحمر (¬6): 2400 - تقول وقد عاليت بالكور فوقها ... أيسقى فلا يروي إليّ ابن أحمرا (¬7) أي: فلا يروي مني. وزعم الفرّاء أنها زائدة (¬8)، في قراءة بعضهم فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (¬9) بفتح الواو، ونظّرها باللام في قوله تعالى: رَدِفَ لَكُمْ (¬10) وأولى من زيادتها أن يكون الأصل «تهوي» فجعل موضع الكسرة فتحة كما يقال في رضي: رضى، وفي ناصية: ناصاه وهي لغة طائية، وعليها قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) من الطويل للنابغة الذبياني ديوانه (ص 13)، والأشموني (2/ 214)، والخزانة (4/ 137)، والدرر (2/ 13)، والهمع (2/ 20). (¬2) ابن تولب بن زهير العكلى شاعر مخضرم لم يمدح ولا هجا أحدا (ت: نحو 14 هـ)، الجمهرة (ص 109). (¬3) من الطويل وهو في التذييل (4/ 12). (¬4) سورة النساء: 87، وسورة الأنعام: 12. (¬5) سورة الجاثية: 26. (¬6) عمرو بن أحمر بن العمرد من قيس، مخضرم، عده ابن سلام في الطبقة الثالثة من شعراء الإسلام. ابن سلام (ص 580) والمؤتلف (ص 37). (¬7) من الطويل - تقول أي: الناقة. الكور: الرحل، يسقى هنا: يركب، لا يروى: لا يسأم. الدرر (2/ 13)، والهمع (2/ 20). (¬8) المعاني (2/ 78). (¬9) سورة إبراهيم: 37، وهي قراءة علي بن أبي طالب وزيد بن علي، ومحمد بن علي وجعفر ومجاهد. راجع البحر المحيط (5/ 433). (¬10) سورة النمل: 72.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2401 - نستوقد النّبل بالحضيض ونص ... طاد نفوسا بنت على الكرم (¬1) أراد: بنيت على الكرم (¬2). انتهى. والمعاني التي ذكرها لهذا الحرف الذي هو «إلى» ستة: أولها: الانتهاء، أي: انتهاء الغاية، وهذه هي عبارة النحويين. وقال سيبويه: «وأما» إلى فمنتهى الغاية؛ تقول: من مكان كذا وكذا إلى مكان كذا وكذا، وتقول لرجل: إنما انتهائي إليك، أي: أنت غايتي (¬3)، وقال الفارسي: معناها الغاية (¬4) وحمله الناس على أن مراده انتهاء الغاية، وابن خروف (¬5) يذهب إلى أنها قد تدخل على ما يقع فيه ابتداء الفعل وانتهاؤه مستدلّا بقوله تعالى: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ (¬6)؛ لأن الأمة المعدودة هي الزمان الذي وقع فيه تأخير العذاب لا الزمان الذي وقع فيه نهاية تأخيره. قال: لأن المعنى: ولئن أخرنا عنهم العذاب أمة معدودة. وأجاب غيره (¬7) عن ذلك بأن ثم مضافا حذف وهو مراد، التقدير: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى انقضاء أمة معدودة. قال ابن عصفور: وإنما وجب أن يقدر أن الأمر كذلك؛ لأن الثابت في كلام العرب أن «إلى» إنما تدخل على ما يكون منتهى لابتداء غاية الفعل (¬8). انتهى. ثم قد عرفت ما قاله المصنف من أن منتهى العمل بها قد يكون آخرا وغير آخر. وهذه المسألة غير مسألة قولهم: إن المغيّا بـ «إلى» هل هو داخل فيما قبلها أو غير داخل؟ لكن الشيخ (¬9) حكم بأن مراد المصنف مما ذكره هذه المسألة، وليس مراده ذلك؛ بل هذه المسألة لم يتعرض المصنف إلى ذكرها في هذا الكتاب ولا في بقية وإنما ذكرها غيره. قال ابن عصفور: ما بعد «إلى» غير داخل فيما قبلها إلا أن يقترن بالكلام قرينة تدل على خلاف ذلك نحو قولك: اشتريت الشقة إلى طرفها. - ¬

_ (¬1) من المنسرح، وانظر شرح ديوان الحماسة (ص 195)، وشواهد الشافية (ص 44). (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 143). (¬3) الكتاب (4/ 231) بتصرف. (¬4) الإغفال (1/ 507) والإيضاح (ص 251). (¬5) رأيه هذا في التذييل (4/ 11). (¬6) سورة هود: 8. (¬7) هو أبو حيان في التذييل (4/ 11). (¬8) شرح الجمل (1/ 398، 399). (¬9) في التذييل (4/ 11، 12).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا ما قاله في المقرب (¬1)، وقال في شرح الإيضاح (¬2): وإذا ثبت أن «إلى» تكون لانتهاء غاية الفعل فجائز أن تقع على أول الحد فلا يكون الفعل فيما بعدها، وجائز أن يقع الفعل فيما بعدها ولكن يمتنع أن يجاوز الفعل ما بعدها؛ لأن النهاية غاية وما كان بعده شيء لم يسم غاية. فعلى هذا إذا قلت: سرت إلى الكوفة؛ فجائز أن تكون دخلت الكوفة، وجائز أن تكون بلغتها ولم تدخلها، ولا يجوز أن تكون قد تجاوزتها بالسير، ومما يدل على أن ما بعد «إلى» قد يكون داخلا في الفعل الذي قبلها قول امرئ القيس: 2402 - وصرنا إلى الحسنى ورقّ كلامنا ... ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال (¬3) ألا ترى أن مراده أنه قد دخل في الحسنى، وتقول: اشتريت الشقة إلى طرفها، ومعلوم أن طرف الشقة داخل في الشراء [3/ 185] ومما يدل على أنه قد يكون غير داخل فيما قبلها قولك: صمت إلى يوم الفطر، واشتريت المكان إلى الطريق، وإذا عري الكلام عن قرينة تدل على الدخول أو عدمه فأكثر المحققين على أنه لا يدخل؛ لأن استعمالها على أن يكون ما بعدها غير داخل في الفعل الذي قبلها أكثر في كلام العرب. ألا ترى أنك تقول: ذهبت إلى زيد، ودخلت إلى عمرو، ونحو ذلك، وليس ما بعدها داخلا في الفعل الذي قبلها في شيء منه (¬4). انتهى كلامه. وقال ابن هشام الخضراوي: قد اختلف النحويون؛ أيدخل ما بعدها فيما قبلها، أم لا؟ فمنهم من منع ذلك، ومنهم من التزمه، ومنهم من فرّق فقال: إن كان من جنس الأول دخل، وإلا فلا، نحو: أبيعك هذه الأرض إلى هذا الحد، وهذه الشجرة إلى تلك الشجرة. فإن قلت: أبيعك هذه الأرض إلى هذه الشجرة؛ لم تدخل في البيع، ودليل هذا قوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (¬5) ومنهم من - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 199). (¬2) هو من الكتب المفقودة لابن عصفور ويوجد منه أربعون ورقة من أول الكتاب مصورة من تركيا. (¬3) من الطويل. يريد: «ليّنتها بالكلام وغيره» وانظر: ديوانه (ص 32)، والخزانة (4/ 24)، والمحتسب (2/ 260)، والمقتضب (1/ 74). (¬4) مثله في شرح الجمل (1/ 354). (¬5) سورة البقرة: 187.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: هي انتهاء الغاية؛ فقد يصل الفعل لما بعدها ويقف، وقد يباشرها؛ تقول: سرت إلى الكوفة؛ فقد يصل إليها ولا يدخلها، وقد يجوز أن يكون دخلها ولا يجاوزها، وهو قول الفراء (¬1)، وهذا أغلب أقوال النحويين وأقربها إلى الصواب، وهو قول أبي علي وسيبويه (¬2) في كلامه يدخل ما بعد إلى فيما قبلها، وليس عنه نصّ في أنه قد لا يدخل (¬3) انتهى. ولا يخفى أن فيه من التنقيح ما ليس في كلام ابن عصفور. ثم قال - أعني ابن عصفور -: «وقد تكون لانتهاء الغاية في الأسماء كما تكون لانتهاء الغاية في الأفعال، وذلك نحو قولك: إنما أنا إليك، أي: أنت غايتي، ومن ذلك قوله تعالى: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (¬4) المعنى فأيمانهم إلى الأذقان، أي: مضمومة إلى الأذقان، وعاد الضمير على الأيمان، وإن لم تذكر، من جهة أن الغل لا يكون إلا في اليمين والعنق جميعا؛ فكفى ذكر أحدهما عن الآخر (¬5). وثانيها: المصاحبة، أي أنها تكون بمعنى «مع» وقد تقدم استدلال المصنف على ذلك. والمنقول أن كون «إلى» تكون بمعنى «مع» هو مذهب الكوفيين، لكن ابن هشام الخضراوي لما ذكر المسألة قال: هذا قول أهل اللغة وهو مذهب الكوفيين وكثير من البصريين، ثم قال: وقد جعل الأئمة هذا من التضمين وهو نوع من الاتساع لا يقاس؛ وذلك أن الفعل قد يتأول فيه معنى ما يقاربه فيعدّونه تعديته. وكان قد ذكر أن من الأدلة على أن «إلى» ترد بمعنى «مع» قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (¬6) قال: فـ الرَّفَثُ إفضاء وهو يتعدى بـ «إلى» فكأنه قيل: أحل لكم الإفضاء إلى نسائكم. قال: وكذا قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (¬7) إن شئت جعلته على هذا أي: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 11). (¬2) الكتاب (2/ 383)، (3/ 5، 7، 21، 24)، (4/ 231). (¬3) التذييل (4/ 11) بغير نسبة. (¬4) سورة يس: 8. (¬5) شرح الجمل (1/ 499). (¬6) سورة البقرة: 187. (¬7) سورة النساء: 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم في الأكل، وقد يكون إِلى أَمْوالِكُمْ حالا من أَمْوالَهُمْ على تقدير مضافة إلى أموالكم. قال: وكذا يقال في قولهم: الذود إلى الذود إبل، يقال للذي يرى أنها بمعنى «مع» الذي يقدر عاملا في «مع» ويليق بها يقدر مثله عاملا في «إلى» أي: مضافة إلى الذود، كما يقدر في «مع»: مجتمعة. قال: وكذا يقال في قول الشاعر: 2403 - شدخت غرّة السّوابق منهم ... في وجوه إلى اللمام الجعاد (¬1) التقدير: واصلة إلى اللمام، قال: ولأجل هذا وغيره قال سيبويه بعد أن ذكر أنها لانتهاء الغاية: فهذا أمر «إلى» وأصلها وإن اتسعت (¬2). قال: وكذا قولهم: إن فلانا ظريف عاقل إلى حسب ثاقب، قيل: إن «إلى» فيه بمعنى «مع» أي: مع حسب. ونحن نقول: إن «إلى» معناها الأصلي [الإضافة] أي: مضيف ذلك إلى حسب (¬3). انتهى. وهذا الذي ذكره من التخريج أشار إليه الجماعة كابن أبي الربيع وابن عصفور وغيرهما، ولا يبعد عن الصواب، وهو أولى من جعل «إلى» بمعنى «مع» وعلى الوجه الثاني من الوجهين اللّذين ذكرهما في قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (¬4) تتخرج الأبيات التي أنشدها المصنف (¬5) وهي: برى الحبّ جسمي، ولقد لهوت إلى كواعب، وإنّ امرأ قد عاش، وفلم أر عذرا، وأما قوله تعالى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ (¬6) فقال ابن عصفور: إن مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ضمّن معنى ما يصل بـ «إلى» فالمعنى: من ينضاف في نصرتي إلى الله؟ وقال ابن أبي الربيع: قال بعض (¬7) النحاة: إن «إلى» تكون بمعنى «مع» واستدلوا بقوله سبحانه وتعالى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ المعنى: من أنصاري مع الله، وبقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ، وبقول امرئ القيس: - ¬

_ (¬1) شدخت رأسه: كسرتها. اللمام: جمع لمة: الشعر يلم بالمنكب. الجعاد: خلاف المسترسل من الشّعر من الخفيف وهو في التذييل (4/ 11). (¬2) الكتاب (1/ 420)، (4/ 231). (¬3) راجع التذييل (4/ 11، 12). (¬4) سورة النساء: 2. (¬5) المصدر السابق. (¬6) سورة آل عمران: 52. (¬7) يقصد الفراء راجع التذييل (4/ 11).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2404 - له كفل كالدّعّص لبّده النّدى ... إلى حارك [مثل الغبيط المذأّب] (¬1) أي: مع حارك وهذا كثير فالكوفيين يذهبون إلى أن «إلى» في مثل ذلك بمعنى «مع». وأما البصريون فيذهبون إلى التضمين وهو الصحيح. فأما قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ (¬2) فهو من إقامة المسبب مقام السبب، والأصل: ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم؛ فيكون ذلك سببا لأكلها، فلما كان المراد ألا يخلط مال اليتيم بماله وأن (يفرده) (¬3) محافظة على أن يتنمى ولا يتعدى فيه، أتى بـ «إلى» لتدل على هذا المراد، فيعطي على اختصاره ما يعطي لو قال سبحانه: ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم؛ فيكون ذلك سببا لأكلها، فهذه فائدة لا تكون مع «مع»، وأكثر ما يكون هذا التضمين في الكلام الفصيح لإفادة معنى وإحرازه، وإذا تدبرته في كل ما ذكرته وجدتّه. وأما قوله سبحانه: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ (¬4) ففي «إلى» هنا فائدة لا تعطيها «مع»، وذلك أنك إذا قلت: من ينصرني مع فلان؟ لم يعط أن فلانا ينصرك [3/ 186] ولا بد وحده، فقد يقول: هذا فلان قد قال انصرك وإن وجدت لي معينا، وإذا قلت: من يضيف نصرته إلى نصرة فلان؟ ففلان ناصرك ولا بد، وأنت تطلب من يضيف نصرته إلى نصرته، وهذا المراد في قوله تعالى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ أي: من يضيف نصرته إلى نصرة الله، والله تعالى أعلم. وأما قول امرئ القيس فالتقدير فيه: له كفل مضاف إلى حارك؛ لأن بإضافة حارك إلى هذه الصفة إلى الكفل (حسن) (¬5) الكفل، فلو كان الكفل والحارك منخفض لكان الفرس قبيحا، وهذا المعنى لا تحرزه «مع»؛ لأنه لو قال: له كفل مع حارك؛ لم يكن فيه إلا أن له عضوين حسنين ليس أحدهما شرطا في رتبة صاحبه. وإذا تأملت ما قلته وأجريته في النظائر، وفي كل ما يأتي من هذا النوع؛ وجدته إن شاء الله تعالى صحيحا (¬6). انتهى كلامه. وهو كلام حسن صواب. - ¬

_ (¬1) ما بين المعقوفين زيادة من الديوان (130) والدعص: قطعة من الرمل مستديرة وجمعه أدعاص ودعصة وهو أقل من الحقف، والحارك: أعلى الكاهل وهو ما بين الكتفين، وانظر البيت - كذلك - في التذييل (4/ 11). (¬2) سورة النساء: 2. (¬3) في الأصل: تفرده. (¬4) سورة آل عمران: 52. (¬5) غير واضحة بالأصل. (¬6) هذا النص كذلك في التذييل (4/ 11)، ولم يعين أبو حيان قائله.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثالثها: التبيين، وهذا المعنى لم يتعرض المغاربة إلى ذكره. ولا شك أنه حق لا مطعن فيه وهو يحقق لك أن «من» الواقعة بعد «أفعل» التفضيل للتبيين. ورابعها: موافقة اللام، والظاهر إثبات هذا المعنى لها وسيأتي أن اللام تكون بمعنى «إلى» كما في قوله تعالى: سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ (¬1) والأمثلة التي تقدم ذكرها للمصنف ظاهر فيها ما ذكره غير قوله تعالى حكاية: وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ (¬2)؛ فإن الشيخ قال: لا يتعين ما ذكره بل «إلى» باقية على معناها من الغاية، أي: الأمر مضاف إليك ومنته إلى رأيك. قال: وقد قال ابن عصفور: إنها تكون غاية في الأسماء كما تكون في الأفعال نحو: إنما أنا إليك (¬3). انتهى. والذي ذكره الشيخ في الآية الشريفة ظاهر، وسيعاد الكلام في شيء مما تقدم عند الكلام على اللام. وخامسها: معنى «في». وقد عرفت ما استشهد به المصنف على ذلك. وقال ابن هشام: قال (¬4) بعضهم «إلى» تكون بمعنى «في» تقول العرب: جلست إلى القوم، أي: فيهم، وقال تعالى: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (¬5)؛ لأن العرب تقول: هل لك في كذا، وقال طرفة: 2405 - وإن يلتق الحيّ الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الرّفيع المصمّد (¬6) وقال النابغة: 2406 - فلا تتركنّي بالوعيد كأنّني إلى ... النّاس مطليّ به القار أجرب (¬7) ثم إنه خرج ذلك جميعه إلا قوله تعالى: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى؛ فقال في: جلست إلى القوم: إن تقديره: منضمّا إلى القوم، وفي قول طرفة: إن تقديره: - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 57. (¬2) سورة النمل: 33. (¬3) التذييل (4/ 12)، وشرح الجمل (1/ 354). (¬4) ينظر المغني (ص 75) وما بعدها. (¬5) سورة النازعات: 18. (¬6) من الطويل، وذروة الشيء: أعلاه، وراجع: أمالي الشجري (2/ 268) برواية «الكريم» بدل «الرفيع» والخزانة (4/ 139) وديوان طرفة (ص 30) دار صادر. (¬7) البيت من بحر الطويل وهو للنابغة من اعتذارياته للنعمان. انظر القصيدة والبيت (ص 18) من الديوان. دار صادر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تلاقني آويا إلى ذروة، كقوله تعالى حكاية: سَآوِي إِلى جَبَلٍ (¬1)، وفي قول النابغة: إن تقديره: منضمّا إلى الناس؛ فـ «منضمّا» حال من الضمير المنصوب والعامل فيها ما في «كأن» من التشبيه، وقيل: ضمنه معنى «مبغض إلى الناس»؛ لأنه إذا كان بالمنزلة التي ذكر فهو مبغّض إلى الناس. هذا كلامه، ولم أفهم المضمن معنى مبغض ما هو. وقد أفصح ابن عصفور فقال: إن «مطليّا» في البيت ضمن معنى «مبغّض»؛ لأن الجمل الأجرب المطلي بالقطران تبغضه الناس ويطردونه خوفا من عدواه، فلما ضمن معنى مبغض أجراه في التعدي بـ «إلي» مجراه (¬2). وقال في قوله تعالى: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (¬3). لما كان دعاء موسى عليه الصلاة والسّلام - لفرعون صار تقديره: أدعوك إلى أن تزكى. وأما البيت الذي أنشده المصنف وهو: 2407 - إذا جئت دعدا لا ... فقيل فيه: إن التقدير كأنني بغيض إلى آل دعد؛ لأن سلامان ونهدا عدوان لآل دعد. وأما قوله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (¬4) فقد خرّج على نحو ما تقدم؛ فقيل: التقدير: مضمومين إلى هذا اليوم. قال ابن هشام: أو يكون التقدير: إلى عرض هذا اليوم، أو حساب هذا اليوم (¬5). وسادسها: معنى «من» وقد استدل المصنف على ذلك بما أنشده من قول الشاعر: 2408 - تقول وقد عاليت بالكور فوقها ... أيسقى فلا يروي إليّ ابن أحمرا (¬6) وذكر أن التقدير: فلا يروى مني، وقد خرجه ابن عصفور في شرح الإيضاح تخريجا عجيبا إذا تأمل الواقف عليه عرف ما فيه. وأما ابن هشام فإنه بعد إنشاده البيت المذكور وذكره أنه لابن أحمر يصف ناقته قال: أراد: أيسقى ابن أحمر فلا يروى مني، ضرب السقي والري مثلين لما ينال بها - ¬

_ (¬1) سورة هود: 43. (¬2) المغني (ص 75). (¬3) سورة النازعات: 18. (¬4) سورة الأنعام: 12. (¬5) المغني (ص 75) وما بعدها. (¬6) سبق تخريجه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من المأرب؛ فضمن الري هنا معنى الإشفاق فكأنها تقول: فلا يأوي إليّ. يقال: أويت إليه أي: أشفقت؛ لأن الأوي انضمام وانعطاف. قال: وهذا من الاتساع الذي ذكره سيبويه (¬1) رحمه الله تعالى (¬2) انتهى. وما ذكره أقرب وأولى مما ذكره ابن عصفور. وقد تبين مما ذكرناه: أن الثابت بالتحقيق لـ «إلى» من المعاني التي ذكرها المصنف ثلاثة وهي: انتهاء الغاية، والتبيين، وموافقة اللام. واعلم أن غير المصنف ذكر أن «إلى» تجيء بمعنى «عند» قال ابن هشام: وذلك كثير؛ لأن ما كان عندك فقد انضم إليك، يقال: هو أشهى إليّ من كذا، أي عندي. وقال الراعي (¬3). 2409 - ثقال إذا زار النساء خريدة ... صناع فقد سادت إليّ الغوانيا (¬4) أي: عندي. وقال: 2410 - لعمرك إنّ المسّ من أمّ خالد ... إليّ وإن لم آته لبغيض (¬5) يريد بالمس: النكاح، وقال حميد بن ثور (¬6): 2411 - ذكرتك لمّا أتلعت من كناسها ... وذكرك سبّات إليّ عجيب (¬7) أتلعت: رفعت رأسها، يعني غزالة، والسبات: الأوقات، واحدها سبة. وفي الحديث: «إنّ أبغضكم [3/ 187] إليّ المتفيهقون» (¬8) أي: عندي، وقال تعالى: فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (¬9)، وقال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 211 - 216). (¬2) المغني (ص 75) وما بعدها. (¬3) عبيد بن حصين من رجال العرب، كان يصف راعي الإبل في شعره (ت: 9 هـ). الأعلام (3/ 34)، وطبقات الشعراء (ص 503). (¬4) البيت من الطويل وامرأة صناع: خلاف الخرقاء، وانظره في التذييل (4/ 13). (¬5) كالسابق بحرا، واستشهادا، ومصادر، ويروى: «جابر» موضع «خالد». (¬6) شاعر مخضرم عده الجمحي في الطبقة الرابعة من الإسلاميين (ت 30 هـ). راجع الأعلام (2/ 318) والجمحي (495). (¬7) من الطويل وهو في ديوانه (ص 56)، وفي التذييل (4/ 13). (¬8) هو عن جابر رضي الله عنه. وراجع: الترمذي (70)، وابن حنبل (4/ 193، 194) وشرح العمدة (ص 433). (¬9) سورة يس: 8.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ (¬1) أي: عند الله، وهذا كله على تأويل الإضافة بالانضياف؛ لأن من أبغضته قد انضاف إلى خاطرك واشتغل به، وكذلك «الأغلال» قد انضافت إلى «الأذقان» واتصلت بها، وكذلك ما انفرد حكمه بالله قد انضاف إليه على ما يليق به سبحانه فـ «إلى» غير خارجة عن بابها فإنها نهاية إن شاء الله تعالى متصلة. انتهى. ولم يفصح عن تخريج الشواهد التي أوردها، ولا شك أن معنى أشهى إليّ من كذا: أحب إليّ من كذا، وقد عرفت أن «إلى» المتعلقة بحبّ أو بغض في التفضيل معناها التبيين؛ فعلى هذا «إلى» في قولهم: أشهى إليّ من كذا، كما قال أبو كبير الهذلي (¬2): 2412 - ام لا سبيل إلى الشّباب وذكره ... أشهى إليّ من الرّحيق السّلسل (¬3) على بابها. لكن المغاربة لم يذكروا هذا المعنى - أعني التبيين - لهذا الحرف، على أن ابن عصفور ذكر أن معنى أشهى إليّ: أحب إليّ، لكنه لم يتعرض إلى معنى «إلى» في هذا التركيب (¬4)، والظاهر أنها عنده لانتهاء الغاية، وكذا قول الآخر: 2413 - إليّ وإن لم آته لبغيض «إليّ» متعلقة فيه بقوله: لبغيض، أي: لبغيض إليّ فهي للبيان على بابها، وكذا يقال في الحديث الشريف أيضا، وقالوا في: 2414 - سادت إليّ الغوانيا إن الكلام المذكور ضمن معنى: صارت أحبّ الغواني إليّ؛ لأنها إذا سادت الغواني عنده؛ فقد صارت أحبّهنّ إليه، وأما قول الآخر: 2415 - وذكرك سبّات إليّ عجيب - ¬

_ (¬1) سورة الشورى: 10. (¬2) عامر بن الحليس من شعراء الحماسة أدرك الإسلام وأسلم. راجع: الأعلام (4/ 17)، والشعر والشعراء (2/ 670). (¬3) من الكامل. وانظر ديوان الهذليين (2/ 89)، والأشموني (2/ 14)، والمغني (ص 75)، الهمع (2/ 20). (¬4) أكثر هذه النصوص لابن عصفور في شرح الإيضاح المفقود له.

[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها]

[اللام الجارة: معانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (ومنها اللام للملك، وشبهه، وللتّمليك، وشبهه، وللاستحقاق، وللنّسب، وللتّعليل، وللتّبليغ، وللتّعجّب، وللتّبيين، وللصّيرورة، ولموافقة في، وعند، وإلى، وبعد، وعلى، ومن، وتزاد مع مفعول ذي الواحد قياسا في نحو: لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬1)، إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (¬2) وسماعا في نحو: رَدِفَ لَكُمْ (¬3) وفتح اللّام مع المضمر لغة غير خزاعة ومع الفعل لغة عكل وبلعنبر). - فالظاهر أن «إلى» في موضع الحال من «سبات» التقدير: كائنة إليّ أي: منتهاة إليّ. واعلم أن: دعوى أن «إلى» بمعنى «عند» يفضي إلى إشكال وهو أنه يلزم منها اسمية «إلى»؛ لأن الحرف إذا وافق الاسم في معناه وجب الحكم باسميته. لكن قد يجاب عن ذلك بأن هذا إنما يكون فيما لم تثبت حرفيته أما «إلى» فحرفيتها ثابتة في سائر استعمالاتها، ولا يلزم من كونها في بعض استعمالاتها بمعنى اسم ثبوت الاسمية، ثم إنك قد عرفت قول المصنف: إن «إلى» لا تزاد، وأن الفرّاء أجاز ذلك مستدلّا بقراءة بعضهم: فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم (¬4) وعرفت تخريج المصنف لها. لكن الشيخ قال: هذا تخريج لا يجوز؛ لأنه ليس كل ما آخره ياء قبلها كسرة يجوز إبدالها ألفا وفتح ما قبلها عند طيئ فلا يقال في يرمي: يرمى، ولا في يشتري: يشترى. قال: وقد نقدنا عليه ذلك في باب التصريف وبينا أن ذلك عند طيئ ليس على إطلاقه، وإنما هو مخصوص بنحو: رضي، وبنحو: الناصية فقط، وتخرّج هذه القراءة على تضمين «تهوى» معنى: تميل؛ لأن من هوى شيئا مال إليه، فكأنه قيل: (تميل) (¬5) إليهم بالمحبة (¬6). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬7) لام الملك نحو: المال لزيد، ولام شبه الملك - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 43. (¬2) سورة هود: 107. (¬3) سورة النمل: 72. (¬4) سورة إبراهيم: 37. (¬5) من الهامش، وفي الأصل: عنده. (¬6) التذييل (4/ 13، 14). (¬7) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: أدوم لك ما تدوم لي، وكقول الشاعر: 2416 - ما لمولاك كنت كان لك المو ... لى ومثل الّذي تدين تدان (¬1) ومن هذا النوع المفهمة ما يجب مقابلة لـ «على» كقوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها * (¬2). وكقول الشاعر: 2417 - فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسرّ (¬3) والتمليك نحو: وهبت لزيد دينارا، وشبه التمليك نحو: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً (¬4)، ولام الاستحقاق نحو: الجلباب للجارية، والجل للفرس، ولام النسب نحو: لزيد عمّ هو لعمرو خال، ولعبد الله ابن هو لجعفر حم، ولام التعليل نحو: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ (¬5)، ولِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (¬6)، وكقول الشاعر: 2418 - ولو سألت للنّاس يوما بوجهها ... سحاب الثّريّا لاستهلّت مواطره (¬7) ومن لامات التعليل الجارة اسم من غاب حقيقة أو حكما عن قائل قول يتعلق به نحو: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (¬8)، ومثله: وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا (¬9)، ومثله: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا (¬10)، ومثله: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا (¬11)، ومثله: وَلا أَقُولُ - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف وهو في التذييل (4/ 13)، هذا وعجزه من أمثال العرب. راجع الأمثال (2/ 91). (¬2) سورة فصلت: 46، وسورة الجاثية: 15. (¬3) من المتقارب للنمر بن تولب وراجع: الدرر (1/ 76)، (2/ 22)، والكتاب (1/ 44)، والهمع (1/ 101)، (2/ 28) هذا وصدره مثل. راجع مجمع الأمثال (2/ 347). (¬4) سورة النحل: 72. (¬5) سورة النساء: 105. (¬6) سورة النحل: 44. (¬7) من الطويل للفرزدق. راجع: ديوانه (ص 347) والارتشاف (ص 370) والمحتسب (1/ 41، 108). (¬8) سورة الأحقاف: 11. (¬9) سورة آل عمران: 156. (¬10) سورة آل عمران: 168. (¬11) سورة الأعراف: 38.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً (¬1)، ومنه قول الشاعر: 2419 - وقولك للّشيء الّذي لا تناله ... إذا ما هو احلولى ألا ليت ذا ليا (¬2) ومثله: 2420 - حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالنّاس أعداء له وخصوم 2421 - كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغيا (¬3) إنّه لدميم (¬4) ولام التبليغ هي الجارة اسم سامع قول أو ما في معناه نحو: قلت له، وبينت له، وفسرت له، وأذنت له، واستجبت له، وشكرت له، ونصحت له. إلا أن هذين قد يستغنيان [3/ 188] عن اللام فيقال: شكرته، ونصحته، والمختار تعديتهما باللام، وبذلك نزل القرآن العزيز كقوله تعالى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (¬5)، وكقوله تعالى: وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (¬6)، ولام التعجب كقول الشاعر: 2422 - شباب وشيب وافتقار وثروة ... فلله هذا الدّهر كيف تردّدا (¬7) ومثله: 2423 - فلله عينا من رأى من تفرّق ... أشتّ وأنأى من فراق المحصّب (¬8) ولام التبيين هي الواقعة بعد أسماء الأفعال والمصادر التي تشبهها مبينة لصاحب معناها، والمتعلقة بحب في تعجب أو تفضيل مبينة لمفعولية مصحوبها فالأول نحو: هَيْتَ لَكَ (¬9)، وهَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (¬10)، والثاني نحو: ما أحبّ زيدا لعمرو، [و] وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ (¬11)، ولام الصيرورة كقوله - ¬

_ (¬1) سورة هود: 31. (¬2) من الطويل وراجع التذييل (4/ 13). (¬3) ويروى: وبغضا. (¬4) البيتان من الكامل لأبي الأسود الدؤلي، انظر: ملحقات ديوانه (ص 129)، والأشموني (2/ 218)، والهمع (2/ 32). (¬5) سورة البقرة: 152. (¬6) سورة الأعراف: 62. (¬7) من الطويل للأعشى. راجع ديوانه (102)، والأشموني (2/ 217)، وأمالي الشجري (1/ 268). (¬8) من الطويل لامرئ القيس وفراق المحصب موضع رمي الجمار بمنى؛ لأنه يرمى فيه بالحصباء وهي الحجارة الصغار. وانظر ديوانه (ص 43). (¬9) سورة يوسف: 23. (¬10) سورة المؤمنون: 36. (¬11) سورة البقرة: 165.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً (¬1)، وكقول الشاعر: 2424 - فللموت تغدو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدّور تبنى المساكن (¬2) ومثله: 2425 - لا أرى حصنا ينجّي أهله ... كلّ حيّ لفناء ونفد (¬3) والموافقة «في» كقوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ (¬4)، [و] وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ (¬5)، ومنه قول مسكين الدارمي (¬6): 2426 - أولئك قومي قد مضوا لسبيلهم ... كما قد مضى لقمان عاد وتبّع (¬7) ومنه قول الحكم بن صخر (¬8): 2427 - وكلّ أب وابن وإن عمّرا معا ... مقيمين مفقود لوقت وفاقد (¬9) والموافقة «عند» كقراءة الجحدري (¬10): بل كذبوا بالحق لما جاءهم (¬11)، قال أبو الفتح ابن جني: أي عند مجيئة إياهم كقولك: كتب لخمس خلون (¬12). والموافقة «إلى» كقوله تعالى: حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ - ¬

_ (¬1) سورة القصص: 8. (¬2) من الطويل لسابق البربري. راجع: الخزانة (4/ 163)، والدرر (2/ 31)، العقد الفريد (2/ 69) والمغني (ص 214). (¬3) من الرمل وهو من شواهد أبي حيان في التذييل (4/ 14). (¬4) سورة الأعراف: 187. (¬5) سورة الأنبياء: 47. (¬6) هو ربيعة بن عامر الدارمي شاعر عراقي له أخبار مع معاوية وكان يتصل بزياد بن أبيه (ت 89 هـ) راجع: إرشاد الأريب (4/ 204). (¬7) من الطويل وراجع التذييل (4/ 14). (¬8) شاعر من خضر محارب كان معاصرا لابن ميادة، وعده الأصمعي من طبقته (ت 150 هـ). راجع الأعلام (2/ 256). (¬9) من الطويل، وانظره في التذييل (4/ 14). (¬10) كامل بن طلحة الجحدري من رجال الحديث ثقة عند بعض المحدثين توفي ببغداد (231 هـ). راجع تهذيب التهذيب (8/ 408). (¬11) سورة ق: 5، وانظر البحر المحيط (5/ 121). (¬12) المحتسب (2/ 135)، والمغني (1/ 213).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مَيِّتٍ (¬1)، وكقوله تعالى: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (¬2). والموافقة «بعد» كقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (¬3) أي: بعد زوالها، وكقول الشاعر يرثي أخاه: 2428 - فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا (¬4) أي: بعد طول اجتماع. والموافقة «على» كقوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (¬5) ودَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً (¬6)، وفَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (¬7)، ومثله قول الشاعر: 2429 - تناوله بالرّمح ثمّ ثنى له ... فخرّ صريعا لليدين وللفم (¬8) والموفقة «من» كقول جرير: 2430 - لنا الفضل في الدّنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل (¬9) أي: نحن منكم يوم القيامة أفضل، ومثله قول الآخر أنشده ثعلب (¬10): 2431 - فإنّ قرين السّوء لست بواجد ... له راحة ما عشت حتّى تفارقه (¬11) أي: لست بواجد منه راحة، ومثله: - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 57. (¬2) سورة الرعد: 2. (¬3) سورة الإسراء: 78. (¬4) من الطويل لمتمم بن نويرة وانظر: الأشموني، (2/ 218)، التصريح (2/ 48) والهمع (2/ 32). (¬5) سورة الإسراء: 107. (¬6) سورة يونس: 12. (¬7) سورة الصافات: 103. (¬8) من الطويل قاله جابر بن حني أو العكبر بن حديد - انظر المغني (ص 212) والمفضليات (ص 212) هذا وصدره في المغني: ضممت إليه بالسنان قميصه وفي الأصل: «والفم»، وبه ينكسر البيت. (¬9) من الطويل - راجع ديوانه (ص 457)، والتصريح (2/ 12) والمغني (ص 213) والهمع (2/ 32). (¬10) أحمد بن يحيى الشيباني إمام الكوفيين (ت 291 هـ) ببغداد. راجع: الأعلام (1/ 252) والبغية (1/ 396). (¬11) من الطويل، وانظره في التذييل (4/ 4).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2432 - إذا الحلم لم يغلب لك الجهل لم يزل ... عليك بروق جمّة ورواعد (¬1) ومن لا مات الجر: الزائدة، ولا تزاد إلا مع مفعول به بشرط أن يكون عامله متعديا إلى واحد، فإن كانت زيادتها لتقوية عامل ضعف بالتأخير نحو: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬2)، أو بكونه فرعا في العمل نحو: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (¬3) جاز القياس على ما سمع منها، وإن كانت بخلاف ذلك قصرت على السماع نحو: رَدِفَ لَكُمْ (¬4)، ومنه قول الشاعر: 2433 - ومن يك ذا عود صليب رجا به ... ليكسر عود الدّهر فالدّهر كاسره (¬5) انتهى كلامه رحمه الله (¬6). والمعاني التي ذكرها سبعة عشر معنى. وأقول: أما كون اللام بمعنى «في، وعند، وإلى، وبعد، وعلى، ومن» ففيه كلام سيذكر. وأما كونها للملك وشبهه، وللتمليك وشبهه، وللاستحقاق، وللنسب ففيه بحث: أما الملك: فيقال فيه: إنه لم يستفد من اللام إنما استفيد من الكلام بجملته، وكذا تقول في خمسة المعاني الباقية أيضا. وبيان ذلك أن اللام إنما تفيد اختصاص الثاني بالأول أي نسبته إليه وهذا الاختصاص يكون على وجوه فقد يكون على جهة الملك أو التمليك أو شبههما أو الاستحقاق أو النسب، وكل من هذه المعاني يتبين بالقرائن المرشدة إليه. فإذا قيل: هذه الدار لزيد؛ فيهم اختصاص «زيد» بالدار، وليس ثمّ قرينة ترشد إلى معنى من المعاني الخمسة فتعين كون المعنى على الملك. وإذا قلت: أدوم لك ما تدوم لي؛ كان المعنى أنك مخصوص بدوام مودتي لك ما دمت مخصوصا بدوام مودتك لي، ولا يحتاج أن تقول: إن اللام فيه لشبه الملك، وإذا قلت: وهبت لزيد دينارا فالمعنى خصصت زيدا بهبة الدينار، والتمليك إنما فهم من - ¬

_ (¬1) من الطويل وهو من شواهد أبي حيان في التذييل (4/ 14). (¬2) سورة يوسف: 43. (¬3) سورة هود: 107. (¬4) سورة النمل: 72. (¬5) من الطويل لنصيب أو توبة بن الحمير. راجع: المؤتلف (ص 68)، والمغني (ص 215). (¬6) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك: وهبت لا من اللام، وأما قوله تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً (¬1)، فالاختصاص فيه ظاهر لكنه اختصاص على جهة التفضيل والإنعام لا على جهة تمليك وشبه تمليك. وإذا قلت: الجلباب للجارية، والجل للفرس؛ كان الاختصاص فيه بسبب الاستحقاق، وإذا قلت: لزيد عمّ هو لعمرو خال، ولعبد الله ابن هو (لجعفر) (¬2) حم؛ فالاختصاص فيه في غاية الظهور، والنسب إنما استفيد من ذكر العمّ والخال والابن والحم، فقد ظهر أن اللام لم تفد شيئا من هذه المعاني الستة، وإنما هي دالة على تخصيص مدخولها بالمذكور معها [3/ 189] أي نسبته وإضافته إليه، ودل الكلام الذي هي فيه على أن اختصاص المدخول بما ذكر أو نسبته وإضافته إليه إنما هو على معنى من المعاني الستة المذكورة. وعبارة سيبويه في اللام: إنها للاستحقاق والملك، وجعل الاستحقاق أعم أي: عامّا فيها؛ لأن كل مملوك مستحق لمالكه، هكذا ذكر الخضراوي. والظاهر أن العمومية إنما هي من أجل أن المستحق قد يكون مالكا وقد يكون غير مالك، فإذا قيل: اللام للاستحقاق كانت العبارة شاملة للقسمين، ولك أن تأخذ من قول سيبويه: إنها للاستحقاق؛ ما قررته من أنها للاختصاص. ولا شك أن الاستحقاق والاختصاص والنسبة والإضافة معان يقرب بعضها من بعض فالمقصود واحد وإن اختلفت العبارات. وقال ابن أبي الربيع - في قول الفارسي: إن اللام معناها التحقيق والملك -: يريد بالتحقيق أن هذا الشيء حق لهذا كما تقول: سرج الدابة أي أن الدابة لها أن يكون لها سرج (¬3)، ومنه قوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (¬4) فالناس مستحقون ربّا يقيم لهم أمرهم؛ لأنهم لا يقومون بأنفسهم، وإنما قوامهم بخالقهم سبحانه وتعالى. وقد ذكر غير المصنف من معاني اللام الاستغاثة، والقسم. أما الاستغاثة فشاملة للقسمين - أعني المستغاث به والمستغاث لأجله - ولا شك أن ذلك إنما يستفاد من اللام. وأما القسم فالمراد به أنها الحرف المعدي فعل القسم إلى المقسم به. ولا يتعذر عن المصنف بأن يقال: إنما لم يذكر لام القسم؛ لأنهم ذكروا أنها تكون للقسم إذا - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 72. (¬2) في الأصل: جعفر. (¬3) التذييل (4/ 14) وما بعدها. (¬4) سورة الناس: 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان في الكلام معنى التعجب نحو قولك: لله لا يبقى أحد، والمصنف قد ذكر أنها تكون للتعجب فكأنه استغنى بذلك عن ذكر أنها تكون للقسم؛ لأن بعض العرب قد استعملها للقسم دون تعجب. قال سيبويه: ويقول بعض العرب: لله لأفعلن» (¬1)، ثم إن التعجب الذي مثل به المصنف خال عن القسم فتبين أنه لا تلازم بينهما. وقد ردّ بعضهم لام الاستغاثة ولام القسم إلى معنى الاستحقاق فقال في قولنا: لله لا يبقى أحد: إن اسم الله تعالى مستحق لأن يقسم به، وفي قولك: يا لزيد لعمرو: إن الأول مستحق أن يستغاث به، والثاني مستحق أن يستغاث له. ولا يخفى ما فيه من النقد، ثم إن ثبت هذا فلا يحتاج إلى إفراد هذين المعنيين بالذكر. وأما كونها تكون بمعنى «في» فقد استشهد المصنف على ذلك بقوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ (¬2)، وبقول الدارمي: 2434 - قد مضوا لسبيلهم وبقول الآخر: 2435 - مفقود لوقت وفاقد ويمكن أن يكون (لوقتهآ) في موضع الحال من ضمير الساعة أي: لا يجليها كائنة لوقتها، أي: صائرة لوقتها؛ فتكون اللام للغاية كـ «إلى»، وكون اللام، بمعنى «إلى» أقرب من كونها بمعنى «في» وكذا يكون التقدير في البيتين الآخرين. وأما كونها تكون بمعنى «عند» فقد استدل عليه بقراءة الجحدري: بل كذبوا بالحق لما جاءهم (¬3) وأن ابن جني قال: عند مجيئه إياهم كقولهم: كتب لخمس خلون. وأقول: يمكن أن تكون اللام للتعليل، المعنى: أنهم كذبوا بالحق لمجيئه إياهم، جعل مجيء الحق الذي من شأنه أن يكون سببا للتصديق سببا للتكذيب؛ تفظيعا لشأنهم، وتقبيحا لفعلهم، وإعلاما بأنهم ارتكبوا نقيض ما كان يجب ارتكابه؛ لأن من جاءه الحقّ تعين عليه قبوله عقلا فإذا خالف ذلك فقد خالف ما يقتضي العقل ألا يخالف وكفى بفاعل ذلك ذمّا. - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (3/ 496 - 498). (¬2) سورة الأعراف: 187. (¬3) سورة ق: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «كتب لخمس خلون» فيمكن أن تكون اللام فيه للتبيين فإن التبيين معنى ثابت لها، ويكون المجرور بها في موضع الحال من مفعول «كتب»، ولا بد من تقدير مضاف محذوف حينئذ، التقدير: كتب كائنا لانقضاء خمس خلون. ولا شك أن المعنى على هذا، وأن كون اللام للتبيين أسهل من كونها بمعنى «عند». وقد قيل: إن اللام في «كتب لخمس خلون» بمعنى «بعد»، وأن المراد: كتب بعد خمس خلون، ورده ابن أبي الربيع بأن الكتب كان متصلا (بالخمس) (¬1)، و «بعد» لا تعطي ذلك؛ لأن البعدية لا تقتضي الاتصال (¬2)، وهو رد صحيح غير أني لم أفهم من كلامه ما حمل عليه اللام من المعاني في هذا المثال. وأما كونها تكون بمعنى «إلى» فقد استشهد المصنف على ذلك بقوله تعالى: سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ (¬3)، وبقوله تعالى: كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (¬4) ولا بعد في ذلك؛ فإن «إلى» قد تكون بمعنى اللام كما تقدم، فلا ينكر أنّ اللام تكون بمعناها. وحاصل الأمر: أن «إلى» واللام يشتركان في إفادة معنى واحد وهو الغاية. لكن قال ابن عصفور: وزعم الكوفيون أنها تكون يعني اللام تكون بمعنى «إلى» مستدلين بأنه يقال: أوحى له، وأوحى إليه بمعنى واحد؛ قال الله تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (¬5)، وقال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ (¬6)، وبأنه يقال: هداه لكذا وهداه إلى كذا بمعنى واحد؛ قال تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (¬7)، وقال تعالى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا (¬8). ثم أجاب عن ذلك بأن قال: إن «أوحى» يتعدى بـ «إلى» إذا كانت بمعنى: أشار، يقال: أوحى إليه أي: أشار إليه، ومنه قول القائل: 2436 - فأوحت إلينا والأنامل رسلها (¬9) أي: أشارت، وكذا إذا كانت بمعنى: أرسل؛ يقال: أوحى الله إلى نبيه، بكذا - ¬

_ (¬1) في الهامش: بالثلث. (¬2) التذييل (4/ 14). (¬3) سورة الأعراف: 57. (¬4) سورة الرعد: 2. (¬5) سورة الزلزلة: 5. (¬6) سورة النحل: 68. (¬7) سورة الصافات: 23. (¬8) سورة الأعراف: 43. (¬9) من الطويل، وهو أيضا بدون تتمة في التذييل (4/ 15).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: أرسل إليه بكذا، وكذا إذا كانت بمعنى: ألهم؛ لأن الإلهام إشارة في المعنى وتكون بمعنى: أمر؛ فتتعدى باللام قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (¬1) أي: أمرها، وإنما تعدت باللام إذا كانت بمعنى: أمر؛ لأن أمر الله تعالى للأرض قول في المعنى، فكأنه قيل بأن ربك قال لها: حدثي أخبارك، قال [3/ 190]: وكذلك «هدى» يكون بمعنى: وفّق يتعدى باللام يقال: هداه الله تعالى للدّين أي: وفقه للدين، وقد تكون بمعنى بيّن؛ فتتعدى باللام أيضا قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ (¬2)، قال أبو عمرو بن العلاء (¬3): المعنى: أو لم يبين لهم، وقد يكون بمعنى عرف؛ فتتعدى إلى مفعولين بنفسها يقال: هديته الطريق أي: عرفته الطريق، ومنه قوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (¬4) قال: ولا يعديها إلى مفعولين بنفسها إلا أهل الحجاز، وغيرهم من العرب يقول: هديتهم للطريق؛ لأنهم يريدون معنى أرشدتهم، قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (¬5)، قال: ولا ينكر اختلاف تعدي الفعل بسبب ما تشرب المعاني ألا ترى أنهم قد يستعملون «بكيت» غير متعد إذا أشربوه معنى «نحت»؛ لأن البكاء نوح في المعنى، وقد يقال: بكيت زيدا فيتعدى إلى واحد إذا أشرب معنى رثيت وندبت، وقد يعدى إلى مفعولين فيقال: بكيت زيدا دما، يضمنونه إذ ذاك معنى (أتبعت) (¬6) زيدا دما. والدليل على أن دما مفعول به قوله: 2437 - ولو شئت أن أبكي دما لبكيته ... عليه ولكن ساحة الصّبر أوسع (¬7) قال: فإضماره يدل على أنه ليس من جنس التمييز ومثل ذلك في كلامهم كثير (¬8). انتهى. ولا يلزم من تخريجه «أوحى، وهدى» إذا اختلف تعديهما على التضمين أن - ¬

_ (¬1) سورة الزلزلة: 5. (¬2) سورة السجدة: 26. (¬3) زبان بن عمار بن الحسين المازني أحد القراء السبعة وإمام البصرة عنه أخذ يونس وغيره (ت: 154 هـ). راجع التذييل (4/ 15)، وطبقات القراء (ص 288)، والنزهة (ص 32). (¬4) سورة البلد: 10. (¬5) سورة الشورى: 52. (¬6) غير واضحة بالأصل. (¬7) من الطويل لإسحاق الخزيمي. وانظر: الكامل للمبرد (703) ومعاهد التنصيص (1/ 84). (¬8) التذييل (4/ 15).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنتفي الدلالة بما استدل به المصنف من قوله تعالى: سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ (¬1)، وكُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (¬2)، ثم ما ذكره في بكيت فيه نظر. والظاهر أن «بكى» فعل لازم وأنه إذا قيل: بكيت زيدا؛ كان «زيدا» منصوبا على إسقاط الجار، والأصل: بكيت على زيد، ولو كان هذا الفعل متعديا لامتنع ذكر «على» مع المفعول، وأما «بكى زيد دما» فالظاهر أن أصله (بكى) (¬3) زيد بكاء دم، ثم حذف المنصوب الذي هو المصدر وأقيم المضاف إليه مقامه. وأما كونها تكون بمعنى «بعد» فقد استدل المصنف على ذلك بقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ (¬4) أي: بعد زوالها، وبقول القائل من البيت المتقدم: 2438 - كأنّي ومالكا لطول اجتماع أي: بعد طول اجتماع. وفيه نظر. أما الآية الشريفة فالظاهر أن اللام فيها للسببيّة وهي ترجع إلى التعليل. المعنى: إنه بدلوك الشمس تجب الصلاة، ولا بد أن يوجد الدلوك؛ لأنه العلة الموجبة، والعلة يتعين تقدمها على المعلول فالصلاة إنما تقع بعد الدلوك. أما إذا جعلت بمعنى «بعد» فإنه لا يلزم منه الاتصال - أعني اتصال وجوب الصلاة بحصول الدلوك - ولا شك أنه متصل. وأما البيت الذي أنشده فقد ذكر ابن عصفور فيه: أنه يحمل على تقدير مضاف محذوف وأن اللام لام السبب، قال: والتقدير: كأني ومالكا لفقد طول اجتماعنا أو لانقطاع طول اجتماعنا (¬5). وأما كونها تكون بمعنى «على» فقد استدل المصنف عليه بقوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (¬6)، ودَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً (¬7)، وفَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (¬8) وقال الشاعر: 2439 - فخرّ صريعا لليدين وللفم البيت الذي تقدم إنشاده. وقد أجاب النحاة عن البيت؛ قال ابن أبي الربيع فيه: - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 57. (¬2) سورة الرعد: 2. (¬3) بالأصل: بكان، وهو تحريف. (¬4) سورة الإسراء: 78. (¬5) من نصوص شرح الإيضاح المفقود. (¬6) سورة الإسراء: 107. (¬7) سورة يونس: 12. (¬8) سورة الصافات: 103.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحتمل عندي أن يتأول وتبقى اللام على أصلها؛ لأن اليدين والفم لما كانت تتقدم ويتبعها سائر البدن صار ذلك شبيها بما سقط لسقوط غيره فدخلت اللام لملاحظة ذلك الشبه. قال: وبهذا يتأول قوله سبحانه وتعالى: وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (¬1). انتهى. وأقول: وكذا يتأول على ما قاله قوله تعالى: يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (¬2)، وأما قوله تعالى: دَعانا لِجَنْبِهِ (¬3) فيقال فيه: إن الجار والمجرور في موضع الحال ويدل على ذلك عطف الحال عليه والتقدير: دعانا (كائنا) (¬4) لجنبه؛ فتكون اللام على هذا للتبيين كما هي في: سقيا لك، والتبيين أحد معانيها. وقال ابن عصفور في قول القائل: 2440 - فخرّ صريعا لليدين وللفم اللام متعلقة بمحذوف، والتقدير: فخر صريعا مقدما لليدين والفم (¬5). وما قاله ابن أبي الربيع أدخل في المعنى، وأحسن. وأما كونها تكون بمعنى «من» فقد استدل المصنف عليه بقول جرير: 2441 - ونحن لكم يوم القيامة أفضل أي: ونحن منكم. وبقول الآخر: 2442 - فإنّ قرين السّوء لست بواجد له راحة أي: منه راحة، وبقول الآخر: 2443 - إذا الحلم لم يغلب لك الجهل ... البيت أي: منك الجهل. ولم أر ذكر هذا المعنى في كلام المغاربة ويمكن أن يجاب عما استدل به على ذلك. أما «ونحن لكم يوم القيامة أفضل» فلا شك أن الشاعر مراده إثبات الفضل الزائد له ولقومه بدليل صدر البيت وهو: 2444 - لنا الفضل في الدّنيا وأنفك راغم وليس مراده: ونحن أفضل منكم يوم القيامة، إنما المعنى: ونحن أفضل مفاخرين لكم يوم القيامة؛ فالجار والمجرور في موضع الحال ويدل على مفاخرين سياق البيت؛ - ¬

_ (¬1) سورة الصافات: 103، هذا التأويل ذكره أبو حيان في التذييل (4/ 14)، ولم يعين قائله. (¬2) الإسراء: 107. (¬3) سورة يونس: 12. (¬4) من هامش المخطوط. (¬5) من شرح الإيضاح المفقود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الشاعر إنما قال ذلك افتخارا وشرفا، وعلى هذا تكون معدية للعامل المقدر الذي هو الحال في الحقيقة وهو مفاخرين كما في قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (¬1) هذا هو الذي ظهر لي في هذا البيت. لكن فيما ذكرته إشكال من جهة الصناعة النحوية؛ لأن «لكم» إذا كان حالا فإنما هو حال من الضمير المستتر [3/ 191] في «أفضل» فالعامل في الحال هو أفضل، وأفعل التفضيل لا يعمل في حال مقدمة عليه إلا في مسألة: هذا بسرا أطيب منه رطبا. لكن يجاب عن هذا بأن الحال المتقدمة هنا إنما هي ظرف لا اسم صريح والتوسع في الظرف أمر معروف عند النحاة لا سيما ورود ذلك في شعر. وأما قول الآخر: 2445 - فإنّ قرين السّوء لست بواجد له راحة ... البيت فيمكن أن تكون اللام فيه للسببية أي لست بواجد لأجله راحة ويكون هذا أبلغ في التحذير من قرناء السوء [مما] لو قلنا: لست بواجد منه راحة. وأما قول الآخر: 2446 - إذا الحلم لم يغلب لك الجهل فيمكن أن يقال فيه: إن الجار والمجرور في موضع الحال من الضمير في «يغلب»، التقدير: إذا الحلم لم يغلب كائنا لك الجهل، كأنه قال: إذا حلمك لم يغلب الجهل، فلما لم يتأت الإتيان بالحلم مضافا إلى المخاطب دل على أن المراد حلمه بقوله: لك. ولا شك أن المعنى على هذا، وهو أن يكون المراد أن حلمه يغلب الجهل منه ومن غيره؛ لأن الغالب أن الحلم إنما يكون عن جهل الغير لا عن جهل الحالم. وعلى هذا فاللام للاختصاص إما على وجه الاستحقاق، أو الملك، أو شبهه على ما تقدم. هذا آخر الكلام على المعاني التي ذكرها المصنف لهذا الحرف أعني اللام. وأما زيادتها: فقد عرفت أن المصنف حكم بزيادتها قياسا في نحو: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬2)، وإِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ، وسماعا في نحو: رَدِفَ لَكُمْ (¬3). وفي كون اللام زائدة فيما أشار إليه كلام للناس .. فأنا أذكره .. - ¬

_ (¬1) سورة هود: 107. (¬2) سورة يوسف: 43. (¬3) سورة النمل: 72.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن أبي الربيع (¬1): اختلف الناس في زيادة اللام. فأما سيبويه فلم يذكر ذلك، وتابعه عليه أبو علي، وذهب المبرد إلى زيادتها مستدلّا بقوله تعالى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ (¬2). المعنى: ردفكم، وبقول تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬3) الأصل: الرؤيا تعبرون لأنك تقول: عبرت الرؤيا ولا تقول: عبرت للرؤيا. فأما هذه الآية الشريفة فلا دلالة فيها عندي؛ لأن العامل قد تأخر، وإذا تأخر عن منصوب يصل إليه بنفسه جاز دخول حرف الجر، وذلك أن الفعل إذا تأخر ضعف وصوله إلى مفعوله فجاز أن يقوى بحرف يصل به. وأما الآية الشريفة الثانية فالاستدلال بها أقوى من الأولى. إلا أنه يمكن أن يضمن (ردف) معنى: تهيأ، التقدير: قل: عسى أن يكون تهيأ لكم بعض الذي تستعجلون، وإذا أمكن أن يبقى الحرف على معناه فلا سبيل إلى ادعاء الزيادة، لأن الزيادة في الشيء خروج عن موضوع الشيء (¬4). وكلام ابن عصفور موافق لكلام ابن أبي الربيع في ذلك فإنه جعل من أقسام اللام أن تكون مقوية لعمل العامل قال: وهي الداخلة على المفعول إذا تقدم على العامل فيه نحو قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬5). ثم ذكر من أقسامها أن تكون زائدة، قال: وذلك في موضعين: أحدهما: بين المضاف والمضاف إليه في باب «لا»، وباب النداء نحو: لا أبا لزيد، و: 2447 - يا بؤس للجهل ضرّارا لأقوام (¬6) والآخر: أن تدخل على المفعول وهو متأخر عن العامل نحو: ضربت لزيد، وبابه أن يجيء في الشعر نحو قوله: 2448 - وملكت ما بين العراق ويثرب ... ملكا أجار لمسلم ومعاهد (¬7) - ¬

_ (¬1) رأيه في التذييل (4/ 14، 15). (¬2) سورة النمل: 72. (¬3) سورة يوسف: 43. (¬4) التذييل (4/ 14، 15). (¬5) شرح الجمل (1/ 514). (¬6) من البسيط للنابغة الذبياني. ديوانه (ص 71)، وانظر الكتاب (1/ 346)، والمقتضب (4/ 253)، والهمع (1/ 173). (¬7) من الكامل لابن ميادة وانظر في الأشموني (2/ 216)، والتصريح (2/ 11)، والمغني (ص 215)، والهمع (2/ 33) وفي الأصل: «معاند».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 2449 - يذمّون للدّنيا وهم يرضعونها ... أفاويق حتّى ما يدرّ لها ثعل (¬1) وقول الآخر: 2450 - فلمّا أن تواقفنا قليلا ... أنخنا للكلاكل فارتمينا (¬2) وقد يجيء ذلك في الكلام إلا أنه قليل لا يقاس عليه، ثم ذكر الآية الشريفة (¬3). هذا كلامه. وقد عرفت أن ابن أبي الربيع ذكر أن رَدِفَ (¬4) ضمّن معنى تهيأ، وقد توافق كلام الرجلين على أن المقوية غير زائدة؛ لأنهما جعلا التقوية معنى من جملة المعاني التي تستفاد من اللام وهذا منهما يخالف صريحا ما ذكره المصنف. وقد يحتج للمصنف بأن يقال: الذي يدل على أن اللام - في نحو: لزيد أكرمت - زائدة؛ أن المعنى المستفاد مع وجودها مستفاد مع عدمها، غاية ما في الباب أن ذكرها فيه تقوية للعامل. وكان مستند من لم يجعلها زائدة أنها أفادت شيئا في الجملة وهو التقوية. والذي يظهر القول بزيادتها؛ لأن التقوية لا يستفاد بها معنى زائد إذ تقوية العامل من قبيل التأكيد، لا التأسيس. ولتجاذب المسألة بين القولين قال بعض الفضلاء: إن المقوية لا تتمحض زيادتها، ولا تتمحض تعديتها، بل تكون بينهما أي: بين كونها زائدة وكونها معدية. لكن في قوله: إنها معدية منع؛ لأن عبارة الفريقين فيها أنها مقوية ولو كانت معدية لتوقف وصول العامل إلى المعمول على ذكرها وهو لا يتوقف. وأما قول المصنف: وفتح اللام مع المضمر لغة غير خزاعة ومع الفعل لغة عكل وبلعنبر فقال هو في شرح ذلك: وكل العرب يفتحون لام الجر الداخلة على المضمر إلا خزاعة فإنها تكسرها مع المضمر كما تكسر مع غيره في اللغات كلها، وإذا وليها فعل كسرها أيضا كلّ العرب إلا عكلا وبني العنبر (¬5) فإنهم يفتحونها وأنشدوا على ذلك: - ¬

_ (¬1) من الطويل - وأفاويق جمع فواق: الزمان الذي بين الحلبتين. ثعل: مصدر ثعل إذا اختلفت منابت أسنانه وتراكب بعضها فوق بعض. وقد أنشده الفراء - وراجع التذييل (4/ 15) والمصباح «فوق» و «ثعل». (¬2) البيت من الوافر، وانظر في التذييل (4/ 15)، والرصف (ص 222) والمقرب (1/ 115). (¬3) شرح الجمل (1/ 514)، والمقرب (1/ 115). (¬4) سورة النمل: 72. (¬5) راجع: الأعلام (3/ 41)، والبحر المحيط (4/ 438، 489) ومعاني الأخفش (1/ 92) ومعجم قبائل العرب (ص 804).

[كي الجارة- مساواتها للام]

[كي الجارة - مساواتها للام] قال ابن مالك: (وتساوي لام التّعليل معنى وعملا كي مع «أن» و «ما» أختها والاستفهاميّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ 2451 - وتأمرني ربيعة كلّ يوم ... لأشربها وأقتني الدّجاجا (¬1) الرواية بفتح اللام. انتهى. قال أبو زيد: سمعت من يقول: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ (¬2) بفتح اللام، وقرأ سعيد بن جبير (¬3) فيما حكى عنه المبرد: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (¬4) وحكى مكي (¬5) فتحها عن بني العنبر كما حكاه المصنف عنهم. واستدرك الشيخ على المصنف بأن قال: كان ينبغي له أن يستثني من صور المضمر [3/ 192] ياء المتكلم؛ فإن اللغتين اتفقتا على كسر اللام معها (¬6). ولا يخفى أن هذا ليس باستدراك؛ لأن فتح اللام جارة لياء المتكلم ممتنع طبعا وما كان ممتنع الإتيان به مستغنى عن الاحتراز عنه. قال ناظر الجيش: «كي» على ضربين: مصدرية تذكر في إعراب الفعل، وجارة تساوي لام التعليل ولا تدخل إلا على «أن» كقوله: 2452 - فقالت أكلّ النّاس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (¬7) أو على «ما» أختها كقوله: - ¬

_ (¬1) من الوافر للنمر بن تولب في ديوانه (ص 47) وهو في معاني الأخفش (1/ 92) برواية: يؤامرني .. لأهلكه. (¬2) سورة الأنفال: 33، وفي البحر (4/ 489): «قال ابن عطية عن أبي زيد ... وهى لغة غير معروفة ولا مستعملة في القرآن» بتصرف. (¬3) سعيد بن جبير الأسدي الكوفي (كل الناس يفتقرون إلى علمه) قاله ابن حنبل (ت 95 هـ) - راجع: تهذيب التهذيب (4/ 11) والحلية (4/ 272) والوفيات (1/ 204). (¬4) سورة إبراهيم: 46. وفي البحر المحيط (4/ 438). (¬5) مكي بن أبي طالب حموش الأندلسي عالم بالتفسير والعربية له مشكل إعراب القرآن، والكشف عن وجوه القراءات وعللها، وغيرها (ت 437 هـ) راجع: مفتاح السعادة (1/ 418)، والوفيات (2/ 120). (¬6) التذييل (4/ 15). (¬7) من الطويل لجميل. ديوانه (ص 25) وراجع: الأشموني (1/ 279)، (2/ 204)، والتصريح (2/ 3، 230، 231) والمغني (ص 183) والهمع (2/ 5).

[الباء معانيها، وأحكامها]

[الباء معانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (ومنها: الباء للإلصاق، وللتّعدية، وللسّببيّة، وللتّعليل، وللمصاحبة، وللظّرفيّة، وللبدل، وللمقابلة ولموافقة «عن، وعلى، ومن التبعيضية»، وتزاد مع فاعل، ومفعول، وغيرهما). ـــــــــــــــــــــــــــــ 2453 - إذا أنت لم تنفع فضر فإنّما ... يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع (¬1) أو على ما الاستفهامية كقولك سائلا عن العلة: كيم فعلت؟ وفي الوقف: كيمه؟ كما تقول: لم فعلت؟ ولمه؟ (¬2) وقد تكلم الشيخ في هذا الموضع على «كي»، وذكر أن كونها تكون جارة هو مذهب البصريين، وأن مذهب الكوفيين أنها لا تكون جارة وإنما هي عندهم ناصبة على حال (¬3)، وأطال الكلام في ذلك (¬4)، ولا شك أنه قد تقدم الكلام عليها في باب الموصول (¬5) وسيأتي الكلام عليها في باب إعراب الفعل (¬6) إن شاء الله تعالى. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬7): باء الإلصاق: هي الواقعة في نحو: وصلت هذا بهذا، وباء التعدية: هي القائمة مقام همزة النقل في إيصال الفعل اللازم إلى مفعول به كالتي في ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (¬8)، ولَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ (¬9) وباء السببية: هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معدّاها مجازا نحو: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ (¬10)، وتُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (¬11)، فلو قصد إسناد الإخراج إلى الهاء من قوله: فَأَخْرَجَ بِهِ وإسناد الإرهاب إلى الهاء من قوله: تُرْهِبُونَ بِهِ فقيل: أنزل ما أخرج من الثمرات رزقا، وما استطعتم من - ¬

_ (¬1) من الطويل لقيس بن الخطيم - ملحقات ديوانه (ص 170) والأشموني (2/ 204)، والخزانة (3/ 591)، والمغني (ص 182). (¬2) شرح التسهيل (3/ 149). (¬3) فيتأولون «كيمه» على تقدير: كي تفعل ماذا؟، ويلزمهم كثرة الحذف وإخراج ما الاستفهامية عن الصدر، وحذف ألفها في غير الجر وحذف الفعل المنصوب مع بقاء ناصبه وكل ذلك لم يثبت. وراجع الأشموني (3/ 280، 281). (¬4) التذييل (4/ 16). (¬5) انظر: باب الموصول في هذا الكتاب (الموصولات الحرفية). (¬6) انظر: باب إعراب الفعل في هذا الكتاب. (¬7) شرح التسهيل (3/ 149). (¬8) سورة البقرة: 17. (¬9) سورة البقرة: 20. (¬10) سورة البقرة: 22. (¬11) سورة الأنفال: 60.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوّة ترهب عدو الله وعدوكم؛ لصحّ وحسن، ولكنه مجاز والآخر حقيقة، ومنه: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين، فإنه يصح أن يقال: كتب القلم، وقطع السكين. والنحويون يعبرون عن هذه الباء بياء الاستعانة، وآثرت على ذلك التعبير بالسببية من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى؛ فإن استعمال السببية فيها يجوز، واستعمال الاستعانة فيها لا يجوز. وأما [باء] التعليل: فهي التي يحسن غالبا في موضعها اللام كقوله تعالى: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ (¬1)، وفَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ (¬2)، وإِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ (¬3)، وكقول الشاعر: 2454 - ولكنّ الرّزيّة فقد قرم ... يموت بموته بشر كثير (¬4) واحترزت بقولي: (غالبا) من قول العرب: غضبت لفلان؛ إذا غضبت من أجله وهو حيّ، وغضبت به؛ إذا غضبت من أجله وهو ميّت. وباء المصاحبة: هي التي يحسن في موضعها «مع» ويغني عنها وعن مصحوبها الحال كقوله تعالى: قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ (¬5) أي: مع الحق ومحقّا، وكقوله تعالى: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ (¬6) أي: مع سلام ومسلما. ولمساواة هذه الباء «مع» قد يعبر سيبويه (¬7) عن المفعول معه بالمفعول به. وباء الظرفية: هي التي يحسن في موضعها في نحو: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ (¬8). وإِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى (¬9)، وإِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (¬10)، [و] وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ (¬11)، ووَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ (¬12)، وبِبَطْنِ مَكَّةَ (¬13)، ووَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ (¬14)، وإِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (¬15) وباء البدل: هي التي يحسن في موضعها بدل - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 54. (¬2) سورة النساء: 160. (¬3) سورة القصص: 20. (¬4) من الوافر وانظره في التذييل (4/ 18). (¬5) سورة النساء: 170. (¬6) سورة هود: 48. (¬7) الكتاب: (1/ 297). (¬8) سورة آل عمران: 123. (¬9) سورة الأنفال: 42. (¬10) سورة طه: 12. (¬11) سورة القصص: 44. (¬12) سورة القصص: 46. (¬13) سورة الفتح: 24. (¬14) سورة الصافات: 137، 138. (¬15) سورة القمر: 34.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقول رافع بن خديج (¬1) رضي الله عنه ما يسرّني أنّي شهدت بدرا بالعقبة (¬2)، ومثله قول الشاعر: 2455 - فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا (¬3) وقول الآخر: 2456 - يلقى غريمكم من غير عسرتكم ... بالبذل بخلا وبالإحسان حرمانا (¬4) وباء المقابلة: هي الداخلة على الأثمان والأعواض كقولك: اشتريت الفرس بألف، وكافأت الإحسان بضعف، وقد تسمى باء العوض. والموافقة «عن»: كقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ (¬5)، ويَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ (¬6) أي: عن أيمانهم. كذا قال الأخفش (¬7)، ومثله: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (¬8)، ومثله قول الشاعر: 2457 - هلّا سألت بنا فوارس وائل ... فلنحن أسرعها إلى أعدائها (¬9) والموافقة «على»: كقوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ (¬10) أي: على قنطار، وعلى دينار، وكذا قال الأخفش (¬11) وجعل مثله مررت به، أي: عليه؛ قال تعالى: وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (¬12)، ويَمُرُّونَ عَلَيْها (¬13)، ولَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ (¬14)، وقال تعالى: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ (¬15)، ومن موافقة الباء لـ «علي» أيضا: - ¬

_ (¬1) رافع بن خديج بن رافع الأنصاري صحابي، عريف قومه بالمدينة، روى له البخاري ومسلم (ص 78) حديثا. (ت 74 هـ) بالمدينة. راجع: الإصابة (2/ 186)، وتهذيب التهذيب (3/ 229). (¬2) وراجع التصريح (2/ 13)، والهمع (2/ 21). (¬3) من البسيط لقريط بن أنيف. وراجع الأشموني (2/ 220)، والعيني (3/ 72)، والهمع (1/ 195)، و (2/ 21). (¬4) من البسيط وانظره في التذييل (4/ 18). (¬5) سورة الفرقان: 25. (¬6) سورة الحديد: 12. (¬7) المعاني (1/ 335). (¬8) سورة الفرقان: 59. (¬9) من الكامل، وهو للمرقش الأكبر. وراجع التذييل (4/ 18، 19). (¬10) سورة آل عمران: 75. (¬11) المعاني (1/ 335)، والمغني (ص 101). (¬12) سورة المطففين: 30. (¬13) سورة يوسف: 105. (¬14) سورة الصافات: 137. (¬15) سورة يوسف: 64.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2458 - أربّ يبول الثّعلبان برأسه ... لقد هان من بالت عليه الثعالب (¬1) أراد: ببول على رأسه، والموافقة «من» التبعيضية كالثانية في قول الشاعر: 2459 - فلثمت فاها آخذا بقرونها ... شرب النّزيف ببرد ماء الحشرج (¬2) ذكر ذلك أبو علي الفارسي في التذكرة (¬3). وروي مثل ذلك عن الأصمعي (¬4) في قول آخر: 2460 - شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت ... متى لجج خضر لهنّ نئيج (¬5) والأجود في هذا أن يضمّن «شربن» معنى «روين» ويعامل [3/ 193] معاملته كما ضمّن يُحْمى معنى «يوقد» فعومل معاملته في يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ (¬6)؛ لأن المستعمل: أحميت الشيء في النار، وأوقدت عليه. وزيادة الباء مع الفاعل نحو: أحسن بزيد، وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً * (¬7) [و]: 2461 - [فقلت اقتلوها عنكم بمزاجها] ... وحبّ بها مقتولة [حين تقتل] (¬8) و: 2462 - ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد (¬9) و: - ¬

_ (¬1) من الطويل، وقيل: إنه لأبي ذر الغفاري، وقيل: لغيره وراجع: أمالي الشجري (2/ 271) واللسان «ثعلب»، والهمع (2/ 22). (¬2) من الكامل قيل: لجميل، أو لغيره وانظر ديوان جميل (ص 42) والأغاني (1/ 75)، والدرر (2/ 14). (¬3) الارتشاف (ص 714) والتذييل (4/ 19) والكافية الشافية (ص 288). (¬4) عبد الملك بن قريب الباهلي من الطبقة الثالثة للغويين البصريين قال عن نفسه: أحفظ عشرة آلاف أرجوزة. له: الأضداد، والإبل وغيرهما - (ت 216 هـ) راجع: الإنباه (2/ 197)، والبغية (2/ 112). (¬5) من الطويل لأبي ذؤيب الهذلي - ديوان الهذليين (1/ 51)، والمحتسب (2/ 114)، والهمع (2/ 34). (¬6) سورة التوبة: 35. (¬7) سورة النساء: 79، 166، سورة الفتح: 28. (¬8) البيت من الطويل للأخطل - في ديوانه (ص 4) وانظر الخزانة (4/ 122)، وشرح المفصل (7/ 129)، والعيني (4/ 26). (¬9) من الوافر لقيس بن زهير - راجع الأشموني (2/ 44) والخزانة (3/ 534) الكتاب (1/ 15)، (2/ 59) والهمع (1/ 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2463 - ألا هل أتاها والحوادث جمّة ... بأنّ امرأ القيس بن مالك بيقرا (¬1) و: 2464 - [مهما لي الليلة مهما ليه] ... أودى بنعليّ وسرباليه (¬2) وزيادتها مع المفعول نحو: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (¬3)، [و] وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ (¬4) وفَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ [إِلَى السَّماءِ] (¬5)، ووَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ (¬6)، وتَنْبُتُ بِالدُّهْنِ (¬7) في قراءة ابن كثير (¬8)، وأبي عمرو، ويذهب بالأبصر (¬9) في قراءة أبي جعفر ومن الشواهد الشعرية قول الشاعر: 2465 - شهيدي سويد والفوارس حوله ... وما ينبغي بعد ابن قيس بشاهد (¬10) ومثله: 2466 - وكفى بنا فضلا على من غيرنا ... حبّ النّبيّ محمد إيّانا (¬11) أي: كفانا فضلا حب النبي إيانا. وكثرت زيادتها في مفعول «عرف» وشبهه. وأشرت بقولي: (وفي غيرهما) إلى زيادتها في «بحسبك»، وفي المواضع المذكورة في باب كان (¬12). انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬13). - ¬

_ (¬1) من الطويل لامرئ القيس ديوانه (ص 64) والخزانة (4/ 161) الخصائص (1/ 335) واللسان (بقر). (¬2) ذكر العجز وذكرنا صدره وهو من السريع لعمرو بن ملقط. وانظر: شرح المفصل (7/ 44)، والنوادر (62) والهمع (2/ 57). (¬3) سورة البقرة: 195. (¬4) سورة مريم: 25. (¬5) سورة الحج: 15. (¬6) سورة الحج: 25. (¬7) سورة المؤمنون: 20، والكشاف (3/ 29). (¬8) عبد الله بن كثير القرشي إمام أهل مكة وأحد القراء السبعة (ت 120 هـ) بمكة. راجع طبقات القراء (1/ 443)، وغاية النهاية (1/ 443)، واللطائف (1/ 94). (¬9) سورة النور: 43، والكشاف (3/ 70، 71). (¬10) من الطويل وانظره في الارتشاف (ص 716) والتذييل (4/ 19). (¬11) من الكامل لحسان بن ثابت، أو عبد الله بن رواحة، أو كعب بن مالك. وراجع أمالي الشجري (2/ 169، 311) الكتاب (1/ 269) والهمع (1/ 92، 167). (¬12) قال في شرح التسهيل: وتزاد الباء كثيرا في الخبر المنفي بليس وما أختها وقد تزاد بعد نفي فعل ناسخ للابتداء، وبعد أولم يروا أن وشبهه وبعد لا التبرئة وهل وما المكفوفة. (¬13) انظر: شرح التسهيل (3/ 124).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجملة المعاني التي ذكرها أحد عشر. ولم يذكر من المعاني الاستعانة؛ لأنه جعل السببية شاملة لها وسيأتي أنهما غيران. وعلى هذا: تكون المعاني التي للباء اثني عشر معنى. ذكر المغاربة منها ستة وهي الإلصاق، والاستعانة، والسبب، والمصاحبة، معبرين عنها بالحال، والظرفية، والتعدية معبرين عنها بالنقل ثم إنهم لم يتعرضوا لذكر التعليل، ولا شك أنه معنى ثابت للباء وكذا البدل، والظاهر ثبوته أيضا. فهذه ثمانية معان، تبقى أربعة مما ذكره المصنف وهي: المقابلة، وموافقة «عن»، وموافقة «على»، وموافقة «من» التبعيضية. ولا شك أن في ثبوت كل منها بحثا سيذكر. ثم إن ابن عصفور ذكر من جملة المعاني القسم (¬1)، ولا يتحقق ذلك فإن القسم لم يفهم من الحرف الذي هو الباء؛ بل من فعل القسم، والباء إنما هي لتعدية فعل القسم إلى المقسم به. ثم اعلم أن سيبويه ذكر أن معنى الباء الإلصاق والاختلاط (¬2)، ولم يذكر لها معنى آخر غير هذا. ومن ثم ذكروا أن الإلصاق معنى لا يفارق الباء وأن كونها للإلصاق لا يلزم منه ألّا يفاد بها معنى آخر كالاستعانة نحو: كتبت بالقلم، ونجرت بالقدوم، والمصاحبة نحو: خرج زيد بثوبه، حتى قال ابن أبي الربيع بعد أن مثل بما ذكرته: وإذا نظرت إلى هذا وما أشبهه وجدت فيها الإلصاق والاختلاط؛ لأنك ألصقت الكتب بالقلم والنّجر بالقدوم (¬3)، وقال: وكذلك: خرج زيد بثوبه، هو بمنزلة: مررت بزيد؛ لأنه إذا صاحبك في حين الفعل فكأن فعلك ملتصق به (¬4) قال: وكذلك إذا قلت: دخلت بزيد، أي: أدخلته؛ كان في الباء معنى الإلصاق والاختلاط؛ لأنك إذا جعلته يدخل فقد ألصقت الدخول به فالإلصاق عام فيها حيثما وقعت. وتلك المعاني تصاحب في موضع وتفارق في آخر. فينبغي أن يدعي أنها وضعت بإزاء المعنى المصاحب في كل حال لا بإزاء المعنى الذي يكون بحكم الانجرار لا بحكم الموضع (¬5). انتهى. ولا شك أن كون الإلصاق لا يفارقها غير ظاهر. ولا يخفى ما في تقرير ابن الربيع لذلك في كل مسألة من التكلف. وكلام ابن عصفور يقرب من كلامه - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 493). (¬2) الكتاب (4/ 217). (¬3)، (¬4) التذييل (4/ 17) بغير نسبة إليه. (¬5) التذييل (4/ 17) بغير نسبة إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا كلام ابن هشام الخضراوي فإنه قال: ومعناها الإلصاق والاختلاط وهذا غالب أحوالها وإلى هذا ترجع في أكثر متصرفاتها (¬1). وبعد: فأنا أورد المعاني التي ذكرها المصنف معنى معنى، وأتبع كلّا منها بما يتعلق به من البحث. أما الإلصاق: فقد مثل له بقوله: وصلت هذا بهذا، وقد يقال: إنما استفيد الإلصاق في هذا المثال من الفعل الذي هو «وصلت» والباء إنما هي هنا للتعدية عدت «وصلت» إلى مفعول ثان لكن كون الباء تعدي فعلا غير لازم فيه كلام سيذكر قريبا إن شاء الله تعالى. وقد مثل ابن عصفور للإلصاق بقولك: مسحت برأسي قال: وهذا إلصاق حقيقة، وقد يكون الإلصاق مجازا نحو: مررت بزيد؛ فالمرور التصق بمكان يقرب من زيد فجعل كأنه ملتصق بزيد مجازا (¬2). وقال في شرح الإيضاح: الباء التي لمجرد التي الإلصاق والاختلاط نوعان: أحدهما: الباء التي لا يصل الفعل إلى المفعول إلا بها نحو قولك سطوت بعمرو ومررت بزيد فألصقت الباء معنى الفعل بالمفعول إلا أن الإلصاق في مررت بزيد وأمثاله مجاز. والآخر: الباء التي تدخل على المفعول المنتصب بفعله؛ لأنها إذ ذاك تفيد مباشرة الفعل للمفعول نحو: أمسكت بزيد؛ فإن الإمساك في هذا المثال يكون بمباشرة منك له، بخلاف قولك: أمسكت زيدا؛ فإن ذلك يقال حيث تمنعه من التصرف، وإن لم يكن مباشرا ومثله أنك تقول: خشّنت صدره إذا كنت سببا في تخشين صدره؛ وإن لم تباشره، و: خشّنت بصدره؛ إذا باشرت تخشين صدره بنفسك وأما التعدية فأمرها واضح، لكن الشيخ ناقش المصنف في قوله: إنها قائمة مقام همزة النقل في إيصال الفعل اللازم إلى مفعول به فقال: ليست مختصة بالفعل اللازم فقد وجدت في المتعدي تقول: دفع بعض الناس بعضا، وصك الحجر الحجر، ثم تقول: دفعت بعض الناس [3/ 194] ببعض، وصككت الحجر بالحجر (¬3)، قال: فقول من قال: هي الداخلة على الفاعل فتصيّره مفعولا أشدّ؛ لأنها وجدت مع المتعدي كما وجدت مع اللازم (¬4). انتهى. - ¬

_ (¬1) راجع: التذييل (4/ 17)، والهمع (2/ 22). (¬2) شرح الجمل (1/ 495). (¬3)، (¬4) التذييل (4/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي ذكره المصنف صرح به ابن عصفور فقال في المقرب ومعناها ومعنى الهمزة واحد إلا أنها لا تنقل الفعل عن الفاعل فتصيره مفعولا إلا في الأفعال غير المتعدية (¬1). ولا شك أن ذلك يحتاج إلى تحرير. وأما السببية: فقد عرفت قول المصنف: إن باء السببية هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازا نحو: فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً (¬2)، وتُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ [وَعَدُوَّكُمْ] (¬3). وهو كلام صحيح؛ فإنه قد عرف أن الفعل كما يسند إلى الفاعل حقيقة يسند إلى السبب مجازا فباء السبب هي الداخلة على شيء تسبب عنه الفعل. لكن المصنف جعل الباء في نحو: كتبت بالقلم، وقطعت بالسكين؛ للسببية أيضا، وقال: إنه نكب عن التعبير عنها بباء الاستعانة التي هي عبارة النحويين من أجل الأفعال المنسوبة إلى الله تعالى. وأقول: إن باء الاستعانة هي التي تباشر ما هو آلة حسية لا يمكن التوصل إلى المعمول المذكور معها إلا بها، وباء السبب هي التي تباشر ما يتسبب عنه ذلك المعمول المذكور معه حسيّا كان ذلك السبب أو معنويّا. وقد يتصور وجود ذلك المعمول مسببا عن سبب آخر غير المذكور وهذا بخلاف باء الاستعانة. ولا يلزم من إثبات الاستعانة. في حق الآدميين ثبوتها بالنسبة إلى أفعال الله تعالي. وإذا كان كذلك فما قاله المصنف غير ظاهر. وأما التعليل: فلا شك أنه معنى ظاهر في الباء، لكن الجماعة - أعني المغاربة - لم يذكروه، وكأنهم استغنوا عن ذكره بذكر السبب، لكن قد تصح نسبة العلة إلى شيء ولا تصح نسبة السببية إليه كالبيت الذي أنشده المصنف وهو: 2467 - يموت بموته خلق كثير فإن باء السببية عند المصنف هي الداخلة على صالح للاستغناء به عن فاعل معداها مجازا، وذلك لا يصح هنا فوجب أن يكون التعليل غير السببية. وقد عرفت أن المصنف من جملة ما مثل به للتعليل قوله تعالى حكاية: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ (¬4)، وقال الشيخ: ليست الباء للتعليل، بل التعليل هو [قوله] (¬5): - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 204). (¬2) سورة البقرة: 22. (¬3) سورة الأنفال: 60. (¬4) سورة القصص: 20. (¬5) زيادة من التذييل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لِيَقْتُلُوكَ (¬1) والباء ظرفية فيه أي: يأتمرون فيك، أي: يتشاورون في أمرك لأجل القتل، ولا يكون للائتمار علتان (¬2). وأما المصاحبة فهو معنى ثابت للباء، والجماعة قد أثبتوه أيضا، وكذا الظرفية هو معنى ثابت كالمصاحبة. أما البدل: فلا شك أن ما استدل به المصنف وغيره (¬3) [4/ 2] على ذلك فلا مطعن فيه وإنكار ثبوت هذا المعنى عناد محض. وذكر ابن عصفور أن هذا المعنى زاده بعض المتأخرين، وذكر استدلاله على ذلك ثم خرّجه تخريجا بعيدا عن القبول (¬4). وأما موافقة «عن، وعلى، ومن التبعيضية» فقد عرفت استدلال المصنف على الأول بقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ (¬5)، وبقوله تعالى: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ (¬6)، وبقوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (¬7)، وعلى الثاني بقوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً (¬8)، وبأن الأخفش جعل مثله قولهم: مررت به، أي: عليه. قال الله تعالى: وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (¬9) ويَمُرُّونَ عَلَيْها (¬10)، ولَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ (¬11)، وعلى الثالث بقول الشاعر: 2468 - شربن بماء البحر .. ... ... لكنه قال في هذا: والأجود أن يضمن «شربن» معنى «روين»، ويعامل معاملته. وما استدل له على أن الباء بمعنى «عن» وأنها بمعنى «على» ظاهر. وذكر ابن عصفور (¬12) للباء هذه المعاني الثلاثة، وذكر أن ذلك مذهب الكوفيين. - ¬

_ (¬1) سورة القصص: 20. (¬2) التذييل (4/ 18). (¬3) هذا هو آخر الجزء الثالث وفي آخره: «هذا آخر الجزء الثالث من شرح التسهيل للشيخ الإمام العالم العلامة فريد دهره ووحيد عصره محب الدين ناظر الجيوش بالديار المصرية كان تغمده [الله] برحمته وأسكنه فسيح جنته بمنه وكرمه آمين يتلوه في الجزء الرابع على ذلك فلا [مطعن] فيه. وإنكار ثبوت هذا المعنى عناد محض». ثم خاتم المكتبة الخديوية المصرية. (¬4) لعله من شرحه على الإيضاح. (¬5) سورة الفرقان: 25. (¬6) سورة الحديد: 12. (¬7) سورة الفرقان: 59. (¬8) سورة آل عمران: 75. (¬9) سورة المطففين: 30. (¬10) سورة يوسف: 105. (¬11) سورة الصافات: 137. (¬12) ينظر: شرح الجمل (1/ 497) وما بعدها، وما هناك إيجاز لذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيد كون الباء بمعنى «عن» بأن تكون بعد السؤال. قال: واستدل الكوفيون على مجيئها بمعنى «عن» بعد السؤال بقوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (¬1)، وبقول علقمة (¬2): 2469 - فإن تسألوني بالنّساء [فإنّني ... بصير بأدواء النّساء طبيب] (¬3) وبقول الآخر: 2470 - لا تسل الضيف الغريم إذا شتا بما ... زخرت له قدري حين ودعا (¬4) أي: عما زخرت، وبقول الآخر: 2471 - دع المعمّر لا تسل بمصرعه ... وسل بمصقله البكريّ ما فعلا (¬5) وعلى مجيئها بمعنى «عن» بقول الشاعر: 2472 - بودّك ما قومي على أن تركتهم ... سليمى إذا هبّت شمال وريحها (¬6) قال: «ما» عندهم زائدة والمعنى: على ودك قومي على أن تركتهم. وعلى مجيئها بمعنى «من» بقوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ (¬7)، وبقول الشاعر: 2473 - شربن بماء البحر ... ... ... البيت ثم أجاب عن ذلك. أما قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً فأجاب عنه بأنه من التضمين ضمن السؤال معنى الاهتمام والاعتناء؛ لأن سؤالك عن الشيء اهتمام به واعتناء فعدى السؤال بالباء إجراء له مجرى ما ضمن معناه. قال: وأما قول الشاعر: 2474 - بودك ما قومي ... ... ... فليست «ما» فيه زائدة؛ لأنه لو أراد: على ودك قومي سليمى على أن تركتهم؛ لم يكن لقوله: إذا هبّت شمال وريحها وجه، وإنما الود هنا: الصّنم وما استفهامية، والتقدير: أسألك بودك، أي: بصنمك ما قومي؟ أي: أي شيء قومي إذا هبت - ¬

_ (¬1) سورة الفرقان: 59. (¬2) علقمة بن عبدة بن قيس جاهلي من الطبقة الأولى ت نحو (20 ق. هـ) وراجع: رغبة الآمل (2/ 240) والسمط (1/ 433) والشعر والشعراء (1/ 218). (¬3) من الطويل وانظر ديوانه (ص 131) والحلل (ص 43) والشعر والشعراء (1/ 218) والهمع (2/ 22). (¬4) وانظر التذييل منسوبا فيه لا يمن بن خزيم، واللسان «ستى». (¬5) من البسيط للأخطل وانظر: ديوانه (ص 143)، والكتاب (2/ 299). (¬6) من الطويل وانظره في التذييل (4/ 18). (¬7) سورة الإنسان: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شمال وريحها في وقت اشتداد الزمان، وعنى بريح الشمال: النكباء كما قال: 2475 - إذا النّكبا [ء] ناوحت الشمالا (¬1) وقوله: «على أن تركتهم» أي: على أن فارقتهم؛ لأن هذا الشاعر يخاطب سليمى وكانت امرأته نشزت عنه فطلقها. فارتحلت إلى قومها، فسألها بصنمها أن تخبر بما شاهدته من قومه في وقت هبوب الشمال، ومناوحة النكباء لها وهو وقت اشتداد الزمان. وأما قوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ (¬2) فالباء فيه بمعنى «في». قال: وكذا هي في قول الشاعر: 2476 - شربن بماء البحر ... (¬3) ... ... البيت انتهى. ولقائل أن يقول: هب أنه أجاب عن الاستشهادات التي أوردها، فماذا يجيب به عن الاستدلالات التي استدل بها المصنف؟ وأما تقييده كون الباء بمعنى «عن» بأن تكون بعد السؤال فتنقضه الآية الشريفة وهي قوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ (¬4)، وأيضا قوله تعالى: يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ (¬5)، وأما قوله: إن الباء في قوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ بمعنى «في» فلا يخفى ما فيه من البعد، والأقرب بل المتعين أن الفعل الذي هو (يشرب) ضمّن معنى «يروى» كما قال المصنف في: شربن بماء البحر ... ... ... البيت وأما قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (¬6) ففيه أقوال: منها: ما تقدم وهو أن الباء فيه بمعنى «عن». ومنها: أن السؤال ضمن معنى الاعتناء والاهتمام. ومنها: وهو للشلوبين (¬7) أن الباء للسببية أي فاسأل بسببه خبيرا. ومنها: أن الباء تتعلق بقوله: (خبيرا.) - ¬

_ (¬1) شطر بيت، وهو كذلك بغير نسبته أو تتمة في تذييل أبي حيان (4/ 19). (¬2) سورة الإنسان: 6. (¬3) راجع شرح الجمل لابن عصفور (1/ 493) وما بعدها. (¬4) سورة الفرقان: 25. (¬5) سورة الحديد: 12. (¬6) سورة الفرقان: 59. (¬7) واختاره أبو حيان. الهمع (2/ 22).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن ابن هشام الخضراوي (¬1) ذكر للباء معنيين آخرين: أحدهما: السببية ومثل ذلك بنحو: لقيت بزيد الأسد، ورأيت به القمر، التقدير: لقيت بلقائي إياه الأسد، أي: شبهه، وبرؤيتي إياه القمر، أي: شبهه. والثاني: أنها تدخل على ما ظاهره أن المراد به غير ذات الفاعل، أو ما أضيف إلى ذات الفاعل نحو قوله: 2477 - [إذا ما غزا لم يسقط الخوف رمحه] ... ولم يشهد الهيجا بألوث معصم (¬2) وقول الآخر: 2478 - يا خير من يركب المطيّ ولا ... يشرب كأسا بكفّ من بخلا (¬3) فظاهر الكلام أن «بألوث معصم» غير فاعل «يشهد» أن ما أضيف إليه الكف وهو «من بخل» غير فاعل «يشرب» والمراد في الحقيقة أن فاعل «يشهد» هو «ألوث معصم» أي: يشهدها بنفسه، وليس «بألوث معصم»، وفاعل «يشرب» هو «من بخل» كأنه قال: ولا يشرب من نفسه بكف من بخل، أي: يشرب كأسه بنفسه وليس ببخيل. قال ابن عصفور - بعد أن ذكر للباء هذين المعنيين عن بعضهم -: والصحيح عندي أن الباء في: لقيت بزيد الأسد؛ معناها السبب، التقدير: لقيت بسبب لقاء زيد الأسد، وكذا: رأيت به، التقدير: رأيت بسبب رؤيته القمر، وأنها في قوله: ... ولا ... يشرب كأسا بكفّ من بخلا باء الاستعانة؛ لأنها دخلت على الاسم المتوسط بين الفعل ومفعوله كما أنها كذلك في قولك: شربت الماء بكفي [4/ 3] وكذلك في قول الآخر: ولم يشهد الهيجا بألوث معصم (¬4) انتهى. - ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (2/ 22). (¬2) شطر بيت ذكرنا صدره وهو من الطويل، والألوث - هنا -: الأحمق. وانظر: اللسان «لوث» وفيه أنه لطفيل الغنوي. (¬3) من المنسرح للأعشى - انظر ديوانه (ص 235)، والأصل: ركب بدل يركب، وسر الصناعة (ص 380) والمحتسب (1/ 152) ومعاهد التنصيص (1/ 253). (¬4) وبه قال أبو حيان. الارتشاف (ص 715) والهمع (2/ 22).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما زيادة الباء فقد عرفت قول المصنف إنها تزاد مع فاعل، ومفعول، (وغيرهما) (¬1). وقد تقدم له في باب الأفعال الرافعة (الاسم) (¬2) الناصبة الخبر أن الباء تزاد في مواضع عدة وذكر أنها إنما تزاد كثيرا في الخبر المنفي بـ «ليس» و «ما» أختها، وأن زيادتها في غير ذلك قليلة. لكن ابن عصفور ذكر (¬3) أنها إنما تزاد بقياس في خبر «ليس وما» وفي «حسبك» إذا كان مبتدأ وفي فاعل «كفى» ومفعوله. قال: وما عدا ذلك مما الباء فيه زائدة فزيادتها على غير قياس إلا أن أحسنه أن يكون ما زيدت فيه الباء قد توجّه عليه النفي في المعنى نحو قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (¬4)؛ لأن معنى الكلام: أو ليس الله بقادر (¬5). وقال في المقرب: وتكون زائدة مصلحة في نحو: أحسن بزيد (¬6). ولم يذكر المصنف ذلك استغناء عنه بذكره له في باب التعجب (¬7). والذي فعله المصنف أولى بل هو متعين؛ لأن الباء في نحو: أحسن بزيد، مع كونها زائدة هي لازمة؛ فوجب ذكرها في مكان يخصها. ولا شك أن شأن الزائد أن يكون جائز الذكر لا لازمه؛ فوجب ألا يذكر - هنا أعني الموضع الذي يذكر فيه زيادة الباء - إلا ما كان يجوز أن يؤتى به وألا يؤتى به. ثم اعلم أن الذي ذكره المصنف من أن الباء زائدة في فاعل (كفى) من كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (¬8) هو مذهب سيبويه (¬9). وذكر ابن عصفور عن ابن السراج (¬10) وجها آخر وهو أن الباء غير زائدة وفاعل (كفى) ضمير مستتر فيه عائد على الاكتفاء المفهوم من (كفى) كأنه قيل: كفى هو بالله، أي: كفى اكتفاؤك بالله (¬11). قال: حكى ذلك عنه أبو الفتح ابن جني (¬12) ورده - ¬

_ (¬1) و (¬2) من هامش المخطوط. (¬3) شرح الجمل (1/ 493). (¬4) سورة الأحقاف: 33. (¬5) شرح الجمل (1/ 347). (¬6) المقرب (1/ 203). (¬7) شرح التسهيل (1/ 134). (¬8) سورة الرعد: 43. (¬9) الكتاب (1/ 38، 41، 66، 92)، (2/ 26، 175، 293، 316)، (4/ 225). (¬10) ينظر: الارتشاف (2/ 429). (¬11) الحق أن ابن السراج يقول بزيادتها. قال في الأصول (1/ 330): (وجاءت زائدة في قولك: حسبك زيد، وكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً إنما هو: كفى الله). (¬12) ينظر: سر الصناعة (1/ 158)، والمغني (ص 106، 107).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عصفور بأن الباء حينئذ إنما تتعلق بالضمير الذي هو الفاعل وهو الذي يراد به الاكتفاء والضمير لا يجوز إعماله. وابن جني منع ذلك من جهة أخرى وهو أن معمول المصدر من كماله فيهما بمنزلة اسم واحد، فلو أضمرت المصدر وجعلت المجرور متعلقا بذلك الضمير؛ لأدى ذلك إلى أن يكون بعض الاسم مظهرا وبعضه مضمرا. ورد ابن عصفور هذا بأن قال: الموصولات كلها صلاتها تمام لها وفي كل صلة ضمير يعود على الموصول، ويلزم على قول ابن جني ألا يكون في الصلة ضمير يعود على الموصول لما يلزم منه أن يكون بعض الاسم مظهرا وبعضه مضمرا. انتهى. وهذا الذي ذكره غير ظاهر؛ فإن الذي هو من تمام الموصول إنما هو الصلة، والعائد إنما هو للربط - أعني ربط الصلة بالموصول - ثم ليس مراد ابن جني بقوله: ابن، بعض الاسم مضمر، أن ذلك البعض يكون ضميرا؛ بل مراده أنه مستتر أي: غير ملفوظ به. ولا شك أن بعض الاسم لا يكون ملفوظا به والبعض الآخر ملفوظ به، ولمّا مثل ابن عصفور زيادة الباء في المبتدأ بقوله: بحسبك زيد، وأنشد: 2479 - بحسبك بالقوم أن يعلموا ... بأنّك في القوم غنيّ مضر (¬1) وقال: التقدير: حسبك بالقوم أن يعلموا. قال: ومن زيادتها في المبتدأ أيضا قوله: 2480 - اضرب بالسّيف على نصابه ... أتى به الدّهر بما أتى به (¬2) قال: فـ «ما» من قوله: «بما أتى به» مبتدأ؛ بدليل عود الضمير عليها من الجملة التي قبلها، والتقدير: بما أتى به الدهر أتى به، والضمير لا يعود على متأخر لفظا إلا إذا كان متقدما في الرتبة. قال: ولا يحفظ زيادة الباء في المبتدأ إلا في هذين الموضعين. وزعم بعضهم (¬3) أن الباء في قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (¬4) زائدة، وأنّ (أيكم) مبتدأ والتقدير: أيكم المفتون. قال: وزيادة الباء في المبتدأ لا ينبغي أن يقال بها ما وجدت عنها مندوحة؛ لقلة ما جاء من ذلك، والأولى القول بعدم زيادة الباء. ثم الآية الشريفة تحتمل وجهين: - ¬

_ (¬1) من المتقارب للأشعر الرقبان: وانظر: الإنصاف (2/ 364)، والخصائص (2/ 282)، وشرح المفصل (8/ 23، 39) واللسان «ضرر». (¬2) وهو بنصه في التذييل (4/ 20). (¬3) هو الأخفش، قال في المعاني له (1/ 348): (يريد: أيكم المفتون). (¬4) سورة القلم: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن يكون (المفتون) (¬1) مصدرا جاء على زنة مفعول التقدير بأيكم الفتنة. والآخر: أن يكون (المفتون) صفة والباء بمعنى «في»، التقدير: في أيكم المفتون أي: في أيكم القرين المفتون. وأجاز الأخفش زيادة الباء في خبر المبتدأ في غير النفي وجعل من ذلك قوله تعالى: جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها (¬2)، التقدير عنده: جزاء سيئة سيئة مثلها، واستدل على ذلك بقوله تعالى في الآية الأخرى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (¬3). وقد خرّجت الآية الشريفة على وجهين لا تكون الباء فيهما زائدة: أحدهما: أن المجرور في موضع الخبر، والتقدير: جزاء سيئة حاصل بمثلها. الآخر: أن يكون المجرور متعلقا بـ (جزاء) والخبر محذوف والتقدير: ثابت لهم. وذكروا من زيادة الباء في المفعول: قرأت بالسورة، أي: قرأت السورة قال الشاعر: 2481 - هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (¬4) أي: لا يقرأن السور، وليس منه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ (¬5)؛ لأن الباء فيه للاستعانة. قال: وبالجملة كل فعل وصل بنفسه تارة وبالباء أخرى ووصوله بنفسه إلى مفعوله أكثر من وصوله إليه بالباء وليس في دخول الباء عليه زيادة معنى نحو ما ذكر من أمسكت زيدا، وأمسكت بزيد؛ فإنه إن أمكن تضمينه معنى فعل يصل بالباء لم تجعل الباء فيه زائدة نحو الباء في قوله: 2482 - نحن بني ضبّة أصحاب الفلج ... نضرب بالسّيف ونرجو بالفرج (¬6) وقول الآخر: 2483 - ضمنت برزق [4/ 4] عيالنا أرماحنا (¬7) ألا ترى أنه يجوز أن يكون ضمّن «ضمنت» معنى تكفّلت فعدّاه بالباء؛ ذلك لأن من ضمن شيئا فقد تكفل به، وكذلك يجوز أيضا أن يكون ضمن «نرجو» - ¬

_ (¬1) سورة القلم: 6. (¬2) سورة يونس: 27. (¬3) سورة الشورى: 40، وانظر: معاني القرآن للأخفش (1/ 348). (¬4) من البسيط للراعي، وراجع: الخزانة (3/ 667)، واللسان «قرأ» ومجالس ثعلب (ص 365) والمخصص (14/ 70) والمغني (ص 29، 109، 675). (¬5) سورة العلق: 1. (¬6) ويروى: بنو شطر بيت من الرجز ذكرنا صدره وهو للنابغة الجعدي انظر: ملحقات ديوانه (ص 216)، والإنصاف (ص 284)، والخزانة (4/ 159)، والمغني (ص 108). (¬7) شطر بيت من الكامل، وانظره في: الأشموني (2/ 95)، والمخصص (14/ 70).

[في: معانيها، وما يعرض لها]

[في: معانيها، وما يعرض لها] قال ابن مالك: (ومنها في للظّرفيّة حقيقة أو مجازا، وللمصاحبة، وللتّعليل، وللمقايسة، ولموافقة «على»، والباء). ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى نطمع وكأنه قال: ونطمع بالفرج، فعداه بالباء لذلك. فإن لم يكن للباء معنى ولم يمكن التضمين جعلت زائدة. انتهى. ومن زيادة الباء في الخبر قول الشاعر: 2484 - فلا تطمع أبيت اللّعن فيها ... فمنعكها بشيء يستطاع (¬1) أي: شيء يستطاع. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): «في» التي للظرفية الحقيقية نحو: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ (¬3)، ووَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (¬4)، والتي للظرفية المجازية نحو: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (¬5)، ولَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ (¬6)، وشواهد ذلك كثيرة؛ لأنه الأصل. والتي للمصاحبة نحو: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ (¬7) أي: ادخلوا في النار مع أمم قد خلت من قبلكم في تقدم زمانكم كذا جاء في التفسير (¬8)، وهو صحيح، ومثله: عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ (¬9)، وحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ (¬10)، وفَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (¬11)، ومنه قول الشاعر: 2485 - كحلاء في برج صفراء في دعج ... كأنّها فضّة قد مسها ذهب (¬12) - ¬

_ (¬1) من الوافر لرجل من تميم، وراجع: الأشموني (1/ 118، 120)، والخزانة (2/ 413) والعيني (1/ 302)، وفي المغني (110) برواية «ومنعكها»، وأنه للحماسي. (¬2) انظر شرح التسهيل (3/ 155). (¬3) سورة البقرة: 203. (¬4) سورة البقرة: 187. (¬5) سورة البقرة: 179. (¬6) سورة يوسف: 7. (¬7) سورة الأعراف: 38. (¬8) ينظر الكشاف (2/ 78). (¬9) سورة الأحقاف: 16. (¬10) سورة الأحقاف: 18. (¬11) سورة القصص: 79. (¬12) من البسيط لذي الرمة، ويروى - كما في الأصل - «نعج» وراجع ديوانه (ص 5) والتذييل (7/ 31 / أ)، والخصائص (1/ 325).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2486 - شموس ودود في حياء وعفّة ... رخيمة رجع الصّوت طيّبة النّشر (¬1) والتي للتعليل كقوله تعالى: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما (أَخَذْتُمْ) (¬2) عَذابٌ عَظِيمٌ (¬3)، وكقوله تعالى: فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ (¬4)، وكقوله عليه الصلاة والسّلام: «عذّبت امرأة في هرّة حبستها» (¬5)، ومنه قول الشاعر: 2487 - فليت رجالا [فيك] قد نذروا دمي ... وهمّوا بقتلي يابثين لقوني (¬6) ومثله: 2488 - لوى رأسه عنّي ومال بودّه ... أغانيج خود كان فينا يزورها (¬7) ومثله: 2489 - أفي قمليّ من كليب هجوته ... أبو جهضم تغلي عليّ مراجله (¬8) ومثله: 2490 - نكرت باللّوم تلحانا ... في بعير ضلّ أو حانا (¬9) والتي للمقايسة هي الداخلة على تال يقصد تعظيمه وتحقير متلوه كقوله تعالى: فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (¬10)، وكقوله عليه الصلاة والسّلام: «ما أنتم في سواكم من الأمم إلّا كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود» (¬11) - ¬

_ (¬1) من الطويل وهو من شواهد أبي حيان في التذييل (7/ 31 / أ). (¬2) في الهامش: أفضتم فيه، وهو تحريف له. (¬3) سورة الأنفال: 68. (¬4) سورة يوسف: 32. (¬5) هو عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وانظره في البخاري: أنبياء (54) والشرب (9) وابن حنبل (3/ 159، 424) ومسلم: كسوف (9) والنسائي: كسوف (14، 20). (¬6) من الطويل انظر ديوان جميل بثينة (ص 124) - دار صادر، وانظره في أمالي القالي (1/ 204) والتذييل (7/ 31 / أ) والحماسة (1/ 118)، واللسان (15/ 40)، ومجالس ثعلب (ص 173). (¬7) من الطويل، وأغانيج جمع أغنوجة: ما يتغنج به، والخود: الجارية الناعمة، وهو لأبي ذؤيب الهذلي برواية: «قدما» بدل «فينا» وراجع ديوان الهذليين (1/ 155) واللسان: «غنج». (¬8) هو للفرزدق، والبيت في التذييل (4/ 21) بغير نسبة. (¬9) في معناه انظر اللسان: «حان، ولحى» وحان - هنا -: هلك. وشاهده كسابقه. (¬10) سورة التوبة: 38. (¬11) هو عن عبد الله بن مسعود، وانظره في: البخاري: رقاق (45، 46)، والترمذي: جنة (13)، وابن ماجه: زهد (34)، ومسلم: الإيمان (376 - 380).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الخضر لموسى عليه السّلام. «ما علمي وعلمك في علم الله إلّا كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر» (¬1) أو كما قال، ومنه قول الشاعر: 2491 - وما جمعكم في جمعنا [غير] ثعلب ... هوى بين لحيي أخزر العين ضيغم (¬2) ومثله: 2492 - كلّ قتيل في كليب حلّام ... حتّى ينال القتل إلى همّام (¬3) والموافقة «على» كقوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (¬4)، ومنه قول حسّان (¬5) رضى الله تعالى عنه: 2493 - بنو الأوس الغطارف آزرتها ... بنو النّجّار في الدّين الصّليب (¬6) ومثله: 2494 - بطل كأنّ ثيابه في سرحة ... يحذي نعال السّبت ليس بتوءم (¬7) والموافقة الباء كقوله تعالى: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ (¬8) أي: يكثركم به كذا جاء في التفسير (¬9)، ومثله قول الأفوه الأودي (¬10): 2495 - أعطوا غواتهم جهلا مقادتهم ... وكلّهم في حبال الغيّ منقاد (¬11) - ¬

_ (¬1) ينظر: الدر المصون (ص 906) والهمع (2/ 30) وفيه «غمس» بدل «أخذ». (¬2) من الطويل، وخزرت العين: صغرت وضاقت وانظره في: التذييل (4/ 21)، وشرح الجمل (1/ 419). (¬3) في التذييل (4/ 21) بالرواية نفسها، وبغير نسبة. (¬4) سورة طه: 71. (¬5) حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري شاعر النبي صلّى الله عليه وسلّم وأحد المخضرمين (ت 54 هـ) وراجع: الإصابة (1/ 326). (¬6) من الوافر، والغطارف: جمع غطريف وهو السيد، والصليب: المتين، وانظر ديوان حسان بشرح البرقوقي (ص 17) والتذييل (4/ 21). (¬7) من الكامل لعنترة من معلقته، سرحة: شجرة عظيمة كبيرة طويلة، يحذي نعال السبت: يلبس أحذية الملوك غير ضعيف، وراجع: الخزانة (4/ 145)، والمغني (ص 145)، والمنصف (3/ 17). (¬8) سورة الشورى: 11. (¬9) انظر: الكشاف (3/ 462، 463). (¬10) هو صلاءة بن عمرو من بني أود شاعر جاهلي ت نحو (50 ق. هـ) وراجع: جمهرة الأنساب (ص 386). (¬11) من البسيط وانظره في التذييل (4/ 21).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول زيد الخيل: 2496 - ويركب يوم الرّوع منّا فوارس ... بصيرون في طعن الأباهر والكلى (¬1) ومثله: 2497 - وخضخض فينا البحر حتّى قطعنه ... على كلّ حال من غمار ومن وحل (¬2) ومثله: 2498 - وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ... ولكنّني عن سنبس لست أرغب (¬3) وحكى يونس عن بعض العرب: ضربته في السيف أي: بالسيف (¬4). انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬5)، والمعاني التي ذكرها لهذا الحرف الذي هو «في» ستة: أما الظرفية: فهو المعنى الأصلي لهذه الكلمة ومن ثم قال سيبويه: وأما «في» فهي للوعاء تقول: هو في الجراب وفي الكيس (¬6)، ثم قال: وإن اتسعت في الكلام فهي على هذا، وإنما تكون كالمثل يجاء بها لتقارب الشيء، وليس مثله (¬7). وقال ابن الربيع: إذا قلت: جعلت المال في الكيس؛ فالجعل بعد طلبه المال طالب للكيس على أنه وعاء للمال، ومحتو عليه وكذا إذا قلت: نزلت في الدار؛ فالنزول طالب للدار على أنها محتوية عليك ووعاء لك. وكذلك: تكلمت في شأنك ودخلت في أمرك، إلا أن الوعاء هنا على جهة التمثيل والتشبيه، وذلك أنك إذا دخلت في الأمر؛ فقد شغلك عن غيره، وأحاط بخاطرك، فقد صار بمنزلة الوعاء الذي يحوي الشيء من جهاته كلها، ومثله: أنا فى حاجتك؛ لأن الحاجة شغلتك عن غيرها فصارت المسألة بذلك شبيهة بالوعاء المحيط بالشيء الضام له (¬8)، قال: والعرب تعبر عن الشيء بطريق التشبيه والتمثيل كما تعبر عنه بحسب مقتضى الألفاظ ووضعها (¬9). - ¬

_ (¬1) من الطويل وراجع التصريح (2/ 14)، والدرر (2/ 26). (¬2) من الطويل وانظره في الاقتضاب (ص 437)، والخصائص (2/ 313). (¬3) من الطويل وسنبس: أبو حي من طيئ. وراجع التذييل (4/ 21)، واللسان «سنبس»، ومعاني الفراء (2/ 70، 223). (¬4) الأشموني (2/ 219)، والكتاب (4/ 226)، والهمع (2/ 30). (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 158). (¬6) الكتاب (4/ 226). (¬7) الكتاب (4/ 226). (¬8) التذييل (4/ 20). (¬9) المصدر السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكلام ابن هشام الخضراوي موافق له؛ فإنه لما أورد كلام الفارسي [4/ 5] وهو قوله: «في» معناها الوعاء، نحو: المال في الكيس، واللص في السجن، ويتسع فيها فيقال: زيد ينظر في العلم، وأنا في حاجتك (¬1) قال: هذا كما ذكر إنما تكون للوعاء حسّا أو تخييلا واستعارة كقولهم: فلان يسعى في حاجتك، ويتصرف في أمرك، فهي ظرف حسي، أو معنوي (¬2). وأقول: قد أشار المصنف إلى الظرف الحسي بقوله: حقيقة، وإلى الظرف المعنوي بقوله: مجازا؛ لكن مقتضى كلام سيبويه وكلام الفارسي وكلام هذين الرجلين أن «في» لا تفارقها الدلالة على هذا المعنى. ولهذا لما ذكر ابن أبي الربيع عن القتبي (¬3) أن «في» تكون بمعنى كذا، وبمعنى كذا؛ قال: هذا جار على مذهب الكوفيين من وضع حرف مكان حرف لما بين الحروف من الاتفاق، وأما البصريون فيذهبون إلى التضمين. وقال ابن عصفور: «في» معناها الوعاء حقيقة أو مجازا عند سيبويه (¬4)، والمحققين من النحويين، فالحقيقة ظاهرة، والمجاز نحو قولك: أنا في حاجتك؛ جعلت الحاجة لك مكانا مجازا، واتساعا من حيث كان المعنى: أنا في طلب حاجتك؛ فصار طلبه للحاجة كأنه مشتمل عليه، وكذا: فلان ينظر في العلم؛ جعلت العلم وعاء للنظر من حيث كان محلّا له على جهة المجاز والاتساع، وكذا: في فلان عيب، وفي الخبر شك (¬5). والمصنف لا يلتزم بقاء دلالتها على هذا المعنى - أعني الظرفية - بل جعلها تستعمل مجردة عنه دالة على معنى آخر كما رأيت تعدادة لذلك، وهذا جري منه على الطريقة التي سلكها في إتيان معان متعددة لكل حرف من الحروف المذكورة في هذا الباب. على أن ابن عصفور صرّح بأن «في» للوعاء كما تقدم، وأن المثبت لها معنى غير ذلك هم الكوفيون. وأما المصاحبة: فقد ذكروا من الدلالة على ذلك قول الشاعر: 2499 - ولوج ذراعين في بركة ... إلى جؤجؤ رهل المنكب (¬6) أي: مع بركة وهو الصدر، وقول الآخر: - ¬

_ (¬1) الإيضاح (ص 251). (¬2) وانظر: التذييل (4/ 20). (¬3) انظر: الهمع (2/ 30). (¬4) الكتاب (4/ 226). (¬5) نقل من شرح الإيضاح المفقود وانظر في مثله المقرب ومعه المثل (ص 275) وشرح الجمل: (1/ 511). (¬6) ينسب البيت للنابغة الجعدي وليس في ديوانه، والتذييل (4/ 20).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2500 - كأنّ [ريقتها] بعد الكرى اغتبقت ... في مسكن نمّاه النّحل في النّيق أو طعم عادية في ذي حدب ... من ساكن المزن تجري في الغرانيق (¬1) أي: مع الغرانيق وهي طير الماء، وساكن المزن: المطر، والغرانيق لفرحها به تجري معه، وقول العرب: فلان عاقل في حلم أي: مع حلم، وخرّجوا «في بركة» على حذف مضاف أي: في جانبي بركة. وكذا «في الغرانيق» أي: في مجرى الغرانيق. ذكر ابن عصفور ذلك في شرح الإيضاح. وأما قول العرب: فلان عاقل في حلم فقال ابن أبي الربيع: «في» هنا تفيد ما لا تفيده «مع»؛ لأنك إذا قلت: فلان ذو عقل مع حلم؛ لم يقتض أن عقله كان له في حين اتصافه بالحلم؛ إذ قد يقال هذا لمن حلم في وقت وظهر فيه عقل في وقت آخر، وإذا قلت: فلان عاقل في حلم فالمعنى أن حلمه تصرف بالعقل على حسب مقتضاه فكأنه دخل فيه (¬2). وقال: في قول الجعدي (¬3): 2501 - ولوج ذراعين في بركة إن «في بركة» صفة لـ «ذراعين» كأنه قال: داخلان في بركة؛ ألا ترى أنك لا تجد في كلام العرب: ولوج ذراعين في كفل؛ لأن الذراعين لا يكونان في الكفل، و «مع» تصلح هنا لو قلت: له ذراعان مع كفل؛ لكان ذلك صحيحا، وتقول: له رجلان في كفل، ولا تقول: رجلان في بركة، ويصلح أن تقول: مع بركة (¬4). ففي النظر في تخريج ما استدل به المصنف. أما قوله تعالى: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ (¬5) الآية، فقال الشيخ: يحتمل أن يكون على حذف مضاف أي: في عذاب أمم، ويكون (فى النار) (¬6) بدلا. انتهى. ولقائل أن يدعي أن «في» باقية على معناها، ولكن الظرفية مجاز، ويكون (فى النار) في موضع الصفة؛ وصف بالجار والمجرور بعد الوصف بالجملة، - ¬

_ (¬1) من البسيط، والريق: ماء الفم، والريقة: مؤنثة في الشعر أو للوحدة، والحدب: ما ارتفع من الأرض، يمدح ريق محبوبته، ومعناهما واضح. (¬2) في التذييل (4/ 20) بغير تعيين له. (¬3) قيس بن عبد الله الجعدي العامري شاعر معمر هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل الإسلام، ووفد على النبي صلّى الله عليه وسلّم فأسلم (ت 50 هـ) وراجع: الإصابة (3/ 537)، والأعلام (6/ 58)، والقاموس «نبغ». (¬4) التذييل (4/ 20) بغير ذكر لابن أبي الربيع. (¬5)، (¬6) سورة الأعراف: 38.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى: قال ادخلوا في أمم خالية كائنة في النار؛ فليس (فى النار) (¬1) من متعلقات (ادخلوا) (¬2). وأما قوله تعالى: وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ (¬3) فـ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ في موضع الحال من الضمير المضاف إليه (سيئات؛) المعنى: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم كائنين في أصحاب الجنة. فأفادت «في» الظرفية المجازية؛ لأنهم لشدة اختلاطهم بهم جعلوا منهم. ومجيء الحال من المضاف إليه هنا كمجيئها منه في قوله تعالى: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً (¬4)؛ لأن التجاوز عن سيئاتهم تجاوز عنهم فكأنه قيل: ونتجاوز عنهم. وأما قوله تعالى: حَقَّ (¬5) عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ (¬6) فيقال فيه ما قيل في قوله تعالى: قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ (¬7). والحاصل: أن «في» مستعملة فيه في الظرفية المجازية. وأما قوله تعالى: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ (¬8) فالظرفية ظاهرة والجار والمجرور في موضع الحال المعنى: فخرج على قومه كائنا في زينته. ونظير هذا قوله تعالى: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ (¬9)، والعرب تقول: جاء زيد في أصحابه وعشيرته أي: كائنا فيهم وعلى هذا يخرّج البيتان اللذان أنشدهما، وهما: 2502 - كحلاء في برج و: 2503 - شموس ودود في حياء وعفّة وأما التعليل فلم يذكره المغاربة، والظاهر ثبوته؛ فإن الدلائل التي استدل بها المصنف على هذا المعنى لا تدفع ولا يظهر في شيء منها معنى الظرفية. وأما المقايسة فقد عرفت معناها الذي فسرها به المصنف وعرفت استدلاله على [4/ 6] ذلك. والذي يظهر في ما استدل به القول بالظرفية؛ لأن المعنى في الآية الشريفة: إن متاع الدنيا بتقدير جعله في الآخرة قليل، والمعنى في الحديث الشريف: إنكم لو أدخلتم في سواكم من الأمم لكنتم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وكذا يقال في قول الخضر لموسى صلّى الله عليه وسلّم، وكذا يقال في البيتين اللذين أنشدهما. - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة الأعراف: 38. (¬3) سورة الأحقاف: 16. (¬4) سورة النحل: 122. (¬5) في الأصل: و «حق»، وهو تحريف. (¬6) سورة الأحقاف: 18. (¬7) سورة الأعراف: 38. (¬8) سورة القصص: 79. (¬9) سورة الذاريات: 29.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما موافقة «على»: فقد عرفت ما استدل به المصنف على ذلك من قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (¬1)، ولكن المغاربة لما ذكروا أن «في» تفيد الظرفية المعنوية أي: المجازية قالوا: ومن ذلك قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ؛ لأن تمكن المصلوب من الجذع الذي صلب فيه صيّره كالوعاء له والظرف. قالوا ومنه قول الشاعر: 2504 - بطل كأنّ ثيابه في سرحة قال ابن أبي الربيع: وذكر القتبي (¬2) أن «في» تكون مكان «على» تقول: لا تدخل الخاتم في أصبعي، أي: على أصبعي وقال تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي: عليها. قال: وهذا يرجع إلى ما ذكرت من الظرفية؛ لأنه إذا صلب على الجذع فهو في الجذع، وكذلك الخاتم إذا دخل على الأصبع فهو فيه بلا شك. ومما استدل به قول العرب: نزلت في أبيك، أي: على أبيك. وأجيب عنه بأن المراد: نزلت في كنف أبيك وظلّه (¬3)، وأما موافقة الباء فقد استدل المصنف على ذلك بقوله تعالى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ (¬4) واستدل أيضا بقول الشاعر: 2505 - وكلّهم في حبال الغيّ منقاد وبقول الآخر: 2506 - بصيرون في طعن الأباهر والكلى وقول الآخر: 2507 - وخضخض فينا البحر حتّى قطعنه فأما الآية الشريفة فليس فيها دلالة قاطعة على أن «في» بمعنى الباء. وقد قال الزمخشري (¬5): (يذرؤكم) يكثركم فيه، أي: في هذا التدبير، وهو أن جعل الناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل، ثم قال: فإن قلت: ما معنى «يذرؤكم» في هذا التدبير، وهلا قيل: يذرؤكم به؟ قلت: جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير؛ ألا تراك تقول: للحيوان في خلق الأزواج تكثير، كما قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ (¬6). انتهى. فانظر إلى هذا الرجل كيف يهديه الله تعالى إلى سبيل الرشاد، ويطلعه على - ¬

_ (¬1) سورة طه: 71. (¬2) التذييل (4/ 21). (¬3) المصدر السابق. (¬4) سورة الشورى: 11. (¬5) في الكشاف له (4/ 166). (¬6) سورة البقرة: 179، والكشاف (4/ 166).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسرار، وينطق لسانه بما فيه الحكمة والصواب. وبهذا المعنى الذي قرّره يظهر لك التفاوت بين في، والباء في هذا المحل؛ لأن الباء لا تفيد ما أفادته في حق كون هذا التدبير كالمنبع والمعدن وإنما تفيد السببية لا غير. وأما قول الشاعر: 2508 - وكلهم في حبال الغيّ منقاد فيمكن أن يقال فيه: «في حبال الغيّ» ليس متعلقا بـ «منقاد» حتى تكون «في» بمعنى الباء، وإنما «في حبال الغيّ» في موضع الحال من الضمير المستكن في «منقاد»؛ التقدير: وكلهم منقاد كائنا في حبال الغيّ، وهذا المعنى أبلغ؛ فإنه يفيد استمرارهم في حبال الغيّ مع كونهم منقادين، أما إذا جعلنا «في» بمعنى الباء فيصير التقدير: إنهم منقادون بحبال الغيّ، يعنى: أنهم إذا حصل لهم انقياد ينقادون بحبال الغيّ، وإذا لم يحصل لهم انقياد فقد تفارقهم الحبال. وأما قول الآخر: 2509 - بصيرون في طعن الأباهر والكلى فـ «بصيرون» ضمن معنى ماهرون، أو متقدمون على غيرهم في ما ذكر؛ لأن البصير بالشيء ماهر فيه، ومتقدم فيه على غيره. قال ابن أبي الربيع: وفي جعل «في» في هذا الموضع فائدة ليست للباء لو ذكرت؛ لأنه لو قال: بصيرون بهذا؛ لم يقتض أكثر من العلم به، وقد يكون بصيرا به فإذا كان وفيه ذهل خاطره عن ذلك لما هناك من الشدة فوصفهم بأنهم مع معرفتهم بأن الطعن في الأباهر والكلى أعظم الطعن ثابتو الخواطر عند الطعان، و «في» تقتضي ثبوت خواطرهم (¬1). وأما قول الأعشى: 2510 - ربّي كريم ما يكدر نعمة ... وإذا تنوشد في المهارق أنشدا (¬2) فقال ابن عصفور: «في المهارق» في موضع الحال والمجرور الذي يطلبه «تنوشد» محذوف؛ التقدير: وإذا تنوشد بكلام الله تعالى في المهارق «أنشدا» أي: أجاب (¬3). - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 21) من غير تعيين القائل. (¬2) البيت من الكامل، والمهارق جمع مهرق: الصحف، وقيل: حرير يصمغ ثم يكتب فيه، وأنشده: أجاب طلبه، وفي الأصل: وفي، بدل «ربي» وهو تحريف. والبيت في ديوان الأعشى (ص 229) برواية: «لا يكدر» بدل «ما يكدر». (¬3) التذييل (4/ 21) دون ذكر لابن عصفور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن أبي الربيع: و «في» لها معنى هنا لا تقتضيه الباء؛ وذلك أنه لو قال: حلف بالمصحف؛ لم يقتض أن المصحف أحضر له عند اليمين، وإذا قال: حلف في المصحف اقتضى أنه أحضر له عند اليمين (¬1)، وأما: 2511 - وخضخض فينا البحر ... فعلى حذف مضاف؛ التقدير: وخضخض في سيرنا البحر. وقد ذكر غير المصنف أن «في» تكون أيضا بمعنى «إلى»، وبمعنى «من» (¬2)، واستدل على الأول بقوله تعالى: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ (¬3) قيل: التقدير: إلى أفواههم، وعلى الثاني بقول امرئ القيس: 2512 - وهل يعمن من كان أحدث عهده ... ثلاثين شهرا في ثلاثة أحوال (¬4) قال ابن عصفور: «وأما الآية الشريفة فقد فسرت على معنيين كلاهما «في» باقية فيه على بابها: أحدهما: أن يراد بالأيدي الجوارح، والمعنى على ذلك: ردوا أيديهم في أفواههم وعضوا أناملهم من الغيظ كما قال تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ (¬5)، ومحال أن يعضوا أناملهم بأفواههم إلا بعد إدخالها في الأفواه. والآخر: أن يراد بالأيدي النعم ويعني بذلك ما بلغهم الرسل صلوات الله تعالى عليهم عن الله تعالى من الأمر بما فيه خير لهم، والنهي عما فيه شرّ لهم؛ لأن ذلك نعمة فلما لم يقبلوا كلام الرسل صاروا كأنهم ردوا كلامهم في أفواههم، والعرب [4/ 7] تقول: ردّ كلام فلان في فيه؛ إذا لم يقبل منه. وأما بيت امرئ القيس فحمله ابن جني (¬6) على حذف مضاف، والتقدير عنده: في عقب ثلاثة أحوال فتكون «في» للوعاء على بابها. - ¬

_ (¬1) المصدر السابق أيضا. (¬2) هم الكوفيون والقتبي والأصمعي، وراجع التذييل (4/ 22). (¬3) سورة إبراهيم: 9. (¬4) من الطويل، يريد: كيف ينعم من كان أقرب عهده بالنعيم ثلاثين شهرا من ثلاثة أحوال. وانظر ديوانه (ص 27) والأشموني (2/ 219)، والدرر (2/ 26)، والهمع (2/ 30). (¬5) سورة آل عمران: 119. (¬6) في الخصائص (2/ 313)، وراجع المغني (ص 169).

[عن: معانيها، وأحكامها]

[عن: معانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (ومنها: «عن» للمجاوزة، وللبدل، وللاستعلاء، وللاستعانة، وللتّعليل، ولموافقة «بعد»، و «في»، وتزاد هي و «على»، «والباء» عوضا). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: والصحيح عندي أن تكون الأحوال جمع حال لا جمع حول وكأنه قال: في ثلاث حالات، ويكون المراد بالأحوال الثلاثة: نزول الأمطار بها، وتعاقب الرياح فيها، ومرور الدهور عليها. وإنما لم يسغ عندي ما ذهب إليه أبو الفتح؛ لأن المضاف لا يحذف إلا إذا كان عليه دليل، ولا دليل في البيت على ذلك المضاف الذي ادعى حذفه؛ لاحتمال أن يكون مراده ما ذكرنا؛ فلا يحتاج إذ ذاك إلى حذف، ثم قال: وقد استعملت «في» زائدة في ضرورة الشعر ومن ذلك قول أبي سويد بن أبي كاهل (¬1): 2513 - أنا أبو سعد إذا اللّيل دجا ... يخال في سواده برندجا (¬2) ألا ترى أن المعنى: يخال سواده برندجا؛ إلا أن ذلك من القلة بحيث لا يقاس عليه. انتهى. ولا تتعين زيادة في هذا البيت؛ إذ يجوز أن البرندج يخال في سواده، إلا أن يفسر البرندج بشيء يوجب أن هو [السواد نفسه] (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): استعمال «عن» للمجاوزة أكثر من استعمالها في غيرها، ولاقتضائها المجاوزة عدّي بها: «صدّ، وأعرض، وأضرب، وانحرف، وعدل، ونهى، ونأى، ورحل، واستغنى، وعقل، وسها، وسلا» وكذلك عدّي بها رغب، وحال»، ونحوهما إذا قصد ترك المتعلق به نحو: رغبت عن اللهو، وملت عن التواني، وقالوا: رويت عن فلان، وأنبأتك عنه؛ لأن المروي والمنبأ به مجاوز لمن أخذ عنه، ولاشتراك «عن ومن» في معنى المجاوزة تعاقبا في تعدية بعض الأفعال نحو كسوته عن عري، ومن عري، وأطعمته عن جوع ومن جوع ونزعت الشيء عنه، ومنه، ويقبل عنه، ومنه، ومنع عنه، ومنه، ومن هذا قراءة بعض - ¬

_ (¬1) اليشكري أبو سعد شاعر مخضرم، له عينية سميت في الجاهلية «اليتيمة» لما فيها من الأمثال توفي بعد (60 هـ) وراجع الأعلام (3/ 215)، والسمط (1/ 313)، وطبقات الفحول (ص 128). (¬2) رجز. والبرندج، والأرندج: جلد أسود. وإذا كانت «في» سببية فلا شاهد فيه، وراجع: الأشموني (2/ 219)، والمغني (ص 170)، والهمع (2/ 30). (¬3) بالأصل: نفس السواد، وهو خطأ لغوي. (¬4) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 158).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القراء فويل للقاسية قلوبهم عن ذكر الله (¬1) فأوقع «عن» موقع «من» والمعنى واحد (¬2)، والله تعالى أعلم. واستعمالها للبدل: كقوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً * (¬3)، وكقول القائل: حج فلان عن أبيه، وقضى عنه دينا، وفي صحيحي البخاري ومسلم (¬4) أن رجلا قال: يا رسول الله، إنّ أمّي ماتت وعليها صوم أفأقضيه عنها؟ فقال: «لو كان على أمّك دين أكنت (قاضيه) (¬5) عنها؟» قال: نعم. قال: «فدين الله أحقّ أن يقضى» (¬6)، ومنه قول الشاعر: 2514 - كيف تراني قاليا مجنّي ... قد قتل الله زيادا عنّي (¬7) أي: كأن قتل الله زيادا بدل قتلي إياه، ومثله قول الآخر: 2515 - حاربت عنك عدى قد كنت تحذرهم ... فنلت بي منهم أمنا بلا حذر (¬8) واستعمالها للاستعلاء: كقول الشاعر: 2516 - لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب ... عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني (¬9) أراد: لا أفضلت في حسب عليّ أي: لم يعل حسبك على حسبي. - ¬

_ (¬1) سورة الزمر: 22، وراجع الكشاف (4/ 95). (¬2) قال الزمخشري في الكشاف (4/ 95): (إذا قلت: قسا قلبه من ذكر الله؛ فالمعنى ما ذكرت من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه، وإذا قلت: عن ذكر الله؛ فالمعنى غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه) وقال الفراء في المعاني له (2/ 418): (... كلّ صواب، تقول: أتخمت من طعام أكلته وعن طعام أكلته؛ سواء في المعنى، وكأن قوله: قست من ذكره أنهم جعلوه كذبا فأقسى قلوبهم: زادها قسوة، وكأن من قال: قست عنه يريد: أعرضت عنه). (¬3) سورة البقرة: 48، 123. (¬4) مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري من أئمة المحدثين في صحيحه اثنا عشر ألف حديث وله المسند الكبير والجامع والأسماء والكنى وغيرها (ت 261 هـ) وراجع: تذكرة الحفاظ (2/ 150)، وطبقات الحنابلة (1/ 337)، وفهرسة ابن خير (ص 212). (¬5) بالأصل: قاضيته. (¬6) عن ابن عباس رضي الله عنه وانظره في البخاري: الصوم (42)، وابن حنبل (1/ 234)، ومسلم: الصيام (155) بنصه. (¬7) رجز للفرزدق ويروي قالبا وقاليا بالموحدة وبالمثناة التحتية. وانظر ديوانه (ص 881) والأشموني (2/ 95) والمحتسب (1/ 52). (¬8) من البسيط لابن المعتز - ديوان المعاني (1/ 340) والمصون للعسكري (ص 36). (¬9) من البسيط لذى الإصبع العدواني، وراجع الخزانة (3/ 222) والخصائص (2/ 288) والمقرب (1/ 197).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن استعمال «عن» للاستعلاء قولهم: بخل عنه، والأصل: بخل عليه؛ لأن الذي يسأل فـ «يبخل» يحمل السائل ثقل الخيبة مضافا إلى ثقل الحاجة؛ ففي «بخل» معنى ثقل فكان حقيقيّا بأن يشاركه في التعدية بـ «على»، فإن عدّي بـ «عن» كان معناها معنى «على»، وأيضا فإنّ «شحّ وضنّ» بمعنى «بخل» وتعديتهما في الغالب بـ «على» لا بـ «عن» فكانت «بخل» (أحق) (¬1) بذلك إلا أن «بخل» أكثر استعمالا فعديت بـ «عن» نيابة عن «على»؛ لأنها أخف منها، وبصلاحية «عن» للاستعلاء عدّي بها «رضي»، والأصل تعديته بـ «على»؛ لأن قائله مقبل على المعلق به ومثن عليه، ولأن في «رضيت عنه» معنى: رضيته وزدت على رضاه، والزيادة استعلاء فجيء بـ «عن» دالة عليه وكانت «على» أحقّ منها لكنهم قصدوا مخالفة غضب وسخط فعدوا «رضي» بـ «عن» لصلاحيتها للاستعلاء كما تقرر. وقد نبه على الأصل المتروك من قال: 2517 - إذا رضيت عليّ بنو قشير ... لعمر أبيك أعجبني رضاها (¬2) واستعمال «عن» للاستعانة: كقول العرب: رميت عن القوس، كما يقولون: رميت بالقوس؛ فـ «عن» هنا كالباء في إفادة الاستعانة. وحكى الفرّاء عن العرب: رميت عن القوس، وبالقوس على القوس وأنشد: 2518 - أرمي عليها وهي فرع أجمع ... وهي ثلاث أذرع وإصبع (¬3) واستعمال «عن» للتعليل: كقوله تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ (¬4)، وقوله تعالى: وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ (¬5)، ومنه قول ضابئ البرجمي (¬6): - ¬

_ (¬1) في الأصل: حقيقة. (¬2) من الوافر لقحيف العقيلي وانظره في أدب الكاتب (ص 395) والتصريح (2/ 18)، والكامل (3/ 824)، والمقتضب (2/ 320) وهو يروى: «الله» موضع «أبيك». (¬3) رجز، لحميد الأرقط وانظر: التصريح (2/ 286)، والكتاب (2/ 308)، واللسان «ذرع - رمى - علا - فرع». (¬4) سورة التوبة: 114. (¬5) سورة هود: 53. (¬6) ضابئ بن الحارث بن أرطاة شاعر خبيث اللسان كثير الشر أدرك الإسلام (ت: 30 هـ). راجع: الأعلام (3/ 305)، ومعاهد التنصيص (ص 40).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2519 - وما عاجلات الطّير تدني من الفتى ... نجاحا ولا عن ريثهنّ يخيب (¬1) واستعمال «عن» موافقة لـ «بعد»: كقوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (¬2) أي: حالا بعد حال، ومنه قول الشاعر: 2520 - قرّبا مربط النعامة منّي ... لقحت حرب وائل عن حيال (¬3) ومثله: 2521 - لقد منيت بنا عن غبّ معركة ... لا تلقنا عن دماء القوم ننتفل (¬4) واستعمالها موافقة لـ «في»: كقول الشاعر: 2522 - وآس سراة الحيّ حيث لقيتهم ... ولا تك عن حمل الرباعة وانيا (¬5) أي: في حمل الرباعة وانيا. وجعلت هنا الأصل «في» كقوله تعالى: وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (¬6). وأشرت بقولي: وتزاد هي «وعلى، والباء» عوضا إلى قول الشاعر: 2523 - أتجزع إن نفس أتاها حمامها ... فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع (¬7) [4/ 8] وإلى قول الراجز: 2524 - إنّ الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوما على من يتّكل (¬8) وإلى قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) من الطويل وهو ضمن مجموعة أبيات - برواية «رشادا» بدل «نجاحا» - في الدرر (2/ 201). (¬2) سورة الانشقاق: 19. (¬3) البيت للحارث بن عباد، وانظره في: الحلل (ص 245)، والخزانة (1/ 226). (¬4) من البسيط للأعشى. منيت: ابتليت - غب: عقب، يريد: لا نجحد دماء قومك ونتبرأ منها هربا من القتال - وانظر: ديوانه (ص 48) والأشموني (4/ 29)، والعيني (3/ 283). (¬5) من الطويل. وآس من آساه أي: واساه، والرباعة: نجوم الحمالة أي: أقساط ما يتحمل من دية أو غيرها. وانظر: الأشموني (2/ 224)، والمغني (ص 148)، والهمع (2/ 30). (¬6) سورة طه: 42. (¬7) من الطويل لزيد بن الملوح وراجع: التصريح (2/ 16)، والدرر (2/ 15)، والهمع (2/ 22). (¬8) رجز قيل في سعد بن زيد مناه - وانظره في: الأشموني (2/ 222)، والتصريح (2/ 15).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2525 - ولا يؤاتيك فيما ناب من حدث ... إلّا أخو ثقة فانظر بمن تثق (¬1) قال أبو الفتح ابن جني في البيت الأول: أراد: فهلا عن التي جنبيك تدفع؛ فحذف «عن» وزادها بعد «التي» عوضا (¬2)، وقال في قول الراجز: أراد: إن لم يجد من يتكل عليه؛ فحذف «عليه»، وزاد «على» قبل «من» عوضا (¬3). ويجوز عندي أن يعامل بهذه المعاملة «من، واللام، وإلى، وفي» قياسا على «عن، وعلى، والباء» فيقال: عرفت ممن عجبت، ولمن قلت، وإلى من أويت، وفي من رغبت، والأصل: عرفت من عجبت منه، ومن قلت له، ومن أويت إليه، ومن رغبت فيه؛ فحذف ما بعد «من» وزيد ما قبلها عوضا. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬4)، وقد ذكر لهذا الحرف الذي هو «عن» معاني سبعة كما رأيت. والجماعة المغاربة لم يثبتوا من هذه المعاني سوى المجاوزة؛ مستندين لقول سيبويه: وأما «عن» فلما عدا الشيء (¬5)، قال ابن عصفور: ومعنى «عن» اسما كانت أو حرفا المجاوزة؛ ألا ترى أنك إذا قلت: أطعمته عن جوع؛ فالمعنى: جعلت الجوع مجاوزا له ومنصرفا عنه، وكذلك إذا قلت: سقيته عن العيمة (¬6) وكسوته عن العري؛ فقد جعلت العيمة والعري قد تراخيا عنه وجاوزاه، وكذلك أيضا قولك: رميت عن القوس؛ لأنك قذفت سهمك عنها فجاوزها، وإذا قلت: جلست عن يمينه؛ فالمعنى: تراخيت عن يمينه وجاوزتها. وإذا قلت: أضربت عنه، وأعرضت عنه، فالمعنى: تراخيت عنه وجاوزته إلى غيره. وإذا قلت: أخذت عنه حديثا؛ فالمعنى: عدا إلى منه حديث (¬7). انتهى. وكلام الخضراوي (¬8) قريب من كلامه وبمعناه، وكذا كلام ابن أبي الربيع (¬9). ولكنهم نقلوا عن الكوفيين (¬10) إثبات أربعة معان. وهي: معنى «على»، ومعنى «بعد»، - ¬

_ (¬1) من البسيط لسالم بن وابصة وراجع: مجالس ثعلب (ص 300)، والمغني (1/ 127) بحاشية الأمير، والهمع (2/ 22). (¬2) راجع الخصائص (2/ 305) والمحتسب (1/ 281)، والدرر (2/ 15) والكشاف: أول سورة المزمل. (¬3) المصادر السابقة. (¬4) انظر: شرح التسهيل (3/ 162). (¬5) الكتاب (4/ 226). (¬6) العيمة: شدة العطش إلى اللبن. (¬7) انظر: نظيره في شرح الجمل (1/ 513). (¬8) التذييل (4/ 22، 23). (¬9) المصدر السابق. (¬10) راجع التذييل (4/ 22، 23، 24).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى «من أجل»، ومعنى «الباء» ولم يتعرضوا إلى ذكر البدل، ومعنى «في». وأما الأربعة التي ذكروها: فقد ذكرها المصنف حيث صرح بكلمة «بعد»، وأشار إلى معنى «على» بالاستعلاء، وإلى معنى «من أجل» بالتعليل، وإلى معنى «الباء» بالاستعانة، ولنشر إلى كل من المعاني التي هي غير المجاوزة: أما البدل: فقد استدل المصنف عليه بما تقدم (¬1) [ولم يرتضه الشيخ فقال بالتضمين في البيتين الأول والثاني]؛ قال الشيخ: وما استدل به المصنف يحتمل التأويل فيقال: إن «قتل الله» ضمن معنى: صرف الله، أي: صرف الله بقتله زيادا عني، وكذلك «حاربت عنك» ضمن معنى صرفت بالمحاربة عنك (¬2). وأما الاستعلاء: فقد استدل عليه المصنف بقوله: لا أفضلت في حسب عني، وهو الدليل المذكور عن الكوفيين وبقول العرب: بخل عنه أي: عليه وأجيب عنه. أما: «لا أفضلت في حسب عنّي» فقال ابن عصفور (¬3): ضمن أفضلت معنى: انفردت، أي: ما انفردت بحسب عني؛ لأنه إذا فضّل عليه في الحسب أي: زاد؛ فقد انفرد عليه بتلك الزيادة. وأما قولهم: بخل عنه؛ فقالوا: إن «بخل» ضمن معنى: رغب أو كفّ؛ التقدير: رغب بماله عنه، أو كف بماله عنه، واستدل الكوفيون أيضا بقول الشاعر: 2526 - لو أنّك تلقي حنظلا فوق بيضهم ... تدحرج عن ذي سامه المتقارب (¬4) وأجاب ابن عصفور والخضراوي عن ذلك بأن تدحرجه عن ذي سامه المتقارب انتقال عن بعضه إلى بعض؛ ففيه معنى التجاوز والتعدّي (¬5)، والسامة: عروق الذهب، ويعني بذي سامه المتقارب» البيض المذهب. وأما الاستعانة: فقد استدل المصنف على ذلك بقول العرب: رميت عن القوس، كما تقول: رميت بالقوس، وأجيب عن ذلك بأن «عن» في «رميت عن القوس» - ¬

_ (¬1) بعده في الأصل: أما الآية الشريفة والحديث الشريف، وفي الهامش: بياض قدر سطرين. (¬2) التذييل (4/ 23). (¬3) من شرح الإيضاح المفقود أيضا. (¬4) من الطويل لقيس بن الحطيم، يريد: لو ألقيت حنظلا لتدحرج على رأس كلّ رجل من كثرتهم. وهو في اللسان (سوم) برواية بيضنا، ومجالس ثعلب (ص 153). (¬5) التذييل (4/ 23) بدون تعيين صاحبي الجواب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للمجاوزة. وأما «رميت بالقوس» فالباء فيه للاستعانة؛ فالمعنى مختلف وكل واحد من الحرفين مستعمل في موضوعه. وقد استدل الذاهبون إلى ذلك بقوله تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (¬1) قالوا: التقدير: بالهوى، واستدلوا أيضا بقول امرئ القيس: 2527 - تصدّ وتبدي عن أسيل وتتّقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل (¬2) أي: تصد بأسيل. وأجيب عن الآية الشريفة بأن المراد أن النطق خارج عن الهوى متجاوزه؛ فمعنى المجاوزة ظاهر، والمعنى: لا يصدر نطقه إلا عن وحي. هذا جواب الخضراوي (¬3). وقال ابن أبي الربيع: وأما قوله سبحانه وتعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى فهو بمنزلة: أطعمتك عن جوع؛ لأنه نفى - تعالى - عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكون نطقه كنطق غيره الذين ينطقون عن الهوى؛ فهو كما يقول ما تكلم عن حرج (¬4). ولا يخفى على الناظر تطابق كلام هذين الرجلين. ولا شك أن ما ذكراه أحسن من قول ابن عصفور: إن المعنى وما يصرّف نطقه عن الهوى (¬5). وأما قول الشاعر: تصدّ وتبدي ... ... ... فأجابا عنه بأن «عن» متعلقة بـ «تبدي» أي: وتبدي عن أسيل، وليست متعلقة بـ «تصد»، وإنما عدّي تبدي بـ «عن» لأنه إذا أبدى عن الشيء فقد صرف عنه ما يستره (¬6). ومنهم (¬7) من ذهب إلى التضمين [4/ 9] فضمن «وتبدى» معنى: وتزيل؛ لأنها إذا أبدت فقد أزالت الستر، فكأنه قال: تصد وتزيل الستر عن أسيل. وأما التعليل فما استدل به المصنف على ذلك ظاهر وهو قوله تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ (¬8) وقوله تعالى: وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ (¬9)، وكذا ما ذكره من قول الشاعر: 2528 - ولا عن ريثهنّ يخيب - ¬

_ (¬1) سورة النجم: 3. (¬2) من الطويل، والأسيل: الخد السهل، والناظرة: العين، والبيت في ديوانه (ص 16). (¬3) التذييل (4/ 23) دون تعيين. (¬4) كالسابق. (¬5) التذييل (4/ 23). (¬6) المصدر السابق بلا تبيين. (¬7) في التذييل (4/ 23): (وقال بعض شيوخنا: وأما البصريون فيذهبون إلى التضمين). (¬8) سورة التوبة: 114. (¬9) سورة هود: 53.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن المغاربة ذكروا أن الذاهبين إلى ذلك استدلوا عليه بقولهم: أطعمتهم عن جوع، أي: من أجل جوع، وبقول الشاعر: 2529 - بسير تقلّص القيظان عنه ... بيد مغازة الخمس الكمال (¬1) يريد: تقلص القيظان من أجله، وبقول الآخر: 2530 - ولقد شهدت إذا القداح توحّدت ... وشهدت عند اللّيل موقد نارها عن ذات أولية أساود ربّها ... وكأنّ لون الملح فوق شغارها (¬2) يريد: من أجل ذات أولية، والأولية جمع ولي، وهو الثاني من الوسمي، ويريد به الربيع الذي يكون عنه. وأجابوا عن ذلك: أما أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ (¬3) فقالوا: ليست «عن» فيه بمعنى «من أجل»؛ لأن «أطعمه من جوع» معناه: أنه أطعمه من أجل الجوع، و «أطعمه عن جوع» معناه: أطعمه بعد الجوع؛ فقد عدا وقته وقت الجوع وتجاوزه. وأما قوله: بسير تقلص القيظان عنه فقالوا: «عن» فيه باقية على معناها؛ لأن القيظان إنما تقلص بعد وقوع السير، وإذا كان قلوصها بعد السير فقد تجاوز وقت القلوص وقت السير. وأما قول الآخر: عن ذات أولية أساود ربها فقالوا: «عن» فيه متعلقة بـ «أساود» و «أساود» ضمن معنى: أساير؛ لأن المساودة هي المسايرة، ومساودته له في حقها سؤال عنها، ويمكن أيضا أن يضمن «أساود» معنى: أخادع؛ لأنه إنما أسود ربها ليخدعه عنها. ذكر ذلك ابن عصفور في شرح الإيضاح (¬4). وأما استدلال المصنف فقد تأوله الشيخ بأن المعنى: إلا بعد موعدة، وبعد قولك، وبعد ريثهن؛ قال: وإذا كان ذلك بعد فقد تجاوز الوقت (¬5). انتهى. ولا يخفى ضعف هذا التأويل؛ لأن المراد أن الاستغفار ما كان من إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم - ¬

_ (¬1) بنصه وبغير نسبة في المصدر السابق. (¬2) البيتان من الكامل وانظرهما في: الارتشاف (ص 1163). (¬3) سورة قريش: 4. (¬4) ينظر: التذييل (4/ 23، 24). (¬5) التذييل (4/ 24)، (7/ 41 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأبيه إلا لأجل الموعدة؛ فالآية الشريفة مسوقة للاعتذار عنه صلّى الله عليه وسلّم فإن استغفاره لأبيه إنما كان من أجل الوفاء بعهده له، وليس المراد الإخبار بأن الاستغفار كان بعد الوعد أو قبله، وكذا المراد من الآية الشريفة الثانية أنهم يقولون: إنهم لا يتركون آلهتهم من أجل قول هود صلّى الله عليه وسلّم. وأما موافقة «بعد» فقد استدل عليه المصنف بقوله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (¬1)، واستدل أيضا بقول القائل: 2531 - لقحت حرب وائل عن حيال وبقول الآخر: 2532 - عن غبّ معركة وذكر المغاربة أيضا من الأدلة على ذلك بعد ذكرهم الآية الشريفة قول: امرئ القيس: 2533 - وتضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نؤوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل (¬2) أي: بعد تفضل، وقول الآخر: 2534 - ومنهل وردته عن منهل ... [قفر به الأعطان لم تسهّل] (¬3) أي: بعد منهل. وأجابوا عن ذلك: أما الآية الشريفة؛ فقال ابن عصفور: إنما وقعت «عن» فيها موقع «بعد» لتقارب معنيهما؛ لأن «عن» تكون لما عدا الشيء وتجاوزه و «وبعد» لما تبعه وعاقبه. فإذا جاء الشيء بعد الشيء فقد عدا: وقته وقته. قال: ومثل ذلك: «لم تنتطق عن تفضّل»؛ لأنها إذا جعلت النطاق بعد التفضل فقد عدا وقت الانتطاق وقت الشروع في التفضل وتجاوزه. قال: ومثل ذلك: «ومنهل وردته عن منهل»؛ لأنه إذا ورد منهلا بعد منهل؛ فقد تجاوز وقت ورود الثاني وقت ورود الأول (¬4). وقال ابن أبي الربيع - في «لم تنتطق عن تفضّل» -: الذي يظهر لي أن التتنطق لما كان بعد التفضل فكأنه بسببه إذا كان ناشئا عنه فصار يقرب من قولك: كلمته - ¬

_ (¬1) سورة الانشقاق: 19. (¬2) من الطويل، ولم تنتطق: لم تشد عليها نطاقا بعد تفضل، والتفضل: لبس ثوب واحد، يريد أن لها من الخدم من يكفيها فهي لا تهتم بأمرها، والبيت في ديوانه (ص 57). (¬3) بيت من الرجز - ذكرنا عجزه - ينسب للعجاج ولأبي النجم. راجع: أمالي الشجري (2/ 269)، والمخصص (14/ 67)، والمغني (ص 148). (¬4) يراجع: التذييل (4/ 24) - دون نسبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن حرج، وأكلت عن جوع، وشربت عن عطش قال: وكذلك الكلام في قوله: 2535 - ومنهل وردته عن منهل (¬1) انتهى. فإن صح ما ذكره - أعني ابن عصفور وابن أبي الربيع - من التأويل ساغ القول بذلك أيضا في: «عن حيال» و «عن غبّ معركة». وأما موافقة «في» فقد عرفت أن المغاربة لم يتعرضوا إلى ذكره وأن المصنف استدل على ذلك بقول القائل: 2536 - ولا تك عن حمل الرباعة وانيا وأنه قال: وجعلت هنا الأصل «في»، كقوله تعالى: وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (¬2) لكن قال الشيخ: تعدية «ونى» بـ «عن» مستعمل في لسان العرب وفرق بين ونى عن كذا، ووني في كذا؛ فإذا (قلت) (¬3): ونى عن ذكر الله؛ فمعناه المجاوزة وأنه لم يذكره، وإذا قلت: ونى في ذكر الله؛ فمعناه أنه التبس بالذكر وإنما لحقه فيه فتور وأناة (¬4). انتهى. وعلى هذا الذي ذكره الشيخ لا يتم استدلال المصنف فلا يثبت أن «عن» تستعمل موافقة «في» وهذا هو الظاهر. ثم إنك قد عرفت قول المصنف: وتزاد هي، و «على، والباء» عوضا، وما ذكره من الأدلة على ذلك وهي قول القائل: 2537 - فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع وقول الآخر: 2538 - إن لم يجد يوما على من يتّكل وقول الآخر: 2539 - فانظر بمن تثق ولا شك أن ما ذكره ظاهر إلا أن الشيخ قال: لا يتعين هذا التأويل؛ لاحتمال أن يكون الكلام تمّ قوله: «إن لم يجد يوما»، أي أنه إذا لم يجد ما يستعين به اعتمل بنفسه ثم قال: على من يتّكل، و «من» استفهامية كأنه قال: على أي شخص يتكل؟ - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 24) دون تعيين. وروي في الأصل: بعد، بدل عن. (¬2) سورة طه: 42. (¬3) الأصل: قيل، وذا من التذييل. (¬4) التذييل (7/ 42 / أ)، وانظر: القاموس واللسان: «وني».

[على: معانيها، وحكم زيادتها]

[على: معانيها، وحكم زيادتها] قال ابن مالك: (ومنها: «على» للاستعلاء حسّا، أو معنى، وللمصاحبة، وللمجاوزة، وللتّعليل، وللظّرفيّة، ولموافقة «من والباء»، وقد تزاد دون تعويض). ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: لا أحد يتكل عليه؛ فيحتاج أن (يعتمل) (¬1) بنفسه لإصلاح حاله فعلى «من» قوله «على من» متعلقة بـ «يتكل». (¬2)، وكذا [4/ 10] قال في البيت الآخر: يحتمل أن الكلام تم عند قوله: «فانظر» أي: فانظر لنفسك، ولما قرر أنه لا يؤاتيه إلا أخو ثقة استدرك على نفسه، فاستفهم على سبيل الإنكار على نفسه حيث قرر وجود أخي ثقة؛ فقال: بمن ثثق؟ أي لا أحد يوثق به؛ فالباء في «بمن» متعلقة بـ «تثق» (¬3). انتهى. ولا يخفى أن المعنى ليس ما قاله؛ إنما المعنى على ما قاله المصنف والمتأمل لا يخفى عليه ذلك، ثم يقال: هب أن هذا التأويل يتم له في البيتين فما يفعل في قول الآخر: 2540 - فهلّا الّتي عن بين جنبيك تدفع. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): استعمال «على» للاستعلاء حسّا: (كقوله تعالى) (¬5): كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (¬6)، [و] وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (¬7)، واستعمالها للاستعلاء معنى: نحو: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ (¬8). [و] وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (¬9)، ومن هذا النوع المقابلة اللام المفهمة ما يجب كقول الشاعر: 2541 - فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نسا [ء] ويوم نسرّ (¬10) 2542 - عليك لا لك من يلحاك في كرم ... نحو فاضرر الإملاق والعدم (¬11) - ¬

_ (¬1) كذا في الأصل. (¬2) التذييل (7/ 43 / ب). (¬3) المصدر السابق. (¬4) انظر: شرح التسهيل (3/ 163). (¬5) من شرح التسهيل لابن مالك (مخطوط بدار الكتب، 10 ش نحو) وبالأصل: نحو. (¬6) سورة الرحمن: 26. (¬7) سورة المؤمنون: 22. (¬8) سورة البقرة: 253. (¬9) سورة البقرة: 228. (¬10) من المتقارب للنمر بن تولب كما استشهد به على مجيء المبتدأ نكرة محضة في مقام التنويع، وعلى حذف رابط الجملة المخبر بها فالأصل: نساء فيه ونسر فيه. وانظر: الكتاب (1/ 44)، والهمع (1/ 10)، (2/ 28). (¬11) من البسيط، وفي الأصل: الآفات مكان الإملاق. وانظره في التذييل (4/ 25).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 2543 - لك لا عليك من استعنت فلم يعن ... إلّا على ما ليس فيه ملام (¬1) ومن هذا النوع وقوع «على» بعد «وجب» وشبهه؛ لأن «وجب عليك». مقابل لـ «وجب لك» وكذا وقوعها بعد «كذب» وشبهه. ومن الاستعلاء المعنوي وقوعها بعد «كبر، وضعف، وعز، وعظم» مما فيه معنى «ثقل» وكذلك ما دلّ على معنى تمكن نحو: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ * (¬2) [و] «وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت» (¬3). واستعمالها للمصاحبة: نحو: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى (¬4) [و] وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ (¬5)، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ (¬6)، وفَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ (¬7)، وأَ وَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ (¬8)، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم حين استأذن عمر رضي الله عنه: «ائذن له وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه» (¬9) أي: مع بلوى تصيبه. واستعمالها للمجاوزة: كوقوعها بعد «بعد، وخفي، وتعذر، واستحال، وحرم، وغضب»، وأشباهها. ولمشاركتها «عن» في المجاوزة [تعاقبتا] في بعض المواضع نحو: رضي عنه وعليه، وأبطأ عنه وعليه، وأحال بوجهه عنه وعليه إذا عدل عنه، وولى بوده عنه، وعليه قال الشاعر: 2544 - إذا امرؤ ولّى عليّ بؤدّه ... وأدبر لم يصدر بإدباره ودّي (¬10) - ¬

_ (¬1) من الكامل وراجع المصدر السابق. (¬2) سورة البقرة: 5، وسورة لقمان: 5. (¬3) جزء حديث، وهو في سنن الترمذي وصحيح البخاري عن شداد بن أوس وفي سنن أبي داود عن ابن بريدة عن أبيه مع اختلاف فيما قبله - وراجع: سنن الترمذي: أبواب الدعوات (15) وسنن أبي داود: كتاب الأدب (2/ 613)، وصحيح البخاري (8/ 83) والهمع (2/ 28). (¬4) سورة البقرة: 177. (¬5) سورة الرعد: 6. (¬6) سورة إبراهيم: 39. (¬7) سورة القصص: 25. (¬8) سورة الأعراف: 63. (¬9) أخرجه عن أبي موسى الأشعري: البخاري: فضائل الصحابة (5 - 7)، أدب (19) ومسلم: فضائل الصحابة (29) وفيه «مع» بدل «على». (¬10) من الطويل لدوسر بن غسان. وراجع الخصائص (2/ 311)، وشرح الجواليقي على أدب الكاتب (ص 355).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستعمالها للتعليل: كقوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (¬1). ومنه قول الشاعر: 2545 - على مورثات المجد تحمد فاقتها ... ودع ما عليه ذمّ من كان قد ذما (¬2) ومنه قول الآخر: 2546 - علام تقول الرّمح يثقل عاتقي ... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرّت (¬3) أي: لأي سبب؟ واستعمالها للظرفية: كقوله تعالى: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ (¬4) وكقوله تعالى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها (¬5)، ومنه قول الشاعر: 2547 - يمرّون بالدّهنا خفافا عيابهم ... ويخرجن من دارين بجر الحقائب على حين [ألهى] النّاس جلّ أمورهم ... فندلا زريق المال ندل الثّعالب (¬6) واستعمالها موافقة لـ «من»: كقوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ * (¬7)، وكقوله تعالى: الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (¬8) المعنى من أزواجهم، ومن الناس. واستعمالها موافقة للباء: كقوله تعالى: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ (¬9) أي: بأن لا أقول، وقرأ أبيّ بن كعب (¬10) رضي الله عنه: «حقيق بأن - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 185، وانظر سورة الحج: 37. (¬2) البيت من الطويل وهو من شواهد التذييل (4/ 26). (¬3) من الطويل وانظره في الأشموني (2/ 222) والمغني (ص 125). (¬4) سورة البقرة: 102. (¬5) سورة القصص: 15. (¬6) من الطويل للأحوص أو أعشى همدان، والدهنا: رملة من بلاد تميم تمد وتقصر، دارين: موضع في البحرين ينسب إليه المسك، بجر: جمع بجراء: ممتلئة، العيبة: ما يجعل فيه الثياب، والحقيبة - هنا -: وعاء الزاد، وندل: خطف، وزريق: علم رجل. يصف تجارا وقيل: لصوصا. وانظر ملحقات ديوانه (ص 289) والتصريح (2/ 116، 258)، والخصائص (1/ 120)، والكتاب (1/ 59)، واللسان «ندل». (¬7) سورة المؤمنون: 5، 6 وسورة المعارج 29، 30. (¬8) سورة المطففين: 2. (¬9) سورة الأعراف: 105. (¬10) ابن قيس من بني النجار أبو المنذر صحابي أنصاري سيد القراء كافة، أول من كتب للنبي عليه الصلاة والسّلام، وكان ربعة أبيض اللحية نحيفا قصيرا. (ت 22 أو 30 هـ). وراجع: الإصابة (1/ 16)، والأعلام (1/ 78)، وغاية النهاية (1/ 31).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا أقول» (¬1) فكانت قراءته مفسرة لقراءة الجماعة. وقد جاءت «على» زائدة دون تعويض في قول حميد بن ثور: 2548 - أبى الله إلّا أنّ سرحة مالك ... على كلّ أفنان العضاه تروق (¬2) فزاد «على»؛ لأن راق متعد بنفسه مثل «أعجب»؛ لأنهما بمعنى واحد يقال: راقني حسن الجارية، وأعجبني عقلها، وفي الحديث: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفّر عن يمينه وليفعل الّذي هو خير» (¬3)، والأصل: من حلف يمينا، كما قال النابغة: 2549 - حلفت يمينا غير ذي مثنويّة ... [ولا علم إلّا حسن ظنّ بصاحب] (¬4) فـ «علي» زائدة، وقيل: هي بمعنى الباء. ويلزم من كونها بمعنى الباء أن تكون زائدة؛ لأن الباء زائدة في قولك: حلفت بيمين؛ لأن «حلف» يتعدى إلى اليمين كتعدية «آلى»؛ لأنه بمعناه. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬5). والمعاني التي ذكرها لهذا الحرف سبعة. أما الاستعلاء فمجمع عليه وهو معناه الأصلى، وعليه عوّل المغاربة فلم يتعرضوا إلى ذكر غيره إلا منسوبا إلى غير مذهب البصريين. قال ابن أبي الربيع: و «على» معناها الاستعلاء (¬6) وذكر القتبي أنها وضعت موضع حروف. قال: وهذا مذهب الكوفيين الذين يرون وضع الحروف بعضها مكان [بعض]. وأما البصريون فيذهبون إلى التضمين؛ قال ابن عصفور (¬7): معنى «على» اسما كانت أو حرفا: الاستعلاء؛ حقيقة نحو: زيد على الفرس، أو مجازا نحو: عليه مال - ¬

_ (¬1) وهي - كذلك - قراءة ابن مسعود. راجع البحر المحيط (4/ 355) وما بعدها وحجة ابن زنجلة (ص 289)، ومعاني الفراء (1/ 386). (¬2) من الطويل، سرحة مالك: امرأته، العضاه من شجر الشوك. وفيه للأشموني نظر وأوضحه الصبان بأن «تروق» هنا بمعنى: تزيد وتفضل. وانظر: ديوانه (ص 41) والأشموني (2/ 222)، والتصريح (2/ 15)، والدرر (2/ 23)، والمغني (ص 144)، والهمع (2/ 29). (¬3) يروى عن أبي هريرة وعن غيره. وانظر: البخاري (8/ 182)، والترمذي: أبواب النذور (6)، وابن ماجه (1/ 68)، ومسلم أيمان (19)، وموطأ مالك: النذور والأيمان (11) والنسائي: أيمان (15، 16). (¬4) بيت من الطويل وذكرنا عجزه، وغير ذي مثنوية: لم يستثن فيها ثقة بصاحبه وهو في ديوانه (ص 10). (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 165). (¬6) التذييل (4/ 26) بغير نسبة له، وانظر: الهمع (2/ 28). (¬7) في شرحه على الإيضاح كما سيأتي آخر هذا النص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لزيد؛ يريد: أن المال ثبت عليه كما يثبت الشيء على المكان، وقد يعرض فيها إشكال في بعض المواضع التي تتصرف فيها، فيظن أنها قد فارقت معنى الاستعلاء وليس كذلك. فمن تلك المواضع قولهم: زرت زيدا على مرضي، وأعطيته على أنه شتمني؛ والوجه في ذلك أن المرض من شأنه أن يمنع المريض أن يزور، والشتم من شأنه أن يمنع المشتوم من أن يعطي شاتمه شيئا، فلما لم يمنعه المرض من الزيارة ولا الشتم من الإعطاء صارا ممنوعين مما عهد فيهما [4/ 11] والممنوع من الشيء مقهور، والقهر علو في المعنى بدليل قولك: فلان يحب قهر فلان، فساغ دخول «على» عليهما على جهة المجاز والتشبيه للشيء المعقول بالشيء (المحس) (¬1). ومن هذا القبيل قول قيس الرقيات (¬2): 2550 - ألا طرقت من آل بثنة طارقه ... على أنّها معشوقة الدّلّ عاشقه (¬3) فـ «عاشقة» منوي بها التقديم؛ لأنه صفة لـ «طارقة» والتقدير: ألا طرقت من آل بثنة طارقة عاشقة على أنها معشوقة الدل. ووجه الشبه بين هذا والذي قبله أن المعشوق من شأنه أن يعرض عن عاشقه ويهجره كما أن المرض من شأنه أن يمنع المريض من أن يزور. ومنها أيضا قولهم: فلان على البصرة؛ لأنه إذا أمّر عليها فقد صارت تحت حكمه وقهره. ومن هذا القبيل قولهم: تعذّر عليه كذا، وصعب عليه، وشقّ عليه؛ لأن جميع ذلك راجع إلى معنى امتنع، والمنع قهر، والقهر علو. ومنه أيضا قولهم: خفي عليه كذا، وأشكل عليه، وكل ما كان راجعا إلى معنى «خفي»؛ لأنه إذا خفي عليه، الشيء فقد منعه من أن يدركه. ومنها قولهم: تقوّل عليه ما لم يقل؛ لأنه إذا نسب إليه ما لم يقل فقد حمّله إياه، والمحمول أبدا في الأمور (المحسّة) (¬4) من شأنه أن يكون غالبا على حامله. فأدخلت «على» عليه تشبيها للمعقول (بالمحسّ) (¬5). ومنها قولهم: اتصل بي هذا على لسان فلان؛ لأن اللسان حامل للكلام؛ قال الله تعالى: أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ (¬6) أي: على لسان رجل منكم. ومنها قولهم: كان - ¬

_ (¬1) في الأصل: المحسوس، والصواب ما أثبتناه. (¬2) عبيد الله بن قيس من بني عامر، شاعر قريش في العصر الأموي (ت: 85 هـ) راجع: الأعلام (4/ 352)، والخزانة (3/ 267)، والسمط (1/ 294)، والشعر والشعراء (1/ 539). (¬3) من الطويل، والدل. جرأة المرأة في التكسّر والتثنّي والتغنّج. والبيت في التذييل (4/ 25). (¬4) في الأصل: المحسوس. (¬5) في الأصل: بالمحسوس. (¬6) سورة الأعراف: 63.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك على عهد كسرى، لأنه إذا كان في عهده كان العهد متحملا له، ومن هذا القبيل: جازاه على كذا، وعاقبه على كذا، وأساء إليه على كذا، وكل ما هو راجع إلى معنى المجازاة؛ لأن السبب الذي لأجله وقعت المجازاة هو الذي أوصل المجازاة وحملها إليه. ومنها قولهم: كرّ عليه، وعطف عليه ورجع عليه. وجنى عليه، وكل ما هو راجع إلى معنى عطف؛ لأن من عطف على شيء فهو فوقه في الأشياء (المحسة) (¬1) فشبة في ذلك المعقول (بالمحس) (¬2). هذا كلامه في شرح الإيضاح ثم أتبع ذلك بأن قال: وزعم الكوفيون أن لها ستة معان خلاف ما ذكرناه: وهي معنى «عن»، ومعنى «اللام»، ومعنى «الباء» ومعنى «مع»، ومعنى «في»، ومعنى «من». وأقول: هذه الستة هي التي ذكرها المصنف إلا أنه عبر عن معنى «عن» بالمجازاة وعن معنى «اللام» بالتعليل، وعن معنى «مع» بالمصاحبة وعن معنى «في» بالظرفية، وذكر «الباء ومن» بلفظهما. وأنا أشير إلى ما ذكره على الترتيب. أما المصاحبة: فقد استدل المصنف عليها كما عرفت بقوله تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ (¬3) [و] وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ (¬4)، والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ (¬5)، وفَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ (¬6)، وأَ [وَ] عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ [لِيُنْذِرَكُمْ] (¬7)، وبالحديث الشريف: «وبشّره بالجنّة على بلوى تصيبه» ولك أن تدعي أن «على» في هذه الآيات الشريفة والحديث الشريف للاستعلاء وتقرير ذلك أن المستعلي على الشيء حائز لذلك الشيء متمكّن منه متصرف فيه كما يتصرف المالك في ملكه. وعلى هذا فالآية الأولى: قصد فيها الإخبار بأن مؤتي المال يؤتيه مع أنه مستول على حب المال قد تمكن منه باستعلائه عليه، وهو مع ذلك لا يمنعه الاشتمال على حب المال من الإيتاء، وهذا منه تعالى ثناء عظيم، ومدح شريف. وأما الآية الثانية: فالقصد فيها الإعلام بأن الله تعالى يغفر الذنوب مع اشتمال العباد على ظلم أنفسهم، - ¬

_ (¬1) في الأصل: المحسوسة. (¬2) في الأصل: بالمحسوس. (¬3) سورة البقرة: 177. (¬4) سورة الرعد: 6. (¬5) سورة إبراهيم: 39. (¬6) سورة القصص: 25. (¬7) سورة الأعراف: 63.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتمكنهم منه باستعلائهم عليه. وأما الآية الثالثة: فالقصد فيها الاعتراف بنعمة الله تعالى حيث وهب له الولد بعد أن صار مشتملا على الكبر حيث هو مستعل عليه؛ المعنى: أن الولد منه كان في غاية البعد، فتصدق الله تعالى عليه، ووهب له ما وهب. وأما الآية الرابعة: فالأمر فيها ظاهر؛ لأن المرأة إذا اشتملت على الاستحياء واستعلت عليه كان حياؤها في الغاية. وأما الآية الخامسة: فقد تقدم من كلام ابن عصفور ما فيه الجواب عنها، وأما الحديث الشريف فيحتاج الجواب عنه إلى تأمل. وأما المجاوزة: فقد استدل المصنف عليها بوقوعها بعد: «بعد، وخفي، وتعذّر، واستحال، وحرم، وغضب» وأشباهها. وقد تقدم من كلام ابن عصفور أيضا ما فيه الجواب عن ذلك، وقد استدل المصنف أيضا بقولهم: رضيت عليه. والمغاربة لما ذكروا قول الشاعر: 2551 - إذا رضيت عليّ بنو قشير ... قالوا: إن «رضي» ضمّن معنى «عطف» وهو جواب حسن (¬1). وذكروا جوابا آخر، وهو أن «رضي» أجريّ مجرى ضدّه وهو «سخط» فعدي تعديته. واستدل المصنف أيضا بقول الشاعر: 2552 - إذا امرؤ ولّى عليّ بودّه والجواب عنه بأن التعدي يلزم منه الإعراض ومن أعرض عن شخص فقد منعه وده، والمنع قهر والقهر علو كما قال ابن عصفور. ومما استدل به قول الشاعر: 2553 - أرمي عليها وهي فرع أجمع أي: عنها، ولا دليل في ذلك؛ لأنه إذا رمى بالقوس جعل سهمه عليها؛ فكأنه قال: أرمي السهم عليها أي: كائنا عليها، وأما «رميت عن القوس» فمعناه: أزلت السهم بالرمي عنها، ومن قال: رميت بالقوس؛ فقد جعل القوس آلة للرمي. وأما التعليل فقد استدل عليه المصنف كما عرفت بقوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (¬2) وأنه جعل من ذلك قول الشاعر: 2554 - علام تقول الرّمح يثقل عاتقي ... - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 363). (¬2) سورة البقرة: 185.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يظهر لي الجواب عن ذلك. ولم يذكر [4/ 12] المغاربة شاهدا على ذلك سوى بيت واحد وهو قول الشاعر: 2555 - رعته أشهرا وخلا عليها ... فطار النيء منها واستعارا (¬1) أي: خلا لها، ثم أجابوا عنه؛ فقال ابن عصفور: إن خلا ضمن معنى وقف قال: لأنه إذا خلا لها فقد وقف عليها. وقال ابن أبي الربيع بعد إنشاده البيت: هذا على التضمين؛ لأن المكان إذا خلا لها فرعته وحدها فقد صار النبات عليها لكثرته، وليس هناك ما يرعاه غيرها. قال: وهذا الشاعر يصف إبلا سمنت بسرعة. والنيء: الشحم، واستعار: يريد استعر من السعير، وهو افتعل منه أشبع الفتحة فتولد منها ألف (¬2). وأما الظرفية: فقد استدل المصنف عليها بما تقدم من قوله تعالى: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ (¬3)، ومن قوله تعالى: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها (¬4)، وأنشد قول الشاعر: 2556 - على حين ألهى النّاس جلّ أمورهم ولم يذكر المغاربة شاهدا على ذلك سوى الآية الشريفة الأولى، وأجابوا عن ذلك بأن (تتلوا) ضمن معنى «تتقول»؛ قالوا: لأن معنى الآية: أنهم تقولوا على ملك سليمان ما لم يكن فيه فعديت (تتلوا) تعدية ما ضمن معناه، وهو «تتقول». وأما الآية الشريفة الثانية؛ فقال الشيخ: إن (على) فيها للاستعلاء المجازي، وذلك أنه لما تمكن من الدخول والخروج في ذلك الوقت صار مستعليا عليه في المعنى (¬5) ولم يتعرض إلى الجواب عن (الثالثة) (¬6). ويمكن أن يقال فيه ما أشار إليه من التخريج في الآية الشريفة. وأما موافقة «من»: فقد عرفت استشهاد المصنف عليه بقوله تعالى: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ (¬7)، وبقوله تعالى: إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (¬8). وقد أجيب عن الآية الشريفة الأولى بأن (حفظون) (¬9) ضمن معنى «قاصرون»؛ المعنى: - ¬

_ (¬1) البيت في: التذييل (4/ 26)، وخزانة الأدب (10/ 142)، والنيء: الشحم، يصف ناقة بالهزال. (¬2) راجع التذييل (4/ 26). (¬3) سورة البقرة: 102. (¬4) سورة القصص: 15. (¬5) التذييل (7/ 49 / أ). (¬6) في الأصل: الثلث، وهو تحريف. (¬7) سورة المؤمنون: 6. (¬8) سورة المطففين: 2. (¬9) سورة المؤمنون: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذين هم قاصرون فروجهم إلا على أزواجهم، يقال: قصر فلان أمره على فلان. وأما الآية الشريفة الثانية فذكر ابن عصفور (¬1) عن الفراء (¬2) أن «من، وعلى» إنما اعتقبا على هذا الموضع؛ لأنه حق عليه، فإذا قيل: اكتلت عليه؛ فكأنه قيل: أخذت مما عليه، وإذا قيل: اكتلت منه، فكأنه قيل: استوفيت منه. وقال الخضراوي: دخول «على» هنا أكثر من «من»، ودخول «من» على أنه استخراج واحد ودخول «على» لأنه استطلاع بحق واستشراف عليه، قال: وكلاهما على التجوز (¬3). وكلام الخضراوي هو معنى كلام الفراء، وقال ابن أبي الربيع: المعنى: وإذا حكموا على الناس في الكيل استوفوا؛ لأن ذلك لا يكون حتى يلوا الكيل بأنفسهم (¬4). وأما موافقة الباء: فقد عرفت استدلال المصنف عليها بقوله تعالى: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ (¬5). وذكر المغاربة من الأدلة على ذلك قول العرب: اركب على اسم الله؛ المعنى: باسم الله، وبقول الشاعر: 2557 - شدّوا المطيّ على دليل دائب ... من أهل كاظمة بسيف الأبحر (¬6) أي: بدليل دائب. وبقول الآخر: 2558 - وكأنّهنّ ربابة وكأنّه ... يسر يفيض على القداح ويصدع (¬7) أي: بالقداح وقد خرّج ذلك كله على التضمين (¬8) فأما الآية الشريفة فـ «حقيق» فيها ضمن معنى «حريص» وأما «اركب على اسم الله»، و «على دليل»، ويفيض على القداح» فخرجه ابن عصفور على تعليق «على» بمحذوف في موضع الحال؛ التقدير: اركب معتمدا على اسم الله، وشدوا المطي معتمدين على دليل، ويفيض - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 363) وما بعدها. (¬2) معاني القرآن له (3/ 246). (¬3) في التذييل (4/ 27) بغير نسبة له. (¬4) في التذييل (4/ 26) «وقال بعض شيوخنا» ثم ذكر رأي ابن أبي الربيع هذا. (¬5) سورة الأعراف: 105. (¬6) من الكامل هو لعوف بن عطية، وانظر: الاقتضاب (ص 449)، والخصائص (2/ 312)، واللسان «دلل». (¬7) من الكامل لأبي ذؤيب الهذلي، والربابة: خرقة تغطى بها القداح كما تطلق على القداح. وانظر: ديوان الهذليين (1/ 6)، واللسان «ربب». (¬8) راجع: شرح الجمل لابن عصفور (1/ 510).

[حتى الجارة ... معانيها، وأحكامها]

[حتى الجارة ... معانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (ومنها: «حتّى» لانتهاء العمل بمجرورها أو عنده، ومجرورها إمّا بعض لما قبلها من مفهم جمع إفهاما صريحا، أو غير صريح، وإما كبعض، ولا يكون ضميرا، ولا يلزم كونه آخر جزء، أو ملاقي آخر جزء خلافا لزاعم ذلك ويختصّ تالي الصّريح المنتهي به بقصد زيادة ما، وبجواز عطفه واستئنافه، وإبدال حائها عينا لغة هذيليّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ صائحا على القداح (¬1). وقال الخضراوي: التقدير: معتكفا عليها (¬2)، وهو أحسن. وقال ابن أبي الربيع: إن «يفيض على القداح» ضمن معنى «يدفع» أي: يدفع على القداح أنفسها، من باب تسمية الشيء باسم ما يلازمه (¬3)، يصف أتنا وحمارا. واليسر: المقامر الضارب بها، ويصدع: يفرق، وأصله الشق. وأما زيادة «على» دون تعويض: فقد تقدم استدلال المصنف عليه، لكن قال الشيخ: ما ذكره المصنف مخالف لنص سيبويه فإنه قال: عن وعلى لا يزادان (¬4). قال: وأما استدلال المصنف بقول الشاعر: 2559 - على كلّ أفنان العضاه تروق فيحتمل التضمين؛ وذلك أنه ضمّن «تروق» معنى «تفضل وتشرف» قال: وكذا استدلاله بما ورد في الحديث الشريف: «من حلف على يمين» (¬5) إن صح أنه من لفظ الرسول صلّى الله عليه وسلّم يقال فيه: إن «حلف» ضمّن معنى جسر أي: من جسر بالحلف على يمين. انتهى. وليس ما ذكره الشيخ من التضمين يدفع ما قاله المصنف من الزيادة، غاية الأمر أن هذا الذي ذكره توجيه آخر. وأما نص سيبويه أن «على» لا تزاد فيحمل على أن مراده أنها لا تزاد في الأشهر والأغلب، ولا يمنع ذلك من أنها قد يندر زيادتها. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): «حتّى» على أربعة أقسام: عاطفة، وحرف ابتداء، وبمعنى «كي»، وجارة؛ فللثلاثة الأولى مواضع تجيء إن شاء الله تعالى. والجارة: مجرورها: إما اسم صريح نحو: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (¬7)، وسَلامٌ - ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) التذييل (4/ 26، 27). (¬3) المصدر السابق. (¬4) ينظر: الكتاب (1/ 421)، (4/ 226، 230). (¬5) التذييل (7/ 50 / أ). (¬6) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 666). (¬7) سورة يوسف: 35.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (¬1)، وإما مصدر مؤول من «أن» لازمة الإضمار وفعل ماض نحو: حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا (¬2)، أو مضارع نحو: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ (¬3). وجرّها المصدر [4/ 13] المؤول يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب إعراب الفعل وعوامله (¬4). وأما جر الاسم الصريح فهي فيه على ضربين: أحدهما: أن يكون ما بعدها جزءا لما قبلها من دليل جمع مصرح بذكره نحو: ضربت القوم حتى زيد، فـ «زيد» جزء لما قبله (¬5) دليل جمع مصرح بذكره وهو مضروب انتهى الضرب به، ويجوز أن يكون غير مضروب لكن انتهى الضرب عنده، وإذا كان الانتهاء به ففي ذكر القوم غنى عن ذكره لكن قصد التنبيه على أن فيه زيادة ضعف، أو قوة، أو تعظيم، أو تحقير. وإلى هذا أشرت بقولي: (ويختص تالي الصريح المنتهى به بقصد زيادة ما). وعنيت بالصريح: كونه بلفظ موضوع للجمعية فدخل في ذلك الجمع الاصطلاحي واللّغوي كـ: «رجال، وقوم»، وعنيت بغير الصريح: ما دل على الجمعية بغير لفظ موضوع لها كقوله تعالى: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (¬6) فإن مجرور (حتى) فيه منتهى لأحيان مفهومة غير مصرح بذكرها، ويجوز كون تالي الصريح منتهى عنده؛ لأنه كما يجوز مع «إلى» فإنهما سواء في صلاحية الاسم المجرور بهما للانتهاء به والانتهاء عنده، أشار إلى ذلك سيبويه (¬7)، والفراء (¬8)، وأبو العباس أحمد بن يحيى (¬9). وقال أحمد بن يحيى: قوله إِلَى الْمَرافِقِ (¬10) مثل «حتى» للغاية، والغاية تدخل وتخرج. يقال: ضربت القوم حتى زيد، فيكون «زيد» مضروبا وغير مضروب؛ فيؤخذ هنا بالأوثق (¬11)، يريد أن كون المرافق مدخلة في الغسل هو المعمول به؛ لأنه أحوط الحكمين. ومن شواهد استواء «حتى» و «إلى» أن قوله تعالى: فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (¬12) قرأه عبد الله (فمتّعنهم حتى حين) (¬13)، ومن - ¬

_ (¬1) سورة القدر: 5. (¬2) سورة الأعراف: 95. (¬3) سورة البقرة: 187. (¬4) في الأصل: سقط من، وفي الهامش: لعله. (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (219 / أ). (¬6) سورة يوسف: 35. (¬7) الكتاب (1/ 96، 97)، (4/ 231). (¬8) الارتشاف: (2/ 468). (¬9) هو ثعلب، المصدر السابق، وانظر: المقتضب (2/ 37) وما بعدها و (4/ 139). (¬10) سورة المائدة: 6. (¬11) ينظر: الارتشاف (2/ 468). (¬12) سورة الصّافات: 148. (¬13) ينظر: البحر المحيط (5/ 307)، والهمع (2/ 23).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شواهد خروج ما بعد «حتى» مع صلاحيته للدخول قول الشاعر: 2560 - سقى الحيا الأرض حتّى أمكن عزيت ... لهم فلا زال عنها الخير محدودا (¬1) ولا يعتبر في تالي غير الصريح إفهام الزيادة التي أشرت إليها. ومما يختص به تالي الصريح المنتهى به جواز عطفه على ما قبله نحو: ضربت القوم حتى زيدا، وجواز استئنافه نحو: ضربتهم حتى زيد؛ فـ «زيد» مبتدأ محذوف الخبر، ويروى بالأوجه الثلاثة قول الشاعر: 2561 - عممتهم [بالنّدى] حتّى غواتهم ... فكنت مالك ذي غيّ وذي رشد (¬2) ويروى بالأوجه الثلاثة أيضا قول الآخر: 2562 - ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله ... والزّاد حتّى نعله ألقاها (¬3) وإلى هذا أشرت بقولي: (وإما كبعض)؛ لأن النعل ليست بعضا للصحيفة والزاد لكنها كبعض؛ باعتبار أن إلقاء الصحيفة والزاد إنما كان ليخلو من ثقل وشاغل، والنعل مما يثقل ويشغل، فجاز عطفها لذلك؛ لأنه بمنزلة أن يقول: ألقى ما يثقله حتى نعله، وإذا لم يصلح أن ينسب لمجرورها ما نسب إلى ما قبلها فالانتهاء عنده، لا به نحو: صمت ما بعد يوم الفطر حتى يوم الأضحى، وسريت البارحة حتى الصباح، فانتهى الصوم عند يوم الأضحى (لا به) (¬4)، لا يصح أن ينسب إليه؛ [لأن] انتهاء السرى عند الصباح لا به؛ (إذ) (¬5) لا يصح أن ينسب إليه. فالجر متعين والعطف والاستئناف ممتنعان، ومجرورها أبدا عند سيبويه (¬6) ظاهر لا مضمر، وأجاز غيره أن تجر المضمر فتقول: حتاه، وحتاك. قال أبو بكر بن السراج: والقول عندي ما قال سيبويه؛ لأنه غير معروف اتصال «حتى» بالضمير وهو في القياس غير ممتنع (¬7). والتزم الزمخشري كون مجرورها آخر جزء (أو) (¬8) ملاقى في آخر جزء (¬9)، وهو غير لازم ومن دلائل ذلك قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) من البسيط، والحيا: المطر، وانظر: الأشموني (2/ 214)، والدرر (2/ 17)، والمغني (ص 124)، والهمع (2/ 24). (¬2) من البسيط وهو في المغني (ص 130). (¬3) من الكامل لابن مروان النحوي، وقيل: للمتلمس وانظر: التصريح (2/ 214)، والكتاب (1/ 50)، ومعجم الأدباء (19/ 146)، ويس (1/ 302). (¬4) في الهامش: لأنه. (¬5) من هامش المخطوط. (¬6) في الكتاب (4/ 231). (¬7) الأصول (1/ 341). (¬8) في الأصل: و. (¬9) المفصل بشرح ابن يعيش (8/ 15).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2563 - إنّ سلمى من بعد يأسي همّت ... بوصال لو صحّ لم يبق بوسا عيّنت ليلة فما زلت حتّى ... نصفها راجيا فعدت يؤوسا (¬1) وفي قراءة ابن مسعود (ليسجننّه عتّى حين) (¬2)، وسمع عمر رضي الله عنه رجلا يقرأ (عتّى حين)، فقال: من أقرأك؟ قال: ابن مسعود، فكتب إليه: إن الله أنزل هذا القرآن، فجعله عربيّا وأنزل بلغة قريش: فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل، والسّلام (¬3) هذا آخر كلام المصنف رحمه الله، ويتعلق به أمور: منها: أنه ذكر أن «حتى» أربعة أقسام من حيث إنه جعل التي بمعنى «كي» قسيمة للجارة، وذلك غير ظاهر؛ فإن التي بمعنى «كي» جارة أيضا فكيف تكون قسيمة للجارة؟ نعم؛ الجارة إما أن تفيد الغاية فتكون بمعنى «إلى»، أو التعليل فتكون بمعنى «كي». وقد قال هو في باب إعراب الفعل: إن «أن» ينصب الفعل بها مضمرة بعد «حتى» المرادفة لـ «إلى»، أو «كي» الجارة (¬4). ولا شك أن «حتى» التي ينصب الفعل بعدها بإضمار «أن» هي الجارة، وإذا كان كذلك فكيف ينتظم هذا مع قوله هنا: إن «حتى» تكون بمعنى «كي»، وجارة؟! والحق: أن أقسام «حتى» ثلاثة: عاطفة، وحرف ابتداء، وجارة. لكن الجارة قسمان؛ لأن مجرورها: إما مصدر مؤول وهي الداخلة على الفعل المضارع المنصوب بـ «أن» مضمرة ثم إنها قد تفيد التعليل فتكون بمعنى «كي»، وقد تفيد الغاية فتكون بمعنى «إلى»، وقد تكون بمعنى «إلا أن» كما سيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في باب إعراب الفعل وعوامله، وإما اسم صريح كقوله تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (¬5) والثانية - أعني الجارة الاسم الصريح - هي المذكورة هنا أي: في باب حروف الجر. وأما الأولى فهي التي تذكر في الباب الذي أشرنا إليه. ومنها: أن قوله: إن الكلمة المذكورة وهي «حتى» لانتهاء العمل بمجرورها، - ¬

_ (¬1) من الخفيف، والبؤس: الشدة، وانظر التصريح (2/ 17)، والدرر (2/ 15)، والعيني (3/ 267)، والمغني (1/ 111) الأمير، والهمع (2/ 23). (¬2) سورة يوسف: 35. ينظر: البحر المحيط (5/ 307)، وتهذيب اللغة (1/ 96)، والجنى الداني (ص 508)، والمحتسب (1/ 343) والهمع (2/ 23). (¬3) انظر: شرح التسهيل (3/ 169). (¬4) تسهيل الفوائد لابن مالك (ص 230) تحقيق د/ كامل بركات. (¬5) سورة القدر: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو عنده يعطي أن ذلك جائز فيها على الإطلاق، ويؤيد أن هذا مراده قوله في الشرح - بعد أن مثل بـ: «ضربت القوم حتى زيد» -: فـ «زيد» جزء لما قبله وهو مضروب انتهى الضرب به، ويجوز أن يكون غير مضروب لكن انتهى الضرب [4/ 14] عنده لكن المغاربة ليس ذلك عندهم على الإطلاق؛ إنما هو باعتبار حالين: ففي حال يوجبون أن يكون انتهاء العمل عنده؛ وذلك أن المجرور بـ «حتى» إذا كان جزءا مما قبلها واقترنت بالكلام قرينة دالة على أنه داخل في المعنى مع ما قبله، أو خارج عنه كان بحسب تلك القرينة نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر، وإن لم تقترن به قرينة كان ما بعدها داخلا في المعنى مع ما قبله نحو: صمت الأيام حتى يوم الخميس. أما إذا لم يكن ما بعد «حتى» جزءا مما قبلها؛ فالفعل غير متوجه عليه قطعا نحو قولك: سرت حتى الليل؛ فالسير غير واقع في الليل، ثم إنهم بنوا على ذلك جواز العطف وعدم جوازه. وسيأتي ذكر ذلك مفصّلا كما ذكروه. ومنها: أن قوله: ومجرورها إما بعض لما قبلها، وإما كبعض يقتضي ألا يصح قول القائل: سرت النهار حتى الليل، ولا شك في صحة ذلك. ويدل عليه تقسيمهم المجرور بحتى إلى ما يكون جزءا مما قبلها وإلى ما لا يكون جزءا منه، ثم هذا مناف لقوله في الشرح: وإذا لم يصلح أن ينسب لمجرورها ما نسب إلى ما قبلها فالانتهاء عنده، لا به نحو: صمت ما بعد يوم الفطر حتى يوم الأضحى، وسريت البارحة حتى الصباح فانتهاء الصوم عند يوم الأضحى لا به؛ إذ لا يصح أن ينسب (إليه) (¬1) وانتهاء السرى عند الصباح لا به إذ لا يصح أن ينسب إليه، فالجر متعين والعطف والاستئناف ممتنعان؛ فقد حكم بتعيين الجر في الصباح، وليس الصباح بعضا من الليل الذي حصل فيه السري. وهو قد قال: إن مجرور «حتى» بعض لما قبلها، أو كبعض. ومنها: أنّه سوّى بين «حتى»، و «إلى» في أن المجرور بكل منهما يجوز فيه أن يكون منتهى به ومنتهى عنده؛ كما «صرّح» (¬2) ذلك في الشرح فقال: فإنهما سواء في صلاحية الاسم المجرور بهما للانتهاء به والانتهاء عنده. وقد عرفت أن المغاربة يفرّقون بين الحرفين فالمجرور بـ «إلى» منتهى عنده إلا أن - ¬

_ (¬1) بالأصل: إليها، وهو تحريف. (¬2) يأتي متعديا، ولازما اللسان: صرح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقوم قرينة على أن الانتهاء به؛ فيعمل بمقتضاها أيضا. لكن المصنف أشار إلى أن ما ذكره هو مذهب سيبويه كما عرفت. وفي شرح الإيضاح للخضراوي: اختلف الناس في ما بعد «حتى» إذا كانت جارة، أيدخل في ما قبلها أم لا؟ فمذهب أكثر النحويين أنه داخل في ما قبلها في كل وجه. وقال قوم: يدخل في ما قبلها ما لم يكن غير جزء منه نحو: إنه لينام الليل حتى الصباح، وهو قول الفراء (¬1)، والرماني (¬2)، وجماعة (¬3). ومذهب أبي العباس (¬4)، وأبي بكر (¬5)، وأبي علي (¬6): أنه داخل إلا بقرينة تخرجه نحو قولهم: إنه ليصوم الأيام حتى يوم الفطر. واتفقوا [على] أنها إذا عطفت دخل ما بعدها في ما قبلها فمن يقول في «نمت الليل حتى الصباح»: إن الصباح لم ينم فيه حتى يجيز العطف؛ لأنهم اتفقوا فيما أعلم [على] أنها لا تعطف إلا حيث تجر ولا يلزمه العكس. واتفقوا على أنه إذا لم يكن قبلها ما يعطف عليه لم يجز إلا الخفض نحو: حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (¬7)، وتَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (¬8)، وأقاموا حتى الصباح، وأقام حتى ساعة تهيأ أمرنا (¬9). هذا كلام الخضراوي. ومنها: قوله: ولا يلزم كونه آخر جزء أو ملاقي آخر جزء أي: لا يلزم كون مجرور حتى [كذلك]؛ فإن مقتضاه أن هذا الذي ذكره هو مذهب الجمهور، ولهذا نسب في الشرح الخلاف في ذلك إلى الزمخشري خاصّة لكن المغاربة مطنبون على خلاف ما ذكره المصنف. قال ابن عصفور في شرح الإيضاح: ولا يكون الاسم الذي انجر بها - يعني بـ «حتى» - إلا آخر جزء من الشيء نحو قولك: أكلت السمكة حتى رأسها، أو ملاقيا لآخر جزء منه نحو قولك: سرت النهار حتى الليل، ولو قلت: أكلت السمكة حتى وسطها، وسرت النهار حتى نصفه؛ لم يجز، بل يجب أن تأتي - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 28)، والهمع (2/ 25). (¬2) المصدرين السابقين. (¬3) المصدرين أنفسهما. (¬4) المقتضب (2/ 38)، (4/ 139). (¬5) الأصول (1/ 340) وما بعدها. (¬6) الارتشاف (2/ 468)، والتذييل (4/ 28). (¬7) سورة القدر: 5. (¬8) سورة الذاريات: 43. (¬9) في الإفصاح له. راجع التذييل (4/ 28).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حينئذ بـ «إلى» فتقول: أكلت السمكة إلى وسطها، وسرت النهار إلى نصفه. قال: فـ «إلى» في استعمالها لانتهاء الغاية أقعد من «حتى»؛ لأنها تدخل على كل ما جعلته انتهاء غاية، وسواء في ذلك أن يكون آخر جزء من الشيء أو ملاقيا لآخر جزء منه أو لا يكون، ولمّا كانت أقعد منها في ذلك جرّوا بها الظاهر والمضمر ولم يجروا بـ «حتى» إلا الظاهر. قال: وما بعد «حتى» لا يكون إلا داخلا في معنى ما قبلها إلا أن يقترن بالكلام قرينة تدل على خلاف ذلك (¬1). انتهى. وكلام الخضراوي موافق لكلام ابن عصفور، ولهذا قال الشيخ: وما نقله - يعني المصنف - عن الزمخشري هو قول أصحابنا، ثم قال: «وما استدل به المصنف من قوله: 2564 - عيّنت ليلة فما زلت حتّى ... نصفها ... البيت لا حجة فيه؛ لأنه لم يتقدم «حتى» [شيء] (¬2) يكون ما بعدها جزءا له ولا يكون ما بعدها ملاقيا لآخر جزء منه في الجملة العامل فيها بـ «حتى» ليس المغيّا البيت نظير ما مثل به أصحابنا من قولهم: أكلت السمكة حتى وسطها؛ لأنه تقدم السمكة في الجملة المغيا العامل فيها بحتى، وليس الوسط آخر جزء في السمكة ولا ملاقيا لآخر جزء منها. فلو صرح في الجملة بذكر الليلة فقال: فما زلت راجيا وصلها تلك الليلة حتى نصفها؛ كان ذلك حجة على الزمخشري. ونحن نقول: إذا لم يتقدم في الجملة المغياة بـ «حتى» ما يصلح أن يكون ما بعد «حتى» آخر جزء منه أو ملاقيا آخر جزء منه جاز أن تدخل على ما ليس بآخر جزء ولا ملاقي آخر جزء (¬3). انتهى. ولم يظهر ما قاله؛ لأن الشاعر وإن لم يصرح بذكر الليلة فمراده: فما زلت تلك الليلة. ولو لم يكن ذلك مراده لم يكن للضمير المضاف إليه النصف مفسر يعود عليه. وقد قال المصنف: إن مجرور [4/ 15] «حتى» بعض لما قبلها من مفهم جمع إفهاما صريحا، أو غير صريح، ومثّل لغير الصريح بقوله تعالى: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (¬4). والحاصل أنه: لا يلزم من عدم الذكر لفظا عدم الإرادة والتقدير. - ¬

_ (¬1) مثل هذا في شرح الجمل له (1/ 369). (¬2) للإيضاح. (¬3) التذييل (7/ 57 / ب). (¬4) سورة يوسف: 35.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذ قد انقضى البحث في ما يتعلق بكلام المصنف فلنذكر شيئا من كلام الجماعة على هذه الكلمة - أعني «حتى» - ثم نختم ذلك بالكلام على «حتى» الابتدائية؛ لأن المصنف لم يخصها بكلام في شيء من كتبه. قال ابن هشام الخضراوي: بين «حتى» و «إلى» فروق (¬1) ينبغي أن تعرف: منها: أن «حتى» ينتصب الفعل بعدها بإضمار «أن»، وأما «إلى» فلا ينتصب الفعل بعدها بإضمار «أن» تقول: أسير حتى تطلع الشمس، ولا يجوز ذلك في «إلى». ومنها: أن «حتى» إذا نصب الفعل بعدها تخرج إلى معنى «كي»، وإلى معنى «إلا أن» كما يذكر في إعراب الفعل ولا يكون ذلك في «إلى». ومنها: أنها لا تجر مضمرا، وما أجازه أبو العباس من ذلك باطل؛ لعدم سماعه (¬2). ومنها: أنك تقول: سرت إلى زيد، ولا تقول: سرت حتى زيد؛ لأن ما بعد حتى يكون جزءا مما قبلها، أو ملاقيا لآخر جزء، أو داخلا مع ما ذكر قبلها بوجه شمله معه، أو فيما هو مقدر وإن لم يذكر فالأول قولك: أكلت السمكة حتى رأسها، وضربت القوم حتى زيد، والثاني قولك: إنه لينام الليل حتى الصباح ويصوم الأيام حتى يوم الفطر، والثالث قوله: 2565 - ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله ... والزّاد حتّى نعله ألقاها فالفعل داخل مع الزاد والصحيفة في أنه متاع وسبب ومتملك، و [الأخير] قوله تعالى: سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (¬3)؛ لأن ذلك في حكم: سلام هي طول أمدها حتى مطلع الفجر، وكذلك قوله تعالى: قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (¬4) المعنى: طول ما تتركون حتى حين، وتستعمل «إلى» في هذا كله وتزيد بما يخرج عن هذا نحو: نمت النهار إلى ثلث الليل، وإلى نصفه، وجئت إلى عبد الله، وإنما هي غاية دون اشتراط، ولهذا قال سيبويه فيها: وهي أعمّ في الكلام من حتّى (¬5). ومنها: أن «حتى» لا تكون إلا لتعظيم، أو تحقير، أو ضعف، ولا يلزم ذلك - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (4/ 27 - 30)، والمغني (ص 127). (¬2) ينظر: المغني (ص 123). (¬3) سورة القدر: 5. (¬4) سورة الذاريات: 43. (¬5) الكتاب (4/ 231).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في «إلى»، هذا هو المشهور، وقيل: إنما يلزم ذلك في العاطفة، وقيل: هذا لازم لها حيث وقعت، وتخرج «حتى» إلى العطف وإلى الابتداء ولا يكون ذلك في «إلى». وقد شذت «حتى» عن حروف الجر بكل ما فارقت به «إلى»، وهي بذلك شاذة عن العوامل؛ لأن عامتها مختصة. ثم ذكر مسألة فقال: قال أبو العباس: إذا قلت: أكلت السمكة حتى رأسها فالرأس قد دخل الأكل؛ لأن معناها عاملة وعاطفة واحد. وقد قال غيره (¬1): إذا انتهى الأمر إليها، ولم يقع بها فهي جارة لا غير، وإذا وقع بها جاز الوجهان وهو موضع خلاف. وقال أبو علي: من حيث هي غاية صحّ معنى الغاية فيها بالانتهاء دون مباشرة (¬2) بها، ومذهب الفراء أن «حتى» يدخل ما بعدها في ما قبلها، ولا يدخل (¬3). واتفقوا في ما أعلم [على] أن العطف بها - في من يري أنها تعطف - لا يكون إلا في ما يصح فيه الجر فإن الجر أكثر وأقيس من العطف في ذلك إلا في باب: ضربت القوم حتى زيدا ضربته؛ فالنصب عندهم أحسن في من ذكر هنا العطف، وجعل «ضربته» تأكيدا، ومن لم يجعل هنا عطف المفرد على المفرد فالنصب عنده أيضا أحسن، وأنها لا تعطف فعلا على فعل، وعلة ذلك عندي - والله تعالى أعلم - أنها في الأصل حرف جر نقلت إلى العطف فلذلك لم تدخل على الفعل كما لم يدخل عليه حرف الجر، ولذلك لزمها في العطف الشروط التي ذكرناها في الخفض مع تقدم ما يصح العطف عليه، ولذلك لا تعطف مضمرا على ظاهر، ولا مضمر، ولا يجوز: أكرمت القوم حتى إياك، ولا: قاموا هم حتى أنت؛ لأنها منقولة من الخافضة وهي لا تدخل على المضمر. ثم قال: فأما قولهم: سرت حتى إلى الليل؛ فـ «إلى» تأكيد زائدة كاللام في «يا ويح لزيد» عند البصريين وهو قول الفراء (¬4)، وقد رأى الكسائي (¬5) أن «حتى» هنا ابتدائية والجرّ بـ «إلى» على تقدير: سرت أخرى، وذكر عن الكسائي أن الجر بعد «حتى» لا يكون إلا بإضمار «إلى» (¬6)، - ¬

_ (¬1) ينظر التذييل (4/ 28، 29). (¬2) المصدر السابق. (¬3) الارتشاف (ص 744). (¬4) في كتاب الحدود - قاله أبو حيان التذييل (4/ 27). (¬5) علي بن حمزة الأسدي، إمام الكوفيين وأحد القراء السبعة. سبقت ترجمته. (¬6) التذييل (4/ 27، 28).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وهو قول لا دليل عليه. ولما ذكر ابن أبي الربيع أن ما بعد «حتى» العاطفة لا يكون إلا الطّرف الأعلى، أو الطرف الأدنى ومثّل ب جاءني الناس حتى الأمير، وقدم الحاج حتى المشاة، قال: ولو قيل: قدم الحاج حتى الركبان؛ لم يكن فيه دليل على قدوم المشاة؛ لأن الركبان أقوى على المشي من المشاة، قال: والأحسن في هذا أن يجعل الاسم مخفوضا فتقول: شتمه الناس حتى زيد، وضربت القوم حتى عمرو، ثم قال: فإن قلت: كيف خفضت بـ «حتى» وليس فيها معنى «إلى»؛ ألا ترى أنك لو جعلت مكانها «إلى» لم يصلح وفسد المعنى، قلت: كان الأستاذ أبو علي - رحمه الله تعالى - يذهب إلى أنها تخفض بما فيها من الغاية (¬1) ووجه ذلك: أنك لما قلت: جاءني القوم حتى زيد؛ كان معناه انتهى مجيء القوم إلى زيد، وكذلك: ضربت القوم حتى عمرو، أي: انتهى ضرب القوم إلى عمرو. ثم ذكر مسألة وهي: إذا قلت: جاءني القوم حتى زيد؛ فقال: يجوز في «حتى» أن تكون عاطفة، ويكون ما بعدها مرفوعا، ويجوز أن تكون خافضة وهو أحسن، ولم يجز البصريون أن يكون ما بعدها مرفوعا بالابتداء والخبر محذوف، وكذلك: ضربت القوم حتى زيد أو حتى زيد الخفض أكثر وأحسن. ولا يجوز الرفع بالابتداء والخبر محذوف ونقل عن بعض الكوفيين أنهم أجازوه. قال: وكان الأستاذ أبو علي يقول (¬2): لا يجوز؛ لأن حتى [4/ 16] مهيأة للعمل في الاسم من حيث هو مفرد، وفي «حتى» معنى الغاية كما ذكرته. فلو رفعت بالابتداء لهيأت العامل للعمل وقطعته عنه، وأمر آخر أنك تركت العامل اللفظي المهيأ للعمل، وأعملت المعنوي، واللفظي أقوى من المعنوي، والدليل على صحة هذا القياس ومراعاته عدم السماع، والله تعالى أعلم. وأما ابن عصفور فإنه قد تقدم عنه ذكر الجارة ثم إنه قال بعد ذكره ذلك (¬3): ومثال استعمالها عاطفة: قدم الحجاج حتى المشاة، ومات الناس حتى الأنبياء عليهم - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 28)، و «الأستاذ» عند المغاربة ليس غير الشلوبين. (¬2) المصدر السابق (ص 29). (¬3) من شرح الإيضاح المفقود وانظر مختصرا له في شرح الجمل: (1/ 498) أبو جناح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصلاة والسّلام. ولا يعطف بها إلا الأسماء وهذا الاستعمال أقل الاستعمالات فيها. ومثال استعمالها حرف ابتداء قولهم: قام القوم حتى زيد قام، وحتى زيد يقوم، ومن ذلك قوله: 2566 - ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله ... والزّاد حتّى نعله ألقاها في رواية من رفع «نعله». والدليل على أنها حرف ابتداء أنها لو كانت جارة لانخفض ما بعدها، ولو كانت عاطفة لشركت بين الاسم الذي بعدها والاسم الذي قبلها في الإعراب فتعين أن تكون حرف ابتداء. لا يقال: هي جارة والجملة بعدها في موضع خفض لها؛ لأن الجمل لا يدخل عليها حروف الجر في فصيح الكلام، فلا يقال: عجبت من يقوم زيد، ولا عجبت من زيد قائم؛ لأنه يؤدي إلى تعليق حروف الجر، وحروف الجر لا تعلّق في موضع؛ ألا ترى كيف فحّش سيبويه [ذلك] (¬1) ومما يدل على أنها تستعمل حرف ابتداء قول الشاعر: 2567 - فيا عجبا حتّى كليب تسبّني ... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (¬2) فإنها ليست خافضة؛ لما ذكرنا أن حرف الجر لا يباشر الجمل، ولا عاطفة؛ لأنها لا يعطف بها إلا الأسماء. ثم شرع في التقسيم - أعني تقسيم «حتى» من الرأس - فقال (¬3): فعلى هذا: الاسم الواقع بعد «حتى» إما أن يقع بعده شيء، أو لا. إن لم يقع بعده شيء يصلح أن يكون خبرا له؛ فإما أن يتقدم «حتى» ما يكون الاسم الواقع بعدها جزءا [منه]، أو لا يتقدم. إن لم يتقدم؛ لم يجز في الاسم الواقع بعدها إلا الخفض، وذلك نحو قولك: سرت حتى الليل، ونمت حتى الصباح؛ بخفض «الليل» و «الصباح». وإن تقدمها ما يكون الاسم الواقع بعدها جزءا منه؛ فإما أن يقترن بالكلام قرينة تدل - ¬

_ (¬1) زيادة لا غنى عنها، وفي الكتاب (3/ 147): (وقال الخليل: أشهد بأنك لذاهب غير جائز من قبل أن حروف الجر لا تعلّق) وانظر أيضا: الكتاب (1/ 97). (¬2) من الطويل للفرزدق. انظر: ديوانه (1/ 419)، والحلل (ص 83)، وشرح المفصل (8/ 18)، والمغني (1/ 114) بحاشية الأمير. ونهشل، ومجاشع: ابنا دارم رهط الفرزدق، وكليب: رهط جرير. (¬3) القائل هو ابن عصفور وهذا الحديث الطويل عن «حتى» هو من شرح الإيضاح المفقود وله نظير وملخص في شرح الجمل (1/ 517، 518، 519).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن ما بعد «حتى» غير شريك لما قبلها في المعنى، أو لا يقترن. إن وجدت قرينة تدل على ذلك؛ لم يجز في الاسم الواقع بعدها إلا الخفض وذلك نحو: صمت الأيام حتى يوم الفطر؛ بالخفض، وإن لم يقترن به قرينة تدل على ذلك؛ حمل الكلام على أن ما بعد «حتى» شريك لما قبلها في المعنى، ويجوز كونها جارة، وكونها عاطفة حينئذ. والخفض أحسن؛ لما تقدم من أن العطف بها لغة ضعيفة، وذلك نحو: ضربت القوم حتى زيدا، وحتى زيد؛ بنصب «زيد» وخفضه، إلا أن يقترن بالكلام قرينة تدل على أن المراد العطف؛ فلا يجوز الخفض، وذلك نحو: ضربت القوم حتى زيدا أيضا؛ بنصب «زيد» على العطف؛ لأن «أيضا» تدل على أنك أردت تكرار الفعل وهذا المعنى إنما يعطيه العطف من حيث كان حرف العطف نائبا من جهة المعنى مناب العامل ومغنيا عن تكراره؛ فكأنك قلت: ضربت القوم حتى ضربت زيدا أيضا. وإن وقع بعد الاسم الواقع بعد حتى ما يصلح أن يكون خبرا له فإما أن يكون اسما مفردا، أو ظرفا، أو مجرورا، أو جملة، فإن كان اسما مفردا؛ لم يجز في الاسم الواقع بعدها إلا على الابتداء، وجعل الاسم الواقع بعده خبرا له وذلك نحو: ضرب القوم حتى زيد مضروب، وقام القوم حتى زيد قائم، وإن كان ظرفا أو مجرورا؛ جاز في الاسم الواقع بعد «حتى» ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء وما بعده الخبر، والخفض على أن تكون «حتى» جارة، وجعل الاسم على حسب إعراب الاسم الواقع قبله على أن تكون «حتى» عاطفة، ويكون الظرف أو المجرور في هذين الوجهين الآخرين تأكيدا للظرف أو المجرور المتقدمين، وذلك نحو قولك: القوم عندي حتى زيد عندي، والقوم في الدار حتى زيد فيها؛ برفع «زيد»، ونصبه، وخفضه. وإن كان جملة فإن كانت اسمية وكان الاسم الواقع بعد «حتى» شريكا لما قبلها في المعنى جاز في الاسم ثلاثة أوجه: الرفع على الابتداء والجملة خبر، والخفض بـ «حتى» على أنها جارة، وجعل إعراب الاسم على حسب إعراب ما قبله على أنها عاطفة، وتكون الجملة الواقعة بعد الاسم في هذين الوجهين الآخرين تأكيدا، وذلك نحو: ضربت القوم حتى زيد هو مضروب؛ برفع «زيد»، ونصبه، وخفضه. وإن لم يكن الاسم الواقع بعد «حتى» شريكا لما قبله في المعنى؛ لم يجز فيه إلا الرفع على الابتداء وجعل الجملة الواقعة بعده خبرا له وذلك نحو قولك: ضربت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القوم حتى زيد أبوه مضروب؛ فلم يجز العطف لعدم مشاركة «زيد» للقوم في الضرب، ولم يخفض؛ لأن الجملة الواقعة بعده إذ ذاك ليس فيها تأكيد لما قبلها. وإن كانت فعلية فإن يكن الاسم الذي بعد «حتى» شريكا لما قبله في المعنى؛ جاز في الاسم وجهان: الرفع على الابتداء وجعل الجملة خبرا له، والحمل على إضمار فعل يفسره الفعل الظاهر الذي بعده وذلك نحو: ضربت القوم حتى زيد ضربت أخاه؛ برفع «زيد»، ونصبه بفعل مضمر يفسره ما بعده ولا يجوز عطفه؛ لعدم المشاركة، ولا الخفض؛ لأن الجملة إذ ذاك ليس فيها معنى تأكيد. وإن كان الاسم الواقع بعدها شريكا لما قبله في المعنى فالفعل الواقع بعده إما أن يعمل في ضمير الاسم الواقع قبل «حتى» أو في ضمير ذلك الاسم إن كان قد عمل في ضمير [4/ 17] الاسم الواقع قبل «حتى» جاز في الاسم الواقع بعدها وجهان: الخفض على أن «حتى» جارة؛ وجعل إعرابه على حسب إعراب الاسم الذي قبله على أنها عاطفة، وذلك نحو قولك: ضربت القوم حتى زيد ضربتهم، وحتى زيدا ضربتهم، وتكون الجملة الواقعة بعد «زيد» في الحالتين تأكيدا للجملة التي قبل «حتى». وإن كان قد عمل في ضمير الاسم الواقع بعدها جاز في الاسم الواقع بعدها أربعة أوجه: رفعه على الابتداء والجملة بعده خبر، وحمله على إضمار فعل يفسره الظاهر الذي بعده، وخفضه على أن «حتى» جارة، وجعل إعرابه على حسب إعراب الاسم الذي قبل «حتى» على أنها عاطفة، وتكون الجملة الواقعة بعد الاسم الواقع بعد «حتى» في هذين الوجهين الآخرين تأكيدا وذلك نحو قولك: ضربت القوم حتى زيد ضربته؛ برفع «زيد» على الابتداء، ونصبه على أن يكون معطوفا على القوم، أو على أن يكون منصوبا بفعل مضمر يفسره الفعل الذي بعده، وخفضه على أن تكون «حتى» جارة ومن ذلك قوله: 2568 - ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله ... والزّاد حتّى نعله ألقاها (¬1) فإنه روي بالأوجه الثلاثة. وحكي عن بعضهم أن خفض الاسم المذكور، وعطفه على ما قبله، وجعل الجملة تأكيدا لا يجوز حتى يكون ذلك الفعل عاملا في ضمير الاسم الواقع قبل «حتى» نحو قولك: رأيت القوم حتى إخوتك رأيتهم؛ - ¬

_ (¬1) تقدم تخريج هذا البيت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنك تريد: رأيت القوم رأيتهم حتى إخوتك. وزعم أن الخفض في قول الشاعر: 2569 - حتّى نعلّه ألقاها إنما جاز؛ لأن الضمير عائد على الصحيفة، والصحيح أن الخفض والعطف جائزان، وإن كان الفعل عاملا في ضمير الاسم الواقع بعد «حتى» وتكون الجملة إذ ذاك تأكيدا معنويّا لا تأكيدا لفظيّا من جهة أنك إذا قلت: ضربت القوم حتى زيد، بخفض «زيد» ونصبه على أن يكون معطوفا على القوم؛ كان «زيد» شريكا للقوم في الضرب، فإذا قلت بعد ذلك: ضربته كنت مؤكدا لما اقتضاه معنى الكلام من أنك ضربت زيدا (¬1). انتهى كلام ابن عصفور. ولم يتعرض إلى ما نبّه عليه ابن أبي الربيع من أن البصريين لا يجيزون أن يكون ما بعد «حتى» مرفوعا بالابتداء والخبر محذوف (¬2). ثم اعلم أن ابن عصفور قد أطال الكلام في المسألة بما ذكره من التقسيم وما أشار إليه من جواز العطف في نحو: صمت الأيام حتى يوم الخميس، وجواز العطف والرفع على الابتداء، وقد ذكره المصنف صريحا حيث قال: ويختص تالي الصريح المنتهي به بجواز عطفه واستئنافه، ولم يشترط المصنف في جواز الرفع على الابتداء أن يذكر الخبر بعده لفظا كما اشترط ذلك ابن أبي الربيع. ولهذا مثل للاستئناف بنحو: ضربتهم حتى زيد، ثم قال: فـ «زيد» مبتدأ محذوف الخبر قال: ويروى بالأوجه الثلاثة قول الشاعر: 2570 - عممتهم بالنّدى حتّى غواتهم ... فكنت مالك ذي غيّ وذي رشد وأما كون عامل الاسم الذي بعد («حتى» إذا وقع بعد الاسم ما يصلح أن يكون خبرا يجوز أن يكون مضمرا يفسره الظاهر) (¬3)؛ فتكون المسألة من الاشتغال، فهذا أمر معروف وقاعدة مستقرة تعرف من ذلك الباب؛ فلا يحتاج إلى أن يذكر في غيره. وقد ذكر المصنف في الباب المذكور أن الاشتغال يقع عن الاسم الواقع بعد «حتى» فكان مستغنيا عن ذكر ذلك هنا. - ¬

_ (¬1) نقل طويل عن ابن عصفور لا تجده إلا في هذا الكتاب الذي بين يديك. (¬2) راجع التذييل (4/ 28، 29) بغير نسبة له. (¬3) من الهامش، وبعده فيه: الذي بعد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «حتى» الابتدائية فاعلم أن معناها انتهاء الغاية، وإذا وقعت بعدها الجمل الفعلية دخلها معنى الفاء. والمراد بكونها حرف ابتداء: أن الكلام يستأنف بعدها ويقع بعدها الجملة من فعل ومرفوعه، والجملة من مبتدأ وخبر، والكلمتان من شرط وجزاء. فمن وقوع المبتدأ والخبر قول الشاعر: 2571 - فيا عجبا حتّى كليب يسبّنى ... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع وقول الآخر: 2572 - فما زالت القتلى تمجّ دماءها ... بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (¬1) وقول الآخر: 2573 - [سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم] ... وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (¬2) والنصف الأول من هذا البيت وهو قوله: سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم شاهد وقوع الجملة الفعلية. ومن وقوع الشرط والجزاء قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [فَادْفَعُوا] (¬3)، وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها (¬4). ومن مجيء الفعل ومرفوعه قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (¬5)، ومنه أيضا قوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا (¬6). ومن ثم وهّم الشيخ المصنف في جعله «حتى» في هذه الآية الشريفة جارة حيث قال: والجارة ومجرورها إما اسم صريح [نحو: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (¬7)، - ¬

_ (¬1) من الطويل لجرير. وتمج: تقذف، والأشكل: البياض تخالطه حمرة، وراجع: ديوانه (ص 367) برواية تمور بدل تمج، والأشموني (3/ 300)، والدرر (1/ 207)، (2/ 16)، وشرح المفصل (8/ 18)، والعيني (3/ 386)، والهمع (1/ 248)، (2/ 24). (¬2) من الطويل لامرئ القيس، يريد أنه سار بهم طويلا حتى كلت مطيهم وأعيت فصارت جيادهم - لذلك - لا تحتاج إلى أرسان تقاد بها. وانظر: ديوانه (ص 93)، والتصريح (2/ 309)، والدرر (2/ 178)، والكتاب (1/ 417)، (2/ 203) والمقتضب (2/ 40)، والهمع (2/ 136). (¬3) سورة النساء: 6. (¬4) سورة الزمر: 71. (¬5) سورة البقرة: 214. (¬6) سورة الأعراف: 95. (¬7) سورة يوسف: 35.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (¬1)]، وإما مصدر مؤول من «أن» لازمة الإضمار وفعل ماض نحو: حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا (¬2)، أو مضارع ... إلى آخره؛ فزعم أن «أن» مضمرة بعد «حتى» في قوله تعالى: حَتَّى عَفَوْا. قال الشيخ: وإنما هي الآية الشريفة حرف ابتداء ولولا ظهور النصب في المضارع بعد «حتى» لم ندّع أن «أن» مضمرة بعدها (¬3). انتهى. وما قاله هو الظاهر، ويؤيده كلام ابن أبي الربيع. وكأن الشيخ استند في كلامه هذا إليه فإنه قال في شرح الإيضاح: ضابط «حتى» أن تقول: إذا كان بعدها مفرد مخفوض أو فعل مضارع منصوب فهي حرف جر، وإذا وقع بعدها اسم مفرد مرفوع أو منصوب فهي حرف عطف، وإن وقع بعدها جملة فهي حرف ابتداء (¬4). انتهى. والجملة الابتدائية بعد «حتى» لا موضع لها من الإعراب، ولا يعتد بقول من يقول: إنها في موضع جر؛ لما علم من أن حروف الجر لا تباشر الجمل في الكلام الفصيح. ثم هاهنا بحث يتعلق بـ «حتى» هذه - أعني الابتدائية -: [4/ 18] وهو أن الفارسي قال في الإيضاح: إنها يستأنف بعدها كما يستأنف بعد «إما، وإذا» (¬5) فنوقش في ذلك بأن قيل: ليست «حتى» كـ «إما وإذا»؛ لأن «حتى» يشاكل بها الجمل كما يشاكل بحروف العطف و «إما وإذا» يقطعان، ويدل على ذلك قول سيبويه في بعض أبواب الاشتغال: ومما يختار فيه النصب لنصب الأول ويكون الحرف الذي بين الأول والآخر بمنزلة الواو، والفاء، وثم؛ قولك: قد لقيت القوم كلهم حتى عبد الله لقيته، وضربت القوم حتى زيدا ضربت أباه (¬6). وأجيب عن أبي علي أنه لم يرد أن «حتى» يستأنف بعدها في كل موضع، ولا تشبه «إما وإذا» في كل وجه. قالوا: ولا يلزم هذا في كلامه ولا بد. لكن لو قيده، فقال: في غير باب الاشتغال؛ كان أحسن، وإنما غلبت العرب جهة العطف في باب الاشتغال بما يحافظون عليه في ذلك الباب من المشاكلة و «إما، وإذا، وإنما»، - ¬

_ (¬1) سورة القدر: 5. (¬2) سورة الأعراف: 95. (¬3) التذييل (7/ 60 / أ). (¬4) التذييل (4/ 30) بغير نسبة أو تعيين لمكان النص. (¬5) الإيضاح (ص 47)؛ وانظر كذلك (ص 54، 60، 61) منه. (¬6) الكتاب (1/ 96) بدون «قد».

[الكاف الجارة: معانيها ... وأحكامها]

[الكاف الجارة: معانيها ... وأحكامها] قال ابن مالك: (ومنها: «الكاف» للتّشبيه، ودخولها على ضمير الغائب المجرور قليل، وعلى «أنت» و «إيّاك» وأخواتهما أقلّ، وقد توافق «على»، وقد تزاد إن أمن اللّبس وتكون اسما فتجرّ ويسند إليها، وإن وقعت صلة فالحرفية راجحة وتزاد بعدها ما كافّة وغير كافة، وكذا بعد «ربّ» و «الباء»، وتحدث في الباء المكفوفة معنى التقليل، وقد تحدث في الكاف معنى التّعليل، وربّما نصبت حينئذ مضارعا لا لأنّ الأصل «كيما»، وإن ولي «ربما» اسم مرفوع فهو مبتدأ بعده خبر، لا خبر مبتدأ محذوف، و «ما» نكرة موصوفة بهما، خلافا لأبي علي في المسألتين وتزاد «ما» غير كافّة بعد «من»، و «عن»). ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيرها لم تكن عاطفة فلم يصح فيها الاستئناف، و «حتى» لما كانت عاطفة كان استعمالها على جهة العطف أولى. قال ابن هشام الخضراوي: وينبغي إذا وقع الرفع بعدها نحو: ضربت الناس حتى زيد ضربته؛ أن تكون ابتدائية؛ لأنها لم تجانس هنا بين الأول والثاني فيرجع إلى حكمها إذا كانت داخلة على الجمل. قال: وقد تكون عاطفة وقد أجازوا ضربت القوم حتى زيد بإضمار الخبر فهو دليل على صحة ما ذكره المصنف من جواز ذكر الاسم بعد «حتى» مرفوعا على الابتداء والخبر محذوف وهو خلاف ما ذكره ابن أبي الربيع ونقله أيضا عن الشلوبين (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): الكاف من الحروف التي تجر الظاهر وحده: كـ «حتى»، فكما استغني في الغاية مع المضمر بـ «إلى» عن «حتى» استغني في التشبيه مع المضمر بمثل عن الكاف إلا أن الكاف خالفت أصلها في بعض الكلام لخفتها، فجرت ضمير الغائب المتصل كقول الشنفرى (¬3): 2574 - لئن كان من جنّ لأبرح طارقا ... وإن كان إنسا ماكها الإنس تفعل (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (4/ 29، 30). (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 169). (¬3) عمرو بن مالك الأزدي من قحطان شاعر جاهلي له لامية شرحها الزمخشري والمبرد - ت نحو (70 ق. هـ). راجع: الأعلام (5/ 258)، والتاج (3/ 318)، والخزانة (2/ 16)، والسمط (ص 413). (¬4) من الطويل ومن لاميته وانظره في الخزانة (4/ 541)، والدرر (2/ 26)، والعيني (3/ 269) والهمع (2/ 30).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: ما مثلها الإنس يفعل، وقول الراجز في وصف حمار وحش وأتن: 2575 - ولا ترى بعلا ولا حلائلا ... كه (¬1) ولا كهنّ إلّا حاظلا (¬2) وقد خولف بهذا الأصل أيضا فأدخلت على ضمير الرفع، وضمير النصب المنفصلين فقالوا: ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا، وأنا كإياك قال الشاعر: 2576 - قلت إنّي كأنت ثمّة لمّا ... شبّت الحرب خضتها وكععتا (¬3) وأنشد الكسائي: 2577 - فأحسن وأجمل في أسيرك إنّه ... ضعيف ولم يأسر كإيّاك آسر (¬4) وقد تجيء بمعنى «على»: كقول بعض العرب: كخير، في جواب من قال: كيف أصبحت؟ حكاه الفراء (¬5). وقد تزاد إن أمن اللبس: بكون الموضع غير صالح للتشبيه كقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (¬6) أي: ليس مثله شيء، لا بد من عدم الاعتداد بالكاف؛ لأن الاعتداد بها يستلزم ثبوت مثل لا شيء مثله، وذلك محال، وما أفضى إلى المحال محال، وكالزيادة في (كمثله) الزيادة في: وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (¬7)، وفي قول النبي صلّى الله عليه وسلّم على إحدى الروايتين: «يكفي كالوجه واليدين» (¬8) يريد: يكفي الوجه واليدين وهي الرواية الأخرى، ومنه قول الراجز: - ¬

_ (¬1) الأصل «كهو» بتحريف. (¬2) قيل: للعجاج، وقيل: لرؤبة وهو في ديوانه (ص 128)، والأشموني (2/ 209)، والتصريح (2/ 4)، والدرر (2/ 27)، والكتاب (1/ 392)، والهمع (2/ 30). هذا والحلائل: جمع حليلة وهي الزوجة، والحاظل: المانع من التزويج، يريد: أن تلك الأتن جديرات بأن يمنعهن هذا العير. (¬3) من الخفيف، وكععت: من كع يكع إذا جبن وضعف، وانظر: الدرر (2/ 27)، والهمع (2/ 31) - هذا وبعده في الأصل: وكععتان، ولا معنى له. (¬4) من الطويل ويريد: إنه لم يأسرني مثلك فأحسن وترفق بي، وانظر: الخزانة (4/ 274)، والارتشاف (2/ 437)، والدرر (2/ 27، 28)، ومجالس ثعلب (ص 16)، والهمع (2/ 31). (¬5) ينظر: الارتشاف (2/ 437)، والأشموني (2/ 225). (¬6) سورة الشورى: 11. (¬7) سورة الواقعة: 22، 23. (¬8) أخرجه البخاري: التميم (5) برواية «يكفيك الوجه واليدين»، وانظر شواهد التوضيح (ص 198).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2578 - لواحق الأقراب فيها كالمقق (¬1) يريد: فيها المقق، أي: الطول. وقال الفراء: قيل لبعض العرب: كيف تصنعون الأقط؟ فقال: كهين؛ يريد: هينا، فزاد الكاف (¬2)، وتكون اسما: فتجر بحرف كقول الشاعر: 2579 - بكا للّقوّة الشّغواء جلت فلم أكن ... لأولع إلّا بالكميّ المقنّع (¬3) وبإضافة كقوله: 2580 - تيّم القلب حبّ كالبدر لا ... بل فاق حسنا من تيّم القلب حبّا (¬4) وتقع فاعلة كقول الشاعر: 2581 - وما هداك إلى أرض كعالمها ... ولا أعانك في عزم كعزّام (¬5) واسم «كان» كقول الآخر: 2582 - لو كان في قلبي كقدر قلامة ... فضلا لغيرك ما أتتك رسائلي (¬6) ومبتدأ كقول الآخر: 2583 - بنا كالجوى ممّا يخاف وقد ترى ... شفاء القلوب الصّاديات الحوائم (¬7) وإن وقعت صلة فحرفيتها أولى من اسميتها كقول الراجز: 2584 - ما يرتجى وما يخاف جمعا ... فهو الّذي كالغيث والّليث معا (¬8) - ¬

_ (¬1) لرؤبة في ديوانه (ص 106) والأشموني (2/ 225)، والخزانة (4/ 366)، وسر الصناعة (ص 292) واللسان «نبت»، والمقتضب (4/ 418). (¬2) الارتشاف (2/ 440). (¬3) من الطويل، واللقوة: العقاب، والشغواء، سميت بذلك لاعوجاج منقارها، وجلت من الجولان، وأولع بالشيء: أغري به، الكمي: الشجاع المتكمي في سلاحه أي: المستتر بالدرع والبيضة، وفي الدرر «بك اللقوة»، وانظر: الأشموني (2/ 225)، والدرر (2/ 28)، والعيني (3/ 295)، والهمع (2/ 31). (¬4) من الخفيف وانظر: الدرر (2/ 28)، والهمع (2/ 31). (¬5) من البسيط وانظره في التذييل (4/ 32)، والمغني (ص 665). (¬6) من الكامل لجميل العذري وهو في ديوانه (ص 74) وراجع: التذييل (7/ 68 / أ) والهمع (2/ 31). هذا: والقلامة ما يسقط من الظفر عند تقليمه. (¬7) من الطويل وانظر: الدرر (2/ 291)، والهمع (2/ 31). (¬8) ينظر في المغني (1/ 154) برواية: كالليث والغيث.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتزاد بعدها ما كافة كقول زياد الأعجم (¬1): 2585 - لعمرك إنّني وأبا حميد ... كما النّشوان والرّجل الحليم أريد هجاءه وأخاف ربّي ... وأعلم أنّه عبد لئيم (¬2) وغير كافة كقول الآخر أنشده أبو المعالي علي القالي (¬3): 2586 - وننصر مولانا ونعلم أنّه ... كما النّاس مجروم عليه وجارم (¬4) قال سيبويه: وسألته عن قولهم: هذا حق كما أنك هاهنا؛ فزعم أن العامل في أن الكاف و «ما» لغو إلا أنها لا تحذف كراهية أن يجيء لفظها كلفظ [كان] (¬5). وتزاد «ما» أيضا بعد «ربّ» [4/ 19] كافة كقول أبي دؤاد (¬6). 2587 - ربّما الجامل المؤبّل فيهم ... وعناجيج بينهنّ المهار (¬7) وغير كافة كقول الآخر: 2588 - ماويّ يا ربّتما غارة ... شعواء كاللّذعة بالميسم (¬8) - ¬

_ (¬1) هو: زياد بن سلمى أبو أمامة العبدي من شعراء الدولة الأموية كان في لسانه عجمة، فلقب بالأعجم. (ت 100 هـ)، راجع: الأعلام (3/ 91)، والشعر والشعراء (1/ 430). (¬2) البيتان من الوافر، والنشوان: كالسكران وزنا ومعنى، وانظره في المغني (1/ 152). (¬3) هو: إسماعيل بن القاسم بن عيذون بن سليمان أحفظ أهل زمانه للغة والشعر والأدب، له النوادر ويسمى الأمالي، وله البارع وغيرهما (ت 356 هـ) وراجع: الإنباه (1/ 204)، وجذوة المقتبس (ص 154) والنفح (2/ 85). (¬4) من الطويل لعمر بن براقة. وانظره في التصريح (2/ 102)، والدرر (2/ 42، 170)، والمؤتلف (ص 67)، والهمع (2/ 38، 130). (¬5) الأصل: «أن»، وانظر الكتاب (3/ 140). (¬6) هو جارية بن الحجاج، وقال الأصمعي: هو حنظلة بن الشرقي، أبو دؤاد الإيادي شاعر جاهلي. راجع: الخزانة (4/ 190)، والسمط (2/ 879)، والعيني (2/ 391). (¬7) من الخفيف، والجامل: جماعة الإبل لا واحد له من لفظه. والعناجيج: الخيل الطوال الأعناق، واحده: عنجوج، وانظر: أمالي الشجري (2/ 243)، والخزانة (4/ 188)، وشرح المفصل (8/ 29، 30)، والهمع (2/ 26). (¬8) من السريع لضمرة النهشلي، وماوي: مرخم ماوية اسم امرأة، والشعواء: المغارة المنتشرة، واللذعة: الإحراق، والميسم: ما يوسم به البعير بالنار. وانظر: الإنصاف (ص 105) وشرح المفصل (8/ 31) واللسان «ما».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك تزاد بعد الباء كافة كقول الشاعر: 2589 - فلئن صرت لا تحير جوابا ... لبما قد ترى وأنت خطيب (¬1) وغير كافة كقوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ (¬2)، وتحدث «ما» الكافة في الباء معنى «ربما» فمعنى «لبما قد ترى وأنت خطيب»: لربما قد ترى، ومثله قول كثير: 2590 - مغان يهيّجن الحليم إلى الهوى ... وهنّ قديمات العهود دواثر بما قد أرى تلك الدّيار وأهلها ... وهنّ جميعات الأنيس عوامر (¬3) أراد [ربما] قد أرى. و «قد» مع المضارع تفيد هذا المعنى، ولكن اجتمعا توكيدا كما اجتمعت «عن» و «الباء» التي بمعناها في قول الشاعر: 2591 - فأصبحن لا يسألنه عن بما به ... أصعّد في غار الهوى أم تصوّبا (¬4) وتحدث «ما» الكافة في الكاف معنى التعليل كقوله تعالى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ (¬5)، وقال الأخفش في قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (¬6) أي: كما أرسلنا فيكم رسولا فاذكروني أي: كما فعلت هذا فاذكروني (¬7). وجعل ابن برهان (¬8) من هذا قوله تعالى: وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (¬9). أي أعجب؛ لأنه لا يفلح الكافرون (¬10)، كذا قدره، ثم قال: وحكى سيبويه (¬11) كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه أي: لأنه لا يعلم. وإذا حدث - ¬

_ (¬1) من الخفيف لصالح بن عبد القدوس، وتحير: مضارع أحار أي: أجاب، ولام «لئن» موطئة للقسم، ولام «لبما» جوابه، لا جواب الشرط كما وهم العيني، وانظر: الدرر (2/ 41) والعيني (3/ 347)، والهمع (2/ 38). (¬2) سورة آل عمران: 159. (¬3) البيتان من الطويل. (¬4) من الطويل، وانظر: الأشموني (3/ 83)، والخزانة (4/ 124)، والمغني (2/ 30) برواية «علو» بدل «غار». (¬5) سورة البقرة: 198. (¬6) سورة البقرة: 151، 152. (¬7) معاني القرآن للأخفش (1/ 111)، والارتشاف (2/ 438). (¬8) هو أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر بن برهان العكبري، له أصول اللغة وشرح على لمع ابن جني وغيرهما (ت 456 هـ) راجع: الأعلام (4/ 326)، والإنباه (2/ 213). (¬9) سورة القصص: 82. (¬10) شرح اللمع لابن برهان (ص 202) وما بعدها. (¬11) الكتاب (3/ 140).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها معنى التعليل ووليها مضارع نصبته تشبيها بـ «كي» كقول الشاعر: 2592 - وطرفك إمّا جئتنا فاحبسنّه ... كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر (¬1) وزعم الفارسي أن الأصل: كيما فحذفت الياء (¬2)، وهذا تكلف لا دليل عليه، ولا حاجة إليه، وكذلك أيضا زعم في قول الشاعر: 2593 - ربّما الجامل المؤبّل فيهم أنّ «ما» فيه نكرة موصوفة بمبتدأ مضمر وخبر مظهر. والصحيح أن «ما» فيه زائدة كافة هيأت «رب» للدخول على الجملة الاسمية كما هيأتها للدخول على الجملة الفعلية في قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬3)، وقول الشاعر: 2594 - لا يضيع الأمين سرّا ولكن ... ربما يحسب الخؤون أمينا (¬4) وتزاد «ما» بعد «من، وعن» غير كافة كقوله تعالى: مِمَّا [خَطِيئاتِهِمْ] أُغْرِقُوا (¬5)، وعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (¬6). انتهى كلام المصنف رحمه الله (¬7). وملخص ما ذكره: أن هذه الكلمة التي هي «الكاف» معناها التشبيه، وأنها تباشر الأسماء الظاهرة دون المضمرة إلا في الشعر، وأنها قد تفارق معنى التشبيه، وتوافق «على»، وأنها قد تستعمل زائدة فلا تفيد معنى، وأنها قد تستعمل اسما، وأنها قد تزاد بعدها «ما»، ثم إنه لما ذكر زيادة «ما» بعد «الكاف» وكانت تزاد بعد غيرها من حروف الجر استطرد فذكر أنها كما زيدت بعد «الكاف» زيدت بعد «رب»، وبعد «الباء»، وبعد «من» وبعد «عن»، ونبّه على أن «ما» المزيدة بعد «من، وعن» لا تكفهما عن العمل بل يبقيان على عملهما وأنها بعد ثلاثة الأحرف الأخر تكون كافة وغير كافة، لكن كونها بعد «الكاف» و «رب» كافة أكثر من كونها غير كافة، وكونها بعد «الباء» غير كافة أكثر من كونها كافة، - ¬

_ (¬1) من الطويل لعمر بن أبي ربيعة، ورواية الديوان: إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا ... لكي ... انظر: ديوانه (101)، والمغني (ص 177). (¬2) ينظر: التذييل (4/ 34). (¬3) سورة الحجر: 2. (¬4) ينظر هذا البيت في: التذييل (7/ 75 / ب). (¬5) سورة نوح: 25. (¬6) سورة المؤمنون: 40. (¬7) انظر: شرح التسهيل (3/ 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن «الباء» المكفوفة بـ «ما» يحدث فيها معنى التقليل، وأن «الكاف» المكفوفة بـ «ما» أيضا قد يحدث فيها معنى التقليل. وقد أتى المصنف على شرح ذلك بما فيه غنية. غير أن ثمّ مباحث تذكر: منها: أن بعض المصنفين استدل على أن «الكاف» حرف بأن الموصول يوصل بها وبمجرورها في السعة كقولك: جاءني الذي كزيد، ولو كانت الكاف اسما لم يجز ذلك إلا في قليل من الكلام، أو في الشعر. وأقول: إن الاستدلال على حرفيتها مستغنى عنه؛ لأن الإجماع منعقد على أنها تكون حرفا. وقد قال ابن أبي الربيع: ولا خلاف أعلمه في أن كاف التشبيه تكون حرفا، وإنما الخلاف في كونها اسما فذهب سيبويه إلى أنها لا تكون اسما بمنزلة «مثل» إلا في الضرورة (¬1)، وذهب الأخفش إلى أنها تكون اسما في الكلام والشعر (¬2)، انتهى. ولهذا لم يحتج المصنف إلى أن يستدل على حرفيتها. ومنها: أن الكاف تكون بمعنى «على» كقول بعض العرب: كخير، في جواب من قال: كيف أصبحت؟ كما حكاه الفراء؛ فإن المغاربة ذكروا أن هذا مذهب الأخفش كما أنه مذهب الكوفيين (¬3). قالوا: وعلى هذا خرّج الأخفش قول العرب: كن كما أنت قال: لا يتصور أن تكون الكاف للتشبيه؛ لأنه لا يشبه بحاله، والتقدير: كن على الحال الذي أنت عليه؛ فالكاف بمعنى «على»، و «ما» موصولة و «أنت» مبتدأ محذوف الخبر والجملة صلة لما قالوا. ولا حجة في ما استدل به؛ أما كخير: فهو على حذف مضاف التقدير: كصاحب خير. - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 38). (¬2) ينظر الارتشاف (2/ 437)، والتذييل (4/ 32، 33). (¬3) الارتشاف (2/ 437)، والتذييل (4/ 31) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «كن كما أنت» فذكر ابن عصفور أنه يحتمل وجهين: أحدهما: ما تقدم ذكره، قال: وعلى ذلك حمله الأخفش (¬1) بأن «ما» كفت الكاف عن العمل، وهيأتها للدخول على الجمل كما في «ربما»، ويجوز إذ ذاك أن يكون «أنت» مبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: كن كما أنت عليه، قال: وتكون الكاف إذ ذاك لتشبيه معنى الجملة التي قبلها بمعنى الجملة التي بعدها، وكأنه أمره بأن يكون منه في ما يستقبل كون يشبه كونه في الحال، ويكون ذلك نظير قوله تعالى حكاية: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ (¬2) ونظير قول القائل: 2595 - وإنّ بنا لو تعلمين لغلّة ... إليك كما بالحائمات غليل (¬3) وقول الآخر: 2596 - لقد علمت سمراء أنّ حديثها ... نجيع [4/ 20] كما ماء السّماء نجيع (¬4) ويجوز أن يكون «أنت» مرفوعا بفعل مضمر، والأصل: كن كما كنت، ثم حذف الفعل، وانفصل الضمير، فيكون نظير ما روي من قول الشاعر: 2597 - وما زرتنا في الدّهر إلّا لعلّة ... كما اليائس العجلان ثمّ يغيب (¬5) أي كما يزور اليائس العجلان؛ لأن «ثم يغيب» معطوف على الفعل المضمر والكاف باقية أيضا على معناها من التشبيه. ثم قال ابن عصفور: ويجوز عندي في: كما أنت وجه آخر، وهو أن يقال: إن «ما» زائدة، و «أنت» في موضع خفض بالكاف ووقع ضمير الرفع المنفصل بعد الكاف كقولهم: ما أنا كأنت، وفصل بين الكاف ومجرورها بـ «ما» الزائدة (¬6) هكذا ذكر. ولم يظهر لي على هذا التقدير ما هو معنى هذا التركيب، وإذ هذا الذي قرره يؤدي إلى أن يصير المعنى: كن كإياك أي كن كنفسك، وهذا لا يقال، لكن قال: هو أنك تكون شبهته فيما يستعمل بنفسه قبل ذلك. قال: ولا ينكر تشبيه الشيء بنفسه في حالتين مختلفتين. وقال ابن أبي الربيع في «كن كما أنت»: «ما» بمعنى «الذي»، وما بعده صلة - ¬

_ (¬1) راجع الارتشاف (2/ 438). (¬2) سورة الأعراف: 138. (¬3) البيت في الارتشاف (2/ 437)، والتذييل (7/ 65 / أ). (¬4) من الطويل وينسب لذي الرمة ديوانه (ص 670) وأمالي القالي (1/ 29). (¬5) من الطويل وهو من شواهد أبي حيان في التذييل (7/ 65 / أ). (¬6) ينظر التذييل (4/ 31، 32).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي، و «أنت» مبتدأ والخبر محذوف؛ التقدير: كن كالذي أنت كائنه، والهاء عائدة على «الذي»، ويكون «كما أنت» خبرا لـ «كن»، ويجوز أن تجعل «ما» كافة فلما كفّت الكاف عن العمل وليتها الجملة ويكون هذا بمنزلة قولك: زيد جالس، كما عمرو كذلك، وارتبطت الجملتان بـ «كما» على أن مقتضى الأول شبه بمقتضى الثاني، وأنت هنا إنما أردت كن في ما يستقبل كحالك الآن، فلما دخلت «ما» كفتها عن مخفوضها ووقع بعدها جملة يفهم منها ما كان يفهم من المنخفض الذي يخفض بالكاف فلذلك يجاء بـ «ما». قال: ونظير هذا قوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (¬1)، فهذه الجملة مفسرة للموعود ويعمل العرب هذا كثيرا في مواضع التعظيم (¬2). ثم قال ابن عصفور: وزعم الخليل أن الكاف إذا لحقتها «ما» الكافة [فقد] (¬3) يجعلها العرب بمعنى «لعلّ»، وجعل من ذلك قولهم: انتظرني كما آتيك؛ فالمعنى: لعلي آتيك، قال: ومنه قول الشاعر: 2598 - قلت لسفيان ادن من لقائه ... كما نغدّي القوم من شوائه (¬4) أي: لعلنا نغدي القوم من شوائه، وقول الآخر: 2599 - لا تشتم النّاس كما لا تشتم (¬5) أي: لعلك لا تشتم وقال الفراء: إن الكاف للتشبيه، وجعل «كما آتيك» صفة لمصدر محذوف تقديره: انتظرني انتظارا صادقا مثل إتياني لك أي: فـ لي بالانتظار كما أفي لك بالإتيان، وكذا قال في «(لا) (¬6) تشتم النّاس كما لا تشتم»: التقدير: انته عن شتم الناس كانتهائهم عن شتمك (¬7)، ثم قال: وجعل الكوفيون «كما» في «كما - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 9. (¬2) كلام ابن أبي الربيع هذا مثله في التذييل (4/ 31) ولم يعيّن أبو حيان قائله. (¬3) الأصل: «قد»، وهو مخالفة نحوية، وانظر: الكتاب (3/ 116). (¬4) رجز لأبي النجم وانظر: الإنصاف (ص 591)، والكتاب (1/ 460). (¬5) رجز لرؤبة. راجع: ملحقات ديوانه (ص 183) والدرر (2/ 34) والكتاب (1/ 459) والهمع (2/ 38). (¬6) الأصل: «ما». (¬7) راجع: الارتشاف (2/ 439)، والتذييل (4/ 34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نغدي القوم من شوائه» محذوفة من «كيما»، و «نغدي» في موضع نصب بها إلا أنه سكن ضرورة. واستدلوا على ذلك بقوله: 2600 - كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر وأقول: سيأتي الكلام على ما ذهب إليه الكوفيون في هذه المسألة. واعلم أن ابن هشام الخضراوي أشار إلى ما نقله ابن عصفور عن الخليل، وزاد بذكر معاني أخر فقال: ذكر سيبويه أنها - يعني «كما» - تكون بمعنى «لعلّ» قال: وسألت الخليل عن قولهم: انتظرني كما آتيك فزعم أن «الكاف» و «ما» جعلتا كحرف واحد وصيرت للفعل كما صيرت «ربما» والمعنى لعلي آتيك، ومن ثم لم ينصبوا بها الفعل كما لم ينصبوا بـ «ربما» (¬1). يريد أن «ما» ليست بزائدة فتكون الكاف داخلة على الفعل فينتصب بإضمار «أن» كسائر ما تدخل عليه حروف الجر من الأفعال، وأنشد لرؤبة (¬2): 2601 - لا تشتم النّاس كما لا تشتم وقال: معناه: لأنك لا تشتم، وأنشد لأبي النجم (¬3): 2602 - قلت لسفيان ادن من لقائه ... ... البيت قال: وتكون «كما» بمعنى من أجل تقول: قمت كما قام زيد أي: من أجل قيامه قال تعالى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ (¬4) قال: وتكون بمعنى «عند»، قالوا: دخلت السوق كما يؤذن المؤذن أي: عند ما يؤذن، قال: وتكون بمعنى المصدر التشبيهي مثل قوله: 2603 - تبكي الدّيار كما بكى ابن خذّام (¬5) هكذا قال. وفيه نظر؛ فإن «كما» في هذا البيت إنما صفة لمصدر محذوف وذلك المحذوف هو المصدر التشبيهي فليست «كما» بمعنى المصدر. ثم قال: وحكى الكوفيون أنها تكون بمعنى «كي» فينصب بها، ووافقهم المبرد وأنشدوا: - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 114). (¬2) رؤبة بن العجاج التميمي، بموته قال الخليل: دفنّا الشعر. (¬3) هو الفضل بن قدامة العجلي، نبغ في الرجز في العصر الأموي وكان من أحسن الناس إنشادا للشعر (ت 130 هـ) راجع الأعلام (5/ 357). (¬4) سورة الأنعام: 110. (¬5) شطر بيت من البسيط، ومعناه بيّن، وشاهده كذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2604 - لا تظلموا النّاس كما لا تظلموا (¬1) وأنشدوا أيضا: 2605 - اسمع حديثا كما يوما تحدّثه ... عن ظفر غيب إذا ما سائل سألا (¬2) بالنصب، والبصريون يرفعون. وأنشد المبرد: 2606 - وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنّه ... كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر (¬3) ومنها: أنك قد عرفت ما ذكره المصنف من أن الكاف تزاد عند أمن اللبس وتقدم ذكر الأدلة على ذلك. وقد نص النحاة على جواز زيادتها كابن هشام الخضراوي، وابن أبي الربيع وابن عصفور وغيرهم (¬4). قال ابن عصفور: إلا أن ذلك ليس بمطرد فيها، ولا منقاس. قال: وزيادتها على وجهين: أحدهما: أن تزاد توكيدا للتشبيه نحو قوله: 2607 - [ولعبت طير بهم أبابيل] ... فصيّروا مثل كعصف مأكول (¬5) فزاد الكاف لتأكيد التشبيه الذي يعطيه «مثل»، وجرّ «عصفا» بها، والكاف مع ما جرته في موضع خفض بـ «مثل» وكقول الآخر: 2608 - وصاليات ككما يؤثفين (¬6) فزاد إحدى الكافين تأكيدا لما تعطيه الأخرى من معنى التشبيه. ثانيهما: أن تزاد، وتخرج عن معنى التشبيه جملة كقوله: - ¬

_ (¬1) رجز لرؤبة، ملحقات ديوانه (ص 183) برواية: «لا تشتم» وانظر: الخزانة (3/ 591)، (4/ 276) وأمالي الشجري (1/ 186). (¬2) من البسيط لعدي بن زيد. راجع ديوانه (ص 158)، والإنصاف (2/ 588)، واللسان «كيا». (¬3) سبق تخريجه. (¬4) ينظر التذييل (4/ 32، 35). (¬5) عجز بيت من الرجز ذكرنا صدره وهو لحميد الأرقط، وينسب - كذلك - لرؤبة، ملحقات ديوانه (ص 181)، وانظر: التصريح (1/ 252)، (2/ 172)، والكتاب (1/ 203)، والمقتضب (4/ 141، 350). (¬6) رجز من كلمة لخطام المجاشعي أولها: حي ديار الحي بين الشهبين وانظر الكتاب (1/ 13، 203)، (2/ 331)، والمقتضب (2/ 97)، (4/ 140، 350).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2609 - لو أحق الأقراب فيها كالمقق (¬1) المعنى: فيها مقق، أي طول؛ لأنه يقال: في الشيء طول ولا يقال فيه [4/ 21] كالطول. ومنها: أن الكاف تكون اسما فتجر إما بالحرف، أو بالإضافة، وينسد إليها فتكون فاعلة ومبتدأ، وقد تقدم تقرير ذلك وأمثلته في كلام المصنف. وذكر ابن أبي الربيع أنها تجيء مفعولة أيضا، وأنشد على ذلك قول القائل: 2610 - لا يبرمون إذا ما الأفق جلّله ... برد الشّتاء من الأمحال كالأدم (¬2) قال: فالكاف بمنزلة مثل، وهي اسم ومفعولة بـ «جلل». قال: وكذلك بيت النابغة أيضا: 2611 - كما لقيت ذات الصّفا من حليفها ... [وما انفكّت الأمثال في النّاس سائره] (¬3) فإن الكاف مفعولة لقوله «لألقى» قبله، وقد تقدم أيضا الإعلام بأن سيبويه إنما يثبت اسميتها في الضرورة وأن الأخفش يثبت ذلك في الكلام. ولا شك في ثبوت اسميتها في الجملة وقد كثر ورود ذلك. فمن أجازه في الكلام كان مستنده كثرة ما ورد منه، ومن لم يجزه في الكلام جعل مستنده أن الوارد من ذلك إنما ورد في الشعر خاصة ولم يرد في نثر، ومن النحويين (¬4) من تأول ما ورد من ذلك على حذف الموصوف وإقامة المجرور الذي هو صفته مقامه. وقال ابن عصفور في قول القائل: 2612 - أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط ... كالطّعن يذهب فيه الزّيت والفتل (¬5) الكاف فاعلة «ينهى»؛ لأنه لا يجوز أن يقدر الفاعل محذوفا ويكون التقدير: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 335، 336). (¬2) من البسيط للنابغة الذبياني، ديوانه (ص 74)، والدرر (2/ 29)، والهمع (2/ 31). (¬3) من الطويل للنابغة الذبياني، وهو في ديوانه (ص 69) وذات الصفا: الحية التي تحدث عنها العرب وذكروها في أشعارهم، وللبيت قصة ارجع إليها - في الديوان - إن شئت. (¬4) ينظر التذييل (4/ 32، 33). (¬5) من هامش المخطوط والبيت من البيسط للأعشى وهو في، ديوانه (ص 63): هل تنتهون ولا، وانظره في الخصائص (2/ 368) والعيني (3/ 391) والمقتضب (4/ 141) ويس (2/ 18).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ناه كالطعن، والكاف مع ما جرّته في موضع الصفة لـ «ناه»؛ لأنك إن لم تقم المجرور مقامه لزم أن يكون المجرور فاعلا؛ لأن الصفة إذا قامت مقام الموصوف أعربت بإعرابه والمجرور الذي حرف الجر فيه غير زائد لا يكون فاعلا. فتعين أن تكون الكاف فاعلة وكأنك قلت: مثل الطعن (¬1)، ثم قال: ولا حجة في البيت عندي؛ لاحتمال أن يكون فاعل «ينهى» ضمير الوعيد الذي يدل عليه ما تقدم، وكأنه قال: ولن ينهى الوعيد ذوي شطط كالطعن أي: كنهي الطعن؛ فيكون المجرور صفة لمصدر محذوف، والتقدير: ولن ينهاهم الوعيد نهيا كنهي الطعن. قال: وإنما الحجة على استعمالها اسما قول الآخر: 2613 - فيا عجبا إنّ الفراق يروعني ... به كمناقيش الحليّ قصار (¬2) وقول امرئ القيس: 2614 - وإنّك لم يفخر عليك كفاخر ... ضعيف ولم يغلبك مثل مغلّب (¬3) ألا ترى أن الكاف من قوله: «كمناقيش» فاعلة «يروعني»، والكاف من قوله «كفاخر» فاعلة [يفخر] (¬4) ولا يكون الفاعل محذوفا، والكاف مع ما جرته صفة له؛ للدليل الذي تقدم ذكره (¬5). قال: وممّا يقوّي أن الكاف فاعلة في قول امرئ القيس أنه قرنها بـ «مثل» في قوله: ... ولم يغلبك مثل مغلّب (¬6) قال: ومما يدل أيضا على استعمال الكاف اسما قول ذي الرمة (¬7): 2615 - أبيت على ميّ كئيبا وبعلها ... على كالنّقا من عالج يتبطّح (¬8) - ¬

_ (¬1) من شرح الإيضاح لابن عصفور. (¬2) من الطويل، وانظره في التذييل (4/ 32). (¬3) من الطويل، وهو في ديوانه (ص 44) يريد إذا فخر عليك الضعيف عظم عليك فخره واشتد. (¬4) في الأصل: «بفخر»، وهو تحريف. (¬5) ينظر: شرح الجمل (1/ 335). (¬6) المصدر السابق. (¬7) غيلان بن عقبة العدوي من مضر ومن فحول الطبقة الثانية في عصره، صاحبته «ميّ بنت عاصم» وبه ختم الشعر (ت 117 هـ) راجع الخزانة (1/ 51). (¬8) من الطويل ديوانه (ص 85)، والخصائص (2/ 369). هذا، وعالج: موضع بالبادية، ويتبطح: يستلقي على وجهه، وفي الديوان: «على مثل الأشافي» بدل «على ميّ كئيبا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول ابن عادية السلمي: 2616 - وزعت بكالهراة أعوجي ... إذا ونت الرّياح جرى وثابا (¬1) وقول امرئ القيس: 2617 - ورحنا بكابن الماء يجنب وسطها ... تصوّب [فيه العين] طورا وترتقي (¬2) وقول سلامة العجلي: 2618 - على كالخنيف السّحق يدعو به الصّدى ... له قلب عفيّ الحياض أجون (¬3) وقول الآخر: 2619 - قليل غرار النّوم حتّى تقلّصوا ... على كالقطا الجوني أفزعه الزّجر (¬4) قال: فالكاف في جميع ذلك اسم؛ بدليل دخول حرف الجر عليها، وحرف الجر لا يدخل على مثله إلا في ضرورة بشرط أن يكون الحرفان في معنى واحد فيكون أحدهما تأكيدا للآخر. قال: ولا يتصور أن يجعل الكاف حرف جر في جميع ذلك، وتكون مع ما جرته في موضع صفة لموصوف محذوف، ويكون التقدير: على كفل كالنقا، وبغرس كالهراوة، وبفرس كابن الماء، وعلى طريق كالخنيف، وعلى خيل كالقطا الجوني؛ لأنك إن لم تقدر المجرور بالكاف قائما مقام المحذوف لزم من ذلك أن يكون «على والباء» مقطوعين عن الاسم والمجرور بهما، وقطع حرف الجر عن المجرور غير جائز، وإن قدرته قائما مقام المحذوف لزم من ذلك أن يكون حرف الجر الذي هو الكاف مع الاسم المجرور به في موضع خفض بـ «على، والباء» وذلك لا يجوز؛ لأن حرف الجر إنما يجر الأسماء وحدها، فلما تعذر أن تكون الكاف حرفا على التقديرين المذكورين لم يبق إلا أن تكون جعلت اسما حملا على ما هي في معناه - ¬

_ (¬1) من الوافر، وانظر: اللسان «ثوب»، و «وثب»، ومعاني الفراء (3/ 85)، والمقرب (1/ 196). (¬2) من الطويل، ديوانه (ص 176)، وابن الماء: طائر، ووسطها: بينها. وانظر: الاقتضاب (ص 429) وشرح الجواليقي لأدب الكاتب (ص 350) ورواية الديوان: «وسطنا». (¬3) من الطويل، والخنيف: ثوب من أردأ الكتان، والسحق: البالي، والقلب: جمع قليب، وهو البئر، وعفي جمع عاف وهو الدارس، وأجون: جمع أجن: الماء الذي تغير طعمه ولونه. وانظر: سر الصناعة (1/ 288)، واللسان «خنف». (¬4) من الطويل، وانظره في: الخصائص (2/ 368)، والمقتضب (4/ 142).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو «مثل» للضرورة وإن جاء شيء من مثل هذا في الكلام كان شاذّا (¬1). انتهى. وفي كلامه نظر. أما قوله: إن لم يقدر المجرور بالكاف قائما مقام المحذوف لزم قطع «على والباء» عن الاسم المجرور بهما وقطع حرف الجر عن المجرور غير جائز، فيقال فيه: الممتنع إنما هو قطع حرف الجر عن المجرور لفظا. أما قطعه عنه تقديرا فكيف يمتنع؟ ولا شك أن كل حرف زائد [إنما] (¬2) هو مقطوع عن مجروره معنى بدليل جعلك: «حسبك درهم» من قولهم: بحسبك درهم مبتدأ، وجعلك الاسم المعظم فاعلا في كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (¬3)، وكذلك جعلك «زيد» فاعلا في قولنا: أحسن بزيد. وأما قوله: وإن قدرته قائما مقام المحذوف لزم منه أن يكون الجر الذي هو الكاف مع الاسم المجرور به في موضع خفض بـ «على، والباء» إلى آخره؛ فيقال فيه: إن الكاف مع مجرورها؛ والباء مع مجرورها. كل منهما في موضع الصفة فهو متعلق بمحذوف، وإذا كان كذلك فالذي في موضع خفض بالحقيقة إنما هو ذلك المحذوف المتعلق به، التقدير: على كائن كالنقا، وبكائن كالهراوة. ومنها: أن «ما» تزاد بعد الكاف وبعد «ربّ»، وبعد «الباء» كافة وغير كافة. وحاصل الأمر: أن الكاف إذا [4/ 22] زيدت بعد [ها] «ما» كافة وليتها الجمل الاسمية، وصارت حرف ابتداء وقد تقدم استشهاد المصنف على ذلك بقول القائل: 2620 - كما النّشوان والرّجل الحليم واستشهد في غير هذا الكتاب بقول الآخر: 2621 - أخ ماجد لم يخزني يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه (¬4) ومن ذلك قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) نقل طويل ثالث ورابع من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور. (¬2) زيادة ليستقيم الكلام. (¬3) سورة الرعد: 43. (¬4) من الطويل لنهشل بن جرير يرثي أخاه مالكا، وانظر: الدرر (2/ 42)، والعيني (3/ 334) والمغني (ص 178، 310)، وفيه أن صاحب المستوفى زعم أن الكاف لا تكف بـ «ما» ورد عليه بهذا البيت، والهمع (2/ 38).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2622 - ألم تر أنّ البغل يتبع إلفه ... كما عامر واللّؤم مؤتلفان (¬1) وقول الآخر: 2623 - وإنّ بنا لو تعلمين لغلّة ... إليك كما بالحائمات غليل (¬2) وقول الآخر: 2624 - لقد علمت سمراء أنّ حديثها ... نجيع كما ماء السّماء نجيع (¬3) وقد عرفت أن المصنف قال في باب الموصول: إن «ما» الموصوفة الحرفية قد توصل بجملة اسمية على رأي؛ فعلى هذا لا يتعين القول بكون «ما» كافة في هذه الأبيات إلا على قول من لا يجيز وصل المصدرية إلا بالجملة الفعلية. أما من يجيز وصلها بالجمل الاسمية فيجوز عنده أن تكون «ما» مصدرية ينسبك منها مع الجملة التي بعدها مصدر يكون في موضع جر بالكاف، فلا تكون الكاف مكفوفة حينئذ. ولكن المصنف كأنه لم يقل بذلك هنا؛ لأنه إنما ساق الكلام على أن «ما» كافة، ولهذا بنى على ذلك فقال: وقد يحدث في الكاف معنى التعليل، يعني أن الكاف تخرج بذلك عن التشبيه، ولا تخرج الكاف عن التشبيه إلى التعليل إلا إذا كانت «ما» كافة. وأما زيادة «ما» بعد «ربّ» فسيأتي الكلام على ذلك عند الكلام على «رب» إن شاء الله تعالى. وأما زيادة «ما» بعد الباء غير كافة: فقد اشتمل عليه القرآن العزيز. وأما زيادتها بعدها كافة فقد استدل عليه المصنف بقول القائل: 2625 - بما قد ترى وأنت خطيب وبقول الآخر: 2626 - بما قد أرى تلك الدّيار وأهلها وقال: إن «ما» هذه - أعنى الكافة - تحدث في الباء معنى التقليل أي: معنى «ربما». قال: فمعنى «لبما قد ترى»: لربما قد ترى ومعنى «[بما] قد أرى»: ربما قد أرى. لكن قال الشيخ: ما ذهب إليه - يعني المصنف - من أن «ما» في ما ذكر كافة وأنها أحدثت معنى التقليل؛ غير صحيح، بل «ما» في ذلك مصدرية والباء للسببية المجازية والمعنى على التكثير لا على التقليل، ونظيره قول الآخر: - ¬

_ (¬1) من الطويل، وراجعه في الدرر (2/ 42)، والهمع (2/ 38). (¬2)، (¬3) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2627 - فلئن قلت هذيل شياه ... لبما كان هذيلا يفل (¬1) قال: والفعل الذي يتعلق به الباء مقدر [مما] قبلها، والتقدير: لانتفاء إحارتك جوابا برؤيتك وأنت خطيب. وهنّ قديمات العهود دواثر ترويني تلك الديار؛ لقلته بما كان نقلها، والسببية ظاهرة في هذا البيت، وأما في البيتين قبله: فسبب خرسه بالموت كونه كان خطيبا في الحياة؛ إذ ينشأ عن الحياة الموت، إذ مصير كل شيء إلى الممات، وكذلك البيت الثاني: سبب دثور الديار كونها عامرة بأهلها؛ إذ مصير العمران للخراب؛ ولذلك جاء: 2628 - لدوا للموت وابنوا للخراب ... [فكلّكم يصير إلى ذهاب] (¬2) انتهى. ولا يخفى أن ما قدره بعيد أن يكون مراد الشاعر، ولكن قول المصنف: إن المراد التعليل؛ غير ظاهر. وأما قول المصنف: وربما نصبت حينئذ مضارعا؛ فمراده حين يحدث في الكاف معنى التعليل، وذلك إذا كانت «ما» كافة واقتضى كلام المصنف أن «كما» هي الناصبة وأنها إنما نصبت تشبيها لها بـ «كي» ولم يرتض قول الفارسي فيها، وهو أن الأصل كيما، وقول المصنف في المتن: وربّما نصبت حينئذ مضارعا يرشد إلى أن المراد بقوله في الشرح: وإذا حدث فيها معنى التعليل، ووليها مضارع نصبته: أنّ المضارع قد ينصب بعدها، أي: أن ذلك قليل؛ فلا تتوجه على عبارته في الشرح مناقشة. ثم اعلم أنه قد تقدم لنا قول ابن عصفور: وجعل الكوفيون «كما» في: 2629 - [كما] نغدّي القوم من شوائه محذوفة من «كيما»، و «نغدّي» في موضع نصب بها، إلا أنه سكن للضرورة فقال: واستدلوا على ذلك بقوله: 2630 - كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر فعلى هذا الذي ذكره المصنف في هذه المسألة عن الفارسي هو مذهب الكوفيين. - ¬

_ (¬1) بنصه وبغير نسبة في التذييل والتكميل (7/ 72 / أ). (¬2) من الوافر لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه - ديوانه (ص 7) وبرواية: له ملك ينادي كل يوم ... لدوا ... للخراب وانظر: التصريح (2/ 12)، والخزانة (3/ 163)، والدرر (2/ 31)، والهمع (2/ 32).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: هذا الذي ذكر عن الكوفيين، والفارسي أقرب وأولى مما ادعاه المصنف. ولهذا قال الشيخ: قول المصنف: وهذا تكلف لا دليل عليه، ولا حاجة إليه - ليس كما ذكر، بل هو تأويل عليه دليل وإليه حاجة؛ وذلك أنه لم يثبت النصب بـ «كما» في موضع خلاف هذا المختلف فيه فيحمل هذا عليه والنصب ثابت بـ «كيما»، والعلة في «كيما» أصل، وفي كاف التشبيه المكفوفة بـ «ما» ليس أصلا (¬1)؛ فالأولى أن يعتقد أن أصلها «كيما»؛ لظهور التعليل فيها، ولثبوت النصب بـ «كيما» (¬2). انتهى. وما قاله هو الظاهر، لكن قد تقدم لنا من كلام ابن هشام الخضراوي أنه لما تكلم على «كما» قال: وحكى الكوفيون أنها تكون بمعنى «كي»، فينصب بها ووافقتهم المبرد وأنشدوا: 2631 - اسمع حديثا كما يوما تحدّثه وكذا: 2632 - كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر وهذا الكلام بظاهره يعطي ما ادعاه المصنف من أن الناصب «كما» نفسها تشبيها لها بـ «كي». وأما قول المصنف أيضا: وإن ولي «ربما» اسم مرفوع فهو مبتدأ بعده خبر لا خبر مبتدأ محذوف و «ما» نكرة موصوفة؛ خلافا لأبي علي، وقوله في الشرح بعد ذكر المسألة: نصب المضارع بعد «كما»، وأن الفارسي يزعم أن الأصل: «كيما»، وكذلك أيضا زعم - يعني الفارسي - في قول الشاعر: 2633 - ربّما الجامل المؤبّل فيهم أن «ما» نكرة موصوفة بمبتدأ مضمر وخبر مظهر. والصحيح أن «ما» فيه زائدة كافة هيأت «رب» للدخول على الجملة الاسمية كما هيأتها للدخول على الجملة الفعلية - فاعلم أنّ: المغاربة كالمطبقين على أن «ربما» لا تليها الجمل الاسمية عند الجمهور، وهو مذهب سيبويه (¬3). قال ابن هشام: و «هل» عند سيبويه حرف يدخل على الفعل، ويختص به، ولا يدخل على الجملة الابتدائية؛ ولهذا لما ذكر الحروف التي لا يليها إلا الفعل - ¬

_ (¬1) بعده في التذييل ولذلك وقع الخلاف في «انتظرني كما آتيك» بين الخليل والفراء. (¬2) التذييل (7/ 74 / أ). (¬3) الكتاب (3/ 115).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر «قد» و «سوف» قال: ومن تلك الحروف «ربما» وقلما جعلوا «ربّ» مع «ما» بمنزلة كلمة واحدة وهيئوها ليذكروا بعدها الفعل؛ لأنهم لم يكن لهم سبيل إلى: ربّ يقول، ولا إلى: قلّ يقول؛ فألحقوها وأخلصوها للفعل (¬1)، والذي ذكره المصنف عن الفارسي في قول الشاعر: 2634 - ربّما الجامل المؤبل فيهم هو الذي ذكره المغاربة فيه. قال ابن عصفور بعد [4/ 23] إنشاده (¬2) هذا البيت على رواية من رواه بخفض «الجامل المؤبل»: والرواية الصحيحة «الجامل» بالرافع على أن تكون «ما» في موضع اسم نكرة مخفوض بـ «رب» و «الجامل» خبر مبتدأ مضمر والجملة في موضع الصفة كأنه قال: ربّ شيء هو الجامل المؤبل (¬3). ومن ثم قال الشيخ: هذا الذي قاله - يعني المصنف - عن الفارسي هو مذهب الجمهور، وابن عصفور خرّج البيت تخريج أبي علي وهو الصحيح؛ إذ لو كان الصحيح ما اختار المصنف لسمع من كلامهم: ربما زيد قائم بتصريح المبتدأ والخبر ولم يسمع ذلك فيما أعلم، فوجب تخرج البيت على ما خرّجه الفارسي وابن عصفور (¬4). قال: ومثل قوله: ربّما الجامل المؤبل» قول الآخر: 2635 - طالعات ببطن نقرة بدن ... ربّما طاعن بها ومقيم (¬5) وقول الآخر: 2636 - أمّ الصّبيّين ما يدريك أن ربّما ... عنظاء قلتها شمّاء قرواخ (¬6) قال: ويتأول هذان البيتان تأويل «ربما الجامل»، والعنظاء: الهضبة، وشماء: مرتفعة، وقرواخ: جرداء. قال: والذي ذهب إليه المصنف هو مذهب المبرد، وزعم أنه يليها الجملة الاسمية والفعلية نحو «إنما» تقول: ربما قام زيد، وربما زيد قائم كما تقول ذلك في «إنما». وأما زيادة «ما» بعد «من وعن» غير كافة: فقد تقدم الاستدلال عليه من - ¬

_ (¬1) انظر: أوضح المسالك (3/ 19) وما بعدها، والمغني (ص 134) وما بعدها ثم الكتاب (3/ 15). (¬2) في شرح الجمل له (1/ 505). (¬3) المصدر السابق (1/ 359). (¬4) التذييل (7/ 75 / ب). (¬5) من الخفيف وانظره في تذييل أبي حيان (7/ 75 / ب). (¬6) من البسيط وانظره في المصدر السابق.

[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها]

[مذ، منذ، رب: لغاتها، ومعانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (ومنها: «مذ، ومنذ»، وقد ذكرا في باب الظروف. ومنها: «ربّ» ويقال: رب وربّت ورب وربّت وربت وربّ ورب وربت وليست اسما خلافا للكوفيين والأخفش في أحد قوليه، بل هي حرف تكثير وفاقا لسيبويه، والتقليل بها نادر ولا يلزم وصف مجرورها خلافا للمبرد، ومن وافقه، ولا مضيّ ما تتعلّق به بل يلزم تصديرها وتنكير مجرورها، وقد يعطف على مجرورها وشبهه مضاف إلى ضميريهما، وقد تجرّ ضميرا لازما تفسيره بمتأخر منصوب على التّمييز مطابق للمعنى ولزوم إفراد الضمير وتذكيره عند تثنية التمييز وجمعه وتأنيثه أشهر من المطابقة). ـــــــــــــــــــــــــــــ الكتاب العزيز، وأنشدوا شاهدا عليه أيضا قول الشاعر: 2637 - وأعلم أنّني عمّا قريب ... سأنشب في شبا ظفر وناب (¬1) قالوا: وإذا كانوا قد زادوا ما بين المضاف والمضاف إليه مع شدة الاتصال بينهما؛ لأنه كالجزء منه فلأن يزيدوها بين حرف الجر والمجرور أولى، ومنه قول القائل: 2638 - مساعير ما حرب وإيسار شتوة ... إذا الريح ألوت بالكنيف المستّر (¬2) وقول الآخر: 2639 - من غير ما فحش يكون بهم ... في منتج المهرات والمهر (¬3) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): قد بينت في باب المفعول فيه أن من جملة أسماء الزمان المبنية «مذ، ومنذ» إذا وليهما مرفوع أو جملة، وأنهما يكونان حرفي جر واستوفيت القول بما أغنى عن مزيد فليعلم ذلك. ومن حروف الجر «ربّ»: وفيها عشر لغات: أربع بتشديد الباء، وست - ¬

_ (¬1) من الوافر لامرئ القيس، يريد أنه سيموت كما مات أبوه وأجداده، وشبا كلّ شيء: حدّه - ديوانه (ص 100) برواية «قليل» بدل «قريب»، والدرر (2/ 40)، والهمع (2/ 37). (¬2) البيت من الطويل وانظره في التذييل (4/ 35). (¬3) من الكامل للخرنق بنت بدر بن هفان - ديوانها (ص 31) والشاهد فيه: زيادة «ما» بين المضاف «غير» والمضاف إليه «فحش» كسابقه. (¬4) شرح التسهيل (3/ 175).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بتخفيفها، وقد ذكرت. وهي حرف عند البصريين، واسم عند الكوفيين والأخفش (¬1) في أحد قوليه. وحرفيتها أصح؛ لخلوها من علامات الأسماء اللفظية والمعنوية ولمساواتها (الحرف) (¬2) في الدلالة على معنى في مسمى غير مفهوم جنسه بلفظها بخلاف أسماء الاستفهام والشرط فإنها تدل على معنى في مسمى مفهوم بلفظها. ومقتضى هذا التقدير أن تكون «كم» حرفا لكن اسميتها ثابتة بالعلامات اللفظية وهي الإضافة إليها، ودخول حرف الجر عليها، والابتداء بها، وإيقاع الأفعال عليها، وعود الضمير إليها. واستدل الكوفيون على اسميتها بقول الشاعر: 2640 - إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن ... عارا عليك وربّ قتل عار (¬3) فزعموا أن «رب» مبتدأ وعار خبره والصحيح أنه خبر مبتدأ محذوف والجملة صفة لـ «قتل» والتقدير: وربّ قتل هو عار، وأكثر النحويين يقولون: معنى «رب» التقليل. قال أبو العباس: «رب» تبني عمّا وقعت عليه أنه قد كان، وليس بالكثير؛ فلذلك لا تقع إلا على نكرة؛ لأن ما بعدها يخرج مخرج التمييز (¬4). وقال ابن السراج: النحويون كالمجمعين على أنّ «ربّ» جواب لما تقول: رب رجل عالم، لمن قال لك: ما رأيت رجلا عالما، أو قدرت أنه يقول ... ؛ فضارعت حرف النفي؛ إذ كان يليه الواحد المنكور وهو يراد به الجماعة (¬5). وقال ابن السراج أيضا: رب حرف جر وكان حقه أن يكون بعد الفعل موصّلا له إلى المجرور كأخواته، ولكن لما كان معناه التقليل وكان لا يعمل إلا في نكرة صار مقابلا لـ «كم» إذا كانت خبرا فجعل له صدر الكلام كما جعل لـ «كم» (¬6)، وقال الزمخشري في المفصّل: «رب» للتقليل (¬7)، وجعلها في الكشاف للتكثير (¬8). قلت: والصحيح أن معنى «رب» التكثير، ولذا تصلح «كم» في كل موضع وقعت فيه غير نادر كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) معاني القرآن له (1/ 250) أول سورة الحجر. (¬2) الأصل: «الحروف». (¬3) من الكامل لثابت قطنة يرثي يزيد بن المهلب، وانظر: الدرر (1/ 73) والمقتضب (3/ 66)، والمقرب (1/ 220). (¬4) ينظر: المقتضب (2/ 48)، (4/ 139، 289). (¬5) الأصول (1/ 333). (¬6) السابق (1/ 332). (¬7) المفصل بشرح ابن يعيش (8/ 26). (¬8) في الكشاف (10/ 151)، (2/ 13)، (3/ 205، 206) أنها للتكثير وفي (2/ 443، 444) للتقليل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2641 - ربّ من أنضجت غيظا صدره ... قد تمنّى لي موتا لم يطع (¬1) وكقول الآخر: 2642 - ربّ رفد هرقته ذلك اليو ... م وأسرى من معشر أقتال (¬2) وكقول الآخر: 2643 - ربّما تكره النّفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال (¬3) وكقول حسان رضي الله عنه: 2644 - ربّ حلم أضاعه عدم الما ... لـ وجهل غطّى عليه النّعيم (¬4) وكقول الآخر: 2645 - وربّ امرئ ناقص عقله ... وقد يعجب النّاس من شخصه وآخر تحسبه أحمقا ... ويأتيك بالأمر من فصّه (¬5) وكقول ضابئ البرجمي: 2646 - وربّ أمور لا تضيرك ضيرة ... وللقلب من مخشاتهنّ وجيب (¬6) وكقول عدي بن زيد: 2647 - ربّ مأمول وراج أملا ... قد ثناه الدّهر عن ذاك الأمل (¬7) - ¬

_ (¬1) من الرمل لسويد بن أبي كاهل، وانظره في أمالي الشجري (2/ 169)، والخزانة (2/ 546)، (3/ 119)، والدرر (1/ 69)، (2/ 19) برواية «قلبه» بدل «صدره»، وشرح المفصل (4/ 11)، والمغني (328)، والهمع (1/ 92)، (2/ 26)، هذا: وفي الأصل: «يتمنى»، وهو تحريف. (¬2) من الخفيف للأعشى، والرفد: القدح الضخم، ويكنى بإراقة الرفد عن الموت، وأقتال: جمع قتل وهو العدو وانظر ديوانه (ص 13) وأمالي القالي (1/ 90)، والعيني (2/ 251)، والمغني (ص 587)، والهمع (1/ 9). (¬3) من الخفيف لأمية بن أبي الصلت ديوانه (ص 50) وانظر الأشموني (1/ 154)، والخزانة (2/ 541) وشرح المفصل (4/ 2)، (8/ 30)، والكتاب (1/ 270، 362)، والهمع (1/ 8، 92). (¬4) البيت في ديوان حسان (ص 378) ومعناه جليّ. (¬5) البيتان من المتقارب، وروايتها في اللسان بغير نسبة، وفيهما حكمة واضحة. (¬6) من الطويل، وفي اللسان: وجب القلب يجب وجبا ووجيبا ووجوبا ووجبانا: خفق واضطرب، وقال ثعلب: وجيبا فقط، والبيت في الدرر (2/ 201). (¬7) البيت من الرمل، ومعناه وشاهده واضحان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا الذي أشرت إليه [4/ 24] من أن معنى «رب» التكثير هو مذهب سيبويه (¬1) رحمه الله تعالى، وقال ابن خروف: وذكر سيبويه في باب «كم» أن «رب» للتكثير، وذكر ذلك غيره من اللغويين. واستعمالها على ذلك موجود كثير (¬2)، قلت: فمن كلامه الدال على ذلك قوله في باب «كم»: اعلم أن لـ «كم» موضعين: أحدهما: الاستفهام. والآخر: الخبر. ومعناها معنى «ربّ» (¬3). ثم قال بعد ذلك في الباب: واعلم أن «كم» في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه «رب»؛ لأن المعنى واحد إلا أن «كم» اسم، و «رب» غير اسم (¬4). هذا نصه ولا معارض له في كتابه. فعلم أن مذهبه كون «رب» مساوية لـ «كم» الخبرية في المعنى. ولا خلاف في أن معنى «كم» الخبرية التكثير، والذي دلّ عليه كلام سيبويه من أن معنى «رب» التكثير هو الواقع غير النادر من كلام العرب نثره ونظمه. فمن النظم الأبيات التي قدمت ذكرها، ومن النثر قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا ربّ كاسية في الدّنيا عارية يوم القيامة» (¬5)، و «ربّ أشعث أغبر لا يؤبه له لو (أقسم) (¬6) على الله لأبرّ قسمه» (¬7)، ومنه قول الأعرابي الذي سمعه الكسائي يقول بعد الفطر: ربّ صائمه لن يصومه وربّ قائمه لن يقومه (¬8)، وقال الفراء: يقول القائل إذا أمر فعصي: أما والله لرب ندامة لك تذكر قولي فيها (¬9). وقولي: والتعليل بها نادر؛ أشرت به إلى قول الشاعر: 2648 - ألا ربّ مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان (¬10) - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 161). (¬2) الارتشاف (ص 735). (¬3) الكتاب (2/ 156). (¬4) الكتاب (2/ 161). (¬5) عن ابن شهاب، وانظر: البخاري: علم (40)، وفتن: (6)، وموطأ مالك: اللباس (8). (¬6) من هامش المخطوط. (¬7) عن أبي هريرة - صحيح مسلم: الجنة ونعيمها وأهلها (48)، بر (138)، والنهاية (2/ 478) «شعث». (¬8) ينظر: الأشموني (2/ 230)، والتصريح (2/ 18)، وشواهد التوضيح (ص 106)، والمغني (ص 134). (¬9) الأشموني (2/ 231، 232) والهمع (2/ 27، 28). (¬10) من الطويل لعمرو الجنبي، أو رجل من أزد السراة، وانظر: التصريح (2/ 18)، والخصائص (2/ 233)، والعيني (3/ 354)، والكتاب (1/ 341)، (2/ 258)، والمقرب (1/ 199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد آدم وعيسى عليهما السّلام، ومثله قول عمرو بن الشريد أخي الخنساء (¬1): 2649 - وذي إخوة قطّعت أقران بينهم ... كما تركوني واحدا لا أخا ليا (¬2) ومثله: 2650 - ويوم على البلقاء لم يك مثله ... على الأرض يوم في بعيد ولا دان (¬3) أراد بـ «ذي إخوة» زيد بن حرملة قاتل أخيه معاوية بن الشريد، وأراد الآخر: يوما كان فيه وقعة بين غسان ومذحج في موضع يعرف بالبلقاء. وقول المبرد: ربّ تبني عما وقعت عليه أنه قد كان هذا هو الأكثر، وأما كون ذلك لازما لا يوجد غيره فليس بصحيح؛ بل قد يكون مستقبلا كقول جحدر اللص: (¬4). 2651 - فإن أهلك فربّ فتى سيبكي ... عليّ مهذّب رخص البنان (¬5) وكقول هند أم معاوية (¬6) رضي الله تعالى عنها: 2652 - يا ربّ قائلة غدا ... يا لهف أمّ معاويه (¬7) وكقول سليم القشيري: 2653 - ومعتصم بالحيّ من خشية الرّدى ... سيردى وغار مشفق سيؤوب (¬8) وقال الراجز: 2654 - يا ربّ يوم لي لا أظلّله ... أرمض من تحت وأضحى من عله (¬9) - ¬

_ (¬1) تماضر بنت عمرو بن الشريد من مضر من أهل نجد، أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعجبه شعرها (ت: 24 هـ) وراجع: الأعلام (2/ 69)، والشعراء والشعراء (1/ 323). (¬2) البيت من الطويل، وانظره في: التذييل (7/ 80 / أ). (¬3) من الطويل، والشاهد فيه كسابقه. (¬4) جحدر بن ضبيعة بن قيس البكري الجاهلي، وقيل: اسمه ربيعة ولقبه جحدر، وكان قبل الإسلام بنحو مائة سنة، وراجع: الأعلام (2/ 103)، وجمهرة الأنساب (ص 301). (¬5) من الوافر وانظر السمط (ص 617) والمغني (1/ 121) وله فيه قصة. (¬6) هند بنت عتبة بن ربيعة، صحابية قريشية فصيحة، لها رأي وحزم، وحرضت على قتال الروم، وأخبارها كثيرة (ت: 14 هـ) وراجع: الروض الأنف (2/ 277). (¬7) من الكامل، وانظره في: الدرر (2/ 22)، والمغني (1/ 122)، والهمع (2/ 28). (¬8) من بحر الطويل، وشاهده: مجيء «ما» بعد «ربّ» مستقبلا؛ بدليل قوله: «سيردى». (¬9) رجز لأبي ثروان، وانظر: التصريح (2/ 346)، وشرح المفصل (4/ 87)، والمغني (ص 134) والهمع (2/ 210).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: 2655 - يا ربّ غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا (¬1) ولا مبالاة بقول المبرد ولا بقول ابن السراج؛ فإنهما لم يستندا في ذلك إلا إلى مجرد الدعوى، ولو لم يكن غير ما ادعياه مسموعا لكان مساويا لما ادعاه في إمكان الأخذ به، فكيف وهو ثابت بالنقل الصحيح في الكلام الفصيح؟! وقد يكون ما وقعت عليه «ربّ» حالا كقولك لمن قال: ما في وقتنا امرؤ مستريح: رب امرئ في وقتنا مستريح، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: 2656 - فقمت ولم تعلم عليّ خيانة ... ألا ربّ باغي الرّبح ليس برابح (¬2) ومثله: 2657 - ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين (¬3) وقد هدي الزمخشريّ إلى الحق في معنى «ربّ» فقال في تفسير قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ (¬4): قَدْ نَرى ربما نرى، ومعناه: كثرة الرؤية (¬5) وقال في قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ (¬6) بمعنى ربّما التي تجيء لزيادة الفعل وكثرته (¬7)، وقال في قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ (¬8): أدخل (قد) لتوكيد علمه بما هم عليه؛ وذلك أن (قد) إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى «ربما»، فوافقت «ربما» في خروجها إلى معنى التكثير في قوله: 2658 - فإن تمس مهجور الفناء فربّما ... أقام به بعد الوفود وفود (¬9) فكلامه هذا سديد أداه إليه ترك التقليد، وقال في رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ - ¬

_ (¬1) من البسيط، لجرير، ديوانه (ص 492)، والعيني (3/ 364)، والكتاب (1/ 212)، والمقتضب (3/ 227)، (4/ 150، 289)، والهمع (2/ 47). (¬2) من الطويل ورواية الديوان (ص 464): «فمتّ» بدل «فقمت». (¬3) من الطويل، وانظر الأساس: غشش، والأشموني (1/ 154)، والدرر (1/ 69)، (2/ 21، 43)، والكتاب (1/ 271)، واللسان «غشش»، والهمع (1/ 92)، (2/ 28، 39). (¬4) سورة البقرة: 144. (¬5) الكشاف (1/ 151). (¬6) سورة الأنعام: 33. (¬7) الكشاف (2/ 13). (¬8) سورة النور: 64. (¬9) من الطويل، وانظره في: الخزانة (4/ 167)، وشرح المرزوقي على الحماسة (2/ 800)، والكشاف (3/ 205، 206)، ومراتب النحويين (ص 93).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬1): فإن قلت: ما معنى التقليل هاهنا؟ قلت: هو وارد على مذهب العرب في قولهم: لعلك ستندم على فعلك، وربما يندم الإنسان على ما فعل ولا يشكون في تندمه ولا يقصدون تقليله، ولكنهم أرادوا لو كان الندم مشكوكا فيه أو كان قليلا لحق عليك أن لا تفعل هذا الفعل؛ لأن العقلاء يتحرزون من التعرض للغم المظنون كما يتحرزون من الغم المتيقن، ومن القليل منه كما يتحرزون من الكثير وكذلك المعنى في الآية الشريفة: لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة لكانوا حقيقين بالمسارعة إليه فكيف وهم يودونه في كل ساعة (¬2). قلت: في هذا الكلام ما يناقض كلامه في قَدْ نَرى (¬3) وقَدْ نَعْلَمُ (¬4) وقَدْ يَعْلَمُ (¬5) من دلالة «ربما» على التكثير؛ لأنه نسب إليها هنا التقليل، وتكلف في تخريجه ما لا حاجة إليه، ولا دلالة عليه، ثم اعترف بقول العرب: ربما يندم الإنسان على ما فعل، وبأنهم لا يقصدون تقليله فهو حجه عليه، وعلى من وافقه. وأظنه في هذا التأويل قلّد ابن السراج فإنه قال: قالوا في قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ بأنه لصدق الوعدة كأنه قد كان (¬6) كما قال تعالى: وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ (¬7). والصحيح عندي: أن «إذ» قد يراد بها الاستقبال كما يراد بها المضي؛ فمن ذلك قوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ (¬8)، وقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (¬9) فأبدل يَوْمَئِذٍ من «إذا» فلو لم تكن «إذ» صالحة للاستقبال ما أبدل «يوم» المضاف [4/ 25] إليها من «إذا»؛ فإنها لا يراد بها إلا الاستقبال. والمبرد، وابن السراج، والفارسي، وابن خروف (¬10) يرون وجوب وصف المجرور بـ «ربّ» وقلّدهم في ذلك أكثر المتأخرين مع أنه خلاف مذهب سيبويه (¬11). - ¬

_ (¬1) سورة الحجر: 2. (¬2) الكشاف (2/ 443، 444). (¬3) سورة البقرة: 144. (¬4) سورة الأنعام: 33. (¬5) سورة النور: 64. (¬6) في الأصل: قال. (¬7) سورة سبأ: 51، وانظر: الأصول لابن السراج (1/ 335). (¬8) سورة غافر: 70، 71. (¬9) سورة الزلزلة: 4. (¬10) ينظر: الأصول (1/ 334)، والتذييل (4/ 37)، والمقتضب (4/ 139، 150، 289). (¬11) راجع: الكتاب (1/ 427)، (2/ 274).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا حجة لهم إلا شبهتان: إحداهما: أن «رب» للتقليل، والنكرة بلا صفة فيها تكثير بالشياع والعموم، ووصفها يحدث فيها التقليل بإخراج الحالي منه، أي: من الوصف فلزم الوصف لذلك. والشبهة الثانية: أن قول القائل: ربّ رجل عالم لقيت، ردّ على من قال: ما لقيت رجلا عالما؛ فلو لم يذكر الصفة لم يكن الرد موافقا، وفي كلتا الشبهتين ضعف بيّن. أما ضعف الأولى؛ فلترتيبها على «ربّ» للتقليل، وقد سبق أنها للتكثير، وعلى تقدير أنها للتقليل فإن النكرة دون وصف صالحة أن يراد بها العموم فيكون فيها تكثير، وأن يراد بها غير العموم فيكون فيها تقليل. فإذا دخلت عليها «ربّ» على تقدير وضعها للتقليل أزالت احتمال التكثير كما يزول احتمال التقليل بـ «لا، ومن» الجنسيتين، فإن وصفت بعد دخول «ربّ» ازداد التقليل، فإن كان المطلوب زيادة التقليل لا مطلقه فينبغي أن لا يقتصر على وصف واحد؛ لأن التقليل يزيد بزيادة الأوصاف. وأما الشبهة الثانية؛ فضعفها أيضا بيّن؛ لأن مرتبه على أن «ربّ» لا يكون إلا جوابا، وعلى أن الجواب يلزم أن يوافق المجاب وكلا الأمرين غير لازم بالاستقراء. والصحيح: أنها تكون جوابا وغير جواب، وإذا كانت جوابا فقد تكون جواب موصوف، وجواب غير موصوف فيكون لمجرورها من الوصف وعدمه ما للمجاب فيقال لمن قال: ما رأيت رجلا: رب رجل رأيت، ولمن قال: ما رأيت رجلا عالما: رب رجل عالم رأيت، وإذا لم يكن جوابا فللمتكلم بها أن يصف مجرورها، وأن لا يصفه. ومن وقوعه غير موصوف قول أم معاوية رضى الله تعالى عنه: 2659 - يا ربّ قائلة غدا ... يا لهف أمّ معاويه (¬1) ومثله: 2660 - ألا ربّ مأخوذ بإجرام غيره ... فلا تسأمن هجران من كان مجرما (¬2) ومثله: 2661 - ربّ مستغن ولا مال له ... وعظيم الفقر وهو ذو نسب (¬3) - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) من الطويل، وانظره في: الدرر (2/ 22)، والهمع (2/ 28). (¬3) البيت بغير نسبة في التذييل (4/ 38) وفي الأصل: «نشب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي يدل على أن وصف مجرورها لا يلزم عند سيبويه تسويته إياها بـ «كم» الخبرية (¬1). ووصف مجرور كم الخبرية لا يلزم فكذا وصف ما سوّي بها. ومن كلامه المتضمن استغناء مجرورها قوله في باب الجر: وإذا قلت: رب رجل يقول ذاك؛ فقد أضفت القول إلى الرجل بـ «رب» (¬2). فبصريحه يكون «يقول» مضافا إلى الرجل بـ «رب» مانع كونه صفة؛ لأن الصفة لا تضاف إلى الموصوف وإنما يضاف العامل إلى المعمول فـ «يقول» إذا عامل في «رجل» بواسطة «رب» كما كان «مررت» من: مررت بزيد؛ عاملا في «زيد» بواسطة الباء، وكما كان («أخذت» من: أخذته من عبد الله) (¬3) عاملا في «عبد الله» بواسطة «من»، وهما من أمثلة سيبويه في باب الجر، وقال فيهما: وإنما أضفت المرور إلى «زيد» بالباء، وقال أيضا: فقد أضفت الأخذ إلى «عبد الله» بـ «من» فجعل نسبة «مررت» من «بزيد»، ونسبة «أخذت» من «عبد الله» كنسبة «يقول» من «رب رجل». وفي تمثيله بـ «رب» رجل يقول ذاك، وجعله «يقول» معدى إلى «رجل» بواسطة «ربّ» دليل على أن مضمون ما دخلت عليه «رب» يجوز استقباله. ولا يلزم مضيه، وقد تقدمت شواهد ذلك؛ إلا أن في هذا المثال إشكالا بيّنا؛ وذلك أن ظاهره يقتضي جواز أن يقال: من زيد عجب؛ إذا عجب من نفسه، وهو غير جائز بإجماع؛ لأن فيه إعمال فعل رافع ضمير متصل في مفسره، وذلك ممتنع دون خلاف. وقد أخذ أكثر الناس هذا المثال على ظاهره فمنهم من خطأ فيه سيبويه، ومنهم من صوبه وتكلف تأويله، وأحسنهم مأخذا في التأويل أبو الحسن بن خروف؛ فإنه قال: فقول سيبويه: فقد أضفت القول إلى الرجل بـ «رب» (¬4)؛ كلام حسن، وهو كقوله: فقد أضفت الكينونة إلى الدار بـ «في»، وكقوله: فقد أضفت إليه الرداءة بـ «في» (¬5) يعني قوله: أنت في الدار، وفيك خصلة سوء؛ فـ «رب» أوصلت القول إلى قليل الرجال وكثيرهم، كما أوصلت «في» الكينونة إلى الدار، - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 156 - 161). (¬2) الكتاب (1/ 421)، وفي الأصل: «ذلك» بدل «ذاك». (¬3) في الأصل: «أحدث من أحدثه من عند الله» وهو تحريف بيّن. (¬4) الكتاب (1/ 421). (¬5) الكتاب (1/ 421).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واستقرار الرداءة إلى المخاطب، وموضع المخفوض بـ «رب» مبتدأ و «بقول» خبره، فكأنه على تقدير: كثير من الرجال يقول ذلك. ولا يخفى ما في هذا من التكلف. وقد يسر لي بحمد الله تعالى تخريجه بوجه لا تخطئة فيه ولا تكلف. وذلك بأن يجعل «يقول» مضارع «قال» بمعنى: فاق في المقاولة، ويجعل ذلك فاعلا أشير به إلى مرئي أو مذكور، كأنه قال: رب رجل يفوق ذلك في المقاولة؛ فهذا التخريج يؤمن الخطأ والتكلف، ويثبت استغناء مجرور «ربّ» عن الوصف، وكون ما دخلت عليه لا يلزم مضيه بل يجوز كونه مستقبلا وحالا. ومنع ابن السراج استقباله وأجاز حاليته؛ فإنه قال: ولا يجوز: رب رجل سيقوم وليقومن غدا، إلا أن تريد: رب رجل يوصف بهذا تقول: رب رجل مسيء اليوم محسن غدا، أي: يوصف بهذا (¬1). والصحيح: جوازهما إلا أن المضي أكثر، قال ابن خروف: والمتأخرون مختلفون في «ربّ»؛ منهم من تبع المبرد على مذهبه كابن السراج والفارسي، وهو فاسد؛ لأنه ألزم مخفوضه [4/ 26] الصفة وحذف ما يتعلق به وأن لا يدل إلا على التقليل ولا يفتقر إلى الصفة كما زعموا؛ لأن معنى التقليل والتكثير الذي دلت عليه يقوم مقام وصف مخفوضها كما كان ذلك في «كم»، ولذلك قلت: كم غلام عندك؛ فابتدأت بنكرة؛ يعني أن ما دلت عليه «كم» من التكثير سوغ الابتداء بها مع أنها نكرة. ونبهت بقولي: (وقد يعطف على مجرورها وشبهه مضاف إلى ضميريهما) على أنه قد يقال: رب رجل وأخيه رأيت، وكم ناقة وفصيلها ملكت؛ على تقدير: رب رجل وأخ له، وكم ناقة وفصيل لها. ثم نبهت على أن المجرور بها قد يكون ضميرا لازما تفسيره بمميز مؤخر مطابق للذي يقصده المتكلم من إفراد وتذكير وغيرهما، وأن الضمير على أشهر المذهبين لا يكون إلا بلفظ الإفراد والتذكير فيقال: ربّه رجلا، وربّه رجلين، وربه رجالا، وربّه امرأة وربّه نسوة، ومثال «ربه رجلا» قول الشاعر: 2662 - ربه امرأ بك نال أمنع عزّة ... وغنى بعيد خصاصة وهوان (¬2) ومثال «ربه رجالا» قول الآخر: - ¬

_ (¬1) الأصول لابن السراج (1/ 511) تحقيق/ عبد الحسين الفتلي (1973). (¬2) من الكامل، وانظره في الدرر (2/ 20)، والهمع (2/ 27).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2663 - ربه فتية دعوت إلى ما ... يورث المجد دائبا فأجابوا (¬1) وحكى الكوفيون: ربهما رجلين، وربهم رجالا، وربها امرأة، وإلى هذا الوجه والذي قبله أشرت بقولي: (ولزوم إفراد الضمير وتذكيره عند تثنية التمييز وجمعه وتأنيثه أشهر من المطابقة). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬2). وهو كما قيل وليعلم أن الكلام يتوجه في «رب» من عشر جهات: الأولى: ذاتها؛ أهي حرف، أم اسم؟ الثانية: معناها؛ هل للتكثير، أو التقليل؟ الثالثة: وصف مجرورها؛ أهو لازم، أم غير لازم؟ الرابعة: معنى ما يتعلق بها؛ أهو لازم أم غير لازم؟ الخامسة: تنكير مجرورها مع لزوم تصديرها. السادسة: مباشرتها الضمير المجهول المفسر بتمييز بعده. السابعة: حكم «ما» اللاحقة لها، وحكم «رب» معها. الثامنة: ما يليها من الجمل إذا لحقتها «ما» وكفّتها عن العمل. التاسعة: عملها محذوفة. العاشرة: متعلقها أي: ما تتعلق «ربّ» به، وموضعها مع الاسم المجرور بها. ثم إن الست الأول ذكرها المصنف هنا - أعني في فصل «رب» - والسابعة قد ذكرها آنفا عند ذكره زيادة «ما» بعد كاف الجر، والتاسعة: وهي عملها محذوفة سنذكرها في الفصل بعيد ما نحن فيه، وأما الثامنة وهي ما يليها من الجمل إذا كفتها «ما» فلم يحتج المصنف إلى ذكره؛ لأنه يرى أن يليها كل من الجملة الفعلية والاسمية. و [أما] العاشرة: وهي ما تتعلق به، وموضعها مع المجرور بها؛ فلم يتعرض المصنف إليها. وبعد: فأنا أشير إلى الجهات المذكورة جهة جهة، وأذكر ما يتعلق بها من المباحث التي لم يتضمنها كلام المصنف. - ¬

_ (¬1) من الخفيف، ودائبا: إيراثا دائما، وانظره في: الأشموني (2/ 60، 208)، والتصريح (2/ 4)، والدرر (2/ 20)، وشرح شواهد الشذور (ص 49)، والهمع (2/ 47). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 184).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد: فأما كونها حرفا؛ فقد عرفت أنه مذهب البصريين؛ وأن القائل باسميتها هم الكوفيون، والأخفش في أحد قوليه، وتقدم استدلال المصنف على الحرفية والجواب عما استدل به الكوفيون، وفي ما ذكره مع اختصاره ولفظه غنية عن غيره. واعلم أن الكوفيين كما زعموا أن «رب» مبتدأ في: وربّ قتل عار؛ يزعمون أن: «ربّ ضرب ضربت»؛ بتقدير المصدر، وأن «رب يوم سرت»؛ بتقدير الظرف، وأن «رب رجل ضربت»؛ مفعول، و «رب رجل قائم»؛ مبتدأ كما يكون ذلك في «كم» إذا قلت: كم ضربة ضربت، وكم يوم سرت، وكم رجل ضربت، وكم رجل قام. ولا شك أن هذا جميعه إنما ابتنى عندهم على اسميتها ولكن لم يقم على كونها اسما دليل. وما استدل به على بطلان اسميتها أنها لا يدخل عليها حرف الجر ولو كانت اسما؛ لتعدى إليها الفعل بحرف جر كما يتعدى إليها الفعل المتعدي بنفسه فكنت تقول: برب رجل عالم مررت، كما تقول: رب رجل عالم أكرمت؛ إذ ليس في الكلام اسم تعمل فيه الأفعال المتعدية بنفسها، ولا يعمل فيه الفعل المتعدي بحرف جر. وقد احتج لهم بأنك تقول: رب رجل عاقل ضربت؛ فقد عديت المتعدي إلى ما ينصبه بنفسه بحرف جر. وأجيب بأن حروف الجر لم تجلب للتعدي، وإنما جلبت لما تعطي من المعنى. وأما كونها للتكثير وأن التقليل بها نادر؛ فقد استدل عليه المصنف بما لا مدفع له. ولا شك أن مذهب سيبويه أنها للتكثير (¬1)، ويدل عليه ما أورده المصنف من كلامه الدالّ على ذلك. وقال الخضراوي: كون «رب» للتكثير هو المشهور عند الخليل، وظاهر كلام سيبويه؛ قال في باب «كم»: ومعناها معنى «ربّ» - يعني (¬2) «كم» الخبرية - ثم قال - يعني سيبويه -: واعلم أن «كم» بمنزلة اسم ينصرف في الكلام غير منون يجر ما بعده إذا أسقط التنوين، وذلك الاسم نحو: مائتي درهم؛ فانجر الدرهم؛ لأن التنوين ذهب ودخل فيما قبله والمعنى معنى «ربّ» (¬3). قال الخضراوي: وأبو علي - يعني الفارسي يتأول المعنى هنا بالحكم (¬4). قال: - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 161). (¬2) في الأصل: يعني أن. (¬3) الكتاب (2/ 161). (¬4) الهمع (2/ 25، 26).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لكن قول سيبويه: واعلم أن «كم» في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه «رب»؛ لأن المعنى واحد إلا أن «كم» اسم؛ و «رب» غير اسم (¬1)، يبعد تأويل أبي علي (¬2)، ثم إن سيبويه قال [4/ 27] في «كأين»: معناها معنى «رب» (¬3). ولا شك أن «كأين» ليس حكمها حكم «رب»؛ لأنها قلما تجر، وإنما ينتصب تمييزها، أو يدخل عليه حرف الجر، ثم قال (¬4): واختلف النحويون في معنى «رب» فمذهب أبي عليّ أنها للتقليل، وهو قول عيسى بن عمر، ويونس، وأبي زيد الأنصاري، وأبي عثمان، وأبي العباس، وأبي بكر، وأبي إسحق الزجاج، والرماني، وابن جني، والصيمري، والسيرافي، وأبي عمرو بن العلاء، والأخفش سعيد بن مسعدة، وأبي عمر الجرمي، وابن درستويه، وكذلك جعله الكوفيون، كالكسائي، والفراء، ومعاذ الهراء. وهشام وابن سعدان (¬5). وبهذا قال الزمخشري (¬6) من المتأخرين. وقيل: إنها للتكثير، قال بذلك جماعة منهم صاحب العين، وروى عن الخليل (¬7)، وقال به كثير من المتأخرين، وقال بعض المتأخرين: هي من الأضداد تكون للتقليل والتكثير، وقال ابن (الباذش) (¬8) هي لمبهم العدد تكون تقليلا وتكثيرا، وبه قال ابن طاهر، وابن خروف (¬9)، وذكر أنه مذهب سيبويه، وأن «كم» عنده تكون تقليلا وتكثيرا؛ لأنها لمبهم العدد عنده من قليل وكثير. قال الخضراوي: وهذا غريب من القول في «كم». وأما ابن عصفور فإنه قال في شرح الجمل (¬10): «وأما «ربّ» فمعناها عند المحققين من النحويين التقليل؛ فإذا قلت: رب رجل عالم لقيت؛ فكأنك قلت: قد لقيت من ضعيف الرجال العلماء وليس من لقيته بالكثير وأنشد: - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 161). (¬2) راجع التذييل (4/ 37). (¬3) الكتاب (2/ 171). (¬4) أي: الخضراوي، وانظره في التذييل (4/ 37). (¬5) سبقت ترجمة هذه الكوكبة من النحويين في هذا الكتاب، وانظر في آراء هؤلاء: الارتشاف (ص 735)، والتذييل (4/ 37)، والتصريح (2/ 18)، وشرح السيرافي على الكتاب (2/ 21 ب)، والمغني (1/ 119) بحاشية الأمير، والمقتضب (4/ 139، 289)، والهمع (2/ 25). (¬6) انظر: المفصل (8/ 26). (¬7) الهمع (2/ 25). (¬8) في الأصل: «البيدش». وهو أبو الحسن علي بن أحمد بن خلف الأنصاري برع في الشريعة والعربية شرح الأصول والإيضاح للفارسي والكتاب والمقتضب وغيرها (ت 538 هـ) وراجع: الأعلام (5/ 60). (¬9) ينظر في رأيهم: التذييل (4/ 37). (¬10) انظر: الكتاب المذكور (1/ 500).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2664 - ألا ربّ مولود وليس له أب ... ... البيت وأنشد أيضا البيت الذي يليه وهو: 2665 - وذي شامة غرّاء في حرّ وجهه ... مجلّلة لا تنقضي لأوان قال: [فالمولود الذي ليس له أب عيسى عليه السّلام، والذي له ولد ولم يلده أبوان هو آدم عليه السّلام وصاحب الشامة] هو القمر؛ شبه الكلف الذي يظهر فيه المسمى أرنب القمر بالشامة. وزعم بعضهم أنها للتكثير وذلك في موضع المباهاة والافتخار نحو قوله: 2666 - فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنّها خطّ تمثال (¬1) 2667 - فيا ربّ مكروب كررت وراءه ... وعان فككت الغلّ عنه ففدّاني (¬2) لأنه يريد أن لها أياما كثيرة، وكثير منه فك الأسرى، وكرّه وراء المكروبين، وهذا وأمثاله لا حجة فيه لهم؛ لأن «رب» في هذه الأماكن وأمثالها للمباهاة والافتخار. والمباهاة لا تتصور إلا بما لا يقل نظيره من غير المفتخر؛ إذ ما يكثر من المفتخر وغيره لا يتصور الافتخار به؛ فتكون «رب» في هذه الأماكن التي للمباهاة والافتخار لقليل النظير فكأنه قال: الأيام التي لهوت فيها والليالي يقل وجود مثلها لغيري، وكأنه قال: الأسرى الذين فككت والمكروبون الذين كررت وراءهم هم من الكثرة بحيث يقل فك غيري لهم؛ ويمكن أيضا أن يريد أن هذه الأشياء التي يفتخر بها هي وإن كانت قد وقعت كثيرا من المفتخر فإنها بالنظر إلى شرف هذا المفتخر وجلالة قدره قليلة، وأيضا فإن المفرد بعد «ربّ» يكون في معنى جمع، والمفرد لا يكون في معنى جمع إلا إذا اقترن به لفظ عموم نحو: كلّ رجل، ويقع تمييزا في نحو: عشرين رجلا أو في نفى نحو: ما قام رجل، أو في تقليل نحو: قلّ رجل يقول ذلك إلا زيد. فلولا أن «ربّ» للتقليل لما كان المفرد بعدها في معنى جمع. انتهى (¬3). ولم يظهر لي قوله، ولا قول غيره: إن «رب» في الأماكن التي ذكرها لتقليل النظير؛ فإن معنى الحرف إنما يكون حاصلا لما باشره الحرف؛ فكيف تباشر «رب» - ¬

_ (¬1) من الطويل لامرئ القيس - ديوانه (ص 29)، والمقرب (1/ 199)، والهمع (2/ 26)، وشرح الجمل (1/ 500). (¬2) كالبيت السابق وفي ديوانه (ص 90) هذا: والعاني: الأسير، وفداني: قال لي: فدتك نفسي وفداك الأب والأم. وفي الأصل: «ففدان». (¬3) ينظر: شرح الجمل (1/ 502).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شيئا والمعنى (الذي) (¬1) وضعت له قائم بكلمة أخرى غير ما باشرته. وأما قوله: فلولا أن «ربّ» للتقليل لما كان المفرد بعدها في معنى جمع بل هذا الذي ذكره أدل على أنها للتكثير، ثم إنه قال: قال أبو العباس المبرد: النحويون كالمجمعين على أن «رب» جواب لكلام متقدم، فإذا قلت: رب رجل عالم لقيت؛ فهو جواب لمن قال: هل لقيت رجلا عالما؟ أو قدر سؤاله كذلك فتقول له: رب رجل عالم لقيت، أي: لقيت من جنس الرجال العلماء؛ إلا أن ذلك ليس بالكثير، والدليل على أن «رب» جواب أنّ واو «ربّ» عاطفة نائبة عن «رب» بدليل أنها لا يدخل عليها حرف عطف؛ لا تقول: رب رجل ثم وامرأة؛ فإذا تبين أنها عاطفة، والعرب تستعملها وإن لم يتقدمها كلام فتقول: ورجل أكرمته؛ ابتداء كما قال: 2668 - وبلدة ليس بها أنيس ... [إلّا اليعافير وإلّا العيس] (¬2) دل على أن «رب» جواب حتى تكون الواو قد عطفت الجواب على السؤال المتقدم، أو المقدر، ولولا أنها كذلك لما ساغ وقوع حرف عطف أول الكلام (¬3). انتهى. وفي ما ذكره أمران: أحدهما: أنا (إذا) (¬4) سلمنا له أن «رب» جواب وأن المراد بقولنا: رب رجل عالم لقيت: لقيت من جنس الرجال العلماء، إلا أن ذلك ليس بالكثير لا يتم مراده .. فإن القائل بأن معنى «رب» التكثير يجوز استعمالها للتقليل على سبيل القلة والندور. ثم ما ذكروه إنما قرره على تقدير أن تكون «رب» جوابا أبدا. وقد تقدم لك من كلام المصنف أنها قد تكون جوابا، وقد تكون غير جواب. وثانيهما: قوله: إن واو «رب» عاطفة، واستنتاجه من ذلك أنها عطفت الجواب على السؤال فإن جوابا لا يعطف على سؤال، ولو عطف جواب على سؤال لكان سؤالا، لا جوابا. وما برحت أستشكل هذا في كلام [4/ 28] هذا الرجل. - ¬

_ (¬1) في الأصل: التي. (¬2) رجز لجران العود ذكرنا، عجزه - ديوانه (ص 53)، واليعافير: أولاد الظباء، والعيس: بقر الوحش لبياضها، وانظر: التصريح (1/ 353)، والدرر (1/ 192) والكتاب (1/ 133)، ومعاني الفراء (1/ 479)، والمقتضب (2/ 319، 347)، (4/ 414)، والهمع (1/ 225). (¬3) شرح الجمل (1/ 356)، والمقتضب (2/ 319، 347)، (4/ 414). (¬4) من هامش المخطوط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك في جلالة قدره في هذا الفن فربما يكون مراده بعطف هذا الجواب على السؤال معنى خاصّا غير المتبادر إلى الأفهام. وبعد: فقد ذكر في شرح الإيضاح أنها تكون للتقليل فقال: والصحيح أنها تكون لتقليل الشيء في نفسه، أو لتقليل نظيره، وأنها تكون للتكثير، ومثّل تقليل الشيء في نفسه بالبيتين المتقدمين اللذين أولهما: 2669 - ألا ربّ مولود وليس له أب ... ... وبالبيت الذي أنشده المصنف وهو الذي أوله: 2670 - وذي إخوة ... ... ... وقال بعد إنشاده البيت المذكور: لأنه إنما يريد بالإخوة هنا: دريد بن حرملة المزني، وهو الذي قتل أخاه معاوية، فلما قتله قال هذا الشعر، وقوله: 2671 - ... كما تركوني واحدا لا أخا ليا يبطل توهم الكثرة هنا؛ لأن الّذين تركوه بلا أخ كانوا بني حرملة، ولم يكن له أخ قبل غير معاوية وحده. ومما مثل للتقليل قول زهير (¬1): 2672 - وأبيض فيّاض (يداه) (¬2) غمامة ... على معتفيه ما تغبّ فواضله (¬3) قال: أراد بالأبيض: حصن بن حذيفة بدليل قوله بعد: 2673 - حذيفة ينميه وبدر كلاهما ... إلى باذخ يعلو على من يطاوله (¬4) وذكر غير ذلك. ومثل تقليل نظير الشيء بقول امرئ القيس: - ¬

_ (¬1) زهير بن أبي سلمى المزني، من مضر حكيم الشعراء في الجاهلية كان أبوه وخاله وأخته سلمى وابناه كعب وبجير وأخته سلم شعراء (ت: 13 ق. هـ) وانظر الأعلام (3/ 87)، والشعر والشعراء (1/ 137). (¬2) في الأصل: تراه أن. (¬3) من الطويل، والأبيض: رجل نقي من العيوب وهو ممدوحه. فياض: كثير العطاء، المعتفون: الطالبون معروفه، تغب: تنقطع، وفواضله: عطاياه - وانظر: ديوانه (ص 68). (¬4) من الطويل. وحذيفة: أبو الممدوح، بدر: جدّه، الباذخ: العالي وأراد به شرفه - وانظر الديوان (ص 69) - هذا: ويفصل بين هذين البيتين عشرة أبيات في الديوان (ص 68، 69).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2674 - فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة ... كشفت إذا ما اسودّ وجه جبان (¬1) وبقوله: 2675 - وإن أمس مكروبا فيا ربّ قينة ... منعّمة أعملتها بكران (¬2) وبقول أبي (كبير) (¬3) الهذلي: 2676 - أزهير إن يشب القذال فإنّه ... رب هيضل مرس لفقت بهيضل (¬4) ثم قال: وكذلك هي في كل موضع استعملت فيه للمباهاة والافتخار؛ لأن الإنسان إنما يفتخر بما يقل نظيره من غيره ويكثر منه. ثم قال: ما ذكروه من أنها في التقليل نظيرة «كم» في التكثير؛ بناء منهم على أن «كم» لا تكون إلا للتكثير وذلك مختلف فيه؛ لأن منهم من ذهب إلى أنها تقع للقليل والكثير؛ فعلى هذا قول عمارة بن عقيل (¬5): 2677 - فإن تكن الأيّام شيّبن مفرقي ... وأكثرن أشجاني وقلّلن من غربي فيا ربّ يوم قد شربت بمشرب ... شفيت به عن الصّدي بارد عذب وكم ليلة قد بتّها غير آثم ... بناحية الحجلين منعمة القلب (¬6) إنما ساغ له فيه أن يجمع بين «رب» و «كم» مع أنه أراد تكثير أيامه ولياليه في مذهب من زعم أن «رب» للتقليل، و «كم» للتكثير؛ لأنه راعى فيما أدخل عليه «رب» كونه قليل النظير، وراعى فيما أدخل عليه «كم» كونه كثيرا في نفسه. - ¬

_ (¬1) من الطويل. يريد إذا أمسيت مكروبا فقد أكشف حقيقة أمر خفي، وانظر: ديوانه (ص 86)، والدرر (2/ 22)، والهمع (ص 2/ 28). (¬2) في الأصل: كثير، وهو تحريف. (¬3) من الطويل كذلك لامرئ القيس، والقنية: الجارية الضاربة بالعود المغنية، والأمة والكران: العود الذي يضرب به، والبيت في ديوانه (ص 86). (¬4) من الكامل، وزهير: مرخم زهيرة ابنته، القذال: ما بين الثغرة وأعلى الأذن، الهيضل: الجماعة ولجب أو مرس: كثير، ولفقت: جمعت بينهم - وهو في ديوان الهذليين (2/ 89) برواية «فإنني» بدل «فإنه»، وانظر: الإنصاف (ص 285)، وشرح المفصل (5/ 119)، (8/ 31)، والمحتسب (2/ 343) والمقرب (1/ 200). (¬5) ابن بلال ابن جرير شاعر مقدم من أحفاد جرير الشاعر كان النحويون في البصرة يأخذون اللغة عنه (ت 239 هـ) وانظر: الأعلام (5/ 193)، ورغبة الآمل (1/ 129). (¬6) ثلاثة أبيات من الطويل، والمفرق: وسط شعر الرأس، والغرب - هنا: نشاطه في شبابه، والحجلين: موضع. وانظر الأول والثاني في الدرر (2/ 18)، والهمع (2/ 26) والأخير في الأشموني (4/ 80)، والسمط (ص 692)، والعيني (4/ 496).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن زعم أن «رب» تقع على القليل والكثير؛ لم يحتج إلى هذا التأويل. انتهى. ولم يمثل التكثير بـ «رب»، وكأنه اكتفى عنه بذكر هذا البيت - أعني قوله: 2678 - فيا ربّ يوم ... ... ... وذلك أنه أثبت أن مراد الشاعر تكثير أيامه ولياليه التي فعل فيها ما ذكره. وذلك إنما يتم له بجعل ما أدخل عليه «رب» قليل النظير، أو بأن يجعل «رب» للتكثير. وأما ابن أبي الربيع فإنه يرى أن معنى «رب» إنما هو التقليل قال: وذهب الكوفيون إلى أنها تكون للتقليل والتكثير وهي عندهم من الأضداد ثم ذكر عنهم الأبيات التي استدل بها على التكثير وقد تقدمت. ثم قال: وما قاله الكوفيون باد بأول نظر، وإذا حقق معنى التقليل صح قول البصريين. وكان الأستاذ أبو علي يذهب إلى أنها تدخل لتقليل النظير (¬1)، ثم أتبع هذا الكلام بما يناسبه (¬2). والذي يظهر أن «رب» للتكثير وأنها تستعمل للتقليل قليلا كما قال المصنف رحمه الله تعالى. وأما وصف مجرورها: فقد عرفت ما ذكره المصنف من أن المبرد، وابن السراج، والفارسي يرون وجوب ذلك، وأن أكثر المتأخرين عليه وما أوردوه من الشبهتين للقائلين بذلك، وما أجاب به عنهما وما ذكره أيضا من أن هذا - أعني وجوب وصف مجرور «ربّ» خلاف مذهب سيبويه، وما استدل به كلام سيبويه المتضمن استغناء مجرورها عن الوصف. وذكر ابن عصفور عن [هؤلاء] الثلاثة - أعني المبرد، وابن السراج، والفارسي - ما ذكره المصنف عنهم من التزام الوصف، ثم قال (¬3): وهو الصحيح عندي واستدل على عدم لزومه بقول الشاعر: 2679 - ألا ربّ مولود وليس له أب ... ... قال: ومما يبين لك أن المخفوض بها لا يفتقر في كل المواضع إلى الصفة؛ أنك تجد أماكن إن جعلت فيها ما بعد المخفوض بـ «رب» صفة لم يبق للمخفوض بها - ¬

_ (¬1) الهمع (2/ 25 - 27). (¬2) ينظر: التذييل (4/ 40)، والسابق. (¬3) نقل طويل خامس وسادس من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور، وأما الحديث عن «رب» في شرح الجمل فيقرب من عشر صفحات أيضا (1/ 500) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يعمل فيه إلا في اللفظ ولا في التقدير؛ لأن معنى الكلام لا يقتضي عاملا محذوفا بل تجد المعنى مستقلّا من غير حذف نحو قول امرئ القيس: 2680 - فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنّها خطّ تمثال (¬1) ألا ترى أن المعنى مستقل بما في اللفظ خاصة، وإن رمت تتكلف حذف عامل فقدرت: ظفرت بها، أو: تمتعت بها؛ كان زائدا غير مفيد، فإن ذلك المعنى حاصل من غير حذف؛ لأن لهوه بالآنسة في ذلك اليوم وتلك الليلة ظفر بها وتمتع. قال: وهذا الذي ذكرناه من غير لزوم الوصف هو الذي يعطيه كلام سيبويه؛ لأنه قال في باب [حروف] الجر: «وإذا قلت: ربّ رجل يقول ذلك؛ فقد أضفت القول إلى الرجل بـ «رب». فدل هذا من كلام سيبويه على أنه لم يجعل «يقول ذلك» صفة لـ «رجل». وأما ابن أبي الربيع فإنه قال: ذهب أبو علي إلى أن مخفوض «رب» لا بد له من الصفة؛ وتابعه على ذلك جماعة من حذاق هذه الصناعة (¬2)، وخالفه في هذا ابن طاهر وجماعة من خلاف المتأخرين (¬3). قال: وظاهر كلام سيبويه أن مخفوضها لا يلزم الصفة وكان الأستاذ أبو علي يتأول كلام سيبويه (¬4). انتهى. وقد تقدم قول ابن خروف إن معنى التقليل والتكثير الذي دلت عليه يقوم مقام وصف مجرورها ... إلى آخره. وأما تخريج المصنف قول سيبويه: رب رجل يقول ذلك؛ على أن «يقول» مضارع «قال» بمعنى: فاق في المقاولة، ويجعل ذلك فاعلا إلى آخره؛ فتخريج غير ظاهر، ولا يخفى أن ذلك يبعد أن يكون مراد سيبويه. وقد قال الشيخ: المتبادر إلى الذهن - من هذا المثال - أن ذلك منصوب لا مرفوع، وأن الفاعل بـ «يقول» هو ضمير عائد على «رجل»، ولما كانت «رب» حرفا محكوما له بحكم الزائد لم يتنزل منزلة الحرف الذي لم يحكم له بحكم الزائد فاحتمل أن عاد الضمير فاعلا على مجرورها؛ فليس نظير بزيد افتخر؛ لأن «بزيد» - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) التذييل (4/ 40)، والهمع (2/ 27). (¬3) في الارتشاف (2/ 457): (واختلفوا في وصف مجرورها النكرة فذهب الأخفش، والفراء والزجاج، وأبو الوليد الوقشي، وابن طاهر، وابن خروف إلى أنه لا يلزم وصفه وهو ظاهر كلام سيبويه، وذهب ابن السراج، والفارسي، والعبدي، وأكثر المتأخرين منهم الأستاذ أبو علي إلى خلافه). بتصرف. (¬4) ينظر: التذييل (4/ 40)، والهمع (2/ 27).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في موضع نصب، وهذا ليس في موضع نصب؛ بل في موضع رفع بالابتداء و «رب» كأنها حرف زائد (¬1). انتهى. وهو تخريج حسن مبني على تقرير صحيح كما سيأتي في كلام ابن عصفور. وأما مضيّ ما يتعلق به: فهو مشهور وهو مذهب المبرد (¬2)، والفارسي (¬3) واختاره ابن عصفور (¬4) ولهذا يتأول النحاة رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (¬5) بأن المعنى: ربما ودّ، وأنه عبر عن المستقبل بالماضي؛ لكونه متحقق الوقوع، ولكن قد عرفت أن المصنف لم يلتزم ذلك، وأنه أجاز كون العامل مستقبلا وذكر الأدلة على ذلك، على أن الشيخ قال في الأدلة: إنها تحتمل كذا، وتحتمل كذا، قاصدا إبطال ما ذهب إليه المصنف. وأما لزوم تنكير مجرورها مع لزوم تصديرها: فأمر معروف. وقد قال ابن عصفور: ولا تدل على معرفة محضة أصلا. قال: وزعم بعضهم أنها تجر الاسم المعرف باللام فيقول: رب الرجال لقيت، وأنشدوا قول الشاعر: 2681 - ربّما الجامل المؤبّل فيهم بخفض الجامل قال: والرواية الصحيحة بالرفع. وقال أيضا: و «ربّ» من الحروف التي لها صدر الكلام؛ وسبب ذلك أنها كما ذكرنا للتقليل، والتقليل يجري مجرى النفي؛ فعوملت معاملة ما يجعل له صدر الكلام؛ لذلك قال: وأيضا؛ فإنها للمباهاة، والافتخار مثل «كم»، وهي للتقليل فهي نقيضة «كم»، والشيء يجري مجرى نقيضه كما يجري مجرى نظيره (¬6). انتهى. ولو قيل: إن سيبويه قد سوّى بينها، وبين «كم» الخبرية كما تقدم. ولا شك أن «كم» لها صدر الكلام فلتكن «رب» لشبهها بها كذلك؛ لكان قولا. والمراد من لزوم تصديرها أنها تتصدر لزوما على ما تتعلق به؛ فيقال: رب رجل عالم لقيت، ولا يقال: لقيت رب رجل عالم، وليس المراد تصديرها أول الكلام فقد تقع هي خبرا عن شيء كما سيأتي؛ وإنما المراد أن تكون هي صدر جملتها. - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 88 / أ). (¬2) المقتضب (2/ 48، 55)، والهمع (2/ 25، 26). (¬3) المصدر السابق. (¬4) شرح الجمل (1/ 506). (¬5) سورة الحجر: 2. (¬6) شرح الجمل (1/ 500، 501).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما مباشرتها الضمير المجهول: فأمر معروف أيضا. وكأن مسألة مباشرتها الضمير كالمستثناة من قوله: إن تنكير مجرورها لازم وأشار إلى قلّته بذكر «قد» في قوله: وقد تجرّ ضميرا وهذا الضمير لا يبعد عن النكرة؛ لأنه ضمير مجهول ومفسره نكرة؛ ولذلك علل ابن عصفور دخولها على ضمير النكرة بأن قال: وذلك أن ضمير النكرة من طريق المعنى نكرة؛ لأن الضمير هو الظاهر في المعنى، وإنما يكون ضمير النكرة محكوما له بحكم المعرفة من طريق نيابته مناب ما عرف بالألف واللام إذا عاد على متقدم؛ لأنك إذا قلت: لقيت رجلا فضربته؛ أغنى عن أن تقول: فضربت الرجل المتقدم الذكر، فلما ناب مناب اسم فيه الألف واللام حكم له بحكم المعرفة لذلك، فلما كان الضمير في باب «رب» مفسرا بالنكرة بعده كان نكرة من كل وجه؛ لأنه إذ ذاك لا ينوب مناب اسم معرف بالألف واللام (¬1). انتهى. ودل كلامه على أنه لا يحكم على ضمير نكرة بأنه نكرة على الإطلاق، بل يفصل القول في ذلك كما رأيت. وقال في شرح الإيضاح - مشيرا إلى كلام أبي علي -: هذا الذي ذكره من أن الضمير في قولك: ربه رجالا، وأمثاله معرفة إلا أنه أجري مجرى النكرة في دخول رب عليه لمّا أشبهه في أنه غير معين ولا مقصود قصده - هو مذهب كثير من النحويين. والصحيح عندي: أن ضمير النكرة معرفة إذا فسّرته نكرة متقدمة عليه وإذا فسّرته نكرة متأخرة عنه، فإنه إن كان واقعا موقع ظاهر معرفة؛ فهو معرفة، وإن كان واقعا موقع ظاهر نكرة؛ فهو نكرة، والدليل على ذلك أن ضمير الغيبة العائد على ما قبله نائب مناب تكرار الظاهر. فإذا قلت: زيد ضربت؛ فالأصل: زيد ضربت زيدا؛ إلا أنهم كرهوا التكرار؛ فأنابوا الضمير مناب الظاهر، فعلى هذا قولك: لقيت رجلا فضربته؛ أصله: لقيت رجلا فضربت الرجل؛ لأن النكرة إذا أعيدت فإنما تعاد بالألف واللام؛ إشعارا بأن المراد النكرة المعهودة في الذكر لا غيرها، إلا أنهم فرّوا من التّكرار؛ فوضعوا الضمير موضع الاسم الداخل عليه الألف واللام. فكما أن الاسم المباشر بالألف واللام معرفة كذلك الضمير القائم مقامه. وأما ضمير الغيبة العائد على ما بعده فقد يضعه العرب [4/ 30] موضع ظاهر معرفة؛ - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 504).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون إذ ذاك معرفة؛ لوقوعه موقع معرفة وذلك نحو: نعم رجلا زيد؛ فالضمير المستتر في «نعم» واقع موقع ظاهر معرفة؛ لأن فاعل «نعم» إذا كان ظاهرا فبابه أن يكون معرفا بالألف واللام أو مضافا إلى ما هي فيه فالضمير في «نعم» نائب عن الظاهر معرفة يراد به الجنس، وكأنك قلت: نعم الجنس، ثم فسرت الجنس الذي أردت بقولك: رجلا، وقد تضعه العرب موضع نكرة؛ فيكون إذ ذاك نكرة؛ لوقوعه موقع نكرة وذلك نحو: ربّه رجلا، فالضمير مع «رب» واقع موقع ظاهر نكرة لأن المخفوض بـ «رب» إذا كان اسما ظاهرا لا يكون إلا نكرة فالضمير المخفوض بـ «رب» إذا نائب عن ظاهر نكرة، وكأنك قلت: ربّ شيء، ثم فسرت الشيء الذي أردت بقولك: رجلا (¬1). انتهى. وكلامه يعطي التفرقة بين الضميرين - أعني المجرور بـ «رب» والمرفوع بـ «نعم» فإنه حكم على المجرور بـ «رب» بأنه نكرة وعلى المرفوع بـ «نعم» بأنه معرفة وكلام غيره يعطي التسوية بين الضميرين وهو الظاهر فإن كلّا منهما ضمير مجهول مفسر بما بعده. وقول ابن عصفور: إن المرفوع بـ «نعم» واقع موقع ظاهر معرفة قد لا يسلم، بل يقال: فاعل «نعم» قسمان: اسم معرف بالألف واللام، أو ضمير مفسر بنكرة؛ فليس الضمير نائبا عن المعرف باللام بل هو قسيمه، ولو قال: إن الضمير المذكور معرفة من جهة أن «زيدا» ذكر بعده وهو المخصوص بالمدح؛ فتبين بذلك أن المراد بالضمير هو «زيد»، وإذا كان المراد بالضمير هو «زيد» اتجه أن يحكم على ذلك الضمير بأنه معرفة لكان أقرب على أن في هذا نظرا أيضا. وقد أطال ابن عصفور الكلام في هذه المسألة، والذي ذكره في باب «كان» أخلص مما ذكره هنا، وهو أنه قال (¬2): إن ضمير النكرة يعامل في باب الإخبار معاملة النكرة. وذلك أن تعريفه إنما هو لفظي؛ لأنك إذا قلت: لقيت رجلا فضربته؛ علم أنك إنما تعني بالضمير: الرجل المتقدم الذكر، وأن الملقي هو المضروب، وأما أن يعلم من هو في نفسه فلا. فلما علم من يعني به كان معرفة من هذا الطريق، وأيضا فإنه ينوب مناب تكرار الظاهر، والظاهر إذا كرر كان بالألف واللام فلمّا ناب مناب معرفة بالألف واللام كان هو معرفة، ثم قال بعد هذا: فإذا - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل: (1/ 504). (¬2) انظر: شرح الجمل (1/ 404) تحقيق أبو جناح (آخر باب الأفعال الداخلة على المبتدأ والخبر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبت أن تعريفه لفظي والإخبار عن النكرة كما تقدم في باب الابتداء إنما امتنع من طريق معناها لا من طريق لفظها جرى ضمير النكرة مجرى النكرة. هذا كلامه وتبين منه: أن ضمير النكرة على الإطلاق نكرة، وأنه إذا قيل فيه: إنه معرفة فإنما القصد بذلك التعريف لفظا لا أنه معرفة حقيقة. فإن قيل: قول المصنف: وقد تجر ضميرا بعد قوله: إنه يلزم تنكير مجرورها، يقتضي أن الضمير الذي باشرته محكوم بتعريفه. فالجواب: أن «ربّ» في الغالب إنما تجر الأسماء الظاهرة وجرها المضمر قليل؛ فيمكن أن يقال: إن ضميرا في كلام المصنف إنما قابل به الظاهر المفهوم من قوله: وتنكير مجرورها فإن الذي يوصف بالتنكير بطريق الأصالة إنما هي الأسماء الظاهرة، ولم يكن قوله: وقد تجر ضميرا مقابلا لتنكير المجرور من حيث هو منكر. وأما مسألة أن يعطف على مجرور «رب» مضاف إلى ضمير: فهو بالحقيقة فرع قولنا: ربه رجلا؛ لأنه قد ثبت أن الضمير في «ربه» نكرة لكونه مجهولا مفسرا بنكرة، ولا شك أن الضمير في: «وأخيه» من: رب رجل وأخيه؛ ضمير نكرة فهو نكرة أيضا فلم تخرج «رب» عن كونها داخلة على نكرة. فإن قيل: إذا كان كذلك؛ فلا حاجة إلى التنصيص على هذه المسألة؛ لأن «رب» فيها باقية على أصلها من مباشرة ما هو نكرة. فالجواب: أنه إنما ذكر ذلك؛ لئلا يتوهم أن «رب» مختصة بمباشرة هذين الشيئين فقط - أعني الاسم الظاهر النكرة والضمير المجهول المفسر بما بعده - فذكر ذلك تنبيها على أن أمرا ثالثا يكون من مدخولها وهو الاسم المضاف إلى ضمير اسم نكرة وإنما جعل نحو: «وأخيه» - من: رب رجل وأخيه - من مدخولها؛ لأنه معطوف على «رجل»، و «رب» داخلة عليه، وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه. وأما حكم «ما» اللاحقة لها: فقد تقدم لك عند الكلام على الكاف قول المصنف: إن «ما» تزاد بعد «رب» كافة وغير كافة، وعرف منه أن الكاف قسم من الزائدة. ولكن ابن أبي الربيع جعل الكاف قسيمة الزائدة، فإذا وقع بعد «ربما» ما يقع بعد «ربّ» أعني أن يجر الاسم بعد «ربما» كما يجر بعد «رب» فـ «ما» زائدة كقوله: 2682 - ربّما ضربة بسيف صقيل ... [بين بصرى وطعنة نجلاء] (¬1) - ¬

_ (¬1) بيت من الخفيف، وبصرى: بلدة بالشام، ونجلاء: واسعة، ويروى «دون» بدل «بين» وانظر: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا لم يجر الاسم بعد «ربما» بل وقع بعدها الجملة فـ «ما» كافة. ولا بأس بما قاله. قال: ولا تجد من حروف الجر ما كفّ عن مجرور، إلا «ربّ»، وكاف التشبيه على أحد الوجهين في قولك: كن كما أنت. قال: وأكثر ما يكون الكف في الحروف الداخلة على الجمل المؤثرة فيها نحو: إن زيدا قائم، وليت عمرا خارج، وما زيد قائما، فإذا دخلت على «إن» وأخواتها «ما» كفتها عن العمل وكذلك «ما» إذا وقعت بعدها «إن» كفتها عن العمل (¬1). انتهى. وما ذكره ابن هشام الخضراوي عن بعضهم أن «ما» في «ربما» بمنزلة «ما» في التعجب [4/ 31] لكنها موصوفة كقولهم: مررت بما عجب لك. وما نقله عن أبي علي أن بعضهم جعل «ما» في قوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ (¬2)، وقوله تعالى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ * (¬3) اسما بمنزلتها في التعجب وما بعدها بدل (¬4)؛ لا معول عليه. وأما ما حكاه - أعني الخضراوي - أيضا عن ابن يسعون أنه حكم على «ما» في قوله: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا (¬5) أنها نكرة موصوفة أي: رب ودّ يوده الذين كفروا (¬6)؛ فقد رده هو عليه بأنه باطل. قال: لأن «لو» تحتاج على هذا التقدير إلى جواب، ولا يكون إلا من جنس ما قبلها. ولا يصح هنا، وإنما هي بمنزلة أن معمولة لما قبلها كقوله تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (¬7)، و [يَوْمَئِذٍ] يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [وَعَصَوُا الرَّسُولَ] لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ (¬8)، وكذا: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ (¬9). وأما ما يليها من الجمل - أعني «ربّما» إذا كانت «ما» كافة - فقد تقدم ذكرها عن المغاربة أنهم كالمطبقين على أن «ربما» لا تليها الجمل الاسمية وأن هذا هو مذهب سيبويه؛ لقوله عند ذكر الحروف التي لا يليها إلا الفعل، ومن تلك الحروف - ¬

_ - الأشموني (2/ 231)، والمغني (ص 146)، والهمع (2/ 38). هذا، والبيت لعدي بن الرعلاء الغساني. (¬1) ينظر التذييل (4/ 33، 34) بغير نسبة له. (¬2) سورة آل عمران: 159. (¬3) سورة النساء: 155، وسورة المائدة: 13. (¬4) الأشموني (2/ 232). (¬5) سورة الحجر: 2. (¬6) التذييل (7/ 76 أ). (¬7) سورة القلم: 9. (¬8) سورة النساء: 42. (¬9) سورة النساء: 102.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «ربما» جعلوا «رب» مع «ما» بمنزلة كلمة واحدة وهيئوها ليذكروا بعدها الفعل؛ لأنهم لم يكن لهم سبيل إلى «رب يقول»؛ فألحقوها وأخلصوها للفعل (¬1). ومن ثم قال الخضراوي: «ربّما» عند سيبويه حرف يدخل على الفعل ويختص به. ولا يدخل على الجمل الابتدائية (¬2). وقال ابن أبي الربيع عند ذكر مباشرة «ما» لـ «ربّ» وأنها قد تكون زائدة وكافة: وأما إذا كانت «ما» كافة فإنها تصير حينئذ من الحروف الطالبة للجمل الفعلية؛ فلا يقع بعدها إلا الفعل ولا يكون الفعل إلا ماضيا، ولا يكون إلا ظاهرا ولا يكون إلا مقدما؛ فتقول: ربما قام زيد، وربما ضربت عمرا، ولا تقول: ربما عمرا ضربته؛ إلا أن يأتي في الشعر فيقتصر على موضعه. ثم قال: إلا أن العرب تدخلها على المضارع فيصير ماضيا ثم إنه استطرد إلى ذكر الآية الشريفة وهي قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا (¬3)، وذكر فيها ما ذكره غيره من التقدير (¬4)، وهو أن ذلك لمّا كان أمرا مقطوعا بوقوعه أخبر عنه مع كونه مستقبلا بما يخبر به عن الماضي كما قال تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ (¬5) ووَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (¬6) قال: فكان الأصل قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا: ربما ودّ الذين كفروا، إلا أن العرب تحكي الماضي فيصير كأنه حال واقع فيخبر عنه إخبار الحال ومن هذا قوله تعالى: فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ (¬7)، والإشارة لا تكون إلا لحاضر، فأشار إليها سبحانه على تقدير وجودها (¬8). انتهى. ومن جهة أن «ربما» لا يليها إلا الجمل الفعلية احتاج أبو علي في قول الشاعر: 2683 - ربّما الجامل المؤبل فيهم إلى أن جعل «ما» نكرة موصوفة وجعل «الجامل» خبر مبتدأ محذوف والجملة الاسمية هي التي وصفت «ما» بها كما تقدم تقرير ذلك. وقد علمت أن المصنف يخالف ذلك، فيرى أن «ربما» يليها الجملة الاسمية كما تليها الجملة الفعلية؛ لأنه لم يكن في كلامه تعرض لما ذكره الجماعة من اختصاص «ربما» بالجمل الفعلية، - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 115). (¬2) التذييل (4/ 34، 35). (¬3) سورة الحجر: 2. (¬4) السابق (ص 35). (¬5) سورة النحل: 1. (¬6) سورة المائدة: 116. (¬7) سورة القصص: 15. (¬8) الأشموني (20/ 230، 232).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهذا صرح بخلاف أبي علي في المسألة حيث لم يجعل «ما» نكرة موصوفة في البيت المذكور بل جعلها كافة. وأما عملها محذوفة فتذكر في الفصل الذي ختم به المصنف هذا الباب - أعني باب حروف الجر - إن شاء الله تعالى. وأما ما تتعلق به، وما هو موضعها مع مجرورها من الإعراب؛ فقد ذكرنا أن المصنف لم يتعرض لذكره. وسبب عدم تعرضه لذلك أن حكم «رب» عنده حكم حروف الجر فكما أن «بزيد» من قولك: مررت بزيد - مثلا - تتعلق بـ «مررت» هكذا: «رب رجل» من قولك: رب رجل لقيت تتعلق بـ «لقيت». والظاهر أنه يعلق: «رب رجل» من قولك: رب رجل أتاني بـ «أتاني»، فالحكم عنده واحد في جميع الصور. هذا هو الظاهر؛ لسكوته عن ذكر ما تتعلق به. وأما الجماعة فإنهم ذكروا ذلك. فأما ابن عصفور فإنه قال في شرح الجمل (¬1): وينبغي أن يعلم أن الاسم المخفوض بـ «رب» هو معها بمنزلة اسم واحد يحكم على موضعها بالإعراب، فإن كان العامل الذي بعدها رافعا كانت في موضع رفع على الابتداء نحو قولك: رب رجل عالم قام؛ فلفظ «رجل» مخفوض بـ «رب» وموضعه مع «رب» رفع على الابتداء وإن كان العامل الذي بعدها متعديا ولم يأخذ معموله كان الاسم الذي بعد «رب» في موضع نصب ويكون لفظه مخفوضا نحو قولك: رب رجل عالم لقيت، وإن أخذ المتعدي معموله جاز الحكم على موضع الاسم بعد «رب» بالرفع والنصب، ويكون لفظه مخفوضا نحو: رب رجل عالم لقيته؛ لأن «رب» كأنها زائدة في الاسم فكأنك قلت: رب رجل عالم لقيته؛ فكما يجوز في «رجل» في هذه المسألة أن يرفع وينصب كذلك يجوز في الاسم الواقع بعد «رب» أن يحكم عليه بذلك. والدليل على أن «رب» بمنزلة حرف زائد على الاسم أنها لو لم تكن كذلك لما جاز: رب رجل عالم ضربته؛ لأنك لو جعلت «رب رجل» متعلقا بـ «ضربت» لكنت قد عديت الفعل إلى الاسم وإلى [4/ 32] ضميره وذلك لا يجوز. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: زيدا ضربته؛ على أن يكون «زيدا» منصوبا بـ «ضربت» هذه الملفوظ بها؟ ولو جعلته متعلقا بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر وتكون المسألة من - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الجمل (1/ 507).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب الاشتغال لم يجز؛ لأنه لا يجوز في الاشتغال إضمار الفعل وإبقاء الاسم مجرورا لا يجوز أن تقول: بزيد مررت به؛ بل تقول: زيدا مررت به؛ فدل ذلك على أن «رب» كأنها زائدة وكأنك قلت: رب رجل عالم لقيته، أو رجلا عالما لقيته؛ على حسب ما تنوي. وكذلك يجوز أن تقول: رب رجل عالم وغلام ضربته؛ بالخفض على اللفظ، وبالرفع وبالنصب على الموضع على حسب ما تنوي، ويجوز أن تقول: رب رجل عالم وغلام ضربت؛ بالنصب، والخفض؛ فالخفض على اللفظ، والنصب على الموضع؛ لأنك لو أسقطت «رب» كان الكلام منصوبا، قال امرؤ القيس: 2684 - وسنّ كسنّيق سناء وسنّما ... ذعرت بمدلاج الهجير نهوض (¬1) بنصب «سنم» عطفا على موضع «سن» المخفوض بواو «رب»؛ لأن الواو لو لم تدخل عليه كان الاسم منصوبا بـ «ذعرت» ويجوز الخفض في «سنم» على اللفظ (¬2). وقال في شرح الإيضاح (¬3): اختلفوا في موضع «رب» مع الاسم المجرور بها فمذهب الزجاج، ومن وافقه أنها وما عملت فيه في موضع نصب أبدا تقول: رب رجل قد ضربت، ورب رجل قد أتاني؛ فهي في موضع نصب بـ «ضربت»، وب «أتاني» إلا إن قدّرت «ضربت» و «أتاني» في موضع الصفة لـ «رجل»، فتكون «ربّ» وما عملت فيه في موضع نصب بعامل مضمر. ومذهب الأخفش، والجرمي ومن تبعهما (¬4) أن «رب» تزاد في الإعراب ويحكم على موضع مخفوضها بالرفع، أو بالنصب، أو بهما؛ ففي نحو: ربّ رجل عالم أتاني؛ يحكم على الاسم المجرور بأنه في موضع رفع بالابتداء، وفي نحو: ربّ رجل عالم لقيت؛ يحكم بأنه في موضع نصب بـ «لقيت» وكأنك قلت في الأول: فلان أتاني، وفي الثاني: فلانا لقيت، وفي نحو: رب رجل عالم لقيته، أو مررت به؛ يجوز في الاسم المجرور أن يكون في موضع رفع، بالابتداء وأن يكون في موضع نصب بفعل مضمر يفسره الظاهر بعده وكونه في موضع رفع بالابتداء أولى كما هو - ¬

_ (¬1) من الطويل، والسن: الثور الوحشي، السنيق: الصّخرة الصلبة، السنا: الارتفاع، وكذلك السنم، مدلاج الهجير: فرس يسير فيه لشدة قوته ونشاطه، وانظره في ديوانه (ص 76)، والدرر (2/ 21)، والمغني (ص 126)، والهمع (2/ 27). (¬2) شرح الجمل (1/ 508) تحقيق أبو جناح. (¬3) نقل طويل جذّا من الكتاب المفقود لابن عصفور، نص عليه صاحب الشرح. (¬4) الارتشاف (2/ 458).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معروف في نحو: زيد لقيته، وزيد مررت به. وتبين اعتبار الموضع بالعطف فيقال: رب رجل عالم وأخوه أتياني؛ بالرفع، ورب رجل عالم وأخاه لقيت؛ بالنصب، ورب رجل عالم وأخوه وأخاه لقيتهما، ورب رجل عالم وأخوه وأخاه مررت بهما؛ بالرفع والنصب، والاختيار الرفع كما عرفت، والخفض على اللفظ جائز في جميع الصور التي ذكرت. قال: والصحيح عندي ما ذهب إليه الأخفش؛ لأن جعل «رب» غير زائدة في الإعراب يؤدي إلى أشياء لا تجوز في كلام العرب. منها: أن يكون الفعل المتعدي إلى مفعوله بنفسه لا يصل إليه إلا بوساطة «رب» وذلك نحو قولك في جواب من قال: ما لقيت رجلا عالما: رب رجل عالم لقيت؛ إذ لو لم تجعل «رب» زائدة في الإعراب لكان «لقي» متعديا بواسطتها والفعل المتعدي بنفسه لا يحتاج في وصوله إلى مفعوله إلى واسطة حرف جر. واعتذر الرماني عن ذلك بأن قال (¬1): «رب» دخلت على معمول الفعل كما دخل الجار في قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬2) إلا أن اللام دخلت على معمول تَعْبُرُونَ على سبيل الجواز لما كان تقديمه وتأخيره سائغين. ولما وجب في الفضلة المجرورة بـ «رب» التقديم على الفعل وجب دخول «رب» عليها؛ لأنه ليس بعد الجواز إلا الوجوب. وهذا الذي اعتذر به ليس لشيء؛ لأن العامل إذا تقدم معموله عليه لم يقوّ في وصوله إليه إلا باللام خاصة، وأيضا فإن المفعول إذا لزم تقديمه على العامل لم يلزم أن يقوّى في وصوله بحرف الجر؛ إذ لك أن تقول: لأي رجل ضربت؛ قدّم اللام على المفعول وإن شئت أسقطتها، فتقول: أي رجل ضربت. ومنها: أنك تقول في جواب من قال: ما لقيت رجلا عالما، وما مررت برجل عالم: رب رجل عالم لقيته، ورب رجل عالم مررت به، ولولا أن «رب» زائدة في الإعراب لم يسغ ذلك؛ لأن الفعل لا يتعدى إلى اسم بحرف جر ويتعدى مع ذلك إلى ضمير بنفسه أو بحرف جر لا تقول: بزيد لقيته، ولا: بزيد مررت به، وإن جاء ما ظاهره ذلك يؤول كقوله: - ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (2/ 27). (¬2) سورة يوسف: 43.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2685 - هذا سراقة للقرآن يدرسه ... [والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب] (¬1) فالضمير المتصل بـ «يدرس» عند النحويين عائد على الدرس المفهوم من «يدرس»، ولا على «القرآن»، وكأنه قال: للقرآن يدرس الدرس، ونحو قراءة من قرأ (وللظالمين أعد لهم عذابا أليما) (¬2). فـ «للظالمين» متعلق بفعل مضمر يفسره ما بعده والتقدير: وأعد للظالمين أعد لهم عذابا أليما، وهو مع ذلك قليل. ومنها: أنك تقول في جواب من قال: ما يقول ذلك رجل عالم: رب رجل عالم يقول ذلك، ولولا أن «رب» زائدة في الإعراب والاسم المجرور بها في موضع رفع بالابتداء لم يسغ ذلك؛ لأن فاعل «يقول» ضمير عائد على «رجل» فلو لم يكن «رب رجل» في موضع رفع بالابتداء بل مجرورا متعلقا بـ «يقول» للزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره، وذلك لا يسوغ في باب من الأبواب ألا ترى أنه لا يجوز لك أن تقول: بزيد فرح، تريد أن زيدا فرح بنفسه. ومنها: أنك تقول في جواب من قال [4/ 33]: ليس في الدار رجل عالم: رجل عالم في الدار، ولولا أن «رب» زائدة في الإعراب والاسم المجرور بها في موضع رفع بالابتداء والمجرور الذي هو «في الدار» في موضع خبره لما ساغ ذلك؛ إذ المجرور الذي حرف الجر فيه غير زائد لا يجوز الابتداء به، لا يجوز أن تقول: برجل عاقل في الدار؛ والسبب الذي لأجله امتنعت «رب» من أن يصل بها عامل إلى معموله ما ذكره (ابن عمر) (¬3) من أنها ضارعت حرف النفي وحرف النفي لا يصل به عامل، وقد تبين في ما تقدم ذكر مضارعتها بالحرف النفي. فإن قيل: كيف تجعل «رب» زائدة، والزائد هو الذي يجوز إسقاطه في الكلام فلا يتغير المعنى؟ فالجواب: أن الزائد قسمان: زائد في اللفظ والمعنى؛ وهذا النوع هو الذي إذا أسقط (من) (¬4) الكلام لم - ¬

_ (¬1) بيت من البسيط، وانظر: ديوان حسان (ص 410)، وإصلاح المنطق (ص 290)، والخزانة (1/ 227)، والمغني (ص 240)، والمقرب (1/ 115). (¬2) سورة الإنسان: 31، والقراءة لابن مسعود رضي الله عنه، وانظر: البحر المحيط (8/ 402) والكشاف (4/ 541). (¬3) كذا بالأصل، ولعل الصواب: ابن عمرون. (¬4) بالأصل: في.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يتغير المعنى، وذلك نحو قولك: ليس زيد بقائم، وما جاءني من أحد. وزائد في الإعراب، لا في المعنى؛ فهذا النوع هو الذي إن أسقط من الكلام غيّر المعنى، وذلك نحو قولك: جئت بلا زاد، وغضبت من لا شيء؛ فـ «رب» من هذا القبيل، ألا ترى أنها زائدة في الإعراب، وأعني بذلك أنها لا يطلبها عامل على أن يصل إلى معموله بها بل تطلب الاسم الذي بعدها فتعمل في موضعه، ولا يعتد بها فاصلة بينه وبينه كما لا يعتد بـ «لا» النافية فاصلة بين الخافض والمخفوض. ونظيرها في ذلك «لولا» مع المضمر و «لعلّ» في لغة من جر بها في أنهما لا يصل بهما عامل إلى معموله وأنك إذا قلت: لعل زيد قائم، ولولاي لجاء زيد؛ كان «قائم» خبرا عن «زيد»، وحاضر المضمر بعد «لولا» خبرا عن الضمير، ولم يصل بـ «لعل» و «لولا» عامل إلى معموله كما أنك إذا قلت: رب رجل عالم في الدار؛ كان المجرور الذي هو «في الدار» خبرا عن «رجل» ولم يصل بـ «رب» عامل إلى معموله. فإن قيل: النحويون يقولون: إن «رب رجل» من قولنا: رب رجل عالم لقيت؛ متعلق بـ «لقيت»، ولم يقل أحد بذلك في «لولا» من قولك: لولاي لجاء زيد، ولا في «لعل» من قولك: لعل زيد قائم؛ فالجواب: أن المجرور بـ «لولا» و «لعل» لا يكون أبدا إلا في موضع لا يتعلق فيه بعامل. وأما المجرور بـ «رب» فقد يكون في موضع مفعول وذلك في قولك: رب رجل عالم لقيت، وأشباهه. ألا ترى أن المجرور بـ «رب» تعلقه بعامل ليس على أنه لا يكون معمولا له إلا بوساطة حرف الجر، فإن قال قائل: قول سيبويه في قولك: رب رجل يقول ذلك: إنك قد أضفت القول إلى الرجل بـ «رب» يعطي أن «يقول» تعدّى إلى الرجل بوساطة «رب». فالجواب: أن حرف الجر لا يلزم فيه أن تضيف عاملا إلى معمول، بل قد تضيف الخبر إلى المخبر عنه. وإن لم يكن عاملا فيه فـ «ربّ» هي التي أضافت الفعل إلى الرجل على معنى التقليل، ولولاها لم يكن مضافا إليه على معنى القلة، كما أنك إذا قلت: لعل زيد قائم؛ كانت «لعل» مضيفة القيام إلى «زيد» على جهة الترجي؛ إذ لولا «لعل» لم يكن مضافا إليه على ذلك المعنى، وحروف الجر غير الزائدة متعلقة كانت بعامل أو غير متعلقة به إنما معناها الإضافة. فإن كانت متعلقة أضافت العامل إلى المعمول، وإن كانت غير متعلقة أضافت المبتدأ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى المخفوض بها على المعنى الذي لها. انتهى كلام ابن عصفور (¬1). وقد اشتمل على مباحث حسنة، غير أن: في جعله «رب» في الزيادة نظيرة «لا» من قولهم: جئت بلا زاد - نظرا؛ وذلك أن الحكم بزيادة «لا» في مثل: جئت بلا زاد، الموجب له تخطي العامل إياها بعمله في ما بعدها وليس مثل ذلك موجودا في «ربّ». وأما ما ذكره من أن: «ربّ» لو لم تكن زائدة في الإعراب لكان يلزم أن يكون الفعل المتعدي الى مفعوله بنفسه لا يصل إليه إلا بوساطة «ربّ» في نحو قولنا: رب رجل عالم لقيته؛ فيمكن أن يجاب عنه بما تقدم، وهو: أن حرف الجر هنا لم يجلب للتعدي وإنما جلب لما يعطي من المعنى. وبعد: فكلامه في شرح الإيضاح يقتضي الحكم عليها بالزيادة، وكلامه في شرح الجمل يقتضي أن حكمها حكم الحرف الزائد. ولعل هذا القول أقرب. وأما ابن أبي الربيع فإنه قال: ذهب أكثر النحويين إلى أن «رب» لا بد لها من فعل تتعلق به. وسمعت لبعض المتأخرين كلاما يقتضي أن «لا» تحتاج إلى متعلق؛ وذلك أنه قال: إذا قلت: رب رجل عالم قد لقيته؛ فـ «رب» هنا حرف دخل على المبتدأ وخفضه وهو بمنزلة «بحسبك زيد» الأصل: حسبك زيد؛ فدخل حرف الجر فانخفض المبتدأ فكما أن المجرور هنا لا يحتاج إلى متعلق فكذلك: رب رجل عالم لا يحتاج إلى متعلق (¬2). وهذا الذي قاله لا يثبت ولا يوجد له نظير؛ لأن حرف الجر هنا زائد، وحرف الجر إذا كان زائدا فلا يلزم أن يتعلق بشيء إنما يكون بحسب ما يدخل عليه. فإن دخل على المفعول طلب أن يتعلق بفعل؛ لأن المفعول طالب له، وإن دخل على المبتدأ أو خبره أو على خبر «ليس»، أو خبر «ما» لم يطلب ما يتعلق به، ولا يمكنك أن تجعل «رب» هنا زائدة؛ لأنها تحرز معنى، والزائد لا يحرز معنى، وإنما هو مؤكد؛ لأن كل حرف خافض لا يكون إلا موصلا، وإنما خفض إذا كان زائدا ليبقى عليه عمله الذي أنس به. وما أدته العرب للتوكيد، وليس له أصل فلا يكون خافضا؛ لأنه ليس موصلا، و «رب» خافضة فلا بد أن تكون موصلة أو منقولة منها إن جعلتها زائدة. - ¬

_ (¬1) هذا النقل من شرح الإيضاح لن تجده إلا في شرح التسهيل لناظر الجيش الذي أعجب بابن عصفور وكتبه، كما تجده في شرح المقرب للدكتور علي محمد فاخر. (¬2) التذييل (4/ 40).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقد صح ما ذكرته أنها لا بد (لها) (¬1) من فعل تتعلق به [4/ 34] ولا بد أن يكون ظاهرا، أو محذوفا، وإذا كان محذوفا كان على وجهين: أحدهما: أن يكون قد ناب منابه شيء فلا يظهر. الثاني: أن لا يكون قد ناب منابه شيء؛ فيجوز أن يظهر وأن لا يظهر، ويكون ظاهرا إذا لم يكن معك ما يدل عليه، وإذا كان معك ما يدل عليه ولم تكن الصفة تقوم مقامه؛ فأنت بالخيار: إن شئت حذفته، وإن شئت أظهرته، وإذا كانت الصفة تقوم مقامه فلا يجوز إظهار الفعل. فمثال ما أنت فيه بالخيار أن تسمع إنسانا يقول لك: ما لقيت رجلا عالما؛ فتقول له: رب رجل عالم لقيت، ولك أن لا تذكر «لقيت» فتقول: رب رجل عالم، وتكتفي بكونه جوابا فإن كان ذلك منك ابتداء فلا بد من إظهار الفعل، وأكثر ما تكون جوابا، وإذا كانت غير جواب فهي على تقدير ذلك (¬2) إلا أن الفعل يظهر؛ لأن سامعك لا يعلم ذلك الفعل إذا حذفته. ومثال ما يكون الفعل فيه لا يظهر لأن الصفة تقوم مقامه قولك: رب رجل يفهم هذه المسألة؛ لمن يقول لك: قد فهمتها، فالتقدير: رب رجل يفهم هذه المسألة (وجدت لكن مثل) (¬3) هذا لا يظهر، وبهذا كان الأستاذ أبو علي (يتأول) (¬4) كلام سيبويه لأنه قال: «رب» وصلت «يفهم» إلى «رجل»، أو ما هذا معناه فكان يقول: إن يفهم لا يصح أن يكون إلا صفة لـ «رجل»؛ لأن فعل المضمر لا يتعدى إلى ظاهره. ألا ترى أنك لا تقول: بزيد افتخر؛ تريد: بنفسه افتخر زيد؛ لأن فاعل «افتخر» ضمير يعود إلى «زيد» فكذلك فاعل «يفهم» ضمير يعود إلى «رجل» فكيف يتعدى إلى رجل بحرف جر؟ فلا بد له من متعلق محذوف إلا أنه لا يظهر، ونابت الصفة منابه، فلما كان كذلك قال سيبويه (¬5) رحمه الله تعالى: إن «رب» - ¬

_ (¬1) بالأصل: له. (¬2) في هامش المخطوط حاشية: كأنه يريد بذلك أنها على تقدير كونها جوابا. (¬3) بالأصل: وجدت مثل لكن، وهو تحريف واضطراب. (¬4) في الأصل: «تناول»، وينظر: التذييل (4/ 40). (¬5) ينظر: الكتاب (2/ 314، 315)، (3/ 115).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصلت «يفهم» إلى «رجل» وإن كانت إنما وصلت «وجدت» ونابت «يفهم» منابه، ولما كان قولك: رب رجل يفهم؛ بمنزلة: أقل رجل يفهم، وتنزّل منزلته؛ صار بمنزلة المبتدأ والخبر، وصارت «رب رجل» مبتدأ و «يفهم» خبره، ولذلك أجراه بعض المتأخرين مجرى «بحسبك زيد»، وهذا إنما يجري فيها في بعض وجوهها، وأما الأصل فما ذكرته أولا. ومن هذا - والله تعالى أعلم - قول امرئ القيس: 2686 - فيا ربّ مكروب كررت وراءه ... وعان فككت الغلّ عنه ففدّاني (¬1) فإنك لا تقدر أن تعلق «رب مكروب» بـ «كررت»، ولا تقدر أن تقدّر محذوفا يتعلق به فيجري مجرى ما ذكرته (¬2). انتهى كلامه. وأما الشيخ فإنه مقتف كلام هذين الرجلين، ولم يظهر لي ما الذي هو مختاره في المسألة المذكورة؛ فإنه قال: وفي قول المصنف: ولا مضيّ ما تتعلق به نصّ على أنها تتعلق كحروف الجر غير الزوائد (¬3) قال: وهذا مسألة اختلاف [فيها] (¬4). ذهب الرماني (¬5)، وابن طاهر إلى أنها لا تتعلق بشيء، وحكاه شيخنا ابن أبي الربيع عن بعض المتأخرين (¬6)، وذهب الجمهور إلى أنها تتعلق، واختلفوا [في موضع المجرور بها]؛ فذهب الزجاج (¬7) إلى أن مجرورها في موضع نصب أبدا، وذهب الجرمي (¬8)، والأخفش إلى أنها تزاد في الإعراب ويحكم على موضع مجرورها بالنصب والرفع على حسب العوامل بعدها ويجوز [فيه] الاشتغال إذا كان العامل قد عمل في ضميره، أو سببيه نصبا، ويعطف على لفظه وعلى موضعه (¬9). وذكر حذف الفعل الواقع بعد «ربّ» فقال: وحذف الفعل الذي يكون خبرا لمجرور «رب»، أو عاملا في موضعه، أو مفسرا لعامل نادر وفاقا لسيبويه (¬10) والخليل، لا كثير خلافا للفارسي (¬11)، والجزولي (¬12)، ولا ممنوع خلافا للكذة - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) ينظر: التذييل (4/ 40) في إيجاز. (¬3) التذييل (7/ 90 أ). (¬4) زيادة من التذييل. (¬5) وانظر: الهمع (2/ 27). (¬6) التذييل (4/ 43)، والهمع (2/ 28). (¬7) التذييل (4/ 43)، والمغني (ص 137)، والهمع (2/ 28). (¬8) المغني (ص 136، 137). (¬9) التذييل (7/ 90، 91) بتصرف. (¬10) الكتاب (3/ 103، 104)، والهمع (2/ 28). (¬11) الهمع (2/ 28). (¬12) عيسى بن عبد العزيز أبو موسى أندلسي لزم ابن بري وأخذ عنه الشلوبين وابن معط له: شرح -

[لولا .. حكم الجر بها]

[لولا .. حكم الجر بها] قال ابن مالك: (فصل: قد يلي عند غير المبرّد «لولا» الامتناعيّة الضّمير الموضوع للنّصب والجرّ مجرور الموضع عند سيبويه مرفوعه عند الأخفش، والكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصبهاني (¬1)؛ إذ زعم أن ذكره واجب (¬2)، ثم ذكر كلام ابن أبي الربيع المقدم آنفا المشتمل على الذكر والحذف، ثم قال: فصارت المذاهب في الفعل المقدر عاملا في «ربّ» بالنسبة إلى الحذف خمسة: الندور: وهو مذهب سيبويه، والخليل، والكثرة: وهو مذهب الفارسي، والمنع: وهو مذهب لكذة، ولزوم الحذف: نقله صاحب البسيط (¬3)، قال: لأنه معلوم كما حذف في باسم، وتالله لأفعلن، والتفصيل: وهو ما ذهب إليه ابن أبي الربيع (¬4). انتهى. وأقول: هذا الذي ذكرته، وأوردته من الكلام على «ربّ» هو الذي وصلت القدرة إليه. ولا شك أن بعض المسائل، وبعض المباحث المتقدمة لم تنجل عند النفس انجلاء خالصا. فسبحان من يعلم حقائق الأمور وخفاياها، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬5): إذا ولي «لولا» الامتناعية مضمر فالمشهور كونه أحد المضمرات المرفوعة المنفصلة؛ لأنه موضع ابتداء قال الله تعالى: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (¬6)، ومن العرب من يقول: لولاي، ولولانا، إلى لولاهنّ، وزعم المبرد (¬7) أن ذلك لا يوجد في كلام من يحتج بكلامه، وما زعمه مردود برواية سيبويه والكوفيين. وأنشد سيبويه (¬8) رحمه الله تعالى: 2687 - وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قنّة النيق منهوي (¬9) - ¬

_ - أصول ابن السراج والمقدمة وغيرهما (ت 607 هـ) وانظر: الأعلام (5/ 288)، والهمع (2/ 28). (¬1) الحسن بن عبد الله أبو الأصبهاني المعروف بلكذة كان إماما في النحو واللغة، أخذ عن الباهلي والكرماني له: خلق الإنسان، ونقض علل النحو، والنوادر. وانظر: البغية (1/ 509)، والارتشاف (2/ 459)، والهمع (2/ 27، 28). (¬2) التذييل (7/ 93). (¬3) ضياء الدين محمد بن علي الإشبيلي بن العلج، وكتابه هذا كتاب نفيس في عدة مجلدات. وانظر: البحر المحيط (8/ 47). (¬4) التذييل (7/ 94). (¬5) شرح التسهيل (3/ 185). (¬6) سورة سبأ: 31. (¬7) في الكامل (8/ 48)، والمقتضب (3/ 73). (¬8) في الكتاب (2/ 374). (¬9) من الطويل ليزيد بن حكم، طحت: هلكت، والنيق: أعلى الجبل، وانظر: أمالي الشجري (2/ 206)، والخزانة (1/ 496)، والمقتضب (3/ 73)، والمقرب (1/ 193) برواية: «قلة» بدل «قنة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد الفرّاء (¬1): 2688 - أتطمع فينا من أراق دماءنا ... ولولاك لم يعرض لأحسابنا حسن (¬2) ومذهب سيبويه في ياء «لولاي»، وكاف «لولاك» وشبههما أنها في موضع جر (¬3) بـ «لولا»؛ لأن الياء وأخواتها لا يعرف وقوعه إلا في موضع نصب أو جر، والنصب في «لولاي» ممتنع؛ لأن الياء [4/ 35] لا تنصب بغير اسم إلا ومعها نون الوقاية وجوبا، أو جوازا ولا تخلو منها وجوبا إلا وهي مجرورة وياء «لولاي» خالية منها وجوبا فامتنع كونها منصوبة وتعين كونها مجرورة، وفي ذلك مع شذوذه استيفاء حقّ لـ «لولا»؛ وذلك أنها مختصة بالاسم غير مشابهة للفعل، ومقتضى ذلك أن تجر الاسم مطلقا لكن منع من ذلك شبهها بما اختص به الفعل من أدوات الشرط في ربط جملة بجملة. وأرادوا التنبيه على موجب العمل في الأصل فجروا بها المضمر المشار إليه. ومذهب الأخفش (¬4) أن الياء وأخواتها في موضع رفع نيابة عن ضمائر الرفع المنفصلة ونظير ذلك نيابة المرفوع في: ما أنا كأنت، وشبهه. انتهى كلام المصنف (¬5). وكلام ابن عصفور موافق له. وقد علمت في ما تقدم من كلام ابن عصفور أن «لولا» مع المضمر لا تتعلق بشيء كما أن «لعل» أيضا كذلك إذا جرت. ومن ثم قال ابن أبي الربيع: تنزلت «لولا» مع الضمير - في لغة من يقول: لولاك، ولولاه - منزلة الباء في «بحسبك زيد»؛ ألا ترى أن «حسبك» مرفوع بالابتداء دخلت عليه الباء فعملت عملها المعهود لها، وهو الخفض، فشبهت بها «لولا»؛ لأن كل واحدة منها حرف مختص بالاسم قد دخل على المبتدأ فعملت في المبتدأ الخفض؛ لذلك قال: وهذا لم تفعله العرب إلا مع الضمير قليلا، ثم قال: ومذهب الأخفش معترض؛ - ¬

_ (¬1) في معانيه (2/ 85). (¬2) من الطويل لعمرو بن العاص مخاطبا معاوية في شأن الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين، وانظر: الأشموني (2/ 206)، والإنصاف (2/ 693)، وشرح المفصل (3/ 120)، والكافية الشافية (ص 279)، ومعاني الفراء (2/ 85) برواية «حسم» بدل «حسن». (¬3) الكتاب (2/ 373). (¬4) الارتشاف (2/ 470)، وشرح الجمل (2/ 472). (¬5) انظر: شرح التسهيل (3/ 186).

[لعل، ومتى .. هل يجر بهما]

[لعلّ، ومتى .. هل يجر بهما] قال ابن مالك: (ويجرّ بـ «لعلّ»، و «علّ» في لغة عقيل، وب «متى» في لغة هذيل). ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الضمير المخفوض لا يكون إلا متصلا، ولا يتصل الضمير إلا بعامله، و «لولا» عنده ليست بعامله، وإنما الضمير عنده مرفوع بالابتداء والابتداء عامل معنوي (¬1). وقال ابن عصفور: والذي ذهب إليه الأخفش فاسد؛ لأن وقوع الضمير المتصل موقع المنفصل لا يجوز إلا في ضرورة شعر كقوله: 2689 - [وما نبالي إذا ما كنت جارتنا] ... ألّا يجاورنا إلّاك ديّار (¬2) يريد: إلا إياك .. فإذا كان وضع المتصل موضع المنفصل قبيحا مع أنهما من قبيل واحد أي: منصوبان؛ فبالأحرى إذا كانا من بابين مختلفين بأن يكون المتصل ضمير خفض، والمنفصل الذي وقع موقع ضمير رفع (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف: روى أبو زيد عن بني عقيل الجرّ بـ «لعل» (¬4)، وحكى الجر بها أيضا الفراء وغيره (¬5)، وروى في لامها الأخيرة الفتح، والكسر، وأنشد باللغتين قول الشاعر: 2690 - لعلّ الله يمكنني عليها ... جهارا من زهير أو أسيد (¬6) وروى الفرّاء (¬7) أيضا الجرّ بـ «لعلّ»، وأنشد: 2691 - علّ صروف الدّهر أو دولاتها ... يدلننا اللّمّة من لمّاتها فتستريح النّفس من زفراتها (¬8) - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 43، 44). (¬2) عجز بيت من البسيط ذكرنا صدره، وانظر: الأشموني (1/ 109)، والتصريح (1/ 98، 192)، والخصائص (1/ 307)، (2/ 195)، وشرح المفصل (3/ 101)، والمغني (ص 441). (¬3) شرح الجمل (1/ 330). (¬4)، (¬5) ينظر: الارتشاف (2/ 469)، والتذييل (7/ 103)، ومعاني الفراء (3/ 9، 235)، والهمع (2/ 33). (¬6) من الوافر، وهو في التصريح (2/ 3). (¬7) في المعاني له (3/ 9، 235) والهامش قبل السابق. (¬8) ينظر: شرح شواهد المغني (1/ 454)، ومعاني الفراء (3/ 9، 235).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «متى» فهي في لغة هذيل حرف جر بمعنى «من»، ومنه قول الشاعر: 2692 - شربن بماء المزن ثمّ ترفّعت ... متى لجج خضر لهنّ نئيج (¬1) ومن كلامهم: أخرجها متى كمه، أي: من كمه. انتهى. وقد أنكر بعض الناس الجرّ بـ «لعل»، ومنهم ابن عصفور وخرج قول الشاعر: 2693 - [فقلت ادع أخرى وارفع الصّوت جهرة] ... لعلّ أبي المغوار منك قريب (¬2) على أن «لعل» ناصبة لضمير شأن محذوف، وأن «أبي المغوار» مجرور بلام محذوفة و «قريب» صفة لمحذوف التقدير: لعل لأبي المغوار منك جواب قريب (¬3). وقال: إنه ارتكب في البيت ضرورتان: حذف ضمير الشأن، والجر بحرف محذوف. ولا يخفى ما في هذا التخريج مع بعده من التكلف. وإذا نقل الأئمة أن الجر بـ «لعل» لغة لقوم من العرب؛ فكيف يسوغ إنكار ذلك، وقد رواه أبو زيد عن بني عقيل، وكذلك رواه الفراء أيضا كما ذكر المصنف؟! وقال الشيخ: والصحيح ثبوت ذلك لغة وحكاها الأخفش والفراء (¬4)، ثم إن الشيخ ذكر (¬5) احتمالا في ما استدل به على الجر بـ «متى»، وذلك بأن يكون «متى» في البيت الذي أنشده المصنف، وفي قول الآخر: 2694 - متى ما تعرفونا تنكرونا ... متى أقطارها علق مصب طرفا (¬6) بمعنى «وسط» فتبقى على ما استقر فيها من الظرفية وإن لم تكن شرطا، ولا استفهاما. وأقول: ما المحوج إلى هذا التخريج البعيد المتكلف بعد أن ثبت أن ذلك لغة بنقل الأئمة المعتبرين؟! ¬

_ (¬1) من الطويل لأبي ذؤيب. ديوان الهذليين (1/ 51). (¬2) عجز بيت من الطويل ذكرنا صدره، وهو لكعب بن سعد الغنوي، وانظر: التصريح (1/ 156، 213)، والدرر (2/ 33)، والعيني (3/ 347)، والمغني (ص 286)، والهمع (2/ 33، 108). (¬3) هو أيضا قول أبي علي الفارسي - راجع: الدرر (2/ 33) والمصادر السّابقة. (¬4) التذييل (7/ 102)، وانظر: الهمع (2/ 33). (¬5) في التذييل (7/ 103). (¬6) هذا البيت أنشده أبو سعيد السكري، قاله أبو حيان في التذييل (7/ 103).

[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور]

[مواضع الجر بحرف محذوف، أحكامه، حكم الفصل بين الجار والمجرور] قال ابن مالك: (فصل في الجرّ بحرف محذوف. يجرّ بـ «ربّ» محذوفة بعد الفاء كثيرا، وبعد الواو أكثر، وبعد «بل» قليلا، ومع التجرد أقلّ، وليس الجرّ بالفاء و «بل» باتّفاق، ولا بالواو خلافا للمبرّد، ومن وافقه، ويجرّ بغير «ربّ» أيضا محذوفا في جواب ما تضمّن مثله، أو في معطوف على ما تضمنه بحرف متّصل أو منفصل بـ «لا» أو «لو»، (أو) (¬1) في مقرون بعد ما تضمنه بالهمزة، أو «هلّا»، أو «إن»، أو الفاء الجزائيتين. ويقاس على جميعها خلافا للفراء في جواب [نحو]: بمن مررت؟ وقد يجر بغير ما ذكر محذوفا. ولا يقاس منه إلّا على ما ذكر في باب «كم» و «كان» و «لا» المشبهة بـ «إنّ»، وما يذكر في باب القسم، وقد يفصل في الضّرورة بين حرف جرّ ومجرور بظرف أو جارّ ومجرور وندر في النّثر الفصل بالقسم بين حرف الجرّ والمجرور، والمضاف والمضاف إليه). قال ناظر الجيش: اعلم أن الذي أشار إليه المصنف في هذا الفصل من جواز حذف حرف الجر وبقاء عمله مخالف لما يراه المغاربة؛ وذلك أنهم لا يجوزون الجر بحرف محذوف غير «رب» إلا إذا عوض عن ذلك الحرف غيره، وذلك إنما هو في باب «كم»، وباب القسم، والجر بحرف محذوف غير «ربّ» في غير هذين [4/ 36] البابين معدود عندهم من النادر الشاذ؛ فلا يقاس عليه. أما المصنف فإنه يرى أن الجر بحرف محذوف غير «رب» جائز مقيس في غير هذين البايين كما هو جائز فيهما ولكن إنما يجوز ذلك في مواضع خاصة، والمواضع التي تضمنها كلامه سبعة: فالأول: كونه في جواب كلام تضمن مثل ذلك الحرف. والثاني: كونه في معطوف على ما تضمنه. والثالث: كونه في مقرون بأحد أربعة أحرف مذكور بعد ما تضمنه، وأربعة الأحرف هي: الهمزة، و «هلّا»، و «إن، والفاء» الجزائيتان. - ¬

_ (¬1) في الأصل: و.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: في باب «كم». والخامس: في باب «كان». والسادس: في باب «لا» المشبهة بـ «إنّ». والسابع: القسم، فزاد على ما ذكره المغاربة خمسة مواضع، ولا يبعد ما قاله عن الصواب. وكم له من استدراكات. فرحمه الله تعالى، وأحسن جزاءه بمنّه، وكرمه. وهذا الذي ذكرناه إنما هو في حكم غير «ربّ». أما إذا كان الحرف «ربّ» فهم متفقون على عملها محذوفة. وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى تصوير المسائل، وذكر أمثلتها وإلى ما يتعلق بلفظ الكتاب. فنقول: قد ذكر المصنف (¬1) أن الجر بـ «رب» محذوف بعد الواو كثير، وأن الجر بها محذوفة بعد الفاء أقل من ذلك وأن فعل، وأن فعل ذلك بعد «بل» أقل من فعله بعد الفاء، وأن فعله مع التجرد أقل من فعله بعد «بل»، ومثاله بعد الواو قول امرئ القيس: 2695 - وليل كموج البحر أرخى سدوله ... عليّ بأنواع الهموم ليبتلي (¬2) وقد أكثر المصنف من ذكر الشواهد على ذلك، ولا حاجة إلى إيرادها؛ لأن هذا كما قال الشيخ: لا يحتاج إلى مثال؛ لأن دواوين العرب ملأى منه (¬3). ومثاله بعد الفاء قول امرئ القيس: 2696 - فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا ... فألهيتها عن ذي تمائم محول (¬4) وقول الآخر: 2697 - فإن أهلك فذي حنق لظاه ... تكاد عليّ تلتهب التهابا (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (3/ 187) وما بعدها. (¬2) من الطويل، والسدول: الستور، وانظر: ديوانه (ص 18)، والأشموني (2/ 233)، والتصريح (2/ 22)، وشذور الذهب (ص 321)، والمغني (ص 361). (¬3) التذييل (7/ 104) وفيه: «مليء». (¬4) من الطويل: والتمائم: معاذات تعلق على الصبي، والبيت في ديوانه (ص 12)، والتصريح (2/ 22)، والدرر (2/ 38)، والعيني (3/ 336)، والكتاب (1/ 294)، واللسان «غيل» والمغني (ص 136، 161) هذا: ورواية الديوان: فمثلك ... مغيل (¬5) من الوافر لربيعة بن مقروم الضبي، وانظره في التذييل (7/ 103)، والخزانة (4/ 201) والمغني (ص 164).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 2698 - إن يثن سلمى بياض الفود عن صلتي ... فذات حسن سواها دائما أصل (¬1) وقول الآخر: 2699 - فإمّا تعرضنّ أميم عنّي ... وينزعك الوشاة أولو النّباط فحور قد لهوت بهنّ عين ... نواعم في المروط وفي الرّياط (¬2) قال الشيخ: وقول المصنف: يجر بـ «رب» محذوفة بعد الفاء كثيرا، ليس بكثير، بل هو قليل يكاد ألا يوجد منه إلا هذا الذي أنشده (¬3). ومثاله بعد «بل» قول الراجز: 2700 - بل بلد ملء الفجاج قتمه ... لا يشترى كتّانه وجهرمه (¬4) ومثال الجر بها محذوفة دون واحد من الثلاثة قول الراجز: 2701 - رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جلله (¬5) قال المصنف (¬6): ولا خلاف في أن الجر في: فذي حنق، وبل بلد، ورسم - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، وينسب لبعض الطائيين وانظر: التذييل (7/ 103). (¬2) من الوافر للمتنخل الهذلي في قصيدتهما قال الأصمعي: أجود طائية قالتها العرب، وينزعك بالعين المهملة والمعجمة: يودونك. النباط: الذين ستنبطون الأخبار، والمروط: جمع مرط وهو إزار له علم، والرياط: جمع ريطة: الملاءة التي لم تلفق، وانظر ديوان الهذليين (2/ 19)، والأشموني (2/ 232)، وأمالي الشجري (1/ 143، 144، 366)، وشرح السكري (3/ 1276)، والعيني (3/ 349). (¬3) التذييل (7/ 104) وفيه أنشدناه. (¬4) الرجز لرؤبة، والفجاج: الطرق، القتم: الغبار، والجهرم: بسط من شعر تنسب إلى جهرم قرية بفارس، وانظر ديوانه (ص 150)، والإنصاف (ص 529)، والدرر (2/ 38)، وشرح المفصل (8/ 105)، واللسان «جهرم» والمغني (ص 120) هذا وفي الأصل: «متمه» بدل «قتمه»، و «كنانه» بدل «كتانه». (¬5) من الخفيف لجميل العذري والرسم: ما لصق من آثار الديار كالرماد ونحوه، والطلل: ما شخص من آثارها كالوتد وغيره، وطلله: طلل داره، والجلل: عظم الشيء، وانظر: ديوانه (ص 52)، والأشموني (2/ 233) والخصائص (1/ 285)، (3/ 150)، والسمط (ص 556)، والهمع (1/ 255)، (2/ 37، 72). (¬6) شرح التسهيل (3/ 189).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دار، وأشباهها بـ «ربّ» المحذوفة، وزعم المبرد أن الجر بعد الواو بالواو نفسها (¬1). ولا يصح ذلك؛ لأن الواو أسوة «الفاء، وبل» في إضمار «رب» بعدهما، ولأنها عاطفة لما بعدها من الكلام على ما قبلها، والعاطف ليس بعامل ولا يمنع كونها عاطفة افتتاح بعد الأراجيز بها؛ (لإمكان) (¬2) إسقاط الراوي شيئا من الأرجوزة متقدما، ولإمكان عطف الراجز ما افتتح به على بعض ما في نفسه. انتهى. وقال ابن أبي الربيع: العرب تحذف «رب» وتبقي عملها بعد واو العطف ولا يجوز إظهارها بعده، نحو قول امرئ القيس: 2702 - وفرع يغشّي المتن أسود فاحم ... أثيث كقنو النّخلة المتعثكل (¬3) وهذا إذا كانت الواو عاطفة جملة على جملة، وأما إذا كانت معطوفة على «رب» نحو: ربّ مكروب، وربّ أسير؛ فتكون ظاهرة، وإنما يلزم حذفها في ما ذكرت لك. وقد أجرت العرب الفاء مجرى الواو فحذفت بعدها «ربّ» نحو: 2703 - فمثلك حبلى ... ... ... البيت ونحو: 2704 - فإن أهلك فذي حنق ... البيت الآخر وقد حذفت قليلا بعد «ثمّ» والأصل في هذا كله الواو. ولا أعلم خلافا بين النحويين في ما ذكرته إلا أبا العباس المبرد فإنه قال: إن الواو بمنزلة «رب» وإن الواو تأتي على ثلاثة أقسام: عاطفة، وللحال، وبمنزلة «رب». وقال في مثل قول امرئ القيس: وفرع يغشّي المتن ... إن الخفض في «فرع» بالواو، وليست عاطفة، وكأنه قال: ربّ فرع فوضعت العرب الواو موضعها، وبمعناها. واستدل على ذلك بقول الشاعر: 2705 - وقائم الأعماق خاوي المخترق ... [مشتبه الأعلام لمّاع الخفق] (¬4) - ¬

_ (¬1) المقتضب (2/ 319، 347)، (3/ 256). (¬2) في الأصل: لأنه كان، وهو تحريف. (¬3) من الطويل، والفرع: الشعر الطويل، والأثيث: الكثير النبات، والقنو: العذق، كياسة النخلة، والمتعثكل: المتداخل لكثرته، وانظر ديوانه (ص 16). (¬4) بيت من الرجز لرؤبة، والقتمة: الغبرة، والخاوي: الخالي، والمخترق: مكان الاختراق من الخرق، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: لأن الواو فيه ليست عاطفة؛ لأن هذا أول الأرجوزة فليس ثم ما يعطف عليه، فإذا صح أنها ليست عاطفة صح أنها بمنزلة «ربّ» (¬1). قال ابن أبي الربيع: والحجة لقول الجمهور أن العرب لم تدخل عليها حرف العطف فلو كانت بمنزل «ربّ» لقالوا: وفرع، كما تقول: ورب فرع، إذا تقدم قبل ذلك «ربّ» لا يقال: كرهوا ذلك لاتفاق اللفظين؛ لأنهم قد قالوا: والله، وو الله، ويقول العرب: جاء زيد ووجهه حسن. وأما الجواب عن: 2706 - وقاتم الأعماق خاوي المخترق فالجواب عنه: أن العرب عادتها أن تستفتح قصائدها بما يكون فيه تأنيس للخاطر، فتتغزل كثيرا. فكأنّ هذا لمّا أخذ في أرجوزته قام في نفسه ما جرت العادة به فقدره مقولا موجودا، فعطف عليه: «وقاتم الأعماق»، وينظر إلى هذا ما روي في قصيدة زهير: 2707 - دع ذا وعدّ القول في هرم ... [خير البداة وسيّد الحضر] (¬2) ولا يعرفون قبلها شيئا وكان منهم من ينشدها: 2708 - لمن الديار تعنه البحر لكن الحجة في رواية من روى أولها: دع ذا وعدّ القول ... فإن «ذا» إشارة إلى شيء، ولم يذكر قبل ذلك شيئا فتكون إشارة - والله أعلم - ما جرت العادة أن تستفتح القصائد به من الغزل، ووصف الأطلال، وغير [4/ 37] ذلك مما يجري في أول قصائدهم (¬3). انتهى كلام ابن أبي الربيع. ومثال الجر بغير «رب» محذوفا في جواب ما تضمن مثله نحو: «زيد» في - ¬

_ - وهو الشق، وانظر: ديوانه (ص 104)، والخصائص (1/ 228، 260)، وشرح المفصل (2/ 118)، (9/ 29)، والكتاب (2/ 301)، والهمع (2/ 36). (¬1) ينظر: التذييل (4/ 44، 45). (¬2) بيت من الكامل، عدّ القول: اصرفه، البداة: البدو والواحد باد، وانظر: ديوانه (27)، والدرر (2/ 39) وشرح السيرافي (2/ 149 أ) برواية: «خير الكهول»، والهمع (2/ 36). (¬3) ينظر التذييل (4/ 44، 45).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب من قيل له: بمن مررت؟ وكقوله عليه الصلاة والسّلام إذ قيل له: فإلى أيّهما أهدي؟ قال: «أقربهما [منك] بابا» (¬1) بالجر على إضمار «إلى». ومن الجواب نحو: بلى زيد بالجر لمن قال: ما مررت بأحد، أو: هل مررت بأحد؟ ومثال ذلك بعد عطفه على الوجه المذكور قوله تعالى: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (¬2) فجر اخْتِلافِ اللَّيْلِ بـ «في» مقدرة مع اتصاله بالواو لتضمن ما قبلها إياها، وقرأ عبد الله بإظهارها (¬3). ومثل ما في الآية قول الشاعر: 2709 - ألا يا لقومي كلّ ما حمّ واقع ... وللطّير مجرى والجنوب مصارع (¬4) ومثله: 2710 - حبّب الجود للكرام فحمدوا ... ولناس فعل اللّئام فلئموا (¬5) ومثله: 2711 - أخلق بذي الصّبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا (¬6) ومثله: 2712 - كالمرّ أنت إذا ما حاجة عرضت ... وحنظل كلّما استغنيت خطبان (¬7) ومثال ذلك مع الفصل بـ «لا» قول الراجز: 2713 - ما لمحبّ جلد أن [ي] هجرا ... ولا حبيب رأفة فيجبرا (¬8) - ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري في الشفعة (3)، والهبة (16)، وابن حنبل (6/ 175، 187، 193، 239)، وانظره كذلك في الهمع (2/ 37). (¬2) سورة الجاثية: 4، 5. (¬3) ينظر: البحر المحيط (8/ 42) وما بعدها، وحجة ابن زنجلة (ص 659)، والكشاف (4/ 225). (¬4) من الطويل لقيس بن ذريح، وانظره في الدرر (2/ 192) برواية: «كلّما»، والعيني (3/ 352)، والهمع (2/ 139) وفي الأصل: «يجري» بدل «مجرى». (¬5) البيت في التذييل (7/ 106). (¬6) من البسيط وانظره في الأشموني (2/ 234). (¬7) من البسيط، وصدره في الأصل وفي التذييل: «كالنمر»، وانظر التذييل (7/ 106). (¬8) من الرجز، يريد: ليس له قوة على الهجر ولا لحبيبه رأفة به فيجبره بوصله، وانظر: الأشموني (2/ 234)، والدرر (2/ 40)، والعيني (3/ 353)، والهمع (2/ 37).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال ذلك مع الفصل بـ «لو» ما حكى أبو الحسن في المسائل (¬1) من أنه يقال: جيء بزيد، أو عمرو، ولو كليهما. وأجاز في «كليهما» الجرّ على تقدير: ولو بكليهما، والنصب بإضمار ناصب، والرفع بإضمار رافع. قال المصنف: وأجود من هذا المثال الذي ذكره الأخفش أن يقال: جيء بزيد وعمرو ولو أحدهما، كما قال الشاعر: 2714 - متى عذتم بنا ولو فئة منّا ... كفيتم ولم تخشوا هوانا ولا وهنا (¬2) لأن المعتاد في مثل هذا النوع من الكلام أن يكون ما بعد «لو» أدنى مما قبلها في كثرة، وغيرها كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «التمس ولو خاتما من حديد» (¬3)، وكقولهم: ائتني بدابة ولو حمارا، ومن شواهد إضمار الجار في العطف بغير الواو قول الشاعر: 2715 - أيّه بضمرة أو عوف بن ضمرة أو ... أمثال ذينك إيّه تلف منتصرا (¬4) قال المصنف: (أراد: أو) (¬5) بأمثال ذينك إيه. قال الشيخ: ولا يتعين ما قاله؛ إذ يحتمل أن يكون «أو مثال ذينك» معطوفا على ما قبله، و «إيه» توكيد لقوله «إيه» المتقدمة (¬6). ثم قال المصنف: ومنها - أي: ومن شواهد إضمار الجار في العطف بغير الواو - قول القائل: 2716 - لك ممّا يداك تجمع ما تن ... فقه ثمّ غيرك المخزون (¬7) أراد: ثم لغيرك المخزون، ومثال جر المقرون بهمزة الاستفهام، وب «هلّا» على الوجه المذكور ما حكى الأخفش في المسائل من أنه يقال: مررت بزيد، فتقول: أزيد ابن عمرو؟، ويقال: جئت بدرهم، فيقال: هلا دينار؟ قال أبو الحسن: وهذا كثير (1). ومثال الجر - ¬

_ (¬1) ينظر: الارتشاف (ص 747)، والتذييل (4/ 45). (¬2) من الطويل وانظر: الأشموني (2/ 234)، والدرر (2/ 40)، والهمع (2/ 37). (¬3) عن سهل بن سعد رضي الله عنه، أخرجه البخاري في: النكاح (14، 32)، فضائل القرآن (21، 22)، واللباس (49)، والترمذي: نكاح (21)، وابن ماجه: نكاح (17)، ومالك في الموطأ: نكاح (8)، ومسلم: النكاح (76)، والنسائي: النكاح: (1، 41). (¬4) من البسيط وانظره في التذييل (7/ 106). (¬5) التذييل (7/ 106). (¬6) بالأصل: أرادوا. (¬7) من الخفيف لأبي طالب - ديوانه (ص 7)، والخزانة (4/ 386)، والكتاب (2/ 32).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمضمر بعد «إن والفاء» الجزائيتين ما حكى يونس من قولهم: مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح؛ على تقدير: إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح، وأجاز امرر بأيهم هو أفضل إن زيد وإن عمرو، على معنى: إن مررت بزيد، أو مررت بعمرو (¬2). قال المصنف: وجعل سيبويه إضمار الباء بعد «إن» لتضمن ما قبلها إياها أسهل من إضمار «رب» بعد الواو (¬3)، فعلم بذلك اطراده عنده. وشبيه بما روى يونس ما في البخاري من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن أربعة فخامس أو سادس» (¬4)، ويجوز رفع «أربعة» على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وجرها على حذف المضاف، وبقاء عمله ونظائر الرفع أكثر. قال: والقياس على هذه الأوجه كلها جائز، ومنعه الفراء (¬5) في نحو: زيد، لمن قال: بمن مررت؟ والصحيح جوازه لقوله عليه الصلاة والسّلام: «أقربهما منك بابا» بالجر؛ إذ قيل له: فإلى أيّهما أهدي. وكقول العرب: خير، لمن قال: كيف أصبحت؟ (¬6) بحذف الباء وإبقاء عملها؛ لأن معنى «كيف»: بأي حال؟ فجعلوا معنى الحرف دليلا، فلو لفظ به لكانت الدلالة أقوى وجواز الجر أولى. وقد يجر بحرف محذوف في غير ما ذكر مقيسا، ومسموعا. فالمقيس نحو: بكم درهم؟ ولا سابق شيئا، وألا رجل جزاه الله خيرا، وقد ذكرت هذه الأنواع الثلاثة في أبوبها. ومن المقيس نحو: ها الله لأفعلن، مما يذكر في باب القسم. والمسموع كقول الشاعر: 2717 - سألت الفتى المكّيّ ذا العلم ما الّذي ... يحلّ من التّقبيل في رمضان فقال لي المكّيّ إمّا لزوجة ... فسبع وإمّا خلّة فثمان (¬7) - (1) الارتشاف (ص 747). ¬

_ (¬2) الأشموني (2/ 235)، والكتاب (2/ 163) وما بعدها. (¬3) ينظر: الكتاب (1/ 106، 263، 264)، (3/ 9، 104، 128، 498). (¬4) عن أبي هريرة - البخاري: مواقيت الصلاة (41)، والترمذي: أطعمة (21)، والموطأ: صفة النبي (20). (¬5) الأشموني (2/ 234)، والتصريح (2/ 22، 23)، والهمع (2/ 37). (¬6) راجع: الأشموني (2/ 233)، والتصريح (2/ 23)، والهمع (2/ 37). (¬7) انظرهما في التذييل (4/ 177)، وفيه أنه أنشدهما أبو العباس، وشرح السيرافي (1/ 175) وفيه: «سل المفتي».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: وإما لخلة، وكقول الآخر: 2718 - وكريمة من آل قيس ألفته ... حتّى تبذّخ فارتقى الأعلام (¬1) أراد: في الأعلام، والأول أجود؛ لأن فيه حذف حرف (ثابت) (¬2) مثله في ما قبله، ولكن لا يقاس عليه لكون العاطف مفصولا بـ «إما»، وهي تقتضي الاستئناف، ومثل «فارتقى الأعلام» قول الآخر: 2719 - إذا قيل أيّ النّاس شرّ قبيلة ... أشارت كليب بالأكفّ الأصابع (¬3) أراد: أشارت إلى كليب وفي صحيح البخاري قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة الرّجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمس وعشرين ضعفا» (¬4) بخفض «خمس» على تقدير الباء. ومثله في جامع المسانيد على أحد الوجهين قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجّل ثلاث» (¬5) [4/ 38] على أن يكون المراد: المحجل [في] ثلاث. والأجود أن يكون أصله: المحجل محجل ثلاث، فحذف البدل، وبقي مجروره كما فعل بالمعطوف في نحو: ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (¬6). هذا كلام المصنف رحمه الله تعالى، ولا مزيد عليه في الحسن واللطف. وإذا تحققت كلامه عرفت أنه لو قال في متن الكتاب: وقد يجر في غير ما ذكر بحرف محذوف كان أولى من قوله فيه: وقد يجر بغير ما ذكر محذوفا، فإن كلامه السابق لم يتضمن أن الحرف الذي يجر به محذوفا حرف خاص حتى يقول: - ¬

_ (¬1) من الكامل وانظر الأشموني (2/ 234)، والدرر (2/ 67)، والعيني (3/ 341)، واللسان «ألف»، والهمع (2/ 36). (¬2) في الأصل: نائب، وما أثبته من شرح التسهيل لابن مالك. (¬3) من الطويل للفرزدق - ديوانه (1/ 420)، والخزانة (3/ 669)، (4/ 208)، والعيني (2/ 542)، والمغني (ص 11، 643)، والهمع (2/ 36، 81)، هذا وفي هامش المخطوط: عصابة موضع قبيلة. (¬4) عن أبي سعيد الخدري، أخرجه البخاري في: الأذان (30، 39)، بيوع (49)، ومالك في الموطأ: جماعة (1، 2)، ومسلم: مساجد (245، 247، 272). والنسائي: فضل صلاة الجماعة (1)، والنهاية (3/ 89). (¬5) عن أبي قتادة الأنصاري أخرجه ابن حنبل (5/ 200)، وابن ماجه: جهاد (ص 14). (¬6) من أمثال العرب، وبتقديم «بيضاء» على «سوداء»، وهو يضرب في موضع التهمة. راجع مجمع الأمثال (2/ 210، 211) بتقديم «بيضاء».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يجر بغيره وإنما تضمن أن ثمّ مواضع يحذف فيها الجار، ويبقى جره وهذا يوجب له أن يقول: وقد يجر في غير ما ذكر بحرف محذوف كما قدمنا. ثم إن المصنف لما انقضى كلامه على الجر بحرف محذوف ذكر مسألة الفصل بين حرف الجر والمجرور فقال: وقد يفصل في الضرورة بين حرف الجر، ومجرور .. إلى آخره. وقال في الشرح: وقد يفصل بين حرف جر ومجرور بظرف، أو مفعول به، أو جار ومجرور، ولا يكون ذلك إلا في ضرورة الشعر كقول الشاعر: 2720 - يقولون في الأكفاء أكثر همّة ... ألا ربّ منهم من يعيش مالكا (¬1) أراد: ربّ من يعيش مالك منهم، وكقول الآخر: 2721 - ربّ في النّاس موسر كعديم ... وعديم يخال ذا إيسار (¬2) أراد: ربّ موسر كعديم في الناس، وكقول الفرزدق: 2722 - وإنّي لأطوي الكشح من دون من طوى ... وأقطع بالخرق الهيوع المراجم (¬3) أراد: وأقطع الخرق بالهيوع المراجم، ففصل بالمفعول به بين الباء ومجرورها، وأنشد أبو عبيدة (¬4): 2723 - إنّ عمرا لا خير في اليوم عمرو ... وإنّ عمرا مخيّر الأحوال (¬5) أراد: لا خير اليوم في عمرو، وحكى الكسائي في الاختيار الفصل بين الجار والمجرور بالقسم نحو: اشتريت بو الله درهم، والمراد: بدرهم والله، أو: والله بدرهم وحكى الكسائي أيضا: هذا غلام والله زيد (¬6)، وحكى أبو عبيدة: إنّ الشّاة تعرف ربّها حين تسمع صوت والله ربّها (¬7)، ففصل بالقسم بين المضاف والمضاف إليه. ¬

_ (¬1) من الطويل، وفي الارتشاف (ص 748) الشطر الأخير وحده: «بمالكا». (¬2) من الخفيف وانظره في الدرر (2/ 40)، والهمع (2/ 37) هذا: «وإيسار» من هامش المخطوط. (¬3) من الطويل، وليس هذا البيت في ديوان الفرزدق، وانظره في الدرر (3/ 40)، والكافية الشافية (ص 300) واللسان «هبع» قال: أنشده ابن الأعرابي، والهمع (2/ 37). (¬4) معمر بن المثنى النحوي البصري أخذ عن يونس، وأبي عمرو، وعنه أخذ أبو حاتم، والمازني، والأثرم (ت 209 هـ) راجع: الأعلام (8/ 191)، والإنباه (3/ 276)، والنزهة (ص 104). (¬5) من الخفيف، وانظر: الأشموني (2/ 236)، والهمع (2/ 37). (¬6) الأشموني (2/ 236). (¬7) المصدر السابق (ص 237).

الباب الأربعون باب القسم

الباب الأربعون باب القسم (¬1) [القسم: تعريفه، أقسامه، أساليبه] قال ابن مالك: (وهو صريح، وغير صريح وكلاهما جملة فعليّة أو اسميّة، فالفعليّة غير الصّريحة في الخبر كعلمت ووثقت مضمّنة معناه، وفي الطّلب كنشدتك، وعمرتك، وأبدل من اللّفظ بهذه عمرك الله بفتح الهاء وضمّها وقعدك الله، وقعيدك الله كما أبدل في الصّريحة من فعلها المصدر أو ما بمعناه). قال ناظر الجيش: الكلام في هذا الباب يتعلق بأمور خمسة: وهي: القسم، والمقسم به، والمقسم عليه، وحروف القسم، والحروف التي تربط المقسم به بالمقسم عليه. وقد ذكر المصنف ثلاثة منها: وهي: المقسم عليه، وحروف القسم، والحروف الروابط بين المقسم به والمقسم عليه وأما القسم فذكر له تعريفا، ولم يتعرض إلى ذكر حده. وأما المقسم به فإنه لم يتعرض إلى ذكره؛ إذ لا تعلق للصناعة النحوية به. وبعد: فأنا أشير إلى ذكر هذين القسمين أولا، ثم الكلام على بقية الأقسام يورد في ضمن شرح كلام المصنف إن شاء الله تعالى. أما القسم: فقد حده الجزولي، وغيره من المغاربة بأنه: جملة يؤكد بها جملة أخرى كلتاهما خبرية. وهو حد ظاهر غني عن التفسير غير أن قولهم فيه: كلتاهما خبرية؛ لا يظهر؛ لأن جملة القسم إنشائية، فكيف يحكم عليها بأنها خبرية؟ وقد ذكروا أن المراد بقولهم: كلتاهما خبرية؛ أن جملة القسم والجواب إذا اجتمعتا حصل منهما كلام محتمل للصدق والكذب. ولا يخفى ضعف هذا الاعتذار؛ فإن التصديق والتكذيب إنما يرجع كل منهما إلى مضمون جملة الجواب، وأما جملة القسم فلا يرجع إليها تصديق ولا تكذيب. - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأصول (1/ 523 - 532)، والتذييل (4 / ق 47 - 68)، والتصريح (2/ 203 - 206)، والرضي (2/ 337 - 341)، (2/ 391: 395) شرح الجمل (1/ 520 - 533) شرح اللمع (ص 494 - 504) شرح المفصل (9/ 90 - 107) الكافية الشافية لابن مالك (2/ 835 - 897) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي الكتاب (1/ 59، 421)، (3/ 84، 100، 104، 106، 146، 496 - 502، 504، 509)، (4/ 217)، والهمع (2/ 40 - 45) ارتشاف الضرب (2/ 475).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أن يقال في حد القسم: إنه جملة إنشائية يؤتى بها لتوكيد جملة خبرية. وذكر الشيخ عن النحاة حدّا قيد فيه الخبرية بكونها غير تعجبية (¬1)، وهذا لا يحتاج إليه؛ إذ التعجبية لا يصح وقوعها جوابا؛ لأن الجواب إذا كان جملة اسمية وجب اقترانها بـ «إن واللام»، أو بإحداهما. ولا شك أن الجملة التعجبية لا يجوز أن تغير عن هيئتها. وإذا كان كذلك امتنع أن يكون التعجب جواب قسم بذاتها فلا يحتاج إلى أن يحترز عنها. ويرادف القسم ثلاث كلمات أخر: وهي: الحلف والإيلاء واليمين. أما القسم فالفعل المستعمل منه إنما هو «أقسم»، وهو غير جار على القسم، ونظير ذلك في عدم الجريان على المصدر: أشبه وأثنى؛ فإنهما من الشبه والثناء، وأما الحلف والإيلاء فاستعمل منهما فعل جار قالوا: حلف وآلى، وأما اليمين فلم يستعمل منه فعل؛ لأنه ليس بمصدر في الأصل فيشتق منه وإنما هو اسم للجارحة، ثم سمي القسم يمينا؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا أكدوا بأيمانهم فيضرب كل واحد منهم بيمينه على يمين صاحبه تأكيدا للعقد حتى سمي الحلف يمينا. وأما المقسم به: فهو كل اسم معظم، إما لعظمته في ذاته، وإما لكونه عند المقسم عظيما. قال ابن عصفور: هذا إذا كان المقسم يريد تحقيق ما أقسم عليه ويثبته، فإن كان مقصوده الحنث فيما أقسم عليه؛ فإنه لا يقسم إلا بغير معظم وذلك نحو قوله: 2724 - وحياة هجرك غير معتمد ... إلّا ابتغاء الحنث في الحلف ما أنت أحسن من رأيت ولا ... كلفي بحبّك منتهى كلفي (¬2) فأقسم بحياة هجرها، وهو غير معظم عنده؛ رغبة في أن يحنث فيموت هجرها (¬3). قال: إلا أن القسم على هذا الطريق [4/ 39] يقل، فلا يلتفت إليه (¬4). إذا تقرر هذا فنقول: قسم المصنف القسم إلى صريح وغير صريح قال (¬5): أما الصريح: فهو ما يعلم بمجرد لفظه كون الناطق به مقسما كـ: أحلف بالله، وأنا حالف بالله، ولعمر الله، وايمن الله، وغير الصريح: ما ليس كذلك نحو: علم - ¬

_ (¬1) في التذييل (7/ 113): (فأما القسم فهو جملة يؤكد بها أخرى خبرية غير تعجبية). (¬2) البيتان من الكامل، وانظرهما في: الارتشاف (2/ 476) وشرح الجمل (1/ 523). (¬3) شرح الجمل (1/ 523) بالنص. (¬4) المصدر السابق. (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 195) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله، وعاهدت، وواثقت، وعليّ عهد الله، وفي ذمتي ميثاق؛ فليس بمجرد النطق بشيء من هذا الكلام يعلم كونه قسما، بل بقرينة كذكر جواب بعده نحو: عليّ عهد الله لأنصرنّ دينه، وفي ذمتي ميثاق لا أعين ظالما، كقوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (¬1)، ومنه قول الشاعر: 2725 - إنّي علمت على ما كان من خلقي ... لقد أراد هواني اليوم داود (¬2) وقول الآخر: 2726 - أرى محرزا عاهدته ليوافقن ... فكان كمن أغريته بخلاف (¬3) ومثله في واثق: 2727 - واثقت ميّة لا تنفكّ ملية ... قول الوشاة فما ألفت لهم قيلا (¬4) ومن ذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ (¬5)، و [من القسم غير الصريح]: نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ (¬6)، ويدل على أنه قسم كسر «إن» بعده وتسميته يمينا في قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً (¬7)، ومنه قراءة ابن عبّاس (¬8): شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ (¬9)، وقال الفراء في وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ (¬10): صار قوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ يمينا (¬11) ومن القسم غير الصريح: نشدتك وعمرتك؛ فللناطق بها أن يقصد القسم، وألا يقصد؛ فليس مجرد النطق بها يدل على كونه قسما لكن يعلم كونه قسما بإيلاء «الله» نحو: نشدتك الله، - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 102. (¬2) من البسيط وانظر التذييل (7/ 114) وتعليق الفرائد (ق/ 30)، والكافية الشافية (2/ 857). (¬3) من الطويل وهو من شواهد الكافية الشافية (2/ 858)، والمغني (ص 404). (¬4) من البسيط وانظره في التذييل (7/ 114)، والكافية الشافية (2/ 858). (¬5) سورة آل عمران: 187. (¬6) سورة المنافقون: 1. (¬7) سورة المنافقون: 2. (¬8) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي حبر الأمة لازم رسول الله، وأخذ عنه الأحاديث الصحيحة وشاهد مع عليّ «الجمل» «وصفين» وكفّ بصره آخر عمره له في الصحيحين (1660) حديثا (ت: 68 هـ) - راجع: الأعلام (4/ 228) صفة الصفوة (1/ 314)، ونكت الهميان (ص 180). (¬9) سورة آل عمران: 18، وانظر: الإتحاف (ص 172)، والبحر (2/ 403). (¬10) سورة هود: 119. (¬11) معاني الفراء (2/ 31).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو بالله، وعمرتك الله، ولا يستعملان إلا في قسم فيه طلب نحو: نشدتك الله إلا أعنتني، وعمرتك الله لا تطع هواك، ومنه قول الشاعر: 2728 - عمرتك الله إلّا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم (¬1) ومعنى قول القائل: نشدتك الله: سألتك مذكرا الله، ومعنى «عمرتك الله»: سألتك الله تعميرك، ثم ضمّنا معنى القسم الطلبي، واستعملوا «عمرك الله» بدلا من اللفظ بـ «عمرتك الله»، ومنه قول الشاعر: 2729 - عمرك الله يا سعاد عديني ... بعض ما أبتغي ولا تؤيسيني (¬2) وقال الآخر: 2730 - يا عمرك الله إلّا قلت صادقة ... أصادقا وصف المجنون أم كذبا (¬3) وكان الأصل أن يقال: تعميرك الله؛ لكن خففوا بحذف الزوائد، وروى بعض الثقات عن أعرابي: عمرك الله؛ برفع «الله» (¬4). قال أبو علي: والمراد: عمّرك الله تعميرا؛ فأضيف المصدر إلى المفعول ورفع به الفاعل (¬5)، وقال الأخفش في كتابه الأوسط: أصله: [أسألك] بتعميرك الله، وحذف زوائد المصدر والفعل والباء فانتصب ما كان مجرورا بها. وأما «قعدك الله، وقعيد [كـ] الله» فقيل: هما مصدران بمعنى: المراقبة كالحس والحسيس وانتصابهما بتقدير «أقسم» أي: أقسم بمراقبتك الله، وقيل: قعد وقعيد بمعنى: الرقيب الحفيظ من قوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (¬6) أي: رقيب حفيظ. ونظيرهما: خلّ، وخليل، وندّ، ونديد، وإذا كانا بمعنى الرقيب الحفيظ فالمعنيّ بهما الله تعالى ونصبهما بتقدير «أقسم» (معدّى) (¬7) بالباء. ثم حذف الفعل - ¬

_ (¬1) من البسيط للأحوص، وذي سلم: موضع قرب المدينة - ديوانه (ص 201)، والخزانة (1/ 231)، والدرر (2/ 53)، وشرح السيرافي (1/ 275)، والكتاب (1/ 163)، والمقتضب (2/ 329)، والهمع (2/ 45). (¬2) من الخفيف. وراجع: الدرر (2/ 54)، والهمع (2/ 45). (¬3) من البسيط للمجنون - ديوانه (ص 83)، والأغاني (2/ 3)، والدرر (2/ 54)، والكافية الشافية (2/ 869)، والهمع (2/ 45) - هذا، وفي الدرر (2/ 54) نقل عن ناظر الجيش كلاما حسنا في هذه المسألة. (¬4) التذييل (4/ 49). (¬5) المصدر السابق. (¬6) سورة ق: 17. (¬7) في الأصل: معبرا، وما أثبته من شرح التسهيل لابن مالك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والباء، وانتصبا وأبدل منهما «الله». ومن شواهد النصب بعد «قعد» قول الشاعر: 2731 - قعدك الله هل علمت بأنّي ... في هواك استطبت كلّ معنّى (¬1) ومن شواهد نصب ما بعد «قعيد» قول قيس العامري (¬2): 2732 - قعيدك ربّ النّاس يا أمّ مالك ... ألم تعلمينا نعم مأوى المعصّب (¬3) ومثله قول الفرزدق: 2733 - قعيدكما الله الّذي أنتما له ... ألم تسمعا بالبيضتين المناديا (¬4) ويستعمل أيضا في الطلب: «عزمت وأقسمت» ولذلك قلت: كـ «نشدت» تنبيها على أن لـ «نشدت» من الأفعال أخوات سوى «عمرت» ونبهت بقولي: كما أبدل في الصريحة من فعلها المصدر وما بمعناه على أن لفظ «أقسم»، و «أحلف»، وشبههما قد ينوب عنه لفظ «قسم، ويمين، وآلية، وقضاء، ويقين، وحق»، وغير ذلك. فمن ذلك [قول الشاعر]: 2734 - قسما لأصطبرن على ما سمتني ... ما لم تسومي هجرة وصدودا (¬5) ومنه: 2735 - يمينا لنعم السيدان وجدتما ... على كلّ حال من سحيل ومبرم (¬6) ومنه: - ¬

_ (¬1) من الخفيف، وقد نصب لفظ الجلالة بعد «قعد». (¬2) قيس بن الملوح بن مزاحم من أهل نجد يلقب بالمجنون لشدة هيامه في حب «ليلى» (ت: 68 هـ) - راجع الأعلام (6/ 60) والسمط (ص 350)، والشعر والشعراء (ص 220). (¬3) من الطويل وانظره في: التذييل (7/ 121)، والكافية الشافية (2/ 873)، واللسان «قعيدك» برواية: «قعيد عمر الله يا بنت مالك» عن قريبة الأعرابية. (¬4) من الطويل - البيضتان موضع بطريق الشام من الكوفة، وقال ياقوت بالإفراد، وإنما ثناه الشاعر - راجع ديوان الفرزدق (2/ 360)، والدرر (2/ 54)، والهمع (2/ 45)، والكافية الشافية (2/ 874) ونسبه في اللسان «قعد» للفرزدق وفي «بيض» لجرير، ومعجم البلدان: «البيضتان». (¬5) من الكامل وانظره في التذييل (7/ 121)، والكافية الشافية (ص 311). (¬6) من الطويل لزهير - ديوانه (ص 79)، وتعليق الفرائد (1/ 219)، والخزانة (4/ 105، 107، 222)، وشرح العمدة (ص 446)، والهمع (2/ 42).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2736 - آلية ليحيقن بالمسيء إذا ... ما حوسب الناس طرّا سوء ما عملا (¬1) ومن نيابة القضاء ما حكى ثعلب من أن العرب تنصب «قضاء الله»، وتجعله قسما (¬2) وأنشد أبو عليّ على نيابة اليقين: 2737 - ويقينا لأشربنّ بماء ... وردوه فعاجلا وتئيّه (¬3) ومن نيابة الحق قوله تعالى: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ (¬4). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬5). وملخص ما تضمنه: أن جملة القسم اسمية وفعلية، وكل منها صريح وغير صريح؛ فالاسمية الصريحة نحو: «لعمري» و «ايمن» ويلزمان الابتداء. وقد علم أن خبر هذا المبتدأ واجب الحذف كما ذكر في باب المبتدأ. والاسمية غير الصريحة نحو: «في ذمتي»، و «أمانة الله» فالمبتدأ محذوف في المثال الأول، والخبر في المثال الثاني ولكنه حذف جائز، لا واجب. والفعلية الصريحة نحو: «أقسمت، وأقسم، وحلفت، وأحلف، وآليت». والفعلية غير الصريحة نحو: «نشدت، وعمرت، وعلمت، وواثقت». وقد عرف الصريح ما هو، وغير الصريح ما هو. ثم إن غير الصريح يقسم به في الخبر نحو: «علمت، وواثقت، وعليّ عهد الله، وفي ذمتي»، وفي الطلب نحو: نشدت، وعمرت، وعمّرت، ومعنى الطلب هنا: أن يكون القسم عليه مطلوبا، ومعنى الخبر ألا يكون المقسم عليه مطلوبا. لكن لا بد من أبحاث نشير إليها: أولها: أن المصنف قد صرح في المتن والشرح بأن القسم غير الصريح يكون في الجملة الاسمية كما يكون في الجملة الفعلية وظاهر [4/ 40] كلام الجماعة يقتضي أن - ¬

_ (¬1) من البسيط، ونسبه في الكافية الشافية (2/ 854) لرجل من طيئ إسلامي، وانظر التذييل (7/ 121). (¬2) التذييل (4/ 50). (¬3) في اللسان «تأي»: قال أبو منصور: هو كـ: شأى يشأى إذا سبق، وهو في الكافية الشافية (2/ 855)، وانظر التذييل (4/ 50). (¬4) سورة ص: 84، 85. (¬5) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم غير الصريح إنما هو في الجملة الفعلية، وربما يقال: إن الواقع كذلك. فإن ابن عصفور قال (¬1): الجملة الفعلية في هذا الباب قسمان؛ أحدهما: أن تكون الجملة الفعلية فيها معنى القسم وليست بقسم صريح، ثم فسر ذلك بأنه قال: هو كل جملة لم يذكر فيها قسم إلا أن العرب تلقتها بما يتلقى به القسم نحو: علمت ليقومن زيد، وأظن ليسبقنك عمرو. وكذا ابن هشام فإنه قال: وأفعال القسم على ضربين: مصرحة ومضمنة؛ فالمصرحة: «أقسم وأحلف وآلى وتآلى» وما تصرف منها، والمضمنة: «علم ويعلم وشهد ويشهد» قال: وهذا مطرد في الظن أيضا وقد جاء في «خفت» قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت بالسّواك حتّى خفت لأدردنّ» (¬2) هذا كلام هذين الرجلين. إلا أن يقال: الدليل على أن غير الصريح يكون في الجملة الاسمية قولهم: «في ذمتي» و «عهد الله» إذ لا يعلم بمجرد اللفظ به كون الناطق به مقسما، وما كان كذلك فلا شك أنه غير صريح. ولا شك أن هذا كلام صحيح. إلا أن المصنف ذكر في باب المبتدأ أن من أسباب وجوب حذف المبتدأ أن يخبر عنه بصريح القسم، ومثّل ذلك بقوله: في ذمتي لأفعلن، وإذا حكم بصراحته هناك؛ كيف يحكم هنا بأنه غير صريح؟! والذي يظهر أن نحو: «في ذمتي لأفعلن» من القسم غير الصريح، وكذا «عهد الله». وعلى هذا يكون كلام المصنف هنا هو المعتمد عليه، ويكون تقسيمه غير الصريح إلى جملة اسمية وفعلية تقسيما صحيحا ويحتاج بعد ذلك الاعتذار عن ما مثل به في باب المبتدأ وهو «في ذمتي لأفعلن» جاعلا ذلك من القسم الصريح. ثانيها: أن المصنف يرى أن المقسم عليه قد يكون أمرا طلبيّا كما عرفت. ولا شك أن هذا الذي يراه مناف لقولنا في حد القسم: إنه يؤكد جملة خبرية. - ¬

_ (¬1) في شرح الإيضاح المفقود. (¬2) انظره في ابن حنبل (1/ 227، 285، 207)، (3/ 490) والمصباح المنير «درد»، والنهاية (1/ 112)، والدرد: سقوط الأسنان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولهذا لما ذكر ابن عصفور الحد المشهور عن المغاربة للقسم وهو أنه: جملة يؤكد بها جملة أخرى كلتاهما خبرية، واعتذر عن ذلك بأن المراد منه أن الجملتين إذا اجتمعتا كان منهما كلام محتمل للصدق والكذب، قال بعد هذا (¬1): فإذا جاء ما صورته كصورة القسم وهو غير محتمل للصدق والكذب حمل على أنه ليس بقسم نحو قول الشاعر: 2738 - بالله ربّك إن دخلت فقل له ... هذا ابن هرمة واقفا بالباب (¬2) وقول الآخر: 2739 - بدينك هل ضممت إليك ليلى ... وهل قبّلت قبل الصّبح فاها (¬3) قال: فلا يكون مثل هذا قسما؛ لأن القسم لا يتصور إلا حيث يتصور الصدق والحنث، والصدق والحنث لا يتصور إلا فيما يحتمل الصدق والكذب، وقال في شرح الإيضاح - بعد قوله: فإن كانت الجملة غير خبرية لم يجز وقوعها جوابا للقسم -: فأما «بدينك» من قول الشاعر: بدينك هل ضممت ... ... ... و «بالله ربّك» من قول الآخر: بالله ربّك إن دخلت ... ... ... فليسا بقسمين؛ لأن الجملتين الواقعتين بعدهما غير محتملتين للصدق والكذب، وإنما المراد بهما استعطاف المخاطب، والتقدير: أسألك بدينك، وأسألك، لا أنهم أضمروا الفعل لدلالة المعنى عليه. وقد يحذفون الباء وينصبون في الضرورة نحو قوله: 2740 - أقول لبوّاب على باب دارها ... أميرك بلّغها السّلام وأبشر (¬4) قال: وأدلك على أن قولك: بالله هل قام زيد؟، وبالله إن قام زيد فأكرمه، وأشباهه ليس بقسم ثلاثة أشياء: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 521). (¬2) من الكامل لابن هرمة الشاعر وانظره في شرح المفصل (9/ 101)، والصناعتين (ص 68). (¬3) من الوافر للمجنون - ديوانه (ص 286)، والأغاني (3/ 21)، وشرح المفصل (9/ 102) برواية «نعما» بدل «ليلى» و «بعد النوم» بدل «قبل الصبح»، والمنصف (3/ 21)، وانظر: شرح الجمل (1/ 521). (¬4) من الطويل وانظره في التذييل (7/ 115).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدها: أنه لم يجئ في كلام العرب وقوع الحرف (الخاص) (¬1) بالقسم نحو: التاء والواو موقع الباء؛ فلم يقولوا: تالله هل قام زيد، ولا: والله إن قام زيد فأكرمه. الآخر: أنهم إذا أظهروا الفعل الذي يتعلق به الباء لم يكن من أفعال القسم؛ لا يقال: أقسم بالله هل قام زيد؟، وأحلف بالله إن قام زيد فأكرمه. الشيء الثالث: أن القسم لا يخلو من حنث أو بر، ولا يصح ذلك إلا فيما يصح اتصافه بالصدق والكذب. فإن قيل: الدليل على أن مثل هذا قسم قول الشاعر: 2741 - أيا خير حيّ في البريّة كلّها ... أبا لله هل لي في يميني من عقل (¬2) فإنه سمى «أبا لله هل لي» يمينا وقول الآخر: 2742 - أجهّالا تقول بني لؤيّ ... لعمر أبيك أم متجاهلينا (¬3) أجيب عن الأول بأن قائله أراد: هل لي في يميني من عقل إن حلفت على أنك خير البرية. وعن الثاني: أن جواب «لعمر أبيك» محذوف؛ التقدير: أجهالا تقول بني لؤيّ أم متجاهلينا؟ لعمر أبيك لتخبرني، إلا أنه قدم القسم، واعترض به بين الفعل، ومفعوله، وحذف الجواب لدلالة الاستفهام عليه؛ إذ معلوم أن المستفهم يطلب من المستفهم منه أن يخبره عما استفهم عنه (¬4). انتهى كلام ابن عصفور. وقوله: إن مثل هذا استعطاف وليس بقسم؛ هو الظاهر، ولا شك أن كونه قسما غير مذوّق. لكن كلام ابن هشام ظاهره يعطي أنه قسم إلا أنه سماه قسما استعطافيّا وذلك أنه لما ذكر قول أبي علي: القسم جملة يؤكد الخبر بها؛ قال: ليس كل قسم يؤكد الخبر. وقد تقدم أن الباء يقسم بها على جهة الاستعطاف نحو: بالله أحسن إليّ. قال ابن هرمة (¬5): - ¬

_ (¬1) في الأصل: الخاص الحرف، وهو اضطراب بيّن. (¬2) من الطويل وانظره في التذييل (7/ 116)، وشرح المفصل (9/ 102). (¬3) من الوافر للكميت بن زيد، وليس في ديوانه. التصريح (1/ 263)، والدرر (1/ 140)، والعيني (2/ 429)، والكتاب (9/ 63)، والمقتضب (2/ 348)، والهمع (1/ 157). (¬4) ينظر: التذييل (4/ 48) وما بعدها. (¬5) إبراهيم بن علي بن سلمة القرشي شاعر غزل من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، آخر من يحتج بشعرهم. قاله الأصمعي (ت: 176 هـ). الخزانة (1/ 204)، والنجوم الزاهرة (2/ 84).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2743 - بالله ربّك إن دخلت ... ... ... البيت قال: ومنه: أقسمت عليك لتفعلن كذا، وأقسمت عليك إلا فعلت، وأقسمت عليك لما فعلت، و «لما» ها هنا بمعنى «إلا». قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك لما فعلت وإلا فعلت، لم جاز هذا في هذا الموضع؟ وإنما أقسمت هنا [4/ 41] كقولك: والله، فقال: وجه الكلام: لتفعلن هاهنا، ولكنهم أجازوا هذا؛ لأنهم شبهوه بـ «نشدتك الله»؛ إذ كان فيه معنى الطلب (¬1). يريد أن العرب تقول: نشدتك الله إلا فعلت، ومعنى «نشدتك الله»: سألتك بالله، وقالوا: «إلا فعلت» بمعنى: إلا تفعل. وتحقيق المعنى: لا أطلب منك إلا أن تفعل فدخلها معنى النفي فصلحت إلا لذلك. فهذا كقوله: 2744 - [إنا الضّامن الرّاعي عليهم] وإنّما ... يدافع عن أحسابهم [إلّا أنا] [أو مثلي] (¬2) لما كان في معنى «ما يدافع أحد إلا أنا» وتقول في الاستفهام: آلله لتقومن، وآلله لتخرجن، قال: فكل هذا ليس بتأكيد، ولذلك تستفهم بعد اليمين فتقول: بالله أقام زيد؛ لأن المعنى هنا: أخبرني، قال: وقد منع من هذا أبو علي؛ فقال: لا يجوز في القسم الذي هو استعطاف في الحقيقة: بالله هل قمت؟؛ لأنه ليس بمقسم، وتأول قوله: 2745 - أيا خير حيّ في البريّة كلّها ... أبا لله هل لي في يميني من عقل على أنه في معنى: إن حلفت على أنك خير مني. انتهى. ومقتضى كلامه، أن القسم قسمان: قسم يقصد به التوكيد، وقسم يقصد به الاستعطاف والسؤال، وفي تسمية ما يقصد به الاستعطاف والسؤال قسما نظر. وكيف يتصور قسم بدون جواب له لا ملفوظ به ولا مقدر؟! ولهذا سأل سيبويه الخليل - رحمه الله تعالى - عن قولهم: أقسمت عليك لما فعلت وإلا فعلت، لم جاز هذا في هذا الموضع؟ وإنما أقسمت هنا كقولك: والله. فمعنى كلام سيبويه أن أقسمت يقتضي جوابا؛ لأنه كقولك: والله، ولا شك أن «والله» يقتضي جوابا، - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 105، 106). (¬2) ما ذكره جزء بيت من الطويل للفرزدق، وقد أكملناه من ديوانه، ومن هامش المخطوط. وانظر: ديوان الفرزدق (2/ 153) والمحتسب (2/ 195)، ومعاهد التنصيص (1/ 89)، والمغني (ص 309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «لما فعلت وإلا فعلت» ليس بجواب؛ فكيف جاز ذلك؟ وهو سؤال دقيق المأخذ إلا أنه لا يكثر على سيبويه. وجواب الخليل عنه مقتضاه تقرير السؤال بدليل قوله: ولكنهم أجازوا هذا؛ لأنهم شبهوه بـ «نشدتك الله»؛ إذ كان فيه معنى الطلب، ولا شك أن معنى «نشدتك الله»: سألتك بالله. فأفاد كلام الخليل أن القسم في نحو: «أقسمت عليك لما فعلت، وإلا فعلت» ليس بمراد؛ حيث قال: إنهم شبهوه بـ «نشدتك الله» والقسم في «نشدتك الله» غير مراد أيضا، لأنه قال: إنهم شبهوه. ثم إن ابن هشام جعل مثل هذا استعطافا، وإذا كان استعطافا فكيف يصدق عليه القسم الاصطلاحي؟ والذي ذكره ابن عصفور أقرب إلى الحق .. على أنه قد تبين لك من نقل ابن هشام أن الذي قاله ابن عصفور هو كلام أبي علي. وكفى بما يقوله أبو علي حجة. ثالثها: هاتان الكلمتان - أعني نشدتك وعمرتك - لا يستعملان إلا حيث يكون طلب. وقد قال المصنف بعد ذكرهما: ولا يستعملان إلا في قسم فيه طلب نحو: نشدتك الله إلا أعنتني وعمرتك الله لا تطع هواك، وكذا مصدر «عمرتك» الذي هو «عمرك»، و «قعدك وقعيدك» حكمهما في الاستعمال حكم «نشدت وعمرتك» فيختص بالطلب أيضا، وليس المراد بالطلب أن يكون بصيغته؛ بل المراد به أن يكون ذلك المذكور مطلوبا للمتكلم سواء أكان الطلب بالصيغة أم بغيرها، مما يفيده سياق الكلام ولذلك جعلوا من صورة المسألة المذكورة: نشدتك إلا فعلت، ونشدتك لما فعلت، وقالوا: المعنى فيه: ما أسألك إلا أن تفعل، أو ما أطلب منك إلا أن تفعل. وفي شرح الشيخ (¬1): أن جواب «نشدت وعمرتك» يكون بأحد ستة أشياء وهي: الاستفهام، والأمر، والنهي، وإلا، ولمّا، وأن؛ فيقال: نشدتك الله قم، وكذا: نشدتك الله لا تقم، ونشدتك بالله أن تقوم. قال الشيخ: لأن «أن» في صلة الطلب. ولم أفهم المقصود من هذا التعليل الذي ذكره ثم إنه لما لم يذكر «إن» الشرطية، وقد عرفت أنها تقع هذا الموقع كما قال: بالله ربك إن دخلت فقل له. والظاهر أن - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 116).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «إن» إذا حلت هذا المحل يجب أن يكون جوابها فعلا طلبيّا كما في هذا البيت؛ لأن الطلب هو المقصود من هذا الكلام وجملة الشرط ليس فيها طلب فتعين أن تشتمل جملة الجزاء عليه. ثم في جعل الشيخ هذه الأمور جوابا مناقشة؛ لأنه لا يرى أن نحو «نشدتك وعمرتك» قسم، كما أن الجماعة - أعني المغاربة - لا يرون ذلك. وإذا لم يكن ثم قسم فلا جواب. وليعلم أن معنى «نشدتك بالله»: سألتك بالله وطلبت منك به؛ لأنهم يقولون: نشد الرجل الدابة؛ إذا طلبها. وقد قال المصنف: ومعنى قول القائل: «نشدتك بالله» سألتك مذكرا الله، ومعنى «عمرتك الله»: سألتك الله تعميرك، ثم ضمّنا معنى القسم الطلبي. قال الشيخ: فإن عنى المصنف أنه تفسير معنى لا إعراب فيمكن، وإن عنى تفسير إعراب فليس كذلك بل «نشدتك الله» انتصاب الجلالة المعظمة على إسقاط الخافض لما سقط وصل الفعل إليه فنصبه؛ فليس منصوبا بـ «مذكر»، وأما «عمرتك الله» فلفظ الجلالة فيه منصوب بإسقاط الخافض أيضا وصل الفعل إليه فنصبه، والتقدير: عمرتك بالله، أي: ذكرتك بالله تذكيرا يعمر القلب ولا يخلو منه (¬1). انتهى. وأقول: إن قول المصنف بعد تفسير معنى هاتين الكلمتين: ثم ضمّنا معنى القسم الطلبي؛ يدفع أن يكون المصنف عنى بالتفسير الذي ذكره تفسير الإعراب؛ لأنهما بعد تضمينهما معنى القسم يبقى حكمها حكم أفعال القسم، وسيذكر أن حرف الجر الذي يعدى به فعل القسم إذا حذف نصب المقسم به؛ فتعين أن يكون الذي عناه بهذا التفسير إنما هو تفسيرهما لغة قبل أن يضمّنا معنى القسم. رابعها: قد علمت ما ذكره المصنف من أن «عمرك الله» يستعمل بدلا من اللفظ بـ «عمرتك»، وأن الاسم المعظم ينصب حينئذ ويرفع، وأنه [4/ 42] قال في الشرح: إن الأصل في «عمرك الله» أن يقال: تعميرك الله، لكن خففوا بحذف الزوائد فدلّ هذا الكلام منه على أن عمرك منصوب نصب المصادر على أنه بدل من اللفظ فعلّه لكنه لم يبين نصب الاسم المعظم ما وجهه. - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 117).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكن قال الشيخ في شرحه: وفي اللباب: إذا قلت: عمرك الله، بنصب اسم الله تعالى، ففي إعرابه وجهان: أحدهما: أن التقدير: أسألك تعميرك الله، أي: باعتقادك بقاء الله فـ «تعميرك» مفعول ثان واسم الله تعالى منصوب بالمصدر. والثاني: أن يكونا مفعولين، أي: أسأل الله تعميرك. انتهى (¬1). وأما «عمرك الله» برفع اسم الله تعالى؛ فقد ذكر المصنف فيه عن أبي علي أن المراد: عمرك الله تعميرا فأضيف المصدر إلى المفعول ورفع به الفاعل. وعن الأخفش (¬2) أن الأصل أسألك بتعميرك الله، وحذف زوائد المصدر والفعل والباء فانتصب وكان مجرورا بها. فقد اتفق القولان - أعني قول أبي علي وقول الأخفش - على أن اسم الله مرفوع بالمصدر على أنه فاعل، ولكن أبو علي يرى أن نصب «عمرك» هنا على المصدر، والأخفش يرى أنه منصوب على إسقاط الخافض. ولهذا كان الفعل الذي يقدره أبو علي «عمرتك»، والفعل الذي يقدره الأخفش «أسألك». قالوا: يدل على صحة قول الأخفش إدخال باء الجر عليه (¬3) قال ابن أبي ربيعة: 2746 - بعمرك هل رأيت لها سميّا ... فشاقك أم لقيت لها حديثا (¬4) وأقول: إن من الأدلة على صحة قول الأخفش أيضا قول العرب: لعمرك إن زيدا لقائم. قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (¬5) التقدير: لعمرك قسمي، فكان العمر نفسه هو المقسم به في الآية الشريفة فليكن هو المقسم به في نحو قولنا: عمرك الله، ويكون الأصل فيه: بتعميرك الله، ثم حذفت زوائد المصدر والباء كما يقول الأخفش. ويمكن أن يقال: إن من نصب «عمرك الله» على المصدر، وقال: المراد: عمرك الله تعميرا، كما ذهب إليه أبو علي لم يجعله قسما، وإنما يكون قسما على قول من يقول: إن أصله: بتعميرك الله، ثم حذفت الباء كما ذهب إليه الأخفش وهو قسم طلبي على رأي من يثبت الطلبي، ومسؤول - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 118). (¬2) في كتابه الأوسط، وراجع التذييل (7/ 117). (¬3) وانظر الارتشاف (2/ 479). (¬4) البيت من الوافر، وانظر التذييل (4/ 94) وليس في ديوانه. (¬5) سورة الحجر: 72.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به على رأي من لا يثبت ذلك. وقال الشيخ في الارتشاف (¬1): وأبدل من «عمرتك الله»: «عمرك الله» وهو مصدر على حذف الزوائد والتقدير: تعميرك الله، أي: تذكيرك بالله، وقيل: تعميرك الله، انتصب «تعميرك» ولفظ الجلالة على أنهما مفعولان، أي: سألت الله تعميرك، وقيل: «تعميرك» منصوب بـ «أسألك» ولفظ الجلالة [منصوب] بالمصدر وهو «عمر» بمعنى: تعمير. وأجاز المبرد، والسيرافي أن ينتصب هذا على تقدير القسم (¬2) كأنه قيل: أقسم عليك بعمرك الله، الأصل: بتعميرك الله، أي: بإقرارك له بالدوام والبقاء، ويكون محذوف الجواب فتكون الكاف في موضع رفع. والظاهر من كلام سيبويه أنه مصدر موضوع موضع الفعل على أنه مفعول به (¬3). انتهى. وقال الجوهري (¬4) في الصحاح: عمر الرجل بالكسر: يعمر عمرا وعمرا على غير قياس؛ لأن قياس مصدره التحريك، أي: عاش زمنا طويلا، ومنه قولهم: أطال الله عمرك. وهما وإن كانا مصدرين بمعنى واحد إلا أن المستعمل في القسم أحدهما وهو المفتوح، فإذا أدخلت اللام رفعته بالابتداء والخبر محذوف .. فإن لم تأت باللام نصبته نصب المصادر وقلت: عمر الله ما فعلت كذا، وعمرك الله ما فعلت كذا، ومعنى «لعمر الله وعمر الله»: أحلف ببقاء الله ودوامه، فإذا قلت: عمرك الله فكأنك قلت: بتعميرك الله، أي: بإقرارك له بالبقاء، وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: 2747 - أيّها المنكح الثّريّا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان (¬5) يريد: سألت الله أن يطيل عمرك؛ لأنه لم يرد القسم بذلك (¬6). انتهى. - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب المذكور (2/ 498) وما بعدها تحقيق الدكتور النحاس. (¬2) المقتضب (2/ 326) وما بعدها، والهمع (2/ 45). (¬3) الكتاب (3/ 497، 502، 503). (¬4) إسماعيل بن حماد أبو نصر الفارابي اللّغويّ أخذ عن أبي علي الفارسي، له: الصحاح، ومقدمة في النحو وغير ذلك (ت 393 أو 398 هـ) راجع الأعلام (1/ 309)، والإنباه (1/ 194)، والنزهة (ص 344). (¬5) من الطويل ملحقات ديوانه (ص 503)، والخزانة (1/ 328)، والعيني (4/ 201)، والمغني (ص 207)، والهمع (2/ 128). (¬6) الصحاح «عمر» (2/ 756، 757)، والهمع (2/ 45).

[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم]

[إضمار الفعل وأحكام لفظ الجلالة في القسم] قال ابن مالك: (ويضمر الفعل في الطّلب كثيرا استغناء بالمقسم به مجرورا بالباء. ويختصّ الطّلب بها وإن جرّ في غيره بغيرها حذف الفعل وجوبا وإن حذفا معا نصب المقسم به، وإن كان «الله» جاز جرّه بتعويض إثبات الألف أو «ها» محذوف الألف أو ثابتها مع وصل ألف «الله» وقطعها، وقد يستغنى في التعويض بقطعها ويجوز جرّ «الله» دون عوض ولا يشارك في ذلك خلافا للكوفيّين وليس الجرّ في التّعويض بالعوض خلافا للأخفش، ومن وافقه). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: إنني لم أتحقق في هذه المسألة - أعني عمرك الله - حقيقة المعنى، ولا حقيقة الإعراب، وإنما ذكرت ذلك تقليدا والله تعالى هو العالم الذي لا يعزب عن علمه شيء في السموات ولا في الأرض جلّ، وعزّ، وتقدس. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): لا يستعمل في القسم الطلبي من حروف الجر إلا الباء معلقة بظاهر كـ: نشدتك بالله وافق، أو بمقدر نحو بالله لا تخالف، وتعدى في غير الطلب فعل القسم محذوفا وثابتا نحو: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (¬2) ونحو: وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ (¬3). ويجب حذفه مع الواو والتاء ومن اللام نحو: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (¬4)، وتَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (¬5)، ومن ربي إنك لأسد، ولله لا يؤخر الأجل، وأنشد سيبويه لعبد مناة الهذلي (¬6): 2748 - لله يبقى على الأيّام ذو حيد ... بمشمخرّ [به] الظّيّان والآس (¬7) وقد بيّن في باب حروف الجر اختصاص كل واحد من هذه الأحرف الأربعة بما خص به. وإذا حذف فعل القسم والباء نصب المقسم به، وإن كان المقسم به عند حذفهما - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (3/ 199). (¬2) سورة ص: 82. (¬3) سورة التوبة: 56. (¬4) سورة الأنعام: 23. (¬5) سورة يوسف: 91. (¬6) عبد مناة بن هبل من كنانة جد جاهلي ذكره القلقشندي ولم يذكر شيئا عن سلالته. الأعلام (4/ 316)، ونهاية الأرب (ص 281). (¬7) من البسيط، والحيد: كل نتوء في قرن أو جبل، والمشمخر: الجبل العالي، والظيّان: ياسمين البر، والآس: الريحان، وفي الأصل: «على» بدل «به»، وهو في الكتاب (3/ 497) منسوبا إلى أمية بن أبي عائذ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «الله» جاز جره مع تعويض همزة مفتوحة يليها ألف نحو: آلله لأفعلن، أو مع «ها» [4/ 43] ساقط الألف نحو: ها لله لأفعلن، أو ثابتها نحو: ها الله لأفعلن، وروي أيضا: هآ لله وهآ الله بحذف ألف «ها» استغناء عنها بقطع همزة الوصل وبالجمع بينهما، وروي أيضا: بالله لأفعلن، بجعل القطع عوضا مكتفى به، وحكى الأخفش في معانيه أن من العرب من يجر اسم الله تعالى مقسما به دون جار موجود ولا عوض (¬1). وذكر غيره من الثقات أنه سمع بعض العرب يقول: كلا الله لآتينك، يريد: كلا والله، وزعم بعض أئمة الكوفة أن الأسماء كلها إذا أقسم بها محذوفا منها الواو تخفض وترفع ولا يجوز النصب إلا في حرفين يعني: كعبة الله وقضاء الله، وأنشد: 2749 - لا كعبة الله ما هجرتكم ... إلّا وفي النّفس منكم أرب (¬2) ومن أجل هذا الكلام قلت بعد: ويجوز جر «الله» دون عوض ولا يشارك في ذلك خلافا للكوفيين ومذهب البصريين أن المقسم به إذا حذف جارّه بلا عوض ولم ينو المحذوف جاز نصبه كائنا ما كان فمن ذلك قول الشاعر: 2750 - إذا ما الخبز تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثّريد (¬3) ومثله: 2751 - فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي (¬4) ومذهب الأخفش: أن الجر في «ها الله» وشبهه بالعوض من الحرف المحذوف، لا بالحرف ذكر ذلك في كتابه الأوسط ووافق الأخفش في هذا جماعة وانتصر لهذا بأنه شبيه بتعويض الواو من الباء والتاء من الواو ولا خلاف في كون الجر بعد الواو والباء بهما، فكذا ينبغي أن يكون الجر بعد «لاها» بهما لا بالمعوض عنه والأصح كون الجر بالحرف المحذوف وإن كان لا يلفظ به كما كان النصب بعد الفاء والواو، وأو، وحتى، وكي الجارة، ولام الجحود بـ «أن» المحذوفة وإن كانت لازمة الحذف. - ¬

_ (¬1) المعاني له (1/ 184، 243). (¬2) من المنسرح، وانظره في: الارتشاف (751، 758)، والدرر (2/ 43)، والهمع (2/ 39). (¬3) من الوافر وانظر: شرح المفصل (9/ 92، 102، 104)، والكتاب (1/ 434)، واللسان (أدم). (¬4) من الطويل لامرئ القيس - ديوانه (ص 32)، والخزانة (4/ 209، 231)، والعيني (2/ 13)، والكتاب (2/ 147)، والمقتضب (2/ 326)، والهمع (2/ 38).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الجر بعدها قول أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه «لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله» ... الحديث (¬1). انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬2). ولا شك أنه قد بين في باب حروف الجر اختصاص التاء واللام بـ «الله»، واختصاص «من» بـ «الرب». وأما الواو فإنه لم يذكرها في الباب المذكور، ولا في هذا الباب أيضا - أعني باب القسم - وهي مختصة بالاسم الظاهر فلا تجر المضمر. والحاصل: أن شيئا من حروف القسم لا يجر المضمر إلا الباء فإنها تجره كما تجر الظاهر تقول: بك لأفعلن؛ قال الشاعر: 2752 - رأى برقا فأوضع فوق بكر ... فلا بك ما أسال ولا أغاما (¬3) أي: فلا وحقك ما أسال، ولا أغاما، وقال الآخر: 2753 - ألا نادت أمامة باحتمال ... لتحزنني فلا بك ما أبالي (¬4) قال ابن عصفور: والأصل في حروف القسم الباء؛ لأن فعل القسم إنما هو أقسم وأحلف وهما لا يصلان إلا بالباء ولذلك تصرفت في الباب فجرت الظاهر والمضمر والواو بدل من الباء وإنما أبدلت منها لأمرين: أحدهما: أن معنى الباء قريب من معنى الواو؛ لأن الواو للجمع والباء للإلصاق والإلصاق جمع في المعنى. والآخر: أنها من حروف مقدم الفم كما أن الباء كذلك والتاء بدل من الواو؛ لأنه قد ثبت إبدالها منها في نحو: تراث وتخمة وتكأة، قال: وأما اللام فليست أصلا؛ لأن «أقسم»، و «أحلف» لا يتعديان بها إنما يتعديان بالباء لكن لما أريد معنى التعجب، والتعجب يصل باللام ضمن فعل القسم معنى عجبت فتعدى - ¬

_ (¬1) عن أبي قتادة بن ربعي، وانظر: البخاري: مغازي (ص 54)، وأبو داود (5/ 206)، والدارمي: جهاد (ص 126)، ومسلم: جهاد (ص 42)، والموطأ: جهاد (ص 18). (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 201). (¬3) من الوافر لعمرو بن يربوع، وانظر: الخصائص (2/ 19)، وشرح المفصل (8/ 34)، (9/ 101)، والكافية الشافية (2/ 862)، واللسان «أهل» والنوادر (ص 123). (¬4) من الوافر لغوية بن سلمى، وانظره في الخصائص (2/ 19)، وشرح المفصل (4/ 38)، والعيني (9/ 100، 101).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعديته فقلت: لله لا يبقي أحد فكأنك قلت: عجبت لله الذي لا يبقي أحدا، ولما لم يكن شيء من هذه الأحرف الأربعة أصلا في هذا الباب لم تتصرف تصرف الحرف الذي هو أصل فيه وهو الباء. انتهى (¬1). وأما قول المصنف: إن فعل القسم يجب حذفه مع هذه الأحرف الأربعة فهو كما قال، غير أن ابن كيسان (¬2) أجاز ظهور الفعل مع الواو خاصة فأجاز أن يقال: أقسم والله لأفعلن، كذا قال ابن عصفور: وهذا لا ينبغي أن يجوز كما لم يجز مع سائر حروف القسم التي ليس استعمالها بحق الأصالة، ولا يحفظه أحد من البصريين، فإن جاء شيء من ذلك فينبغي أن يتأول على أن يكون «أقسم» كلاما تامّا، ثم أتى بعد ذلك بالقسم ولا يجعل «والله» متعلقا بالقسم (¬3). انتهى. وأفاد قول المصنف: وإن حذفا معا - يعني حرف القسم وفعله - نصب المقسم به: أنه لا يجوز بقاء الجر بعد حذف الحرف بل يتعين النصب إلا إذا كان المقسم به الجلالة المعظمة فإن النصب لا يتعين؛ لأنه قد قال بعد ذلك: ويجوز جر «الله» دون عوض. فعلم من هذا أن النصب والجر جائزان في الاسم المعظم. وكلام ابن عصفور مطابق لذلك إلا أنه ذكر أن الاسم المقسم به يجوز فيه بعد حذف حرف الجر الرفع والنصب وذلك أنه قال (¬4): وإذا حذفت حرف القسم وعوضت منه شيئا لم يجز إلا الخفض؛ لأن العوض يجري مجرى المعوض منه قال: إلا أن العرب لم تجعل العوض إلا في اسم الله تعالى، فإن لم تعوض؛ لم يجز الخفض إلا في اسم الله تعالى، فإنهم استجازوا ذلك فيه؛ لكثرة استعماله في القسم فتقول: الله لأقومن، حكى ذلك الأخفش إلا أنه لا يقاس عليه؛ لأن إضمار الخافض وإبقاء عمله لا يجوز إلا حيث سمع، وأما غير اسم الله تعالى من الأسماء إذا حذف حرف القسم منه فإنه يجوز فيه وجهان الرفع على الابتداء، والنصب على إضمار فعل قال: والاختيار النصب على [4/ 44] إضمار فعل؛ لأن القسم إذ ذاك يكون جملة فعلية كما كان قبل الحذف فتقول: يمين الله لأقومن، ويمين الله لأخرجن فمن الرفع قوله: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 225). (¬2) محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان أبو الحسن النحوي أخذ عن المبرد وثعلب اختلف فيه القول هل هو بصري أو كوفي أو بغدادي (ت: 299 هـ)، وقد كان له المذهب في النحو وغيره، وانظر: الأعلام (6/ 197). (¬3) شرح الجمل (2/ 526). (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (1/ 531).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2754 - إذا ما الخبز تأدمه بلحم ... فذاك أمانة الله الثّريد برفع «أمانة»، الأصل فيه: وأمانة الله، فلما حذف الحرف رفع الاسم، ومن النصب قوله: 2755 - فقلت يمين الله أبرح قاعدا ... ... البيت فإنه يروى برفع «يمين»، ونصبه؛ فرفعه على تقدير: قسمي يمين الله، ونصبه على تقدير: ألزم نفسي يمين الله، قال: إلا أسماء شذت فيها العرب فالتزموا فيها الرفع أو النصب والذي التزم فيه الرفع: ايمن الله، ولعمرك والذي التزم فيه النصب: أجدك، قال: وإنما التزم في هذه الأشياء وجه واحد؛ لأنها لا تتصرف في القسم لكونها لا يظهر معها حرف القسم وأما «عوض، وجير» فمبنيان يجوز أن يحكم على موضعهما بالرفع أو النصب. انتهى (¬1). ولقوله: إن حرف القسم إذا حذف يجوز في الاسم المقسم به وجهان: الرفع والنصب. قال الشيخ في قول المصنف: وإن حذفا معا نصب المقسم به: ظاهر كلام المصنف نصب المقسم به فقط، وذكر بعض أصحابنا أنه يجوز فيه وجهان: الرفع والنصب (¬2). انتهى. والذي يظهر أن الذي قاله المصنف هو الحق؛ لأن القاعدة أن حرف الجر إذا حذف تعدى الفعل بنفسه إلى الاسم فنصبه فأما ما ورد مرفوعا فلا يقال فيه: إنه كان مجرورا، ثم حذفنا الحرف ورفعنا، بل يقال: إن الاسم أتي به مرفوعا ابتداء؛ لأن القسم كما يكون بجملة فعلية يكون بجملة اسمية فقول المصنف: وإن حذفا معا نصب المقسم به صحيح لا استدراك فيه عليه. وأمّا قول ابن عصفور: ونصبه على تقدير: ألزم نفسي يمين الله، فليس بظاهر؛ لأن هذا التقدير يقتضي أن لا يكون المتكلم بهذه الجملة مقسما؛ لأن ما أتى به ليس بقسم؛ والحق أن النصب إنما هو بفعل القسم المقدر تعدى بنفسه إلى ما كان متعديا إليه بالحرف على القاعدة المعروفة. وفي شرح الشيخ مشيرا إلى ما ذكره ابن عصفور: وردّ هذا المذهب بأن «ألزم» - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 532). (¬2) التذييل والتكميل (7/ 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس بفعل قسم، وتضمين الفعل معنى القسم ليس بقياس (¬1). قال: وساغ حذف الحرف ووصول فعل القسم بنفسه؛ لكثرة الاستعمال وطول الكلام بالجواب كما ساغ حذف الفعل نفسه لذلك (¬2) قال: وشبه سيبويه ذلك بحذف الحرف قولهم: إنك ذاهب حقّا، والأصل: بحق؛ فحذف الحرف ونصب الاسم بـ «ذاهب» ووجه الشبه أن المحلوف به يؤكد به الحديث كما يؤكد بحق في: إنك ذاهب حقّا (¬3)، وقال أيضا: دلّ كلام المصنف على جواز حذف الحرف يعني مطلقا، وليس كذلك؛ بل إنما يجوز حذف الحرف بشرط أن لا يدخل في الكلام معنى التعجب فإذا قلت متعجبا: تالله لا يبقى أحدا ولله؛ لم يجز حذف التاء، ولا حذف اللام (¬4). انتهى. وأقول: لا يحتاج المصنف إلى استثناء ذلك؛ لأن الحرف إنما لم يجز حذفه في ما ذكره لإفادته معنى يفوت لو حذف الحرف وهو التعجب؛ فلم يكن امتناع الحذف إلا لكونه مفيدا لمعنى يفوت بعدم ذكره، لا لكونه حرف قسم، ولا شك أن ما أفاد معنى لا يجوز حذفه إلا إذا دلّ عليه دليل، ثم إنك قد عرفت أن قول المصنف في المتن: وإن كان «الله» جاز جره بتعويض إثبات الألف غير مفصح عن كيفية النطق بذلك ولكن قد أفصح في الشرح بقوله: وإن كان المقسم به عند حذفهما «الله» جاز جره مع تعويض همزة مفتوحة يليها ألف نحو: آلله لأفعلن. وابن عصفور سمى هذه الهمزة استفهام .. وليس بجيد؛ إذ ليس هنا استفهام أصلا. وأما قول المصنف: أو «ها» محذوف الألف، أو ثابتها مع وصل ألف «الله» وقطعها فيفهم منه أربع صور وهو واضح. ثم إنك تعلم من قول المصنف: وإن كان «الله» جاز جره بتعويض كذا وكذا إلى آخره؛ أن التعويض عن حرف القسم لا يكون إلا إذا كان المقسم به اسم الله عز وجلّ كما ذكر ابن عصفور. وفي شرح الشيخ: فلو جئت بشيء من هذه الأعراض الثلاثة في ما يقسم به من غير لفظ «الله» وحذفت حرف الجر الموضوع للقسم لم يكن إلا النصب تقول: - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) التذييل (7/ 124). (¬3) الكتاب (3/ 497)، وانظر: التذييل (7/ 124). (¬4) المصدر السابق.

[من أحكام الجملة الاسمية في القسم]

[من أحكام الجملة الاسمية في القسم] قال ابن مالك: (فإن ابتدئ في الجملة الاسميّة بمتعيّن للقسم حذف الخبر وجوبا، وإلا فجوازا والمحذوف الخبر إن عري من لام الابتداء جاز نصبه بفعل مقدر، وإن كان عمرا أيضا جاز ضمّ عينه ودخول الباء عليه ويلزم الإضافة مطلقا. وإن كان «ايمن» الموصول الهمزة لزم الإضافة [4/ 45] إلى «الله» غالبا، وقد يضاف إلى «الكعبة» و «الكاف» و «الذي»، وقد يقال فيه مضافا إلى «الله» «إيمن وإيمن وأيمن وأيم وإيم وإم» و «من» مثلث الحرفين، و «م» مثلثا، وليست الميم بدلا من واو، ولا أصلها «من» خلافا لمن زعم ذلك، ولا «ايمن» المذكور جمع «يمين» خلافا للكوفيين. وقد يخبر عن اسم الله مقسما به بـ «لك وعليّ»، وقد يبتدأ بالنذر قسما). ـــــــــــــــــــــــــــــ العزيز لأفعلن، وكذا قال في الارتشاف (¬1). ولم أفهم قوله: وحذفت حرف الجر الموضوع للقسم مع قوله: فلو جئت بشيء من هذه الأعراض الثلاثة؛ لأن العوض لا يكون إلا بعد حذف المعوض عنه، وكذا قوله: ولم يكن إلا النصب؛ لأن الغرض أن الذي أتى به عوض عن حرف الجر فوجب أن يقوم مقامه فكيف ينصب الاسم حينئذ (¬2)؟! قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): المبتدأ المتعين للقسم نحو: «لعمرك» و «لايمن الله» فإنهما لا يستعملان مقرونين باللام إلا مقسما بهما مرفوعين بالابتداء، فالتزم حذف خبرهما لكونه مفهوم المعنى مع سدّ الجواب مسدّه، ونبهت بإضافة نحو إليها على أمرين: أحدهما: أنهما قد يضافان إلى غير ما أضيفا إليه إلا (¬4) نحو: لعمرك الله ولعمري ولايمن الكعبة ولا يمنك. والآخر: أنه قد يقترن غيرهما بقرينة تعينه للقسم وللابتداء فيكون حذف خبره واجبا كقول من توجهت عليه يمين لازمة: لعهد الله لقد كان كذا، فلو لم يتعين - ¬

_ (¬1) الارتشاف (2/ 478)، والتذييل والتكميل (7/ 125). (¬2) بعده في هامش المخطوط: البياض قدر ثلثي صفحة. (¬3) انظر: شرح التسهيل (3/ 201). (¬4) بعده في الأصل: أن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كون المبتدأ مقسما به من قبل نفسه جاز إثبات خبره وحذفه كقولك حالفا: عليّ عهد الله أو يمين الله يلزمني؛ فلك أن تجيء به هكذا، ولك أن لا تلفظ بـ «عليّ» ولا «يلزمني»؛ لأن ذكر الجواب يدل السامع على أنك مقسم، وقد كان قبل ذكره مجوزا أنك غير مقسم ومجوزا أنك مقسم. ولم يمتنع حذف الخبر؛ لكونه مفهوم المعنى بعد ذكر الجواب فلو لم يقترن «لعمر الله» باللام لجاز نصبه كقول أبي شهاب الهذلي: 2756 - فإنّك عمر الله إن تسأليهم ... بأحسابنا إذا تجلّ الكبائر ينبؤك أنّا نفرج الهمّ كلّه ... بحقّ وأنّا في الحروب مساعر (¬1) فلهذا قلت: (والمحذوف الخبر إن عري من لام الابتداء جاز نصبه بفعل مقدر). ثم نبهت على أن العين من «لعمر الله» ونحوه عند عدم اللام يجوز فيها الفتح، والضم، وكان ينبغي أن يجوزا مع وجود اللام لكن خصّ مع كثرة الاستعمال في مصاحبة اللام بالفتح؛ لأنه أخف اللغتين. ومن دخول الباء عليه عند عدم اللام قول الشاعر: 2757 - رقيّ بعمركم لا تهجرينا ... ومنّينا المنى ثمّ امطلينا (¬2) ومثله: 2758 - أأقام أمس خليطنا أم سارا ... سائل بعمرك أيّ ذاك اختارا (¬3) وقولي: (ويلزم الإضافة مطلقا) أي: إلى الظاهر والمضمر ومع وجود اللام وعدمها. واحترزت بقولي: وإن كان «ايمن» الموصول الهمزة من «أيمن» بقطع الهمزة فإنه جمع يمين بلا خلاف، وحكمه إذا أقسم به حكم واحده. وأما الموصول الهمزة فيلزم الإضافة إلى «الله» أو إلى «الكعبة»، أو إلى ضمير المخاطب وإلى «الذي» لكن إضافته إلى غير «الله» قليلة وإضافته إلى ضمير المخاطب وإلى «الذي» أقلّ من إضافته إلى الكعبة. ومن إضافته إلى ضمير المخاطب قول عروة بن الزبير (¬4) رضي الله تعالى عنهما - ¬

_ (¬1) البيتان من الطويل، وانظرهما في التذييل (7/ 128)، والكافية والشافية (2/ 875) برواية: فإن يك. (¬2) من الوافر لعبد الله بن قيس الرقيات - ديوانه (ص 137)، والدرر (2/ 46)، والمحتسب (1/ 43)، والموشح (ص 149)، والهمع (2/ 41). (¬3) من الكامل، والخليط: المجاور، أو الذي خلطته بنفسك، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه (ص 127)، والكافية الشافية (2/ 876). (¬4) عروة بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، «بئر عروة» بالمدينة منسوبة إليه (ت: 93 هـ). راجع: الأعلام (5/ 17)، وحلية الأولياء (2/ 176)، وصفة الصفوة (2/ 47).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «لا يمنك لئن ابتليت لقد عافيت» (¬1) ومن إضافته إلى «الذي» قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وايم الذي نفسي بيده» (¬2)، وفيه حين يليه «الله» اثنتا عشرة لغة: ثلاث مع ثبوت الهمزة والنون، وثلاث مع حذف النون دون الهمزة، وثلاث مع حذف الهمزة والياء وثبوت النون، وثلاث مع الاقتصار على الميم فيقال: ايمن الله، وايمن الله، وايمن، وايم الله، وايم الله، وام الله، ومن الله، والله، ومن الله، وم الله، وم الله، وم الله. وزعم بعضهم: أن الميم المفردة بدل من واو «الله» كالتاء وليس بصحيح؛ لأنها لو كانت بدلا منها لفتحت كما فتحت التاء، ولأن التاء إذا أبدلت من الواو في القسم فلها نظائر في غير القسم مطردة كـ «اتصف، واتصل»، وغير مطردة كـ «تراث وتجاه»، وليس لإبدال الميم من الواو إلا موضع شاذ، وهو «فم» وفيه مع شذوذه خلاف. وزعم الزمخشري: أنها من المستعملة مع «ربي»، فحذفت نونها (¬3) وليس بصحيح أيضا؛ لأنها لو كانت إياها لاستعملت في النقص مع ما استعملت في التمام على الأشهر كما لم تستعمل «ايمن» في النقص إلا مع ما استعملت في التمام على الأشهر. واحترزت بالأشهر من رواية الأخفش عن بعض العرب: من الله، ومن الكعبة، وايمن الله، وايمنك، وايم الله نفسي بيده (¬4). وقال الزمخشري في «م الله»: ومن الناس من يزعم أنها من «ايمن» (¬5). قلت: لم يعرف من الذي زعم ذلك وهو سيبويه - رحمه الله تعالى - فإنه قال - في باب عدة ما يكون عليه الكلم -: واعلم أن بعض العرب يقول: م الله لأفعلن، يريد: ايم الله (¬6). وفي عدم معرفة الزمخشري بأن صاحب هذا القول سيبويه دليل على أنه لم يعرف من كتابه إلا ما يعرف بتصفح وانتقاء، لا بتدبر واستقصاء، فما أوفر تبجحه، وأيسر ترجحه عفا الله عنّا وعنه. وزعم الكوفيون: أن «ايمن» المذكور جمع «يمين»، ورأيهم هذا ضعيف ويدل على ضعفه ثلاثة أمور: أحدها: أن همزة الجمع همزة قطع، وهمزة هذا الاسم همزة وصل؛ لسقوطها - ¬

_ (¬1) ينظر الارتشاف (2/ 480)، وشرح العمدة (325، 862)، والهمع (2/ 40). (¬2) أخرجه البخاري: الأيمان والنذور (83) وانظر: شواهد التوضيح (ص 50)، والهمع (2/ 40). (¬3) المفصل بشرح ابن يعيش (9/ 98، 99). (¬4) وينظر: الارتشاف (2/ 480). (¬5) المفصل (9/ 99). (¬6) الكتاب (4/ 229).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع اللام في: «ليمنك لئن ابتليت لقد عافيت»، وفي قول الشاعر: 2759 - فقال فريق القوم لمّا قصدتهم ... نعم وفريق ليمن الله ما ندري (¬1) وليس هذا بضرورة؛ لتمكن الشاعر [4/ 46] من إقامة الوزن بتحريك التنوين والاستغناء عن اللام. الثاني: أن من العرب من يكسر الهمزة في الابتداء، وهمزة الجمع لا تكسر. الثالث: أن العرب من يفتح الميم فتكون على وزن «أفعل» ولا يوجد ذلك في الجموع. ومن الإخبار بـ «لك» عن اسم الله مقسما قول الشاعر: 2760 - لك الله لا ألفي لعهدك ناسيا ... فلا تك إلّا مثل ما أنا كائن (¬2) ومثله: 2761 - لقد حليتك العين أوّل نظرة ... وأعطيت منّي يا ابن عمّ قبولا أميرا على ما شئت منّي مسلّطا ... فسل فلك الرّحمن تمنح سولا (¬3) ومن الإخبار عنه بـ «على» قول الآخر: 2762 - نهى الشّيب قلبي عن صبا وصبابة ... ألا فعلى الله أوجد صابيا (¬4) ومثال جعل النذر قسما مرفوعا بالابتداء قول الشاعر: 2763 - عليّ إلى البيت المحرّم حجّة ... أوافي بها نذرا ولم أنتعل نعلا لقد منحت ليلى المودّة غيرنا ... وإنّ لها منّا المودّة والبذلا (¬5) انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬6). - ¬

_ (¬1) من الطويل لنصيب - ديوانه (ص 94)، والدرر (2/ 44) برواية «لا وفريقهم ... لا»، والكتاب (2/ 147، 273)، والمغني (ص 101) برواية «نشدتهم»، والهمع (2/ 40). (¬2) البيت من الطويل وهو - بغير نسبة - كذلك في التذييل (7/ 141). (¬3) من الطويل لعمر بن أبي ربيعة - ديوانه (ص 356)، وفيه بيت يفصل بينهما أوله: «فأصبحت» وآخره: «ظليلا»، وفي الأصل «يمنع» بدل «تمنح». (¬4) من الطويل وانظره في التذييل (7/ 141) برواية «السيف» بدل «الشيب». (¬5) البيتان من الطويل، وانظر الارتشاف (2/ 482) برواية «لها» بدل «بها» و «فيها» بدل «منا» والتذييل (7/ 141) والكافية الشافية (2/ 755). (¬6) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو كلام حسن على عادته واف بالمقصود وليس فيه إلا تعرضه إلى الغض من الزمخشري وتجهيله إياه بكتاب سيبويه. وليس هذا من طريقة المصنف، فإنه بحمد الله تعالى مكفوف اللسان عمّن هو دون الزمخشري في الرتبة، فكيف بمن هو عالي الرتبة، ولكن كما قيل: الجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو. والعجب أن ما قاله في حق الزمخشري من أنه لا يعرف من الكتاب إلا ما يعرف بتصفح وانتقاء، لا بتدبر واستقصاء قاله الشيخ أثير الدين في حقه إما بهذا اللفظ أو بمعناه أو ما يقرب منه حسبما تقف عليه في باب إعراب الفعل إن شاء الله تعالى. وهذا يحقق قول القائل: كما تدين تدان (¬1). فكأن المصنف جوزي بالوقوع في حقه عما وقع به في حق الزمخشري وقد ثلب الشيخ الرجلين كليهما هنا بعد أن اعتذر عن الزمخشري في ما عابه عليه المصنف فقال: وما رد به المصنف على الزمخشري غير صحيح (¬2)؛ لأن ذلك لا يدل على الجهل بالقائل بل الظاهر أنه لما كان عنده هذا القول ضعيفا تأدّب مع سيبويه فقال: ومن الناس، ولم يصرح باسمه إعظاما له لما خالفه. قال: وأما قوله عنه: إنه لم يعرف من كتاب سيبويه إلا ما يعرف بتصفح وانتقاء لا بتدبر واستقصاء؛ فهو كما قال، ولذلك وقع في مفصّله أغلاط ومخالفة لسيبويه وقد رد الناس عليه ذلك لكن ما ذكره المصنف عن الزمخشري هو مشارك له فيه. فكم مكان خالف فيه نصوص سيبويه عن العرب. وكم نقل جهله عنه، وكم مفهوم فهمه خلاف ما فهمه المعتنون بكتاب سيبويه والتفقه فيه على أنه رحمه الله تعالى لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد إنما كان يتصفح منه مواضع، قال: وقد رحل الزمخشري من خوارزم إلى مكة شرفها الله تعالى قبل العشرين وخمس المائة لقراءة كتاب سيبويه على رجل من أصحابنا أهل الأندلس يعرف بأبي بكر بن طلحة البابرتي كان مجاورا بها عالما بكتاب سيبويه وغيره، وله تصانيف فقرأ عليه الزمخشري جميع الكتاب وأما قوله: فما أوفر تبجحه، وأيسر ترجحه؛ فهو كما قال وافر التبجح يسير الترجح معظم نفسه على طريقة أمثاله من أهل بلاده. انتهى - ¬

_ (¬1) من أمثال العرب على أن الجزاء من جنس العمل - مجمع الأمثال (2/ 91). (¬2) التذييل (7/ 137، 138).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام الشيخ رحمه الله تعالى (¬1). وقد رأيت ما أفهمه كلامه من الغض من هذين الرجلين الكبيرين اللّذين أجلّ الله تعالى قدرهما وأظهره ورفع ذكرهما ونشره بشهرة ما لهما من التصانيف والتوجه إليها والإكباب عليها. ولا شك أن فضل الرجلين غير منكور ومحلهما في العلم الشريف ليس بمحجوب عن ذوي البصائر ولا مستور في تعب من يحسد الشمس نورها، ويجهد أن يأتي لها بضريب. وغالب ما يخالف فيه المصنف سيبويه إنما تخالف مع العلم بكلام سيبويه والاطلاع عليه؛ ولهذا يصرح تارة في المتن وتارة في الشرح فيقول خلافا لسيبويه. ولعل ما ذكره الشيخ قد يكون في بعض المسائل، لا في الكثير كما أفهمه كلام الشيخ بقوله: فكم، وكم، وكم. ثم ما يذكره المصنف مما يخالف رأي سيبويه إن كان صحيحا فبها، وإن لم يكن صحيحا وقد جهل فيه كلام سيبويه؛ فليس ذلك بنقص؛ إذ كل مأخوذ من كلامه ومتروك إلا المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. والرجل العالم لا يلزم في حقه أن يطلع على جميع المسائل. ومن شأن العالم أن يصيب ويخطئ، ومن حكمة الله تعالى وتفضله على عباده أن ينعم على الإنسان بأن يفهمه من العلم ما يفهمه، ثم يحجب عنه ما يجعله نصيبا لمن يأتي بعده؛ ليكون لكل أحد نصيب وحظ من التبصر، والإدراك، والفهم فيحصل الخير كلّه للناس كلّهم. وأما كون المصنف لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد فهذا غاية المدح له والتعظيم بجانبه حيث خاض في المشكلات وأدرك الحقائق بنفسه ابتداء دون مسلك ولا موقف، وقد كان الشيخ يلمزه أيضا بأنه لا يعرف له شيخ أخذ عنه هذا الفن - أعني فن العربية - وهو عجب؛ فإن [4/ 47] ذلك يدل على علو رتبته، وسمو همته، وعلى قوة أتاها الله تعالى له، وأعانه كما قال هو في خطبة كتابه: وإذا كانت العلوم منحا إلهية ومواهب اختصاصية؛ فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين. - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 138).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولقد صدق فإنه أبرز للناس تصانيف في هذا العلم لا عهد لهم بمثلها، وجلالة كتاب «التسهيل»، وما اشتمل عليه من الجمع والتنقيح والتحبير مع الإيجاز تشهد له بالتبريز، وقد كان الشيخ مكبّا على هذا الكتاب بعد أن كتبه بخطه، وشحن هوامشه بالأمثلة والشواهد، وكان عمدته، وغالب أوقاته ينظر فيه وطالما شاهدته وهو يخرجه من كمه حين يسأل عن مسألة فينظر فيه ويجيب وكان يقول: من عرف هذا الكتاب حقّ المعرفة لا يكون تحت أديم السّماء أحد أعلم منه بهذا الفنّ. ثم إن الناس يذكرون أن الشيخ لم يقرأ كتاب سيبويه على أحد أيضا ببلاد الغرب وأنه بعد قدومه إلى الديار المصرية قرأه على الشيخ بهاء الدين بن النحاس (¬1) مصححا ألفاظه ومحررا لها مع قصد الرواية، أما قراءة بحث وتدبر فلا. وأما قوله عن الزمخشري: إنه وافر التبجح كثير الترجح معظم نفسه؛ فالزمخشري في صوب آخر يضاد ما ذكره الشيخ عنه؛ ودليل ذلك أن الحافظ السلفي (¬2) رحمه الله كتب إليه يستجيزه، وسأله أن يكتب له مجموعاته في الفنون وتصانيفه ومشايخه الذين أخذ عنهم العلم الشريف إلى غير ذلك، وأكد عليه في الجواب وقال: كنت كتبت في العام الماضي أستدعي ذلك فلم يرد علي جواب يشفي الغليل. فكتب الزمخشري الجواب إلى السلفي رحمهما الله تعالى: ما مثلي مع أعلام العلماء إلا كمثل السها (¬3) مع مصابيح السماء، والجهام (¬4) الصفر الرهام (¬5) مع العوادي العامرة القيعان والآكام (¬6)، والسّكّيت (¬7) المخلف مع خيل السباق، والبغاث (¬8) مع الطير العتاق، وما التقليب بالعلامة إلا شبه الرقم مع العلاقة، والعلم مدينة أحد بابيها: الدراية، والثاني: الرواية، وأنا في كلا البابين ذو بضاعة مزجاة، ظلّي فيها أقلص - ¬

_ (¬1) أبو عبد الله محمد بهاء الدين بن إبراهيم الحلبي من مؤلفاته: التعليقة على المقرب لابن عصفور وهي محققة بكلية اللغة العربية بأسيوط وفي مخطوط بمكتبة الأزهر (4947) (رواق الأتراك) أمهات المؤمنين، وشرح ديوان امرئ القيس (ص 698) انظر الأعلام (6/ 187)، وغاية النهاية (2/ 46)، والنشأة (ص 276). (¬2) ينظر الأعلام (4/ 293) والنجوم الزاهرة (6/ 127) - (ت: 544 هـ). (¬3) كويكب صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى، والناس يمتحنون به أبصارهم. (¬4) السحاب الذي لا ماء فيه. (¬5) جمع رهمة: المطر الضعيف الدائم. (¬6) ما ارتفع عما حوله ولا يبلغ حجرا. (¬7) آخر ما يجيء من الخيل في الحلبة. (¬8) كل طائر ليس من جوارح الطير، وفي المثل: إن البغاث بأرضنا يستنسر.

[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها]

[الحروف التي يتلقى بها القسم، وأحكامها] قال ابن مالك: فصل (المقسم عليه جملة مؤكّدة بالقسم تصدّر في الإثبات بلام مفتوحة، أو «إنّ» مثقلة أو مخفّفة، ولا يستغنى عنها غالبا دون استطالة، وتصدّر في الشّرط الامتناعيّ بـ «لو» و «لولا»، وفي النّفي بـ «ما»، أو «لا»، أو «إن»، وقد تصدّر بـ «لن» أو «لم» وتصدّر بالطّلب بفعله أو بأداته، أو بـ «إلّا» أو «لمّا» بمعناها. وقد تدخل اللّام على «ما» النّافية اضطرارا، وإن كان أوّل الجملة مضارعا مثبتا مستقبلا غير مقارن حرف تنفيس ولا مقدّم معموله لم تغنه اللّام غالبا عن نون توكيد، وقد يستغنى بها عن اللّام، وقد يؤكّد المنفيّ بـ «لا»، ويكثر حذف نافي المضارع المجرّد مع ثبوت القسم ويقلّ مع حذفه، وقد يحذف نافي الماضي إن أمن اللّبس، ويكثر ذلك لتقدّم نفي على القسم وقد يكون الجواب مع ذلك مثبتا، وقد يحذف لأمن اللّبس نافي الجملة الاسميّة وقد يكون الجواب قسما). ـــــــــــــــــــــــــــــ من ظل حصاة. أما الرواية فحديثة الميلاد قريبة الإسناد لم تستند إلى علماء نحارير، ولا إلى أعلام معروفين، وأما الدراية فثمد (¬1) لا يبلغ أفواها وبرض (¬2) لا يبل شفاها ... إلى آخر ما قاله. فلينظر إلى تأدب هذا الرجل، واستصغاره نفسه وامتثال قوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ (¬3). وبعد: فرضي الله تعالى عنهم أجمعين، وحشرنا في زمرة محمد سيد المرسلين، في خير وعافية بمنه وكرمه؛ إنه على كل شيء قدير. قال ناظر الجيش: قد عرف من قولهم في حد القسم: إنه جملة يؤكد بها جملة؛ أنّ الجواب لا يكون إلا جملة؛ لأنه هو المؤكد بجملة القسم. قال ابن عصفور في شرح الجمل (¬4): وزعم أبو الحسن أن جواب القسم قد يكون لام «كي» مع الفعل نحو قولك: - ¬

_ (¬1) بإسكان الميم وفتحها: الماء القليل لا مادّ له. (¬2) القليل من الماء. (¬3) سورة النجم: 32. (¬4) انظر الكتاب المذكور (1/ 520).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تالله ليقوم زيد، قال: فعلى هذا قد يكون الجواب من قبيل المفردات؛ لأن لام «كي» إنما تنصب بإضمار «أن» و «أن» وما بعدها يتأول بالمصدر فكأنك قلت: تالله للقيام؛ إلا أن العرب أجرت ذلك مجرى الجملة لجريان الجملة بالذكر بعد لام «كي» فوضعت لذلك ليفعل موضع «ليفعلن». وقال في شرح الإيضاح: عند ذكره الحروف التي يلتقي بها القسم: وزعم أبو الحسن الأخفش أن العرب قد تتلقى القسم بلام «كي» وحمل على ذلك قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ (¬1)، وقوله تعالى: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ (¬2)، والمعنى عنده: ليرضنكم ولتصغين، واستدل أبو علي في «العسكريات» (¬3) على صحة ما ذهب إليه يعني الأخفش يقول ابن عتاب الطائي: 2764 - إذا قال قدني قال بالله حلفة ... لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا (¬4) ثم قال أبو علي: فإن قيل: إن المقسم عليه إنما يكون جملة وليس هذا بجملة؛ لأن «أن» والفعل في تقدير اسم مفرد. قيل: إن ذلك لا يمنع من وقوعه موقع الجملة التي يقسم عليها وإن كان مفردا وذلك أن الفعل والفاعل اللّذين جريا في الصلة يسدّان مسد الجملة فيصير المجموع بمنزل الجملة وسادّا مسدّها كما كان ذلك في نحو قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا (¬5)، وكقولهم: علمت أن زيدا منطلق، وكذلك قولهم: لو أنك جئتني أكرمتك [4/ 48]، وقولهم: أقائم زيد. لكن رجع أبو علي عن ذلك في «التذكرة»، و «البصريات» وقال: إن ذلك لم يرد في كلام العرب، وإن الآيتين الشريفتين والبيت لا حجة للأخفش فيها. أما قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ فاللام متعلقة بـ (يحلفون،) وليس القسم بمراد؛ إنما المراد الإخبار عنهم بأنهم يحلفون أنهم ما فعلوا ذلك ليرضوا بحلفهم المؤمنين. وأما قوله تعالى: وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ - ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 62. (¬2) سورة الأنعام: 113. (¬3) انظر: الكتاب المذكور (ص 132) تحقيق د/ محمد الشاطر، وانظر: الارتشاف (2/ 483)، والهمع (2/ 41). (¬4) من الطويل لحريث بن عناب، وانظره في: الخزانة (4/ 580)، والدرر (2/ 44)، وشرح المفصل (3/ 8)، والمغني (ص 210، 409)، والمقرب (2/ 77)، والهمع (2/ 41). (¬5) سورة العنكبوت: 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ (¬1) الآية الشريفة فإنه محمول على ما قبله من المصدر وهو غُرُوراً من قوله تعالى: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً (¬2)؛ لأنه مفعول له والتقدير: للغرور ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه، والضمير في (إليه) عائد على زُخْرُفَ الْقَوْلِ (¬3). وأما بيت ابن عتاب فرواه أبو علي في «البصريات»: 2765 - إذا قلت قدني قلت [بالله] حلفة ... ... البيت ولا حجة فيه على هذه الرواية لاحتمال أن يكون «لتغني» متعلقا بالبيت ولم يرد القسم، وإنما أراد أن يخبر مخاطبه أنه قد آلى كي يشرب جميع ما في إنائه، ورواه ثعلب: (لتغنين عني). قال: وهذا إنما يكون للمرأة إلا أنه في لغة طيئ جائز وفي لغة غيرهم «لتغنين عني» واللام لام أمر أدخلها في المخاطب والتقدير: حلفت بالله حلفة كي يغني ذا إنائك. ويجوز أيضا أن يكون المقسم عليه محذوفا لدلالة الحال عليه والتقدير: أغنينّ عني. قال: وهذه الرواية التي ذكرها ثعلب تدل على أن البيت لم يرد بها القسم وإنما أراد بها الإخبار بأنه آلى. ورواه في «عسكرياته»: (قلت بالله حلفة). ولا حجة فيه أيضا على هذه الرواية؛ لاحتمال أن يكون بالله متعلقا بفعل مضمر لا يراد به القسم بل الإخبار ويكون قوله: «لتغني» متعلقا به والتقدير: بالله حلفت حلفة كي تغني عن ذا إنائك. ويجوز أيضا أن يكون المقسم عليه محذوفا لدلالة الحال عليه، والتقدير: قال بالله حلف لتشربن لتغني عني؛ فيكون إذ ذاك نحو ما حكى أبو الحسن من قولهم: أما والله، ويحذفون ما يقسمون عليه قال: وعلى هذا الوجه حمل أبو علي البيت في تذكرته. هذا ما ذكره في شرح الإيضاح (¬4). - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 113. (¬2) سورة الأنعام: 112. (¬3) الإغفال (1/ 79)، والتذييل (4/ 57)، والهمع (2/ 41). (¬4) الارتشاف (2/ 483)، والمغني (ص 210، 409).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهر أن الأولى في تخريج البيت ما خرّجه أبو علي في «التذكرة» وهو أن الجواب محذوف تقديره: لتشربن. ثم اعلم أن ابن عصفور ذكر في شرح الجمل (¬1): أن الحروف التي تعلق المقسم به بالمقسم عليه - أي تربط الجواب بالقسم - أربعة: حرفان في الإيجاب وهما «أن واللام»، وحرفان في النفي وهما «ما ولا»؛ وذلك أن الجملة إما اسمية وإما فعلية؛ فالاسمية إن كانت موجبة فالرابط «إن واللام»، أو «إن» وحدها، أو اللام وحدها نحو: والله إن زيد لقائم، و: والله إن زيدا قائم، و: والله لزيد قائم، وإن كانت منفية نفيت بـ «ما» نحو: والله ما زيد قائم. والفعلية ثلاثة أقسام: مصدرة بفعل ماض، ومصدرة بفعل هو حال، ومصدرة بفعل مستقبل. فالماضي إن كان منفيّا نفي بـ «ما» نحو: والله ما قائم زيد، وإن كان موجبا؛ فإما قريب من زمن الحال، أو بعيد منه؛ فالقريب يتلقى بـ «اللام وقد» نحو: والله لقد قام زيد، والبعيد يتلقى باللام وحدها نحو: والله لقام زيد. قال الشاعر: 2766 - حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال (¬2) قال: ومن الناس من يقدر «قد» إذا ورد الفعل باللام وحدها. وليس ذلك بصحيح. وأما المستقبل فإن كان منفيّا نفي بـ «لا» نحو: والله لا يقوم زيد، وقد يحذف النافي؛ لأن حذفه لا يوقع في لبس المثبت وإن كان موجبا فالرابط اللام ونون التوكيد الشديدة أو الخفيفة؛ نحو: والله ليقومن زيد، ولا يجوز حذف النون وإبقاء اللام ولا حذف اللام وإبقاء النون إلا في الضرورة. وأما الفعل الذي هو حال: فمن الناس من قال: إنه لا يقسم عليه، لأن مشاهدته تغني عن الإقسام عليه، وهو باطل؛ لأنه قد يعوق عن مشاهدته عائق فيحتاج إذ ذاك إلى القسم، فالصحيح أنه يجوز أن يقسم عليه، فإن كان منفيّا نفي بـ «ما» خاصة نحو: والله ما يقوم زيد، ولا يجوز حذفها وإن كان موجبا وجب أن يبنى من الفعل اسم فاعل ويصيّر خبرا لمبتدأ، ثم يقسم على الجملة الاسمية فتقول: والله إن زيدا - ¬

_ (¬1) شرح الجمل: (1/ 526). (¬2) من الطويل لامرئ القيس - ديوانه (ص 32)، والدرر (1/ 96)، (2/ 48)، والمغني (ص 173، 436، 636)، والهمع (1/ 124)، (2/ 42) هذا والفاجر - هنا -: الكاذب، والصالي: الذي صلي بالنار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقائم، أو إن زيدا قائم، أو لزيد قائم. قال (¬1): وإنما لم يجز أن تبقي الفعل على لفظه وتدخل اللام؛ لأنك لو قلت: والله ليقوم زيد؛ لم تدر هل «يقوم» خبر «إن»، أو جواب للقسم. ولا يجوز إدخال النون فارقة؛ لأن النون تخلص للاستقبال، وقد تدخل عليه اللام وحدها ولا يلتفت إلى اللبس إلا أن ذلك قليل جدّا بابه الشعر؛ قال الشاعر: 2767 - تألّى ابن أوس حلفة ليردّني ... إلى نسوة كأنّهنّ مفائد (¬2) قال: إلا أن يكون جواب القسم «لو» وجوابها؛ فإن الحرف الذي يربط المقسم به بالمقسم عليه إذ ذاك إنما هو أن نحو: والله أن لو زيد قائم لقام عمرو، ولا يجوز الإتيان باللام كراهة الجمع بين لام القسم ولام «لو» فلا يجوز: والله للو قام زيد قام عمرو (¬3). انتهى كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى. وما ذكره هنا مطابق لما ذكره في «المقرب» لكنه ذكر في المقرب مسألتين لم يتعرض لذكرهما في «شرح الجمل»: الأولى: أن اللام قد لا تذكر مع الفعل الماضي إذا طال الكلام نحو قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (¬4) ثم قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (¬5). الثانية: أن الفعل المستقبل تدخل عليه في الإيجاب اللام وحدها إن فصل بينها وبين الفعل نحو قوله تعالى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (¬6)، وإذ قد ذكر هذا فلنورد كلام المصنف [4/ 49] وحينئذ يظهر ما بين الكلامين من التوافق والتخالف، وإنما بدأت بكلام ابن عصفور؛ لأنه أقرب إلى ضبط مسائل الفصل. قال المصنف رحمه الله تعالى (¬7): تصدير الجملة الاسمية المقسم عليها بلام مفتوحة كقوله تعالى: ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (¬8)، وكقول حسّان رضي الله تعالى عنه: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 528). (¬2) من الطويل لزيد الفوارس بن حصين، والمفائد: جمع مفأد وهو الخشبة التي يحرك بها التنور. وانظره في الخزانة (4/ 218)، والدرر (2/ 46)، وشرح المرزوقي (2/ 557)، والمقرب (1/ 206) والهمع (2/ 42) ثم شرح الجمل (1/ 378، 379). (¬3) شرح الجمل (1/ 529). (¬4) سورة الشمس: 1. (¬5) سورة الشمس: 9. (¬6) سورة آل عمران: 158، وانظر: المقرب (1/ 205، 206). (¬7) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 205). (¬8) سورة مريم: 70.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2768 - فلئن فخرت بهم لمثل قديمهم ... فخر اللّبيب به على الأقوام (¬1) وتصديرها بـ «إن» مثقلة كقوله تعالى: إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (¬2)، وتصديرها بالمخففة كقوله تعالى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (¬3)، ويستغنى عنهما قليلا دون استطالة في المقسم به كقول أبي بكر رضي الله تعالى عنه: «والله أنا كنت أظلم منه» (¬4)، والأصل: لأنا؛ فحذفت اللام، والمقسم به اسم لا استطالة فيه بصلة، ولا عطف؛ فلو كان فيه استطالة لحسن الحذف، وكان جديرا بكثرة النظائر كقول بعض العرب: أقسم بمن بعث النبيين مبشرين ومنذرين وختم بالمرسل رحمة للعالمين هو سيدهم أجمعين صلّى الله عليه وسلّم، ومثله قول ابن مسعود (¬5) رضي الله تعالى عنه: «والّذي لا إله غيره هذا مقام الّذي أنزلت عليه سورة البقرة» (¬6) صلّى الله عليه وسلّم، والأصل: لهذا؛ فحذفت اللام؛ لاستطالة القسم والخبر بالصلتين، ومنه قول الشاعر: 2769 - وربّ السّموات العلى وبروجها ... والأرض وما فيها المقدّر كائن (¬7) أراد: للمقدر كائن؛ فحذفت؛ لاستطالة القسم بالعطف، ومن التصدير بـ «لو» قول سويد بن كراع (¬8): 2770 - فتالله لو كنّا الشّهود وغبتم ... إذا لملأنا جوف جيرانهم دما (¬9) ومن التصدير بـ «لولا» قول عبد الله بن الزبير (¬10): - ¬

_ (¬1) من الكامل وهو في ديوانه (ص 391). (¬2) سورة الليل: 4. (¬3) سورة الطارق: 4. (¬4) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي (62)، وانظر شواهد التوضيح (ص 163)، والهمع (2/ 42). (¬5) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي من أكابر الصحابة فضلا وعقلا وقربا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أول من جهر بقراءة القرآن بمكة وهو «وعاء مليء علما» - له في الصحيحين (848) حديثا (ت 32 هـ) الحلية (1/ 124)، وصفة الصفوة (1/ 154). (¬6) أخرجه البخاري: كتاب الحج (25)، وباب رمي الجمار (135)، وابن حنبل (2/ 68)، وابن ماجة: مناسك (64)، ومسلم: قسامة (26). (¬7) من الطويل - وانظر الدرر (2/ 49)، والمغني (ص 591)، والهمع (2/ 42). (¬8) العكلي من بني الحارث بن عوف شاعر مقدم في العصر الأموي - الأغاني (11/ 123) والجمحي (143، 147) وما بعدها. (¬9) من الطويل - الدرر (2/ 50)، والهمع (2/ 43). (¬10) ابن العوام القرشي أول مولود في المدينة بعد الهجرة بويع بالخلافة (64 هجرية) (ت 73 هـ)، الأعلام (4/ 218)، والحلية (1/ 329)، وفوات الوفيات (1/ 210).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2771 - فو الله لولا خشية النّار بغتة ... عليّ لقد أقبلت تجري معولا (¬1) ونبهت بقولي: (وفي النفي بـ «ما، أو لا، أو إن») على أن البواقي المخصوصة بجواب القسم هي الثلاثة التي لا تختص بفعل ولا اسم وهي: «ما، ولا، وإن» بخلاف «لم، ولن، ولما»؛ فإنها مخصوصة بالفعل، فأرادوا أن يكون ما ينفى به الجواب مما لا يمتنع دخوله على الاسم؛ لأن ما لا يمتنع دخوله على الاسم يجوز دخوله على الفعل، والجواب قد يصدر بكل واحد منها فلذلك لم ينف جواب القسم دون ندور بغير الثلاثة التي لا تختص إلا أن المنفي بها في القسم لا يتغير عما كان عليه دون قسم إلا إن كان فعلا موضوعا للمضي فقد يتحدد له الانصراف إلى معنى الاستقبال؛ فمن ورود ذلك في المنفي بـ «ما» قوله تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ (¬2)، ومن وروده في المنفي بـ «لا» قول الشاعر: 2772 - ردوا فو الله لأذدانكم أبدا ... ما دام في مائنا ورد لنزّال (¬3) ومن ورود ذلك في المنفي بـ «إن» قول الله تعالى: وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ (¬4) وندر نفي الجواب بـ «لن» في قول أبي طالب (¬5): 2773 - والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتّى أوارى في التّراب دفينا (¬6) وندر أيضا نفي الجواب بـ «لم» فيما حكى الأصمعي أنه قال لأعرابي: ألك بنون؟ قال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة (¬7). ومثال تصدير جملة الجواب في الطلب بفعل طلب قول الشاعر: 2774 - بعيشك يا سلمى ارحمي ذا صبابة ... أبى غير ما يرضيك في السّرّ والجهر (¬8) - ¬

_ (¬1) من الطويل - التذييل (7/ 146)، والكافية الشافية (ص 332). (¬2) سورة البقرة: 145. (¬3) من البسيط - الدرر (2/ 45)، والهمع (2/ 41). (¬4) سورة فاطر: 41. (¬5) عبد مناف بن عبد المطلب عم النبي عليه السّلام (ت 3 ق. هـ) الأعلام (4/ 315). (¬6) من الكامل - ديوانه (ص 4)، والدرر (2/ 45)، والمغني (ص 285، 618)، والهمع (2/ 41). (¬7) الكافية الشافية (2/ 849)، والهمع (2/ 41). (¬8) من الطويل - الدرر (2/ 45) برواية «بعينيك» والمغني (ص 584)، والهمع (2/ 41).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال تصديرها بأداة طلب قول الشاعر: 2775 - بربّك هل للصّبّ عندك رأفة ... فيرجو بعد اليأس عيشا مجدّدا (¬1) ومثال تصديرها بـ «إلا» قوله: 2776 - بالله ربّك إلّا قلت صادقة ... هل في لقائك للمشغوف من طمع (¬2) ومثال تصديرها بـ «لما» التي بمعنى «إلا» قول الراجز: 2777 - قالت له بالله يا ذا البردين ... [لما] غنثت نفسا أو اثنين (¬3) ولا تدخل اللام على جواب منفي إلا إذا نفي بـ «ما» ولا تدخل عليه وهو منفي بـ «ما» إلا في الضرورة كقول الشاعر: 2778 - لعمرك يا سلمى لما كنت راجيا ... حياة ولكنّ العوائد تحرق (¬4) وإن صدرت الجملة المجاب بها القسم بفعل مضارع وكان مثبتا فإما أن يراد به الاستقبال، أو يراد به الحال؛ فإن أريد به الحال قرن باللام، ولم يؤكد بالنون؛ لأنها مخصوصة بالمستقبل. فمن شواهد إفراد اللام لكون الحال مقصودا قول الشاعر: 2779 - لئن تك قد ضاقت عليّ بيوتكم ... ليعلم ربّي أنّ بيتي واسع (¬5) ومثله: 2780 - لعمري لأدري ما قضى الله كونه ... يكون وما لم يقض ليس بكائن (¬6) - ¬

_ (¬1) من الطويل - الدرر (2/ 45)، والهمع (2/ 41). (¬2) البيت من البسيط وهو في الدرر (2/ 46)، والهمع (2/ 42). (¬3) غنث: شرب ثم تنفس، وقال الشيباني: هو ههنا كناية عن الجماع، وانظره في الدرر (2/ 46، 55) واللسان «غنث» والمغني (ص 281) والهمع (2/ 42، 45). (¬4) من الطويل - التذييل (7/ 151). (¬5) من الطويل للكميت بن معروف - الأشموني (3/ 215)، (4/ 30)، والخزانة (4/ 220، 545، 578)، والعيني (4/ 327)، والكافية الشافية (2/ 837). (¬6) من الطويل، وهو في التذييل والتكميل (7/ 152).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 2781 - وعيشك يا سلمى لأوقر أنّني ... لما شئت مستحل ولو أنّه القتل (¬1) ومثله: 2782 - يمينا لأبغض كلّ امرئ ... يزخرف قولا ولا يفعل (¬2) وإن أريد بالمضارع المثبت الاستقبال وقرن به حرف تنفيس أو قدم عليه معموله امتنع أيضا توكيده بالنون، ولزم جعل اللام مقارنة لحرف التنفيس أو للمعمول المتقدم، فمن مقارنتها لحرف التنفيس قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (¬3) ومنه قول الشاعر: 2783 - فو ربّي لسوف يجزى الّذي أس ... لفه المرء سيّئا أو جميلا (¬4) ومن مقارنتها للمعمول المتقدم قول الله تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (¬5)، ومن ذلك قول الشاعر: 2784 - يمينا ليوما يجتني المرء ما جنت ... يداه فمسرور (و) (¬6) لهفان نادم (¬7) ومثله: 2785 - جوابا به تنجو اعتمد فو ربّنا ... لعن عمل أسلفت لا غير تسأل (¬8) ومثله: 2786 - قسما لحين تشبّ نيران الوغى ... يلفى لديّ شفاء كلّ غليل (¬9) فإن أريد بالمضارع المثبت الاستقبال وخلا من حرف تنفيس وتقدم معمول لزم في الغالب اقترانه باللام وتوكيده بالنون كقوله تعالى: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ - ¬

_ (¬1) كالسابق. (¬2) انظره في التذييل (7/ 152). (¬3) سورة الضحى: 5. (¬4) من الخفيف وهو في التذييل (7/ 154) والتصريح (2/ 404) والكافية الشافية (2/ 835). (¬5) سورة آل عمران: 158. (¬6) الأصل: «أو». (¬7) من الطويل، وانظر التذييل (7/ 54). (¬8) من الطويل - الأشموني (2/ 267)، والتصريح (2/ 50). (¬9) من الكامل وانظره في التذييل (7/ 154)، والكافية الشافية (2/ 836).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (¬1)، وقلت: (في الغالب) احترازا من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ليرد [نّ] عليّ أقوام أعرفهم [4/ 50] ويعرفوني» (¬2)، ومن قول الشاعر: 2787 - تألّى ابن أوس حلفة ليردّني ... إلى نسوة كأنّهنّ مفائد (¬3) ومثل قول ابن رواحة (¬4) رضي الله عنه: 2788 - فلا وأبي لنأتيها جميعا ... ولو كانت بها عرب وروم (¬5) فأفردت اللام والاستقبال مراد مع عدم حرف تنفيس وتقدم معمول، وفي ذكر الغالب أيضا احتراز من حذف اللام وثبوت النون كقول الشاعر: 2789 - وقتيل مرّة أثأرنّ فإنّه ... فرغ وإنّ أخاكم لن يثأرا (¬6) وكقول آخر: 2790 - وهم الرّجال وكلّ ملك منهم ... تجدنّ في رحب وفي متضيق (¬7) ومن أجل ندور إفراد اللام وإفراد النون قلت: لم تغنه اللام غالبا عن نون توكيد، وقد يستغنى بها عن اللام، وإن كان المضارع المجاب به القسم منفيّا لم يؤكد بالنون، إلا إن كان نفيه بـ «لا»، فحينئذ قد يؤكد بها كقول الشاعر: 2791 - تالله لا يحمدنّ المرء مجتنبا ... فعل الكرام وإن فاق الورى حسبا (¬8) والأكثر أن لا يؤكد كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا (¬9)، واشترط في توكيد المنفي كونه منفيّا بـ «لا» لشبهه بفعل النهي، وقد فعل به ذلك في غير القسم كثيرا كقوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً - ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 57. (¬2) أخرجه البخاري: كتاب الفتن (92)، ومسلم: فضائل (26)، وانظر: شواهد التوضيح (ص 162). (¬3) تقدم. (¬4) عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري صحابي يعدّ من الأمراء والشعراء الراجزين (ت 8 هـ) إمتاع الأسماع (1/ 270)، والحلية (1/ 118). (¬5) من الوافر - السيرة (ص 793)، واللسان «أوب»، والمغني (ص 642). (¬6) من الكامل لعامر بن الطفيل، ورواية الديوان والدرر: «لم يقصد» - ديوانه (ص 10)، والدرر (2/ 47)، والمغني (ص 64)، والهمع (2/ 42). (¬7) من الكامل - التذييل (7/ 156). (¬8) من البسيط - الأشموني (3/ 215)، والتذييل (7/ 156). (¬9) سورة النحل: 38.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (¬1)، وكقول الشاعر (¬2): 2792 - فلا الجارة الدّنيا لها تلحينها ... ولا الضّيف عنها إن أقام محوّل (¬3) ويكثر حذف الحرف النافي للمضارع المجرد من نون التوكيد كقوله تعالى: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (¬4)، أي: تالله لا تفتؤ تذكر يوسف، وكقول حسّان رضي الله تعالى عنه: 2793 - أقسمت أنساها وأترك ذكرها ... حتّى تغيّب في الضّريح عظامي (¬5) فلو كان المنفي مؤكدا بالنون مثل: «تالله لا يحمدن» لم يجز حذف نافيه؛ لأنه حينئذ لا دليل على أن النفي مراد، بل المتبادر إلى ذهن السامع أن الفعل مثبت كما هو في قول الشاعر: 2794 - وقتيل مرّة أثأرنّ ... ... ... وفي قول الآخر: 2795 - ليت شعري وأشعرنّ إذا ما ... قرّبوها منشورة ودعيت ألي الفوز أم عليّ إذا حو ... سبت إنّي على الحساب مقيت (¬6) فلو لم يكن القسم مثبتا لم يجز حرف النافي للمضارع عاريا كان من النون أو مؤكدا بها. هذا هو الأصل، وقد يحذف حرف النفي والقسم محذوف إذا كان المعنى لا يصح إلا بتقدير النفي كقول النمر: 2796 - وقولي إذا ما أطلقوا عن بعيرهم ... تلاقونه حتّى يؤوب المنخل (¬7) أراد: والله لا تلاقونه، فحذف القسم وحرف النفي؛ لأن المعنى لا يصح - ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: 25. (¬2) من هامش المخطوط. (¬3) البيت من بحر الطويل وهو للنمر بن تولب، ولحاه أي: لامه، وفيه: توكيد الفعل المنفي، والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 210) وشواهد العيني (4/ 342). (¬4) سورة يوسف: 85. (¬5) من الكامل - ديوان حسان بن ثابت (ص 362)، والتذييل (7/ 156). (¬6) من الخفيف للسموأل بن عادياء الغساني اليهودي - الأشموني (3/ 221)، والأصمعيات (ص 86)، والعيني (4/ 332)، هذا والضمير في قربوها يعود إلى الصحيفة في البيت قبله. (¬7) من الطويل، وانظر: الإصلاح (ص 393)، وتعليق الفرائد (ص 38) وجمهرة أشعار العرب (ص 110)، ومجمع الأمثال (1/ 193).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا بتقديره، واحتيج إلى تقدير القسم؛ لأن تقديره مصحح لحذف حرف النفي؛ إذ لا يحذف مع غير زال وأخواتها إلا في جواب قسم بشرط كونه مضارعا مؤكدا بالنون، وقد يحذف نافي الماضي عند أمن اللبس كقول أمية بن أبي عائذ الهذلي (¬1): 2797 - فإن شئت آليت بين المقا ... م والرّكن والحجر الأسود نسيتك ما دام عقلي معي ... أمدّ به أمد السّرمد (¬2) أراد: لا نسيتك فحذف النافي؛ لأن المعنى لا يصح إلا بتقديره، ولأنه لو أراد الإثبات لقال: لقد نسيتك أو لنسيتك، وهذا النوع مع ظهور المعنى دون تقدم نفي آخر على القسم قليل. فإن تقدم نفي كان الحذف أحسن كقول الشاعر: 2798 - فلا والله نادى الحيّ ضيفي ... هدوّا بالمساءة والعلاط (¬3) أراد: فلا والله لا أنادي؛ فحذف النافي الثاني استغناء عنه بالأول، وقد يجتمعان توكيدا، كقول الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ (¬4)، وكقول أبي ذرّ (¬5): «فلا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين» (¬6)، وقد يكون الجواب مثبتا مع تقدم حرف نفي على القسم كقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (2) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (¬7)، وكقول عبد الله بن أبي رواحة رضي الله تعالى عنه: 2799 - فلا وأبي لنأتيها جميعا ... ولو كانت بها عرب وروم (¬8) - ¬

_ (¬1) شاعر إسلامي مخضرم وقيل: إنه من شعراء الدولة الأموية. الأغاني ط بولاق (20/ 115)، والخزانة (1/ 421)، والشعر والشعراء (2/ 667). (¬2) من المتقارب تعليق الفرائد (ص 37) برواية «لبيت» بدل «آليت» وهي غير منسجمة مع ما هنا، والدرر (2/ 49)، وشرح السكري (ص 493)، والمغني (ص 637)، والهمع (2/ 42). (¬3) من الوافر للمتنخل الهذلي. ديوان الهذليين (2/ 21)، والدرر (2/ 51)، والهمع (2/ 44) هذا والعلاط: الذكر السوء، و «ضيفي» ليس في الأصل. (¬4) سورة النساء: 65. (¬5) جندب بن جنادة بن سفيان من بني غفار، صحابي قديم الإسلام يضرب به المثل في الصدق، وهو أول من حيا رسول الله عليه السّلام بتحية الإسلام روى له البخاري ومسلم (281) حديثا (ت 32 هـ) - الحلية (1/ 156)، وصفة الصفوة (1/ 238)، والكنى والأسماء (1/ 28). (¬6) أخرجه البخاري: زكاة (4)، وابن حنبل (5/ 176)، ومسلم: زكاة (34). (¬7) سورة البلد: 1 - 4. (¬8) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يحذف لأمن اللبس نافي الجملة الاسمية كقول ابن رواحة رضي الله تعالى عنه: 2800 - فو الله ما نلتم وما نيل منكم ... بمعتدل وفق ولا متقارب (¬1) أراد: ما نلتم وما نيل منكم بمعتدل، فحذف «ما» النافية وأبقى ما الموصولة وجاز ذلك لدلالة دخول الباء الزائدة في الخبر ولدلالة العطف بـ «ولا» ويجوز على مذهب الكوفيين أن تكون الباقية «ما» النافية المحذوفة الموصولة، ولا يجوز هذا على مذهب البصريين؛ لأنهم لا يجيزون بقاء الصلة بلا موصول في اللفظ وإن دل عليه دليل، ونبهت بقولي: (وقد يكون الجواب قسما) على نحو قوله تعالى: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى (¬2)، فـ لَيَحْلِفُنَّ قسم جوابه إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وهو جواب قسم محذوف كأنه قيل: والله ليحلفن المنافقون إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬3). ويتعين التنبيه فيه على أربعة أمور: أحدها: أنه في متن الكتاب لم يقيد الجملة من قوله: المقسم عليه جملة مؤكدة إلى آخره بكونها اسمية، وكان الواجب أن يقيدها بذلك وكأنه استغنى عن التقييد بكونه ذكر بعد حكم الفعل الذي تصدر الجملة به في الربط حيث قال: وإن كان أول الجملة مضارعا، ثم قال: ولا يخلو دون استطالة الماضي المثبت إلى آخره. ولا شك أنه يعلم بهذا أن المراد بالجملة التي ذكرها قبل إنما هو الاسمية لا غيرها. ثانيها: أن قوله: تصدر في الإثبات بلام مفتوحة [4/ 51] أو «إن» مثقلة أو مخففة يعطي أن الذي يؤتى به للربط في الجملة الاسمية الواقعة جوابا للقسم أحدهما، لا كلاهما، وقد عرفت أن اللام والنون يجتمعان أيضا؛ فاجتماعهما جائز، كما أن إفراد كل منهما جائز. وعلى هذا كان الواجب أن يقول: تصدر في الإثبات بلام مفتوحة، أو بـ «إن» أو بهما. ثالثها: أن قوله: وتصدر في الشرط الامتناعي بـ «لو» أو «لولا» يقتضي أن جملة الشرط - ¬

_ (¬1) من الطويل تعليق الفرائد (ص 38)، والدرر (1/ 68)، (2/ 49) والمغني (ص 638)، والهمع (1/ 88)، (2/ 42). (¬2) سورة التوبة: 107. (¬3) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 213).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدرة بكل من الحرفين المذكورين هي جواب القسم؛ لأن فاعل «تصدر» ضمير يرجع إلى «جملة مؤكدة» من قوله: المقسم عليه جملة مؤكدة فيصير معنى كلامه: المقسم عليه جملة مؤكدة تصدر في الإثبات بكذا وفي الشرط الامتناعي بكذا. ولا شك (¬1) أن الجملة الشرطية ليست جوابا، بل جواب القسم محذوف لدلالة جواب «لو» عليه؛ إذ كل من القسم والشرط يطلب جوابا ومن المعلوم أن القسم والشرط إذا اجتمعا يستغنى بجواب أحدهما [عن جواب] الآخر. وهذا الذي أعطاه كلام المصنف يعطيه كلام ابن عصفور أيضا وهو الذي تقدم نقلنا له عنه؛ فإنه لما ذكر الروابط التي تربط الجواب بالقسم قال: إلا أن يكون جواب القسم «لو» وجوابها فإن الحرف الذي يربط المقسم به بالمقسم عليه إذ ذاك إنما هو أن يصرح بأن «لو» وجوابها جواب للمقسم كما أفهمه كلام المصنف. وسنحرر الكلام في هذه المسألة إن شاء الله تعالى عند الكلام على اجتماع القسم والشرط. رابعها: أن قوله في متن الكتاب: وفي النفي بـ «ما» أو «لا» أو «إن» بعد قوله: تصدر في الإثبات بلام مفتوحة إلى آخره يقتضي أن النوافي المذكورة تختص بالجملة الاسمية؛ لأن الكلام الآن إنما هو فيها لكونه ذكر المصدرة بمضارع وبماض بعد. ولا شك أن كلّا من النوافي الثلاثة تباشر الفعل كما تباشر الاسم، وإذا كان كذلك فكان الأولى؛ بل الواجب أن ينهي الكلام على ما تصدر به الجملة في الإثبات اسمية كانت أو فعلية، ويأتي بقوله: وفي النفي بـ «ما» أو «لا» أو «إن» بعد ذلك كله ليعرف منه أن النوافي المذكورة لا يختص منها شيء بالجملة الاسمية. وبعد هذا: فلنذكر ما يتعلق بهذا الموضع من المباحث: الأول: ذكر ابن عصفور في شرح الإيضاح عن بعض قدماء النحويين أنه زعم أن القسم - ¬

_ (¬1) من هنا حتى «كما أفهمه كلام المصنف» بدله في هامش المخطوط «لكن صرح ابن عصفور في شرح الإيضاح بأن جواب القسم محذوف يدل عليه جواب «لو» أو «لولا» إذا ذكر أحدهما مع القسم. وإطلاق النحاة يقتضي أن لكل من القسم والشرط إذا اجتمعا جوابا، وأن أحدهما يذكر والآخر يحذف لدلالة المذكور عليه إلا أن ابن عصفور صرح في شرح الجمل بما أفهمه كلام المصنف هنا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد يتلقى بـ «بل» مستدلّا بقوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (¬1)، قال: وهذا الذي ذهب إليه باطل؛ لأنه بنى إجازة ذلك على الآية الشريفة، ولا حجة له فيها؛ لاحتمال أن يكون جواب القسم قوله تعالى: كَمْ أَهْلَكْنا، واعترض بين القسم وجوابه بـ «بل» وما دخلت عليه، والتقدير: والقرآن ذي الذكر لكم أهلكنا، وحذفت اللام من الجواب كما حذفت منه في قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (¬2). ثم ذكر عن الفرّاء قولا آخر في تخريج الآية الشريفة (¬3) تركت ذكره خوف الإطالة ثم عرفت من كلام ابن عصفور المتقدم نقله عنه أن: «أن» عنده من روابط المقسم به بالمقسم عليه في نحو: والله أن لو قام زيد لقام عمرو، ولكن سيأتي الكلام على هذه المسألة قريبا إن شاء الله تعالى. الثاني: قد عرفت أن ابن عصفور لم يذكر من الروابط في النفي إلا «ما» و «لا» وأنه ذكر أن «ما» ينفى بها الجملة الاسمية، والجملة المصدرة بفعل ماض أو مضارع يراد به الحال وأن «لا» ينفى بها الجملة المصدرة بمضارع يراد به الاستقبال، ولكنه قال في شرح الإيضاح: وزعم ابن جني أن القسم قد يتلقى بـ «لم» في الضرورة مستدلّا بقول القائل: 2801 - رويق إنّي وما حجّ الحجيج له ... ولا أهل يحبني تحلّة الحرم لم ينسني ذكركم مذ لم ألاقكم ... عهد سلوت به عنكم ولا قدم (¬4) قال: فجعل «لم ينسني» جوابا للقسم تشبيها لـ «لم» بـ «ما»، ويقول الأعشى: 2802 - أجدّك لم تغتمض ساعة ... فترقدها مع رقادها (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة ص: 1، 2. (¬2) سورة البروج: 1 - 4. (¬3) في معاني الفراء (2/ 397): (وقد زعم قوم أن جواب وَالْقُرْآنِ: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ وذلك كلام قد تأخر تأخيرا كثيرا عن قوله وَالْقُرْآنِ وجرت بينهما قصص مختلفة فلا نجد ذلك مستقيما في العربية. والله أعلم) وفيه أيضا الاحتمال المذكور آنفا. (¬4) البيتان من البسيط وهما لزياد بن منقذ. التذييل (4/ 59). (¬5) البيت من بحر المتقارب مطلع قصيدة طويلة للأعشى في مدح سلامة ذا فائش يبدؤها بالغزل وهي في الديوان (ص 121) طبعة الكتاب العربي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «أجدك» عنده من قبيل الإقسام وقد تلقاه بـ «لم». قال: ولذلك أيضا زعم أنه قد يتلقى بـ «لن» في الضرورة مستدلّا بقول الآخر: 2803 - أجدّك لن ترى بثعيلبات ... ولا بيدان ناجية ذمولا (¬1) فتلقى «أجدك» بـ «لن». قال: وهذا غلط؛ لأن القسم الواقع بعد «أن» قد يكون ما بعده محتملا وجهين: أحدهما: أن يكون جوابا للقسم؛ والقسم وجوابه في موضع خبر «إن». والآخر: أن يكون خبرا لـ «إن» والقسم ملغى، ومن ذلك قول طرفة: 2804 - إنّي وجدّك ما هجوتك وال ... أنصاب يسفح بينهنّ دم (¬2) ألا ترى أنه يجوز أن يكون «ما هجوتك» جوابا للقسم، والقسم وجوابه في موضع خبر «إن»، ويجوز أن يكون ما هجوتك خبرا لـ «إن» والقسم ملغى معترض به بين اسم «إن» وخبرها. وقد يكون ما بعده مبنيّا على القسم ولا يجوز فيه أن يكون مبنيّا على «إن» نحو قولك: إن زيدا والله ليقومن، وقد يكون أيضا ما بعده مبنيّا على «إن» ولا يجوز أن يكون مبنيّا على القسم نحو قولك: إن زيدا والله لقائم، ومن ذلك قول الكميت (¬3): 2805 - إنّي لعمر أبي سوا ... كـ من الصّنائع والدّخاير (¬4) وقول الآخر [4/ 52]: 2806 - إنّك والله لذو ملّة ... يطرفك الأدنى عن الأبعد (¬5) فإذا ثبت أن ما بعد القسم يجوز أن يكون مبنيّا على «إن» لا على القسم؛ وجب أن يجعل «لم ينسني ذكركم» في البيت خبرا لـ «إن» لا جوابا للقسم؛ إذ - ¬

_ (¬1) من الوافر للمرار الأسدي. الخزانة (1/ 262)، واللسان «بيد»، و «نشغ» ومعجم البلدان «ثعيلبات»، راجع الهمع (2/ 41). (¬2) انظره كذلك في التذييل (7/ 149). (¬3) ابن زيد الأسدي شاعر الهاشميين في الكوفة، أجود شعره قصائده في أهل البيت (ت: 126 هـ). الأعلام (6/ 92)، والشعر والشعراء (2/ 581). (¬4) من الكامل ديوان الكميت (1/ 228)، والجمل (ص 23). (¬5) البيت في إصلاح المنطق (1/ 199) واللسان «طرف» هذا: ومللت الشيء ملالا وملالة: ضجرت منه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يثبت في كلامهم تلقي القسم بـ «لم». وقد ثبت من كلامهم بناء ما بعد القسم على «إن» وإلغاء القسم، وكذلك أيضا بيت الأعشى. والبيت الآخر الذي استدل به على تلقي القسم بـ «لن» لا حجة له فيهما؛ لأن قول العرب: أجدّك لم تفعل كذا ولن تفعل كذا، لا يراد به القسم وإنما هو عند سيبويه من باب ما ينتصب من المصادر توكيدا لما قبله نحو قولك: هذا عبد الله (¬1) حقّا، قال سيبويه في هذا الباب: ومثل ذلك في الاستفهام: أجدك لا تفعل كذا؟ كأنه قال: أحقّا لا تفعل (¬2) كذا؟ قال: وأصله من الجد كأنه قال: أجدّا، ولكنه لا يتصرف ولا يفارق الإضافة كما كان ذلك في «لبيك» ومعاذ الله. وإنما جعله في هذا الباب وإن كان «أجدك» ليس قبله كلام يؤكد؛ لأن الكلام الذي بعده النية به أن يكون مقدما عليه من جهة أن المصدر في هذا الباب منصوب بفعل مضمر يدل عليه الجملة التي المصدر توكيد لها؛ وذلك أن الفعل «أحق» أو ما جرى مجراه، وذلك أنك إذا قلت: هذا عبد الله؛ فالظاهر أن يكون هذا الكلام قد جرى على (تيقن) (¬3) منك وتحقيق قول الكلام بظاهره على «أحق» أو ما هو في معناه، فلما كانت الجملة دالة على الفعل المضمر الناصب للمصدر كان الوجه فيها أن تكون متقدمة على المصدر؛ لأن الدليل بابه أن يكون متقدما على المدلول، ولذلك قالت العرب: هذا عبد الله حقّا ولم تقل: حقّا هذا عبد الله؛ إلا على كراهية، والنية بالمصدر إذ ذاك التأخير لما ذكرناه. وإنما التزم في «أجدك لا تفعل كذا» تقديم المصدر؛ لأنه خالف المصادر المؤكدة لما قبلها في التزامهم فيه الإضافة، والتغيير كثيرا ما يأنس بالتغيير فلم يتصرفوا فيه لذلك، بل ألزموه طريقة واحدة؛ فجعلوه مجاورا لهمزة الاستفهام مقدما على ما يؤكده وصار التقديم الذي كان ضعيفا في غيره لا يجوز غيره فيه. هذا كلام ابن عصفور. وأنت تعرف أن الشيخ رحمه الله تعالى مستمسك بكلامه تابع طريقته؛ لأنه - أعني ابن عصفور - إنما يمشي في المسائل غالبا على ما يذهب إليه الجمهور. فمن ثم قال الشيخ عند شرح قول المصنف: وفي النفي بـ «ما» أو «لا»، أو «إن»: أما الجملة الاسمية فتنفى بـ «ما» ولا تنفى بـ «لا» والنظر يقتضي أن تنفى بـ «إن» - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 378). (¬2) الكتاب (1/ 379). (¬3) في الأصل: تقنن.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتقول: والله إن زيد قائم، أي: ما زيد قائم (¬1). قال: وذكر المصنف في شرح الكافية الشافية: أن الجواب المنفي ينفي بـ «ما» أو «إن» أو «لا»، ولا فرق في ذلك بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية إلا أن الاسمية إذا نفيت بـ «لا» وقدم الخبر أو كان المخبر عنه معرفة لزم تكرارها في غير الضرورة نحو: والله لا زيد في الدار ولا عمرو، ولعمري لا أنا هاجرك ولا مهينك (¬2). ثم قال الشيخ: وكون الجملة الاسمية تنفى بـ «لا» غلط ووهم والثلاثة تنفى بها الجملة الفعلية (¬3)، ثم قال في قول المصنف: وقد تصدر بـ «لن» أو «لم»: إنه لا ينقاس على شيء من ذلك ألبتة وأن المصنف ليس له سلف فيمن أجاز ذلك إلا ما حكي عن ابن جني أنه زعم أنه قد يتلقى القسم بـ «لم»، و «لن» في الضرورة، ثم أورد ما أورده ابن عصفور، وهو الذي ذكرناه عنه آنفا برمته (¬4)، ثم قال: وأما ما استدل به المصنف من قول العرب: نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة فليس «لم تقم» جوابا للقسم، بل جواب القسم محذوف يدل عليه سؤال السائل: ألك بنون؟ فقال: نعم وخالقهم لبنون لي، ثم استأنف مدحهم وأخبر أنهم لم تقم عن مثلهم منجبة. فهذا الذي ذهب إليه المصنف من أنه قد يصدر في النفي بـ «لم» و «لن» لا سلف له فيه إلا ابن جني؛ فإنه أجاز ذلك في الضرورة، واستدل عليه بما ذكرناه وتقدم الرد عليه (¬5). انتهى. والكلام مع الشيخ فيما ذكره من وجوه: أما أولا: فقوله: وكون الجملة الاسمية تنفى بـ «لا» غلط؛ فإنه لم يبين وجه الغلط ما هو، ولا أقام دليلا على ما ذكره. وأما ثانيا: فقوله: في قول المصنف: وقد تصدر بـ «لن»، أو «لم»: إنه لا يقاس على شيء من ذلك ألبتة؛ فإن المصنف لم يدّع اطراد هذا الأمر فينسب إليه القول بالقياس، وكيف يتوهم فيه أنه يقيس ذلك وهو لم يذكر هذين الحرفين مع الأحرف الثلاثة التي هي: «ما»، و «لا»، و «إن»، بل بعد انقضاء الكلام قال: (وقد تصدر بـ «لن» أو «لم»)؛ فأفهم كلامه أن هذا قليل، ولا شك أن النفي بـ «لن» و «لم» ورد في كلام العرب، فأراد أن ينبه على هذا الأمر كيلا - ¬

_ (¬1) التذييل (3/ 147، 148). (¬2) الكافية الشافية (2/ 843). (¬3) التذييل (7/ 148). (¬4) التذييل (7/ 150). (¬5) التذييل (7/ 151).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يخلو الكتاب منه. وأما الثالثة: فقوله: إن المصنف ليس له سلف في ذلك سوى ابن جني؛ فإن هذا الكلام مشعر بأن المصنف إنما قال ذلك تبعا لابن جني. وأقول: لو كان ابن جني هو متبوع للمصنف في ذلك لاستشهد بما استشهد ابن جني به، والمصنف لم يلم بشيء من ذلك إنما استشهد بما عرفته. وأما تخريجه «نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة» فلا يخفى ضعفه، وبيان ذلك أن الناطق بهذا الكلام قصد بإجابته المسائل [شيئين]: الإخبار بأن له بنين، ثم الإخبار بمدح البنين المخبر بهم أنهم له [4/ 53] وأجلّ الأمرين عنده الإخبار بمدحهم، والأمر الجليل هو الذي يقصد توكيده، والقسم إنما يجاء به لتوكيد الأمر المخبر به وتقويته عند المخاطب، فوجب أن يكون المؤكد هو الإخبار بالمدح، وأما أن يقسم على أن له بنين فلا فائدة في ذلك؛ لأنه لم ينازع فيه ولا نفي عنه حتى يحتاج إلى الإقسام عليه، بل الذي يمكن أن ينازع فيه إنما هو قوله: «ولم تقم عن مثلهم منجبة»؛ فهو الذي يحتاج إلى أن يقسم عليه. وهب أن الشيخ يتم له الجواب الذي ذكره في «نعم وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة» فماذا يقول في قول أبي طالب: 2807 - والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتّى أوارى في التّراب دفينا (¬1) وأبو طالب في الفصاحة والبلاغة أبو طالب؟! ثم أيّ فساد يترتب على نفي القسم بـ «لن» أو بـ «لم» حتى يمنع ذلك ويردّ على من ادعاه؟! ولا وجه من حيث الصناعة لمنعه؛ لأن الخبر المنفي المقسم عليه قد يكون مستقبلا فينفى بـ «لن» وقد يكون ماضيا فينفى بـ «لم». وغاية الأمر أن الغالب في لسان العرب أن ينفى الجواب - أعني جواب القسم - بثلاثة الأحرف التي هي «ما» و «لا» و «إن»، وأنه قد ينفى بـ «لن» و «لم» لكن ذلك قليل ولا منازعة في وروده فوجب القبول. ثم قد عرفت أن ابن عصفور ذكر أن الحرف الذي ينفى به الماضي في جواب - ¬

_ (¬1) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم إنما هو «ما»، وأن المصنف لم يخصصه بها، بل قال: إنه ينفى بـ «لا» وب «إن». وأما نفيه بـ «إن» فمنه قوله تعالى: وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ (¬1)، وأما نفيه بـ «لا» فأنشد عليه قول الشاعر: 2808 - ردوا فو الله لا ذدناكم أبدا ... ما دام في مائنا ورد لنزّال (¬2) فقال الشيخ عند ذكر هذه المسألة هنا: وقد بحثنا معه في تأويل هذا البيت في آخر الباب الأول من هذا الكتاب بما يوقف عليه هناك (¬3). انتهى. وأقول: إن البحث الذي تقدم له مع المصنف إنما هو بالنسبة إلى كون الماضي بعد «إن» و «لا» ينصرف إلى الاستقبال أو يبقى على مضيه لا في كون «لا» ينفى بها الفعل الماضي إذا وقع جواب قسم أو لا ينفى. وأما ما ذكره ابن عصفور في مسألة «أجدك» فهو كلام حسن وتقرير جيد. وقد تقدم الكلام على هذه الكلمة في «باب الواقع مفعولا مطلقا من مصدر وما يجري مجراه» من هذا الكتاب ونقلنا فيها كلاما لابن الحاجب (¬4) وما ذكره الشيخ في شرحه وما نقله عن صاحب النهاية والجامع (¬5) بين المذكور هنا والمذكور هناك يحصل (¬6) له المقصود، ويتلخص له ما يعتمد عليه (¬7). وذكرنا في ذلك الباب أن المصنف نقل عن الشلوبين أن في «أجدك» معنى القسم (¬8)، وهذا من الشلوبين يعضد قول ابن جني، ولكن الظاهر ما قاله ابن عصفور، فينبغي التعويل عليه والرجوع إليه. - ¬

_ (¬1) سورة فاطر: 41. (¬2) تقدم. (¬3) التذييل (7/ 148)، وسيأتي بيان ذلك. (¬4) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر جمال الدين (ت: 646 هـ) - هذا: وقال الناظر في التمهيد (2/ 30): (قال ابن الحاجب في شرح المفصل: «أجدك لا تفعل كذا» أصله: لا تفعل كذا جدّا. لأن الذي ينفى الفعل عنه يجوز أن يكون بجد منه ويجوز أن يكون من غير جد فإذا قال: جدّا، فقد ذكر أحد المحتملين ثم أدخلوا همزة الاستفهام إيذانا بأن الأمر ينبغي أن يكون كذلك على سبيل التقرير فقدم لأجل الاستفهام فقيل: أجدك لا تفعل كذا، ثم استدل ببيت أبي طالب هذا) - وراجع الإيضاح شرح المفصل (ص 170). (¬5) هو ابن الأثير، وهو: المبارك بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري أبو السعادات محدث لغوي أصولي توفي بالموصل (606 هـ) وله: النهاية في غريب الحديث، وجامع الأصول في أحاديث الرسول، وغيرهما - الأعلام (6/ 152)، والوفيات (1/ 441). (¬6) في هامش المخطوط: خبر. (¬7) التذييل (7/ 148، 149). (¬8) الهمع (2/ 41).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبحث الثالث: إنما قيد المصنف المضارع المثبت بكونه مستقبلا؛ تنبيها على أن المضارع إذا لم يكن مستقبلا لم يثبت له هذا الحكم، ولهذا قال في الشرح: فإن أريد به الحال قرن باللام ولم يؤكد بالنون؛ لأنها مخصوصة بالمستقبل، وهذا يدل منه على أن الإقسام على فعل الحال جائز. وقد عرفت من كلام ابن عصفور أن المضارع المثبت المقصود به الحال لا يقسم عليه وهو باق على صورته، بل إذا قصد ذلك بني من الفعل اسم فاعل وجعل خبر مبتدأ فتعود الجملة المقسم عليها اسمية وأنه لا يرد الفعل بصورته مقرونا باللام وحدها إلا في الشعر، لكنه في «شرح الإيضاح» خالف هذا الكلام فإنه قال: فإن كان الفعل المقسم عليه حالا فإن كان موجبا دخلت عليه اللام وحدها، ومن ذلك قراءة قنبل (¬1) لأقسم بيوم القيامة (¬2) قال: والأكثر فيه إذ ذاك أن يجعل خبرا لمبتدأ فتصير الجملة اسمية ويتلقى القسم إذ ذاك بـ «إن» وحدها أو بـ «إن» واللام نحو: والله إن زيدا يقوم، وو الله إن زيدا ليقوم. وكلام ابن أبي الربيع يقتضي جواز الأمرين أيضا، وإن كان الأكثر أن تصير الجملة اسمية. فالحاصل: أن الذي ذكره المصنف من الإقسام على فعل الحال ليس مسمعا عند الجماعة غير أن المصنف يقسم عليه باقيا على حاله، والجماعة مع تجويزهم ذلك يرون أن الأكثر أن يقدم فاعل الفعل عليه وتصير الجملة اسمية فيقسم عليها كما يقسم على الجملة الاسمية. وقد استثنى المصنف من الفعل المثبت الذي يجب اقترانه باللام وبنون التوكيد: الفعل المقرون بحرف تنفيس، والفعل المقدم معموله؛ فقال: إنهما يلتقيان باللام وحدها. وبقي عليه أن يستثني الفعل المقرون بـ «قد» أيضا، فإن النون لا تقترن به وإنما يكتفي باللام. قال ابن عصفور في «شرح الإيضاح» بعد ذكر الاستقبال: فإن كان موجبا - ¬

_ (¬1) محمد بن عبد الرحمن المكي المخزومي، انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز في عصره، وولي الشرطة بمكة (ت: 291 هـ) - الأعلام (7/ 62)، والنشر (1/ 120). (¬2) سورة القيامة: 1، وانظر الإتحاف (ص 428)، والبحر (8/ 213)، وابن زنجلة (ص 735)، والكشاف (4/ 527)، وابن مجاهد (ص 661)، والمحتسب (2/ 341).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تلقيت القسم باللام وحدها إذا دخلت عليه السين أو «سوف» أو «قد» أو تقدم معموله عليه قال الله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ (¬1)، وعبارته في «المقرب» شاملة للصور كلها مع الاختصار؛ فإنه قال: إن اللام تدخل على المضارع المثبت وحدها إن فصل بينها وبين الفعل (¬2)، فلو قال المصنف ذلك لخلص من إيراد الفصل بـ «قد» عليه. ثم قال ابن عصفور: ولم يسمع دخول اللام على السين إلا أن البصريين أجازوا ذلك بالقياس على «سوف». قال: ولم يجز الفراء دخول اللام عليها؛ لأن اللام كالجزء مما تدخل عليه، ودخولها على السين يؤدي إلى توالي أربعة أحرف بالتحريك فيما هو كالكلمة الواحدة وهو مرفوض في كلامهم (¬3). ثم قال: والصحيح عندي أن ذلك [4/ 54] جائز بدليل قول العرب: والله لكذب زيد كذبا ما أحسب أن الله يغفره، فكما جاز ذلك يجوز أن يقال: والله لسيقوم زيد. ثم ذكر ابن عصفور عن أبي علي الفارسي أنه قال (¬4): وإنما لم تدخل إحدى النونين مع السين و «سوف»؛ لأن النون إنما تدخل في اللغة لتخلص المستقبل من الحال فاستغني عن النون بدخول السين أو «سوف» لإفادتهما الاستقبال. قال - يعني أبا علي -: ولم تدخل في لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (¬5)؛ لأن اللام التي أدخلت إحدى النونين معها غير لام الابتداء، وإنما دخلت ليحاول بها الفصل بين اللامين لام الابتداء واللام التي تدخل على الفعل المستقبل وتدخل النون معها في أكثر الأمر؛ يعني أنك إذا قلت: إن زيدا ليقوم؛ علم أن هذه اللام لام ابتداء وأن الفعل الذي دخلت عليه فعل حال، وإنما أخرت إلى الخبر والنية بها التقديم؛ كراهية الجمع بينها وبين «إنّ» لما كانتا لمعنى واحد وهو التوكيد، ولذلك علقت الفعل في نحو: علمت أن زيدا ليقوم، وإذا قلت: إن زيدا ليقومن؛ علم أن اللام جواب لقسم محذوف، وأن الفعل الذي دخلت عليه مستقبل، وليست إذ ذاك منويّا بها التقديم؛ بل هي واقعة في محلها ولذلك لم تعلق الفعل به في نحو قوله: علمت أن زيدا ليقومن، قال: فلما كان دخول إحدى النونين المقصود به الفرق بين اللامين لم يحتج إليها إذا دخلت على الجار والمجرور في نحو: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ؛ - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 103. (¬2) المقرب (1/ 206). (¬3) وانظر: الهمع (2/ 42). (¬4) ينظر: الإغفال (1/ 79)، والتذييل (4/ 61). (¬5) سورة آل عمران: 158.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذ كانت داخلة على فضلة ولام الابتداء لا تدخل في موضع من مواضعها على فضلة. فأما «إنّ زيدا لطعامك آكل»؛ فليس تقديره الدخول على الفضلة، وإذا كان كذلك علم أنها ليست التي للابتداء فلم يحتج إلى النون. يعني أن اللام في قولك: إن زيدا لطعامك آكل؛ منوي بها التأخير، والأصل: إن زيدا طعامك لآكل؛ إلا أنها قدمت اتساعا. وليس كذلك قوله سبحانه: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (¬1) ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال: إلى الله لتحشرون؛ لأن اللام التي يتلقى بها القسم لا يجوز أن يتقدم عليها معمول الفعل الذي دخلت عليه. ثم قال: قال أبو علي: وإنما لم تدخل النون مع «قد» كما لم تدخل مع السين من حيث كانت حرفا مثله غير عامل وإن كانت قد خالفت السين في أنها لا تدلّ على الاستقبال يعني أنها حكم لها بحكم السين؛ لشبهها بها في أن كل واحد منهما حرف قد اختص بالفعل وجعل كالجزء منه بدليل أن اللام التي تدخل عى الفعل المضارع في القسم تدخل عليها. هذا آخر كلام ابن عصفور. المبحث الرابع: أطلق المصنف القول في نافي المضارع حيث قال: (ويحذف نافي المضارع)، وقد عرفت أن ابن عصفور إنما ذكر من حروف النفي «لا» حيث قال: وأما المستقبل فإن كان منفيا نفي بـ «لا» ومن أجل ذلك قال الشيخ: وإن كان النافي «ما» فمن النحويين من أجاز حذفها؛ حملا على «لا» ومنهم من منع ذلك؛ لما فيه من اللبس؛ لأنه لا يعلم إذا حذف هل القسم على النفي في الحال أو على المستقبل (¬2). انتهى. ثم إن ابن عصفور لم يذكر حذف نافي الجملة الاسمية وقد ذكره المصنف مستدلّا عليه. قال الشيخ: ونصوص أصحابنا على أن «ما» و «إن» النافية إذا دخلتا على الجملة الاسمية لا يجوز حذف واحدة منهما (¬3). انتهى. ولا يخفى أن قول من حفظ ونقل حجة على من لم يحفظ وينقل. وأما قول المصنف: (وقد يكون الجواب قسما) مستدلّا بقوله تعالى: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى (¬4) -[وقد] قال المصنف: كأنه قيل: والله ليحلفن المنافقون إن أردنا - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 158. (¬2) التذييل (7/ 157). (¬3) التذييل (7/ 159). (¬4) سورة التوبة: 107.

[تلقي جواب القسم الماضي]

[تلقي جواب القسم الماضي] قال ابن مالك: (ولا يخلو دون استطالة الماضي المثبت المجاب به من اللّام مقرونة بـ «قد» أو «ربّما» أو «بما» مرادفتها إن كان متصرّفا وإلّا فغير مقرونة وقد يلي «لقد» أو «لبما» المضارع الماضي معنى، ويجب الاستغناء باللّام الدّاخلة على ما تقدّم من معمول الماضي كما استغني بالدّاخلة على ما تقدّم (من) (¬1) معمول المضارع). - إلا الحسنى - فظاهر الأمر ما قاله، ولكن قد يقال: (ليحلفن) (¬2) جواب قسم، والجواب جملة خبرية والقسم جملة إنشائية؛ فكيف يكون الخبر إنشاء؟ وما برحت أستشكل قولهم: إن لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ جواب لـ مِيثاقَكُمْ في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ (¬3)، وكذا قولهم في لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ: إنه جواب لـ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ (¬4)؛ لأن الميثاق معمول للفعل الذي هو «أخذ» من (أخذنا) ومن أَخَذَ اللَّهُ فإن كان القسم هو الجملة بتمامها أشكل من جهة أن القسم لا يكون مفردا إنما يكون جملة ويقع في النفس شيء هو أن يقال: إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى معمول لقول محذوف؛ التقدير: وليحلفن قائلين: والله إن أردنا إلا الحسنى، أو وليحلفن ويقولون: والله إن أردنا إلا الحسنى. وبعد: فلم يتحقق لي هذا البحث وأما قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ، [و] وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ؛ فيحتاج إلى أن يحرر القول في القسم ما هو؟، وهل لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ولَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ جواب لما قبله، أو القسم مقدر؟!!. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬5): إن كان صدر الجملة المجاب بها القسم فعلا ماضيا مثبتا وخلا القسم من استطالة وجب اقترانه باللام وحدها إن كان الفعل غير متصرف وباللام مع «قد» أو «ربما» أو «بما» بمعنى «ربما» إن كان متصرفا، فإن وجدت استطالة جاز إفراد الفعل كقوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) - ¬

_ (¬1) من المطبوع. (¬2) سورة التوبة: 107. (¬3) سورة البقرة: 84. (¬4) سورة آل عمران: 187. (¬5) انظر: شرح التسهيل: (3/ 213).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَشاهِدٍ [4/ 55] وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ، وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده وددت أن أقاتل في سبيل الله فأقتل ثمّ أحيا ثمّ أقتل ثمّ أحيا ثمّ أقتل» أخرجه البخاري (¬1). واقترانه بـ «قد» وحدها كقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (¬2) وإن لم توجد الاستطالة والفعل غير متصرف وجب الاقتران باللام مفردة كقول الشاعر: 2809 - لعمري لنعم الفتى مالك ... إذا الحرب أصلت لظاها رجالا (¬3) وإن كان الفعل متصرفا فالأكثر أن يقترن باللام مع «قد» كقوله تعالى: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا (¬4)، أو «ربما» كقول الشاعر: 2810 - لئن نزحت دار لسلمى لربّما ... غنينا بخير والدّيار جميع (¬5) أو «بما» مرادفة «ربما» كقول عمر بن أبي ربيعة: 2811 - [فـ] لئن بان أهله ... لبما كان يؤهل (¬6) وقد يستغني باللام الفعل الماضي المتصرف في النثر والنظم، ومن الاستغناء بها في النثر قوله تعالى: وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (¬7)، وفي الحديث عن امرأة من غفار أنها قالت: «والله لنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الصّبح فأناخ» (¬8)، وفي حديث سعيد بن زيد (¬9): أشهد لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «من أخذ شبرا من الأرض ظلما ..» (¬10) الحديث، ومن الاستغناء بها في النظم قول - ¬

_ (¬1) عن أبي هريرة - البخاري: أيمان (26) والجهاد (7) والتمني (1)، وابن حنبل (2/ 464)، ومالك في الموطأ: جهاد (27، 40)، والنسائي: جهاد (3، 18، 30). (¬2) سورة الشمس: 9. (¬3) من المتقارب، وانظره في الكافية الشافية (2/ 840). (¬4) سورة يوسف: 91. (¬5) من الطويل لقيس بن ذريح. التصريح (2/ 123)، والدرر (2/ 47)، والهمع (2/ 42). (¬6) من مجزوء الخفيف: ديوانه (ص 340) برواية «فيما» بدل «لبما» والدرر (2/ 47)، والهمع (2/ 42). (¬7) سورة الروم: 51. (¬8) قال ابن مالك في شواهد التوضيح (ص 169): (ذكره أبو الفرج في الجامع: «فو الله لترك») وانظر: الخزانة (4/ 221)، وشرح المفصل (9/ 21)، والكافية الشافية (2/ 840). (¬9) ابن عمرو بن نفيل القرشي صحابي من خيارهم شهد المشاهد إلا بدرا، أحد العشرة المبشرين بالجنة له في الصحيحين (48) حديثا (ت: 51 هـ). الأعلام (3/ 146)، والحلية (1/ 95)، والرياض النضرة (2/ 302 - 306)، وفيه وفاته سنة (50 هـ). (¬10) أخرجه البخاري: بدء الخلق (2)، وابن حنبل (2/ 99)، ومسلم: مساقاة (137، 139).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ امرئ القيس: 2812 - حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال (¬1) وقد يجاب القسم بمضارع ماضي المعنى فيقترن بـ «لقد»، أو بـ «لبما» فاقترانه بـ «لقد» كقول الشاعر: 2813 - لئن أمست ربوعهم يبابا ... لقد تدعو الوفود لها وفودا (¬2) واقترانه بـ «لبما» كقول الآخر: 2814 - فلئن تغيّر ما عهدت وأصبحت ... صدقت فلا بذل ولا ميسور لبما يساعف في اللقاء وليّها ... فرح بقرب مزارها مسرور (¬3) وإذا قدم معمول الماضي المجاب به القسم قرن باللام وأغنت عن «قد» «ربما» كما أغنى اقترانها بمعمول المضارع المؤخر عن توكيده بالنون. ومن شواهد اقترانها بمعمول الماضي المؤخر قول أم حاتم: 2815 - لعمري لقد ما عضّني الجوع عضّة ... فآليت أن لا أمنع الدّهر جائعا (¬4) وقد اجتمع في قول عامر بن قدامة (¬5): 2816 - فلبعده لا أخلدن وما له ... بذل إذا انقطع الإخاء فودّعا (¬6) شذوذان: أحدهما: عدم الاستغناء بتقديم اللام عن النون. والثاني: دخولها على جواب منفي، فلو كان مثبتا لكان دخولها عليه مع تقدم اللام أسهل. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬7). - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) من الوافر. الدرر (2/ 48)، والهمع (2/ 42). (¬3) من الكامل لعمر بن أبي ربيعة. ديوانه (ص 131)، والخزانة (4/ 223)، والدرر (2/ 48)، والهمع (2/ 42). (¬4) من الطويل. تعليق الفرائد (ص 40)، والخزانة (4/ 223). (¬5) لعله ابن قداد، وانظر: الأعلام (4/ 24). (¬6) من الكامل. التذييل (7/ 162). (¬7) انظر: شرح التسهيل (3/ 215).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتعلق به أبحاث: الأول: أن ظاهر قوله في متن الكتاب: ولا يخلو الماضي المثبت من اللام مقرونة بـ «قد»، أو «ربما» أو «بما» أن اللام لا تنفرد؛ بل لا بد أن يقرن بها أحد الثلاث التي هي «قد» و «ربما» والأمر ليس كذلك، وقد قال هو في الشرح: وإن كان الفعل متصرفا فالأكثر أن يقترن باللام مع «قد» أو «ربما» أو «بما»، وقد يستغنى باللام في النثر والنظم، ثم استشهد على ذلك بما تقدم ذكره. والذي ذكره في الشرح هو الحق. وقد قال ابن عصفور: وإن كان الفعل ماضيا موجبا تلقيت القسم باللام وحدها ويجوز أن تصل اللام بـ «قد» إذا كنت مخاطبا لمن يتوقع خبرك، لكن المصنف لا يختلف المراد عنده ذكرت «قد» مع اللام أم لم تذكر، وأما ابن عصفور فقد تقدم قوله إن القريب من زمن الحال يتلقى باللام و «قد»، وإن البعيد يتلقى باللام وحدها. الثاني: قال الشيخ مشيرا إلى قول المصنف: دون استطالة: ولا يحتاج إلى هذا القيد؛ فقد جاء في كلام الفصحاء حذف هذه اللام وإبقاء «قد»؛ قال زهير: 2817 - تالله قد علمت قيس إذا قذفت ... ريح الشّتاء بيوت الحيّ بالعنن أن نعم معترك الحيّ الجياع إذا ... خبّ السّفير ومأوى البائس البطن (¬1) وقال أيضا: 2818 - تالله قد علمت سراة بني ... ذبيان عام الحبس والأصر أن نعم معترك الجياع إذا ... خبّ السّفير وسابئ الخمر (¬2) انتهى. - ¬

_ (¬1) من البسيط - ديوان زهير (ص 28) باختلاف في الرواية، والدرر (2/ 48)، والهمع (2/ 2) هذا: ومعترك الجياع: موضع اجتماعهم والعنن: جمع عنة وهي حظيرة من شجر حول البيت. (¬2) من الكامل لزهير - ديوانه (ص 28)، والدرر (1/ 119)، والهمع (1/ 143)، وخبّ السفير: اشتد الزمان، وسابئ الخمر: مشتريها. وانظر البيتين السابقين، والتذييل (7/ 159).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي ذكره ابن عصفور موافق لما ذكره المصنف، فإنه بعد أن ذكر دخول اللام على الفعل الماضي قال (¬1): ويجوز حذف اللام إذا طال الكلام ومن ذلك قوله تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (¬2)، وقوله جلّ وعلا: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (¬3)، ثم قال تعالى في الجواب: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (¬4). انتهى. وعلى هذا، فالذي أنشده الشيخ لزهير مستدلّا به على الحذف دون استطالة محمول على القلة، والمصنف لا ينفي أن يجيء مثل ذلك في الشعر أو في قليل من الكلام. الثالث: قال الشيخ في قول المصنف: أو «بما» مرادفتها واستشهاده على ذلك بقول ابن أبي ربيعة: 2819 - فلئن بان أهله ... لبما كان يؤهل تقدم لنا الكلام في نظائر هذا البيت في حروف الجر عند قوله: وكذا بعد «رب» والباء ويحدث في الباء المكفوفة معنى التقليل. وملخص ما ذكرناه: أن بعد اللام فعلا محذوفا لدلالة ما قبله عليه وتقديره في هذا البيت: لبان بما كان يؤهل؛ فاللام دخلت على ذلك الفعل المحذوف والباء سببية و «ما» مصدرية، فعلى هذا لا يكون «لبما» بمعنى «رب» (¬5). انتهى. ولا شك أن ما ذكره الشيخ ممكن ولا تأباه القواعد، ولكن بعيد أن يكون مراد الشاعر كما تقدم لنا التنبيه على ذلك، ولكن المشكل قول المصنف هناك - أعني في باب حروف الجر -: إن اتصال «ما» بالياء أحدث فيها معنى [4/ 56] التقليل؛ فإن المعنى في قول الشاعر: 2820 - لبما قد ترى وأنت خطيب - ¬

_ (¬1) في شرح الإيضاح المفقود كما سبق ذكره قريبا. (¬2) سورة البروج: 1 - 4. (¬3) سورة الشمس: 1، 2. (¬4) سورة الشمس: 9. (¬5) التذييل والتكميل (7/ 160).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما هو على التكثير، وكذا في قول كثير: 2821 - بما قد أرى تلك الدّيار فإن المعنى: أنك رؤيت خطيبا كثيرا وأن رؤيتي تلك الديار وأهلها وهن جميعات الأنيس عوامر كان كثيرا، على أن المصنف عند إنشاده هذين البيتين في الشرح لم يتعرض إلى ذكر التقليل. نعم ذكر التقليل في متن الكتاب (¬1) وقال في شرح الكافية أيضا: وقد تحدث زيادة «ما» بعد الباء تقليلا، وهي لغة هذيلية (¬2)، والعجب أنه جعل في هذا الباب - أعني باب القسم - «بما» مرادفة «ربما». ولا شك أن «ربّ» للتكثير عنده، فكيف ذكر في باب حروف الجر أن «بما» تفيد التقليل؟! والمسألة تحتاج إلى نظر. الرابع: قد عرفت أن ابن عصفور فرّق بين تلقي القسم في الجواب المفتتح بفعل ماض مثبت بين الإتيان باللام وحدها أو باللام و «قد»؛ فجعل الأول للماضي البعيد من زمن الحال، وجعل الثاني للماضي القريب من زمن الحال، وأن المصنف لم يتعرض إلى ذكر هذا الفرق؛ فهو يسوّي بين الصورتين. قال ابن عصفور: ومن النحويين من ذهب إلى أنها - يعني اللام - لا بد أن تصحبها «قد» ظاهرة أو مقدرة؛ قياسا على اللام الداخلة على خبر «إن»، ورد ذلك بأن اللام في خبر «إن» أصلها للدخول على المبتدأ؛ فعلى هذا لا تدخل إلا على ما هو المبتدأ في المعنى نحو: إن زيدا لقائم، أو على ما هو مشبه به نحو: إن زيدا ليقوم، واللام التي في جواب القسم ليست كذلك (¬3). الخامس: ناقش الشيخ المصنف في قوله: ويجب الاستغناء باللام الداخلة على ما تقدم من - ¬

_ (¬1) قال في متن التسهيل عن «رب»: (وهي حرف تكثير وفاقا لسيبويه والتقليل بها نادر). تسهيل الفوائد (ص 147). (¬2) شرح الكافية الشافية (2/ 817) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) شرح الجمل (1/ 527).

[توالي القسم والشرط غير الامتناعي]

[توالي القسم والشرط غير الامتناعي] قال ابن مالك: (فصل: إذا توالى قسم وأداة شرط غير امتناعيّ استغني بجواب الأداة مطلقا إن سبق ذو خبر وإلّا فبجواب ما سبق منهما، وقد يغني حينئذ جواب الأداة مسبوقة بالقسم. وقد يقرن القسم المؤخّر بفاء فيغني جوابه وتقرن أداة الشّرط المسبوقة بلام مفتوحة تسمّى الموطّئة، ولا تحذف والقسم محذوف إلّا قليلا، وقد يجاء بـ «لئن» بعد ما يغني عن الجواب فيحكم بزيادة اللّام). ـــــــــــــــــــــــــــــ معمول الماضي فقال: ليس هذا باستغناء بل هذه اللام هي الداخلة على الماضي فصل بينهما بمعموله (¬1). انتهى. وهي مناقشة لفظية. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): إذا اجتمع في كلام واحد قسم وأداة شرط ولم تكن الأداة «لو»، ولا «لولا» استغني بجواب ما تقدم منهما عن جواب متأخر إن لم يتقدم عليهما ذو خبر. فالاستغناء بجواب القسم لتقدّمه نحو: والله إن جئتني لأكرمتك، والاستغناء بجواب الشرط نحو: إن جئتني والله أكرمك. فلو تقدم عليهما ذو خبر استغني بجواب الشرط؛ تقدم على القسم، أو تقدم القسم عليه، وكان الشرط حقيقا بأن يغني جوابه مطلقا؛ لأن تقدير سقوطه مخل بالجملة التي هو منها وتقدير سقوط القسم غير مخل؛ لأنه مسوق لمجرد التوكيد، والاستغناء عن التوكيد سائغ ففصل الشرط؛ فلزم الاستغناء بجوابه مطلقا إذا تقدم عليه وعلى الشرط ذو خبر، فإن لم يتقدم عليها ذو خبر وأخر القسم وجب الاستغناء عن جوابه بجواب الشرط، وإن أخر الشرط استغني في أكثر الكلام عن جوابه بجواب القسم؛ كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ (¬3)، ولا يمتنع الاستغناء بجواب الشرط مع تأخره. ومن شواهد ذلك قول الفرزدق: - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 162). (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 215) تحقيق د/ عبد الصمد السيد، ود/ محمد بدوي المختون. (¬3) سورة النور: 53.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2822 - لئن بلّ لي أرضي بلال بدفقة ... من الغيث في يمنى يديه انسكابها أكن كالّذي أصاب الحيا أرضه الّتي ... سقاها وقد كانت جديبا جنابها (¬1) ومنها قول ذي الرمة: 2823 - لئن كانت الدّنيا عليّ كما أرى ... تباريح من ميّ فللموت أروح (¬2) ومنها قول الأعشى: 2824 - لئن منيت بنا عن غبّ معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل (¬3) فلو كانت أداة الشرط «لو» استغنى بجوابها عن جواب القسم مطلقا نحو: والله لو فعلت لفعلت، ولو فعلت والله لفعلت، وكذا لو تقدم عليها ذو خبر أو كان بدل «لو» «لولا» ومن أجل هذا قلت: (أداة شرط غير امتناعي). وقد يقرن القسم المؤخر بفاء فيجب الاستغناء بجوابه؛ لأن الفاء تقتضي الاستئناف وعدم تأثر ما بعدها بما قبلها، ومنه قول قيس بن العيزارة (¬4): 2825 - فإمّا أعش حتّى أدبّ على العصا ... فو الله أنسى ليلتي بالمسالم (¬5) وأجاز ابن السراج أن تنوى هذه الفاء فيعطى القسم المؤخر بنيتها ما أعطي بلفظها فأجاز أن يقال: إن يقم يعلم الله لأزورنك، على تقدير: فيعلم الله لأزورنك، ولم يذكر عليه شاهدا، فلو لم تنو الفاء لألغي القسم؛ فقيل: إن يقم يعلم الله لأزرك، وتقارن أداة الشرط المسبوقة بقسم لام مفتوحة تسمى الموطئة، وأكثر ما يكون ذلك مع «إن» كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها (¬6)، وقد - ¬

_ (¬1) من الطويل. ديوانه (1/ 50، 51)، والخزانة (4/ 536)، وشرح العمدة (ص 151) هذا: والدفقة هنا: كالغرفة وزنا ومعنى، والجناب: الجانب والناحية، والجديب: المحل من الجدب. (¬2) من الطويل ديوانه (ص 86)، والكافية الشافية (2/ 890)، والمغني (ص 236) برواية «ليلى» بدل «مي». (¬3) البيت من بحر الطويل وهو للأعشى في ديوانه (ص 277) (الكتاب العربي)، وفي العيني (3/ 283)، والأشموني (4/ 29). (¬4) من شعراء هذيل، والعيزارة أمه وهو قيس بن خويلد، والعزور: الديوث، قاله الصاغاني في التكملة. وراجع ديوان الهذليين (3/ 72، 76)، وفي الأصل: «الواردة» شرح التسهيل لابن مالك. (¬5) من الطويل تعليق الفرائد (ص 40)، والدرر (2/ 50)، والهمع (2/ 43)، والأصل: «أعيش» وبه ينكسر، وتحريف. (¬6) سورة الأنعام: 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكتفى بنيتها عن لفظها كقوله تعالى: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (¬1)، والأصل ولئن لم تغفر لنا وترحمنا، ولولا ذلك لم يقل في الجواب: لَنَكُونَنَّ بل كان يقال: وإن لم تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين، كما قيل: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ (¬2). قال سيبويه رحمه الله: ولا بد من هذه اللام مظهرة أو مضمرة (¬3)، يعني اللام التي تقارن أداة الشرط وتسمى الموطئة [4/ 57] ومن مقارنتها غير «إن» من أخواتها قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ (¬4)، ومثله قول القطامي (¬5): 2826 - ولما رزقت ليأتينّك سيبه ... جلبا وليس إليك ما لم ترزق (¬6) وقوله: 2827 - لمتى صلحت ليقضين لك صالح ... ولتجزينّ إذا جزيت جميلا (¬7) وقد يستغنى بـ «لئن» عن جواب لتقدم ما يدل عليه؛ فيحكم بأن اللام زائدة، فمن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة: 2828 - [ألمم بزينب] (¬8) إنّ البين قد أفدا ... قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا (¬9) ومثله: 2829 - ولا يدعني قومي صريحا لحرّة ... لئن كنت مقتولا ويسلم عامر (¬10) انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬11). - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 23. (¬2) سورة هود: 47. (¬3) الكتاب (3/ 66). (¬4) سورة آل عمران: 81. (¬5) عمرو بن شييم يلقب بالقطامي، وصريع الغواني (ت: 130 هـ) الأعلام (5/ 264)، والسمط (1/ 131). (¬6) من الكامل. ديوانه (ص 36)، والدرر (2/ 50)، والهمع (2/ 44). (¬7) من الكامل. الدرر (2/ 51)، والمغني (ص 272)، والهمع (2/ 44). (¬8) من الديوان. (¬9) من البسيط. ديوانه (ص 391)، والمغني (ص 236). (¬10) من الطويل لقيس بن زهير. الكتاب (1/ 427)، ومعاني الفراء (1/ 67)، والمقتضب (4/ 93)، والهمع (2/ 16). (¬11) انظر: شرح التسهيل (3/ 218).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتعين التعرض إلى التنبيه على أمور تشتمل على مباحث: منها: أنه استثنى من الشرط الذي يجامع القسم الشرط الامتناعي وهو الذي الأداة فيه «لو» أو «لولا»، وقال: إن الجواب حينئذ يتحتم أن يكون للشرط لا للقسم سواء تقدم القسم أم تأخر، وسواء تقدمهما ذو خبر أم لم يتقدم، وهذا معنى قوله في الكافية: وبجواب لو ولولا استغنيا ... حتما إذا ما تلوا أو تليا (¬1) وأنشد في شرح الكافية قول الشاعر: 2830 - فأقسم لو أبدى النديّ سواده ... لما مسحت تلك المسالات عامر (¬2) وقول الآخر: 2831 - والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا (¬3) ولا شك أن هذين البيتين شاهدان لما ذكره، لكن كلام ابن عصفور يقتضي خلاف ذلك، فإنه قال (¬4): وإذا توسطت «لو» أو «لولا» بين القسم والفعل الواقع جوابا له لزم أن يكون الفعل الواقع جوابا ماضيا؛ لأنه مغن عن جواب «لو» و «لولا» المحذوف ودالّ عليه، وجواب «لو» و «لولا» لا يكون إلا ماضيا؛ فوجب أن يكون الدالّ عليه كذلك فتقول: والله لو قام زيد لقام عمرو، وو الله لو قام بكر ما قام خالد، وو الله لولا زيد لقام عمرو، وو الله لولا زيد ما قام بكر. انتهى. ومن هنا قال الشيخ عند ذكر هذه المسألة: وقول بعض أصحابنا إنه إذا تقدم القسم على «لو» أو «لولا» فالجواب للقسم، وجواب «لو» و «لولا» محذوف - ¬

_ (¬1) الكافية الشافية (2/ 893). (¬2) من الطويل. الأشموني (4/ 28) وشرح الكافية الشافية (2/ 893)، والعيني (4/ 450)، واللسان: «سيل»، ومسالات: جمع مسالة وهي جانب اللحية، والندي: مجلس القوم. (¬3) رجز لعامر بن الأكوع، وقيل: لغيره. الدرر (2/ 49)، وشرح المفصل (3/ 118)، والهمع (2/ 43). هذا، والبيتان في شرح الكافية الشافية (2/ 894). (¬4) شرح الإيضاح المفقود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لدلالة جواب القسم عليه (¬1). ثم قال ابن عصفور: وقد يدخلون «أن» على «لو» توطئة لجعل الفعل الواقع بعدها جوابا للقسم كما يدخلون اللام على «إن» الشرطية فيقال: أقسم أن لو قام زيد قام عمرو، ومن ذلك قوله: 2832 - فأقسم أن لو التقينا وأنتم ... لكان لكم يوم من الشّرّ مظلم (¬2) انتهى. هذا كلامه في «شرح الإيضاح» وهو يناقض كلامه في «شرح الجمل» الذي تقدم لنا نقله عنه، فإنه لما أنهى الكلام على روابط الجملة الواقعة جواب قسم قال: إلا أن يكون جواب القسم «لو» وجوابها فإن الحرف الذي يربط المقسم به بالمقسم عليه إذ ذاك إنما هو «أن» نحو: والله أن لو قام زيد لقام عمرو، ولا يجوز الإتيان باللام كراهة الجمع بين لام القسم ولام «لو» فلا يجوز: والله للو قام زيد قام عمرو (¬3). انتهى. فكلامه في «شرح الإيضاح» يقتضي أن الفعل الواقع بعد فعل الشرط الذي تقدم القسم عليه هو جواب القسم، وأن جواب «لو» و «لولا» محذوف دل عليه الجواب الذي للقسم ويقتضي أيضا أن «أن» الداخلة على «لو» توطئة لجعل الفعل الواقع بعدها جوابا للقسم. وكلامه في شرح الجمل يقتضي أن جواب «لو» مذكور، وأن «لو» وجوابها جواب القسم، ولا يخفى ما بين الكلامين من المباينة. وأما كلام المصنف؛ فظاهره يعطي أن المذكور بعد فعل الشرط المقرون بـ «لو» وبعد الاسم المقرون بـ «لولا» هو جواب الشرط، وأن جواب القسم محذوف؛ فحكم بأن لكل من القسم والشرط جوابا، وأن أحدهما محذوف وهو جواب القسم، والآخر مذكور وهو جواب «لو» أو «لولا» وكأن جملة «لو» معترضة بين القسم وجوابه وكذا جملة «لولا». وأقول: يبعد أن يكون للقسم جواب مقدر في نحو: والله لو قام زيد لقام عمرو، - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 136). (¬2) من الطويل للمسيب بن علس. التصريح (2/ 233)، والخزانة (4/ 224)، والكتاب (1/ 455)، والمغني (ص 33). (¬3) شرح الجمل (1/ 529).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولولا زيد لقام عمرو، بل ربما يستحيل ذلك؛ لأن المقسم عليه إنما هو «قيام عمرو» المعلق على «قيام زيد» أو على وجوده، وإذا كان المقسم عليه ذلك؛ فكيف يتجه تقدير جواب غير الشرط المذكور وجوابه؛ إذ لو قدر جواب غير ذلك لكان شيئا غير معلق على غيره؟! والغرض أن المقسم عليه إنما هو أمر معلق على شيء لا أمر مستقل بنفسه، وإذا كان الأمر كذلك اتجه كلام ابن عصفور في «شرح الجمل» حيث قال: إلا أن يكون جواب القسم «لو» وجوابها. فصرح بأن الشرط وجوابه هو جواب القسم، واضمحل كلامه في «شرح الإيضاح» حيث قال: وإذا توسطت «لو» أو «لولا» بين القسم والفعل الواقع جوابا له لزم أن يكون الفعل الواقع جوابا ماضيا؛ لأنه مغن عن جواب «لو» و «لولا» المحذوف ودال عليه، إلى آخر كلامه. ثم هذا الذي قررته من أن الشرط الامتناعي وجوابه يكون جواب القسم وأن ليس شيء محذوفا، وقد يفهم من قول المصنف في أوائل الفصل: وتصدر في الشرط الامتناعي بـ «لو» أو «لولا» فإنه قد تقدم لنا أن هذا الكلام يقتضي أن جملة الشرط المصدرة لكل من الحرفين المذكورين هي جواب القسم؛ لأن معنى كلامه: المقسم عليه جملة مؤكدة تصدر في الإثبات بكذا، وفي الشرط الامتناعي بكذا، ويمكن حمل كلام المصنف في «الكافية» عليه أيضا، وذلك بأن يحمل قوله: وبجواب لو ولولا استغنيا ... حتما إذا ما تلوا أو تليا على أنا نستغني [4/ 58] بجواب «لو» و «لولا» عن تقدير جواب للقسم فلا تقدر جوابا للقسم محذوفا، بل نجعل المذكور بعد القسم هو الجواب له، ولا نحمله على أنا نستغني به عن ذكر جواب القسم، وكلامه في شرح التسهيل يمكن أن يحمل على ذلك أيضا لكن بتكلف ما. فإن قيل: أنت قررت أن الشرط وجوابه هو جواب القسم، وكذا «لولا» وجوابها، وقول المصنف: وبجواب «لو» و «لولا» استغنيا إذا أريد بالاستغناء الاستغناء عن التقدير كما قرر - يقتضي أن جواب كل منهما بمفرده هو جواب القسم؟! -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالجواب: أن جواب القسم إنما هو «لو» وجوابها و «لولا» وجوابها، وإنما لو كان المقصود بالإخبار عنه هو جوابهما أسند الأمر إليه مع أن الجواب لا بد له من شيء يكون هو جوابا له؛ فكان لزوم ذكره جاريا مجرى ذكره، فلهذا لم يحتج إلى التعرض إليه. فإن قيل: كيف يصح أن يعلل منع أن يكون للقسم جواب مقدر في نحو: والله لو قام زيد لقام عمرو، ولولا زيد لقام عمرو - بأن المقسم عليه إنما هو «قيام عمرو» المعلق على «قيام زيد» مع «لو» وعلى «وجود زيد» مع «لولا» وهذا بعينه موجود في الشرط غير الامتناعي؛ لأن المقسم عليه أيضا في نحو: والله إن قام زيد ليقومن عمرو؛ إنما هو «قيام عمرو» والمعلق على «قيام زيد»، ومع هذا فقد أتى للقسم بجواب يخصه؛ فلم لا يقال: إن الشرط وجوابه يكون جوابا للقسم في الشرط غير الامتناعي كما قيل: إن الشرط وجوابه هو جواب القسم في الشرط الامتناعي؟! فالجواب: أن يقال: إن الجواب في الشرط الامتناعي ممتنع الوقوع، أما إذا كان حرف الشرط «لو» فلأنه علق على حصول أمر قد ثبت أن وجوده ممتنع وأما إذا كان حرف الشرط «لولا» فلأن الامتناع معها معلق على وجود شيء مقطوع بأنه موجود، وإذا كان جواب الشرط الامتناعي ممتنع الوقوع لما ذكرنا؛ امتنع تقدير جواب للقسم، إذ يلزم من تقديره أن يكون المقدر ممتنع الوقوع لتطابق جواب الشرط والقسم؛ لأن جملة القسم إنما هي مؤكدة بجملة الشرط فيتعين اتفاق المدلولين. ولا شك أن جواب القسم - إذا قدرناه - ليس ثم ما يدل على أنه ممتنع فيلزم من تقديره حينئذ تخالف الجوابين من حيث إن أحدهما مقطوع بامتناعه، والآخر ليس كذلك. وأما جواب الشرط غير الامتناعي؛ فليس ممتنع الوقوع، وإذا لم يكن ممتنع الوقوع؛ فجواب القسم مساو له في احتمال الوقوع وعدمه، فلذلك جاز أن يقدر مدلولا عليه بجواب الشرط؛ لأن المتساويين يجوز دلالة كل منهما على الآخر. هذا ما أدى إليه النظر في هذه المسألة، والله تعالى أعلم بالصواب. وأما قول ابن عصفور: إن «أن» حرف يربط المقسم به بالمقسم عليه في نحو: والله أن لو قام زيد لقام عمرو؛ فلا يتحقق؛ لأن الرابط لا يجوز الإخلال به، بل يجب المحافظة عليه. ولا شبهة في جواز قولنا: والله لو قام زيد لقام عمرو. وقد تقدم إنشاد المصنف: 2833 - فأقسم لو أبدى النديّ سواده ـــــــــــــــــــــــــــــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أن: «أن» في نحو: والله أن لو قام زيد لقام عمرو؛ زائدة. ويذكر الدليل على زيادتها في باب إعراب الفعل (¬1) إن شاء الله تعالى. ومنها: أن ابن عصفور لمّا ذكر مسألة اجتماع القسم والشرط، وأن الجواب الذي يذكر يكون للمتقدم فيها، وأن المتأخر منها يحذف جوابه - أتبع ذلك بذكر مسألة فقال (¬2): فإن تقدم على القسم ما يطلب خبرا، أو ما يطلب صلة فإنه يجوز أن يبنى الجواب على القسم، وقد يجوز أن يبنى على المبتدأ والموصول فتقول: زيد والله يقوم، وإن شئت: زيد والله ليقومن، ويعجبني الذي والله يقوم، وإن شئت: يعجبني الذي والله ليقومن، فإن بنيت على الأول حذفت جواب القسم؛ لدلالة ما تقدم عليه، وإن بنيت على القسم كان القسم وجوابه في موضع خبر المبتدأ، أو صلة الموصول، ولذلك جاز في هذين الموضعين البناء على الثاني؛ لأنه لا يؤدي ذلك إلى حذف مع تأخير الدليل (¬3). انتهى. وأشار بقوله: لأنه لا يؤدي ذلك إلى حذف مع تأخير الدليل» إلى ما هو كالجواب عن سؤال قد يسأل وهو أن يقال: لم لا يمتنع في هذه المسألة أن يبنى الكلام على المتأخر كما امتنع في مسألة اجتماع القسم والشرط؟ والجواب عن ذلك: أن كلّا من القسم والشرط لا بد له من جواب، والشرط لا يصلح جواب قسم والقسم لا يصلح جواب شرط، ولا بد من ذكر أحدهما وحذف الآخر؛ فلزم أن يكون المذكور دالّا على المحذوف، فلو دل على المتقدم بالمتأخر بأن يحذف الأول لدلالة الثاني عليه؛ لكنت قد حذفت شيئا قبل ذكر ما لا يدل عليه، وقد قال: إن الباب في المحذوفات التي يفسرها اللفظ ألا يحذف شيء منها إلا لتقدم الدليل عليه. وأما المسألة التي أشار إليها: فإنك إن بنيت على الأول - أعني المبتدأ، أو الموصول - حذفت جواب القسم الذي هو الثاني؛ لدلالة المتقدم عليه، وإن بنيت - ¬

_ (¬1) يقول ابن مالك في زيادة «أن»: (والزائدة هي التي دخولها في الكلام كخروجها، وتقع بعد لما الحينية نحو: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ وبين القسم و «لو» مثل: أما والله أن لو قام زيد قام عمرو). من شرح التسهيل (4/ 51). (¬2) شرح الجمل (1/ 529). (¬3) المرجع السابق (1/ 530).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الثاني - أعني القسم - فلا حذف؛ لأنه هو وجوابه يكونان خبر المبتدأ أو صلة الموصول؛ لصلاحه لذلك. ومنها: أنه قد علم من كلام المصنف أمران: أحدهما: أن الجواب الذي يذكر إنما يكون لما تقدم من قسم أو شرط عند اجتماعهما، ويحذف جواب المتأخر منهما لدلالة جواب المتقدم عليه إلا أن يتقدمهما ذو خبر؛ فيتعين حينئذ أن يكون الجواب للشرط سواء تقدم الشرط [4/ 59] على القسم أم تأخر، ويشمل «ذو خبر»: المبتدأ، واسم «كان»، واسم «إن»، وأول مفعولي «ظننت» وأخواتها، وثاني مفعولات «أعلمت» وأخواتها. الأمر الثاني: أنه قد يجاب الشرط مع تأخره عن القسم وإن لم يتقدمهما ذو خبر؛ فيكون جواب القسم محذوفا مع كونه متقدما على الشرط. أما الأمر الأول: فكلام ابن عصفور يخالفه؛ لأنه لا يتعين عنده أن يكون الجواب للشرط بل قال: ما ذكرته من أن العرب لا تجعل جوابا للشرط المتوسط بينه وبين القسم إنما هو بشرط ألا يتقدم القسم اسم مبتدأ، فإن تقدمه ذلك؛ جاز جعل الفعل جوابا للشرط في فصيح الكلام نحو قولك: زيد والله إن يقم يقم عمرو. هذا كلامه في «شرح الإيضاح». فلم يجعل الجواب متعينا للشرط، بل ذلك عنده من الجائز الفصيح. على أنه قد ذكر في «شرح الجمل» أن الجواب يكون للمتقدم دون أن يتعرض إلى تفصيل في ذلك (¬1). قال الشيخ: وفي الشرح المنسوب لأبي الفضل البطليوسي (¬2) قال سيبويه: أنا والله إن تأتني آتك. انتهى لفظ سيبويه، قال في الشرح: لك أن تبني على المبتدأ فتقول: آتيك، وتحذف جواب الشرط والقسم؛ لتقدم الدليل، وأن تبني على القسم أي فتقول: لآتينك؛ فالجملة من القسم والشرط في موضع خبر المبتدأ، وأن تبني على الشرط؛ فالشرط وجوابه خبر للمبتدأ. والنية به أن يتقدم على القسم - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 529). (¬2) إبراهيم بن محمد أبو إسحق، من أهل بطليوس بالأندلس، ويلقب أيضا بالأعلم (ت 637 هـ). الأعلام (1/ 60)، والبغية (ص 185).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيكون جواب القسم محذوفا لدلالة ما قبله عليه. فهذا كله جائز. ولو جعلت خبر المبتدأ القسم لم يجز البناء على الشرط؛ لأنه لا يحذف جوابه والدليل بعده وقد اختار سيبويه البناء على الشرط مع جعل الشرط خبرا واليمين متوسط معترض بين المبتدأ والخبر (¬1). انتهى. وفهم من كلامه أن الجواب لا يتعين كونه للشرط إذا تقدم عليه ذو خبر على القسم وعليه، وقد علمت ما ذكره المصنف من أن الشرط كان حقيقيّا بأن يغني جوابه مطلقا؛ لأن تقدير سقوطه مخل بالجملة التي هو منها وتقدير سقوط القسم غير مخل؛ لأنه مسوق لمجرد التوكيد، والاستغناء عن التوكيد سائغ ففضل الشرط فلزم الاستغناء بجوابه مطلقا إذا تقدم عليه وعلى الشرط ذو خبر. ولا شك أن هذا كلام متجه، ولكن لا يظهر بطلان ما قاله ابن عصفور أيضا، ولا يبعد أن ما ذهب إليه المصنف في هذه المسألة من أن الجواب يكون للشرط مع تأخره عن القسم إذا تقدمهما ذو خبر هو الأحسن من جعل الجواب للقسم أما أنه متعين فلا. وأما الأمر الثاني: وهو أنه قد يجاب الشرط مع تأخره عن القسم وإن لم يتقدمهما ذو خبر فقد استدل المصنف عليه بقول الفرزدق: 2834 - أكن كالّذي أصاب الحيا أرضه بعد قوله في البيت الذي قبله: 2835 - لئن بلّ لي أرضي بلال بدفقة وبقول ذي الرمة: 2836 - لئن كانت الدّنيا عليّ كما أرى ... ... البيت وبقول الأعشى: 2837 - لئن منيت بنا عن غبّ معركة ... ... البيت وهي أدلة ظاهرة على المدعي غير أن المصنف لم ينسب هذا المذهب لبصري، ولا كوفي؛ جريا منه على طريقته المألوفة وهي أنه إذا قام الدليل عنده على شيء - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 164، 165) ومسائل البطليوسي (ص 568) وما بعدها، والهمع (2/ 43).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اتبعه، ثم إنه قد ينبه على خلاف في ذلك إن كان، وقد لا يتعرض إلى ذلك. والجماعة يذكرون أن هذا القول إنما هو قول الفراء (¬1)، ولذلك قال ابن عصفور: ولا يجوز جعل الفعل جوابا للشرط إذا توسط بينه وبين القسم. فأما قول الأعشى: 2838 - لئن منيت بنا ... ... ... البيت وقول امرأة فصيحة من بني عقيل: 2839 - لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا ... أصم في نهار القيظ للشّمس باديا وأركب حمارا بين سرج وفروة ... وأعر من الخاتام صغرى شماليا (¬2) فاللام في [لئن] ينبغي أن تكون زائدة كالتي في قوله: 2840 - [مرّوا عجالا فقالوا كيف صاحبكم ... فقال من سألوا] أمسى لمجهودا (¬3) وكالتي في قراءة من قرأ: (إلّآ أنّهم ليأكلون الطّعام) (¬4)، وأما قول الآخر: 2841 - حلفت لها إن تدلجي اللّيل لا يزل ... أمامي بيت من بيوتك سائر (¬5) فليس «حلفت» فيه قسما كما ذهب إليه الفراء، بل هو خبر محض، غير مراد به معنى القسم؛ لأن القسم إذا تقدم على الشرط بني الجواب عليه ولم يبن على الشرط (¬6). انتهى. فمن ثم لمّا ذكر الشيخ كلام المصنف في المسألة قال: وهذا الذي أجازه هو مذهب الفراء، وقد منعه أصحابنا والجمهور، ثم سرد كلام ابن عصفور المتقدم (¬7). وأقول: إن ابن عصفور لم يذكر دليلا على امتناع ما ذكره المصنف بل عمد - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 165)، والهمع (2/ 43). (¬2) من الطويل، الخاتام: لغة في خاتم. الأشموني (4/ 29)، والتصريح (2/ 204)، والدرر (2/ 50)، والمغني (ص 236). (¬3) قطعة من شطر بيت ذكرناه بأكمله وهو من البسيط، وانظره في: الأشموني (2/ 214)، والخزانة (4/ 330)، وشرح المفصل (8/ 64، 87)، والهمع (1/ 144). (¬4) سورة الفرقان: 20. وهي قراءة سعيد بن جبير. البحر المحيط (6/ 490)، والتذييل (7/ 165). (¬5) من الطويل. الخزانة (4/ 540)، والمقرب (1/ 208)، وفي الأصل: «بيوتكن» تحريف. (¬6) شرح الجمل (1/ 529). (¬7) التذييل (7/ 165).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الأدلة على هذا الحكم فأخرجها عن ظاهرها بغير موجب وحكم بزيادة اللام مع إمكان القول بعدم الزيادة. وبعد: فلا يخفى على الناظر وجه الصواب والوقوف مع ما ورد عن العرب حيث لا مانع من الحمل على ظاهر ما ورد عنهم. ومنها: أنه قال: وقد يقرن القسم المؤخر بفاء فيغني جوابه، وقال في الشرح: فيجب الاستغناء بجوابه؛ لأن الفاء تقتضي الاستئناف وعدم تأثر ما بعدها بما قبلها، وأنشد على ذلك: 2842 - فإمّا أعش حتّى أدبّ على العصا البيت المتقدم الذكر، فقال الشيخ: قول المصنف يدل على أن للشرط جوابا محذوفا أغنى عنه جواب القسم، وليس كذلك، بل الجملة القسمية هي نفس جواب الشرط؛ ولذلك دخلت الفاء، فليس للشرط جواب محذوف أغنى عنه جواب القسم (¬1). وأقول: ما ذكره الشيخ حق لا شبهة فيه. وقد كنت أيام الاشتغال وقفت على كلام المصنف رحمه الله تعالى في شرح الكافية فرأيته ذكر هذه المسألة كما ذكرها هنا واستشهد بالبيت المذكور (¬2) فحصل في خاطري [4/ 60] أن القسم وجوابه هو جواب الشرط، وأن لا حذف أصلا وجزمت بذلك، ولكن لما رأيت الشيخ ذكر ذلك في شرحه اقتصرت على نسبته إليه. ثم قال الشيخ: وأما تجويز ابن السراج حذفها (¬3) - يعني الفاء - فينبغي ألا يجوز؛ لأن حذف فاء جواب الشرط لا يجوز إلا في الضرورة نحو قوله: 2843 - من يفعل الحسنات الله يشكرها ... [والشّرّ بالشّرّ عند الله مثلان] (¬4) - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 166). (¬2) الكافية الشافية (2/ 892). (¬3) الأصول (2/ 193). (¬4) البيت من البسيط، قيل لعبد الرحمن بن حسان، وقيل لغيره. الكتاب (1/ 435، 458) والمقتضب (2/ 72) والمقرب (1/ 276) وانظر التذييل (7/ 166).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنه قال: وقد يجاء بـ «لئن» بعد ما يغنى عن الجواب؛ فيحكم بزيادة اللام، وقال في الشرح: وقد يستغنى بعد «لئن» عن جواب لتقدم ما يدل عليه فيحكم بأن اللام زائدة وأنشد: 2844 - قلّ الثّواء لئن كان الرّحيل غدا وقول الآخر: 2845 - فلا يدعني قومي صريحا لحرّة ... لئن كنت مقتولا ويسلم عامر ولم يزد على ذلك، فإنه لا يعلم من كلامه هذا أي جواب أراد لكنه صرح في شرح الكافية بأن لا قسم في مثل هذه الصورة فقال: وقد يجاء بـ «لئن» والقسم غير مراد كقول عمر بن أبي ربيعة: 2846 - ألمم بزينب ... ... ... البيت وكالذي أنشده الفراء: فلا يدعني قومي ... ... ... البيت الآخر (¬1) وإذا كان الأمر كما أشار إليه فلم يجتمع شرط وقسم، وليس ثمّ إلا شرط فقط، وعلى هذا فالواجب ألا يتعرض إلى ذكر هذه المسألة في هذا الباب - أعني باب القسم - وإنما كان الواجب أن تذكر في باب إعراب الفعل عن ذكر أدوات الشرط. فيقال: وقد يؤتى بلام زائدة قبل «إن» الشرطية إن كان الجواب محذوفا مدلولا عليه بما قبل أداة الشرط، وكان الحامل له على ذكر هذه المسألة هنا المشاكلة الصورية للام الموطئة. ثم اعلم أن ابن عصفور لما تكلم على اجتماع القسم والشرط، وتقدّم القسم عليه، قال (¬2): وأنت في إدخال اللام على أداة الشرط بالخيار فمن إدخالها عليها قوله تعالى: وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (¬3)، ومن إسقاطها قوله - ¬

_ (¬1) الكافية الشافية (2/ 896)، والكتاب (1/ 427)، ومعاني القرآن للفراء (1/ 67)، والمقتضب (4/ 93). (¬2) شرح الإيضاح المفقود. (¬3) سورة الإسراء: 86.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ (¬1)، ثم قال: وهذه اللام الداخلة على أداة الشرط في مذهب البصريين زائدة للتأكيد، وموطئة لدخول اللام على الجواب، ودالة على القسم إذا حذف، وليست التي يتلقى بها القسم، بدليل جواز سقوطها وأيضا بدليل قول كثير: 2847 - لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ... وأمكنني منها إذا لا أقيلها (¬2) فرفع «أقيلها» يدل على اعتماد القسم عليه، ولو كانت لام «لئن» هي جواب القسم لا نجزم «لا أقيلها» كما تقول: (إن تقم) (¬3) إذا لا أقم، ومما يدل على أن هذه اللام الداخلة على أداة الشرط موطئة لدخولها على الجزاء وجعله جوابا للقسم ودالة عليه إذا حذف - أن الفعل الواقع جوابا للقسم المحذوف إذا كان منفيّا لم يجز حذفها إذ ذاك؛ لأنها لو حذفت لم يكن في اللفظ ما يدل على القسم المحذوف، فإذا وجد من كلام العرب: إن قام زيد لا يقوم عمرو؛ لم يحمل على القسم بل لا بد من إدخال اللام على أداة الشرط إذا أريد به معنى القسم كما جاء في بيت كثير، وكقوله تعالى: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ (¬4). قال أبو علي: فإن قلت: كيف تدخل هذه اللام موطئة لدخولها على الجزاء وهي تدخل على «إن» حيث لا تدخل اللام على الجزاء كقوله تعالى: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ؟ قيل: إنما دخلت؛ لأن الجزاء قد دخله ما يقوم مقام اللام في المعنى، ألا ترى أنه لا يتلقى بها القسم كما يتلقى باللام، فإذا كان كذلك كان دخول «لا» كدخول اللام؛ فجاز دخول اللام على الشرط لدخول «لا» كما جاز دخوله مع دخول اللام (¬5). وزعم الفراء أن اللام لما دخلت على الشرط أجيب بجواب القسم (¬6)، وذلك فاسد؛ لأن الجواب معتمد على القسم كما تقدم، ثم ذكر (¬7) أبي علي بحثا مع الفراء يقتضي إبطال ما ادعاه فتركت إيراده؛ لأنني لم أتحققه. - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 73، وشرح الجمل (1/ 381، 382). (¬2) من الطويل. ديوانه (2/ 78)، والدرر (2/ 5)، والكتاب (1/ 412)، والهمع (2/ 7). (¬3) بالأصل: تقم إن، وهو اضطراب. (¬4) سورة الحشر: 12. (¬5) التذييل (4/ 65) بغير نسبة لأحد. (¬6) الهمع (2/ 42، 43). (¬7) أي: ابن عصفور في شرح الإيضاح.

[من أحكام أسلوب القسم]

[من أحكام أسلوب القسم] قال ابن مالك: ([فصل]: لا يتقدّم على جواب قسم معموله إلّا إن كان ظرفا أو جارّا ومجرورا، ويستغنى للدّليل كثيرا بالجواب عن القسم، وعن الجواب بمعموله، أو بقسم مسبوق ببعض حروف الإجابة والأصحّ كون «جير» منها، لا اسما بمعنى: حقّا، وقد تفتح راؤها وربّما أغنت هي «ولا جرم» عن لفظ القسم مرادا [4/ 61] وقد يجاب بـ «جير» دون إرادة قسم). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنت قد عرفت أن اللام الموطئة قد لا تذكر لفظا مع أن القسم غير مذكور أيضا كقوله تعالى: وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (¬1) وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: ولا تحذف والقسم محذوف إلا قليلا؛ فجاء الشيخ ونقل كلام ابن عصفور هذا ثم قال: وينبغي أن يقيد قول المصنف: (ولا تحذف والقسم محذوف إلا قليلا) بهذه المسألة؛ إذ يجب إثباتها، وذلك إذا كان الفعل الواقع جوابا منفيّا بـ «لا» (¬2). انتهى. يعني أن ابن عصفور قد قال: إن الفعل الواقع جوابا للقسم المحذوف إذا كان منفيّا لم يجز حذف اللام، بل لا بد من ذكرها كقوله تعالى: لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ (¬3)، ولا شك أن المصنف لا يلزمه التقييد المذكور؛ لأن الشيء إذا لم يدل عليه دليل لا يجوز حذفه، ومعلوم أن الفعل المنفي بـ «لا» لا يتعين كونه جوابا للقسم فإذا لم يكن معنا ما يتعين كونه جوابا والغرض أن القسم غير مذكور، ولكننا إذا أردنا القسم فإذا لم نذكر اللام الموطئة فمن أين يعلم أن القسم مراد؟ فكان ذكرها واجبا. فقول المصنف: ولا تحذف والقسم محذوف إلا قليلا محمول على أن يوجد دليل دالّ على القسم، وإذا كان الواقع موقع الجواب فعلا منفيّا بـ «لا» حينئذ كانت الدلالة على القسم منفية؛ فتصير المسألة إذ ذاك ممتنعة بنفسها. قال ناظر الجيش: قال المصنف: إن تعلق بجواب القسم جار ومجرور أو ظرف - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 23. (¬2) التذييل (7/ 168). (¬3) سورة الحشر: 12.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جاز تقديمه عليه كقوله تعالى: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (¬1)، وكقول الشاعر: 2848 - رضيعي لبان ثدي أمّ تحالفا ... بأسحم داج عوض لا نتفرّق (¬2) وإن تعلق به مفعول لم يجز تقديمه فلا يجوز في: والله لأضربن زيدا: والله زيدا لأضربن، ويستغنى عن القسم بجوابه كثيرا إذا دل عليه دليل كوقوعه بعد «لقد»، أو بعد «لئن»، أو مصاحبا للام مفتوحة ونون توكيد، ويستغنى عن الجواب بمعموله كقوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (¬3)، أي: لتبعثنّ يوم ترجف الراجفة، ويكثر الاستغناء عن الجواب بقسم مقرون بأحد حروف الإجابة وهي: «بلى، ولا، ونعم»، ومرادفاتها: «إي وإن، وأجل، وجير» كقوله تعالى: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا * (¬4)، وكقولك لمن قال: أتفعل كذا؟ لا والله، ونعم والله، وإي والله، وإن والله، وأجل والله، وجير والله، وزعم قوم أن جير اسم بمعنى: «حقّا»، والصحيح أنها حرف بمعنى: «نعم»؛ لأن كل موضع وقعت فيه «جير» يصلح أن تقع فيه «نعم» وليس كل موضع وقعت فيه يصلح أن تقع فيه «حقّا» فإلحاقها بـ «نعم» أولى، وأيضا فإنها أشبه بـ «نعم» في الاستعمال ولذلك بنيت، ولو وافقت «حقّا» في الاسمية لأعربت ولجاز أن يصحبها الألف واللام كما أن «حقّا» كذلك، ولو لم تكن بمعنى: «نعم» لم يعطف عليها في قول بعض الطائيين: 2849 - أبي كرما لا آلفا جير أو نعم ... بأحسن إيفاء وأنجز موعد (¬5) ولا أكدت «نعم» بها في قول طفيل الغنوي (¬6): 2850 - وقلن على البرديّ أوّل مشرب ... أجل جير إن كانت رواء أسافله (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون: 40. (¬2) من الطويل للأعشى ديوانه (ص 150)، والخزانة (3/ 209)، والدرر (1/ 183)، والمغني (ص 150، 209، 291)، والهمع (1/ 213) هذا: واللّبان بكسر اللام: لبن المرأة خاصة، ويقال في غيرها: «لبن». (¬3) سورة النازعات: 6. (¬4) سورة الأنعام: 30، وسورة الأحقاف: 34. (¬5) من الطويل، وانظره في الدرر (2/ 52) والكافية الشافية (ص 326)، والهمع (2/ 44). (¬6) طفيل بن عوف بن كعب الغنوي شاعر جاهلي فحل من الشجعان (ت: 13 ق. هـ). الأعلام (3/ 329)، والسمط (1/ 210). (¬7) من الطويل. ديوانه (ص 49) برواية «أبيحت دعاثره» موضع «رواء أسافله»، والخزانة (4/ 235) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا قوبل بها «لا» في قول الراجز: 2851 - إذا تقول لا ابنة العجير ... تصدق لا إذا تقول جير (¬1) فهذا تقابل ظاهر، ومثله في التقدير قول الكميت: 2852 - يرجون غيري ولا يخشون بادرتي ... لا جير لا جير والغربان لم تشب (¬2) أراد: لا يثبت مرجوهم نعم تلحقهم بادرتي، وقريب منه اجتماع «أجل» و «لا» في قول ذي الرمة: 2853 - ترى سيفه لا تنصف السّاق نعله ... أجل لا ولو كانت طوالا محامله (¬3) وقد يستغنى بـ «جير» عن لفظ القسم وهو مراد كقول الشاعر: 2854 - قالوا قهرت فقلت جير ليعلمن ... عمّا قليل أيّنا المقهور (¬4) وحكى الفراء أن العرب تقول: لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت؛ يريد أنهم يستغنون بها عن القسم قاصدين بها معنى «حقّا». وقد يجاب بـ «جير» دون قسم مراد كما يجاب بأخواتها إلا «إي» فلا أعلم استعمالها إلا مع قسم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ولنذكر المباحث المتعلقة به: فمنها: أن الشيخ قال: إن المصنف قد أطلق في جواب القسم - يعني في إجازة تقديم معموله عليه إن كان ظرفا أو جارّا ومجرورا - قال: وجواب القسم إن كان بـ «ما» - ¬

_ - بنسبته لمضرس الأسدي، والمغني (ص 129)، والهمع (2/ 44، 72). (¬1) انظره في الدرر (2/ 53، 88)، وشرح شواهد المغني (ص 125)، والمغني (ص 120)، والهمع (2/ 44، 72). (¬2) من البسيط وانظره في الكافية الشافية (2/ 884) برواية «عفوي»، وليس هذا البيت في ديوان الكميت تحقيق داود سلوم. ط: النعمان - النجف 1969 م. (¬3) من الطويل. ديوانه (ص 475). وانظر: إصلاح المنطق (ص 241) منسوبا فيه لابن ميادة، والكافية الشافية (2/ 885) واللسان «هل». ومحامله: حمائله جمع حمالة وهي حمالة السيف. (¬4) من الكامل. الارتشاف (2/ 495)، وتعليق الفرائد (ص 43)، والدرر (2/ 52)، والكافية الشافية (2/ 882)، والهمع (2/ 44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو بـ «أن» فلا يجوز أن يتقدم المعمول عليهما، فإذا قلت: والله ما يقوم زيد الآن أو في البيت، أو: والله إن زيدا قائم الآن أو في البيت؛ لم يجز تقدم «الآن» ولا «في البيت» على «ما يقوم» ولا على «إن زيدا قائم»، وإن كان بـ «لا» داخلة على المضارع ففي المسألة خلاف؛ منهم من أجاز تقديم المعمول مطلقا من ظرف ومجرور ومفعول عليه، ومنهم من منع ذلك مطلقا وهو الصحيح، وإن كان باللام داخلة على جملة اسمية؛ فلا يجوز التقديم أيضا، [هذا نص أصحابنا]، وإن كان ما دخلت عليه اللام مضارعا فالنص من أصحابنا أنه لا يجوز مطلقا، وقد أجاز هذا المصنف ذلك مستدلّا بقوله تعالى: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (¬1) انتهى. وأقول: وأما قوله: إن المصنف أطلق في جوابه القسم؛ لأنه إن كان بـ «ما» أو بـ «إن» فلا يجوز تقديم المعمول عليهما - يعني على «ما» وعلى «إن» - فكلام عجيب؛ لأن كلام المصنف في تقديم معمول الجواب على الجواب لا على ما صاحبه. ولا شك أن المثالين اللذين ذكرهما لا يمتنع فيهما التقديم فيجوز أن يقال: والله ما الآن يقوم زيد وو الله ما في البيت يقوم زيد، وأما التقديم على «ما» فمسألة أخرى معلومة الحكم، وكذا القول في: والله إن زيدا قائم الآن، وو الله إن زيدا قائم في البيت. وأما التقديم على لام القسم - أعني تقديم معمول عامل مقرون باللام المذكورة - فقد علم من كلام المصنف في غير هذا الموضع أنه غير جائز، وتقدم له ذكر ذلك في باب تعدي الفعل ولزومه، وباب الحال (¬2) فهو أمر مقرر معلوم على أنه لم يتعرض للتقديم على اللام هنا فيرد عليه أنه أطلق، أو لم يطلق. وأما التقديم على اللام المصاحبة للمضارع، وأن الجماعة - أعني المغاربة - لا يجيزون وأن المصنف أجاز ذلك؛ فلا شك أن المصنف استدل على ما ذكره بما جاء في الكتاب العزيز، وما استدل به ظاهر الدلالة على مدعاه لا مدفع له، ومنع الجماعة التقديم صحيح، ولكن مرادهم تقديم المفعول الصريح أما تقديم الظروف - ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون: 40، والتذييل (7/ 169). (¬2) انظر: باب تعدي الفعل ولزومه في الكتاب الذي بين يديك، وانظر: باب الحال كذلك، وقد اشتمل هذا الشرح على كلام ابن مالك وعلى كلام غيره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمجرورات فقد لا يمنعونه؛ لأن من المعلوم أنها يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها كما كان ذلك في أكثر أبواب علم العربية. ومنها: أن المصنف ذكر أنه يستغنى للدليل بالجواب عن القسم، وعن الجواب بمعمول أو بقسم مسوق ببعض حروف الإجابة. أما الاستغناء بالجواب [4/ 62] عن القسم لدليل؛ فقد ذكر أن الدليل وقوعه بعد «لقد»، أو بعد «لئن»، أو مصاحبا للام مفتوحة ونون توكيد. وكلام ابن عصفور موافق لكلامه، إلا أنه أهمل ذكر «لئن»، ولكنه ذكر من الأدلة أيضا أن نحو: إن زيدا لقائم. ولم يظهر لي ذلك؛ لأن هذا التركيب يجوز الإتيان به من غير قسم، وتكون اللام المصاحبة للخبر هي لام الابتداء كما هو مقرر في باب «إن»، وإذا كان كذلك؛ فأين الدالّ على القسم ليدعى أنه مراد وحذف؟! ويقوي ما ذكرته أن الشيخ قال: وقد اختلف في نحو قولك: لزيد منطلق، فالمنقول عن البصريين أن اللام ليست لام قسم بل لام ابتداء، وقال الكوفيون: هي لام قسم بدليل دخولها على الفضلة كقولك: لطعامك زيد آكل (¬1). والجواب: أنه إنما جاز ذلك؛ لأنه في حيز الخبر؛ إذ كان معموله متقدما عليه؛ فكأنها داخلة على المبتدأ. وقد عرف من كلام الرجلين أنه لا يجوز حذف القسم إذا كان الجواب متلقى بغير ما ذكر؛ كأن يكون متلقى بـ «ما» أو «لا» أو بـ «إن»؛ لأن القسم لو حذف حينئذ لم يكن عليه دليل. وهذا واضح. وأما الاستغناء عن الجواب؛ فقد ذكر أنه يكون بأحد شيئين: إما بمعموله، وإما بقسم مقرون بأحد حروف الإجابة. أما الأول: فقد عرفت أنه استدل عليه بقوله تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (¬2)، وهو استدلال ظاهر، غير أن الشيخ قال: ولا يتعين ما قاله؛ إذ يجوز أن يكون جواب وَالنَّازِعاتِ (¬3) [قوله]: (لتبعثن) حذف لدلالة ما بعده عليه، ويكون يَوْمَ تَرْجُفُ - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 169). (¬2) سورة النازعات: 6. (¬3) سورة النازعات: 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منصوبا بقوله تعالى: تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (¬1)، قال: ويجوز أن يكون منصوبا بقوله تعالى: واجِفَةٌ من قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (¬2)، وكرر يَوْمَئِذٍ توكيدا. قال: ويحتمل أن يكون جواب القسم [قوله] قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ وحذفت اللام لطول الكلام، ويكون يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (¬3) اعتراضا بين القسم وجوابه (¬4)، قال: ويجوز أن يكون معمولا لـ «واجفة» وسهّل تقديمه كونه ظرفا، وكون اللام التي هي في الجواب محذوفة (¬5). انتهى. والناظر إذا تأمل هذه التخريجات التي ذكرها الشيخ علم أن الذي قاله المصنف أمثل، وأمتع، وأرجح. وأما الثاني وهو القسم المقرون بأحد حروف الإجابة كقوله تعالى: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا (¬6)؛ فظاهر كلام المصنف أن الدالّ على الجواب هو القسم المقرون بحرف الجواب؛ لأنه قال: إن الاستغناء عنه حصل بذلك وهو غير ظاهر؛ فإن الدالّ على الجواب إنما هو الكلام المتقدم من المستفهم، فإذا قيل: أتفعل كذا؟ فقلت: نعم والله، أو: لا والله؛ فالتقدير: نعم والله لأفعلن، وو الله لا أفعل، فالمحذوف في كلام القسم هو المذكور في كلام المستفهم، والآية الشريفة الأمر فيها كذلك؛ فالتقدير: قالوا: بلى وربنا لهذا الحق. وهذا ما ذكره المصنف. وأما ابن عصفور فإنه قال (¬7): ولا يجوز حذف جواب القسم إلا إذا توسط بين شيئين متلازمين كما تقدم - ويعني بالمتلازمين: الشرط وجوابه، والمبتدأ والخبر، والموصول والصلة - أو جاء عقب كلام يدل على الجواب نحو: زيد قائم والله، فحذف جواب القسم لدلالة «زيد قائم» عليه. قال: ولذلك جعل سيبويه «ذا» من قول العرب: لا هاالله ذا؛ خبر ابتداء مضمر (¬8) كأنه قال: لا هاالله للحق ذا؛ والجملة التي هي «للحق ذا» جواب القسم، ولم يجعل «ذا» صلة لله تعالى كما ذهب إليه الأخفش (¬9) كأنه قال: لا هاالله الحاضر؛ فإنه يؤدي إلى حذف جواب - ¬

_ (¬1) سورة النازعات: 7. (¬2) سورة النازعات: 8. (¬3) سورة النازعات: 6، 7. (¬4) التذييل (7/ 170). (¬5) التذييل (7/ 170). (¬6) سورة الأنعام: 30. (¬7) شرح الجمل (1/ 530). (¬8) الكتاب (2/ 145). (¬9) ووافقه المبرد في المقتضب (2/ 322).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم غير متوسط ولا عقيب كلام يدل على الجواب. انتهى. وفي شرح الشيخ: قالت العرب: لا هاالله ذا، فالخليل يجعل «ذا» من جملة ما أقسم عليه (¬1) والتقدير: للأمر ذا، والأخفش يجعله توكيدا للقسم كأنه قال: ذا قسمي. ويدل على صحة هذا القول ذكر المقسم عليه بعد «ذا» فيقولون: لا هاالله ذا لكان كذا، وإتيانهم بعده بالمقسم عليه نفيا، ولو كان هو المقسم عليه لم يكن مطابقا وأنشد سيبويه: 2855 - تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما ... فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك (¬2) أي: لعمر الله للأمر ذا أقسم قسما، فتأكيد القسم بعده يدل على أنه المحلوف عليه (¬3). وقال الأستاذ أبو علي: وأما قولهم: «ذا»، فزعم غير الخليل أنّ «ذا» من جملة ما أكد المقسم به أي: هذا ما أقسم به، فإن جاء بعده جواب صحّ هذا القول، وإن لم يجئ عنهم أصلا صحّ قول الخليل. وتلخيصه: أن أصل الكلام: أي والله للأمر هذا، ثم حذف حرف القسم، وقدمت «ها» من «هذا» كما قدمت في «ها أنا ذا»، وحذفت لام القسم مع المبتدأ وإن كانت لا تحذف وحدها، وهذا له نظائر يحذف الشيء الذي لا يجوز حذفه مفردا إذا حذف مع ما يسوغ حذفه نحو قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ (¬4)، وهذا مذهب الخليل (¬5). انتهى. وذكر ابن أبي الربيع: أن «ها» في بيت زهير يجوز لك أن تجعلها التي توجد مع اسم الإشارة ثم إن الشاعر فصل بينهما بالقسم وكان الأصل: لعمر الله هذا، - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 499، 500). (¬2) من البسيط لزهير. ديوانه (ص 51)، والحلل (ص 45)، والخزانة (2/ 475)، والدرر (1/ 950)، والكتاب (2/ 145)، والمقتضب (2/ 323)، والهمع (1/ 76)، واقدر بذرعك: قدر خطوك، يريد: لا تدخل نفسك فيما لا يعنيك ولا ينفعك. (¬3) التذييل (7/ 173، 174)، والكتاب (2/ 145). (¬4) سورة آل عمران: 106. (¬5) التذييل (7/ 174).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قدم «ها» على القسم (¬1)، قال: وعلى هذا الوجه أخذه الخليل وهو حسن، ولك أن تجعلها للتنبيه دون أن تلحظ أنها التي مع اسم الإشارة كما هي في قول النابغة: 2856 - ها إنّ ذي عذرة [إن لم تكن نفعت ... فإنّ صاحبها قد تاه في البلد] (¬2) فهي ههنا تنبيه، ولا يجوز أن يكون الأصل: هذي، ثم قدمت؛ لأن «إن» لها الصدر فلا يتقدم ما في حيزها، وقد تقدم لنا من كلام ابن عصفور. ومنها: أن المصنف [4/ 63] جعل «جير» من حروف الإجابة وقال: إنه الأصح - يعني القول بحرفيتها - ولا شك أن القائل باسميتها يجعلها من الكلمات المقسم بها، وقد تقدم لنا ما ذكرناه عن ابن عصفور وهو قوله - بعد ذكر الأسماء التي يقسم بها وهي: لعمر الله، وايمن الله، وأمانة الله، وما لزم الرفع منها، وما لم يلزمه -: وأما «عوض» و «جير» فمبنيان يجوز أن يحكم على موضعهما بالنصب، وبالرفع. وقد قال الشيخ في الارتشاف (¬3): وأما «جير» فمذهب سيبويه أنها اسم (¬4)، وقد تفتح راؤها، وقد ذهب قوم إلى أنها حرف من حروف الإجابة، وقيل: هي مصدر والمعني: حقّا لأفعلن، وبنيت لقلة تمكنها؛ لأنها لا تستعمل إلا في القسم ثم قال: وما ذكره الزجاجي من أن «عوض» يستعمل في القسم (¬5) مذهب كوفي والبصريون لا يعرفون القسم به. قال: وقال صاحب الملخص (¬6): يعوض من القسم «عوض» وهو اسم مبني على الضم لقطعه عن الإضافة، أو على الفتح؛ لأنه أخف، ولا يقال: عوض والله لأفعلن، وإن جاء فقليل وهو الأصل، وفيه الجمع بين العوض والمعوض عنه. انتهى. ولا شك أن «عوض» ظرف من ظروف الزمان؛ فكيف يقسم بها؟! إلا أن يكون - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 67)، والهمع (2/ 44، 45). (¬2) البيت من البسيط للنابغة الذبياني، وانظر ديوانه (ص 27) برواية «مشارك النكد»، والخزانة (2/ 478)، وشرح المفصل (8/ 113، 114) وبالأصل بعد عذرة: ... البيت. (¬3) الارتشاف (2/ 494). (¬4) الكتاب (3/ 286). (¬5) جمل الزجاجي بشرح ابن هشام (ص 65). (¬6) هو ابن أبي الربيع. قاله السيوطي في البغية (2/ 125)، وقد تقدمت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ مشتركا بين المعنيين؛ فذاك شيء آخر، وأما «جير» فقد تقدم استدلال المصنف على حرفيتها بأمور ولم يطعن الشيخ في شيء منها. وإنما شنع على المصنف بأنه جهل كلام سيبويه فيها أنها اسم لقوله في الشرح: وزعم قوم، وجرى معه في ذلك على عادته المعروفة. وبعد ذلك كله فقد قال: والذي يظهر أنها من حروف الإجابة؛ للدلائل التي استدل بها المصنف (¬1)، وأما قول الشيخ في «جير» (¬2): وقيل: هي مصدر، والمعنى: حقّا لأفعلن؛ فالظاهر أن هذا ليس قولا ثالثا فيها، وإنما القائل باسميتها وأنها يقسم بها يقول: معناها «حقّا»، ولا شك أن «حقّا» يقسم به؛ فكما يقسم بقولنا: «حقّا» يقسم بما هو بمعناه فهي إما حرف إجابة، أو اسم بمعنى حقّا كما قال المصنف. والقائلون بأنها اسم قالوا: إنما بنيت لقلة تمكنها؛ لأنها لا تستعمل إلا في القسم بخلاف «سبحان»؛ لأنها تخص باب التعظيم، بل قد توجد تعجبا وإنكارا. وقد استدل على اسميتها بتنوينها. قال أبو علي الشلوبين: ويمكن أن يكون التنوين فيها جاء شاذّا كمجيء التنوين في اسم الفعل في الخبر في قولهم: قدإ لك، بكسر الهمزة، وأيضا فيمكن أن يكون من تنوين الترنم الذي يلحق القوافي عوضا من ياء ولا بد منها في الوزن (¬3). ومنها: قول المصنف: وربما أغنت هي و «لا جرم» عن لفظ القسم؛ فإن فيه كلاما. أما كون «جير» أغنت عن لفظ القسم؛ فغير ظاهر إن أريد بإغنائها عنه أنها قامت مقامه وهو الظاهر؛ لأنا نقول في قول الشاعر: 2857 - قالوا قهرت فقلت جير ليعلمن ... عمّا قليل أيّنا المقهور (¬4) إن القسم مقدر بعد «جير» أي: جير والله ليعلمن. فقد عرفنا من كلامه أن القسم يستغنى عنه بجوابه إذا دل عليه دليل. ولا شك أن الدليل هنا كلمة «جير» فإنها إنما تستعمل مع القسم ولا تستعمل دونه إلا قليلا، وإذا كان كذلك فلم تغن «جير» عن - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 173). (¬2) السابق. (¬3) الكافية الشافية (2/ 885)، والمغني (ص 120)، والهمع (2/ 44). (¬4) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم؛ لأن القسم مقدر والمقدر في حكم الموجود. وأما «لا جرم» فأراد المصنف أن بعض العرب يستغني بها عن القسم، قال الشيخ: قاصدين بها معنى «حقّا» (¬1). وإذا كان معناها: «حقّا» فهي قسم لا مغنية عن قسم؛ لأن «حقّا» يقسم به، قال الشيخ: وقد صرح بعض الأعراب بالقسم مع «لا جرم». قال لمرداس: لا جرم الله لأفارقنّك (¬2) قال: فأما قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ (¬3) فـ (لا) عند الخليل وسيبويه رد، و (جرم) فعل فاعله (أن) وما بعدها (¬4)، وقال الكوفيون: (لا) نافية و (جرم) اسم «لا»، و «أن» على تقدير: من (¬5). وأما قول المصنف: وقد يجاب بـ «جير» دون إرادة قسم، فشاهده قول الشاعر: 2858 - وقائلة أسيت فقلت جير ... أسيّ إنّني من ذاك إنّه (¬6) وأما «إي» فقد وافق الشيخ المصنف على أنها لا يعلم استعمالها إلا مع قسم (¬7). ثم قد بقي الكلام على مسائل ثلاث: الأولى: إذا جاء في كلام مثل: وزيد وعمرو وخالد لأقومنّ. قال ابن عصفور: فينبغي أن تجعل الواو الأولى حرف قسم وما بعدها حرف عطف؛ فيكون القسم واحدا فيحتاج إلى جواب واحد فيكون «لأقومن» الجواب، ولو جعلت كل واو حرف قسم ولم تقدرها للعطف لكان «لأقومن» جوابا لقسم واحد منها وبقي سائرها بلا جواب فيحتاج أن يقدر لكل واحد من الأقسام (¬8) الباقية جوابا محذوفا، وإذا أمكن حمل الكلام على ألا يكون فيه حذف كان أولى، ومثل ذلك قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (1) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها الآية الشريفة (¬9) [قال] (¬10) ابن هشام - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 173). (¬2) المصدر السابق، ومرداس: جدّ بنوه بطن من بني عوف بن سليم من العدنانية في المغرب. معجم قبائل العرب (ص 140)، ونهاية الأرب (ص 337). (¬3) سورة النحل: 62. (¬4) الكتاب (3/ 138). (¬5) التذييل (7/ 173). (¬6) من الوافر. الخزانة (2/ 283)، والدرر (2/ 52، 89)، وشرح شواهد المغني (ص 125) والهمع (2/ 44، 72). (¬7) التذييل (7/ 173). (¬8) جمع «قسم» بالتحريك. (¬9) سورة الشمس: 1، 2، وما بعدها، وانظر: شرح الجمل (1/ 531) بنصه. (¬10) في الهامش إشارة إلى الأصل: بياض يسير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخضراوي: ولا يردف قسم على قسم فيجاب أحدهما وقوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها (¬1) [و] وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ [إِذا تَجَلَّى] (¬2)، [و] وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (¬3) هي عند الخليل وسيبويه عاطفة (¬4). وتقول: وحقك حق فلان لأقومن كما تقول: إن تخرجي وإن تدخلي البيت فأنت طالق، ولا يجوز بغير حرف عطف، وقال أبو علي: لم يجز سيبويه إدخال قسم على قسم (¬5)، وليس هذا من ذلك على أنه قد قال: 2859 - ولقد علمت لتأتينّ منيّتي ... [إنّ المنايا لا تطيش سهامها] (¬6) وقال السيرافي: لا يفصل بين القسم وجوابه ولا يبقى الأول بلا جواب (¬7)، وكذا قال أبو علي في «الحلبيات» (¬8)؛ فلزم من ذلك بقاء الاسم بلا جواب، وهذا أيضا لا يصح لأنه يصح أن يكون الجواب الأول ويحذف جواب ما بعده، كما تقول: والله إن قمت لأضربنك، وإن تقم والله أضربك (¬9) فلو كانت [4/ 64] الآي على تكرير القسم لكانت بحرف العطف ولا يصح ادعاء حذفه؛ لأن ذلك قليل لا يقال، وتقول: والله ثم الله لأفعلن كذا، وو الله فالله لأفعلن؛ فإن قلت: والله لأضربنك ثم الله لأخرجنك؛ جاز النصب والخفض، فإن قلت: ثم لأخرجنك الله؛ لم يجز إلا النصب أو تقول: ثم لأخرجنك والله، ولا تعطفه على ما تقدم؛ لأن حرف العطف بمنزلة حرف الجر لما ناب منابه، ولا يفصل بين حرف الجر ومعموله ولو جاء لكان على إضمار حرف الجر بلا عوض ولا يراه سيبويه إلا فيما سمع (¬10) ولم يجئ إلا في هذه الكلمة خاصة كقوله: - ¬

_ (¬1) سورة الشمس: 1. (¬2) سورة الليل: 1، 2. (¬3) سورة الضحى: 1، 2. (¬4) الكتاب (3/ 501). (¬5) التذييل (4/ 67)، والكتاب (3/ 501)، والهمع (2/ 44، 45). (¬6) البيت من الكامل وهو للبيد - ديوانه (ص 308) برواية: صادفن منها غرة فأصبنها. الأشموني (2/ 30)، وأوضح المسالك (2/ 61). (¬7) في شرحه على الكتاب (3/ 240، 241). (¬8) التذييل (4/ 67). (¬9) بعده في الأصل: ولو قلت: والله (بياض قدر نصف سطر) فالصحيح ما قدمته. (¬10) الكتاب (1/ 271)، (2/ 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2860 - ألا ربّ من تغتشّه لك ناصح ... ومن قلبه لي في الظّباء السّوانح (¬1) وغيره من الأسماء إنما جاء فيه مع حذف حرف القسم النصب كما أنشد المفضل والفراء: 2861 - أقول لبوّاب على باب دارها ... أميرك بلّغها السّلام وأبشر (¬2) وأنشد أيضا: 2862 - أقول لقاسم والله عوني ... حياة أبيك لي حملا ظهيرا (¬3) وفي شرح الشيخ: قال الخليل: إن العرب لا تقول: بالله بالنبي لأفعلن كذا، فلا تأتي بقسم حتى توفّي الأول فتقول: بالله لأفعلن بالكعبة لأفعلن» (¬4). وقال الأستاذ أبو علي: ملخص كلام الخليل أنه لا يجتمع مقسم بهما إلا أن يكون الثاني هو الأول على التوكيد، ودليله أنا إذا قلنا: وحقك وحق زيد لأفعلن كذا، إذا لم تجعل الواو عاطفة فهو يحتمل وجوها أربعة: الأول: أن يجعل «وحق زيد» توكيد الجملة المقسم بها، وهو فاسد؛ لأنه ليس توكيدا لفظيّا ولا معنويّا. والثاني: أن يجعله متعلقا بمحذوف والجملة توكيد بجملة المقسم به، وفيه تأكيد الشيء قبل أن يتم ولا يؤكد الشيء ولا يحمل عليه شيء من الأشياء إلا بعد استقلاله. والمؤكد هنا هو جملة القسم والجواب؛ فهما في هذا القصد كالمفرد فلا يؤكدان حتى يتمّا ويتقدّما والفصل بينهما بالتأكيد كالفصل بين أجزاء المفرد، وذلك لا يجوز. والثالث: أن تجعلهما جملتين منقطعتين لكن جوابهما واحد وهو واضح الفساد؛ إذ كل قسم لا بد له من جواب؛ لأنهما منقطعان ليس الثاني تأكيدا للأول. والرابع: أن تقدرهما جملتين ولكل واحد جواب إلا أنه حذف جواب - ¬

_ (¬1) من الطويل لذي الرمة، والسانح: من الظباء أو الطير ما أخذ عن يمين الرامي فلم يمكنه رميه فيتشاءم به، وقد يتيمن به، وانظر ملحقات ديوان ذي الرمة (ص 664)، وشرح المفصل (9/ 103)، والكتاب (1/ 271)، (2/ 144)، والمخصص (13/ 11). (¬2) تقدم من بحر الطويل، لم أعثر له على مراجع. (¬3) البيت من الوافر والشاهد فيه كسابقه. (¬4) التذييل (7/ 176)، والكتاب (3/ 501، 502).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما، وأكدت بإحداهما الأخرى بعد أخذ الجواب ولا يخلو في هذا الوجه أن يجعل جواب الأول هو المحذوف والذي في اللفظ جواب الثاني أو تعكس، فإن قدرت الأول ففيه مضعفان: حذف الأول لدلالة الثاني وليس مطردا، فإنه كالإضمار فليس إلا في نحو أبواب الاشتغال، وبالجملة فهو لا ينبغي؛ إذ لا يحذف الشيء حتى يكون قد علم. والمضعف الثاني: التأكيد مع الحذف وهما متنافيان. فقد امتنع أن تكون الواو هنا واو قسم على الوجوه الثلاثة من كل وجه، وعلى الرابع يضعف ويكون شاذّا فلم يبق إلا العطف، ولهذا الرابع تعرض الخليل أن يتكلم عليه وضعفه، فتدبره لأن الآخر بيّن (الفساد) (¬1). انتهى؛ يعني كلام الشلويين رحمه الله تعالى. وقد علم منه أنّ كون الواو في: «وحق زيد» من قولنا: وحقك وحق زيد لأفعلن واو قسم كالتي قبلها ضعيف، وكذا يعلم ذلك من قول ابن عصفور: فينبغي أن تجعل الواو الأولى حرف قسم وما بعدها حرف عطف: أن كونها حرف قسم كالأولى لا يمتنع رأسا. وأما عبارة الخليل في المسألة فلم أر الجماعة ذكروها، وقد أورد الزمخشري في الكشاف بأنه قال: فإن قلت: فما وجه قراءة من قرأ «صاد، وقاف، ونون» مفتوحات؟ (¬2). قلت: الوجه أن يقال ذلك نصب وليس بفتح، وإنما لم يصحبه التنوين لامتناع الصرف وانتصابها بفعل مضمر نحو: اذكر، فإن قلت: فهلا زعمت أنها مقسم بها، وأنها نصبت نصب قولهم: نعم الله لأفعلن، وإي الله لأفعلن على حذف حرف الجر وإعمال فعل القسم. قلت: إن «القرآن» و «القلم» (¬3) بعد هذه الفواتح محلوف بهما، فلو زعمت ذلك لجمعت بين قسمين على مقسم عليه واحد وقد استكرهوا - ¬

_ (¬1) من هامش المخطوط، وراجع الهمع (2/ 45). (¬2) هي قراءة الثقفي وعيسى ومحبوب - البحر (7/ 383) والمحتسب (2/ 230، 281) والآيات أوائل سور ص، وق، والقلم. (¬3) في قوله تعالى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ وقوله: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، وقوله سبحانه: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ، وانظر الهامش السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك (¬1). قال الخليل في قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (2) وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (¬2) الواوان الأخريان ليستا بمنزلة الأولى، ولكنها الواوان اللتان تضمان الأسماء إلى الأسماء في قولك: مررت بزيد وعمرو، والأولى بمنزلة الباء والتاء. قال سيبويه: قلت للخليل: فلم لا تكون الأخريان بمنزلة الأولى؟ فقال: إنما أقسم بهذه الأشياء على شيء [واحد] (¬3)، ولو كان انقضى قسمه بالأول على شيء لجاز أن يستعمل كلاما آخر فيكون كقولك: بالله لأفعلن، [و] بالله [لأخرجن] (¬4) اليوم، ولا يقوى أن تقول: وحقك وحق زيد لأفعلن، والواو الأخيرة واو قسم لا يجوز إلا مستكرها (¬5). قال: وتقول: وحياتي ثم حياتك لأفعلنّ فـ «ثمّ» هنا بمنزلة الواو (¬6). انتهى. المسألة الثانية: إذا أخبرت عن قسم غيرك، فلك أن تقول: أقسم زيد ليضربن عمرا ولك أن تحكي تقول: لأضربن قال الله تعالى (في كتابه العزيز) (¬7): وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ (¬8)، وقال تعالى: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى (¬9). المسألة الثالثة: الاستحلاف يجري مجرى اليمين إلا أنّ فاعل الفعل في جواب اليمين يكون على حسب الفاعل من غيبة، وخطاب، وتكلم [4/ 65] نحو: والله ليقومن زيد، والله لتقومن، والله لأقومن، وأما في الاستحلاف فتجوز المخالفة فيجوز أن يقال: أستحلفه (ليفعلن) (¬10)، ولأفعلن في الغائب، واستحلفتك لتفعلن، ولأفعلن في المخاطب، واستحلفني لأفعلن (¬11) في المتكلم. * * * ¬

_ (¬1) الكشاف (4/ 53، 54، 301، 468). (¬2) سورة الليل: 1 - 3. (¬3) من الكتاب (3/ 501). (¬4) من الكتاب، وفي الأصل: «لا تخرجن». (¬5) الكتاب (3/ 501). (¬6) المصدر السابق. (¬7) من هامش المخطوط. (¬8) سورة النور: 53. (¬9) سورة التوبة: 107. (¬10) من هامش المخطوط. (¬11) في هامش المخطوط لعله سقط «وليفعلن».

الباب الحادي والأربعون باب الإضافة

الباب الحادي والأربعون باب الإضافة (¬1) [تعريفها - أثرها] [4/ 65] قال ابن مالك: (المضاف هو الاسم المجعول كجزء لما يليه خافضا له بمعنى «في» إن حسن تقديرها وحدها، وبمعنى «من» إن حسن تقديرها مع صحّة الإخبار عن الأوّل بالثّاني، وبمعنى اللّام تحقيقا أو تقديرا فيما سوى ذينك، ويزال ما في المضاف من تنوين أو نون تشبهه، وقد يزال منه تاء التّأنيث أن أمن اللّبس). قال ناظر الجيش: قال المصنف: الاسم المجعول كجزء لما يليه يعم الموصول، والمركب تركيب مزج، والموصوف بصفة لازمة ويخرج الثلاثة تقييد المجعول بكونه خافضا فيختص المضاف بالحد، وقلت: كجزء لما يليه، ولم أقل: كجزء اسم؛ لأن ثاني جزأي الإضافة قد يكون جملة وحرفا مصدريّا، وما يلي (يعم) الاسم وإياهما فكان بالذكر أولى، ثم بنيت أن الإضافة على ثلاثة أقسام: إضافة بمعنى «في»، وإضافة بمعنى «من»، وإضافة بمعنى اللام، وقد أغفل أكثر النحويين التي بمعنى «في» وهي ثابتة في الكلام الفصيح بالنقل الصحيح كقوله تعالى: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (¬2)، وكقوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (¬3)، وكقوله تعالى: يا صاحِبَيِ السِّجْنِ (¬4)، وقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ (¬5)، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فلا تجدون أعلم من عالم المدينة» (¬6)، وقول العرب: شهيد الدار - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (2/ 237 - 282) وأوضح المسالك (3/ 81 - 200)، والتذييل (4/ 68 - 101)، والتصريح (2/ 23 - 61)، والرضي (1/ 26، 272 - 298)، ومواضع متفرقة في (جـ 2) منه، وشرح الجمل (2/ 70 - 77)، وشرح اللمع (ص 177 - 181) وشرح المفصل (2/ 117 - 133)، (3/ 2 - 38) والكافية الشافية (2/ 898 - 1011) والكتاب (1/ 42، 52، 53، 66، 176 - 180، 199، 201، 279، 425)، (ص 2/ 7، 223، 224، 280)، (3/ 81، 82، 117 - 119، 412 - 414، 335)، والكفاية (87 - 96)، والمقرب (1/ 209 - 218)، والهمع (2/ 45 - 55). (¬2) سورة البقرة: 204. (¬3) سورة البقرة: 226. (¬4) سورة يوسف: 39. (¬5) سورة سبأ: 33. (¬6) عن أبي هريرة أخرجه الترمذي في أبواب العلم: (18) برواية «فلا يجدون أحدا ...».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقتيل كربلاء، ومنه قول الشاعر: 2863 - لهم سلف شمّ طوال رماحهم ... يسيرون لا ميل الركوب ولا عزلا (¬1) ومثله: 2864 - مهادي النهار لجاراتهم ... وباللّيل هنّ عليهم حرم (¬2) ومثله: 2865 - وغيث تبطّأت قريانه ... بأجرد ذي ميعة منهمر مسيح الفضاء كسيد الإباء ... جمّ الجراء شديد الحضر (¬3) ومثله: 2866 - من الحور ميسان الضّحى بختريّة ... ثقال متى تنهض إلى الشر تفتر (¬4) ومثله: 2867 - طفلة باردة الصّيف إذا ... معمعان القيظ أضحى يتقد سخنة المشتى لحاف للفتى ... تحت ليل حين يغشاه الصّرد (¬5) ومثله: 2868 - تسائل عن قوم هجان سميدع ... لدى البأس مغوار الصّباح جسور (¬6) ومثله: 2869 - وما كنّا عشيّة ذي طليح ... لئام الروع إذا زمت إزام (¬7) - ¬

_ (¬1) من الطويل وانظره في التذييل (7/ 179). (¬2) من المتقارب - شرح العمدة: منسوبا للأعشى (227)، والكافية الشافية (2/ 907). (¬3) من المتقارب - شرح التسهيل (2/ 173) وفيه أنهما لابن أبي ربيعة، ولم أجدهما في ديوانه، والكافية الشافية (2/ 907). (¬4) من الطويل، وبخترية: متبخترة في مشيتها، وهذا والبيت لعمر بن أبي ربيعة ديوانه (ص 105) برواية «من البيض مكسال الضحى»، والكافية الشافية (2/ 907). (¬5) من الرمل والمعمعان: شدة الحر، وانظره في التذييل (7/ 179). (¬6) من الطويل لحسان بن ثابت - ديوانه (186)، والعيني (3/ 358)، وهجان: كريم. والسميدع: السيد الموطأ الأكناف. (¬7) وانظره في التذييل (7/ 179).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلا يخفى أن معنى «في» في هذه الشواهد كلها صحيح ظاهر لا غنى عن اعتباره وأن اعتبار معنى غيره ممتنع أو متوصل إليه بتكليف لا مزيد عليه فصح ما أردناه، والحمد لله، وأما الإضافة بمعنى «من» فمضبوطة، بكون المضاف بعض المضاف إليه مع صحة إطلاق اسمه عليه والإخبار به عنه كـ: ثوب خز، وخاتم فضة؛ فالثوب بعض الخز، ويصح إطلاق اسمه عليه والإخبار به عنه وكذا الخاتم بالنسبة إلى الفضة. ومن هذا النوع إضافة الأعداد إلى المعدودات والمقادير إلى المقدرات فأما نحو: يد زيد؛ فالإضافة فيه بمعنى اللام وبمعنى «من» لامتناع الإخبار فيها بالثاني عن الأول، وإن كان الأول بعضا للثاني. وكذا الإضافة في نحو: يوم الخميس؛ هي أيضا بمعنى اللام لا بمعنى «من» لكون الأول ليس بعضا للثاني، وإن كان الإخبار فيها بالثاني عن الأول غير ممتنع، وهذا معنى قول ابن السراج (¬1) رحمه الله تعالى، وهو الصحيح لا قول ابن كيسان (¬2) والسيرافي (¬3)؛ فإنهما جعلا إضافة كل بعض بمعنى «من» على الإطلاق، وإذ قد انضبطت مواضع الإضافة التي بمعنى «في» ومواضع الإضافة التي بمعنى «من» فليعلم أن كل إضافة سواهما فهي بمعنى اللام، وإن لم يحسن تقدير لفظها نحو: زيد عند عمرو، وعمرو مع خالد؛ فلا يخفى أن لفظ اللام لا يحسن تقديره هنا، ومع ذلك نحكم بأن معناها مراد كما حكم بأن معنى «من» في التمييز مراد، وإن لم يحسن تقدير لفظها وأن معنى «في» في الظرف مراد، وإن لم يحسن تقدير لفظها، وقد يحسن تقدير «من» وتقدير اللام معا ويجعل الحكم للام؛ لأنها الأصل؛ فلذلك اختصت بجواز إقحامها بين المضاف والمضاف إليه في نحو: 2870 - يا بؤس للحرب الّتي ... وضعت أراهط فاستراحوا (¬4) أراد: يا بؤس الحرب، ودخل في قولي: (ويزال ما في المضاف من تنوين) المنون لفظا كـ «غلام» والمنون تقديرا كـ «أساور» فإنك إذا قلت: أساور فضة، - ¬

_ (¬1) الأصول (1/ 330). (¬2) الهمع (2/ 46). (¬3) انظر: السيرافي، وشرحه على الكتاب (2/ 141 / ب). (¬4) من الكامل لسعد بن مالك في حرب البسوس بين بكر وتغلب. الحلل (1/ 244)، والكتاب (1/ 315).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالنصب؛ فالتنوين مقدر الثبوت وإذا قلت: أساور فضة؛ بالجر فإن التنوين الذي كان ثبوته مقدرا صار حذفه مقدرا ولذلك لا ينون في الاضطرار بخلاف الذي تنوينه مقدر الثبوت، فإنه ينون في الاضطرار، ودخل في قولي: (أو نون تشبهه) نونا المثنى والمجموع كـ «صاحبين»، و «مكرمين» ونونا الجاريين مجراهما في الإعراب كاثنين، وعشرين فإن نونيهما تحذفان للإضافة؛ لجريانهما مجرى المثنى والمجموع على حده، فيقال: أقبض اثنيك، وعشريك كما يقال: اذكر صاحبيك، ومكرميك ولا خلاف في إضافتهما إلى غير مميزهما وإنما يمتنع إضافتهما إلى مميزهما إلا في الاضطرار كقول الراجز: 2871 - كأنّ خصييه من التّدلدل ... ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (¬1) أو في ندور كرواية الكسائي إن بعض العرب يقول: عشرو درهم. وقد يحذف من المضاف تاء التأنيث إن لم يوقع حذفها في إلباس مذكر [4/ 66] بمؤنث كحذف تاء «ابنة»، أو مفرد بجمع كحذف تاء «تمرة» ومن شواهد ذلك قراءة بعض القراء «ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عده» (¬2) ومنها قول الشاعر: 2872 - إنّك أنت الحزين في أثر ال ... قوم فإن تنوينهم تقم (¬3) ومثله: 2873 - إنّ الخليط أجدّوا البين وانجردوا ... وأخلفوك عد الأمر الّذي وعدوا (¬4) ومثله: 2874 - ونار قبيل الصبح بادرت قدحها ... حيا النار قد أو قدتها للمسافر (¬5) ومثله: 2875 - ألا ليت شعري هل يفطن خالد ... عيادي على الهجران أم هو آيس (¬6) - ¬

_ (¬1) لخطام المجاشعي، وقيل لغيره - التصريح (2/ 270)، والدرر (1/ 209)، والكتاب (2/ 177، 202)، والمقتضب (2/ 56)، والهمع (1/ 253). (¬2) البحر المحيط (5/ 48)، وفيه آراء وتوجيهات فانظرها هناك إذا شئت. هذا والآية في: التوبة: 46. (¬3) من المنسرح للنابغة الجعدي - ديوانه (149) واللسان: «نوى» برواية: «الحي» بدل «القوم». (¬4) من البسيط للفضل بن العباس .. التصريح (2/ 396)، والخصائص (3/ 171) ومعاني الفراء (2/ 254). (¬5) من الطويل لكعب بن زهير - ديوانه (ص 185)، وأساس البلاغة (ص 380)، وشرح العمدة (ص 228)، واللسان «حيا». (¬6) كالسابق وانظره في التذييل (7/ 185).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: 2876 - وأحلى من التمر الجنيّ وفيهم ... بسالة نفس إن أريد بسالها (¬1) ومثل قول رؤبة: 2877 - هاتكته حتى انجلت أكراؤه ... وانحسرت عن معرفي نكراؤه (¬2) فسهّل حذف التاء من هذه الأسماء أن حذفها لا يوقع في إلباس، لأنه لا يقال في العدّة: عدّ، ولا في النيّة: نيّ، ولا في العدة: عد، ولا في الحياة: حيا، ولا في العيادة: عياد، ولا في البسالة: بسال، ولا في المعرفة: معرف. وجعل الفراء من هذا القبيل وَأَقامَ الصَّلاةَ * (¬3)، ووَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (¬4) بناء على أنه لا يقال دون الإضافة في الإقامة: إقام، ولا في الغلبة: غلب (¬5). انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ويتعلق به أبحاث: الأول: أن التبويب إنما هو للإضافة ولم يجدها إنما ذكر حد المضاف، وقد ذكر الخضراوي لها حدّا فقال: الإضافة: ضم اسم غير موصول إلى غيره من اسم أو جملة للتعريف أو التخصيص ضمّا لا يجوز الفصل بينهما قياسا إلا بالظرف في ضرورة الشعر، قال: فـ «غير موصول» تحرز من الموصلات؛ لأنها تضم إلى صلاتها من الجمل ولا يفصل بينهما وتتعرف بها في قول الأكثر. قال: و «للتعريف أو التخصيص» تحرز من ضم التركيب نحو: خمسة عشر، وبعلبك، وحضرموت، وما أشبهها. قال: و «ضمّا لا يجوز الفصل بينهما» تحرز من أنا قد نضم الصفة إلى الموصوف فيتخصص الأول بها نحو: رجل عالم أو الرجل العالم، لكن قد نقول: قام زيد عند عمرو العاقل في الكلام، وجاء زيد راكبا العالم. هذا ملخص كلام الخضراوي. - ¬

_ (¬1) كذلك من الطويل، وفي التذييل (7/ 185). (¬2) ديوانه (ص 4)، والتذييل (7/ 185). (¬3) سورة الأنبياء: 73، وسورة النور: 37، ومعاني الفراء (2/ 254، 319)، وانظر: البحر المحيط (6/ 329) والتبيان (2/ 922). (¬4) سورة الروم: 3، وانظر المصادر السابقة، وكذا الأشموني (2/ 237). (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يخفى ما في الحد الذي ذكره من القلق والطول. وفي شرح الشيخ أن بعضهم حد الإضافة بأنها: نسبة بين اسمين تقييدية توجب لثانيهما الجر أبدا. فـ «بين اسمين» احتراز من: قام زيد و «تقييدية» من: زيد قائم، و «توجب لثانيهما الجر» احتراز من: زيد الخياط من قولنا: زيد الخياط منطلق، و «أبدا»: احتراز من: مررت بزيد الخياط، ولا ترد الإضافة إلى الجملة؛ لأن الجملة المضاف إليها في تقدير اسم (¬1). ولا شك أن هذا أحسن من الحد الذي ذكره الخضراوي. ولو قيل: الإضافة نسبة تقييدية بين شيئين: الأول منهما جار للثاني لفظا أو محلّا لكان أقرب وأخصر. الثاني: أن الأول من المركب تركيب مزج ليس هو كالجزء مما يليه؛ إنما هو أحد جزءي المركب، فهو جزء حقيقة؛ لأنه مسلوب الدلالة حال التركيب كما أن الجزء الثاني كذلك. والدال على المعنى المراد إنما هو المجموع. وأما الموصوف بصفة لازمة فلا يتحقق فيه ما ذكره؛ لأنه إن أراد به أن الصفة لا تنفرد عن الموصوف وذلك نحو قولهم: أبيض يقق وأحمر قان وأسود حالك، وكقولهم: حسن يسن؛ فالذي هو كالجزء في هذا إنما هو الصفة لا الموصوف؛ لأن الصفة في مثله هي التي لا تنفك عن موصوفها، وأما الموصوف فانفكا كه عن الصفة ظاهر، وإن أراد به أن الموصوف لا ينفرد عن الصفة كان متجها، وقد مثل لذلك في باب التابع بقولهم: الشعرى العبور، لكن إن كان المعتمد في إثبات الموصوف بصفة لازمة هذا المثال، فقد نوقش فيه فقيل: إن الشعرى لا يلزمها الوصف ويدل على ذلك قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (¬2)، وأما الموصول، وإن كان الجزء مما يليه فليس نظير المضاف؛ لأن الموصول لم يكن له حالة ليس هو فيها كالجزء فجعل جزءا إنما هو كالجزء دائما؛ لأنه وضع كذلك والمضاف إنما يصير كالجزء حال إضافته، فإذا انفصل عن الإضافة زال عنه هذا الوصف. وإذا كان الأمر كما قلناه فلم تدخل هذه الثلاثة تحت قوله: (كالجزء) حتى يكون قوله خافضا له مخرجا لها. وأما قوله: أنه عدل عن أن يقول: كجزء اسم - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 178). (¬2) سورة النجم: 49.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى قوله: كجزء لما يليه؛ لأن ثاني جزأي الإضافة قد يكون جملة وحرفا مصدريّا ففيه كلام؛ لأن الجملة المضاف إليها إنما هي في تأويل الاسم وكذا الحرف المصدري مع صلته أيضا فالإضافة في الحقيقة إنما هي إلى اسم. فلو قال: كجزء اسم؛ لكان كافيا سديدا أيضا. ثم إن في قوله: إن ثاني جزأي الإضافة يكون حرفا مصدريّا - مناقشة لفظية؛ لأن الحرف ليس مضافا إليه، فيقال: إنه ثاني جزأي الإضافة. الثالث: قد علم من قول المصنف: (المضاف هو الاسم المجعول) إلى آخره أن المضاف هو الأول والمضاف إليه هو الثاني، وهذا لا شبهة فيه؛ لكن ذكر الشيخ أنهم اختلفوا في إطلاق لفظ المضاف والمضاف إليه، كما اختلفوا في المسند والمسند إليه فقيل: المضاف هو الأول والمضاف إليه الثاني، وقيل عكسه (¬1)، قال: وجوز بعضهم أن يطلق الأمران على كلّ منهما (¬2). وأقول: هذا شيء لا ينبغي التشاغل به، ولا أعرف [4/ 67] كيف يعقل في نحو: زيد قائم أن زيدا هو المسند ولا في نحو: غلام زيدان: غلاما هو المضاف إليه. ثم عرف من قول المصنف: (خافضا له) أن المضاف هو العامل في المضاف إليه الجر، وذهب الزجاج إلى أن العامل فيه معنى اللام. قال: لأن الاسم لا يخفض، هكذا نقلوا عن الزجاج كما ذكره ابن عصفور وغيره (¬3). ولم أتحقق مذهبه هل العامل الحرف الذي الإضافة بمعناه؟ أو معنى الإضافة أو غير ذلك؟ لكن صرح ابن عصفور في شرح الجمل دون نسبة إلى الزجاج أو غيره بأن منهم من زعم أن الجر بالحرف المحذوف (¬4). والأصح أن الاسم المضاف هو العامل؛ بدليل اتصال الضمائر به، ولا تتصل الضمائر إلا بعواملها. قيل: والقياس أن لا يعمل الاسم الجر؛ لأن الاسم إنما يعمل لشبه الفعل، والفعل لا حظ له في عمل الجر إنما يعمل رفعا ونصبا. وأجيب عن - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 178). (¬2) السابق. (¬3) سر النحو له (2/ 7)، وانظر: الأشموني (2/ 237)، والتصريح (2/ 25)، وشرح الجمل (2/ 75). (¬4) شرح الجمل (2/ 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك بأن عمل الجر في الأصل إنما هو للحرف، ولكن العرب تحذف حروف الجر في مواضع (¬1)، وفي هذا الباب لما حذف الحرف ناب الاسم المضاف منابه فعمل عمله (¬2). أشار إلى ذلك ابن عصفور في شرح الإيضاح. وأقول: لا يخفى ضعف هذا الجواب. وأما السؤال فمدفوع من أصله؛ وذلك أن العمل الذي يكون الاسم فيه محمولا على الفعل إنما هو العمل الذي يستحقه الفعل وهو الرفع والنصب؛ ففي عمل هذين يقال: الاسم إنما يعمل لشبه الفعل، وأما الجر فليس من مستحقات الفعل. ولا شك أن الجر أحد أنواع الإعراب الثلاثة التي تكون في الاسم، فلا بد له من عامل، والفعل لا مدخل له في عمل الجر؛ فوجب أن يكون عمل الجر ناشئا إما عن حرف وإما عن اسم، فكان العمل للحرف في نحو: نظرت إلى زيد، ومررت بعمرو، ورغبت في الخير، وللاسم في نحو: غلام زيد، وضارب عمرو، وذلك أن موجب العمل الاقتضاء، فإذا اقتضى شيء شيئا وجب أن يعمل فيه؛ فالحرف اقتضى اسما يباشره ليوصل إليه معنى الفعل الذي تعلق به، والاسم الذي هو المضاف اقتضى اسما يضاف هو إليه ليتخصص به، فوجب أن يكون كل منهما عاملا في ما اقتضاه وكان العمل الجر؛ لأن الرفع والنصب اللذين هما النوعان الآخران إنما يسبقهما الفعل وما أشبهه من الأسماء والحروف. الرابع: قد علم من كلام المصنف أن الإضافة ثلاثة أقسام: إضافة بمعنى «في». وإضافة بمعنى «من»، وإضافة بمعنى اللام. فليعلم أن الإضافة التي بمعنى أحد هذه الأحرف الثلاثة هي الإضافة المحضة التي هي المعنوية. وأما الإضافة اللفظية فليست بمعنى حرف؛ لأن المقصود بها إنما هو تخفيف اللفظ، ومعنى الإضافة فيها مفقود؛ فمن أين يجيء معنى حرفها؟ وكلام المصنف في هذا الكتاب وفي بقية كتبه يوهم أن الإضافة معنوية كانت أو لفظية تقدر بحرف، وليس كذلك؛ فكان الأولى أن يقول أولا: الإضافة لفظية ومعنوية، والمعنوية إما بمعنى «في» أو «من» أو اللام؛ ليعلم - ¬

_ (¬1) يكثر ذلك ويطرد مع «أن» و «أنّ» نحو: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ونحو: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ، وجاء في غيرهما نحو: قَدَّرْناهُ مَنازِلَ أي قدرنا له. وراجع المغني (2/ 172) - الأمير. (¬2) وهو مذهب سيبويه. راجع الكتاب (1/ 209).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه أن اللفظية لا مدخل لها في ذلك. الخامس: لم يذكر الجماعة الإضافة بمعنى «في»، وقد أثبتها المصنف واستدل بما تقدم ذكره بعد أن قال: قد أغفل ذلك أكثر النحويين. قال الشيخ: لا أعلم أحدا ذهب إلى أن الإضافة بمعنى «في» غيره - يعني غير المصنف - قال: وهذه الشواهد التي ذكرها لا دليل فيها، إذ كثير مما استدل به هو من باب الصفة المشبهة فإضافته غير محضة لأنه قصد بها التخفيف وما ليس من باب الصفة قدر فيه اللام كقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ (¬1) فإن الحذاق يقولون: إن هذا من إسناد الشيء إلى ما وقع فيه على سبيل التوسع وارتكاب المجاز (¬2). انتهى. أما قوله: إنه لا يعلم أحدا ذهب إلى ذلك غير المصنف؛ فيعطي أن المصنف هو المنفرد بهذا القول، ولكن قول المصنف: قد أغفل ذلك أكثر النحويين؛ يفهم منه أن أقلهم لم يغفله بل ذكره، ثم إن ابن الحاجب ذكر المسألة في مقدمته (¬3) وربما اتبع في ذلك الزمخشري (¬4). وأما قوله: إن أكثر ما استدل به المصنف من باب الصفة المشبهة فإضافته غير محضة؛ فكلام صحيح لما عرفت من أن الإضافة اللفظية لا تقدر بحرف. وأما قوله: وما ليس من باب الصفة قدر فيه اللام كقوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وأن هذا من باب إسناد الشيء إلى ما وقع فيه على سبيل التوسع وارتكاب المجاز؛ فكلام صحيح أيضا. وقد تقدم قول المصنف في باب الظرف: (ويتوسع في الظرف المتصرف) (¬5)، ولكن لا يلزم من هذا أنه يمنع الإضافة إلى الظرف. بل له أن يقول: قد يتوسع في الظرف، وقد لا يتوسع بل يبقى على حاله ظرفا، فإن أضيف إليه وقد يتوسع فيه فالإضافة بمعنى اللام، وإن كان باقيا على ظرفيته دون توسع فالإضافة بمعنى «في» حينئذ. وعلى هذا لا منافاة بين قوله هنا: إن إضافة الشيء إلى ظرفه تكون بمعنى «في» وقوله في باب الظرف: إنه قد يتوسع فيه - ¬

_ (¬1) سورة سبأ: 33. (¬2) التذييل (7/ 180). (¬3) الكافية بشرح الرضي (1/ 273). (¬4) المفصل (2/ 118)، وراجع: الأشباه (2/ 192)، والتصريح (2/ 26)، والخصائص (3/ 26)، والمقتضب تعليق الشيخ عضيمة (4/ 143). (¬5) شرح التسهيل (99) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فينتصب مفعولا به ويسند إليه ونحو ذلك. لكن من منع كون الإضافة تكون بمعنى «في» قال: إن الإضافة إلى الظرف وهو باق على الظرفية يلزم منها محذور وهو أن المنصوب [4/ 68] على الظرفية لا بد فيه من تقدير «في» فلو أضيف إليه مع بقائه على الظرفية لزم أن تكون «في» مقدرة؛ لأن الظرف شأنه ذلك، ومتى كانت «في» مقدرة لزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه بذلك الحرف المقدر، وإذا ثبت هذا انتفى أن يكون ثم إضافة بمعنى «في». انتهى ما استدلوا به. وهو كلام مقبول ظاهرا إلا أن لك أن تقول: إن «في» إنما تقدر حال كون الكلمة منصوبة على الظرف؛ لأن الظرف الصناعي هو المنصوب على تقدير «في»، ومتى لفظ بـ «في» خرجت الكلمة المجرورة بها عن أن تكون ظرفا صناعيّا، فكذا يقال: إذا جر الظرف بإضافة شيء إليه وجب لزوال نصبه خروجه عن الظرفية؛ ومتى خرج عن الظرفية امتنع تقدير «في»، وحينئذ لا يكون بين المضاف والمضاف إليه فاصل. فيبطل الاستدلال المذكور. وقال الإمام بدر الدين ابن المصنف رحمهما الله تعالى: أكثر المحققين (¬1) على أن الإضافة لا تعدو أن تكون بمعنى اللام أو بمعنى «من». وموهم الإضافة بمعنى «في» محمول على أنها فيه بمعنى اللام على المجاز ويدل على ذلك أمور: أحدها: أن دعوى كون الإضافة بمعنى «في» يستلزم دعوى كثرة الاشتراك في معناها وهو على خلاف الأصل فيجب اجتنابها. الثاني: أن كلّ ما ادّعي فيه أن إضافته بمعنى «في» حقيقة يصح فيه أن يكون بمعنى اللام مجازا فيجب حمله عليه لوجهين: أحدهما: أن المصير إلى المجاز خير من المصير إلى الاشتراك. والثاني: أن الإضافة لمجاز الملك والاختصاص ثابتة باتفاق كما في قوله: 2878 - إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة ... [سهيل أضاعت غزلها في القرائب] (¬2) - ¬

_ (¬1) في شرح الألفية لبدر الدين (ص 381)، (والذي عليه سيبويه وأكثر المحققين ....). (¬2) صدر بيت من الطويل ذكرنا عجزه. وكوكب الخرقاء: امرأة كان في عقلها نقصان، يريد أنها كانت تنام حتى إذا طلع النجم «سهيل» فرقت غزلها بين قرائبها، ويروى «أذاعت» وانظر: العيني -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: 2879 - [إذا قال قدني قال بالله حلفة] ... لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا (¬1) والإضافة بمعنى «في» مختلف فيها والحمل على المتفق عليه أولى من الحمل على المختلف فيه. الثالث: أن الإضافة في نحو: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ (¬2) إما بمعنى اللام على جعل الظرف مفعولا به على السعة، وإما بمعنى «في» على بقاء الظرفية؛ لكن الاتفاق على جعل الظرف مفعولا به على السعة كما في: صيد عليه يومان، وولد له ستون عاما، والاختلاف في جواز الإضافة بمعنى «في» فرجح الحمل على الأول دون الثاني (¬3). انتهى كلام بدر الدين. وقد كان رحمه الله تعالى أجلّ وأكبر من أن يستدل على مدعاه بما ذكر. السادس: ما ذكره المصنف ضابطا للإضافة بمعنى «في» فيه قلق. ولو جعل الضابط لذلك كون المضاف إليه جنسا للمضاف كما جعله غيره. وقد قال ابن الحاجب بعد ذكر الإضافة المعنوية: وهي بمعنى اللام فيما عدا جنس المضاف وظرفه أو بمعنى «من» في جنس المضاف، أو بمعنى «في» في ظرفه وهو قليل مثل: غلام زيد، وخاتم فضة، وضرب اليوم فأشار إلى المقصود بعبارة لطيفة وطريقة سهلة. ثم قد عرفت أن المصنف جعل من التي بمعنى «من» إضافة الأعداد إلى المعدودات والمقادير إلى المقدرات؛ فقال الشيخ: هذا مذهب ابن السراج (¬4)، قال: وذهب الفارسي إلى أنها بمعنى اللام (¬5). انتهى. والظاهر ما قاله ابن السراج؛ فإن الإضافة في نحو: ثلاثة أثواب، ومائة درهم، وذراع حرير؛ إنما هي إضافة الشيء إلى جنسه؛ لأن الثلاثة والمائة والذراع يحتمل - ¬

_ - (3/ 359)، والمقرب (1/ 213)، والمحتسب (2/ 228). (¬1) عجز بيت من الطويل ذكرنا صدره، وقد تقدم. (¬2) شرح الألفية له (ص 381 - 383). (¬3) سورة سبأ: 33. (¬4) ينظر: الأشموني (2/ 239)، والأصول (2/ 7)، والتذييل (4/ 69). (¬5) ينظر: المصادر السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كل منها أن يكون من جنس ما أضيف له ويحتمل أن يكون من غيره. ثم قال الشيخ: فإن أضفت العدد إلى عدد آخر كانت الإضافة عندهما على معنى «من» نحو: ثلاثة مائة؛ لأن «مائة» بمعنى: مئين، والثلاث من المئين مئون (¬1)، ثم قال: ومن الإضافة بمعنى اللام إضافة «كل» إلى ما بعده لا بمعنى «من» (¬2). قال: لأن «من» تعطي التبعيض (و) (¬3) كل الشيء لا يتصور أن يكون بعضا له و «كل» اسم لأجزاء الشيء (¬4). وقد ثبت أن إضافة الجزء إلى المتجزئ بمعنى اللام كـ: يد زيد؛ فوجب أن يكون ما هو اسم للأجزاء نحو «كل» بمعنى اللام. السابع: ذهب ابن الصائغ إلى أن الإضافة بمعنى اللام خاصة، وتكلف في تقدير جعل الخز مستحقّا للثوب بما أنه أصله في قولنا: ثوب خز، حتى قال: إن الإضافة بمعنى اللام على كل حال، ومعنى اللام الاستحقاق على كل حال، والملك من أنواع الاستحقاق كما أن الجنسية معنى من معانيه (¬5). انتهى. ولا يخفى بعد ما ادعاه مع ما فيه من تكلف التقدير ومخالفة الجمهور. قال الشيخ: والذي أذهب إليه أن الإضافة تفيد الاختصاص، وأنها ليست على تقدير حرف مما ذكروه ولا على نيته، وأن جهات الاختصاص متعددة يبين كل جهة منها الاستعمال؛ فالإضافة في «غلام زبد» و «دار عمرو» للملك، وفي «سرج الدابة» و «حصير المسجد» للاستحقاق، وفي «شبح أخيك» لمطلق الاختصاص. انتهى. ولا أعلم ما الذي أوجب له مخالفة النجاة في ما قالوه مع أنه لم يستدل على ذلك بشيء على أن هذا الذي ذهب إليه من أن الإضافة ليست على تقدير حرف هو مذهب ابن درستويه نقله هو عنه (¬6). ومستند ابن درستويه أنه يلزم من التقدير بحرف أن يكون المضاف - في قولنا: ثوب الخز، وغلام زيد - نكرة؛ لأنهم يقدرون: ثوب من خز، وغلام لزيد، والغرض أن المضاف في هذين المثالين معرفة، - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 182). (¬2) السابق. (¬3) من التذييل، وهامش المخطوط. (¬4) التذييل (7/ 182). (¬5) انظر: رأيه في التذييل (7/ 183)، وهو شيخ لأبي حيان. (¬6) التذييل (7/ 183).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فدل ذلك على أن الإضافة ليست على معناهما أي: بمعنى الحرفين اللذين هما من اللام (¬1). والجواب عن ذلك: أن المراد بالتقدير أن المعنى في الإضافة على ذلك إلا أن لنا حرفا مقدرا؛ إذ لو كان الحرف مقدرا مرادا كان في حكم الثابت. وقد قلنا: إن العامل [4/ 69] في المضاف إليه هو المضاف؛ فكيف كان يصح للمضاف العمل والحرف فاصل بينه وبين ما يعمل فيه؟! وحاصل الأمر: أن المراد بقولهم: الإضافة تكون بمعنى اللام أو «من» أو «في» تفسير المعنى المقصود من الإضافة، وتفسير المعنى لا يلزم التصريح به نطقا كما في غالب المسائل. وأما قول الكوفيين: إن الإضافة تكون بمعنى «عند» فشيء لا يعول عليه، وأما استدلالهم بقول العرب: هذه ناقة رقود الحلب، أي: عند الحلب كما قالوا؛ فالجواب عنده واضح وهو أن المراد: أنها رقود للحلب؛ فالإضافة بمعنى اللام. وقال ابن عصفور: إن «رقود الحلب» مثل «حسن الوجه» فيكون في اللفظ للأول وفي المعنى للثاني والأصل: ناقة رقود حلبها؛ فهو من باب الصفة المشبهة، وإنما وصفت الحلب بأنه رقود لما كان الرقاد عنده فجعل رقودا مبالغة (¬2). الثامن: الموجب لحذف التنوين والنون من المضاف أن تمام الاسم الأول إنما حصل بتمام نسبة التقييدية بذكر الثاني؛ فصار آخر الاسم وسطا، والتنوين إنما يلحق منتهى الاسم. واعلم أن الشيخ قال في قول المصنف: (وقد يزال منه تاء التأنيث): وهذا الذي ذكره هو قول الفراء (¬3)، ولا يذهب أصحابنا إلى ذلك، بل حذف هذه التاء لم يكن لأجل الإضافة؛ وإنما ذلك على سبيل الترخيم الواقع في غير النداء ضرورة (¬4). انتهى. وأقول: إنما يتم ما ذكره الشيخ عن المغاربة في هذه المسألة إن استعمل حذف التاء من نحو: إقامة وعدة وحياة وبسالة مثلا دون إضافة بأن يقال: إقام الصلاة واجبة، وعد الأمر حاصل، وبسال زيد معروفة، أما إن لم يرد حذف التاء إلا مع الإضافة فالظاهر بل المتعين ما قاله المصنف من أن الحذف للإضافة. ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) شرح الجمل (2/ 74). (¬3) الأشموني (2/ 237). (¬4) التذييل (7/ 186).

[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه]

[الأثر المعنوي للإضافة ومواقعه] قال ابن مالك: (ويتخصّص بالثّاني إن كان نكرة. ويتعرّف به إن كان معرفة ما لم يوجب تأوّله بنكرة وقوعه موقع ما لا يكون معه معرفة أو عدم قبوله تعريفا لشدّة إبهامه كـ «غير» و «مثل» و «حسب»، أو تكن إضافته غير محضة ولا شبيهة بمحضة؛ لكونه صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى أو منصوب، وليس من هذا المصدر المضاف إلى مرفوعه أو منصوبه خلافا لابن برهان (¬1) ولا أفعل التّفضيل، ولا الاسم المضاف إلى الصّفة خلافا للفارسيّ (¬2) بل إضافة المصدر وأفعل التّفضيل محضة، وإضافة الاسم إلى الصّفة شبيهة بمحضة لا محضة، وكذا إضافة المسمّى إلى الاسم، أو الصّفة إلى الموصوف، والموصوف إلى القائم مقام الوصف، والمؤكّد إلى المؤكّد، والملغى إلى المعتبر، والمعتبر إلى الملغى). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): كل جزء من جزأي الإضافة مؤثر في الآخر. فالأول مؤثر في الثاني الجر بأحد المعاني الثلاثة والثاني مؤثر في الأول نزع دليل الانفصال مع التخصيص إن كان الثاني نكرة، ومع التعريف إن كان معرفة؛ هذا إذا لم يكن المضاف إلى المعرفة واقعا موقع ما لا يكون معرفة فيجب تقدير انفصاله؛ ليكون في المعنى نكرة كقول الشاعر: 2880 - أبالموت الّذي لا بدّ أنّي ... ملاق لا أباك تخوّفيني (¬4) وكقول العرب: رب رجل وأخيه، وكم ناقة وفصيلها، وفعل ذلك جهده وطاقته. وقد تقدم بيان كيفية التأويل في هذه الأمثلة وأمثالها. فصورها صور المعارف وتقدير تنكيرها واجب لوقوع كل واحد منها موقع ما لا يكون معرفة، وكذا بحكم تنكير ما أضيف إلى معرفة وهو غير قابل للتعريف للزوم إبهامه كـ «غير» - ¬

_ (¬1) الأشموني (2/ 241)، وشرح اللمع له (180). (¬2) ينظر: الأشموني (2/ 242)، والتذييل (4/ 72، 73)، والتصريح (2/ 27). (¬3) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 286). (¬4) من الوافر لأبي حية النميري، وينسب للأعشى، وانظر: التصريح (2/ 26)، والدرر (1/ 125)، واللسان: «أبي»، والمقتضب (4/ 375).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «مثل» و «حسب» فإنه لا فرق بين قولك: رأيته ورجلا غيره، وقولك: رأيته ورجلا آخر، وكذا لا فرق بين قولك: رأيته ورجلا مثله، وبين قولك: رأيته ورجلا آخر؛ لأن كل ما صدق وصفه بالمغايرة صدق وصفة بالمماثلة إذا كان الجنس واحدا، وكذا لا فرق بين قولك: رأيت رجلا حسبك من رجل، وبين قولك: رأيت رجلا كافيا فيما يراد من الرجال فلا يزول بإضافة هذه وأمثالها إلى المعارف من الإبهام إلا ما لا يعتد بزواله. وقد يعني بـ «غير» ومثل مغايرة خاصة ومماثلة خاصة؛ فيحكم بتعريفها وأكثر ما يكون ذلك في غير إذا وقع بين ضدين كقولك: 2881 - فليكن المغلوب غير الغالب ... وليكن المسلوب غير السّالب (¬1) وأجاز بعض العلماء - منهم السيرافي (¬2) - أن يحمل على هذا قوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (¬3)، لوقوع غَيْرِ فيه بين متضادين وليس ذلك بلازم؛ لقوله تعالى: نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (¬4) فـ غَيْرَ الَّذِي مضاف إلى معرفة، وقد نعت به نكرة مع وقوعه بين ضدين فيجوز كون غَيْرِ الْمَغْضُوبِ نكرة بدلا أو نعتا ويجوز كونه نعتا مع الحكم بتنكيره؛ لأن الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لم يقصد به تعيين فهو في المعنى نكرة وإن كان لفظه لفظ معرفة كما جاز أن ينعت اللَّيْلُ ب نَسْلَخُ في قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (¬5)؛ لأن الليل وإن كان في صورة معرفة فهو في المعنى نكرة؛ إذ لم يقصد به ليل معين فلذلك نعت بجملة والجمل لا ينعت بها إلا النكرات. وإلى هذا الوجه أشار الفراء والزجاج ورجحه أبو علي الشلوبين (¬6)، وزعم المبرد أن غيرا لا يتعرف أبدا (¬7)، ومن نعت ذي الألف واللام الجنسية بالجملة قول الأعشى: 2882 - وتبرد برد رداء العرو ... س رقرقت في الصّيف منه العبيرا (¬8) - ¬

_ (¬1) رجز ينسب لأبي طالب، وانظر: الأشموني (2/ 244)، والكافية الشافية (2/ 916). (¬2) في شرحه على الكتاب (2/ 145 ب)، وانظر: الأشموني (2/ 245)، والهمع (2/ 47). (¬3) سورة الفاتحة: 7. (¬4) سورة فاطر: 37. (¬5) سورة يس: 37. (¬6) ينظر: الأشموني، والصبان (2/ 244، 245)، والتصريح (2/ 26)، وما بعدها، والهمع (2/ 47). (¬7) المقتضب (2/ 274)، (4/ 288، 289)، والعجيب أنه - مع ذلك - قال بتعريفها إذا أضيفت إلى معرفة. انظر: المقتضب (4/ 423). (¬8) من المتقارب - ديوانه (69)، والإنصاف (789).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [4/ 70] لأن «رداء العروس» بمنزلة «رداء عروس». قال سيبويه في الباب المترجم بـ «هذا باب [إجراء] الصفة فيه على الاسم في بعض المواضع أحسن): وأما «رب رجل وأخيه منطلقين» ففيها قبح حتى تقول: وأخ له، والمنطلقان مجرور؛ لأن قوله: و «أخيه» نكرة؛ لأن المعنى: وأخ له. فإن قيل: أمضافة إلى معرفة أو نكرة؟ فإنك قائل: إلى معرفة ولكنها أجريت مجرى النكرة كما أن «مثلك» مضافة إلى معرفة وهي توصف بها النكرة وتقع مواقعها (¬1). هذا نص سيبويه رحمه الله تعالى. وكذا نحكم بتنكير ما يضاف إلى معرفة إضافة غير محضة ولا شبيهة بمحضة وذلك بأن يكون المضاف صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى نحو: رأيت رجلا حسن الخلق محمود الخلق، أو منصوب نصبا حقيقيّا نحو: رأيت رجلا مكرم زيد. فالإضافة في هذه الأمثلة وأشباهها غير محضة ولا شبيهة بمحضة؛ لأن المضاف فيها صفة أضيفت في الأول إلى ما هو مرفوع بها في المعنى؛ فإن الأصل: رأيت رجلا حسنا خلقه محمودا خلقه، وأضيفت في الثاني إلى ما هو منصوب بها في المعنى نصبا حقيقيّا؛ فإن الأصل: رأيت رجلا مكرما زيدا أي يكرم زيدا، والنية الانفصال، فإن الموضع موضع فعل وخرج بذكر الصفة إضافة المصدر وإضافة المميز وخرج بنسبة الرفع والنصب إلى مجرورها نحو: سحق عمامة، وكرام الناس؛ فإن إضافتهما محضة؛ لأنهما لم يقعا موقع فعل ولا المجرور بهما مرفوع المحل ولا منصوبه. ثم نبهت على أن الصحيح كون إضافة المصدر محضة، وزعم ابن برهان أن إضافته غير محضة (¬2)؛ لأن المجرور به مرفوع المحل أو منصوبه كـ: قيام زيد وأكل الطعام؛ فالأول كـ: حسن الخلق، والثاني كـ: ضارب زيد الغد. قلت: والذي ذهب إليه ابن برهان ضعيف من أربعة أوجه: أحدها: أن المصدر المضاف أكثر استعمالا من غير المضاف، فلو جعلت إضافته في نية الانفصال لزم جعل ما هو أقل استعمالا أصلا لما هو أكثر استعمالا وهو خلاف المعتاد. الثاني: أن إضافة الصفة إلى مرفوعها أو منصوبها منوية الانفصال بالضمير المستتر فيها فجاز أن ينوى انفصالها باعتبار آخر والمصدر بخلاف ذلك، فتقدير انفصاله مما - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 54، 55). (¬2) ومعه ابن طاهر وابن الطراوة. التصريح (2/ 27)، والهمع (2/ 48).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو مضاف إليه لا محوج إليه ولا دليل عليه. الثالث: أن الصفة المضافة إلى مرفوعها أو منصوبها واقعة موقع الفعل المفرد والمصدر المضاف واقع موقع حرف مصدري موصول بالفعل والموصول المشار إليه محكوم بتعريفه فليكن الواقع موقعه كذلك. الرابع: أن المصدر المضاف إلى معرفة، ولذلك لا ينعت إلا بمعرفة فلو. كانت غير محضة لحكم بتنكيره ونعت بنكرة، ولجاز دخول «رب» عليه وأن يجمع فيه بين الألف واللام والإضافة كما فعل في الصفة المضافة إلى معرفة نحو: يا ربّ غابطنا ورأيت الحسن الوجه. ونبهت أيضا على أن الصحيح في إضافة «أفعل» التفضيل كونها محضة، نص على ذلك على سيبويه (¬1) رحمه الله تعالى. ويدل على أن ذلك هو الصحيح أن الحامل على اعتقاد عدم التمحيض في إضافة الصفة إلى مرفوعها أو منصوبها: وقوع الأول فيها موقع الفعل ووقوع الثاني موقع مرفوع ذلك الفعل أو منصوبه، و «أفعل» التفضيل بخلاف ذلك؛ فلم يجز اعتقاد كون إضافته غير محضة، وأيضا فإن المضاف إليه «أفعل» التفضيل لا يليه مع بقاء المعنى المفاد بالإضافة إلا بالإضافة، فكان كـ: «غلام زيد» ولا خلاف في تمحض إضافة «غلام زيد»؛ فكذا إضافة «أفضل القوم» وشبهه، ولأن «أفعل» التفضيل إذا أضيف إلى معرفة لا ينعت إلا بمعرفة ولا ينعت به إلا معرفة ولا تدخل عليه «رب» ولا يجمع فيه بين الإضافة والألف واللام، ولا ينتصب على الحال إلا في نادر من القول. ولو كانت إضافته غير محضة لكان نكرة ولم يمتنع وقوعه نعتا لنكرة ولا منعوتا بها ولا مجرورا بـ «رب» مجموعا فيه بين الألف واللام والإضافة ولا منصوبا على الحال دون استندار. واحترزت بقولي: (دون استندار) من قول المرأة الصحابية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما لنا أكثر أهل النّار؟» (¬2) وهو معرفة مؤول بنكرة من المعارف الواقعة أحوالا وقد تقدم الكلام عليها. ونبهت أيضا على أن إضافة الاسم إلى ما هو في الأصل صفة له كـ: «مسجد الجامع» واسطة بين المحضة وغير المحضة على أصح القولين؛ لأنها إضافة يتصل ما هي فيه بما يليه إما تتميما نحو: وَلَدارُ الْآخِرَةِ (¬3) وإما بجعلهما منعوتا ونعتا - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 202) وما بعدها. (¬2) ينظر: التذييل (7/ 196). (¬3) سورة يوسف: 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ (¬1) وكلا الاستعمالين صحيح فصيح؛ فوجب أن يكون لنوعه اعتباران: اتصال من وجه وانفصال من وجه؛ فالاتصال من قبل أن الأول غير مفصول بضمير منوي كما هو في إضافة الصفة إلى مرفوعها أو منصوبها، ولأن موقعه لا يصلح للفعل فيقدر تنكيره ولأن الذي حكم بعدم تمحض إضافته جعل سبب ذلك أن الأصل [4/ 71] إضافة الأول إلى موصوف الثاني فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وهذا إذا سلم لا يمتنع به تمحض الإضافة؛ لأن الحكم لا يتغير بحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه وقبل حذف الموصوف كان محض الإضافة ثابتا فلا يزول بعد الحذف كما لا يزول غيره من أحكام المحذوف الذي أقيم غيره مقامه. وأما الانفصال في هذا النوع فمعتبر من قبل أن المعنى يصح به دون تكلف ما يخرج به عن الظاهر ألا ترى أن نحو: الجانب الغربي، والصلاة الأولى، والدار الآخرة، والحبة الحمقاء، مكتفى بلفظه في صحة معناه، وأن نحو: جانب الغربي، وصلاة الأولى، ودار الآخرة، وحبة الحمقاء؛ غير مكتفى بلفظه في صحة معناه، بل يحتاج فيه إلى تكلف تقدير. بأن يقال: جانب المكان الغربي، وصلاة الساعة الأولى، ودار الحياة الآخرة، وحبة البقلة الحمقاء، مع أن بعض هذا النوع لا يحسن فيه تقدير موصوف نحو: دين القيمة؛ فإن أصله: الدين القيمة، والتاء للمبالغة فإذا قدر محذوف لزم أن يقال: دين الملة أو الشريعة؛ فيلزم تقدير ما لا يغني تقديره؛ لأن المهروب منه كان إضافة الشيء إلى نفسه وهو لازم بتقدير الملة أو الشريعة، وأيضا جعل الأول من هذا النوع منعوتا والثاني نعتا مطرد كقولهم للحنطة: الحبة السمراء، وللشونيز: الحبة السوداء، وللبطم (¬2): الحبة الخضراء، والإضافة غير مطردة؛ لأنها مقصورة على السماع، واعتبار المطرد أولى من اعتبار غير المطرد؛ ولذلك يجوز الإتباع في ما جازت فيه الإضافة، ولا تجوز الإضافة في ما لم تضفه العرب كالحبة السمراء والحبة السوداء والحبة الخضراء. والحاصل: أن إضافة هذا النوع منوية الانفصال، لأصالتها بالاطراد والإغناء عن ترك الظاهر مع ذلك لا يحكم بتنكير مضافها لشبهه بما لا ينوى انفصاله في كونه غير واقع موقع فعل وكون تاليه غير مرفوع المحل ولا منصوبه. ثم نبهت على - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 32. (¬2) بطم حنظل: حبة في صيصائه. اللسان: «بطم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضافات الجارية مجرى هذا النوع في اعتبار الاتصال والانفصال. فمنها: إضافة المسمى إلى الاسم كـ: شهر رمضان، ويوم الخميس، وذات اليمين، وذي صباح، وقوله: 2883 - إليكم ذوى آل النّبيّ تطلّعت ... نوازع من قلبي ظماء وألبب (¬1) ومثله: 2884 - عزمت على إقامة ذي صباح ... لأمر ما يسوّد من يسود (¬2) ومثله: 2885 - على كلّ ذي منعة سانح ... يقطع ذو الهرية الخزاما (¬3) ومن إضافة المسمى إلى الاسم قولهم: سعيد كرز؛ فإن «سعيدا» علم و «كرز» اللقب والشخص المدلول عليه بهما واحد لكن الاسم مقدم على اللقب في الوضع فقدم عليه في اللفظ وقصد بالمقدم المسمى لتعرضه إلى ما يليق بمجرد اللفظ من نداء وإسناد فلزم أن يقصد بالثاني مجرد اللفظ لتثبت بذلك مغايرة ما حتى كأن قائل: جاء قد قال: جاء مسمى كرز، وكذا قائل: صمت شهر رمضان واعتكفت يوم الخميس، وهكذا العمل في أشباهها. ومنها: إضافة الصفة إلى الموصوف كقول الشاعر: 2886 - إنّا محيّوك يا سلمى فحيّينا ... وإن سقيت كرام النّاس فاسقينا (¬4) فالأصل: وإن سقيت الناس الكرام، ثم قدم الصفة وجعلها نوعا مضافا إلى الجنس، ومن هذا القبيل قولهم: سحق عمامة، وجرد قطيفة، وسمل سربال، والأصل: عمامة سحق، وقطيفة جرد، وسربال سمل ثم فعل بها ما فعل بـ «كرام الناس». ومنها: إضافة الموصوف إلى مضاف إليه الوصف كقوله الشاعر: - ¬

_ (¬1) من الطويل للكميت بن زيد. وانظر ديوانه (1/ 102)، والخزانة (2/ 205)، والخصائص (3/ 27)، واللسان: «لبب»، والمحتسب (1/ 347). والألبب: جمع لب وهو العقل. (¬2) من الوافر لأنس بن مدركة. الدرر (1/ 168)، وشرح المفصل (3/ 12)، والكتاب (1/ 116)، والمقتضب (4/ 435)، والهمع (1/ 197) هذا: وعجزه من أمثال العرب، راجع: مجمع الأمثال (2/ 130). (¬3) من الوافر. الدرر (2/ 218)، والهمع (2/ 157). (¬4) من البسيط لبشامة بن حزن. الحماسة (ص 100)، والعيني (3/ 370).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2887 - علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم ... بأبيض ماضي الشّفرتين يمان (¬1) أي علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم؛ فحذف الصفتين المضافتين إلى ضميري المتكلم والمخاطب وجعل الموصوف خلفا عن الصفة في الإضافة ومثله: 2888 - فإنّ قريش الحقّ لم تتبع الهوى ... ولن يقبلوا في الله لومة لائم (¬2) أراد: فإن قريشا أصحاب الحق ثم فعل كفعل الأول ومثله: 2889 - لعمري لئن كانت بخيلة زانها ... جرير لقد أخزى كليبا جريرها (¬3) ومثله قول الأسد الطائي: 2890 - قتلت مجاشعا وأسرت عمرا ... وعنترة الفوارس قد قتلت (¬4) ومثله قول الحطيئة (¬5): 2891 - إليك سعيد الخير جبت مهامها ... يقابلني آل بها وتنوف (¬6) ومثله قول رؤبة: 2892 - يا قاسم الخيرات وابن الأخير ... ما ساسنا مثلك من مؤمّر (¬7) ومثله: 2893 - يا زيد زيد اليعملات الذّبّل ... تطاول اللّيل عليك فانزل (¬8) وكذا قولهم في «زيد» الذي سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «زيد الخير»: زيد الخيل (¬9)؛ - ¬

_ (¬1) من الطويل لرجل من طيئ. التصريح (1/ 153)، والخزانة (1/ 327)، (2/ 161) واللسان: «زيد»، وابن يعيش (1/ 43) «بأبيض من ماء الحديد يماني». (¬2) من الطويل - التذييل (7/ 206). (¬3) من الطويل، وانظره في التذييل (7/ 206). (¬4) من الوافر - التذييل (7/ 206). (¬5) جرول بن أوس بن مالك العبسي شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام لم يكد يسلم من لسانه الهجاء أحد (ت 45 هـ) - الأعلام (2/ 110) والسمط (1/ 80) هذا: والشاعر قد هجا نفسه وأمه وأباه. (¬6) من الطويل - التذييل (7/ 206)، ولم أجده في ديوانه - طبعة الحلبي - 1378 هـ، 1958 م. (¬7) رجز - وهو في التذييل (7/ 207). (¬8) رجز لعبد الله بن رواحة أو بعض ولد جرير. اليعملات: الإبل القوية على العمل جمع يعملة، والذبّل: الضامرة لطول السفر. الدرر (2/ 154)، والكتاب (1/ 315) واللسان: «عمل»، والهمع (2/ 122). (¬9) ينظر: التذييل (7/ 207)، والنزهة (ص 260).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه كان صاحب خيل كريمة. وعلى هذه الأمثلة وشبهها نبهت بقولي: والموصوف إلى القائم مقام الصفة، ثم أشرت إلى إضافة المؤكد إلى المؤكد وأكثر ما يكون ذلك أسماء الزمان المبهمة كـ: «حينئذ ويومئذ» وقد تكون في غير أسماء الزمان كقول الشاعر: 2894 - فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنّه ... سير ضيكما منها سنام وغاربه (¬1) أراد: كشطا عنها الجلد؛ لأن النجا هو الجلد فأضاف المؤكد إلى المؤكد كما أضيف الموصوف إلى الوصف في «المسجد الجامع» وشبهه. ومن إضافة المؤكد إلى المؤكد في غير الزمان قول الشاعر: 2895 - لم يبق من زغب طار الشّتاء به ... على قرا ظهره إلّا شماليل (¬2) [4/ 72] فأضاف القر إلى الظهر وهما بمعنى واحد كما فعل في «نجا الجلد». ومثله قول الآخر: 2896 - كخشرم دبر له أزمل ... أو الجمر خش بصلب جزال (¬3) فأضاف الخشرم إلى الدبر وكلاهما اسم للنجل. وذكر الفارسي في التذكرة أن قولهم: لقيته يوم يوم وليلة ليلة؛ أضيف فيه الشيء إلى مثله لفظا ومعنى (¬4). ومن إضافة الملغى إلى المعتبر قول الشاعر: 2897 - إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (¬5) ومثله: 2898 - يا عجبا لعمان الأزد إذ هلكوا ... وقد رأوا عبرا في سالف الأمم (¬6) ومثله: - ¬

_ (¬1) من الطويل لأبي الغمر الكلابي، أو عبد الرحمن بن حسان أو أبي الجراح - الأشموني (2/ 243)، والإنصاف (123)، والتذييل (7/ 207)، والخزانة (2/ 277)، وشرح المفصل (7/ 129، 152)، والعيني (3/ 373). (¬2) من البسيط وفي اللسان: الزغب: ما يعلو رأس الفرخ من الريش الصغير، وشماليل: ما تفرق من شعب الأغصان، وانظر: الارتشاف (772)، والتذييل (7/ 207). (¬3) متقارب - التذييل (7/ 207). (¬4) التذييل (4/ 77). (¬5) من الطويل للبيد - ديوانه (74، 75)، والمقرب (1/ 213). (¬6) من البسيط للفرزدق - شرح ديوانه (103)، وشرح العمدة (249) منسوبا إليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2899 - قالت أتصرمني فقلت لقيلها ... شلّت بنان يدي إذا لا أفعل (¬1) ومثله: 2900 - ألا ليت أيّام الصّفاء جديد ... ودهرا تولّى يا بثين يعود (¬2) ومثله: 2901 - وتيه خبطنا غولها وارتمى بنا ... أبو البعد من أرجائها المتطاوح (¬3) أراد: وارتمى بنا البعد، ومثله قول أمية (¬4) في ناقة صالح عليه الصلاة والسّلام: 2902 - فأتاها أحيمر كأخي السّه ... م يزجّ فقال كوني عقيرا (¬5) أراد: كالسهم؛ فألغى الأخ. ومن إلغاء المضاف والاعتداد بالمضاف إليه ما حكي من قول العرب: هذا حي زيد، وأتيتك حي فلان قائم وحي فلانة شاهد. وسمع الأخفش أعرابيّا يقول: قالهنّ حيّ رياح (¬6) يعني أبياتا، ومثله قول الشاعر: 2903 - يا قرّ إنّ أباك حيّ خويلد ... قد كنت خائفه على الإحماق (¬7) والمعنى: هذا زيد، و: إن أباك خويلد، و: قالهن رياح، ومن هذا القبيل قول الشاعر: 2904 - وحي بني كلاب قد شجرنا ... بأرماح كأشطان القليب (¬8) قال الفارسي: من إلغاء المضاف: كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ (¬9) أي: كمن هو في الظلمات و: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ (¬10) أي: الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار. ومن إضافة المعتبر إلى ما لا يعتبر ولا يعتد به إلا كالاعتداد - ¬

_ (¬1) من الكامل - التذييل (4/ 77)، وكلمة «يدي» سقطت من التذييل. (¬2) من الطويل - التذييل (7/ 208) - وهذا البيت ليس في (أ). (¬3) من الطويل - التذييل (7/ 208). (¬4) ابن عبد الله أبي الصلت الثقفي شاعر جاهلي حكيم، أدرك الإسلام، شعره من الطبقة الأولى (ت: 5 هـ) الأعلام (1/ 364)، والجمهرة (ص 257)، والسمط (1/ 362). (¬5) من الخفيف - ديوانه (ص 35)، والأشموني (3/ 274)، والعيني (4/ 377). (¬6) الارتشاف (2/ 508). (¬7) من الكامل لجبار بن سلمى - الأشموني (43/ 123)، والخصائص (3/ 28)، وابن يعيش (3/ 13). (¬8) من الوافر - والشطن: الحبل، والقليب: البئر - التذييل (7/ 209)، واللسان: «شطن» وقلب. (¬9) سورة الأنعام: 122. (¬10) سورة محمد: 15.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحرف الزائد للتوكيد قول الشاعر، وهو ابن أبي ربيعة: 2905 - حملها حبّا لو أمسى مثله ... تبيرا وبحرا به لتضعضعا (¬1) ومثله قول الحطيئة: 2906 - فلو بلغت عوّاء السّماء قبيلة ... لزادت عليها نهشل وتعلّت (¬2) وله أيضا: 2907 - [لعمر] الرّاقصات بكلّ فجّ ... من الرّكبان موعدها مناها 2908 - لقد شدّت حبائل آل لأي ... حبالي بعد ما ضعفت قواها (¬3) ومثله قول الفرزدق: 2909 - وثقت إذ لاقت بلالا مطيّتي ... لها بالغنى إن لم تصبها شعوبها (¬4) ومثله قول بعض الطائيين: 2910 - أقام ببغداد العراق وشوقه ... لأهل دمشق الشّام شوق مبرّح (¬5) ومثله قول دبيّة السلمي وكان سادن العزى: 2911 - أعزّاي شدّي شدّة لا تكذبي ... على خالد ألقي الحمار وشمّري فإنّك إن لا تقتلي اليوم خالدا ... تنوئي بذلّ عاجل وتحسّر (¬6) ومن هذا القبيل: مررت برجل حسن وجهه، وحسن وجه، و: اضرب أيهم أساء؛ لأن «أيّا» الموصولة معرفة بصلتها كغيرها من الأسماء الموصولة فلو كان ما يضاف إليه معتدّا به لزم اجتماع معرفين على معرف واحد وهو ممنوع، وما أفضى إلى الممنوع - ¬

_ (¬1) لم أجده بنصه في ديوانه، وانظر الديوان (185، 190)، وبنصه في التذييل (7/ 209). (¬2) من الطويل - ديوانه (68) برواية: ولو بلغت دون السّماء قبيلة وجمل الزجاجي (194) - هذا والعوّاء والعوّى: منزل القمر خمسة كواكب أو أربعة كأنها كتابة ألف. (¬3) من الوافر - التذييل (7/ 209). (¬4) من الطويل - ديوانه (1/ 68)، وانظر: التذييل (7/ 209). (¬5) من الطويل - الدرر (2/ 58)، والعيني (3/ 378)، والهمع (2/ 49). (¬6) من الطويل وانظرهما - معا - في: التذييل (7/ 209).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ممنوع. هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬1)، وقد تضمن الإشارة إلى أمور: أولها: تخصيص المضاف إليه أو تعريفه. ثانيها: أن بعض المضافات إلى معرفة لا يتعرف بإضافته إليها. ثالثها: جعله من أقسام الإضافة قسما ثالثا وهو التشبيه بالمحضة (¬2). رابعها: أن المضاف قد يكون ملغى فيكون المقصود المضاف إليه فقط، وقد يكون ذلك بالعكس فيكون الملغى هو المضاف إليه فقط، والمضاف هو المقصود. وحاصل الأمر: أن يكون الذي ليس بمقصود وهو الذي لا يعتبر منهما المعبر عنه بالملغى حكمه حكم الزائد في الكلام. أما الأول من هذه الأمور وهو أن المضاف يتخصص بالمضاف إليه أو يتعرف؛ فقال الشيخ فيه: هذا التقسيم قسمه غيره من النحويين وتقسيمهم الإضافة إلى التخصيص والتعريف ليس بصحيح؛ لأنه من جعل القسم قسيما؛ وذلك أن التعريف تخصيص فهو قسم من التخصيص لا قسيم له، والإضافة إنما تفيد التخصيص فقط لكن أقوى مراتبه التعريف (¬3). انتهى. وهو كلام صحيح غير أن اللفظ المفيد لمعنيين إذا ذكر مع لفظ آخر مفيد لأحد المعنيين وجب قصر اللفظ المفيد للمعنيين على أحدهما؛ لكونه جعل قسيما يفيد معنى الآخر. وهذا شيء كثير الاستعمال في اللغة العربية. وليعلم أن الإضافة إنما وضعت لتخصيص أو تعريف ما شياعه أصلي، وأما ما شياعه عارض؛ فلا يزال شياعه إلا بالتابع،. ومن ثم امتنعت إضافة المعارف؛ لأن المعرفة شياعها إنما يكون بأمر عارض فيها. وإن اتفق إضافة شيء من الأعلام؛ فلا يضاف حتى ينكر ويوضع وضعا آخر، فإذا قيل: زيد بني فلان؛ فكأن «زيدا» وضع بإزاء رجل سمي بـ «زيد» ثم أضيف إلى «بني فلان» ليتخصص أو يتعرف؛ فعلى هذا كل اسم لا يمكن تنكيره لا يمكن إضافته نحو الأسماء المبهمة والمضمرات وما جرى مجراها. وأما الأمر الثاني وهو أن بعض المضافات إلى معرفة لا يتعرف بإضافته إليها؛ فقد - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 236). (¬2) في التصريح (2/ 26، 27) هذه الأقسام الثلاثة. (¬3) التذييل (7/ 186).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عرفت أن المصنف ذكر أن موجب ذلك ثلاثة أمور: أحدها: وقوع المضاف موقعا لا يكون للمعرفة. ثانيها: عدم قبول المضاف التعريف لشدة إبهامه. ثالثها: أن تكون إضافته لفظية. ثم بأنه مثّل للأول بقولهم: 2912 - لا أباك تخوفيني وبقولهم: رب رجل وأخيه، وبقولهم: كم ناقة وفصيلها، وليس هذا منه [4/ 73] على سبيل الحصر؛ فإن ذلك يجيء في بابين آخرين غير هذه الثلاثة وهما: كل شاة وسخلتها بدرهم؛ لأن «كل» إذا دخلت على المفرد فلا بد أن يكون نكرة، فالأصل: كل شاة وسخلة لها بدرهم. وكذا: أي فتى هيجا أنت وجارها الأصل: أي فتى هيجا أنت وجار لها؛ لأنه معطوف على «فتى» فيجب أن يكون نكرة؛ لأن «أيّا» في مثل هذا لا يضاف إلا إلى نكرة، فليس المقصود بالإضافة في هذه الأبواب الخمسة تخصيصا ولا تعريفا إنما جيء بها للتخفيف، فالنية بها الانفصال؛ لأن التقدير: لا أب لك، ورب رجل وأخ له، وكم ناقة وفصيل لها، وكل شاة وسخلة لها، وأي فتى هيجاء وجار لها. أما إدراج المصنف في ما نحن فيه «جهده وطاقته» من قولهم: فعل ذلك جهده وطاقته؛ فغير ظاهر؛ لأن نحو «جهده وطاقته» محكوم فيه بتعريف المضاف بالإضافة إلى الضمير، وإنما قدر بنحو: جاهد ومطيق من حيث إنه حال والحال لا يكون معرفة؛ فالمضاف والمضاف إليه معا قدّرا بكلمة مفردة هي الحال فلا يتصور انفصال بين المتضايقين بخلاف «لا أباك» فإن التقدير كما تقدم: لا أب لك، وكذا «رب رجل وأخيه» التقدير: وأخ له، فالمقدر بالنكرة هو المضاف وحده؛ لوقوعه بعد «لا» في المثال الأول وبعد «رب» في المثال الثاني والمعرفة لا تقع بعدهما. وقد قال هو في باب الحال: الحال واجب التنكير وقد يجيء معرفا بالأداة أو الإضافة (¬1)، ومثل للإضافة بـ: فعل جهده وطاقته، وإذا كان كذلك فكيف يحكم هنا بأنه نكرة؟! ومثل للثاني - وهو عدم قبول المضاف التعريف لشدة إبهامه كما قال - ¬

_ (¬1) انظر: متن تسهيل الفوائد لابن مالك (ص 108).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المتن، أو لزوم إبهامه كما قال في الشرح - بـ «غير» و «مثل» و «حسب». وعرف من كلامه أن المانع من تعريف مثل هذه الكلمات إنما هو لزوم إبهامها وبيان لزوم الإبهام في هذه الكلمات أن نحو «مثل» مثلا لم يكن واقعا على أمر معلوم الحقيقة بل هو واقع على أشياء مختلفة، فإذا قيل: مثل زيد؛ احتمل أن يكون مثله في العقل أو في الشجاعة أو في غيرهما، فمدلوله غير معلوم الحقيقة، وكذا إذا قلت: غير زيد؛ فكل شيء إلا زيدا غيره وهذا بخلاف «غلام» و «فرس» فإن كلّا منهما معلوم المدلول؛ لوقوعه على أمر معلوم ولكن فيهما شياع، فإذا أريد إزالته أزيل بالإضافة، وأما الإبهام الذي في «مثل» و «غير» وأخواتهما فليس للإضافة في إزالته أثر. وهو الذي ذكره المصنف من أن المانع من تعريف هذه الكلمات هو لزوم إبهامها ذكر الجماعة (¬1) أنه مذهب ابن السراج (¬2) والسيرافي (¬3) وأن سيبويه (¬4) والمبرد (¬5) ذهبا إلى خلاف ذلك. قال ابن أبي الربيع اختلف الناس في سبب عدم التعريف يعني في هذه الكلمات التي هي التي «غير» و «مثل» و «شبه» ما جرى مجراها. فذهب سيبويه إلى أنها أجريت مجرى اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال فمعنى مثلك: مماثلك، ومعنى شبهك: مشبهك (¬6). وذهب أبو علي (¬7) وجماعة من أهل هذه الصناعة إلى أن سبب ذلك الإبهام الذي فيها؛ قال: وما ذهب إليه سيبويه رجع الجميع إليه في مثل قول امرئ القيس: 2913 - [وقد أغتدي والطّير في وكناتها] ... بمنجرد قيد الأوابد [هيكل] (¬8) فإن قيل: «الأوابد» لم يتعرف بالإضافة؛ لأنه في معنى: مقيد، ثم قال: - ¬

_ (¬1) ينظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 72). (¬2) الارتشاف (2/ 504)، والأشموني (2/ 245)، والهمع (2/ 47). (¬3) في شرحه على الكتاب (2/ 145) - وانظر المراجع السابقة. (¬4) الكتاب (2/ 13). (¬5) المقتضب (1/ 288) وما بعدها. (¬6) الكتاب (1/ 423). (¬7) التذييل (4/ 71). (¬8) قطعة من بيت ذكرنا بقيته، وهو لامرئ القيس من الطويل - ديوانه (19)، والخزانة (1/ 507)، والمحتسب (1/ 168)، (2/ 234)، والمغني (446).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكلاهما عندي وجه ومأخذ صحيح. (¬1) انتهى. وما ذكره من أن «قيد الأوابد» بمعنى: مقيد الأوابد؛ صحيح لكن «قيد الأوابد» ليس من باب «غيرك» و «مثلك» و «شبهك»؛ لأنه ليس فيه إبهام كما في هذه. فالمانع لتعريف «قيد الأوابد» كونه بمعنى: مقيد قطعا، وإذا كان كذلك فلم يشارك «مثلا» ولا «غيرا» في الإبهام حتى يلزم الجميع الرجوع إليه. وأما ابن عصفور فإنه قال: وأما «غيرك» و «شبهك» و «مثلك» وأخواتها ففيه خلاف؛ زعم الأخفش أن الذي أوجب لها أن لا تتعرف أن الأسماء في أول أحوالها نكرات ثم يدخلها بعد ذلك التعريف باللام أو بالإضافة أو بالعلمية (¬2)، و «غيرك» وأخواتها استعملت في أول أحوالها مضافات فكانت لذلك نكرات، والدليل على أنها استعملت في أول أحوالها مضافات أنه لا يجوز: مثل لك، ولا: غير لك، ولا: شبه لك وكذلك سائرها. فأما شبهك فمعرفة وحده؛ لأنه لم يستعمل في أول أحواله مضافا بدليل أنهم يقولون: شبيه بك. وهذا حسن جدّا. وزعم المبرد أن الذي منع من تعريفها بالإضافة إلى المعرفة أنها بمعنى اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال (¬3)؛ ألا ترى أن «غيرك» بمعنى: مغايرك، و «مثلك» بمعنى: مماثلك، و «شبهك» بمعنى: مشابهك؛ فكان حكمها حكمه في عدم التعرف بالإضافة؛ وأما «شبيهك» فتعرف عنده بالإضافة؛ لأن فعيلا للمبالغة فدخله لذلك معنى الذي عرف بـ «شبهك»؛ لأنه إذا كثر شبه شخص بآخر صار معروفا بذلك، فلما دخله معنى المضي تعرف بالإضافة، وهذا التعليل أيضا حسن جدّا (¬4). انتهى. وتحصل من كلام المصنف وابن أبي الربيع وابن عصفور أن المذاهب في كون هذه الكلمات لم تتعرف بالإضافة ثلاثة: وهي إما لزومها الإبهام، وإما جريانها مجرى اسم الفاعل، وإما استعمالها في أول أحوالها مضافات. ثم الكلمات المحكوم لها بهذا الحكم هي «غيرك»، و «مثلك»، و «شبهك»، و «خدنك»، و «تربك»، و «هدك»، و «حسبك»، و «شرعك»، و «كفيك» بكسر - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 71). (¬2) معاني القرآن له (1/ 10، 11)، والارتشاف (2/ 504)، والتذييل (4/ 71). (¬3) المقتضب (4/ 288) وما بعدها، والارتشاف (2/ 504)، والهمع (2/ 47). (¬4) شرح الجمل لابن عصفور (2/ 72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكاف وفتحها وضمها، و «كفائك» و «ناهيك من رجل»، و «عبر الهواجر»، و «قيد الأوابد»، «وواحد أمه»، و «عبد بطنه». وهذه التي ذكرها ابن عصفور في المقرب (¬1). و «خدنك وتربك» معناهما: المقارن لك في السن؛ و «ناهيك من رجل» معناه: ننهاك عن غيره لقيامه بكل ما تختاره منه، و «عبر الهواجر» من صفة الناقة التي يقطع بها، و «قيد الأوابد» من صفة الفرس وأول من قاله امرؤ القيس، ومعناه أنه لشدة جريه يصاد به الوحش كالقيد لها، وبعض هذه الكلمات في إيراده هنا [4/ 74] نظر؛ فإنه يظهر فيه أنه مؤول باسم الفاعل كـ: «قيد الأوابد»، و «عبر الهواجر»، و «ناهيك من رجل» و «واحد أمه»، و «عبد بطنه» والكلام الآن ليس في ما هو مؤول باسم الفاعل إنما هو في الكلمات الموضوعة على الإبهام. ثم إن الشيخ ذكر كلمات أخر مضمومة إلى هذه الكلمات المذكورة وهي: «ضربك» و «نحوك» و «ندك» وجارن تسكل النحار ومجربك الكف وهمك (¬2)، قال: ولم يستعمل من هذه الثلاث التي هي «همك وهدك وشرعك» افعل، ثم الثلاث المذكورة معناها معنى «حسبك» (¬3). قال: وجميعها مصادر في الأصل، ولذلك لا تثنى بتثنية الموصوف، ولا تجمع (بجمعه) (¬4). انتهى. وأما «واحد أمه» و «عبد بطنه» فقال أبو علي: وقد زعموا أن بعض العرب يجعل «واحد أمه» و «عبد بطنه» نكرتين وإن كان الأكثر أن يكونا معرفتين (¬5). ومثل المصنف للثالث - وهو الذي إضافته لفظية أي: غير محضة - فقال: وكذا يحكم بتنكير ما يضاف إلى معرفة إضافة غير محضة ولا شبيهة بمحضة، وذلك أن يكون المضاف صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى نحو: رأيت رجلا حسن الخلق محمود الخلق، أو منصوب نصبا حقيقيّا نحو: رأيت رجلا مكرم زيد ... إلى آخر ما تقدم لنا ذكره عنه. وحاصله: أنه يريد بذلك إضافة الصفة إلى معمولها وهي إضافة اسم الفاعل والمفعول بمعنى الحال والاستقبال والصفة المشبهة. وإنما قيدت إضافة الصفة بكونها - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 209). (¬2) التذييل (7/ 188). (¬3) التذييل (7/ 188). (¬4) الأصل: جمعه - التذييل (7/ 188). (¬5) التذييل (4/ 80، 81)، والهمع (2/ 47).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى معمولها تحرزا من الصفة المضافة إلى غير معمولها نحو: «ضارب الأمير» مريدا به: الذي يضرب للأمير، لا الذي يضرب الأمير، ومنه قول الشاعر: 2914 - ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر (¬1) المراد: ألقيت الذي يكسب لهم، لا الذي يكسبهم. ومن أجل هذا قيد المصنف الصفة بكون مجرورها مرفوعا بها في المعنى أو منصوبا. فأما بهذا القيد أن الصفة التي لا تتعرف بالإضافة لا بد أن تكون مضافة إلى ما هو معمول لها. واعلم أن غير المصنف يجعل الصفة العاملة المضافة اسم فاعل كانت أو اسم مفعول أو صفة مشبهة مضافة إلى منصوب؛ لأن اسم المفعول لا يضاف إلى معمول حتى يحول الإسناد فيجعل اسم المفعول مسندا إلى ضمير الاسم السابق وهو منعوت اسم المفعول وينصب ذلك المعمول على التشبيه بالمفعول به، ثم يضاف إليه، وكذا الأمر في الصفة المشبهة. وهذا لا نزاع فيه، إلا أن المصنف لما لم يصرح بذكر اسم الفاعل ولا اسم المفعول ولا الصفة المشبهة، بل ذكر الصفة وأطلق قصد أن ينظم كلامه ثلاثة الأقسام فدخل تحت قوله: (مجرورها مرفوع بها في المعنى) اسم المفعول والصفة المشبة؛ لأن مجرورهما وإن كان قبل جره بها منصوبا لفظا فهو المسند إليه في الحقيقة وما كان في الحقيقة مسندا إليه كان متصور الرفع فيصدق عليه أنه مرفوع معنى، وخلص قوله بعد ذلك: (أو منصوب) لدخول اسم الفاعل، وفي الظن أنه إنما قيد نصبا بقوله: (حقيقيّا) تحرزا من اسم المفعول والصفة المشبهة؛ فإنه يصدق على مجرورهما أنه منصوب ولكنه نصب غير حقيقي. على أنه غير محتاج للتقييد بالحقيقي؛ لأن تقدم قوله: (مرفوع بها في المعنى) يوجب أن يكون قوله بعد ذلك: (أو منصوب) مرادا به اسم الفاعل، ولكن كأنه إنما ذكر القيد المذكور تنبيها على أن النصب في البابين - أعني باب اسم المفعول وباب الصفة المشبهة - ليس بحقيقي. وإذا اعتبرت ما فعله المصنف علمت أنه سلك مسلكا حسنا وأنه موفق معان رحمه الله تعالى، والنية في هذه الإضافة الانفصال فإن الموضع موضع فعل كما قال - ¬

_ (¬1) من البسيط، وينسب للحطيئة - التذييل (4/ 72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف، ومن أجل هذا كانت غير محضة. وكما أنها لا تفيد تعريفا لا تفيد تخصيصا أيضا؛ لأن التخصيص كان حاصلا قبلها بالعمل، فهو باق لم يزل، ولكن الذي تفيده أحد أمرين: إما تخفيف اللفظ، وإما رفع القبح. والتخفيف قد يكون بحذف التنوين الظاهر من الاسم المنصرف والمقدر من غير المنصرف كـ: حواج بيت الله، وبحذف نوني التثنية والجمع. وأما رفع القبح ففي بعض صور مسائل الصفة المشبهة وهو ما كانت الصفة ومعمولها فيه معرفتين باللام نحو: مررت بالرجل الحسن الوجه، فإن في جر معمول الصفة بإضافتها إليه خلوصا من ارتكاب أمرين ضعيفين يعبر عن ضعفهما بالقبح وهما رفعه ونصبه؛ لأن رفعه يؤدي إلى خلو الصفة من ضمير يرجع إلى الموصوف ونصبه يؤدي إلى إجراء ما هو قاصر مجرى ما هو متعد، ويتحقق لك هذا امتناع الإضافة عند خلو المعمول من اللام مضافا كان أو غير مضاف نحو الحسن وجهه والحسن وجه؛ لأن الرفع في المثال الأول لا يقبح لوجود الضمير العائد، وكذا النصب في المثال الثاني؛ لأن النصب فيه يكون على التمييز ولا قبح فيه أيضا. ثم إنك تفهم من تقييد المصنف الإضافة غير المحضة بكونها صفة مجرورها مرفوع بها في المعنى أو منصوب خروج المصدر وأفعل التفضيل المضافين إلى معرفة عن كونهما غير محضين وأن إضافتهما داخلة في الإضافة المحضة. أما المصدر فلكونه غير صفة، وأما «أفعل» التفضيل فإنه وإن كان صفة فليس ما يضاف هو إليه مرفوعا به في المعنى ولا منصوبا، ولهذا قال بعد ذلك: وليس من هذا المصدر المضاف إلى مرفوعه أو منصوبه ولا «أفعل» التفضيل. وقد أشار إلى الخلاف في ذلك. فالمخالف في المصدر ابن برهان (¬1)، والمخالف في «أفعل» التفضيل الفارسي (¬2) كما أشار إلى ذلك في متن الكتاب. وقد بحث المصنف في ذلك وأبطل القول بأن إضافتهما غير محضة وذكر أن سيبويه نص على أن إضافة «أفعل» التفضيل محضة (¬3)، ولا شك أن الأكثر على ذلك (¬4). وقد تبع - ¬

_ (¬1) شرح اللمع لابن برهان (180)، والأشموني (2/ 241)، والتصريح (2/ 27)، والهمع (2/ 48). (¬2) التذييل (4/ 72)، والتصريح (2/ 27). (¬3) الكتاب (1/ 202) وما بعدها. (¬4) ينظر: شرح الجمل (2/ 71 - 72)، والهمع (2/ 48).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفارسيّ ابن عصفور والجزوليّ وابن أبي الربيع (¬1). وذكر ابن أبي الربيع وابن هشام عن الفارسي استدلالا على ذلك وهو طويل لا طائل [4/ 75] تحته فتركته خوف الإطالة. ولا شك أن في ما ذكره المصنف غنية عن غيره. وينبغي أن يعلم أن قول ابن برهان في المصدر أقرب من قول الفارسي في «أفعل» التفضيل؛ لأن المصدر مضاف إلى معموله في الجملة بخلاف «أفعل» التفضيل، ولأن المضاف إليه «أفعل» التفضيل لا يليه مع بقاء المعنى المفاد بالإضافة إلا بإضافة؛ فكان كـ «غلام زيد» كما قال المصنف. ولا شك أن المصدر إذا أضيف إلى مرفوعه أو منصوبه بخلاف ذلك. وليعلم أن إضافة اسم الفاعل واسم المفعول إلى معمولهما يجوز أن تجعل محضة؛ وذلك بأن يقطع النظر عن أن يكون المضاف إليه معمولا للمضاف فكأنهم جوزوا أن يعتقد أن هذا المضاف إليه غير مفعول. أما الصفة المشبهة فلم يجوزوا فيها ذلك أي أن يعتقد أن إضافتها يجوز أن تكون محضة. وقد علل ذلك بأن الصفة إنما تضاف إلى ما هو فاعلها في المعنى فلا يجوز أن يعتقد أنه غير فاعل كما جاز أن يعتقد في المفعول أنه غير مفعول لجواز خلو الفعل من مفعول وعدم جواز خلوه من فاعل. وأقول: إن في هذا التعليل نظرا من وجهين: أحدهما: أن معمول الصفة وإن كان فاعلا في الأصل فهو قد عاد مفعولا، ولو لم يعد مفعولا ما جازت الإضافة إليه ثم إن الفاعل قد خلفه غيره وهو المستتر في الصفة فلم يحصل في الكلام خلو منه. ثانيهما: أنه ينتقض باسم المفعول فإنه يلزم من إضافته الخلو من النائب عن الفاعل بغير ما قالوه، ولا يجوز الخلو من النائب عن الفاعل كما لا يجوز الخلو عن الفاعل، وقال ابن أبي الربيع: جميع ما ذكرته من أنه يضاف إلى المعرفة ولا يتعرف يجوز أن يقصد إلى التعريف ويتعرف إلا «الحسن الوجه» فإنه لا يتعرف بالإضافة أبدا؛ لأن الإضافة فيه إنما تكون من نصب على التشبيه بالمفعول به، وكل ما إضافته عن ذلك فلا يكون معرفة أبدا (¬2). انتهى. ¬

_ (¬1) راجع المصادر السابقة. (¬2) التذييل (4/ 72، 73).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يظهر لي ما قاله. بل قد يقال: إذا كان المضاف إلى المنصوب على المفعولية يجوز أن يعتقد فيه إضافته محضة فالمضاف إلى المنصوب على التشبيه أولى بالجواز؛ لأنكم قد أخرتموه في المضاف إلى ما هو منصوب نصبا أقوى؛ فكيف تمنعونه في ما هو منصوب نصبا أضعف؟ وبعد: فالكلام إنما هو في صحة التعليل بذلك، أما الحكم بأن الصفة المشبهة لا تتعرف بإضافتها إلى معرفة كالمجمع عليه. وقد حكى سيبويه عن يونس أن العرب قد تعرف اسم فاعل بالإضافة فتصف به المعرفة (¬1). فإنه لا أحد من العرب يعرف «حسنا» بإضافته إلى «الوجه» وأشباهه. ثم ينبغي أن يعلم أن هذا الأمر، وهو جواز جعل الإضافة محضة يقتضي كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى أنه غير مخصوص باسم الفاعل والمفعول؛ فإنه لما تعرض إليه إلى إيراد ما إضافته غير محضة، وذكر: اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، والأمثلة التي تعمل عمله، و «أفعل» التي للمفاضلة، وأردف ذلك بذكر الكلمات التي تقدم ذكرها وهي «غيرك» و «مثلك» .. إلى «واحد أمه» و «عبد بطنه» (¬2)؛ قال: وقد يجعل إضافة جميع ما ذكر محضة إلا الصفة المشبهة؛ فإنها لا تتعرف بالإضافة أبدا (¬3). قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في تعليقه لما تكلم على هذا الموضع: فلو انحصرت الجهة في الغيرية وفي المثلية وكذا في الجميع؛ لصارت الإضافة محضة وتعرف بها المضاف كقولهم: الحركة غير السكون؛ فـ «غير» هنا معرفة بالإضافة وهي إضافة محضة لما علمت جهة الغيرية .. إلى آخر كلامه. وهذا يقتضي تقرير ما ذكره ابن عصفور، وكذا يقتضي كلام ابن أبي الربيع. فإن الكلام الذي نقلناه عنه آنفا وهو قوله: جميع ما ذكرته من أنه يضاف إلى المعرفة ولا يتعرف يجوز أن يقصد فيه إلى التعريف؛ إنما ذكره في آخر الباب وذلك بعد ذكره جميع الأقسام التي لا تتعرف بالإضافة حتى الاسم المضاف إلى الصفة كـ «صلاة الأولى» (¬4). وأما الأمر الثالث وهو أن من أقسام الإضافة قسما ثالثا وهو الشبيه بالمحضة فهو شيء - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 428). (¬2) شرح الجمل (2/ 72). (¬3) السابق. (¬4) انظر: المتن السابق وانظر تسهيل الفوائد (ص 156) تحقيق د/ بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أثبته المصنف ولم يعرف ذلك لغيره من النحاة؛ لأن الإضافة عندهم إما محضة وإما غير محضة والذي جعل المصنف إضافته شبيهة بالمحضة هو عندهم من قبيل المحضة إلا شيئا واحدا وهو الاسم المضاف إلى الصفة فإنه عند الفارسي من قبيل غير المحضة كما أشار إليه في متن الكتاب حيث قال: (ولا «أفعل» التفضيل ولا الاسم المضاف إلى الصفة خلافا للفارسي). ثم إن الإضافة الشبيهة بالمحضة عنده ذكر أنها سبعة أقسام: إضافة الاسم إلى الصفة، وإضافة المسمى إلى الاسم، وإضافة الصفة إلى الموصوف، وإضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف، وإضافة المؤكّد إلى المؤكّد، وإضافة الملغى إلى المعتبر، وإضافة المعتبر إلى الملغى. أما إضافة الاسم إلى الصفة: فقد عرفت أن المصنف ذكر أن لنوعيه اعتبارين: اتصالا من وجه وانفصالا من وجه. وقرر كلّا من الاعتبارين ثم ختم كلامه في ذلك بأن قال: والحاصل أن إضافة هذا النوع منوية الانفصال؛ لأصالتها بالاطراد والإغناء عن ترك الظاهر، ومع ذلك لا يحكم بتنكير مضافها لشبهه بما لا ينوى انفصاله في كونه غير واقع موقع فعل، وكون تاليه غير مرفوع المحل ولا منصوبه. ولا شك أن هذا [4/ 76] الذي اعتدّ به المصنف حسن لا بعد فيه ولا إشكال وهو أن الثاني من المتضايفين إن لم يكن له تعلق بالأول من غير جهة الإضافة، فالإضافة محضة وإن كان له تعلق به؛ فإما أن يكون الأول يتحمل ضمير والثاني معمول له قبل الإضافة فالإضافة غير محضة، وإما أن لا يكون كذلك فالإضافة مشبهة بالمحضة. لكن حكمها في كون الأول يتعرف بالثاني إن كان معرفة حكم المحضة؛ وسبب جعلها شبيهة بالمحضة أنها روعي فيها أمران متقابلان: أحدهما: يرجعها إلى الاتصال. والآخر: يرجعها إلى الانفصال. وهذا الذي ذكر لا يختص بهذه الإضافة - أعني إضافة الاسم إلى الصفة - بل هو شامل للأقسام الستة الباقية؛ ولهذا لما ذكر المصنف إضافة الاسم إلى الصفة وأشار إلى خلاف الفارسي فيها وقال: بل هي شبيهة بمحضة لا محضة، قال: وكذا إضافة المسمى إلى الاسم وكذا وكذا إلى آخر الفصل، وصرح في الشرح بأن هذه الأقسام -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعني الستة - جارية مجرى القسم الذي ذكره في اعتبار الاتصال والانفصال. واعلم أن ابن أبي الربيع - رحمه الله تعالى - لما ذكر هذه المسألة - أعني إضافة الاسم إلى الصفة - قال: وهذا لا يجري في كل الصفات؛ ألا ترى أنك لا تقول: عندي كتاب الصحيح، تريد: الكتاب الصحيح، وإن كنت تقول: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، وهما في معنى: الصلاة الأولى، والمسجد الجامع؛ وإنما يجري في كل اسم موصوف بصفة تلك الصفة توجد لما تلازمه. ألا ترى أن الصلاة إذا كانت أولى إنما تكون أولى بساعتها، وكذلك «مسجد الجامع» إنما هو جامع في وقت مخصوص وهو عند الزوال من يوم الجمعة؛ فكذلك أيضا يصح أن يوصف بأنه جامع، وكذلك «الدار الآخرة» ساعتها أيضا آخرة، وكذلك «الجانب الشرقي» مكانه أيضا يوصف بالشرقي. ففي هذه المواضع تصح الإضافة، ووجودها في هذه المواضع، وعدم اطرادها في جميع الصفات دليل على أنه على تأويل. ووجهه أنه جعل الصفة صفة اللازم وقد تكون الإضافة على أصلها فكأنه قال: صلاة الساعة الأولى، ومسجد الوقت الجامع، وجانب المكان الشرقي، ولما لم يكن في الرجل العاقل ذلك لم تمكن الإضافة (¬1). انتهى. وهو كلام حسن، ودل قوله: إن الإضافة في مثل «صلاة الأولى» على تأويل وإن وجه التأويل أنه جعل الصفة صفة اللازم أن الأصل في صلاة الأولى ومسجد الجامع ودار الآخرة وبقلة الحمقاء وحبة الخضراء وليلة القمراء ويوم الأول وساعة الأولى وليلة الأولى وباب الحديد: صلاة الساعة الأولى ومسجد الوقت الجامع أو اليوم الجامع ودار الحياة الآخرة أو الساعة الآخرة وبقلة الحبة الحمقاء وحبة النبتة الخضراء وليلة الساعة القمراء ويوم الوقت الأول وساعة الأولى وباب البناء الجديد. وكلام المصنف ظاهر موافق لهذا، وإليه ذهب الأخفش (¬2) وابن السراج (¬3) والفارسي (¬4) وجمهور البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن الصفة ذهب فيها مذهب الجنس فجعلت الخضراء جنسا لكل أنثى موصوفة بالخضرة، وكذلك يقولون في - ¬

_ (¬1) راجع التذييل (4/ 74). (¬2) ينظر الارتشاف (2/ 506)، والتصريح (2/ 27) وما بعدها. (¬3) كالسابق. (¬4) راجع المصادر السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باقي الأمثلة المذكورة؛ فإضافة الموصوف إلى الصفة إضافة بعض الجنس إليه كما في نحو خاتم حديد وحبة وشيء، ورد مذهبهم بأن فيه إخراج هذه الصفات عما وضعت له، لأن العرب لم تجعلها أجناسا في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه. وذهب بعضهم إلى أن هذا من قبيل ما أضيف فيه المسمى إلى الاسم فيكون من باب «سعيد كرز» ولا يخفى ضعف هذا القول بل بطلانه، فإن إضافة المسمى إلى الاسم إنما ادعيت في اسمين مسماهما واحد، ولا يتصور ذلك في نحو: صلاة الأولى، لاختلاف مدلول المضاف والمضاف إليه. قال الشيخ: والذي أذهب إليه أن هذا من إضافة الموصوف إلى صفته وهو مقصور على السماع (¬1)، قال: وإضافته محضة ولذلك لا يجمع بينها وبين «ال» ولا تدخل «رب» عليه ولا ينعت بنكرة (¬2) قال: ولا يعلم أن هذا النوع جاء نكرة؛ إنما جاء معرفة (¬3). انتهى. وأما إضافة المسمى إلى الاسم: فمثاله: شهر رمضان، ويوم الخميس، وذات اليمين، وذو صباح، وقول الشاعر: 2915 - إليكم ذوي آل النّبيّ تطلّعت و «سعيد كرز» كأنه قال: جاء مسمى «كرز» وكذا قائل: صمت شهر رمضان، واعتكفت يوم الخميس، كما ذكر المصنف، وذلك واضح. وأما إضافة الصفة إلى الموصوف: فقد تقدم تمثيل المصنف له بقول الشاعر: 2916 - وإن سقيت كرام النّاس فاسقينا وقوله: إن الأصل: وإن سقيت الناس الكرام، ثم قدم الصفة وجعلها نوعا مضافا إلى الجنس وإن من هذا القبيل «سحق عمامة» و «جرد قطيفة» و «شمل سربال» والأصل: عمامة سحق، وقطيفة جرد، وسربال شمل، ثم فعل بها ما فعل بـ «كرام الناس». وأقول: إن قوله: إن قائل: كرام الناس جعل الكرام نوعا مضافا إلى الجنس يدفع قوله: إن الأصل: الناس الكرام فقدم الصفة؛ لأنا إنما كنا نحكم بأن الصفة قدمت - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 200). (¬2) التذييل (7/ 200، 201). (¬3) التذييل (7/ 201).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأضيفت إلى الموصوف أن لو كان معنى الكلام مع التقديم والإضافة [4/ 77] كمعناه مع التأخير والتبعية. وليس الأمر كذلك فإن قول القائل: 2917 - وإن سقيت كرام النّاس فاسقينا أبلغ في التمدح من أن يقال: وإن سقيت الناس الكرام فاسقينا. وأما تقرير إضافة النوع إلى جنسه في نحو: سحق عمامة، وجرد قطيفة فبأن يقدر موصوف وتجري الصفة عليه على أنها نوع مضاف إلى جنسه؛ الأصل: سحق عمامة، وشيء جرد قطيفة أي: سحق من جنس العمامة، وجرد من جنس القطيفة. وأما إضافة الموصوف إلى القائم مقام الوصف: فقد مثل له المصنف كما عرفت بقول الشاعر: 2918 - علا زيدنا يوم اللّقا رأس زيدكم وقال: التقدير: علا زيد صاحبنا رأس زيد صاحبكم؛ فحذف الصفتين المضافتين إلى ضميري المتكلم والمخاطب وجعل الموصوف خلفا عن الصفة في الإضافة ثم قال: وكذا قولهم في زيد الذي سماه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زيد الخير: زيد الخيل؛ لأنه كان صاحب خيل كريمة يعني فالتقدير: زيد صاحب الخيل. وأما إضافة المؤكّد إلى المؤكّد: فقد عرفت أن المصنف قال: وأكثر ما يكون ذلك في أسماء الزمان المبهمة كـ «حينئذ ويومئذ» قال: وقد يكون في غير أسماء الزمان كقول الشاعر: 2919 - فقلت انجوا عنها نجا الجلد ... إنه ... البيت أراد: اكشطا عنها الجلد؛ لأن النجا هو الجلد فأضاف المؤكّد إلى المؤكّد كما أضيف الموصوف إلى الوصف في «مسجد الجامع» وشبهه. ثم ذكر عن الفارسي أنه قال في قولهم: لقيته يوم يوم، وليلة ليلة؛ أضيف فيه الشيء إلى مثله لفظا ومعنى. ولا شك أن ما ذكره المصنف من إضافة الاسم إلى الصفة إلى آخر الفصل مقصور على السماع، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى قول الشيخ: وهذا الذي ذكره - يعني المصنف - من إضافة المؤكّد إلى المؤكّد في غاية الندور فيقتصر فيه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على مورد السماع (¬1). وقال الخضراوي: والفراء يجيز إضافة الشيء إلى نفسه توكيدا وذلك إذا اختلف اللفظان (¬2) يعني أن ذلك مطرد عنده وعلى ذلك حمل «يوم الخميس» وشَهْرُ رَمَضانَ (¬3) ووَعْدَ الصِّدْقِ (¬4) وحَقُّ الْيَقِينِ (¬5). قال الخضراوي: وهذا لا يجوز؛ لأن الشيء لا يخصص نفسه. فأما «يوم الخميس» و «يوم» مبهم لا يعرف منه أنه الخميس، وكذلك سائر أيام الأسبوع، وكذلك شَهْرُ رَمَضانَ؛ لأنك تقول: شهر صفر وشهر المحرم؛ لأن الشهر في الإبهام كاليوم فإضافته تفيد تعريفا وكذلك وَعْدَ الصِّدْقِ فإن الوعد قد يكون كذبا فكما يوصف بالصدق ليتخصص من الذي هو كذب كذلك يضاف لهذا المعنى، وكذلك حَقُّ الْيَقِينِ فإنه قد يوصف الشيء بأنه حق على وهم الواصف وليس بيقين، وقد يكون الشيء حقّا في نفسه ولا يتيقن كالأشياء المعضلة الفهم في كل صناعة. وقد قالوا في الفقهيات: المصيب واحد، أي: الحق في جانب واحد يصيبه بعض الناس وليس كل مجتهد مصيبا، ومنه: ضربتهم ثلاثتهم إلى عشرتهم. قال أبو علي: ولم يقولوا واحدة واثناهما؛ لأن الضمير يفهم منه الواحد هنا والاثنينية (¬6)، وليس كذلك هم؛ لأنه يقع لصفوف من الجمع، فكأنه أضاف لضمير كثرة وكذلك «الكرى» من الأسماء المشتركة يقع على طائر ولذلك قال الشاعر: 2920 - إذا خاط عينيه كرى النّوم لم يزل ... به كالئ من قلب شيحان فاتك (¬7) قال: ورأيت لابن السيد (¬8) أن «النوم» هنا جمع «نائم» كـ «ركب وسفر» فرارا من إضافة الشيء إلى نفسه وليس فعل في فاعل بقياس، ولعله سمعه وإنما حمله - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 207). (¬2) الأشموني (2/ 250)، والتصريح (2/ 33) وما بعدها، والهمع (2/ 48، 49). (¬3) سورة البقرة: 185. (¬4) سورة الأحقاف: 16. (¬5) سورة الواقعة: 95. التذييل (4/ 75، 77، 78) عن الإفصاح. (¬6) التذييل (4/ 75، 80)، والهمع (2/ 47). (¬7) من الطويل، وانظره في الارتشاف (2/ 506)، والعقد الفريد (1/ 37)، والعيني (229)، هذا: والبيت لتأبط شرّا. (¬8) أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد، ولد في بطليوس له في النحو: المسائل والأجوبة، وإصلاح الخلل الواقع في الجمل (ت 521 هـ). الأعلام (4/ 268)، وقد سبقت ترجمة مفصلة له.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس على ما ذكرت. قال وكذلك النجا قد يكون مشتركا فأضيف إلى الجلد كما أضيف الكرى إلى النوم، وهذا كما يقول: عين السحاب، وعين المطر، وعين الذهب، ومنه: حَبْلِ الْوَرِيدِ (¬1)؛ لأن الحبل من الأسماء المشتركة، وكذلك: وَحَبَّ الْحَصِيدِ (¬2)؛ لأن الحب من الأسماء المشتركة فيكون لما لا يوصف بالحصاد. قال: ومنه: يا نساء المؤمنات؛ أضافهن للمؤمنات على جهة التفضيل والتخصيص كما يقال: يا رجل بني تميم، وقالوا: نفس زيد وعينه، والمضاف هو المضاف إليه في مقصود المتكلم إلا أن «النفس» و «العين» و «الذات» لا يفهم منها «زيد» ولا «عمرو»؛ فيضاف إليهما على جهة التخصيص. قال أبو العباس: عين الشيء ونفسه بمنزلة حقيقته؛ تقول: لزيد نفس، ولزيد حقيقة، ولا تقول: للأسد ليث (¬3) انتهى كلام الخضراوي. وأما إضافة الملغى إلى المعتبر: فقد تقدم تمثيل المصنف بقوله: 2921 - ثمّ اسم السّلام عليكما وبكلمات أخر تضمنتها الأبيات التي أنشدها وبقول العرب: حي زيد، إلى آخر ما ذكره. ولما أنهى الخضراوي كلامه الذي ذكرناه عنه آنفا قال: وقد جاء عنهم ما هو أشد من هذا فقالوا: حي زيد، فـ «حي» يقع على كل ذي روح، فهو كحيوان زيد أي: الحي الذي هو زيد قال: وقد قيل: حي هنا زائد، وقيل: هو بمعنى الشخص، وهو عند أبي علي وابن جني من إضافة المسمى لاسمه (¬4). انتهى. وجعل المصنف ذلك من باب إضافة الملغى إلى المعتبر يدل على أنه يجعله زائدا؛ لأن الزائد لا اعتبار له من حيث المعنى، وإذا كان كذلك صدق عليه أنه ملغى، أما جعل الفارسي كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ (¬5) ومَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ (¬6) [4/ 78] من قبيل ما ألغي فيه المضاف؛ فغير مسلم؛ لأن المثل يستعمل مرادا به الصفة والحال إذا كان لكل منهما شأن، وفيه غرابة وذلك على سبيل الإستعارة كما قرر ذلك أصحاب البيان. ¬

_ (¬1) سورة ق: 16. (¬2) سورة ق: 9. (¬3) التذييل (4/ 75 - 78). (¬4) التذييل (4/ 77). (¬5) سورة الأنعام: 122. (¬6) سورة محمد: 15.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما إضافة المعتبر إلى الملغى - يعني إلى ما لا يعتبر ولا يعتد به إلا كالاعتداد بالحرف الزائد للتوكيد كما ذكر في شرحه لذلك -: فقد أنشد عليه أبياتا منها: 2922 - حملتها حبّا لو أمسى مثله ... ... البيت وقول الآخر: 2923 - فلو بلغت عوّاء السّماء قبيلة وجعل من ذلك: مررت برجل حسن وجهه، وحسن وجه، و: اضرب أيهم أساء؛ لأن أيّا الموصولة معرفة بصلتها كغيرها من الموصولات. فلو اعتد بما تضاف هي إليه لزم اجتماع معرفين على معرف واحد وهو ممنوع؛ فالمفضى إليه ممنوع، ولك أن تمنع كون إضافة الصفة المشبهة إلى معمولها وإضافة أي من قبيل ما ذكره. أما «حسن وجهه» فإنما حصلت الإضافة فيه بعد إسناد الصفة إلى ضمير الموصوف وتصيير ما كانت الصفة مسندة إليه أولا معمولا لها. ولا شك أن الحسن للوجه حقيقة لكنه جعل لصاحب الوجه مجازا؛ لأن من صح إسناد الحسن إلى وجهه صح إسناد الحسن إليه نفسه بطريق المجاز، وإذا كان الحسن مسندا إلى ضمير الموصوف به خرج الوجه عن وصفه به، فالموصوف بالحسن حينئذ صاحب الوجه لا الوجه، وإن كان الحسن في المعنى إنما هو للوجه، وإذا كان كذلك فلم يكن في قولنا: مررت برجل حسن وجهه - إضافة شيء إلى نفسه حتى يحتاج أن نخرجه عن ذلك بقولنا: إن المضاف إليه ملغى غير معتبر وكذلك الكلام في: حسن وجهه. وأما «اضرب أيهم أساء» فقد يقال فيه: إن تعريف «أي» إنما هو بالإضافة، وإنما قلنا تعريف غيرها من الموصولات بالصلة؛ لأن الموصولات غيرها لا تضاف. أما «أي» فيدعى أن تعريفها بالإضافة لا بالصلة ولا تضر مخالفتها لبقية الموصولات في ذلك. ويقوي ما ذكرته: أن الموجب لإعراب «أي» إنما هو لزوم إضافتها فالمعارض لشبه الحرف إنما هو الإضافة التي هي من خواص الاسم، فلو لم تكن الإضافة معتبرة ومعتدّا بها؛ ما صح كونها معارضة لهذا السبب القوي الذي هو شبه الحرف، ولا تكون معتبرة ومعتدّا بها إلا إذا كان المضاف إليه معتبرا ومعتدّا به. واعلم أنه قد اندرج الكلام على الأمر الرابع - أعني رابع الأمور التي تضمن كلام المصنف الإشارة إليها - وهو أن المضاف قد يكون ملغى فيكون المقصود المضاف إليه، -

[تقدم معمول المضاف إليه على المضاف وما يكتسبه الاسم بالإضافة]

[تقدم معمول المضاف إليه على المضاف وما يكتسبه الاسم بالإضافة] قال ابن مالك: (فصل لا يتقدّم على مضاف معمول مضاف إليه إلّا على «غير» مرادا به نفي خلافا للكسائيّ في جواز: «أنت أخانا أوّل ضارب» ويؤنّث المضاف لتأنيث المضاف إليه إن صحّ الاستغناء به وكان المضاف بعضه أو كبعضه، وقد يرد مثل ذلك في التّذكير ويضاف الشّيء بأدنى ملابسة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يكون بالعكس فيكون الملغى هو المضاف إليه والمضاف هو المقصود في الكلام على الأمر الثالث الذي فرغنا منه لاشتماله على الأمر الرابع وانتظام أقسامه فيه. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): المضاف إليه كصلة للمضاف فلا يتقدم على المضاف معمول المضاف إليه، كما لا يتقدم على الموصول معمول الصلة فلا يقال في: أنت أول قاصد خيرا: أنت خيرا أول قاصد، ولا في: أنا مثل مكرم عمرا: أنا عمرا مثل مكرم؛ فإن كان المضاف «غيرا» مرادا بها النفي جاز أن يتقدم عليها معمول ما أضيفت إليه كما يتقدم معمول النفي بـ «لم» و «أن» و «لا». ومن شواهد ذلك قول الشاعر: 2924 - فتى هو حقّا غير ملغ تولّه ... ولا تتّخذ يوما سواه خليلا (¬2) ومثله: 2925 - إنّ امرأ خصّني عمدا مودّته ... على التّنائي لعندي غير مكفور (¬3) والأصل: غير ملغ حقّا، وغير مكفور عندي، وجاز التقديم؛ لأن النفي مراد، كأن الأول قد قال: هو حقّا لا يلغى، وكأن الثاني قال: على التنائي لا يكفر عندي، فلو لم يرد بغير النفي لم يجز تقديم معمول ما أضيفت إليه كقولك: أكرم القوم غير شاتم زيدا، فلو قيل: أكرم زيدا غير شاتم، لم يجز؛ لأن النفي غير مراد، وحكى ثعلب (¬4) أن الكسائي أجاز أن يقال: أنت أخانا أول ضارب؛ بمعنى: أنت - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 236). (¬2) من الطويل وانظره في التذييل (7/ 210). (¬3) من البسيط لأبي زبيد الطائي. ديوانه (78)، والأشموني (2/ 280)، والكتاب (1/ 281)، والهمع (1/ 139)، (2/ 49) ويروى «يوما» بدل «عمدا». (¬4) الأشموني (2/ 246)، والتصريح (2/ 28)، والهمع (2/ 49).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أول ضارب أخانا، وغير الكسائي (¬1) يمنع ذلك وهو الصحيح، ويكتسب المذكر المضاف إلى مؤنث تأنيثا؛ بشرط صحة الاستغناء بالمضاف إليه وكون الأول بعضا أو كبعض وكذلك يكتسب المؤنث المضاف إليه مذكر تذكيرا بالشرط المذكور فمن الأول قول الشاعر: 2926 - إذا بعض السّنين تعرّقتنا ... كفى الأيتام فقد أبي اليتيم (¬2) ومثله: 2927 - مشين كما اهتزّت رماح تسفّهت ... أعاليها مرّ الرياح النّواسم (¬3) ومثله: 2928 - لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشّع (¬4) ومثله: 2929 - أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة ... سيدعوه داعي ميتة فيجيب (¬5) ومثله: 2930 - مويهة داعي المنيّة بالوري ... فمنهم مقدّم ومنهم مؤخّر (¬6) ومثله: 2931 - قد صرّح السّير عن كتمان وابتذلت ... وقع المحاجن بالمهريّة الذّقن (¬7) - ¬

_ (¬1) المصادر السابقة. (¬2) من الوافر لجرير. ديوانه (412)، والكتاب (1/ 26، 32)، والمقتضب (4/ 198)، ويس (2/ 32). (¬3) من الطويل لذي الرمة. الخصائص (2/ 417)، والكتاب (1/ 25، 33، 73)، والمقتضب (4/ 197). (¬4) من الكامل وهو لجرير. ديوانه (270)، والخزانة (2/ 226)، والخصائص (2/ 418)، والكامل (2/ 486)، والكتاب (1/ 125)، واللسان: سورة ومجاز القرآن (1/ 197)، والمقتضب (4/ 197). (¬5) من الطويل، وانظره في التذييل (7/ 213) والتصريح (2/ 184). هذا و «عرو» في الأصل: عروة - تحريف. (¬6) من الطويل - التذييل (7/ 213). (¬7) من البسيط لتميم بن مقبل. وكتمان: اسم موضع، والمهرية: إبل منسوبة إلى إحدى قبائل اليمن، والذقن: التي تميل ذقنها إلى الأرض، والمحاجن - وفي الأصل: المحاجر، وهو تحريف -: العصى المعوجة. وانظر ديوانه (303)، والخصائص (2/ 418) واللسان: «حجن»، و «ذقن»، و «كتم»، والمحتسب (1/ 237)، ومعاني الفراء (1/ 187).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن قراءة أبي العالية (¬1): [4/ 79] لا تنفع نفسا إيمانها (¬2)، ومن الثاني قول الله تعالى: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (¬3)، ويمكن أن يكون منه: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (¬4)، ومنه قول الشاعر: 2932 - إساءة من يبغي على النّاس موقع ... بحوبائه الهلكاء من حيث لا يدري (¬5) ومنه: 2933 - نعجة الحسن فاتن فاغضض الطّر ... فـ ليلقى صيد الظباء الأسودا (¬6) ومثله: 2934 - إنارة العقل مكسوف بطوع هوى ... وعقل عاصي الهوى يزداد تنويرا (¬7) ومثله: 2935 - رؤية الفكر ما يؤول له الأم ... ر معين على اجتناب التّواني (¬8) فـ «أنت» في النوع الأول المضاف وهو مذكر لتأنيث المضاف إليه، وذكر في النوع الثاني المضاف وهو مؤنث لتذكير المضاف إليه؛ لصحة الاستغناء فيهما عن المضاف بالمضاف إليه مع كون المضاف بعض المضاف إليه أو كبعضه، واحترزت بهذا من المضافات الصالحة للحذف وليست بعض المضاف إليه معمولا ولا كبعضه كـ: يوم الخميس، وذي صباح، فلو لم يصح الاستغناء بالمضاف إليه لم يؤنث مذكر ولم يذكر مؤنث نحو حسن غلام هند، وكرمت أم زيد، ويضاف الشيء إلى الشيء بأدنى ملابسة بينهما كقول صاحب الخشبة لحامليها خذا طرفيكما، وكقول الشاعر: 2936 - إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة ... سهيل أضاعت غزلها في القرائب (¬9) - ¬

_ (¬1) رفيع بن مهران الرياحي تابعي قرأ عليه الأعشى وأبو عمرو (ت: 90 هـ). غاية النهاية (1/ 617)، والطبقات (1/ 284). (¬2) سورة الأنعام: 158، والبحر المحيط (4/ 259). (¬3) سورة الشعراء: 4. (¬4) سورة الأعراف: 56، وراجع الأشباه والنظائر (3/ 136 - 153)، ومعاني الأخفش (1/ 200). (¬5) من الطويل. سر الصناعة (436). (¬6) وانظره في التذييل (7/ 214). (¬7) من البسيط لأحد المولدين. التصريح (2/ 32)، والخزانة (2/ 169)، والعيني (3/ 396)، والمغني (ص 512). (¬8) ينظر في التذييل (7/ 214)، والهمع (2/ 49). (¬9) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 2937 - إذا قال قدني قال بالله حلفة ... لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا (¬1) انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬2). وأقول: أما التعليل الذي ذكره لكون معمول المضاف إليه لا يتقدم على المضاف؛ فقد ذكر الجماعة تعليلا أحسن منه وهو أن المتضايفين شديدا الاتصال لحلول الثاني من الأول محل ما به تمامه من تنوين أو نون إن كانا فيه، ومعمول المضاف إليه من تمامه فلا يتقدم على المضاف كما لا يتقدم المضاف إليه على المضاف وأما أن معمول المضاف إليه «غير» فإنه يجوز تقديمه على «غير» الذي هو المضاف إذا كان المراد بـ «غير» النفي. فقال الشيخ: قد سبقه إلى ذلك الزمخشري، وحكاه أصحابنا عن بعضهم وردوه وصححوا أن ذلك لا يجوز (¬3)، ثم إنه خرج ما استدل به المصنف فقال: إن «حقّا» يكون معمولا لعامل مضمر كأنه قال: فتى لا يلغي (¬4) حقّا. ولا يخفى إذا قدرنا ذلك ما يؤول إليه الكلام من الركة والسماجة. وأما «لعندي غير مكفور» فقال فيه: سهل ذلك كون المعمول ظرفا والظروف يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها مع أنه محتمل للتأويل كتأويل «هو حقّا غير ملغ» (¬5). ولا شك أن الذي ذكره المصنف لا يبعد عن الصواب؛ فكم من كلام يجوز فيه ما كان ممتنعا لكونه في معنى كلام يجوز فيه ذلك، ومنه ما قيل في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (¬6): إن الباء الزائدة جعلت في خبر «إن» لما كان معنى الكلام: أليس الله بقادر. ولذلك نظائر كثيرة. ثم قال الشيخ: وأجاز بعض النحويين أن يتقدم معمول ما أضيف إليه «حق» مستدلّا بقول الشاعر: 2938 - فإلّا أكن كلّ الشّجاع فإنّني ... بضرب الكلى والهام حقّ عليهم (¬7) - ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) انظر: شرح التسهيل للمصنف (3/ 239). (¬3) المفصل بشرح ابن يعيش (8/ 65). (¬4) التذييل (7/ 211). (¬5) التذييل (7/ 211). (¬6) سورة الأحقاف: 33. (¬7) من الطويل وانظره في التذييل (7/ 212).

[ما لازم الإضافة لفظا ومعنى وأحكامه]

[ما لازم الإضافة لفظا ومعنى وأحكامه] قال ابن مالك: (فصل: لازمت الإضافة لفظا ومعنى أسماء منها: ما مرّ في الظّروف والمصادر والقسم. ومنها: «حمادى» و «قصارى» و «وحد» لازم النّصب والإفراد والتّذكير وإيلاء ضمير، وقد يجرّ بـ «على» وبإضافة «نسيج» و «جحيش» و «عيير»، وربّما ثنّي مضافا إلى ضمير مثنّى. ومنها «كلا» و «كلتا» ولا يضافان إلّا إلى معرفة مثنّاة لفظا ومعنى أو معنى دون لفظ، وقد تفرّق بالعطف اضطرارا. ومنها: «ذو» وفروعه ولا يضفن إلّا إلى اسم جنس ظاهر وكذا «أولو» و «أولات» وقد يضاف «ذو» إلى علم وجوبا إن قرنا وضعا وإلّا فجوازا، وكلاهما مسموع. والغالب في ذي الجواز الإلغاء، وربّما أضيف جمعه إلى ضمير غائب أو مخاطب). ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: حق عليهم بضرب الكلى والهام (¬1). قال: والصحيح المنع لندور هذا البيت وإمكان تأويله (¬2). انتهى. واعلم أنهم ذكروا من إضافة الشيء بأدنى ملابسة قوله تعالى: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (¬3)؛ لما كانت العشية والضحى طرفي النهار صح إضافة إحداهما إلى الأخرى. قال ناظر الجيش: الأسماء بالنسبة إلى جواز الإضافة وامتناعها ووجوبها ثلاثة أقسام: قسم لا يلزمه الإضافة بل يجوز أن يضاف وأن لا يضاف، وأكثر الأسماء من هذا القسم. وقسم يمتنع فيه الإضافة وذلك كالأسماء المضمرات وأسماء الإشارة وكالموصولات وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام إلا «أيّا» فإنها من القسم الملازم للإضافة موصولة كانت أو شرطية أو استفهامية. وقسم تجب إضافته. ثم هذا الواجب الإضافة قسمان: قسم يجب إضافته إلى الجملة وقسم يجب إضافته إلى المفرد وكل منهما ضربان: ضرب لا يفارق الإضافة فهو يلازمها لفظا. وضرب يفارقها فيقطع عنها لفظا وهي مرادة معنى. ولا شك أن قسم ما يجوز فيه - ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) السابق. (¬3) سورة النازعات: 46.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمران لا يحتاج إلى ذكره، وكذا قسم ما تمتنع فيه الإضافة؛ لأن امتناع ذلك يعلم من قواعد الفن ومن الكلام على الأسماء المذكورة في تفاصيل الأبواب، وإنما يحتاج إلى ذكر ما يجب إضافته. وقد قلنا: إن منه ما تجب إضافته إلى الجملة ومنه ما تجب إضافته إلى المفرد. أما ما يجب إضافته إلى الجملة فهو ثلاث كلمات وهي «إذ» و «إذا» و «حيث» وهذه قد تقدم ذكر المصنف لها في باب المفعول فيه، وذكر هناك أيضا [4/ 80] ما يقطع منها عن الإضافة وما لا يقطع (¬1)؛ فاستغنى عن إيراد ذلك في هذا الباب، وقد نبه على ذكر ذلك متقدما وذكر غيره بقوله هنا: (منها ما مر في الظروف) وأما ما يجب إضافته إلى المفرد فقد تقدم له ذكر ما ذكر منه في الأبواب الثلاثة التي أشار إليها في باب الاستثناء أيضا. وها هو قد ضمن هذا الفصل ما بقي منه وبدأ فيه بذكر الضرب الأول وهو الذي لا يفارق الإضافة وإليه أشار بقوله: (لازمت الإضافة لفظا ومعنى أسماء) ثم ثنى بذكر الضرب الثاني وهو الذي يفارقها فتقطع عنها لفظا وهي مرادة معنى، وإليه أشار بقوله: (ولازمتها معنى لا لفظا أسماء). وينبغي أن يعلم أن المصنف لم يتضمن كلامه حصر الأسماء التي يجب إضافتها ولهذا قال: منها كذا ومنها كذا، ولم يقل: وهي كذا وكذا. والظاهر أنه قصد التعرض إلى ذكر الكلمات التي يتعلق بها أحكام أخر غير لزوم الإضافة ليفيد أحكامها. وإذ قد تقرر هذا فلنذكر كلام المصنف. قال رحمه الله تعالى (¬2): قد يقتضي الاستعمال لزوم الإضافة لفظا ما يفهم معناه بمجرد لفظه كـ «حمادي» الشيء، فإنه بمعنى: غايته، فلو استعمل استعمال غاية لصلح لذلك من جهة المعنى لكن الاستعمال منع من ذلك، والأكثر لزوم له لإضافة ما لا يفهم معناه إلا بها، فإذا كان معنى الاسم لا يفهم بمجرد لفظه استحق متمما بصلة أو بصفة لازمة أو إضافة: فالمتمم بصلة نحو هذا الذي عندي والمتمم بصفة لازمة نحو قوله: 2939 - لما نافع يسعى اللّبيب فلا تكن ... بشيء بعيد نفعه الدّهر ساعيا (¬3) والمتمم بإضافة كـ «عند» و «لدى» و «إذا». ثم المتمم بالإضافة منه ما - ¬

_ (¬1) مثال ما يقطع «قط» و «أمس» ومثال ما لا يقطع «حيث» و «لدن». (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 239). (¬3) من الطويل. الأشموني (1/ 154)، والمغني (297).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استعمل ملازما لها لفظا ومعنى كـ «كلا» ومنه ما استعمل غير ملازم لها في اللفظ كـ «كل». فمن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى ما ذكر في الظروف كـ «عند» و «لدى» وفي المصادر كـ «سبحان» وبله المعرب وفي الاستثناء كـ «سوى» و «بيد» وفي القسم كـ «عمرك الله» و «قعدك الله»، ومنها حمادى الشيء وقصاراه بمعنى: غايته، وقد يقال: قصاره وقصره، ومنه قول الشاعر: 2940 - قصر الجديد إلى بلى ... والعيش في الدّنيا انقطاعه (¬1) ومن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى «وحد» ولا يضاف إلا إلى ضمير، ولا يكون إلا منصوبا على الحال وهو في الأصل مصدر؛ فلذلك لم يؤنث ولم يثن ولم يجمع فيقال: جئت وحدك، وجئت وحدك، وجئتما وحدكما، وجئتم وحدكم، وجئتن وحدكن، وجئتنا وحدنا. قال الشاعر: 2941 - أعاذل هل يأتي القبائل حظّها ... من الموت أم أحلي لنا الموت وحدنا (¬2) وقد يجر بـ «على» وبإضافة «نسيج» في المدح، وفي الذم بإضافة «جحيش» و «عيير» فيقال: هو نسيج وحده (¬3)؛ إذا قصد قلة نظيره في الخير، وهو جحيش وحده وعيير وحده؛ إذا قصد قلة نظيره في الشر وحكى ابن سيده (¬4) أنه يقال: جلس على وحده، وجلسا على وحديهما وعلى وحدهما، وقلنا ذلك وحدينا. ومن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى «كلا» و «كلتا» وقد ذكرا في باب الإعراب وسيذكران إن شاء الله تعالى في باب التوكيد. ولا يضافان إلا إلى معرفة مثناة لفظا ومعنى نحو: مررت بكلا الرجلين أو معنى دون لفظ كقول الشاعر: 2942 - إنّ للخير وللشّرّ مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل (¬5) - ¬

_ (¬1) من الكامل. الدرر (2/ 60)، والهمع (2/ 50). (¬2) من الطويل. الدرر (2/ 60)، والهمع (2/ 50). (¬3) من أمثال العرب في مدحهم واحدا من الناس. الفاخر (40، 41). (¬4) علي بن إسماعيل المعروف بابن سيده إمام في اللغة والأدب له المخصص والمحكم والمحيط الأعظم (ت: 458 هـ). الأعلام (5/ 69). (¬5) من الرمل لابن الزبعرى. التصريح (2/ 43)، وشرح المفصل (3/ 2)، والمغني (203)، والهمع (2/ 50).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأضاف «كلا» إلى «ذلك» وهو مفرد في اللفظ؛ لأن المراد به اثنان وهو شبيه بقوله تعالى: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ (¬1) ولا يضافان إلى نكرة؛ فلا يقال: مررت بكلا رجلين، ولا: بكلتا امرأتين، ولا يضافان أيضا إلى مفترقين؛ فلا يقال: مررت بكلا زيد وعمرو، وربما جاء مثل ذلك في الشعر كقول الفرزدق: 2943 - كلا السّيف والسّاق الّذي ضربت به ... على دهش ألقاه باثنين صاحبه (¬2) ومثله: 2944 - كلا الضّيفن المشنوء والضيف نائل ... لديّ المنى والأمن في اليسر والعسر (¬3) ومثله: 2945 - كلا أخي وخليلي واجدي عضدا ... وساعدا عند إلمام الملمّات (¬4) ومن الملازمة للإضافة لفظا ومعنى «ذو»، ومؤنثه ومثناهما وجمعهما ومرادفا جمعهما ولا يضفن إلا إلى اسم جنس ظاهر نحو: هذا رجل ذو فضل، وهذه امرأة ذات حسب، وهذان ذوا فضل، وهاتان ذواتا حسب، وهم ذوو فضل، وهن ذوات حسب، وأولو فضل، وأولات حسب، وقولي: (وقد يضاف «ذو» إلى علم وجوبا إن قرنا وضعا) نبهت به على نحو «ذي يزن» و «ذي زعين» و «ذي الكلاع» و «ذي سلم» من الأعلام التي أولها «ذو» ثم قلت: (وإلا فجوازا) فنبهت به على نحو قولهم في «تبوك وقطرى»: «ذو تبوك» و «ذو قطري» و «ذو عمرو» ومنه قول جرير: 2946 - تمنّى شبيب منية سفلت به ... وذو قطريّ لفّه منك وابل (¬5) وكلا النوعين مقصور على السماع. والأكثر في النوع الثاني أن يكون «ذو» فيه مثل «الذي» في قولهم: لقيته ذا صباح، أعني كونه غير معتد به إلا بجعله من إضافة المسمى إلى الاسم. وأما أن يكون مضافا إلى علم ويعتد به كالاعتداد في نحو: هو ذو - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 68. (¬2) من الطويل، ورواية الديوان: كلا السيف والعظم الذي ضربا به ... إذا التقيا في الساق أوهاه صاحبه ديوانه (1/ 77)، والمقرب (1/ 211). (¬3) من الطويل التذييل (4/ 81). (¬4) من البسيط ويروى شطره الأخير: «في النائبات وإلمام الملمات». الأشموني (2/ 260)، والتصريح (2/ 43)، والكافية الشافية (2/ 931)، والمغني (203). (¬5) من الطويل - ديوانه (356)، والتذييل (7/ 203، 222) وفي الأصل: «مسه كفه» وهو تحريف واضطراب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مال؛ فقليل، ومنه: «أنا ذو بكة» وجد مكتوبا في حجر من أحجار الكعبة قبل الإسلام، وقد يضاف «ذو» إلى ضمير غائب ومخاطب. فمن إضافته إلى ضمير الغائب قول عمر رضي الله تعالى عنه: اللهم صلّ على محمد وذويه، ومنه قول الشاعر: 2947 - صبحنا الخزرجيّة مرهفات ... أباد ذوي أرومتها ذووها (¬1) ومنه ما أنشده الأصمعي من قول الآخر: 2948 - إنّما يصطنع المع ... روف في النّاس ذووه (¬2) ومن إضافته إلى ضمير المخاطب قول الأحوص (¬3): 2949 - وإنّا لنرجو منك عاجلا مثل ما ... رجوناه قدما من ذويك الأفاضل (¬4) انتهى ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى (¬5). وقد تضمن أن من الكلمات [4/ 81] التي تلازم الإضافة لفظا ومعنى ما ذكره في باب المستثنى وهذا زيادة على ما تضمنه متن الكتاب من المذكور في ثلاثة الأبواب وهي باب الظروف، وباب المصادر، وباب القسم، ثم ما ذكره في هذا الباب أيضا. والمذكور منها في هذا الفصل سبع عشرة كلمة؛ فالذي لازم منها الإضافة لفظا ومعنى ثلاث عشرة وهي: «حمادى وقصارى ووحد وكلا وكلتا وذو» وفروعه من مؤنث ومثنى وجمع تذكيرا وتأنيثا واسم جمع. وكان يتعين أن يضيف اليمين «كلّا» إذا استعملت توكيدا ونعتا. - ¬

_ (¬1) من الوافر لكعب بن زهير. ديوانه (212)، والكافية الشافية (2/ 927)، واللسان: «ذو»، والمقرب (1/ 211). (¬2) من بحر الرمل .. الدرر (2/ 61)، وشرح المفصل (1/ 53)، (3/ 38)، واللسان: «ذو». هذا، وهناك بيت يشبهه وهو: إنّما يعرف ذا الفض ... لـ من النّاس ذووه المصادر السابقة. (¬3) عبد الله بن محمد الأنصاري من بني ضبيعة كان معاصرا لجرير والفرزدق، وهو من سكان المدينة (ت: 105 هـ). الأعلام (4/ 257) والشعر والشعراء (1/ 518). والأحوص؛ لضيق في مؤخر عينيه. (¬4) من الطويل. ديوانه (179)، والبحر المحيط (1/ 281)، والدرر (2/ 61)، واللسان: «ذو»، والهمع (2/ 50). (¬5) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 242).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم هذه الكلمات التي هي لازمة الإضافة لفظا ومعنى: منها ما يضاف إلى الظاهر والمضمر: وهو «حمادى وقصارى وعند ولدى وسوى وكلا وكلتا». ومنها ما يختص بالظاهر: وهو «ذو» وفروعه. ومنها ما يختص بالمضمر. فقد يكون ضمير المخاطب خاصة نحو: «لبيك وسعديك وحنانيك ودواليك»، وقد يكون كل ضمير نحو: «وحدك ووحده ووحدي» والذي لازم منها الإضافة معنى لا لفظا أربع كلمات، وهي «قبل» و «بعد» و «آل» بمعنى: أهل، و «كل» إذا لم يكن توكيدا ولا نعتا. نعم قد ذكر أن كلمتي قبل وبعد قد يقطعان عن الإضافة لفظا ومعنى كما ستعرف. ثم قد بقى التنبيه على أمور: منها: أن الشيخ تكلم هنا على «وحد» من قولك: جاء زيد وحده، هل هو منصوب على الظرف كما هو مذهب يونس (¬1)؟ أو على اسم موضوع المصدر الموضوع موضع الحال؛ فوجد موضع اتحاد، واتحاد موضع موحد وموحد هو الحال كما هو مذهب سيبويه (¬2)؟ أو على أنه مصدر على توهم حذف الزيادة؛ فمعنى «وحد»: اتحاد كما هو مذهب بعض النحويين (¬3)؟ أو على أنه مصدر لم يلفظ له بالفعل كالأبوة والخؤولة كما هو مذهب بعض آخرين منهم (¬4)؟ وأقول: إن الكلام على هذه الكلمة قد تقدم في باب الحال؛ فلا حاجة إلى إعادته، ثم قال: والصحيح أنه مصدر لفعل ملفوظ به. حكى الأصمعي: وحد الرجل يحد إذا انفرد فيكون وحده ووحده مصدرين لـ «وحد» كما تقول: وعد وعدا وعده (¬5). ومنها: أن الشيخ ناقش المصنف في قوله: (إن «وحد» لازم النصب)؛ لأنه نقض ذلك بقوله بعد: وقد يجر بـ «على» أو بإضافة. والجواب: أن لزوم النصب إنما هو في اللغة الكثرى أو في أكثر الكلام وفي لغة أو في قليل من الكلام قد يجر، وأيضا فإن الجر لم يثبت له على الإطلاق؛ إنما حصل له الجر - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 377). (¬2) المصدر السابق. (¬3) ينظر في هذه الآراء: التذييل (7/ 216، 217)، والتصريح: حاشية يس (2/ 36). (¬4) التذييل (7/ 216، 217)، ويس (2/ 36). (¬5) التذييل (7/ 217).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بحرف واحد وبإضافة ثلاثة ألفاظ مخصوصة فكأنه قال: هو لازم النصب إلّا في هاتين الحالتين. ولذا ناقش المصنف في قوله مشيرا إلى «ذو» وفروعه: (ولا يضفن إلا إلى اسم جنس) فقال: قد نقض هذا الحصر المصنف بقوله بعد: (وقد يضاف إلى علم) (¬1). والجواب عن ذلك هو كالجواب عن مسألة «وحد». ومنها: أن الشيخ ذكر لفظا آخر يضاف إلى «وحد» وهو «فريع» يقال: هو فريع وحده (¬2)، وهو للمدح كما أن «نسيج وحده» لذلك و «عيير» تصغير «عير» وهو ولد الحمار، يذم بذلك الرجل الذي ينفرد بما يؤدي إليه رأيه ولا يخالط أحدا في رأي ولا يدخل معه في معونة. ومعنى «نسيج وحده» أنه منفرد بالفضل، وأصله أن الثوب إذا كان رفيعا لا ينسج على منواله معه غيره. وفي شرح الشيخ: ويجوز التثنية والجمع والتأنيث في هذه الألفاظ فيقال: هما نسيجا وحدهما، وهم نسجاء وحدهم، وهي نسيجة وحدها، وهما نسيجتا وحدهما، وهن نسائج وحدهن، كذا قاله الخليل (¬3). ويجري «فريع» و «عيير» و «جحيش» على هذا القياس. وحكى بعضهم أن «نسيجا» يترك موحدا في التثنية والجمع ومذكرا في التأنيث؛ فيقال: هما نسيج وحدهما، وهم نسيج وحدهم ... إلى آخر الكلمات. والقياس فيه ما ذكره الخليل (¬4). ومنها: أن المصنف لما ذكر أن «كلا وكلتا» قد يضافان إلى ما هو مثنى معنى دون لفظ كقول الشاعر: 2950 - وكلا ذلك وجه وقبل قال الشيخ: أهمل المصنف مسألة ذكرها ابن الأنباري (¬5)، وهي أن «كلا» يضاف إلى مفرد بشرط أن يتكرر؛ وذلك قولك: كلاني وكلاك محسنان، أي: كلانا. وكذا: كلا زيد وكلاك محسنان، وكلاي وكلا عمرو منصفان (¬6). قال: وأوردها ابن الأنباري على أنها من كلام العرب وجعلها مثل «أي» من قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 221). (¬2) من هنا حتى قوله: فالمفرد في (ص 3207) سقط من الأصل وهو من (أ) وشرح التسهيل لابن مالك. (¬3) الكتاب (1/ 377، 378). (¬4) التذييل (7/ 218، 219). (¬5) أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري صنف في علوم القرآن وغريب الحديث واللغة والنحو كالأضداد والكافي والموضح. (ت: 327 هـ). (¬6) التصريح (2/ 43)، والمغني (223).

[ما لازم الإضافة معنى فقط وأحكامه]

[ما لازم الإضافة معنى فقط وأحكامه] قال ابن مالك: (ولازمتها معنى لا لفظا أسماء كـ «قبل» و «بعد» وك «آل» بمعنى أهل ولا يضاف غالبا إلّا إلى علم من يعقل وك «كلّ» غير واقع توكيدا أو نعتا، وهو عند التّجرّد منويّ الإضافة فلا يدخل عليه «ال» وشذّ تنكيره وانتصابه حالا، ويتعيّن اعتبار المعنى فيما له من ضمير وغيره إن أضيف إلى نكرة، وإن أضيف إلى معرفة فوجهان. وإفراد ما لـ «كلا» و «كلتا» أجود من تثنيته، ويتعيّن في نحو: كلانا كفيل صاحبه). ـــــــــــــــــــــــــــــ 2951 - فأيّي ما وأيّك كان شرّا ... فقيد إلى المقامة لا يراها (¬1) ومثل قولهم: المال بين زيد وبين عمرو، كما قال أعشى همدان: 2952 - بين الأشجّ وبين قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود (¬2) ثم المنقول عن الكوفيين أنهم أجازوا إضافة «كلا وكلتا» إلى نكرة، ولا معول على مذهبهم في ذلك (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): «قبل» و «بعد» اسمان متقابلان يلزمهما الظرفية ما لم ينجرّا بـ «من» وتلزمهما الإضافة معنى ولفظا في أكثر الاستعمال ويقطعان عن الإضافة لفظا وينوى معناهما إذا علم المضاف إليه ولم يقصد إيهام كقوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (¬5) أي: لله الأمر من قبل الحوادث ومن بعدها، وقد يقطعان عن الإضافة لفظا ومعنى فينكران؛ وذلك لقصد الإيهام أو لعدم دليل على المضاف إليه. ويستوجبان البناء على الضم إذا قطعا لفظا لا معنى؛ وذلك أن لهما مناسبة للحرف معنوية ولفظية. أما المعنوية فمن قبل أنهما لا يفهم تمام ما يراد بهما إلا بما يصحبهما، وأما اللفظية فمن قبل جمودهما وكونهما لا يثنيان ولا يجمعان ولا ينعتان ولا يخبر عنهما ولا ينسب إليهما ولا يضاف. ومقتضى هاتين المناسبتين أن يبنيا على الإطلاق لكنهما أشبها الأسماء - ¬

_ (¬1) من الوافر وانظره في التذييل (4/ 81)، والمقرب (1/ 212). (¬2) من الكامل. وانظره في التذييل (4/ 81)، والشاهد «بين الأشج وبين قيس». (¬3) التذييل (4/ 81). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 242). (¬5) سورة الروم: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتمكنة بقبول التصغير والتعريف والتنكير؛ فاستحقا إعرابا في حال وبناء في حال. والأحوال ثلاث: حال التصريح بترك الإضافة عند قصد التنكير، وحال ترك الإضافة لفظا وإرادتها معنى فكان البناء مع هذه الحال أليق؛ لأنهما على خلاف الأصل، وبناء الاسم على خلاف الأصل فجمع بينهما التناسب، وتعين الإعراب مع الحالتين الأخريين؛ لأنهما على وفق الأصل وإعراب الاسم على وفق الأصل وكان بناؤهما على حركة؛ لأن لهما أصلا في التمكن ولولاه لم يفارقهما البناء وكانت الحركة ضمة؛ لئلا يلتبس الإعراب بالبناء، وذلك أنهما إذا كانا معربين فلا تدخلهما ضمة وإنما تدخلهما فتحة أو كسرة كنحو: جئت قبلك ومن قبلك، ومن الملازمة للإضافة معنى لا لفظا «آل» بمعنى أهل (¬1) وأصله فأبدلت هاؤه همزة وأبدلت الهمزة ألفا بدلا لازما؛ لسكونها بعد همزة مفتوحة في كلمة واحدة ويدل على أن أصلها «أهل» قول العرب في تصغيره: أهيل وقالوا أيضا: أويل ح فاعتبروا فيه اللفظ متناسين الأصل ويقل استعماله غير مضاف لفظا ومضافا إلى ضمير ومضافا إلى اسم جنس ومضافا إلى علم ما لا يعقل فمن ترك اضافته لفظا قول الشاعر: 2953 - نحن آل الله في بلدتنا ... لم نزل آلا على عهد إرم (¬2) ومن استعماله مضافا إلى ضمير قول الشاعر: 2954 - أنا الفارس الحامي حقيقة والدي ... وآلي فما تحمي حقيقة آلكا (¬3) ومن استعماله مضافا إلى اسم جنس قول عبد المطلب (¬4): 2955 - لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم عدوا محالك وانصر على آل الصّليـ ... ـب وعابديه اليوم آلك (¬5) ومن إضافته إلى علم ما لا يعقل قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) لكن «آل» تستعمل غالبا في الأشرف. ومنه مثلا سورة آل عمران. وراجع اللسان «أهل». (¬2) من الرمل. الدرر (2/ 62)، والكافية الشافية (2/ 955)، والهمع (2/ 50)، والشاهد قوله: «ألا»؛ حيث جاء غير مضاف لفظا. (¬3) من الطويل لخفاف بن ندبة. الاقتضاب (8)، والبحر المحيط (1/ 188)، والكافية الشافية (2/ 954). (¬4) عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف زعيم قريش في الجاهلية (ت: 45 ق هـ). الأعلام (4/ 299). (¬5) من م الكامل. الأشموني (1/ 13)، والحيوان (7/ 198)، والدرر (2/ 62)، والهمع (2/ 50).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2956 - من الجرد من آل الوجيه ولا حق ... تذكّرنا أوتارنا حين تصهل (¬1) ومن الملازمة للإضافة معنى لا لفظا «كل» غير الواقع توكيدا ولا نعتا. فإن رفع توكيدا أو نعتا كان مثل «كل» في ملازمة الإضافة لفظا ومعنى فالتوكيد كقولك: مررت بهم كلهم، والنعت نحو: زيد الرجل كل الرجل، أي: الكامل الرجولية؛ فلا يجوز إفراد «كل» في هذين الموضعين. وقد أجاز الفراء (¬2) والزمخشري (¬3) الإفراد في التوكيد وحمل على ذلك قراءة بعض القراء إنا كلا فيها إن الله قد حكم بين العباد (¬4)، ولا خلاف في منع إفراد المنعوت به. والصحيح عندي منع إفراد المؤكد به؛ لأن ألفاظ التوكيد على ضربين: مضاف ومفرد؛ فالمفرد (¬5) كـ: أجمع وجمعاء لا يجوز أن يضاف بإجماع والمضاف غير «كل» كالنفس والعين و «كلا» لا يجوز إفراده بإجماع فإجازة إفراد «كل» تستلزم مخالفة النظائر في الضربين فوجب اجتنابها. وأما النصب في إنا كلا فيها فيخرج على أن (كلا) حال والعامل فيه (فيهآ) كما عمل «فيهم» في قول النابغة: 2957 - رهط ابن كوز محقبي أدراعهم ... (فيهم ورهط ربيعة بن حذار) (¬6) في «محقبي» وقد بسطت القول على هذه المسألة في باب الحال. وأما «كل» غير الواقع توكيدا ولا نعتا فإنه ملازم الإضافة معنى لا لفظا لكنه لا يجرد عن الإضافة لفظا إلا وهو مضاف معنى؛ فلذلك لا تدخل عليه «ال» وقد أدخلها عليه أبو القاسم الزجاجي في جمله ثم اعتذر عن ذلك (¬7). وشذ تنكيره وانتصابه حالا فيما حكاه أبو الحسن الأخفش (¬8)؛ فعلى هذا لا يمتنع أن تدخل عليه «ال» - ¬

_ (¬1) وانظره في التذييل (7/ 225). (¬2) التصريح (2/ 122، 123)، والكشاف (4/ 133). (¬3) المصدرين السابقين. (¬4) سورة غافر: 48. وانظر البحر المحيط (7/ 469)، والكشاف (4/ 133). (¬5) هنا انتهى سقط في المخطوط أشرنا إليه (ص 3204). (¬6) من الكامل، ليس في ديوانه. التذييل (7/ 298). (¬7) قال في الجمل (10): وتبدل البعض من الكل .. و .. إنما يبدل البعض من الكل مجازا، وعلى استعمال الجماعة له مسامحة وهو في الحقيقة غير جائز وأجود من هذه العبارة: ويبدل الشيء من الشيء وهو بعضه. (¬8) الارتشاف (2/ 516).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن أضيف إلى نكرة تعين اعتبار المعنى في ما له من ضمير وإخبار وغير ذلك فتقول: كل رجلين أتياك فأكرمهما، وكل رجال أتوك فأكرمهم، وكل امرأة أتتك فأكرمها، ومنه قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (¬1). وإذا أضيف إلى معرفة لفظا أو نية جاز اعتبار المعنى واعتبار اللفظ؛ فمن اعتبار المعنى قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (¬2)، ومن اعتبار اللفظ قوله تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (¬3) وإفراد ما لـ «كلا» و «كلتا» أجود من تثنيته ولذلك جاء القرآن العزيز بالإفراد قال الله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها (¬4). فقال آتَتْ ولم يقل: آتتا، وقد اجتمع الوجهان في قول الشاعر: 2958 - كلاهما حين جدّ الجري بينهما ... قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي (¬5) ويتعين إفراد الخبر في نحو: كلانا كفيل صاحبه؛ لإضافته إلى «صاحبه» إذ لو ثني الخبر فقيل: كلانا كفيلا صاحبه؛ لزم الجمع بين تثنية وإفراد في خبر واحد وفي الإفراد السلامة من ذلك فكان متعينا، ولأن إضافة «كفيل» إلى «صاحب» وهو مضاف إلى ضمير «كلا» بمنزلة تثنيته، فلو ثني لكان ذلك بمنزلة تثنيته مرتين فلم يجز ذلك. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬6). ويتعلق به أبحاث: أولها: قوله في «قبل» و «بعد» أنهما يلزمهما الظرفية ما لم ينجرّا بـ «من» ظاهر، ولكن الجماعة كأنهم لا يحكمون لهما بذلك. ولهذا قال الشيخ: إنهما صفتان للظرف وليسا بظرفين، وأن الأصل في نحو: جاء زيد قبل عمرو: جاء زيد زمنا قبل زمن مجيء عمرو، وكذا «بعد» التقدير فيها: زمنا بعد زمن مجيء عمرو (¬7). ولا يخفى بعد هذا التقدير، ثم إن الموصوف الذي قدروه لم ينطق به أصلا والذي يظهر أنهما أنفسهما ظرفان، فـ «قبل» في قولنا: جاء زيد قبل عمرو؛ اسم زمن - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 185، وسورة الأنبياء: 35، وسورة العنكبوت: 57. (¬2) سورة النمل: 87. (¬3) سورة مريم: 95. (¬4) سورة الكهف: 33. (¬5) من البسيط وانظره في التذييل (7/ 228). (¬6) شرح التسهيل (3/ 246). (¬7) التذييل (7/ 223).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سابق، أي: متقدم على زمن مجيء عمرو. ثانيها: أن هذا الفصل إنما هو [4/ 82] معقود لذكر أسماء لازمت الإضافة، وأن منها ما لا يقطع عنها فهو ملازم لها لفظا، ومنها ما يقطع عنها لفظا فهو ملازم لها معنى. أما كون ما يقطع منها يعرب بعد القطع أو مبني فليس الفصل معقودا له؛ لأن المصنف أورد الكلام في ذلك مستوفى في الفصل الذي يلي هذا الفصل لكنه مع هذا تعرض هنا إلى الكلام على حكم هاتين الكلمتين - أعني قبلا وبعدا - بالنسبة إلى الإعراب والبناء حال قطعهما عن الإضافة. ثم إن الشيخ لم يقتصر على ذكر هاتين الكلمتين كما فعل المصنف بل ذكر الكلمات المشاركة لهما في هذا الحكم (¬1) ورأيت تأخير ذلك إلى أن يحصل الكلام في الفصل الآتي؛ فإنه أمسّ بذلك. ثالثها: أن المصنف قد قال مشيرا إلى «آل»: (ولا يضاف غالبا إلا إلى علم من يعقل) فقال الشيخ: لو قال: إلا إلى علم من يعلم كان أجود؛ لأنهم أضافوه إلى الله تعالى. رابعها: قد عرفت قول المصنف في متن الكتاب مشيرا إلى «كل»: (وهو عند التجرد منوي الإضافة، فلا يدخل عليه «ال» وشذ تنكيره وانتصابه حالا). وقد استشكلت كلامه هذا من حيث إنه غير محتاج إليه؛ لأن الكلام الآن إنما هو في الكلمات اللازمة للإضافة في المعنى دون اللفظ وإذا كان الكلام في ما هو كذلك؛ فأي فائدة في قوله: (وهو عند التجرد منوي الإضافة)؟ لا يقال: إنما ذكر ذلك؛ لأنه قد قال في «قبل» و «بعد» إنهما قد يقطعان عن الإضافة لفظا ومعنى، فينكران؛ فخشي أن يتوهم أن كلمة «كل» كذلك؛ لأنا نقول: الأصل أن جميع الكلمات التي ذكرها وإن قطعت عن الإضافة لفظا أن إضافتها معنى مرادة لقوله: (ولازمتها معنى لا لفظا أسماء)؛ فمن أين يعلم أنهما ينكران؟ ولو لم ينبه في الشرح على أن هاتين الكلمتين يفعل بهما - ¬

_ (¬1) التذييل (223) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ما علمناه، وإذا كان كذلك فهو مستغن عن قوله في «كل»: إنه (عند التجرد منوي الإضافة)، وقد يقال: إنما ذكر المصنف ذلك؛ لأن من الناس من يزعم أن «كلّا» نكرة إذا قطعت عما تضاف إليه. قال الشيخ: اختلف النحويون في «كل» و «بعض» هل هما معرفتان أو نكرتان؟ فذهب سيبويه (¬1) والجمهور إلى أنهما معرفتان تعرفا بنية الإضافة؛ لأنهما لا يكونان أبدا إلا مضافين .. وقالوا: مررت بكل قائما وببعض جالسا. وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان، وألزم من قال بتعريفهما بنية الإضافة القول بأن نصفا وثلثا وسدسا معارف؛ لأنها في المعنى مضافات (¬2)، وبإجماع منا أن هذه نكرات؛ فكذلك «كل» و «بعض» فلا تكون الإضافة من طريق المعنى توجب التعريف، ورد بأن العرب تحذف المضاف إليه وتريده نحو قوله: 2959 - أقبّ من تحت عريض من عل (¬3) وقد لا تريده كقوله: 2960 - [مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا] ... كجلمود صخر حطّه السّيل من عل (¬4) ووجدناهم يجيئون بآحاد منها في كثير من الكلام فدل على أن العرب لحظت المضاف إليه فيما ذكر واستدل أيضا على تنكير «كل» بقولهم: مررت بهم كلّا؛ فنصبوها حالا، وأجيب بأنه شاذ (¬5). انتهى. ولقائل أن يقول: قد يكون المضاف إليه «كل» و «بعض» نكرة ويقطعان عن الإضافة إلى تلك النكرة وينوى إضافتهما إليها ولا يمكن الحكم بتعريفهما بنية الإضافة؛ لأن الإضافة هذه لو صرح بها ما تعرف المضاف فكيف وهي منوية؟! وإذا كان كذلك فكان ينبغي التقييد فيقال: إنهما معرفتان بنية الإضافة إذ كان - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 273) بولاق، (2/ 114، 115). (¬2) التذييل (4/ 83)، والتصريح (2/ 35). (¬3) رجز لأبي النجم العجلي يصف فرسا. الأشموني (2/ 268)، والخصائص (2/ 363)، والعيني (3/ 448)، والكتاب (2/ 46). (¬4) عجز بيت من الطويل لامرئ القيس ذكرنا صدره. التصريح (2/ 45)، والدرر (1/ 117)، والكتاب (2/ 309)، والمحتسب (2/ 342)، والهمع (1/ 210). (¬5) التذييل (7/ 225، 226).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاف إليه المحذوف معرفة. أما أن يقال: إنهما معرفتان على الإطلاق فغير ظاهر إلا أن يدعى أن المضاف إليه «كل» و «بعض» لا يحذف إلا إذا كان معرفة، وأما إذا كان نكرة، فلا يجوز حذفه وذلك بعيد؛ إذ لا يمتنع أن يقال في كل أحد يموت: كل يموت، ولا في كل إنسان يبعث ويحاسب: كل يبعث ويحاسب. خامسها: أن المصنف قد قال في «كل»: (وإن أضيفت إلى معرفة فوجهان) أي: يجوز أن يعتبر في الضمير والإخبار وغيرهما بالمعنى كما في قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (¬1) وأن يعتبر اللفظ كما في قوله تعالى: وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (¬2) فقال الشيخ: سوى بين ما أضيف إلى معرفة لفظا وبين ما أضيف إليها نية لا لفظا (¬3). قال: والذي دل عليه الاستقراء أنهما ليسا سواء، بل إذا كان مضافا إلى معرفة نية فالحكم ما ذكر يعني من جواز اعتبار المعنى واعتبار اللفظ؛ فمن مراعاة المعنى قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (¬4)، وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (¬5)، ومن مراعاة اللفظ قوله تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ (¬6)، قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ (¬7)، وقال الشاعر: 2961 - فكيف وكلّ ليس يعد وحمامه ... وما لامرئ عمّا قضى الله مرحل (¬8) وإن كان مضافا إلى معرفة لفظا فالسماع مراعاة اللفظ وهو الإفراد قال الله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً 93 لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا 94 وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (¬9)، وقال الشاعر: 2962 - وكلّهم حاشاك إلّا وجدته (¬10) ولا يكاد يوجد في لسان العرب: كلهم يقومون، ولا: كلهن قائمات، وإن كان موجودا ذلك في تمثيل كثير من النحاة (¬11). - ¬

_ (¬1) سورة النمل: 87. (¬2) سورة مريم: 95. (¬3) التذييل (7/ 228). (¬4) سورة يس: 40. (¬5) سورة الأنفال: 54. (¬6) سورة العنكبوت: 40. (¬7) سورة الإسراء: 84. (¬8) من الطويل. التذييل (7/ 227). (¬9) سورة مريم: 93 - 95. (¬10) بعده في التذييل (7/ 227): كعين الكذوب. ولم يوجد في غيره. (¬11) التذييل (7/ 227).

[من أحكام ما لازم الإضافة]

[من أحكام ما لازم الإضافة] قال ابن مالك: (ما أفرد لفظا من اللّازم الإضافة معنى، إن نوي تنكيره أو لفظ المضاف إليه أو عوّض منه تنوين أو عطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف لم يغيّر الحكم، وكذا لو عكس هذا الآخر، وإن لم ينو التّنكير ولا لفظ المضاف إليه، ولم يثبت التّنوين ولا العطف بني على الضّم إن لم يشابه ما لا تلزمه الإضافة معنى). ـــــــــــــــــــــــــــــ سادسها: ذكر الشيخ في شرحه تعليلا حسنا لتعين الإفراد في قولنا: كلانا كفيل صاحبه؛ فقال: إنما لم يجز التثنية؛ لأنه لزم من ذلك ألا يكون أحدهما كفيلا للآخر، بل كلاهما معا يكونان كفيلي صاحبهما، والمقصود الإخبار عن أن كل واحد منهما كفيل للآخر (¬1). قال: وضابطه أنه متى كان كل واحد منهما محكوما عليه بحكم الآخر بالنسبة إليه لا إلى ثالث تعين الإفراد كما قال الشاعر: 2963 - كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا (¬2) وكذلك يتعين الإفراد أيضا في قولك: كلاهما محب للآخر [4/ 83] وكلتاهما مكرمة للأخرى (¬3). انتهى. وهذا التعليل أحسن من التعليل الذي ذكره المصنف بكثير؛ لأنه يرجع إلى أمر معنوي والذي ذكره المصنف يرجع إلى أمر لفظي. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): اللازم الإضافة معنى يعم ما اجتمع فيه جمود اللفظ والافتقار إلى غيره في بيان معناه كـ «قبل وبعد وغير وحسب وأول وأمام وخلف» وأخواتهما، وما وجد فيه الافتقار دون الجمود كأسماء العدد، وك «أهل وصاحب وجزء وجملة وجهة وجانب ومثل»، ونحوها مما يصغر ويثنى ويجمع ويشتق منه، فهذه أشبهت بقبولها لهذه الأحوال الأسماء التامة الدلالة فساوتها في - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 228). (¬2) من الطويل لعبد الله بن جعفر، وقيل: لغيره. الأشموني (2/ 260)، والتصريح (2/ 43)، واللسان: «غنا» والمغني (204). (¬3) التذييل (7/ 228). (¬4) شرح التسهيل (3/ 246).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعراب مضافة وغير مضافة بخلاف القسم الأول، فإنه أشبه الحرف لفظا؛ لعدم قبوله للأحوال المذكورة، ومعنى؛ لافتقارها إلى غيرها في بيان معناها. فكان مقتضى هذا أن تبنى أبدا، إلا أنها أشبهت الأسماء التامة الدلالة بأن أضيفت إضافة صريحة وإضافة في حكم الصريحة وبأن جردت تجريدا صريحا قصدا للتنكير فوافقتها في الإعراب فإذا قطعت عن الإضافة ونوي معنى الثاني دون لفظه أشبهت حروف الجواب في الاستغناء بها عن لفظ ما بعدها؛ فانضم ذلك إلى الشبهين المذكورين فبنيت. والمراد بكون الإضافة صريحة أن تكون في اللفظ والمعنى نحو: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ * (¬1)، والمراد بكونها في حكم الصريحة أن يحذف المضاف (إليه) (¬2) ويبقى المضاف بحاله التي كان عليها قبل الحذف كقول الراجز: 2964 - قبل وبعد كلّ قول يغتنم ... حمدا لإله البرّ وهّاب النّعم (¬3) أراد: قبل كل قول؛ فحذف المضاف إليه وترك المضاف على حاله قبل الحذف - أعني النصب وترك التنوين - والمراد بالتجريد الصريح أن يقطع عن الإضافة لفظا ومعنى كقول الشاعر: 2965 - فساغ لي الشّراب وكنت قبلا ... أكاد أغصّ بالماء الحميم (¬4) وإياه عنيت بقولي: (إن نوي تنكيره). ولو كان في موضع جر لكسر كقراءة بعضهم: (لله الأمر من قبل ومن بعد) (¬5) أي: أولا وآخرا. وجعل بعض العلماء «قبلا» معرفة. والتنوين عوضا عن المضاف إليه فبقي الإعراب مع العوض كما كان مع المعوض عنه، ثم قلت: (أو لفظ المضاف إليه) فأشرت بذلك إلى أنه إذا حذف المضاف إليه لظهور معناه ونوي لفظه لقوة الدلالة عليه ترك المضاف بإعرابه وهيئته - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 109، وسورة النحل: 43. (¬2) من هامش المخطوط. (¬3) رجز. وانظره في التذييل (7/ 231). (¬4) من الوافر ليزيد بن الصعق، أو لابن يعرب، ويروي: «الفرات» بدل «الحميم». الأشموني (2/ 269، 270)، والتصريح (2/ 50)، والخزانة (1/ 204)، (3/ 135)، وشرح المفصل (4/ 88)، والهمع (1/ 210). (¬5) وهي قراءة أبي السمال والجحدري وعون العقيلي. البحر المحيط (7/ 162) والكشاف (3/ 368).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي يستحقها مع بقاء المضاف إليه كقول الشاعر: 2966 - أمام وخلف المرء من لطف ربّه ... كوالئ تزوي عنه ما هو يحذر (¬1) فأبقى «أمام» منصوبا غير منون كما لو نطق بما هو مضاف إليه من لفظ «المرء» المحذوف وبقاء المضاف مع المحذوف على هيئته أكثر ما يكون إذا عطف على المضاف عامل في ما يماثل المحذوف لفظا ومعنى، وقد يكون بخلاف ذلك كقول سويد بن كراع: 2967 - أكالئها حتّى أعرّس بعد ما ... يكون سحيرا أو بعيد فأهجعا (¬2) أراد: أو بعيده، ومثله: 2968 - ومن قبل نادى كلّ مولى قرابة ... فما عطفت مولى عليه العواطف (¬3) كذا رواه الثقات بكسر اللام، ومن ذلك قراءة ابن محيصن (¬4): فلا خوف عليهم (¬5) بالنصب دون تنوين على تقدير فلا خوف شيء ومثله قول بعض العرب: سلام عليكم بلا تنوين (¬6) يريد: سلام الله، وحكى أبو عليّ: ابدأ بذا من أوّل (¬7)، بالفتح على منع الصرف، وبالضم على نية الإضافة دون قصد إلى لفظ المضاف إليه، وبالجر على قصد المضاف إليه، وحكى الكسائي أن بعض العرب قال: أفوق تنام أم أسفل (¬8)، بالنصب على تقدير: أفوق هذا تنام أسفل منه، ومثله - ¬

_ (¬1) من الطويل. الهمع (1/ 210) و «كوالئ» منه وفي الأصل: «توالي». (¬2) من الطويل. الارتشاف (779)، وشرح المفصل (4/ 87). (¬3) من الطويل. الأشموني (2/ 269، 274)، والتصريح (2/ 50)، والدرر (1/ 177)، والعيني (3/ 443)، والهمع (1/ 210). (¬4) الأصل بتقديم الصاد على الياء. هذا وابن محيصن: محمد بن عبد الرحمن مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، قرأ على ابن مجاهد وله اختيار في القراءة (ت: 123 هـ). طبقات القراء (2/ 167)، وغاية النهاية (2/ 167)، ومراتب النحويين (25). (¬5) سورة البقرة: 38، وسورة المائدة: 69، وسورة الأنعام: 48، وسورة الأعراف: 35، وسورة الأحقاف: 13. وانظر: الإتحاف (134، 202)، والهمع (2/ 52). (¬6) التذييل (4/ 85). (¬7) ينظر: الأشموني (2/ 268 - 270)، والتصريح (2/ 57)، والهمع (1/ 210). (¬8) مصادر الهامشين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أجود الوجهين قول الشاعر: 2969 - أقول لمّا جاءني فخره ... سبحان من علقمة الفاخر (¬1) أراد: سبحان الله؛ فحذف المضاف إليه، وأبقى المضاف على الهيئة التي يستحقها قبل الحذف. ومثل قول الآخر: 2970 - سبحان من فعلك يا قطام ... بالرّكب تحت غسق الظّلام (¬2) والاستعمال المذكور في الأسماء الناقصة الدلالة قليل وهو في الأسماء التامة الدلالة كثير، فمن شواهده في النثر قول بعض العرب: قطع الله الغداة يد ورجل من قالها (¬3)، ومن شواهده في النظم قول الأعشى: 2971 - إلّا علالة أو بدا ... هة سابح نهد الجزاره (¬4) ومنها قول الآخر: 2972 - سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها ... فنيطت عرى الآمال بالزّرع والضرع (¬5) ومنها قول الآخر: 2973 - بنو وبناتنا كرام فمن نوى ... مصاهرة فلينأ إن لم يكن كفوا (¬6) ومنها قول الآخر: 2974 - يا من رأى عارضا أكفكفه ... بين ذراعي وجبهة الأسد (¬7) ومنها قول الآخر: 2975 - نعيم وبؤس العيش للمرء منهما ... نصيب ولا بسط يدوم ولا قبض (¬8) - ¬

_ (¬1) من الرمل للأعشى. ديوانه (106)، الكتاب (1/ 163)، ومجالس ثعلب (261)، والمقتضب (3/ 218)، والهمع (1/ 190)، (2/ 52). (¬2) وانظره في التذييل (7/ 232). (¬3) الأشموني (2/ 274) وما بعدها. (¬4) من الكامل. ديوانه (114)، والخصائص (2/ 407)، والعيني (3/ 453)، والكتاب (1/ 91، 295)، والمقتضب (4/ 228). (¬5) من الطويل. الأشموني (2/ 274)، والعيني (3/ 483) والزرع في الأصل: «الروع» - تحريف. (¬6) من الطويل. التذييل (7/ 233). (¬7) من المنسرح ينسب للفرزدق ولم أجده في ديوانه. الخصائص (407)، والكتاب (1/ 92)، والمقتضب (4/ 229)، ويروى: «أسرّ به» موضع «أكفكفه». (¬8) من الطويل. التذييل (7/ 233).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولقلته في الناقص الدلالة جعلته فرعا وجعلت الآخر أصلا، وكل هذه الأمثلة قد عطف فيها على المضاف مضاف إلى مثل المحذوف؛ فتقدير الأول: قطع الله يد من قالها ورجل من قالها، وتقدير الثاني: إلا بداهة سابح أو علالة سابح، وتقدير الثالث: سهلها وحزنها، وتقدير الرابع: بنونا وبناتنا، وتقدير الخامس: بين ذراعي الأسد وجبهة الأسد. وتقدير السادس: نعيم العيش وبؤس العيش. وأحق هذه الأمثلة بالاطراد الثالث والرابع؛ لأن المحذوف فيهما مدلول عليه بما قبله وبما بعده [4/ 84] وعبر عن المحذوف بعامل لا بمضاف ليدخل فيه ما المعطوف فيه غير مضاف نحو: «إنّ أحدكم ليفتن في قبره مثل أو قريبا من فتنة الدّجّال» (¬1) أراد: مثل فتنة الدجال أو قريبا من فتنة الدجال، ومثله قول الراجز: 2976 - بمثل أو أنفع من وبل الدّيم ... علّقت آمالي فعمّت النّعم (¬2) أراد: بمثل وبل الديم أو أنفع من وبل الديم. ونبهت بقولي: (وكذا لو عكس هذا الآخر) على أنه قد يحذف المضاف إليه بعد العاطف متروكا ما قبله على ما كان عليه قبل الحذف كما فعل به قبل العطف في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها، لكن هذا فيه استدلال بالآخر على ما حذف من الأول وفي عكسه استدلال بالأول على حذف من الآخر. ومن شواهده قول أبي برزة الأسلمي (¬3) رضي الله تعالى عنه: غزوت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبع غزوات أو ثماني، هكذا ضبطه الحفاظ في صحيح البخاري (¬4) بفتح الياء دون تنوين والأصل: أو ثماني غزوات؛ فحذف المضاف إليه وترك المضاف على هيئته التي كان عليها قبل الحذف ومثله قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) عن عائشة رضي الله عنها. البخاري: الوضوء (37)، والأذان (49)، والكسوف (10)، والفتن (26)، ومسلم: المساجد (33، 127) والنسائي: الجنائز (115) وراجع شواهد التوضيح (102). (¬2) رجز. التصريح (2/ 57)، والعيني (3/ 451). (¬3) فضلة بن عبيد بن الحارث الأسلمى صحابي غلبت عليه كنيته هذه له ست وأربعون حديثا (ت: 65 هـ). الاستيعاب (3/ 513)، والإصابة (8/ 87)، والأعلام (8/ 358). (¬4) البخاري: كتاب العمل في الصلاة (21)، وباب إذا انفلتت الدابة في الصلاة وشواهد التوضيح (47).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 2977 - خمس ذود أو ستّ عوّضت ... منها مائة غير أبكر وأفال (¬1) ويختص الناقص الدلالة بتعويض التنوين التنوين مما كان مضافا إليه فيبقى مع العوض على الحال الذي كان عليه مع المعوض منه من إعراب أو بناء، فالباقي على الإعراب كـ «كل» و «أي» في قوله تعالى: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (¬2) وأَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬3)، والباقي على البناء نحو: يومئذ، وحينئذ، والأصل: يوم إذ كان أو يكون، وحين إذ كان أو يكون؛ فحذفت الجملة للعلم بها وعوض منها التنوين فبقي بناء «إذ» مع العوض كما كان مع الجملة، والتقى الساكنان: الذال والتنوين، فكسرت الذال لالتقاء الساكنين. وزعم الأخفش أن كسرة الذال كسرة إعراب نظرا إلى أن البناء كان من أجل الإضافة إلى الجملة فلما حذفت عاد الإعراب إلى إذ، لأنه الأصل (¬4). ويبطل ما ذهب إليه ثلاثة أوجه: أحدها: أن من العرب من يفتح الذال فيقول: يومئذا ولو كانت الكسرة إعرابية لم تغن عنها الفتحة. الثاني: أن المضاف إلى «إذ» قد يفتح في موضع الجر والرفع ففتحه في موضع الجر كقراءة نافع: ومن خزى يومئذ (¬5)، ومن فزع يومئذ (¬6) ومن عذاب يومئذ (¬7)؛ بالفتح كقول الشاعر: 2978 - رددنا لشعثاء الرّسول ولا أرى ... كيومئذ شيئا تردّ رسائله (¬8) وفتحه في موضع الرفع كقول العرب من رواية الفراء: مضى يومئذ بما فيه، فلو كانت كسرة «إذ» إعرابية لم يبن ما أضيف إليه؛ لأن سبب بنائه إنما كان الإضافة إلى ما ليس معربا فبطل ما أفضى إلى القول بإعراب «إذ». - ¬

_ (¬1) انظره في التذييل (7/ 233)، وشرح التسهيل لابن مالك (3/ 250). أبكر: جمع بكر وهو الفتي من الإبل. إفال: صغار الإبل مفرده أفيل. (¬2) سورة النمل: 87. (¬3) سورة الإسراء: 110. (¬4) انظر: الارتشاف (2/ 234). (¬5) سورة هود: 66. وينظر: البحر المحيط (5/ 240). (¬6) سورة النمل: 89، وانظر: البحر المحيط (7/ 102)، والكشاف (3/ 305). (¬7) سورة المعارج: 11، وراجع: البحر المحيط (8/ 334). (¬8) من الطويل. التذييل (7/ 231، 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أن العرب تقول: كان ذلك إذ؛ بالكسر دون إضافة «إذ» كقول الشاعر: 2979 - نهيتك عن طلابك أمّ عمرو ... بعافية وأنت إذ صحيح (¬1) فلو كانت الكسرة إعرابية في «يومئذ» لم تثبت عند عدم ما اقتضاها وهو الإضافة. وقد أورد الأخفش هذا البيت في كتاب المعاني (¬2)، وزعم أنه مما حذف فيه المضاف وترك عمله ولو جاز هذا لجاز في مثل: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (¬3) الجر وكان فيه أجوز؛ لأن المضاف - أعني «أهل» - مراد اللفظ والمعنى ومع هذا لم يجز فيه الجر بإجماع حين حذف المضاف، فقدم الجواز في «حينئذ» لكون المضاف فيه مستغنى عنه من جهة المعنى أحق وأولى. وبهذا يرد قول الأخفش: [أصل لات أوان: حين أوان، وإنما الأصل: ولات أوان ذلك؛ فحذف ذلك ونويت الإضافة وبني على الكسر ونون للضرورة ويجوز أن يكون الأصل: ولات من أوان؛ فحذف «من» وبقي عملها كقراءة بعضهم: ولات حين مناص (¬4) بكسر النون] (¬5). وقولي: (وإن لم ينو التنكير) إلى (بني المضاف على الضم) أشرت به إلى سبب بناء ما يقطع عن الإضافة وقد تقدم شرحه مستقصى. ونبهت بقولي: (إن لم يشابه ما لا تلزمه الإضافة معنى) على أن بعض ما تلزمه الإضافة معنى يشبه الأسماء التامة الدلالة بقبول التصغير والتثنية والجمع والاشتقاق وكثرة (¬6) استعماله غير مضاف كـ «ثلث وربع ومثل وشبه» فلا يتأثر بالقطع عن الإضافة نويت أو لم تنو. انتهى كلام المصنف. وهو كما قيل: كالماء إلا أنه زلال، والسحر إلا أنه حلال، فرحمه الله تعالى - ¬

_ (¬1) من الوافر لأبي ذؤيب الهذلي. ديوان الهذليين (1/ 68)، والخصائص (2/ 376)، وشرح المفصل (3/ 29)، (9/ 31)، ويس (2/ 39). (¬2) معاني الأخفش (1/ 184). سورة الأنعام عند قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ... (¬3) سورة يوسف: 82. (¬4) سورة ص: 3. (¬5) ما بين المعقوفين من (أ) وشرح التسهيل لابن مالك، وهي قراءة عيسى بن عمر، وانظر: البحر المحيط (7/ 384)، والكشاف (4/ 54، 55). (¬6) انظر شرح التسهيل: (3/ 252) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورضي عنه وأرضاه بمنه وكرمه. ثم يتعلق بكلامه أبحاث: الأول: ذكر أن المضاف اللازم للإضافة معنى إذا أفرد أي: قطع عن الإضافة وذلك بأن يحذف المضاف إليه له حالات خمس؛ منها حالة يشترك فيها الاسم المعرب والمبني، وأربع حالات يختص بها المعرب: الأولى: أن يقطع عن الإضافة معنى كما قطع عنها لفظا وهي الحالة المعبر فيها عن المضاف بأنه نوي تنكيره. الثانية: أن ينوى لفظ المضاف إليه فيكون المضاف في حكم ما هو مضاف لفظا وكأنه في التقدير لم يقطع عن الإضافة. الثالثة: أن يعوض من المحذوف تنوين وهذه هي الحالة التي يشترك فيها المعرب والمبني، فالمعرب نحو: «كل» و «أي» المبني نحو: «يومئذ» و «حينئذ». الرابعة: أن يعطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف. الخامسة: أن لا يكون شيء من هذه الأمور الأربعة لا نية تنكير المضاف، ولا نية تنكير لفظ المضاف إليه، ولا تنوين هو عوض، ولا عطف؛ وإنما ينوى معنى المضاف إليه لا غير. ففي الحالات الأربع الأول يكون حكم المضاف كحاله مع ذكر المضاف إليه إن كان مع ذكر المضاف إليه معربا بقي بعد الحذف على إعرابه، وإن كان مبنيّا بقي على بنائه، وإلى هذا أشار بعد ذكر الحالات الأربع بقوله: لم يتغير الحكم. ثم المعرب مع بقائه بعد الحذف على إعرابه باق على حذف تنوينه أيضا إلا في حالة التنكير فإنه ينون. وحاصل الأمر: أن صورة المضاف بعد حذف المضاف إليه تستقر على ما كانت عليه حال ذكر المضاف إليه إلا إذا نكر فإنه ينون إن لم يمنع منه مانع كما إذا كان ذلك الاسم الذي هو المضاف لا ينصرف [4/ 85] وأما في الحالة الخامسة وهي أن ينوى معنى المضاف إليه فإن المضاف يبنى على الضم. وهذه الحالات الخمس مصرح بها في متن الكتاب. وفي الحقيقة إنما هي أربع فإن الحالة الرابعة وهي المشتملة على العطف داخلة في الحالة الثانية وهي التي ينوى فيها لفظا المضاف إليه، وذلك أنه إذا نوي لفظ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاف إليه فقد يكون ذلك مع العطف وقد لا يكون فهو قسم واحد تحته صورتان، وكلامه في الشرح يقتضي هذا؛ فإنه بعد أن ذكر المضاف إليه إذا حذف ونوي لفظه ترك المضاف بإعرابه وهيئته التي يستحقها مع بقاء المضاف إليه وأنشد: 2980 - أمام وخلف المرء من لطف ربّه ... ... البيت قال: وبقاء المضاف على هيئته أكثر ما يكون إذا عطف على المضاف عامل في ما يماثل المحذوف لفظا ومعنى ثم قال: وقد يكون بخلاف ذلك وأنشد: 2981 - أكالئها ... البيت المتضمن: «أو بعيد فأهجعا». وقول الآخر: 2982 - ومن قبل نادى ... ... ... البيت إلى آخر ما استدل به على ذلك. البحث الثاني: أطلق المصنف القول ببناء الاسم الناقص الدلالة عند حذف المضاف إليه مع إرادته؛ فلم يقيد شيئا منهما. وابن عصفور قيد البناء بكون المضاف اسم زمان وبكون المحذوف (¬1) معرفة، لكنه إنما ذكر ذلك فيما يجوز فيه حذف المضاف إليه بقياس (¬2)؛ فلا يلزم أن يمتنع ذلك على الإطلاق فقد يكون ذلك على غير قياس في غير أسماء الزمان وفي ما المضاف إليه المحذوف نكرة. والمصنف إنما ذكر المسألة من الرأي دون تعرض منه لقياس ولا غير قياس. على أن في اشتراط كون المضاف إليه المحذوف معرفة حال بناء المضاف بحثا وذلك أنهم قالوا في قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (¬3): إن التقدير: من قبل ذلك ومن بعد ذلك، فيقول القائل: لم لا يجوز أن يكون التقدير: من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء؟ وما المانع من ذلك؟ بل يظهر أن هذا التقدير أبلغ في التعظيم من التقدير الذي ذكروه ويقوي أن المعنى على التقدير الذي ذكرته قول الإمام مالك (¬4) رضي الله تعالى عنه حين حضرته الوفاة: لله - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 214). (¬2) السابق. (¬3) سورة الروم: 4. (¬4) مالك بن أنس بن مالك الحميري أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة وإليه تنسب «المالكية». كان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر من قبل ومن بعد، ويقال: إنها آخر كلمة تكلم بها رضي الله تعالى عنه وأرضاه بمنه وكرمه. فلا يرتاب أن مراده بذلك الاعتراف بأن الأمر لله من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء، أي: لله الأمر على الإطلاق. لكن نقل الشيخ عن البسيط قال: إذا بنيت فهي معارف؛ لأنك لا تذكرها حتى يتقدمها كلام أو شيء واقع. وقال بعضهم: هي نكرات وإنما تريد: قبل شيء، وعزاه إلى سيبويه (¬1). انتهى كلام صاحب البسيط، وقوله: لأنك لا تذكرها حتى يتقدمها كلام أو شيء واقع؛ قد يمنع، ثم يكفي في عدم ثبوت ذلك أنها نكرات في قول من خالف. البحث الثالث: اختلف القول في موجب بناء هذه الأسماء المنقطعة عن الإضافة. فأما المصنف؛ فقد عرفت ما ذكره من جمود لفظها وافتقارها إلى الغير في بيان معناها. قال: فأشبهت الحرف لفظا؛ للجمود، ومعنى؛ للافتقار، إلى آخر كلامه المتقدم إلى أن قال: إنها لما قطعت عن الإضافة ونوي معنى الثاني أشبهت حروف الجواب في الاستغناء بها عن لفظ ما بعدها؛ فانضم ذلك إلى الشبهين المذكورين فبنيت. وأما غير المصنف؛ فمنهم من قال: الموجب للبناء أن المضاف إليه لما حذف وأريد افتقر إلى ما يدل عليه فأشبه المضاف الحرف؛ لافتقاره إلى غيره. ومنهم من قال: إن المضاف إليه لما حذف وأريد بقي المضاف كبعض كلمة، وبعض الكلمة لا يستحق الإعراب. ومنهم من ذكر أن الموجب للبناء الإبهام ولذلك بنيت «غير» لما قطعت عن الإضافة إذا قلت: ليس غير ولا غير. وإذا قسمت ما ذكروه بما ذكره المصنف علمت ما بينهما كما علمت ما بين السماء والأرض. ثم إن الذي ذكره المصنف تعليل عام يشمل الكلمات التي يعرض لها البناء عند حذف ما هي مضافة إليه ظرفا كانت أو غير ظرف. والكلمات التي أوردها في الشرح هي «قبل»، و «بعد»، و «غير»، و «حسب»، و «أول»، و «أمام وخلف» وأخواتهما. - ¬

_ - صلبا في دينه ويقول: «العلم يؤتي إليه». له الموطأ وغيره، (ت: 179 هـ). الأعلام (6/ 128)، والوفيات (1/ 439). (¬1) التذييل (7/ 229).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني بذلك بقية أسماء الجهات، وفي الألفية «دون»، و «عل» (¬1). ولا شك أن كلّا من هذه المذكورات ينسب إليه الجمود والافتقار، وأما ما ذكره غيره فربما لا يشمل الكلمات كلها. البحث الرابع: لا شك أن هذا الفصل إنما هو معقود لبيان حكم الأسماء الملازمة للإضافة معنى إذا قطعت عنها لفظا؛ هل تبقى على إعرابها الذي كان لها قبل أن تقطع أو تبنى؟ ولكن لما كان القطع عن الإضافة عبارة عن حذف المضاف إليه وإبقاء المضاف؛ لزم من ذلك أن يكون الكلام على قطع المضاف عما بعده مستلزما للقول بجواز حذف المضاف إليه، لكن المضاف إليه قد يحذف وإن لم يكن المضاف من الأسماء الملازمة للإضافة وهذا من هذا الباب، ثم إنه لم يكن في كلامه في المتن - أعني متن هذا الفصل - ما يقتضي التنبيه على ذلك أيضا، لكنه قد أورده في الشرح؛ فإنه لما ذكر مسألة الحذف إذا عطف على المضاف اسم عامل في مثل المحذوف وأنشد: 2983 - أمام وخلف المرء من لطف ربّه ... كوالئ تزوي عنه ما هو يحذر قال: والاستعمال المذكور في الأسماء الناقصة الدلالة قليل، وهو في الأسماء التامة الدلالة كثير كقولهم: قطع الله يد ورجل من قالها، وكقول الشاعر: 2984 - إلّا علالة أو بدا ... هة سابح نهد الجزاره [4/ 86] إلى آخر ما ذكره. ولما أشار إلى حكم حذف المضاف إليه هذا استغنى عن ذكره عند ما ذكر حذف المضاف في فصل سيأتي. فإنه كان الأصل أن يقرن بين الأمرين في الذكر كما فعل غيره، وكما فعل هو في الألفية. ثم لننبّه بعد ما تقدم على أمور: منها: أننا فهمنا من كلام المصنف أن المحذوف في قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها؛ هو المضاف إليه «يد»، والتقدير: قطع الله يد من قالها؛ فحذف من - ¬

_ (¬1) قال في الألفية: قبل كغير بعد حسب أوّل ... ودون والجهات أيضا وعل وانظر الأشموني (2/ 267، 268).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول لدلالة الثاني. وابن عصفور ذكر في كتبه أن «يدا» مضافة إلى «من قالها» المنطق به والتقدير: قطع الله يد من قالها ورجله؛ فحذف الضمير وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه وحذف التنوين من «يد» لإضافته إلى «من» وحذف من «رجل» لأنه مضاف إلى «من» في المعنى وبمنزلة المضاف إليه في اللفظ (¬1). وإنما قال: إنه بمنزلة المضاف إليه في اللفظ؛ لأنه قال: إذا حذف المضاف إليه وكان المضاف غير ظرف فلا بد من التنوين إلا أن يكون المضاف بعد الحذف على هيئته قبل الحذف نحو قولهم: قطع الله يد ورجل من قالها؛ قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى شارحا لكلام ابن عصفور: أجمعوا على أن هنا مضافا محذوفا من أحدهما. واختلفوا من أيهما حذف. فمذهب سيبويه كما قاله المصنف وهو أسهل؛ لأنه ليس فيه وضع ظاهر موضع مضمر وليس فيه أكثر من الفصل بين المضاف والمضاف إليه بغير الظرف (¬2). قال شيخنا ابن عمرون رحمه الله تعالى: لما شارك الفاصل ما قبله في النسبة إلى المضاف إليه حسن وشجعه كون الدليل يكون مقدما على المدلول عليه ومذهب أبي العباس المبرد أن «رجل» مضافة إلى «من» المذكورة و «يد» مضافة إلى «من قالها» أخرى محذوفة (¬3)، ويلزمه أن يكون قد وضع الظاهر موضع المضمر؛ إذ الأصل: يد من قالها ورجل من قالها، وحسّن ذلك عنده كون الأول معدوما في اللفظ فلم يستكره لذلك. انتهى. والظاهر أن المذهبين متعادلان. فإن أرجحية كل من القولين تعادل مرجوحية الآخر. ولقائل أن يقول: الدليل على صحة مذهب المبرد ما أنشده المصنف من قول القائل: 2985 - سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها وقول الآخر: 2986 - بنو وبناتنا كرام فإن الضمير إنما يتصل بعامله وإذا ثبت في هذين البيتين أن المحذوف هو ما أضيف - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 180) وانظر الأشموني (2/ 274، 275). (¬2) المصدر السابق. (¬3) المقتضب (4/ 227) وما بعدها، والكامل (5/ 84)، (7/ 145، 146)، والأشموني (2/ 274)، والسيرافي على الكتاب (1/ 315)، وشرح الرضي على الكافية (1/ 133)، والمغني (2/ 163)، والهمع (1/ 177)، وابن يعيش (2/ 10).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إليه الأول وجب القول بذلك في نحو: قطع الله يد ورجل من قالها. ومنها: أن من جملة الكلمات المذكورة «عل» كما ذكرها المصنف في الألفية، وقد ذكرها ابن عصفور (¬1) وأنشد قول امرئ القيس: 2987 - كجلمود صخر حطّه السّيل من عل لكن قال الشيخ بهاء الدين: كلامه - يعني ابن عصفور - يدل على أن ثم مضافا إليه محذوفا. وكلام النحاة كلهم في البيت يدل على أنه ليس هنا مضاف إليه محذوف؛ بل المحذوف إنما هو موصوف على التقدير من موضع عال، ومعناه: فوق (¬2). ويدل على صحة ما قاله الشيخ بهاء الدين أن ابن أبي الربيع ذكر أن هذه الكلمة لا تضاف، وذكروا أن من أحكامها أيضا: أنها لا تستعمل دون «من»، فعلى هذا تكون «عل» مخالفة لأخواتها المذكورة في هذين الحكمين وموافقة لها في بقية الأحكام وهي الإعراب إذا قصد التنكير، والبناء على الضم إذا قصد التعريف. ثم إن معناها معنى «فوق» (¬3)، وفيها ثماني لغات ذكرها الشيخ بهاء الدين وهي: علو وعلو وعلو ومن عل ومن علا ومن عال ومن معال، قال: وقال ابن عمرون: يقال: جئته من عل كـ «شج» وفي معناه من عال كـ «قاض» ومن معال ومن علا كـ «عصا» نكرات فلذا نونت، ولم تبن على الضم، ومن عل؛ مبنية على الضم لا غير معرفة، ويقال: جئته من علو وعلو وعلو فالضم كـ «قبل»، والفتح طلبا للخفة، والكسر على أصل التقاء الساكنين وهربا من ثقل الضمة والواو (¬4). ومن جملة الكلمات المذكورة أيضا «غير». ولا شك أنها ليست ظرفا وإنما هي كلمة يراد بها الدلالة على مغايرة ما بعدها لما قبلها ولهذا اختلف في الضمة من قولهم: ليس غير ولا غير؛ فقيل: إنها حركة إعراب؛ لأنها ليست بظرف فحكمها حكم «أي» و «كل» إذا قطعتا عن الإضافة وهو رأي الأخفش (¬5)، وقيل: إنها حركة بناء؛ لأنها وإن لم تكن ظرفا فهي تشبه «قبلا» و «بعدا» في - ¬

_ (¬1) المقرب ومعه المثل (ص 289). (¬2) انظر التعليقة لبهاء الدين بن النحاس ورقة (73 ب) (مخطوط بالأزهر). (¬3) التذييل (4/ 83). (¬4) التذييل (4/ 83) وما بعدها. (¬5) الارتشاف (2/ 327)، والتصريح (2/ 54).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإبهام، فحملت عليهما وقد تقدم الكلام على «غير» مشبعا في باب المستثنى. ومن جملة الكلمات أيضا: «حسب» فهي منقطعة عن الإضافة ومبنية على الضم، وذكروا أنها إذا أريد بها هذا المعنى تضمن معنى «لا غير» وتستعمل وصفا وحالا وتكون مبتدأة أيضا فيقال: قبضت عشرة حسب، ورأيت عشرة الرجال حسب، وقبضت ألفا فحسب. ولا شك أن إضافتها مقدرة، ولهذا بنيت على الضم لقطعها عن الإضافة لفظا وإرادتها معنى قالوا: والتقدير في المثالين الأولين اللّذين «حسب» فيهما صفة وحال: حسبي. ولم يظهر لي مع هذا التقدير معنى الوصفية ولا الحالية ثم إذا كان حسب مقدر الإضافة كان معرفة، والمعرفة لا يوصف بها النكرة ولا تقع حالا. يقال: إن الكلمة بمعنى «كاف» واسم الفاعل لا يتعرف بالإضافة؛ لأن الكلمة المذكورة لو لم تقدر معرفة لم تبن على الضم ولو قدر تنكيرها لوجب الإعراب كما في «قبل» و «بعد» وأخواتها. والذي يظهر أن يقال: إن «حسب» لما قطعت عن الإضافة ونوي معنى المضاف إليه وبنيت الكلمة على الضم قطع النظر بعد هذا عن كونها كانت مضافة وأفردت عن المضاف إليه ثم جعلت في حكم [4/ 87] كلمة مستقلة أتي بها ابتداء دون إضافة وحينئذ يتوجه القول فيها بأنها نكرة فتنعت بها النكرة ويصح وقوعها حالا. وأما كونها مضمنة معنى «لا غير»؛ فقد ينازع فيه، ويقال: لا يلزم من كونها تفيد من المعنى ما يفيده «لا غير» أن تكون مضمنة معناها، وإنما استفيد هذا المعنى من جهة أخرى. وبيانه أن الأصل في حسب المضافة لفظا أن معناها معنى «كاف» فحكمها على هذا حكم اسم الفاعل العامل الذي لا يتعرف بالإضافة؛ وعلى هذا ينعت بها النكرة وتقع حالا كقولك: رأيت رجلا حسبك من رجل، أي: كافيا لك عن غيره وقائل: زيد حسبك من رجل، أي: كافيا عن غيره، وتقع معمولة للابتداء ونواسخه. والحاصل أن: حركات الإعراب تجري عليها رفعا ونصبا وجرّا قال الله تعالى: حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ (¬1)، وقال تعالى: فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ (¬2)، وإذا كان كذلك فلا شك أننا نفهم من قول القائل: رأيت رجلا حسبك من رجل، إذا كان معنى - ¬

_ (¬1) سورة المجادلة: 8. (¬2) سورة الأنفال: 62.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «حسبك»: كافيا - أن ذلك الرجل الذي هو متعلق الرؤية مقتصرا عليه في الكفاية؛ بمعنى أنه يستغنى به فلا يحتاج معه إلى الغير. وعلى هذا نقول: «حسب» المقطوعة عن الإضافة التي تقدم القول فيها تفسر بالمعنى المذكور أو بما يقرب منه. فمعنى «قبضت عشرة حسب»: قبضت عشرة مقصورا عليها قبض لم يتعدّ إلى غيرها كأنها كفته في المقبوض، وحسب هي التي أفادت ذلك، وكذا «رأيت زيدا حسب» رأيت زيدا مقصورا رؤيتي عليه كأنه لكماله كاف فلا يحتاج مع رؤيته إلى غيره. وكذا إذا قيل: قبضت ألفا فحسب؛ التقدير: فهو حسب، أي: فالألف المقبوض حسب، أي: كاف لي لا أحتاج إلى قبض غيره، وعلى هذا يكون معنى «حسب» في الحالين - أعني مضافة ومقطوعة عن الإضافة - واحدا، ولا يحتاج إلى القول بأن الكلمة ضمت معنى «لا غير». وفي جعل «فحسب» - من: قبضت ألفا فحسب؛ مبتدأ، وأن التقدير: فحسبي ذلك - نظر؛ فإن التقدير إذا كان كذلك لا يكون معنى «حسب» في هذا التركيب معنى «لا غير»؛ لأنه إنما حصل الإخبار بأن الألف تكفيه، أما أنه اقتصر عليه ولم يقبض غيره؛ ففهمه من التركيب المذكور فيه بعد. ثم إن «حسب» عندهم نكرة وإذا كانت نكرة فما المسوغ للابتداء بها. وبعد: فليعلم أن من الشواهد التي ذكروها دالة على بناء ما قطع عن الإضافة من الكلمات المذكورة قول الشاعر: 2988 - أقبّ من تحت عريض من عل (¬1) وقول الآخر: 2989 - ولقد شددت عليك كلّ ثنيّة ... وأتيت نحو بني كليب من عل (¬2) وقول الآخر: 2990 - إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن ... لقاؤك إلّا من وراء وراء (¬3) - ¬

_ (¬1) رجز لأبي النجم في وصف فرس، والأقب: الضامر. والبيت في الكتاب (3/ 290)، والعيني (3/ 448) وشاهده: بناء «عل» على الضم. (¬2) من الكامل، وهو في التذييل (7/ 234). (¬3) من الطويل لعتي بن مالك العقيلي. التصريح (2/ 52)، والدرر (1/ 177)، وشرح المفصل (4/ 87)، والكامل (1/ 38)، واللسان: «وري»، «بعد»، والهمع (1/ 120). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الأمور التي ينبّه عليها أيضا. أنهم ذكروا أن من أحكام «قبل» و «بعد» إذا بنيا على الضم لم يجز أن يقعا خبرين للمبتدأ ولا وصفين ولا حالين تقول: القيام قبل قعود زيد، ولا يقال: القيام قبل، وكذا حكم دون، وقدام، وأمام، ووراء، وخلف، وفوق، وتحت، ويمين، وشمال؛ فلا تقع أخبارا ولا صفات، ولا أحوالا، إذا قطعت عن الإضافة لفظا وبنيت على الضم، والحاصل أنها مساوية لـ «قبل» و «بعد» في جميع أحكامها إضافة وقطعا عنها وإعرابا وبناء. وما ذكروه في «من قبل» و «من بعد» أنهما لا يقعان أحوالا قد يورد عليه قوله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (¬1)؛ فإن الظاهر أن «من قبل» و «من بعد» حالان من الضمير المستكن في خبر المبتدأ. ومنها: أن الفراء قال: لا يجوز حذف المضاف إليه في مثل: قطع الله يد ورجل من قالها إلا في المصطحبين كـ «اليد» و «الرجل» و «النصف» و «الربع» و «قبل» و «بعد»، وأما نحو: دار وغلام زيد؛ فلا يجوز (¬2). ومنها: أن المصنف لم يتعرض في حذف المضاف إليه إلى ما هو قياس وما هو ليس بقياس. وأما ابن عصفور؛ فإنه أشار إلى ذلك فقال: ويجوز حذف المضاف إليه بقياس إذا كان مفردا وكان المضاف اسم زمان. فإن كان المحذوف معرفة بنيت اسم الزمان على الضم قال الله تعالى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أي: من قبل الغلب ومن بعده، وإن كان نكرة لم تبنه نحو قوله: 2991 - كجلمود صخر حطّه السّيل من عل فإن كان المضاف إليه جملة لم يجز حذفه إلا فيما سمع من ذلك نحو قولهم: يومئذ وحينئذ؛ قال الله تعالى: وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (¬3)، أي: حين إذ بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (¬4) فحذفت الجملة وعوض منها التنوين، فإن كان المضاف غير ظرف لم يجز حذف المضاف إليه إلا فيما سمع من ذلك نحو: «كل» و «بعض» و «أي» و «غير» ولا بد من التنوين إلا أن يكون المضاف بعد الحذف على هيئته - ¬

_ - والشاهد في «وراء» الأول بني على الضم لقطعه لفظا ومعنى و «وراء» الثاني تأكيد له. (¬1) سورة الروم: 4. (¬2) الأشموني (2/ 275). (¬3) سورة الواقعة: 84. (¬4) سورة الواقعة: 83.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل الحذف نحو قولهم: قطع الله يد ورجل من قاله، التقدير: قطع الله يد من قاله ورجله؛ فحذف الضمير وأقحم المعطوف بين المضاف والمضاف إليه وحذف التنوين من «يد» لإضافته إلى «من» وحذف من «رجل»؛ لأنه مضاف إلى «من» في المعنى وبمنزلة المضاف إليه في اللفظ (¬1). انتهى. وهو كلام جيد وتفصيل حسن. ولكن فيه أمران: أحدهما: أن تقييده المضاف بكونه اسم زمان فيه قصور، ولو أطلق فقال: إن كان - يعني المضاف إليه - مفردا وكان المضاف ظرفا ليشمل الزمان والمكان كان أولى، بل هو المتعين. ويدل على أن هذا الحكم الذي ذكره شامل للظرفين - استدلاله بقول امرئ القيس: 2992 - كجلمود صخر حطّه السّيل من عل ولا شك أن «عل» من ظروف المكان. وحين وقفت على كلام هذا الرجل حصل لي هذا الاستدراك ثم بعد ذلك رأيت الشيخ بهاء الدين رحمه الله تعالى لما تكلم على هذا الموضع قال: إلا أن في تمثيله [4/ 88] بـ «عل» هنا وهو أنه: إنما ترجم على أسماء الزمان ومثل بـ «عل» وهو اسم مكان لا زمان. قال: فكان ينبغي أن يقول: وكان المضاف اسم زمان أو مكان فإن حكم «فوق» و «تحت» وغيرهما من أسماء الجهات حكم «قبل» و «بعد» في الإعراب والبناء (¬2). الثاني: إدراجه كلمة «غير» مع «كل» و «بعض» و «أي» وقوله بعد ذلك: ولا بدّ من التنوين؛ فإن بناء «غير» في نحو: ليس غير، ولا غير؛ جائز بخلاف الكلم الثلاث المذكورة كما عرفت. ولا شك أنها إذا بنيت لا تنون، فلم يكن حكم «غير» حكم المذكورات معها. والظاهر أن هذا جنوح منه إلى مذهب الأخفش. وهو أن «غيرا» باقية على الإعراب عنده وكأن حذف التنوين منها حينئذ يكون للتخفيف، ولكن المنقول أن نصب «غير» جائز في «ليس غير» مع التنوين ودونه، والحركة حركة إعراب اتفاقا فقد جاز حذف التنوين مع القول بأنها معربة؛ وعلى - ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 214، 215)، والهمع (2/ 52). (¬2) انظر: التعليقة لبهاء الدين بن النحاس ورقة (73 ب) مخطوط بمكتبة الأزهر.

[من أحكام إضافة أسماء الزمان المبهمة]

[من أحكام إضافة أسماء الزمان المبهمة] قال ابن مالك: (فصل: تضاف أسماء الزّمان المبهمة غير المحدودة إلى الجمل فتبنى وجوبا إن لزمت الإضافة وجوازا راجحا إن لم تلزم وصدّرت الجملة بفعل مبنيّ، فإن صدّرت باسم أو فعل معرب جاز الإعراب باتفاق والبناء خلافا للبصريين. وإن صدّرت بـ «لا» التبرئة بقي اسمها على ما كان وقد يجرّ ويرفع. وإن كانت المّحمولة على «ليس»، أو «ما» أختها لم يختلف حكمهما. ولا يضاف اسم زمان إلى جملة اسمية غير ماضية المعنى إلّا قليلا. وقد تضاف «آية» بمعنى: علامة إلى الفعل المتصرّف مجردا أو مقرونا بـ «ما» المصدرية أو النّافية ويشاركها في الإضافة إلى المتصرّف المثبت «لدن» و «ريث» وقد تفصل «لدن» و «الحين» بـ «أن» و «ريث» بـ «ما». وقالوا: اذهب بذي تسلم أي: بذي سلامتك، ولا بذي تسلم ما كان كذا. ويختلف فاعلا «اذهب» و «تسلم» بحسب المخاطب، وعود ضمير من الجملة إلى اسم الزّمان المضاف إليها نادر؛ ويجوز في رأي الأكثر بناء ما أضيف إلى مبنيّ من اسم ناقص الدّلالة ما لم يشبه تامّ الدّلالة). ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا يشكل قوله: ولا بد من التنوين. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): أسماء الزمان المبهمة تعم ما لم يختص بوجه ما كـ «حين ومدّة ووقت وزمان»، وما يختص بوجه دون وجه كنهار وصباح ومساء وغداة وعشيّة. فأخرجت بـ (غير المحدودة) ما يدل على عدد دلالة صريحة كـ: «يومين وأسبوع وشهر». واحترزت بـ (صريحة) من دلالة النهار على اثنتي عشرة ساعة؛ فإن ذلك لا يستحضر بذكر النهار كاستحضار عدد أيام الأسبوع بذكر أسبوع وكاستحضار عدد أيام الشهر بذكر شهر فلا يضاف إلى الجمل من أسماء الزمان إلا العاري من دلالة صريحة على عدد فيضاف إليها زمن أو زمان، - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (3/ 252).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويوم وأيام، وليلة وليال، وغداة وعشية وعصر وأشباهها، ومن شواهد ذلك: 2993 - زمن العاذلي على الحبّ معذو ... لـ عصيت الهوى فكنت مطيعا (¬1) ومنها: 2994 - أزمان قومي والجماعة كالّذي ... لزم الرحالة أن تميل مميلا (¬2) ومنها: 2995 - أيّام لو تحتلّ وسط مفازة ... فاضت معاطشها بشرب سابح (¬3) ومنها: 2996 - في ليال منهنّ ليلة باتت ... ناقتي والها تجرّ الزماما (¬4) ومنها: 2997 - غداة أحلّت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السّدائف والخمر (¬5) ومنها: 2998 - عشيّة سعدى لو تراءت لراهب ... بدومة تجر حوله وحجيج قلى دينه واهتاج للشّوق إنّها ... على الشّوق إخوان العزاء هيوج (¬6) ومنها: 2999 - طحابك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشّباب عصر حان مشيب (¬7) - ¬

_ (¬1) انظره في التذييل (7/ 237). (¬2) بعده في شرح التسهيل لابن مالك: ومنها: كأنّي غداة البين يوم ترحّلوا ... لدى سمرات الحيّ نائف حنظل هذا، والبيت من الكامل لعبيد بن حصين الراعي. الجمهرة (930)، والكتاب (1/ 154)، والمقرب (1/ 160) ويروي: «منع الدعامة» بدل «لزم الرحالة». (¬3) من الكامل لزياد الأعجم. وينظر: التذييل (7/ 237)، والشعر والشعراء (397). (¬4) من المنسرح، وانظره في التذييل (7/ 238). (¬5) من الطويل للفرزدق. ديوانه (254)، والإنصاف (187)، والتصريح (1/ 247)، وشرح المفصل (1/ 32)، (8/ 70). (¬6) البيتان من الطويل نسبهما في اللسان للراعي. الأشموني (2/ 297)، والعيني (4/ 536)، والكتاب (1/ 56)، واللسان: «أخا»، و «هيج». (¬7) من الطويل لعلقمة الفحل، أو رجل من عبد القيس. الحلل (54)، والكتاب (2/ 379).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يضاف إليها «يومان» ولا «ليلتان» ولا «أسبوع» ولا «شهر»؛ لأن أصل المضافات إلى الجمل «إذ» و «إذا» فأجري مجراهما من أسماء الزمان ما ساواهما في الإبهام، أو قاربهما لا ما باينهما من أسماء الزمان كـ «يومين» ولا ما ليس اسم كـ «آية». وأجاز ابن كيسان إضافة يومين إلى الجملة (¬1). والصحيح منع ذلك؛ لعدم السماع ولمخالفة «إذ» و «إذا» بالدلالة على العدد صريحا ونبهت بقولي: (وجوبا) على إضافة «إذ» و «إذا» مع أن الكلام على ذلك قد تقدم في باب الظروف ثم قلت: (وجوازا راجحا إن لم يلزم وصدرت الجملة بفعل مبني) فنبهت على جواز الإعراب وترجيح البناء في نحو قوله: 3000 - على حين عاتبت المشيب على الصّبا ... وقلت ألمّا أصح والشّيب وازع (¬2) وفي نحو قول الآخر: 3001 - لأجتذبن منهنّ قلبي تحلّما ... على حين يستصبين كلّ حليم (¬3) فإن كانت الجملة اسمية أو فعلية مصدرة بمضارع معرب جاز الإعراب باتفاق والبناء عند الكوفيين دون البصريين والصحيح في هذه المسألة قول الكوفيين؛ لصحة الدلالة على ذلك نقلا وعقلا. فمن الدلائل النقلية قراءة نافع: هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم (¬4) بنصب اليوم (¬5) مع أن المشار إليه هو اليوم؛ لاتفاق الستة على الرفع فلو جعلت الفتحة فتحة إعراب لا متنع أن يكون المشار إليه اليوم؛ لاستلزام ذلك اتحاد الظرف والمظروف وكان يجب أن يكون التقدير مباينا للتقدير في القراءاة الأخرى مع كون الوقت واحدا والمعنى واحدا؛ لأن المراد حكاية القول في ذلك اليوم فلا بد من كونها كذا مما يقتضي اتحاد المعنى دون تعدده وكفتحة يَوْمُ يَنْفَعُ (¬6) فتحة يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ (¬7) في قراءة غير ابن كثير وأبي عمرو، ومسمى يوم لا تملك في - ¬

_ (¬1) ينظر رأيه في التذييل (7/ 236). (¬2) من الطويل للنابغة الذبياني. ديوانه (51)، والأشموني (2/ 256)، والدرر (1/ 187)، والكتاب (1/ 369)، والمغني (517)، والهمع (1/ 218). (¬3) من الطويل. الأشموني (2/ 256)، والتصريح (2/ 42)، والدرر (1/ 187)، والهمع (1/ 218). (¬4) سورة المائدة: 119. (¬5) البحر المحيط (4/ 63)، وحجة ابن زنجلة (242)، وابن مجاهد (250). (¬6) سورة المائدة: 119. (¬7) سورة الانفطار: 19. وهي قراءة زيد بن علي والحسن وأبو جعفر وشيبة والأعرج وباقي السبعة. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قراءتهما هو «يوم الدّين» فلا يكون غيره في قراءة غيرهما. فيلزم من ذلك كون الفتحة بنائية وكون ما هي فيه مرفوع المحل ولا يقدر: «أغنى»؛ لأن تقدير «أغنى» لا يصلح إلا بعد ما يدل على المسمى دلالة تعيين و «يوم الدّين» دالّ على مسماه دلالة تعيين فتقدير «أغنى» بعده غير صالح ومن شواهد البناء قبل فعل معرب قول الشاعر [4/ 89]: 3002 - إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني ... نسيم الصّبا من حيث يطّلع الفجر (¬1) ومن شواهد البناء قبل الجملة الاسمية قول أسيد بن عنقاء الفزاري: 3003 - دعاني فأنساني ولو ضنّ لم ألم ... على حين لا بدو يرجّى ولا حضر (¬2) ومثله: 3004 - على حين خلّاني من القوم خلّة ... كهول وولّى ربقتي وشبابي (¬3) ومثله: 3005 - تذكّر ما تذكّر من سليمى ... على حين التّراجع غير دان (¬4) ومثله: 3006 - ألم تعلمي يا عمرك الله أنّني ... كريم على حين الكرام قليل وإنّي لا أخرى إذا قيل مملق ... سخيّ وأخزى أن يقال بخيل (¬5) ومثله: 3007 - أعليّ أحين ما الحرب جاءت ... صلت بغيّا وكنت قبل ذليلا (¬6) - ¬

_ - راجع البحر المحيط (8/ 437)، وحجة ابن زنجلة (753، 754). (¬1) من الطويل لأبي صخر الهذلي. شرح السكري (957)، والمغني (62، 299). (¬2) من الطويل لابن المعتز. التوطئة (348)، والدرر (1/ 187)، والهمع (1/ 218). (¬3) من الطويل وانظره في التذييل (7/ 241). (¬4) من الوافر. الأشموني (2/ 257)، والتصريح (2/ 42)، والعيني (236)، ويروى «التواصل» بدل «التراجع». (¬5) من الطويل لمويال بن جهم المذحجي، أو بشر بن هذيل الفزاري. الأشموني (2/ 257)، والدرر (1/ 187)، والعيني (3/ 412)، والهمع (1/ 218). (¬6) انظره في التذييل (7/ 241).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هكذا نقلت هذه الأبيات بالفتح بناء، مع أن الإضافة فيها إلى جمل مصدرة بمعرب إعرابا أصليّا فلأن يثبت بناء ما أضيف إلى جملة مصدرة بمعرب أصله البناء أحق وأولى، وهذه دلالة عقلية تقتضي بناء المضاف إلى الجملة المصدرة بفعل معرب. وأقوى منها أن يقال: سبب بناء المضاف إلى جملة مصدرة بفعل مبني إما قصد المشاكلة وإما غير ذلك. فلا يجوز أن يكون قصد المشاكلة؛ لأمرين: أحدهما: أن البناء قد ثبت مع تصدير الجملة المضاف إليها اسم معرب ولا مشاكلة فامتنع أن يكون البناء لقصدها. الثاني: أن بناء المضاف إلى جملة مصدرة بفعل مبني لو كان سببه قصد المشاكلة لكان بناء ما أضيف إلى اسم مبني أولى؛ لأن إضافة ما أضيف إلى اسم مفرد إضافة في اللفظ والمعنى وإضافة ما أضيف إلى جملة إضافة إليها في اللفظ وإلى مصدر في التقدير، وتأثير ما يخالف لفظه معناه أضعف من تأثير ما لا تخالف فيه أعني إضافة اسم الزمان إلى مفرد من الأسماء مبني، ولا خلاف في انتفاء سببه الأقوى؛ فانتفاء سببه الأضعف أولى. فثبت بهذا كون بناء المضاف إلى الجملة مسببا عن أمر آخر وهو شبه المضاف إليها بحرف الشرط في جعل الجملة التي تليه مفتقرة إليه وإلى غيره. فإن «قمت» من قولك: حين قمت قمت، وإن قمت قمت؛ كان كلاما تامّا قبل دخول «حين» و «إن» عليه وبدخولهما عليه حدث له افتقار إليهما وإلى ما بعدهما فشبه «حين» وأمثاله بـ «أن» وجعل ذلك سببا للبناء المشار إليه على وجه لا يخالف القاعدة العامة وهي ترتيب بناء الأسماء على مناسبة الحرف بوجه. وقد يضاف اسم الزمان إلى جملة مصدرة بـ «لا» التبرئة فيبقى اسمها على ما كان عليه من بناء، أو نصب، وقد يجر، وقد يرفع. فمن ذلك ما حكى أبو الحسن من قول بعض العرب: جئتك يوم لا حرّ ولا برد، ويوم لا حرّ ولا برد، ويوم لا حرّ ولا برد (¬1)، وأنشد: 3008 - تركتني حين لا مال أعيش به ... وحين جنّ زمان النّاس أو كلبا (¬2) - ¬

_ (¬1) الارتشاف (2/ 521). (¬2) من البسيط لأبي الطفيل. وجوز الفارسي في «المسائل المنثورة» الحركات الثلاث في «مال». أمالي الشجري (1/ 239)، والدرر (1/ 188)، والكتاب (1/ 357)، والهمع (1/ 218).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تكون «لا» المصدرية العاملة عمل «ليس» فيتعين بقاء عملها، وكذلك حكم «ما» أختها، ومن شواهد ذلك قول سواد بن قارب رضي الله عنه (¬1): 3009 - وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلا عن سواد بن قارب (¬2) ومنها قول الآخر: 3010 - تبدّت لقلبي فانصرفت بودّها ... على حين ما هذا بحين تصابي (¬3) وإذا أضيف اسم زمان إلى جملة اسمية امتنع عند سيبويه أن تكون مستقبلة المعنى والذي حمله على ذلك أن الأصل في ما يضاف إلى الجمل من أسماء الزمان «إذ» في الماضي و «إذا» في المستقبل وغيرهما تبع لهما. فللجاري مجرى «إذ» أن يضاف إلى جملة اسمية وإلى جملة فعلية؛ لصحة إضافة «إذ» إليهما، وليس لما جرى مجرى «إذ» في قصد الاستقبال أن يضاف إلا إلى جملة فعلية فيقال: آتيك حين يذهب زيد، وحين زيد يذهب؛ كما يقال: آتيك إذ يذهب زيد، وإذ زيد يذهب، ولا يقال: آتيك حين زيد ذاهب؛ كما لا يقال: آتيك إذا زيد ذاهب (¬4). هذا مقتضى مذهب سيبويه - رحمه الله تعالى - أعني منع جواز دخول «إذا» على جملة اسمية، ومنع جواز دخول ما جرى مجراها على جملة اسمية، والصحيح جواز الأمرين لكن على قلة. وقد أشرت إلى جواز ذلك في باب الظروف، وذكرت دلائل صحته نثرا ونظما، فأغنى ذلك عن قول ثان. وقيدت الفعل الذي يضاف إليه «آية» بكونه متصرفا؛ ليعلم أنها لا تضاف إلى غير متصرف كـ «عسى» و «ليس»، ومن إضافتها إلى الفعل المجرد قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) الأزدي شاعر جاهلي صحابي في الإسلام عاش إلى خلافة عمر (ت: 15 هـ) بالبصرة. الإصابة (ت 3576)، والأعلام (3/ 213)، والروض الأنف (1/ 139). (¬2) من الطويل. الأشموني (1/ 251)، (2/ 256)، والتصريح (1/ 201)، (2/ 41)، والمغني (419، 582). (¬3) من الطويل. الدرر (1/ 188)، والهمع (1/ 218). (¬4) الكتاب (3/ 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3011 - ألكني إلى سلمى بآية أو مأت ... بكفّ خضيب تحت كفّ مدرع (¬1) وإلى مقرون بـ «ما» المصدرية قول الآخر: 3012 - ألا من مبلغ عنّي تميما ... بآية ما يحبّون الطّعاما (¬2) وإلى مقرون بـ «ما» النافية قول الآخر (¬3): 3013 - ألكني إلى قومي السّلام رسالة ... بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا (¬4) وفي هذا البيت دلالة على أنه لا حاجة إلى تقدير حرف مصدري بين «آية» والفعل المجرد كما زعم ابن جني في قول الشاعر: 3014 - بآية يقدمون الخيل شعثا ... كأنّ على سنابكها مداما (¬5) فزعم أنه أراد: بآية ما يقدمون (¬6)، وهو خلاف قول سيبويه (¬7). وكذا زعم ابن جني أن «ما» في قول الآخر: 3015 - بآية ما يحبّون الطّعاما مصدرية (¬8)، وجعلها سيبويه زائدة ذكر ذلك في باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء (¬9). ووجه الاستدلال بقول القائل: 3016 - آية ما كانوا ضعافا ولا عزلا أن «آية» فيه مضافة إلى فعل منفي بـ «ما» وتقدير «ما» المصدرية قبل «ما» النافية ممتنع؛ فصحت إضافة «آية» إلى فعل مستغن عن «ما» المصدرية ويشارك «آية» - ¬

_ (¬1) من الطويل. التذييل (7/ 246). (¬2) من الوافر ليزيد بن الصعق. الخزانة (3/ 138)، والكتاب (1/ 460)، والمغني (420، 638)، والهمع (2/ 51). (¬3) ش: كقول الشاعر. (¬4) من الطويل لعمرو بن شأس. الخصائص (3/ 247)، والدرر (2/ 64)، والعيني (3/ 596)، والكتاب (1/ 101)، واللسان: «ألك»، والهمع (2/ 50). هذا، وألك: فيه معنى التبليغ والإرسال. (¬5) من الوافر. نسبه في الكتاب للأعشى وليس في ديوانه، والدرر (2/ 63)، والكتاب (1/ 460)، والهمع (2/ 51). (¬6) المغني (420). (¬7) الكتاب (1/ 460)، (3/ 117، 118). (¬8) المغني (2/ 420). (¬9) الكتاب (3/ 118).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الإضافة إلى فعل متصرف مثبت «لدن» و «ريث» وهما أحق بذلك من «آية». أما «لدن»؛ فلأنها تدل على مبدأ الغاية زمانا أو مكانا، فإذا دلت على المبدأ الزماني فجريها مجرى أسمائه المبهمة ليس ببدع. فمن ذلك قول [4/ 90] الشاعر: 3017 - لزمنا لدن سألتمونا وفاقكم ... فلا يك منكم للخلاف جنوح (¬1) وقد تتوسط «أن» بينها وبين الفعل زائدة أو مصدرية كقول الشاعر: 3018 - وليت فلم تقطع لدن أن وليتنا ... قرابة ذي قربي ولا حقّ مسلم (¬2) وأما «ريث» فهو مصدر «راث - يرث» إذا أبطأ؛ فعومل في الإضافة إلى الجمل معاملة أسماء الزمان كما عوملت المصادر معاملة أسماء الزمان في التوقيت. ومن إضافة «ريث» إلى الجملة قول الشاعر: 3019 - خليليّ رفقا ريث أقضي لبانة ... من العرصات المذكرات عهودا (¬3) وقد يتوسط بينه وبين الفعل «ما» زائدة أو مصدرية كقول الشاعر: 3020 - بمحيّاه حين يلقى ينال الس ... سؤل راجيه ريثما يتسنّى (¬4) وعلى كل حال ففي إضافة الثلاثة إلى الجمل شذوذ؛ لتساويها في استبدادها بالإضافة إلى الجمل دون النظائر كاستبداد «آية» دون «علامة» و «سمة»، وكاستبداد «لدن» دون «لدى» و «عند» وكاستبداد «ريث» دون «بطء» و «لبث». وقد تتوسط «أن» بين «حين» والجملة كقول أوس بن حجر (¬5): 3021 - وحالت على وحشيّها أمّ جابر ... على حين أن نالوا الرّبيع وأمرعوا (¬6) وأشد من إضافة الثلاثة إضافة «ذي» بمعنى «صاحب» إلى مضارع «سلم» مسندا إلى المخاطب بعد «اذهب» في قولهم: اذهب بذي تسلم، وفي التأنيث: - ¬

_ (¬1) من الطويل. التذييل (7/ 247)، والمغني (421). (¬2) من الطويل. التذييل (7/ 247). (¬3) من الطويل. الدرر (1/ 182)، والمغني (421)، والهمع (1/ 213). (¬4) انظره في التذييل (7/ 248). (¬5) التميمي شاعر جاهلي غزل مغرم بالنساء وهو زوج أم زهير بن أبي سلمى (ت: 2 ق. هـ) الأعلام (1/ 374)، والأغاني طبعة الدار (11/ 70)، ومعاهد التنصيص (1/ 132). (¬6) من الطويل وهو بنسبته في التذييل (7/ 248).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اذهبي بذي تسلمين، وفي التثنية: اذهبا بذي تسلمان، وفي الجمع: اذهبوا بذي تسلمون، واذهبن بذي تسلمن. وقالوا أيضا في القسم: لا بذي تسلم ما كان كذا؛ حكاه ابن السكيت (¬1) رحمه الله تعالى. وقد اتفقت هنا الإضافة إلى الفعل لفظا وإلى المصدر تقديرا على أن كل مضاف إلى جملة مقدر الإضافة إلى المصدر من معناها، ومن أجل ذلك لا يعود منها ضمير إلى المضاف إليها. كما لا يعود من المصدر. فإن سمع ذلك عد نادرا كقول الأعشى: 3022 - وتبرد برد رداء العرو ... س في الصّيّف رقرقت فيه العبيرا وتسخن ليلة لا يستطيع ... نباحا بها الكلب إلّا هريرا (¬2) ومثله: 3023 - مضت سنة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذلك وحجّتان (¬3) وهذا مما خفي على أكثر النحويين. ولذلك قال ابن السراج: فإن قلت: أعجبني يوم قمت فيه؛ امتنعت الإضافة؛ لأن الجملة حينئذ صفة ولا يضاف موصوف إلى صفة (¬4). ونبهت بقولي: (ويجوز في رأي الأكثر بناء ما أضيف إلى مبني من اسم ناقص الدلالة) على جواز بناء «غير» و «دون» و «بين» وشبهها من الأسماء التي لا تتم دلالتها على ما يراد بها إلا بما تضاف إليه مع مناسبتها الحروف بعدم قبولها للنعت والتعريف بالألف واللام والتثنية والجمع وبعدم اشتقاقها والاشتقاق منها؛ فإن ما فيها من مناسبة الحروف صالح لجعله سبب بناء على الإطلاق، لكنه ألغي في الإضافة إلى معرب واعتبر في الإضافة إلى مبني قصدا للمشاكلة. وبعضها أحق بالبناء من بعض لكونه أزيد مناسبة كما ترى في «غير» من وقوعها موقع «إلا» وموقع «لا» نحو: قاموا غير زيد وزيد غير بخيل ولا جبان. وحكى الفراء أن بعض بني أسد وقضاعة يبنون «غيرا» على الفتح إذا وقعت موقع «إلا» تمّ الكلام - ¬

_ (¬1) يعقوب بن إسحق أبو يوسف، كان عالما بنحو الكوفيين وعلم القرآن واللغة، وهو راوية ثقة أخذ عنه السكري وغيره. له إصلاح المنطق والألفاظ (ت: 244 هـ). الأعلام (9/ 255)، والإنباه (4/ 50) والنزهة (178) وانظر: الارتشاف (2/ 528)، والتذييل (7/ 248). (¬2) من المتقارب. ديوانه (69)، والدرر (1/ 189)، والمغني (592)، والهمع (1/ 219). (¬3) من الوافر للنابغة الجعدي، وقيل: للنمر بن تولب. ديوان الجعدي (161)، والدرر (1/ 189)، وابن سلام (104)، والمقرب (1/ 216). (¬4) الأصول (2/ 8) وانظره (2/ 5).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبلها أم لم يتم، نحو: ما قام أحد غيرك وما قام غيرك (¬1). وأنشد عن الكسائي: 3024 - لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت ... حمامة في غصون ذات أو قال (¬2) ومن شواهد بناء «دون» قوله تعالى: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ (¬3) ففتح نونه وهو موضع رفع بالابتداء، ومن بناء «بين» قوله تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ (¬4) ففتح النون وهو في موضع رفع؛ لقيامه مقام الفاعل ومثله قول الشاعر: 3025 - ولم يترك النّبل المخالف بينها ... أخا لأخ يرجى ومأثورة الهند (¬5) هكذا ضبطه من يوثق بضبطه بفتح النون من «بينها» أجرى قوم منهم الزمخشري (¬6) وابن عصفور (¬7) «مثلا» مجرى «غير» في جواز البناء عند الإضافة إلى مبني واستشهدوا بقراءة الحرميين، والصريحين، وحفص (¬8): إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (¬9) بفتح اللام (¬10) وهو في موضع رفع صفة لـ (حقّ) (¬11) وبقراءة بعض السلف: أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح (¬12)، وبقول الشاعر: 3026 - [فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم] ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر (¬13) - ¬

_ (¬1) معاني الفراء (1/ 383)، والتصريح (1/ 15)، وشرح المفصل (3/ 80)، (8/ 135)، والمغني (159)، والهمع (1/ 219). (¬2) من البسيط لأبي قيس بن الأسلت. الإنصاف (287)، والشجري (1/ 46)، (2/ 264)، والكتاب (1/ 369) والمصادر السابقة. (¬3) سورة الجن: 11. (¬4) سورة سبأ: 54. (¬5) من الطويل. التذييل (7/ 256). (¬6) في الكشاف (2/ 230)، (4/ 318). (¬7) شرح المفصل (3/ 80)، (8/ 35)، والمغني (159)، والهمع (1/ 219). (¬8) ابن عمر النحوي الأزدي إمام القراءة في عصره وأول من جمع القراءات. (ت: 246 هـ). الأعلام (2/ 291)، وغاية النهاية (1/ 254)، والنشر (1/ 156). (¬9) سورة الذاريات: 23. (¬10) ينظر في ذلك: البحر المحيط (8/ 136)، وحجة ابن زنجلة (679). (¬11) في شرح التسهيل لابن مالك: على أنه نعت خبر «أن». (¬12) سورة هود: 89. وهي قراءة مجاهد والجحدري وابن أبي إسحق ورويت عن نافع. وراجع البحر المحيط (5/ 255). (¬13) من البسيط للفرزدق والمذكور عجزه، وذكرنا صدره. ديوانه (223)، والعيني (2/ 96)، والكتاب (1/ 29)، والمقتضب (4/ 191).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن «مثلهم» مبتدأ، ولا ينبغي لـ «مثل» أن يجري مجرى «غير»؛ لأنه وإن وافقه في أن دلالته على معناه لا تتم إلا بما يضاف إليه فقد خالفه بمشابهة التام الدلالة في قبول التصغير والتثنية والجمع والاشتقاق منه. وكل ما استشهدوا به على البناء فخرج على الإعراب أحسن تخريج؛ فيجعل (حق) اسم فاعل من «حق - يحق» ثم قصر كما فعل بـ «بار، وسار» حين قيل فيهما: بر وسر، وبقي فيه الضمير الذي كان فيه قبل القصر وجعل مِثْلَ ما حالا منه. وأما قراءة من قرأ: أن يصيبكم مثل ما أصاب (¬1)؛ بالنصب فوجهه أنه منصوب على المصدرية وفاعل (يصيبكم) ضمير عائد على (الله) من: وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ (¬2)؛ كأنه قيل: ولا يجر منكم شقاقي أن يصيبكم الله مثل ما أصاب قوم نوح، وإنما يحتاج إلى هذا إذا سلم بناء «غير» وما بعدها في المواضع المذكورة. وهو وإن كان أشهر من بناء «مثل» ضعيف عندي؛ لأن الإضافة فيها قياسية، فلا ينبغي أن تكون سبب بناء؛ لأنها من خصائص الأسماء، فحقها أن تكف سبب البناء وتقلبه؛ لأنها تقتضي الرجوع إلى الأصل والسبب الكائن معها يقتضي الخروج عن الأصل وما يدعو إلى مراجعة الأصل راجع على ما يدعو إلى مفارقته. ولذلك رجح شبه «أي» بـ «كل» و «بعض» على شبهها [4/ 91] بحرفي الشرط والاستفهام في المعنى وبالحرف المصدري في لزوم الافتقار. وإذا ثبت هذا وجب توجيه ما أوهم بناء «غير» وشبهه للإضافة إلى مبني بما لا يخالف الأصول ولا يعسر القبول؛ فيخرج قول بني أسد وقضاعة: ما جاء غيرك؛ بفتح الراء على أن يكون المراد: ما جاء جاء غيرك؛ فنصب «غيرك» على أنه حال أو منصوب على الاستثناء، وساغ حذف «جاء» وهو فاعل؛ لأنه بعد نفي والعموم فيه مقصود وحذف مثل هذا بعد النفي والنهي كثير. فمن بعد النفي قوله عليه الصلاة والسّلام: «لا يزني الزّاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» (¬3) أي: ولا يشرب الشارب. ومثله قول الراجز: - ¬

_ (¬1) سورة هود: 89. (¬2) سورة هود: 88. (¬3) هو عن أبي هريرة رضي الله عنه. البخاري: كتاب الحدود (8/ 195، 196)، وابن حنبل (2/ 217)، (4/ 252) والدارمي: أشربة (11)، وأبو داود: سنة (15)، وابن ماجه: فتن (3)، ومسلم: إيمان (100)، والنسائي: قطع السارق (1)، وقسامة (9).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3027 - ما سار في سبل المعالي سيره ... ولا كفى في النّائبات غيره (¬1) أراد: ما سار سائر غيره، ولا كفى كاف غيره. ومثله قول الشاعر: 3028 - فإن كان لا يرضيك حتّى تردّني ... إلى قطريّ لا إخالك راضيا (¬2) أراد: فإن كان لا يرضيك مرض، ومن وقوعه بعد النهي قراءة هشام (¬3): ولا يحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا (¬4)، أي: ولا يحسبن حاسب، وعلى هذا يحمل قول الشاعر: 3029 - لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت كأنه قال لم يمنع الشرب منها مانع غير أن نطقت، والنصب على الحالية أو على الاستثناء. وأما قوله تعالى: مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ (¬5) فعلى تقدير: ومنا صنف دون ذلك؛ فحذف الموصوف وقامت صفته مقامه كما قال الشاعر: 3030 - لكم مسجد الله المزوران والحصى ... لكم قبصة من بين أثرى وأقترا (¬6) أراد: من بين من أثرى ومن أقتر؛ فحذف «من» وهي نكرة موصوفة وأبقى صفتها وبمثل هذا يوجه قوله تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ (¬7)؛ فحذف «حول» مصدر (حيل) وأقيمت صفته مقامه ومثله قول الشاعر: 3031 - ولم يترك النّبل المخالف بينها ... أخ لأخ يرجى ومأثورة الهند (¬8) أراد: المخالف خلاف بينها؛ فحذف الموصوف وهو مفعول ما لم يسم فاعله - ¬

_ (¬1) انظره في التذييل (7/ 257). (¬2) من الطويل لسوار بن المضرب. الأشموني (2/ 45)، والخصائص (2/ 433)، والشجري (1/ 185) والمحتسب (2/ 192). (¬3) هشام بن عمار بن ميسرة السلمي من القراء المعروفين وله «فضائل القرآن» (ت: 245 هـ) - الأعلام (9/ 83)، وميزان الاعتدال (3/ 255). (¬4) سورة آل عمران: 169، وينظر: البحر المحيط (3/ 112). (¬5) سورة الجن: 11. (¬6) من الطويل للكميت. الأشموني (3/ 70)، والإنصاف (721)، والعيني (4/ 84)، واللسان: «قبص». (¬7) سورة سبأ: 54. (¬8) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقام صفته مقامه. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬1). ويتعلق به أبحاث: الأول: ظاهر ما ذكره أن الإضافة إلى الجمل مقصورة على ما ذكره وهو أسماء الزمان المبهمة وأربع الكلمات التي تضمنها الفصل وهي «آية» بمعنى: علامة، و «لدن»، و «ريث»، و «ذو» من قولهم: اذهب بذي تسلم، وليس كذلك؛ فإن «حيث» تضاف إلى الجملة وليست ظرف زمان ولا هي من الكلمات التي ذكرها؛ بل هي ظرف مكان. ثم ما يضاف إلى الجمل من أسماء الزمان وغيرها منه ما إضافته إليها واجبة، ومنه ما إضافته جائزة كما عرف ذلك من تفاصيل الأبواب. وأفهم قوله: (أسماء الزمان) أن اسم الزمان يضاف إلى الجملة على الإطلاق سواء كان ظرفا أم غير ظرف. قال الشيخ (¬2): وقوله: (غير المحدودة) تأكيد؛ لأن (المبهمة) كان يغني عن الوصف بـ (غير المحدودة). ولقائل أن يقول: إن المختص من أسماء الزمان هو المتعين الزمان منها، كأسماء الأيام والشهور فإنها تعين مسماها، وما لا يتعين مسماه فهو المبهم. ثم المبهم منه معدود وغير معدود؛ فـ «يومان» مثلا مبهم معدود و «وقت» و «زمن» و «حين» مثلا مبهم غير معدود. ولا شك أن المعدود محدود، وإذا كان الأمر كذلك والفرض أن المحدود لا يجوز فيه الإضافة المذكورة تعين أن يقيد قوله: (المبهمة) بقوله: (غير المحدودة). وقد تقدم في باب المفعول المطلق أن المعدود من قبيل المختص؛ فيكون قسيما للمبهم. والآن قد ذكرنا أن المعدود من قبيل المبهم فيكون قسما منه. والذي يظهر أن كونه قسما أولى من كونه قسيما. الثاني: ذكر المصنف في شرح باب «لا» العاملة عمل «إن» عن المبرد أنه قال: العرب - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (3/ 265). (¬2) التذييل (7/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: أعجبني يوم زرتني؛ فتبني، وأعجبني يوما زرتني؛ فتعرب (¬1). وهذا صريح في جواز إضافة أسماء الزمان المحدودة إلى الجملة. وجرى ذكر هذه المسألة مرة في مجلس فيه المعتبرون من أهل الفن فذكرت لهم ما ذكره المصنف عن المبرد فقال بعض الجماعة: هذا منقوض بقوله في باب الإضافة: (تضاف أسماء الزمان المبهمة غير المحدودة إلى الجمل) فأجبت بأن لا مناقضة؛ وذلك أنه إنما قيد الأسماء المذكورة بعدم التحديد ليرتب على ذلك بناءها ومن ثم قال: فيبنى وجوبا إن كان كذا وجوازا إن كان كذا، وإذا كان كذلك فلا يمتنع إضافة أسماء الزمان المحدودة إلى الجمل، لكنها إذا أضيفت تكون معربة، ولا يجيء فيها البناء كما كان في غير المحدودة. فاستحسنه الجماعة وكنت جازما بذلك. لكن لما وقفت على قوله في الشرح هنا: ولا يضاف إليها يوما ولا ليلتان ولا أسبوع ولا شهر أشكل الأمر؛ لأنه صرح بأن المحدودة لا تضاف وأطلق وحينئذ يعود السؤال وهو أن يقال: كيف قال هنا: إن المحدودة من أسماء الزمان لا تضاف وقال في باب «لا»: إن العرب تقول: أعجبني يوما زرتني؛ فتعرب، ولا شك أن اليومين مضافان إلى «زرتني» مع أنهما معربان حال إضافتهما. والذي ذكره المصنف هنا قد صرح به ابن عصفور حيث قال: ولا يضاف إلى جملة أسماء الزمان غير المثناة. وكلام الشيخ (¬2) موافق لذلك. وذكر السهيلي العلة في امتناع إضافة المبني إلى الجمل. فقال: لأن الحدث إنما يقع مضافا للظرف الذي هو وقت له فلا معنى لذكر وقت آخر (¬3). قال: ووجه آخر وهو أن الجملة المضاف إليها هي نعت للظرف في المعنى فقولك: يوم قدم زيد؛ كقولك: يوم قدم زيد فيه، في المعنى. والفعل لا تدخله التثنية فلا يصح [4/ 92] أن يضاف إليه الاثنان كما لا يصح أن ينعت الاثنان بواحد. ووجه ثالث وهو أن قولك: قام زيد؛ لا يصح إلا أن يكون جوابا لـ «متى»، واليومان جواب لـ «كم» وما هو جواب لـ «كم» لا يكون جوابا لـ «متى» أصلا؛ فإن - ¬

_ (¬1) المقتضب (4/ 374) وما بعدها. (¬2) في التذييل (7/ 236) قال: (وذهب ابن كيسان إلى جواز إضافة المثنى إلى الجملة، والصحيح المنع؛ إذ لم يسمع، نصّ على ذلك ابن السراج). (¬3) التذييل (7/ 237).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أضفت اليومين كنت مناقضا لجمعك بين الكمية وبين ما لا يكون إلا لـ «متى» (¬1). هذا ما نقلته من شرح الشيخ. ولم أفهم شيئا من الوجه الأول، ولا الثاني، ولا الثالث. ثم إني لم أعلم الموجب لاقتصار ابن عصفور على إخراج المثناة. ولا شك أن قول المصنف: (غير المحدودة) يشمل المثنى وغيره مما هو محدود؛ ولهذا قال: فأخرجت بـ (غير المحدودة) ما يدل على عدد دلالة صريحة كـ: «يومين» و «أسبوع» و «شهر». ولكن قال الشيخ: وأما ما كان من الظروف غير مثنى ودل على استحضار ما تحته من العدد استحضارا أوليّا كـ: «أسبوع» و «شهر» و «عام» فنص بعض أصحابنا على جواز إضافته إلى الجمل. ومنع المصنف ذلك في كل ما دل على عدد دلالة صريحة كـ: «أسبوع» و «شهر» (¬2). وأقول: إن الذي ذكره المصنف هو الظاهر بل الحق. ويدل على صحته أن الشيخ بعد ذكره ما تقدم نقل عن صاحب البديع (¬3) أنه قال: الأوقات التي تضاف إلى الجمل هي ما كانت حينا وزمانا لا يختص به شيء دون شيء ويقبح في الموقت نحو: «شهر»، و «سنة» حتى قالوا: لا يضاف شيء له عدد نحو: «يومين» (¬4). انتهى. وهذا موافق لما ذكره المصنف. ومما ينبه عليه أن الجمع ليس حكمه حكم المثنى؛ لأنه غير محدود وإنما حكمه حكم المفرد. وقد تقدم ما أنشده المصنف من قول الشاعر: 3032 - أزمان قومي والجماعة ... ... البيت وقول الآخر: 3033 - أيّام لو تحتلّ وسط مفازة ومنه قول الآخر: 3034 - ليالي أفناد الهوى ويقودني ... تحول بنا ريحانه وتحاوله (¬5) - ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) السابق. (¬3) هو محمد بن مسعود الغزني، أكثر أبو حيان من النقل عنه، وذكره ابن هشام في المغني، وله ذكر في جمع الجوامع (ت: 421 هـ). وانظر: البغية (1/ 245)، وكشف الظنون (236). (¬4) التذييل (7/ 237). (¬5) من الطويل لجرير. ديوانه (479)، والتصريح (1/ 318)، (2/ 199)، والدرر (2/ 145)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الثالث: ذكر الشيخ عن صاحب البسيط (¬1) أن هذه الإضافة - أعني إلى الجمل - هل تفيد تعريفا، أو لا؟ قال: فقد يقال: لا تفيد تعريفا؛ لأن الجمل نكرات، وقد يقال: إن الجمل تقدر بالمصادر والمصدر يضاف في التقدير إلى الفاعل أو المفعول، فكان معرفة إن كان المضاف إليه كذلك؛ لأن إضافة المصدر محضة، قال: وفيه نظر؛ لأن تقدير الجملة تقدير المصنف ليس على جهة أن الظرف سابك، وإنما هو تقدير المعنى كما في همزة التسوية، وإذا كان كذلك فلا التفات إلى هذه الإضافة بالنسبة إلى التعريف كما لا يتعرف قولك: غلام رجل، وأنت تريد واحدا بعينه، وأيضا فإنه لا يلزم في المصدر أن يضاف؛ بل قد يقدر منونا عاملا (¬2). انتهى. وهو كلام حسن إلا أنه قال: وحصر النحويين الإضافة التي لا تفيد تعريفا في ما حصروه يدل على أن هذه الإضافة تفيد التعريف (¬3). وأقول: إن حصر النحويين الإضافة التي لا تفيد تعريفا في ما حصروه إلى آخره ليس فيه دليل على أن هذه الإضافة تفيد التعريف؛ لأن الإضافة إلى الجمل إنما هي على خلاف الأصل إذ الأصل الإضافة إلى المفرد، فالتقسيم الذي ذكروه - وهو أن الإضافة تفيد تعريفا ولا تفيده - إنما هو راجع إلى ما هو الأصل وهو الإضافة إلى المفرد، أما المضاف إلى الجملة من أسماء الزمان وغيرها فله حكم نفسه؛ إن كان معلوما قبل أن يضاف فمعلوم بعد الإضافة، أو غير معلوم فغير معلوم، ولا مدخل للإضافة في إفادة ذلك. البحث الرابع: قد عرفت أن المصنف اختار مذهب الكوفيين وهو جواز بناء اسم الزمان المضاف إلى جملة مصدرة باسم أو فعل معرب، وقد استدل على ذلك بما تقدم ذكره. - ¬

_ - وشرح المفصل (4/ 35)، والعيني (3/ 7)، (4/ 311)، والنقائض (632)، والهمع (2/ 111). (¬1) هو ابن العلج وقد تقدم. (¬2) التذييل (7/ 239). (¬3) السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال الشيخ فيه: تأول البصريون قوله تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ (¬1) على أن هذا ليس إشارة إلى اليوم في قراءة النصب بل هو إشارة إلى الوعد وهذا مبتدأ، ويَوْمُ يَنْفَعُ خبره كأنه قيل: هذا الوعد يوم ينفع، وكذلك تأولوا يَوْمَ لا تَمْلِكُ (¬2) على أنه منتصب بإضمار فعل؛ أي: اذكر يوم لا تملك، وكذلك يحتمل قوله: 3035 - إذا قلت هذا حين أسلو أن يكون التقدير: هذا حالي حين أسلو؛ فيكون خبر «هذا» محذوفا لفهم المعنى (¬3). ثم قال: وما ذكره - يعني المصنف - لا يلزم؛ لأنه بناه على أن هذا إشارة إلى اليوم كهو في قراءة من رفع (¬4)، وقد ذكرنا أن البصريين تأولوا ذلك. قال: وأما مباينة التقدير باعتبار القرائن فلا تضر؛ لأن القراءتين تتنزلان في الآية الواحدة منزلة الآيتين، وأما كون الوقت واحدا فيمكن أن يقع فيه أقوال متباينة. وأما أن المعنى واحد فغير مسلم؛ وقد تتعدد المقولات المحكية والزمان واحد وأما يَوْمَ لا تَمْلِكُ؛ فقد ذكرنا أن نصبه على تقدير: «اذكر» (¬5). انتهى. والناظر الحاذق إذا قابل ما ذكره وما أشار إليه من تأويل البصريين بما ذكره المصنف علم ما بينهما من التفاوت وأن كلام المصنف في النقاع والكلام الذي قوبل به في الحضيض. وفي شرح الشيخ: ومما يجوز فيه الإعراب والبناء هذه الظروف إذا أضيفت إلى «إذ» التي لحقها تنوين العوض نحو: «حينئذ» و «ساعتئذ» و «ليلتئذ» و «يومئذ» أو التي لم يلحقها نحو: جئت يومئذ قام زيد (¬6)، وقال في قول المصنف: (فإن صدرت باسم أو فعل معرب جاز الإعراب باتفاق والبناء خلافا للبصريين): إن ذكر جواز الإعراب في هذه المسألة ليس جيدا؛ لأن الإعراب في المسألتين متحتم عند البصريين وجائز عند الكوفيين؛ إذ يخيرون في المسألتين بين الإعراب والبناء. قال: فقد اختلف مدرك المذهبين؛ فلا يمكن [4/ 93] أن يقال في ذلك: جاز - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 119. (¬2) سورة الانفطار: 19. (¬3) التذييل (7/ 241، 242). (¬4) الرفع في هذا يوم ينفع قراءة غير نافع وفي يوم لا تملك لابن كثير وأبي عمرو. راجع البحر المحيط (4/ 63)، (8/ 437)، وحجة ابن زنجلة (242، 753، 754)، وابن مجاهد (250). (¬5) التذييل (7/ 242). (¬6) التذييل (7/ 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعراب باتفاق (¬1). انتهى. والجواب: أننا نعرف تحتّم الإعراب عند البصريين من قوله: (والبناء خلافا للبصريين) فكلامه سديد، لا مؤاخذة فيه. البحث الخامس: قد عرفت أن المصنف فسر قولهم: بذي تسلم: بذي سلامتك، ففهم من كلامه أن «ذي» بمعنى «صاحب» كما هي في قولهم: بذي سلامة، قالوا: والمعنى: اذهب في وقت ذي سلامة، وقد ذكروا في معناه غير ذلك والظاهر ما أشرنا إليه. وقد عرفت ما ذكره المصنف عن ابن السكيت أنه حكاه عن العرب وهو أنهم قالوا في القسم: لا بذي تسلم ما كان كذا. وفي شرح الشيخ: وقالوا: لا أفعل بذي تسلم، ولا أفعل بذي تسلمان، (ولا أفعل بذي تسلمون) (¬2)، وفي الأبيات أيضا يعني أنهم يقولون: افعل بذي تسلم (¬3)، وفي شرح الشيخ أيضا: أن بعضهم ذهب إلى أن «ذي» من قولهم: بذي تسلم - بمعنى «الذي» فهي موصولة و «تسلم» صلة لها وذلك على لغة طيئ وأعربت على لغة بعضهم، والمعنى اذهب في الوقت الذي تسلم فيه ثم اتسع فحذف الجار وأوصل الفعل فصار تسلمه ثم حذف الضمير. قال: فعلى هذا القول لا إضافة ولا شذوذ. قال: وإلى نحو هذا ذهب ابن الطراوة (¬4). البحث السادس: قد عرفت أن الجملة المضاف إليها اسم الزمان لا يعود منها ضمير عليه، وأنه إن ورد ذلك عدّ نادرا كقوله: 3036 - وتسخن ليلة لا يستطيع ... نباحا بها الكلب إلّا هريرا (¬5) - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 240، 241). (¬2) ليس في التذييل. (¬3) التذييل (7/ 248). (¬4) التذييل (7/ 248)، والارتشاف (2/ 528)، وابن الطراوة: أبو الحسين سليمان بن محمد. سمع من الأعلم كتاب سيبويه، كان جريئا في آرائه وغلط سيبويه في «باب النعت». له الترشيح، والمقدمات على الكتاب (ت: 528 هـ). سبقت ترجمته. (¬5) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 3037 - مضت سنة لعام ولدت فيه ... وعشر بعد ذلك وحجّتان (¬1) هذا رأي المصنف كما تقدم له ذكره. وأما ابن عصفور فإنه منع ذلك جملة؛ لأنه لما ذكر أن ذلك لا يجوز. قال: فإن كان ضمير عائد عليه فصلته عن الإضافة وكانت الجملة صفة: فأما قوله: مضت سنة ..... ... ........ البيت فيتخرج على أن يكون «فيه» متعلقا بفعل مضمر التقدير: أعني فيه، ويكون «أعني» مع معمولها جملة اعتراض (¬2). وغير ابن عصفور قدّر «ولدت» أخرى وجعلها العاملة التقدير لعام ولدت ولدت فيه. وأما البيت الآخر فقد خرج على حذف التنوين من ليلة كما حذف من قول الآخر: 3038 - شلّت يدا وحشيّ من قاتل (¬3) وأما المصنف فلم يعرج على تخريج، وإنما جعل الضمير عائدا من الجملة المضاف إليها على اسم الزمان على سبيل الندور. المبحث السابع: قد يفهم قول المصنف: (ويجوز في رأي الأكثر بناء ما أضيف إلى مبني من اسم ناقص الدلالة) أنه لا يرى ذلك. ويدل على أن هذا مراده أنه خرج جميع ما استشهد به على البناء أحسن تخريج كما عرفت. ولم يطعن الشيخ في شيء من ذلك غير أنه بعد أن أورد كلامه قال: وما ذهب إليه من حذف الفاعل والمفعول الذي لم يسم فاعله هو منزع كوفي وليس مذهب البصريين (¬4). ولم يزد الشيخ على ذلك. وهذا عجب؛ فإن المصنف استدل على حذف الفاعل بعد النهي بالآية الشريفة، وبعد النفي بالحديث الشريف؛ فكان الواجب أن يجيب عن الاستدلال المذكور. ولا شك أن ما استدل به ظاهر الدلالة في المراد لا دافع له؛ فوجب القبول. ¬

_ (¬1) تقدم ذكره. (¬2) المقرب (1/ 216). (¬3) انظره في التذييل (7/ 249). (¬4) التذييل (7/ 258).

[حذف أحد المتضايفات، والجر بالمضاف المحذوف]

[حذف أحد المتضايفات، والجر بالمضاف المحذوف] قال ابن مالك: (فصل: يجوز حذف المضاف للعلم به ملتفتا إليه ومطّرحا ويعرب بإعرابه المضاف إليه قياسا إن امتنع استبداده به وإلّا فسماعا. وفي قيامه مقامه في التّذكير والتّأنيث وجهان. وقد يخلفه في التّنكير إن كان المضاف مثلا، وقد يحذف مضاف ومضاف إليه، ويقام ما أضيف إليه الثّاني أو ما أضيف إليه صفة للثّاني محذوفة مقام ما حذف، وقد يقام مقام مضاف محذوف مضاف إلى محذوف قائم مقامه رابع. وقد يستغنى بمضاف إلى مضاف إلى مضاف إلى رابع عن الثّاني والثّالث، ويجوز الجرّ بالمضاف محذوفا إثر عاطف متّصل أو منفصل بـ «لا» مسبوق بمضاف مثل المحذوف لفظا ومعنى. وربّما جرّ المضاف المحذوف دون عطف، ومع عاطف مفصول بغير «لا»). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): إذا كان المضاف لا يجهل معناه بحذف لفظه جاز أن يحذف ويجعل المضاف إليه معربا بإعرابه ونائبا عنه في ما جيء بالإعراب لأجله، وإن قدر لفظ المحذوف والتفت إليه رتب على وفقه ما بعد القائم مقامه كقوله تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ (¬2) فإن الأصل: أو كذي ظلمات؛ فحذف «ذو» وأقيمت ظلمات مقامه لفظا والتفت إليه معنى؛ فذكر الضمير. ولولا الالتفات إلى المعنى لأنث كما أنث في قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها (¬3) ولو التفت هنا لقيل: الذين كنا فيها. ومن الالتفات إلى المحذوف قراءة الحسن: (فجعلناها حصيدا كأن لّم يغن بالأمس) (¬4) بالياء؛ لأن الأصل: فجعلنا زرعها حصيدا، ومن الالتفات إلى المحذوف قولهم: قرأت هودا؛ بالتنوين يريدون: سورة هود، ولو جعل المضاف مطرحا لفظا ونية لقيل: قرأت هود؛ بلا - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 265). (¬2) سورة النور: 40. (¬3) سورة يوسف: 82. (¬4) البحر المحيط (5/ 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تنوين لأنه على هذا القصد اسم للسورة فلا ينصرف للتعريف والتأنيث، ومن الالتفات إلى المحذوف قوله: 3039 - يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل (¬1) أراد: ماء بردى فحذف ملتفتا إلى الماء فذكر، ولولا ذلك لقال: تصفق؛ لأن «بردى» اسم مؤنث، ثم إن القائم مقام المضاف إن امتنع استبداده به فهو قياسي وإن صح استبداده به فهو سماعي والمراد باستبداده به أن يكون المضاف إليه صالحا للفاعلية إن كان المضاف فاعلا، ولغير فاعلية إن كان غير فاعل؛ فالحذف في وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (¬2) قياسي؛ لعدم استبداد [4/ 94] القرية بوقوع السؤال عليها حقيقة. وكذا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ (¬3) أي: حب العجل هو أيضا قياسي لعدم صلاحية العجل لأن يكون مشربا في قلوبهم، وكذا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ (¬4) أي: ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات، ومنه قول الأعشى: 3040 - فارقنا قبل أن نفارقه ... لمّا قضى من جماعنا وطرا (¬5) أي: قبل إرادة أن تفارقه لا بد من هذا التقدير؛ لأن الفراق لا يكون من أحد المتفرقين قبل الآخر. وأجاز ابن جني: جلست زيدا؛ على تقدير: جلست جلوس زيد (¬6)، ولا أرى ذلك؛ لأن المعنى لا يتعين لاحتمال أن يراد: جلست إلى زيد؛ فحذفت «إلى» وانتصب ما كان مجرورا بها بخلاف الأمثلة التي مرت؛ فنوعها قد أمن فيه اللبس وجعل قياسا بخلاف ما يوجد فيه الجزآن صالحين لعمل العامل حقيقة نحو: ضربت غلام زيد؛ فإنه لو قيل فيه: ضربت زيدا، لم يفهم المراد؛ لأن «زيدا» يصح استبداده بمفعولية «ضرب» فيمتنع الحذف من هذا النوع ما لم - ¬

_ (¬1) من الكامل لحسان بن ثابت. ديوانه (122)، والأشموني (2/ 272)، والخزانة (2/ 236)، والدرر (64)، والهمع (2/ 51). هذا، والبريص: موضع بالشام، وبردى: نهر بدمشق، والرحيق: الخمر. (¬2) يوسف: 82. (¬3) سورة البقرة: 93. (¬4) سورة الإسراء: 75. (¬5) من المنسرح للربيع بن ضبع. المحتسب (1/ 167)، والمغني (689). (¬6) المغني (604).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ توجد قرينة تدل على المراد كقولك: مررت بالقرية فأكرمتني؛ فإنه جائز وإن كان أهل القرية والقرية صالحين لتعدية المرور إليهما حقيقة لكن ذكر الإكرام بيّن أن المراد الأهل؛ فجاز الحذف، وكذلك لو فهم المراد بغير قرينة لفظية لم يمتنع الحذف أيضا، ومنه قول عمر بن أبي ربيعة رحمه الله تعالى: 3041 - لا تلمني عتيق حسبي الّذي بي ... إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني (¬1) أراد بـ «عتيق» ابن أبي عتيق، كذا قال من عني بشعر ابن أبي ربيعة. ومن هذا النوع قول الشاعر: 3042 - فمن كان يرجو الصّلح فيه فإنّه ... كأحمر عاد أو كليب لوائل (¬2) أراد: كأحمر أمثال عاد؛ لأن المراد عاقر الناقة، وهو من ثمود لا من عاد؛ فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه مع صلاحيته للاستبداد بعمل العامل، ومثله: 3043 - وماديا تخيره سليم يكا ... د شعاعه يغشّي العيونا (¬3) أراد: تخيره أبو سليمان؛ فرخم «سليمان» مضطرّا وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه مع صلاحيته للاستبداد بفاعلية «تخيره»، ومن مستحسن هذا النوع قول الشاعر: 3044 - فدقّت وجلّت واسبكرّت وأكملت ... فلو جنّ النّاس من الحسن جنّت (¬4) أراد: فدقّ خصرها وجلت عجيزتها واسبكرت قامتها وأكملت محاسنها؛ فحذف مع صلاحية المضاف إليه لفاعلية كل واحد من هذه الأفعال؛ لأن عطف بعضها على بعض بين المعنى فحسن الحذف. ونبهت بقولي: (ونائبا عنه في ما جيء بالإعراب لأجله) على وقوع المضاف إليه خلفا عن المضاف في ما كان له من فاعلية نحو: بنو فلان يطؤهم الطريق، ومن مفعولية نحو: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ (¬5)، ومن ظرفية نحو: آتيك طلوع الشمس، ومن مصدرية كقول الأعشى: - ¬

_ (¬1) من الخفيف. ديوانه (291)، والتصريح (2/ 55). (¬2) من الطويل. التذييل (7/ 260). (¬3) انظره في التذييل (7/ 260). (¬4) من الطويل للشنفري. مجالس ثعلب (358) برواية: «إنسان» بدل «الناس». (¬5) سورة يوسف: 82.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3045 - ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... [وعادك ما عاد السّليم المسهّدا] (¬1) أراد: اغتماض ليلة أرمدا؛ فحذف المصدر وجعل «ليلة» قائما مقامه في المصدرية كما قام المصدر مقام الظرف في طلوع الشمس وشبهه. وجعل ابن جني من هذا رواية بعض رواة أبي عمرو عنه وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا (¬2) بضم النون وتخفيف الزاي على تقدير: ونزل نزول الملائكة تنزيلا (¬3)، وفيه عندي نظر. وإن كان المضاف المحذوف «مثلا» جاز الحكم على المضاف إليه بالتنكير فينعت به نكرة نحو: مررت برجل زهير شعرا، وهذا زيد زهير شعرا؛ لأن الأصل: مررت برجل مثل زهير، وهذا زيد مثل زهير؛ فحذف لفظ «مثل» ونوي معناه فجرى مجراه ما نوي فيه معناه وإن كان لفظه لفظ المعرفة. ومن هذا النوع قولهم: تفرّقوا أيادي سبا (¬4) فجعلوه حالا وهو في اللفظ معرفة؛ لأنهم أرادوا: مثل «أيادي سبأ» فحذف «مثل» وأقيم ما كان مضافا إليه مقامه في التنكير والإعراب. وروى الثقات: يا أيادي سبا؛ بالسكون مع أن الموضع موضع نصب، لكن خفف للتركيب فألزم السكون كما ألزم السكون يا معديكرب. وقد يحملهم العلم بالمحذوف على حذف مضاف ومضاف إليه مضاف هو إلى ثالث مستغنى به عن الأول والثاني؛ فمن ذلك قوله تعالى: تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (¬5) أي: دورانا كدوران أعين الذي يغشى عليه من الموت. وقد تكون أربعة أسماء مضاف أولها إلى موصوف بثالث مضاف إلى رابع؛ فتحذف الثلاثة ويكتفى بالرابع كقول الشاعر: 3046 - طليق الله لم يمنن عليه ... أبو داود وابن أبي كثير ولا الحجّاج عيني بنت ماء ... تقلّب طرفها حذر الصّقور (¬6) - ¬

_ (¬1) من الطويل. ديوانه (135)، والمحتسب (2/ 121)، والمقتضب (1/ 204). (¬2) سورة الفرقان: 25. (¬3) المحتسب (2/ 120، 121)، والبحر المحيط (6/ 494). (¬4) مثل من أمثال العرب. مجمع الأمثال (1/ 275)، وابن يعيش (4/ 123). (¬5) سورة الأحزاب: 19. (¬6) من الوافر لإمام بن أقرم. الشجري (1/ 344)، والكتاب (1/ 254).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: ولا الحجاج صاحب عين مثل عيني بنت ماء؛ فحذف الأول والثاني والثالث الموصوف به الثاني وأقام مقام الثلاثة الرابع. وقد تكون أسماء مضاف أولها إلى ثانيها، وثانيها إلى ثالثها، وثالثها إلى رابعها، فيحذف الأول والثالث، ويبقى الثاني والرابع قائمين مقامهما فيما كان لهما من الإعراب كقول الشاعر: 3047 - أبيتنّ إلّا اصطياد القلوب ... بأعين وجرة حينا فحينا (¬1) أراد: بمثل أعين ظباء وجرة؛ فحذف الأول والثالث وأقام مقامها الثاني والرابع، ومثله قول أبي ذؤيب (¬2): 3048 - فإنّك منها والتّعذّر بعد ما ... لججت وشطّت من فطيمة دارها كمثل الّتي قامت تسبّع سؤرها ... وقالت حرام أن يرحّل جارها (¬3) أراد: تسبع ذا سؤر كلبها؛ ففعل مثل ما فعل قائل البيت الأول. وإلى هذا النوع أشرت بقولي: (وقد يقام مقام مضاف محذوف مضاف إلى محذوف قائم مقامه رابع) [4/ 95] وأشرت إلى أن أصل مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ (¬4): من أثر حافر فرس الرسول؛ بقولي: (وقد يستغنى بمضاف إلى مضاف إلى مضاف إلى رابع). ثم أشرت إلى حذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مجرورا وأنه مقيس وغير مقيس. فأما المقيس فما حذف منه مضاف مذكور قبله مثله لفظا ومعنى بشرط كون المحذوف بعد عاطف منفصل بـ «لا» وغير منفصل كقولهم: ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (¬5)، وما مثل أبيك وأخيك يقولان ذلك، وكقوله: 3049 - أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقّد باللّيل نارا (¬6) - ¬

_ (¬1) من المتقارب. الارتشاف (2/ 530)، والتذييل (7/ 262). (¬2) خويلد بن محرث من بني هذيل شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام أشعر هذيل شهد دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (ت: 27 هـ). الأعلام (2/ 373)، والشعر والشعراء (2/ 653). (¬3) من الطويل، أنشده الفارسي. التذييل (7/ 262)، والكافية الشافية (2/ 973)، واللسان: «سبع». هذا ويروى: «أميمة» موضع «فطيمة». (¬4) سورة طه: 96. (¬5) مثل يضرب في موضع التهمة. الفاخر (195)، ومجمع الأمثال (2/ 210). (¬6) من المتقارب لأبي داود الإيادي، أو عدي بن زيد. ديوان أبي داود (353) والتصريح (2/ 56)؛ والكتاب (1/ 33)، والهمع (2/ 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقوله: 3050 - ولم أر مثل الخير يتركه الفتى ... ولا الشّرّ يأتيه امرؤ وهو طائع (¬1) وكقوله: 3051 - لو انّ طبيب الإنس والجنّ داويا ال ... لذي بي من عفراء ما شفياني (¬2) وكقوله: 3052 - لو أنّ عصم عمايتين ويذبل ... سمعا حديثك أنزلا الأوعالا (¬3) وكقوله: 3053 - ألم يحزنك أنّ جبال قيس ... وتغلب قد تباينتا انقطاعا (¬4) والأصل: ما كل سوداء ولا كل بيضاء، وما مثل أبيك ومثل أخيك يقولان، وأكل امرئ تحسبين امرأ، وكل نار، ولم أر مثل الخير ولا مثل الشر، ولو أنّ طبيب الإنس وطبيب الجن، ولو أن عصم عمايتين وعصم يذبل، وأن جبال قيس وجبال تغلب. وظن بعضهم أن الحذف في هذا النوع مشروط بتقدم نفي أو استفهام، وليس ذلك مشروطا، بل يجوز مع عدمهما كقول الشاعر: 3054 - لغير معتبط مغرى بطوع هوى ... ونادم مولع بالحزم والرّشد (¬5) ومثله: 3055 - كلّ مثر في رهطه طاهر العز ... ز وذي غربة وفقر مهين (¬6) أي: وغير نادم وكل ذي غربة. وأما غير المقيس مما خالف المقيس بخلوه مما قيد به كقراءة ابن جماز (¬7): (تريدون عرض الدّنيا والله يريد الآخرة)؛ بالجر (¬8) على - ¬

_ (¬1) من الطويل. الارتشاف (2/ 531)، والأشموني (3/ 206)، والتذييل (7/ 263). (¬2) من الطويل لعروة بن حزام. الدرر (2/ 65)، والهمع (2/ 52). (¬3) من الكامل. التذييل (7/ 262، 263). (¬4) من الوافر. وهو في التذييل (7/ 263). (¬5) من البسيط. وانظره في التذييل (7/ 263). (¬6) من الخفيف. الدرر (2/ 65)، والهمع (2/ 52). (¬7) سليمان بن مسلم بن جماز مقرئ جليل أقرأ بحرف أبي جعفر ونافع. مات بعد السبعين ومائة. غاية النهاية (1/ 315). (¬8) البحر المحيط (4/ 518).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدير: يريد عرض الآخرة، وكقول بعض العرب: رأيت التيمى تيم فلان؛ على تقدير: أحد تيم فلان، حكاه الفارسي (¬1). وكقول الشاعر: 3056 - رحم الله أعظما دفنوها ... بسجستان طلحة الطّلحات (¬2) على تقدير: أعظم طلحة الطلحات، وكقول الراجز: 3057 - الآكل مال اليتيم بطرا ... يأكل نارا وسيصلى سقرا (¬3) على تقدير: الآكل المال مال اليتيم، ومثله: 3058 - المال ذي كرم ينمي محامده ... ما دام يبذله في السّرّ والعلن (¬4) على تقدير: المال مال ذي كرم؛ فحذف البدل ونوي لفظه فبقي عمله. وعلى هذا يوجه على الأجود ما في حديث الدجال من قول بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم: قلنا يا رسول الله: ما لبثه في الأرض؟ قال: «أربعين يوما». أي: لبث أربعين يوما (¬5)، ومثله: «خير الخيل الأدهم الأرثم المحجّل ثلاث» (¬6) أي المحجل: محجل ثلاث؛ فحذف البدل وأبقى عمله كمثل ما فعل في البيتين المتقدمين، وقد يكون على حذف «في» قبل «ثلاث» والأول أجود؛ لتقدم مثل المحذوف. وفي صحيح البخاري: «فلمّا قدم جاءه بالألف دينار» (¬7)، أي: بالألف ألف دينار؛ فحذف البدل وأبقى عمله، وهذا في البدل نظير ما جاء في العطف من: نار توقّد، وأمثاله. وبهذا يوجّه ما رواه الكوفيون من قول العرب: الخمسة الأثواب، أي: الخمسة - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 95)، وهي إحدى المسائل التي سأل عنها أبو بكر الشيباني وستأتي قريبا. (¬2) من الخفيف لابن قيس الرقيات. ديوانه (20)، والإنصاف (41)، والدرر (2/ 162)، والهمع (2/ 127). (¬3) وانظره في الارتشاف (2/ 531)، والدرر (2/ 65)، والهمع (2/ 52). (¬4) من البسيط التذييل (7/ 264). (¬5) سنن أبي داود: الملاحم (14)، وشرح العمدة (244)، وشواهد التوضيح (39). (¬6) عن أبي قتادة الأنصاري، وقد تقدم. (¬7) عن أبي هريرة. البخاري: كتاب الكفالة (39) وباب الكفالة في القرض والديون والأبدان وغيرها (1)، وشواهد التوضيح (57).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خمسة الأثواب؛ فحذفوا البدل وأبقوا عمله. وعلى هذه الشواهد وأمثالها نبهت بقولي: (وربما جر المضاف المحذوف دون عطف ومع عاطف مفصول بغير «لا». انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬1). ولكن لا بد من الإشارة إلى أمور: منها: أن كون المضاف لا يحذف إلا أن يكون معلوما كالمجمع عليه ويقتضي النظر ذلك؛ لأن حذف الشيء مقصود دون دليل ممتنع. وظاهر كلام ابن عصفور ربما يوهم خلاف ذلك فإنه لا يجوز حذف المضاف إلا إذا كان الكلام مشعرا بحذفه فإن لم يشعر الكلام بذلك لم يجز إلا في الضرورة كقوله: 3059 - عشيّة مرّ الحارثيّون بعد ما ... قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر (¬2) يريد: ابن هوبر (¬3). والذي يفهم من كلام المصنف أن ما في هذا البيت إنما يحكم بضرورته من أجل إقامة المضاف إليه مقام المضاف في الإعراب؛ لأنه قال: إن القائم مقام المضاف في الإعراب إن امتنع استبداده به فهو قياسي، وإن صح استبداده به فهو سماعي .. إلى آخر كلامه المتقدم. ومنها: أن كلام المصنف يقتضي أن قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها (¬4) من قبل ما اطرح فيه النظر إلى المضاف المحذوف؛ لأنه قال: ولو التفت هنا لقيل: الذين كنا فيها، وما قاله لا يظهر؛ لأن المقصود بالوصف هو القرية لا أهل القرية. ويجوز أن يقال في غير القرآن العزيز: اسأل أهل القرية التي كنا فيها؛ فيجري الوصف على القرية مع كون المضاف إليها مذكورا، ولو كان المضاف هو المقصود بالوصف لم يجز بعد التصريح به إجراؤه على القرية التي هي المضاف إليه بل كان يتعين إجراؤه على المضاف. والحق أن لا يمثل لهذا الحكم بهذه الآية الشريفة، وإنما يمثل له بقوله تعالى: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 272). (¬2) من الطويل لذي الرمة. ديوانه (235)، والدرر (2/ 64)، وشرح المفصل (3/ 23)، والهمع (2/ 51). (¬3) المقرب (1/ 214)، (2/ 205). (¬4) سورة يوسف: 82.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ (¬1) في القراءة المشهورة؛ لأن الأصل فجعلنا زرعها حصيدا، وكذا يمثل له أيضا بقوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (¬2)؛ فقوله تعالى: أَهْلَكْناها فَجاءَها إنما هو بالنظر إلى اطراح المحذوف، وكما كان هذا بالنظر إلى اطراح المحذوف كأن قوله تعالى: أَوْ هُمْ قائِلُونَ بالنظر إلى الالتفات إليه فقد اشتملت الآية الشريفة على الأمرين. ومنها: أن المصنف ذكر كما عرفت [4/ 96] أن المضاف إليه يخلف المضاف في التنكير بعد الحذف إن كان المضاف «مثلا» نحو: مررت برجل زهير شعرا، وهذا زيد زهير شعرا. فقال الشيخ: قد ردوا على الخليل قوله في نحو: له صوت صوت الحمار؛ أن «صوت الحمار» صفة لـ «صوت» وإن كان بصورة المعرفة (¬3)؛ لأنه على تقدير: مثل صوت الحمار فاكتسى التنكير من المضاف المحذوف (¬4). قال: وقد ضعفه سيبويه وقبحه. وقال في مسألة: له صوت صوت حمار، وله خوار خوار ثور: إن كان معرفة لم يجز أن يكون صفة لنكرة كما لا يكون حالا (¬5). قال الشيخ: فعلى هذا لا تجوز المسألة التي قررها المصنف واتبع فيها الخليل؛ إذ ردّها سيبويه ومنعها (¬6). انتهى. وللمصنف أن يقول: إني أرى جواز هذه المسألة كما رآه الخليل ولا يلزمني موافقة سيبويه في ما رآه فيها. وكان الواجب أن يبطل الشيخ هذا الرأي بالدليل، لا أن يبطل قولا بقول. ثم قال الشيخ: وإذا كان المضاف مؤنثا مضافا إلى مذكر أو مذكرا مضافا إلى مؤنث جاز اعتبار التذكير والتأنيث فيقال: فقئ زيد وفقئت زيدا، على مراعاة: فقئت عين زيد، وجدعت هند وجدع هند على مراعاة: جدع أنف هند (¬7). - ¬

_ (¬1) سورة يونس: 24. (¬2) سورة الأعراف: 4. (¬3) الكتاب (1/ 361). (¬4) التذييل (7/ 261)، والكتاب (1/ 361). (¬5) السابق. (¬6) التذييل (7/ 261). (¬7) التذييل (7/ 261، 262).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنه قد يحذف مع المضاف غيره من مضاف آخر. والذي ذكره المصنف من ذلك أربع مسائل: الأولى: حذف فيها مضاف ثم المضاف إليه ذلك المضاف، وأقيم الثالث كما في قوله تعالى: تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (¬1) أي: كدوران أعين الذي يغشى عليه من الموت. الثانية: حذف فيها ثلاثة متضايفات كالأولى وصفة وأقيم الرابع وهو ما كانت الصفة مضافة إليه كما في قول القائل: 3060 - ولا الحجّاج عيني بنت ماء التقدير: ولا الحجاج صاحب عين مثل عيني بنت ماء. الثالثة: حذف فيها مضاف أول وبقي ما أضيف إليه وهو الثاني، ثم حذف مضاف آخر وهو الثالث وبقي ما أضيف إليه وهو الرابع كما في البيت المتقدم: بأعين وجرة التقدير: بمثل أعين ظباء وجرة. الرابعة: أن يكون في الكلام متضايفات أربع فيحذف ثان وثالث ويبقى أول ورابع كما في قوله تعالى: مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ (¬2) أي: من أثر حافر فرس الرسول. ومنها: أن ابن عصفور قال في المقرب: وقد لا يعرب المضاف إليه بعد الحذف بإعراب المضاف، وذلك إذا تقدم في اللفظ ذكر المحذوف نحو قولهم: ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة (¬3). فقال الشيخ: ظاهر كلامه - يعني - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 19. (¬2) سورة طه: 96. (¬3) المقرب (1/ 214).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عصفور - أنه لا يشترط العطف لا متصلا ولا منفصلا بـ «لا» بخلاف كلام المصنف ... فيكون من ذلك «طلحة الطّلحات» (¬1). انتهى. ولقائل أن يقول: لا شك أن الجار عامل ضعيف؛ لافتقاره إلى ذكر شيء معه لعدم استقلاله. ولا يليق بما هو ضعيف أن يعمل محذوفا، ولهذا يعرب المضاف إليه بإعراب المضاف بعد حذفه وإنما بقي الجر بعد الحذف في مثل: ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة؛ لموجب وهو الفرار من العطف على عاملين فجعل لذلك المضاف المحذوف في حكم المذكور مع تقدم ذكر مضاف مثل المحذوف. وأما بقاء الجر بعد حذف المضاف دون عطف إذا تقدم ذكر مثل المضاف المحذوف فلا شك في ثبوته. وقد ذكر المصنف - كما عرفت عليه - شواهد ولكنه غير مقيس؛ إذ لا موجب للقول به بخلاف ما إذا وجد العطف؛ فإن للقول به موجبا وهو الفرار من العطف على عاملين، ولهذا كان مقيسا. وعلى هذا فالذي ينبغي الاستمساك بكلام المصنف والوقوف عنده. على أن ابن عصفور لم يمثل المسألة إلا بالعطف وربما تمثيله بذلك يصرف كلامه عن ظاهره. ثم إن الشيخ لما ذكر ما قاله المصنف عن الفارسي وهو أن بعض العرب يقول: رأيت التيمي تيم فلان؛ على تقدير: أحد تيم فلان (¬2). قال: وهذه المسألة إحدى المسائل التي سأل عنها أبو بكر الشيباني (¬3) أنفدها من طبرية إلى أبي القاسم الزجاجي بدمشق وهي: هذا زيد السعدي سعد بكر؛ كيف يعرب «سعد»؟ وما الاختيار فيه؟ فقال: يختار فيه الكوفيون الخفض على معنى «زيد» من «سعد» ثم يقول: سعد بكر؛ على الترجمة لأنا نريد بهذا الكلام الإضافة وليس يمتنعون من إجازة نصبه. فأما أصحابنا البصريون فلا يجيزون خفض هذا ألبتة. وإنما يجيزون النصب بتقدير: أعني، والرفع بتقدير: هو (¬4). انتهى. ولا شك أن هذا النقل عن البصريين يمنع أن يكون ابن عصفور لا يشترط العطف في هذه المسألة - أعني بقاء جر المضاف إليه بعد حذف المضاف إذا كان مسبوقا بمضاف مثل المحذوف - لأنه لا يخرج عن مذهب البصريين. ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 263). (¬2) التذييل (4/ 95). (¬3) شعبة بن عياش الأسدي من أعلام القراء، وهو راوية عاصم كان فقيها في الدين (ت: 193 هـ). الأعلام (3/ 242)، والنشر (1/ 156). (¬4) التذييل (4/ 95).

[الفصل بين المتضايفين، وأحكامه]

[الفصل بين المتضايفين، وأحكامه] قال ابن مالك (فصل: يجوز في الشّعر فصل المضاف بالظّرف والجار والمجرور بقوّة إن تعلّقا به، وإلّا فبضعف ومثله في الضّعف الفصل بمفعول به متعلّق بغير المضاف وبفاعل مطلقا وبنداء ونعت وفعل ملغى. وإن كان المضاف مصدرا جاز أن يضاف نظما ونثرا إلى فاعله مفصولا بمفعوله، وربّما فصل في اختيار اسم الفاعل المضاف إلى المفعول بمفعول آخر أو جار ومجرور). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): من أمثلة فصل المضاف بالظرف قول الشاعر: 3061 - فرشني بخير لا أكونن ومدحتى ... كناحت يوما صخرة بعسيل (¬2) [4/ 97] ومن أمثلة فصله بالجار والمجرور قول الآخر: 3062 - لأنت معتاد في الهيجا مصابرة ... يصلى بها كلّ من عاداك نيرانا (¬3) فتقدير الأول: كناحت صخرة يوما، وتقدير الثاني: لأنت معتاد مصابرة في الهيجا؛ فهذا النوع من أحسن الفصل؛ لأنه فصل بمعمول المضاف فكان فيه قوة وهو جدير بأن يجوز في الاختيار ولا يخص بالاضطرار، وبذلك أقول؛ لوروده في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» (¬4) ففصل بالجار والمجرور؛ لأنه متعلق بالمضاف، وهو أفصح الناس؛ فدل ذلك على ضعف قول من خصه بالضرورة. وفي كلام بعض من يوثق بعربيته: ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها (¬5). ففصل في الاختيار بالظرف فعلم أن مثله لا حجر على المتكلم به ناظما وناثرا وإنما يحجر على من فصل بما لا يتعلق بالمضاف كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 273). (¬2) من الطويل. الأشموني (3/ 308)، والتصريح (3/ 58)، والعيني (3/ 347). (¬3) من البسيط. التذييل (7/ 267)، والعيني (3/ 485). (¬4) في خصومة وقعت بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. البخاري (5/ 5)، (6/ 5)، والتصريح (2/ 58)، وشرح العمدة (236)، وشواهد التوضيح (163)، والكافية الشافية (2/ 992)، والهمع (2/ 52). (¬5) ينظر التذييل (7/ 267)، والتصريح (2/ 58)، والهمع (2/ 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3063 - كما خطّ الكتاب بكفّ يوما ... يهوديّ يقارب أو يزيل (¬1) ففصل بين «كف» و «يهودي» بـ «يوما» وهو متعلق بـ «خط»، فمثل هذا ضعيف حقيق بأن لا يجوز إلا في الضرورة لما فيه من الفصل بأجنبي. ومثله في الضعف والاختصاص بالضرورة الفصل بمفعول به متعلق بغير المضاف كقول جرير: 3064 - تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها ... كما تضمّن ماء المزنة الرّصف (¬2) أراد: تسقي ندى ريقتها المسواك. ومثله في الضعف الفصل بالفاعل مطلقا، أي: سواء في ذلك ما تعلق بالمضاف وما تعلق بغير المضاف؛ فالمتعلق به كقول الشاعر: 3065 - نرى أسهما للموت تصمي ولا تنمي ... ولا ترعوي عن نقض أهواؤنا العزم (¬3) أراد: ولا ترعوي عن أن تنقض أهواؤنا العزم؛ ففصل بـ «أهواؤنا» وهو فاعل النقض بينه وبين المفعول المضاف إليه وهو «العزم»، والمتعلق بغيره كقول الشاعر: 3066 - أنجب أيّام والداه به ... إذ نجلاه فنعم ما نجلا (¬4) أراد: أنجب والداه به أيام إذ نجلاه؛ ففصل بين «أيام» و «إذ» بفاعل «أنجب» ولا عمل لـ «أيام» فيه كما كان للنقض في الأهواء. ومن الفصل بفاعل مرتفع بالمضاف قول الراجز: 3067 - ما إن عرفنا للهوى من طبّ ... ولا جهلنا قهر وجد صبّ (¬5) وزعم السيرافي أن قول الشاعر: 3068 - تمرّ على ما يستمرّ وقد شفت ... غلائل عبد القيس منها صدورها (¬6) - ¬

_ (¬1) من الوافر لأبي حية النميري الأشموني (2/ 278)، والتصريح (2/ 59)، والعيني (3/ 470)، والكتاب (1/ 91)، والمقتضب (1/ 237)، (4/ 377)، والهمع (2/ 52). (¬2) من البسيط. ديوانه (305)، الأشموني (2/ 277)، والتصريح (2/ 58)، والدرر (3/ 66)، والعيني (3/ 374)، والهمع (2/ 52). (¬3) من الطويل للأشموني (2/ 279)، والعيني (3/ 488). (¬4) من المنسرح. إصلاح المنطق (51)، والأشموني (2/ 277، 279)، واللسان: «نجب»، و «نجل»، والمحتسب (1/ 152)، والهمع (2/ 53). هذا، والبيت للأعشى. ديوانه (175). (¬5) رجز. الأشموني (2/ 279)، والدرر (2/ 67)، وشرح العمدة (188)، والكافية الشافية (2/ 993)، ويروي: «وجدنا» بدل «عرفنا»، و «عدمنا» موضع «جهلنا». (¬6) من الطويل. الإنصاف (428)، والتذييل (7/ 268)، والخزانة (2/ 450)، والكافية الشافية (2/ 991).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد فصل فيه «عبد القيس» وهو فاعل «شفت» بين «غلائل» و «صدورها» وهما مضاف ومضاف إليه (¬1)، والذي قاله غير متعين؛ لإمكان جعل «غلائل» غير مضاف، وجعله ساقط التنوين لمنعه الصرف، وانجرار «صدورها» على أنه بدل من الضمير في قوله: «منها». وهذا التوجيه راجح على ما ذهب إليه السيرافي لكثرة نظائره وعدم أمر لا يستباح إلا في الضرورة أو على سبيل الندور. ومثله في الضعف والندور الفصل بالنداء كقول الشاعر: 3069 - وفاق كعب بجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة والخلد في سقرا (¬2) أراد: وفاق بجير يا كعب، والمراد: بجير (¬3) وكعب ابنا زهير رضي الله عن بجير ورحم كعبا وكقول الآخر: 3070 - كأنّ برذون أبا عصام ... زيد حمار دقّ باللّجام (¬4) أراد: كأن برذون زيد، ومثله قول الفرزدق: 3071 - إذا ما أبا حفص أتتك رأيتها ... على شعراء النّاس يعلو قصيدها (¬5) أراد: إذا ما أتتك يا أبا حفص. ومثله في الضعف الفصل بالنعت كقول الشاعر يخاطب معاوية رضي الله تعالى عنه: 3072 - نجوت وقد بلّ المراديّ سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب (¬6) أراد: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، ومثله قول الفرزدق: 3073 - ولئن حلفت على يديك لأحلفن ... بيمين أصدق من يمينك مقسم (¬7) أراد: فصل بين «أبي» و «طالب» بـ «شيخ الأباطح»، ومثله قول سويد بن - ¬

_ (¬1) وانظر في رأي السيرافي المصادر السابقة، والتصريح (2/ 58). (¬2) من الطويل. الأشموني (2/ 279)، والدرر (2/ 67)، والعيني (3/ 489)، والهمع (2/ 53). (¬3) انظر في ترجمة بجير: الأعلام (3/ 87)، والمؤتلف (75)، وفي ترجمة «كعب»: الأعلام (3/ 87)، (6/ 81)، والسمط (1/ 421). (¬4) رجز. الخصائص (2/ 404)، والدرر (2/ 67)، وشرح العمدة (238)، والهمع (2/ 53). (¬5) البيت من الطويل. ديوانه (153)، والتذييل (7/ 268). (¬6) من الطويل. الأشموني (2/ 278)، والهمع (2/ 59). (¬7) من الكامل. ديوانه (2/ 226)، والأشموني (1/ 278)، والعيني (3/ 484).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصامت (¬1) يخاطب قومه: 3074 - أدين وما ديني عليك بمغرم ... ولكن على الشّمّ الجلاد القراوح على كلّ خوّار كأنّ عماده ... طلين بقار أو بحمأة مائح لها حائل أوعى بووّه كلّما ... تناول كفّاه اليسار الجوانح (¬2) أراد: أوعى الجوانح؛ ففصل بنعت وهو جملة؛ لأنها في حكم نعت مفرد. ومثال الفصل بفعل ملغى ما أنشد ابن السكيت من قول الشاعر: 3075 - ألا يا صاحبيّ قفا المهارا ... وسائل حيّ بثنة أين سارا بأيّ تراهم الأرضين حلّوا ... ألدّبران أم عسفوا الكفارا (¬3) أراد: بأي الأرضين تراهم حلوا؛ ففصل بـ «تراهم» وهو فعل ملغى بين «أي» و «الأرضين» وهما مضاف ومضاف إليه كما فصل بنعت وهو جملة وقد تقدم ذكره. وتقدم أيضا أن الفصل بمعمول المضاف إذا لم يكن مرفوعا جدير بأن يكون جائزا في الاختيار ولا يخص بالاضطرار. واستدللت على ذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟»، وبقول بعض العرب: ترك يوما نفسك وهواها سعي لها في رداها وأقوى الأدلة على ذلك قراءة ابن عامر (¬4) رضي الله تعالى عنه: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم (¬5)؛ لأنها ثابتة بالتواتر - ¬

_ (¬1) ابن حارثة الأنصاري شاعر من أهل المدينة كان يسميه قومه «الكامل» قتله الخزرج بالمدينة قبل الهجرة. الأعلام (3/ 214، 215)، والسمط (361)، وسيرة ابن هشام (1/ 148)، وفي الأصل: «الصلت» - تحريف. (¬2) من الطويل. الاقتضاب (375)، ورسائل الجاحظ (1/ 204)، وشرح المفصل (5/ 70)، واللسان: «قرح»، و «جلد». بالنسبة ذاتها. (¬3) من الوافر الأشموني (2/ 279)، والتصريح (2/ 59). (¬4) عبد الله بن عامر اليحصبي أحد القراء السبعة أخذ عن أبي الدرداء وروى عنه يحيى بن الحارث (ت: 118 هـ) في دمشق. الأعلام (4/ 228)، وطبقات القراء (1/ 423)، وغاية النهاية (1/ 423). (¬5) البحر المحيط (4/ 229) وما بعدها، وحجة ابن زنجلة (273)، والنشر (1/ 263 - 265). والآية في سورة الأنعام: 137.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعزوة إلى موثق بعربيته قبل التعلم، فإنه من كبار التابعين ومن الذين يقتدى بهم في الفصاحة كما يقتدى بمن في عصره من أمثاله الذين لم يعلم منهم مجاورة للعجم يحدث بها اللحن ويكفيه شاهدا على ما وصفته به أن أحد شيوخه الذين عول عليهم في قراءة القرآن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وتوجيه ما قرأ به في قياس النحو قوي؛ وذلك أنها قراءة اشتملت على فصل بفضلة بين عاملها المضاف [4/ 98] إلى ما هو فاعل. فحسن ذلك ثلاثة أمور: أحدها: كون الفاصل فضلة، فإنه بذلك صالح لعدم الاعتداد به. الثاني: كونه غير أجنبي لتعلقه بالمضاف. الثالث: كونه مقدر التأخير من أجل أن المضاف إليه مقدر التقديم بمقتضى الفاعلية المعنوية ولو لم يستعمل العرب الفصل المشار إليه لاقتضى القياس استعماله؛ لأنهم قد فصلوا في الشعر بالأجنبي كثيرا ما استحق الفصل بغير أجنبي أن يكون له مزية فيحكم بجوازه مطلقا. وأيضا فقد فصل في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» بالجار والمجرور والمضاف فيه اسم فاعل مع أنه مفصول بما فيه من الضمير المنوي ففصل المصدر مع خلوه من ضمير أسهل وأحق بالجواز. ولذلك قلت نظائر: «هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» وكثرت نظائر «قتل أولادهم شركائهم» فمنها قول الطرماح (¬1): 3076 - يطفن بحوزيّ المراتع لم ترع ... بواديه من قرع القسيّ الكنائن (¬2) ومنها: 3077 - عتوا إذ أجبناهم إلى السّلم رأفة ... فسقناهم سوق البغاث الأجادل ومن يلغ أعقاب الأمور فإنّه ... جدير بهلك آجل أو معاجل (¬3) ومنها: - ¬

_ (¬1) ابن حكيم من طيئ شاعر إسلامي كان هجاء معاصرا للكميت لا يكادان - من صداقتهما - يفترقان (ت: 125 هـ). الأعلام (3/ 325)، وجمهرة الأنساب (/ 378). (¬2) من الطويل. ديوانه (169)، والخصائص (2/ 406)، واللسان: «حوز». (¬3) من الطويل. الأشموني (2/ 276)، والتصريح (2/ 57).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3078 - يفركن حبّ السّنبل الكنافج ... في القاع فرك القطن المحالج (¬1) وأنشد أبو عبيدة (¬2): 3079 - وحلق الماذيّ والقوانس ... فداسهم دوس الحصاد الدّائس (¬3) وأنشد الأخفش: 3080 - فزججتها بمزجّة ... زجّ القلوص أبي مزاده (¬4) وأنشد ثعلب بجر «مطر» من قول الشاعر: 3081 - لئن كان النّكاح أحلّ شيء ... فإنّ نكاحها مطر حرام (¬5) و «مطر» اسم رجل ومما يؤيد «هل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» قراءة بعض السلف رضي الله تعالى عنهم: فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله (¬6) ففصل فيها اسم الفاعل المضاف إلى مفعول بمفعول آخر. انتهى (¬7) كلام المصنف رحمه الله تعالى. وتلخص منه أن صور المسائل التي يكون فيها الفصل تسع: وذلك أن الفصل بين المتضايفين: إما بالظرف وفي حكمه الجار والمجرور، أو بالمفعول به، أو بالفاعل، أو بالنداء، أو بالنعت، أو بفعل ملغى. ثم الفصل بالظرف قسمان: غير متعلق بالمضاف، ومتعلق به؛ حيث يصح فيه أن يكون عاملا بأن يكون مصدرا أو اسم فاعل؛ فهاتان صورتان. والفصل بالمفعول به قسمان أيضا: معمول لغير المضاف، ومعمول للمضاف الذي المفعول معمول له: إما مصدر مضاف إلى فاعله، أو اسم فاعل مضاف إلى - ¬

_ (¬1) رجز لجندل الطهوي. العيني (3/ 457)، واللسان: «كنفج». هذا، والكنافج: السنبل المكتنز. (¬2) معمر بن المثنى التيمي النحوي، أخذ عن يونس وأبي عمرو، وعنه أخذ المازني والأثرم وأبو حاتم (ت: 209 هـ). الإنباه (3/ 276)، والبغية (2/ 294)، والنزاهة (/ 104). (¬3) رجز لعمرو بن كلثوم. الأشموني (2/ 276)، والعيني (3/ 461). (¬4) من م الكامل. الخصائص (2/ 406)، والعيني (3/ 468)، والكافية الشافية (370). (¬5) من الوافر للأحوص. الأشموني (2/ 279)، والتصريح (2/ 59)، والعيني (1/ 109)، والمغني (/ 672). (¬6) سورة إبراهيم: 47، وانظر: البحر المحيط (5/ 439)، ومعاني الفراء (2/ 81) وما بعدها. (¬7) انظر: شرح التسهيل (3/ 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعول له آخر، وهذه ثلاث صور، والفصل بالفاعل، ولا فرق فيه بين أن يكون متعلقا بالمضاف أو غير متعلق، والفصل بالنداء، والفصل بالنعت، والفصل بالفعل الملغى، وهذه أربع صور. ثم الجائز في الاختيار من هذه التسع ثلاث، وهي: أن يكون الفصل بظرف متعلق بالمضاف وفي حكمه الجار والمجرور كما عرفت. وأن يكون بمفعول به معمول لمصدر مضاف إلى فاعله. وأن يكون بمفعول به أيضا معمول لاسم فاعل مضاف إلى مفعول له آخر. وست الصور الباقية مخصوصة بالاضطرار فلا تكون إلا في الشعر، وهي: أن يكون الفصل بظرف لا يتعلق بالمضاف وفي حكمه الجار والمجرور. وأن يكون بمفعول به معمول لغير المضاف. وأن يكون بالفاعل، أو بالنداء، أو بالنعت، أو بالفعل الملغى. وذكر المصنف في الألفية الفصل بالقسم (¬1)، قال: روى أبو عبيدة عن بعض العرب: إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربّها (¬2)، وحكى الكسائي: هذا غلام والله زيد، وجعل هذه الصورة مما يجوز في الاختيار؛ فعلى هذا تتكمل الصور عشرا. الجائز منها في الاختيار أربع، والمخصوص منها بالاضطرار ست، والله تعالى أعلم. ثم قد بقي الكلام على أمرين: أحدهما: تخريج المصنف قول الشاعر: 3082 - ... غلائل عبد القيس منها صدورها على أن «غلائل» غير مضاف وأن انجرار «صدورها» على أنه بدل من الضمير في قوله: «منها»؛ فإن معنى البيت الذي قصده الشاعر أن عبد القيس شفت غلائل - ¬

_ (¬1) قال في الألفية: فصل مضاف شبه فعل ما نصب ... مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب فصل يمين ...... وانظر: الأشموني بحاشية الصبان (2/ 275 - 277). (¬2) ينظر الأشموني (2/ 277)، والهمع (2/ 2)، وقد سبق ذلك آخر حروف الجر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صدورها من الغير؛ فالشافي هم «عبد القيس» والمشفى «غلائل صدورهم» والمشفى منه من عاد عليه الضمير المجرور بـ «من» فالصدور على هذا: صدور عبد القيس. ومقتضى تخريج المصنف أن الصدور صدور المشفى منه وهو العائد عليه الضمير في «منها» فيصير المعنى على هذا غير المعنى الذي ذكرناه. ثانيهما: أن الشيخ قال: وما اختاره المصنف - من جواز مثل قراءة ابن عامر - هو الصحيح، وإن كان أكثر النحويين لا يجيزونه في الكلام، وذكروا أنه مختص بالشعر. قال: وأما من صرح بأنها غلط فهو قدح في التواتر، وإنما أضيفت هذه القراءة إلى ابن عامر على سبيل الاشتهار، وكذلك القراءاة المضافة إلى ابن كثير، وليست على سبيل الانفراد بها فيكون من نقل الآحاد، بل جميع القراءات السبع متواترة؛ فعلى كل قراءة منها جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب، ومنكر التواتر فيها يكون في إسلامه دخل (¬1) انتهى. وهو كلام حسن صادر عن حسن الاعتقاد صحيح الاستمساك حافظ لنظام الشريعة المطهرة، ولقد كان رحمه الله تعالى متصفا بهذه الصفات؛ معظما لمن له نسبة إلى السنة النبوية، قائما بلوازمها، لا يشك في صحة اعتقاده وكثرة أدبه عند سماع شيء من الكتاب والسنة، ووقوفه عند حدودها وعدم مجاوزة ما تقتضيه الشريعة المطهرة، فرحمه الله تعالى ورضي عنه بمنه وكرمه. ثم إنه خرج الحديث الشريف وهو «هل أنتم [4/ 99] تاركوا لي صاحبي؟» على أن لا إضافة وأن الأصل: هل أنتم تاركون؟ فحذفت النون و «صاحبي» مفعول منصوب، وأصله: تاركون (¬2). وأقول: إن القول بالإضافة والفصل؛ لثبوته في الجملة في القراءة المتواترة وفي كثير من الأشعار العربية أولى من القول بحذف النون؛ لأن ذلك إنما ورد في ضرورة أو في قراءة شاذة نحو: (وما هم بضارّي به من أحد) (¬3) ونحو: (إنّكم لذآئقوا العذاب الأليم) بالنصب (¬4). ¬

_ (¬1) التذييل (271). (¬2) التذييل (7/ 270). (¬3) وهي - بحذف النون - قراءة الأعشى، وراجع البحر المحيط (1/ 332). (¬4) البحر المحيط (7/ 358).

[الإضافة إلى ياء المتكلم وأحكامها]

[الإضافة إلى ياء المتكلم وأحكامها] قال ابن مالك: (فصل: الأصحّ بقاء إعراب المعرب إذا أضيف إلى ياء المتكلّم ظاهرا في المثنّى مطلقا، وفي المجموع على حدّه غير مرفوع، وفيما سواهما مجرورا، ومقدّرا فيما سوى ذلك، ويكسر متلوّها إن لم يكن حرف لين يلي حركة، وتفتح الياء أو تسكّن، وإن نودي المضاف إليها إضافة تخصيص جاز أيضا حذفها وقلبها ألفا، والاستغناء عنها بالفتحة، وربّما وردت الثّلاثة دون نداء، وقد يضمّ فيه ما قبل الياء المحذوفة وتنوى الإضافة، ويفتح في الحالين بعد حرف اللّين التّالي حركة، ويدغم فيها إن كان ياء أو واوا، وإن كان ألفا لغير تثنية جاز في لغة هذيل القلب والإدغام، وربّما كسرت مدغما فيها أو بعد ألف ويجوز في «أبي وأخي»: «أبيّ وأخيّ» وفاقا لأبي العبّاس، وحذف ميم الفم مضافا أكثر من ثبوته، و «فيّ» مع حذف الميم واجب). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): من المضاف إلى ياء المتكلم ما كان مبنيّا قبل الإضافة كـ «لدن» و «أحد عشر» وما كان معربا قبلها - وهو الكثير - فما كان مبنيّا لا يزال مبنيّا، وما كان معربا يعرض له تقدير الإعراب بعد أن كان ظاهرا ما لم يكن مثنى؛ فيظهر إعرابه في الأحوال الثلاثة، وكذا المجموع على حد التثنية في حالي الجر والنصب، وأما في حال الرفع فيقدر إعرابه كقول الشاعر: 3083 - أودى بنيّ وأودعوني حسرة ... عند الرّقاد وعبرة لا تقلع (¬2) وزعم الجرجاني (¬3)، ووافقه ابن الخشاب (¬4)، والمطرزي (¬5)، وهو الظاهر من - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 279). (¬2) من الكامل لأبي ذؤيب الهذلي. ديوان الهذليين (1/ 2) وفيه: «غصة» بدل «حسرة» و «بعد» بدل «عند»، والأشموني (2/ 281)، والتصريح (2/ 61)، والعيني (3/ 498). (¬3) عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني واضع أصول البلاغة، له الجمل في النحو، والتتمة، والمغني في شرح الإيضاح، والمقتصد مختصر المغني، وله في البلاغة: الدلائل، والأسرار، وغير ذلك (ت: 471 هـ) سبقت ترجمته. (¬4) عبد الله بن أحمد بن الخشاب البغدادي له المرتجل في شرح الجمل (ت: 567 هـ). الأعلام (4/ 191)، والإنباه (2/ 99) وانظر رأيه هذا في شرحه على الجمل (362). (¬5) أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم الخوارزمي، تتلمذ على ضياء الدين المكي تلميذ الزمخشري. له -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قول الزمخشري (¬1): إن المضاف إلى ياء المتكلم مبني. وفي كلام ابن السراج احتمال (¬2)، وسأبين مراده إن شاء الله تعالى. والصحيح أن المكسور الآخر للإضافة معرب تقديرا في الرفع والنصب؛ لأن حرف الإعراب منه في الحالين قد شغل بالكسرة المجلوبة توطئة للياء، فتعذر اللفظ بغيرها؛ فيحكم بالتقدير كما فعل في المقصور. وأما حال الجر فالإعراب ظاهر للاستغناء عن التقدير، هذا عندي هو الصحيح، ومن قدر كسرة أخرى فقد ارتكب تكلفا لا مزيد عليه ولا حاجة إليه. ولم أوافق الجرجاني في بناء المضاف إلى الياء وإن كان في تقدير إعرابه تكلف يخالف الظاهر؛ لأن لبناء الأسماء أسبابا كلها منتفية منه فيلزم من الحكم ببنائه مخالفة النظائر، فلذلك أتبعته ردّا ولم أر من خلافه بدّا. فإن زعم أن سبب بنائه إضافته إلى غير متمكن رد ذلك بثلاثة أمور: أحدها: استلزامه بناء المضاف إلى سائر المضمرات، بل إلى سائر الأسماء التي لا تمكن لها وذلك باطل وما استلزم باطلا فهو باطل. الثاني: أن ذلك يستلزم بناء المثنى المضاف إلى ياء المتكلم، وبناؤه باطل، وما استلزم باطلا فهو باطل. الثالث: أن المضاف إلى غير متمكن لا يبنى لمجرد الإضافة؛ بل للإضافة مع كونه قبلها مناسبا للحرف في الإبهام والجمود كـ «غير»، والمضاف إلى ياء المتكلم لا يشترط ذلك في كسر آخره؛ فدل ذلك على أنه غير مستحق للبناء. وقد ينتصر للجرجاني بأن يقال: لا أسلم انحصار ما يوجب بناء الأسماء في مناسبة الحرف بل يضاف إليها كون آخر الكلمة لا يتأتى فيه تأثر بعامل في تصغير وتكبير وتكسير وتأنيث وتذكير؛ فلزم من ذلك بناء المضاف المذكور وثبوت الفرق بينه وبين المقصور، فإن إعرابه يظهر في تصغيره كـ «فتيّ» وفي تكسيره كـ «فتية» وفي تأنيثه كـ «فتاة» والمضاف إلى ياء المتكلم لا يظهر له إعراب في الأحوال الخمسة. فمن ادعى فيه إعرابا مقدرا فقد ادعى ما لا دليل عليه بخلاف المقصور فإن ظهور إعرابه - ¬

_ - المصباح، والمقدمة (ت: 610 هـ). إشارة التعيين لوحة (56)، والأعلام (8/ 289)، وانظر في رأي هؤلاء: التذييل (7/ 272). (¬1) المفصل بشرح ابن يعيش (3/ 31) وما بعدها. (¬2) الأصول (2/ 5)، (8).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في الأحوال الثلاثة يدل على صحة تقديره في غيرها. وقد ينتصر له أيضا بأن يقال: لا أسلم خلو المضاف إلى ياء المتكلم من مناسبة الحرف؛ لأنه شبيه بالذي في أن آخره ياء كالذي في كونها بعد كسرة لازمة وصالحة للحذف وغير حرف إعراب وفي أنه يتغير في التثنية تغيرا متيقنا وفي الجمع تغيرا محتملا والذي مناسب للحرف، ومناسب المناسب مناسب؛ فاستحقاق بناء المضاف إلى الياء بمناسبة الذي شبيه باستحقاق بناء «رقاش» بمناسبة «نزال». وهذا التوجيه والذي قبله من المعاني التي انفردت بالعثور عليها دون سبق إليها. وقولي: (ويكسر متلوها) أي: متلو الياء كقولك في «قلم»: قلمي، وتجري هذه الكسرة مجرى كسرة الإعراب في أنها تظهر في الحرف الصحيح كظهورها في ميم «قلم» وفي حرف العلة الجاري مجرى الصحيح كـ «ظبي» و «صبي» و «دلوي» و «فلوي». وتقدر في الحرف المعتل الذي لا يجري مجرى الصحيح ويتبعها ما قبلها كما يتبع ما قبل كسرة الإعراب فتقول: هذا ابنمي؛ بكسر النون كما تقول في الجر: مررت بابنم، ومن اتبع في الفم فقال: نظرت إلى فمه قال هنا: نظر إلى فمي، وتقول فيما آخره حرف علة بعد حركة: هذا داعيّ ومولاي، ويا ابنيّ ويا بني، ورأيت مصطفيّ، وجاء بنيّ ومصطفيّ [4/ 100] والأصل: جاء بنوي ومصطفوي؛ ففعل بهما من القلب والإدغام ما فعل بجمع الوي ومصدر «طويت» حين قيل فيهما: لي وطيّ بالقلب والإدغام. وفي تحويل «بنوي» إلى «بنيّ» زيادة تبديل ضمة النون كسرة فأشبه شيء به «مرميّ» في أن أصله: «مرموي» فأبدلت الضمة كسرة والواو ياء وأدغمت، وكذا فعل بـ «بنوي» حين قيل فيه: «بنيّ» ومن قال: «غير ماضي» فأجرى المنقوص مجرى الصحيح في ظهور كسرة الإعراب لا يقول: «هذا ماضي»؛ لأن كسرة الإعراب عارضة متعرضة لأن تخلفها الفتحة والضمة، وهذه الكسرة لازمة لا تخلفها مع الإضافة إلى الياء وغيرها فكانت أثقل؛ ولذلك لم تظهر في اختيار ولا اضطرار، بخلاف كسرة «ماضي» ونحوه، وقد دخل في حرف اللين الذي يلي حركة علامتا التثنية نحو: جاء غلاماي، وعلامتا الجمع نحو: جاء مكرميّ ومصطفيّ. ثم قلت: (وتفتح الياء أو تسكن) فعلم من الإطلاق جواز الأمرين في نداء وغيره. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قلت: (وإن نودي المضاف إليها إضافة تخصيص جاز أيضا حذفها وقلبها ألفا والاستغناء عنها بالفتحة). فعلم بهذا أن في الياء التي يضاف إليها غير المنادى وجهين وهما مشهوران، وفي التي يضاف إليها المنادى خمسة أوجه؛ فيقال في غير النداء: جاء غلامي وغلامي، ويقال في النداء: يا غلامي ويا غلامي ويا غلام ويا غلاما ويا غلام بحذف الألف مع خفتها؛ لأنها بدل من الياء فجرت مجراها في الاستغناء عنها بحركة. ثم قلت: (وربما وردت الثلاثة في غير نداء) فأشرت إلى نحو قوله تعالى: فَبَشِّرْ عِبادِ 17 الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ (¬1) بحذف الياء خطّا ووقفا، وإلى نحو قول الشاعر: 3084 - أطوّف ما أطوّف ثمّ آوي ... إلى أمّا ويرويني النّقيع (¬2) وإلى نحو قول الآخر: 3085 - فليس براجع ما فات منّي ... بلهف ولا بليت ولا لو انّي (¬3) أراد أن يقول: لهفا، والأصل: لهفي؛ فأبدل الياء ألفا دون نداء، ثم حذفها واستغنى بالفتحة؛ كما حذفت الياء واستغني بالكسرة. وقيدت الإضافة بأن تكون إضافة تخصيص؛ احترازا من نحو: يا مكرمي، وأنت تريد الحال أو الاستقبال؛ فإن إضافته إضافة تخفيف والياء في نية الاتصال كما تكون في نية الانفصال إذا قلت: يا مكرم زيد الآن أو غدا، وإذا كانت في نية الانفصال لم تمازج ما اتصلت به فتشبه بياء قاض فتشاركها في جواز الحذف. والحاصل: أن ياء المتكلم المضاف إليها منادى هو اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال لا تحذف ولا تقلب ألفا، وإذا لم تقلب ألفا فلا يفتح ما قبلها. فليس لها حظ في غير الفتح والسكون، وقد يستغنى بنية إضافة المنادى إلى الياء فيجيء كأنه غير مضاف كما يفعل ذلك في غير النداء، أعني كون الاسم مضافا في المعنى مفردا في اللفظ. - ¬

_ (¬1) سورة الزمر: 17، 18. (¬2) من الوافر لنقيع بن جرموز الجاهلي. الأشموني (2/ 282)، والدرر (2/ 69)، والنوادر (19)، والهمع (2/ 53) ويروي: «بيت» موضع «أما». (¬3) من الوافر. التصريح (2/ 177)، والخصائص (3/ 135)، والشجري (2/ 74)، والمحتسب (1/ 277). هذا، وفي الأصل: ولا بلهف، وزيادة: «ولا» هنا حشو مخل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن ورود المنادى المضاف إلى الياء مكتفيا بالنية قراءة بعض القراء: (ربّ السجن أحبّ إليّ) (¬1)، وأصله: يا رب بكسر الباء؛ ولذلك حسن حذف حرف النداء؛ لأنه لو حذف حرف النداء والإضافة غير منوية لكان مثل قولهم: افتد مخنوق (¬2)، وهو قليل بخلاف الاستغناء بنية الإضافة عن المضاف إليه؛ فإنه كثير، والحمل على ما كثرت نظائره أولى من الحمل على ما قلت نظائره، وأيضا لو كان غير منوي الإضافة لكان في الأصل صفة لـ «أي» كما أن «مخنوق» في الأصل صفة لـ «أي» وأسماء الله تعالى لا يوصف بها «أي» فيتعين كون الأصل: يا رب. وقولي: (ويفتح في الحالين بعد حرف اللين التالي حركة ويدغم فيها إن كان ياء أو واوا) نبهت به على أنه يقال في «القاضي، واثنين، وابنين، ومصطفين، وبنين، وعشرين»: قاضيّ واثنيّ وابنيّ ومصطفيّ وبنيّ وعشريّ. وكذا: «بنون وعشرون ومصطفون»؛ لأنه تلتقي فيهن الياء والواو فتقلب الواو ياء ويفعل بها من الإدغام وفتح الياء ما فعل مع الياءين اللتين لم تكن إحداهما واوا. وقصدت بـ (الحالين) حال النداء وحال غير النداء. وسكت عن التالية ألفا عند ذكر الإدغام فعلم أن حكمها التخفيف والفتح مطلقا نحو: غلاماي، وفتاي. ثم نبهت على أن هذيلا يقلبون ألف المقصور ياء، ويدغمون ومنه قراءة الحسن: (يا بشريّ هذا غلام) (¬3)، وقول الشاعر: 3086 - سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (¬4) وفي دعاء بعض العرب: يا سيديّ وموليّ. وقولي: (وربما كسرت مدغما فيها أو بعد ألف) أشرت به إلى قراءة حمزة (¬5): وما أنتم بمصرخي (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر: الإتحاف (264)، والبحر المحيط، (5/ 306، 307). (¬2) ينظر: مجمع الأمثال (2/ 78)، والمستقصى (1/ 265). (¬3) انظر البحر المحيط (5/ 290)، وحجة ابن خالوية (194)، والهمع (2/ 53). (¬4) من الكامل لأبي ذؤيب الهذلي. ديوان الهذليين (1/ 3)، والتصريح (2/ 61)، وشرح المفصل (3/ 33)، والمحتسب (1/ 76)، والهمع (2/ 53). (¬5) ابن حبيب التميمي الكوفي أحد القراء السبعة، عنه أخذ الكسائي (ت: 156 هـ). ميزان الاعتدال (1/ 284)، ووفيات الأعيان (1/ 167). (¬6) سورة إبراهيم: 22، وانظر: الإتحاف (272)، وحجة ابن زنجلة (377، 378) والنشر (1/ 298).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (بالكسر) (¬1)، وإلى قول بعض العرب (في) (¬2) عصاي: عصاي، وقرأ بها الحسن وأبو عمرو في شاذه، وهي لغة قليلة أقل من كسر المدغم فيها (¬3). وممن روى كسر المدغم فيها أبو عمرو بن العلاء (¬4)، والفراء (¬5)، وقطرب (¬6)، ومن شواهدها قول الراجز: 3087 - قال لها هل لك يا تافيّ ... قالت له ما أنت بالمرضيّ (¬7) ومنها قول الشاعر: 3088 - عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده ليست بذات عقارب (¬8) كذا روي بكسر الياء من عليّ واللغة الجيدة أن يقال في إضافة «أب وأخ» مضافين إلى الياء: أبي وأخي من غير رد اللام كما جاء في القرآن العزيز، ويجوز عند أبي العباس أن يقال أبيّ وأخيّ برد اللام وإدغامها في ياء المتكلم (¬9)، والذي رآه مسموع في «الأب» مقيس في «الأخ» ومن شواهد «أبيّ» قول الراجز: 3089 - كأنّ أبيّ كرما وسودا ... يلقي على ذي اللّبد الجديدا (¬10) والاستشهاد [4/ 101] هذا أقوى من الاستشهاد بقول الآخر: 3090 - [قدر أحلّك ذا المجاز وقد أرى] ... وأبيّ مالك ذو المجاز بدار (¬11) - ¬

_ (¬1) من (أ) وشرح التسهيل لابن مالك. (¬2) من هامش المخطوط. (¬3) ينظر: الأشموني (2/ 283)، والتصريح (2/ 60). (¬4) الأشموني (2/ 283)، والتصريح (2/ 60). (¬5) معاني القرآن (2/ 76). (¬6) محمد بن المستنير أبو علي البصري، أخذ عن سيبويه الذي سماه بذلك؛ لأنه كان يراه بالأسحار على بابه (ت: 206 هـ). الأعلام (7/ 315)، والإنباه (3/ 219)، وانظر: الأشموني (2/ 283)، والتصريح (2/ 60)، والمحتسب (2/ 49)، ومعاني الفراء (2/ 76). (¬7) للأغلب العجلي. الخزانة (2/ 257)، والدرر (2/ 69)، وشرح العمدة (254). (¬8) من الطويل للنابغة الذبياني. ديوانه (3)، والشجري (2/ 180)، والهمع (2/ 53). (¬9) المقتضب (4/ 249، 273). (¬10) انظره في: الدرر (2/ 70)، والكافية الشافية (2/ 1010)، والهمع (2/ 54). (¬11) من الكامل لمؤرج السلمي. الخزانة (2/ 272)، والشجري (2/ 37)، والمغني (520).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لاحتمال أن يريد قائل هذا الجمع، والذي قبله يتعين فيه الإفراد بـ «يلقي» إذ لو قصد قائله الجمع لقال: يلقون، ولم أجد شاهدا على «أخي» لكن أجيزه قياسا على «أبي» كما فعل أبو العباس المبرد. وإذا أضيف «الفم» إلى ظاهر أو ضمير جاز أن يضاف بالميم ثابتة فيقال: كلمته من فمي إلى فمه، وجاز أن يضاف عاريا من الميم فيقال: كلمته من في إلى فيه، والأصل: فيّ؛ بياءين: أولاهما عين الكلمة، والثانية ياء المتكلم؛ فأدغمت الأولى في الثانية، ولا يجوز التخفيف كما جاز مع «الأب، والأخ»؛ لأن «الأب، والأخ» إذا وليتهما الياء مخففة كانا على حرفين: أحدهما فاء الكلمة، والآخر عينها، ولو فعل ذلك بـ «في» بقي على حرف واحد مع أنه اسم متمكن وليس في الأسماء المتمكنة ما هو على حرف واحد؛ فاجتنب ما يلزم منه عدم النظير. ويجوز أن يقال: كلمته من فمي إلى فمه، وفم زيد أحسن من فم عمرو، وفي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك» (¬1)، ولم يقل: لخلوف في الصائم، وهذا يدل على قلة علم من زعم أن ثبوت الميم مع الإضافة لا يجوز إلا في ضرورة شعر كقول الشاعر: 3091 - صفحنا عن بني دهل ... وقلنا القوم إخوان عسى الأيّام أن ترجع ... ن قوما كالّذي كانوا فلمّا صرّح الشّرّ ... فأمسى وهو عريان ولم يبق سوى العدوا ... ن دنّاهم كما دانوا بضرب فيه توهين ... وتخضيع وإقران وطعن كفم الزّقّ ... غدا والزّقّ ملآن (¬2) - ¬

_ (¬1) البخاري: كتاب الصوم (2، 9)، وأبو داود: حدود (23)، وابن ماجه: صيام (1)، ومسلم: صيام (161)، والموطأ: صيام (58)، والنهاية (2/ 67). هذا، وهو جزء من حديث عن أبي هريرة (¬2) من الهزج للفند الزماني. الأشموني (2/ 159)، والحماسة (32، 35)، والخزانة (2/ 57)، والدرر (2/ 134)، وشرح المفصل (2/ 27)، والعيني (3/ 22)، والمغني (319)، والهمع (2/ 93)، ويروي «غضبان» بدل «عريان»، «وإذعان» بدل «وإقران».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعاب بعض أصحاب هذا الرأي على الحريري (¬1) قوله: أدخله في فمه، وقرنه بتوأمه (¬2)، ولا عيب فيه؛ لما قد ذكرته. والله أعلم. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬3). وقد عرفت ما أبطل به مذهب الجرجاني من القول ببناء المضاف إلى الياء، ثم ما انتصر به له من التوجيهين اللذين ذكر أنهما من المعاني التي انفرد بالعثور عليها دون سبق إليها. وهو كلام تميل النفوس إليه ويشفي غليل الواقف عليه. ولكن ما ذهب إليه من أن حركة آخر المضاف إلى الياء في نحو: مررت بصاحبي، ورأيت ابن غلامي - حركة إعراب، وأن - إعراب جمع المذكر الذي هو على حد المثنى إذا كان مرفوعا مقدر غير ملفوظ به غير مسلم. أما الأمر الأول: فلأن حركة الإعراب هي التي يجتلبها العامل، ولا شك أن هذه الحركة موجودة مع عاملي الرفع والنصب، وإذا كان كذلك فالعامل لم يحدث شيئا، ثم الحركة التي هي إعراب لا بد أن تكون ناشئة عن عامل؛ فهي إنما تكون بعد التركيب، ومعلوم أن الحركة المذكورة كانت قبله؛ فكيف ينسب حدوثها إلى العامل؟! والحق أن ما اختاره المصنف في هذه المسألة ضعيف؛ لقيام الدليل على خلافه وكأنه قول لبعض النحاة لكن لا معول عليه. وقد قال الشيخ: إن هذا الذي قاله المصنف مخالف لمذاهب الناس في المسألة (¬4). وأما الأمر الثاني: فلأن الواو التي كانت علامة الإعراب في الجمع باقية لم تزل وإنما تغيرت صفتها؛ فهي موجودة، والمقدر لا يكون موجودا. ورأي ابن الحاجب (¬5) في المسألة كرأي المصنف فيها. وقد استدرك المنتقدون ذلك على ابن الحاجب رحمه الله تعالى. - ¬

_ (¬1) القاسم بن علي أبو محمد الحريري البصري الأديب. له درة الغواص، والمقامات (ت: 516 هـ). الأعلام (6/ 12)، ومفتاح السعادة (1/ 179)، والنزهة (379). (¬2) درة الغواص (90 - 92). (¬3) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 285). (¬4) التذييل (7/ 272). (¬5) الكافية بشرح الرضي (1/ 293) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أنه لا فرق في المجموع المذكور بين المرفوع وغيره؛ فالإعراب ملفوظ به في حالة الرفع كما هو ملفوظ به في حالتي النصب والجر. وقد انتقد الشيخ على المصنف ما ذكره وأوضح وجه الانتقاد إيضاحا حسنا (¬1). ثم إننا نشير إلى أمور: منها: أن ابن جني ذهب إلى أن المضاف إلى الياء لا يتصف بإعراب ولا بناء (¬2) فأثبت قسما من الأسماء لا معربا ولا مبنيّا ولا يخفى ضعف هذا الرأي وأنه لا ينبغي التشاغل بمثله. ومنها: أن الذي قاله المصنف من أن الإعراب ظاهر في مثل: مررت بغلامي وبابن غلامي؛ شبيه بما ذهب إليه بعض الناس في المحكي بـ «من» إذا كان المحكي مرفوعا كقولك لمن قال: قام زيد: من زيد؟ وقد عرفت ما رد به القول في المضاف، فليرد بذلك القول في المحكي أيضا. ومنها: أن تقييد المنادى المضاف إلى الياء بكون إضافته إضافة تخصيص من خصائص المصنف، وأما غيره من النحاة فلم يقيد ذلك. ومن ثم قال الشيخ عند ذكر هذه المسألة: وقد أطلق النحويون غيره في جواز الأوجه الخمسة في المنادى المضاف إلى الياء (¬3). ومنها: أن اللغة التي نسبها المصنف إلى هذيل لم ينسبها سيبويه إليهم بل قال: وناس من العرب يفعلون كذا (¬4). وكذا ذكر الشيخ في شرحه (¬5). وهو كلام عجيب؛ فإن عدم نسبتها إلى هذيل في كلام سيبويه لا ينافي نسبتها إليهم في كلام المصنف. غاية ما في الباب أن سيبويه لم يعين أهل اللغة المذكورة والمصنف عيّنهم. - ¬

_ (¬1) قال أبو حيان في التذييل (7/ 273): (وهذا لا تحقيق فيه؛ لأن التقدير للشيء هو خلو المحل من المقدر ولا يتأتى ذلك في «زيدي»؛ لأن تلك الواو انقلبت ياء واستحالت إليها فلم تنعدم إنما تبدل وضعها إذ هي والياء حرفا علة وما كان هكذا لا يقال فيه: إن الواو مقدرة، ولأن الياء مقدرة ألا ترى أنا لا نقول في «ميزان» إن الواو مقدرة وإن كان الأصل: موزانا) اه. (¬2) الأشموني (2/ 283)، والتذييل (7/ 272). (¬3) التذييل (7/ 275). (¬4) الكتاب (3/ 414). (¬5) التذييل (7/ 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نعم لو عيّن سيبويه قوما آخرين (¬1) غير هذيل كان بين النقلين تعارض. ومنها: أن الشيخ قال: كان ينبغي للمصنف أن يستثني «لدى» و «على» الظرفية؛ فإن ألفيهما يقلبان ياء مع ياء المتكلم فيقال: لديّ وعليّ، في أشهر اللغات (¬2). قال: فهذه ألف ليست للتثنية وتقلب ياء وبعض العرب يقول: لداي وعلاي، وليس قلب (ألف «لدى») (¬3) ياء مخصوصا بياء المتكلم؛ بل الضمائر كلها نحو: لديك، ولديه، وعليك، وعليه (¬4). انتهى. والعجب من الشيخ كيف توهم أن ذلك وارد على المصنف حتى إنه يلزمه أن يستثنيه فإن المصنف لما ذكر «لدى» باب المفعول المسمّى ظرفا قال: وتعامل ألفها معاملة ألف [4/ 102] «إلى» و «على» فتسلم مع الظاهر وتقلب ياء مع المضمر غالبا (¬5). فعرفنا حكم ألف «لدى» فيما تقدم. ثم إن قلب ألفها ياء لم يكن مختصّا بضمير بل هو عام بالنسبة إلى الضمائر كلها وهي ظرف. فكان الواجب ذكرها في باب الظروف دون هذا الباب. وأما على الظرفية فلا شك أن حكم ألفها مع الضمير حكم ألف «على» التي هي حرف فلم يحتج إلى ذكرها. هذا إذا قلنا: إن هاتين الكلمتين - أعني «لدى»، و «على» الظرفية - معربتان. أما إن كانا مبنيين فالإيراد مدفوع من أصله؛ لأن الفصل إنما هو معقود للمضاف - الذي هو معرب - إلى الياء؛ لقول المصنف في أوله: الأصح بقاء إعراب المعرب. فكلامه في بقية الفصل إنما يرجع إلى المعرب. * * * ¬

_ (¬1) في التصريح (2/ 61): (ولا يختص قلب ألف المقصور ياء بلغة هذيل بل حكاها عيسى بن عمر عن قريش وحكاها الواحدي في البسيط عن طيئ). (¬2) التذييل (7/ 278). (¬3) من التذييل، وفي الأصل: «ألفها». (¬4) التذييل (7/ 278). (¬5) انظر: تسهيل الفوائد (ص 97) تحقيق د/ محمد كامل بركات.

الباب الثاني والأربعون باب التابع

الباب الثاني والأربعون باب التّابع (¬1) [تعريفه، وأقسامه] قال ابن مالك: (وهو ما ليس خبرا من مشارك ما قبله في إعرابه وعامله مطلقا. وهو توكيد، أو نعت، أو عطف بيان، أو عطف نسق، أو بدل). قال ناظر الجيش: جرت عادة المصنف في كثير من الحدود أن يقدم بعض الفصول على الجنس وكذا فعل هنا؛ فإن المشارك ما قبله في إعرابه جنس يشمل المفعول الثاني من نحو: أعطيت زيدا درهما وظننت عمرا كريما، والحال من المنصوب والتمييز لما هو منصوب أيضا نحو لقيت زيدا راكبا واشتريت رطلا عسلا ونحو: حامض من قولنا: هذا حلو حامض، والتابع، وقوله: وعامله، فعل يخرج تمييز المنصوب كالمثال المتقدم فإن رطلا منصوب باشتريت وعسلا منصوب برطلا، وقوله: مطلقا، يخرج المفعول الثاني، والحال؛ لأنهما وإن وافقا التابع بمشاركة ما قبلهما في إعرابه وعامله قد خالفاه بزوال المشاركة في الإعراب عند تبدل العامل نحو قولك في ظننت زيدا كريما ولقيت عمرا كريما: كان زيد كريما ومررت بعمرو راكبا وعند تبدل الاقتضاء نحو: ظن زيد كريما ولقي عمرو راكبا بخلاف التابع فإن مشاركته في الإعراب لا تزول بذلك. وقوله: ما ليس خبرا، فصل ثالث يخرج به نحو، حامض من المثال المتقدم فإنه موافق للتابع في كل ما قيد به من مشاركته ما قبله في إعرابه وعامله مطلقا، فأخرجه بنفي الخبرية عن التابع فخلص الحد له. واعلم أن ظاهر كلام المصنف أن العامل في التابع هو العامل في المتبوع، نعتا كان التابع أو غيره، بل هو نص في ذلك لحكمة عليه بالمشاركة للمتبوع في العامل. وبين النحاة خلاف في ذلك. فأما النعت وعطف البيان والتوكيد ففي العامل فيها مذهبان: - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 56، 132) والأصول (2/ 17 - ص 80)، وأوضح المسالك (3/ 299، 410)، والتذييل (4/ 101 - 183)، والتصريح (2/ 107، 163)، والرضي: (1/ 298، 343)، وشرح الجمل (1/ 192 - 298)، وشرح اللمع (181، 250)، وشرح المفصل (3/ 38، 79)، والكافية الشافية (2/ 1146، 3/ 1153 - 1255)، والكتاب (1/ 421، 441)، (2/ 5، 125) والكفاية (96، 107)، المقرب (1/ 219، 249)، والهمع (2/ 115: 142).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: ما ذكره المصنف وهو أن العامل فيها هو العامل في متبوعها وقد نسب هذا القول إلى سيبويه (¬1). قال ابن أبي الربيع: وهو أقوى عندي وأظهر يعني من القول الآخر لأنك إذا قلت: جاء زيد العاقل تعين أن يكون العامل فيهما واحدا؛ لأن الاسمين وردا على مدلول واحد وصار زيد العاقل عند من لا يعرفه إلا بذلك كزيد وحده عند من يعرفه به: فالعامل طالب لهما لأنهما دالان على مطلوبه وبهما يفهم مطلوبه فيعمل فيهما لذلك. الثاني: أن العامل فيها معنوي وهو تبعيتها لما جرت عليه، وهو مختار ابن عصفور (¬2) وقال الشيخ: وهو مذهب الخليل وسيبويه (¬3) وأكثر المحققين. وأما البدل فقيل هو على نية تكرار العامل أي تقديره، وقيل العامل فيه هو العامل في المبدل منه وهو ظاهر كلام سيبويه (¬4). قال الشيخ: والأكثرون على الأول وأما العامل في المعطوف: ففيه ثلاثة مذاهب. قيل: حروف العطف وقيل عامل مقدر بعده وقيل: العامل في المعطوف عليه بوساطة الحروف وهو الصحيح (¬5). وسيأتي الكلام على هذه المذاهب في تضاعيف أبواب التوابع إن شاء الله تعالى - ثم التابع منحصر في الخمسة التي ذكرها ووجه الحصر أن التابع إما (بوساطة) وهو عطف النسق أو بغير (وساطة) فإنه على نية تكرار العامل وهو البدل، أو (لا) على نيته وهو بألفاظ محصورة فالتوكيد أو بغير تلك الألفاظ وهو مشتق فالنعت، أو جامد فعطف البيان. ثم أن المصنف لم يقيد التابع بكونه اسما كما فعل بعض المصنفين لأن الفعل يشارك الاسم في تبعية دون تبعية فيبدل الفعل من الفعل ويعطف الفعل بالحرف على الفعل أيضا ولا تبعية له في التوكيد ولا النعت ولا عطف البيان. قال ابن أبي الربيع: إلا التوكيد اللفظي فإنه يوجد في الحروف والأفعال (¬6) وفي ما قاله نظر. أما الحروف فإنها مبنية لا إعراب لها لفظا ولا محلّا. والمراد بالتبعية في الإعراب، وأما الأفعال فلا يتحقق ذلك فيها كما لا يتحقق في الأسماء؛ إذ لا تبعية - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 150) (2/ 386، 387)، والارتشاف (2/ 579 - 666) تحقيق د/ مصطفى النحاس، والمقتضب (4/ 315). (¬2) التذييل والتكميل (4/ 101)، وشرح الجمل (1/ 98) وما بعدها. (¬3) انظر الهامش قبل السابق. (¬4) التذييل (7/ 283) والسابق. (¬5) التذييل (7/ 283). (¬6) التذييل (4/ 103).

[فصل التابع من المتبوع وتقدم معموله عليه]

[فصل التابع من المتبوع وتقدم معموله عليه] قال ابن مالك: (ويجوز فصله من المتبوع بما لم تتمحّض مباينته إن لم يكن توكيد توكيد، أو نعت مبهم أو شبهه، ولا يتقدّم معمول تابع على متبوع خلافا للكوفيين). ـــــــــــــــــــــــــــــ في التوكيد اللفظي؛ لأن التوكيد اللفظي إنما هو إعادة اللفظ الأول، ومن ثمّ قال المصنف: إن التوكيد المعنوي هو المعتد به في التوابع (¬1). قال ناظر الجيش: لا شك أن التابع شديد الالتزام لمتبوعه فحقه أن لا يفصل منه بما يعد أجنبيّا منهما أو من الكلام المتضمنهما؛ ولهذا امتنع: مررت برجل على فرس عاقل أبلق لأن عاقل مباين لفرس وصفته التي هي أبلق، وامتنع أيضا: زيد طعامك وعمرو آكلان؛ لأنك فصلت بمعمول الخبر عنهما وهو أجنبي، وكل ما كان معمولا لما بعد التابع ولما قبله من غير علقة أو كان جملة لا ارتباط لها بالكلام الذي للتابع؛ فهو مباين. أما ما لا يعد أجنبيّا فقد يفصل بينهما فمنه المبتدأ الذي الموصوف جزء من خبره نحو أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (¬2)، والخبر الذي الموصوف [مبتدؤه] نحو: زيد قائم العاقل، والفعل وأحد [4/ 103] مفعوليه إذا كان المفعول الآخر مضافا إلى الموصوف نحو أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (¬3) وجواب القسم إذا كان المقسم به موصوفا نحو قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ (¬4) ومعمول الموصوف نحو: هذا ضارب زيدا عاقل، ومعمول المضاف إلى الموصوف نحو سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ 91 عالِمِ الْغَيْبِ (¬5) ومعمول الوصف نحو ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (¬6) أي يسير علينا، وقال الشاعر: 3092 - [بكيت أخا اللأواء يحمد يومه] ... كريم رؤوس الدّارعين ضروب (¬7) أي ضروب رؤوس الدارعين، والفعل العامل في الموصوف نحو: أزيدا ضربت - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 289) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، د/ محمد بدوي المختون. (¬2) سورة إبراهيم: 10. (¬3) سورة الأنعام: 14. (¬4) سورة سبأ: 13. (¬5) سورة المؤمنون: 91، 92. (¬6) سورة ق: 44. (¬7) شطر بيت من الطويل ذكرنا صدره. واللأواء: الشدة، انظر: شرح المفصل (6/ 70، 71) ونسبه ابن يعيش - لأبي طالب، والكتاب (1/ 57).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القائم والمفسر (نحو) إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ (¬1) ففصل بين امرئ وبين صفته وهي «ليس له ولد» بـ «هلك» المفسر وجملة الاعتراض نحو وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (¬2) ويقال: جاء زيد وأنا أعرفه العالم والاستثناء نحو ما جاءني أحد إلّا [زيدا] يرا منك والمعطوف إذا لم (يكن) شريكه في الصفة حكى سيبويه: هذان رجلان وزيد منطلقان (¬3) وأنشد المصنف قول الشاعر: 3093 - ألم تر أننّي لاقيت يوما ... معاشر فيهم رجل جمارا فقير اللّيل يلقاه غنيّا ... إذا ما آنس الليل النّهارا (¬4) قال: وفيه فصلان فصل (بين) معاشر وصفته أعني خيارا وبين رجل وصفته وهو فقير الليل قال الشيخ: ولا يتعين ما قال لأن قوله فيهم رجل في موضع الصفة لمعاشر فلا فصل إذ كل منهما صفة وأما فقير الليل فيحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف (¬5) - انتهى - والأول ظاهر وأما الثاني ففيه بعد والظاهر أن فقير الليل صفة لرجل إذ المعنى عليه ومن الفصل بين التوكيد ومتبوعه قوله تعالى: وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ (¬6) فأكد النون من يرضين وفصل بِما آتَيْتَهُنَّ. ومن الفصل بين المتعاطفين الفصل ب وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ (¬7) بين الأيدي والأرجل. قال المصنف: لأن المجموع عمل واحد قصد الإعلام بترتيبه فحسن (¬8)، وكان ذلك أسهل من الجملة المعترض بها بين شيئين امتزاجهما أشد من امتزاج المعطوف والمعطوف عليه كالموصول والصلة والموصوف والصفة وإلى مثل هذا جمعيه أشار المصنف بقوله: (ويجوز فصله من المتبوع بما لم تتمحض مباينته)، وإنما عدل عن قوله بما لم يباين لأن الفاصل في الأمثلة المذكورة يصدق عليه أنه مباين لكن العلقة الحاصلة بينه وبين التابع أو المتبوع أو بينه وبين الكلام المشتمل عليهما أزالت أجنبيته فلم تتمحض المباينة فجاز الفصل وإنما يمتنع الفصل بما هو - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 176. (¬2) سورة الواقعة: 76. (¬3) الكتاب (2/ 60، 81). (¬4) من الوافر وانظرها - معا - في التذييل (7/ 285) وشرح التسهيل (3/ 287). (¬5) التذييل (7/ 285). (¬6) سورة الأحزاب: 51. (¬7) سورة المائدة: 6. (¬8) شرح التسهيل (3/ 287).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجنبي من جميع الوجوه. ثم لما كان من التوابع ما هو أشد التزاما لمتبوعه من غيره إما لأمر لفظي أو معنوي امتنع الفصل بينهما مطلقا وإياه عنى المصنف بقوله: إن لم يكن توكيد توكيد إلى آخره (¬1). وجملة التوابع التي لا يفصل بينها وبين متبوعها بشيء ستة. ذكر المصنف منها في متن الكتاب ثلاثة (¬2)، وزاد في الكافية اثنين (¬3)، وفي شرحه لهذا الكتاب واحدا (¬4). الأول: توكيد التوكيد نحو فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (¬5) وكذلك أكتعون وأبصعون. وأجمعون ليس في الحقيقة توكيدا لكلهم بل هو توكيد للملائكة وإنما تجوز المصنف في تسميته بذلك، ولو قال: إن لم يكن توكيدا ثانيا كان أولى. الثاني: وهو الذي ذكره في الشرح: الصفة المشبهة توكيد التوكيد نحو «اثنين» من لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ (¬6). «وواحدة» من فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (¬7) وأراد المصنف بذلك كل صفة تفيد التأكيد. الثالث: نعت الاسم المبهم نحو الرجل من ضرب هذا الرجل زيدا فلو قيل: ضرب هذا زيدا الرجل لم يجز، الرابع: نعت ما أشبه الاسم المبهم في عدم الاستغناء عن الصفة نحو العبور من قولهم: طلعت الشعرى العبور، فلو قلت: الشعرى طلعت العبور لم يجز، وكذا الأحمر من قولهم خلف الأحمر - قال الشيخ: وقد استغنت الشعرى عن الصفة في قوله تعالى: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (¬8) فاستدرك على المصنف. الخامس: المعطوف المتم ما لا يستغنى عنه من الصفات كقولك: إن امرأ ينصح ولا يقبل خاسر فلو جعل خاسر بين ينصح ولا يقبل لم يجز - ¬

_ (¬1) الهامش السابق. (¬2) السابق. (¬3) قال ابن مالك في الكافية الشافية (2/ 1147). وتابعا بالأجنبيّ المحض لا ... تفصل وفصل بسواه اقبلا إن لم يكن توكيد توكيد ولا ... نعتا لمبهم كسل ذا الرّجلا (¬4) الذي ذكره في الشرح (3/ 287) توكيد التوكيد أو صفة تشبهه أو صفة اسم مبهم وكذلك ما أشبهه الاسم المبهم في عدم الاستغناء عن الصفة. (¬5) سورة الحجر: 30. (¬6) سورة النحل: 51. (¬7) سورة الحاقة: 13. (¬8) سورة النجم: 49، والتذييل (7/ 286).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنهما جزء صفة لا يستغنى عنهما ولا يغني أولهما عن ثانيهما فلو جاز الاكتفاء بأولهما لم يمتنع الفصل كقول الشاعر: 3094 - إنّ امرأ أمن الحوادث جاهل ... ورجا الخلود كضارب بقداح (¬1) أصل الكلام أن امرأ أمن الحوادث ورجا الخلود ففصل لأن أمن الحوادث صالح للاكتفاء بخلاف ينصح من المثال المتقدم. السادس: أبيض يقق وأحمر قان وأسود حالك. قال المصنف: فهو في النعت (كأكتعين) في التوكيد وهذان الخامس والسّادس هما اللذان ذكرهما في الكافية. ثم نبه المصنف على أن التابع لا يتقدم معموله على المتبوع فلا يقال في هذا الرجل يأكل طعامك: هذا طعامك يأكل رجل ولا في نحو قمت فضربت زيدا: زيدا قمت فضربت، هذا مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون ذلك ووافقهم الزمخشري في تقديم معمول الصفة على الموصوف فعلق «في أنفسهم» من قوله تعالى وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً (¬2) بصفة القول. قال المصنف: ولا يصح ذلك على طريق البصريين؛ لأن حق المعمول أن لا يحل إلا في موضع يحل فيه العامل ومعلوم أن التابع لا يتقدم على المتبوع فلا يتقدم عليه معموله. قال: وأما «في أنفسهم» فمتعلق بـ «قل». انتهى، ويمكن أن يكون «في أنفسهم» حالا من «قولا» وإنما يكون حالا منه مع قيد وصفه [ببليغا] التقدير: وقل لهم قولا بليغا كائنا في أنفسهم، ويمكن تخريج كلام الزمخشري على هذا فإنه إنما جعل تعلق «في أنفسهم» [4/ 104] بصفة (القول) على أنه تعلق معنوي لا تعلق صناعي. والله تعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو من شواهد الكافية الشافية (2/ 1150). (¬2) سورة النساء: 63.

الباب الثالث والأربعون باب التوكيد

الباب الثالث والأربعون باب التّوكيد (¬1) [أقسامه، وذكر أحكام التوكيد بالنفس والعين] قال ابن مالك: (وهو معنويّ ولفظيّ. فالمعنويّ التّابع الرّافع توهّم إضافة إلى المتبوع، أو أن يراد به الخصوص ومجيئه في الغرض الأوّل بلفظ النّفس والعين مفردين مع المفرد، مجموعين مع غيره جمع قلّة، مضافين إلى ضمير المؤكّد مطابقا له في إفراده وغيره. ولا يؤكّد بهما غالبا ضمير رفع متّصل إلّا بعد توكيده بمنفصل، وينفردان بجواز جرّهما بباء زائدة، ولا يؤكد مثنّى بغيرهما إلّا بكلا وكلتا وقد يؤكّدان ما لا يصحّ في موضعه واحد، خلافا للأخفش) (¬2). قال ناظر الجيش: يقال أكد تأكيدا، ووكد توكيدا لغتان، والتابع مؤكد وإطلاق التوكيد عليه من باب إطلاق المصدر مرادا به الفاعل ولا أعلم السبب (¬3) في تقديم المصنف له في الذكر على النعت وكأنه اقتدى بصاحب الإيضاح فإنه قدم ذكر التوكيد على بقية التوابع (¬4). واعتل ابن أبي الربيع لذلك بأن قال: التوكيد أولى (بالتبعية) من الصفة لأن مدلول المؤكد والمؤكد واحد. وأما الصفة فيستفاد منها زائد على ما يستفاد من الأول فلذلك قدم أبو علي التوكيد ثم أتى بالنعت بعده لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد؛ لأنه المنعوت في المعنى ثم أتى بعطف البيان لأن الأصل فيه أن يكون بدلا وإنما أجري مجرى النعت وليس به - وأما البدل فهو على تقدير تكرير العامل فالتبعية فيه ليست ببينة فوجب أن يذكر بعد النعت (وما - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب الأشموني (3/ 73: 84) والأصول (2/ 17 - 21) وأوضح المسالك (3/ 327، 345)، والتذييل (4 / ق 103، ق 114)، والتصريح (2/ 70، 130)، والرضي (1/ 328 - 337) وشرح الجمل (1/ 262 - 279)، وشرح اللمع (206 - 209)، وشرح المفصل (3/ 39 - 46) والكتاب (1/ 158، 247، 251، 277، 279، 377، 399) (2/ 11، 12، 60، 125، 146، 184، 194، 351، 359، 360، 378، 379، 381، 385 - 387، 391)، (3/ 172، 202، 203، 385، 502)، والكفاية (96 - 100) والمقرب (1/ 238 - 241) والهمع (2/ 122 - 125). (¬2) ينظر الارتشاف (2/ 608). (¬3) استحسنه الأشموني (3/ 59). (¬4) الإيضاح (ص 50).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جرى) (¬1) مجراه وهو عطف البيان، وأما العطف بحرف فالثاني فيه غير الأول وإن كان مثله في الإعراب والبدل ليس كذلك بل هو الأول في المعنى أو منزل منزلته فلذلك كان العطف بالحرف مؤخرا عنه (¬2) انتهى. وهكذا فعل المصنف في هذا الكتاب فأتى بالتوابع الخمسة على هذا الترتيب بخلاف ما فعل في الألفية (¬3) وغيرها من كتبه (¬4). ثم التوكيد قسمان معنوي ولفظي وأخر المصنف الكلام عليه وأما المعنوي فقال المصنف: هو المعتد به في التوابع وهو على ضربين: أحدهما: الذي يقصد به رفع توهم السامع أن المتكلم قصد إسناد الحكم إلى مضاف إلى المذكور ثم حدقه وأقام الثاني مقامه نحو قتل العدو زيد نفسه فبذكر النفس يعلم أن زيدا باشر القتل وحده ولولا ذلك لأمكن اعتقاد كونه أمرا لا مباشرا. الثاني: أن يقصد به رفع توهم السامع أن المتكلم وضع العام موضع الخاص نحو قولك: جاء بنو فلان كلهم فبذكر كل علم السامع أن المتكلم لما قال: بنو فلان لم يرد أن يخص بالمجيء بعضا دون بعض ولولا التوكيد لأمكن اعتقاد ذلك فإن العرب قد تضع العام موضع الخاص مجازا. وقد شمل الحد المذكور الضربين. وجعل ابن عصفور التوكيد المعنوي قسمين: قسما يراد به إزالة الشك عن المحدث عنه وعنى به هذين الضربين. وقسما يراد به إزالة الشك عن الحديث وعنى به التأكيد بالمصدر نحو مات زيد موتا وقتل عمرو قتلا فالتأكيد فيهما أفاد وقوع الفعل حقيقة ونفي قصد التجوز (¬5). وهو كلام صحيح غير أن المصنف لا يلزمه بل لا يجوز له أن يذكر ذلك هنا كما فعل ابن عصفور، لأن الكلام في هذا الباب إنما - ¬

_ (¬1) من م والأصل: وما جراه - تحريف. (¬2) التذييل (4/ 103، 104). (¬3) قال في الألفية: يتبع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل وانظر الأشموني (3/ 56) وما بعدها. (¬4) قال في الكافية الشافية (2/ 1146): التابع التالي بلا تقيد ... في حاصل الإعراب والمجدد وهو لدى التقسيم بلغت الأمل ... نعت وتوكيد وعطف وبدل (¬5) شرح الجمل (1/ 263) تحقيق أبو جناح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو في المؤكد الذي يكون تابعا لا في المؤكد على الإطلاق. ولا شك أن ابن عصفور لم يقصد إلا الإشارة إلى المؤكد من حيث هو مؤكد من حيث هو تابع. فإن قيل: جعله إياه من قبيل التوكيد المعنوي يقتضي إدخاله في هذا الباب لأن المعنوي قسيم اللفظي ولا شك أن الباب مشتمل عليهما فالجواب: أنه لا يلزم من إطلاق المعنوي عليه ما ذكره لأنه إنما سمي توكيدا لتقوية مدلول ما أكده وبيان إرادة الحقيقة منه فهو توكيد من حيث المعنى لا من حيث الصناعة. فإن قيل: هل يجوز في المصدر المؤكد أن يكون من قبيل التوكيد اللفظي. فالجواب: أنه يجوز أن يقال فيه إنه من قبيل اللفظي لأن الإتيان بالمصدر بعد الفعل كتكرير الفعل فهو مرادف. وهم قد جعلوا التوكيد بالمرادف من اللفظي نحو أنت بالخير حقيق قمن، لكن قد يفرق بينهما بأن مثل التابع المرادف لحقيق وهو قمن اسم فهو والمتبوع نوع واحد بخلاف المصدر مع الفعل. ومما يعكر على جعل المصدر من باب التوكيد اللفظي أنه غير تابع وما قبله غير صالح لأن يكون متبوعا له والتوكيد المعنوي واللفظي داخلان في مسمى التابع فكيف يجعل توكيدا مع عدم التبعية، وقد يجاب عنه بأن الحرف يؤكد بالحرف والجملة بالجملة ولا تبعية فيها. والحق: أن لا تبعية في جميع أنواع التوكيد اللفظي، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك والاعتضاد فيه بقول المصنف: إن التوكيد المعنوي هو المعتد به في التوابع. إذا تقرر هذا فليعلم أن مجيء التوكيد في الغرض الأول وهو رفع توهم الإضافة إلى المتبوع بلفظ النفس والعين خاصة، أما بكل منهما على الانفراد أو بهما معا مفردين مع المفرد مجموعين جمع قلة لا جمع كثرة مع المثنى، والمجموع مضافين مطلقا لفظا إلى ضمير مطابق للمؤكد في إفراد وتذكير وغير ذلك نحو: نفسه عينه، نفسها عينها، أنفسهما أعينهما، أنفسهم أعينهم، أنفسهن أعينهن، ولا يجوز نفوسهم وعيونهم بجمع الكثرة. وقد استظهر الشيخ على المصنف، فقال: ينبغي أن يقيد جمع القلة بكونه على «أفعل» فإن عينا جمعت على أعيان أيضا، ولا يجوز أن يقال قام الزيدان أعيانهما ولا قام الزيدون أعيانهم (¬1). والجواب: أن المصنف قد قال [4/ 105] في ألفيته: - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 291).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجمعهما بأفعل (¬1) ... وكلام الرجل الواحد إذا كان مطلقا في موضع ومقيدا في آخر حمل المطلق على المقيد، ثم إن جمع عين على أعيان في غاية من الندور فلم يحتج إلى الاحتراز عنه. وذكر الإمام بدر الدين في شرح الألفية: أنه يجوز أن يقال في تأكيد المثنى: قام الزيدان نفساهما عيناهما وأجرى ذلك على القاعدة المعروفة في إضافة الجزئين إلى ما يتضمنهما (¬2). وعلى ما قاله يجوز: الزيدان نفسهما بالإفراد أيضا فتجيء ثلاثة الأوجه هنا وهي الجمع والتثنية والإفراد ثم أن الشيخ ذكر ذلك عنه ونسبه فيه إلى الوهم، وقال: لم يذهب إلى ذلك أحد من النحويين (¬3). ولم يذكر الشيخ لذلك علة. وقد يقال: إن العلة في منع التثنية والإفراد أن المراد بلفظ النفس والعين في باب التوكيد الشخص نفسه لا جزء منه. فإذا قيل: جاء الزيدان وأريد التوكيد بالنفس والعين قيل أنفسهما أعينهما بالجمع لأن الإفراد غير جائز؛ إذ الاثنان لا يكونان واحدا وامتنعت التثنية لاتحاد المضاف والمضاف إليه. وإنما جازت الإضافة بتأويل، وهم قد كرهوا الإتيان بالتثنية في مثل: قلبا كما مع أن المتضايفين غير متحدين في المعنى فلم يبق بعد الكراهية في المتحدين إلا الامتناع في المتحدين. واعلم أن النفس والعين أختصا في التوكيد عن بقية الألفاظ بحكمين أحدهما: أنه لا يؤكد بهما ضمير رفع متصل إلا بعد توكيده بمنفصل نحو: قمتم أنتم أنفسكم، وقمنا نحن أنفسنا، وقاموا هم أنفسهم، وزيد قام هو نفسه. وقد علل (ذلك) بأن النفس والعين إذا لم يرد بهما التأكيد يليان العوامل فلو لم يؤكد قبلهما بضمير الرفع المنفصل لأدى ذلك إلى اللبس في بعض المواضع كما إذا قيل: هذه ذهبت نفسها فإنه يحتمل التأكيد والفاعلية فإذا أكد بالضمير قبل ذكر النفس والعين ارتفع اللبس المذكور ثم حمل ما لا لبس فيه على غيره. قال المصنف: وقاموا أنفسهم جائز على - ¬

_ (¬1) واجمعهما بأفعل إن تبعا ... ما ليس واحدا تكن متّبعا وانظر الأشموني (3/ 73) وما بعدها. (¬2) شرح الألفية لبدر الدين بن مالك (501) تحقيق د/ عبد الحميد السيد. (¬3) التذييل (7/ 291).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضعف. ذكر ذلك الأخفش في «المسائل» (¬1) وعنه احترز بقوله: غالبا. الحكم الثاني: جواز جرهما بباء زائدة نحو جاء زيد بنفسه ورأيت عمرا بعينه، ولا يجوز ذلك في غيرها من ألفاظ التوكيد؛ فأما قول العرب: جاءوا بأجمعهم بضم الميم وفتحها ففيه معنى التوكيد وليس من ألفاظه إذ لو كان منها لجاز استعماله بلا باء بل كان ترك الباء أكثر كما كان في النفس والعين. وأجمعهم هذا كذا مضافا غير مستعمل توكيدا. وأما قول المصنف: ولا يؤكد مثنى بغيرهما إلا بكلا وكلتا إلى آخره ..... فاعلم أن كلا وكلتا إنما يؤكد بهما في الغرض الثاني فكان الواجب أن يؤخر الكلام عليهما إلى أن يذكر الألفاظ التي يؤكد بها في ذلك [الغرض]، لكنه لما ذكر أن النفس والعين يؤكدان المثنى في الغرض الأول ولم يكن المثنى في الغرض الثاني يؤكد بغير كلا وكلتا ذكرهما ليكون مستوفيا الألفاظ المستعملة توكيدا له ولما ذكرهما لهذا القصد استطرد فذكر حكما متعلقا بهما وهو أنهما قد يؤكدان ما لا يصح في موضعه واحد. أما كون المثنى لا يؤكد في الغرض الثاني إلا بكلا في التذكير وكلتا في التأنيث فهو مذهب البصريين، والعمدة فيه استعمال العرب. وحاصل الأمر الاستغناء بهما في ذلك عن غيرهما كما حصل الاستغناء في غير هذا الباب بلفظ عن آخر يؤدي معناه. وأما كونهما يجوز أن يؤكد بهما ما لا يصح في موضعه واحد فقد رآه المصنف وذكر أن الأخفش لا يجيزه. وذكر ابن عصفور أن ذلك ممتنع وأن الأخفش يجيزه (¬2) فاختلف النقل عنه. وذكر الشيخ أن الفراء وهشاما وأبا علي ذهبوا إلى المنع (¬3) وأن الجمهور ذهبوا إلى الجواز وذلك نحو قولك: اختصم الرجلان كلاهما، احتج المانع بعدم الفائدة إذ لا يجوز أن يراد بالرجلين أحدهما فيدفع هذا الاحتمال بتوكيد. قال ابن عصفور: وحجة الأخفش في إجازة ذلك أنه يجعله بمنزلة التأكيد بعد التأكيد وذلك فاسد، - ¬

_ (¬1) ينظر الارتشاف (2/ 608) والتذييل (7/ 291). (¬2) شرح الجمل (1/ 270). (¬3) التذييل (7/ 291)، وينظر الارتشاف (2/ 609).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنك إذا قلت: قام الزيدون كلهم، جاز أيضا أن تعني بذلك البعض وأكدت بكل مبالغة فإذا قلت: أجمعون زال ذلك الاحتمال وكذا ما بقي من ألفاظ التوكيد يتطرق إليه الاحتمال تطرقا ضعيفا، فإذا استوفيت ألفاظ التوكيد حينئذ زال ذلك الاحتمال وعلم أن المقصود العموم، وإذا قلت: اختصم الزيدان لم يتصور احتمال أصلا أن المراد أحدهما (¬1). ومثل المصنف هذه المسألة بجلست بين الرجلين كليهما وضربت أحد الرجلين كليهما، حيث قال: ولا يمتنع عندي ضربت أحد الرجلين كليهما لأن فيه فائدة وذلك أن موضع الرجلين صالح للعموم فيمكن توهم السامع أن المتكلم قصد الجمع فغلط فوضع المثنى موضعه فبذكر كليهما يزول ذلك التوهم فلم يخل من فائدة، وأيضا فإن موضع الرجلين صالح للفرسين والبعيرين وغير ذلك فلا يمتنع توهم السامع قصد المتكلم شيئا من ذلك ما لم يأت بكليهما أو نعت يقوم مقامه، فإذا جاء بكليهما علم اعتناؤه بما ذكر قبله وأنه قاصد اعلام السامع بصحة العبارة ونفي الغلط. انتهى. وفي ما قاله أمران: الأول: أن الاحتجاج الذي ذكره لا يتجه، فإن التأكيد بكلا وكلتا وأخواتهما إنما يؤتي به لرفع توهم إرادة بعض ما وضع له اللفظ كما عرف لا لرفع توهم إرادة العموم، وأما إذا قصد رفع توهم الغلط فإنما يؤتى بالتأكيد اللفظي أو بشيء آخر يفيد ذلك إذ التأكيد المعنوي لا يرفع [4/ 106] به التوهم الذي أشار إليه. الأمر الثاني: أن ابن عصفور ذكر أنه لا يجوز توكيد ما ليس بمقصود للمخبر من الكلام، نحو: ضربت عبد الزيدين كليهما لأنك لم تقصد الإخبار عن الزيدين، قال: فلو أكدتهما لكنت كالمناقض لأنك من حيث أكدتهما ينبغي أن تكون قاصدا نحوهما ومن حيث لم تنو الإخبار عنهما لم يكونا مقصودين (¬2) انتهى. والمسألة محل نظر. وفي شرح الشيخ: أن مثل ذلك لم يسمع ولا يحفظ عن عربي قط شيء منه (¬3). ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 270، 271). (¬2) شرح الجمل (1/ 274). (¬3) التذييل (7/ 293).

[من أغراض التوكيد المعنوي]

[من أغراض التوكيد المعنوي] قال ابن مالك: (ومجيئه في الغرض الثّاني تابعا لذي أجزاء يصحّ وقوع بعضها موقعه مضافا إلى ضميره بلفظ «كلّ» أو «جميع» أو «عامّة» وقد يستغنى بـ «كليهما» عن «كلتيهما» وب «كلهما» عنهما وبالإضافة إلى مثل الظّاهر المؤكّد بـ «كل» عن الإضافة إلى ضمير، ولا يستغنى بنيّة إضافته، خلافا للفرّاء (¬1) والزّمخشري (¬2) ولا يثنّى «أجمع» ولا «جمعاء» خلافا للكوفيين ومن وافقهم). قال ناظر الجيش: تقدم أن التوكيد المعنوي يجاء به لغرضين: أحدهما: رفع توهم إضافة إلى المتبوع، والثاني: رفع توهم إرادة الخاص باللفظ العام. فلما أشار إلى ما يفيد الغرض الأول شرع في الإشارة إلى ما يفيد الغرض الثاني، ولا شك أن الذي يفيد هذا الغرض خمسة ألفاظ تقدم له منها ذكر لفظين وهما: كلا وكلتا، وها هو قد ذكر الثلاثة الأخر وهي كل وجميع وعامة، وألفاظ التوكيد الباقية يؤتى بها تابعة لكل كما سيأتي إلا أن منها ما يجوز استعماله غير تابع وهو التكثير ومنه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها (¬3) ومعلوم أنه تعالى لم يره جميع آياته. واعلم أنه لا يؤكد بهذه الألفاظ إلا معرفة مبعضة بالنسبة إلى عمل العامل ويعتبر ذلك بجعل بعضها في موضعها فإن صح صح التوكيد وإن امتنع امتنع، فقولك: جاء القوم كلهم صحيح لصحة قولك: جاء بعض القوم، وقولك جاء زيد كله ممتنع لامتناع قولك: جاء بعض زيد بخلاف رأيت زيدا كله ونحوه؛ لأن العامل صالح للإسناد إلى بعض زيد فالمعرفة متبعضة بالنسبة إليه لا بالنسبة إلى ذاتها، وحاصله أن المعرفة إما مبعضة بذاتها وإما بالنسبة إلى عاملها ولا بد من إضافة كل من الألفاظ الخمسة المذكورة إلى ضمير المؤكد بكلا إلى ضمير المثنى لمذكر وكلتا إلى ضمير المثنى المؤنث وكله لمفرد وكلها لمؤنث ولجمع مذكر غير عاقل نحو: قبضت الدراهم كلها، ولجمع مذكر عاقل إذا كان مكسرا أو مجموعا بالألف والتاء وكلهم لجمع مذكر عاقل مسلم وكلهن لجمع المؤنث، العاقل، ويجوز فيه كلها كما يجوز في - ¬

_ (¬1) التصريح (2/ 122، 123) والكشاف (4/ 133). (¬2) المصدرين السابقين. (¬3) سورة طه: 56.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمع المقول فيه كلها كلهن إلا أن كلهن في العاقلات أولى من كلها وكلها في غير العاقلات أولى من كلهن إلا أن كان مرادا به أدنى العدد فكلهن أولى به من كلها. هذا كلام المصنف هنا وتمثيله ولا حاجة إليه لأنه قد عرف في باب المضمر من هذا الكتاب (¬1). قال المصنف: وذكرت مع كل جميعا وعامة كما فعل سيبويه (¬2) وأغفل ذلك أكثر المصنفين سهوا أو جهلا فيقال: جاء القوم جميعهم وعامتهم كما يقال: جاءوا كلهم والمعنى واحد (¬3). وقال في شرح الكافية: نبه سيبويه على أن جميعا بمنزلة كل معنى واستعمالا ولم يذكر له شاهدا (¬4) وقد ظفرت بشاهد (له) (¬5) وهو قول امرأة من العرب ترقص ابنها: 3095 - فداك حيّ خولان ... جميعهم وهمدان وكلّ آل قحطان ... والأكرمون عدنان (¬6) ونقل الشيخ عن صاحب الإيضاح أن المبرد خالف في عامتهم فقال: إنما هو بمعنى أكثرهم (¬7). ومن شواهد الاستغناء بكليهما عن كلتيهما قول الشاعر: 3096 - يمتّ بقربي الزّينبين كليهما ... إليك وقربى خالد وحبيب (¬8) وخرج ابن عصفور ذلك على أن الشاعر حمل على المعنى للضرورة كأنه قال: بقربي الشخصين (¬9)، وأما شاهد الاستغناء بكلهما عن كليهما وكلتيهما فلم أره في - ¬

_ (¬1) انظر باب المضمر في الجزء الثاني من هذا الكتاب. (¬2) الكتاب (1/ 376) وما بعدها. (¬3) شرح التسهيل (3/ 291). (¬4) الكتاب (2/ 116، 117). (¬5) انظر الكافية الشافية (3/ 1171). (¬6) رجز - التصريح (2/ 123)، والدرر (2/ 155)، والعيني (4/ 91)، والهمع (2/ 123)، والنص في شرح الكافية الشافية (3/ 171). (¬7) ينظر - بالترتيب - التذييل (7/ 296) والإيضاح (273) والمقتضب (3/ 335)، والأشموني (3/ 294). (¬8) من الطويل لهشام بن معاوية - الأشموني (3/ 78)، والدرر (1/ 90)، والشجري (2/ 62)، والهمع (1/ 120). (¬9) شرح الجمل (1/ 265).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح المصنف. قال الشيخ: وهو يحتاج إلى سماع من العرب (¬1). ومثال الاستغناء بإضافة كل إلى مثل الظاهر عن إضافته إلى المضمر قول ابن أبي ربيعة (¬2): 3097 - كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم ... يا أشبه النّاس كلّ النّاس بالقمر (¬3) وقول الفرزدق: 3098 - أنت الجواد الّذي ترجى نوافله ... وأبعد النّاس كلّ الناس من عار وأقرب النّاس كلّ النّاس من كرم ... يعطي الرّغائب لم يهمم بإقتار (¬4) هذا ما ذكره المصنف. قال الشيخ: ولا حجة فيه لأن كل الناس فيه نعت لا توكيد وهو نعت بين كمال المنعوت (¬5)، وسيأتي ذلك في باب النعت. قال: وقد مثل المصنف حين ذكر المسألة بقوله: زيد الرجل كل الرجل والمراد به الكامل (¬6). قال: وحمله على النعت بمعنى الكاملين أمدح وأحسن إذ العموم مفهوم مما قبله وأفاد النعت معنى غير العموم فكأنه قال: يا أشبه الناس الكاملين (¬7). انتهى. وما ذكره الشيخ غير ظاهر فإن ما قرره يخالف مراد الشاعر وذلك أن المراد يا أشبه الناس كل الناس بالقمر أنه لا يشبه القمر أحد من الناس إلا أنت، ولا يتم للقائل هذا المراد: إلا بأن يريد العموم إذ لو لم يرده لجاز أن يقال أن غيرها من الناس يشاركها في ذلك فيخرج الكلام عن المدح بالحسن، ومراد الشاعر انحصار الشبه بالقمر فيها فلا يشبه القمر من الناس [4/ 107] إلا هي، وهكذا المعنى في قول الفرزدق: (وأبعد الناس كل الناس) (وأقرب الناس كل الناس) لأن مراده أنه أبعد الناس كلهم من العار فلا أحد يشاركه في هذا البعد وأقرب الناس كلهم من الكرم فلا أحد - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 296). (¬2) هو كذلك في ديوان كثير عزة (2/ 196). (¬3) من البسيط - ديوانه (124) والأشموني (3/ 75)، والدرر (2/ 155)، والعيني (4/ 88)، الهمع (2/ 123). (¬4) من البسيط ديوانه (1/ 329) والتذييل (7/ 297). (¬5) التذييل (7/ 296). (¬6) التذييل (7/ 296)، وشرح التسهيل (3/ 306). (¬7) المصدرين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يشاركه في هذا القرب فلما كان العموم مرادا تعين التوكيد ليفيد أن الخصوص غير مراد وليس النعت بمقصود في هذه الأبيات إذ لا معنى لقولنا: يا أشبه الناس الكاملين ثم إن القائلين هذه الأبيات لم يقصدا مدح الناس فيجعل ما بعد نعتا كما قصد المدح في قولنا: أنت الرجل كل الرجل، لأن الرجل هو المقصود بالمدح، والناس من أشبه الناس وأبعد الناس وأقرب الناس ليس المقصود بذلك إنما المقصود به أشبه وأبعد وأقرب. وأجاز الفراء (¬1) والزمخشري (¬2) أن يكون «كلّا» في قراءة من قرأ «إنّا كلّا فيها» (¬3) بالنصب توكيدا لاسم إن. قال المصنف (¬4): وذلك عندي غير جائز لأن ألفاظ التوكيد ضربان ضرب مصرح بإضافته، إلى ضمير المؤكد وهو النفس والعين وكل وجميع وعامة، وضرب منوي الإضافة إلى ضمير المؤكد وهو أجمع وأخوته. وقد أجمعنا على أن المنوي الإضافة لا يصرح بإضافته وأجمعنا على أن غير كل من الصريح الإضافة لا يستعمل منوي الإضافة فتجويز ذلك في كل يستلزم عدم النظير في الضربين لأن غير كل إما ملازم لصريح الإضافة وإما ملازم لمنويها فإفراد كل بجواز الاستعمالين مستلزم لعدم النظير والمفضي إلى ذلك هو ما ذهب إليه الفراء والزمخشري فوجب اجتنابه. قال: والقول المرضي عندي أن «كلّا» في القراءة المذكورة منصوب على الحال (من الضمير المرفوع المنوي في فيها وفيها هو العامل وقدمت الحال عليه) مع عدم تصرفه، ثم إنه أعني المصنف استشهد على تقديم الحال على العامل المنوي ببعض الشواهد الذي تقدم له ذكرها في باب الحال (¬5) فتركت إيرادها هنا لذلك. ثم لما تقدم أن المثنى في هذا الغرض لا يؤكد بغير كلا وكلتا نبه المصنف الآن على أن الكوفيين ومن وافقهم يعني من البصريين فألفوا في ذلك فأجازوا (تثنية) أجمع وجمعاء. - ¬

_ (¬1) معاني القرآن له (3/ 10). (¬2) الكشاف (4/ 133). (¬3) سورة غافر: 48، وانظر المصدرين السابقين. (¬4) شرح التسهيل (3/ 292). (¬5) قراءة من قرأ «والسموات مطويات بيمينه» وقول النابغة الذبياني: رهط ابن كور محقبي أذراعهم ... فيهم ورهط ربيعة بن حذار وقول بعض الطائيين: دعا فأجبنا وهو بادي ذلة لديكم فكان النصر غير بعيد، وانظر باب الحال.

[من أحكام بعض ألفاظ التوكيد المعنوي]

[من أحكام بعض ألفاظ التوكيد المعنوي] قال ابن مالك: (ويتبع «كلّه» «أجمع» و «كلّها» «جمعاء» و «كلهّم» «أجمعون» و «كلّهن» «جمع»، وقد يغنين عن «كلّ» وقد يتبعن بما يوازنهنّ من «كتع» و «بصع» و «بتع» بذا التّرتيب أو دونه. وقد يغني ما صيغ من «كتع» عن ما صيغ من «جمع»، وربّما نصب «أجمع» و «جمعاء» حالين، وجمعاهما كهما على الأصحّ، وقد يرادف جمعاء مجتمعة فلا تفيد توكيدا). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن خروف: قياس تثنية أفعل وفعلاء في هذا الباب يعني باب التوكيد قياس أحمر وحمراء ومن [منع] (¬1) تثنيتهما فقد تكلف وادعى ما لا دليل عليه (¬2). وقد يجاب ابن خروف بأن الدليل على ذلك عدم استعمال العرب وأنهم استغنوا عن تثنيتهما بتثنية غيرهما كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. ويعلم من كلام المصنف أن أكتع وكتعاء وأبصع وبصعاء وأبتع وبتعاء لا يثنى على رأي من لا يثنى أجمع وجمعاء وهم أكثر البصريين لأن الثلاثة تابعة لأجمع وجمعاء فحكمها حكمهما في الخلاق، ويعلم منه أيضا أن الممتنع فيها إنما هو التثنية، لا الجمع فإنه جائز كما سيأتي. قال ناظر الجيش: يقال جاء الجيش كله أجمع، والقبيلة كلها جمعاء، والرجال كلهم أجمعون، والنساء كلهن جمع، قال الله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * (¬3) ومثال الاستغناء عن كل قوله تعالى: وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (¬4) ووَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (¬5)، ولَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * (¬6) قال الشيخ: جعل المصنف مجيء باب أجمع دون كل على سبيل الاستغناء عن كل وليس كذلك بل كلاهما لفظا توكيد يجوز أن ينفردا وأن يجتمعا لكن إذا اجتمعا بدئ بكل كما أن النفس والعين كلاهما من ألفاظ التوكيد ويجوز - ¬

_ (¬1) من التذييل والأصل تتبع. (¬2) التذييل (4/ 106، 107). (¬3) سورة الحجر: 30، وسورة ص: 73. (¬4) سورة الحجر: 39، وسورة ص: 82. (¬5) سورة الحجر: 43. (¬6) سورة هود: 19، وسورة والسجدة: 13.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انفرادهما واجتماعهما لكنهما إذا اجتمعا بدئ بالنفس ولا يقال إذا أكد بالعين إن ذلك من باب الاستغناء (¬1). انتهى. وأقول: أن المصنف إنما احتاج إلى أن يقول: وقد يغنين عن كل لقوله أولا: ويتبع كله أجمع إلى آخره فلما كان قوله: ويتبع يوهم أن أجمع وأخواته لا تذكر إلا تابعة أزال ذلك الوهم بالتعرض إلى ذكر الغناء على أن الأمر في ما ذكره الشيخ قريب. ويصاغ من الكتع والبصع والبتع ما يوازن الألفاظ المتقدمة ويؤتى بالألفاظ المصوغة تابعة فيقال كله أجمع أكتع أبصع أبتع، كلها جمعاء كتعاء بصعاء بتعاء، كلهم أجمعون أكتعون أبصعون أبتعون، كلهن جمع كتع بصع بتع، وأبصع بالصاد المهملة وسمع أيضا بالضاد المعجمة ونسب المصنف زيادة أبتع وفروعه إلى الكوفيين ذكر ذلك في شرح الكافية (¬2). وأشار بقوله: (بذا الترتيب أو دونه) إلى أنك إذا أتيت بأجمع كان لك أن تأتي بالألفاظ المذكورة مرتبة بالترتيب المذكور وهو أجود ولك أن لا ترتب فتقول: أجمع أبتع أبصع أكتع وأجمع أبصع أبتع أكتع. قال في شرح الكافية: وأجاز ابن كيسان للمؤكد بأجمع وجمعاء وأجمعين وأجمع أن يقدم ما شاء من البواقي (¬3). وقال في شرح هذا الكتاب: وإنما اللازم لمن ذكر الجميع أن يقدم «كلّا» ويوليه المصوغ من جمع، ثم يأتي بالبواقي كيف شاء إلا أن الإتيان بها على الترتيب المتقدم هو المختار (¬4). وقال ابن عصفور: وإذا اجتمعت ألفاظ التوكيد بدأت بالنفس ثم بالعين ثم - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 302، 303). (¬2) شرح الكافية الشافية (3/ 1172). (¬3) المصدر السابق (451). (¬4) شرح التسهيل (3/ 294)، هذا وقال الصبان في حاشيته على الأشموني (3/ 76): قال الفارضي: قدمت كلّ على الجميع لعراقتها، وكونها أنص في الإحاطة ووليها أجمع لأنه صريح في الجمعية لأشتقاقه من الجمع، ووليه أكتع لانحطاطه عنه في الدلالة على الجمع لأنه من تكتع الجلد إذا انقبض ففيه معنى الجمع، ووليه أبصع لأنه من تبصع العرق إذا سال وهو لا يسيل حتى يجتمع، وأخّر أبتع لأنه أبعد من أبصع لأنه طويل العنق أو شديد المفاصل لكن لا يخلو من دلالته على اجتماع. اهـ. ببعض تلخيص.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بكل ثم بأجمع ثم بأكتع [4/ 108] وأما أبصع وأبتع عند من يزيدهما فلا تبالي أيهما قدمت على الآخر، فإن لم تأت بالنفس ولا بالعين، أتيت بما بقي على الترتيب المتقدم، فإن لم تأت بكل أتيت بأجمع وبما بقي على الترتيب، فإن لم تأت بأجمع (لم تأت) بما بعده، لأن أكتع تابع لأجمع فلا يؤتى به إلا بعده ولا يجوز أن يؤتى بالتابع الموضوع على التبعية دون المتبوع فأكتع بمنزلة بسن من قولك: حسن بسن (¬1)، انتهى. ولا يجوز تقديم أكتع على أجمع على مذهب الجمهور وأجاز ذلك ابن كيسان والكوفيون (¬2). ومثال الاستغناء بما صيغ من كتع عما صيغ من جمع ما أنشده الأصمعي من قول الراجز: 3099 - يا ليتني كنت صبيّا مرضعا ... تحملني الذّلفاء حولا أكتعا إذا بكيت قبّلتني أربعا ... إذا ظللت الدّهر أبكي أجمعا (¬3) وهذا مذهب ابن كيسان والكوفيين، والجمهور على المنع. وقال ابن عصفور: وأما قوله: 3100 - ترى الثّور فيها مدخل الظّلّ رأسه ... وسائره باد إلى الشّمس أكتع (¬4) فأتى بأكتع غير تابع لأجمع فوجهه محمول على البدل، لا على التأكيد (¬5) انتهى. فإن سلم أن هذه الألفاظ يجوز فيها أن تخرج عن التوكيد وتلي العوامل فتحمل على البدل أيضا ما أنشده المصنف وسيأتي بقية الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. وحكى الفراء: أعجبني القصر أجمع والدار جمعاء بالنصب على الحال (¬6). - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 266). (¬2) الأشموني (3/ 76، 77) والكافية الشافية (3/ 1172). (¬3) انظر الدرر (2/ 156، 157)، المصدرين السابقين، والهمع (2/ 123، 124). (¬4) من الطويل وانظره في تأويل مشكل القرآن (148) والدرر (2/ 156)، والهمع (2/ 123). (¬5) شرح الجمل (1/ 484). (¬6) شرح التسهيل (3/ 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الشلوبين (¬1). أن الفراء أجاز ذلك في التثنية أيضا، وأما الجمع كأجمعين وجمع فلم يجز فيه إلا التوكيد وأجاز ابن كيسان فيه الحالية (¬2)، واختار ذلك المصنف ولذا قال: وجمعاهما كهما على الأصح، وقال في الشرح (¬3): وما ذهب إليه - يعني ابن كيسان - هو الصحيح، لأنه قد صح بضبط الثقات قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في آخر حديث الائتمام «...... فصلّوا جلوسا أجمعون» (¬4) على أنه توكيد للواو في «فصلّوا»، وجعل بعضهم أجمعين توكيدا لضمير مقدر منصوب كأنه قال: أعنيكم أجمعين. قال الشيخ: وما أجازه الفراء وابن كيسان لا يجوز عند البصريين لأن أجمع وأخواته معارف لا تتنكر فلا يمكن فيهما الحال (¬5) انتهى. ولقائل أن يقول: إنما يلزم هذه الكلمات التعريف ما دامت توكيدا، أما إذا لم يقصد بها التوكيد فقد تكون معرفة وقد تكون نكرة - وأشار المصنف بقوله: وقد ترادف جمعاء مجتمعة إلى أن جمعاء قد لا يقصد بها التوكيد فتستعمل بمعنى مجتمعة، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم «كما (تناتج) الإبل من بهيمة جمعاء» (¬6) أي مجتمعة الخلق. وأجاز الشلوبين استعمال أجمع بهذا المعنى (¬7) فتأول به قول الراجز: 3101 - أرمي عليها وهي فرع أجمع ... وهي ثلاث أذرع وإصبع (¬8) قال كأنه قال: وهي فرع مجتمع. قال الشيخ: وذلك هروب من الحكم عليه بالتوكيد لفرع لأنه نكرة (¬9). ثم قال: «ولا يتعين التوكيد لفرع ولا تأويل الشلوبين إذ يحتمل أن يكون [أجمع] (¬10) تأكيدا لقوله، وهي وإن كان مؤنثا لأنه ذهب به مذهب التذكير» (¬11) وفصل بين المؤكد والمؤكد بالخبر. ¬

_ (¬1) في نكتة على المفصل - التذييل (7/ 304). (¬2) السابق. (¬3) شرح التسهيل (3/ 295). (¬4) ينظر التذييل (7/ 305) وشرح العمدة (290) والهمع (2/ 123). (¬5) التذييل (7/ 305). (¬6) جزء حديث عن أبي هريرة - البخاري: كتاب الجنائز (52) وأبو داود: سنة (17) والموطأ: جنائز (52). (¬7) التذييل (7/ 305) وشرح التسهيل (3/ 295). (¬8) تقدم ذكره. (¬9) التذييل (7/ 305). (¬10) من التذييل. (¬11) التذييل (7/ 305).

[من أحكام التوكيد المعنوي]

[من أحكام التوكيد المعنوي] قال ابن مالك: (ولا يتّحد توكيد معطوف ومعطوف عليه إلّا اتّحد معنى عامليهما، وإن أفاد توكيد النّكرة جاز وفاقا للأخفش والكوفيّين، ولا يحذف المؤكّد ويقام المؤكّد مقامه على الأصحّ، ولا يفصل بينهما بـ «إمّا» خلافا للفرّاء، وأجرى في التّوكيد مجرى كلّ ما أفاد معناه من الضّرع والزّرع والسّهل والجبل واليد والرّجل والظّهر والبطن). قال ناظر الجيش: هذا الكلام مشتمل على خمس مسائل: الأولى: أنه لا يجوز اتحاد توكيد المتعاطفين المتعددي العامل إلا إذا كان معنى العاملين فيهما متحدا. قال المصنف: قال أبو الحسن: اعلم أن قولهم مات زيد وعاش عمرو كلاهما ليس بكلام لأنهما لم يشتركا في أمر واحد فلو قلت: انطلق زيد وذهب عمرو كلاهما جاز لأنهما قد اجتمعا في أمر واحد. لأن معنى ذهب وانطلق واحد غير أن رفع كليهما بأحد الفعلين لأنه لا يعمل شيئان في شيء واحد (¬1). قال الشيخ: لم نقف من كلام العرب على مجيء التوكيد لمختلف العامل وإن اتفق معناه والذي تقتضيه القواعد المنع فكما لا يجتمع عاملان على معمول واحد كذلك لا يجتمعان على تابع المعمول فإذا ارتفع زيد بانطلق وعمرو بذهب فكيف يرتفع كلاهما بالفعلين الرافعين لفاعليهما (¬2)، انتهى. وعجبا من الشيخ في منعه لذلك معللا له بأنه لا يجوز اجتماع عاملين على معمول. وقد قدم في باب التابع أن العامل في التوكيد معنوي وهو التبعية لما جرى عليه وقال: إنه اختيار أكثر المحققين ثم إنه ناقض ذلك هنا فجعل العامل في التوكيد هو العامل في متبوعه. وبعد: فالظاهر الجواز كما ذكر المصنف، لأن العامل إن كان معنويّا فلا كلام. وإن كان العامل في المتبوع فالعامل أحد الفعلين لأن معناهما واحد فكان أحدهما كافيا. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 295) والمصدرين السابقين. (¬2) التذييل (7/ 306).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: اختلف في توكيد النكرة فمنع البصريون إلا الأخفش ذلك مطلقا، وأجازه بعض الكوفيين مطلقا، وأجازه الأخفش وبقية الكوفيين إذا أفاد ومنعوه إذا لم يفد (¬1). وهذا اختيار المصنف كما أشار إليه في متن الكتاب. قال في الشرح (¬2): ومثال الجائز لكونه مفيدا قولك: صمت شهرا كله وقمت ليلة كلها وهذا أسد نفسه وعندي درهم عينه فبذكر كل علم أن الصيام كان في جميع الشهر والقيام كان في جميع الليلة ولو لم يذكر لاحتمل أن لا يراد جميع الشهر ولا جميع الليلة، وبذكر النفس أيضا علم أن المشار إليه أسد حقيقي لا شبيه أسد وأن الذي عندي درهم مصنوع لا صرفة ولا موازنته [4/ 109] فتوكيد النكرة إن كان هكذا حقيقي بالجواز وإن لم يستعمله العرب فكيف إذا استعملت كقول رؤبة: 3102 - أوفت به حولا وحولا أجمعا (¬3) وقول الآخر: 3103 - قد صرّت البكرة يوما أجمعا (¬4) وكقول الآخر: 3104 - .... ... تحملني الذّلفاء حولا أكتعا وأما ما لا فائدة فيه نحو اعتكفت وقتا كله ورأيت شيئا نفسه فغير جائز، فمن حكم بالجواز مطلقا أو بالمنع مطلقا فليس بمصيب وإن حاز من الشهرة أوفر نصيب. انتهى. وشرط ابن عصفور في النكرة التي يجوز توكيدها الكوفيون أن تكون مبعضة، ويكون التوكيد بكل وما في معناها. قال: فتقول أكلت رغيفا كله ولا يجوز أن تقول: أكلت رغيفا نفسه لأن التأكيد بالنفس والعين لا فائدة فيه في النكرة فالمفهوم - ¬

_ (¬1) الارتشاف (2/ 612) والتذييل (7/ 305، 306). (¬2) شرح التسهيل (3/ 296). (¬3) وانظره في الدرر (2/ 158)، والهمع (2/ 124). (¬4) انظره في الأشموني (3/ 78)، والإنصاف (ص 455)، وشرح المفصل (3/ 45) والعيني (4/ 95)، والهمع (2/ 124) - هذا وقيل صدره: أنا إذا خطا فنا تقعقعا، وقيل عجزه: حتى الضياء بالدجى تقنعا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من رأيت رجلا نفسه، ورأيت رجلا واحدا، وهل رجل غير معين بخلاف أكلت رغيفا كله؛ فإنه يفيد بذكر «كل» ما لا يفيد مع تركها (¬1). قال: والصحيح أن ذلك لا يجوز لا بالنفس ولا بالعين لما ذكرناه، ولا بكل وما في معناها لأن أسماء التوكيد كلها معارف فلا تتبع إلا معارف لأن التوكيد يشبه النعت في أنه تابع من غير وساطة حرف ومن غير أن ينوى بالأول الطرح؛ فكما أن النكرة لا تنعت بالمعرفة فكذلك لا تؤكد بشيء من هذه الأسماء. والذي استدل به شاذ. وينبغي أن يحمل على البدل لا على التأكيد لأن إبدال المعرفة من النكرة سائغ ويكون الشذوذ في استعمال أجمع وأكتع في غير باب التأكيد. وعلى هذا يجعل أكتع من قوله: باد إلى الشمس أكتع بدلا من الضمير في باد لا تأكيدا (¬2) كما تقدم. المسألة الثالثة: هل يجوز حذف المؤكد وإقامة التوكيد مقامه كما تقول في الذي ضربت زيد بحذف العائد: الذي ضربت نفسه زيد. ذهب جماعة منهم الأخفش والفارسي إلى أنه لا يجوز وهو رأي المصنف (¬3). وذهب جماعة منهم الخليل وسيبويه إلى الجواز. قال سيبويه في باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفة: «وسألت الخليل رحمه الله تعالى عن مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما فقال: الرفع على هما صاحباي [أنفسهما] والنصب على أعينهما أنفسهما. قال المصنف: وهذا ضعيف بيّن الضعف، لأن المؤكد مسوق لتقوية المؤكد وتبيين كونه مرادا به الحقيقة لا المجاز والاستغناء عنه بالمؤكد بمنزلة الاستغناء بعلامة على معنى في شيء غير مذكور كالاستغناء بحرف التعريف عن المعرف وبعلامة التأنيث عن المؤنث مع ما في تقديره يعني الخليل من كثرة الحذف ومخالفة المعتاد، وذلك لأن في كلا الوجهين تقدير ثلاثة أشياء. ففي الرفع تقدير مبتدأ ومضاف ومضاف إليه وفي النصب تقدير فعل وفاعل ومفعول. وفي التقدير الأول مخالفة لقاعدة التقدير من أنه قدرهما صاحباي وما في - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 268). (¬2) شرح الجمل (1/ 269). (¬3) الكتاب (2/ 57)، وفي التذييل (7/ 309)، «وذهب الأخفش وأبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني وثعلب ومن أخذ بمذهبهم إلى أنه لا يجوز حذف المؤكد وإبقاء التأكيد وذهب الخليل وسيبويه والمازني وابن طاهر وابن خروف إلى جواز ذلك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام دليل على (الصحبة) (¬1) والمعتاد في الحذف أن يكون الباقي دلالة على المحذوف فكان الأولى بعد تسليم التقدير أن يقدرهما: معنيّان أنفسهما كما قدر في النصب أعينهما لأن كونهما معنيين معلوم وكونهما صاحبين غير معلوم. وأيضا فإن هذا الحذف المدعى هو من حذف المتبوع وإبقاء تابعه والأصل فيه حذف المنعوت وإبقاء نعته قائما مقامه وإنما كان أصلا لكثرته وكونه مجمعا على صحة استعماله ومع كونه أصلا لا يستعمل إلا والعامل في المنعوت المحذوف موجود. وما مثل به الخليل من حذف المؤكد فالعامل فيه محذوف فتجويزه يستلزم مخالفة النظير في ما هو أصل أو كالأصل، وبالغ الأخفش في منع حذف المؤكد فقال: لو نظرت إلى قوم فقلت: أجمعون قومك تريد: هم أجمعون قومك لم يجز لأنك جئت بها بالتوكيد قبل أن يثبت عند المخاطب اسم يؤكد. قال الشيخ: والذي نختاره أنه لا يجوز ذلك وإجازة مثله تحتاج إلى سماع من العرب (¬2). فوافق المصنف في ما رآه. المسألة الرابعة: أجاز الفراء (¬3): مررت بقومك إما أجمعين وإما بعضهم على تقدير مررت بقومك أجمعين وإما بعضهم ومنع ذلك البصريون. قال المصنف (¬4): ويلزم سيبويه التجويز على تقدير مررت بقومك إما بهم أجمعين وإما بعضهم، فإن الحذف هنا أسهل من الحذف في مررت بزيد وأتاني أخوه أنفسهما. المسألة الخامسة: أجاز سيبويه - رحمه الله تعالى - في ما قصد به العموم من: ضرب زيد الظهر والبطن واليد والرجل، ومطرنا السهل والجبل والزرع والضرع أن يكون توكيدا ككل وأن يكون بدلا (¬5) وزاد ابن عصفور: صغيرهم وكبيرهم وقويهم وضعيفهم (¬6). قال: والدليل على أن تبع هذه الألفاظ للأول على جهة التوكيد كونك قد أخرجتها عن معناها لأنها لو لم تخرج عن أصلها وتلحق بباب التوكيد لم تعط العموم (¬7) انتهى. - ¬

_ (¬1) بالأصل: الصحة. (¬2) التذييل (7/ 312). (¬3) ومعه الكسائي. قاله صاحب رؤوس المسائل - التذييل (7/ 312). (¬4) شرح التسهيل (3/ 298). (¬5) الكتاب (1/ 158). (¬6) شرح الجمل (1/ 274). (¬7) شرح الجمل (1/ 274).

[من أحكام ألفاظ التوكيد المعنوي]

[من أحكام ألفاظ التوكيد المعنوي] قال ابن مالك: (ولا يلي العوامل شيء من ألفاظ التّوكيد وهو على حاله في التّوكيد إلّا «جميعا» و «عامّة» مطلقا و «كلّا» و «كلا» و «كلتا» مع الابتداء بكثرة، ومع غيره بقلّة. واسم «كان» في نحو: كان كلّنا على طاعة الرّحمن، ضمير الشّأن، لا كلّنا، ويلزم تابعيّة «كلّ» بمعنى كامل وإضافته إلى مثل متبوعه مطلقا نعتا لا توكيدا. ويلزم اعتبار المعنى في خبر «كلّ» مضافا إلى نكرة لا مضافا إلى معرفة، ولا تعرّض في «أجمعين» إلى اتّحاد الوقت بل هو ككلّ في إفادة العموم مطلقا خلافا للّفرّاء) (¬1). - ولا يظهر لي تجويز سيبويه للبدلية مع قصد العموم والظاهر أن المراد أن الألفاظ المذكورة إذا جعلت بدلا تخرج عن أن يراد بها العموم. قال ناظر الجيش: هذا الكلام يتضمن [4/ 110] الإشارة إلى مسائل أربع: الأولى: أن الألفاظ التي تقرر أنها للتوكيد لا يلي شيء منها العوامل وهو باق على حاله في التوكيد إلا خمس الكلمات التي ذكرها فلا يقال: زيد رأيت نفسه ولا إخوتك كان أنفسهم منطلقين ولا ما أشبه ذلك لأنك أوليت رأيت نفسه وولى كان أنفسهم وهما على الحال الذي يكونان عليه إذا قصد بهما التوكيد مع عدم قصد التوكيد فلو كانا على غير الحال المستعمل في التوكيد وليا كل عامل كقولك: رأيت نفس زيد وأنفس أخوته، وخمس الكلمات التي استثنيت هي جميع وعامة وكل وكلا وكلتا لكن «جميع وعامة» لا يتقيدان بعامل دون عامل. وإلى ذلك أشار بعد ذكرهما بقوله: مطلقا. وعلل لذلك بأن استعمالهما في التوكيد قليل واستعمالهما في غير التوكيد كثير بخلاف غيرهما فيقال: القوم مررت بجمعيهم وعامتهم ورأيت جمعيهم وعامتهم ومررت بهم وجمعيهم يتحدثون وعامتهم قيام. وأما الثلاث الأخر وهي كل وكلا وكلتا فإن كان العامل فيها الابتداء وهي بالحال الصالحة للتوكيد باشرها كثيرا نحو مررت بالرجال كلهم قيام، ومررت بالرجلين كلاهما في - ¬

_ (¬1) الأشموني (3/ 73)، والهمع (2/ 124، 125).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسجد وبالمرأتين كلتاهما في الدار. وإن كان العامل غير الابتداء فلا يباشرها إلا قليلا ومن ذلك قول كثير: 3105 - [يميد] إذا والت عليه [ولاؤهم] ... فيصدر عنه كلّها وهونا هل (¬1) وقول عدي بن زيد: أسمو بها عند الحبيب فتصبرا ... كيما لتلهو كلّها ولتشربا (¬2) قال المصنف (¬3): ومن القليل قول الأخفش في «المسائل»: تقول أئتني بزيد أو عمرو أو كليهما رفعا ونصبا وجرّا، وقال سيبويه: في باب هذا شيء بحذف فيه الفعل لكثرته في (كلامهم) كلاهما وتمرا كأنه قال: أعطني كليهما وزدني تمرا (¬4) فقدر أعطني عاملا في كليهما واستفيد من قول المصنف: وهي بالحال الصالحة للتوكيد أن كلا لا بد أن يكون مضافا لأنه إنما يكون توكيدا إذا كان مضافا وأما إذا قطع عن الإضافة فإنه يلي العوامل كلها ابتداء كان العامل أو غيره قال الله تعالى: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى * (¬5) وتقول: مررت بكل قائما. وأشار المصنف بقوله: واسم كان في نحو كان كلنا على طاعة الرحمن ضمير الشأن لا كلنا إلى أنه يجوز أن يقال: كان كلهم منطلقون على جعل اسم كان ضمير الشأن وكلهم منطلقون مبتدأ وخبرا، ومثله قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه (¬6): 3106 - فلمّا تبيّنّا الهدى كان كلّنا ... على طاعة الرّحمن والحقّ والتّقى (¬7) المسألة الثانية: أن كلا قد يقصد به معنى كامل فينعت به اسم جنس معرف أو منكر وتلزم إضافته إلى مثل المنعوت لفظا ومعنى وتعريفا وتنكيرا نحو رأيت الرجل كل الرجل - ¬

_ (¬1) من الطويل، ويروى (مالت) بدل (والت) - الارتشاف (2/ 614)، والأشموني (3/ 85) والتذييل (7/ 314)، والمغني (1/ 165، 166). (¬2) البيت من الكامل والشاهد فيه كسابقه - شرح التسهيل (3/ 300). (¬3) التذييل (7/ 314). (¬4) الكتاب (1/ 280، 281). (¬5) سورة النساء: 95، والحديد: 10. (¬6) الهاشمي القرشي ابن عم النبي صلّى الله عليه وسلّم وصهره، قتله ابن ملجم غيلة في السابع عشر من رمضان (40 هـ) الأعلام (5/ 107، 108)، (10/ 151)، وحلية الأولياء (1/ 61)، والرياض النضرة (2/ 153). (¬7) من الطويل - الأشموني (3/ 85)، والمغني (195).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطعمت شاة كل شاة. قال المصنف: وفيه معنى التوكيد وليس من ألفاظه للزوم إضافته إلى ظاهر (¬1). وأقول: إنني لم يتحقق لي قوله: وفيه معنى التوكيد، ثم إذا كان المراد في رأيت الرجل كل الرجل معنى كامل فمن أين يجيء التوكيد. المسألة الثالثة: أن كلا إذا أخبر عنه مضافا إلى نكرة تعين اعتبار معناه نحو قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ * (¬2) وكل رجلين قائمان وكل رجال قائمون وكُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * (¬3) وإذا أخبر عنه مضافا إلى معرفة جاز اعتبار لفظه فيفرد الخبر ويذكر كقوله تعالى إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (¬4) واعتبار معناه فيجاء به على وفق المضاف إليه نحو وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (¬5)، لأن المعنى وكلهم أتوه داخرين وقد عرفت أن هذه المسألة قد تقدم له ذكرها في باب الإضافة وعبارته عنها في ذلك الباب أوفى، وأتم وأشمل للمقصود من عبارته هنا. ولا يخفي ذلك على الناظر. واعلم أن الفارسي ذكر في الإيضاح مسألة تتعلق بكل (¬6) فتعرض الشيخ إلى ذكرها هنا استطرادا وذكر فروعا أخر لها تمت بالمسألة (¬7). المسألة الرابعة: مذهب البصريين التسوية بين كلهم وأجمعين في إفادة العموم دون تعرض - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 300). (¬2) سورة آل عمران 185، والأنبياء: 35، والعنكبوت: 57. (¬3) سورة المؤمنون 53، وسورة الروم: 32. (¬4) سورة مريم: 93. (¬5) سورة النمل: 87. (¬6) الإيضاح (50). (¬7) في التذييل (7/ 315) «مسألة: وضع كل في كلامهم على العموم وذلك إذا حملته على غيره توكيدا أو ابتدأت به. فأما إذا بنيته على اسم نحو هؤلاء كلهم تشير لمن عرف من يعني بالضمير المجرور في كلهم أو على غير اسم نحو ضربت كلهم فإنها تخرج عن العموم وتصير في معنى جميعهم ويطلق اسم الجميع على الأكثر بخلاف ضربت القوم كلهم لأنه محيط بهم غالبا. هكذا نقل الخليل عنهم» هذا: ويجوز في كلكم من أنتم كلكم بينكم درهم التوكيد والابتداء. راجع التذييل (7/ 316).

[التوكيد اللفظي: حقيقته، وبعض أحكامه]

[التوكيد اللفظي: حقيقته، وبعض أحكامه] قال ابن مالك: (فصل) (¬1): (التّوكيد اللّفظيّ إعادة اللّفظ أو تقويته بموافقه معنى، وإن كان المؤكّد به ضميرا متّصلا أو حرفا غير جواب لم يعد في غير ضرورة إلّا معمودا بمثل عامده أولا أو مفصولا. وإن (عمد) أولا بمعمول ظاهر اختير عمد المؤكّد بضمير، وفصل الجملتين بثمّ إن أمن اللّبس أجود من وصلهما). - لاجتماع في وقت وعدمه، وزعم الفراء أن أجمعين يفيد أنهم كانوا مجتمعين في وقت الفعل (¬2). قال المصنف: والصحيح أن ذلك ممكن أن يراد وممكن أن لا يراد: فإمكان أن يراد مجمع عليه فأغنى ذلك عن دليل وإمكان أن لا يراد مستفاد من قوله تعالى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (¬3) لأن إغواءهم لا يكون في وقت واحد (¬4). انتهى. وأفهم كلامه في الشرح أن إفهام اتحاد الوقت من كلمة أجمعين غير لازم لكنه جائز. وأما في المتن فيستفاد ذلك من قوله: بل هو ككل في إفادة العموم مطلقا. يعني أنك إذا قلت: جائني القوم كلهم جاز أن يكون مجيئهم في وقت واحد وأن يكون في أوقات متفرقة. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على التوكيد المعنوي شرع في الكلام على اللفظي. وقد عرفت أن المعنوي هو المعتد به في التوابع. فقول المصنف: إعادة اللفظ تعم إعادة المفرد اسما معرفة كان أو نكرة أو فعلا أو حرفا متصلا أو منفصلا وإعادة المركب كان جملة أو غير جملة. فإعادة الاسم المعرفة كقول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه: 3107 - تيمّمت همدان الذّين هم هم ... إذا ناب أمر جنّتي وسهامي (¬5) - ¬

_ (¬1) ليس في الأصل. (¬2) شرح التسهيل (3/ 301). (¬3) سورة الحجر: 39. (¬4) شرح التسهيل (3/ 301). (¬5) من الطويل - ديوانه (46)، والدرر (2/ 185) والهمع (2/ 125).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [4/ 111] وكقول الآخر: 3108 - أخاك أخاك إن من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح (¬1) وكقول الآخر: 3109 - أبوك أبوك أزيد غير شك ... أحلك في المخازي حيث حلّا (¬2) وإعادة النكرة كقول أعشى ميمون: 3110 - أتيح لهم حبّ الحياة فأدبروا ... ومرجاة نفس المرء ما في غد غد (¬3) وقال تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا 21 وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (¬4) وإعادة الفعل كقول الشاعر: 3111 - فأين إلى أين النّجاء ببغلتي ... أتاك أتاك اللّاحقون احبس احبس (¬5) وإعادة الحرف متصلا كقول أعرابي: 3112 - فما الدّنيا بآتية بحزن ... أجل لا لا ولا برخاء بال (¬6) وكقول الآخر: 3113 - لا لا أبوح بحبّ بثنة إنّها ... أخذت عليّ مواثقا وعهودا (¬7) وإعادة الحرف منفصلا كقول الكميت: 3114 - ليت شعري هل ثمّ هل آتيتهم ... أم يحولنّ دون ذاك حمامي (¬8) - ¬

_ (¬1) من الطويل لمسكين الدرامي - ديوانه (ص 29)، والتصريح (2/ 195)، والخصائص (2/ 480)، والكتاب (1/ 129). (¬2) انظره في التذييل (7/ 320). (¬3) من الطويل ديوانه (191) وشرح التسهيل (3/ 301). (¬4) سورة الفجر: 21، 22. (¬5) الدرر (2/ 145، 158) والشجري (1/ 243)، والهمع (2/ 111، 125). (¬6) البيت من الوافر وانظره في الإنصاف (75) برواية «بباقية» بدل «بآتية»، والتذييل (7/ 320)، وشرح التسهيل (3/ 302). (¬7) من الكامل لجميل بثينة - ديوانه (79) والأشموني (3/ 84)، والدرر (2/ 159) والعيني (4/ 114) والهمع (2/ 125). (¬8) من الخفيف، وليس في ديوانه - الدرر (2/ 161)، والمغني (261)، والهمع (2/ 125).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإعادة المركب غير الجملة كقول الكميت: 3115 - فتلك ولاة السّوء قد طال مكثهم ... فحتّام حتّام العناء المطوّل (¬1) وإعادة المركب الجملة كقول الشاعر: 3116 - أيا من لست أقلاه ... ولا في البعد أنساه لك الله على ذاكا ... لك الله لك الله (¬2) وكقول الآخر: 3117 - ألا حبّذا حبّذا حبّذا ... حبيب تحمّلت منه الأذى (¬3) وقول المصنف: أو تقويته بموافقة معنى يتناول توكيدا الضمير المستتر والبارز المتصل بالمنفصل نحو: قم أنت وقمت أنا وتوكيد الفعل باسم الفعل كقول الشاعر: 3118 - فرّت يهود وأسلمت جيرانها ... صمّي لما فعلت يهود صمام (¬4) وأشار المصنف بقوله: وإن كان المؤكّد به ضميرا متّصلا أو حرفا غير جواب إلى آخره إلى أن قاصد توكيد نحو تا فعلت بإعادة لفظة لا غنى له عن إعادة ما هو به متصل فيقول: فعلت فعلت ورأيتك رأيتك ومررت به به، وكذلك يلزم في الحرف غير المجاب به فعلى قاصد إعادة في من قولك فيك نجابة أن يقول: فيك فيك نجا به، وعلى قاصد إعادة أن من قولك: إن زيدا منطلق أن يقول إن زيدا إن زيدا منطلق، وإن زيدا إنه منطلق، وإن كان مع ذلك فصل كان أحسن كقوله تعالى: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (¬5) فأكد أَنَّكُمْ ب أَنَّكُمْ مع الفصل. قال المصنف (¬6): ويجوز أن يجعل الثاني مبتدأ والخبر إذا - ¬

_ (¬1) من الطويل - الارتشاف (857)، والأشموني (3/ 80). هذا: والبيت من هاشميات الكميت. (¬2) من الهزج الأشموني (3/ 80)، والدرر (2/ 160)، والعيني (4/ 97)، والكافية الشافية (3/ 1185)، والهمع (2/ 125). (¬3) الدرر (2/ 117)، والكامل (557)، والهمع (2/ 89). (¬4) انظره في التذييل (7/ 320). (¬5) سورة المؤمنون: 35. (¬6) لخطام المجاشعي، أو الأغلب الأشموني (3/ 83)، والتصريح (1/ 317)، (2/ 130)، والدرر (2/ 160)، والعيني (4/ 100)، والهمع (2/ 125).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متم والجملة خبر أن الأولى والتوكيد أجود. يعني أن يجعل أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ مبتدأ خبره إِذا مِتُّمْ ثم هذه الجملة خبر أن الأولى. فإن لم يعد مع الحرف المؤكد ما اتصل بالحرف المؤكد فلا بد من الفصل بينهما بحرف عطف وإلى ذلك الإشارة بقوله: أو مفصولا بعد قوله: إلّا معمودا بمثل عامده أولا كقول الكميت: هل ثمّ هل وكقول الراجز: 3119 - حتّى تراها وكأنّ وكأن ... أعناقها مشدّدات في قرن واستثنى المصنف حرف الجواب. قال: لأنه قائم مقام جملة فلقاصد توكيده أن يكرره وحده كما له في الإجابة أن يجيب به وحده كقوله: أجل لا لا. ولا يكرر حرف غيره إلا في ضرورة. نص على هذا ابن السراج في الأصول. قال: وقد أشار الزمخشري في المفصل إلى توكيد الحرف الذي ليس من حروف الجواب بإعادته وحده نحو إنّ إنّ زيدا منطلق (¬1)، وقوله مردود لعدم إمام يستند إليه وسماع يعتمد عليه، ولا حجة في قول الشاعر: 3120 - إنّ إنّ الكريم يحلم ما لم ... يرين من أجاره قد ضيما (¬2) فإنه من الضرورات وكذا قول الشاعر: 3121 - فلا والله لا يلفي لما بي ... ولا للما بهم أبدا دواء (¬3) وإلى هذا أشرت بقولي: لم يعد في غير ضرورة إلّا معمودا بمثل عامده أولا أو مفصولا. فمن (المعمود) بمثل عامده أولا قول الشاعر: 3122 - ليتني ليتني توفّيت منذ أي ... فعت طوع الهوى وكنت منيبا (¬4) والمفصول كقول الراجز: 3123 - ليت وهل ينفع شيئا ليت ... ليت شبابا بوع فاشتريت (¬5) ¬

_ (¬1) المفصل (112). (¬2) من الخفيف - الأشموني (3/ 82) والتصريح (2/ 130) والدرر (2/ 161) برواية: أضيما، والهمع (2/ 125) مثله. (¬3) من الوافر لمسلم بن معبد الوالبي الأشموني (3/ 83) والمحتسب (2/ 256) والمصادر السابقة ومعاني الفراء (1/ 68). (¬4) من الخفيف وانظره في التذييل (7/ 322). (¬5) لرؤبة - الأشموني (2/ 63)، والتصريح (1/ 294)، والدرر (2/ 222) والهمع (2/ 156).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأكد ليت بليت وفصل بينهما بـ «هل ينفع شيئا ليت». ومن الفصل المسموع الفصل بالوقف كقوله: 3124 - لا ينسك الأسى تأسّيا فما ... ما من حمام أحد معتصما (¬1) وما ليس معمودا ولا مفصولا فهو ضرورة نحو: إن إن الكريم، ولا للما بهم. وإن كان العامد اسما ظاهرا فالمختار أن يعمد المؤكد بضمير فقولك: مررت بزيد به، أجود من قولك: مررت بزيد بزيد ومن المختار قوله تعالى: فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (¬2) قال ابن السراج: إلا أن الحرف لا يكرر إلا مع ما يتصل به لا سيما إذا كان عاملا ومثل بقولك في الدار زيد قائم فيها (¬3) وقال: فتعيد فيها توكيدا. وقال تعالى وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها (¬4) فجعل فيها توكيدا وفي الجنة مؤكدا (¬5). وكذا أقول، ومن حكم على شيء من هذا بالبدلية فليس بمصيب وإن حظي من الشهرة بأوفر نصيب. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وأشار بقوله: وفصل الجملتين بثمّ أجود إلى أن المؤكد والمؤكد إن كانا جملتين وأمن توهم كون الثانية غير مؤكدة فالأجود الفصل بينهما بعاطف كقوله تعالى: كَلَّا سَيَعْلَمُونَ 4 ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (¬6)، وكقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ 17 ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (¬7) فلو خيف توهم كون الثانية غير مؤكدة نحو: ضربت زيدا ثم ضربت زيدا ترك العاطف لأن ذكره يخل بالتوكيد ويوهم وأن الضرب الثاني غير الأول. قال المصنف: وقد جعل ابن السراج من التوكيد اللفظي قول الشاعر: 3125 - ألا يا اسلمى ثمّ اسلمي ثمّت اسلمى ... ثلاث تحيّات وإن لم تكلّمي (¬8) - ¬

_ (¬1) رجز - الأشموني (3/ 83)، والعيني (4/ 110) والهمع (2/ 125) ويس (2/ 130). (¬2) سورة آل عمران: 107. (¬3) الأصول (2/ 12). (¬4) سورة هود: 108. (¬5) الأصول (2/ 17، 18). (¬6) سورة النبأ: 4، 5. (¬7) الانفطار: 17، 18. (¬8) من الطويل لحميد بن ثور - ديوانه (/ 133) والتذييل (7/ 323) وشرح المفصل (3/ 39)، هذا ورواية الديوان «بلى فاسلمي». والبيت - والرأي - في الأصول (2/ 12).

[توكيد الضمير المتصل مرفوعا أو منصوبا]

[توكيد الضمير المتصل مرفوعا أو منصوبا] قال ابن مالك: (ويؤكّد بضمير الرّفع المنفصل المتّصل مطلقا، ويجعل المنصوب المنفصل في نحو: رأيتك إيّاك توكيدا لا بدلا وفاقا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يشعر قول المصنف: وقد جعل ابن السراج من التوكيد اللفظي هذا البيت أنه لا يرى ذلك. ولا شك أن قول الشاعر ثلاث تحيات ينفي إرادة التوكيد؛ لأن التوكيد لا يكون معه تعدد إنما الكلام جملة واحدة وإنما هي مكررة والظاهر أن مراد الشاعر أنني أقول: اسلمي ثم أقول: اسلمي ثم أقول: اسلمي ولا أكتفي بواحدة وذلك لعظم قدر المدعو له عنده. وأما قوله في الشرح: فالأجود الفصل بينهما بعاطف فالظاهر أن المراد بالعطف ثم، كما صرح بثم في المتن فإطلاق الشرح مقيد بما هو في متن الكتاب. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): لا خلاف بين النحويين في توكيد الضمير المتصل مرفوعه ومنصوبه ومجروره بضمير الرفع المنفصل نحو: فعلت أنت ولقيتك أنت ومررت بك أنت. واختلف في ضمير النصب المنفصل الواقع بعد ضمير النصب المتصل نحو: رأيتك إياك فجعله البصريون بدلا وجعله الكوفيون توكيدا. وقولهم عندي أصح من قول البصريين، لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل في نحو: رأيتك إياك نسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: فعلت أنت، والمرفوع توكيد بإجماع فليكن المنصوب توكيدا ليجري المتناسبان مجرى واحدا (¬2) - انتهى. * * * ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 305). (¬2) ينظر في ذلك الأشموني (3/ 84)، والتصريح (2/ 128) وما بعدها، والرضي (1/ 332)، والهمع (2/ 125).

الباب الرابع والأربعون باب النعت

الباب الرابع والأربعون باب النّعت [تعريفه - وأغراضه] قال ابن مالك: (وهو التّابع المقصود بالاشتقاق وضعا، أو تأويلا مسوقا لتخصيص، أو تعميم، أو تفصيل، أو مدح، أو ذمّ، أو ترحّم، أو إيهام، أو توكيد). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): التابع يعم التوكيد والنعت والعطفين والبدل. والمقصود بالاشتقاق مخرج لما سوى النعت وإن كان في الأصل مشتقّا كالأعلام الغالبة إذا عطفت عطف بيان نحو: أبي بكر الصديق وخويلد الصعق فإن الصديق والصعق صفتان أكثر استعمالهما مخصوصين بموصوفهما حتى صار التعيين بهما أكمل من التعيين بالعلم الموضوع وصار القصد بهما وبأمثالهما كالقصد بالأعلام العارية من الاشتقاق (¬2)، وما كان كذلك فالاشتقاق في تابعيته غير مقصود بخلاف النعت فإنه مقصود بالاشتقاق بالوضع كرجل كريم، أو مقصود بالاشتقاق بالتأويل كرجل ذي مال ولو اقتصرت في الحد على وضعا أو تأويلا لكمل بهما ولكن الحاجة واعية إلى زيادة بيان بذكر المعاني المستفادة بالنعت فذكرتها متصلة بالحد. فالمسوق لتخصيص نحو: وَالصَّلاةِ الْوُسْطى (¬3) ومِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ (¬4) والمسوق للتعميم نحو: إن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين، ويحشر الناس الأولين والآخرين، والمسوق للتفصيل نحو: مررت برجلين عربي وأعجمي، والمسوق - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 56 - 73)، والأصول (2/ 21 - 45)، وأوضح المسالك (3/ 299 - 326) والتذييل (4 / ق 144 - 134)، والتصريح (2/ 107 - 120)، والرضي (1/ 301 - 318)، وشرح الجمل (1/ 193 - 222)، وشرح اللمع (181 - 205) وشرح المفصل (3/ 46 - 63) الكتاب (1/ 361، 363، 366، 399، 421، 437، 2/ 6 - 8، 12، 13، 19 - 26، 33 - 35، 38 - 42، 49، 57، 59، 60، 75، 88، 106، 115، 120، 150، 151، 182 - 188، 189، 192، 193، 212، 229، 345، 346، 3/ 236، 237، 385)، والكفاية (100 - 103)، والمقرب (1/ 219: 228)، والهمع (2/ 116 - 120). (¬2) شرح التسهيل (3/ 306). (¬3) سورة البقرة: 238. (¬4) سورة آل عمران: 7.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للمدح نحو: سبحان الله العظيم، والمسوق للذم نحو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والمسوق للترحم نحو: تلطف الله بعباده الضعفاء، والمسوق للإبهام نحو: تصدق بصدقة كثيرة أو قليلة، والمسوق للتوكيد نحو: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (¬1). انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقد عرف منه أن حد النعت تم بقوله وضعا أو تأويلا. ولا شك أنه حد لطيف ولعله من مخترعاته وأما المذكور بعد ذلك فللتنبيه على المعاني المستفادة بالنعت كما قال. وجملة المعاني التي ذكرها ثمانية أما التخصيص فالمراد به تمييز الكلمة الشائعة في جنسها بما يخرجها عن الشياع ويدخلها في حيز المفهومات المفيدة، ولا شك أن التعريف تخصيص لكن النحاة في استعمالاتهم يجعلون التعريف قسيما للتخصيص. وقد قال المصنف في باب الإضافة: إن المضاف يتخصص بالثاني إن كان نكرة ويتعرف به إن كان معرفة. وإذا كان كذلك وجب أن يوجه قوله هنا لتخصيص إلى النكرة خاصة وعلى هذا لا يكون في عبارته تعرض إلى ما يفيده نعت المعرفة ومن ثمّ قال ابن عصفور وغيره إن النعت يتبع ما قبله لتخصيص نكرة أو إزالة اشتراك عارض في معرفة (¬2)، وهو حسن. لكن قال الشيخ: واندرج في قول المصنف لتخصيص زوال الاشتراك العارض في المعرفة قال: ولذلك مثل ذلك بالمعرفة وهو قوله وَالصَّلاةِ الْوُسْطى (¬3) وما قاله الشيخ غير ظاهر لأمرين: أحدهما: ما قدمناه من أن النحاة يجعلون التعريف بقسيما لا قسما. ثانيهما: أن التخصيص إنما حصل للمعرفة بالتعريف فهي مخصصة قبل ذكر نعتها والنعت لم يفد تخصيصا أصلا وإنما أزال الاشتراك العارض بعد التسمية في نحو قولنا: جاء زيد الخياط وعمرو الفقيه. وأما قوله تعالى: وَالصَّلاةِ الْوُسْطى فقد يقال: إنما جعل المصنف الصفة فيه للتخصيص لأن المراد بالصلاة الجنس والمعرف باللام الجنسية في حكم النكرة عند جماعة منهم المصنف وإذا كان كذلك صح أن يقال: إن نعتها إنما هو للتخصيص الذي هو قسيم التعريف. ¬

_ (¬1) سورة النجم: 20. (¬2) شرح الجمل (1/ 193). (¬3) سورة البقرة: 238. التذييل (7/ 328).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما التعميم فلم أتحققه. وما مثل به المصنف من: أن الله يرزق عباده الطائعين والعاصين ويحشر الناس الأولين والآخرين، فالتعميم فيه إنما فهم من المنعوت لأن عباده عام وكذا الناس أيضا والنعت تابع لمنعوته في عمومه وخصوصه فلم يكن للنعت مدخل إلى طائع وعاص وانقسام الناس إلى أولين وآخرين. وأما التفصيل فلا يتحقق أيضا، لأن النعت في نحو: مررت برجلين عربي وعجمي إنما هو للبيان وكون أحد الرجلين متصفا بوصف غير ما اتصف به الآخر لزم منه [4/ 113] التفصيل فلم يسق النعت للتفصيل ولكن إنما فهم ذلك من التخالف بين الوصفين. وأما الإبهام والتمثيل له بتصدقت بصدقة كثيرة أو قليلة فغير ظاهر، لأن الإبهام إنما فهم من حرف العطف الذي هو أو والصفتان المعطوف إحداهما على الأخرى إنما هما للبيان ولكن قصد بذكر أو بينهما إبهام الأمر على السامع. وأما المدح والذم والترحم والتوكيد فلا شك أن النعت يساق لأحدهما وهذه المعاني الخمسة أعني البيان والمدح والذم والترحم والتوكيد هي التي ذكرها المصنفون في كتبهم. وأما الثلاثة الأخر التي هي التعميم والتفصيل والإبهام فكأنها من خصائص المصنف وقد عرفت ما فيها. وقد بقى التنبيه على أمرين: أحدهما: أننا نفهم من الحد الذي ذكره المصنف للنعت وهو أنه المقصود بالاشتقاق - أنه لا بد من دلالته على معنى يتضمنه المنعوت والمعاني المدلول عليها في المنعوت بالنعت على ما ذكره النحاة أربعة. ما دلّ على حيلة والمراد بالحلي الصفات الظاهرة كأكحل وطويل وشبههما وما دلّ على وصف يرجع إلى الغرائز والطبائع كشجاع وجبان وعالم وجاهل وما أشبههما وما كان فعلا للمنعوت كقائم وراكب وماش وشبه ذلك، وما دل على نسب للمنعوت كقرشي وبغدادي وشبهها. ثم هذه المعاني قد تكون للمنعوت فيكون النعت حقيقيّا، وقد تكون لمتعلق به فيكون النعت سببيا، وذلك أن تنعته بصفة قائمة بسببه لا به. الأمر الثاني: أن المقصود بالاشتقاق تأويلا قد تقدم تمثيل المصنف له بالكلمة التي هي ذو وهو تمثيل صحيح، ويحسن المثال لذلك أيضا بالمصدر والاسم الجامد المؤول بالمشتق، واسم العدد إذا نعت بها.

[إتباع النعت منعوته وغيره]

[إتباع النعت منعوته وغيره] قال ابن مالك: (ويوافق المتبوع في التّعريف والتّنكير، وأمره في الإفراد وضدّيه والتّذكير والتّأنيث على ما ذكر في إعمال الصّفة، وكونه مفوقا في الاختصاص أو مساويا أكثر من كونه فائقا، وربما تبع في الجرّ غير ما هو له دون رابط إن أمن اللّبس وقد يفعل ذلك بالتّوكيد). قال ناظر الجيش: يشتمل هذا الكلام على ثلاث مسائل: الأولى: أن النعت بعد موافقته في الإعراب لمتبوعه لا بد من موافقته له في التعريف والتنكير، وأما الموافقة في الإفراد وضديه وفي التذكير والتأنيث فلا بد منها أيضا أن كان النعت رافعا لضمير المنعوت سواء كان معناه له أم لما هو من سببه ولهذا يقول المعربون النعت يتبع المنعوت في أربعة من عشرة وهي واحد من وجوه الإعراب الثلاثة وواحد من التعريف والتنكير وواحد من الافراد والتثنية والجمع وواحد من التذكير والتأنيث. وإن كان يرفع النعت ضمير المنعوت بأن كان للسببي ورفع ذلك السببي جرى النعت في الأمور الخمسة التي هي الإفراد وضداه والتذكير والتأنيث - مجرى الفعل المسند إلى ذلك السببي وأما التبعية للمنعوت في اثنين من الخمسة الأول التي هي الرفع والنصب والجر والتعريف والتنكير فلا بد منها كما نفهمه من قول المصنف: ويوافق المتبوع في التعريف والتنكير بعد قوله: وهو التابع، وقد تقدم أن التابع هو الذي يشارك ما قبله في إعرابه فعرف من كلامه صريحا أن النعت لا بد من موافقته للمنعوت في اثنين من هذه الخمسة وأما الاثنان من الخمسة الأخر فقد حال الأمر في ذلك على ما ذكره في باب الصفة المشبهة، وأنت قد عرفت ذلك فيما تقدم (¬1). وبعد: فأنا أورد كلامه هنا ليدل على مقاصده. قال رحمه الله تعالى (¬2): - ¬

_ (¬1) انظر ذلك الباب عند قوله «وهي إما صالحة للمذكر والمؤنث معنى ولفظا، أو معنى لا لفظا، أو لفظا لا معنى، أو خاصة بأحدهما معنى ولفظا فالأول يجري على مثلها وضدها، والبواقي تجري على مثلها لا ضدها خلافا للكسائي والأخفش. (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 307).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متبوع النعت يعم ذا النعت الجاري عليه لفظا ومعنى كرأيت رجلا طويلا (ذا ثوب قصير، وذا النعت الجاري عليه لفظا ومعناه لما بعده كرأيت رجلا طويلا) ثوبه قصيرة قامته، فلذلك قلت: وافق المتبوع لأن المنعوت إنما يصدق حقيقة على متبع ما هو لفظا ومعنى لا على المتبع لفظا لا معنى وكلا النوعين مراد. وأشرت بقولي: وأمره في الإفراد وضدّيه وفي التّذكير والتّأنيث على ما ذكر في إعمال الصّفة إلى أن موافقة النعت لمتبوعه تجب إن كان معناه لما قبله كرأيت رجلا طويلا وامرأة طويلة وكذا إن كان معناه لما بعده ولم يرفعه كمررت برجل كريم الأب حسن وجها وبامرأة كريمة الأب حسنة وجها وكذلك التوافق في التثنية والجميع. فإن رفع ما بعده أفرد وأعطي من التذكير والتأنيث ما يعطي الواقع موقعه نحو مررت برجل كريم أبوه حسنة أمه جميل ولداه ظريف غلمانه. وتكسير ما رفع جمعا أولى من إفراده نحو: مررت برجل حسان أبناؤه. وبسط الكلام في هذا سبق في باب إعمال الصفة المشبهة. والذي ذكرت هنا بعض ذلك استيفاؤه تكرار فأضربت عنه. انتهى. واعلم أن ابن عصفور أورد هذه المسألة بكلام تضمن تقسيما فيه توعير وتشويش على الأذهان (¬1) وتبعه الشيخ (فأورد ذلك في كتابه) (¬2). والمصنف استغنى عن ذلك التقسيم، لأن الصور التي قصد ابن عصفور إخراجها أو إدخالها قد عرفت في أبوابها فكان المصنف في غنية عن التعرض إلى ذكرها والمتأمل إذا وقف على كل من الكلامين عرف ما بينهما. ثم إن الشيخ قال إن الموافقة في التعريف والتنكير إنما تلزم إذا [4/ 114] كانت الصفة تابعة للموصوف في الإعراب فإن قطعت لم يلزم ذلك قال ذو الرمة: - ¬

_ (¬1) قال في شرح الجمل له (1/ 196) وما بعدها «واعلم أن النعت لا يخلو من أن يرفع ضمير المنعوت أو ظاهرا من سببه، فإن رفع فلا يخلو من أن يكون مشتقّا أو في حكم المشتق ... فإن كان مشتقّا فلا يخلو أن يكون جاريا على فعله أو غير جار، فإن كان جاريا فإنه يتبع النعت في أربعة من عشرة وإن كان غير جار فإنه يتبع في ثلاثة من ثمانية» انتهى بتصرف وتلخيص. (¬2) التذييل (6/ 142، 143، 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3126 - لقد حملت قيس بن عيلان حربها ... على مستقلّ للنّوائب والحرب 3127 - أخاها إذا كانت عضاضا سمالها ... على كلّ حال من ذلول ومن صعب (¬1) قال: فمستقل نكرة وصفته المقطوعة عنه وهي أخاها معرفة (¬2). هذا كلام الشيخ. وكأنه يستدرك على المصنف قوله ويوافق المتبوع في التعريف والتنكير وهذا غير مرضي منه رحمه الله تعالى فإن كان كلام المصنف الآن إنما هو في النعت التابع لا في النعت المقطوع لأن الضمير الذي هو فاعل يوافق راجع إلى التابع من قوله في الحد: وهو التابع .. فكيف يدخل النعت المقطوع في كلامه ليستدرك به عليه. وفي شرح الشيخ أن بعض الكوفيين ذهبوا إلى جواز مخالفة النعت للمنعوت في تنكيره إذا كان لمدح أو ذم وأن الأخفش أجاز وصف النكرة بالمعرفة إذا كانت قد خصصت قبل ذلك بالوصف وأن بعض النحويين أجاز وصف المعرفة بالنكرة (¬3). وأقول: إن مثل هذه الأقول الواهية لا ينبغي التشاغل بها ولا التطويل بذكرها وكيف تشاغل بما لا يقوم عليه دليل مع كونه مخالفا لأقوال الجماهير. أما لزوم موافقة النعت للمنعوت في التعريف والتنكير فقد ذكروا له عللا وأطالوا في ذلك. والحق أن التابع لما قبله إن كان هو الأول في المعنى وجبت الموافقة بينهما وعدم التخالف كما هو في التوكيد وعطف البيان لأن التخالف ينافي الاتحاد وإنما جاز التخالف في البدل لأنه على نية تكرار العامل فكأنه منفصل عن الأول ولأن المبدل منه منوي به الطرح فصار البدل كأنه هو المقصود بالذكر. المسألة الثانية: أن النعت هل يجوز أن يكون أخص من المنعوت. أجاز المصنف ذلك لكنه جعل كونه مفوقا أو مساويا أكثر من كونه فائقا. قال في الشرح (¬4): الأكثر أن يكون النعت دون المنعوت في الاختصاص أو مساويا له. فالأول: نحو - ¬

_ (¬1) من الطويل ملحقات ديوانه: (662) والكتاب (1/ 250). (¬2) التذييل (7/ 329). (¬3) التذييل (7/ 331). (¬4) شرح التسهيل (3/ 307).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رأيت زيدا الفاضل، والثاني: نحو رأيت الرجل الصالح ولا يمتنع كونه أخص من المنعوت كرجل فصيح ولحان ومهذار وضحاك وأفاك، وغلام يافع ومراهق، وجارية عروب وشموع وخود وضناك، وماء فرات وأجاج، وتمر برني (¬1) وشهرير، وعنب ملاحي، ورمان أمليسي وملح داراني، وكلب ربيبي، وأمثال ذلك كثيرة. قال أبو علي الشلوبين: الفراء ينعت الأعم بالأخص (¬2) وهو الصحيح وحكى عنه مررت بالرجل أحيك على النعت. انتهى. ولا يظهر كون النعت في الأمثلة التي ذكرها أخص من المنعوت؛ لأن شياع فصيح ولحان في الصفات كشياع ورجل وغلام في الأسماء والكلمة الشائعة في جنس نكرة بلا شك فكما أن رجلا نكرة هكذا فصيح نكرة وإذا كان كذلك فكيف تثبت الأخصية لنكرة دون نكرة. فإن قيل رجل فصيح أخص من رجل وإنما صار أخص بانضمام فصيح إليه فمن ثم نسبت الأخصية إلى النعت في المثال المذكور وشبهه. فالجواب أن الأخصية إنما هي للرجل للفصيح لا للفصيح فإذا لا فرق بين نعت ونعت بل كل نعت لنكرة هو أخص منها ولازم هذا أن يكون النعت فائقا أبدا. لكن قد قال هو - أعني المصنف - أن الأكثر كون النعت مفوقا أو مساويا فكيف يجمع بين أمرين متضادين ثم إن المصنف لم يمثل هذا الحكم الذي أشار إليه إلا بالنكرة. لكن قوله بعد ذلك أن الشلوبين قال عن الفراء إنه ينعت الأعم بالأخص وأنه الصحيح أنه حكى عنه مررت بالرجل أخيل على النعت وتقريره لما ذكره الشلوبين عن الفراء - دليل على أن حكم المعرفة عنده حكم النكرة في جواز أن يكون نعتها أخص منها كما كان ذلك في النكرة. ولا شك أن الذي عليه الجماعة خلاف ذلك فإنهم صرحوا بأن النعت لا يكون إلا مساويا للمنعوت في التعريف أو أقل منه تعريفا (¬3) وهذا هو الحق، والاستقراء يدل عليه. وأما مررت بالرجل أخيك فالتابع فيه بدل لا نعت وكيف ينعت بما هو غير مشتق. وكان - ¬

_ (¬1) أحد أنواعه أصغر مدور وهو أجوده، واحدته برنية، قال أبو حنيفة: أصله فارسي. اللسان: برن. (¬2) الأشموني (3/ 81)، والتذييل (7/ 335). (¬3) ينظر الأشموني (3/ 61)، والهمع (2/ 116).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ يفرق بين المعرفة والنكرة في ذلك فإنه بعد أن ذكر كلام المصنف الذي قدّمناه قال: وهذا الذي ذكره من أن النعت لا يمتنع أن يكون أخص من المنعوت غير مسلم له على الإطلاق. أما في النكرات فصحيح وأما في المعارف فنصوص أئمتنا على أن النعت يكون في درجة المنعوت تعريفا أو دونه في التعريف أما أن يكون أعرف من المنعوت فلا. هذا مذهب البصريين. قيل: وسبب ذلك أن الاختصار مؤثر على التطويل وإذا كان كل واحد منهما موصلا إلى الغرض المقصود وجب لذلك أن يبدأ بالأخص ليقع الاكتفاء به فإن منع من الاكتفاء به عروض اشتراك أتى من النعوت بما يرفع به ذلك الاشتراك ولم نجد من الأسماء ما يرفع به ذلك الاشتراك إلا المساوي أو الأعم (¬1) انتهى. وكان من الموجب للشيخ أن يفرق بين النكرة والمعرفة أن الجماعة - أعني المغاربة - تعرضوا لذكر المعرفة دون النكرة فتبعهم في ذلك ثم سلم للمصنف قوله أن النعت يكون أخص من المنعوت [4/ 115] فمن ثم فرق بين البابين. وأنت قد عرفت ما في كلام المصنف من البحث الذي قدمناه. وإذ قد عرف أن العمل إنما هو على أن النعت يجب أن يكون مساويا للمنعوت أو أقل منه تعريفا فلنذكر ما ذكره الجماعة مبنيا على هذا التقرير. وهو أنهم قالوا: المعارف خمسة وهي المضمرات وأسماء الإشارة والأعلام وما عرف باللام وما أضيف إلى معرفة ولم يذكروا الموصولات لأنها عندهم من قبيل ما عرف باللام، ثم أعرف هذه المعارف المضمرات ثم الأعلام ثم أسماء الإشارة ثم ما عرف باللام والموصول في رتبته وما أضيف إلى معرفة من هذه المعارف فهو بمنزلة ما أضيف إليه إلا المضاف إلى المضمر فإنه في رتبة العلم. ثم إنهم أجروا على هذا الذي قرروه حكم النعت. وقد أخرنا الكلام على ذلك لنورده عند الكلام على الفصل الثالث من هذا الباب فإنه أمس بذلك. المسألة الثالثة: أن النعت قد يتبع في الجر غير ما هو له. والعلم على هذه المسألة قول العرب: - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 335).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا جحر ضب خرب (¬1) قال المصنف: وأشرت بقولي: وربّما تبع في الجرّ غير ما هو له دون رابط إن أمن اللبس إلى قولهم: هذا جحر ضب خرب وأمثاله. قال: فحق خرب أن يرتفع لأنه نعت جحر مرفوع لكنه جعل تابعا لضب لمجاورته إياه مع أمن اللبس ومثله قراءة الأعمش (¬2) ويحيى بن وثاب (¬3) (إنّ الله هو الرّزّاق ذو القوّة المتين) بخفض المتين (¬4). ومن الشواهد الشعرية في ذلك قول الشاعر: 3128 - كأنّما ضربت قدّام أعينها ... قطنا بمستحصد الأوتار محلوج (¬5) ومثله: 3129 - يريك سنة وجه غير مقرفة ... ملساء ليس بها خال ولا ندب (¬6) ومثله: 3130 - فإيّاكم وحيّة بطن واد ... هموز الناب ليس لكم بسيّ (¬7) ومثله: 3131 - جرى الله عنيّ الأعورين ملامة ... وفروة ثغر الثّورة المتضاجم (¬8) ومثله: - ¬

_ (¬1) راجع الأشباه والنظائر للسيوطي (1/ 147: 149). (¬2) سليمان بن مهران الأسدي التابعي كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض يروي نحو 1300 حديثا - ت 148 هـ بالكوفة، الأعلام (3/ 198) وطبقات ابن سعد (6/ 238) واللطائف (1/ 99). (¬3) الأسدي الكوفي إمام أهل الكوفة في القرآن تابعي ثقة قليل الحديث ت (103) هـ - الأعلام (9/ 223) وغاية النهاية (2/ 380) والنووي (2/ 159). (¬4) البحر المحيط (8/ 143)، والمحتسب (2/ 289). (¬5) من البسيط وانظره في الإنصاف (605، 615). (¬6) من البسيط وانظره في التذييل (7/ 337). (¬7) من الوافر للحطيئة - ديوانه (38) الحماسة (417) والخصائص (3/ 220) والشجري (1/ 342) شرح المفصل (2/ 85) واللسان: سوا. هذا ورواية الديوان: حديد بدل هموز. (¬8) من الطويل وهو للأخطل - ديوانه (277) والكامل (159) واللسان: ثفر وضجم وبرواية فردة، ومراتب النحويين (41)، ورواية الديوان: مذمة بدل ملامة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3132 - كأنّ ثبيرا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمّل (¬1) ومثله: 3133 - كأنّ نسيج العنكبوت المزمّل ... على ذرى قلّامة المهدّل سبوب كتّان بأيدي الغزّل (¬2) قال: ونبهت بقولي وقد يفعل ذلك بالتوكيد على ما أنشده الفراء من قول الشاعر: 3134 - يا صاح بلّغ ذوي الزّوجات كلّهم ... أن ليس وصل إذا انحلّت عرى الذّنب (¬3) بجر كلّهم (¬4). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى. وفي شرح الشيخ بيتان آخران فيستشهد بكل منهما على خفض النعت على الجوار. أحدهما قوله: 3135 - موكّل بشدوف الصوم ينطرها ... من المعارف مخطوف الحشارزم (¬5) والثاني قول الآخر: 3136 - فدافعت عنه الحبل حتّى تبدّدت ... وحتّى علاني حالك اللّون أسود (¬6) ثم إن المصنف لم يتعرض في الشرح لبيان ما احترز عنه بقوله في المتن دون رابط. والظاهر أنه يريد بذلك أن النعت قد يتبع في الجر غير ما هو دون رابط يربطه بما هو له فإن الرابط المذكور إذا وجد جازت المسألة دون إشكال. وذلك بأن يقال: هذا جحر ضب خرب جحره فإن الخرب إنما هو للجحر والحجر سببي للضب وقد رفعه النعت الجاري على الضب فهو نظير قولك: مررت برجل قائم غلامه ولا ريب في جواز ذلك. ¬

_ (¬1) من الطويل من معلقة امرئ القيس الخزانة (2/ 237) (3/ 639) والشجري (1/ 90) والمحتسب (2/ 135) هذا، وثبير: جبل، ويروى كأن أبانا وهي رواية اللسان: أبن، والبجاد: الكساء، والمزّمل: الملفف. (¬2) رجز العجاج - ديوانه (47) الخصائص (3/ 221)، وشرح السيرافي (1/ 495)، واللسان: عنكب. (¬3) من البسيط لأبي الغريب، انظر: الدرر (2/ 70) والمغني (683)، والهمع (2/ 55). (¬4) معاني الفراء (2/ 74، 75). (¬5) من البسيط، وانظره في التذييل (7/ 338). (¬6) من الطويل - التذييل (7/ 338).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليعلم أن التبعية على الجواز إنما هي خلاف الأصل وقد سمعت في النعت. روى سيبويه وغيره عن العرب هذا جحر ضب خرب بالرفع، والجرّ (¬1) وروى الفراء في التوكيد البيت (¬2) الذي أنشده المصنف ولم يسمع ذلك في البدل. وأما عطف النسق فمن النحاة من أثبت ذلك فيه والجمهور على خلافةّ ثم إن التبعية على الجواز إنما وردت في المجرور كما مثل، ومنهم من ادعى ثبوت ذلك في المرفوع أيضا. وبعد: فأنا أشير إلى تفصيل ما ذكرته مجملا متبعا ذلك بالإشارة إلى علل ذكرت وإلى أبحاث تتعلق بالمسألة ولوازمها. فمن ذلك أن الشيخ علل عدم ورود التبعية ورود التبعية على الجواز في البدل بأنه معمول لعامل آخر لا للعامل الأول (¬3). قال: على أصح المذهبين (¬4): وفي ما ذكره أمران: أحدهما: أن مذهب سيبويه أن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه (¬5) كما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى وإذا كان كذلك بطل التعليل الذي ذكره. ثانيهما: أن التبعية على الجوار أمر خارج عما تقتضيه القواعد فإن ورد منه شيء احتيج فيه إلى توجيه وأما إذا لم يرد فلا حاجة إلى الاعتذار عنه؛ لأنه لم يرد شيء مخالف للأصل فيحتاج إلى ذلك ثم القائلون بجواز التبعية على الجوار في عطف النسق استدلوا بما سيذكر. وقد ذكر الشيخ فرقا بين المعطوف نسقا والنعت وهو أن الاسم في باب النعت تابع لما قبله من غير وساطة فكان أشد مجاورة وفي العطف حصل الفصل بحرف العطف (¬6). وفي ما ذكره الشيخ من الفرق نظر، فإن حرف العطف لا يعد فاصلا لأن التبعية للأول إنما تحصل به وما لا يتصور التبعية في محل إلا به كيف يعد فاصلا مع وجوب ذكره وإنما يعد فاصلا ما يستغنى عنه أو يكون قد ذكر في غير محله وإذا كان البابان لا فرق بينهما بالنسبة إلى التبعية فلم يبق إلا أن يجاب عما استدل به الخصم ليندفع الحكم. والقائلون بذلك استدلوا عليه بقوله تعالى: وَامْسَحُوا - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 67، 436). (¬2) معاني الفراء (2/ 74، 75). (¬3) التذييل (7/ 337)، وما بعدها. (¬4) السابق، وانظر التبيان (422) وما بعدها، ومعاني الزجاج (2/ 167، 168). (¬5) الكتاب (2/ 386، 387). (¬6) التذييل (7/ 341).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (¬1) قال أبو البقاء: وَأَرْجُلَكُمْ يقرأ بالنصب وفيه وجهان. أحدهما: هو معطوف على الوجوه والأيدي وذلك جائز في العربية بلا خلاف والثاني: أنه معطوف على موضع بِرُؤُسِكُمْ والأول أقوى؛ لأن العطف على اللفظ أقوى من العطف على الموضع (¬2). ويقرأ بالجر (¬3) وهو مشهور أيضا كشهرة النصب وفيه وجهان: أحدهما: أنه معطوف [4/ 116] على الرؤوس في الإعراب والحكم مختلف فالرؤوس ممسوحة والأرجل مغسولة وهذا الإعراب الذي يقال هو على الجوار وليس يمتنع أن يقع في القرآن لكثرته فقد جاء في القرآن العزيز وفي الشعر. فمن القرآن قوله تعالى: وَحُورٌ عِينٌ (¬4) على قراءة من جر (¬5)، وهو معطوف على قوله تعالى: بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ (¬6) والمعنى مختلف إذ ليس المعنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين - وقال الشاعر: 3137 - لم يبق إلّا أسير غير منفلت ... وموثق في حبال القدّ مسلوب (¬7) والقوافي مجرورة والجوار مشهور عندهم في الإعراب والصفات وقلب الحروف بعضها إلى بعض والتأنيث وغير ذلك. فمن الإعراب ما ذكرنا في العطف ومن الصفات قوله تعالى: عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (¬8) واليوم ليس بمحيط وإنما المحيط العذاب وكذلك قوله تعالى: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ (¬9) واليوم ليس بعاصف وإنما العاصف الريح، ومن قلب الحروف قوله عليه الصلاة والسّلام «ارجعن مأزورات غير مأجورات» (¬10)، والأصل موزورات ولكن أريد التآخي ومنه قولهم: إنه يأتينا - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 6. (¬2) البحر المحيط (3/ 437) وما بعدها، وابن زنجلة (221). (¬3) المصادر السابقة. (¬4) سورة الواقعة: 22. (¬5) البحر المحيط (8/ 206) وابن خالويه في الحجة (340). (¬6) سورة الواقعة: 18. (¬7) من البسيط، وانظره في المقرب (1/ 172) برواية: لم ينو غير طريد غير منفلت .. (¬8) سورة هود: 84. (¬9) سورة إبراهيم: 18. (¬10) انظره في: سنن ابن ماجه: الجنائز (1/ 502، 503)، والأشباه والنظائر (1/ 11، 12) والإعقال (2/ 618) والدرر المصون (ص 1912) وشرح ابن يعيش (9/ 64) وفيض القدير (1/ 473) والمحتسب (2/ 332).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالغدايا والعشايا (¬1) ومن التأنيث قوله تعالى: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (¬2) فحذف التاء من عشر وهي مضافة إلى الأمثال وهي مذكرة ولكن لما جاورت الأمثال الضمير المؤنث أجري عليها حكمه - وكذلك قول الشاعر: 3138 - لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت ... سور المدينة والجبال الخشّع (¬3) وقولهم ذهبت بعض أصابعه، ومما راعت العرب فيه الجوار قولهم قامت هند ولم يجيزوا حذف التاء إذا لم يفصل بينهما فإن فصل أجازوا الحذف ولا فرق بينهما إلا المجاورة وعدم المجاورة. ومن ذلك قام زيد وعمرا كلمته استحسنوا النصب بفعل محذوف لمجاورة الجملة اسما قد عمل فيه الفعل ومن ذلك قلبهم الواو المجاورة للطرف همزة في أوائل كما لو وقعت طرفا ولذلك إذا بعدت عن الطرف لا تقلب نحو طواويس (¬4). قال: وهذا موضع يحتمل أن يكتب فيه أوراق من الشواهد قد جعل النحويين له بابا ورتبوا عليه مسائل وأصلوه بقولهم جحر ضب خرب حتى اختلفوا في جواز جر التثنية والجمع فأجاز الاتباع فيهما جماعة من حذاقهم قياسا على المفرد المسموع ولو كان لا وجه له في القياس بحال لاقتصروا فيه على السماع فقط. ويتأيد ما ذكرناه بأن الجر في الآية الشريفة قد أجيز غيره وهو النصب وكذا الرفع فإنه قراءة شاذة (¬5) على أن وَأَرْجُلَكُمْ (¬6) مبتدأ والخبر محذوف التقدير وأرجلكم مغسولة أو وأرجلكم كذلك والرفع والنصب غير قاطعين ولا ظاهرين على أن حكم الرجلين المسح فكذلك الجر يجب أن يكون كالنصب فالرفع في الحكم دون الإعراب. والوجه الثاني: أن يكون الجر في الأرجل بجار محذوف تقديره وافعلوا بأرجلكم غسلا وحذف الجار وإبقاء الجر جائز قال الشاعر: ¬

_ (¬1) أمالي القالي (2/ 210) والمصادر السابقة. (¬2) سورة الأنعام: 160. (¬3) البيت من بحر الكامل من قصيدة لجرير وهو في المقتضب (4/ 197)، والكتاب (1/ 62) والخزانة: تقدم البيت في باب الإضافة (جـ 11). (¬4) ينظر الأشباه والنظائر (1/ 11، 12) (147: 149)، والمغني (2/ 192، 193). (¬5) المحتسب: (2/ 332). (¬6) سورة المائدة: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3139 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلّا ببين غرابها (¬1) وقال زهير: 3140 - بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ... ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (¬2) فجر بتقدير الباء وليس بموضع ضرورة. قال: وقد أفردت لهذه المسألة كتابا» (¬3). انتهى كلام أبي البقاء رحمه الله تعالى. وهو يدل على رفعة شأنه في علم العربية وقوة نظره وتمكنه وحسن تصرفه. ولا شك في أنه كذلك، وعلم منه أنه يثبت التبعية في عطف النسق على الجوار. والظاهر أن الأمر كما قال إذ لا فرق بين عطف النسق والنعت في مطلق التبعية فكما تثبت التبعية على الجوار في النعت - وإن كان الأمر فيها على خلاف الأصل؛ لورود ذلك في كلام العرب - هكذا تثبت في عطف النسق لوروده في كلامهم أيضا، ولا شك أن ظاهر الآية الشريفة فيه دليل على ما ذكرناه. نعم قد ينازع أبو البقاء في بعض ما استدل به على ذلك لاحتمال تخريجه على وجه غير الوجه الذي ذكره ومع الاجتماع يندفع الاستدلال. أما البيت الذي أنشده وهو: لم يبق إلّا أسير فالمحفوظ فيه لم يبق غير طريد غير منفلت هكذا أنشده ابن عصفور في المقرب (¬4) وعلى هذا فتبعية المعطوف ليست تبعية مجاورة بل هو معطوف على المجرور بغير لفظا ومعنى وإن ثبتت رواية (إلا أسير) فقد يقال فيه إن العطف بالجر لصلاحية وقوع غير موقع إلا وقد أجاز ذلك بعضهم وإن كان الأصح خلافه وأما الحديث الشريف «ارجعن مأزورات غير مأجورات» ففيه تشاكل لا مجاورة. وأما قوله تعالى: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (¬5) فقد ذكروا أنه مما حذف فيه الموصوف وأقيمت صفته مقامه التقدير: فله عشر حسنات أمثالها ولكن التأنيث في تهدمت سور المدينة وذهبت بعض أصابعه للمجاورة بلا ريب. وأما استدلاله بقولهم قامت هند لزوما وجواز حذف التاء مع الفصل فلطيف. وأما الاستدلال بقولهم قام - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، وهو للأحوص وانظره في الحلل (111). (¬2) من الطويل ديوانه (107)، والخصائص (2/ 353، 424)، والدرر (2/ 195)، والكتاب (1/ 83)، (2/ 278)، والهمع (2/ 141). (¬3) التبيان (423، 424). (¬4) المقرب (1/ 172). (¬5) سورة الأنعام: 160.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيد وعمرا كلمته فغير ظاهر، إذ لا مجاورة فيه. وإنما المراعى في أرجحية النصب طلب مشاكلة الجملتين في الفعلية. وأما مسألة أوائل وطواويس فليس النظر فيها إلى المجاورة إنما النظر إلى القرب مما هو محل تغيير أو البعد عنه مع شيء آخر وهو توالي ثلاث لينات فليس الأمر موقوفا على القرب [4/ 117] خاصة حتى يجعله العلة لقلب حرف العلة همزة بل العلة المجموع المركب. وأما الاستدلال بقوله تعالى: عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (¬1) ويَوْمٍ عاصِفٍ (¬2) فقد خرّجوه على ما خرّج عليه قولهم: نهارك صائم، وليلك قائم، ووجهه أن اليوم ظرف لإحاطة العذاب فهو ظرف له فتوسع في الظرف بأن جعل فاعلا للإحاطة وكذا عصف الريح واقع في اليوم فهو ظرف له فتوسع فيه بأن جعل فاعلا للعصف كما أن النهار والليل ظرفان للصوم والقيام الواقعين فيهما فتوسع فيهما بأن جعلا فاعلين للصوم والقيام، وإذا كان كذلك فلم يقصد بمحيط وصف العذاب ولا بعاصف وصف الريح حتى يقال إنهما أجريا على اليوم لمجاورة المقصود بالوصف وهو العذاب والريح. ثم إن الذي ذكره أبو البقاء إن تمشى له في عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ لا يتمشّى له في: عاصِفٍ إذ المقصود بالوصف على تقريره هو الريح، وهي لم تذكر، وإذا لم تكن مذكورة فأين المجاورة، وإذا تعين في: عاصِفٍ أنه صفة لليوم في المعنى مما هو في اللفظ تعين أن يكون مُحِيطٍ من عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ كذلك. ومما استدل به القائلون بالتبعية على الجوار في عطف النسق قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ (¬3) في قراءة من خفض «ونحاس» (¬4)، وكذا بقول جرير: 3141 - فهل أنت إن ماتت أباؤك راحل ... إلى آل بسطام بن قيس فحاطب (¬5) فأما الآية الشريفة: فالأمر فيها يتوقف على تفسير النحاس ما المراد به. فإن كان - ¬

_ (¬1) سورة هود: 84. (¬2) سورة يونس: 22. (¬3) سورة الرحمن: 35. (¬4) ينظر البحر المحيط (8/ 195) والحجة لابن خالويه (340)، هذا وقراءة الجر لابن أبي إسحق والنخعي وابن كثير وأبو عمرو. (¬5) البيت من الطويل، وليس في ديوانه بتحقيق البستاني طبعة بيروت (1384 هـ - 1964 م) وانظره في التذييل (7/ 341).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معناه يرجع إلى معنى الشواظ فالتبعية في «ونحاس» بالجر على الجوار حينئذ، وأما بيت جرير فلم يظهر لي أن التبعية فيه على غير الجوار وإذا كان كذلك تم الاستشهاد به على المسألة. فأما قول امرئ القيس: 3142 - وظلّ طهاة اللّحم ما بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل (¬1) فقد استشهد به أيضا، ولكن قد تقدم الكلام في آخر باب الأفعال الرافعة المبتدأ الناصبة الخبر بما يعلم منه أنه ليس من هذا القبيل (¬2). والذي يظهر أن التبعية في العطف على الجوار لا مانع منها من حيث الصناعة. وأقوى الأدلة عليها الآية الشريفة أعني آية الوضوء لأن قراءة وأرجلكم (¬3) بالجر ثابتة بالتواتر وغسل الأرجل واجب بالأدلة القاطعة فوجب أن يكون وَأَرْجُلَكُمْ في قراءة من جر معطوفة على ما تقدم من منصوب فَاغْسِلُوا فيكون مستحقّا للنصب مع أنه قد جر ولا وجه لجره إلا أن يكون على الجوار، والوجه الآخر الذي ذكره أبو البقاء وهو أن يكون الجر بجار محذوف التقدير: وافعلوا بأرجلكم غسلا لا يخفى ضعفه وأن ما قدره في غاية البعد عن فصاحة كلام العرب فضلا عن فصاحة الكتاب العزيز. فإن قيل شرط التبعية على الجوار أمن اللبس وجر الأرجل يوهم عطفها على الرؤوس فوجب العدول عن القول بذلك. فالجواب: أنا نقول لا لبس؛ وذلك أن غسل الأرجل في قراءة من نصب واجب قطعا لثبوتها بالتواتر فوجب أن يكون الحكم في قراءة من جر كالحكم في قراءة من نصب وهو وجوب الغسل كيلا تتصادم القراءتان، ولا يعكس هذا فيقال: قراءة الجر ثابتة بالتواتر أيضا. ولا شكّ أن الأرجل معطوفة على الرؤوس وحكمها المسح - ¬

_ (¬1) من الطويل ديوانه (22)، وتعليق الفرائد (1/ 1015) وشرح العمدة (328) وشواهد التوضيح (115) واللسان: ضعف، وطهى، ومعاني الفراء (1/ 346). (¬2) قال: لأن المنصوب باسم الفاعل يجر كثيرا بإضافته إليه فكأنه إذا انتصب مجرور. وجواز جر المعطوف على منصوب اسم الفاعل مشروط بالاتصال كاتصال منضج بالمنصوب فلو كان منفصلا لم يجز الجر، نحو أن يقال بين منضج بالنار ضعيف شواء؛ لأن الانفصال يزيل تصور الإضافة المقتضية للجر؛ فلذلك لا يجوز جر المعطوف مع انفصال اسم الفاعل من معموله. (¬3) سورة المائدة: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فوجب أن يكون الحكم في قراءة من نصب كالحكم في قراءة من جر للعلة التي ذكرتموها لأن أحدا لم يقل بمسح الأرجل إلا من لا يعبأ به ولا يلتفت إليه. وقد عرف من الذي قررناه أن وَأَرْجُلَكُمْ (¬1) في قراءة من جر معطوف على منصوب فَاغْسِلُوا وأن الجر فيه إنما هو بمجاورة المجرور، والذين لا يثبتون التبعية في العطف على الجوار يقولون إن وَأَرْجُلَكُمْ معطوف على بِرُؤُسِكُمْ مع حكمهم بوجوب غسل الأرجل بتأويل أنا ذاكره، وقد أشار إلى شيء من ذلك أبو علي في الحجة (¬2)، وكان الزمخشري نحا إليه فاقتصرت على كلامه لأنه أمتن من كلام أبي علي، قال رحمه الله تعالى: «قرأ جماعة وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب فدل على أن الأرجل مغسولة، فإن قلت ما تصنع بقراءة الجر ودخولها في حكم المسح؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة مغسولة تغسل بصب الماء عليها فكانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه، فعطفت على الثالث الممسوح لا لتمسح ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها وقيل إِلَى الْكَعْبَيْنِ فجيء بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة؛ لأن المسح لم يضرب له غاية في الشريعة» (¬3) ثم قال: «وذهب بعض الناس إلى ظاهر العطف فأوجب المسح، وعن الحسن أنه جمع بين الأمرين، وعن الشعبي (¬4): نزل القرآن العزيز بالمسح والغسل سنة» (¬5) انتهى. وإذ قد ذكر هذا فلنذكر ما انتظم من كلام المعربين في الآية الشريفة فنقول: قرئ وَأَرْجُلَكُمْ رفعا ونصبا وجرّا. فأما توجيه الرفع فقد تقدم. وأما النصب فقد ذكر أبو البقاء فيه توجيهين كما عرفت: أحدهما: أنه معطوف على الوجوه والأيدي، والثاني: أنه معطوف على موضع برؤوسكم (¬6). ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 6. (¬2) الحجة (3/ 324 - 326). (¬3) الكشاف (1/ 474). (¬4) عامر بن شراحيل عن عبد ذي كبار الحميري راوية من التابعين يضرب المثل بحفظه مات فجأة بالكوفة (103 هـ) وهو من رجال الحديث الثقات، الأعلام (4/ 18)، والحلية (4/ 310)، والسمط (751). (¬5) الكشاف (1/ 475). (¬6) البحر المحيط (3/ 437) وابن خالويه (ص 129) وتقدم ذلك تقريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الوجه الأول: فهو الظاهر بل الحق وكذا قال: وذلك جائز في العربية بلا خلاف. وقال غيره إن فيه الفصل بجملة أجنبية والحق أن هذه الجملة لا تعد أجنبية لأن الوضوء عمل واحد. وإذا قيل إن الترتيب مقصود تأكد القول بعدم الأجنبية. وأما الوجه الثاني: فقد قال إن الوجه الأول أقوى منه قال: لأن العطف على اللفظ أقوى من العطف [4/ 118] على الموضع. ومقتضى كلامه صحة عطف وَأَرْجُلَكُمْ على موضع بِرُؤُسِكُمْ وهو غير ظاهر فإن ذلك يلزم منه أن يكون المأمور به مسح الأرجل والحق أن التوجيه الأول هو المتعين ولا يجوز غيره. وأما الجر فقد ذكر أبو البقاء فيه وجهين أيضا: أحدهما: أنه على الجوار فتكون الأرجل معطوفة على ما تقدم من المنصوب وهو الوجوه والأيدي كما تقدم تقرير ذلك. وقد قدمنا أن هذا هو الظاهر بل ربما يتعين. والثاني: أن يكون الجر بجار محذوف تقديره وافعلوا برؤوسكم غسلا. ولا شك في ضعف هذا الوجه. وأما البيتان اللذان استدل بهما فلا دليل فيهما؛ لأن الجر في: ولا ناعب، وفي ولا سابق إنما هو على توهم وجود الباء داخلة على مصلحين وعلى مدرك. وقد فهمت من تقرير الزمخشري وجها ثالثا وهو أن العطف على بِرُؤُسِكُمْ لقوله فعطفت على الرابع الممسوح وهو لم يثبت القول بالعطف على الجوار مع أنه قائل بوجوب الغسل فلازم قوله أن يكون «وأرجلكم معطوفا على برؤوسكم» والمقصود غسل الأرجل وإنما عطفت على يمسح وهو الرؤوس للمعنى الذي ذكره وهذا الوجه غير الوجه الصائر إلى العطف على الجوار؛ لأن القائل بذلك عنده أن وَأَرْجُلَكُمْ معطوف على الوجوه والأيدي كما تقدم. وبعد: فلم يبق إلا الإشارة إلى بقية المسائل والأبحاث التي تقدم الوعد بذكرها. فمنها: أنه هل يجوز التبعية على الجوار في التثنية والجمع. وقد تقدم قول أبي البقاء وأصلوه بقولهم: هذا جحر ضّبّ خرب، حتى اختلفوا في جواز جر التثنية والجمع -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأجاز الاتباع فيهما جماعة من حذاقهم قياسا على المفرد المسموع ولو كان لا وجه له في القياس بحال لاقتصروا فيه على المسموع فقط. انتهى. والمراد بالتثنية أن يثنى المضاف والمضاف إليه أعني الجحر والضب فيقال: هذان جحرا ضبين خربين. وبالجمع أن يجمعا أيضا فيقال: هذه جحرة ضباب (¬1) خربة. هذا مراد الشيخ أبي البقاء فإن ثني الجحر دون الضب بأن يقال هذا جحرا ضب خربان فقالوا: ليس في الصفة إلا الرفع وأجاز سيبويه الخفض على الجوار اتكالا على فهم المعنى وأنشد شاهدا على ذلك: 3143 - كأنّ نسج العنكبوت المرمّل (¬2) ووجه الاستدلال أن العنكبوت مؤنث والمزمل مذكر فلم يشترك التابع والمتبوع في التأنيث كما لم يشتركا في التثنية (¬3). قال الشيخ: وقياس قول سيبويه في التثنية أن يجيز ذلك في الجمع (¬4). ثم قال: وينبغي أن ذلك لا يجوز يعني في التثنية والجمع (¬5) قال: لأن ما ورد من ذلك إنما هو خارج عن القياس فلا يتعدى فيه السماع (¬6). وقد قال الفراء وغيره (¬7): لا يخفض بالجوار إلا ما استعملته العرب كذلك. قال الشيخ «وتقول: إذا كانوا لا ينعتون المفرد بالتثنية ولا بالجمع في ما يكون معنى النعت مسندا للمنعوت فكيف يجوز ذلك في ما لا يكون معناه مسندا لغير المنعوت ألا تراهم لا يوجد في كلامهم مررت برجل قائمين ولا برجل قائمين ولا قيام (¬8). ومنها: أن بعض النحاة المتأخرين لم يخص التبعية على الجوار بالمجرور بل أجاز ذلك في المرفوع مستدلا بقول الشاعر: ¬

_ (¬1) جمع ضب: أضبّ وضباب وضبّان. اللسان: ضبب. (¬2) الكتاب (1/ 437). (¬3) السابق. (¬4) التذييل (7/ 340) والكتاب (1/ 437). (¬5) التذييل (7/ 339). (¬6) السابق. (¬7) الهمع (2/ 55). (¬8) التذييل (7/ 340).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3144 - السّالك الثّغرة اليقظان سالكها ... مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل (¬1) قال: رفعوا الفضل إتباعا لما قبله لقربه وما قاله غير معمول به. وقد تقدم الكلام على هذا البيت في باب إعمال المصدر وأن الفضل نعت للهلوك على الموضع، كما كان ذلك في قول الآخر: 3145 - (حتّى تهجّر في الرّواح وهاجها) ... طلب المعقّب حقّه المظلوم (¬2) برفع المظلوم. ومنها: أن التبعية على الجوار قال بها جمهور النحويين من البصريين والكوفيين. وقد خالف في ذلك السيرافي وابن جني وخرجا قول العرب: هذا جحر ضب خرب على غير ذلك. فأما السيرافي فقال: الأصل هذا جحر ضب خرب الجحر، كما تقول: حسن الوجه. وحذف الضمير للعلم به أي حسن الوجه منه ثم أضمر الجحر فصار «خرب» ولم يبرز الضمير كما لم يبرز في قولهم: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين فـ «لا قاعدين» جار في الإعراب على رجل، ولم يبرز الضمير؛ لأنه لو برز لقيل لا قاعدهما (¬3) وأما ابن جني فقال: الأصل هذا جحر ضب خرب جحره نحو مررت برجل حسن وجهه ثم نقل الضمير فصار خرب الجحر ثم حذف (¬4) قال: فهذا جر صحيح وهو نعت للضب ثم إنه تمثل مستحسنا للتخريج المذكور بقول القائل: 3146 - [يقول من تطرق أسماعه] ... كم ترك الأول للآخر (¬5) ثم إن الشيخ رد ذلك وقال: إن ما قالاه خطأ من غير وجه (¬6). وذكر في تقرير - ¬

_ (¬1) من البسيط للمتنخل الهذلي ديوان الهذليين (240)، والارتشاف (2/ 583)، والعيني (252) واللسان: هلك. (¬2) شطر بيت من الكامل للبيد - ذكرنا صدره - ديوانه (128) والأشموني (2/ 290) والتصريح (1/ 278، 2/ 65) والدرر (2/ 202) وشرح المفصل (2/ 24، 46، 6/ 66) والهمع (2/ 145). (¬3) شرح السيرافي على الكتاب (2/ 149 ب، 150 أ). (¬4) الخصائص (1/ 191). (¬5) الخصائص (1/ 191). هذا والبيت - وقد ذكرنا صدره - للطائي الكبير في ديوانه (143). (¬6) التذييل (7/ 343) قال: وهو فاسد، للدور، إذ لا يوجد في كلام العرب مررت برجل حسن -

[ذكر ما ينعت به، وأحكام الجملة الواقعة نعتا]

[ذكر ما ينعت به، وأحكام الجملة الواقعة نعتا] قال ابن مالك: (فصل: المنعوت به مفرد أو جملة كالموصول بها، منعوتها نكرة أو معرّف «بأل الجنسية» وقد ترد الطّلبيّة محكيّة بقول محذوف واقع نعتا أو شبهه. وحكم عائد المنعوت بها حكم عائد الواقعة صلة أو خبرا، لكن الحذف من الخبر قليل، ومن الصّفة كثير، ومن الصّلة أكثر. وتختصّ المنعوت بها اسم زمان بجواز حذف عائدها المجرور بفي دون وصف، ويجوز أيضا حذف المجرور ب «من» عائدا على ظرف أو غيره إن تعيّن معناه). ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ما يوقف عليه في كتابه وعلى الناظر أن يميز بين الحق والباطل. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): المفرد هو الأصل في الخبر والحال والنعت. والجملة الواقعة خبرا أو حالا أو نعتا نائبة عن المفرد ومؤولة به. وتنفرد المخبر بها بجواز كونها طلبية، وتنفرد الحالية بجواز اقترانها بالواو؛ فلهذا لم أحل المنعوت بها عليها بل أحلتها على الموصول بها؛ لأنها لا تكون طلبية ولا تقرن بالواو. وأجاز الزمخشري اقتران الواقعة نعتا بالواو زاعما توكيد الارتباط بالمنعوت (¬2)، وهذا من أرائه الواهية وزعماته [4/ 119] المتلاشية؛ لأن النعت مكمل للمنعوت ومجعول معه كشيء واحد فدخول الواو عليه يوهم كونه ثانيا ذا مغايرة لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه وهذا مناف لما زعم من توكيد الارتباط. وفي قولي: كالموصول بها تنبيه على لزوم كونها خبرية ومشتملة على ضمير لائق بالمنعوت. وقد يغني عنه الألف واللام كقول الشاعر: 3147 - كأنّ حفيف النّبل من فوق عجسها ... عوازب نحل أخطأ الغار مطنف (¬3) أي أخطأ غارها فحذف الضمير وجعل الألف واللام عوضا منه. والمنعوت بالجملة - ¬

_ - الوجه ولا حسن وجهه، ولأنه من حيث أجرى الخرب صفة على الضب لزم إبراز الضمير لئلا يلبس. انتهى ملخصا. (¬1) شرح التسهيل (3/ 310). (¬2) شرح التسهيل (3/ 310). (¬3) من الطويل للشنفرى - الأشموني (3/ 63)، والعيني (4/ 85) واللسان: طنف. ويس (2/ 112) هذا: وعجسها: مقبضها، وهو في الأصل: عجمها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نكرة نحو: حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ (¬1)، أو مقرون بأل الجنسية نحو: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (¬2) فنعت الليل بجملة؛ لأنه معرفة في اللفظ نكرة في المعنى إذا لم يقصد ليل معين. ومثال الطلبية المحكية بقول محذوف واقع نعتا ما أنشد ثعلب من قول الراجز: 3148 - فإنما أنت أخ لا نعدمه ... قابلنا منك بلا تعلمه (¬3) فلا نعدمه دعاء محكي بقول مقدر كأنه قال: إنما أنت أخ مقول له لا نعدمه، ومثله قول الآخر: 3149 - [حتّى إذا جنّ الظّلام واختلط] ... جاءوا بمذق هل رأيت الذّئب قط (¬4) أي مقول عند حضوره هل رأيت الذئب قط. والمذق اللبن المشوب بالماء، ومراد الراجز أنه تغير بياضه بمخالطة الماء حتى صار شبيها بلون الذئب. ومثال ذلك فيما يشبه النعت قول أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - «وجدت الناس أخبر تقله» (¬5) أي مقولا عند رؤيتهم: أخبر تقله. فأخبر نقله محكي بقول واقع موقع مفعول ثان لوجدت إن كان من أخوت ظننت وفي موضع الحال إن لم يكن منها، وكلاهما محتمل وفي كليهما شبه النعت فلذلك قلت نعتا أو شبهه. وكان في قولي كالموصول بها تنبيه على ما تبين بقولي: وحكم عائد المنعوت بها حكم عائد الواقعة صلة أو خبرا إلى آخر الكلام إلا أن في التصريح زيادة بيان. ومثال الحذف من المخبر بها قراءة ابن عامر وكل وعد الله الحسنى (¬6) ومثال الحذف من المنعوت بها قول الشاعر: 3150 - (أبحت حمى تهامة بعد نجد) ... وما شيء حميت بمستباح (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 93. (¬2) سورة يس: 37. (¬3) انظره في التذييل (7/ 347). (¬4) رجز للعجاج ذكرنا صدره - ملحقات ديوانه (81) والإنصاف (115) والخزانة (1/ 275) والدرر (2/ 148) واللسان: مذق، والهمع (2/ 117). (¬5) ينظر: غريب الحديث لابن قتيبة (2/ 596)، والفائق (2/ 183)، والكفاية (2/ 102)، ومجمع الأمثال (2/ 287)، والنهاية (4/ 105). (¬6) سورة النساء: 95، والحديد: 10. وانظر البحر المحيط (8/ 219). (¬7) عجز بيت الوافر - ذكرنا صدره وهو لجرير - ديوانه (ص 77) والتصريح (2/ 112)، والشجري (1/ 25)، والكتاب (1/ 45، 66) والمغني (ص 503، 612).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الحذف من الموصول بها قوله تعالى: وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ (¬1) وحذف المجرور العائد على اسم زمان نحو قوله تعالى (وَاتَّقُوا) (¬2) يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً * (¬3) وكقراءة عكرمة (¬4) «حينا تمسون وحينا تصبحون» (¬5)، ومثله: 3151 - فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر (¬6) فهذا عند سيبويه على حذف «فيه» اعتباطا (¬7) لأن الظرف يجوز معه ما لا يجوز مع غيره، وعند الأخفش على حذف في وتعدي الفعل وحذف الضمير (¬8) وإن كان المجرور مجرورا بمن وكان عند الحذف لا يحتمل إلا وجها واحدا جاز حذفه عائدا على ظرف وعلى غير ظرف نحو: شهر صمت يوما مبارك وعندي برّ (كرّ) بدرهم فحذف من والعائد المجرور بها لتعيين معناه إذ لا يحتمل إلا وجها واحدا (¬9). انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وبعد: فنحن نشير إلى أمور: منها: أن المصنف لم يبين ما احترز عنه بقوله دون وصف. وقال الشيخ: احترز به من أن يكون المجرور بفي وصفا فإنه لا يجوز حذفه ومثاله: لا تكره يوما يسؤوك فيه راحتك قال: فهنا يجوز حذف فيه لأنه وقع وصفا لقوله يوما (¬10). ولم يظهر لي ما قاله؛ أما أولا: فلأنّه جعل المحترز عنه أن يكون المجرور بفي وصفا ولفظ الكتاب يعطي أن الوصف يكون أمرا آخر غير ما هو مجرور بفي ولو كان المراد ما أشار إليه لكان يقال غير وصف ومكان دون وصف. ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 73. (¬2) لتمام المعنى. (¬3) سورة البقرة: 48، 123. (¬4) ابن عبد الله البربري المدني تابعي من أعلم الناس بالتفسير والمغازي ت (105 هـ) - الأعلام (5/ 43) والحلية (3/ 326) وميزان الاعتدال (2/ 208). (¬5) الروم 17، وينظر البحر المحيط (7/ 166) والمحتسب (2/ 163، 164). (¬6) البيت من بحر المتقارب وهو للنمر بن تولب في ديوانه (ص 57) وفي الكتاب (1/ 86) وفي العيني: (1/ 565) وفي الهمع: (1/ 101، 2/ 27). (¬7) الكتاب (1/ 86). (¬8) الارتشاف (2/ 585). (¬9) شرح التسهيل (3/ 312). (¬10) التذييل (7/ 349).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ثانيا: فلأنّ «فيه» في المثال الذي ذكره وهو لا تكره يوما يسوؤك فيه راحتك ليس هو الوصف إنما الوصف الجملة بتمامها. فإن تم ما قاله الشيخ فلا كلام، وإن لم يتم فيمكن أن يقال: إن المصنف احترز بقوله: دون وصف من أن يذكر لاسم الزمان وصف آخر مع الجملة الحالية من العائد المجرور بفي الواقعة وصفا لاسم الزمان المذكور نحو أن يقال: احذروا يوما عظيما أو يوما مخوفا لا يغني أحد عن أحد شيئا فيقال: إن حذف العائد في نحو هذا المثال غير جائز ويكون السبب فيه أن اسم الزمان إذا لم يوصف بغير الجملة التي قد حذف العائد منها تعين - أو ترجح - أن الجملة المذكورة بعده صفة له فيكون في ذلك دلالة على أن العائد محذوف؛ لأن الجملة الواقعة نعتا لا بد لها من رابط بالمنعوت، أما إذا وصف اسم الزمان بوصف آخر فقد يتوهم استغناؤه عن النعت بالجملة وحينئذ لا يبقى دليل على أن ثم عائدا قد حذف؛ لأننا لم نجزم بأن الجملة نعت إذ ذاك. ومنها: أن المصنف احترز بقوله أن تعين معناه من نحو سرني شهر صمت منه، فإن الحذف غير جائز في ذلك؛ لأن المحذوف لم يتعين أن يكون من ومجرورها؛ إذ يحتمل أن يكون التقدير [صمته؛ هذا في الظرف ومثاله في غير الظرف: لا أحب راجلا أخاف منه فلا يجوز الحذف لاحتمال أن يكون التقدير] أخافه. وأنشد الشيخ بيتا حذف فيه المجرور بمن لتعين معناها وهو قول الشاعر: 3152 - يقعن بالسّفح ممّا قد رأين به ... وقعا يكاد حصا المغراء يلتهب (¬1) أي يلتهب منه. ومنها: أن الشيخ ناقش المصنف في أمرين: أحدهما قوله إن الضمير العائد من الجملة المنعوت بها قد يغني عنه الألف واللام. وقال: هذا مذهب كوفي والبصريون يحكمون بأن العائد ضمير محذوف (¬2). ثانيهما: قوله: إن منعوت الجملة قد يكون معرفا بأل الجنسية فقال الشيخ: هذا ليس ب شيء إذ لو كان كما [4/ 120] قال لم يوصف بالمعرفة. وأما الآية الشريفة فتخرج على أن «نسلخ» جملة حالية، أو تفسيرية (¬3). انتهى. ¬

_ (¬1) من البسيط - التذييل (7/ 349). (¬2) التذييل (7/ 346). (¬3) التذييل (7/ 347).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: أما الأمر الأول فقد تقدم الكلام فيه في باب الصفة المشبهة (¬1)، ثم كون ذلك مذهبا كوفيّا لا يمتنع القول به فكم من مسألة تبع المصنف فيها الكوفيين، ومثل هذا لا مناقشة فيه. وأما قوله في الأمر الثاني وإن كان كما قال يعني المصنف لم يوصف بالمعرفة - فالجواب عنه أن المصنف قد قال أنه معرفة في اللفظ نكرة في المعنى فمن وصفه بالمعرفة راعى لفظه وكما أن المراد بالمنعوت الجنس هكذا يكون المراد بنعته أيضا ومن وصفه بالنكرة راعي معناه وإذا كان كذلك فلا منافاة. فلا يتوجه على المصنف مناقشة في هذا الأمر أيضا. ومنها: أن ابن عصفور قال في شرح الجمل أن حكم العائد على المنعوت من الجملة التي هي نعت له في الإثبات والحذف حكم العائد على الموصول إلا أن يكون مرفوعا فإنه لا يجوز حذفه أصلا مبتدأ كان أو غير مبتدأ فيفرق بين البابين من هذا الوجه (¬2)، لكن كلامه في المقرب يقتضي خلاف ذلك، فإنه لما ذكر أن حكم العائد من جملة الصفة في الإثبات والحذف كحكم العائد من الصلة قال: إلا أن يكون الضمير مرفوعا بالابتداء فإنه يجوز حذفه كان في الجملة الواقعة صفة طول أو لم يكن نحو قوله: 3153 - إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن ... عارا عليك وربّ قتل عار (¬3) أي هو عار. والظاهر أن ما ذكره في المقرب من جواز الحذف هو المعمول به. وقد يقال إن كلام المصنف يقتضي أن الطول يشترط في الصفة لجواز الحذف كما يشترط في الصلة؛ لأنه جعل حكم العائد مع الصلة إلا أن يقال ليس مراده أن حكم هذا حكم - ¬

_ (¬1) قال في شرح التسهيل (3/ 102): «ومن الاستغناء عن الضمير بالألف واللام قوله تعالى: وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ 49 جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [ص: 49] أي مفتحة لهم أبوابها. وزعم بعضهم أن الْأَبْوابُ بدل من ضمير مستكن في مُفَتَّحَةً وهذا لا ينجيه من كون الألف واللام خلفا عن الضمير؛ لأن الحاجة في الإبدال كالحاجة إليه في الإسناد» وانظر تمهيد القواعد (3/ 152) وما بعدها. (¬2) شرح الجمل (1/ 194). (¬3) البيت من بحر الكامل وهو الثابت قطنه، وشاهده واضح وانظره في التصريح (2/ 112)، والمقتضب (3/ 66) وغير ذلك.

[بعض أحكام النعت المفرد]

[بعض أحكام النعت المفرد] قال ابن مالك: (والمفرد مشتقّ لفاعل أو مفعول، أو جار مجراه أبدا، أو في حال دون حال. فالجاري أبدا كلوذعيّ وجرشع وصمحمح وشمردل و «ذي» بمعنى صاحب وفروعه وأولي وأولات وأسماء النّسب المقصود. والجاري في حال دون حال مطّرد وغير مطّرد. فالمطّرد أسماء الإشارة غير المكانيّة و «ذو» الموصولة وفروعها وأخواتها المبدوءة بهمزة وصل، ورجل بمعنى كامل أو مضاف إلى صدق أو سوء. وأيّ مضافا إلى نكرة يماثل المنعوت معنى، وكلّ وجدّ وحقّ مضافات إلى اسم جنس مكمّل معناه للمنعوت. وغير المطّرد النّعت بالمصدر والعدد والقائم بمسمّاه معنى لازم ينزّله منزلة المشتقّ وينصب أيّ المنعوت به حالا بعد معرفة، و «ما» في نحو رجل ما شئت من رجل، شرطيّة محذوفة الجواب، لا مصدرية منعوت بها خلافا للفارسيّ) (¬1). - هذا إلا في جواز الحذف فقط لا في اشتراط ما اشترط في الصلة بدليل أنه لم يقتصر على الصلة بل قال أنّ حكم عائد الصفة حكم عائد الواقعة صلة أو خبرا والحذف مع الخبر لا يشترط فيه طول الخبر. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): المشتق المنعوت به هو كل وصف تضمن معنى فعل وحروفه واحترز بكونه اشتقاقه لفاعل أو مفعول من المشتق لزمان أو مكان أو آلة والمشتق للفاعل يعم أسماء الفاعلين وأمثلة المبالغة والصفة المشبهة باسم الفاعل وأفعل المفضل به الفاعل كأنا أعلم منك والمشتق للمفعول يعم أسماء المفاعيل وأفعل المفضل به المفعول كأنت أنجب من غيره والجاري مجرى المشتق أبدا يعم الأوصاف التي وضعت موافقة للمشتقات في تضمن معاني الأفعال دون حروفها فجرت مجرى المتضمنة معانيها وحروفها في استدامة النعت بها دون شرط فلوذعي يجري مجرى فطن وذكي، وجرشع يجري مجرى غليظ وسمين، وصمحمح يجري مجرى شديد. وأمثلة هذا النوع كثيرة؛ ولذلك أدخلت كاف التشبيه على أول - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 123). (¬2) شرح التسهيل (3/ 313).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما ذكرت منها وفروع ذي بمعنى صاحب ذوا ودوو وفاواتا ودوات، وأوليت فروع ذي أولى وأولات لأنهما بمعنى ذوي وذوات. وقيدت النسب بالمقصود احترازا من نحو قمري (ودبسي) (¬1) من الأسماء التي هي منسوبة في الأصل وغلب استعمالها ودالة على أجناس دلالة ما لا تعرض فيه للنسب وجعلت أسماء الإشارة جارية مجرى المشتق في حال دون حال؛ لأن استعمالها غير منعوت بها أكثر من استعمالها منعوتا بها وكذا الموصولات التي ينعت بها وقوعها مسندة ومسندا إليها ومفعولة ومضافا إليها أكثر من وقوعها منعوتا بها. وقيدت أسماء الإشارة بغير المكانية احترازا من هنا وأخواتها. وقيدت الموصولات بالمنعوت بها احترازا من الموصولات التي لا ينعت بها كمن وما. ومن المنعوت به في حال دون حال: رجل، فإنه ينعت به في حالين: إحداهما: إذا قصد به كمال الرجولية كقولك مررت بزيد الرجل أي الذي كملت رجوليته ووقوعه بهذا المعنى خبرا أكثر من وقوعه نعتا. والحال الثاني: إذا أضيف بمعنى صالح إلى صدق وبمعنى قاصد [إلى سوء] (¬2) كقولك: هو رجل رجل صدق أو رجل رجل سوء. ومن المنعوت به في حال دون حال أي فإنه ينعت به تبيينا لكمال المنعوت ولا يكون إلا نكرة ولا بد حينئذ من إضافته إلى نكرة تماثل المنعوت لفظا ومعنى نحو: هذا الرجل أي رجل أو معنى دون لفظ نحو هذا رجل أي فتى فالتماثل في اللفظ لا يلزم [4/ 121] وإنما يلزم التماثل في المعنى؛ فلذلك اقتصرت عليه في المتن حين قلت وأي مضافا إلى نكرة تماثل المنعوت (معنى. ومن) المنعوت به في حال دون حال كل وجد وحق فإنها ينعت بها المعنى الذي نسب لأي كقولك: زيد الرجل كل الرجل وجد الرجل وحق الرجل. وفي التنكير هو رجل كل رجل وجد رجل وحق رجل. فالنعت بهذه كلها مطرد لا يتوقف على سماع بخلاف النعت بالمصدر وما ذكره بعده فإن السماع فيه متبوع واطراده ممنوع. وللمصدر مزية على غيره يقارب فيها الإطراد. ومن المصادر المنعوت بها رضى وعدل وزور وصوم وفطر. ومن النعت بالعدد قول بعض العرب - ¬

_ (¬1) ضرب من الحمام. اللسان: دبس، وفي هـ: لعله. (¬2) الأصل: سواء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخذ بنو فلان من بني فلان إبلا مائة على النعت حكاه سيبويه (¬1) وأنشد: 3154 - لئن كنت في جبّ ثمانين قامة ... ورقّيت أسباب السّماء بسلّم (¬2) وفي الحديث: «النّاس كإبل مائة» (¬3). والنعت بالقائم بمسماه مغنى (ينزله) منزلة المشتق كمررت برجل أسد أبوه ولبست ثوبا حريرا ملمسه وشربت ماء عسلا طعمه تريد ماء شديد الحلاوة وثوبا شديد الليونة. فلو أردت أن الماء مشوب بعسل وأن الثوب مجعول في نسجه حرير لم يجز النعت. ومن هذا النوع قول الشاعر: 3155 - وليل يقول الناس من ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها كأنّ لنا منه بيوتا حصينة ... مسوحا أعاليها وساجا كسورها (¬4) فأجرى مسوحا وساجا مجرى سود. ومثال نصب أي حالا بعد معرفة قول الشاعر: 3156 - فأومأت إيماء خفيّا لحبتر ... فلله عينا حبتر أيّما فتى (¬5) وزعم أبو علي الفارسي أن ما في نحو: مررت برجل ما شئت من رجل مصدرية نعت بها وبصلتها كما ينعت بالمصدر الصريح (¬6) وليس قوله بصحيح؛ لأن المصدر لكونه أصل الفعل (¬7) مؤكد به ويقع نعتا وحالا والحرف المصدري لا يؤكد به فعل ولا يقع نعتا ولا حالا فلو جعل نعتا في المثال المذكور لزمن مخالة النظائر ولو جاز أن ينعت بالحرف المصدري وصلته لجاز أن يقع موقع المصدر الصريح إذا أنعت به فكان يقال في موضع مررت برجل رضى: مررت برجل أن يرضى. وأيضا فإن المصدر المقدر في موضع ما المذكورة معرفة؛ لأن فاعل صلتها معرفة والمصدر المنعوت به نكرة لا يكون إلا نكرة كرجل عدل ورضى فبطل تقديرا - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 28). (¬2) من الطويل للأعشى - ديوانه (ص 94) والكتاب (2/ 82) واللسان: سبب، وابن يعيش (2/ 74). (¬3) عن عبد الله بن عمر .. ابن حنبل (2/ 7، 44) ... وابن ماجه: فتن (16) ومسلم: فضائل الصحابة (232). (¬4) من الطويل وانظرهما في التذييل (7/ 358). (¬5) من الطويل للراعي - الحماسة (ص 1502) والأشموني (2/ 262) والدرر (1/ 71) والكتاب (1/ 302) والهمع (1/ 93). (¬6) التذييل (4/ 123). (¬7) على مذهب البصريين. والكوفيون على العكس ولكل حجج .. وراجع الإنصاف (1/ 235 - 245).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما شئت بمصدر. والصحيح أن ما في المثال المذكور شرطية محذوفة الجواب، والجملة نعت للنكرة التي قبلها رجلا كان أو غيره والتقدير مررت برجل ما شئت من رجل فهو ذلك. ولكون ما شرطية حسن وقوع من بعدها لبيان الجنس كقوله تعالى وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (¬1) ولو كانت مصدرية لم يحسن وقوع من بعدها (¬2). انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهو كما قيل من السحر الحلال لمحتبيه، ولم أر قبله سحرا حلالا. وملخص ما تضمنه هذا الفصل: أن المنعوت به إما جملة وقد فصل القول فيها وإما مفرد. ثم المفرد إما مشتق وقد عرفته وإما غير مشتق لكن غير المشتق لا بد أن يكون جاريا مجرى المشتق ثم هذا الجاري أقسامه عشرة. جار مجرى المشتق أبدا بمعنى أنه لا يستعمل إلا نعتا وهو ثلاثة أقسام. الوصف الذي وضع موافقا للمشتقات في تضمن معاني الأفعال دون حروفها كلوذعي وأخواته وذو بمعنى صاحب وفروعه ومن فروعه أيضا أولو وأولات والمنصوب. وجار مجرى المشتق في حال دون حال بمعنى أنه يستعمل نعتا وغير نعت ثم هو مقيس وغير مقيس. فالمقيس أربعة أقسام: أسماء الإشارة غير المكانية وذو الموصولة وفروعها والموصولات المبدوءة بهمزة الوصل والكلمات المنثورة التي ذكرها مقيدة بما أشار إليه رجل وأي وكل وجد وحق. وغير المقيس ثلاثة أقسام: المصدر والعدد والقائم بمسماه معنى لازم ينزله منزلة المشتق. ويختص المنسوب من المقيس دون بقية أقسامه بتحمل الضمير ورفعه الظاهر. قال المصنف في شرح الكافية: وللاسم المنسوب إليه مزية على غيره من الجاري مجرى المشتق لكثرة الحاجة إليه في المفرد والمثنى والمجموع والمذكر والمؤنث فذلك رفع به الظاهر دون شذوذ فيقال مررت برجل عربي أبوه عجمية أمه. انتهى (¬3). - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 197. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 316). (¬3) شرح الكافية الشافية (3/ 1158).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك أيضا يختص القائم بمسماه معنى من غير المقيس بتحمله الضمير ورفعه الظاهر فيقال: مررت برجل أسد أبوه أي شجاع أبوه. وهذه المسألة معروفة في باب المبتدأ (¬1). وكلام ابن عصفور مخالف لكلام المصنف في المسألة وهو أنه جعل النعت بالعدد مطردا، قال في المقرب: ولا يجوز الوصف بما هو في حكم المشتق قياسا إلا أن يكون الاسم منسوبا، أو اسم عدد أو اسم كيل كذراع، أو اسما مشارا إليه نحو قولك: مررت بهذا الرجل (¬2). انتهى. فإن قلت: ليس في كلام المصنف في الأقسام التي ذكرها تعرض إلى ذكر نعت اسم الإشارة في نحو المثال الذي ذكرنه ابن عصفور وهو: بهذا الرجل - فالجواب أن هذا ليس بنعت عند المصنف ولا عند الجماعة وإنما هو عندهم عطف بيان كما سيأتي أن كونه عطف بيان هو القول الأصح، ثم إن المصنف لم يتعرض إلى وقوع الظرف والمجرور نعتا؛ لأنهما مؤولان حينئذ بمفرد فكأن المصنف استغنى عن الإشارة إليهما بذكر المفرد لتأولهما به. ومن ثم كانا يتحملان ضمير المنعوت ويرفعان الظاهر [4/ 122] وهذا حكم مستقر معروف كما ذكر في باب المبتدأ. وبعد: فقد بقيت الإشارة إلى أمور: منها: أن كون ذو بمعنى صاحب وضعت ليتوصل بها إلى وصف الأشخاص بالأجناس كما أن الذي وضعت ليتوصل بها إلى وصف المعارف بالجمل أمر معروف عند النحاة. ومن ثم لم يوصف بها إلا النكرات لإضافتها إلى ما هو نكرة وهو الجنس حتى عد من الشاذ قول القائل: 3157 - إنما يعرف (ذا) الفض ... لـ من النّاس ذووه (¬3) لكن زعم ابن بري (¬4) أنها تضاف إلى ما يضاف إليه صاحب لأنها بمعناه. قال: - ¬

_ (¬1) انظر باب المبتدأ. (¬2) المقرب (1/ 220). (¬3) البيت في الارتشاف (2/ 286)، وبعده في التذييل (7/ 351): أحسن المعروف ما لم تبتذر فيه الوجوه وهو - كذلك - من شواهد ابن يعيش (3/ 83). (¬4) أبو محمد عبد الله بن برى المقدسي المصري له الرد على ابن الخشاب وشرح شواهد الإيضاح وغيرها مات 582 هـ. الأعلام (4/ 200)، والنشأة (214).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما أنكر النحويون إضافتها إلى المضمر والعلم لكونهم جعلوه وصلة للوصف بالأجناس والمضمر والعلم لا يوصف بهما فأما إذا خرجت عن أن تكون وصلة إلى ذلك فلا مانع من إضافتها إليه فتقول: رأيت الأمير وذويه، وعلى هذا جاء البيت الذي ذكر آنفا (¬1). ومنها: أن اسم الإشارة للمكان إنما امتنع الوصف به من حيث ينعت به وهو اسم إشارة غير مقصود به الظرف أما إذا قصد به الظرفية فلا مانع من وقوعه نعتا كان يذكر مكان فتقول: رأيت إنسانا هناك ثم إن النعت بأسماء الإشارة غير المكانية هو مذهب البصريين، وحجتهم أن فيها معنى التحلية لأن معنى مررت بزيد (هذا مررت بزيد) المشار إليه. قال الشيخ: وذهب الكوفيون وتبعهم السهيلي إلى أن النعت بأسماء الإشارة لا يجوز معتلين لذلك بأنها جامدة ولا تتحمل ضميرا بدليل أنها لا ترفع الظاهر إذ لو تحملته لرفعت (¬2). انتهى. والجواب: أنه إذا جاز النعت نحو أسد لتأوله بشجاع فالنعت باسم الإشارة أقرب لأن تأول أسد بالقصد وتأول اسم الإشارة بالوضع. ومنها: أنك قد عرفت أن رجلا ينعت به في حالين: أحدهما: أن يكون بمعنى كامل أي كامل الرجولية كقولك مررت بزيد الرجل أي الذي كملت رجوليته وقد ذكروا أنه لتضمنه معنى كامل يرفع الظاهر في قولك: أرجل عبد الله لأن المتكلم لم يستفهم أرجل عبد الله أم امرأة إذ معلوم أنه رجل. ومنها: أن النعت بالمصدر من قبيل النعت بما هو في حكم المشتق والنعت به عند البصريين على تقدير حذف مضاف فتقدير مررت برجل عدل برجل ذي عدل. وأما الكوفيون فيزعمون أن المصدر مؤول بالصفة فيجعلون عدلا واقعا موقع عادل. ورد ابن عصفور ذلك بأنه إخراج للمصدر عن أصله والبقاء على الأصل أولى (¬3). - ¬

_ (¬1) ينظر الارتشاف (832) والتذييل (7/ 351، 352). (¬2) التذييل (7/ 352) ونتائج الفكر (2/ 166). (¬3) شرح الجمل (1/ 198).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومما يدل على أنه باق على مصدريته أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث كما كان قبل أن يوصف به إلا ما حكي شاذّرؤا من قولهم قوس طوعة القياد بتأنيث طوع وحكى أيضا أضياف وضيوف وضيفان في ضيف وهو في الأصل مصدر ضافه يضيفه وأنشدوا: 3158 - والحيّة الحتفة الرقشاء أخرجها ... من جحرها آمنات الله والكلم (¬1) قال: ومثل هذا موقوف على السماع (¬2). ثم إنه يحتاج إلى أحد هذين الأمرين إذا لم يرد المبالغة أما إذا أريدت المبالغة فلا حذف ولا تأويل بل إنما يكون ذلك على جعل الموصوف هو المصدر مجازا لكثرة وقوعه منه كما تقدم الإشارة إلى شيء من ذلك في باب المبتدأ. ومنها: أن الشيخ نقل عن السهيلي أنه قال: المصدر بالميم نحو مزار ومسير لا يجوز الوصف به ولا الإخبار لا باطراد ولا غيره فتقول: رجل زور، ولا تقول: رجل مزار وما أنت الأسير ولا تقول مسير (¬3). قال السهيلي: وقول النحاة المصدر يكون بالميم كقولك قتلت مقتلا وذهبت مذهبا تسامح، لأن الميم دخلت لمعنى زائد على معنى الحدث ولذلك تقول ضربه وقتله ولا تقول مضربه ومقتله إلا في المكان ولو كان المقتل بمعنى القتل على الإطلاق لم يمتنع هذا ولم يمتنع رجل مزار أي زور (¬4) قال الشيخ بعد نقل هذا الكلام: ويدل على أن ما فيه الميم مصدر حقيقة إعماله في المفعول به الصريح كالمصدر العاري عن الميم وأما كونه لا يوصف به ولا يخبر فللعرب أن تخص بعض المترادفين بحكم لا يكون للآخر (¬5) انتهى. وكأن الشيخ سلم السهيلي ما ادعاه من امتناع الوصف والخبر بما فيه الميم وهذا إن صح فإنما (يؤخذ) تقليدا. ¬

_ (¬1) من البسيط لأمية بن أبي الصلت ديوانه (57)، برواية «والقسم» بدل «والكلم» والخصائص (1/ 154، 2/ 205) والحيوان (4/ 187) وشرح الجمل (1/ 95). (¬2) السابق. (¬3) التذييل (7/ 357) والهمع (2/ 117، 118). (¬4) ينظر الهمع (2/ 117، 118). (¬5) التذييل (7/ 357، 358).

[تفريق النعت وجمعه وإتباعه وقطعه]

[تفريق النعت وجمعه وإتباعه وقطعه] قال ابن مالك: فصل (يفرّق نعت غير الواحد بالعطف إذا اختلف ويجمع إذا اتّفق، ويغلّب التّذكير والعقل عند الشّمول وجوبا، وعند التّفصيل اختيارا، وإن تعدّد العامل واتّحد عمله ومعناه ولفظه أو جنسه جاز الإتباع مطلقا، خلافا لمن خصّص ذلك بنعت فاعلي فعلين وخبري مبتدأين، فإن عدم الاتّحاد وجب القطع بالرّفع على إضمار مبتدأ، أو بالنّصب على إضمار فعل لائق ممنوع الإظهار في غير تخصيص بوجهيه في نعت غير مؤكّد ولا ملتزم ولا جار على مشار به، وإن كان لنكرة فيشترط تأخّره عن آخر وإن كثرت نعوت معلوم أو منزل منزلته أتبعت أو قطعت أو أتبع بعض دون بعض وقدّم المتبع). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على أمرين: أحدهما: الإشارة إلى حكم النعوت بالنسبة إلى التفريق والجمع إذا كانت لغير واحد. ثانيهما: الإشارة إلى ما يجوز فيه القطع من النعوت وما يجب فيه ذلك وما يمتنع. أما الأمر الأول: فإن التفريق يجب عند الاختلاف، والجمع يجب عند الاتفاق فالتفريق نحو: مررت برجلين كريم وبخيل، ورغبت في الزيدين القريشي والتميمي، وأنشد المصنف: 3159 - فأفنيناهم منّا بجمع ... كأسد الغاب مردان وشيب (¬1) والجمع نحو: أويت [4/ 123] إلى رجلين كريمين واستعنت بالزيدين القرشيين. ويغلب التذكير والعقل وجوبا عند الشمول فيقال في تغليب التذكير: مررت بزيد وهند الصالحين وبزيد والهندين الصالحين، ويقال في تغليب العقل: اشتريت عبدين وفرسين مختارين ويغلبان اختيارا أي في الاختيار عند التفصيل فتقول في تغليب التذكير: قاصد رجل وامرأة مررت باثنين صالح وصالح، وباثنين صالح وصالحة، - ¬

_ (¬1) البيت من الهزج، وانظره في التذييل (7/ 360).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصالحة وصالح وكذا مررت باثنين ذي عذرة وذي عذار وذات عذرة، وتقول في تغليب العقل: انتفعت بعبيد وأفراس سابقين وسابقين، ويجوز سابقين وسابقات. ثم إن الشيخ ناقش المصنف في البيت الذي أنشده فقال أنه ليس من الذي ذكره (¬1)، قال: لأنه قال غير الواحد قال: والمنعوت هنا ليس بمثنى ولا مجموع بل هو اسم مفرد. وهو قوله: بجمع فلا يطلق عليه أنه غير الواحد، بل هو مفرد وإن كان مدلوله كثيرا؛ ولذلك صحت تثنيته في قوله تعالى: يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ * (¬2) قال: فليس البيت نظير تمثيله وهو: مررت برجلين كريم وبخيل (¬3). انتهى. والجواب: أن غير الواحد يصدق على ما هو غير واحد في اللفظ كالمثنى والمجموع وعلى ما هو غير واحد في المعنى وإن كان واحدا في اللفظ كاسم الجمع مثلا ولا يرتاب في ذلك. ومن ثمّ مثل المصنف برجلين والزيدين للقسم الأول ومثل بالبيت للقسم الآخر. وأما الأمر الثاني: وهو الإشارة إلى قطع المنعوت وجوبا ومنعا وجوازا. فقد تضمنه قول المصنف وإن تعدد العامل إلى قوله: وقدم المتبع. وبعد: فأنا أورد كلام المصنف ثم أردفه بما سيوقف عليه إن شاء الله تعالى. قال في شرح هذا الموضع (¬4): مثال تعدد العامل واتحاد عمله ومعناه ولفظه: ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان، وهذا بكر وهذا بشر الفاضلان، ورأيت محمدا ورأيت خالدا الشجاعين، وعجبت من أبيك وعجبت من أخيك المحسنين. ومثال اتحاد الجنس: هذا زيد وذاك عمرو الحسنيان، وذهب بكر وانطلق بشر الحارثيان، ورأيت عليّا وأبصرت سعيدا الماجدين، وسيق المال إلى عامر ولسالم المفضلين، فهذه الأمثلة وأشباهها جائز فيها الإتباع، وإن لم يكن العامل في اللفظ عاملا واحدا لأن ثاني العاملين فيها صالح لأن يعد توكيدا وأولهما صالح للاستغناء به ولانفراده بالعمل في النعت فيؤمن بذلك إعمال عاملين في معمول واحد. وفي كلام سيبويه ما يوهم منع جواز الإتباع عند تعدد العامل في غير مبتدأين وفاعلين، - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 361). (¬2) سورة آل عمران: 155، 166، وسورة الأنفال: 41. (¬3) التذييل (7/ 361). (¬4) شرح التسهيل (3/ 317).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه قال في باب ما ينتصب فيه الاسم: لأنه لا سبيل إلى أن يكون صفة بعد أن مثل بهذا فرس أخوي ابنيك العقلاء (¬1)، ثم قال: ولا يجوز أن يجري وصفا لما انجر من وجهين كما لم يجز في ما اختلف إعرابه (¬2). ثم قال: وتقول: هذا عبد الله وذاك أبوك الصالحان لأنهما ارتفعا من وجه واحد وهما اسمان بنيا على مبتدأين، وانطلق عبد الله ومضى أخوك الصالحان؛ لأنهما ارتفعا بفعلين (¬3)، فمن النحويين من أخذ من هذا الكلام أن مذهبه تخصيص نعت فاعلي الفعلين وخبري المبتدأين بجواز الإتباع. والأولى أن يجعل مذهبه على وفق ما قررته قبل؛ لأنه منع الاشتراك في إعراب ما انجر من وجهين كما هو في: هذا فرس أخوي ابنيك. وسكت عن المجرورين من وجه واحد وعن المنصوبين من وجه واحد، فعلم أنهما عنده غير ممتنعين، ويعضد هذا التأويل قوله في: هذا عبد الله، وذاك أبوك الصالحان «لأنهما ارتفعا من وجه واحد» فإن عدم اتحاد العمل وجب القطع بالرفع على إضمار مبتدأ وبالنصب على إضمار فعل نحو: مررت بزيد ولقيت عمرا الكريمان والكريمين، وكذلك إن اتحد العمل واختلف المعنى أو الجنس نحو: مررت بزيد واستعنت بعمرو، ومررت بزيد إمام عمرو، فقطع النعت الواقع بعد هذه المجرورات المختلفة وأشباهها متعين. وقولي: بفعل لائق: نبهت به على أن بعض المواضع يليق به أمدح نحو: شكرت لزيد، ورضيت عن عمرو المحسنين، وبعضها يليق أذم نحو: أعرضت عن زيد وغضبت على عمرو الخبيثين، وبعضها يليق به أرحم نحو: رثيت لزيد وأسيت على عمرو المسكينين، وبعضها يليق به أعني وذلك إذا كان المذكور غير متعين نحو أن تقول: لذي أخوين اثنين مررت بأخيك والتفت إلى ابنك الكبيرين. وإذا كان المضمر أمدح أو أذم أو أرحم لم يجز الإظهار. وإذا كان المضمر أعني جاز الإظهار والإضمار وموضع تقدير، أعني هو موضع التخصيص المنبه عليه بقولي: ممنوع الإظهار في غير تخصيص. ويجوز القطع بوجهيه، أي بالرفع والنصب في نعت غير مؤكد نحو لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ (¬4) ولا يلتزم نحو: الشعرى العبور ولا: جار على مشاربه نحو: - ¬

_ (¬1) بعده في الكتاب (2/ 59): الحلماء. (¬2) الكتاب (2/ 59، 60). (¬3) السابق. (¬4) سورة النحل: 51.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مررت بذلك الرجل، وما سوى نعوت هذه الثلاثة فالقطع فيها جائز على الوجهين المذكورين وإن كان المنعوت نكرة اشترط في قطع نعته مقاربته المعرفة بتقدم نعت غير مقطوع كقول الشاعر: 3160 - ويأوي إلى نسوة عطّل ... وشعثا مراضيع مثل السّعالي (¬1) ومنه قول أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: «نزلنا على خال لنا ذو مال وذو هيئة» (¬2) وإذا كثرت النعوت والمنعوت لا يتعين إلا بجميعها لزم اتباعها كقولك: ائتني برجل مسلم عربي النسب فقيه كاتب نحوي حاسب واكسه من الثياب الجيدة الجديدة السابغة المخيطة أحسنها. فهذه النعوت المتوالية على هذا الوجه وأشباهها بمنزلة نعت واحد لا يستغنى عنه فلا تقطع كما لا يقطع. فلو حصل التعيين بدونها جاز للمتكلم أن يتبعها وأن يقطعها وأن يتبع بعضها ويقطع بعضها بشرط تقديم المتبع وتأخير المقطوع والإتباع [4/ 124] أجود وكذلك يجوز الإتباع والقطع في ما لا يحصل التعيين بدونه إذا قصد المتكلم تنزيله منزلة ما يحصل التعيين بدونه لتعظيم أو غيره ومنه قول الخرنق (¬3): 3161 - لا يبعدن قومي الّذين هم ... سمّ العداة وآفة الجزر النّازلين بكلّ معترك ... والطيّبين معاقد الأزر (¬4) ويروى الطيبون، ويروى النازلون والطيبين [والنازلين] (¬5) أربعة أوجه. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقوله في المتن: بوجهيه في نعت غير مؤكّد لم يكن متعلقا بما قبله ولم يذكر بعده ما يتعلق به. والنسخ كلها متطابقة على قوله: بوجهيه دون تقدم شيء. - ¬

_ (¬1) من المتقارب لأمية بن أبي عائذ - ديوان الهذليين (2/ 184) والتصريح (2/ 117) وشرح المفصل (2/ 18)، ومعاني الفراء (1/ 108). (¬2) الهمع: (2/ 119). (¬3) بنت بدر بن هفان أخت طرفة من أمة شاعرة جاهلية (ت 50 ق. هـ). الأعلام (2/ 347)، والسمط (2/ 780). (¬4) من الكامل - ديوانها (ص 29)، والأصول (2/ 40)، والإنصاف (ص 468)، والمحتسب (2/ 189)، ومعاني الفراء (1/ 105). (¬5) شرح التسهيل (3/ 319).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد أوقع الله تعالى في خاطري أن كلمة سقطت قبل قوله: بوجهيه وهي «ويجوز» أي ويجوز القطع بوجهيه أي بالرفع والنصب في غير كذا وكذا، وجزمت بذلك إلى أن وقفت على كلام المصنف في الشرح فرأيته قد صرح بهذه الكلمة التي ذكرتها كما تقدم ذكر ذلك عنه. فالحمد لله الهادي إلى الصواب بمنه وكرمه. وبعد: فقد تلخص من كلام المصنف أن قطع النعت له ثلاث أحوال تقدم الإشارة منا إليها وهي حالة وجوب، وحالة امتناع، وحالة جواز. أما حالة الوجوب ففي ثلاث صور وهي: إذا كان العامل في المنعوت غير واحد ولم يتحدا في العمل نحو: «مررت بزيد ولقيت عمرا، أو اتحدا في العمل ولم يتحدا في المعنى نحو: «مررت بزيد واستعنت بعمرو» أو اتحدا في المعنى والعمل ولم يتحدا في اللفظ أو الجنس نحو: «قام زيد وذهب عمرو» والقطع في هذه الصور واجب سواء أكان النعت للبيان أم لغيره كالمدح والذم مثلا. ولا يفترق الأمر بينهما إلا في أن إضمار أحد (الجزئين) واجب إذا كان النعت لغير البيان وجائز الإظهار والإضمار إذا كان للبيان. وأما حال الامتناع ففي أربع صور وهي: أن يكون النعت للتوكيد، أو يكون ملتزم الذكر مع المنعوت، أو يكون جاريا على مشار به، وقد تقدمت أمثلة ذلك، أو يكون نعتا لنكرة ولم يتقدمه نعت آخر لها، وسبب الامتناع في هذه الصور ظاهر لأن التوكيد لو قطع لخرج عن أن يكون توكيدا والملتزم تبعيته لا يجوز أن يكون غير تابع والنكرة محتاجة إلى البيان. وأما المشار به فسيأتي تعليله. وأما حال الجواز ففي ثلاث صور وهي: إذا لم يكن أحد الثلاثة المذكورة أعني النعت التوكيدي والنعت الملتزم ذكره مع ذلك المتبوع ونعت المشار به سواء أكان النعت للبيان أم لغير البيان من مدح أو ذم أو ترحم وكان نعتا لمعرفة أو نعتا لنكرة وقد تقدم عليه نعت آخر أو كان النعت أكثر من واحد والمنعوت معلوم أو منزل منزلة المعلوم. والصورة الأولى من صور الجواز استفيدت من قوله بوجهيه في نعت غير مؤكد إلى آخره لأن التقدير: ويجوز القطع -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بوجهيه في غير كذا وكذا. وعرف أنه قصد بهذا المعرفة لقوله بعد: وإن كان لنكرة فيشترط تأخره عن آخر؛ وإذ قد قرر هذا فلا شك أن شرط قطع النعت أن يكون المنعوت معلوما بدون النعت والمصنف لم يتعرض إلى ذكر هذا الشرط إلا عند ذكر تعدد النعت حيث قال: «وإن كثرت نعوت معلوم أو منزل منزلته، وكان الواجب حين قال بوجهيه في كذا أن يقول في نعت معلوم أو منزل منزلته، وقد يقال إن المصنف إنما لم يذكر ذلك؛ لأنه استغنى عنه باشتراطه مع تعدد النعوت. ووجهه أن يقال: إذا كان القطع مع تعدد النعوت إنما يجوز بشرط كون المنعوت معلوما كان كون ذلك شرطا مع كون النعت لم يتعدد أحق وأولى. وقد استوفى المصنف الكلام على مسائل القطع وأورد ذلك بأخصر عبارة وألطف إشارة ما في كلامه من القلق. وكلام ابن عصفور على هذه المسألة أبسط وأبين وربما اشتمل على زيادة وذكر خلاف لم يتضمنه كلام المصنف. فأنا أورده لقصد الإيضاح والبيان: قال رحمه الله تعالى (¬1): «اعلم أن الصفة لا تخلو من أن تتكرر أو لا تتكرر. فإن لم تتكرر فالمنعوت إما معلوم أو مجهول فإن كان مجهولا فالإتباع ليس إلا، نحو: مررت برجل عاقب وبزيد الكريم، إذا لم يكن زيد معلوما عند المخاطب إلا أن يقدره وإن كان مجهولا تقدير المعلوم فإنه إذ ذاك يجوز فيه الإتباع والقطع وكان المخاطب يبنى على أن الصفة تتبين بهذا الموصوف وإن لم تورد تابعة فإنها لا تليق إلا به وذلك نحو: مررت برجل كريم وكريما. وإن كان المنعوت معلوما عند المخاطب فإما أن تكون الصفة صفة مدح أو ذم أو ترحم أو غير ذلك فإن كانت غير ذلك فالإتباع ليس إلا نحو: مررت بزيد الطويل، وإن كانت الصفة أحد الثلاثة وكان الموصوف معلوما عند المخاطب جاز الإتباع والقطع وإذا قطعت فإلى الرفع على خبر ابتداء مضمر وإلى النصب بإضمار فعل تقديره أمدح أو أذم أو أرحم. ومن الناس من لم يجز القطع إلا بشرط تكرار الصفة وذلك فاسد؛ لأنه قد حكي من كلامهم الحمد لله أهل الحمد والحمد لله - ¬

_ (¬1) هذا نقل طويل نقله ناظر الجيش من شرح الجمل لابن عصفور وهو أكثر من خمس صفحات. انظر شرح الجمل: (1/ 207، 215).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحميد بنصب الحميد وأهل الحمد حكى ذلك سيبويه (¬1)، فإن تكررت النعوت فلا يخلو أن يكون المنعوت معلوما أو مجهولا فإن كان مجهولا فالإتباع ليس إلا في موضعين فإنه يجوز الإتباع والقطع. أحدهما: أن تقدره وإن كان مجهولا تقدير المعلوم تعظيما له وكان المخاطب يبني على أن الصفة وإن لم تورد تابعة يتبين بها الموصوف لأنها لا تليق إلا به نحو قولك: مررت برجل كبير الأقدام شريف الآباء. والآخر: أن تكون الصفة المقطوعة قد تقدمها صفة متبعة تقاربها في المعنى وذلك نحو قولك: مررت برجل [4/ 125] شجاع فارس؛ لأن الشجاعة يفهم منها الفروسية ومن ذلك قوله: 3162 - ويأوي إلى نسوة عطّل ... وشعثا مراضيع مثل السّعالي (¬2) فنصب (شعثا) على القطع؛ لأنه لما وصفهن بالعطل فهم من ذلك أنهن شعث. فإن كان المنعوت معلوما فالصفة إما للمدح أو للذم أو للترحم، فإن لم تكن لشيء من ذلك فالإتباع ليس إلا نحو: مررت بزيد الطويل الأبيض الأشم، وإن كانت الصفة أحد الثلاثة - أعني المدح والذم والترحم - جاز لك ثلاثة أوجه: إتباع الجميع، وقطع الجميع، واتباع بعض وقطع بعض. وتبدأ بالإتباع قبل القطع ولا يجوز القطع ثم الإتباع؛ لأن ذلك يؤدي إلى الفصل بين النعت والمنعوت بجملة أجنبية. وإذا اجتمع نعوت ومنعوتون فإما أن [تفرقهما] (¬3) أو تجمعهما أو تفرق المنعوتين وتجمع النعوت أو تفرق النعوت وتجمع المنعوتين فإن جمعتهما نحو: قام الزيدون العقلاء أو فرقتهما نحو: زيد العاقل وعمرو الكريم وعبد الله الظريف أو جمعت المنعوتين وفرقت النعوت نحو قام الزيدون العاقل والكريم والشجاع كان حكم ذلك كله حكم المنعوت المفرد في الإتباع والقطع في أماكن القطع؛ لأنه يجوز جمع المنعوتين وتفريق النعوت في جميع الأسماء نحو قوله: - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 26) في باب ما ينتصب على التعظيم. (¬2) البيت من بحر المتقارب وهو لأمية بن أبي عائد الهذلي وشاهده واضح وهو في المفصل (49)، والكتاب (1/ 199). (¬3) هذا الفعل وخمسة الأفعال بعده في الأصل بياء الغياب بدل تاء الخطاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3163 - بكيت وما بكا رجل حزين ... على ربعين مسلوب وبال (¬1) إلا في أسماء الإشارة فإنه لا يجوز ذلك فيها. فلا يقال: مررت بهذين الطويل والقصير؛ وسبب ذلك أن كل نعت لا بد فيه من ضمير يعود على المنعوت ليربطه به إلا أسماء الإشارة فإنها لا توصف إلا بالجوامد نحو: مررت بهذا الرجل، وإن وصفت بالمشتق فعلى أن يكون قائما مقام الجامد نحو: مررت بهذا العاقل - تريد بهذا الرجل العاقل - فحذفت الموصوف وأقمت الصفة مقامه؛ ولهذا يقل مجيء المشتق نعتا لأسماء الإشارة. فإذا تقرر أنها توصف بالجوامد والجوامد لا تتحمل الضمير جعلوا نائبا عن الضمير في الربط كونه موافقا لموصوفه في الإفراد والتثنية والجمع. فإن فرقت المنعوتين وجمعت النعوت فإما أن يتفق الإعراب أو يختلف. فإن اختلف فالقطع ليس إلّا نحو: ضرب زيد عمرا العاقلان بالرفع على خبر ابتداء مضمر أو بالنصب على إضمار فعل، هذا مذهب البصريين. وأما الكوفيون فإنما يوجبون القطع في المختلف الإعراب المختلف المعنى نحو المثال المتقدم. وأما المختلف الإعراب المتفق المعنى فإنهم يجيزون فيه الإتباع بالنظر إلى المعنى والقطع في أماكن القطع وذلك نحو: ضارب زيد عمرا، فإن كل واحد من الاسمين ضارب ومضروب في المعنى فأجازوا العاقلان بالرفع نعتا لزيد وعمرو على معنى عمرو فيغلب المرفوع خاصة لأنه عمدة. وهو مذهب الفراء (¬2). ومنهم من أجاز الرفع والنصب على الإتباع فيغلب تارة المرفوع وتارة المنصوب؛ لأن كل واحد من الاسمين معناه معنى المرفوع من حيث هو ضارب، ومعنى المنصوب من حيث هو مضروب (وهو مذهب ابن سعدان) (¬3). والصحيح أنه لا يجوز إلّا القطع بدليل أنه لا يجوز: ضارب زيد هندا العاقلة برفع العاقلة نعتا لهند على المعنى باتفاق من البصريين والكوفيين. فإن اتفق الإعراب - ¬

_ (¬1) من الوافر لابن ميادة - في التذييل (7/ 361) والكتاب (1/ 214) والمقرب (1/ 225)، والربع: المنزل أو الربيع خاصة هذا وفي الأصل بكاء أربعين وبهما ينكسر الوزن. (¬2) ينظر في ذلك: التصريح (2/ 114) ومجالس ثعلب (417) والهمع (2/ 119). (¬3) من شرح الجمل: ورأى ابن سعدان هذا في الهمع (2/ 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإما أن تتفق الأسماء في التعريف أو التنكير أو تختلف. فإن اختلفت فالقطع ليس إلّا نحو: قام زيد ورجل الكريمان على أنه خبر ابتداء مضمر، والكريمين على النصب بإضمار فعل، ولا يجوز الإتباع؛ لأن المعرفة تطلب نعتها معرفة، والنكرة تطلب نعتها نكرة، وذلك لا يمكن في اسم واحد في حال واحد. فإن اتفق الإعراب والتعريف والتنكير فإما أن يكون بعض المنعوتين مستفهما عنه وبعضهم غير مستفهم عنه؛ فلا يجوز إلا القطع نحو: من أخوك، وهذا محمد العاقلان على الخبرية والعاقلين على النصب بفعل مضمر (¬1). فإن اتفق المنعوتون في الإعراب والتعريف والتنكير والاستفهام أو غيره؛ فالعامل إما واحد أو أزيد، إن كان واحدا فالإتباع والقطع في أماكن القطع نحو: أعلمت زيدا بكرا أخاك العقلاء ونحو قولك: قام زيد وعمرو وجعفر العقلاء؛ لأن قام هو العامل في زيد بنفسه وفي عمرو وجعفر [بواسطة] حرف العطف. فإن كان العامل أزيد من واحد فإما أن يتفق جنس العمل أو يختلف، واختلاف العامل في الجنس أن يكون أحدهما اسما والآخر فعلا أو حرفا. والحروف المختلفة المعاني أيضا بمنزلة العوامل المختلفة الجنس، فإن اختلفت العوامل في الجنس فالقطع ليس إلا خلافا للجرمي، فإنه يجيز الإتباع والقطع في أماكن القطع (¬2) وذلك نحو قولك: قام زيد وهذا محمد العاقلان على أنه خبر ابتداء مضمر، والعاقلين على النصب بإضمار فعل. وكذلك لو قلت: مررت بزيد ودخلت إلى أبيك العاقلين أو العاقلان ليس فيه إلّا القطع بمنزلة ما تقدم لمخالفة معنى الباء لمعنى اللام. وإن اتفقت العوامل في الجنس فإما أن تتفق في اللفظ والمعنى نحو: قام زيد وقام عمرو، أو في اللفظ لا في المعنى نحو: وجد الضالة زيد ووجد علي بكر عمرو أي غضب، أو تتفق في المعنى لا في اللفظ نحو ذهب زيد وانطلق بكر، أو تختلف في اللفظ والمعنى نحو: أقبل زيد وأدبر عمرو. فإن اختلفت في اللفظ والمعنى أو في المعنى دون اللفظ فمذهب [4/ 126] سيبويه ومن أخذ بمذهبه الإتباع والقطع في - ¬

_ (¬1) بعده في شرح الجمل (1/ 211) أعني: ولا يجوز أن يكون العاقلان نعتا لمحمد وأخوك لما نذكر إن شاء الله تعالى. (¬2) ينظر التصريح (2/ 116)، والمقتضب (4/ 314)، والهمع (2/ 118).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أماكن القطع (¬1) ومذهب المبرد وأبي بكر بن السراج القطع ليس إلا (¬2) لما يذكر بعد. وإن اتفقا في المعنى واختلفا في اللفظ نحو ما تقدم من: ذهب زيد وانطلق عمرو فمذهب سيبويه والمبرد ومن أخذ بمذهبهما الإتباع والقطع في أماكن القطع، ومذهب أبي بكر القطع ليس إلا (¬3) لما يتبين بعد. وإن اتفق اللفظ والمعنى نحو ما تقدم من: قام زيد وقام عمرو فمذهب (النحويين كافة) (¬4) الإتباع والقطع في أماكن القطع إلا أبا بكر فإنه يقطع ولا يجيز الإتباع إلا بشرط أن يقدر الاسم الثاني معطوفا على الاسم الأول ويكون العامل الثاني توكيدا للأول غير عامل في الاسم الثاني فحينئذ يجوز الإتباع والقطع؛ لأن العامل واحد نحو: قام زيد وقام عمرو إذا قدرت قام الثاني تأكيدا للأول (¬5). فأما امتناع الإتباع إذا اختلف الإعراب فلأنّ أحد المنعوتين يطلب النعت مرفوعا والآخر يطلبه منصوبا أو مخفوضا، ولا يتصور أن يكون اسم واحد في حين واحد مرفوعا وغير مرفوع. وأما امتناع الإتباع إذا كان بعض المنعوتين مستفهما عنه وبعضهم غير مستفهم عنه فمن قبيل أن النعت داخل في ما يدخل فيه المنعوت في المعنى. فإذا قلت: من أخوك العاقل، فالعاقل مستفهم عنه كالأخ، حتى كأنك قلت: من العاقل والمستفهم عنه مجهول. وإذا قلت: هذا زيد العاقل فالعاقل، خبر هذا كزيد حتى كأنك قلت: هذا العاقل، والعاقل معلوم، فلو قلت: هذا زيد ومن أخوك العاقلان على النعت لزيد والأخ لوجب أن يكون العاقلان معلوما مجهولا في حال واحد فلذلك عدل إلى القطع. وأما امتناع الإتباع إذا اختلف العامل فسببه أن النعت داخل في معنى المنعوت كما تقدم، فإذا قلت: قام زيد العاقل فالعاقل فاعل في المعنى كأنك قلت: قام العاقل فلو قلت: هذا زيد وقام عمرو العاقلان على الإتباع لكان العاقلان خبرا من حيث - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 57 - 60، 150، 151). (¬2) المقتضب (4/ 315) والأصول (2/ 32). (¬3) المصادر السابقة والهمع (2/ 116 / 118). (¬4) الأصل: كافة النحويين. (¬5) الأصول (2/ 32) والهمع (2/ 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو نعت للخبر ومخبرا عنه من حيث هو نعت للفاعل والفاعل مخبر عنه واسم واحد لا يكون خبرا مخبرا عنه في حال واحد. وكذلك حرفا الجر المختلفا المعنى بمنزلة العوامل المختلفة الجنس؛ وذلك أنك إذا قلت: مررت بزيد العاقل فالعاقل مجرور به حتى كأنك قلت: مررت بالعاقل. فإذا قلت: دخلت إلى أخيك الكريم، فالكريم مدخول إليه حتى كأنك قلت: دخلت إلى الكريم فلو قلت: مررت بزيد ودخلت إلى أخيك العاقلين لكان العاقلان وهو اسم واحد مجرورا على الإلصاق وعلى انتهاء الغاية، واسم واحد لا ينجر على معنيين مختلفين. وتوهم الجرمي أن منع ذلك إنما هو من طريق أن العاملين لا يعملان في معمول واحد. وتقرر عنده أن العامل في النعت إنما هو التبعية كما نذهب نحن إليه فأجاز الإتباع، وأما الامتناع عندنا لما ذكرت. وأما الامتناع عند المبرد إذا اختلفت العوامل في اللفظ والمعنى نحو: أقبل زيد وأدبر عمرو، أو في المعنى لا في اللفظ نحو: وجدت الضالة زيد ووجد علي بكر عمرو فمن طريق أنك إذا قلت: أقبل زيد العاقل فالعاقل في المعنى مقبل، وإذا قلت: أدبر زيد العاقل فالمعنى أيضا أدبر العاقل فلو أتبعت في أقبل زيد وأدبر عمرو العاقلان لكان العاقلان فاعلين على أن يكون أحدهما فعل خلاف فعل الآخر وذلك غير جائز عنده إذ لم يحضره لذلك نظير في كلامهم، وهو عندنا جائز بدليل قولهم: اختلف الزيدان، فالزيدان فاعل وقد فعل أحدهما خلاف ما فعل الآخر فإن قال: فقد اتفقا في جنس الاختلاف قيل له: وكذلك في مسألتنا قد اتفق زيد وعمرو في جنس الفعل. وأما امتناع الإتباع إذا اتفق معنى العاملين واختلف لفظهما أو اتفق اللفظ والمعنى عند أبي بكر في نحو: ذهب زيد وانطلق بكر أو قام زيد وقام عمرو فلأن العامل عنده في النعت هو العامل في المنعوت فيؤدي الإتباع عنده في ذلك إلى إعمال عاملين في معمول واحد فلذلك يمتنع الإتباع للمنعوتين إذا لم يعمل فيهم عامل واحد، ولم يجز: قام زيد وقام عمرو العاقلان على الإتباع إلا بشرط تقدير قام الثاني توكيدا. على أن هذا التقدير يبعد لأن التأكيد حكمه أن يكون يلي المؤكد فكان ينبغي أن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون، قام زيد وعمرو ولما كان العامل في النعت عندنا إنما هو الإتباع أجزنا الإتباع في هذه المسائل. والذي يدل على أن العامل في النعت إنما هو التبع للمنعوت لا العامل في المنعوت أنا قد وجدنا من النعوت ما لا يصح دخول العامل عليه نحو: مررت بهم الجماء الغفير ولا يجوز في الغفير إلا أن يكون بعد الجماء، وكذلك أيضا وجدناهم يقولون: ما زيد بأخيك العاقل بالنصب على موضع الاسم، ولا يتصور أن يكون العامل فيه هو العامل في المنعوت وهو الباء لأن الباء إذا عملت في شيء جرته. فدل ذلك على أن العامل إنما هو التبع له في اللفظ أو في المعنى. هذا آخر كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى (¬1). وملخص ما قال: أن المنعوت إذا كان واحدا، أي غير متعدد، فإما أن لا يتكرر نعته أو يتكرر، فإن لم يتكرر فالمنعوت إما مجهول فالإتباع، وإما معلوم فالإتباع أيضا إن كان النعت ليس بمدح ولا ذم ولا ترحم، وإن كان لشيء من هذه الثلاثة جاز الإتباع والقطع. ولا يشترط في القطع حينئذ تكرر النعت خلافا لمن اشترط ذلك. وإن تكررت النعوت فالمنعوت إما مجهول فالإتباع [4/ 127] إلا أن يتقدم النعت نعت آخر يقاربه في المعنى. وإما معلوم فالإتباع أيضا إن كان النعت لغير الثلاثة - أعني المدح والذم والترحم - وإن كان لشيء من هذه الثلاثة جاز الأمران وجاز أيضا إتباع بعض وقطع بعض، وإن تعدد المنعوتون مع تعدد النعوت، وصور ذلك أربع ففي ثلاث صور منها الحكم فيها بالنسبة إلى الإتباع والقطع كالحكم مع المنعوت المفرد، والصور الثلاث أن يجمع المنعوتون والنعوت وأن يفرقا وأن يجمع المنعوتون وتفرق النعوت، وأما الصورة الرابعة وهي أن يفرق المنعوتون وتجمع النعوت فإن اختلف الإعراب فالقطع. والكوفيون يجيزون الإتباع في المختلف الإعراب المتفق المعنى على التفصيل الذي في ذلك كما ذكره. وإن اتفق الإعراب وحصل اختلاف في التعريف أو التنكير فالقطع وإن اتفق الإعراب والتعريف أو التنكير وكان منهما ما هو مستفهم عنه وما هو غير مستفهم عنه فالقطع. وإن اتفق - ¬

_ (¬1) من شرحه على الجمل (1/ 215).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعراب والتعريف أو التنكير والاستفهام أو الخبر وكان العامل واحدا فالإتباع والقطع بشرطه جائزان. وإن كان العامل أزيد من واحد واختلفت العوامل في الجنس فالقطع، وإن اتفقت في الجنس فإما أن تتفق في اللفظ والمعنى أو تختلف فيهما أو تتفق في أحدهما دون الآخر فالصور أربع. ومذهب سيبويه جواز الإتباع والقطع بشرطه في الصور كلها (¬1). ومذهب أبي بكر وجوب القطع فيها كلها (¬2) والمبرد وافق سيبويه في جواز الإتباع في صورتين وهما: أن يحصل الاتفاق في المعنى والاختلاف في اللفظ وأن يحصل الاتفاق في اللفظ والمعنى (¬3) وخالفه في صورتين فأوجب القطع فيهما وهما أن يحصل الاختلاف في اللفظ والمعنى أو في المعنى دون اللفظ. وتضمن كلامه أن النعت لا يقطع إلا إن كان لمدح أو ذم أو ترحم، وليس الأمر كذلك بل قطع النعت موقوف على كون المنعوت معلوما أو غير معلوم. إن كان غير معلوم فالإتباع واجب وإن كان معلوما جاز القطع وإن كان النعت للبيان في الأصل كما عرفت ذلك من كلام المصنف. وقد نص على ذلك ابن أبي الربيع فقال بعد أن مثل بقوله: جاءني زيد الخياط: إذا قطعت يجوز إظهار الفعل إذا نصبت، وإظهار المبتدأ إذا رفعت وكأنه في النصب جواب من قال من يعني، وفي الرفع جواب من قال من هو. لأن المنعوت لا يفتقر إلى بيان به. فلا فرق في القطع بين النعت الذي هو لأحد الثلاثة والذي هو للبيان إذا كان المنعوت معلوما بدون النعت وإنما الفرق بين النعت الذي هو للبيان وبين ما هو لأحد الثلاثة أن إضمار الرافع أو الناصب للنعت المقطوع واجب إذا كان النعت لغير البيان وجائز إضماره وإظهاره إذا كان للبيان (¬4). ثم كلام ابن عصفور يتضمن أن توافق المنعوتين في التعريف أو التنكير وفي الاستفهام أو الخبر شرط في جواز الإتباع وليس في كلام المصنف إشارة إلى ذلك. - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 57: 60، 150، 151). (¬2) الأصول (2/ 42). (¬3) المقتضب (4/ 315). (¬4) التذييل (4/ 127) بغير نسبة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يعتذر عن المصنف بأن يقال: لا شك أنه قرر كما قرر غيره أن من شرط التابع موافقة متبوعه التعريف والتنكير فإذا كان أحد المنعوتين معرفة والآخر نكرة تعين امتناع الإتباع؛ لأن النعت المعرفة لا يجري على النكرة والنعت النكرة لا يجري على المعرفة. وإذا كان الأمر كذلك استغني عن التعرض إلى اشتراط الموافقة في التعريف والتنكير إذا أريد الإتباع وأما أمر الموافقة في الاستفهام وعدمه فقد يقول المصنف: لا حاجة إلى التعرض لذلك؛ لأن نعت المستفهم عنه ممنوع من الأصل. ويدل على ما قلته قول سيبويه في الباب المترجم بقوله: «هذا باب ما ينصب فيه الاسم لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفة، واعلم أنه لا يجوز: من عبد الله وهذا زيد الرجلين الصالحين رفعت أو نصبت؛ لأنك لا تثني إلا على من أثبتّه وعلمته ولا يجوز أن تخلط من تعلم ومن لا تعلم فتجعلهما بمنزلة واحدة، وإنما الصفة علم في من قد علمته» (¬1). انتهى. ولا شك أن مقتضى كلامه أن وصف المستفهم عنه لا يجوز وهو الذي يقتضيه النظر. ثم كلام المصنف يقتضي أن عوامل المنعوتين إذا تعددت يشترط في جواز الإتباع بعد اتحادها في العمل [اتحادها] في المعنى واللفظ أو في المعنى والجنس. ومقتضاه أنه إذا عدم الاتحاد في المعنى امتنع الإتباع ووجب القطع. وابن عصفور قد قال: إن مذهب سيبويه في مثل ذلك جواز الإتباع وأن الذي يوجب القطع هو المبرد، وهذا الأمر يتوقف على مراجعة كلام سيبويه فإن صح عنه ذلك تبين أن المصنف اختار مذهب المبرد، والظاهر أن سيبويه لو كان يجيز الإتباع وأن المصنف يختار مذهب المبرد لكان ينبه على ذلك إما في متن كتابه أو في شرحه (¬2). ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 59، 60). (¬2) ينظر الأصول (2/ 42)، والكتاب (1/ 247)، بولاق، والمقتضب (4/ 315)، والهمع (2/ 118).

[من أحكام النعت]

[من أحكام النعت] قال ابن مالك: (وقد يلي النّعت «لا» أو «إما» فيجب تكرارهما مقرونين بالواو. ويجوز عطف بعض النّعوت على بعض، فإن صلح النّعت لمباشرة العامل جاز تقديمه مبدلا منه المنعوت، وإذا نعت بمفرد وظرف وجملة قدّم المفرد وأخّرت الجملة غالبا). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على مسائل أربع: الأولى: إذا قصد النعت بمنفي جيء بالمنعوت ثم بالنعت [4/ 128] مقرونا بلا، وإذا قصد النعت بمشكوك فيه أو مسموع أو شبههما جيء بالمنعوت ثم بالنعت مقرونا بإما. ويجب تكررهما حينئذ فيقال: صحبت رجلا لا جزوعا ولا هلوعا، وملكت عبدا لا ضعيفا ولا عنيفا، وفي الكتاب العزيز وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ 43 لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (¬1)، انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ 30 لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (¬2)، ويقال لا بد من حساب إما شديد وإما يسير فاتق النار ببرّ إما قليل وإما كثير. الثانية: يجوز عطف بعض النعوت على بعض قال الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى 3 وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (¬3) قال ابن عصفور: ولا يجوز عطف بعض النعوت على بعض؛ لأن ذلك يؤدي إلى عطف الشيء على نفسه إلا أن تختلف معاني النعوت فيجوز ذلك نحو قولك: مررت بزيد الكريم والشجاع والعاقل سواء أكانت متبعة أو مقطوعة (¬4). ومن ثم قال الشيخ عند ذكر هذه المسألة: أغفل المصنف الحرف الذي يعطف به النعوت وأهمل قيدا في المسألة، فالحرف الواو، وأما العطف بالفاء فلا يجوز إلا على أن تكون النعوت مشتقة من أحداث واقعة بعضها إثر بعض كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الواقعة: 43، 44. (¬2) سورة المرسلات: 30، 31. (¬3) سورة الأعلى: 2 - 4. (¬4) شرح الجمل (1/ 209).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3164 - يا لهف زيّابة للحارث الصّ ... ابح فالغانم فالآيب (¬1) أي الذي صبح العدو فغنم (فآب) (¬2). قال: فعلى هذا يجوز مررت برجل قائم إلى زيد فضاربه فقاتله (¬3). قال: والعطف بثم جوازه بعيد في مثل هذا. قاله السهيلي (¬4) قال: وقال ابن خروف إذا كانت مجتمعة على المنعوت في حال واحدة لم يكن العطف إلا بالواو وإن لم تكن مجتمعة عليه جاز العطف بجميع حروف العطف إلا حتى وأم (¬5). قال وفي البديع: يجوز أن تعطف بعض الصفات على بعض بالواو إذا لم يكن فيها ترتيب فإن كان فيها ترتيب فبالفاء. والقيد الذي أهمله: هو أن تكون النعوت مختلفة المعاني فحينئذ يجوز ذلك، فإن اتفقت المعاني لم يجز لأنه يؤدي إلى عطف الشيء على نفسه، فإذا اختلفت جاز ترك اختلاف الصفات منزلة اختلاف الذوات؛ فلذلك جاز العطف (¬6). انتهى. ولقائل أن يقول: كلا الأمرين - أعني ذكر القيد وذكر الحرف - مستغنى عنه. أما القيد فلأن العطف لا يكون إلا بين المتغايرين فإذا لم يكن تغاير فكيف يسوغ العطف. ولا شك أن هذا أمر مقرر عقلا وصناعة، ويكفي تعليل ابن عصفور ذلك بقوله: لأنه يؤدي إلى عطف الشيء على نفسه، وأما الحرف فالجواب عن عدم ذكره أن الواو لم تتعين للعطف كما ذكر، فقد جاء العطف بالفاء كما هو في البيت الذي أنشده. ويكفي قول ابن خروف إذا كانت - يعني النعوت - مجتمعة على المنعوت في حال واحدة لم يكن العطف إلا بالواو، وإن لم تكن مجتمعة عليه جاز العطف بجميع حروفه إلا حتى وأم (¬7). وما قاله ابن خروف هو الحق. - ¬

_ (¬1) من السريع لابن زيابة. الدرر (2/ 150، 151) والشجري (2/ 210) والمغني (163) والهمع (2/ 119). هذا و «زيابة» أم الشاعر قائل البيت. (¬2) الأصل: فأت - تحريف. والتذييل (7/ 373). (¬3) السابق. (¬4) نتائج الفكر (2/ 199) وما بعدها. (¬5) التذييل (7/ 373). (¬6) التذييل (7/ 373، 374). (¬7) التذييل (7/ 373).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصل الأمر: أن الواو إنما تتعين دون غيرها في الصفات التي لا يعقل فيها ترتيب ولا قصد فيها إلى معنى من المعاني المستفادة من حروف العطف غير الواو، وإذا كان كذلك فالمصنف لم يغفل شيئا كما أنه لم يهمل. قال الشيخ: وإذا تباعد معنى الثاني من الأول كان ظهور الواو أحسن كقوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ (¬1) فحسنت الواو هنا ما لم تحسن في قوله تعالى: غَفُورٌ رَحِيمٌ * (¬2)، [و] سَمِيعٌ عَلِيمٌ * (¬3)؛ لتقارب المعاني، وإن كان العطف جائزا في غير القرآن العزيز. وقال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ (¬4) لما تقاربت المعاني، لم يكن العطف مختارا، وقال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى 3 وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (¬5). لما كانت الصفات متباينة كان العطف. المسألة الثالثة: تقديم ما هو نعت في المعنى وجعل المنعوت بدلا منه، وهذا جائز إذا صلح النعت لمباشرة العامل وذلك كقوله تعالى: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 1 اللَّهِ (¬6) ومنه قول الشاعر: 3165 - ولكنّي بليت بوصل قوم ... لهم لحم ومنكرة جسوم (¬7) قال ابن عصفور: ولا يجوز تقديم الصفة على الموصوف إلا حيث سمع وذلك قليل؛ وللعرب في ما وجد منه وجهان: أحدهما: أن تبقى الصفة على ما كانت عليه، كأنه يعني بذلك أنها لم تضف إلى الموصوف. - ¬

_ (¬1) سورة الحديد: 3. (¬2) سورة البقرة: (173، 182، 192، 199، 218، 226)، وغيرها من سور القرآن الكريم. (¬3) سورة البقرة: (181، 224، 227، 244، 256)، وغيرها من سور القرآن الكريم. (¬4) سورة الحشر: 24. (¬5) سورة الأعلى: 2 - 4. (¬6) سورة إبراهيم: 1، 2. (¬7) من الوافر، وانظره في التذييل (7/ 374).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والآخر: أن تضيف الصفة إلى الموصوف، مثال الأول قول القائل: 3166 - وبالطويل العمر عمرا حيدرا (¬1) وقول الآخر: 3167 - والمؤمن العائذات الطّير يمسحها (¬2) ... [ركبان مكّة بين الغيل والسنّد] وفي إعراب مثل هذا وجهان: أحدهما: أن يعرب العائذات نعتا للطير مقدما. والثاني: أن يجعل المؤمن مجرورا بالواو والعائذات مجرورا بإضافة المؤمن إليه ويجعل ما بعدها بدلا منها. ومثال الآخر: قراءة من قرأ (وأنّه تعالى جدّ ربّنا) بضم الجيم (¬3)، أصله ربنا الجد أي العظيم فقدمت الصفة وحذفت منها الألف واللام وأضيفت إلى الموصوف ومنه قول القائل: 3168 - يا قرّ إنّ أباك حيّ خويلد ... قد كنت خائفة على الإحماق يريد خويلد الحي فقدم وأضاف، وتكون الصفة إذ ذاك معمولة للعامل الذي قبلها وتخرج عن كونها صفة (¬4). انتهى. وفي ما قاله بحث. أما أولا: فلكونه ذكر أن العائذات في البيت [تعرب] نعتا للطير مقدما، وهذا غير ممكن؛ لأن النعت لا يتقدم على المنعوت وكيف يتقدم تابع على متبوع، وظاهر كلامه أنه يجوز [4/ 129] هذا الإعراب الذي ذكره في وبالطويل العمر أيضا. والحق في الإعراب إنما هو الوجه الثاني الذي ذكره وهو أن الطير بدل من - ¬

_ (¬1) من الرجز، وانظره في شرح شواهد الكشاف (من الكشاف ط بيروت) (394) والمقرب (1/ 227). (¬2) من البسيط ذكرنا عجزه وهو للنابغة الذبياني - ديوانه (ص 15) برواية والسعد، والخزانة (2/ 315) (4/ 105) وشرح المفصل (3/ 11). (¬3) هي قراءة حميد بن قيس - البحر المحيط (8/ 347). (¬4) شرح الجمل (1/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العائذات كما أن العمر بدل من الطويل، وخرج كل من العائذات والطويل عن أن يكون صفة في هذا التركيب وجعل معمولا للعامل قبله وأبدل منه ما بعده. وأما ثانيّا: فلكونه قال في الوجه الثاني: إن الصفة تضاف إلى الموصوف فإن مفهوم كلامه أن الصفة بعد إضافتها إلى الموصوف معتبر فيها بكونها صفة. والأمر ليس كذلك فإن النحاة خرجوا الوارد مما يوهم ذلك وهو قول العرب: جرد قطيفة وسحق عمامة على أن التقدير شيء جرد من جنس القطيفة وشيء سحق من جنس العمامة وإذا كان كذلك فلم تكن الصفة مضافة إلى الموصوف. وقد تبين بهذا حسن قول المصنف: فإن صلح النّعت لمباشرة العامل جاز تقديمه مبدلا منه المنعوت، وأنه كلام واف بالمقصود مغن عن هذا التطويل. المسألة الرابعة: أنه إذا نعت بمفرد وجملة وظرف أو شبهه قال المصنف: فالأقيس تقديم المفرد وتوسيط الظرف أو شبهه وتأخير الجملة كقوله تعالى: وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ (¬1) قال: وقد تقدم الجملة كقوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (¬2) انتهى. وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا يجوز القول بخلافه، وكفى بالقرآن العزيز دليلا وشاهدا. ومما يستدل به على ذلك أيضا قوله تعالى: وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ (¬3)، قال الفارسي: «ولا يجوز أن يكون أَنْزَلْناهُ خبرا بعد خبر؛ لأن المعنى على الإخبار أن المشار إليه كتاب منزل من عند الله لا على الإخبار عن اسم الإشارة بخبرين: أحدهما: أنه كتاب. والثاني: أنه منزل من عند الله؛ لأنهم قد علموا أنه كتاب فلا فائدة بالإخبار بذلك (¬4)». وابن عصفور يقول: إن تقديم الجملة التي هي صفة على المفرد الذي هو صفة - ¬

_ (¬1) سورة غافر: 28. (¬2) سورة المائدة: 54. (¬3) سورة الأنعام: 92، 155. (¬4) التذييل (4/ 128) والإيضاح العضد (287) وينظر معاني الفراء (1/ 365).

[أقسام الأسماء من حيث ما ينعت به وينعت]

[أقسام الأسماء من حيث ما ينعت به وينعت] قال ابن مالك: (فصل؛ من الأسماء ما ينعت به وينعت كاسم الإشارة ونعته مصحوب «أل» خاصّة، وإن كان جامدا محضا فهو عطف بيان على الأصحّ، ومنها ما لا ينعت ولا ينعت به، كالضمير مطلقا خلافا للكسائي في نعت ذي الغيبة. ومنها ما ينعت (ولا ينعت) به كالعلم وما ينعت به ولا ينعت كأيّ السابق ذكرها). ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكون إلا في ضرورة أو نادر كلام (¬1). وهذا الذي قاله لا معول عليه لقيام الأدلة على خلافه. قال ناظر الجيش: تضمن هذا الكلام أن أقسام الأسماء بالنسبة إلى ما ينعت به وينعت أربعة: ما ينعت به وينعت، وما لا ينعت ولا ينعت به، وما ينعت ولا ينعت به، وما ينعت به ولا ينعت. أما القسم الأول فهو أكثر الأقسام عدّة وذلك: اسم الإشارة والذي والتي وتثنيتهما وجمعهما وأسماء النسب والأسماء المشتقة التي يجوز أن يبتدأ بها، وكذا ما كان في حكم المشتق. والنعت باسم الإشارة كقوله تعالى: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا (¬2)، وإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ (¬3) ونعته نحو: سل هذا الماشي عن ذلك الراكب، وقال تعالى: أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ (¬4)، ثم إن اسم الإشارة بالنسبة إلى نعته مخصوص بأحكام ثلاثة: أحدها: أن لا يفرّق نعته عند تعدده، فلا يقال: مررت بهذين الطويل والقصير. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كلام ابن عصفور وذكرت العلة فيها. ثانيها: أن لا ينعت إلا بما هو مصحوب أل ولا ينعت بغيره كالمضاف إلى ما فيه أل نحو: هذا غلام الرجل. وقد علل ذلك بأمر لم أتحققه فتركت التعرض إلى ذكره. ثالثها: أنه ينعت بالجامد المحض نحو: مررت بهذا الرجل، هذا إذا جعلنا الرجل نعتا، أما إن جعل عطف بيان كما هو رأي المصنف فقد خرج الجامد عن أن يكون - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 217 - 218). (¬2) سورة الأنبياء: 63. (¬3) سورة القصص: 27. (¬4) سورة الإسراء: 62.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نعتا لاسم الإشارة المتقدم فيكون اسم الإشارة على هذا مخصوصا بحكمين فقط. وقد علمت من كلام ابن عصفور المتقدم أن أسماء الإشارة لا توصف إلا بالجوامد، وإن وصفت بالمشتق فعلى أنه قائم مقام الجامد كمررت بهذا العاقل التقدير: بهذا الرجل العاقل فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه. ومقتضى كلام المصنف أنها لا تنعت إلا بالمشتق لقوله: وإن كان جامدا محضا فهو عطف بيان على الأصحّ. ولا شك أن الذي ذكره مشى فيه على القواعد؛ لأن شأن المشتق أن يجري نعتا على ما قبله وشأن الجامد أن يجري عطف بيان. وقال في الشرح (¬1): وأكثر المتأخرين يقلد بعضهم بعضا في أنه نعت. ودعاهم إلى ذلك اعتقادهم أن عطف البيان لا يكون متبوعه أخص منه وهو غير صحيح، فإن عطف البيان يقصد به في الجوامد من تكميل المتبوع ما يقصد بالنعت في المشتق وما جرى مجراه فلا يمتنع أن يكون متبوع عطف البيان أخص منه كما لا يمتنع أن يكون المنعوت أخص من النعت. وقد هدي أبو محمد بن السيد إلى الحق في هذه المسألة فجعل ما يتبع اسم الإشارة من الرجل وغيره عطف بيان وكذا فعل ابن جني. حكاه أبو علي الشلوبين (¬2). وهكذا ينبغي؛ لأن اسم الجنس لا يراد به وهو تابع اسم الإشارة غير ما يراد به وهو غير تابع له فلو كان نعتا حين يتبع اسم الإشارة لكان نعتا حين يتبع غيره كقولك: رأيت شخصا رجلا وأنت لا تريد إلا كونه رجلا لا [امرأة] ولا خلاف في امتناع كونه في هذه الصورة نعتا فيجب أن لا يكون [4/ 130] في غيرها نعتا وإلا لزم عدم النظير، أعني جعل اسم واحد نعتا لبعض الأسماء دون بعض مع عدم اختلاف المعنى، انتهى (¬3)، وهو كلام حسن .... - ¬

_ (¬1) القائل هو ابن مالك في شرح التسهيل (3/ 321). (¬2) إصلاح الخلل (71)، والتذييل (7/ 380)، والهمع (2/ 118)، الأشموني (3/ 61)، وشرح الجمل (1/ 297). (¬3) شرح التسهيل (3/ 321).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا أن قوله: فلا يمتنع أن يكون متبوع عطف البيان أخص منه، كما لا يمتنع أن يكون المنعوت أخص من النعت فيه نظر؛ لأن النعت المقصود منه إنما هو الدلالة على معنى في المنعوت وهذا القدر حاصل مع كون المنعوت أعرف والنعت أقلّ تعريفا. وأما عطف البيان فالمقصود منه إيضاح متبوعه وبيانه فإذا لم يكن أعرف من متبوعه فلا أقلّ من أن يكون مساويا له. والمغاربة يوجبون أن يكون عطف البيان أشهر من متبوعه وإذا كان كذلك فكيف يتصور أن يكون متبوع عطف البيان أخص منه. وقال الشيخ بعد إيراده كلام المصنف: «وكلامه مبني على اعتقاده أن المنعوت قد يكون أخص من النعت» (¬1) ولم أتحقق ما قاله، فإن كون المنعوت قد يكون أخص من النعت هو قول النحاة أجمعين لأنهم قالوا أن النعت إما أن يكون مساويا للمنعوت في التعريف أو أقل منه تعريفا ومتى كان النعت أقل تعريفا كان المنعوت أخص بلا شك. والذي نسبه الشيخ إلى المصنف وذكر أنه اعتقاده هو كون النعت قد يكون أخص من المنعوت، لكن كلام المصنف هنا لم يكن فيه ما يدل على إرادة هذا لأنه قال: فلا يمتنع أن يكون متبوع عطف البيان أخص منه كما لا يمتنع أن يكون المنعوت أخص من النعت فكيف يجعل اعتقاده أن النعت قد يكون أخص من المنعوت. وبعد: فقد قال الشيخ في الارتشاف: إن مصحوب أل الواقع بعد اسم الإشارة إن كان [مشتقّا] فلا خلاف بين النحاة أنه نعت ولكن الوصف به ضعيف وإن كان جامدا فسيبويه يسميه نعتا وبعضهم يجعله عطف بيان وهو قول الزجاج وابن جني وابن السيد والسهيلي واختيار ابن مالك (¬2) انتهى. وأنت قد عرفت من كلام ابن عصفور أن المشتق بعد اسم الإشارة قائم مقام موصوف محذوف فقد خالف في كون المشتق نعتا لاسم الإشارة والشيخ قد نفى الخلاف. - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 380). (¬2) الارتشاف (2/ 598)، وإصلاح الخلل (71)، والتذييل (4/ 122)، والهمع (2/ 118).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن عصفور يقصر نعت اسم الإشارة على الجامد، ولكنه مع كونه يجعله نعتا يجيز كونه عطف بيان فإنه في باب عطف البيان بعد تقرير مسألة ذكرها قال: وقد يجوز استعماله عطف البيان في سائر المعارف؛ ولذلك أجاز النحويون في مثل: مررت بهذا الرجل أن يكون الرجل نعتا وعطف بيان، فمن حمله على عطف البيان فسبب ذلك جموده ومن جعله نعتا لحظ فيه معنى الاشتقاق فجعل قوله الرجل بعد هذا بمنزلة الحاضر المشار إليه» (¬1) ثم قال: فإن قيل: فقد زعمت أن عطف البيان أخص من النعت وقد أجزت في الرجل وهو معرف باللام أن يكون عطف بيان على هذا والمشار إليه أعرف مما فيه اللام، فالجواب أن الألف واللام لما كانت للحضور ساوى المعرف بها المشار في التعريف وزاد عليه بأن المشار لا يعطي جنس المشار إليه والرجل يعطي الألف واللام فيه الحضور ويعطى هو أن الحاضر من جنس الرجال فصار إذا أعرف من هذا. فإن قيل: إذا قدر أنه أعرف من هذا فكيف أجزت أن يكون نعته، والنعت لا يكون أعرف من المنعوت. فالجواب أنك إذا قدرته نعتا فلا بد أن تكون فيه الألف واللام للعهد كما تقدم في بيان معنى النعت وكأنك قلت مررت بهذا وهو الرجل الذي بيني وبينك فيه العهد ولا تكون الألف واللام على ذلك إذ قدرته عطف بيان بل بجعلهما للحضور، وهذا الذي ذكرته هو معنى كلام سيبويه (¬2) انتهى. وهذا الذي قرره مبني على أن أل تكون للحضور وهو أمر لا يتحقق ثبوته. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب المعرّف بالأداة فقلنا إن أل لا مدخل لها في الدلالة على ما ذكره وأن الحضور إنما استفيد من الحضور. وأما أل في مثل ذلك فإنما هي للعهد وبينا أن العهد كما ينشأ من معهود سابق كذلك ينشأ عن معهود بالحضور وإذا لم يثبت كون أل للحضور مع اعترافه بأن الرجل من قولنا هذا الرجل فعل كذا عطف بيان لم يتم له ما يدعيه من أن عطف البيان لا بد أن يكون أعرف من المنعوت. وأما الأسماء الموصولة فالأمر فيها كما قال المصنف أنها ينعت بها وتنعت. وفي - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 297). (¬2) انظر الكتاب (2/ 7)، وشرح الجمل (1/ 298)، والارتشاف (2/ 598).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح الشيخ نقلا عن بعض التصانيف أن النحويين منعوا صفة الذي لأن الصلة بعض الاسم وهي لا توصف وإن قلت الصفة للموصوف فقط وصفت بعض الاسم (¬1) انتهى. ولا شك أن هذا لا معول عليه، ولا ينبغي التشاغل به. وانظر إلى هذا التعليل الذي ذكره تعلم أن الأمر كما قلته. وأما المشتقات فالوصف بها ظاهر. وأما وصفها فكقوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ 14 ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ 15 فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (¬2) قال الشيخ: تقول مررت بزيد الشجاع العالم، فالعالم وصف للشجاع وهذا مذهب سيبويه (¬3)، أجاز يا زيد الطويل ذو الجمة على جعل ذي الجمة نعتا للطويل وسواء أكان النعت عاملا أم غير عامل. وقال ابن جني وجماعة: إن الوصف من خواصه أن لا يقبل الوصف (¬4) وإن كثرت صفات كانت للأول فإن لم يكن مذكورا كان مقدرا، وذهب السهيلي إلى الجواز إذا دل دليل على جموده مثل أن يكون خبرا لمبتدأ، أو بدلا من اسم جامد (¬5)، فإن كان نعتا فيقوى فيه معنى الفعل بالاعتماد فلا ينعت وبعضهم منع ذلك في ما يعمل عمل الفعل لقوة شبه الفعل وأجازه في غير هذا. ولهذا قال بعضهم إذا وصف لا يعمل لبعده عن الفعل بالوصف. وقال بعضهم: إذا تقدم الوصف لم يعمل وإن تقدم عمل (¬6) انتهى. وأقول: إن كون العامل [4/ 131] وصفا للشجاع في المثال المتقدم وأنه ليس نعتا لزيد يؤدى القول به إلى أن النعوت لا تتعدد وهو غير ظاهر، فإن تعدد النعوت لا ينكر وعليه بنى النحاة صورا من الإتباع والقطع. ولازم جعل نحو العالم في المثال وصفا للشجاع رفع تعدد النعوت. ولا شك أن تعدد النعوت أمر لا ينكر ولا يتصور التعدد إلا إذا كانت النعوت المتكررة كلها جارية على الاسم الأول. والظاهر أن الأمرين جائزان أعني كون النعوت الكثيرة كلها للأول وكون كل منها نعتا لما قبله وإن كان الاعتماد في نسبة القول بكون كل منها نعتا لما قبله إلى - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 384). (¬2) سورة البروج: 14: 16. (¬3) الكتاب (2/ 193). (¬4) الهمع (2/ 118). (¬5) السابق. (¬6) التذييل (7/ 384، 385).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه، إنما هو على جعله ذا الجمة نعتا للطويل فليس في ذلك دليل؛ لأن الموجب لجعل ذا الجمة نعتا للطويل، إنما هو تعذر جعله نعتا لزيد؛ لأنه لو كان نعتا لزيد لوجب نصبه لكونه مضافا. والفرض أنه مرفوع فتعين من هذه الجهة كونه نعتا للطويل (¬1) لا من جهة أن كلّا من النعوت الزائدة على واحد نعت لما قبله. وأما القسم الثاني وهو ما لا ينعت ولا ينعت به فأشياء: منها: المضمر أما كونه لا ينعت فلأن الغائب منه نائب مناب تكرار الاسم، والاسم المكرر لا ينعت فكذلك ما ناب منابه، وأما المتكلم والمخاطب فلأنهما لا يدخلهما لبس ولم ينعتا بوصف مدح أو ذم أو ترحم؛ لأن باب هذا الوصف القطع وإنما الإتباع للتشبيه ينعت البيان وإذا لم يوجد المشبه فكيف يوجد المشبه به. وأما كونه لم ينعت به فلأنه جامد ولا يؤول بمشتق ولأنه لو نعت بمعرفة كان أخص به من منعوته والنعت إما مساو أو أقل تعريفا، قال المصنف: لا ينعت مضمر الحاضر ولا ينعت به بإجماع وكذا مضمر الغائب عند غير الكسائي (¬2) ولا يمتنع عنده أن ينعت. ورأيه قوي في ما يقصد به مدح أو ذم أو ترحم نحو: صلّى الله عليه الرؤوف الرحيم، وعمرو غضب عليه الظالم المجرم، وغلامك الطف به البائس المسكين، وغير الكسائي يجعل هذا النوع بدلا وفيه تكلف. وفي شرح الشيخ: أن الكسائي إنما يجيز نعت الضمير إذا كان لمدح أو ذم أو ترحم لا مطلقا (¬3). ومنها: المصدر الذي يؤتي به بدلا من اللفظ بفعله. قال المصنف: ومما لا ينعت ولا ينعت به المصدر الذي بمعنى الأمر أو الدعاء كسقيا له، لا ينعت؛ لأنه بدل من اللفظ بالفعل ولا ينعت به لأنه طلب، فاللام في سقيا له وشبهه متعلقة بالمصدر وهي للتبيين. ومنها: كل وبعض. قال المصنف: قال سيبويه رحمه الله تعالى في بعض أبواب - ¬

_ (¬1) في الكتاب (2/ 193): «وتقول: يا زيد الطويل ذو الجمة إذا جعلته صفته للطويل، وإن حملته على زيد نصبت فإذا قلت: يا هذا الرجل فأردت أن تعطف ذا الجمة على هذا جاز فيه النصب ... ومن قال: يا زيد الطويل قال: ذا الجمة لا يكون فيها غير ذلك إذا جاء بها من بعد الطويل، وإن رفع الطويل وبعده ذو الجمة كان فيه الوجهان». (¬2) التذييل (7/ 386). (¬3) المصدر السابق (386، 387).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحال: هذا باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة [وهي معرفة] لا توصف ولا تكون وصفا وذلك قولك: مررت بكلّ قائما، ومررت ببعض قائما وببعض جالسا (¬1) قلت: وكل وبعض في هذا الكلام بمنزلة المضمر في أنه لا ينعت ولا ينعت به (¬2). انتهى. قال الشيخ: فإن أضيف كل إلى نكرة جاز وصفها نص على ذلك سيبويه (¬3) نحو: 3169 - قتلنا منهم كلّ ... فتى أبيض حسّانا (¬4) ونحو: 3170 - وكلّ خليل غير هاضم نفسه ... لوصل خليل صارم أو معارز (¬5) ومنها: أسماء الشرط، ومنها: أسماء الاستفهام، ومنها: كم الخبرية، ومنها: كل اسم غير متمكن. قال ابن عصفور: وغير المتمكن هو الذي يلزم موضعا واحدا كما التعجبية أو موضعين كقبل وبعد (¬6). وأقول: إنه مستغن عن ذكر ما التعجبية لأنها [لا تكون إلا بهذا التركيب الخاص ما دامت تعجبية] (¬7) أعني أن تكون مبتدأة وما بعدها خبر أو غير خبر على الخلاف الذي هو معروف ولو غيرت عن هذا التركيب لفات معنى التعجب، وأما قبل وبعد فقد يقال أنه لا يحتاج إلى ذكرهما أيضا، إذ لا يتصور فيهما أن يوصفا ولا أن يوصف بهما. ونقل الشيخ عن ابن عصفور أيضا أن مما لا ينعت ولا ينعت به كل اسم متوغل في البناء نحو الآن وأين ومن (¬8). والظاهر أنه لا يحتاج إلى ذكر ذلك. - ¬

_ (¬1) الكتاب: (2/ 114). (¬2) شرح التسهيل (3/ 322). (¬3) الكتاب (2/ 110، 111). (¬4) من الهزج لذو الإصبع العدواني، وقيل لغيره - الإنصاف (699)، والخصائص (2/ 194) والكتاب (2/ 111). (¬5) من الطويل للشماخ - ديوانه (43)، والكتاب (2/ 110)، واللسان: عرز. (¬6) شرح الجمل (1/ 217). (¬7) في الأصل: ما دامت تعجبية لا تكون إلا بهذا التركيب الخاص، وظاهره خطأ لغوي؛ إذ استعمل ما دام: بمعنى الشرط وهي لا تكون إلا بالنصب على الظرفية. (¬8) التذييل (7/ 383)، وشرح الجمل (1/ 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما أين فأما استفهام أو شرط فهي داخلة في ما ذكر من أسماء الشرط والاستفهام، وأما من فإن كان شرطا أو استفهاما فالأمر فيها كذلك، وإن كانت غير شرط أو استفهام بأن تكون موصولة فإن نعتها جائز. وقد ذكر الشيخ ذلك وقال: إن البصريين يجيزون أن ينعت كما يجيزون نعت ما فيقال: جاءني من في الدار العاقل ونظرت إلى ما اشتريت الحسن. نقل ذلك عن الزجاجي (¬1). قال: وذكر (¬2) أن الكوفيين لا يجيزون ذلك (¬3)، ويرد على قول ابن عصفور كل اسم متوغل في البناء الموصولات كالذي والتي فإنها ينعت بها وتنعت كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. أما القسم الثالث: وهو ما ينعت ولا ينعت به فهو الأسماء الأعلام. قال المصنف: وكن العلم ينعت ظاهر أو إما كونه لا ينعت به فلأنه ليس مقصودا بالاشتقاق وضعا ولا تأويلا وإن كان مشتقا في الأصل وزال عن قصد الاشتقاق بالنقل والغلبة فهو في امتناع النعت به بمنزلة العلم المرتجل. وإن وقع موقعا صالحا للنعت جعل عطف بيان نحو: رضي الله عن خليفته الصديق وعن عمه العباس. ومما ينعت ولا ينعت به اسم الجنس الجامد غير المؤول بمشتق. وأما القسم الرابع: وهو ما ينعت به ولا ينعت فقد ذكر المصنف منه أربع كلمات. قال: وهي: أي، وكل، وجد، وحق السابق ذكرها في هذا الباب. ولم يذكر ابن عصفور هذه الكلمات وإنما لما ذكر هذا القسم قال: «وهو القسم الذي لم يستعمل إلا مانعا نحو: بسن من قولهم: [4/ 132] حسن بسن (¬4)، ولا شك أن عبارته شاملة لكل ما لزم التبعية كقولهم: أبيض يقق وأحمر قان وأسود حالك. ولك أن تقول ما كان لازم التبعية مستغنى عن ذكره هنا إذ كونه لازم التبعية كاف، وإنما يتعين ذكر ما من شأنه أن يكون غير تابع. ثم إنه اقتصر فيه على التبعية في موضع خاص كالكلمات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى. ¬

_ (¬1) في غير الجمل - التذييل (7/ 384). (¬2) الضمير هنا للزجاجي. (¬3) التذييل (7/ 384). (¬4) المقرب (1/ 223).

[الاستغناء عن المنعوت، وعن النعت]

[الاستغناء عن المنعوت، وعن النعت] قال ابن مالك: فصل: (يقام النّعت مقام المنعوت كثيرا إن علم جنسه ونعت بغير ظرف وجملة أو بأحدهما بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بـ «من» أو «في» وإن لم يكن كذلك لم يقم الظّرف والجملة مقامه إلّا في شعر واستغني لزوما عن موصوفات بصفاتها، فجرت مجرى الجوامد، ويعرض مثل ذلك لقصد العموم وقد يكتفى بنيّة النّعت عن لفظه للعلم به). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): يعلم جنس المنعوت باختصاص النعت به كمررت بكاتب راكب صاهلا وبمصاحبة ما يعنيه كـ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ 10 أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ (¬2) وفَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً (¬3)، وكُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً (¬4)، وثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ (¬5) فمثل هذا من الحذف حسن كثير لكون المنعوت معلوم الجنس ولكون النعت قابلا لمباشرة ما كان يباشر المنعوت فلو لم يكن قابلا لمباشرة العامل لكونه جملة أو شبهها لم يقم مقام المنعوت في الاختيار إلا بشرط كون المنعوت بعض ما قبله من مجرور بمن كقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ (¬6)، ومن هذا النوع قول تميم العجلاني (¬7): 3171 - وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما ... أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح وكلتاهما قد خطتا في صحيفتي ... فلا العيش أهوى لي ولا الموت أروح (¬8) وقد تقوم في مقام من، كقول الراجز: - ¬

_ (¬1) شرح المصنف (3/ 322). (¬2) سورة سبأ: 11. (¬3) سورة التوبة: 82. (¬4) سورة المؤمنون: 51. (¬5) سورة فاطر: 32. (¬6) سورة النساء: 159. (¬7) تميم بن أبيّ بن مقبل من بني عجلان، شاعر جاهلي أدرك الإسلام وأسلم، عاش نيفا ومائة سنة (ت 25 هـ)، والخزانة (1/ 113). (¬8) من الطويل - ديوانه (24)، والإنصاف (446)، والدرر (2/ 151)، والكتاب (1/ 376)، والمحتسب (1/ 212)، والمقتضب (2/ 138)، والهمع (2/ 120).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3172 - لو قلت ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم (¬1) فمثل هذا لو استعمل في غير الشعر لحسن كقولك: ما في الناس إلا شكر أو كفر. وقد تقام الجملة مقام المنعوت دون من وفي، كقول الشاعر: 3173 - لكم مسجدا الله المزوران والحصى ... لكم قبصه من بين أثرى وأقترا (¬2) وأشرت بقولي: واستغني لزوما عن موصوفات بصفاتها إلى نحو: دابة وأبطح وحسنة وسيئة، وأشرت بقولي: ويعرض مثل ذلك لقصد العموم إلى مثل قوله تعالى: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (¬3)، وقوله تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ (¬4)، وقوله تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها (¬5). ومن هذا النوع قولك: لا متحرك ولا ساكن إلا بقدر سابق. وقد يحذف النعت للعلم به فيكتفى بنيته كقوله تعالى: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُ (¬6) أي قومك المعاندون، وكقوله تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها (¬7) أي كل شيء سلطت عليه أو أمرت بتدميره، وكقوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ (¬8) أي إلى معاد كريم أو إلى معاد تحبه. ومن حذف النعت للعلم به قول المرقش الأكبر (¬9): 3174 - وربّ أسيلة الخدّين بكر ... مهفهفة لها فرع وجيد (¬10) أي فرع وافر وجيد طويل. ومن نادر حذف المنعوت قول الفرزدق: - ¬

_ (¬1) انظره في الأشموني (3/ 70) والخصائص (2/ 370)، والعيني (4/ 71)، والكتاب (1/ 375)، هذا وتيثم: تأثم، والميسم: الجمال. (¬2) البيت من بحر الطويل وهو للكميت وشاهده واضح، وهو في العيني (4/ 84) والأشموني (3/ 54) والإنصاف (مسألة رقم 103). (¬3) سورة الأنعام: 59. (¬4) سورة المائدة: 100. (¬5) سورة الكهف: 49. (¬6) سورة الأنعام: 66. (¬7) سورة الأحقاف: 25. (¬8) سورة القصص: 85. (¬9) عوف بن سعد بن بني بكر بن وائل، شاعر جاهلي وهو عم المرقش الأصغر، وهذا عم طرفة بن العبد (ت 75 ق هـ). الأعلام (5/ 275) والشعر والشعراء (1/ 210). (¬10) من الوافر، شرح التبريزي على اختيارات المفصل (2/ 998)، والعيني (4/ 72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3175 - إذا حارب الحجّاج أيّ منافق ... علاه بسيف كلمّا هزّ يقطع (¬1) أي منافقا أي منافق، وقول عمرو بن قميئة (¬2): 3176 - لعمرك ما نفس بجدّ رشيدة ... تؤامرني سرّا لأصرم مرثدا (¬3) أي برشيدة جد رشيدة. وقول عمر بن أبي ربيعة. 3177 - إنّ الثّواء بأرض لا أراك بها ... فاستيقنيه ثواء حقّ ذي كدر (¬4) أي ثواء ذو كدر (حق ذي كدر) (¬5). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى. أما ابن عصفور فإنه لم يتعرض إلى حذف النعت. وأما المنعوت فإنه ذكر أنه يجوز حذفه إذا كان النعت اسما صريحا في ثلاث صور: أن يتقدم المعطوف في الذكر نحو: أعطني ماء ولو باردا. وأن تكون الصفة خاصة بجنس الموصوف نحو: مررت بكاتب. وأن تكون الصفة قد استعملتها العرب استعمال الأسماء نحو: الأبطح والأبرق للمكان، والأدهم للقيد، والأسود للحية (¬6). ولا شك أن كلام المصنف أمتن؛ لأنه وقف أمر الحذف على العلم بجنس المنعوت. ثم بين أن ذلك يعلم باختصاص النعت به كمررت بكاتب، وبمصاحبة ما يعينه كـ أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (¬7) الآية الشريفة فـ (سبغت) (¬8) ليس بجنس الموصوف ومع هذا حذف منعوته لأن جنس المنعوت قد علم بذكر (الحديد) وشمل قوله وبمصاحبة ما يعينه: أعطني ماء ولو باردا، فلم يحتج إلى تقدم الموصوف في الذكر. واعلم أن ابن عصفور ذكر مسألة لم يذكرها المصنف وهي أن المنعوت يجوز - ¬

_ (¬1) من الطويل، ديوانه (ص 515) والدرر (1/ 71)، والهمع (1/ 93). (¬2) من قيس بن ثعلبة شاعر جاهلي مقدم نشأ يتيما كان واسع الخيال ت 85 ق. هـ. الأعلام (5/ 255) والأغاني (16/ 158) وابن سلام (ص 37). (¬3) من الطويل شرح التسهيل (3/ 324) بنسبته له. (¬4) من البسيط، ديوانه (ص 124). (¬5) شرح التسهيل (3/ 324) أراد ذو كدر حق ذي كدر. (¬6) شرح الجمل (1/ 220، 221). (¬7) سورة سبأ: 10. (¬8) سورة سبأ: 11.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حذفه مع كون النعت جملة إذا كان نعتا لتمييز فاعل نعم نحو: نعم الرجل يقوم أي نعم الرجل رجلا يقوم (¬1) وذكرها الشيخ عنه (¬2). وهذه المسألة تتوقف صحتها على القول بجواز الجمع بين الفاعل الظاهر والتمييز في باب نعم. ثم المسألة التي قالها المصنف فيها: لو استعمل هذا في غير الشعر لحسن، وهي: 3178 - لو قلت: ما في قومها لم تيثم ... يفضلها في حسب وميسم جعلها ابن عصفور ضرورة (¬3). قال الشيخ: شرط المصنف في حذف الموصوف وإقامة الظرف أو الجملة مقامه أن يكون المنعوت بعضا مما قبله من مجرور بمن أو في. ومثل لهما بما الصفة فيه جملة ولم يمثل لهما بما الصفة فيه ظرف. ومثال ذلك في المجرور بمن على قول قوله تعالى: وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ (¬4) أي قوم دون ومثال ذلك في المجرور بفي: ما في بني تميم إلا فوق ما تريد، أي: إلا رجل فوق ما تريد. وإذا كان الحذف أي حذف المنعوت في الكلام شروطا بالشرطين اللذين ذكرهما فلو فقد أحدهما بأن يكون ما قبله ليس الموصوف بعضا منه [4/ 133] وهو مجرور بمن أي في لم يجز الحذف أو يكون بعضا وهو غير مجرور بواحد منهما لم يجز الحذف أيضا. مثال ما ليس بعضا: ما من البصرة إلا يسير إلى الكوفة أي رجل يسير، وما في الدار إلا يسكنها أي رجل يسكنها وما في الدار إلا فوقها أي رجل فوقها. - ¬

_ (¬1) ذكرها عن الشلوبين. شرح الجمل (1/ 219). (¬2) التذييل (7/ 390). (¬3) الحقّ أن ذلك الحكم بالضرورة للشلوبين. قال ابن عصفور: قال رضي الله عنه - يقصد الشلوبين - وما عدا ذلك لا نقوم الصفة فيه مقام الموصوف إلا في ضرورة شعر نحو قوله: لو قلت ... وميسم، شرح الجمل (1/ 111، 112). (¬4) سورة الجن: 11.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال ما هو بعض قول الشاعر: 3179 - كانوا فريقين يضعون الرماح على ... قعس الكواهل في أشداقها ضخم وآخرين نرى المادي عدمهم ... من نسج داود أو ما أورثت إرم (¬1) يريد فريقا يضعون فما قبله الموصوف بعض منه وهو فريقين وليس مجرورا بمن ولا في (¬2). قال الشيخ: فأما مسألة الكتاب: إن من أفضلهم كان زيدا فزعم سيبويه أن زيدا اسم إن، ومن أفضلهم الخبر وكان زائدة (¬3). ثم إن الشيخ ختم الكلام على هذا الباب بذكر مسألتين: الأولى: مررت برجل ضاربه زيد (¬4)، أو ضارب إياه رجل ومررت برجل قائم وأبوه، فالوصف إن كان منونا فلا خلاف في جريانه على الموصوف عند سيبويه (¬5). والفراء يوافق سيبويه إلا في ما كان علاجا واقعا نحو: مررت برجل ملازمة رجل فيلتزم النصب (¬6)، وعيسى يلتزم الرفع في العلاج مطلقا، وغير العلاج إن كان واقعا التزم فيه النصب أو غير واقع أجراه على الموصوف، ويونس لا يجري بل ينصب ما كان واقعا علاجا وغيره (¬7)، والعلاج ما كان من المرفوع به فعل في ما أضيف إليه وغير العلاج ما لم يكن له فعل يفعله نحو: مررت برجل مخالطه داء، فليس للداء فعل يفعله والواقع ما كان حالا، وغير الواقع ما كان مستقبلا، ومن نصب فعلى الحال ومن رفع فعلى الابتداء. والصحيح مذهب سيبويه للقياس والسماع. أما القياس فحمل المنون وغيره على حد واحد كما حملوهما إذا كان الوصف للأول نحو: مررت برجل قائم وبرجل ضارب غلامه وهذا باتفاق فكذلك ينبغي أن يكون ما كان معناه لما بعده. - ¬

_ (¬1) من البسيط وانظرهما في التذييل (7/ 391). (¬2) السابق (7/ 390، 391). (¬3) التذييل (7/ 391)، والكتاب (2/ 153). (¬4) التذييل: ضارب زيدا. (¬5) ينظر الكتاب (1/ 421) وما بعدها. (¬6) الهمع (2/ 117). (¬7) الكتاب (1/ 423).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والسماع قوله: 3180 - ونظرت من خلل الستور بأعين ... مرضى مخالطها السّقام صحاح (¬1) فمخالطها غير علاج، وهو واقع وهو مجرى على الأول. وحكى الكسائي نظرت إلى شاة أخذها الذئب وقال به نفس قال: مخالطه بهر والخلاف إنما هو في الجريان فسيبويه يجري، وهؤلاء على ما نقل عنهم (¬2) ولا يمنع سيبويه الرفع والنصب وإنما يمنع التزام النصب أو الرفع والتفصيل الذي فصّلوه (¬3). المسألة الثانية: مررت بسرج خز صفته. هذا النوع موقوف على السماع وهو الوصف بالأسماء الجوامد التي في معنى المشتق وأخرجها الوصف بها عن أصلها بخلاف الذي، والتي، وذو، وذات وأولو، وأولات، والمنسوب فإنها جوامد في معنى المشتق نعت بها ولم تخرج عن وضعها. وإذا قلت: مررت بصحيفة طين خاتمها وما أشبهه فمذهب سيبويه أن الخاتم ليس بطين وأن الصفة ليست خزّا وأن معنى طين رديء وخزلين (¬4). ومذهب غيره أنها باقية على مسماها ويتوهم فيه معنى الاشتقاق. * * * ¬

_ (¬1) من الكامل، وانظره في التذييل (4/ 133). (¬2) ينظر التذييل (7/ 391)، والهمع (2/ 117). (¬3) في الكتاب (2/ 23) «هذا باب الرفع فيه وجه الكلام وهو قول العامة - يريد عامة العرب - وذلك قولك: مررت بسرج حز صفته ومررت بصحيفة طين خاتمها ومررت برجل فضة حلية سيفه، وإنما كان الرفع في هذا أحسن من قبل أنه ليس بصفة. لو قلت: له خاتم حديد أو هذا خاتم طين كان قبيحا إنما الكلام أن تقول: هذا خاتم حديد، وصفة خز وخاتم من حديد وصفة من خز فكذلك هذا وما أشبهه». (¬4) الكتاب (2/ 23) النص السابق.

الباب الخامس والأربعون باب عطف البيان

الباب الخامس والأربعون باب عطف البيان [تعريفه، أغراضه، موافقته ومخالفته متبوعه] قال ابن مالك: (هو التّابع الجاري مجرى النّعت في ظهور المتبوع، وفي التّوضيح والتّخصيص جامدا أو بمنزلته. ويوافق المتبوع في الإفراد وضدّيه وفي التّذكير والتأنيث، وفي التعريف والتّنكير، خلافا لمن التزم تعريفهما، ولمن أجاز تخالفهما، ولا يمتنع كونه أخصّ من المتبوع على الأصحّ). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): التابع يعم التوكيد، والنعت، وعطف البيان، وعطف النسق، والبدل، والجاري مجرى النعت يخرج النعت وعطف النسق والبدل. وفي التوضيح والتخصيص يخرج التوكيد لأن من النعت ما يجاء به للتوكيد كـ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (¬2) فهذا النوع من النعت يصدق عليه أنه جار مجرى التوكيد ويصدق على التوكيد أنه جار مجراه فإذا ذكر التوضيح والتخصيص انعزل كل واحد منهما عن الآخر لأن التوكيد لا يحصل به تخصيص وإن كان يحصل به توضيح أي زيادة تبيين وشارك عطف البيان النعت في ظهور المتبوع فلا يتبعان ضميرا. وقياس مذهب الكسائي جواز إتباع عطف البيان ضمير الغائب قياسا على النعت (¬3). وذكرت جامدا أو بمنزلته توكيدا لإخراج النعت، فإنه من جهة المعنى أشبه شيء بعطف البيان وذلك أنك تقول لمن له ابنان طويل وقصير واسم الطويل محمد مررت بابنك الطويل فيحصل التخصيص بالنعت. ولو ذكرت محمدا موضع النعت لتبين به ما تبين بالنعت لكن النعت مشتق أو منزل منزلته وعطف البيان جامد أو منزل منزلته. والمراد بالمنزل الصعق ونحوه من الأعلام الحاصلة لها - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 85 - 89)، والأصول (2/ 35)، وأوضح المسالك (3/ 346 - 353) والتذييل (4/ 134 - 137)، والتصريح (2/ 130 - 134)، والرضي (1/ 343)، وشرح الجمل (1/ 177 / 180)، وشرح اللمع (216 - 218)، وشرح المفصل (3/ 71 - 74)، والكتاب (2/ 184، 186، 190 - 193)، والكفاية (106 - 109)، والمقرب (1/ 248، 249)، والهمع (2/ 121، 122). (¬2) سورة الحاقة: 13. (¬3) حاشية الصبان علي الأشموني (3/ 89).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العلمية بالغلبة وهي في الأصل صفات، لكن وصفيتها بعد الغلبة غير مقصودة وإنما المقصود بها ما يقصد بالأعلام المرتجلة من تعيين المسمى، ولا خلاف في موافقة عطف البيان متبوعه في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ويتوافقان أيضا في التعريف والتنكير. وزعم الشيخ أبو علي الشلوبين أن مذهب البصريين التزام تعريف التابع والمتبوع في عطف البيان (¬1)، ولم أجد هذا النقل من غير جهته. وعلى تقدير صحة النقل فالدليل أولى بالانقياد إليه والاعتماد عليه، وذلك أن الحاجة داعية إلى استعمال عطف البيان في النكرتين كما هي داعية إليه في المعرفتين بل هي في النكرتين أشد لأن النكرة يلزمها الإبهام وهي أحوج إلى (ما يبيّنها) من المعرفة فتخصيص المعرفة بعطف البيان خلاف مقتضى الدليل، واستعماله مطلقا مذهب الفراء وغيره من الكوفيين (¬2)، وهو [4/ 134] أيضا مذهب الزمخشري فإنه حكم بذلك في مواضع من الكشاف (¬3)، وهو أيضا مذهب أبي علي الفارسي فإنه أجاز العطف والإبدال في «طعام» من قوله تعالى: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ (¬4)، وزعم الزمخشري أن «مقام» من قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ (¬5) عطف بيان مع كونه معرفة «وآيات» نكرة (¬6)، وقوله في هذا مخالف لإجماع البصريين والكوفيين فلا يلتفت إليه. وزعم أكثر المتأخرين أن متبوع عطف البيان لا يفوقه في الاختصاص بل يساويه - ¬

_ (¬1) الأشموني (3/ 86) والتذييل (4/ 135) والهمع (2/ 121). (¬2) الأشموني (3/ 87)، والتذييل (4/ 135). (¬3) الكشاف (1/ 296، 297) عند الكلام على قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ، (1/ 298، 299) قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، (1/ 529) أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ، (2/ 97) لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ (2/ 418) إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، * (3/ 420) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ، (4/ 184)، وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 52 صِراطِ اللَّهِ، والكشاف (4/ 620) عند قوله تعالى: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ 15 ناصِيَةٍ. (¬4) سورة المائدة: 95، وانظر الأشموني (3/ 87)، والهمع (2/ 121). (¬5) سورة آل عمران: 97. (¬6) الكشاف (1/ 296، 297)، ومعاني الأخفش (1/ 147).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يكون أعم منه، والصحيح جواز الأوجه الثلاثة لأنه بمنزلة النعت، وقد تقدم في بابه أن النعت يجوز أن يكون في الاختصاص فائقا ومفوقا ومساويا، فليكن العطف كذلك وهذا مذهب سيبويه رحمه الله تعالى فإنه أجاز في ذا الجمة من «يا هذا ذا الجمة» أن يكون عطف بيان وأن يكون بدلا (¬1)، وقد تقدم الكلام على أن اسم الجنس الجامد في مثل: رأيت ذلك الرجل: عطف بيان مع أنه أقل اختصاصا من اسم الإشارة وتبين دليل ذلك هناك. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ولكن قوله في المتن: «ولا يمتنع كونه أخصّ من المتبوع» غير ظاهر فإن أحدا لا يمنع أن يكون عطف البيان أخصّ من متبوعه، كيف ومنهم من أوجب أن يكون أعرف من المتبوع. وكلامه في الشرح موافق لما ذكره في المتن، فإنه قال: وزعم أكثر المتأخرين أن متبوع عطف البيان لا يفوقه في الاختصاص بل يساويه أو يكون أعم منه، لأن هذا الكلام منه يفهم منه أنه لا يرى ما زعمه الأكثرون بل يرى أن المتبوع يفوق التابع الذي هو عطف البيان في الاختصاص والفائق في الاختصاص هو أخص من المفوق بلا شك، وإذا كان الأمر كما قلناه فكان الواجب أن يقول أعني في المتن: ولا يمتنع كون متبوعه أخص منه. وأما استدلاله على جواز الأوجه الثلاثة في هذا الباب بأنه قد تقدم في باب النعت أنه يجوز أن يكون في الاختصاص فائقا ومفوقّا ومساويا فأنت قد عرفت أن كون النعت يكون فائقا المنعوت لم يثبت، وقد تقدم البحث في ذلك. ثم اعلم أن المصنف قال في شرح الكافية: «عطف البيان تابع يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه ومجرى التوكيد في تقوية دلالته ومجرى البدل في صلاحيته للاستقلال وليس نعتا لأن تكميله بشرح وتبيين لا بدلالة على معنى في المتبوع أي شيء من سببه وليس بتوكيد لأنه لا يرفع توهم مجاز ولا وضع عام موضع خاص وليس بدلا لأن متبوعه مكمل به غير معنوي الاطراح بخلاف البدل فإن الغالب كون متبوعه منوي الاطراح أو في حكم منوي الاطراح (¬2). انتهى. - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 188). (¬2) شرح الكافية الشافية (3/ 1191 - 1192).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو كلام حسن. وبعد أن ذكر ابن أبي الربيع أن عطف البيان هو الاسم الجامد الجاري على ما قبله جريان النعت يعني من غير تكرير عامل محترزا بذلك عن البدل فإنه اسم جامد جار على ما قبله لكن ليس جريانه جريان النعت لأن البدل على نية تكرير العامل. قال: «والأصل في الجوامد كلها أن تلي العوامل فمتى جاءت تابعة فتقدر ولايتها للعامل كما في البدل فإن لم يمكن تقدير ولايتها للعامل كما في عطف البيان كان ذلك على غير قياس كما أن الأصل في المشتقات أن تكون تابعة فمتى وليت العامل كان ذلك على غير قياس وكان على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه. قال: فقد تقرر مما ذكرته أن عطف البيان ليس بالقياس بخلاف البدل فلا ينبغي أن يقال به إلا بدليل وحيث لا يمكن البدل وذلك إنما جاء في بابين وهما اسم الفاعل نحو: 3181 - أنا ابن التارك البكري بشر (¬1) ... [عليه الطير ترقبه وقوعا] والآخر: النداء نحو يا أخانا زيدا فلو كان بدلا لكان مبنيّا على الضم لأن البدل على تقدير تكرير العامل أو على تقدير طرح الأول وإحلال الثاني محله على حسب الخلاف في ذلك (¬2). انتهى. وليعلم أن ابن عصفور تابع للشلوبين في القول بالتزام التعريف في عطف البيان ومتبوعه بناء على أن ذلك مذهب البصريين (¬3). ولم يذكر في مقربه غير ذلك (¬4). لكنه قال في شرح الجمل أن كونهما معرفتين هو الأكثر (¬5)، ثم قال: وقد يكون في النكرات. وقد أجاز الفارسي في زَيْتُونَةٍ من قوله تعالى: مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ - ¬

_ (¬1) صدر بيت من الوافر للمرار الأسدي ذكرنا عجزه. الأشموني (3/ 87)، وشرح السيرافي (1/ 106)، وشرح المفصل (3/ 72، 73)، والكتاب (1/ 93)، والهمع (2/ 122)، هذا: وبشر هو سيد بني مرثد زوج الخرنق وقد قدمنا ترجمة لها آنفا. (¬2) ينظر التذييل (4/ 135). (¬3) ينظر في ذلك الأشموني (3/ 86)، وشرح الجمل (1/ 177)، والهمع (2/ 121). (¬4) المقرب (1/ 248). (¬5) شرح الجمل (1/ 294).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زَيْتُونَةٍ (¬1) أن تكون عطف بيان على الشجرة. وكلامه في الشرح المذكور يقتضي اشتراط كون عطف البيان أشهر من متبوعه، لكنه قال في المقرب (¬2): عطف البيان جريان اسم جامد معرفة على اسم دونه في الشهرة، أو مثله (¬3). وحاصل الأمر من كلامه وكلام المغاربة أن عطف البيان لا بد أن يكون أعرف من المنعوت أو مساويّا وهذا هو الظاهر بل المتعين. وأما ما اقتضاه كلام المصنف من إجازة كونه أقل تعريفا من متبوعه فغير ظاهر بل يجب الحكم فامتناعه لأن ذلك خلاف ما يقصد بالبيان إلا أن يقال قد يحصل البيان بانضمام أمر إلى آخر وإن كان التابع أقل تعريفا فكان البيان يحصل بالمجموع. فإن قيل: كيف يمتنع أن يكون عطف البيان دون متبوعه في التعريف وقد أجاز سيبويه في: يا هذا، ذا الجمة أن يكون عطف بيان (¬4)، وكذا قال الجمهور إن الرجل في يا هذا الرجل عطف بيان. فالجواب أن يقال: لا شك أن اسم الإشارة معدود من المبهمات فهو مفتقر إلى ما يبين جنسه مع أنه متعين في نفسه بالإشارة إليه لا يحتاج في تعيينه إلى مبين فكان المذكور بعده عطف بيان لا لأنه بين المراد به بل لأنه بينه وأوضح إبهامه بتعين الجنس إذا لم يكن محتاجا إلى ما يعين ذاته لأنها متعينة بالإشارة إليه فكان أمر تابع اسم الإشارة [4/ 135] من الأسماء الجوامد مفارقا للتابع في قولنا: جاء زيد أبو عبد الله» لأن زيد لما لم تتعين ذاته للمخاطب أردف بما يعينه فالمقصود من هذا التابع التعريف لا بيان الجنس فوجب كونه أعرف من متبوعه أو مساويّا له لأن التعريف عند التساوي قد يحصل بمجموع الاسمين كما تقدم، وأما تابع اسم الإشارة فالمقصود منه بيان جنس ما أشير إليه لا التعريف. واعلم أنه كما خصص أكثر النحاة عطف البيان بالمعارف خصصه بعضهم بالأعلام ولكني والحق أن وروده في ما ذكر أكثر من وروده في غيره. ¬

_ (¬1) سورة النور: 35. (¬2) وراجع المصادر السابقة. (¬3) المقرب (1/ 248). (¬4) الكتاب (2/ 188).

[جواز جعل عطف البيان بدلا وعدمه]

[جواز جعل عطف البيان بدلا وعدمه] قال ابن مالك: (ويجوز جعله بدلا إلّا إذا قرن بأل بعد منادى أو تبع مجرورا بإضافة صفة مقرونة بأل وهو غير صالح لإضافتها إليه، وكذا إذا أفرد تابعا لمنادي فإنّه ينصب بعد منصوب وينصب ويرفع بعد مضموم، وجعل الزائد بيانا عطفا أولى من جعله بدلا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قد تقرر أن عطف البيان لا بد من موافقته المتبوع في التعريف والتنكير والبدل قد يكون كذلك وقد لا يكون، فكل عطف بيان قد يجوز جعله بدلا إلا إذا قرن بأل بعد منادى نحو: يا أخانا الحارث أو عطف على مجرور بإضافة صفة مقرونة بأل وهو غير صالح لإضافتها إليه كقول الشاعر: 3182 - أنا ابن التّارك البكريّ بشر ... عليه الطّير ترقبه وقوعا (¬2) فلا يجوز جعل الحارث ولا بشر بدلا؛ لأن البدل في تقدير مستقل فيلزم من جعله بدلا تقدير مباشرة الحارث بحرف النداء وتقديره مباشرة بشر التارك وذلك ممتنع والمفضي إلى ممتنع ممتنع فتعين جعلهما عطفي بيان ونصب الحارث لأن متبوعه منصوب كما ينصب النعت والواقع موقعه. فلو كان الحارث تابعا لمنادى مضموم جاز نصبه على الموضع ورفعه على اللفظ كما يجوز في النعت المفرد. ولو كان موضع بشر اسم صالح لإضافة التارك إليه جاز فيه العطف والإبدال نحو: أنا ابن التارك البكري غلام القوم فيجوز في غلام القوم الإبدال لأنه يجوز أن يضاف إليه التارك لأن الصفة المقرونة بأل تضاف إلى المضاف إلى المقرون بأل كما تضاف إلى المقرون. فتقول: عرفت الضارب غلام الرجل كما تقول: عرفت الضارب الرجل، وإذا أفرد عطف البيان وتبع منادى نصب بعد المنصوب نحو: يا أخانا زيدا ونصب ورفع بعد المضموم نحو: يا غلام بشرا وبشر كما تفعل بالنعت لأنهما يجريان مجرى واحد. ولو قصد الإبدال تعين ضم زيد وبشر فإنهما عند قصد الإبدال في حكم ما باشر حرف النداء. وكل ما يصلح للعطفية والبدلية وكان فيه زيادة بيان فجعله عطفا أولى من جعله بدلا كقوله تعالى: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ (¬3)، - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 326). (¬2) تقدم ذكره. (¬3) سورة المائدة: 95.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقوله تعالى: وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (¬1) ومِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ (¬2)، ومن هذا قول ذي الرمة: 3183 - لمياء في شفتيها حوّة لعس ... كالشّمس لمّا بدت أو تشبه القمرا (¬3) فإن الحوة السواد مطلقا، واللعس سواد يسير. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى. وعلم منه: أنه متى امتنع إحلال التابع في هذا الباب محل متبوعه تعين أن يكون عطف بيان وامتنع أن يكون بدلا، ولا يخفى أن من أجاز الضارب زيد وهو الفراء (¬4) يجيز البدلية في أنا ابن التّارك البكريّ بشر ... وإنما قيد التابع للمنادى بالإفراد في المسألة التي ذكرها تحرزا من أن يكون مضافا فإنه إن كان مضافا وجب نصبه وإن كان المنادى الذي هو متبوعه مضموما كما عرف ذلك في باب النداء وتوابعه. وما يمتنع فيه البدلية قول الشاعر: 3184 - فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا ... سألتكما بالله لا تحدثا حربا (¬5) فلا يجوز في عبد شمس ونوفل أن يجعلا بدلين لأن أحدهما مفرد والآخر مضاف وتقدير حرف النداء يوجب نصب المضاف وبناء المفرد والبدل والمجموع لا أحدهما وشيء واحد لا يكون بعضه منصوبا وبعضه مبنيّا. وقد علمت أن المصنف ذكر أن عطف البيان يجوز جعله بدلا إلا في المسألتين اللتين ذكرهما. وقد زاد الشيخ على المصنف وعلى غيره تسع مسائل (¬6) يتعين فيها العطف ولا يجوز البدل. الأولى: أن يكون الكلام يفتقر فيه إلى رابط ولا رابط إلا التابع على عطفية البيان نحو: - ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم: 16. (¬2) سورة النور: 35. (¬3) من البسيط، انظره في ديوانه (187)، والتذييل (4/ 136). (¬4) الأشموني (3/ 87)، والهمع (2/ 122). (¬5) من الطويل لطالب بن أبي طالب، الأشموني (3/ 87) برواية: أيا بدل فيا، والتصريح (2/ 132) والدرر (2/ 153) والعيني (4/ 119) والهمع (3/ 121). (¬6) ينظر التذييل (4/ 136، 395) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هند ضربت الرجل أخاها، ومررت بهند القائم الرجل أخوها. قال: لا جائز أن يكون نعتا لأنه أعرف مما جرى عليه ولا بدلا لئلا تعرو الجملة من رابط فتعين عطف البيان. الثانية: أن يضاف أفعل التفضيل إلى عام ويتبع بقسمي ذلك العام ويكون المفضل أحد قسمي ذلك العام نحو: زيد أفضل الناس الرجال والنساء أو النساء والرجال. فالرجال والنساء عطف بيان ولا يكون أن يكون بدلا من الناس؛ لأن البدل على نية تكرير العامل فيكون التقدير: زيد أفضل الرجال والنساء أو النساء والرجال وذلك لا يسوغ. قال: فأما قول من قال: أنا أشعر الجن والإنس فقد غلط في ذلك، وتأوله أبو علي على أنه أراد أشعر الخلق (¬1). قال: وهو قبيح لا يجوز القياس عليه (¬2). الثالثة: أن يتبع موصوف أي بمضاف نحو: يا أيها الرجل غلام زيد، فغلام زيد لا يكون بدلا من الرجل لأنه ليس في تقدير جملتين ولا وصفا لأن ما فيه أل لا يوصف بالمضاف [4/ 136] إلى العلم. الرابعة: أن يفصل مجرور أي نحو قولهم: «أي الرجلين زيد وعمرو أفضل». الخامسة: أن يفصل مجرور كلا نحو: كلا أخويك زيد وعمرو قال ذلك. السادسة: أن يتبع المنادى المضموم باسم الإشارة نحو: يا زيد هذا. السابعة: أن يتبع المنادى المضاف على سبيل التفصيل بما هو مضاف وبما هو مفرد نحو: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 136). (¬2) السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: فيا أخوينا عبد شمس ونوفلا (¬1). الثامنة: أن يتبع موصوف أي في النداء بمنون نحو: يا أيها الرجل زيد. التاسعة: أن يتبع اسم الجنس ذو «أل» المنادى المضموم نحو: يا زيد الرجل ويا غلام الرجل الصالح. انتهى. فعلى ما ذكره الشيخ تكون المسائل التي يكون التابع فيها عطف بيان ولا يكون بدلا إحدى عشرة مسألة. واعلم أن هذه المسائل التي ذكرها الشيخ كلاما. أما المسألة الأولى: فقد ذكرها المصنف في باب البدل كما ستقف على ذلك. وذكرها ابن عصفور في شرح الإيضاح أيضا. وأما المسألة الثانية: وهي زيد أفضل الناس الرجال والنساء أو النساء والرجال. فلقائل أن يمنع امتناع البدلية فيها وذلك أن أفعل التفضيل المخبر به عن المذكر لم يضف إلى النساء فقط بل إنما أضيف إلى الرجال والنساء معا سواء أقدّم لفظ الرجال أم أخر وإذا كان مضافا إليهما معا فهو كإضافته إلى الناس وقد أجيز ذلك، فما المانع من إجازة ما هو بمعناه. وعلى هذا لا أقدح في قول القائل: أنا أشعر الجن والإنس لأن معناه أنا أشعر المخلوقين. ولا شك أن قول القائل: أنا أشعر المخلوقين جائز على أن في: أنا أشعر الجن والإنس تخريجا آخر وهو أن يكون التقدير فيه: أنا أشعر شعر الجن والإنس. وأما المسألة الثالثة: فلم أفهم التعليل الذي علل به امتناع البدلية فيها وهو قوله: لأنه ليس في تقدير جملتين. فإن كان مراده بذلك أن غلام زيد من قولنا: يا أيها الرجل غلام زيد إذا كان بدلا كان حرف النداء مقدرا قبله وإذا كان كذلك فالكلام حينئذ جملتان والغرض أنه جملة واحدة - فالجواب: أن تقدير العامل في البدل ليس محكوما له بحكم اللفظ إذ لو كان كذلك لا ينفي كون البدل تابعا وكان يتعين استقلاله. وإنما المراد بتقدير العامل أنه يفرض كونه كذلك ليترتب على ذلك - ¬

_ (¬1) تقدم قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأحكام التي ذكروها. ويدل على هذا قول المصنف في حدّه أنه المستقل بمقتضى العامل تقديرا. وقد صرح سيبويه رحمه الله بأن العامل فيه هو العامل في المبدل منه (¬1) وإذا كان كذلك فليس قولنا: يا أيها الرجل غلام زيد إذا جعل غلام زيد بدلا في تقدير جملتين بل الكلام جملة واحدة. وأما المسألتان الرابعة والخامسة: وهما أيّ الرجلين زيد وعمرو أفضل، وكلا أخويك زيد وعمرو قال ذلك، فمباشرة أي لزيد وعمرو وكلا لزيد وعمرو أيضا ممتنع من غير جهة البدلية كما هو ممتنع من جهتها. فإضافة أي وكلا لزيد وعمرو ممتنعة على الإطلاق لما علم في باب الإضافة وإنما يذكر هنا ما يكون امتناعه من جهة البدلية خاصة أما ما كان ممتنعا لغير ذلك فلا مدخل له في هذا الباب. وأما المسألة السادسة: وهي يا زيد هذا فلم يظهر لي وجه امتناع البدلية فيها. وأما المسألة السابعة: فقد تقدم بيان وجه امتناع البدلية فيها. وإذا حقق علم أن الامتناع إنما هو من جهة أخرى غير جهة البدلية. وأما المسألة الثامنة: وهي أن يتبع موصوف أي في النداء بمنون نحو: يا أيها الرجل زيد فلم يظهر لي تخصيصه ذلك بكون المتبوع موصوف أي لأنك لو قلت: يا زيد زيد بالتنوين لم يكن زيد بدلا أيضا ثم هذه المسألة تعرف من قول المصنف: إلّا إذا قرن بأل بعد منادى فإن العلة فيه إنما هي عدم صحة مباشرة مصحوب «أل» حرف النداء وكما أن حرف النداء لا يباشر مصحوب أل هكذا. لا يباشر المنون. وأما المسألة التاسعة: فهي داخلة تحت قول المصنف (إلّا إذا قرن بأل بعد منادى) وأنشد المصنف في شرح الكافية البيت المشهور وهو: 3185 - إنّى وأسطار سطرن سطرا ... لقائل يا نصر نصرا نصرا (¬2) - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 150) وقد سبق مثل ذلك عند أول باب التابع، وينظر المقتضب (4/ 315). (¬2) رجز لرؤبة - ملحقات ديوانه (174)، والأصول (1/ 407)، والخصائص (1/ 340)، العيني (4/ 116)، والكتاب (1/ 304)، والمقتضب (3/ 209)، والهمع (2/ 121). وقيل: إنه يعني بالأسطار: آيات الكتاب الحكيم، والبيت - كذلك - في شرح الكافية الشافية (461).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال: أكثر النحويين يجعلون التابع المكرر به لفظ المتبوع عطف بيان. يعني كما في هذا البيت. قال: والأولى عندي جعله توكيدا لفظيّا؛ لأن عطف البيان حقه أن يكون للأول به زيادة وضوح، وتكرير اللفظ لا يتوصل به إلى ذلك فلا يكون عطفا بل توكيدا فنصر المرفوع توكيد على اللفظ والمنصوب توكيد على الموضع ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الدعاء كسقيا له. انتهى، وما ذكره في هذه المسألة هو الحق. وقد اعتذر ابن عصفور عن جعل نصر الثاني عطف بيان مع أن الشيء لا يبين نفسه بأن البيان يقع بتكرار اسم المنادى وأنت تخاطبه وتقبل عليه مرتين (¬1) وما قاله لا يتحقق. * * * ¬

_ (¬1) قال في شرحه على الجمل (1/ 296)، «فإن قيل: فكيف يبين الشيء بنفسه ألا ترى أن نصرا الثاني لا يفهم منه إلا ما يفهم من الأول. فالجواب: أن البيان هنا يقع بتكرار اسم المنادى وأنت تخاطبه وتقبل عليه مرتين، ولولا ذلك لأمكن أن يقع اللبس؛ فلا يعلم من الخاطب إذا كان بحضرتك مسميان بنصر فصاعدا».

الباب السادس والأربعون باب البدل

الباب السادس والأربعون باب البدل (¬1) [تعريفه، موافقته ومخالفته المتبوع، الإبدال من المضمر والظاهر] قال ابن مالك: (وهو التّابع المستقلّ بمقتضى العامل تقديرا دون متبع ويوافق المتبوع ويخالفه في التّعريف والتّنكير ولا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر. وما أوهم ذلك جعل توكيدا إن لم يفد إضرابا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): البدل تابع المبدل منه وهو مع تبعيته في تقدير المستقل بمقتضى العامل وفي حكم تكريره ولذلك يعاد معه العامل [4/ 137] كثيرا نحو: لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ (¬3) ولَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (¬4)، وكقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وإنّما نزل القرآن بلسان عربيّ مبين» (¬5)، وكقول الأخطل (¬6): 3186 - حوامل حاجات ثقال يجرّها ... إلى حسن النعمى سواهم نسّل إلى خالد حتّى أناخت بخالد ... فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمّل (¬7) وكقول الحطيئة: 3187 - كفيت بها مازنا كلّها ... أصاغرها وكفيت الكهولا (¬8) - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 123 - 132)، والأصول (2/ 304)، وأوضح المسالك (3/ 399 - 410)، والتذييل (4/ 137 - 148)، والتصريح (2/ 155 - 163)، والرضى (1/ 337 - 343)، وشرح الجمل (1/ 279 - 293) وشرح اللمع (ص 210 - 215)، وشرح المفصل (3/ 63 - 71)، والكتاب (1/ 150، 158، 432، 439، 441، 442، 2/ 9، 14 - 17، 311، 318، 341، 386، 387، 3/ 86، 87)، والكفاية (ص 103 - 107)، والمقرب (1/ 242 - 247)، والهمع (2/ 125 - 128). (¬2) شرح التسهيل (3/ 329) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون. (¬3) سورة الأعراف: 75. (¬4) سورة الأحزاب: 21. (¬5) البخاري: حج (36)، اعتصام (2)، وابن ماجه: فتن (27) ومسلم: فتن (89). (¬6) غياث بن غوث بن الصلت من بني تغلب شاعر الأمويين تهاجى مع جرير والفرزدق (ت 90 هـ) الأعلام (5/ 318)، والخزانة (1/ 219)، والشعر والشعراء (1/ 483). (¬7) من الطويل وانظره في التذييل (4/ 137). (¬8) من الوافر - ديوانه (ص 69)، والتذييل (4/ 137).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولكونه في حكم تكرير العامل منع أبو الحسن: مررت برجل قائم زيد أبوه، على البدل وأجازه على أن يكون أبوه صفة. ولا يلزم من هذا تقدير عامل آخر إذا لم يعد العامل، كما لا يلزم ذلك في عطف النسق مع كثرة إعادة العامل وتقدير عامل آخر في كل بدل مذهب ابن خروف (¬1). قال: ولذلك بني البدل المفرد على الضم بعد المنادى المضاف نحو: يا أخانا زيد. وظاهر قول سيبويه أن عامل البدل هو عامل المبدل منه؛ لأنه قال في بعض أبواب البدل: هذا باب من الفعل يعمل في الاسم ثم يبدل مكان ذلك الاسم اسم آخر فيعمل فيه كما عمل في الأول وذلك قولك: رأيت قومك أكثرهم (ورأيت قومك ثلثهم) (¬2) فهذا تصريح بأن العامل في البدل ومتبوعه واحد، ولأنه قال في بعض أبواب الحال بعد تمثله بدخلوا الأول فالأول. وإن شئت رفعت فقلت: (دخلوا) (¬3) الأول فالأول جعلته بدلا وحملته (¬4) على الفعل كأنه قال: دخل الأول فالأول. ثم قال: فإن قيل: ادخلوا فالنصب الوجه ولا يكون بدلا لأنك لو قلت: ادخل الأول فالأول لم يجز (¬5). فهذا أيضا تصريح بأن العامل في المبدل هو العامل في المبدل منه والأول أصرح. ولا حجة لابن خروف في لزوم ضم المفرد المبدل من المضاف كما لا حجة لمن زعم أن عامل المعطوف غير عامل المعطوف عليه محتجّا بضم زيد في نحو: يا أخانا زيد. والجواب عنهما: أن العرب التزمت في البدل والمعطوف أحد الجائزين في القياس وهو تقدير حرف النداء تنبيها على أنهما في غير النداء وفي تقدير المستقل بمقتضى العامل فلم يجز لنا أن تخالف ما التزمته. وخص المعطوف والبدل بهذا لأن المعطوف غير المعطوف عليه وكذا البدل إذا لم يكن بدل كل من كل ولو لم يكن العامل في البدل والمبدل منه واحدا لزم إطراد إضمار الجار والجازم في الإبدال من المجرور والمجزوم وذلك ممتنع، وما أفضى إلى الممتنع ممتنع. قلت: وإذ قد تقررت هذه القاعدة فلنعد إلى الكلام على حد البدل فالتابع يعم - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 137، 138). (¬2) الكتاب: ورأيت بني زيد ثلثيهم - الكتاب (1/ 150). (¬3) من الكتاب. (¬4) الكتاب: جعله بدلا وحمله. (¬5) الكتاب (1/ 397، 398).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التوابع الخمسة والمستقل بمقتضى العامل تقديرا يخرج النعت وعطف البيان والتوكيد؛ لأن المتبوعات هي المستقلة بمقتضى العامل لفظا وتقديرا. ودون متبع يخرج المعطوف ببل ولكن فإنه داخل تحت المستقل بمقتضى العامل تقديرا ولكن حصول تقدير (الاستقلال) له بمتبع وحصوله للبدل بغير متبع فلذلك قلت: دون متبع. وتبدل المعرفة من المعرفة نحو: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 1 اللَّهِ (¬1) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكوفيين (¬2)، والنكرة من النكرة نحو: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً 31 حَدائِقَ وَأَعْناباً (¬3)، والمعرفة من النكرة نحو: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ 52 صِراطِ اللَّهِ (¬4) والنكرة من المعرفة نحو: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ 15 ناصِيَةٍ (¬5) واشترط الكوفيون في إبدال النكرة من المعرفة اتحاد اللفظين كما هو في بِالنَّاصِيَةِ 15 ناصِيَةٍ والعرب لا تلتزم ذلك. ومن الحجج عليهم قول الشاعر: 3188 - ولن يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمّما (¬6) ومنها ما أنشد أبو زيد من قول الشاعر: 3189 - فلا وأبيك خير منك إنّي ... ليؤذيني (التّحمحم) والصّهيل (¬7) ويبدل الظاهر من المضمر كثيرا. ومنه قول الشاعر: 3190 - على حالة لو أنّ في القوم حاتما ... على جوده لضنّ بالماء حاتم (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة إبراهيم: 1، 2. (¬2) البحر المحيط (5/ 403، 404) وحجة ابن زنجلة (376). (¬3) سورة النبأ: 31، 32. (¬4) سورة الشورى: 52، 53. (¬5) سورة العلق: 15، 16. (¬6) من الطويل - التذييل (4/ 138)، شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ (2/ 581) تحقيق عدنان الدوري. (¬7) من الوافر - التذييل (4/ 138)، والتحمحم - كما في اللسان: حمم: صوت الفرس دون الصهيل. (¬8) من الطويل للفرزدق - ديوانه (842)، وشرح المفصل (3/ 69، 186) والعمدة (1/ 174).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قول الآخر: 3191 - المنعمون بنو حرب وقد حذفت ... بي المنيّة واستنبطأت أنصاري قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم ... دون النّساء ولو باتت بأطهار (¬1) فبنو حرب بدل من الضمير المستكن في المنعمون، ولا يجوز أن يكون المنعمون مبتدأ وبنو حرب خبرا؛ لأن قوله وقد حذفت حال العامل فيه المنعمون فلو جعل بنو حرب خبرا لمبتدأ لزم الإخبار عن الموصول قبل تمام الصلة ويبدل المضمر من الظاهر نحو: رأيت زيدا إياه، والمضمر من المضمر نحو: رأيتك إياك. ولم أمثل بهذين المثالين إلا جريا على عادة المصنفين المقلد بعضهم بعضا. والصحيح عندي أن نحو: رأيت زيدا إياه لم يستعمل في كلام العرب نثره ونظمه ولو استعمل لكان توكيدا لا بدلا. وأما رأيتك إياك فقد تقدم في باب التوكيد. إن البصريين يجعلونه بدلا وإن الكوفيين يجعلونه توكيدا وإن قول الكوفيين عندي أصح؛ لأن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل في رأيتك إياك كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في فعلت أنت والمرفوع توكيد بإجماع فليكن المنصوب توكيدا فإن الفرق بينهما تحكم بلا دليل. وجعل الزمخشري من أمثلة البدل: مررت بك بك (¬2)، وهذا إنما هو توكيد لفظي ولو صح جعله بدلا لم يكن للتوكيد اللفظي مثال يختص به، وعلى هذا وأمثاله نبهت بقولي: ولا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر. وأما أوهم ذلك جعل توكيدا - ثم قلت: إن لم يفد إضرابا فنبهت بذلك على قول القائل: إياك إياي قصد زيد إذ كان المراد بل اياي. انتهى [4/ 138] كلامه رحمه الله تعالى (¬3). واعلم أن قوله: البدل في تقدير العامل المستقل بمقتضى العامل وفي حكم تكريره، كلام متين كاشف عن حقيقة البدل يرتفع به ما في كلام أكثرهم من الغبش. وذلك إن منهم من يقول: إن البدل معمول لعامل مقدر وهو قول أكثرهم، حتى - ¬

_ (¬1) من البسيط للأخطل - ديوانه (120)، والأشموني (4/ 39)، والمغني (264)، ويس (2/ 256). (¬2) انظر المفصل (ص 122) دار الجيل. (¬3) انظر شرح التسهيل (3/ 333).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنهم اختلفوا في جواز إظهاره إذا كان رافعا أو ناصبا بعد اتفاقهم على جواز إظهاره إذا كان خافضا. ولا يخفي أن كونه يكون معمولا لعامل مقدر ينفي كونه تابعا والاتفاق على أنه تابع. ولا شك أنه إذا كان معمولا لغير العامل الأول كان مستقلّا بنفسه غير تابع لشيء قبله. وأما ظهور الخافض في قوله تعالى: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ (¬1) فلقائل أن يقول: إن «لمن» جملته أعني الحرف وما دخل عليه هو البدل والمبدل منه «للّذين» بجملته أيضا. ولا يقول إن «من» خاصة بدل من «الّذين» خاصة ثم إن العامل في «الّذين» إنما هو «قال» واللام وصلة بين العامل ومعموله وقال: لم تعد، فكيف يقال إن العامل أعيد مع المخفوض. ومنهم من عدل عن هذه العبارة أعني كون البدل معمولا لعامل مقدر إلى قوله: إن المبدل منه على نية الطرح ولكنه عنى بذلك أنه منوي الطرح معنى لا لفظا. ولذلك صرح ابن عصفور به حيث قال في حد البدل: إنه إعلام السامع بمجموع الاسمين أو الفعلين على جهة تبيين الأول بالثاني وعلى أن ينوي بالأول منهما الطرح معنى لا لفظا (¬2). فاحترز بقوله: على جهة تبيين من المعطوف نسقا وبقوله على أن ينوي بالأول الطرح من النعت والتأكيد وإنما قال معنى لا لفظا؛ لأن نحو ضربت زيدا يده جائز، فلو لم يعتد بزيد في اللفظ لم يكن للضمير ما يعود عليه. وظاهر كلام من قال: ينوي بالأول الطرح أن البدل معمول لعامل مقدر أيضا وفيه ما تقدمت الإشارة إليه. والحق: أن العامل فيه هو العامل في المبدل منه. وقد عرفت أنه مذهب سيبويه (¬3)، وأنه اختيار المصنف. ولا يتصور أن يقدر له عامل؛ لأن كونه تابعا بإجماع النحاة يمنع من تقدير عامل؛ لأن تقدير العامل يلزم منه الحكم للبدل بالاستقلال والحكم باستقلاله يخرجه عن كونه تابعا، ولما كان كذلك وكان البدل هو المعتمد عليه في الإخبار أتى المصنف في حده بهذه العبارة الحسنة وهو قوله: التابع المستقل بمقتضى - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 75. (¬2) شرح الجمل (1/ 279). (¬3) الكتاب (1/ 150).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العامل تقديرا، فأفاد أن العامل في البدل هو العامل في المبدل وأن المبدل منه مستقل بمقتضى العامل لفظا والبدل مستقل بمقتضاه تقديرا. ثم أفاد بقوله إنه في حكم تكرير العامل أنه ليس معمولا لعامل مقدر ولكنه محكوم له بحكم ما له عامل مقدر. وأنت إذا اعتبرت كلام المصنف مع كلام غيره في هذا الموضوع تبين لك ترجحه بل قوته وضعف غيره. ثم إن المصنف مثّل لاختلاف البدل والمبدل منه في التعريف والتنكير ببدل الشيء من الشيء ومثال ذلك في بدل البعض: أكلت الرغيف ثلثه، وأكلت رغيفا ثلثا منه، وأكلت رغيفا ثلثه. وأكلت الرغيف ثلثا منه. ومثال بدل الاشتمال: أعجبتني الجارية حسنها، وجارية حسن لها والجارية حسن لها، وجارية حسنها. واعلم أن ما ذكر المصنف أنه مذهب الكوفيين وهو اتحاد اللفظين في إبدال النكرة من المعرفة ذكره ابن عصفور عن أهل بغداد ولم يقيد إبدال النكرة بكونه من معرفة بل قال إن أهل بغداد يشترطون في إبدال النكرة من غيرها أن تكون لفظ الأول مستدلين بأنه لم يرد إلا كذلك كقوله تعالى: بِالنَّاصِيَةِ 15 ناصِيَةٍ (¬1)، وقال الشاعر: 3192 - وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت (¬2) قال: واشترطوا فيها الوصف، ووافقهم على هذا الشرط أهل الكوفة ثم إنه رد ذلك بقول الشاعر: 3193 - فلا وأبيك خير منك وهو مما رد به المصنف، وبقول الآخر: 3194 - إنّا وجدنا بني سلمى بمنزلة ... كساعد الضّبّ لا طول ولا قصر (¬3) قال: فلا طول ولا قصر نكرتان وهما بدل من ساعد الضب ولم ينعتا ولا هما من لفظ الأول (¬4). ثم قد عرفت قول المصنف إن المضمر لا يبدل من ظاهر، وأنه - ¬

_ (¬1) سورة العلق: 15، 16. (¬2) من الطويل لكثير - ديوانه (1/ 46)، والحلل (ص 26)، والخزانة (2/ 376)، والكتاب (1/ 215)، والمقتضب (4/ 290)، وابن يعيش (3/ 68)، وانظر - كذلك - شرح الجمل (1/ 286). (¬3) من البسيط - الخزانة (2/ 264)، والمحتسب (1/ 196). (¬4) شرح الجمل (1/ 287) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقول أن ذلك غير مستعمل في كلام العرب، وأنه إن استعمل كان توكيدا، وكذا قوله لا يبدل مضمر من مضمر أيضا. وقد قال: إنه إنما مثل بذلك جريا على عادة المصنفين المقلد بعضهم بعضا. وأما ابن عصفور فإنه فعل ما فعله المصنفون. فقال: البدل ينقسم بالنظر إلى الإظهار والإضمار أربعة أقسام ظاهر من ظاهر ومضمر من مضمر ومضمر من مظهر وظاهر من مضمر. إلا أن في بدل المضمر من غيره في بدل البعض من الكل وبدل الاشتمال تكلف إعادة الظاهر كما سيبين. فمثال ذلك في بدل الكل ضربت زيدا أخاك، وزيد ضربته إياه، وضربت زيدا إياه، وزيد ضربته أخاك. ومثاله في بدل البعض: أكلت الرغيف ثلثه، والرغيف أكلته ثلثه، وثلث الرغيف أكلته إياه، فالضمير في أكلته يعود على الرغيف وإياه يعود على الثلث، وثلث الرغيف (الرغيف) أكلت الرغيف اياه، فيعيد الضمير على الثلث فقد تكلف تكرار الرغيف في المسألتين الأخيرتين. ومثال ذلك في بدل الاشتمال: عجبت من الجارية حسنها والجارية عجبت حسنها وحسن الجارية الجارية عجبت منها منه وحسن الجارية عجبت من الجارية منه فتكلفت أيضا تكرار الجارية في الوجهين الأخيرين. قال: وهذه المسائل التي تؤدي إلى تكلف [4/ 139] تكرار الظاهر فيها خلاف بين النحويين فمنهم من منع ومنهم من أجاز. فالذي منعها حمله على ذلك خلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير يعود على المخبر عنه لأنك إذا قلت: ثلث الرغيف أكلت الرغيف إياه، لم يكن في الجملة التي هي أكلت الرغيف الواقعة خبرا لثلث ضمير عائد على الثلث. ولا يقال إن إياه المبدل من الرغيف عائد على الثلث فلا يحتاج معه إلى عائد؛ لأن البدل على تقدير تكرار العامل والاستئناف، فكأنك قلت: إياه أكلت. وعلى هذا تخلو الجملة الواقعة خبرا من ضمير عائد على المبتدأ، وكذلك مسألة ثلث الرغيف (الرغيف) أكلته إياه فان أكلته في موضع خبر الرغيف والضمير في أكلته عائد عليه والجملة من المبتدأ والخبر في موضع خبر الثلث ولا ضمير فيها وإياه غير معتد به؛ لأنه على نية الاستئناف. والذي أجاز اعتد بالضمير المبدل لما كان العامل فيه غير موجود في اللفظ فصار لذلك من تمام الجملة المتقدمة؛ ولذلك لا يتكلم بالبدل وحده كما يتكلم بالجمل -

[أقسام البدل وما يختص به كل قسم]

[أقسام البدل وما يختص به كل قسم] قال ابن مالك: (فإن اتّحدا معنى سمّي بدل كلّ، من كلّ، ووافق أيضا في التّذكير والتّأنيث، وفي الإفراد وضدّيه، ما لم يقصد التّفصيل، وقد يتّحدان لفظا إن كان مع الثّاني زيادة بيان، ولا يتبع ضمير حاضر في غير إحاطة إلّا قليلا. ويسمّى بدل بعض إن دلّ على بعض الأول، وبدل اشتمال إن باين الأوّل وصحّ الاستغناء به عنه ولم يكن بعضه، وبدل إضراب أو بداء إن باين الأوّل مطلقا وقصدا وإلّا فبدل غلط. ويختصّ بدلا البعض والاشتمال بإتباعهما ضمير الحاضر كثيرا وبتضمّن ضمير أو ما يقوم مقامه). ـــــــــــــــــــــــــــــ المستأنفة (¬1). انتهى. وقد خلص المصنف من هذا كله بقوله: إن المضمر لا يبدل من مضمر ولا من ظاهر. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): إن اتحد البدل والمبدل منه معنى سمي البدل بدل كلّ من كلّ نحو: مررت بأخيك زيد. وعبرت عن هذا النوع ببدل كلّ من كلّ جريا على عادة النحويين وهي عبارة غير مطردة فإن المراد بها أن يكون مسمى البدل والمبدل منه واحدا فيدخل في ذلك ما لا يطلق عليه كل نحو: إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 1 اللَّهِ (¬3) فالعبارة الجيدة أن يقال بدل موافق من موافق. ولا بد في هذا النوع من التوافق في التذكير والتأنيث نحو: رأيت أخاك زيدا وجاريتك رقاش وفي الإفراد كما سبق وفي ضديه وهما التثنية والجمع نحو: عرفت ابنيك المحمدين وأصحابك الزيدين. وأشرت بقولي: ما لم يقصد التفصيل إلى نحو قولك: عجبت من أخويك زيد وعمرو، ومنه قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فأذن لها بنفسين في كلّ عام نفس في الشّتاء ونفس في الصّيف» (¬4) ومنه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 287) وما بعدها. (¬2) شرح التسهيل (3/ 333) دار هجر. (¬3) سورة إبراهيم: 1، 2. (¬4) جزء حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر البخاري: مواقيت (9) وابن حنبل (2/ 277) الدارمي: رقاق (119) والموطأ: الصلاة (27، 28).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3195 - وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمى فيها الزّمان فشلّت (¬1) ونبهت بقولي: وقد يتحدان لفظا إن كان مع الثاني زيادة بيان على قراءة يعقوب (¬2) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا (¬3) قال أبو الفتح ابن جني «جاز إبدال الثانية من الأولى، لأن في الثانية ذكر سبب الجثو» (¬4). قلت: ومثل: هذا قول الشاعر: 3196 - رويد بني شيبان بعض وعيدكم ... تلاقوا غدا خيلي على سفوان تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى ... إذا ما غدت في المأزق المتداني تلاقوهم فتعرفوا كيف صبرهم ... على ما جنت فيهم يد الحدثان (¬5) وقد يكون بدل التفصيل بلفظ بعض كقولك: ضربت الناس بعضهم قائما وبعضهم قاعدا وإبدال الظاهر الدال على الإحاطة من ضمير الحاضر كثير لتنزله منزلة التوكيد بكل فمن ذلك قوله تعالى: تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا (¬6) فـ لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا بدل من الضمير في (لنا) وقد أعيد معه العامل مقصودا به التفصيل ومثله قول عبيدة بن الحارث (¬7) رضي الله تعالى عنه: 3197 - فما برحت أقدامنا في مقامنا ... ثلاثتنا حتّى أزيروا المنائيا (¬8) فلو لم يكن في المبدل من ضمير الحاضر معنى الإحاطة جاء على قلة ولم يمتنع - ¬

_ (¬1) تقدم قريبا. (¬2) ابن إسحق بن زيد الحضرمي البصري أحد القراء العشرة من بيت علم بالعربية والأدب له كتب منها الجامع ووجوه القراءات (ت 205 هـ) إرشاد الأريب (7/ 320)، وغاية النهاية (2/ 386)، والنجوم (3/ 179). (¬3) سورة الجاثية: 28 والقراءة بفتح اللام - البحر المحيط (8/ 51)، والمحتسب (2/ 262، 263). (¬4) السابق. (¬5) من الطويل لوداك بن ثميل - الحماسة (ص 127 - 129)، وشرح المفصل (4/ 41) والمغني (ص 451، 456). (¬6) سورة المائدة: 114. (¬7) من أبطال قريش في الجاهلية والإسلام شهد بدرا وقتل فيها - الإصابة (ت 5377) وإمتاع الأسماع (1/ 52، 99)، المحبر (ص 116). (¬8) البيت من الطويل. الأشموني (3/ 129)، والتصريح (2/ 272).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما زعم غير الأخفش، والدليل على ثبوته قول أبي موسى الأشعري (¬1) - رضي الله تعالى عنه - «أتينا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم نفر من الأشعريّين» (¬2)، ومثله قول الشاعر: 3198 - وشوهاء تعدو بي إلى صارح الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل (¬3) ومثله: 3199 - بكم قريش كفينا كلّ معضلة ... وأم نهج الهدى من كان ضلّيلا (¬4) ويسمى البدل بدل بعض إن دل على بعض ما دلّ عليه الأول نحو: مررت بقومك ناس منهم وضربت وجوههم أولها، ومنه على أحد الوجهين قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (¬5) ويسمى البدل بدل اشتمال إن باين الأول أي إن لم يكن بدل كل فدخل في ذلك بدل البعض ويدل الإضراب والغلط. فخرج بدل البعض بقولي: ولم يكن بعضه وخرج بدلا الإضراب والغلط بقولي: وصحّ الاستغناء به عنه. فخلصت العبارة للمسمى بدل اشتمال وهو إما مصدر دالّ على معنى قائم بمسمى المبدل منه كعجبت من زيد حلمه. أو صادر عنه كعجبت منه قراءته، أو واقع فيه كـ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ (¬6) أو واقع عليه كدعى زيد للطعام أكله، وأما على ملابس صالح للاستغناء عنه بالأول كـ قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ 4 النَّارِ (¬7) والصلاحية للاستغناء عنه بالأول شرط في هذه الأمثلة كلها وما أشبهها. فان كان الملابس لا يغني عنه الأول كالأخ والعم وجيء به بدلا فهو بدل إضراب أو غلط كقولك: عجبت [4/ 140] من زيد أخيه وانطلقت إلى عمرو عمه، ومن شواهد بدل البعض قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) عبد الله بن قيس من بني الأشعر صحابي، وفي الحديث «سيد الفوارس أبو موسى» وهو أحد الحكمين في «صفين» (ت 44 هـ) - الأعلام (4/ 254). (¬2) انظره في التذييل (4/ 140). (¬3) البيت من الطويل. التذييل (4/ 140)، ومعاهد التنصيص (1/ 253) وفي اللسان: فتق: الفنيق: الفحل المكرم من الإبل. (¬4) البيت من البسيط. الارتشاف (2/ 622) والتصريح (2/ 161) والشذور (ص 43). (¬5) سورة آل عمران: 97 - وانظر في ذلك البحر المحيط (3/ 10)، والكشاف وحاشية الشريف الجرجاني عليه (ط دار المعرفة) (1/ 448، 449). (¬6) سورة البقرة: 217. (¬7) سورة البروج: 4، 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3200 - وهم ضربوك ذات الرّأس حتّى ... بدت أمّ الدّماغ من العظام (¬1) ومنها قول الآخر: 3201 - رأتني كأفحوص القطاة ذؤابتي ... وما مسّني من منعم تستتيبها (¬2) ومن شواهد بدل الاشتمال قول الشاعر: 3202 - ذريني إنّ أمرك لن يطاعا ... وما ألفيتني حلمي مضاعا (¬3) ومنها قول رؤبة: 3203 - أفحمتني في التّفنف التّفناف ... قولك أقوالا مع التّخلاف فيها ازدهاف أيّما ازدهاف (¬4) وقولي: ويسمى بدل إضراب أو بداء إن باين الأول مطلقا وقصدا نبهت به على أن من البدل ما يجري المعطوف ببل كقولك: أعط السائل رغيفا درهما أمرت له برغيف ثم رق قلبك عليه فأضربت عن الرغيف وأبدلت منه الدرهم، فهذا النوع مقصود فيه الأول والثاني كالناسخ والمنسوخ ولو جعل بينهما بل لكان حسنا ولكن يزول عنه ببل إطلاق البدل؛ لأن البدل تابع بل متبع. وبدل البداء كبدل الإضراب لفظا ومعنى. وقولي: إن باين الأول مطلقا أشرت به إلى أن البدل كله مباين بوجه. فبدل الكل مباين لفظا موافق معنى، ومتحدان لفظا متباينان معنى بزيادة كقراءة يعقوب «وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها» (¬5). وبدلا البعض والاشتمال متباينان لفظا ومعنى، لكن بينهما وبين متبوعهما ملابسة تجعلهما في حكم المتحدين فمباينتهما مقيدة لا مطلقة بخلاف بدل الإضراب، فإنه - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر. التذييل (4/ 143). (¬2) البيت من الطويل - التذييل (4/ 143). (¬3) البيت من الوافر لعدي بن زيد - ديوانه (/ 35)، والخزانة (2/ 368)، وشرح المفصل (3/ 60، 65)، والكتاب (1/ 78)، والهمع (2/ 127). (¬4) البيت رجز لرؤبة - ديوانه (ص 100)، والخزانة (1/ 244)، والكتاب (1/ 182)، واللسان: زهف. (¬5) تقدمت - قريبا - الآية والقراءة وترجمة صاحبها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مباين لفظا ومعنى ولا ملابسة بينه وبين المتبوع فكان التباين مطلقا وإن كان أول المتباينين عاريا من القصد كقولك قاصدا زيدا لا عمرا: رأيت عمرا زيدا، فهو بدل غلط وذكر بل هنا أيضا حسن. ونختص بدلا البعض والاشتمال بإتباعهما ضمير الحاضر كثيرا نحو: 3204 - وما ألفيتنى حلمي مضاعا (¬1) ويختصان أيضا بتضمنهما ضميرا عائدا على المبدل منه نحو: ضربت زيدا رأسه، وأعجبتني الجارية حسنها. وقد يستغنى عن لفظ الضمير بظهور معناه نحو: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (¬2) ومنه قول الشاعر: 3205 - لقد كان في حول ثواء ثويته ... تقضّى لبانات ويسأم سائم (¬3) ومما يغني عن الضمير اقتران البدل بالألف واللام كقولك: ضربوك ذات الرأس، ومنه على أحد الوجهين قوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ (¬4)، ومنه قول الراجز: 3206 - يحمدك الإحسان كلّ النّاس ... ومن رجاك آمن من ياس (¬5) ومن الاستغناء عن الضمير بالألف واللام قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ 4 النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (¬6). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬7). وأنا أتبعه بالتنبيه على أمور: منها: أن أقسام البدل عنده خمسة - وهي عند غيره ستة؛ لأنهم ذكروا أن من الأقسام بدل النسيان، وما ذكروه هو الحق. ولا يتوهم أن بدل النسيان يشمله بدل الغلط؛ لأن بدل الغلط لم يقصد إلى ذكره البتة، وإنما سبق إليه اللسان، وبدل النسيان قصد إلى ذكره ولكن بعد ذكره تبين أنه ليس هو المقصود بالذكر، إنما - ¬

_ (¬1) من البيت قبل السابق. (¬2) سورة آل عمران: 97. (¬3) من الطويل للأعشى - ديوانه (56) والحلل (30) والشجري (1/ 363) والكتاب (1/ 423) والمقتضب (1/ 27، 2/ 26، 1/ 297). (¬4) سورة ص: 50، وانظر البحر المحيط (7/ 404) وما بعدها. والكشاف ط. بيروت (3/ 378). (¬5) انظره في التذييل (4/ 144). (¬6) سورة البروج: 4، 5. (¬7) شرح التسهيل: (3/ 337).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المقصود بالذكر غيره وانما حصل النسيان فلم يذكر ذلك الغير الذي هو المقصود في الأصل وذكر هذا. قال ابن عصفور: والبدل ستة أقسام، ثلاثة اتفق النحويون على جوازها وورد بها السماع واثنان جائزان في القياس ولم يرد بهما سماع وواحد ورد به السماع إلا أن النحويين اختلفوا فيه هل هو من هذا الباب أو من باب العطف. فالثلاثة التي ورد بها السماع بدل الشيء من الشيء وبدل البعض من الكل وبدل الاشتمال والاثنان الجائزان قياسا ولم يرد بهما سماع بدل الغلط وبدل النسيان. والواحد الذي ورد به السماع، واختلف فيه بدل البداء وهو أن تبدل اسما من اسم بشرط أن يكون الأول قد بدا لك في ذكره، وذلك نحو ما ذكره أبو زيد من قولهم: أكلت لحما سمكا تمرا وكقول الشاعر: 3207 - ما لي لا أبكي على علّاتي ... صبائحي غبائقي قيلاتي (¬1) قال: فأبدل الصبائح من العلات فكأنه قال: ما لي لا أبكي على صبائحي ثم إبداله في ذلك فأبدل الغبائق ثم بدا له فأبدل القيلات. قال: ومن الناس من جعل ذلك من باب العطف وحذف منه حرف العطف. قال: والصحيح أن الوجهين ممكنان. انتهى. وظاهر كلامه يعطي أن ما ذكره ونحوه يجوز فيه أن يكون بدلا وان يكون معطوفا، وذلك غير ظاهر، لأن البدل هو المستقل بالحكم دون المبدل منه. ولا شك أن قاصد البدلية بعد ذكر الأول أضرب عنه فكأنه طرحه وجعل المقصود بالحكم هو الثاني وأما اذا جعل ذلك من باب العطف فإن كلا من المعطوف والمعطوف عليه مقصود بالحكم فقاصد البدل لا يقصد العطف وقاصد العطف لا يقصد البدل. نعم إن كان مراد ابن عصفور أن الوجهين جائزان في الجملة بالنسبة إلى هذا التركيب فذاك شيء آخر. ¬

_ (¬1) من الرجز - الخصائص (1/ 290، 2/ 280) واللسان: صبح وغبق برواية أسقى بدل أبكى، والصبائح، والغبائق، والقيلات: اللبن يشرب في الصباح، والعشى، ونصف النهار، وانظر شرح الجمل (1/ 284) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أن هذا ونحوه من باب البدل ويدل على ذلك الحديث الشريف وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليصلّي الصّلاة ثم ينصرف ما كتب إلا له نصفها ثلثها (ربعها إلى العشر)» (¬1)، فإنه لما قال صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الرّجل ليصلّي الصّلاة وما كتب له نصفها» أضرب صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك وأخبر [4/ 141] أنه قد يصلى وما كتب له ثلثها، وكذلك ما ذكر بعد إلى العشر ولا مجال للعطف هنا والعجب أن ابن عصفور استدل بهذا الحديث الشريف بعد قوله: والصحيح أن الوجهين ممكنان (¬2). ومنها: أن الشيخ قال في الأبيات التي أنشدها المصنف وهي: 3208 - رويد بني شيبان بعض وعيدكم إن المصنف يعني أن جيادا بدل من خيلي (¬3) قال: لكنه أعاد العامل وليس حرف جر (¬4). قال: وقد تقدم لنا ذكر الخلاف في إعادة العامل إذا كان غير حرف جر (¬5). انتهى. والعجب من الشيخ كيف حكم بهذا حتى إنه جعله مراد المصنف أيضا وهو لا يصح أن يكون مراده لوجهين: أحدهما: أحدهما: أن جيادا لم يوافق خيلي فأين الاتحاد لفظا. ثانيهما: أن المصنف لا يجيز إعادة العامل غير الخافض مع البدل فكيف ينسب إليه ما لا يقول بجوازه وإنما الفعل الذي هو تلاقوا جيادا بدل من تلاقوا غدا خيلي. هذا هو مراد المصنف وهو المقصود للشاعر، ولا يجوز أن يظن غير ذلك. وهذا الذي قلته هو الذي يطابق قول المصنف: وقد يتحدان لفظا إن كان مع الثاني زيادة بيان. ولا يخفى ذلك على من له أدنى تأمل. ومنها: أنك تفهم من قول المصنف مشيرا إلى البدل: ولا يتبع ضمير حاضر في غير إحاطة إلا قليلا أن البدل الظاهر يكون من ضمير الغائب وأن ذلك جائز في - ¬

_ (¬1) وانظر: ابن حنبل (4/ 319، 321) والدرر المصون (50) والهمع (2/ 126). (¬2) شرح الجمل (1/ 284). (¬3) التذييل (4/ 140). (¬4)، (¬5) السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأبدال الثلاثة وأنه يكون من ضمير الحاضر أيضا إذا كان بدل بعض كقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (¬1) أو بدل اشتمال كقول الشاعر: 3209 - بلغنا السّماء مجدنا وجدودنا ... وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا (¬2) أو بيت الألفية: ومن ضمير الحاضر الظّاهر لا ... تبدله إلّا ما إحاطة جلا (¬3) أبين للمقصود من عبارته في التسهيل. قال ابن عصفور: وفي البدل من الضمير خلاف منهم من أجاز الإبدال من الضمير الغائب كان أو لمتكلم أو لمخاطب في جميع أقسام البدل وهو مذهب الأخفش (¬4) ومنهم من أجازه في ضمير الغائب خاصة في جميع أقسام البدل. وأما ضمير المتكلم والمخاطب فيبدل منهما إبدال شيء من شيء. وأما غيره من أقسام البدل فجائز كقوله: 3210 - ذريني إنّ أمرك لن يطاعا ... وما ألفيتني حلمي مضاعا (¬5) فأبدل حلمي من الياء في ألفيتني وإنما لم يجز الإبدال من الضميرين المذكورين بدل شيء من شيء لأن المقصود ببدل الشيء من الشيء تبيين الأول وضمير المتكلم والمخاطب لا يدخلهما لبس فلم يجز فيهما؛ إذ لا فائدة فيه. والأخفش يستدل على جوازه بالسماع والقياس. فأما القياس فإنه قد جاز أن يبدل من ضمير الغائب بدل شيء من شيء بلا خلاف نحو قوله: 3211 - على حالة لو أنّ في القوم حاتما ... على جوده لضنّ بالماء حاتم (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 21. (¬2) من الطويل للنابغة الجعدي - ديوانه (ص 68)، والأشموني (3/ 130)، والتصريح (2/ 161)، والجمهرة (148). (¬3) البيت (569) في الألفية، والخامس في باب البدل منها. (¬4) الارتشاف (2/ 621) والهمع (2/ 127). (¬5)، (¬6) تقدم ذكرهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «فحاتم» بدل من الضمير في «جوده» فكما جاز ذلك ثم يجوز هاهنا؛ لأن ضمير الغائب أيضا لا يدخله لبس؛ ولهذا امتنعوا من نعته فلو كان القصد من البدل إزالة اللبس لا متنع من ضمير الغائب كما امتنع نعته فإذا ثبت جوازه حيث لا لبس لم ينكر مجيئه في ضمير المتكلم والمخاطب وهذا فاسد لأن نعت ضمير الغيبة لم يمتنع من حيث لم يدخله لبس بل امتنع من حيث ناب مناب ما لا ينعت وهو الظاهر المعاد. أو ترى أن قولك: لقيت رجلا فضربته، الهاء نابت مناب قولك: فضربت الرجل، وأنت لو قلت فضربت الرجل العاقل لم يجز فكذلك لم يجز نعت ما ناب منابه وقد تقدم تبيين ذلك في باب النعت. وإنما الذي امتنع نعته من المضمرات لأنه لا يدخله لبس ضمير المتكلم وإلمخاطب فإذا تبين أن ضمير الغيبة قد يدخله اللبس ويكون في ذلك على حسب ما يعود عليه فإن عاد على ملبس كان مثله وإن عاد على غير ملبس كان مثله، وإذا امتنع نعته جاز الإبدال منه؛ إذ لا مانع منه، وتبين أن ضمير المتكلم والمخاطب يمتنع الإبدال منهما كما يمتنع نعتهما. وأما السماع فقوله تعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (¬1) فالذين عنده بدل من الضمير في «ليجمعنكم» وقال حميد: 3212 - أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميدا قد تذرّيت السّناما (¬2) فحميد بدل من الياء في فاعرفوني (¬3). قال: ولا حجة في ذلك لاحتمال أن يكون الَّذِينَ محمولا على الاستئناف وأن يكون «حميدا» منصوبا بإضمار فعل على الاختصاص وكأنه قال: أعني حميدا فيكون مثل قول الآخر: - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 12. (¬2) من الوافر لحميد بن بحدل الكلبي - الخزانة (2/ 390)، وشرح المفصل (3/ 93)، (9/ 74)، (9/ 74) (1/ 246). (¬3) شرح الجمل (1/ 172: 174).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3213 - إنّا بني نهشل لا ندّعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشربنا (¬1) انتهى كلام ابن عصفور. ولا يخفى ضعف التخريج الذي ذكره على أن لك أن تقول: التبيين الذي حصل بالبدل ليس لإزالة لبس يحصل في ضمير الخطاب أو التكلم لأن المخاطب معلوم والمتكلم معلوم من حيث أنها مخاطب ومتكلم وقد تكون صفة أحدهما مجهولة فيجاء بالبدل ليبين تلك الصفة كما في قوله تعالى: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ (¬2) الآية الشريفة أو اسم أحدهما مجهول كما في قول القائل: 3214 - أنا سيف العشيرة ... ... ... البيت فالحق أن إبدال الظاهر من ضمير الحاضر إذا كان البدل كل من كل دون إحاطة جائز كما قال الأخفش، لكنه قليل كما قال المصنف. ومنها: أن المراد ببدل البعض أن يكون بدل الكل من الكل سواء أكان ذلك البعض أقل من المبدل منه أم مساويا أم أكثر كأكلت الرمانة ثلثها أو نصفها أو ثلثيها وذلك أن البصريين يوقعون بعض الشيء على أكثره كما يوقعونه على النصف منه وعلى الأقل الأقل من النصف. الكسائي وهشام (¬3) أن بعض [4/ 142] الشيء لا يقع إلا على ما دون نصفه. قيل: وعلى هذا يمنع الكسائي وهشام أن يقال في قبضت المال نصفه أو ثلثيه أنه أبدل فيه بعض الشيء من جميعه. وأشار إلى ذلك ابن عصفور في شرح الإيضاح (¬4). ثم قال: والذي يعلم به الجائز من غير الجائز من مسائل هذا النوع من البدل يعني بدل البعض هو أن ترد المسألة إلى أصلها الذي اختصرت منه بأن يظهر العامل في البدل فيصير الكلام جملتين كما كان قبل أن يختصر فإن ساغ الاكتفاء بكل واحدة من - ¬

_ (¬1) من البسيط لبشامة النهشلي - الشذور (ص 218)، وشرح المرزوقي على الحماسة (1/ 102) والكامل (1/ 98). (¬2) سورة الأنعام: 12. (¬3) الأشموني (3/ 123) وما بعدها، والهمع (2/ 125) وما بعدها. (¬4) ومثله - بتلخيص - في شرح الجمل (ص 284) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجملتين كانت المسألة جائزة، وإلا فهي ممتنعة. فعلى هذا يجوز جدعت زيدا أنفه لأنك لو قلت جدعت زيدا جدعت أنفه كان الاكتفاء بكل واحدة من الجملتين سائغا. ومن ذلك قول جرير: 3215 - هذي الّذي جدعت تيما معاطسها ... ثمّ اقعدي بعدها يا تيم أو قومي (¬1) ولو قلت: قطعت زيدا أنفه لم يجز؛ لأنك لو قلت قطعت زيدا قطعت أنفه لم يكن الاكتفاء بالجملة الأولى سائغا. ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: قطعت زيدا وأنت تريد بذلك أنك قطعت أنفه كما يجوز لك أن تقول: جدعت زيدا وأنت تريد جدعت أنفه ويجوز أن تقول: ما أفصح زيدا لسانه لأنك تقول: ما أفصح زيدا، ما أفصح لسانه، فيحصل الاكتفاء بكل من الجملتين. ولو قلت ما أفصح كلام زيد لسانه لم يجز وذلك؛ لأنك لو قلت: ما أفصح كلام زيد ما أفصح كلام لسانه لم يكن الاكتفاء بالجملة الثانية سائغا، ألا ترى أنك لا تقول: ما أفصح كلام لسان زيد وإنما تقول: ما أفصح كلام زيد أو ما أفصح من زيد. انتهى. وقد عرفت أن مما مثل به المصنف لبدل البعض قوله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (¬2) وقال: إن ذلك على الوجهين وكأنه يقصد بالوجه الآخر أن تكون «من» فاعله «بحجّ» كأنه قيل: أن يحج البيت من استطاع إليه سبيلا (¬3) لكن قال ابن عصفور: أن هذا القول فاسد من جهة المعنى، وذلك أن المعنى يصير إلى أن الله تعالى له على الناس كافة مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع (¬4). قال: وهذا خلف (¬5). هذا كلامه. ولا يظهر لي امتناع أن يقال: فرض الله تعالى على الناس أن يحج البيت المستطيع منهم. ثم ذكر ابن عصفور وجها ثالثا وعزاه إلى الكسائي وهو أن: من تكون شرطا والجواب محذوف كأنه قيل: فعلم - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط - ديوان جرير (394) برواية: مواسمها بدل معاطسها. (¬2) سورة آل عمران: 97. (¬3) راجع في ذلك البحر المحيط (3/ 10)، وحاشية الشريف الجرجاني على الكشاف (ط بيروت) (2/ 448، 449). (¬4) شرح الجمل (1/ 281). (¬5) السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ورأى أن حذف جواب الشرط لفهم المعنى أحسن من حذف الضمير من البدل. قال ابن عصفور: وهذا الذي ذهب إليه حسن جدّا (¬1). انتهى. وعجبا منه كيف أجاز هذا الوجه واستحسنه ولم يفسده بأن يقول: يلزم من وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ (¬2) وجوب الحج على الناس أجمعين، ولا شك أن في الناس من هو غير مستطيع ويلزم من مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (¬3) فعليهم ذلك أن الحج لا يجب الا على المستطيع. وقد ذكر ابن أبي الربيع هذا القول عن الكسائي (¬4) كما ذكره ابن عصفور واستبعده، ولم يرضه. ومنها: أن قول المصنف: وبدل الاشتمال إن باين الأول وصحّ الاستغناء به عنه ولم يكن بعضه قد علم معناه بما ذكره هو في شرحه. والظاهر أن الضمير المجرور بالباء في قوله: وصح الاستغناء به عنه يرجع إلى المبدل منه وأن الضمير المجرور بعن يرجع إلى البدل لأنه قال: انه أخرج بهذا بدلي الإضراب والغلط ..... ولا شك أن المبدل في هذين لا يصح الاستغناء به عن البدل لأنه غير مقصود في بدل الغلط ومعدول عنه في بدل الإضراب، وما كان غير مقصود أو معدولا عنه إلى غيره لا يصح الاستغناء به، وهذا بخلاف المبدل منه في بدل الاشتمال فإنه يصح الاستغناء به. ثم أوضح ذلك بعد قوله: فإن كان الملابس لا يغني عنه الأول كالأخ والعم وجيء به بدلا، فهو بدل إضراب أو غلط، كقولك: عجبت من زيد أخيه وانطلقت إلى عمرو عمه. ومن ثمّ كان المشتمل في بدل الاشتمال هو الأول كما سيأتي أن ذلك هو القول الأصح؛ ولهذا لما ذكر ابن عصفور بدل الاشتمال وأن شرطه أن يكون الأول مشتملا على الثاني. قال: وأعني بذلك أن يذكر الأول فيجوز الاكتفاء به عن الثاني، وذلك أن تقول: سرق عبد الله ثوبه أو فرسه؛ لأنه قد يجوز أن تقول: سرق عبد الله وأنت تعني الثوب أو الفرس. ومن هذا القبيل قوله تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ 4 النَّارِ (¬5) فالنار بدل من الأخدود؛ لأنه يجوز أن تقول: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ وأنت تعني النار، لأنه قد علم أن ذلك إنما - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 281). (¬2)، (¬3) سورة آل عمران: 97. (¬4) التذييل (4/ 141) بغير نسبة لابن أبي الربيع. (¬5) سورة البروج: 4، 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان لأجل النار التي اتخذوها في الأخدود؛ لإحراق المؤمنين والمؤمنات لا الأخدود نفسه. فعلى هذا يجوز أعجبني عبد الله حسنه ولا يجوز أعجبني عبد الله غلامه لأنه قد يجوز أن تقول: أعجبني عبد الله وأنت تعني الحسن ولا يجوز أن تقول: أعجبني عبد الله وأنت تعني غلامه؛ لأنه لا يفهم من الأول (¬1). قال: ولا يكتفى في معرفة بدل الاشتمال أن يكون الثاني مفهوما من الأول، بل لا بد من أن يجوز استعمال الأول وحده على حدة، ويكون الثاني مفهوما منه فلا يجوز أسرجت القوم دابتهم وإن كان معلوما من قولك أسرجت القوم أنك قصدت الدابة؛ لأنه لا يجوز أن تقول: أسرجت القوم وأنت تعني الدابة (¬2). انتهى. والذي يظهر أن هذا الشرط الذي ذكره وهو جواز استعمال الأول وحده غير محتاج إلى اشتراطه ولهذا لم يتعرض إليه [4/ 143] المصنف. وإنما كان غير محتاج إليه، لأن البدل تابع لاسم متقدم هو جزء كلام، والكلام لا بد من صحته في نفسه إما حقيقة وإما مجازا ولا شك أن قولك: أسرجت القوم لا يصح لا حقيقة ولا مجازا. فامتناع البدل إنما كان لامتناع التركيب المشتمل على المبدل منه لا لأمر يرجع إلى البدل كما هو في: أعجبني عبد الله غلامه. ومنها: أن بعضهم أثبت ورود بدل الغلط في كلام العرب واستدل بما يحتمل التأويل وأن بعضهم أثبت بدل كل من بعض محتجّا بقولهم: لقيته غدوة يوم الجمعة؛ لأن العامل الواحد لا يعمل في نوع من المعمولات إلّا في واحد منه إلّا على طريق الإتباع وجعل منه: 3216 - كأنّي غداة البين يوم تحمّلوا ... [لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل] (¬3) ولا معول على هذا القول؛ لأن ظرفي الزمان إذا كان أحدهما أعم من الآخر جاز للعامل الواحد أن يكون عاملا فيهما. ومنها: أن السهيلي رد بدل البعض وبدل الاشتمال إلى بدل الشيء من الشيء (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 281 - 283). (¬2) شرح الجمل (1/ 281). (¬3) صدر البيت من الطويل وقد ذكرنا عجزه - الأشموني (3/ 126)، والدرر (2/ 55)، والهمع (2/ 46). (¬4) نتائج الفكر (2/ 249، 250).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فقولك: أكلت الرغيف ثلثه التقدير فيه أكلت بعض الرغيف ثم بينت ذلك البعض بقولك: ثلثه وكذا قولك: أعجبتني الجارية حسنها، فالإعجاب إنما هو لصفة من صفاتها فحذفت المضاف إليها وأقمتها مقامه، ثم بينت ما تلك الصفة فقلت: حسنها أو ظرفها (¬1). قال: فقد عادت الأقسام كلها في الحقيقة إلى قسم واحد وهو بدل الشيء من الشيء (¬2). ولقائل أن يقول: إذا كان الأصل في أكلت الرغيف ثلثه أكلت بعض الرغيف ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ثم فسر ذلك المحذوف وفي أعجبتني الجارية حسنها أعجبتني صفة الجارية ثم حذف وأقيم وفسر كما يقول السهيلي فأي فائدة لهذا العمل وقد كان المتكلم في غنى عن ذلك بأن يقول ابتداء: أكلت ثلث الرغيف [و] أعجبني حسن الجارية. ويكفي أن قائل هذا القول خالف بقوله الإجماع. ومنها: أن الذي اختاره المصنف من أنه قد يستغنى في بدلي البعض والاشتمال عن لفظ الضمير بظهور معناه هو الصحيح. وقد ذكر الدليل على ذلك من الكتاب العزيز ومن أشعار العرب. ومن الدليل على ذلك أيضا قوله تعالى: كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ (¬3) «فـ» «من غمّ» بدل اشتمال كما أن مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (¬4) بدل بعض ولا ضمير ملفوظ به فيهما والتقدير: من استطاع إليه سبيلا منهم، ومن غم فيها، أو من غمها. وأما البيت الذي أنشده المصنف وهو قول القائل: 3217 - لقد كان في حول ثواء ثويته فالضمير في ثويته عائد على ثواء والضمير العائد على المبدل منه مقدر التقدير: ثويته فيه أي في الحول. وأما البيت الآخر الذي أنشده وهو: 3218 - يحمدك الإحسان كلّ النّاس فالإحسان بدل من ضمير (يحمدك) بدل اشتمال. ¬

_ (¬1) السابق والتذييل (4/ 144). (¬2) السابقين. (¬3) سورة الحج: 22. (¬4) سورة آل عمران: 97.

[من أحكام البدل وحكم اجتماع التوابع]

[من أحكام البدل وحكم اجتماع التوابع] قال ابن مالك: (فصل: المشتمل في بدل الاشتمال هو الأوّل، خلافا لمن جعله الثّاني أو العامل، والكثير كون البدل معتمدا عليه، وقد يكون في حكم الملغى، وقد يستغنى في الصّلة بالبدل عن لفظ المبدل منه، ويقرن البدل بهمزة الاستفهام إن تضمّن متبوعه معناها. وقد تبدل جملة من مفرد، ويبدل فعل من فعل موافق في المعنى مع زيادة بيان. وما فصّل به مذكور وكان وافيا ففيه البدل والقطع، وإن كان غير واف تعيّن قطعه إن لم ينو معطوف محذوف. ويبدأ عند اجتماع التّوابع بالنّعت، ثمّ بعطف البيان، ثمّ بالتّوكيد، ثمّ بالبدل، ثمّ بالنّسق). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): مذهب الفارسي كون المشتمل هو الأول ومذهب غيره أنه التابع، وظاهر قول المبرد أنه العامل (¬2) ومذهب الفارسي هو الصحيح؛ لأن الثاني والثالث لا يطردان؛ لأن من البدل الاشتمال: أعجبني زيد كلامه وفصاحته، وكرهت عمرا ضجره، وساءني خالد فقره وعرجه، والثاني في هذا وأمثاله غير مشتمل على الأول فلم يطرد كون الثاني مشتملا، وأما عدم اطراد الثالث فظاهر؛ لأن من جملة بدل الاشتمال قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ (¬3) والعامل فيه ليس مشتملا على المتبوع والتابع، والكثير كون البدل معتمدا عليه بما تدعو الحاجة إليه من خبر وغيره كقولك: إن الجارية هندا حسنها فاتن، وإن زيدا نجابته بيّنة، وكقول الشاعر: 3219 - وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما (¬4) وقل الاعتماد على المبدل منه وجعل البدل في حكم الملغي كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 338). (¬2) ينظر المقتضب (4/ 211، 295، 399). (¬3) سورة البقرة: 217. (¬4) من الطويل لعبدة بن الطيب - الحلل (43)، وشرح الحماسة للمرزوقي (2/ 791، 792)، والكتاب (1/ 77).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3220 - فكأنّه لهق السّراة كأنّه ... ما حاجبيه معيّن بسواد (¬1) فجعل حاجبيه وهو بدل في حكم ما لم يذكر فأفرد الخبر، ولو جعل الاعتماد على البدل لثنّى الخبر كما تقول: إن زيدا يديه منبسطتان بالخير، ولو جعلت البدل في حكم الملغي لقلت: إن زيدا يديه منبسط بالخير، ومثل كأنه ما حاجبيه معين قول الآخر: 3221 - إن السّيوف غدوّها ورواحها ... تركت هوزان مثل قرن الأعضب (¬2) فجعل الخبر للسيوف وألغى غدوها ورواحها ولو لم يلغهما لقال: تركا كما تقول: الجارية خلقها وخلقها سيان. ومن الاعتماد على المبدل منه وجعل البدل في حكم الملغي قولك: زيد عرفت أخاه عمرا وجاء الذي رغبت فيه عامر. وقد يستغنى في الصلة عن لفظ المبدل منه كقولك: أحسن إلى الذي وصفت زيدا بالنصب على الإبدال من الهاء المقدرة وبالجر على الإبدال من الذي بالرفع على جعله خبر مبتدأ. ويجب اقتران البدل بهمزة استفهام إن تضمن المبدل منه معناها نحو: كيف زيد أمريض أم صحيح. وما عندك أدرهم أم دينار وكم دراهمك أعشرون أم ثلاثون. وقد تبدل جملة من مفرد كقولك: عرفت زيدا أبو من هو [4/ 144] أي عرفت زيدا أبوته. ومنه قول الشاعر: 3222 - لقد أذهلتني أمّ سعد بكلمة ... أتصبر يوم البين أم لست تصبر (¬3) فالجملة الاستفهامية التي بعد «كلمة» بدل منها؛ لأن الكلمة هنا بمعنى الكلام. ومنه قول الآخر: 3223 - إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشّام أخرى كيف يلتقيان (¬4) قال أبو الفتح بن جني: كيف يلتقيان بدل من حاجة كأنه قال: إلى الله أشكو - ¬

_ (¬1) من الكامل للأعشى - الدرر (2/ 221)، وشرح المفصل (3/ 67)، والكتاب (1/ 80)، والهمع (2/ 157). (¬2) البيت من الكامل للأخطل - ديوانه (28)، والمقتضب (1/ 103)، والأعضب: الكبش المكسور والقرن. (¬3) البيت من الطويل - التذييل (4/ 147)، والمغني (ص 456). (¬4) البيت من الطويل لابن أبي ربيعة - ملحقات ديوانه (495) - الأشموني (3/ 132) والتصريح (2/ 162) والدرر (2/ 166) والمغني (207، 426) والهمع (2/ 128).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هاتين الحاجتين تعذر التقائهما (¬1). ومن إبدال الجملة من المفرد قوله تعالى: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (¬2) فإن وما عملت فيه بدل من ما وصلتها على تقدير: ما يقال لك إلا أن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم. وجاز إسناد «يقال» إلى «إنّ» وما عملت فيه كما جاز إسناد «قيل» إليها في وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (¬3)، ومن إبدال الجملة من المفرد هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (¬4) قال الزمخشري: «هذا الكلام كله في محل النصب بدلا من «النجوى»» (¬5). ومن إبدال الجملة من المفرد قول ابن الزبير الأسدي (¬6): 3224 - لمّا دنا منّي سمعت كلامه ... من أنت لا لاقيت أمر سرور (¬7) ويبدل فعل من فعل موافق له في المعنى مع زيادة بيان كقوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً 68 يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (¬8)، وكقول الشاعر: 3225 - متى تأتنا تلمم بنا في دارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (¬9) وكقول الآخر: 3226 - إنّ عليّ الله أن تبايعا ... تؤخذ كرها أو تجيء طائعا (¬10) وإذا قصد تفصيل مذكور بما هو صالح للبدلية وكان وافيا بآحاد المذكور جاز - ¬

_ (¬1) المصادر السابقة. (¬2) سورة فصلت: 43. (¬3) سورة الجاثية: 32. (¬4) سورة الأنبياء: 3. (¬5) السابقة، وانظر الكشاف (3/ 80). (¬6) عبد الله بن الزبير من شعراء الدولة الأموية كان كوفي المنشأ والمنزل يخاف الناس شره وهجاءه (ت 75 هـ) الأعلام (4/ 218) والخزانة (1/ 345). (¬7) البيت من الكامل التذييل (4/ 147). (¬8) سورة الفرقان: 78، 69. (¬9) البيت من الطويل لعبيد الله بن الحر، وينسب الحطيئة وليس في ديوانه - الكتاب (1/ 446) والمقتضب (1/ 66)، والهمع (2/ 128) ويس (2/ 162). (¬10) البيت من الرجز. والتصريح (2/ 161)، والخزانة (2/ 373)، والكتاب (2/ 87)، والمقتضب (2/ 63).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البدل والقطع كقول الشنفرى: 3227 - ولي دونكم أهلون سيّد عملّس ... وأرقط زهلول وعرفاء جيأل (¬1) فلك في «سيد» وما بعده إن تجعله بدلا من أهلون ولك أن تقطعه على إضمار مبتدأ. فلو كان المفصل غير واف بأحاد المذكور تعين القطع على الابتداء وجعل الخبر من وضمير مجرورها كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اجتنبوا الموبقات: الشّرك بالله والسّحر» (¬2) على تقدير منهن الشرك بالله والسحر. ومثله قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ (¬3) أي منها مقام إبراهيم، ويروى «اجتنبوا الموبقات الشّرك بالله والسّحر» بالنصب على البدل وحذف معطوف، والتقدير: اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر وأخواتهما. وجاز الحذف لأن الموبقات سبع بيّنت في حديث آخر واقتصر هنا على ثنتين منها تنبيها على أنهما أحق بالاجتنباب. ويبدأ عند اجتماع التوابع بالنعت؛ لأنه كجزء من متبوعه، ثم بعطف البيان؛ لأنه جار مجراه ثم بالتوكيد؛ لأنه شبيه بعطف البيان في جريانه مجرى النعت ثم بالبدل؛ لأنه تابع كلا تابع لكونه كالمستقل ثم بعطف النسق؛ لأنه تابع بواسطة فيقال مررت بأخيك الكريم محمد نفسه رجل صالح ورجل آخر، والله تعالى أعلم. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬4). ثم إن الكلام يتعين في أمور: الأول: أنك قد عرفت أن المشتمل في بدل الاشتمال فيه ثلاثة مذاهب وأن الأصح منها أن المبدل منه هو المشتمل على البدل. أما أن بدل الاشتمال نفسه أي شيء هو فلم يتقدم فيه كلام. وقد اختلفت العبارات فيه، فقال الزجّاجي: وهو صفة من صفات المبدل منه - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل - لامية العرب بشرح العكبري (12)، وشرح المفصل (5/ 31)، والمحتسب (1/ 218)، هذا والعملس: الذئب القوي، والأرقط: النمر، والزهلول: الأملس، والعرفاء: الضبع الطويلة العرف، وجيأل: اسم للضبع. (¬2) ينظر البخاري: الطب (76)، والشرك والسحر .. (48)، ومسلم: إيمان (144)، وكذا شواهد التوضيح (112). (¬3) سورة آل عمران: 97. (¬4) انظر شرح التسهيل (3/ 343).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: أعجبني زيد علمه (¬1) وردّ ذلك بقولهم: سرق زيد ثوبه. وقال آخرون: هو الذي يكون محيطا بالمبدل منه كإحاطة الثوب في قولنا: سرق زيد ثوبه والقائلون بهذا هم الذين يقولون: إن الثاني مشتمل على الأول ورد ذلك بقولهم: سرق عبد الله فرسه والفرس ليس محيطا بالمبدل منه. وقال آخرون: هو الذي يمكن الاكتفاء فيه بالمبدل منه عن البدل بمعنى أن الأول إذا ذكر وحده وكان المقصود إنما هو البدل أمكن أن يستفاد منه المراد بطريق المجاز. فتشمل هذه العبارة نحو: أعجبني عبد الله علمه، وأعجبني عبد الله ثوبه وأعجبني عبد الله فرسه، وهي التي صححها ابن عصفور (¬2) والتي يقتضيها كلام المصنف وهو قوله: ويسمى بدل اشتمال إن باين الأول وصح الاستغناء به عنه ولم يكن بعضه وهي أشد ما قيل: وقد قال ابن الضائع (¬3): معنى الاشتمال أن يكون الاسم الأول يجوز أن يذكر ويراد به الثاني مجازا. قال: وهذا أولى من غيره من الأقوال (¬4). انتهى. ومنهم من قال: هو ما بينه وبين المبدل منه تعلق ما عدا نسبة الجزئية. ولا شك أن هذه العبارة يدخل تحتها الأمثلة التي ذكرناها ولكن يشكل عليها نحو: مررت بزيد أبيه، فإن العبارة المذكورة تشمله لكن سيبويه نصّ على أنه ليس من بدل الاشتمال (¬5). وقد قال المصنف: فإن كان الملابس لا يغني عنه الأول كالأخ والعم وجيء به بدلا فهو بدل إضراب أو غلط. فإن قيل: لأي شيء جعل نحو: أعجبني زيد علمه أو ثوبه مثلا أو فرسه من بدل الاشتمال ولم يجعل منه: أعجبني (زيد) أبوه أو أخوه مثلا، - ¬

_ (¬1) الجمل بشرح ابن هشام (31) وما بعدها. (¬2) شرح الجمل (1/ 281) وما بعدها. (¬3) أبو الحسن علي بن محمد الإشبيلي لازم الشلوبين وأخذ عنه الكتاب، وله شرح عليه، وعلى الجمل وكان لا يستشهد بالحديث (ت 680 هـ) سبقت ترجمة مفصلة له. (¬4) المصدر السابق. (¬5) قال في الكتاب (1/ 151) «ولا يجوز أن تقول: رأيت زيدا أباه، والأب غير زيد؛ لأنك لا تبيّنه بغيره ولا بشيء ليس منه .. وإنما يجوز رأيت زيدا أباه ورأيت زيدا عمرا أن يكون أراد أن يقول رأيت عمرا أو رأيت أبا زيد فغلط أو نسي ثم استدرك كلامه بعد، وإما أن يكون أضرب عن ذلك فتحّاه وجعل عمرا مكانه» انتهى بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أنه يحتاج إلى فرق بين قولنا أعجبني زيد ثوبه أو فرسه وبين قولنا: مررت بزيد أبيه. والذي يمكن أن يقال: قد تقرر أن من شرط صحة بدل الاشتمال صحة الاستغناء عنه بالمبدل منه وإذا كان كذلك فالذي لا تسبب له في ما يقتضي إستناد الإعجاب إليه كالعلم والثوب والفرس يصح فيه أن يكون بدل اشتمال لأن لو قلت: أعجبني علم زيد أو فرسه أو ثوبه فهم منه أن لزيد مدخلا في الإعجاب، ولو قلت: أعجبني أبو زيد وأخوه لا يفهم منه أن لزيد مدخلا في ذلك؛ لأن الأب والأخ كل منهما يصح أن يصدر منه [4/ 145] ما يقتضي صحة إسناد الإعجاب إليه والحاصل: أن الاستغناء بالمبدل منه عن البدل شرط لصحة بدل الاشتمال ولا يمكن الاستغناء المذكور إلا إذا كان المبدل منه لا تسبب له في حصول المعنى الذي دلّ عليه العامل فيه للبدل. فإذا كان كذلك صح بدل الاشتمال كقولك: أعجبني زيد علمه أو ثوبه أو فرسه، فإن الموجب لإعجاب هذه الثلاثة إنما هو اعتناء زيد وإصلاحه لها بخلاف قولك: أعجبني زيد أبوه - فإن صلاح الأب المقتضي للإعجاب لا مدخل لزيد فيه إنما الأب مستقل به. وقال الشيخ بدر الدين ولد المصنف رحمهما الله تعالى: «بدل الاشتمال هو ما يدل على معنى في متبوعه أو يستلزم معنى في متبوعه - فالأول نحو: أعجبني زيد حسنه، وكقول الراجز: 3228 - وذكرت تقتد برد مائها ... وعتك البول على إنسائها (¬1) والدال على ما يستلزم معنى في المتبوع كقولك: أعجبني زيد ثوبه، وكقوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ (¬2)؛ لأن القتال في الشهر الحرام يستلزم معنى فيه وهو ترك تعظيمه، وكذا قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ (¬3) فإن وقت الانتباذ وما عقبه يستلزم معنى - ¬

_ (¬1) البيت انظره منسوبا لأبي وجزة السعدي في العيني (4/ 183) وفرحة الأديب (15 / ب) ومعجم البلدان (تقتد) وبغير نسبة في الكتاب (1/ 75). (¬2) سورة البقرة: 217. (¬3) سورة مريم: 16.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في مريم عليها السّلام وهو كونها على غاية من التقى والبر والعفاف فلذلك صح في اذ ان تكون بدل اشتمال (من مريم) (¬1) انتهى. ولم أتحقق ما قاله. الأمر الثاني: قد عرفت قول المصنف: وقد يكون البدل في حكم الملغى واستدلاله على ذلك بالبيت الذي أوله: «فكأنّه لهق السّراة»: والبيت الآخر الذي أوله: «إنّ السّيوف». ولا شك أن ما قاله المصنف هو الظاهر. لكن ابن عصفور في شرح الإيضاح لما ذكر أن الأول يعني المبدل منه ينوي به الطرح معنى لا لفظا قال: الدليل على ذلك أن العرب إذا أتت بعد البدل بخبر أو حال أو غير ذلك فإنما يعتمد به على البدل لا على المبدل منه. ثم قال: ولم يجيء ما ظاهره الاعتماد على المبدل منه إلا قول الشاعر، وأنشد البيتين اللذين استدل بهما المصنف، ثم خرج قوله: معين بسواد على أنه يراد به المصدر «كممزّق» في قوله تعالى: وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ (¬2)، وإذا أخبر بالمصدر كان موحدا. وخرج قوله: غدوّها ورواحها على أنهما منصوبان على الظرف كحقوق النجم كأنه قال: إن السيوف وقت غدوها ورواحها على هوازن تركتهم مثل قرن الأعضب. فجاء الشيخ فقال في قول المصنف: وقد يكون البدل في حكم الملغى: هذا غير مسلم له، ولا حجة في الاستشهاد بما ذكر، ثم أورد كلام ابن عصفور هذا (¬3). ولا يخفى ضعف التخريج الذي ذكر في البيتين ثم ليس المراد أن السيوف تركت هوازن في وقت غدوها ورواحها. وقول المصنف: وقد يكون البدل في حكم الملغى مشيرا بقد إلى التقليل لا يصادم قول ابن عصفور: إن العرب إنما تعتمد على البدل لا على المبدل منه؛ لأن ما قاله هو الأغلب والأكثر. وقد تشذ العرب فتأتي بخلاف ذلك كما شذوا في أمور تخالف الأصول ووقع لهم ذلك في أبواب كثيرة لا تحصر (¬4). - ¬

_ (¬1) النص في شرح بدر الدين على ألفية أبيه (ص 554). (¬2) سورة سبأ: 19. (¬3) التذييل (4/ 146). (¬4) ينظر الأشباه والنظائر (1/ 209، 212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: قد علمت أن البدل يقرن بهمزة الاستفهام إن تضمن متبوعه معناه، وتقدمت أمثلة ذلك في كلام المصنف. لكن قال الشيخ: وكان ينبغي للمصنف أن يضيف إلى هذه المسألة مسألة الشرط فإنها شبيهة بها وذلك أنك إذا أبدلت من اسم شرط فلابد أن تدخل على البدل إن الشرطية. مثال ذلك: متى تقم (إن) ليلا أو نهارا قمت معك، ومن يضرب إن رجلا أو امرأة ضربته (¬1)، قال: فأما قول الفرزدق: 3229 - متى تردن يوما سفار تجد بها ... أديهم يرمي المستجيز المعوّرا (¬2) «فيوما» منصوب فيه بقوله: تردن الناصب لمتى لأن الفعل يعمل في ظرفين اذا كان أحدهما مشتملا على الآخر ومتى مشتملة على اليوم لعمومها، ولا يجوز أن ينتصب يوما بتجد؛ لأن سفار في موضع نصب بتردن فيؤدي (ذلك) إلى الفصل به بين تردن ومعمولها وهو سفار وهو أجنبيّ منهما وبينه وبين عامله وهو تجد بسفار وهو أجنبي منهما، والفصل بالأجنبي بين عامل ومعمول غير جائز (¬3) انتهى. وقد تقدم ذكر هذا البيت والكلام على بعض ذلك في باب المفعول المسمى ظرفا (¬4). الرابع: وقد عرفت قول المصنف: وقد تبدل جملة من مفرد. وما ذكر في الشرح من الآيات الشريفة ومن أشعار العرب مستدلّا به على ذلك ثم إن الشيخ بعد إيراده ذلك قال: وهذا الكلام الذي انتزعه من هذه الدلائل على زعمه منازع فيه ومنازع في ما استدل به. - ¬

_ (¬1) التذييل (7/ 147). (¬2) البيت من الطويل - ديوانه (1/ 288) وفي الشذور (ص 96): أنه من إنشاد سيبويه، وليس في كتابه، والمغني (97) والمقتضب (3/ 50). (¬3) التذييل (4/ 147). (¬4) انظر باب المفعول فيه المسمى ظرفا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما مسألة عرفت زيدا أبو من هو ففي الجملة الاستفهامية ثلاثة مذاهب: أحدها: ما ذكر من أنها بدل من الاسم قبله. والثاني: أنها في موضع الحال. الثالث: أن عرفت ضمن معنى علمت المتعدية إلى اثنين وهو الصحيح عند بعض أصحابنا. وأما قوله: بكلمة أتصبر فأتصبر في موضع نصب بكلمة وهو محكي لأن بكلمة في معنى بقوله فكما أن الكلام قد يحكى به إجراء له مجرى القول فكذلك الكلمة، وأما كيف يلتقيان فليس بدلا في موضع نصب كما ذكر بل لما ذكر تباين ما بين الحاجتين مكانا استبعد التقاءهما، فقال: كيف يلتقيان على سبيل استبعاد التقائهما وتعذره. وأما الآية الأولى: فإنه يؤدي إلى أن الحمل يسند إليها إذا يكون في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله وذلك غير جائز على مذهب البصريين. وقد سبق لنا ذكر [4/ 146] المذاهب الثلاثة في هذه المسألة - يفرق في الثالث بين أن يكون الفعل مما يعلق نحو: ظهر لي أقام زيد أم عمرو فيجوز، أو مما لا يعلق فلا يجوز وأما الآية الثانية فـ هَلْ هذا في موضع نصب محكي بحال محذوفة أي قائلين: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (¬1) كقوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا (¬2) أي قائلين ربنا تقبل منا، وأما بيت ابن الزبير فمن أنت محكي بقوله كلامه؛ لأن معناه سمعت قوله فهو في موضع نصب على الحكاية (¬3). انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى. وفي ما ذكره بحث. أما عرفت زيدا أبو من هو: فقد اعترف هو بأن في الجملة الاستفهامية ثلاثة مذاهب: أحدها: ما ذكره المصنف وابن عصفور قد ذكر أيضا أن الجملة المذكورة بدل وأن ذلك من باب بدل الشيء من الشيء وأن التقدير: عرفت شأن زيد أبو من هو. نعم قال بعد ذلك: إن بعضهم جعل هذا ونحوه من باب التضمين وإن عرفت - ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 3. (¬2) سورة البقرة: 127. (¬3) التذييل (4/ 147) - بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمن معنى علمت فتكون الجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني. قال: وهو الصحيح عندي. فغاية الأمر أن البدلية في هذا الكلام قد قال بها النحاة غير المصنف واحتمل الكلام المذكور مع ذلك وجها آخر فقيل به. ولا شك أن قولا لا يدفع بقول. فكيف يتجه للشيخ أن يبطل قول المصنف في مسألة بأن فيها قولا آخر يخالف ما قاله. بل كان الواجب إبطال ذلك بدليل. وأما قوله: إن أتصبر في موضع نصب بكلمة وهو محكي لأن بكلمة في معنى بقولة وأن الكلام يحكى به إجراء له مجرى القول فكذلك الكلمة. فلا شك أن توجيه المصنف البدلية بأن الكلمة هنا بمعنى الكلام أقرب وأولى من قول الشيخ: إن كلمة في معنى قولة. وأما قوله: إن «كيف يلتقيان» إنما قيل على سبيل استبعاد الالتقاء وتعذره فغير ظاهر؛ لأن هذا التقدير يقتضي انقطاع هذا الكلام عن الكلام الذي قبله وحينئذ يفوت مقصود الشاعر؛ لأن شكواه إنما هي تعذر التقاء الحاجتين لا الحاجتان أنفسهما إذ لا معنى لقول القائل: أشكو بالمكان الفلاني حاجة وبالمكان الفلاني حاجة أخرى، ويكفيك بفهم ابن جني وتخريجه فهما وتخريجا (¬1). وأما قوله في الآية الشريفة أعني قوله تعالى: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (¬2) إن ذلك - يعني تخريج المصنف - يؤدي إلى أن الحمل يسند إليها إلى آخر ما ذكره ... فكلام عجيب؛ لأن المصنف لما ذكر ذلك كمل كلامه بأن قال: وجاز إسناد يقال إلى إن وما عملت فيه كما جاز إسناد قيل إليها في قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ (¬3) فأقام الدليل من الكتاب العزيز على صحة إسناد فعل القول إلى الجملة. وبعد: فالشيخ جرى في ذلك على ما يقوله المغاربة في نحو: قيل زيد منطلق، وما قاله أبو البقاء لما تكلم على قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ (¬4) وهو أن قيل مسند إلى ضمير المصدر والتقدير: قيل هو أي قول والجملة مفسرة لذلك الضمير (¬5). والحق في هذه المسألة أن الإسناد إنما هو إلى لفظ الجملة والممتنع إنما هو - ¬

_ (¬1) ينظر الهمع (2/ 128). (¬2) سورة فصلت: 43. (¬3) سورة الجاثية: 32. (¬4) سورة البقرة: 11. (¬5) راجع التبيان (27، 28).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإسناد إلى معنى الجملة. وقد عرف أن الإسناد اللفظي غير مختص بالاسم. ولا تظن أن هذا نظير قولنا ضرب فعل ماض؛ لأن الاسناد هنا إلى اللفظ دون نظر إلى المعنى. وأما في ما نحن بصدده وإن كان الإسناد فيه إلى اللفظ فمعنى اللفظ المسند إليه مقصود أيضا كما أن اللفظ مقصود. وأما قوله في الآية الشريفة الثانية وهي: هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ (¬1) إن هذه الجملة محكية بحال محذوفة أي قائلين: «هل هذا إلا بشر مثلكم» (¬2) فغير ظاهر؛ لأن المراد إظهار ما أسروه وتكلموا به قاصدين إخفاءه عن المؤمنين واستيقاف بعضهم بعضا عن اتباع النبي صلّى الله عليه وسلّم والذي أسروه هو قولهم: هل هذا إلا بشر مثلك فالقصد من الآية الشريفة الإخبار بعين ما تكلموا به سرّا، فالنجوى التي أسروها هي هذا الكلام لا غيره. وتخريج الشيخ لا يقتضي أن يكون الذي أسروه هو هذا، بل يقتضي أن يكون الذي أسروه شيئا آخر وأنهم أسروا ذلك حال قولهم: هل هذا إلا بشر مثلكم. ولا شك في أن هذا يبعد أن يكون مرادا. وانظر إلى حذق هذا الرجل - الذي هو الزمخشري - في قوله مشيرا إلى الجملة الاستفهامية «هذا الكلام كله في محل النصب بدلا من النجوى» (¬3). ولا شك أنه هدي في ما قاله إلى الصواب، ثم قد تبين أن المصنف لم يكن مستبدّا بالقول بأن الجملة تبدل من مفرد ولم يكن هو المنتزع لما قاله من الأدلة التي ذكرها بل قال ابن جني بذلك في شيء (¬4) وقال الزمخشري به في شيء آخر، وكذا قال ابن عصفور وغيره من النحاة به في الشيء الآخر (¬5) فكيف يقول الشيخ: وهذا الذي انتزعه - يعني المصنف - من هذه الدلائل على زعمه منازع فيه ومنازع في ما استدل به. لم يكن هو المنتزع ولا المستدل بل المنتزع والمستدل غيره. والذي انتزعه هو واستدل به إنما هو قوله تعالى: ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 3. (¬2) التذييل (4/ 147). (¬3) الكشاف (3/ 80). (¬4) ينظر المحتسب (2/ 62، 263). (¬5) شرح الجمل (1/ 281) وما بعدها. (¬6) سورة فصلت: 43.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآية .... وقد بينّا صحة استدلاله بذلك. وبعد .. فنقول إن إبدال الجملة من مفرد لا يظهر كونه ممتنعا وذلك أن المبدل تابع كما أن النعت تابع، وقد ثبت النعت بالجملة فما المانع من البدل. فإن قيل: المانع على نية تكرار العامل، والعوامل لا تسلّط لها على الجمل: فالجواب أن الجملة إذا أولت بالمفرد أعطيت حكمه. ثم إنك قد عرفت أن العامل في البدل إنما هو العامل في المبدل منه على مذهب سيبويه (¬1). وقولنا: إن البدل على نية تكرار العامل: المراد به أن البدل هو المستقل بمقتضى العامل لا أن ثم عاملا مقدرا. وقد تقدم لنا تقرير هذا البحث في أول الباب. وعلى هذا يتم قول ابن جني والزمخشري والمصنف ومن قال بقولهم: أن الجملة تبدل من مفسر، قال الإمام بدر الدين ولد المصنف: وكثيرا ما تبدل الجملة من الجملة إذا كانت الثانية أوفى بتأدية المقصود من الأولى كما قال: 3230 - أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا ... وإلّا فكن في السّرّ والجهر مسلما (¬2) فأبدل «لا تقيمن» من «ارحل»؛ لأنه أوفى منه بتأدية معنى الكراهة لدلالته عليه بالمطابقة ودلالة ارحل عليه بالالتزام، ومن أمثلة ذلك في التنزيل: بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ 81 قالُوا أَإِذا مِتْنا (¬3)، وأَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ 132 أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (¬4)، واتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ 20 اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (¬5). انتهى. وهذا ذكره أصحاب علم المعاني، وذكروا أن الجملة المبدلة قد تنزل منزلة بدل البعض وقد تنزل منزلة بدل الاشتمال، وقرروا ذلك تقريرا حسنا (¬6). - ¬

_ (¬1) تقدم ذلك وانظر الكتاب (1/ 150). (¬2) البيت من الطويل - الأشموني (3/ 132)، والتصريح (2/ 162)، والعيني (4/ 200)، والمغني (426، 456). (¬3) سورة المؤمنون: 81، 82. (¬4) سورة الشعراء: 132، 133. (¬5) سورة يس: 20، 21 وانظر نص بدر الدين هذا في شرحه على الألفية (563، 564) تحقيق د/ عبد الحميد السيد محمد. (¬6) ينظر بغية الإيضاح: كمال الاتصال (2/ 71، 77).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والحق أن: البدل الإعرابي بين الجمل لا يتحقق. كيف والجملة المبدل منها قد لا يكون لها موضع من الإعراب. وإنما المراد بذلك الإبدال اللفظي وهو الانتقال من ذكر جملة إلى ذكر جملة أخرى لوفاء الثانية بالدلالة على المقصود. نعم إن كانت الجملة الأولى لها موضع من الإعراب أمكن أن تكون الثانية مبدلة من الأولى بدلا إعرابيّا؛ لأن الجملة التي لها موضع من الإعراب حكمها حكم المفرد. الخامس: قد عرفت قول المصنف ويبدل فعل من فعل موافق في المعنى مع زيادة بيان - فقال الشيخ لا يلزم ما ذكره أنه يكون مع زيادة بيان بل قد يكون ذلك بالمرادف وهذا ظاهر من قوله: متى تأتنا تلمم بنا. لأن أتاه وألمّ به مترادفان (¬1)، ثم ذكر عن صاحب البسيط أنه قال في بدل الفعل من الفعل: اتفقوا على أنه يكون فيه بدل الشيء من الشيء ولا يكون فيه بدل البعض لأنه لا يتبعض، واختلفوا في بدل الاشتمال فيه، فقيل: لا يكون لأن الفعل لا يشتمل على الفعل. وقيل: يكون ومنه يَلْقَ أَثاماً 68 يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ (¬2). وأما بدل الغلط فيه فجوزه سيبويه (¬3) وجماعة من النحويين (¬4)، والقياس يقتضيه (¬5). ثم ختم الشيخ الكلام على الباب بذكر مسألة وهي أن يقال: الأحسن أن لا يفصل بين البدل والمبدل منه وهو دون الصفة لأنه ليس من التمام فيفصل بالظرف والصفات ومعمول الفعل نحو: أكلت الرغيف في اليوم ثلثه، وقال تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا 2 نِصْفَهُ (¬6)، ونحو ذلك والله سبحانه أعلم (¬7). * * * ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 174). (¬2) سورة الفرقان: 68، 69. (¬3) الكتاب (1/ 439). (¬4) ينظر الأشموني (3/ 131). (¬5) التذييل (4/ 147، 148). (¬6) سورة المزمل: 2، 3. (¬7) من التذييل (4/ 148). هذا وذكر الأشموني أن عطف البيان والبدل يفترقان في ثماني مسائل، وللصبان في ذلك كلام طيّب فانظره - إن شئت - في (3/ 88، 89)، وانظر شرح المفصل (3/ 72، 73)، والكافية بشرح الرضي (1/ 337، 338)، والكفاية في علم الإعراب (ص 107).

الباب السابع والأربعون باب المعطوف عطف النسق

الباب السابع والأربعون باب المعطوف عطف النّسق (¬1) [تعريفه، وذكر حروفه] قال ابن مالك: (وهو المجعول تابعا بأحد حروفه وهي «الواو»، و «الفاء»، و «ثمّ»، و «حتّى»، و «أم»، و «أو»، و «بل»، و «لا»، وليس منها «لكن» وفاقا ليونس، ولا «إمّا» وفاقا له ولابن كيسان وأبي عليّ، ولا «إلّا» خلافا للأخفش والفرّاء، ولا «ليس» خلافا للكوفيّين، ولا «أي» خلافا لصاحب المستوفي). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): المجعول تابعا يعم الأقسام الخمسة. وتقييد الجعل بأحد الحروف مخرج للأربعة وقاصر العبارة على المقصود وهو المعطوف عطف النسق. والضمير في قولي: بأحد حروفه عائد على النسق وذكرتها الآن متتابعة عارية من شرح معانيها وبيان أحكامها لتحفظ جملة ويعلم منها المجموع عليه والمختلف فيه فنفيت أن يكون منها لكن موافقا ليونس فإنها عنده حرف استدراك لا حرف عطف (¬3) فإن وليها مفرد معطوف فعطفه بواو وقبلها لا يستغنى عنها إلّا قبل جملة مصرح بجزءيها نحو ما قام سعد لكن سعيد قائم. ولا بد قبل المفرد من الواو نحو: ما قام سعد ولكن سعيد، ولا تزر زيدا ولكن عمرا، ولو كانت عاطفة لاستغني بها عن الواو كما استغنى ببل وغيرها. وما يوجد في كتب النحويين من نحو ما قام سعد لكن سعيد ولا تزر زيدا لكن - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 89 - 122) والأصول (2/ 305 - 326)، وأوضح المسالك (3/ 353 - 398)، والتصريح (2/ 134 - 155)، والرضي (1/ 318 - 328، 2/ 363 - 380)، وشرح الجمل (1/ 223 - 261)، وشرح اللمع (218 - 250)، وشرح المفصل (3/ 74 - 79)، (8/ 88 - 107)، والكتاب (1/ 60، 61، 66، 69، 94، 99، 169 - 172، 174، 175، 191، 246، 248، 278، 298، 306، 345، 356، 435، 411، 2/ 31، 54، 144، 146، 228، 238، 291، 293، 3/ 61، 87: 93، 501)، والكفاية (ص 107 - 109)، والمقرب (1/ 229 / 237)، والهمع (2/ 128 - 142). (¬2) شرح التسهيل (3/ 343). (¬3) الكتاب (1/ 435، 436، 439، 440، والارتشاف (2/ 629)، والأشموني (3/ 91).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمرا فمن كلامهم لا من كلام العرب، ولذلك لم يمثل سيبويه في أمثلة العطف إلا بولكن (¬1). وهذا من شواهد أمانته وكمال عدالته؛ لأنه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو. وترك التمثيل به لئلّا يعتقد أنه مما استعملته العرب. ومع هذا ففي المفرد الواقع بعد ولكن إشكال؛ لأنه على ما قررته معطوف بالواو مع أنه مخالف لما قبلها وحق المعطوف بالواو أن يكون موافقا لما قبلها. فالواجب أن يجعل من عطف الجمل ويضمر له عامل كأنه قال: ما قام سعد ولكن قام سعيد. ولا تزر زيدا ولكن زر عمرا؛ لأن الجملة المعطوفة بالواو يجوز كونها موافقة ومخالفة. فالموافقة نحو: قام زيد وقام عمرو، والمخالفة نحو: قام زيد ولم يقم عمرو. ونفيت أن يكون إما حرف عطف؛ لأنها أيضا لا يليها معطوف إلا وقبلها الواو كقوله تعالى: حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ (¬2) فالعطف بالواو لا بها؛ لأن عطفية الواو إذا خلت من أما ثابتة وعطفية أما إذا خلت من الواو منفية والأصل استصحاب ثبوت ما ثبت ونفي ما نفي وأيضا فإن توسط الواو بين إما وأما كتوسطها بين لا ولا في نحو: زيد لا بخيل ولا جبان والعطف قبل لا بالواو بإجماع فليكن بها قبل إما ليتفق المتماثلان ولا يختلفان. ولمن زعم أن ما عاطفة شبهتان أحدهما: أن الواو قد تحذف ويستغنى بإما كقول الشاعر: 3231 - يا ليتما أمّنا شالت نعامتها ... إيما إلى جنّة إيما إلى نار (¬3) [4/ 148] وكقول الراجز: 3232 - لا تتلفوا آبالكم ... إيما لنا إيما لكم (¬4) الثانية: أن أو تعاقبها كقراءة أبي - رضي الله تعالى عنه - (وإنّا أو إيّاكم إمّا - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 90، 346، 434، 435، 440)، (2/ 8)، 3/ 77، 78، 116، (4/ 232) هذا: وفي الكتاب (1/ 435) «ما مررت برجل صالك لكن طالح أبدلت الآخر من الأول فجرى مجراه في بل». (¬2) سورة مريم: 75. (¬3) البيت من البسيط لسعد بن قرظ وينسب للأحوص. الأشموني (3/ 109) والتصريح (2/ 146) والمعنى: (59) والهمع (2/ 135). (¬4) البيت وانظره في الدرر (2/ 182)، والمحتسب (1/ 284)، والهمع (2/ 135)، برواية: لا تفسدوا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على هدى أو في ضلال مبين) (¬1)، وأو عاطفة بإجماع فلتكن إما كذلك ليتفق المتعاقبان ولا يختلفان. والجواب عن الأولى: أن ذلك معدود من الضرورات النادرة فلا اعتداد به ومن يرى أنها عاطفة فلا يرى إخلاءها من الواو قياسا على ما ندر من ذلك فلا يصح استناده إليه واعتماده عليه. والجواب عن الشبهة الثانية: أن المعاقبة التي في قام إما زيد وإما عمرو وقام إما زيد أو عمرو شبيهة بالمعاقبة التي في لا تضرب زيدا ولا عمرا ولا تضرب زيدا أو عمرا ولا خلاف في انتفاء تأثيرها مع لا فليكن منتفيا مع إما ليتفق المتماثلان ولا يختلفان. وأجاز الأخفش العطف بإلا وحمل عليه وقوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ (¬2) وأنشد مستشهدا على ذلك: 3233 - وأرى لها دارا بقدوة الس ... سندان لم يدرس لها رسم إلا رمادا هامدا دفعت ... عنه الرّياح خوالد سحم (¬3) قال الأخفش: أراد وأرى لها رمادا. وقال الفراء في قوله تعالى: لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ 10 إِلَّا مَنْ ظَلَمَ (¬4) وقال بعض النحويين: إلا بمعنى الواو أي لا يخاف لدى المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء، واستبعد ذلك، وأجاز أن تكون إلا بمعنى الواو في نحو: له عندي ألف إلا ألف آخر (¬5)، وفي قوله تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ (¬6) قلت: ولا يلزم كون إلا بمعنى الواو في شيء من هذه المواضع لإمكان الاستثناء فيها وإمكانه في الآية بأن يكون التقدير: إلا ظلم الذين ظلموا وعنادهم، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما تقول: لا بكاء في الدار إلا من لا يجري أي إلا بكاء من لا يجري ويجوز كون إلا بمعنى لكن «والّذين» مبتدأ وخبره فَلا تَخْشَوْهُمْ (¬7). - ¬

_ (¬1) انظر في ذلك روح المعاني (22/ 141). (¬2) سورة البقرة: 150، والارتشاف (2/ 630)، شرح الجمل (1/ 225). (¬3) البيت من الكامل - التذييل (4/ 150)، واللسان: خلد، وفي الأصل: وقعت - الرياح - شحم - تحريف. (¬4) سورة النمل: 10، 11. (¬5) معاني الفراء (2/ 287). (¬6) سورة هود: 107. (¬7) سورة البقرة: 150.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا يحمل إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (¬1)، وكذا له عليّ ألف إلا ألف آخر، أي لكن ألف آخر له علي فأبقى المبتدأ وصفته وحذف الخبر وأما إلا رمادا فاستثناء محقق، لأنه وصف الرماد بالهمود ودفع الأثافي عنه الرياح المترددة عليه. وفي هذا إشعار بأنه درس بعض الدروس. وأما إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ (¬2) فاستثناء محقق من فيها، لأن لأهل النار أنواعا من العذاب غير النار مما وصف لنا وما لم يوصف ولأهل الجنة أنواع من النعيم غير الجنة مما وصف لنا وما لم يوصف. فإلى ذلك أشير ب إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ والله تعالى أعلم. وأجاز الكوفيون استعمال ليس حرفا عاطفا فيقولون: قام زيد ليس عمرو كما يقال: قام زيد لا عمرو ومن أجود ما يحتج لهم به قول أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - «بأبي شبيه بالنّبي ليس شبيه بعليّ» (¬3). كذا ثبت في صحيح البخاري يرفع شبيه كما يقال: «بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعليّ» ومما يحتج لهم به أيضا قول الراجز: 3234 - أين المفرّ والإله الطّالب ... والأشرم المغلوب ليس الغالب (¬4) كما يقال: والأشرم المغلوب لا الغالب وهذا التقدير لا يلزم لإمكان غيره مما لا خلاف في جوازه، وذلك بأنه يجوز أن يجعل خبر كان وأخواتها ضميرا متصلا ثم يحذف منويّا ثبوته كما يفعل إذا كان الضمير مفعولا به فيقال: صديقك إني أكرمت فكذلك تقدر قول أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - «ليس شبيه بعليّ» فيجعل شبيه اسم ليس والهاء خبرها فحذف واستغنى بنيته عن لفظه كما قال الشاعر: 3235 - فأطعمنا من لحمها وسديفها ... شواء وخير الخير ما كان عاجله (¬5) ومثله قول الآخر: 3236 - معينك إنّي ما برحت فلا يزل ... معيني على ما ملأمور أروم (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة النمل: 11. (¬2) سورة هود: 108. (¬3) البخاري: فضائل أصحاب النبي (22)، مناقب (23)، وابن حنبل (1/ 8)، وأبو داود: طهارة (47) وكان أبو بكر يصف الحسن بن علي رضي الله عنه. (¬4) البيت انظره في التذييل (4/ 150). (¬5) البيت من الطويل - التذييل (4/ 151)، والعيني (4/ 124). (¬6) البيت من الطويل - التذييل (4/ 151).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد الأول ما كان عاجله وأراد الثاني ما برحته فحذفا الخبرين ونوياهما والتقدير في ليس الغالب ليسه الغالب والضمير ضمير الأشرم وهو خبر ليس واسمها الغالب. وأجاز أبو علي أن يكون هذا القبيل قول الشاعر: 3237 - عدوّ عينيك وشائنيهما ... أصبح مشغول بمشغول (¬1) على تقدير أصبحه مشغول بمشغول. ومما يجوز أن يكون من هذا قول أبي أمامة (¬2): - رضي الله تعالى عنه -: «يا نبيّ الله أو نبيّ كان آدم» (¬3). وجعل صاحب المستوفي (¬4) أي التفسيرية حرف عطف في نحو: مررت بغضنفر أي أسد، ونهيتك عن الونى أي الفتور. والصحيح أنها حرف تفسير وما يليها من تابع عطف بيان موافق ما قبلها في التعريف والتنكير وجعلها حرف عطف يستلزم مخالفة النظائر من وجهين: أحدهما: أن حق حرف العطف المعطوف به في غير توكيد أن يكون ما بعده مباينا لما قبله نحو: مررت بزيد وعمرو وما بعد أي بخلاف ذلك. الثاني: أن حق حرف العطف المعطوف به غير صفة أن لا يطرد حذفه وأي بخلاف ذلك. فإن لك أن تقول في مررت بغضنفر أي أسد مررت بغضنفر أسد ويستغنى عن أي استغناء مطردا ولا يجوز ذلك في شيء من المعطوفات. فالقول بأن أي حرف عطف مردود وباب الأخذ به مسدود. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى. والذي ذكره من الحروف ثلاثة عشر: منها: ما فيه خلاف وهو خمسة: لكن، وأما، وإلا، وليس، وأي. ومنها: ما هو مجموع عليه وهو الثمانية (الباقية) (¬5). وهذا ما يعطيه ظاهر كلامه. - ¬

_ (¬1) انظره في الدرر (1/ 90)، والهمع (1/ 120). (¬2) صديّ بن عجلان بن وهب الباهلي أبو أمامة صحابي كان مع علي في «صفين» له في الصحيحين (250) حديثا وهو آخر من توفي من الصحابة بالشام - (81 هـ)، - الأعلام (3/ 291)، وذيل المذيل (ص 33)، وصفة الصفوة (1/ 308)، وابن عساكر (6/ 417). (¬3) المغني (ص 387). (¬4) هو: علي بن مسعود بن محمود بن الحكم الفرّخان، وقيل الفرغان، أكثر أبو حيان من النقل عنه - الأشباه والنظائر (1/ 99)، والبغية (2/ 209)، والتذييل (4/ 151). (¬5) انظر: شرح التسهيل (3/ 347).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر الشيخ أن في أم وحتى خلافا (¬1) أما أم فقال ابن النحاس عن أبي عبيدة [4/ 149] أنها بمعنى الهمزة (¬2). والحق أن مثل هذا الخلاف لا يعتد به فلا ينبغي أن يتعرض لذكره. وأما حتى فقال أنها ليست عند الكوفيين للعطف وأن الواقع بعدها معمول لعامل مقدر (¬3). وأقول: قد ذكروا أن العطف بها قليل وقد نص على قلته جماعة. حتى قال ابن أبي الربيع: ولكون العطف بها قليلا احتاج الفارسي إلى أن يقول يعني في الإيضاح: وقد رواه سيبويه وأبو زيد وغيرهما عن العرب (¬4). وذكر ابن عصفور عن الكوفيين أنهم جعلوا من أدوات العطف أيضا كيف وأين وهلا مستدلين على ذلك بمجيء الاسم بعدها على حسب إعراب الاسم المتقدم قالوا: فإن العرب تقول: ما أكلت لحما فكيف شحما، وما يعجبني لحم فكيف شحم، ولقيت زيدا فأين عمرا، وهذا زيد فأين عمرو، وضربت زيدا فهلا عمرا (وجاءك زيد فهلا عمرو) (¬5). هكذا ذكر ابن عصفور. ولا أعلم كيف يتوجه كون ما بعد هذه الكلمات الثلاث تابعا مع كونها أسماء فاصلة بين التابع والمتبوع الا أن يدعى أنها حال العطف بها حرف. ثم لا أعلم ما معنى هذا الكلام إذا قيل بالعطف. ثم إن ابن عصفور أبطل مذهبهم بأنها لو كانت للعطف لعطفت المخفوض على المخفوض لأنه لم يوجد ما يعطف المرفوع والمنصوب ولا يعطف المخفوض. والعرب إنما تقول: ما مررت برجل فكيف بامرأة (¬6)، وذكر الشيخ من أدوات العطف أيضا لولا ومتى (¬7). وأقول: ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 149، 157)، وما بعدها. (¬2) الأشموني (3/ 91)، والتذييل (4/ 151). (¬3) التذييل (4/ 157). (¬4) ينظر التذييل والإيضاح (ص 54)، والكتاب (1/ 96). (¬5) انظر: شرح الجمل (1/ 225). (¬6) شرح الجمل (1/ 226). (¬7) التذييل (7/ 151)، وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن مثل هذا لا يتحقق. والواجب الاضراب عن مثله ولم أذكر ذلك إلّا تبعا لذاكريه. وبعد ...... فقد عرفت أن الأحرف التي ذكر المصنف أن فيها الخلاف خمسة وأن القول بأن غير لكن منها عاطف لا ينهض الدليل عليه، وكلام المصنف على ذلك فيه غنية - على أن ابن عصفور ذكر أن أما ليست حرف عطف بالاتفاق وأنها إنما ذكرت مع حروف العطف لمصاحبتها لها (¬1). وأما لكن فمذهب سيبويه أنها من الحروف العاطفة كما عرفت وقد اختار المصنف منها مذهب يونس واستدل لمختاره بما تقدم. أما ابن عصفور فقد قال في شرح الجمل: قد استعملت لكن دون الواو وحكى من كلامهم: ما مررت برجل صالح لكن طالح بغير واو (¬2). وقال: ولا يجوز أن يكون التقدير: لكن مررت بطالح بإضمار الخافض وإبقاء عمله فذلك لا يجوز إلا في الشعر أو في نادر كلام. وقال في شرح الإيضاح بعد الكلام لكن: والصحيح عندي ما ذكره يونس من أنها لا تستعمل إلا مع الواو نحو قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ (¬3). وقال الشاعر كذا وأنشد أبياتا قد قرنت لكن فيها بالواو. ثم قال: ولكن مع ذلك هي عاطفة والواو زائدة كما زيدت ثم لما دخلت عليها الفاء في قول زهير: 3238 - [أراني إذا ما بتّ بتّ على هوى] ... فثمّ إذا أصبحت [أصبحت غاديا] (¬4) قال: وما ذهبوا إليه من أن الواو هي العاطفة ولكن مخلصة للاستدراك باطل. والدليل على ذلك أن الواو اذا عطفت مفردا على مفرد شركت بينهما في الإعراب - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 223). (¬2) شرح الجمل (1/ 224)، والكتاب (1/ 435). (¬3) سورة الأحزاب: 40. (¬4) قطعة من بيت من الطويل ذكرنا صدره وبقيته وهو في ديوانه (ص 107) برواية: وأني بدل ثم، الأشموني (3/ 95) برواية عاديا، والدرر (2/ 91، 172)، والشجري (2/ 326)، وشرح المفصل (8/ 69)، والهمع (2/ 131).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى، وما بعد لكن مخالف لما قبلها في المعنى فدل ذلك على أن لكن هي العاطفة وأن الواو زائدة مثلها في قول الشاعر: 3239 - ولمّا رأى الرّحمن أن ليس فيهم ... رشيد ولا ناه أخاه عن الغدر وصبّ عليهم تغلب ابنه وائل ... فكانوا عليهم مثل راعية البكر (¬1) يريد صب عليهم. وقول الآخر: 3240 - [و] إنّ رشيدا وابن مروان لم يكن ... ليفعل حتّى يصدر الأمر مصدرا (¬2) يريد إن رشيد بن مروان، ولزمت زيادتها كما لزمت زيادة ما في قولهم: أفعله إثر ما وفي إذ ما في الجزاء. وعلى ما ذكرته ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه والأخفش لأنهما قالا إن لكن من حروف العطف فلما مثلا العطف بها مثلاه بالواو (¬3)، فدل ذلك على أن لكن هي العاطفة عندهما لا الواو (¬4). انتهى. وقد رأيت ما بين كلاميه من المخالفة. ثم إن سيبويه لا يجيز زيادة الواو (¬5) وإنما المجيز لذلك الأخفش وإذا كان سيبويه لا يرى ذلك فكيف ينسب إليه ما يلزم منه القول بشيء هو لا يجيزه. وأما قوله: إن ما بعد لكن مخالف لما قبلها في المعنى والمعطوف بالواو يجب أن يكون موافقا في المعنى كما هو موافق في الإعراب فقد رفع المصنف هذا الإشكال بأن قال: يجب أن يكون ذلك من عطف الجمل ويضمر عامل في نحو: ما قام سعد ولكن سعيد التقدير ولكن قام سعيد وتقدم تقرير ذلك. وأما حذف حرف الجر وإبقاء عمله فقد تقدم في باب حروف الجر أن الجر بحرف محذوف يكون قياسا في مواضع. والذي ذكره ابن عصفور من أنهم يقولون: ما مررت برجل صالح لكن طالح إن كان محكيّا عن غير يونس فلا كلام، وإن كان عن يونس فالذي نقله المصنف عن - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل للأخطل - ديوانه (221)، والتذييل (4/ 149، 156)، والخزانة (4/ 418). (¬2) البيت من الطويل وقد أنشده الفراء - التذييل (4/ 149). (¬3) ينظر الكتاب (1/ 90، 346)، والارتشاف (2/ 629)، والأشموني (3/ 91). (¬4) ومثله في شرح الجمل (1/ 223). (¬5) الكتاب (1/ 435، 440)، والهامش قبل السابق.

[معاني حروف العطف: الواو- الفاء- ثم- حتى- أم- أو- بل- لا]

[معاني حروف العطف: الواو - الفاء - ثم - حتى - أم - أو - بل - لا] [حديث خاص بالواو] قال ابن مالك: (فالسّتّة الأولى تشرك لفظا ومعنى، و «بل» و «لا» لفظا لا معنى وكذا «أم» و «أو» إن اقتضتا إضرابا. وتنفرد الواو بكون متبعها في الحكم محتملا للمعيّة برجحان، وللتّأخّر بكثرة وللتّقدم بقلة. وبعدم الاستغناء عنها في عطف ما لا يستغنى عنه، وبجواز أن يعطف بها بعض متبوعها تفصيلا، وعامل [4/ 150] مضمر على عامل ظاهر يجمعهما معنى واحد، وإن عطفت على منفيّ غير مستثنى ولم تقصد المعيّة وليتها «لا» مؤكّدة وقد تليها زائدة إن أمن اللّبس). ـــــــــــــــــــــــــــــ يونس أنه حكى عن العرب مررت برجل صالح إن لا صالح فطالح على تقدير إلا أمر صالح فقد مررت بطالح وجعل هذا من المقيس. على أن قوله في شرح الإيضاح: والصحيح عندي أنها لا تستعمل إلّا مع الواو يدفع ما قاله الجمل أنه حكى من كلامهم: ما مررت برجل صالح لكن طالح بغير واو (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): تشريك الواو والفاء وثم وحتى لفظا ومعنى مجمع عليه، وكذلك تشريك بل ولا لفظا لا معنى، ومثلهما لكن عند غير يونس وكثر في كلام النحويين جعل أم وأم مشتركين لفظا لا معنى والصحيح أنهما يشركان لفظا ومعنى ما لم يقتضيا إضرابا لأن القائل: أزيد في الدار أم عمرو، عالم بأن الذي في الدار هو أحد المذكورين غير عالم بتعينه فالذي بعد أم مساو للذي قبلها في الصلاحية لثبوت الاستقرار في الدار وانتفائه وحصول المساواة إنما هو بوساطة أم فقد شركتهما في المعنى كما شركتهما في اللفظ وكذلك أو مشركة لما بعدها وما قبلها في ما يجاء بها لأجله من شك وتخيير وغيرهما وقد تقع موقع الواو على ما يلي بيانه إن شاء الله تعالى فيكون حكمها حينئذ حكم ما وقعت موقعه ويأتي الكلام على بل ولا إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 224). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك: (3/ 348) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا يأتي الكلام على أم وأو الموافقتين بل في الإضراب. والمعطوف بالواو إذا عرى من القرائن احتمل المعية احتمالا راجحا والتأخر احتمالا متوسطا والتقدم احتمالا قليلا ولذلك يحسن أن يقال قام زيد وعمرو معه وقام زيد وعمرو بعده وقام زيد وعمرو قبله فتؤخر عمرا في اللفظ وهو متقدم في المعنى ومنه قوله تعالى: أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (¬1)، وقوله تعالى: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ (¬2) في قراءة نافع وابن كثير وابن عامر، وعاصم (¬3) وحمزة (¬4). ومن عطف المقدم على المؤخر قول أبي العيال الهذلي (¬5): 3241 - حتّى إذا رجب تولّى وانقضى ... وجماديان وجاء شهر مقبل شعبان قدّرنا لوقت رحيلهم ... سبعا يعدّ لها الوفاء فتكمل (¬6) ومنه قول الفرزدق: 3242 - وما نحن إلّا مثلهم غير أنّنا ... بقينا قليلا بعدهم وتقدّموا (¬7) ومنه قول جرير: 3243 - راح الرّفاق ولم يرح مرّار ... وأقام بعض الظّاعنين وساروا (¬8) ومنه قول الآخر: 3244 - وإنّي لأرضى منك يا ليلى بالّذي ... لو أبصره الواشي لفرّت بلابله بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى ... وبالوعد حتّى يسأم الوعد آمله - ¬

_ (¬1) سورة الدخان: 37. (¬2) سورة الحاقة: 9. (¬3) ابن أبي النجود الكوفي الأسدي أحد القراء السبعة تابعي لغوي نحوي (ت 127 هـ). الأعلام (4/ 12)، واللطائف (1/ 96)، وميزان الاعتدال (2/ 5). (¬4) البحر المحيط (8/ 321)، وحجة ابن خالويه (ص 351)، وابن زنجلة (ص 718). (¬5) ابن أبي عنترة شاعر فصيح مخضرم ممن أسلموا من هذيل. الأغاني (20/ 167) بولاق، والشعر والشعراء (420). (¬6) البيت من الكامل - ديوان الهذليين (2/ 254) وبرواية تخلي، شرح السكري (ص 434) برواية تجلي. والهمع (1/ 42)، هذا: وفي الديوان: لوفق بدل لوقت. (¬7) البيت من الطويل - الكتاب (2/ 302). (¬8) البيت من الكامل - ديوانه (ص 164)، برواية بعد بدل بعض.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي ... أواخره لا نلتقي وأوائله (¬1) ومنه قول أبي الصلت: 3245 - سدت عثمان يافعا ووليدا ... ثمّ سدت الملوك قبل المشيب (¬2) وقد اجتمع عطف المقدم على المؤخر وعطف المؤخر على المقدم في قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (¬3) ومن عطفها بقصد المعية قوله تعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ (¬4) ونسب قوم إلى الفراء أن الواو مرتبة ولا يصح ذلك. فإنه قال في معاني سورة الأعراف، فأما الواو فإن شئت جعلت الآخر هو الأول والأول هو الآخر فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدا فأيهما شئت كان هو المبتدأ بالزيارة (¬5). هذا نصه، وهو موافق لكلام سيبويه (¬6) وغيره من البصريين والكوفيين. ونبهت بقولي: وبعدم الاستغناء عنها في عطف ما لا يستغنى عنه: على أنه لا يقوم مقام الواو وغيرها في نحو: اختصم زيد وعمرو ولا في نحو هذان زيد وعمرو وإن إخوتك عبد الله ومحمدا وأحمد نجباء. ونبهت بقولي: ويجوز أن يعطف بها بعض متبوعها تفصيلا على نحو: وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ (¬7)، وعلى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى (¬8). وبقولي: وعامل مضمر على عامل ظاهر يجمعهما معنى واحد على نحو قوله تعالى: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ (¬9) فإن أصله تبوءوا واعتقدوا الإيمان فاستغنى بمفعول واعتقدوا عنه هو معطوف على تبوءوا، وجاز ذلك لأن في اعتقدوا وتبوءوا معنى لازم واستصحب. فهذا معنى قولي: يجمعهما معنى واحد ومن هذا القبيل قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لجميل - ديوانه (168) والأغاني (7/ 80) والمحتسب (1/ 42). (¬2) البيت من الخفيف، وشاهده كسابقه. (¬3) سورة الأحزاب: 7. (¬4) سورة البقرة: 127. (¬5) عند قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها المغني (1/ 396). (¬6) الكتاب (3/ 41). (¬7) سورة البقرة: 98. (¬8) سورة البقرة: 238. (¬9) سورة الحشر: 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ (¬1) أي وأجمعوا شركاءكم لأن أجمع لا يوقع على الشركاء وشبهه من الأشخاص وإنما يوقع على الأمر والكيد وشبههما من المعاني ومن هذا القبيل قول الشاعر: 3246 - إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزجّجن الحواجب والعيونا (¬2) لأن الأصل وكحلن العيون فاستغنى بمفعول كحلن عنه وهو معطوف على زججن، وجاز ذلك لأن في زجج وكحل معنى حسّن. وأمثال ذلك كثيرة. وإن عطف بالواو على منفي غير مستثنى ولم يقصد المعية وليتها لا مؤكدة نحو: وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى (¬3) فبذكر لا علم نفي التقريب عن الأموال والأولاد مطلقا أي في افتراق وفي اجتماع ولو تركت لاحتمل أن يكون المراد نفي القريب عند الاجتماع لا عند الافتراق. وذلك أنك إذا قلت: ما قام زيد ولا عمرو فبذكر لا يعلم نفي القيام عن زيد وعمرو مطلقا أي في وقت واحد وفي وقتين بالنسبة إلى أحدهما دون الآخر وبتركها يحتمل نفي القيام عنهما في وقت واحد وفي وقتين ونفيه عن أحدهما دون الآخر إلا أنّ الأولى عند الترك قصد المعية. فإن كانت المعية مفهومة ببعض الجملة كاستوى جاز أن تزاد لا توكيدا للنفي المتقدم؛ لأن اللبس مأمون كقوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا (¬4) فلا قبل المسيء زائدة، وكذا التي قبل النور والحرور في فاطر (¬5). وقيدت المنفي بكونه غير مستثنى احترازا من نحو: قاموا إلّا زيدا وعمرا فإنه بمعنى قاموا لا زيد ولا عمرو، فالواو فيه عاطفة على منفي في المعنى لكنه [4/ 151] لا يعرض فيه لبس تزيله لا فاستغنى عنها. انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬6). ¬

_ (¬1) سورة يونس: 71. (¬2) من الوافر للراعي ديوانه: (ص 232) تحقيق د/ واضح الصمد، الخصائص (2/ 432)، والشذور (ص 242)، والعيني (3/ 91)، (4/ 193)، والمغني (357)، والهمع (1/ 122، 2/ 130). (¬3) سورة سبأ: 37. (¬4) سورة غافر: 58. (¬5) قوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ 19 وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ 20 وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ [فاطر 19 - 21]. (¬6) شرح التسهيل (3/ 351).

[حديث خاص بثم والفاء]

[حديث خاص بثم والفاء] قال ابن مالك: (ويقال في ثمّ فمّ وثمت (وثمت)، وتشركها الفاء في التّرتيب. وتنفرد ثمّ بالمهلة، والفاء العاطفة جملة أو صفة بالسّببيّة غالبا، وقد يكون معها مهلة وتنفرد أيضا بعطف مفصّل على مجمل متّحدين معنى وبتسويغ الاكتفاء بضمير واحد في ما تضمّن جملتين من صلة أو صفة أو خبر، وقد تقع موقع ثمّ، وثمّ موقعها، وقد يحكم على الفاء وعلى الواو بالزّيادة وفاقا للأخفش، وقد تقع ثمّ في عطف المقدّم بالزّمان اكتفاء بترتيب اللّفظ). ـــــــــــــــــــــــــــــ وليس فيه إلا أمر واحد وهو قوله إن لا في مثل: ما قام زيد ولا عمرو إذا لم تقصد المعية تكون مؤكدة لأن في جعلها مؤكدة منافاة لما قرره؛ لأن تقريره أفاد أن دخول لا وعدم دخولها إنما يكونان بحسب ما يراد من المعنى. فإن قصد نفي الحكم عن المتعاطفين حالة الاجتماع وحالة الافتراق أتى بها، وإن قصد نفيه حالة الاجتماع لا حالة الافتراق لم يؤت بها، وإذا كان كذلك كان ذكر لا مفيدا معنى يفوت بعدم ذكرها، وما كان شأنه ذلك فهو مسوق للتأسيس لا للتأكيد بل يكون دخولها عند قصد نفي الحكم في الحالين وعدم دخولها عند قصد نفيه في أحدهما متعينين. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قول من قال فم هو من إبدال الثاء فاء كقولهم في الحدث: حدف وفي الغاثور غافور. وزيادة الثاء مفتوحة وساكنة كزيادتها في ربّ، ومن ذلك قول الأسود بن يعفر (¬2): 3247 - بدّلت شيئا قد علا لمّتي ... بعد شباب حسن معجب صاحبته ثمّت فارقته ... ليت شبابا زال لم يذهب (¬3) وحق المعطوف بها أن يكون مؤخرا بالزمان مع مهلة وحق المعطوف بالفاء أن يكون مؤخرا بلا مهلة ومن ذلك أن جبريل عليه السّلام نزل فصلّى فصلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (¬4) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 352). (¬2) النهشلي الدارمي التميمي شاعر جاهلي، ويقال له: أعشى بني نهشل، كفّ بصره أواخر أيامه (ت 22 ق. هـ) - السمط (1/ 248)، والشعر والشعراء (1/ 255). (¬3) البيتان وانظرهما في التذييل (4/ 154). (¬4) ينظر البخاري: مواقيت (1)، وموطأ مالك: وقوت الصلاة (1).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعطف بالفاء المتأخر بلا مهلة وبثم المتأخر بمهلة. والغالب في الجملة المعطوفة بالفاء أن يكون معناها متسبّبا عن معنى الأول نحو: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ * (¬1)، وفَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ (¬2)، [و] وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ (¬3)، [و] كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ (¬4)، وفَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ (¬5)، [و] وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ 24 فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ (¬6). [و] وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (¬7) وفَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (¬8)، ونحو: أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً (¬9)، ونحو: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ (¬10) أو يكون بين مفصّل ومجمل متحدي المعنى نحو: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ (¬11) ونحو: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً (¬12) ونحو: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (¬13) ونحو: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (¬14) ونحو: إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً 35 فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً 36 عُرُباً أَتْراباً (¬15). وقد يعطف بها لمجرد الترتيب في الجمل نحو: فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ 26 فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ (¬16)، ونحو: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (¬17) ونحو: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها (¬18)، وفي الصفات نحو: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ 51 لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 22، وسورة إبراهيم: 32. (¬2) سورة البقرة: 37. (¬3) سورة الكهف: 49. (¬4) سورة الكهف: 50. (¬5) سورة القصص: 15. (¬6) سورة ص: 24، 25. (¬7) سورة هود: 67. (¬8) سورة العنكبوت: 37. (¬9) سورة يوسف: 96. (¬10) سورة الزمر: 68. (¬11) سورة البقرة: 36. (¬12) سورة النساء: 153. (¬13) سورة القصص: 66. (¬14) سورة ق: 2. (¬15) سورة الواقعة: 35 - 37. (¬16) سورة الذاريات: 26، 27. (¬17) سورة ق: 22. (¬18) سورة الذاريات: 29.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْ زَقُّومٍ 52 فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ 53 فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ 54 فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (¬1)، ومنه قول الشاعر: 3248 - يا ويح زيّابة للحارث الصّا ... بح فالغانم فالآيب كأنه قال صبح فغنم فآب، وقد تكون مع السببية مهلة كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً (¬2)، وتنفرد الفاء أيضا بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد في ما تضمن جملتين من صلة أو صفة أو خبر أو حال نحو: الذي يطير فيغضب زيد الذباب، ومررت برجل يبكي فيضحك عمرو، وخالد يقوم فيقعد بشر، كل هذا جائز بالفاء ولو جيء فيه بدلها بالواو لم يجز؛ لأن حق المعطوف بالواو على صلة أو صفة أو خبر أن يصلح لما صلح له المعطوف عليه والجملة العارية من ضمير الموصول والموصوف والمخبر عنه لا تصلح للوصل بها ولا للوصف بها ولا للإخبار بها فلا يجوز أن تعطف بالواو على صلة ولا صفة ولا خبر، واغتفر ذلك في الفاء؛ لأن ما فيها من السببية يسوغ تقدير ما بعدها وما قبلها كلاما واحدا. ألا ترى أن قولك الذي يطير فيغضب زيد الذباب بمنزلة الذي إن يطر يغضب زيد الذباب، ومثل هذا التقدير لا يتأتى مع الواو فلذلك لم يجر العطف بها في هذه الجمل مجرى العطف بالفاء. وقد تقع الفاء موقع ثم كقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ 12 ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ 13 ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً (¬3) فالفاء من (فخلقنا) ومن (فكسونا) واقعة موقع ثم لما في معناه من المهلة؛ ولذلك جاءت ثم بدلها في أول الحج (¬4). ومن وقوع الفاء موقع ثم قول الشاعر: 3249 - إذا مسمع أعطيك يوما يمينه ... فعدت غدا عادت عليك شمالها (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة الواقعة: 51 - 55. (¬2) سورة الحج: 63. (¬3) سورة المؤمنون: 12 - 14. (¬4) قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ [الحج: 5]. (¬5) البيت من الطويل - التذييل (4/ 154).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تقع ثم موقع الفاء كقول الشاعر: 3250 - كهزّ الرّدينيّ تحت العجاج ... جرى في الأنابيب ثمّ اضطرب (¬1) فثم هنا واقعة موقع الفاء التي يعطف بها مفصل على مجمل؛ لأن جريان الهز في الأنابيب هو اضطراب المهزوز لكن في الاضطراب تفصيل وفي الهز إجمال. [4/ 154] وقد تزاد الواو والفاء. فمن زيادة الواو قوله تعالى: وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها (¬2) قال [أبو] الحسن معناه قال لهم خزنتها (¬3). ومن زيادتها قول مروان ابن أبي حفصة (¬4): 3251 - فما بال من أسعى لأجبر عظمه ... حفاظا وينوي من سفاهته كسري (¬5) ومن زيادتها قول الأسود بن يعفر: 3252 - حتّى إذا قملت بطونكم ... ورأيتم أبناءكم شبّوا وقلبتم ظهر المجنّ لنا ... إنّ اللّئيم الفاحش الخبّ (¬6) ومن زيادتها قول الشاعر: 3253 - فلمّا رأى الرّحمن أن ليس فيهم ... رشيد ولا ناء أخاه عن الغدر وصبّ عليهم تغلب ابنه وائل ... فكانوا عليهم مثل راعية البكر (¬7) ومن زيادتها أيضا قول الآخر: 3254 - ولقد رمقتك في المجالس كلّها ... فإذا وأنت تعين من يبغيني (¬8) ومثله: - ¬

_ (¬1) البيت من المتقارب لأبي دؤاد الإيادي - ديوانه (ص 292)، والمغني (119)، والهمع (2/ 131). (¬2) سورة الزمر: 73. (¬3) معاني الأخفش (1/ 307). (¬4) شاعر عالي الطبقة في العصر الأموي وأدرك العهد العباسي (ت 182 هـ)، الأعلام (8/ 95)، ورغبة الآمل (6/ 82)، والشعر والشعراء (ص 295). (¬5) البيت من الطويل - التذييل (4/ 156) - منسوبا - أيضا - إليه. (¬6) البيت من الكامل - الإنصاف (ص 458)، والشجري (1/ 357)، ومعاني الفراء (1/ 107، 238) والمقتضب (2/ 81)، وابن يعيش (8/ 94). (¬7) تقدم ذكرهما. (¬8) البيت من الكامل لأبي العيال الهذلي - ديوان الهذليين (2/ 260) برواية: فلقد، والمغني (ص 362).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3255 - فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ... إلّا كلمة حالم بخيال (¬1) وقال الأخفش في «المسائل الصغرى»: يقولون: كنا ومن يأتنا نأته يجعلون الواو زائدة في باب كان ولا يحسن زيادة هذه الواو في غير باب كان (¬2) يعني أنه لا يطرد زيادتها إلا في باب كان. ومن زيادة الواو قول عدي بن زيد: 3256 - ولكن كالشهاب وثمّ يخبؤوها ... هادي الموت عنه لا يحار (¬3) ومن زيادة الفاء قوله: 3257 - يموت أناس أو يشيب فتاهم ... ويحدث ناس والصّغير فيكبر (¬4) ومن زيادتها قول الآخر: 3258 - لما اتقى من عظيم جرمها ... فتركت صاحبي جلده يتذبذب (¬5) ومنه قول زهير: 3259 - أراني إذا ما بتّ بتّ [على] هوى ... فثمّ (إذا) أصبحت أصبحت غاديا (¬6) وقال الأخفش: زعموا أنهم يقولون أخوك فوجد يريدون أخوك وجد (¬7). قال الفراء: والعرب تستأنف بثم والفعل الذي بعدها قد مضى قبل الفعل الأول من ذلك أن يقول الرجل: قد أعطيتك ألفا ثم أعطيتك قبل ذلك مالا فيكون ثم عطفا على خبر المخبر كأنك قلت: أخبرك أني أعطيتك (اليوم) ثم أخبرك أني أعطيتك أمس (¬8). وإلى هذا أشرت بقولي: وقد تقع ثمّ في عطف المقدّم بالزّمان. قلت: ويمكن أن يكون من هذا قوله تعالى: ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ (¬9)؛ - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل لتميم بن مقبل - ديوانه (259)، وشرح العمدة (650)، واللسان: لمم. (¬2) الارتشاف (ص 874). (¬3) البيت انظره في التذييل (4/ 157). (¬4) البيت من الطويل - تعليق الفرائد (1/ 844)، والدرر (2/ 172)، برواية: أو يشيب، والهمع (2/ 131). (¬5) البيت ينظر في التذييل (4/ 156). (¬6) تقدم، هذا وفي الأصل: ذا بدل على. (¬7) معاني الأخفش (1/ 93). (¬8) الارتشاف (2/ 639). (¬9) سورة الأنعام: 154.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن قبله: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ (¬1) والوصية لنا بعد إيتاء موسى الكتاب. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬2). ولم يكن فيه تعرض إلى ذكر خلاف في كون الحرفين المذكورين أعني ثم والفاء يفيدان الترتيب أو لا يفيدانه. وقد ذكر المغاربة الخلاف في ذلك. أما الفاء: فقال ابن عصفور (¬3): مذهب أهل البصرة أنها للترتيب في كل موضع، والفراء موافق لهم في أنها للترتيب إلا في الفعلين اللذين أحدهما سبب للآخر ويؤولان إلى معنى واحد فإنها لا تكون عنده إذ ذاك مرتبة وذلك نحو قولك: أعطيتني فأحسنت إليّ وأحسنت إليّ فأعطيتني فيجوز عنده أن يقدم الإحسان على الإعطاء وإن كان إنما وقع بعد الإعطاء؛ لأن الإعطاء سبب في الإحسان وهو إحسان في المعنى (¬4). ومذهب الجرمي أنها للترتيب إلا في الأماكن والمطر فزعم أنك تقول: عفا موضع كذا فموضع كذا وإن كانت هذه الأماكن إنما عفت في وقت واحد ونزل المطر مكان كذا فمكان كذا وإن كان المطر قد نزل في هذه الأماكن في وقت واحد (¬5). وذهبت طائفة من الكوفيين إلى أن الفاء لا ترتب بمنزلة الواو. أما الفراء فاستدل بقوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (¬6)، وبقوله جل ذكره: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا (¬7) ومعلوم أن القراءة والإهلاك مؤخران عن الاستعاذة ومجيء البأس وذلك لأن مجيء البأس من سبب الإهلاك وهو إهلاك في المعنى والاستعاذة من سبب القراءة شرعا فهي قراءة في المعنى (¬8). والجواب: أن ذلك يتخرج على أن يكون «قرأت» بمعنى أردت أن تقرأ؛ لأن العرب قد تقول: فعل فلان بمعنى قارب أن يفعل أو أراد أن يفعل ومنه قولهم: «قد قامت الصّلاة» (¬9) أي قد قرب قيامها أو أريد قيامها، وقول الفرزدق: - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 153. (¬2) شرح التسهيل (3/ 357). (¬3) في شرح الجمل (1/ 228)، وما بعدها. (¬4) ينظر: الارتشاف (2/ 636) والتصريح (2/ 138) .. والهمع (2/ 131). (¬5) الأرتشاف (2/ 636)، والتصريح (2/ 138)، والهمع (2/ 131). (¬6) سورة النحل: 98. (¬7) سورة الأعراف: 4. (¬8) وانظر التصريح (2/ 2 / 138، 139) والهمع (2/ 131). (¬9) جزء من حديث شريف - سنن ابن ماجه (1/ 235) وسنن النسائي (2/ 7)، وعون المعبود (2/ 230).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3260 - إلى ملك كاد النّجوم لفقده ... يقعن وزال الرّاسيات عن الصّخر (¬1) يريد: وأرادت الراسيات أن تزول أو قاربت أن تزول، وأما قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها (¬2) الآية الشريفة فيحتمل أمرين: أن يكون كما تقدم كأنه قيل: أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا وأن يكون أريد [بأهلكناها] أنها أهلكت إهلاكا من غير استئصال فجاءها بأسنا فهلكت هلاك استئصال. وأما الجرمي فاستدل على ما ذهب إليه بقول الشاعر: 3261 - عفا ذو حسي من فرّتنا فالفوارع ... فجنبا أريك فالتلاع الدوافع (¬3) ومعلوم أن هذه الأماكن لم تعف على ترتيب إذ الوقوف على أن يكون الآخر من الأماكن قد عفا عند انقضاء عفاء الأول من غير مهلة بينهما متعذر (¬4). وكذا قولهم: نزل المطر فمكان كذا فمكان كذا إنما نزل المطر بهذه الأماكن في حين واحد. والجواب عن ذلك: بأن يجعل الترتيب في مثل هذا بالنظر إلى الذكر وذلك أن القائل عفا موضع كذا فموضع كذا لا تحضره أسماء الأماكن في حين الإخبار دفعة واحدة فيبقى في حال الإخبار متذكرا لها متتبعا فما سبق إلى ذكره أتى به أولا وما تأخر في ذكره عطفه بالفاء. واستدل من ذهب إلى أن الفاء لا ترتب مطلقا بما استدل به الفراء والجرمي إلا أنهم حملوا سائر الأماكن على ذلك. قال: والذي يدل على فساد مذهب هؤلاء أن العرب تقول: اختصم زيد وعمرو ولا تقول: فعمرو، ولو كانت الفاء بمنزلة الواو في جميع الأماكن لوجب أن يجوز مثل هذا العطف بالفاء (¬5). وأما ثم: فللجمع والترتيب والمهلة. وزعم بعض النحويين أنها بمنزلة الواو لا ترتب. واستدل على ذلك بقوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ [4/ 153] ثُمَّ جَعَلَ - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل - ديوانه (1/ 217)، والمغني (ص 688)، برواية: الجبال بدل النجوم. (¬2) سورة الأعراف: 4. (¬3) البيت من الطويل للنابغة الذبياني - ديوانه (ص 49)، والمقرب (1/ 230). (¬4) التصريح (2/ 139). (¬5) شرح الجمل (1/ 231) تحقيق صاحب أبو ضاح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْها زَوْجَها (¬1) ومعلوم أن جعل زوج آدم منه إنما كان قبل خلقنا، وبقوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ (¬2) ومعلوم أن أمر الملائكة بالسجود لآدم إنما كان قبل خلقنا وتصويرنا فدل ذلك على أن ثم بمنزلة الواو. والجواب عن ذلك: أما قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها فالفعل الذي هو جَعَلَ معطوف على ما في وحدة: من معنى الفعل كأنه قيل من نفس وحدت أي أفردت ثم جعل منها زوجها، وأما قوله تعالى: ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فمعطوف على خَلَقْناكُمْ إلا أن الكلام محمول على حذف مضاف لفهم المعنى كأنه قيل: ولقد خلقنا أباكم ثم صورنا أباكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم. ومما يدل على فساد هذا المذهب امتناع اختصم زيد ثم عمرو ولو كانت ثم بمنزلة الواو لجاز ذلك كما جاز اختصم زيد وعمرو (¬3). انتهى كلام ابن عصفور - رحمه الله تعالى -. والظاهر أن الترتيب في مثل عفا مكان كذا فكذا ونزل المطر بمكان كذا فكذا إنما هو بالنظر إلى الذكر، أي الإيراد بمعنى أن المتكلم قصد إلى أن يوردها مترتبة بهذا الترتيب الخاص. ثم إنه ذكر في شرح الإيضاح أدلة أخر استدل بها القائلون بأن الفاء لا تقتضي الترتيب وهي قوله تعالى: فَتَعاطى فَعَقَرَ (¬4)، وثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (¬5)، وفَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها (¬6)، وقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ 7 وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (¬7) بعد قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (¬8) وقوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (¬9) ... الآية. قال: ومن ذلك قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الزمر: 6، وفي الأصل هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها وهو خطأ وتحريف إذ خلط بين هذه الآية وبين آية الأعراف (189) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها والعطف في الأخيرة بالواو كما ترى. (¬2) سورة الأعراف: 11. (¬3) شرح الجمل (1/ 232). (¬4) سورة القمر: 29. (¬5) سورة النجم: 8. (¬6) سورة الشمس: 14. (¬7) سورة الزلزلة: 7، 8. (¬8) سورة الزلزلة: 6. (¬9) سورة المائدة: 6.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3262 - وإنّي متى ما أدع باسمك لا تجب ... وكنت جديرا أن تجيب فتسمعا (¬1) وقول الآخر: 3263 - ويعزر أناسا عزة يكرهونها ... فنحيا كراما أو نموت فنقتل (¬2) أي: أو نقتل فنموت. ثم أجاب عن ذلك بأن قال: ليس المراد فتعاطى الذنب فعقر، بل يمكن أن يكون المراد: فتعاطى السبب فعقر، وليس المراد به ثم تدلى فدنا بتدليه بل المراد ثم دنا فبقى بعد الدنو متدليا، والتدلي هو التعلق في الهواء وليس المعنى على أنهم عقروا وكذبوا بعد العقر، بل المعنى فكذبوه في أنها آية وحملهم التكذيب بكونها آية على عقرها. قال: والمراد بقوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ: ومن يظهر في صحيفته مثقال ذرة من الخير يره. قال: وأما قول الشاعر: أن تجيب فتسمعا، فالمراد منه أن تجيب فيتبين من ذلك أنك قد سمعت دعائي باسمك، ويكون ذلك نظير قولهم: من يقتصد في نفقته فهو عاقل إذ المراد فقد ظهر عقله بذلك ولو لم يكن التقدير كذلك لزم أن يكون جواب الشرط متقدما عليه؛ لأن عقله قبل اقتصاده وذلك باطل قال: وأما قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ .... الآية فقال ابن جني: معناه إذا عزمتم وتهممتم بها. قال: فليس الغرض والله تعالى أعلم في قمتم النهوض والانتصاب الذي هو ضد القعود. وقال أبو سعيد: إذا أردتم القيام إلى الصلاة (¬3). قال: وأما قول الآخر: فنحيا كراما أو نموت فنقتل فإنه أراد بقوله نموت نقارب أسباب الموت. وذكر في الشرح المذكور (¬4) أدلة أخر أيضا استدل بها القائلون بأن ثم لا تقتضي الترتيب وهي قوله تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ (¬5)، ثم قال تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ (¬6) لأن السماء مخلوقة قبل الأرض بدليل قوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (¬7) إلى أن قال تعالى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (¬8). - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لمتمم بن نويرة - الارتشاف (ص 1157)، والعقد الفريد (2/ 17). (¬2) البيت من الطويل - التذييل (4/ 155). (¬3) معاني القرآن وإعرابه للزجاج (2/ 166). (¬4) يريد: شرح الإيضاح. (¬5) سورة فصلت: 9. (¬6) سورة فصلت: 11. (¬7) سورة النازعات: 27. (¬8) سورة النازعات: 30.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (¬1)؛ لأن الاهتداء هو ما تقدم ذكره فتراخيه عنه لا يتصور. وقوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا (¬2)؛ لأن الاتقاء والإيمان لم ينقطعا ثم حدث بعدهما بمهلة اتقاء وإيمان آخران. وقوله تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (¬3) لأن التوبة لا تتراخى عن الاستغفار. وقوله تعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ 7 ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ 8 ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ (¬4)؛ لأن التسوية والنفخ لآدم المتقدم ذكره في وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ، وقد تقدم عليهما جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ وهو متأخر عنهما، وقوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (¬5)؛ لأن إنكار النعمة غير متراخ عن معرفتها. وأورد أبياتا منها قول الشاعر: 3264 - سألت ربيعة من خيرها ... (أبا) ثمّ أمّا فقالت لمه (¬6) قال: لأن كون الشخص خيرا أمّا من غيره لا يتأخر عن كونه خيرا أبا من غيره. وقول الآخر: 3265 - إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه ... ثمّ قد ساد بعد ذلك جدّه (¬7) لأن المدح إنما هو بتوارث السؤدد كما قال القائل: 3266 - ورثنا الغنى والمجد أكبر أكبرا (¬8) وكما قال الآخر: 3267 - بقيّة قدر من قدور تورّثت ... لآل الجلاح كابرا بعد كابر (¬9) - ¬

_ (¬1) سورة طه: 82. (¬2) سورة المائدة: 93. (¬3) سورة هود: 90. (¬4) سورة السجدة: 7 - 9. (¬5) سورة النحل: 83. (¬6) البيت من المتقارب - التذييل (4/ 156). (¬7) من الخفيف - الدرر (2/ 173، 174) والهمع (2/ 131)، برواية قبل بدل بعد. (¬8) البيت شطر بيت من الطويل - وانظره في التذييل (4/ 156). (¬9) البيت من الطويل - الشجري (2/ 270، 283) وفيه: تورّثت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكما قال الآخر: 3268 - وكابرا سادوك عن كابر (¬1) ثم ذكر الأجوبة عن ذلك فقال: أما قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ (¬2) ففيه جوابان: أحدهما: أن الأرض خلقت قبل السماء غير مدحوة ثم دحيت بعد ما ذكره الله تعالى من أمر السماء. والآخر: أن تكون بعد بمعنى مع كما أنها بمعناها في قوله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (¬3) أي مع ذلك. وأما قوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ (¬4) الآية فالمعنى من ثم اهتدى داوم على الهدى ويقوي ذلك أنهم قد أمروا بالدوام على الإيمان في قوله [4/ 154] تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا (¬5) وكذا معنى اتَّقَوْا وَآمَنُوا (¬6): ثم داوموا على الاتقاء والإيمان ثم داوموا على الاتقاء والإحسان. وكذا معنى قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ (¬7) ثم دوموا على التوبة. وأما قوله تعالى: وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (¬8) الآية فمعناها وبدأ خلق آدم من طين ثم حكم بجعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه، هذا إن جعل النفخ والتسوية لآدم - عليه الصلاة والسّلام - كما أنهما له في قوله تعالى: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ 71 فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ (¬9) وإن جعلا لنسله لم يحتج في الآية الشريفة إلى تأويل. وأما قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها (¬10) فإن ثُمَّ فيه للبعد المعنوي الذي بين المعطوف والمعطوف عليه لا للبعد الزماني لأن من عرف شيئا ينبغي أن يكون أبعد الناس عن إنكاره. ونظير ذلك في البعد من جهة الزمان قولك: أشعر الناس فلان ثم فلان إذا تباعد ما بينهما في جودة الشعر. وكذلك هي للبعد المعنوي في البيت الذي هو: سألت ربيعة، لأن الشر الذي يلحق في الأنساب من - ¬

_ (¬1) البيت في الشجري (2/ 270) «ومنه قولهم: سادوك كابرا عن كابر أي كبيرا بعد كبير، ثم ذكر البيت المتقدم. (¬2) سورة البقرة: 29. (¬3) سورة القلم: 13. (¬4) سورة طه: 83. (¬5) سورة النساء: 136. (¬6) سورة المائدة: 93. (¬7) سورة هود: 90. (¬8) سورة السجدة: 7. (¬9) سورة ص: 71، 72. (¬10) سورة نحل: 83.

[حديث خاص بحتى وأم وأو]

[حديث خاص بحتى وأم وأو] قال ابن مالك: (المعطوف بحتّى بعض متبوعه أو كبعضه، وغاية له في زيادة أو نقص مفيد ذكرها، وإن عطفت على مجرور لزم إعادة الجارّ ما لم يتعّين العطف ولا يقتضي ترتيبا على الأصحّ، و «أم» متّصلة ومنقطعة، فالمتّصلة المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأيّ، وربّما حذفت ونويت، والمنقطعة ما سواها، وتقتضي إضرابا مع استفهام ودونه، وعطفها المفرد قليل. وفصل «أمّ» ممّا عطفت عليه أكثر من وصلها. و «أو» لشكّ أو تفريق مجرّد أو إبهام أو إضراب أو تخيير. وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا وفي عطف المصاحب والمؤكّد قليلا، وتوافق «ولا» بعد النّهي والنّفي). ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل الأب أشد من الشر الذي يلحق من قبل الأم لأن الاعتماد في الانتساب إنما هو على الآباء. وأما قول الشاعر: 3269 - إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه ... ثمّ قد ساد بعد ذلك جدّه فإنّه ينبغي أن يحمل على ظاهره ويكون الجد قد أتاه السؤدد من قبل الأب وأتى الأب من قبل الابن؛ لأن ذلك مما يمدح به وإن كان الأكثر في كلامهم المدح بتوارث السؤدد، ويكون البيت إذ ذاك مثل قول القائل: 3270 - وكم أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علت برسول الله عدنان (¬1) قال: ومما يبين لك أن معاني هذه الحروف الثلاثة يعني الواو والفاء وثم على حسب ما تقرر فيها قوله تعالى: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ 79 وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 80 وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (¬2) فجاء عطف (يحيي) بـ (ثمّ) للتراخي الذي بين وقت الإماتة ووقت الإحياء، وأتى بالفاء في فَهُوَ يَشْفِينِ؛ لأن الشفاء يعقب المرض من غير مهلة، وجاء عطف وَيَسْقِينِ على يُطْعِمُنِي بالواو لأن كلّا من الإطعام والسقي قد يتقدم على الآخر وقد يتأخر عنه. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): لا يعطف بحتى إلا بعض أو كبعض وغاية - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط لابن الرومي - المغني (118). (¬2) سورة الشعراء: 79 - 81. (¬3) انظر شرح التسهيل (3/ 357).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للمعطوف عليه في زيادة أو نقص فيدخل في الزيادة الأقوى والأعظم والأكثر. ويدخل في النقص الأضعف والأحقر والأقل نحو: فاق على - رضي الله تعالى عنه - الأبطال حتى عنترة وعجز في العلم الأذكياء حتى الحكماء وقصر عن جوده الغيوث حتى الديم وقهر الجبان الناس حتى النساء. ومن كلام العرب استنت الفصال حتى القرعي (¬1). وقد أجمعت غايتا القوة والضعف في قول الشاعر: 3271 - قهرناكم حتّى الكماة فإنّكم ... لتخشوننا حتّى بنينا الأصاغرا (¬2) فالمعطوف في هذه الأمثلة بعض محقق وقد يكون شبيها ببعض لا بعضا كقولك: أعجبتني الجارية حتى حديثها، فالحديث ليس بعضا ولكنه كبعض لأنه معنى من معاني المحدث، والمعتمد عليه في ما يصح عطفه بحتى أن يصح استثناؤه بإلا فيصح أعجبتني الجارية حتى حديثها كما يصح أعجبتني الجارية إلا حديثها ويمتنع أعجبتني الجارية حتى ابنها كما لا يمتنع أعجبتني الجارية إلا ابنها. وقد يكون المعطوف بحتى مباينا فتقدر بعضيته بالتأويل - كقول الشاعر: 3272 - ألقى الصّحيفة كي يخفّف رحله ... والزّاد حتّى نعله ألقاها (¬3) فعطف بحتى وليس بعضا لما قبلها ولكنها بالتأويل بعض لأن المعنى ألقى ما يثقله حتى نعله ويروي بالجر والرفع. وقيدت الغاية بأن يكون ذكرها مفيدا تنبيها على أنك لو قلت: أتيتك الأيام حتى يوما لم يجز لأنه لا فائدة فيه. وهكذا لو قلت في الاستثناء: صمت الأيام إلا يوما فلو وقت ما بعد حتى والأحسن وكانت فيه فائدة نحو: صمت الأيام حتى يوم الجمعة وإلا يوم الجمعة. وإن عطف بحتى على مجرور وخيف توهم كون المعطوف مجرورا بحتى لزم إعادة الجار نحو: اعتكفت في الشهر حتى في آخره فإن أمن ذلك لم يلزم إعادة الجار نحو: - ¬

_ (¬1) استنت: سمنت، وهو مثل يضرب لمن تعدى طوره وادعى ما ليس له - اللسان (قرع) ومجمع الأمثال (1/ 333)، والمستقصى (1/ 158). (¬2) البيت من الطويل - الأشموني (3/ 97)، والدرر (2/ 188)، والمغني (ص 127)، والهمع (2/ 136). (¬3) تقدم في باب حروف الجر.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عجبت من القوم حتى بنيهم. ونحو قول الشاعر: 3273 - جود يمناك فاض في الخلق حتّى ... بائس دان بالإساءة حينا (¬1) وحتى بالنسبة إلى الترتيب كالواو فجائز كون المعطوف بها مصاحبا كقولك: قدم الحجاج حتى المشاة في ساعة كذا، وجائز كونه سابقا كقولك: قدموا حتى المشاة متقدمين. ومن زعم أنها تقتضي الترتيب في الزمان فقد ادعى ما لا دليل عليه وفي الحديث: «كلّ شيء بقضاء وقدر حتّى العجز والكيس» (¬2)، وليس في القضاء ترتيب، وإنما الترتيب في ظهور المقضيات، وقال الشاعر: 3274 - لقومي حتّى الأقدمون تمالئوا ... على كلّ أمر يورث المجد والحمدا (¬3) فعطف بحتى الأقدمين مع كونهم يتعين متقدمين. وأم المعتمد [4/ 155] عليها في العطف هي المتصلة نحو: أزيد عندك أم عمرو، وسميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى أحدهما عن الآخر ولا تحصل الفائدة إلا بهما. وشرط ذلك أن يكون متبوعهما مسبوقا بهمزة صالح موضعها لأي كالواقعة في أزيد عندك أم عمرو، وفي قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬4)، [و] وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (¬5)، وأَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ (¬6)، وأَ ذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (¬7)، وأَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ (¬8)، وقد يكون مصحوبا هما فعلين لفاعلين متباينين. كقول حسان - رضي الله تعالى عنه -: 3275 - ما أبالي أنبّ بالحزن تيس ... أم جفاني بظهر غيب لئيم (¬9) وقد يكون مصحوباهما جملتين ابتدائيتين كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف - التذييل (4/ 18). (¬2) ينظر: ابن حنبل (2/ 110) ومسلم: القدر 18، والموطأ: القدر 4، و «بقضاء» ليس فيه. (¬3) البيت من الطويل - الدرر (2/ 188) والكافية الشافية (ص 469)، والهمع (2/ 136). (¬4) سورة البقرة: 6. (¬5) سورة الأنبياء: 109. (¬6) سورة الفرقان: 15. (¬7) سورة الصافات: 62. (¬8) سورة النازعات: 27. (¬9) البيت من الخفيف ديوانه (ص 378)، والشجري (ص 334)، والعيني (4/ 135)، والكتاب (1/ 488)، والمقتضب (3/ 298).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3276 - ولست أبالي بعد فقدي مالكا ... أموتي ناء أم هو الآن واقع (¬1) ومثله: 3277 - لعمرك [ما] أدري وإن كنت داريا ... شعيث ابن سهم أم شعيث ابن [منقر] (¬2) أراد ما أدري أشعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر. فهذه الأبيات شواهد على وقوع أم المتصلة بين جملتين إذا كان المعنى معنى أي. وابن سهم وابن منقر خبران لا صفتان وحذف التنوين من شعيث على حد حذفه في قول الشاعر: 3278 - عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون عجاف (¬3) وخرج بقولي: صالح موضعها لأي أم المسبوقة بهمزة صالح موضعها للنفي كقوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها (¬4) فأم في هذه المواضع الثلاثة منقطعة؛ لأنها لا تصلح لأي. وكذا إذا كان معنى ما هي فيه تقريرا كقوله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (¬5)، وكقول الراجز: 3279 - ألعبا بألف أم توانيا ... والموت يدنو رائحا وغاديا (¬6) وكذا كل موضع لم تتقدم فيه الهمزة استفهاما كان أو إخبارا. فالاستفهام كقوله: 3280 - أنّى جزوا عامرا سوءا بفعلهم ... أم كيف يجزون بالسوءى من الحسن أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل لمتمم بن نويرة - الدرر (2/ 175)، والعيني (4/ 136)، والمغني (/ 41)، والهمع (2/ 132). (¬2) البيت الأصل: منقرا - تحريف، والبيت من الطويل للأسود بن يعفر - التصريح (2/ 143) والكتاب (1/ 485)، والمحتسب (1/ 50)، وفيه أنه لعمران بن حطان، والمقتضب: (3/ 294) والهمع (2/ 132). (¬3) البيت من الكامل لابن الزبعرى - الإنصاف (663)، وشرح المفصل (9/ 36) واللسان: سنت. (¬4) سورة الأعراف: 195. (¬5) سورة النور: 50. (¬6) البيت ينظر شرح التسهيل (196). (¬7) البيت من البسيط لأفنون التغلبي - الخصائص (2/ 184، 3/ 107)، والشجري (1/ 37)، وشرح المفصل (4/ 18)، والمغني (45)، والهمع (2/ 133).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والإخبار كقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ (¬1) فأم في هذين الموضعين وما أشبههما منقطعة لعدم الهمزة قبلها كما هي منقطعة في أَمْ لَهُمْ (¬2) لعدم معنى أي. وقد تحذف الهمزة ويكتفى بظهور معناها قبل أم المتصلة كقول الشاعر: 3281 - فأصبحت منهم آمنا لا كمعشر ... أتوني وقالوا من ربيعة أم مضر (¬3) ومثله: 3282 - لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أم بثمان (¬4) ومنه قراءة ابن محيصن (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) (¬5)، وأكثر وقوع أم المنقطعة إضرابا واستفهاما كقوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ (¬6) إلى أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ (¬7). وقد يجاء بها لمجرد الإضراب ومن علامات ذلك في اللفظ أن يليها استفهام نحو: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (¬8) ونحو: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ (¬9) ونحو قول الشاعر: 3283 - أم كيف ينفع ما تعطي العلوق به ... رئمان أنف إذا ما ضنّ باللّبن (¬10) وإن ولي المنقطعة مفرد فهو معطوف بها على ما قبلها كقول بعض العرب أنها لإبل أم شاء فأم هنا لمجرد الإضراب عاطفة ما بعدها على ما قبلها كما كان يكون بعد بل فإنها بمعناها. وزعم ابن جني أنها بمنزلة الهمزة وبل وأن التقدير: بل أهي شاء، وهذه دعوى لا دليل عليها ولا انقياد إليها. وقد قال بعض العرب: إن هناك إبلا أم شاء فنصب ما بعد أم حين نصب ما قبلها وهذا عطف صريح مقوّ لعدم - ¬

_ (¬1) سورة السجدة: 3. (¬2) في آية: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ السابقة. (¬3) البيت من الطويل لعمران بن حطان - الخصائص (2/ 181)، والشجري (1/ 167، 317)، وشواهد التوضيح (/ 88)، والمحتسب (1/ 50). (¬4) البيت من الطويل لابن أبي ربيعة ديوانه (/ 266)، والدرر (2/ 175)، والعيني (4/ 142)، ولكتاب (1/ 475). (¬5) سورة البقرة: 6، وانظر البحر المحيط (1/ 48)، وابن زنجلة (86). (¬6) سورة الطور: 35. (¬7) سورة الطور: 43. (¬8) سورة النمل: 84. (¬9) سورة الملك: 20. (¬10) تقدم ذكره.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإضمار قبل المرفوع. وفصل أم المتصلة بما عطفت عليه نحو: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ (¬1) أكثر من وصلها نحو: أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (¬2) ومن ادعى امتناع وصلها أو ضعفه فمخطئ؛ لأن دعواه مخالفة للاستعمال المقطوع بصحته، ولقول سيبويه (¬3) والمحققين من أصحابه. ومن العطف بأو في الشك قوله تعالى: قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (¬4)، ومن العطف بها في التفريق المجرد قوله تعالى: لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى (¬5) وقوله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما (¬6). والمراد بوصف التفريق بالمجرد خلوه من الشكّ والإبهام والإضراب والتخيير فإن مع كل واحد منهما تفريقا مصحوبا بغيره. والتعبير عن هذا المعنى بالتفريق أولى من التعبير عنه بالتقسيم؛ لأن استعمال الواو في ما هو تقسيم أجود من استعمال أو كقولك: الكلمة اسم وفعل وحرف، والاسم ظاهر ومضمر والفعل ماض وأمر ومضارع، والحرف عامل وغير عامل. ومنه قول الشاعر: 3284 - وننصر مولانا ونعلم أنّه ... كما النّاس مجروم عليه وجارم (¬7) ولو جيء هنا بأو لجاز وكان التقدير الملقى منهم مجروم عليه أو جارم، والتقدير مع الواو منهم مجروم عليه ومنهم جارم أو بعضهم مجروم عليه وبعضهم جارم. ومن الجائي بأو مع كون الواو أولى قول الشاعر: 3285 - فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل (¬8) ومن مجيء أو في الإبهام قوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (¬9) ومثله قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الفرقان: 15. (¬2) سورة الأنبياء: 109. (¬3) الكتاب (3/ 169، 174). (¬4) سورة البقرة: 259. (¬5) سورة آل عمران: 195. (¬6) سورة النساء: 135. (¬7) تقدم ذكره في باب حروف الجر. (¬8) البيت من الطويل لجعفر الحارثي - الحماسة بشرح المرزوقي (ص 45)، والدرر (2/ 181)، وشواهد التوضيح (ص 115) وو المغني (ص 65) والهمع (2/ 134). (¬9) سورة سبأ: 24.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3286 - نحن أو أنتم الألى ألفوا الحق ... قّ فبعدا للظّالمين وسحقا (¬1) ومن مجيئها للإضراب قراءة أبي السمال (¬2) أو كلما عهدوا عهدا (¬3) قال أبو الفتح: معنى أو هنا معنى بل بمنزلة أم المنقطعة فكأنه قيل: بل كلما عاهدوا عهدا. قال: وأو التي بمنزلة أم المنقطعة موجودة في الكلام كثيرا» (¬4) وقال الفراء في قوله تعالى: إِلى مِائَةِ أَلْفٍ [4/ 156] أَوْ يَزِيدُونَ (¬5): أو هنا في معنى بل كذا جاء في التفسير مع صحته في العربية (¬6). وحكى الفراء: اذهب إلى زيد أو دع ذلك فلا تبرح اليوم (¬7). وقال ابن برهان في شرح اللمع: قال أبو علي أو حرف يستعمل على ضربين. أحدهما أن يكون لأحد الشيئين أو الأشياء، والآخر: أن يكون للإضراب (¬8)، قلت: ومن مجيء أو للتخيير قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (¬9) ومن مجيئها للإباحة قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ (¬10) إلى أَوِ الطِّفْلِ (¬11). ومن علامات التي للإباحة استحسان وقوع الواو موقعها ألا ترى أنه لو قيل: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن وآباء بعولتهن لم يختلف المعنى. ومنه جالس الحسن أو ابن سيرين (¬12) أي جالس الصنف المبارك الذين منهم الحسن وابن سيرين فلو جالسهما معا لم يخالف ما أبيح له والاعتماد في فهم المراد من هذا الخطاب على القرائن. ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف - المغني بحاشية الأمير (ص 59). (¬2) قعنب بن أبي قعنب العدوي البصري له في القراءة اختيار شاذ - تاج العروس (7/ 381)، وغاية النهاية (2/ 27). (¬3) سورة البقرة: 100، وانظر البحر المحيط (1/ 323، 324). (¬4) الأشموني والصبان (3/ 104). (¬5) سورة الصافات: 147. (¬6) معاني الفراء (2/ 393). (¬7) التذييل (4/ 166). (¬8) شرح اللمع له (ص 228). (¬9) سورة المائدة: 89. (¬10) سورة النور: 31. (¬11) السابقة. (¬12) هما الحسن البصري ومحمد بن سيرين. كانا متعاصرين في البصرة وتوفيا سنة (110 هـ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن معاقبة أو الواو في عطف المصاحب قول الشاعر: 3287 - قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم ... من بين ملجم مهره أو سافع (¬1) ومثله قول الآخر: 3288 - حتّى خضبت بما تحدّر من دمي ... أكناف سرجي أو عنان لجامي (¬2) ومثله أيضا: 3289 - فظلت وظلّ أصحابي لديهم ... عريض اللّحم نيّ أو نضيج (¬3) فأوفى هذه المواضع بمعنى الواو التي للمصاحبة. ومن أحسن شواهد هذا المعنى قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اسكن فما عليك إلّا نبيّ أو صديق أو شهيد» (¬4) وقول ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: «كل ما شئت واشرب ما شئت ما أخطأك ثنتان سرف أو مخيلة» (¬5). ومن معاقبة أو الواو في عطف المؤكد قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً (¬6)، وقوله تعالى: وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً (¬7)، ومنه قول الشاعر: 3290 - حواسر ممّا قد رأت فعيونها ... تفيض بماء لا قليل ولا تزر (¬8) وإذا وقع نهي أو نفي قبل أو كانت بمعنى الواو مردفة بلا. فمثال ذلك مع النهي قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (¬9) ومثال ذلك مع النفي قوله تعالى: وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ إلى: أَوْ صَدِيقِكُمْ (¬10) أي: ولا تطع منهم آثما ولا كفورا، ولا على أنفسكم أن تأكلوا - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل لحميد بن ثور - ديوانه (ص 111)، والأشموني (3/ 107)، والتصريح (2/ 146) والمغني (63). (¬2) البيت من الكامل لقطري بن الفجاءة - التذييل (4/ 166). (¬3) البيت من الوافر - التذييل (4/ 167). (¬4) البخاري: فضائل أصحاب النبي (62)، ومناقب عمر بن الخطاب (6). (¬5) البخاري: اللباس (1)، والهمع (2/ 134). (¬6) سورة المائدة: 48. (¬7) سورة النساء: 112. (¬8) البيت من الطويل - شرح العمدة (ص 634). (¬9) سورة الإنسان: 24. (¬10) سورة النور: 61.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من بيوتكم ولا من بيوت آبائكم (¬1). هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى. ولنتبعه بالتنبيه على أمور: منها: أنك قد عرفت في أول هذا الباب أن العطف بحتى قليل. ثم إن العطف بها مشروط بأربعة أمور: الأمران اللذان ذكرهما وهما أن يكون المعطوف بها بعض متبوعه أو كبعضه وأن يكون غاية له في زيادة أو نقص. والأمران الآخران أن يكون المعطوف بها أيضا مفردا أو أن يكون ظاهر. أما كون المعطوف بها لا يكون جملة فقد علله ابن أبي الربيع بأن قال: العطف بها قليل، واستعمالها حرف ابتداء كثير. (قال: وهذا مما يدل على أنها إذا وقعت بعدها الجملة فليست بحرف عطف؛ إذ وقوع الجملة بعدها كثير والعطف بها في المفردات وهو أصل العطف قليل (¬2). وقال ابن عصفور: ولا يجوز أن يعطف بها إلّا الأفعال والجمل؛ لأن المعطوف بها لا يكون إلّا بعضا مما عطف عليه وغاية له ولا يتصور ذلك في الأفعال والجمل (¬3). انتهى. وعلل غيره ذلك بأن الأصل في العاطفة أن تكون جارة نحو قط على أصلها من استعمالها مع الأسماء. وأما كون المعطوف بها لا يكون ضميرا فالظاهر أنه كما امتنع فيها أن تجر المضمر امتنع فيها أن تعطفه ليكون حكمها في البابين واحد. قال الخضراوي: لا يجوز العطف إلا حيث يجوز الجر، ولذلك لا يعطف المضمر على المظهر ولا على المضمر. ولا يجوز ضربت القوم إلا إياك ولا قاموا معهم حتى أنت لأن حتى لا تجر المضمر فلا تعطفه. وأعلم أن تعبير المصنف عن المعطوف بها بالبعضية وشبهها أحسن وأخضر من قول ابن عصفور أن المعطوف بها لا يكون إلا مختلطا بما عطف عليه أو جزءا من - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (ص 565). (¬2) التذييل (4/ 158) وما بعدها. (¬3) في شرح الجمل (1/ 228) - إشارة إلى ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أجزاء أو واحدا من أحاده إن كان المعطوف عليه جمعا نحو قولك: قتلت الجند حتى دوابهم وأكلت السمكة حتى رأسها وضربت القوم حتى زيدا ولو قلت: ضربت زيدا حتى عمرا وضربت الرجلين حتى أفضلهما لم يجز لأن المعطوف بها ليس شيئا من ذلك (¬1) ومن ثم قال الشيخ: وكان ينبغي للمصنف أن يقيد المتبوع بأن يكون ذا أجزاء أو واحدا من جمع فلو قلت: ضربت الرجلين حتى أفضلهما - لم يجز (¬2). انتهى. ومقتضى كلامه هنا أن عدم جواز ضربت الرجلين حتى أفضلهما لا يفهم من عبارة المصنف وهو عجب، فإن أفضلهما ليس بعض الرجلين فيحتاج إلى التقييد. ومنها: أن الشيخ قال مشيرا إلى قول المصنف مفيد ذكرها وأنه قيد الغاية بأن يكون ذكرها مفيد تنبيها على أنك لو قلت: أتيتك الأيام حتى يوما لم يجز لأنه لا فائدة فيه - فقال الشيخ: هذا القيد لم يذكره النحويون لأنه لا فائدة في ذكره لأن الشرط أن يكون المعطوف غاية للمعطوف عليه في زيادة أو نقص، ويوما من المثال المذكور لا يتصف بأنه غاية فضلا عن أن يتصف بقوة أو ضعف أو عظم أو حقارة (¬3). انتهى. وما قاله ظاهر. ومنها: أنك قد عرفت قول المصنف وإن عطفت على مجرور لزم إعادة الجار ما لم يتعين العطف لكن قال ابن عصفور في شرح الإيضاح: الأحسن أن يعيد الخافض. والذي قاله المصنف هو الظاهر بل المتعين. وقد نقل الشيخ عن رجلين كبيرين أنهما نصّا على أنه لا بد من إعادة الخافض كما قال المصنف. ثم إن الشيخ قال في المثال الذي مثّل به المصنف وهو عجبت من القوم حتى - ¬

_ (¬1) ينظر في معناه - شرح الجمل (1/ 228). (¬2) التذييل (4/ 157). (¬3) قال في التذييل (4/ 158): «وقد وافق المصنف أبو عبد الله الجليس مؤلف الكتاب الثمار، وابن الخباز الموصلي شارح الدرة فنصّا على أنه إذا عطفت بحتى على مخفوض فلا بد من إعادة الخافض فرقا بينها وبين الجارة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [4/ 157] بنيهم إن بنيهم هنا ليس معطوفا بحتى. قال: لأنهم ليسوا واحدا من جمع إذ ليسوا مندرجين في القوم ولا تنزلوا منزلة جزء. قال: لأنك لو قلت عجبت من القوم إلا بنيهم لم يصح. فالذي يظهر أن حتى في هذا المثال هي الجارة لا العاطفة. قال: وكذلك لا يتعين أن تكون عاطفة في البيت الذي أنشده (¬1). انتهى. وما قاله الشيخ غير ظاهر؛ فإن القوم صادق على الآباء والأبناء جميعا. لكن إذا قيل عجبت من القوم فربما يتوهم أن العجب إنما حصل من الآباء دون الأبناء فعطف الأبناء على القوم لتحقيق أن العجب حصل منهم كما حصل من آبائهم. كما أن قولك: قدم الحاج صادق على الحاج بأجمعهم (¬2)، ثم تقول حتى المشاة لتحقيق قدومهم إذ قد يتوهم أنهم لضعفهم ربما تأخر قدومهم كما قد يتوهم أن الأبناء لصغرهم ربما لا يصدر منهم ما يحصل منه عجب وإذا كان القوم صادقا على الآباء والأبناء جميعا كان الأبناء بعضا من القوم وإذا كانوا بعضا صح العطف والاستثناء، ثم إذا حكم بأن حتى في المثال المذكور جارة كانت بمعنى إلى. وإذا كان كذلك كان المعنى في المثال عجبت من القوم إلى بنيهم وفي البيت فاض في الحق إلى بائس، وهذا لا يقال؛ إذ لا معنى لقولنا إلى بنيهم ولا إلى بائس. ومنها: أن ابن عصفور قال ما ملخصه: والاسم الواقع بعد حتى إذا استوفى الشرط المشروط في عطفه بها فإن دلت قرينة على أنه شريك لما قبله في المعنى لم يجز فيه إلا العطف نحو: ضربت القوم حتى زيدا أيضا بنصب زيد لدلالة أيضا على تكرار الفعل، وإن دلت قرينة على أنه غير شريك لما قبله في المعنى كانت حتى جارة ولم يجز العطف نحو صمت الأيام حتى يوم الفطر بالخفض وإن لم تكن قرينة تدل على أنه شريك أو غير شريك جاز في حتى أن تكون عاطفة وخافضة. والخفض أحسن لأن العطف بها لغة ضعيفة فتقول: ضربت القوم حتى زيدا بالنصب - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 158). (¬2) في اللسان (حجج) الحجيج: جماعة الحاج.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والخفض (¬1). هذه الأمور المتعلقة بحتى. أما الأمور المتعلقة بأم فمنها: أن قول المصنف أن أم المتصلة هي المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأي يقتضي أن المعتبر هو صلاحية وقوع أي موقع الهمزة خاصة. ولا شك أن أيا إذا أتى بها في مثل هذا الكلام إنما تكون واقعة موقع الهمزة وأم معا لا موقع الهمزة وحدها. ثم إنه لم يتعرض لذكر همزة التسوية مع أنه ذكرها في غير هذا الكتاب (¬2). وكلامه يقتضي أن همزة التسوية) صالحة لوقوع أي موضعها، ولذا مثل لذلك بقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬3) وذلك غير ظاهر؛ لأن أيّا إنما تصلح مكان الهمزة وأم إذا كان معنى الاستفهام مرادا. ولا شك أن معنى الاستفهام في التسوية مفقود، فافترقت الهمزتان حينئذ. وكلامه في شرح الكافية أبين وأخلص من كلامه هنا. فإنه بعد أن ذكر أن أم المعتمد عليها في العطف هي المتصلة وأنها سميت متصلة لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغني أحدهما عن الآخر. قال: وشرط ذلك أن يقرن ما يعطف بها عليه بهمزة التسوية أو بهمزة يطلب بها وبأم ما يطلب بأي، وعلامة ذلك صحة الاستغناء بها عنهما فمن لوازم ذلك كون الناطق بأم المذكورة مدعيا العلم بنسبة الحكم إلى أحد المذكورين دون تعيين (¬4) انتهى. وأفهم قوله: فمن لوازم ذلك كون الناطق بأم المذكورة مدعيا العلم بنسبة الحكم إلى أحد المذكوريين دون تعيين المسألة التي يذكرها النحاة وهي أن: جواب السائل بالهمزة وأم إنما هو بأحد الشيئين أو الأشياء. وذلك بأن تقول زيد أو تقول عمرو في جواب من قال: أقام زيد أم عمرو أو تقول: زيد أو عمرو أو جعفر في جواب من قال: أقام زيد أم عمرو أم جعفر لأن الغرض أن السائل عالم بالنسبة الواقعة وهي القيام ولكنه لم يتعين عنده من قامت به تلك النسبة فوجب أن يكون الجواب بتعيين من جهل تعينه، ولا يجاب عن ذلك بنعم أو لا. - ¬

_ (¬1) هذا الكلام لابن عصفور من شرح الإيضاح المفقود وله إشارة في المقرب في باب حروف الخفض. (¬2) الكافية الشافية (3/ 1212) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) سورة البقرة: 6. (¬4) الكافية الشافية (3/ 1212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن السائل بالهمزة وأو إنما سأل عن حصول النسبة لا عمن قامت به. فاذا قال القائل: أقام زيد أو عمرو جاز أن يقال في جوابه نعم أو لا؛ لأن المعنى أقام أحدهما أو لا، وكذا إذا قلت أعبد الله عندك أو جعفر جاز أن قال نعم أو لا، لأن المعنى أأحدهما عندك أو لا، ويجوز أن يجاب بالتعيين أيضا فيقال في جواب المثال الأول: زيد أو يقال عمرو. وفي جواب المثال الثاني عبد الله أو جعفر - لأن قائل ذلك أتى بالجواب وهو حصول النسبة وزاد بأن غين من قامت به النسبة ثم إن ابن عصفور بعد تقرير أن جواب السائل بالهمزة وأم المتصلة إنما يكون بأحد الشيئين أو الأشياء. قال (¬1): فإن قال قائل كيف قال ذو الرمة: 3291 - تقول عجوز مدرجي متروّحا ... على بابها من عند أهلي وغاديا أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة ... أراك لها بالبصرة العام ثاويا فقلت لها لا إنّ أهلي حيرة ... لأكثبة الدّهناء جميعا وما ليا وما كنت مذ أبصرتني في خصومة ... أراجع فيها يا ابنة العمّ قاضيا (¬2) فأجاب أم من قوله: أذو زوجة بالمصر أم ذو خصومة بقوله: لا وهي متصلة، ألا ترى أنها تقدمتها الهمزة وما بعدها مفرد. فالجواب أن قوله: لا جواب لاعتقادها وذلك أنها لم تسأل بأم المتصلة إلا بعد ما قطعت في ظنها [4/ 158] بأنه إما ذو زوجة وإما ذو خصومة فأجابها عن ذلك بلا كأنه قال: لست ذا زوجة ولا ذا خصومة، ولو كان سؤالها بأم سؤالا صحيحا لم يكن الجواب إلا بأن يقول: ذو زوجة أو ذو خصومة فإن قال قائل فلعل أم هذه منفصلة وتكون ذو خصومة خبر ابتداء مضمر كأنه قيل: أم أنت ذو خصومة فيكون ما بعدها جملة، ولذلك أجاب بلا (¬3). وكان قد تقدم في كلامه أن أم المنقطعة لا يقع بعدها إلا الجملة ثم أجاب عن - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 237) وما بعدها. (¬2) البيت من الطويل - ديوانه: (653، 654)، وأمالي الزجاجي (90)، والخصائص (3/ 295)، واللسان (وهن)، ومجالس العلماء (195)، والمحتسب (2/ 266)، والمغني (42). (¬3) شرح الجمل (1/ 237، 238).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك بأن قال: أم المنفصلة إنما يجاب ما بعدها خاصة لأن ما قبلها مضرب عنه فلا يحتاج إلى جواب وهو ها هنا قد أجاب عن قولها أذو زوجة وعن قولها أم ذو خصومة فنفى أن يكون ذا زوجة بالمصر بقوله: إن أهلي حيرة لأكثبة الدهناء، ونفى أن يكون ذا خصومة بقوله: وما كنت مذ أبصرتني في خصومة، فلم يبق إلا أن يكون محمولا على ما ذكرت (¬1). انتهى كلامه. ويتعلق بالتقرير المتقدم مسألة ذكرها صاحب الإيضاح وهي قول القائل: الحسن أو الحسين أفضل أم ابن الحنفية. فإن الجواب فيها أن يقال أحدهما بهذا اللفظ، ولا يجوز أن يقال الحسن ولا الحسين لأن السائل لم يسأل عن الأفضل من الحسن وابن الحنفية ولا من الحسين وابن الحنفية. وإنما جعل أحدهما لا بعينه قرينا لابن الحنفية فالمعنى: أأحدهما أفضل أم ابن الحنفية. والجواب ينبغي أن يكون على ما يقتضيه السؤال (¬2). ولما ذكر ابن عصفور هذه المسائل في كلام أبي علي قال: هذه المسألة وأمثالها من المسائل التي جمع فيها بين أو وأم. ولا ينبغي أن يطلق القول فيها بأن الجواب بذكر أحد الاسمين المعطوف أحدهما على الآخر بأو لا يجوز بل من التفصيل وهو أن يقال: إذا قال السائل: أزيد أو عمرو أفضل أم بكر. فإما أن يكون كل واحد منهما أفضل من بكر أو يكون الذي هو أفضل منه واحدا، فإن كان الذي هو أفضل منه واحدا فإن الجواب المطابق لسؤاله أن يقول: أحدهما وإن قال زيد أو عمرو كان ذلك جائزا لأنه بمنزلة أن يقول أحدهما أفضل وهو فلان. وإذا كان بمنزلة ذلك فقد أتى بالجواب وزيادة بيان. وذكر أحد الاسمين لا يخرج الجواب عن أن يفيد الإخبار بأن أحدهما أفضل من بكر وإن كان كل واحد منهما أفضل من بكر لم يجز أن يقال في الجواب زيد أو عمرو؛ لأن ذلك بمنزلة أن يقول: أحدهما وهو فلان. وإذا كان كل واحد منهما أفضل من بكر كان القول وهو فلان خطأ، لأنه يعطي أن الآخر ليس أفضل منه فتعين أن يقال أحدهما لأن الجواب إنما يكون على ما يقتضيه السؤال وإذا كان كل واحد منهما أفضل من بكر فأحدهما أفضل منه بلا شك. - ¬

_ (¬1) المصدر السابق (1/ 128). (¬2) الإيضاح للفارسي (54).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: والمسألة التي ذكرها أبو علي من هذا القبيل لأن الحسن والحسين رضي الله عنهما تعالى يفضل كل واحد منهما ابن الحنفية من جهة أمه - رضي الله تعالى عنها - فلذلك كان الجواب بذكر الحسن أو الحسين خطأ (¬1). انتهى. وليعلم أن الاستفهام المشروط مقارنته لأم المتصلة لا يتعين فيه أن يكون استفهاما من حيث المعنى بل يجوز أن يراد به حقيقة معنى الاستفهام وأن لا يراد. ومن ثم قال ابن عصفور رحمه الله تعالى شارحا لقول أبي علي: فأما أم فإنها لا تكون إلا في الاستفهام. قال: يريد أنها لا تكون إلا حيث يستعمل لفظ الاستفهام سواء كان معنى الكلام على الاستفهام أم لا يكون. ولهذا تقول: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو وليت شعري أعمرو قائم أم خالد، وما أبالي أقام زيد أم قعد وسواء على أقمت أم قعدت وإن لم يكن المعنى في شيء من ذلك على الاستفهام. وانما جاز استعمال همزة الاستفهام في هذه المواضع وإن لم يكن المعنى على الاستفهام لشبهها به من حيث كان المعنى فيها على التسوية كما أن الاستفهام كذلك. ألا ترى أنك إذا قلت: علمت أزيد عندك أم عمرو قد (¬2) سويت ظن المخاطب في زيد وعمرو لأنه لا يدري أيهما الذي ادعيت العلم بكونه عنده. وإذا قلت: ليت شعري أعمرو قائم أم خالد فقد استوى عمرو وخالد في ظنك فلم تدر القائم منهما. وإذا قلت: ما أبالي أقام زيد أم قعد فقد استوى عندك قيام زيد وقعوده وهو أنهما عليك. وإذا قلت: سواء علي أقمت أم قعدت فقد أخبرت أن قيام المخاطب وقعوده مستويان عليك كما أنك إذا استفهمت فقلت: أزيد عندك أم عمرو فقد استوى زيد وعمرو في ظنك لأنك لا تدري الذي عند المخاطب منهما. انتهى. ومنها: أن مصحوبي الهمزة وأم المتصلة يختلف. فرن كانت الهمزة للتسوية فلا يكون مصحوبا هما إلا جملتين والجملتان في تأويل مفردين وتكونان فعليتين كقوله - ¬

_ (¬1) هذا النص الطويل من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور ولدي منه مصورة لا تتجاوز خمسين ورقة من أول الكتاب (د/ علي فاخر) من تركيا. (¬2) كذا في الأصل وهو صحيح إذا كان هو الخبر واعترض بالشرط أو قدم من تأخير وإلا فتجب الفاء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ (¬1) واسميتين كقول الشاعر: 3292 - ولست أبالي بعد فقدي مالكا ... أموتي ناء أم هو الآن واقع (¬2) ومختلفتين كقوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ (¬3) وإن كانت الهمزة لغير التسوية بأن تكون للاستفهام حقيقة فقد يكون مصحوبا هما اسمين نحو: أزيد عندك أم عمرو، أو فعلين لفاعل واحد في المعنى نحو: أقام زيد أم قعد، أو فعلين لفاعلين متباينين كقول الشاعر: 3293 - ما أبالي أنبّ بالحزن تيس ... أم جفاني بظهر غيب لئيم (¬4) وجملتين ابتدائيتين كقول الشاعر: 3294 - لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر (¬5) [4/ 159] هذا كلام المصنف في شرح الكافية (¬6) أعني من فقد يكون مصحوبا هما اسمين. وقال بعد ذلك مشيرا إلى هذا البيت الآخر: وفي هذا البيت حجة على وقوع أم المتصلة بين جملتين ابتدائيتين لأن المعنى أي كأنه قال: ما أدري أي الشيئين هو الصحيح (¬7). انتهى. ومقتضى إيراده أن الهمزة في ما أبالي أنب بالحزن تيس، وفي لعمرك ما أدري وإن كنت داريا .. البيتين ليست للتسوية. ولهذا قال في البيت الثاني إن المعنى معنى أي (¬8) وإذا لم تكن للتسوية كانت للاستفهام الحقيقي. وقد تقدم من كلام ابن عصفور أن معنى الكلام بعد ما أبالي على الاستفهام وقرن ذكر ما أبالي أقام زيد أم قعد بذكر سواء على أقمت أم قعدت. وذكر غيره لا أدري أيضا مع أبالي مسويا بينهما في أن الهمزة الواقعة بعدهما للتسوية. وعلى هذا يشكل كلام المصنف أعني كلامه في شرح الكافية حيث جعل الهمزة - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 6. (¬2) تقدم ذكره. (¬3) سورة الأعراف: 193. (¬4) تقدم ذكره. (¬5) الأصل: شعيب بن سهم أم شعيب بن منقر - وتقدم هذا البيت. (¬6) شرح الكافية الشافية (3/ 1213). (¬7) السابق (3/ 1214). (¬8) شرح الكافية الشافية (3/ 1213).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصالح موضعها لأي قسيمة لهمزة التسوية. أما كلامه في التسهيل وما شرحه به فع، لأنه جعل الهمزة الصالح موضعها لأي شاملة لكلتا الهمزتين ولا شك أن المسألة تحتاج إلى تحقيق. ويظهر أن يقال أن ما أبالي يمكن أن يقال لإرادة معنى التسوية بالكلام التي هي فيه بمعنى أن الأمرين المذكورين بعدها مستويان عند المتكلم بها، ويمكن أن يقال لإرادة عدم المبالاة أي لا أبالي فعلك، وكذا لا أدري يمكن أن يراد بها استواء الأمرين عند المتكلم بها بمعنى أنهما استويا عنده في عدم العلم ويمكن أن يراد بها عدم الالتفات والمعنى حينئذ يرجع إلى معنى عدم المبالاة وإذا كان كذلك كان من الكلمتين اعتباران فيحسن الاستشهاد بهما بمعنى التسوية (له) وللمعنى الآخر. وقد يكون مصحوب الهمزة وأم المتصلة جملتين مختلفتين كقوله تعالى: أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (¬1) وذلك إذا جعل (أنتم) فاعلا بفعل قد حذف. ولا شك أن القول بالفاعلية فيه أرجح من القول بابتدائيته. ومنها: أنك تعلم من قول المصنف: والمنقطعة ما سواها بعد قوله: فالمتصلة المسبوقة بهمزة صالح موضعها لأي أن المنقطعة هي التي سلبت ما ذكره للمتصلة وذلك بأن يكون المتقدم عليها خبرا نحو قوله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ 2 أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ (¬2) أو غير الهمزة من أدوات الاستفهام نحو: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (¬3) أو همزة لا يصلح في موضعها أي نحو قوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها (¬4) وقد يعبر عن هذه الهمزة بأن يقال: همزة لا يراد بها الاستفهام فإن الهمزة في قوله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ للإنكار وهو إنكار يراد به النفي وفي قوله تعالى: أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا (¬5)؛ فإن الهمزة فيه للتقرير. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في كلام المصنف. - ¬

_ (¬1) سورة الواقعة: 59. (¬2) سورة السجدة: 2، 3. (¬3) سورة الرعد: 16. (¬4) سورة الأعراف: 195. (¬5) سورة النور: 20.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك قد عرفت من كلام المصنف أنها أعني المنقطعة تقتضي إضرابا واستفهاما في الأكثر وأنها قد يجاء بها لمجرد الإضراب فهي للإضراب والاستفهام في قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ إلى أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ (¬1) وكذا في قوله تعالى: أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (¬2)، ومنه قول العرب: إنها لإبل أم شاء. التقدير بل أهي شاء لكن الاستفهام في الآيتين الشريفتين استفهام إنكار، وفي أهي شاء استفهام طلب. وهي لمجرد الإضراب في قوله تعالى: أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ (¬3) وقوله تعالى: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (¬4)، [و] أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ (¬5) وذلك لأن استفهاما لا يباشر استفهاما فامتنع تقديره لذلك. وكذا هي لمجرد الإضراب في قوله تعالى: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ (¬6)؛ لأن المراد أن يخبر عنهم أنهم اعتقدوا الشركاء وأم هذه مع جواز مباشرتها أدوات الاستفهام لا تباشر همزة الاستفهام لا يقال: قام زيد أم أعمرو قائم. نبه على ذلك الشيخ في ارتشاف الضرب (¬7). ومنها: أنك قد عرفت أن المصنف جعلها أعني المنقطعة إذا وليها مفرد عاطفة، والجماعة لا يثبتون لها العطف ومن ثم قال الشيخ: وأصحابنا يقولون إن أم المنقطعة ليست للعطف لا في مفرد ولا في جملة. وقال ابن عصفور: وسميت أم هذه المنفصلة لأن ما بعدها كلام مستأنف منقطع مما قبلها وليست بعاطفة لأن ما بعدها ليس مع ما قبلها كلاما واحدا وحروف العطف ما بعدها مع ما قبلها كلام واحد (¬8). انتهى. وقد عرفت أن المصنف استدل لدعواه بقول العرب أن هناك إبلا أم شاء. فقال الشيخ: إن ثبت هذا عن العرب فلا حجة فيه لاحتمال أن تكون أم متصلة وحذفت الهمزة من أن هناك والتقدير أئن هناك .. ويحتمل إذا لم تقدم الهمزة أن ينتصب شاء على إضمار فعل تقديره أم ترى شاء (¬9). انتهى. - ¬

_ (¬1) سورة الطور: 35 - 43. (¬2) سورة الطور: 39. (¬3) سورة الرعد: 16. (¬4) سورة النمل: 84. (¬5) سورة الملك: 20. (¬6) سورة الرعد: 16. (¬7) الارتشاف (2/ 654). (¬8) التذييل (4/ 163)، وشرح الجمل (1/ 237). (¬9) التذييل (4/ 163، 164).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أن القول بأن أم هنا عاطفة مفيدة ما تفيده بل أسهل من هذا التخريج وهي إذا كانت عاطفة كبل كان ما بعدها مع ما قلبها كلاما واحدا فيندفع تعليل ابن عصفور. ثم إن الشيخ ذكر في شرحه عن النحاة في معنى أم المنقطعة مذاهب. قال رحمه الله تعالى: اختلف النحويون في أم المنقطعة (¬1): فذهب البصريون إلى أنها تقدر ببل والهمزة مطلقا وذهب الكسائي وهشام إلى أنها بمنزلة بل وما بعدها مثل ما قبلها. فإذا قلت: قام زيد أم قام عمرو فالمعنى بل قام عمرو. وإذا قلت: هل قام زيد أم قام عمرو، فالمعنى بل هل قام عمرو (¬2). وذهب الفراء إلى أن العرب [4/ 160] تجعل أم مكان بل إذا كان في أول الكلام استفهام مستدلا بقول الشاعر: 3295 - فو الله ما أدري أسلمى تغوّلت ... أم النّوم أم كلّ إليّ حبيب (¬3) قال: يريد بل كل إلى حبيب (¬4). وذهب بعض الكوفيين إلى أنها تكون بمعنى بل فقط بعد الاستفهام وبعد الخبر. قال: وقد تكون بمعنى الهمزة إذا لم يتقدمها استفهام (¬5)، وذهب أبو عبيدة إلى أن أم بمعنى ألف الاستفهام. قال: ومنه قوله تعالى: (أَمْ تُرِيدُونَ) (¬6) أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ (¬7). انتهى. والحق من هذه المذاهب ما ذكره المصنف وهو أن أم المذكورة تقتضي الإضراب مع الاستفهام وهو الكثير فيها وأنها قد تقتضي الإضراب مجردا عن الاستفهام. وأما غير هذين المذهبين فلا معول عليه. ومنها: أنهم قالوا إنما كان الوجه الأحسن أن يتوسط ما وقعت المعادلة من أجله. - ¬

_ (¬1) راجع الصبان (3/ 99)، والمغني (45)، والهمع (2/ 133). (¬2) ينظر المغني: 44 وما بعدها، والهمع (2/ 133). (¬3) البيت من الطويل، وفي اللسان: غول: تغول تناكر وتشابه وتلون، وانظره في التذييل (4/ 161). (¬4) التذييل (4/ 162) والهمع (2/ 132). (¬5) بعده في التذييل: وإلى هذا ذهب الهروي في الأزهية. (¬6) غير واضح في الأصل. (¬7) سورة البقرة: 108. هذا: وانظر التذييل (4/ 163)، والأشموني (3/ 91)، والهمع (2/ 132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجعل أحد الشيئين يلي الهمزة ويلي الآخر أم لأنهما الأداتان اللتان يستفهم بمجموعهما عما يطلب تعيينه وجعل الذي وقعت المعادلة من أجله يلي المتقدم منهما حتى يكون قد فرغ من ذكره وذكر ما وقعت المعادلة من أجله وحينئذ يعدل بالثاني. وعبارة سيبويه في هذه المسألة أن قال: أزيد عندك أم عمرو، وأزيد لقيت أم بشرا بتقديم الاسم أحسن. ولو قلت: ألقيت زيدا أم عمرا كان جائزا حسنا، أو قلت: أعندك زيد أم عمرو كان كذلك. وقال أيضا: وإن شئت قلت: ما أدري أعندك زيد أم عمرا وكان جائز حسنا كما جاز أزيد عندك أم عمرو. وتقديم الاسمين جميعا مثله وهو مؤخر وإن كان أضعف (¬1). أما ما يتعلق بأو فأقول: إن المصنف ذكر لها سبعة معان وهي الشك، والتفريق وهو الذي عبر عنه في بقية كتبه بالتقسيم (¬2)، والإبهام، والتخيير، والإباحة، والإضراب، ومعنى الواو وذكر المغاربة معنى آخر وهو التفصيل (¬3). وما عدا الإضراب ومعنى الواو متفق عليه (¬4). وكونها للإضراب أو بمعنى الواو منسوب إلى الكوفيين كما سيذكر. والحق أن المعاني المذكورة إنما تستفاد بقرائن الكلام الذي هي فيه، وأو إنما هي لأحد الشيئين أو الأشياء. وقد قال ابن أبي الربيع شارحا لقول أبي علي: وأو لأحد الشيئين أو الأشياء في الخبر وغيره. وهذا الذي ذكره هو المعنى الذي وضعت له. وقد يصحبها الإبهام والشك والتنويع في الخبر وكذلك يصحبها التخيير والإباحة في الاقتضاء وعني بالتنويع التقسيم لأنه مثل له بقوله: هذه المسألة لا تخلو من كذا أو كذا. وبعد: فأنا أشير إلى المعاني التي ذكرها المصنف معنى معنى منوطا به ما فيه من بحث وخلاف وأتبع ذلك بالمعنى الذي زاده الجماعة عليه: - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 169) وما بعدها. (¬2) ينظر شرح الكافية الشافية (3/ 1220) وما بعدها. (¬3) الهمع (2/ 134) وما بعدها. (¬4) السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الشك: فقد تقدم تمثيل المصنف له بقوله تعالى: قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (¬1) قال ابن عصفور: وكذا إذا دخلت أداة الاستفهام على الفعل فقلت: أقام زيد أو عمرو لأنك إنما تسأل أوقع هذا القيام الذي ادعى أنه فعله أحد الشخصين وشك في فاعله أم لا (¬2). هذا كلامه ولم أتحققه، فإن هذا الكلام إنما يصدر من جاهل بحصول النسبة مستفهم هل حصل قيام من أحد المذكورين أولا بخلاف قولك: قام زيد أو عمرو فإنه جازم بحصول القيام ولكنه شاكّ في من نسب إليه. وأما التفريق: فقد تقدم أن المراد به التقسيم وأنه يعبر عنه بالتنويع أيضا. وقد عرفت أن المصنف يرى أن التعبير بالتفريق أولى من التعبير بالتقسيم معللا ذلك بأن استعمال الواو في ما هو تقسيم أجود من استعمال أو. أقول: إن هذا لا يمنع إن يقال ان أو تكون للتقسيم على أن المصنف قد أنشد قول القائل: 3296 - فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل (¬3) وأو فيه للتقسيم بدليل قوله: ثنتان لا بد منهما، وقد قال هو في هذا البيت أنه من الجائي بأو كون الواو أولى وهذا منه اعتراف بأن أو للتقسيم. وأما الإبهام: فقد مثل له المصنف بقوله تعالى: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (¬4) ومثل غيره بقوله تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (¬5) فإنه تعالى يعلم أي ذلك كان. وجعل ابن عصفور من ذلك قوله تعالى: أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً (¬6) ولا يظهر في الآية الشريفة ما قاله، وإنما أو فيها للتقسيم أعني تقسيم الزمان الذي يأتي فيه ما يغير تلك البهجة التي اكتسبتها الأرض بمعنى أن الله تعالى إذا أتى أمره يتغير ذلك إما أن يأتي ليلا وإما أن يأتي نهارا وإذا كان كذلك فمن أين يجيء الإبهام. وجعل ابن عصفور من الإبهام أيضا قول الشاعر وهو لبيد (¬7): - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 259. (¬2) شرح الإيضاح المفقود. (¬3) سبق ذكره. (¬4) سورة سبأ: 24. (¬5) سورة النجم: 9. (¬6) سورة يونس: 24. (¬7) لبيد بن ربيعة أبو عقيل العامري مخضرم عاش في الجاهلية وأسلم لما أدرك الإسلام، وهو واحد من أصحاب المعلقات وفحول الشعراء - (ت 41 هـ) - الأعلام (6/ 104)، والسمط (13)، والشعر والشعراء (1/ 274).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3297 - تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (¬1) قال: فإنه من مضر وليس من ربيعة إلا أنه أبهم وكأنه قال: وهل أنا إلا من إحدى هاتين القبيلتين فسبيلي أن أفنى كما فنيا. وكان الإبهام أبلغ في ما أراده من تعزية ابنتيه وتسليتهما لما فيه من تكثير المتأسي بهم بل لو زاد في الإبهام فقال: وهل أنا إلا من العرب أو من الناس لكان أبلغ في ما أراده. وأما الإضراب فقد تقدمت الإشارة (إلى) (¬2) أن فيه خلافا، وتقدم استشهاد المصنف على مجيئها للإضراب بقراءة أبي السمال: (أو كلّما عاهدوا عهدا) وبقول الفراء في قوله تعالى: إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (¬3) وبإثبات أبي عليّ لذلك كما نقله عنه ابن برهان في شرح اللمع [4/ 161]. وقال ابن عصفور في شرح الإيضاح: الإضراب ذكره سيبويه في النفي والنهي إذا أعدت العامل وذلك نحو قولك: لست بشرا أو لست عمرا وما أنت ببشر أو ما أنت بعمرو ولا تضرب زيدا أو لا تضرب عمرا أو في جميع ذلك للإضراب وكأنك قلت: لا بل لست عمرا بل ما أنت بعمرو ولا بل لا تضرب عمرا. وإذا أردت لست واحدا منهما قلت: لست بشرا ولا عمرا أو لست بشرا أو عمرا وما أنت ببشر أو عمرو وكذلك إذا أردت لا تضرب واحدا منهما قلت: لا تضرب زيد ولا عمرا، ولا تضرب زيدا أو عمرا كما، قال تعالى جده: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (¬4) أي لا تطع واحدا منهما. قال سيبويه «ولو قلت: أو لا تطع كفورا لا نقلب المعنى (¬5). يعني إذا أعاد لا تطع يصير إضرابا كأنه ترك النهي عن اتباع الإثم وأضرب عنه ونهي عن طاعة الكفور فقط. قال: وزعم بعض النحويين أنها تكون للإضراب على الإطلاق واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ قالوا: - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل - ديوانه (213)، والخزانة (4/ 424)، والشذور (170)، وشرح المفصل (8/ 99)، والعقد الفريد (2/ 78)، (3/ 56). (¬2) زيادة لا بد منها ليتم المعنى. وانظر القاموس واللسان: شور. (¬3) سورة الصافات: 147. (¬4) سورة الإنسان: 24. (¬5) الكتاب (3/ 188).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معناه بل يزيدون واحتجوا بما روي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه قال كانوا مائة ألف وبضعة وأربعين ألفا (¬1) وبقوله تعالى: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (¬2)، وبقوله تعالى: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (¬3) قالوا المعنى بل هو أقرب واستدلوا أيضا بقول الشاعر: 3298 - بدت مثل قرن الشّمس في رونق الضّحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح (¬4) قالوا المعنى بل أنت في العين أملح. قال: وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد بدليل أنها لو وقعت في هذه المواضع موقع بل لجاز أن تقع ذلك الموقع في غيرها فكنت تقول: ضربت زيدا أو عمرا، وما ضربت زيدا أو عمرا على معنى بل، وذلك مردود عند جميع النحويين. قال: وأيضا فإن أو في الآي التي استدلوا بها لا يمكن أن تكون بمعنى بل، لأن بل إذا أريد بالإضراب بها إبطال ما قبلها وإثبات ما بعدها لا تجيء إلا بعد غلط أو نسيان وذلك منفي عن الله تعالى، وإن جاء الإضراب بها في كتاب الله تعالى على جهة الإبطال لما قبلها والإثبات لما بعدها فإنما يجيء بعد كلام سيق من غيره والخطأ إذ ذاك إنما الحق كلام الأول. قال: فأما أَوْ يَزِيدُونَ فأو فيه إما للإبهام على المخاطبين أو للشك وهو مصروف للمخاطبين أيضا. وأما أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً فأو فيه للشك أي إن من شاهدهم فرأى قله تأثير الزواجر فيهم تردد في تشبيه قلوبهم بالحجارة أو بما هو أشد صلابة منها كالحديد أو للتفصيل فصّل القلوب بعد أن ذكرها مجملة إلى ما يشبه الحجارة وإلى ما يشبه ما هو أشد صلابة منها كالحديد. وأما أَوْ هُوَ أَقْرَبُ فأو فيه للإباحة وكأنه قيل: إن شبه أمر الساعة بلمح البصر أو أخبر عنه بأنه أقرب من ذلك أو جمع بين التشبيه بلمح البصر والإخبار بأنه أقرب من لمح البصر فذلك كله سائغ. ثم قال: ووجه تشبيه الساعة بلمح البصر - ¬

_ (¬1) انظره في التذييل (4/ 116) وشرح السيرافي على الكتاب (4/ 64 / أ). (¬2) سورة البقرة: 74. (¬3) سورة النحل: 77. (¬4) البيت من الطويل - الإنصاف (478)، والخزانة (4/ 423)، والخصائص (2/ 458)، وشرح السيرافي (4/ 64 / أ)، ومعاني الفراء (1/ 72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كان ما بيننا وبين الساعة هو أن كل ما يفنى يشبه بما لم يكن لأنه إذا فني بطل حكم وجوده ولذلك يقال: كأنك بالدنيا لم تكن، وما قبل الساعة من قبيل ما يفنى فصار أمر الساعة لذلك مشبها في القرب بلمح البصر ووجه الإخبار عنه بأنه أقرب من لمح البصر هو أن ما يأتي يشبه بما لم يزل؛ لأنه إذا أتى بطل حكم عدمه؛ ولذلك يقال: كأنك بالآخرة لم تزل، وأمر الساعة من قبيل ما يأتي فجعل كأنه موجود، وساغ لذلك أن يقال إنه أقرب من لمح البصر. قال: وأما قول الشاعر: 3299 - بدت مثل قرن الشّمس ... ........ البيت فأو فيه للشك؛ لأن العرب قد تخرج التشبيه مخرج الشك إشعارا بإفراط الشبه، ومن ذلك قوله: 3300 - فيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم (¬1) فعلى هذا يكون قد شكك نفسه هل هي مثل قرن الشمس أو أملح منه في العين ليمكن بذلك شبهها بالشمس (¬2). هذا آخر كلام ابن عصفور. وأقول: إن المصنف لم يدع أن أو للإضراب على الإطلاق. وإنما قال: إنها تكون للإضراب ونقل ذلك عن الفراء وابن برهان وأبي علي وأنشد في شرح الكافية قول جرير يخاطب هشام بن عبد الملك (¬3): 3301 - ماذا ترى في عيال قد برمت بهم ... لم أحص عدّتهم إلّا بعدّاد كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ... لولا رجاؤك قد قتّلت أولادي (¬4) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل - ديوان ذي الرمة (2/ 767)، (3/ 1992)، والخصائص (2/ 458)، والكامل (2/ 77)، والكتاب (2/ 168)، والمقتضب (1/ 163)، وابن يعيش (1/ 94)، (9/ 119). (¬2) ينظر شرح الجمل (1/ 235، 236). (¬3) ابن مروان من ملوك الدولة الأموية في الشام بويع بالخلافة بعد وفاة أخيه يزيد سنة (105 هـ) وقتل (120 هـ)، الأعلام (9/ 84، 85) ومرآة الجنان (1/ 261 / 263). (¬4) البيت من البسيط ديوانه (ص 123) والأشموني (3/ 106) والدرر (2/ 181) والمغني (ص 64، 272) والهمع (2/ 134) هذا: ورواية الديوان: لم تحص عدّتهم ..... البيت كذلك - في شرح الكافية الشافية (3/ 1221).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وابن عصفور قد اعترف بأنها تأتي للإضراب ونقل عن سيبويه ذلك أيضا (¬1). وحاصل الأمر أن أو إذا لم يكن لها معنى سوى الإضراب ولا مانع يمنع منه حمل الكلام عليه. وأما التخيير: فقد مثل له المصنف بقوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ (¬2) ومن ذلك أيضا قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (¬3). وأما الإباحة: فنحو قولنا: جالس الحسن أو ابن سيرين أو صاحب الفقهاء أو النحاة. وقد مثل لها المصنف كما عرفت بقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ (¬4) الآية الشريفة، ومثله قوله تعالى: وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ (¬5) إلى آخر الآية الشريفة. قال ابن عصفور: لأن الأكل من بيوت كل صنف من هذه الأصناف على انفرادها أو مع غيرها جائز. والذي يظهر: أن أو في هاتين الآيتين الشريفتين للتنويع أي التقسيم، والإباحة فيهما إنما هي مستفادة من الشرع الشريف. والمقصود إنما هو ذكر الإباحة اللغوية أي التي تستفاد من الكلام [4/ 162] ثم قال ابن عصفور: ومثله قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (¬6)؛ لأن الحكم بالتحريم واقع على كل واحد مما سمي وحده ومع غيره. قال: وسئل المزني صاحب الشافعي - رضي الله تعالى عنهما - عن رجل حلف فقال: «والله لا كلمت لا كوفيّا أو بصريّا» فكلم كوفيّا وبصريّا فقال: ما أراه إلا حانثا. فانتهى إلى بعض أصحاب أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه -» فقال: أخطأ المزني وحالف الكتاب والسنة. أما الكتاب فقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (¬7). وكل - ¬

_ (¬1) سبق ذكره. (¬2) سورة المائدة: 89. (¬3) سورة البقرة: 196. (¬4) سورة النور: 31. (¬5) سورة النور: 61. (¬6) سورة الأنعام: 145. (¬7) سورة الأنعام: 146.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك مباح خارج بالاستثناء من التحريم. وأما السنة فقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لقد هممت ألّا أقبل هديّة إلّا من قرشيّ أو من ثقفيّ» (¬1) والمفهوم من ذلك أن القرشي أو الثقفي كانا جميعا مستثنين. انتهى. وتمثيله بهذه الآية الشريفة هنا وهي قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً إلى أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ (¬2) وذكره الاستدلال بقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ إلى أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ (¬3) يدل على أنه جعل معيار كون أو للإباحة أن ما ذكر قبلها وبعدها يجوز أن ينفرد كل عن الآخر إتيانا وتركا ويجوز أن يجتمع إتيانا وتركا أيضا. لا يظهر كون أو للإباحة في هاتين الآيتين الشريفتين. أما قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الآية، فلأن الإباحة المراد بها طلب الفعل لا طلب الترك. وأما الآية الثانية فلأن الإباحة فيها إنما هي الإباحة الشرعية والكلام هنا إنما هو في الإباحة اللغوية. والظاهر أن أو في الآيتين الشريفتين إنما هي للتنويع. ففي الآية الأولى لتنويع ما حرم، وفي الآية الثانية لتنويع ما أبيح لهم أعني للذين هادوا. ثم إن المصنف قال في شرح الكافية: وأكثر ورود الإباحة في تشبيه نحو: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (¬4)، وكَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ (¬5) أو تقدير نحو: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (¬6)، وإِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (¬7) فلو جيء بالواو في مثل هذا لم يختلف المعنى (¬8). وبعد: فقد بقي الكلام على أمرين: أحدهما: الفرق بين التخيير بأو والإباحة بها. أنه لا يجوز الجمع بين الشيئين في التخيير فلا يجوز أخذ الدرهم والدينار معا لمن قيل له: خذ درهما أو دينارا، وفي الإباحة يجوز الجمع فيجوز مجالسة الرجلين معا لمن قيل له جالس الحسن أو ابن سيرين. ومن ثم يقال: التخيير إنما يكون فيما أصله المنع والإباحة إنما تكون فيما ليس - ¬

_ (¬1) ينظر: ابن حنبل (1/ 295)، وشرح السيرافي (4/ 62) أ، ب. (¬2) سورة الأنعام: 145. (¬3) سورة الأنعام: 146. (¬4) سورة البقرة: 74. (¬5) سورة النحل: 77. (¬6) سورة النجم: 9. (¬7) سورة الصافات: 147. (¬8) شرح الكافية (2/ 1223 - 1224) وتقدمت تلك الآيات الشريفة قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أصله المنع. وأما قول المصنف في المتن مشيرا إلى أو: وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا، وقوله في الشرح: ومن علامات التي للإباحة استحسان وقوع الواو موقعها. ألا ترى أنه لو قيل: (ولا يبدين زينتهنّ إلّا لبعولتهنّ وآبائهنّ وآباء بعولتهنّ) لم يختلف المعنى، ومنه جالس الحسن وابن سيرين أي جالس الصنف المبارك الذي منهم الحسن أو ابن سيرين فلو جالسهما معا لم يخالف ما أبيح له، فغير ظاهر ولا دليل على ما ذكره. وأما الآية الشريفة: فقد تقدم أن أو فيها للتنويع أي التقسيم. ولا شك أن التقسيم يورد تارة بأو وتارة بالواو. تقول: الكلمة اسم أو فعل أو حرف ولك أن تقول: الكلمة اسم وفعل وحرف. ثم إن الإباحة في الآية الشريفة لم تستفد من الواو وإنما استفيدت من الشريعة المطهرة كما تقدم. وأما جالس الحسن وابن سيرين فلا يلزم من جواز مجالستهما معا صحة وقوع الواو موقع أو، لأن مجالستهما إنما جازت لأنها لا مانع منها في الأصل بل مجالسة أهل العلم والدين مطلوبة ومراد القائل دلالة المأمور على الخير بأنه يجالس من هو متصف بصفات حميدة فكأنه قال: جالس هذا الصنف من الناس، وإنما أتى بأو كي لا يضيق عليه ويلزمه بمجالسة كليهما فقصد تخفيف الحال على المأمور وتيسيره، فإذا أتى المأمور بما فوق ذلك من النوع المقصود فقد أحسن حيث أتى بالمأمور به وزاد عليه. أما لو قيل: جالس الحسن وابن سيرين وعطف بالواو لكان أمرا بمجالستهما معا. وقد قال ابن عصفور: فإن قيل: فما الفرق بين أو التي للإباحة وبين الواو إذ يجوز الجمع بين الشيئين كما يجوز مع الواو، فالجواب أن الفرق بين أو التي للإباحة وبين الواو أنه لو قيل: جالس الحسن وابن سيرين لم يجز له مجالسة أحدهما دون الآخر، وإذا أتى بأو جاز له أن يجالس أحدهما وأن يجالسهما (¬1) معا (أو أن يجالسهما وغيرهما ممن هو مثلهما في الفضل). الأمر الثاني: قال ابن عصفور: إذا نهيت عن المباح فإن النهي يستوجب جميع ما كان مباحا باتفاق من النحويين. فإذا قلت لا تذكر إذا افتخرت عمرا أو زيدا أو خالدا فقد نهيت عن أن يذكروا واحد منهم وحده ومع غيره. وكأنك قلت: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تذكر إذا افتخرت واحدا من هؤلاء، ومن هذا القبيل قوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (¬1) أي لا تطع واحدا منهما. وإذا نهيت عما خيرت فيه فإن أبا الحسن ابن كيسان جوّز أن يكون النهي عن واحد، وأن يكون عن الجميع، فإذا قلت: لا تأخذ دينارا أو ثوبا جاز عنده أن يكون قد نهاه عن أحدهما، وأن يكون قد نهاه عن أخذ أحدهما على مقابلة الأمر؛ لأن الأمر كان بأخذ أحدهما، وكذلك إذا أدخلت النفي على كلام تكون أو فيه للشك نحو قولك: ما جاءني زيد أو عمرو. ويجوز عنده أن يكون المنفيّ مجيء أحدهما وأن يكون المنفي مجيئهما (¬2). وذهب السيرافي إلى أن النهي والنفي يستوعبان الجميع (¬3) وهو الصحيح. والدليل على ذلك أنك إذا خيرته فقلت: خذ دينارا أو ثوبا فقد أمرته بأخذ أحدهما وحظرت [4/ 173] الآخر عليه فإذا نهيته فقلت: لا تأخذ دينارا أو ثوبا فقد حظرت عليه الذي كنت أمرته بأخذه فصار الجميع محظورا، وأيضا فإن قولك: خذ دينارا أو ثوبا بمنزلة قولك: خذ أحدهما، فيلزم أن يكون النهي بمنزلة قولك: لا تأخذ واحدا منهما وأنت لو قلت: لا تأخذ واحدا منهما لكنت قد نهيته عن أخذهما معا؛ لأنه إذا أخذهما معا فقد أخذ أحدهما، وكذلك إذا قيل: جاء زيد أو عمرو، والقائل شاك، فمعناه جاء واحد منهما، فيلزم أن يكون النفي بمنزلة قولك: ما جاء أحدهما. وإذا قال: ما جاء واحد منهما، فقد نفاهما جميعا، بدليل أنهما لو جاءا معا لكان قولك: ما جاء واحد منهما كاذبا (¬4). ثم أشار المصنف بقوله: وفي عطف المصاحب والمؤكد قليلا إلى أن أو تعاقب الواو في عطفها المصاحب والمؤكد كما عاقبتها في الإباحة، لكن المعاقبة في الإباحة كثير وفي عطف المذكورين قليل، وقد تقدم الاستشهاد على ذلك في كلام المصنف. غير أني لم أفهم مقصوده بإيراده الآية الشريفة في عطف المؤكد، وهي قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً (¬5) وكذا البيت الذي أنشده وهو: - ¬

_ (¬1) سورة الإنسان: 24. (¬2) النص من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور. (¬3) شرح السيرافي على الكتاب (4/ 68 ب). (¬4) ينظر - في ذلك - شرح الجمل (1/ 234) وما بعدها، والأشموني (3/ 106، 107). (¬5) سورة المائدة: 48.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3302 - حواسر ممّا قد رأت فعيونها ... تفيض بماء لا قليل ولا نزر (¬1) وأما كون أو بمعنى الواو في غير ما ذكره فلم يصرح به المصنف في هذا الكتاب ولكنه صرح به في بقية كتبه ففي الكافية والألفية: وربّما عاقبت الواو إذا ... لم يلف ذو النّطق للبس منفذا (¬2) وقال في شرح الكافية: نبهت بقولي: وربما عاقبت الواو على أن أو قد تقع موضع الواو وذلك إذا أمن اللبس كقول الشاعر: 3303 - جاء الخلافة أو كانت له قدرا ... كما أتى ربّه موسى على قدر (¬3) وكقول الآخر: 3304 - قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع (¬4) ومثله قول امرئ القيس: 3305 - فظلّ طهاة اللّحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّل (¬5) ثم قال: ومن المواضع التي يتعاقب فيها أو والواو الإباحة نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين أي جالس الصنف الدين منهم الحسن وابن سيرين (¬6). فجعل معاقبتها الواو في الإباحة من صور معاقبتها إياها على الإطلاق، وكلامه في هذا الكتاب يعطي أن المعاقبة إنما تكون في الإباحة، وأنها قد تعاقب في عطف المصاحب والمؤكد. وقال ابن عصفور: استدل القائلون بأن أو تستعمل بمعنى الواو بأشياء منها قوله تعالى: عُذْراً أَوْ نُذْراً (¬7)، ولَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (¬8) [و]- ¬

_ (¬1) سبق ذكره. (¬2) الكافية الشافية (3/ 1222). (¬3) البيت من البسيط لجرير - ديوانه (ص 211)، والأشموني (2/ 58)، والتصريح (1/ 283)، والدرر (2/ 182)، والشجري (2/ 317)، والعيني (2/ 485)، (4/ 145)، والمغني (ص 62)، والهمع (2/ 134)، هذا: وفي الكافية الشافية (ص 474)، ربّه، ورواية الديوان: نال الخلافة إذ كانت ... (¬4) سبق ذكره. (¬5) البيت من معلقة امرئ القيس (الديوان ص 38) وهو في شرح الكافية الشافية (ص 1223) والصفيف ما صف على النار ليشوى. (¬6) شرح الكافية الشافية (3/ 1222 - 1223). (¬7) سورة المرسلات: 6. (¬8) سورة طه: 44.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (¬1)، [و] أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ (¬2)، ومنها قول الشاعر: 3306 - [قالت ألا ليتما هذا الحمام] لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد (¬3) ومنها قول الآخر: 3307 - فلو كان البكاء يردّ شيئا ... بكيت على بجير أو عقاق على المرءين إذ هلكا جميعا ... لشأنهما بشجو واشتياق (¬4) ثم أجاب عن ذلك بأن قال: فأما عُذْراً أَوْ نُذْراً (¬5) فأو فيه للتفصيل؛ لأنها فصلت الذكر إلى ما هو عذر أي حجة وإلى ما هو نذر أي تخويف. وأما لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (¬6)، ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً فأو فيهما للإباحة؛ لأن المترجي طالب وقوع أحد الأمرين التذكر وهو التوبة أو الخشية والاتقاء لما في كل واحد منهما من الانكفاف عن الكفر أو مجموعهما؛ لأن ذلك أبلغ في الانكفاف، والترجي في الآيتين مصروف إلى البشر، وأما أَوْ كَصَيِّبٍ (¬7) فأو فيه للإباحة أيضا وكأنه قيل: شبّه مثل المنافقين بأحد هذين المثلين المضروبين لهما تكن مصيبا، وأما: أو نصفه فقد: فأو فيه للشك والتقدير: أو هذا الحمام ونصفه فحذف المعطوف عليه وحرف العطف وهو الواو. وأما أو عقاق فأو فيه لإثبات أحد الشيئين في وقت دون وقت وكأنه قال: بكيت على بجير تارة وعلى عقاق أخرى (¬8). انتهى. ولا يخفى ما في بعض هذا التخريج الذي ذكره ويمكن المنازعة فيه ولكن قد طال الكلام في مسألة أو، وهذا يؤدي إلى الملل. وأما قوله: يوافق ولا بعد النهي والنفي فكلام لطيف يؤدي إلى المقصود بسهولة وبانضمامه إلى كلام ابن عصفور وتعليله المتقدم الذكر تصير المسألة في غاية الوضوح. - ¬

_ (¬1) سورة طه: 113. (¬2) سورة البقرة: 19. (¬3) البيت من بيت من البسيط للذبياني - ديوانه (ص 24)، والأشموني (1/ 284) والتصريح (1/ 225)، والخصائص (2/ 460)، والكتاب (1/ 272). (¬4) البيت من الوافر لمتمم بن نويرة - الشجري (2/ 318). (¬5) سورة المرسلات: 6. (¬6) سورة طه: 44. (¬7) سورة البقرة: 19. (¬8) انظر شرح الجمل (1/ 235)، وفيه بعض الشواهد وأما النص كله ففي شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم لك أن تقول: كلام ابن عصفور إنما هو في أو المفيدة للإباحة أو التخيير. وكلام المصنف في الشرح يقتضي الإطلاق لقوله: وإذا وقع نهي أو نفي قبل أو كانت بمعنى الواو مردفة بلا فأطلق ولم يقيد. أما كلامه في المتن فيمكن حمله على التي للإباحة والتخيير. وذلك بأن تجعل الضمير الذي هو فاعل يوافق عائد على أقرب مذكور وهو أو التي للتخيير أو الإباحة. على أن المصنف لم يصرح بالإباحة كما بالتخيير لكنه لما قال: وتعاقب الواو في الإباحة كثيرا علم منه أنها تكون للإباحة وكان الواجب أن يصرح بذكرها. وأما المعنى الذي ذكره الجماعة ولم يذكره المصنف فهو التفصيل. قال ابن عصفور: وهو أن تأتي بها عقب إجمال لتفصله بها ودلت نحو قولك: اجتمع القوم، فقالوا: حاربوا أو صالحوا أي قال بعضهم حاربوا وبعضهم صالحوا ومن ذلك قوله تعالى: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا (¬1) ألا ترى أن اليهود والنصارى جمعوا في أمر واحد حين أخبر عنهم بأنهم قالوا، ثم فصل بأو ما قالت اليهود [وما] قالت النصارى. وقوله: قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (¬2) فجمع القائلون في شيء واحد حين أخبر عنهم بأنهم قالوا ثم فصل بأو قول بعضهم من قول بعض فكأنه قيل: قال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم مجنون، ومن ذلك قول الشاعر: 3308 - كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة ... إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي (¬3) ألا ترى أن قوله: كلانا لفظ شامل له [4/ 164] ولإلفه وأن أو فصلت خبره من خبر إلفه وكأنه قال: بكى أحدنا وكاد يبكي الآخر، والباكي منهما هو إلفه بدليل قوله واستعجلت عبرة قبلي، وقول الآخر: 3309 - وتلاف قبل الفوت ثأري إنّه ... علق بثوبي داهن أو ناعب (¬4) ألا ترى أن أو فصلت الثوبين وجعلت أحدهما لداهن والآخر لناعب وكأنه قال - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 135. (¬2) سورة الذاريات: 52. (¬3) البيت من الطويل، وانظره في التذييل (4/ 165). (¬4) البيت من الكامل، وداهن، وناعب: من بطون العرب وانظر التذييل (4/ 165)، واللسان: دهن، نعب.

[«إما» العاطفة معانيها، وأحكامها]

[«إما» العاطفة معانيها، وأحكامها] قال ابن مالك: (والمعنى مع «إمّا» شكّ أو تخيير أو إبهام أو تفريق مجرّد. وفتح همزتها لغة تميميّة وقد تبدل ميمها الأولى ياء، وقد يستغنى عن الأولى بالثّانية، وب «أو» عن وإمّا. وربّما استغني عنها بـ «وإلّا». وربّما استغني عن واو «وإمّا»، والأصل إن ما وقد تستعمل اضطرارا). ـــــــــــــــــــــــــــــ علق بثوب داهن وبثوب ناعب. وقول الآخر: 3310 - فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما ... صدور رماح أشرعت أو سلاسل (¬1) فأجمل في قوله ثنتان وفصل بعد ذلك بأو فجعل صدور الرماح لمن يقتل منهم وجعل السلاسل لمن يؤسر. وذكر ابن عصفور في شرح الإيضاح معنى تاسعا وهو أن يكون لإيجاب أحد الشيئين أو الأشياء في وقت دون وقت (كقولك للشجاع) (¬2): إنما أنت طعن أو ضرب بأي تارة كذا وأخرى كذا، ومن ذلك قول قطري بن الفجاءة (¬3): 3311 - حتّى خضبت بما تحدّر من دمي ... أكتاف سرجي أو عنان لجامي (¬4) أي خضبت مرة أكتاف سرجي وأخرى عنان لجامي. ومن هذا القبيل: ما أكلت إلا تمرا أو زبيبا، وما لبست إلا خزّا أو ديباجا، أي ما أكلت إلا تمرا مرة وزبيبا أخرى، وما لبست إلا خزّا مرة وديباجا أخرى (¬5). هذا كلامه. والذي يظهر أن أو في ما ذكره للتقسيم فهي في: إنما أنت طعن أو ضرب لتقسيم فعل الشجاع بمعنى أن فعله طعن وضرب وفي قول قطري لتقسيم ما لحقه دمه أي وصل إليه وفي ما أكلت إلا تمرا أو زبيبا لتقسيم المأكول وفي ما لبست إلا خزّا أو ديباجا لتقسيم الملبوس. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): مجيء إما للشك كثير نحو: لزيد من العبيد إما تسعة وإما عشرة، ومجيئها للتخيير كقوله تعالى: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ - ¬

_ (¬1) سبق ذكره. (¬2) الأصل: كقول الشجاع - تحريف. (¬3) من بني مازن شاعر فارس خطيب رأس من رؤوس الخوارج (ت 78 هـ). الأعلام (6/ 46) والسمط (1/ 590). (¬4) سبق ذكره. (¬5) هذا النص الطويل من شرح الإيضاح لابن عصفور وهو مفقود ولم نعثر عليه. (¬6) انظر شرح التسهيل (3/ 365).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فِيهِمْ حُسْناً (¬1)، ومجيئها للإبهام كقولك وأنت عالم بمن لقيت: لقيت إما زيدا وإما عمرا، ومجيئها للتفريق المجرد كقوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (¬2) ومنه قول الراجز: 3312 - البس لكلّ حالة لبوسها ... إمّا نعيمها وإمّا بوسها (¬3) وبنو تميم يقولون: قام أما زيد وأما عمرو بفتح الهمزة وبعضهم يفتح الهمزة ويبدل الميم التي تليها ياء، ومنه قول الشاعر: 3313 - يا ليتما أمّنا شالت نعامتها ... أيما إلى جنّة أيما إلى نار (¬4) وقد يستغنى عن إما الأولى بإما الثانية كقول ذي الرمة: 3314 - وكيف بنفس كلّما قلت أشرفت ... على البرء من حوصاء هيض اندمالها تهاض بدار قد تقادم عهدها ... وإمّا بأموات ألمّ خيالها (¬5) وقد يستغنى عن الثانية بأو كقراءة أبيّ: (وإنّا أو إيّاكم إمّا على هدى أو في ضلال مبين) وكقول الأخطل: 3315 - وقد شفّني أن لا يزال يروعني ... خيالك إمّا طارقا أو معاديا (¬6) وأنشد الفراء: 3316 - فقلت لهنّ امشين إمّا تلاقه ... كما قال أو تشف النّفوس فتعذرا (¬7) وقد يستغنى عن وإما بـ «وإلا» كقول الشاعر: 3317 - فإمّا أن تكون أخي بحقّ ... فأعرف منك غثّي من سميني - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 86. (¬2) سورة الإنسان: 3. (¬3) البيت هو لبيهس الفزاري وانظره - بتلك النسبة - في اللسان: لبس. (¬4) سبق ذكره (أول باب العطف). (¬5) البيت ديوانه (ص 672) - هذا: والبيتان من الطويل، وهما كذلك للفرزدق في ديوانه (ص 618)، (الصاوي 1354 هـ)، وانظر الأشموني (3 / 110)، والخزانة (4/ 427)، والشجري (2/ 345)، والعيني (4/ 150)، والمقرب (1/ 232). (¬6) من الطويل - الدرر (1/ 202)، (2/ 186)، والهمع (1/ 245)، (2/ 135)، وليس في الديوان. (¬7) البيت من الطويل - التذييل (4/ 169).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلّا فاطّرحنى واتّخذني ... عدوّا أتّقيك وتتقيني (¬1) وقد تحذف الواو التي قبل إما في الشعر كقول الراجز: 3318 - لا تفسدوا أبا لكم ... إيما لنا إيما لكم (¬2) أراد إمّا لنا وإمّا لكم ففتح الهمزة وأبدل الميم التي تليها ياء وحذف الواو كما قال الشاعر: 3319 - يا ليتما أمّنا شالت نعامتها ... إيما إلى جنّة إيما إلى نار (¬3) وأصل إما إن فزيدت عليها ما. وقد يستغنى في الشعر بإن كقول الشاعر: 3320 - وقد كذبتك نفسك فاكذبنها ... فإن جزعا وإن إجمال صبر (¬4) أراد فإما جزعا وإما إجمال صبر، ومثله في رأي سيبويه قول النمر: 3321 - سقته الرّواعد من صيف ... وإن من خريف فلن يعدما (¬5) قال سيبويه: أراد إما من صيف وإما من خريف فحذف إما الأولى واقتصر على الثانية بعد حذف ما (¬6). وقال الأصمعي: إن شرطية والتقدير أو إن سقته من خريف فلن يعدم ريا. وقال غيره: إن زائدة والتقدير سقته الرواعد من صيف ومن خريف (¬7). انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬8). والمعاني التي ذكرها لإما أربعة شك وتخيير وإبهام وتفريق. ونقصه معنى خامس وهو الإباحة ولا شك أن الإباحة من معاني إما، وقد نص هو على ذلك في - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر للمثقب العبدي - الأشموني (3/ 110)، والعيني (4/ 139)، والمفضليات (292)، والمقرب (1/ 232). (¬2)، (¬3) سبق ذكرهما. (¬4) البيت من الوافر لدريد بن الصمة - رغبة الآمل (3/ 156) والعيني (4/ 184) والكتاب (1/ 134، 471)، (2/ 67) والمقتضب (3/ 28). (¬5) البيت من المتقارب - الخصائص (2/ 441) والعيني (4/ 151) والكتاب (1/ 135، 471) والمغني (ص 59، 61). (¬6) الكتاب (1/ 135، 471). (¬7) المغني (ص 59). (¬8) انظر: شرح التسهيل (3/ 367).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكافية (¬1) والألفية (¬2). وعلى هذا فالمعاني التي تفيدها إما خمسة. وبالحقيقة إنما يستفاد أحد المعاني المذكورة من قرائن الكلام المستعمل فيه إما كما تقدم القول في أو، وإما إنما هي لأحد الشيئين أو الأشياء كما أن أو كذلك. وذكر ابن عصفور من معانيها التفصيل وجعل منه قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (¬3) قال: فصل بإما جنس الإنسان الذي هداه السبيل إلى شاكر وكفور. وقد عرفت أن المصنف جعل إما في هذه الآية الشريفة للتفريق أي التقسيم وهو أظهر مما قال ابن عصفور. ولكن ابن عصفور ذكر أن من ذلك أيضا قول الشاعر: 3322 - ولست بهاج في القرى أهل منزل ... على زادهم أبكى وأبكي البواكيا فإمّا كرام موسرون أتيتهم ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا وإمّا كرام معسرون عذرتهم ... وإمّا لئام فادّكرت حيائيا (¬4) قال: فصل بإما أهل المنزل الذي يأتيهم [4/ 165] إلى كرام موسرين يستغنى عما عندهم بما كفاه وكرام معسرين عذرهم ولئام ترك هجوهم؛ لأنه ادّكر حياء ما في السباب والهجو. انتهى. وأقول: لا يتعين في هذا الشعر كون أما للتفصيل، بل يجوز كونها للتفريق أي التقسيم. ثم ليعلم أن أما مع موافقتها لأو قد فارقتها في شيء ذكره أبو علي الفارسي وهو أن إما تؤذن أن مبنى الكلام على الشك وأو قد يجوز فيها أن يكون المبنى قد - ¬

_ (¬1) قال في الكافية الشافية (3/ 1200): خبّر أبح قسّم بأو وأبهم ... وشك والاضراب عن قوم نمي ومثل أو معنى وحكما إما ... تالية الواو أو اعز الحكما للواو ذا أبو علي رجحا ... كذا ابن كيسان إليه جنحا (¬2) وقال في الألفية: ومثل أو في القصد إما الثانية ... في نحو إما ذي وإما النائية (¬3) سورة الإنسان: 3. (¬4) البيت من الطويل لمنظور بن سحيم - الأشموني (1/ 157، 158)، والتصريح: (1/ 137)، والدرر (1/ 59)، والعيني (1/ 127، 436)، والمغني (ص 410)، وابن يعيش (3/ 138).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقع على اليقين ثم أدرك الشك بعده (¬1). قال ابن عصفور: لولا هذا الفرق بين هاتين الكلمتين لكان القياس أن يستغنى بأو عنها؛ لأنها تعطي من المعاني كل ما تعطيه إما مع أنها أخصر منها من جهة أنها لا تكرر وإما لا تستعمل في فصيح الكلام إلا مكررة. إلا أنه قال: كان الأحسن - يعني لأبي علي - أن يقول: إنها تؤذن أن مبنى الكلام على المعنى الذي جيء بها من أجله شكا كان أو غيره، وأو ليست كذلك إلا أنه اكتفى بذلك؛ لأنه قد علم أن ما يلزم فيه يلزم في سائر معانيها من جهة أن السبب في إفادتها أن مبني الكلام معها على الشك إنما هو تقدمها على المعطوف عليه وتقدمها عليه لازم بأي معنى كانت فلزم لذلك أن تكون مؤذنة بأن مبني الكلام على المعنى الذي جيء بها من أجله شكّا كان أو غيره. انتهى. وكما فارقت إما أو في ما ذكر فارقتها في ثلاثة أمور أخر: أحدها: أن أو عاطفة وإما ليست عاطفة. الثاني: أن أو لا يلزم أن يكون مبنى الكلام فيها على أحد الشيئين وإما مبنى الكلام فيها على أحد الشيئين. فإذا قلت: قام زيد أو عمرو احتمل أنك أردت الإخبار عن زيد وحده، ثم لما ذكر زيد عرض لك شكّ أو قصد إبهام فقلت: أو عمرو. الثالث: أن إما يلزمها التكرير وأو لا يلزم فيها ذلك. ثم قد تقدم في أول الباب ذكر الخلاف في كونها حرف عطف وأن المصنف لم يثبت لها العطف موافقة ليونس، وابن كيسان، وأبي علي، وتقدم ذكر استدلال المصنف على ذلك. والحق أنها ليست عاطفة والخلاف بينهم إنما هو في إما الثانية. أما إما الأولى في مثل قام إما زيد وإما عمرو فليست عاطفة إجماعا لأن حرف العطف لا يلي العامل، وقد استدل ابن عصفور على أنها ليست حرف عطف، وأطال (¬2). وفي ما تقدم من كلام المصنف في ذلك كفاية. ¬

_ (¬1) الإيضاح - بتحقيق حسن فرهود (289). (¬2) ليس ذلك في شرحه - الكبير - على الجمل ولعله من شرحه على إيضاح الفارسي.

[من حروف العطف: بل، لكن، لا]

[من حروف العطف: بل، لكن، لا] قال ابن مالك: (والمعطوف ببل مقرّر بعد تقرير نهي أو نفي صريح أو مؤوّل أو بعد إيجاب لمذكور موطّأ به، أو مردود أو مرجوع عنه وقد تكرّر «بل» رجوعا عن ما ولي المتقدمة أو تنبيها على رجحان ما ولي المتأخّرة وتزاد «لا» قبل «بل» لتأكيد التّقرير وغيره «ولكن» قبل المفرد بعد نهي أو نفي كـ «بل»، ويعطف بـ «لا» بعد أمر أو خبر مثبت أو نداء). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): معنى المقرر الممكن في ما يراد به من ثبوت نحو: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (¬2)، أو نفي نحو: بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (¬3) فما بعد بل مقرر على كل حال فإن كان قبلها نهي أو نفي فهي بين حكمين مقررين كقوله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ (¬4) وكقولك: لا تضرب خالدا بل بشرا، وما قام زيد بل عمرو. فخالد قد قرر النهي عن ضربه وبشر قد قرر الأمر بضربه وزيد قد قرر نفي القيام عنه وعمرو قد قرر إثبات القيام له. هذا هو الصحيح ولذلك لم يجز في ما بعد بل من نحو ما زيد قائما بل قاعد إلا الرفع لأن ما لا تعمل إلا في منفي. ووافق المبرد في هذا الحكم وأجاز مع ذلك أن تكون بل ناقلة حكم النهي والنفي لما بعدها (¬5) وهو خلاف الواقع في كلام العرب كقول الشاعر: 3323 - لو اعتصمت بنا لم تعتصم بعدى ... بل أولياء كفاة غير أوكال (¬6) وكقول الآخر: 3324 - وما أتيت إلى خور ولا كشف ... ولا لئام غداة الرّوع أوزاع 3325 - بل ضاربين حبيك البيض إن لحقوا ... شمّ العرانين عند الموت لذّاع (¬7) ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 368). (¬2) سورة الأعلى: 16. (¬3) سورة الفجر: 17. (¬4) سورة آل عمران: 169. (¬5) راجع المقتضب (1/ 12)، (3/ 205)، (4/ 298). (¬6) البيت من البسيط - التذييل (4/ 169) - والأكمال: جمع وكل: من يكل أمره إلى غيره لضعفه أو عجزه. (¬7) البيت من البسيط لضرار بن خطاب - الدرر (2/ 186، 226) والعيني (4/ 157) والهمع (2/ 136، 175) ويروي: انتميت موضع أتيت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 3326 - لا تلق ضيفا وإن أملقت معتذرا ... بعسرة بل غنيّ النّفس جذلانا (¬1) وحكم النفي المؤول حكم النفي الصريح نحو: زيد غير قائم. بل قاعد ومنه قوله تعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ 39 بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً (¬2) ومثله أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 40 بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ (¬3) وإن كان ما قبل بل موجبا فما بعدها إما مقرر بعد مقرر على سبيل التوطئة كقوله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (¬4) وكقول عبد الله بن رواحة - رضي الله تعالى عنه -: [ربّ إنّا كنّا على عمل النّار كالأنعام بل أضلّ سبيلا] (¬5)، وإما مقرر بعد مردود كقوله تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (¬6) وكقوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ (¬7) وإما مقرر بعد مرجوع عنه لكونه غلطا في اللفظ نحو: أنت عبدي بل سيدي، أو لكونه غلطا في الإدراك نحو: سمعت رغاء بل صهيلا، ولاح برق بل ضوء نار، أو لعروض نسيان نحو: له عليّ درهمان بل ثلاثة، أو لتبدل رأي نحو: ادع لي زيدا بل عمرا، وائتني بفرس بل بعير، واشتر لي زيتا بل سمنا. وقد تكرر بل فيكون ما بعد المتقدمة مقصود الانتفاء كقوله تعالى: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ (¬8) فما بعد الأولى من الإخبار بالأضعاث مقصود الانتفاء لأنه مرجوع عنه، وكذا ما بعد الثانية. وقد تكرر تنبيها على أولوية المتأخر بالقصد إليه والاعتماد [4/ 166] عليه مع ثبوت معنى ما قبله كقوله تعالى: وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ 65 بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (¬9). وتزاد «لا» قبل «بل» لتأكيد الإضراب عن الأول نحو: قام زيد لا بل عمرو، - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط - شرح العمدة (2/ 632). (¬2) سورة الأنبياء: 39، 40. (¬3) سورة الأنعام: 40، 41. (¬4) سورة الفرقان: 44. (¬5) التذييل (4/ 170). (¬6) سورة الأنبياء: 26. (¬7) سورة المؤمنون: 70. (¬8) سورة الأنبياء: 5. (¬9) سورة النمل: 65، 66.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخذ هذا لا بل ذاك فلا في هذين المثالين زائدة لتأكيد الإضراب عن جعل الحكم الأول. وكذا كل ما لا نهي فيه ولا نفي فلو وجد أحدهما قبل لا أفادت تأكيد تقريره ولم تقتض إضرابا نحو: ما قام زيد لا بل عمرو ولا تضرب خالدا لا بل بشرا. فلا في هذين المثالين زائدة لتأكيد بقاء النهي والنفي. ومن زيادة لا مع عدم النفي والنهي قول الشاعر: 3327 - وجهك البدر لا بل الشّمس لو لم ... يقض للشّمس كسفة أو أفول (¬1) ومثله: 3328 - وكأنّما اشتمل الضّجيع بريطة ... لا بل تزيد وثارة وليانا (¬2) ومن زيادتها بعد النفي قول الشاعر: 3329 - وما سلوتك لا بل زادني شغفا ... هجر وبعد تمادي لا إلى أجل (¬3) ومن زيادتها بعد النهي قول الشاعر: 3330 - لا تملّنّ طاعة الله لا بل ... طاعة الله ما حييت استديما (¬4) والمعطوف بلكن مثبت مسبوق بنفي أو نهي نحو: ما وجدتني عادلا لكن عادرا فلا تكن لي خاذلا لكن ناصرا، ولو جعلت بل بدل لكن لم يختلف المعنى إلا أن بل لا يلزم أن يتقدم عليها نفي أو نهي ولا بد من أحدهما قبل لكن، فإن خلت منهما لزم أن يكون بعدها جملة مخالفة لما قبلها لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا نحو: قام زيد لكن عمرو لم يقم وقام بشر لكن خالد قعد. والمعطوف بلا منفي بعد أمر أو خبر مثبت أو نداء نحو: اضرب زيدا لا عمرا، وهذا محمد لا عمرو، ويا سالم لا سلمان. وزعم ابن سعدان أن العطف بلا على منادى ليس في كلام العرب شاهد على استعماله (¬5) انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬6). ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف - الأشموني (3/ 113)، والتصريح (2/ 148)، والدرر (2/ 187)، والهمع (2/ 136). (¬2) البيت من الكامل - التذييل (4/ 170)، والرّيطة: الملاءة إذا كانت قطعة واحدة. (¬3) البيت من البسيط - التذييل (4/ 171). (¬4) البيت من الخفيف - الدرر (2/ 188)، والهمع (2/ 136). (¬5) ينظر الأشموني (3/ 111). (¬6) شرح التسهيل (3/ 370).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنا أذكر الآن ما يتعلق بكل من الأحرف الثلاثة حرفا حرفا. أما بل: فلم يتعرض عند ذكرها إلى تفصيل الواقع بعدها بين أن يكون جملة أو مفردا. والإشارة إلى ذلك متعينة فان الواقع بعدها جملة ليست بعاطفة وإنما هي لمجرد الإضراب وظاهر كلامه يقتضي بنسبة العطف إليها على الإطلاق. ونصوص النحاة على أن بل إنما يعطف بها المفرد وكلامه في شرح الكافية يقتضي الإطلاق أيضا. فإنه قال: وأما بل فإنها للإضراب وحالها فيه مختلف فإن كان الواقع بعدها جملة فهي للتنبيه على انتهاء غرض واستئناف غيره ولا تكون في القرآن العزيز إلا على هذا الوجه. وإن وقع بعدها مفرد وليس قبله نفي ولا نهي فهي لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها نحو: جاء زيد بل عمرو، وخذ هذا بل ذاك. وإن كان قبل المفرد نفي أو نهي آذنت بتقرير حكمه وبجعل ضده لما بعده فزيد من قولك ما قام زيد بل عمرو قد قرر نفي قيامه وعمرو قد أثبت قيامه وخالد من قولك: لا تضرب خالدا بل بشرا قد قرر النهي عن ضربه وبشر قد أمر بضربه (¬1). انتهى. وقوله: في ما وليت نفيا أو نهيا أنها آذت بتقرير حكمه وبجعل ضده لما بعده أصرح في المقصود من قوله - أنا أعني في متن الكتاب - أنه مقرر بعد تقرير نهي أو نفي لأنه وإن كان مقررا فلا يدري أهو مقرر الثبوت أم النفي. ولهذا الذي قلته ذكر في الشرح الثبوت والنفي فقال: معنى المقرر الممكن في ما يراد به من ثبوت أو نفي. على أن هذا الكلام غير واف بالمقصود لأنه وكّل أمر الثبوت والنفي إلى إرادة المتكلم. والغرض أن بل إذا وليت نهيا أو نفيا أفادت إثبات ضد ذلك لما بعدها بالوضع فليس الأمر في ذلك موكولا إلى الإرادة. ثم إن قوله في شرح الكافية أن بل إذا لم يكن قبلها نفي ولا نهي كانت لإزالة حكم ما قبلها وجعله لما بعدها لا يطابق قوله هنا: أو بعد إيجاب لمذكور موطأ به بل ربما يدافعه؛ لأنه إذا كان موطأ به كان حكمه ثابتا غير مزال. وقد قال الإمام بدر الدين في شرح قول والده في الألفية: - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية (3/ 1233، 1234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وانقل بها للتّان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي أن بل بعد غير النفي والنهي لإزالة الحكم عما قبلها حتى كأنه مسكوت عنه وجعله لما بعدها (¬1) وقد أشكل عليّ هذا الموضع وتعذر عليّ الجمع بين ما قاله في التسهيل وما قاله في شرح الكافية وكذا ما قاله في الألفية. والذي يظهر لي أن الذي ذكره في التسهيل من أنها تكون بعد إيجاب موطأ به ليس راجعا إلى بل العاطفة بل إلى بل التي لمجرد الإضراب، ويدل على ذلك أن المثال الذي مثل به لهذا الحكم وهو قوله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (¬2) ليست بل فيه عاطفة لمجيء الجملة بعدها. وكان المصنف ذكر أحكام ما يذكر قبل بل وبعدها على الإطلاق من غير تعرض إلى تفصيل الواقع بعدها ما هو. وبعد ... فأنا أورد كلام ابن عصفور على هذا الحرف فإنه أوضح من كلام المصنف. قال رحمه الله تعالى ما ملخصه (¬3): بل إن وقع بعدها جملة كانت للإضراب عن الكلام الذي قبلها وإثبات الكلام الذي بعدها. والإضراب قسمان: إضراب انتقال: وعبر هو عن الانتقال بالترك. مثال إضراب الإبطال قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ (¬4)، ومثال إضراب الانتقال قوله تعالى: وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ 62 بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هذا (¬5) قال: ولا تكون إذ ذاك عاطفة؛ لأن المتكلم أضرب عما قبلها واستأنف ما بعدها فصار ما قبلها [4/ 167] بالنظر إلى المعنى كأنه لم يذكر وكأنها هي أول الكلام الذي قصد إثباته. وإن وقع بعدها مفر كانت عاطفة وتستعمل بعد الإيجاب والنفي والنهي فإن كانت بعد الإيجاب فإنما يؤتى بها لتدارك نسيان أو غلط. فقائل: ضربت زيدا بل عمرا إنما أراد أن يقول: ضربت عمرا فغلط أو نسي فتدارك ببل. وأما بعد النفي والنهي فإنما - ¬

_ (¬1) شرح الألفية لبدر الدين (ص 541). (¬2) سورة الفرقان: 44، وقد تقدم ذلك قريبا. (¬3) هذا النص الطويل من شرح الإيضاح المفقود لابن عصفور. (¬4) سورة المؤمنون: 70. (¬5) سورة المؤمنون: 62، 63.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يؤتى بها لإثبات ما نفي أو نهي عنه للثاني. وخلاف المبرد في ذلك معروف (¬1) قال: ومستنده أن بل لا يتكلم بها إلا غالط. قال: فإذا قلت: رأيت زيدا بل عمرا إنما أردت أن تقول: رأيت عمرا فغلطت فتداركت ببل وكذلك في النفي فإذا قلت: ما رأيت زيدا بل عمرا إنما أردت أن تقول: ما رأيت عمرا فغلطت فأضربت عن الجحد الأول واعتمدت في الجحد على الثاني. ومع قول المبرد بهذا القول أجاز ما أوجبه الجماعة فقال: وقد تكون بمعنى لكن فيكون المعنى: بل رأيت عمرا. ثم إن ابن عصفور أبطل ما أجازه المبرد بأن قال: بل حرف عطف وحرف العطف إنما ينوب من جهة المعنى مناب العامل فإذا قلت: ما قام زيد بل عمرو فينبغي أن يكون المعنى بل قام عمرو فتنوب بل مناب قام لأنه هو العامل في المعطوف عليه ولا يسوغ أن يكون المعنى بل ما قام عمرو لأن ما غير عاملة فلا يجوز أن تنوب بل منابها من جهة المعنى. ثم أورد على هذا التعليل نحو: ما يقوم زيد وعمرو فإن معناه ما يقوم زيد وما يقوم عمرو فقد ناب حرف العطف مناب حرف النفي من جهة المعنى. وأجاب عن ذلك بأن حرف العطف إنما ناب مناب الفعل وكأنك قلت: ما يقوم زيد ويقوم عمرو لكن يلزم أن يكون ذلك الفعل الذي ناب حرف العطف منابه منفيّا كما يلزم ذلك فيه إذا لفظت به بعد حرف العطف من جهة أنه إذ ذاك يكون معطوفا على الفعل المنفي الذي قبله بالواو وهي من الحروف المشتركة في اللفظ والمعنى ولا يلزم ذلك في العطف ببل؛ لأنها إنما تشرك في اللفظ لا في المعنى. ثم ذكر ابن عصفور مسألة كأنه يعضد بتقريرها ما كره ردّا على المبرد. وهي أن بل لا يعطف بها بعد الاستفهام فلا يقال: هل يقوم زيد بل عمرو لأنك إما أن تريد بل يقوم عمرو أو بل هل يقوم عمرو. فلا يجوز أن يراد بل يقوم عمرو لأن إنما يستدرك بها للثاني ما أثبت للأول غلطا أو نسيانا أو ما نفي عنه. والمستفهم لم يثبت لزيد قياما ولا نفاه عنه فيستدركه لعمرو، ولا يجوز أن يراد به: بل هل يقوم عمرو، لما ذكرناه من أن بل إنما تنوب من جهة المعنى مناب العامل في المعطوف عليه وأداة الاستفهام ليست بعاملة فيه فتنوب بل منابها. قال: وكون العرب لم تعطف بها بعد الاستفهام دليل على بطلان ما ذهب إليه - ¬

_ (¬1) ينظر المقتضب (1/ 12)، (4/ 298)، والمغني (ص 120)، والهمع (2/ 136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المبرد (¬1). ثم قد علمت من كلام المصنف أن لا تزاد قبل بل لتأكيد الإضراب عن الأول إذا لم يكن قبلها نفي ولا نهي، وأنه إن وجد أحدهما قبل لا أفادت تأكيد تقريره ولم تقتض إضرابا نحو: ما قام زيد لا بل عمرو، وعلم منه أن لا تزاد قبل بل بعد النفي كما تزاد بعد الإيجاب. وهذا هو المعمول به. لكن نقل ابن عصفور عن ابن درستويه: أن لا تزاد قبل بل بعد الإيجاب وأنها لا تزاد بعد النفي (¬2). قال: لأنها حرف نفي فأغنى عنها تقدم النفي فتقول: ما جاءني زيد بل عمرو ليس إلا. ولا شك أن الجماعة يجيبون عن هذا بأن لا في مثل هذا أتى بها توكيدا. وأما لكن: فقد كان الواجب أن لا يذكرها المصنف لأن مختاره أنها ليست عاطفة فكيف يذكرها مع العواطف. والعجب قوله في الشرح: والمعطوف بلكن. أما عبارته في المتن فليس فيها تعرض إلى العطف وإنما تعرض إلى معناها فقال: ولكن قبل المفرد بعد نهي أو نفي كبل. ومراده بذلك أن لكن إذا تقدمها نفي أو نهي وذكر بعدها مفرد كان الحكم المسلوب عما قبلها ثابتا لما هو بعدها ولكن حينئذ حرف استدراك فقط. وقد تقدم من كلامه ما يعضد ذلك وهو قوله في أول الباب: فإن وليها مفرد معطوف فعطفه بواو قبلها لا يستغنى عنها إلا قبل جملة مصرح بجزئيها ولا بد قبل المفرد من الواو «ولو كانت لا يستغنى بها عن الواو كما استغنى ببل. وغيرها» وإذا علم أن لكن عنده ليست عاطفة علم أنه إنما ذكرها هنا تبعا لذكر بل وذلك لموافقتها لها في ما تقدم ذكره. وبعد: فأنا أورد ما ذكره الجماعة في لكن ليتبين ما وقعت فيه الموافقة والمخالفة لكلام المصنف، قال ابن عصفور في شرح الإيضاح: لا تكون لا عاطفة إلا إذا وقع بعدها مفرد ولا بد أن يتقدمها نفي أو نهي؛ لأنه نفي في المعنى ويكون المراد بها استدراك ذلك الفعل المنفي أو المنهي عنه لما بعدها. فإذا قلت: ما ضربت زيدا ولكن عمرا فالمعنى ولكن ضربت عمرا وإذا قلت: - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (1/ 129). (¬2) الأشموني (3/ 113)، والهمع (2/ 136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تضرب زيدا ولكن عمرا فالمعنى ولكن اضرب عمرا. وإنما امتنع وقوعها بعد الإيجاب لأن ما بعدها لا بد أن يخالف ما قبلها لأن وضعها لذلك فيلزم أن يكون ما بعدها منفيّا إذا كان ما قبلها موجبا، والنفي في كلام العرب لا يكون إلا بأداة نفي. وكما امتنع وقوعها بعد الإيجاب امتنع وقوعها بعد الاستفهام لأنها لاستدراك المنفي قبلها أو المنهي عنه لما بعدها والمستفهم لم ينف شيئا ولا أثبته [4/ 168] ولا نهى عن شيء ولا أمر به. ولا تكون لكن عاطفة عند أكثر النحويين إلا إذا لم تدخل عليها الواو، فإذا دخلت عليها الواو كانت هي العاطفة عندهم وتخلصت لكن لمعنى الاستدراك. واستعمال لكن إذا وقع بعدها المفرد لفظا وتقديرا بغير واو لم يسمع من كلام العرب، وإنما قاله النحويون بالقياس. وذكر أبو علي عن يونس أنه كان ينكر أن يقال: ما ضربت زيدا لكن عمرا (¬1). قال: وموضع الإنكار أن نقول: إن هذا حرف كان يدخل قبل التخفيف على المبتدأ والخبر فينبغي أن يكون بعد التخفيف كذلك (¬2). ألا ترى أن سائر أخواتها كذلك. وأطال ابن عصفور الكلام في ذلك ثم قال: والصحيح عندي ما ذكره يونس من أنها لا تستعمل إلا بالواو. وأنشد أبياتا إلا أنه بعد ذلك قال: ولكن مع ذلك هي العاطفة والواو زائدة كما زيدت، ثم لما دخلت عليها الفاء في قول زهير: 3331 - ..... ... فثمّ إذا أصبحت .... قال: وذلك لأن الواو تشرك لفظا ومعنى وما بعد لكن مخالف لما قبلها في المعنى فدل ذلك على أن لكن هي العاطفة وأن الواو زائدة مثلها في قول الشاعر: 3332 - ولمّا رأى الرّحمن أن ليس فيهم ... رشيد ولا ناه أخاه عن الغدر وصبّ عليهم تغلب ابنه وائل ... وكانوا عليهم مثل راعية البكر (¬3) يريد صب عليهم. قال: وعلى ما ذكرته ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه والأخفش لأنهما قالا إن لكن من حروف العطف فلما مثلا العطف بها مثّلاه بالواو - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 435، 439). (¬2) قاله أبو علي في التذكره - التذييل (4/ 149). (¬3) تقدم البيتان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فدل ذلك على أن لكن هي العاطفة عندهما لا الواو. انتهى. وأما دعواه زيادة الواو مستدلا بأن الواو تشرك لفظا ومعنى وما بعد لكن مخالف لما قبلها فقد عرفت أن المصنف أشار إلى هذه المسألة وقال: الواجب أن يجعل ذلك من عطف الجمل ويضمر له عامل لأن الجملة المعطوفة بالواو يجوز كونها موافقة ومخالفة. وقال في شرح الكافية: «وأما المعطوف بلكن فمحكوم له بالثبوت بعد نفي نحو: ما قام زيد لكن عمرو، أو بعد نهي نحو: لا تضرب زيدا لكن عمرا، فإن دخلت عليها الواو كقوله تعالى: وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ (¬1) عريت لكن من العطف وقدر ما بعدها جملة معطوفة على ما قبلها بالواو؛ لأن بقاء لكن بعد الواو عاطفة ممتنع لامتناع دخول عاطف على عاطف وجعل الواو عاطفة وحدها مع كون ما بعد لكن مفردا ممنوع لمخالفته في الحكم للمعطوف عليه. وحق المعطوف بالواو إن كان مفردا أن يستوي هو والمعطوف عليه في الحكم. فإن كانا جملتين اغتفر تحالفهما في الحكم كقولك: قام زيد ولم يقم عمرو، واطع الله ولا تتبع الهوى» (¬2). انتهى. ولا شك أن ما ذكره أولى مما ذكره ابن عصفور من زيادة الواو. وأما جملة كلام سيبويه وتمثيله على هذا الذي اختاره فهو موقوف على أن سيبويه يجيز زيادة الواو (¬3) وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. ثم قد عرفت من كلام المصنف أن لكن لا يليها إلا جملة فإن صرح بجزأيها فلا كلام وقد تذكر الواو حينئذ وقد لا تذكر وإن كان الذي وليها مفرد قدر مفردا آخر ليصير ما بعدها جملة واقتضى كلامه أنه لا بد مع المفرد من ذكر الواو، أما من لكن عنده عاطفة وقد وليها مفرد فلا يقدر شيئا لأنها إنما يعطف بها المفرد كما أن بل كذلك إلا أن ابن أبي الربيع قال: الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أنها عاطفة في المفردات والجمل وأنشد قول زهير: - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 40. (¬2) شرح الكافية الشافية (3/ 1230 - 1231). (¬3) الكتاب (1/ 435 - 440).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3333 - إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره ... لكن وقائعه في الحرب تنتظر (¬1) ولم يقتصر على لكن بل عدّى الكلام إلى بل فقال: إنها تعطف المفردات والجمل. وما قاله فيه نظر وهو مخالف لنصوص الجماعة. ولما أنهى الشيخ الكلام على الخلافة في لكن قال: فتخلص فيها أقوال: أحدها: أنها ليست عاطفة وأن العطف للواو عطف مفرد على مفرد. الثاني: كذلك إلّا أن العطف هو من باب عطف الجمل. الثالث: أن العطف بها ولا يأتي بالواو. الرابع: كذلك ولا بد من الواو وهي زائدة. الخامس: التخيير بين أن يأتي بالواو وأن لا يأتي بها (¬2). انتهى. والذي يقتضيه النظر أن لا مدخل لها في عطف الجمل وأنها إذا وليها مفرد والواو مذكورة فالعطف للواو وهي تفيد الاستدراك لا غير وإن لم تذكر الواو فلكن نفسها هي العاطفة بهذا إن كان مسموعا وإلا فالقياس لا يدفعه، وهذا الذي ذكرته ماش على القواعد وليس فيه مصادمة لشيء تقتضيه الصناعة النحوية. بقي التنبيه على أمرين: أحدهما: أن اشتراط تقدم النفي أو النهي على لكن إنما يكون إذا وليها مفرد أما إذا وقع بعد لكن جملة فإنه يجوز أن يتقدمها إيجاب وغير إيجاب وإنما الشرط أن يكون بين ما قبلها وما بعدها منافاة. وقد تقدم قول المصنف: ولا بد من النفي أو النهي قبل لكن فإن خلت منهما لزم أن يكون بعدها جملة مخالفة لما قبلها لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا نحو قام زيد لكن عمرو لم يقم، وقام بشر لكن خالد قعد. ثانيهما: قال ابن أبي الربيع: لا أعلم خلافا بين المتقدمين في أن معنى لكن الاستدراك إلا أني رأيت لابن الطراوة كلاما يقتضي أن لكن توجب للثاني ما نفي عن الأول، والاستدراك فيها باطل؛ لأن حقيقته أن تستدرك شيئا فاتك أولا وأنت إذا قلت: ما قام زيد لكن عمرو لم يفتك أولا شيء؛ لأن إخبارك بنفي القيام عن زيد صحيح ولم ينقص منه شيء فيستدرك بالثاني، وإنما جئت بعد لكن بخبر آخر - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط - ديوانه: (ص 34)، والأشموني (3/ 110)، والدرر (2/ 189)، والمغني (ص 292)، والهمع (2/ 137). هذا: ورواية الديوان: غوائله بدل بوادره. (¬2) التذييل (4/ 171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو إيجاب القيام لعمرو (¬1). وكان الأستاذ أبو علي ينفصل عن هذا بأن يقول: الكلام بلكن إنما يأتي جوابا لمن يقول [4/ 169] قام زيد فتقول له: ما قام زيد لكن عمرو فقصدك أن تخبر بنفي القيام عن زيد وتثبت أن هناك قياما فكأنك تقول له: أما القيام فحق وأما نسبته لزيد فباطلة إنما هو لعمرو. فتقول: ما قام زيد فإذا قلته تحصل أن القيام منفي عن زيد وبقي عليك الإيجاب لعمرو. فقولك بعد ذلك: لكن عمرو استدراك لما بقي عليك مما قصدت الإخبار به (¬2). وهذا الذي قاله الأستاذ أبو علي صحيح. ومن نظر كلام العرب بأن له ذلك: قال: وكذلك الكلام في لا بد الاستدراك ببل فقد تأتي بل جوابا بمنزلة لكن يقول القائل: قام عمرو فتقول ما قام عمرو بل زيد على معنى لكن زيد. انتهى. وقوله: فقد تأتي بل جوابا بمنزلة لكن يوافقه قول المصنف المتقدم ولو جعلت بل بدل لكن لم يختلف المعنى إلا أن بل لا يلزم أن يتقدم عليها نفي أو نهي ولا بد من أحدهما قبل لكن. وأما لا: فقد عرفت أن المصنف ذكر أنها يعطف بها بعد التحضيض والدعاء. قال: لأنهما في معنى الأمر فيقال هل لا تضرب زيدا لا عمرا وغفر الله لزيد لا بكر. ولما كانت لا تنفي عن التاني ما وجب للأول وجب لذلك أن لا يعطف بها إلا بعد الإيجاب فهي لكن، لأن لكن لا يعطف بها إلّا بعد النفي؛ لأنها توجب للثاني ما نفي عن الأول كما أن لا تنفي عن الثاني ما وجب للأول، وقد ذكروا لكون لا عاطفة شرطين: أن يكون المعطوف بها مفردا وأن يكون ما بعدها غير صالح لإطلاق ما قبلها. والمراد بذلك ألا يصح إطلاق ما قبلها على ما بعدها ولا ما بعدها على ما قبلها. وليس في عبارة المصنف تعرض لذكر هذين الشرطين، ولكن تمثيله بما مثل يشعر باشتراطهما. وقال ابن عصفور (¬3): إلّا من حروف العطف إلا أنها لا يعطف بها الجمل التي لا موضع لها من الإعراب. ولم يتحقق لي ذلك. ومن الأمثلة التي ذكرها - ¬

_ (¬1) ينظر الارتشاف (2/ 646)، والهمع (2/ 137). (¬2) التذييل (4/ 149). (¬3) من شرح الإيضاح المفقود.

[ما لا يشترط وما يشترط في صحة العطف]

[ما لا يشترط وما يشترط في صحة العطف] قال ابن مالك: (لا يشترط في صحّة العطف وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه، ولا تقدير العامل بعد العاطف، بل يشترط صلاحيّة المعطوف، أو ما هو بمعناه لمباشرة العامل). ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عصفور: زيد يقوم لا يقعد، وهذا رزق الله لا كدك، والصدق ينبئ عنك لا الوعيد، فكدك معطوف على الخبر، والوعيد معطوف على المبتدأ. ولم يظهر لي أن المعطوف في هذين المثالين جملة. وأما لا يقعد من قولك زيد يقوم لا يقعد فهو من عطف المفردات لا عطف الجمل. ثم قال ابن عصفور: وزعم بعضهم (¬1) أن العطف بها بعد الماضي غير جائز. ثم رد هذا القول (¬2). ولا شك أن الجمهور على خلافه، لأن الماضي ورد في الكتاب العزيز منفيّا بلا قال تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (¬3)، وقال: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (¬4) ومن العطف بها بعد الماضي قول الشاعر: 3334 - كأنّ دثارا حلّقت بلبونه ... عقاب تنوفى لا عقاب القواعل (¬5) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): يجوز قام زيد وأنا وإن لم يصلح مباشرة قام لأنا لأنه بمعنى التاء المضمومة في قمت وزيد وكذا رأيت زيدا وإياك وإن لم تصلح مباشرة رأيت لإياك لأنه بمعنى الكاف في رأيتك وزيدا. ويجوز رب رجل وأبيه وإن لم تصلح مباشرة رب لأبيه لأنه بمعنى رب أي رجل ورجل. ويجوز الواهب المائة الهجان وعبدها وإن لم يصلح مباشرة الواهب لعبدها لأنه بمعنى الواهب عبد المائة والمائة. ويجوز أن زيدا وأباه قائمان وإن لم يصلح أن يباشر إن أباه لأنه بمعنى أن أبا زيد وزيدا قائمان، ويجوز مررت برجل قائم أبواه - ¬

_ (¬1) هو أبو القاسم الزجاجي في «معاني الحروف» له واستدل على ذلك بأن «لا» لا ينفي الماضي بها وإذا عطفت بها بعده كانت نافية له في المعنى - شرح الجمل (1/ 129). (¬2) السابق. (¬3) سورة القيامة: 31. (¬4) سورة البلد: 11. (¬5) البيت من الطويل لامرئ القيس - ديوانه: (94) والأشموني (3/ 111)، والتصريح (2/ 150)، والخصائص (3/ 191)، والعيني (4/ 154)، والمغني (/ 242). (¬6) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (3/ 371).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا قاعدين وإن لم يصلح وقوع قاعدين موقع قائم؛ لأنه بمعنى لا قاعد أبواه أو لا قاعدهما، أو لأنه بمعنى لم يقعدا ويجوز أن زيدا قائم لا عمرا وإن لم يصلح تقديران بعد لا؛ لأن تقدير العامل بعد العاطف ليس شرطا بل هو ممتنع مع مواضع نحو: اختصم زيد وعمرو، ومن يأتني ويسلني أعطه، وعرقت ابني زيد عمرو. فلو كان ما بعد العاطف لا يصلح لمباشرة العامل ولا هو بمعنى ما يصلح لمباشرته أضمر له عامل مدلول عليه بما قبل العاطف وجعل من عطف الجمل نحو قوله تعالى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ * (¬1) وفَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ (¬2)، فـ «زوجك» و «ربك» مرفوعان «بليسكن» «وبليذهب» مضمرين مدلول عليهما ما باسكن واذهب. والمحوج إلى هذا التقدير أن فعل الأمر لا يرفع إلا ضمير المأمور المخاطب. لكنه وإن لم يكن صالحا لرفع غيره فهو صالح للدلالة على ما يرفعه. ولو كان ما قبل العاطف فعلا مضارعا مفتتحا بالهمزة أو النون لفعل بعده من التقدير والإضمار ما فعل بعد الأمر نحو: لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ (¬3) فأنت مرفوع بفعل مضمر مدلول عليه بنخلفه، والتقدير ولا تخلفه أنت لأن نفعل وأفعل لا يرفعان إلا ضميري المتكلم. وكذا لو كان الفعل مفتتحا بتاء الخطاب لعومل ما بعد العاطف الذي بعده بهذه المعاملة نحو: تقوم أنت وزيد. وكذا لو كان مفتتحا بتاء المضارعة الدالة على التأنيث كقوله تعالى: لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ (¬4) أي ولا يضار مولود. ولا بد من هذا [4/ 170] التقدير لأن الفعل المفتتح بتاء التأنيث لا يرفع إلا مؤنثا. وكل ما استحقه المعطوف من التقدير المذكور مستحق في البدل نحو: ادخلوا أولكم وآخركم فيقدر قبلهما ليدخل؛ لأن ادخل لا يرفع إلّا ضمير المأمور المخاطب نص على هذا المعنى سيبويه (¬5) رحمه الله تعالى. فإن جعل أولكم وآخركم بدلا فهو عامله من إبدال الجمل بعضها من بعض كما يقال في العطف. ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 35، وسورة الأعراف: 19. (¬2) سورة المائدة: 24. (¬3) سورة طه: 58. (¬4) سورة البقرة: 233. (¬5) في الكتاب (3/ 398) وما بعدها، «وكان عيسى يقول: ادخلوا الأول فالأول؛ لأن معناه: ليدخل، فحمله على المعنى وليس بأبعد من: ليبك يزيد ضارع لخصومه، فإذا قلت: ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير فالرفع لأن معناه معنى كلهم كأنه قال: «ليدخلوا كلهم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن المستحق لهذه المعاملة قول الشاعر: 3335 - نطوّف ما نطوّف ثمّ نأوي ... ذوو الأموال منا والعديم إلى حفر أسافلهنّ جوف ... وأعلاهنّ صفاح مّقيم (¬1) فذوو الأموال مرفوع بنأوي مضمرا مدلولا عليه بنأوي، لأن المضارع ذا النون لا يرفع إلا ضمير المتكلم وإن جعل ذوو الأموال والعديم توكيدا كما جعل على أحد الوجهين الظهر والبطن من قولهم: ضرب زيد الظهر والبطن جاز وكان العامل فيه نأوي كما يكون عاملا في كلنا إذا قيل: نأوي كلنا لأن التوكيد بمنزلة تكرير المؤكد. هذا كلامه رحمه الله تعالى. ونقله الشيخ عنه ولم يدفعه بشيء غير أنه قال: وما ذهب إليه من أنه إذا لم يصلح يعني المعطوف لمباشرة العامل ولا هو بمعنى ما يصلح لمباشرته أضمر له عامل مدلول عليه بما قبل العطف ويجعل من عطف الجمل - مخالف لما تظافرت عليه نصوص النحويين والمعربين من أن وَزَوْجُكَ (¬2) معطوف على الضمير المستكن في اسْكُنْ (¬3) وكذلك فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ (¬4). انتهى. فلم ينازع المصنف في اشتراط صلاحية المعطوف أو ما بمعناه لمباشرة العامل وكأنه سلم له ذلك. وإذا كان هذا الاشتراط مسلما وجب الاعتراف بتقدير عامل للمعطوف في الآيات الشريفة والأمثلة التي ذكرها. وبعد: فللباحث في هذه المسألة أحد مسلكين: إما أن يقول: هذا الشرط الذي ذكر غير مسلم، ويقول: كما لا يشترط صحة وقوع المعطوف موقع المعطوف عليه لا يشترط صلاحية المعطوف لمباشرة العامل. وإما أن يقول: كما اكتفى في صحة العطف بصلاحية ما هو بمعنى المعطوف للمباشرة هكذا يكتفي فيه بصلاحية المعطوف لمباشرة عامل يعطي معنى ذلك العامل ويؤكد هذا أن عدم صلاحية الاسم الظاهر لمباشرة أمر المخاطب مثلا ليس لأمر يرجع إلى المعنى إنما هو لأمر يرجع إلى الاستعمال فزيد في مثل قولنا: ادخل أنت وزيد إن - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر لابن مسهر - الحماسة (1277)، والمغني (ص 579). (¬2)، (¬3) سورة البقرة: 35. (¬4) سورة المائدة: 24.

[العطف على الضمير المتصل، والعطف على عاملين]

[العطف على الضمير المتصل، والعطف على عاملين] قال ابن مالك: (ويضعف العطف على ضمير الرّفع المتّصل ما لم يفصل بتوكيد أو غيره أو يفصل العاطف بـ «لا». وضمير النّصب المتّصل في العطف عليه كالظّاهر، ومثله في الحالين الضّميران المنفصلان. وإن عطف على ضمير جرّ اختير إعادة الجارّ، ولم تلزم وفاقا ليونس والأخفش والكوفيّين، وأجاز الأخفش العطف على عاملين إن كان أحدهما جارّا واتّصل المعطوف بالعاطف، أو انفصل بـ «لا» والأصحّ المنع مطلقا، وما أوهم الجواز فجرّه بحرف مدلول عليه بما قبل العاطف). ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يصلح لمباشرة ادخل فإنه صالح لمباشرة ليدخل الذي هو بمعنى ادخل. فكانت صلاحية المعطوف في مثل ذلك لمباشرة عامل بمعنى العامل المذكور مسوغة لعطفه. وبهذا الذي قررته في العطف يتقرر الحال في البدل أيضا فلا يحتاج فيه إلى تقدير عامل. وكان الشيخ سلم ذلك في البدل فإنه قال: الفرق بين البدل والعطف أن البدل على نية تكرار العامل فهو من جملة أخرى ولا يمكن أن يقدر ادخل، لأن ادخل لا يرفع الظاهر فاضطر إلى تقدير ليدخل، وأما العطف فليس على تقدير العامل بدليل، اختصم زيد وعمرو (¬1). انتهى. وهذا الذي ذكره إنما يفيد عند القائل بأن العامل في البدل غير العامل في المبدل منه، والمصنف لا يرى ذلك. وقد تقدم في باب البدل أن العامل في البدل والمبدل منه هو العامل المذكور، وأنه الصحيح، وأن ذلك مذهب سيبويه رحمه الله تعالى. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): إن كان المعطوف عليه ضميرا متصلا مرفوعا فالجيد الكثير أن يؤكد قبل العطف بضمير منفصل كقوله تعالى: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (¬3) أو بتوكيد إحاطي كقول الشاعر: 3336 - دعرتم أجمعون ومن يليكم ... برؤيتنا وكنّا الظّافرينا (¬4) - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 173). (¬2) انظر شرح التسهيل (3/ 373). (¬3) سورة الأنبياء: 54. (¬4) البيت من الوافر - وانظره في التصريح (2/ 150).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يفصل بينه وبين العاطف بمفعول أو غيره كقوله تعالى: يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ (¬1) ويتناول غير المفعول التمييز كقول الشاعر: 3337 - ملئت رعبا وقوم كنت راجيهم ... لمّا دهمتك من قومي بآساد (¬2) والنداء كقوله: 3338 - لقد نلت عبد الله وابنك غاية ... من المجد من يظفر بها فاق سؤددا (¬3) ويقوم مقام فصل الضمير من العاطف الفصل بلا بين العاطف والمعطوف كقوله تعالى: ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا (¬4) ولا يمتنع العطف دون فصل كقول بعض العرب: مررت برجل سواء والعدم فعطف العدم دون فصل ودون ضرورة على ضمير الرفع المستتر في سواء، ومنه قول جرير: 3339 - ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا (¬5) وهذا فعل مختار غير مضطر لتمكن قائله من نصب أب على أن يكون مفعولا معه، ومثله قول ابن أبي ربيعة: 3340 - قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الفلا تعسّفن رملا (¬6) فرفع زهرا عطفا على الضمير المستكن في أقبلت مع التمكن من جعله مفعولا [4/ 171] معه. وأحسن ما يستشهد على هذا بقول عمر - رضي الله تعالى عنه - «وكنت وجار لي من الأنصار»، وقول علي - رضي الله تعالى عنه -: «كنت أسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: قمت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر» أخرجهما البخاري في صحيحه (¬7). ونبهت بقولي: - ¬

_ (¬1) سورة الرعد: 23. (¬2) البيت من البسيط - الدرر (2/ 191)، والهمع (2/ 138). (¬3) البيت من الطويل - الدرر (2/ 191) - برواية نال بدل فاق، والهمع (2/ 138). (¬4) سورة الأنعام: 148. (¬5) البيت من الكامل - ديوانه: (362) - التصريح (2/ 151)، والدرر (2/ 191)، والعيني (4/ 160). والمقرب (1/ 234)، والهمع (2/ 138). (¬6) البيت من الخفيف لابن أبي ربيعة - ديوانه (ص 498)، والأشموني (3/ 114)، والخصائص (2/ 386)، وشرح المفصل (3/ 74، 76)، والكتاب (1/ 390). (¬7) ينظر: البخاري: مناقب أصحاب النبي، ومناقب عمر (5/ 14)، والأشموني (3/ 114) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضمير النصب المتصل في العطف عليه كالظاهر على أن ضمير النصب المتصل يعطف عليه الظاهر وضمير النصب المنفصل كما يعطفان على الاسم الظاهر، فيقال: رأيته وإياك ورأيته وعمرا كما يقال: رأيت زيدا وإياك ورأيت زيدا وعمرا، وسكت عن عطفه تنبيها على أن حرف العطف لا يليه ضمير النصب بلفظ الاتصال بل بلفظ الانفصال. وفي هذا رد على من زعم أن حرف العطف عامل في المعطوف إذ لو كان عاملا للزم كون ما وليه من ضمائر النصب بلفظ الاتصال كما يلزم ذلك مع أن وأخواتها. والهاء من قولي: ومثله في الحالين عائدة على الظاهر. والمراد بالحالين حالا عطفه والعطف عليه فنبهت بذلك على أن الضمير المنفصل منصوبا كان أو مرفوعا في عطفه والعطف عليه بمنزلة الظاهر فيقال: رأيت زيدا وإياك، وإياك وزيدا رأيت، وصاحباك زيد وأنا، وأنا وزيد صاحباك، كما يقال: رأيت زيدا وعمرا، وزيدا وعمرا رأيت، وصاحباك زيد وعمرو، وزيد وعمرو صاحباك. وإذا كان المعطوف عليه ضمير جر أعيد الجار كقوله تعالى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ (¬1) [و] وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (¬2) ويُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ (¬3) وإعادته مختارة لا واجبة وفاقا ليونس والأخفش والكوفيين (¬4). وأجاز الفراء في «ما» من قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ (¬5) الرفع عطفا على اللَّهُ والجرّ عطفا على فِيهِنَّ (¬6) وأجاز عطف وَمَنْ لَسْتُمْ (¬7) على لَكُمْ فِيها مَعايِشَ (¬8). وللموجبين إعادة الجر حجتان: إحداهما: أن ضمير الجر شبيه بالتنوين ومعاقب له فلا يعطف عليه كما لا يعطف - ¬

_ - والتصريح (2/ 151) وشواهد التوضيح (ص 112) والهمع (2/ 138، 139). (¬1) سورة فصلت: 11. (¬2) سورة غافر: 80. (¬3) سورة الأنعام: 64. (¬4) ينظر الارتشاف (2/ 658). (¬5) سورة النساء: 127. (¬6) معاني الفراء (1/ 290). (¬7) سورة الحجر: 20. (¬8) معاني الفراء: سورة الحجر - الآية السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على التنوين. الثانية: أن حق المعطوف والمعطوف عليه أن يصلحا لحلول كل واحد منهما محل الآخر، وضمير الجر غير صالح لحلوله محل ما يعطف عليه فامتنع العطف عليه إلّا مع إعادة الجار. وفي الحجتين من الضعف ما لا يخفى؛ لأن شبه ضمير الجر بالتنوين لو منع من العطف عليه بلا إعادة الجار لمنع منه مع الإعادة لأن التنوين لا يعطف عليه بوجه، ولأنه لو منع من العطف عليه لمنع من توكيده والإبدال منه، لأن التنوين لا يؤكد ولا يبدل منه وضمير الجر يؤكد ويبدل منه بإجماع. فللعطف أسوة بهما. فقد تبين ضعف الحجة الأولى. وأما الثانية: فيدل على ضعفها أنه لو كان حلول كلّ واحد من المعطوف والمعطوف عليه شرط في صحة العطف لم يجز: ربّ رجل وأخيه، ولا أي فتى هيجا أنت وجارها، ولا كل شاة وسلحتها بدرهم، ولا الواهب المائة الهجان وعبدها ... وأمثال ذلك كثيرة. فكما لم يمتنع فيها العطف لا يمتنع في نحو: مررت بك وزيد، وإذا بطل كون ما تعلقوا به مانعا وجب الاعتراف بصحة الجواز. ومن مؤيدات الجواز قوله تعالى: وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ (¬1) فجر المسجد بالعطف على الهاء لا بالعطف على سَبِيلِ (¬2) لاستلزامه العطف على المصدر قبل تمام صلته لأن المعطوف على (جزء) الصلة داخل في الصلة. وتوقي هذا المحذور حمل أبا علي الشلوبين على موافقة يونس، والأخفش، والكوفيين في هذه المسألة (¬3). ومن مؤيدات الجواز قراءة حمزة تسائلون به والأرحام (¬4)، وهي أيضا قراءة ابن عباس، والحسن، وأبي رزين (¬5)، ومجاهد، - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 217. (¬2) سورة البقرة: 217. (¬3) ينظر الارتشاف (2/ 658). (¬4) سورة النساء: 1، وانظر البحر المحيط (3/ 157) وما بعدها، وحجة ابن زنجلة (/ 188)، والقراءات السبعة لابن مجاهد (ص 226)، والكشاف (1/ 393) - بيروت. (¬5) محمد بن عيسى بن إبراهيم التيمي الأصبهاني إمام في القراءات عالم بالعربية له الجامع في القراءات وآخر في رسم القرآن (ت 253 هـ) - الأعلام (7/ 213) وغاية النهاية (2/ 223).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقتادة (¬1)، والنخعي (¬2) والأعمش، ويحيى بن ثابت (¬3). ومثل هذه القراءة ما روى البخاري في باب الإجارة إلى العصر من قوله عليه الصلاة والسّلام: «إنّما مثلكم واليهود والنّصارى» بالجر (¬4)، وقول بعض العرب ما فيها غيره وفرسه. ومن الشواهد الشعرية ما أنشده سيبويه من قول الشاعر: 3341 - فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيّام من عجب (¬5) وأنشد أيضا: 3342 - آبك أيّه بي أو مصدّر ... من حمر الجلّة جأب حشور (¬6) وأنشد الفراء: 3343 - نعلّق في مثل السّواري سيوفنا ... وما بينها والكعب غوط نفانف (¬7) وأنشد الفراء أيضا: 3344 - هلّا سألت بذي الجماجم عنهم ... وأبي نعيم ذي اللواء المحرق (¬8) ومن الشواهد الشعرية قول العباس بن مرداس (¬9) رحمه الله تعالى: - ¬

_ (¬1) ابن دعامة أبو الخطاب السدوسي مفسر حافظ رأس في العربية وكان يرى القدر ت (118 هـ) إرشاد الأريب (6/ 202) وتذكرة الحفاظ (1 / 115)، ونكت الهميان (ص 230). (¬2) حفص بن غياث الأزدي الكوفي من الفقهاء والمحدثين الثقات له ثلاثة أو أربعة آلاف حديث حدّثها ويذكره الإمامية في رجالهم (ت 194 هـ)، الأعلام (2/ 291، 292)، وتاريخ بغداد (8/ 188) وميزان الاعتدال (1/ 266). (¬3) ابن حازم الرفاعي الحسيني المكي ولد ونشأ بالمغرب (ت 460)، الأعلام (9/ 169). (¬4) البخاري: كتاب الإجارة (37)، وباب الإجارة إلى صلاة العصر (9)، وشواهد التوضيح (53، 129). (¬5) البيت من البسيط - الكتاب (1/ 392) والإنصاف (ص 464)، وشرح المفصل (3/ 78، 79)، والهمع (1/ 120، 2/ 139). (¬6) البيت من الرجز - الكتاب (1/ 391)، وشرح العمدة (2/ 664) واللسان: أوب. (¬7) البيت من الطويل لمسكين الدارمي - معاني الفراء (1/ 253، 2/ 86)، والأشموني (3/ 115)، والإنصاف (ص 465) «وديوانه (ص 53)». (¬8) البيت من الكامل - معاني الفراء (2/ 86)، والإنصاف (ص 466)، وشرح العمدة (ص 358). (¬9) من بني سليم أبو الهيثم أمه الخنساء شاعر مخضرم (ت 18 هـ) الشعر والشعراء (300).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3345 - أكرّ على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها (¬1) ومنها قول رجل من طيّئ: 3346 - إذا بنا بل بنينا أتّقت فئة ... صلّت مؤمّنة ممّن يعاديها (¬2) وله أيضا: 3347 - بنا أبدا لا غيرنا يدرك المنى ... وتكشف غمّاء الخطوب الفوادح (¬3) ومنها قول الآخر: 3348 - إذا أوقدوا نارا لحرب عدوّهم ... فقد حاب من يصلى بها وسعيرها (¬4) ومنها قول الآخر: 3349 - لو كان لي وزهير ثالث وردت ... من الحمام عدانا شرّ مورود (¬5) وأجمعوا على منع العطف على عاملين إن لم يكن أحدهما جارّا وكذا إن كان أحدهما جارّا وفصل المعطوف من العاطف عليهما نحو: في الدار زيد والحجرة عمرو والخيل لخالد وسعيد الإبل، ووهبت لأبيك دينارا وأخيك درهما، ومررت بعمرو راكبا وعمار ماشيا، والفصل بلا مغتفر نحو: ما في الدار (زيد) ولا الحجرة عمرو (¬6). والصور الموافقة لما أجاز الأخفش كثيرة. وفي قوله تعالى: وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ [4/ 172] مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ 4 وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (¬7) كفاية. وقد ذكرت منها في باب حروف الجر جملة، وبينت أن الوجه في استعمالها أن - ¬

_ (¬1) من الوافر - الإنصاف (296، 464)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1252). (¬2) في التذييل (4/ 175). (¬3) البيت من الطويل - شواهد التوضيح (ص 56)، والعيني (4/ 166)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1253). (¬4) البيت من الطويل - شرح العمدة (2/ 663) والعيني (4/ 166) والكافية الشافية (3/ 1253). (¬5) البيت من البسيط - الخصائص (ص 56)، وشرح العمدة (ص 359). (¬6) الارتشاف (2/ 890)، والهمع (2/ 139). (¬7) سورة الجاثية: 4، 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجعل الجر بعد العاطف بحرف محذوف مماثل لما تقدم. وحذف ما دل عليه دليل من حروف الجر وغيرها مجمع على جوازه فالجمل عليه أولى من العطف على عاملين فانه مختلف فيه، والأكثر على منعه وموافقة الأكثر أولى. وأيضا فإن العطف على عاملين بمنزلة تعديتين بمعد واحد فلا يجوز كما لا يجوز ما هو بمنزلته (¬1). انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ولنتبعه بذكر أمور: منها: أن المغاربة لا يرون العطف على الضمير المرفوع المتصل دون تأكيد ولا فصل ضعيفا كما قال المصنف بل قبيحا. حتى قال ابن عصفور أنه لا يكون إلا في الضرورة (¬2). وفي شرح الشيخ: وقد نص على قبحه سيبويه والخليل (¬3). لكن في الشرح المذكور أيضا، وفي كتاب سيبويه ما يشعر بالجواز. قال سيبويه حين ذكر انفصال بعض الضمائر: وكذلك: كنا وأنتم ذاهبين (¬4). قال: إلا أن الشرّاح تأولوا ذلك (¬5). انتهى. وأنت قد عرفت ما استدل به المصنف ويكفي حديث البخاري. ولا شك أن كلام من حفظ حجة على كلام من لم يحفظ على أن الأمر في ذلك قريب. وقد أنشد الشيخ في شرحه شاهدا على ذلك أيضا قول الشاعر: 3350 - فلمّا لحقنا والجياد عشيّة ... دعوا يا لبكر وانتمينا لعامر (¬6) وقول الآخر: 3351 - ولمّا توافقنا وقيس بن عاصم ... مررن إلى العلياء وأودين بالنّهب (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (3/ 378). (¬2) شرح الجمل (1/ 132). (¬3) التذييل (4/ 173)، والكتاب (1/ 247). (¬4) التذييل (4/ 173)، والكتاب (2/ 352) - هارون. (¬5) التذييل (4/ 173). (¬6) البيت من الطويل - التذييل (4/ 174)، والكتاب (2/ 380)، - هارون، واللسان: عزا - برواية واعتزينا. (¬7) البيت من الطويل - وهو في التذييل (4/ 174).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر الشيخ هنا فرعا. وهو أنك تقول: رويدك أنت وزيد فلا تعطف على الضمير المستكن في رويدك إلا بعد تأكيده. قال: ولم يعتدوا بالكاف فاصلة لأنها قد تنزلت منزلة الجزء مما قبلها وصارت كنا وأنت من أنا. قال: وإذا كانوا لا يعطفون على تم من قمتم وزيد لاتصاله بما قبله مع أنه المعطوف عليه فأحرى أن لا يعطف مع هذا (¬1). ومنها: أن المصنف ذكر في العطف على ضمير الجر مذهبين. جواز ترك إعادة الجار مع المعطوف ووجوب إعادته. فذكر الشيخ مذهبا ثالثا وهو جواز ترك إعادة الجار في الكلام أن أكد الضمير نحو مررت بك أنت وزيد وإن لم يؤكد الضمير فلا يجوز (¬2). قال: وهذا مذهب الجرمي والزيادي (¬3). ثم إنك قد عرفت من كلام المصنف أن إعادة الجار مع المعطوف مختارة لا واجبة وأن ذلك مذهب يونس والأخفش والكوفيين. وقد أطال الشيخ الكلام في المسألة بما نقله عن النحاة (¬4) ثم قال: والذي أختاره في المسألة جواز العطف لفساد العلل التي ذكروها ولا يلتفت إليها على تقدير صحتها لمصادمتها النص من لسان العرب. ثم استدل على ذلك بما استدل به المصنف من السماع والقياس على التوكيد منه والبدل، وأنشد بيتا زائدا على ما أنشده المصنف وهو قول الشاعر: 3352 - وقد رام آفاق السّماء فلم يجد ... له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا (¬5) ثم إنه ذكر أن لولا تجر المضمر في مذهب سيبويه (¬6) قال: فلو عطفت على مجرورها مظهرا لم يجز لما يلزم من جر لولا المظهر وهو لا يجوز. قال: وعلى هذا ينبغي أن يفيد العطف على الضمير المجرور بأن يكون الحرف ليس مختصّا - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 173). (¬2) التذييل (4/ 174). (¬3) إبراهيم بن سفيان الزيادي من أحفاد زياد بن أبيه، أخذ عن الأصمعي، وعنه أخذ المبرد (ت 249 هـ) أخبار النحويين (ص 88)، والأعلام (1/ 34)، والبغية (1/ 414)، والنزهة (205) وانظر - في مذهبهما - الهمع (2/ 139). (¬4) التذييل (4/ 174). (¬5) البيت من الطويل، وهو في التذييل (4/ 175). (¬6) الكتاب (2/ 273).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بجر الضمير (¬1). ومنها: أنك قد عرفت قول المصنف: وأجمعوا على منع العطف على عاملين إن لم يكن أحدهما جارّا وكذا إن كان أحدهما جارّا وفصل المعطوف من العاطف بغير لا. ويعضد نقل المصنف الإجماع في هذه المسألة ما ذكره الشيخ بهاء الدين بن النحاس - رحمه الله تعالى - وهو أنه في قول ابن الحاجب: وأما الذين أجازوا العطف على عاملين مطلقا (¬2) قال: «ما ذكره - يعني - ابن الحاجب من جواز العطف على عاملين مطلقا مذهب لم أر أحدا حكاه غيره مع جهدي في الكشف عن هذا المذهب. وكذلك قال شيخه ابن عمرون رحمهما الله تعالى» (¬3). لكن الشيخ قال: إن الذي قاله ابن الحاجب ذكره الفارسي في بعض كتبه عن قوم من النحويين ثم إنه أطال الكلام في المسألة (¬4). ولكنه أشار في الارتشاف إلى ذكر ما بسطه في الشرح فاقتصرت على إيراده. قال رحمه الله تعالى: «لا يجوز نيابة حرف العطف عن أكثر من عاملين. وتصوير ذلك أن تقول: أن زيدا في البيت على فراش والقصر نطع عمرا. التقدير: وإن في القصر على نطع عمرا. فنابت الواو مناب إن ومناب في ومناب على. ومثل ذلك: جاء من الدار إلى المسجد زيد والحانوت البيت عمرو نابت الواو مناب جاء ومناب من ومناب إلى إذ التقدير: وجاء من الحانوت إلى البيت عمرو. فلو نابت مناب عاملين فمذاهب: أحدها: القول بالجواز مطلقا، سواء أكان أحد العاملين جارّا أم لم يكن، فإن لم يكن جارّا نحو: كان آكلا طعامك زيد وتمرا عمرو. أي: وكان آكلا تمرا عمرو. فذكر ابن مالك في شرحه الإجماع على منع ذلك، وليس بصحيح، بل ذكر الفارسي في بعض كتبه جواز ذلك مطلقا عن قوم من النحويين ونسب إلى الأخفش. وإن كان أحد العاملين جارّا فقال المهدوي (¬5): إن تأخر المجرور نحو: زيد في الدار وعمرو القصر - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 175). (¬2) الكافية بشرح الرضي (1/ 323)، وما بعدها. (¬3) التذييل (4/ 175). (¬4) التذييل (4/ 175)، وما بعدها. (¬5) أحمد بن عمار المقرئ كان مقدما في القراءات والعربية، وله تفسير القرآن (ت 440 هـ)، الأنبا (15/ 91)، والبغية (1/ 351)، والدر المصون (3).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يجزه أحد (¬1). وليس كما ذكر، بل من أجاز ذلك مطلقا أجاز هذه الصورة. ونص بعضهم على أنه لا بد في العطف على من أن يكون أحدهما جارّا، وإذا كان أحدهما جارّا وتقدم [4/ 173] المجرور والمعطوف فالمشهور عن سيبويه المنع مطلقا (¬2). ونقل عنه أبو جعفر النحاس الجواز. وأما الأخفش فعنه في هذه الصورة قولان: أحدهما: الجواز مطلقا وهو المشهور عنه وهو مذهب الكسائي والفراء والزجاج وتبعهم من أصحابنا أبو جعفر بن مضاء (¬3) وأبو بكر بن طلحة (¬4). والقول الثاني: المنع ذكره في كتاب «المسائل» (¬5) له وهو مذهب هشام والمبرد وابن السراج (¬6). فعلى المشهور من مذهب الأخفش ومن تبعه يجوز ذلك. وسواء أكان المجرور متقدما في المعطوف عليه نحو: إن في الدار زيدا والحجرة عمرا. أم متأخرا نحو: إن زيد في الدار والحجرة عمرا. وفصل قوم بين أن يتقدم المجرور في المتعاطفين معا فيجوز نحو: إن في الدار زيدا والقصر عمرا، أو لا فيمتنع نحو: إن زيدا في الدار والحجرة عمرا (¬7) فتحصل في هذه المسألة مذاهب. القول بالجواز مطلقا والقول بالمنع مطلقا والتفصيل بين أن يكون أحد العاملين جارّا فيجوز أو ليس جارّا فيمتنع. وإذا كان جرّا فمذهبان. إن تقدم المجرور والمعطوف جاز وإلا فيمتنع. والثاني: إن تقدم المجرور في المتعاطفين جاز وإلّا فلا. انتهى. واعلم أنا لم نستفد من ذلك إلا ذكر خلاف في صور المسألة. والذي ذكره المصنف كاف؛ لأنه جرى نصّا وتمثيلا على ما قال الشيخ أنه الأصح في كل صورة - ¬

_ (¬1) الارتشاف (2/ 659)، والأشموني (3/ 123)، والتذييل (4/ 175). (¬2) الكتاب (1/ 64 / 67) - هارون. (¬3) العباس أحمد بن عبد الرحمن اللخمي القرطبي له الرد على النحاة والمشرق في النحو ... (ت 592 هـ) الأعلام (1/ 142)، والبغية (ص 139)، وجذوة الاقتباس (ص 71). (¬4) وينظر الهمع (2/ 139). (¬5) والتذييل (4/ 175). (¬6) الأصول (2/ 55)، والمقتضب (4/ 195)، وابن يعيش (3/ 27). (¬7) الارتشاف (2/ 659).

[من أحكام الواو، والفاء، وأم، وأو ....]

[من أحكام الواو، والفاء، وأم، وأو ....] قال ابن مالك: فصل: (قد تحذف الواو مع معطوفها ودونه، وتشاركها في الأوّل الفاء و «أم»، وفي الثّاني «أو» ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيرا وبالفاء قليلا، ونذر ذلك مع «أو». وقد يقدّم المعطوف بالواو للضّرورة، وإن صلح لمعطوف ومعطوف عليه مذكور، بعدهما طابقهما بعد الواو، وطابق أحدهما بعد «لا» و «أو» و «بل» و «لكن». وجاز الوجهان بعد «الفاء»، و «ثمّ»). ـــــــــــــــــــــــــــــ من صور المسألة على أنه قال آخرا: والأصح المنع مطلقا وأن ما أوهم الجواز كان جره بمحذوف مدلول عليه بما قبل العاطف وإذا كان الأصح هو المنع على الإطلاق حصل الاستغناء عن تفاصيل تذكر. واعلم أن الشيخ قال: في قول المصنف: واتصل المعطوف بالعاطف يحتاج أن يقيده فيقول: واتصل المعطوف المجرور بالعاطف لأن غير المجرور لو اتصل بالعاطف لا يجيزه الأخفش نحو: إن في الدار زيدا وعمرا الحجرة (¬1). قال ناظر الجيش: اشتمل كلامه هذا على مسائل أربع: الأولى: أن كلّا من أربعة الأحرف أعني الواو والفاء وأم وأو [قد تحذف] لكن الواو قد تحذف مع معطوفها وقد تحذف هي دون معطوفها، والفاء وأم قد يحذف كل منهما لكن مع معطوفه، وأو قد تحذف لكن دون معطوفها. فمن أمثلة حذف الواو مع معطوفها: قوله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ (¬2) أي تقيكم الحر والبرد ومنه: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (¬3) أي ولم تعبدني والتعبد: الاستعباد، ومنه: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ (¬4) أي ومن أنفق من بعده وقاتل. ومنه: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (¬5) أي بين أحد وأحد، ومثله قول النابغة الذبياني: - ¬

_ (¬1) الارتشاف (2/ 659). (¬2) سورة النحل: 81. (¬3) سورة الشعراء: 22. (¬4) سورة الحديد: 10. (¬5) سورة البقرة: 285.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3353 - فما كان بين الخير لو جاء سالما ... أبو حجر إلّا ليال قلائل (¬1) أي فما كان بين الخير وبيني إلّا ليال قلائل، ومنه قول امرئ القيس: 3354 - كأنّ الحصى من خلفها وأمامها ... إذا نجلته رجلها خذف أعسرا (¬2) ومنه قول الراجز يصف رجلا خشن القدم: 3355 - قد سالم الحيّات منه القدما ... الأفعوان والشّجاع الشّجعما (¬3) أراد قد سالم الحيات منه القدما والقدم الأفعوان الشجاع الشجعا وذات قرنين. ومن أمثلة حذف الفاء مع معطوفها: قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (¬4) أي فأفطر فعدة من أيام أخر قال المصنف: وقد حذفت الفاء دون المعطوف بها ومعه ومع المعطوف عليه وفي قوله تعالى: اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ 28 قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ (¬5) لأن المعنى فذهب فألقاه فقالت: وحذف أكثر من ذلك في قوله تعالى: فَأَرْسِلُونِ 45 يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ (¬6)؛ لأن المعنى فأرسلوه فأتاه فقال. وأقول: إن قوله وقد حذفت الفاء دون المعطوف بها ينقض قوله في المتن: وتشاركها في الأول الفاء؛ لأن الأول إنما هو حذف الواو مع المعطوف. ودلّ هذا منه على أن الفاء لا تشارك الواو في الثاني وهو حذفها دون المعطوف. ومن أمثلة حذف أم مع معطوفها: قول أبي ذؤيب: 3356 - دعاني إليها القلب إنّي لأمرها ... سميع فما أدري أرشد طلابها (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل - ديوانه (ص 62) والأشموني (3/ 116) والبحر المحيط (2/ 365) والتصريح (2/ 153) وشرح العمدة (648) والعيني (4/ 167) هذا وأبو حجر كنية النعمان بن الحارث الغساني. (¬2) البيت من الطويل لامرئ القيس - ديوانه (ص 64) وشرح العمدة (ص 648) وشواهد التوضيح (ص 114)، والعيني (4/ 169). (¬3) البيت ينسب للعجاج وغيره - الأشموني (3/ 67)، والدرر (1/ 144) والكتاب (1/ 145) واللسان: شجعم، والمقتضب (2/ 238). (¬4) سورة البقرة: 184. (¬5) سورة النمل: 28، 29. (¬6) سورة يوسف: 45، 46. (¬7) البيت من الطويل - ديوانه الهذليين (1/ 71) وتأويل مشكل القرآن (ص 166) والمغني (13، 43، 628) والهمع (2/ 132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي فما أدرى أرشد طلابها أم غيّ. ومن حذف الواو وبقاء ما عطفت قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «تصدّق رجل من ديناره من درهمه من صاع برّه من صاع تمره» (¬1) أي من ديناره إن كان ذا دنانير، ومن درهمه إن كان ذا دراهم، ومن صاع بره إن كان ذا بر، ومن صاع تمره إن كان ذا تمر. ومنه سماع أبي زيد: أكلت خبزا لحما تمرا أراد خبزا ولحما وتمرا. ومنه قول الشاعر: 3357 - كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا ... يغرس الود في فؤاد الكريم (¬2) أراد قول: كيف أصبحت وكيف أمسيت، فحذف المضاف والواو. ومن حذف أو بقاء ما عطفت: قول عمر رضي الله عنه «صلّى رجل في إزار ورداء في إزار وقميص في إزار وقباء» (¬3) أي ليصل رجل في إزار ورداء أو في إزار وقميص أو في إزار وقباء. وحكى أبو الحسن في المعاني أن العرب تقول: أعطه درهما درهمين ثلاثة بمعنى أو درهمين أو ثلاثة. وليعلم أن منع ابن جني، والسهيلي، وابن الضائع حذف حرف العطف (¬4) فيه نظر؛ لأن هذه [4/ 174] الشواهد المذكورة تدفعه. وقد تأول المانع بعض ما استشهد به على وجه لا يقبل ظاهرا. والحق ما ذكره المصنف، وكلام ابن عصفور موافق له في إجازة ذلك. المسألة الثانية: جواز حذف المعطوف عليه استغناء عنه بالمعطوف، وذلك مع ثلاثة أحرف: الواو والفاء وأو إلّا أنه مع الواو كثير، ومع الفاء قليل، ومع أو نادر. ومثال ذلك مع الواو قولك لمن قال: ألم تضرب زيدا: بلى وعمرا، ولمن قال: - ¬

_ (¬1) ابن حنبل (4/ 359) ومسلم: زكاة (70) والنسائي: زكاة (64). (¬2) البيت من الخفيف - الخصائص (1/ 290)، (2/ 280)، وديوان المعاني (2/ 225) وشرح العمدة (ص 340) والهمع (2/ 140). (¬3) البخاري: صلاة (9) وشواهد التوضيح (ص 62، 198)، والهمع (2/ 140). (¬4) الخصائص (1/ 290)، (2/ 280)، ونتائج الفكر (2/ 211)، وشرح الجمل لابن الضائع (154، 156).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألقيت سعدا: نعم وأخاه، وقول بعض العرب: وبك أهلا وسهلا لمن قال: مرحبا وأهلا أي: وبك مرحبا وأهلا، ومنه قول نهشل بن ضمرة (¬1): 3358 - قبح الإله الفقعسيّ ورهطه ... وإذا تأوهت القلاص الضمر 3359 - ولحا الإله الفقعسيّ ورهطه ... وإذا توقد في النجاة الخزوّر (¬2) أي قبحه الله كل حين وإذا تأوهت القلاص، ولحاه الله كل حين وإذا توقد في النجاة الخزور، ومنه والله أعلم قوله تعالى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ (¬3) أي لو ملكه ولو افتدى به ومثله: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (¬4) أي لترحم ولتصنع على عيني، ومثل ذلك مع الفاء قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً (¬5) وقوله تعالى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ (¬6) أي: فضرب فانفجرت، وفضرب فانفلق، ومثال ذلك مع أو قول أمية الهذلي: 3360 - فهل لك أو من والد (لك) قبلنا ... يوشّح أولاد العشار ويفضل (¬7) أراد فهل لك من أخ أو من والد. ولابن عصفور في قوله تعالى: أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ تقرير عجيب، وهو أن حرف العطف لم يحذف وإنما حذف المعطوف عليه وحده دون الفاء وحذفت الفاء من المعطوف وأقرت الفاء من المعطوف عليه واتصلت بالمعطوف فأبقى من كلّ ما دلّ على المحذوف (¬8). قال الشيخ: وهذا ليس بشيء؛ لأن القرآن العزيز ملآن من حذف جمل معطوفة - ¬

_ (¬1) الدارمي شاعر مخضرم صحب عليّا في حروبه (ت نحو 45 هـ) - الأعلام (9/ 25) والجمحي (ص 495) والشعر والشعراء - بتحقيق شاكر - (ص 619). (¬2) البيت من الكامل، وهما بنسبتهما - في التذييل (4/ 178). (¬3) سورة آل عمران: 91. (¬4) سورة طه: 39. (¬5) سورة البقرة: 60، هذا: وفي الأصل: أن اضرب .... وهو تحريف، وخلط بين هذه وبين آية الأعراف: 160، والتي فيها فَانْبَجَسَتْ بدل فَانْفَجَرَتْ. (¬6) سورة الشعراء: 63. (¬7) البيت من الطويل - شرح السكرى (ص 537)، والأشموني (3/ 118)، والدرر (2/ 193) والعيني (4/ 182)، والهمع (2/ 140). (¬8) شرح الجمل (1/ 251).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالفاء وكثر ذلك في قصة يوسف وقصة سليمان مع الهدهد عليهما الصلاة والسّلام وقد حذف في قوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ (¬1) تقديره «فأفطر»؛ إذ لا يجوز أن تنوب فاء المعطف مناب فاء الجزاء (¬2). المسألة الثالثة: أن المعطوف بالواو قد يقدم على المعطوف عليه للضرورة. وقد أنشد المصنف شاهدا على ذلك قول أبي مسافع الأشعري (¬3): 3361 - إن الغزال الّذي كنتم وحليته ... تقنونه لخطوب الدّهر والغير طافت به عصبة من شرّ قومهم ... أهل العلا والنّدى والبيت ذي السّتر (¬4) وقول كثير: 3362 - كأنّا على أولاد أحقب لاحها ... ورمي السّفى أنفاسها بسهام جنوب ذوت عنها التّناهي وأنزلت ... بها يوم ذبّات السّبيب صيام (¬5) والأصل في الأول: كنتم تقنونه وحليته، والأصل في الثاني: لاحها جنوب ورمي السفى. ومن الشواهد أيضا قول الآخر: 3363 - جمعت وفحشا غيبة ونميمة ... ثلاث خصال لست عنها بمرعوي (¬6) أي جمعت غيبة وفحشا ونميمة. وقول الآخر: 3364 - ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السّلام (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 184. (¬2) التذييل (4/ 179). (¬3) شاعر عرف قبل الإسلام وهجا حسان بن ثابت وأسلم بعد ذلك - أسد الغابة (4/ 353) ونسب قريش (ص 294). (¬4) البيت من البسيط وهما - بنسبتهما - في التذييل (4/ 179). (¬5) البيت من الطويل، ديوانه (2/ 1071، 1072) والأشموني (3/ 118، 119)، والحلل (ص 189)، وهما لذي الرمة ديوانه (ص 610). (¬6) البيت من الطويل ليزيد بن الحكم - الأشموني (2/ 137) والتصريح (1/ 344، 2/ 137) والدرر (1/ 190) والهمع (1/ 220). (¬7) من الوافر للأحوص - ديوانه (ص 185) والحلل (ص 189)، والدرر (1/ 148) والهمع (1/ 173).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي عليك السّلام ورحمة الله. وقول الآخر: 3365 - وأنت غريم لا أظنّ قضاءه ... ولا العنزيّ القارظ الدّهر جائيا (¬1) أي لا أظن قضاءه جائيا هو ولا العنزي. وعرف من تقييد المصنف هذا الحكم بالواو أنه لا يجوز تقديم المعطوف بغيرها من أدوات العطف. ولهذا قال ابن عصفور: ولا يجوز تقديم المعطوف على المعطوف عليه إلّا في الواو خاصة (¬2). ثم قال: فإن قيل قد جاء التقديم في أو قال الشاعر: 3366 - فلست بنازل إلّا ألمّت ... برحلي أو خيالتها الكذوب (¬3) يريد إلا ألمت الكذوب أو خيالتها. فالجواب: أن الكذوب صفة لخيالتها. وقوله: أو خيالتها عطف على الضمير في ألمت. ولم يحتج لتأكيد؛ لطول الكلام بالمجرور وهو: برحلي. إلا أنه ذكر لجواز تقديم المعطوف بالواو ثلاثة شروط: أحدها: أن لا يؤدي التقديم إلى وقوع حرف العطف صدرا فلا تقول: وعمرو زيد قائمان. ثانيها: أن لا يؤدي إلى مباشرة حرف العطف عاملا غير متصرف فلا تقول: إن وعمرا زيدا قائمان. ثالثها: أن لا يكون المعطوف مخفوضا فلا تقول: مررت وعمرو بزيد (¬4). وفي شرح الشيخ أن مذهب هشام أن الفعل لو كان مما لا يستغنى بفاعل واحد نحو اختصم زيد وعمرو لا يجوز تقديم المعطوف في مثله. وجعله أبو جعفر النحاس مذهب البصريين. قال الشيخ: فتكون إذ ذاك الشروط خمسة - يعني هذا الشرط والثلاثة التي - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل - الأشموني (3/ 119) والإنصاف (191، 395) والدرر (2/ 195)، والهمع (2/ 141). هذا وقد جعله هارون لزهير ولم أجده في ديوانه - صادر بيروت (1379 هـ). (¬2) شرح الجمل (1/ 245). (¬3) البيت من الوافر لرجل من بحتر - الحماسة (ص 310) والدرر (2/ 194) والهمع (2/ 141). (¬4) شرح الجمل (1/ 245).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكرها ابن عصفور والخامس: كون العطف بالواو - ثم إن التقديم مع ذلك لا يجوز إلّا في الشعر. قال الشيخ: هذا مذهب البصريين وهو عندهم في المنصوب أقبح منه في المرفوع لأن الفعل بالمرفوع مرتبط ومذهب الكوفيين جواز ذلك في الشعر وفي الكلام. وذكر الشيخ أيضا أن هشاما أجاز تقديم المعطوف بالفاء وثم وأو ولا (¬1). المسألة الرابعة: الإشارة إلى حكم ما يذكر بعد التعاطف مما هو صالح لما قبله من ضمير وخبر وغيرهما بالنسبة إلى مطابقته لما تقدمه أو إفراده. وأقسام المسألة ثلاثة: ما يجب فيه المطابقة للمجموع، وما تجب فيه الواحد، وما يجوز فيه الأمران كما يستفاد ذلك من متن الكتاب. قال المصنف: حكم الاسمين المعطوف [4/ 175] أحدهما على الآخر بالواو حكم المثنى فلابد في ما تعلق بهما من خبر وضمير وغيرهما من المطابقة كما لا بد منها في ما تعلق بالمثنى فيقال: زيد وعمرو منطلقان، ومررت بهما، كما يقال: الرجلان منطلقان ومررت بهما. فان كان العطف بلا أو بأو أو ببل أو بلكن وجب إفراد ما بعده من خبر وغيره، فيقال: زيد لا عمرو منطلق، ومررت به، وكذا يقال بعد أو وبل ولكن. وإن كان العطف بالفاء أو ثم جاز الإفراد والمطابقة فيقال: زيد فعمرو منطلق ومررت به، وبشر ثم محمد ذاهب ونظرت إليه، ويجوز: منطلقان ومررت بهما وذاهبان ونظرت إليهما. وقال ابن عصفور (¬2): إذا تقدم معطوف ومعطوف عليه وتأخر عنهما ضمير يعود عليهما: فإما أن يكون العطف بالواو أو بالفاء أو بثم أو بحتى أو بغير ذلك من حروف العطف. فإن كان بالواو كان الضمير على حسب ما تقدم نحو زيد وعمرو قاما، وزيد وعمرو وجعفر خرجوا، ولا يجوز أن يفرد الضمير فيجعل على حسب الآخر إلا حيث سمع ويكون على الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه نحو قوله تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (¬3) التقدير والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 179). (¬2) شرح الجمل (1/ 147) تحقيق صاحب أبو جناح. (¬3) سورة التوبة: 62.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ومن ذلك قول الشاعر: 3367 - إنّ شرخ الشّباب والشعر الأس ... ود ما لم يعاص كان جنونا (¬1) التقدير إن شرح الشباب ما لم يعاص كان جنونا والشعر الأسود ما لم يعاص كان جنونا وحتى في ذلك بمنزلة الواو. فإن كان العطف بالفاء جاز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم فتقول: زيد فعمرو قاما؛ لكون الأول شريك الثاني في اللفظ. والمعنى ويجوز أن تقول: زيد فعمرو قام فتفرد، ويحذف من الأول لدلالة الثاني عليه. وإنما جاز ذلك لأن الفاء لما فيها من الترتيب تقتضي إفراد خبر الأول من خبر الثاني وكلاهما حسن. وإن كان العطف بثم جاز الوجهان معا والأحسن الإفراد لما في ثم من المهلة الموجبة لفصل خبر الأول من الثاني. وإن كان العطف بغير ذلك من حروف العطف فانما يكون الضمير على حسب المتأخر خاصة، فتقول: زيد أو عمرو قام. وكذلك في سائر ما بقي من حروف العطف ولا يجوز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم إلا في أو خاصة قال الله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما (¬2). انتهى (¬3). وليعلم أن قول المصنف: يطابق أحدهما بعد لا وأو وبل ولكن أولى من قول ابن عصفور: وإن كان العطف بغير ذلك من حروف العطف فإنما يكون الضمير على حسب المتأخر. بل هو المتعين؛ لأن لا يتعين معها كون المذكور بعد المتعاطفين للمعطوف عليه، وبل ولكن يتعين معهما كونه للمعطوف. وأما أو فيجوز معها كونه لهذا أو لهذا فيقال: زيد أو أمة الله منطلق وكذا يقال: زيد أو أمة الله منطلقة لا يقال أن المصنف أبهم في قوله أحدهما؛ لأن الأمر مختلف كما عرفت فمع بعض الحروف تكون المطابقة للأول ومع بعض تكون المطابقة للثاني؛ لأن كون الحكم مع لا للمعطوف عليه ومع بل ولكن للمعطوف معلوم. فالمذكور بعد إنما يكون لمن سبق الحكم له وأما مع أو فمعلوم أيضا أن أحدهما غير متعين فكان كل - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف لحسان - ديوانه (ص 43)، وتأويل مشكل القرآن (/ 222)، والشجري (1/ 309)، والمقرب (1/ 235). (¬2) سورة النساء: 135. (¬3) شرح الجمل (1/ 248)، وينظر - كذلك - المقرب (1/ 235)، وما بعدها.

[عطف الفعل على الاسم والماضي على المضارع، وعكسه]

[عطف الفعل على الاسم والماضي على المضارع، وعكسه] قال ابن مالك: (ويعطف الفعل على الاسم، والاسم على الفعل، والماضي على المضارع، والمضارع على الماضي، إن اتّحد جنس الأوّل والثّاني بالتأويل). ـــــــــــــــــــــــــــــ منهما صالحا لتعلق المذكور بعد به. ثم استثناء ابن عصفور أو بقوله: ولا يجوز أن يكون الضمير على حسب ما تقدم إلا في أو خاصة غير مرضي. والآية الشريفة لا دليل له فيها على ما ادعاه؛ لأن الأئمة ذكروا أن فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما (¬1) جملة اعتراضية اعترض بها بين الشرط وجوابه وهذا هو الظاهر. وإذا كان كذلك لم يكن قوله تعالى: فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما مرتبطا بقوله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً (¬2)، فيلزم توحيد الضمير العائد على ما تقدم. وأما ما ذكره من أن ثم محذوفا في قوله تعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ (¬3) وكذا يقدر محذوف في قول الشاعر: 3368 - إنّ شرخ الشّباب ... ..... البيت فهو المشهور لكن المنقول عن الفارسي أنه إنما ساغ الإفراد في الآية الشريفة لأن إرضاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم إرضاء الله تعالى فهما في حكم واحد وعلى هذا فلا حذف. وكذا ذكر في قوله: إن شرخ الشباب ... قال: لأن كلّا منهما بمعنى الآخر، ألا ترى أنهما لا يفترقان (¬4). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬5): يجوز عطف الفعل على الاسم وعطف الاسم على الفعل إذا سهل تأولهما بفعلين أو اسمين. فمن عطف الفعل على الاسم قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ (¬6)، وقوله تعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً 3 فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (¬7) ومن عطف الاسم على الفعل قوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ (¬8). وقول الراجز: - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة النساء: 135. (¬3) سورة التوبة: 62. (¬4) راجع التذييل (4/ 180). (¬5) انظر شرح التسهيل (3/ 383). (¬6) سورة الملك: 19. (¬7) سورة العاديات: 3، 4. (¬8) سورة الأنعام: 95.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3369 - يا ربّ بيضاء من العواهج ... [أمّ] صبيّ قد حبا أو دارج (¬1) ومثله قول الآخر: 3370 - بات يعشّيها بعضب باتر ... يقصد في أسؤقها وجائر (¬2) وحسن ذلك سهولة تأول المخالف بموافق كتأول «ويقبضن» بقابضات و «أثرن» بالمثيرات و «مخرج» بيخرج. ونبهت أيضا على جواز عطف الفعل الماضي على المضارع والمضارع على الماضي إذا كان زمانهما واحد نحو قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (¬3) وإِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (¬4). انتهى. وعلم من قوله: إذا كان زمانهما واحدا [4/ 176] أن قوله: (إن اتّحد جنس الأول والثاني بالتأويل) راجع إلى (المسألتين) (¬5) أعني التعاطف بين الاسم والفعل والتعاطف بين الماضي والمضارع لأن الفعلين إذا اتحد زمانهما كان جنسهما متحدا. قال ابن عصفور: ولا يجوز عطف الاسم على الفعل ولا الفعل على الاسم إلا في موضع يكون الفعل فيه في موضع الاسم أو الاسم في موضع الفعل. فالموضع الذي يكون فيه الاسم في موضع الفعل اسم الفاعل واسم المفعول اذا وقعا في صلة الألف واللام نحو: الضارب والمضروب فلذلك يجوز أن يعطف الفعل على الاسم هنا فتقول: جاءني الضارب وقام تريد الذي ضرب وقام. وقام قال الله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً (¬6). فـ (أقرضوا الله) معطوف على (المصّدّقين) كأنه قيل إن الذين تصدقوا وأقرضوا. والموضع الذي يقع فيه الفعل في موضع الاسم أن يقع خبرا لذي خبر أعني خبرا لمبتدأ أو لكان وأخواتها أو لإن وأخواتها أو لما أو حالا لذي حال أو صفة لموصوف أو في - ¬

_ (¬1) البيت من رجز الأشموني (3/ 120) والتصريح (1/ 142، 2/ 152)، والكافية الشافية (497)، واللسان: درج، وعهج. (¬2) رجز - الأشموني (3/ 120) والخزانة (2/ 345)، والشجري (2/ 167)، واللسان: عشا، كهل، ومعاني الفراء (2/ 198). (¬3) سورة الفرقان: 10. (¬4) سورة الشعراء: 4. (¬5) انظر شرح الجمل: (1/ 248). (¬6) سورة الحديد: 18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع المفعول الثاني من باب ظننت أو الثالث من باب أعلمت. فمما جاء من عطف الاسم على الفعل لوقوع الفعل موقع الاسم قول القائل: 3371 - فألفيته يوما يبيد عدوّه ... وبحر عطاء يستخفّ المعابرا (¬1) وقول الآخر: 3372 - بات يعشّيها بعضب باتر ... يقصد في أسؤقها وجائر (¬2) يريد قاصد في أسؤقها وجائر. ومما جاء من عطف الفعل على الاسم لكون الفعل في موضع الاسم أيضا قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ (¬3) التقدير وقابضات. ولا يجوز عطف فعل على فعل إلا بشرط أن يتفقا في الزمان نحو: إن قام زيد ويخرج عمرو يقم خالد، ومن ذلك قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً (¬4) ومنه قول الشاعر: 3373 - ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني ... فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني (¬5) لأن أمر في المعنى ماض ألا ترى أن المعنى: ولقد مررت فعطفت عليه مضيت (¬6). انتهى. والتقييد الذي ذكره في التعاطف بين الاسم والفعل غير ظاهر، لأنه قال: فالموضع الذي يكون فيه الاسم في موضع الفعل اسم الفاعل واسم المفعول ... إلى آخره، وهذا يقتضي ألا يجوز عطف الفعل على الاسم في غير هذا، وقد قال الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ، ولا شك أن «صافّات» لم يكن واقعا موقع الفعل؛ لأنه حال والأصل في الحال الإفراد، وكذا قال في الشق الآخر: والموضع الذي يقع فيه الفعل في موضع الاسم أن يقع خبرا لذي خبر ... - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل - العيني (4/ 176). (¬2) تقدم قريبا. (¬3) سورة الملك: 19. (¬4) سورة الحج: 63. (¬5) البيت من الكامل لرجل من بني سلول - الأشموني (3/ 60)، برواية «فأعف» ... «أقول» بدل «فمضيت» «قلت»، والتصريح (2/ 111) والدرر (1/ 4، 2/ 192)، والشجري (2/ 203) والكتاب (1/ 416)، والهمع (1/ 9)، (2/ 140). (¬6) شرح الجمل (1/ 250)، تحقيق: صاحب أبو جناح.

[الفصل بين العاطف والمعطوف]

[الفصل بين العاطف والمعطوف] قال ابن مالك: (وقد يفصل بين العاطف والمعطوف إن لم يكن فعلا بظرف أو جارّ ومجرور، ولا يختصّ بالشّعر، خلافا لأبي عليّ، وإن كان مجرورا أعيد الجارّ أو نصب بفعل مضمر). ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى آخره ... وهذا أيضا يقتضي أن لا يجوز عطف الاسم على الفعل في غير ما ذكره. وقد قال الله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ (¬1). ولا شك أن «يخرج» كلام مستأنف وليس خبرا ولا حالا ولا صفة ولا في موضع مفعول ثان لشيء من باب ظننت ولا في موضع ثالث لشيء من باب أعلمت. وإذا تقرر هذا علم أن عبارة المصنف في ذلك أسد مع ما اشتملت عليه من الاختصار لأنه إنما اشترط اتحاد جنس الأول والثاني بالتأويل وعلى هذا فـ «يقبضن» هو المؤول وكذا «أثرن» وكذا «مخرج» كما تقدم من كلام المصنف رحمه الله تعالى. وليعلم أن الجملة إذا كانت في تأويل مفرد جاز عطفها عليه؛ قال الله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (¬2). وقد ذكر الشيخ عن بعضهم أنه خالف في عطف الفعل على الاسم (¬3)، ومثل هذا الخلاف لا يعبأ به؛ كيف وقد ثبت العطف في الكتاب العزيز. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): جعل أبو علي الفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف والجار والمجرور مخصوصا بالشعر واستدل بقول الأعشى: 3374 - يوما تراها كشبه أردية العص ... ب ويوما أديمها نغلا (¬5) وهو جائز في أفصح الكلام المنثور إن لم يكن المعطوف فعلا ولا اسما مجرورا وهو في القرآن كثير، كقوله تعالى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (¬6)، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 95. (¬2) سورة الأعراف: 4. (¬3) التذييل (4/ 181). (¬4) شرح التسهيل (3/ 384). (¬5) البيت من المنسرح - ديوانه (ص 155)، والخصائص (2/ 395، 396)، وشرح العمدة (2/ 636) واللسان: أدم، خمس، نغل والمقرب (1/ 235). (¬6) سورة البقرة: 201.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (¬1) وقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا (¬2) وقوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ (¬3). فلو كان المعطوف فعلا لم يجز الفصل المذكور بوجه. فلو كان اسما مجرورا أعيد معه الجار نحو: مر الآن بزيد وغدا بعمرو، وإن لم يعد وجب النصب بفعل مضمر، كقوله تعالى: فبشرنها بإسحاق ومن ورآء إسحاق يعقوب (¬4) «في قراءة حمزة وابن عامر وحفص، أي: ووهبنا لها من وراء إسحق يعقوب» (¬5). ويجوز جر يعقوب بباء محذوفة وهو أسهل من الجر بمضاف محذوف بعد فصل كقراءة من قرأ: (والله يريد الآخرة) أي عرض الآخرة (¬6). انتهى. ويتعلق بما ذكره تنبيهات: الأول: أن الآيتين الشريفتين وهما قوله تعالى: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً (¬7). وقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ليس فيهما فصل بل عطف في كل منهما معمولان على عاملين. وقد قال الشيخ: لا حجة في الآيتين الشريفتين، لأن هذا من عطف المجرور على المجرور والمفعول على المفعول. فـ فِي الْآخِرَةِ معطوف على فِي الدُّنْيا وحَسَنَةً على حَسَنَةً وكذلك وَمِنْ خَلْفِهِمْ عطف على مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ [4/ 177] وسَدًّا على سَدًّا، وليس من باب الفصل في شيء (¬8). والذي قاله حق، والعجب كيف خفي هذا على المصنف. وأما قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها .. (¬9) الآية الشريفة فالفصل فيها ظاهر. وكذا في قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ... الآية - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 58. (¬2) سورة يس: 9. (¬3) سورة الطلاق: 12. (¬4) سورة هود: 71. (¬5) البحر المحيط (5/ 244)، وابن زنجلة (347)، والكشاف (2/ 281) دار المعرفة، وابن مجاهد (ص 338). (¬6) هي قراءة سليمان بن جماز - البحر المحيط (4/ 518)، والكشاف - دار المعرفة - (2/ 168). (¬7) سورة البقرة: 201. (¬8) التذييل (4/ 182). (¬9) سورة النساء: 58.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشريفة الأخرى. وقد ذكر الشيخ أن الآية الأولى تحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون ثم ظرف محذوف لدلالة المعنى عليه. والتقدير أن الله يأمركم إذا أؤ تمنتم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وتكون الواو عاطفة ظرفا على ظرف ومفعولا على مفعول. والثاني: أن بعد الواو فعلا محذوفا لدلالة السابق عليه تقديره ويأمركم إذا حكمتم أن تحكموا بالعدل فيصير ذلك من عطف الجمل لا من عطف المفردات، وأن الآية الثانية يضمر فيها فعل بعد الواو وتقديره: وخلق من الأرض مثلهن، فيصير من عطف الجمل حينئذ (¬1). انتهى. ولا شك أن تقدير محذوف خلاف الأصل والقول بالفصل أقرب وأولى. ثم إن البيت الذي استدل به أبو علي وهو: 3375 - يوما تراها كشبه أردية العص ... ب ويوما أديمها نغلا (¬2) قد ذكر الناس ألّا فصل فيه أيضا. وإنما الظرف معطوف على الظرف والمفعول على المفعول والحال على الحال. وهذا هو الحق. ولابن أبي الربيع كلام في هذا البيت تكلف فيه تقدير ما قاله أبو علي، ولكنه ليس بظاهر. الثاني: أنك قد عرفت أن المصنف لم يفرق في مسألة الفصل بين حرف وحرف، بل أطلق القول. ونقل الشيخ عن المغاربة أنهم يفصلون في ذلك بين أن يكون حرف العطف على حرف واحد أو أكثر. إن كان على الأكثر جاز الفصل بينه وبين المعطوف بالقسم والظرف والجار والمجرور (¬3). قال: وقد أهمل المصنف ذكر القسم نحو: قام زيد ثم والله عمرو، وقام زيد بل والله عمرو، وما ضربت زيدا لكن في الدار عمرو. وإن كان على حرف واحد كالواو والفاء فلا يجوز الفصل إلا في ضرورة الشعر، فلا يجوز في الكلام أن تقول: قام زيد فو الله عمرو ولا قام زيد وو الله عمرو، ولا ضربت زيدا ففي البيت عمرا، ولا خرج زيد والساعة عمرا» (¬4). انتهى. وما ذهب إليه المغاربة غير ظاهر. وكفى بما استشهد به المصنف من الكتاب - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 182). (¬2) تقدم قريبا. (¬3) التذييل (4/ 182). (¬4) السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العزيز دافعا لما ذكروه. وقد استثنى المصنف المعطوف إذا كان فعلا بقوله: إن لم يكن فعلا وقد تقدم قوله في الشرح: فلو كان المعطوف فعلا لم يجز الفصل المذكور بوجه. ومثال ذلك: قام زيد وفي الدار قعد، وزيد يقوم وو الله يقعد. لكن قال الشيخ: وإطلاق أصحابنا - يعني المغاربة - يقتضي جواز ذلك إذا كان حرف العطف على أكثر من حرف واحد نحو: قام زيد ثم في الدار قعد، وقام زيد ثم والله قعد، وقام زيد بل والله قعد (¬1). انتهى. ولا يظهر لامتناع الفصل اذا كان المعطوف فعلا وجه. والظاهر أنه لا فرق بين الفعل والاسم في ذلك. الثالث: إنما وجب مع الفصل النصب في المعطوف على المجرور أو إعادة الجار لأن الخافض ضعيف غير متصرف فلم يقو أن يعطف على معموله مع الفصل بين المتعاطفين على أن المنقول عن الفراء أنه خرج قراءة حمزة وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (¬2) على أنه مجرور بالعطف على المجرور قبله (¬3). وهذا يدل على أنه يجيز العطف على المجرور مع الفصل دون إعادة الجار. وبعد: فقد عرفت ما ذكره من أن يعقوب: في الآية الشريفة منصوب لا مجرور، والنصب فيه بفعل مقدر، التقدير: ووهبنا لها من وراء إسحق يعقوب، ونظير هذا ما ذكره سيبويه في قراءة من قرأ «وحورا عينا» فإنه نصب بإضمار فعل يدل عليه معنى الكلام، التقدير: ويعطون حورا عينا، ومن رفع وَحُورٌ عِينٌ (¬4) فإنه معطوف على المعنى أيضا لأن ما قبله معناه عندهم ذلك وعندهم حور عين، ومن جر وَحُورٌ عِينٌ فجرّه يحتمل الحمل على المعنى أي وينعمون بذلك وبحور عين (¬5)، ويحتمل أن يكون الولدان يطوفون على المؤمنين بالحور العين، فيكون ذلك عطفا على لفظ بأكواب وأباريق وكأس. وقد أجاز المصنف أن يكون يعقوب مجرورا بباء محذوفة كما عرفت. - ¬

_ (¬1) وانظر التذييل (4/ 182). (¬2) سورة هود: 71. (¬3) معاني القرآن (1/ 22)، وقد تقدمت القراءة وإيضاحها. (¬4) سورة الواقعة: 22. (¬5) ينظر الكتاب (2/ 94، 95، 171، 172)، والآية في الواقعة: 22. هذا: والنصب قراءة أبي ابن كعب وابن مسعود، والخفض قراءة حمزة والكسائي. وأما الرفع فقراءة غيرهم. راجع البحر المحيط (8/ 206) وابن زنجلة (ص 695) والكشاف (4/ 54)، وابن مجاهد (622)، والمحتسب (2/ 309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولنختم الكلام على الباب بمسألتين: الأولى: أن الشيخ قال في الارتشاف: من أحكام حروف العطف أن ما كان معمولا لعامل بعدها لا يجوز أن يتقدم ذلك المعمول على حرف العطف فلو قلت: زيد قائم وضارب عمرا ما جاز أن تقول عمرا وضارب (¬1). وأقول: إن امتناع تقديم المعمول في ما ذكره ظاهر، لأن المعمول إنما يتقدم حيث يجوز تقديم العامل غالبا، وإذا كان كذلك فذكر هذه المسألة مستغنى عنه. الثانية: أن ابن عصفور قال: وإذا نفيت في هذا الباب فمذهب المازني أن الكلام يكون بعد دخول حرف النفي عليه على حسب ما كان قبل دخوله فتقول في نفي قام زيد فعمرو: ما قام زيد فعمرو، وفي نفي مررت بزيد وعمرو: ما مررت بزيد وعمرو، وفي نفي قام زيد ثم عمرو: ما قام زيد ثم عمرو. وسيبويه يوافقه في ذلك كله إلا في الواو (¬2) فإذا قلت: مررت بزيد وعمرو فإنه يفصّل فيقول: لا يخلو أن يكون الكلام على فعلين، أعني أن يكون مررت بزيد على حدته ومررت بعمرو على حدته، أو يكون على فعل واحد، أعني أن يكون مررت بزيد وعمرو مرورا واحدا فتقول في النفي: إذا عنيت مرورين ما مررت بزيد وما مرت بعمرو فتكرر الفعل. وتقول في النفي اذا عنيت مرورا واحدا: ما مررت بزيد وعمرو. وإنما لم يكن في الأول بدّ من تكرير الفعل؛ لخوف اللبس لأنك لو قلت: [4/ 178] ما مرت بزيد وعمرو لاحتمل أن تريد أنك لم تمر بهما ولا بواحد منهما، وأن تريد أنك لم تمر بهما معا، بل مررت بأحدهما، فلما كان النفي من غير إعادة العامل ملبسا لذلك لم يكن بد من إعادته. وحجة المازني أن حرف النفي لا يغير ما بعده عما كان عليه قبل دخوله نحو: ما قام زيد ألا ترى أنه كان قبل دخول ما قام زيد (¬3). والصحيح ما ذهب إليه - ¬

_ (¬1) الارتشاف (2/ 666) تحقيق د/ مصطفى النحاس. (¬2) الانتصار (ص 112) والكتاب (1/ 218) والمازني (ص 350). (¬3) المصادر السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه؛ لأنه قد وجد النفي مغيرا لما دخل عليه عن حاله قبل ذلك. ألا ترى أنك تقول في نفي سيفعل: لن يفعل، وفي نفي قد فعل: لما يفعل، وفي نفي فعل: لم يفعل، ولا تقول لن سيفعل، ولا لما قد فعل، ولا لم فعل. فإذا كانوا يغيرون ما بعد حرف النفي عما كان عليه مع أنه لم تدع إليه ضرورة، فالأحرى أن يجوز ذلك إذا دعت إليه ضرورة (وهي) (¬1) خوف اللبس (¬2). انتهى. وأقول: إنني لم يتجه (لي) (¬3) الأمر في هذه المسألة؛ لأن القائل يقول اللبس الذي قيل إنه يحصل في النفي حاصل في الإثبات أيضا. فلأي شيء لم يوجب التكرير في قولنا: مررت بزيد وعمرو إذا كان المرور بكل منهما على حدته، وإذا كان لا فرق بين الإثبات والنفي في ذلك فلأي شيء يتعرض إلى ذكر النفي دون الإثبات. ثم قول ابن عصفور أنه قد وجد النفي مغيرا لما دخل عليه عن حاله قبل ذلك قد ينازع فيه. وما ذكره من الاستدلال فيه بحث؛ لأن الذي ظهر أن مراد النحاة بقولهم: لن لنفي سيفعل أن المنفي بلن مستقبل كما أن المقرون بالسين مستقبل، وكذا مرادهم بقولهم إن لما لنفي قد فعل وأن لم لنفي فعل أن لما لنفي الماضي القريب زمنه من زمن الحال وإن لم لنفي الماضي البعيد زمنه من زمن الحال. وبتقدير أن يكون مرادهم أن ثلاثة ألأحرف لنفي هذه الصيغ أنفسها، فلا يتم الاستدلال؛ لأن التغيير عند دخول حرف من هذه الأحرف واجب، وذلك أن لن للاستقبال والسين للاستقبال فلا يتأتى اجتماعهما. وأما لما ولم فإنهما لا يباشران إلا لفظ المضارع فكان العدول عن لفظ الماضي إليه متعينا وليس معينا في قام زيد وعمرو إذا قلنا: ما قام زيد وعمرو ما يوجب التغيير. والذي يظهر في هذه المسألة أنه لا فرق بين الإثبات والنفي. فمن قصد الإخبار بمرورين مثبتا لهما أو نافيا لهما لا بد له أن يكرر الفعل، ومن لم يقصد ذلك استغنى عن التكرير. ¬

_ (¬1) الأصل: وهو. (¬2) شرح الجمل (1/ 145) والمقرب (1/ 237). (¬3) زيادة ليتم مراده.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد ..... فالذي ذكره ابن عصفور يحتاج إلى تحقيق. وقد تعرض في المقرب إلى ذكر هذه المسألة أيضا (¬1). فقال الشيخ بهاء الدين بن النحاس - رحمه الله تعالى - متكلما عليها بما نصه: اعلم أن الفاء تعطي الترتيب والتعقيب كما مر فنفيه حينئذ يكون بأحد أمور خمسة. وهو إما أن يكون لم يقم واحدا منهما، أو لم يقم زيد فقط، أو لم يقم عمرو فقط، أو قاما لكن عمرو قام قبل زيد، أو قاما وعمرو بعد زيد كما في اللفظ لكن تخلل بين قياميهما زمان كان ممكن فيه قيام عمرو ولم يقم فينتفي هاهنا التعقيب الذي تقتضيه الفاء. أما إذا قلت: قام زيد وعمرو، ثم نفيت، فقلت: ما قام زيد وعمرو، فإن نفيه هنا يكون بأحد أمور ثلاثة. إما بأن لم يقم واحد منهما، أو بأن قام زيد دون عمرو، أو بأن قام عمرو دون زيد؛ لأن الواو للجمع فقط، وانتفاء الجمع يكون بأحد الأمور الثلاثة كما ذكرنا. وفي كل حرف يكون النفي داخلا على ما أعطاه ذلك الحرف من المعنى على حسب ما ينتفي به ذلك المعنى. انتهى. فلم يتعرض إلى الذي ذكره صاحب الكتاب من أنك في النفي تكرر العامل إن كان مروان، ولا تكرر إن كان مرور واحد (¬2). والمسألة تفتقر إلى نظر. والله تعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) المقرب (1/ 237). (¬2) الكتاب (3/ 117) - هارون.

الباب الثامن والأربعون باب النداء

الباب الثامن والأربعون باب النّداء (¬1) [بعض أحكامه من جر وحذف الحرف] قال ابن مالك: (المنادى منصوب لفظا أو تقديرا بأنادي، لازم الإضمار، استغناء بظهور معناه مع قصد الانتفاء وكثرة الاستعمال، وجعلهم كعوض منه في القرب همزة، وفي البعد حقيقة أو حكما «يا»، أو «أيا»، أو «هيا»، أو «آ»، أو «أي» أو «آي»، ولا يلزم الحرف إلا مع الله، والضّمير، والمستغاث، والمتعجّب منه، والمندوب، ويقلّ حذفه مع اسم الإشارة واسم الجنس المبنى للنّداء. وقد يحذف المنادى قبل الأمر والدّعاء فتلزم «يا»، وإن وليها «ليت» أو «ربّ» أو «حبّذا» فهي [للتنبيه]، لا للنّداء. وقد يعمل عامل المنادى في المصدر والظّرف والحال. وقد يفصل حرف النّداء بأمر). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): المنادى مفعول في المعنى؛ لأنه مدعو فيستحق النصب لفظا إن كان معربا قابلا لحركة الإعراب كيا عبد الله وتقديرا إن كان مبنيّا أو معربا غير قابل لحركة الإعراب كيا زيد ويارقاش ويافتى ويا أخي. وناصبة أنادي لازم الإضمار لظهور معناه مع كثرة الاستعمال وقصد الإنشاء ولجعل العرب أحد الحروف المذكورة كالعوض منه. وكل واحد من هذه الأسباب كاف في إيجاب لزوم الإضمار ولا سيما قصد الإنشاء فإن الاهتمام به في غاية الوكادة؛ لأن إظهار أنادي يوهم أن المتكلم مخبر بأنه سيوقع نداء والغرض علم السامع بأنه منشئ له والإضمار معين على ذلك فكان واجبا مع كون الحرف كالعوض منه، فلم يجمع بينهما كما لم يجمع بين العوض المحض والمعوض منه نحو: ما وكان في: - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 133 - 161)، الأصول (1/ 329 - 379)، أوضح المسالك (4/ 3 - 46)، التذييل (4/ 183)، التصريح (2/ 63 - 180)، الرضي (1/ 131 - 148، 159 - 161، 2/ 381)، شرح الجمل (2/ 82 - 133)، شرح اللمع (251 - 254)، شرح المفصل (1/ 127، 130، 2/ 132)، شرح الكافية الشافية (3/ 1288 - 1376)، الكتاب (1/ 53، 291، 2/ 97، 182 - 233، 237، 278، 287، 291، 3/ 170، 202)، الكفاية (49 - 57، 225)، المقرب (1/ 175 - 188)، والهمع (1/ 171 - 178). (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 385) تحقيق: د/ عبد الرحمن السيد، ود/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما أنت ذا نفر ونحوها، وواو القسم في ها الله. وكون الهمزة للقريب وما سواها للبعيد هو الصحيح، لأن سيبويه أخبر بذلك رواية عن العرب (¬1). ومن زعم أن أي كالهمزة [4/ 179] في الاختصاص بالقرب لم يعتمد في ذلك إلّا على رأيه، والرواية لا تعارض بالرأي. وصاحب هذا الرأي هو المبرد وتبعه كثير من المتأخرين (¬2). ولم يذكر مع حروف النداء آا وآي بالمد إلا الكوفيون رووهما عن عرب يثقون بعربيتهم ورواية العدل مقبولة. ولا يجوز حذف حرف النداء إن كان المنادى الله أو ضميرا أو مستغاثا أو متعجبا منه أو مندوبا نحو يا الله، ويا إياك، ويا لزيد، ويا للماء، ويا زيداه، فإن كان غير هذه الخمسة جاز الحذف إلا أن جوازه يقل مع اسم الإشارة واسم الجنس المبني للنداء، ومن شواهد الحذف مع اسم الإشارة قول ذي الرمة: 3376 - إذا هملت عيني لها قال صاحبي ... بمثلك هذا لوعة وغرام (¬3) أراد بمثلك يا هذا، ومنها قول رجل من طيئ: 3377 - إنّ الألى وصفوا قومي لهم فبهم ... هذا اعتصم تلق من عاداك مخذولا (¬4) ومنها قوله: 3378 - ذي دعي اللّوم في العطّاء فإنّ ال ... لوم يغري الكريم بالإجزال (¬5) ومنها قوله: 3379 - لا يغرّنّكم ألاء من القو ... م جنوح للسّلم فهو خداع (¬6) ومن شواهد الحذف مع اسم الجنس المبني للنداء قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «اشتدّي أزمة تنفرجي» (¬7) وقوله صلّى الله عليه وسلّم - مترجما عن موسى عليه السّلام -: «ثوبي حجر، ثوبي - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 229) وما بعدها. (¬2) المقتضب (4/ 233، 235). (¬3) من الطويل - ديوانه (ص 563)، والأشموني (3/ 136)، والتصريح (2/ 165)، والدرر (1/ 150)، والهمع (1/ 174). (¬4) من البسيط - الأشموني (3/ 136)، والتذييل (4/ 186). (¬5) من الخفيف - التذييل (4/ 186). (¬6) من الخفيف وانظره في التذييل (4/ 186). (¬7) ينظر: كشف الخفاء (1/ 128)، والنهاية (1/ 47)، وكذا أسرار النداء (ص 25)، وشرح العمدة (ص 110) هذا: وقوله: «اشتدّي أزمة تنفرجي» جزء بيت من المتدارك ليوسف بن التوزي - -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حجر» (¬1) أراد: يا أزمة ويا حجر فحذف وكلامه من أفصح الكلام. ومن نداء الضمير ما ذكر أبو عبيدة من أن الأحوض اليربوعي وفد مع أبيه على معاوية (¬2) رحمه الله تعالى فخطب فوثب أبوه ليخطب فكفّه وقال: يا إيّاك قد كفيتك (¬3). وأنشد أبو زيد: 3380 - يا أبجر بن أبجر يا أنتا ... أنت الّذي طلقت عام جعتا (¬4) فقول الأحوص: يا إياك جار على القياس؛ لأن المنادى مفعول محذوف العامل وما كان كذلك وجيء به ضميرا وجب أن يكون أحد الضمائر الموضوعة للنصب كقوله تعالى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (¬5) وكقول الشاعر: 3381 - إيّاك خلتك لي ردءا فكنت لهم ... علّي في ما أرادوا بي من الضّرر (¬6) وأما يا أنت فشاذ، لأن الموضع موضع نصب وأنت ضمير رفع فحقه أن لا يجوز كما لا يجوز في إياك والأسد: أنت والأسد لكن العرب قد تجعل بعض الضمائر نائبا بمن غيره كقولهم: رأيتك أنت بمعنى: رأيتك إياك فناب ضمير الرفع عن ضمير النصب وعكسه قراءة الحسن - رضي الله تعالى عنه - (إيّاك يعبد) (¬7) بنيابة ضمير النصب عن ضمير الرفع؛ فلذلك قالوا: يا أنت والأصل يا إياك لما ذكرت لك ولأن الموضع موضع اطراد في الواقع فيه إذا كان مفردا معرفة كونه على صورة مرفوع فحسن أن يخلفه ضمير الرفع كما حسن أن يكون تابعه مرفوعا. وكان حق المنادى أن يمنع حذفه لأن عامله قد حذف لزوما فأشبه الأشياء التي حذف عاملها وصارت - ¬

_ - الدرر (1/ 149)، والهمع (1/ 174). (¬1) البخاري: غسل (20)، أنبياء (20، 28)، ومسلم: حيض (75) وأسرار النداء (25)، وروح المعاني (22/ 94)، والهمع (1/ 174). (¬2) ابن أبي سفيان قرشي أسس الدولة الأموية في الشام، أسلم يوم فتح مكة ت 60 هـ - الأعلام (8/ 172)، والطبري (6/ 180)، والمسعودي (2/ 42). (¬3) وانظر الأشموني (3/ 135)، والهمع (1/ 174). (¬4) رجز لسالم بن دارة - الأشموني (3/ 135)، وشرح المفصل (1/ 127، 130)، والعيني (4/ 232)، والهمع (1/ 174). (¬5) سورة البقرة: 40، وانظر: سورة النحل: 51. (¬6) من البسيط لابن لنكك - أسرار البلاغة (ص 133)، والتذييل (4/ 186). (¬7) البحر المحيط (1/ 23).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هي بدلا من اللفظ به كما قال في التحذير: وكسقيا له في الدعاء، إلا أن العرب أجازت حذف المنادى والتزمت في حذفه بقاء «يا» دليلا عليه، وكون ما بعده أمرا أو دعاء لأن الآمر والداعي يحتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعو بتقديمه على الأمر والدعاء، فاستعمل النداء قبلهما كثيرا حتى صار الموضع منبها على المنادى إذا حذف وبقيت «يا» فحسن حذفه لذلك. فمن ثبوته قبل الأمر قوله تعالى: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ * (¬1) ويا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ * (¬2) ويا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ (¬3) ويا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا (¬4) ويا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ (¬5) ومن ثبوته قبل الدعاء يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ (¬6) ويا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا (¬7) ويا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (¬8) ومنه قول الراجز: 3382 - يا ربّ هب لي من لدّنك مغفرة ... تمحو خطاياي وأكفي المعذرة (¬9) ومن حذفه قبل الأمر قوله تعالى في قراءة الكسائي ألا يا اسجدوا (¬10) أراد ألا يا هؤلاء اسجدوا، ومن حذفه قبل الدعاء قول الشاعر: 3383 - يا لعنة الله والأقوام كلّهم ... والصّالحين على سمعان من جار (¬11) ومثله: 3384 - ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (¬12) ومثله: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 35، وسورة الأعراف: 19. (¬2) سورة البقرة: 40، 122. (¬3) سورة الأعراف: 31. (¬4) سورة هود: 42. (¬5) سورة مريم: 12. (¬6) سورة الأعراف: 134. (¬7) سورة يوسف: 97. (¬8) سورة الزخرف: 77. (¬9) انظره في التذييل (4/ 187). (¬10) سورة النمل: 25، وانظر البحر (7/ 68)، وابن زنجلة (ص 526)، وابن مجاهد (ص 480). (¬11) من البسيط - الإنصاف (ص 118)، والسمط (ص 546)، والكتاب (1/ 320)، والهمع (1/ 74، 2/ 70). (¬12) من الطويل - لذي الرمة - ديوانه (ص 210)، والتصريح (1/ 185)، والشجري (2/ 151)، والمغني (234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3385 - ألم تعلمي يا عمرك الله أنّني ... كريم على حين الكرام قليل وأنّي لأخزى إذا قيل مملّق ... سخيّ وأخزى أن يقال بخيل (¬1) وليس من ذلك قولهم: يا ليت ويا ربّ ويا حبذا؛ لأن قولي يا أحد هذه الثلاثة قد يكون وحده فلا يكون معه منادى ثابت ولا محذوف كقول مريم عليها السّلام: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (¬2) ولأن الشيء إنما يجوز حذفه إذا كان موضع ادعاء الحذف مستعملا فيه الثبوت، كحذف المنادى قبل الأمر والدعاء، فإنه جاز لكثرة ثبوته بخلاف ما قبل الكلم المذكور، فإن ثبوت المنادى فيه غير معهود فادعاء الحذف فيه مردود ولكن يا فيه لمجرد التنبيه والاستفتاح مثل ألا. وقد يجمع بينهما توكيدا في نداء وغير نداء. فاجتماعهما في النداء كقول الشاعر: 3386 - ألا يابن الّذين فنوا وبادوا ... أما والله ما ذهبوا لتبقى (¬3) واجتماعهما في غير النداء كقول الآخر: 3387 - ألا يا ليت أيّاما تولّت ... يكون إلى إعادتها سبيل (¬4) وقد يعمل عمل المنادى في مصدر كقول الشاعر: 3388 - يا هند دعوة صبّ هائم دنف ... منّى بوصل وإلّا مات [أو] كربا (¬5) وفي ظرف كقوله: 3389 - يا دار بين النّقا والجزع ما صنعت ... يد النّوى بالألى كانوا أهاليك (¬6) وفي حال كقوله: 3390 - يا أيّها الرّبع مبكيّا بساحته ... كم قد بدلت لمن وافاك أفراحا (¬7) وقد يفصل بأمر المنادى بينه وبين النداء كقول جذامة بنت خالد [4/ 180] النخعية تخاطب ابنتها لطيفة (¬8): - ¬

_ (¬1) من الطويل - المغني (ص 518). (¬2) سورة مريم: 23. (¬3) من الوافر - التذييل (4/ 187). (¬4) كسابقه (4/ 88). (¬5) من البسيط - الدرر (1/ 148)، والهمع (1/ 173). (¬6) من البسيط - الدرر (1/ 149)، والهمع (1/ 173). (¬7) كسابقه - التذييل (4/ 188). (¬8) التذييل والدرر: أمتها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3391 - ألا يا فابك شوالا لطيفا ... وأجري الدّمع تسكابا وكيفا (¬1) أرادت يا لطيفة فرخمت وفصلت بفعل الأمر (¬2). انتهى كلام المصنف رحمه الله تعالى. وليعلم أن النداء مصدر نادى والكثير كسر نونه قالوا: ويجوز ضمها لأنه صوت وهمزته منقلبة من حرف العلة، كهمزة رداء وأصلها الواو. ومن ندوت القوم ندوا: دعوتهم. والنداء رفع الصوت للمنادى ليقبل عليك، وأورد على ذلك أنهم قد نادوا الديار. وأجيب بأنهم أرادوا بذلك تنبيه أنفسهم على تذكّر أحوالهم في تلك الديار وجعلوها من الأشياء التي تخاطب فأجروا عليها حكم المخاطبين وعليه جاء: 3392 - [شربت بها والدّيك يدعو صباحه] ... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا (¬3) لما وصفهم بالدنو والتصوب جمعهم جمع من يعقل، فكذا لمّا خاطبوا الديار أجروا عليها حكم من يعقل فنادوها. وبعد هذا: فأنا أشير إلى أمور: منها: أن المنادى هو المطلوب إقباله بـ «يا» أو ما قام مقامها لفظا أو تقديرا. واختلف فيه، والذي عليه الجمهور أنه مفعول. وقال السيرافي: إنه لشبه بالمفعول به، وقرر ذلك بما لا طائل تحته مع اعترافه أن «يا» حرف (¬4)، وردّ قوله بأنه مؤدّ إلى أن يستقل الحرف والاسم كلاما. ومنها: أنهم اختلفوا في النداء هل خبر أو إنشاء. والحق أنه ليس بخبر لأنه يحتمل الصدق والكذب. وقد قيل إنه خبر؛ لأنه يحتمل الصدق والكذب بدليل أنه لو قال رجل لآخر: يا زاني عدّ قاذفا، ولو لم يحتمل الصدق والكذب لما كان خبرا، ولو لم يكن خبرا لما عدّ قاذفا. وأجيب بأنه إنما عدّ قاذفا لأجل أن النداء بالمشتق وفيه معنى - ¬

_ (¬1) من الوافر - الدرر (1/ 150)، والهمع (1/ 174). (¬2) شرح التسهيل (3/ 390). (¬3) عجز بيت من الطويل ذكرنا صدره - للجعدي - ديوانه (ص 4)، وشرح المفصل (5/ 105)، والكتاب (1/ 240)، والمغني (ص 365)، والمقتضب (2/ 226). وهذا ويروى صدره - كذلك - تمزرتها. (¬4) شرحه على الكتاب (34 / أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصفة ولولا الاشتقاق لما عد قاذفا. ولا شك أنه إذا كان بغير مشتق لا يحتمل الصدق والكذب، وكذا الفعل المقدر هو إنشاء وليس بخبر لأنه الدال عليه ليس بخبر وهو يا زيد فالنداء والفعل المحذوف متطابقان في عدم الخبرية. ثم إنك قد علمت من كلام المصنف العلة لوجوب حذف الفعل ما هي. ومنها: أن بعضهم ذهب إلى أن حرف النداء هو العامل في المنادى النصب لأنه ناب عن الفعل فعمل. قال: ولذا جازت إمالته وتعلق به حرف الجر في نحو: يا لزيد، وأجيب عن ذلك أما الإمالة فمسلم أنها للنيابة عن الفعل أما في العمل فلا، ومثله إمالة بلى لما جاز حذف الفعل بعدها في الجواب أمالوها وإن لم تكن عاملة بالإجماع. وأما حرف الجر فلا نسلم تعلقه بيا بل بالفعل المحذوف ولأن المنادى ينصب مع حذف حرف النداء، ولو كان الحرف هو الناصب لم يجز حذفه والنصب يغير عوض؛ لأن الحرف ضعيف فلا يعمل محذوفا من غير عوض بخلاف الفعل وقيل: حرف النداء اسم فعل وليس بشيء لأنه لو كان للزم أن يكون فيه ضمير ولو كان لجاز تأكيده كالضمير في أسماء الأفعال وفي عدم ذلك دليل على عدم كونه اسم فعل (¬1). ومنها: أن الشيخ قال: «الذي يظهر من استقراء كلام العرب أن «يا» أعم الحروف وأنها تستعمل للقريب والبعيد مطلقا» لكن قد عرفت أن سيبويه يرى خلاف ذلك (¬2) وقد قال هو - أعني الشيخ - إن سيبويه روى عن العرب أن الهمزة للقريب وما سواها للبعيد. وشاهد النداء بالهمزة قول الشاعر: 3393 - أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرا ... فقد عرضت أحناء حقّ فخاصم (¬3) وشاهد النداء بأيا قول الشاعر: 3394 - أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النّقا أأنت أم أمّ سالم (¬4) وشاهد النداء بهيا قول الآخر: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 185). (¬2) سبق قريبا، وانظر الكتاب (2/ 229) وما بعدها. (¬3) من الطويل - الكتاب (2/ 183)، واللسان: حنا، وابن يعيش (2/ 4) - والأحناء جمع حنو، وهي الأطراف والنواحي. (¬4) تقدم هذا البيت في عطف النسق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3395 - هيا أمّ عمرو هل لي اليوم عندكم ... بعينه أبصار الوشاة سبيل (¬1) وشاهد النداء بأي قول الآخر: 3396 - ألم تسمعي أي عبد في رونق الضّحى ... بكاء حمامات لهنّ هدير (¬2) وذكر ابن عصفور أن النداء بما عدا يا، ووا من الحروف المذكورة إنما يجيء في الشعر، ويقل استعمالها في الكلام (¬3). ومنها: أن كلام المصنف يعطي أن نداء المضمر جائز على الإطلاق. والجماعة لا يرون ذلك وابن عصفور يشعر كلامه بالمنع أو بأن ذلك لا يجوز إلّا في الضرورة (¬4) فإنه قال: «الأسماء كلها تنادى إلّا المضمرات. أما ضمير الغيبة وضمير المتكلم فهما مناقضان لحرف النداء؛ لأن حرف النداء يقتضي الخطاب ولم يجمع بين حرف النداء وضمير الخطاب؛ لأن أحدهما يغني عن الآخر فلم يجمع بينهما إلّا في الشعر كقوله: 3397 - يا أبجر بن أبجر يا أنتا (¬5) وفيه خلاف. فمنهم من جعل «يا» تنبيها وجعل أنت مبتدأ وأنت الثاني في قوله: 3398 - ..... ... أنت الذي طلقت عام جعتا توكيدا أو بدلا أو فصلا. قال الشيخ: يظهر أن استناد من أجاز ذلك إنما هو إلى هذا البيت وإلى الحكاية الأخوصية إذ لم يذكروا غير ذلك (¬6) قال: وينبغي أن لا يجعل ذلك قاعدة في جواز نداء المضمر لا بصورة ضمير النصب ولا بصورة ضمير الرفع؛ لأن ذلك لا حجة فيه. أما البيت فالأمر فيه كذا وكذا، وذكر تخريج ابن عصفور (¬7). قال: وأما إيّاك قد كفيتك فإن يا فيه حرف تنبيه أيضا وإياك مفعول بفعل محذوف يدل عليه الفعل - ¬

_ (¬1) من الطويل - الدرر (1/ 148)، والهمع (1/ 172). (¬2) من الطويل لكثير - ديوانه (1/ 231)، والدرر (1/ 147)، والمغني (ص 71)، الأمير والهمع (1/ 172)، ويروي: هديل موضع هدير. (¬3) لم أجده في كتبه فلعلّه في شرح الإيضاح. (¬4) شرح الجمل (2/ 87). (¬5) السابق، وقد تقدم البيت قريبا. (¬6) التذييل (4/ 186). (¬7) التذييل (4/ 186).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكور، التقدير: إياك قد كفيت قد كفيتك، وذلك كما يقدر في قوله تعالى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (¬1) أي وإياي ارهبوا فارهبون وكذا يقدر في قول الشاعر: 3399 - إيّاك خلتك لي ردءا ..... ... ......... إياك خلت ردءا خلتك لي ردءا (¬2). قال: وهذا تخريج سهل حسن واضح جار على قواعد الصنعة (¬3). ومنها: أنك قد عرفت أن المصنف أجاز حذف المنادى بقوله: وقد يحذف المنادى قبل الأمر والدعاء فتلزم يا، وأنه قرر ذلك في الشرح [4/ 181] كما تقدم ذكره، فقال الشيخ: هذه مسألة خلاف. وهل يجوز حذف المنادى أولا (¬4) قال: والذي يقتضيه النظر إنه لا يجوز ولم يرد بذلك سماع عن العرب فيقبل، بل كل موضع يدعى فيه الحذف وإبقاء الحرف يسوغ أن يجعل الحرف للتنبيه، ولم يكونوا ليحذفوا فعل النداء ثم يحذفون بعده متعلق النداء، وهو المنادى فيكون ذلك إجحافا كثيرا. والمنادى (في ذلك) (¬5) كالمنصوبات التي حذف عاملها وجوبا نحو: إياك والشر، وزيدا ضربته، وكليهما وتمرا، وما شاكل ذلك ولا يجوز حذف شيء منها (¬6) قال: وما ذكره المصنف من الدليل على الحذف تلفيق هذياني (واستقراء لا يسوغ) (¬7). ثم ما استشهد به لا حجة فيه على حذف المنادى بل «يا» فيه للتنبيه. أما في الآية الشريفة فيا توكيد لقوله ألا. وكذا في قول القائل: ألا يا اسلمي، وأما يا لعنة الله فهي للتنبيه كألا. قال الله تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (¬8) وكذلك في: يا عمرك كأنه قال: ألا عمرك وهي جملة اعتراض بين «ألم تعلمي» و «أنني» (¬9) انتهى. وهذا الذي فعله الشيخ يقتضي أن المصنف وحده هو القائل بجواز حذف المنادى والأمر ليس كذلك فقد قال هو إن المسألة خلافية؛ فالرد إن ثبت لا يكون ردّا على - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 40، وسورة النحل: 51. (¬2) التذييل (4/ 186). (¬3) السابق. (¬4) التذييل (4/ 187). (¬5) من التذييل. (¬6) التذييل (4/ 187). (¬7) من التذييل. (¬8) سورة هود: 18. (¬9) التذييل (4/ 187).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف وحده بل على القائلين بجواز الحذف أجمعين ثم نسب كلام المصنف إلى الهذيان والتلفيق ولم يبين وجه ذلك. وغاية ما قال آخرا: إن ما استدل به المصنف يخرج على أن يا فيه للتنبيه وليس ثم نداء. فيقول المصنف: هذا الاحتمال لا يبطل ما ادعيته. وقصارى الأمر أن تكون يا في ما ذكرته للتنبيه قول يمكن ثبوته ويمكن دفعه. فكيف يكون قاطعا ببطلان ما ذكرته. ثم اعلم أن في تمثيل المصنف لثبوت المنادى قيل الدعاء بقوله تعالى: يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ (¬1) ويا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا (¬2) نظرا؛ لأن «ادع» ليس دعاء وإنما هو أمر بالدعاء، وكذا «استغفر» أمر بطلب الاستغفار وليس استغفارا. ومنها: أنك قد عرفت أن المنادى قد يعمل في المصدر والظرف والحال، وتقدم استشهاد المصنف على الأول بقول القائل: 3400 - يا هند دعوة صبّ هائم وعلى الثاني بقول الآخر: 3401 - يا دار بين النّقا والجزع ما صنعت وعلى الثالث بقول الآخر: 3402 - يا أيّها الرّبع مبكيّا بساحته لكن الشيخ قال: إن الظرف الذي هو بين النقاء والجزع ليس معمولا لفعل النداء، بل هو معمول لمحذوف غير فعل النداء؛ لأن الظرف المذكور في موضع الحال فالعامل فيها محذوف تقديره كائنة بين النقا والجزع (¬3). والذي ذكره الشيخ حق .. ؛ لأن الذي بين النقاء والجزع إنما هو الدار لا النداء، وعلى هذا فعامل المنادى إنما عمل في حال لا ظرف وإنما يجيء الحال من المنادى. وذكر الشيخ أن فيه مذاهب: أحدها: الجواز مطلقا وهو مذهب المبرد، وابن طاهر، وابن طلحة (¬4). الثاني: المنع وهو مذهب الكوفيين وبعض البصريين. ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 134. (¬2) سورة يوسف: 97. (¬3) التذييل (4/ 188). (¬4) ينظر الارتشاف (ص 995).

[بناء المنادى وإعرابه]

[بناء المنادى وإعرابه] قال ابن مالك: (يبنى المنادى لفظا أو تقديرا على ما كان يرفع به لو لم يناد [إن] كان ذا تعريف مستدام أو حادث بقصد وإقبال غير مجرور باللام ولا عامل في ما بعده ولا مكمل قبل النّداء بعطف نسق. ويجوز نصب ما وصف من معرّف بقصد وإقبال، ولا يجوز ضمّ المضاف الصّالح للألف واللّام خلافا لثعلب، وليس المبنيّ للنّداء ممنوع النّعت خلافا للأصمعيّ. ويجوز فتح ذي الضّمة الظاهرة إتباعا إن كان علما ووصف بابن متّصل مضاف إلى علم، لا إن وصف بغيره خلافا للكوفيّين، وربّما ضمّ الابن إتباعا. ويلحق بالعلم المذكور نحو: «يا فلان بن فلان» ويا ضلّ بن ضلّ، ويا سيّد ابن سيّد، ومجوّز فتح ذي الضّمّة في النّداء موجب في غيره حذف تنوينه لفظا، وألف ابن في الحالين خطّا، وإن نوّن فللضّرورة وليس مركبا فيكون كمرء في إتباع ما قبل السّاكن ما بعده. خلافا للفارسي. والوصف بابنة كالوصف بابن، وفي الوصف ببنت في غير النّداء وجهان). ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: التفصيل بين أن تكون الحال مؤكدة فيجوز أو مبنية فلا يجوز وهو مذهب الأخفش والمازني والفارسي (¬1). وقال: ولا نص عن سيبويه في إجازة ولا منع (¬2). انتهى. والذي يظهر الجواز مطلقا، ويدل عليه ما أنشده المصنف من قول الشاعر: 3403 - يا أيّها الرّبع مبكيّا بساحته (¬3) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): المنادى على ضربين معرب ومبني. فالمعرب المجرور بلام الاستغاثة نحو: «بالله للمسلمين» (¬5)، أو بلام التعجب نحو: يا للماء، ويا للدواهي، والنكرة المحضة نحو: - ¬

_ (¬1) انظر في تلك المسألة: الإنصاف (330)، والخزانة (1/ 285، 2/ 119)، والخصائص (3/ 106)، والدرر (1/ 148)، والشجري (2/ 80، 83)، والمحتسب (1/ 251)، والمقتضب (4/ 253)، والهمع (1/ 173). (¬2) التذييل (4/ 188). (¬3) تقدم في الصفحة السابقة. (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 391). (¬5) انظره في الكامل للمبرد (2/ 168).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3404 - [أ] يا راكبا إما عرضت فبلّغا ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا (¬1) والعامل فيما بعده بإضافة وغير إضافة نحو: يا ذا الجلال والإكرام، ويا رؤوفا بالعباد، ويا عظيما فضله، ويا عشرين رجلا، والمكمل قبل النداء بعطف نحو: يا زيدا وعمرا في المسمى بهما. والمبني على ضربين مبني بناء بسبب النداء ومبني بناء غير متجدد بسبب النداء. فالأول مبني على ضمة ملفوظ بها نحو: يا زيد ويا رجل، أو مقدرة نحو: يا مولى ويا هادي ويا ربي، وعلى ألف نحو: يا زيدان، وعلى واو نحو: يا زيدون. والثاني: مبني في التقدير على ضمة وفي اللفظ على ما كان مبنيّا عليه قبل النداء نحو: يا هؤلاء ويا سيبويه ويا رقاش ويا خمسة عشر ويا برق نحره. وهذه الأنواع كلها داخلية في قولي: يبني المنادى لفظا أو تقديرا على ما كان يرفع به أما دخول ما تجدد وبناؤه بسبب النداء فظاهر. وأما دخول ما سبق بناؤه فلأن هؤلاء وسيبويه ورقاش وبرق نحره [4/ 182] قد كانت قبل النداء تقع في موضع الرفع فتنوى ضمة الإعراب في مواضعها، ويجدد لها في النداء تقدير ضمة البناء ويدل على ذلك رفع تابعها نحو: يا هؤلاء الرجال ويا رقاش الحسنة. ونبهت بقولي: على ما كان يرفع به لو لم يناد على نحو: يا مكرمان مما لا استعمال به في غير النداء. ثم بينت أن من شرط البناء المستحق بالنداء كون المنادى غير مجرور بلام الجر وكونه غير عامل في ما بعده ولا مكمل قبل النداء بعطف نسق، فخرج باستثناء المجرور باللام المستغاث نحو: يا لله للمسلمين والمتعجب منه نحو: يا للعبر ويا للآيات. وباستثناء العامل في ما بعده المضاف، نحو: يا ذا الجلال والإكرام والشبيه به نحو: يا عظيما فضله، ويا لطيفا بالعباد، ويا عشرين رجلا، وباستثناء المكمل قبل النداء بعطف نسق نحو: يا زيدا وعمرا في المسمى بهما. وادعى المبرد أن تعريف نحو: يا زيد متجدد بالنداء بعد إزالة تعريف العلمية لئلّا يجمع بين تعريفين (¬2) والصحيح أن تعريف العلمية مستدام كاستدامة تعريف الضمير واسم الإشارة والموصول في: يا إياك ويا هذا ويا من حضر ولأن النداء لا يلزم من - ¬

_ (¬1) من الطويل لعبد يغوث - الخصائص (2/ 449)، والشذور (111)، والكتاب (1/ 312)، والمقتضب (4/ 204). (¬2) المقتضب (4/ 204، 205).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوده تجدد تعريف ولولا ذاك لم تناد النكرة المحضة. فعلى هذا لا يلزم من دخوله على معرفة اجتماع تعريفين على أنه لو سلم اجتماع تعريفين لجعل أحدهما مؤكدا للآخر موسوقا لزيادة الوضوح كاتساق الصفة لذلك. ويكون ذلك نظير اجتماع دليلي المبالغة في علامة ودوّاري (¬1)، ويجوز في المفرد المعرف بالقصد والإقبال إجراؤه مجرى العلم المفرد في البناء وإجراؤه مجرى النكرة في النصب. قال الفراء: النكرة المقصودة الموصوفة المناداة تؤثر العرب نصبها يقولون: يا رجلا كريما أقبل، فإذا أفردوا رفعوا أكثر مما ينصبون (¬2). قلت: ويؤيد قول الفراء ما روي من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في سجوده: «يا عظيما يرجى لكلّ عظيم، ادفع عنّي كلّ عظيم» (¬3). وأجاز ثعلب - رحمه الله تعالى - أن يضم المضاف إذا كان صالحا للألف واللام نحو: يا حسن الوجه لأن إضافته في نية الانفصال (¬4). وأظنه قاس ذلك على رواية الفراء عن بعض العرب: يا مهتم بأمرنا لا تهتم بضم مهتم مع مشابهته المضاف لتعلق بأمرنا به. ويخرج هذا عندي بأن يجعل بأمرنا متعلقا بلا تهتم كأنه قال: يا مهتم لا تهتم بأمرنا فقدم وأخر. ومذهبه في هذه المسألة ضعيف؛ لأن بناء المنادى ناشئ عن شبهه بالضمير والمضاف عادم الشبه بالضمير وإن كان مجازيّ الإضافة. ومنع الأصمعي نعت المبني للنداء؛ لأنه شبيه بالمضمر والمضمر لا ينعت (¬5). وما ذهب إليه مردود بالسماع والقياس. أما السماع فشهرته مغنية عن استشهاد. وأما القياس فلأن مشابهة المنادى المضمر عارضة. فمقتضى الدليل أن لا تعتبر مطلقا كما لم يعتبر مشابهة المصدر لفعل الأمر في نحو: ضربا زيدا لكن العرب اعتبرت مشابهة المنادى للضمير في البناء استحسانا فلم تزد على ذلك كما أن فعال العلم لما بني حملا على فعال المأمور به لم يزد على بنائه شيء من أحوال ما حمل عليه. ونظائر ذلك كثيرة. ويجوز في المنعوت بابن من نحو: يا زيد بن عمرو - ¬

_ (¬1) في الأول وزن فعّال والتاء وفي الأخير الوزن وياء النسب. (¬2) الأشموني (3/ 138)، وشرح العمدة (ص 120)، والهمع (1/ 173). (¬3) البخاري: دعوات (27)، وابن حنبل (1/ 228، 1/ 245)، ومسلم: ذكر (83). (¬4) الأشموني (3/ 140)، والهمع (1/ 173). (¬5) الارتشاف (ص 997).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضم استصحابا لحاله قبل النعت، والفتح اتباعا نحو: يا زيد بن عمرو. فلو فصل ابن من المنعوت تعين الضم نحو: يا زيد الفاضل ابن عمرو وكذا يتعين الضم إن فقدت علميّة المنعوت نحو: يا غلام بن زيد أو علميّة المضاف إليه نحو: يا زيد بن أخينا، أو علميتها نحو: يا غلام بن أخينا فلو لم تكن ضمة المنادى ظاهرة لم ينو تبدلها بفتحة؛ إذ لا فائدة في ذلك. وقد أجاز الفراء في «عيسى» من قوله تعالى: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ * (¬1) تقدير الضمة والفتحة (¬2). وأجاز الكوفيون فتح المنعوت بمنصوب غير ابن نحو: يا زيد الكريم واستدلوا على ذلك بقول الشاعر: 3405 - فما كعب بن مامة وابن سعدى ... بأجود منك يا عمر الجوادا (¬3) على أن الرواية بفتح راء عمر. وخرج ذلك من انتصر للبصريين بأن قال: أراد يا عمرا فحذف الألف لالتقاء الساكنين وبقيت الراء مفتوحة. وهذا الانتصار لا يثبت على مذهب سيبويه؛ لأنه لم يذكر زيادة الألف في آخر المنادى في غير ندبة أو تعجب أو استغاثة (¬4) والثلاثة منتفية من هذا البيت. وأجاز غير سيبويه زيادة الألف في آخر كل منادى لمد الصوت (¬5) ويجري مجرى يا زيد بن عمرو في جواز فتح المنعوت يا فلان، ويا ضل بن ضل، ويا فاضل بن فاضل. وزعم بعض العلماء أن المستعمل في يا ضل بن ضل ويا فاضل بن فاضل ونحوهما الفتح لا غير. قال ابن سعدان: كلام العرب في نحو: يا ضل بن ضل ويا فاضل بن فاضل [و] ما أشبهه من المدح أن يتبع بالفتح، فإن أدخلت الألف واللام في الثاني جاز الوجهان. وسبب هذا الفتح كثرة الاستعمال فجاز في: يا زيد بن عمرو وامتنع في نحو: يا زيد بن أخينا ولزم في نحو: يا فاضل بن فاضل جعلوا الموصوف والصفة كالشيء الواحد في - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 110، 116. (¬2) انظر الأشموني (3/ 144)، والهمع (1/ 176). (¬3) من الوافر لجرير - ديوانه (107)، والدرر (1/ 153)، والمغني (ص 19)، والمقتضب (4/ 208)، والهمع (1/ 176). (¬4) ينظر الكتاب (2/ 218، 220). (¬5) الأشموني (3/ 143)، والهمع (1/ 176).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما كثر استعماله فاتبعوا الأول والثاني كما فعلوا في امرئ (¬1). وقد روى الأخفش عن بعض العرب ضم نون الابن اتباعا لضم المنعوت (¬2) وهو نظير قراءة من قرأ «الحمد لله» (¬3) بضم اللام (¬4). بل ضم النون أسهل بكثير. ولما كان وقوع ابن في النداء بين علمين على الوجه المذكور سببا للتخفيف بتبدل الضمة فتحة جعل في غير النداء سببا للتخفيف بحذف تنوين المنعوت إلا أن النداء وجه [4/ 183] واحد وغير النداء وجوه كثيرة، فكان غير النداء أحوج إلى التخفيف فجعل تخفيفه واجبا وتخفيف النداء جائز، واستوى النداء في التزام حذف ألف ابن خطأ وقد ينون المنعوت بابن في غير النداء اضطرارا كقول الأغلب العجلي (¬5): 3406 - جارية من قيس بن ثعلبة ... قبّاء ذات سرّة مقعّبه ممكورة الأعلى رداح الحجبة ... كأنّها حلية سيف مذهبه (¬6) وزعم الفارسي أن نحو: زيد بن عمرو عند قصد النعت في غير النداء مركب وأن حركة المنعوت حركة إتباع كحركة ميم مرء على لغة من قال: هذا مرء ورأيت مرءا ومررت بمرء (¬7). وليس ما رآه في هذا صحيحا للإجماع على فتح المجرور الذي لا ينصرف نحو: صلّى الله على يوسف بن يعقوب. ذكر هذا ابن برهان (¬8) رحمه الله تعالى. وإذا كان المنعوت مؤنثا علما كهند في لغة من صرف ونعت بابنة مضاف إلى علم فحكمه في النداء وغير النداء حكم (¬9) زيد منعوتا بابن مضافا إلى علم. وفي غير - ¬

_ (¬1) راجع المغني (19)، والهمع (1/ 176)، وابن يعيش (2/ 299). (¬2) الارتشاف (3/ 123)، والأشموني (143)، والهمع (1/ 176). (¬3) أول الفاتحة وانظر غيرها من سور القرآن الكريم. (¬4) البحر المحيط (1/ 118). (¬5) الأغلب بن عمرو بن عبيدة من بني عجل شاعر راجز معمر أدرك الجاهلية والإسلام واستشهد في نهاوند 21 هـ. المؤتلف والمختلف (ص 22). (¬6) رجز - الخصائص (2/ 491)، والكتاب (2/ 148)، والمقتضب (2/ 315)، والهمع (1/ 153). (¬7) التذييل (4/ 195). (¬8) شرح اللمع (181، 251) وما بعدها، والأصول (1/ 273)، والتذييل (4/ 196). (¬9) تكررت في الأصل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المنادى المنعوت يثبت وجهان رواهما سيبويه عن العرب الذين يصرفون هندا ونحوه فيقولون: هذه هند بنت عاصم وهند بنت عاصم. وكل هذا مشار إليه في الأصل. هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬1). وثم أمور يتعين الإشارة إليها: منها: أن للمنادى بالنسبة إلى كونه مبنيّا ومعربا ستة أقسام. المبني منها قسمان، والمعرب أربعة. أما المبني فالمعرفة المفرد، والنكرة المقصودة إذا كانت مفردة أيضا وأما المعرب فمجرور باللام وهو المستغاث، ومنصوب وهو النكرة غير المقصودة، والمضاف والمطول وهو المشبه بالمضاف. وقد صرح المصنف بالأقسام المذكورة في الشرح إلا أنه عبر عن المضاف والمشبه به بعبارة واحدة وهي قوله: والعامل في ما بعده بإضافة وغير إضافة، وهي عبارة مختصرة حسنة. أما كلامه في المتن فربما فيه إخلال بقسم من هذه الأقسام وهو النكرة غير المقصودة؛ لأنه حكم ببناء المنادى إن كان ذا تعريف مستدام أو حادث بقصد أو إقبال، ثم استثنى ما يعرب بقوله غير مجرور باللام ولا عامل في ما بعده، ولم يتعرض إلى ذكر النكرة المشار إليها. لا يقال إنه لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنا قد علمنا أن المنادى له النصب بقوله أول الباب: المنادى منصوب لفظا أو تقديرا فإذا لا يحتاج مع ذلك إلا إلى ذكر ما يبنى منه ليخرجه من الحكم الذي يعم أقسام المنادى وهو النصب؛ لأنا نقول: هذا الذي قيل كلام صحيح لكن كان يلزم منه ألا يتعرض إلى ذكر شيء من أقسام المعرب؛ لأن الإعراب قد ثبت للمنادى بقوله: إنه منصوب وإنما يلزمه التعرض إذ ذاك إلى ذكر ما يبنى منه خاصة. لكنه قد تعرض إلى ذكر بعض ما يعرب فكان الواجب إما أن يستوفي أقسام المعرب وإما أن لا يذكر شيئا منها. ومنها: أنهم ذكروا أن المنادى المضاف إلى نكرة نحو: يا أخا رجل ويا رجل سوء ليس بمعرفة، ولكنه جرى في الإعراب كالمضاف إلى معرفة ليكون الباب واحدا. قالوا: ولا يجوز أن يقصد به واحد بعينه فيتعرف بالنداء لأن إضافته إلى النكرة سبب تنكير لفظي فلا يصح تضمنه للتعريف لأن المحل لا يقبل. فكان كالوصف للنكرة. - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 395).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: ونص عليه سيبويه (¬1). ومنها: أن المنادى المفرد المعرفة إنما بني؛ لأنه لإفادته الخطاب أشبه الضمير وهو الكاف في أدعوك في إفادته الخطاب وأنه معرفة مفرد. والأسماء الظاهرة موضوعة على الغيبة بدليل عود الضمير إليها بلفظ الغيبة نحو: زيد قائم ولا يصح أن تكون علة البناء إفادته الخطاب فحسب؛ لأنه يلزم منه بناء المضاف والمشبه به إذا أريد به واحد معين، ولا مع التعريف لأنه يلزم منه بناء المضاف والمشبه به إذا كان معرفة، فثبت أن المجموع وهو إفادته الخطاب وتعريفه وإفراده هو العلة ليكون كالكاف في أدعوك فإنها مقيدة للخطاب وهي معرفة مفردة. وفي شرح الشيخ: ذهب سيبويه إلى أنه بني إجراء له مجرى الأصوات (¬2). وكذا قال ابن أبي الربيع أيضا: إن سيبويه علل بناء المنادى بأنه صار بمنزلة الصوت (¬3). لكن قال ابن عمرون في شرح المفصل عند ذكره سبب بناء المنادى: وقيل بني لشبهه بالأصوات التي يصوت بها للبهائم عند ما يراد منها كعدس وهاب (¬4)، وليس بشيء لأنه لو كان البناء كذلك لبني النكرة؛ لأنه لا فرق في الصوت بين المعرفة والنكرة. وكان بناؤه على حركة لأن بناءه عارض، وكل اسم يعرب في حال ويبنى في حال إذا بني بني على حركة كقبل وبعد، وكانت الحركة ضمة أو قام مقامها لشبهه بقبل وبعد، ووجه الشبه أنه إذا أضيف أو نكر أعرب وإذا كان معرفة مفردا بني. وقيل بني على الضم لئلّا يشبه المضاف؛ لأن المضاف إلى غير ياء المتكلم منصوب في النداء والمضاف إلى ياء المتكلم يكون مكسورا والمختار فيه حذف الياء وإبقاء الكسرة فبني على الضم لئلّا يلبس بأحدهما. وقد ذكر لبناء المنادى أسباب غير ما ذكرنا لكنها غير معتبرة عند التحقيق فتركت إيرادها لذلك. - ¬

_ (¬1) في الكتاب (2/ 229) «وأما قولك: يا أخا رجل فلا يكون الأخ ها هنا إلّا نكرة؛ لأنه مضاف إلى نكرة كما أن الموصوف بالنكرة لا يكون إلا نكرة ولا يكون الرجل هاهنا بمنزلة إذا كان منادى لأنه ثمّ يدخله التنوين، وجاز لك أن تريد معنى الألف واللام ولا تلفظ بهما، وهو هنا غير منادى وهو نكرة فجعل ما أضيف إليه بمنزله». (¬2) التذييل (4/ 189)، والكتاب (2/ 199). (¬3) السابق. (¬4) راجع التذييل (4/ 189) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد شذ الكسائي والرياشي (¬1) في دعواهما أن الحركة في يا زيد حركة إعراب (¬2)، ولا يخفى أن هذا مما لا ينبغي التشاغل به، إذ فيه خرم للقواعد وهدم للأصول، نعم الأخفش يقول إن نحو يا رجل معرب لأنه يقول إنه في نية يا أيها [4/ 184] الرجل ونابت مناب الألف واللام ولهذا سقط التنوين. وقد رد مذهبه بقول العرب: يا فاسق الخبيث والخبيث، وما ذاك إلّا لأنه غير معرب. ومنها: أنك قد عرفت أن قول المصنف: ولا عامل في ما بعده يشمل المضاف والمشبه به وهو المعبر عنه بالمطول وبالممطول أيضا من قوله: مطلت الحديدة إذا مددتها، وهو كل اسم موصول بشيء هو كالتمام له عمل الأول في الثاني النصب لفظا، نحو: يا ضاربا زيدا، أو محلّا نحو: يا خيرا من زيد، أو الرفع نحو: يا حسنا وجهه ويا مضروبا غلامه، أو لم يعمل لكن ثم ما يقوم مقام العامل وهو حرف العطف نحو: يا ثلاثة وثلاثين إذا كان اسم رجل واحد فالأول منصوب لأنه مشبه بالمضاف من حيث إن الثاني من تمام الأول؛ لأن التسمية وقعت بالكلمتين مع حرف العطف. ولما كان حرف العطف يقتضي معطوفا عليه وهو بمنزلة العامل صار كأن بعض الاسم عمل في الآخر فأشبه ضاربا زيدا والثاني منصوب بالعطف على الأول. ولما لم يعبر المصنف عن المطول بما عبر به غيره وكانت العبارة التي أتى بها إنما يدخل تحتها مع المضاف من المطول ما يكون عاملا في ما بعده احتاج أن يقول بعد ذلك: ولا مكمل قبل النداء بعطف نسق. وأفاد قوله: قبل النداء فائدة وهي: أن العطف لو حصل حال النداء لم يكن له أثر في نصب المنادى. ومن ثم قال ابن السراج في قولنا: (يا) ثلاثة وثلاثين إذا كانا اسما واحدا وليس هذا بمنزلة قولك للجماعة: يا ثلاثة وثلاثون، لأنك في هذا يا أيها الثلاثة والثلاثون (¬3). انتهى. فقد فرق بين المسألتين كما رأيت. وليس الفرق إلّا ما أفاده كلام المصنف من أن - ¬

_ (¬1) أبو الفضل العباس بن الفرج، كان أبوه عبدا لرجل من بني جذام اسمه رياش، أخذ عن المازني، تصانيفه غير نحوية، قتل في موقعة الزنج بالبصرة (257 هـ)، الأعلام (4/ 37)، والنشأة (ص 112)، ووفيات الأعيان (1/ 246). (¬2) الارتشاف (3/ 120)، والهمع (1/ 172). (¬3) الأصول (1/ 344).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف النسق في المسألة الأولى وجد قبل النداء فكان الثاني من تمام الأول، وأما في الثانية فليس كذلك إنما وجد حال النداء فهو منفصل عنه أي ليس من تمامه ولا بطول المنادى بمعموله إلّا إذا كان المعمول ملفوظا به. فعلى هذا: إذا ناديت وقلت: يا ذاهب بنيته على الضم ولم تنصبه وإن كان عاملا في ضمير المرفوع. وكذا إذا قلت: يا ذاهب وزيد تبني الاسمين. فإن قدرت زيدا معطوفا على الضمير لزم نصب ذاهب؛ لأنه عامل في زيد بوساطة حرف العطف، ولو قلت: يا مشتركا وزيد لم يجز في مشترك إلّا النصب؛ لأن عطف زيد على الضمير متعين إذ لا يجوز عطفه على مشترك لأن مشتركا لا بد أن يسند إلى ما زاد على واحد. واعلم أنك إذا ناديت جماعة عدتهم ما ذكرت من العدد نحو: يا ثلاثة وثلاثين فإن كانت غير معينة نصبت المعطوف والمعطوف عليه. أما الأول فلأنه اسم نكرة غير مقصودة، وأما الثاني فلأنه معطوف عليه وإن (كانت) الجماعة معينة فلا بد من بناء ما باشرته «يا» لكونه مفردا معرفة. وأما المعطوف عليه فيجوز فيه ما يجوز في غيره من العطف على اللفظ فيرفع أو على المحل فينصب. لكنهم ذكروا أن دخول «أل» في الثاني حينئذ واجب، ولم يظهر لي وجهه. وذكر عن ابن خروف أنه يجيز دخول «أل» وتركها (¬1)، والذي قاله ابن خروف هو الظاهر. ويتصل بما ذكر مسألة وهي: أنك إذا ناديت اثني عشر فإنك تقول: يا اثنا عشر. ولا يتوهم أنه بمنزلة المضاف من أجل حذف النون؛ لأن النون لما حذفت نزلت عشر منزلتها فصار في الحكم بمنزلة قولك: اثنان، ولو ناديت هذه الكلمة لقلت: يا اثنان، وكذا يا اثنتا عشرة ويا ثنتا عشرة. ونقل عن الكوفيين أنهم يلحظون فيه الإضافة فيجيزون يا اثني عشر. ومنها: أنك قد عرفت من كلام المصنف أنه يرى تعريف النكرة المقصودة إذا نوديت إنما هو النداء وعبر عنه بقوله: أو حادث بقصد وإقبال، ومن ثم عدّ النداء من جملة المعرفات لما ذكر المعارف في أول الكتاب (¬2). - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 191). (¬2) قال في شرحه على التسهيل (1/ 115) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد: «فالمعرفة مضمر وعلم ومشار به ومنادى وموصول ومضاف وذو أداة» ثم أخذ في الشرح، والتفصيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أن في المسألة للنحاة مذهبين. أحدهما: ما اختاره المصنف. والآخر: أن تعريف مثل ذلك بأل وأنها حذفت وناب حرف النداء منابها. قال ابن عصفور: لأن الخطاب لا يعرّف. ألا ترى أنك تقول: أنت رجل قائم فتخاطبه ويبقى الاسم بعد ذلك نكرة. انتهى. ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال؛ لأن النكرة لم يخاطب بها. ومسألة النداء إنما هي النكرة المخاطب بها لأنك إذا قلت: يا رجل، فكأنك قلت: يا أنت. وقد رد ابن الضائع قول من قال إن التعريف بأل بأن تعريف «أل» بالعهد، وإذا قلت: يا أيها الرجل فلا عهد فيه. قال: فإن زعم القائل بذلك أن أل للحضور فالحضور هو المعرف وهو معنى قول من قال إنه تعرف بالخطاب (¬1). ومنها: أن الكوفيين (¬2) يخالفون البصريين في جواز نداء النكرة غير المقبل عليها ويزعمون أن النكرة غير المقبل عليها لا تكون في النداء إلّا موصوفة نحو: يا رجلا ذاهبا، أو صفة في الأصل حذف موصوفها وخلفته نحو: يا ذاهبا. فمن مجيء النكرة الموصوفة قول القائل: 3407 - أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق (¬3) فالنكرة المناداة موصوفة بحزوي. وقول الآخر: 3408 - ألا يا نخلة من ذات عرق ... عليك ورحمة الله السّلام (¬4) فنخلة موصوفة بقوله «من ذات عرق»، وقول الآخر: 3409 - لعلّك يا تيسا نزا في مريرة ... معذب ليلى أن تراني أزورها (¬5) فالجملة في موضع صفة المنادى. ومن مجيء النكرة التي هي صفة قول القائل: 3410 - أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغن ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا (¬6) - ¬

_ (¬1) شرح الجمل لابن الضائع (63). (¬2) عزاه البغدادي إلى الكسائي والفراء - الخزانة (1/ 313). (¬3) من الطويل لذي الرمة - ديوانه (1/ 456)، والتصريح (2/ 280)، والحلل (ص 191)، والكتاب (1/ 311)، والمقتضب (4/ 203). (¬4) تقدم في باب عطف النسق. (¬5) من الطويل لتوبة بن الحمير - الكتاب (1/ 312)، والمقتضب (4/ 203)، والنوادر (ص 72). (¬6) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنصب راكبا لأنه صفة لمحذوف، وليست جملة الشرط والجزاء صفة لأنها [4/ 185] لا تحتمل الصدق والكذب لتضمنها الأمر. وحاصل الأمر أن الذي يشترطه الكوفيون في نداء النكرة غير المقصودة أن تكون موصوفة فقط؛ لأنها إذا كانت صفة خلفا عن موصوف كان المنادي في الحقيقة إنما هو الموصوف والصفة نائبة عنه وحينئذ يكون المنادى نكرة موصوفة. وعلى هذا لا حاجة إلى أن يجعل قولهم أو صفة في الأصل قسيما لقولهم: نكرة موصوفة؛ إذ ليس إلا قسم واحد. ولا يجوز عند الكوفيين أن يقال: يا رجلا، ويقولون: إنه لم يسمع شيء من ذلك عن العرب، وإنما لم يجيزوا ذلك لأن انتصاب المنادى من قولنا: يا رجلا ذاهبا عندهم إنما هو لطوله بالصفة وانتصاب ذاهب من يا ذاهبا بسبب أن الأصل فيه يا رجلا ذاهبا فإذا لم توصف النكرة انتفى الطول الموجب للنصب. وقد ردّ مذهبهم بأن الوصف لو كان يؤثر الطول في المنادى فينصب لكان يجب نصب زيد من قولنا: يا زيد الطويل، ولا قائل بذلك. قال ابن عصفور: «فإن قيل: الطول بالوصف لا يوجب النصب إلّا إذا كان الوصف لازما والوصف لا يلزم في يا زيد الطويل ويلزم النكرة غير المقبل عليها. فالجواب: أن الطول بالوصف وإن كان لازما لا يوجب النصب بدليل: يا أيها الرجل، وإذا بطل أن الطول بالوصف لازما كان أو غير لازم غير موجب النصب كان موجب النصب إنما هو التنكير، وإذا كان موجب النصب التنكير لم يمنع مانع من جواز مجيء النكرة غير المقبل عليها، وإن كانت غير موصوفة، وما يقبله القياس لا يقدح فيه عدم السماع». وقد ادعى ابن الطراوة أن «دارا» من قوله: أدارا بحزوى، «وتيسا» من قوله: لعلّك يا تيسا نزا معرفتان. قال: وإلا فكيف يقول: هجت للعين عبرة لدار لا يعرفها، وكيف يقول: لعلّك معذّب ليلى لمن يكون مجهولا عنده. وخرّج البيتين على أن ثم موصولا محذوفا هو الوصف، والمجرور والجملة صلتان. التقدير أدارا التي بحزوى، ويا تيسا الذي نزا وكذا التقدير عنده في: ألا يا نخلة من ذات عرق أي التي من ذات عرق (¬1). قال: والدليل على جواز حذف الموصول وإبقاء صلته - ¬

_ (¬1) انظر ادعاء ابن الطراوة هذا في الارتشاف (3/ 121).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (¬1)، وقال الشاعر: 3411 - عدس ما لعبّاد عليك إمارة ... نجوت وهذا تحملين طليق (¬2) المعنى: وما تلك التي بيمينك يا موسى، وهذا الذي تحملين طليق. قال: وكذا قول النابغة: 3412 - يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت وطال عليها سالف الأبد (¬3) المعنى يا دار مية التي بالعلياء، وقول امرئ القيس: 3413 - ترى الفأر في مستنقع القاع لاحبا ... على جدد الصّحراء من شدّ ملهب (¬4) المعنى ترى الفأر الذي في مستنقع القاع لاحبا). قال ابن عصفور: وهذا الذي ذهب إليه باطل بدليل أنه لا يحفظ من كلامهم وصف دار وتيس وأمثالها بالمعرفة. وأما قوله: إنه لا يقال: هجت للعين عبرة لدار لا يعرفها، ولعلك معذب ليلى لمن يجهله، فصحيح إلا أنه لا حجة له في ذلك على ما ادعاه من كون دارا وتيسا معرفتين؛ لأن الاسم لا يكون معرفة إلا إذا قدر المخاطب أن المخاطب قد ساواه في العلم به. وأما إذا قدر المخاطب أن المخاطب يجهله فإنه لا يكون إلّا نكرة وسواء في ذلك جهل المخاطب به، أو علمه. ألا ترى أنك إذا قلت: أذنب إلي رجل من أصحابي صفحت عنه كان رجل نكرة لأنك أبهمته على المخاطب فلم يعلم من عنيت به مع أنه معلوم عندك فكذلك دار وتيس ونخلة من الأبيات مجهولة عند غير المتكلم؛ لأنه لم يقبل بندائه على المنادى فيتعين لذلك، وإن كان جميع ذلك معلوما عند المنادى. وما ذهب إليه من حذف الموصول وإبقاء صلته باطل على ما عرف في باب الموصول، وما استدل به مخرج على خلاف ما ذكره. ¬

_ (¬1) سورة طه: 17. (¬2) من الطويل ليزيد بن مفرغ الحميري - ديوانه (ص 115)، والشذور (ص 147)، والعيني (1/ 442)، واللسان: عدس، والمحتسب (2/ 94). (¬3) من البسيط للذبياني - ديوانه (ص 15)، والتصريح (1/ 140، 2/ 243)، والكتاب (1/ 364) والمجالس (ص 503)، والمحتسب (1/ 251). (¬4) من الطويل - ديوانه (ص 51).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما: يا دار مية بالعلياء؛ فالعلياء في موضع الحال من دار مية عند من يجيز مجيء الحال من المنادى ومن لا يجيز جعله متعلقا بما بعده والتقدير: أقوت وطال عليها سالف الأبد بالعلياء فالسند. وأما قوله: ترى الفأر في مستنقع القاع فيخرج على أن في مستنقع القاع في موضع الحال من ضمير الفاعل المستتر في ترى فيكون العامل فيه إذ ذاك محذوفا، ولاحبا حال من الفأر، والمعنى ترى الفأر لاحبا على جدد الصحراء وأنت في مستنقع القاع. يريد أن الفأر إذا سمع حفيف هذا الفرس في جريه ظنه مطرا فخاف من سيله ومرّ على جدد الصحراء طلبا للنجاة منه فإذا بلغ راكب هذا الفرس مستنقع القاع الذي كان فيه الفأر أبصره متعلقا بجدد الصحراء. فأما قول الشاعر: 3414 - أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله ... جرير ولكن في كليب تواضع (¬1) فليس من قبيل المنادى المنكور لأنه قصد بذلك شخصا بعينه ولم يرد أن يبهمه على المخاطب، بل بينه بقول جرير: وإنما هو منصوب بناصب مضمر على جهة الإغراء أي: عليكم شاعرا لا شاعر اليوم مثله (¬2). انتهى كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى. ولم يظهر لي قوله: إن في مستنقع القاع في موضع الحال من ضمير الفاعل المستتر في ترى مع قوله: فيكون العامل فيه إذ ذاك محذوفا، لأن العامل في الضمير هو ترى، والعامل في الحال هو العامل في صاحبها. وأما قوله: إن شاعرا من قول الشاعر: أيا شاعرا منصوب على الإغراء فغير ظاهر، لأن أيا حرف نداء لا حرف تنبيه وليس ثم منادى محذوف فوجب أن يكون شاعرا منادى، وأما نصبه فلا شك أن المنادى المعرفة المبني يجوز أن ينون للضرورة، وإذا نون فلك فيه وجهان. الضم تشبيها بمرفوع اضطر إلى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف، والنصب تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين. وسيأتي ذكر هذه المسألة في آخر الفصل. فعلى هذا يتوجه نصب شاعرا لا على ما قاله من الإغراء. - ¬

_ (¬1) من الطويل للصلتان العبدي يفضل جريرا على الفرزدق شعرا، ويفضل الفرزدق على جرير شرفا وفضلا - الشجري (2/ 142)، والكتاب (1/ 328)، والمقتضب (3/ 215). (¬2) راجع شرح الجمل لابن عصفور (2/ 85، 86).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [4/ 186] واعلم أن الذي ادعاه ابن الطراوة في المناديات المتقدمة وهي أنها معارف تنزع إلى ما يزعمه المازني من أن النكرة لا يتصور أن تكون غير مقبل عليها وإن وجد من ذلك شيء فتنوينه لأجل الضرورة كقوله: أدارا بحزوى وكأن العلة عنده أن المجهول لا ينادى (¬1). ورد ذلك على المازني بأنه يمكن أن يكون الشاعر نادى دارا مبهمة من ديار حزوى لأن هذا الموضع كان به دار محبوبته .. فمن أجل ذلك كل دار به تهيج عبرته إذا رآها، لأنها تذكره محبوبته فيكون كقول متمم بن نويرة (¬2) في رثاء أخيه مالك: 3415 - وقالوا بكى كل قبر رأيته ... لقبر ثوى بين اللّوى فالدكادك فقلت لهم إنّ الأسى يبعث البكا ... دعوني فهذا كلّه قبر مالك (¬3) قالوا: وأما يا تيسا، ويا نخلة فإن قائله كنى عن بعل محبوبته بتيس مبهم وعن محبوبته بنخلة مبهمة. هذا وقد تقدم من جواب ابن عصفور عن مثل هذا أيضا بأن النظر فيه إنما هو إلى جهل المخاطب وعلمه، فالذي يقدر المتكلم أن المخاطب يجهله هو نكرة مع أن المتكلم يعلمه ولا يحكم بتعريف النكرة إلّا إذا قدر المتكلم أن المخاطب قد ساواه في العلم به. ومنها: أنك قد عرفت أن الأصمعي يمنع نعت المنادى المبني. وأن المصنف ذكر أن ما ذهب إليه مردود بالسماع والقياس، ثم مما يبطل مذهبه قول العرب: يا زيد ابن عمرو بفتح دال زيد ولو كان ابن عمرو منصوبا بفعل مقدر لكان جملة مستأنفة ولم يكن للفتح وحذف التنوين منه وجه، فلم يبق إلّا أن يكون ابن عمرو صفة لزيد لتكون فتحة دال زيد فتحة إتباع. قالوا: ويلزم على مذهبه أن تكون أي في النداء تامة يحسن السكوت عليها، لأن المرفوع عنده خبر مبتدأ محذوف كما أن المنصوب معمول لفعل محذوف، وما ينعت على القطع يلزم استقلاله. - ¬

_ (¬1) الارتشاف (3/ 121) والتصريح (2/ 167)، والمازني وأثره (ص 325) وما بعدها. (¬2) ابن حمزة بن شداد اليربوعي التميمي شاعر فحل صحابي عاش في الجاهلية والإسلام ت 30 هـ - الأعلام (6/ 154، 155)، والجمهرة (ص 141)، والسمط (ص 87)، والمرزباني (ص 466). (¬3) البيتان من الطويل وهما - بنسبتهما - في التذييل (4/ 192).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول الأصمعي: إن المنادى أشبه الضمير، فالجواب عنه أنه اسم ظاهر ولا يلزم من وقوعه موقع الضمير مشابهته له من كل وجه. وقد قالت العرب: يا تميم كلهم فراعوا أصله ولو كان بمنزلة الضمير من كل وجه لم يجز كما لم يجز إنكم كلهم. واتفاقهم على الرفع في: يا أيها الرجل دليل على أنه للإتباع إذ لو كان للقطع لجاز نصبه. واستدل سيبويه على أنه ليس موضع قطع بوقوع أجمعين فيه نحو: يا تميم أجمعون ولا يكون إلّا تابعا (¬1). قيل: وهذا لا يلزم لأنه لا يقول: إنه محل للقطع مطلقا لأنه لا يمنع التأكيد؛ لأن المضمر يؤكد ويدل منه. ومنها: أن المصنف ذكر في شرح الكافية عن المبرد أنه يزعم أن الضم في: يا زيد ابن عمرو أجود من الفتح وأنه أنشد بالفتح قول القائل: 3416 - يا حكم بن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود (¬2) ثم قال: ولو قال: يا حكم بن المنذر كان أجود. انتهى (¬3). وزعم ابن كيسان أن الفتح أكثر في كلام العرب وإن كان الضم هو القياس (¬4). ومما ورد بالفتح قول الشاعر: 3417 - يا طلحة بن عبيد الله قد وجبت ... لك الجنان وروّحت [المها] العينا (¬5) وإنما جاز إتباع الدال لحركة نون ابن مع الفصل بينهما؛ لأن الفاصل ساكن وهو حاجز غير حصين ومسوغ الإتباع أن ابنا لما كان صفة لما قبله جعلا كالشيء الواحد، واللفظان إذا كثر استعمالهما معا يجعلهما العرب كالشيء الواحد يدل على ذلك أنهم - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 184). (¬2) رجز لرؤبة - ملحقات ديوانه (ص 172)، والكتاب (1/ 313)، واللسان: سردق والمقتضب (4/ 232)، وابن يعيش (2/ 5). (¬3) شرح الكافية الشافية (3/ 1298) والمقتضب (4/ 231) والمصادر السابقة. (¬4) التصريح (2/ 196)، والهمع (! / 176). (¬5) من البسيط لأبي بكر الصديق - التذييل (4/ 194)، والشذور (ص 39) - الأمير - برواية: بوئت بدل روحت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقولون في مقلوب لعمري: رعملي، وذلك أن لام الابتداء لما كثر استعمالها مع عمرو جعلوها معه كالشيء الواحد، فلما قلبوا صيروا اللام كأنها من حروف عمرو. وليعلم أن الأول أعني المنادى إذا كان مضموما جاز في ابن مع كونه نعتا أن يكون بدلا وعطف بيان، وإذا فتح لم يكن ابن إلّا نعتا لما علمت أن الإتباع لا بد أن يكون الكلمتان كالشيء الواحد. ولا يتصور ذلك إلّا إن كانت الكلمة الثانية نعتا. ومنها: أن الشيخ ناقش المصنف في أمرين ذكرهما في الشرح. أحدهما: أنه قال ويجري مجرى: يا زيد بن عمرو في جواز فتح المنعوت يا فلان ابن فلان بن فلان، ويا ضل بن ضل ثم قال: ولزم في يا فاضل بن فاضل (¬1). قال: وهذا تناقض، ولعله من الناسخ. ثانيهما: قوله: وما أشبهه من المدح بعد قوله: يا فلان بن فلان، ويا ضل بن ضل، ويا فاضل بن فاضل (¬2). قال: والذي ذكره أصحابنا أن المسألة مفروضة في ما إذا كان المنادى غير علم ووصف بابن مضاف إلى غير لكنه مما اتفق فيه لفظ المنادى ولفظ ما أضيف إليه ابن نحو: يا كريم ابن الكريم، ويا شريف بن الشريف ويا كلب بن الكلب، ويا وثن بن وثن، ويا وثن ابن الوثن ولم يخصوه بالمدح (¬3). قال: وذكروا خلافا في ذلك. فالبصريون يضمون المنادى وينصبون ابنا، والكوفيون وابن كيسان يجرونه مجرى يا زيد بن عمرو في جواز البناء على الضم وجواز الفتح تبعا لفتحة ابن كما أجرت العرب ذلك في غير النداء في حذف التنوين من الموصوف. قال الكميت: 3418 - تناولها كلب بن كلب فأصبحت ... ترائي بها الأطواد لهبا إلى لهب (¬4) وقال آخر: 3419 - فإنّ أباكم ضلّ بن ضلّ ... وأبا من أبائكم برّاء (¬5) قال: وما ذهب إليه البصريون هو القياس لأن الأعلام أقبل للتغيير من غيرها، - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 195). (¬2) السابق. (¬3) التذييل (4/ 195). (¬4) من الطويل - التذييل - بغير نسبة (4/ 195). (¬5) وانظره في التذييل (4/ 195).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو الأكثر في السماع، وإنما أجرى ابن مع المتفقين مجراه مع العلمين للتساوي في كثرة الاستعمال، وأيضا فمدح الأب أو ذمه بما مدح به الابن أو ذم مبالغة في المدح أو الذم. وكأنك قلت: يا عريقا في الكرم حيث قلت: يا كريم بن كريم، أو في الخبث [4/ 187] حيث قلت: يا خبيث بن خبيث، فلو خالفت بين اللفظين لم يكونا بمنزلة الكلمة الواحدة (¬1). ومنها: أنك قد عرفت أن تنوين قيس من قول الشاعر: «جارية من قيس ابن ثعلبة» إنما هو للضرورة وعلى أن ذلك ضرورة أنشده سيبويه (¬2) وأنشد أيضا على أنه ضرورة قول الآخر: 3420 - هي ابنتكم وأختكم زعمتم ... لثعلبة بن نوفل بن جسر (¬3) لكن ابن جني خرّج البيتين على البدل (¬4). ورد ذلك بأن العرب لم تجعل ابنا في ذلك وأمثاله إلا صفة بدليل أنهم لم ينونوا إلا في الشعر ولو كان ابن بدلا لجاء التنوين في فصيح الكلام. ثم اعلم أن التنوين قد يحذف من العلم المخبر عنه بابن كما يحذف من المنعوت به ذكر المصنف هذه المسألة في الكافية فقال: وقد يعامل الذي ابن خبره ... بمالمنعوت ونظم أكثره وشرح هذا بأن قال (¬5): نبهت بهذا على أن المخبر عنه بابن قد يعامل معاملة المنعوت به فيسقط تنوينه وأكثر ما يقع ذلك في الشعر كقوله: 3421 - لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ... شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر (¬6) ومما جاء في نثر قراءة عاصم والكسائي: وقالت اليهود عزير ابن الله (¬7)، - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 195). (¬2) في الكتاب (3/ 506). (¬3) من الطويل - الكتاب (3/ 505)، وثعلبة بن نوفل: حي من اليمن. (¬4) الخصائص (2/ 491)، وانظر الشجري (1/ 382)، والكتاب (2/ 148)، والمقتضب (2/ 315)، والهمع (1/ 153)، وابن يعيش (2/ 6). (¬5) شرح الكافية الشافية (3/ 1299 - 1302). (¬6) تقدم قريبا (باب عطف النسق)، وانظر شرح الكافية الشافية (510). (¬7) سورة التوبة: 30. والقراءة بتنوين «عزير» البحر المحيط (5/ 31)، والكشاف (2/ 185).

[أحكام المنقوص والمضموم المنون اضطرارا في النداء]

[أحكام المنقوص والمضموم المنون اضطرارا في النداء] قال ابن مالك: (ويحذف تنوين المنقوص المعيّن بالنّداء. وتثبت ياؤه عند الخليل، لا عند يونس، فإن كان ذا أصل واحد ثبتت الياء بإجماع. ويترك مضموما أو ينصب ما نوّن اضطرارا من منادى مضموم). ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه مبتدأ وخبر، «وعزير» منصرف فحذف تنوينه لالتقاء الساكنين ولشبهه بتنوين العلم المنعوت بابن، وحذف التنوين هنا أحسن من حذف التنوين في قراءة عبد الوارث (¬1) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 اللَّهُ الصَّمَدُ (¬2) من ثلاثة أوجه: أحدها: أن اتصال «عزير» بابن لأنهما جزءا جملة واحدة ألزم من اتصال «أحد» بالله لأنهما من جملتين. ثانيها: أن حذف تنوين «عزير» في الإخبار عنه بابن شبيه بحذفه في النعت به بخلاف حذف تنوين أحد. ثالثها: أن حذف تنوين «عزير» تخلص من ثقل لا يلزم مثله من ثبوت تنوين أحد، وذلك أن تنوين «عزير» إذا لم يحذف تحرك لالتقاء الساكنين فيلزم من تحريكه وقوع كسرة بين ضمتين أولاهما في حرف تكرار قبله ياء ساكنة، ولا يلزم ذلك، ولا قريب منه إذا لم يحذف تنوين «أحد» فكان حذف تنوين «عزير» أحسن، وأولى. وإنما حكمت بانصراف عزيز لأن عاصما والكسائي قرآ به فصح كونه منصرفا، إما لأنه عربي الأصل، وإما لأن أصله عازار أو عيزار ثم صغر تصغير الترخيم حين عرّب فصرف لصيرورته ثلاثيّا. ولا اعتداد بياء التصغير؛ لأن نوحا لو صغر لبقي مصروفا. ولأن سيبويه حكى في تصغير إبراهيم وإسماعيل بريها سميعا مصروفين (¬3). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): إذا نودي نحو: قاض وقصد تعيينه حذف تنوينه وأثبتت ياؤه فقيل: يا قاضي ويجوز حذف الياء والتنوين معا فيقال: يا قاض - ¬

_ (¬1) ابن سعيد أبو عبيد العنبري حافظ ثبت فصيح من أئمة الحديث ت 180 هـ - الأعلام (4/ 329)، وتذكرة الحفاظ (1/ 237). (¬2) سورة الإخلاص: 1، 2، البحر المحيط (8/ 528)، والكشاف (2/ 185، 4/ 185، 4/ 298)، وابن مجاهد (ص 701). (¬3) الكتاب (3/ 476). (¬4) شرح التسهيل (3/ 395)، شرح الكافية الشافية (3/ 1302).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما قيل مع الألف واللام في غير النداء جاء القاضي وجاء القاض. والأول مذهب الخليل والثاني مذهب يونس. وقوّى سيبويه قول يونس (¬1) وإن كان المنقوص ذا أصل واحد كاسم فاعل أرى ثبتت الياء بإجماع، فيقال: يا مري، ولا يقال: يا مر وإذا اضطر شاعر إلى تنوين المنادى المضموم جاز بقاء الضم وهو الأكثر وجاز نصبه وهو الأقيس لأن البناء استحق لشبه المضمر، وقد ضعف بالتنوين؛ لأن المضمر لا ينون ولكنه عارض للضرورة فجاز أن لا يعتدّ به. وحكى ابن السراج أن بقاء الضم إذا اضطر إلى التنوين اختيار الخليل وسيبويه وأبو عمرو ويونس وعيسى بن عمر والجرمى يختارون النصب (¬2) وما حكاه ابن السراج حكاه المبرد أيضا وزاد أن المازني مثل الخليل وسيبويه (¬3). قلت: وعندي أن بقاء الضمة راجح في العلم والنصب راجح في النكرة المعينة لأن شبهها بالمضمر أضعف، ومن شواهد البقاء على الضم قول الأحوص: 3422 - سلّام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السّلام (¬4) ومنها: ما أنشد الفراء من قول لبيد: 3423 - قدّموا إذ قيل (قيس) (¬5) قدّموا ... وارفعوا المجد بأطراف الأسل (¬6) أراد قدموا يا قيس قدموا. وأنشد غيره لعدي بن ربيعة يرثي أخاه مهلهلا (¬7): - ¬

_ (¬1) في الكتاب (4/ 184) «وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال: اختار يا قاضي؛ لأنه ليس بمنون كما اختار هذا القاضي وأما يونس فقال: يا قاض، وقول يونس أقوى؛ لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر لأن النداء موضع حذف يحذفون التنوين، ويقولون: يا حار، ويا صاح، ويا غلام أقبل. (¬2) ينظر في ذلك الأصول (1/ 344) وما بعدها، والكتاب (2/ 202، 203، 3/ 504، 508)، والتصريح (2/ 171) وما بعدها. (¬3) المقتضب (4/ 213) وما بعدها، والتصريح (2/ 171، 172)، والمازني وأثره (ص 323 - 325)، والهمع (1/ 173، 2/ 167). (¬4) تقدم ذكره. (¬5) من الديوان. (¬6) من الرمل - ديوانه (ص 192) برواية: قال .. واحفظوا، واللسان: قدم. (¬7) من بنى جشم من تغلب كانت له عجائب في وقائع بكر - وتغلب - وانظر الأعلام (5/ 9)، والجمهرة (ص 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3424 - ظبية من ظباء وجرة تعطو ... ونداها في ناضر الأوراق ضربت صدرها إليّ وقالت ... يا عديّا لقد وقتك الأواقي ما ترجّى في العيش بعد ندامى ... قد أراهم سقوا بكأس حلاق (¬1) ومن شواهد النصب والمنادى علم أيضا قول الشاعر: 3425 - فطر خالدا إن كنت تستطيع طيرة ... ولا نفعا لا وقلبك طائر (¬2) ومن شواهده والمنادى نكرة معينة قول عبد يغوث (¬3): 3426 - أيا راكبا إمّا عرضت فبلّغا ... نداماي من نجران أن لا تلاقيا (¬4) ومنها قول الآخر: 3427 - أعبدا حلّ في شعبى غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا (¬5) ومثله: 3428 - يا سيّدا ما أنت من سيّد ... موطّأ الأكناف رحب الذّراع قوّال معروف وفعّاله ... نحّار أمّات الرّباع الرّتاع (¬6) ومنها قول الآخر: 3429 - ألا يا قتيلا ما قتيل بني حلس ... إذا ابتلّ أطراف الرّماح من الدعس (¬7) ومنها قول ذي الرمة: 3430 - أدارا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق (¬8) - ¬

_ (¬1) من الخفيف - الأشموني (3/ 145)، والشجري (2/ 9)، والشذور (ص 112)، والمقتضب (4/ 214)، وابن يعيش (10/ 8، 10). (¬2) في التذييل (4/ 196). (¬3) من بني الحارث بن كعب من قحطان شاعر جاهلي يمنى سيد قومه وقائدهم ت: 40 ق هـ. الأعلام (4/ 337)، والأغاني (15/ 69: 76)، والسمط (3/ 63). (¬4) تقدم. (¬5) من الوافر لجرير - ديوانه (ص 56)، والأغاني (7/ 43)، والحلل (ص 206)، والكتاب (1/ 173). (¬6) من السريع للسفاح بن بكير - التصريح (1/ 399)، والدرر (1/ 149، 2/ 119)، والمفضليات (ص 322)، والمقتضب (3/ 170). (¬7) من الطويل - التذييل (4/ 197)، والدعسي: الطعن - اللسان: دعس. (¬8) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وسيبويه يسمي هذا النوع نكرة باعتبار حاله قبل النداء (¬1). ومن شواهد الضم قول كثير: 3431 - ليت التّحيّة كانت لي فأشكرها ... مكان يا جمل حيّيت يا رجل (¬2) هكذا الرواية المشهورة يا جمل بالضم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬3). وقال في شرح الكافية مشيرا إلى توجيه الضم [4/ 188] والنصب إن المنادى المضموم إذا اضطر إلى تنوينه فيه وجهان: الضم تشبيها بمرفوع اضطر إلى تنوينه وهو مستحق لمنع الصرف، والنصب تشبيها بالمضاف لطوله بالتنوين (¬4). ثم إنك قد رأيت في ما تقدم أنه مثّل للنكرة المحضة بهذا البيت الذي هو: 3432 - أيا راكبا إمّا عرضت ... ........ وها هو قد مثّل به هنا للنكرة المعينة. وقال الشيخ: فأما أعبدا حلّ، وأدارا بحزوى فإنهما من المنادى الموصوف. وقد ذكر هو - يعني المصنف: أنه يجوز نصب ما وصف من معرّف بقصد وإقبال (¬5). قال: فإنشاده إياهما على أنهما من المضموم الذي نصب ونون للضرورة مناقض لما قرره. قال: وأما يا سيّدا ويا راكبا ويا قتيلا، فإنها خلف لموصوف محذوف التقدير يا رجلا سيدا، ويا رجلا راكبا، ويا رجلا قتيلا، وما قاله الشيخ حق. والذي يسلم له من الخدش ويتم الاستشهاد به على النصب إذا نون ضرورة من الأبيات التي ذكرها إنما هو: فطر خالدا إن كنت، ويا عديّا لقد وقتك الأواقي. وأما قول المصنف: إن سيبويه يسمي هذا النوع نكرة باعتبار حاله قبل النداء فكأنه إنما احتاج إلى ذكر ذلك من أجل أنه قد ذكر أن المنادى المضموم أعني غير العلم معرفة وإذا كان معرفة فكيف يقال فيه أنه نكرة. فقال: إن تسميته نكرة إنما هو بالنظر إلى حالة النداء. ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 199). (¬2) من البسيط - ديوانه (1/ 159)، والدرر (1/ 149)، وشرح المفصل (1/ 129)، والعيني (4/ 214)، والهمع (1/ 173). (¬3) شرح التسهيل (3/ 397). (¬4) شرح الكافية الشافية (3/ 1303). (¬5) التذييل والتكميل (4/ 197).

[من أحكام أسلوب النداء (لا ينادى ما فيه أل)]

[من أحكام أسلوب النداء (لا ينادى ما فيه أل)] قال ابن مالك: فصل: (لا يباشر حرف النّداء في السّعة ذا الألف واللّام غير المصدّر بهما جملة مسمّى بها، أو اسم جنس مشبّه به، خلافا للكوفيين في إجازة ذلك مطلقا، ويوصف بمصحوبهما الجنسيّ مرفوعا، أو بموصول (مصدّر) بهما أو باسم إشارة «أيّ» مضمومة متلوّة بهاء التنبيه. وتؤنّث لتأنيث صفتها. وليست موصولة بالمرفوع خبرا لمبتدأ محذوف خلافا للأخفش في أحد قوليه، ولا جائزا نصب صفتها خلافا للمازني، ولا يستغنى عن الصّفة المذكورة ولا يتبعها غيرها. واسم الإشارة في وصفه بما لا يستغنى عنه كـ «أيّ» وكغيرها في غيره، وقيل: يا الله ويا ألله، والأكثر اللهمّ، وشذّ في الاضطرار يا اللهمّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن الشيخ ذكر مسألة واضحة وهي أنك إذا نعت المنصوب من هذا النوع لم يجز في النعت إلّا النصب؛ لأن المنادى إذ ذاك معرب منصوب. فيقال يا زيد العاقل (¬1). قال: وثمرة الخلاف تظهر في المقصور نحو: يا فتى، فمن اعتقد أنه مضموم جوّز في نعته الرفع والنصب، ومن اعتقد أنه منصوب لم يجوّز في نعته إلّا النصب (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): قال سيبويه: إذا قيل يا الرجل، فمعناه كمعنى يا أيها الرجل، فصار معرفة؛ لأنك أشرت إليه وقصدت قصده واكتفيت بهذا عن الألف واللام وصار كالأسماء التي هي للإشارة (¬4). ثم قال: وصار (هذا) (¬5) بدلا (في) (¬6) النداء من الألف واللام، واستغني به عنهما كما استغني بقولك: اضرب عن لتضرب (¬7) فحاصل كلامه أن رجلا من قولك: يا رجل معرفة بالقصد والإشارة، فاستغني عن الألف واللام كما استغني باسم الإشارة وكما استغني باضرب عن لام الأمر. وأجاز سيبويه أن يقال: يا الرجل قائم في المسمى بالرجل - ¬

_ (¬1) و (¬2) التذييل (4/ 197). (¬3) شرح التسهيل (3/ 398). (¬4) الكتاب (2/ 197). (¬5) من الكتاب. (¬6) الأصل: من. (¬7) الكتاب (2/ 197).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قائم لأن معناه يا مقولا له: الرجل قائم (¬1)، وقاس عليه المبرد دخول يا على ما سمي به من موصول مصدر بالألف واللام نحو: يا الذي قام لمسمى به وهو قياس صحيح (¬2)، وأجاز محمد بن سعدان يا الأسد شدة، ويا الخليفة جودا، ونحوه مما فيه تشبيه (¬3)، وهو أيضا قياس صحيح لأن تقديره: يا مثل الأسد، ويا مثل الخليفة فحسن لتقدير دخول «يا» على غير الألف واللام. وأجاز الكوفيون دخول «يا» على الألف واللام مطلقا، وأنشدوا: 3433 - فيا الغلامان اللّذان فرّا ... إيّاكما أن تكسبانا شرّا (¬4) وهذا عند غيرهم من الضرورات. وأنا لا أراه ضرورة لتمكن قائله من أن يقول: فيا غلامان اللذان فرّا؛ لأن النكرة المعينة بالنداء توصف بذي الألف واللام الموصول وبذي الألف واللام غير الموصول كقول بعض العرب: يا فاسق الخبيث حكاه يونس (¬5) والذي أراه في: فيا الغلامان أن قائله غير مضطر ولكنه استعمل شذوذا ما حقه ألا يجوز مثله في الشذوذ قول الآخر: 3434 - من أجلك يا الّتي تيّمت قلبي ... وأنت بخيلة بالودّ عنّي (¬6) والكلام الصحيح أن يتوصل إلى نداء ما فيه الألف واللام الجنسيتان بجعله صفة لأي متلوة بهاء التنبية نحو: يا أيها الرجل، ونبهت بجنسية واللام الألف على أنه لا يقال: يا أيها العباس، ولا: يا أيها الصعق؛ لأنهما علمان والألف واللام مع الأول للمح الصفة ومع الثاني للغلبة. وكذا لا يقال: يا أيها الزيدان ذكر ذلك الأعلم في «الرسالة الرشيدية». ويقوم مقام ذي الألف واللام الجنسيتين موصول مصدر بالألف واللام نحو: - ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) المقتضب (4/ 217، 243، 266). (¬3) الأشموني (3/ 146)، والهمع (1/ 174). (¬4) رجز - الأشموني (3/ 145)، والدرر (1/ 151)، برواية: تحدثان، والمقتضب (4/ 243)، والمقرب (1/ 177). (¬5) الكتاب (2/ 199). (¬6) من الوافر - الإنصاف (ص 209)، والخزانة (1/ 358)، والكتاب (1/ 310)، والمقتضب (4/ 241) ويروى «بالوصل».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ (¬1) واسم إشارة عار عن الكاف كقول الشاعر: 3435 - أيّهذان كلا زادكما ... ودعاني واغلا في من يغل (¬2) والأكثر أن يجمع بين اسم الإشارة وذي الألف واللام الجنسيتين كقول الفرزدق: 3436 - ألا يا أيّها ذا السّائلي عن أرومتي ... أجدّك لم تعرف فتبصره الفجرا (¬3) وتؤنث أي لتأنيث صفتها نحو: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (¬4)، ويا أيتها التي لم تسمع، ويا أيتها ذي. وأجاز الأخفش أن تكون أي هذه موصولة والمرفوع بعدها خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة أي (¬5)، ولو صح ما قال لجاز ظهور المبتدأ ولكان أولى من حذفه لأن كمال الصلة أولى من اختصارها، ولو صح ما قال لجاز أن يغنى عن المرفوع بعد أي جملة فعلية وظرف كما يجوز ذلك في غير النداء وفي امتناع [4/ 189] ذلك دليل على أن أيا غير موصولة. وأجاز المازني نصب صفة أي. قال الزجاج: ولم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله ولا تابعه أحد بعده .. فهذا مطرح مردود لمخالفة كلام العرب (¬6). ذكر هذا الزجاج في كتاب المعاني عند كلامه على قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ (¬7). ويساوي اسم الإشارة أيّا في وجوب رفع صفته واقترانها بالألف واللام الجنسيتين ويخالفها بجواز استغنائه عن الوصف وبجواز أن يتبع بغير وصف، وعلى هذا نبهت بقولي: واسم الإشارة في وصفه بما لا يستغنى عنه كأيّ في وصفها، وكغيرها في غيره. ولذلك قال الخليل: إذا قلت: يا هذا وأنت تريد أن تقف عليه، ثم تؤكده باسم يكون عطفا عليه، فأنت فيه بالخيار، إن شئت نصبت، وإن شئت رفعت، وذلك: يا هذا زيد، وإن شئت قلت: زيدا كقولك: يا تميم أجمعون وأجمعين وكذلك - ¬

_ (¬1) سورة الحجر: 6. (¬2) من الرمل - الشذور (ص 154)، والعيني (4/ 239)، والمجالس (ص 52)، والهمع (1/ 175). (¬3) من الوافر - ديوانه (ص 324) يريد أن أرومته أي أصله واضحة كالفجر. (¬4) سورة الفجر: 27. (¬5) التذييل (4/ 200). (¬6) نص عبارة الزجاج في معاني القرآن وإعرابه له (1/ 211) «وهذه الإجازة غير معروفة في كلام العرب، ولم يجز أحد من النحويين هذا المذهب قبله ولا تابعه عليه أحد بعده فهذا مطروح مرذول لمخالفته كلام العرب والقرآن وسائر الأخبار». (¬7) سورة البقرة: 153.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يا هذا زيد وعمرو وإن شئت زيدا وعمرا فتجري ما يكون عطفا على الاسم مجرى ما يكون وصفا (¬1). وقال سيبويه: واعلم أنه لا يجوز لك أن تنادي اسما فيه الألف واللام البتة إلّا أنهم قد قالوا: يا الله اغفر لي وذلك من قبل أن الألف واللام لا يفارقانه وهما فيه خلف عن همزة إله، وليس بمنزلة الذي قال؛ لأن الذي قال وإن كان لا يفارقانه الألف واللام ليس اسما غالبا، كزيد وعمرو لأنك تقول: يا أيها الذي قال كما تقول: يا أيها الرجل فامتنع يا الذي كما امتنع يا الرجل. ولا يجوز يا الصعق وإن كانت الألف واللام لا تفارقانه لأنهما غير عوض عن شيء هو من (الاسم نفسه) (¬2) بخلاف اللّذين هما في الله فإنهما خلف عن همزة إله. هذا حاصل كلامه. والأكثر في نداء الله أن يقال: اللهم بتعويض الميم من يا. وقد اجتمعا للضرورة في قول الراجز: 3437 - إنّي إذا ما حدث ألمّا ... أقول يا اللهمّ يا اللهمّا (¬3) انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬4). ثم إننا نشير إلى أمور: منها: أن الشيخ قال في قول المصنف: وقاس عليه المبرد دخول يا على ما سمي به من موصول مصدر بالألف واللام نحو: يا الذي قام لمسمّى به، وهو قياس صحيح: هذا خلاف ما نص عليه سيبويه، فإنه قال: ولو سميته الرجل منطلق جاز أن تناديه، فتقول: يا الرجل منطلق؛ لأنك سميت بشيئين كل واحد منهما اسم تام، والذي مع صلته بمنزلة اسم واحد نحو: الحارث، فلا يجوز فيه النداء كما لا يجوز فيه قبل أن يكون اسما، وأما الرجل منطلق فإنه بمنزلة تأبط شرّا؛ لأنه - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 192). (¬2) والعجيب أن سيبويه استعمل مثل ذلك في تلك العبارة فقال .. «من نفس الحروف». الكتاب (2/ 195). (¬3) انظره في أسرار العربية (ص 232)، والإنصاف (ص 341)، والشجري (2/ 103)، والمقتضب (4/ 242)، والنوادر (ص 165). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 401).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يتغير عن حاله لأنه قد عمل بعضه في بعض انتهى (¬1). ولكن الشيخ لم يتعرض إلى إجازة ابن سعدان من يا الأسد شدة ويا الخليفة جودا. وكان مقتضى التعليل الذي ذكره سيبويه أن يمنع ذلك لأنه اسم واحد كما أن الذي مع صلته اسم واحد. ولا شك أن مقتضى تعليل المصنف جواز المسألتين؛ لأن التقدير في الأولى: يا مقولا له الذي قام، وفي الثانية: يا مثل الأسد. ومنها: إن المصنف أطلق على تابع أي أنه وصف وكذا فعل سيبويه (¬2). ومن ثمّ قال ابن عمرون: إنما توصف أي بأسماء الأجناس وإن كان اسم الجنس مشتقّا فعلى حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه، لكنه قال: وإذا قلت: يا أيها الرجل، فأي منادى معرفة بالإشارة والقصد و «ها» مقحمة بين أي وصفتها، والرجل عطف بيان، ومن ذكر أنه وصف فتسامح. نص عليه ابن جني وغيره انتهى (¬3). وكذا قال ابن السيد: الظاهر أنه عطف بيان؛ لأنه ليس مشتقّا وما كان منه مشتقّا فيتأول بغير المشتق، وليست الصفة كذلك. وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في باب النعت (¬4) واتفقوا على أنه لا يكون بدلا لعدم استقلال أي بالنداء. ومنها: أن الشيخ قال مشيرا إلى البيت الذي هو: 3438 - أيّهذان كلا زادكما ... ......... وهذا الذي أنشده المصنف وغيره دليلا على أن أيا توصف باسم الإشارة وحده دون وصف بما فيه (ال) قد بنى عليه المصنف وابن عصفور جواز: يا أيهذا دون وصف (¬5) قال: وهو بيت في غاية الندور وينبغي ألّا تبنى عليه قاعدة، وأن يتأول على حذف الوصف ضرورة تقديره: أيهذان والمسموع من لسان العرب أن أيا إذا وصفت باسم الإشارة جاء بعدهما ذو «أل». قال الفرزدق (¬6): - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 197)، والكتاب (2/ 195) وما بعدها. (¬2) في الكتاب (2/ 106، 188) وما بعدها. (¬3) الأشموني (3/ 152)، والتذييل (4/ 198، 200). (¬4) انظر الباب المذكور في الجزء الثاني عشر. (¬5) التذييل (4/ 198، 199). (¬6) في الأصل طرفة، وما أثبتناه هو الصواب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3439 - ألا أيّهذا السّائلي عن أرومتي ... أجدّك لم تعرف فتبصره الفجرا (¬1) وقال آخر: 3440 - ألا أيّهذا المنزل الدّارس الّذي ... كأنّك لم يعهد بك الحيّ عاهد (¬2) قال: وقال شيخنا أبو الحسن ابن الضائع: شرط نعت أي باسم الإشارة أن يكون اسم الإشارة منعوتا بما فيه الألف واللام (¬3) انتهى. ويؤيد ما ذكره الشيخ في هذه المسألة أن ابن عمرون قال: وتوصف أي أيضا بأسماء الإشارة كقولك: يا أيهذا الرجل فذا صفة أي مثل الرجل في يا أيها الرجل، ولما كان اسم الإشارة مبهما شارك أيا فجاز جريه عليه صفة. والمراد صفة اسم الإشارة؛ لأن اسم الإشارة يوصف بما توصف به أي فقولهم: يا أيهذا الرجل كان اسم الإشارة توكيدا لأي. قال ابن جني: أصحابنا يستضعفون وصف أي في النداء بهذا، لأنها مبهمة ومحتاجة إلى الصفة، وهذا مبهم محتاج إلى موضح فلم يكن في القياس أن ينفي الإبهام بمعرف في الإبهام [4/ 190] لكنه لما كان هذا هنا موصوفا بما فيه الألف واللام صار الاعتماد على الصفة واستهلك هذا بينهما» (¬4) انتهى كلام ابن عمرون. وأنت إذا تأملت كلام ابن جني هذا علمت أنه كلام من وفق وسدد وأطلعه الله تعالى على خفايا الحكمة من اللغة العربية. ومنها: أن ابن عمرون لما تكلم في شرح المفصل على المنادى المبهم قال: الإبهام: الإغلاق، وأمر مبهم: لا مأتى له، وسمي هذا مبهما لاحتياجه إلى ما يفسره فهو كالمغلق والمبهم نوعان، أي اسم الإشارة وغيرهما من المبهمات الموصولات، وهي على ضربين منها ما لا يفتقر إلى أي كمن يقول: يا من لا يزال محسنا أحسن إليّ، وما كان فيه اللام من الموصولات فلا بد قبله من أي كقوله - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) من الطويل لذي الرمة ديوانه (ص 122)، والشجري (2/ 152)، وشرح المفصل (2/ 7)، والكتاب (1/ 308)، والمقتضب (4/ 219). (¬3) التذييل (4/ 199)، وشرح الجمل لابن الضائع لوحة (51، 52). (¬4) التذييل (4/ 198)، بغير نسبة لأحد إلا «وقال بعض أصحابنا»، والأشموني (3/ 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (¬1) وإنما اقتصروا من المبهم على أي واسم الإشارة؛ لأنه يقع وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام، والدليل على أن «أيا» وصلة لزوم ها وهو حرف تنبيه قبل الرجل، وذلك كاستئناف نداء وإعلام أنه لا يجوز الاقتصار على المنادى قبله وإذا لم يجز ذلك فيه كما جاز في سائر المنادى علم أنه أتى بأي وصلة إلى نداء غيرها. قال سيبويه: وأما الألف والهاء اللتان لحقتا أيّا توكيدا فكأنك كررت يا مرتين إذا قلت: يا أيها وصار الاسم بينهما (¬2). انتهى. وقد وقع القناع عن هذه المسألة بما ذكره، وزاد الجلاء بما ذكره عن إمام الصناعة سيبويه رحمه الله تعالى. ثم قال في شرح المفصل أيضا: وأي أشد إبهاما من أسماء الإشارة؛ لأنها لا تثنى ولا تجمع ولشدة إبهامها لزمها النعت بخلاف أسماء الإشارة، فإنها تكون وصلة تارة وأخرى غير وصلة. فإذا لم تكن وصلة لم يلزمها الوصف، قال: وأي بلفظ واحد مع الاثنين والجميع على المختار، أما مع المؤنثة الواحدة فالمختار يا أيتها المرأة بالتاء، انتهى. وقال الله تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (¬3) وقال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (¬4)، وكلام المصنف يعطي أن تأنيث أيّ لتأنيث صفتها واجب، وكلام ابن عمرون قد أفهم أنه مختار. ثم قال ابن عمرون: وما روي عن ابن عامر من ضمة الهاء (¬5) فوجهه أن هذا الحرف قد صار في موضع من المواضع بمنزلة ما هو من ذات الكلمة حتى دخل عليه العامل كقولك: مررت بهذا الرجل، وقالوا: هلم فبنوه مع لم، فلما أجري في أول الكلمة مجرى بعض الكلمة أجري في آخر الكلمة ذلك المجرى فحذفت الألف من أيها كما حذفت من هلم، وأجري الإعراب على الهاء لأنها قد صارت كحرف من الاسم - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 104 وغيرها من آي، وسور القرآن الكريم. (¬2) الكتاب (2/ 197). (¬3) سورة الرحمن: 31. (¬4) سورة النور: 31. (¬5) قرأ ابن عامر أيه المؤمنون السابقة، بضم الهاء، وكذلك «أيّه الساحر» في الزخرف: 49، وأيه الثقلان السابقة، راجع البحر (6/ 450)، وابن زنجلة (ص 497).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما حركة الياء قبلها بالضم في يا أيّه فإنها للإتباع كحركة راء امرئ. ومنها: أنك قد عرفت أن الأخفش يدعي موصولية أي. وقد عرفت ما ردّ به المصنف ذلك. ثم إن الزجاج رد ذلك من وجه آخر، وهو أنها لو كانت موصولة وما بعدها صلة لزم فيها النصب لخبر من زيد. قال: وإن أراد الأخفش أنه مثل الذي، فالصلة لا تكون بالمفردات في غير اللام، وإن جعله جملة احتاج إلى حذف مبتدأ لم يظهر قط، ولو قيل: يا أيها الرجل لكان عيّا (¬1) انتهى. وفي شرح الشيخ أن في الاسم الواقع بعد أي في النداء أربعة أقوال: صفة لأي على قول البصريين، وخبر لمبتدأ مقدر على قول الأخفش، وصفة لخبر مبتدأ محذوف على قول الكوفيين، ونعت لاسم إشارة إما ملفوظ به وإما محذوف نابت «ها» منابه (¬2). ومنها: أنك قد عرفت أن المازني يجيز نصب صفة أي، وأن الزجاج يقول: إن أحدا من النحويين قبله لم يجز ذلك ولا تابعه أحد بعده، وقد علل امتناع النصب بأمرين: أحدهما: أن النصب إنما هو بالحمل على الموضع ولا يكون إلّا بعد تمام الكلام والنداء لم يتم بيا أيها فلم يجز الحمل على موضعها. ثانيهما: أن المقصود بالنداء هو الرجل وإنما أتي بأي ليتوصّل بها إلى ندائه فجعلوا لفظه كلفظ المنادى المفرد؛ إذ هو في التقدير المنادى. وقد نبه ابن الحاجب على هذين الأمرين بأخصر عبارة وألطف إشارة؛ حيث قال بعد يا أيها الرجل ويا هذا الرجل ويا أيهذا الرجل: والتزموا رفع الرجل؛ لأنه المقصود، وتوابعه؛ لأنها توابع معرب (¬3). وعلى هذا الذي قرره ابن الحاجب ينبني الحكم في الوصف إذا كرّر في هذه المسألة. فإنك إن جعلته وصفا لوصف، أي فالرفع إن كان الوصف مضافا تقول: - ¬

_ (¬1) معاني القرآن وإعرابه (1/ 211)، والتذييل (4/ 200). (¬2) التذييل (4/ 200). (¬3) الكافية لابن الحاجب (ص 91) تحقيق: طارق نجم عبد الله (مكتبة دار الوفاء جدة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يا أيها الرجل الطويل. ويا أيها الرجل ذو الجمّة؛ لأن المتبوع الذي هو نعت أيّ معرب وليس له محل يتبع عليه، فوجب إعراب تابعه مفردا كان أو مضافا بإعرابه. وإن جعلت الوصف الثاني صفة لأي، فإن كان مضافا فالنصب، تقول: يا أيها الرجل ذا الجمّة، والظاهر أن الموجب لذلك ما ذكر في وجوب رفع الأول، وهو أنه المقصود بالنداء، ولا شك أن المنادى المضاف واجب النصب. لكن قال الشيخ: إن النصب فيه على الموضع، ولم يتجه لي ذلك؛ لأنه لو جاز مراعاة الموضع بالنسبة إلى الثاني لجاز مراعاته بالنسبة إلى الأول. وإن كان الوصف مفردا فالظاهر وجوب الرفع حملا على لفظ أي. لكن الشيخ ذكر أن النصب جائز حملا على موضع أي (¬1) ولم يظهر لي وجه ذلك، وكيف يكون لأيّ موضع بالنسبة إلى الوصف الثاني ولا يكون لها موضع بالنسبة إلى الوصف الأول. إلّا أن يقال: لما تم الكلام بذكر الوصف الأول أمكن مراعاة الموضع لأن الموضوع إنما يراعى بعد تمام الكلام كما تقدم. وفي ذلك نظر، لأن أيّا إنما أتي بها وصلة [4/ 191] لنداء ما بعدها فصورتها صورة المنادى، وليست بمناداة، وإذا لم تكن مناداة فكيف يتحقق لها موضع ثم قال الشيخ: وذكر ابن أصبع أن جواز النصب في الصفة المكررة باتفاق من النحويين. قال: ويعني إذا كانت الصفة محمولة على أي على موضعها، وإذا كانت غير مضافة فإنها إن تنعت الصفة الأولى رفعت وصفا لها، وإن كانت مضافة نصبت (¬2). ومنها: أن المصنف قال مشيرا إلى أي في نحو: يا أيها الرجل: ولا يستغني عن الصفة المذكورة ولا يتبعها غيرها. والظاهر أن هذا الذي قاله لا حاجة إليه، بل لا فائدة له، وذلك أن أيا إنما أتى بها وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام الجنسيّتان فهي لا تفرد بالنداء حتى يقال: إنها لا تستغني عن الصفة. ثم إنها إذا لم تؤنث بهاء إلّا لأجل نداء ما فيه «أل» الجنسية وحينئذ تكون أل ما فيه صفة لها، فكيف يوصف بغيره، وما برحت أعجب من قوله في الألفية: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 200). (¬2) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأيّها مصحوب «ال» بعد صفة ... يلزم ذا الرفع لدى ذي المعرفة وأيّهذا أيّها الّذي ورد ... ووصف أي بسوى هذا يرد حيث قال بلزوم الوصف لها وإنها لا توصف بغير ذلك. ثم قال الشيخ: ويعني المصنف بذلك من الصفات التي لم تتكرر فإن تكررت الصفة فقد ذكرنا أنها يجوز أن تكون مضافة. قال: ولا يعني المصنف: ولا يتبعها غيرها من التوابع؛ لجواز يا أيها الرجل وزيد أقبلا (¬1). انتهى. وقد يقال ما ذكر الشيخ من جواز العطف يشكل بقول المصنف في الشرح مشيرا إلى ما يخالف اسم الإشارة فيه أيّا ويخالفها بجواز استغنائه عن الوصف، ويجوز أن يتبع بغير وصف. فإن مقتضاه أن أيّا في النداء لا يتبع إلّا بوصف. وقد تعرض الشيخ بعيد كلامه الأول إلى هذا الذي أشرت إليه، فقال: إن قول المصنف: ويجوز أن يتبع بغير وصف دليل على أن أيّا لا يتبع إلّا بوصف. قال: فيكون قوله: ولا يتبعها غيرها يعني من التوابع. فتكون أي لا يعطف عليها عطف نسق ولا بيان ولا يبدل منها ولا تؤكد، ويكون اسم الإشارة يجوز فيه هذا إذا لم يكن وصلة لنداء ما فيه «ال» قال: والذي تقتضيه القواعد وإطلاق النحاة أنه يجوز ذلك في أي، أعني أن يعطف عليها عطف بيان، وعطف نسق، وتؤكد ويبدل منها كاسم الإشارة وذلك بعد وصفها بأحد أوصافها الثلاثة (¬2). ومنها: أن الشيخ ناقش المصنف في قوله: واسم الإشارة في وصفه بما لا يستغنى عنه كأي. فيقال: لا يصح هذا الإطلاق، لأن أيّا توصف باسم الجنس ذي «أل» والموصول ذي «ال»، واسم الإشارة، واسم الإشارة يوصف بالأولين لا باسم الإشارة. والجواب أن اسم الإشارة لا يوصف بمثله، ولما كان ذلك مما لا يخفى استغنى المصنف عن التقييد. وقد أنشد الشيخ في شرحه شاهدا على جريان اسم الإشارة في النداء مجرى أي قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 201). (¬2) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3441 - يا ذا المخوّفنا بمقتل شيخه ... حجر تمنّي صاحب الأحلام (¬1) وقول الآخر: 3442 - يا ذا المخوّفنا بقت ... لـ أبيه إذلالا وحينا (¬2) ومنها: أن ابن عمرون قال: تقول يا هذا ذا الجمّة فيعرب التابع بدلا لأن اسم الإشارة لا يوصف بالمضاف. قال: ومنع بعضهم أن يكون ذا الجمة عطفا. قال: فإنه يكون بالجوامد وهذا بمعنى المشتق. قال ابن عمرون: وليس ما شرط بلازم لأن ابن السراج قال في يا هذا الطويل: ليس بنعت ولكنه عطف عليه وهو الذي يسمى عطف البيان؛ لأن هذا وسائر المبهمات إنما يبين بالأجناس (¬3). ومنها: أنك قد عرفت أن الميم في قولنا: اللهم عوض عن ياء: قال ابن عمرون: والتزموا حذف حرف النداء في اللهم لوقوع الميم خلفا عنه والضمة في الهاء هي ضمة المنادى والدليل على إرادة العرب العوض أنهم لا يجمعون بين الميم وما في غير ضرورة خلافا للكوفيين فإنهم يزعمون أن الميم ليست عوضا وأصله عندهم يا الله أمنا بخير غير أنه كثر على ألسنتهم فخففوه. قال: ولو كان الأمر كما زعموا لما حسن: اللهم أمنا بخير لأنه تكرار، ولا اللهم العن الكافر لأنه يكون تقديره: اللهم أمنا بخير العن الكافر، وهذا لا يحسن ولو كانت الميم من أمنا لما احتاج الشرط إلى جواب في قوله تعالى: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ (¬4)؛ لأن الفعل حينئذ يكون الجواب وهو أمنا قال: واختلف في وصفه، فمنعه سيبويه (¬5) وأجازه الفراء والمبرد مستدلّين بقوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (¬6) والأصح ما ذهب إليه سيبويه لأن المنادى أشبه الضمير، والضمير لا يوصف؛ ولذا قيل: إن وصف المنادى على خلاف الدليل وانضمّ إلى ذلك في اللهم - ¬

_ (¬1) من الكامل لعبيد بن الأبرص مخاطبا امرأ القيس ديوانه (ص 130)، والشجري (2/ 320)، والكتاب (1/ 306)، هذا والبيت في التذييل (4/ 201). (¬2) من الكامل وانظره - كذلك - في التذييل (4/ 198). (¬3) الأصول (1/ 368). (¬4) سورة الأنفال: 32. (¬5) الكتاب (2/ 196، 197). (¬6) سورة الزمر: 46، انظر في ذلك المقتضب (4/ 239)، والأشموني (3/ 146، 147)، والهمع (1/ 179).

[تابع المنادى وأحكامه]

[تابع المنادى وأحكامه] قال ابن مالك: فصل (لتابع غير «أيّ» واسم الإشارة من منادى كمرفوع إن كان غير مضاف الرفع والنصب، ما لم يكن بدلا أو منسوقا عاريا من «أل»، فلهما تابعين ما لهما مناديين خلافا للمازني والكوفيين في نحو: يا زيد وعمرا. ورفع المنسوق المقرون بـ «أل» راجح عند الخليل وسيبويه والمازنيّ ومرجوح عند أبي عمرو ويونس وعيسى والجرمي والمبرد في نحو: الحارث كالخليل، وفي نحو: الرّجل كأبي عمرو. وإن أضيف تابع المنادى وجب نصبه مطلقا، ما لم يكن كالحسن الوجه، فله ما للحسن. ويمنع رفع النّعت [4/ 192] في نحو: يا زيد صاحبنا خلافا لابن الأنباري، وتابع المنادى محمول على اللّفظ). ـــــــــــــــــــــــــــــ تركبه مع الحرف والحرف لا يوصف. فلما اجتمع الوصفان في اللهم امتنع وصفه، والآية الشريفة محمولة على أن تقديره - والله أعلم - يا فاطر السموات والأرض. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قد تقدم الكلام على إتباع أي واسم الإشارة فلذلك استثنيتهما الآن. وقد تقدم أيضا أن نداء المفرد المعرفة يحدث فيه بناء على ضمة ظاهرة أو مقدرة أو على ألف أو على واو. فهو بذلك كمرفوع؛ فلذلك قلت: الآن من منادى كمرفوع فعممت بالتابع النعت والتوكيد وعطف البيان والبدل والمعطوف عطف النسق، ثم استثنيت البدل كلّه والمنسوق العاري من أل، وبينت أن لهما في التابعية ما لهما في حال الاستقلال بالنداء فيقال فيهما: يا غلام زيد ويا بشر وعمرو. فتبني زيدا في بدليته وعمرا في عطفه كما كنت تبنيهما لو ناديتهما. وكذا يفعل بهما بعد المنصوب. وإنما توخى ذلك لأنه نوى قبل كل واحد منهما حرف نداء معاد فإن العامل قد يعاد مع كل واحد منهما توكيدا دون غيرهما؛ ولذلك لما كان المعطوف المقرون بـ «أل» لا يصلح أن ينوى قبله حرف نداء أجيز فيه ما أجيز في التوكيد والنعت وعطف البيان من الرفع والنصب، فلو كان متبوع شيء منها مضافا لزم التوافق في النصب. قال سيبويه (¬2): «قلت - يعني للخليل - أرأيت قول العرب: يا أخانا زيدا. - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 401). (¬2) الكتاب (2/ 184، 185).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: عطفوه على هذا المنصوب فصار مثله وهو الأصل. وقد قال قوم: يا أخانا زيد، وهو قول أهل المدينة هذا بمنزلة قولنا: يا زيد كما كان قوله: يا زيد أخانا بمنزلة يا أخانا، ويا أخانا زيدا أكثر في كلام العرب. وأجاز المازني والكوفيون (¬1) إجراء المنسوق العاري من «ال» مجرى المقرون بهما فيقولون: يا زيد وعمرو، وعمرا، كما يقال بإجماع يا زيد والحارث (والحارث) وما رواه غير بعيد من الصحة إذا لم تنو إعادة حرف النداء، فإن المتكلم قد يقصد إيقاع نداء واحد على الاسمين كما يقصد تشريكهما في عامل واحد نحو: حسبت زيدا وعمرا حاضرين وكأنّ معدا وخالدا أسدان. ويجوز عندي أن يعتبر في البدل حالان. حال يجعل فيها كمستقل وهو الكثير كقولي في ما تقدم: يا غلام زيد، وحال يعطى فيها الرفع والنصب لشبهه فيها بالتوكيد والنعت وعطف البيان وعطف النسق المقرون بـ «ال» في عدم الصلاحية لتقدير حرف نداء قبله نحو: يا تميم الرجال والنساء وصحة هذه المسألة مرتبة على أن العامل في البدل هو العامل في المبدل منه، وقد بينت ذلك في باب البدل بأكمل تبيين. ولغير البدل والمنسوق العاري من «ال» إذا كان مفردا وتبع منادى كمرفوع الرفع حملا على اللفظ والنصب حملا على الموضع فيقال في النعت: يا زيد الظريف والظريف، وفي التوكيد: يا تميم أجمعون وأجمعين، وفي عطف البيان: يا غلام بشر وبشرا، وفي عطف المقرون بـ «ال» يا زيد والنضر والنضر، ورفع المقرون بـ «ال» أجود من نصبه عند الخليل وسيبويه والمازني (¬2)، ونصبه أجود من رفعه عند أبي عمرو ويونس وعيسى بن عمر وأبي عمر الجرمي (¬3). وفرّق المبرد بين ما أثرت الألف واللام فيه كالرجل وبين ما لم تؤثر فيه كالحارث (¬4) فيرجح النصب على الرفع في نحو: الرجل لشبهه بالمضاف في تأثيره - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (3/ 149)، وشرح الكافية للرضي (1/ 138)، والمازني وأثره (ص 321) وما بعدها، والمقتضب (4/ 212). (¬2) الكتاب (2/ 186، 187)، والأشموني (3/ 149). (¬3) انظر في رأي هؤلاء، الكتاب (2/ 185)، والأشموني (3/ 149)، والتصريح (2/ 176). (¬4) المقتضب (4/ 239) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بما اتصل به، ويرجح الرفع على النصب في نحو: الحارث لشبهه بالمجرد في عدم التأثر ويجب نصب التابع المضاف، منصوبا كان متبوعه أو غير منصوب ما لم تكن إضافته لفظية مع اقترانه بالألف واللام نحو: يا زيد الحسن الوجه فيجوز فيه الرفع والنصب كما يجوز أن فيه لو لم يضف لأن إضافته في نية الانفصال؛ ولذلك لم يمنع من وجود الألف واللام. وأجاز أبو بكر ابن الأنباري (¬1) أن يرفع نعت المنادى المضموم إذا كان مضافا نحو: يا زيد صاحبنا (¬2)، وهو غير جائز لاستلزامه تفضيل فرع على أصل، وذلك أن المضاف لو كان منادى لم يكن بدّ من نصبه فلو جوز رفع نعته مضافا لزم إعطاء المضاف في التبعية تفضيلا على المضاف في الاستقلال. قال سيبويه: قلت - يعني للخليل - أفرأيت قول العرب كلهم: 3443 - أزيد أخا ورقاء [إن كنت ثائرا ... فقد عرضت أحناء حقّ فخاصم] (¬3) لأي شيء لم يجز فيه الرفع كما جاز في الطويل. قال: لأن المنادى إذا وصف بالمضاف فهو بمنزلة ما إذا كان في موضعه (¬4)، قلت: فقد تضمن قول سيبويه أن أخا ورقاء منصوب عند العرب كلهم وأنه لم يجز فيه الرفع. وإذا نعت المنادى لم يكن بدّ من الحمل على اللفظ نحو: يا زيد الطويل الجسيم إن جعلت الجسيم نعتا للطويل تعين رفعه ولو كان مضافا، وإن جعلته نعتا لزيد جاز رفعه ونصبه لأن لزيد محلّا من الإعراب يخالف لفظه وليس للطويل محل يخالف لفظه، انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬5). وهو كلام حسن لطيف مختصر واف بالمراد، ولكن أشكل عليّ ما ذكره عن سيبويه وهو قوله: وقد قال قوم: يا أخانا زيد وهو قول أهل المدينة ... ووجه الإشكال أنه قال قبل ذلك في يا أخانا زيدا: عطفوه - يعني زيدا - على هذا - ¬

_ (¬1) أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري النحوي اللغوي، أخذ عن ثعلب، له «الأضداد» و «الكافي في النحو» ت 327 هـ - تذكرة الحفاظ (3/ 57)، وغاية النهاية (2/ 230)، ووفيات الأعيان (1/ 503). (¬2) الأشموني (3/ 148)، والتصريح (2/ 174). (¬3) تقدم ذكره. (¬4) الكتاب (2/ 183، 184). (¬5) شرح التسهيل (3/ 403).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المنصوب. فقوله بعد هذا: وقد قال قوم: يا أخانا زيد يقتضي كون زيد معطوفا. ولا شك أن العطف المذكور إنما هو عطف بيان، والمعطوف بيانا ليس فيه إلّا الرفع والنصب إن كان متبوعه مبنيّا وليس فيه إلّا النصب إن كان متبوعه معربا، والذي يظهر في يا أخانا زيد أن زيدا بدل، لكن قد يقال: لو كان بدلا لم يحتج سيبويه إلى أن يقول فيه: وهو قول أهل المدينة؛ لأن البدل [4/ 193] في مثل ذلك جائز لا يختص بلغة قوم دون قوم. ثم إن الشيخ قال (¬1): في كلام المصنف تقصير في التابع؛ لأنه قال أولا: إن كان غير مضاف [وثانيا] وإن أضيف ... فأهمل ذكر التابع المطول بغير الإضافة .. وكذلك أيضا أهمل حكم تابع المنادى المضاف. وأقول: أما قوله: إنه أهمل حكم تابع المنادى المضاف فعجيب؛ لأن المنادى المضاف معرب والمصنف إنما يتكلم في توابع المنادى المبني؛ لأن المبنى له محل فيحتاج إلى أن ينبه على أن تابعه قد يراعى في تبعيته المحل كما يراعى فيها اللفظ المعرب لا محل له فلا يخفى أن توابعه إنما تتبع على اللفظ خاصة. لا يقال: فعلى هذا يرد عليه البدل وعطف النسق؛ لأنهما إذا كانا مفردين كانا مبنيين وإن كان متبوعهما معربا نحو: يا عبد الله بشر ويا عبد الله وبشر؛ لأنا نقول: قد أفهم قوله: فلهما تابعين ما لهما مناديين حيث أطلق التبعية ولم يقيدها بمتبوع دون متبوع؛ لأن لهما حكم الاستقلال سواء أكان متبوعهما مبنيّا أم معربا. وأما قوله: أنه أهمل ذكر التابع المطول بغير الإضافة فلا شك أنا قد علمنا عند ذكر أقسام المنادى أن المطول حكمه حكم المضاف، وإذا كان كذلك كان في ذكر المضاف غنية عن ذكره. وبعد أن ذكر الشيخ ما ذكره شرع في ذكر تقسيم يتضمن أقسام التوابع وتبعيتها للمنادى المبني وللمنادى المعرب، وأطال في ذلك (¬2)، وكأنه تبع ابن عصفور في ما ذكره في شرح الإيضاح. وقد رأيت الاكتفاء بما ذكره المصنف قائلا: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (4/ 206). (¬2) ينظر التذييل (4/ 206) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3444 - في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل ... ........ والناظر إذا وقف على كلام كلّ من الرجلين تحقق ما قلته. لكن ابن عمرون في كلامه الإشارة إلى ثلاثة أمور: الأول: أنه استدرك على النحاة لما ذكروا أن حكم المعطوف نسقا والبدل الاستقلال، فقال: ينبغي أن يزاد عليهما التوكيد اللفظي نحو: يا زيد، فإن التابع مبني كالمتبوع كما يفعل في البدل وعطف النسق إذا كانا مفردين، ثم اعتذر عنهم فقال: إنهم لم يقصدوا بالتوكيد حين ذكروا أنه يتبع لفظا ومحلّا إلا التوكيد المعنوي. أما اللفظي فقد علم أن حكمه حكم الأول. قال: ولو استثنى لكان أنفى للبس. وقيل: لا يجوز التوكيد اللفظي في النداء؛ لأن النداء لا تساهل فيه إنما يجري اللفظي في الإخبار وقال: وهو باطل بقول سيبويه في يا تيم تيم عدي أنه توكيد وهو لفظي (¬1). الثاني: أنه نبه على العلة المقتضية أن التابع المضاف إذا كان فيه اللام حكمه حكم التابع المفرد في جواز الوجهين نحو: يا زيد الحسن الوجه، فقال: لأن الإضافة فيه كالإفراد لكونها غير محضة، ولأن اللام فيه يمنع إيلاءه حرف النداء فلا يقال فيه ما قيل في غيره من التوابع المضافة فلو حذفت من الحسن وناديت فقلت: يا حسن الوجه لم يكن إلّا منصوبا للطول. فالطول أوجب نصبه إذا كان منادى ولا يوجب نصبه إذا كان تابعا فمنع ندائه إذا كان باللام أوجب له حكم المفرد في الصفة. نبه عليه سيبويه (¬2)، انتهى كلامه. فكأن العلة في جواز الوجهين فيه تابعا مجموع أمرين، وهما: كون إضافته غير محضة مع أنه لا يصح إيلاؤه «يا» فجرى مجرى المفرد بخلاف: يا حسن الوجه، فإنه وإن كانت إضافته غير محضة لكن يحسن إيلاؤه «يا» فلزم نصبه منادى كان أو صفة. الثالث: أنه ذكر عن المبرد كلاما حسنا وربما يتعلق بالأمر الثاني الذي ذكرناه فقال: ذكر - يعني المبرد - في «المسائل المشروحة» من كتاب سيبويه قوله: يا زيد - ¬

_ (¬1) وذلك لأنهم قد علموا أنهم لو لم يكرروا الاسم كان الأول نصبا فلما كرروا الاسم توكيدا تركوا الأول على الذي كان يكون عليه لو لم يكرروا قاله في الكتاب (2/ 205). (¬2) ينظر الكتاب (2/ 184، 195، 199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحسن الوجه، ويا ذا الضامر العنس يعني من قول الراجز: 3445 - يا صاح يا ذا الضّامر العنس ... والرّحل والأقتاب والحلس (¬1) قال: فزعم أنه مفرد وإن كان مضافا في اللفظ؛ لأن معناه الحسن وجهه، ولا ينصبه إلّا من جهة ما ينصب الظريف إذا قلت: يا زيد الظريف، وكذلك يا هؤلاء العشرون رجلا وليس هذا كقولك: يا زيد أخا عمرو؛ لأن هذا مضاف قبل، فإذا قلت: يا حسن الوجه فلم نصبته وهو مفرد وقد قال سيبويه: «والدليل أنه مفرد أنك لا تناديه على جهة ما تصف به» (¬2)، ولم يتبع هذا تفسيرا يبيّن قصده. فقلنا في إيضاح ذلك: إن تفسير قول سيبويه إنما هو أن دعاءك إياه يجعله معرفة بالإشارة ويذهب عنه تعريف الألف واللام كما فعلت في يا رجل، وإنما نصبته ولم تجعله مضموما لطوله، لا لأنه مضاف؛ لأنه معرفة بنفسه، لا بما بعده وإن كان في اللفظ مضافا. واعلم أن الأئمة ذكروا أن المبني إنما يتبع على محله ولا يتبع على لفظه إلّا في بابين وهما باب لا النافية وباب المنادى لكن بين البابين فرق، وهو أن التابع للمبني في باب لا إذا لم ينون محكوم ببنائه، والتابع للمبني في باب المنادى محكوم بإعرابه. قال ابن عمرون: وإنما خالف باب لا جميع المواضع؛ لأن النكرة تختص بالصفة ونفي المختص غير نفي غير المختص فلذا جعل فيه الصفة والموصوف شيئا واحدا فصار اكتفى رجل بالنسبة إلى إنسان، وليس كذلك صفة المعرفة لأنها للتوضيح فافترقا. وأما كون تابع المنادى محكوما بإعرابه، فقد قال ابن عمرون: والحمل على لفظ المنادى من المواضع العجيبة وهي حمل المعرب على المبني في الحركة والمعرب يفتقر إلى عامل، وذا في غاية الإشكال. قال: وقد تصدى سيبويه لسؤال الخليل - رحمهما الله تعالى - عن هذا الموضع فقال: على أي شيء هو إذا قال [4/ 194] يا زيد الطويل. قال: هو صفة لمرفوع. قلت: ألست قد زعمت أن هذا المرفوع في موضع نصب فلم لا يكون كقولك: لقيته أمس الأحدث قال من - ¬

_ (¬1) لخالد بن المهاجر، أو ابن لوذان السدوسي - الخزانة (1/ 329)، والخصائص (3/ 302)، والشجري (2/ 32، 322)، وشرح المفصل (2/ 8)، والكتاب (1/ 306)، هذا والبيت في المقتضب (4/ 223). (¬2) الكتاب (2/ 192).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل أن كل اسم مفرد في النداء يكون مرفوعا أبدا، وليس كل اسم يكون في موضع أمس يكون مجرورا فلما اطرد الرفع في كل موضع في النداء صار عندهم بمنزلة ما يرتفع بالابتداء أو بالفعل فجعلوا وصفه إذا كان مفردا بمنزلته. قلت: أرأيت قول العرب كلهم: أزيد أخا ورقاء لم يجز فيه إلّا الرفع كما جاز في الطويل. قال: لأن المنادى إذا وصف بالمضاف فهو بمنزلته إذا كان في موضعه (¬1) انتهى كلام هذين الإمامين. ولله در القائل: لأمر ما يسوّد من يسود (¬2). ثم قال ابن عمرون: ولإشكال هذا الموضع قال أبو الحسن: إن العامل في الصفة كونها صفة؛ لأن حركة المتبوع هنا ليست عن عامل فلو كان العامل في الصفة العامل في الموصوف لبقي إعراب الصفة لا عامل له لكن العامل عنده معنوي، وهو كونها صفة حتى لا يعرّى المعرب عن عامل. قال ابن عمرون: والجواب عن ذلك ما أشار إليه الخليل إذ ضمة المنادى تشبه حركة الإعراب لاطرادها في كل منادى قال: ولكونها تشبه حركة الإعراب جاز للمضطر في الشعر تنوين ما هي فيه نحو: يا زيد. ثم قال ابن عمرون: وإذ قد عرفت ما ذكره الخليل من أن المنادى يشبه المعرب فاعلم أنا [نزيد] على ذلك فنقول: ومعه ما يشبه العامل. قال: وبهذه الزيادة يفارق من المبنيات ما حركته تشبه حركة الإعراب نحو: الماضي فإن حركته تشبه حركة الإعراب بدليل أن هاء السكت لا تلحقه، ولو قلت: إن قام ويقعد زيد أكرمك لم تتبع يقعد حركة ميم قام لما لم يكن معه ما يشبه العامل. قال: ولشبه حركة المنادى بالرفع جاز إتباعها، وإن لم تكن موجودة في اللفظ وأتبع محلها دون سائر المبنيات. ألا ترى أنك تقول: يا هذا الطويل فيتبع الطويل لفظ هذا وإن لم تظهر صحته لكنه لما أشبه المعرب جاز تقديرها كما تقدر حركة المعرب. قال: وأما الإتباع على المحل فلا إشكال فيه؛ لأن كل مبني تابعه يحمل على موضعه من الإعراب. انتهى. وأما قول المصنف: وتابع نعت المنادى محمول على اللفظ، فقد تقدم الكلام - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 183، 184). (¬2) عجز بيت تقدم وصدره: [عزمت على إقامة ذي صباح]، وهو مثل من أمثال العرب - مجمع الأمثال (2/ 130)، والكفاية في علم الإعراب (93).

[الضمير مع تابع المنادى]

[الضمير مع تابع المنادى] قال ابن مالك: (وإن كان مع تابع المنادى ضمير جيء به دالّا على الغيبة باعتبار الأصل، وعلى الحضور باعتبار الحال، والثّاني في نحو: يا زيد زيد، مضموم، أو مرفوع أو منصوب، والأول في نحو: يا تيم تيم عدي مضموم أو منصوب، والثّاني: منصوب لا غير). ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه، ومثال المضاف قولك: يا زيد الطويل ذو الجمة. وإنما كان تابع نعت المنادى محمولا على اللفظ؛ لأنه معرب والمعرب لا محل له. وهذا كما قيل في توابع نعت أي أنها يكثر فيها الرفع؛ لأنها توابع معرب مرفوع. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): تقول: يا زيد نفسك ونفسه، ويا تميم كلكم، وكلهم فتجيء بضمير يشعر بالحضور الذي تحدد بالنداء، كأنك قلت: أدعوك نفسك وأناديكم كلكم. وتجيء بضمير يشعر بالغيبة التي كانت قبل عروض النداء كأنك قلت: أدعو زيدا نفسه وأنادي تميما كلهم. وإذا كررت منادى مفردا نحو: يا زيد زيد فلك أن تضم الثاني وأن ترفعه وأن تنصبه، فالضم على تقدير: يا زيد يا زيد، ثم حذف حرف النداء وبقي المنادى على ما كان عليه والرفع على أنه عطف بيان على اللفظ، والنصب على أنه عطف بيان على الموضع. وأن يكون يا زيد زيد على نداءين هو رأي سيبويه، فإنه قال: وتقول: يا زيد زيد الطويل وهو قول أبي عمرو، وزعم يونس أن رؤبة كان يقول: يا زيد زيدا الطويل. فأما قول أبي عمرو فعلى قولك: يا زيد الطويل (¬2)، فصرح بأنه على نداءين مؤكدا أولهما بثانيهما توكيدا لفظيّا. وأكثر النحويين يجعلون الثاني في نحو: يا زيد زيد بدلا، وذلك عندي غير صحيح؛ لأن حق البدل أن يغاير المبدل منه بوجه ما؛ إذ لا معنى لإبدال الشيء من نفسه. ولذلك قال ابن جني بعد ذكر قراءة يعقوب كل أمة تدعى (¬3) بالنصب بدل - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 403). (¬2) الكتاب (2/ 185)، وبعده فيه «وتفسيره كتفسيره». (¬3) سورة الجاثية: 28، وسبقت هذه القراءة وتحقيقها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً (¬1) وجاز إبدال الثانية من الأولى لما في الثانية من الإيضاح الذي ليس في الأولى لأن جثوّها ليس فيه شيء من شرح حال الجثوّ، والثانية فيها ذكر السبب الداعي إلى جثوّها وهو دعاؤها إلى ما في كتابها فهي أشرح من الأولى. فلذلك أفاد إبدالها منها (¬2). فصرح بما يقتضي أن الثاني من نحو: يا زيد يا زيد لا يكون بدلا إلا بضميم يصير به كالمغاير نحو: أن يقال: يا زيد زيد الطويل. على أن اختيار سيبويه في يا زيد زيد الطويل مع وجدان الضميم التوكيد لا الإبدال، فإذا لم يوجد ضميم قوي راعى التوكيد ولم يعدل عنه (¬3) وروى قول رؤبة: 3446 - إنّى وأسطار سطرن سطرا ... لقائل يا نصر نصر نصرا (¬4) بضم الثاني دون تنوين، وبضمه وتنوينه ونصبه (¬5) فالضم دون تنوين على أنه منادى ثان كما ذكرت، والضم مع التنوين على أنه عطف بيان على اللفظ، والنصب على أنه عطف بيان على الموضع. وإذا كررت منادى مضافا وكررت المضاف إليه فلا إشكال نحو: يا تيم عدي تيم عديّ فهذا توكيد محض، وإذا كررت المضاف وحده فلك أن تضم الأول على أنه منادى مفرد وتنصب الثاني على أنه منادى مضاف مستأنف أو منصوب بإضمار «أعني». أو على أنه توكيد، أو عطف بيان، أو بدل، ولك أن تنصب الأول على نية الإضافة إلى مثل ما أضيف [4/ 195] إليه الثاني وتجعل الثاني توكيدا، أو عطفا، أو بدلا، ولك أن تجعل الأول والثاني اسما واحدا بالتركيب كما فعل في نحو: ألا [ماء ماء] باردا وكما فعل بالموصوف والصفة في نحو: يا زيد بن عمرو وفي نحو: لا رجل ظريف فيها. ولك أن تنوي إضافة الأول إلى [ما] بعد الثاني، وتجعل الثاني مقحما، وهو مذهب سيبويه (¬6). انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬7). - ¬

_ (¬1) سورة الجاثية: 28. (¬2) انظر - في ذلك - المحتسب (2/ 262، 263)، المغنى (ص 456). (¬3) الكتاب (2/ 186). (¬4) بيتان من الرجز المشطور لرؤبة (ملحق ديوانه 174) وأشطار: جار ومجرور مقسم به وقائل خبر إن والبيتان في شرح المفصل (2/ 3)، والمقتضب (4/ 209)، واللسان (سطر). (¬5) انظر: الخصائص (1/ 340)، والشذور (ص 437)، والكتاب (1/ 304)، والمغني (2/ 434، 442، 510)، والمقتضب (3/ 209)، والهمع (2/ 121). (¬6) الكتاب (2/ 205) وما بعدها. (¬7) شرح التسهيل (3/ 405).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويتعلق به أمور: الأول: المنقول عن الأخفش أنه لا يجوز يا زيد نفسك ويا تميم كلكم على الخطاب معللا ذلك بأن المنادى في المثالين المذكورين اسم ظاهر وليس بموضوع للخطاب قال: فأما قول العرب يا تميم كلكم بالرفع فعلى الابتداء كأنه قال: كلكم مدعو، وإن نصب فهو على تقدير كلكم دعوت (¬1). ولا يخفى ضعف هذا القول، ولهذا لم يعول عليه ولم يذكره المصنف. بل قد قال ابن عمرون: قيل رد الضمير بلفظ الخطاب أولى اعتبارا بالمعنى. قال: فإن قيل يلزم أن يكون أنت الذي فعلت أولى من أنت الذي فعل، والأمر بخلافه. فالجواب: أن الذي فعل جزء مستقل وأنت جزء مستقل بخلاف التأكيد فهو والمؤكد كجزء واحد. الثاني: أن المصنف كما عرفت جعل نصرا الثاني في البيت الذي أنشده عطف بيان إذا ضم ونون. ولا يظهر ذلك، لأن عطف البيان المقصود منه إيضاح متبوعه، ومن ثم اشترط أكثرهم أن يكون المتبوع دونه في الشهرة، ولا شك أن إعادة الأول بلفظه لا إيضاح فيها ولو جعل المصنف نصرا الثاني حال ضمه وتنوينه توكيدا لفظيّا كان أولى، بل يظهر أن جعله توكيدا يتعيّن، والمخالفة بينهما بالتنوين وعدمه لا يمنع كما أن مخالفة الصيغة في قوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (¬2) لم تمنع كون «أمهل» توكيدا «لمهّل». الثالث: أن الشيخ ذكر أن على المصنف تعقبات وذلك في قوله في الشرح: وإذا ذكرت منادى مضافا إلى قوله وهو مذهب سيبويه، وذكر أن التعقبات في المتن، والشرح قال: التعقب الأول: أنه مثل في المتن باسمين علمين وهو قوله: يا تيم تيم عدي، فتيم اسم علم لكنه عرض فيه الاشتراك فحسن فيه الإضافة وهو قطعة من بيت للعرب وهو: - ¬

_ (¬1) ارتشاف الضرب (3/ 130). (¬2) سورة الطارق: 17.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3447 - يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم ... لا يلفينّكم في سوءة عمر (¬1) وقال آخر: 3448 - يا زيد زيد اليعملات الذّبّل ... تطاول اللّيل عليك فأنزل (¬2) وقال في الشرح: وإذا كررت المضاف وحده، وقبله: وإذا كررت منادى مضافا فاقتضى ذلك أن يكون المكرر منادى مضافا وهو أعم من أن يكونا علمين وغير علمين. وهذا إذا لم يكونا علمين فيه خلاف ولا يخلو أن يكونا اسمي جنس، أو صفة. فإن كانا اسمي جنس نحو: يا رجل رجل القوم، ويا رجل رجلنا فاختلفوا في جواز نصب الأول. فأجازه البصريون، ومنعه الكوفيون. ولم يختلف الجميع في جواز ضمه، وإن كانا صفتين نحو: يا صاحب صاحب زيد، ويا صاحب صاحبنا فاختلفوا في كيفية نصب الأول. فذهب البصريون إلى أنه ينصب بغير تنوين كحاله إذا كانا علمين. وذهب الكوفيون إلى أنه لا ينصب إلا منونا فتقول: يا صاحبا صاحب زيد، ولم يختلف الجميع في جواز ضمه من غير تنوين. وفي بعض مسائل العلمين خلاف أيضا وذلك مسطور في مسألة: يا زيد زيدنا، فذهب سيبويه وعامة النحويين إلى جواز رفع الأول وأحال ذلك الكسائي والفراء (¬3)، ولا خلاف في جواز الرفع والنصب في الاسم الأول من قولك: يا زيد زيد عمرو. التعقب الثاني: أنه لما ذكر أن الأول مضموم أو منصوب لم يذكر أيهما أولى. قال: والضم هو الوجه، والأكثر في كلامهم. التعقب الثالث: وهو أنه ذكر في إعراب الاسم الثاني إذا ضم الأول وجوها. أحدها: التأكيد. قال: ولم يذكره أصحابنا. ولا يخلو أن يكون أراد التأكيد - ¬

_ (¬1) من البسيط لجرير - ديوانه (ص 219)، والخصائص (1/ 345)، والكتاب (1/ 26، 314)، والمقتضب (4/ 229)، والهمع (2/ 122). (¬2) بيتان من الرجز المشطور لعبد الله بن رواحة في ديوانه (ص 99). واليعملات: الإبل القوية على العمل. الذبل: جمع ذابل وهي الضامرة من السفر وأضافها إلى زيد لأنه كان يقوم عليها. والبيتان في المقتضب (4/ 230)، والكتاب (2/ 206)، والعيني (4/ 221). (¬3) الأشموني (3/ 153، 154)، والهمع (2/ 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنوي أو اللفظي، ولا يجوز أن يكون تأكيدا البتة، لأنه إن أراد المعنوي فليس تكرار الأول مضافا من ألفاظ التأكيد المعنوي؛ لأنه يكون بألفاظ محصورة ليس هذا منها، وإن أراد اللفظي فلا يصح لاختلاف جهتي التعريف؛ لأن الأول معرف إما بالعلمية أو بالنداء، والثاني معرفة بالإضافة، لأنه لم يضف حتى سلب تعريف العلمية وخلفها تعريف الإضافة، فلا يكون إذ ذاك توكيدا لفظيّا. التعقب الرابع: أنه أورد في نصب الأول وجوها ثلاثة على سبيل التسويغ والتجويز وهي مذاهب للنحويين، فالذي بدأ به أولا هو مذهب المبرد (¬1) وهو قوله: ولك أن تنصب الأول على نية الإضافة إلى مثل ما أضيف إليه الثاني، وتجعل الثاني توكيدا، أو عطفا أو بدلا (¬2) .. والذي ذكره ثانيا مذهب الأعلم (¬3) وهو أن فتحة الأول والثاني فتحة بناء لا إعراب جعلا اسما واحدا وأضيف إلى عمرو. والذي ذكره ثالثا هو مذهب سيبويه (¬4) كما قال وهو أن تضيف الأول إلى ما بعد الثاني وتجعل الثاني مقحما (¬5). قال: وتصوير مذهب سيبويه أن المسألة أصلها: يا تيم عدى تيمه فحذف المضاف إليه من الثاني. وهو الضمير العائد على عدي .. وأقحم تيم بين المضاف والمضاف إليه. وقدّره بعضهم: يا تيم عدي تيم عدي فحذف عديّا الآخر وأقحم تيما بين تيم وعدي (¬6). انتهى كلام الشيخ. والذي ذكره ابن عمرون يقتضي أن تصوير مذهب سيبويه (في المسألة) عند نصب الأول أن الاسم الأول مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني مقحم بين [4/ 196] المضاف والمضاف إليه. قال سيبويه: لو لم يكرروا الاسم كان الأول منصوبا (¬7). يعني لأنه - ¬

_ (¬1) المقتضب (4/ 227) وما بعدها. (¬2) بعده في التذييل: «يعني فيكون التقدير: يا زيد عمر وزيد عمرو فحذف عمرو الأول لدلالة الثاني عليه». (¬3) ينظر شرح أبيات الجمل له (2/ 147) عند كلامه على البيت: يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم ... ......... (¬4) الكتاب (2/ 205) وما بعدها. (¬5) ينظر في هذه المسألة: الأشموني (3/ 154)، والخصائص (3/ 154)، والخصائص (1/ 345)، والرضي (1/ 325)، وابن الشجري (2/ 83)، وابن عقيل (2/ 84)، والكتاب (1/ 26، 314) - بولاق - والمغني (ص 709)، والمقتضب (4/ 229)، وابن يعيش (2/ 10، 105، 3/ 21). (¬6) التذييل (4/ 209). (¬7) الكتاب (2/ 206).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مضاف. قال سيبويه: فلما كرروا الاسم توكيدا تركوا الأول على الذي كان يكون لو لم يكرر (¬1). قال ابن عمرون: فعلى قول سيبويه يكون المضاف مجرورا بالاسم الأول، والثاني مقحما بينهما وفتح ليطابق المؤكد فحركة الثاني إتباع، وحكى سيبويه عن الخليل أن قولهم: يا طلحة أقبل بفتح التاء من طلحة شبيه بيا تيم تيم عدي (¬2). ثم لك أن تجيب عن التعقبات التي ذكرها الشيخ. فتقول: أما التعقب الأول: فقد نقل هو عن البصريين أن مذهبهم أنهم لا يفرقون في جواز نصب الأول بين الاسمين العلمين واسمي الجنس والصفة. وأما كون الكوفيين يخالفون فلا يلزم المصنف التعرض إلى كل خلاف، بل له أن يذكر، وله ألّا يذكر. وأما التعقب الثاني: وهو كونه لم يذكر الأول: فلا يرتاب في أن ذلك غير لازم. والتعقب إنما يكون بسبب شيء ذكر وأطلق وكان حقه أن يقيّد، أو شيء قيّد وكان حقه أن يطلق ونحو ذلك من الأمور التي يظهر فيها أثر المخالفة. وأما التعقب الثالث: وهو أنه إذا ضم الأول جاز في الثاني أن يكون تأكيدا فقد تعقبه بأن قال: إذا كان توكيدا كان توكيدا لفظيّا. قال: وهو لا يصح لاختلاف جهتي التعريف؛ لأن الأول معرف إمّا بالعلمية وإما بالنداء، والثاني معرف بالإضافة فيقال في جوابه: لا نسلم لزوم اتحاد جهتي التعريف بين المؤكد والمؤكد. ولئن سلمنا فالعلم بعد إضافته باق على تعريف العلمية؛ لأن إضافته ليست للتخصيص، إنما هي للتوضيح فلم تختلف الجهة، ولئن سلمنا زوال تعريف العلمية حال الإضافة وحدوث تعريف بها فلا شك أن عديّا المضاف إليه تيم علم والمضاف في رتبة المضاف إليه في التعريف فيكون تيما بعد إضافته حكمه في التعريف حكم العلم. وحينئذ لم تختلف الجهة أيضا بين المؤكد والمؤكد في التعريف. وقد تقدم لك أن سيبويه قال في: يا تيم تيم عدي إنه توكيد (¬3). وكفى بقول سيبويه قولا. وأما التعقب الرابع: فلا أدري كيف يتوجه على المصنف؛ لأنه لم يكن في كلامه ما يقتضي أن الأوجه التي ذكرها إنما هي على سبيل التجويز منه والتسويغ، وإنما قال: ولك أن تنصب الأول. وصرح في الوجه الثالث بأنه مذهب سيبويه، - ¬

_ (¬1) السابق. (¬2) الكتاب (2/ 207). (¬3) الكتاب (2/ 205)، وقد تقدم ذلك قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلم منه أن المذكور قبل مذهب لغيره. فكيف يقال إنه إنما ذكر الأوجه على سبيل التسويغ، ثم اعلم أنه لا يخفى ضعف القول بالتركيب أعني تركيب الاسم الأول مع الثاني؛ لأن البناء خلاف الأصل، ولا ينبغي أن يدعي ما وجدت عنه مندوحة. وأما القولان الآخران فالعمل عليهما. لكن قد رجح مذهب سيبويه على مذهب المبرد بأن مذهب المبرد يلزم منه إيقاع الظاهر موقع المضمر وتكرير كلمتين، وليس في قول سيبويه إلّا زيادة ... فكان أولى. لكن قد يقول المبرد: لمّا لم يذكر الاسم الأول ساغ ما قلته، ولا يلزمني ما قلتم. وقال ابن عصفور بعد أن ذكر أنّ في نحو: يا زيد زيد عمرو إذا نصب الأول الخلاف (¬1): «سيبويه» يقدر الأصل يا زيد عمرو زيد عمرو، ثم حذف عمرو الثاني لدلالة الأول عليه فبقي يا زيد عمرو زيد ثم قدم زيد وأقحم بين المضاف والمضاف إليه (¬2)، وأما المبرد فيقدر الأصل: يا زيد عمرو زيد عمرو فحذف عمرو الأول لدلالة الثاني عليه (¬3). قال المبرد: في كلا المذهبين حذف، وفي مذهب سيبويه تقديم وإقحام فما ذهبت إليه أولى (¬4). قال ابن عصفور: وهذا الذي قال ليس بصحيح؛ لأن المضاف إليه إذا حذف عاد التنوين تقول: أعطيته بعض الدراهم، فإذا حذفت المضاف إليه قلت بعضا إلّا أن يكون في اللفظ كالمضاف كقوله: 3449 - إلّا علالة أو بدا ... هة سابح نهد الجزاره (¬5) فحذف التنوين من بداهة؛ لأنه في اللفظ كالمضاف وحذف من علالة؛ لأنه المضاف حقيقة. قال: وأيضا فإن مذهب المبرد على غير طريقة الحذف؛ لأنه لا يحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وإنما يحذف الثاني لدلالة الأول عليه. قال: والدليل على فساد مذهبه أنه لا يخلو إما أن يقدر إلا علالة سابح، أو بداهة سابح، - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 96 - 98). (¬2) راجع حاشية الأعلم على الكتاب (1/ 315) وتعليق السيرافي على ذلك. (¬3) ويقدر - أيضا - أن الثاني أقحم لتأكيد الأول. راجع له الكامل (3/ 217)، والمقتضب (4/ 227). (¬4) شرح الجمل (2/ 96 - 98). (¬5) البيت من بحر الكامل وهو للأعشى ديوانه (ص 159)، وهو في المفصل (ص 50)، وفي شرح المفصل (3/ 22)، والعيني (3/ 131).

[أحكام المنادى المضاف إلى ياء المتكلم]

[أحكام المنادى المضاف إلى ياء المتكلم] قال ابن مالك: فصل: (حال المضاف إلى الياء إن أضيف إليه منادى كحاله إن أضيف إليه غيره، إلّا الأمّ والعمّ المضاف إليهما «ابن» فاستعمالهما غالبا بفتح الميم، أو كسرها دون ياء. وربّما ثبتت أو قلبت ألفا. وتاء «يا أبت» عوض من ياء المتكلم وكسرها أفصح من فتحها، وجعلها هاء في الخطّ والوقف جائز). ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يقدر أو بداهته، فإن حذف سابح الأول لم يبق للضمير ما يعود عليه. وسيبويه رحمه الله تعالى حذف الضمير من بداهة وأقحم أو بداهة بين المضاف والمضاف إليه، ومنه قول الشاعر: 3450 - يا من رأى عارضا يسر به ... بين ذراعي وجبهة الأسد (¬1) انتهى. ثم الثاني على مذهب المبرد إما بدل، أو عطف بيان، أو توكيد، أو منادى مستأنف. وأما على مذهب سيبويه فقالوا: نصبه على التوكيد إذ هو مقحم وكان أصله زيده زيده مضافا إلى ضمير عمرو. قالوا: ولا يجوز فيه البدل؛ لأن الاسم لا يتبدل منه إلّا بعد كماله ولا يكمل زيد الأول إلا بما أضيف إليه. وكذلك عطف البيان لا يجوز لهذه العلة. لكن قد تقدم لنا أن حركة الثاني على مذهب سيبويه إذا نصبنا الأول حركة إتباع وإذا كانت إتباعا فلا إعراب، وإذا لم تكن الحركة إعرابا فلا يجوز جعل الاسم المذكور توكيدا ولا بدلا. وأما على مذهب البناء فمجموع الاسمين في موضع نصب لأنه منادى مضاف. وقد ذكر ابن عمرون في المسألة مذهبين آخرين، أعني [4/ 197] إذا نصب الأول. أحدهما: أن الاسم مضافا إلى الموجود والثاني مضاف إلى محذوف. ثانيهما: أن فتح الأول إتباع للثاني نظير يا زيد بن عمرو، ثم إنه لم يرتضهما. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): قد تقدم في باب الإضافة تبيين حال المضاف - ¬

_ (¬1) من المنسرح للفرزدق - ديوانه (215)، والأشموني/ (2/ 274)، والخصائص (2/ 407)، وشرح المصنف (3/ 21)، والكتاب (1/ 92)، والمقتضب (4/ 229)، هذا: والنص - المذكور - في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 96، 97). (¬2) شرح التسهيل (3/ 405).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الياء إذا كان منادى ببسط واستيفاء، فأغنى ذلك عن التكلم فيه الآن، وتكلم في المنادى المضاف إلى مضاف إلى الياء، فبين أن المضاف إليها مع إضافة منادى إليه كالمضاف إليها مع إضافة غير منادى إليه. واستثنى أم وعم مضافا إليهما فيقال: يا ابن أخي ويا ابن خالي، كما يقال: هذا ابن أخي وذاك ابن خالي. وللياء في الحالين السكون والفتح باستحسان. ومن فتح ما قبلها مبدلة ألفا ومحذوفة بشذوذ ما نسب إليها في باب الإضافة .. وإذا كان المضاف إلى الياء أما أو عما حذفت وأبقى كسر ما قبلها أو فتح وهما لغتان فصيحتان. ومنه قوله تعالى: قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي (¬1) وقالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي (¬2) قرأهما بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص (¬3)، وقرأهما بالكسر ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي (¬4). والأصل حذف حرفي اللين، وربما ثبتتا. فمن ثبوت الياء قول الشاعر: 3451 - يا ابن أمّي ولو شهدتك إذ تد ... عو تميما وأنت غير مجاب لشددت من ورائك حتّى ... تبلغ الرّحب أو تبزّ ثيابي (¬5) ومثله: 3452 - يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي ... أنت خلّيتني لدهر شديد (¬6) ومن ثبوت الألف قول الآخر: 3453 - كن لي لا عليّ يا ابن عمّا ... ندم عزيزين ونكفّ الذّمّا (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 150. (¬2) سورة طه: 94. (¬3) ينظر البحر المحيط (4/ 396)، وابن زنجلة (ص 297)، والكشاف (2/ 119)، بيروت، ومعاني الفراء (1/ 394). (¬4) المصادر السابقة. (¬5) من الخفيف لمعد يكرب المعروف بغلفاء - الأغاني (11/ 62)، والحلل (ص 217)، والشجري (2/ 74، 193)، والمقتضب (4/ 250). (¬6) من الخفيف لأبي زبيد الطائي - الأشموني (3/ 157)، والدرر (2/ 70)، والعيني (4/ 222)، والكتاب (1/ 318)، والهمع (2/ 154)، وابن يعيش (2/ 12). (¬7) انظره في التذييل (4/ 211).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقالوا في يا أبي ويا أمي ويا أبت ويا أمّت، ويا أبت ويا أمت فجعلوا التاء عوضا من الياء ولذلك لم يجتمعا إلّا في الضرورة كقول الشاعر: 3454 - فيا أبتا لا تزل عندنا ... فإنّا نخاف بأن تخترم (¬1) ومثله: 3455 - أيا أبتي لا زلت فينا فإنّما ... لنا أمل في العيش ما كنت عائشا (¬2) قال أبو الفتح في المحتسب: «قرأ أبو جعفر»: «يا حسرتاي»، فجمع بين العوض والمعوض منه؛ لأن الألف عوض من ياء المتكلم، وجعل من ذلك يا أبتا؛ لأن التاء عوض من تاء المتكلم (¬3) قلت: وقالوا في أبا المقصور يا أبات، ومنه قول الشاعر: 3456 - تقول ابنتي لمّا رأتني شاحبا ... كأنّك فينا يا أبات غريب (¬4) ولو لم يعوض لقال: يا أباي كما يقال: يا فتاي. وكتابة هذه التاء تاء أولى من كتابتها هاء؛ ولذلك لم تكتب في المصحف الشريف إلا تاء. وبمراعاة رسم المصحف قرأ نافع وأبو عمرو والكوفيون فوقفوا عليها تاء (¬5)، ووقف ابن كثير وابن عامر بإبدالها هاء (¬6)، وكلا الوجهين صحيح فصيح. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬7). وقوله: وللياء في الحالين كأنه يريد بالحالين حال النداء وحال غير النداء. ويعني بالياء يا خالي ويا أخي فإنه ذكر ذلك بعد تمثيله بقوله: يا ابن أخي ويا ابن خالي .. ولا شك في جواز السكون والفتح، إلا أنني لم يتجه لي قوله بعد ذلك، ومن فتح ما قبلها مبدلة ألفا ومحذوفة بشذوذ ما نسب إليها في باب الإضافة. فإن هذين الأمرين إنما هما جائزان في المضاف إلى الياء إذا كان هو المنادى، أما إذا كان - ¬

_ (¬1) من المتقارب - التذييل (4/ 211). (¬2) من الطويل - الأشموني (3/ 158)، والتصريح (2/ 78)، والعيني (4/ 251) ويروى: ما دمت. (¬3) المحتسب (2/ 237) وما بعدها. (¬4) من الطويل لأبي الحدرجان - التصريح (2/ 178)، والخصائص (1/ 339)، والدرر (2/ 215)، والنوادر (ص 239)، والهمع (2/ 157). (¬5) ابن زنجلة (ص 444)، والكشاف (2/ 510) وما بعدها. (¬6) ابن زنجلة (ص 354)، والكشاف (2/ 510) وما بعدها. (¬7) شرح التسهيل (3/ 407).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضاف إلى الياء ليس منادى وإنما المنادى مضاف إليه فلا يجوز فيه ذلك. وقد قال هو إن المضاف إلى الياء مع إضافة منادى إليه كالمضاف إليها مع إضافة غير منادى إليه ولا شك أنه إذا كان المضاف إلى المضاف إلى الياء غير منادى يتعين ثبوت الياء، إما ساكنة أو مفتوحة؛ ولا يجوز فيها غير ذلك. على أنني مغالط خاطري في هذا الذي فهمته من كلام المصنف. وأقول: قد يكون مراده غير ما فهمته. وحاصل الأمر أن المناقشة التي ذكرتها إنما هي مبنية على ما تصورت أن عبارته تعطيه. وقد يكون الأمر بخلاف ما فهمت. وقد قال ابن عمرون: وقيل إن بعض النحاة جوز حذف الياء من يا ابن أخي وليس بمعروف، وصرح ابن عصفور فقال: يا ابن أخي ويا صاحب غلامي هذا هو الحكم في هذا، ولم يخرج عنه إلّا لفظان وهما: يا ابن أم، ويا ابن عم (¬1). انتهى. ثم إن الأم والعم المضاف إليهما مستثنيان من هذا الأصل، أعني إثبات الياء المضاف هما إليها. ففي يا ابن أم ويا ابن عم تحذف ويبقى كسر ما قبلها أو بفتح وهما لغتان فصيحتان كما قال المصنف، وقرئ بهما في القراءات المتواترة. والأصل: يا ابن أمي ويا ابن أما بإبدال الياء ألفا، لكن التزم غالبا لكثرة الاستعمال حذف الياء والألف وربما تثبتان. وقد تقدم الاستشهاد على ذلك. قال ابن عمرون: وقالوا: يا ابن أمي ويا ابن عمي بإثبات الياء؛ لأنها لم تحل محل التنوين من المنادى؛ لأن الذي اتصلت به الياء ليس بمنادى. قال: وقالوا يا ابن أم ويا ابن عم ووجهه أنه حذف الياء تخفيفا وحذف الياء مختص بيا ابن أم وي ابن عم؛ لأنهما كثر استعمالهما فتنزلا منزلة الكلمة الواحدة فجاز حذف الياء تشبيها بيا غلام. وقد قالوا: يا ابن أم ويا ابن عم جعلوا المضاف والمضاف إليه اسما واحدا بمنزلة خمسة عشر فبنوهما على الفتح. أما الأول فلأنه تنزل صدر الكلمة من عجزها، والثاني لأنه تتضمن معنى لام الإضافة .. وقيل إن فتح الثاني [4/ 198] للإتباع كقولهم: يا زيد بن عمرو. انتهى. وقول المصنف: إن الأصل في يا ابن أم ويا ابن عم بالفتح يا ابن أما ويا ابن عما - ¬

_ (¬1) شرح الجمل - باب ما لا يجوز فيه إلا إثبات الياء (2/ 104).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بإبدال الياء ألفا ثم حذفت الألف وبقيت الفتحة أحسن من قول ابن عمرون أنهما بنيا على الفتح فيتعين الوقوف عنده. لكن كلام ابن عصفور يوافق كلام ابن عمرون. فإنه قال: تقول: يا ابن أمّ - يعني بالكسر - كما تقول: يا غلام ويا ابن أمّ يعني بالفتح كما تقول: بعل بك (¬1) قال: وهذا لما كثر في كلامهم وصار يا ابن أم شيئا يعرف به هذا المسمى صار كالشيء الواحد حذفوا ياءه تارة وخففوه أخرى بقلبها ألفا وبقلب الكسرة فتحة، فجعلوا الاسمين بمنزلة بعل بك وسلبوا كل واحد منهما معناه فبنوه على الفتح وفتحوا آخر الاسم الأول. قال: وهذا وجه يا ابن أم، لا ما يقول الأخفش في يا غلام من حذف الألف فإنا لا نجيزه (¬2). ثم قال: وإذا قلت: يا ابن أمّ - يعني بالكسر - فتحتمل هذه الإضافة معنيين. أحدهما: أنك أردت إضافة الأم إليك لا إضافة الابن، والثاني: أن تريد إضافة الابن إليك فأضفت الأم لأنها صارت آخر الاسم، فإذا قلت: يا ابن أم على هذا المعنى فكأنك قلت: يا ابن الأم الذي هو لي كما تقول: هذا حب رماني أي حب (الأصول التي هي لي. فهما معنيان متباينان فتفهّمهما) (¬3). انتهى. وقد قيل: إن التركيب في يا ابن أم والبناء على الفتح هو قول سيبويه (¬4). وينبغي أن يعلم أنهم ذكروا أن ابنة وبنتا حكمهما في ما ذكر حكم ابن فيقال: يا ابنة عمّ ويا بنت عمّ بالكسر، والفتح. ولم يذكروا شاهدا على ذلك. ولكن قد قال أبو النجم: 3457 - يا ابنة عمّا لا تلومي واهجعي (¬5) ... [وانمي كما ينمي خضاب الأشجع] فقد يستأنس به لما ذكروه ثم لا يتوهم من قول المصنف: وقد قالوا في يا أبي ويا أمي: يا أبت ويا أمت، ويا أبت ويا أمت، فجعلوا التاء عوضا من الياء - أن - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 104). (¬2) شرح الجمل (2/ 104). (¬3) من شرح الجمل (2/ 106). وموضعه في الأصل بياض يسير - وانظر - كذلك الكتاب (1/ 318)، والمقتضب (4/ 251). (¬4) الكتاب (2/ 214). (¬5) صدر بيت من الرجز ذكرنا عجزه - الأشموني (3/ 157)، والدرر (2/ 70) والتتمة منه، والكتاب (1/ 318)، بولاق، والمحتسب (2/ 238)، والمقتضب (4/ 252)، والنوادر (ص 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نداء هاتين الكلمتين إنما يكون بحذف الياء والتعويض عنها بالتاء، بل يا أبي ويا أمي يجوز فيهما من الأوجه ما جاز في يا غلامي من الأوجه المتقدم ذكرها في باب الإضافة (¬1) ومع جواز الأوجه المذكورة يجوز فيها ما أشار إليه، وهو التعويض عن الياء بتاء مكسورة أو مفتوحة. وفي شرح المفصل لابن عمرون: ويجوز يا أبت ويا أمت بضم التاء على التشبيه بتاء طلحة غير مرخم. وقد ذكر المصنف أن التاء قد تجامع الألف والياء في الضرورة مستشهدا على ذلك بما تقدم. فعلى هذا يكون في الياء يا أبي ويا أمي أربعة أوجه غير الأوجه التي تقدمت الإشارة إليها في باب الإضافة وهي ستة. إذا عرف هذا فاعلم أن ابن عمرون قال: قولهم (يا أبت) التاء للمبالغة في معنى الأبوة و (يا أمت) الأم مؤنثة، والتاء فيهما تاء تأنيث عوضت عن الياء الياء كونها للتأنيث فلأنهم يبدلونها هاء في الوقف، وأما كونها عوضا عن الياء. فلأنه لا يجمع بينهما، وقال الكوفيون: ليست عوضا من الياء. ولو كان كما زعموا لكانت التاء حشوا، وإذا كانت تاء التأنيث حشوا لا تقلب في الوقف هاء. قال سيبويه: إنما يلتزمون هذه الهاء في النداء إذا أضفت إلى نفسك خاصة كأنهم جعلوها عوضا من حذف الياء. وأرادوا أن لا يخلّوا بالاسم حين اجتمع فيه حذف الياء وأنهم لا يكادوا يقولون: يا أباه ويا أماه، وهي قليلة فكأن [أبت] اسم لمؤنث يقع على المذكر لأنهما والدان كما تقع العين للمؤنث والمذكر لأنهما شخصان. وكأنهم إنما قالوا أبوان لأنهم جمعوا بين أب وأبت إلا أن أبت لا يكون مستعملا إلا في النداء إذا عنيت المذكر واستغنوا بالأم (¬2). ولا يجوز دخول الهاء في عم لأن له مؤنثا من لفظه، فإذا وصلت يا أبت بما بعده جاز كسر التاء وهو المختار؛ لأن الكسرة من الياء فبينها وبين الياء المحذوفة مناسبة فكانت أولى. وقيل: الكسرة التي قبل الياء تقلب إلى التاء؛ لأن ما قبلها لا يكون إلّا مفتوحا فحوّلوا الكسرة إلى التاء ويا أبتا ويا أمتا بألف بعد التاء فيه جمع بين عوضين وهو أسهل من الجمع بين العوض والمعوض منه. وجاز أيضا فتح التاء وفيه وجهان. أحدهما: أنه حذف الألف تخفيفا من يا أبتا، - ¬

_ (¬1) انظر باب الإضافة. (¬2) الكتاب (2/ 211، 212).

[المنادى غير المصرح باسمه]

[المنادى غير المصرح باسمه] قال ابن مالك: فصل (يقال للمنادى غير المصرّح باسمه في التّذكير يا «هن» ويا «هنان» ويا «هنون»، وفي التأنيث يا هنت ويا هنتان ويا هنات. وقد يلي أواخرهن ما يلي آخر المندوب، ومنه يا هناه بالكسر والضمّ، وليست الهاء من اللّام خلافا لأكثر البصريين). ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيهما: أن يكون شبّه هذه الهاء بهاء طلحة فحذفها للترخيم، ثم ردها، وحركها بالفتح كما فعل في يا طلحة إذا فتحت [تاؤها] وقيل: فتحت لأن ياء الإضافة تفتح في [إحدى] اللغتين ولما كانت عوضا منها أعطيت حركتها. وقالوا: يا أم شبه التاء كما ذكرنا بتاء طلحة لما رآها متحركة فحذفها للترخيم وإن كانت عوضا من المضاف إليه، وهي في موضع خفض والمضاف لا يرخم ولا يجوز في غير الأم. نصّ عليه سيبويه (¬1). وجوز السيرافي ذلك في ياء أب كالأم وهو خلاف نص سيبويه (¬2). انتهى كلام ابن عمرون رحمه الله تعالى. قال الشيخ: واقتصار المصنف على يا أبت ليس بجيد؛ إذ يا أمت مثله (¬3) [ولم يذكره]، وهذا عجب من الشيخ: فإن المصنف قد قال في الشرح، وقالوا في يا أبي ويا أمي: يا أبت ويا أمت وغاية الأمر أنه لم يذكر إحدى الكلمتين في المتن اكتفاء بذكره لها في الشرح. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): قال أبو حاتم (¬5): تقول في نداء المذكر: يا هن، ويا هنان، ويا هنون، وفي نداء المؤنث: يا هنت، ويا هنتان بسكون ما قبل التاء ويا هنات. ومن العرب من يقول: يا هناه ويا هنانيه ويا هنوناه ويا هنتاه ويا هنتانيه، ويا هنانوه، وفي المضاف إلى الياء: يا هن ويا هني ويا هنت [4/ 199] ويا هنتي. - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 213). (¬2) لأن ذلك كثر في الأم دون الأب لاستغنائهم بالأم في المؤنث عن أبة، وانظر الكتاب (2/ 213). (¬3) التذييل (4/ 211). (¬4) شرح التسهيل (3/ 407). (¬5) سهل بن محمد السجستاني النحوي اللغوي المقرئ أخذ عن أبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي، وعنه بن دريد والمبرد. الأعلام (ت. 255 هـ). الأعلام (3/ 210)، والإنباه (2/ 58)، والنزهة (ص 189).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا حاصل كلام أبي حاتم الذي عزاه له أبو علي القالي في الأمالي (¬1) وإلى قول بعض العرب: يا هناه إلى هنانوه أشرت بقولي: وقد يلي أواخرهن ما يلي آخر المندوب، ثم قلت: ومنه يا هناه بالكسر والضم، والأصل السكون لأنها هاء السكت لكنها أجري بالوصل بها وبأشباهها مجرى الوقف في الثبوت، فحركت لسكونها في الأصل وسكون ما قبلها. فمن حرّكها بالضم شبّهها بهاء الضمير، ومن حركها بالكسر فعلى أصل الساكنين. وفي كسرها حجة بينة على أنها هاء سكت لا بدل من لام الكلمة. واستدل ابن السراج على زعم أنها بدل من اللّام بأن العرب لم تقل في تثنيته إلا يا هنان، ولو كانت بدلا لقيل: يا هنا هان (¬2) وفي هذا الاستدلال ضعف لأن العرب قد تستغني في ما فيه لغتان بتثنية أخصر اللفظين كقولهم في تثنية سواء سيان. وإنما الاستدلال القويّ على أن الهاء ليست بدلا من اللام بل هاء سكت بأن جوز كسرها كما جوز الكسر في غيرها من هاءات السكت المسبوقة بألف كقول الراجز: 3458 - يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل ... غفرا يا ربّاه من قبل الأجل (¬3) روي بكسر الهاء وضمها. وقال الفراء: يقال: يا حسرتاه بكسر الهاء وضمها، والكسر أكثر (¬4) انتهى. قال الشيخ في قوله (¬5): وليست الهاء بدلا من اللام خلافا لأكثر البصريين: المذاهب في هذه الهاء خمسة. أحدها: أنها أصل وأن مادة الكلمة (هـ ن هـ) فتكون الكلمة مما اتفقت فيه الفاء واللام فيكون من باب سلس قال: وهذا مذهب أبي زيد. ثانيها: أن الهاء بدل من واو إذ معنى يا هن ويا هناه واحد ومادة (هـ ن و) موجودة ومادة (هـ ن هـ) بهذا المعنى مفقودة، فتكون اللام على هذا مما تعاور عليها الهاء والواو كسنة؛ قالوا في التصغير سنيّة وسنيهة، وقالوا: سانيت وسانهت. وثالثها: أن الهاء بدل من همزة، والهمزة بدل من واو. فالهاء بدل بدل، فلام الكلمة واو لقولهم: هنوات فبنوه على فعال فصار هناوا فجاءت واو متطرفة بعد ألف - ¬

_ (¬1) أمالي القالي (2/ 13، 14). (¬2) الأصول (1/ 348). (¬3) انظره في إصلاح المنطق (ص 92)، وشرح شواهد الشافية (ص 228)، وشرح المفصل (9/ 47). (¬4) معاني القرآن له (1/ 394، 2/ 422). (¬5) شرح التسهيل (3/ 408).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة فأبدلت همزة ثم أبدلت هاء، لأنها من مخرجها، ولأنها كثيرا ما تبدل منها، وهذا مذهب أبي الفتح (¬1). رابعها: أن الألف والهاء زائدتان لكن في نفس البناء على حد زيادة الهمزة في أحمر فوزنه فعلاه إذ أصله هنوات تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فحذفت لالتقاء الساكنين، أو حذفت لام الكلمة أولا وزيد في بناء الكلمة الألف والهاء. خامسها: أن تكون الهاء هاء السكت والألف قبلها الألف التي تلحق مثل يا زيدا إذا ندبت وضموا الهاء في الوصل تشبيها لها بالهاء الأصلية. وهذا مذهب الفراء. وهو اختيار المصنف وابن عصفور (¬2) وقد رد مذهب من ادعى أنها أصلية بأنه ادعى مادة لم توجد بهذا المعنى وبأنه تكون المادة من باب سلس، وهو قليل، وبأنهم حين نادوه ضموا الهاء وكسروها ولو كانت أصلا لكان الاسم مبنيّا على الضم ولم يكن فيه الكسر. وردّ مذهب من ادعى أنها بدل من أصل وهو الواو بأنه لم يوجد إبدال الهاء من الواو، وبأنه لو كانت بدلا من واو لوجب فيها الضم ولم يجيء فيها الكسر والصحيح مذهب الفراء، وهو مذهب الأكثرين (¬3). ولا يقال: لو كانت هاء سكت لم تثبت في الأصل؛ لأنا نقول: الإجماع على ثبوتها وصلا في قوله تعالى: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ 28 هَلَكَ (¬4)، ومما يقوي كون الألف شبيهة بألف الندبة، والهاء للسكت أن الذين قالوا: يا هناه قالوا في التثنية يا هنانيه، وفي الجمع: يا هنوناه، وفي المؤنث: يا هنتاه، ويا هنتانيه، ويا هنانوه فألحقوه الألف في المفتوح والياء في المكسور والواو في المضموم على حد لحاقها في الندبة وألحقوها هاء السكت، فدلت التثنية والجمع على ذلك. وأما الضم والكسر فهو مسموع في هاء السكت مثبتة في الوصل في ما لا خلاف فيه. فمن الجائي في الوصل قول الراجز: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 212)، المحتسب (2/ 238) وما بعدها، والمصنف (3/ 143)، والأشموني (3/ 162). (¬2) شرح الجمل (2/ 79، 80). (¬3) التذييل (4/ 212). (¬4) سورة الحاقة: 28، 29.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3459 - يا مرحباه بحمار ناجيه ... إذا دنا قرّبته للسانيه (¬1) ومن الجائي مكسورا في الوصل أيضا قول الآخر: 3459 م - يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل ... غفرا يا ربّاه من قبل الأجل (¬2) روي بضم الهاء، وكسرها. وقال الفراء: يقال: يا حسرتاه بكسر الهاء، وضمها، والكسر أكثر (¬3). وأما من زعم أن الهاء أصلية، أو بدل من أصل، أو بدل بدل من أصل، أو زائدة في البنية فإنه يقول في التثنية: يا هناهان، ويا هنتاهان، ويا هناهون، ويا هنتاهات. وهذا شيء لم يسمع من العرب وإنما المسموع ما حكاه أبو حاتم (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر هذا الرجز في الحلل (ص 227) برواية أتى بدل دنا، والخزانة (1/ 400)، والخصائص (2/ 358)، والدرر (2/ 219)، والمصنف (3/ 142)، والهمع (2/ 157). (¬2) تقدم. (¬3) معاني القرآن (1/ 394، 2/ 422)، وقد تقدم ذلك. (¬4) التذييل (4/ 212). وهذا آخر الكلام في «النسختين» على هذا الفصل.

الباب التاسع والأربعون باب الاستغاثة والتعجب الشبيه بها

الباب التاسع والأربعون باب الاستغاثة والتعجّب الشبيه بها [تعريف الاستغاثة وأحكامها] قال ابن مالك: (إن استغيث المنادى أو تعجّب منه جرّ باللام مفتوحة بما يجرّ في النّداء، وتكسر اللّام مع المعطوف غير المعاد معه «يا» ومع المستغاث من أجله وقد يجرّ بـ «من» ويستغنى عنه إن علم سبب الاستغاثة. وقد يحذف المستغاث فيلى «يا» المستغاث من أجله. وإن ولي «يا» اسم لا ينادى إلّا مجازا جاز فتح اللّام باعتبار استغاثته، وكسرها باعتبار الاستغاثة من أجله، وكون المستغاث محذوفا، وربما كان المستغاث مستغاثا من أجله تقريعا وتهديدا. وليست لام الاستغاثة بعض «أل» خلافا للكوفيين. وتعاقبها ألف كألف المندوب وربما استغني عنها في التّعجّب). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): الاستغاثة دعاء المستنصر المستنصر به، والمستعين المستعان به. والمعروف في اللغة تعدي فعله بنفسه (¬2) نحو: استغاث زيد عمرا قال الله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ (¬3)، وقال تعالى: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ (¬4). فالداعي مستغيث، والمدعو مستغاث. والنحويون [4/ 200] يقولون: استغاث به فهو مستغاث، وكلام العرب بخلاف ذلك، ومثال استغاثة المنادى قول أمير المؤمنين عمر - رضي الله تعالى عنه - لما طعنه فيروز لعنه الله: يا لله للمسلمين (¬5)، ومثله قول قيس بن ذريح (¬6): - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 162 - 166)، والأصول (1/ 277 - 281)، وأوضح المسالك (4/ 46 - 51)، والتصريح (2/ 180، 181)، والرضي (1/ 133 - 136)، وشرح الجمل (2/ 83 - 85)، وشرح المفصل (1/ 131)، والكتاب (2/ 215 - 220) والكفاية (ص 58 - 59)، والهمع (1/ 180، 181). (¬2) شرح التسهيل (3/ 409). (¬3) سورة الأنفال: 9. (¬4) سورة القصص: 15. (¬5) انظر كذلك: الجمل (ص 180)، والكامل (3/ 271)، واللامات (ص 82)، والمقتضب (4/ 254). (¬6) من بني كنانة أحد عشاق العرب وصاحبته لبنى شاعر أموي (ت 68 هـ) رغبة الآمل (5/ 242) والشعر والشعراء (2/ 628) وفوات الوفيات (2/ 134).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3460 - تكنّفني الوشاة فأزعجوني ... فيا للنّاس للواشي المطاع (¬1) ومثال المنادى المتعجب منه قول العرب: يا للعجب، ويا للفليقة، ويا للماء، ويا للدواهي، ومنه قول الشاعر: 3461 - لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم ... أدلّ وأمضى من سليك المقانب (¬2) وقول ابن أبي ربيعة: 3462 - أوانس يسلبن الحليم فؤاده ... فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلى (¬3) وإن كان المستغاث قبل الاستغاثة معربا استصحب إعرابه كقولك في: يا غلام زيد: يا لغلام زيد، وإن كان مبنيّا بناء حادثا في النداء أعيد في الإعراب وجرته اللام بما كانت تجره في غير النداء كقولك في يا زيد ويا زيدان، ويا زيدون: يا لزيد ويا للزيدين ويا للزّيدين، وإن كان مبنيّا قبل النداء استصحب بناؤه وحكم بجره تقديرا كقولك: يا لرقاش ويا لهذا، وكذا إن كان مقصورا أو منقوصا أو مضافا إلى ياء المتكلم كقولك: يا لموسى، ويا للقاضي، ويا لصاحبي وكل هذه الأنواع منبه عليها بقولي: جر باللام مفتوحة بما يجر في غير النداء، وإن عطف على المنادى المستغاث غيره وأعيد معه يا فتحت اللام كقول الشاعر: 3463 - يا لعطّافنا ويا لرياح ... وأبي الحشرج الفتى النّفّاح (¬4) ومثله: 3464 - فيا لسعد ويا للنّاس كلّهم ... ويا لغائبهم ويا لمن شهدا (¬5) وإن لم يعد مع المعطوف «يا» كسرت اللام كقوله: 3465 - يا لقومي وللّذين تولّو ... هم لباغين بغيهم في ازدياد (¬6) - ¬

_ (¬1) من الوافر - العيني (4/ 259) والكتاب (1/ 319، 320) والمقرب (1/ 183)، وابن يعيش (1/ 131). (¬2) من الطويل لمرار الأسدي، أو لقيس بن الملوح، الكتاب (1/ 329) واللسان (برثن). (¬3) من الطويل وليس في ديوانه، وانظره في التذييل (4/ 217). (¬4) من الخفيف - الدرر (1/ 156)، وشرح المفصل (1/ 128)، والعيني (4/ 268)، والكتاب (1/ 319)، والمقتضب (4/ 257) والهمع (1/ 180). (¬5) من البسيط - التذييل (4/ 215). (¬6) من الخفيف - الأشموني (3/ 164)، والتصريح (2/ 181)، والعيني (4/ 256).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المستغاث من أجله فلا بد من كسر لامه نحو: 3466 - ألا يا لقومي للنّوائب والدّهر ... وللمرء يردي نفسه وهو لا يدري وللأرض كم من صالح قد تلمّأت ... عليه فوارته بلمّاعة قفر (¬1) وقد يستغنى عنها بمن كقول الشاعر: 3467 - يا للّرجال ذوي الألباب من نفر ... لا يبرح السّفه المردي لهم دينا (¬2) ويستغنى كثيرا عن المستغاث من أجله للعلم به بظهور سبب الاستغاثة كقول الفرزدق: 3468 - يا لتميم ألا لله درّكم ... لقد رميتم بإحدى المصمئلّات (¬3) وكقول عدي بن زيد: 3469 - فهل من خالد إمّا هلكنا ... وهل بالموت يا للنّاس عار (¬4) وقد يكون المستغاث من أجله غير صالح لأن يكون مستغاثا، ويكون المستغاث مشاهدا فيستباح حذفه. ويتصل المستغاث من أجله بيا مجرورا باللام المكسورة كقول الشاعر: 3470 - يا لأناس أبوا إلّا مثابرة ... على التّوغّل في بغي وعدوان (¬5) ويتعين في مثل هذا كسر اللام لأن مصحوبها غير صالح لأن يكون مستغاثا، بل مستغاثا من أجله، والمستغاث محذوف، والتقدير: يا لقومي لأناس، وروي عن العرب في: يا للعجب ويا للماء ونحوهما فتح اللام على أن مصحوبها مستغاث وكسرها على أن مصحوبها مستغاث من أجله، وعلى هذا النوع نبهت بقولي: وإن ولي يا اسم لا ينادى إلّا مجازا إلى آخر القول. ونبهت بقولي: وربما كان المستغاث مستغاثا من أجله على نحو قول القائل: يا لزيد لزيد أي: يا زيد أدعوك لتنصف من نفسك، ومنه قول مهلهل: - ¬

_ (¬1) من الطويل لهدبة بن خشرم - الخصائص (3/ 171)، والسمط (ص 639). (¬2) من البسيط - الأشموني (3/ 165)، والهمع (1/ 180). (¬3) البيت في ديوانه (1/ 107)، والمصمئلات: الدواهي واحدتها: مصمئلة. (¬4) من الوافر - الدرر (1/ 156) والهمع (1/ 180). (¬5) من البسيط - الأشموني (3/ 167) والدرر (1/ 156)، والعيني (4/ 271)، والهمع (1/ 181).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3471 - يا لبكر انشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار (¬1) ولما كان ما ولي يا في الاستغاثة مستغاثا تارة ومستغاثا من أجله تارة فرقوا بين لاميهما بالفتح والكسر. وخص الفتح بلام المستغاث لشبه ما هي فيه بضمير المخاطب ولاتصالهما بألف يا لفظا وتقديرا. وزعم الكوفيون أن أصل يا لفلان يا آل فلان ولذلك جاز أن يوقف عليها كقول الشاعر: 3472 - فخير نحن عند النّاس منكم ... إذا الدّاعي المثوب قال يا لا (¬2) ولا حجة في هذا البيت لاحتمال أن يكون الأصل: يا قوم لا فرار، أو لا تفروا. ومما يدل على ضعف ما ذهبوا إليه الرجوع إلى الكسر في العطف دون إعادة يا. ولو كانت بعض أل لم تدخل على ما لا تدخل عليه أل نحو: يا لله، ويا للناس، ويا لهؤلاء. وتعاقب هذه اللام ألف في الآخر كألف المندوب ولا يجوز الجمع بينهما كما لا يجوز الجمع بين هاء الجحاجحة وياء الجحاجيح. وكما لا يجوز الجمع بين ياء يمني وألف يمان. هذا معنى قول الخليل وسيبويه (¬3). ولا بد من اللام عند حذف الألف ولا بد من الألف عند حذف اللام. وقد يستغنى عنهما في التعجب كقول عمر بن أبي ربيعة: 3473 - أوانس يسلبن الحليم فؤاده ... فيا طول ما شوق ويا حسن مجتلى (¬4) هذا آخر كلام المصنف رحمه الله تعالى (¬5). ويتعلق بما ذكره مباحث: الأول: أن الشيخ ناقش المصنف في قوله: والمعروف في اللغة تعدي فعل الاستغاثة بنفسه. والنحويون يقولون: استغاث به فهو مستغاث به، وكلام العرب بخلاف ذلك. - ¬

_ (¬1) من المديد - الخزانة (1/ 300) والخصائص (3/ 229) والعقد الفريد (5/ 478) والكتاب (1/ 318). (¬2) من الوافر لزهير الضبي - الخصائص (1/ 276، 2/ 375، 3/ 228)، والدرر (1/ 156)، والهمع (1/ 181). (¬3) الكتاب (2/ 218) - هارون. (¬4) تقدم قريبا. (¬5) شرح التسهيل (3/ 412).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: ليس كما ذكر بل استغاث يتعدى تارة بنفسه وتارة بحرف الجر الذي هو الباء كما في لفظ سيبويه والنحويين في باب الاستغاثة (¬1). قال: فاستقراء المصنف لذلك غير تام (¬2). قال: ومما جاء من لسان العرب معدى بالباء قول الشاعر: 3474 - حتّى استغاثت بماء لا رشاء له ... من الأباطح في حافاته البرك مكلّل بأصول النّبت تنسجه ... ريح خريق لضاحي مائة حبك كما استغاث بشيء فزّ غيطلة ... خاف العيون فلم ينظر به الحشك (¬3) وقال آخر: 3475 - قاد الجياد من الجولان فارطه ... من بين منعله يرجى ومحبوب حتى استغاثت بأهل الملح ما طعمت ... في منزل طعم نوم غير تأويب (¬4) انتهى. ولك أن تقول: قد تعرض النحاة إلى ذكر الأفعال التي تتعدى بنفسها تارة وبالحرف أخرى، ولم يذكروا أن فعل الاستغاثة من تلك الأفعال. ثم قد [4/ 201] ثبت بالكتاب العزيز تعديه بنفسه (¬5) فوجب أنه إذا ورد متعديا بحرف أن يدعى فيه التضمين. وعلى هذا يكون استغاث من قوله: حتى استغاثت بماء ضمّن معنى استعان؛ لأن الماء يستعان به ولا يستغاث، وكذا استغاث من قول الآخر: حتّى استغاث بأهل الملح ضمن معنى استعان أيضا، وكذا يحمل على التضمين المذكور قول الشاعر: 3476 - إن يستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا ... منّا معاقل عزّ زانها كرم (¬6) فإن قيل: استعان متعد بنفسه - قيل: كما ورد متعديا بنفسه ورد متعديا بالحرف - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 213) والكتاب (2/ 215). (¬2) التذييل (4/ 213). (¬3) من البسيط لزهير - ديوانه (ص 172، 176، 177)، وإصلاح المنطق (ص 29) والخصائص (2/ 334) والكتاب (1/ 100)، واللسان (حشك)، والمحتسب (2/ 287). (¬4) البيتان من البسيط وانظرهما مع النص - في التذييل (4/ 213). (¬5) كقوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ، وقوله سبحانه: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ، وقد تقدما، وانظر: القاموس، واللسان (غوث). (¬6) من البسيط - الأشموني (4/ 31) برواية: تستغثوا - بغير ياء وبالخطاب في المضارعة، والتصريح (2/ 254)، والعيني (4/ 452) والمغني (ص 614).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا سألت فاسأل (¬1) الله وإذا استعنت فاستعن بالله» (¬2) فيمكن أن يكون في أصل الوضع متعديا بالحرف وأنه يصل إلى نصب متعلقه بإسقاط الخافض، ولا يمكن أن يدعى ذلك في استغاث؛ لأن المستغاث منادى. وقد علم أن المنادى مفعول بفعل مقدر. فإذا قيل: يا زيد فالتقدير أدعو زيدا، تقدم لنا ذكر ذلك. ثم إن الشيخ ناقش المصنف ثانيا في قوله: إذا استغثت المنادى أو تعجبت منه. قال: لأن كلامه يقتضي أن المستغاث به والمتعجب منه يكون منادى. قال: والمنادى لا يكون ذلك إلا في ما استثني (¬3). انتهى. وكان الشيخ فهم أن مراد المصنف بقوله: المنادى الاسم الذي من شأنه أن ينادي وليس مراده ذلك. إنما المراد بالمنادى الاسم الذي تطلب إقباله عليك، ولهذا قال في شرح الكافية: «إذا نودي المنادى ليخلص من شدة أو يعين على دفع مشقة فنداؤه استغاثة وهو مستغاث (أو مستغاث به)» (¬4). فبين بهذا الكلام أن المنادى كما أنه مطلوب إقباله فالمستغاث مطلوب منه الإقبال أيضا، لكن ليخلص المنادى مما هو فيه أو يعينه على دفع ما يكره. ثم حكم المستغاث بعد ذلك أن يجر بلام أو يختم بألف، وقد يخلو عنهما إذا دلّ على الاستغاثة دليل وهو أن يذكر بعد الاسم المنادى مستغاثا من أجله كما سيأتي. ولا يفهم من هذا أن الاسم المستغاث هو الاسم الذي ينادى حتى يورد على هذا أن المنادى لا يكون ذا «ال» والمستغاث قد يكون ذا «ال». الثاني: نصّوا على أنه لا ينادى على سبيل الاستغاثة إلّا «بيا» من بين سائر حروف النداء قالوا: لأنها أم الباب. وندر قول عمر - رضي الله تعالى عنه - لعمرو بن العاص: «وا عجبا لك يا ابن العاص» (¬5). ثم كون يا لا يجوز حذفها مع المستغاث قد عرف في أول الباب. - ¬

_ (¬1) الأصل: فسل. (¬2) انظره في الترمذي: صفة القيامة، باب (59). (¬3) التذييل (4/ 213). (¬4) شرح الكافية الشافية (3/ 1334). (¬5) البخاري: المظالم (46)، وشواهد التوضيح (ص 210).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكم التعجب في الأمرين المذكورين حكم الاستغاثة. ثم إن المصنف لم يتعرض في شيء من كتبه إلى ذكر ما تتعلق به لام الجر الداخلة على المستغاث، ولا إلى ذكر ما تتعلق به اللام الداخلة على المستغاث من أجله. وقد تعرض إلى ذلك أبو الحسن ابن عصفور فذكر أن في اللام الداخلة على المستغاث ثلاثة أقوال. قيل: إنها تتعلق بما في «يا» من معنى الفعل. قال: وهو رأي ابن جني (¬1)، وردّه ابن عصفور بأن معاني الحروف لا تعمل في الظروف ولا المجرورات. وقيل: بأن اللام زائدة وردّه بأن الأصل عدم الزيادة، وقيل: إنها تتعلق بالفعل الذي قلناه إنه يعمل في المنادى، واختاره ابن عصفور (¬2)، قال الشيخ وابن الضائع أيضا: وهو مذهب سيبويه (¬3). قال ابن عصفور: فإن قيل: الفعل الذي يعمل في المنادى يعمل بنفسه فكيف يصل هذا باللام ثم أجاب عن ذلك بأن الفعل المتعدي إلى مفعول يجوز أن يتعدى بنفسه وبحرف الجر نحو: ضربت زيدا وضربت لزيد. قال: وهذا قليل مع ظهور الفعل، فإذا كان الفعل مضمرا كان أقوى (¬4). انتهى. ولو قدر الفعل بعد وقال: إن وجود اللام داخلة على الاسم مع الفعل المتعدي أوجب لنا أن نقدر العامل مؤخرا لكان أولى. فإن من المعلوم أن المعمول إذا تقدم على الفعل المتعدي جاز دخول الحرف؛ قال تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (¬5). ثم إن الشيخ بحث في ما ذكره ابن عصفور فقال: لابن جني أن يقول: الحرف يعمل بما فيه من معنى الفعل فقد عملت كأن بما فيها من معنى التشبيه في الحال، وكذا هاء التنبيه تعمل في الحال أيضا، كما عرفت ذلك في بابه. وقال: وأما نسبتهم العمل في الفعل المقدر، واعتذارهم عن دخول اللام ففيه تكلف. قال: والأولى القول بالزيادة فيقال: زيدت اللام لمدّ الصوت قال: والدليل على زيادتها - ¬

_ (¬1) المنصف (3/ 61، 62)، والأشموني (3/ 164). (¬2) شرح الجمل (2/ 109 - 111). (¬3) انظر على الترتيب التذييل (4/ 12)، وشرح الجمل لابن الضائع لوحة (ص 55، 56)، والكتاب (2/ 215 - 218، 219). (¬4) شرح الجمل (2/ 109). (¬5) سورة يوسف: 43.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معاقبتها في آخره فزادوا الحرفين لمدّ الصوت. قال: ولما كان معناهما واحدا في الزيادة تعاقبا فلم يجز الجمع بينهما (¬1). انتهى. ولقائل أن يقول: أما كون بعض الحروف يعمل بما فيه من معنى الفعل فصحيح. ولكن يتعذر ذلك في نحو: يا لزيد؛ لأن القائل بأن العامل معنى الحرف إما أن يقدر فعلا أو لا. فإن قدر الفعل وجب أن يكون هو العامل؛ لأننا إنما نعمل الحرف بما فيه من معنى حيث لا يكون معنا عامل صالح، لأن العامل المعنوي إنما يحتاج إليه عند فقد العامل اللفظي، وإن لم يقدر الفعل أشكل الأمر لأنه يلزم من ذلك أن يكون كلام تام مركبا من اسم وحرف، وامتناع ذلك معلوم. وأما كون اللام تكون زائدة فإن القول به يقتضي جواز مراعاة عامل المحل في مدخولها، ولا يظهر جواز اعتبار المحل في الاسم المستغاث مجرورا باللام. ولا شك أن عدم جواز مراعاة محله دليل على أن اللام ليست زائدة، نعم إن قيل بأن له محلّا فربما يتم ما قاله. وسيذكر بعد أن بعضهم [4/ 202] جعل له محلّا، وأما لام المستغاث من أجله ذكروا أنها متعلقة بفعل مضمر تقديره أدعوك لكذا. هكذا ذكر ابن عصفور (¬2). وزعم ابن الضائع أنها تتعلق بفعل النداء. وقال آخرون: أنها تتعلق بمحذوف في موضع الحال فالتقدير: يا لزيد مدعوّا لعمرو، [و] هو مبني على أن الحال تجيء من المنادى وعلى ما قال ابن عصفور يكون الكلام جملتين وهو بعيد. وقول ابن الضائع يلزم منه تعلق حرفي جر بعامل واحد. قد يقال: ليس ذلك بممتنع لأن الحرفين إذا اختلف معناهما جاز أن يتحد ما تعلقا به. ثم إنك قد عرفت أن اللام مع المستغاث مفتوحة ومع المستغاث من أجله مكسورة، وأن الفتح مع المستغاث إنما كان لوقوعه موقع ضمير الخطاب. ومنهم من يقول: إن الفتح للفرق بينها، وبين لام المستغاث من أجله. والحق أن علة الفتح مجموع الأمرين. والأمران هما شبه المضمر، والفرق؛ - ¬

_ (¬1) كلّ في التذييل (4/ 214). (¬2) شرح الجمل (2/ 109).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليندفع سؤال الدور. وهو لم لم يكن الأمر بالعكس لو عللنا بمجرد الفرق. ولو عللنا بمجرد شبه المضمر لورد على ذلك المعطوف في مثل: يا لزيد ولعمرو، فإن الثاني أيضا منادى ولم تفتح معه اللام؛ لأنه قد علم بالعطف أنه مستغاث لكن كسر اللام مع المستغاث من أجله إنما هو بالنسبة إلى الأسماء الظاهرة. وأما بالنسبة إلى المضمرات فاللام مفتوحة إلا أن يكون الضمير ياء المتكلم فإنها تكسر كما مع الظاهر فعلى هذا إذا قلت: يا لك احتمل أن يكون مستغاثا ومستغاثا من أجله. وكذا إذا قلت: «يا لي» احتمل الأمرين. البحث الثالث: البيت الذي أنشده المصنف مستشهدا به على التعجب وهو قول الشاعر: 3477 - لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم ... أدلّ وأمضى من سليك المقانب (¬1) أنشده ابن عصفور أيضا مستشهدا به لذلك، وأنشد بعده: 3478 - تزورنها ولا أزور نساءكم ... ألهفا لأولاد الإماء الحواطب (¬2) قال: فنادى برثن مستغيثا بمن لم يزر امرأته منهم على من زارها ومتعجبا من فعل بعضهم معه (¬3). وكأنه قال: يا لبرثن امنعوا من زيارتها بعضكم وذلك أنه اتهم قوما من بني برثن كانوا يزورون امرأته لفساد بينهم وبينها؛ ولذلك شبههم بسليك في دقة حيلتهم في الفساد. قيل: وإنما اشتركت الاستغاثة والتعجب في هذه الصورة؛ لمشاركتها في بعض المعنى؛ إذ سببها أمر عظيم عند المنادى، أما الاستغاثة فلوقوع أمر يطلب دفعه أو المعونة عليه، وأما التعجب فالنداء فيه على وجهين: أحدهما: أن يرى أمرا عظيما فيتعجب منه فينادى جنسه ليحضر نحو: يا للماء، ويا للعجب. والثاني: أن يرى أمرا يستعظمه فينادي من له نسبة إليه ومكنة فيه بوجه ما كأن يرى جهّالا أخذوا المناصب، فيقول: يا للعلماء أي: يا قوم عجبا لهذا الأمر، ولهذه العظام. ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) انظر البيت السابق في المقرب (1/ 183). (¬3) المصدر السابق، وشرح الجمل (2/ 110).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البحث الرابع: ذكر الشيخ عن «صاحب البسيط» أنه قال: المستغاث به والمتعجب منه منادى، وعلة البناء موجودة فيه، فهلّا بقي على بنائه حين دخلت عليه لام الجر كما تقول لهذا، ومن قبل، ومن بعد. فالجواب أن «يا» صار حكمها في النداء حكم العامل؛ إذ النداء فيها شبيه بالإعراب، فلما دخل الحرف لمعناه زال عمل «يا» لفظا وصار بمنزلة ما زيد بجبان، فعلى هذا له موضع رفع، فإذا نعت كان فيه ثلاثة أوجه (¬1) انتهى. ولا يخفى بعد ما ذكره ويدل على ضعفه، أنه قال بعد ذلك: وقيل: كان الأصل البناء إلّا أنه لما دخلت عليه لام الجر وحرف الجر خاص بالأسماء مع أن بناء المنادى ليس ببناء أصلي روعي فيه أصله فعمل (¬2). ولا شك أن هذا كلام حسن وهو أولى مما قاله أولا. ثم قال: وقيل: لمّا دخلت عليه صار عاملا ومعمولا، فأشبه المضاف فلم يعمل فيه النداء فعمل الجار. قال: فعلى هذين التعليلين لا موضع رفع له. فإذا نعت كان في جر أو نصب كما تقول: مررت بزيد وعمرا، والجر أحسن (¬3). انتهى. وقد تقدم لنا البحث في أن اعتبار المحل غير ظاهر. فأما اعتباره رفعا فقد صرح الآن بأنه غير جائز. وأما اعتباره نصبا ففيه نظر يلتفت إلى اشتراط المحرر وعدمه. وأما تنظيره بقوله: مررت بزيد وعمرا فالمحققون لا يجيزون ذلك كما تقدم لنا في أوائل الكتاب، فإن بنى جواز يا لزيد وعمرا على مسألة: مررت بزيد وعمرا منعت المسألة لامتناع ما بنيت عليه. البحث الخامس: قد عرفت أن المستغاث قد يحذف ويلي المستغاث من أجله إذا علم أنه غير صالح لأن يكون مستغاثا، وأنشد المصنف على ذلك يا لأناس أبوا إلّا مثابرة. - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 215)، وتقدم لنا أن صاحب البسيط هو «ابن العلج»، وانظر الهمع (1/ 181). (¬2) التذييل (4/ 215). (¬3) التذييل (4/ 315).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال: التقدير يا لقومي لأناس. وقد جعل ابن عصفور من ذلك قول الراجز: 3479 - يا عجبا لهذه الفليقة ... هل تذهبنّ القوباء الرّيقة (¬1) قال يزيد: يا قوم عجبا. وما قاله غير ظاهر، فإنه لا معنى للاستغاثة في هذا البيت، بل هو إما نداء محض نادى قومه ثم أخبر أنه تعجب لهذا الأمر. فالتقدير: يا قوم أعجب عجبا، فقوله: عجبا منصوب على المصدر. هذا إن كانت الرواية بالتنوين، وإن كانت بغير تنوين فيكون التقدير يا عجبي، ثم إنه حذف وعوض عنها الألف كما يقال في يا عبدي: يا عبدا ويكون نداء أريد به التعجب. فالحق أن لا استغاثة في البيت. ثم اعلم أن ابن جني أجاز في قول الشاعر: 3480 - فيا شوق ما أبقى ويا لي من النّوى ... ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى (¬2) أن يكون يا لي مستغاثا به كأنه استغاث بنفسه من النوى قال: ويمكن أن يكون استغاث لنفسه وحذف المستغاث به .. انتهى (¬3). وإنما جوز ابن جني الأمرين؛ لأن لام المستغاث من أجله إنما تكون مع ياء المتكلم [2/ 203] مكسورة مستغاثة كانت أو مستغاثا من أجلها، كما أنها مع الضمير غير الياء إنما تكون مفتوحة مستغاثا ما هو متصل به كان أو مستغاثا به نحو: يا لك كما تقدم تقدير هذا، لكن قال ابن عصفور: الأصح عندي أن «يا لي» حيثما وقع يكون الضمير فيه مستغاثا له، والمستغاث به محذوف؛ لأن العامل في المستغاث به إنما هو الفعل المضمر الذي قام حرف النداء مقامه (¬4). وقد نص على ذلك سيبويه في باب الجر (¬5). - ¬

_ (¬1) رجز لابن قنان - إصلاح المنطق (ص 344)، والحلل (ص 225)، وشرح شواهد الشافية (ص 399)، واللسان: قوب، والمنصف (3/ 61). (¬2) من الطويل للمتنبي - ديوانه (1/ 40)، والأشموني (3/ 163)، والعيني (4/ 266)، والمغني (1/ 183) الأمير، برواية: «ما أقسى» بدل «ما أصبى». (¬3) المصادر السابقة. (¬4) شرح الجمل (2/ 111)، والمغني (1/ 183). (¬5) الكتاب (1/ 421).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإذا جعلت الضمير في قولك: «يا لي» واقعا على المستغاث به لزم أن يكون التقدير: يا أدعو لي فيؤدي ذلك إلى تعدي فعل المضمر المتصل إلى ضمير المتصل، وذلك لا يجوز إلّا في باب ظننت، وفقدت، وعدمت، قال الشيخ: وهذا الذي قال - يعني ابن عصفور - صحيح على مذهب سيبويه: فأما ابن جني فلا يلزمه ذلك؛ لأن اللام تتعلق عنده بما في يا من معنى الفعل ولا يجري يا مجرى صريح الفعل؛ لأنها لا تتحمل ضميرا، كما لا تتحمله هاء التنبيه إذا عملت في الحال قال: وأما على رأي من يقول بزيادة اللام - وهو ابن خروف - فيطيح رد ابن عصفور ومنعه (¬1). البحث السادس: في شرح الكافية: يا يزيد الآمل نيل عزّ ... وغنى بعد فاقة وهوان (¬2) وذكر في الشرح المذكور أن المستغاث قد يخلو من اللام ومن الألف كقول الشاعر: 3481 - ألا يا قوم للعجب العجيب ... وللغفلات تعرض للأريب (¬3) ولم يذكر ذلك في التسهيل، ولا في شرحه، وإنما قال أنهما قد يستغنى عنهما في التعجب، مقتصرا على ذلك. ثم إن المستغاث إذا لحقته الألف فالظاهر أن له حكم نفسه من بناء أو إعراب، وكأنه يصير كالمندوب، والمتعجب منه كالمستغاث في ذلك. * * * ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 216). (¬2) شرح الكافية الشافية (3/ 1337). (¬3) من الوافر - الأشموني (3/ 166)، والتصريح (2/ 181)، والعيني (4/ 263)، وانظر شرح الكافية الشافية (3/ 1338).

الباب الخمسون باب الندبة

الباب الخمسون باب النّدبة (¬1) [تعريف المندوب - مساواته للمنادى في أحكامه] قال ابن مالك: (المندوب هو المذكور بعد «يا» أو «وا» تفجّعا لفقده حقيقة أو حكما أو توجّعا؛ لكونه محلّ ألم أو سببه، ولا يكون اسم جنس مفردا ولا ضميرا، ولا اسم إشارة ولا موصولا بصلة لا تعيّنه. ويساوى المنادى في غير ذلك من الأقسام والأحكام ويتعيّن إيلاؤه «وا» عند خوف اللّبس). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬2): الندبة إعلان المتفجع باسم من فقده بموت أو غيبة كأنه يناديه، والقصد الإعلام بعظمة المصاب، وقال في شرح التسهيل (¬3): المذكور تفجعا لفقده حقيقة كقول الباكي على ميت اسمه زيد: يا زيدا أو وا زيدا. ومنه قول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه (¬4): 3482 - تنعى النّعاة أمير المؤمنين لنا ... يا خير من حجّ بيت الله واعتمرا حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر الله يا عمرا (¬5) ومثله قول الآخر: 3483 - وا هنيّا أطمعت مذينت أعدا ... ي وقدما أو سعتهم بك قهرا (¬6) - ¬

_ (¬1) ينظر في هذه الباب: الأشموني (3/ 167 - 170)، والأصول (1/ 355 - 358)، وأوضح المسالك (4/ 52 - 54)، والتذييل (4 / ق 217/ 221)، والتصريح (2/ 181 - 184)، والرضى (1/ 156 - 159)، وشرح الجمل (2/ 127 - 133)، وشرح المفصل (2/ 13 - 15)، والكتاب (2/ 220 - 229، 231، 4/ 165، 236)، والكفاية (57، 58)، والهمع (1/ 179، 180). (¬2) شرح الكافية الشافية (3/ 1341). (¬3) شرح التسهيل (3/ 413). (¬4) أمير المؤمنين وكان يدعى أشج بني أمية وهو خامس الخلفاء الراشدين رمحته دابة وهو شاب فشجته (ت 101 هـ) صفة الصفوة (2/ 63)، وفوات الوفيات (2/ 105). (¬5) من البسيط - ديوانه (ص 235)، والدرر (1/ 155)، والعيني (4/ 229، 273)، والمغني (411)، والهمع (1/ 180). (¬6) من الخفيف - التذييل (4/ 217).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمندوب تفجعا لكونه في حكم المقصود كقول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: واعمراه واعمراه حين أعلم بجدب شديد أصاب قوما من العرب. وكقول الخنساء ومن أسر معها من آل صخر وصخر غائب غير مرجو الحضور: واصخراه واصخراه. والمندوب توجعا لكونه سببا للألم كقول قيس العامري: 3484 - فواكبدا من حبّ من لا يحبّني ... ومن عبرات ما لهنّ فناء (¬1) والمندوب توجعا لكونه سببا للألم كقول ابن قيس الرقيات: 3485 - تبكيهم دهماء معولة ... وتقول سلمى وا رزيّتيه (¬2) ولا يندب اسم جنس مفرد ولا ضمير ولا اسم إشارة ولا موصول بصلة لا يتعين بها المندوب فلا يقال في رجل: وارجلاه ولا في أنت: واأنتاه ولا في هذا: وا هذاه ولا في من ذهب: وا من ذهباه. ويندب اسم الجنس المضاف نحو: وا غلام زيداه والموصول بصلة تعين الموصول نحو: وا من حفر بئر زمزماه. ونبهت بقولي: (ويساوي المنادى في غير ذلك من الأقسام) على أنه قد يكون علما واسم جنس مضافا وموصولا بصلة معينة. ومن مساواته المنادى في الأحكام أنه إذا لم يل آخره الألف ضم إن كان مما يضم في النداء نحو: وا زيد، ونصب إن كان مما ينصب في النداء نحو: واعبد الله، وواضروبا رؤوس الأعداء، وواثلاثة وثلاثين، ويلحق الزيادة وا ثلاثة وثلاثيناه، ومن مساواته إياه في الأحكام أنه إذا دعت الضرورة إلى تنوينه جاز استصحاب ضمته [وتبدل فتحه بها] (¬3) كقول الراجز: 3486 - وا فقعسا وأين منّي فقعس ... [أإبلي يأخذها كروّس] (¬4) كذا روي منصوبا ولو قيل بالضم وا فقعس لجاز. وإذا أمن أن يلتبس المندوب بمنادى غير مندوب جاز وقوعه بعد يا ووا نحو: من حفر بئر زمزم. فلو قيل هنا: يا من حفر بئر زمزم لم يخف لبس فاستعمال يا ووا فيه جائز بخلاف قولك: وا زيد، - ¬

_ (¬1) من الطويل ديوانه (ص 41)، والأغاني (1/ 176)، والتصريح (2/ 181). (¬2) من الكامل ديوانه (ص 99)، والتصريح (2/ 181)، والكتاب (1/ 321)، والمقتضب (4/ 272). (¬3) الأصل: وتبديلها بفتحة - خطأ لغوي، فالياء تدخل على المتروك. (¬4) انظر هذا الرجز - وقد ذكرنا تتمته - في الأشموني (3/ 168)، والعيني (4/ 272)، والمجالس (ص 542)، والهمع (1/ 172، 179).

[من أحكام المندوب]

[من أحكام المندوب] قال ابن مالك: (ويلحق جوازا آخر ما تمّ به ألف يفتح لها متلوّها متحرّكا، ويحذف إن كان ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب وقد تفتح). ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحضرة من اسمه زيد، فلا يجوز أن يستعمل فيه إلّا وا؛ لأن الذي يليها لا يكون إلّا مندوبا. ولا تتعين الندبة بالألف التي تلي الآخر والحرف المنبه به يا؛ لأن المنادى البعيد قد تلي الألف آخره كقول امرأة لابن أبي ربيعة: نظرت إلى كعبتي فرأيت ملء العين وأمنية المتمني فصحت يا عمراه، فقال عمر: يا لبيكاه (¬1). ولم ير سيبويه زيادة الألف المذكورة إلّا في ندبة، أو استغاثة، أو تعجب (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): آخر ما تم به المندوب يعم آخر المفرد نحو: وا زيداه، وآخر المضاف إليه نحو: وا عبد الملكاه، وآخر الصلة نحو: وا من حفر بئر زمزماه، وآخر المركب تركيب مزج نحو: وا تأبط شراه [4/ 204] وقيدت لحاق هذه الألف بالجواز لئلّا يعتقد لزومه. ونبهت على فتح متلوها ليعلم أن ضمة يا زيد وكسرة يا عبد الملك وما أشبههما مستوية في [تبدل فتحة بها] لأجل الألف نحو: يا زيداه ويا عبد الملكاه، وإن وجدت الفتحة قبل أن يجاء بالألف استصحبت إذا جيء بالألف كقولك في عبد يغوث: وا عبد يغوثاه. ونبهت بقولي: (وتحذف إن كان ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب) على حذف المتمم إن كان ألفا كقولك في موسى: وا موساه، أو تنوينا كقولك في غلام زيد: وا غلام زيداه أو ياء ساكنة مضافا إليها كقولك في غلامي: وا غلاماه. وقد يقال: يا غلامياه. ومن قال في النداء: يا غلامي بالفتح استصحب الفتح في الندبة نحو: وا غلامياه، ومن لم يجئ بالألف فله أن يقول: وا غلامي بالسكون و: وا غلاميه باستصحاب الفتحة - ¬

_ (¬1) الهمع (1/ 180). (¬2) الكتاب (2/ 218)، وانظر أيضا شرح التسهيل (3/ 415). (¬3) شرح التسهيل (3/ 415).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزيادة هاء السكت كما قال ابن قيس: وتقول سلمى وا رزيّتيه (¬1) انتهى. وإنما قيد الياء الساكنة بقوله: (مضافا إليها المندوب)؛ ليعلم أن هذا الحكم الذي ذكره وهو الحذف إنما يكون إذا كان المضاف إلى الياء هو المندوب، فأما إذا كان المندوب مضافا إلى مضاف إلى الياء، فإن الياء تلزم؛ لأن المضاف إليها غير مندوب نحو أن يقال: واغلام أخي. ثم قد ذكر في الشرح أنه قد يقال: يا غلامياه. والظاهر أن هذا مراده بقوله في المتن: (وقد تفتح) فعلمنا أن الياء الساكنة المضاف إليها المندوب لك فيها وجهان. الحذف وهو الكثير، وإثباتها مفتوحة وهو القليل وهذان الوجهان هما اللذان أشار إليهما في الألفية بقوله: وقائل واعبديا واعبدا ... من في النّدا الياذا سكون أبدي وقال في شرح الكافية: إذا ندب المضاف إلى ياء المتكلم على لغة من أثبتها مفتوحة زيدت الألف ولم يحتج إلى عمل ثان؛ لأن الياء مهيأة لمباشرة الألف بفتحها. وإذا ندب على لغة من حذف الياء مكتفيا بالكسرة جعل بدل الكسرة فتحة وزيدت الألف، وإذا ندب على لغة من يبدل الياء ألفا حذفت الألف المبدلة وزيدت ألف الندبة كما يفعل بالمقصور وإذا ندب على لغة من يثبت الياء ساكنة جاز حذف الياء وفتحها (¬2). ثم نبه في هذا الكتاب - أعني شرح التسهيل - على أن من ندب على لغة من يثبت الياء مفتوحة إذا لم يأت بالألف له أن يسكن الياء وله أن يستصحب الفتحة ويزيد هاء السكت كما عرفت من كلامه. واعلم أن الشيخ ذكر في شرحه أن حذف الياء الساكنة المضاف إليها المندوب هو مذهب المبرد (¬3) وأن سيبويه ذهب إلى أنه لا يجوز في ندبة الاسم المضاف إلى ياء المتكلم في لغة من أسكنها في النداء إلا إثبات الياء (¬4). وقد ردّ على سيبويه بأن من سكن لا يحرك وهما لغتان على ما نص سيبويه، - ¬

_ (¬1) تقدم قريبا فارجع إليه إن شئت، وانظر شرح التسهيل (3/ 415). (¬2) شرح الكافية الشافية (3/ 1349). (¬3) المقتضب (4/ 331). (¬4) الكتاب (3/ 270).

[من أحكام ألف الندبة]

[من أحكام ألف الندبة] قال ابن مالك: (وقد تلحق ألف النّدبة نعت المندوب، والمجرور بإضافة نعته ويقاس عليه وفاقا ليونس، وقد تلحق منادى غير مندوب ولا مستغاث خلافا لسيبويه، ويليها في الغالب سالمة ومنقلبة هاء ساكنة تحذف وصلا. وربّما ثبتت مكسورة أو مضمومة. ويستغنى عنها وعن الألف في ما آخره ألف وهاء، ولا تحذف همزة ذي ألف التّأنيث الممدودة، خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا كان الإسكان لغة فلا حكم للحركة في الياء. فإذا لحقت الألف انبغى أن تحذف الياء وزعم سيبويه أنها تحرك؛ لأنه لا ينجزم حرفان (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف: لا يجيز الخليل، ولا سيبويه أن تلحق ألف الندبة نعت المندوب (¬2). وأجاز ذلك يونس نحو أن تقول: وازيد البطلاه (¬3)، ويؤيد قول يونس قول بعض العرب: واجمجمتي الشاميتيناه (¬4)، وقول الشاعر: 3487 - ألا يا عمرو وعمراه ... وعمرو بن الزّبيراه (¬5) فلحقت في الشاميتيناه وهو نعت مندوب ولحقت في عمراه وهو توكيد مندوب ولحقت في الزبيراه وهو مضاف إليه نعت معطوف على مندوب فلحاقها نعت المندوب أولى بالجواز، وكذا لحاقها المضاف إليه نعت المندوب كقول الراجز: 3488 - كم قائل يا أسعد بن سعداه ... كلّ امرئ باك عليك أوّاه (¬6) وأجاز غير سيبويه أن تلحق الألف منادى خاليا من استغاثة وتعجب وندبة كقول امرأة لعمر بن أبي ربيعة: نظرت إلى كعبي فرأيت ملء العين وأمنيّة المتمنّي فصحت يا عمراه فقال: يا لبّيكاه. والأكثر كون ألف المندوب في الوقف متلوة بهاء ساكنة تسمى هاء السكت، وكذا ألف الاستغاثة والتعجب. وقد تثبت في الوصل مكسورة ومضمومة، وقد تكلم على ذلك في غير الندبة. ومن لحاقها مضمومة في - ¬

_ (¬1) السابق، وانظر نص الشيخ - هذا - في التذييل (4/ 218). (¬2) الكتاب (2/ 225). (¬3) الكتاب (2/ 226). (¬4) السابق، والجمجمة: القدح، أو الجماجم سادات العرب ورؤسائهم. (¬5) من الهزج - الأشموني (3/ 171)، والعيني (4/ 273)، والمقرب (1/ 184)، والهمع (1/ 180). (¬6) انظره في التذييل (4/ 219).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الندبة قول الشاعر: 3489 - ألا يا عمرو عمراه ... وعمرو بن الزّبيراه (¬1) ويعرض قلب ألف الندبة ياء أو واوا قبلها الهاء مقلبة على نحو ما وليتها سالمة. وسنبين سبب انقلابها. وإن كان آخر المندوب وما أشبهه ألفا وهاء استغنى فيه عن ألف الندبة وهائها استثقالا لألف وهاء بعد ألف وهاء. فلا يقال في عبد الله: يا عبد اللهاه، ولا في جهجاه: يا جهجاهاه لما فيه من الثقل. ولو كان موضع الهاء التي هي آخر الاسم همزة لم يمنع إيلاؤها ألف الندبة ولم تحذف إلّا عند الكوفيين فإنهم يقولون في ندبة حمراء علما: وا حمراه بحذف الهمزة والألف التي كانت قبلها. وعلى ذلك نبهت بقولي: (ولا تحذف همزة ذي ألف التأنيث الممدودة خلافا للكوفيين) (¬2) انتهى. [4/ 205] وقد عرفت اختياره مذهب يونس وما احتج به له. وقال يونس: لم تلحق ألف الندبة المضاف إليه إلا لكونه مع المضاف كالشيء الواحد (¬3) قال: وكذلك الصفة مع الموصوف هما كالشيء الواحد. وأجيب عن ذلك بأن الصفة ليست كالمضاف إليه لفصل التنوين بينهما بخلاف المضاف والمضاف إليه. وقد قال سيبويه: إن المضاف إليه من تمام الاسم الأول وهو بمنزلة التنوين والنعت منفصل من المنعوت إن شئت جئت به وإن شئت لم تجئ (¬4). قال الخليل: لو جاز إلحاق العلامة الصفة لجاز إلحاقها الخبر في وا زيد أنت الفارس البطلاه؛ لأن هذا غير نداء كما أن الصفة غير نداء، وليس هذا كقولك: واأمير المؤمنيناه (¬5) والذي يراه يونس في هذه المسألة هو مذهب الكوفيين أيضا. وذهب خلف الأحمر (¬6) إلى أن ألف الندبة تلحق نعت أي في النداء نحو: يا أيها - ¬

_ (¬1) تقدم قريبا. (¬2) شرح التسهيل (3/ 417). (¬3) الكتاب (2/ 225، 226). (¬4) الكتاب (2/ 225). (¬5) السابق. (¬6) خلف ابن حيان أبو محرز هو معلم الأصمعي وأهل البصرة، كان يصنع الشعر وينسبه إلى العرب (ت 180 ق. هـ) - الأعلام (2/ 358)، والبغية (242)، والسمط (ص 412)، والمزهر (1/ 176).

[أحكام أخرى لألف الندبة]

[أحكام أخرى لألف الندبة] قال ابن مالك: (يبدل من ألف النّدبة مجانس ما وليت من كسرة إضمار أو يائه أو ضمّته أو واوه. وربّما حمل أمن اللّبس على الاستغناء بالفتحة والألف عن الكسرة والياء، وقبلها ياء بعد نون اسم [مثنّى] جائز خلافا للبصريّين. ولا تقلب بعد كسرة «فعال» ولا بعد كسرة إعراب، ولا يحرّك لأجلها تنوين بكسر ولا فتح. ولا يستغنى عنها بالفتحة خلافا للكوفيين في المسائل الأربع). ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجلاه بناء على أن النعت هنا هو المقصود بالنداء فهو المنادى في الحقيقة (¬1). لكن الجماعة على خلافه. ثم قد عرفت ما ذكره المصنف من أن الهاء قد ثبتت وصلا مكسورة أو مضمومة، لكن مذهب سيبويه والأكثرين أنه لا يجوز ذلك (¬2)، وأجاز ذلك الفراء (¬3). ومذهب البصريين أن ما فيه الإثبات وصلا [فهو] من إجراء الوصل مجرى الوقف الذي لا يجوز إلّا في الضرورة. قال الشيخ: الذي منعه المصنف من يا عبد اللاهاه صرح أصحابنا بخلافه. قال: وقواعد باب الندبة وإطلاق النحاة في نداء الأعلام يجيز ذلك فيحتاج في المنع إلى دليل واضح (¬4). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬5): إذا كان آخر المندوب علامة إضمار مكسورة أو مضمومة حوفظ على الكسرة والضمة وجعل بدل ألف الندبة ياء بعد الكسرة وواوا بعد الضمة فيقال في ندبة غلامك: وا غلامكيه، وفي ندبة أنت أو فعلت علما: واأنتيه ووافعلتيه، ويقال في ندبة غلامه أو غلامهم: وا غلامهوه ووا غلامهموه ويقال في ندبة مسمى بفعلت: وا فعلتوه، ويقال في المسمى بقومي وقاموا: وا قوميه، ووا قاموه، وروعي في هذه الأمثلة وأشباهها جانب ما قبل الألف ليؤمن - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 219)، والهمع (1/ 180). (¬2) الكتاب (4/ 165، 166). (¬3) المصدرين قبل السابق. (¬4) التذييل والتكميل (4/ 220). (¬5) شرح التسهيل (3/ 417).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللبس؛ إذ لو قيل: وا غلامكاه، ووا أنتاه، ووا فعلتاه مراعاة لجانب الألف لجهل التأنيث المدلول عليه بالكسرة، ولو قيل: وا غلامهاه، ووا غلامهماه، ووا فعلتاه لجهل المعنى المدلول عليه بالضمة. ولو قيل في قومي وقاموا: وا قوماه ووا قاماه لجهلت الحكاية. ونبهت بقولي: (وربّما حمل أمن اللبس على الاستغناء بالفتحة والألف عن الكسرة والياء) على قول ابن أبي ربيعة للمرأة التي قالت له: يا عمراه، فقال هو: يا لبّيكاه، ولم يقل يا لبيكيه؛ لأمن اللبس. والبصريون يلتزمون فتح نون التثنية في ندبة المثنى فيقولون: يا زيداناه والكوفيون يجيزون هذا، ويجيزون أيضا أن يقال: يا زيدانيه وهو عندي أولى من الفتح وسلامة الألف لوجهين أحدهما: أن في الفتح وسلامة الألف إيهام أن اللفظ ليس لفظ تثنية وإنما هو من الأعلام المختتمة بألف ونون مزيدتين كسلمان ومروان. الثاني: أن أبا حاتم حكى أن العرب يقولون في ندائهن مثنّى: يا هنانيه (¬1) ولم يحك يا هناناه. والقياس إنما يكون على ما سمع لا على ما لم يسمع. وأجاز الكوفيون أن يقال: يا رقاشية، ويا عبد الملكية، ويا غلام زيدنيه، ويا زيدناه، وأن يقال: يا عمر استغناء بالفتحة عن الألف، وما رواه حسن لو عضّده سماع، لكن السماع فيه لم يثبت فكان الأخذ به ضعيفا (¬2). انتهى. وليعلم أن الياء في وا قوميه بدل من ألف الندبة؛ لأن ياء الضمير - أعني ضمير المخاطبة بالقيام - حذفت لالتقائها ساكنة مع الألف، ثم أبدلت ألف الندبة ياء لانكسار ما قبلها، وكذا الواو في: وا قاموه بدل من ألف الندبة أيضا؛ لأن الواو التي هي ضمير حذفت لسكونها قبل ألف الندبة، ثم أبدلت الألف واوا لانضمام ما قبلها. * * * ¬

_ (¬1) راجع في ذلك - الأشموني (3/ 162)، وتعليق الصبان على هذه المسألة، والهمع (1/ 178). (¬2) شرح التسهيل (3/ 418).

الباب الحادي والخمسون باب أسماء لازمت النداء

الباب الحادي والخمسون باب أسماء لازمت النداء (¬1) [ذكرها وما يتعلّق بها من أحكام] قال ابن مالك: (وهي «فل» و «فلة» و «مكرمان» و «ملأمان» و «ملأم» و «لؤمان» و «نومان» والمعدول إلى «فعل» في سبّ المذكّر وإلى «فعال» مبنيّا على الكسر في سبّ المؤنّث، وهو والّذي بمعنى الأمر مقيسان في الثّلاثي المجرّد وفاقا لسيبوبه. وقد يقال: رجل مكرمان وملأمان، وامرأة ملأمانة ونحو: «أمسك فلانا عن فل»، و «قعيدته لكاع» من الضّرورات). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): يقال في النداء: يا فل للرجل، ويا فلة للمرأة بمعنى يا فلان ويا فلانة وهما الأصل. ولا يستعملان منقوصين في غير نداء إلّا في ضرورة كقول الراجز: 3490 - في لجّة أمسك فلانا عن فل (¬3) ويقال أيضا في نداء العزيز الكريم: يا مكرمان وفي نداء ضده يا ملأمان، ويا ملأم ويا لؤمان. ويقال في نداء الكثير النوم: يا نومان، والمشهور أن لا يستعمل شيء من هذه الخمسة في غير نداء، وكذلك المعدول في سب الذكور إلى فعل نحو: يا غدر ويا فسق ويا خبث، وكذلك المعدول في سب الإناث إلى فعال نحو: يا غدار ويا فساق ويا خباث. وهذا الثاني وموازنة [4/ 206] الدال على الأمر كنزال وتراك ومناع لا يقتصر فيهما على السماع، بل يصاغان من كل فعل ثلاثي مجرد قياسا فيقال: يا لأم ويا نحاس ويا قذار بمعنى لئيمة ونحسة وقذرة، وكذلك ما أشبهها إذا كان الفعل ثلاثيّا - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 159 - 162)، والأصول (1/ 347) وما بعدها، وأوضح المسالك (4/ 42 - 46)، والتذييل (4 / ق/ 221 - 224)، والتصريح (2/ 179، 180)، والكتاب (2/ 187، 195، 197، 198)، والهمع (1/ 177 - 179). (¬2) انظر شرح التسهيل (3/ 419). (¬3) انظره في الحلل (ص 219)، والدرر (1/ 154)، والكتاب (1/ 333). والمقتضب (4/ 238)، والهمع (1/ 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجردا من الزيادة، وكذا الأمر فتقول: جلاس وقوام ونطاق بمعنى اجلس وقم وانطق، فلو كان الفعل ثلاثيّ الأصول وليس مجردا من الزيادة كأكرم لم يبن منه فعال إلا بسماع كدراك بمعنى أدرك فهذا شاذ، لا يقاس عليه. ومن فعال الذي حقه الاختصاص بالنداء لكاع، وقد استعمل في الضرورة غير منادى كقول الشاعر: 3491 - أطوّف ما أطوّف ثمّ آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع (¬1) وروى ابن سيده أنه يقال: رجل مكرمان وملأمان وامرأة ملأمانة (¬2)، والمشهور اختصاص مكرمان وملأمان بالنداء. انتهى (¬3). ثم إنني أشير إلى أمور: أحدها: أنك عرفت من كلام المصنف أن فل وفلة بمعنى فلان وفلانة، وهو قد قال في باب العلم: وكنوا بفلان وفلانة عن نحو: زيد وهند (¬4). بمعنى أنهما كنايتان عن علم من يعقل. وصرح هنا بأن فلانا وفلانة هما الأصل، يعني أنهما أصل فل وفلة. وكلام ابن عصفور يوافقه في أنهما - أعني فل وفلة - كنايتان عن علم من يعقل، ويخالفه في أن أصلهما فلان وفلانة فإنه قال: وأما فل فهو كناية عن علم ولا يستعمل أبدا إلّا في النداء إلّا في ضرورة الشعر كقوله: 3492 - في لجّة أمسك فلانا عن فل وتقول للمؤنث يا فلة، واختلف فيه النحويون، فمذهب الفراء أنه مرخم من فلان (¬5) ومذهب سيبويه أنه غير مرخم وإنما هو اسم مختص بالنداء (¬6) وهو - ¬

_ (¬1) من الوافر للحطيئة - ديوانه (ص 120)، والجمل (2/ 106)، والخزانة (1/ 408)، والمقتضب (4/ 238)، وابن يعيش (4/ 57). (¬2) الأشموني (3/ 159)، والهمع (1/ 178). (¬3) شرح التسهيل (3/ 420). (¬4) انظر باب العلم. (¬5) الأشموني (3/ 159)، والهمع (1/ 177). (¬6) الكتاب (2/ 198).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيح، ومذهب الفراء باطل؛ لأن أقل ما يبقى عليه الاسم بعد الترخيم ثلاثة أحرف .. فلو كان ترخيم فلان لقيل: يا فلا ولجاء على أصله في بعض المواضع فكان يقال: يا فلان (¬1). وذكر الشيخ عن صاحب البسيط أنه ذهب إلى ما ذهبنا إليه من أنه كناية عن العلم في النداء كما أن فلانا كناية عن العلم قبل النداء. ثم قال الشيخ: وهؤلاء بمعزل عن كلام سيبويه ومذهبه وذلك أن قولك: يا فل ويا فلة ليسا كناية عن العلم بل هما كناية عن قولك: يا رجل ويا امرأة، فهما كناية عن نكرة من يعقل من جنس الإنسان (¬2). قال: وفل مما حذف منه حرف وبقي على حرفين بمنزلة «دم» وليس أصله فلانا؛ إذ ليس أحد يقول: يا فلا أقبل، وإذا عنوا امرأة قالوا: يا فلة. وهذا الاسم اختص بالنداء وبنى على حرفين؛ لأنه موضع تخفيف ولا يكون إلّا كناية لمنادى نحو: يا هناه ومعناه يا رجل. وأما فلان فكناية عن اسم يسمى به المحدّث عنه خاص غالب، وقد اضطر شاعر فبقاه على حرفين في هذا الموضوع قال: في لجّة أمسك فلانا عن فل. هذا ملخص كلام سيبويه في هذه المسألة (¬3). ولذلك لو سمي «بفل» المختص بالنداء ثم صغّر لقيل: فلي بجعله من باب دم لأن أصله فلان فتردّ النون؛ لأنه ليس محذوفا من فلان؛ إذ المعنى ليس المعنى ولا المادة، فحمله على الأكثر وهو أن تكون لامه المحذوفة حرف علة وليس بترخيم فلان. والحاصل أن تركيب فل: (فـ لـ ي)، وتركيب فلان: (فـ لـ ن)، ولما اضطر الشاعر وحذف من فلان وصيره في الشعر بلفظ فل الذي في النداء ذكر سيبويه فيه أن أصله فلان فلم يكن فل المختص بالنداء هو الذي في الرجز عند سيبويه (¬4) قال: وكأن المصنف وابن عصفور وقفا على كلام سيبويه في باب التصغير حيث قال في الباب المذكور في باب ما ذهبت لامه: ومن ذلك فل، - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 80). (¬2) التذييل (4/ 221)، والأشموني (3/ 159)، والهمع (1/ 177). (¬3) التذييل (4/ 222)، والكتاب (2/ 248). (¬4) التذييل (4/ 222).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: فلين، وقولهم: فلان دليل على أن ما ذهب اللام وأنها نون. وفل وفلان معناهما واحد، قال أبو النجم: 3493 - في لجّة أمسك فلانا عن فل (¬1). قال (¬2): فإنما يعني سيبويه فلا الذي هو بمعنى فلان؛ ولذلك قال: ومعناهما واحد، ثم أنشد قول أبي النجم شاهدا على أن معناهما واحد، ولم يتعرض هنا لفل المختص بالنداء؛ لأن معناه غير معنى فلان وقد أوضح ذلك في باب الترخيم (¬3). فابن مالك وابن عصفور لم يقفا على ما ذكره في باب الترخيم من الفرق بينهما. ثانيها: أن الكلمات التي ذكرها المصنف في هذا الفصل تسع، وهي: فل وفلة ومكرمان وملأمان وملأم ولؤمان ونومان والمعدول إلى فعل في سبّ الذكور والمعدول إلى فعال في سب الإناث، وذكر أن المقيس منها فعال، لا غير، فدل على أن باقي الكلمات التي ذكرها موقوفة على السماع، لكن ذكر ابن عصفور أن المقيس منها ثلاث كلمات، قال: «وهي ما عدل إلى فعال أو فعل أو (مفعلان) (¬4). ودل كلامه على أن مفعلان معدول أيضا كفعال وفعل فعلى ما قاله يكون الموقوف على السماع مما ذكره المصنف خمس كلمات لا غير، وهي: فل، وفلة، وملأم، ولؤمان، ونومان». ثم إن المغاربة كابن عصفور وغيره ذكروا من الموقوف على السماع كلمات أخر، وهي: اللهم، ويا هناه، ويا أبت، ويا أمت (¬5). والحق: أن ذكر هذه الكلمات غير محتاج إليه؛ أما اللهم: فلا يقال إنه مختصّ بالنداء، بل يقال إن حرف النداء يجوز أن يباشر الاسم المعظم، ثم إنه يجوز حذفه ويعوض عنه الميم المشددة في الآخر ويلزم من هذا أن اللهم لا يستعمل إلا في النداء، فهذا اللزوم إنما هو من هذه الحيثية، لا أن الاسم مخصوص بالنداء في أول وضعه وأيضا فإن الميم عوض عن حرف النداء. فقولنا: اللهم بمنزلة قولنا: يا لله فاللهم منادى كما أن «الله» منادى، وإذا كان - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 452). (¬2) أي أبو حيان في التذييل (4/ 222). (¬3) الكتاب (2/ 248). (¬4) الأصل: ملأمان - والنص في شرح الجمل (2/ 82). (¬5) شرح الجمل (2/ 79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كذلك فلا يقال [4/ 207] في المنادى إنه مختص بالنداء. وأما أبت وأمت فالأصل فيهما أبي وأمي، وفي النداء يجوز أن يعوض عن الياء التاء فالتاء إنما جاءت في الاسم بعد أن نودي فلزم أن أبت لا يكون إلّا في النداء من هذه الجهة لا أن أبت اختص بالنداء من الأصل. وأما هناه فلم يظهر فيه كونه مختصّا بالنداء؛ لأن هذه الكلمة تستعمل في غير النداء، وذلك أن هنا كنية عن الشيء لا تذكره باسمه. ثالثها: قد عرفت أن المصنف لم يذكر بزنة مفعلان سوى مكرمان، وملأمان، وأنه غير منقاس عنده، وأن ابن عصفور ذكر أنه يقاس عليه فيقال: يا مكذبان ويا مخبثان، وإذا أريد المؤنث قيل: يا مخبثانة (¬1). وقال بعضهم: وأما مفعلان فالذي جاء منه مكرمان، وملأمان، ومخبثان، ومكذبان، وملكعان، ومطنبان. وهذا يدفع قول ابن عصفور، ويقوّي قول المصنف أنه غير مقيس، ومنهم من خصّ مفعلان بالذمّ وليس بصحيح فقد جاء مكرمان .. قالوا: وذكره سيبويه، ولم ينص على الذم فيه (¬2). وقد عرفت أيضا أن المصنف لا يرى القياس في فعل أيضا، وأن ابن عصفور يخالف فيقيس عليه (¬3). وقد نقل الشيخ عن بعض النحاة أنه قال: المسموع فيه يا لكع، يا فسق، يا خبث، يا غدر (¬4). وهذا يعضد قول المصنف: ولكع معدول عن اللكع، وهو اللئيم الأصل، وفسق عن فاسق، وخبث عن خبيث، وغدر عن غادر، لكن قال: إنها كلها معدولة عن معارف. ولم أتحقق ذلك. ثم لا يتوهم في ما ورد في الحديث: «لا تقوم السّاعة حتّى يلي أمر النّاس لكع بن لكع» (¬5). أنه من هذا الذي نحن فيه، أعني من فعل المخصوص بالنداء؛ لأنه ليس بمعدول. - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 82). (¬2) الكتاب (4/ 263). (¬3) شرح الجمل (2/ 105). (¬4) التذييل (4/ 222). (¬5) ينظر ابن حنبل (2/ 326)، والروض الأنف (2/ 140)، والنهاية لابن الأثير (268)، وكذا: اللسان «لكع».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: لأنه مصروف فهو وصف كحطم. وأما قول بعضهم: 3494 - يدعوه سرّا وإعلانا ليرزقه ... شهادة بيدي ملحادة غدر (¬1) فاستعمل في غير النداء للضرورة كان معرفة في النداء فنقل إلى الصفة فصار نكرة لخروجه عن الإشارة فنعت به ولحق برجل حطم، ومال لبد. رابعها: قال الشيخ: في قول المصنف: وهو والذي بمعنى الأمر مقيسان وفاقا لسيبويه إشعار بأن الخلاف فيهما (¬2). قال: ولا نعلم خلافا في اقتباس فعال الذي في النداء في سبّ الأنثى. وأما الذي بمعنى الأمر فخالف فيه المبرد وزعم أنه موقوف على السماع (¬3)، ثم قال: وأهمل المصنف قيدين آخرين في جواز بناء فعال بمعنى الأمر: أن يكون الثلاثي المجرد تامّا فلا يجوز في الناقص، لا يقال كوان منطلقا، ولا بيات ساهرا بمعنى كن منطلقا وبت ساهرا، وأن يكون متصرفا فلا يجوز: وذار زيدا، ولا وداع عمرا بمعنى ذر زيدا، ودع عمرا (¬4) انتهى. وفي هذا الثاني نظر؛ لأن عدم تصرف الفعل مانع أن يبنى منه فعال؛ لأن ذلك تصرف. خامسها: أنك تعرف من قول المصنف مشيرا إلى فعال مبنيّا على الكسر أن فعلان وفعل يبنيان على الضم؛ لأنهما معربان فيعطيان ما للمنادى. لكن الظاهر أن الضمّ منوي في فعال كما تقول: إنه ينوي في نحو: [هؤلاء] إذا نودي. وعلى هذا فإذا أتبع نحو: يا فساق بتابع مفرد جاز فيه الرفع والنصب كغيره من توابع المنادى المفرد. سادسها: قد ذكر المصنف عن ابن سيده أنه يقال: رجل مكرمان، وملأمان، وامرأة ملأمانة، فأورد هذه الألفاظ تابعة للنكرة لكن المنقول عن أبي حاتم السجستاني أنه ذكرها تابعة لمعرفة قال: يقال هذا زيد ملأمان وهذه هند ملأمانة غير مصروفين (¬5)، - ¬

_ (¬1) من البسيط لأم عمران بن الحارث - الدرر (1/ 154)، والهمع (1/ 178). (¬2) التذييل (4/ 223)، والكتاب (2/ 198). (¬3) المقتضب (4/ 238). (¬4) التذييل (4/ 233). (¬5) قرر الزمخشري أن هذا من الأشياء التي لا تكاد تقع إلا في النداء. الفائق (2/ 475).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكى ذلك عن العرب وزعم أن ذلك صفة (¬1). لكن ناقشه ابن عصفور، فقال: ملأمان وملأمانة في هذا علمان لكونهما تابعين للعلم. ولهذا يمتنعان من الصرف للعلمية والزيادة في ملأمان والعلمية والتأنيث في ملأمانة. قال: والعلم لا يكون صفة للتنافي فلم يبق إلا أن تكون التبعية في هذا زيد ملأمان، وهذه هند ملأمانة على طريق البدل إلا أن ابن عصفور قال أيضا في هذا زيد ملأمان: فإن قيل: لعله صفة وامتنع من الصرف للزيادة والصفة. فالجواب: أن شرط منع الزيادة مع الوصف الصرف عدم قبول الكلمة تاء التأنيث وملأمان يقبل بدليل ملأمانة فثبت أنه يعني ملأمان امتنع الصرف للعدل والعلمية» (¬2) انتهى. ويظهر أن القول في ملأمان بالعدل أقرب من القول بالعلمية. ثم قال ابن عصفور: ولا يكون هذا على ما ذكره أبو حاتم ردّا لما ذهب إليه النحاة من [أن] هذه الكلمة مخصوصة بالنداء؛ لأن الذي يختص عندهم بالنداء إنما هو الصفة لما ذكرنا وهذا الذي حكاه أبو حاتم من قبيل الأسماء الأعلام (¬3) انتهى. ولا يخفى ما في كلامه من التدافع. وقد قال ابن الضائع مشيرا إلى تفرقة ابن عصفور: هذه التفرقة فاسدة فإن الذي في النداء أيضا علم بدليل منع يا أيها المخبثان وكل نكرة تعرفت في النداء بالإقبال والخطاب يجوز نداؤها بأي. قال: وكذلك يقول النحاة في يا فسق [ويا فساق] إنهما علمان. نعم أصلهما الصفة وجعلا علمين مبالغة [فسقط هذا التفريق]. فينبغي أن يقال إن ملأمان ويا فسق ويا لكع كثير في النداء فهو مما اختص به عند أكثر العرب على ما روى الأئمة. ورواية من رواها في غير النداء ليست ردّا على من ذهب [4/ 208] إلى أن ذلك لا يستعمل إلّا في النداء (¬4) انتهى. ومراده أن النحاة إنما أرادوا بقولهم: إن الكلمات المذكورة مختصة بالنداء، أن ذلك هو الكثير في لغة العرب ولا يمنع ذلك استعمالها في غير النداء على قلة. - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 108). (¬2) المرجع السابق. (¬3) شرح الجمل (2/ 108). (¬4) شرح الجمل لابن الضائع، لوحة (54).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال الشيخ: والذي يظهر أن دعوى العلمية في [يا فسق] ويا فساق بعيدة؛ لأن دلالتهما على معنى الفسق دلالة ظاهرة، وكذلك يا خبث ويا خباث دلالتهما على معنى الخبيث ظاهرة أيضا، والعلمية تذهب بمعنى الاشتقاق، ولا يلاحظ فيها شيء منه إذ يصير جزئيّا لا كليّا، وإنما امتنع أن يوصف بهما أي؛ لأن ذلك إخراج لهما عمّا وضعا عليه من الاختصاص بالنداء (¬1). ثم قال: وأما ما ذكره المصنف من أنه يقال: رجل مكرمان، وملأمان، وامرأة ملأمانة فتتبع النكرة فلم يبيّن على أي وجه تبعته. وعلى ما زعموا من العلمية يكون بدل معرفة من نكرة، ولا يجوز كونه صفة يعني بتقدير انتفاء العلمية؛ لأن التأنيث لا يمنع الصرف مع الصفة؛ ولأن الزيادة لا تمنع الصرف مع الصفة إلّا في فعلان ذي (فعلى) (¬2). قال: والذي أذهب إليه في تخريج ما حكاه أبو حاتم من تبعية المعرفة وغيره من تبعية النكرة أنه أضمر فيه القول وحرف النداء. فقولهم: هذا زيد ملأمان، تقديره: هذا زيد المقول فيه أو المدعو يا ملأمان وكذا في المؤنث. وقولهم: رجل مكرمان وملأمان، تقديره: مقول فيه أو مدعو: يا مكرمان ويا ملأمان. قال: وكذا يقدر القول في قول الشاعر: قعيدته لكاع التقدير: قعيدته يقال لها أو تدعى يا لكاع (¬3). انتهى. وهذا التخريج غير ظاهر فإن قائل: رجل مكرمان، أو ملأمان إنما يريد إثبات ذلك الوصف لمن أجرى عليه، وتقدير الشيخ يخرج الكلام عن هذا المراد. * * * ¬

_ (¬1) النص في التذييل (4/ 223). (¬2) الأصل: فعلا - تحريف، التذييل (4/ 223). (¬3) التذييل (4/ 223، 224).

الباب الثاني والخمسون باب ترخيم المنادى

الباب الثاني والخمسون باب ترخيم المنادى (¬1) [ما يرخم، وما لا يرخم] قال ابن مالك: (يجوز ترخيم المنادى المبني إن كان مؤنّثا بالهاء مطلقا، أو علما زائدا على الثّلاثة بحذف عجزه إن كان مركّبا، ومع الألف إن كان «اثنا عشر» (أو) «اثنتا عشرة»، وإن كان مفردا فيحذف آخره مصحوبا إن لم يكن هاء تأنيث بما قبله من حرف لين ساكن زائد مسبوق بحركة تجانسه ظاهرة أو مقدّرة وبأكثر من حرفين، وإلّا فغير مصحوب، خلافا للفرّاء في نحو: «عماد» و «سعيد» و «ثمود»، وله وللجرمي في نحو: «فردوس» و «غرنيق». ولا يرخّم الثّلاثي المحرّك الوسط العاري من هاء التأنيث، خلافا للكوفيين إلّا الكسائي، ويجوز ترخيم الجملة، وفاقا لسيبويه). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): يستعمل لفظ الترخيم في التصغير كما يستعمل في النداء. والمرادان مختلفان؛ فلذلك قيدت هنا الترخيم بإضافته إلى المنادى. ولم أطلق فأقول باب الترخيم وقيدت المنادى المجوز ترخيمه بكونه مبنيّا ليعلم أن المنادى المعرب لا يرخم فخرج المضاف والمضارع له والمستغاث. وأشرت بقولي: إن كان مؤنثا بالهاء مطلقا إلى أن ما فيه هاء التأنيث لا يشترط في ترخيمه علمية ولا زيادة على الثلاثة بل يرخم ما هي فيه وإن كان ثنائيّا بدونها غير علم. ومن ذلك قول بعض العرب: يا شا ارجني، يريد يا شاة أقيمي ولا تسرحي. وقيدت العاري من هاء التأنيث بالعلمية ليخرج ما ليس علما كاسم الجنس والموصول واسم الإشارة. وقيدته بالزيادة على الثلاثة ليخرج الثلاثي المجرد كبكر وزفر. ثم - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 171 - 184) والأصول (1/ 359 - 366) وأوضح المسالك (4/ 55 - 71) والتذييل (4 / ق 224 - 238) والتصريح (2/ 184 - 190) والرضى (1/ 148 - 156) وشرح الجمل (113 - 126) وشرح المفصل (2/ 19 / 25) والكتاب (1/ 53، 2/ 239 - 242، 244، 245، 247، 248، 250، 251، 254 - 256، 259، 260، 265، 267 - 272) والكافية (ص 59 - 61) والهمع (1/ 181 - 184). (¬2) شرح التسهيل (3/ 421).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بينت ما يحذف من العلم في الترخيم فقلت: يحذف عجزه إن كان مركبا فتناول ذلك المركب بمزج كحضرموت وسيبويه وخمسة عشر فيقال: يا حضر ويا سيب ويا خمسة في المسمى بخمسة عشر، وكذلك ما أشبهها وتناول ذلك أيضا المركب بإسناد كتأبط شرّا. وأكثر النحويين يمنعون ترخيمه؛ لأن سيبويه منع ترخيمه في باب الترخيم (¬1) ونص في باب النسب على أن من العرب من يرخمه فيقول في تأبط شرّا: يا تأبط، ورتب على ترخيمه النسب إليه (¬2) ولم يتناول المضاف ولا المضارع له كثلاثين رجلا علما؛ لأنهما معربان. وقد تقدم أن المرخم لا يكون إلا مبنيّا ولو كان العلم المركب اثنا عشر أو اثنتا عشرة ورخم حذفت الألف مع العجز؛ لأنه واقع موقع نون اثنان واثنتان فقيل: يا اثن ويا اثنت كما يقال في ترخيمهما لو لم يركبا. وإن كان العلم مفردا وفيه هاء التأنيث رخم بحذفها وحدها، وسواء في ذلك القليل الحروف والكثيرها والمزيد فيه قبلها وما ليس كذلك، فيقال في: ثبة وسفرجلة ومرجانة وهيجمانة أعلاما: يا ثب ويا سفرجل ويا مرجان ويا هيجمان. وإن عرى العلم المفرد من هاء التأنيث خماسيّا فصاعدا وقبل آخره حرف لين ساكن زائد مسبوق بحركة مجانسة فترخيمه بحذف آخره وحذف حرف اللين المذكور، وسواء في ذلك ما آخره زائد وما آخره أصل فيقال في مروان وعفراء وجعفر وعرفات ويعقوب وإدريس وإسحاق: يا مرو ويا عفر ويا جعف (و) يا عرف ويا يعق ويا إدر ويا إسح، فلو كان الذي قبل آخره حرف اللين المقيد رباعيّا كعماد وسعيد وثمود؛ اقتصر على حذف الآخر فقيل: يا عما ويا سعى ويا ثمو، وكذا إن كان حرف اللين متحركا كمسرول، أو ساكنا مبدلا من أصل كمختار، أو مسبوقا بحركة غير مجانسة كفردوس وغرنيق؛ فلا يحذف من هذه وأمثالها إلّا الأواخر فيقال: يا مسرو، ويا مختا ويا فردو، ويا غرني. فإن كانت الحركة غير مجانسة ولكنها متلوة بمجانسة مقدرة كمصطفون علما؛ فالحكم كالحكم مع المجانسة [4/ 209] المنطوق بها. وأجاز الفراء أن يقال في عماد وسعيد وثمود: يا عما ويا سعي ويا ثمو، ويا عم ويا سع ويا ثم (¬3). وأجاز هو - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 269). (¬2) الكتاب (3/ 377). (¬3) التصريح (2/ 187).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجرمي أن يقال في فردوس وغرنيق: يا فرد ويا غرن فيعاملان معاملة حرف اللين الساكن الزائد بعد متحرك بفتحة متصلة لفظا وتقديرا معاملته بعد متحرك بحركة مجانسة. وأجاز الفراء أيضا ترخيم الثلاثي في العاري من هاء التأنيث إن كان ثانيه متحركا كأسد وسبع ونمر وزفر (¬1). انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬2). واعلم أن الأئمة ذكروا أن أصل تصريف ر خ م في لغة العرب القطع والحذف، ومنه قولهم في صفة صوت المرأة وكلامها: رخيم. قال ذو الرمة: 3495 - لها بشر مثل الحرير ومنطق ... رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر (¬3) فمن هنا وضع أهل هذه الصناعة اللقب لهذا الضرب من الحذف في أواخر الأسماء في النداء، وكذا يقال في ضرب من التصغير يحذفون فيه جميع زوائد المصغر تصغير الترخيم. والغرض من الترخيم التخفيف؛ لأن الصوت الرخيم هو تقطيع في الصوت يستخف فيستحسن، فحقيقة الترخيم تسهيل اللفظ بالحذف. قال سيبويه: وإنما كان ذلك في النداء لكثرته في كلامهم، يحذفون ذلك كما حذفوا التنوين وكما حذفوا الياء من يا قومي في النداء (¬4) على سبيل الجواز لا الوجوب. ثم الكلام ها هنا في أمور: منها: أن المندوب والمستغاث لا يرخمان نص النحاة على ذلك (¬5)؛ لأن امتداد الصوت مطلوب فيهما والترخيم ينقص امتداد الصوت. وأما قول المصنف أن المستغاث خرج بقوله المبني؛ فصحيح لكن إنما يتم له ذلك إذا كان المستغاث مقرونا باللام وقد لا يقرن بها فيكون مبنيّا كقولك: يا جعفر لخالد. قال الشيخ: كان ينبغي أن يقيد بأن لا يكون المنادى مما لازم النداء ولم يستعمل في غيره نحو - ¬

_ (¬1) التصريح (2/ 185). (¬2) شرح التسهيل (1/ 423). (¬3) من الطويل - ديوانه (ص 212) والأشموني (3/ 171) وإصلاح المنطق (ص 156) والخصائص (1/ 29)، (3/ 302) والمحتسب (1/ 334) وابن يعيش (1/ 16)، (2/ 419). (¬4) الكتاب (2/ 239). (¬5) «ولا يرخم مستغاثا به إذا كان مجرورا لأنه بمنزلة المضاف إليه، ولا يرخم المندوب؛ لأن علامته مستعملة فإذا حذفوا لم يحملوا عليه مع الحذف الترخيم» الكتاب (2/ 241).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يا مكرمان ويا خباث إذا قلنا أن تلك الأسماء أعلام فإن ترخيمها لا يجوز (¬1). وفي ما قاله الشيخ نظر. أما أولا: فلأنه هو قد استبعد العلمية فيها كما تقدم (¬2)، ومقتضى ذلك عدم الاعتراف بعلميتها. وأما ثانيا: فلأن الألفاظ المذكورة غالبها موقوف على السماع. ولا شك أن المسموع لا يتجاوز فيه ما قالته العرب. ومنها: أن الجماعة - أعني المغاربة - قيدوا المبني الذي يرخم بأن يكون مبنيّا بسبب النداء فلا يرخم نحو: حذام. وعللوا ذلك بأن الحادث بناؤه حصل فيه تغيير، والتغيير يأنس بالتغيير، وقد صرح ابن عصفور بذكر هذه المسألة في شرح الجمل (¬3) وفي المقرب (¬4). وعلى هذا فنحو هؤلاء لا يرخم أيضا لعدم حدوث بنائه. ومنها: أنك قد عرفت أن ما فيه هاء التأنيث لا يشترط في ترخيمه علمية ولا زيادة على الثلاثة، بل يجوز ترخيمه مطلقا. وإنما كان ذلك لأن التأنيث لثقله يقتضي التخفيف فلم يحتج معه إلى اشتراط علمية ولا إلى كثرة حروف الكلمة. وذكر الشيخ في شرحه عن المبرد أنه يشترط في المؤنث بالهاء العلمية. وسيبويه والجمهور مخالفون له في ذلك؛ فإن ترخيم النكرة المقصودة قد ورد في كلام العرب من ذلك قولهم: يا شا ارجني، أي يا شاه (¬5). وقال الشاعر: 3496 - فمنهنّ أن لا تجمع الدهر تلعة ... بيوتا لنا يا تلع سيلك غائض (¬6) وقال آخر: 3497 - جاري لا تستنكري عذيري ... سيري وإشفاقي على بعيري (¬7) وقال آخر: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 244). (¬2) التذييل (4/ 223). (¬3) شرح الجمل (2/ 117). (¬4) المقرب (1/ 186) وما بعدها. (¬5) تقدم قريبا وانظر التذييل (4/ 224)، والمقتضب (4/ 243، 263)، والكتاب (2/ 241). (¬6) من الطويل وهو في التذييل (4/ 224). (¬7) رجز للعجاج في ديوانه (ص 26) - والأشموني (3/ 172) والكتاب (1/ 325، 330) والمقتضب (4/ 260).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3498 - يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا (¬1) وقال آخر: 3499 - يا نعج إن اهتديت لي اهتديت لك (¬2) وقال آخر: 3500 - كعود بن شماس رسح سعره ... إلى اسدي يا مني وأسجح (¬3) أي يا تلعة ويا جارية ويا ناقة (ويا نعجة) (¬4) ويا منية، على أن الشيخ نقل أيضا عن صاحب البديع أنه قال: المبرد يجيز ترخيم النكرة المقصودة (¬5)، فعلى هذا يكون قول المبرد موافقا للجماعة في إجازة ذلك. وهذا هو الظاهر. وقال الشيخ: ويرد على المصنف؛ فله التي في النداء، فإنه لا يجوز ترخيمه وإن كان منادى مبنيّا مؤنثا بالهاء (¬6) قال: فقوله: مطلقا ينبغي أن يقيده بأن لا يكون مما لازم النداء. نعم في كلام المصنف شيء وهو أن المؤنث بالهاء إنما يرخم بحذفها فقط ولا يحذف معها من الكلمة شيء آخر. وهو وإن ذكر ذلك إنما ذكر في قسم العلم حيث قال بعد قوله: أو علما كذا وكذا إلى أن قال: فيحذف آخره مصحوبا إن لم يكن هاء تأنيث بما قبله، أما إذا كان المؤنث بالهاء نكرة مقصودة فالحكم كذلك إلّا أنه لا يعرف ذلك من كلام المصنف لا في المتن ولا في الشرح. ومنها: أن العلمية انما اشترطت فيما لم يكن فيه هاء التأنيث؛ لأن العلم كثر نداؤه فناسب أن يخفف ولأن الأعلام يدخلها التغيير كثيرا كما ذكر في محبب وحيوة ومكوزة وغيرها والترخيم فيه تغيير. ولا التفات إلى قول من أجاز من النحاة ترخيم المنادى المقصود معلّلا ذلك بأنه في معنى المعرفة. ثم إنك قد عرفت أن العلم المرخم إن كان مركبا فترخيمه بحذف عجزه وتحذف - ¬

_ (¬1) رجز لأبي النجم - الدرر (1/ 158، 2/ 7) والشذور (ص 305) والكتاب (1/ 421) والمقتضب (2/ 14) وابن يعيش (7/ 26). (¬2) وكذا في التذييل (4/ 224). (¬3) كسابقه. (¬4) ليتم الكلام. (¬5) التذييل (4/ 224) والرضى (1/ 137) والشجري (2/ 88). (¬6) التذييل (4/ 224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الألف مع العجز إن كان اثنا عشر (أو) اثنتا عشرة، وأن المركب يتناول المركب بمزج والمركب بإسناد. قال الشيخ: ودعوى المصنف أن اثنا عشر من العلم المركب ليس بمحرر؛ لأنه لو كان مركبا لكان آخر الاسم الأول غير معرب دائما، بل هذا نظير: يا زيدان بني علي الألف حالة النداء خاصة، لكنه وقع موقع النون فبني دون الصدر [4/ 210] فلما عاقب النون أجرى مجرى ما عاقبه وحذف مع الألف كما تحذف الألف في نحو: يا زيدان إذا رخمت، وقال أيضا: الذي أذهب اليه أنه لا يجوز ترخيم المركب تركيب المزج. أما على لغة البناء: فلأن المبني لا بسبب النداء لا يرخم كحذام، وأما على لغة من يضيف الأول إلى الثاني فلأن المنادى المضاف لا يرخم أيضا، وأما على اللغة الثالثة وهي إعرابه إعراب ما لا ينصرف قال: فينبغي ألّا يجوز ترخيمه؛ لأن العرب لم يحفظ عنها ترخيمه في شيء من كلامهم (¬1). انتهى. وأقول: أما قوله إن اثنا عشر غير مركب؛ فغير ظاهر. ويدل على التركيب بناء العجز منه. وأما كون الأول معربا؛ فإنما كان ذلك لأمر وهو وقوع ما بعده موقع النون فالصدر مستحق البناء للتركيب، لكن عارض البناء الأمر الذي ذكر فأعرب مع بقاء التركيب، ولا شك أن الكلمتين المنضم إحداهما إلى الأخرى لا بد بينهما (من) ارتباط إما بإسناد أو إضافة أو مزج، ولا إسناد ولا إضافة بين صدر اثنا عشر وعجزه؛ فتعين أن يكون مزجا وإذا كان مزجا فكيف ينفى عنه التركيب. وأما قوله: إنه لم يرد من لسان العرب ترخيم المركب تركيب المزج إذا أعرب اعراب ما لا ينصرف، فليس عدم وروده بدافع للحكم بحذف عجزه إذا رخم فالمصنف ذكر ما تقتضيه القواعد النحوية، أما كونه سمع أو لم يسمع فذاك أمر آخر. والعجب أن الشيخ ذكر ترخيم المركب وأن البصريين مجمعون على جواز ترخيمه بحذف الثاني، سواء أكان مثل: حضرموت، أم خمسة عشر، أم سيبويه، وأن أكثر الكوفيين يمنعون ترخيمه. ثم ذكر أن البصريين يجوزونه على اللغتين، أي لغة من ينتظر ومن لا ينتظر. - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 226).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأطال الكلام في ذكر الخلاف عن بعضهم في كيفية النطق بما يبقى بعد الحذف ونحو ذلك (¬1). إلا أني تركت إيراده خشية الإطالة، ولأن ما ذكره من ذلك خلاف ما عليه الجمهور. وأما قول المصنف: وإن كان مفردا فيحذف آخره إلى قوله وبأكثر من حرفين فقد عرفت مراده من شرحه لذلك، وقد سلك أبو الحسن ابن عصفور في إيراد ما ذكره المصنف طريقا غير ذلك فقال: إما أن يكون في آخر الاسم زيادتان زيدتا معا (أو يكون قبل آخره حرف مد ولين، أو لا يكون شيء من ذلك، فإن كان في آخره زيادتان زيدتا معا حذفتهما تقول: يا سلم ويا عمرو ويا مرو في سلمان وعمران ومروان. وإن كان قبل آخره حرف مد ولين حذفته مع الآخر كقولك: يا منص ويا عمّ ويا محض في منصور وعمار ومحضير. ومن المعلوم أن هذا الحذف مشروط بأن يبقى بعد الحذف ثلاثة أحرف، فإن لم يكن شيء من ذلك اقتصر على حذف الآخر كقولك: يا فرزد ويا جعف ويا هرق في فرزدق وجعفر وهرقل. والترخيم جائز على اللغتين أعني لغة من ينتظر (ولغة من لا ينتظر) وخالف الفراء في ما قبل آخره ساكن كهرقل فقال: إن رخمته على لغة من لم ينو قلت: يا هرق وإن رخمته على لغة من ينوي قلت: يا هر. قال: لأنه إذا بقي على ثلاثة أحرف آخرها ساكن أشبه الأدوات، ورد ذلك بأنه يؤدي إلى بقاء الاسم المعرب على حرفين، وذلك لم يسمع من كلام العرب (¬2). هكذا قال ابن عصفور. وفي هذا الرد نظر؛ لأن العرب قد سمع عنهم أسماء كثيرة حذف منها حرف وبقى حرفان كيد ودم وغد ونحو ذلك. وأما قول الفراء أنه بذلك يشبة الأدوات فالجواب عنه: إن هذا إنما هو على لغة من نوى المحذوف وإذا كان المحذوف منويّا فهو في حكم الموجود. ويظهر أن الطريق الذي سلكه المصنف أولى من الطريق الذي سلكه ابن عصفور. فإنه يرد على ابن عصفور نحو مختار ومنقاد فإن الألف منهما لا تحذف في الترخيم، وعبارته شاملة لهما؛ لأنه أوجب ما قبل الآخر إذا كان حرف مد ولين - ¬

_ (¬1) راجع التذييل (4/ 225) وما بعدها. (¬2) شرح الجمل (2/ 114، 115) والأشموني (3/ 177) والهمع (1/ 183، 184).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يقيد ذلك بالزيادة كما فعل المصنف، ثم إن مصطفون علما قد لا يدخل تحت عبارته أيضا، لأن الواو ليست حرف مد ولين مع أنها تحذف إلّا أن يقول هي في الأصل حرف مد ولين، والإعلال التصريفي وإن أخرجها عن ذلك صورة لا يخرجها حكما. وقد شملت عبارة المصنف أعني قوله: بما قبله من حرف لين ساكن زائد إلى آخره: ما ختم بعلامة تثنية أو جمعي صحيح أو ياء نسب أو بواو وتاء كملكوت ورغبوت مما سمي به من ذلك، وسواء أعرب المثنى وجمع المذكر بالحركات أم بالحروف. ولا يخفى أنه لو سمي بنحو: يدان وبنون وجعلا علمين ورخما في النداء لا يحذف من كل منهما إلا حرف واحد للقاعدة التي عرفتها. وفي شرح الشيخ أن الكوفيين يمنعون من ترخيم ما سمي به من مثنى أو مجموع على حد التثنية (¬1)، وأما شواهد الحذف فقول الشاعر: 3501 - يا مرو إنّ مطيّتي محبوسة ... ترجو الحباء وربّها لم ييأس (¬2) أي: يا مروان، وقول الآخر: 3502 - يا نعم هل تحلف لا تدينها (¬3) يريد يا نعمان، وقول الآخر: 3503 - يا أسم صبرا على ما كان من قدر ... إنّ الحوادث ملقيّ ومنتظر (¬4) وقول الآخر: 3504 - قفي فانظري يا أسم هل تعرفينه ... أهذا المغيري الذي كان يذكر (¬5) واعلم أن الشيخ بعد إنشاده هذا البيت؛ أعني قوله قفي فانظري يا أسم (¬6) قال: - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 226). (¬2) من الكامل للفرزدق - ديوانه (1/ 384) والتصريح (2/ 226) والشجري (2/ 187) والكتاب (1/ 337) وابن يعيش (2/ 22). (¬3) رجز أنشده سيبويه في الكتاب (1/ 337، 2/ 152). (¬4) من البسيط - الحلل (/ 236) والشجري (2/ 87) والكتاب (1/ 337) وملحقات أبي زبيد الطائي (ص 151). (¬5) من الطويل لابن أبي ربيعة - ديوانه (ص 93) برواية: أسماء بدل يا اسم، والجمل (ص 185) وشرح المفصل (2/ 22). (¬6) التذييل (4/ 227).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله يا أسم عند الفراء من قبيل يا منص (¬1)، وعند سيبويه من قبيل يا حمر (¬2)، يريد يا حمراء و، أطال الكلام في ذلك (¬3)، وحاصله: أن قول الشاعر يا أسم هل هو ترخيم أسماء اسم امرأة فتكون همزة بدلا من واو والأصل (وسماء) وهو بدل شاذ لكون الواو مفتوحة [4/ 211] أو هو ترخيم أسماء الذي هو أفعال جمع اسم. وكأن الشيخ قصد بقوله أنه عند الفراء من قبيل يا منص، وعند سيبويه من قبيل يا حمر أن المحذوف على مذهب الفراء لام الكلمة مع حرف المد الذي قبلها، كما أن المحذوف من منص كذلك، وأن المحذوف على مذهب سيبويه حرفان زائدان كما أن المحذوف من حمراء كذلك. ولا شك أن مثل هذا واضح لا يحتاج إلى البيان. أعني أن أسماء إما أن يجعل وزنه فعلا أو أفعالا، لكن فهمت من كلام الشيخ أن هذه الكلمة كأن فيها خلافا بين الإمامين؛ أعني سيبويه والفراء؛ فإنه بعد أن ذكر المذهبين (¬4) قال: ورجح مذهب سيبويه بأنهم حين سموا به المؤنث منعوه الصرف ولو كان أصله الجمع لكان مصروفا، ألا تراهم منعوا صرفه في قولهم: أسماء بن خارجة (¬5). ثم قال: ولمن ينتصر للفراء أن يقول: لما كثر تسميتهم به للمؤنث صار من أسماء المؤنث المختصة به كزينب، فمنع الصرف إذا سمي به مذكر، كما منع زينب إذا فعل به ذلك (¬6). انتهى. فهذا الكلام يقتضي أن الخلاف في الكلمة نفسها. والحق أن دعوى أن الوزن فعلاء لا يدفع دعوى أن الوزن أفعال، وكذا العكس، ولكل وزن اعتبار لكن الخلاف قد نقل والنقول لا ترد. ولا يقال: إن الفراء يتعين القول عنده بأنه أفعال؛ لأن الهمزة المفتوحة لا تبدل همزة؛ لأنا نقول: لا ينكر إبدال المفتوحة همزة شذوذا كما جاء البدل في أحد وأناه الأصل فيهما وحد ووناه. ومنها: أنهم نقلوا أن ترخيم الثلاثي الساكن الوسط كبكر وعمرو أجازه بعض النحاة، ولا يخفى أن مثل ذلك لا يعبأ به ولا ينبغي التعرض إلى ذكره. - ¬

_ (¬1) ينظر الأشموني (3/ 177)، والتصريح (2/ 186)، والشجري (2/ 87)، والهمع (1/ 183)، وابن يعيش (2/ 22). (¬2) الكتاب (2/ 256، 257). (¬3) التذييل (4/ 227). (¬4) التذييل (4/ 227). (¬5) ابن حصن بن حذيفة الفزاري من رجال الطبقة الأولى كان سيد قومه جوادا مقدما عند الخلفاء (ت 66 هـ) - الاعلام (1/ 299) والنجوم (1/ 17) وفوات الوفيات (1/ 11). (¬6) التذييل (4/ 227).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك قد عرفت قول المصنف أن سيبويه منع ترخيم المركب بإسناد في باب الترخيم، ونص في باب النسب على أن من العرب من يرخمه فيقال في تأبط شرّا: يا تأبط، ورتب على ترخيمه النسب إليه فقال الشيخ: ما ذكره من أن سيبويه منع ترخيمه منع صحيح قال سيبويه في آخر: هذا باب الترخيم في الأسماء التي كل اسم منها من شيئين ما نصه: «واعلم أن الحكاية لا ترخم؛ لأنك لا تريد أن ترخم غير منادى وليس مما يغيره النداء (وذلك) نحو تأبط شرّا وبرق نحره وما أشبه ذلك، ولو رخمت هذا لرخمت رجلا يسمى يا دار عبلة بالجواء تكلمي (¬1). انتهى. قال: فهذا نص منه على أن الحكاية لا ترخم وتعليل منه أنه لا يرخم إلّا ما غيره النداء، يعني ما يحدث فيه النداء البناء (¬2). قال: وأما قوله: ونص في باب النسب على أن من العرب من يرخمه فيقال في تأبط شرّا: يا تأبط، ورتب على ترخيمه النسب إليه فغير صحيح؛ لأن سيبويه لم ينص على ترخيمه، ولا أن الحذف الذي ذكره هو من باب الترخيم في شيء. قال سيبويه في هذا: باب الإضافة إلى الحكاية: فإذا أضفت إلى الحكاية حذفت وتركت الصدر بمنزلة عبد القيس وخمسة عشر حيث لزمه الحذف كما لزمها وذلك قولك في تأبط شرّا: تأبطي ويدلك على ذلك أن من العرب من يفرد فيقول: يا تأبط أقبل فيجعل الأول مفردا (فكذلك) تفرده في الإضافة (¬3). انتهى. قال الشيخ: وليس هذا مناقضا لما قرره من أن المحكي لا يرخم، بل أراد أن من العرب من يفردها لا على وجه الترخيم بل يفعل ذلك في النداء؛ ولذلك قال: ومن العرب من يفرد ولم يقل من يرخم؛ ولذلك أتى مبنيّا على الضم. ولا نعلم خلافا عن أحد من النحويين أن المحكي لا يرخم إلّا ما توهم هذا الرجل على سيبويه. وقد ذكر ذلك في كتبه وأن سيبويه يرى ترخم الجملة وأجازه. وقد رأيت سيبويه حيث قعد الترخيم نص على أن الحكاية لا ترخم، وحيث تكلم في النسب أنّس ذلك الحذف فيه والنسب إلى أول أجزاء الجملة بأن من العرب من يفرد تأبط شرّا في النداء ويبنيه على الضم حتى إنه لو رخمنا في قولنا: من يفرد ويبنى على الضم لقلنا: يا - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 228) والكتاب (2/ 269). (¬2) التذييل (4/ 228). (¬3) الكتاب (3/ 377).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تأب بحذف الطاء في الترخيم؛ لأن سيبويه وغيره قد قعدوا أن الترخيم لا يكون إلا في ما غيّره النداء يعنون في ما بني بسبب النداء (¬1). انتهى. وقد رأيت ما يعطيه كلام الشيخ من استنقاص المصنف واستصغاره حيث أشار إليه بقوله: إلّا ما توهم هذا الرجل على سيبويه. ثم لك أن (تجيب) فتقول: ما قاله المصنف هو الصواب، وذلك أن قول سيبويه رحمه الله تعالى أن من العرب من يفرد فيقول: يا تأبط أقبل فيه دليل على أن هذا الحذف للترخيم؛ لأنه إنما ذكر الكلمة مقرونة بحرف النداء فلو لم يكن الترخيم مقصودا لقال أن من العرب من يقول: جاء تأبط يا تأبط فإتيانه بحرف النداء في يا تأبط أقوى دليل على أن الحرف إنما هو للترخيم. وأما كونه (قال): إن من العرب من يفرد. ولم يقل: من يرخم فالمقتضى لذلك أن الاشتراط بين النسب والترخيم حينئذ انما هو في حذف الثاني وإفراد الأول، فذكر الأمر الذي يشتركان فيه - وهو الإفراد - لأنه أمس بالتعليل الذي قصده، بخلاف ما لو قال: إن من العرب من يرخم. ثم إن الجائز أن المحكى إذا رخم بحذف (حرف) من الجزء الثاني لا حذف الثاني بكماله. فلو قال سيبويه: إن من العرب من يرخم لم يكن فيه إفصاح بحذف (الجزء) الثاني، وهذا ونحوه مما يدل على التوفيق الذي منح الله تعالى به هذا الرجل، أعني سيبويه والسعد الذي أوتيه في نطقه وعباراته ... رحمه الله تعالى. وأما قوله رحمه الله تعالى: وليس مما يغيره النداء فلا يحمل على ما قاله الشيخ من أنه لا يرخم إلّا ما غيره النداء. بل الظاهر [4/ 212] أن المراد بقول سيبويه وليس مما يغيره النداء أن الجملة الاسمية لا يمكن أن يغير لفظها مما يقتضيه النداء من إعراب أو بناء؛ لأن الجملة إنما يكون إعراب كل من جزء بها بحسب ما يقتضيه التركيب الإسنادي. ويدل على أن مراد سيبويه ما قلته: أن نحو خمسة عشر إذا سمي به جاز ترخيمه (¬2). ولا شك أن خمسة عشر لم يحصل له بالنداء تغيير؛ لأنه مبني قبل النداء. - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 228). (¬2) وفي الكتاب (2/ 268، 269) «واذا رخمت رجلا اسمه خمسة عشر قلت: يا خمسة أقبل وفي الوقت تبين الهاء؛ لأنها تلك الهاء التي كانت في خمسة قبل أن تضم إليها عشر».

تقدير ثبوت المحذوف للترخيم

تقدير ثبوت المحذوف للترخيم قال ابن مالك: (فصل: تقدير ثبوت المحذوف للتّرخيم أعرف من تقدير التّمام بدونه، فلا (يغيّر) على الأعرف ما بقي إلّا بتحريك آخر تلا ألفا وكان مدغما في المحذوف بفتحة إن كان أصليّ السّكون وإلّا فبالحركة الّتي كانت له خلافا لأكثرهم في ردّ ما حذف لأجل واو الجمع. ولا يمنع التّرخيم على الأعرف من نحو «ثمود» خلافا في التزام حذف واوه، ويتعيّن الأعرف في ما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنّث، وفي ما يلزم بتقدير تمامه عدم النّظير. ويعطى آخر المقدّر التّمام ما يستحقّه لو تمّم به وضعا، وإن كان ثابتا ذالين ضعّف إن لم يعلم له ثالث وجيء به إن علم). ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا ما ظهر لي في هذا الموضوع. والله أعلم بالصواب. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): كون المحذوف في الترخيم منوي الثبوت شبيه بقولهم في جمع جارية: جوار ببقاء الكسرة دليلا على ثبوت الياء تقديرا، وأن الإعراب منوي فيها، وكون الباقي بعد الترخيم في حكم المستقل شبيه بحذف آخر المعتل الآخر وجعل ما قبله حرف إعراب كقولهم: يد ودم وجوار، ولا ريب في اطراد الأول وشذوذ الثاني؛ ولذلك كثر في الترخيم تقدير ثبوت المحذوف نحو قولك في حارث وجعفر وهرقل: يا حار ويا جعف ويا هرق. وقل فيه تقدير الاستقلال نحو قولك: يا حار ويا جعف و (يا) هرق. ونبهت بقولي: فلا يغير على الأعرف ما بقى إلا بتحريك آخر ألفا وكان مدغما في المحذوف، على أن نحو مضار ويضار وأسحار أعلاما ترخم بحذف ثاني مثلهيا، ويبقى أولهما ساكنا وقبله ألف فلا بد من تحريكه لئلا يلتقي في الوصل ساكنان على غير الشرط المعتبر، أعني كون الثاني مدغما في مثله، فيجب التحريك بالرد إلى الأصل في ما له حركة أصلية، فيقال في مضار المنقول من اسم فاعل: يا مضار وفي المنقول من اسم مفعول: يا مضار ويقال في المنقول من يضار (يا يضار) لأن أصله يضارر، - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 424).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلو لم يكن للساكن حركة أصلية كأسحار وهو نبت حرك بالفتحة لمجانستها الألف ولأنها حركة أقرب المتحركات إليه. وإلى أسحار ونحوه أشرت بقولي: بفتحة إن كان أصلي السكون. وأكثر النحويين يردون ما حذف لأجل واو الجمع فيقولون في ترخيم قاضون ومصطفون علمين: يا قاضي ويا مصطفا ويشبهونه برد ما حذف لأجل نون التوكيد الخفيفة عند زوالها وقفا كقول الواقف على هل يفعلن: هل يفعلون برد واو الضمير ونون الرفع لزوال سبب حذفهما وهو ثبوت نون التوكيد وصلا. وهذا التشبيه ضعيف؛ لأن الحذف لأجل الترخيم غير لازم فيصح معه أن ينوى ثبوت المحذوف، وحذف نون التوكيد الخفيفة لأجل الوقف لازم فلا يصح معه أن ينوى ثبوت المحذوف، واحتجوا أيضا بأن ياء قاضي وألف مصطفى حذفتا (لملاقاة) الواو، فإذا حذفت الواو للترخيم ردت الياء والألف، كما تردان إذا حذف المضاف إليه في نحو: إن مدمني البر وافروا الأجر (¬1) لأنهم لو لم يردا لكان حذفهما دون سبب. وهذا الاحتجاج يستلزم أن يعاد إلى كل مغير بسبب إزالة الترخيم ما كان يستحقه لو لم يكن ذلك السبب موجودا أصلا، فكان يقال في ترخيم كروان وقروي: يا كرا ويا قرا قولا واحدا؛ لأن سبب تصحيح واوهما هو تلاقي الساكنين، وقد زال ومع ذلك يبقون الحكم المرتب عليه ليكون المحذوف منوي الثبوت، ولا فرق بين نية ثبوته ونية ثبوت سبب حذف ياء قاضون وألف مصطفون حين يرخمان. فعلى هذا يقال في ترخيمهما على مذهب من ينوي المحذوف: يا قاض و (يا) مصطف بالضم والفتح ليدل بذلك على تقدير ثبوت المحذوف. وأما على مذهب من يجعل ما بقي مقدر الاستقلال، فيجوز أن يقال: يا قاضي ويا قاض ويا مصطفى ويا مصطف، ويقال ثمود على مذهب من ينوي المحذوف يا ثمو ولا يمنع منه عدم النظير، فسلامة واو بعد ضمه في آخر اسم عارض البناء؛ لأنها متأخرة في التقدير. ومنع ذلك الفراء لتأخرها لفظا ولم يعتد بتقدير الواو فيقول: يا ثم ولا يبالي ببقاء الاسم على حرفين؛ لأن ذلك عنده جائز (¬2). ¬

_ (¬1) وانظره في التذييل (4/ 230). (¬2) راجع: الأشموني (3/ 177) وما بعدها والهمع (1/ 183، 184).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونبهت بقولي: ويتعين الأعرف في ما توهم تقدير تمامه تذكير مؤنث على أنه لا يرخم نحو عدة وضخمة إلا على لغة من ينوي المحذوف ويدع آخر ما بقى على ما كان عليه؛ لأنهما لو رخما على تقدير استقلال فقيل: يا عمرو يا ضخم لتبادر إلى ذهن السامع (أن) المنادى بين رجل اسمه عمرو، ورجل موصوف بالضخم، وذلك مأمون بأن ينوى المحذوف ويبقى الواو (و) الميم مفتوحتين. وكذلك ما أشبههما. وكذلك يتعين الوجه الأعرف فيما لو رخم على تقدير التمام لزم منه استعمال ما لا نظير له، والإشارة بذلك إلى أمثلة؛ منها: طيلسان بكسر [4/ 213] اللام إذا سمي به ورخم، فيجب أن يقدر ثبوت ما حذف منه؛ لأنه لو قدر تامّا لزم وجود فعل بكسر العين مع صحتها وهو مهمل في وضع العرب. وذلك مأمون بترخيمه إلى الوجه الأعرف، أعني الترخيم على لغة من ينوي ثبوت المحذوف. ومثل طيلسان حدرية إذا سمي به ورخم، لا يرخم إلّا على لغة من ينوي ثبوت المحذوف، فيقال: يا حدريّ يفتح الياء على تقدير (ثبوت الهاء) ولا يقدر التمام فيقال: يا حدري بالسكون لئلّا يلزم وجود اسم على فعلى وهو مهمل وضعا. ومما يجب ترخيمه على الوجه الأعرف: عرقوة علما فيقال فيه: يا عرقو على نية المحذوف ولا يرخم على تقدير التمام، لأن ذلك يوجب أن يقال: يا عرقي على فعلي بفتح الفاء وكسر اللام وهو مهمل وضعا كفعلي بكسرهما. ومما يجب ترخيمه غلى الوجه الأعرف حبلوي وحمراوي علمين فيقال فيهما: يا حبلو، ويا حمراو على نية ثبوت المحذوف لا على تقدير التمام، فإن ذلك يوجب (أن يقال): يا حبلى ويا حمراء بقلب الواو التالية اللام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وبقلب الواو التالية الألف همزة لتطرفها بعد ألف زائدة فيلزم من ذلك ثبوت ما لا نظير له، وهو أن ألف فعلى مبدلة من واو، وهي لا تكون إلّا زائدة غير مبدلة من شيء، وكون همزة فعلا مبدلة واو وهي لا تكون مبدلة إلّا من ألف. ولاستيفاء الكلام على هذا وأمثاله موضع يأتي إن شاء الله تعالى. فإلي هذه المسائل ونحوها أشرت بقولي: وفيما يلزم بتقدير تمامه عدم النظير، ثم قلت: ويعطي آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا فنبهت بذلك على إظهار ضمته إن كان صحيحا كقولك في حارث وجعفر وهرقل: يا حار ويا جعف ويا هرق وعلى تقديرها إن كان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معتلّا كقولك في ناجية: يا ناجي بسكون الياء. والسكون فيها دليل على تقدير ضمتها وأن لغة تقدير التمام مقصودة؛ إذ لو كانت على اللغة الأخرى لفتحت الياء. ونبهت بقولي أيضا: ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا على أنه يقال في يا ثمود: يا ثمي فيفعل به من إبدال الضمة كسرة والواو ياء ما فعل بجر وحين قيل في جمعه: أجر. ونبهت بذلك أيضا على أنه يقال في كروان وصميان علمين: يا كرا ويا صما فيعاملان معاملة عصا وهدى. ونبهت بذلك أيضا على أنه يقال في علاوة وعناية: يا علا ويا عنا فيعاملان معاملة كساء ورداء وجراء وظباء. ثم قلت: وإن كان ثانيا ذا لين ضعف إن لم يعلم له ثالث وجيء به إن علم، فنبهت بذلك على أن لات إذا جعل علما ثم رخم على تقدير التمام حذفت التاء وضعفت الألف وحركت الثانية فانقلبت همزة فقيل يا لا وكان التضعيف مستحقّا لعدم العلم بثالث وكون الثاني (ذا لين) فلو كان الثاني ذا لين وعلم الثالث جيء به، والإشارة بذلك إلى ذات علما فإنه إذا رخم على تقدير التمام حذفت تاؤه وجيء به متمما فقيل: يا ذوا؛ لأن أصله ذوات ولذلك قيل في تثنيته: ذواتا. وقد قررت ذلك في غير هذا الباب. ومن المنقوص الثنائي المعلوم الثالث: شاة فإن أصله شاهة، فاذا رخم على تقدير التمام قيل يا شاة، ولو رخم على تقدير ثبوت المحذوف لقيل: يا شا، ومنه قول من قال: يا شا أرحني. انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬1). وبعد: فأنا أورد من كلام أبي الحسن بن عصفور شيئا مما يتعلق بمسائل هذا الفصل قصدا للتنبيه على مزيد الفائدة. وذلك أنه بعد أن ذكر أن الاسم يرخم على اللغتين، وذكر أن حكمه على لغة من لم ينو أن يقال: يا طفا ويا بقا ويا كرا ويا ثمي في طفاوة وبقاية وكروان (وثمود) أعلاما قال (¬2): ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل: (1/ 427). (¬2) لعل هذا - النص - من شرحه على الإيضاح، ومثله بتصرف وبتلخيص - في شرح الجمل (2/ 116، 117).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما من لا يقدر الاسم بعد الترخيم كاملا وينوي المحذوف فإنه يترك الاسم على حاله فيقول: يا طفاو، ويا بقاي، ويا كرو، ويا ثمو، هذا هو الجاري عندهم ولا ينكسر ذلك إلّا في مواضع: منها: قاضون اسم رجل إذا رخمته على اللغتين قلت: يا قاض بلا خلاف، أما من لم ينو فأمره بين؛ لأنه إذا كان السبب في حذف الياء لحاق الواو والسبب في ضم الضاد لحاق الواو أيضا، فعندما زال ذلك عادت الياء. وأما من نوى فالذي يظهر أن يقول: يا قاض، ولا يرد الياء لأن الواو في نيته كما لا يعمل الواو في طفاوة. ومنها: راد فقياس من نوى أن يقول: (يا راد) بسكون الدال وصلا لأن الحرف المدغم في نية التشبث بالحركة فلم يجمع بين ساكنين إلّا على الشرط، لكن قال النحويون: إنك تقول: يا رادّ بكسر الدال على هذه اللغة، وإنما تكسر لأنها حركة الأصل، وكذا تقول في ترخيم تضار: يا تضارّ بالضم لأن الكسر في الأول والضم في الثاني هما الحركتان الأصليتان، وإذا لم يكن له أصل في الحركة يفتح فتقول: (يا) أسحار في أسحار. ومنها: خمسة عشر فإنك تحذف العجز إذا رخمت، فقياس من نوى أن يقول إذا وقف: يا خمسة بالتاء المفتوحة؛ لأنها في نية الوصل لكن اتفقوا على أنك (تقول): يا خمسه بالهاء الساكنة (¬1) قال: فلابد من تبيين هذه المسائل الثلاث ولولا إطباقهم عليها لأخذت بالظاهر فيها فكنت أقول: يا قاض ويا راد ويا خمسة وقفا. ولكن ينبغي للإنسان أن يتهم نفسه ويجعل التقصير في حقه. والذي لاح بعد المطالبة الكثيرة [4/ 214] أن باب الترخيم كله محمول على غيره؛ لأنه لم يستقر له حكم فيحمل عليه غيره ألا ترى أن قولهم: يا طفا ويا كرا إنما هو مقيس على أبواب التصريف، فليقس كل لفظ على ما يشبهه من غير باب الترخيم. فيا قاض إنما يقاس على التقاء الساكنين، وموجب رفض التقاء الساكنين إنما كان اضطراريّا؛ لتعذر النطق به، فلما زال ما كانت الياء ذهبت لأجله زوالا غير عارض؛ لأنه زالت الواو وصلا ووقفا نظرنا (فوجدناهم) متى زال الموجب لأمر ما وصلا ووقفا ردوا ذلك - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 268، 269) وص فقد ذكرنا نص سيبويه - المتصل بهذا - هناك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المحذوف فقالوا: لم يخافا، وردوا الألف التي كانت إنما ذهبت لالتقائها مع الفاء الساكنة في لم يخف؛ لأن حركة الفاء في يخافا لازمة (وصلا ووقفا) فكذلك يقاس الترخيم على غيره؛ إذ مسائل الترخيم كلها محمولة على غير الترخيم. ونهاية الاعتراض هنا أن يقال: نية المحذوف هو رعيه فكيف أثبتم الياء مع رعي المحذوف، فكان الانفصال عن هذا أن يقال: الحذف في الترخيم عارض والعارض قد يراعى تارة ولا يراعى أخرى، فيقال: الحذف هو القياس فكان القياس هنا مادام الحذف عارضا أن لا يعتدوا به وتبقى الياء محذوفة لكن اعتدوا بالعارض ليبقوا على ما استقر في كلامهم من رد المحذوف إذا زال موجب حذفه وصلا ووقفا. وهذا لم يثبت غيره في موضع من المواضع. فالأولى أن لا يخالف ويرتكب معه الوجه الأول في رعي المحذوف؛ لأنهم يرعونه كيفما كان. وكذلك يا راد حملهم على الكسر أنه لم يستقر في كلامهم الجمع بين الساكنين بهذا الشرط وهو نية التشبث بالحركة فالأولى ألّا يكسر هذا وأن يرتكب أن ذلك المنوي لا يراعى؛ لأن من كلام العرب عدم الرعي كما ذكرت لك. ومما يقوي ذلك قوله تعالى: مالِيَهْ 28 هَلَكَ (¬1) بإثبات الهاء. فإذا كانوا لا يراعون هذا الوصل الملفوظ به فالأحرى والأولى أن لا يراعى ما هو منوي وغير منوي وغير ملفوظ به. قال: فهذا وجه الانفصال عما اعترضنا به أولا. وأما يا خمسة عند الوقف، فإنك كيف ما كنت واقف ولا بد والعرب لا تقف على اللغة الشهرى بالتاء ولا تقف بالحركة وصلا. فلهذا لم يراع المحذوف؛ لأنهم قد لا يراعون الملفوظ كما قلنا، فالأحرى هذا إذا أدى رعيه إلى الخروج عن مهيع كلام العرب. فإن قيل: هلا قال من لغته أن ينوي في ثمود يا ثمي؛ لأن يا ثمو خروج عن كلامهم فلا ينبغي أن يراعى ذلك المحذوف؛ لأنه يؤدي إلى ما لم يوجد. فالجواب: أن الواو المتطرفة المضموم ما قبلها لم تمتنع لذاتها، وإنما امتنعت لما يؤدي إليه ذلك من لحاق ياء الإضافة وياء النسب فيكثر الثّقل وأنت في حال الترخيم قد أخذت الأمن من ذلك فلا يعبأ بها فرعي المحذوف إذا هنا ممكن. وكذلك أيضا يمكن في كروان وطفاوة رعي المحذوف، ولا يؤدي إلى مثل المسائل الأول؛ لأن تحريك الواو وانفتاح ما قبلها - ¬

_ (¬1) الحاقة: (28، 29).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عارض فصار بمنزلة حيل لا يلتفت إلى العارض فيها، فكذلك لم يلتفت هنا إلى حذف الألف والنون فحملت الشيء على نظيره. وكذلك طفاوة لأن هذا الإعلال عارض فلا ينبغي أن يلتفت إليه أصلا فاحتملت الواو طرفا (¬1). انتهى. وقوله: إنك تقول في قاضون اسم رجل على اللغتين: يا قاضي بلا خلاف يخالف ما أورده المصنف؛ لأن كلامه صريح في أن المسألة خلافية إذ قال: خلافا لأكثرهم في رد ما حذف لأجل واو الجمع؛ لأن مقتضاه أن الأقلين لا يردون. ثم قد رأيت جنوح بحث ابن عصفور إلى ما اختاره المصنف من عدم الرد حيث قال: والذي يظهر أن يقول من نوى ثبوت المحذوف: يا قاض ولا يرد الياء؛ لأن الواو في نيته كما لا تعلّ الواو في طفاوة (¬2). فوافق ما اقتضاه نظره اختيار المصنف وهو عدم الرد. ولا شك أن الخواطر السليمة تتوارد على ما هو الحق. إلا أن ابن عصفور قصر الحكم في ما يحذف منه واو الجمع على قاضون. وعبارة المصنف شاملة لكل معتل حذف آخره لأجل واو الجمع. ثم إن ابن عصفور ضم إلى مسألة قاضون المرخم مسألة راد وخمسة عشر إذا رخما كما عرفت. وقال: ولولا إطباقهم عليها لأخذت بالظاهر فيها، فكنت أقول: يا قاض ويا راد ويا خمسه وقفا كأنه يعني بعدم الرد في الأولى وبالسكون في الثانية وبالتاء غير مبدلة هاء في الثالثة. ثم إنه تأدب حيث قال بعد ذلك: ولكن ينبغي للإنسان أن يتهم نفسه ويجعل التقصير في حقه، وذكر ما لاح له بعد المطالبة الكثيرة. وما ذكره من التقرير كلام حسن إلا أنك: قد عرفت بحث المصنف مع القائلين بوجوب رد ما حذف لأجل واو الجمع وجوابه عما استمسكوا به في ذلك، وعلى الناظر أن يتأمل ويعمل بما ترجح عنده. وقد بقيت الإشارة إلى مسائل: الأولى: أن ابن عصفور لم يقتصر في شرح الإيضاح على مسألة قاضون المرخم بل طرد - ¬

_ (¬1) ينظر - في ذلك - شرح الجمل لابن عصفور (2/ 116، 117). (¬2) شرح الجمل (2/ 116، 117) وقد تقدم قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، أعني رد المحذوف على لغة من ينوي في كل اسم حذف منه قبل الترخيم حرف لالتقاء الساكنين، وذكر لذلك مثالين أحدهما: أعلون إذا سمي به ورخم، فإنه يقال فيه: يا أعلي برد الألف كما ردت الياء في يا قاضي لزوال موجب حذفهما في الكلمتين. ثانيهما: ناجي اسم رجل فإنه يقال فيه إذا رخم: يا ناج لأن ياءه إنما [4/ 215] كانت حذفت لملاقاتها الياء الساكنة المدغمة في مثلها، فبزوال الياء المشددة ردت الياء لأن حذفها كان لالتقاء الساكنين وقد زال. فلا فرق بين يا قاضي يا أعلى ويا ناجي بالنسبة إلى رد المحذوف، إلا أنك في يا قاضي تعيد الضاد إلى الكسر لزوال موجب الضم، وفي يا أعلى تبقى اللام على فتحها، وفي يا ناجي تبقي الجيم على كسرها. أما لو لم يكن الحرف المحذوف حذف لالتقاء الساكنين بل كان حذفه لغير ذلك فانه لا يرد في الترخيم على لغة من نوى، كما إذا سميت بحبارى وحبنطى ثم رخمت فإنك تقول: يا حبار ويا حبنط، ولا ترد الألف فيهما، لأنها إنما حذفت من أجل ياء النسب لما علم أن الألف الخامسة في الاسم المنسوب يجب حذفها ولا يتوهم أن الحذف منهما لالتقاء الساكنين. إذ لو كان الحذف لذلك لبقي الفتح - يعني فتح الراء والطاء - من الكلمتين المذكورتين كما أبقيت اللام مفتوحة في يا أعلون، ثم قال ابن عصفور: فإن قال قائل: فهل يلزم في محمر وأمثاله، ورحوى وأمثاله إذا سمي بها ثم رخمت على لغة من نوي رد المحذوف أن يكون من قبيل ما لا يترك فيه ما بقي بعد الحذف على ما كان عليه قبل الحذف من الحركة أو السكون من جهة أن الأصل في محمر محمرر، إلا أنك سكنت الراء الأولى لأجل إدغامها في الثانية، فإذا زالت الراء الثانية بالترخيم وجب أن ترجع إلى أصلها من التحريك فيقال: يا محمر لزوال موجب تسكينها (وتنوي) الإدغام وكذلك الواو أيضا في رحوي هي ألف رحى إلّا أنها قلبت واوا وحركت (بالكسر) لأجل ياء النسب، فإذا زالت ياء النسب بسبب الترخيم وجب أن ترد إلى أصلها فيقال: يا رحى لزوال موجب قلبها واوا وكسرها. وكذلك: عدوي فإنه منسوب إلى عدي حذفت الياء الأولى كما في النسب إلى على وغنى فبقى على فعل فنسب إليه كما نسب إلى عم فحركت عينه بالفتح، فقلبت ياؤه ألفا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار عدى كرحى ثم فعل به ما فعل برحى من قلب الألف واوا وكسرها بعد ذلك لأجل ياء النسب فقلبت عدوى. فإذا رخمت حذفت ياء النسب، وبعد الحذف إما أن ترد الكلمة إلى أصلها الأول فتقول: يا عدي لزوال موجب (تغيره) وهو ياء النسب أو إلى أصله الأقرب فتقول يا عدا فترد الياء إلى أصلها وهو الألف لزوال موجب قلبها، وكيفما فعلت فقد تغير ما بقي بعد الحذف عما كان عليه قبل الحذف من الحركة أو السكون. فالجواب: أن جميع ذلك إذا رخم على لغة من نوى ترك ما بقي منه بعد الحذف على ما كان عليه قبل الحذف من الحركة أو السكون. فنحو (محمرّا) إذا رخم يبقى على سكونه. تجريه في ذلك مجرى ما ليس الأول من المثلين فيه متحركا في الأصل نحو أشكر وأترح، وسبب ذلك أن الراء الأولى وإن كان أصلها الحركة فإنها لم ينطق بها على أصلها من الحركة؛ لأنهم لم يقولوا محمرر في حال من الأحوال، فلما كان التحريك أصلا مرفوضا لم يردوا الكلمة إليه. وإذا رخمت رحويا اسم رجل على لغة من نوى رد المحذوف قلت: يا رحو ولم ترد الواو إلى أصلها فتقول: يا رحى لأنها في الأصل ألف منقلبة عن ياء متحركة بحركة الإعراب فإذا نسبت زالت تلك الحركة التي كانت في الياء التي انقلبت عنها الألف، وإذا زالت تلك الحركة التي انقلبت الياء من أجلها ألفا بسبب النسب لم يتصور رد الألف التي كانت منقلبة عن الياء ولا يتصور أيضا أن تقلب الواو من قولك: يا رحو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها؛ لأن الاسم إذا رخم على لغة من نوى حكم له بحكمه لو كان غير مرخم، فكما تثبت الواو المكسورة في رحويّ قبل الترخيم ولم تقلب ألفا، فكذلك لا تقلب إذا رخمت وأنت تنوي رد المحذوف، بل تثبتها على ما كانت عليه قبل الترخيم. وإذا رخمت عدويّا على لغة من نوى رد المحذوف لم ترده إلى أصله فتقول: يا عدي، لأن ياء النسب لم تلحقه وهو باق على بنائه الأصلي، وإنما لحقته بعد أن رد إلى مثال فعل؛ فإذا حذفت الياء وأنت تريدها فإنما يجب أن ترد إلى الاسم الذي حذفتها منه ما كان موجودا في البناء الذي لحقته ياء النسب، ولم ترده إلى أصله الأقرب فتقول: يا عدى وسبب ذلك أن الواو من عدوي وإن كان أصلها ألفا فإنها لم ينطق بها على أصلها. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلما كانت الألف أصلا مرفوضا لم يردوها في حال الترخيم على لغة من نوى انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬1). والذي تلخص منه أولا، وآخرا: أن الاسم المرخم على اللغة الشهيرة وهي لغة من ينوي المحذوف أي يقدر ثبوته لا يغير عما كان عليه قبل الحذف إلا في موضعين: أحدهما أن يؤدي بناؤه على ما كان عليه إلى الجمع بين ساكنين فيغير بتحريك الآخر كما في أسحار وياراد ويا مضار ويا تضار. ثانيهما: ما حذف منه حرف ساكن (لالتقائه) مع ساكن آخر قبل الترخيم، فإذا زال الساكن الثاني للترخيم لا يبقي الاسم على حاله بل يرد إليه الساكن الأول الذي كان قد حذف، وذلك كما في يا قاضي ترخيم يا قاضون ويا أعلى ترخيم يا أعلون، ويا ناجي ترخيم [4/ 216] يا ناجي. لكن قد عرفت اختيار المصنف في يا قاضي أنه لا يرد الياء حيث قال: خلافا لأكثرهم في رد ما حذف لأجل واو الجمع. ومقتضى عدم رده الياء في يا قاض أن لا يرد الألف في يا أعلون ولا الياء في يا ناجي إذا رخما. وأما عدم التغيير في غير هذين الموضعين بعد الترخيم فالظاهر أنه لا يحتاج إلى الاعتذار عنه؛ لأن المحذوف اذا كان مقدر الثبوت وجب أن يبقى ما قبله بحاله ولا يتعرض إليه بتغيير، وعلى هذا فما ذكره ابن عصفور من تعليل عدم التغيير في محمرّ ورحوى وعدوى إذا رخمت مستغنى عنه. ويظهر من قولنا إن المحذوف إذا كان مقدر الثبوت وجب أن يبقى ما قبله بحاله ولا يتعرض إليه بتغيير - إن الذي اختار المصنف في مسألة قاضون إذا رخم من عدم رد المحذوف على لغة من ينوي ما حذف هو الحق. وعلى هذا: فالتغيير بعد الحذف في أسحار وراد ومضار ومضار وتضار إنما هو لأمر آخر وهو الفرار من اجتماع ساكنين في الوصل. الثانية: أن المصنف قال: إن الترخيم على الوجه الأعرف يتعين في صور منها ما يوهم - ¬

_ (¬1) كان الكلام السابق لابن عصفور في شرحه على الإيضاح كما نبه عليه ناظر الجيش. وانظر - كذلك - شرحه على الجمل (2/ 117) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدير تمامه تذكير مؤنث نحو عمرة وضخمة، فمثل بالاسم والصفة والجماعة، أعني المغاربة يقدرون ذلك بكونه صفة. قال ابن عصفور بعد أن ذكر من رخم قد ينوي المحذوف وقد لا ينوي، واللغتان مطردتان في جميع الأسماء المرخمة، إلا أن يكون صفة فيها تاء التأنيث، فإنها لا ترخم إلّا على لغة من نوى خاصة (¬1). وقال ابن الضائع: لغة من لم ينو جارية في كل المرخمات إلّا الصفات التي فيها تاء التأنيث كذاهبة ومنطلقة (¬2)، ومن ثم قال الشيخ: شمل كلام المصنف العلم والصفة وشيوخنا فصلوا في ذلك فلم يعتبروا اللبس في الأعلام واعتبروا ذلك في الصفات (¬3) انتهى. والذي يظهر أن كون ذلك في الصفات المذكورة هو الأكثر والغالب؛ لأن الموجب له إنما هو خوف التباس المؤنث بالمذكر وهذا لا يجيء في الأعلام فإذا قيل: يا حمز ويا طلح دون نية المحذوف وجعلناهما اسمين تامين لا يرتاب أن الأصل حمزة وطلحة إذ ليس في الأسماء حمز وطلح. ولهذا قال المصنف في الخلاصة: والتزم الأوّل في كمسلمه ... وجوّز الوجهين في كمسلمه إذ ليس في الأسماء مسلم فإذا اتفق في بعض الأسماء موافقة ما بقى منه بعد حذف التاء للترخيم لاسم مستعمل وجب أن يكون حكمه حكم الصفات التي ترخم بحذف (التاء في) أنه لا يرخم إلا على لغة من ينوي المحذوف وذلك كالمثال به المصنف وهو عمرة فإنه لو رخم على لغة من لا ينوي المحذوف لحصل الإلباس الذي فرضة في ترخيم الصفات وعلى هذا لا ينبغي التقيد بكون الاسم صفة بما يوهم تقدير تمامه تذكير مؤنث كما قال المصنف. ومنها ما يلزم من تقدير تمامه عدم النظير كما في طليسان وحدرية وعرقوة وصلوى وحمراوي إلا أن المصنف لم يشعر كلامه أن في مثل ذلك خلافا. لكن قد أشار إلى ذكر الخلاف ابن عصفور فقال في شرح الإيضاح وزعم المبرد والأخفش أنك تقول في ترخيم صلوى على لغة من ينوي يا حبلو. قالا ولا يجوز ترخيمه على لغة من لم ينو لأن ذلك يؤدي إلى انقلاب الواو ألفا وألف فعلى لا تكون - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 120، 121). (¬2) في شرحه على الجمل اللوحة: 59. (¬3) التذييل (4/ 231).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا للتأنيث فلا يجوز أن تكون منقلبة عن شيء (¬1). قال. وكذلك أجازا هما المازني ترخيم طيلسان في لغة من كسر اللام على لغة من نوى ولم يجيزا ترخيمه (على لغة) من لم ينو لأن فيعلا صحيح العين لا يكون في الأسماء الكاملة. قال وكذلك زعم ابن الدهان في الغرة له أن بعض النحويين أجاز أن يرخم سفرجل على لغة من لم ينو فيقال: يا سفرج، وزعم أن ذلك باطل؛ لأنه لا يوجد في الرباعي الأصول ما هو فعل (¬2). قال: وأجاز السيرافي الترخيم على اللغتين في هذه الأسماء الثلاثة وأمثالها، وزعم أن العرب لا تشترط أن يكون ما بقي بعد الترخيم في لغة من لم ينو الرد على أبنية كلامها؛ لأنه شيء عرض في الكلام وليس ببنية أصلية (¬3). قال: ويقال للمحتج عن صاحب هذا المذهب: أخبرنا عن حار من قولك: يا حار ما وزنه فإن قال فاعل على أصله قبل الترخيم. قيل له: فما أنكرت أن يكون طيلس وزنه فيعلان على أصله قبل الترخيم وهو طيلسان. وإن قال: وزنه فاع قيل له: فلم قلت: يا حار وليس في الكلام فاع. قال - يعني السيرافي: والقول في مثل هذا أن (لا يعتد ب) الوزن في ما بقي لأنه ليس بالأصل الموضوع في بنية تلك الكلمة وتعتبر الحروف، فإذا وقعت في موضع يستمر الحكم في تغييرها غيرت. قال ابن عصفور: وهذا القول أخذه المبرد عن المازني، وذلك أن المازني قال: سألت الأخفش: كيف ترخم طيلسان اسم رجل في لغة من من كسر اللام على قولك: يا حار؟ فقال يا طيلس: قلت: أرأيت فيعلا اسما قط في الصحيح؟ إنما يوجد هذا في المعتل كسيد. فقال: قد علمت أني أخطأت. لا يجوز ترخيمه إلّا (على) قول من قال: يا حار. قال ابن عصفور: والصحيح عندي أن الترخيم على لغة من لم ينو الرد في حبلوي وطيلسان وأمثالهما لا يجوز، وأنه في سفرجل وأمثاله جائز والفرق [4/ 217] بين الصفتين أن المحذوف من حبلوي وطيلسان ليس من أصول الاسم، ومع أنه ليس من - ¬

_ (¬1) المقتضب (4/ 4، 5، 234) والرضي (1/ 141) والشجري (2/ 98، 99). (¬2) الارتشاف (3/ 160) والتذييل (4/ 233). (¬3) شرح السيرافي في على الكتاب (3/ 64 / أ) والأشموني (3/ 183).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أصوله فإنك لم تنوه بدلالة بنائك ما بقي على الضم، وإذا كان كذلك لم يلتفت إليه في وزن الاسم؛ لأنه ليس من أصوله، فتكون الكلمة مفتقرة إليه ولا نوي ردّه فلم يكن لاعتباره في الوزن وجه، بل المعتبر في الوزن ما بقي بعد الحذف. وأما سفرجل وأمثاله فإن المحذوف منه أصل والاسم مفتقرا إلى ما هو أصل منه، فلم يكن بد من اعتبار المحذوف في الوزن كما أن المحذوف من يد ودم وأشباههما معتبر في الوزن. هذا ما قاله في شرح الإيضاح. وكلامه في شرح الجمل يخالفه فإنه قال فيه: والصحيح الجواز - يعني ترخيم طيلسان - بكسر اللام على لغة من لم ينو؛ لأن الأوزان لا تراعى في الترخيم بدليل قولهم يا حار (¬1). وكلام ابن أبي الربيع يوافق ظاهره ما قاله ابن عصفور في شرح الجمل؛ لأنه بعد أن ذكر أن ثم خلافا في ما إذا حذف آخره لم يبق له نظير - هل يرخم على لغة من لم ينو سفرجل، فإنه إذا رخم يصير بوزن فعلّ. ومثل جعفر لم يأت في الكلام. قال: وظاهر كلام سيبويه أن هذا النوع يرخم على لغة من لم ينو ولا يبالى بعدم النظير؛ لأنه أمر عارض (¬2) انتهى. وقد تبين أن الذي ذكره ابن عصفور في شرح الإيضاح موافق لما ذكره المصنف. المسألة الثالثة: استثنى ابن عصفور من قول النحاة أن آخر المرخم يضم على لغة من لم ينو مسألة. فقال: إلا أن تصفه بابن وتتبع حركة الآخر فتحه في نون ابن. فإن الآخر إذ ذاك يكون مفتوحا لا مضموما نحو قولك: يا حار بن عمرو تريد يا حارث بن عمرو، ومن ذلك قوله: 3505 - وهذا ردائي عنده يستعيره ... ليسلبني نفسي أمال بن حنظل (¬3) - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 120 - 121). (¬2) التذييل (4/ 232) والكتاب (2/ 241). (¬3) من الطويل للأسود بن يعفر - التصريح (2/ 190) والشجري (1/ 127، 2/ 89) والكتاب (1/ 332) والمخصص (14/ 195) والنوادر (ص 159).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في رواية من روى أمال بفتح اللام. وقال مبرمان (¬1): وبفتحها قرأت على أبي العباس المبرد ولا يتصور هذا الإتباع في لغة من رخم ونوى؛ لأن حركة آخر ما بقي في هذه اللغة محكوم له بحكم حركة ما هو حشو، وحركة ما هو حشو لا تتبع حركة النون من ابن (¬2). هذا كلامه. واقتفى الشيخ هذا الكلام فقال في قول المصنف أنه نبّه بقوله: ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا على إظهار ضمته إن كان صحيحا: «وينبغي أن يزيد إلا أن تصفه بابن وتتبع حركة الآخر الفتحة في نون ابن، فإن الآخر إذ ذاك يكون مفتوحا لا مضموما (¬3). انتهى. وما قاله ابن عصفور كلام عجيب؛ لأن المراد من قولنا: يتبع الآخر حركة نون ابن الذي هو صفة - أننا نترك الضمة ونفتح لقصد الإتباع، فالإتباع عند قصده معاقب للضمة ولا يتصور وجودها معه؛ لأننا إما أن نضم، وإما أن نتبع، وإذا كان كذلك فمعنى كلامه: يضم الآخر إلّا أن يفتح للإتباع فلا يضم. ولا شك أننا متى فتحنا للإتباع امتنع الضم قطعا. فأي فائدة لقوله: إلّا أن تصفه بابن، وتتبع حركة الآخر في نون ابن. وكما يتعجب من ابن عصفور في ما ذكره يتعجب من الشيخ أيضا كيف أقرّه عليه، ثم استدرك به على المصنف. الرابعة: لا التفات إلى قول من منع نعت المرخم معتلّا لذلك بأن الاسم المرخم يختص بالنداء نحو فل، وفسق، وفساق. لا ينعت لأن الاسم المرخم لم يكن مختصّا بالنداء، إنما المختص بالنداء هو الترخيم، فالاسم إذا لم يكن مرخما يستعمل في النداء وغيره. نعم إذا رخم اختص بالنداء من أجل أن الترخيم في غير ضرورة إنما يكون في - ¬

_ (¬1) محمد بن علي بن إسماعيل العسكري أبو بكر من كبار علماء العربية من بغداد أخذ عن المبرد والزجاج وعنه الفارسي والسيرافي له شرح شواهد سيبويه وغيره (ت 345 هـ) الأعلام (7/ 158) والبغية (ص 74) ومفتاح السعادة (1/ 137). (¬2) الأشموني (3/ 183) والهمع (1/ 184) وما بعدها وشرح الجمل (2/ 93، 96). (¬3) التذييل (4/ 232).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النداء وقد قال سيبويه: ألا ترى أن من قال: يا زيد الكريم قال: يا سلم الكريم (¬1)، ثم قد تقدم في البيت المتقدم الإنشاد أمال بن حنظل، وقال آخر: 3506 - أحار بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق (¬2) الخامسة: قد عرفت معنى قول المصنف: ويعطى آخر المقدر التمام ما يستحقه لو تمم به وضعا وأنه نبه بذلك على إظهار الضمة إن كان صحيحا نحو: يا حار، ويا جعف، ويا هرق، وعلى تقديرها إن كان معتلّا نحو: يا ناجي بسكون الياء ترخيم ناجية وعلى أنه: يقال في كروان، وصميان علمين: يا كرا ويا صما، وعلى أنه يقال في علاوة، وعناية: يا علا ويا عنا، فيعاملان معاملة كساء، ورداء وجرا؛ وظباء. ولا شك في وضوح ذلك، لكن ذكر ابن عصفور مسألة كأنه كالمستثنى لها من هذا الحكم، وهي أنك تقول في ترخيم (غاو) اسم رجل على لغة من ينوي (يا غاو) مبقيا الواو على كسرها، و (على) لغة من لم ينو: يا غاو قال: فتضم الواو ولا تقلبها همزة، يعني كما في كساء قال: وذلك لأمرين: أحدهما: أن الاسم المذكور معل بحذف لامه للترخيم فلم يجز لذلك أن تعل عينه لما في ذلك من توالي إعلالين وهو غير جائز في كلامهم، ومن ثمّ قالوا: طوى فأعلوا اللام ولم يعلوا العين، بل أجروها مجرى الصحيح لما قلناه. والآخر: أنك لما رخمت فقلت: يا غاو ولم تنو المحذوف بقي الاسم على ثلاثة أحرف، والاسم التام إذا كان على ثلاثة أحرف وكان آخره واوا قبلها ألف صحت الواو منه ولم تقلب همزة نحو واو، وكذا الحكم في ترخيم ها وعلى اللغتين. انتهى (¬3). وفي الأمرين اللذين ذكرهما نظر. أما توالي إعلالين فإنما يمتنع حيث يتوافق الإعلالان كما لو أعل نحو طوى وهوى، - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 241، 242) - هارون. (¬2) من الطويل لأنس بن أبي إياس - الأشموني (3/ 174) والبلدان: سرق، والدرر (1/ 159) والهمع (1/ 183). (¬3) نقل من شرح الإيضاح المفقود ومما بين قيمة شرح التسهيل لناظر الجيش (يوجد من شرح الإيضاح أربعون لقطة في تركيا من أول الكتاب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما حيث يختلفان فتواليهما غير ممتنع كما في ماء، وأما صحة الواو في واو فسببه أن الألف التي قبلها أصلية، أي (غير) (¬1) منقلبه عن أصل، والواو الواقعة طرفا بعد ألف إنما تقلب همزة إذا كانت الألف زائدة. وعلى هذا فكلمة واو ليس فيها موجب إعلال فتعل [4/ 218] بخلاف غاو لكن الألف الواقعة قبل الواو زائدة. والذي يظهر أن الموجب لسلامة الواو في غاو المرخم على لغة من لم ينو أن الواو ليست في الحقيقة طرفا؛ لأن غاويا المسمى به منقول من اسم فاعل من غوي؛ فلابد أن تكون الياء المحذوفة في الترخيم مرادة قطعا؛ لأن الاسم لا يتم بدونها، وإذا لم تكن طرفا كانت حشوا فيمتنع إعلالها لا يقال: الترخيم المفروض الآن في يا غاو إنما هو على من لم (ينو) المحذوف؛ لأنا نقول: المراد بقولهم: لا ينوى أنه لا ينوى لفظا بل بغرض كأن الاسم إنما ختم بالحرف الذي قبل الحرف الذي حذف للترخيم ليعامل المختوم به معاملة الحرف الذي حذف فيضم للبناء كما كان المحذوف يضم له. ولهذا يصرحون فيقولون: لا ينوى رده إما أنه لا ينوى وجوده (فهذا) مستحيل وإذا كان منويّ الوجود ثبت ما قلناه. وقوله: إن الاسم المذكور مثل محذوف منوي الوجود إذ لو كان حذفه نسيا منسيّا لم يكن في قلب الواو همزة توالى إعلالين. وإذا تقرر هذا لم يناسب قوله أن صحة الواو في يا غاو كصحتها في واو؛ إذ الألف في غاو محكوم بزيادتها (والألف) واو محكوم بأصالتها. السادسة: قد عرفت أيضا ما أراد المصنف بقوله: وإن كان ثنائيّا ذالين إلى آخره، وما شرح به كلامه، وقد تعرض ابن عصفور إلى ذكر كلمات أخر غير ما ذكره المصنف، فقال بعد ذكر رد المحذوف من شاة إذا رخم على لغة من لم ينو الرد (¬2): وتقول في ترخيم شية على لغة من لم ينو يا شي أقبل (فترك) ما بقي على ما كان عليه قبل الحذف وعلى لغة من لم ينو يا وشي أقبل في قول الأخفش؛ لأن أصلها فعلة - ¬

_ (¬1) لا بد منها. إذ الألف منقلبة عن غيرها في الفعل المتصرف والاسم المتمكن وهي أصلية في الفعل الجامد والاسم المبني والحروف؛ إذ إنه لا تصريف في الأخيرة نصل عن طريقه إلى أصل الألف. (¬2) نقل طويل من شرح الإيضاح لابن عصفور (مفقود).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذاهب الواو من وشيت وعلى قول سيبويه يا وشي أقبل فترد الواو وتدع الشين على حركتها ولا تردها إلى أصلها من السكون؛ لأن المقصود برد الواو المحذوفة إنما هو تقوية الكلمة فلو رددتها وحذفت الحركة من الشين لكونها كانت ساكنة قبل الحذف لكنت بمنزلة من لم يرد شيئا من جهة أن الحركة حكموا لها بحكم الحرف في مواضع من كلامهم بدليل التزام حذف ألف جمزى في النسب حيث قالوا: جمزي، كما التزموا حذف الألف الخامسة نحو قرقريّ في النسب إلى قرقرى، ولا يفعلون ذلك في حبلي وأمثاله، وكذا تجويزهم صرف هند لسكون وسط الكلمة بخلاف سقر للحركة، ثم قال: والصحيح يعني في المسألة مذهب سيبويه بدليل قولهم يديان بتحريك الدال ولم يردوها إلى أصلها من السكون. والدليل على سكونها في الأصل قولهم في الجمع أيد. ولا يستدل لأبي الحسن بقول الشاعر: 3507 - لا تقلواها وادلواها دلوا ... إنّ مع اليوم أخاها غدوا (¬1) فيقال: قد سكنت الدال لما رد المحذوف؛ لأنا نقول إن غدوّا جاء على أصله، وغير محذوف منه، ولم يقم دليل على أن غدوّا ردت إليه الواو بعد حذفها. انتهى. ولك أن تقول: إن التعليل الذي ذكره لبقاء الشين على حركتها بعد رد الواو غير ظاهر. وبيان ذلك: أن الحركة التي حكم لها بحكم الحرف - يعني في النسب - ومنع الصرف حركة أصلية بخلاف حركة الشين في شيه، فإنها حركة الفاء، فلما حذفت الفاء حركت العين بحركتها كأنهم قصدوا بذلك الدلالة على أن الحرف الذي حذف كانت حركته كسرة، فالفاء إذا عادت إنما تعود بحركتها التي كانت لها قبل الحذف. ولا شك (أنه) يلزم من ذلك ردّ العين إلى أصلها من السكون. فأما بقاؤها على حركتها في النسب على مذهب سيبويه فيحتاج إلى الاعتذار عنه، وسيأتي الكلام عليه في باب النسب إن شاء الله تعالى. ¬

_ (¬1) من الرجز - الشجري (2/ 35) والشذور (ص 444) وشرح شواهد الشافية (ص 449) واللسان: دلا، غدا والمصباح: غدا، والمقتضب (2/ 328)، (3/ 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال ابن عصفور أيضا (¬1): وتقول في ترخيم سوأة إذا خففت بنقل الهمزة إلى الساكن قبلها على لغة من ينوي يا سو أقبل، وعلى لغة من لم ينو (يا سؤ أقبل بضم الواو قال: وإنما جاز بقاء الاسم على حرفين، ثانيهما حرف علة في لغة من لم ينو) ولم يجز ذلك في ترخيم شاه وشيه وأمثالهما على لغة من لم ينو؛ لأن سوأة محكوم لها بحكم سوأة لأن حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الساكن قبلها عارض بسبب التخفيف، والعارض لا يعتد به فيجب أن يحكم لسوة (بحكم سوأة) وكما حكموا لسوة بحكم سوأة كذلك حكموا لسوء بحكم سوء، ثم قال: وتقول في ترخيم سفيرج في لغة من نوى: يا سفير فيترك ما بقي على ما كان عليه قبل الترخيم. وأما على لغة من لم ينو فحكي ابن السراج عن الأخفش أنه كان يقول: إن رد اللام لازم إذ ذاك فتقول: (يا سفيرل) لأن حذفها إنما كان لطول الاسم فلما حذفت الجيم زال الطول الذي أوجب حذفها فردت اللام. وحكى عن أبي العباس المبرد أنه كان يرد هذا القول ويحكم بأنه غلط؛ لأن المتكلم بذلك لم يقصد إلى سفرجل فيسمى به وإنما قصد إلى سفرج فسمي به ولا لام فيه وهو على مثال ما يرخم فرخم بعد أن بنيته اسما. ألا ترى أنك تقول في تصغير سفرجل سفيرج وسفيريج ولو سميت بسفيرج لم يجز أن تقول سفيريج؛ لأنك لم (تقصد) إلى ما كان يجوز في سفرجل. ولو سميت بفريزد تصغير فرزدق في لغة من قال فريزد لم يجز أن تقول فيه: فريزق، وإن كان ذلك جائزا في تصغير فرزدق؛ لأنك سميت بشيء بعينه، ثم قال: وما رد به أبو العباس لا يلزم إلّا على تقدير أنه سمي أولا بسفيرج. فإن قدر أنه سمي أولا بسفرجل ثم صغر بعد التسمية به فقيل: سفيرج لم يمتنع فيه سفيريج فتأتي بالياء عوضا من اللام المحذوفة (¬2). انتهى. (ولما) ذكر الشيخ هذا البحث عن ابن عصفور قال: والمسألة عن الأخفش مفروضة في ما إذا سمي بخماسي مصغر [4/ 219] لا في ¬

_ (¬1) نقل من شرح الإيضاح المفقودة وتوجد لدي أربعون لقطة منه [80 صفحة] من أول الكتاب مصورة من تركيا (د. علي فاخر). (¬2) شرح الإيضاح المفقود وينظر شرح الجمل (2/ 121) وكذا: شذور الذهب (/ 444) ولسان العرب: دلا، وغدا، والمخصص (9/ 60) والمقتضب (2/ 438)، (3/ 153) والمنصف (1/ 64، 2/ 149).

[أحكام آخر المرخم]

[أحكام آخر المرخم] قال ابن مالك: فصل: (قد يقدّر حذف هاء التّأنيث ترخيما فتختم مفتوحة، ولا يفعل ذلك بألفه الممدودة، خلافا لقوم، ولا يستغنى غالبا في الوقف على المرخّم بحذفها عن إعادتها (أو) تعويض ألف منها ويرخّم في الضّرورة ما ليس منادى من صالح للنّداء، وإن خلا من علميّة وهاء تأنيث على تقدير التمام بإجماع، وعلى نيّة المحذوف خلافا للّمبرّد ولا يرخّم في غيرها منادى عار من الشّروط إلّا ما شذّ من «يا صاح»، و «اطرق كرا» على الأشهر. وشاع ترخيم المنادى المضاف بحذف آخر المضاف إليه، وندر حذف المضاف إليه بأسره وحذف آخر المضاف). ـــــــــــــــــــــــــــــ ما إذا سمي بخماسي مكبر، ثم صغر فأرادوا ترخيمه. قال: وهكذا أوردها الناس عن الأخفش فلا يجيء تقسيم ابن عصفور وتقديره فيها لأنها مفروضة في أحد القسمين (¬1) انتهى. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): نص سيبويه على أن نداء ما فيه هاء التأنيث بترخيم أكثر من ندائه دون ترخيم (¬3)، وبعد نصه على ذلك قال: واعلم أن ناسا من العرب يثبتون الهاء فيقولون: يا سلمة أقبل، وبعض من يثبت يقول: يا سلمة (أقبل) يعني بفتح التاء، ومنه قول الشاعر: 3508 - كليني لهمّ يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطيء الكواكب (¬4) وعلّل سيبويه الفتح في التاء بأنه: لما كان الأكثر في نداء ما هي فيه نداؤه بحذفها قدّر وهي ثابتة عاريا منها فحركت بالفتحة؛ لأنها حركة ما وقعت موقعه وهو الحرف الذي قبلها (¬5) وأسهل من هذا عندي أن تكون فتحة التاء إتباعا لفتحة ما - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 233). (¬2) شرح التسهيل (3/ 428). (¬3) الكتاب (2/ 241). (¬4) من الطويل للنابغة الذبياني - ديوانه، والدرر (1/ 160) والعيني (4/ 303) والهمع (1/ 185) - هذا والبيت في الكتاب (2/ 207، 277، 3/ 382). (¬5) ينظر الكتاب (1/ 53، 2/ 207، 208، 241، 277، 278) هارون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبلها، كما كانت فتحة المنعوت في نحو: يا زيد بن عمرو إتباعا لفتحة ابن وإتباع الثاني الأول أحق بالجواز لا سيما في كلمة واحدة ويرجح هذا الاعتبار على ما اعتبره سيبويه قوله: «وبعض ما يثبت يقول: يا سلمة فنسب الفتح لبعض من يثبت، ولو كان الفتح على ما ادعى من تقدير حذف التاء وإقحامها لكان منسوبا إلى من يحذف، لا إلى من يثبت، وهذا بين والاعتراف برجحانه متعين. وألحق بعض النحويين في جواز الفتح بذي الهاء ذا الألف الممدودة، فأجاز أن يقال: يا عفرا هلمي بالفتح، وهذا لا يصح؛ لأنه غير مسموع ومقيس على ما ترك فيه مقتضى الدليل؛ لأن حق ما نطق به أن لا يقدر ساقطا والهاء المشار إليها على الدعوى المذكورة، بخلاف ذلك فحق ما هي فيه مفتوحة أن يقصر على السماع ولا يقاس عليه غيره من ذوات الهاء فكيف يقاس عليه ذوات الألف الممدودة. وقد ترتب على كون ترخيم ذي الهاء أكثر من (تتميمه) أن شبه بالفعل المحذوف آخره وقعا كارم فسوّوا بينهما في توقي حذف الحركة غالبا حين يوقف عليها بزيادة هاء السكت وإعادة هاء التأنيث فقالوا في الوقف: ارمه، ويا طلحة. ولم يستغنوا غالبا عن الهاءين إلّا قليلا فمن القليل: ما حكى سيبويه من قول من يثق بعربيته في الوقف على حرملة يا حرمل (¬1) ومثله قول بعض العرب: سطي مجر ترطب هجر، يريد: توسطي يا مجرة، فرخم ووقف دون إعادة الهاء دون تعويض، والمشهور إعادة الهاء أو تعويض الألف منها كقول القطامي: 3509 - قفي قبل التّفرّق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا (¬2) ويرخم للضرورة غير المنادى على تقدير التمام، وتناسى المحذوف، وعلى تقدير ثبوته فالأول كقول امريء القيس: 3510 - لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... طريف بن مال ليلة الجوع والخصر (¬3) ومثله: - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 244). (¬2) من الوافر - ديوانه (ص 37) والأشموني (3/ 173) والدرر (1/ 588، 160) والكتاب (1/ 331) بولاق والمغني (ص 453) والمقتضب (4/ 93) والهمع (1/ 119، 185). (¬3) من الطويل - ديوانه (ص 142) والدرر (1/ 157) والهمع (1/ 1 / 18).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3511 - أسعد بن مال ألم تعلموا ... وذو الرّأي (مهما) (¬1) يقل يصدق (¬2) ومثله: 3512 - مررت بعقب وهو قد دلّ للعدى ... فعزّ والفاني له خير ناصر (¬3) أراد بعقبة ومثله: 3513 - زكت وسمت ابنا أميّ بغاية ... من المجد لم تدرك ولا هي تدرك (¬4) أراد أمية (ومنه) (¬5) قول ذي الرمة: 3514 - ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا ... ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (¬6) وزعم يونس أن مية وميّا اسمان لمحبوبة ذي الرمة (¬7)، وذلك كلف لا حاجة إليه. والثاني من وجهي الترخيم الضروري وهو أن يحذف ما يحذف ويقدر ثبوته فيبقى آخر ما بقي على ما كان عليه كقول الشاعر: 3515 - يؤرّقني أبو حنش وطلق ... وعمّار وآونة أثالا (¬8) أراد وآونة أثالة فحذف التاء ونوى ثبوتها؛ ولذلك أبقى (اللام) (¬9) مفتوحة مع أنه في موضع رفع بالعطف على فاعل يؤرقني، ومثله: 3516 - إنّ ابن حارث إن أشتق لرؤيته ... أو أمتدحه فإنّ النّاس قد علموا (¬10) - ¬

_ (¬1) الأصل: مهمى تحريف. (¬2) من المتقارب لبعض العبادين - الكتاب (1/ 337). (¬3) من الطويل - وانظره في التذييل (4/ 236). (¬4) هذا البيت كسابقه - التذييل (4/ 237). (¬5) من هامش المخطوط. (¬6) من البسيط ديوانه (ص 3) - والخزانة (1/ 378) والدرر (1/ 145) والشجري (2/ 90) والكتاب (1/ 141، 333) والهمع (1/ 168). (¬7) الكتاب (2/ 247) هارون. (¬8) من الوافر لابن أحمر - الأشموني (2/ 33) والإنصاف (ص 354) والشجري (1/ 126، 128، 2/ 92، 93) والعيني (2/ 421) والكتاب (1/ 343). (¬9) الأصل: الكلام. (¬10) من البسيط لأوس بن حبناء - الأشموني (3/ 184) والإنصاف (ص 354) والدرر (1/ 157) والشجري (1/ 126)، (2/ 92) والعيني (4/ 283) والكتاب (1/ 343) والهمع (1/ 181).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد إن ابن حارثة، ومثله: 3517 - ألا أضحت حبالكم رماما ... وأضحت منك شاسعة أماما (¬1) أراد أمامة كذا رواه سيبويه (¬2)، وزعم المبرد أن الرواية: وما عهد كعهدك يا أماما، لأنه لا يجيز الترخيم الضروري إلا على الوجه الأول (¬3) وهو محجوج بصحة الشواهد على الوجه الثاني وبأن حذف بعض الاسم مع بقاء دليل على المحذوف أحق بالجواز من حذف دون بقاء دليل، وأما زعمه أن الرواية وما عهد كعهدك يا أماما، فلا يلتفت إليه مع مخالفتة نقل سيبويه، فأحسن الظن به إذا لم تدفع روايته أن تكون رواية ثانية وللمبرد إقدام في رد ما لم يرد كقوله في قول العباس ابن مرداس: 3518 - وما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع (¬4) الرواية يفوقان شيخي مع أن البيت بذكر مرداس ثابت بنقل العدل عن العدل في صحيح البخاري وغيره، وذكر شيخي لا يعرف له سند صحيح ولا سبب يدنيه من التسوية، فكيف [بالترجيح] ويحتمل قول عمرو بن الشريد: 3519 - أقول وليلى ما تريم نجومه ... ألا ليت صخرا شاهدي ومعاويا (¬5) أن يكون على لغة من يقدر استقلال ما بقي وأن يكون على لغة من يقدر ثبوت المحذوف وبقاء ما قبله على ما كان عليه. ولا يرخم للضرورة ما فيه الألف واللام [4/ 220] لأنه لا يصلح للنداء وشرط المرخم للضرورة أن يكون لفظه صالحا لمباشرة حرف النداء، فعلى هذا لا يقال في الحمي من قول الراجز: 3520 - أو آلفا مكة من ورق الحمى (¬6) - ¬

_ (¬1) من الوافر لجرير - ديوانه (ص 407) والجمل (ص 189) والنوادر (ص 31) هذا: ورواية الديوان: أصبح حبل وصلكم رماما ... وما عهد كعهدك يا أماما (¬2) الكتاب (1/ 343). (¬3) وانظر الأشموني (3/ 184) والإنصاف (ص 353) والخزانة (1/ 389). (¬4) من المتقارب - الأشموني (3/ 275)، والإنصاف (ص 499) والتصريح (2/ 119) والدرر (1/ 11)، والهمع (1/ 37). (¬5) من الطويل - التذييل (4/ 237) وتريم: تبرح - اللسان: ريم. (¬6) رجز للعجاج - ديوانه (ص 59) والإنصاف (ص 519) والخصائص (2/ 135، 473) وشرح المفصل (6/ 74) والكتاب (1/ 8، 56) واللسان: جمم - ويروي: «قواطنا» بدل «أو الفا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه مرخم للضرورة؛ لأن فيه الألف واللام وإنما هو (من) الحذف المستباح في ما لا يليق به الترخيم وعلى صورة لا تستعمل في الترخيم كقول الشاعر: 3521 - عفت المنا بمتالع فأبان (¬1) ... (فتقادمت بالحبس والسّوبان) أراد المنازل وكقول الآخر: 3522 - كأنّ إبريقهم ظبي على شرف (¬2) ... مقدّم بسبا الكتّان مكعوم (¬3) أراد بسباسب الكتان، وكقوله عليه الصلاة والسّلام في بعض الروايات «كفى بالسّيف شا» قيل: أراد شاهدا. ولا يستباح في غير ضرورة ترخيم منادى عار من علمية ومن هاء تأنيث، وشذ قولهم في صاحب: يا صاح، وفي كروان: يا كرا. وزعم المبرد أن ذكر الكروان يقال له: كرا (¬4)، ومن أجل قوله قلت: وأطرق كرا (¬5) على الأشهر لأن الأشهر في أطرق كرا، أطرق يا كروان، فرخم، وحقه أن لا يرخم؛ لأنه اسم جنس عار من هاء التأنيث، وقدر ما بقي مستقلّا فأبدلت الواو ألفا وحذف حرف النداء، وحقه أن لا يحذف؛ لأنه اسم جنس مفرد. ففيه على هذا ثلاثة أوجه من الشذوذ، وعلى قول المبرد لا شذوذ فيه إلّا من قبل حذف حرف النداء في مناداة اسم الجنس، وقد تقدم من كلامي ما يدل على أن ذلك لا شذوذ فيه إلّا عند من لا يطلع على شواهد جوازه. ومن ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم: «اشتدّي أزمة تنفرجي»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم مترجّما عن موسى عليه الصلاة والسّلام: «ثوبي حجر» (¬6) وكثر حذف آخر المضاف إليه في النداء كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) من الكامل للبيد - ديوانه (ص 138) والتصريح (2/ 180) والمحتسب (1/ 80)، والهمع (2/ 156)، وقد ذكرنا التمام. (¬2) من التذييل (4/ 236). (¬3) من البسيط والسبسب - كما في اللسان -: شجر يتخذ منه السهام أو هو الأرض المستوية - أو القفر - البعيدة، وانظره في التذييل (4/ 236). (¬4) المقتضب (4/ 261). (¬5) وانظر جمهرة العسكري (1/ 194) والكشاف (1/ 326) ومجمع الأمثال (1/ 431) والمستقصى (1/ 221) وابن يعيش (2/ 16). (¬6) سبق تخريج هذين الحديثين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3523 - أبا عرو لا تبعد فكلّ ابن حرّة ... سيدعوه داعي ميتة فيجيب (¬1) وكقول الآخر: 3524 - أيا بن عفر بن عذراء فقد صدرت ... منك الإساءة واستحققت هجرانا (¬2) وكقول رؤبة: 3525 - إمّا تريني اليوم أمّ حمز ... قاربت بين عنقي وجمزي (¬3) وندر حذف المضاف إليه بأسره كقول عدي بن زيد: 3526 - يا عبد هل تذكرني ساعة ... في موكب أو رائدا للقنيص (¬4) خاطب عبد هند اللخمي، وعبد هند علم له فرخمه بحذف المضاف إليه، وعامله معاملة معد يكرب وكذلك ندر حذف آخر المضاف في قول أوس بن حجر: 3527 - يا علقم الخير قد طالت إقامتنا ... هل حان منّا إلى ذي العمر تسريح (¬5) هذا آخر كلامه رحمه الله تعالى (¬6). ولنتبعه بأبحاث: منها: أن الذي تضمنه كلامه في المتن أن تاء التأنيث تباشر الاسم المرخم بحذفها، إما وصلا وهي التي ذكر أنها مقحمة، وإما وقفا فتقلب هاء كما هو شأن التاء الموقوف على الاسم التي فيه. لكن الذي ذكره في الشرح مسندة إلى سيبويه يخالف ذلك؛ لأنه قال: لما كان الأكثر في نداء ما التاء فيه نداؤه بحذفها قدر وهي ثابته عاريا منها. ولا شك أن الأمر إذا كان كذلك فلا إقحام؛ لأن الإقحام عبارة عن إدخال شيء - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الطويل مجهول القائل وشاهده واضح في الإنصاف (1/ 348) وشرح الكافية (1/ 136). (¬2) من البسيط وانظره في التذييل (4/ 238)، هذا: وفي الأصل أنا بدل أيا. (¬3) رجز ديوانه (ص 64) والإنصاف (ص 349) والكتاب (1/ 333) والمقتضب (4/ 251). هذا: والعنق والجمز ضربان من السير والجمز أشدهما، وهو كالقفز والوثب. (¬4) من السريع - الأشموني (3/ 176، 4/ 238)، والقنيص: المصيد. (¬5) البيت من البسيط وانظره في التذييل (4/ 238). (¬6) شرح التسهيل: (3/ 433).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بين شيئين دون أن يكون ذلك الموضوع محلّا لذلك الشيء، إلّا أن يقال أن الأمر التقديري يحصل كالأمر الوجودي فيستقيم الكلام حينئذ، وعلى هذا تحمل عبارته في المتن بحيث يقال: قد يقدر حذف هاء التأنيث ترخيما فتقحم مفتوحة فرتب الإقحام على تقدير الحذف لا على وجوده. وبعد: فقد عرفت أن الذي ذكره المصنف مسألتان كل منهما باشر الاسم فيه تاء التأنيث إلّا أن المباشرة في إحداهما في الوصل (وفي الآخر في الوقف. ولكن كلام الجماعة - أعني المغاربة - يخالف كلامه في المسألتين) لأن المباشرة في الوقف عندهم على أنهم ذكروا أن في المسألة خلافا. والقول الآخر فيها هو الذي قال به المصنف، وأما المباشرة في الوصل فهم موافقوه فيها على الإقحام، لكن لم يكن في كلامهم تعرض إلى التقدير الذي ذكره، أعني تقدير الحذف. قال ابن عصفور: وقد ذكر مسألة ترخيم ما فيه التاء من أولها، وهذه الأسماء التي فيها تاء التأنيث في أمور: الأول: أنها ترخم، معرفة كانت أو غير معرفة إذا أقبل عليها في النداء. الثاني: أنه يجوز ترخيم ما كان منها على ثلاثة أحرف نحو ثبة وهبة؛ لأن التاء في حكم الانفصال لحكم العرب لها بحكم ما ليس من حروف الاسم، حيث قالوا: حنيظلة تصغير حنظلة، وإذا كان كذلك فليس في حذفها إخلال بالكلمة التي هي فيها. الثالث: أنك إذا وقفت عليها بعد الترخيم ألحقت الهاء لبيان الحركة، تقول: يا طلح أقبل. فإذا وقفت قلت: يا طلحة. وسبب ذلك أنهم كرهوا حذف الحركة للوقف بعد حذف التاء للترخيم؛ لما في ذلك من الإجحاف، ولم يفعل ذلك إذا وقف على حار مرخم حارث وأمثاله؛ لأن الأسماء المؤنثة استعمالها مرخمة في النداء أكثر من استعمالها غير مرخمة، فأشبهت لذلك ارم، واغز فلما عوضوا الهاء من المحذوف في مثل ارم واغز كذلك عوضوا الهاء في الوقف فقالوا: يا طلحه، ويا فاطمه، وبعض العرب يقف بالسكون، حكى سيبويه: يا حرمل مرخم حرملة (¬1)، كما أن بعض العرب يقول في الوقف على ارم: ارم ولا يلحق الهاء (¬2) واختلف - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 244). (¬2) السابق (2/ 242: 244).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناس في هذه الهاء اللاحقة لبيان الحركة، فمنهم من زعم أنها تاء التأنيث، ردوها في الوقف ساكنة ليبينوا بها الحركة وقلبوها لأجل الوقف. ومنهم من زعم أنها الهاء اللاحقة لبيان الحركة في الوقف كالتي في ارمه، واغزه، واحشه. وقد يحذف الشاعر هذه الهاء في الوقف إذا وصل الفتحة بألف ويجعل الألف عوضا منها، ومن ذلك قوله: 3528 - كادت فزارة تشقى بنا ... فأولى فزارة أولى فزارا (¬1) [4/ 221] يريد: يا فزارة. الرابع: أنه يجوز لك إذا رخمت على لغة من نوى الرد أن تقحم التاء وتفتحها فتقول: يا طلحة إلّا أن ذلك ضعيف لا يجيء إلّا في الشعر، وإنما ضعف لما يلزم فيه من كمال الاسم في اللفظ في حال الترخيم وباب المرخم أن يكون محذوف الآخر. واختلف الناس في إقحام هذه التاء. فمنهم من زعم أنها أقحمت ساكنة بين الحاء وحركتها؛ لأن الحركة بعد الحرف، فلما أقحمت بينهما تحركت بحركة الحاء، وفتحت الحاء بسبب تاء التأنيث، والذي دعا أرباب هذا المذهب أن التاء أقحمت بين الحاء وحركتها كون الاسم مفتوح الآخر، فدل ذلك على أنه مرخم، ولا يتصور بقاؤه على الترخيم عندهم إلّا بأن يعتقدوا أن هذه التاء دخلت حشوا؛ إذ لو قدر أنها دخلت بعد الحاء وحركتها كان الاسم قد كمل ووجب بناؤه على الضم. ومنهم من ذهب إلى أنهم أتوا بالتاء بعد الحاء وحركتها على جهة التأكيد، وأعني بذلك أن العرب إنما أبقت الحاء مفتوحة بعد الترخيم في يا طلح ليكون في إبقائها على فتحها دليل على أن الاسم مرخم، ثم زادوا التاء آخر ليبينوا أنها هي التي حذفت في الترخيم وحركوها بالفتح إتباعا لحركة الحاء؛ ولذلك شبهه سيبويه بيا تيم تيم عدي من جهة أن تيما الثاني (تأكيد) للأول؛ ولذلك حرك بحركته إتباعا له كما أن التاء تأكيد للمعنى الذي تعطيه فتحة الحاء من الدلالة على أن الاسم مرخم؛ ولذلك أتبعت حركتها الهاء (¬2) وسهل ذلك كون التاء مع ما قبلها بمنزلة اسمين ضم - ¬

_ (¬1) من المتقارب لعوف بن عطية - الكتاب (2/ 243) والمفضليات (/ 426)، هذا وكلمة أولى - هنا -: وعيد، وتهديد. (¬2) الكتاب (2/ 207، 208).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما إلى الآخر كما أن يا تيم تيم عدي كذلك. وزعم ابن كيسان أن التاء في أميمة من قوله: 3529 - كليني لهمّ يا أميمة ناصب هي الهاء المبدلة من تاء التأنيث التي تلحق في الوقف على «أميم» أثبتها في الوصل إجراء لها مجرى الوقف، ولزمها الفتح ليكون الآخر في حال إثباتها على حاله في حال حذفها إذا كان أكثر استعمالهم لهذا الاسم وأمثاله مرخما مفتوح الآخر (¬1)، وهذا المذهب تفريع على أن الهاء اللاحقة في الوقف مبدلة من تاء التأنيث. والذي ذهب إليه ضعيف؛ لأنه ادعاء من غير دليل إذ قد يمكن أن تكون لحقت في الوجه الذي تقدم ذكره. وإنما ينبغي أن يعتقد أن الوصل أجري مجرى الوقف إذا كان في اللفظ ما يدل عليه، وذلك نحو قول العرب [ثلاثة] أربعة فأثبتوا الهاء التي بابها أن لا توجد إلّا في الوقف في حال الوصل، بدليل حذف الهمزة ونقل حركتها إلى الهاء. وذلك شيء لا يكون إلّا في حال الوصل (¬2). انتهى كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى. وفيه جلاء عن المسألة وإيضاح ليس في كلام المصنف (و) تبين منه أن الذي اختاره المصنف من أن فتحة التاء في نحو: كليني لهمّ يا أميمة ناصب فتحة إتباع لفتحة ما قبلها هو قول النحاة إلا أن ظاهر كلام المصنف يعطي أن لا ترخيم في الاسم حينئذ وإنما فتح آخر المنادى المختوم بالتاء مع استحقاقه الضم إتباعا لما قبله كما فتح آخره في: يا زيد عمرو إتباعا لما بعده. وأما كلام ابن عصفور فصريح في أن الاسم رخم ثم بعد ترخيمه أتي بالنداء. والذي قاله أظهر مما اختاره المصنف، وهو الذي ذكر المصنف أنه مذهب سيبويه واعلم أن قول ابن عصفور: واختلف الناس في إقحام هذه التاء فمنهم من زعم - إلى آخره، ثم قال: ومنهم من ذهب إلى أنهم أتوا بالتاء إلى آخر كلامه ربما يعطي أن القائلين بالإقحام منهم من قال كذا، ومنهم من قال كذا. ولا شك أن القول - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 234). (¬2) انظره - بتلخيص - في شرح الجمل (2/ 123 - 124) وهذا النص الطويل من شرحه على الإيضاح المفقود.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني لا يظهر أن فيه إقحاما ولا يتصور الإقحام فيه إلّا على الوجه الذي ذكره المصنف، وهو أن يقدر الاسم عاريا من التاء مع أنها ثانية فيه. لكن الشيخ بعد أن ذكر ما ذكره ابن عصفور قال: ولا يكون ذلك الإقحام إلا على لغة من ينتظر فقط. فلذلك اضطربوا في هذه التاء، فمن رأى أن الإقحام هو إدخال الشيء بين شيئين قال: إنها مقحمة بين الحرف الذي هو آخر المرخم وبين حركته، ومن رأى أن الإقحام هو الداخل في غير موضعه قال: إنها زائدة في آخر الاسم (¬1). وقال في الارتشاف له: وإذا رخمت ما فيه التاء من الأعلام نحو طلحة وعائشة جاز على اللغتين فتقول يا طلح، ويا طلح ومن لم يرخم بناه على الضم كالأسماء المفردة غيره. ومنهم من فتح التاء فقال: يا طلحة قال الشاعر: 3530 - كليني لهمّ أميمة ناصب وللنحاة كلام كثير في هذه الفتحة وهل هو مرخم، أو غير مرخم. فذهب بعضهم إلى أنه نصب المنادى على أصله ولم ينونه؛ لأنه غير منصرف، وهذا الذي اخترناه، وذهب بعضهم إلى أنه بناه على الفتح؛ لأنها حركة تشاكل حركة إعرابه لو أعرب فجرى مجرى: لا رجل في الدار، وأنشد هذا القائل. 3531 - يا ريح من نحو الشّمال هبّي (¬2) بالفتح وذهب الأكثرون إلى أنه أقحم التاء مفتوحة. ولأبي عليّ قولان: أحدهما: أن التاء زيدت وحرّكت بالفتح إتباعا لحركة الحاء - يعني في طلحة - لأن الحاء حشو الكلمة وحركتها لازمة فأتبع حركة الآخر حركة الأول وهو عكس يا زيد بن عمرو. والثاني: أنهم زادوا التاء بين الحاء وفتحتها، فالفتحة التي في التاء فتحة الحاء، ثم فتحت الحاء إتباعا لحركة التاء (¬3). - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 234). (¬2) شطر رجز وقيل ليس بشعر - الأشموني (3/ 174) والتصريح (2/ 165) والعيني (4/ 294). (¬3) الإرتشاف (3/ 161) وانظر - كذلك - التذييل (4/ 234) وشرح الجمل (2/ 89) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك قد عرفت معنى قول المصنف مشيرا إلى التاء المحذوفة من المرخم، ولا يستغنى غالبا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها أو تعويض ألف منها، حيث جعل الوقف على المرخم المذكور دون إعادة الهاء، أو التعويض عنها قليلا. وكلام ابن عصفور المتقدم ذكرنا له موافق له في ذلك حيث قال: وبعض العرب يقف بالسكون، لكنّه في شرح الجمل قال: إنك تقول في عائشة: إذا رخمت: يا عائش أقبلي فإن وقفت قلت: يا عائشة، ولا بد من الهاء؛ لأنهم قد عزموا على حذف التاء، وهي حرف معنى فكرهوا أن يذهب بالجملة فعوضوا في الوقف. ولا يجوز عدم التعويض إلّا في ضرورة شعر (¬1) قال: ولا يجوز أن يعوض منها الألف إلا في القوافي كقوله: 3532 - وما عهد كعهدك يا أماما (¬2) وقول الآخر: 3533 - قفي قبل التّفرّق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا (¬3) وبعد نقل الشيخ عن ابن عصفور أنه لا يجوز أن يوقف بغير هاء إلّا في ما سمع حكى سيبويه عن العرب: يا حرمل يريد يا حرملة، ولا يقاس عليه (¬4). قال: - أعني الشيخ -: والذي يدل عليه كلام سيبويه أن أكثر العرب يلتزمون الوقف بالهاء، وأن منهم من يقف بغير هاء وشبهه سيبويه بارم، وارم الأكثر في الوقف عليه بالهاء، ومن العرب من يقف عليه بالسكون. وما حكاه سيبويه ليس في ضرورة شعر فيقتضي أن لا يقاس عليه، بل يجوز (القياس) عليه لكنه قليل، وتشبيهه بارم يقتضي أن يقاس عليه. انتهى (¬5). - ¬

_ (¬1) شرح الجمل (2/ 123). (¬2) تقدم ذكره كما رواه المبرد. (¬3) البيت من بحر الوافر وهو للقطامي (ديوانه ص 258) طبعة الهيئة العامة للكتاب. وشاهده: ترخيم ضباعة بحذف تائه وتعويض الألف في القافية والبيت من شرح المفصل (7/ 91)، والأشموني (3/ 173). (¬4) التذييل (4/ 235). (¬5) التذييل (4/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن المصنف حكم بأن الهاء التي أتي بها في الوقف هي تاء التأنيث التي كانت وحذفت للترخيم، وقد رأيت من كلام ابن عصفور أن من النحاة من قال بما قال المصنف، وأن منهم من يقول: إنها الهاء اللاحقة لبيان الحركة، يعني أنها هاء السكت، قال الشيخ مشيرا إلى هذا القول الثاني: هذا ظاهر كلام سيبويه (¬1)، وقال - أعني الشيخ - في القول الأول: ومحصول هذا القول أن الترخيم لا يكون إلا في الوصل، فإذا وقفوا فلا ترخيم (¬2) انتهى. وينبغي أن يعلم أن الإتيان بهذه الهاء في الوقف على الاسم المرخم بحذفها إنما يكون على لغة من ينوي الرد (وأما إذا رخم ما فيه التاء على لغة من ينوي الرد ووقف عليه فإن الهاء لا تلحقه؛ لأنه قد حكم (له) بحكم التمام، فبني على الضم، فلا تلحقه الهاء، سواء أكانت تاء التأنيث أم الهاء التي لبيان الحركة. ومنها: أن الاسم قد يرخم ثانيا بعد أن رخم أولا. وقال ابن أبي الربيع: قد جاء الترخيم بعد الترخيم وهو قليل. وأكثر ما يكون في الشعر، فعلى هذا تقول في مرجانة: يا مرجان، فيصير بمنزلة عثمان، وأنت تقول في عثمان: يا عثم فتقول: يا مرج وكأنه لما رخم على لغة من لم ينو وبني على الضم صار كأنه لم يرخم ولم يحذف منه شيء، فرخم بعد ذلك، وكذلك تقول في معاوية: يا معاو، والأصل يا معاوية، فبعد حذف التاء صار: يا معاوي ثم حذفت الياء فقيل: يا معاو. وعلى هذا أخذ سيبويه: 3534 - (لقد رأي الرّاءون غير البطّل) ... أنّك يا معاويا ابن الأفضل (¬3) وفيه احتمال، ولا يكون هذا الترخيم بعد الترخيم إلّا أن يرخم أولا على لغة من لم ينو حتى يصير كأنه اسم كامل يجري فيه ما يجري في نظائره مما لم يرخم (¬4). انتهى. - ¬

_ (¬1) في كتابه (2/ 244)، وقد تقدم، وانظر التذييل (4/ 235). (¬2) السابق. (¬3) رجز للعجاج ذكرنا صدره - ديوانه (ص 48) والخصائص (3/ 316) والدرر (1/ 159) والكتاب (1/ 334). (¬4) ينظر التذييل (4/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأراد بقوله: وفيه احتمال أن بعضهم يقول: يا معاوي فيقطع على الياء، ثم يقول ابن الأفضل فيكون رخّمه مرة واحدة بحذف التاء لا غير. وأما على ما جاء به سيبويه من قال من يقطع يقول: يا معاو، ثم يقول: يا بن الأفضل، وليعلم أن الترخيم بعد الترخيم إنما يكون في المرخم بحذف التاء. واقتصار ابن أبي الربيع على التمثيل للمسألة بمرجانة ومعاوية قد يفيد ذلك. وذكر الشيخ أن في المسألة خلافا قال: منع ذلك (النحويون عامة) وأجازه سيبويه في ما كان فيه التاء، وذلك على لغة من لم يراع المحذوف (¬1). وقيد الشيخ ذلك بأن قال: وإذا (بقي) بعد الترخيم الثنائي على ثلاثة أحرف فصاعدا (¬2). وأقول: إن هذا التقييد لا حاجة إليه؛ لأن هذا حكم معلوم لكل اسم يكون ترخيمه بحذف حرف غير تاء التأنيث. ثم قال الشيخ: ويظهر الاتفاق على أن ذلك لا يجوز في مرخم غير المرخم بحذف التاء (¬3) ثم قال: والصحيح مذهب سيبويه وبه ورد السماع، قال الشاعر: 3535 - أحار بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا فيها تخون وتسرق (¬4) يريد حارثة بن بدر، وقال زميل يخاطب أرطاة بن سهيّة (¬5): 3536 - يا أرط إنّك فاعل ما قلته ... والمرء يستحيي إذا لم يصدق (¬6) يريد يا أرطاة. رخّم حارثة وأرطاة أولا بحذف التاء على لغة من لم ينو الرد، ثم رخّم حارث ثانيا وأرطا ثانيا بحذف التاء من حارث والألف من أرطا على لغة من ينوي الرد (¬7). قال الشيخ: ولو ذهب ذاهب إلى أن ما ذكروه من الترخيم بعد الترخيم ليس على ما ادعوه، وإنما هو ترخيم واحد أسقط منه تاء التأنيث وما قبلها دفعة واحدة، - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 235). (¬2) التذييل (4/ 235). (¬3) التذييل (4/ 235). (¬4) تقدم. (¬5) عبد الرحمن بن أرطاه المحاربي شاعر غير مكثر، له في بعض بني أمية مدائح أكثر شعره في الشراب والفخر والغزل (ت 50 هـ) الأعلام (4/ 69) والأغاني (2/ 77 - 85). (¬6) من الكامل - الأشموني (3/ 175) والدرر (1/ 159) والعيني (4/ 298) والهمع (1/ 184). (¬7) التذييل (4/ 235، 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا على التوالي لكان مذهبا لا تكلف فيه كما أسقطوا من نحو منصور ومروان حرفين، فيكون في ذي التاء الذي هو على أكثر من أربعة أحرف وجهان. الشائع الكثير ترخيمه بحذف التاء فقط، والقليل ترخيمه بحذف التاء وما قبلها (¬1). انتهى. ولا شك أن النحاة نصوا على أن المؤنث بالتاء إذا رخم إنما يرخم بحذف التاء لا غير، وذكروا أن التاء منزلة من الكلمة التي هي فيها منزلة عجز المركب من صدره بالنسبة إلى الترخيم، فكما أن المركب إذا رخم إنما يحذف عجزه فقط، كذلك المؤنث بالتاء يجب فيه إذا رخم أن يحذف منه التاء لا غير، والقول بالترخيم بعد الترخيم فيه لطف وحذاقة ويكفي أن سيبويه قال به. ومنها: أن الكوفيين يزعمون أن من الأسماء صنفا يجوز أن يحذف منه أكثر من حرف واحد، وهو كل اسم يجتمع في آخره ثلاثة زوائد نحو حولايا وبردايا فإنهم إذا رخموا هذا الصنف حذفوا منه جملة ما فيه من الزوائد [4/ 223] فقالوا: يا حول، ويا برد. قال ابن عصفور: وذلك باطل؛ لما فيه من الإجحاف؛ ولأن هذه الزوائد لا يلزم بعضها بعضا في الزيادة، فيلزم حذفها معا، كما لزم ذلك في الزائدين اللذين زيدا معا (¬2). ومنها: أنك قد عرفت معنى قول المصنف ويرخم في الضرورة ما ليس منادى، ولم يشترط فيه إلّا أن يكون صالحا للنداء، يعني وإن لم يصلح للترخيم. ولهذا قال: وإن خلا من علمية وهاء تانيث. والذي قاله هو الظاهر. لكن قال الشيخ: وقال بعض أصحابنا: لما كان الترخيم في غير النداء مشبها به في النداء وجب ألا يرخم في غير النداء، إلا ما كان ترخيمه في النداء. فعلى هذا لا يرخم ثلاثي ليس فيه تاء تأنيث في غير النداء كما لا يجوز ترخيمه في النداء وكذلك النكرة (¬3). قال الشيخ: فعلى هذا لا يجوز أن يرخم في غير النداء من العاري عن التاء إلا ما كان علما، وهو - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 236) الكتاب (2/ 250) وما بعدها - هارون، وقد تقدم غير مرة. (¬2) شرح الجمل (2/ 123). (¬3) التذييل (4/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف ما زعم المصنف (¬1). انتهى. والنظر يقتضي خلاف ذلك؛ لأن هذا حذف تخفيف محض للضرورة لا حذف ترخيم، وإنما لما كانت صورة الحذف فيه حذف الترخيم اشترط فيه الصلاحية للنداء لا غير. على أن الفارسي لم يشترط ذلك أيضا، أعني الصلاحية للنداء، وقد عرفت أن قول الشاعر: 3537 - قواطنا مكّة من ورق الحمي (¬2) ليس من الترخيم في شيء، وإنما هو من الحذف المستباح في ما لا يليق به الترخيم للضرورة. فإن قيل: ما وجه تغيير الحمى إلى الحمى؟ فالجواب: أن فيه أوجها أحدها: أن الكلمة حذف منها حرفان، وهما الميم والألف فعادت إلى مثال يد ودم، ثم إنها جرت بالإضافة ولحقها الياء للقافية فيكون في التغيير والحذف كقول لبيد: 3538 - عفت المنا بمتالع فأبان (¬3) يريد المنازل. ثانيهما: أن يكون حذف الألف لزيادتها فبقي (الحمم)، ثم أبدل من الميم الثانية ياءا استثقالا للتضعيف، ثم كسر ما قبل الياء لتسلم من الانقلاب إلى الألف. ثالثها: أن يكون حذف الميم للترخيم في غير النداء ضرورة وأبدل من الألف ياء، ونقل ابن عصفور عن أبي العلاء المعري أن القائل أراد الحمام أي المحمي فحذف الموصوف وبقي صفته (¬4). - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 236). (¬2) تقدم. (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) شرح الجمل (2/ 573) وانظر كذلك: الأصول (3/ 458 - 459) والإنصاف (ص 270) والخصائص (3/ 135) والضرائر (ص 61) والعيني (4/ 285)، والكتاب (1/ 8، 56)، والمحتسب (1/ 78)، ومقاييس اللغة (1/ 131)، وابن يعيش (6/ 74، 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك قد عرفت قول المصنف: وساغ ترخيم المنادى المضاف بحذف آخر المضاف إليه، وتقدم الاستشهاد على ذلك، ومن الشواهد أيضا قول الشاعر: 3539 - خذوا حظّكم يا آل عكرم واذكروا ... أواصرنا والرّحم بالغيب تذكر (¬1) وقد ذكر الجماعة أن هذا مذهب الكوفيين، والبصريون لا يجيزون (ذلك)، ويقولون أن المضاف إليه ليس هو المنادى ولا يرخم عندهم غير المنادى، وقد خرّج سيبويه ما ورد من هذا النوع على أنه مما رخم في غير النداء ضرورة (¬2). قال الشيخ: ولو ذهب ذاهب إلى أن المنادى إذا كان آخر المضاف إليه بالتاء علما جاز ترخيمه بحذفها وقوفا مع الشواهد التي استشهد بها لكان مذهبا (¬3). قال: ولا يقوم للكوفيين دلالة بهذا النوع الخاص من حذف التاء من المضاف إليه على جواز ترخيم المنادى المضاف على الإطلاق؛ لأن الدليل إن صح خاص، والدعوى عامة (¬4). ومنها: أن ظاهر كلام المصنف يقتضي المساواة في الشذوذ بين يا صاح، وأطرق كرا. ولا شك أنهما شاذان في القياس؛ أما في الاستعمال فالشاذ أطرق كرا. وأما يا صاح فإنه فاش في الاستعمال (¬5)، وكلام الجماعة يشعر بذلك، والعلة فيه كثرة الاستعمال. * * * ¬

_ (¬1) من الطويل لزهير - ديوانه (ص 31) والدرر (1/ 158) والشجري (1/ 126)، (2/ 88) والهمع (1/ 181). (¬2) الكتاب (2/ 269). (¬3) التذييل (4/ 238). (¬4) السابق. (¬5) ينظر الكتاب (2/ 256) - هارون.

الباب الثالث والخمسون باب الاختصاص

الباب الثالث والخمسون باب الاختصاص (¬1) [دواعيه وأحكامه] قال ابن مالك: (إذا قصد المتكلم بعد ضمير يخصّه أو يشارك فيه تأكيد الاختصاص أولاه «إيّا» معطيها مالها في النّداء إلّا حرفه، ويقوم مقامها منصوبا اسم دالّ على مفهوم الضّمير، معرّف بالألف واللّام أو الإضافة، وقد يكون علما، وقد يلي هذا الاختصاص ضمير مخاطب). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): الباعث على هذا الاختصاص فخر أو تواضع أو زيادة بيان، كقولك في القاهر أعداءه: عنّ المستجير، وعليّ أيّها الجواد يعتمد الفقير، وإنا آل فلان كرماء، ونحن العرب أقرى الناس للضيف، وإني أيها العبد أفقر العبيد إلى رحمة الله تعالى، وإنا حملة القرآن أحق الناس بمراعاة حقوقه، ومنه قول الشاعر: 3540 - لنا معشر الأنصار مجد مؤثّل ... بإرضائنا خير البريّة أحمدا (¬3) صلّى الله عليه وسلّم، ومثله: 3541 - جد بعفو فإنّني أيّها العب ... د إلى العفو يا إلهي فقير (¬4) ومثله: 3542 - إنّا بني نهشل لا ندّعي لأب ... عنه ولا هو بالأبناء يشرينا (¬5) - ¬

_ (¬1) وينظر في هذا الباب: الأشموني (3/ 185 - 187) والأصول (1/ 291 - 300) وأوضح المسالك (4/ 72 - 74) والتذييل (4 / ق 238 - 240) والتصريح (2/ 190 - 192) والرضى (1/ 161 - 162) وشرح المفصل (3/ 17 - 19) والكتاب (2/ 66، 231، 236، 3/ 170)، والهمع (1/ 170 - 171). (¬2) شرح التسهيل (3/ 434). (¬3) من الطويل وانظره في الدرر (1/ 147) والشذور (/ 217) والهمع (1/ 171). (¬4) من الخفيف - الدرر (1/ 146) برواية «خذ» بدل «جد»، والشذور (/ 217)، وشرح شواهده (/ 72) والهمع (1/ 170). (¬5) البيت من بحر البسيط وهو لنهشل بن حري. وشاهده واضح وهو في شذور الذهب (ص 218) والخزانة (بولاق) (3/ 510).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن وروده علما قول الراجز: 3543 - بنا تميما يكشف الضّباب (¬1) ومن إيلاء الاختصاص ضمير المخاطب قولهم: بك الله نرجو الفضل. انتهى. واعلم أن الأئمة تطابق كلامهم على أن الاختصاص وارد على طريقة النداء قبل؛ وذلك لاستعمالهم لفظ المنادى فيه. ولا شك أنه ليس بنداء. قال المصنف في شرح الكافية (¬2): قد يجاب بكلام على صورة هي لغيره توسعا عند أمن اللبس. فمن ذلك ورود الخبر بصورة الأمر، وورود الأمر بصورة الخبر، وورود الخبر بصورة الاستفهام، وورود الاستفهام بصورة الخبر، ومن ذلك ورود الاختصاص بصورة النداء، ولم يقع المختص مبنيّا إلّا بلفظ أيها وأيتها، وإنما وقع منصوبا مضافا أو معرفا بالألف واللام. انتهى. وقال سيبويه رحمه الله تعالى: «أجري على هذا حرف النداء كما أن التسوية أجرت ما ليس باستخبار (ولا استفهام) على حرف الاستفهام .. وذلك [قولك]: ما أدرى أفعل أم لم يفعل، فجرى هذا مجرى أزيد عندك أم عمرو؛ لأن علمك قد استوى فيهما كما استوى عليك الأمران (¬3). انتهى. وحرف النداء في قول سيبويه: أجرى هذا على حرف [4/ 224] النداء المراد به أي. وكلام ابن الحاجب يعطي أن الاختصاص منقول من النداء فإنه قال: في كلام العرب حمل لمعان في الأصل ثم نقلوها إلى معان أخر مع تجريدها عن أصل معناها الأصلي: قال. وذلك في أبواب ... ثم قال: وكذا قولهم: أيها الرجل أصله تخصيص المنادى لطلب الإقبال عليك، ثم نقل إلى معنى الاختصاص مجردا عن معنى طلب الإقبال في قولك: أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل. قال: وكل ما نقل من باب إلى باب فإن إعرابه يكون على حسب ما كان عليه (¬4). انتهى كلامه رحمه الله تعالى. - ¬

_ (¬1) لرؤبة - ديوانه (ص 169) والأشموني (3/ 187) والخزانة (1/ 412) وشرح المفصل (2/ 18) والكتاب (1/ 255، 327). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1374). (¬3) الكتاب (2/ 232). (¬4) الكافية بشرح الرضى (1/ 161)، وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقول بأن الباب المذكور منقول من باب النداء غير ظاهر. ثم ليعلم أن المخصوص مع موافقته للمنادى لفظا قد خالف من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لا يستعمل مبدوءا به. ثانيها: أنه لا يستعمل معه حرف نداء. ثالثها: أنه يستعمل معرفا باللام. وبعد: فملخص القول في الاختصاص: هو أن يتقدم ضمير دال على المتكلم ويؤتي بعده بأيّا، أو باسم معرفة مدلوله الضمير المتقدم عليه وتعريف الاسم المذكور إما بالإضافة أو بالألف واللام وكونه علما قليل. ولا يجوز كون هذا الاسم نكرة ولا مبهما فلا يقال: إنا قوما نفعل كذا، ولا يقال أيضا: أي هذا أفعل كذا. قال سيبويه: ولا يجوز أن تذكر إلا اسما معروفا؛ لأن الأسماء إنما تذكر هنا توكيدا وتوضيحا للمضمر، وإذا أبهمت فقد جئت بما هو أشكل من المضمر (¬1) ثم قال: وأكثر الأسماء دخولا في هذا الباب: بنو فلان، ومعشر مضافة، وأهل البيت، وآل فلان (¬2). انتهى. وأما كون الضمير المقدم ضمير خطاب فقليل. ثم إن المخصوص لا يتعين كونه وسط الكلام، بل قد يكون وسطا نحو: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث» (¬3)، وقد يكون آخرا نحو قولك: أنا أفعل كذا أيها الرجل. واعلم (أن) الاسم المخصوص معمول لفعل لا يجوز إظهاره، كما أن عامل المنادى لا يجوز إظهاره والفعل المقدر أخص، أو أعنى، وهو تقدير سيبويه (¬4). ويظهر أن تقديره أولى من تقدير أخص، فالاسم الذي هو غير أي منصوب لفظا، وأي منصوبة محلّا؛ لأنها عوملت في الاختصاص بما عوملت به في النداء من البناء على الضم ووجوب وصفها أيضا. ولكن يتعين كون الوصف هنا مقرونا باللام، - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 236). (¬2) السابق. (¬3) تتمته «وما تركناه فهو صدقة» - البخاري: الاعتصام (ص 5)، والنفقات (ص 3) وابن حنبل (4/ 359) ومسلم: الزكاة (ص 69) والنسائي: الزكاة (ص 64). (¬4) قال في الكتاب (2/ 233) وذلك قولك: إنا معشر العرب نفعل كذا وكذا كأنه قال أعني، ولكنه فعل لا يظهر، ولا يستعمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يكون اسم إشارة بخلاف ذلك في النداء. أما موضع الفعل المقدر فظاهر كلام ابن عمرون يعطي أنه نصب على الحال؛ لأنه مثل بقوله: أما أنا فأفعل كذا أيها الرجل، ثم قال: وأيها الرجل في موضع نصب بإضمار فعل على الاختصاص، والفعل المقدر في موضع الحال، ثم قال بعد ذكر الأمثلة والمعنى: أما أنا فأفعل متخصصا بذلك من بين الرجال، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب، فتعين أن يكون الفعل المقدر الناصب لمحل أيها الرجل في موضع نصب على الحال (¬1) وفي شرح الشيخ: والناصب في الاختصاص فعل يجب إضماره، وقدره سيبويه أعني (¬2)، وقال في البديع كأنه قال: أنا أفعل متخصصا بذلك من بين الرجال، ونحن نفعل متخصصين من بين الأقوام، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب (¬3). انتهى. وهذا الذي نقله الشيخ عن «البديع معناه مطابق لما قاله ابن عمرون، غير أنه ليس فيه تصريح بأن العامل في موضع نصب على الحال. واعلم أن السيرافي له كلام في أيها من قولنا: أنا أيها الرجل أفعل كذا، وتقرير طويل ملخصه أن أيها الرجل مبتدأ والخبر محذوف أي المراد، أو خبر والمبتدأ محذوف أي المراد أيها الرجل (¬4). ولا شك أن مثل هذا لا معوّل عليه. وإذ قد تقرر ما قلناه فلنرجع إلى لفظ الكتاب (¬5)، فنقول: قول المصنف: إذا قصد المتكلم بعد ضمير يخصه أو يشارك فيه تأكيد الاختصاص فيه أمران: أحدهما: أنه يقتضي أن الاختصاص كان موجودا في قولنا: أنا أفعل كذا، ونحن شأننا كذا، وأن ذكر المخصوص بعد ذلك أفاد التأكيد. ولا شك أن نحو: أنا - ¬

_ (¬1) التذييل (4/ 239) بغير نسبة لأحد. (¬2) الكتاب (2/ 233)، وقد تقدم النص الذي نقلناه عنه قريبا. (¬3) التذييل (4/ 239). (¬4) شرح السيرافي على الكتاب (3/ 60 ب، 61 / أ). (¬5) المراد به التسهيل، (المتن).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلت وأنا أفعل لا يفيد الاختصاص عند النحاة ولكن قد يفيد عند أرباب علم المعاني (¬1)، وإذا لم يكن الكلام يفيد الاختصاص من أصله، فكيف يثبت له توكيد ذلك المعنى الذي لم يفده. هذا إن كان المراد بالاختصاص هو التخصيص، وإن كان المراد به غير ذلك، فذاك شيء آخر. الأمر الثاني: قول المصنف في الشرح: إن الباعث على الاختصاص فخر، أو تواضع، أو زيادة بيان، ينافي قوله في المتن أنه قد قصد بما ذكره تأكيد الاختصاص. والظاهر أن الذي ذكره في المتن هو المعتبر، وقد تقدم لنا قول سيبويه: ولا يجوز أن تذكر إلا اسما معروفا؛ لأن الأسماء إنما تذكر هنا توكيدا وتوضيحا للمضمر، والحق أن: المقصود بذكر المخصوص إنما هو التأكيد، أو زيادة البيان. وأما الفخر والتواضع فإنما يستفادان من الكلام بجملته، فإن قائل: 3544 - لنا معشر الأنصار ..... ... ........ البيت - لو لم يذكر معشرا، وقال: لنا مجد مؤثل بإرضائنا خير البرية لأفاد هذا الكلام الفخر، وكذا قائل: 3545 - جد بعفو ....... ... ......... البيت الآخر لو لم يقل: أيها العبد، وقال: جد بعفو، فإنني إلى العفو فقير، لأفاد التواضع. وقوله: وقد يلي هذا الاختصاص ضمير مخاطب قد مثل له بقول العرب: بك الله نرجو الفضل، (ومنه) أيضا: سبحانك الله العظيم الاسم المعظم منصوب على الاختصاص، والعظيم صفة الله. * * * ¬

_ (¬1) ينظر بغية الإيضاح (1/ 119) وما بعدها، ودلائل الإعجاز (138)، وما بعدها.

الباب الرابع والخمسون باب التحذير والإغراء وما ألحق بهما

الباب الرابع والخمسون باب التّحذير والإغراء وما ألحق بهما [ما ينصب على ذلك - إظهار العامل وإضماره] قال ابن مالك: ([4/ 225] ينصب تحذّرا «إيّاي» و «إيّانا» معطوف عليه المحذور، وتحذيرا إيّاك وأخواته و «نفسك» وشبهه من المضاف إلى المخاطب معطوفا عليهنّ المحذور بإضمار ما يليق من نحّ أو اتّق وشبههما، ولا يكون المحذور ظاهرا ولا ضمير غائب إلّا وهو معطوف، وشذّ «إيّاه وإيّا الشّوابّ» من وجهين، ولا يلزم الإضمار إلّا مع «إيّا» أو مكرّر أو معطوف ومعطوف عليه ولا يحذف العاطف بعد «إيّا» إلّا والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر أو مجرور بـ «من» وتقديرها مع «أن يفعل» كاف، وحكم الضّمير في هذا الباب مؤكّدا ومعطوفا عليه حكمه في غيره. وينصب المغرى به ظاهرا أو مكرّرا أو معطوفا عليه بإضمار «الزم» أو شبهه، ولا يمتنع الإظهار دون عطف و [لا] تكرار، وربّما رفع المكرّر، ولا يعطف في هذا الباب إلّا بالواو، وكون ما يليها مفعولا معه جائز). قال ناظر الجيش: لم يشرح المصنف هذا الباب قبل، ولم يثبت بجملته في النسخة التي شرحها، وإنّما ثبت في نسخة أخرى عليها خطّه (¬1). وأقول: إنّ المصنف تقدّم له الكلام في باب «تعدّي الفعل ولزومه» أعني في شرحه للباب المذكور الإشارة إلى ذكر بعض مسائل هذا الباب الذي الكلام فيه الآن، فإنه بعد أن ذكر جواز الاقتصار على منصوب الفعل قال في المتن: فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال فهو لازم قال (¬2): وقد تناول قولي: فإن كان الاقتصار في مثل إلى آخره نحو: إيّاك وكذا بإضمار «نحّ»، ونحو: - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل «خ» جـ 4 ورقة. (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 160) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ورفيقه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إياك وكذا بإضمار «اتّق» (¬1) وهذا المسمّى تحذيرا، ولا يلزم إضمار الناصب فيه إلّا مع «إيّاك» وأخواتها، ومع مكرر (¬2) نحو: الأسد الأسد، ومع معطوف ومعطوف عليه نحو: «ماز رأسك والسّيف (¬3)»، ولا يحذف (¬4) العاطف بعد «إيّاك» إلّا والمحذوف مجرور بـ «من» نحو: إياك من الشر، وتقديرها مع «أن» كاف نحو: إياك أن تسيء على تقدير: إياك من أن تسيء، فحذف «من» لأن مثل هذا في «أن» مطرد (¬5)، فلو وقعت الإساءة موقع «أن تسييء لم يجز حذف «من» إلا في الضرورة كقول الشاعر: 3546 - وإيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وبالشّرّ آمر (¬6) - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (1/ 273) هارون: «هذا باب ما جرى منه على الأمر والتّحذير وذلك قولك إذا كنت تحذّر: إيّاك كأنّك قلت: إيّاك نحّ، وإيّاك باعد، وإيّاك اتّق وما أشبه ذا». (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1379) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 607) وفي الهمع (1/ 169): «وجوز بعضهم إظهار العامل مع المكرر حكاه في البسيط، وقال الجزولي: يقبح فيه الإظهار ولا يمتنع عند قوم». (¬3) من أمثلة الكتاب (1/ 275) وانظر مجمع الأمثال (3/ 271) والمراد بقوله «ماز: مازن ثم رخم، ويحتمل أن يكون أراد: مازني ولما غلبت عليه هذه النسبة صارت كاللقب فرخم بحذفه ياءي النسبة كما تقول. يا طائف في يا طائفي فبقي مازن ثم رخمه ثانيا ومثله في الترخيم كثير. ابن يعيش (2/ 26) وقيل: إن «ماز» فعل أمر بمعنى «مدّ». وانظر مجمع الأمثال (3/ 271). (¬4) في شرح الكافية لابن الحاجب (2/ 482) تحقيق د/ جمال مخيمر: «وحذف حرف العطف ممتنع مطلقا» وانظر الهمع (1/ 169). (¬5) أي إسقاط الخافض من «أن» وانظر المغني (1/ 28) وابن عقيل (2/ 151). (¬6) هذا البيت من الطويل وهو للفضل بن عبد الرحمن القرشي وهو من أبيات الكتاب (1/ 141) وشرحه الأعلم. الشرح: «إياك تحذير معناه: اتق، و «المراء» بكسر الميم: المجادلة مفعوله، وقال ابن يعيش (2/ 25): أراد والمراء بحرف العطف أو من المراء فحذفه والفاء للتعليل، ودعاء: مبالغة داع ذكره بها للوزن، أو قصدت ولكن تركت في «جالب» على رواية (جالب) - للضرورة - والتقدير: جلاب. الشاهد قوله: «وإياك إياك المراء»، حيث حذف «من» من قوله: المراء وأصله أن تمارى للضرورة. وانظر المقتضب (3/ 213)، والخصائص (3/ 102) وشرح الرضى (1/ 183)، وشرح الألفية لابن الناظم (607) والغرة لابن الدهان (خ) جـ 2 (ص 214) والعيني (4/ 113، 308) والخزانة (1/ 465) والتصريح (2/ 128) والأشموني (3/ 80).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أراد: إيّاك أن تمارى، ثم أوقع موقع «أن تماري»، «المراء» فعامله معاملة ما هو واقع موقعه (¬1)، ويجوز أن يكون نصب «المراء» بفعل مضمر (¬2) غير الذي نصب «إيّاك» وعلى كل حال فلا يجوز مثل هذا إلّا في الشعر. وليس العطف بعد «إيّاك من عطف الجمل خلافا (¬3) لابن طاهر وابن خروف، ولا من عطف المفرد على تقدير: اتّق نفسك أن تدنو من الشّرّ أن يدنو منك، بل هو من عطف المفرد على تقدير: اتّق تلاقي نفسك والشّرّ فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (¬4)، ولا شك أن هذا أقلّ تكلّفا فكان أولى. ويساوي التّحذير في كل ما ذكر الاغراء نحو: أخاك أخاك بإضمار الزم وشبهه» (¬5) وقال في شرح الكافية (¬6): «التحذير: إلزام المخاطب الاحتراز من مكروه بإيّاك أو ما جرى مجراه (¬7) كقولك: إيّاك والشّرّ [فإن حذّرت مؤنثا أو مثنّى أو مجموعا قلت: إيّاك والشرّ] وإياكما وإيّاكم وإيّاكنّ. والإغراء: إلزام المخاطب العكوف على ما يحمد العكوف عليه (¬8) من مواصلة ذوى القربى والمحافظة على عهود المعاهدين ونحو ذلك، كقولك: لن تغريه برعاية الخلّة - وهي المودّة - الخلّة [الخلّة] ولمن تغريه بالذّبّ والحميّة: الأهل والولد ومنه قول الشاعر (¬9): - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية لابن الحاجب (2/ 483). (¬2) قال سيبويه في الكتاب (1/ 279): «كأنّه قال: إيّاك ثم أضمر بعد إيّاك فعلا آخر فقال: اتّق المراء» وانظر الأعلم بهامش الكتاب (1/ 141) وفيه: «كأنه قال: إيّاك تجنّب المراء فلا يكون فيه ضرورة على هذا». (¬3) انظر التذييل والتكميل (خ) جـ 3 ورقة 241، والارتشاف (2/ 281) تحقيق د/ النماس والهمع (1/ 169). (¬4) قال المؤلف: «أقول إن الذي يظهر أن «والشر» يكون مجرورا عطفا على «نفسك» المجرور بقولك «تلاقي» فلما حذف المضاف ونصب المضاف إليه نصب «والشر» لعطفه عليه حاشية من خطه رحمه الله تعالى. (¬5) نهاية ما نقله عن شرح التسهيل جـ 2 (ص 161). (¬6) شرح الكافية الشافية (3/ 1377 - 1379). (¬7) الهمع (1/ 169). (¬8) انظر الهمع (1/ 170). (¬9) هو مسكين الدارمي في ديوانه (ص 29) ولم ينسبه سيبويه وذكر الأعلم (1/ 129) أنه لإبراهيم ابن هرمة وليس كذلك، ونسب في المستقصى (2/ 392) لمسكين أيضا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3547 - أخاك أخاك إنّ من لا أخا له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح (¬1) ثم إنّ «إيّاك» في التحذير منصوب بفعل لا يظهر في إفراد ولا في عطف عليه؛ لأنّ التحذير به أكثر من التحذير بغيره، فجعل بدلا من اللفظ بالفعل (¬2) والتزم معه الإضمار مطلقا (¬3) ولم يلتزم مع غيره إلّا إذا عطف عليه المحذّر منه كقولهم: ماز رأسك والسّيف، أي: يا مازن [أبق] رأسك واحذر السّيف، فلو لم يذكر المعطوف جاز الإظهار والإضمار (¬4). والسّائغ في التحذير أن يراد به المخاطب، وقد يكون للمتكلم (¬5) كقول من قال (¬6): إيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب (¬7) أي: نحّني عن حذف الأرنب ونحّ حذف الأرنب عن حضرتي وشذّ إرادة الغائب به في قول بعض العرب: إذا بلغ الرّجل السّتّين فإيّاه وإيّا الشّوابّ (¬8). وقد يستغنى عن ذكر المحذّر بذكر المحذّر منه مكرّرا أو معطوفا عليه، وغير مكرّر - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل: الشرح: يقول: استكثر من الإخوان فإنهم عدة يستظهر بها على الزمان كما قال الرسول عليه الصلاة والسّلام: «المرء كثير بأخيه» وجعل من لا أخا له يستظهر به كمن قاتل عدوّه ولا سلاح معه، والهيجاء: الحرب يمدّ ويقصر. الشاهد في: «أخاك» حيث نصبه على الإغراء أي: الزم أخاك والتكرير للتأكيد. وانظر الكتاب (1/ 129) وشرح شواهده للأعلم (1/ 129) والخصائص (2/ 480) والخزانة (1/ 465) والعيني (4/ 305) والتصريح (2/ 195) وشرح الكافية (3/ 1380) والأشموني (3/ 192). (¬2) انظر الكتاب (1/ 274، 275) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 607). (¬3) أي: إضمار العامل سواء كان معطوفا عليه أو مكررا. شرح ابن الناظم (607). (¬4) انظر شرح الألفية لابن الناظم (607). (¬5) انظر الهمع (1/ 169، 170). (¬6) أثر عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه والأثر بتمامه «لتذكّ لكم الأسل والرّماح وإيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب» يطلب الرحمة في الصيد والذبح ويحذر من الوحشية في رمي الحيوان الضعيف بحجر ونحوه. وانظر شرح الرضى (1/ 181). (¬7) انظر الكتاب (1/ 274). (¬8) قال سيبويه في الكتاب (1/ 141): «وحدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشوابّ» وانظر سر الصناعة (1/ 311) والمفصل (127)، والهمع (1/ 61) واللسان (إيّا) والأشموني وحاشية الصبان (3/ 192) قال الصبان: «ويروي بسين مهملة آخره مثناه فوقية جمع سوأة، والشّوابّ جمع شابّة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا معطوف عليه، فمع التّكرار والعطف يلتزم (¬1) إضمار الناصب كقولك: الأسد الأسد والشّيطان وكيده، ومنه قوله تعالى: ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (¬2). والإغراء كالتّحذير في التزام إضمار الناصب مع التّكرار والعطف (¬3) وعدم التزامه مع عدمهما (¬4)، وقد يجاء باسم المحذّر منه والمغرى به مع التّكرار مرفوعا (¬5)، قال الفرّاء في كتاب المعاني (¬6) في قوله تعالى: ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها، نصب الناقة على التحذير وكل تحذير فهو نصب، ولو رفع على إضمار هذه ناقة الله لجاز، فإنّ العرب قد ترفع ما فيه معنى التّحذير، وأنشد: 3548 - إنّ قوما منهم عمير وأشبا ... هـ عمير ومنهم السّفّاح لجديرون بالوفاء إذا قا ... لـ أخو النّجدة السّلاح السّلاح (¬7) فرفع، وفيه معنى الأمر بلبس السلاح. هذا ما ذكره في شرح الكافية (¬8) وقد دلّ قوله: وقد يكون للمتكلم كقول من قال: إيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب. على أن قوله هنا: ينصب تحذّرا إيّاي وإيّانا قليل، وقوله: أي نحّني عن حذف الأرنب ونحّ حذف الأرنب عن حضرتي يعطى ظاهره أنّ الكلام جملتان (¬9) وكلامه في التسهيل يقتضي أن يكون جملة واحدة لما نذكره بعد. ثم قوله: نحّني يقتضي أن المتكلم آمر غيره [4/ 226] وأمر الغير شيء وإن كان - ¬

_ (¬1) انظر شرح ابن الناظم للألفية (608). (¬2) سورة الشمس: 13. (¬3) انظر الهمع (1/ 170) وفيه: «وإنما يجب الإضمار في صورتين إذا عطف أو كرر كقولك الأهل والولد وقولك: العهد العهد». (¬4) فيجوز الإظهار في نحو: العهد فيجوز أن تقول: إلزم العهد واحفظ العهد، الهمع (1/ 170). (¬5) الهمع (1/ 170). (¬6) انظر معاني القرآن (3/ 268، 269) والارتشاف (601) وشرح ابن الناظم (609، 610). (¬7) البيتان من الخفيف ولم يعرف قائلهما. الشرح: «لجديرون» أي: لائقون واجريون وهو خبر «إنّ» والسلاح: مقول القول، وفيه الشاهد: إذ أصله: خذ السلاح لأن مقول القول يكون جملة ثم يرفع لأن العرب ترفع ما فيه معنى التحذير وإن كان حقه النصب، «النّجدة» بكسر النون: الشجاعة. وانظر الأشموني (3/ 193) وانظر الخصائص (3/ 102) ومعاني القرآن (1/ 188) والدرر اللوامع (1/ 146)، والهمع (1/ 170). (¬8) شرح الكافية الشافية (2/ 1381). (¬9) وهو رأي الزجاج انظر التذييل والتكميل (خ) جـ 4 (240 / ب)، والارتشاف (2/ 581).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في ذلك الشّيء دفع ضرّ عن الآمر ليس فيه تحذّر، وللناس كلام في نحو هذا المثال: هل قائل: إيّاي والشّرّ آمر نفسه أو آمر غيره؟ قال ابن الحاجب (¬1): وقدّر سيبويه (¬2): إيّاي والشّرّ منصوبا بفعل المتكلم، كأنه آمر لنفسه، يعني بمعنى: لأباعد نفسي عن الشّرّ ولأباعد الشر عنّي، وأنكره غيره (¬3) وقال: المعنى على أنه يخاطب غيره على معنى: باعدني. وإليه ذهب الزمخشري (¬4)، وكلا التقديرين مستقيم. وقال ابن عمرون: ويقال: إيّاي والشّرّ، إيّاي منصوب بإضمار اتّق. والشّرّ معطوف عليه وأقول: هذا التقدير من ابن عمرون يقتضي أنّ هذا الكلام مقصود به التّحذير لا التّحذّر إذ المعنى: أحذّرني والشّرّ وهو خلاف الظاهر، ثم إذا كان تحذيرا فالظاهر على ما قاله أنه تحذير معنوي لا التحذير الاصطلاحيّ. ثم قال ابن عمرون: قال سيبويه (¬5) - يعني في المثال المذكور - كأنه قال: إيّاي فلا تعين من الشّرّ أمر نفسه. وقال السيرافي (¬6): وأما إيّاي والشّرّ فليس يخاطب نفسه ولا يأمرها وإنّما يخاطب رجلا يقول له: إيّاي باعد عن الشر، كأنه قال: نحّني عن الشر ونحّ الشّرّ عنّي. انتهى. وأما قولهم (¬7): إيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب، فقيل التقدير: إيّاي نحّ عن حذف الأرنب وحذف الأرنب عن حضرتي، فالكلام جملة واحدة، هذا معنى قول السيرافي، إلّا أنه قدّره: باعدوني وحذف أحدكم الأرنب، وزعم الزجاج أن الكلام جملتان (¬8) وأن تقديره: إيّاي وحذف الأرنب، وإيّاكم وحذف أحدكم الأرنب، فحذف من الأول ما أثبت نظيره في الثاني، وحذف من الثاني ما أثبت نظيره في الأول قال: لأنه لا يصح أن يقول: - ¬

_ (¬1) انظر الإيضاح شرح المفصل (1/ 307). (¬2) في الكتاب (1/ 273، 274) ومن ذلك أيضا قولك: إيّاك والأسد وإيّاي والشّرّ كأنه قال: إيّاك فاتّقينّ والأسد وكأنه قال: إيّاي لأتقينّ والشّر». (¬3) انظر ابن يعيش (2/ 26). (¬4) انظر المفصل (ص 49). (¬5) الكتاب (1/ 274). (¬6) انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي (3/ 26) (رسالة). (¬7) التذييل 4 ورقة (240 / ب). (¬8) انظر التذييل (خ) جـ 4 ورقة (240 / ب) والارتشاف (2/ 581) تحقيق د/ النماس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأباعد حذف أحدكم؛ لأنه لا يباعد الإنسان إلّا فعله لا فعل غيره، فليس وأن يحذف معطوفا على «إياي» بخلاف قولنا: إيّاي (والشّرّ) فإن: والشّرّ معطوف على (إيّاي) والناصب لهما فعل واحد، قال ابن عمرون مشيرا إلى هذا - أعني قول الزجاج -: وهذا تطويل لا حاجة إليه لقيام المعنى والإعراب بدونه. وإنما قال ابن عمرون ذلك لأنه قدّر العامل في هذا الكلام: نحّ والزجاج قدّر: لأباعد فاحتاج أن جعل الكلام جملتين لما ذكره. ونقل ابن عمرون عن ابن خروف أنه أجاز في الفعل المقدّر أن يكون خبرا، التقدير: إيّاي أحذر وحذف أحدكم الأرنب. ثم المنقول (¬1) أن: إيّاي وأن يحذف أحدكم الأرنب. من كلام عمر رضي الله [تعالى] عنه ينهى عن حذف الأرنب بالعصا ونحوه؛ لأن ذلك لا يحلّ به الصّيد إذا قتل، وقتل الأرانب بالحذف هو الغالب، قال ابن عمرون: فهذا وإن كان تقديره باعدني عن حذفها وباعد حذفها عنّي فإنّ المراد النهي عن حذفها لا غير، ولو قال: لا تحذفوا الأرنب لم يكن فيه من المبالغة ما في هذا الكلام انتهى. وهو كلام حسن. وقول المصنف: وشبهه من المضاف إلى المخاطب بعد قوله: ونفسك أراد به الرأس والرّجل والعين والفم يقال (¬2): رأسك والحائط، ورجلك والحجر، وعينك والنظر إلى ما لا يحلّ، وفمك والحرام. وقوله: بإضمار متعلق بقوله: ينصب، أي: ينصب تحذّرا كذا وتحذيرا كذا بإضمار ما يليق من كذا ومن كذا، فالنّاصب لضمير المتكلم هو الناصب لضمير المخاطب لكن يختلف التقدير: فمع ضمير المتكلم لا يلزم تقديره مؤخّرا عن المعمول، بل يجوز أن يقدّر مقدّما عليه؛ لأنه عامل محذوف، والعامل إذا حذف انفصل الضمير، نعم من لم يجعل العامل في إيّاي أمرا وجعله خبرا يلزم على قوله أن يقدّر العامل مؤخّرا عن «إيّاي» لما سنذكره في «إيّاك»، وكما أن العامل في ضمير المتكلم يجوز تقديره مؤخّرا ومقدما، هكذا العامل في «نفسك» - ¬

_ (¬1) يبدو أنه من كلام المؤلف وانظر شرح الكافية للرضي (1/ 181). (¬2) الهمع (1/ 169) والمساعد (2/ 570) تحقيق د/ محمد كامل بركات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخواته (¬1) يجوز فيه الأمران. وأما مع ضمير المخاطب فيجب تقديره مؤخرا عن المعمول، ولا يجوز أن يقدر مقدّما عليه، ويقال إنه لما حذف انفصل الضمير؛ لأنه يلزم من ذلك تعدي الفعل الرافع لضمير الفاعل إلى ضميره المتصل، وذلك لا يجوز إلّا في باب مخصوص (¬2). قال ابن عمرون: إنّما لزم اضمار العامل لأن هذه الكلم (¬3) صارت بدلا من الفعل (¬4) فإذا قلت: إيّاك والأسد، فـ «إيّاك» ضمير منفصل منصوب بإضمار فعل تقديره: إيّاك نحّ أو إيّاك [باعد] ولزم تقديمه على الفعل؛ لأنه ضمير منفصل لا يتصل بالفعل، ولو أخّر لزم الإتيان بالمتصل فكنت تقول: نحّك ولم تعدّ العرب فعل ضمير الفاعل إلى ضمير المفعول وهما كشيء واحد في غير ظننت وأخواتها وما شبّه بها (¬5) انتهى (¬6). وقد سلك ابن الحاجب في المسألة مسلكا لم يحوجه إلى تقدير العامل مؤخرا، وهو أنه بعد تمثيله بـ «إيّاك والأسد» و «إيّاك من الأسد» قال (¬7): أصله: نحّك إلا أن الضميرين إذا كانا لشيء واحد وجب إبدال الثاني بالنفس في غير أفعال القلوب (¬8) فصار التقدير: نحّ نفسك ثم حذف الفعل بفاعله، فزال الموجب لتغيير إضمار الثاني فوجب رجوعه إلى الأصل، إلّا أنه لا يمكن الإتيان به متصلا لعدم - ¬

_ (¬1) يعني بأخواته: الرأس والرّجل والعين والفم. (¬2) هو باب ظنّ وأخواتها وما شبه بها. وانظر الأشموني (1/ 118: 119) وابن عقيل (1/ 104) وانظر الهمع (1/ 170). (¬3) أي إياك وأخواته ونفسك وشبهه. (¬4) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 607) والأشموني (3/ 188). (¬5) أورد المؤلف هنا كلام ابن عمرون ليدلل به على أن العامل المحذوف مع ضمير المخاطب يجب تقديره مؤخرا عن المعمول، ولا يجوز تقديره مقدما عليه لأنه إذا قدر مقدما يلزم منه تعدي الفعل الرافع لضمير الفاعل إلى ضميره المتصل وذلك لا يجوز إلا في باب ظننت وأخواتها وما شبه بها. وانظر الهمع (1/ 170). (¬6) أي: كلام ابن عمرون وقد نبهت على أنه في شرح المفصل له ولم أعثر عليه. (¬7) انظر الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب (1/ 305) وقد اعترض العلامة الرضى على ابن الحاجب فقال في شرح الكافية (1/ 182) بعد أن ذكر كلامه: «وأرى أن هذا الذي ارتكبه تطويل مستغنى عنه والأولى أن يقال هو بتقدير: إياك باعد أو نحّ بإضمار العامل بعد المفعول». (¬8) أي: ظن وأخواتها وما شبه بها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يتصل به، فوجب أن يكون منفصلا انتهى. وهو تقدير حسن. ومنهم من راعى في المقدّر أن يكون دالّا على التحذير صريحا فقال (¬1): إذا قلت: إيّاك والأسد، فالأصل: احذر تلاقي نفسك والأسد ثم حذف الفعل بفاعله، ثم المضاف الذي هو «تلاقي» وناب عنه في النصب المضاف إليه الذي هو «نفسك» ثم حذف المضاف إلى الضمير وأقيم الضمير مقامه في النصب أيضا «فانفصل» وهو معنى ما ذكره المصنف في باب تعدي الفعل. ثم إن في قول [4/ 227] المصنف: معطوفا عليهنّ المحذور بعد ذكر «إيّاي» و «إيّاك» وما معهما وإنما تنصب بإضمار ما يليق من «نحّ» و «اتّق» يقتضي أنّ الكلام جملة واحدة، وقد عرفت أن المصنف أشار إلى الخلاف في ذلك فذكر أن ابن طاهر وابن خروف يريان أن الكلام جملتان (¬2)، وعرفت اختيار المصنف أنه جملة واحدة حيث حكم بأن العطف من عطف المفردات (¬3). قال الشيخ: ذهب السيرافيّ وجماعة إلى أن الكلام جملة واحدة، فإذا قلت: إيّاك والأسد فالتقدير: إيّاك باعد من الأسد والأسد من نفسك، فكل منهما مباعد (¬4). وقد عرفت أنّ المصنف جعله من عطف المفردات لا على التقدير الذي قدّره السيرافيّ [بل] على تقدير: اتّق تلاقي نفسك والشّرّ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. والظاهر أنه من عطف المفردات بالتقدير الذي قدّره المصنف لا بالتقدير الذي ذكره غيره، وكلام ابن عمرون يفهم ذلك فإنه قال: والأسد معطوف على «إيّاك»، وإن كان طريق التخويف مختلفا، ألا ترى أنك تقول: خوّفت زيدا الأسد، فـ «زيد» - ¬

_ (¬1) انظر التصريح (2/ 192: 193) والأشموني (3/ 188: 189). (¬2) انظر الارتشاف (2/ 281) والتصريح (2/ 193)، والأشموني (3/ 190) والهمع (1/ 169). (¬3) انظر شرح التسهيل ورقة (91 / ب) (وص 3) من التحقيق وقول المؤلف: «من عطف المفردات» ليس على إطلاقه فإن المصنف يرى أنه من عطف المفرد على تقدير: اتق تلاقي نفسك والشر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وليس من عطف المفرد على تقدير: اتق نفسك أن تدنو من الشّرّ والشّرّ أن يدنو منك فهذا مذهب كثير من النحويين منهم السيرافي واختاره ابن عصفور. وانظر شرح التصريح (2/ 193) والهمع (1/ 196) والأشموني (3/ 190). (¬4) انظر الارتشاف (1/ 281)، والهمع (1/ 169) والتصريح (2/ 193) والأشموني (3/ 190).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخوف، و «الأسد» مخوف منه، فنصبهما الفعل لما تناولهما، وإن اختلفت جهتا التخويف، فكذا في العطف، قال سيبويه (¬1): فإيّاك متّقى والأسد متّقي منه، فكلاهما مفعول به ومفعول منه، وقد علمت أن المفعول منه وبه ينتصبان إذا أضمرت أفعالهما، واعلم أن الواو ربما جاءت في معنى من والياء ومع انتهى. وفي كلامه أمران: قوله: «وقد علمت أن المفعول منه وبه ينتصبان إذا أضمرت أفعالهما» فإن الظاهر أن المراد بـ «المفعول منه»: المفعول من أجله، ولا شك في جواز إضمار الناصب لهما كما قال، لكن [كيف] يعطف المفعول منه على المفعول به والعطف يقتضي المشاركة؟ والحق أن المراد بكونه «مفعولا منه» أنه مفعول منه في المعنى، أما في اللفظ فلا؛ لأنه معطوف على مفعول به فوجب أن يكون شريكا له في ذلك (¬2). الأمر الثاني: قوله: إنّ الواو ربما جاءت في معنى من والياء ومع. فإن هذا الكلام يوهم أن واو العطف ترد بالمعاني الثلاثة، وفي ذلك نظر، فإن الواو التي بمعنى «مع» هي واو «مع» وليست من العطف في شيء، وإن كان أصلهما العطف عند من يرى ذلك (¬3)، وأما التي بمعنى «الباء» فقد قالوا ذلك في قولهم: «أنت أعلم و [ما] لك (¬4). لما تعذّر جعلها عاطفة في هذا التركيب وذلك على أحد الأقوال (¬5) في المثال المذكور. - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (1/ 273: 274) ومن ذلك أيضا قولك: إيّاك والأسد، وإيّاي والشّرّ، كأنه قال: إيّاك فاتّقينّ والأسد، وكأنه قال: إيّاي لأتّقينّ والشّرّ، فإيّاك متّقي والأسد والشّرّ متّقيان، فكلاهما مفعول ومفعول منه». (¬2) انظر ابن يعيش (2/ 25) وشرح الكافية للرضى (1/ 182) وشرح التصريح (2/ 193). (¬3) انظر الإنصاف (556) مسألة «57» وابن يعيش (2/ 48، 49)، وشرح الرضى (1/ 194، 195). (¬4) انظر المغنى (358). (¬5) وقيل إن الأصل: أنت أعلم بمالك فأنت ومالك بمنزلة: كلّ رجل وصيعته. انظر حاشية الأمير علي المغني (2/ 33) وحاشية الدسوقي علي المغني (2/ 21) وانظر شرح الرضي (1/ 196) والكتاب (1/ 300) وفيه: «ولو قلت: أنت وشأنك كأنك قلت: أنت وشأنك مقرونان، وكلّ امرئ وضيعته مقرونان لأن الواو في معنى مع هنا يعمل فيما بعدها ما عمل فيما قبلها من الابتداء والمبتدأ ومثله: أنت أعلم ومالك فإنما أردت أنت أعلم مع مالك».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما كونها بمعنى «من» فهذا لا يتحقق وإنما [لمّا] كان الأسد في قولنا: إيّاك والأسد محذّرا منه قيل: المعنى: إيّاك من الأسد فهو تفسير معنى لا تفسير إعراب. وقول المصنف: ولا يكون المحذور ظاهرا ولا ضمير غائب إلّا وهو معطوف. يشير به إلى أنك تقول: إيّاك والأسد، ونفسك والشّرّ، ورأسك والسّيف ولا تقول (¬1): إيّاك الأسد. وشذّ (¬2) قولهم: أعور عينك الحجر (¬3). أي: والحجر فحذف حرف العطف، ومثال ضمير الغائب قول القائل: 3549 - فلا تصحب أخا الجهل ... وإيّاك وإيّاه (¬4) أي: إيّاك باعد منه وباعده منك (¬5). وقوله: وشذّ إيّاه وإيّا الشّوابّ من وجهين. أما الوجهان اللذان أشار إليهما فهما (¬6): تحذير الغائب وإضافة «إيّا» إلى الظاهر (¬7)، وجعل الشيخ (¬8) أحد الوجهين استعمال إيّاه وهو ضمير غائب دون عطف، وليس الأمر كذلك فإنّ - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (1/ 279): «لا يجوز رأسك الجدار حتى تقول من الجدار أو والجدار». (¬2) انظر التذييل جـ 4 ورقة 241. (¬3) هذا مثل أي: يا أعور احفظ عينك واتّق الحجر، يضرب في التحذير. وانظر المستقصى (1/ 255) المثل رقم (1081). (¬4) هذا بيت من الهزج أنشده ابن عبد ربه في العقد الفريد (2/ 157) ولم ينسبه وقبله: خرجنا من قرى اصطخر ... إلى العصر فقلناه فمن يسأل عن القصر ... فمبنيّا وجدناه وروايته: فلا تصحب أخا السّوء. واستشهد به: على أن المحذور لا يكون ظاهرا ولا ضمير غائب إلا وهو معطوف. وانظر الارتشاف (1/ 281) وحاشية الصبان علي الأشموني (3/ 192) والهمع (1/ 170) والدرر (1/ 145). (¬5) الهمع (1/ 170). (¬6) وفيه شذوذ ثالث هو: اجتماع حذف الفعل ولام الأمر والتقدير: فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشّوابّ. وانظر التصريح (2/ 194) وحاشية الصبان (3/ 192). (¬7) الأشموني (3/ 192). (¬8) التذييل (خ) جـ 4 ورقة (241 / ب) والارتشاف (2/ 281).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العطف إنما يكون للمحذّر منه و «إيّاه» هنا هو المحذّر، ثم إنه [لم يتقدمه] شيء فعلام يعطف؟ ثم إنّ المصنف أشار بقوله: ولا يلزم الإضمار إلّا مع إيّا أو مكّرر أو معطوف ومعطوف عليه إلى أن إضمار العامل واجب في ثلاث صور: الأولى: أن يكون التحذير بـ «إيّاك» أو شيء من إخوته، سواء أكان معطوفا عليه نحو: إيّاك والشّرّ، أو مكرّرا نحو: 3550 - فإيّاك إيّاك المراء ..... ... ........ (¬1) أو مفردا نحو: إيّاك من الأسد وكذا: إيّاك الأسد على رأي من يجيزه (¬2) ويجعل التقدير: أحذّرك الأسد، وسبب التزام الإضمار كثرة التّحذير بهذا اللفظ فجعلوه بدلا من اللفظ بالفعل (¬3). الثانية: أن يكون التحذير بغير لفظ «إيّا» لكن يكون ثمّ عطف نحو: ماز رأسك والسّيف: جعلوا العطف كالبدل من اللفظ بالعامل (¬4)، وقد جعل المصنف التقدير فيه: ق رأسك واحذر السّيف، وهو خلاف ما ذكره أولا من أنّ العطف في هذا الباب من عطف المفردات إلّا أن يكون أراد بقوله: التقدير فيه: ق نفسك واحذر السّيف تفسير المعنى لا تفسير الإعراب. الثالثة: أن يكون ثمّ تكرير (¬5) نحو: نفسك نفسك، ورأسك رأسك، فلو لم يكن عطف ولا تكرير جاز إضمار العامل وإظهاره (¬6) تقول: نفسك الشّرّ، ونفسك الأسد التقدير: جنّب نفسك الشّروق نفسك الأسد، وإن شئت أظهرت العامل، ثم إنهم يستغنون كثيرا عن ذكر المحذّر ويقتصرون على ذكر المحذّر منه، فينصبونه ويكون الحكم في إضمار العامل وإظهاره ما تقدم إن وجد عطف - ¬

_ (¬1) سبق الحديث عنه. (¬2) انظر الهمع (1/ 169). (¬3) انظر الكتاب (1/ 274، 275) وشرح الألفية لابن الناظم (607) والأشموني (3/ 188). (¬4) انظر الكتاب (1/ 275). (¬5) انظر شرح الألفية لابن الناظم (608) والهمع (1/ 169) والأشموني (3/ 190) «وقد أجاز بعضهم إظهار العامل مع المكرر وقال الجزولي: يقبح ولا يمتنع». (¬6) انظر شرح ابن الناظم (607) والهمع (1/ 169) والأشموني (3/ 191).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو تكرير كان الإضمار واجبا نحو قولك: الأسد الأسد. وقال الله تعالى: ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (¬1)، وإلّا كان جائزا كقولك: الأسد فيجوز في مثله الإظهار فتقول: احذر الأسد. ثم أشار المصنف بقوله: ولا يحذف العاطف بعد [إيّا] إلّا والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر أو مجرور بمن. إلى أنه لا يجوز أن تقول: إيّاك الشّرّ، ولا إيّاك الأسد وإن أجازه بعضهم (¬2)، وقد نصّ سيبويه على أن ذلك غير جائز فقال (¬3): لا يجوز رأسك الجدار حتّى تقول: من الجدار أو والجدار. انتهى. والعلة في ذلك أن قولك: إيّاك الأسد إن كان عن قولك: إيّاك والأسد فلا يجوز حذف حرف العطف (¬4)، وإن كان عن قولك: إيّاك [4/ 228] من الأسد أو عن الأسد، فحرف الجر لا يحذف في مثل ذلك (¬5). وإذا كان الأمر كذلك فلا يكون مراد المصنف بقوله: إلا والمحذور منصوب بإضمار ناصب آخر أنّ مثل: إيّاك الأسد، جائز، وأنّه يكون المحذور منصوبا بناصب غير الناصب الذي نصب إيّاك بل مراده: أنّه إن ورد مثل ذلك كان تخريجه على أن يقدّر له ناصب. وكأنه يشير إلى البيت الذي ذكره النحاة وهو قول الشاعر: 3551 - فإيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب (¬6) فيقال: إن المراء منصوب بفعل مقدّر غير ناصب ما قبله، قال الخليل (¬7) ¬

_ (¬1) سورة الشمس: 13، وهو مثال للعطف. (¬2) انظر الهمع (1/ 169) والأشموني (3/ 189). (¬3) الكتاب (1/ 279). (¬4) لأن حذفه أشد من حذف حرف الجر ولم يثبت حذف العاطف إلا نادرا. شرح الرضى (1/ 1983). (¬5) مذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير «أنّ» و «أن» بل يقتصر فيه على السماع، وذهب الأخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا بشرط تعيّن الحرف ومكان الحذف. وانظر ابن عقيل (2/ 151) وشرح الكافية للرضى (1/ 183). (¬6) سبق ذكره. (¬7) في الكتاب (1/ 279) قال سيبويه بعد أن ذكر البيت «إيّاك إيّاك المراء ...» كأنه قال: إيّاك ثم أضمر بعد إياك فعلا آخر فقال: اتّق المراء» وعلى هذا فنسبة هذا الكلام للخليل خطأ من المؤلف لأن هذا كلام سيبويه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله تعالى: كأنّه قال بعد تمام الكلام: احذر المراء، وقال ابن أبي إسحاق (¬1): الأصل: إيّاك عن المراء فحذف حرف الجر لمّا كان المراء بمعنى: أن تمارى فحمله عليه من حيث المعنى على شذوذه. وأقول: إذا قدّر [ناصب] لـ «المراء» وهو الأظهر (¬2) فينبغي أن يجوز اظهاره إذ لا تكرير ولا عطف حينئذ. ومن ثمّ قال ابن عصفور (¬3): إن حذفت الواو - يعني: إن لم تأت بها - لم يلتزم إضمار الفعل وأنشد البيت المذكور (¬4)، وقال: تقديره: دع المراء، قال: ولو كان في الكلام جاز إظهار هذا الفعل. وقد اقتصر المصنف في ذكر جر الاسم المذكور على «من» والنحاة ذكروا الجرّ بـ «عن» أيضا فيقال: إيّاك من الأسد، وإيّاك عن الأسد، والتقدير: باعد نفسك من الأسد أو عن الأسد، فحرف الجر متعلق بالفعل المحذوف، هذا هو المعمول به والمعوّل عليه (¬5). ومن الناس من يقول: التقدير: أحذّرك من الأسد أو عن الأسد حتى بني على ذلك فقيل: من قدّر «باعد» منع أن يقال: إيّاك الأسد (¬6)، ومن قدّر: «أحذّر» أجاز ذلك (¬7)، لكن قد عرفت أنّ «إيّاك الأسد» ممتنع عند العامة (¬8)، وعرفت - ¬

_ (¬1) في الكتاب (1/ 279): «ولو قلت: إيّاك الأسد تريد من الأسد لم يجز كما جاز في أن إلا أنهم زعموا أنّ ابن أبي إسحاق أجاز هذا البيت في شعر: إيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب كأنه قال: إيّاك ثم أضمر بعد إيّاك فعلا آخر فقال: اتّق المراء». (¬2) هو مذهب سيبويه انظر الكتاب (1/ 279) والمقتضب (3/ 213). (¬3) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 410، 411). (¬4) هو: فإيّاك إيّاك المراء فإنّه ... إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب (¬5) هذا مذهب الجمهور انظر التصريح (2/ 193) والكتاب (1/ 279). (¬6) هذا قول الجمهور لما يلزم عليه من حذف من ونصب المجرور وهو غير مطّرد إلا مع أن وكي. انظر التصريح (2/ 193). (¬7) لأن أحذر يتعدى إلى اثنين من غير واسطه، وانظر التصريح (2/ 193) وحاشية يس على التصريح (2/ 193). (¬8) في المقتضب (3/ 213): «فأما إيّاك الضرب فلا يجوز في الكلام كما لا يجوز إيّاك زيدا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نصّ سيبويه على منعه (¬1) فلزم أن يكون الفعل المقدر «باعد» لا «أحذّر» ثم لا يخفى أنّ حرف الجر متعلق بالفعل المحذوف (¬2)، والظّاهر أن التعلق المذكور إنّما هو على معنى المفعولية. وفي شرح الشيخ (¬3) ما يقتضي جواز أن يكون على معنى المفعول من أجله، والتقدير: ق نفسك من أجل الأسد، وقد يدفع هذا بأن الجرّ بـ «من» غير متعيّن لأن الجرّ بـ «عن» جائز أيضا كما عرفت، ومتى وجدت «عن» وجب أن يكون التعلّق على معنى التعلّق بالمفعول به فلتكن «من» إذا وجدت كذلك. وأما قول المصنف: وتقديرها مع أن يفعل كاف. فظاهر لأن «أن» يجوز معها حذف حرف الجر قياسا عند أمن اللّبس (¬4)، ولا يتقيد ذلك بباب دون باب، ولو لم يذكر المصنف ذلك لكان مستغنيا عنه لكونه أمرا معلوما، وكأنه إنّما نبّه عليه خشية أن يتوهم أن الحكم في هذا الباب مخالف للحكم في غيره. وأما قوله: وحكم الضّمير في هذا الباب مؤكّدا ومعطوفا عليه حكمه في غيره. فيحتمل أن يريد بالضمير: الضمير المستتر في «إيّاك» أعني ضمير الفاعل المنتقل إليه من الفعل المحذوف وهذا هو الظّاهر؛ لأن كون «إيّاك» يؤكّد ويعطف عليه لا يرتاب فيه، ولأن التوكيد والعطف قد علم جوازهما من قول الشاعر: 3552 - فإيّاك إيّاك المراء .... (¬5) ومن تمثيلهم نحو: إيّاك والأسد، ويحتمل أن يريد كلّا من «إيّاك» ومن الضمير المستتر (¬6). ولذا قال الشيخ (¬7) في شرح هذا الموضع: الضمير (¬8) ضميران أحدهما: لفظ - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 279). (¬2) انظر التصريح (2/ 193). (¬3) التذييل والتكميل (خ) (4/ 242). (¬4) انظر ابن عقيل (2/ 151) والهمع (1/ 169) وشرح الرضى (1/ 183). (¬5) سبق ذكره. (¬6) هذا الاحتمال هو الأقوى ويشهد له قول سيبويه في الكتاب (1/ 278): «فان قلت: إيّاك أنت وزيد فأنت بالخيار، إن شئت حملته على المنصوب، وإن شئت على المرفوع المضمر». (¬7) التذييل والتكميل (خ) 4 ورقة (242 / ب) وقد نقل المؤلف كلام الشيخ بتصريف. (¬8) انظر الهمع (1/ 170) وقد نقل السيوطي هذا الكلام بنصه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «إيّاك» والآخر: ما تضمّنه «إيّاك» من الضّمير المنتقل إليه من الفعل النّاصب له، فإذا أكدت «إيّاك» قلت: إيّاك نفسك أن تفعل، وإيّاك نفسك والشّرّ، وأنت بالخيار في تأكيد «إيّاك» بـ «أنت» أو ترك التّأكيد، وإذا أكّدت الضمير المستكنّ في «إيّاك» قلت: إيّاك أنت نفسك أن تفعل، وإيّاك أنت نفسك والشّرّ. وكذلك إذا عطفت، فان عطفت على «إيّاك» قلت (¬1): إيّاك وزيدا والأسد وكذلك رأسك ورجلك والحجر، وأنت بالخيار في تأكيد «إيّاك» بـ «أنت»، وإن عطفت على الضّمير المستكنّ قلت: إيّاك أنت وزيد أن تفعلا، قال جرير: 3553 - فإيّاك أنت وعبد المسيح ... أن تقربا قبلة المسجد (¬2) هذا على رواية من رفع (¬3)، ومن نصب جعله معطوفا على «إيّاك»، قال: سيبويه (¬4): أنشدناه - يعني يونس - منصوبا. ثم لا يخفي أن «أنت» حينئذ يكون توكيدا لـ «إيّاك» وأنت تعرف أن الخليل يرى أن الكاف في «إيّاك» اسم مجرور بإضافة «إيّا» إليه، فمن ثمّ قال - أعني الخليل -: لو أن رجلا قال: إيّاك نفسك - يعني بخفض نفسك - لم أعنفه (¬5). ولما انقضى الكلام في التحذير [شرع] في ذكر الإغراء، فقوله: وينصب المغرى به إلى قوله: دون عطف ولا تكرار ظاهر غنيّ عن الشرح، وحاصل الأمر: أن المغرى به حكمه في التزام إضمار العامل وعدم التزامه حكم المحذّر، إن وجد تكرير أو عطف فالإضمار واجب، وإن لم يوجد واحد منهما جاز - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 278). (¬2) هذا البيت من المتقارب وقائله جرير وليس في ديوانه. الشرح: يعني بـ «عبد المسيح» الأخطل، ويخاطب بهذا الفرزدق لميله مع الأخطل يقول: لا تقرب المسجد فلست على الملة لميلك إلى النصاري ومداخلتك لهم. الشاهد: عطف «عبد المسيح» على «إيّاك» على تقدير: حذّره نفسك وعبد المسيح، ويجوز الرفع عطفا على «أنت» أي: احذر أنت وعبد المسيح، انظر الكتاب (1/ 278)، والمقتضب (3/ 213) والرواية فيهما بالخرم (حذف الفاء من أوله) وابن السيرافي في (1/ 258) والبيت في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 410). (¬3) هذا الوجه قبيح عند سيبويه انظر الكتاب (1/ 278). (¬4) الكتاب (1/ 279). (¬5) انظر الكتاب (1/ 279).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإظهار والإضمار (¬1). وظاهر أنه لا مدخل لـ «إيّاك» في الإغراء، وقد قال المصنف في الألفيّة مشيرا إلى التزام الإضمار وعدمه: وكمحذّر بلا إيّا اجعلا ... مغرى به في [كلّ] ما قد فصّلا وقوله: وربّما رفع المكرّر. قد أشار إلى مثال ذلك في ما تقدم نقلنا له عنه من شرح الكافية. وسواء أكان التكرير في المحذّر منه أو المغرى به وقد تقدم الاستشهاد على ذلك، ومنه أيضا: الصلاة الصلاة، والخير الخير، والضرب الضرب، وإذا نويت الأمر بذلك وكذا يقال: الله الله يا قوم أي: خافوا الله. وعلى ما أنشده الفراء (¬2) وهو: 3554 - لجديرون بالوفاء إذا قا ... لـ أخو النّجدة السّلاح السّلاح (¬3) ويجوز رفع ما ذكرنا فيكون أخبار المبتدآت حذفت وفيها معنى الأمر (¬4)، والظاهر أن المبتدآت المذكورة واجبة [4/ 229] الحذف (¬5) كما أن الناصب لها حين تنصب واجب الحذف أيضا. وقوله: ولا يعطف في هذا الباب إلّا بالواو: يعني في التحذير والإغراء، وإنّما كان كذلك لأن الواو جامعة فدلالتها على المقارنة في الزمان أحد معانيها، والاتفاق في الزمان مطلوب بالنسبة إلى ما يقصد من تحذير وإغراء (¬6)، فلا مدخل لـ «الفاء» ولا لـ «ثمّ» لأنهما للتعقيب والتّراخي. وأما قوله: وكون ما يليها مفعولا معه جائز: فقال الشيخ (¬7): لما كانت الواو - ¬

_ (¬1) انظر التصريح (2/ 195) والهمع (1/ 170). (¬2) انظر معاني القرآن (3/ 268: 269). (¬3) سبق الحديث عنه. (¬4) انظر معاني القرآن (3/ 269). (¬5) يبدو أنه يعني أنها واجبة حذف أخبارها. (¬6) انظر التصريح (2/ 195) والهمع (1/ 170). (¬7) التذييل والتكميل 4 ورقة (243 / أ) وانظر الهمع (1/ 170) والمساعد لابن عقيل (2/ 576).

[ما يلحق بالتحذير والإغراء]

[ما يلحق بالتحذير والإغراء] قال ابن مالك: (فصل: ألحق بالتّحذير والإغراء في التزام [إضمار] النّاصب: مثل وشبهه نحو: «كليهما وتمرا» و «امرأ ونفسه» و «الكلاب على البقر»، و «أحشفا وسوء كيلة» و «من أنت زيدا؟» و «كلّ شيء ولا هذا»، «ولا شتيمة حرّ»، و «هذا ولا زعماتك» و «إن تأتني أهل اللّيل وأهل النّهار»، و «مرحبا وسهلا»، و «عذيرك»، و «ديار الأحباب» بإضمار: أعطني، ودع، وأرسل، وأتبيع، وتذكر، واصنع، ولا ترتكب، ولا أتوهّم، وتجد، وأصبت وأتيت ووطئت، وأحضر، واذكر). ـــــــــــــــــــــــــــــ الجامعة هنا للمقاربة في الزمان جاز أن يلحظ فيها معنى المعيّة فينتصب ما يليها على أنه مفعول معه. انتهى. ولم أتحقق (¬1) كون الواو تكون للمعية في هذا الباب، فإن المذكور بعدها إن كان منصوبا بعامل غير العامل في ما قبل «الواو» فلا ريب في نفي المعية، وإن كان منصوبا بالعامل في الأول فالعامل طالب له بجهة المفعولية، ثم إن المنصوب على المعية إنما معناه مصاحبة الأول عند تلبّسه [بما] نسب إليه أو وقع عليه. قال ناظر الجيش: اعلم أنّ المصنف قد تعرّض إلى ذكر بعض صور هذا الفصل في باب «تعدّي الفعل» حيث أشار إلى وجوب إضمار العامل في المتن بقوله: «فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال فهو لازم. فقال في الشرح (¬2): فالمثل كقولهم: كلّ شيء ولا شتيمة حرّ (¬3) أي: ائت - ¬

_ (¬1) الذي يفهم من ذلك أن المؤلف لم يوافق ابن مالك وأبا حيان فيما ذهبا إليه من أن الواو في باب التحذير والإغراء للمعية أن ما بعدها منصوب على أنه مفعول معه وأقول: إن ما ذهب إليه ابن مالك وتبعه فيه أبو حيان هو مذهب ابن جني الذي يرى أن الاسم الواقع بعد واو المعية لا يجوز أن يكون مفعولا معه إلا إذا كان بحيث يصح عطفه على ما قبله من جهة المعنى وهذا خلاف ما ذهب إليه الجمهور الذي يرى أن كل اسم وقع بعد واو المعية وسبقته جملة ذات فعل أو شبهه ولم يصح عطفه على ما قبله فإنه يكون مفعولا معه. (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 160). (¬3) انظر الكتاب (1/ 181) وابن يعيش (2/ 27) وقد نص على أنه مثل وبحثت في مجمع الأمثال للميداني والمستقصى للزمخشري فلم أعثر عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ترتكب (¬1)، و «هذا ولا زعماتك. أي: ولا أتوهّم (¬2)، وكليهما وتمرا (¬3) أي: أعطني وزدني (¬4)، وديار ميّة في قول الشاعر: 3555 - ديار ميّة إذميّ تساعفنا (¬5) أي: اذكره. والجاري مجرى المثل قولهم: «حسبك خيرا لك» (¬6) و «وراءك أوسع لك» (¬7)، وقوله تعالى فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ (¬8)، وانْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬9). وقد زاد هنا على ما ذكره ثمّ صورا (¬10) كما رأيت، وكلامه في هذا الفصل جليّ، مستغن عن الشرح. وقد تكلم الشيخ على هذه الكلمات شارحا لمعناها بما لا يكاد يخفى على الناظر ثمّ قال (¬11): وأما مرحبا وأهلا وسهلا فجعل المصنف كلّ واحد منها منصوبا بفعل يناسبه فقال: أصبت رحبا، وأتيت أهلا ووطئت سهلا، فجعلها (¬12) جملا ثلاثا، - ¬

_ (¬1) في الكتاب (1/ 281): «ومن ذلك قولهم: كلّ شيء ولا هذا، وكل شيء ولا شتيمة حر، أي: ائت كلّ شيء ولا ترتكب شتيمة حر فحذف لكثرة استعمالهم إياه». وانظر الهمع (1/ 168). (¬2) انظر الكتاب (1/ 280). (¬3) هذا مثل يضرب في كل موضع خيّر فيه الرجل بين شيئين وهو يريدهما معا. وانظر المستقصى (2/ 231) (المثل رقم 780) وانظر مجمع الأمثال (3/ 38) وحاشية الصبان على الأشوني (3/ 193). (¬4) في الكتاب (1/ 280، 281) قال سيبويه: «ومن ذلك قول العرب: كليهما وتمرا فذا مثل قد كثر في كلامهم واستعمل، وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من الكلام كأنه قال: أعطني كليهما وتمرا». وقال «ومن العرب من يقول: كلاهما وتمرا كأنه قال: كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا». (¬5) هذا صدر بيت من البسيط وهو لذي الرمة وعجزه: ولا يرى مثلها عجم ولا عرب ورخم «ميّه» في غير النداء ضرورة، ويقال: كانت تسمى: ميّا وميّة. انظر الكتاب (2/ 247) (هارون). الشاهد: نصب «ديار مية» بإضمار فعل ترك استعماله وقامت بما تقدم دلالته فحذف وتقديره: اذكر ديار مية وأعينها. الأعلم (1/ 141) وابن السيرافي (1/ 383)، والبيت في أمالي الشجري (2/ 90) واللسان (عجم). (¬6) الكتاب (1/ 282). (¬7) هذا مثل انظر مجمع الأمثال (3/ 439). (¬8) سورة النساء: 170. (¬9) سورة النساء: 171. (¬10) أي: في باب تعدي الفعل. (¬11) التذييل (خ) ورقة (244 / ب)، (245 / أ). (¬12) حاشية الصبان (3/ 193).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره قدر العامل فيها كلّها فعلا واحدا وهو صادفت أي: صادفت مرحبا أي: رحبا وسعة ومن يقوم لك مقام الأهل، وسهلا أي: ليّنا وخفضا لا حزنا، قال: وهذا يقع خبرا لمن قصدك ودعا للمسافر أي .. لقاك الله ذلك، وقدره سيبويه برحبت بلادك وأهلت وعلى هذا يكون انتصاب «مرحبا» على المصدر لا على المفعول به، وكذلك «أهلا» قال: وهذا الذي قدره سيبويه إنما هو إذا استعمل دعاء، أما إذا كان خبرا على تقدير: أصبت رحبا وأهلا فيكون مفعولا به لا مصدرا. انتهى. وفي قوله: «إنّ المصنف جعل مرحبا وأهلا وسهلا مع الناصب لها جملا ثلاثا» نظر، فإن ما ذكره لا يلزم إلّا إذا كان كلّ من الكلم الثلاث لا يفرد أي: لا يستعمل مفردا ولا شكّ أن «مرحبا» يستعمل وحده كما يستعمل معطوفا عليه، والظاهر أنه لا يمتنع استعمال «أهلا» وحده، وإذا كان كذلك كان مراد المصنف أن القائل «مرحبا» يقدر: أصبت، والقائل «أهلا» يقدر: أتيت، والقائل «سهلا» يقدر: وطئت، ولا يكون مراده أنّ الكلمات المذكورة لا تستعمل إلّا مقرونا بعضها ببعض، فيلزم منه أن الكلام يشتمل على ثلاث جمل. وأما «عذيرك» فالناصب له «أحضر» (¬1) كما قال المصنف، يقال: عذيرك من فلان، وأنشد سيبويه (¬2) لعمر (و) بن معديكرب: 3556 - أريد حياته ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر ابن يعيش (2/ 72) والهمع (1/ 169). (¬2) انظر الكتاب (1/ 276). (¬3) البيت من الوافر وهو لعمرو بن معديكرب تمثّل به علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين ضربه ابن ملجم لعنه الله. وانظر اللسان (عذر) مجمع الأمثال (2/ 57). الشرح: «عذيرك» أي: هات عذرك وقرب عذرك، واختلف فيه فمنهم من جعله مصدرا بمعنى العذر وهو مذهب سيبويه: وهو الأولى: لأن المصدر يطرد وضعه موضع الفعل بدلا منه لأنه اسمه، ومنهم من جعله بمعنى: عاذر كعليم وعالم والمعنى عنده: هات عاذرك واحصر عاذرك، والمعنى: أريد حياته ونفعه مع إرادته قتلي وتمنيه موتي فمن يعذرني منه؟. والشاهد: نصب «عذيرك» ووضعه موضع الفعل بدلا منه فهو مصدر نائب عن فعله. والبيت في الكتاب (1/ 276) (هارون)، وابن يعيش (2/ 26). والهمع (1/ 169) والدرر (1/ 145).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقدّر العامل: الزم. قال الشيخ (¬1): وسيبويه يقدر «عذيرا» تقدير «عذر» فيمكن أن يكون اسما وضع موضع المصدر، ويحتمل أن يكون مصدرا كالنّكير والنّذير، قال: وضعّف بعضهم كونه مصدرا معتلّا بأن المصدر على فعيل لا يكون إلّا في الأصوات (¬2)، ونقل عن عبد العزيز القواس (¬3) أنه قال في «عذيرك»: ذهب سيبويه إلى أنه مصدر بمعنى العذر كالنّذير والنّكير، وذهب المفضّل إلى أنه بمعنى عاذر كشاهد وشهيد. انتهى. ولا يظهر كون «عذير» من قولنا: عذيرك من فلان مصدرا، والظاهر أنه اسم فاعل (¬4) قال الجوهري: وقولهم: عذيرك من فلان، أي هلمّ من يعذرك منه، بل تلومه ولا يلومك قال الشاعر: 3557 - عذير الحيّ من عدوا ... ن كانوا حيّة الأرض (¬5) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (خ) (4/ 245) وقد نقل المؤلف كلامه بتصرف. (¬2) قد جاء المصدر على فعيل في غير الأصوات كقولهم: وجب القلب وجيبا إذا اضطّرب. انظر الأعلم (1/ 139) وابن يعيش (2/ 27). (¬3) هو عبد العزيز بن زيد بن جمعه الموصلي شرح ألفية ابن معط وشرح الكافية وهما مطبوعان (2/ 99). (¬4) يرى المؤلف أنّ «عذير» من قولهم: عذيرك من فلان وصف (اسم فاعل) وقد استدل على ذلك بما حكاه عن الجوهري (عذر)، أما «عذير» في قول الشاعر: عذيرك من خليلك .. وفي قول الآخر: عذير الحيّ من (عذر) .. فهو مصدر لا صفة، والذي يظهر أن «عذير» مصدر لا صفة على كل حال، لأن المصدر يطرد وضعه موضع الفعل بدلا منه لأنه اسمه ولا يطرد ذلك في اسم الفاعل. انظر الأعلم (1/ 139). (¬5) هذا البيت من الهزج وقائله ذو الإصبع العدواني. الشرح: وصف ما كان من تفرق عدوان بن عمرو بن سعد بن قيس عيلان وتشتتهم في البلاد مع كثرتهم وعزتهم، وبعد أن كانوا يخشون ويهابون كما يحذر الحية المنكرة، وقوله: «كانوا حية الأرض» أي: كانوا يتقي منهم لكثرتهم وعزتهم كما يتقي من الحية المنكرة، ويقال: فلان حية الوادي إذا كان شديد الشكيمة حاميا لحوزته. الشاهد: نصب «عذير» ووضعه موضع الفعل بدلا منه. والبيت في الكتاب (هارون 1/ 277)، والشعر والشعراء (2/ 712)، والخزانة (2/ 408)، والعيني (4/ 364).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). فتفسيره ذلك بقوله: هلمّ من يعذرك يدل على أنه وصف لا مصدر؛ لأن من يعذر هو العاذر، وكذا تفسيره الناصب له بقوله: هلمّ يدل على أن العامل المقدّر «أحضر» كما قال المصنف، ثم قال الشيخ (¬2): ويقول العرب: من يعذرني من فلان، على معنى: من يعتذر لي منه، فالعذير بمعنى العاذر وهو صيغة مبالغة. ولم يظهر لي وجه ترتب قوله: «فالعذير بمعنى العاذر» على قوله: «إن معني من يعذرني من فلان: من يعتذر لي منه» ثم الذي يظهر أن «عذير» من نحو قولهم: 3558 - عذيرك من خليلك من مراد (¬3) ومن قولهم: 3559 - عذير الحيّ من عدوان (¬4) مصدر لا صفة، وهو منصوب بـ «أحضر» لازم الإضمار - كما ذكروا - على المفعولية، وأما «عذير» من قول القائل: «من عذيري من أناس» فهو صفة بمعنى «عاذر» أي: من يعذرني؟ [4/ 230] ثمّ مراد المصنف بقوله: «ديار الأحباب» ديار من يحبّه الذاكر للدّيار، كقول ذي الرّمّة: 3560 - ديار ميّة إذ ميّ تساعفنا ... ولا يرى مثلها عجم ولا عرب (¬5) وكقول طرفة: - ¬

_ (¬1) أي: كلام الجوهري في الصحاح (عذر). (¬2) التذييل والتكميل 4 ورقة (245 / أ) وكلامه هنا يشير إلى أن «العذير» وصف لا مصدر وهو مخالف لما ذهب إليه سيبويه. انظر هامش رقم 6 من الصفحة السابقة. (¬3) سبق ذكره. (¬4) سبق ذكره. (¬5) سبق الكلام عليه والشاهد هنا: في قوله: «ديار ميّة» إذ قصد به ديار الأحباب وأضاف الديار إلى محبوبته.

[مسائل وأمثلة أخرى في إضمار العامل]

[مسائل وأمثلة أخرى في إضمار العامل] قال ابن مالك: (ويتصّل بهذه ما يستلزم عامله عامل ما قبله، أو يتضمّن معناه وضعا، وما هو في المعنى مشارك لما قبله في عامله أو فيما ناب عنه، ولا يمتنع الإظهار إن لم يكثر الاستعمال. وربّما قيل: «كلاهما وتمرا» و «كلّ شيء ولا شتيمة حرّ»، و «من أنت زيد؟» أي: كلاهما لي، وزدني تمرا، وكلّ شيء أمم ولا ترتكب، ومن أنت كلامك زيدا أو ذكرك). ـــــــــــــــــــــــــــــ 3561 - ديار سليمى إذ تصيدك بالمنى ... وإذ حبل سلمى منك دان تواصله (¬1) قال ناظر الجيش: الذي كنت أفهمه من هذا الكلام أن المراد منه أنه يتصل أي: في وجوب إضمار العامل بهذه المذكورات، وهي التي من قوله: «كليهما وتمرا» إلى قوله: «وديار الأحباب» كلمات أخر مما ليس شيء منها مذكورا [في هذا الفصل، لكن كلام الشيخ ينحو إلى غير ذلك فإنه قال (¬2) الإشارة بهذه إلى ما] يتصل بأكثر هذه المنصوبات التي ذكرها في هذا الفصل، ولا يظهر ما قاله، فإن المتصل بالمنصوبات هي المعطوفات، والمعطوفات المذكورة لم يتصل بها شيء، إنّما هي المتصلة بغيرها، وكأن الشيخ أراد أن يقول: الإشارة بهذه إلى أكثر المنصوبات فسبق القلم فقال: إلى ما يتصل بأكثر المنصوبات، قال: فمثال ما استلزم عامله عامل ما قبله قولهم: «كلّ شيء ولا شتيمة حرّ» (¬3) [إذ] تقديره: ائت كلّ شيء ولا تأت شتيمة حرّ (¬4)، قال: فالأمر بإتيان كلّ شيء يستلزم الأمر بإتيان شتيمة حرّ إذ كان مندرجا في عموم كلّ شيء، لكنّه أخرجه عن العموم بالنهي عن شتيمته، فقد استلزم الأمر النّهي عن شتيمة حرّ، ومثال ما تضمّن معناه وضعا - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وقائله طرفة وهو في ديوانه (ص 38). الشاهد: قوله «ديار سليمى» حيث أضاف ديار إلى محبوبته فالمقصود به ديار الأحباب والبيت في التذييل (خ) 4 ورقة (245 / أ) والهمع (1/ 168) والدرر (1/ 145). (¬2) التذييل والتكميل (خ) 4 ورقة (245 / ب). (¬3) ابن عقيل في المساعد (2/ 158). (¬4) انظر الكتاب (1/ 281) وعبارته: «ائت كل شيء ولا ترتكب شتيمة حر، وانظر حاشية الصبان (3/ 194).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهم: «امرأ ونفسه» (¬1) فقد اتصل بقوله «امرأ» قوله «ونفسه» وامرؤ متضمّن النفس، لأن المرء هو الرجل بدنا، ونفسا، فدلالته عليها بالمطابقة، فدلالته على أحدهما بالتّضمّن إذ أحدهما جزء المسمى. ومثال ما هو في المعنى مشارك لما قبله في العامل قوله: «الكلاب على البقر» (¬2) فقد اتصل بقوله «الكلاب» قوله «على البقر» والناصب لـ «الكلاب» هو الذي يتعلّق به الجارّ والمجرور الذي هو «على البقر» فقد اشتركا من حيث المعنى في [العامل]، وكذلك إن تأتني فأهل اللّيل وأهل النّهار (¬3) اتصل بقوله «فأهل اللّيل» قوله «وأهل النّهار» وكلاهما منصوب بتقدير «فتجد» قال: فقد اشتركا في العامل من حيث المعنى لا لفظا إذ لم يلفظ بالعامل، ومثال المشاركة في ما ناب عن العامل لا في العامل قولهم «مرحبا» و «أهلا» (¬4) فقد اتصل بقوله «مرحبا» قوله «وأهلا» وعلى تقدير سيبويه لم يشتركا في العامل لكنهما اشتركا في ما ناب عن العامل إذ قدّر سيبويه «مرحبا» بقوله: رحبت بلادك فـ «مرحبا» ناب عن «رحبت» وقدّر سيبويه «وأهلا» بقوله: وأهلّت، فالناصب لقوله «وأهلا» هو قوله: وأهلّت [إذ] أناب «أهلا» عنه فقد اشترك «مرحبا» و «أهلا» في ما ناب عن العامل، وليس اشتراكهما أنّ الناصب لهما واحد، إنما معنى الاشتراك، أن كلّا منهما انتصب بالعامل الذي ناب عنه فانتصاب «مرحبا» بـ «رحبت» وانتصاب «أهلا» بـ «أهلّت» انتهى كلام الشيخ وفيه أمور: منها: ما ذكرناه قبل من أنه جعل الإشارة بهذه في كلام المصنف إلى الثواني من الأمثلة المذكورة، أعني المعطوفات، ولا شك في أن ذلك فاسد وقد تقدم التنبيه عليه. ومنها: تمثيله لما استلزم عامله عامل ما قبله بقولهم: كلّ شيء ولا شتيمة حرّ ذاهبا إلى أن الأمر بإتيان كلّ شيء يستلزم الأمر بإتيان شتيمة حرّ، وأنه خرج بالنهي عن شتيمته قال (¬5): «فقد استلزم الأمر النّهي عن شتيمة حرّ» ولا يخفي أنّ الأمر ليس كذلك فإن العامل المقدّر الذي هو: ترتكب لم يستفد النهي عنه إلّا من كلمة - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 274). (¬2) هذا مثل يضرب عند تحريش بعض القوم على بعض من غير مبالاة يعني لا ضرر عليك فخلهم. ونصب «الكلاب» على معنى أرسل الكلاب. انظر مجمع الأمثال (3/ 22). (¬3) انظر الكتاب (1/ 295). (¬4) انظر المرجع السابق. (¬5) التذييل والتكميل (خ) 4 ورقة (245 / ب) وانظر الصفحة السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «لا» [الدالة] على النهي لا من الأمر بإتيان كلّ شيء. ومنها: تمثيله لما تضّمن معناه وضعا بقولهم: «امرأ ونفسه» ذاهبا إلى أنه قد اتصل بقوله «امرأ» قوله «ونفسه» قال: «وامرؤ يتضمّن النّفس إلى آخر كلامه» فإنه كلام عجيب لأن كلام المصنف إنما هو في العامل؛ إذ مراده أن العامل في المعطوف عليه يتضمّن معنى العامل [في المعطوف] وضعا، [وامرأ] معمول لا عامل، وكأن الشيخ جعل الضميرين في «يتضمن» وفي «معناه» راجعين إلى الاسمين المعطوف أحدهما على الآخر، حيث جعل الاسم الأول متضمنا معنى الاسم الثاني، وهذا في غاية الفساد؛ لأن الكلام إنما هو في العامل، ودليله أن الذي ذكره المصنف أربع مسائل: فالأولى والثالثة قد صرح فيهما بذكر العامل، والرابعة ذكر فيها ما ناب عن العامل، فتعيّن أن تكون الثانية مرادا بها ما أريد بأخواتها، ثم إن كون الاسم الأول يتضمّن الاسم الثاني لا أثر له في ما الكلام الآن فيه. ومنها: تمثيله لما هو في المعنى مشارك لما قبله في العامل بقولهم: «الكلاب على البقر» قائلا: إنّ الناصب للكلاب هو الذي يتعلّق به الجار والمجرور الذي هو «على البقر»، وما قاله لا يظهر؛ لأن «على البقر» من مطلوب «أرسل» الناصب لـ «الكلاب» (¬1) لا يتم المقصود من المعنى المراد إلّا به، ولا يقال في مثل هذا: إنه مشارك لما قبله في العامل، بل يقال: إنه من تتمّة ما يطلبه العامل. وأما قوله بعد ذلك: وكذا إن تأتني فأهل اللّيل وأهل النّهار ... إلى آخر كلامه، وقوله «فقد اشتركا في العامل من حيث المعنى لا لفظا إذ لم يلفظ بالعامل» ففي غاية البعد بل هو فاسد؛ لأن العامل المقدّر في حكم الملفوظ، وإذا كان كذلك فالمعمولان مشتركان فيه لفظا، ثم إن «وأهل النّهار» إنما هو معطوف على «أهل اللّيل» [5/ 2] فهو معمول للعامل في المعطوف عليه، وإذا كان العامل واحدا فهو مشارك في اللفظ لما قبله في عامله فكيف يمثل به لما هو مشارك في المعنى؟ لأن مفهوم قولنا: مشارك في المعنى أنه لا مشاركة له في اللفظ، والغرض أن الثاني في المثال المذكور مشارك للأول في العامل مشاركة لفظية. - ¬

_ (¬1) انظر مجمع الأمثال (3/ 22)، والهمع (1/ 168).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما تمثيله للمشارك ما قبله في ما ناب عن العامل لا في العامل بقولهم «مرحبا وأهلا» ذاهبا إلى ما قرّره في كتابه (¬1) فلم أتحققه، ولا شك أنّ قدر الشيخ أجلّ من أن يحمل كلام المصنف على ما حمله عليه، على أنه رحمه الله تعالى في آخر كلامه قال: «وكلام المصنف هنا قلق غريب لا يكاد يفهم ولا تحته طائل، فإن كان أراد ما شرحناه به، فذلك هو المقصود وإن كان غير ما شرحناه فيحتاج إلى كشف ينبيء عنه». وهذا من الشيخ دليل على أنه لم يقل ما قاله في شرح هذا الموضع عن يقين منه. وبعد فقد يمكن أن يمثّل لما يستلزم عامله عامل ما قبله بقوله تعالى: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬2)، فإن النهي عما لا يليق يستفاد منه أن الناهي يأمر المنهيّ بخير، ويكون المصنف [قد] عبّر عن الاستفادة بالاستلزام. وأن يمثّل لما يتضمّن معناه بقول العرب: «حسبك خيرا لك» (¬3) لأن تقديره: حسبك الذي فعلت وائت خيرا، ومعنى حسبك: كفّ، فحسبك يتضمّن معنى العامل في خير وهو «ائت» لأن معناه كفّ كما قلنا، والكفّ هو الانتهاء، وقد قلنا: إن النهي عن شيء يلزم منه أي يستفاد الأمر بخير، وإنّما خالف بين العبارتين فعبّر في المسألة الأولى بقوله: «يستلزم» وفي الثانية بقوله: «يتضمّن» لأن الأمر بخير في المسألة الأولى يستفاد من «انتهوا» وفي المسألة الثانية يستفاد من «كفّ» لكنه لم يذكر وإنما ذكر «حسبك» فلم يكن الأمر بخير مستفادا من «حسبك» إنّما «حسبك» يتضمن معنى «كفّ» و «كفّ» هو المستفاد منه ذلك. وأن يمثّل لما هو في المعنى مشارك لما قبله في عامله بقولهم «وراءك أوسع لك» (¬4)، فإن «وراءك» بمعنى: تأخّر و «أوسع» منصوب بفعل مضمر تقديره: - ¬

_ (¬1) يقصد التذييل والتكميل انظر 4 ورقة (245 / ب). (¬2) سورة النساء: 171، قال سيبويه في الكتاب (1/ 282): «ومما ينتصب في هذا الباب على إضمار الفعل المتروك إظهاره: انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ ووراءك أوسع لك، و «حسبك على خيرا لك» إذا كنت تأمر». (¬3) من أمثلة سيبويه انظر الكتاب (1/ 282). (¬4) هذا مثل أي: تأخر تجد مكانا أوسع لك ويقال في ضده: أمامك أي: تقدّم، انظر مجمع الأمثال (3/ 439)، وهو من أمثلة الكتاب (1/ 282).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخذ، أو ائت مكانا أوسع لك (¬1)، فكأن «أوسع» في المعنى مشارك لما قبله في عامله لأن الآمر إنما أمره بالتّأخّر حذرا عليه من المتقدم، وتحذيره من الضيق إنما هو للضيق بدليل أمره بإتيان ما هو أوسع له، ولا شكّ أن الأمر بتجنّب الضيق يستفاد منه قصد طلب السّعة، على أن هذا الذي قلته لم أقله جازما به بل يبعد عندي أن يكون مراد المصنف، ولم يتحقق لي وجه مرضيّ في قوله: «في عامله» إن جملنا كلامه على أن المراد به المثال الذي قلناه وهو: «وراءك أوسع لك»، والظاهر أن مراد المصنف بما قاله غير المثال المذكور والله تعالى يعلم ما نخفي وما نعلن. وأما قوله: «أو في ما ناب عنه» فمعرفة المراد منه موقوفة على معرفة المراد بالمذكور قبله على الحقيقة. وأما قوله: «ولا يمتنع الإظهار إن لم يكثر الاستعمال» فقال الشيخ فيه (¬2): لا يمكن عود هذا الكلام إلى المنصوبات التي تقدّم ذكرها في هذا الفصل؛ لأنه قد نصّ على التزام إضمار الناصب فيها، وأيضا فكلّها كثر استعمالها. ثم قال: ومثال ما لم يكثر استعماله فجاز إضمار العامل فيه وإظهاره قولهم (¬3): ائته أمرا قاصدا. انتهى. والمصنف قد ذكر هذا المثال في الباب الذي تقدمت الإشارة إليه - أعني باب «تعدّي الفعل ولزومه» فقال (¬4) عند ذكر الاقتصار على المفعول: فإن كان الذي اقتصر فيه على المفعول مثلا أو جاريا مجرى المثل في كثرة الاستعمال امتنع الإظهار ولزم الاقتصار، فالمثل كقولهم: «كلّ شيء ولا شتيمة حرّ» (¬5) و «هذا ولا زعماتك» (¬6) و «كليهما وتمرا» (¬7)، والجاري مجرى المثل قولهم: - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (1/ 283) «وإنما نصبت خيرا لك وأوسع لك لأنك حين قلت: «انته» فأنت تريد أن تخرجه من أمر وتدخله في آخر، وقال الخليل: كأنك تحمله على ذلك المعنى» وانظر ابن يعيش (2/ 28). (¬2) التذييل والتكميل (خ) 4 ورقة (246 / أ). (¬3) في الكتاب (1/ 284): «ائته يا فلان أمرا قاصدا». (¬4) انظر شرح التسهيل لابن مالك (ح) ورقة 91 وقد تصرف المؤلف في نقله. (¬5) انظر الكتاب (1/ 281). (¬6) من أمثلة الكتاب (1/ 280). (¬7) انظر الكتاب (1/ 280).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «حسبك خيرا لك» (¬1) و «وراءك أوسع لك» (¬2) وقوله تعالى: فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ (¬3) وانْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ (¬4) قال سيبويه (¬5): وحذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إيّاه في الكلام ولعلم المخاطب أنه محمول على أمر حين قال: ائته فصار بدلا من قوله: ائت خيرا، قال: ونظير ذلك من الكلام قولهم: ائته أمرا قاصدا كأنه قال: ائته وائت أمرا قاصدا إلا أن هذا يجوز لك فيه إظهار الفعل» يعني أن قول من قال: ائته أمرا قاصدا ليس مثل: ائته خيرا لك في كثرة الاستعمال فيلزم إضمار الفعل فيه كما لزم إضمار الفعل في ذلك، وقد غفل الزمخشريّ عن كلام سيبويه فجعل (¬6) انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ و «انته أمرا قاصدا» «سواء» انتهى، وتبع الزمخشريّ في ذلك الجزوليّ، قال الأستاذ أبو علي مشيرا إلى الجزوليّ: ذكر هذه اللفظة في جملة ما انتصب على إضمار فعل لا يظهر، غلط منه تقدّمه إليه الزمخشريّ، وأظنّه الذي غلّط أبا موسى، لا أعرف من غلط فيه غيرهما، وليس كما قالاه، والذي غلّطهما أن سيبويه ذكر (¬7) هذه اللفظة في هذا الباب ليمثل بها في وجه آخر غير التزام الإضمار لا في التزام الإضمار. وأما قوله - أعني المصنف: «وربّما قيل: كلاهما وتمرا إلى آخره» فواضح (¬8)، واستفيد من قوله «وربّما» أن الرفع قليل في ما ذكره، قال الشيخ (¬9): «وقد جاء في بعض المنصوبات المذكورة في هذا الفصل الرفع (¬10) في غير هذه - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 282). (¬2) هذا مثل وليس جاريا مجرى المثل. انظر مجمع الأمثال (3/ 439). (¬3) سورة النساء: 170. (¬4) سورة النساء: 171. (¬5) الكتاب (1/ 283، 284). (¬6) انظر المفصل (ص 49). (¬7) انظر الكتاب (1/ 284). (¬8) قال سيبويه في الكتاب (1/ 281): «ومن العرب من يقول: كلاهما وتمرا، كأنه قال: كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا». وقال الفراء: «وكلاهما منصوب على لغة من يجعل كلا بالألف في كل حال» انظر المساعد (خ) ورقة (220 / ب). (¬9) التذييل (خ) ورقة (246 / ب) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬10) قال سيبويه في الكتاب (1/ 295): «ومنهم من يرفع فيجعل ما يضمره هو ما أظهر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسائل الثلاث، فمنه قولهم: الكلاب على البقر (¬1)، وكذلك: ديار سلمى (¬2)، وكذلك: مرحبا يقولون: مرحب وقالوا: أهل ومرحب، قال الشاعر (¬3): 3562 - إذا جئت بوّابا له قال: مرحبا ... ألا مرحب واديك غير مضيق (¬4) كأنه قال: ألا هذا مرحب أو لك مرحب (¬5)، فهو إما خبر لمبتدأ محذوف أو مبتدأ لخبر محذوف (¬6) وأنشد سيبويه (¬7): 3563 - وبالسّهب ميمون النّقيبة قوله ... لملتمس المعروف أهل ومرحب (¬8) - ¬

_ (¬1) هذا مثل قد سبق ذكره. وقال سيبويه في الكتاب (1/ 273): ومن العرب من يرفع فيقول: غضب الخيل على اللّجم، فرفعه كما رفع بعضهم. الظباء على البقر. (¬2) قال سيبويه في الكتاب (1/ 281): «ومن العرب من يرفع الديار كأنه يقول تلك ديار فلانة». (¬3) هو أبو الأسود كما في الكتاب (1/ 296). (¬4) البيت من الطويل وهو في ديوان أبي الأسود (ص 65). الشرح: «المضيق» مكان الضيق وصدره في الديوان: ولمّا رآني مقبلا قال مرحبا وقبل البيت: جزى الله ربّ الناس خير جزائه ... أبا ماعز من عامل وصديق قضى حاجتي بالحق ثم أجازها ... بصدق وبعض القوم غير صديق والمعنى: يذكر أبا ماعز وهو عامل كان لعبيد الله بن زياد على جند نيسابور، وكان صديقا لأبي الأسود فقصده فأكرمه وألطفه وأحسن جائزته. الشاهد فيه: على رفع «مرحب» واديك مبتدأ وخبره: مرحب، وغير مضيق: وصف لمرحب وهو كقولك: ألا واسع واديك، ومن روي: ألا مرحبا نصبه بإضمار فعل وجعل واديك مبتدأ وغير مضيق خبره، راجع ابن السيرافي (1/ 72: 73) والأعلم (1/ 149)، والهمع (1/ 169) وهو بكامله في الدرر (1/ 145). (¬5) انظر الكتاب (1/ 296) والهمع (1/ 169). (¬6) انظر ابن يعيش (2/ 29) والهمع (1/ 169). (¬7) الكتاب (1/ 296). (¬8) هذا البيت من الطويل وقائله كما في الكتاب (1/ 295) طفيل الغنوي وهو في ديوانه (ص 19). الشرح: «السّهب» سبخة بين الحمتين والمضياعة تبيض بها النعام، و «الميمون»: المبارك، والنقيبة: الطبيعة، والمعنى: يرثى رجلا دفن بالسّهب، ويروي: ميمون الخليقة. والشاهد: رفع «أهل» و «مرحب» بتقدير مبتدأ، أي: هذا أهل ومرحب، انظر ابن يعيش (2/ 29)، والهمع (1/ 169) والدرر (1/ 145).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى. وإذا كان المرفوع من هذه الكلمات [5/ 3] يجب معه حذف الجزء الآخر مبتدأ كان ذلك الجزء أو خبرا كما كان يجب حذف الناصب تعيّن أن يكون أهل في البيت المذكور خبرا لمبتدأ محذوف أو مبتدأ لخبر محذوف كما قيل في: 3564 - ألا مرحب واديك غير مضيق و «مرحب» معطوف على «أهل» ولا يقال إن «أهل» خبر «لقوله» المتقدم، بل الجملة بتمامها هي الخبر عن «قوله». * * *

الباب الخامس والخمسون باب أبنية الأفعال ومعانيها

الباب الخامس والخمسون باب أبنية الأفعال ومعانيها (¬1) [أبنية الثلاثي ومعانيها] قال ابن مالك: (لماضيها المجرّد مبنيّا للفاعل «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعلل»، فـ «فعل» لمعنى مطبوع عليه ما هو قائم به أو كمطبوع عليه أو شبيه بأحدهما، ولم يرد يائيّ العين إلّا «هيؤ» ولا متصرّفا يائيّ اللّام إلّا «نهو»، ولا مضاعفا إلّا قليلا مشروكا، ولا متعدّيا إلّا بتضمين أو تحويل، ولا غير مضموم عين مضارعه إلّا بتداخل). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): «احترز بـ «ماضيها» من المضارع والأمر، و «بالمجرّد» من المزيد فيه، و «بالمبنيّ للفاعل» من المبنيّ للمفعول، وأشير بـ «مطبوع عليه ما هو قائم به» إلى نحو: كرم، ولؤم، ونبه، وسفه، وبزل (¬3)، وجبن، وذكو (¬4) وبلد، وحسن، ووضؤ، وصبح (¬5)، وفصح، ورطب، وصلب، ووتر، ووقر، وكثر، وحقر، ونزر، وكثف (¬6)، ولطف، وسهل، وصعب، وعظم، وضخم، و (ضؤل) (¬7)، وكبر، وصغر، ونظف، وقذر، ورجس، ونجس، فالأصل في هذه الأفعال: أن يقصد بها معان غير متجددة ولا زائدة كجودة المطبوع على الجودة، ورداءة المطبوع على الرّداءة، أو معان متجددة ثابتة كفصاحة المتعلّم الفصاحة، وحلم المتعوّد الحلم، ومن الأول: بعد الشّيء و (قرب) إذا كان - ¬

_ (¬1) اعترض أبو حيان في التذييل والتكميل (رسالة) (6/ 2) على ابن مالك لأنه ذكر هذا الباب ضمن أبواب النحو وكان حقه أن يذكره في أبواب التصريف، وقد ذكر ابن عقيل في المساعد (2/ 585) تحقيق د/ محمد كامل بركات أن السبب في وضع هذا الباب هكذا هو «بيان حال العامل الذي انقضى الكلام في معمولاته». (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 435) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون. (¬3) في أساس البلاغة (1/ 123) (جزل) قال: «ومن المجاز: رجل جزل: ذو عقل ورأي، وقد جزل». (¬4) في اللسان (ذكا): «ويقال: ذكا يذكو ذكاء، وذكو فهو ذكيّ، ويقال: ذكو قلبه يذكو إذا حيّ بعد بلادة فهو ذكيّ على فعيل». (¬5) في اللسان (صبح): «والصّباحة: الجمال وقد صبح بالضم يصبح صباحة». (¬6) في اللسان (كثف): «الكثافة: الكثرة والالتفاف، والفعل كثف يكثف كثافة». (¬7) في (جـ)، (أ): ضيل، والذي يبدو أنها ضؤل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القرب والبعد غير متجددين ولا زائلين، كبعد ما بين المتضادين، وقرب ما بين المتماثلين، فإذا أسند «بعد» إلى ذي بعد حادث، و «قرب» إلى ذي قرب حادث فلشبههما بلازمي البعد والقرب كقولك: بعدت بعد ما قربت، وقربت بعد ما بعدت. ومن المستعمل لمعنى ثابت بعد التجدّد: فقه (¬1) الرّجل، إذا صار الفقه له طبعا، وشعر (¬2) إذا صار قول الشعر له طبعا، وخطب (¬3) إذا صار إنشاء الخطب له طبعا. ومن استعمال «فعل» لمعنى متجدّد زائل لشبه معناه بالمعنى الذي ليس متجدّدا ولا زائلا: قولهم: جنب (¬4) الرجل إذا أصابته جنابة، فإن معناه شبيه بمعنى نجس، فوافقه في الوزن، وإلى هذا وشبهه أشرت بقولي: «أو كمطبوع عليه أو شبيه بأحدهما» وأهمل فعل فيما عينه ياء استغناء عنه بـ «فعل» كلان يلين، وطاب يطيب، وبان يبين (¬5)، إلّا ما شذّ من قولهم: هيؤ الشّيء فهو هيّئ إذا حسنت هيئته (¬6)، وكذلك أهمل فيما لامه من الأفعال المتصرفة إلا ما شذّ من قولهم: نهو الرجل إذا كان ملازما للنّهية أي: العقل. وقيّد الشّاذّ مما لامه ياء بالتّصرّف تنبيها على نحو: قضو الرّجل (¬7)، ورمو، بمعنى ما أقضاه وما أرماه، فإنه مطرد وقد بيّن ذلك في باب «التعجب». وكذلك أهمل «فعل» في المضاعف استغناء عنه بـ «فعل» كعزّ يعزّ، وذلّ - ¬

_ (¬1) في اللسان (فقه): «وأما فقه بضم القاف فإنما يستعمل في النعوت يقال: رجل فقيه وقد فقه يفقه فقاهة إذا صار فقيها وساد الفقهاء. (¬2) في اللسان (شعر): «وشعر الرجل يشعر شعرا وشعرا وشعر، وقيل: شعر قال الشّعر، وشعر: أجاد الشّعر». (¬3) في اللسان (خطب): «وخطب بالضم خطابة بالفتح صار خطيبا». (¬4) في اللسان (جنب): والجنابة: المنيّ وفي التنزيل العزيز: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وقد أجنب الرجل وجنب أيضا بالضم». (¬5) في التذييل والتكميل (رسالة) (6/ 3، 4): «ما عينه ياء استغني فيه بفعل عن فعل لاستثقال الضمة في الياء تقديرا كما استثقلوها ظاهرة فقالوا: طاب يطيب ولان يلين». (¬6) في اللسان (هيأ): «ورجل هيّئ حسن الهيئة». (¬7) انظر شرح الشافية للرضى (1/ 76) وفي اللسان (هيأ): قضو الرجل إذا جاد قضاؤه، ورمو إذا جاد رميه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يذلّ، وجلّ يجلّ، وخفّ يخفّ، إلّا ما شذّ من: لببت (¬1) بمعنى: لببت أي: صرت لبيبا وشررت بمعنى: شررت أي: صرت كثير الشّرّ، وقللت بمعنى: قللت أي: صرت قليلا (¬2). ودممت بمعنى دممت أي: صرت دميما (¬3)، وعززت يا ناقة بمعنى عززت أي: صرت عزوزا وهي الضّيّقة الإحليل (¬4). فـ «فعل» في هذه الأفعال شاذّ وهو مع شذوذه مشروك بـ «فعل» في فعل اللّبيب، وب «فعل» في البواقي. وشذ استعمال «فعل» متعدّيا دون تحويل في قول من قال: «رحبكم الدّخول في طاعة الكرمانيّ» (¬5) فعدّى «رحب» لأنه ضمّنه معنى «وسع»، واطّرد استعماله متعديا بتحويل من «فعل» الذي عينه واو كـ «رمته» و «طلته» فالأصل في هذا النوع: فعلته (¬6) - بفتح العين - فحوّل إلى «فعل» ونقلت الضّمة إلى الفاء ليدلّ (¬7) بها على أن العين المحذوفة مجانسة للحركة المنقولة إذ لو تركت الفاء مفتوحة مع حذف العين لم يعلم كونها واوا. ¬

_ (¬1) في الكتاب (4/ 37) «وقالوا: لبّ يلبّ وقالوا: اللّبّ واللّبابة واللّبيب» وفي اللسان (لبب): «وفي التهذيب حكي لببت بالضم وهو نادر لا نظير له في المضاعف». (¬2) في شرح الشافية للرضي (1/ 77، 78) ولم يقولوا في القليل: قللت كما قالوا: كثرت بل قالوا: قل يقل كراهة للنقل» وفي الكتاب (4/ 37) وقالوا: قلّ يقلّ قلّة ولم يقولوا فيه كما قالوا في كثر وظرف». (¬3) في شرح الشافية للرضي (1/ 78): «ودمّ أي: صار دميما»، وفي اللسان (دمم): «دميم من دممت على فعلت مثل لببت فأنت لبيب». (¬4) في اللسان (عزز): «وقيل عززت النّاقة إذا ضاق إحليلها ولها لبن كثير. وانظر شرح الشافية للرضي (1/ 78). (¬5) في اللسان (رحب): «وكلمة شاذة تحكى عن نصر بن سيّار: أرحبكم الدّخول في طاعة ابن الكرمانيّ؟ أي: أوسعكم؟. (¬6) في المنصف (1/ 239) قال المازني: «وأما طلت فهي أصل فاعتلت من فعلت غير محولة» وقال ابن جني في شرح هذا: «يريد أنها لم تكن في الأصل طولت ثم نقلت إلى طولت كما تقول إن أصل قمت: قومت ثم حوّلت إلى قومت بل أصل طلت: طولت، قال لأنهم يقولون: طويل فجرى ذلك مجرى كرم فهو كريم». (¬7) في شرح الشافية (1/ 80): «وقالوا في فعل نحو طال فهو طويل طلت والضمة لبيان البنية لا لبيان الواو».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحو هذا «فعل» في ما عينه ياء من «فعل» فحوّلوه إلى «فعل» ونقلوا الكسرة إلى الفاء في «بعته» ونحوه ليدلّ بها على أن العين المحذوفة مجانسة للحركة المنقولة. والحاصل: أن «فعل» الذي عينه «واو» حين عرض حذف عينه لسكون لامه حوّل إلى «فعل» واستصحب ما كان له من التّعدية لأن الضّمة عارضة يعتدّ بها. والتزم في مضارع «فعل» ضم عين مضارعة نحو: شرف يشرف، وظرف يظرف، وروي عن بعض العرب (¬1): كدت تكاد، فجاء بماضيه على «فعل» وبمضارعه على «يفعل»، وهو عندي من تداخل اللغتين (¬2)، فاستغني بمضارع أحد المثالين عن مضارع الآخر، فكان حق كدت بالضم أن يقال في مضارعه: يكود، ولكن استغنى عنه بمضارع المكسور الكاف فإنه على «فعل» فاستحق أن يكون مضارعه على «يفعل» فأغناهم يكاد عن يكود كما أغناهم ترك عن ماضي «يذر» و «يدع» في غير ندور مع عدم اتحاد المادة، بل اغناء يكاد عن يكود مع كون المادة واحدة أولى بالجواز» انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬3). وعرف منه: أن الذي هو لمعنى مطبوع عليه ما هو قائم به نحو: كرم، ولؤم، وجبن، وحسن، وفصح، وأن الذي هو لمعنى كمطبوع عليه: فقه وشعر وخطب، إذا صار ذلك طبعا له، وأن الذي هو شبيه بأحدهما: جنب الرجل جنابة. ثم لك أن تقول: لم يكن «رمت» و «طلت» على وزن «فعل» فيحتاج إلى أن يقال فيه: إنه إنما تعدّى لكونه محولا بل هما على وزن «فعل» غاية ما في الباب أن الكلمة حصل فيها تغيير لفظي لموجب (¬4)، ويدل على ما قلته قول المصنف: «واستصحب ما كان له من التّعدية». ثم إن «فعل» الذي هو غير متعد إنما هو «فعل» بالوضع لا «فعل» بالتحويل، - ¬

_ (¬1) في الكتاب (4/ 40): «وقد قال بعض العرب: كدت تكاد فقال: فعلت تفعل كما قال: فعلت أفعل، وكما ترك الكسرة كذلك ترك الضمة وهذا قول الخليل وهو شاذ من بابه». (¬2) انظر المفصل (ص 277، 278) وابن يعيش (7/ 154)، والمراد بتداخل اللغات: أن قوما يقولون: فضل بالفتح يفضل بالضم وقوما يقولون: فضل بالكسر يفضل بالفتح ثم كثر ذلك حتى استعمل مضارع هذه اللغة مع ماضي اللغة الأخرى لا أن ذلك أصل في اللغة. وكلام ابن مالك يشير إلى ذلك المعنى. (¬3) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 437). (¬4) وهو اتصالها بضمير الرفع المتحرك.

[اسم الفاعل من فعل بالضم]

[اسم الفاعل من فعل بالضم] قال ابن مالك: (وكثر في اسم فاعله «فعيل» و «فعل»، وقلّ «فاعل»، و «أفعل»، و «فعل» و «فعل» و «فعال» و «فعال» و «فعّال» و «فعل» و «فعل»، و «فعل» و «فعول»). ـــــــــــــــــــــــــــــ على أن المذهب الأصح أن نحو «قلت» و «بعت» لا تحويل فيهما، وإنما أتي بالضمة ابتداء [5/ 4] في «قلت» ونحوه لبيان أن العين المحذوفة واو، وبالكسرة كذلك في «بعت» ونحوه لبيان أنها ياء، لكنهم إنما فعلوا ذلك في ما وافقت فيه حركة العين حركة الفاء، وأما إذا خالفتها (¬1) فإنهم سيراعون بيان بنية الكلمة (¬2) ولا يلتفتون إلى بيان الحرف كما في «هبت» و «خفت» (¬3)، وقد تقدّم لنا الكلام على هذه المسألة في باب المضمر. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): «يقع اسم الفاعل في اللغة كثيرا، وفي اصطلاح أهل النحو قليلا على كلّ صفة على أي وزن كان وزنها إذا كانت تشارك في الاشتقاق الفعل، ويصح الإخبار بها عن ضمير فاعله نحو: كرم زيد فهو كريم، فمن أجل صحة الإطلاق أضفت اسم فاعل إلى ضمير «فعل» حين قلت: وكثر في اسم فاعله فعيل وفعل، والأكثر في اصطلاح أهل النحو إطلاق اسم الفاعل على المحدود في بابه (¬5). ومثال «فعيل» (¬6): ظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف، ومثال «فعل»: - ¬

_ (¬1) في المنصف (1/ 235): «فأما خفت وهبت وطلت فلم يحتاجوا إلى أن ينقلوهما إلى شيء لأن حركة العين في أصل تركيب الفعل جاءت مخالفة لحركة الفاء لأن أصل: خفت: خوفت وأصل: هبت: هيبت وأصل: طلت: طولت فنقلت الضمة والكسرة الأصليتان من العين إلى فاء الفعل». (¬2) قال ابن الحاجب: «وراعوا في باب خفت بيان البنية» شرح الشافية (1/ 74). (¬3) راجع المنصف (1/ 238). (¬4) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 437). (¬5) وهو أن المراد باسم الفاعل: «ما دل على حدث وفاعله جاريا مجرى الفعل في إفادة الحدث» انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 423) تحقيق د/ عبد الحميد السيد. (¬6) في شرح الألفية لابن الناظم (ص 171): «الذي كثر في اسم الفاعل من فعل حتى كاد يطرد أن يجيء على فعل أو فعيل نحو: ضخم فهو ضخم، وشهم فهو شهم، وصعب فهو صعب، وسهل فهو سهل، وجمل فهو جميل، وظرف فهو ظريف، وشرف فهو شريف».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سهل فهو سهل، وجزل فهو جزل، ونظائرهما كثيرة، ومن استعمل القياس فيهما لعدم السماع فهو مصيب. وأما البواقي: فمقصورة على السماع: كحمض فهو حامض، وحمق الإنسان فهو أحمق، وحسن فهو حسن، وخشن فهو خشن، وجبن فهو جبان، وفرت الماء - أي عذب - فهو فرات (¬1)، ووضؤ الرّجل فهو وضّاء» (¬2)، أي: وضيء، وعفر فهو عفر، أي: ذو دهاء وشجاعة (¬3). وغمر فهو غمر، أي: جاهل (¬4)، وجنب فهو جنب، وحصرت ذات اللّبن فهي حصور أي: ضاق مجرى لبنها (¬5)» انتهى. وهذه الأوزان التي ذكرها وهي ثلاثة عشر وزنا إنما هي صفات مشبهة في الاصطلاح (¬6) وأسماء فاعلين في اللغة، وإذا أطلق اسم الفاعل على شيء منها في عبارة النحويين كان ذلك بطريق المجاز العرفي، لأن اسم الفاعل في الاصطلاح: هو الصفة المشاركة للفعل في الدلالة على معنى حادث متجدد وهذه الصفات إنما تدل على معان ثابتة غير منتقلة، وكلام المصنف لا ينافي ما ذكرته، وقد قال في إيجاز التعريف (¬7): وإذا قصد (¬8) باسم فاعل الفعل الثلاثي الحدوث جاء على فاعل على كل حال (¬9) كقولك: زيد شاجع اليوم، وفارغ غدا، كما قال: - ¬

_ (¬1) في شرح الشافية للرضي (1/ 148): «الغالب في باب فعل: فعيل، ويجيء فعال - بضم الفاء وتخفيف العين - مبالغة فعيل في هذا الباب كثيرا لكنه غير مطرد نحو: طويل وطوال وشجيع وشجاع». وفي اللسان (فرت): «وقد فرت الماء يفرت فروتة إذا عذب فهو فرات». (¬2) في اللسان (وضأ): «وقد وضؤ يوضؤ وضاءة» بالفتح والمد صار وضيئا فهو وضيء من قوم أوضياء ووضاء ووضّاء». (¬3) في اللسان (عفر): «والعفر: الشجاع الجلد». (¬4) في اللسان (غمر): «الأغمار جمع غمر بالضم وهو الجاهل الغرّ الذي لم يجرّب الأمور». (¬5) في اللسان (حصر): «والحصور من الإبل الضّيّقة الأحاليل». (¬6) انظر شرح التصريح (2/ 78) وأوضح المسالك (3/ 244)، والأشموني (2/ 314). (¬7) من مؤلفات ابن مالك ولم أعثر عليه. (¬8) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 444). (¬9) في المنصف (1/ 238): «لأن فاعلا قد يجيء من فعل كما يجيء من فعل وذلك قولهم: شرب فهو شارب وركب فهو راكب

[مضارع فعل بالكسر يفعل بالفتح إلا بعض الأفعال]

[مضارع فعل بالكسر يفعل بالفتح إلا بعض الأفعال] قال ابن مالك: (فصل: حقّ عين مضارع «فعل» الفتح، وكسرت فيه من «ومق» و «وثق» و «وفق» و «ولي» و «ورث» و «ورع» و «ورم» و «وري المخّ» وفي مضارع «حسب» و «نعم» و «بئس» و «يئس» و «يبس» و «وغر» و «وجر» و «وله» و «وهل» وجهان، واستغني في «ضللت تضلّ» و «وري الزّند يري»، و «فضل الشّيء يفضل» بمضارع «فعل» عن مضارع «فعل»). ـــــــــــــــــــــــــــــ 3565 - وما أنا من رزء وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح (¬1) وذكر الشيخ في شرحه (¬2) ثلاثة أوزان أخر وهي: «فعلان» و «مفعول»، و «فعل» قالوا: صرع فهو صرعان (¬3)، وودع الرجل فهو مودوع (¬4)، وندس فهو ندس (¬5)، وفطن فهو فطن، فعلى هذا تكون الأوزان ستة عشر وزنا. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): «ما كان من الأفعال الثلاثية على «فعل» - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو من قصيدة حائية لأشجع السلمي وأولها: مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق ... ولا مغرب إلّا له فيه مادح الشرح: «من رزء»: بضم الراء وسكون الزاي المعجمة وفي آخره همزة وهو المصيبة. ويجمع على أرزاء، «وإن جل» بالجيم بمعنى عظم، وكثير منهم يصحفونه وينشدونه بالحاء المهملة، «بعد موتك»: الخطاب لابن سعيد المذكور في أول القصيدة. والاستشهاد فيه: في قوله «فارح» فإن الصفة المشبهة التي هي «فرح» حولت إلى «فارح» على صيغة اسم الفاعل لافادة معنى الحدوث في الزمن المستقبل والبيت في شرح الألفية لابن الناظم (ص 444) والعيني (3/ 574)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص 858). (¬2) انظر التذييل والتكميل (رسالة) (6/ 9). (¬3) صرعان: يبدو أنه من الصّرع وفي اللسان (صرع): «والصّرع علّة معروفة». (¬4) في اللسان (ودع): «والوديع: الرّجل الهادئ السّاكن ذو التّدعة ويقال: ذو وداعة، ودع يودع دعة ووداعة زاد ابن برّي: وودعه فهو وديع ووادع أي ساكن: وفيه «وتودّع واتّدع تدعة وتدعة وودّعه رفّهه والاسم المودوع». (¬5) في المنصف (3/ 56): «ندس: يقال: رجل ندس وندس إذا كان عالما بالأخبار وفي اللسان (ندس): «وقال يعقوب - يعني ابن السّكيت - وهو العالم بالأمور والأخبار» وانظر إصلاح المنطق (ص 99). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 438).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر العين - فقياس مضارعه أن يجيء على «يفعل» - بفتح العين (¬1) - لازما كان كـ «شمّ» أو متعديا كـ «علم» وما كسرت عين مضارعه فمقصور على السماع وهو على ضربين: أحدهما: متعيّن فيه الكسر وهو ثمانية (¬2) أفعال أولها: «ومق» وآخرها: «وري المخّ»، والضرب الآخر: مروي فيه الفتح والكسر، ففتحه على القياس (¬3) وكسره شاذّ وهو تسعة (¬4) أفعال أولها (¬5) «حسب» وآخرها «وهل» (¬6). ويقال: ومق الشّيء إذا أحبّه، ووثق به إذا قوي اعتماده عليه، ووفق الشّيء إذا حسن، وولي الشّيء إذا تبعه والرّجل الأمر إذا صار حاكما عليه، وورث معلوم، وورع الرّجل إذا صار ذا ورع، وورم العضو معلوم، ووري المخّ إذا اكتنز من السّمن (¬7)، وحسب معلوم، ونعم الإنسان إذا عدم البؤس، وبئس إذا كان ذا بؤس، ويئس ويبس معلومان، ووغر الصّدر (¬8) ووحر (¬9) إذا التهب غيظا أو حزنا، ووله كاد يعدم العقل (¬10)، ووهل إذا اشتدّ فزعه أو نسي (¬11). ¬

_ (¬1) تنظر شرح الشافية للرضي (1/ 135) وإصلاح المنطق (216). (¬2) انظر إصلاح المنطق (ص 216) وشرح الشافية (1/ 135) والمنصف (1/ 207)، وزاد عليها في شذا العرف في فن الصرف (ص 17) خمسة وهي: وجد عليه أي: حزن، وورك أي: اضطجع، ووعق عليه: عجّل، ووقه له أي: سمع، ووكم أي: اغتمّ. (¬3) في المنصف (1/ 208): «فهذا كله فيه لغتان: إحداهما الأصل وهي الفتح والأخرى لضرب من الاتساع وهي الكسر». (¬4) ووحمت الحبلى: ووبق أي: هلك، وولغ الكلب. شذا العرف (ص 17). (¬5) انظر الكتاب (4/ 38: 39)، والمنصف (1/ 208)، وإصلاح المنطق (ص 216)، وشرح الشافية للرضى (1/ 135). (¬6) وهل أي: ضعف وفزع وجبن. اللسان (وهل). (¬7) اللسان (وري): «ويقال: ورى المخّ يرى إذا اكتنز». (¬8) في اللسان (وغر): «ويقال وغر صدره عليه يوغر وغرا ووغر يغر إذا امتلأ غيظا وحقدا، وقيل هو أن يحترق من شدّة الغيظ». (¬9) الوحر: الغيظ والحقد وبلابل الصّدر ووساوسه، والوحر في الصّدر مثل الغلّ. واللسان (وحر). (¬10) في اللسان (وله): «والوله ذهاب العقل لفقدان الحبيب». (¬11) وهل وهلا: ضعف وفزع وجبن، ويجوز أن يكون بمعنى سها وغلط. اللسان (وهل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشهور (¬1) في فعل «الضلال» ضللت تضلّ، وروي عن بعض العرب (¬2): ضللت تضلّ، بالكسر في الماضي والمضارع، ومقتضى القياس أن يقال: ضللت تضلّ لكن استغني بمضارع المفتوح العين عن مضارع المكسورها، ويقال: وري الزند إذا أخرج ناره، ولم يقل في المضارع إلا يري بالكسر (¬3) استغناء بمضارع «ورى» بالفتح. ويقال أيضا: فضل الشّيء وفضل ولم يقل في المضارع إلا «يفضل» (¬4) - بالضم - استغناء بمضارع «فضل» - بالفتح -» انتهى. وزاد الشيخ (¬5) على ثمانية الأفعال التي ذكرها تاسعا: وهو «وعم يعم» (¬6) واعتذر عن عدم ذكر المصنف له بأنه ذكر في الأفعال التي لا تتصرف قولهم: عم صباحا (¬7) ثم قال: وليس كما ذكره بل هو فعل متصرف، قال: وقد استدللنا على تصرفه في الفصل الآخر من باب «تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك»، ثمّ لما ذكر «فضل يفضل» قال (¬8): ولم يحك سيبويه (¬9) منه إلا نعم ينعم. حكى يعقوب: حضر يحضر (¬10)، وابن درستويه: نكل عن الشيء ينكل (¬11)، وشمل الأمر يشمل (¬12) قال: وهذا من تركيب اللغات، فإن الأفصح: حضر ونكل بالفتح - وشمل جاء فيه الفتح، قال: وجاء من المعتل: متّ تموت، - ¬

_ (¬1) اللغة الفصيحة وهي لغة أهل نجد: ضللت تضلّ، ولغة أهل العالية: ضللت تضلّ. انظر إصلاح المنطق (ص 206، 207) واللسان (ضلل). (¬2) هم بنو تميم. انظر اللسان (ضلل). (¬3) انظر شرح الشافية للرضي (1/ 135). (¬4) انظر إصلاح المنطق (2/ 2)، والصحاح (فضل) (5/ 1791) واللسان (فضل) والكتاب (4/ 40). (¬5) التذييل والتكميل (رسالة) (6/ 10). (¬6) في شرح الشافية (1/ 136): «وجاء وعم يعم بمعنى نعم ينعم، ومنه عم صباحا وقيل: هو من أنعم بحذف النون تشبيها بالواو» وانظر اللسان (وعم). (¬7) انظر التسهيل (ص 247). (¬8) التذييل والتكميل (رسالة) (6/ 11). (¬9) الكتاب (4/ 38). (¬10) انظر إصلاح المنطق (ص 212). (¬11) في إصلاح المنطق (ص 188): «وقد نكلت عنه أنكل، قال الأصمعي: ولا يقال: نكلت» وفي شرح الشافية (1/ 137): «وحكى أبو عبيدة: نكل ينكل وأنكره الأصمعي، والمشهور: نكل ينكل كفتل يفتل». (¬12) في إصلاح المنطق (ص 211) «وقد شملهم الأمر يشملهم إذا عمّهم» وشملهم يشملهم لغة.

[معاني فعل بالكسر وتسكين عينه تخفيفا]

[معاني فعل بالكسر وتسكين عينه تخفيفا] قال ابن مالك: (ولزوم «فعل» أكثر من تعدّيه. ولذا غلب وضعه للنّعوت اللّازمة وللأعراض والألوان وكبر الأعضاء، وقد يشارك «فعل» ويغني عنه لزوما في اليائيّ اللّام، وسماعا في غيره، ويطاوع «فعل» كثيرا، وتسكين عينه وعين «فعل» وشبههما من الأسماء لغة تميميّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ ودمت تدوم (¬1)، [وقالوا: تدام وتمات (¬2)، ومتّ ودمت، وحكى صاعد (¬3) من الشذوذ في الصحيح: نجز ينجز (¬4)] (¬5). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): وأخفّ الأفعال الثلاثية المفتوح العين لأن الفتحة أخفّ الحركات وأثقلها المضموم العين، لأن الضمة أثقل الحركات، والمكسورة العين متوسط، لأن [5/ 5] الكسرة أقلّ ثقلا من الضمة، وأقلّ خفة من الفتحة، فرتّب على هذا أن جعل المضموم ممنوع التّعدي (¬7) تخفيفا لأن التعدي يستدعي زيادة المعدّى إليه، وجعل عدم التّعدّي في المكسور العين أكثر من التعدي (¬8)، وكثر الأمران في المفتوح العين لخفته (¬9). ¬

_ (¬1) انظر شرح الشافية (1/ 136) والمنصف (1/ 256) وإصلاح المنطق (212)، وفي الكتاب (4/ 343) «وأمّا متّ تموت فإنّما اعتلّت من فعل يفعل ولم تحول كما يحول قلت وزدت». (¬2) انظر المنصف (1/ 256) وفيه «وقد يجوز أن تكون هذه لغات تداخلت فيكون بعضهم يقول: متّ تمات، وبعضهم يقول: متّ تموت ثم سمع من أهل لغة الماضي وسمع من أهل لغة أخرى المضارع فتركبت من ذلك لغة أخرى» وانظر شرح الشافية (1/ 136). (¬3) صاعد بن الحسن بن عيسى الريعي البغدادي أبو العلاء اللغوي، صحب السيرافي والفارسي والخطابي وروي عنهم، توفي سنة 417 هـ. انظر بغية الوعاة (2/ 7)، وإنباه الرواة (2/ 85 - 90) وفيه توفي سنة 419 هـ. (¬4) انظر إصلاح المنطق (ص 213). (¬5) ما بين المعقوفين بياض في (جـ)، (أ) وقد أكملته من التذييل والتكميل (رسالة) (6/ 11، 12). (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 439). (¬7) قال سيبويه في الكتاب (4/ 38): «وفعل على ثلاثة أبنية، وذلك فعل وفعل وفعل نحو: قتل، ولزم، ومكث، فالأولان مشترك فيهما المتعدي وغيره، والآخر لما لا يتعدى، كما جعلته لما لا يتعدى حيث وقع رابعا». (¬8) انظر شرح الشافية للرضي (1/ 72). (¬9) قال الرضي في شرح الشافية (1/ 70) «اعلم أن باب فعل لخفته لم يختصّ بمعنّى من المعاني، بل استعمل في جميعها لأن اللفظ إذا خفّ كثر استعماله واتسع التصرف فيه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «فعل» الموضوع للنعوت اللازمة: كـ «شنب» (¬1)، و «فلج» (¬2) و «لمي» (¬3) و «عمي»، و «حول» (¬4) و «حور» (¬5) و «عور» و «عرج». والموضوع للأعراض: كـ «برئ» و «مرض» و «نشط» و «كسل» و «فرج»، و «حزن» و «شبع» و «غرث» (¬6) و «روي» و «عطش». والموضوع للألوان: كـ «سود» و «شهب» (¬7) و «حوي» (¬8) و «دعج» (¬9) و «كهب» (¬10)، و «دكن» (¬11) و «كدر» (¬12). والموضوع لكبر الأعضاء: كـ «جيد» (¬13)، و «أذن» و «عين» و «رقب» و «فوه»، و «سوق» (¬14). ¬

_ (¬1) الشّنب: ماء ورقّة يجري على الثّغر، وقيل: رقّة وبرود وعذوبة في الأسنان، وقيل نقط بيض في الأسنان، وقيل: هو حدّة الأنياب. اللسان (شنب). (¬2) فلج: فلج الأسنان، تباعد بينها، والفلج: تباعد ما بين السّاقين، انظر اللسان (فلج) وإصلاح المنطق (ص 76). (¬3) لمي: اللّمى مقصور: سمرة الشّفتين، واللّثات يستحسن، وقيل: شربة سواد وقد لمي لمى اللسان (لما). (¬4) حول: الحول في العين: أن يظهر البياض في مؤخّرها، ويكون السّواد من قبل الماق وقيل غير ذلك. اللسان (حول). (¬5) الحور: أن يشتدّ بياض العين وسواد سوادها، وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيضّ ما حواليها. اللسان (حور). (¬6) غرث: الغرث: أيسر الجوع، وقيل شدّته، وقيل هو الجوع عامّة، اللسان (غرث). (¬7) شهب: الشّهبة: لون بياض يصدعه سواد في خلاله. اللسان (شهب). (¬8) حوي: الحوّة: سواد إلى الخضرة، وقيل: حمرة إلى السّواد. اللسان (حوا). (¬9) دعج: عين دعجاء: بيّنة الدّعج وهو شدّة السّواد مع شدّة البياض. انظر أساس البلاغة (1/ 271) (دعج). (¬10) كهب: الكهبة: غبرة مشربة سوادا في ألوان الإبل خاصّة. اللسان (كهب)، وقيل: الكهبة: لون ليس بخالص في الحمرة، وهو في الحمرة خاصّة. اللسان (كهب). (¬11) دكن: الدّكن والدّكن والدّكنة لون الأدكن كلون الخزّ الذي يضرب إلى الغبرة بين الحمرة والسّواد. اللسان (دكن). (¬12) كدر: الكدر نقيض الصّفاء. اللسان (كدر). (¬13) جيد: الجيد - بالتحريك - طول العنق وحسنه، وقيل: دقّتها مع طول، جيد جيدا وهو أجيد، وامرأة جيداء إذا كانت طويلة العنق حسنة لا ينعت به الرّجل». اللسان (جيد). (¬14) سوق: السّوق: حسن السّاق وغلظها، وسوق سوقا وهو أسوق. اللسان (سوق). وفي إصلاح المنطق (ص 369): «رجل أسوق طويل السّاقين».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومشاركة (¬1) «فعل» لـ «فعل»: كـ «فقر» و «فقر» (¬2)، و «أدم» و «أدم» (¬3)، و «سمر» و «سمر» و «عجف» (¬4)، و «عجف» و «حمق» و «حمق»، و «رعن» و «رعن» (¬5). والاستغناء به عن «فعل» لزوما في ما لامه ياء: كـ «حيي» فهو «حييّ»، و «عيي» فهو «عييّ»، و «غني» فهو «غنيّ»، و «غبي» فهو «غبيّ». ويدل على كون «فعل» في هذه الأفعال أصلا لـ «فعل»: أن كل واحد منها يدل على معنى طبع عليه الفاعل أعني: الحياء، والعيّ، والغباوة، وكذلك الغنى إذا أريد به غنى النّفس وإن أريد به غنى المال فهو محمول على غنى النّفس. ومن أجل نيابة هذه الأفعال عن «فعل» التزم مجيء اسم فاعل كلّ واحد منها على «فعيل» وقد قيل في العييّ: عيّ على فعل، لأن «فعلا» شريك «فعيل» في الصّوغ من «فعل». والاستغناء بـ «فعل» عن «فعل» في ما ليس لامه ياء كـ «ذوي» و «نقي» و «سمن» وحقّها أن تكون على «فعل» لأنها بمعنى: «متن» و «نظف»، و «شحم»، وأضدادها: «ضعف»، و «نجس» و «شخت» (¬6)، ومن أجل استحقاق معانيها لـ «فعل» التزم في أسماء فاعليها «فعيل» أعني: «قويّا» و «نقيّا» و «سمينا». ويجيء «فعل» مطاوعا لـ «فعل»: نحو: جدعه فجدع (¬7) وصلمه فصلم (¬8)، - ¬

_ (¬1) انظر شرح الشافية (1/ 73). (¬2) في اللسان (فقر): «والفقير مبنيّ على فقر قياسا ولم يقل فيه إلّا افتقر» وفيه «وقال سيبويه: وقالوا افتقر كما قالوا اشتدّ ولم يقولوا فقر كما لم يقولوا شدد». (¬3) الأدمة: «في الإبل لون مشرب سوادا أو بياضا وقد أدم فهو آدم والجمع أدم». اللسان (أدم). (¬4) العجف: ذهاب السّمن والهزال وقد عجف بالكسر وعجف بالضم فهو أعجف وعجف. اللسان (عجف) وإصلاح المنطق (ص 67). (¬5) رعن: الأرعن: الأهوج في منطقه المسترخي. اللسان (رعن). وانظر شرح الشافية (1/ 71). (¬6) الشّخت: والشّخيت: النّحيف الجسم والدّقيقه. اللسان (شخت). (¬7) جدع: الجدع: القطع البائن في الأنف والأذن والشّفة واليد ونحوها. وانظر اللسان (جدع)، وفي إصلاح المنطق (ص 205): «ويقال: قد جدع أنفه وأذنه يجدعها جدعا». وانظر أساس البلاغة (جدع) (1/ 111). (¬8) صلم: صلم الشّيء صلما: قطعه من أصله. اللسان (صلم).

[أوزان اسم الفاعل من الأفعال المختلفة]

[أوزان اسم الفاعل من الأفعال المختلفة] قال ابن مالك: (فصل: اسم الفاعل من متعدّي «فعل» على «فاعل» ومن لازمه على «فعل» و «أفعل» و «فعلان» وقد يجيء على «فاعل» و «فعيل»، ولزم «فعيل» في المغني عن «فعل» وقد يشرك فعل «فعلا» و «فعل» «أفعل» و «فعلان»، وربّما اشتركت الثّلاثة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلمه فثلم (¬1)، وثرمه فثرم (¬2)، وهتمه فهتم (¬3)، وعلمه فعلم (¬4)، وفلجه ففلج (¬5)، والوصف منها: أجدع وأصلم، وأثلم، وأثرم، وأهتم، وأعلم، وأفلج. وبنو تميم يسكنّون العين المكسورة والمضمومة من الكلمة الثلاثية اسما كانت أو فعلا (¬6) فيقولون في رجل ونمر، وظرف، وعلم،: رجل، ونمر، وظرف، وعلم». قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬7): «قد تقدم التنبيه على أن «فعل» على ضربين: متعدّ ولازم، وأن لزومه أكثر من تعدّيه، والحاجة الآن داعية إلى الكلام على صوغ اسم الفاعل من كل واحد منهما فبينت أنه من المتعدي على وزن «فاعل» كـ «علم فهو عالم»، و «عمل فهو عامل» وأنه من اللازم على «فعل» و «أفعل» و «فعلان»، كفرح فهو فرح، وترح فهو ترح (¬8)، وحور فهو أحور، وعور فهو أعور وشبع فهو شبعان وروي فهو ريّان. ونبهت على أنه قد يجيء على وزن «فاعل» و «فعيل» نحو: سلم فهو سالم، - ¬

_ (¬1) ثلم الإناء والسّيف ونحوه يثلمه ثلما وثلّمه فانثلم وتثلّم: كسر حرفه. اللسان (ثلم)، وأساس البلاغة (ثلم) (1/ 99)، وإصلاح المنطق (ص 62). (¬2) ثرم: الثّرم بالتحريك انكسار السّنّ من أصلها، وثرمه بالفتح يثرمه ثرما إذا ضربه على فيه فثرم. اللسان (ثرم) وأساس البلاغة (ثرم) (1/ 92). (¬3) الهتم: مصدر هتم فاه يهتمه هتما إذا ألقى مقدم أسنانه ويقال: رجل أهتم، بيّن الهتم. إصلاح المنطق (ص 62) واللسان (هتم). (¬4) في اللسان (علم): «وعلمه يعلمه علما: وسمه». (¬5) زاد أبو حيان في التذييل (رسالة) (6/ 13): شتر الله عينه فشترت، والشّتر انقلاب في جفن العين. انظر أساس البلاغة (شتر) (1/ 478) واللسان (شتر). (¬6) انظر شرح الشافية للرضي (1/ 40، 42). (¬7) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 440). (¬8) ترح: التّرح: نقيض الفرح وقد ترح ترحا وتترّح وترّحه الأمر تتريحا أي: أحزنه. انظر اللسان (ترح).

[معاني فعل بالفتح]

[معاني فعل بالفتح] قال ابن مالك: (فصل: لـ «فعل» تعدّ ولزوم، ومن معانيه: غلبة المقابل، والنّيابة عن «فعل» في المضاعف واليائيّ العين، واطّرد صوغه من أسماء الأعيان لإصابتها أو إنالتها، أو عمل بها، وقد يصاغ لعملها أو عمل لها أو أخذ منها). ـــــــــــــــــــــــــــــ وبلي فهو بال، وحزن فهو حزين، ومرض فهو مريض. ثم قلت: ولزم «فعيل» في المعني عن «فعل» منبها بذلك على «حيّ» و «سمين» وأخواتهما المتقدم ذكرها. ومن «فعل» المشارك «فعلا»: «طمع» و «عجل» و «يقظ» بمعنى: طمع، وعجل، ويقظ. ويشرك «فعل» «أفعل» كسود وأسود، وخضر وأخضر، ووجل وأوجل، وعور وأعور، ويشرك «فعلان» كفرح وفرحان، وجدل وجدلان، وسكر وسكران وصدي وصديان، وقالوا: شعث فهو شعث وأشعث وشعثان (¬1) فأشركوا الثلاثة» (¬2) انتهى. وليعلم أن ما جاء من الصفات المذكورة على غير صيغة «فاعل» فإنّما هو صفة مشبهة، وإطلاق اسم الفاعل عليها إنّما هو بطريق المجاز وقد تقدم تقرير ذلك (¬3)، نعم إن قصد بشيء من ذلك الحدوث والتجدّد كما يقصد بالفعل وذلك بأن يذهب بتلك الصفة مذهب الزمان أتي بها على صيغة «فاعل» وكان لها حكم اسم الفاعل (¬4)، وقد تقدم لنا الإشارة إلى إنشاد المصنف في إيجاز التعريف: 3566 - وما أنا من رزء وإن جلّ جازع ... ولا بسرور بعد موتك فارح (¬5) قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): «كثر استعمال «فعل» لحقته - متعدّيا - ¬

_ (¬1) شعث شعثا وشعوثة فهو شعث وأشعث وشعثان وتشعّث: تلبّد شعره واغبرّ. اللسان (شعث). (¬2) انظر فيما تقدم شرح الشافية (1/ 143: 149) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 440 - 441) والتصريح (2/ 77: 78). (¬3) انظر ذلك أول الباب عند شرحه لقول ابن مالك: وكثر في اسم فاعل فعيل وفعل وانظر التصريح: (2/ 78). (¬4) انظر التصريح (2/ 78) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 444). (¬5) سبق الكلام عليه وشرحه. (¬6) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 441).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولازما بلفظين متباينين وهو الكثير كـ «جلب» و «ذهب»، وبلفظين متحدين كـ «فغر فاه ففغر» بمعنى: فتحه فانفتح، و «دفق الماء فدفق» بمعنى: صبّه فانصبّ، و «غاضه فغاض» بمعنى: أذهبه فذهب، و «سار الدّابّة فسارت» بمعنى: سيّرها فتسيّرت، و «رجع الشّيء فرجع» بمعنى: ردّه فارتدّ. ول «فعل» معان كثيرة: منها: استعماله للغلبة (¬1) عند تقابل الفاعلين كـ «عالمني فعلمته»، و «شاعرني فشعرته» و «كاتبني فكتبته» و «كاثرني فكثرته» أي: قابل علمه بعلمي، وشعره بشعري، وكتابته بكتابتي، وكثرة ماله بكثرة مالي فكنت أعلم منه وأشعر وأكتب وأكثر مالا. ومن معانيه: النّيابة عن «فعل» في المضاعف (¬2) واليائيّ العين: فالمضاعف نحو: جللت فأنت جليل، وعززت فأنت عزيز، وشححت فأنت شحيح، وخففت فأنت خفيف، وحققت فأنت حقيق، وعففت فأنت عفيف، ودقّ الشّيء فهو دقيق، ورقّ فهو رقيق، وركّ فهو ركيك، وخسّ فهو خسيس، وذلّ فهو ذليل. واليائيّ العين نحو: طاب يطيب فهو طيّب، ولان يلين فهو ليّن، وبان يبين فهو بيّن، وهاء يهيء فهو هيّئ، إذا كان حسن الهيئة، وناء اللّحم فهو نيّئ، ويدل على أن أصل هذا الأفعال أن يكون على «فعل» دلالتها على معان طبعيّة أو كالطّبعيّة في اللزوم، ولذلك جاءت أسماء فاعليها على «فعيل» في المضاعف والمعتلّ اللام، وعلى «فيعل» في المعتلّ العين لأن «فيعلا» في ما اعتلّت عينه [5/ 6] ممّا حقّ فعله أن يكون على «فعل» نائب عن «فعيل» في ذوات الياء كلّها - ¬

_ (¬1) المغالبة: «أن يغلب أحد الأمرين الآخر في معنى المصدر فلا يكون إلّا متعدّيا. انظر شرح الشافية للرضي (1/ 70)، وفي التسهيل (ص 197): «ويطّرد باب المغالبة في كل ثلاثي متصرف تام خال من ملزم الكسر». (¬2) قال سيبويه في الكتاب (4/ 36، 37): «واعلم أن ما كان من التضعيف من هذه الأشياء فإنه لا يكاد يكون فيه فعلت وفعل لأنهم قد يستثقلون فعل والتضعيف. فلمّا اجتمعا حادوا إلى غير ذلك وهو قولك: ذلّ يذل ذلّا وذلة وذليل» فنيابة فعل عن فعل لوجود ثقلين هما: ضمّ العين والتضعيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كـ «طيّب» وأخواتها، إلّا في «ناء اللّحم»، وفي ذوات الواو كـ «جنّد» و «سيّد» و «عيّن» و «سيّئ»، و «صيّب» (¬1)، (وصيّت) (¬2)، إلّا ما شذّ من «طويل» و «قويم». واطّراد صوغ «فعل» من أسماء الأعيان لإصابتها: نحو: جلده، ورأسه، وجبهه، وأذنه، وعانه، ووجهه، ووجنه (¬3)، ويداه، وصدره، وركبه، ورجله، إذا أصاب جلده، ورأسه، وجبهته، وأذنه، وعينه، ووجهه، ووجنته، ويده، وصدره وركبته، ورجله. واطّرد أيضا صوغه منها لإنالة المسمّى: نحو: لحمه، وشحمه، ولبنه، ولبأه، وزبده، وسمنه، وتمره وكمأه، إذا أطعمه لحما، وشحما، ولبنا، ولباء (¬4)، وزبدا، وسمنا، وتمرا، وكمأة (¬5). واطّرد أيضا صوغه منها لعمل بها: نحو: رمحه، وحربه، وآله، وسهمه، وساقه، وحصبه، وحصاه، وعصاه، وساطه، إذا ضربه برمح وحربة وآلة وسهم، وسيف وحصباء، وحصا وعصا وسوط، ومنه: عانه (¬6) إذا أصابه بالعين، وركبه (¬7) البعير إذا أصابه بركبته وهما من الأضداد (¬8). ¬

_ (¬1) الصّيّب: المطر. اللسان (صوب). (¬2) «صيّت» ساقطة من (جـ) ومصححة في الهامش، والصّيّت: شديد الصّوت. اللسان (صوت). (¬3) أي أصابه في وجنته، والوجنة: ما ارتفع من الحدّين للشّدق والمحجر. اللسان (وجن). (¬4) اللّبأ: على فعل - بكسر الفاء وفتح العين - أوّل اللّبن في النّتاج، ولبأ القوم يلبؤهم لبئا وألبأهم أطعمهم اللّبأ. اللسان (لبأ). (¬5) الكمأة: واحدها كمء على غير قياس، وهو من النّوادر فإن القياس العكس، والكمء: نبات ينقّض الأرض فيخرج كما يخرج الفطر، والجمع: أكمؤ وكمأة، وكمأ القوم وأكمأهم: أطعمهم الكمأة. اللسان (كمأ) وانظر إصلاح المنطق (ص 148، 149). (¬6) العين: أن تصيب الإنسان بعين، وعان الرجل بعينه عينا فهو عائن، والمصاب معين ومعيون أصابه بالعين، اللسان (عين) وانظر إصلاح المنطق (ص 56، 235). (¬7) الرّكب: بياض في الرّكبة، وركب الرجل يركبه ركبا مثال كتب يكتب كتبا، ضرب ركبته وقيل هو إذا ضربه بركبته، اللسان (ركب) وانظر إصلاح المنطق (ص 205). (¬8) لأن معنى عانه: أصاب عينه أو أصابه بالعين، وكذا ركبه أصابه في الرّكبة أي أصاب ركبته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يصاغ «فعل» من اسم الشيء لعمله: نحو: جدر الجدار (¬1)، وناء النّوى (¬2)، ووأر الإرة (¬3)، وبأر البير (¬4)، وخبا الخباء (¬5)، وقبا القبوة (¬6)، وعصد العصيدة (¬7)، ولفت اللّفيتة (¬8)، ولبك اللّبيكة (¬9)، وألق الألوقة (¬10). وقد يصاغ لعمل صادر من المسمّى: نحو: أصلته الأصلة (¬11)، وسبعه السّبع، وكلبه الكلب، وذبّه الذّباب، ونمله النّمل، وبعضه البعوض، ووجرته الوجرة (¬12)، وجرده الجراد. وقد يصاغ لأخذ بعض المسّمى: نحو: ثلث المال وربعه وخمسه، إذا أخذ ثلثه وربعه وخمسه وكذلك إلى العشر. ¬

_ (¬1) الجدار: الحائط، وجدره يجدره جدرا: حوّطه. اللسان (جدر). (¬2) ناء: بعد، والنّوى: البعد، والنّوى: الدّار، والنّوى: التّحوّل من مكان إلى مكان آخر أو من دار إلى دار غيرها، والنّاوي: الذي أزمع على التّحوّل. انظر اللسان (نأي) و (نوى). (¬3) الإرة: موقد النار، وقيل هي النّار نفسها، والجمع إرات وإرون، على ما يطرد في هذا النحو ولا يكسّر، ووأرها ووأر لها وأرة: عمل لها إراة. انظر اللسان (وأر). (¬4) بأرت بئرا وبأرها يبأرها وابتأرها: حفرها. اللسان (بأر) وإصلاح المنطق (ص 157). (¬5) الخباء: أحد بيوت العرب من وبر أو صوف. اللسان (خبا). (¬6) القبوة: انضمام ما بين الشّفتين. واللسان (قبا). (¬7) العصيدة: دقيق يلتّ بالسّمن ويطبخ، يقال: عصدتّ العصيدة وأعصدتّها أي: اتخذتها. اللسان (عصد) وانظر إصلاح المنطق (ص 347، 356). (¬8) لفت الشّيء يلفته لفتا: عصده كما يلفت الدقيق بالسمن وغيره، واللّفيتة: العصيدة المغلظة (لفت) إصلاح المنطق (ص 347). (¬9) اللّبك: الخلط لبكه يلبكه لبكا: خلطه. واللبيكة: أقط ودقيق، أو تمر ودقيق يخلط ويصبّ السّمن عليه أو الزّيت ولا يطبخ. اللسان (لبك). (¬10) الألوقة: طعام يصلح بالزّبد، وفيه لغتان: ألوقة، ولوقة، والألوقة: الزّبدة، وقيل: الزّبدة بالرّطب لتألقها أي: بريقها. اللسان (ألق) وانظر أساس البلاغة (ألق) (1/ 18). (¬11) الأصلة: جنس من الحيّات وهو أخبثها. اللسان (أصل) وفي أساس البلاغة (أصل) (1/ 14) «الأصلة: حيّة قتّالة تثب على الإنسان فتهلكه». (¬12) الوجرة: الأوجار حفر تجعل للوحوش فيها مناجل فإذا مرّت بها عرقبتها، الواحدة: وجرة، اللسان (وجر).

[معان أخرى كثيرة لفعل المفتوح العين]

[معان أخرى كثيرة لفعل المفتوح العين] قال ابن مالك: (ومن معاني «فعل»: الجمع والتّفريق، والإعطاء والمنع، والامتناع والإيذاء والغلبة، والدّفع، والتّحويل، والتّحوّل، والاستقرار، والسّير، والسّتر، والتّجريد، والرّمي، والإصلاح، والتّصويت). قال ناظر الجيش: الذي (¬1) للجمع: كـ «حشر» و «حشد» و «حاش» (¬2)، و «نظم» (¬3) و «لمّ» (¬4) و «لأم» (¬5) و «شعب» (¬6) في أحد معنييه (¬7)، و «كتب» و «كثب» (¬8) و «حزب» (¬9) و «كفت» (¬10) و «ضمّ» و «حصر» و «وعى العلم» و «قرى الماء» (¬11) و «عكم» (¬12) و «خزن»، و «حوى» و «حاز» و «حفص» (¬13). والذي للتفريق: كـ «بثّ» و «بذر» و «جزأ» و «قسم» و «شعب» في أحد معنييه و «فصل» و «عزل» و «ماز». - ¬

_ (¬1) هذا كلام ابن مالك في شرح التسهيل: (3/ 442) وقد نقله المؤلف دون أن يشير إلى ذلك. (¬2) حاش: في اللسان (حوش): «وحشت الإبل: جمعتها وسقتها». (¬3) يقال: نظمت اللّؤلؤ أي: جمعته في السّلك - اللسان (نظم). (¬4) لمّ: لمّ الشّيء يلمّه لمّا: جمعه وأصلحه. اللسان (لمم) وانظر إصلاح المنطق (ص 61). (¬5) «لأم الشّيء لأما ولاءمه ولأمه وألأمه: أصلحه فالتأم وتلأم» انظر اللسان (لأم). (¬6) الشّعب: مصدر شعبت الشّيء شعبا إذا لاءمته وجمعت بينه، إذا فرّقته أيضا. انظر إصلاح المنطق (ص 5)، واللسان (شعب). (¬7) شعب: له معنيان: الجمع والتفريق. فهو من الأضداد. (¬8) كثب: يقال: كثب القوم إذا اجتمعوا. وكثب الشّيء يكثبه ويكثبه كثبا جمعه من قرب وصبّه. اللسان (كثب) وانظر إصلاح المنطق (ص 381). (¬9) حزب: الحزب: جماعة النّاس، والجمع: أحزاب. اللسان (حزب) وأساس البلاغة (حزب) (1/ 170). (¬10) كفت: كفت الشّيء يكفته كفتا وكفته: ضمه، اللسان (كفت). (¬11) قرى: القري: جبي الماء في الحوض، وقربت الماء في الحوض قريا وقرى: جمعته. اللسان (قرا) وإصلاح المنطق (ص 151). (¬12) عكم: عكم المتاع يعكمه عكما: شدّه بثوب، وعكم البعير يعكمه عكما: شدّ فاه. انظر اللسان (عكم). (¬13) في (جـ)، (أ): «حفط». والصواب حفص، وفي اللسان «حفص الشّيء يحفصه حفصا: جمعه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي (للإعطاء) (¬1): كـ «منح» و «نحل» (¬2) و «وهب» و «بذل» و «شبر» (¬3) و «شكر»، و «رفد» و «ندل» (¬4). والذي للمنع: كـ «حظر» و «حظل» (¬5) و «عضل» (¬6) و «حرم» (¬7) و «حبس» و «سجن» و «حمى» و «عصم» و «جدّ» و «صدّ» و «حجز» و «حجر». والذي للامتناع: كـ «عاذ» و «لجأ» و «وأل» (¬8) و «عقل» و «حرن» (¬9) و «شمس» (¬10) و «مرد» (¬11) و «قمص» (¬12) و «خلا» و «جمح» في أحد معنييه (¬13). والذي للإيذاء: كـ «لسع» و «لدغ» و «كلم» و «جرح» و «قرح» - ¬

_ (¬1) في (جـ)، (أ): للعطاء، والصواب ما أثبته. (¬2) نحل: يقال: نحلت الرجل والمرأة إذا وهبت له نحلة ونحلة. اللسان (نحل) وانظر إصلاح المنطق (ص 189). (¬3) شبر: شبره سيفا ومالا يشبره شبرا وأشبره: أعطاه إيّاه. اللسان (شبر)، وانظر إصلاح المنطق (ص 97)، وأساس البلاغة (شبر) (1/ 476). (¬4) ندل: ندل الشّيء ندلا نقله من موضع إلى آخر، وندل التّمر من الجلّة والخبز من السفرة يندله ندلا: غرف منهما بكفّيه جمعاء كتلا وقيل هو الغرف باليدين جميعا. اللسان (ندل). (¬5) في (جـ)، (أ): «حضل» والصواب: حظل - بالظاء - والحظل: المنع من التّصرّف والحركة حظل يحظل ويحظل حظلا وحظلانا وحظلانا. اللسان (حظل). (¬6) عضل: عضل المرأة عن الزوج: حبسها، وعضل الرجل أيّمه يعضلها ويعضلها عضلا وعضّلها: منعها الزّوج ظلما. اللسان (عضل). (¬7) حرم: حرمه الشّيء يحرمه وحرمه حرمانا وحرما وحريما وحرمة وحرمة وحريمة وأحرمه لغة ليست بالعالية، كلّه: منعه العطيّة. انظر اللسان (حرم). (¬8) وأل: وأل إليه وألا وو وؤولا ووئيلا وواءل مواءلة ووئالا: لجأ، انظر اللسان (وأل). (¬9) حرن: حرنت النّاقة. قامت فلم تبرح. اللسان (حرن)، وانظر أساس البلاغة (حرن) (1/ 170). (¬10) في (أ): «سمن»، والصواب «شمس». يقال: شمست الدّابّة والفرس تشمس شماسا، وشموسا وهي شموس: شردت وجمحت ومنعت ظهرها. اللسان (شمس) وانظر إصلاح المنطق (ص 185). (¬11) في (أ): «سرد» والصواب «مرد» مرد على الشّرّ وتمرّد أي عتا وطغى. اللسان (مرد). (¬12) قمص: قمص الفرس وغيره يقمص ويقمص قمصا وقماصا أي: استنّ وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجن برجليه، والقماص: ألا يستقرّ في موضع. اللسان (قمص). (¬13) في اللسان (جمح) «قال الأزهري: فرس جموح له معنيان» وانظر أساس البلاغة (جمح) (1/ 131).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «ركز»، و «لهز» (¬1) و «لطم» و «لكم». والذي للغلبة: كـ «بذّ» و «جبّ» و «قهر» و «قسر» و «هزم» و «قمع» و «دحر» (¬2) و «طرد» و «كسع» (¬3) و «كشا» (¬4) و «صرع» و «جدل» (¬5) و «سلق» (¬6) و «حرب» (¬7). والذي للدفع: كـ «درأ» و «دعّ» و «عتل» (¬8) و «زبر» (¬9) و «دسر» (¬10)، و «دأم» (¬11) و «نسأ» (¬12) و «قدع» (¬13). والذي للتحويل: كـ «قلب» و «صرف» و «نقل» و «بدل» و «جلب» و «جذب» و «سحب» وك «حطّ» وك «درّ» و «حدر» وك «ربع الثلاثة» (¬14) و «خمس الأربعة» (¬15) إلى «عشر التسعة» (¬16). والذي للتّحوّل: كـ «رحل» و «زحل» (¬17) و «ذهب» و «ظعن» - ¬

_ (¬1) لهز: لهزه يلهزه لهزا: ضربه بجمعه في لهازمه ورقبته، واللهز: الضّرب بجمع اليد في الصّدر وفي الحنك مثل اللّكز، ولهزه بالرّمح: طعنه به في صدره. انظر اللسان (لهز). (¬2) دحر: دحره يدحره دحرا دحورا دفعه وأبعده. اللسان (دحر) وانظر أساس البلاغة (دحر). (¬3) كسع: كسعهم بالسّيف يكسعهم كسعا: اتّبع أدبارهم فضربهم به. اللسان (كسع). (¬4) كشا: كشا الشّيء كشوا: عضّه بفيه فانتزعه. اللسان (كشى). (¬5) جدل: الجدل: الصّرع، وجدله جدلا وجدّله فانجدل وتجدّل: صرعه على الجدالة. انظر اللسان (جدل). (¬6) سلق: سلقه سلقا وسلقاه: طعنه فألقاه على جنبه. اللسان (سلق). (¬7) حرب: حربه يحربه. إذا أخذ ماله فهو محروب وحريب. اللسان (حرب). (¬8) عتل: عتله يعتله ويعتله عتلا فانعتل: جرّه جرّا عنيفا وجذبه فحمله. اللسان (عتل). (¬9) في (جـ) «زين». والزّبر: الحجارة، وزبره بالحجارة: رماه بها. اللسان (زبر). (¬10) دسر: الدّسر: الطّعن والدّفع الشّديد، يقال: دسره بالرّمح. اللسان (دسر). (¬11) دأم: دأم الحائط عليه دأما: دفعه. اللسان (دأم). (¬12) نسأ: نسأ الدّابّة والنّاقة والإبل ينسؤها نسأ: زجرها وساقها. اللسان (نسأ). (¬13) قدع: القدع: الكفّ والمنع، قدعه يقدعه قدعا وأقدعه فانقدع وقدع: إذا كفّه عنه، وتقادع القوم بالرّماح: تطاعنوا. اللسان (قدع). (¬14) في اللسان (ربع): «وربع القوم يربعهم ربعا: صار رابعهم وجعلهم أربعة». (¬15) في اللسان (خمس): «وخمسهم يخمسهم خمسا: كان لهم خامسا». (¬16) في اللسان (عشر): وعشر القوم يعشرهم بالكسر عشرا: صار عاشرهم، وعشر: زاد واحدا على التّسعة». (¬17) زحل: زحل الشّيء عن مقامه يزحل وزحولا وتزحول كلاهما: زلّ عن مكانه. انظر اللسان (زحل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «شحط» (¬1)، و «شطن» (¬2) و «شسع» (¬3) و «سرح» و «سبح» و «شاب» و «سرب» (¬4) و «برح» (¬5) و «عزب» (¬6) وك «خسف القمر» و «كسفت الشّمس» و «جنبت الرّيح» (¬7) و «شملت» (¬8) وك «دخل» و «خرج» و «ولج» و «برز» و «وقب» (¬9) و «هبط». والذي للاستقرار: كـ «سكن» و «قطن» و «مدن» و «أوى» و «ثوى» و «عدن» (¬10) و «عهن» (¬11) و «عطن» (¬12) و «كنس» (¬13) و «وكن» و «تلد» (¬14) و «خلد». - ¬

_ (¬1) شحط: الشّحط والشّحط: البعد، وشحطت الدّار تشحط شحطا وشحطا: بعدت. اللسان (شحط). (¬2) شطن: شطن عنه: بعد. اللسان (شطن). (¬3) شسع: شسعت داره شسوعا إذا بعدت. اللسان (شسع). (¬4) سرب: سرب يسرب سروبا: خرج، وسرب في الأرض يسرب سروبا: ذهب، وسرب الفحل يسرب سروبا فهو سارب إذا توجّه للمرعى. اللسان (سرب). (¬5) في (جـ): بزح، وفي (أ) سرح، ويقال: برح الخفاء وبرح: ظهر. اللسان مادة «برح». (¬6) في (أ): «عرب». ويقال: عزب عنّي فلان يعزب ويعزب عزوبا: غاب وبعد. وانظر اللسان (عزب). (¬7) في (جـ)، (أ): صبت، والصواب: جنبت الرّيح: إذا تحوّلت جنوبا. اللسان (جنب). (¬8) شملت: وقد شملت الرّيح تشمل شملا وشمولا: تحوّلت شمالا. اللسان (شمل). (¬9) وقب: وقب الشّيء يقب وقبا: دخل، ووقب القمر: دخل في الظّلّ الصّنوبريّ الذي يكسفه، وفي التنزيل: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ: الغاسق: اللّيل، إذا وقب: إذا دخل في كلّ شيء وأظلم. اللسان (وقب). (¬10) في (جـ): «عذن» والصواب ما في (أ): «عدن»: يقال: عدن فلان بالمكان يعدن ويعدن عدنا وعدونا: أقام. اللسان (عدن). (¬11) عهن: عهن الشّيء: دام وثبت. اللسان (عهن). (¬12) عطن: عطنت الإبل عن الماء تعطن وتعطن عطونا فهي عواطن وعطون إذا رويت ثمّ بركت. اللسان (عطن). (¬13) كنس: يبدو أنه من كنس الظّبي إذا تغيّب واستتر في كناسه وهو الموضع الذي يأوي إليه. اللسان (كنس). (¬14) تلد: تلد فلان في بني فلان يتلد: أقام فيهم وتلد بالمكان تلودا أي: أقام به. اللسان (تلد).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي للسّير: كـ «رمل» (¬1) و «ذمل» و «نسل» (¬2) و «رسم» (¬3) و «ضبع» (¬4) و «وخد» (¬5) و «خبّ» (¬6) و «حدى» (¬7) و «دبّ» و «درج» (¬8) و «دلف» (¬9) و «درم» (¬10)، و «جفل» (¬11) و «جمز» (¬12) و «مرط» (¬13) و «جمح» في أحد معنييه» (¬14). والذي للسّتر: كـ «خبا» و «حجب» و «خمر» (¬15) و «كفر» و «غفر» و «رمس» و «رسّ» (¬16) و «دسّ» و «دفن» و «دهن» و «خضب» (¬17) و «كمّ» و «كمن»، و «كنّ» و «غطى» (¬18) و «جنّ». - ¬

_ (¬1) رمل: الرّمل - بالتحريك - الهرولة، ورمل يرمل رملا: وهو دون المشي وفوق العدو. اللسان (رمل). (¬2) نسل: نسل الماشي ينسل وينسل نسلا ونسلا ونسلانا: أسرع. اللسان (نسل). (¬3) رسم: الرّسيم من سير الإبل فوق الذّميل. اللسان (رسم). (¬4) في (جـ): «صبغ» والصواب ما في «أ»: «ضبع» يقال: ضبعت النّاقة: أسرعت، وفرس ضابع: شديد الجري. (¬5) وخد: الوخد: ضرب من سير الإبل وهو سعة الخطو في المشي. اللسان (وخد). (¬6) خب: الخبب: ضرب من العدو وقيل هو مثل الرّمل، وقيل: الخبب السّرعة. اللسان (خبب). (¬7) حدى: حدا الإبل وحدا بها تحدو حدوا وحداء ممدود: زجرها خلفها وساقها. انظر اللسان (حدا). (¬8) درج: درج الشيخ والصّبيّ يدرج درجا ودرجانا ودريجا فهو دارج: مشيا مشيا ضعيفا، ودبّا. اللسان (درج) وأساس البلاغة (درج) (1/ 267). (¬9) دلف: الدّليف: المشي الرّويد. اللسان (دلف) وأساس البلاغة (دلف) (1/ 279). (¬10) درم: درمت الدّابّة: إذا دبّت دبيبا. اللسان (درم). (¬11) في (جـ)، (أ): «حل» والصواب جفل: الجفول: سرعة الذّهاب والنّدود في الأرض يقال: جفلت الإبل جفولا: إذا شردت نادّة. اللسان (جفل). (¬12) جمز: الجمز ضرب من العدو دون الحضر الشّديد وفوق العنق. اللسان (جمز). (¬13) مرط: مرط يمرط مرطا ومروطا: أسرع، وفرس مرطى: سريع. اللسان (مرط). (¬14) جمح: له معنيان أحدهما: أسرع. انظر اللسان (جمح). (¬15) خمر: خمر الشّيء يخمره خمرا وأخمره: ستره. اللسان (خمر). (¬16) رسّ: يقال رسّ الميّت أي قبر. اللسان (رسس). (¬17) في (جـ): «خطب» والصواب: خضب وهو من خضب الرّجل شيبه بالحنّاء يخضبه. اللسان (خضب). (¬18) غطى: يقال: غطى الشّيء يغطيه غطيا وغطّى عليه وأغطاه وغطّاه: ستره وعلاه. اللسان (غطى).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي للتجريد: كـ «سلخ» و «قشر» و «كشط» و «جلف» (¬1) و «جرف» (¬2) و «نحا» (¬3) و «لحا» (¬4) و «سلت» و «سمط» (¬5) و «معط» (¬6) و «حلق» و «سحت» (¬7). والذي للرمي: كـ «قذف» و «حذف» و «خذف» (¬8) و «رجم» و «طرح» و «طحن» و «صرع» و «جدل» (¬9) و «سلق» (¬10) و «بدح» (¬11) و «نضح» (¬12) و «رشّ» (¬13) و «حدج» (¬14)، و «سلب» و «صبّ» و «دفق». والذي للإصلاح: كـ «نسج» و «غزل» و «ردن» (¬15) و «طحن» و «خبز». و «طبخ» و «حنذ» (¬16) وك «غسل» و «صقل» و «نحت» و «جبر» - ¬

_ (¬1) جلف: جلف الشّيء يجلفه جلفا: قشره. اللسان (جلف) وفي أساس البلاغة (1/ 130) (جلف): «جلفت ظفره عن إصبعه: استأصلته، وهو أبلغ من جرفت». (¬2) جرف: جرف الشّيء واجترفه: ذهب به كلّه، وجرف الطّين والزّبل عن وجه الأرض سحاه بالمجرفة. أساس البلاغة (1/ 119) (جرف) وانظر اللسان (جرف). (¬3) نحا: نحى الشّيء ينحاه ونحّاه فتنحّى: أزاله. اللسان (نحا). (¬4) لحا: لحا الشجرة يلحوها لحوا: قشرها. اللسان (لحا). (¬5) سمط: سمط الجدي والحمل يسمطه ويسمطه سمطا: نتف عنه الصّوف ونظّفه من الشّعر بالماء الحارّ ليشويه. اللسان (سمط) وأساس البلاغة (1/ 458) (سمط). (¬6) معط: معطه يمعطه معطا: نتفه. اللسان (معط). (¬7) سحت: سحت الشّيء يسحته سحتا: قشره قليلا قليلا. اللسان (سحت). (¬8) يقال: خذف بالشّيء يخذف خذفا: رمى. اللسان (خذف). (¬9) (جـ)، (أ): «خدل» والصواب «جدل» والجدل: الصّرع، ويقال: طعنه فجدله أي رماه بالأرض فانجدل. اللسان (جدل). (¬10) سلق: سلقه سلقا وسلقاه: طعنه فألقاه على جنبه. اللسان (سلق). (¬11) بدح الشّيء يبدحه بدحا: رمى به. انظر اللسان (بدح). (¬12) نضح: يقال: نضحناهم بالنّبل نضحا: رميناهم ورشقناهم. اللسان (نضح). (¬13) رش: رشّه بالماء يرشّه رشّا: نضحه. اللسان (رشش). (¬14) حدج: حدجه ببصره وحدج إليه رماه به. اللسان (حدج). (¬15) ردن: الرّدن: الغزل يفتل إلى قدّام، وثوب مردون: منسوج بالغزل المردون. اللسان (ردن). (¬16) حنذ: حنذ الجدي وغيره يحنذه حنذا: شواه. اللسان (حنذ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «رمّ» و «ربّ» (¬1) و «رقع» و «رفأ» (¬2) و «مخض» (¬3) و «نخل» (¬4) و «أسا» (¬5) و «طبّ» و «أبر» (¬6). والذي للتّصويت: كـ «بكى» و «صرخ» و «صهل» و «نهق» و «هتف» و «جأر» و «زأر» و «نأم» (¬7) و «نغم» و «ضبح» (¬8) و «صدح» و «عزف» (¬9) و «صفر» (¬10) و «مكا» (¬11) و «رغى» (¬12) و «ثغا» (¬13) و «نعب» و «نعق» و «عوى» و «نبّ» (¬14). ويلحق بأفعال الجمع: ما دلّ على خلط أو وصل كـ «مزج» و «مشج» و «شاب» و «جذع» (¬15) و «جدح» (¬16) وك «خاط» و «نسح» و «ربط» و «ناط». ويلحق بأفعال التّفريق: ما دل على قطع أو كسر أو خرق كـ «صرم» و «جذم» (¬17) - ¬

_ (¬1) رب: رببت القوم: سستهم، وربّ الشّيء إذا أصلحه. اللسان «ربب». (¬2) رفأ: رفأ الثّوب - مهموز - يرفؤه رفأ: لأم خرقه وضمّ بعضه إلى بعض، وأصلح ما وهى منه. اللسان (رفأ) وانظر إصلاح المنطق (ص 153). (¬3) مخض: مخض اللّبن يمخضه ويمخضه ويمخضه مخضا - ثلاث لغات - فهو ممخوض ومخيض: أخذ زبده. اللسان (مخض). (¬4) نخل: نخل الشّيء ينخله نخلا: صفّاه واختاره. اللسان (نخل). (¬5) أسا: الأسا: المداواة والعلاج، وأسا الجرح أسوا وأسا: داواه. اللسان (أسا). (¬6) أبر: أبر النّخل والزّرع يأبره ويأبره أبرا وأبّره: أصلحه. اللسان (أبر). (¬7) نأم: نأم الرّجل ينئم وينأم نئيما وهو كالأنين، وقيل هو الصّوت الضّعيف الخفيّ أيّا كان. اللسان (نأم). (¬8) ضبح: ضبح الأرنب والأسود من الحيّات والبوم، والثّعلب يضبح ضباحا: صوّت. اللسان (ضبح). (¬9) عزف: عزفت الجنّ تعزف عزفا وعزيفا: صوّتت ولعبت، وعزف الدّفّ: صوته. اللسان (عزف). (¬10) صفر: الصفير من الصّوت بالدّوابّ إذا سقيت. اللسان (صفر). (¬11) مكا: المكاء: الصّفير، مكا الإنسان يمكو مكوا ومكاء: صفر بفيه. اللسان (صفر). (¬12) رغى: الرّغاء: صوت ذوات الخفّ. اللسان (رغا). (¬13) ثغا: الثّغاء: صوت الشّاء والمعز وما شاكلها. اللسان (ثغا). (¬14) نب: النّبيب: صوت التّيس عند السّفاد. اللسان (نبب). (¬15) يقال: جذعت بين البعيرين إذا فرنتهما في فرن أي: في حبل. اللسان (جذع). (¬16) «جدح» ساقطة من (أ) وفي (جـ): «جدح» وجدح السّويق وغيره لتّه وشربه بالمجدح، وكلّ ما خلط فقد جدح. اللسان (جدح). (¬17) جذم: الجذم: القطع: جذمه يجذمه جذما: قطعه. اللسان (جذم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «حذم» (¬1) و «جزم» (¬2) و «خرم» و «جذّ» (¬3) و «جدّ» (¬4) و «بتر» و «بتّ» (¬5) وك «فتّ» (¬6)، و «قصد» (¬7) و «سحق» (¬8) و «قصف» و «قصم» و «فضّ» و «رضّ» (¬9)، و «هشم» و «بسّ» (¬10) و «كسّ» (¬11) و «فلح» (¬12) و «حرت» (¬13) و «صدع» و «أرس»، و «حذّ» و «جاب» و «نقب» و «ثقب» و «هدّ» و «هدم» و «مزق» (¬14). ويلحق بأفعال العطاء: ما دل على نفع أو ضرّ كـ «عدا» (¬15) و «سقى» و «غاث» (¬16) وك «رزّ» (¬17) و «هزل» (¬18) و «هضم» و «حرب» (¬19). - ¬

_ (¬1) حذم: في (جـ)، (أ): «حدم» والحذم القطع الوحيّ وقيل هو القطع ما كان. اللسان (حذم). (¬2) في (جـ)، (أ): حرم. والصواب ما أثبته. والجزم: القطع، جزمت الشّيء أجزمه قطعته ويجوز أن يكون: خزم يقال: خزمت الكتاب وغيره إذا ثقبته. اللسان (جزم) و (خزم). (¬3) والجذّ: كسر الشّيء الصّلب. جذذت الشّيء كسرته وقطعته. اللسان (جذذ). (¬4) في (جـ)، (أ): حدّ. وجددت الشّيء أجدّه جدّا: قطعته. اللسان (جدد). (¬5) في (أ) «وبت وبتر» والبتّ: القطع المستأصل. انظر اللسان (بتت). (¬6) فت: فتّ الشّيء يفتّه فتّا: دقّه وقيل: فتّه: كسره. اللسان (فتت). (¬7) قصد: القصد: الكسر في أي وجه كان تقول: قصدت العود قصدا: كسرته. اللسان (قصد). (¬8) سحق: سحق الشّيء يسحقه سحقا: دقّه أشدّ الدّقّ. اللسان (سحق). (¬9) رض: قيل: رضّه رضّا: كسره. اللسان (رضض). (¬10) بس: بسّ الشّيء إذا فتّته. اللسان (بسس). (¬11) كس: خبر كسيس ومكسوس: مكسور. اللسان (كسس). (¬12) فلح: الفلح: الشّقّ والقطع. اللسان (فلح). (¬13) حرت: حرت الشّيء يحرته حرتا: قطعه قطعا مستديرا. وقد استنكر الأزهريّ هذا وقال: «وأظنّه تصحيفا والصواب: خرت الشّيء بالخاء لأن الخرتة هي الثّقب المستدير. اللسان (مزق). (حرت) وانظر (خرت). (¬14) مزق: مزقه يمزقه مزقا: خرقه. اللسان (مزق). (¬15) عدا: يقال: عدا فلان عدوا وعدوّا وعدوانا وعداء أي: ظلم ظلما جاوز فيه القدر. اللسان (عدا). (¬16) غاث: غاث الغيث الأرض: أصابها. اللسان (غيث). (¬17) رزّ: في اللسان (رزز): «ورزّه رزّة أي طعنه طعنة». (¬18) هزل: قال ابن برّي: «كلّ ضرّ: هزال». اللسان (هزل). (¬19) حرب: حربه يحربه إذا أخذ ماله فهو محروب وحريب. اللسان (حرب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويلحق بأفعال السّتر: ما دل على غمس وشبهه كـ «مقل» (¬1) و «غطّ» (¬2) و «غمر». ويلحق بأفعال التّصويت: ما دل على قول كـ «نطق» و «لفظ» و «وعظ» و «عبر» (¬3) و «فسر» (¬4) و «شرح» و «أمر» و «زجر» و «هجر» و «سأل» و «عدل» و «عبث» و «همز» و «لمز». انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬5). وأقول: إن ذكر هذه المعاني التي أتى بها لا حاجة إليه، فإن المعاني التي هي مدلول الأفعال الثلاثية كثيرة، ولا شك أنه إذا علم أنّ «فعل» وضعه أن يستعمل في المعاني (الغرزيّة) (¬6) وما يشبهها وأنّ «فعل» الغالب فيه أن يستعمل للألوان [5/ 7] والعيوب وللعلل والأحزان وأضدادها - علم أن غير ما ذكر لهذين الفعلين وهما: «فعل» و «فعل» من سائر المعاني المدلول عليها بالأفعال الثلاثية إنّما يستعمل له «فعل» ثمّ إنّ ذلك جميعه موقوف على السماع أعني أنا لا نتجاوز بالاختيار صيغة من الصيغ الثلاث إلى غيرها بل يجب الوقوف على المسموع، وإذا كان كذلك فأيّ فائدة في تعداد المعاني (¬7)؟! نعم، لما كانت المغالبة قد تكون في المعاني المدلول عليها بـ «فعل» أو «فعل» وكان فعل المغالبة إنما يكون بفتح العين تعيّن التعرّض لذكره ليعلم منه أنه يقال: كارمني فكرمته وإن كان «كرم» لازما، ولقد أحسن ابن الحاجب رحمه الله تعالى حيث لم يذكر شيئا من ذلك وإنّما قال (¬8): ففعل لمعان كثيرة وباب المغالبة يبنى على فعلته». ¬

_ (¬1) مقل: يقال مقل المقلة (حصاة القسم): ألقاها في الإناء وصبّ عليها ما يغمرها في الماء. اللسان (مقل). (¬2) غط: غطّه في الماء يغطّه ويغطّه غطّا: غطّه غمسه ومقله وغوّصه فيه. اللسان (غطط). (¬3) عبر: عبر الرّؤيا يعبرها عبرا وعبارة وعبّرها: فسّرها وأخبر بما يئول إليه أمرها. اللسان (عبر). (¬4) فسر: الفسر: البيان، فسر الشّيء يفسره فسرا وفسّره: أبانه. اللسان (فسر). (¬5) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 444). (¬6) في (جـ)، (أ): الغريزية. (¬7) لا ندري كيف يعترض المؤلف على ابن مالك في ذكره لهذه المعاني - أعني معاني «فعل» - ثم ينقلها عنه بنصّها وفصّها؟ وكان الأجدر به أن يشير إلى ذلك دون أن ينقل فهذا يعدّ حشوا لا فائدة من ذكره. ونقول: إن هذا جهد مشكور للعلامة ابن مالك فقد وضع أيدينا على معان كثيرا ما نغفل عنها. (¬8) شرح شافية ابن الحاجب للرضي (1/ 70).

[مضارع فعل المفتوح العين يفعل بكسرها]

[مضارع فعل المفتوح العين يفعل بكسرها] قال ابن مالك: (ولا تفتح عين مضارع «فعل» دون شذوذ إن لم تكن هي أو اللّام حلقيّة، بل تكسر أو تضمّ تخييرا إن لّم يشهر أحد الأمرين، أو يلتزم لسبب كالتزام الكسر عند غير بني عامر فيما فاؤه «واو» وعند الجميع فيما عينه «ياء»، وعند غير طيّئ فيما لامه «ياء» وعينه غير حلقيّة، والتزم الكسر أيضا في المضاعف اللّام غير المحفوظ ضمّه، والضّمّ فيما عينه أو لامه «واو» وليس أحدهما حلقيّا، وفي المضاعف المتعدّي غير المحفوظ كسره وفيما لغلبة المقابل خاليا من ملزم الكسر، ولا تأثير لحلقيّ فيه خلافا للكسائيّ، وقد يجيء ذو الحلقيّ غيره بكسر أو ضمّ أو بهما أو مثلّثا). قال ناظر الجيش: اعلم أن الكلام على حكم حركة عين مضارع «فعل» و «فعل» تقدّم في الفصلين السابقين وها هو يتكلم على حكم حركة عين المضارع من «فعل»، ولا شك أن حالها يختلف حسب حال الماضي صحة وإعلالا، وكون عينه أو لامه حلقيّة أو غير حلقيّة، وكونه مضاعفا أو غير مضاعف فقد يلزم فيها الفتح، وقد يلزم فيها الكسر، وقد يلزم فيها الضّمّ، وقد يجوز فيها الكسر والضمّ، في ما ليس فيه حرف حلقي، وقد يأتي بالوجهين، وبالأوجه الثلاثة في ما عينه أو لامه حلقية، وقد أورد المصنف ذلك في المتن والشرح بطريق حسن لطيف على عادته. قال (¬1) رحمه الله تعالى: «الأصل توافق حركتي عين الماضي وعين المضارع كما فعل بالأمر المضارع، فخصّ التوافق المشار إليه بـ «فعل» لخفته بعدم التّعدّي فإن المتعدّي ذو زيادة والاصل عدم الزيادة، وجعل لـ «فعل» حظّ من التوافق في «حسب» وأخواتها بغير سبب، لشبه «فعل» بـ «فعل» في كون الكسرة أخت الضّمّة، وأهمل في «فعل» التوافق إلا بسبب (¬2) وهو كون عينه أو لامه حرف حلق (¬3)، لأن من - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 445). (¬2) إنما كان كذلك لأن فتح العين في الماضي والمضارع ليس بأصل، وإنما هو لضرب من التخفيف يتجانس الأصوات. انظر ابن يعيش (7 / 153) والمفصل للزمخشري (ص 277). (¬3) حروف الحلق ستة: الهمزة والهاء، والعين والحاء، والغين والخاء، وقد علل سيبويه الفتح في هذه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حروف الحلق الألف (¬1) وهي مجانسة للفتحة فناسب ذلك أن يحرّك بها ما هو والألف من مخرج واحد، أو يحرّك بها متلوّ ما هو كذلك. فالأول: كسأل يسأل، وذهب يذهب، والثاني: كجبه يجبه (¬2)، وسمح يسمح، فحصل لـ «فعل» نصيب من التوافق لكن بالسبب المذكور (¬3)، فإن لّم يوجد السبب امتنع التوافق إلا في ما شذّ من قولهم: «أبى يأبى» (¬4) و «وذر يذر» (¬5) و [أمّا] ما ألحق بـ «أبى يأبى» كـ «حيا يحيا» و «قلى يقلى» فموجّه (¬6) بأن الأصل: «يحيي» و «يقلي» - بكسر الياء واللام - ففتحتا - ¬

_ - الحروف فقال: «وإنما فتحوا هذه الحروف لأنها سفلت في الحلق فكرهوا أن يتناولوا حركة ما قبلها بحركة ما ارتفع من الحروف، فجعلوا حركتها من الحرف الذي في حيّزها وهو الألف، وإنما الحركات من الألف والياء والواو». الكتاب (2/ 252) وانظر المقتضب (2/ 111)، وابن يعيش (7/ 153، 154). (¬1) يرى ابن مالك أن الألف من حروف الحلق وهو رأي سيبويه، قال في الكتاب (4/ 433): «فللحلق منها ثلاثة، فأقصاها مخرجا: الهمزة والهاء والألف» وقال به الرضي في شرح الشافية (1/ 119) ويرى ابن يعيش (7/ 153) أن الألف قريبة من حروف الحلق، وهو الأقرب إلى الصواب. (¬2) جبه الرّجل يجبهه جبها: ردّه عن حاجته واستقبله بما يكره. اللسان (جبه). (¬3) وهو كون العين أو اللام حرف حلق. (¬4) وجه الشذوذ في هذا المثال كما يرى ابن مالك وغيره: أن عين المضارع ليست من حروف الحلق وإنما جاءت فاؤه حرفا من حروف الحلق، وإذا كان الحلق فاء لم يلزم الفتح في المضارع لسكون حرف الحلق فيه والساكن لا يوجب فتح ما بعده لضعفه بالسكون، وقد شبه سيبويه أبى يأبى بقرأ يقرأ. قال في الكتاب (2/ 254): «وقالوا أبى يأبى فشبهوه بيقرأ» وقال السيرافي في شرح ذلك: «يدل كلام سيبويه على أنه ذهب في أبى يأبى إلى أنهم فتحوا من أجل تشبيه ما الهمزة فيه أولى بما الهمزة فيه أخيرة». السيرافي بهامش الكتاب (2/ 254)، وقد نقل أبو حيان في التذييل والتكميل (6/ 22) (رسالة) أن ابن سيده حكى في المحكم «أن ما قالوا في ماضيه أبي فيأبى على لغتهم جار على القياس كنسي ينسى» وانظر المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (خ) (ص 842، 843)، وقال ابن جني: «وقد قالوا: أبى يأبي. أنشد أبو زيد: يا إبلي ما ذامه فتأبيه ... ماء رواء ونصيّ حوليه اللسان (أبي)، ومن كلام ابن سيده وابن جني يفهم أن أبى يأبى من تداخل اللغات وهو ما أميل إليه، وانظر المقتضب (2/ 112) وابن يعيش (7/ 154) وشرح الشافية (1/ 119) والتذييل (6/ 24) (رسالة) واللسان (أبي) وحاشية الصبان (4/ 240: 241). (¬5) سيأتي أنه محمول على يدع لأنه بمعناه وانظر شرح الشافية (1/ 131). (¬6) في الكتاب (4/ 105) قال سيبويه: «وقالوا: جبى يجبى وقلى يقلى فشبهوه بقرأ يقرأ ونحوه» -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فانقلبت الياء ألفا وهي لغة طيّئ (¬1)، ولم يحكم على «يأبى» بذلك لأنه لم يسمع فيه الكسر (¬2) كما سمع في «يحيي» و «يقلي» فإن المشهور (¬3) فيهما: «يحيي» و «يقلي» - بالكسر - فصحّ جعله أصلا وتفريع «يحيا» و «يقلى» عليه. وأما «يذر» فمحمول على «يدع» لأنهما بمعنى واحد (¬4). وإذا أهمل التّوافق عند انتفاء السبب تعيّن التخالف بكسر أو ضم (¬5)، فلذلك قلت: «تكسر أو تضمّ تخييرا» كـ «نشز» (¬6) «ينشز» و «ينشز»، و «عتل» (¬7) «يعتل» و «يعتل» وقيّدت التّخيير بعدم اشتهار أحد الأمرين فإنه إذا اشتهر أحد الأمرين وكان الفعل مستعملا في ألسنة العالية (¬8) كـ «أكل يأكل» و «طلب يطلب» و «كسب يكسب» وغلب يغلب لم يكن فيه تخيير بل يجب فيه الاقتصار على الوزن المستعمل (¬9). ويلتزم الكسر في مضارع «فعل» إن كانت فاؤه «واوا» كـ «وجد يجد»، أو كانت عينه أو لامه «ياء» كـ «سار يسير» و «مشى يمشي» وروي عن بني - ¬

_ - وفي شرح الشافية (1/ 125): «وأما قلى يقلى فلغة ضعيفة عامرية»، وفيه «وحكى بعضهم قلي يقلى - كتعب يتعب - فيمكن أن يكون متداخلا وأن يكون طائيا». (¬1) انظر شرح الشافية (1/ 125) واللسان (فلا). (¬2) ورد فيه الكسر كما حكاه ابن جني انظر اللسان (أبي). (¬3) انظر شرح الشافية (1/ 124) واللسان (قلا). (¬4) انظر شرح الشافية (1/ 131) وهو يريد أنه حمل عليه في حذف الواو لكونه بمعناه. (¬5) وهذا قياس مضارع «فعل» المفتوح عينه، قال الرضي في شرح الشافية (1/ 117، 118) قياس مضارع فعل المفتوح عينه إما الضمّ أو الكسر، وتعدى بعض النحاة - وهو أبو زيد - هذا وقال: كلاهما قياس وليس أحدهما أولى به من الآخر إلا أنه ربما يكثر أحدهما في عادة ألفاظ الناس حتى يطرح الآخر ويقبح استعماله، فإن عرف الاستعمال فذاك وإلا استعملا معا وليس على المستعمل شيء، وقال بعضهم: بل القياس الكسر لأنه أكثر وأيضا هو أخفّ من الضم». (¬6) في اللسان (نشز): «ونشز في مجلسه ينشز وينشز بالكسر والضم: ارتفع قليلا». (¬7) في اللسان (عتل): «وعتله يعتله ويعتله عتلا فانعتل: جرّه جرّا عنيفا وجذبه فحمله». (¬8) في (أ): «العامة» والعالية: ما فوق أرض نجد إلى أرض تهامة وإلى ما وراء مكة وهي الحجاز وما والاها. اللسان (علا). (¬9) انظر شرح الشافية (1/ 117، 118).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عامر «يجد» (¬1) - بضم الجيم - وروي عن طيّئ إبدال الكسرة فتحة والألف ياء في «يقلى» ونحوه (¬2). وأما الفتح لأجل حرف الحلق فمسموع في كل لغة في أفعال محفوظة (¬3) كـ «وقع يقع»، و «وضع يضع» و «ودع يدع» وك «نأى ينأى» و «نهى» «ينهى» و «سعى يسعى» و «رعى يرعى» و «لحى يلحى» (¬4) و «محا يمحا» (¬5). والكسر والضم مع كون العين أو اللام حرف حلق كثير نحو: «وأل يئل» (¬6) و «صاء يصيء» (¬7) و «جاء يجيء» و «زها يزهو» (¬8) و «ساء يسوء». والتزم الكسر في مضارع «فعل» المضاف إذا كان لازما كـ «حنّ يحنّ» و «عنّ يعنّ» و «جلّ يجلّ» و «عزّ يعزّ». واستثنيت الذي تضمّ عينه سماعا من هذا النوع تنبيها على نحو: «تهبّ الرّيح»، و «تذرّ الشّمس» (¬9). فإن كان «فعل» المضاعف متعدّيا التزم الضمّ في عين مضارعه كـ «صبّ يصبّ» و «ردّ يردّ» و «ضمّ يضمّ» و «لمّ يلمّ». واستثنيت الذي تكسر عينه سماعا من هذا النوع تنبيها على نحو: «ينمّ الحديث» و «يعلّه (¬10) بالشّراب»، وعلى قراءة العطارديّ (¬11) (فاتبعوني يحبّكم - ¬

_ (¬1) ذهب ابن الحاجب والرضي إلى أن هذه لغة ضعيفة، ووجه ضعفها أنها خارجة عن القياس والاستعمال، إذ القياس ألا تحذف فاء المثال إذا كانت واوا إلا من المضارع المكسور العين، والاستعمال الغالب في هذه الكلمة الكسر. انظر شرح الشافية (1/ 132 - 134). (¬2) انظر شرح الشافية (1/ 125). (¬3) انظر شرح الشافية (1/ 117). (¬4) لحا الشجرة يلحاها: أخذ لحاءها أي قشرها. اللسان (لحا). (¬5) محا الشيء يمحاه أذهب أثره. انظر اللسان (محا). (¬6) وال إليه يئل أي: لجأ. اللسان (وأل). (¬7) صاءت العقرب تصيء، إذا صاحت - انظر اللسان (صيأ). (¬8) زها يزهو زهوا أي تكبّر. اللسان (زها). (¬9) ذرّت الشّمس تذرّ ذرورا - بالضم - طلعت وظهرت - اللسان (ذرر). (¬10) «وعله يعلّه ويعلّه إذا سقاه السّقية الثّانية. اللسان (علل). (¬11) العطاردي: عمران بن تيم العطاردي أبو رجاء، تابعي كبير، عرض القرآن على ابن عباس وتلقنه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله) (¬1). ثم نبّهت على لزوم الضمّ في عين مضارع «فعل» المقصود به غلبة المقابل نحو: «كاتبني زيد فكتبته أكتبه» إذا كنت أكتب منه و «عالمني فعلمته أعلمه» إذا كنت أعلم منه، وهو مطرد في كل ثلاثي - أعني صوغ «فعل» للغلبة وضمّ عين المضارع منه إلّا أن يوجب لزوم كسره كونه من باب «وعد» أو «سار» أو «سرى» (¬2) ولذلك قلت: «وفيما لغلبة المقابل خاليا من ملزم الكسر». ثم قلت: «ولا تأثير لحلقيّ فيه» منبها على أن الضمّ في مضارع «فعل» الذي يقصد به الغلبة لازم مع كون عينه أو لامه حرف حلق، نحو: «فاهمني ففهمته أفهمه» و «فاقهني [5/ 8] ففقهته أفقهه» إذا فقته فهما وفقها». ثم قلت: «خلافا للكسائيّ» مشيرا إلى أنّ الكسائي يجيز فتح العين من هذا النوع لأجل حرف الحلق قياسا، فيجيز أن يقال: «أفهمه» و «أفقهه» بمعنى: فقته فهما وفقها وإن لم يسمع في هذا النوع إلا الضّمّ قياسا على غيره من المفتوح لأجل حرف الحلق (¬3)، ومما سمع فيه الضّمّ «شاعرني فشعرته أشعره» (¬4). وقد يجيء مضارع «فعل» غير الذي للغلبة بلغتين أو ثلاث إذا كانت عينه أو لامه حرف حلق (¬5) نحو: «منحه يمنحه ويمنحه و «محوت الكتاب أمحاه وأمحوه» و «رجح الدّينار يرجح ويرجح ويرجح» و «نبع الماء ينبع وينبع وينبع». - ¬

_ - من أبي موسى، حدّث عن بعض الصحابة مثل عمر بن الخطاب، وروى عنه القراءة أبو الأشهب العطاردي، توفي سنة 105 هـ. انظر ترجمته في طبقات القراء لابن الجزري (1/ 604). (¬1) وانظر في هذه القراءة: مختصر شواذ القرآن لابن خالويه (ص 20) وفيه: «يحببكم الله» بفتح الياء أبو رجاء وروي عنه «يحبّكم الله» بالإدغام وفتح الياء»، والبحر المحيط (2/ 431). (¬2) انظر شرح الشافية (1/ 70، 71) وحاشية الصبان (4/ 241). (¬3) قال الرضي في شرح الشافية (1/ 71): «والحقّ ما ذهب إليه غيره لأن ما فيه حرف الحلق لا يلزم طريقة واحدة كالمثال الواوي والأجوف والناقص اليائيين بل كثير منه يأتى على الأصل نحو: برأ يبرؤ وهنأ يهنئ» وانظر حاشية الصبان (4/ 241). (¬4) حكاه أبو زيد. انظر شرح الشافية (1/ 71) وحاشية الصبان (4/ 241) والنوادر (ص 557). (¬5) حاشية الصبان (4/ 241).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬1). ويتعلق به أمور: منها: أن الحكم بشذوذ «يأبى» مضارع «أبى» يدل على أن حرف الحلق إذا كان «فاء» لا اعتداد به في فتح عين المضارع بخلاف ما إذا كان «عينا» أو «لاما» (¬2)، ثمّ لقائل أن يقول: تعليل المصنف فتح عين مضارع «فعل» إذا كانت هي أو اللام حرف حلق بأن من حروف الحلق «الألف» وهي مجانسة للفتحة إلى آخر كلامه - يقتضى أن لا يكون «يأبى» شاذّا لأن لام الكلمة «ألف» وإذا كان نحو «يسمح» استحق الفتح من أجل الحاء لكونها من مخرج الألف فاستحقاق «يأبى» له من أجل الألف أولى، لأنا نقول: الألف لا يكون أصلا في فعل متصرف بل منقلبة عن «واو» أو «ياء» وإذا كان كذلك فلا تأثير لها في الحكم المذكور، وقول المصنف: بأن من حروف الحلق «الألف» وهي مجانسة للفتحة كلام صحيح، وإنما ذكر ذلك ليرتب عليه حكم الحروف التي هي من مخرج الألف، فالحكم الذي هو فتح عين المضارع ثابت مع وجود حرف يشارك الألف في مخرجها وذلك الحرف «عين» أو «لام»، ومن ثمّ استثنى ابن الحاجب الألف من حروف الحلق فقال (¬3) مشيرا إلى المضارع: «وفتحت العين إن كانت هي أو اللام حرف حلق غير ألف» ثم قال (¬4): «وشذّ أبى يأبى»، وإنما استثناها لأنها وإن كانت ألفا في الصورة فليست ألفا في الأصل، وهذا ما أدى إليه الفكر، ويحتمل أن يكون الأمر بخلافه (¬5). وذكر ابن عصفور (¬6) أن مما شذّ أيضا في مجيئه مفتوح العين «قنط يقنط»، و «ركن يركن» والحقّ أن هذا من تداخل اللغات (¬7) فإنه يقال: «قنط»، و «ركن» - بالكسر - كما يقال «قنط» و «ركن» - بالفتح. ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (3/ 447). (¬2) انظر ابن يعيش (7/ 154). (¬3) انظر شرح شافية ابن الحاجب للرضي (1/ 114). (¬4) المرجع السابق. (¬5) علل الرضي ذلك بقوله «لأن الألف لا يكون في موضع عين يفعل ولا لامه بعد كون العين مفتوحة كما في يهاب ويرضى، فإذا كانت الفتحة ثابتة قبل الألف وهي سبب حصول الألف فكيف يكون الألف سبب حصول الفتحة؟» شرح الشافية (1/ 123). (¬6) انظر الممتع (1/ 178). (¬7) انظر شرح الشافية (1/ 115، 125) واللسان (ركن).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن قول المصنف: «بل تكسر أو تضمّ تخييرا إن لم يشهر أحد الأمرين» لم يتجه لي؛ لأنه ما من فعل إلا وقد ورد عن العرب إما بكسر أو بضمّ وإما بهما، فالوارد بأحد الأمرين لا يجوز فيه الأمر فكيف نكون مخيّرين فيه؟ والظاهر أن هذا أمر موقوف على السماع لا يتجاوز فيه ما قالته العرب إلا إن فرض أن فعلا مضارعا من الأفعال التي ماضيها «فعل» لم يسمع فيه كسر ولا ضم فذاك شيء آخر. على أن هذا في غاية البعد، لكن في شرح الشيخ (¬1) «قال أئمة اللغة في ما لم يسمع له مضارع يضم أو (يكسر) (¬2) إن شئت ضممت وإن شئت كسرت وأن ابن جني قال (¬3): الوجه الكسر فإن الباب المخالفة فكما أن ما كسر ماضيه بابه أن يفتح مضارعه فكذلك ما فتح ماضيه بابه أن يكسر مضارعه» انتهى. ثم مراد المصنف بقوله: «إن لم يشهر أحد الأمرين» أن ذلك يكون عن العرب يعني أنه نقل عنهم ذلك ويشتهر فلا تتوجه إليه مؤاخذة الشيخ «وأنه كان يجب أن يقول: إن لم ينتقل بدل إن لم يشتهر» (¬4). ومنها: أن الشيخ قال (¬5): «دل كلام المصنف على أن كل ما فاؤه «واو» من «فعل» ويعني ما لم تكن عينه أو لامه حرف حلق نحو: «وهب يهب» و «وقع يقع» فإن مضارعه يأتي على «يفعل» بكسر العين إلا عند بني عامر فإنه لا يأتي على «يفعل» بل يأتي على «يفعل» وليس كذلك لأن [ما] فاؤه «واو» قانون كلّيّ وبنو عامر إنما روي عنهم ضمّ عين مضارع «وجد» فقالوا: «يجد» خاصة على خلاف في رواية البيت وهو: 3567 - لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة ... تدع الصّوادي لا يجدن غليلا (¬6) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (6/ 26) رسالة. (¬2) في (جـ)، (أ): كسر. (¬3) ينظر المنصف (1/ 209) والخصائص (1/ 375). (¬4) هذا دفاع من المؤلف عن ابن مالك فقد اعترض عليه أبو حيان بهذا الكلام والحق في ذلك ما ذهب إليه المؤلف مؤيدا لابن مالك لأن مقصود عبارة ابن مالك الشهرة في النقل عن العرب لأن انتفاء النقل لا يمكن ادعاؤه. انظر التذييل والتكميل (6: 25) (رسالة)، وانظر تعليق الفرائد للدماميني (خ) (4/ 429). (¬5) انظر التذييل والتكميل (6/ 26 - 29) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬6) هذا البيت من الكامل وقائله جرير وهو في ديوانه (ص 453) ونسب في شرح الشافية (1/ 132) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال السيرافي: ويروى بالكسر، وكذا قال ابن عصفور (¬1): «قد شذّ من فعل الذي فاؤه واو لفظة واحدة فجاء مضارعها على يفعل - بضم العين - وهي وجد يجد، وأصله: يوجد فحذفت الواو لكون الضمة هنا شاذّة والأصل الكسر». ومنها: أنه قال في متن الكتاب: «إنّ كسر عين مضارع «فعل» ملتزم عند غير طيّئ فيما لامه «ياء» وعينه غير حلقيّة»، ولا شك أن هذه العبارة شاملة لكل فعل بهذه الصفة وكلامه في الشرح مطابق لذلك فإنه قال: «وروي عن طيّئ إبدال الكسرة فتحة والألف ياء في يقلي ونحوه»، لكن قال الشيخ (¬2): إن كان - يعني المصنف - أخذ لغة طيئ من هذا المثال يعني «يقلي» ونحوه مما نص أصحابنا على أن العرب شذّت فيه فليس بجيد لأن ما أورد مورد الشذوذ لا يحتمل قانونا كليّا على أن طيّئا لم يرو عنهم في «يرمي» «يرمى» ولا في «يمشي» «يمشى». انتهى. وأفهم كلامه أنه ينكر هذه اللغة عن طيّئ وهذا الإنكار قد لا يقبل فإن ذلك مشهور عنهم في كل ياء متطرفة مفتوحة قبلها كسرة (¬3)، وعلى لغتهم جاء قول القائل (¬4): ¬

_ - للبيد بن ربيعة العامري وهو خطأ والبيت من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق وقبل البيت: لم أر قبلك يا أمام خليلا ... أنأى بحاجتنا وأحسن قيلا الشرح: شئت خطاب لأمامة المذكورة في البيت قبله، ونقع بالنون والقاف والعين المهملة من نقعت بالماء إذا رويت وتدع الصوادي: صفة لشربة وهو جمع صادية وهي العطش ورواية الديوان «تدع الحوائم» وغليلا بالغين المعجمة مفعول «لا يجدن»، بمعنى لا يصبن ولهذا اقتصر على مفعول واحد والجملة حال من الصوادي. والاستشهاد بالبيت على أن الضم في مضارع «وجد» لغة ضعيفة خاصة ببني عامر، وقال ابن جني: الضمة عارضة ولذلك حذفت الفاء كما حذفت في يقع ويدع. انظر المنصف (1/ 187) وابن يعيش (10/ 60) والمقرب (2/ 183) والممتع (1/ 177) وشرح شواهد الشافية (ص 53) والمغني (ص 272) وشرح شواهده (666) والعيني (4/ 591) والأشموني (4/ 341) واللسان (نقع). (¬1) انظر الممتع (1/ 177). (¬2) انظر التذييل والتكميل (6/ 28) (رسالة) وقد تصرف المؤلف في نقل كلامه. (¬3) انظر شرح الشافية (1/ 125). (¬4) نسبه أبو تمام في أوائل الحماسة إلى بعض بني بولان من طيئ، انظر شرح ديوان الحماسة للتبريزي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3568 - نستوقد النّبل بالحضيض ونص ... طاد نفوسا بنت على الكرم (¬1) فقال في «بني»: بنى فصار كـ «رمى» فقال: «بنت» (¬2) كما يقال: رمت، ثم إن هذا الرجل الكبير أعني المصنف. قد ذكر أن ذلك لغة لهؤلاء القوم وما كان مثله يقول ذلك وينسبه إلى قوم دون تحقيق (¬3). ومنها: أنك عرفت ما ذكره المصنف من مجيء مضارع «فعل» لغير الغلبة إذا كانت عينه حرف حلق بضم أو بكسر ومما جاء بالضم [5/ 9] أيضا: «دخل يدخل» و «قعد يقعد» و «زها يزهو» و «ساء يسوء» ومما جاء بالكسر أيضا «جاء يجيء» و «صاء يصيء» و «نزع ينزع». ¬

_ - (1/ 86) وقيل هو لرجل من بني القين. (¬1) هذا البيت من المنسرح. الشرح: قوله نستوقد النبل: نستوقد بالنون. والنّبل، بفتح النون، السهام، مفعوله، يقول: تنفذ سهامنا في الرمية حتى تصل إلى حضيض الجبل فتخرج النار لشدة رمينا وقوة سواعدنا، ونصيد بها نفوسا مبنية على الكرم يعني: أنا نقتل الرؤساء، وهذا من فصيح الكلام كأنه جعل خروج النار من الحجر عند ضربهم النبل له استيقادا منهم لها، «والحضيض»: قرار الجبل وأسفله، وروي: «تستوقد النبل» بالمثناة الفوقية والنبل فاعله، وروي بنصب «النبل» على أن فاعل «تستوقد» ضمير مستتر عائد إلى الحرب في البيت قبله وهو: نحن حبسنا بني جديلة في ... نار من الحرب حجمة الضّرم والاستشهاد بالبيت على أن أصل «بنت» بنيت فصار بنت مثل رمت وهي لغة طيئ. ويروى البيت على وجه لا شاهد فيه وهو: نستوقد النبل بالحضيض ونق ... تاد نفوسا صيغت على كرم انظر شرح شواهد الشافية (ص 49، 50) وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 86) وللمرزوقي (ص 165) وشرح الشافية (1/ 124). (¬2) أصل بنت: بنيت وطيئ تفتح قياسا ما قبل الياء إذا تحركت الياء بفتحة غير إعرابية فتنقلب ألفا وكانت طرفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار: بنات فحذفت الألف لالتقاء الساكنين. انظر شرح الشافية (ص 48). (¬3) في شرح الشافية للرضي ما يؤيد ذلك قال «وحكى بعضهم قلي يقلى - كتعب يتعب - فيمكن أن يكون متداخلا وأن يكون طائيّا لأنهم يجوزون قلب الياء ألفا في كل ما آخره ياء مفتوحة فتحة غير إعرابية مكسورة ما قبلها نحو: بقى في بقي، ودعى في دعي، وناصاة في ناصية». انظر شرح الشافية (1/ 125).

[حكم الفعل المضارع من غير الثلاثي]

[حكم الفعل المضارع من غير الثلاثي] قال ابن مالك: (فصل: يكسر ما قبل آخر المضارع إن كان ماضيه غير ثلاثيّ، ولم يبدأ بتاء المطاوعة أو شبهها، ويضمّ أوّله إن كان ماضيه رباعيّا وإلّا فتح، ويكسره غير الحجازيّين ما لم يكن ياء إن كسر ثاني الماضي، أو زيد أوّله تاء معتادة، أو همزة وصل، ويكسرونه مطلقا في مضارع «أبى» و «وجل» ونحوه، وربّما حمل على تعلم تذهب وشبهه وعلى يئبى يئلم). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «قد تقدم تبيين ما يحرك به الحرف الذي يليه آخر مضارع الثلاثي، والغرض الآن تبيين ما يحرك به الحرف الذي يليه آخر مضارع الرباعي المجرد من الزيادة كدحرج، والمزيد فيه كـ «جهور» (¬2)، والخماسي كـ «استمع» والسداسي كـ «استغفر» فيضمن قولي استحقاق كسر راء «يدحرج»، و «واو» «يجهور» و «ميم» «يستمع» و «فاء» «يستغفر»، واستثنيت من الزائد على ثلاثة أحرف: ما بدئ ماضيه بـ «تاء» المطاوعة أو شبهها تنبيها على فتح ما قبل آخر «يتدحرج» و «يتعلّم» و «يتضاعف» فإن ماضي كل واحد فيها مبدوء بـ «تاء» المطاوعة، وسمّيت هذه التاء تاء المطاوعة لأن أكثر ما يبدأ بها مطاوع للعاري منها (¬3) أي: دالّ على تأثره به كـ «تدحرج» و «تعلّم» و «تضاعف» بالنسبة إلى «دحرج» و «علّم» و «ضاعف»، وقد تزاد في ما ليس مطاوعا كـ «تبختر» و «تكبّر» و «توانى» فلذلك قلت: «بتاء المطاوعة أو شبهها». ثم بيّنت بالأول المضارع من الحركات فقلت: «يضمّ أوّله إن كان ماضيه رباعيّا وإلّا فتح» فعلم بذلك ضمّ أول «تدحرج» و «تجهور» و «تعلّم» و «تسالم» وأشباهها، وفتح أول الثلاثيّ والخماسيّ والسداسيّ. ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 447). (¬2) جهور: الواو فيه مزيدة واقعة بعد عين الفعل وقبل لامه ووزنه: فعول، تقول: جهر بالقول أي رفع صوته، وجهور مثله، تقول: هو رجل جهوري الصّوت. انظر شرح المفصل للرازي (3/ 388). (رسالة). واللسان (جهر) والمنصف (3/ 8). (¬3) انظر التذييل والتكميل (6/ 35) (رسالة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم نبهت على أن غير الحجازيين (¬1) يكسرون غير «الياء» (¬2) من أحرف المضارعة إن كسرت عين الماضي (¬3)، أو بدئ بهمزة وصل أو بتاء المطاوعة أو شبهها. وعبّرت عن هذه «التاء» بالتّاء المعتادة احترازا من التاء المزيدة في أول الماضي شذوذا كـ «ترمس الشّيء» بمعنى رمسه أي: ستره (¬4). ثم نبهت على أن الذين (¬5) يكسرون حرف المضارعة ويستثنون «الياء» لا يستثنونها من مضارع «أبى» ولا مضارع «فعل» الذي فاؤه «واو» (¬6) كـ «وجل» بل يجعلون لها من الكسر نصيبا فيقولون: «إئبى» و «نئبى» و «تئبى» و «يئبى» و «إيجل» و «تيجل» و «نيجل» و «ييجل»، وكذلك ما أشبهه، وروي عن بعضهم «تذهب» - بالكسر - حملا على «تعلم» لشبهه به في فتح عين المضارع، وقرأ يحيى (¬7) (فإنّهم يئلمون كما تئلمون) (¬8) - بكسر الياء والتاء - وكسر الياء غريب، وإليه أشرت بقولي: «وربّما حمل على يئبى يئلم» (¬9). ¬

_ (¬1) جميع العرب يجوزون ذلك ما عدا الحجازيين. انظر شرح الشافية (1/ 141). (¬2) قال الرضي في شرح الشافية (1/ 141): «ولم يكسروا الياء استثقالا». (¬3) وشرط ذلك أن يكون المضارع مفتوح العين فإن كان مكسورها نحو يحسب ويرث لم يكسروا حرف المضارعة. حاشية بخط المؤلف وجدت على النسخة (جـ) ورقة (8) وانظر التذييل والتكميل (6/ 36) (رسالة). (¬4) انظر اللسان (رمس) وأساس البلاغة (1/ 371) (رمس) وانظر حاشية الصبان (4/ 268). (¬5) يعني جميع العرب غير الحجازيين. (¬6) أبى مفتوح العين فلم يكن يستحق أن يكسر حرف المضارعة في مضارعه إلا أنهم شذوا فيه فكسروا حرف المضارعة الذي يجوز كسره في غيره وهو الألف والنون والتاء ثم استمرءوا طعم الشذوذ فشذوا فوق ذلك بكسر الياء من حروف المضارعة أيضا، واستثنوا الياء من مضارع «فعل» الواوي الفاء نحو ييجل لاستثقالهم الواو التي بعد الياء المفتوحة وكرهوا قلب الواو ياء من غير كسرة ما قبلها فأجازوا الكسر مع الواو في الياء أيضا لتخف الكلمة بانقلاب الواو ياء. انظر شرح الشافية (1/ 141). (¬7) يحيى بن وثاب الأسدي بالولاء الكوفي إمام أهل الكوفة في القرآن، تابعي ثقة قليل الحديث من أكابر القراء، توفي سنة 103 هـ انظر ترجمته في طبقات القراء (2/ 380) وطبقات ابن سعد (4/ 209) والنجوم الزاهرة (1/ 252) والأعلام (8/ 176). (¬8) والقراءة شاذة انظر المحتسب (1/ 197) والبحر المحيط (3/ 313). (¬9) شرح التسهيل (3/ 448).

[معاني فعلل]

[معاني فعلل] قال ابن مالك: (انفرد الرّباعيّ بـ «فعلل» لازما ومتعدّيا لمعان كثيرة، وقد يصاغ من اسم رباعيّ لعمل بمسمّاه، أو لمحاكاته، أو لجعله في شيء، أو لإصابته أو لإصابة به، أو لإظهاره، وقد يصاغ من مركّب لاختصار حكايته). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): فعلل المتعدي: كـ «دحرج» واللازم كـ «عربد» (¬2)، والصوغ لعمل المسمّى: كـ «قرمص القرموص» إذا حفره (¬3)، والذي لمحاكاة المسمّى: كـ «عقرب الشّيء» إذا لواه كالعقرب (¬4)، والذي لجعله في شيء: كـ «فلفل الطّعام» (¬5) و «عصفر الثّوب» (¬6) والذي لإصابة مسمّاه: كـ «عرقبه» إذا أصاب عرقوبه (¬7)، والذي لإصابة بمسمّاه: كـ «عرجنه» إذا أصابه بعرجون (¬8)، و «فرجن الدّابّة» حسّها بالفرجون أي: المحسّة، ولإظهار مسمّاه: «عسلجت الشّجرة» أخرجت عساليجها (¬9)، والذي لاختصار الحكاية: كـ «بسمل» و «حسبل» و «سبحل» و «حمدل» و «جعفل» إذا قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وحسبي الله، وسبحان الله والحمد لله، وجعلني الله فداءك. ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (3/ 448). (¬2) العربدة: سوء الخلق، ورجل معربد: يؤذي نديمه في سكره، والعربد: الحيّة الخفيفة، ويقال للمعربد: عربيد كأنّه شبّه بالحيّة. انظر اللسان (عربد). (¬3) القرموص والقرماص: حفرة يستدفئ فيها الإنسان الصّرد من البرد، والقرموص حفرة الصّائد، وقرمصها وتقرمصها: عملها. اللسان (قرمص). (¬4) صدغ معقرب - بفتح الراء - أي معطوف، وشيء معقرب: معوّج. اللسان (عقرب). (¬5) أي: وضع فيه الفلفل. (¬6) العصفر: نبت بأرض العرب يصبغ به، وقد عصفرت الثّوب فتعصفر. اللسان (عصفر). (¬7) العرقوب: العصب الغليظ الموتّر فوق عقب الإنسان، وعرقوب الدّابّة في رجلها بمنزلة الرّكبة في يدها، وعرقب الدّابّة قطع عرقوبها. اللسان (عرقب). (¬8) العرجون: العذق إذا يبس واعوجّ، وعرجنه: ضربه بالعرجون، اللسان (عرجن). (¬9) العساليج: هفوات تنبسط على وجه الأرض كأنّها عروق وهي خضر. اللسان (عسلج).

[معاني أفعل المزيد بالهمز]

[معاني أفعل المزيد بالهمز] قال ابن مالك: (فصل: من مثل المزيد فيه «أفعل» وهو للتّعدية، أو للكثرة، أو للصّيرورة، أو للإعانة، أو للتّعريض، أو للسّلب، أو لإلفاء الشّيء بمعنى ما صيغ منه، أو لجعل الشّيء صاحب ما هو مشتقّ من اسمه، أو لبلوغ عدد أو زمان أو مكان، أو لموافقة ثلاثيّ، أو لإغنائه عنه أو لمطاوعة فعل). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «أفعل للتعدية: كـ «أذهبت زيدا» و «ألبسته ثوبا»، و «أعلمته عمرا قاصده» (¬2). وللكثرة: كـ «أظبى المكان» و «أضبّ» و «أذأب» إذا كثرت ظباؤه، وضبابه وذئابه (¬3). وللصيرورة: كـ «أغدّ البعير» إذا صار ذا غدّة (¬4)، و «أجرب الرّجل» إذا صار ذا جرب في إبله أو غنمه (¬5)، و «ألام» إذا صار ذا شيء يلام عليه (¬6)، و «أصرم - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 449). (¬2) قال السيرافي في شرح كتاب سيبويه (6/ 94) (رسالة): «هذا الباب يسمى نقل الفعل عن فاعله وتصييره مفعولا» وقال الفخر الرازي في شرح المفصل (3/ 413) (رسالة): «وعلامة نقل الفعل أن تزيد همزة في أوله أو تشدد عين الفعل، وزيادة الهمزة في أوله أكثر وأعم» والفعل في المثال الأول تعدى إلى مفعول واحد بعد أن كان لا يتعدى وفي المثال الثاني تعدى إلى مفعولين بعد أن كان يتعدى إلى مفعول واحد، وفي المثال الثالث تعدى إلى ثلاثة مفاعيل بعد أن كان يتعدى إلى مفعولين، وانظر شرح الشافية للرضى (1/ 86: 87). (¬3) انظر اللسان (ظبأ) و (ضبب) وأساس البلاغة (ذأب) (1/ 292). (¬4) انظر المفصل 280 وشرح الشافية (1/ 88) والغدّة: بضم أوله وتشديد الدال مفتوحة كل عقدة يطيف بها شحم في جسد الإنسان، وهي أيضا طاعون الإبل. وانظر اللسان (غدد). (¬5) انظر الكتاب (4/ 59) وشرح الشافية (1/ 88) والصحاح (جرب) (1/ 8) واللسان (جرب). (¬6) قال سيبويه في الكتاب (4/ 59: 60) «ألام الرجل أي صار صاحب لائمة، وتقول: قد لامه أي أخبر بأمره «وقال السيرافي في شرحه (6/ 103) (رسالة): «قولهم: ألام الرجل صار صاحب لائمة أي صاحب من يلومه، فإذا صار صاحب لوم قيل: مليم كما يقال لصاحب الإبل الجربي: مجرب، ويقال: إنه قيل له: ألام لأنه استحق أن يلام» وانظر شرح الشافية (1/ 88، 90) واللسان (لوم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النّخل» إذا صار ذا تمر صالح للصّرام (¬1)، و «أحصد الزّرع» إذا صار ذا سنبل صالح للحصاد (¬2). و «أتلت النّاقة» إذا صارت ذات ولد يتلوها (¬3)، و «أجرت الكلبة» إذا صارت ذات جراء (¬4)، و «ألبنت الشّاة» وغيرها، إذا صارت ذات لبن» (¬5)، و «أنجبت المرأة» إذا صار لها أولاد نجباء. وللإعانة: كـ «أحلبت فلانا» و «أرعيته» و «أقريته»، و «أبغتّه»، و «أطلبته»، و «أحربته» إذا أعنته على الحلب، وعلى الرّعي، وعلى قرى الأضياف وعلى مبتغاه، وعلى مطلوبه، وعلى حرب عداه. وللتّعريض: كـ «أقتلت فلانا» إذا عرّضتّه للقتل، و «أبعت الشّيء» إذا عرّضتّه للبيع (¬6). وللسّلب: كـ «أشكيت الرّجل» إذا أزلت عنه سبب شكواه، و «أعتبته» إذا أرضيته وأزلت عنه سبب عتبه، و «أعجمت الكتاب» إذا سلبت عنه الإبهام بنقط ما ينقط وإهمال ما يهمل (¬7). ولإلفاء الشّيء بمعنى ما صيغ منه: كـ «أحمدتّ فلانا» إذا ألفيته متّصفا بما - ¬

_ (¬1) في الصحاح (صرم) (5/ 1965): «أصرم النّخل حان له أن يصرم» وانظر الكتاب (4/ 60) واللسان (صرم). (¬2) انظر الكتاب (4/ 60) وشرح الشافية (1/ 88: 90) واللسان (حصد). (¬3) انظر اللسان (تلا) وأساس البلاغة (تلو) (1/ 82). (¬4) في اللسان (جرا): «كلبة مجر ومجرية: ذات جراء «وانظر أساس البلاغة (جرو) (1/ 120). (¬5) في اللسان (لبن): «وقد ألبنت النّاقة إذا نزل لبنها في ضرعها فهي ملبن». (¬6) قال سيبويه في الكتاب (4/ 59): «وتجيء أفعلته على أن تعرّضه لأمر وذلك قولك: أقتلته أي عرّضتّه للقتل» وانظر شرح السيرافي (6/ 101) (رسالة) وشرح المفصل للرازي (3/ 414). والتعريض هو: إفادة الهمزة جعل ما كان مفعولا للثلاثي معرضا لأن يكون مفعولا لأصل الحدث سواء صار مفعولا له أو لا. انظر شرح الشافية (1/ 88). (¬7) انظر شرح المفصل للرازي (3/ 419) (رسالة) وشرح الشافية (1/ 91)، والهمع (2/ 161)، وشذا العرف للحملاوي (ص 21)، واللسان (شكا) و (عتب) و (عجم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يوجب حمده (¬1)، و «أبخلته» و «أجبنته» و «أفحمته» إذا ألفيته ذا بخل (¬2)، وذا جبن (¬3)، وذا إفحام أي عاجزا عن قول الشّعر (¬4) [5/ 10] ومنه قول عمرو بن معديكرب لبني سليم: «لقد سألتها فما أبخلتها، وقاتلتها فما أجبنتها، وهاجيتها فما أفحمتها» (¬5). وأما ورود «أفعل» لجعل الشيء صاحب ما هو مشتق من اسمه: فك «أشفيت فلانا» إذا أعطيته دواء يستشفي به (¬6)، و «أسقيته» إذا جعلته ذا ماء يسقي به ما هو محتاج إلى السّقي، وكذلك إذا أعطيته ما يصنع منه سقاء (¬7)، ومن هذا النوع: «أقبرته» إذا جعلت له قبرا (¬8)، و «أنعلته» إذا جعلت له نعلا (¬9)، و «أركبته» إذا جعلت له مركبا (¬10)، و «أعبدتّه» إذا جعلت له عبدا (¬11)، و «أخدمته» إذا جعلت له خادما. وأما «أفعل» الذي لبلوغ عدد: فك «أعشرت الدّراهم» إذا بلغت العشرين، وكذلك «أثلثت» و «أربعت» و «أخمست» و «أسدست» و «أسبعت» و «أثمنت» و «أتسعت» و «أمأت» و «آلفت» إذا صارت ثلاثين، وأربعين - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (4/ 60): «فأما أحمدته فتقول: وجدته مستحقّا للحمد مني، فإنما تريد أنك استبنته محمودا» وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 418) وشرح الشافية (1/ 91) واللسان (حمد). (¬2) انظر شرح الشافية (1/ 91) واللسان (بخل) والهمع (2/ 161). (¬3) انظر الهمع (2/ 161) واللسان (جبن). (¬4) انظر اللسان (فحم) وشرح الشافية (1/ 91). (¬5) الرواية في الحواشي والمفصل (ص 280) وشرح الشافية (1/ 91): «قاتلناكم فما أجبنّاكم وسألناكم فما أبخلناكم وهاجيناكم فما أفحمناكم». (¬6) انظر الكتاب (4/ 59) واللسان (شفى). (¬7) انظر الكتاب (4/ 59) والمفصل (ص 280) وشرح المفصل للرازي (3/ 414) (رسالة) وشرح الشافية (1/ 88) واللسان (سقى). (¬8) انظر الكتاب (4/ 59) والمفصل (ص 280) وشرح الشافية (1/ 88) واللسان (قبر). (¬9) انظر اللسان (نعل). (¬10) انظر اللسان (ركب). (¬11) في اللسان (عبد): «قال الليث: وأعبده عبدا ملّكه إيّاه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخمسين، وستين، وسبعين، وثمانين، وتسعين، ومائة، وألفا (¬1). والذي لبلوغ زمان: كـ «أصبحنا» و «أضحينا» و «أمسينا» و «أعشينا»، و «آصلنا» إذا بلغنا الصّباح والضّحى والمساء والعشيّ والأصيل (¬2). والذي لبلوغ مكان: كـ «أشأم القوم» و «أعرقوا» و «أنجدوا» و «أتهموا» و «أيمنوا» إذا قصدوا الشّام والعراق ونجدا وتهامة واليمن أو بلغوها (¬3). والذي لموافقة ثلاثي: كـ «حزنه» و «أحزنه» (¬4) و «قاله البيع» و «أقاله» (¬5)، و «شغله الأمر» و «أشغله»، و «حبّ فلان فلانا» و «أحبّه». والذي لإغنائه عن ثلاثي: كـ «أرقل» و «أعنق» بمعنى سار سيرا سريعا (¬6)، و «أذنب» بمعنى أثم، و «أقسم» بمعنى حلف، و «أفلح» بمعنى فاز، و «أحضر» بمعنى عدا (¬7). والذي لمطاوعة «فعل»: كـ «ظأرت (¬8) النّاقة على حوار (¬9) غيرها فأظأرت إذا رئمته» (¬10)، و «قشعت الرّيح السّحاب فأقشع» إذا فرّقته فتفرّق، و «كببت الرّجل فأكبّ» إذا أسقطته فسقط (¬11)، و «شنقت البعير فأشنق» (¬12) إذا استوقفته بجذب زمامه فوقف» (¬13). ¬

_ (¬1) انظر شرح الشافية (1/ 90). (¬2) انظر الكتاب (4/ 61، 62) وشرح الشافية (1/ 90). (¬3) انظر شرح الشافية (1/ 90). (¬4) انظر شرح الشافية (1/ 87) والهمع (2/ 161). (¬5) انظر الكتاب (4/ 61) والمفصل (ص 281) وشرح الشافية (1/ 91) (رسالة). (¬6) انظر اللسان (رقل) وأساس البلاغة (1/ 363) (رقل) واللسان (عنق) والهمع (2/ 161). (¬7) انظر اللسان (حضر) وأساس البلاغة (1/ 180) (حضر). (¬8) الظّئر: العاطفة على غير ولدها المرضعة له من النّاس والإبل، والذّكر والأنثى في ذلك سواء. انظر اللسان (ظأر). (¬9) في (جـ): «جواز» والحوار: ولد النّاقة من حين يوضع إلى أن يفطم. اللسان (حور) وانظر إصلاح المنطق (ص 166). (¬10) رئمت النّاقة ولدها ترأمه رأما ورأمانا: عطفت عليه ولزمته. اللسان (رأم). (¬11) في اللسان (كبب): «يقال: كببته فأكبّ» وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 417) (رسالة). (¬12) في (جـ): وشقنت البعير فأشتق، والصواب ما أثبته. (¬13) انظر شرح التسهيل (3/ 450).

[معاني فعل بالتشديد]

[معاني فعّل بالتشديد] قال ابن مالك: (ومنها «فعّل» وهو للتّعدية، وللتّكثير، وللسّلب، وللتّوجّه، ولجعل الشّيء بمعنى ما صيغ منه، ولاختصار حكايته، ولموافقته «تفعّل» و «فعل» وللإغناء عنهما). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «فعّل للتّعدية: كـ «أدّبت الصّبيّ، وعلّمته الخير». وللتكثير: كـ «فتّحت الأبواب» و «فبّحت الغنم» (¬2). وللسلب: كـ «قرّدت البعير» و «حلّمته» و «قذّيت عينه» إذا نزعت عنه القردان (¬3)، والحلم (¬4)، وأزلت عن عينه القذى (¬5). وللتّوجّه: كـ «شرّق» و «غرّب» و «غوّر» و «كوّف». ولجعل الشيء بمعنى ما صيغ منه: كـ «عدّلته» و «أمّرته» إذا جعلته عدلا وأميرا، و «فسّقته» و «كفّرته» و «زنّيته» و «جهّلته» إذا نسبته إلى الفسق، والكفر، والزّنا والجهل (¬6)، ومنه «بطّنت الثّوب» و «جبّبته» إذا جعلت له بطانة وجيبا (¬7). ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 451) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون. (¬2) قال الزمخشري في المفصل (281): «ومجيئه للتكثير هو الغالب عليه نحو: قطّعت الثياب وغلّقت الأبواب وهو يجوّل ويطوّف أي يكثر الجولان والطّواف، وبرّك النّعم وربّض الشاء وموّت المال ولا يقال للواحد» وقال الرازي في شرحه (3/ 423) (رسالة) «والتكثير على أحد أوجه ثلاثة إما بتكثير المفعول أو بتكثير الفعل، أو بتكثير الفاعل» وقال: «لا يقال: برّك البعير» ولا ربّض الشاة، ولا موّت البعير. وانظر شرح الشافية (1/ 92) والهمع (2/ 161) وفقه اللغة للثعالبي (ص 295). (¬3) القردان: جمع وواحده: القراد، يقال: قرّد بعيرك أي انزع منه القردان، وقرّده انتزع قراده، وهذا فيه معنى السّلب. انظر اللسان (قرد) وشرح المفصل للرازي (3/ 422) (رسالة) وشرح الشافية (1/ 94) والهمع (2/ 161). (¬4) الحلم: جمع واحده: حلمة وهي الصّغيرة من القردان وقيل الضّخم منها. انظر اللسان (حلم) والهمع (2/ 161). (¬5) قال الجوهري: «القذى في العين وفي الشّراب ما سقط فيه، وتقول: أقذيت عينه: جعلت فيها القذى، وقذّيتها تقذية أخرجت منها القذى» الصحاح (6/ 4260) (قذى) واللسان (قذى) وشرح المفصل للرازي (3/ 421) (رسالة). (¬6) قال ابن الحاجب: «يرجع معناه إلى التعدية» انظر شرح الشافية للرضي (1/ 94) وشرح السيرافي (6/ 99). (¬7) انظر اللسان (بطن) و (جيب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي لاختصار الحكاية: كقولهم: «أمّن» و «أيّه» و «أفّف» (¬1) و «سوّف»، و «سبّح» و «حمّد» و «هلّل» إذا قال: آمين، ويا أيّها، وأفّ، وسوف، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ومعنى اختصار الحكاية: أن الأصل: قال: آمين، وقال: يا أيّها، فأغنى عن ذلك صوغ «فعّل». ولموافقة «تفعّل»: كقولهم: «ولّى» عنه و «تولّى» إذا أعرض عنه، و «بيّن المشي» بمعنى «تبيّن» (¬2)، و «فكّر» في الأمر و «تفكّر» (¬3) و «يمّم» الشّيء، و «تيمّمه» أي قصده (¬4). والمغني عن «تفعّل»: كقولهم: «أوّنت» الحبلى إذا صار بطنها كـ «الأونين» (¬5) و «عجّزت» المرأة إذا صارت عجوزا، ومنه قولهم: «من دخل ظفار حمّر» (¬6) أي: صار كالحميريّين في كلامه بلغتهم. وأما «فعّل» الموافق «فعل»: فك «قدّر» الله، وقدر، و «بشّر» و «بشر»، و «عاض» و «عوّض» (¬7)، و «ماز» و «ميّز» (¬8) و «زال» و «زيّل». والمغني عن «فعل»: كـ «جرّب» الشّيء، و «عرّد» في القتال إذا تركه جبنا (¬9)، - ¬

_ (¬1) قال سيبويه (4/ 58): «وأفّفت به أي قلت له: أفّ». (¬2) انظر اللسان (بين) وأساس البلاغة (1/ 74) (بين). (¬3) في اللسان (فكر): «وقد فكر في الشيء وأفكر فيه وتفكّر بمعنى» وانظر الهمع (2/ 161). (¬4) انظر اللسان (أمم) وانظر الهمع (2/ 161). (¬5) أوّن الرّجل وتأوّن: أكل وشرب حتّى صارت خاصرتاه كالأونين، وأوّنت الأتان: أقربت. والتّأوّن: امتلاء البطن. انظر اللسان (أون). (¬6) ظفار: قرية باليمن يكون فيها المغرة، وحمّر: تكلّم بالحميريّة. ويقال: معناه صبغ ثوبه بالحمرة لأن بها تعمل المغرة، وظفار مبني على الكسر مثل قطام وحذام، وهو مثل يضرب للرجل يدخل في القوم فيأخذ بزيّهم. انظر مجمع الأمثال (3/ 321) واللسان (ظفر) و (حمر) ومن لغة حمير: قلب اللام من «أل» ميما ومنه حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من امبرّ امصيام في امسفر» انظر شرح الشافية (3/ 216). (¬7) انظر شرح المفصل للرازي (3/ 422) (رسالة) وقال الجوهري في الصحاح (3/ 1093) (عوض) «تقول: عاضني فلان، وأعاضني وعوّضني وعاوضني إذا أعطاك العوض». وانظر اللسان (عوض). (¬8) انظر شرح المفصل للرازي (3/ 423) (رسالة) وفي الصحاح (3/ 897) (ميز): «تقول: مزت الشّيء أميزه ميزا: عزلته وفرزته، وكذلك: ميّزته تمييزا» واللسان (ميز) والهمع (2/ 161). (¬9) في اللسان (عرد): «وعرّد الرّجل تعريدا أي: فرّ» وانظر الهمع (2/ 161).

[معاني تفعل المزيد بالتاء والتشديد]

[معاني تفعّل المزيد بالتاء والتشديد] قال ابن مالك: (ومنها تفعّل وهو لمطاوعة «فعّل»، وللتّكلّف، والتّجنّب، والصّيرورة، وللتّلبّس بمسمّى ما اشتقّ منه، وللعمل فيه، وللاتّخاذ، ولمواصلة العمل في مهلة، ولموافقة «استفعل»، وموافقة المجرّد، وللإغناء عنه، وعن «فعّل» ولموافقته). ـــــــــــــــــــــــــــــ و «عيّره» بالشّيء، إذا عابه، و «عوّل» عليه، إذا اعتمد عليه» (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): تفعّل لمطاوعة «فعّل» كثير: كـ «تعلّم» و «تأدّب» و «تهذّب» و «تخلّص» بالنسبة إلى: علّم، وأدّب، وهذّب، وخلّص. والذي للتكلّف: كـ «تحلّم» و «تسخّى» و «تشجّع» و «تصبّر» إذا تكلّف الحلم والسّخاء والشّجاعة والصّبر (¬3). والذي للتّجنّب: كـ «تأثّم» و «تحوّب» و «تحرّج» و «تهجّد» إذا تجنّب الإثم، والحوب (¬4)، والحرج، والهجود (¬5). والذي للصيرورة: كـ «تأيّمت» المرأة إذا صارت أيّما (¬6)، و «تكبّد» اللّبن - ¬

_ (¬1) انظر اللسان (عول). (¬2) انظر شرح التسهيل (3/ 452). (¬3) انظر شرح المفصل للرازي (3/ 404) (رسالة) ومعنى التكلّف في هذه الأفعال: أنه تعاطى ذلك الفعل لقصد تحصيله. وقال سيبويه في الكتاب (4/ 71): «واذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في أمر حتى يضاف إليه ويكون من أهله فإنك تقول: تفعّل وذلك تشجّع وتبصّر، وتحلّم وتجلّد وتمرّأ» وانظر شرح السيرافي (6/ 129) وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي (ص 296) وجعله الرضي مما طاوع فعل. انظر شرح الشافية (1/ 104، 105). (¬4) في اللسان (حوب): «قال الزجاج: الحوب: الإثم، والحوب: فعل الرّجل تقول: حاب حوبا كقولك قد خان خونا، وفلان يتحوّب من كذا أي يتأثم، وتحوّب الرّجل تأثّم، قال ابن جني: تحوّب: ترك الحوب من باب السّلب ونظيره تأثّم أي ترك الإثم» وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 408) (رسالة) وشرح الشافية (1/ 105) وحاشية الصبان (4/ 244). (¬5) في اللسان (هجد): «وتهجّد القوم: استيقظوا للصّلاة أو غيرها» وفي الصحاح (1/ 555) (هجد): «هجد وتهجّد أي قام ليلا وهجد وتهجّد أي سهر وهو من الأضداد» انظر شرح المفصل للرازي (3/ 409) (رسالة) والهمع (2/ 163). (¬6) يقال: امرأة أيّم وقد تأيّمت إذا كانت بغير زوج انظر اللسان (أيم) والهمع (2/ 162) وحاشية الصبان (4/ 244).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا صار كالكبد، و «تجبّن» إذا صار جبنا، و «تحجّر» الطّين إذا صار كالحجر، و «تسكّر» الشّراب إذا صار كالسّكّر، ومنه «تقيّس» و «تنزّر» إذا صار بالانتماء إليهم كواحد منهم (¬1). والذي للتّلبّس بمسمّى ما اشتقّ منه: كـ «تقمّص» و «تأزّر» و «تفرّى» و «تدرّع» و «تعمّم» و «تقبّأ» إذا لبس قميصا، وإزارا، وفروة، ودرعا (¬2)، وعمامة وقباء. والذي للعمل في مسمّى ما اشتقّ منه: كـ «تغذّى» و «تضحّى» و «تسحّر» و «تعشّى». والذي للاتخاذ: كـ «تبنّيت الصّبيّ» (¬3) و «تديّرت المكان» (¬4) و «توسّدتّ التّراب» (¬5) والذي لمواصلة العمل في مهلة: كـ «تفهّم» و «تبصّر» و «تسمّع» و «تعرّف» و «تجرّع» و «تحسّى» (¬6). والذي لموافقة استفعل: كـ «تكبّر» و «تعظّم» و «تعجّل الشّيء» و «تيقّنه» و «تقصّاه» و «تبيّنه» و «تغنّى به» أي استغنى (¬7)، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من لّم يتغنّ - ¬

_ (¬1) هذا عند سيبويه مما طاوع فعّل قال في الكتاب (4/ 66): «وأما تقيّس وتنزّر وتتمّم فإنما يجري على نحو كسّرته فتكسّر كأنه قال: تمّم فتمّم وقيّس فتقيّس كما قالوا: نزّرهم فتنزّروا» وانظر شرح الشافية (1/ 104) واللسان (قيس) و (نزر). (¬2) في (جـ): ذرعا، وفي (أ): دراعا. (¬3) أي اتخذته ابنا، انظر شرح المفصل للرازي (3/ 408) (رسالة) والهمع (2/ 162) وحاشية الصبان (4/ 244) واللسان (بني). (¬4) انظر المفصل (ص 279) وفي شرح المفصل للرازي (3/ 407، 408) (رسالة): «وعن العمراني قلت للمصنف تديّرت: تفيعلت وليس بتفعّلت، إلا أنّه لم تصحّ فيه الواو فقال: هو كما تقول، فقلت: فلم أثبتّه في باب تفعّلت؟ فقال: لأن عبد القاهر أورده في باب فعّلت، فقلت له: في أي كتاب أورده؟ فقال: في ذكرى الساعة مكانه، فقلت هل أضرب عليه بالقلم؟ فقال: نعم، فقلت: أي شيء أكتب مكانه؟ فقال الأمر بيدك، اكتب مكانه شيئا يوافقه نحو: تبوأت اتخذتها مباءة ...» وانظر اللسان (بوأ). (¬5) أي اتخذته وسادة، وانظر المفصل (ص 279) وشرحه للرازي (3/ 408) (رسالة) واللسان (وسد). (¬6) المعنى: أنه حصل ذلك شيئا بعد شيء، انظر المفصل (ص 279) وشرحه للرازي (3/ 406، 407) (رسالة) ويرى الرضي أنه مطاوع فعّل الذي للتكثير، كما يرى أن تفهم للتكلف في الفهم كالتّسمّع والتّبصّر، وانظر شرح الشافية (1/ 105، 106). (¬7) انظر المفصل (ص 279) وشرحه للرازي (3/ 406) (رسالة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالقرآن فليس منّا» (¬1). والذي لموافقة المجرد: كـ «تعدّى» الشّيء وعداه، إذا جاوزه، و «تحجّى» و «حجا» إذا أقام، و «تبيّن» إذا بان، و «تبسّم» بمعنى «بسم»، و «لبث» و «تلبّث» و «أدى» و «تأدّى» و «برأ» و «تبرّأ» و «عجب» و «تعجّب» و «أصل» و «تأصّل» (¬2). والذي [5/ 11] أغنى عن المجرد الثلاثيّ: كـ «تكلّم» و «تأنّى» (¬3) و «تعزّز» (¬4) و «تصدّى» (¬5). والمغني عن «فعّل» كقول الشاعر: 3569 - تويّل إذ ملأت يدي وكانت ... يميني لا تعلّل بالقليل (¬6) أي: قال: يا ويلاه (¬7). والمعروف في اختصار الحكاية: «فعّل» كـ «أمّن». والموافق «فعّل»: كـ «تولّى» بمعنى «ولّى» (¬8). ¬

_ (¬1) رواه البخاري في باب فضائل القرآن (3/ 231) وكتاب التوحيد (4/ 294) بشرح السندي ومسند الإمام أحمد (1/ 172). (¬2) انظر الهمع (2/ 162). (¬3) في اللسان (أنى): وأني وتأنّى واستأنى: «تثبّت». (¬4) في اللسان (عزز): «وتعزّز لحم النّاقة: اشتدّ وصلب، وتعزّز الشّيء: اشتدّ. (¬5) في اللسان (صدى): «يقال: تصدّى له أي: تعرّض له، والأصل فيه الصدد، وهو القرب، وأصله: يتصدّد فقلبت إحدى الدّالات ياء، وكلّ ما صار قبالتك فهو صددك». (¬6) هذا البيت من الوافر ولم أهتد إلى قائله، وقد ورد في المنصف (2/ 198)، واللسان (ويل) بدون نسبة. الشرح: «تويّل» قال ابن بري: وإذا قال الإنسان: يا ويلاه قلت: قد تويّل وإذا قالت المرأة: واويلها: قلت: ولولت، لأن ذلك يتحول إلى حكايات الصوت. والمعنى: حين ملأت يدي صاح قائلا: يا ويلاه، وملأتها لأن يميني لا تعلل بالقليل. ورواية البيت في اللسان (ويل): (تويّل أن مددت) مكان (إذ ملأت). والبيت شاهد على مجيء تفعّل بمعنى «فعّل» وأغنى عنه. والمعروف في اختصار الحكاية «فعّل» كأمّن كما ذكر ابن مالك. وانظر البيت في التذييل والتكميل (6/ 50) (رسالة). (¬7) انظر اللسان (ويل) وهذا من اختصار الحكاية وهو معروف في «فعّل». (¬8) في اللسان (ولى): «وولّى الشّيء وتولّى: أدبر» وانظر شرح التسهيل (3/ 453).

[معاني فاعل وتفاعل]

[معاني فاعل وتفاعل] قال ابن مالك: (ومنها «فاعل» لاقتسام الفاعليّة والمفعوليّة لفظا، والاشتراك فيهما معنى، ولموافقة «أفعل» ذي التّعدية، والمجرّد، وللإغناء عنهما. ومنها «تفاعل» للاشتراك في الفاعليّة لفظا وفيها وفي المفعوليّة معنى، ولتخييل تارك الفعل كونه فاعلا، ولمطاوعة «فاعل» الموافق «أفعل»، ولموافقة المجرّد، والإغناء عنه، وإن تعدّى «تفاعل» أو «تفعّل» دون التّاء إلى مفعولين تعدّى (بها) (¬1) إلى واحد وإلّا لزم). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): «فاعل» لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا والاشتراك فيهما معنى: نحو: «ضارب زيد عمرا» فـ «زيد» و «عمرو» يشتركان في الفاعلية والمفعولية من جهة المعنى؛ لأن كل واحد منهما قد فعل بصاحبه مثل ما فعل به الآخر، وهما في اللفظ مجعول أحدهما فاعلا، والآخر مفعولا، فقد اقتسما في اللفظ الفاعلية والمفعولية واشتركا فيهما من جهة المعنى وليس أحدهما أولى من الآخر بالرفع ولا بالنصب، ولو أتبع منصوبهما بمرفوع، أو مرفوعهما بمنصوب لجاز (¬3) ومن ذلك قول الراجز (¬4): 3570 - قد سالم الحيّات منه القدما ... الأفعوان والشّجاع الشّجعما (¬5) - ¬

_ (¬1) في (جـ)، (أ): معها، وما أثبته من متن التسهيل. (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 453). (¬3) قال أبو حيان في التذييل والتكميل (6/ 52) (رسالة): «وما ذهب إليه من أنه يجوز أن يتبع المرفوع بالمنصوب والمنصوب بالمرفوع مخالف لمذهب البصريين وأكثر الكوفيين، وإنما أجاز ذلك ابن سعدان». وانظر الأشموني وحاشية الصبان (3/ 67) وشرح الجمل لابن عصفور (1/ 103، 104) والهمع (2/ 119) ومجالس ثعلب (ص 417). (¬4) هو عبد بني عبس كما في الكتاب (1/ 287) هارون، (1/ 145) (بولاق)، ونسبه الأعلم للعجاج (ملحقات ديوانه ص 88)، وقيل أبو حيان الفقعسي أو الدبيري أو مساور العبسي، وقال الصاغاني: عبد بني عبس من قصيدة مرجزة. (¬5) البيت من الرجز. والشاهد: نصب «الأفعوان» وهو بدل من «الحيات» وهو مرفوع لفظا لأنه منصوب معنى كما أن القدم منصوب لفظا مرفوع معنى؛ لأن كل واحد منهما فاعل ومفعول في المعنى والتقدير: سالمت القدم الحيّات وسالمت الحيّات القدم، وقيل: رفع «الحيات» ونصب «القدما» ثم -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنصب «الأفعوان» وهو بدل من «الحيّات» وهو مرفوع لفظا؛ لأنه منصوب معنى، كما أن القدم منصوب لفظا مرفوع معنى؛ لأن كل شيئين تسالما فهما فاعلان مفعولان (¬1)، وهذا التوجيه أسهل من أن يكون التقدير: قد سالم الحيّات منه القدم، وسالمت القدم الأفعوان والشجاع الشّجعم (¬2). وأما فاعل الذي لموافقة «أفعل» ذي التعدية: فك «باعدتّ الشّيء» و «أبعدتّه» و «ضاعفته» و «أضعفته» و «ناعمته» و «أنعمته» و «عافاه الله» و «أعفاه» (¬3). والذي لموافقة المجرد: كـ «جاوزت الشّيء» و «جزته» و «سافرت» و «سفرت» و «واعدتّه» و «وعدتّه» (¬4). والمغني عنه: نحو: «قاسى» (¬5) و «بالى به» (¬6) و «بارك الله فيه». والمغني عن «أفعل»: «واريت الشّيء» بمعنى أخفيته وراءيته بمعنى أريته غير ما أقصده. - ¬

_ - نصب «الأفعوان» وما بعده بفعل مضمر دل عليه سالم من المسالمة، وقيل: أصل القدما: القدمان فحذفت النون واستدلوا به على جواز حذف نون التثنية، والقدما مرفوع لأنه فاعل سالم والحيات منصوب به والأفعوان وما بعده بدل منهما، والشجاع: الحية وكذا: الشجعم والميم فيه زائدة، وانظر الكتاب (1/ 145)، (1/ 287) هارون، والمقتضب (2/ 238)، والمغني (ص 799)، وشرح شواهده للسيوطي (ص 973)، والعيني (4/ 80)، والهمع (1/ 165)، والدرر (1/ 144)، واللسان (شجعم). (¬1) قال سيبويه في الكتاب (1/ 287) (هارون): «فإنما نصب الأفعوان والشجاع لأنه قد علم أن القدم ههنا مسالمة، كما أنها مسالمة؛ فحمل الكلام على أنها مسالمة». (¬2) إنما كان هذا التوجيه أسهل لسلامته من كثرة الحذف. انظر حاشية الصبان (3/ 68). (¬3) قال سيبويه في الكتاب (4/ 68) (هارون): «وقد تجيء فاعلت لا تريد بها عمل اثنين ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت؛ وذلك قولهم: ناولته، وعاقبته، وعافاه الله وسافرت وظاهرت عليه، وناعمته، بنوه على فاعلت كما بنوه على أفعلت»، وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 425) (رسالة)، والهمع (2/ 161)، وحاشية الصبان (4/ 244)، وناعمته رفّهته من التّنعّم، وهو التّرفّه، والاسم النّعمة وهي المسرّة، والفرح، والتّرفّه. انظر اللسان (نعم). (¬4) في اللسان (سفر): «والسّفر خلاف الحضر، والجمع أسفار ورجل سافر ذو سفر وليس على الفعل، لأنه لم ير له «فعل»، وفي اللسان (وعد): «قال أبو معاذ: واعدت زيدا إذا وعدك ووعدتّه، ووعدت زيدا إذا كان الوعد منك خاصة». (¬5) انظر الهمع (2/ 161) وحاشية الصبان (4/ 244)، ومعنى قاسى: كابد. انظر اللسان (قسا). (¬6) في اللسان (بلا): «وبالى بالشيء يبالي به إذا اهتمّ به. وقيل: اشتقاق باليت من البال بال النفس وهو الاكتراث»، وانظر الهمع (2/ 161)، ومعنى بارك الله فيه أي: جعل فيه البركة. اللسان (برك).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «تفاعل» الذي للاشتراك في الفاعلية لفظا، وفيها وفي المفعولية معنى: فك «تضارب» زيد وعمرو فـ «زيد» و «عمرو» شريكان في الفاعلية لفظا ولذلك رفعا، وهما من جهة المعنى شريكان في الفاعلية والمفعولية؛ لأن كل واحد منهما قد فعل بصاحبه مثل ما فعل به الآخر. والذي لتخييل تارك الفعل كونه فاعلا: كـ «تغافل زيد» إذا ظهر بصورة غافل، وهو غير غافل، وكذلك «تجاهل» (¬1) و «تباله» (¬2) و «تطارش» (¬3) «وتلاكن» (¬4) و «تمارض» (¬5) ومنه قول الراجز (¬6): 3571 - إذا تخازرت وما بي [من] خزر (¬7) والذي لمطاوعة «فاعل»: كـ «باعدتّه فتباعد» و «ضاعفت الحساب فتضاعف». والذي لموافقة المجرد: كـ «تغالى» و «غلا» و «توانى» و «ونى» (¬8). - ¬

_ (¬1) أي: أظهر الجهل. اللسان (جهل). (¬2) في اللسان (بله): «التّباله: استعمال البله وتباله أي أرى من نفسه ذلك وليس به». (¬3) أي: أظهر الطّرش وهو الصّمم. انظر اللسان (طرش). (¬4) أي: أظهر اللّكنة وهي: عجمة في اللسان وعيّ. اللسان (لكن). (¬5) في اللسان (مرض): «والتّمارض أن يري من نفسه المرض وليس به». وقال سيبويه في الكتاب (4/ 69): «وقد يجيء تفاعلت ليريك أنه في حال ليس فيها. من ذلك: تغافلت، وتعاميت، وتعابيت، وتعاشيت، وتعارجت، وتجاهلت». (¬6) اختلف فيه: فقيل للعجاج، وقيل: عمرو بن العاص كما في اللسان (مرر) قال ابن بري: وهو المشهور، وقيل: لأرطأة بن سهيّة تمثل به عمرو بن العاص، وقيل: لطفيل الغنوي وقيل: للنجاشي الحارثي، وانظر وقعة صفين (ص 370)، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (2/ 339)، وشرح المفصل للرازي (3/ 411) (رسالة)، والاقتضاب (ص 409)، واللسان (مرر)، وديوان طفيل الغنوي (ص 58). (¬7) هذا البيت من الرجز المشطور وروايته في المستقصي (2/ 279): إذا تخازرت وما لي من خزر ... ثمّ كسرت العين من غير عور ألفيتني ألوي بعيد المستمر ... أحمل ما حمّلت من خير وشرّ الشرح: تخازر خزر الرجل: إذا نظر بمؤخر عينه، وإذا قبض جفنيه ليحدد النظر قيل: قد تخاذر، والتخاذر: أن يقارب بين جفنيه إذا نظر ليوهم أنه ليس يتأمل ما ينظر إليه. والمعنى: كلفت نفسي إظهار الخزر. والشاهد فيه: أنه وصف جفنه بالخزر مع انتفائه عنه حقيقة، فمعنى تخازر: أظهر الخزر. والرجز في الكتاب (2/ 239) (بولاق)، والمقتضب (1/ 217)، وأمالي القالي (1/ 96)، والمحتسب (1/ 127). (¬8) في اللسان (غلا): «وغلا النّبت: ارتفع وعظم والتفّ، وكذلك تغالى، واغلولى»، وفي مادة (ونى): «وتوانى في حاجته: قصّر»، وانظر المفصل (ص 280)، وشرح الشافية (1/ 99).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي أغنى عن المجرد: كـ «تثاءب» (¬1) و «تمارى» (¬2). وإن كان «تفاعل» أو «تفعّل» متعديا بدون التاء إلى مفعولين تعدّى بالتاء إلى مفعول واحد: فمن مثل ذلك في «تفاعل»: نازعته الحديث، وناسيته البغضاء، وتنازعنا الحديث وتناسينا البغضاء، ومن مثل ذلك في «تفعّل»: علّمته الرّماية فتعلّمها، وجنّبته الشّرّ فتجنّبه، فصار «تناسى» و «تنازع» متعديين إلى مفعول واحد حين وجدت التاء لأنهما كانا قبل وجودها متعديين إلى مفعولين، وكذا «تعلّم»، و «تجنّب»، فلو كان التعدّي دون التاء إلى واحد لعدم بوجودها نحو: ضارب زيد عمرا، وتضارب زيد وعمرو، وأدّبت الصّبيّ، وتأدّب الصّبيّ (¬3)، انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬4). وما عبّر به عن «فاعل» أنه لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا والاشتراك فيهما معنى كلام حسن، وأحسن منه قول ابن الحاجب: «وفاعل لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر للمشاركة صريحا فيجيء العكس ضمنا» (¬5)، لا يقال: قوله «للمشاركة صريحا» ينافي قول المصنف: والاشتراك فيهما معنى، لأن «صريحا» لا يرجع إلى المشاركة بل إلى قوله: «لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالآخر» يعني أن النسبة للواحد والتعلق بالآخر صريحان؛ لأن أحدهما فاعل والآخر مفعول، ولكن البناء وضعه أن يكون للمشاركة أي: في فاعله ومفعوله ومن ثمّ قال: «فيجيء العكس ضمنا» ومن أجل أن وضعه أن يكون له متعلق جاء غير المتعدي - ¬

_ (¬1) ثئب الرّجل ثأبا وتثاءب وتثأّب: أصابه كسل وتوصيم. اللسان (ثأب)، وانظر الهمع (2/ 162). (¬2) يقال: ما راه مماراة وميراء وامترى فيه وتمارى: شكّ. اللسان (مرا)، وانظر الهمع (2/ 162). (¬3) انظر المفصل (ص 280)، وشرحه للرازي (3/ 410) (رسالة)، وشرح الشافية (1/ 102). (¬4) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 455). (¬5) انظر شرح شافية ابن الحاجب للرضي (1/ 96)، وقد استحسن الرضي ما عبر به ابن مالك فقال في شرح الشافية (1/ 100، 101): «والأولى ما قال المالكي وهو أن فاعل لاقتسام الفاعلية والمفعولية لفظا، والاشتراك فيهما معنى»، ومما ينبغي الإشارة إليه أن المالكي في قول الرضي: «ما قال المالكي» هو ابن مالك لأنني بعد بحث جيد وجدت على هامش شرح الكافية للرضي تعليقا على كلام لابن مالك نقله الرضي في شرح الكافية «ابن مالك: المالكي في نسخة». انظر شرح الكافية للرضي (2/ 404).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متعديا نحو: كارمته وشاعرته، وجاء المتعدي إلى واحد مغاير للمفاعل متعديا إلى اثنين: نحو: جاذب زيد عمرا الثّوب؛ بخلاف: شاتم زيد عمرا. وأما قوله - أعني المصنف - في «تفاعل» إنه للاشتراك في الفاعليّة لفظا وفيها وفي المفعوليّة معنى فهو أصرح من قول ابن الحاجب (¬1): «وتفاعل لمشاركة أمرين فصاعدا في أصله صريحا» لأنه ليس فيه تعرّض إلى ذكر المفعولية إلا أن يقال: إن قوله: «لمشاركة أمرين في أصله» يعطي أن المفعولية فيهما معنى إذ لم يقل: لمشاركة أمرين فيه، وإذ كانت المشاركة إنما هي في أصله وهو الضّرب في قولنا: تضارب زيد وعمرو لزم من ذلك وقوع العمل على كلّ منهما، ثم يظهر أن المصنف لو أسقط قوله: وفيها، وقال: إنّه للاشتراك في الفاعليّة لفظا وفي المفعوليّة معنى لكان أولى. وأما قوله مشيرا إلى معمولي «فاعل»: «ولو أتبع منصوبهما بمرفوع أو مرفوعهما بمنصوب لجاز» فالمنقول [5/ 12] أن البصريين يوجبون قطع التابع في هذه المسألة، وأن الكوفيين يجيزون الإتباع، وقد تقدّم الكلام على ذلك في باب النعت، على أن المصنف لم يتعرض إلى ذكر هذه المسألة بخصوصها في ذلك الباب، والذاكر لها أبو الحسن بن عصفور (¬2) رحمه الله تعالى، ولا يبعد أن المصنف اختار هذا القول - ¬

_ (¬1) انظر شرح شافية ابن الحاجب للرضي (1/ 99)، وقد استحسن الرضي ما عبّر به ابن مالك عن تفاعل. انظر شرح الشافية (1/ 101). (¬2) قال في شرح الجمل (1/ 103، 104) (رسالة) والمطبوع (1/ 209، 210): «فإن فرقت المنعوتين وجمعت النعوت، فلا يخلو الإعراب من أن يتفق أو يختلف، فإن اختلف فالقطع ليس إلا نحو: ضرب زيد عمرا العاقلان بالرفع على خبر ابتداء مضمر تقديره: هما العاقلان، والنصب بإضمار فعل تقديره: أعني العاقلين، هذا مذهب أهل البصرة، وأما أهل الكوفة فيفصلون المختلف الإعراب لمتفق في المعنى ومختلف، فما اختلف فالقطع ليس إلا نحو ما تقدم من: ضرب زيد عمرا، وما اتفق أجازوا فيه الإتباع بالنظر إلى المعنى، والقطع في أماكن القطع، وذلك نحو: ضارب زيد عمرا فإن كل واحد من الاسمين ضارب ومضروب في المعنى، وأجازوا أن يكون «العاقلان» في المعنى نعتا لزيد وعمرو على معنى زيد فيغلب المرفوع خاصة لأنه عمدة وهو مذهب الفراء. ومنهم من أجاز الرفع والنصب على الإتباع فيغلب تارة المرفوع وتارة المنصوب؛ لأن كل واحد من الاسمين معناه معنى المرفوع من حيث هو ضارب، ومعناه معنى المنصوب من حيث هو مضروب وهو مذهب ابن سعدان. والصحيح أنه لا يجوز إلا القطع بدليل أنه لا يجوز: ضارب زيد هندا العاقلة؛ برفع العاقلة على أن تكون نعتا لهند على المعنى باتفاق من البصريين والكوفيين، فكما لا يجوز في نعت الاسم إذا أفرد الحمل على المعنى كذلك لا يجوز إذا ضممته إلى غيره. اه.

[معاني افتعل المزيد بالهمز والتاء]

[معاني افتعل المزيد بالهمز والتاء] قال ابن مالك: (ومنها افتعل وهو للاتّخاذ، وللتّسبّب؛ ولفعل الفاعل بنفسه؛ وللتّخيّر؛ ولمطاوعة «أفعل»، ولموافقة «تفاعل» و «تفعّل» و «استفعل»، وللمجرّد، والإغناء عنه). ـــــــــــــــــــــــــــــ إما تبعا لمن أجازه؛ وإما لأن نظره أدّاه إلى القول به، وهذا هو الظاهر، ويشعر بذلك قوله: وهذا التّوجيه أسهل من أن يكون التّقدير كذا وكذا. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): افتعل للاتّخاذ: نحو: «اذّبح» و «اطّبخ» و «اشتوى» إذا اتخذ لنفسه ذبيحة وطبيخا، وشواء، ومنه «اكتال» واتّزن». والذي للتّسبّب: نحو: «اعتمل» و «اكتسب» إذا تسبّب في العمل والكسب، فزيادة التاء بإزاء زيادة التسبب في حصول الأمر فـ «عمل» و «كسب» يطلقان على كل عمل وكل كسب، و «اعتمل» و «اكتسب» لا يطلقان إلا على ما في حصوله تكلّف وجهد (¬2). والذي لفعل الفاعل بنفسه: نحو: «اضّطرب» و «انتكل» من الغيظ (¬3)، و «ارتعد» من الحمّى، و «ارتعش» و «اختتن» و «اختصى» و «استاك» و «امتشط» و «اكتحل» و «ادّهن» (¬4). والذي للتّخيرّ: نحو: «انتصى» (¬5) و «انتخب» و «اصطفى» و «اعتمى» (¬6)، و «انتقى». - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 455). (¬2) قال سيبويه في الكتاب (4/ 74): «وأما كسب فإنه يقول أصاب، وأما اكتسب فهو التصرف والطلب، والاجتهاد بمنزلة الاضطراب»، وانظر شرح الشافية (1/ 110)، وقال الرضي: «وغير سيبويه لم يفرق بين كسب واكتسب»، وانظر المفصل (ص 282)، وقال الرازي في شرح المفصل (3/ 432): «اعلم أن معنى افتعلت أقوى من فعلت»، وانظر (ص 433). (¬3) في اللسان (نكل): «نكّل به تنكيلا إذا جعله نكالا وعبرة لغيره، ويقال: نكّلت بفلان إذا عاقبته في جرم أجرمه عقوبة تنكّل غيره عن ارتكاب مثله. (¬4) في اللسان (دهن): «ويقال: «دهنته بالدّهان أدهنه وتدهّن هو وادّهن أيضا على افتعل إذا تطلّى بالدّهن». (¬5) في اللسان (نصا): «وانتصى الشّيء: اختاره». (¬6) في اللسان (عمى): «واعتمى الشّيء اختاره».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي لمطاوعة «أفعل»: نحو: «أنصفته فانتصف» و «أنهيته فانتهى»، و «أنجزته فانتجز»، و «أبخسته فابتخس»، و «أشعل النّار فاشتعلت»، و «أضرمها فاضطّرمت» و «أوقدها فاتّقدت» (¬1). والذي لموافقة «تفاعل»: كـ «اجتوروا» و «اشتوروا» و «ازدوجوا» و «اعتونوا» و «اعتوروا» و «انتصروا» و «اظّفروا» (¬2) و «احتربوا» و «اطّعنوا» و «اقتتلوا» بمعنى: تجاوروا، وتشاوروا، وتزاوجوا، وتعاونوا، وتعاوروا، وتناصروا، وتظافروا، وتحاربوا، وتطاعنوا، وتقاتلوا (¬3). والذي لموافقة «تفعّل»: كـ «ابتسم» و «تبسّم» و «ائتزر» و «تأزّر» (¬4)، و «اعتمّ» و «تعمّم»، و «اعتدى» و «تعدّى»، و «اعتزى» و «تعزّى» (¬5) و «انتظر» و «تنظّر»، و «اختار» و «تخيّر» (¬6). والذي لموافقة «استفعل»: كـ «ارتاح» و «استراح»، و «اعتصم» و «استعصم»، و «اختفى» و «استخفى»، و «احتمى» و «استحمى»، و «انتحى»، و «استنحى» (¬7). والذي لموافقة الثلاثي المجرد: كـ «قدر» و «اقتدر» و «سمع» و «استمع»، و «قرب» و «اقترب» (¬8). والمغني عنه: كـ «استلم الحجر»، و «التحى الرّجل» (¬9). ¬

_ (¬1) الهمع (2/ 162). (¬2) في (جـ): واضطفروا، وفي (أ): واطصفروا. (¬3) قال سيبويه في الكتاب (4/ 69): «وقد يشركه افتعلنا فتريد بهما معنى واحدا وذلك قولهم: تضاربوا واضطربوا، وتقاتلوا واقتتلوا، وتجاوروا واجتوروا، وتلاقوا والتقوا، وانظر المفصل (ص 281)، وشرحه للرازي (3/ 429)، وابن يعيش (7/ 160، 161)، وشرح الكافية (1/ 109). (¬4) في (جـ): «وتاز» وائتزر: لبس المئزر أي الإزار: انظر اللسان (أزر). (¬5) اعتزى وتعزّى: انتسب. انظر اللسان (عزا). (¬6) انظر الهمع: (2/ 162). (¬7) انظر الهمع: (2/ 162). (¬8) قال سيبويه في الكتاب (4/ 74): «وقالوا: قرأت واقترأت، يريدون شيئا واحدا، وانظر المفصل (ص 281، 282)، وشرحه للرازي (3/ 431)، والهمع (2/ 162). (¬9) انظر ابن يعيش (7/ 161)، والهمع (2/ 162)، وحاشية الصبان (4/ 244) والتحى الرّجل صار ذا لحية. انظر اللسان (لحا).

[معاني انفعل المزيد بالهمز والنون]

[معاني انفعل المزيد بالهمز والنون] قال ابن مالك: (ومنها انفعل لمطاوعة «فعل» علاجا وقد يطاوع «أفعل» وقد يشارك المجرّد وقد يغني عنه، وعن «أفعل» ويغني عنه «افتعل» فيما فاؤه لام، أو راء، أو واو، أو ميم، أو نون، وقد يشاركه فيما ليس كذلك ويغني عنه). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): انفعل المطّرد: ما كان كـ «انصرف» و «انكشف»، و «انفصم»، و «انسدل»، و «انحسم»، و «انقسم»، و «انسبك» و «انفرك» في كون كل واحد منها مطاوعا لفعل ثلاثيّ على «فعل» دالّ على معالجة وتأثير، فلو لم يدلّ على معالجة وتأثير كـ «عرف»، و «جهل»، و «سمع» و «رأى» لم يجز أن يصاغ منه «انفعل» ولا «افتعل» الذي بمعناه، فلا يقال: عرفته فانعرف، ولا جهلته فانجهل، ولا سمعته فانسمع. وكذا لو دل على معالجة وتأثير ولم يكن ثلاثيّا: كـ «أحكم الشّيء» و «أكمله» لم يجز أيضا أن يصاغ منه «انفعل»، ولا «افتعل» الذي بمعناه، فلا يقال: أحكمته فانحكم، ولا أكملته فانكمل، وشذّ قولهم: أفحمته فانفحم، وأوكأته فا [تّكأ] وأفردتّه فانفرد، وأغلقته فانغلق، وأزعجته فانزعج، وأسفقت الباب فانسفق، ويجوز أن يكون «انغلق» و «انسفق» على لغة من قال: غلقت وسفقت، فإنهما مقولان ومنقولان (¬2)، وسمع: قلت الحديث فانقال؛ لأن القائل يعمل في تحريك لسانه ويعالج في ترتيب أجزاء العبارة، وجعلها موافقة للمعنى بعض علاج (¬3). وأما قول من قال: «انعدم» فخطأ (¬4)، وكذا قول من قال: «ذلك شيء لا ينبصر» (¬5)، ومشاركة انفعل للمجرد: كقولهم: «انطفأت النّار» و «طفئت» (¬6) - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 456). (¬2) وعلى هذا التوجيه فلا شذوذ، وانظر شرح الشافية (1/ 108)، وسفقت الباب وأسفقته: رددتّه، وانظر اللسان (سفق). (¬3) وعلى هذا فالشرط فيه متحقق وهو كون فعل دالّا على علاج، وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 428). (¬4) لأنه ليس فيه علاج. انظر شرح المفصل للرازي (3/ 428) (رسالة)، والمفصل (281)، وشرح الشافية (1/ 108). (¬5) هو كسابقه في أنه ليس فيه علاج. (¬6) انظر اللسان (طفأ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «ساب الشّيء» و «انساب» (¬1). وإغناؤه عنه: كقولهم: «انطلق» بمعنى: ذهب، و «انزرب في الزّريبة» إذا دخلها (¬2)، و «انبرى» يفعل أي: انبعث (¬3). وإغناؤه عن «أفعل»: كقولهم: «انحجز» إذا أتى الحجاز (¬4). ويغني عنه «افتعل» في ما فاؤه «لام»: كـ «لويت الشّيء فالتوى»، و «لففته فالتفّ»، و «لممته فالتمّ»، وفي ما فاؤه «راء»: نحو: «ردعته فارتدع»، و «رفعته فارتفع»، و «رقعته فارتقع»، وفي ما فاؤه «واو»: كـ «وصلته فاتّصل»، و «وكلته فاتّكل»، و «وضعته فاتّضع» و «وسمته فاتّسم»، وفي ما فاؤه «نون»: نحو: «نقلته فانتقل»، و «نبذته فانتبذ»، و «نفيته فانتفى»، و «نسأته فانتسى»، وفي ما فاؤه «ميم»: نحو: «مددتّه فامتدّ»، و «مططته فامتطّ»، و «ملأته فامتلأ»، وندر «محوته فانمحى (¬5)»، و «مزته فانماز» (¬6)، وامتحى وامتاز أقيس (¬7). وقد يشترك «افتعل» و «انفعل» في ما ليس فاؤه «لاما»، ولا «واوا»، ولا «راء»، ولا «نونا» ولا «ميما»: نحو: شويت اللّحم فاشتوى وانشوى (¬8)، وحجبت الشّيء فاحتجب وانحجب، وأطرته فاتّطر وأنأطر (¬9)، وفصلته فافتصل وانفصل، وفتتّه فافتتّ وانفتّ (¬10). وقد يغني «افتعل» عن «انفعل» في غير ما فاؤه «لام» ولا شيء من أخواتها: كـ «سترت الشّيء فاستتر»، و «بللته فابتلّ»، و «كفيته فاكتفى»، و «غررته - ¬

_ (¬1) في اللسان (سبب): «وساب الأفعى وانساب إذا خرج من مكمنه»، ويقال: ساب الماء وانساب إذا جرى. (¬2) في اللسان (زرب) «والزّرب والزّريبة: حظيرة الغنم من خشب، وانزرب في الزّرب انزرابا إذا دخل فيه». (¬3) في اللسان (برى): «وبرى له يبري بريا وانبرى: عرض له». (¬4) وهو دال على بلوغ الشيء. انظر حاشية الصبان (4/ 244). (¬5) الذي في اللسان (محا): «امّحى» بإبدال النون ميما وإدغامها في الميم، وانظر شرح الشافية (1/ 109). (¬6) يقال: مزت الشّيء من الشّيء إذا فرقت بينهما فانماز وامتاز. انظر اللسان (ميز). (¬7) في اللسان (محا): «والأجود امّحى، وأمّا امتحى فلغة رديئة»، وانظر شرح الشافية (1/ 109). (¬8) وانشوى هو الأكثر. انظر المنصف (1/ 73). (¬9) الأطر: عطف الشّيء تقبض على أحد طرفيه فتعوّجه، وانظر اللسان (أطر). (¬10) الفتّ: الدّقّ وقيل: الكسر. انظر اللسان (فتت)، وانظر في المعنى السابق حاشية الصبان (4/ 245).

[معاني استفعل]

[معاني استفعل] قال ابن مالك: (ومنها: استفعل للطّلب، وللتّحوّل، وللاتّخاذ، ولإلفاء الشّيء بمعنى ما صيغ منه أو لعدّه كذلك؛ ولمطاوعة «أفعل» ولموافقته، وموافقة «تفعّل» و «افتعل» والمجرّد والإغناء عنه وعن «فعّل»). ـــــــــــــــــــــــــــــ فاغترّ»، و «شددتّه فاشتدّ» (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): استفعل [5/ 13] الذي للطلب: كـ «استعان»، و «استغفر»، و «استوهب»، و «استطعم» (¬3). والذي للتّحوّل: كـ «استنسر البغاث» (¬4)، و «استنوق الجمل» (¬5)، و «استتيست العنز» (¬6)، و «استحجر الطّين» (¬7). والذي للاتّخاذ (¬8): كـ «استأبى أبّا»، و «استعبد عبدا»، و «استأمى أمة»، و «استأجر أجيرا»، و «استفحل فحلا»، و «استعدّ عدّة» ومنه: استخلف فلان فلانا، واستعمره في أرضه، ومنه استشعر الرّجل إذا لبس شعارا، واستثفرت المرأة - ¬

_ (¬1) انظر حاشية الصبان (4/ 245). (¬2) شرح التسهيل لابن مالك (3/ 458). (¬3) انظر المنصف (1/ 77)، والكتاب (4/ 70)، وابن يعيش (7/ 161)، وقال السيرافي: «إن الأصل في استفعلت الشيء طلبته واستدعيته وهو الأكثر وما خرج عن هذا فهو يحفظ وليس بالباب». انظر شرح السيرافي (6/ 128). (¬4) في اللسان (نسر): «واستنسر البغاث: صار نسرا، وفي الصحاح: صار كالنّسر، وفي المثل: إن البغاث بأرضنا يستنسر أي: أن الضعيف يصير قويّا، والبغاث: ضرب من الطير، انظر مجمع الأمثال (1/ 13)، والمفصل (ص 282) وشرح الشافية (1/ 110، 111). (¬5) من أمثلة الكتاب (4/ 71)، والمنصف (1/ 78)، والمفصل (ص 282)، وهو مثل ومعناه: صار ناقة ويضرب في التّخليط وروايته في مجمع الأمثال (2/ 478): قد استنوق الجمل، وانظر اللسان (نوق)، وانظر الصحاح (نوق) (4/ 1561). (¬6) في الكتاب (4/ 71) «واستتيست الشّاة»، وانظر المفصل (ص 282)، والمنصف (1/ 78)، وفي اللسان (تيس) «ومن أمثالهم في الرّجل الذّليل يتعزّز: كانت عنزا فاستتيست، ويقال: استتيست العنز كما يقال: استنوق الجمل»، ومعنى استتيست: صارت تيسا؛ وذلك إذا تشبهت به في الحركة والجرأة. انظر شرح المفصل للرازي (3/ 436) (رسالة). (¬7) معناه: صار حجرا بعد أن كان طينا، يضرب مثلا للراجل الضّعيف إذا اشتدّ وقوي. انظر شرح المفصل للرازي (3/ 437) (رسالة)، واللسان (حجر)، وانظر المفصل (ص 282) وشرح الشافية (1/ 110، 111). (¬8) انظر الهمع (2/ 162).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا اشتدّت بثفر يقيها دم الحيض (¬1). والذي لإلفاء الشّيء بمعنى ما صيغ منه: كـ «استعظمته» إذا وجدتّه عظيما و «استصغرته» إذا وجدتّه صغيرا، و «استكثرته» إذا وجدتّه كثيرا، و «استقللته»، إذا وجدتّه قليلا، و «استحسنته» إذا وجدتّه حسنا، و «استقبحته» إذا وجدتّه قبيحا، و «استحليته» إذا وجدتّه حلوا، و «استفظعته» إذا وجدتّه فظيعا. وكذا تقول في ما تعدّه عظيما أو صغيرا أو كثيرا أو قليلا أو حسنا أو قبيحا أو حلوا أو فظيعا وهو بخلاف ذلك. واستفعل الذي لمطاوعة «أفعل»: كـ «أكانه فاستكان»، و «أشلاه فاستشلى» (¬2)، و «أحكمه فاستحكم»، و «أراحه فاستراح»، و «أكنّه فاستكنّ»، و «أمرّه فاستمرّ» (¬3). والذي لموافقة «أفعل»: كـ «أبلّ» من المرض و «استبلّ» (¬4)، و «استحصد» الزرع، و «أحصد»، و «استيقن» الإنسان، و «أيقن»، و «استبان» الأمر، و «أبان»، و «استعجله»، و «أعجله»، و «أهلّ» الهلال، و «استهلّ»، و «أثار الشّيء» و «استثاره» (¬5). والذي لموافقة «تفعّل»: كـ «استكبر»، و «تكبّر»، و «استمتع»، و «تمتّع»، و «استعاذ»، و «تعوّذ»، و «استضاف»، و «تضيّف»، و «استيسر»، و «تيسّر»، و «استعفّ»، و «تعفّف»، و «استبدل»، و «تبدّل» (¬6) نحو: - ¬

_ (¬1) في الحديث: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر المستحاضة أن تستثفر وتتلجم إذا غلبها سيلان الدم وهو أن تسد فرجها بخرقة عريضة أو قطنة تحتشي بها فتمنع سيلان الدم (اللسان ثفر). (¬2) الإشلاء: الدّعاء، يقال: أشليت الشّاة والنّاقة إذا دعوتهما بأسمائهما لتحلبهما. انظر اللسان (شلا) وإصلاح المنطق (ص 160، 283). (¬3) في اللسان (مرر) «وأمرّه على الجسر: سلكه فيه، قال اللحياني: أمررت فلانا على الجسر أمرّه إمرارا إذا سلكت به عليه» وفيه «واستمر الشّيء: مضى على طريقة واحدة». (¬4) في اللسان (بلل) «وبلّ من مرضه يبلّ بلّا وبللا وبلولا واستبلّ وأبلّ: برأ وصحّ». (¬5) قال سيبويه في الكتاب (4/ 70): «وقد يجيء استفعلت على غير هذا المعنى، كما جاء تذاءبت وعاقبت تقول: استلأم، واستخلف لأهله كما تقول: أخلف لأهله، المعنى واحد»، وانظر الهمع (2/ 162). (¬6) قال سيبويه في الكتاب (4/ 71): «وقد دخل استفعل ههنا قالوا: تعظم واستعظم، وتكبر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ (¬1)، وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ (¬2). والذي لموافقة «افتعل»: كـ «استعصم»، و «اعتصم»، و «استعذر» و «اعتذر» و «استراح» و «ارتاح»، و «استراب» و «ارتاب»، و «استقال» و «اقتال» (¬3). والذي لموافقة المجرّد: كـ «استغنى» و «غني»، و «استبشر» و «بشر»، و «استهزأ» و «هزئ»، و «استبان» و «بان»، و «استقرّ»، و «قرّ»، و «استخفى» و «خفي»، و «استعلا» و «علا» (¬4). والذي للإغناء عن المجرد (¬5): كـ «استحيا»، و «استأثر»، و «استبدّ»، و «استعبر» (¬6)، و «استنكف» (¬7). والذي للإغناء عن «فعّل»: «استرجع» (¬8) إذا قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ؛ فالأصل فيه: رجّع كـ «أمّن» إذا قال: آمين، و «سبّح» إذا قال: سبحان الله. ومن الجاري على «استفعل» وهو مغن عن «فعّل»: قولهم: «استعان» إذا حلق عانته (¬9)، فالأصل فيه: عوّن كـ «قرّد» البعير إذا أزال عنه القردان. ¬

_ - واستكبر، كما شاركت تفاعلت تفعّلت الذي ليس في هذا المعنى ولكنه استثبات؛ وذلك قولهم: تيقنت واستيقنت، وتبيّنت واستبنت وتثبّت واستثبتّ» وقال في (4/ 73): «وأما تنجّز حوائجه واستنجز فهو بمنزلة تيقن واستيقن في شركة استعملت». (¬1) سورة البقرة: 61. (¬2) سورة البقرة: 108. (¬3) في (جـ)، (أ): أقال. وفي اللسان (قول): واقتال قولا: اجترّه إلى نفسه من خير أو شر واقتال عليهم: احتكم. (¬4) قال سيبويه في الكتاب (4/ 70): «وقالوا: قرّ في المكان واستقر كما يقولون: جلب الجرح وأجلب، يريدون بهما شيئا واحدا كما بني ذلك على أفعلت بني هذا على استفعلت»، وقال في (4/ 71): «وأما علا قرنه واستعلاه فإنه مثل قرّ واستقرّ»، وانظر المنصف (1/ 77)، والمفصل (ص 282)، وشرحه للرازي (4/ 438)، وشرح الشافية (1/ 111)، والهمع (2/ 162). (¬5) انظر الهمع (2/ 162). (¬6) في اللسان (عبر): «وعبرت عينه واستعبرت: دمعت، وعبر عبرا واستعبر: جرت عبرته وحزن». (¬7) في اللسان (نكف): «ونكف الرجل عن الأمر - بالكسر - نكفا واستنكف: أنف وامتنع». (¬8) في اللسان (رجع) «وترجّع الرجل عند المصيبة واسترجع قال: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ». (¬9) انظر اللسان (عون).

[معاني افعل بتشديد اللام وافعوعل]

[معاني افعلّ بتشديد اللام وافعوعل] قال ابن مالك: (ومنها للألوان «افعلّ» غير مضاعف العين، ولا معتلّ اللام دون شذوذ، وقد تلي عينه ألف، وقد يدلّ بحاليه على عيب حسّيّ، وربّما طاوع «فعل» وقد يدلّان على غير لون وعيب، وإفهام العروض مع الألف كثير، وبدونها قليل، ومنها «افعوعل» للمبالغة وللصّيرورة وقد يوافق استفعل ويطاوع فعل). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): أصل «افعلّ»: افعلل، ويدل على ذلك وجوب استعماله مفتوح العين مع «تاء» الضمير: و «نونيه» نحو: احمررت، واحمررنا، واحمررن، وشرط ما يصاغ: أن لا يكون مضاعف العين كـ «أحمّ» (¬2)، ولا معتلّ اللّام كـ «ألمى» (¬3)، وشذّ قولهم: «ارعوى» مطاوع رعوته بمعنى: كففته (¬4) من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه من معتلّ اللّام. الثاني: أنه لغير لون ولا عيب حسّي. الثالث: أنه مطاوع، والمطاوعة في هذا النوع نادرة. وإنما حقّ هذا الوزن أن يكون مقتضبا (¬5) كـ «ابيضّ» و «احمرّ»، أو موافقا لـ «فعل» أو «فعل» كـ «اسمرّ، و «سمر» و «سمر»، وأن يدل على لون وهو - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 459). (¬2) في اللسان (حمم): «قال ابن سيده: والحمّة: لون بين الدّهمة والكمتة يقال: فرس أحمّ بيّن الحمّة، والأحمّ: الأسود من كل شيء»، وانظر أساس البلاغة (1/ 200) (حمم) فلا يصح أن يصاغ من (أحمّ) على مثال: افعلّ فلا يقال: احممّ لما فيه من الثقل. (¬3) في اللسان (لما): «واللّمى مقصور: سمرة الشفتين واللثات يستحسن، وقيل: شربة سواد» وفيه: «ورجل ألمى وامرأة لمياء وشفة لمياء: بيّنة اللّمى» فلا يصاغ من «ألمى» على «افعلّ» فلا يقال: الميّ لما فيه من الثقل كسابقه، وانظر الهمع (2/ 162). (¬4) في اللسان (رعى) عن ابن سيده: «وارعوى يرعوي أي: كفّ عن الأمور» وعن الأزهري: «ارعوى جاء نادرا قال: ولا أعلم في المعتلات مثله كأنهم بنوه على الرّعوى وهو الإبقاء». (¬5) المقتضب من الأبنية: المرتجل وهو ما ليس منقولا عن فعل ثلاثي مشترك معه في أصل معناه. انظر شرح الشافية (1/ 112، 113).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكثير، أو على عيب حسّي كـ «اعوجّ» و «اعورّ» وقد قيل من «الحوّة» (¬1): «احووّى» و «احواوى» وفيه شذوذ من قبل الاعتلال، وموافقة للنظائر من قبل دلالته على لون. وقد تزاد ألف قبل لامه: كـ «احمارّ» و «اصفارّ» و «ادهامّ» (¬2). والأكثر أن يقصد عروض المعنى إذا جيء بالألف ولزومه إذا لم يجأ بها، وقد يكون الأمر بالعكس، فمن قصد اللّزوم مع ثبوت الألف: قول الله تعالى في وصف الجنتين مُدْهامَّتانِ (¬3)، ومن قصد العروض مع عدم الألف: قولك: اصفرّ وجهه وجلا (¬4)، و «احمرّ» خجلا، ومنه قوله تعالى من قراءة ابن عامر: تزور عن كهفهم ذات اليمين (¬5). ومثال وقوع «افعلّ» و «افعالّ» لغير لون وعيب: «انقضّ الحائط»، و «ابهارّ اللّيل» إذا انتصف، ومثل ابهارّ: «اشعارّ الرّأس»، إذا تفرّق شعره. وقد كثر وزن «افعوعل» في قصد التكثير والمبالغة: كقولهم: «اخشوشن الشّيء» إذا كثرت خشونته، و «اعشوشب المكان» إذا كثر عشبه (¬6)، و «اغدودن الشّعر» إذا وقر وكثر سواده ولينه. ¬

_ (¬1) «الحوّة: سواد إلى الخضرة، وقيل: حمرة تضرب إلى السّواد، وقد حوي حوى واحواوى واحووّى - مشدد - واحووى فهو أحوى» اللسان (حوا). (¬2) الدّهمة: السّواد وادهامّ الشّيء ادهيماما أي اسوادّ. انظر اللسان (دهم). (¬3) سورة الرحمن: 64، ومعنى مدهامتان: أي سوداوان من شدة الخضرة من الرّي. انظر اللسان (دهم)، وتفسير ابن كثير (4/ 279). (¬4) الوجل: الفزع والخوف. انظر اللسان (وجل). (¬5) سورة الكهف: 17، ومعنى تزاور عن كهفهم: أي تميل قاله الأخفش. انظر اللسان (زور) وراجع في هذه القراءة الكشف عن وجوه القراءات السبع (2/ 56)، ومعاني القرآن (2/ 136). والتبيان للعكبري (2/ 841). (¬6) قال سيبويه في الكتاب (4/ 75): «قالوا: خشن، وقالوا: اخشوشن. وسألت الخليل فقال: كأنهم أرادوا المبالغة والتوكيد، كما أنه إذا قال: اعشوشبت الأرض فإنما يريد أن يجعل ذلك كثيرا عامّا قد بالغ وكذلك احلولى»، وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 439)، وابن يعيش (7/ 162).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يجيء للصّيرورة: نحو: «احلولى الشّيء»، إذا صار حلوا (¬1)، و «احقوقف الجسم» إذا صار أحقف أي: منحنيا (¬2). وقد يوافق «استفعل» في الدلالة على إلفاء الشّيء بمعنى ما صيغ منه: كقوله: 3572 - ... واحلولى دماثا يرودها (¬3) أي: وجدها حلوة، فاستعمل «احلولى» استعمال «استحلى» فتعدّى إلى مفعول به، ومنه قول الشاعر: 3573 - لو كنت تعطي حين تسأل سامحت ... لك النّفس واحلولاك كلّ خليل (¬4) أي: استحلاك، ويأتي «احلولى» لازما، يقال: حلا الشّيء واحلولى بمعنى واحد (¬5)، واستعماله بمعنى صار حلوا أشهر، ومنه في خطاب الدنيا: «ولا تحلولي - ¬

_ (¬1) في اللسان (حلا): «الحلو: نقيض المرّ والحلاوة ضدّ المرارة، والحلو كلّ ما في طعمه حلاوة»، وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 439) (رسالة). (¬2) في اللسان (حقف): الحقف من الرّمل: المعوج وجمعه أحقاف وحقوف وحقاف وحقفة ومنه قيل لما اعوجّ: محقوقف. (¬3) البيت لحميد بن ثور الهلالي وأوله (ديوانه ص 73): فلمّا أتى عامان بعد انفصاله ... عن الضّرع واحلولى دماثا يرودها والبيت من الطويل. الشرح: احلولى: استمرأ واستطاب، والدّماث: جمع دمث - بالفتح - وهو السهل من الأرض الكثير النبات، يرودها: يجيء فيها ويذهب. والمعنى: يذكر ولد ناقة مضى عامان بعد فصاله. والشاهد: في تعدية «احلولى» وهي على زنة «افعوعل». انظر الكتاب (2/ 242)، (4/ 77) (هارون)، والمنصف (1/ 81). (¬4) هذا البيت من الطويل وبعده: أجل لا ولكن أنت ألأم من مشى ... وأسأل من صماء ذات صليل الشرح: سامحت: أي: وافقت على المطلوب، واحلولاك استحلاك. والشاهد فيه: مجيء «احلولى» بمعنى: استحلى متعديا إلى المفعول به، وانظر البيت في المحتسب (1/ 319)، واللسان (سمح)، والمنصف [وروايته فلو] (1/ 82)، وكذا رواية تاج العروس (10/ 95) (حلو) ورواية البيت في جميعها على الخرم يحذف أول «فعولن»، وفي اللسان (حلا) يروى: فلو كنت بدون خرم ومثله في أساس البلاغة (1/ 195) (حلو). (¬5) قال في الصحاح (حلا) (6/ 2317): «حلا الشّيء واحلولى مثله»، وأساس البلاغة (1/ 195) (حلو).

[معاني افعول وما ندر من الأوزان الأخرى]

[معاني افعوّل وما ندر من الأوزان الأخرى] قال ابن مالك: (وافعوّل بناء مقتضب، وكذا ما ندر [5/ 14] من افعولل، وافعيّل. وأمّا فوعل وفعول، وفعلل ذو الزّيادة. وفيعل، وفعيل، وفعلى فملحقات بفعلل، وإلحاق ما سواها به نادر. وتزاد التّاء قبل متعدياتها للإلحاق بـ «تفعلل»، وهو و «افعنلل» لمطاوعة «فعلل» تحقيقا أو تقديرا. وألحق بـ «افعنلل» «افعنلى» و «افعنلل» الزّائد الآخر، وإلحاق ما سواهما به نادر، و «افعللّ» بناء مقتضب وقد يطاوع «فعلل» والإلحاق به نادر). ـــــــــــــــــــــــــــــ لهم فتفتنيهم»، أي لا تصيري لهم حلوة. وقد يوافق «انفعل» في مطاوعة «فعل»: كقولهم: ثنيته فاثنونى (¬1)، ومنه قراءة من قرأ (¬2) (ألا إنهم يثنونون صدورهم) (¬3). وقد يوافق المجرّد: كقولهم: خلق أن يفعل كذا واخلولق أن يفعل، إذا كان بذلك خليقا أي: حقيقا. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬4): المقتضب من الأبنية: هو المصوغ على مثال غير مسبوق بآخر وهو له أصل أو كالأصل مع خلوّه من حرف مزيد لمعنى أو لإلحاق (¬5). ومثال «افعوّل»: «اجلوّذ» (¬6) و «اعلوّط» (¬7) و «اخروّط» (¬8). ومثال «افعولل» و «افعيّل»: «اعثوجج» (¬9) و «اهبيّخ» (¬10) وهما من - ¬

_ (¬1) في اللسان (ثنى): «ثنيت الشّيء إذا حثيته وعطفته وطويته، واثنونى صدره على البغضاء أي: انحنى وانطوى». (¬2) هي قراءة ابن عباس. انظر مختصر ابن خالويه (ص 59)، ومعاني القرآن (2/ 3)، واللسان (ثنى). (¬3) سورة هود: 5. (¬4) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 461). (¬5) انظر شرح الشافية (1/ 112). (¬6) اجلوّذ: أسرع. انظر اللسان (جلذ). (¬7) في اللسان (علط): «واعلوّط بعيره اعلوّاطا إذا تعلق بعلقه وعلاه». (¬8) اخروّط: اخروّط البعير في سيره إذا أسرع. انظر اللسان (خرط). (¬9) في اللسان (عثج): «العثوثج والعثوجج: البعير الضّخم السّريع المجتمع الخلق. وقد اعثوثج واعثوجج اعثياجا». (¬10) اهبيّخ: يقال: اهبيّخت المرأة في مشيها اهبيّاخا أي: تبخترت وتهادت». انظر اللسان (هبخ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأوزان التي أغفلها سيبويه. ومثال «فوعل» و «فعول» و «فعلل» - بزيادة إحدى اللّامين -: «حوقل» و «جهور» و «جلبب» (¬1)، ومثال «فيعل» و «فعيل» و «فعلى»: «بيطر» و «عذيط» و «سلقى» (¬2) وفعيل أيضا مما أغفله سيبويه. ونبّهت بقولي: «وإلحاق ما سواها به نادر» إلى الإلحاق بهمزة متوسطة كـ «تأبل القدر» بمعنى: تبلها (¬3)، وبنون متقدمة كـ «نرجس الدّواء» (¬4)، أو متوسطة كـ «قلنس» (¬5) أو متأخرة كـ «قطرن البعير» (¬6) أو بميم مطلقا كـ «مندله» بمعنى: ندله (¬7)، و «غلصمه» بمعنى: غلصه (¬8)، وبتاء متقدمة كـ «ترمس» بمعنى: رمس (¬9)، و «ترفل» بمعنى: رفل (¬10)، وتقرص بمعنى: قرص (¬11)، وبهاء مطلقا - ¬

_ (¬1) حوقل: في اللسان (حقل): وحوقل الرّجل: أدبر، وحوقل: نام، وحوقل الرّجل: عجز عن امرأته عند العرس، وجهور: يقال: أجهر بكلامه وجهور: أعلن به وأظهره. اللسان (جهر)، وجلبب: الجلباب: القميص، وقيل: هو ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، وقيل: جلباب المرأة: ملاءتها التي تشتمل بها، وقيل: الخمار، وجلببه إيّاه قال ابن جني: جعل الخليل ياء جلبب الأولى كواو جهور ودهور، وجعل يونس الثانية كياء سلقيت وجعبيت. اللسان (جلب). (¬2) بيطر: يقال: بيطر الدّابّة أي: عالجها. اللسان (بطر)، والياء فيه زائدة. انظر المنصف (1/ 40)، عذيط: العذيوط والعذيوط: الذي إذا أتى أهله أبدى أي سلح أو أكسل. انظر اللسان (عذيط)، سلقى: يقال: سلقى الرّجل أي: ألقاه على ظهره. انظر اللسان (سلق). (¬3) في اللسان (تبل): «وتوبلت القدر وتبلتها وتبّلتها: فحّيتها، وكذلك تأبلت القدر، وقال ابن بري: توبلت القدر: جعلت فيها التّوابل»، وانظر أساس البلاغة (1/ 76) (تبل). (¬4) نرجس الدواء أي: جعل فيه النّرجس، وهو من الرّياحين معرّب والنون فيه زائدة. انظر اللسان (رجس). (¬5) قلنس: لبس القلنسوة وهي غطاء الرّأس. انظر اللسان (قلس). (¬6) قطرن البعير: طلاه بالقطران. انظر اللسان (قطر). (¬7) النّدل: نقل الشّيء: واحتجانه. اللسان (ندل). (¬8) غلصه أي: أخذ بحلقه. اللسان (غلص). (¬9) في اللسان (رمس): «رمس الشّيء يرمسه رمسا: طمس أثره». (¬10) الرّفل: جر الذّيل وركضه. انظر اللسان (رفل)، وانظر أساس البلاغة (1/ 358) (رفل). (¬11) في (جـ)، (أ): «تفرض بمعنى رفض»، ويقال: قرصت المرأة العجين أي: قطّعته قرصة قرصة. انظر اللسان (قرص).

كـ «هلقم» إذا أكثر اللّقم (¬1)، و «دهبل» اللّقمة: عظّمها (¬2)، و «علهضه» بمعنى: علضه (¬3)، وبياء متقدمة كـ «يرنأ الشّيب» (¬4)، وبسين متقدمة أو متأخرة كـ «سنبس» بمعنى: نبس (¬5)، و «حلبس» بمعنى: حلب، وبتضعيف قبل الفاء كـ «زهزق» بمعنى: زهق (¬6)، و «دهدم» بمعنى: هدم. ومن هذه الأمثلة متعدّ كـ «جلبب» و «سلقى» ومنها لازم كـ «حوقل» (¬7)، و «جهور» (¬8). وتزاد التاء قبل المتعدّي منها للإلحاق بـ «تفعلل»: كـ «تجلببت المرأة» إذا لبست جلبابا (¬9)، فـ «تجلبب» ملحق بـ «تسربل» إذا لبس سربالا (¬10) فـ «تسربل» تفعلل، و «تجلبب» تفعلل، إلا أن لام «تجلبب» الثانية زائدة، ولا زيادة في «تسربل» إلا التاء. و «تفعلل» العاري من زيادة إحدى اللّامين لمطاوعة «فعلل» المجرّد: كـ «سربلته فتسربل» (¬11) وقد يوجد غير مطاوع لـ «فعلل» مستعملا فيحكم بمطاوعته - ¬

_ (¬1) في اللسان (هلقم): «وهلقم الشّيء: ابتلعه، والهلقم: المبتلع، ورجل هلقم وجرضم كثير الأكل». (¬2) في اللسان (دهبل): «دهبل إذا كبّر اللّقم ليسابق في الأكل». (¬3) في اللسان (علض): «علض الشّيء يعلضه علضا: حرّكه لينزعه نحو الوتد وما أشبهه» وانظر مادة (علهض). (¬4) في اللسان (رنأ): «واليرنّأ واليرنّأ - بضم الياء وهمزة الألف: اسم للحنّاء، قال ابن جني: وقالوا يرنأ لحيته: صبغها باليرنّأ، وانظر مادة (يرنأ). (¬5) في اللسان (نبس): «قال أبو عمر الزاهد: السّين في أول سنبس زائدة، يقال: نبس إذا أسرع قال: والسين من زوائد الكلام، قال: ونبس الرجل إذا تكلم فأسرع». (¬6) في (جـ)، (أ): أزهق. (¬7) انظر ابن يعيش (7/ 155). (¬8) يرى ابن يعيش أن الإلحاق لا يكون أولا ويرى أن حقيقة الإلحاق في تجلبب إنما هي بتكرير الباء، ويرى أن التاء دخلت لمعنى المطاوعة. انظر ابن يعيش (7/ 155، 156)، وقال الرضي في شرح الكافية (1/ 56): «ولا أرى منه مانعا فإنها تقع - أي الهمزة - أولا للإلحاق مع مساعد اتفاقا كما في الندد ويلندد وإدرون فما المانع أن يقع بلا مساعد؟». (¬9) السّربال: القميص والدّرع، وقيل: كلّ ما لبس فهو سربال. اللسان (سربل). (¬10) في اللسان (جلب): «قال ابن جني: جعل الخليل ياء جلبب الأولى كواو جهور ودهور، وجعل يونس الثانية كياء سلقيت وجعبيت»، وقال ابن يعيش (7/ 155): «إحدى اللامين فيه زائدة». (¬11) انظر اللسان (حرجم)، وأساس البلاغة (1/ 164) (حرج).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لـ «فعلل» مقدّرا كـ «تبختر» فإنه مطاوع لـ «بختر» تقديرا. و «افعنلل» مثل «تفعلل» في مطاوعة «فعلل» تحقيقا أو تقديرا: فذو المطاوعة تحقيقا كـ «احرنجمت الإبل» إذا اجتمعت فإنه مطاوع لـ «حرجمتها» أي: جمعتها، وذو المطاوعة تقديرا كـ «ابرنشق» بمعنى: انبسط فرحا فإنه مطاوع لـ «برشق» تقديرا كتقدير «بختر» وبختر وبرشق مهملان. وألحق بـ «افعنلل» «افعنلى»: كـ «اسلنقى» (¬1) و «افعنلل» المزيد إحدى لاميه كـ «اقعنسس» (¬2) وإلحاق غيرهما نادر كـ «احبنطأ» (¬3) و «احونصل» (¬4) انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقد كنت حال الاشتغال حصل لي ضبط لأبنية الأفعال فأنا أذكره ليسهل على الطالب معرفته جملة، ثم أنبّه على ما تضمنه كلام المصنف من الأبنية الزائدة على ذلك فأقول: إن جملة ما ذكره من وقفت على كلامه من أبنية الأفعال أربعة وثلاثون بناء: منها للثلاثي المجرد من الزوائد ثلاثة أبنية: وهي: «فعل» و «فعل» و «فعل» وللرباعي المجرد بناء واحد: وهو «فعلل»، وللمزيد فيه من الرباعي ثلاثة أبنية: وهي: «تدحرج» و «احرنجم» و «اقشعرّ» وللمزيد فيه من الثلاثي سبعة وعشرون بناء (¬5): منها ما هو ملحق وهو خمسة عشر بناء، وغير الملحق اثنا عشر بناء. أما الملحق: فمنه ما هو ملحق بالرباعي وهو ستة: «فعلل» كجلبب، وشملل (¬6)، - ¬

_ (¬1) في اللسان (سلق): «واسلنقى: نام على ظهره (عن السيرافي)، وهو افعنلى»، وانظر الصحاح (سلق) (4/ 1497) وشرح المفصل للرازي (3/ 394) (رسالة). (¬2) اقعنسس: تأخر ورجع إلى خلف. انظر اللسان (قعس) وقيل معناه: اجتمع. انظر شرح المفصل للرازي (3/ 393) (رسالة). (¬3) احبنطأ يقال: احبنطأ الرّجل: انتفخ بطنه. اللسان (حبط). (¬4) احونصل: في اللسان (حصل): «واحونصل الطّائر: ثنى عنقه وأخرج حوصلته» والحوصلة من الطائر بمنزلة المعدة من الإنسان. (¬5) في المفصل (278) أنها خمسة وعشرون بناء، وانظر شرح المفصل للرازي (3/ 385) (رسالة). (¬6) شملل: أخذ من النّخل بعد لقاطه ما تبقّى من ثمره. انظر شرح السيرافي (6/ 25)، واللسان (شمل)، وقال ابن جني في المنصف (3/ 13): «يقال شمللت الرّجل: ألبسته شملة وشملل الرّجل: أسرع. اللسان (شمل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «فوعل» كحومل، وصومع (¬1)، و «فعيل» كهيثم (¬2) وبيطر، و «فعول» كجهور وهرول (¬3)، و «فعلى» كسلقى، وقلسى (¬4)، وجعبى (¬5) هو «فعنل» كقلنس. ومنه ما هو ملحق بالمزيد فيه من الرباعي وهو تسعة، منها سبعة ملحقة بـ «تدحرج» وهي الستة المتقدمة الذكر إذا زيدت التاء في أوائلها كـ «تجلبب»، و «تحوقل»، و «تبيطر»، و «تجهور»، و «تسلقى»، و «تقلنس»، والسابع «تمفعل» فإنهم قالوا: «تمسكن» (¬6) و «تمدرع» (¬7). ومنها اثنان ملحقان باحرنجم وهما: «اقعنسس» و «اسلنقى» ولم يلحق بـ «اقشعرّ» شيء. وأما غير الملحق: وهو الاثنا عشر فمنه ما يوازن الرباعي وهو ثلاثة: «أفعل» و «فعّل» و «فاعل» نحو: أخرج، وجرّب، وقاتل، ومنه ما لا يوازنه وهو تسعة - ¬

_ (¬1) صومع: يقال: صومعت الشّيء صومعة إذا دحرجته. انظر المنصف (3/ 13). (¬2) هيثم: أخفى صوته. اللسان (هثم). (¬3) الهرولة: ضرب من العدو بين المشي والعدو. انظر اللسان (هرول). (¬4) قلسى: يقال: قلسى الرّجل القلنسوة: ألبسه إيّاها. انظر اللسان (قلس). (¬5) جعبى: يقال: جعبيته فتجعبى أي: صرعته. انظر اللسان (جعب). (¬6) تمسكن: إذا تشبّه بالمساكين وهم جمع المسكين وهو الذي لا شيء له، وقيل: هو الذي له بعض الشّيء. انظر اللسان (سكن)، وقال السيرافي: «وقد ألحق بتدحرج تمفعل بزيادة الميم فقالوا: تمسكن وتمدرع ولم ترد هذه الميم للإلحاق إلا مع التاء؛ لأنه لم يسمع: مسكن ولا مدرع»، شرح السيرافي (6/ 26)، وانظر المفصل (ص 278)، وقال ابن يعيش (7/ 156): «قولهم تمسكن شاذ من قبيل الغلط ومثله قولهم: تمدرع، وتمندل، والصواب: تسكّن وتدرّع وتندّل»، وانظر المنصف (1/ 89)، وشرح الشافية (1/ 68). (¬7) تمدرع: الدّرع: لبوس الحديد تذكّر وتؤنّث، والمدرعة: ضرب من الثياب التي تلبس وتكون من الصّوف خاصة. انظر اللسان (درع)، وقال ابن منظور: وتدرّع مدرعته وأدرعها وتمدرعها تحملوا ما في تبقية الزائد مع الأصل في حال الاشتقاق توفية للمعنى، وحراسة له ودلالة عليه، ألا ترى أنهم إذا قالوا: تمدرع - وإن كانت أقوى اللغتين - فقد عرّضوا أنفسهم لئلا يعرف غرضهم أمن الدّرع هو أم من المدرعة؟ وهذا دليل على حرمة الزائد في الكلمة عندهم حتى أقرّوه إقرار الأصول ومثله: تمسكن وتمسلم»، وانظر المراجع السابقة في «تمسكن».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبنية: منها اثنان أولهما متحرك وهما: «تفعّل» و «تفاعل» نحو: تكلّم، وتعجّل، وتكبّر، وتغافل. وسبعة أولها موضوع على السكون فلابد من اجتلاب همزة عند الابتداء بالنطق بها وهي: «انفعل» كانطلق، وانصلت (¬1)، و «افتعل» كاقتدر واقترب، و «استفعل» كاستخرج واستكمل و «افعالّ» كاشهابّ (¬2) واحمارّ، و «افعلّ» كاشهبّ واحمرّ، و «افعوعل» نحو: اغدودن، و «افعوّل» نحو: اعلوّط، وقد أتى المصنف على الأبنية المذكورة مجرّدها ومزيدها ولكنه سردها على غير النّمط الذي ذكرته، والذي ذكره زائدا: «افعولل» كاعثوثج و «افعيّل» كاهبيّخ، وذكر أن من الملحق بـ «فعلل» أيضا ثلاثة أبنية أخر وهي: «فاعل» كتأبل القدر، و «نفعل» كنرجس الدّواء، و «فعلن» كقطرن البعير. وأن من الملحق بافعنلل أيضا: احبنطأ، واحونصل، وأن «افعللّ» قد ألحق به أيضا نحو: ابيضضّ (¬3). فجملة ما ذكره زائدا على ما قررناه أولا ثمانية، منها ما هو ملحق ستة، وما هو غير ملحق اثنان، وأشعر كلامه أنها أبنية قليلة وقد وصف بعضها بالنّدور، ولا شك أن المعتبر (¬4) المطّرد من الأبنية [5/ 15] هو ما تقدمت الإشارة إليه. ¬

_ (¬1) انصلت في الأمر: انجرد. اللسان (صلت). (¬2) اشهابّ: غلب بياضه سواده. انظر اللسان (شهب). (¬3) هو ملحق بـ «اقشعرّ» وقد ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل والتكميل (6/ 75) (رسالة)، واستدل له بقول الراجز: فالزمي الخصّ واخفضي تبيضضّي وانظر أمالي الشجري (1/ 220). (¬4) يعيب بعض من الدارسين للّغة على من يستعمل لفظ «اعتبر» ومشتقاته في البحوث العلمية ويوجهون ذلك بأن «اعتبر» معناه: تدبّر واتّعظ، ولكني أردت الوقوف على مدى استعمال هذا اللفظ مع مشتقاته فوجدت أن استعماله فصيح وموفّ بالغرض الذي سيق له قال في اللسان: «والعابر: الذي ينظر في الكتاب فيعبره أي: يعتبر بعضه ببعض حتى يقع فهمه عليه. ولذلك قيل: عبر الرّؤيا، واعتبر فلان كذا» وقال: «والمعتبر: المستدلّ بالشّيء على الشّيء». انظر اللسان مادة (عبر). فالمعتبر: هو المستدلّ به على الشّيء وهو المعني به هنا.

[حكم فعل الأمر من أنواع الأفعال السابقة]

[حكم فعل الأمر من أنواع الأفعال السابقة] قال ابن مالك: (فصل: صيغة فعل الأمر من كلّ فعل كمضارعه المجزوم المحذوف أوّله، فإن لّم يكن من «أفعل» وسكن تالي حروف المضارعة لفظا أولي همزة الوصل، وإن كان من «أفعل» افتتح بهمزته مطلقا). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): التعبير عن فعل الأمر بكونه كمضارعه المجزوم المحذوف أوله يعم نحو: «عد» (¬2) و «ر» و «سل» (¬3) و «قم» و «زد» و «دحرج» و «علّم» و «راقب» فإنها ليس بينها وبين مضارعاتها المجزومة إلا حذف حرف المضارعة منها، وثبوته في المضارع المجزوم، وهكذا كل أمر من فعل يلي حرف المضارعة منه متحرّك (¬4)، فإن سكن لفظا تالي حرف المضارعة ولم يكن ماضيه «أفعل» حذف حرف المضارعة وجعل موضعه همزة الوصل، كقولك في: يستمع، وينطلق، ويستخرج، ويحبنطئ: استمع، وانطلق، واستخرج، واحبنطئ. فإن كان ماضيه «أفعل» حذف حرف المضارعة وجعلت مكانه همزة قطع مفتوحة وذلك واجب في كل فعل أمر ماضيه على وزن «أفعل» صحيحا كان كـ «أكرم» أو معتلّا كـ «أقم» (¬5) أو مدغما عينه في لامه كـ «أعدّ» (¬6) ولا ستواء الأنواع الثلاثة (¬7) في الافتتاح بالهمزة المفتوحة قلت: «وإن كان من أفعل افتتح بهمزة مطلقا». * * * ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 464). (¬2) مضارعه: يعد وأصله: يوعد إلا أن الواو حذفت؛ لأن فاء الكلمة في المضارع إذا كانت واوا من فعل يفعل تحذف إذا كان مكسور العين فيقال: يعد، وقد اختلف النحاة في علة حذف هذه الواو فقال البصريون: إن العلة هي وقوع الواو بين ياء مفتوحة وكسرة، وقال الكوفيون: إن العلة هي قصد الفرق بين الفعل المتعدي والفعل اللازم، انظر شرح المفصل للرازي (3/ 157) (رسالة)، والإنصاف (2/ 782) (المسألة 112)، والهمع (2/ 218)، والأشموني (4/ 341). (¬3) ماضيه: سلت، ومضارعه: أسل. انظر اللسان (سأل). (¬4) انظر المفصل (ص 256)، وابن يعيش (7/ 58)، وقال الرازي في شرح المفصل (3/ 152) (رسالة): «وإنما كان لفظ الأمر مأخوذا من الفعل المضارع دون الماضي؛ لأن الماضي وقع ومضى فيمتنع الأمر به». (¬5) مضارعه: يقيم وأصله: يقوم حدث فيه إعلال بالنقل وإعلال بالقلب. (¬6) مضارعه: يعدّ. (¬7) وهي ما كان على وزن أفعل صحيحا أو معتلّا أو مدغما عينه في لامه.

الباب السادس والخمسون باب همزة الوصل

الباب السادس والخمسون باب همزة الوصل [مواضع همزة الوصل] قال ابن مالك: (وهي المبدوء بها في الأفعال الماضية الخماسيّة والسّداسيّة ومصادرها والأمر منها ومن الثّلاثيّ السّاكن ثاني مضارعه لفظا عند حذف أوّله، وفي «ابن» و «اثنين» و «امرئ» وإناثها، و «اسم» و «است» و «ابنم» و «ايمن» المخصوص بالقسم والمبدوء بها «أل» (¬1) وتفتح مع هذين وتضمّ مع غيرهما قبل ضمّة أصليّة موجودة أو مقدّرة، وتشمّ قبل المشمّة، وتكسر فيما سوى ذلك، وقد تكسر في «ايمن» وربّما كسرت قبل الضّمّة الأصليّة وأصلها الكسر على الأصح). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): لما فرغ من استيفاء أبنية الأفعال وعلم المبدوء منها بهمزة، وما ليس كذلك، واحتيج إلى تبيين همزة الوصل (¬3) استعين على ذلك بالإحالة على ما تقدم، فاحترز بذكر «الماضية» من همزة المتكلم فإنها همزة قطع في الأفعال كلها (¬4). واحترز بـ «الخماسية والسداسية» من الرباعي الذي وزنه «أفعل» كـ «أكرم»، و «فاعل» كـ «آخذ» ماضي «يؤاخذ»، ومن الثلاثي الذي أوله همزة كـ «أخذ» (¬5)، وأمثلة الخماسي والسداسي قد ذكرت فلا حاجة إلى ذكر شيء منها، وقد علم أن كل مثال منها مفتوح الثالث، فإذا قصد مصدره كسر ثالثه وزيد قبل آخره ألف، وترك ما سوى ذلك على ما كان عليه عند قصد الفعلية إلا أن - ¬

_ (¬1) في (جـ)، (أ): به، وما أثبته من متن التسهيل لابن مالك. (¬2) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 464). (¬3) اختلف في سبب تسميتها بهمزة الوصل مع أنها تسقط في الوصل، فقيل: اتساعا، وقيل: لأنها تسقط فيتصل ما قبلها بما بعدها وهذا قول الكوفيين، وقيل: لوصول المتكلم بها إلى النطق بالساكن، وهذا قول البصريين وكان الخليل يسميها: سلّم اللّسان. الأشموني: (4/ 273)، وانظر شرح التصريح (2/ 364)، وقال الصبان (4/ 273) «كان المناسب أن تسمّى همزة الابتداء». (¬4) انظر التذييل والتكميل (6/ 79) (رسالة) وشرح التصريح: (2/ 364). (¬5) انظر المرجعين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون ذا إدغام مع الفعلية فيجب مع المصدرية الفكّ من أجل الألف كقولك في ما لا إدغام فيه: استمع استماعا، واستخرج استخراجا، وفي ما فيه إدغام: اشتدّ اشتدادا، واستعدّ استعدادا. ومثال المبدوء بهمزة وصل من أمر الخماسي والسداسي: استمع واستخرج، وقد سبق الكلام على كيفية صوغ فعل الأمر، وبيان ما هو منه مفتقر لهمزة الوصل (¬1) فردت الآن بيانا بالتنبيه على الأمر من الخماسي والسداسي، ثم نبهت على الأمر من الثلاثي، وقيدته بسكون ثاني حرف المضارعة منه لفظا عند حذف أوله، فعرف بذلك أن الأمر من: يعلم ويضرب ويخرج: اعلم، واضرب، واخرج، وكذلك ما أشبهها، وقد عرف ذلك أيضا من الفصل السابق، ولكن زيادة البيان أحوط. وخرج بتقييد السكون باللفظ المحرك ثانيه لفظا لا تقديرا كـ «يقوم» و «يردّ» و «يرى» و «يسيل» فإن ثوانيها محركة لفظا مسكنة تقديرا، فلو لم يقيد السكون باللفظ لتناولت العبارة ما هو مستغن عن همزة الوصل من المحرك ثانيه لفظا المسكن تقديرا. وخرج بقولي: «عند حذف أوّله» خذ، وكل، ومر، وكان حقّها أن يقال فيها: أؤخذ وأؤكل وأؤمر كما يقال في الأمر من: أثر الحديث وأجر الأجير: أؤثر، وأؤجر، لكن كثر استعمال الأفعال الثلاثية فحذفت الهمزة في الأمر منها على غير قياس (¬2)، وللكلام على الحذف موضع هو أولى من هذا. ولما حصرت مواقع همزة الوصل في الأفعال والمصادر كمّلت ذلك بضبط مواقعها الباقية وهي: «ابن» و «ابنة» و «اثنان» و «اثنتان» و «امرؤ» و «امرأة» و «اسم» - ¬

_ (¬1) انظر الصفحة قبل السابقة. (¬2) انظر المفصل (ص 351) وقال الزمخشري: «ثم التزموه في اثنين دون الثالث فلم يقولوا أؤخذ ولا أؤكل وقال الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ» وانظر ابن يعيش: (9/ 115)، وقال الإمام بدر الدين في شرح لامية الأفعال: «وربما جاءت على القياس فقيل: أؤمر وأؤخذ وأؤكل، وكثر ذلك في: مر مع واو العطف كقوله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها» انظر شرح لامية الأفعال: (87 - 88)، وقال سيبويه في الكتاب: (4/ 111) «وقالوا مره وقال بعضهم: أومره حين خالفت في موضع وكثر في كلامهم خالفوا به في موضع آخر» وقال: (4/ 219) «وأما ما جاء من الأفعال فخذ وكل ومر، وبعض العرب يقول: أو كل فيتمّ».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «است» و «ابنم» و «ايمن» المخصوص بالقسم و «أل» موصولة كانت أو معرّفة، أو زائدة (¬1). وقيّد «ايمن» بكونه المخصوص بالقسم احترازا من: «أيمن» جمع يمين (¬2)، وقد تقدم الكلام في باب «القسم» على «ايمن» مكمّلا لكن بعد العهد به فلم أر بأسا بإعادة بعض ذلك تأكيدا للبيان، وتوقّيا للنسيان. ولما كان سبب الإتيان بهمزة الوصل التوصل إلى الابتداء بالنطق بالساكن وجب كونها متحركة كسائر الحروف المبدوء بها، وأحق الحركات بها الكسرة (¬3) لأنها راجحة على الضمة، بقلة الثقل، وعلى الفتحة بأنها لا توهم استفهاما، بخلاف الفتحة فإنها توهمه، فإنه لو قيل في «اصطفى»: أصطفى والاستفهام غير مراد لكان لفظه كاللفظ به والاستفهام مراد، فإذا قيل في الإخبار: اصطفى - بالكسر - وفي الاستفهام: أصطفى - بالفتح - أمن الإيهام وتأكّد الإفهام. وفي فتح همزة الوصل أيضا محذور آخر: وهو تأديته إلى التباس الأمر بالمضارع المسند إلى المتكلم، وذلك أنه لو قيل في الأمر بالانطلاق: أنطلق بفتح الهمزة لتوهّم أنه مضارع [5/ 16] مسند إلى المتكلم، ولا يكفي الفرق بالسكون، فإن المضارع قد يسكن في موضع الرفع تخفيفا كتسكين أبي عمرو وَيَنْصُرْكُمْ (¬4) وأخواته (¬5). ولما استحقت همزة الوصل الكسر في الأفعال كسرت أيضا في الأسماء لتجري على سنن واحد، فإن عرض في ما يلي الساكن الذي جيء بها لأجله ضمّة لازمة - ¬

_ (¬1) كون الهمزة في الأسماء العشرة المذكورة طريقة السماع لا القياس، الأشموني (4/ 274). ومذهب الخليل أن همزة «أل» قطع وصلت لكثرة الاستعمال قال الأشموني (4/ 277): «واختاره الناظم في غير هذا الكتاب». (¬2) الهمزة فيه للقطع وهو مذهب الكوفيين. ومذهب البصريين أن ايمن المخصوص بالقسم همزته للوصل. انظر الأشموني (4/ 276). (¬3) هذا مذهب البصريين وانظر الإنصاف (2/ 737) (المسألة 107)، والأشموني: (4/ 279). (¬4) من الآية 160 من سورة آل عمران يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ والآية 20 من سورة الملك يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ، والقراءة سبعية انظر الكشف عن وجوه القراءات السبع لمكي بن أبي طالب القيسي: (1/ 240)، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه (ص 77). (¬5) يعني بأخواته «يشعركم» من الآية 109 الأنعام، و «يأمركم» من الآية 67 من سورة البقرة.

[أحكام خاصة بهمزة الوصل]

[أحكام خاصة بهمزة الوصل] قال ابن مالك: (فصل: لا تثبت همزة الوصل غير مبدوء بها إلّا في ضرورة، ما لم تكن مفتوحة تلي همزة استفهام فتبدل ألفا أو تسهّل، وثبوتها قبل حرف التّعريف المحرّك بحركة منقولة راجح، ويغني عنها في غيره، وشذّ في «سل» اسل، وإن اتّصل بالمضمومة ساكن صحيح أو جار مجراه جاز كسره وضمّه). ـــــــــــــــــــــــــــــ ضمّت هي إتباعا وتخلّصا من تتابع كسر وضم، وبعض العرب يغتفر ذلك لأجل الانفصال بالساكن، والضمّ هو المأخوذ به حتى في نحو: «اغزي» إتباعا للضمة المنوية قبل الياء (¬1). ومن أشمّ في «اختير» و «انقيد» لزمه الإشمام في الهمزة (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬3): مثال ثبوتها غير مبدوء بها في الضرورة: قول الشاعر (¬4): 3574 - إذا جاوز الإثنين سرّ فإنّه ... بنثّ وتكثير الحديث قمين (¬5) ومثال إبدالها ألفا لكونها مفتوحة بعد همزة استفهام: قوله تعالى: آلذَّكَرَيْنِ - * ¬

_ (¬1) الأصل في «اغزي»: اغزوي فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت ثم حذفت الواو لالتقاء الساكنين فالضم نظرا إلى أن الضمة الأصلية مقدرة لأن المقدر كالموجود والكسر نظرا إلى الحالة الراهنة ومرجع الوجهين إلى الاعتداد بالعارض وعدمه، وانظر شرح ابن الناظم للألفية (ص 335)، وشرح التصريح (2/ 365)، والأشموني (4/ 278). (¬2) انظر شرح التصريح (2/ 466)، والأشموني وحاشية الصبان (4/ 278). (¬3) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 466). (¬4) هو قيس بن الخطيم في ديوانه (ص 162). (¬5) هذا البيت من الطويل المجزوء. الشرح: بنث بالباء الجارة وفتح النون وبتشديد المثلثة من نثّ الحديث ينثّه بالضم نثّا إذا أفشاه، قمين: أي جدير بذلك يقال: قمين وقمن أي خليق بذلك وحري. ورواية العيني: (4/ 566) «بنشر وإفشاء الحديث قمين» ورواية الهمع: (2/ 211) «ببث» ورواية الدرر: (2/ 237) موافقة لما معنا، وانظر البيت في نوادر أبي زيد (ص 204). ورواية الديوان: بنشر وتكثير الحديث قمين، وانظر البيت على الرواية التي بين أيدينا درة الغواص (ص 256) واللسان (نثث). والاستشهاد فيه: في إثبات همزة الوصل في الدرج للضرورة لأن ذلك لا يجوز في حالة الاختيار.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ * (¬1) وكان حقّها أن تحذف كما يحذف غيرها من همزات الوصل إذا وليت همزة الاستفهام نحو: أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (¬2) إلا أنها لو حذفت لم يعلم أن الباقية همزة استفهام لأنها مفتوحة، واللفظ بالاستفهامية في موضعها كاللفظ بها دون استفهام فلو لم تبدل أو تسهل بعد همزة الاستفهام لكان الاستفهام لا يعرف به، والمشهور إبدالها ألفا، وقد تسهل كقول الشاعر: 3575 - وما أدري إذا يمّمت أرضا ... أريد الخير أيّهما يليني الخير الّذي أنا مبتغيه ... أم الشّرّ الّذي هو يبتغيني (¬3) وكقول الآخر: 3576 - الحقّ إن دار الرّباب تباعدت ... أو انبتّ حبل أنّ قلبك طائر (¬4) وإذا نقلت حركة همزة إلى الساكن الذي جيء بهمزة الوصل لأجله استغني عن همزة الوصل كقول بعض العرب: «ن نؤيك» يريد: انأ نؤيك أي: أصلحه (¬5). - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 143، 144. (¬2) سورة الصافات: 153. (¬3) هذان البيتان من الوافر وهما للمثقب العبدي (ديوانه ص 213). الشرح: «يممت» قصدت، و «الخير والشر» - بالرفع - بدل من قوله أيهما ولهذا قرن بحرف الاستفهام، ويروى «وجهت» بدل «يممت» وهي رواية السيوطي في شرح شواهد المغني (ص 191)، ويروى: «أمرا» بدل «أرضا» وهي رواية الضبي في المفضليات (ص 292)، والبغدادي في الخزانة: (4/ 429)، ويروى «وجها» بدل: أرضا وهي رواية السيوطي في شرح شواهد المغني (ص 191)، والبغدادي في شرح شواهد الشافية (4/ 188)، والفراء في معاني القرآن (1/ 231)، (2/ 7). (¬4) هذا البيت من الطويل وهو لعمر بن أبي ربيعة ديوانه (ص 101). الشرح: الحق: مبتدأ وخبره قوله أنّ قلبك طائر، والعائد محذوف أي طائر له أي لأجله أي لأجل بعد دار الرباب، وإن شرطية وجواب الشرط محذوف للعلم به، والرباب: بزنة سحاب: اسم امرأة، انبت: أي انقطع من البتّ وهو القطع، وأراد بالحبل حبل المودة وهي الصلة التي كانت بينهما. والشاهد فيه قوله: الحق على أن همزة الوصل فيه بين بين. وانظر البيت في شرح التصريح (2/ 366) والأشموني وحاشية الصبان (4/ 278). (¬5) انظر اللسان (نأى)، والنّؤي: حفرة حول الخباء يدخله ماء المطر، وقال ابن بري: هذا إنما يصح إذا قدّرت فعله نأيته أنآه فيكون المستقبل ينأى، ثم تخفف الهمزة على حد يرى فتقول: ن نؤيك كما تقول: ر زيدا. اللسان (نأى).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا يقال لمن يؤمر بالنّأي: ن عنّي، والأصل: انأ فنقلت حركة الهمزة إلى النون، واستغني عن همزة الوصل كما استغني في الإدغام إذا قلت في اردد: ردّ، وشذ قول بعض العرب في سل: اسل (¬1)، فلو كان الساكن المنقول إليه الحركة لام «أل» لجاز حذف الهمزة وثبوتها، والثبوت أجود لأن استعماله في القراءة أشهر (¬2). وإذا اتصل بهمزة الوصل المضمومة ساكن صحيح أو جار مجرى الصحيح (¬3) حذفت وكسر الساكن أو ضمّ (¬4) نحو: أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ (¬5)، وأَنِ اقْتُلُوا، أَوِ اخْرُجُوا. * * * ¬

_ (¬1) قيل: لا شذوذ فيه لأن هذه السين وإن كانت متحركة هي في نية السكون، انظر اللسان (سأل). (¬2) قرأ به ورش ووافقه قالون؛ قوله تعالى آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ [يونس: 51]، وآلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ [يونس: 91]، انظر الكشف عن وجوه القراءت السبع (1/ 91) وانظر الحجة لابن خالويه (ص 184)، والأشموني (4/ 279). (¬3) أي ساكن معتل جار مجرى الصحيح بأن تكون حركة ما قبله غير مجانسة له. انظر الأشموني وحاشية الصبان (4/ 279). (¬4) المرجع السابق. (¬5) سورة النساء: 66.

الباب السابع والخمسون باب مصادر الفعل الثلاثي

الباب السابع والخمسون باب مصادر الفعل الثّلاثي [أوزان بعض هذه المصادر] قال ابن مالك: (منها الثّلاثيّ محرّك الفاء بالثّلاث، مفتوح العين مجرّدا، أو ذا ألف بعدها مذكّرا أو مؤنّثا بالتّاء، أو ساكن العين مجرّدا، أو مؤنّثا بالتّاء أو الألف المقصورة، أو مزيدا آخره ألف ونون). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): «محرك الفاء بالثلاث» أي: الفتحة والكسرة والضمة، و «مفتوح العين مجردا» أي مفتوح العين مجردا مع فتح الفاء كـ «فرح» ومع كسرها: كـ «غلظ» (¬2) ومع ضمها: كـ «هدى» (¬3). «أو ذا ألف بعدها» أي: بعد العين المفتوحة مذكرا كـ «صلاح» و «جماح» (¬4) و «نباح» (¬5) أو مؤنثا بالتاء كـ «نجابة» (¬6) و «خطابة» و «دعابة» (¬7) فهذه تسعة أمثلة للمفتوح العين. وللساكن العين مجرّدا: «فعل» كـ «صبر» و «فعل» كـ «ذكر» و «فعل» كـ «شكر» وله مؤنّثا بالتاء «فعلة» كـ «رحمة» و «فعلة» كـ «نشدة» (¬8) و «فعلة» كـ «قدرة» وله مؤنّثا بالألف المقصورة «فعلى» كـ «دعوى» و «فعلى» - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لابن مالك (3/ 468). (¬2) مصدر غلظ يغلظ غلظا: صار غليظا. اللسان (غلظ) وانظر الكتاب: (4/ 31). (¬3) في اللسان (هدى): «ابن سيده: الهدى ضد الضّلال وهو الرّشاد والدّلالة أنثى، وقد حكي فيها التّذكير» وفيه «قال ابن جني: قال اللحياني: الهدى مذكّرة، قال: وقال الكسائي: بعض بني أسد يؤنّثه، يقول هذه هدى مستقيمة». (¬4) في (أ): «جماع» وجماح: مصدر جمح الفرس براكبه: اعتزّه على رأسه وذهب جريا غالبا لا يملكه، انظر أساس البلاغة (1/ 131) (جمح) واللسان (جمح). (¬5) نباح: بضم النون وكسرها مصدر نبح الكلب والظّبي والتّيس والحيّة، والنّبح: صوتها. انظر اللسان (نبح). (¬6) مصدر: نجب ينجب: والنّجيب: الفاضل الكريم السّخيّ، انظر اللسان (نجب). (¬7) الدّعابة: اللّعب والمزاح. اللسان (دعب). (¬8) نشدة: مصدر نشد الضّالّة ينشدها نشدة طلبها وعرفها. انظر اللسان (نشد) والكتاب: (4/ 8) (هارون).

[من أوزان مصادر الثلاثي]

[من أوزان مصادر الثلاثي] قال ابن مالك: (ومنها: فعلان، وفعل، وفعلة، وفعّيل، وفعيلة، وفعول، وفعولة، وفعول، وفعوليّة، وفعوليّة، وفعليّة، وفعل، وفعالية، وفعلل، وفيعولة، وفيعوليّة، وفعلى، وفعلاء، وفعلاء، وفعلاء، ومفعولاء، وفعّيلى، وفعّيلاء، وإفعيلى، وإفعيلاء، وفعلّة، وفعلّى، وفعلّى، وفعلّى، وفعلوت، وفعلنية، وفعالّة، وفعلّان، وفعّول، وتفعلة، وتفعلة، ومفعل - مثلّث العين مجرّدا وبالتّاء، ومفعول، ومفعولة، وفاعل، وفاعلة). ـــــــــــــــــــــــــــــ كـ «ذكرى» (¬1) و «فعلى» كـ «رجعى». وله ذا ألف ونون زائدتين: «فعلان» ولم يجئ منه إلا «ليّان» (¬2) و «شنآن»، بمعنى: شنآن (¬3)، و «فعلان» كـ «إتيان» (¬4) و «فعلان» كـ «غفران» (¬5). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬6): ترتيب أمثلة هذه الأوزان: جولان، وكذب (¬7) وسرقة (¬8)، وذميل (¬9)، ونميمة، وحلول، وسهولة، وقبول (¬10)، - ¬

_ (¬1) قال سيبويه: «وقالوا ذكرا كما قالوا: شربا» الكتاب: (4/ 7). (¬2) قال في الكتاب: (4/ 9): «وقالوا: لويته حقّه ليّانا على فعلان» وفي ابن يعيش: (6/ 45): «قال أبو العباس: فعلان بفتح الفاء لا يكون مصدرا» وفيه «وقد حكى أبو زيد عن بعض العرب: لويته ليّانا بالكسر» وانظر شرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 107) ولواه دينه ليّانا: مطله. اللسان (لوى). (¬3) شنآن: بسكون العين قيل يكون مصدرا وقيل لا يكون إلا اسما وهو من شنأ بمعنى: أبغض. اللسان (شنأ). (¬4) قال في الكتاب: (4/ 8): «وقد قالوا: أتيا على القياس». (¬5) قال في الكتاب: (4/ 8): «وقد جاء على فعلان نحو: الشّكران والغفران وقالوا: الشّكور كما قالوا: الجحود، فإنما هذا الأقل نوادر تحفظ عن العرب ولا يقاس عليها ولكن الأكثر يقاس عليه. (¬6) انظر شرح التسهيل لابن مالك (2/ 469). (¬7) قال في الكتاب (9/ 6): «وقالوا كذابا جاءوا به على فعال كما جاء على فعول». (¬8) مصدر سرق يسرق، وقالوا: سرقا على «فعل» وسرقا على «فعل» انظر الكتاب: (4/ 6). (¬9) في (جـ)، (أ): «دميل» والصواب ذميل وهو مصدر: ذمل، والذّميل: ضرب من سير الإبل وقيل: هو السّير اللّيّن ما كان. انظر اللسان (ذمل) وأساس البلاغة (1/ 302) (ذمل). (¬10) مصدر قبل ومثله: الوضوء والطّهور والولوع والوقود ولم يجئ على فعول - بفتح الفاء - إلا هذه الأمثلة الخمسة انظر الكتاب (4/ 42)، وانظر المقرب (2/ 133)، وإصلاح المنطق (ص 332 - 335)، وشرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 110)، وشرح الشافية (1/ 159 - 160)، وانظر اللسان (وضأ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخصّه خصوصيّة وخصوصيّة، وحقره حقريّة (¬1)، وحلم حلما، وكره كراهيّة، وساد سؤددا، وبان بينونة، ودام ديمومة (¬2)، وكعّ كعاعة وكعوعا وكيعوعيّة، إذا ضعف وجبن (¬3)، وجمز جمزى (¬4)، وهلك هلكاء، وغلا غلواء، وخال خيلاء وخيلاء، وخلف مخلوفاء، وشعر مشعوراء، وحضّه على الأمر حضّيضى، وحثّه حثّيثى، وهجر هجّيرى (¬5)، وهجّيراء وإهجيرا وإهجيراء، وغلب غلبّة وغلبّى وغلبّى، ورغب رغبوتا، ورهب رهبوتا، وسحفه سحفنية أي: حلقه (¬6)، ودعره دعارة - بتخفيف الراء وتشديدها - إذا فجر ومحق (¬7)، وعرف عرفّانا - بكسر العين والراء وتشديد الفاء - بمعنى: عرفان، وصار صيّورا: رجع (¬8)، وجلّ تجلّة أي: جلالا، وهلك تهلكة أي: هلاكا، وذهب مذهبا، ورجع مرجعا، وهلك مهلكا، وقدر على الشّيء مقدرة ومقدرة ومقدرة، وعقل معقولا وجلد مجلودا فهو جلد [5/ 17] وأوّى له مأويّة (¬9) إذا رحمه (¬10)، وفلج فالجا (¬11)، وكذب كاذبة، ولغا لاغية. انتهى. وناقش الشيخ المصنف في قوله: إنّ المصدر يجيء على فيعولة كبينونة وديمومة فقال (¬12): «لا يصح ذلك لأن مذهب سيبويه (¬13) أن هذا النوع وزنه في الأصل: - ¬

_ (¬1) الحقر: الذّلّة وانظر اللسان (حقر). (¬2) هو فيلولة: بحذف العين - على مذهب البصريين وليس فيعولة. انظر شرح لامية الأفعال (ص 109) وستأتي مناقشة الشيخ أبي حيان للمصنف في هذا ورد المؤلف عليه. (¬3) انظر اللسان (كعع). (¬4) حمار جمزى: وثّاب سريع. اللسان (جمز). (¬5) في الكتاب: (4/ 41) «والهجّيرى: كثرة الكلام والقول بالشّيء» وفي اللسان (هجر): «وهجّيرى الرّجل كلامه ودأبه وشأنه» وكذلك الإهجيرى. (¬6) اللسان (سحف). (¬7) في (جـ): «ذعره ذعارة» وفي (أ): «ذعره» والصواب دعره دعارة وانظر اللسان (دعر) وفيه «فجر ومجر». (¬8) في اللسان (صير): «وصيّور الشّيء: آخره ومنتهاه وما يئول إليه كصيره ومنتهاه وهو فيعول». (¬9) هكذا في (جـ)، (أ) والصواب مأووية. (¬10) في (أ): رحم وفي (جـ) زيادة «ومراح». (¬11) الفالج: داء معروف يرخي بعض البدن. اللسان (فلج). (¬12) انظر التذييل والتكميل: (6/ 95 - 96) (رسالة). (¬13) انظر الكتاب: 4/ 365 (هارون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيعلولة، وأنه مما التزم فيه حذف عينه فقالوا: كينونة، وقيدودة (¬1)، وديمومة، هذا من ذوات الواو، وأما من ذوات الياء فقالوا: صيرورة، وسيرورة، وطيرورة، فهذا كله عند سيبويه والبصريين وزنه «فيعلولة» فإما أن يمثله على أصله فيقول: فيعلولة، وإما أن يمثله على ما صار إليه بعد الحذف فيقول: فيلولة، وأما الفراء فمذهبه في هذا النوع أن وزنه: فعلولة - بضم الفاء - ثم إنهم فتحوا الفاء لتصح الياء في ذوات الياء لئلا تنقلب واوا لو أقروا الضمة، ثم حملوا ذوات الواو على ذوات الياء ففتحوا وأبدلوا الواو ياء، قال: فالمصنف لم يأخذ بقول سيبويه ولا بقول الفراء» انتهى. وأقول: إن ظاهر كلام الشيخ يشعر بأن المصنف ربما جهل المذاهب في المسألة المذكورة جملة حتى صار قوله فيها مخالفا لما قاله البصريون والكوفيون، وهذا عجب من الشيخ إن كان يوهم ذلك فإن المصنف قد ذكر المسألة في فصول الحذف من باب التصريف من هذا الكتاب فقال (¬2): ومن اللّازم حذف عين فيعلولة كبينونة، وليس أصله: فعلولة ففتحت فاؤه لتسلم الياء خلافا للكوفييّن. فأشار إلى المذهبين مختارا لمذهب البصريين. فإن قيل: إذا كان كذلك فلم عبّر المصنف هنا بـ «فيعولة» بإثبات العين؟ قلت: الذي يظهر بل الذي يتعيّن أن يعتقد أن هذا الموجود غلط في الكتابة من النساخ، وأن الذي ذكره المصنف إنما هو: فيلولة، فأبدل النساخ اللام بالعين غلطا وهذا هو الذي يتعين حمل كلام المصنف عليه بدليل قوله في باب التصريف «كبينونة» ممثلا بهذه الكلمة لما حذفت منه العين، فوجب أن يحمل تمثيله بها في هذا الباب على ما أراده في ذلك الباب قطعا، ولا شك أن هذا أمر واضح جلي لا ينبغي التوقف في مثله. ولو قيل: بأن الوزن الذي ذكره المصنف في هذا الباب إنما هو «فيعلولة» الذي هو الوزن التام، وأنه نبه على أن العين تحذف في باب التصريف وإنما الكاتب سقطت منه اللام في الكتابة فكتب «فيعولة» - لكان قولا. ويظهر لي أنه أرجح من القول الآخر الذي قلناه. ¬

_ (¬1) من قاد يقود. انظر الكتاب (4/ 365). (¬2) انظر التسهيل (ص 314).

[مصادر الحرف والأدواء والأصوات والألوان]

[مصادر الحرف والأدواء والأصوات والألوان] قال ابن مالك: (والغالب أن يعنى بـ «فعالة» و «فعولة» المعاني الثّابتة وب «فعالة» الحرف وشبهها، وب «فعال» ما فيه تأبّ، وب «فعال» الأدواء والأصوات، وب «فعيل» الأصوات وضروب السّير، وب «فعلان» ما فيه تقلّب، وب «فعل» الأعراض، وب «فعلة» الألوان). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): قصد المعاني الثابتة بـ «فعالة»: كـ «الفطانة» (¬2) و «البلادة»، و «الجزالة» (¬3) و «الرّذالة» (¬4) و «اللّبابة» (¬5) و «الجهالة» و «الطّرافة» (¬6)، و «السّخافة» (¬7) و «البراعة» و «الرّقاعة» (¬8). وقصدها بـ «فعولة»: كـ «السّهولة» (¬9) و «الصّعوبة» و «الرّطوبة» و «اليبوسة» و «العذوبة» و «الملوحة» و «الرّعونة» (¬10)، و «الخشونة». وقصد الحرف بـ «فعالة»: كـ «التّجارة» و «الخياطة» و «النّساجة» - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل لابن مالك (2/ 469). (¬2) الفطانة: ضد الغباوة. اللسان (فطن). (¬3) امرأة جزلة بيّنة الجزالة: جيّدة الرّأي. اللسان (جزل). (¬4) الرّذل والرّذيل والأرذل: الدّون من النّاس، وقيل هو الرّديء من كلّ شيء. اللسان (رذل) ويقال رذولة. انظر أدب الكاتب (ص 577). (¬5) قال سيبويه في الكتاب: (4/ 35) «وقالوا: اللّبّ واللّبابة ولبيب» وانظر: (4/ 37). (¬6) في اللسان (طرف) «وقال الأصمعيّ: يقال فلان طريف النّسب والطّرافة فيه بيّنة وذلك إذا كان كثير الآباء إلى الجدّ الأكبر». (¬7) السّخافة: رقّة العقل وضعفه. اللسان (سخف). (¬8) الرّقاعة: الحمق، وسمّي الأحمق رقيعا لأن عقله قد أخلق فاسترمّ واحتاج إلى أن يرقع، اللسان (رقع) وقال سيبويه في الكتاب: (4/ 36) «وقالوا: يرقع رقاعة ورقيع كقولهم حمق حماقة لأنه مثله في المعنى». (¬9) قال سيبويه في الكتاب: (4/ 32) «وقالوا: سهل سهولة وسهل» وقالوا: صعب صعوبة وصعب». (¬10) الرّعونة: الحمق والاسترخاء. اللسان (رعن).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «الحياكة» و «الصّباغة» و «الحراثة» و «الفلاحة» و «الكتابة». والمراد بشبه الحرف: الولايات كـ «الإمارة» و «العرافة» (¬1) و «الوزارة» (¬2) و «النّقابة» (¬3). وكون «فعال» لما فيه تأبّ: كـ «الشّراد» (¬4) و «الجماح» و «القماص» (¬5) و «الشّباب» (¬6) و «الخلاء» (¬7) و «الحباء» (¬8) و «الصّراف» (¬9) و «الهياج» و «الحران» (¬10) و «الشّماس» (¬11). وكون «فعال» للأدواء [والأصوات]: كـ «الزّكام» و «السّلاق» (¬12) - ¬

_ (¬1) العرافة: عمل العريف وهو القيّم والسّيّد لمعرفته بسياسة القوم. اللسان (عرف). (¬2) هي مصدر وازره على الأمر: أعانه وقوّاه، ومنه وزير الملك والسّلطان لأنه يحمل عنه وزره أي ثقله، ويقال: الوزارة - بالفتح - والكسر أجود. انظر اللسان (وزر) وأدب الكاتب (ص 576). (¬3) النّقابة: عمل النّقيب وهو عريف القوم، قال ابن منظور: «قال سيبويه: النّقابة بالكسر الاسم وبالفتح المصدر مثل الولاية والولاية» اللسان (نقب). (¬4) هو مصدر: شرد البعير والدّابّة يشرد شردا وشرادا وشرودا: نفر. اللسان (شرد)، وانظر أدب الكاتب (ص 575)، وشرح الشافية: (1/ 153). (¬5) القماص: مثلث الفاء، يقال: قمص الفرس وغيره قماصا أي استنّ وهو أن يرفع يديه ويطرحهما معا ويعجن برجليه. انظر اللسان (قمص) وقال سيبويه في الكتاب: (2/ 306) «وقال في مثل أفلا قماص بالعير» وهو مثل يضرب لمن ذلّ بعد عزّ، وقال: (3/ 540) «ويكون العلاج كذلك نحو: النّزاء ونظيره من غير المعتل: القماص». (¬6) هو من شبّ الفرس شبابا وشبيبا وشبوبا: رفع يديه جميعا. انظر اللسان (شبب) وأدب الكاتب (ص 575). (¬7) هو مصدر خلأت النّاقة خلأ وخلاء وخلوءا إذا بركت أو حرنت من غير علّة. اللسان (خلأ). (¬8) يبدو أنه مصدر حبا البعير: إذا برك وزحف من الإعياء. اللسان (حبا). (¬9) الصّراف: حرمة كل ذات ظلف ومخلب، ناقة محرّمة الظّهر: إذا كانت صعبة لم ترض ولم تذلّل. انظر اللسان (صرف) و (حرم). (¬10) هو مصدر حرنت النّاقة: قامت فلم تبرح. اللسان (حرن). (¬11) في (جـ): «الشماص» والشّماس: مصدر شمست الدّابّة والفرس: شردت وجمحت ومنعت ظهرها. اللسان (شمس)، وانظر أدب الكاتب (ص 575)، وشرح الشافية (1/ 153، 154). (¬12) السّلاق: حبّ يثور على اللّسان فيتقشّر منه أو على أصل اللّسان، ويقال: تقشّر في أصول الأسنان. اللسان (سلق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «الثّغاء» (¬1) و «السّواد» (¬2) و «العواء» (¬3) و «الخوار» (¬4) و «الجؤار» (¬5) و «الضّباح» (¬6) و «النّباح» و «النّغاق» (¬7) و «النّهاق». وكون «فعيل» للأصوات: كـ «الصّهيل» و «النّهيق» و «الهدير» (¬8) و «الصّفير» (¬9) و «الهرير» (¬10) و «النّعيب» (¬11) و «القسيب» (¬12) و «النّشيج» (¬13) و «الأذين» (¬14) و «العجيج» (¬15) و «الكشيش» (¬16). وكون «فعيل» لضروب السّير: كـ «ذمل ذميلا» (¬17) و «رسم رسيما» (¬18) و «وجف وجيفا» (¬19) و «دبّ دبيبا». وكون «فعلان» للتقلّب: كـ «الطّوفان» و «الجولان» و «النّزوان» (¬20) - ¬

_ (¬1) هو صوت الشّاء والمعز وما شاكلها. اللسان (ثغا). (¬2) في (جـ)، (أ): «السوا» وفي اللسان (سود) «والسّواد وجع يأخذ الكبد من أكل التمر وربّما قتل». (¬3) مصدر عوى الكلب والذئب: لوى خطمه ثم صوّت وقيل. مدّ صوته ولم يفصح. اللسان (عوى)، وانظر شرح الشافية: (1/ 155). (¬4) الخوار: صوت الثّور وما اشتدّ من صوت البقرة والعجل. اللسان (خور). (¬5) قيل هو مصدر جأر بالدّعاء إذا رفع صوته وقيل: الجؤار مثل الخوار. اللسان (جأر). (¬6) هو صوت الثّعالب. اللسان (ضبح). (¬7) هو مصدر نغق الغراب إذا صاح بخير. اللسان (نغق). (¬8) هو مصدر هدر البعير: صوّت في غير شقشقة وكذلك الحمام. اللسان (هدر). (¬9) الصّفير: من الصّوت بالدّواب إذا سقيت. انظر اللسان (صفر). (¬10) هو صوت الكلب دون النّباح. اللسان (هرر). (¬11) هو صوت الغراب. اللسان (نعب). (¬12) صوت الماء. اللسان (قسب). (¬13) النّشيج: مثل البكاء للصّبيّ إذا ردّد صوته في صدره ولم يخرجه. اللسان (نشج). (¬14) في (جـ)، (أ): «الأزين» بالزاي والأذين: النّداء إلى الصّلاة. اللسان (أذن). (¬15) عجيج القوم: صياحهم وجلبتهم. اللسان (عجج). (¬16) كشيش الشّراب: صوت غليانه. اللسان (كشش). (¬17) ضرب من سير الإبل. اللسان (ذمل). (¬18) من سير الإبل فوق الذّميل. اللسان (رسم). (¬19) الوجيف: ضرب من سير الإبل والخيل. اللسان (وجف). (¬20) النزوان: الوثب ومنه المثل: قد حيل بين العير والنّزوان. انظر اللسان (نزا)، ومجمع الأمثال للميداني (2/ 483).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «الخفقان» (¬1) و «الضّربان» (¬2) و «الجيشان» (¬3) و «الثّوران» (¬4) و «الغليان» و «الهيجان» (¬5). وكون «فعل» للأعراض: كـ «فرح» و «ترح» (¬6) و «عطش» و «غرث» (¬7) و «خجل» و «وجل» و «حزن» (¬8) و «وسن» (¬9) و «طمع» و «طبع» (¬10). وكون «فعلة» للألوان: كـ «شهلة» (¬11) و «سمرة» و «أدمة» (¬12) و «زرقة» و «كلحة» (¬13) و «غبرة» (¬14) و «شقرة» (¬15) و «خضرة» و «دهمة» (¬16) و «حمرة» و «صفرة». ونبّهت في أول هذه الأوزان بقولي: «في الغالب» على أن معاني هذه الأوزان قد يدلّ عليها بغيرها، وأنها قد يدلّ بها على معان أخر (¬17). ¬

_ (¬1) يقال: خفق القلب خفقانا إذا اضطرب. وانظر اللسان (خفق). (¬2) في اللسان (ضرب): «وضرب العرق والقلب يضرب ضربا وضربانا: نبض وخفق». (¬3) جاشت نفسي جيشا وجيشانا: غثت أو دارت للغثيان. انظر اللسان (جيش). (¬4) ثار الشّيء ثورانا: هاج. اللسان (ثور). (¬5) هاج الشّيء يهيج هيجا وهياجا وهيجانا: ثار لمشقّة أو ضرر. اللسان (هيج). (¬6) التّرح: نقيض الفرح، وقد ترح ترحا وتترّح وترّحه الأمر تتريحا: أي أحزنه. اللسان (ترح). (¬7) الغرث: أيسر الجوع، وقيل: شدّته، وقيل: هو الجوع عامة. اللسان (غرث). (¬8) الحزن: نقيض الفرح وهو خلاف السرور. اللسان (حزن). (¬9) الوسن: أول النّوم. اللسان (وسن). (¬10) الطّبع: الدّنس والعيب وكلّ شين في دين أو دنيا فهو طبع. انظر اللسان (طبع). (¬11) الشّهلة: في العين أن يشوب سوادها زرقة. اللسان (شهل). (¬12) الأدمة: السّمرة، والآدم من النّاس الأسمر، والأدمة في الإبل لون مشرب سوادا أو بياضا وقيل: هو البياض الواضح، وقيل في الظّباء مشرب بياضا وفي الإنسان السّمرة. انظر اللسان (أدم). (¬13) الكلحة: تكشير في عبوس. اللسان (كلح). (¬14) الغبرة: لون الغبار، والغبرة: لون الأغبر وهو شبيه بالغبار. اللسان (غبر). (¬15) الشقرة: لون الأشقر وهي في الإنسان حمرة صافية وبشرته مائلة إلى البياض. انظر اللسان (شقر). (¬16) الدّهمة: السّواد. اللسان (دهم). (¬17) هذا كلام ابن مالك في نهاية هذا الفصل الذي نقله المؤلف.

[مصادر الفعل المتعدي- اسم المرة والهيئة]

[مصادر الفعل المتعدي - اسم المرة والهيئة] قال ابن مالك: (والمقيس في المتعدّي من «فعل» مطلقا، ومن «فعل» المفهم عملا بالفم: فعل، وفي اللّازم من «فعل» «فعل»، ومن «فعل» «فعول»، ما لم يغلب فيه «فعالة»، أو «فعال» أو «فعال» أو «فعيل» أو «فعلان» فيندر فيه: فعول، ويدلّ على المرّة بـ «فعلة»، وعلى الهيئة بـ «فعلة» ما لم يوضع المصدر عليهما، وشذّ نحو: إتيانة ولقاءة). قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬1): مصادر الثلاثي مقيسة وغير مقيسة (¬2). فمن المقيسة (¬3): «فعل» لـ «فعل» المتعدي: كـ «أكل أكلا» و «جمع جمعا» و «بذل بذلا»، و «منع منعا» و «قبض قبضا» و «بسط بسطا». ول «فعل» مقيّدا بدلالته على عمل بالفم (¬4): كـ «لقم لقما» (¬5) و «لسب لسبا» (¬6) و «سرط سرطا» (¬7) و «زرد زردا» (¬8) و «لهم لهما» (¬9) و «لثم لثما» (¬10) و «بلع بلعا» و «قضم قضما» و «خضم خضما» (¬11) و «عضّ - ¬

_ (¬1) شرح التسهيل (3/ 470). (¬2) انظر ابن يعيش: (6/ 43 - 47) وذكر أن أبنية مصادر الثلاثي اثنان وسبعون مصدرا وأبنية الأفعال اثنان وثلاثون (6/ 47). (¬3) انظر شرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 113). (¬4) اعترض أبو حيان في التذييل (6/ 107 - 108) (رسالة) على ابن مالك في تقييده «فعل» بكونه مفهما عملا بالفم وقال إن ذلك مخالف لقول سيبويه والأخفش، وهو اعتراض جيد. انظر الكتاب (4/ 5)، وشرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 113)، وشرح التصريح (2/ 73). (¬5) الكتاب (4/ 5)، واللقم: سرعة الأكل والمبادرة إليه. اللسان (لقم). (¬6) لسب العسل والسّمن ونحوه: لعقه. اللسان (لسب). (¬7) سرط الطّعام والشّيء سرطا وسرطانا: بلعه اللسان (سرط) وهو في (جـ) «شرط شرطا». (¬8) زرد الشّيء واللّقمة زردا: ابتلعه. اللسان (زرد). (¬9) لهم الشّيء لهما ولهما ابتلعه بمرّة. اللسان (لهم). (¬10) لثمت فاها: إذا قبّلتها. اللسان (لثم). (¬11) الخضم: الأكل عامة وقيل: هو ملء الفم بالمأكول وقيل غير ذلك. اللسان (خضم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عضّا» و «مصّ مصّا» (¬1) و «سفّ سفّا» (¬2). ومنها «فعل» لـ «فعل» اللّازم (¬3): كـ «فرح فرحا» و «ترح ترحا» و «أشر أشرا» و «بطر بطرا» [5/ 18] و «ندم ندما» و «ألم ألما» و «كسل كسلا» و «فشل فشلا». ومنها «فعول» لـ «فعل» اللّازم الذي لم يغلب فيه (¬4) «فعالة»: كـ «تجر تجارة» ولا «فعال» كـ «حرن حرانا» ولا «فعال» كـ «بغم بغاما» (¬5) و «مشى مشاء» (¬6)، ولا «فعيل» كـ «صهل صهيلا» و «ذمل ذميلا» ولا «فعلان» كـ «طاف طوفانا». فما استحق من «فعل» مصدرا على أحد هذه الأوزان فلا يجيء مصدره على «فعول» إلا نادرا كـ «جمح جموحا» و «نفر نفورا» (¬7). هذا آخر ما وجد من شرح المصنف لهذا الكتاب رحمه الله تعالى ورضي عنه وأثابه بالجنة بمنّه وكرمه (¬8). * * * ¬

_ (¬1) يقال: مصصت الرّمان أمصّه. اللسان (مصص). (¬2) يقال: سففت السّويق والدّواء ونحوهما: إذا أخذته غير ملتوت. اللسان (سفف). (¬3) انظر شرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 115). (¬4) انظر المرجع السابق (ص 113، 114). (¬5) البغام: صوت الظّبية. اللسان (بغم). (¬6) انظر شرح لامية الأفعال (ص 119). (¬7) الكتاب: (4/ 12). (¬8) في شرح التسهيل لابن مالك (3/ 472): «تم بحمد الله ما وجد بخط الشيخ جمال الدين رحمه الله من شرحه لتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم».

الباب الثامن والخمسون باب مصادر غير الثلاثي

الباب الثامن والخمسون باب مصادر غير الثّلاثي [مصادر المبدوء بهمزة وصل، مصادر أفعل وفعّل وفاعل] قال ابن مالك: (يصاغ المصدر من كلّ ماض أوّله همزة وصل بكسر ثالثه وزيادة ألف قبل آخره، ومن كلّ ماض أوّله «تاء» المطاوعة أو شبهها بضمّ ما قبل آخره إن صحّ الآخر، وإلّا خلف الضّمّ الكسر، ويصاغ من «أفعل» على «إفعال» ومن «فعّل» على «تفعيل» وقد يشركه «تفعلة» ويغني عنه غالبا في ما لامه همزة، ووجوبا في المعتلّ، و «تنزّي دلوها تنزيّا» من الضّرورات، ومصدر «فاعل» «مفاعلة» و «فعال» وندر فيما فاؤه «ياء»، ومصدر «فعلل» والملحق به بزيادة تاء التّأنيث في آخره، أو بكسر أوّله وزيادة ألف قبل آخره، وفتح أوّل هذا إن كان كـ «الزّلزال» جائز، والغالب أن يراد به حينئذ اسم فاعل). قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على مصادر الفعل الثلاثي شرع في ذكر مصادر غير الثلاثي، وقد عرف أن غير الثلاثي إما رباعي مجرد، وإما رباعي مزيد فيه، فيه وإما ملحق بالرباعي المجرد، وإما بالمزيد فيه من الرباعي، وإما ثلاثي مزيد فيه، وأن المزيد فيه من الرباعي منه ما يفتتح بهمزة الوصل: وهو اثنان: «افعنلل» و «افعللّ» كـ «احرنجم» و «اقشعرّ» والملحق بـ «احرنجم» وهما: اقعنسس، واسلنقى، فهذه أربعة أبنية. وأن المزيد فيه من الثلاثي منه ما يفتتح بهمزة الوصل أيضا وهو سبعة أبنية: «انفعل» كـ «انطلق» و «افتعل» كـ «اقتدر» و «استفعل» كـ «استخرج» و «افعالّ» كـ «اشهابّ» و «افعلّ» كـ «اشهبّ» و «افعوعل» كـ «اغدودن» و «افعوّل» كـ «اعلوّط». وتقدم أيضا التنبيه على الأوزان التي تضمنها كلام المصنف زائدا على ما ذكرنا مما هو مفتتح بهمزة الوصل أيضا: وهي: «افعولل» كـ «اعثوجج» و «افعيّل» كـ «اهبيّخ» و «افعنلأ» كـ «احبنطأ» و «افونعل» كـ «احونصل» و «افعلّل» كـ «ابيضّض» -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فذكر الآن أن مصدر كل فعل ماض أوّله همزة وصل يكون صوغه بكسر ثالثه وزيادة ألف قبل آخره (¬1)، يريد أنك تكسر ثالث الفعل وتزيد ألفا قبل آخره فيصير اسما مصدرا، فعلم من ذلك أنه يقال في مصادر الأفعال المذكورة: احرنجام، واقشعرار، وانطلاق، واقتدار، واستخراج، واشهيباب، واشهبّاب، واغديدان، واعلوّاط وكذا يقال: اعثيجاج، واهبيّاخ، واحبنطاء، واحونصال، وابيضاض. ولا خفاء في وجوب فك المدغم في مصدر «اقشعرّ»، وإبدال الألف «ياء» في مصدر «اشهابّ» مع الفك أيضا، وإبدال الواو «ياء» في مصدر «اغدودن» وكذا مصدر «اعثوجج». وأما ما أوّله من الفعل الماضي غير الثلاثي متحرّك وهو بقية الأوزان وجملتها عشرون بناء: وهي «فعلل» والملحق به سبعة، و «تفعلل» والملحق به ثمانية، و «أفعل» و «فعّل» و «فاعل» و «تفاعل» و «تفعّل» فقد ذكر مصدر كل منها وأتى على الصيغ كلها كما سأبينه. فقوله «ومن كلّ ماض أوّله تاء المطاوعة أو شبهها» يمثل عشر صيغ وهي: «تفعلل»: كـ «تدحرج» وما ألحق به وهو سبعة، و «تفعّل» و «تفاعل» وهذه مصادرها: «تفعلل»: كـ «تدحرج» و «تجلبب» و «ترهوك» و «تكلّم». و «تفاعل» كـ «تغافل» و «تجاهل» و «تقاتل» فصيغة المصدر هي صيغة الفعل إلا أن ما قبل الآخر مفتوح في الفعل مضموم في المصدر (¬2)، هذا إن كان الآخر حرفا صحيحا كما مثّل، فإن كان حرف علّة خلف الضمّ - ¬

_ (¬1) يستثنى من ذلك استفعل مما عينه معتلة كاستقام واستعان فإن المصدر منهما: استقامة واستعانة. انظر شرح لامية الأفعال (ص 123، 124). وقد اعترض أبو حيان على ابن مالك وقال: إن المصدر لا يصاغ من الفعل بل الفعل هو الذي يصاغ من المصدر، والمصدر أصل للفعل لا فرعه خلافا للكوفيين. التذييل والتكميل (6/ 119)، ولا شك في أن هذا ميل لمذهب البصريين القائلين بأن المصدر أصل الاشتقاق، وقد بسط ابن الأنباري القول في هذه المسألة في كتابه الإنصاف في مسائل الخلاف (1/ 235 - 245) مسألة رقم (28). (¬2) وضموا العين لأنهم لو كسروا لأشبه الجمع نحو تنضب وتناضب، ولم يفتحوه لأنه ليس في الأسماء تفاعل. ابن يعيش (6/ 49)، وانظر شرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 125)، والتذييل والتكميل (رسالة) (6/ 120، 121).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكسر (¬1) فيقال في مصدري: تعدّى، وترامى: تعدّ وترام، والتّعدّي والتّرامي (¬2)، فهذه مصادر عشرة أبنية. وأما الحادي عشر والثاني عشر فأشار إليهما بقوله «ويصاغ من أفعل على إفعال ومن فعّل على تفعيل» فيقال (¬3): أكرم إكراما، وأجمل إجمالا، وأعطى إعطاء وآلى إيلاء (¬4)، وكرّم تكريما، وكلّم تكليما، وقرّب تقريبا، وقد جاء مصدر «فعّل» على «تفعلة» قالوا: أقررت الأمر تقرّة (¬5)، وإلى ذلك الإشارة بقوله بعد ذكر تفعيل: وقد يشركه تفعلة أي: يشرك التّفعيل، هذا حكم مصدر «أفعل» إن كانت العين منه صحيحة، فإن كانت معتلّة كـ «أقام» و «أبان» و «أجاد» فلا بد فيه من تغيير بزيادة وحذف، وسيذكر المصنف ذلك، فإطلاقه القول فيه هنا مقيّد بما يذكره بعد. وكذا التّفعيل مصدر «فعّل» ما لم يكن آخره همزة أو حرف علة (¬6)، فإن كان همزة يستغنى فيه بـ «تفعلة» عن «تفعيل» هذا هو الغالب كما ذكر المصنف، فيقال: جزّأ تجزئة، وخطّأ تخطئة، وهنّأ تهنئة، ونبّأ تنبئة (¬7). وقد أفهم كلام المصنف: أن تفعيلا جائز أيضا لكنه غير غالب، وقد ذكر المغاربة أن «التّفعيل» و «التّفعلة» جائزان في المهموز على السّواء، وقد ذكروا أن - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب: (4/ 81)، وشرح لامية الأفعال: (ص 125)، والتذييل والتكميل: (6/ 121). (¬2) وكان الأصل: تعدّيا وتراميا على قياس نظيره من الصحيح فأبدلت الضمة كسرة لئلا يخرج إلى ما ليس من كلامهم وهو أن يكون آخر الاسم واوا قبلها ضمة. شرح لامية الأفعال (ص 125) بتصرف. (¬3) انظر ابن يعيش (6/ 48، 58)، وشرح لامية الأفعال (ص 134)، وشرح الشافية (1/ 163). (¬4) آلى: «آليت على الشّيء أقسمت وللإيلاء في الفقه أحكام تخصه لا يسمى إيلاء دونها. (¬5) وصفه في اللسان (قرر) بالشذوذ. (¬6) فإذا كان معتلّ اللام بالياء أو الواو ألزموه تفعلة ولم يأتوا بالمصدر الآخر لئلا يجتمع في آخره ياءان قبلهما كسرة فيحتمل ثقل وعنه مندوحة إلى المصدر الآخر. ابن يعيش (6/ 58)، وانظر شرح الشافية (1/ 164)، وشرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 129). (¬7) انظر شرح الشافية (1/ 164)، وقال الرضي: «وظاهر كلام سيبويه أن تفعلة لازم في المهموز كما في الناقص فلا يقال تخطيئا وتهنيئا». وقال سيبويه في الكتاب (4/ 83) «ولا يجوز الحذف أيضا في تجزئة وتهنئة وتقديرهما تجزعة وتهنعة لأنهم ألحقوهما بأختيهما من بنات الياء والواو كما ألحقوا أرأيت بأقمت حين قالوا: أريت» وانظر التذييل والتكميل (6/ 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبا زيد حكى أن التّفعيل به أكثر (¬1). وإن كان حرف علة فاستغناء فيه عن «تفعيل» بـ «تفعلة» واجب نحو (¬2): حلّى تحلية وزكّى تزكية، وولّى تولية، ويقال: حيّا تحيّة - بالإدغام (¬3) - وأجاز المازنيّ الفكّ، وقال: إن الإدغام أكثر وأحسن (¬4). وأشار المصنف بقوله: وتنزّي دلوها تنزيّا من الضّرورات إلى قول الشاعر: 3577 - باتت تنزّي دلوها تنزيّا ... كما تنزّي شهلة صبيّا (¬5) فأتى للمصدر بصيغة «التّفعيل» في ما هو معتل، ولا خلاف في شذوذ ذلك. [5/ 19] وأما الثالث عشر فإليه الإشارة بقوله «ومصدر فاعل مفاعلة وفعال» يقال: ضارب مضاربة وضرابا، وكالم مكالمة وكلاما، وخاصم مخاصمة وخصاما، وقاتل مقاتلة وقتالا (¬6)، فإن كانت «فاء» فاعل «ياء» تعيّن أن يكون مصدره: مفاعلة نحو (¬7): ياومه مياومة (¬8)، وياسره مياسرة، وندر قولهم: يوام (¬9) مصدر - ¬

_ (¬1) انظر شرح الشافية (1/ 164)، والتذييل والتكميل (6/ 124)، وشرح التصريح (2/ 75). (¬2) وذلك بحذف الياء الأولى وإبدال الهاء منها لاستثقال الياء المشددة. انظر شرح الشافية (1/ 164 - 165)، وابن يعيش (6/ 58)، وشرح لامية الأفعال (ص 129). (¬3) انظر التذييل والتكميل (6/ 123). (¬4) انظر المنصف (2/ 195 - 196)، والتذييل (6/ 123). (¬5) هذا البيت من الرجز التام لقائل مجهول أو هما بيتان من الرجز المشطور المقطوع. الشرح: تنزي: من التنزية وهي رفع الشيء إلى فوق، شهلة: بفتح الشين وسكون الهاء هي العجوز الكبيرة، شبه يديها إذا جذبت بهما الدلو ليخرج من البئر بيدي امرأة ترقص صبيّا، وخص الشهلة لأنها أضعف من الشابة فهي تنزي الصبي باجتهاد. والبيت في ابن يعيش (6/ 58)، وشرح الشافية (1/ 165)، وشرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 129) وكذا في شرحه على الألفية (ص 169)، والعيني (3/ 571)، وشرح التصريح (2/ 76)، والاستشهاد به: على مجيء مصدر «فعّل» من الناقص على التّفعيل شذوذا من حيث الاستعمال والقياس تنزية مثل زكّى تزكية، وسمّى تسمية. (¬6) انظر الكتاب (4/ 80، 81)، وشرح لامية الأفعال (ص 133). (¬7) انظر شرح الشافية (1/ 166)، وشرح التصريح (2/ 76)، والأشموني (2/ 309). (¬8) ياومت الرّجل مياومة أي عاملته أو استأجرته اليوم. اللسان (يوم) وياسره: ساهله. اللسان (يسر). (¬9) ياومت الرّجل يواما: أي عاملته أو استأجرته اليوم وقال صاحب اللسان في يوام: «رواه اللّحياني». انظر اللسان (يوم) وانظر شرح التصريح (2/ 76)، والأشموني (2/ 309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ياوم، حكاه (¬1) ابن سيده، وسبب ندوره استثقال الكسرة في الياء، حتى زعم بعضهم (¬2) أنه ليس في كلام العرب ياء مكسورة أول كلمة إلا قولهم: يسار (¬3) ويعار جمع يعر وهو الجدي (¬4)، ولم يستثقلوا الكسرة في ما فاؤه «واو» فإنهم يقولون: واعده مواعدة ووعادا، فإن الواو المكسورة الواقعة أولا واردة في لسان العرب كثيرا، كالوساد (¬5)، والوعاء، والوشاح (¬6)، والوفاق، والوئام (¬7)، والولادة. قيل: وأصل «الفعال» هنا: الفيعال (¬8)، وهذه الدّعوى تحتاج إلى إقامة دليل على صحتها والظاهر أن الموجب لها وجود ألف في الفعل بعد «فاء» الكلمة وهذا لا يلزم منه ما ذكروه إلا إن قيل بوجوب بقاء الألف الكائنة في الفعل في المصدر، وقد يمنع ذلك لأن المصدر لا يجب فيه أن يحتوي على ما احتوى عليه الفعل من الحروف، قال الشيخ (¬9): ويظهر من كلام المصنف أن مفاعلة وفعالا مستويان، قال: واللازم عند سيبويه في مصدر فاعل: المفاعلة، وقد يتركون الفعال والفيعال ولا يتركون المفاعلة، قالوا: جالسته مجالسة، وقاعدتّه مقاعدة، ولم يقولوا: الجلاس، والقعاد، ولا الجيلاس ولا القيعاد (¬10)، قال سيبويه (¬11): «وأما فاعلت فإن المصدر منه الذي لا ينكسر أبدا مفاعلة، جعلوا الميم عوضا من الألف التي بعد - ¬

_ (¬1) شرح ابن الناظم (ص 169)، وانظر شرح التصريح (2/ 76)، والهمع (2/ 167)، والأشموني (2/ 309). (¬2) انظر شرح التصريح (2/ 76). (¬3) انظر اللسان (يسر) وشرح التصريح (2/ 76)، واليسار: نقيض اليمين. (¬4) انظر شرح التصريح (2/ 76) واللسان (يعر). (¬5) الوساد: المخدّة والمتّكأ. اللسان (وسد). (¬6) الوشاح: كرسان من لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر تتوشّح المرأة به. اللسان (وشح). (¬7) الوئام: الموافقة. اللسان (وأم). (¬8) انظر ابن يعيش (6/ 48)، وشرح التصريح (2/ 76)، وقال سيبويه في الكتاب (4/ 80): «وأما الذين قالوا: تحمّلت تحمّالا فإنهم يقولون: قاتلت قيتالا فيوفّرون الحروف ويجيئون به على مثال إفعال وعلى مثال قولهم «كلّمته كلّاما». (¬9) انظر التذييل والتكميل (6/ 126، 127) (رسالة) وقد تصرف المؤلف في نقل كلام الشيخ. (¬10) انظر ابن يعيش (6/ 48) وقد نقل أبو حيان عبارته دون أن يشير إلى ذلك. (¬11) انظر الكتاب (4/ 80).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أول حرف منه، والتاء عوض [من] الألف التي قبل آخر حرف»، وقد أنكر هذا على سيبويه وقيل: كيف جعل الميم عوضا من ألف فاعل وهي موجودة في المصدر؟ ألا ترى أنك تقول: قاتلت مقاتلة فالألف موجودة في الفعل والمصدر فكيف تكون الميم عوضا منها وهي لم تذهب (¬1)؟!. وقد أجيب (¬2) عن ذلك بأن سيبويه إنما أراد أن الميم عوض من الألف أي: من قلب الألف «ياء» ألا ترى أنها تقلب في «ضيراب» و «قيتال»؟ فعلى هذا يصح أن تكون الميم عوضا من الألف على هذا التأويل إذ كان القياس يقتضي أن يكون المصدر على «فعلال» وأما مجيئه وأوله «ميم» فليس القياس، ألا ترى أنه لم يفتتح بميم من المصادر غير مصدر «فاعل» فقط؟ فدل ذلك على أن المصدر يكون مبنيّا على الفعل إلا فيما ندر، ولذلك قال سيبويه (¬3): إن مصدر فاعل جاء على اسم المصدر، لأنك تقول في اسم المفعول من فاعل: مفاعل، وأصل المصادر أن لا تجيء على اسم المفعول، ثم ذكر أن ابن طاهر خرّج كلام سيبويه على غير هذا الوجه (¬4). وأما الأبنية الباقية من العشرين وهي سبعة: «فعلل» وما ألحق به كـ «دحرج»، و «جلبب» و «حوقل» و «بيطر» و «جهور» و «قلنس» و «سلقى» فقد أشار إليها بقوله: ومصدر فعلل والملحق به بزيادة تاء التّأنيث في آخره، والمراد: أن مصدر هذا البناء - أصلا كان أو ملحقا - يأتي على صيغتين (¬5): إحداهما: بزيادة تاء التأنيث في آخره أي: في آخر بناء الفعل فيقال: دحرجة، وجلببة، وحوقلة إلى آخرها. والثانية: زيادة ألف قبل آخر البناء مع كسر أوله كـ «سرهاف» (¬6) ولم يتعرض المصنف هنا إلى ذكر المقيس منهما لكنه قال في ألفيته: ¬

_ (¬1) هذا كلام السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه. انظر هامش الكتاب (4/ 80). (¬2) المجيب هو الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 127). (¬3) انظر الكتاب (4/ 80). (¬4) انظر نص التخريج في التذييل والتكميل (6/ 127) (رسالة). (¬5) انظر الكتاب (4/ 85)، وابن يعيش (6/ 94)، وشرح لامية الأفعال لابن الناظم (ص 127). (¬6) من أمثلة الكتاب (4/ 85)، ويقال: سرهفت الرّجل: أحسنت غذاءه، والسّرهفة: نعمة الغذاء. انظر اللسان (سرهف) وشرح لامية الأفعال (ص 127).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلال او فعللة لفعللا ... واجعل مقيسا ثانيا لا أوّلا وقد نص سيبويه (¬1) على أن مصدر «فعلل» الذي لا ينكسر يجيء على مثال: فعللة، وكذلك الملحق به، قالوا (¬2): ولكنه - يعني مثال فعلال - كثر في المضاعف كـ «الزّلزال» و «القلقال» (¬3) ولم يسمع «دحراج» (¬4). وقول المصنف: وفتح [أول] هذا إلى آخره. يريد به أن فتح أول هذا المصدر الذي هو بكسر الأول وزيادة ألف قبل الآخر كـ «السّرهاف» إن كان كالزّلزال أي: إن كان مضاعفا كـ «الصّلصال» (¬5) و «القلقال» ونحوهما يجوز فيه الفتح (¬6) أي: فتح المكسور وهو الأول فيقال: زلزلة، وصلصلة وقلقلة، وزلزال، وصلصال، وقلقال، بالكسر والفتح، والغالب أن يراد به حين يفتح أن نحو: الصّلصال يكون في معنى: المصلصل (¬7)، والقضقاض يكون في معنى المقضقض أي: الكاسر (¬8)، والوسواس يكون في معنى: الموسوس، والقبقاب يكون في معنى: المقبقب (¬9). ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (4/ 85) وقال: «وإنما ألحقوا الهاء عوضا من الألف التي تكون قبل آخر حرف وذلك ألف زلزال». (¬2) انظر ابن يعيش (6/ 49)، وشرح لامية الأفعال (ص 128)، وشرح الشافية (1/ 178)، وقيل: إنه قياس مطلقا انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 437)، وانظر حاشية الخضري على ابن عقيل (2/ 32). (¬3) هو مصدر قلقل الشّيء أي: حرّكه فتحرّك اضطّرب. انظر اللسان (قلل). (¬4) انظر ابن يعيش (6/ 49)، وحاشية الخضري (2/ 32)، وحاشية ابن جماعة على الجاربردي (ص 69) وظاهر كلام ابن الحاجب أنه مسموع انظر شرح الشافية (1/ 177)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 437)، وانظر اللسان (دحرج). (¬5) الصّلصلة: صوت الحديد إذا حرّك. اللسان (صلل). (¬6) قال سيبويه في الكتاب: (4/ 85): «وقد قالوا الزّلزال والقلقال ففتحوا كما فتحوا أول التّفعيل فكأنّهم حذفوا الهاء وزادوا الألف في الفعللة» وقال ابن السّكّيت: «إذا فتحته فهو اسم وإذا كسرته فهو مصدر نحو قولك: زلزلته زلزالا شديدا وقلقلته قلقالا شديدا» إصلاح المنطق (ص 221). (¬7) يعني يراد به الاسم والمصلصل: المصوّت. انظر اللسان (صلل)، وإصلاح المنطق (ص 221). (¬8) أي: يكون اسما. انظر اللسان (قضض). (¬9) أي يكون اسما والمقبقب: المصوّت، قبقب أي: صوّت، والقبقاب: الجمل الهدّار. انظر اللسان (قبب).

[أوزان مصادر أخرى مختلفة]

[أوزان مصادر أخرى مختلفة] قال ابن مالك: (وربّما ورد كذلك مصدر «فوعل» وقد يقال: «فعّل فعّالا» و «فاعل فيعالا» و «تفعّل تفعّالا» و «افعللّ فعلّيلة» و «فعلل فعللى وفعللاء» وندر «فعّال» غير مصدر ما لم تبدل أوّل عينيه ياء، وأندر منه «فيعال» غير مصدر، وقد يغني في التّكثير عن «التّفعيل» «التّفعال» أو «الفعّيلى»، ويغني «الفعّيلى» أيضا عن التّفاعل). قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬1): «كذلك» إشارة فيها إبهام؛ لأنه تقدمت له ثلاثة أحكام، منها قوله: إنّ مصدر الملحق بـ «فعلل» يأتي على مماثلة «فعللة» أو «فعلال»، ومنها أن فتح «فعلال» إن كان مضعّفا جائز، ومنها أن الغالب أن يراد به حينئذ اسم الفاعل، قال: وإنما يريد من هذه المحتملات بقوله «وربّما ورد كذلك» أي: بكسر أوله وزيادة ألف قبل آخره مصدر «فوعل» ومثّل لذلك بـ «الحيقال» فإنه يقال: حوقل حوقلة وحيقالا، فـ «حوقلة» هو المصدر المنقاس، وقالوا: الحيقال كما قالوا: سرهاف، وأصله حوقال فانقلبت [5/ 20] الواو ياء لانكسار ما قبلها» انتهى. ولا يظهر لي أن مراد المصنف ما قاله الشيخ، وذلك أن «حوقل» ملحق بـ «دحرج»، ولا شك أن مجيء مصدر الملحق إنما يكون على قياس مجيء مصدر الملحق به حتى كأن المصدر ملحق بالمصدر أيضا، وقد قال ابن يعيش (¬2) في شرح المفصل لما أنشد هذا البيت وهو: 3578 - يا قوم قد حوقلت أو دنوت ... وشرّ حيقال الرّجال الموت (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 130) (رسالة) وقد تصرف المؤلف فيما نقله. (¬2) هو موفق الدين يعيش بن علي الشهير بابن يعيش صاحب شرح المفصل (عشرة أجزاء) توفي سنة 643 هـ. (¬3) هذا بيت من الرجز المسدس قيل إنه لرؤبة. انظر ملحقات ديوانه (ص 170، 171). الشرح: حوقلت من حوقل الشيخ حوقلة وحيقالا، إذا كبر وفتر عن الجماع، وبعض حيقال الرجال: ويروى: وبعض حوقال - بفتح الحاء - وأراد المصدر فلما استوحش من أن تصير الواو ياء فتحه. وأما حيقال: فأصله: حوقال - بكسر الحاء وسكون الواو - وقلبت الواو ياء لسكونها وكسر ما قبلها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: «ففيعال هنا ملحق بفعلال نحو: سرهاف» (¬1) انتهى. وعلم من هذا أن مصدر «حوقل» يتعيّن كونه على مثال «فيعال»، وإذا كان كذلك فالمصنف قد عرّفنا أن مصدر «فعلل» والملحق به كما يأتي على «الفعللة» يأتي على «الفعلال» بكسر أوله وزيادة ألف قبل آخره، فما كان بعد ذكره ذلك ليذكره ثانيا إذ لا فائدة في ذلك. والظاهر أن المراد من قوله: وربّما ورد كذلك مصدر فوعل - الإشارة إلى الفتح في قوله: وفتح أوّل هذا إن كان كالزّلزال جائز. لكن إذا فتح الأول وجبت سلامة الواو فيقال: حوقال إذ لا موجب حينئذ لقلب الواو ياء (¬2). ثم إن المصنف أشار بعد ذلك إلى مصادر خمسة أفعال جاءت على غير القياس الذي تقدمت الإشارة إليه (¬3): وهي: «فعّل» و «فاعل» و «تفعّل» و «افعللّ» و «فعلل». فأما «فعّل» فإن مصدره جاء على «فعّال» قالوا: كلّمته كلّاما (¬4)، وقد عرف أن قياسه «التّكليم»، وقال الله تعالى: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (¬5). وأما «فاعل» فإن مصدره جاء على «الفيعال» قالوا: ضاربته ضيرابا (¬6)، وقد عرف أن قياسه الضّراب والمضاربة. - ¬

_ - والاستشهاد بالبيت على أن «حيقال» على وزن «فيعال» وهو مصدر فوعل والقياس في مصدره حوقلة كدحرج دحرجة ولكنه جاء على «فيعال» كحيقال. والبيت في المنصف (1/ 39) برواية «وبعض حيقال»، و (3/ 7) برواية «وشر حيقال»، والمقتضب (2/ 94)، والبيت في شرح المفصل لابن يعيش (7/ 155)، وانظر العيني (3/ 573). (¬1) انظر ابن يعيش (7/ 155). (¬2) ما ذهب إليه المؤلف - فيما أرى - هو الأقرب إلى الصواب خاصة أنه قد وردت رواية للبيت السابق: ... وبعض حيقال ... قيل: روي: وبعض حوقال كما ذكر العيني (3/ 573)، وروي: وبعد حوقال، كما ذكر صاحب اللسان (حقل) بعد إنشاده البيت السابق. (¬3) أي فيما سبق من أول باب مصادر غير الثلاثي إلى أن انتهى منها جميعا. (¬4) الكتاب (4/ 79)، وقال: «أرادوا أن يجيئوا به على الإفعال فكسروا أوله وألحقوا الألف قبل آخر حرف فيه ولم يريدوا أن يبدلوا حرفا مكان حرف ولم يحذفوا» وانظر شرح لامية الأفعال (ص 130). (¬5) سورة النبأ: 28. (¬6) قال في الكتاب (4/ 80) «وأما الذين قالوا: تحمّلت تحمّالا فإنهم يقولون قاتلت قيتالا فيوفّرون الحروف ويجيئون به على مثال قولهم: كلّمته كلّاما».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «تفعّل» فإن مصدره جاء على «تفعّال» قالوا: تحمّلته تحمّالا (¬1)، وقد عرف أن قياسه «التّحمّل». وأما «افعللّ» فإن مصدره جاء على «فعلّيلة» كقشعريرة، وطمأنينة (¬2)، وقد عرف أن قياسه: الاقشعرار والاطمئنان. واعلم أن الشيخ ناقش المصنف في جعله «القشعريرة» و «الطّمأنينة» من المصادر مستندا إلى قول سيبويه رحمه الله تعالى: «فمنزلة اقشعررت من القشعريرة واطمأننت من الطّمأنينة بمنزلة «أنبت من النّبات» (¬3). قال الشيخ (¬4): يريد - يعني سيبويه - أن القشعريرة والطّمأنينة اسمان وليسا بمصدرين لهذين الفعلين، وإن كانا قد يوضعان في موضع المصدر كما أن «النبات» ليس بمصدر لـ «أنبت» ولكن يوضع موضعه. انتهى. وإذا حقّق الأمر لا يتوجّه على المصنف مناقشة لأنه لم يصرح بالمصدرية وإنما ذكر أنه يقال: افعللّ فعلّيلة فإن ثبت أن «فعلّيلة» مصدر فيها، وإلّا فهي اسم موضوع موضع المصدر كما أن «النّبات» ليس بمصدر ولكنه وضع موضعه كما في قوله تعالى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (¬5). والحاصل: أن المصنف قال: وقد يقال: فعّل فعّالا وكذا وكذا إلى آخرها، فما كان منها مصدرا حكم بمصدريته، وما لم يكن مصدرا حكم بأنه اسم للمصدر (¬6)، والعجيب أن الشيخ ناقش المصنف - كما عرفت - في كونه يطلق المصدر على ما هو اسم مصدر، ثم إنه أورد بعد ذلك - كما سأذكره عنه - جملة ألفاظ ذكر أنها - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 79، 80)، وقال: «أرادوا أن يدخلوا الألف كما أدخلوها في أفعلت واستفعلت، وأرادوا الكسر في الحرف الأول كما كسروا أول إفعال واستفعال ووفّروا الحروف فيه كما وفّروهما فيهما». (¬2) انظر الكتاب (4/ 85)، وشرح لامية الأفعال (ص 124). (¬3) الكتاب (4/ 86). (¬4) انظر التذييل والتكميل (6/ 131)، وهذا الكلام الذي ذكره أبو حيان موضحا به كلام سيبويه هو كلام أبي سعيد السيرافي بنصه وفصه. انظر هامش الكتاب (4/ 86). (¬5) سورة نوح: 17. (¬6) وهذا هو الصواب لأن عبارة المصنف لا تحتمل ما ذهب إليه الشيخ أبو حيان إلا من باب «التحامل» عليه كما هي عادته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مصادر، وإنما هي أسماء للمصادر. وأما «فعلل» فإن مصدره جاء على «فعللى» كـ «قهقرى» (¬1) و «قرطبى» يقال: قرطبى: القرطبى إذا زلق فوقع على فقار ظهره (¬2)، وجاء أيضا على «فعللاء» مثاله: قرفص القرفصاء، قال الشاعر: 3579 - جلوس القرفصاء كذا مكبّا ... فما تنساح نفسي لانبساط (¬3) قال الشيخ (¬4): «وقد تعرض المصنف في هذا الباب لبعض المصادر الخارجة عن القياس في ما زاد فعلها على ثلاثة أحرف، ونحن نذكر من ذلك جملة». - ثم ذكر من مصادر «أفعل» فعالا نحو: «أنبت نباتا» (¬5)، و «أعطى عطاء» وفعلا كـ «أقرض قرضا» و «أغلق غلقا» وفعلى وفعلى نحو: «أفتى فتيا وفتوى» و «أبقى عليه بقيا وبقوى» و «أرعى عليه - بمعنى أبقى عليه - رعيا ورعوى» و «أعدى عدوى» (¬6). و «فعيلة» نحو: «آلى أليّة» (¬7)، و «فعلة» نحو: «أطاق طاقة» و «أجاب - ¬

_ (¬1) القهقرى: مشية إلى خلف. انظر المنقوص والممدود للفراء (ص 15، 16)، والممدود والمقصور للوشاء (ص 39) واللسان (قهقرى). (¬2) انظر اللسان (قرطب). (¬3) هذا البيت من الوافر وهو لقائل مجهول. الشرح: «القرفصاء» ضرب من القعود يمد ويقصر، فإذا قلت: قعد فلان القرفصاء، فكأنك قلت: قعد قعودا مخصوصا وهو أن يجلس على أليتيه ويلصق فخذيه ببطنه ويحتبي بيديه يضعهما على ساقيه كما يحتبي بالثوب تكون يداه مكان الثوب، وقال أبو المهدي: هو أن يجلس على ركبتيه منكبّا ويلصق بطنه بفخديه ويتأبط كفيه وهي جلسة الأعراب. انظر اللسان (قرفص) وتنساح: أي تميل. والشاهد: في «قرفصاء» حيث إنه جاء مصدرا على فعللاء لفعلل. والبيت في تاج العروس للزبيدي (قرفص) (4/ 431)، والتذييل والتكميل (6/ 132). (¬4) انظر التذييل والتكميل (6/ 132). (¬5) قيل إن نبات في الحقيقة مصدر نبت وقد جرى على أنبت وهو ظاهر مذهب سيبويه. انظر الكتاب (4/ 82)، وابن يعيش (1/ 111). (¬6) أعداه من علّته وخلقه وأعداه به جوّزه إليه، والاسم من كل ذلك العدوى، والعدوى: طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك أي ينتقم منه، والعدوى: النّصرة والمعونة، وأعداه عليه: نصره وأعانه. انظر اللسان (عدا). (¬7) أليّة: بزنة «فعيلة» من آلى على الشّيء: إذا أقسم. انظر اللسان (ألا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جابة» و «أطاع طاعة» و «أغار غارة» (¬1) هذا في المعتل. وجاء في الصحيح «أرزمت السّماء رزمة» (¬2) و «أجلب القوم جلبة» (¬3). و «فعلا» كـ «الحصر» (¬4) و «اليسر» و «العسر» و «النّذر» و «القبل» و «الدّبر» و «الفحش» و «الهجر». قال (¬5): كلها (¬6) بمعنى: الإفعال من «أفعل»، تقول: «أيسر إيسارا» وكذا باقيها فهذه سبعة أبنية جاءت مصادر لـ «أفعل» وهي مخالفة للقياس. وذكر من مصادر «تفعّل» «فعلياء» نحو: «تكبّر كبرياء»، و «فعلوت» كـ «تجبّر جبروتا» و «فعولا» كـ «توضّأ وضوءا» و «تطهّر طهورا» ومنهم من لم يثبت «فعولا» في المصادر إلا قليلا (¬7)، وخرّج هذا على أن «وضوءا» و «طهورا» صفتان لمصدرين محذوفين، الأصل توضّأ توضّؤا وضوءا، وتطهّر تطهّرا طهورا. وأقول: إن بعد هذا التّخريج لا يخفى، وقد قال ابن خروف: هذه دعوى لا دليل عليها وليس كونه مصدرا بأبعد من هذا (¬8)، قال الشيخ (¬9): ولم يحك أحد يوثق به «الوضوء» - بضم الواو - لشيء من الأشياء، وقد يكون الطهور (¬10). و «تفعلة» مثاله: «تقدّم تقدمة». - ¬

_ (¬1) قيل إن الأصل فيه وفي بقية الأمثلة المذكورة: إطاقة، وإجابة، وإطاعة، وإغارة، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ووزنه عند الخليل «فعلة» بسكون العين. لأن المحذوف عنده الزائد، ووزنه على رأي الأخفش: «فالة» لأن المحذوف عنده الأصلي. انظر التذييل والتكميل (6/ 133)، وابن يعيش (6/ 85)، وشرح التصريح (2/ 75). (¬2) الرّزمة: الصّوت الشّديد، وأرزمت السّماء: اشتدّ صوت رعدها. انظر اللسان (رزم). (¬3) أجلب القوم: أي صاحوا. انظر اللسان (جلب). (¬4) الحصر: احتباس البطن. اللسان (حصر). (¬5) أي الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 133) (رسالة). (¬6) إشارة إلى الحصر واليسر ... إلخ. (¬7) هو أبو الحسن الأخفش كما ذكر أبو حيان في التذييل (6/ 133)، وانظر معاني القرآن للأخفش (1/ 135) (رسالة). (¬8) انظر التذييل (6/ 133). (¬9) الذي في التذييل (6/ 134)، أن هذا ليس كلام الشيخ وإنما هو من كلام ابن خروف. (¬10) في التذييل (6/ 133) (رسالة) «وقد يكون الطهور من صفة الماء، كما قال عليه السّلام «هو الطهور ماؤه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذكر من مصادر «افتعل» «فعلة» نحو: «اتّأد تؤدة» و «اتّأب تؤبة» (¬1)، و «فعلة» نحو: «احتاط حوطة وحيطة» (¬2)، و «فعلة» نحو: «اختلف خلفة» (¬3) و «اغتاب غيبة» و «فعلة» نحو: «اختار خيرة». وذكر من مصادر «تفعّل» «فعلة» نحو: «اطّيّر طيرة» (¬4) و «فعلة» نحو: «تأنّى أناة» (¬5) وذكر من مصادر «استفعل» «فعلة» نحو: «استراح راحة». وذكر من مصادر «فاعل» «فاعلة» نحو: «عافاه الله عافية» بمعنى: معافاة (¬6). ثم قال: وجميع هذا الفصل يسمّيه [5/ 21] بعض النحويين أسماء بمعنى المصدر (¬7). انتهى. وإذا كان الأمر عند معظم النحويين كما ذكر فكيف أورد ما ذكره على أنه من المصادر على ما يعطيه كلامه في الشرح؟ ولا شك أن هذه الكلمات التي ذكرها أسماء مصادر، وإذا كانت كذلك فلا استدراك بها على المصنف ولا على غيره، وربما بقيت أسماء أخر للمصادر لم يذكرها الشيخ إذ لا حاجة إلى ذكر ذلك من أصله، لأن المقصود إنما هو معرفة ما هو مصدر إذ التبويب له، فإذا علمنا الصيغة التي يختص بها مصدر كل فعل علمنا أن ما ورد غير ذلك مما فيه دلالة على ما دل عليه المصدر يعدّ من أسماء المصادر. - ¬

_ (¬1) اتّأب: استحيا، والتّؤبة: الخزي والحياء والانقباض. انظر اللسان (وأب). (¬2) في اللسان (حوط): «واحتاط الرجل لنفسه أي أخذ بالثقة والحوطة والحيط: الاحتياط. (¬3) قال في اللسان (خلف): «وقد خلّف فلان فلانا يخلّفه تخليفا، وخلف بعده يخلف خلوفا وقد خالفه إليهم واختلفه وهي الخلفة». (¬4) الطّيرة: الشّؤم واطّيّر: أصله: تطيّر فأدغمت التّاء في الطّاء واجتلبت الألف ليصحّ الابتداء بها. انظر اللسان (طير). (¬5) الأناة: التّؤدة وتأنّى في الأمر أي ترفّق وتنظّر. اللسان (أنى). (¬6) في اللسان (عفا): «وقال الليث: العافية دفاع الله تعالى عن العبد يقال: عافاه الله عافية، وهو اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي وهو المعافاة». وقال ابن سيده «وأعفاه الله وعافاه معافاة وعافية مصدر كالعافية والخاتمة: أصحّه وأبرأه». (¬7) انظر الكتاب (4/ 81 - 84)، وشرح الشافية (1/ 167)، وقال أبو حيان في التذييل: (6/ 134): «ويسمّيه بعض اللغويين مصدرا للفعل» وانظر ما نقلناه عن اللسان (عفا) قريبا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن المصنف لما ذكر أن «فعّالا» و «فيعالا» يكونان مصدرين، أشار إلى أن هاتين الصيغتين قد تأتيان غير مصدرين في الندور بقوله: وندر فعّالا غير مصدر ما لم تبدل أوّل عينيه ياء، وأندر منه فيعال غير مصدر. فأما «فعّال» غير مصدر فنحو «قثّاء» (¬1) و «حنّاء» (¬2)، وأما «فيعال» غير مصدر فنحو: «ناقة ميلاع» (¬3) فإن «ميلاعا» صفة، ونحو: «ديماس» (¬4) أيضا. وأما تقييده «فعّالا» بقوله «ما لم تبدل أوّل عينيه ياء» فقال فيه الشيخ (¬5): «ذلك نحو: شيراز (¬6)، وقيراط، وديباج (¬7)، في قول من قال في تصغيره: «دبيبيج» وفي جمعه: «دبابيج» لا في قول من قال: «دييبيج» و «ديابيج» - بالياء - فإنه يكون من باب «فيعال» غير المصدر، وغير المبدل من أول عينيه ياء وزنه «فعّال» وأصله: قرّاط، ودبّاج، وشرّاز، بدليل قولهم في الجمع: قراريط، ودبابيج، في أحد القولين فيه، وشراريز». انتهى. ولم يظهر لي انطباق ما قاله على عبارة المصنف. ثم أشار - أعني المصنف - إلى أن «التّفعال» يغني في التكثير عن «التّفعيل»، وأن «الفعّيلى» يغني فيه عنه أيضا. فأما «التّفعال» فمثاله: «التّضراب» و «التّرداد» و «التّجوال» و «التّقتال» و «التّطواف» ومنه قول طرفة: 3580 - وما زال تشرابي الخمور ولذّتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي (¬8) - ¬

_ (¬1) القثّاء: الخيار. اللسان (قثا). (¬2) هو ما يخضّب به. (¬3) ناقة ميلاع: أي سريعة. اللسان (ملع) وقال: «وميلاع نادر فيمن جعله فيعالا وذلك لاختصاص المصدر بهذا البناء». (¬4) الدّيماس: الحمّام، وقيل: الكنّ وقيل: الشّرب وقيل: هو سجن الحجّاج بن يوسف الثقفي سمّي به على التشبيه. انظر اللسان (دمس). (¬5) انظر التذييل (6/ 135). (¬6) كلمة فارسية. (¬7) الدّيباج: ضرب من الثّياب مشتق من ذلك بالكسر والفتح، مولّد والجمع ديابيج ودبابيج. قال ابن جني: قولهم: دبابيج يدل على أن أصله دبّاج وأنهم إنما أبدلوا الباء ياء استثقالا لتضعيف الباء وكذلك الدّينار والقيراط وكذلك في التصغير». اللسان (دبج). (¬8) البيت من الطويل وهو من معلقة طرفة بن العبد المشهورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «وليس بمصدر جار إلا أن ظاهر كلام النحويين فيه أنه مقيس» (¬2) ثم قال: «وقوله - يعني المصنف - وقد يغني عن التّفعيل، مشعر بأن «التّفعال» يغني عن التّفعيل، وأنه يكون مصدرا للفعل الذي يراد به التكثير الذي هو على وزن «فعّل» إذ مصدره «تفعيل»، وليس الأمر كذلك على مذهب البصريين، لأن «التّفعال» عندهم يدل على المصدر الكثير، لا أنه مبني على فعل الذي يراد به الكثرة، قال سيبويه (¬3) - رحمه الله تعالى - «هذا باب ما يكثر فيه المصدر من فعلت فتلحق الزوائد، وتبنيه بناء آخر كما أنك إذا قلت في فعلت: فعّلت، حين كثّرت الفعل وذلك قولك في الهذر: التّهذار (¬4)، وفي اللّعب: التّلعاب، وفي الرّد: التّرداد، وفي الصّفق: التّصفاق (¬5)، وفي الجولان: التّجوال، والتّقتال، والتّسيار (¬6)، وليس شيء من هذا مصدر فعّلت، ولكن لما أردت التكثير بنيت المصدر على هذا كما بنيت فعّلت» (¬7) انتهى كلام سيبويه. قال الشيخ (¬8): «فجعل سيبويه التفعال تكثيرا للمصدر الذي هو للفعل الثلاثي، فالتهذار بمنزلة الهذر الكثير، والتلعاب بمنزلة اللعب الكثير. - ¬

_ - الشرح: تشرابي: أي شربي، متلدي من قولهم: مال متلد وخلق متلد: قديم. ومعنى البيت: أي لم أزل أشرب الخمر وأشتغل باللذات وبيع الأعلاق السمينة وإتلافها كأن هذه الأشياء بمنزلة المال المستحدث. طريفي أي: المستحدث الجديد والمتلد: الموروث. الشاهد في البيت: قوله «تشرابي» حيث جاء على التّفعال لإفادة التكثير فهو بمعنى: الشّرب الكثير. والبيت في جمهرة أشعار العرب (ص 324)، وشرح القصائد للتبريزي (ص 170)، وشرح القصائد السبع للزوزني (ص 110)، وديوان طرفة (ص 31). (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 136) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عن الشيخ. (¬2) قال ابن يعيش (6/ 56) «وهي مصادر جرت على غير أفعالها» وقال الرضي «وهو مع كثرته ليس بقياس مطرد» شرح الشافية (1/ 167)، وفي الهمع (2/ 168) «وزعم بعضهم قياس التّفعال». (¬3) الكتاب (4/ 83، 84). (¬4) الهذر والتّهذار: الهذيان. انظر اللسان (هذر). (¬5) الصّفق والتّصفاق: الضرب الذي يسمع له صوت، والصّفق: ضرب اليد على اليد. اللسان (صفق). (¬6) التّسيار: السّير وهو بناء أريد به الكثرة. انظر اللسان (سير). (¬7) في نص سيبويه (4/ 84) قوله «على فعّلت» وهذه العبارة موجودة في نص التذييل والتكميل. (6/ 136). (¬8) التذييل والتكميل (6/ 136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب الفراء وغيره من أهل الكوفة (¬1) إلى أن «التّفعال» بمنزلة «التّفعيل» والألف عوض من الياء فيجعلون ألف التّكرار ونحوه بمنزلة ياء التّكرير ونحوه، وهو ظاهر قول المصنف إذ قال: ويغني عن التّفعيل التّفعال. فيرى الفراء ومن قال بقوله أن «التّرداد» من «ردّد» و «التّطواف» من «طوّف» - بتشديد العين - والصحيح ما ذهب إليه سيبويه لأنه يقال: التّلعاب ولا يقال: التّلعيب (¬2)، فلو كان «التّفعال» مصدرا لـ «فعّل» - المشدد العين - لسمع فيه «التّلعيب» كما سمع في كل مصدر لفعّل» انتهى. وأقول: إن مما يدل على صحة ما قاله عن سيبويه بيت طرفة المتقدم الإنشاد وهو: 3581 - وما زال تشرابي الخمور ... ... ... لأنه يريد: وما زال شربي الخمور (¬3). ثم قال الشيخ (¬4): «وهذه المصادر التي جاءت على تفعال هي بفتح التاء، فأما قولهم: التّبيان والتّلقاء، فإنهما اسمان وضعا موضع المصدر قال الراعي (¬5): 3582 - أمّلت خيرك هل تدنو مواعده ... فاليوم قصّر عن تلقائك الأمل (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر السيرافي بهامش كتاب سيبويه (4/ 84)، وابن يعيش (6/ 56) وقال: «ولا بأس به لأن التّفعيل مصدر فعّل وهو بناء كثرة فلم يأتوا بلفظه لئلا يتوهم أنه منه فغيروا الياء بالألف وبقوا التاء مفتوحة» وانظر شرح الشافية (1/ 167). (¬2) انظر السيرافي بهامش الكتاب (4/ 84)، وشرح الشافية (1/ 167)، وقال الرضي: «ولهم - يعني الكوفيين - أن يقولوا: إن ذلك مما رفض أصله». (¬3) يريد أنه مصدر «شرب» ولكن لما قصد المبالغة والتكثير بناه على التّفعال فقال: تشراب. (¬4) التذييل (6/ 137). (¬5) في ديوانه (ص 112)، والراعي هو «عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل النميري أبو جندل» شاعر من فحول المحدثين، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل. توفي سنة 90 هـ. انظر ترجمته في الأعلام (4/ 188)، والشعر والشعراء (ص 422 - 425)، والخزانة (1/ 504)، وشرح شواهد المغني (ص 336، 337). (¬6) هذا البيت من البسيط، الشرح: يقول مخاطبا امرأة: أمّلت أن أصل إلى ما كنت تعدينني به فلما أكثر إخلافك لي أقصر أملي أي كفّ عن أن يتعلق بشيء من جهتك وتلقائك: بمعنى: لقائك. ويروى «هل تأتي مواعده» وهي رواية الكتاب (4/ 84)، والعيني (2/ 337)، والتذييل (6/ 137)، والاستشهاد بالبيت: على أن «تلقاء» مصدر بمعنى اللقاء وكل مصدر هكذا فهو مفتوح التاء كالتجوال والتطواف إلا -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد بالتّلقاء: اللّقاء، وزعم الأعلم أن هذه المكسورة الأول جاءت نادرة على الشذوذ بالكسر ومعناها التكثير (¬1) وهو فاسد مخالف لنص سيبويه، ومعنى البيت: أنه أعطاه عند لقائه أكثر مما أمّل» انتهى. ولم يبين الشيخ فساد القول بأن «التّبيان» و «التّلقاء» مصدران، وأما نص سيبويه فلم يذكره (¬2). وقد حكم أبو البقاء العكبري بمصدريتهما فإنه قال (¬3): وليس في المصادر المبنية على هذا البناء مكسور التّاء، إلا التّبيان والتّلقاء، ثم قال أبو البقاء: فأما الأسماء التي جاءت على هذا البناء فمكسورة التاء نحو: التّمثال والتّمساح (¬4) والتّجفاف (¬5). وأما «الفعّيلى» فمثاله (¬6) «الدّلّيلى» و «الهزّيمى» و «المكّيثى» و «الحضّيضى» و «الخصّيصى» و «الحجّيزى» و «الخلّيفى» (¬7) و «الهجّيرى» (¬8) و «الرّبّيثى» (¬9) و «الفخّيرى» و «المنّينى» قال الشيخ بعد ذكر هذه الأمثلة (¬10): وهو بناء يدل على التكثير في المصدر، وقول المصنف: إنه يغني عن التّفعيل، ليس بجيد، لأن هذه المصادر لم تجر على «فعّل» - بتشديد العين - وإنما هي من «فعل» الثلاثي نحو: دلّ، وهزم، ومكث، [وحضّ]، وخصّ، [وحجز، وخلف، - ¬

_ - التلقاء والتبيان. وانظر البيت في شرح السيرافي (6/ 155) (رسالة)، وابن السيرافي (1/ 295، 296)، وديوان الراعي (ص 113). (¬1) انظر شواهد الأعلم بهامش كتاب سيبويه (2/ 245) (بولاق). (¬2) انظر نص سيبويه في الكتاب (4/ 84)، وانظر شرح الشافية (1/ 167)، وقال ابن يعيش (6/ 56) «وليس في المصادر تفعال - بكسر التاء - إلا هذين المصدرين وما عداهما تفعال بالفتح». (¬3) انظر التبيان (ص 571، 572) وقد تصرف المؤلف في نقله. (¬4) التّمساح: خلق على شكل السّلحفاة إلا أنه ضخم قويّ طويل. والتّمساح من الرّجال: المارد الخبيث وقيل: الكذّاب. انظر اللسان (مسح). (¬5) التّجفاف: الذي يوضع على الخيل من حديد أو غيره في الحرب. اللسان (جفف). (¬6) انظر الكتاب (4/ 41)، وابن يعيش (6/ 56)، وشرح الشافية (1/ 168). (¬7) الخلّيفى: كثرة تشاغله بالخلافة وامتداد أيّامه فيها. انظر الكتاب (4/ 41)، واللسان (خلف). (¬8) الهجّيرى: كثرة الكلام والقول بالشّيء. الكتاب (4/ 41)، وانظر اللسان (هجر). (¬9) الرّبّيثي: من التّربّث تقول: وفعل ذلك له ربّيثى وربيثه أي خديعة وحبسا. انظر اللسان (ربث)، والممدود والمقصور (ص 38). (¬10) التذييل (6/ 138) (رسالة).

[لزوم تاء التأنيث في بعض المصادر]

[لزوم تاء التأنيث في بعض المصادر] قال ابن مالك: (فصل: تلزم تاء التّأنيث «الإفعال» و «الاستفعال» معتلّي العين عوضا من المحذوف، وربّما خلوا منها، وتلحق سائر أمثلة الباب المجرّدة منها دلالة على المرّة، ويصاغ مثل اسم مفعول كلّ منها دالّا على حدثه أو زمانه أو مكانه). ـــــــــــــــــــــــــــــ وهجر، ورثّ]، وفخر، ومنّ، فهي بمنزلة أن لو قال: الدّلالة الكثيرة، والهزم الكثير، ونحو ذلك، وهذا النوع منهم من حكم [5/ 22] باطّراده، والمشهور أنه غير مطرد (¬1)، قال (¬2): وهذا النوع الذي جاء على «فعّيلى» إنما جاء أكثره مقصورا وقد سمع المدّ في ألفاظ منه وسيذكر في باب ألفي التأنيث. ثم ناقش المصنف في ذكره «الفعّيلى» أنه من المصادر، كما ناقشه في ذكره «التّفعال» أيضا، قال (¬3): «لأن «الفعّيلى» ليس بمصدر لفعل غير ثلاثي كما أن «التّفعال» ليس كذلك أيضا» انتهى. وأما قول المصنف: ويغني الفعّيلى عن التّفاعل - فمثال ذلك: الرّمّيا، يقال: كان بينهم رمّيّا أي: ترام كثير فـ «رمّيّا» بمعنى «التّرامي»، والتّرامي وزنه «التّفاعل» (¬4). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الفصل على مسائل ثلاث: الأولى: أننا عرفنا أن المصدرين اللذين هما «الإفعال» و «الاستفعال» إذا كانا معتلي العين فلا بد من حذف الألف منهما - أعني ألف «الإفعال» و «الاستفعال» - فذكر الآن أن تاء التأنيث تلزم هذين المصدرين عوضا من المحذوف فيقال: أقام إقامة، واستقام استقامة، وأبان إبانة، واستبان استبانة (¬5)، والكلام على إعلال هذا المصدر - ¬

_ (¬1) انظر شرح الشافية (1/ 168). (¬2) التذييل (6/ 138). (¬3) نفس المرجع السابق. (¬4) انظر الكتاب (4/ 41)، وابن يعيش (6/ 56)، وانظر التذييل والتكميل (6/ 138، 139) (رسالة). (¬5) قال في الكتاب (4/ 83) «هذا باب ما لحقته هاء التأنيث عوضا لما ذهب وذلك قولك: أقمته إقامة واستعنته استعانة ورأيته إراءة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والألف المحذوفة هل هي الألف الزائدة أو الألف المبدلة من العين؟ يأتي في التصريف إن شاء الله تعالى. وأشار بقوله: وربّما خلوا منها - إلى أن «إفعالا» و «استفعالا» المعتلي العين قد لا تلحقهما التاء (¬1)، قال الله تعالى: لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ (¬2) ومن كلامهم: استفاه الرّجل استفاها (¬3)، وقد فهم الناس من عبارة سيبويه حيث قال (¬4): «وإن شئت لم تعوّض» أن التاء يجوز خلوّ المصدر منها فيقال: أقام إقاما، واستعان استعانا، والذي عليه الناس أن خلوّ المصدر من التاء لا يجوز إلا حيث سمع (¬5). الثانية: قد تقدم (¬6) في باب «مصادر الفعل الثلاثي» أن المرّة من الفعل الثلاثي يدلّ عليها بـ «فعلة» فأشار الآن إلى ما يدلّ به على المرّة من الفعل غير الثلاثي بقوله: وتلحق سائر أمثلة الباب ... إلى آخره - يعني أن التاء تلحق بصيغة مصدر غير الثلاثي إذا كان مجرّدا منها (¬7) أي لم يوضع عليها كـ «انطلاقة» و «استخراجة» و «إعطاءة»، و «إخراجة» بخلاف نحو: «مقابلة» و «تجربة» ونحوهما، فإن الوحدة فيه إنما يدلّ عليها بالنعت أو بقرينة معنوية (¬8). ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (4/ 83). (¬2) سورة النور: 37. (¬3) انظر اللسان (فوه) ومعناه: اشتدّ أكله بعد قلّة. (¬4) الكتاب (4/ 83). (¬5) مذهب سيبويه في هذه المسألة واضح في أنه يجيز حذف الألف دون تعويض قياسا واستدل على ذلك بقوله تعالى: وَأَقامَ الصَّلاةَ * وقال في الكتاب: (4/ 83) «وقالوا: أريته إراء مثل أقمته إقاما لأن من كلام العرب أن يحذفوا ولا يعوضوا» وذهب الفراء إلى جواز حذف الألف في ما كان مضافا كما في قوله تعالى وَأَقامَ الصَّلاةَ * ليكون المضاف إليه قائما مقام الهاء أما فيما عدا ذلك فلا يجوز حذف التاء وقد اختار الرضي مذهب الفراء وقال «لأن السماع لم يثبت إلا مع الإضافة». انظر معاني القرآن (2/ 254)، وشرح الشافية (1/ 165)، وابن يعيش (6/ 58)، وشرح لامية الأفعال (ص 135). (¬6) انظر الباب الذي قبل ذلك مع مراعاة أن المؤلف - تابعا ابن مالك - لم يشرح هذا الموضع من الكتاب كاملا. (¬7) انظر الكتاب (4/ 86)، وشرح الشافية (1/ 179). (¬8) لرفع اللبس فيقال: مقابلة واحدة وتجربة واحدة، وهذا هو الأكثر. انظر الكتاب (4/ 87)، وشرح الشافية (1/ 179).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونبّه الشيخ (¬1) ههنا على شيء وهو أن الفعل إذا كان له مصدران إنما يدلّ على المرّة منه بالذي هو الأصل منهما والأكثر (¬2)، فعلى هذا لا يقال: قاتل قتالة وكذا لا يقال: دحراجة لأن الأصل في مصدر «فاعل» المفاعلة، وفي مصدر «فعلل»: فعللة، ثم أضاف إلى ذلك المصادر التي ذكر المصنف مجيئها على قلّة وقال (¬3): «كان ينبغي للمصنف أن يقيد فيقول: وتلحق سائر أمثلة الباب المجردة منها المقيسة». الثالثة: لا شك أن صيغة اسم المفعول من الفعل غير الثلاثي قد تقدم التنبيه عليها في باب «اسم الفاعل» فذكر المصنف هنا أن الصيغة المذكورة كما هي دالة على اسم المفعول تكون دالة أيضا على ثلاثة أشياء أخر وهي: الحدث، وزمان ذلك الحدث، ومكانه، كل هذا إذا كان من الفعل غير الثلاثي، قال الله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها (¬4) أي: اجراؤها وإرساؤها، وقال الله تعالى: وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ (¬5) أي: تمزيق، ومنه قول الشاعر (¬6): 3583 - أظلوم إنّ مصابكم رجلا ... أهدى السّلام تحيّة ظلم (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 142). (¬2) قال سيبويه في الكتاب (4/ 87): «هذا باب نظير ما ذكرناه من بنات الأربعة وما ألحق ببنائها من بنات الثلاثة، فتقول: دحرجته دحرجة واحدة وزلزلته زلزلة واحدة تجيء بالواحدة على المصدر الأغلب الأكثر» وانظر شرح الشافية (1/ 179، 180). (¬3) التذييل (6/ 142). (¬4) سورة هود: 41. (¬5) سورة سبأ: 19. (¬6) نسبه العيني (3/ 502)، للحارث بن خالد المخزومي، والبيت في ديوان العرجي (ص 193)، وانظر درة الغواص (ص 96). (¬7) هذا البيت من الكامل. الشرح: «أظلوم» قال العيني: (3/ 504): «قال ابن بري: والصواب أظليم، وظليم ترخيم ظليمة وظليمة تصغير ظلمة وهي أم عمران» ويروى أسليم والصحيح أظليم والهمزة حرف نداء. والشاهد في قوله: «مصابكم» حيث جاء اسم المفعول بمعنى المصدر دالّا على الحدث. والبيت في أمالي الشجري (1/ 107)، والمغني (ص 538، 637)، والخزانة (1/ 218)، والتصريح (2/ 64)، والأشموني (ص 288، 310).

[مجيء المصدر على وزن اسمي الفاعل والمفعول]

[مجيء المصدر على وزن اسمي الفاعل والمفعول] قال ابن مالك: (يجيء المصدر على زنة اسم المفعول في الثّلاثيّ قليلا، وفي غيره كثيرا، وربّما جاء في الثّلاثيّ بلفظ اسم الفاعل). ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: إنّ إصابتكم رجلا، وقال أمية (¬1): 3584 - الحمد لله ممسانا ومصبحنا ... بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا (¬2) ويقولون للمكان: هذا مخرجنا ومدخلنا، ومصبحنا وممسانا (¬3). قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬4): ثبت هذا الفصل في نسخة الشيخ بهاء الدين الرّقي (¬5) - رحمه الله تعالى - وهو أحد تلامذة المصنف وكان عليها خطه. أما مجيء المصدر على زنة اسم المفعول: فالمنقول أن الأخفش والفراء يجيزان ذلك (¬6)، وجعلا منه «المرفوع» و «الموضوع» و «المعقول» و «المجلود» و «المفتون» و «المكذوب» و «المعقود» بمعنى: الرّفع والوضع والعقل والجلد والفتنة والكذب والعقد، قال الشيخ (¬7): وأنكر سيبويه (¬8) مجيء المصدر على زنة مفعول، وتأوّل هذه الألفاظ فجعل «المرفوع» و «الموضوع» هو الشيء الذي يضعه ويرفعه، تقول: هذا مرفوع ما عندي وموضوعه أي: ما أرفعه، وأضعه، وجعل - ¬

_ (¬1) هو: أمية بن عبد الله أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي، شاعر جاهلي حكيم من أهل الطائف. (¬2) هذا البيت من البسيط، والشاهد فيه: على أنه جعل «الممسى» و «المصبح» للزمان، أراد: الحمد لله في وقت إصباحنا وفي وقت إمسائنا، وقوله: بالخير صبحنا ربي: دعاء كأنه قال: اللهمّ صبّحنا بخير ومسّنا به، والمعنى واضح. ابن السيرافي (2/ 338)، والبيت من شواهد الكتاب (2/ 250)، (4/ 95) (هارون) وابن يعيش (6/ 50، 53)، والمغني (2/ 213)، وديوان أمية (ص 62). (¬3) انظر الكتاب (4/ 95). (¬4) التذييل (6/ 145) (رسالة) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬5) هو: سلامة بن سليمان بن سلامة الرّقي الرافقي بهاء الدين أبو الرجاء النحوي، كان من أجلّ تلامذة الجمال بن مالك وأكبرهم، وكان من كبار أئمة العربية وكان صالحا سليم الصدر حسن الأخلاق، وكان ابن مالك يعظمه جدّا ويثني عليه ويصفه بالفضل توفي في صفر سنة ثمانين وستمائة. انظر بغية الوعاة (1/ 592، 593). (¬6) انظر معاني القرآن (2/ 38)، والمغني (ص 110)، واللسان (كذب). (¬7) التذييل (6/ 145). (¬8) انظر الكتاب (4/ 97).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعقول مشتقّا من قولك: عقل له أي: شدّ وحبس، فكأنّ عقله قد حبس له وشدّ. واستغني بهذه المفعولات التي ذكرت عن المفعل الذي يكون مصدرا لأن فيها دليلا على المفعل. قال (¬1): وأما قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (¬2) فزعم بعضهم (¬3) أن «الباء» زائدة تقديره: أيّكم المفتون كما زيدت في: 3585 - ... ... لا يقرأن بالسّور (¬4) وجعل الفراء (¬5) من هذا «الميسور» و «المعسور» بمعنى: الإيسار والإعسار، وردّ (¬6) ذلك بأن «الميسور» و «المعسور» هنا ليسا بمصدرين في الثلاثي بل في الرباعي الذي على وزن «أفعل» وللفراء أن يقول (¬7): ادّعي أن اسم المفعول يأتي مصدرا للفعل الرباعي كما يأتي للفعل الثلاثي إذ لا يجهل أن هذه الكلمة من فعل رباعي، وجعل سيبويه (¬8) «الميسور» و «المعسور» زمانا [5/ 23] يعسر فيه ويوسر كما تقول: هذا وقت مضروب فيه زيد، وعجبت من زمان مضروب فيه زيد. ولم يظهر لي هذا التخريج لأن الصيغة التي تدل على الزمان من الفعل غير الثلاثي يجب أن تكون على صيغة اسم المفعول فيه، و «الميسور» و «المعسور» ليسا على صيغة اسم المفعول لفعل رباعي، فكما لا يكونان اسمي مفعول من «أيسر» و «أعسر» لا يكونان دالّين على زمان ذلك الفعل (¬9). ¬

_ (¬1) أي الشيخ في التذييل (6/ 146). (¬2) سورة القلم: 6. (¬3) ابن هشام في المغني (ص 109) ونسبه لسيبويه وانظر شرح الشافية (1/ 175). (¬4) هذه قطعة من بيت من البسيط وهو بتمامه: هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة ... سود المحاجر لا يقرأن بالسّور والشعر قيل للراعي وهو في ديوانه (ص 108) وقيل للقتال الكلابي وهو في ديوانه أيضا (ص 53) والاستشهاد بالبيت: على أن الباء زائدة في المفعول. والبيت في مجالس ثعلب (ص 365)، والمخصص (14/ 70)، والخزانة (3/ 667)، والمغني (ص 29، 109، 675)، وشرح شواهده (ص 91، 336). (¬5) التذييل (6/ 145)، وانظر معاني القرآن (2/ 38). (¬6) أبو حيان في التذييل (6/ 145). (¬7) هذا من كلام المؤلف وفيه دفاع عن الفراء. (¬8) انظر التذييل (6/ 145)، والكتاب (4/ 97)، وشرح الشافية (1/ 175). (¬9) في هذا الكلام رد لمذهب سيبويه وموافقة لمذهب الفراء والأخفش وقد أخذ به المصنف كما ذكر ذلك أبو حيان في التذييل (6/ 146)، وانظر شرح الشافية (1/ 175).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول المصنف: وفي غيره أي: وفي غير الثلاثي كثيرا، فقال الشيخ (¬1): «هذا تكرار لأنه قد اندرج في قوله قبل «ويصاغ مثل اسم مفعول كلّ منها دالّا على حدثه أو زمانه أو مكانه». وأقول: لك أن تقول: ليس هذا بتكرار لأن المذكور أولا لم يتعرض فيه لكثرة ولا قلّة فذكره ثانيا منصوصا على كثرته لئلا يتوهّم أنه كالمصوغ مما فعله ثلاثي في القلّة. وأما قوله: وربّما جاء في الثّلاثيّ بلفظ اسم الفاعل: فقد مثّل له بـ «العافية» و «العاقبة» و «الباقية» قالوا (¬2): ومنه «الفاصلة» و «القافية» و «الكاذبة» و «الدّالّة» بمعنى الفصل والعفو والكذب والدّلالة، وقال الفرزدق: 3586 - على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام (¬3) أي ولا خروجا (¬4)، وقال آخر: 3587 - كفى بالنّأي من أسماء كاف (¬5) - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (6/ 146). (¬2) انظر شرح الشافية (1/ 176). (¬3) هذا البيت من الطويل وهو للفرزدق (ديوانه ص 769). وقبله: ألم ترني عاهدتّ ربّي وإنّني ... لبين رتاج قائما ومقام ومعنى البيتين: أنه تاب عن الهجاء وقذف المحصنات وعاهد الله على ذلك بين رتاج الكعبة وهو بابها ومقام ابراهيم عليه السّلام. والشاهد في قوله: «ولا خارجا» على أنه اسم فاعل بمعنى المصدر أي ولا خروجا وهو مذهب سيبويه (4/ 346). والبيت في الكتاب (1/ 173) (بولاق)، والمقتضب (3/ 269)، (4/ 313)، وابن يعيش (2/ 95)، وشرح الشافية (1/ 177)، والمغني (405)، والخزانة (1/ 108)، (2/ 270) (عرضا). (¬4) انظر الكتاب (4/ 346). (¬5) هذا صدر بيت من الوافر لبشر بن أبي خازم أحد شعراء الجاهلية (ديوانه ص 142). وعجزه: وليس لنأيها إذ طال شافي الشرح: النأي: البعد وهو فاعل كفى والباء زائدة في الفاعل، وأسماء: امرأة أصله: وسماء من الوسامة وهي الحسن. والمعنى: يكفيني بعدها بلاء فلا حاجة إلى بلاء آخر. والشاهد فيه: نصب «كاف» على المصدر وإن كان لفظه لفظ اسم الفاعل والمراد كافيا، وقد نقل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: كفاية. * * * ¬

_ = صاحب الخزانة عن المرزوقي أنه قال: «يريد كفى النأي من أسماء كفاية وهو اسم فاعل وضع موضع المصدر كقولهم: قم قائما وعوفي عافية وفلج فالجا وكان يجب أن يقول: كافيا لكنه حذف الفتحة كما تحذف الضمة والكسرة» يريد أن الشاعر عامل المنقوص في حالة النصب كما يعامل في حالة الرفع والجر فحذف الياء وانظر البيت في المقتضب (4/ 22)، وابن الشجري (1/ 183)، وابن يعيش (6/ 51)، وشرح الشافية (1/ 176)، وشرح شواهدها (ص 70)، والخزانة (2/ 261).

الباب التاسع والخمسون باب ما زيدت الميم في أوله لغير ما تقدم وليس بصفة

الباب التاسع والخمسون باب ما زيدت الميم في أوّله لغير ما تقدّم وليس بصفة [أسماء الزمان والمكان] قال ابن مالك: (يصاغ من الفعل الثّلاثيّ «مفعل» فتفتح عينه مرادا به المصدر أو الزّمان أو المكان إن اعتلّت لامه مطلقا أو صحّت ولم تكسر عين مضارعه، فإن كسرت فتحت في المراد به المصدر، وكسرت في المراد به الزّمان أو المكان، وما عينه «ياء» في ذلك كغيره، أو مخيّر فيه، أو مقصور على السّماع، وهو الأولى، والتزم غير طيّئ الكسر مطلقا في المصوغ ممّا صحّت لامه وفاؤه واو). قال ناظر الجيش: تقدم أن الميم تأتي في «المفاعلة» للدلالة على مصدر «فاعل» كضارب مضاربة (¬1)، وتأتي في ما هو على صيغة «اسم المفعول» من غير الثلاثي للدلالة على الحدث أو زمانه أو مكانه، ولا شك أن الميم في القسمين زائدة، فعن ذلك احترز بقوله: لغير ما تقدّم، وأما قوله: وليس بصفة فالظاهر أنه ملحق وليس من أهل التصنيف إذ لا فائدة له، لكن قال الشيخ (¬2): «هو احتراز مما جاء صفة وليس باسم فاعل ولا مفعول نحو: رجل مقنع، وهو الذي يقنع به في الأمور (¬3)، ورجل مدعس وهو للطّعّان (¬4)». ثم ليعلم أن هذا الباب معقود لما زيدت الميم فيه مما هو مأخوذ من ثلاثي للدلالة على الحدث أو الزمان أو المكان، وكأن المصنف لما تقدم له أن مثل اسم المفعول من غير الثلاثي يصاغ دالّا على الحدث والزمان والمكان، ذكر في هذا الباب أنه يبنى من الثلاثي أيضا ما يدل على ثلاثة الأمور المذكورة، وختم الباب بذكر ما هو للآلة وما هو للدلالة على كثرة الشيء أو محلّه مما هو مفتتح بزيادة الميم. - ¬

_ (¬1) انظر أول الباب الذي قبل ذلك (مصادر غير الثلاثي). (¬2) التذييل والتكميل (6/ 147). (¬3) انظر اللسان (قنع). (¬4) انظر اللسان (دعس).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم الصيغة المرادة في هذا الباب هي صيغة «مفعل» - بفتح العين - وصيغة «مفعل» بكسرها (¬1). والحاصل: أن المصدر يأتي على «مفعل» - بالفتح مطلقا - سواء اعتلت لام الفعل كـ «مرمى» و «معزى» أم كانت صحيحة وضمّت عين المضارع منه أو فتحت أو كسرت كـ «مقتل» و «مذهب» و «مضرب» إلا أن تكون «فاء» الكلمة «واوا» مع كون اللام صحيحة فإنه يأتي على «مفعل» - بالكسر - إلا عند طيّئ (¬2) كما ذكر المصنف، وأما أسماء الزمان والمكان فإنهما موافقان المصدر فيما ذكره إلا إذا كسرت عين المضارع واللّام صحيحة فإنه يقال فيهما: «مفعل» بالكسر (¬3). وإذ قد عرف ذلك إجمالا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب فنقول: قوله: إن اعتلّت لامه مطلقا - يعني بـ «الإطلاق» الذي ذكره أن النظر فيه هو لاعتلال اللام فقط، صحّت فاؤه نحو: دنا مدنى وغزى مغزى، أو اعتلت نحو: وفى موفى، ووقى موقى (¬4). وقوله: أو صحّت ولم تكسر عين مضارعه يعني به أن العين إذا ضمّت أو فتحت فالحكم كذلك نحو: قتل مقتلا، وذهب مذهبا (¬5)، ولا شك أن «مفعلا» من هذا الذي ذكره صالح لأن يراد به المصدر أو الزمان أو المكان (¬6)، وقد يكون «مفعل» مضعّفا نحو: جرّ مجرّا، قال النابغة: 3588 - كأنّ مجرّ الرّامسات ذيولها ... عليه حصير نمّقته الصّوانع (¬7) - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (4/ 90) «ليس في الكلام مفعل». (¬2) أي فإنه يأتي على «مفعل» انظر الكتاب (4/ 93). (¬3) قال سيبويه في الكتاب (4/ 87) «أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعل وذلك قولك: هذا محبسنا ومضربنا ومجلسنا، كأنهم بنوه على بناء يفعل فكسروا العين كما كسروها في يفعل» وانظر شرح الشافية (1/ 181). (¬4) انظر التذييل (6/ 147). (¬5) انظر الكتاب (4/ 89). (¬6) الكتاب (4/ 89). (¬7) هذا البيت من الطويل وهو للنابغة الذبياني الشاعر الجاهلي المشهور (ديوانه ص 31). اللغة: كأن مجر: فيه حذف مضاف والتقدير: كأن أثر مجرّ أو موضع مجرّ، الرامسات: الرياح الشديدة الهبوب من الرّمس وهو الدّفن، وذيولها: مآخيرها وذلك أن أوائلها تجيء بشدة ثم تسكن، -

وقد يأتي مؤنثا بالتاء: ومنه: «المشقّة» و «الملامة» و «المقالة» و «المدعاة» إلى الطعام، وهذه الكلمات مما مضارعه «يفعل» بالضم، ومنه مما مضارعه «يفعل» - بالفتح -: «المسألة» و «المسعاة» وهو السّعي إلى الخير (¬1). وقوله: فإن كسرت فتحت إلى آخره أي فإن كسرت عين المضارع كـ «ضرب يضرب» فتحت في المراد به المصدر، وكسرت في المراد به الزمان أو المكان، تقول: هذه الدراهم فيها مضرب أي ضرب (¬2)، والمضعّف كذلك قال الله تعالى: أَيْنَ الْمَفَرُّ (¬3) أي: أين الفرار (¬4)؟ وأما في الزمان والمكان فتكسر العين، يقال (¬5): هذا مجلس زيد ومحبسه ومضربه، وقالوا «أتت النّاقة على مضربها» و «أتت على منتجها» يريدون الزمان الذي فيه الضّراب، والنّتاج، وكذلك يقال: المفرّ في الزمان والمكان (¬6). وأما قوله: وما عينه ياء في ذلك كغيره إلى آخره فأشار به إلى نحو: يبيت ويعيش، ويقيل ويحيض، وذكر فيه ثلاثة مذاهب (¬7): أحدها: أنه كغيره من الصحيح العين المكسورها فيكون للمصدر بالفتح، وللزمان والمكان بالكسر قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (¬8) أي: جعلناه - ¬

_ - ويروى ذيولها بالنصب - كما هنا - على أنه مفعول لـ «مجر» وروي بجره فيكون بدلا من الرامسات بدل بعض. وعليه فالمجر اسم مكان ولا حذف، وحصير: أي المنسوج سمي حصيرا لأنه حصرت طاقته بعضها مع بعض، ونمقته: نقشته وزينته بالكتابة، والصوانع: جمع صانعة. والمعنى: شبه آثار هذه الرامسات في هذا الرسم بحصير من جريد أو أدم ترمله الصوانع: أي تعمله وتخرزه، والشاهد فيه: قوله: «مجر» فإنه مصدر بمعنى الجرّ وهو على زنة «مفعل». وانظر البيت في ابن يعيش (6/ 110، 111)، والمفصل (ص 239)، وشرح الشافية (2/ 16)، وشرح شواهدها للبغدادي (ص 106). (¬1) انظر الكتاب (4/ 98)، وانظر اللسان (سعى). (¬2) الكتاب (4/ 87). (¬3) سورة القيامة: 10. (¬4) انظر الكتاب (4/ 87). (¬5) الكتاب (4/ 87). (¬6) الكتاب (4/ 87). (¬7) ذكر الشيخ أبو حيان هذه المذاهب الثلاثة في التذييل والتكميل (6/ 148، 149) وهذا يوضح لناشده تأثر المؤلف بشيخه. (¬8) سورة النبأ: 11.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عيشا (¬1)، ويكون «المحيض» بمعنى: الحيض ونحوه شاذّا (¬2)، ويقال: المبيت والمقيل للمكان [5/ 24] والزمان، يراد بذلك المكان الذي يبات فيه ويقال فيه، أو زمان البيتوتة والقيلولة. ثانيها: أن المتكلم مخيّر فيه بين أن يبنى المصدر على «المفعل» أو «المفعل» وأما الزمان والمكان فمكسور العين، فتقول في المصدر إن شئت: «معاشا» وهو المسموع، وإن شئت: «معيشا» قياسا على «المحيض» (¬3) وكذلك المحيض هو المسموع ويجوز المحاض قياسا على المعاش. ومما سمع من المصادر غير المحيض على «المفعل» في ما عينه ياء: «المغيب» و «المزيد» و «مغيض الماء» و «المقيل» (¬4)، ومما جاء منه مؤنثا بالتاء: «المخيلة» و «المشيئة» و «المعيشة» إن قيل: إنها «مفعلة» بكسر العين (¬5). ثالثها: أن يقتصر في ذلك على السماع، فيقتصر على ما قالته العرب، فلا يقال في «المعاش» الذي هو مصدر: المعيش، ولا يقال في «المحيض» بمعنى الحيض: المحاض، وهذا المذهب قد ذكر المصنف أنه الأولى (¬6). وقوله: والتزم غير طيّئ إلى آخره يعني أن العرب - غير طيّئ - يلتزمون الكسر مطلقا يعني في المصدر والزمان والمكان، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على «فعل» كـ «وجل» أو «فعل» كـ «وعد» (¬7). ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (4/ 88). (¬2) إنما كان المحيض بمعنى الحيض ونحوه شاذّا على هذا المذهب لأن حقه أن يكون على «مفعل» بالفتح لأنه مصدر. (¬3) قال سيبويه في الكتاب (4/ 88) «وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه إلا أن تفسير الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك» وقال السيرافي: «ومن ذلك فيما ذكره سيبويه: المطلع في معنى الطلوع». شرح السيرافي هامش الكتاب (4/ 88). (¬4) قال أبو حيان في التذييل (6/ 97) «وممن جعل مثل المحيض مقيسا أبو إسحاق الزجاج في كتاب المعاني له» وانظر معاني القرآن للزجاج (1/ 289). (¬5) انظر الكتاب (4/ 88، 89). (¬6) قال أبو حيان في التذييل (6/ 149) «وإنما كان أولى عنده لأنا إذا قسنا مع وجود السماع في الكلمة التي ينطق بها كنا قد تركنا ما تيقنا أن العرب نطقت به مع وجود النص في شيء لا يحتاج إلى القياس». (¬7) قال في الكتاب (4/ 93) «وحدثنا يونس وغيره أن ناسا من العرب يقولون في وجل يوجل ونحوه: موجل وموحل» وفي اللسان (وحل): «والموحل بالفتح المصدر وبالكسر المكان» وانظر شرح

وقوله: ممّا صحّت لامه فيه زيادة بيان لأنه قد تقدم له أن: ما اعتلّت لامه إنما يأتي بالفتح. قال الشيخ (¬1): «وأطلق المصنف في هذا الفصل وذلك أن ما ذكر على قسمين: إما أن يكون «فعل» - بكسر العين - «يفعل» - بفتحها - نحو: وجل يوجل، ووحل يوحل، ووددت أودّ، أو على «فعل يفعل» (¬2): إن كان فعل يفعل فالحكم كما ذكر (¬3) نحو: الموعد، والموهب، والموجدة وغيرها، وإن كان فعل يفعل فإما أن تتحرك الواو في المضارع أو تسكن، إن تحركت نحو: أودّ فتحتها في «المفعل» نحو: مودّة (¬4)، وإن لم تتحرك نحو: يوجل ويوحل فأكثر العرب يكسر العين فيهما، وبعضهم يفتح العين (¬5)» انتهى. وهذا الذي ذكره الشيخ نبّه عليه ابن عصفور في المقرّب له (¬6)، وينبغي أن يعلم أن «مفعلا» المذكور في هذا الباب ليس بمصدر وإنما هو اسم مصدر، وكذا ما افتتح بميم من غير الثلاثي إذا لم يرد به اسم المفعول ولا الزمان ولا المكان، وقد تقدم التنبيه على ذلك في باب إعمال المصدر، وأن الإمام بدر الدين ولد المصنف جعل ذلك من قبيل أسماء المصادر (¬7)، وأن والده ليس في كلامه تعرّض لذلك، وأن ظاهره يعطي أن ذلك من قبيل المصادر، وكذا ظاهر كلامه في هذا الباب. ¬

_ - الشافية (1/ 170). (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 150) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬2) أي بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع. (¬3) أي يجيء المصدر منه والزمان والمكان على مفعل بكسر العين، قال سيبويه في الكتاب (4/ 92) «هذا باب ما كان من هذا النحو من بنات الواو التي الواو فيهن فاء، فكل شيء كان من هذا فعل فإن المصدر منه من بنات الواو والمكان يبنى على مفعل، وذلك قولك للمكان: الموعد والموضع، والمورد، وفي المصدر: الموجدة والموعدة» وانظر شرح الشافية (1/ 170). (¬4) قال سيبويه في الكتاب (4/ 93) «وقالوا: مودّة لأن الواو تسلم ولا تقلب» وانظر شرح الشافية (1/ 170). (¬5) انظر الكتاب (4/ 93)، وشرح الشافية (1/ 170). (¬6) انظر المقرب (2/ 137). (¬7) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 418، 419).

[الزمان والمكان على وزن مفعل بالكسر أو الفتح]

[الزمان والمكان على وزن مفعل بالكسر أو الفتح] قال ابن مالك: (وشذّ من جميع ذلك بكسر: مشرق، ومغرب، ومرفق، ومنبت، ومسجد، ومجزر، ومسقط، ومظنّة، ومرجع، ومعرفة، ومغفرة، ومعذرة، ومأوية، ومعصية، ومرزئة، ومكبر، ومحمية، وبه مع الفتح: مطلع، مفرق، محشر، مسكن، منسك، محلّ أي منزل، مجمع، مناص، مذمّة، من الذّمام، مدبّ النّمل، مأوى الإبل، معجز، معجزة، مظلمة، مضلّة، مزلّة، معتبة، مضربة السّيف، موضع، موحل، موقعة الطّائر، محمدة، محسبة، علق مضنّة، وبالتثليث مهلك، مهلكة، مقذرة، مأربة، مقبرة، مشرقة، مزرعة، ولم يجئ «مفعل» سوى مهلك إلا معون، ومكرم، مألك، وميسر). قال ناظر الجيش: الذي شذّ بالكسر فيما تقدمت الإشارة إليه شذوذه على ثلاثة أقسام (¬1): الأول: ما لم تكسر عين مضارعه وإنما ضمّت وهو من «مشرق» إلى «مظنّة» ثماني كلمات (¬2)، وكلها للمكان فجاءت بالكسر وقياسها الفتح لأن المضارع منها مضموم (¬3)، تقول: يشرق، ويغرب، [ويرفق]، وينبت، ويسجد، ويجزر، ويسقط، ويظن، قال الشيخ (¬4): «وذكر المصنف مع هذه الأسماء «المسجد» تابعا لأبي عبيد القاسم بن سلام (¬5) على أن يكون موضع السجود»، قال: وهو مخالف لما في كتاب سيبويه فإنه قال (¬6): «وأما المسجد فإنه اسم لبيت ولست تريد موضع السجود وموضع جبينك، ولو أردت ذلك لقلت مسجدا». ¬

_ (¬1) هذه الأقسام الثلاثة ذكرها أبو حيان في التذييل والتكميل (6/ 151، 152)، وهذا يدل على شدة تأثر المؤلف به. (¬2) وهي: مشرق، ومغرب، ومرفق، ومنبت، ومسجد، ومجزر، ومسقط، ومظنّة. (¬3) انظر الكتاب (4/ 90). (¬4) انظر التذييل (6/ 151). (¬5) هو أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي الأزدي الخزاعي بالولاء الخراساني البغدادي من كبار العلماء بالحديث والأدب والفقه، ومن أهل هراة ولد وتعلم بها وكان مؤدبا، من كتبه: «الغريب المصنف» و «المذكر والمؤنث»، و «المقصود والممدود» وتوفي سنة 230 هـ. انظر الأعلام (5/ 176)، ونزهة الألباء (ص 136 - 146)، وبغية الوعاة (2/ 253، 254). (¬6) انظر الكتاب (4/ 90).

القسم الثاني: ما لم تكسر عين مضارعه وإنما فتحت وذلك: «مرزئة»، «مكبر» كلمتان لأن المضارع منهما مفتوح تقول: رزئ يرزأ (¬1)، وكبر يكبر، فكان قياسهما: مرزأ، ومكبرا (¬2)، وزاد غيره (¬3) «مشيئة» لأن المضارع من هذه المادة «يشاء». القسم الثالث: ما كانت عين مضارعه مكسورة وهو من «مرجع» إلى «معصية» و «محمية»، أيضا سبع كلمات (¬4) وهي مصادر فقياسها الفتح (¬5) قال الله تعالى: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً (¬6) أي: رجوعكم (¬7). وبعد: فالكلمات التي ذكر المصنف أنها شذّت بالكسر سبع عشرة كلمة، منها مصادر تسع كلمات، وأسماء أمكنة ثماني كلمات، فما كان منها مصدرا فواضح شذوذ الكسر فيه لما عرف أن قياس المصدر «المفعل» بالفتح مطلقا، وما كان منها اسم مكان فشذوذ الكسر فيه من جهة أن عين المضارع منه غير مكسورة. ثم قال الشيخ (¬8) بعد ذكر هذه الكلمات: «وإجراء هذه الألفاظ على الفتح جائزة تقول: مشرق، ومغرب، وكذلك باقيها، ونقل مثل ذلك عن أبي عبيد القاسم بن سلام». ثم لما انتهى الكلام على ما شذّ بالكسر وحده شرع في الكلام على ما شذ بالكسر مع الفتح الذي هو قياس فيه: فذكر أربعا وعشرين كلمة وهي من «مطلع» إلى «مضنّة» وهو على ثلاثة أقسام أيضا (¬9): الأول: ما عين مضارعه مضمومة وهو: «مطلع»، «مفرق»، «محشر»، «مسكن»، «منسك»، «محلّ»، «مناص»، «معتبة» ثماني كلمات، - ¬

_ (¬1) رزأه ماله ورزئه يرزؤه فيهما رزءا: أصاب من ماله شيئا. انظر اللسان (رزأ). (¬2) انظر الكتاب (4/ 89) وقال: «وقد كسر المصدر كما تكسر في الأول قالوا: علاه المكبر». (¬3) يعني الشيخ أبا حيان في التذييل (6/ 152) وقال سيبويه في الكتاب (4/ 89) «وربما استغنوا بمفعلة عن غيرها وذلك قولهم: المشيئة والمحمية وقالوا: المزلّة». (¬4) هي: مرجع، ومعرفة، ومغفرة، ومعذرة، ومأوية، ومعصية، ومعصية، ومحمية. (¬5) انظر الكتاب (4/ 88، 89). (¬6) سورة يونس: 4. (¬7) الكتاب (4/ 88). (¬8) انظر التذييل والتكميل (6/ 152). (¬9) هذه الأقسام الثلاثة ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول: يطلع، ويفرق، ويحشر، ويسكن، وينسك، ويحلّ، وينوص، ويعتب، قال الشيخ (¬1): «وأما مدبّ فالمضارع فيه يدبّ - ويدبّ - بضم الدال وكسرها - والكسر هو القياس في المضارع لأنه مضعّف لا يتعدى فقياسه: يفعل - بكسر العين - نحو: صحّ ويصحّ». وليعلم أن بعضهم [5/ 25] ذهب إلى أن «المطلع» بالكسر اسم للموضع الذي يطلع فيه (¬2)، وسيبويه إنما ذكره في المصادر (¬3)، ويدل على صحته قراءة من قرأ (¬4): سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (¬5) - بكسر اللام - ولا يحتمل إلا المصدر لأن حتى إنما يقع بعدها في التوقيت ما يحدث والطلوع هو الذي يحدث، وموضع الطلوع ليس بحادث في آخر الليل (¬6). القسم الثاني: ما عين المضارع فيه مكسورة وذلك: «مأوى الإبل» و «معجز» و «معجزة» (¬7) و «مظلمة» و «مزلّة» و «مضربة السّيف»، فإنه يقال: يأوي ويعجز، ويظلم، ويضلّ ويزلّ، ويضرب الإبل. القسم الثالث: ما عين المضارع فيه مفتوحة وذلك: «موضع» و «موحل» و «موقعة الطائر» (¬8) و «محمدة» و «محسبة» و «علق مضنّة» (¬9)، فإنه يقال: يضع، ويوجل، ويقع، ويحمد، ويحسب ويضنّ. ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 153). (¬2) انظر معاني القرآن للفراء (3/ 281). (¬3) قال في الكتاب (4/ 90) «وقد كسروا المصدر في هذا كما كسروا في يفعل، قالوا: أتيتك عند مطلع الشمس أي: عند طلوع الشمس وهذه لغة بني تميم، وأما أهل الحجاز فيفتحون». (¬4) هي قراءة الكسائي. انظر الحجة لابن خالويه (ص 374)، وحجة القراءات لابن زنجلة (ص 768)، ونسبها الفراء في معاني القرآن (3/ 280) لابن وثاب، وانظر البحر المحيط (8/ 497). (¬5) سورة القدر: 5. (¬6) هذا من كلام السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه. انظر السيرافي بهامش الكتاب (4/ 88). (¬7) قال في الكتاب (4/ 88) «وقالوا: المعجز يريدون: العجز وقالوا: المعجز على القياس وربما ألحقوا هاء التأنيث فقالوا: المعجزة والمعجزة كما قالوا: المعيشة». (¬8) في اللسان (وقع): «ووقيعة الطّائر وموقعته - بفتح القاف -: موضع وقوعه الذي يقع عليه ويعتاد الطّائر إتيانه وجمعهما مواقع». (¬9) الضّنّة والضّنّ والمضنّة والمضنّة: كل ذلك من الإمساك والبخل وعلق مضنّة ومضنّة بكسر الضاد وفتحها أي: هو شيء نفيس مضنون به ويتنافس فيه. انظر اللسان (ضنن).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم لما أنهى الكلام على ما شذ بالكسر مع الفتح شرع في ذكر ما جاء بالتثليث أي بتحريك عين «مفعل» بالحركات الثلاث: وهو سبع كلمات، وهي: «مهلك» و «مهلكة» و «مقدرة» و «مأربة» (¬1) و «مقبرة» (¬2) و «مشرقة» (¬3) و «مزرعة»، ولا يخفى على الناظر ما هو القياس في كل منها إن قدره مصدرا، أو اسم زمان، أو اسم مكان. ونقل الشيخ (¬4) عن ابن الحاجّ (¬5) أن كلمة ثامنة وردت بالتثليث وهي «معذرة». وأما قول المصنف: ولم يجئ مفعل إلى آخره فأشار به إلى أن «مفعلا» بالضم لا مدخل له في هذا الباب (¬6)، فإن ورد شيء على هذا الوزن عدّ شاذّا، ومن ثمّ قال ابن الحاجب في تصريفه (¬7) «وأما مكرم ومعون ولا غيرهما فنادران حتى جعلهما الفراء جمعا لمكرمة ومعونة» انتهى. وشاهد «مكرم» قول القائل (¬8): 3589 - ليوم روع أو فعال مكرم (¬9) وشاهد «معون» قول الآخر: - ¬

_ (¬1) هو من أرب الرّجل إذا احتاج إلى الشّيء وطلبه. انظر اللسان (أرب). (¬2)، (¬3) جعلهما سيبويه اسما للمكان بمنزلة المسجد. انظر الكتاب (4/ 91). (¬4) انظر التذييل والتكميل (6/ 154). (¬5) هو: أحمد بن محمد بن أحمد الأزدي أبو العباس الإشبيلي، يعرف بابن الحاج، قرأ على الشلوبين وأمثاله وله على كتاب سيبويه إملاء وإيرادات على المقرب، توفي سنة 647 هـ. انظر البغية (1/ 359، 360). (¬6) قال سيبويه في الكتاب (4/ 90): «وأما ما كان يفعل منه مضموما فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا ولم يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس في الكلام مفعل». (¬7) انظر شرح شافية ابن الحاجب (1/ 168)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 152)، واللسان (عون). (¬8) هو أبو الأخزر الحمّاني كما في الاقتضاب (ص 469)، واللسان (كرم) و (يوم). (¬9) هذا البيت من الرجز المشطور من كلمة لأبي الأخزر الحمّانيّ يمدح فيها مروان بن الحكم بن العاص، وقد روي قبله: نعم أخو الهيجاء في اليوم اليمي الشرح: الروع: الفزع والخوف ويروى: ليوم مجد، ويروى: ليوم هيجا، والفعال - بفتح الفاء - الوصف حسنا أو قبيحا. والمكرم: الكرم وهو محل الشاهد في البيت. وانظر الرجز في إصلاح المنطق (ص 223)، والخصائص (ص 212)، والمحتسب (1/ 144)، وشرح الشافية (1/ 169)، وشرح شواهدها (ص 68)، ومعاني القرآن (2/ 152)، واللسان (عون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3590 - بثين الزمي «لا» إنّ «لا» إن لزمته ... على كثرة الواشين أيّ معون (¬1) وقرئ في الشاذ: فنظرة إلى ميسرة (¬2)، وقال الشاعر: 3591 - أبلغ النّعمان عنّي مالكا ... أنّه قد طال حبسي وانتظاري (¬3) قال الشيخ (¬4): تبع المصنف في هذا الذي قاله بعض الكوفيين، وقد قال سيبويه (¬5): وأما ما كان يفعل منه مضموما فهو بمنزلة ما كان يفعل منه مفتوحا ولم يبنوه على مثال يفعل لأنه ليس في الكلام مفعل، قال الشيخ: فهذا سيبويه لم يثبت مفعلا فقد خالف كلام المصنف كلام سيبويه، ولا يخفى أن هذا الذي فعله المصنف ليس فيه مخالفة، لأن سيبويه - رحمه الله تعالى - لم يلتفت إلى الشاذ لندوره وقلة ما ورد منه فكان عنده غير معتبر. ثم قال الشيخ (¬6): «ويحتمل أن يكون الأصل: مكرمة ومعونة وميسرة ومهلكة ومألكة، وقد سمع فيه ذلك فحذفت منه الهاء شذوذا» (¬7). ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو لجميل بن معمر العذري (ديوانه ص 126). الشرح: بثين: مرخم، بثينة اسم حبيبته، يقول: إذا سألك الواشون عني أو عن أي شيء يرتبط بي فلا تذكري شيئا سوى كلمة «لا» فإن هذه الكلمة إن لزمتها أكبر عون لك على رد كيدهم. والشاهد فيه: قوله «معون» - بضم العين - وأصله: معون - بسكونها وضم الواو - فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها، وهذا شاذ، والقياس: معان، وأصله: معون، فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها ثم قلبت ألفا لتحركها بحسب الأصل وانفتاح ما قبلها بحسب الآن. وانظر البيت في إصلاح المنطق (ص 223)، والمقتضب (4/ 294)، والمنصف (1/ 308)، والمحتسب (1/ 144)، وشرح الشافية (1/ 168)، وشرح شواهدها (ص 67)، واللسان (عون). (¬2) سورة البقرة: 280، وهي قراءة نافع انظر غيث النفع (ص 92)، والسبعة في القراءات لابن مجاهد (ص 192) ووافق ابن محيصن نافعا (الإتحاف: 1/ 458). (¬3) هذا البيت من الرمل وهو أول قصيدة لعدي بن زيد يخاطب بها النعمان بن المنذر وكان قد حبسه. الشرح: مألكا - بفتح الميم وضم اللام - الرسالة ومعنى البيت واضح. والشاهد فيه: قوله «مألكا» بزنة «مفعل» وهو شاذ وقيل: هو جمع مألكة، ويجوز أن يكون أصله: مألكة فحذفت منه الهاء ضرورة. وانظر البيت في المنصف (1/ 309)، (2/ 104)، والمحتسب (1/ 44، 335)، واللسان (ألك) والخزانة (3/ 597) (عرضا)، وديوان عدي (ص 93). (¬4) انظر التذييل (6/ 154) وقد تصرف المؤلف في نقل عبارته. (¬5) انظر الكتاب (4/ 90). (¬6) انظر التذييل (6/ 155) وقد تصرف المؤلف في نقل عبارته. (¬7) انظر شرح السيرافي (6/ 168) (رسالة) والمنصف (1/ 309).

[مجيء مفعلة للسبب- اسم الآلة]

[مجيء مفعلة للسبب - اسم الآلة] قال ابن مالك: (فصل: يصاغ من الثّلاثيّ اللّفظ أو الأصل لسبب كثرته أو محلّها «مفعلة»، وقد يقال في المحلّ: «مفعلة» و «مفعل» و «أفعل فهو مفعل» ونحو: «مثعلبة [ومثعلة] ومعقربة ومعقرة» نادر، ويصاغ لآلة الفعل الثّلاثيّ مثال «مفعل» أو «مفعال» أو «مفعلة» أو «فعال» وشذّ بالضم: مسعط، ومنخل، ومدهن، ومدقّ، ومكحلة، ومحرضة، ومنصل، وبالفتح: منارة، ومنقل، ومنقبة). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الفصل على الإشارة إلى مسألتين: الأولى: أن الاسم يصاغ منه «مفعلة» لسبب كثرة ذلك الاسم أو لمحل الكثرة، ولكن شرط الاسم المصوغ منه ذلك أن يكون ثلاثيّا (¬1)، إما في اللفظ كـ «أسد» و «سبع» و «بقل» وإما في الأصل (¬2) نحو: «أفعى» و «قثّاء» و «ثعالة» (¬3)، فمثال سبب الكثرة: (الولد مبخلة مجبنة) (¬4) أي سبب كثرة البخل والجبن، وقال عنترة: 3592 - نبّئت عمرا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثة لنفس المنعم (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (4/ 94)، وشرح الشافية (1/ 188، 189). (¬2) أي وإن كان زائدا على ثلاثة أحرف وانظر التذييل (6/ 156). (¬3) ثعالة: الأنثى من الثّعالب. انظر اللسان (ثعل). (¬4) حديث شريف ورد في سنن ابن ماجه (أدب) 3، وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل (4/ 173)، (5/ 315)، والنهاية لابن الأثير (1/ 64)، وانظر شرح الشافية (1/ 162)، واللسان (بخل) وفي اللسان (جبن) «وكانت العرب تقول: الولد مجهلة مجبنة مبخلة، الجوهري: يقال: الولد مجبنة مبخلة لأنه يحبّ البقاء والمال لأجله». (¬5) هذا البيت من الكامل وقائله كما ذكر المؤلف عنترة من معلقته المشهورة والبيت في ديوانه (ص 28). الشرح: الكفر: الجحد، ومخبثة: من الخبث يقال: خبث الشّيء خبثا من باب قرب خلاف طاب والاسم الخباثة، يقول: من أنعمت عليه نعمة فلم ينشرها ولم يشكرها فإن ذلك سبب لتغير نفس المنعم من الإنعام على كل أحد. والشاهد فيه قوله: «مخبثة» مفعلة صيغت لسبب كثرة الفعل. والبيت في الخزانة (1/ 163)، واللسان (خبث).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: وكفر النعمة سبب لكثرة خبث نفس المنعم، أي: تخبث نفس المنعم إذا أنعم على شخص فلم يشكر النعمة بل كفرها (¬1). ويقال (¬2): الشّراب مطيبة للنّفس (¬3)، وطعام مخبثة محسنة للجسم (¬4)، والحرب مأيمة ميتمة (¬5)، وكثرة الشّراب مبولة (¬6)، وطعام متخمة (¬7). ومثال محلّ الكثرة: «مأسدة» و «مسبعة» و «مذأبة» (¬8) و «مثعلة» و «مظبأة» و «مفعاة» و «مقثأة» يقال ذلك للأرض الكثيرة الأسود والسّباع والذّئاب والثّعالب والظّباء والأفاعي والقثّاء (¬9). والتّاء لازمة في نحو هذه الأمثلة، نص على ذلك سيبويه، وقال - أعني سيبويه -: «وليس في كل شيء يقال إلا أن تقيس شيئا» (¬10) أي: فإن قست على ما تكلمت به العرب كان (¬11). قال الشيخ (¬12): «واختلفوا كيف تقول من حيّة؟ فمذهب سيبويه أن عين الفعل منها ياء، يقال: أرض محياة، إذا كثرت فيها الحيّات (¬13)، وزعم بعضهم - ¬

_ (¬1) هذا كلام أبي حيان انظر التذييل والتكميل (6/ 156). (¬2) انظر التذييل (6/ 156). (¬3) شراب مطيبة للنّفس: أي تطيب النّفس إذا شربته. انظر اللسان (طيب). (¬4) طعام مخبثة: تخبث عنه النفس وقيل: هو الذي من غير حلّه. انظر اللسان (خبث)، وطعام محسنة للجسم، يحسن به. انظر اللسان (حسن). (¬5) يقال: الحرب مأتمة للنّساء أي تقتل الرّجال فتدع النّساء بلا أزواج فيئمن. انظر اللسان (أيم). وقالوا: الحرب ميتمة، ييتم فيها البنون. انظر اللسان (يتم). (¬6) انظر اللسان (بول). (¬7) طعام متخمة: أي يتخم منه، وهو من وخم الطّعام: إذا ثقل فلم يستمرأ، وأصل متخمة: موخمة لأنهم توهّموا التّاء أصلية لكثرة الاستعمال. انظر اللسان (وخم). (¬8) في (جـ)، (أ): مأدبة، والصواب ما أثبتناه. (¬9) انظر الكتاب (4/ 94)، وشرح الشافية (1/ 188)، واللسان (أسد)، (سبع)، (ذأب)، (ثعل)، (ظبا)، (فعا)، (قثا). (¬10) انظر الكتاب (4/ 94). (¬11) هذا من كلام أبي حيان، انظر التذييل (6/ 156). (¬12) انظر التذييل (6/ 157) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬13) انظر الكتاب (4/ 94) واللسان (حيا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنها واو (¬1)، وأنه يقال: أرض محواة ورجل حوّاء أي: صاحب حيّات (¬2)، والحقّ قول سيبويه لأن محواة لم يثبت عن من يوثق به، وأما الحوّاء فهو من حوى يحوي لأنه يحويها ويجمعها (¬3)، ويعضد مذهب سيبويه ما حكي عن الخليل أن العرب قالت في: حيّة بن بهدلة: حيويّ، وهذا نص على أن العين ياء» (¬4) انتهى. وأما قول المصنف: وقد يقال في المحلّ إلى آخره فأشار به إلى ما حكي من قولهم: «مزبلة» و «مزبلة» (¬5) و «مبطخة» و «مبطخة» (¬6) و «مقثأة» و «مقثؤة» (¬7)، فهذا مثال مفعلة، ومن قولهم: «مطبخ» لمكان الطّبخ (¬8)، و «مرفق» لبيت الخلاء (¬9)، فهذا مثال مفعل، وهذا الوزن - أعني مفعلا - يكثر في الأسماء نحو: «مقنب» لجماعة الخيل (¬10)، و «المشوذ» للعمامة، و «المحور» للعود الذي في البكرة، وفي الصفات: كـ «مغشم» للكثير الغشم (¬11)، و «ملمّ» للكثير لمّ الأشياء، و «ثوب مفضل» للذي تتفضّل به المرأة، و «ثوب مجسد» أي: يلي الجسد وقالوا: أعشب المكان فهو - ¬

_ (¬1) انظر المخصص (14/ 198). (¬2) قال ابن سيده: «وفي ذلك دليل على أن عين الفعل واو» ونسب هذا القول لصاحب كتاب العين وهو الخليل بن أحمد. انظر المخصص (14/ 198)، وانظر التذييل (6/ 157) واللسان (حوا). (¬3) في اللسان (حوا): «ورجل حوّاء وحاو: يجمع الحيّات». (¬4) انظر اللسان (حيا) وقد نسبه ابن منظور لسيبويه. (¬5) في اللسان (زبل): «وزبل الأرض والزرع يزبله زبلا: سمّده، والمزبلة والمزبلة - بالفتح والضم -: ملقاه». (¬6) المبطخة والمبطخة: منبت البطّيخ. اللسان (بطخ). (¬7) أرض مقثأة ومقثؤة: كثيرة القثّاء. انظر اللسان (قثأ). (¬8) انظر اللسان (طبخ). (¬9) انظر اللسان (رفق). (¬10) قيل: ما بين الثّلاثين إلى الأربعين، وقيل: زهاء ثلاثمائة، وقيل: هي دون المائة. انظر اللسان (قنب). (¬11) في اللسان (غشم): «والمغشم من الرّجال الّذي يركب رأسه لا يثنيه شيء عمّا يريد ويهوى من شجاعته».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معشب (¬1)، وأبقل فهو مبقل (¬2). وأما قوله: ونحو مثعلبة وكذا وكذا نادر - فأراد به أن بناء هذا المثال لهذا القصد من غير الثلاثي نادر لا يقاس عليه [5/ 26] فلا يقال: أرض مضفدعة (¬3)، قال سيبويه: «ولم يجيئوا بنظير ذلك في ما جاوز ثلاثة أحرف، وإنما خصّوا بذلك بنات الثلاثة لخفتها» (¬4). وحكى أبو زيد عن العرب: مثعلبة، ومعقربة - بكسر اللام والراء - يريدون الكثرة أيضا (¬5). وحاصل الأمر: أن الذي ذكره سيبويه بصيغة اسم مفعول الرباعي، والذي حكى غيره بصيغة اسم فاعله (¬6). وأما «معقرة» كثيرة العقارب، كأن المتكلم بذلك ردّ العقرب إلى ثلاثة أحرف ثم بنى عليه وهو بفتح الميم والقاف وسكون العين (¬7). المسألة الثانية: أن اسم الآلة من الفعل الثلاثي يأتي على أوزان أربعة (¬8) وهي: «مفعل» - ¬

_ (¬1) أي ذو عشب: انظر اللسان (عشب) و (بقل). (¬2) قال ابن جني: مكان مبقل هو القياس، وباقل أكثر في السّماع، والأول مسموع أيضا. انظر اللسان (بقل). (¬3) انظر شرح الشافية (1/ 188)، والتذييل (6/ 158). (¬4) انظر الكتاب (4/ 94). (¬5) انظر التذييل والتكميل (6/ 158)، واللسان (عقرب) و (ثعل) و (ثعلب). (¬6) انظر التذييل والتكميل (6/ 158). (¬7) انظر التذييل والتكميل (6/ 158)، واللسان (ثعل) وفيه: «وأرض مثعلة - بالفتح -، كثيرة الثّعالب كما قالوا: معقرة للأرض الكثيرة العقارب» وفي اللسان (عقرب): «وبعضهم يقول: أرض معقرة، كأنه ردّ العقرب إلى ثلاثة أحرف ثم بنى عليه». (¬8) لم يذكر سيبويه سوى ثلاثة وهي: مفعل، ومفعال، ومفعلة. انظر الكتاب: (4/ 94، 95)، وانظر المفصل للزمخشري (ص 239)، وابن يعيش (6/ 111)، وشرح شافية ابن الحاجب (1/ 186)، وقال الرضي (1/ 188): «وجاء الفعال أيضا للآلة كالخياط والنّظام» ولم يتعرض الشارح هنا لتعريف اسم الآلة وقد عرّفه صاحب المفصل بقوله: «هو اسم ما يعالج به وينقل» انظر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: مسعر (¬1)، ومطعن، ومكسر، ومضرب، ومحلب (¬2)، ومقطع، ومنجل (¬3)، ومصفى (¬4)، ومحضأ (¬5)، ومخرز، ومخيط، ومفتح، وبعض هذه الأمثلة مقصور من «مفعال»، ولذلك صحّحوا: مقولا ومخيطا (¬6)، ولا ينقاس هذا القصر، فلا يقال في مصباح: مصبح إلا في الشعر (¬7). و «مفعال» نحو: مفتاح، ومصباح، ومقراض (¬8)، ومحراث، ومنقاش. و «مفعلة» نحو: مرآة، ومكسحة (¬9)، ومسلّة (¬10)، ومسرجة (¬11)، - ¬

_ - المفصل (ص 239) ولا يخفى أن سيبويه يسمّيه: باب ما عالجت به» الكتاب (4/ 94). (¬1) مسعر: اسم لما تحرّك به النّار من حديد أو خشب. انظر اللسان (سعر). (¬2) في اللسان (حلب): «والمحلب - بالكسر - والحلاب: الإناء الّذي يحلب فيه اللّبن» وقال الرضي في شرح الشافية (1/ 186) «اعلم أن المحلب ليس موضع الحلب، لأن موضعه هو المكان الذي يقعد فيه الحالب للحلب، بل هو آلة يحصل بها الحلب»، وانظر الكتاب (4/ 94)، وقال ابن يعيش (6/ 111) «المحلب: لما يحلب فيه». (¬3) المنجل: الذي يقطع به الرطبة والقت» وانظر الكتاب (4/ 94). (¬4) مصفى ومصفاة: هي آلة يصفّى بها الشّراب وغيره. ابن يعيش (6/ 111)، وانظر الكتاب (4/ 94). (¬5) المحضأ: العود. اللسان (حضأ). (¬6) قال ابن يعيش (6/ 111) «وقيل: إنّ مفعلا مقصور عن مفعال وإن كان مفعل أكثر استعمالا ويؤيد ذلك أن كل ما جاز فيه مفعل جاز فيه مفعال نحو: مقرض ومقراض، ومفتح ومفتاح، وليس كل ما جاز فيه مفعال جاز فيه مفعل قالوا: ولذلك صحّت العين في مخيط ومجول ولم تقلب كما قلبت في مقام ومقال، قالوا: لأنها مقصورة عما تلزم صحته وهو مخياط ومجوال لوقوع الألف بعدها ونظير ذلك العواور، ولم يقلبوا الواو همزة كما قلبوها في أوائل وذلك أن العواور مقصور عن العواوير فكما لا يلزم القلب في العواوير لبعد الواو عن الطرف كذلك ههنا». والمقول: اللّسان. انظر اللسان (قول). (¬7) انظر التذييل والتكميل (6/ 159). (¬8) المقراض: واحد المقاريض. اللسان (قرض) وانظر الكتاب (4/ 95). (¬9) المكسحة: المكنسة. انظر اللسان (كسح)، وابن يعيش (6/ 111)، وانظر الكتاب (4/ 94). (¬10) المسلّة: بالكسر واحدة المسالّ وهي الإبر العظام. اللسان (سلل) وابن يعيش (6/ 111)، وانظر الكتاب (4/ 94). (¬11) المسرجة: التي فيها الفتيل. انظر اللسان (سرج) وانظر الكتاب (4/ 94)، وشرح الشافية (1/ 186).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومردعة (¬1)، ومطهرة (¬2)، ومرفقة (¬3)، ومروحة. و «فعال» نحو: إراث (¬4)، وسراد (¬5)، قال الشيخ (¬6): «ولا يطّرد فعال في الآلة». ثم ذكر المصنف أن الذي شذ من ذلك بالضم: سبع كلمات، وبالفتح: ثلاث كلمات. أما الشاذّ بالضم: فهي الكلمات التي أولها (¬7): «مسعط» (¬8) وآخرها: «منصل» (¬9) كما ذكر، وقد جاءت هذه الكلمات بضم أولها وثالثها وكان القياس - كما تقرر - كسر الأول وفتح الثالث (¬10) قالوا (¬11): ولكنهم لم يذهبوا بها مذهب ما صيغ من الفعل، ولكن جعلوها اسما لهذه الأوعية. وأما الشاذّ بالفتح: فهي الكلمات الثلاث التي هي: «منارة» و «منقل» و «منقبة»، أما «منقل» (¬12) للآلة فشذوذ الفتح فيه كشذوذ الكسر في «مفعل» - ¬

_ (¬1) المردعة: نصل كالنّواة. انظر اللسان (ردع). (¬2) المطهرة: الإناء الّذي يتوضّأ به ويتطهّر به، والمطهرة: الإداوة على التّشبيه بذلك، وقيل غير ذلك. انظر اللسان (طهر). (¬3) المرفق: المتّكأ والمخدّة. انظر اللسان (رفق). (¬4) الإراث: ما أعدّ للنّار من حراقة ونحوها، وقيل: الإراث النّار نفسها، وقيل: الرّماد. اللسان (أرث). (¬5) السّراد: المثقب. اللسان (سرد). (¬6) انظر التذييل والتكميل (6/ 159). (¬7) وهي: مسعط، ومنخل ومدهن، ومدقّ، ومكحلة، ومحرضة، ومنصل، وانظر اللسان (4/ 273)، والمفصل (ص 240)، وابن يعيش (6/ 111، 112)، وشرح الشافية (1/ 186، 187). (¬8) قال في اللسان (سعط): «والسّعيط والمسعط والمسعط: الإناء يجعل فيه السّعوط ويصبّ منه في الأنف، الأخير نادر إنّما كان حكمه المسعط، وهو أحد ما جاء بالضم مما يعتمل به». وانظر ابن يعيش (6/ 112)،، وشرح الشافية (1/ 187). (¬9) المنصل: اسم للسّيف. اللسان (نصل) وقال الرضي في شرح الشافية (1/ 187): «وجاء المنصل أيضا لكنه ليس بآلة النّصل بل هو بمعنى النّصل». (¬10) أي: بزنة مفعل. (¬11) انظر الكتاب (4/ 91)، والمفصل (ص 240)، وابن يعيش (6/ 111)، وشرح الشافية (1/ 187)، والتذييل (6/ 159). (¬12) المنقل: الخفّ. انظر اللسان (نقل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للمكان (¬1)، و «منقبة» (¬2) كذلك. وأما «منارة» (¬3) فليس من الآلات بل هو مكان يوضع عليه المسرجة، والمسرجة هي الآلة وهي التي يوضع فيها الدّهن والفتيلة، نبّه على ذلك الشيخ في شرحه (¬4). * * * ¬

_ (¬1) لأن المكان من الثلاثي لا يكون إلا على المفعل - بفتح الميم - سواء فتحت العين أو كسرت. (¬2) المنقبة: التي ينقب بها البيطار (نادر) والبيطار ينقب في بطن الدّابة بالمنقب في سرّته حتّى يسيل منه ماء أصفر. اللسان (نقب). (¬3) المنارة: الشمعة ذات السّراج، وعن ابن سيده: المنارة: التي يوضع عليها السّراج. اللسان (نور). (¬4) انظر التذييل والتكميل (6/ 159).

الباب الستون باب أسماء الأفعال والأصوات

الباب الستون باب أسماء الأفعال والأصوات [بعض أحكام أسماء الأفعال] قال ابن مالك: (أسماء الأفعال ألفاظ تقوم مقامها غير متصرفة تصرّفها، ولا تصرّف الأسماء، وحكمها - غالبا - في التعدّي واللزّوم والإظهار والإضمار حكم الأفعال الموافقتها معنى، ولا علامة للمضمر المرتفع بها، وبروزه مع مشبهها في عدم التّصرّف دليل فعليّته). قال ناظر الجيش: لم يحدّ المصنف هنا اسم الفعل ولكنه حدّه في شرح الكافية بأن قال (¬1) ما معناه: إنه ما ناب عن فعل ولم يكن معمولا ولا فضلة (¬2)، قال: فنائب عن فعل: جنس يعم المصدر العامل، واسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة واسم الفعل، والحروف التي فيها معاني الأفعال كـ «ليت» و «لعل» فخرج بـ «لم يكن معمولا» ما سوى اسم الفعل والحرف لأن كلّا منهما غير معمول، وخرج بقولي: «ولا فضلة» الحروف. انتهى. وهذا بناء منه على أن أسماء الأفعال غير معمولة لشيء فإنه يرى ذلك (¬3) وهو الصحيح، وسيذكر الخلاف في المسألة، إذا عرف هذا فقوله في التسهيل: أسماء الأفعال ألفاظ تقوم مقامها يستفاد منه أحد الأمرين وهو: كونها نائبة عن الأفعال، ولم يحتج إلى أن يقول: غير معمولة لأنه قد جعلها قائمة مقام الأفعال فكان حكمها حكمها، ولو أتى هنا بقوله: «نائبة» لاحتاج إلى ذلك، لكن قد يقال: إن ما ذكره صادق على الحروف التي فيها معاني الأفعال؛ لأنها ألفاظ تقوم مقام الأفعال، فهي داخلة تحت عبارته وليس ثمّ ما يخرجها. وقوله: تقوم مقامها يعلم منه أنها تقوم مقامها في العمل، إذ ليس من شأن - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1382) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي (جامعة أم القرى). (¬2) هذا معنى بيت من الكافية وهو: نائب فعل غير معمول ولا ... فضلة اسم الفعل والمجدي افعلا (¬3) ويفهم ذلك من قول ابن مالك في شرح الكافية (3/ 1384): «ولذلك جعل المحققون سبب بناء اسم الفعل شبهه بالحرف العامل في كونه مؤثرا غير متأثر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأفعال إذا انضمت إلى الأسماء إلا ذلك فيندفع قول الشيخ (¬1): إن كلامه فيه إبهام، قال: لأنه لا يدرى من هذا اللفظ في أي شيء قامت مقامها؟. ثم لما كانت أسماء الأفعال لها استعمال خاص ولم تكن كالأفعال من كل الوجوه، ولا كالأسماء من كل الوجوه أشار إلى ذلك بقوله: غير متصرّفة تصرفها ولا تصرّف الأسماء وذلك أن أبنيتها لا تختلف لاختلاف الزمان كالفعل ولا يسند إليها فتكون مبتدأة أو فاعلا مثلا كالاسم (¬2). وأما قول زهير (¬3): 3593 - ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دعيت نزال ولجّ في الذّعر (¬4) فهو من الإسناد اللفظي الذي يشترك فيه الاسم والفعل والحرف والجملة (¬5). وليعلم أن ظاهر قولهم: أسماء الأفعال، أن مسمياتها الألفاظ التي هي أفعال، وعلى هذا فليس لها دلالة على الحدث والزمان، إنما يكون مدلولها لفظا ذلك اللفظ له دلالة على الحدث والزمان (¬6)، لكن قول المصنف: «إنّها تقوم مقام الأفعال» يعطي ظاهره أنها تدل بنفسها على ما تدل عليه الأفعال، ولا يبعد هذا القول - إن - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 160). (¬2) انظر التذييل والتكميل (6/ 160) وذهب ابن يعيش في شرح المفصل (4/ 26، 27) إلى أن أسماء الأفعال يسند إليها فتكون فاعلة ومفعولة. (¬3) هو زهير بن أبي سلمى بن ربيعة بن قرط والناس ينسبونه إلى مزينة وإنما نسبه في غطفان. هكذا قال ابن قتيبة في الشعر والشعراء (1/ 143) وفي الخزانة (1/ 375). (¬4) هذا البيت من الكامل وهو مركب من بيتين كما ذكر البغدادي في الخزانة (3/ 62). اللغة: أسامة - بضم الهمزة - معرفة علم للأسد ودعيت: بالبناء للمفعول ونزال: في محل رفع نائب فاعل، ونزال - بالكسر - اسم فعل أمر بمعنى: انزل، ومعنى دعاء الأبطال بعضهم بعضا بـ «نزال» أن الحرب إذا اشتدت بهم وتزاحموا فلم يمكنهم التطاعن بالرماح تداعوا بالنزول عن الخيل والتضارب بالسيوف ومعنى ولج في الذعر: بالبناء للمفعول: تتابع الناس في الفزع وهو من اللجاج في الشيء وهو التمادي فيه. والاستشهاد في قوله (دعيت نزال) حيث أسند دعيت إلى اسم الفعل (نزال) وذهب المؤلف متابعا في ذلك لشيخه أبي حيان إلى أن هذا الإسناد لفظي ولا يدل على تصرف اسم الفعل تصرف الأسماء وانظر البيت في الكتاب (2/ 37) (بولاق)، (3/ 271) (هارون) والمقتضب (3/ 370) والإنصاف (ص 535) وشرح شعر زهير بن أبي سلمى صنعة أبي العباس ثعلب (ص 78). (¬5) انظر التذييل والتكميل (6/ 160). (¬6) انظر ابن يعيش (4/ 29) والتذييل (6/ 161).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل به - عن الصواب، ويدل على صحته عملها أي: رفعها الفاعل ونصبها المفعول، ولو كان مسماها لفظ الفعل لم يكن فيها مسوغ للعمل، لا يقال: فيلزم أن تكون أفعالا لدلالتها على الحدث والزمان، لأنا نقول: إنما كان يلزم ذلك أن لو كانت دلالتها على الزمان بالصيغة والأمر ليس كذلك. وأما القول بأن هذه الكلمات أفعال فليس مما يعوّل عليه ولا ينبغي التشاغل به (¬1). وقد استدلّ (¬2) على اسميتها بأنها لا تلزم الاشتقاق، وأنها تجري على أمثلة مختلفة (متخرجة) (¬3) وأنها تعرّف وتنكّر، وأن منها ثنائيّا ومركبا ومصغرا، وأن بعضها يدخل عليه اللام نحو: النّجاك بمعنى: انج، وأن ما كان منها نحو: نزال - إذا سمي به - أعربه التميميون بخلاف الفعل إذا كان فيه ضمير مستتر وسمي به فإنه يحكى عند جميع العرب (¬4). وقد حكى الخلاف في هذه الأسماء بين البصريين والكوفيين ابن أبي الربيع فقال: اختلفوا في هذه الأسماء: فذهب الكوفيون إلى أنها [5/ 27] أفعال من جهة المعنى، لكن جعلت ألفاظها ألفاظ الأسماء فقيل لها: أسماء أفعال أي: الأسماء التي معانيها معاني الأفعال، فنزال معناه كمعنى انزل فمعناه كمعنى الفعل، لكن جعل لفظه على فعال وفعال من أوزان الأسماء، وذهب البصريون إلى أنها أسماء من جهة لفظها ومعناها وأنها أسماء للأفعال، فنزال اسم لانزل كما جاء: 3594 - إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء (¬5) - ¬

_ (¬1) وهو مذهب الكوفيين وبعض البصريين. انظر التذييل (6/ 161) وشرح التصريح (2/ 195) والأشموني (3/ 195). (¬2) المستدل على ذلك جمهور البصريين. انظر ابن يعيش (4/ 27، 28) والتذييل (6/ 160، 161). (¬3) في (جـ)، (أ): منخرمة. (¬4) انظر ابن يعيش (4/ 27، 28) والتذييل (6/ 160، 161). (¬5) هذا شطر بيت من الخفيف وقائله أبو زبيد الطائي في ديوانه (ص 24) وصدره: ليت شعري وأين منّي ليت الشرح: قوله وأين مني ليت؟ يريد: وأين مني ما أتمناه؟ كأنه قال: وأين مني ما أتمناه بقولي: ليت، وأراد بـ «لو» ههنا لو التي للتمني في نحو قولك: لو أتينا، لو أقمت عندنا، والاستشهاد في البيت: على أن «لو» المشددة اسم للو المخففة ولذلك زيد عليها واو أخرى لأنه لا يكون اسم متمكن على حرفين الثاني منهما واو أو ياء أو ألف فإذا سميت بشيء مما ثانيه حرف من هذه الحروف زدت على الحرف الثاني -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «لوّ» المشددة اسم لـ «لو» المخففة (¬1). انتهى. ولم يتحقق لي الحال في ما ذكرها من المذهبين، أما مذهب الكوفيين فقوله فيه: «إنها أفعال من جهة المعنى لكن ألفاظها ألفاظ الأسماء» فإن الكلمة إذا أفادت معنى الفعل وهي في اللفظ اسم لا يقال إنها في المعنى فعل، بل يقال: إنها تفيد ما يفيده الفعل، وأما مذهب البصريين فإن كلامه يعطي أنها اسما للفظ الفعل بدليل استدلاله بقول القائل: 3595 - إنّ ليتا وإنّ لوّا عناء وقد تقدّم البحث في ذلك بأنها لو كان مسماها لفظ الفعل لم يكن فيها ما يسوغ العمل، والمذهبان المذكوران أشار إليهما الفارسي في الإيضاح (¬2). والذي يظهر أن «نزال» اسم للفعل الذي هو: انزل مع مدلوله لا اسم للفظ الفعل خاصة، وقد أشار ابن عصفور إلى ذلك فقال (¬3): «إن نزال مثلا يكون اسما للفظ، فيكون «نزال» هو الدال على النزول لا انزل، قال: ويكون مدلول نزال إذ ذاك أزيد من مدلول انزل لأن انزل إنما يدل على المعنى الذي وضع له ونزال يدل على ذلك المعنى مع لفظ انزل». انتهى. وهذا الذي قاله هو الحق، والمصنف لم يتعرض إلى ذكر شيء من ذلك لكن الذي يعطيه ظاهر كلامه هو الذي أشرنا إليه والذي ذكره ابن عصفور. ثم إذا كانت هذه الكلمات نائبة عن الأفعال وقائمة مقامها وجب أن يكون حكمها في التعدي واللزوم حكم الأفعال النائبة هي عنها (¬4)، وهي التي عبر عنها - ¬

_ - مثله. والبيت في الكتاب (3/ 261) (هارون) والمقتضب (1/ 325)، (4/ 32)، وابن يعيش (6/ 30)، والخزانة (3/ 45). (¬1) يبدو أن هذا الكلام في كتب ابن أبي الربيع المفقودة ولم يوجد منها إلا الجزء الخامس من شرح الإيضاح (الإفصاح في شرح كتاب الإيضاح) بدار الكتب المصرية تحت رقم 16 نحو يبدأ بباب حروف الزيادة وينتهي بباب الإدغام. (¬2) لم أعثر على هذين المذهبين في أصل الإيضاح ولكن وجدت ما يشير إلى ذلك في حاشية الأصل كما ذكر المحقق. انظر الإيضاح العضدي (ص 163، 164). (¬3) قال في شرح الجمل (2/ 194) (رسالة): «وأما فعال الذي هو اسم فعل أمر فمبني إما لوقوعه موقع المبني وهو الأمر ألا ترى أن نزال في المعنى انزل، أو لتضمنه معنى الحرف وهو اللام لأن نزال في معنى لتنزل. (¬4) انظر ابن يعيش (4/ 31) وشرح الكافية للرضي (2/ 68).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف بقوله: الموافقتها معنى. فمن ثمّ كان «رويد» متعديا لأنه بمعنى «أمهل» وكان «صه» لازما لأنه بمعنى «اسكت». ونبه المصنف بقوله: غالبا على كلمة «آمين» قال الشيخ (¬1): «فإنها لم يحفظ لها مفعول واستجب بمعناها يجوز أن ينصب مفعولا». وقد جعل المصنف حكمها في الإظهار والإضمار حكم الأفعال الموافقتها معنى أيضا، قال الشيخ (¬2): «إن غني بذلك أنه كما يضمر الفعل ويظهر كذلك يضمر اسم الفعل ويظهر فليس بصحيح، لأنهم نصوا على أن اسم الفعل لا يضمر وعللوه بأن نيابة الاسم عن الفعل مجاز والإضمار مجاز فكان يكثر المجاز». وأقول: إن كان هذا هو المستند في عدم جواز الإضمار فلا يخفى ضعفه، ثم قال الشيخ: وفي كتاب سيبويه ما يشعر ظاهره بأن اسم الفعل يضمر أي: يعمل مضمرا فإنه قال (¬3) في باب الأمر والنهي من أبواب الاشتغال: ومثل ذلك أمّا زيد فاقتله. فإذا قلت: زيد فاضربه لم يستقم أن تحمله على الابتداء، ألا ترى أنك لو قلت: زيد فمنطلق لم يستقم فهو دليل على أنه لا يجوز أن يكون مبتدأ، فإن شئت نصبته على شيء هذا تفسيره كما كان ذلك في الاستفهام، وإن شئت على عليك؛ كأنك قلت: عليك زيدا (فاقتله) (¬4). هذا كلام سيبويه وهو ظاهر في أن اسم الفعل يعمل مضمرا أي: مقدرا، ومن (¬5) حمل كلام سيبويه على أنه تفسير معنى لا تفسير إعراب فقد خالف الظاهر. قلت: والمصنف يرى عمله مقدرا وقد صرح بذلك في شرح الكافية ونسبه إلى سيبويه (¬6). ثم قال الشيخ (¬7): «وإن عني - يعني المصنف - بالإظهار والإضمار أنه يضمر فيها الفاعل أو يظهر معها ولا يضمر فصحيح لأن «صه» يضمر فيها كما يضمر في «اسكت»، وهيهات يظهر معها الفاعل نحو قوله: - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (6/ 163). (¬2) التذييل والتكميل (6/ 136). (¬3) الكتاب (1/ 138) (هارون). (¬4) في (جـ)، (أ): اقتله. (¬5) هو الشيخ أبو حيان انظر التذييل (6/ 163) وانظر المغني (ص 609). (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (رسالة) (3/ 1389) والهمع (2/ 105) والأشموني (2/ 205). (¬7) التذييل (6/ 163، 164).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3596 - فهيهات [هيهات] العقيق وأهله ... وهيهات خلّ بالعقيق نواصله (¬1) ويضمر فيها أيضا كقوله تعالى في أحد القولين (¬2) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (¬3)، أي: هيهات هو أي الإخراج، وذلك أن مدلولها «بعد» فكان حكمها في الإظهار والإضمار حكمها». ومما يقارن به اسم الفعل الفعل: أن الضمير يبرز مع الفعل ولا يبرز معه، وهذا الحكم معروف. وقد نبّه عليه في أول الكتاب حيث قال: «إنّ الفعل يعتبر اتصاله بضمير الرفع البارز» وعلى هذا لا يحتاج إلى التنبيه عليه ههنا، لكن الشيخ جعل قول المصنف هنا: ولا علامة للمضمر المرتفع بها إشارة إلى أن الضمير لا يبرز معها حتى إنه قال: «قوله: ولا علامة للمضمر المرتفع بها عبارة غير صحيحة لأن هذا شيء يشترك فيه اسم الفعل والفعل، لأن الفعل أيضا لا علامة للمضمر المرتفع به إنما يبرز هو بنفسه وليست له علامة تدل عليه، فالعبارة الصحيحة أن يقول: ولا يبرز معه الضمير في حال تثنية ولا جمع بل يسكن (¬4) مطلقا» انتهى. وأقول: إن كلام المصنف يسوغ فيه أن يحمل على غير ذلك، فيقال: قد يتوهّم أن حكم أسماء الأفعال حكم الأسماء العاملة من كل الوجوه، ولا شك أن الأسماء العاملة كـ «اسم الفاعل»، مثلا تلحقها العلامات الدالة على الضمير المستتر فيها نحو: الرجلان قائمان، والرجال قائمون، وأسماء الأفعال لا تلحقها علامة فهي مخالفة في ذلك لغيرها من الأسماء العاملة، فالمنصف أراد بقوله: ولا علامة - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو لجرير بن الخطفي (ديوانه: ص 1389) وقيل إنه لقيس مجنون بني عامر وليس بشيء. الشرح: هيهات: اسم للبعد معرفة فلذلك لم ينصرف ومن نوّنها نكّرها كما ينكر الأعلام الواقعة على الأشخاص، وذكر العيني فيه عشر لغات (راجع العيني 3/ 7)، العقيق: موضع معروف بالحجاز، خل: بكسر الخاء، الصديق، والاستشهاد في البيت: على أن «هيهات» اسم فعل ماض يظهر معها الفاعل وهو «العقيق» و «خل». البيت في الخصائص (3/ 42) ومعاني القرآن للفراء (2/ 235) وابن يعيش (4/ 35) وشرح شذور الذهب (ص 402) والعيني (3/ 7)، والهمع (2/ 111) والدرر (2/ 145) وشرح التصريح (1/ 318)، (2/ 199). (¬2) في فاعل هيهات هنا قولان: أحدهما: أنه مضمر كما ذكر ولكن اختلف في تقديره فذهب ابن الأنباري في البيان (2/ 184) إلى أنه الإخراج وقدّره العكبري في التبيان (ص 954): التصديق أو الصحة أو الوقوع ونحو ذلك. والثاني أنه «ما» واللام زائدة أي: بعد ما توعدون من البعث. انظر التبيان (ص 954). (¬3) سورة المؤمنون: 36. (¬4) في التذييل (6/ 65) «يستكن».

[أنواع أسماء الأفعال: أمر- ماض- حاضر]

[أنواع أسماء الأفعال: أمر - ماض - حاضر] قال ابن مالك: (وأكثرها أوامر، وقد تدلّ على حدث ماض أو حاضر، وقد تضمّن معنى نفي أو نهي أو استفهام أو تعجّب استحسان أو تندّم أو استعظام، [وقد يصحب بعضها «لا» النّافية]). ـــــــــــــــــــــــــــــ للمضمر المرتفع بها دفع هذا التّوهم الذي ذكرناه، ولم يرد بها تمييزها عن الأفعال كما فهمه الشيخ رحمه الله تعالى؛ لأنها مميزة عنها بأمور أخرى منها: بروز الضمير المرفوع إذ هو من خصائص الأفعال ومن ثمّ أردف المصنف كلامه هذا بقوله: وبروزه مع شبهها دليل فعليّته أي: وبروز [5/ 28] الضمير مع ما يشبه أسماء الأفعال دليل على فعليته، وذلك نحو: «هلمّ» فإن بني تميم يبرزون الضمير المرفوع بها فيقولون: هلمّا، وهلمّوا، وهلمّي وهلممن (¬1)، فلإبراز الضمير في لغتهم وجب الحكم على هذه الكلمة بالفعلية في لغتهم. وفي قول المصنف: مع شبهها فيه لطف لأن «هلم» في اللغة الحجازية اسم فعل (¬2)، وهي في لغة التميميين فعل لاتصال ضمائر الرفع البارزة بها (¬3)، ولا شك أن «هلم» في لغة تميم قبل اتصال الضمائر بها شبيهة بـ «هلم» في لغة الحجازيين، وهي محكوم بفعليتها من أجل بروز الضمير المرفوع بها عندهم. قال ناظر الجيش: اسم الفعل الدال على أمر كثير، واسم الفعل الدال على ما سوى الأمر قليل، وقد ذكر المصنف ما هو للأمر وما هو لغيره في متن الكتاب وعلل النحاة (¬4) كون الدّال منها على الأمر أكثر من الدال على غيره بكثرة حذفهم فعل الأمر لدلالة الحال عليه، قالوا: ولم يكثر ذلك منهم في الأخبار وإنما يجيء في - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 529) (هارون) والتبيان للعكبري (ص 547) واللسان (هلم) والتذييل (6/ 165). (¬2) لأنه يكون للواحد والاثنين والجمع والذكر والأنثى بلفظ واحد. انظر الكتاب (3/ 529) هارون. والتبيان (ص 546) واللسان (هلم)، وهذه اللغة الفصيحة وبها نزل القرآن الكريم قال تعالى: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ [الأنعام: 150] وهَلُمَّ إِلَيْنا [الأحزاب: 18]. (¬3) انظر الكتاب (3/ 529) (هارون) والتبيان (ص 547) واللسان (هلم) والتذييل (6/ 165). (¬4) انظر المرتجل لابن الخشاب (ص 253، 254) وابن يعيش (4/ 29) وشرح الكافية للرضي (2/ 68).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مواضع قليلة تحفظ ولا يقاس عليها، فكما استغنوا في اللفظ عن ذكر أفعال الأمر في اللفظ لدلالة الأحوال عليها فكذلك استغنوا عن ذكر أفعال الأمر في اللفظ. والتقدير بأسماء الأفعال، وكما قلّ استغناؤهم عن ذكر الأفعال في الخبر في اللفظ فكذلك قلّ استغناؤهم عن ذكر الأفعال في الخبر في اللفظ والتقدير بأسماء الأفعال. قال الشيخ (¬1): «وفي كلام المصنف تسامح لأن الأوامر حقيقة إنما هي الأفعال لا أسماء الأفعال، قال: وكذا الدّالّ على الحدث الماضي والحدث الحاضر إنما هو الفعل». وأقول: ما قاله الشيخ بناء منه على أن مسمّى أسماء الأفعال ألفاظ الأفعال، وقد عرفت مما تقدم أن الأمر ليس كذلك (¬2)، والعجب إلزام الشيخ المصنف شيئا ليس من القول به في شيء. ثم قد ذكر المصنف أن أسماء الأفعال قد تضمّن أحد معاني ستة أشياء وهي: النفي، والنهي، والاستفهام، وتعجب الاستحسان، وتعجب التندم، والاستعظام. أما النّفي فقد مثل له بقول بعض العرب وقد قيل له: أبقي شيء؟ همهام أي: لم يبق شيء (¬3) وأما النهي فقد قال (¬4) ابن عصفور في قول الفارسي «إن أسماء الأفعال تستعمل في الأمر والنهي» (¬5): لم يرد بالنهي النهي الصناعي وإنما أراد به الأمر الذي يراد به التحذير نحو: حذار من كذا، وأراد بالأمر الأمر الذي لا يراد به التحذير نحو: نزال، قال: لأنه لا يوجد اسم فعل بمعنى «لا يفعل» فلا يقال: حذار بمعنى لا يحذر. وجاء الشيخ فحمل كلام المصنف على هذا أعني على ما حمل عليه ابن عصفور كلام الفارسي، ويبعد أن يكون ما قاله ابن عصفور مراد المصنف. والعجب أنهم لم ينازعوا في أن اسم الفعل يضمّن معنى النفي ونازعوا في تضمنه - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 165) وقد تصرف المؤلف فيما نقله. (¬2) لأن المؤلف ذهب إلى أن أسماء الأفعال تدل بنفسها على ما تدل عليه الأفعال. (¬3) في اللسان (همم) قال: «قال اللّحيانيّ: وسمع الكسائيّ رجلا من بني عامر يقول: إذا قيل لنا: أبقي عندكم شيء؟ قلنا: همهام وهمهام يا هذا أي: لم يبق شيء». (¬4) يبدو أن هذا في شرح الإيضاح ولم أعثر عليه. (¬5) انظر الإيضاح العضدي هامش (ص 164).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معنى النهي وكلاهما سواء، فكان الواجب إما أن يمنع فيهما وإما أن يجاز فيهما. وأما الاستفهام فقد مثّل له (¬1) بما جاء في الحديث: أن عبد الرحمن بن عوف (¬2) رأى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أثر صفرة فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مهيم» (¬3) قال: تزوّجت يا رسول الله: كأن المعنى - والله تعالى أعلم - أحدث لك شيء؟ قالوا (¬4): فـ «مهيم» على هذا اسم فعل معناه الاستفهام. ومثال تعجب الاستحسان (¬5): «وا» في قول الراجز (¬6): 3597 - وا بأبي أنت وفوك الأشنب ... كأنّما ذرّ عليه الزّرنب (¬7) ومثال تعجب التّندّم (¬8) قول الشاعر (¬9): 3598 - سالتاني الطّلاق أن رأتاني ... قلّ مالي قد جئتماني بنكر - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ) (2/ 539، 540). (¬2) هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة وهو من السابقين الأولين في الإسلام، شهد بدرا وروى عنه الصحابة. انظر ترجمته في طبقات ابن سعد (3/ 1)، وسير أعلام النبلاء (1/ 46). (¬3) رواه البخاري في كتاب النكاح انظر صحيح البخاري بشرح السندي (3/ 239) ورواه أيضا في كتاب البيوع (2/ 3) والمعنى: أنه رأى به لطخا من خلوق أو طيب له لون فسأل عنه فأخبره أنه تزوج وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته. انظر اللسان (وضر). (¬4) انظر التذييل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ) (2/ 539، 540). (¬5) انظر التذييل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ) (2/ 540). (¬6) قال العيني (4/ 310): «قائله راجز من رجّاز تميم». (¬7) هذا رجز وبعده: أو أقحوان عابق مطيّب ... أو زنجبيل وهو عندي أطيب الشرح: فوك: أي: فمك، الأشنب: أفعل من الشنب بفتح الشين والنون وهو حدّة الأسنان ويقال: برد عذوبة، يقال: امرأة شنباء سنة الشّنب، ذر: من ذررت الحب ونحوه و «الزرنب» ضرب من النبت طيب الرائحة، والاستشهاد فيه: في قوله «وا بأبي» حيث جاءت فيه «وا» بمعنى التعجب، ويروى «يا بأبي» وعلى هذا لا استشهاد فيه. وانظر المغني (3/ 369)، والعيني (4/ 310)، وشرح التصريح (2/ 197)، والهمع (2/ 106)، والدرر (2/ 139)، والأشموني (3/ 198). (¬8) انظر التذييل (6/ 166) وشرح التسهيل للمرادي (خ) (2/ 540). (¬9) هو زيد بن عمرو بن نفيل القرشي كما في الكتاب (2/ 155) (هارون) ونسبه السيوطي في شرح شواهد المغني (ص 787) لسعيد بن زيد، وفي الأغاني (17/ 205) أنهما من أبيات لنبيه بن الحجاج ابن عامر السّهمي من شعراء قريش.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وي كأن من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (¬1) وقد ذكر المصنف في شرح الكافية (¬2) أن كلمة «وا» بمعنى «أعجب» وأنشد: 3599 - وا بأبي أنت ... ... ... وأن كلمة «وي» بمعنى «أتعجب» وأنشد: وي كأن من يكن له نشب ... ... ... واستدل بقوله تعالى: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ (¬3)، ولكنه لم يذكر الاستحسان ولا التندّم مع «أعجب» ولا «أتعجب». ثم إن في بعض نسخ التسهيل زيادة في هذا الموضع وهي «وقد يصحب بعضها لا النّافية» قال الشيخ (¬4): وهي في نسخة رأيت عليها خطه رحمه الله تعالى، قال: ومثال ذلك قولهم: لا لعا قال: ومنه قول ابن دريد: 3600 - فإن عثرت بعدها إن وألت ... نفسي من هاتا فقولا: لا لعا (¬5) - ¬

_ (¬1) هذان البيتان من الخفيف، الشرح: سالتاني الطّلاق قال البغدادي في شرح شواهد الشافية (ص 339): قال الأعلم: هذه لغة معروفة، وعليه قراءة من قرأ (سال سائل بعذاب واقع). والنكر: الأمر القبيح، والنشب: المال والورق وما أشبههما، ذكر أن امرأتيه سألتاه أن يطلقهما لأنه لم يكن عنده مال ينفقه عليهما. وقبل البيتين: تلك عرساي تنطقان على عمد ... إلى اليوم قول زور وهتر ومما تجب ملاحظته: أن البيتين المذكورين ليسا بمتعاقبين وإنما بينهما أبيات، والبيتان في الكتاب (2/ 155) (هارون). وابن يعيش (4/ 76) والمغني (ص 369) والخزانة (3/ 95)، والهمع (2/ 106) والأشموني (3/ 199). (¬2) شرح الكافية الشافية (3/ 1386). (¬3) سورة القصص: 82. (¬4) التذييل (6/ 167). (¬5) هذا البيت من الرجز وهو في مقصورة ابن دريد (ص 14)، الشرح: عثرت: زلت وألت: نجت، هاتا: هذه، لا لعا: لا أقامه الله، واستشهد به على دخول «لا» النافية على اسم الفعل «لعا» والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 395)، والتذييل والتكميل (6/ 167)، ومغني اللبيب (ص 614) ولا أدري كيف يستشهد الشيخ أبو حيان بشعر ابن دريد (321 هـ) مع أنه لا يصح الاستشهاد بشعره عند النحاة. ويؤخذ على المؤلف متابعته للشيخ دون مناقشة ذلك. ويمكن أن توجه هذه المؤاخذة لابن هشام أيضا لأنه استشهد بالبيت نفسه لابن دريد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومعنى «لعا»: أقاله. فإذا أدخل عليها لا فكأنه قيل: لا أقاله، انتهى (¬1). ولم ينتظم لي تفسير «لعا» بـ «أقاله» مع كونها اسم فعل (¬2)، وقال في الصحاح (¬3): ويقال للعاثر: لعا لك عاليا، دعاء له بأن ينتعش قال الأعشى: 3601 - بذات لوث عفرناة إذا عثرت ... فالتّعس أدنى لها من أن أقول لعا (¬4) وذكر أبو البقاء أن معنى «لعا» أسلم (¬5)، وهذا هو الأقرب بل الحق، وعلى هذا يكون معنى «لا لعا»: لا أقول له لعا، لا أقول له أسلم (¬6). وإذا كان التقدير كذلك لم يكن حرف النّفي قد صحب اسم الفعل فلا يصح تمثيل الشيخ به لما قاله المصنف، وإن تمّ ما قلناه فليكن قول ابن دريد «فقولا: لا لعا» فقولا: لا أقول لك أسلم. ¬

_ (¬1) أي: ما قاله الشيخ. (¬2) في شرح ألفية ابن معط لعبد العزيز الموصلي (ص 683) (رسالة) قال: «وأما لعا فمسماه انتعش، ومعنى انتعش: ارتفع ومنه سمي سرير الميت نعشا لأنه يرفع على رؤوس الناس يقال ذلك للعاثر»، وقال: «والتنوين في لعا للتنكير» وفي اللسان (لعا): «ولعا كلمة يدعى بها للعاثر، معناها الارتفاع» وفيه «قال أبو عبيدة: من دعائهم لا لعا فلان أي: لا أقامه الله». (¬3) انظر الصحاح (6/ 2483) (لعا). (¬4) هذا البيت من البسيط وقائله الأعشى في ديوانه (ص 83)، الشرح: قوله: بذات لوث: اللوث: - بالفتح -: القوة، وعفرناة: قوية يقال: ناقة عفرناة: أي قوية ومعنى ذلك أنها لا تعثر لقوتها، وقوله: بذات لوث: يتعلق بـ «كلفت» في بيت قبله وهو: كلّفت مجهولها نفسي وشايعن ... همّي عليها إذا ما آلها لمعا والتّعس: الدعاء على العاثر بألا ينتعش من صرعته، والعرب تقول في الدعاء على العاثر: تعسا له وفي الدعاء له: لعا. والمعنى: حملت نفسي قطع بادية مجهولة الأعلام وتابعني مؤيدا لي عزمي وهمتي بناقة قوية لا تعثر ولو عثرت كان الدعاء عليها أولى من الدعاء لها. والشاهد: في قوله (لعا) وهو دعاء له بأن ينتعش. انظر البيت في درة الغوص (ص 110)، والبحر المحيط (8/ 70)، اللسان (لعا) و (لوث) وروايته (من أن يقال) وصححه ابن بري. (¬5) لم أعثر على هذا المعنى في كتب أبي البقاء العكبري التي اطلعت عليها. (¬6) لا أدري كيف يجعل المؤلف كلام أبي البقاء هو الأقرب بل الحق كما ذكر مع أنني لم أر أحدا ذكر هذا المعنى، والأعجب أنه رد كلام الشيخ أبي حيان مع أنه أقرب إلى ما ذكر في معنى «لعا».

[أسماء فعل الأمر ومعانيها]

[أسماء فعل الأمر ومعانيها] قال ابن مالك: (فمنها لخذ «ها وهاء» مجرّدين ومتلوّي كاف الخطاب بحسب المعنى، وتخلفه همزة هاء مصرّفة تصريفه. ومنها لأحضر أو أقبل: هلمّ الحجازيّة، ولقدّم أو عجّل أو أقبل: حيّهل وحيّهل وحيّهلا وحيّهل وبتنوين، ولأمهل: تيد ورويد ما لم ينصب حالا أو مصدرا نائبا عن أرود مفردا أو مضافا إلى المفعول أو نعتا لمصدر مذكور أو مقدّر، ولأسرع: هيت وهيّا وهيك، ولدع: بله وكذاك، ولا سكت: صه، ولا نكفف: إيها ومه، ولحدّث [5/ 29]: إيه، ولاغر: ويها، ولاستجب: آمين وأمين، ولا رفق: بسّ، ولقرقر: قرقار). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: ذكر من أسماء الفعل التي هي موضوعة للأمر ثماني عشرة كلمة وهي: «ها»، «هلمّ»، «حيّهل»، «تيد»، «رويد»، «هيت»، «هيّا»، «هيك»، «بله» «كذاك» «صه»، «إيها» «مه»، «إيه» «ويها» «آمين» «بسّ» «قرقار»، وقد قرن بكل منها معنى تلك الكلمة. فأما «ها»: فمعناها: خذ، وتقصر وتمد، ولها ثلاثة استعمالات أشار إليها المصنف وهي التجرد من كاف الخطاب فيقال: ها وهاء للمفرد والمثنى والمجموع، والمذكر والمؤنث: ها وهاء. والإرداف بكاف الخطاب، وتكون على حسب من تخاطبه فيقال: هاك وهاءك، وهاك وهاءك، وهاكما وهاءكما، وهاكم هاءكم، وهاكنّ هاءكنّ، والاستعمال الثالث: أن تخلف الكاف همزة «هاء» مصرفة تصريف الكاف فيقال: هاء هاء، وهاؤما، وهاؤموا، وهاؤنّ، وهذا الاستعمال هو الأفصح (¬1) وبه جاء الكتاب العزيز قال الله تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ (¬2)، وقد نقل الأئمة (¬3) أن «ها» تكون فعلا وأنها تكون في فعليتها لها تصاريف ثلاثة وهي: تصريفها تصريف «عاط» فيقال: هاء يا رجل، وهائي يا امرأة، وهائيا يا رجلان - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 168) واصلاح المنطق (ص 290، 291) واللسان (ها). (¬2) سورة الحاقة: 19. (¬3) انظر التذييل (6/ 168، 169)، وإصلاح المنطق (ص 290، 291) واللسان (ها).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو يا امرأتان، وهاؤوا يا رجال، وهاءين يا نساء. وتصريفها تصريف «هب» - من الهبة - فيقال: هأ، هئي، هأا، هأوا، هأن. وتصريفها تصريف «خف» فيقال: هأ، هائي، هاءا، هاؤوا، هأن. وعلى هذا ورد عنهم: ما أهاء أي ما آخذ (¬1)، فقد ثبتت الفعلية لهذه الكلمة على لغة من يتكلم بذلك لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها. وفي شرح الشيخ (¬2): وأما هات بكسر التاء فمعناه: أعط، والألف منقلبة إما عن ياء أو واو، والتاء غير زائدة. وقال الخليل (¬3): إنها مبدلة من الهمزة من: آتى أي: أعطى، وتقول للمرأة: هاتي، وللاثنين: هاتيا، وللجمع المذكر: هاتوا، وللمؤنثات: هاتين (¬4)، ويقوي هذا ما ذكره الخليل من أنه من آتى. انتهى. وعرف منه أن التاء عند من خالف الخليل أصلية، وأن الكلمة في الأصل: إما هيت، وإما هوت، ولا يخفى أن قول الخليل في هذه الكلمة هو الأظهر بل المتعين. وأما هلمّ: فلها معنيان وهما (¬5): أحضر، وأقبل، فإذا كانت بمعنى: أحضر كانت متعدية كما أن أحضر متعدية، قال الله تعالى: قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ (¬6) أي: أحضروا شهداءكم، وإذا كانت بمعنى: أقبل تعدّت بإلى كما يتعدى أقبل، قال الله تعالى: هَلُمَّ إِلَيْنا (¬7)، أي: أقبلوا إلينا، وتقول العرب: هلمّ إلى الثّريد أي: حيّ إلى الثّريد، ومنهم من يعديها باللام فيقول: هلم للثّريد، ومنهم من يحذف الحرف فيقول: هلمّ الثّريد أي ائت الثريد (¬8)، هذا حكم هلمّ في اللغة الحجازية. وأما في اللغة التميمية فإنها عندهم فعل لأنهم يبرزون معها الضمير فيقولون: هلمّ - ¬

_ (¬1) انظر اللسان (ها) وإصلاح المنطق (ص 291). (¬2) التذييل (6/ 169). (¬3) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 70) واللسان (هيت). (¬4) انظر إصلاح المنطق (ص 291) وشرح الكافية للرضي (2/ 70) واللسان (هيت) والتذييل (6/ 169). (¬5) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 72) والتذييل (6/ 170) واللسان (هلم). (¬6) سورة الأنعام: 150. (¬7) سورة الأحزاب: 18. (¬8) والثريد: خبز مغمور بمرق اللحم: انظر شرح التصريح (2/ 199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يا رجل، وهلمّي يا امرأة، وهلمّا للرجلين والمرأتين وهلمّوا يا رجال، وهلممن يا نساء (¬1). ومذهب البصريين (¬2) أن هذه الكلمة مركبة من (ها) التي للتنبيه و «لمّ» التي هي فعل أمر من قولهم: لمّ الله شعثه، حذفت ألف «ها» تخفيفا، قالوا: والمعنى: أجمع نفسك إلينا، لكن هذا أحد معنييها (¬3)، وقال الخليل (¬4): إنها بعد التركيب حدث لها معنى لم يكن، وهذا هو الظاهر. وقال الفراء: هي مركبة من «هل» التي للزجر و «أمّ» بمعنى اقصد، وقد أطالوا الكلام فيها وهو أمر لا يجدي شيئا فلا حاجة إلى الإطالة بذكره (¬5). ويقال: هلم لك ولك ولكما ولكم ولكنّ، والتقدير: إرادتي لك فاللام للتبيين ومدلول الكاف هو مدلول الضمير المستكن في هلم، وقد اشتقوا منها فعلا وإن كانت مركبة لتنزلها عندهم منزلة كلمة واحدة (¬6)، حكى الأصمعي (¬7) أنه يقال للرجل: هلمّ إلى كذا فيقول: لا أهلمّ (¬8) بفتح الهمزة والهاء، وضم اللام وفتح الميم مشددة -، وقالوا أيضا: إلى م أهلم (¬9)، وذكر أبو علي (¬10) أنه يقال للرجل: هلم كذا فيقول: لا أهلمه أي: لا أعطيكه، وهذا يدل على أن معنى هلم كذا أعط كذا، فيكون قد ضمّن «هلم» معنى «أعط». ¬

_ (¬1) انظر إصلاح المنطق (ص 290) وشرح الكافية للرضي (2/ 73). (¬2) انظر الكتاب (3/ 332، 529) (هارون) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) واللسان (هلم). (¬3) والمعنى الآخر هو ما سبق أن ذكره وهو معنى: أحضر. وانظر التذييل (6/ 169). (¬4) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 72) والتذييل (6/ 169). (¬5) انظر شرح السيرافي لكتاب سيبويه (هامش الكتاب 3/ 529) هارون) وقال السيرافي بعد أن ذكر رأى الفراء - وإن كان لم يعينه بالاسم: «وهذا قول قريب وقد رأينا هل قد دخلت عليها لا فجعلا في معنى التحضيض، كقولهم: هلا فعلت ذاك، وهلم أمر مثل التحضيض» وانظر ابن يعيش (4/ 42) واللسان (هلم). (¬6) انظر التذييل (6/ 172، 173) وانظر شرح الكافية للرضي (2/ 73). (¬7) هو: عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي أبو سعيد الأصمعي، راوية العرب وأحد أئمة العلم باللغة والشعر، أخباره كثيرة جدّا وتصانيفه كثيرة منها: الإبل والأضداد والأصمعيات، وغيرها توفي في البصرة سنة 216 هـ. انظر الأعلام (4/ 126). (¬8) انظر ابن يعيش (4/ 43) وشرح الكافية للرضي (2/ 73). (¬9)، (¬10) انظر إصلاح المنطق (ص 290) واللسان (هلم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن كلامهم: كان ذلك عام كذا وهلمّ جرّا إلى اليوم، حكاه الجوهري (¬1)، وفي الارتشاف (¬2) «وهلمّ جرّا معناه: تعالوا على هينتكم متثبتين، قال (¬3): وانتصاب «جرّا» على أنه مصدر في موضع الحال أي: جارين، قاله البصريون، وقال الكوفيون: هو منصوب على أنه مصدر لأن معنى «هلم» جروا، وقيل: انتصب على التمييز. انتهى. ولم يظهر لي بهذا الإعراب الذي نقله توجيه هذا الكلام، وأي معنى بعد قولنا: كان ذلك عاما أول لأن يقال: تعالوا على هينتكم ولا مناسبة بين الأول والثاني؟! والظاهر أن «هلمّ» في قولهم: وهلمّ جرّا أريد بها معنى غير المعنى الأصلي بل ربما يتحتم ذلك، ولم يظهر لي معنى قولهم: وهلمّ جرّا (¬4). وأما «حيّهل»: فقد ذكر المصنف لها معاني ثلاثة وهي: قدّم أو عجّل أو أقبل، وذكر في شرح الكافية (¬5) رابعا وهو معنى «ائت» كقولهم: حيّهل الثّريد (¬6)، وذكر فيها أربع لغات بغير تنوين أيضا، والعجب أنه لم يذكر في اللغات التي لها «حيّ» مفردة، وقد ذكرها النحاة (¬7) قال ابن أبي الربيع: «حيّ تستعمل مركبة وتستعمل غير مركبة، فإذا كانت مركبة كانت بمنزلة «أقبل» فتتعدى بعلى، ومثال ذلك: «حيّ على الصّلاة، حيّ على الفلاح» أي: أقبلوا على الصلاة وعلى ما فيه - ¬

_ (¬1) انظر الصحاح (جرر) (2/ 611) والارتشاف (3/ 211) تحقيق د/ النماس. (¬2) الارتشاف (3/ 211). (¬3) أي: أبو حيان. (¬4) قال الشيخ الصبان في حاشيته على الأشموني (3/ 206): «توقف ابن هشام في عربية قول الناس هلمّ جرّا قال: والذي ظهر لنا في توجيهه أن هلم هي التي بمعنى ائت إلا أن فيها تجوزين أحدهما أنه ليس المراد بالإتيان المجيء الحسن بل الاستمرار على الشيء وملازمته. والثاني: أنه ليس المراد الطلب حقيقة بل الخبر كما في قوله فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا، و «جرّا» مصدر جرّه يجرّه إذا سحبه، وليس المراد الجر الحسي بل التعميم، فإذا قيل: كان ذلك عام كذا وهلم جرا فكأنه قيل: واستمر ذلك في بقية الأعوام استمرارا أو استمر مستمرّا على الحال المؤكدة، وبهذا التأويل ارتفع إشكال اختلاف المتعاطفين بالخبر والطلب وهو ممتنع أو ضعيف، وإشكال التزام إفراد الضمير إذ فاعل هلم هذه مفرد أبدا. اه.». قال الشيخ الصبان: «أي مع أن بني تميم لا يلتزمونه في غير هلم هذه». (¬5) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1386). (¬6) انظر الكتاب (1/ 241) (هارون). (¬7) انظر المفصل (ص 154) وشرحه لابن يعيش (4/ 47) وشرح الكافية للرضي (2/ 72).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقاء الخير لكم، والفلاح والبقاء (¬1)، وإذا كانت مركبة كانت متعدية وكانت بمنزلة: ائت، تقول: حيهل الثريد أي: ائت الثريد (¬2)، قال: وزعم أبو الخطاب (¬3) أنه سمع من يقول: حيّهل الصّلاة (¬4)، ثم قال: وفيها ثلاث لغات (¬5): منهم من يقول: حيّهلا في الوصل والوقف، وكأن «حيّ» مركبة مع «هلا» التي هي [5/ 30] من الأصوات (¬6)، ثم حدث بالتركيب ما لم يكن، أو يكون من إجراء الوصل مجرى الوقف. ومنهم من يقول: حيّهل في الوصل؛ فإذا وقف وقف بتسكين اللام. ومنهم من يقول: حيّهل في الوصل فإذا وقف وقف بالألف فيقول: حيّهلا، قال: وكأن الألف هنا عوض من هاء السكت بمنزلة الألف في أنا» (¬7) انتهى. وقال ابن عصفور مشيرا إلى هذه الكلمة (¬8): هي في الأصل مركبة من «حي» و «هلا» إلا أن الألف من «هلا» حذفت في بعض هذه اللغات تخفيفا، وقد تستعمل كل واحدة منهما على انفرادها (¬9)، فإذا استعملت «حي» على انفرادها كانت بمعنى «أقبل» وإذا استعملت «هلا» على انفرادها كانت بمعنى «تقدّم» - ¬

_ (¬1) انظر المفصل (ص 154) وابن يعيش (4/ 47) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) وشرح ألفية ابن معط (ص 576، 577). (¬2) انظر الكتاب (1/ 241) (هارون) وشرح ألفية ابن معط (ص 576، 577). (¬3) هو عبد الحميد عبد المجيد أبو الخطاب الأخفش الأكبر مولى قيس بن ثعلبة أحد الأخافشة الثلاثة المشهورين، كان إماما في العربية قديما، أخذ عنه سيبويه والكسائي ويونس وغيرهم. انظر بغية الوعاة (2/ 74). (¬4) انظر الكتاب (1/ 241) (هارون) وشرح الكافية للرضي (2/ 72). (¬5) انظر هذه اللغات في ابن يعيش (4/ 45) وشرح الكافية للرضي (2/ 72). (¬6) ومعناها الحث لا الاستفهام. انظر المرجعين السابقين وشرح ألفية ابن معط (ص 1019) تحقيق علي الشوملي. (¬7) انتهى كلام ابن أبي الربيع ويبدو أنه في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه وانظر الخزانة للبغدادي (3/ 41) وقال ابن يعيش (4/ 45): «ونظير الألف هنا الألف في أنا من قولك أنا إذا وقفت عليها من قولك: أن فعلت وإثباتها في الوصل لغة رديئة وبابه الشعر». (¬8) انظر ذلك النقل الطويل في شرح المقرب لابن عصفور للدكتور علي محمد فاخر (المنصوبات: 1/ 278). (¬9) انظر المفصل (ص 154) وابن يعيش (4/ 47) وفيه «واستعمال حي وحدها أكثر من استعمال هل وحدها».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «حي» خاصة باستحثاث العاقل و «هلا» باستحثاث غير العاقل (¬1)، وقد تستعمل «هلا» في العاقل إلا أن ذلك قليل. ومن ذلك قوله: 3602 - ألا حيّيا ليلى وقولا لها هلّا (¬2) وإذا ركبت «حي» مع «هلا» فالأكثر أن تستعمل لاستحثاث العاقل تغليبا لـ «حي» ومنهم من يغلب «هلا» فيستعملها لاستحثاث غير العاقل وذلك قليل (¬3). ثم إنه ذكر أن فيها ثماني لغات (¬4): أحدها: حيّهل - يعني بفتح اللام - قال: وإذا وقفت عليها في هذا الوجه جاز أن تقف بالسكون وأن تقف بالألف اللاحقة لتبيين حركة المبني في الوقف. ثانيها: أن تستعمل بالألف وصلا ووقفا من غير تنوين فيقال: حيّهلا بزيد. ثالثها: أن تستعمل منونة فيقال: حيّهلا. رابعها: حيّهل بتسكين اللام في الوصل والوقف. خامسها: حيّهل بكسر اللام والتنوين كأنه قال: حيّهل على الوقف ثم ألحق التنوين وكسر اللام لالتقاء الساكنين. - ¬

_ (¬1) انظر الهمع (2/ 106) التذييل (6/ 174)، والخزانة (3/ 41). (¬2) صدر بيت من الطويل قاله النابغة الجعدي (ديوانه: ص 123) وعجزه: فقد ركبت أمرا أغرّ محجّلا ويروى: «وقد» وهي رواية اللسان (أول)، وهو أول أبيات للنابغة الجعدي هجا بها ليلى الأخيلية. الشرح: قوله ألا حييا: أي: أبلغاها تحيتي على طريق الهزء والسخرية، وهلا: من حيهلا تأتي بمعنى أسرع وبمعنى اسكن، وهي كلمتان جعلتا كلمة واحدة، فحي بمعنى أقبل وهلا بمعنى أسرع، وقيل بمعنى اسكن عند ذكره حتى تنقضي فضائله. وقوله فقد ركبت أمرا أغر محجلا: أي ركبت بسبب التعرض لمهاجاتي أمرا واضحا ظاهرا لا يخفى، والشاهد في البيت: استعمال «هلا» في استحثاث العاقل وهو قليل. والشطر المستشهد به في شرح السيرافي (2/ 997) (رسالة) والبيت في اللسان (أول) برواية: ألا يا ازجرا ليلى وقولا ... وشرح الكافية للرضي (2/ 71) والخزانة (3/ 31). (¬3) انظر التذييل (6/ 174) والهمع (2/ 106). (¬4) انظر في هذه اللغات ابن يعيش (4/ 45) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) والتذييل (6/ 174).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سادسها: حيّهلك بفتح اللام وإلحاق الكاف التي هي حرف خطاب. سابعها: حيّهل بتسكين الهاء، وفتح اللام من غير تنوين. ثامنها: حيّهلا بتسكين الهاء وفتح اللام والتنوين. قال (¬1): فمن نوّن في شيء من ذلك جعله نكرة ومن لم ينون جعله معرفة (¬2)، قال: وتستعمل في جميع ذلك متعدية بنفسها وبإلى وبعلى وبالباء (¬3)، فإذا تعدّت بنفسها كانت بمعنى «ائت» وإذا تعدت بإلى أو بعلى كانت بمعنى «أقبل»، وإذا تعدت بالباء كانت بمعنى جئ (¬4). هذا كلامه في شرح الإيضاح (¬5)، وقوله: إنها إذا تعدت بالباء تكون بمعنى «جئ» يطابق في المعنى قول المصنف: إنها تكون بمعنى «عجّل» لأن «عجّل» يتعدى بالباء أيضا. وأما «تيد» و «رويد»: فاعلم أنهم قد ذكروا (¬6) أن «تيد» مثل «رويد» في المعنى وأنها تكون مصدرا واسم فعل كما تكون رويد كذلك، حكى البغداديون (¬7): تيدك زيدا، فإن كان مصدرا فالكاف في موضع خفض، وإن كان اسم فعل فالكاف حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب (¬8)، لكن كلام المصنف - ¬

_ (¬1) أي ابن عصفور في شرح الإيضاح المفقود وانظره في شرح المقرب (المنصوبات: ص 278). (¬2) قال ابن يعيش (ص 45): «وقالوا: حيّهلا فنوّنوه للتنكير «كما قالوا في صه: صه وفي إيه: إيه». وانظر التذييل (6/ 175) واللسان (حيا) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 611). (¬3) انظر المفصل (ص 153) وابن يعيش (4/ 46) وشرح الكافية للرضي (2/ 72) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 238). (¬4) يبدو أن ابن عصفور قد انفرد بالإتيان بهذا المعنى وانظر الخزانة للبغدادي (3/ 41). (¬5) لم أستطع العثور عليه. وقد نقل البغدادي في خزانته كلام ابن عصفور عن شرح الإيضاح انظر الخزانة (3/ 40، 41). (¬6) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 70) والتذييل (6/ 176). (¬7) انظر المرجعين السابقين. (¬8) انظر التذييل والتكميل (6/ 176) وفيما ذكره الشيخ أبو حيان وتبعه فيه المؤلف نظر؛ لأن الكاف في قولنا: تيدك زيدا على مذهب البغداديين ليست موضع خفض وإنما هي حرف خطاب لا محل له من الإعراب عندهم. ففي اللسان مادة (تيد): «وقال ابن كيسان: بله ورويد وتيد يخفضن وينصبن: رويد زيدا وزيد وبله زيدا وزيد وتيد زيدا وزيد قال: وربما زيد فيها الكاف للخطاب فيقال: رويدك زيدا وتيدك زيدا فإذا أدخلت الكاف لم يكن إلا النصب وإذا لم تدخل الكاف فالخفض على الإضافة لأنها في تقدير المصدر كقوله عز وجل فَضَرْبَ الرِّقابِ». اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقتضي أن «تيد» لا تكون إلا اسم فعل خاصة لأنه لما قرن بها في الذكر «رويد» حاكما عليهما بأنهما اسما فعل لم يستثن إلا «رويد» فأخرجها عن أن تكون اسم فعل إذا نصبت على الحالية أو المصدرية، وهذا هو الظاهر إذ لم يقم دليل على أن «تيد» مصدر كما قام الدليل على مصدرية «رويد». ثم إن المصنف ذكر أن معنى «تيد»: أمهل، وأن معنى «رويد»: أمهل أيضا، ولكن سيأتي بحث في كون معنى «رويد» أمهل. وذكر أن لـ «رويد» استعمالات أربعا (¬1): أحدها: أن تكون اسم فعل، ثانيها: أن تكون حالا، ثالثها: أن تكون مصدرا، رابعها: أن تكون نعتا لمصدر مذكور أو مقدر. وقد ذكر ابن عصفور الاستعمالات الأربع لها أيضا فقال (¬2): «رويد» اسم يستعمل على أربعة أضرب: اسم فعل بمعنى الأمر، ومصدر، وصفة لمصدر، وحال منه، فإذا استعمل اسم فعل كان مبنيّا ومتعديا إلى مفعول، حكى سيبويه (¬3) من كلامهم: لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشّعر، قال: يريد أرود الشعر كقول القائل: لو أردت الدراهم لأعطيتك فدع الشّعر، ومن ذلك قول الشاعر: 3603 - رويد بني شيبان بعض وعيدكم ... تلاقوا غدا خيلي على سفوان (¬4) يريد: دعوا يا بني شيبان بعض وعيدكم، وانجزم «تلاقوا» على جوابه اجراء له في ذلك مجرى فعل الأمر الذي جعل اسما له، «رويد» عند البصريين تصغير - ¬

_ (¬1) انظر ذلك النقل الطويل في شرح المقرب لابن عصفور (المنصوبات قسم أول ص 267). (¬2) يبدو لي أن كلام ابن عصفور هذا في كتابه «شرح الإيضاح» لأنني لم أعثر عليه في كتبه التي بين أيدينا. (¬3) انظر الكتاب (1/ 243) (هارون) وعبارته: «والله لو أردت ...». (¬4) هذا البيت من الطويل وهو لوداك بن ثميل المازني: تلاقوا جيادا لا تحيد عن الوغى ... إذا ما اعترت في المأزق المتداني الشرح: قوله «رويد بني» روي: رويدا بني وهي رواية ابن يعيش (4/ 41) وقال التبريزي: وهو الأكثر، و «بني شيبان» منادى حذف منه حرف النداء أي: يا بني شيبان، و «بعض وعيدكم» كلام إضافي مفعول لقوله «رويد» و «تلاقوا» جواب الأمر، و «سفوان» اسم موضع. والشاهد فيه: مجيء «رويد» اسم فعل متعديا إلى المفعول «بعض وعيدكم» وانظر البيت في المحتسب (1/ 150) وابن يعيش (4/ 41) والمغني (ص 456) والعيني (4/ 321).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «إرواد» مصدر «أرود» بمعنى أمهل على قياس تصغير الترخيم (¬1)، وهو عند الفراء (¬2) تصغير «رود» بمعنى: مهل وأنشد شاهدا على أن «رودا» بمعنى الرّفق والمهل قول الشاعر: 3604 - يكاد لا تثلم البطحاء وطأته ... كأنّه ثمل يمشي على رود (¬3) وما ذكره البصريون أولى لأن «رويدا» إذا كان تصغير «إرواد» كان موافقا للفعل الذي وضع موضعه وجعل اسما له وهو «أرود» ولو كان تصغير «رود» لم يكن كذلك (¬4)، ألا ترى أن الرود معناه: المهل والرّفق (¬5) وليس فعل متعدّ بهذا المعنى فيوضع تصغيره موضعه ويصير اسما له، وفاعله مستتر فيه في جميع الأحوال كسائر أسماء الأفعال (¬6)، ومن العرب (¬7) من يلحقه كاف الخطاب ليتبين ذلك المضمر المستتر فيه فيقول: رويدك زيدا، ورويدكما زيدا، ورويدكم زيدا، ورويدكنّ زيدا، وإنما يلحقها إذا خاف الالتباس (¬8)، ومن لم يخف التباسا لم يلحقها استغناء عنها بعلم المخاطب، وقد يلحقونها مع عدم اللبس على جهة التأكيد للبيان (¬9)، وهي حرف لا موضع لها من الإعراب كالكاف في «ذلك». ¬

_ (¬1) أي صغر بحذف زوائده وانظر ابن يعيش (4/ 29)، وشرح الكافية للرضي (2/ 70)، والتذييل (6/ 177) واللسان (رود). (¬2) انظر المراجع السابقة. (¬3) هذا البيت من البسيط وقائله هو الجموح الظّفريّ. الشرح: تثلم: هو من ثلم الإناء والسيف ونحوه: كسر حرفه والثّلم في الوادي: أن ينثلم جرفه، والبطحاء: مسيل فيه دقاق الحصى، ووطأته: الوطأة، موضع القدم وهي أيضا كالضّغطة، وثمل: الثمل: الشارب الذي لعبت برأسه الخمر. والشاهد فيه: مجيء «رود» بمعنى الرفق والمهل وقد جعل الفراء «رويدا» تصغيرا لهذا اللفظ. والشطر الثاني من هذا البيت في ابن يعيش (4/ 29)، والبيت بتمامه في التذييل (6/ 177) واللسان (رود) وروايته فيه: تكاد لا تثلم البطحاء وطأتها ... كأنّها ثمل يمشي على رود بضمير المؤنث، والبيت في شرح ألفية ابن معط لعبد العزيز الموصلي (ص 1016)، تحقيق علي موسى الشوملي. والرواية فيه: يمشي فلا تكلم البطحاء وطأته ... (¬4) انظر اللسان (رود) والتذييل (6/ 177). (¬5) انظر اللسان (رود) والتذييل (6/ 177). (¬6) انظر التذييل (6/ 177). (¬7) انظر الكتاب (1/ 244). (¬8) أي التباس من يعني بمن لا يعني. انظر الكتاب (1/ 244) واللسان (رود). (¬9) قال في الكتاب (1/ 244): «وذا بمنزلة قول العرب: هاء وهاءك وهأ وهأك وبمنزلة قولك: حيّهل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا استعمل مصدرا نائبا مناب الفعل بقي على إعرابه وذلك نحو قولك: رويدا زيدا، ويجوز إذ ذاك إضافته إلى الفاعل فيقول: رويدك زيدا، وإلى المفعول حكي من كلامهم (¬1): رويد نفسه، وفي النصب به خلاف، فمنهم من منع ومنهم من أجاز، حجة المانع: تصغيره لأن التصغير يمنع الأسماء العاملة من العمل لكونه من خواص الأسماء وإلى ذلك ذهب المبرد (¬2)، وأما المجيزون فاختلفوا في سبب إعماله فقال الفارسي (¬3): إنه إنما عمل وهو مصغر حملا على «رويد» اسم الفعل وهذا منه دليل [5/ 31] أنه يمنع إعمال المصدر المصغر. وأما ابن خروف وأبو بكر بن طاهر فإنهما يجيزان (¬4) عمل المصدر مصغرا، وإن كانا يمنعان عمل اسم الفاعل المصغر مستدلين بأن المصغر لم يعمل لشبهه بالفعل وإنما عمل لوضعه موضعه فلم يقدح التصغير في إعماله لأنه لم يعمل للشبه كما عمل اسم الفاعل، وهذا المذهب هو الصحيح عندي (¬5)، ولا فرق بين «رويد» وغيره من المصادر المصغرة بالنسبة إلى العمل (¬6). وكذلك (¬7) إذا استعمل صفة لمصدر أو حالا كان معربا أيضا إذ لا موجب لبنائه: فمثال استعماله صفة للمصدر قولك: ساروا سيرا رويدا (¬8) وفيه خلاف: منهم من زعم أن «رويدا» الموصوف به هو الذي استعمل مصدرا إلا أنه وصف به فوقع موقع «مرود» كما وصفوا بـ «رضا» فقالوا: رجل رضا أي: مرضيّ، - ¬

_ - وحيّهلك وكقولهم النجاءك، وقال: فهذه الكاف لم تجئ علما للمأمورين والمنهيين المضمرين ولو كانت علما للمضمرين لكانت خطأ وانظر اللسان (رود). (¬1) قال في الكتاب (1/ 245): «وحدّثنا من لا نتهم أنه سمع من العرب من يقول: رويد نفسه جعله مصدرا كقوله: فَضَرْبَ الرِّقابِ، وانظر التذييل (6/ 177). (¬2) انظر المقتضب (3/ 208، 209). (¬3) انظر المسائل الحلبيات للفارسي (ص 212) تحقيق د/ حسن هنداوي، طبعة 1، 1987 م، دمشق، بيروت. وانظر شرح المقرب (المنصوبات: ص 269)، وانظر التذييل (6/ 178). (¬4) انظر التذييل والتكميل (6/ 178) رسالة. (¬5) المتكلم هو ابن عصفور وانظر التذييل (6/ 178). (¬6) انظر التذييل (6/ 178). (¬7) قوله «وكذلك» معطوف على قوله فيما مضى: وإذا استعمل مصدرا نائبا مناب الفعل بقي على إعرابه وذلك نحو قولك: رويدا زيدا. (¬8) انظر الكتاب (1/ 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنهم من زعم أنه تصغير «مرود» تصغير ترخيم وليس بمصدر موصوف به (¬1)، فعلى القول الأول يجوز فيه وجهان: أن يجعل صفة للمصدر. وأن يجعل حالا منه - وإن كان نكرة - لأن الحال إذا لم يكن صفة في الأصل جاز (¬2) مجيئها حالا من النكرة متأخرة عنها في فصيح الكلام، ومن ذلك قولهم: هذا عربيّ قحّا (¬3)، ووقع أمر فجأة، ومررت بماء قعدة رجل (¬4). وعلى القول الثاني لا يكون إلا صفة للمصدر؛ لأن الاسم الذي هو صفة في الأصل لا ينتصب على أنه حال من نكرة وهو متأخر عنها، لا يقال: مررت برجل ضاحكا، ومثال استعماله حالا منه قوله: ساروا رويدا (¬5)، فـ «رويدا» حال من ضمير محذوف عائد على المصدر الذي يدل عليه الفعل، تقديره: ساروه رويدا أي: ساروا السّير رويدا، ولا يجوز (¬6) أن يكون تقدير ساروا رويدا: ساروا سيرا رويدا فحذف «سير» الذي هو المصدر وأقيمت صفته مقامه؛ لأن «رويدا» صفة غير خاصة بجنس الموصوف المحذوف لأن الإرواد من صفات السير وغير السير أيضا. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 179). (¬2) قال سيبويه في الكتاب (2/ 112، 113): «وزعم يونس أن ناسا من العرب يقولون: مررت بماء قعدة رجل والجر الوجه، وإنما كان النصب هنا بعيدا من قبل أن هذا يكون من صفة الأول، فكرهوا أن يجعلوه حالا كما كرهوا أن يجعلوا الطويل والأخ حالا حين قالوا: هذا زيد الطويل وهذا عمرو أخوك وألزموه صفة النكرة النكرة، كما ألزموا صفة المعرفة المعرفة وأرادوا أن يجعلوا حال النكرة فيما يكون من اسمها كحال المعرفة فيما يكون من اسمها»، وقد أشار سيبويه إلى أن الخليل يجيز مجيء الحال من النكرة قال في الكتاب (1/ 112): «وقد يجوز نصبه على نصب: هذا رجل منطلقا وهو قول عيسى، وزعم الخليل أن هذا جائز، ونصبه كنصبه في المعرفة، جعله حالا ولم يجعله وصفا، ومثل ذلك: مررت برجل قائما، إذا جعلت المرور به في حال قيام وقد يجوز على هذا: فيها رجل قائما وهو قول الخليل رحمه الله. (¬3) القحّ: أصل الشيء وخالصه، يقال: عربي قح وعربي محض وقلب إذا كان خالصا لا هجنة فيه. انظر اللسان (قحح). (¬4) في اللسان (قعد): «وقعدة الرّجل: مقدار ما أخذ من الأرض قعوده». (¬5) انظر الكتاب (1/ 243، 244). (¬6) انظر ابن يعيش (4/ 41) وذكر أنه وجه ضعيف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا كلام ابن عصفور (¬1). ثم إنه (¬2) أورد سؤالا فقال: «فإن قيل: القاعدة في الباب (¬3) أن ما كان في الأصل ظرفا كـ «مكانك» أو مصدرا كـ «حذرك» ثم نقل واستعمل اسما للفعل يبقى على ما كان عليه من الإعراب فكان ينبغي على هذا إذا جعل «رويدا» اسما للفعل أن لا يبنى بل يبقى على إعرابه لأنه مصدر في الأصل؟». ثم أجاب عن ذلك بأن قال: «إن «رويدا» لما نقل عن المصدرية وجعل اسما للفعل لم يبق على معناه، بل ضمّن معنى ما يقرب منه، فإنّ أرود إروادا معناه: أمهل إمهالا أي: أنظر، ومعنى «رويد» الذي هو اسم للفعل: اترك ودع، وأرود ليست بمعنى دع في أصل وضعها، وإنما صار لها ذلك بالتضمين» انتهى. وفي كلامه أمران: أما أولا: فمنعه أن يكون «رويدا» من قولنا: ساروا رويدا صفة لمصدر محذوف معللا ذلك بأن الصفة التي هي «رويد» ليست خاصة بجنس الموصوف، لأن لقائل أن يقول: إن المسوغ لحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه إنما هو وجود دليل على المحذوف سواء أكانت الصفة خاصة بجنس الموصوف أم غير خاصة!! نعم في بعض التراكيب قد لا يكون دليل إلا كون الصفة خاصة بجنس موصوفها كقولك: نظرت إلى كاتب، وفي بعض الصور قد يكون الدليل غير ذلك كما في قوله تعالى: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ (¬4) أي: دروعا سابغات، ولا يخفى أن الصفة المذكورة ليست خاصة بموصوفها المراد هنا، وقد حذف الموصوف لدلالة ذكر «الحديد» في الآية الشريفة عليه، وعلى هذا فالدليل على الموصوف المحذوف في مثل: ساروا رويدا كلمة «ساروا» إذ من المعلوم أن المراد: ساروا سيرا رويدا؛ فالدليل على الموصوف المحذوف قائم حينئذ. وأما ثانيا: فقوله: إن مكانك باق على إعرابه بعد نقله وتصييره اسم فعل؛ لأن «مكانك» كان منصوبا على الظرف أعني لفظ «مكان» المضاف إلى الضمير الذي - ¬

_ (¬1) سبق أن نبهت إلى أن ذلك ربما كان في كتابه «شرح الإيضاح» لأنني لم أعثر عليه في كتبه التي بين أيدينا، وانظر هذا النقل الطويل مفصلا ومحققا أيضا في شرح المقرب للدكتور علي محمد فاخر (المنصوبات قسم أول: ص 267 وما بعدها). (¬2) أي: ابن عصفور. (¬3) أي: باب أسماء الأفعال. (¬4) سورة سبأ: 10، 11.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الكاف، والمجعول اسم فعل بعد النقل إنما هو مجموع الكلمتين أعني المضاف والمضاف إليه، وإذا كان كذلك سقط اعتبار حركة النون من «مكانك» مثلا، وصارت كحركة الكاف قبلها، أو الميم، إذ مجموع الكلمتين في حكم كلمة واحدة. ثم إنّا نقول: إما أن يكون لأسماء الأفعال محل من الإعراب أو لا!! فإن لم يكن لها محل فلا كلام، وإن كان لها محل فالحكم بذلك إنما هو على المحل لا على اللفظ، سواء أكان اسم الفعل كلمة واحدة كـ «نزال» أم كلمتين نحو: مكانك وحذرك. بقي أن يقال: قد قال المصنف: إن معنى «رويد» أمهل، وكلام ابن عصفور يقتضي أن معناها: دع، وعلى ذلك فسر ما حكاه سيبويه (¬1) من كلام العرب: لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشّعر أي: دع الشعر و «ما» زائدة (¬2) والذي يظهر أن «رويد» يجوز أن يراد بها كل من المعنيين أعني معنى «أمهل» ومعنى «دع»، وتستفاد دلالتها على أحد المعنيين دون الآخر من سياق الكلام وما يؤدي إليه المعنى في ذلك المحل الذي هي فيه. واعلم أن ظاهر كلام صاحب الصحاح يقتضي أن «رويد» الذي هو اسم الفعل تصغير «رود»، وأن «رويد» الذي هو المصدر تصغير إرواد تصغير ترخيم، ولم أتحقق ذلك، وكلامه يحتاج إلى من يتأمله ويحرر ما قصده (¬3). وأما «هيت» و «هيّا» و «هيك»: فمعناها واحد وهو: أسرع (¬4)، والكاف في «هيك» للخطاب (¬5)، وقال الله تعالى: وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ (¬6)، والجمهور على أن معنى «هيت» في الآية الشريفة: أسرع و «لك» تبيين كما هي في قولهم: سقيا لك. فاللام تتعلق بمحذوف، التقدير: لك أعني (¬7)، وقد قال بعضهم: إن «هيت لك» معناه: جئت لك، فجعل «هيت» اسم فعل ماض - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 243). (¬2) قال ابن يعيش (4/ 40): «كأنه قال: لو أردت الدراهم لأعطيتك فدع الشعر لا حاجة بك إليه». (¬3) انظر الصحاح (رود) (2/ 479) وكلامه كما ذكر المؤلف. (¬4) هذا كما ذكر المصنف في التسهيل وانظر التذييل والتكميل (6/ 180) (رسالة) واللسان (هيت). (¬5) انظر التذييل والتكميل (6/ 180). (¬6) سورة يوسف: 23. (¬7) انظر التذييل والتكميل (6/ 180، 181) وانظر التبيان للعكبري (ص 728).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأخرجها من الأمرية إلى الخبرية [5/ 32] ومنهم من قدر «هيت لك» مبتدأ وخبرا وقال: المعنى في الآية الشريفة: أنا مهيئة لك، وكل هذا لا معول عليه. وقد ذكر الشيخ (¬1) لغات أخر في هذه الكلمة منها: «هيّك» - بكسر الهاء وتشديد الياء، ومنها «هيت» - بكسر الهاء وبعدها ياء ساكنة ثم تاء مفتوحة - و «هيت» - بفتح الهاء وسكون الياء بضم التاء. وأما «بله» و «كذاك»: فمعناهما واحد وهو: دع (¬2)، وقال سيبويه (¬3): «بله زيدا؛ أي دع زيدا» وقد ذكر المصنف في الألفية (¬4) أنها تكون مصدرا فيقال على هذا: بله زيد أي: ترك زيد، قال الشاعر (¬5): 3605 - تذر الجماجم ضاحيا هاماتها ... بله الأكفّ كأنّها لم تخلق (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل والتكميل (6/ 180) واللسان (هيت). (¬2) وهو كما ذكر المصنف في التسهيل وانظر التذييل والتكميل (6/ 181) واللسان (بله). (¬3) انظر الكتاب (4/ 232) وعبارة سيبويه: «وأما بله زيد فيقول: دع زيدا». (¬4) قال ابن مالك في الألفية: كذا رويد بله ناصبين ... ويعملان الخفض مصدرين. (¬5) هو كعب بن مالك الخزرجي أحد أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المعدودين. انظر ديوانه (ص 245). (¬6) البيت من الكامل وقبله: نصل السّيوف إذا قصرن بخطونا ... قدما ونلحقها إذا لم تلحق الشرح: ضمير تذر: يرجع إلى السيوف في البيت السابق، والجماجم: جمع جمجمة قال صاحب الصحاح: هي عظم الرأس المشتمل على الدماغ وربما أطلقت على الإنسان فيقال: خذ من كل جمجمة درهما كما يقال: خذ من كل رأس بهذا المعنى، وقال أيضا: الهامة من الشخص: رأسه. فالمناسب هنا أن يفسر الجمجمة بالإنسان. وقوله: ضاحيا: حال سببية من الجماجم و «هاماتها» فاعل ضاحيا من: ضحا يضحو إذا ظهر وبرز عن محله، وقوله: كأنها لم تخلق: متعلق بقوله «ضاحيا هاماتها» أي كأنها لم تخلق متصلة بمحالها، ومعنى: بله الأكف: على رواية نصب «الأكف»، دع ذكر الأكف؛ فإن قطعها من الأيدي أهون من قطع هامات الجماجم بتلك السيوف. فـ «بله» على هذا اسم فعل، وعلى الجر: ترك ذكر الأكف أي اترك ذكرها تركا؛ فإنها بالنسبة إلى الهامات سهلة فـ «بله» على هذا مصدر مضاف لمفعوله، وعلى الرفع: كيف الأكف لا تقطعها تلك السيوف مع قطعها ما هو أعظم منها وهي الهامات أي: إذا أزالت هذه السيوف تلك الهامات عن الأبدان فلا عجب أن تزيل الأكف عن الأيدي، فـ «بله» على هذا بمعنى كيف للاستفهام التعجبي. والاستشهاد في البيت: في قوله «بله الأكف» على أن «بله» إما أن تكون مصدرا بمعنى: ترك؛ فيكون -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ روي بجر «الأكف» على أن «بله» مصدر (¬1)، ومن رواه بالنصب فـ «بله» عنده اسم فعل (¬2). ومن استعمالها اسم فعل قول الآخر: 3606 - تمشي القطوف إذا غنّى الحداة لها ... مشي النّجيبة بله الجلّة النّجبا (¬3) وإذا كان اسم فعل كان مبنيّا على الفتح (¬4)، وقد يبنى على الكسر (¬5)، وروي فيه إذا كان مصدرا القلب فيقال: بهل زيد (¬6)، وزعم بعضهم أن «بله» يكون بمعنى: كيف، فيقال: بله زيد، وبعضهم أنها يستثنى بها فيقال: قام القوم بله زيدا أي: إلا زيدا، ولا معول على شيء من ذلك. وشاهد «كذاك» قول الشاعر: 3607 - يقلن وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إنّ عليك عينا (¬7) - ¬

_ - «الأكف» مجرورا مضافا إليه، وإما أن تكون اسم فعل بمعنى: دع. فيكون الأكف منصوبا على أنه مفعول لـ «بله» وقد روي البيت بالوجهين، وهناك وجه ثالث وهو: رفع الأكف على أن بله بمعنى: كيف. وانظر البيت في ابن يعيش (4/ 47، 48) والخزانة (3/ 30)، وشرح شذور الذهب (ص 400) والتصريح (2/ 199) والهمع (1/ 236) والدرر (1/ 200). (¬1) قال سيبويه في الكتاب (4/ 232): «وبله ههنا بمنزلة المصدر كما تقول: ضرب زيد». وانظر اللسان (بله) والأشموني (3/ 203) وابن يعيش (4/ 49). (¬2) انظر اللسان (بله) والأشموني (3/ 203) وابن يعيش (4/ 49). (¬3) هذا البيت من البسيط قاله ابن هرمة، الشرح: القطوف: من الدواب وغيره: البطيء، والجلّة: - بكسر الجيم - جمع جليل كصبية جمع صبي وهو المسن من الإبل، والنجب: بضمتين: جمع نجيب وهو الأصيل الكريم، والمعنى: أن البطيء يمشي كمشي الجواد من الخيل مع الحدّاء فدع الإبل الكرام فإنها مع الحدّاء تسرع أكثر من غيرها، والشاهد في البيت: في قوله: «بله الجلة النجبا» حيث استعمل «بله» اسما للفعل ولذلك انتصب ما بعده على أنه مفعول له. والبيت في ابن يعيش (4/ 49)، والخزانة (3/ 21)، والصحاح (بله). (¬4) انظر التصريح (2/ 199) وقال: «والدليل على بنائه كونه غير منون». وقال ابن يعيش (4/ 48) «وكانت مبنية لوقوعها موقع الفعل وهو دع، وحركت لالتقاء الساكنين وهما اللام والهاء، وفتح إتباعا لفتحة الياء ولم يعتد باللام حاجزا لسكونها». (¬5) هذا الحكم يحتاج إلى دليل وبرهان. وكون «بله» واقعا موقع «دع» يبعده عن الصواب إلا إذا قلنا إنه على أصل التقاء الساكنين: انظر الهمع (1/ 236). (¬6) حكاه أبو زيد، انظر ابن يعيش (4/ 49) والتذييل (6/ 181)، والأشموني (3/ 204). (¬7) البيت من الوافر وهو من قصيدة لجرير يهجو بها الفرزدق والبعيث (بفتح الباء، لقب شاعر من بني تميم واسمه خداش بن بشير).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: دع القول، ولا يخفى أنها كلمة مركبة من «كاف» التشبيه ومن اسم الإشارة وزال بالتركيب معناهما، وضمّنت الكلمة معنى: دع، والكاف الواقعة بعدها للخطاب (¬1). وأما «صه»: فمعناها: اسكت (¬2) وأمّا «إيها» و «مه»: فمعناهما واحد وهو: انكفف (¬3). و «صه» و «مه» نقل فيهما اللغات الثلاث: سكون الآخر، وكسره دون تنوين، وكسره مع تنوين، فمن نوّن أجراهما مجرى المصدر المنكر كأنه قال: سكوتا وانكفافا، ومن لا ينون أجراهما مجرى المصدر المعرف باللام وهو: السكوت والانكفاف، ومن جعلهما معارف فلم ينون طلب السكوت عن فعل معين والانكفاف عن فعل معين، ومن نكّرهما لم ينون وطلب السكوت عن كل كلام والانكفاف عن كل فعل، هكذا في شرح الشيخ (¬4). ولم أتحقق قوله: «ومن نكرهما لم ينون» لأن علامة التنكير في مثل هذه الأسماء إنما هو التنوين، فكيف يصح قوله: «ومن نكّرهما لم ينون»؟. والذي ينبغي أن يقال: ومن نكرهما نوّن وطلب السكوت عن كل كلام والانكفاف عن كل فعل. وأما «إيها»: فالتنوين اللاحقها تنوين التنكير، ومعناها: طلب الانكفاف عن كل فعل (¬5). وقد تستعمل معرفة فيقال: إيه - بفتح الهاء دون تنوين - ولكن ذلك قليل، ومعناه: طلب الانكفاف عن فعل معين (¬6). - ¬

_ - ومعنى «تلاحقت المطايا» أي لحق بعضها بعضا، والمعنى: دع القول إن عليك رقيبا. والاستشهاد فيه: في قوله «كذاك» فإنه اسم فعل معناه: دع. والبيت في التذييل (6/ 185) والعيني (4/ 319) واللسان (لحق). وقال ابن منظور: الرواية (كفاك القول) أي ارفق وأمسك عن القول. وعلى هذا فلا شاهد فيه حينئذ. (¬1) هذا الكلام ذكره أبو حيان في التذييل (6/ 185) وقد نقله عنه المؤلف بتصرف يسير دون أن يشير إلى ذلك. (¬2) وهو كما ذكر المصنف في التسهيل، وانظر التذييل (6/ 186) وشرح الكافية للرضي (2/ 65)، والهمع (2/ 105). (¬3) وهو كما ذكر المصنف في التسهيل، وانظر التذييل (6/ 186) والهمع (2/ 152). (¬4) انظر التذييل (6/ 186). (¬5) انظر التذييل (6/ 186). (¬6) انظر التذييل (6/ 186).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «إيه»: فمعناه: حدّث (¬1)، قال ابن عصفور (¬2): «هي كلمة يراد بها الاستزادة من الحديث (¬3)، وهو في الأصل مبني على السكون إلا أنه حرك لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة كسرة على أصل حركة التقاء الساكنين؛ فمن لم ينونه جعله معرفة (¬4)، لأنه يريد به الاستزادة من حديثه معه. ومنه قول ذي الرمة: 3608 - وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم ... وما بال تكليم الرّسوم الطّواسم؟ (¬5) لأنه إنما طلب من الرسوم حديثا مخصوصا وهو الحديث عن «أم سالم» (¬6)، - ¬

_ (¬1) انظر المرتجل لابن الخشاب (ص 254) والهمع (2/ 105) وقال ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 118) إيه بمعنى: امض في حديثك ولا تقل بمعنى حدّث كما يقولون». (¬2) لعل كلام ابن عصفور هذا في كتابه «شرح الإيضاح» ولم أعثر على هذا الكتاب كما أنني لم أستطع العثور على هذا الكلام في كتبه التي بين أيدينا، وانظر أمالي ابن الشجري (1/ 391) وانظر هذا النقل بالتفصيل في شرح المقرب (المنصوبات قسم أول ص 273). (¬3) في إصلاح المنطق (ص 291): «وتقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل: إيه». (¬4) لأن الأصوات إذا كانت معرفة لم تنون، انظر المقتضب (3/ 179). (¬5) هذا البيت من الطويل وهو من قصيدة طويلة لذي الرمة مطلعها (ديوانه 2/ 778): خليليّ عوجا عوجة ناقتيكما ... على طلل بين القلات وسارع به ملعب من معصفات نسجنه ... كنسج اليماني برده بالوشائع «القلات» بكسر القاف، و «سارع» موضعان. الشرح: قوله: وقفنا فقلنا: أي: وقفنا عليه أي الطلل، قال البغدادي في الخزانة: قال الأصمعي: أساء في قوله إيه بلا تنوين، وفي ابن يعيش (4/ 32): «وكان الأصمعي ينكر على ذي الرمة هذا البيت ويزعم أن العرب لم تقل إلا إيه بالتنوين، وجميع النحويين صوبوا قول ذي الرمة، وقسموا «إيه» إلى قسمين معرفة ونكرة فإذا استزادوا منكورا قالوا: إيه بالتنوين، وإذا استزادوا معرفة قالوا: إيه من غير تنوين على حد: صه وصه»، والبال: الشأن والحال وما: استفهام إنكاري أي ليس من شأنها الكلام، والرسوم: جمع رسم وهو ما بقي من آثار الديار لاصقا بالأرض، والطواسم: الدوارس، والرسوم الطواسم: أي التي ارتحل سكانها. والمعنى: أنه طلب الحديث من الطلل أولا ليخبره عن محبوبته «أم سالم» وهذا من فرط تحيره وتدلهه في استخباره مما لا يعقل ثم أفاق وأنكر من نفسه بأنه ليس من شأن الأماكن الإخبار عن السواكن. والشاهد في قوله: «إيه» حيث أتى به غير منون لأنه إنما طلب من الرسوم حديثا مخصوصا وهو الحديث عن أم سالم. وانظر البيت في المقتضب (3/ 179) ومعاني القرآن (2/ 121) وابن يعيش (4/ 31)، والأصول لابن السراج (2/ 698). (¬6) انظر الخزانة للبغدادي (3/ 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن نونه جعله نكرة كأنه يقول: حدّث حديثا، ومنه قول القائل (¬1): 3609 - إيه فداء لك يا فضاله ... أجرّه الرّمح ولا تهاله (¬2) وفي شرح الصّفّار لسيبويه «وأما إيه فمعناه: حدّث أو زد، لكن هو لازم، لا يقال: إيه كذا». قال الشيخ (¬3): «وقد استعمله بعض الشعراء المولدين متعديا فقال: 3610 - إيه أحاديث نعمان وساكنه (¬4) انتهى. - ¬

_ (¬1) نسبه أبو زيد في النوادر (ص 163) لراجز ولم يسمه. (¬2) هذا البيت من الرجز. الشرح: فداء: مصدر فديته فداء، فإن رفعته فعلى ظاهر الكلام تجعل نفسي ابتداء - وذلك على رواية: «نفسي فداء لك» - وفداء خبره، وأما من كسر فداء فإنه أراد الأمر (يريد اسم فعل أمر)، ولحق التنوين بعد الكسر علما على التنكير، يريد: افد فداء، ولو كسر بلا تنوين لقصد المعرفة كأنه قال: افد الفداء، وقوله: أجره الرمح يريد: اطعنه في فيه لأن الإجراء: الطعن في الفم، تهاله نهي وهو مجزوم بلا وكان القياس (تهله) بسكون اللام للجزم، وحذف الألف قبلها لالتقاء الساكنين فأثبت الألف، وفتح اللام على أحد وجهين: إما أن يكون أراد النون الخفيفة ثم حذفها، وإما أن يكون حرك اللام لالتقاء الساكنين هي والألف ولم يحذف الألف لأنه جعل التحريك بدلا من حذفها، واستحب الفتحة إتباعا للألف، وهذا قول كثير من النحويين، وكلاهما جيد والوجه الأول أشبه، والهاء في (تهاله) للسكت وهو من هالني الأمر يهولني هولا: أفزعني. والشاهد فيه قوله: «إيه» حيث جيء به منونا لما قصد تنكيره. وانظر البيت في المقتضب (3/ 168)، والنوادر (ص 163)، والبيت في الأصول لابن السراج (2/ 145) والمسائل العسكرية للفارسي (ص 279) وابن يعيش (4/ 72) والتذييل (6/ 189) والرواية فيه: ويها فداء لك، واللسان (فدى) والرواية فيه: مهلا فداء لك. (¬3) انظر التذييل (6/ 187). (¬4) هذا شطر بيت من البسيط وذكره ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 118، 119) وقال: ليس بعربي، وقد شرح الشيخ محمد محيي الدين هذا الشاهد في كتابه: (منتهى الأرب بتحقيق شرح شذور الذهب) (ص 118، 119) وقال: «نسبوا هذا الشاهد لابن الأثير ولم يعينوا واحدا، فإنهم ثلاثة رجال من أفذاذ العلماء: أحدهم محدث وثانيهم مؤرخ وثالثهم أديب كبير، وثلاثتهم لا يحتج بشعرهم ولا بنثرهم على شيء من قواعد اللغة، وقد عثرت على بيت صدره هذا الشاهد وعجزه قوله: إنّ الحديث عن الأحباب أسمار انتهى. والبيت شاهد على استعمال «إيه» متعديا مع أن الفعل الذي ناب هو عنه لازم فكان حق اسم الفعل أن يكون لازما ولا يتعدى بنفسه. والبيت في خزانة البغدادي (3/ 19). و «نعمان» بفتح النون: اسم واد في طريق الطائف يخرج إلى عرفات.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أشعار المتأخرين أيضا في تعدية «إيه» قول القائل: 3611 - إيه حديثك عن أخبارهم إيه (¬1) وأما «ويها»: فمعناه: اغر، والغراء: هو اللصوق بالشيء، يقال: غري يغرى غراء - بالمد - ومدّه شاذ (¬2)، والإغراء: هو التسليط وهو راجع لمعنى الإلصاق، فإذا قال: ويها فكأنه قال له: تسلط (¬3)، وفي الفصيح (¬4): «ويها: إذا زجرته عن الشيء أو أغريته به» ولكن في بعض نسخه: «وويها إذا حثثته على الشيء وأغريته به»، وصوب الناس هذا الكلام وصححوه - أعني ما في هذه النسخة من قوله: «إذا حثثته»، ومن ثمّ قال ابن درستويه في ويها: «إنما هي حضّ لا غير ولا يكون زجرا» (¬5). وأما «آمين»: فمعناها: استجب، وفيها لغتان: المدّ والقصر، قال الشاعر (¬6): 3612 - يا ربّ لا تسلبنّي حبّها أبدا ... ويرحم الله عبدا قال آمينا (¬7) وقال الآخر: - ¬

_ (¬1) هذا شطر بيت من البسيط لقائل مجهول ومعناه: زد في حديثك عن أخبار من أحبهم، واستشهد به: على مجيء «إيه» متعدية إلى المفعول بدون واسطة مع أنه لازم فإن معناه كما ذكر ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 118): «امض في حديثك» وانظر هذا الشطر المستشهد به في خزانة البغدادي (3/ 19). (¬2) انظر التذييل (6/ 188) وفي اللسان (غرا): «الغراء: الذي يلصق به الشيء يكون من السمك إذا فتحت الغين قصرت وإن كسرت مددت». (¬3) انظر التذييل (6/ 188) وقد نقل المؤلف كلام الشيخ أبي حيان دون أن يشير، وانظر اللسان مادة (غرا) وفيه: «والإغراء: الإيساد، وقد أغرى الكلب بالصيد وهو منه لأنه إلزاق». (¬4) هو لأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. وانظر الفصيح (ص 39) وعبارته: «وويها إذا حثثته على الشيء وأغريته به». (¬5) أشار إلى هذا الكلام محمد بدوي سالم المختون في رسالته: «ابن درستويه اللغوي» (ص 312) وقال: «إن ذلك في شرح الفصيح لابن درستويه ولا يوجد من هذا الكتاب إلا نسخة واحدة بالمدينة المنورة تحت رقم (78) لغة، بمكتبة شيخ الإسلام وكلامه بها (ص 195). (¬6) هو عمر بن أبي ربيعة كما في اللسان (أمن) وليس في ديوانه ولا ملحقاته ووجد في ديوان المجنون (ص 283). (¬7) هذا البيت من البسيط ومعناه واضح. واستشهد به على مد «آمين» وانظر البيت في أمالي الشجري (1/ 259، 375)، وابن يعيش (4/ 34) والتذييل (6/ 189).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3613 - تباعد منّي فطحل أن سألته ... أمين فزاد الله ما بيننا بعدا (¬1) وأما «بسّ»: فمعناها: ارفق، قال في الصحاح (¬2): «البسّ: السّوق اللّيّن»، ولا شك أن اللين فيه رفق، فمن ثم قال المصنف: ولا رفق بسّ. لكن في الصحاح أيضا: «والإبساس عند الحلب: أن يقال للناقة: بس بس، وهو صوت للراعي تسكن فيه الناقة عند الحلب» (¬3) وهذا الكلام بظاهره يعطي أن هذه الكلمة اسم صوت. وأما «قرقار»: فمعناه: قرقر (¬4) قال في الصحاح (¬5): «يقال: قرقر البعير إذا صفا صوته ورجّع، وبعير قرقار الهدير إذا كان صافي الصّوت في هديره، وقرقرى على فعللى موضع، وقولهم: قرقار بني على الكسر وهو معدول، ولم يسمع العدل من الرباعي إلا في عرعار وقرقار. قال الراجز: 3614 - قالت له ريح الصّبا قرقار ... واختلط المعروف بالإنكار (¬6) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو لقائل مجهول. الشرح: فطحل: بضم الفاء والحاء أو فتحها بينهما طاء ساكنة وهو اسم رجل. والمعنى: أن هذا الرجل حينما وقع نظري عليه تباعد عني ونأى بجانبه؛ فأنا أدعو الله أن يستجيب لي دعائي بأن يزيد البعد بيني وبينه. واستشهد به: على مجيء «أمين» مقصورا أي بهمزة واحدة ليس بعدها ألف - والبيت في فصيح ثعلب (ص 86) وانظر ابن يعيش (4/ 34). (¬2) انظر الصحاح (3/ 908) (بسس) وفي اللسان (بسس). «والبسّ السير الرقيق، بسست أبسّ بسّا وبسست الإبل أبسّها - بالضم - بسّا: إذا سقتها سوقا لطيفا». (¬3) انظر الصحاح (3/ 908) (بسس) وعبارته «... وهو صويت للرّاعي يسكن به الناقة عند الحلب». (¬4) في اللسان (قرر): «وقرقر البعير قرقرة: هدر وذلك إذا هول صوته ورجّع» والكلمة بهذا المعنى اسم صوت وليست اسم فعل على ما هو ظاهر. (¬5) انظر الصحاح (2/ 790) (قرر). (¬6) هذا البيت من الرجز قائله أبو النجم وقبله: حتّى إذا كان على مطار ... يمناه واليسرى على الثّرثار الشرح: الصّبا: ريح مهبّها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار، ومطار والثرثار: موضعان، والمعنى: يقول: حتى إذا صار يمنى السحاب على مطار ويسراه على الثرثار قالت له ريح الصبا: صبت ما عندك من الماء مقترنا بصوت الرعد وهو قرقرته وهو يصف سحابا ضربته ريح الصبا فدرّ لها فكأنها قالت له - وإن كانت لا تقول - وقوله: واختلط المعروف بالإنكار: أي اختلط ما عرف من الدار بما أنكر أي جلل الأرض كلها المطر فلم يعرف منها المكان المعروف من غيره. واستشهد به: على أن قرقار اسم فعل من الرباعي على طريق الشذوذ وانظر الرجز في الكتاب (3/ 276)، وابن يعيش (4/ 51). والخزانة (3/ 58) والأشموني (3/ 160).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: قالت له: قرقر بالرعد كأنه يأمر السحاب بذلك». قال الشيخ (¬1): «ما ذكره المصنف من أن «قرقار» اسم فعل هو مذهب سيبويه (¬2)، وكذلك قال في «عرعار» (¬3)، وزعم المبرد أن سيبويه غلط في هذا وأن «قرقار» و «عرعار» حكاية للصوت (¬4)، وحكى مثله عن المازني وأبي عمرو، قال (¬5): والأظهر ما ذهب إليه سيبويه، ومما يقوي ذلك وجود مثل «قرقار» - اسم فعل - في غير الأمر. حكى ابن كيسان أنه يقال: همهام، وحمحام، ومحماح وبحباح أي: لم يبق شيء (¬6)، وأنشد: 3615 - ما كان إلّا كاصطفاق الأقدام ... حتّى أتيناهم فقالوا: همهام (¬7) وليعلم أن المصنف أهمل ذكر صيغة من الصيغ الدالة على معنى الأمر وهي صيغة «فعال» كـ «نزال» و «تراك» و «مناع» فإن هذه الثلاثة معناها: انزل [5/ 33] واترك، وامنع. ولا شك أن أسماء الأفعال مبنية، وهي في الأصل مبنية على السكون (¬8) إلا أنها حركت لالتقاء الساكنين، قال ابن عصفور (¬9): «أو مناسبة للمعنى، لأن أسماء - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 191). (¬2) انظر الكتاب (3/ 276). (¬3) الكتاب (3/ 276) وقال سيبويه: «وهي لعبة وإنما هي من عرعرت» وفي اللسان (عرر). «وعرعار: لعبة للصبيان، صبيان الأعراب، بني على الكسرة وهو معدول من عرعرة مثل قرقار من قرقرة» ومثال «عرعار» قول النابغة: يدعو بها ولدانهم عرعار. انظر التذييل (6/ 190) وديوان النابغة (ص 56) (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم). (¬4) في (أ) «الصوت» وانظر رأي المبرد في «عرعار» و «قرقار»، شرح السيرافي (خ) (2/ 375)، والخزانة (3/ 58) وشرح الكافية للرضي (2/ 76). والارتشاف (3/ 198) بتحقيق د/ النماس). (¬5) أي أبو حيان، وهو رأي السيرافي انظر شرح السيرافي وهامش الكتاب (بولاق) (2/ 40) وشرح الكافية (2/ 76)، والارتشاف. (¬6) انظر خزانة البغدادي (3/ 58) واللسان (همم) و (حمم) و (محح) و (بحح). (¬7) هذا رجز ولم أهتد إلى قائله وقبله: أولمت يا خنّوت شرّ إيلام ... في يوم نحس ذي عجاج مظلام واستشهد به على أن «همهام» اسم فعل معناه: لم يبق شيء. وانظر الرجز في الخصائص (3/ 44) وخزانة البغدادي (3/ 58) عرضا واللسان (همم). (¬8) هو بذلك يقصد أسماء الأفعال التي على وزن «فعال» لأن مثل تراك ونزال نائبة عن فعل الأمر اترك وانزل ولا يخفى أنه مبني على السكون فكذلك ما ناب عنه، وبدليل ما ذكره بعد عن ابن عصفور. (¬9) لعل ذلك في أحد كتبه المفقودة لأنني لم أعثر عليه في كتبه التي بين أيدينا.

[أسماء الفعل الماضي والمضارع ومعانيها]

[أسماء الفعل الماضي والمضارع ومعانيها] قال ابن مالك: (ولبعد «هيهات» ولسرع «سرعان» و «وشكان» مثلّثين، ولافترق «شتّان» ولأبطأ «بطآن» ولأعجب «واها» و «وي» ولأتوجّع «أوّه»، ولأتضجّر «أفّ» ما لم تؤنّث بالتّاء فتنتصب مصدرا، وقد ترفع، ولأتكرّه «أخّ» و «كخّ» ولأجيب «هاء» ولأكتفي «بجل» و «قطّ» وقد في أحد الوجهين). ـــــــــــــــــــــــــــــ الأفعال التي على وزن «فعال» مؤنثة والكسر من علامات التأنيث (¬1)، والدليل على أن «فعال» مؤنثة قول القائل: 3616 - ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ... دعيت نزال ولجّ في الذّعر (¬2) قال: وحكى الكسائي عن بني أسد: تراك ومناع - بالفتح فيهما - وفي أمثالهما (¬3) إتباعا للفتحة والألف وطلبا للتخفيف» انتهى. وما ذكره من أن: ما كان من أسماء الأفعال على وزن «فعال» محكوم بتأنيثه كأنه مجمع عليه من النحاة وهو أمر يؤخذ تقليدا. قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على ما هو موضوع من هذه الأسماء المذكورة في هذا الباب للطلب الذي هو الأمر، شرع في ذكر ما هو موضوع منها للخبر فذكر خمس عشرة كلمة، منها ما هو للمضي، ومنها ما هو لغير المضي. فالذي للمضي خمس: وهي: «هيهات» و «سرعان» و «وشكان» و «شتان» و «بطآن». أما «هيهات»: فهي اسم فعل لـ «بعد» قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) لعله يقصد أن الكسر من علامات المؤنث الذي على وزن فعال على الإطلاق أي سواء أكان اسم فعل أم غير ذلك مثل: حذام وقطام ولكاع وخباث وغدار وفجار وفساق. (¬2) سبق شرحه والكلام عليه. واستشهد به هنا: على أن «نزال» - بزنة فعال - مؤنثة بدليل تأنيث الفعل «دعيت». (¬3) قال صاحب اللسان (منع): «قال اللحياني: وزعم الكسائي أن بني أسد يفتحون مناعها، ودراكها وما كان من هذا الجنس، والكسر أعرف».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3617 - فهيهات هيهات العقيق وأهله ... وهيهات خلّ بالعقيق نواصله (¬1) وفي تائها الفتح وهو لغة الحجاز (¬2)، والكسر وهو لغة تميم وأسد، والضم وهو لغة لبعضهم (¬3) وقرئ بهن (¬4)، ولكن قراءة الجمهور بالفتح (¬5). وذكر ابن عصفور (¬6) أن فيها سبع عشرة لغة (¬7): هيهات وهيهاتا - بالفتح منونا وغير منون - ومنه قوله: 3618 - أتذكر أيّاما مضين من الصّبا ... وهيهات هيهاتا إليك رجوعها (¬8) و «هيهات» و «هيهات» - بالكسر منونا وغير منون - قرأ (¬9) أبو جعفر: (هيهات هيهات لما توعدون) بالكسر دون تنوين، وقرأ (¬10) عيسى بن عمر (هيهات هيهات) بالتنوين، و (هيهات هيهات) بالضم منونا وغير منون، وقرأ (¬11) - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والكلام عنه، واستشهد به هنا على أن «هيهات» اسم لبعد. (¬2) انظر المفصل (ص 160) وابن يعيش (4/ 65، 66) والتذييل (6/ 191) وشرح الألفية لعبد العزيز الموصلي (ص 680). (¬3) انظر المفصل (ص 160) والتذييل (6/ 191) وشرح ألفية ابن معط لعبد العزيز الموصلي (ص 680)، وقد علل الرضي لغة الضم بقوله «وأما الضم فللتنبيه بقوة الحركة على قوة معنى البعد فيه، إذ معناه: ما أبعده» شرح الكافية (2/ 73، 74). (¬4) أي باللغات الثلاث في قوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ [المؤمنون: 36]. (¬5) انظر التذييل (6/ 191) وهي لغة أهل الحجاز. (¬6) انظر الحديث عن هيهات وكلام ابن عصفور مفصلا ومحققا في شرح المقرب (المنصوبات قسم أول ص 296) وما بعدها. (¬7) قد ذكر الشيخ أبو حيان أن الصاغاني اللغوي ذكر في هيهات ستة وثلاثين وجها. انظر التذييل (6/ 193) وانظر الهمع (2/ 105، 106). (¬8) هذا البيت من الطويل ومعناه واضح. وهو للأحوص. واستشهد به على أن «هيهات» يأتي منونا وغير منون والبيت في المفصل (ص 160) ابن يعيش (4/ 65، 66). (¬9) انظر إتحاف فضلاء البشر (ص 318) ومختصر شواذ القرآن (ص 97) والبحر المحيط (6/ 405) والنشر (2/ 328). (¬10) انظر الإتحاف (ص 318) ومختصر شواذ القرآن (ص 97) والبحر المحيط (6/ 405) والبيان (2/ 184) والنشر (2/ 328) والتبيان (ص 954). (¬11) انظر المحتسب (2/ 90) والبيان (2/ 184) والتبيان (ص 954) والتذييل (6/ 192) والبحر المحيط (6/ 405).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو حيوة (¬1) (هيهات هيهات لما توعدون) بالضم والتنوين، فأما قراءة عيسى الهمداني (¬2): (هيهات هيهات) بسكون التاء فعلى نية الوقف. و «أيهات» و «أيهاتا» بالفتح منونا وغير منون. و «أيهات» و «أيهات» بالكسر منونا وغير منون. و «أيهاك» والكاف للخطاب. و «إيها» و «أيها» بكسر الهمزة وفتحها. و «هيها» بحذف التاء. و «هيهن» بفتح النون، و «أيهان» و «أيهان» بكسر النون وفتحها (¬3). ثم إنه (¬4) أطال الكلام في هذه الكلمة أعني «هيهات» وقال: «إن الألف فيها منقلبة عن «ياء» أصلية (¬5) كما أن الألف في «حاحيت» منقلبة عن «ياء» أصلية، والأصل: حيحيت، وقلبت في الموضعين كراهية اجتماع الأمثال، قال: ولا يجوز أن يجعل الألف في «هيهات» زائدة فتكون من لفظ «هيه» ومعناه من حيث كانت بمعنى «بعد»، و «هيه» زجر وإبعاد؛ لأن قوله (¬6): 3619 - هيهات من منخرق هيهاؤه (¬7) - ¬

_ (¬1) أبو حيوة: هو: شريح بن يزيد أبو حيوة الخضرمي الحمصي، صاحب القراءة الشاذة مقرئ الشام، له اختيار في القراءة، وروى القراءة عن أبي البرهم والكسائي، توفي سنة (203 هـ) وطبقات القراء (1/ 325). (¬2) هو عيسى بن عمر الهمداني، أبو عمر، الكوفي القارئ الأعمى، مقرئ الكوفة بعد حمزة، عرض على عاصم وابن مصرف، والأعمش وغيرهم. انظر طبقات القراء (1/ 612). (¬3) انظر المفصل (ص 161) وابن يعيش (4/ 68) والتذييل (6/ 193). (¬4) أي ابن عصفور. (¬5) قال ابن يعيش (4/ 66) وهيهات أصلها هيهيه «فقلبت ياؤه ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت هيهات». وانظر التذييل (6/ 193). (¬6) هو رؤبة كما في ابن يعيش (4/ 68) أو العجاج كما في اللسان (هيه). (¬7) هذا رجز، وشرحه كما جاء في اللسان (هيه): «قال ابن سيده: أنشده ابن جني ولم يفسره، قال: ولا أدري ما معنى: هيهاؤه، وقال غيره: معناها البعد والشيء الذي لا يرجى، وقال ابن بري: قوله: هيهاؤه يدل على أن هيهات من مضاعف الأربعة وهيهاؤه فاعل بهيهات كأنه قال: بعد بعده، ومن متعلقة بهيهات»، والرجز شاهد على أن «هيهات» من باب «حاحيت» من مضاعف الرباعي. وانظر الرجز في الخصائص (3/ 43) والبحر المحيط (6/ 05؟؟؟)، والتذييل (6/ 193) واللسان (هيا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يدل على أنها من باب «حاحيت» ألا ترى أن المعنى: بعد بعده كما قالوا: جنّ جنونه (¬1)، وك «ضلّ ضلالنا» من قول أمية: 3620 - لولا وثاق الله ضلّ ضلالنا ... ولسرّنا أنّا نتلّ فنوأد (¬2) فبنى من «هيهات» مصدرا على «فعلال» كـ «القلقال» و «الزّلزال» وأيضا فإن «الهيه» فاؤه ولامه من جنس واحد كـ «قلق» و «سلس» وهو باب قليل، وباب «حيحيت» أكثر منه. وإذا كان كذلك فحمله على الأكثر أولى، وإذا ثبت أنها من باب «حيحيت» كانت «هيه» منها كـ «سلس» من «سلسل» و «قلق» من «قلقل» و «جرج» من «جرجر» (¬3) انتهى (¬4). وأورد الشيخ ذلك في شرحه (¬5) مقررا له دون نسبة إلى أحد، ولا يظهر لي ذلك؛ فإن أسماء الأفعال مبنية والمبني ليس له اشتقاق فلا يدخله تصريف. ثم قال ابن عصفور بعد كلامه المتقدم: «ومن فتح الفاء منها كتبها بالهاء لأنها إذ ذاك واحدة كـ «أرطاة» (¬6) ومن كسرها كتبها تاء على لفظها لأنها جمع. والدليل على ذلك وقف العرب على المفتوحة بالهاء وعلى المكسورة بالتاء، قال: وأما إذا ضمّت التاء فإن أبا الفتح يرى كتبها بالهاء؛ لأن أكثر القراءة «هيهات» بالفتح والفتح يدل على الإفراد، وأجاز في الضمة أن تكون بناء والأصل السكون إلا أن التاء حركت لالتقاء الساكنين، كما حرك بعضهم نون المثنى بالضم لالتقاء الساكنين، وأجاز أيضا أن تكون الضمة إعرابا على أن تكون الكلمة بمعنى: البعد، ولم تجعل اسما للفعل فتبنى، قال: وأما أبو علي فيرى كتبها إذا ضمّت بالتاء لأنه يرى أن التاء إنما ضمت في الجمع، وسبب ذلك عنده أنه جاء في هذه اللغة على صورة الرفع، وفي لغة من كسر التاء على صورة النصب، والمبنيات إنما تجيء على - ¬

_ (¬1) انظر ابن يعيش (4/ 68) والتذييل (6/ 193). (¬2) هذا البيت من الكامل وقائله أمية بن أبي الصلت كما ذكر وقبل هذا البيت: ملك على عرش السّماء مهيمن ... تعنو لعزّته الوجوه وتسجد والبيتان في صفة الخالق، واستشهد بالبيت على أن «ضل ضلالنا» مقيس عليه بعد بعده والبيت في شعراء النصرانية في الجاهلية (235). (¬3) الجرجر: اسم نبت. انظر اللسان (جرر). (¬4) أي كلام ابن عصفور. (¬5) التذييل (6/ 193، 194). (¬6) أرطاة - وجمعها الأرطى -: وهو شجر ينبت بالرمل. انظر اللسان (أرط).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صورة الرفع في حال الجمع، ألا ترى أن «الذين» جمع وهو مبني وبعض العرب يستعمله بالواو في حال الرفع، فلذلك اعتقد في «هيهات» إذا كان مضموما أنه جمع، قال: فعلى قراءة من قرأ (هيهات هيهات لما توعدون) - بالرفع - يكون المجرور في موضع خبر «هيهات» وكذلك أيضا يكون المجرور في أحد قولي ابن جني، ويكون «هيهات» إذ ذاك مصدرا في الأصل (¬1)، ويكون السبب في بنائها في قول أبي علي - قلة تمكنها وإبهامها وأنها بمنزلة الأصوات ولا يمكن أن تكون عنده اسم فعل لأن أسماء الأفعال لا موضع لها عنده من الإعراب (¬2). قال (¬3): فإن قال قائل: إذا كانت في حال كسر التاء أو ضمها جمعا لـ «هيهات» المفتوحة التاء؛ فهلا قالوا: هيهيات فقلبوا الألف ياء كما يقال في مصطفاة: مصطفيات، وفي أرطى: أرطيات؟ فالجواب: أن هذا إنما هو حكم المعرب، وأما المبني فإنه يحذف منه الألف في الجمع بالألف والتاء كما قالوا في جمع إلى: إلات (¬4) [5/ 34]. ثم قال: وهيهات تثنية: هيها، ثم إن ابن عصفور أطال الكلام في هذه الكلمة، واعلم أني لم أتحقق ما قاله، ثم إنه حكم بالجمعية مع حكمه أن الكلمة مبنية لقوله: «وأما المبني فإنه تحذف منه الألف» ولا شك أن المبني لا يجمع، وكذا لا يثنى، وقد حكم بأن «هيهات» تثنية «هيها». وبعد فلم يتضح لي ما قاله، وأما كونه حكم بأن الكلمة قد تكون مصدرا؛ فإذا صحّ يقال له: لا مجامعة بين المصدر واسم الفعل، فتكلم على الكلمة اسم فعل ثم تكلم عليها مصدرا، كما أورد الكلام في «رويد» و «بله» ولا حاجة إلى خلط حكمها مصدرا بحكمها اسم فعل، وقد ذكر الشيخ في شرحه (¬5) غالب ما ذكره ابن عصفور دون أن ينسبه إليه، ثم قال (¬6): «والذي نختاره أن الضم في «هيهات» والكسرة ليست لأجل أنها جمع وأن «أيهان» و «هيهان» ليسا بمثنيين؛ بل يعتقد أن ذلك وغيره من الأوجه المذكورة فيها إنما هو من بلاغتهم واتساعهم في اللفظ الواحد - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 194). (¬2) انظر التذييل (6/ 194، 195). (¬3) أي: ابن عصفور. (¬4) انظر التذييل (6/ 195) وقد نقل الشيخ أبو حيان هذا الكلام دون أن ينسبه. (¬5) انظر التذييل (6/ 191 - 198). (¬6) المرجع السابق (6/ 195، 196).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما تلاعبوا في لفظ «أفّ» ولفظ «ايمن» في القسم وأنها على كل حال اسم فعل في الخبر بمعنى: بعد، قال: ولا حجة في وقفهم على «هيهات» - بالفتح (¬1) - ولا على «هيهات» - بالكسر أو الضم - بالتاء؛ لأنه لا يجوز في «مسلمة» أن تقف بالتاء وفي «مسلمات» أن تقف بالهاء وإن كان قليلا فيكون هذا قد جاء على أحد الجائزين» انتهى. والذي قاله الشيخ هو الحق ولا أدري كيف خفي هذا عن ابن عصفور؟ واعلم أن للمعربين في الآية الشريفة وهي قوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (¬2) غير القول الذي ذكره ابن عصفور قولين: أحدهما: أن الفاعل مضمر تقديره: هيهات هو أي: التصديق الذي دل عليه المعنى، وقيل: الضمير المذكور يعود على الإخراج. ثانيهما: أن اللام زائدة و «ما» فاعل (¬3). وأما «هيهات» الثانية فمقتضى كلام ابن عصفور أن يمنع كونها تأكيدا للأولى؛ لأنه قال في: 3621 - فهيهات هيهات العقيق وأهله الاختيار في «العقيق» أن يكون مرفوعا بالمتأخرة يعني على مختار البصريين (¬4). ثم قال: فإن قال قائل: كيف جعلت هذا من الإعمال مع أنه كان رفع «العقيق» بـ «هيهات» الأولى وجعل الثانية تأكيدا لها كما في نحو: قام قام زيد فإن قام الثانية تأكيد للأولى؟ فالجواب: أن ذلك عندي لا يسوغ لأن اسم الفعل إنما أتي به دون الفعل اختصارا، لأنك تقول: صه ونزال للواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث، فتكراره - ¬

_ (¬1) يبدو أن هنا سقطا وهو كلمة «بالهاء» حتى يستقيم المعنى، وقد أشار إلى ذلك محقق التذييل (6/ 196). (¬2) سورة المؤمنون: 36. (¬3) انظر التبيان (ص 954) وشرح ألفية ابن معط لعبد العزيز الموصلي (ص 1158) بتحقيق علي الشوملي، والتذييل (6/ 196). (¬4) يعني أن البصريين يختارون إعمال الثاني دون الأول في باب التنازع. قال ابن مالك في الألفية مشيرا إلى مذهب البصريين في ذلك: والثّان أولى عند أهل البصره ... واختار عكسا غيرهم ذا أسره

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للتأكيد (¬1) مناقض لما أريد به من الاختصار؛ فتأكيد الأولى إن كان الفاعل الضمير، وعلى هذا يكون في الثانية ضمير أيضا ويكون هذا التأكيد من قبيل توكيد الجملة بالجملة. انتهى (¬2). ولا يخفى ضعف هذا التعليل الذي ذكره، وبتقدير تسليم أن اسم الفعل إنما أتي به اختصارا لا يلزم أن لا يكرر توكيدا، ولو كان ذلك لازما لا متنع توكيد الحرف؛ لأن الحرف إنما عدل إليه قصدا للاختصار أيضا، فالحق أن «هيهات» الثانية في البيت لا يمتنع كونها تأكيدا للأولى، وكذا يكون الحكم في التي كررت في الآية الشريفة أيضا إذ لا مانع من ذلك (¬3). وأما قول ثعلب: إن هيهات هيهات مثل: هو جاري بيت بيت (¬4) - يعني أن الكلمتين ركبتا وصار حكمهما حكم الكلمة الواحدة - فقد استبعده ابن عصفور، ولا شك أن مثل هذا لا ينبغي التشاغل به. وأما «سرعان» و «وشكان»: فإنهما اسمان لسرع والسين تضم وتفتح وتكسر مع سكون الراء (¬5)، وكذا الواو من «وشكان» يجوز فيها الثلاث مع سكون الشين، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: مثلّثين. وقد ذكر ابن عصفور الأوجه الثلاثة في «سرعان» مسندا ذلك إلى الجوهري، قال (¬6): وتستعمل خبرا محضا، وخبرا فيه معنى التعجب، حكى الجوهري (¬7) من كلامهم: لسرعان ما صنعت كذا: أي ما أسرع ما صنعت كذا، وقالوا: سرعان - ¬

_ (¬1) في النسختين: فتأكيد للأولى، ويبدو أن هنا سقطا، وأغلب الظن أنه يريد: وأما هيهات الثانية فتأكيد للأولى ... أو يكون المقصود: فتأكيد الأولى ... إلخ. (¬2) أي كلام ابن عصفور ولم أعثر عليه فيما بين يدي من كتب له. وإنما هو في شرح المقرب للدكتور علي محمد فاخر (المنصوبات، قسم أول ص 296 وما بعدها). (¬3) ما رآه المؤلف في هذا الموضع هو الصواب وهو الحق كما ذكر لأن التنازع لا يقع في مثل هذا لأن شرط وقوعه كون المعمول مطلوبا لكل من العاملين من حيث المعنى، والطالب للمعمول في البيت وهو العقيق إنما هو هيهات الأول وأما الثاني فلم يؤت به للإسناد إلى العقيق بل لمجرد التقوية والتوكيد لهيهات الأول فلا فاعل له أصلا. انظر شرح التصريح (1/ 318، 2/ 199). (¬4) انظر ابن يعيش (4/ 67) والتذييل (6/ 197). (¬5) انظر التذييل (6/ 199)، واللسان (وشك). (¬6) أي ابن عصفور، وكلامه في شرح المقرب للدكتور: علي محمد فاخر (المنصوبات - قسم أول ص 298). (¬7) انظر الصحاح (3/ 228) (سرع).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذي إهالة (¬1) وهو مثل، وذلك أن بعض حمقاء العرب يقال: إنه اشترى شاة فسال لغامها (¬2) هزالا فتوهّمه شحما مذابا فقال لبعض أهله: خذ من شاتنا إهالتها فنظر إلى مخاطها فقال: سرعان ذي إهالة أي: سرعت ذي إهالة فـ «ذي» فاعل سرعان و «إهالة» منصوب على التمييز، وهو محول من الفاعل، التقدير: سرعان إهالة ذي. وأما «وشكان» فإنما هو اسم لـ «وشك» ومعنى وشك: سرع، يقال: وشك يوشك وشكا: سرع، قالوا: وتستعمل «وشكان» موضع المصدر فيقال: عجبت من وشكان ذلك الأمر أي من سرعته، ذكر الشيخ ذلك في شرحه (¬3) وفي الارتشاف (¬4) أيضا. وأما «شتّان»: فهو اسم لـ «افترق» (¬5) وقال ابن عصفور: إنه اسم لـ «بعد» وهو بعيد. فإنه لو كان كذلك لكان مرادفا لـ «هيهات» فكان يذكر معها (¬6)، قال ابن عصفور: وهو ساكن في الأصل إلا أنه حرك لالتقاء الساكنين وكانت الحركة فتحة إتباعا لما قبلها وطلبا للخفة، ولأنه واقع موقع الماضي والماضي مبني على الفتح فجعلت حركته (¬7) كحركته، قال: وزعم الزجاج أنه مصدر واقع موقع الفعل جاء على «فعلان» فخالف أخواته فبني لذلك (¬8)، قال: فإن قيل لنا: فعلان في المصادر، قالوا: لوى يلوي ليّانا (¬9) وشنئته شنآنا، وأنت لو وضعت ليّانا وشنآنا موضع الفعل لبقيا على إعرابهما - ¬

_ (¬1) هذا مثل كما ذكر المؤلف، ويضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته، انظر مجمع الأمثال (2/ 111) ورواية المثل فيه: سرعان ذا إهالة وكذا في اللسان (سرع) وقد أورده ابن منظور مشروحا كما ذكره المؤلف. وانظر ابن يعيش (4/ 38) وانظر المثل على رواية المؤلف في الإيضاح للفارسي (ص 165) والمرتجل (ص 258). (¬2) لغام الدّابة: لعابها وزبدها الذي يخرج من فيها معه. انظر اللسان (لغم). (¬3) التذييل (6/ 199). (¬4) الارتشاف (3/ 208). (¬5) انظر اللسان (شتت). (¬6) فيما ذكره المؤلف نظر؛ لأن عدم ذكر شتان مع هيهات ليس معناه أن شتان لا تكون بمعنى بعد. وقد ذكر النحاة واللغويون أن معنى «شتان» بعد، قال أبو حيان في التذييل (6/ 200) «وأما شتان فاسم لتباعد» وقال ابن يعيش (4/ 36): «ومما سمي به الفعل في حال الخبر، شتان ومسماه افترق وتباعد». و «شتان» ناب عن تفرق وتباعد وهو من الأفعال التي تقتضي فاعلين لأن التفرق لا يحصل من واحد والقياس لا يأباه من جهة المعنى؛ لأنه إذا تباعد ما بينهما فقد تباعد كل واحد منهما من الآخر، راجع ابن يعيش (4/ 38). وأما «هيهات» فإنه ناب عن «بعد» وهو يقتضي فعلا واحدا لا فعلين. والخلاصة: أنه لا مانع من كون «شتان» بمعنى: بعد، مع ملاحظة الفرق الذي ذكرته بين «بعد» هذه وبين «بعد» الذي ناب عنه «هيهات». (¬7) انظر ابن يعيش (4/ 36) والتذييل (6/ 200). (¬8) انظر ابن يعيش (4/ 36) والتذييل (6/ 200). (¬9) لواه دينه وبدينه ليّا وليّانا: مطله. انظر اللسان (لوى).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يبنيا!! فالجواب: أنهما مصدران قد استعملا بعد فعلهما وتمكّنا؛ فإذا وقعا موقع فعلهما بقيا على إعرابهما وليس كذلك «شتان»، لأنك لا تقول: شتّ يشتّ شتّانا، وإنما استعمل في أول أحواله موضوعا موضع الفعل المبني فبني لذلك. انتهى. وأقول: مقتضى هذا الجواب أن تبنى المصادر الملتزم إضمار ناصبها كـ «سبحان الله» و «معاذ الله» (¬1). ثم قال ابن عصفور: «والأولى عندي أن يكون اسم فعل غير مصدر؛ لأن هذا البناء في المصادر ولم يجئ منه إلا «ليّان» و «شنآن» [5/ 35] وأسماء الأفعال أوسع في كلام العرب، وأكثر مما جاء من المصادر على فعلان» (¬2)، ثم قال: «وزعم الأصمعي (¬3) أن العرب لا تقول: شتان ما بين زيد وعمرو وإنما تقول: شتان زيد وعمرو، وشتان ما زيد وعمرو، قال الشاعر (¬4): 3622 - شتّان هذا والعناق والنّوم ... والمشرب البارد في ظلّ الدّوم (¬5) - ¬

_ (¬1) يشتمّ من كلام المؤلف هذا رائحة الاعتراض على كلام ابن عصفور السابق الذي تضمن تساؤلا أجاب عنه ابن عصفور بنفسه. وملخص هذه القضية التي أثارها ابن عصفور أن صيغة «فعلان» لا تكون إلا في المصادر فلم بني «شتان» ولم يبن «ليّان» و «شنآن» لو وضعا موضع فعلهما؟ فأجاب بأن «ليان وشنآن» قد استعملا بعد فعلهما وتمكنا فإذا وقعا موقع فعلهما بقيا على إعرابهما وليس كذلك «شتان» لأنه إنما استعمل في أول أحواله موضوعا موضع الفعل المبني فبني لذلك، وقد اعترض المؤلف على هذا الجواب قائلا: إن مقتضاه أن تبنى المصادر الملتزم إضمار ناصبها كـ «سبحان الله» و «معاذ الله». وأقول: إن هذا الاعتراض ليس في محله لأن «شتان» كما ذكر ابن عصفور استعمل في أول أحواله موضوعا موضع الفعل المبني فإنه لا يقال: شت يشت شتانا وهذا حق، وأما «سبحان الله ومعاذ الله» فمع أنهما استعملا في أول أحوالهما كذلك إلا أن لهما فعلا التزم إضماره، ولذلك يذكر عند التفسير فيقال: سبح تسبيحا وسبحانا (اللسان: سبح)، وأعوذ بالله معاذا (اللسان: عوذ) كما أن «شتان» ليس بمصدر التزم إضمار ناصبه وإنما هو واقع موقع فعل مبني فلا بد أن يأخذ حكمه. (¬2) انظر التذييل (6/ 200) وقد نقل أبو حيان كلام ابن عصفور دون أن يشير. (¬3) انظر إصلاح المنطق (ص 281، 282)، وابن يعيش (4/ 38) واللسان (شتت). (¬4) هو لقيط بن زرارة بن عدس أخي حاجب بن زرارة صاحب القوس التي يضرب بها المثل، وقد نسبه الزمخشري في أساس البلاغة (دوم) (1/ 288) لحاجب بن زرارة. (¬5) هذا البيت من الرجز وقبله: يا قوم قد حرقتموني باللوم ... ولم أقاتل عامرا قبل اليوم الشرح: العناق: المعانقة، والدوم: شجر معروف، والمعنى: افترق ما أنا فيه من حرقة استماع اللوم والمعانقة والنوم والماء العذب في ظل هذا الشجر أو في الظل الدائم. قيل: وأنشده المبرد: «والمشرب الدائم في الظل الدوم»، أي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الأعشى: 3623 - شتّان ما يومي على كورها ... ويوم حيّان أخي جابر (¬1) وكان يرد قول ربيعة الرّقّي (¬2): 3624 - لشتّان ما بين اليزدين في النّدى ... يزيد سليم والأغرّ ابن حاتم (¬3) - ¬

_ - الدائم، إقامة المصدر مقام الوصف، وصحة رواية المبرد كما في المقتضب «والمشرب البارد والظل الدوم». والشاهد فيه: في «شتان» حيث استعمله بدون زيادة لفظ (بين) والبيت في ابن يعيش (4/ 37) والمفصل (ص 162)، وقد ذكره الزمخشري في أساس البلاغة (دوم) (1/ 288) والشطر الأول في المرتجل (ص 257) وأنشده ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 403) كالرواية التي بين أيدينا، وكذلك البغدادي في الخزانة (3/ 49، 57) والبيت في اللسان (دوم) وروايته كرواية المقتضب والمخصص وقال: «ويروى: في الظل الدوم». (¬1) هذا البيت من السريع وقائله الأعشى وهو في ديوانه (ص 108) والبيت من قصيدة طويلة يهجو بها علقمة بن علاثة ويمدح عامر بن الطفيل وأولها: شاقتك من قتلة أطلالها ... بالشط فالوتر إلى حاجر الشرح: شتان: بمعنى بعد، والكور: الرحل. وحيان وجابر: ابنا عميرة من بني حنيفة، وكان «حيان» نديما للأعشى، ويروى أن «حيان» كان أفضل من جابر فلما بلغ (حيان) هذا البيت غضب وقال: عرفتني بأخي وجعلته أشهر مني فقال له الأعشى: إنما اضطرتني القافية إلى ذلك فلم يقبل عذره وترك منادمته، ومعنى البيت: أن يومي على كور هذه الناقة ويومي مع حيان بعيدان لا يتقاربان؛ لأن أحدهما يوم سفر ونصب والثاني يوم لهو ولعب وفي نسخة (جـ)، (أ): «على» مكان أخي، وهو تصحيف. والشاهد فيه: في «شتان» حيث استعمله بدون لفظ «بين» والبيت في ابن يعيش (4/ 37) والمقرب (1/ 133) وشرح شذور الذهب (ص 403) واللباب في علل البناء والإعراب للعكبري (2/ 383). (¬2) هو ربيعة بن ثابت بن لجأ بن العيذار الأسدي أبو ثابت أو أبو شبانة الرقي، شاعر غزل مقدم، كان ضريرا، يلقب بالغاوي، مولده ومنشؤه في الرقة (على الفرات من بلاد الجزيرة) وإليها نسبته. انظر الأعلام (3/ 16) وخزانة البغدادي (3/ 55). (¬3) هذا البيت من الطويل قاله ربيعة الرقي في قصيدة يمدح بها يزيد بن حاتم لما عزل عن مصر وولى يزيد ابن أسيد السلمي مكانه ومطلعها. بكى أهل مصر بالدموع السواجم ... غداة غدا منها الأغر ابن حاتم الشرح: الندى: الكرم والجود وألفه أصلها الواو. والأغر: من الغرة وهو بياض فوق الدرهم يكون في جبهة الفرس استعير للظهور والشهرة. والشاهد فيه: زيادة لفظ «ما» بعد شتان وقد أباه الأصمعي وطعن في فصاحة قائله وقبله غيره من أهل اللغة، وقد رد ابن برّي على الأصمعي وقال: إن قوله ليس بشيء. واستشهد بأبيات لفصحاء العرب تأكيدا لرده تشهد بصحة وقوع «ما» بعد شتان. انظر اللسان (شتت). والبيت في الأغاني (4/ 38) والعقد الفريد (1/ 197، 213) وإصلاح المنطق (ص 281) والمسائل العسكرية للفارسي -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويقول: إنه ليس بحجة (¬1)، قال: وكان الذي حمله على ذلك أن «شتان» بمعنى: تباعد وتباعد عنده كتقاطع؛ يحتاج إلى فاعلين (¬2)، والذي يجيزه يجعله بمنزلة «بعد»، فكما يجوز بعد ما بين زيد وعمرو كذلك يجوز: شتان ما بين زيد وعمرو». انتهى. وفي شرح الشيخ (¬3): «ذهب الأصمعي إلى أن شتان مثنى وهو بمنزلة سيّان زيد وعمرو يعني في كونه يقتضي خبرا مثنى أو بالعطف نحو: شتان الزيدان أو شتان زيد وعمرو، فـ «شتان» خبر مقدم وما بعده مبتدأ، ولا يكون بعده مفرد لئلا يخبر بمثنى عن مفرد، قال الشاعر: 3625 - شتّان هذا والعناق ... ... ... البيت وقد تزاد بينهما «ما» قال الشاعر: 3626 - شتّان ما يومي على .... ... ... البيت ولا يجوز عنده: شتان ما بين زيد وعمرو (¬4) وذكر رد الأصمعي قول ربيعة الرقي: 3627 - لشتّان ما بين اليزيدين ... ... البيت لأن ربيعة مولد (¬5)، وقد رد على الأصمعي بأن «شتان» لو كان مثنى ما فتحت نونه، وبأنه لو كان ما بعده مبتدأ لجاز فيه التقديم فكنت تقول: زيد وعمرو شتان، والعرب لم تقل هذا» (¬6) انتهى. والحق أن «شتان» اسم فعل لا يتجاوز ذلك وأنه اسم فعل لـ «افترق» كما قال المصنف. وأما «بطآن»: فقد قال المصنف: إنه اسم لـ «أبطأ»، لكن قال في الصحاح: - ¬

_ - (ص 119) وابن يعيش (4/ 37، 68) والمفصل (ص 163) وشرح شذور الذهب (ص 404) والخزانة (3/ 45) وانظر شرح البيت في المفضل في شرح أبيات المفصل بهامش المفصل (ص 163، 164). (¬1) انظر إصلاح المنطق (ص 282) واللسان (شتت) وابن يعيش (4/ 69). (¬2) انظر ابن يعيش (4/ 38). (¬3) التذييل (6/ 200، 201) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬4) انظر إصلاح المنطق (ص 281) وابن يعيش (4/ 38) واللسان (شتت) وشرح شذور الذهب (ص 404). (¬5) انظر إصلاح المنطق (ص 282) واللسان (شتت) وابن يعيش (4/ 69). (¬6) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «البطء نقيض السّرعة تقول فيه: بطؤ مجيئك فأنت بطيء ولا تقل: أبطأت، وقد استبطأتك، ويقال: ما أبطأ بك وما بطّأ بك بمعنى، وتباطأ الرّجل في مسيره، وبطآن ذا خروجا أي بطؤ ذا خروجا، فجعلت الفتحة التي في بطؤ على نون بطآن، حين أدت عنه ليكون علما لها، ونقلت ضمة الطاء إلى الباء، وإنما صح فيه النقل لأن معناه التعجب أي: ما أبطأه، أبو زيد: أبطأ القوم إذا كانت دوابّهم بطاء» (¬1). هذا كله كلام الجوهري رحمه الله تعالى. وأما الذي لغير المضي مما هو موضوع للخبر أيضا فعشر كلمات وهي: «واها» و «وي» و «أوّه» و «أفّ» و «أخّ» و «كخّ» و «هاء» و «بجل» و «قطّ» و «قد». أمّا «واها» و «وي»: فمعناهما واحد، وهما اسمان لـ «أعجب» قال الشاعر: 3628 - واها لسلمى ثمّ واها واها ... هي المنى لو أنّنا نلناها (¬2) وقال الآخر: 3629 - وي كأنّ من يكن له نشب يح ... بب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر الصحاح (1/ 36) (بطأ). (¬2) هذا الرجز ذكره العيني في شرح شواهد شروح الألفية (1/ 133) وذكر بعده: يا ليت عيناها لنا وفاها ... بثمن نرضي به أباها وذكره في (4/ 311) هكذا: واها لسلمى ثم واها واها ... يا ليت عيناها لنا وفاها بثمن نرضي به أباها وذكره صاحب اللسان (ويه) كما ذكره العيني في (4/ 311) أيضا وروى بعده: فاضت دموع العين من جراها ... هي المنى لو أننا نلناها الشرح: واها: كلمة يقولها المتعجب، سلمى: اسم المحبوبة ويروى «لريا» ويروى لليلى. والشاهد فيه: قوله «واها» حيث جاء اسم فعل بمعنى «أعجب» وانظر الرجز في إصلاح المنطق (ص 291، 292) برواية «واها لريا» ومجالس ثعلب (ص 228). وهي نفس رواية اللسان (ويه) والمستقصي (1/ 424) والعيني (1/ 133)، والأشموني (3/ 198). (¬3) سبق في هذا التحقيق. والشاهد فيه هنا: مجيء «وي» اسم فعل مضارع بمعنى «أعجب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا قيل: ويك فـ «الكاف» للخطاب (¬1)، قال الشيخ (¬2): «وذهب الكسائي (¬3) إلى أن ويك محذوفة من ويلك فالكاف على هذا مجرورة بالإضافة، قال الشاعر: 3630 - ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قول الفوارس: ويك عنتر قدّم (¬4) يريد: ويلك، وأما قوله تعالى: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ (¬5) فقال أبو الحسن (¬6): هو ويك كأنه قال: أعجب لأن الله يبسط الرزق، وذهب الخليل وسيبويه (¬7) إلى أنه: وي، ثم قال (¬8): كأن الله يبسط الرزق» انتهى. - ¬

_ (¬1) انظر أمالي ابن الشجري (2/ 6) وانظر التذييل (6/ 204) واللسان (وا). (¬2) انظر التذييل (1/ 204، 205). (¬3) انظر ابن يعيش (4/ 78) وانظر شرح التصريح (2/ 197) وقد نسب الأشموني (3/ 198، 199) هذا الرأي لعمرو بن العلاء، وفي اللسان (وا): «قال الكسائي: هو ويك أدخل عليه أنّ ومعناه: ألم تر؟»، وقال الفراء في معاني القرآن (2/ 312): «وقد يذهب بعض النحويين إلى أنهما كلمتان يريد ويك أنه، أراد: ويلك، فحذف اللام وجعل أنّ مفتوحة بفعل مضمر كأنه قال: ويلك اعلم أنه وراء البيت فأضمر اعلم» وربما أراد صاحب اللسان هذا المعنى الذي ذكره الفراء، وانظر اللسان (ويا) والخصائص (3/ 40) وذهب ابن الشجري في أماليه (2/ 6) إلى أن مذهب الكسائي هو مذهب الخليل وسيبويه، وقال: إن جميع المذاهب تخرج على أن معنى ويكأن: ألم تر، وهو ما ذكره المفسرون. (¬4) هذا البيت من الكامل وهو من معلقة عنترة العبسي المشهورة، (ديوانه: ص 30). الشرح: قول الفوارس: يروى «قيل الفوارس» والأولى هي الصحيحة، وقد تنازع فيه «شفا» و «أبرأ» فأعمل الثاني وأضمر في الأول، عنتر: منادى مرخم أصله: يا عنترة، وقدم: أي: قدم الفرس، ويروى «أقدم» أي تقدم والإقدام: الشجاعة، وأما قدم يقدم بالضم فيها فهو من قدم الشيء فهو قديم. والشاهد في قوله: «ويك» حيث دخل على كلمة «وي» كاف الخطاب وقد ذكر العيني (4/ 319) أن الكسائي استشهد به على أن ويك مختصر ويلك والكاف مجرورة بالإضافة وأنه أجيب بأن وي بمعنى أعجب والكاف للخطاب، والبيت في ابن يعيش (4/ 77) والمغني (ص 369)، والخزانة (3/ 101) والعيني (4/ 318)، وشرح التصريح (2/ 197). (¬5) سورة القصص: 82. (¬6) هو أبو الحسن الأخفش الأوسط وانظر رأيه في الخصائص (3/ 41) وابن يعيش (4/ 77)، والمغني (ص 396) وشرح التصريح (2/ 197)، واللسان (ويا) وانظر أمالي الشجري (2/ 6). (¬7) انظر الكتاب (2/ 154) (هارون). (¬8) في (جـ)، (أ): ثم قال تعالى. وكلمة «تعالى» زائدة لا معنى لها هنا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ضم المصنف في شرح الكافية (¬1) إلى هاتين الكلمتين وهما: «واها» و «وي» كلمة ثالثة وهي «وا» وذكر أنها أقل استعمالا منهما، وأنشد شاهدا على ذلك: 3631 - وا بأبي أنت وفوك الأشنب ... كأنّما ذرّ عليه الزّرنب (¬2) وأما «أوّه»: فهي السم لـ «أتوجع» (¬3) وفيها لغات (¬4): «أوّه» وهي المشهورة، و «أوّه» قال الشاعر: 3632 - فأوّه لذكراها إذا ما ذكرتها ... ومن بعد أرض بيننا وسماء (¬5) و «أوّه» قال الشاعر (¬6): 3633 - أوّه من ذكرى حصينا ودونه ... نقى هائل جعد الثّرى وصفيح (¬7) حرّك الهاء بالكسر إتباعا لما اضطر والقياس السكون (¬8). - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (رسالة) (3/ 1386). (¬2) مضى شرح هذا البيت والحديث عنه في هذا التحقيق. (¬3) انظر التذييل (6/ 205) وابن يعيش (4/ 38). (¬4) ذكر هذه اللغات ابن يعيش (4/ 38، 39) وأبو حيان في التذييل (6/ 205) واللسان (أوه). (¬5) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. ومعناه: أنه يتوجع لما يصيبه من الأسى والحزن عند تذكره محبوبته ولما بينهما من بعد المسافة وطول الشقة. والشاهد فيه: مجيء «أوه» بكسر الواو مشددة وسكون الهاء، قال الفراء: «وهي لغة في بني عامر» انظر معاني القرآن (2/ 23)، وانظر الخصائص (2/ 89)، (3/ 39) والمنصف (3/ 126)، وابن يعيش (4/ 38)، والهمع (1/ 61) والدرر (1/ 38). (¬6) لم أهتد إليه وإنما قال ابن يعيش (4/ 39) «أنشدني أحمد بن يحيى قال: أنشدتني امرأة من بني قريظ ... البيت» والظاهر أنه يعني: قريظة وهي قبيلة من خيبر. (¬7) هذا البيت من الطويل، الشرح: حصين: اسم رجل، والنقى: من الرمل، القطعة تنقاد محدودبة والتثنية نقوان ونقيان والجمع: أنقاء ونقي - بضم فكسر - وجعد الثرى: تراب جعد أي: ند، والصفيح: السماء ووجه كل شيء عريض، والمعنى: أنها تتوجع مما ينتابها من ذكره مع ما بينهما من المرامي الواسعة والمسافات الطويلة. وفي البيت الخرم وهو حذف حرف من أول البيت ولو قالت: فأوّه من ذكرى حصينا ... إلخ لسلم لها البيت. والشاهد فيه: مجيء «أوّه» مشددة الواو مكسورة الهاء. انظر ابن يعيش (4/ 39)، والبيت في التذييل (6/ 205). (¬8) انظر ابن يعيش (4/ 39) والتذييل (6/ 205).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «آوّه» و «أوتاه» و «أوناه» و «أه» و «أه» و «أوّ» و «أوه» و «آووه» و «أو» و «أوّ». قال الشيخ (¬1): «وإذا صرّف الفعل منه قيل: أوّه وتأوّه آهة قال الشاعر: 3634 - إذا ما قمت أرحلها بليل ... تأوّه آهة الرّجل الحزين (¬2) انتهى. ولا شك أن «آهة» لا تلاقي «تأوّه» ولا «أوّه» أيضا، والظاهر أن «آهة» إنما تلاقي «أه» أو «أه»، والذي يظهر أن «آهة» ملاقية «أه» أو «أه» لفظا، وملاقية «تأوّه» معنى، فجاز انتصاب «آهة» بقوله «تأوّه» لملاقاتها له في المعنى كما يقال: أعطني عطاء. وأما «أفّ» فهو اسم لأتضجر (¬3)، وذكروا أن فيها تسع لغات: «أفّ»، «أفّ»، «أفّ»، «أف»، «أف»، «أف»، «أفا»، «تفّ»، «أفّي» ممالا، فالتنوين مع التنكير، وعدمه مع التعريف، والحركة في جميعها لالتقاء الساكنين، فمن كسر فعلى أصل التقائهما، ومن ضم فللإتباع، ومن فتح فللتخفيف (¬4)، وقد ذكر المصنف أنها تؤنث بالتاء فتنتصب مصدرا، وتقدم له في باب المفعول المطلق أن عامل المصدر يحذف وجوبا إذا كان بدلا من اللفظ بفعل مهمل أو مستعمل ومثّل للمهمل بقوله: أفّة، وتفّة. قال الجوهري: «يقال: أفّا له، وأفّة، وتفّة، وقد أفّف تأفيفا إذا قال: أفّ، وفيه ست لغات حكاها الأخفش: أفّ، أفّ، أف، أف، أفا، أف، ويقال: أفّا، وتفّا، وهو إتباع له، وقولهم: كان ذلك على أف ذاك وإفّانه - بكسرهما - أي - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 206). (¬2) هذا البيت من الوافر وهو للمثقب العبدي كما في اللسان (أوه) وانظر ديوانه (ص 212)، الشرح: أرحلها: من رحل البعير يرحله رحلا فهو مرحول ورحيل، وارتحله: جعل عليه الرّحل، ورحله رحلة: شد عليه أداته، واستشهد به: على أن «التّأوّه» أصل لـ «أوّه» بجميع لغاتها. والبيت في الكامل (2/ 47) والخصائص (3/ 38) وابن يعيش (4/ 39) واللسان (رحل). (¬3) انظر المفصل (ص 152) وابن يعيش (4/ 38) والتذييل (6/ 206). (¬4) انظر أمالي ابن الشجري (1/ 390) وابن يعيش (4/ 38، 70) والتذييل (6/ 206)، واللسان «أفف» وقد ذكر أن فيها عشرة أوجه ..

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حينه وأوانه، وجاء على تثفّة ذاك مثال: تعفّة ذاك وهو تفعلة» (¬1)، انتهى. وفهم من قوله: «قولهم: كان ذاك على إفّ ذاك وإفّانه أي حينه» أن «أفّك» يكون للحين وحينئذ يخرج عن الباب. وأما «أخّ» و «كخّ»: فهما اسمان لـ «أتكره» (¬2) روي أن الحسن (¬3) - رضي الله تعالى عنه - أخذ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كخّ كخّ» (¬4) حتّى ألقاها من فيه. وأما «هاء»: فهي اسم لـ «أجيب» (¬5). وأما «بجل» و «قط» و «قد»: فهي اسم لـ «أكتفي» (¬6)، وأشار المصنف بقوله: في أحد الوجهين إلى أن ثلاث الكلمات قد يستعملن على أن شيئا منها ليس اسم فعل. أما «بجل»: [5/ 36] فتكون حرفا معناه الجواب بمعنى «نعم» ويجاب بها الطلب والخبر (¬7). تقول: بجل في جواب: اضرب زيدا أي نعم اضربه، وفي جواب: قام زيد أي نعم قام، وقد تقدم في باب المضمرات أن هذه الكلمة أعني «بجل» قد تكون بمعنى «حسب» وعليه قول طرفة: 3635 - ألا بجلي من الشّراب ألا بجل (¬8) - ¬

_ (¬1) انظر الصحاح (أفف) (4/ 1331). (¬2) انظر المفصل (ص 165) وابن يعيش (4/ 79) والتذييل (6/ 208). (¬3) هو الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي أبو محمد، ولد في المدينة المنورة، وأمه فاطمة الزهراء - بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - وهو أكبر أولادها وأولهم كان عاقلا حليما محبّا للخير، فصيحا من أحسن الناس منطقا وبديهة، توفي سنة (50 هـ) وقيل سنة (49 هـ). انظر ترجمته في الأعلام (2/ 199، 200) وحلية الأولياء (2/ 35) ومقاتل الطالبيين (ص 46). (¬4) هذا الحديث في صحيح البخاري بشرح السندي، باب «وجوب الزكاة» (1/ 260) وقد رواه أبو هريرة هكذا «فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: كخّ كخّ ليطرحها ثم قال: أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة؟». وانظر مسند أحمد بن حنبل (2/ 409، 444، 476) وصحيح مسلم بشرح النووي (7/ 175). (¬5) انظر التذييل (6/ 208). (¬6) وهذا المعنى أشار إليه المصنف وانظر التذييل (6/ 208) ومغني اللبيب (ص 112، 170، 176). (¬7) انظر التذييل (6/ 208) والمغني (ص 111)، والهمع (2/ 71). (¬8) هذا عجز بيت من الطويل قائله طرفة بن العبد (ديوانه: ص 20) وصدره: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والفرق بينها بهذا المعنى وبينها اسم فعل أن ياء المتكلم إذا اتصلت بها وكانت اسم فعل وجبت نون الوقاية، وإذا كانت بمعنى «حسب» امتنعت النون (¬1)، وعلى هذا يكون لهذه الكلمة التي هي «بجل» ثلاثة استعمالات (¬2): - تكون حرفا بمعنى «نعم». - واسما بمعنى «حسب» (¬3). - واسم فعل معناه: «أكتفي». وأما «قد» و «قط»: فيكونان بمعنى «حسب» (¬4) أيضا، فلا يكونان اسمي الفعل. وحكى الكوفيون أن من العرب من يقول: قط عبد الله درهم، وقد عبد الله درهم، وقط عبد الله درهم، وقد عبد الله درهم، فمن خفض «عبد الله» ورفع «قط» و «قد» جعلهما بمنزلة «حسب» إذ كانتا في معناها، ومن نصب «عبد الله» وبناهما على السكون جعلهما اسمين للفعل والمعنى: يكفي عبد الله درهم، ومن خفض بهما لم يلحقهما نون الوقاية إذا أضافهما إلى ياء المتكلم كما لا تلحق النون «حسب»، ومن نصب بهما ألحقهما النون لأنهما اسما فعل والياء منصوبة بهما (¬5)، وقد تقدم الكلام عليهما أيضا في باب المضمر. - ¬

_ - ألا إنني أشربت أسود حالكا الشرح: قوله: «أسود حالكا» أراد به كأس المنية، وقيل: أراد شرابا فاسدا، وقال بعضهم: أراد: السّمّ، يقول: كأنني سقيت سمّا فقتلني وهذا مثل ضربه لفساد ما بينه وبينها، والحالك: الشديد السواد، و «بجلي» أي حسبي. والشاهد فيه: مجيء «بجل» بمعنى «حسب»، والبيت في نوادر أبي زيد (ص 307) والمغني (ص 112). وانظر التذييل (6/ 208). (¬1) انظر التذييل (6/ 208) والمغني (ص 112). (¬2) ذكر هذه الاستعمالات الثلاثة الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 209) ولكنه رجع فجعلها استعمالين على اعتبار أن كونها «اسما» وجه واحد وهو ما ذهب إليه المصنف وكان على المؤلف أن يدرك هذا. (¬3) قال سيبويه في الكتاب (4/ 234): «وأما بجل فبمنزلة حسب». (¬4) انظر التذييل (6/ 209). والمغني (ص 170، 176). (¬5) انظر التذييل (6/ 209).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي شرح الشيخ (¬1) «قال في البسيط (¬2): قطك اسم بمعنى حسب أي اكتف، وهي ساكنة الطاء مفتوحة القاف ليس إلّا، تقول: رأيته مرة واحدة فقط، فإذا أضفت إلى النفس قلت: قطني بنون الوقاية بمنزلة «عنّي» تقيه من الكسر (¬3)، وإن شئت قطي بحذف النون، وإن شئت قط بالكسر لتدل على الياء، وإذا أضفت إلى غيرك قلت: قطك وقطكما، [وقطكم] وقطكنّ، وهي محذوفة إما عن مضعّف أو غير ذلك» انتهى. وقد تبين ما أراده المصنف بقوله بعد ذكر الكلمات الثلاث: في أحد الوجهين. وأما كون «قد» يكون حرفا مصاحبا للأفعال فمعلوم ولم يرده المصنف، لأنه إنما يريد «قد» التي هي اسم، نعم «قط» تستعمل ظرفا وقد مرّ ذكرها في الظروف. وفيها إذا كانت ظرفا لغات من جملتها أن تكون مفتوحة القاف ساكنة الطاء خفيفتها كالنطق بها إذا كانت غير ظرف (¬4)، فعلى هذا يكون لهذه الكلمة ثلاثة استعمالات أيضا (¬5). قال الشيخ (¬6): قد انقضت أسماء الأفعال غير الظروف والمجرورات والمشتقة من المصادر والمعرّفة باللام التي أوردها المصنف وهي إحدى وثلاثون كلمة، ثم قال: وقد نقص المصنف أن يذكر كلمات أخر هي من أسماء الأفعال التي ليست ظروفا ولا حروف جر ولا مشتقة من المصادر. فمنها: لبى خفيفة الباء: بمعنى أجيبك، ومنها: أولى لك: هو اسم لـ «دنوت من الهلاك» (¬7) قاله الأصمعي في قول الشاعر: 3636 - فأولى لنفسي أولى لها (¬8) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 209). (¬2) قال السيوطي في البغية (2/ 370): «صاحب البسيط: ضياء الدين بن العلج، أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه ولم أقف له على ترجمة» وانظر شرح ابن عقيل (1/ 37). (¬3) في (جـ)، (أ): لتقيه عن الكسر. (¬4) انظر التذييل (6/ 210). (¬5) هي: كونها ظرفا لما مضى من الزمان، وكونها بمعنى: حسب، وكونها اسم فعل بمعنى يكفي. وانظر المغني (ص 175، 176). (¬6) انظر التذييل (6/ 210 - 216). (¬7) انظر البحر المحيط (8/ 71). (¬8) هذا عجز بيت من المتقارب وهو للخنساء (ديوانها: ص 121) وصدره:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (34) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (¬1)، لكن نقل (¬2) عن صاحب البسيط أنه قال: «أولى استعمل في الوعيد في قوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ونحوه وهو بمعنى: وليه الشرّ وما يكرهه (¬3)، ولا يكون اسما للفعل فيكون «لك» فيها بمنزلة: هلم لك؛ لأن اسم الفعل لا يعرب وهذا قد أعرب لأن أبا زيد حكى رفعه مؤنثا في قولهم: أولاة (¬4)، وإذا بطل هذا وبطل أن يكون أفعل من كذا على أن يكون المعنى: هو أولى بذلك من غيره، أي الوعيد أولى لك من غيرك، لأن أفعل من كذا لا يؤنث بالهاء، وقد نقلنا عن أبي زيد تأنيثه صحّ أنه «أفعل» اسما بمنزلة «أحمد» استعمل علما في الوعيد فامتنع من الصرف، ومن أدخل الهاء جعله اسما مؤنثا مثل: «أرملة» و «أضحاة» (¬5) وامتنع من التنوين للعلمية في الوعيد والتأنيث، وعلى هذا فقوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى: «أولى» مبتدأ و «لك» الخبر (¬6)، وحذف حرف الجر الثاني لدلالة الأول عليه، وقول الشاعر (¬7). 3637 - أولى فأولى يا امرأ القيس بعد ما ... خصفن بآثار المطيّ الحوافرا (¬8) - ¬

_ - هممت بنفسي بعض الهموم والشاهد فيه: مجيء «أولى لك» اسم فعل بمعنى: دنوت من الهلاك - وانظر البيت في الكامل (2/ 338) والخصائص (3/ 44) وأمالي الشجري (1/ 243)، (2/ 325). (¬1) سورة القيامة: 34، 35. (¬2) أي الشيخ أبو حيان. (¬3) قال العكبري في التبيان (ص 1255) عند قوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى: «ومعناه وليك شر بعد شر». (¬4) أولاة: مؤنث أولى وانظر النوادر لأبي زيد (ص 608) والتبيان للعكبري (ص 1255). (¬5) الأضحاة: الشاة التي يضحّى بها والجمع: أضحى كما يقال: أرطاة وأرطى. انظر اللسان (ضحا). (¬6) انظر التبيان (ص 1255). (¬7) هو مقّاس العائذيّ، شاعر جاهلي. (¬8) هذا البيت من الطويل وقد دخله الخرم في أوله. الشرح: امرؤ القيس: ابن بحر بن زهير بن جناب الكلبي. خصفن: يقال: خصفت الإبل الخيل: تبعتها، الحوافر: جمع حافر، والحافر من الدواب يكون للخيل والبغال والحمير: اسم كالكاهل والغارب أراد: خصفن بالحوافر آثار المطي يعني آثار أخفافه فحذف الباء الموحدة من الحوافر وزاد أخرى عوضا منها في آثار المطي. والمعنى: وطئت الحوافر أخفاف الإبل لأنها تقدمت فهي تتبعها، وكانوا يقودون الخيل ويركبون الإبل فإذا دنوا من المغار (موضع الغارة) ركبوا الخيل جامّة فأعملوها، والشاعر توعد المخاطب بقصد الخيل إياه وصب الغارة عليه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمعنى في البيت: بعد ما خصفن بآثار قوائم المطي آثار الحوافر» انتهى (¬1)، وعلى هذا لا يكون «أولى» اسم فعل، قلت: وهو الظاهر. ومنها «دهدرّين»: اسم لـ «بطل» (¬2)، وفي الأمثال: «دهدرّين سعد القين» (¬3) و «سعد» مرفوع به أي بطل سعد القين، و «دهدرّين» تثنية لا تشفع الواحد وإنما هي توكيد، كأنه قيل: بطل بطل، وقيل: الدّهدر والدّهدن الباطل، وأصله أن القين مضروب به المثل في الكذب، ثم إن قينا ادعى أن اسمه سعد زمانا ثم تبين أن دعواه كاذبة فقيل له ذلك أي جمعت باطلين يا سعد. فـ «دهدرّين» نصب بفعل مضمر وهو «جمعت» و «سعد» منادى مفرد، و «القين» صفة له، ذكر الشيخ ذلك في الارتشاف (¬4). ولا شك أن كون «دهدرّين» مفعولا بفعل مضمر أقرب وأولى بل هو المتعين إذ لا يتعقل فيه كونه اسم فعل. ومنها «دع»: وهي لا يخاطب بها إلا العاثر فيقال له إذا عثر: دع أي قم وانتعش، فمن لم ينون جعله معرفة، ومن نون جعله نكرة، ومثلها: «دعدعا» و «لعا» إلا أنهما لم يستعملا إلا نكرة. ومنها «النجاء»: وهو اسم لـ «انج» وتلحقها الكاف حرف خطاب فتقول: النّجاءك (¬5). ومنها «فداء» تقول: فداء لك فلان: تقول العرب: فداء لك أبي وأمي، الأصل: جعل الله أبي وأمي فداءك وجعل الله فلانا فداءك، ثم جعل أمرا لذلك المفادى فقيل: - ¬

_ - والشاهد فيه: أن «أولى» علم للوعيد وليس اسم فعل، والبيت في المفضليات للضبي (ص 306) والخصائص (2/ 306)، وشرح المفضليات للتبريزي (ص 1075)، واللسان (حفر)، و (خصف). (¬1) أي ما نقله الشيخ أبو حيان عن صاحب البسيط (التذييل: 6/ 212). (¬2) في التذييل (6/ 212): «اسم للباطل» وانظر اللسان (دهده). (¬3) المثل ذكره الميداني في مجمع الأمثال (1/ 468) وقال: «هذا مثل قد تكلم فيه كثير من العلماء» وذكر فيه كلاما كثيرا يمكن أن يراجع. وانظر المثل في المستقصي (2/ 83) المثل رقم (301) واللسان (قين) و (دهده). (¬4) انظر الارتشاف (3/ 207)، تحقيق د/ مصطفى النماس ط. 1، سنة 1989 م. (¬5) انظر التذييل (6/ 213) واللسان (نجا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليفدك فلان، ثم جعل فداء لك موضعه فهو اسم لقوله: ليفدك، قال الشاعر: 3638 - مهلا فداء لك الأقوام كلّهم ... وما أثمّر من مال ومن ولد (¬1) يروى على ثلاثة أوجه: فداء بالكسر اسم فعل مبني، وبالفتح على المصدر، والرفع على الابتداء والخبر أي: الأقوام فادون لك. وإذا نون [5/ 37] كان نكرة لأنهم أرادوا: يفديك في ضرب من الضروب (¬2). وفي الإفصاح (¬3) أجاز أبو علي في «فدى» أن يكون بمنزلة قول العرب: فداء بالمد والكسر، وكسره دال على بنائه وبناؤه دال على أنه اسم فعل لأن الدعاء بمنزلة الأمر، والتنوين فيه للتنكير وكأنه قال: لتفدك نفسي على معنى الدّعاء (¬4). ويضعف عندي (¬5)، لأني لم أجد اسم فعل في غير الخبر رفع الظاهر، فالمعنى: أن يكون اسم «يفدي» فيرفع الظاهر كما يرفع اسم الفعل بمعنى الخبر نحو «هيهات» و «شتان» و «سرعان» وأجاز ذلك أبو علي إلا أنه قال: «الأول أكثر وأقيس؛ وذلك لأن أسماء الأفعال بمعنى الأمر والنهي أكثر منها بمعنى الخبر، والدعاء بمنزلة الأمر» (¬6) وصدق إلا أن رفعها الظاهر غير موجود، وليس لأفعال الأمر من التصرف ما للأفعال أنفسها حتى يكون لفظها يأتي بمعنى الدعاء والأمر كما يكون ذلك في صيغ أفعال الأمر، ولو كان كذلك كانت بمعنى اللام؛ لأن - ¬

_ (¬1) هذه البيت من البسيط قاله النابغة الذبياني من قصيدة مدح بها النعمان وتبرأ مما رماه به الوشاة عنده ومطلعها: يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد الشرح: «مهلا» بمعنى أمهل وتأنّ والفداء: ما يفتدى به الشيء و «أثمر» أي: أجمع وأصلح، يقال: ثمّر فلان ماله إذا جمعه وأصلحه. والمعنى: لا تعجل عليّ بالانتقام فداك الأقوام وما أجمع من مال وولد. والشاهد فيه: أن «فداء» مما التزم فيه التنكير من أسماء الأفعال. انظر البيت في المفصل (ص 164) وابن يعيش (4/ 70)، والتذييل (6/ 213) والخزانة (3/ 7)، واللسان (فدى). وديوان النابغة (ص 26). (¬2) انظر التذييل (6/ 213). (¬3) الإفصاح بفوائد الإيضاح لابن هشام الخضراوي، وانظر التذييل (6/ 213). (¬4) انظر التذييل (6/ 213، 214) وابن يعيش (4/ 73، 74). (¬5) هذا من كلام صاحب الإفصاح. (¬6) انظر الإيضاح العضدي للفارسي (ص 163).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صيغة الأمر لا ترفع الظاهر وإنما يرفعه المضارع باللام، وهي كلها في ما علمت غير مقدرة باللام، ولو قدرت باللام جاز أن يؤمر بها الغائب ولم يجئ في كلامهم إلا «عليه رجلا ليسني» (¬1) و «عليه بالصّوم فإنّه له وجاء» (¬2) ولا يقاس على هاتين الكلمتين، وقد قالت العرب: فداء لك نفسي بالرفع على الخبر المقدم (¬3)، فيحتمل المقصور الوجهين يعني: الرفع على الخبر وأن يكون اسم فعل. انتهى (¬4). ومنها «همهام»: قال (¬5): «وقد ذكرناها فيما عنّ لنا ذكره في الشرح، وشرحها بعضهم بأنها اسم لقوله: لم يبق (¬6)، وقال بعضهم: هي اسم لـ «فني» (¬7) وفيها لغات: همهام، وحمحام، ومحماح وبحباح، قال الشاعر: 3639 - أولمت يا خنّوت شرّ إيلام ... في يوم نحس ذي عجاج مظلام ما كان إلّا كاصطفاق الأقدام ... حتّى أتيناهم فقالوا: همهام (¬8) وذكر (¬9) كلمتين أخريين: وهما: «هاه» ذكر أنها اسم لـ «قاربت» (¬10)، - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (1/ 250): «حدثني من سمعه أن بعضهم قال: عليه رجلا ليسني، وهذا قليل شبهوه بالفعل» ووجه ذكره الاستشهاد به على أن أسماء الأفعال قد يؤمر بها الغائب وهذا قليل لا يقاس عليه. (¬2) جزء من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخرجه البخاري في صحيحه (3/ 238)، بشرح السندي «كتاب النكاح» وتقدم وجه ذكره. (¬3) انظر ابن يعيش (4/ 73)، والخزانة للبغدادي (3/ 8)، والمفضل في شرح أبيات المفصل بهامش المفصل (ص 164). (¬4) أي ما نقله الشيخ أبو حيان عن الإفصاح لابن هشام الخضراوي. (¬5) أي الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 215). (¬6) في اللسان (همم): «وسمع الكسائي رجلا من بني عامر يقول: إذا قيل لنا: أبقي عندكم شيء؟ قلنا: همهام وهمهام يا هذا أي لم يبق شيء». وانظر التذييل (6/ 191). (¬7) ذكره صاحب اللسان (همم) عن ابن جني. (¬8) سبق ذكره والحديث عنه وفي اللسان (همم): «قال ابن بري: رواه ابن خالويه، خنّوت على مثال سنّور، قال: وسألت عنه أبا عمر الزاهد فقال: هو الخسيس». (¬9) أي الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 211) وهاتان الكلمتان كان حقهما أن توضعا بعد أولى لك التي سبق الحديث عنها. (¬10) هكذا في التذييل (6/ 211) وفي (جـ)، (أ): «لقاليت» والأظهر ما في التذييل وهو ما أثبتناه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «أولاه» ولم يذكر لها المصنف معنى (¬1) ثم قال (¬2): فهذه تسع كلمات استدركناها على المصنف». وأقول: لم يلتزم المصنف ذكر أسماء الأفعال كلها فيستدرك عليه ما لم يذكره وكيف وهو قد قال: «فمنها لخذ كذا، ومنها لكذا كذا، ومنها لكذا وكذا، ولم يقل: وهي كذا وكذا، وقد كان ينبغي أن يستدرك أيضا نحو: نزال ودراك مثلا فإنه لم يذكرهما، ثم إن الكلمات التي ذكرها تحتاج إلى إقامة دليل على تعين كونها أسماء أفعال، وقد عرفت أن بعضها لم يتعين فيه ذلك وهو: «أولى لك» و «دهدرّين»، وبعضها يمكن فيه المنازعة مع أنه قد قيل في «النجاء»: إنه مصدر (¬3). وأما «فداء» فإنه موقوف على ثبوت وروده عن العرب مبنيّا على الكسر. وأما «دع» فالظاهر أنها فعل وهو: دع الذي معناه: اترك، وإذا ثبت استعمالها لمعنى آخر فقد يكون ذلك بطريق التضمين. وأما «أولاه» فلم يتحقق معناه، وكذا «لبى». وأما «همهام» فهو قد مثّل بها لما أراده المصنف بقوله: «وقد تضمّن معنى نفي» (¬4) فإن كان التمثيل صحيحا فالمصنف قد ذكرها لأنه أرادها حيث قال: إن اسم الفعل قد يضمن معنى النفي، وإن كان المصنف لم يردها فيكون تمثيل الشيخ بها غير صحيح. وأما «هاه» فلم يذكر لها شاهدا من كلام العرب. واعلم أن «هات» و «تعال» فعلان لا يتصرفان (¬5)، وقد غلط من ادعى أنهما اسما فعلين (¬6)، ويدل على الفعلية: اتصال ضمائر الرفع البارزة بهما وجوبا، نبّه - ¬

_ (¬1) حكى أبو زيد في النوادر (ص 608): «ويقال: أولاه الآن، وهذا ازدجار من المسبوب للساب يقول: قد سبيتني فأولى لك». (¬2) أي الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 215). (¬3) قيل: هو مصدر منصوب بفعل مضمر أي: انجوا النجاء. اللسان (نجا) وانظر التذييل (6/ 213). (¬4) انظر التسهيل (ص 210). (¬5) انظر التذييل (6/ 215) وشرح شذور الذهب (ص 22) والأشموني (3/ 205). (¬6) ادّعى ذلك الزمخشري، انظر شرح شذور الذهب (ص 22) وانظر الأشموني (3/ 205).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف على ذلك في شرح الكافية (¬1)، وقد قال الله تعالى: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ * (¬2)، وقال تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ (¬3) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا (¬4)، فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ (¬5)، ومن شعر العرب قول القائل: 3640 - إذا قلت هاتي نوّليني تمايلت ... عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل (¬6) وقول الآخر: 3641 - تعالي فانظري بمن ابتلاني (¬7) ويقال: هاتيا وتعاليا (¬8)، قال في شرح الكافية (¬9): «وحكى الجوهري أن بعض العرب يصرف هات فيقال: هاتى يهاتي مهاتاة» (¬10). ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1389). وقال ابن هشام في شرح شذور الذهب (ص 22): «ولنا أنهما يدلان على الطلب ويقبلان الياء». (¬2) سورة البقرة: 111، وسورة الأنبياء: 24، وسورة النمل: 64. (¬3) سورة الأنعام: 151. (¬4) سورة آل عمران: 64. (¬5) سورة الأحزاب: 28. (¬6) هذا البيت من الطويل وهو من معلقة امرئ القيس المشهورة. الشرح: هضيم الكشح: يريد دقيقة الخصر نحيلته، ريا المخلخل: ممتلئة الساق، والمخلخل: بضم الميم وفتح الخاءين بينهما لام ساكنة - هو مكان الخلخال، والعرب تستحسن من المرأة دقة الخصر وعبالة الساقين أي ضخامتهما. والشاهد فيه: قوله: «هاتي» فإن اتصال ياء المؤنثة المخاطبة به يدل على أنه فعل أمر. وانظر البيت في شرح شذور الذهب (ص 22) والتذييل (6/ 216) واللسان (هضم). (¬7) هذا شطر من الوافر وهو لدعبل الخزاعي، الكامل للمبرد: (2/ 70) وصدره: صبرت على عداوته ولكن والشاهد فيه: قوله: «تعالي» فإن اتصال ياء المؤنثة المخاطبة به يدل على أنه فعل أمر. وانظر الشاهد في الكامل (2/ 70) والمستقصى للزمخشري (2/ 297) المثل رقم (1050) ومجمع الأمثال (3/ 81) والشطر الشاهد في التذييل (6/ 216) وديوان دعبل (ص 321). (¬8) انظر التذييل (6/ 216). (¬9) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1389). (¬10) نص الجوهري في الصحاح (1/ 271) (هيت): «وتقول: هات لا هاتيت وهات إن كانت بك مهاتاة، وما أهاتيك كما تقول: ما أعاطيك، ولا يقال منه: هاتيت ولا ينهى بها». وانظر اللسان (هيت).

[أسماء الفعل المنقولة من ظرف وجار ومجرور]

[أسماء الفعل المنقولة من ظرف وجار ومجرور] قال ابن مالك: (ومنها ظروف [وشبهها جارة ضمير مخاطب كثيرا وضمير غائب قليلا] كـ «مكانك» بمعنى «اثبت» و «عندك» و «لديك» و «دونك» بمعنى «خذ» و «وراءك» بمعنى «تأخّر» و «أمامك» بمعنى تقدّم و «إليك» و «إليّ» [بمعنى] «تنحّ» و «أتنحّى» و «عليك» و «عليّ» و «عليه» بمعنى «الزم» و «أولني» و «ليلزم»). قال ناظر الجيش: أسماء الأفعال الدالة على الأمر قسمان: أحدهما: ما وضع اسما للفعل في أول الأمر نحو: نزال، ودراك، وهلمّ، ثانيهما: ما كان في الأصل ظرفا أو جارّا ومجرورا فنقل وسمّي به الفعل، ولما أنهى المصنف الكلام على القسم الأول شرع في ذكر القسم الثاني، وهذا النوع لا يستعمل إلا متصلا بضمير مخاطب، وشذ قولهم: «عليه رجلا» بمعنى: ليلزم، وعليّ الشّيء بمعنى: أولنيه. وإليّ بمعنى: أتنحّى (¬1)، ذكر المصنف ذلك في شرح الكافية (¬2). وينبغي أن يعلم أن في «إليّ» بمعنى: أتنحّى شذوذا آخر وهو استعماله في الخبر دون الأمر، لكن لقائل أن يقول: إن معنى: إليّ: لأتنح؛ فيكون أمرا أمر المتكلم به نفسه، وعلى هذا إنما يكون فيه شذوذ واحد وهو اتصاله بضمير المتكلم، وقد يقال: إن قائل هذا إنما قاله جوابا لمن قال له: إليك أي تنحّ فقال: إليّ كأنه قال هذا منكرا على من قال له: إليك، فأعاد اللفظ الذي يقصد إنكاره على قائله له كأنه يقول: أإليّ؟ أي أتأمرني بالتّنحّي وتقول لي هذا اللفظ؟ وعلى هذا فلا يكون «إليّ» اسم فعل، وإنما هي كلمة قصد بها الإنكار على من أمره بمثلها فأعاد اللفظ مضافا إلى نفسه كأنه يقول: أتنحّيني عن مكاني؟ ثم قد عرف من قول المصنف: كمكانك بمعنى: اثبت، وعندك، ولديك، - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (1/ 249، 250): «وحدثنا أبو الخطاب أنه سمع من العرب من يقال له: إليك فيقول: إليّ كأنه قيل له: تنحّ، فقال: أتنحّى» وانظر شرح الكافية للرضي (2/ 75)، وقد نقل الأشموني كلام المصنف عن شرح الكافية وقال «وكلامه في التسهيل يقتضي أن ذلك غير شاذ» انظر الأشموني (3/ 201). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1393).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ودونك، بمعنى: خذ، ووراءك بمعنى: تأخر، وأمامك بمعنى: تقدم، إلى آخر كلامه - أن من هذه الكلمات ما وضع موضع فعل متعدّ، ومنها ما وضع موضع فعل لازم، فيكون حكم اسم الفعل في التعدي واللزوم حكم الفعل الذي هو بمعناه. وفي شرح الإيضاح (¬1) لابن [5/ 38] عصفور: «وهذه الظروف والمجرورات منها ما وضع موضع فعل متعد وهو: عليك ودونك، وكما أنت في قولهم: كما أنت زيدا، ولديك وكذاك في قول الشاعر: 3642 - يقلن وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إنّ عليك عينا (¬2) ومنها ما وضع موضع فعل غير متعد وهو: وراءك، وأمامك، وإليك، ومنها ما وضع تارة موضع فعل متعد وتارة موضع فعل غير متعد وهو: مكانك وعندك، ثم ذكر أن عليك وضعت موضع متعد إلى واحد تارة وموضع متعد إلى اثنين أخرى. فمثال الأول: عليك زيدا، ومثال الثاني: قول العرب: عليّ زيدا: الأصل فيه: اعطف عليّ زيدا واردد عليّ زيدا، فحذف العامل وأنيب «على» منابه وضمّن الكلام معنى: ناولني زيدا» انتهى (¬3). ولقائل أن يقول: الذي تعدى إلى اثنين على قوله إنما هو «عليّ» لا «عليك»، ثم لم أتحقق قوله «إن الكلام ضمّن معنى: ناولني زيدا» وليس لـ «ناولني زيدا» معنى في هذا التركيب، والأقرب ما قاله المصنف من أن معناها: أولني و «أولى» يتعدى إلى مفعولين، ومن ثمّ قالوا: إن «عليّ» لها في اللفظ مفعول واحد وفي المعنى مفعولان، نابت الياء مناب أحدهما، ولو قيل: إن «على» مع مجرورها إذا نقلت وجعلت اسم فعل إنما تتعدى إلى واحد سواء أكان المتصل بها الكاف أو الياء لكان قولا، أما إذا اتصلت الكاف بها فظاهر، وأما إذا اتصلت بها الياء - مع قلة ذلك - فوجهه أن المتكلم بها آمر نفسه، فمعنى «عليّ زيدا» لألزم زيدا، يأمر الإنسان نفسه باسم الفعل كما يأمرها بالفعل. - ¬

_ (¬1) كتاب مفقود لابن عصفور يوجد منه أربعون ورقة في تركيا من أول الكتاب وانظر هذا النقل في شرح المقرب (المنصوبات، قسم أول ص 308). (¬2) مر الاستشهاد به وشرحه. (¬3) أي كلام ابن عصفور في شرح الإيضاح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب فنقول: قوله: كمكانك بمعنى: اثبت يفيد أن مكانك لا يتعدى، وقد تقدم من كلام ابن عصفور أن مكانك يوضع موضع ما هو متعد وما هو غير متعد، قال ابن عصفور (¬1): «ولم يحفظ البصريون إلا كون هذه الكلمة لازمة، وحفظ الكوفيون كونها متعدية بمعنى: انتظر، فيقولون: مكانك زيدا» انتهى. ولا شك أن إثبات كونها متعدية يحتاج إلى دليل. وقوله: وعندك ولديك ودونك بمعنى: خذ - يفيد أن ثلاث الكلمات متعدية. أما «عندك» فقد ذكر ابن عصفور أنها تستعمل لازمة كما تستعمل متعدية، ولم يستشهد على ذلك بشيء، وتبعه الشيخ في ذلك فقال (¬2): «وتكون لازمة فتستعمل بمعنى تخوّف وتقدّم» (¬3). وأقول: إن ذلك يحتاج إلى دليل، ثم كيف يكون معنى «عندك» تقدّم. ولا شك أن الأمر بالتقدم ينافي قوله: عندك؟ وأما «دونك» فأثبتها ابن عصفور متعدية؛ لكن قال الشيخ: (¬4): «وتستعمل لازمة بمعنى تأخّر، ولم يذكر على ذلك شاهدا، وأنشد لجرير: 3643 - أعيّاش قد ذاق القيون مرارتي ... وأوقدت ناري فادن دونك فاصطلي (¬5) - ¬

_ (¬1) يبدو أنه في شرح الإيضاح لأنني لم أعثر عليه في كتبه التي بين أيدينا كما أنه متصل بالكلام السابق عن ابن عصفور. (¬2) انظر التذييل (6/ 218). (¬3) قال سيبويه في الكتاب (1/ 249): «وأما ما لا يتعدى المأمور ولا المنهيّ فقولك: مكانك وبعدك إذا قلت: تأخر أو حذرته شيئا خلفه، وكذلك عندك إذا كنت تحذره من بين يديه شيئا أو تأمره أن يتقدم» وانظر اللسان (عند). (¬4) انظر التذييل (6/ 218، 219). (¬5) هذا البيت من الطويل وهو لجرير (ديوانه: 2/ 62). الشرح: عياش: هو ابن الزبرقان، والقيون: جمع قين وهو الحداد وقيل: كلّ صانع قين، ويجمع أيضا على أقيان، والقين أيضا: العبد والجمع قيان، والمراد هنا الأول بدليل الجمع على «قيون» وإن كان الأظهر أن يراد الثاني ولعله كذلك وإن كان أخطأ في الجمع لأن المراد بالقيون قوم الفرزدق، وقوله: فادن دونك: أي قريبا بمعنى: اقترب مني، «فاصطلي» الاصطلاء: الاستدفاء بالنار. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: خذ النار فاصطلي». وأما قوله: ووراءك بمعنى: تأخّر، وأمامك بمعنى: تقدّم - فواضح. وأما قوله: وإليك وإليّ ... إلى آخره - فـ «تنحّ» راجع إلى «إليك» و «أتنحّى» راجع إلى «إليّ» (¬1) قال الشيخ (¬2): «هذا الذي ذكره هو مذهب البصريين أي في كونها لازمة (¬3) وزعم الكوفيون (¬4) أنها تتعدى فتقول: إليك زيدا أي: أمسك زيدا، ولذلك اختلفوا في قوله: 3644 - إذا التّيّاز ذو العضلات قلنا ... إليك إليك ضاق به ذراعا (¬5) فقدره البصريون: تأخّر تأخّر، وقدره الكوفيون: أمسك أمسك، قال (¬6): والصحيح ما ذهب إليه البصريون إذ لا يحفظ من لسان العرب متعديا، لكنه - ¬

_ - والشاهد في البيت: قوله: «دونك» فإنه اسم فعل بمعنى: خذ، والبيت في نوادر أبي زيد (ص 360) والإيضاح للفارسي (ص 165) وشرح ألفية ابن معط (ص 1164) وذكر الشارح أن «دونك» في البيت بمعنى: ادن واقرب فهي على هذا المعنى لازمة، ومعناه: أنه رجل داه. (¬1) انظر التذييل (6/ 219). (¬2) التذييل (6/ 219، 220)، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬3) الضمير في «كونها» يعود على إليك، وقال سيبويه في الكتاب (1/ 249): «وإليك إذا قلت: تنح» وواضح من كلامه أنها لازمة. (¬4) في التذييل (6/ 220) «ويعقوب بن السكيت». (¬5) هذا البيت من الوافر وهو للقطامي (ديوانه ص 40) وقبله: فلمّا أن جرى سمن عليها ... كما بطّنت بالعذن السّباعا أمرت بها الرجال ليأخذوها ... ونحن نظنّ ألّا تستطاعا الشرح: التياز: التياز من الرجال: القصير الغليظ الملزّز الخلق الشديد العضل مع كثرة لحم فيها، ويقال للرجل إذا كان فيه غلظ وشدة: تياز، وقوله: ذو العضلات، أي ذو اللحمات الغليظة الشديدة، وكل لحمة غليظة شديدة في ساق أو غيره فهي عضلة، و «إذا» في البيت داخلة على جملة ابتدائية لأن «التياز» مبتدأ و «قلنا» خبره والعائد محذوف تقديره: قلنا له، و «ضاق بها ذراعا» جواب إذا. انظر اللسان (تيز)، والشاعر يصف بكرة اقتصبها وقد أحسن القيام عليها إلى أن قويت وسمنت وصارت بحيث لا يقدر على ركوبها لقوتها وعزة نفسها. والشاهد في البيت: في قوله: «إليك إليك» حيث فسرها البصريون بـ «تأخر تأخر» فهي لازمة، وفسرها الكوفيون بـ «أمسك أمسك» فهي متعدية. والبيت في المقرب (1/ 136) واللسان (تيز) و (ألا). (¬6) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (¬1) - تبعا لابن عصفور - وساغ أن يتعدى فعل المضمر المتصل إلى مضمره المتصل في اللفظ لأنه في التقدير على حذف مضاف أي إلى جهتك». انتهى. وهو كلام عجيب فإنه يقتضي أن اسم الفعل هو «إليّ» (¬2) وحدها، وأنها ناصبة للكاف، وليس الأمر كذلك بل «إليك» (¬3) بجملته هو اسم الفعل نقل وسمي به، وبعد النقل لا نظر إلى أجزاء الكلمة، وليس ثمّ إلا ضمير واحد مرفوع بجملة «إليك» (¬4) الذي هو اسم الفعل وهذا أمر لا يرتاب فيه ولا يجوز أن يظن خلافه. وأما قوله: وعليك وعليّ وعليه بمعنى: الزم وأولني وليلزم - فالأول للأول والثاني للثاني والثالث للثالث، فمعنى عليك زيدا: الزم زيدا، ونقل ابن عصفور (¬5) عن المازني أن الأصل فيه: خذ زيدا من عليك أي من فوقك، فحذف حرف الجر ووصل فعل الأمر بنفسه، ثم حذف فعل الأمر وأقيم الظرف الذي هو عليك مقامه، قال: حكى ذلك عنه السيرافي، قال (¬6): وكأن الذي حمله على إضمار حرف جر أنه رأى العرب لا تقول: خذ زيدا عليك، وتقول: خذ زيدا من عليك أي من فوقك (¬7) بإدخال من على «على» كما دخلت عليها في قول الشاعر (¬8): 3645 - غدت من عليه ... ... .... البيت (¬9) - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان، انظر التذييل (6/ 220). (¬2)، (¬3)، (¬4) في نسخة (جـ)، (أ): عليّ، عليك، عليك، والصواب ما أثبتناه؛ لدلالة السياق عليه. (¬5) يبدو أن هذا الكلام في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه وانظر الحديث عن عليك منقولا عن ابن عصفور في شرح المقرب (المنصوبات، أول: ص 308). (¬6) أي السيرافي، انظر شرح السيرافي على كتاب سيبويه (رسالة) (2/ 1013). (¬7) قال سيبويه في الكتاب (4/ 231): «ويدلك على أنه اسم قول بعض العرب: نهض من عليه» وقال في (3/ 268): «سمعنا من العرب من يقول: نهضت من عليه، كما تقول: نهضت من فوقه» وانظر الكتاب (1/ 420). (¬8) هو مزاحم بن الحارث العقيلي كما في ابن يعيش (8/ 38). (¬9) هذا جزء بيت من الطويل وهو بتمامه كما جاء في شرح السيرافي (2/ 1013): غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها ... تصلّ وعن قيض ببيداء مجهل الشرح: ظمؤها: الظمء: ما بين الوردين ويروى «خمسها» والخمس: هو أن ترد الماء يوما ثم تتركه ثلاثا وتعود إليه في الخامس، تصل: أي يصل جوفها ويصوت من يبسه من العطش، والقيض: قشور البيض، والبيداء: القفر، ومجهل: أي لا يهتدى فيه. يصف الشاعر قطاة غدت عن فرخها طالبة للورد بعد تمام الظمء أو الخمس، ويريد أنها أفرخت بيضها لتوّها فهي تسرع في طيرانها في ذهابها وإيابها اشفاقا وحرصا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عصفور: «ما ذهب إليه باطل عندي لما فيه من تكلف إضمار حرف جر من غير داعية إليه إذ يمكن أن يكون التقدير: أمسك عليك زيدا كما قال تعالى: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ (¬1)، وكذلك قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ (¬2) تقديره: أمسكوا عليكم أنفسكم أي امنعوها من أن تقع في ضلال (¬3)، ولا يكون الفعل المضمر العامل في «عليك» أمسك في كل موضع بل يقدر على حسب ما يساعد المعنى عليه؛ ألا ترى أنك لو قلت: عليك الصوم لكان التقدير: أوجبت عليك الصوم، لأن تقدير: أمسك لا يساعد عليه المعنى» انتهى. وما ذكره غير ظاهر: أما أولا: فلأنه بنى الأمر على أن أسماء الأفعال معمولة لعوامل مقدرة، وأنها في موضع نصب، وسيأتي الكلام على هذه المسألة وبيان أنها لا موضع لها من الإعراب. وأما [5/ 39] ثانيا: فلأنه إذا جعل التقدير في: عليك زيدا: أمسك عليك زيدا - خرج «عليك» عن أن يكون اسم فعل ويكون انتصاب الاسم الواقع بعد «عليك» بذلك الفعل المقدر، و «عليك» متعلقة به؛ لأنا إذا قدرنا «أمسك» مثلا خرج «عليك» عن أن يكون بمعنى: الزم قطعا، وبخروجها عن ذلك تخرج عن أن تكون في هذا التركيب اسم فعل، وكذا ما نسب إلى المازني من أن أصل الكلام: خذ زيدا من عليك أي من فوقك - لا معول عليه. والحق أن «عليك» من: عليك زيدا بمعنى الزم وهي الناصبة لـ «زيد» وذلك أن هذا الجار والمجرور الذي هو «عليك» وما أشبهه قد كان معمولا لشيء ثم نقل وسمي به الفعل ووجب قطع النظر عن الحالة التي كان عليها أولا (¬4). وبعد، فالذي ذكره ابن عصفور لم يتجه لي تقريره، وكذا ما ذكره عن المازني - ¬

_ - والشاهد فيه: دخول من على «على» لأنها اسم في تأويل فوق كأنه قال: غدت من فوقه، والبيت في الكتاب (4/ 231)، والمقتضب (3/ 53) والكامل (2/ 82) والخزانة (4/ 253)، والمغني (ص 146)، والعيني (3/ 301) والتصريح (2/ 19)، والهمع (2/ 36) والأشموني (2/ 266). (¬1) سورة الأحزاب: 37. (¬2) سورة المائدة: 105. (¬3) في البيان (1/ 307) «أي احفظوا أنفسكم» وانظر التبيان للعكبري (ص 465). (¬4) انظر ما ذكره المؤلف ردّا على ابن عصفور والشيخ أبي حيان في «إليك» في الصفحة السابقة. وانظر التبيان للعكبري (ص 465).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا وعلى الناظر أن يتأمل ويعمل بما يتضح عنده في هذه المسألة، ثم ليس المعنى في نحو: عليك الصّوم: أوجبت عليك الصوم، لأن «عليك الصوم» قد يقال لمن لا وجب عليه الصوم إذ الأمر بملازمة الشيء لا يلزم عنه الوجوب، فإنه يقال: عليك نوافل الطاعات، وعليك إيثار المحتاجين، وعليك إسداء المعروف، ولا شك أن المعنى في نحو هذه الأمثلة: الزم كذا الزم كذا. وقد مشى الشيخ وراء ابن عصفور فقال بعد ذكره رأي المازني والإشارة إلى بطلانه كما ذكر ابن عصفور: «التقدير عندنا: أمسك عليك زيدا» انتهى (¬1). قالوا (¬2): وقد جاءت «عليك» متعدية بالباء، ومنه الحديث الشريف: «فعليك بذات الدّين» (¬3)، وقال الأخطل: 3646 - فعليك بالحجّاج لا تعدل به ... أحدا إذا نزلت عليك أمور (¬4) والذي يظهر لي أن «عليك» الذي هو بمعنى الزم ضمن معنى: استمسك فعدّي تعديته. وأما «عليّ» فقد فسره المصنف بأن معنى «عليّ» أولني، وقد تقدم الكلام عليها، وتفسير ابن عصفور لها بـ «ناولني» والبحث معه. وأما «عليه» فقد فسره المصنف بأن معناه: ليلزم، وقد عرفت أن إيلاء هذه الكلمات غير ضمير المخاطب قليل (¬5)، ومن كلام العرب: «عليه رجلا ليسني» ذكره سيبويه (¬6). - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 220) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬2) انظر التذييل (6/ 221). (¬3) رواه البخاري في صحيحه بشرح السندي (3/ 242) كتاب النكاح وفي صحيح مسلم بشرح النووي (10/ 51)، والنهاية لابن الأثير (1/ 184). (¬4) هذا البيت من الكامل وهو للأخطل (ديوانه: ص 11) والحجاج: هو الحجاج بن يوسف الثقفي الأمير الأموي الشهير ومعنى البيت واضح. والشاهد فيه: مجيء «عليك» متعدية بالباء والبيت في شرح التصريح (2/ 198) والتذييل (6/ 221). وقال الشيخ خالد «وفيه بحث لاحتمال أن تكون الباء زائدة». (¬5) انظر شرح ابن الناظم للألفية (ص 612) والأشموني (3/ 201). (¬6) انظر الكتاب (1/ 250).

[القياس على بعض هذه الأسماء]

[القياس على بعض هذه الأسماء] قال ابن مالك: (ويقيس على هذه الكسائيّ وعلى قرقار الأخفش ووافق سيبويه في القياس على فعال). ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي الحديث الشريف: «ومن لّم يستطع فعليه بالصّوم» (¬1). قال الشيخ (¬2): «الباء زائدة ويكون الصوم مبتدأ، كما زيدت في قولهم: بحسبك درهم» انتهى. وأقول: إن ذلك إنما هو على التضمين أيضا كما قلنا في «فعليك بذات الدّين»، وما قاله الشيخ يلزم منه أن الصوم يكون واجبا على من لم يستطع الباءة (¬3) ولا قائل بذلك، وإنما معنى الحديث الشريف: أنه يلزم الصوم وذلك لأنه يكسر شهوته فيأمن على نفسه من العنت. قال ناظر الجيش: يشير إلى مسألتين: الأولى: أن الظروف والمجرورات التي نقلت وصيرت أسماء أفعال يقتصر فيها على ما سمع، قال في شرح الكافية (¬4) بعد الإشارة إليها: «ولا يقاس على هذه الظروف غيرها إلا عند الكسائي فإنه لا يقتصر فيها على السماع بل يقيس على ما سمع ما لم يسمع». وقال ابن عصفور (¬5): «اعلم أن عليك ودونك وأمثالهما من الظروف والمجرورات المسمى بها فعل الأمر على جهة الإغراء فيها خلاف، فذهب الكسائي إلى أن ذلك جائز في كل ظرف وجار إلا أن يكون على حرف واحد فإن ذلك لا - ¬

_ (¬1) جزء من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد سبق تخريجه في شرح المتن السابق. (¬2) انظر التذييل (6/ 221) وحاشية الصبان على الأشموني (3/ 201). (¬3) الباءة: النكاح والتزويج، والأصل في الباءة: المنزل ثم قيل لعقد التزويج باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا» اللسان (بوأ) ملخصا. (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (رسالة) (3/ 1394) والمرتجل لابن الخشاب (ص 257) وقد رد ما ذهب إليه الكسائي وانظر الهمع (2/ 106) وفيه: «وردّ بأن ذلك إخراج لفظ عن أصله، وقيل: إن الكسائي يشترط كونه على أكثر من حرفين بخلاف نحو: «بك ولك» وانظر الأشموني وحاشية الصبان (3/ 201). (¬5) يبدو أن ذلك في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجوز فيه نحو: اللام والباء والكاف (¬1)، وذهب البصريون إلى أن ذلك موقوف على السماع يحفظ ولا يقاس عليه (¬2)، قال: والذي سمع من ذلك البصريون: عليك ودونك وعندك، ومكانك وإليك، وحكى الجوهري (¬3) الإغراء بلديك وأنشد: 3647 - فدع عنك الصّبا ولديك همّا ... توقّش في فؤادك واختبالا (¬4) وحكى بعض أهل اللغة الإغراء بـ «كذاك» (¬5) وأنشد: 3648 - يقلن وقد تلاحقت المطايا ... كذاك القول إنّ عليك عينا (¬6) وزعم الفراء أن الكسائي سمع: «كما أنت زيدا» وحكى الكسائي الإغراء بـ «بين» وذكر أنه سمع من كلامهم: «بينكما البعير فخذاه» (¬7)، وليس عندي في ذلك دليل على الإغراء بـ «بين» لاحتمال أن يكون «البعير» منصوبا بفعل مضمر يفسره ما بعده؛ فتكون المسألة إذ ذاك من الاشتغال بمنزلة قولك: يوم الجمعة زيدا فاضربه، ووجه إجازة الكوفيين ذلك في كل ظرف ومجرور ما عدا ما استثني كون الظروف والمجرورات في باب «الإغراء» معمولات لأفعال مضمرة حذفت للدلالة عليها، قالوا: وإضمار أفعال الأمر لدلالة الأحوال عليها جائز بقياس، ووجه - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 223) ومعاني القرآن (1/ 323) وابن يعيش (4/ 74) وحاشية الصبان (3/ 201). (¬2) انظر ابن يعيش (4/ 74) والتذييل (6/ 223). (¬3) انظر الصحاح (6/ 2481) (لدى). (¬4) هذا البيت من الوافر وقائله كما في اللسان: ذو الرمة وانظر ديوانه (3/ 1523). الشرح: قوله: توقش: أي تحرك وقوله: اختبالا: الاختبال: الخبل وهو جنون أو شبهه في القلب، ورجل مخبول وبه خبل وهو مخبّل: لا فؤاد معه، والمعنى على ذلك: دع عنك الصبا واصرف ذلك إلى الهم والاختبال الذي أصاب قلبك، وروي في اللسان (واحتيالا) بالحاء المهملة والياء - وذكر أن المعنى: دع عنك الصبا واصرف همتك واحتيالك إلى الممدوح ولهذا يقول بعده: إلى ابن العامريّ إلى بلال ... قطعت بأرض معقلة العدالا والشاهد في البيت: قوله «لديك همّا» حيث أغرى بلديك فنصب ما بعده وعطف عليه قوله: واختبالا، والبيت في التذييل (6/ 218) واللسان (وقش) و (لدى) ويروى: فعدّ عن الصّبا وعليك همّا وهي رواية الديوان (3/ 1523) ولا شاهد على هذه الرواية. (¬5) انظر التذييل (6/ 185). (¬6) سبق الكلام عنه. (¬7) انظر معاني القرآن (1/ 323).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قصر البصريين ذلك على السماع كون الأفعال لما حذفت عوضت منها الظروف والمجرورات وأعطيت حكمها فعملت في ما كان الفعل المضمر عاملا فيه، وتحملت ضمائر الفاعلين كما كان يتحمله الفعل المضمر، وتعويض لفظ من لفظ وإعطاؤه حكمه لا يجوز بقياس» انتهى (¬1). والتعليل الذي ذكره عن الفريقين مبني على أن أسماء الأفعال لها موضع من الإعراب، وسيتبين أن الحق خلاف ذلك. المسألة الثانية: أن أسماء الأفعال المشاركة للفعل في الاشتقاق إنما تكون من الأفعال الثلاثية، وأن الوارد مما فعله زائد على الثلاثة موقوف على السماع، كقولهم: فمنه من مزيد الثلاثي: دراك بمعنى: أدرك، وبدار بمعنى: بادر (¬2) قال الشاعر: 3649 - بدارها من إبل بدارها ... قد نزل الموت على صغارها (¬3) ومنه من الرباعي المجرد: «قرقار» و «عرعار» و «جرجار» (¬4)، لكن الأخفش قاس على «قرقار» فأجاز أن يقال: قرطاس، وسرهاف، ودحراج، قياسا على ما سمع (¬5)، قال المصنف في شرح الكافية (¬6): «من أسماء الأفعال: قرقار بمعنى: قرقر، وهو نادر، ومع ندوره عند [5/ 40] سعيد بن مسعدة الأخفش مقيس عليه، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه (¬7) من كون صوغ اسم الفعل مطردا من الثلاثي - ¬

_ (¬1) أي كلام ابن عصفور فيما ينقله عنه المؤلف. (¬2) انظر التذييل (6/ 224) وشرح التصريح (2/ 196). (¬3) هذا بيت من الرجز مجهول القائل، الشرح: «بدارها» بدار: اسم فعل بمعنى: بادر، وبدر وبادر بمعنى: أسرع، والمعنى واضح. والشاهد فيه: مجيء اسم الفعل «بدار» من مزيد الثلاثي لأنه بمعنى بادر ومجيء اسم الفعل من غير الثلاثي لا يجوز إلا في ما سمع منه ولذلك قال في شرح التصريح (2/ 196): إنه شاذ. وانظر الرجز في التذييل (6/ 224) وشرح التصريح (2/ 196) وحاشية الدمنهوري (ص 89). (¬4) الجرجرة صوت البعير عند الضجر. اللسان (جرر). (¬5) انظر التذييل (6/ 225) وشرح التصريح (2/ 196)، والأشموني (3/ 161). (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1392). (¬7) قال في الكتاب (3/ 280): «واعلم أن فعال جائزة من كل ما كان على بناء فعل أو فعل أو فعل ولا يجوز من أفعلت لأنا لم نسمعه من بنات الأربعة إلا أن تسمع شيئا فتجيزه فيما سمعت ولا تجاوزه فمن ذلك: قرقار وعرعار».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خاصة بشرط كونه على فعال» انتهى. وأنكر المبرد كون «قرقار» اسم فعل وقال: «لم يأت في الرباعي عدل أصلا وإنما «قرقار» حكاية صوت الرعد، و «عرعار» حكاية صوت الصبيان» (¬1). لكن سيبويه حكم بأنهما معدولان (¬2). وذكر الشيخ في شرحه (¬3) «أن بعضهم يقصر اسم الفعل من الثلاثي على السماع أيضا فلا يجيز أن يقال: قوام ولا قعاد، يراد بذلك: قم واقعد، لأن في ذلك ابتداع اسم لم يتكلم به العرب، وإليه ذهب المبرد (¬4)، قال: والصحيح ما ذهب إليه سيبويه لأن ذلك قد كثر كثرة تسوغ القياس، فيجوز عنده أن يقال: قوام بمعنى: قم، وضراب بمعنى: اضرب» (¬5) انتهى. والحاصل: أن بناء «فعال» سائغ من كل فعل ثلاثي، وقد استثنى الشيخ الفعل الجامد كـ «يذر»، و «يدع» و «هب» والفعل الناقص نحو: «كان» و «بات» فإن «فعال» لا يبنى منهما (¬6)، وهذا أمر واضح لا يحتاج إلى التنبيه عليه ولا سيما الفعل الجامد. ثم إن من المعلوم أن «فعال» الذي هو اسم الفعل مبني على الكسر (¬7)، وحكى الكسائي عن بني أسد بناءه على الفتح إتباعا للفتحة والألف طلبا للتخفيف، وذهب بعضهم إلى أن نحو «نزال» علم حملا على أخواتها في الوزن (¬8)، ولا معول على ذلك. ¬

_ (¬1) انظر شرح السيرافي للكتاب (خ) (2/ 376) وهامش الكتاب (3/ 276) وشرح الكافية للرضي (2/ 76) والأشموني (3/ 161). (¬2) انظر الكتاب (3/ 276). (¬3) انظر التذييل (6/ 227). (¬4) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 76). (¬5) انظر الكتاب (3/ 280) وابن يعيش (4/ 52). (¬6) انظر التذييل (6/ 226) وشرح التصريح (2/ 196). (¬7) قال سيبويه في الكتاب (3/ 277): «لأن فعال لا يتغير عن الكسر» وانظر ابن يعيش (4/ 50). (¬8) انظر التذييل (6/ 228) وشرح التصريح (2/ 196).

[خلاف العلماء في موضع الضمير المتصل بها]

[خلاف العلماء في موضع الضمير المتصل بها] قال ابن مالك: (وسمع الأخفش من العرب الفصحاء: عليّ عبد الله زيدا، فموضع الضّمير البارز المتّصل بها وبأخواتها مجرور لا مرفوع خلافا للفرّاء، ولا منصوب خلافا للكسائيّ). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬1): «اختلف في الضمير المتصل بهذه الكلمات يعني بها: عليك وإليك وعندك ولديك وأخواتها؛ فموضعه رفع عند الفراء، ونصب عند الكسائي وجر عند البصريين (¬2) وهو الصحيح؛ لأن الأخفش روى عن عرب فصحاء: عليّ عبد الله - بجر عبد الله - فبينّ بذلك أن الضمير مجرور الموضع لا مرفوعه ولا منصوبه، ثم قال: ومع ذلك فمع كل واحد من هذه الأسماء ضمير مستتر مرفوع الموضع بمقتضى الفاعلية، فلك أن تقول في التوكيد: عليكم كلّكم زيدا - بالجر - توكيدا للموجود المجرور، وبالرفع توكيدا للمستكن المرفوع» انتهى. وليعلم أنه لا وجه لقول الفراء في هذه المسألة؛ إذ ليس ثمّ عامل رفع فيدعى أن الكاف في موضع رفع به، ثم إن الكاف ليست من ضمائر الرفع، وكذا لا وجه لقول الكسائي فيها أيضا إذ ليس ثمّ عامل نصب لأن «على» عامل جر، وبتقدير أن تكون ناصبة فهي في «عليك» جزء كلمة، والكاف هي الجزء الآخر، وجزء كلمة لا يعمل في جزأيها، وإن كان الكسائي يذهب إلى أن أسماء الأفعال في موضع نصب بعامل مقدر فالذي هو في موضع نصب إنما هو «عليك» بتمامها لا الكاف وحدها. والحق أنها في موضع جر كما هو مذهب البصريين لأن نحو: «عند» و «لدى» لا يستعمل إلا مضافا وكذا «على» و «إلى» لا يستعمل شيء منهما مفردا بل مع ما هو مجرور به، وقد شذّ وأبعد من قال: إن الكاف مع هذه الكلمات حرف - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1193)، والهمع (2/ 106) والأشموني (3/ 201، 202). (¬2) قال سيبويه في الكتاب (1/ 250، 251): «وإذا قال: عليك زيدا فكأنه قال له: ائت زيدا ألا ترى أن للمأمور اسمين: اسما للمخاطبة مجرورا واسمه الفاعل المضمر في النية كما كان له اسم مضمر في النية حين قلت: عليّ. فإذا قلت: عليك فله اسمان: مجرور ومرفوع». وانظر ابن يعيش (4/ 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خطاب (¬1)، قال بعضهم (¬2): وهو موضع قد أشكل، لأنها إن كانت حرف خطاب فحرف الخطاب لا يؤكد وأنت تقول: عليك نفسك زيدا، قال (¬3): ويظهر من سيبويه أن تأكيدها قياس عنده فيها (¬4)، وإن كانت مضافة والتسمية بالمجموع فجزء الاسم لا يؤكد لو سميت بعبد الله، لا تقول: مررت بعبد الله الرحمن، أو بالظرف أو الجار فقط لزم أن يضاف اسم الفعل، وللسيرافي ما هو كالجواب عن هذا الذي ذكر فإنه قال: التزم سيبويه الثاني، يعني أن الكاف ليست حرف خطاب وأن الأول مضاف إلى الثاني أو جار له، وانفصل عن ذلك بأنه روعي الأصل كما يسمى بـ «حارث» وهو يتوهم الصفة ولذلك دخلت عليه «أل» واعلم أن الشيخ قال (¬5): «في جر عبد الله من قولنا: عليّ عبد الله زيدا - إشكال لأنه على ما زعم - يعني المصنف - تابع للضمير المجرور بـ «على» وهو الياء، وليس بنعت لأنه علم، ولا توكيد لأنه ليس من الألفاظ الموضوعة للتأكيد، ولا عطف نسق لعدم الحرف، ولا عطف بيان لأنه إنما يجاء به للتوضيح، وضمير المتكلم لا يلتبس فيوضح بغيره، ولا بدل لأن بدل المظهر من المضمر المتكلم أو المخاطب لا يجوز إذا كان بدل شيء من شيء - عند غير الأخفش - إلا إن كان البدل يفيد معنى الإحاطة». انتهى. ولا يظهر (لي) (¬6) امتناع كونه عطف بيان؛ لأن عطف البيان هنا لم يوضح المتكلم؛ إذ المتكلم لا يلتبس بغيره كما قال، إنما أوضح اسم مدلول الياء، فبين أن هذا المتكلم هو عبد الله، وعبد الله في هذا التركيب لو لم يذكر لم يعلم اسم المتكلم ما هو. ويجوز كونه بدلا على رأي الأخفش فإنه قد استدل على ذلك بما يقتضي ظاهره الجواز (¬7)، وربما يشعر كلام المصنف في باب البدل (¬8) بالجنوح إلى مذهبه. - ¬

_ (¬1) هو ابن بابشاذ، انظر ابن يعيش (4/ 75) والتذييل (6/ 230، 232) والهمع (2/ 106). (¬2) هو الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 232). (¬3) أي أبو حيان في التذييل (6/ 232). (¬4) انظر الكتاب (1/ 251). (¬5) انظر التذييل (6/ 229). (¬6) في (جـ): إذا، وفي (أ): أن؛ ولعلّ ما أثبته الأقرب للصواب. (¬7) انظر التذييل (6/ 229). (¬8) قال في التسهيل (ص 172): «ولا يتبع ضمير حاضر في غير إحاطة إلا قليلا».

[أحكام أخرى لهذه الأسماء]

[أحكام أخرى لهذه الأسماء] قال ابن مالك: (ولا يتقدّم عند غيره معمول شيء منها، وما نوّن منها نكرة، وما لم ينوّن معرفة، وكلّها مبنيّ لشبه الحرف بلزوم النّيابة عن الأفعال، وعدم مصاحبة العوامل، وما أمكنت مصدريّته أو فعليّته لم يعدّ منها). ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قد مر أن في مثل: عليكم كلكم لك أن تجر التوكيد على أنه تابع للمجرور، ولك أن ترفعه على أنه تابع للضمير المرفوع المستكن، وكذا إذا كان التوكيد بالنفس يجوز الأمران، لكن إذا أكدت المرفوع فلا بد من التأكيد بالضمير المنفصل على القاعدة المعروفة (¬1) فيقال: عليكم أنتم أنفسكم، قالوا (¬2): ولك أن تجمع بين التوكيدين فتقول: عليك نفسك أنت نفسك زيدا، وكذا إذا قلت: هلم لك، تقول: نفسك إن أكدت الكاف؛ فإن جمعت بين التوكيدين قلت: هلم أنت نفسك (لك نفسك، ولا تقول: هلم لك نفسك أنت نفسك ولا عليك أنت نفسك) (¬3) نفسك، بل يجب [5/ 41] الترتيب إذا جمع بين التوكيدين لأن المؤكّد من تمام المؤكّد، قال الشيخ (¬4): «والمغرى به إن كان ضمير متكلم أو غائب جاز اتصاله وانفصاله، تقول: زيد عليكه وعليك إياه وعليكني وعليك إياي، وإن كان ضمير مخاطب فالانفصال فقط، أو يؤتى بالنفس فيقال: عليك إياك، وعليك نفسك». قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على مسائل أربع: الأولى: أن معمول اسم الفعل لا يجوز تقدمه عليه عند غير الكسائي، قال المصنف في - ¬

_ (¬1) وهي أنه لا بد من التوكيد بالضمير المنفصل إذا كان التوكيد بالنفس والعين، يقول ابن مالك في الألفية: وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل عنيت ذا الرفع وأكدوا بما ... سواهما القيد لن يلتزما انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 199). (¬2) انظر التذييل (6/ 233). (¬3) ما بين القوسين ساقط من نسخة (جـ) ومصحح على هامشها. (¬4) انظر التذييل (6/ 233).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح الكافية (¬1): «ومما عزي إليه - يعني إلى الكسائي - دون غيره (¬2) جواز إعمال هذه الأسماء في ما تقدم عليها كقول الراجز: 3650 - يا أيّها المائح دلوي دونكا ... إنّي رأيت القوم يحمدونكا (¬3) ولا حجة فيه لصحة تقدير «دلوي» مبتدأ أو مفعولا بـ «دونك» مضمرا (¬4)، فإن إضمار اسم الفعل متقدما لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه» (¬5) انتهى. واعتلّ البصريون (¬6) لمنع تقديم المعمول في هذا الباب على عامله بأن عمل اسم الفعل ليس بحق الأصالة بل بالحمل على الفعل الذي وضع ذلك الاسم موضعه وهو لا يتصرف تصرفه لأنه لا يتصل به ضمير رفع على حد اتصاله بالفعل ولا تلحقه علامة تأنيث، قالوا: وقياس العامل بحق الأصالة إذا لم يكن متصرفا في نفسه أن - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1394). (¬2) انظر ابن يعيش (1/ 117) وشرح ابن الناظم (ص 238) وانظر شرح التصريح (2/ 200) والهمع (2/ 105) والأشموني (3/ 206)، وقال الأشموني (3/ 207): «ادعى الناظم وولده أنه لم يخالف في هذه المسألة سوى الكسائي: ونقل بعضهم ذلك عن الكوفيين» وانظر شرح الكافية (2/ 68) واللباب في علل البناء والإعراب للعكبري (2/ 387، 388) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231). (¬3) نسب في العيني (4/ 311) وشرح التصريح (2/ 200) لجارية من مازن، ونسب إنشاده في اللسان (ميح) لأبي عبيدة، والصواب كما في الخزانة (3/ 17) أن الرجز لراجز جاهلي من بني أسعد ابن عمرو بن تميم وأن الجارية أنشدته وليس لها. وبعد الشاهد قوله: يثنون خيرا ويمجّدونكا ... خذها إليك اشغل بها يمينكا الشرح: المائح: هو الرجل يكون في جوف البئر يملأ الدلاء. والشاهد فيه قوله: «دلوي دونكا» فإن ظاهره أن «دلوي» مفعول به مقدم لـ «دونك» وبهذا الظاهر أخذ الكسائي وجماعة من الكوفيين. وعليه فإنه يجوز عندهم تقديم معمول اسم الفعل عليه، وهذا غير جائز عند البصريين وهو مذهب ابن مالك. وانظر الرجز في معاني القرآن (1/ 260، 323) والمقرب (1/ 137)، وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231) والمرتجل (ص 261) وشرح الكافية للرضي (2/ 68). (¬4) هذا يدل على أن ابن مالك يجيز إعمال اسم الفعل مضمرا. وانظر الهمع (2/ 105) والأشموني (3/ 205). (¬5) انظر الكتاب (1/ 138) والتذييل (6/ 163). (¬6) انظر الإنصاف (ص 229) والمرتجل (ص 261) واللباب في علل البناء والإعراب (2/ 387، 388) وابن يعيش (1/ 117).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكون متصرفا في معموله فكيف إذا انضاف إلى عدم التصرف كونه لم يعمل بحق الأصالة؟ ومما استدل به المجيز (¬1) قوله تعالى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ (¬2). وأجيب (¬3) عن ذلك بأن «كتاب الله» منصوب على المصدر أي: كتب الله ذلك عليكم كتابا كما قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ * (¬4)، قال ابن عصفور: «أو على أن يكون مفعولا بفعل مضمر أي: الزموا كتاب الله» (¬5). وعلى القول بأنه منصوب على المصدر يكون الدال به على العامل الناصب له ما تقدم، وذلك أن قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ (¬6) فيه دلالة أن ذلك مكتوب عليهم فانتصب «كتاب الله» بهذا الفعل الذي دل عليه الكلام المتقدم، التقدير: كتب الله تعالى ذلك عليكم كتابة؛ فلما حذف الفعل والفاعل لم يبق للضمير ما يعود عليه فأتى بالظاهر بدله (¬7). وأما قول القائل: 3651 - دلوي دونكا ... ... فقد خرجه المصنف على وجهين كما عرفت، لكن في كون اسم الفعل يعمل مقدرا كلام، قال الشيخ (¬8): «ودلوي إما مبتدأ أو منصوب بفعل محذوف، ولم يجعل - ¬

_ (¬1) هم الكوفيون وعلى رأسهم الكسائي واستثنى من الكوفيين الفراء انظر التذييل (6/ 234) وابن يعيش (1/ 117) ومعاني القرآن (1/ 260) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231). (¬2) سورة النساء: 24. (¬3) انظر الإنصاف (ص 230) وما بعدها والمرتجل (ص 260) واللباب في علل البناء والإعراب (2/ 388) والتذييل (6/ 235) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 231). (¬4) سورة الروم: 6، وسورة الزمر: 20. (¬5) يبدو أن هذا في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه، وانظر شرح الجمل (2/ 231). وانظر ملخصا له من شرح المقرب لابن عصفور (المنصوبات القسم الأول، ص 324 وما بعدها). (¬6) سورة النساء: 23. (¬7) انظر الإنصاف (ص 230، 231) والبيان في غريب إعراب القرآن (1/ 248، 249) والمرتجل لابن الخشاب (ص 260). (¬8) انظر التذييل (6/ 235) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المقدر اسم فعل، قال: لأنه لا يجوز حذف اسم الفعل وإبقاء معموله، قال: وأجازه بعضهم، وفي كلام سيبويه ما يدل ظاهره على الجواز لكن تأوله الشيوخ». انتهى. وقد عرفت أن المصنف أخذ في المسألة بظاهر قول سيبويه، ولا شك أنه لا مانع من عمل اسم الفعل مقدرا من جهة الصناعة النحوية (¬1). المسألة الثانية: أن ما نوّن من هذه الأسماء كان نكرة وما لم ينوّن فهو معرفة، قال المصنف في شرح الكافية (¬2): «ولما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالا، ومن قبل اللفظ أسماء جعل لها تعريف وتنكير، فعلامة تعريف المعرفة منها تجرده عن التنوين، وعلامة تنكير النكرة منها استعماله منونا، ولما كان من الأسماء المحضة ما يلازم التعريف كالمضمرات وأسماء الإشارة، وما يلازم التنكير كـ «أحد» (¬3) و «عريب» (¬4) وما يعرّف وقتا وينكّر وقتا كـ «رجل» و «فرس» جعلوا هذه الأسماء كذلك فألزموا بعضها التعريف كـ «نزال» و «بله» و «آمين»، وألزموا بعضها التنكير كـ «واها» و «ويها»، واستعملوا بعضها بوجهين فنوّن مقصودا تنكيره، وجرّد مقصودا تعريفه كـ «صه» و «صه» و «أفّ» و «أفّ» انتهى. وفي شرح الشيخ: قال قوم: هي معارف تعريف علم الجنس، قال: وهو ظاهر - ¬

_ (¬1) لكن بشرط أن يتأخر عنه ما يدل عليه. وانظر حاشية الصبان (3/ 205)، وفي كلام المؤلف هذا موافقة لابن مالك ومخالفة للشيخ أبي حيان. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1388). (¬3) أطلق ابن مالك أحدا وله استعمالات أربعة «أحدها: مرادف الأول وهو المستعمل في العدّ: نحو أحد عشر، والثاني: مرادف الواحد بمعنى المنفرد نحو: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، والثالث: مرادف إنسان نحو: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ [التوبة: 6]، والرابع: أن يكون اسما عامّا في جميع من يعقل نحو: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة: 47] وهو المراد هنا فإنه الملازم للتنكير وندر تعريفه. انظر شرح التصريح (2/ 200)، وحاشية الصبان (3/ 207). (¬4) عريب: مرادف لأحد. وفي اللسان (عرب): «وما بالدار عريب ومعرب أي أحد، الذكر والأنثى فيه سواء، ولا يقال في غير النفس».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام ابن خروف (¬1) إذ المعاني توضع لها الأعلام كـ «سبحان» كما توضع لغير المعاني كـ «أسامة» و «ثعالة» (¬2). المسألة الثالثة: كون أسماء الأفعال كلها مبنية، أما بناؤها فلا خلاف فيه، وإنما الخلاف في علة البناء ما هي؟ فعند المصنف أن العلة ما أشار إليه وهي: شبه الحرف بلزوم النيابة عن الأفعال، وعدم مصاحبة العوامل، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب الإعراب. والمراد أن أسماء الأفعال عاملة غير معمولة فشبهها للحرف من هذه الجهة، وقد قال: «إن هذا هو مذهب المحققين» (¬3)، ولا شك أن هذا بناء منه على أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب، وقد تقدمت الإشارة إلى أن هذا هو الصحيح، ولكن المغاربة يخالفون في ذلك ويجعلونها معمولة لعوامل مقدرة، قال ابن عصفور (¬4): «أسماء الأفعال فيها خلاف بين النحويين: فمنهم من ذهب إلى أنها منصوبة بأفعال مضمرة وهو مذهب سيبويه (¬5)، ومنهم من ذهب إلى أنها لا موضع لها من الإعراب وهو مذهب الأخفش (¬6)، ولأبي علي الفارسي القولان: فإنه في حلبياته لم يجعل لها موضعا من الإعراب، وفي تذكرته (¬7) جعلها في موضع نصب بأفعال مضمرة فقال: عليك زيدا، أصله: اعطف عليك زيدا أو نحو ذلك، ثم استغني بالمجرور عن الفعل فحذف وصار الضمير الذي كان في الفعل في الجار والمجرور، ثم قال - أعني ابن عصفور -: والصحيح عندي أنها منصوبة بأفعال مضمرة (¬8)، وسواء أكانت من لفظ الفعل كـ «نزال» و «تراك» أم من غير لفظه - ¬

_ (¬1) انظر شرح التصريح (2/ 201)، والأشموني (3/ 207، 208). (¬2) انظر التذييل (6/ 236). (¬3) ذكر الشيخ أبو حيان أن المصنف ذكر ذلك في بعض تصانيفه انظر التذييل (6/ 238). (¬4) في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه. (¬5) انظر التذييل (6/ 236) والأشموني (3/ 196). (¬6) انظر الحلبيات (ص 211)، والتذييل (6/ 237) وشرح التصريح (2/ 195) والهمع (1/ 17). والأشموني (3/ 196). (¬7) لم أعثر عليه. (¬8) أخذ بهذا الرأي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كـ «صه» و «مه» وهو [5/ 42] مذهب سيبويه، وقد نص على ذلك في كتابه (¬1)، وذلك أنه جعل «نعاء» من قول الشاعر: 3652 - نعاء جذاما غير موت ولا قتل ... ولكن فراقا للدّعائم والأصل (¬2) في موضع نصب بإضمار فعل، وكذلك قد نص أبو علي الدينوري (¬3) في مهذبه (¬4) على ذلك، ثم قال (¬5): ويبتنى على هذا الخلاف خلاف آخر في «دونك» و «مكانك»، و «حذرك» وأشباهها من أسماء الأفعال، فمن زعم أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب اعتقد في هذه الأسماء أنها مبنية؛ إذ لا يتصور أن تكون معربة لأن الإعراب لا يكون إلا بعامل، وهذه الأسماء عنده غير معمولة، ومن اعتقد في الأسماء المذكورة أنها معمولة لعوامل مضمرة اعتقد فيها أنها معربة، وإنما كانت معربة لأنها في الأصل ظرف كـ «مكانك» و «دونك» أو مصدر كـ «حذرك» وقد كانت معمولة لأفعال فلما حذفت تلك الأفعال وأنيبت هي منابها بقيت على ما كانت عليه من الإعراب، قال (¬6): ومما يبين لك أن المصادر والظروف وما أشبهها من الأسماء التي - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 275، 276). (¬2) هذا البيت من الطويل وهو للكميت كما في الكتاب (1/ 276) وليس في ديوانه. الشرح: نعاء: معناه: انع والأصل فيه ذكر خبر موته والفجيعة فيه، وكانوا في جاهليتهم إذا مات منهم ميت له خطر وقدر، ركب راكب وجعل يسير في الناس ويرد عليهم محلاتهم وهو يقول: «نعاء فلانا» أي أظهر خبر وفاته وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عما كان أهل الجاهلية يصنعونه، والدعائم: جمع دعامة وأصله: أن يميل شيء فتدعمه بخشبة أو نحوها لتقيمه، وسموا سيد القوم دعامة من ذلك لأنه الذي يقيم ما اعوجّ من أمورهم. يقول: انع هؤلاء القوم واذكر الفجيعة فيهم ولكن لا تذكر ذلك لأنهم ماتوا وقتلوا، ولكن لأنهم فارقوا سادتهم وأهل الخطر منهم فتبدد أمرهم وانصدع شملهم. والشاهد في قوله: «نعاء جذاما» حيث استعمل فيه اسم فعل أمر مأخوذا من مصدر الفعل الثلاثي المتصرف وبناه على الكسر وهو في موضع نصب بإضمار فعل. وانظر البيت في الإنصاف (ص 539)، وابن يعيش (4/ 51). (¬3) أبو علي الدينوري: أحمد بن جعفر الدينوري، نزل بمصر وتوفي فيها، له المهذب في النحو، توفي سنة (289 هـ). انظر الأعلام (1/ 107) وبغية الوعاة (1/ 301). (¬4) من مؤلفات أبي علي الدينوري ولم أعثر عليه، وانظر التذييل (6/ 236). (¬5) أي ابن عصفور وانظر التذييل (6/ 237). (¬6) أي ابن عصفور، وانظر التذييل (6/ 237).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنيبت مناب الفعل ولم تجعل في أول أحوالها اسما له لم يعامل معاملة «نزال» وأشباهها فيلزم بناؤها، وكونها مضافة إلى ما بعدها يدل على افتراقها من «نزال» وشبهه؛ لأن أسماء الأفعال لا تضاف» انتهى كلام ابن عصفور - رحمه الله تعالى - ولم يذكر العامل المقدر في اسم الفعل ما هو؟ بل اقتصر على ما نقله عن أبي علي أن الأصل: اعطف عليك زيدا، واقتصاره عليه دليل أنه رضيه مع أنه قد تقدم له نظير ذلك وهو أنه جعل التقدير في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ (¬1): أمسكوا عليكم أنفسكم. لكن لقائل أن يقول: يلزم مما ذكره أن يكون «زيدا» من: عليك زيدا - منصوبا بـ «اعطف» المقدر ويكون «عليك» متعلقا به، وعلى هذا لا يكون عليك اسم فعل حينئذ، وإن قال: إن اسم الفعل ضمّن معنى: «اعطف» بعد حذفه كان معنى عليك زيدا: اعطف زيدا، وليس ذلك معنى هذه الكلمة، إنما معناها: «الزم». والذي يظهر أن نحو: عليك وإليك بعد أن نقل وسمّي به الفعل يمتنع أن يقدر له عامل من حيث اللفظ والمعنى: أما اللفظ: فلأن «عليك زيدا» ليس معناه: اعطف عليك زيدا كما عرفت، وأما المعنى: فلأن الذي يستفاد من اسم الفعل إنما هو الذي يستفاد من الفعل، والذي يستفاد من الفعل إما طلب فعل أو إخبار عن فعل، وشيء من هذين الأمرين لا يقبل المفعولية. وأما قوله - أعني ابن عصفور - في «دونك» و «مكانك» و «حذرك» أن من اعتقد في أسماء الأفعال أنها معمولة لعوامل مضمرة فإنه يعتقد في هذه يعني: دونك ومكانك وحذرك أنها معربة؛ وتعليله ذلك بأنها في الأصل ظرف كـ «مكانك» و «دونك» أو مصدر كـ «حذرك»، وقد كانت معمولة لأفعال، فلما حذفت تلك الأفعال وأنيبت هي منابها بقيت على ما كانت عليه من الإعراب - فغير ظاهر؛ لأنها إن كانت باقية (على ما كانت عليه من الإعراب) (¬2) فالعامل فيها الآن - أعني بعد النقل - إن كان العامل فيها قبل النقل؛ فهي باقية على ما كانت - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 105. (¬2) ما بين القوسين ساقط من (جـ) وفي (أ) زيادة كلمة «فيها» بعد قوله: من الإعراب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه من الظرفية؛ وإذا كانت كذلك فكيف يتصور فيها أن تكون اسم فعل؟ وإن كان العامل فيها بعد النقل غير العامل فيها قبل النقل فقد عرفت أن ذلك ممتنع كما أشرنا إليه آنفا (¬1). والحق أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب سواء أكانت موضوعة اسم فعل في الأصل أم منقولة من ظرف مضاف أو جار ومجرور (¬2)، وإذا كان كذلك فالحركات التي في «دونك» و «مكانك» - أعني حركة النون فيهما - وفي «حذرك» أعني حركة الراء - ليست بحركات إعراب ولا بناء، وإنما هي حكاية لحركاتها الإعرابية لا غير. المسألة الرابعة: أن ما أمكن أن يكون مصدرا أو فعلا لا يعدّ من أسماء الأفعال. أما ما أمكنت فعليته فالظاهر أن المراد به: «هات» و «تعال» فإن المصنف قد تقدم نقلنا عنه أنه قال في شرح الكافية: إنهما فعلان لا يتصرفان (¬3). فهاتان الكلمتان أمكنت فعليتهما لاتصال ضمائر الرفع البارزة بهما، وإذا كان كذلك كان الحكم بأنهما أسماء فعل خطأ (¬4). وأما ما أمكنت مصدريته فيمكن أن يمثل له بـ «حذرك» الذي مثل به ابن عصفور على أنه اسم فعل منقول من المصدر؛ فإنه لا داعية تدعو إلى القول بأنه اسم فعل فيدعى أنه باق على المصدرية، وقد مثل الشيخ لذلك بقولهم: «سقيا ورعيا» قال (¬5): «فلا تقول: إنهما اسمان للفعل بجامع ما اشتركا فيه من دلالتهما على معنى الفعل، ألا ترى أن المعنى: سقاك الله ورعاك»؟. وما ذكرته من التمثيل بـ «حذرك» أولى فإن أحدا لا يرتاب في أن سقيا ورعيا مصدران. ¬

_ (¬1) يرى المؤلف أن نحو: عليك وإليك بعد أن نقل وسمي به الفعل يمتنع أن يقدر له عامل من حيث اللفظ والمعنى، وهو ما أشار إليه سابقا بقوله: «والذي يظهر». (¬2) وهو الصواب لوقوعها موقع فعل الأمر وهو مبني عند المحققين، ووقوع هذه الأسماء موضع ما أصله البناء (وهو الفعل) وجريها مجراه في الدلالة سبب كاف في البناء. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1389) وانظر التذييل (6/ 239). (¬4) انظر التذييل (6/ 215، 239). (¬5) انظر التذييل (6/ 239).

[أسماء الأصوات: أنواعها- أمثلة لها- أحكامها]

[أسماء الأصوات: أنواعها - أمثلة لها - أحكامها] قال ابن مالك: (فصل: وضع الأصوات إمّا لزجر كـ «هلا» للخيل و «عدس» للبغل و «هيد» و «هاد» و «ده» و «عه» و «عاه» و «عيه» و «حوب» و «حاي» و «عاي» و «هاب» للإبل و «هيج» و «عاج» و «حل وحلا وحل» للنّاقة (¬1)، و «حاب» و «حب» و «جاه» للبعير، و «إسّ» و «هسّ» و «هج» و «قاع» للغنم و «هج» و «هجا» للكلب، و «سع» و «حج» للضّأن، و «وح» و «حو» للبقر (¬2)، و «عز» و «عيز» و «حيز» للعنز، و «حرّ» للحمار، و «جاه» للسّبع، وإمّا لدعاء كـ «أو» [وهبي] (¬3) للفرس، و «دوه» للرّبع، و «عوه» للجحش، و «بس» للغنم، و «جوت» و «جيء» للإبل الموردة، و «تؤ» و «تأ» للتّيس المنزي، و «نخ» مشدّدا ومخفّفا (¬4)، للبعير المناخ، و «هدع» لصغار الإبل المسكّنة، و «ساء» و «تشوء» للحمار المورد، و «دج» للدّجاج، و «قوس» للكلب، وإمّا للحكاية كـ «غاق» للغراب، و «ماء» للظّبية، و «شيب» لشرب الإبل، و «عيط» للمتلاعبين، و «طيخ» للضّاحك، و «طاق» للضّرب، و «طق» لوقع الحجارة، و «قب» لوقع السّيف، و «خاز باز» للذّباب، و «خاق باق» للنّكاح، و «قاش ماش» و «حاث باث» للقماش كأنّه سمّي بصوته، وحكم جميعها البناء، وقد يعرب بعضها لوقوعه موقع متمكّن، وربّما سمّي بعضها باسم فبني لسدّه مسدّ [5/ 43] الحكاية، كـ «مضّ» المعبّر به عن صوت مغن عن لا). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬5): «أسماء الأصوات [ما]- ¬

_ (¬1) في (جـ)، (أ): وحل للناقة وحل. وما أثبته مصحح من التسهيل. (¬2) في (جـ)، (أ): دوج للبقر وهو. وما ذكرته مصحح من التسهيل. (¬3) من التسهيل لابن مالك. (¬4) في (جـ)، (أ): مخففا ومشددا، وما أثبته عبارة التسهيل. (¬5) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1396).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وضع لخطاب ما لا يعقل أو ما هو في حكم ما لا يعقل من صغار الآدميين، أو لحكاية الأصوات، وقد قال هنا: إن الأصوات إما لزجر وإما لدعاء، وذكر ما هو للحكاية بعد ذلك، فعلم أن الزجر والدعاء داخلان في ما هو موضوع للخطاب. وعلى هذا يقال: أسماء الأصوات إما للخطاب أو للحكاية، والخطاب إما لزجر أو دعاء، والحكاية إما لأصوات حيوان أو لاصطكاك أجرام، قال الشيخ (¬1): «وقد ذكر المصنف ذلك مستوفى، قال: وهو شيء من علم اللغة لا حظّ للنحوي فيه إلا ما كان من الكلام على الأسماء المذكورة أهي معربة أم مبنية؟» انتهى. وأما علة بنائها: فقد قال المصنف في شرح الكافية (¬2): «أما بناء أسماء الأفعال فلأنها أشبهت الحروف العاملة في أنها عاملة غير معمولة مع الجمود ولزوم طريقة واحدة فاستغنت عن الإعراب لأن فائدته الدلالة على ما يحدث من المعاني بالعوامل وذلك غير موجود في أسماء الأفعال، وأما أسماء الأصوات فهي أحق بالبناء لأنها غير عاملة ولا معمولة فأشبهت الحروف المهملة، ولأن فائدة الإعراب إبانة مقتضيات العامل وذلك غير موجود فيها فلم يكن لها في الإعراب نصيب». وأما قوله: وقد يعرب بعضها لوقوعه موقع متمكن - فقد أنشد الشيخ في شرحه (¬3): 3653 - إذ لمّتي مثل جناح غاق (¬4) يعني هذا القائل الغراب؛ فـ «غاق» اسم لصوت الغراب، قال الشيخ: لا نعلم - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 239) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1397). (¬3) انظر التذييل (6/ 241) وقد أعاد الشيخ أبو حيان ذكر الشاهد في صفحة 242). (¬4) هذا البيت من الرجز المشطور لم أهتد إلى قائله وقبله كما في اللسان (غوق): ولو ترى إذ جبّتي من طاق ورواية اللسان بدون إذ، قال: ولمّتي مثل جناح غاق الشرح: «اللمة» - بالكسر - الشعر الذي يجاوز شحمة الأذن. والشاهد في قوله: «غاق» حيث إنه اسم لصوت الغراب وأطلقه الشاعر على الغراب مجازا. والبيت في شرح التصريح (2/ 202) والهمع (2/ 107) والأشموني (3/ 211) واللسان (غوق) وانظر حاشية يس على التصريح (2/ 202).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلافا في ذلك فأطلقه الشاعر على الغراب لأنه لا يمكن أن يكون المعنى: إذ لمتي كجناح اسم صوت الغراب. وأقول: إن الأمر إذا كان كذلك فاسم الصوت لم يعرب، والذي جرى عليه الإعراب إنما هو اسم الغراب، وعبارة المصنف تعطي ذلك لأنه علل الإعراب بوقوعه موقع اسم متمكن، فالكلمة المذكورة لم تعرب وهي اسم صوت؛ بل لما أريد بها ما يراد بالاسم المتمكن - وإن كانت الإرادة مجازا - وركبت الكلمة مع غيرها مسها الإعراب؛ إذ إعرابها يصير متعينا حينئذ، وعلى هذا فالمصنف لم يكن محتاجا إلى أن يقول: وقد يعرب بعضها، بل كان الواجب أن يقول: وقد ينقل بعضها فيسمّى به ما يتوقّف فهم معناه على الإعراب. وأما قوله: وربّما سمّي بعضها باسم فبني لسده مسدّ الحكاية كـ «مضّ» المعبّر به عن صوت مغن عن لا - فمعناه أن «مضّ» اسم عبر به عن صوت وذلك الصوت مغن عن «لا» ومقتضاه أن «مضّ» اسم مستحق للإعراب؛ فلما عبر به عن الصوت لقصد الحكاية بني، وذلك الصوت مغن عن «لا»، لكن لم يعرف ذلك الصوت الذي أغنت عنه لا ما هو؟ (¬1). ولم أتحقق كلام الشيخ في هذا الموضع فإنه قال (¬2): «وأما مضّ فهو صوت بضم الشفتين بمعنى لا وفيه إطماع لأنه ليس برد صحيح، قال: وزعم بعض شراح المفصل أنه اسم لاعذر والمراد به الرد مع إطماع (¬3)، قال: فعلى هذا يكون اسم فعل لا اسم صوت وأنشد: 3654 - سألت هل وصل فقالت: مضّ ... وحرّكت لي رأسها بالنّغض (¬4) - ¬

_ (¬1) في اللسان (مضض): «الليث: المضّ أن يقول الإنسان بطرف لسانه شبه لا» ونقل عن الجوهري: «مضّ - بكسر الميم والضاد - كلمة تستعمل بمعنى لا وهي مع ذلك كلمة مطمعة في الإجابة» وقال الفراء في المعاني (2/ 121): «مضّ كقول القائل: لا يقولها بأضراسه». (¬2) انظر التذييل (6/ 243) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬3) انظر ابن يعيش (4/ 78). (¬4) هذا من الرجز المشطور ولم أهتد إلى قائله. الشرح: «مض» كلمة يقولها الإنسان بطرف لسانه تشبه لا وفيها إطماع، «النغض» التحريك ويقال -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وفي أمثالهم: إنّ في مضّ لمطمعا» (¬1). * * * ¬

_ - للرجل إذا حدث بشيء فحرك رأسه إنكارا له: قد أنغض رأسه. والمعنى: أنه سألها الوصل فأشارت بلسانها أن لا وصل. والشاهد في قوله: «مض» فإنه اسم صوت بمعنى لا. ويرى الشيخ أبو حيان أنه اسم فعل بمعنى اعذر، كما نقله عن ابن يعيش (4/ 78)، وهو غير ظاهر؛ لأن الزمخشري يقول في المفصل (ص 165): «ومض أن يتمطق بشفتيه عند رد المحتاج» وهو واضح في أنه اسم صوت لا اسم فعل. وانظر الرجز في معاني القرآن (2/ 121) والشطر الأول في المفصل (ص 165) وابن يعيش (4/ 78) ومجمع الأمثال (1/ 84). (¬1) هذا مثل يضرب عند الشك في نيل شيء. وفي مجمع الأمثال (1/ 84)، «إنّ في مضّ لسيما» وقال الميداني: «ويروى: لمطمعا» وسيما: فعلى من الوسم والأصل فيه: وسمى ثم صارت سيما فهي الآن عفلى، انظر مجمع الأمثال (1/ 84، 85) والمثل رواه الزمخشري في المستقصى (1/ 413): «إنّ في مضّ لطمعا» وهو المثل رقم (1756).

الباب الحادي والستون باب نوني التوكيد

الباب الحادي والستون باب نوني التّوكيد [نوعاهما - لحوقهما المضارع وجوبا، والأمر والمضارع جوازا] قال ابن مالك: (وهما خفيفة وثقيلة تلحقان وجوبا المضارع الخالي من حرف تنفيس، المقسم عليه مستقبلا مثبتا، غير متعلّق به جارّ سابق، وجوازا فعل الأمر والمضارع التّالي أداة طلب، أو «ما» الزّائدة الجائزة الحذف في الشّرط كثيرا وفي غيره قليلا، ولا يلزمان بعد «إمّا» الشّرطيّة - خلافا لأبي إسحاق، والنّفي بـ «لا» متّصلة كالنّهي على الأصحّ ويلحق به النّفي بـ «لا» منفصلة، وب «لم»، والتّقليل المكفوف بـ «ما»، والشّرط مجرّدا من «ما» وقد تلحق جواب الشّرط اختيارا واسم الفاعل اضطرارا، وربّما لحقت المضارع خاليا ممّا ذكر). قال ناظر الجيش: قد أفهمت ترجمة الباب أن كلّا من النونين أصل برأسه؛ فالخفيفة ليست مخففة من الثقيلة، واستدل سيبويه على ذلك بأنها (¬1) تبدل ألفا في الوقف، وتحذف في مثل: الزيدون هل يقومن إذا وقفت أيضا، قال (¬2): «فلو كانت مخففة من الثقلية لثبتت ثبوتها ولم تبدل ولم تحذف» والمنقول عن الكوفيين (¬3) أن الخفيفة أصلها الشديدة فخففت كما خففت «أن» و «لكن»، ثم النون شديدة كانت أو خفيفة إنما يؤكد بها الفعلان - أعني الأمر والمضارع - وأما الماضي الباقي على مضيه فلا مدخل لها فيه، واحترز بـ «الباقي على مضيّه» من - ¬

_ (¬1) أي النون الخفيفة، وذلك من مثل قوله تعالى لَنَسْفَعاً فإنه عند الوقف على النون الخفيفة تبدل ألفا. انظر الإنصاف (ص 653). (¬2) هذه العبارة ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 244) وقد نقلها المؤلف عنه دون أن يشير، ونص كلام سيبويه في هذه المسألة هو: «فالخفيفة في الكلام على حدة والثقلية على حدة، ولأن تكون الخفيفة حذف عنها المتحرك أشبه؛ لأن الثقيلة في الكلام أكثر، ولكنا جعلناها على حدة لأنها في الوقف كالتنوين، وتذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة أو ألف ولام، كما تذهب لالتقاء الساكنين ما لم يحذف عنه شيء ولو كانت بمنزلة نون «لكن» و «أن» و «كأن» التي حذفت عنها المتحركة لكانت مثلها في الوقف». انظر الكتاب (3/ 524: 525) وانظر الإنصاف (658: 659). (¬3) انظر الإنصاف (ص 650) والتذييل (6/ 244) وشرح التصريح (2/ 203) والأشموني (3/ 212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو قول الشاعر: 3655 - دامنّ سعدك إن رحمت متيّما ... لولاك لم يك للصّبابة جانحا (¬1) فإنّ دام باستعماله دعاء صار معناه مستقبلا فساغ دخول النون وثم إنها تباشر الأمر جوازا فيقال: اعلمنّ، واعلمنّ، واعلمانّ، واعلمنّ. وينبغي أن يقتصر في التمثيل لذلك بفعل أمر من يخاطبه خاصة كما فعلنا، لأن الأمر إن كان لغير من يخاطبه فإنما يكون بغير صيغة أمر المخاطب وهو صيغة المضارع، فهي إذا داخلة في قسم المضارع فلا يمثل بها مع فعل الأمر الذي هو للمخاطب وكذا فعل النهي، ولو كان النهي للمخاطب داخلا في قسم المضارع لأنه إما يكون بصيغته، وأما المضارع فمباشرتها له إنما تكون بشرط يذكر، ثم المباشرة له إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الجواز، والمباشرة وجوبا إنما هي في صورة واحدة، وإما المباشرة جوازا ففي صور أربع: صورة هي فيها أكثرية، وصورة هي فيها كثيرة، وصورة هي فيها قليلة، وصورة هي فيها أقل من التي قبلها كما سيتضح ذلك عند شرح ألفاظ الكتاب. ثم إن المصنف أشار أولا إلى الصورة التي يجب أن يؤتى فيها بالنون وذكر أن شروط الوجوب خمسة: كون الفعل مضارعا، وكونه مثبتا، وكونه مستقبلا، وكونه جواب قسم وكونه غير مفصول بينه وبين لام الجواب بشيء، وقد صرح في متن الكتاب [5/ 44] بالشروط المذكورة، غير أن كلامه يضمن أن الشروط ستة وذلك أنه جعل الخلو من حرف التنفيس شرطا وجعل كونه غير متعلق به جار سابق شرطا آخر، وقد عرفت أن شرط الفصل بين الفعل واللام بشيء كاف على أن في قول المصنف: «غير متعلّق به جارّ سابق» قصورا فإن المعتبر في عدم الإتيان بالنون إنما هو الفصل بمعمول ذلك الفعل كائنا ما كان والذي ذكره في باب القسم وهو قوله «ولا يتقدّم معموله» - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الكامل لقائل مجهول، وفيه الإضمار. الشرح: قوله دامن: أصله: دام من الدوام ودخله نون التوكيد على وجه الشذوذ، وسعدك: الخطاب لمحبوبته والمتيم: من تيّمه الحب إذا عبّده - بالتشديد - والصبابة: المحبة والعشق والجانح: من جنح إذا مال. والشاهد فيه: قوله «دامن» حيث دخلت نون التوكيد الفعل الماضي وهو قليل شاذ؛ لأن نون التوكيد لا تدخل إلا على الأمر والمضارع. وانظر البيت من المغني (ص 339) والعيني (1/ 120)، وشرح التصريح (2/ 203) والهمع (2/ 78) والدرر اللوامع (2/ 99).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أوفى بالمقصود مما ذكره هاهنا على أن المصنف قد ذكر المسألة مستوفاة في باب القسم، وإنما تعرض إلى ذكرها هنا تنبيها على أن نون التوكيد التي حقها جواز مباشرتها الفعل يجب أن تكون مباشرة له في هذه الصورة ليكون قد استوفى الكلام في مباشرتها لما تباشره وجوبا وجوازا، وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب: فقوله: المضارع ظاهر، وقوله: الخالي من حرف تنفيس احتراز من أن لا يخلو منه كقوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (¬1)، وقد علل ذلك بأن السين مخلصة للاستقبال كما أن النون كذلك فكرهوا الجمع بينهما (¬2). وقوله: المقسم عليه ظاهر فلا يجوز الإتيان بالنون في نحو: يقوم زيدا غدا، وإن كان «يقوم» مستقبلا، وقوله: مستقبلا تحرّز [من] أن يكون المضارع مقسما عليه وهو حال نحو: والله ليقوم زيد، فلا يجوز الإتيان بالنون لأنها تصرفه إلى الاستقبال والغرض أن الفعل للحال، وهذا الذي ذكره المصنف بناء منه على أنه يجوز أن يقسم على فعل الحال، وهو يرى ذلك قائلا [فيه] بقول الكوفيين، وقد استدل (¬3) على ذلك بقراءة ابن كثير (¬4): لأقسم بيوم القيامة (¬5) وأجيب (¬6) عن ذلك: بأن الكلام جملة اسمية، والتقدير: لأنا أقسم، وغير المصنف يقدم ذكر الاستقبال على ذكر المقسم عليه فيستريح من إيراد أن فعل الحال لا يقسم عليه، وإذا كان لا يقسم عليه فلا حاجة إلى جعل الاستقبال شرطا فيه. وقوله: مثبتا تحرّز من أن يكون منفيّا نحو: والله لا يقوم زيد قال الله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ (¬7). ¬

_ (¬1) سورة الضحى: 5. (¬2) انظر التذييل (6/ 246)، والهمع (2/ 78). (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر الإرشادات الجلية في القراءات السبع من طريق الشاطبية (ص 501)، وفي الكشف (2/ 349) قرأه قنبل بهمزة بعد اللام من غير ألف وقرأ الباقون بألف بعد اللام وبهمزة قبل القاف». وانظر السبعة لابن مجاهد (661). والنشر (2/ 282). (¬5) سورة القيامة: 1. (¬6) انظر الكشاف للزمخشري (4/ 659) والتذييل (6/ 245) والمغني (ص 229). (¬7) سورة يوسف: 85.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: غير متعلق به جارّ سابق تحرّز من أن يكون كذلك فلا مجال للنون حينئذ وذلك نحو قوله تعالى وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (¬1)، وقد عرفت أن المعمول الصريح في كونه سابقا حكمه حكم الجار المذكور، والمعمول الصريح كالمفعول والحال والخبر، فالمفعول نحو: والله لزيدا أكرم، والحال نحو: والله لمسرعا يجيء زيد، والخبر نحو: والله لساهرا يبيت عمرو (¬2). قال الشيخ (¬3): «ونقص المصنف قيد آخر، وهو: أن لا يكون الفعل المضارع الخالي من حرف التنفيس المقسم عليه المستقبل المثبت غير متقدم المعمول قد فصل بينه وبين اللام بـ «قد» فإنه فيه الشروط التي ذكرها، ومع ذلك لا يجب دخول النون فيه، ولا يجوز بل يمتنع نحو: والله لقد يذهب خالد» انتهى. ولو قال المصنف: «غير مفصول بين (¬4) الفعل وبين اللام الداخلة بشيء» لشمل الفصل بما ذكر أجمع واستراح من أن يستدرك عليه بشيء، لا يقال: كلام المصنف قد اقتضى أن النون يجب الإتيان بها عند اجتماع هذه الشروط التي ذكرها، ويعلم منه أن شرطا من هذه الشروط إذا فقد انتفى الوجوب، وإذا انتفى الوجوب أمكن أن يكون الإتيان بالنون ممتنعا، وأن يكون جائزا، لكن الامتناع هو الواقع، فمن أين يعرف ذلك؟ لأنا نقول: هذا الذي قيل إنما كان يلزم أن لو لم يذكر المصنف قسم الجائز لكنه قد قال: «وجوازا كذا وكذا ...» فنصّ على الأمكنة التي يؤتى بالنون فيها جوازا بعد أن ذكر المكان الذي يؤتى بها فيه وجوبا، فعلم من ذلك أن ما عدا ما ذكره يمتنع الإتيان بها فيه. ثم إن المصنف لما أنهى الكلام على القسم الذي يجب فيه الإتيان بالنون شرع في ذكر القسم الذي يؤتى بالنون فيه جوازا، وقد عرفت أنه نوعان: فعل الأمر والمضارع غير الواقع جواب قسم، أما الأمر فلا فرق فيه بين أن يكون متصرفا أو غير متصرف فتلحق «هلمّ» في لغة تميم وتلحق «تعلّم» بمعنى: اعلم وقال زهير: 3656 - تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما ... فاقصد بذرعك وانظر أين تنسلك (¬5) ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 158. (¬2)، (¬3) انظر التذييل (6/ 247). (¬4) انظر ديوانه بشرح الأعلم (ص 48). (¬5) هذا البيت من البسيط، وهو لزهير (ديوانه ص 48 بشرح الأعلم). الشرح: قوله تعلمن ها أي: اعلم وها تنبيه، وأراد هنا ما أقسم به ففرق بين ذا وها بقوله لعمر الله ونصب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المضارع فالمسموع لمباشرتها إياه أسباب: أن يلي أداة طلب، وأن يلي «ما» الزائدة الجائزة الحذف في الشرط، وأن يلي «ما» الزائدة في غير الشرط ولا النافية وأن يلي «لم» والتقليل المكفوف بـ «ما» والشرط المجرّد من «ما» فهذه أسباب أربعة: الأول: أن يلي الفعل أداة طلب، فتشمل هذه العبارة ما صاحب ما يقتضي طلبا من لام أمر أو لا نهي أو دعاء أو تحضيض أو عرض أو تمن أو استفهام، فمثال الأمر والنهي قول الأعشى أنشده سيبويه (¬1): 3657 - وإيّاك والميتات لا تقربنّها ... ولا تعبد الشّيطان والله فاعبدا (¬2) ومثال الدعاء قول ابن رواحة (¬3) - رضي الله تعالى عنه: 3658 - والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا (¬4) - ¬

_ - قسما على المصدر المؤكد به معنى اليمين، وقوله: فأقدر وهي رواية الديوان، أي قدر بخطوك، والذرع قدر الخطو، وهذا مثل، والمعنى: لا تكلف نفسك ما لا تطيق مني بتوعده بذلك وكذلك قوله: وانظر أين تنسلك والانسلاك: الدخول في الأمر، وأصله من سلوك الطريق، والمعنى: لا تدخل نفسك فيما لا يعنيك ولا يجدي عليك. والشاهد في البيت: دخول نون التوكيد الحقيقة في «تعلم» بمعنى اعلم، والبيت في الكتاب (3/ 500) (هارون)، والمقتضب (2/ 323) والتذييل (6/ 249) والخزانة (2/ 475). (¬1) انظر الكتاب (3/ 105). (¬2) هذا البيت من الطويل: وهو للأعشى (ديوانه ص 103) والرواية في الديوان: فأياك والميتات لا تقربنها ... ولا تأخذن سهما جديدا لتفصدا وذا النّصب المنصوب لا تنسكنّه ... ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا الشرح: قوله فإياك والميتات يريد به أن الميتة محرم أكلها وإنما ذكر ما يدعو إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وكان مدحه بهذه القصيدة وذكر فيها ما جاءت به الشريعة وأراد أن يلحق به ويسلم فمنعته قريش. والشاهد فيه: دخول نون التوكيد الثقيلة على المضارع المنهي بلا في قوله «لا تقربنها» والنون الخفيفة على الأمر في قوله: فاعبدا، وأبدلت ألفا في الوقف. وانظر أمالي الشجري (1/ 384)، (2/ 268) والإنصاف (657) وابن يعيش (9/ 39) والمغني (ص 372) والعيني (4/ 340) والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 95) وشرح التصريح (2/ 208)، والأشموني (1/ 226). (¬3) هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصاري من الخزرج، صحابي يعد من الأمراء والشعراء الراجزين توفي سنة 8 هـ. انظر الأعلام (4/ 86). (¬4) هذا رجز قائله عبد الله بن رواحة كما ذكر المؤلف وكما في الكتاب (3/ 511) وقيل أنه لكعب بن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال التحضيض قول القائل: 3659 - هلّا تمنّن بوعد غير مخلفة ... كما عهدّتك في أيّام ذي سلم (¬1) ومثال العرض: ألا تنزلن فنقريك (¬2). ومثال التمني قول القائل: 3660 - فليتك يوم الملتقى ترينّني ... لكي تعلمي أنّي امرؤ بك هائم (¬3) ومثال الاستفهام قول الآخر: 3661 - وهل يمنعنّي ارتياد البلا ... د من حذر الموت أن يأتين (¬4) وقول الآخر: - ¬

_ - مالك ونسبه ابن يعيش (3/ 118) لعامر بن الأكوع وكذا العيني (4/ 451) والمعنى واضح. استشهد به: على دخول نون التوكيد على المضارع الدال على الطلب بالدعاء في قوله (فأنزلن) والرجز في الكتاب (3/ 511) وابن يعيش (3/ 118) والعيني (4/ 451) والهمع (2/ 43) والدرر (2/ 49) وشرح التصريح (2/ 73). (¬1) هذا البيت من البسيط مجهول القائل. الشرح: هلا تمنن بكسر النون الأولى وسكون الثانية لأن أصله: تمنين خطاب للمؤنث فلما دخلت عليه «هلا» التي للطلب سقطت النون فصار هلا تمنى ثم لما دخلت عليه نون التوكيد الخفيفة وهي ساكنة التقى ساكنان وهما النون والياء فحذفت الياء فصار: هلا تمنن، وذب سلم: بفتح السين واللام وهو اسم موضع بالحجاز، وقيل: اسم واد به، والشاهد فيه: قوله «هلا تمنن» حيث أكد الفعل بنون التوكيد بعد حرف التحضيض. والبيت في والعيني (4/ 322) وشرح التصريح (2/ 204)، والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 96). (¬2) مثل له الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 249) بقوله: ألا تنزلن فتصيب خيرا. (¬3) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: «الهائم» المتحير في العشق. والشاهد فيه: قوله: «ترينني» حيث أكده بالنون الثقيلة لوقوع الفعل بعد التمني، وهو خبر ليت، واللام في «لكي» للتعليل و «كي» تماثل «أن» المصدرية معنى وعملا وليست بحرف تعليل إذ لو كانت كذلك لما دخلها حرف تعليل. والبيت في الهمع (2/ 78) والدرر (2/ 96) والتذييل (6/ 249) والأشموني (3/ 213). (¬4) هذا البيت من المتقارب. الشرح: ارتياد البلاد، ذهابه ومجيئه وطوفه في البلاد، يقال منه راد يرود إذا ذهب وجاء، وارتاد يرتاد، يقول: هل يمنعني التطوف في البلاد والتقلب من موضع إلى موضع من حذر الموت أن يأتيني الموت؟ والشاهد فيه «هل يمنعني» حيث أكد الفعل بالنون الثقيلة لأنه واقع بعد الاستفهام. والبيت في الكتاب (3/ 513) برواية «فهل» والمحتسب (1/ 349) وابن يعيش (9/ 40، 86)، وشرح العيني (4/ 324).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3662 - أفبعد كندة تمدحنّ قبيلا (¬1) وقول الآخر: 3663 - فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث ... مساعينا حتّى ترى كيف نفعلا (¬2) وهذا البيت الآخر أنشده سيبويه (¬3)، وفيه رد على من زعم (¬4) أن النون لا يجوز دخولها إلا إذا كان الاستفهام عن الفعل حتى إنه لا يجيز: أيّ رجل تضربنّ؟ ولا: كيف تفعلنّ؟ وحاصل الأمر: أن هذا [5/ 45] القائل لا يجوّز دخول نون التوكيد في الاستفهام حتى يكون متوجها إلى ذات الفعل فيكون مجهولا بالجملة، وذلك إذا سألت بالهمزة وهل، وأما إذا كان السؤال عن صفة الفعل [نحو: كيف ومتى لم يكن مجهولا بلا جملة]، قال (¬5) فيصير بمنزلة الماضي والحال، وهذا القول مدفوع بما رواه سيبويه عن العرب وهو قولهم: ... حتّى ترى كيف نفعلا - ¬

_ (¬1) هذا شطر بيت من الكامل لامرئ القيس وصدره: قالت فطيمة حل شعرك مدحه. الشرح: الهمزة للاستفهام، والتقدير: أتمدحن قبيلا أي قبيلة بعد كندة وهي قبيلة في كهلان باليمن. والشاهد فيه: قوله «تمدحن» حيث أكد بالنون الثقيلة لوقوعه بعد الاستفهام. وانظر الكتاب (3/ 514) والخزانة (4/ 558) والتذييل (6/ 250) وشرح التصريح (2/ 204) والهمع (2/ 78). (¬2) هذا البيت من الطويل وقد ذكر البغدادي في الخزانة (4/ 855) أنه من الخمسين التي لا يعرف لها قائل، وقد نسبه ابن السيرافي في شرحه لأبيات سيبويه (2/ 227) إلى النابغة الجعدي. الشرح: رهطي: الرهط: العصابة دون العشرة ويقال: بل إلى الأربعين، ونبتحث: مجزوم لأنه جواب الأمر أي: نفتش يقال: بحث وابتحث إذا فتش ولكنه مستعمل بكلمة «عن» يقال: بحث عنه، والتقدير: نبتحث عن مساعينا، والمساعي: جمع مسعى ومسعاة وهي المكرمة التي في فعلها يقال: فلان كريم المساعي أي كريم الأفعال فاضلها، وقال ابن السيرافي: يخاطب سوارا القشيري وكانا يتهاجيان يقول: أقبل حتى نعدد ما في قبيلتي وقبيلتكم من المفاخر حتى تعلم أينا أكرم وأجل عند الناس، وترى بمعنى تعلم من رؤية القلب والجملة في موضع المفعولين. والشاهد فيه: في قوله «كيف نفعلا» أصله: كيف نفعلن بنون التوكيد الخفيفة أكده لوقوع الفعل بعد اسم الاستفهام وهو كيف فأبدلت النون ألفا لأجل القافية. وقد قال ابن الطراوة قوله «كيف نفعلا» على أنه نون الترنم أبدلها ألفا في الوقف، وفيه نظر لأن من شرط نون الترنم أن لا تغير حركة ما قبلها وقد غيرت ههنا لأن الفعل مرفوع. انظر العيني (4/ 326)، والكتاب (3/ 513) (هارون) والتذييل (6/ 250)، والخزانة (4/ 558)، والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 97). (¬3) انظر الكتاب (3/ 513). (¬4) هو ابن الطراوة كما ذكر الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 250). (¬5) أي ابن الطراوة فيما نقله عنه أبو حيان في التذييل (6/ 250).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد غير سيبويه: 3664 - ألا ليت شعري ما يقولن فوارس ... إذا حارب الهام المصيّح هامتي (¬1) وقد دخلت أيضا في الفعل بعد «أم» الواردة بعد الجملة المستفهم عنها بـ «هل» قال الشاعر: 3665 - يا أيّها القلب هل تنهاك موعظة ... أم يحدثن لك طول الدّهر ننسيانا (¬2) السبب الثاني: أن يلي الفعل «ما» الزائدة الجائزة الحذف في الشرط، والمراد بذلك فعل الشرط الواقع بعد «إمّا» كقوله تعالى: فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ... الآية الشريفة (¬3)، وقوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ * (¬4)، وقوله تعالى: فَإِمَّا تَرَيِنَّ (¬5)، فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ (¬6)، وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ (¬7)، وأما قول المصنف: «الجائزة الحذف» فقال الشيخ (¬8): «إنه احتراز من نحو حيثما» قال: «فظاهر كلامه أن النون لا تدخل بعد حيثما لأن «ما» لا يجوز حذفها منها وليس كذلك، قال سيبويه (¬9): ومثل ذلك: حيثما تكونن آتك، لأنها سهّلت الفعل أن يكون مجازاة» انتهى. وأقول: إن الذي ذكره الشيخ لا يمكن أن يكون مراد المصنف لأنه قد نص في شرح الكافية (¬10) على أن النون تدخل بعد «حيثما» وأورد المثال الذي ذكره الشيخ - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل ولم أهتد إلى قائله. الشرح: الهامة طائر تزعم العرب أنه إذا قتل الرجل فلم يدرك بثأره يخرج من قبره فلا يزال يصيح: اسقوني فلا يزال على ذلك حتى يقتل قائله. والاستشهاد بالبيت: على أن التوكيد بعد الاستفهام لا يختص بهل والهمزة خلافا لمن خصه بهما. والبيت في التذييل (6/ 250) والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 97). (¬2) هذا البيت من البسيط نسبه أبو حيان إلى سوار بن المضرب، واستشهد به: على أن نون التوكيد الخفيفة دخلت على الفعل بعد «أم» الواردة بعد الجملة المستفهم عنها بـ «هل». والبيت في التذييل (6/ 251) ديوان الحماسة (2/ 108). (¬3) سورة غافر: 77. (¬4) سورة الأعراف: 200، وسورة فصلت: 36. (¬5) سورة مريم: 26. (¬6) سورة الزخرف: 41. (¬7) سورة الأنعام: 68. (¬8) انظر التذييل (6/ 251). (¬9) انظر الكتاب (3/ 518). (¬10) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1407).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن سيبويه وهو: «حيثما تكونن آتك» كما سنقف عليه، وإذا كان كذلك وجب أن يستخرج الأمر الذي احترز عنه المصنف ما هو. السبب الثالث: أن يلي الفعل «ما» الزائدة في غير الشرط أو «لا» النافية. أما المسألة الأولى: فهي التي أرادها المصنف بقوله «وفي غيره قليلا» أي: في غير الشرط، قال المصنف في شرح الكافية (¬1): «وكثر هذا التوكيد بعد «ما» الزائدة دون «إن» كقول العرب: بعين مّا أرينّك (¬2)، وبجهد ما تبلغنّ (¬3)، وكثر يقولنّ (¬4)، وحيثما تكونن آتك، وفي المثل: «وفي عضة ما ينبتنّ شكيرها» (¬5)، ومثله قول الشاعر: 3666 - قليلا به ما يحمدنّك وارث (¬6) قال: وإنما كثر هذا التوكيد بعد «ما» الزائدة لشبهها بـ «لام» القسم، قال - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1407). (¬2) هذا مثل ومعناه: اعمل كأني أنظر إليك، يضرب في الحث على ترك البطء و «ما» صلة دخلت للتأكيد ولأجلها دخلت النون في الفعل. انظر مجمع الأمثال (1/ 175) والكتاب (3/ 517) والتذييل (6/ 252). (¬3) انظر الكتاب (3/ 516). (¬4) الكتاب (3/ 518). (¬5) هذا مثل يضرب في تشبيه الولد بأبيه، يقال: شكرت الشجرة تشكر شكرا؛ أي خرج منها الشكير وهو ما ينبت حول الشجرة من أصولها. انظر مجمع الأمثال (2/ 445، 1/ 175)، والمستقصى (2/ 382) ويروى: في عضة ما ينبت العود. وانظر الكتاب (1/ 517) وقد أورده سيبويه على أنه شطر بيت، وقد أورده البغدادي في الخزانة (1/ 83) وذكر أنه روى عجزا وصدره: إذا مات منهم ميت سرق ابنه ... ومن عضة ما ينبتن شكيرها وانظر المثل في التذييل (6/ 251) واللسان (شكر). (¬6) هذا صدر بيت من الطويل لحاتم الطائي، وعجزه: إذا نال مما كنت تجمع مغنما. الشرح: قوله: قليلا نصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي حمدا قليلا، والضمير في: به يرجع إلى المال في البيت الذي قبله وهو قوله: أهن للذي تهوى التلاد فإنه ... إذا مت كان المال نهبا مقسما وكلمة ما زائدة، وقوله: وارث فاعل يحمدنك أي: لا يحمدنك وارث بعد استيلائه على ما لك حمدا قليلا. والاستشهاد فيه في قوله: «يحمدنك» حيث أكده بالنون الثقيلة، والتأكيد في مثل هذا الموضع قليل وهو أن يكون بعد ما الزائدة التي لم تسبق بإن، والبيت في التذييل (6/ 253) والعيني (4/ 328) وشرح التصريح (2/ 205) والهمع (2/ 78) والدرر اللوامع (2/ 99)، والأشموني (3/ 217).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه (¬1) بعد تمثيله بـ «ربما تقولنّ ذلك»، و «كثر ما تقولنّ ذلك»: ولا يقع بعد هذه الحروف إلا و «ما» لازمة فأشبهت عندهم «لام» القسم، هذا نصه انتهى. قال [الشيخ]: و «ما» الزائدة في هذه الأمثلة على تأويل النفي: ما ينبتن في عضة إلا شكيرها، وما أراك إلا بعين و «ما» لازمة، قال: والظاهر أنه لا يجوز حذف «ما» من هذه الأمثلة قال: وظاهر كلام المصنف جواز حذفها بل هو نصه، قال: وقوله: الجائزة الحذف في الشرط، لم يختص بها «إن» من غيرها، وهو نص سيبويه فإنه قال (¬2): ومن مواضعها حروف الجزاء إذا وقعت بينها وبين الفعل «ما» للتوكيد، ثم قال (¬3): فمن ذلك قولك: إمّا تأتينّى آتك وأيّهم ما يقولنّ ذلك تجزه، قال: ووقع لبعض المصنفين أن ذلك مخصوص من أدوات الشرط بـ «إن» وليس ذلك بصحيح (¬4) انتهى. ومن النحاة من يوجب الإتيان بالنون بعد «إمّا» وإلى ذلك أشار المصنف بقوله «ولا يلزمان بعد إمّا الشرطية خلافا لأبي إسحاق أي إن أبا إسحاق الزجاج يرى أن التوكيد بإحدى النونين يلزم بعد «إمّا» الشرطية (¬5)، قيل: وهو مذهب شيخه أبي العباس المبرد (¬6). قال في شرح الكافية (¬7): «وزعم بعضهم (¬8) أن ذلك لازم وأن نحو: إمّا تفعل أفعل غير جائز، وليس بصحيح بل هو جائز قليل كقول الراجز: - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 518). (¬2) أي سيبويه انظر الكتاب (3/ 514). (¬3) أي سيبويه انظر الكتاب (3/ 515). (¬4) انظر التذييل (6/ 252: 253). (¬5) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 404) والتذييل (6/ 253) والأشموني (3/ 216). (¬6) انظر المقتضب (3/ 13: 14) وفيما عزاه إليه الشيخ أبو حيان نظر لأن الناظر في كلام المبرد يرى أنه لا يذهب إلى وجوب توكيد المضارع بعد «إن» المدغمة في «ما» الزائدة ولله در أستاذنا الجليل المرحوم/ محمد عبد الخالق عضيمة حيث دافع عن المبرد في هذه المسألة، وذلك بالحجة الدامغة والبرهان القوي، فليراجع. (¬7) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1409). (¬8) يعني الزجاج. انظر الهمع (2/ 78) والأشموني (3/ 216) وقد بينا فيما سبق أن المبرد لم يذهب إلى ذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3667 - إمّا تريني اليوم أمّ حمز ... قاربت بين عنقي وجمزي (¬1) ومثله قول الشاعر: 3668 - يا صاح إمّا تجدني غير ذي جدة ... فما التّخلّي عن الخلّان من شيمي (¬2) وقال آخر: 3669 - إمّا ترى رأسي تغيّر لونه ... شمطا فأصبح كالثّغام المخلس (¬3) - ¬

_ (¬1) هذان بيتان من مشطور الرجز وهما لرؤبة كما في الكتاب (2/ 247) وانظر ديوانه (ص 64). الشرح: أم حمز يحتمل أن يكون اسم ابنها «حمز» بلا تاء وهو ظاهر ويحتمل أن يكون اسمه حمزة فرخمة وليس منادى بل هو مضاف إلى المنادى، وقد تساهلوا في مثله مع أنه لا يرخم لاتصاله بالمنادى والمضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد والعنق بفتحتين ضرب من السير السريع، والجمز بفتح فسكون: عدو دون الخضر وفوق العنق، وهو كالوثب والقفز والمعنى وصف كبره وأنه قد قارب بين خطاه ضعفا. والشاهد فيه: «إما تريني» حيث ورد فعل الشرط خاليا من نون التوكيد وهو رد على من يقول بلزوم التوكيد بالنون بعد إما الشرطية. وانظر الرجز في الكتاب (2/ 247) والمقتضب (4/ 251) والرواية فيه «بعد عنقي» وو الإنصاف (349) وابن يعيش (9/ 6) والتذييل (6/ 254) وابن السيرافي (1/ 310). (¬2) هذا البيت من البسيط لقائل مجهول. الشرح: صاح منادى مفرد مرخم أي يا صاحبي وتجدني من وجد في المال وجدا. بتثليث الواو، وجدة أي استغنى، والخلان جمع خليل والفاء جواب الشرط، والشيم - بكسر الشين وفتح الياء - جمع شيمه وهو الخلق والطبيعة. والشاهد فيه: قوله «إما تجدني» حيث ترك فيه بالتوكيد بالنون بعد وقوع الفعل بعد (إما) الشرطية وهو عند ابن مالك قليل وعند غيره ضرورة لأنه يرى لزومها. وانظر البيت في التذييل (6/ 254) والعيني (4/ 339) وشرح التصريح (2/ 204). والأشموني (3/ 216). (¬3) هذا البيت من الكامل وهو من قصيدة لحسان بن ثابت يمدح بها الحارث بن شمر الغساني ديوانه (ص 310). الشرح: قوله شمطا الشمط في الشعر: اختلافه بلونين من سواد وبياض يقال: شمط شمطا واشمط واشماطّ وهو أشمط والجمع: شمط وشمطان والشّمط في الرجل شيب اللحية والثغام نبت أبيض الثمر والزهر ويشبه بياض الشيب به ورأس ثاغم: إذا ابيض كله والمخلس هو من أخلس الشعر إذا استوى بياضه وسواده وقيل: إذا كان سواده أكثر من بياضه ورواية الدرر اللوامع (2/ 97) «محمل» وهي رواية اللسان (ثغم) ورواية الديوان (المحول). والشاهد فيه: قوله: «إما ترى» حيث ترك توكيده بالنون مع وقوعه بعد إما الشرطية وهو قليل وليس بضرورة كما ذكرنا في سابقية والشطر الأول من هذا البيت في الهمع (2/ 78) والبيت في الدرر اللوامع (2/ 97) واللسان (ثغم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الشواهد على ذلك أيضا قول الآخر: 3670 - فإمّا تريني كابنة الرّمل ضاحيا ... على رقّة أحفى ولا أتنعّل (¬1) وقال الآخر: 3671 - زعمت تماضر أنّني إمّا أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي (¬2) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل، وقائله هو الشنفرى الأزدي من قصيدته المشهورة لامية العرب التي مطلعها: أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى أهل سواكم لأميل وقبل البيت المستشهد به: إذا وردت أصدرتها ثم إنها ... تثوب فتأتي من تحيت ومن عل الشرح: ابنة الرمل: الحية وقيل: الوحشية وهي الرياح التي تدخل تحت الثياب من قوتها وضاحيا: بارزا، وعلى رقة: أي رقة حال، ويروى «رقبة» أي مراقبة والحفا المشي بغير خف ولا نعل وجواب الشرط في البيت بعده وهو: فإني لمولى الصبر أجتاب بزّه ... على مثل قلب السّمع والحزم أفعل والمعنى: إنني إذا كنت بارزا كالحية أو الريح مع مراقبتي ورقة حالي؛ فإني رجل الصبر ووليه وصاحبه. أتصرف فيه كما أرى وقلبي كقلب السّمع (ولد الذئب من الضبع) في القوة والثبات وتصرفي يكون بحزم دائما. انظر البيت في لامية العرب (ص 65) وذيل الأمالي للقالي (ص 205) والتذييل (6/ 253) والأشموني (3/ 216). والشاهد فيه: قوله فأما تريني حيث لم يؤكد الفعل بالنون مع وقوعه بعد إما الشرطية وهذا قليل. (¬2) هذا البيت من الكامل وهو لسلمان أو سلمى بن ربيعة الضبي كما في النوادر (ص 374). الشرح: تماضر امراته وكانت فارقته عاتبة عليه في استهلاكه المال وتعريضه النفس للمعاطب فلحقت بقومها فأخذ هو يتلهف عليها ويتحسر في أثرها وأثر أولاده منها وتماضر: تفاعل والتاء زائدة لا أصل إذ هو من مضر، وهو منقول من فعل مضارع كما سميت المرأة: تكتم وتكني، وهو إما أن يكون مأخوذا من اللبن الماضر وهو الحامض وقيل: الأبيض فكأنه من ماضرت الرجل: إذا سقته وسقاك اللبن، وإما أن يكون من مضر كأنه من ماضرته إذا ناسبته إلى مضر أو من قولهم: عيش مضر أي ناعم، وقيل: أن التاء في تماضر فاء وإنما لم يصرف هذا الاسم لما فيه من التعريف والتأنيث لأنه بوزن فعاعل فتماضر إذا كقراقر وعذافر، وقوله «زعمت تماضر أنني» يتردد بين الشك واليقين ههنا يريد به الظن و «أنني» مع معموليها نائب عن مفعوليه، يقول: ظنت هذه المرأة أنه إن نزل بي حادث قضاء الله تعالى سد مكاني ورم ما يتشعث من حالها بزوالي أبناؤها الأصاغر ويريد بهذا الكلام التوصل إلى الإبانة عن محله وأنه لا يغني غناؤه من الناس إلا القليل وأبينوها: تصغير أبناء وإما جمع أبين مصغر أبناء كأعمى وإما جمع أبين مصغر أبن بفتح الهمزة وهو جمع ابن بكسرها وإما جمع أبين مصغر ابن بجعل همزة الوصل قطعا وإما مصغر ابنين على غير قياس. اه. ملخصا من خزانة البغدادي (3/ 400: 404). والشاهد في البيت: قوله «إما أمت» حيث إنه لم يؤكد الفعل بالنون مع وقوعه بعد «أما» الشرطية وهو جائز قليل. وانظر في أمالي الشجري (1/ 43)، و (2/ 69)، وابن يعيش (9/ 5)، والنوادر (ص 374)، وشرح الكافية للرضي (2/ 183)، والخزانة (3/ 400).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 3672 - فإمّا تريني ولي لمّة ... فإنّ الحوادث أودى بها (¬1) فهذه الشواهد فيها دلالة كافية على أن نون التوكيد لا تلزم بعد «إمّا» الشرطية، ولكن من يرى لزوم نون التوكيد يعدّ هذه الأبيات من الضرورات (¬2). ومذهب سيبويه أنك إن شئت أتيت بها وإن لم تأت بها، وكذلك يجوز حذف «ما» وإبقاء النون (¬3)، قال سيبويه (¬4): «وإن شئت لم تقحم النون كما أنك إن شئت لم تجئ بما (¬5). وليس في كلام المصنف إشعار بأن النون يجوز أن يؤتى بها مع عدم وجود «ما» وكلام سيبويه ليس صريحا في ما ذكروه لأن قوله: «كما أنك إن شئت لم تجئ بما» لا يلزم منه أنك إذا لم تأت بما أن تأتي بالنون، بل مراده أنه يجوز أن تأتي بـ «إن» في الشرط دون «ما» أم أنك تؤكد بالنون أولا فذلك أمر آخر (¬6). - ¬

_ (¬1) هذا البيت من المتقارب قاله الأعشى ميمون بن قيس انظر ديوانه (ص 120) من قصيدة يمدح رهط قيس بن معد يكرب ويزيد بن عبد المدان الحارثي. الشرح: اللمة - بالكسر - الشعر الذي يلم بالمنكب والحوادث جمع حادثة، وأودى بها ذهب بها والمراد: ذهب بمعظمها لأن قوله «ولي لمة» حال من الياء ومحال أن تكون له لمة في حال قد ذهبوا الحوادث بجميعها، ومعنى أودي بها: ذهب ببهجتها وحسنها، ويروى: فإما ترى لمتي بدلت، وهي رواية سيبويه، ومعنى بدلت ذهب بعضها بالصلع وشاب بقيتها فإن حوادث الدهر أهلكتها يعني أن مرور الدهر يغير كل شيء وروي: فإن تنكري لامرئ لمة، وروى: فإن تعهديني ولي لمة. والشاهد فيه: قوله «فإما تريني» حيث ترك فيه نون التوكيد بعد «إما» الشرطية وقد استشهد به سيبويه على حذف الماء من «أودت» فإن فاعله ضمير الحوادث وفي مثله يجب التأنيث فتركه الشاعر لضرورة الشعر، قال الأعلم: دعاه إلى حذفها أن القافية مردفة بالألف وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي وهي في معنى الحدثان. انظر الكتاب (2/ 46) (هارون)، وابن يعيش (9/ 6، 41)، والتذييل (6/ 254)، والعيني (2/ 466) والأشموني (2/ 53)، (3/ 216). (¬2) يعني به الزجاج وانظر الهمع (2/ 78) والأشموني (3/ 216). (¬3) هذه العبارة بنصها ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 253) وقد نقلها المؤلف دون أن يشير إلى ذلك. (¬4) انظر الكتاب (3/ 515). (¬5) انظر الكتاب (3/ 515) (هارون) والتصحيح من التذييل (6/ 253) وهي الموافقة للمعنى المطلوب. (¬6) قال سيبويه في الكتاب (3/ 515): «وقد تدخل النون بغير ما في الجزاء، وذلك قليل في الشعر شبهوه بالنهي حين كان مجزوما غير واجب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المسألة الثانية: فهي التي أشار إليها المصنف بقوله: والنّفي بلا متّصلة كالنّهي على الأصحّ، قال في شرح الكافية (¬1): «وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بلا تشبيها بالنهي كقوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً (¬2)، قال (¬3): وقد زعم قوم أن هذا نهي وليس بصحيح، ومثله قول الشاعر: 3673 - فلا الجارة الدّنيا بها تلحينّها ... ولا الضّيف منها إن أناخ محوّل (¬4) إلا أن توكيد «تصيبن» أحسن لاتصاله بـ «لا» فهو بذلك أشبه بالنهي كقوله تعالى: لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ (¬5) بخلاف قول الشاعر: «تلحينّها» فإنه غير متصل بـ «لا» فبعد شبهه بالنهي ومع ذلك فقد سوغت توكيده «لا» وإن كانت منفصلة، فتوكيد «تصيبن» لاتصاله بـ «لا» أحق وأولى» (¬6) انتهى. وذكر الشيخ (¬7) عن الزجاج قال: زعم بعضهم أنه خبر فيه طرف من النهي كما تقول: أنزل عن الدّابّة لا تطرحنّك [5/ 46] (¬8) ومثله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ (¬9)، - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1403). (¬2) سورة الأنفال: 25. (¬3) أي ابن مالك. (¬4) هذا البيت من الطويل وقائله كما ذكرنا النمر بن تولب العكلي من قصيدة لامية طويلة. الشرح: قوله: الدنيا أي القريبة، وتلحينها: من لحيته ألحاه لحيا: إذا لمته ولاحيته ملاحاة إذا نازعته وقوله: إن أناخ: أي إذا برّك راحلته، وقوله: محول بضم الميم من التحويل يشير بهذا إلى كرم الممدوحة بأن جارتها لا تلومها ولا تنازعها ولا هي تمنع ضيفها إذا برك عندها، وقوله: منها ويروى «عنها» يتعلق بقوله محول أي الحميرة المذكورة في أول القصيدة وهو: تأبد من أطلال جمرة مأسل ... فقد أقفرت منها سراء فيذبل والشاهد فيه: في قوله «تلحينها» حيث أكده بالنون بعد لا النافية تشبيها لها باللفظ بلا الناهية. انظر البيت في العيني (4/ 342) والأشموني (3/ 218). (¬5) سورة الأعراف: 27. (¬6) نقل هذا الكلام عن شرح الكافية الشافية (3/ 218: 219) الأشموني ثم قال: «ما اختاره الناظم هو ما اختاره ابن جني، والجمهور على المنع» وانظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 624). (¬7) انظر التذييل (6/ 256). (¬8) قال الأشموني (3/ 219): «وقال الفراء: الجملة جواب الأمر نحو قولك: انزل عن الدابة لا تطرحنك. (¬9) سورة النمل: 18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويجوز أن يكون نهيا بعد أمر، وعن صاحب الغرّة (¬1) أنه قال: لم أر أحدا ذكر دخولها في النفي وإنما قال سيبويه (¬2): وبعد لم لأنها لما كانت جازمة أشبهت «لا» الناهية وهذا لا يجوز إلا في اضطراره». السبب الرابع: أن يلي الفعل «لا» منفصلة عنه، أو «لم»، أو التقليل المكفوف بـ «ما»، أو الشرط المجرد من «ما» فهذه أربع مسائل: أما الأولى: فقد تقدم ذكر شاهدها آنفا وهو قول الشاعر: 3673 م - فلا الجارة الدّنيا بها تلحينّها (¬3) قال الشيخ في شرحه (¬4): وأنشد أحمد بن يحيى: 3674 - [فلاذا نعيم يتركنّ لنعمه ... وإن قال فرّطني وخذ رشوة أبى ولا ذا بئيس يتركنّ لبؤسه ... فتنفعه الشّكوى إليهنّ إن شكى] (¬5) وأما الثانية: فشاهدها أنشده المصنف في شرح الكافية (¬6): 3675 - يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخا على كرسيّه معمّما (¬7) - ¬

_ (¬1) أي وذكر أبو حيان انظر التذييل (6/ 255) وصاحب الغرّة: هو ابن الدهان: سعيد بن المبارك بن علي ابن عبد الله الإمام ناصح الدين بن الدهان النحوي كان من أعيان النحاة المشهورين بالفضل ومعرفة العربية، صنف: شرح الإيضاح، وشرح اللمع لابن جني، والدروس في النحو، وغيرها قيل إنه كان سيبويه عصره، توفي بالموصل ليلة عيد الفطر سمة 569 هـ. انظر ترجمته والبغية (1/ 587)، ونشأة النحو (ص 206). (¬2) انظر الكتاب (3/ 516). (¬3) انظر الصفحة السابقة. (¬4) انظر التذييل (6/ 256: 257). (¬5) هذان البيتان من الطويل، استشهد بهما الشيخ أبو حيان في التذييل على توكيد الفعل «يتركن» بالنون بعد لا النافية تشبيها لها باللفظ بلا الناهية. والشطر الأول من البيت الأول في الهمع (2/ 78) والدرر اللوامع (2/ 98) وقد ذكر الشنقيطي فيه أنه لم يعثر على قائله ولا تتمته. (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1406). (¬7) هذان بيتان من مشطور الرجز، قيل أنهما لأبي حيان الفقعسي أو ابن جبابة اللص، أو عبد بني عبس، أو العجاج أو مساور العبسي وقد نسبهما ابن السيرافي (2/ 239) للدّبيري. الشرح: قوله يحسبه أي يحسبه الثمال (هي الرغوة والقطعة ثمالة) و «ما» مصدرية ظرفية، ويعلم هنا بمعنى يعرف، ومفعوله محذوف وهو ضمير الثمال وشيخا هو المفعول الثاني ليحسبه وما بعده صفتان له، شبه الرغوة التي تعلو القمع بشيخ معمم جالس على كرسي وهذا تشبيه ظريف جيد، قال البغدادي: ولم يصب الأعلم في قوله: وصف جبلا قد عمه الخصب وحفه النبات وعلاه فجعله كشيخ مزمل في ثيابه -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: ما لم يعلمن فوقف بإبدال النون ألفا (¬1)، وقال سيبويه (¬2): وقد يقولون: أقسمت لمّا لم يفعلنّ؛ لأن ذا طلب فصار كقولك: لا تفعلنّ وأنشد سيبويه (¬3): 3675 - يحسبه الجاهل ... ... ... البيت ثم قال «شبهه بالجزاء حيث كان مجزوما وكان غير واجب وهذا لا يجوز إلا في اضطرار» هذا نصه. وأما الثالثة: وهي التقليل المكفوف بـ «ما» فمثاله قول الشاعر (¬4): 3676 - ربّما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات (¬5) قال المصنف في شرح الكافية (¬6) بعد ذكر هاتين المسألتين: «وإنما قل التوكيد بعد «ربما» و «لم» لأن الفعل بعدهما ماضي المعنى ولاحظ للماضي في هذا التوكيد، - ¬

_ - معصب بعمامته، وخص الشيخ لوقارته في مجلسه وحاجته إلى الاستكثار من الناس هذا كلامه، وكأنه لم يقف على هذه الأبيات «الخزانة» (4/ 571). والشاهد فيه: قوله «ما لم يعلما» حيث أكد الفعل المضارع المنفي بلم بالنون الخفيفة تشبيها لـ «لم» بـ «لا» الناهية، وفيه الناهية، وفيه شاهد آخر: وهو أن نون التوكيد تنقلب ألفا في الوقف وقد جاء الراجز بهذه الكلمة في آخر البيت لأن آخر البيت محل الوقف. انظر الرجز في الكتاب (3/ 516) (هارون)، وأمالي الشجري (1/ 384)، والإنصاف (ص 653) وابن يعيش (9/ 42) والمقرب (2/ 74)، وشرح الكافية للرضي (2/ 404)، والمغني (ص 329) والخزانة (4/ 569)، والعيني (4/ 329)، وشرح التصريح (2/ 205)، والهمع (2/ 78)، والدرر (2/ 97) والأشموني (3/ 218)، وحاشية الدمنهوري (ص 89). (¬1) انظر التذييل (6/ 257). (¬2) انظر الكتاب (3/ 516). (¬3) الكتاب (3/ 516). (¬4) هو جذيمة الأبرش كما في الكتاب (3/ 517، 518). (¬5) هذا البيت من المديد وقائله كما ذكرنا جذيمة الأبرش ومن نسبه إلى تأبط شرّا فقد غلط. الشرح: قوله: أوفيت: أي نزلت وأصله: من أوفى على الشيء إذا أشرف، قوله: في علم بفتح اللام وهو الجبل، قوله شمالات بفتح الشين وهو جمع شمال وهو الريح التي تهب من ناحية القطب. والشاهد فيه: قوله «ترفعن» حيث أكده بالنون الخفيفة وهو نادر بعد تقدم «ربّ» على «ما». وفي البيت شاهد آخر غير مقصود في قوله «ربما»: فإن «ما» دخلت على «رب» وكفتها عن العمل ودخلت على الجملة الفعلية. والبيت في الكتاب (3/ 518)، والمقتضب (2/ 15) وأمالي الشجري (2/ 243) وابن يعيش (9/ 40) والمقرب (2/ 74) وشرح الكافية للرضي (2/ 403) والعيني (3/ 344)، والتصريح (2/ 22، 206) والهمع (2/ 38، 78) والدرر (2/ 41). (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1407).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو بعد «ربما» أحسن وحكى سيبويه (¬1): ربّما تقولنّ ذلك». ودخول النون على (¬2): ترفعا ثوبي شمالات أبعد من دخولها على «تقولن» في: ربما تقولن، لأن «ترفعا» حال كأنه قال: رافعة، وإنما حسّنه تقدّم «ربما أوفيت» فكأنه قال: ربما ترفعا، لأن تقليل الإيفاء في علم على حال تقليل لتلك الحال فينصرف التقليل إلى الحال وعامله، كما انصرف النفي إلى الشيئين في قول امرئ القيس: 3677 - على لاحب لا يهتدى بمناره (¬3) وأما المسألة الرابعة (¬4): فالمثال لها ما أنشده سيبويه (¬5) من قول الشاعر: 3678 - من نثقفن منهم فليس بآئب ... أبدا وقتل بني قتيبة شافي (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 518) ونصه: «وزعم يونس أنهم يقولون: ربما تقولنّ ذاك، وكثر ما تقولنّ ذاك». (¬2) هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 258) وقد نقله المؤلف مع تصرف يسير دون أن يشير إلى ذلك. (¬3) هذا صدر بيت من الطويل: وهو لامرئ القيس (ديوانه ص 95) وعجزه: إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا الشرح: اللاحب: الطريق الواضح، سافه: شمه، العود: الجمل المسن، النباطي: الصخم، ونسبه إلى النبط وهم قوم كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين، جرجر: رغا وضج يقول: ليس به منار فيهتدى به وإذا ساف الجمل تربته جرجر جزعا من بعده وقلة مائه واستشهد به على انصراف النفي في قوله «لا يهتدى» إلى الشيئين، فالشاعر لم يرد أن فيها منارا لا يهتدي به ولكنه نفى أن يكون به منار. وانظر البيت في أمالى ابن الشجري (1/ 192)، والتذييل (6/ 258) واللسان (سوف). (¬4) وهي الشرط المجرد من «ما» انظر التذييل (6/ 258). (¬5) انظر الكتاب (3/ 516). (¬6) هذا البيت من الكامل وهو لبشر بن أبي حازم (ديوانه ص 160). الشرح: من نثقفن منهم: بنون المتكلم مع الغير، يقال: ثقفت الرجل في الحرب: أدركته، وثقفته طفرت به، وثقفته: أخذته، وثقفت الحديث: فهمته بسرعة، والكل من باب «تعب»، وآئب: راجع من آب من سفره يؤوب أوبا: رجع، والإياب اسم منه أي: من نظفر به من باهلة نقتله ولا ندعه يرجع إلى أهله سالما، وروي: من تثقفن منا - بالمثناة الفوقية للتأنيث فيكون فاعله ضمير باهلة، وروي: من يثقفوا منا فليس بوائل. والشاهد في: «نثقفن» حيث أكده بالنون الخفيفة وهو فعل واقع لغير «إمّا» وانظر البيت في الكتاب (3/ 516) والمقتضب (3/ 14) والمقرب (2/ 74) وشرح الكافية للرضي (2/ 403)، والخزانة (4/ 565)، والهمع (2/ 79) والدرر (2/ 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار المصنف بقوله وقد تلحق جواب الشرّط إلى البيتين اللذين ذكر في شرح الكافية (¬1) أن سيبويه أنشدهما (¬2)، وهما قول القائل (¬3): 3679 - نبتّم نبات الخيزرانيّ في الثّرى ... حديثا متى ما يأتك الخير ينفعا (¬4) وقول الآخر (¬5): 3680 - فمهما تشأ منه فزارة تعطكم ... ومهما تشأ منه فزارة تمنعا (¬6) وأعطى قوله «اختيارا» أن ذلك جائز في الكلام، لكن قال سيبويه (¬7): «وذلك - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1405). (¬2) انظر الكتاب (3/ 515). (¬3) هو النجاشي كما في الخزانة (4/ 564) واسمه قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب. (¬4) هذا البيت من الطويل قاله النجاشي من قصيدة يهجو بها عامر بن صعصعة. الشرح: قوله نبتم نبتا من باب قتل والاسم النبات، والمعنى نبتم كما ينبت الخيزراني، والخيزران بفتح الخاء وضم الزاي هو شجرة وليس من نبات أرض العرب وإنما ينبت ببلاد الهند وهو عروق ممتدة في الأرض، وقد يقال لكل طري من النبت ناعم خيزران، ولكونه عروقا قال في الثرى، ويروى «في الوغى» و «حديثا» حال من «الخيزراني» ومعناه: القريب، يقول: لستم بأرباب نعمة قديمة وإنما حدثت فيكم عن قرب فقد نميتم كما ينمى الخيزران بنعومة وطراوة، فإن المال متى ما جاء نفع، وعلى هذا طريقة إرسال المثل وقال العيني (3/ 344): حديثا منصوب بفعل محذوف تقديره: حدث حديثا. وانظر الخزانة (4/ 564) ملخصا. والشاهد في: قوله: ينفعا حيث أكده بالنون وهو جواب الشرط وليس من مواضع التوكيد بالنون لأنه خبر، يجوز فيه الصدق والكذب، ولكنه أكد تشبيها بالنهي حين كان مجزوما غير واجب. وانظر البيت في الكتاب (3/ 515) وشرح الكافية للرضي (2/ 403) والأعلم بهامش الكتاب (2/ 152) (بولاق) والخزانة (4/ 563) والعيني (3/ 3444)، والهمع (2/ 78) والدرر (2/ 97). (¬5) هو عوف بن عطية بن الخرع كما في الكتاب (3/ 515) وقيل: الكميت بن معروف، وقيل: الكميت بن ثعلبة. (¬6) هذا البيت من الطويل. الشرح: فزارة بفتح الفاء في غطفان وهو من قولهم: فزت الشيء: إذا صدعته، والفزرة: القطعة، يقول: إن شاءت فزارة أن تعطيكم الدية أو بعضها أعطتكم، وإن شاءت أن تمنعكم منعتكم. والشاهد في: قوله «تمنعا» بنون التوكيد الخفيفة المبدلة ألفا للوقف، وهو جواب الشرط وليس من مواضع النون ولكنه أكد تشبيها بالنهي حين كان مجزوما غير واجب. وانظر البيت في الكتاب (3/ 515) وشرح الكافية للرضي (2/ 403)، والخزانة (559) والعيني (4/ 330)، وشرح التصريح (2/ 206) والهمع (2/ 79) والدرر (2/ 100). (¬7) انظر الكتاب (3/ 515).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قليل في الشعر شبهوه بالنهي حيث كان مجزوما غير واجب»: وأشار بقوله وربّما لحقت المضارع خاليا ممّا ذكر إلى ما أنشده المصنف في شرح الكافية (¬1) وهو قول الشاعر (¬2): 3681 - ليت شعري وأشعرنّ إذا ما ... قرّبوها منشورة ودعيت ألي الفوز أم عليّ إذا حو ... سبت أني على الحساب مقيت (¬3) قال في الشرح المذكور أيضا (¬4): وأشذ من هذا توكيد «أفعل» في التعجب كقول الشاعر (¬5): 3682 - ومستبدل من بعد غضبى صريمة ... فأحر به مني بطول فقر وأحريا (¬6) أراد وأحرين: فأبدل النون للوقف ألفا وهذا من تشبيه لفظ بلفظ وإن اختلفا معنى، قال وأشذ من هذا ما أنشده ابن جني (¬7) من قول الراجز: - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1411). (¬2) هو السموأل بن عادياء الغساني اليهودي كما في العيني (4/ 332). (¬3) هذان البيتان من الخفيف، وهما من قصيدة تائية قالها السموأل. الشرح: قوله ليت شعري: أي ليتني أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري الذي هو المصدر عن «أشعر» ونابت الياء عن اسم ليت الذي في ليتني، وإذا ما: ما: زائدة، قربوها: الضمير يرجع إلى صحيفة أعماله، ومنشورة حال وكذا دعيت بتقدير: قد، والهمزة في «ألي» للاستفهام، والمقيت: المقتدر والحافظ والشاهد وهو المراد هنا. والشاهد في: «أشعرن» حيث أكده بالنون الخفيفة وهو مثبت عار عن معنى الطلب والشرط ونحوهما وهذا في غاية الندرة والبيتان في العيني (4/ 332) والشطر الأول في الهمع (2/ 79) وانظر البيتين في الأشموني (3/ 221) والأصمعيات (ص 86). (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 665). (¬5) قال العيني (4/ 645): «وأنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائله». (¬6) هذا البيت من الطويل. الشرح: ومستبدل: اسم فاعل من الاستبدال وقوله غضبى: بفتح الغين وسكون الضاد وفتح الباء الموحدة وهو المائة من الإبل وضبط، قوله صريمة تصغير صرمه بكسر الضاد وسكون الراء وهي قطعة من الإبل نحو الثلاثين صغرها للتقليل، وقوله: فأحر به: أي أجدر به وهو صيغة التعجب، وأحريا أصله: أحرين بنون التأكيد فأبدلت الألف من النون وهو أيضا صيغة التعجب. والشاهد في: قوله «وأحريا» حيث أكد أفعل في التعجب بالنون وهو شاذّ. وانظر البيت في المغني (ص 339) والعيني (3/ 645) والهمع (2/ 78)، والدرر (2/ 98)، والأشموني (3/ 221). (¬7) انظر المحتسب (1/ 193) والخصائص (1/ 136).

[حكم المضارع المؤكد بالنون: معرب أم مبني]

[حكم المضارع المؤكد بالنون: معرب أم مبني] قال ابن مالك: (فصل: الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ ما لم يسند إلى الألف أو الياء أو الواو، خلافا لمن حكم ببنائه مطلقا، فيفتح آخره، وحذفه إن كان «ياء» تلي كسرة لغة فزاريّة، فإن كان مع الآخر واو الضّمير أو ياؤه حذفت بعد الحركة المجانسة، وحرّكت بها بعد الفتحة، وحذف «ياء» الضّمير بعد الفتحة لغة طائيّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ 3683 - أريت إن جاءت به أملودا ... مرجّلا ويلبس البردا أقائلنّ أحضروا الشّهودا (¬1) فأكد بالنون اسم الفاعل لشبهه بالفعل المضارع (¬2) انتهى. وإلى هذه المسألة - أعني اسم الفاعل - الإشارة بقوله هنا «وقد تلحق اسم الفاعل اضطرارا». قال الشيخ (¬3): «ظاهر قول المصنف أن لحاق النون المضارع خاليا مما ذكر يقلّ، ونص سيبويه على أن ذلك إنما يكون في الإضطرار فإنه قال (¬4): ويجوز للمضطر: أنت تفعلنّ». قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام في الفصل المفروغ منه على ما تجب فيه النون، وما تجوز فيه، وما تمتنع، ذكر في هذا الفصل ما ينشأ من التغيير عند لحاق النون - ¬

_ (¬1) الأبيات من الرجز المشطور وهي في ملحقات ديوان رؤبة (ص 173). الشرح: أرأيت أصله بمعنى أخبرني حذفت الهمزة تخفيفا، والأملود: بالضم: النعم، ومرجلا: بفتح الجيم المشددة: اسم مفعول من رجّل شعره ترجيلا أي سرّحه، وضبطه بعضهم بالحاء المهملة وهو برد يصور عليه الرحال، ويقال: المرجل بالجيم، ثوب فيه صور الرجال، والبرود: جمع برد بالضم وهو نوع من الثياب معروف، وقوله: أقائلن: خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: أفأنتم قائلنّ والجملة جواب الشرط، والخطاب لسيدها ومن يقول بقوله. والشاهد في قوله: «أقائلن»، حيث أدخل فيه نون التوكيد وهو اسم الفاعل وهذا نادر وإنما سوغها شبه الوصف بالفعل والمعنى: هل أنتم قائلون فأجراه مجرى أتقولون. وانظر الرجز في المسائل العسكرية للفارسي (ص 141) وفي المحتسب (1/ 193)، والمغني (ص 339)، والخزانة (4/ 574) والعيني (1/ 118)، (3/ 648)، (4/ 334)، وشرح التصريح (1/ 42) والهمع (2/ 79)، والدرر (2/ 101)، وشرح الكافية للرضي (2/ 404). (¬2) انظر الخصائص (1/ 136). (¬3) انظر التذييل (6/ 259). (¬4) انظر الكتاب (3/ 517).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكورة، وقدم على ذلك الكلام على الفعل الذي تتصل به النون بالنسبة إلى إعرابه وبنائه، وختم الفصل بذكر ما تختص به إحدى النونين عن الأخرى، فاشتمل لذلك هذا الفصل على مقاصد ثلاثة: المقصد الأول: في حكم الفعل المضارع بعد توكيده بالنون هل هو معرب أو مبني؟ والمذاهب فيه ثلاثة، يفرق في الثالث منها بين أن تباشر النون الفعل فيحكم ببنائه، أو يكون بينها وبينه فاصل فيحكم بإعرابه، وهذا هو المذهب المختار المعول عليه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب «إعراب الصحيح الآخر» (¬1). وقال المصنف في شرح الكافية (¬2): «الفعل المؤكد بالنون إن كان مضارعا واتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة فهو يعرب تقديرا، وإن لم يتصل به أحد الثلاثة فهو مبني وإنما كان الأمر كذلك لأن المؤكد بالنون إما أن يكون بناؤه لتركيبه معها وتنزله منها منزلة الصدر من العجز، وإما أن يكون من أجل أن النون من خصائص الفعل فضعف بلحاقها شبه الاسم إذ لا قائل بغير هذين القولين، والثاني باطل لأنه مرتب على كون المنون من خصائص الفعل، ولو كان ذلك مقتضيا البناء لبني المجزوم والمقرون بحرف التنفيس والمسند إلى ياء المخاطبة لأنها مساوية للمؤكد في الاتصال بما يخص الفعل، بل ضعف شبه هذه الثلاثة أشد من ضعف شبه المؤكّد بالنون؛ لأن النون وإن لم يكن لفظها بالاسم [5/ 47] فمعناها به لائق بخلاف لم وحرف التنفيس وياء المخاطبة فإنها غير لائقة بالاسم لفظا ومعنى فلو كان موجب بناء المؤكد كونها مختصة بالفعل لكان ما اتصل به أحد الثلاثة مبنيّا؛ لأنها أمكن في الاختصاص وفي عدم بناء ما اتصلت به دلالة أن موجب البناء التركيب إذ لا ثالث لهما، وإذا ثبت أن موجب البناء التركيب لم يكن فيه لما اتصل به ألف اثنين أو واو جمع، أو ياء مخاطبة نصيب فإن ثلاثة أشياء لا تركب» انتهى. وقد بنى كلامه في التسهيل على هذا فقال: الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ ما لم يسند - ¬

_ (¬1) انظر الباب المذكور في الجزء الأول من الكتاب الذي بين يديك، وانظر شرح التصريح (1/ 56)، والأشموني (1/ 62) وقال: «وما ذكرناه من التفرقة بين المباشرة وغيرها هو المشهور والمنصور، وذهب الأخفش إلى البناء مطلقا وطائفة إلى الإعراب مطلقا. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1415، 1416).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الألف أو الياء أو الواو خلافا لمن حكم ببنائه مطلقا، ولو تمم كلامه فقال: ولمن حكم بإعرابه مطلقا لكان في ذلك إشارة إلى المذهب الثالث أيضا. ثم إن الشيخ قال (¬1): «وعلى المصنف نقدان؛ أحدهما: قوله «ما لم يسند إلى الألف، أو الياء أو الواو فأخذ شرطا في إعرابه الإسناد إلى هذه الثلاثة، وليس بشرط إلا مع الياء على مذهب سيبويه (¬2)، ألا ترى أنه يعرب إذا لم يسند إلى الألف والواو وذلك إذا كانت الألف علامة للتثنية والواو علامة للجمع فإنه إذ ذاك إنما أسند إلى الظاهر لا إلى المضمر، قال (¬3) وإصلاح كلامه أن يقال: ما لم يتصل به ألف الاثنين أو واو الجمع فإنه بشمل كون الألف والواو ضميرا فيكون الفعل مسندا إليهما، وكونهما علامة فيكون مسندا إلى الظاهر بعدهما. والنقد الثاني: قوله ما لم يسند إلى كذا فمعناه فيعرب ولا يكون مبنيّا ولذلك قال: خلافا لمن حكم ببنائه مطلقا وليس كذلك لأن الفعل الذي دخلت عليه هذه النون على قسمين: مبني قبل دخولها، ومبني لدخولها فالأول لا يعرب بحال وإن أسند إلى هذه الضمائر وذلك نحو: اضربا، اضربوا، اضربي، فإنك تقول: اضربانّ، واضربنّ، واضربنّ؛ فهذا ليس بمعرب، وقوله: «ما لم يسند إلى كذا» يقتضي إعرابه، وإصلاحه أن يقول: ما لم يتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة ولم يكن مبنيّا قبل دخولها عليه» انتهى. وأقول: أما الانتقاد الأول فيرجع إلى مشاحة في التعبير، أما إنه انتقاد حقيقي فلا وذلك أنك قد رأيت قول المصنف في ما نقلناه عنه من شرح الكافية: إن كان الفعل مضارعا واتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة، ولم يذكر الإسناد، حتى كأن الشيخ انتقد على المصنف بكلام المصنف، على أن لقائل أن يقول: ولو لم يذكر المصنف ما ذكره في الشرح المذكور لكان مستغنى عنه؛ لأن من المتقرر أن حكم الفعل المضارع في الإعراب عند اتصال الثلاثة به أحرفا كحكمه فيه عند اتصالها به ضمائر، فيقال: كما أن الموافقة حاصلة في هذا الحكم هي حاصلة في غيره من الأحكام الراجعة إلى الفعل الذي يتصل به الصنفان. ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 261). (¬2) ظاهر مذهب سيبويه أن الفعل المؤكد بالنون مبني ما لم يسند إلى هذه الثلاثة. انظر الكتاب (3/ 518 - 521). (¬3) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما النقد الثاني: فأمره عجيب لأنا قاطعون بأن المراد بالفعل في قوله الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ ما لم يسند إلى كذا أو كذا إنما هو المضارع، وذلك لأن الأمر مبني قبل دخول النون ودخولها عليه لا يقتضي إعرابا لأن دخولها من مقتضيات البناء في ما هو معرب، فكيف يكون من مقتضيات الإعراب في ما هو مبني؟ ففعل الأمر على هذا لا يدخل تحت قوله الفعل المؤكّد بالنّون مبنيّ لأنه مبني قبلها مستمر البناء بعد دخولها، وإذا كان كذلك فكيف يتعين على المصنف أن يقول: ولم يكن مبنيّا قبل دخولها عليه؟ بل لو قال ذلك لقيل له: ذكرت ما لا حاجة إليه ولا فائدة فيه. المقصد الثاني: في بيان ما ينشأ من التغيير عند لحاق النون، ولنذكر أولا ما هو كالضابط لصور المسائل المشتمل عليها هذا المقصد ثم نعود إلى لفظ الكتاب فنقول: إن آخر الفعل المؤكد يفتح مطلقا إن لم يكن مسندا إلى ضمير بارز لينّ بأن يكون مسندا إلى ضمير مستتر أو إلى ظاهر، وسواء في ذلك الصحيح الآخر والمعتله (¬1)، فيقال هل تضربنّ، وهل تقعدنّ، وهل تذهبنّ، وهل ترمينّ، وهل تغزونّ، وهل تخشينّ؟ وكذا لو أسندت هذه الأفعال الستة إلى اسم ظاهر نحو: هل تضربنّ زيدا؟ إلى آخرها، فما آخره من المعتل ياء أو واو فالفتحة فيه على الياء والواو، وما آخره منه ألف فإن الألف منه تقلب ياء كما رأيت في: هل تخشين؟ وما فعل في المضارع يفعل في الأمر فيقال: اضربنّ، واقعدنّ، واذهبنّ، وارمينّ، واغزونّ، واخشينّ، وإنما وجب قلب الألف ياء لأن الفعل الذي يؤكد بالنون إنما هو المضارع والأمر، ولا تكون الألف فيهما إلا منقلبة عن ياء إما غير مبدلة كـ «يسعى» أو مبدلة من واو كـ «يرضى» لأنه من الرضوان (¬2)، ومن ثمّ يقال في مضارع دعيت إلى كذا: هل تدعينّ إلى كذا فتجيب؟ وإن كان الفعل المؤكد مسندا إلى ضمير بارز ليّن وهو (¬3): الألف والواو والياء وجب إبقاء الألف وحذف الواو والياء، فمع الألف الباقية تكون الفتحة آخر الفعل باقية بحالها، وأما الواو والياء فبعد حذفهما يجب كون حركة آخر الفعل مجانسة للمحذوف، فتكون ضمة قبل الواو، وكسرة قبل الياء (¬4). - ¬

_ (¬1) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها. (¬2) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها، والأشموني (3/ 223). (¬3) المرجع السابق نفسه. (¬4) فيقال: يا زيدون هل تغزنّ، وهل ترمنّ، ويا هند هل تغزنّ، وهل ترمنّ؟ انظر شرح ابن الناظم (ص 243) وابن عقيل (3/ 314).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصل الأمر: أن الحركة التي كانت قبل الواو [و] هي - الضمة، وأن الحركة التي كانت قبل الياء - وهي - الكسرة، لا تغيران بل تبقيان بحالهما. وتخلص مما ذكرنا أن يقال: الفعل المؤكد بالنون قسمان، لأنه إما أن يكون رافعا لغير ضمير بارز أن يكون رافعا مستتر، أو اسم ظاهر، وإما أن يكون رافعا لضمير بارز، أما القسم الأول: فحكمه فتح آخره مطلقا أي سواء أكان صحيحا أم معتلا ولا تغيير فيه سوى أن ما آخره منه ألف تقلب تلك الألف [5/ 48] ياء، وقد تقدمت أمثلة ذلك. وأما القسم الثاني: فالضمير البارز: واو، أو ياء، أو ألف، أو نون، لأنه إما ضمير مذكّرين وهو الواو، وإما ضمير مؤنثة وهو الياء، وإما ضمير تثنية وهو الألف وإما ضمير إناث وهو النون، فأما الواو والياء فيحذفان وتبقى الضمة قبل الواو والكسرة قبل الياء، فيقال: هل تضربنّ؟ واضربنّ، وهل تضرينّ؟ واضربنّ، وهل تغزنّ؟ واغزنّ، [وهل تغزنّ؟ واغزنّ]، وهل ترمنّ؟ وارمنّ، وهل ترمنّ؟ وارمنّ فإن كان آخر الفعل ألفا لم تحذف الواو ولا الياء بل تبقيان، وتحرك الواو بالضم، والياء بالكسر (¬1) نحو: اخشونّ زيدا يا رجال، واخشينّ عمرا يا نسوة، ويقال مع الخفيفة: اخشون، واخشين، وأما الألف فيجب إبقاؤها (¬2) فيقال: هل تضربان؟ واضربانّ وأما النون فلا شك في بقائها إذ لا موجب لحذفها، لكن لا بد من الإتيان بالألف تفصل بينهما وبين نون التوكيد حذرا من الجمع بين النونات (¬3) فيقال: هل تضربنانّ، واضربنانّ وإنما وجب حذف الواو والياء لالتقاء الساكنين لأن الواو مضموم ما قبلها، والياء مكسور ما قبلها، فكل منهما مدة وقد التقيا مع ساكن وهو النون: إما الخفيفة أو المدغم من الثقيلة (¬4)، والقاعدة أن الساكنين إذا التقيا وكان الساكنين الأول مدة حذف (¬5)، وإنما وجب بقاء الألف لأنها لو حذفت في نحو: هل تضربانّ؟ واضربانّ - لالتبس المثنى بالواحد (¬6). وهذا التعليل أحسن من قولهم: - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 521) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها، وابن عقيل (3/ 315). (¬2) انظر شرح الناظم (ص 626) وما بعدها وشرح الكافية للرضي (2/ 405). (¬3) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 626) وما بعدها، وابن عقيل (3/ 316). (¬4) انظر شرح ابن الناظم (ص 626) وما بعدها. (¬5) انظر المفصل (ص 626) وما بعدها. (¬6) انظر الكتاب (3/ 519)، وشرح الكافية للرضي (2/ 405).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن الألف إنما لم تحذف لخفتها وشبهها قبل النون بالفتحة (¬1) لا يجوز أن يعلل عدم حذف الألف بأن التقاء الساكنين في نحو: هل تضربانّ؟ واضربانّ على حدّه من حيث إن الساكن الثاني مدغم والساكن الأول حرف لين، فجاز التقاء الساكنين كما في «الضّالّين» لأن ذلك إنما يغتفر إذا جمع الساكنين كلمة واحدة. ونون التوكيد مع الضمير البارز محكوم لها بحكم المنفصل (¬2) ولهذا حذفت الواو والياء من نحو: هل تضربنّ، وهل تضربنّ؟ وكذا تقول في: اغزوا وهل تغزون؟ إذا أكدت: أغزنّ وهل تغزنّ؟ كما تقول: اغزوا القوم، ولم يغزوا القوم بحذف الواو، وفي اغزى: وهل تغزين؟ إذا أكدت: اغزنّ وهل تغزنّ؟ كما تقول: اغزى القوم، ولم تغزى القوم بحذف الياء. أما إذا لم يكن ضمير بارز فإن النون محكوم لها بحكم المتصل يعني أنها يصير كجزء من الفعل (¬3) ولهذا يقال للمخاطب: رينّ، واخشينّ، واغزونّ، فيرد المحذوف في الأمر لأنه لما بني بمجيء النون وجب رده لأن حذفه للإعراب، لا إعراب فوجب جعل هذه النون معه في حكم الجزء كـ «ألف» التثنية فإنك تقول للاثنين: ريا واخشيا فيرد المحذوف في الواحد، ويفتح لما كانت الألف مع الفعل كجزء فكذلك النون. المقصد الثالث: في ما تختص به إحدى النونين عن الأخرى، لا شك أن الخفيفة ساكنة أبدا والثقيلة مفتوحة أبدا إلا الواقعة بعد الألف فإنها مكسورة تشبيها لها بنون التثنية لوقوعها بعد الألف (¬4)، ثم إن كلّا من النونين صالح لكل موضع من المواضع التي تباشر النون (¬5) إلا ما كانت النون فيه واقعة بعد الألف المذكورة - أعني ألف الاثنين - أو الألف الفاصلة بين نون التوكيد ونون الإناث، فإن الثقيلة متعينة فيه عند - ¬

_ (¬1) قال به ابن الناظم في شرح الألفية (ص 626) وما بعدها، وانظر ابن عقيل (4/ 314). (¬2) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 406). (¬3) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 406). (¬4) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 204). (¬5) قال سيبويه في الكتاب (3/ 508): «اعلم أن كل شيء تدخله الخفيفة فقد تداخله الثقيلة كما أن كل شيء تدخله الخفيفة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمهور (¬1)، وتختص الخفيفة بحذفها في موضعين: - عند ملاقاة ساكن بعدها. - وفي الوقف إذا وليت غير فتحة بأن تلي ضمة أو كسرة، وبإبدالها فيه ألفا إذا وليت فتحة (¬2)، ولكن المصنف أشار إلى هذين الحكمين في الفصل الذي يلي هذا الفصل، إذا تقرر هذا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب فنقول: قوله فيفتح آخره قد عرفت أن آخر الفعل يفتح إن كان مسندا إلى ضمير مستتر أو إلى اسم ظاهر صحيحا كان الآخر أو معتلا - إن كان الآخر «واوا» أو «ياء» كـ «اغزونّ» و «ارمينّ» وهل تغزونّ؟ وهل ترمينّ؟، وإن كان الآخر ألفا فإن الألف منه تقلب ياء، وتكون الفتحة عليها كاخشينّ وهل تخشينّ؟ لكن ليس في كلام المصنف إشارة إلى أن الألف تقلب ياء وقد قال في الألفية: ... ... وإن يكن في آخر الفعل ألف فاجعله منه رافعا غير اليا ... والواو ياء كاسعينّ سعيا وقوله: وحذفه إن كان ياء تلي كسرة لغة فزارية - أشار به إلى أن «فزارة» (¬3) يقولون: في: ارمينّ ارمنّ، وفي ابكينّ: ابكنّ بحذف الياء، قال ابن عصفور (¬4): «ومن العرب من يحذف الياء من يرمي وبابه (¬5) ويلحق النون الشديدة والخفيفة ويبقى ما قبلهما على ما كان عليه من الكسر ويتّكل على ذلك بالقرائن، وأنشدوا على هذه اللغة (¬6): - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 525، 527) وقال في (3/ 527): «وأما يونس وناس من النحويين فيقولون. اضربان زيدا، واضربنان زيدا فهذا لم تقله العرب، وليس له نظير في كلامها لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم. وانظر المفصل (ص 330) وشرح الكافية للرضي (2/ 405). (¬2) انظر الكتاب (3/ 521: 523) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 628) وما بعدها، وانظر المفصل (ص 332). وشرح الكافية للرضي (2/ 406). (¬3) قيل: إن «فزارة» أبو حيّ من غطفان وهو فزارة بن ذبيان بن يعيش بن ريث بن عطفان. انظر اللسان (فزر). (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 492). (¬5) يعني ببابه: كل فعل آخره ياء تلي كسرة. (¬6) أي لغة فزارة وانظر المغني (ص 211) وقد أنشد ابن عصفور في شرح الجمل هذا البيت تاليا للبيت الذي يليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3684 - لا تتبعن لوعة إثري ولا هلعا ... ولا تقاسنّ بعدي الهمّ والجزعا (¬1) وقول الآخر: 3685 - وابكنّ عيشا تولّى بعد جدّته ... طابت أصائله في ذلك البلد (¬2) قال: فكان القياس أن يثبت الياء فيقول: ابكينّ ولا تقاسينّ» انتهى. وقوله «فكان القياس» قد ينازع فيه لأن ذلك إذا ثبت أنه لغة لقوم وجب قبوله منهم ولا تدفع لغتهم بلغة غيرهم. وقوله فإن كان مع الآخر واو الضّمير أو ياؤه حذفت بعد الحركة المجانسة وحرّكت بها بعد الفتحة قد عرفت أن الواو، والياء تحذفان قبل نون التوكيد، وموجب حذفهما التقاء الساكنين كما تقدم التنبيه عليه، وإذا حذفتا بقيت الحركة المجانسة وهي الضمة مع الواو، والكسرة [مع الياء] وقد تقدم تمثيل ذلك. والواو التي هي علامة إذا أسند الفعل إلى ظاهر على لغة من يلحق العلامة كالواو التي هي ضمير في ما ذكرنا، وكأن المصنف ترك التعرض لذلك لما ذكرناه من أن حكم ما تلحقه حكم ما يتصل [5/ 49] به الضمير، والضمير المستكن في قوله - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط وقائله محمد بن بشير البصري. الشرح: اللوعة: وجع القلب من المرض والحب والحزن، والهلع الجزع وقلة الصبر، وقوله ولا تقاسن من المقاساة التي هي معالجة الأمر الشديد ومكابدته. والشاهد في قوله «ولا تقاسن» حيث حذف منه الياء وهي لغة فزارة وأصله: لا تقاسين وهي لغة فزارة وأصله: لا تقاسين وهي لغة غيرهم بإثبات الياء مفتوحة. والبيت في التذييل (6/ 265) وأمالي القالي (1/ 22)، والهمع (2/ 79) والدرر (2/ 102) والأشموني (3/ 221). (¬2) هذا البيت من البسيط وهو لقائل مجهول. الشرح: قوله وابكن قيل: إنه خطاب لامرأة، وقيل: إن هذا خطأ والصواب أنه خطاب لرجل لأنه لو كان خطابا لامرأة كما قيل لم يكن حذف الياء خاصّا بفزارة، واستدلوا على ذلك أيضا بالبيت الذي قبله وهو: يا عمرو أحسن نماك الله بالرشد ... واقر السّلام على الأنقاء والثمد فإنه خطاب لمذكر، وقوله جدته نضارته ونموه وحسنه، وقوله أصائله يبدو أنه جمع أصل على غير قياس. والشاهد فيه: قوله «وابكنّ» حيث حذف منه الياء على لغة فزارة وأصله: وابكينّ، والبيت في التذييل (6/ 265)، والمقرب (2/ 77)، والمغني (ص 221)، وشرح شواهده (ص 561)، والشطر الأول في الهمع (2/ 79) وجميعه في الدرر (2/ 102) وانظر حاشية الدسوقي على المغني (1/ 223) وحاشية الأمير (1/ 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحركت بها بعد الفتحة راجع إلى الواو، والياء من قوله واو الضمير أو ياؤه، ووحّد الضمير العائد لأن العطف في ما يعود الضمير عليه بأو والضمير في «بها» عائد على المجانسة أي وحركت الواو بعد الفتحة بالضمة، والياء بعدها بالكسرة، وقد تقدم تمثيل ذلك. ويفهم من اقتصار المصنف على ذكر الواو، والياء أن الألف التي هي علامة الاثنين لا تحذف عند وجود نون التوكيد، وقد تقدمت الإشارة إلى علة ذلك. وقوله: وحذف ياء الضمير بعد الفتحة لغة طائية يشير به إلى أن أصحاب هذه اللغة يقولون في اخشينّ يا هند: اخشنّ، واخشن يا هند، فيحذفون الياء، قال [الشيخ]: «وفي [هذه] المسألة خلاف، ذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز حذف هذه الياء إذا انفتح ما قبلها (¬1)، وأجاز ذلك الكوفيون (¬2)، وزعم الفراء (¬3) أنها لغة طيّئ» انتهى. ولا أعرف معنى ذكر هذا الخلاف فإن الأئمة إذا ذكروا أن ذلك لغة لقوم لم يكن للخلاف وجه. وقوله: وتكسر الثّقيلة بعد ألف فاصل إثر نون الإناث قد تقدمت الإشارة إليه فيقال: اضربانّ، ولا تضربانّ، وارميانّ ولا ترميانّ، واغزوانّ ولا تغزوانّ، ويقال: اضربنانّ، ولا تضربنانّ، وموجب ذلك أن الخفيفة لو جيء بها في هذين الموضعين لكان في ذلك التقاء الساكنين على غير حدّهما (¬4)، وأما موجب الإتيان بالألف بعد نون الإناث فقد تقدمت الإشارة إليه وهو الفرار من اجتماع النونات، والجمهور على أنه لا يقع التوكيد بعد ألف الاثنين أو الألف الفاصل إلا بالنون الشديدة. وقد أجاز يونس والكوفيون وقوع الخفيفة (¬5)، ولا شك أن إجازة ذلك موقوفة - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405). (¬2) انظر الهمع (2/ 79)، والأشموني (3/ 223). (¬3) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405)، والمرجعين السابقين. (¬4) قال سيبويه في الكتاب (3/ 527) لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم «وانظر شرح الكافية للرضي» (2/ 405). (¬5) انظر الكتاب (3/ 527) وشرح الكافية للرضي (2/ 405) وشرح الألفية لابن الناظم (ص 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على جواز الجمع بين الساكنين هو لا يجوز، وما استدل (¬1) به من قول العرب: «التقت حلقتا البطان» (¬2) بمد الألف محمول على الشذوذ، لكن قال المصنف في شرح الكافية بعد ذكر المسألة ومذهب يونس فيها (¬3): ويعضد قوله (¬4) قراءة بعض القراء (فدمّرانهم تدميرا)، حكاها ابن جني (¬5) ويمكن أن يكون من هذا قراءة (¬6) ابن ذكوان (¬7) وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (¬8)، وكمذهب يونس مذهب الكوفيين في وقوع الخفيفة بعد الألف» انتهى. وهذا منه - رحمه الله تعالى - يدل على أنه يوافق يونس والكوفيين في المسألة (¬9)، وكلامه في التسهيل ربما يشعر بذلك فإنه ذكره دون تعرض لرده. وقوله: «وتشاركها الخفيفة في زيادة الفاصل» يريد به أن النون التي يؤتى بها - ¬

_ (¬1) نسبه الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 267) إلى الأستاذ أبي علي الفارسي، وانظر شرح الكافية للرضي (2/ 405)، والأشموني (3/ 224). (¬2) هذا مثل؛ معناه: أن يغذ الرجل هاربا في السير فيضطرب حزام رحله ويستأخر حتى يلتقي عروتاه وهو لا يقدر فرقا أن ينزل فيشده، يضرب في تناهي الشرّ، انظر المستقصى (1/ 306) المثل رقم (1316)، ومجمع الأمثال (3/ 102). ووجه الاستشهاد به: جواز التقاء الساكنين في قوله: حلقتا البطان فقد التقت ألف «حلقتا» مع ألف «البطان» والذي سهل ذلك أن الألف الأولى لما فيها من المدة كالحركة لما بعدها، وقياسا على هذا أجاز يونس ومن تبعه من الكوفيين وقوع نون التوكيد الخفيفة بعد ألف المثنى والألف الفاصلة بينها وبين نون الإناث. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (2/ 568، 569). (¬4) يعني قول يونس، وانظر الهمع (2/ 79) والأشموني (3/ 224). (¬5) انظر المحتسب (2/ 122)، وهي قراءة علي بن أبي طالب ومسلمة بن محارب، وانظر مختصر شواذ القرآن (ص 105). (¬6) انظر الكشف (1/ 522) والحجة لابن خالويه (ص 183). والنشر (2/ 286)، وهي قراءة ابن عامر رواها عنه ابن ذكوان، وانظر أمالي ابن الشجري (2/ 227). (¬7) ابن ذكوان: عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان القرشي الفهري أبو عمرو من كبار القراء، لم يكن في عصره أقرأ منه، توفي في دمشق سنة 242 هـ انظر ترجمته في غاية النهاية (1/ 404)، والأعلام (4/ 65)، والإرشادات الجلية في القراءت السبع (ص 9). (¬8) سورة يونس: 89. (¬9) قال سيبويه في الكتاب (3/ 527) ردّا على من يجوز ذلك: «فهذا لم تقله العرب وليس له نظير في كلامها لا يقع بعد الألف ساكن إلا أن يدغم» وانظر الهمع (2/ 79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد نون الإناث ولو لم تكن الشديدة بل كانت الخفيفة عند من يجور الخفيفة في هذا المحل لا بد من الإتيان بالألف الفاصلة بينها وبين نون الإناث، كما أنه لا بد من الإتيان بها مع الشديدة (¬1). بقيت الإشارة بعد ذلك إلى ثلاثة أمور: الأول قال ابن عصفور (¬2): «واختلفوا في الحركة التي قبل النون في قولك: هل تضربنّ؟ واضربنّ؛ فمنهم من قال إنها حركة التقاء الساكنين، وكانت فتحة طلبا للتخفيف (¬3)، ومنهم من قال إن الحركة حركة بناء (¬4) لأنه أشبه المركب، فكما أن المركب يبني على حركة فكذلك ما أشبهه وهو الصحيح بدليل أن حركة التقاء الساكنين عارضة، والعارض لا يعتد به بدليل: قم الساعة، فلو كانت الحركة معتدّا بها لقلت: قوم الساعة، لأن العلة الموجبة لحذف حرف العلة قد زالت وهي التقاء الساكنين، فكان أن لا تقول: قومنّ وترد المحذوف، ومما يدل على أن العرب لا تقول ذلك قول القائل: 3686 - فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة ... وموتن بها حرّا وجلدك أملس (¬5) فقال: موتن ولم يحذف الواو، فلو كانت حركة التقاء الساكنين لقال: متن، ولم يسمع ذلك، فلم يبق إلا أن تكون بناء، قال: وسبب الخلاف بين النحويين أن الموجب لإعراب الفعل المضارع قد زال وهو التخصيص بحرف من أوله كما أن الاسم كذلك» انتهى. ولك أن تبحث فتقول: لا شك أن فعل الأمر ساكن الآخر، فإذا اتصلت [به]- ¬

_ (¬1) انظر الهمع (2/ 79). (¬2) انظر شرح الجمل (2/ 490: 491). (¬3) هذا مذهب الزجاج والسيرافي، انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405) والتذييل (6/ 263). (¬4) وهذا مذهب الجمهور انظر شرح الكافية للرضي (2/ 405)، والتذييل (6/ 262: 263). (¬5) هذا البيت من الطويل، وهو للمتلمس في ديوانه (ص 6)، الخزانة (3/ 270). وقبله: ألم تر أن المرء رهن منية ... صريع لعافي الطّير أو سوف يرمس الشرح: قوله ضيما: الضيم: الظلم وقوله أملس هو من الملوسة وهي ضد الخشونة وقوله «جلدك أملس» أي نفي من العار سليم من العيب، والضمير في: بها يعود إلى قوله «ميتة» أي مت بتلك الميتة حرّا لم يستعبدك الحر، والمعنى: أن الموت نازل بك على حال فلا تحتمل العار خوفا منه. والشاهد فيه: قوله «موتن» حيث جاء بالواو ولم يحذفها لأن الحركة التي بعدها هي التي قبل النون للبناء وليست حركة التقاء الساكنين ولو كانت كذلك لقال متن. انظر البيت في الخزانة (3/ 270)، وانظر شرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص 658)، وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 192).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النون وجب تحريكه لالتقاء الساكنين، وهو مبني على السكون قبل، ثم عرض تحريكه لما ذكرنا، فكيف تكون حركته حركة بناء؟ وهو قد قال: اختلفوا في الحركة التي قبل النون في قولك: هل تضربنّ؟ واضربنّ. وأما حركة المضارع فكيف يتوجه فيها أن يقال: إنها حركة التقاء الساكنين؟ لأن آخره لم يكن قبل اتصال النون به ساكنا. بل كان متحركا بحركة فغيرت تلك الحركة بغيرها لموجب وهو خوف الالتباس بفعل الجماعة. أما كون الحركة حركة بناء: فهو الظاهر (¬1)؛ لأن الفعل المضارع إذا باشرته نون التوكيد بني كما تقرر وقد تقدم أن علة بنائه هي التركيب. ولقائل أن يقول: إن نون التوكيد امتزجت بالكلمة فصارت في حكم الجزء، وصار مجموع الكلمتين في حكم كلمة واحدة، ومن ثمّ قيل: قومنّ برد الواو لكون الحركة لازمة، فحركة ما قبل نون التوكيد في نحو: هل تضربنّ؟ مثلا كحركة الفاء من «جعفر» والهاء من «درهم» وحركات أجزاء الكلمة لا ينسب إليها بناء ولا إعراب. ومعنى قولنا: إن الفعل المضارع إذا اتصلت به نون التوكيد يبنى: أنه يحكم عليه بالبناء بمعنى أنه سلب الإعراب الذي كان له، ولا يلزم من ذلك أن تجعل حركة آخره بالفتح علامة لبنائه. الأمر الثاني: إذا قلت: هل تكرمن أباك؟ بالنون الخفيفة وخففت الهمزة بحذفها ونقل حركتها إلى الساكن الذي قبلها وهو النون فقيل: لا يجوز لأن هذه النون لا تحتمل الحركة كما لم تحتملها إذا التقت مع ساكن لأنها تحذف إذا لقيته وهذا واضح (¬2). الأمر [5/ 50] الثالث: قالوا: هل يجوز أن يجمع بين الألف والنون الخفيفة إذا كان بعد النون ما يدغم فيه نحو: يا رجلان إن تقومان نبرّكما؟ (¬3). - ¬

_ (¬1) هذا واضح في أن المؤلف يميل إلى مذهب الجمهور. (¬2) هذه المسألة ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 264) تحت عنوان «فرع» وقد نقلها المؤلف دون أن يشير. (¬3) هذه المسألة - أيضا - ذكرها الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 267) تحت عنوان «فرع».

[أحكام خاصة بنون التوكيد الخفيفة]

[أحكام خاصة بنون التوكيد الخفيفة] قال ابن مالك: (فصل: تختصّ الخفيفة بحذفها وصلا لملاقاة ساكن مطلقا، وبالوقف عليها مبدلة ألفا بعد فتحة أو ألف، ومحذوفة بعد كسرة أو ضمّة، وأجاز يونس للواقف إبدالها واوا أو ياء في نحو: اخشونّ واخشينّ، ويعاد إلى الفعل الموقوف عليه بحذفها ما أزيل في الوصل بسببها، وربّما نويت في أمر الواحد فيفتح وصلا). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «نص بعضهم على أن ذلك لا يجوز، قال (¬2): لأن الوصل عارض، والعارض لا يعتد به قال (¬3): ويمكن أن يقال بجواز ذلك لأن العلة في منع ذلك عند جمهور البصريين إنما هو التقاء الساكنين على غير حدها، وقد فقد ذلك بالإدغام، وما ذكره من أن الوصل عارض ممنوع، بل نقول: إن الوصل هو الأصل، والوقف هو العارض فينبغي أن تجوز هذه المسألة بخصوصها» انتهى. والذي يظهر أن مراد من منع المسألة بقوله: الوصل عارض، وصل الكلمة المختومة بالنون الخفيفة بالكلمة التي بعدها المفتتحة بنون أخرى، لأنها قد كان يمكن أن توصل بكلمة أخرى غيرها، فليس وصلها بها لازما، وإذا لم يكن لازما كان عارضا ولم يرد الوصل الذي يقابل الوقف. قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى أن النون الخفيفة تختص بأمرين: وهما: الحذف في مكانين، وإبدالها ألفا في مكان (¬4)، فهو يشير إلى ذلك في هذا الفصل وقد قال في شرح الكافية (¬5): «وإذا كانت النون خفيفة ولقيها ساكن حذفت سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا، ومنه قول الشاعر: 3687 - لا تهين الفقير علّك أن ... تركع يوما والدّهر قد رفعه (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 267). (¬2) أي هذا الذي ينقل عنه الشيخ. (¬3) أي الشيخ أبو حيان. (¬4) انظر ذلك في شرح المتن السابق (المقصد الثالث). (¬5) انظر شرح الكافية الشافية (2/ 569) وقد تصرف المؤلف قليلا فيما نقله عنه. (¬6) هذا البيت من المنسرح لكن دخل في «مستفعلن» أوله الخرم - بالراء - بعد خبنه، فصار: فاعلن، ويدل له بقية القصيدة التي مطلعها. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا وقفت على المؤكد بالخفيفة أبدلتها ألفا إن وليت فتحة كقولك في قوله تعالى: (لنسفعن) (¬1) لنسفعا، وقال النابغة الجعدي: 3688 - فمن يك لم يثأر بأغراض قومه ... فإنّي وربّ الرّاقصات لأثأرا (¬2) فإن لم تل فتحة حذفتها ورددت إلى الفعل ما حذف من أجلها (¬3) فتقول في اخرجن واخرجن: اخرجوا واخرجي، وفي هل تخرجن؟ وهل تخرجن: وهل تخرجون، وهل تخرجين؟ انتهى. فأشار إلى الحكمين. - ¬

_ - لكلّ همّ من الهموم سعه ... والمسي والصّبح لا فلاح معه فقول العيني ومن تبعه أنه من الخفيف خطأ. وانظر حاشية الصبان على الأشموني (3/ 255)، وهذه القصيدة ثمانية أبيات قيل: إنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل وقبل البيت الشاهد: قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه الشرح: قوله: لا تهين من أهان يهين أهانة، وقوله: علك أي لعلك، وقوله: تركع من الركوع وهو الانحناء والميل وأراد به الانحطاط من المرتبة والسقوط من المنزلة، والمعنى: لا تؤذي الفقير ولا تحتقره؛ فإني أشفق عليك أن يزول عنك ما تترفع به عليه ويصير إليه مثل ما كان لك فتحتاج إليه ولم تكن أسلفته ما تستمطر به ديم رحمته وحنانه. والشاهد فيه: قوله: لا تهين بكسر الهاء وسكون الياء، وأصله: لا تهينن بنونين أولاهما مفتوحة والثانية ساكنة فحذفت النون الخفيفة لما استقبلها ساكن. والبيت في الشعر والشعراء (ص 390)، وأمالي الشجري (1/ 385)، والإنصاف (ص 221)، وانظر ابن يعيش (9/ 43، 44) والمفصل (232)، والمقرب (2/ 18). (¬1) سورة العلق: 15. (¬2) هذا البيت من الطويل قاله النابغة الجعدي من قصيدة طويلة له أنشدها بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم فأعجب بها ودعا له بخير وبشره بالجنة، ومطلعها: خليلي غضا ساعة وتهجرا ... ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا الشرح: قوله لم يثأر هو من ثأر - مهموز العين - يثأر إذا أخذ بثأر له، وقوله أعراض جمع عرض وهو ما يحميه الرجل من أن يثلب فيه، وقوله الراقصات أراد به إبل الحجيج التي تهتز أطرافها في مشيها كأنها كأنها ترفض. والمعنى: فمن لم ينتصر لأغراض قومه بالهجو والذب عنهم فأني قد هجوت من هجاهم وانتصرت لهم حفظا لأغراضهم. والشاهد في قوله: «لأثأرا» أصله: لأثأرا - بالنون الخفيفة - فلما وقف عليها أبدلها ألفا كما في: «لنسفعا». وانظر البيت في الكتاب (3/ 512)، وابن يعيش (9/ 39) وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي (2/ 277) والأشموني (3/ 215: 226) والتذييل (6/ 269)، وديوان النابغة (ص 76). (¬3) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 230، 631) تحقيق د/ عبد الحميد السيد، والأشموني (3/ 226).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: «سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا» مفسر لقوله في التسهيل: «مطلقا» وأشار هنا إلى رد المحذوف بقوله «ويعاد إلى الفعل الموقوف عليه بحذفها ما أزيل في الوصل بسببها، وإنما رد المحذوف لأنه إنما كان حذف لاجتماعه مع النون الخفيفة، فلما حذفت النون زال موجب حذف ما كان حذف لأجلها، فمن ثمّ أعيدت الواو والياء في: اخرجوا واخرجي، والواو والنون، والياء والنون في: هل تخرجون؟ وهل تخرجين؟ والعلة (¬1) في حذفها عند ملاقاة ساكن لما لم تكن صالحة للحركة عوملت معاملة حرف اللين فحذفت لالتقاء الساكنين، كما حذف اللين في: يرمي الرجل ويغزو الغلام. وأما حذفها عند الوقف على الكلمة التي هي فيها إذا كانت بعد ضمة أو كسرة، وإبدالها ألفا بعد فتحة فلشبهها بالتنوين (¬2)، وفي شرح الشيخ (¬3): «فإن لقيت الخفيفة بعد ألف الاثنين، أو نون الجمع - على مذهب يونس - ساكنا نحو: اضربان واضربنان، أبدل يونس النون همزة وفتحها، فيقول: اضرباء الرجل يا رجلان، واضربناء الرجل يا نساء، قال سيبويه (¬4): هذا لم تقله العرب، والقياس اضرب الرجل [واضربن الرجل] فحذفت النون لالتقاء الساكنين، وتحذف الألف لالتقائها مع الساكن الذي حذف النون فيصير في اللفظ بغير ألف» انتهى. وأما قول المصنف: «أو ألف» بعد قوله: مبدلة ألفا بعد فتحة - فإنما يتصور ذلك على مذهب من يجيز وقوع الخفيفة بعد الألف وهو يونس والكوفيون، وقد تقدم أن المصنف ربما يوافقهم في هذه المسألة، فبمقتضى هذا ذكر الفتحة، وعلى هذ إذا قيل: اضربان واضربنان ووقفت أبدلت النون ألفا ويلتقي حينئذ ساكنان. وأما قوله: «وأجاز يونس للواقف إبدالها واوا أو ياء في نحو: اخشون واخشين» فأشار به إلى أن يونس لا يحذف الساكنة بعد ضمة أو كسرة بل يبدلها حرفا مجانسا للحركة التي قبلها، كما أنها تبدل ألفا بعد الفتحة فتقول: اخشووا - ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 230، 631) تحقيق د/ عبد الحميد السيد، والأشموني (3/ 225). (¬3) انظر التذييل (6/ 268). (¬4) انظر الكتاب (3/ 527: 528)، والأشموني (3/ 225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واخشيي (¬1)، وقالوا (¬2): إن يونس يقول: كما أبدلوا التنوين بعد الضمة والكسرة في الوقف فقالوا: قام زيدو، ومررت بزيدي فكذلك هذا تشبيها للنون الخفيفة بالتنوين (¬3)، وضعّف مذهبه لكونه حمل الأمر فيه على اللغة الضعيفة في الوقف على المرفوع والمجرور المنونين، قال الشيخ (¬4): «فظاهر كلام المصنف أن ذلك يختص بالمثالين المذكورين أو بما أشبههما من الفعل المعتل بالألف مطلقا، وليس كذلك بل المنقول عن يونس أنه يبدل النون الخفيفة مطلقا؛ سواء أكان ما قبلها مفتوحا أم مضموما أم مكسورا، فيبدلها حرفا من جنس الحركة التي قبلها فيقول في الوقف على هل تخرجن؟ وهل تخرجي، وعلى هل تدعن؟ هل تدعو، ولا يرد النون التي هي علامة الرفع كما يقول غيره، لأن موجب البناء عنده لم يزل لكونه عوّض منه، والعرب تحكم للعوض [بحكم المعوض] منه» انتهى. وأما قول المصنف: «وربّما نويت في أمر الواحد فيفتح وصلا» فمثاله قول الشاعر: 3689 - اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسّوط قونس الفرس (¬5) لكن لك أن تقول إن الموجب لفتح آخر الفعل إنما هو النون الملفوظ بها لا نيتها [5/ 51] الذي ذكره الإمام بدر الدين ولده أحسن من هذا، وهو أنه لما ذكر أن نون التوكيد الخفيفة تحذف لملاقاة ساكن وللوقف في بعض الصور قال (¬6): «وقد - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 522). (¬2) انظر التذييل (6/ 271). (¬3) في الكتاب (3/ 522): «قال الخليل: لا أرى ذاك إلا على قول من قال: هذا عمرو ومررت بعمري وقال سيبويه: وقول العرب على قول الخليل». (¬4) انظر التذييل (6/ 271). (¬5) البيت لطرفة بن العبد البكري انظر ملحقات ديوانه (ص 195)، وقيل هو مصنوع عليه وهو من المنسرح وما ذكره العيني (4/ 337) من انه من الوافر فهو خطأ، الشرح: قوله: «اضرب» يروى في مكانه «اصرف» والأول أدق وأوفق ببقية البيت، و «طارقها» اسم الفاعل من طرق يطرق إذا طرق يطرق إذا أتى ليلا، وهو بدل من الهموم وقوله «قونس الفرس» القونس: هو العظم الناتئ بين أذني الفرس وأعلى البيضة أيضا. والشاهد في قوله: «اضرب» بفتح الباء لأن أصله اضربن بالنون الخفيفة فحذفت النون وبقيت الفتحة قبلها للضرورة وهذا من الشاذ لأن نون التأكيد لا تحذف إلا إذا لقيتها ساكن. والبيت في النوادر (165). والخصائص (! / 126) والمحتسب (2/ 94)، والإنصاف (ص 568)، وابن يعيش (9/ 44)، والمغني (ص 642)، واللسان (قنى). (¬6) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 631) طبعة دار الجيل، بتحقيق د/ عبد الحميد السيد.

[تعريف التنوين- فائدته- بعض أحكامه]

[تعريف التنوين - فائدته - بعض أحكامه] قال ابن مالك: (فصل: التّنوين: نون ساكنة تزاد آخر الاسم تبيينا لبقاء أصالته، أو لتنكيره، أو تعويضا، أو مقابلة لنون جمع المذكّر، أو إشعارا بترك التّرنّم في رويّ مطلق في لغة تميم، ويشارك المتمكّن المجرّد في هذا ذو الألف واللّام، والمبنيّ، والفعل، وكذا اللّاحق رويّا مقيّدا عند من أثبته، ويسمّى الغالي، ويختصّ ذو التّنكير بصوت أو شبهه، ويسمّى اللّاحق به الأوّل أمكن ومنصرفا، وقد يسمّى لحاق غيره صرفا). ـــــــــــــــــــــــــــــ تحذف هذه النون لغير ما ذكر في الضرورة» كقوله: 3690 - اضرب عنك الهموم طارفها ... ... فأثبت النون أولا لتثبت الفتحة قبلها ثم حذف النون للضرورة واستمر ما قبلها بحاله. قال ناظر الجيش: التنوين لا يكاد يعزب عمن له أدنى إدراك، فلا يحتاج إلى تعريف، والذي قاله المصنف في الكافية وهو قوله: إن يبد لفظا دون خطّ نون ... كابسط يدا فذلك التّنوين (¬1) كاف، وقد وسع الشيخ الكلام على حدّ المصنف ووغر فيه فقال (¬2): قوله «نون» يشمل نون «عنبر» و «ضيفن» (¬3)، و «التنوين»، واحترز بقوله «ساكنة» من نون التثنية والجمع، وقوله «تزاد» تحرّز من الأصلية نحو نون «عنبر» وزنه فعلل لأن «فنعلا» غير موجود في الأسماء وهو موجود في الصفات كـ «عنبس» (¬4) وقوله «آخر الاسم» احتراز من نحو [نون] منطلق فإنها ساكنة زائدة لكن ليست آخرا (¬5)، وقوله «تبيينا لكذا ولكذا» احتراز من النون الساكنة في - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1420). (¬2) انظر التذييل (6/ 273: 274)، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬3) الضيفن: الذي يتبع الضيف مشتق منه عند سيبويه وجعله سيبويه من ضيفن. انظر اللسان (ضفن) و (ضيف). (¬4) عنبس: من أسماء الأسد أخذ من العبوس وبها سمي الرجل. انظر اللسان (عبس). (¬5) هذا الكلام من أول قوله «وقوله آخر الاسم ... إلخ» ليس في التذييل. انظر التذييل (6/ 272).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل الزائدة اللاحقة آخر الاسم إما للوقاية بالحمل على الفعل كقوله: 3691 - أمسلمني إلى قومي شراح (¬1) وإما لتكميل الوزن نحو قول الشاعر: 3692 - أحبّ منك موضع القفنّ ... وموضع الإزار والكشحنّ (¬2) وبعد فأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية المتعلق بهذا الفصل ثم أعود إلى لفظ الكتاب، قال (¬3) رحمه الله تعالى: «التنوين على ضربين: أحدهما خاص بالاسم والآخر مشترك فيه، فالخاص بالاسم: تنوين التنكير، وتنوين الصرف، وتنوين العوض، وتنوين المقابلة، فتنوين التنكير كتنوين «صه» فإن «صه» بلا تنوين بمعنى: اسكت السكوت، وبالتنوين بمعنى: اسكت سكوتا ما، ومن تنوين التنكير تنوين عجز «سيبويه» ونحوه: تقول: مررت بسيبويه فلا تنون حين تقصد المعرفة ومررت بسيبويه آخر فتنون حين تقصد النكرة. وتنوين الصرف كتنوين «رجل» وغيره من الأسماء المعربة العارية من موانع الصرف، وقد يتوهم أن تنوين «رجل» تنوين تنكير و [ليس] كذلك، لأنه لو سمي به مذكر لبقى تنوينه مع زوال التنكير، فلو كان تنوين تنكير لزال بزوال مدلوله. وتنوين العوض على ضربين: أحدهما ما عوض من الإضافة كالذي في قوله تعالى - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الوافر، وقائله يزيد بن مخزم الحارثي (العيني: 1/ 385) وصدره: وما أدري وظنّي كلّ ظنّ الشرح: قوله: وظني كل ظن إما صلة أو جملة من مبتدأ وخبر معترضة أو الواو بمعنى مع وكل ظن تأكيد لظني و «شراح» أصله: شراحيل اسم رجل لحقه الترخيم. والشاهد: في قوله: أمسلمني؛ فإن النون فيه زائدة للوقاية بالحمل على الفعل وانظر البيت في معاني القرآن (2/ 386) والمقرب (1/ 125)، والمغني (ص 345، 644)، وشرح شواهده (ص 770). (¬2) هذان بيتان من الرجز المشطور وهما لدهلب بن قريع يخاطب ابنا له. الشرح: قوله: الكشحن أصله: الكشح وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف، وهو من لدن السرة إلى المتن، وقوله: القفن أصله: القفا وهو مؤخر العنق، وقوله: الوشحن على الروايات الأخرى أصله: الوشاح ينسج من أديم عريضا ويرصّع بالجواهر وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها. والشاهد فيه قوله: «القفن» و «الكشحن» حيث زاد فيه نونا لتكميل الوزن، والملاحظ أن النون التي تزداد في مثل هذا هي نون شديدة، واستشهاد أبي حيان بالرجز على أن النون ساكنة. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1420 - 1430).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (¬1)، [فإن] أصله: فهي يوم إذ انشقت، فحذفت الجملة وجيء بالتنوين، فالتقى ساكنان فكسرت الذال لالتقاء الساكنين. والثاني كالذي في نحو: هؤلاء جوار، وهذا يرم في رجل سميته بـ «يرمي» وكذا كل ما آخره ياء قبلها كسرة مما لا ينصرف نظيره من الصحيح كـ «يعيل» تصغير «يعلى» (¬2) فإنه نظير «يعيمر» تصغير «يعمر»، وكون هذا تنوين عوضا لا تنوين صرف (¬3) هو مذهب سيبويه والمبرد (¬4)، إلا أن سيبويه (¬5) جعله عوضا من الياء، والمبرد جعله عوضا من ضمة الياء وكسرتها (¬6)، والصحيح مذهب سيبويه لأنه لو كان عوضا من الحركة لكان ذو الألف أولى به من ذي الياء، لأن حركة ذي الياء غير متعذرة فهي لذلك في حكم المنطوق بها، بخلاف حركة ذي الألف فإنها متعذرة، وحاجة المتعذر إلى التعويض أشد من حاجة غير المتعذر، وأيضا لو كان التنوين المشار إليه عوضا من الحركة لألحق مع الألف واللام كما ألحق معهما تنوين الترنم (¬7) في قوله: 3693 - أقلّي اللّوم عاذل والعتابن (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة الحاقة: 16. (¬2) هو مضارع على - بالكسر في المكارم والرقعة والشرف، ويقال أيضا: علا بالفتح انظر اللسان (علا). وقد سمّى به. (¬3) كونه نوين صرف هو مذهب الأخفش. انظر المغنى (ص 341) والأشموني (3/ 245). (¬4) انظر المعنى (ص 341) والأشموني (3/ 245) وفيه «وذهب المبرد والزجاج». (¬5) انظر الكتاب (3/ 310: 311). (¬6) انظر شرح السيرافي بهامش بهامش الكتاب (3/ 310: 311)، والمغني (ص 341) والأشموني (3/ 245)، وأصله على مذهب المبرد: جواري يترك التنوين، حذف صمة الياء لثقلها وأتي بالتنوين عوضا عنها فالتقى ساكنان فحذفت الياء لالتقائهما. انظر حاشية الصبان (3/ 245). (¬7) انظر الأشموني (3/ 245)، وسوف يذكر يذكر في كلامه تنوين الترنم بعد قليل. (¬8) هذا صدر بيت من الوافر وهو لجرير (ديوانه ص 64) وعجزه: وقولي أن أصبت لقد أصابن الشرح: قوله: أقلي أمر من الإقلال من القلة، واللوم: بالفتح: العذل، وعاذل: بفتح اللام منادى مرخم، أصله: يا عاذلة، والعتابن: عطف على اللوم. والمعنى: يقول: أقلي لومي يا عاذلة ووعيني وتأملي ما أفعله فإذا كنت مصيبا فصوبيني، ولا تعذلي على شيء ما عرفته ولا تبينته حتى تخبري فتقولي ما تقولينه على علم. والشاهد فيه قوله: والعتابن، حيث ألحق به تنوين الترنم مع الألف واللام. وانظر البيت في الكتاب (4/ 205)، والمقتضب (1/ 375)، والخصائص (2/ 96)، والمنصف (1/ 224)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: لم حذفت اللام أولا؟ قلنا: لما كانت ياء المنقوص المنصرف قد تحذف تخفيفا ويكتفى بالكسرة التي قبلها، وكان المنقوص الذي لا ينصرف أثقل التزموا فيه من الحذف ما كان جائزا في الأدنى ثقلا ليكون لزيادة الثقل زيادة أثر إذ ليس بعد الجواز إلا اللزوم، ثم جيء بعد الحذف بالعوض كما فعل في إذ حين حذف ما تضاف إليه. ومن النحويين (¬1) من يرى أن تنوين «جوار» ونحوه تنوين صرف لأن الياء حذفت فصار الاسم بعد حذفها شبيها بـ «جناح» وهذا قول ضعيف، لأن الياء حذفت تخفيفا. وثبوتها منوي، ولذلك بقيت الكسرة دليلا عليها، وما حذف تخفيفا ونوى ثبوته فلا اعتداد بحذفه، ولهذا لو سمي بـ «كتف» امرأة ثم سكن تخفيفا لم يجز صرفه جواز صرف «هند» لأن الحركة منوية فلم يعتد بالسكون، ولو قيل في «جيأل» اسم رجل: جيل لم يجز صرفه وإن كان في اللفظ ثلاثيا لأن الهمزة منوية الثبوت، ولذلك لم تقلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها (¬2)، وأمثال ذلك كثيرة. فإن أورد «جندل» ونحوه فإن أصله: فعالل فحذفت ألفه ونوى ثبوتها لئلا يتوالى أربع حركات في كلمة واحدة، ومع ذلك صرف اعتبارا بعارض الحذف؟ فالجواب أن يقال: لا أسلم أن تنوين «جندل» ونحوه تنوين صرف، وإنما هو تنوين جيء به عوضا من الألف (¬3) كما جيء بتنوين «جوار» عوضا من الياء (¬4)، فاندفع المعارض وصح عدم الاعتداد بالعارض. وتنوين المقابلة: تنوين «مسلمات» ونحوه من الجمع بالألف والتاء، فإنه جمع قصد به في المؤنث من سلامة نظم الواحد واتحاد لفظ الجر والنصب ما قصد في - ¬

_ - والإنصاف (ص 655)، وابن يعيش (9/ 29، 33)، والمغني (ص 342). (¬1) هو الأخفش كما في المغني (ص 341) والأشموني (3/ 245). (¬2) انظر المغني (ص 341). (¬3) أي عوضا من ألف «جنادل» وعلى هذا فالتنوين عوض عن حرف زائد. (¬4) نقل ابن هشام في المغنى (ص 341) رأي ابن مالك في تنوين «جندل» ثم قال: «والذي يظهر خلافه، وأنه تنوين الصرف، ولهذا يجر بالكسرة وليس ذهاب الألف التي هي علم الجمعية لذهاب الياء من نحو: جوار وغواش».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «مسلمين» ونحوه، فقوبلت التاء بالكسرة، والنون [5/ 52] بالتنوين ولذلك إذا سمي بـ «مسلمات» بقي تنوينه كما تبقى نون «مسلمين» إذا سمي به، ومنه قوله تعالى فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ (¬1) وقال الشاعر (¬2): 3694 - تنوّرتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عال (¬3) فلو كان تنوين «مسلمات» تنوين صرف لزال عند العلمية كما يزول تنوين «مسلمة» إذا صار علما فإن في كل منهما بعد التسمية من العلمية والتأنيث ما في الآخر وتأنيث «مسلمات» أحق بالاعتبار لوجهين: أحدهما: أنه تأنيث معه جمعية. والثاني: أنه تأنيث بعلامة لا تتغير في الوقف بخلاف تأنيث «مسلمة» واعتبار ما لا يتغير وصلا ولا وفقا أولى من اعتبار ما يتغير وقفا. وأما التنوين المشترك فيه فهو الذي يسمى: تنوين التّرنّم، وإنما هو عوض من الترنم لأن الترنم مدّ الصوت بمدة تجانس حركة الروي، فالأصل إذا قيل تنوين الترنم: تنوين ذي الترنم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، قال سيبويه (¬4): أما - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 198. (¬2) هو امرؤ القيس انظر ديوانه (ص 141). (¬3) هذا البيت من الطويل. الشرح: تنورتها: يعني نظرت إلى نارها، وإنما يعني بقلبه لا بعينه، يقال: تنورت النار من بعيد أي تبصرتها فكأنه من فرط الشوق يرى نارها وأذرعات: مدينة كورة البثية من كور دمشق وفي اللسان (ذرع): بلد ينسب إليه الخمر و «يثرب» مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم قوله: أدنى دارها نظر عال: يقول: كيف أراها وأدنى دارها نظر مرتفع، وقيل: أقرب دارها مني بعيد، والحاصل أن القريب من دارها وأدنى دارها نظر مرتفع، وقيل: أقرب دارها مني بعيد، والحاصل أن القريب من دارها بعيد، فكيف بها ودونها نظر عال؟ والشاهد في قوله أذرعات حيث صرفها مع أنها علم مؤنث وذلك لأن التنوين فيها في مقابلة النون في جمع المذكر السالم والضمة والكسرة في مقابلة الواو والياء فيه فجرى في الصرف مجراه. وانظر البيت في الكتاب (3/ 233)، والمقتضب (3/ 333)، (4/ 38)، وابن يعيش (1/ 47)، (9/ 34)، والخزانة (1/ 26). (¬4) هذا الكلام نقله ابن مالك عن سيبويه ولكن بتصرف ونص سيبويه هو: قال في الكتاب (4/ 204): «أما إذا ترنموا فإنهم يلحقون الألف والياء والواو ما ينون وما لا ينون لأنهم أرادوا مد الصوت ثم قال في (4/ 206: 207): فإذا أنشدوا ولم يترنموا فعلى ثلاثة أوجه: أما أهل الحجاز فيدعون هذه القوافي ما نون منها وما لم ينون على حالها في الترنم، ليفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء، وأما ناس كثير من بني تميم فإنهم يبدلون مكان المدة النون فيما ينون، وما لم ينون لما لم يريدوا الترنم أبدلوا ...».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إذا ترنموا فإنهم يلحقون الياء والألف والواو لأنهم أرادوا مدّ الصوت، وإذا أنشدوا ولم يترنموا - كأهل الحجاز - يدعون القوافي على حالها في الترنّم، وناس كثير من بني تميم يبدلون مكان المدة النون لما لم يريدوا الترنم أبدلوا مكان المدة نونا، ولفظوا بتمام البناء كما فعل أهل الحجاز ذلك بحروف المد، سمعناهم يقولون: 3695 - يا أبتا علّك أو عساكن (¬1) وقال العجاج: 3696 - يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفن (¬2) وقال (¬3): 3697 - من طلل كالأتحميّ أنهجن (¬4) - ¬

_ (¬1) هذا بيت من الرجز المشطور، قائله رؤبة كما في الكتاب (2/ 374: 375) وانظر ملحقات ديوانه (ص 181)، وقيل أنه للعجاج، وقد ذكر البغدادي في الخزانة عن أبي محمد الأعرابي في كتابه قرحة الأديب أن الشطر المذكور فيه تصحيف وأن الرواية الصحيحة هي: تأنيا علك أو عساكا والشاهد في البيت قوله: «عساكن» أصله: عساكا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لما لم يريدوا الترنم والرجز في الكتاب (4/ 207)، (2/ 375)، وابن الشجري (2/ 76، 104)، والإنصاف (ص 222)، وابن يعيش (2/ 12)، (3/ 120)، (7/ 132) وشرح الكافية للرضي (2/ 21)، والمغني (ص 151)، وشرح شواهده (443)، والخزانة (2/ 441)، وشرح التصريح (1/ 213)، (2/ 178). (¬2) هذا البيت من الرجز المشطور وهو في ملحقات ديوان العجاج (ص 82) وبعده: من طلل أمسى تخال المصحفن ... رسومه والمذهب المزخرفن الشرح: قوله: الدموع يروى في مكانه العيون، وقوله: الذرف جمع ذارفة وهي التي يذرف دمعها أي يسيل، ولم يرد أن الطلل هاج العيون التي تبكي ويسيل دمعها، وإنما يريد أن الطلل هاج العيون التي كانت غير باكية فبكت، وإنما صارت ذرفا لهيج الظلل فعبر عنها بما صارت إليه حالها. والشاهد فيه: قوله «الذرفن» وأصله: الذرفا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لم يريدوا الترنم. وانظر الرجز في شرح ابن الناظم للألفية (ص 24) تحقيق د/ عبد الحميد السيد. وانظر العيني (1/ 26) وما بعدها. وانظر البيت في الأشموني (4/ 220). (¬3) أي العجاج كما في الكتاب (4/ 207) وانظر ديوانه (ص 7). (¬4) هذا بيت من الرجز المشطور وقبله: ما هاج أحزانا وشجوا قد شجا الشرح: طلل الطلل: ما شخص من آثار الديار، والأتحميّ ضرب من البرود فيه سواد وحمرة، وقوله -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذلك يفعلون في الجر والرفع، هذا نص سيبويه [رحمه الله تعالى]، فهذا التنوين مخالف لغيره بوجهين: أحدهما: أنه يلحق الاسم وغيره مما ينوّن في الأصل وما لا ينوّن. والثاني: أنه يلحق في الوقف وغيره من التنوين يحذف في الوقف بعد غير الفتحة ويبدل ألفا بعد الفتحة ولأجل الاشتراك فيه لم يمتنع ما فيه الألف واللام كقوله: 3698 - أقلّي اللّوم عاذل والعتابن (¬1) ولا من فعل كقوله: 3699 - وقولي إن أصبت لقد أصابن (¬2) وذكر العروضيون (¬3) تنوينا يسمى الغالي، وهو تنوين يزاد بعد حرف الروي المفيد، وينشدون مستشهدين عليه قول رؤبة: 3700 - وقاتم الأعماق خاوي المخترق (¬4) - ¬

_ - أنهجن: أنهج: أخلق، كالأتحمي وصف للطلل، يقول: أي شيء هاج عليّ حين نظرت إلى الطلل؟ وهو استفهام في معنى التعجب من نظره إلى هذا الطلل. والشاهد فيه قوله: أنهجن وأصله أنهجا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لما لم يريدوا الترنم. وانظر البيت في الخصائص (1/ 171) والمغني (ص 372) والعيني (1/ 26) وانظر شرح ابن السيرافي (2/ 302: 303). (¬1) سبق شرحه وقائله جرير بن عطية. (¬2) هذا الشطر عجز صدر البيت السابق وهو قوله: أقلي اللوم عاذل والعتابن والشاهد في الشطر المستشهد به هنا قوله: أصابن وأصله: أصابا فأبدلوا مكان حرف المد نونا لا فرق في ذلك بين الاسم والفعل، لأن تنوين الترنم مشترك بين الاسم وغيره. (¬3) في شرح الألفية الناظم (ص 24) على ما حكاه الأخفش وفي المغني (ص 342). الأخفش والعروضيون وانظر ابن يعيش (9/ 34). (¬4) هذا بيت من الرجز المشطور، قاله رؤبة بن العجاج ديوانه (ص 104)، وهو من قصيدة تنيف على مائة وسبعين بيتا أوردها العيني عند شرح هذا الشاهد (1/ 38: 43). الشرح: قوله: وقاتم: الواو: واو رب، والقاتم: المكان المظلم المغبر من القتام وهو الغبار، والأعماق جمع عمق - بفتح العين وضمها - وهو ما بعد من أطراف المفازة. والخاوي: من خوى البيت إذا خلا عن الساكن، والبطن عن الطعام. والمخترق الممر الواسع المتخلل للرياح لأن المار يخترقه، مفتعل من الخرق وهي المفازة الواسعة تنحرق فيها الرياح، وقاتم: صفة لموصوف محذوف أي وربّ مهمة قاتم الأعماق، وجواب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بكسر القاف وزيادة تنوين بعده، وأنكر أبو سعيد السيرافي (¬1) هذا التنوين ونسب رواية إلى الوهم بأن قال: إنما سمع رؤبة يسرد هذا الزجر ويزيد «إن» في آخر كل بيت فضعف لفظه بهمزة «إن» لانحفازه في الإيراد فظن السامع أنه نوّن وكسر الرويّ، وهذا الذي ذهب إليه أبو سعيد تقرير صحيح مخلص من زيادة ساكن على ساكن بعد تمام الوزن» انتهى (¬2). والطالب لا يخفى عليه تطبيق ألفاظ الكتاب على ما ذكره في الشرح المذكور، ولما كان تنوين غير المنصرف قد يسمى «صرفا» (¬3) عدل عن التعبير عن تنوين التمكين بتنوين الصرف، إلى أن عبر عنه بالتنوين المبين لبقاء الأصالة، والمراد ببقاء الاسم على الأصالة: أنه لم يشبه الحرف فبني، ولم يشبه الفعل فلم ينصرف، وهذا الذي ذكره المصنف في شرح الكافية لم يزد الشيخ في شرحه على معناه (¬4) وختم كلامه بأن نقل (¬5) عن بعضهم «أن التنوينات الأربعة - أعني غير تنوين الترنّم والتنوين الغالي - كلها للتمكين، وأن تنوينها تنوين صرف». وأقول: إن هذا المذهب مع كونه باطلا هو الموجب لقول المصنف: وقد يسمّى لحاق غيره صرفا أي غير المبين لبقاء الأصالة. * * * ¬

_ - رب محذوف، وهو: قطعته أو جبته أو نحو ذلك. وبعد هذا البيت: مشتبه الأعلام لمّاع الخفق والشاهد فيه قوله: «المخترق» حيث زاد فيه تنوينا بعد القاف المكسورة يسمى التنوين الغالي. والبيت في الكتاب (4/ 210) وابن يعيش (2/ 118)، (9/ 29، 34)، والمغني (ص 342) والعيني (3/ 346)، والتذييل (6/ 281). (¬1) في شرح الألفية للمرادي (1/ 228) (رسالة): «وأنكره السيرافي والزجاج» وفي المغني (ص 343) وأنكر الزجاج والسيرافي ثبوت هذا التنوين ألبتة لأنه يكسر الوزن»، وانظر شرح الألفية للأبناسي (1/ 18). (¬2) أي ما نقله المؤلف عن المصنف في شرح الكافية الشافية، وتظهر في هذا الموضع شدة تأثر المؤلف بابن مالك. (¬3) وذلك كتنوين «جوار وغواش» - غير منصرف - فإن الأخفش يسميه تنوين الصرف. (¬4) انظر ما ذكره الشيخ أبو حيان عن فصل التنوين في التذييل (6/ 273: 285). (¬5) انظر التذييل (6/ 285).

الباب الثاني والستون [باب منع الصرف]

الباب الثاني والستون [باب منع الصّرف] [تعريف الصرف وشرح التعريف] قال ابن مالك: (باب منع الصّرف). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: الصرف: هو التنوين اللاحق اسما معربا للدلالة على بقاء أصالته (¬1). فقيد «المعرب» مخرج تنويني التنكير والعوض من الإضافة فإنهما لا يلحقان معربا. وقيد «دلالة الأصالة» مخرج تنويني المقابلة والعوض من غير إضافة، وتنوين الترنم اللاحق معربا. واختلف في اشتقاقه (¬2)، فقيل: من صرف الشيء عن الشيء لأنه صرف الخفيف عن حكم الثقيل، ويظهر أنه اختيار المصنف فإنه قال (¬3) «وسمي منصرفا لانقياده إلى ما يصرفه من عدم تنوين إلى تنوين، ومن وجه من وجوه الإعراب إلى غيره». وقيل: من صرف القعو (¬4)، أي صوته، وقيل: من صريف الباب، وهو صوت رفع أنياب البعير المسن بعضها على بعض (¬5)، وقيل: من الصّرف وهو الخالص، فكأن الاسم خلص وامتاز عن غيره (¬6)، وذهب بعضهم إلى أن الصرف: - ¬

_ (¬1) هذا التعريف مستخلص من قول ابن مالك في الألفية: الصرف تنوين أتى مبينا ... معنى به يكون الاسم أمكنا قال الأشموني (3/ 228): «والمراد بالمعنى الذي يكون به الاسم أمكن، أي: زائدا في التمكن: بقاؤه على أصله. أي أنه لم يشبه الصرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف». (¬2) المراد بالاشتقاق هنا: الأخذ من المناسب في المعنى. انظر. الصبان (3/ 228). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1434). (¬4) في (جـ)، (أ) «العقود» والصواب ما أثبتناه، وهو القعو بدليل قوله: «أي صوته» ولو كان مراده العقود لقال: صوتها، انظر حاشية يس (2/ 209)، واللسان (صرف)، والقعو: البكرة. انظر اللسان (قعا). (¬5) انظر شرح ابن الناظم للألفية (ص 633)، واللسان (صرف). (¬6) أي بأن خلص من شبه الفعل والحرف. انظر التصريح (2/ 209).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التنوين مع الجر (¬1)، قال: لأنه زيادة تصريف، وردّ بأنه لو كان كذلك لكان تصريفا لا صرفا. ولما كان المقصود في هذا الباب إنما هو ذكر الأسباب المانعة من الصرف - لأن الصرف الأصل - فلا يحتاج إلى التنبيه عليه ترجمة بذلك. وههنا أمور ينبغي الإشارة إليها قبل الشروع في الكلام على ألفاظ الكتاب: منها: أن الاسم المتمكن نوعان: نوع لم يشبه الفعل وهو ما ليس فيه علتان أو واحدة تقوم مقامها من العلل التسع الآتي ذكرها، وهو المنصرف ويسمى أمكن، وهو «أفعل» من قولهم: مكن مكانة كأنه أرسخ قدما من غيره أي أثبت في مكانه من الاسمية (¬2). ونوع أشبه الفعل، وهو ما فيه علتان من التسع أو واحدة تقوم مقامهما وهو غير المنصرف (¬3). فالاسم المنصرف هو: المعرب السالم من العلل الجاعلية كالفعل في الفرعية والثقل، وغير المنصرف بخلافه، ومنهم من يقول: المنصرف ما دخله التنوين واستوفى حركات الإعراب لعدم شبه الفعل، وغير المنصرف هو الذي اختزل منه التنوين، وجرّ بالفتحة بدل الكسرة لشبه الفعل، قال بعض العلماء: والقسمة بالعبارة الأولى تقتضي الحصر، بخلاف العبارة الثانية؛ فإنها لا تقتضي حصر المتمكن في القسمين أي المنصرف وغير المنصرف [5/ 53] لأن من الأسماء المتمكنة ما لا يدخل تحت واحد منهما كجمع المذكر السالم على رأي من يعربه بالحروف فإنه لا تدخله الحركات الثلاث والتنوين، فلا يكون منصرفا ولم يكن فيه تنوين، وجر بكسرة فيختزل فلا يكون غير منصرف، قال: فعلى مقتضى العبارة الثانية تقول: من الاسم ما هو منصرف وما هو غير منصرف (¬4)، وقد قال الجزولي (¬5): «الأسماء ثلاثة أضرب: منصرف، وغير منصرف، وما لا يقال فيه منصرف ولا غير منصرف، وهو أربعة: المضاف، وما عرّف باللام، والتثنية، والجمع، لا يقال فيها منصرفة إذ ليس - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (3/ 228). (¬2) انظر التصريح (2/ 210). (¬3) انظر شرح كافية ابن الحاجب للرضي (1/ 35). (¬4) راجع ما نقله السيوطي في الأشباه والنظائر (1/ 293: 294) عن صاحب البسيط. (¬5) انظر الأشباه والنظائر (1/ 294).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيها تنوين ولا غير منصرفة إذ ليس فيها علة تمنع الصرف» انتهى. ولك أن تلتزم اقتضاء العبارة الثانية الحصر أيضا فتقول: الإضافة واللام والتثنية والجمع أمور طارئة على الاسم مانعة من تنوينه لفظا، وإنما يعتبر حال الاسم قبل ما يطرأ عليه، وإذا فرض تعرّيه عن هذه الأمور قبل التنوين إن لم يمنع منه مانع، وإذا كان كذلك فينبغي أن ينظر في الأسماء المذكورة إلى حالها عريّة عما طرأ عليها، إن كان شيء منها منونا حكم بصرفه وإلا حكم بعدم انصرافه، وعلى هذا: رجلان مثنى رجل منصرف، ورجلان اسم امرأة غير منصرف نظرا إلى حاله مزالا عنه لفظ التثنية (¬1)، وكذا مسلمات الجمع منصرف بخلاف مسلمات العلم، وكذا الأحمر يحكم عليه بأنه غير منصرف لأنه بتقدير عدم اللام لا ينون، وأما قول أبي علي (¬2): لا أقول منصرف لوجود العلتين. ولا غير منصرف لأن التنوين لم يذهب بهما فغير مرضي عنه، بل يقطع بعدم صرفه، وإن كانت الألف واللام لم يذهبا التنوين لأنهما دخلا على اسم مزال تنوينه فهو قبل دخولهما غير منصرف، ولم يؤثر دخولهما في صرفه شيئا. ومنها: أن الاسم إنما يمتنع صرفه إذا خرج عن أصله وصار فرعا على غيره من الأسماء، وإنما تعلم جهات الفرعية إذا حصل التنبيه على الأصالة، فأصل الاسم: أن يكون مفردا مذكرا نكرة عربي الوضع، غير وصف ولا مزيد فيه ولا معدول، ولا خارجا عن أوزان الآحاد في العربية، ولا موافقا الفعل في الزنة الخاصة به ولا الغالبة عليه، فالتركيب والتأنيث والتعريف والعجمة والوصف والزيادة والعدل وصيغة الجمع الذي لا نظير له في الآحاد ووزن الفعل فروع وهي تسع ويجمعها البيتان المشهوران [وهما]: عدل ووصف وتأنيث ومعرفة ... وعجمة ثمّ جمع ثمّ تركيب والنّون زائدة من قبلها ألف ... ووزن فعل وهذا القول تقريب (¬3) وإنما يمتنع عند اجتماع سببين منها، أو لسبب يقوم مقامهما ليصير فرعا على غيره من الأسماء من جهتين فيشبه بذلك الفعل؛ لأن الفعل فرع على الاسم من جهتين: - ¬

_ (¬1) انظر الأشباه والنظائر (1/ 294). (¬2) المرجع السابق. (¬3) جمعهما ابن الحاجب. انظر. شرح الكافية للرضي (1/ 35)، وانظر. الأشموني (3/ 23).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إحداهما: أن الاسم يخبر به ويخبر عنه، والفعل يخبر به لا عنه، وما أخبر به وعنه كان أصلا، لأنه يستقل كلاما، فلو لم تكن أفعالا لاستقلت الأسماء بالدلالة فهو مستغن والفعل غير مستغن فهو فرع. الثانية: أن الفعل مشتق من الاسم، والمشتق فرع المشتق منه، وإنما بنيت هذه الجهة على رأي البصريين (¬1)، وههنا إيراد وهو أن يقال: شبه الاسم الحرف مخرج له عن أصله وهو الإعراب إلى البناء ولم تعتبر فيه إلا جهة واحدة، وشبهة الفعل لا يخرجه عن أصله واعتبر فيه جهتان!! ويجاب عنه بأن الاسم بعيد من الحرف فشبهه به يكاد يخرجه عن حقيقته فلا جرم اكتفى به بوجه واحد، والأولى أن يقال في الجواب: شبه الاسم الحرف إنما هو في شيء هو للحرف، يعني أن المعنى الذي في الحرف هو بعينه موجود في ذلك الاسم فجهة الشبه قوية، فاكتفى فيها بوجه واحد، وأما شبه الاسم الفعل فإنما هو في مطلق الفرعية وليست الفرعية في الفعل هي بعينها الموجودة في الاسم فجهة الشبه بينهما ضعيفة فلا يقتصر فيها على جهة واحدة. منها: أنه ليس كل شبه بين شيئين يوجب حكما لأحدهما هو في الأصل للآخر بل الشبه إذا قوي أوجب الحكم وإذا ضعف لم يوجبه، وكلما كان الشبه أحصر فهو أقوى وإذا كان أعم فهو أضعف، فالشبه الذي من الاسم والفعل من جهة الدلالة على معنى لا يوجب حكما؛ لأنه عام في كل اسم وفعل، وليس كذلك الشبه من جهة أنه ثان باجتماع سببين؛ لأن هذا يخص نوعا من الأسماء فهو خاص مقرب للاسم من الفعل. ومنها أن يقال: لم اختصت هذه العلل بأنها توجب الفرعية دون غيرها مما هو موجود في الأسماء ليس بأصل كالعمل مثلا، فإن كون الاسم عاملا فرع على العمل، فكان ينبغي على هذا إذا انضم إلى الاسم العامل سبب آخر أن يمتنع من الصرف. والجواب عنه أن يقال: لم تعتبر إلا معان يصير الاسم بها فرعا عن غيره لا معان اشترك فيها الأصل والفرع، ألا ترى أن العجمة إنما اعتبرت لأن الاسم إذا قامت به العجمة صار أعجميّا فيكون فرعا على العربية، فالذي اعتبر إنما هي معاني فروع - ¬

_ (¬1) انظر. تفصيل هذه المسألة في الإنصاف (ص 235) (مسألة رقم 28).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقوم بالاسم فيصير فرعا على أمر ذلك المعنى غير موجود فيه، وما ذكر إنما هو معنى اشترك فيه الاسم والفعل جميعا فلا يتحقق فيه كون الاسم فرعا عما ليس ذلك فيه بل فرع عما ثبت ذلك فيه فاقترن البابان، ونقض هذا الجواب بوجهين: الأول: أن بعض العلل المذكورة قد وجد مشتركا فيه كالوصف والتأنيث ووزن الفعل، وأجيب عنه بأن الوصف بالاسم على [غير] جهة الوصف بالفعل، لأن الوصف بالاسم للتقييد، والوصف بالفعل للإخبار فافترقا، وبأن التأنيث اشترطوا فيه اللزوم [5/ 54] ليخالف التأنيث في الفعل، وأما وزن الفعل فقيل: إذا جاء الاسم على وزنه يكون فرعا لأنه جاء على غير أوزان الأسماء أو على وزن يكثر في غير الأسماء، فجعل وزن الفعل ضابطا لذلك. الثاني: أن ثمّ فروعا غير مشترك فيها ولم تعتبر كالتوكيد وعطف البيان ومطلق الجمع، وأجيب عنه بأن الأولين مشترك فيهما لأن التوكيد اللفظي يدخل الفعل، وعطف البيان يشارك عطف النسق في مسمى العطف، وأيضا فلأن معناه ليس لمعنى يخص الاسم بل لإقامته مقام الصفة وليس بصفة، فكأنه ليس بأصل فلم يعتد به، وأما مطلق الجمع فإن جمع التكسير صيغة مستأنفة فهو كالآحاد ولذا أعرب بالحركات، وباب «مساجد» لما فارق الواحد في الوزن تبين أنه فرع عليه، ولأنه لما لم يكسر مرة ثانية تأكدت فيه الفرعية فأشرت. ومنها: أن طائفة من النحاة منهم السيرافي (¬1) زادوا على العلل التسع علة عاشرة وهي: ألف الإلحاق المقصورة، وشبهوها في المنع بألف التأنيث وهي بالحقيقة من فروع ألف التأنيث، لكن المصنف عدها مانعة برأسها (¬2) فنحن نراعي ما ذكره. ثم التأنيث قسمان: بالألف وبغيرها، صارت العلل إحدى عشرة علة، منها ما يمنع مفردا وهو شيئان: ألف التأنيث والجمع، وأما التسع الباقية فمنها المعرفة والمراد بها العلمية، وهي والوصفية لا يجتمعان، والسبع الباقية منها ما شرطه العلمية أي لا يمنع إلا معها وهو أربع: العجمة، والتركيب، والتأنيث بغير الألف، وألف الالحاق، - ¬

_ (¬1) انظر. شرح كتاب سيبويه للسيرافي (1/ 299) (رسالة)، وانظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 634). (¬2) قال في الألفية: وما يصير علما من ذي ألف ... زيدت لإلحاق فليس ينصرف

[ما يمتنع صرفه لعلة واحدة]

[ما يمتنع صرفه لعلة واحدة] قال ابن مالك: (يمنع صرف الاسم ألف التّأنيث مطلقا أو موازنة «مفاعل» أو «مفاعيل» في الهيئة لا بعروض الكسرة، أو ياءي النّسب، أو الألف المعوّضة من إحداهما تحقيقا أو تقديرا). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها ما ليس شرطه العلمية، أي يمنع معها تارة ومع الوصفية تارة، وهو ثلاث: العدل ووزن الفعل والنون الزائدة بعد الألف، فالوصفية تمنع مع ثلاث، وهي الثلاث المذكورة، والعلمية تمنع مع سبع، وهي هذه الثلاث المذكورة أيضا والأربع قبلها، وإنما كان المعتبر في التعريف العلمية دون غيرها لأن ما يعرف بغيرها إما مبني كالمضمر واسم الإشارة، وإما باللام أو بالإضافة، ومعلوم أن لا مدخل لهما في هذا الباب بالنسبة إلى منع الصرف. وإذا تقرر أن التأنيث [الألف] والجمع الذي لا نظير له يمنعان مفردين، وأن الوصفية تمنع مع ثلاثة وهي: العدل في نحو: ثناء ومثنى، وأخر، والنون والألف الزائدتان في نحو. سكران وظمآن، ووزن الفعل في نحو: أحمر، وأن العلمية تمنع مع سبعة وهي هذه الثلاثة كما في: عمرو وعثمان وأحمد، والتأنيث بغير الألف، والعجمة والتركيب، وألف الإلحاق المقصورة، علم أن أقسام الاسم الذي لا ينصرف اثنا عشر قسما، منها خمسة لا تنصرف مطلقا أي نكرة كانت أو معرفة، وسبعة لا تنصرف معرفة وتنصرف نكرة. ثم إن المصنف في شرح الكافية جعل الكلام موجها إلى ذكر الأقسام فذكر [خمسة] الأقسام أولا قسما قسما (¬1)، وثنى بذكر سبعة الأقسام الأخر كذلك (¬2)، وأما في هذا الكتاب فإنه [جعل] كلامه موجها إلى ذكر العلل المانعة علة علّة، ولا شك أنه ينشأ عن ذلك معرفة الأقسام أيضا، فنحن نراعي مع ذكر العلل ذكر الأقسام. قال ناظر الجيش: لما كان الصرف [عنده] عبارة عن التنوين قال: يمنع صرف الاسم، أي تنوينه ولم [يتعرض لامتناع] الجر بالكسرة لأن امتناع الجر إنما هو تبعي لا أصلي، وذلك أنه امتنع لامتناع التنوين، هذا هو الصحيح، على أن هذا ليس - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1435: 1455). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1455).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع ذكره إنما موضعه باب الإعراب وقد ذكر ثمّ. وبدأ المصنف بذكر العلتين المانع كل منهما مفردا، وهما: ألف التأنيث والجمع المتناهى، وينشأ عن معرفتهما معرفة قسمين من الأقسام الخمسة [التي] لا تنصرف في تعريف ولا تنكير (¬1). أما العلة الأولى: فالألف، وأراد بقوله «مطلقا» شيئين: أحدهما: يرجع إلى الألف وهو أنها تمنع مقصورة وممدودة (¬2). والثاني: يرجع إلى ما الألف فيه فتمنعه الصرف اسما كان أو صفة مفردا أو جمعا، معرفة أو نكرة كـ «حبارى» و «صحراء» و «حبلى» و «حمراء» و «حبالى» و «أصدقاء»، و «سلمى» و «حواء» والمقصورة أصل الممدودة (¬3)، والهمزة فيها بدل من ألف، هذا رأي البصريين، ولذلك قيل (¬4) في صحراء: صحار كما قيل في حبلى: حبال، ولو كانت الهمزة غير مبدلة لسلمت من الانقلاب لأن الهمزة الواقعة بعد كسرة حكمها السلامة، وإنما منعت الألف مفردة لقيامها مقام شيئين، وإنما كانت كذلك دون التاء لأن لحاقها شبيه بلحاق الحروف الأصلية مزجا ولزوما، بخلاف التاء فإنها طارئة زائلة مقدرة الانفصال، ولذلك لا يعتد بها في نسب ولا تكسير ولا تصغير، كما اعتد بألف التأنيث ولا عبرة بلزومها في بعض الكلمات كـ «همزة» و «حذرية» (¬5) و «عرقوة» لنذرة ذلك (¬6)، ولهذا (¬7) عوملت الألف خامسة في التصغير معاملة خامس أصلي فقيل في قرقري: قريقر كما قيل في سفرجل، سفيرج، وعوملت التاء معاملة عجز المركب فلم ينلها تغيير التصغير كما لا يناله، فقيل في دجاجة: دجيجة (¬8)، كما قيل في بعلبك: بعيلبك، فحكم لها بما حكم للمنفصل. ومن فروع هذه المسألة: أنه إذا سميت بـ «كلتا» من: قامت كلتا أختيك، - ¬

_ (¬1) في نسخة: في تنكير ولا تعريف، وانظر شرح الكافية الشافية (3/ 1435). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1435)، والأشموني (3/ 230). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1436). (¬4) المرجع السابق. (¬5) في اللسان (حذر): «والحذرية على فعلية قطعة من الأرض غليظة والجمع: الحذاري. وانظر الصبان (3/ 231). (¬6) انظر الأشموني (3/ 231). (¬7) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1437)، والأشموني (3/ 231). (¬8) انظر الكتاب (3/ 220).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ امتنع الصرف لأن ألفه للتأنيث بمنزلتها في «شروى» (¬1)، فإن سميت بها من: رأيت كلتي أختيك في لغة من قال ذلك (¬2)، أو من: رأيت كلتيهما صرف لأن الألف إذا ذاك تكون منقلبة فلا تكون للتأنيث، لأن ألف التأنيث لا تكون منقلبة، وكذا لو سميت بـ «حبلى» المرخم [5/ 55] من: حبلوى انصرف لذلك (¬3). وأما العلة الثانية: فالجمع، وهو الذي لا نظير له في الآحاد، واختلفوا في المراد بهذه العبارة فقيل: المراد ألا يكون على وجه واحد وهو ما وازن «مفاعل» أو «مفاعيل» بغير تاء لأنه إن كان بالتاء كـ «فرازنة» (¬4) كان له نظير كـ «رفاهية» ونقض بأفعال وأفعل وأفعلة فإنها مصروفة مع أنها لا نظير لها في الآحاد، وقيل: المراد أن لا يكسّر ثانيا، ومن ثمّ عبّر عنه بالجمع المتناهي أي تناهى في الجمعية فلا يجمع مرة أخرى وعلى هذا يندفع النقض المذكور لأن الصيغ المذكورة تجمع كـ «أناعيم» في «أنعام» و «أكالب» في «أكلب» و «أحامر» في «أحمرة» فتكون مصروفة (¬5). ونقض ذلك أيضا يمثل: ملائكة وصياقلة (¬6)، فإنهما مصروفان (¬7) مع أنهما لا يكسران فتعين أن يكون المراد بقولهم: الجمع الذي لا نظير له في الآحاد: مجموع الأمرين، وهو أنه ليس له نظير في المفردات، ولا يكسّر ثانيا، وإنما عدل عن قولنا، ولا يجمع ثانيا إلى قولنا: ولا يكسّر ثانيا، لأن ما هو على زنة «مفاعل» أو «مفاعيل» وإن لم يجز تكسيره قد يجمع بالواو و [النون أو با] الألف والتاء كقولهم في نواكس: نواكسون وفي أيامن: أيامنون، وفي حدايد: حدايدات، وفي صواحب: صواحبات (¬8)، ولكون هذه الصيغة قد تجمع جمع تصحيح أجرى بعضهم عليها حكم الآحاد فادعى أنه يصرف، وحمل عليه ما ورد في القرآن العزيز - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 364). (¬2) هي لغة كنانة انظر الأشموني (3/ 231). (¬3) انظر التذييل (6/ 288)، والأشموني (3/ 231). (¬4) انظر شرح الكافية للرضى (1/ 54). (¬5) انظر شرح ابن الناظم للألفية (ص 644)، والأشموني (3/ 243). (¬6) صياقلة: جمع صيقل، والصّيقل: شحّاذ السّيوف وجلّاؤها. انظر اللسان (صقل). (¬7) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 251) والأشموني (3/ 242) وانظر الكتاب (3/ 228). (¬8) انظر الأشموني (4/ 151) وحاشية الصبان (3/ 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه مصروفا نحو: سَلاسِلَ وَأَغْلالًا (¬1)، وقَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا (¬2)، ولا معول على قول هذا القائل، والأقرب ما قاله ابن الحاجب (¬3) من أن علة الجمع لما لم تبلغ مبلغ غيرها جاء صرفه كثيرا في الشعر، وفي الكلام للفواصل وللتناسب حتى توهّم أن منع الصرف بها غير متحتم. والمعتبر هنا وزن اللفظ أي المماثل لـ «مفاعل» و «مفاعيل» في الحركة والسكون وعدد الحروف لا وزن التصريف أي لا تعتبر الأصالة والزيادة فلا فرق بين «مفاعل» «وفعالل» و «فواعل» و «أفاعل» و «مفاعيل» و «فعاليل» و «فواعيل» و «أفاعيل» وإنما أقامت هذه اللغة أعني الجمع المذكور مقام علتين من جهة أن الكلمة جمع، وانضم إلى ذلك كونه جمعا لا نظير له في الآحاد وأنه على صيغة منتهى الجموع، فكأنه جمع مرتين، وقد علل بأمور ترجع عند التأمل إلى ما ذكر، قال ابن الحاجب (¬4): «ولكون علة الجمع لم تبلغ مبلغ غيرها جاء صرفه كثيرا في الشعر وفي الكلام للفواصل مثل: قَوارِيرَا * الأول، وللتناسب مثل: سَلاسِلَ وَأَغْلالًا ومثل قَوارِيرَا * الثاني، حتى توهم بعضهم أن منع الصرف بها غير متحتم ... انتهى. إذا تقرر هذا فاعلم أن المشهور تقييد هذا القسم بالجمع كما تقدم، وعلى هذا لا يحتاج إلى الاحتراز عن نحو: ترام ويمان وما أشبههما، وكذا «سراويل» على قول من صرفه إذ ليس شيء منها بجمع، ولكن يرد عليه ما خرج من ذلك عن الجمعية وصار علما كـ «حضاجر» (¬5) و «شراحيل» (¬6) فإنه ممنوع الصرف، وما منع أيضا مما ليس جمعا وهو «سراويل» على قول من منعه ولم يجعله جمعا، ولما كان التقييد بالجمع يرد عليه ما ذكر عدل المصنف إلى الضابط الذي ذكره فأشار بقوله أو موازنة مفاعل أو مفاعيل في الهيئة إلى أمرين: - ¬

_ (¬1) سورة الإنسان: 4. (¬2) سورة الإنسان: 15. (¬3) انظر الإيضاح شرح المفصل (1/ 138: 139)، تحقيق موسى بناي العليلي. (¬4) انظر الإيضاح شرح المفصل (1/ 138: 139). (¬5) «حضاجر» اسم للذكر والأنثى من الضباع، سميت بذلك لسعة بطنها وعظمه. انظر اللسان (حضجر) وانظر الكتاب (3/ 229). (¬6) قال في الكتاب (3/ 229): «وأما شراحيل فتحقيره ينصرف لأنه عربي، ولا يكون إلا جماعا». وانظر التذييل (6/ 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن المعتبر وزن اللفظ لا وزن التصريف كما تقدم. والثاني: أنه لا بد من هذه الحركات الخاصة، والمراد بذلك كل اسم أوله مفتوح، وثالثه ألف بعدها حرفان أولهما مكسور لفظا أو تقديرا، أو ثلاثة أحرف أوسطها ساكن، فدخل بذكر التقدير نحو: دواب، لأن أصله: دوابب (¬1)، وخرج: عبالّ وحمارّ، جمعا عبالّة وهي الثقل (¬2)، وحمارّة القيظ (¬3)، على حد تمر وتمرة، فالحركة فيهما ليست مقدرة بعد الألف مهما منصرفان، نعم إن كان عبالّ تكسيرا لم ينصرف، وتكون الحركة مقدرة (¬4)، وقال الزجاج (¬5): تصرفه أيضا لأنها ليس لها أصل في الحركة، ورد عليه بأنه إذا كان جمع تكسير لزم تقدير الحركة فيه جريا على أمثاله. وخرج بقولنا «أوسطها ساكن» (¬6) نحو: صياقلة، لتحركه، فإذا وجدت هذه القيود امتنع الصرف سواء أكانت الجمعية موجودة أم مفقودة كـ «حضاجر»، و «مساجد» علما، ولما لم يقيد المصنف ذلك بالجمع دخل في ضابطه المذكور بعض الأسماء المفردة، فلذلك أخرجه بالقيود التي ذكرها، فأخرج بقوله «لا بعروض الكسرة» نحو: تعاد وترام وتوان، لأن الكسرة فيه ليست أصلية بل عارضة لأجل الياء وأصله: تفاعل كـ «تضارب» (¬7). وأخرج بقوله «أو ياءي النّسب» نحو: رباحى (¬8) وكلاعى (¬9) وظفارى (¬10)، وما في آخره ياء مشددة من هذه الصيغة لغير نسب إن وجدت بعد وجود الألف - ¬

_ (¬1) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 644) والتذييل (6/ 289) والأشموني (3/ 243). (¬2) انظر شرح الألفية لابن الناظم (ص 644) والأشموني (3/ 243). (¬3) حمارة القيظ: أي شدة حره. اللسان (حمر). (¬4) انظر التذييل (6/ 289) والأشموني (3/ 242). (¬5) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 48). (¬6) الضمير يعود إلى الأحرف الثلاثة التي بعد الألف في صيغة منتهى الجموع التي تمنع من الصرف. (¬7) انظر التذييل (6/ 290). (¬8) رباحي: نسبة إلى رباح بلد يجلب منه الكافور. انظر حاشية الصبان (3/ 242) واللسان (ربح). (¬9) كلاعي: منسوب إلى الكلاع. وهو البأس والشدة والصبر في المواطن، والكلاعيّ: الشجاع. انظر اللسان (كلع). (¬10) ظفارى: نسبه إلى ظفار قطام مدينة باليمين. انظر حاشية الصبان (3/ 242)، واللسان (ظفر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحكمها حكم ياء النسب لشبهها بها في كونها لم توجد قبل الألف وذلك نحو: حواري وهو الناصر (¬1) وحواليّ وهو المحتال (¬2)، أما إذا تقدم وجود الياء على وجود الألف وجب المنع كـ «قماري» جمع قمري (¬3)، و «كراسي» «جمع كرسيّ»، و «أواقيّ» و «أمانيّ» جمع أوقيّة وأمنية، وذلك لأنها لم تشبه ياء النسب (¬4). والتحقيق في هذا أنه حيث وجدت الجمعية امتنع الصرف وإلا فلا. وإذا سميت بـ «كراسي» ثم نسب إليه صرف لأن الياء التي كانت لغير النسب حذفت وجيء بياء النسب فزال المنع (¬5). وأخرج بقوله «أو الألف المعوضة من إحداهما تحقيقا نحو: يمان وشآم، فإن الألف عوض من إحدى الياءين (¬6). وبقوله: «تقديرا» نحو: ثمان، قالوا: أصله ثمنيّ - بضم الثاء وسكون الميم - منسوب إلى الثّمن، ففتحوا أوله على المألوف من تغيير النسب ثم خففوه بحذف إحدى الياءين وتعويض الألف (¬7)، ومثله «شناح» للطويل (¬8) و «رباع» (¬9)، وإنما جعل الألف معوضة تقديرا؛ لأن هذه الكلمات [5/ 56] استعملت مصروفة حالة النصب، فقالوا: رأيت ثمانيا، ورجلا شناحيا (¬10)، وقد استعمل بعضهم «ثمانيا» غير مصروفة (¬11) وسيأتي. - ¬

_ (¬1) انظر شرح ابن الناظم (ص 644)، والأشموني (3/ 242)، واللسان (حور). (¬2) انظر المرجعين السابقين، واللسان (حول). (¬3) القمريّ: طائر يشبه الحمام القمر البيض. انظر اللسان (قمر). (¬4) انظر شرح ابن الناظم (ص 251)، والتذييل (6/ 290)، والأشموني وحاشية الصبان (3/ 242: 243). (¬5) انظر حاشية الصبان (3/ 242). (¬6) أي عوض من إحدى ياءي النسب، والأصل أن يقال: يمني وشامي، انظر التذييل (6/ 291)، والهمع (1/ 25)، والأشموني (3/ 242). (¬7) انظر حاشية الصبان (3/ 242). (¬8) انظر التذييل (6/ 291)، واللسان (شنح). (¬9) رباع: منسوب أصله: ربعيّ، فحذفت إحدى الياءين وعوض منها الألف على حد «يمان» في: يمني، ويدل على ذلك جمعهم له على «فعل» قالوا: رباع وربع كما قالوا فارس وفرس. انظر التذييل (6/ 292). واللسان (ربع). (¬10) انظر التذييل (6/ 292). (¬11) قال سيبويه في الكتاب (3/ 231): «وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذار، حدثني أبو الخطاب أنه سمع العرب ينشدون هذا البيت غير منون قال: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي اعتبره المصنف فيه تطويل، ويلزم من عدم اعتباره الجمعية أن تكون الصيغة مستقلة بالمنع من الصرف، وقد تقدم أن العلة في هذا القسم والذي قبله قائمة مقام علتين، ولا يتحقق ذلك إلا أن يكون جمعا، وأن يكون على هذه الصيغة الخاصة، فالأولى التقييد بالجمع، وإذا قيد به حصل الاستغناء عن هذه القيود، وكان يكفي المصنف أن يقول: أو موازنة مفاعل أو مفاعيل في الهيئة جمعا، وقد تقدم أن المصنف إنما لم يقيد بالجمع لئلا يرد عليه نحو: مساجد علما، وسراويل على قول من منعه ولم يكن عنده جمعا. والحق أن هذا غير وارد، أما ما جعل علما فليس منعه لمجرد الصيغة، وإنما اختلف في سبب منعه فقيل: شبهه بأصله (¬1) يعني في الجمعية والصيغة، وقيل: المانع العلمية وشبه العجمة من حيث إنه مثال لا يكون في الآحاد العربية، كما أن إسماعيل كذلك (¬2)، وسيأتي الكلام على القولين. فعلى القول الأول الجمعية معتبرة تقديرا، وعلى القول الثاني المانع العلمية وشبه العجمة. وأما «سراويل» فاعلم أنهم اختلفوا فيه، فقيل منصرف، وحكى الأخفش (¬3) صرفه عن العرب ولم يحفظ سيبويه ذلك لقلته (¬4)، وقيل غير منصرف وهو رأي سيبويه والزجاج والمبرد، لكنهم اختلفوا في التعليل، فسيبويه يقول (¬5): إنه وافق من - ¬

_ - يحدو ثماني مولعا بلقاحها ... حتّى هممن بزيغة الإرتاج وانظر التذييل (6/ 293). (¬1) منع ذلك الشيخ أبو حيان قال في التذييل (6/ 295): «ولا يقال لشبهه بأصله لأنه قبل التسمية به نكرة وهو الآن معرفة». (¬2) انظر التذييل (6/ 195). (¬3) انظر التذييل (6/ 296) والأشموني (3/ 247) وانظر المقتضب (3/ 345) وشرح السيرافي بهامش الكتاب (2/ 16) (بولاق) و (3/ 229) (هارون) وانظر منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص 92) وانظر ابن يعيش (1/ 64: 65)، وشرح الكافية للرضي (1/ 57). (¬4) انظر التذييل (6/ 296). (¬5) انظر الكتاب (3/ 229) وعبارته: «وأما سراويل فشيء واحد وهو أعجمي أعرب كما أعرب الآجرّ إلا أن سراويل أشبه من كلامهم ما لا ينصرف في نكرة ولا معرفة» وفي المقتضب (3/ 326) وكذلك سراويل لا ينصرف عند النحويين في معرفة ولا نكرة لأنها وقعت على مثال من العربية لا يدخله الصرف نحو: قناديل ودهاليز فكانت لما دخلها الإعراب كالعربية» وانظر (3/ 345)، وبالنظر إلى كلا النصين نجد أنهما متفقان وإن كان الأقرب لعبارة المؤلف هو نص المبرد لا نص سيبويه. وانظر ابن يعيش (1/ 64).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلام العرب ما لم ينصرف وهو: قناديل، فأعطي حكمه، وقال الزجاج (¬1): إنما هي بالفارسية: شروال، فبنتها العرب على ما لا ينصرف من كلامها، وقال المبرد (¬2): هو جمع لـ «سروالة» وهي قطعة وأنشد: 3701 - عليه من اللّؤم سروالة ... فليس يرقّ لمستعطف (¬3) فيكون كـ «عثكالة» (¬4) و «عثاكيل»، وضعّف (¬5) هذا بأن البيت هجو ولا مبالغة في الهجو بأن عليه قطعة من اللؤم، إنما المراد أنه قام التردّي، كما أن «السراويل» تمام اللباس وإنما «سروالة» لغة في «سراويل» (¬6). وإذا كان كذلك فالمانع له إما الجمعية المحققة كما هو رأي المبرد (¬7)، وإما شبهه بما هو جمع، فالجمعية ملاحظة قطعا. - ¬

_ (¬1) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 46). (¬2) لقد نسب المؤلف تبعا لكثير من النحاة منهم السيرافي في تعليقه على سيبويه في الكتاب (2/ 16) (بولاق) وابن يعيش (1/ 64)، والرضي في شرح الكافية (1/ 57)، القول بأن «سراويل» جمع لسروالة إلى المبرد وهو قول بعيد عن الصواب وكان ينبغي التدقيق فيه والناظر لما ذكره أبو العباس المبرد في هذه الكلمة يجد أنه موافق لكلام سيبويه، وإنما ذكر المبرد رأيا آخر يقول إنها عربية جمع سروالة وبين وجهته، ولم يصرح باختيار هذا الرأي أو بترجيحه، وقد فطن لهذا الأمر الأستاذ الجليل المرحوم الدكتور/ محمد عبد الخالق عضيمة في تحقيقه لكتاب المقتضب (3/ 345) (هامش رقم 3)، وانظر المقتضب (3/ 326، 345). (¬3) هذا البيت من المتقارب، لم أهتد إلى قائله، وقيل إنه مصنوع. الشرح: قوله «عليه» أي على ذاك المذموم، قوله «من اللؤم» بالضم وهو الدناءة في الأصل والخساسة في الفعل، و «المستعطف» طالب العطف، والفاء فيه للتعليل. والشاهد: في «سروالة» حيث احتج به من قال أن «سراويل» جمع سروالة وأن «سراويل» منعت الصرف لكونها جمعا، والبيت في المقتضب (3/ 346)، وابن يعيش (1/ 64) وشرح الكافية للرضي (1/ 57)، وشرح الشافية (1/ 270)، والتذييل (6/ 296)، والخزانة (1/ 113)، وشرح شواهد الشافية (ص 100)، والعيني (4/ 354)، وشرح التصريح (2/ 212). (¬4) في اللسان (عثكل): «العثكال والعثكول والعثكولة: العذق» وانظر ابن يعيش (1/ 64). (¬5) انظر شرح السيرافي بهامش الكتاب (2/ 16) (بولاق) (3/ 229) (هارون) وانظر ابن يعيش (1/ 64). (¬6) انظر شرح السيرافي بهامش الكتاب (2/ 16) (بولاق)، (3/ 229) (هارون) وشرح الكافية الشافية لابن مالك (3/ 1501). (¬7) سبق - قريبا - أن ذكرنا أن المبرد لا يرى ذلك.

[ما يمتنع صرفه لعلتين: الوصفية، وعلة أخرى]

[ما يمتنع صرفه لعلتين: الوصفية، وعلة أخرى] قال ابن مالك: (ويمنع صرفه أيضا عدله صفة أو كصفة أو كعلم، أو كونه صفة على فعلان ذا فعلى بإجماع، ولازم التّذكير بخلف، وصرف سكران وشبهه للاستغناء فيه بفعلانة عن فعلى لغة أسديّة، ويمنع صرف الاسم أيضا وفاقه الفعل فيما يخصّه أو هو به أولى من وزن لازم لم يخرجه إلى شبه الاسم سكون تخفيف مع وصفيّة أصليّة باقية أو مغلوبة فيما لا تلحقه هاء التّأنيث، أو مع العلميّة أو شبهها). ـــــــــــــــــــــــــــــ وشاهد استعماله غير مصروف قول ابن مقبل (¬1): 3702 - يمشّي بها ذبّ الرّياد كأنّه ... فتى فارسيّ في سراويل رامح (¬2) أي فتى فارسي رامح في سراويل (¬3). واعلم أن «سراويل» اسم مؤنث (¬4) فلو سمى به مذكر ثم صغّر لقيل فيه: سريّيل غير مصروف للتأنيث والتعريف، ولولا التأنيث لصرف كما يصرف «شراحيل» لو صغّر لزوال صيغة منتهى التكسير، نبه على ذلك المصنف في شرح الكافية (¬5). قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على الأمرين القائم منهما مقام علتين شرع في ذكر العلل الثلاث المانعة مع الوصفية، وينشأ عن معرفتها معرفة ثلاثة الأقسام الباقية من الخمسة. والمراد بالوصفية: كون الاسم موضوعا لذات باعتبار معنى هو المقصود، وقد - ¬

_ (¬1) ابن مقبل هو: تميم بن أبي مقبل من بني العجلان من عامر بن صعصعة أبو كعب، شاعر جاهلي، أدرك الاسلام وأسلم. انظر ترجمته في الخزانة (1/ 113). (¬2) هذا البيت من الطويل وهو كما ذكر المؤلف لابن مقبل في ديوانه (ص 41). الشرح: الضمير في «بها» يعود على أنثى الثور الوحشي، والذب هو الثور الوحشي، يقال له ذب الرياد إذا كان زوارا للنساء، يصف الثور الوحشي، شبه ما على قوائمه من الشعر بالسراويل وهو من لباس الفرس، ولهذا شبهه بفتى فارس قرنه بالرمح، ولهذا قال: رامح أي ذو رمح. والشاهد فيه قوله: «سراويل» حيث جاء غير مصروف على رأي الأكثرين. وانظر البيت في ابن يعيش (1/ 64) وشرح الكافية (1/ 57)، والخزانة (1/ 111). (¬3) انظر ابن يعيش (1/ 64). (¬4) انظر المذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 412). (¬5) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1502).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ علمت أنها ثلاث وهي: العدل والزيادة ووزن الفعل، وهذه الثلاث لما كانت تمنع مع العلمية أيضا أدرج المصنف ذكر حكم وزن الفعل معها هنا واستوفاه، وذكر حكم العدل مع ما يشبه العلمية، وأخّر الكلام على حكمه مع العلمية إلى مكان آخر، ولم يتعرض لحكم الزيادة مع العلمية هنا وإنما ذكره بعد، وكان حقه أن يؤخر الكلام على حكم العلل الثلاث مع العلمية إلى أن ينهي على حكمها مع الوصفية، أو يستوفى عند ذكر كل منها حكمه مع الوصفية وحكمه مع العلمية، ثم يذكر ما لا يمنع إلا مع العلمية وهو بقية العلل، وسيتضح كل قسم من الآخر وإن روعي في الشرح ترتيب لفظ الكتاب. وقد علمت أن الأقسام التي تنشأ عن هذه العلل الثلاثة: الأول: الممنوع للوصفية والعدل، أمّا المراد بالوصفية فقد ذكر، وأما العدل: فهو خروج الاسم عن صيغته الأصلية تخفيفا أو تقديرا، وإنما نوع إلى النوعين لأن العدل ضربان: ضرب تعلم عدليته بالنظر إليه في نفسه، وضرب لا يعلم إلا بمنعهم صرفه، ولا يصدق هذا الحد على العدل عن مصاحب الألف واللام إلى المجرد منها إلا بتجوز؛ لأن الصيغة واحدة في الحالتين، إلا أن يقال: صيغة المنكّر لفظا غير صورة المعرّف فيستقيم، والعدل غير الاشتقاق الصناعي، فإن المشتق مع دلالته على ما اشتق منه يدل على معنى آخر زائد، والمعدول لا دلالة له على معنى آخر غير معناه الأصلي. ثم العدل يمنع مع الوصفية ومع العلمية كما علمت، وزاد المصنف شبه الصفة أو العلمية، والمراد بالأمرين واحد وهو «جمع» وبابه (¬1). فذكر أن المانع فيه مع العدل إما شبه الصفة وإما شبه العلمية، وسيأتي الكلام على ذلك في الفصل الخامس، ولا شك أن شبه الصفة راجع إلى الصفة، وشبه العلمية راجع إلى العلمية فلا زيادة على أصل التقسيم. والممنوع للعدل والوصفية [5/ 57] ضربان: أحدهما المعدول في العدد، والآخر: أخر المقابل لـ «آخرين»، والممنوع للعدل والعلمية أضرب، وقد عقد المصنف للضربين فصلا فأخرنا الكلام عليه إلى الوصول إليه. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1474).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم الثاني: الممنوع للوصفية والزيادة، والمراد بها: زيادة الألف والنون، وذلك صيغة «فعلان» كسكران، وريّان (¬1)، وصديان (¬2)، وغضبان، [واختلف (¬3) النحاة في العلة المانعة من الصرف في صيغة «فعلان»، فمنهم من جعل المنع فيه لعلة واحدة، فقال: الألف والنون ضارعتا ألفي التأنيث في نحو: صحراء، فقامت هذه العلة مقام علتين، ومنهم من جعل المانع فيه الوصفية والزيادة وهو الصحيح]. قالوا (¬4): وإنما منعت الألف والنون يعني دون غيرهما من الحروف التي تزاد لشبهها بألفي التأنيث في «حمراء» في منع لحاق تاء التأنيث، واتحاد وزن ما سبقهما، وفي أن بناء مذكر ما هما فيه على غير بناء مؤنثه، وفي كون أولاهما ألفا، وثانيهما حرفا معبرا به عن المتكلم في «أفعل» و «نفعل» فعلى هذا إن جاء مؤنث «فعلان» على «فعلى» امتنع من الصرف (¬5) كالأمثلة المتقدمة، وإن جاء على «فعلانة» صرف كندمان (¬6) لقولهم ندمانة، وإن لم يثبت فيه واحد منهما كـ «لحيان» (¬7) فقد اختلف فيه (¬8): فمن صرف علّل بفقد الشبه لألفي التأنيث لأنه إنما يكمل بوجود التذكير والتأنيث على الوجه المشروح، و «لحيان» بخلاف ذلك فضعف داعي منعه. ومن منعه الصرف قال: لحيان، وإن لم يكن له «فعلى» وجودا فله «فعلى» تقديرا وذلك أن معناه غير لائق بمؤنث، فلو فرض خرق العادة بوجود معناه لامرأة لكان إلحاقه بباب «فعلان فعلى» أولى من إلحاقه بباب «فعلان فعلانة» لأن الباب الثاني ضيق بقلة النظير، والباب الأول واسع فالإلحاق به أولى. ¬

_ (¬1) الرّيّان: ضد العطشان ورجل ريّان وامرأة ريّا انظر اللسان (روى). (¬2) صديان: الصّدى شدة العطش، وقيل: هو العطش ما كان، والأنثى صديا، انظر اللسان (صدى). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1439) تحقيق عبد المنعم هريدي. (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1439) وشرح ابن الناظم (ص 635)، وشرح الكافية للرضي (1/ 60). (¬5) انظر شرح ابن الناظم (ص 635) والهمع (1/ 30). (¬6) انظر المرجعين السابقين. (¬7) لحيان: كبير اللحية. انظر التذييل (6/ 304)، والهمع (1/ 30). (¬8) انظر شرح ابن الناظم (ص 635)، والتذييل (6/ 304: 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوّى المصنف (¬1) المنع بأن قولهم في العظيم الكمرة (¬2): أكمر لا مؤنث له، ولا خلاف في منع صرفه (¬3) ولو فرض له مؤنث لأمكن أن يكون كمؤنث «أرمل» وأن يكون كمؤنث «أحمر» لكن حمله على «أحمر» أولى لكثرة نظائره، فكذلك «لحيان» حمله على «سكران» أولى. وعدل المصنف عن التمثيل بـ «رحمن» وإن مثل به غيره إلى التمثيل بـ «لحيان» لوجهين نبّه عليهما في شرح الكافية (¬4): أحدهما: أن الرحمن بغير ألف ولام دون نداء ولا إضافة غير مستعمل فلا فائدة في الحكم عليه بانصراف ولا منع. الثاني: أن الممثل به في هذه المسألة معرّض لأن يذكر موصولا بالتاء أو بألف «فعلى» ومجردا منهما لينظر ما هو اللاحق به، وتعريض الرحمن لذلك مع وجدان مندوحة عنه مخاطرة من فاعله. وقد فهم من قول المصنف «ذا فعلى بإجماع ولازم التّذكير بخلف، أنه إن كان ذا فعلانة انصرف بلا خلاف، وقد جمع (¬5) المصنف ما جاء مؤنثه على «فعلانة» (¬6) في أبيات وهي: أجز فعلى لفعلانا ... إذا استثنيت حبلانا ودخنانا وسجنانا ... وسيفانا وصحيانا وموجانا وعلّانا ... وفشوانا ومصّانا وموتانا وندمانا ... وأتبعهنّ نصرانا (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1440) تحقيق عبد المنعم هريدي. (¬2) الكمرة. رأس الذكر (الحشفة) انظر حاشية الصبان (3/ 232)، واللسان (كمر). (¬3) انظر شرح ابن الناظم (ص 636) والأشموني (3/ 232). (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1440، 1441)، وانظر التذييل: (6/ 305، 306). (¬5) هذه عبارة الشيخ أبي حيان انظر التذييل (6/ 306) وانظر الأشموني (3/ 232). (¬6) من غير لغة بني أسد. انظر التذييل (6/ 306). (¬7) نقل الأشموني هذه الأبيات في (3/ 232) ثم قال (3/ 232): «واستدرك عليه لفظان وهما خمصان لغة في خمصان، وأليان في كبير الألية، فذيل الشارح المرادي أبياته بقوله: «وزد فيهم خمصانا على لغة وأليانا» وقال الصبان (3/ 232): هذه الأبيات التي للمصنف بقطع النظر عن تذييل المرادي، من الوافر المجزوء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشرح هذه الألفاظ (¬1)، رجل حبلان: ممتلئ غيظا، ويوم دخنان: فيه كدرة في سواد، ويوم سخنان حارّ، ورجل سيفان: طويل ضامر البطن، ويوم صحيان لا غيم فيه، و [بعير] صوجان: يابس الظهر، ورجل علّان: صغير حقير، ورجل قشوان: دقيق الساقين ورجل مصّان: لئيم، ورجل موتان الفؤاد أي غير جديد، ورجل ندمان: من الندامة والمنادمة، ورجل نصران أي نصرانيّ، وكذلك مؤنثاتها، فهذه اثنتا عشرة كلمة بينها وبين مؤنثها هاء التأنيث، قال الشيخ (¬2): «ونقصه ما عده غيره قول العرب [كبش] أليان، ونعجة أليانة (¬3) ورجل خمصان (¬4) - بفتح الخاء - لغة في خمصان حكاها سيبويه (¬5) انتهى. وبنو أسد (¬6) يؤنثون باب «سكران» بالتاء، ولما ألحقوا التاء فقد الشبه بباب «حمراء» فصرفوا الباب أجمع، فقالوا: رأيت رجلا سكرانا، وصبيّا غضبانا، وغصنا ريّانا، وشبه ذلك. القسم الثالث: الممنوع للوصفية ووزن الفعل، وقد تقدم التنبيه على أن المصنف أدرج هنا حكم وزن الفعل مع العلمية وإن كان ليس موضع ذكره، فلنذكر حكمه مع الوصف أولا ثم مع العلمية ثم نعود إلى لفظ الكتاب. اعلم أن الأوزان بالنسبة للاسم والفعل على خمسة أقسام (¬7): وزن يختص به الاسم، ووزن يختص به الفعل، ووزن يشتركان فيه، والمشترك فيه إما أن لا يغلب في أحدهما أو يغلب في الاسم دون الفعل أو العكس والمانع للصرف منها شيئان (¬8): الغالب في الفعل والمختص به، أما الوزن المختص فلا يتصور منعه إلا مع العلمية وسيأتي، وأما الوزن الغالب فيمنع تارة مع العلمية، وتارة مع الوصفية والمراد بكونه غالبا (¬9) أن - ¬

_ (¬1) شرحها الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 307) وانظر الهمع (1/ 30)، والأشموني (3/ 233). (¬2) انظر التذييل (6/ 307). (¬3) كبش أليان ونعجة أليانة: أي كبير الإلية. انظر الأشموني (3/ 233) واللسان (ألا). (¬4) خمصان: جائع ضامر البطن. انظر حاشية الصبان (3/ 233) واللسان (خمص). (¬5) لم أعثر على شيء من هذا في كتاب سيبويه. وانظر الأشموني (3/ 233). (¬6) انظر شرح ابن الناظم (ص 636) وشرح الكافية للرضي (1/ 60) والتذييل (6/ 306). (¬7) ذكر هذه الأقسام الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 308). (¬8)، (¬9) انظر التذييل (6/ 308)، والهمع (1/ 30).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ توجد في أوله زيادة هي أحد حروف المضارعة، وهو المراد بقول المصنف: «أو هو به أولى»، وإنما كان أولى لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم (¬1)، وما زيادته لمعنى أصل زيادته لغير معنى (¬2)، وسيذكر للأولوية وجه آخر عند التعرض لذكر منعه مع العلمية؛ إذا تقرر هذا فاعلم أن ما وجد فيه الوصفية، ووزن الفعل المذكور لمنعه شرطان: أحدهما: أصالة الوصفية كـ «أحمر» وشبهه، فلا أثر لعروضها في المنع ولا لعروض الاسمية في الصرف، ولذلك صرف «أرنب» من: مررت برجل أرنب أي ذليل، و «أكلب» من مررت بقوم أكلب أي أخسّاء، وامتنع «أدهم» للقيد، و «أسود» للحية، فلم يعتد بالعارض [5/ 58] في القسمين. الشرط الثاني: أن لا تلحقه تاء التأنيث، إما لأن للمؤنث فيه صيغة تخصه كـ «أحمر» وإما لأنه لا مؤنث له من لفظه نحو: رجل آلي، والمرأة (¬3) عجزاء (¬4)، وإما لأنه لا مؤنث له لفقدان ذلك المعنى في المؤنث كـ «أكمر» (¬5)، و «آدر» (¬6)، وإما لأنه لا مؤنث له لاشتراك المذكر والمؤنث فيه، وذلك أفعل التفضيل إذا كان مصحوبا بـ «من» لفظا أو تقديرا، فهذه الأنواع الأربعة لا تنصرف لأن التاء لا تلحقها، أما ما تلحقه فمصروف، ولذلك صرف «أرمل» وهو الفقير لقولهم: أرملة، و «يعمل» وهو الجمل السريع لقولهم: يعملة، و «أباتر» وهو القاطع رحمه لقولهم: أباترة، و «أدابر» وهو الذي لا يقبل نصحا لقولهم: أدابرة (¬7)، وإنما بطل حكم الوزن بلحاق التاء لأن لحاقها مزيل لشبه المضارع إذ لا تلحقه تاء التأنيث. - ¬

_ (¬1) انظر شرح ابن الناظم (ص 638)، والتذييل (6/ 308)، والأشموني (3/ 235). (¬2) انظر شرح ابن الناظم (ص 638)، والأشموني (3/ 235). (¬3) رجل آلى: عظيم الألية. انظر اللسان (ألا). (¬4) امرأة عجزاء: عظيمة العجيزة. انظر اللسان (عجز). (¬5) أكمر: عظيم الكمرة وهي الحشفة (رأس الذكر). انظر اللسان (كمر) والصبان (3/ 232). (¬6) آدر: لكبير الأنثيين، والخصية الأدراء: العظيمة من غير فتق. انظر حاشية الصبان (3/ 232) واللسان (أدر). (¬7) انظر فيما سبق شرح الألفية لابن الناظم (ص 247: 248)، والتذييل (6/ 313، 315، 316)، والأشموني (3/ 235: 236)، والهمع (1/ 31).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «أربع» أحق بمنع الصرف من «أرمل» لأن فيه ما في «أرمل» من لحاق التاء، ويزيد عليه لأن وصفيته عارضة (¬1)، وخالف الأخفش في هذا الشرط وحكم على «أرمل» بمنع الصرف قال (¬2): «ومن صرفه من العرب فهو على لغة من يصرف من لا ينصرف». وخالف الكوفيون (¬3) في العلة الموجبة لمنع صرف: أفعل من «أفعل من» فزعموا أنه امتنع للزوم «من»، وهو خطأ لصرفهم: خير منك، وشرّ منك وقد لزما «من»، هذا حكم وزن الفعل مع الوصف. وأما الوزن المانع مع العلمية: فهو الوزن الخاص بالفعل أو الذي الفعل به أولى، أما الخاص (¬4) فهو الذي لا يوجد في غير فعل إلا في علم أو عجميّ معرّب، أو إلا أن يكون نادرا، فالعلم نحو: خضّم (¬5) لرجل، وشمّر لغرس، والعجميّ نحو: بقّم، وإستبرق، والنادر نحو دئل لدويبّة (¬6)، وينجلب لخرزة (¬7)، وتبشّر لطائر (¬8)، ووجد أن هذه الثلاثة لا يمنع اختصاصها بالفعل لأن العلم منقول من فعل، والعجمي والنادر لا حكم لهما، فالاختصاص باق، فمن المختص (¬9) بالفعل ما افتتح بتاء المطاوعة كـ «تعلم» أو بهمزة وصل كـ «انطلق» وما سوى «افعل»، و «نفعل» و «يفعل»، و «تفعل» من أوزان المضارع، وما صيغ لما لم يسمّ فاعله بشرط سلامته من الإعلال، وما صيغ للأمر من غير ثلاثي وغير «فاعل» نحو: انطلق ودحرج، وأما الوزن الذي الفعل أولى به فهو قسمان (¬10): - ¬

_ (¬1) انظر شرح ابن الناظم (ص 648) والأشموني (1/ 236). (¬2) انظر التذييل (6/ 316)، والهمع (1/ 31). (¬3) انظر الانصاف (ص 488) (مسألة رقم 69) والتذييل (6/ 316). (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1460). (¬5) قال في الكتاب (3/ 208): «ولا يصرفون خضّم وهو اسم للعنبر بن عمرو بن تميم». (¬6) الدّئل: دويّية كالثعلب أو ابن عرس. انظر اللسان (دأل) وانظر شرح الكافية (1/ 62). (¬7) الينجلب: خرزة يؤخذ بها الرجال. انظر اللسان (جلب) وفي التذييل (6/ 317): «وقالوا: الينجلب لخرز يزعمون أن الغائب يجلب به». (¬8) في اللسان (بشر): «والتّبشر والتّبشر: طائر يقال هو الصّفاريّة» وانظر شرح الكافية للرضي (1/ 61) والتذييل (6/ 317). (¬9) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 146). (¬10) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1461).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الأولوية إما لكثرة الوزن في الفعل وقلته في الاسم كـ «إثمد» (¬1)، و «إصبع» و «أبلم» (¬2) فإن أوزانها تقل في الأسماء وتكثر [في] فعل الأمر من الثلاثي. وإما لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم كـ «أفكل» (¬3) و «أكلب» فإن نظائرهما كثيرة في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة تدل على معنى في الفعل ولا تدل على معنى في [الاسم] فكان المفتتح بها من الأفعال أصلا للمفتتح بها من الأسماء، وقد تكون الأولوية في بعض الأوزان للفعل بالوجهين المذكورين في «إثمد» و «أفكل». ومثال ذلك: «يرمع» (¬4) و «تنضب» (¬5) فإنهما كـ «إثمد» في كونه على وزن يكثر في الأفعال ويقل في الأسماء، وك «أفكل» في كونه مفتتحا بما يدل على معنى في الفعل دون الاسم، فإذا سمّي بشيء من الأمثلة المتقدمة امتنع من الصرف لوزن الفعل والعلمية، ولا متناعه شرطان. أحدهما: لزوم زنة واحدة فلو سمّي (¬6) بـ «امرئ» و «ابنم» انصرفا لأنهما حالة الرفع كـ «أخرج» وحالة النصب كـ «أعلم» وحالة الجر كـ «اضرب» فلم يستقر لهما وزن، وهذا إنما هو على لغة من اتبع، أما من يلتزم فتح ما قبل الآخر فيهما فحكم لهما عند التسمية بمنع الصرف للوزن اللازم والعلمية. الثاني: أن يكون الوزن المعتبر منطوقا به، فإن كان مقدرا لإعلال، أو إدغام لم يؤثر وذلك نحو: قيل وردّ، فإن وزن «فعل» غير باق لفظا، بل أخرجهما الإعلال - ¬

_ (¬1) الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل، وقيل ضرب من الكحل، وقيل هو نفس الكحل، وقيل شبيه به. انظر اللسان (ثمد). انظر شرح الكافية للرضي (1/ 61). (¬2) الإبلم والأبلم والأبلم: الخوصة. انظر. اللسان (بلم). (¬3) الأفكل: الرّعدة. انظر اللسان (فكل). (¬4) يرمع: اليرمع: الحصى البيض تلألأ في الشمس. انظر اللسان (رمع). (¬5) التّنضب: شجر عيدانه بيض ضخمة ينبت بالحجاز. انظر اللسان (نضب). (¬6) في شرح الكافية الشافية (3/ 1463)، على أن امرأ لو سمي به انصرف لأنه في النصب شبيه بالأمر من علم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والإدغام إلى مشابهة «ديك» و «مدّ» فصرفا مسمّى بهما. ولنرجع إلى لفظ الكتاب: قوله: ويمنع صرف الاسم أيضا وفاقه الفعل فيما يخصّه أو هو به أولى قد علمت (¬1) ما يخصه وما هو به أولى، ووجهي الأولوية. واحترز بقوله: من وزن لازم من نحو: امرئ (¬2)، وبقوله: لم يخرجه إلى شبه الاسم سكون تخفيف من نحو: قيل وردّ (¬3)، وقد عرفت ذلك، وإنما قال المصنف: سكون تخفيف ولم يقل: سكون إعلال؛ ليشمل سكون الإدغام أيضا. وقوله: مع وصفيّة أو مع العلمية إشارة إلى كل من السببين المانعين مع الوزن المذكور، وفي عبارته إيهام أن الوصفية مع الوزن الخاص وأن العلمية كذلك، أما العلمية فقد تقدم أنها تمنع معهما، وأما الوصفية فلا تتصور مع الوزن الخاص ولا تمنع مع الأولى إلا باعتبار أحد وجهيه (¬4)، وليس في كلام المصنف إشعار بذلك. واحترز بقوله: أصلية من الوصفية العارضة (¬5). ونبه بقوله: أو مقلوبة على أن عروض زوال الوصفية لا أثر له في الصرف وك «أدهم» للقيد و «أبطح» للمكان المتسع. وبقوله: فيما لا تلحقه هاء التّأنيث على أن نحو: أرمل منصرف. وأشار (¬6) بقوله: أو شبهها أي: شبه العلمية، إلى أن المانع في «أجمع» وبابه (¬7) وزن الفعل، وشبه العلمية (¬8)، وهي التعريف بنية الإضافة، وسبق ذلك عند الكلام على «جمع» وبابه. ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1463). (¬2) انظر: التذييل (6/ 309). (¬3) انظر: التذييل (6/ 309). (¬4) انظر: التذييل (6/ 313). (¬5) نحو: مررت برجل أرنب؛ يعني ذليل، فهذا مصروف. انظر: التذييل (6/ 313). (¬6) انظر: التذييل (6/ 320). (¬7) يعني بباب «أجمع»: أكتع وأبصع وأبتع، انظر: التذييل (6/ 320). (¬8) انظر: المرجع السابق.

[خلاف فيما كان علما على وزن الفعل]

[خلاف فيما كان علما على وزن الفعل] قال ابن مالك: (وعارض سكون التّخفيف كلازمه خلافا لقوم، وفي «يغفر» مضموم الياء، و «ألبب» علما خلاف، ولا يؤثّر وزن مستوى فيه، وإن نقل من فعل خلافا لـ «عيسى»). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: اعلم أنه لما كان يحصل لبعض صيغ الفعل تغيير ووقع الخلاف في صرفه نبّه المصنف على ذلك وذكر ثلاث صور: الأولى: «فعل» نحو: ضرب، إذا سمي به رجل ثم خفف بتسكين الراء، فيه خلاف، مذهب سيبويه صرفه (¬1)، جعل التسكين العارض هنا كاللازم؛ لأن الأصل الصرف (¬2) [5/ 59] ومذهب المازني (¬3)، والمبرد (¬4)، وابن السراج (¬5)، والسيرافي (¬6) منعه الصرف؛ لأن هذا التخفيف عارض، والأكثر أن لا يعتد بالعارض، ويدل عليه قولهم في مخفف دني له: دني له بإبقاء الياء، وفي مخفف: قضو الرجل: قضو الرجل بإبقاء الواو، فإقرار الياء في «دني» والواو في «قضو» بعد زوال الموجب دليل على أنهم لم يعتدوا بالسكون لعروضه. وقالوا في «الأحمر» بعد النقل: «ألحمر» بإثبات ألف الوصل وإن زال موجبها لذلك (¬7)، وسيبويه يعتبر ما اعتبروه، لكنه قوّى عنده الاعتداد بالعارض هنا أن الأصل الصرف فاعتضد بذلك، واستدل (¬8) لمذهب سيبويه بصرف «جندل» ولولا الاعتداد بحذف الألف العارض لما صرف، وإنما قلنا: إن حذف الألف عارض؛ لأن ترك القول بعروضه يؤدي إلى توالي أربعة حروف متحركة في كلمة. - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 227) وعلل بقوله: (لأنك أخرجته إلى مثال ما ينصرف). (¬2) انظر: التذييل (6/ 321)، والهمع (1/ 31). (¬3) انظر: المرجعين السابقين. (¬4) الذي يفهم من كلام المبرد في المقتضب أنه يمنع صرف كل ما سمي به من الفعل الذي لم يسم فاعله إلا أن يكون معتلّا أو مدغما فإنه يصرف؛ لأنه دخل في باب الأسماء. انظر المقتضب (3/ 314، 324). (¬5) انظر: الأصول لابن السراج (2/ 80). (¬6) انظر: شرح كتاب سيبويه للسيرافي (4/ 240). (¬7) انظر: التذييل (6/ 321). (¬8) انظر: التذييل (6/ 322) وقالوا في الكتاب (3/ 228): (ويقول بعضهم: جندل وذلذل، بحذف ألف جنادل وذلاذل وينوّنون، يجعلونه عوضا من هذا المحذوف).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي هذا الاستدلال نظر (¬1)، لأنا نمنع أن التنوين في «جندل» تنوين صرف، وإنما هو تنوين عوض جيء به عوضا من الألف، كما جيء بتنوين «جوار» عوضا من الياء، وقد نبه المصنف على ذلك في شرح الكافية (¬2). واحتج ابن السراج والسيرافي على ما ذهبا إليه بمنع صرف «جيل» اسم رجل إذا خفف بعد التسمية، وإن كان قد صار في اللفظ ثلاثيّا (¬3). والجواب: الفرق بين «ضرب» و «جيل» بأن حركة الهمزة باقية محرزة لها ودليلة عليها وليس في «ضرب» ما يدل على الأصل (¬4). وهذا الذي ذكر إنما هو في المخفف بعد التسمية، أما إذا خفف ثم سمي به فإنه ينصرف (¬5). الصورة الثانية: «يعفر» (¬6) علما، إذا ضمّت ياؤه إتباعا (¬7)؛ لأنه إذا فتحت كان غير منصرف (¬8)، وعند ضمها فيه خلاف (¬9): فأبو الحسن يستصحب المنع لعدم اعتداده بضم الياء لعروضه. ¬

_ (¬1) وجهة نظر المؤلف أن التنوين في «ضرب» المخفف بعد التسمية به تنوين صرف، وأن التنوين في «جندل» تنوين عوض على ما ذهب إليه ابن مالك، وتنوين العوض يصحب غير المنصرف كـ «جوار وغواش» فعلى هذا «جندل» ممنوع من الصرف، وكأن الألف لم تحذف لوجود ما هو عوض عنها وهو التنوين، فالاستدلال غير صحيح؛ لأنه مبني على أن التنوين في الكلمتين تنوين صرف، وقد علمنا أن الأمر غير ذلك فيما ذهب إليه المؤلف متابعا فيه لابن مالك، أما المستدل فإنه يرى أن التنوين في «جندل» تنوين صرف، وقد ذهب إلى ذلك ابن هشام في المغني (ص 341). (¬2) انظر: شرح الكافية (3/ 1507). (¬3) انظر: أصول النحو لابن السراج وشرح السيرافي (خ 4/ 240)، والتذييل (6/ 322). (¬4) انظر: التذييل (6/ 322). (¬5) انظر: شرح السيرافي (خ 4/ 240) قال: (ولو كان أصل التسمية وقع بالتخفيف صرفته ولم يجز أن تقول فيه: ضرب ألبتة) وانظر: الأشموني (3/ 262). (¬6) يعفر: اسم رجل ومنه الأسود بن يعفر الشاعر. انظر اللسان «عفر». (¬7) انظر: التذييل (6/ 322). (¬8) انظر: المرجع السابق، وفي اللسان «عفر»: (والأسود بن يعفر الشاعر إذا قلته بفتح الياء لم تصرفه). وانظر: الهمع (1/ 31). (¬9) انظر: التذييل (6/ 322)، والهمع (1/ 31) وفي اللسان «عفر»: (وقال يونس: سمعت رؤبة يقول: أسود بن يعفر، بضم الياء، وهذا ينصرف؛ لأنه قد زال عنه شبه الفعل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغيره يصرف لذهاب وزن الفعل لفظا. قال المصنف (¬1): «وهو شبيه بـ «ضرب» إذا خفف بالتسكين بعد التسمية، وقد عرفت المذهبين فيه، فـ «يعفر» إذا ضمّت ياؤه بعد التسمية إتباعا بمنزلة ضرب إذا سكنت راؤه بعد التسمية تخفيفا، فالصرف لازم لسيبويه والمنع لازم للمبرد. قال الشيخ (¬2): وحكى أبو زيد (¬3) أن من قال: «يعفر» بضم الياء صرف، قال (¬4): فلا وجه لهذا الخلاف مع وجود السماع. الصورة الثالثة: «ألبب» (¬5) علما، ومذهب سيبويه منع صرفه (¬6)، قال سيبويه (¬7): وإذا سميت الرجل بـ «ألبب» فهو غير منصرف. قال المصنف (¬8): وحكى أبو عثمان (¬9) أن أبا الحسن يرى صرف «ألبب» علما؛ لأنه باين الفعل بالفك، وهذا عندي لا يكون مانعا من اعتبار الوزن؛ لأن الفك رجوع إلى أصل متروك فهو نظير تصحيح ما يحق إعلاله كـ «استحوذ»، ولا خلاف في أن التصحيح لا يمنع من اعتبار الوزن فكذلك الفك (¬10)، ثم قال: ولا يلزم أيضا الرجوع إلى قياس الإدغام فيقال فيه: استحاذ، لكن لو سمي بـ «يردد» من قولنا: لم يردد؛ لرجع إلى الإدغام؛ لأن الفك كان متسببا عن الجزم وقد زال السبب بالتسمية فيزول المسبّب، وليس لفك «ألبب» وتصحيح «استحوذ» سبب زال فيزولا لزواله، وإنما جيء بهما قبل التسمية تنبيها على الأصل - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية (3/ 1465). (¬2) انظر: التذييل (6/ 323). (¬3) في النوادر لأبي زيد (ص 194): (وقال الأسود بن يعفر ويعفر لغتان) ولم يزد على ذلك. (¬4) أي: أبو حيان. (¬5) في اللسان «لبب»: ويقال: بنات ألبب: عروق في القلب يكون منها الرّقّة، وقال: قالوا: وبنات ألبب: عروق متصلة بالقلب. ونقل عن ابن سيده: قد علمت بذلك بنات ألببه يعنون لبّه، وهو أحد ما شذ من المضاعف فجاء على الأصل، هذا مذهب سيبويه، قال: يعنون لبّه، وقال المبرد في قول الشاعر: قد علمت ذاك بنات ألببه يريد: بنات أعقل هذا الحي، وانظر: الكتاب (3/ 195)، والمنسرح (3/ 34). (¬6) انظر: التذييل (6/ 323). (¬7) انظر: الكتاب (3/ 195). (¬8) انظر: شرح الكافية (3/ 1463: 1465). (¬9) انظر: التذييل (6/ 323)، والهمع (1/ 31)، والأشموني (3/ 261). (¬10) انظر: التذييل (6/ 323) وقد نسب هذا الكلام لنفسه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتروك في «أكفّ» و «استقام» ونحوهما من النظائر (¬1)، وذلك مطلوب بعد التسمية فوجب بقاؤه. انتهى. وقد علمت مما تقدم أن المانع من الأوزان المختص بالفعل والأولى به، وأن غيرهما لا أثر له، ولما كان في الوزن المستوي فيه بين الاسم والفعل خلاف أشار المصنف إليه بقوله: ولا يؤثر وزن مستوى فيه أي: لا يغلب في الفعل، وذلك نحو: «فعل» فإنه جاء في الأسماء كثيرا وفي الأفعال كثيرا كـ «فرس» و «ضرب»، وكذا «فعلل» نحو: «جعفر» و «دحرج»، و «فاعل» كـ «ضارب» اسم فاعل من «ضرب» و «ضارب» صيغة أمر من «ضارب»، وقد خالف في ذلك عيسى بن عمر وهو الثقفي البصري أخذ عنه الخليل وسيبويه وغيرهما (¬2). وأفهم قول المصنف: أن الوزن المذكور يؤثر وإن لم ينقل من فعل، لكن الذي ذكره ابن عصفور (¬3): أن الذي يخالف فيه عيسى هو المنقول من فعل: مثل أن تسمي رجلا بـ «ضرب»، ومن ثم استدرك الشيخ على المصنف الإتيان بالواو، وقال (¬4): تصحيح كلامه أن تسقط الواو في قوله: وإن نقل من فعل. انتهى. والظاهر أن الواو زائدة من الناسخ (¬5)، وكلام المصنف في شرح الكافية يبين مراده فإنه قال (¬6): وإذا كان الفعل المسمى به على وزن يشاركه فيه الاسم دون مزية لم يؤثر، وذهب عيسى بن عمر (¬7) إلى أن المسمى بفعل على وزن مشترك فيه لا يصرف اسمه. انتهى. واستدل عيسى لمذهبه (¬8) بقول الشاعر (¬9): - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 324) وقد نقل كلام ابن مالك مع تغيير بسيط. (¬2) انظر: التذييل (6/ 324) وهذه الترجمة لدفع إيهام أن يكون المقصود عيسى آخر. (¬3) انظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 206 - 207). (¬4) انظر: التذييل (6/ 325). (¬5) في هذا الكلام محاولة لدفع استدراك الشيخ على المصنف وهو تمحل لا داعي إليه. (¬6) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1467) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬7) انظر: الكتاب (3/ 206) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 206). (¬8) انظر: الكتاب (3/ 207) وشرح الجمل (2/ 206). (¬9) هو سحيم بن وثيل اليربوعي كما في الكتاب (3/ 207) وقيل: المثقب العبدي، وقيل: الحجاج، وهو غير صحيح، وإنما كان تمثل به.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3703 - أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني (¬1) فلم يصرف «جلا»، ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون قائله أراد: أنا ابن رجل جلا الأمور وجرّبها فـ «جلا» جملة من فعل وفاعل حذف موصوفها وأقيمت هي مقامه (¬2)، أو يكون سمي بـ «جلا» مسندا إلى فاعله فحكى (¬3) كما حكى في قوله: 3704 - نبّئت أخوالي بني يزيد (¬4) قال سيبويه (¬5) عند حكاية مذهب عيسى: وهو خلاف قول العرب سمعناهم يصرفون كعسبا وهو فعل. قال المصنف (¬6): وقد أجمعت العرب على صرف «كعسب» اسم رجل مع أنه - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر. الشرح: قوله وطلاع الثنايا: الطلاع: مبالغة طالع من طلع القمر، يقال: رجل طلاع الثنايا إذا كان ساميا لمعالي الأمور، والثنايا جمع ثنية وهي الطريق في الجبل والطريق في الرمل، وإنما أراد أنه جلد يطلع الثنايا في ارتفاعها وصعوبتها، المقرب (1/ 283)، والمغني (ص 160)، والعيني (4/ 356). (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 206)، وشرح الكافية للرضي (2/ 64)، وقال الرضي: وفيه ضعف لأن الموصوف بالجمل لا يقدر إلا بشرط تذكره في باب الصفة وأما بغير ذلك فقليل نادر ولا سيما إذا لزم منه إضافة غير الظرف إلى الجملة». (¬3) انظر الكتاب (3/ 207)، وقال ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 206) الأولى. (¬4) هذا رجز قاله رؤبة في ملحقات ديوانه (ص 172) وقال العيني: قد تصفحت ديوانه فلم أجده، وتمام الرجز: ظلما علينا لهم فديد الشرح: نبئت: على صيغة المجهول بمعنى: أخبرت، أخوالي: جمع خال وهو أخ الأم، بني يزيد: مركب إضافي أصله: بنين ليزيد فلما أضيف حذفت النون واللام، ويزيد: علم شخص وهو بالياء، وقال ابن يعيش: صوابه بالتاء اسم رجل وإليه تنسب البرود التزيدية، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، والمعنى: أخبرت أن هذه الجماعة الذين هم أقربائي لهم صياح من أجل ظلمهم علينا. واستشهد به: على أن «يزيد» بضم الدال اسم علم منقول عن المركب الإسنادي والدليل على ذلك ضمة الدال إذ ضمتها تدل على كونها محكية، وكونها محكية يدل على أنها كانت جملة إسنادية في الأصل؛ إذ بغير الجملة الإسنادية لا تحكى وكذلك «جلا» في قوله: «أنا ابن جلا ...». والرجز في ابن يعيش (1/ 28)، والمغني (ص 626) والمفصل (ص 6) والعيني (1/ 388)، (4/ 370)، وشرح التصريح (1/ 117)، (2/ 221). (¬5) انظر: الكتاب (3/ 206). (¬6) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1468).

قال ابن مالك: (وربّما اعتبر تقدير الوصفيّة في «أجدل» و «أخيل» و «أفعى»، وألغيت أصالتها في «أبطح» ونحوه). ـــــــــــــــــــــــــــــ منقول من «كعسب» إذا أسرع (¬1)، فانتصر من خالف عيسى بن عمر. قال ناظر الجيش: قال المصنف (¬2): أكثر العرب يصرف «أجدلا» وهو الصقر (¬3)، و «أخيلا» وهو طائر عليه نقط كالخيلان (¬4)، و «أفعى» لأنها أسماء مجردة عن الوصفية وضعا إلا أن بعضهم [5/ 60] لحظ فيها معنى الوصفية فمنعها من الصرف، وذلك في «أفعى» أبعد منه في «أجدل» و «أخيل»؛ لأنهما من الجدل وهو الشدة (¬5)، ومن المخيول وهو الكثير الخيلان (¬6)، وأما «أفعى» فلا مادة لها في الاشتقاق (¬7)، لكن ذكرها يقارنه تصور إيذائها فأشبهت المشتق وجرت مجراه على ضعف. وشاهد استعمالهن غير مصروفة قول الشاعر (¬8): 3705 - كأنّ بني الدّعماء إذ لحقوا بنا ... فراخ القطا لاقين أجدل بازيا (¬9) - ¬

_ (¬1) في الكتاب (3/ 206 - 207)، وهو العدو الشديد مع تداني الخطا، وانظر: شرح الجمل لابن عصفور. (¬2) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1452) وانظر: الكتاب (3/ 200 - 201)، والمقتضب (3/ 339)، والأشموني (3/ 236). (¬3) انظر: المقتضب (3/ 239)، واللسان «جدل». (¬4) قال في الكتاب (3/ 201): (وأما أخيل فجعلوه أفعل من الخيلان للونه وهو طائر أخضر وعلى جناحه لمعة سوداء مخالفة للونه) وانظر: اللسان «خيل». (¬5) قال في الكتاب (3/ 200): (وذلك لأن الجدل: شدة الخلق، فصار «أجدل» عندهم بمنزلة شديد) وانظر: المقتضب (3/ 339)، واللسان «جدل». (¬6) انظر: المقتضب (3/ 339)، واللسان «خيل» والخيلان: جمع خال وهو الشّامة. (¬7) قال في الكتاب (3/ 201): (وعلى هذا المثال جاء أفعى كأنه صار عندهم صفة وإن لم يكن له فعل ولا مصدر) وقال المبرد في المقتضب (3/ 339): (وكذلك أفعى إنما هو أفعل مأخوذ من النكاءة) وفي اللسان «نكد»: (كل شيء جر على صاحبه شرّا فهو نكد وصاحبه أنكد) وليس في كتب اللغة النكادة، وفي شرح الكافية للرضي (1/ 48): (توهم أنها موضوعة للصفة لما أروا أنها للحية الخبيثة الشديدة من قولهم: فعوة السم أي: شدته). (¬8) هو القطامي كما في العيني (4/ 346) ويقال: قائله جعفر بن علبة الحارثي. (¬9) هذا البيت من الطويل ويروى شطره الأول: كأن العقيليين يوم لقيتهم وهي رواية ابن مالك في شرح الكافية الشافية (3/ 1454)، والأشموني (3/ 237)، وشرح التصريح (2/ 214). الشرح: قوله: فراخ: الفراخ: جمع فرخ وهو ولد الطائر والأنثى فرخة، والقطا: جمع قطاة وهي طائر مشهور، والأجدل: الصقر، وقوله: بازيا من بزا عليه يبزو: إذا تطاول عليه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 3706 - ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي ... فما طائري يوما عليك بأخيلا (¬1) وقول الآخر (¬2): 3707 - مطرق يرشح موتاكما أط ... رق أفعى ينفث السّمّ صلّ (¬3) وذكر الشيخ أن لهذه الألفاظ الثلاثة استعمالين: فالأكثر استعمالها اسما فيصرف، فـ «الأجدل» هو الصقر، و «الأخيل» اسم لنوع من الطير، و «أفعى» اسم لنوع من الحيات، وبعض العرب استعملها صفات فمنعها الصرف، فـ «أجدل» بمعنى: شديد، و «أخيل» أفعل من الخيلان و «أفعى» بمعنى: خبيث؛ فهي إذ ذاك صفات خلفت موصوفاتها ووليت العوامل كما تليها الأسماء (¬4). وأشار بقوله: وألغيت أصالتها في أبطح إلى أن بعض العرب يعتد بالاسمية - ¬

_ - والشاهد فيه: قوله: «أجدل»؛ حيث منع من الصرف لوزن الفعل ولمح الصفة؛ وذلك لأنه مأخوذ من الجدل وهو الشدة وأكثر العرب يصرفه لخلوه عن أصالة الوصفية. والبيت على الرواية التي بين أيدينا في اللسان «جدل»، والتذييل (6/ 327)، وشرح ابن الناظم (ص 639). (¬1) هذا البيت من الطويل وهو مطلع قصيدة لحسان بن ثابت الأنصاري رضى الله عنه انظر: ديوانه (ص 348)، الشرح: قوله: ذريني: أي دعيني واتركيني، وقوله: وشيمتي، الشيمة: بكسر الشين، الخلق والطبيعة، والأخيل: طائر فيه خيلان، ويقال: الأخيل الشقراق والعرب تتشاءم به، يقال: هو أشأم من أخيل. والشاهد فيه قوله: «بأخيلا»؛ حيث منع الصرف لوزن الفعل ولمح الصفة؛ لأنه مأخوذ من المخيول وهو الكثير الخيلان. والبيت في شرح الكافية الشافية (3/ 1454)، والعيني (4/ 348)، وشرح التصريح (2/ 214)، والأشموني (3/ 237). (¬2) هو تأبط شرّا كما في شرح الحماسة للتبريزي (2/ 161)، وقد نسب في التذييل (6/ 328) للشنفرى وليس كذلك. (¬3) هذا البيت من المديد وقبله: ووراء الثأر مني ابن أخت ... مصع عقدته ما تحلّ الشرح: المصع: شديد المقاتلة، ومطرق: صفة لابن أخته أي ناظر إلى الأرض، والرشح: كالعرق، وينفث: يقذف، وصل: الخبيث من الأفاعي، والمعنى: أن ابن أخته شجاع في الحرب، مقدام يطرق إطراق الحية الخبيثة التي تنفث السم. والشاهد فيه منع صرف «أفعى» لوزن الفعل ولمح الصفة؛ لأنه بمعنى خبيث. وانظر البيت في: التذييل (6/ 328) وشرح ديوان الحماسة للتبريزي (2/ 161). (¬4) انظر: التذييل (6/ 327).

[ما يمتنع صرفه للعلمية وعلة أخرى]

[ما يمتنع صرفه للعلمية وعلة أخرى] قال ابن مالك: (ويمنع أيضا مع العلميّة زيادتا «فعلان» فيه وفي غيره، أو ألف الإلحاق المقصورة أو تركيب يضاهي لحاق هاء التّأنيث، أو عدل من مثال إلى غيره، أو مصاحبة الألف واللّام إلى المجرّد منها، أو عجمة شخصيّة مع الزّيادة على ثلاثة أحرف، أو حركة الوسط على رأي، فإن تجرّدت العجمة منهما تعيّن الصّرف خلافا لمن أجاز الوجهين). ـــــــــــــــــــــــــــــ العارضة في «أبطح» منصرف (¬1) واللغة المشهورة فيه وفي أمثاله كـ «أجرع» (¬2)، و «أبرق» (¬3) منع الصرف (¬4)؛ لأنها صفات استغني بها عن ذكر موصوفاتها فيستصحب منع صرفها كما استصحب منع صرف «أرنب» و «أكلب» حين أجريا مجرى الصفات لعروض الاسمية في الأول والوصفية في الثاني لكونه أصلا ربما رجع إليه بسبب ضعيف (¬5)، بخلاف منع الصرف؛ فإنه خروج عن الأصل فلا يصار إليه إلا بسبب قوي. وذكر الشيخ أن صاحب الإيضاح قال: ذكر سيبويه أن من العرب من يجعلها بمعنى «أجدل»، و «أخيل»، و «أفعى» صفات، وأكثر العرب يجعلها أسماء فيصرفها: وذكر أن كل العرب لا يصرف «أدهم» اسم القيد، و «أسود» من: أسود سالخ، وهو نوع من الحيّات، و «أرقم» من الحيّات، فكذلك «أبرق» و «أجرع» و «أبطح»، وذكر أن العرب لم تختلف في منع هذه الستة من الصرف (¬6) وصرح ابن جني بأن هذه الأسماء كلها تنصرف (¬7)، ثم قال الشيخ (¬8): وظهر بهذا النقل أن قول المصنف: (وألغيت أصالتها في «أبطح» ونحوه)، مخالف لمذهب سيبويه. قال ناظر الجيش: قد تقدم أن العلمية تمنع مع سبع، وقد ذكر المصنف من المانع - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 330). (¬2) الأجرع: المكان المستوي. انظر: الكتاب (3/ 201)، والتذييل (6/ 329). (¬3) الأبرق: المكان الذي فيه لونان، وجبل أبرق: فيه لونان من بياض وسواد، انظر: التذييل (6/ 329)، واللسان «برق» وفي الكتاب (3/ 201): (تيس أبرق حين كان فيه سواد وبياض) وانظر: اللسان «برق». (¬4) انظر: الكتاب (3/ 201)، والتذييل (6/ 329). (¬5) انظر: التذييل (6/ 330). (¬6) انظر: الكتاب (3/ 201). (¬7) انظر: شرح التصريح (2/ 214)، والهمع (1/ 31). (¬8) انظر: التذييل (9/ 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معها وزن الفعل مدرجا له مع ذكر منعه مع الوصف (¬1)، ثم شرع في ذكر الست الباقية، وأورد الآن منها خمسا وسيذكر السابعة (¬2) بعد. أما الخمس فمنها: الألف والنون الزائدتان، فمتى كانا في اسم علم منعا الصرف لمضارعهما ألفي التأنيث (¬3). وإنما قال المصنف: فيه وفي غيره تنبيها على أن ذلك غير مختصّ بوزن «فعلان» بل أي وزن جدا فيه امتنع للتعريف والزيادتين (¬4)، وذلك نحو حمران، وغيلان، وذبيان، وعثمان، ونعمان، وعلامة (¬5) زيادة الألف والنون سقوطهما في بعض التصاريف، كسقوطهما في بعض التصاريف في رد: شنآن ونسيان وكفران إلى: شنئ ونسي وكفر، فإن كانا فيما لا يتصرف فعلامة الزيادة أن يكون قبلهما أكثر من حرفين، نحو الأمثلة المتقدمة بخلاف نحو: سنان وعنان، فإن كان قبلهما حرفان ثانيهما مضعّف كان لك اعتباران: إن قدرت أصالة التضعيف فالألف والنون زائدتان، وإن قدرت زيادته فالنون أصلية، ومثال ذلك: «حسّان» هو إما من الحسّ فهو: «فعلان» ولا ينصرف، وإما من الحسن فهو: «فعّال» وينصرف، وكذا ما أشبهه. والأولى حمل النون على الزيادة (¬6)، وكذا كل ما أمكن فيه اشتقاقان تكون النون في أحدهما زائدة وفي الآخر أصلية جاز فيه الوجهان، قال سيبويه (¬7): وسألته - يعني الخليل - عن رجل يسمى: دهقان (¬8) فقال: إن سميته من - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1450). (¬2) كان حقه أن يقول: وسيذكر السادسة ولكنه قال: السابعة معتبرا الواحدة التي سبقت والخمس التي سيتكلم عنها الآن. (¬3) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1472)، وشرح ابن الناظم (ص 253). (¬4) انظر: شرح ابن الناظم (ص 635)، والتذييل (6/ 332). (¬5) هذا الكلام ذكره ابن مالك في شرح الكافية الشافية (3/ 1472، 1473)، ونقله المؤلف عنه، بتصرف، ولكنه لم يشر إلى ذلك. (¬6) قيل: يدل له ما روي في الحديث أن قوما قالوا: نحن بنو غيان، فقال عليه الصلاة والسّلام: «بل أنتم بنو رشدان» فقضى باشتقاقه من الغي مع احتمال أن يكون مشتقّا من الغين، انظر: الهمع (1/ 31). (¬7) انظر: الكتاب (3/ 217 - 218). (¬8) الدّهقان والدّهقان: التاجر فارسي معرب والدّهقان والدّهقان: القوي على التصرف وحده. وانظر اللسان «دهق» و «دهقن».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التّدهقن (¬1) فهو مصروف، وكذلك: شيطان إن أخذته من التّشيطن، فالنون في مثل هذا من نفس الحرف. انتهى. ومن قضى على النون فيهما بالزيادة منع الصرف. وإذا سميت بـ «رمّان» فمذهب الخليل وسيبويه منع صرفه (¬2) لاعتقادهما زيادة النون، ومذهب الأخفش صرفه لاعتقاده أصالتها (¬3)، وحكى ابن خروف (¬4) أن الأخفش حكى: أرض رمنة: إذا أنبتت الرّمّان، ولم يحفظ الخليل وسيبويه ذلك (¬5)، فلذا قضيا بالزيادة؛ لأنه اسم قبل الألف والنون فيه ثلاثة أحرف، وما سبيله كذلك حكم على نونه بالزيادة. واعلم أن ابن عصفور وقع له وهم هنا فزعم (¬6) أن الذي لا ينصرف مما اجتمع فيه العلمية والزيادة شرطه ألا يجمع على «فعالين» ولا يصغّر على «فعيلين»، قال الشيخ (¬7): هذه غفلة منه، نص سيبويه (¬8) على أنك إذا سميت بسرحان منعته الصرف ويقال في جمعه: سراحين وفي تصغيره: سريحين. ومنها: ألف الإلحاق المقصورة، واعلم أن ألف الإلحاق على ضربين: مقصورة، وممدودة، فالمقصورة تشبه ألف التأنيث المقصورة بأمرين: أحدهما: أنها زيدت دون إبدال من غيرها كنظيرتها من ألف التأنيث. الثاني: [5/ 61] أنها تقع في مثال صالح لنظيرتها، فإن «علقى» (¬9) على وزن: سكرى، و «عزهى» (¬10) على وزن: ذكرى (¬11)، وألف الإلحاق الممدودة - ¬

_ (¬1) التّدهقن: التّكيّس. انظر اللسان «دهقن». (¬2) انظر: الكتاب (3/ 218). (¬3) انظر: ابن يعيش (1/ 67)، والتذييل (6/ 334). (¬4) انظر: شرح كتاب سيبويه لابن خروف (خ/ 65). (¬5) قال الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 334): (ولو حفظ الخليل وسيبويه ذلك لقضينا بأصالة النون كما فضينا بأصالة نون «مرّان» لوضوح الاشتقاق). (¬6) انظر: شرح الجمل (2/ 177) (رسالة). (¬7) انظر: التذييل (6/ 333). (¬8) انظر: الكتاب (3/ 216) ويفهم من عبارة الكتاب أن «سرحان» يمنع الصرف في المعرفة ويصرف في النكرة. (¬9) علقى: في اللسان «علق»: (والعلقي: شجر تدوم خضرته في القيظ ولها أفنان طوال دقاق، وورق لطاف). (¬10) عزهى: رجل عزهى: لئيم، ورجل عزهى: عازف عن اللهو والنساء. انظر اللسان «عزه». (¬11) انظر: شرح ابن الناظم (ص 256).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مبدلة من «ياء» ولذلك صحت في «درحاية» (¬1) كما أتوا بتاء التأنيث، وعند عدم التاء قالوا: درحاء، والمثال الذي تقع فيه لا يصلح لألف التأنيث الممدودة، ألا ترى أن «علباء» (¬2) لم يجئ على وزنه اسم فيه ألف التأنيث الممدودة، وقوله تعالى: مِنْ طُورِ سَيْناءَ (¬3) ليست الهمزة فيه للتأنيث، وإنما امتنع الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي لأنها اسم بقعة، فلشبه المقصورة بألف التأنيث من هذين الوجهين منعت الصرف مع العلمية؛ لأن شبه العلة في هذا الباب علة، بخلاف الممدودة فإنك إذا سميت بـ «علباء» صرفته؛ لعدم الشبه بألف التأنيث الممدودة (¬4) كما تقدم. وقال سيبويه (¬5): لا يمتنع من الصرف؛ لأنه لا يشبه ألف حمراء لأنه بدل مع حرف لا يؤنث به فهو يصرف على كل حال، فيجري عليه ما جرى على ذلك الحرف، وذلك الحرف بمنزلة الياء والواو اللتين من نفس الحرف. قال الشيخ (¬6): ونقص المصنف أن يقول: أو ألف التكثير لأن ما فيه ألف التكثير إذا سمي به منع الصرف نحو: «فبعثرى» (¬7)، وذلك لشبه ألف التكثير بألف التأنيث المقصورة من كونها غير منقلبة مع زيادتها آخرا ولا تدخل عليها تاء التأنيث، كما أن ألف التأنيث كذلك. ومنها: التركيب، والمراد: تركيب المزج نحو تركيب: بعلبك ومعدي كرب (¬8)، وعجز عنه المصنف بقوله [تركيب] يضاهي لحاق هاء التّأنيث يعني أن الاسم الثاني يتنزل من الاسم الأول منزلة هاء التأنيث من الاسم التي هي فيه [ولذلك حذفا في - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 337)، ودرحاية: يقال: رجل درحاية: كثير اللحم قصير سمين ضخم البطن لئيم الخلقة وهو فعلانة ملحق بجعظارة، انظر: اللسان «درج». (¬2) علباء: في اللسان «علب»: «العلباء عصب العنق، قال الأزهري: الغليظ خاصة. (¬3) سورة المؤمنون: 20. (¬4) انظر: التذييل (6/ 337 - 338) وقد نقل المؤلف هذا الكلام عنه دون أن يشير. (¬5) انظر: الكتاب (3/ 219). (¬6) انظر: التذييل (6/ 339 - 340) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬7) قبعثري: القبعثرى: الجمل العظيم، والأنثى: قبعثراة، والقبعثرى أيضا: الفصيل المهزول، وانظر: اللسان «قبعثر». (¬8) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1455).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الترخيم] وعند قصد التصغير صغرا من غير حذف للاسم الثاني، ولا للتاء، وللشبه المذكور حرك آخر الاسم الأول بالفتح كما حرك ما قبل هاء التأنيث إلا إن كان ياء نحو: معدي يكرب. وقال المصنف (¬1): التزم سكونه تأكيدا للامتزاج، ولأن ثقل التركيب أشد من ثقل التأنيث فجعلوا لمزيد الثقل مزيد تخفيف بأن سكنوا ياء معدي كرب ونحوه وإن كان مثلها قبل تاء التأنيث فتح. وذكر الشيخ (¬2) أن آخر الاسم الأول يسكن أيضا إن كان نونا نحو: باذنجانة، قال: وزعم النحويون أن «مسلمات» لو ركب مع «زيد» تحركت التاء منه بالكسر فقيل: هذا مسلمات [زيد، كما أن «مسلمة» لو ركب مع «زيد» لحركت التاء منها بالفتح؛ لأن كسرة التاء في مسلمات] نظير فتحتها في مسلمة؟ ومنها: العدل، وقد تقدم بيانه والعدل المانع مع العلمية نوعان: عدل عن مثال إلى غيره، وعدل من مصاحبة الألف واللام إلى المجرد عنها، والأول أقسام: منها المعدول من «فاعل» علما إلى «فعل» (¬3) كـ «عمر» و «زفر»، و «مضر» و «ثعل» و «هبل» و «زحل» و «جشم» و «قثم»، و «جمح» و «قزح» و «جحا» و «دلف»، و «بلع» (¬4). وعلامة العدل فيه منع العرب صرفه مع انتفاء التأنيث، ولهذا جعل عدله تقديريّا، فإن صرف حكم بأنه غير معدول كـ «أدد» (¬5)، أو أمكن تأنيثه فكذلك أيضا نحو: «طوى» في لغة من لم يصرف، فإن تأنيثه باعتبار كونه اسم بقعة ممكن، فهو أولى من ادّعاء العدل؛ لأن العدل قليل والتأنيث كثير؛ لأن ما ثبت عدله وتعريفه فمنعه لازم ما لم ينكّر، و «طوى» ذو وجهين فلا يكون معدولا، وهذه - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1455) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬2) انظر: التذييل (6/ 340). (¬3) انظر: التذييل (6/ 342). (¬4) بلع: بطن من قضاعة. انظر التذييل (6/ 342)، وفي اللسان (بلع) وبنو بلع: بطين من قضاعة، وبلع: اسم موسع. (¬5) انظر: التذييل (6/ 342).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسماء معدولة عن فاعل، وقال الشيخ (¬1): وبعضها عن «أفعل» وذلك «ثعل» هو معدول عن «أثعل»، وفاعل المعدولة هي عنه علم منقول من الصفة، وقد جوّز في «أدد» أن يكون منقولا من أصل لا يحفظ وإن كان مرتجلا، واختلف في اشتقاقه، فذهب سيبويه (¬2) إلى أنه مشتق من الودّ، وأن همزته بدل من واو، وذهب بعضهم إلى أنه مشتق من الأدّ وهو العظيم. ومنها: ما جعل علما من المعدول إلى «فعل» في النداء كـ «غدر». ومنها: «فعل» الذي في التوكيد. ومنها: فعال، وسيأتي الكلام على الأقسام المذكورة إن شاء الله تعالى. وأما المعدول عن مصاحبة الألف واللام فكلمتان: «سحر» و «أمس»، أما «سحر» فإذا قصد به سحر يوم بعينه، وجعل ظرفا كقولك: جئت يوم الخميس سحر؛ فإنه يمتنع الصرف للعدل والعلمية (¬3)، وطريق العدل أنه كان نكرة فقياسه أن يعرّف إذا قصد تعريفه بما تعرّف به النكرات وهو اللام فعدلوا عن ذلك وعرفوه بالعلمية (¬4)، وتقدم في باب الظروف أنه يمتنع التصرف أيضا. وذكر المصنف في شرح الكافية (¬5) أن المانع له من الصرف العدل والتعريف، قال (¬6): والأصل أن يذكر معرفا بالألف واللام فعدل عنهما وقصد تعريفه فاجتمع فيه العدل والتعريف، ويمنع قصد تعيينه وظرفيته مصاحبة الألف واللام، فلو لم تقصد ظرفيته وقصد تعيينه لم يستغن عن الألف واللام أو الإضافة كقولك: استطبت السّحر، وطاب السّحر، وقمت عند السّحر، ولو قصدت ظرفيته دون تعيين انصرف، وزعم صدر الأفاضل (¬7) أن: «سحر» المشار إليه مبني على الفتح - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 342 - 343) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬2) انظر: الكتاب (3/ 464). (¬3) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1479)، والتذييل (6/ 343 - 344). (¬4) انظر: التذييل (6/ 344). (¬5) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1479). (¬6) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1479)، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬7) هو أبو الفتح ناصر الدين صدر الأفاضل ابن أبي المكارم عبد السيد الخوارزمي. من مؤلفاته النحوية: المصباح، والمقدمة المطرزية، توفي سنة (610) بخوارزم، انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 311) ونشأة النحو (ص 208).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لتضمنه معنى حرف التعريف، ورد المصنف ذلك بثلاثة أوجه (¬1): أحدها: أنه يلزم من دعواه الخروج عن الأصل بكل وجه، ودعوى غيره يلزم منها الخروج عن الأصل بوجه دون وجه؛ لأن الممنوع الصرف باقي الإعراب فكانت أولى. الثاني: أنه لو كان مبنيّا لكان غير الفتحة أولى به؛ لأنه في موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة فيه لئلا يتوهم الإعراب كما اجتنبت في «قبل» و «بعد» والمنادى المبني. الثالث: أنه لو كان مبنيّا لكان جائز الإعراب جواز إعراب «حين» في قوله: 3708 - على حين عاتبت المشيب على الصّبا (¬2) لتساويهما في ضعف سبب البناء لكونه عارضا. وقد نازعه الشيخ في الوجهين الآخرين بما ليس بالقوي قال (¬3): ودعوى الجمهور فيها إشكال؛ لأن مقتضى عدله [5/ 62] عن الألف واللام أن يضمن معناهما؛ لأن معنى المعدول عنه يتضمنه المعدول إليه كـ «عمر» المتضمن معنى: «عامر»، و «حذام» المتضمن معنى: «حاذمة»، وك «مثنى» فإنه تضمن معنى: اثنين اثنين، وك «فسق» في النداء فإنه تضمن معنى: يا فاسق، وإذا كان كذلك فكيف يكون «سحر» على معنى ما فيه الألف واللام ويكون علما، وتعريف العلمية لا يجامع تعريف ما عرف بالألف واللام، فكذلك لا يجامع تعريف ما عدل عن الألف واللام. انتهى. وقد يجاب عن ذلك بما تقدم من أن المراد بالعدل فيه أنه عدل عما كان قياسه أن - ¬

_ (¬1) انظر: شرح ابن الناظم (ص 656)، وشرح التصريح (2/ 223 - 224)، والأشموني (3/ 266). (¬2) هذا صدر بيت من الطويل قائله النابغة الذبياني وعجزه قوله: وقلت ألما أصح والشيب وازع الشرح: قوله: عاتبت: عاتبه على الشيء أي لامه مع تسخط بسببه، وعلى الصبا: متعلق بـ «عاتبت» والصبا: بالكسر والقصر: اسم الصبوة وهي الميل إلى هوى النفس، والمشيب: الشيب، تصح: من صحا إذا زال سكره، وازع: الزاجر والكاف، والشاهد فيه قوله «على حين»؛ حيث بنى «حين» على الفتح لإضافته إلى فعل بناؤه لازم، ويجوزه كسره للإعراب، وانظر البيت في الكتاب (2/ 330) «هارون»، وابن يعيش (3/ 16)، والإنصاف (ص 292)، والمقرب (1/ 290)، والمغني (ص 517)، والعيني (3/ 406، 4/ 357)، والخزانة (3/ 151). (¬3) انظر: التذييل (6/ 345) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعرف به وهو الألف واللام إلى تعريف العلمية لا أنه عدل عن المعرف باللام وأريد تعريفه بالعملية بعد ذلك، على أن الإلزام الذي ذكره إنما يتوجه على من يقول إنه علم، أما من يقول: إن المانع له العدل والتعريف بالألف واللام المرادتين، وأنه منع لشبهه بتعريف العلمية (¬1) فلا يتوجه عليه ذلك، وقد قيل: إن المانع له مع العدل التعريف بالغلبة على ذلك الوقت المعين (¬2)، لا تعريف العلمية، وهو غير واضح إذ ليس من أقسام التعريف بالغلبة، بل ذلك راجع إلى تعريف العلمية بالغلبة، ومنهم من لم يحكم عليه بعدم الصرف (¬3)، ثم اختلفوا: فقيل: منع التنوين؛ لأنه منوي فيه الإضافة فهو معرفة بالإضافة. وقيل: لأنه معرفة بنية «ال» (¬4). وإذا استعمل «سحر» نكرة وجب له التصرف والانصراف (¬5)؛ قال الله تعالى: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (¬6). وأما «أمس» فإن استعمل طرفا كان مبنيّا (¬7)، وإن استعمل غير ظرف بناه الحجازيون على الكسر كحاله حين كان ظرفا، تقول: ذهب أمس بما فيه، وأحببت أمس، وما رأيتك منذ أمس، وأما بنو تميم فيعربونه ويمنعونه من الصرف حال الرفع خاصة، ويوافقون الحجازيين في البناء على الكسر حالة النصب والجر (¬8)، ومنهم من يعربه مطلقا إعراب ما لا ينصرف فيجيء حال الجر بالفتحة (¬9)، وسبب - ¬

_ (¬1) هو اختيار ابن عصفور. انظر: شرح التصريح (2/ 223)، والأشموني (3/ 226). (¬2) انظر: شرح التصريح (2/ 223)، والهمع (1/ 28)، والأشموني (3/ 265). (¬3) وهو مذهب السهيلي والشلوبين الصغير. انظر: شرح التصريح (2/ 223)، والأشموني (3/ 267). (¬4) وهذا مذهب الشلوبين الصغير. انظر: المرجعين السابقين. (¬5) انظر: شرح التصريح (2/ 224)، والأشموني (3/ 267). (¬6) سورة القمر: 34. (¬7) وشرطه أن يقصد به اليوم الذي قبل يومك وبناؤه حينئذ على الكسر. انظر الارتشاف (ص 574) وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (رسالة) (ص 100). (¬8) انظر: الكتاب (3/ 283) وشبه الجملة (رسالة) (ص 100). (¬9) انظر: أمالي ابن الشجري (2/ 260)، وشرح الكافية للرضي (2/ 126) وشبه الجملة (رسالة) (ص 101)، «وحكى الكسائي أن بعضهم يمنعه الصرف رفعا ونصبا وجرّا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بنائه تضمين معنى حرف التعريف، وأما منع صرفه عند من منع فللعدل والتعريف (¬1) كما ذكر في «سحر»، وبقية أحكامه ذكرت في باب الظروف (¬2). ومنها: العجمة الشخصية: والمراد بالشخصية (¬3): أن ينقل الاسم في أول أحواله علما إلى لسان العرب نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، فأول ما استعملته العرب استعملته علما في لسانها، واحترز بذلك من الجنسية والمراد بها (¬4): أن ينقل الاسم من لسان العجم إلى لسان العرب نكرة نحو: ديباج (¬5)، ولجام، ونيروز (¬6)، وإنما تنصرف هذه حال التسمية بها؛ لأنها لما نقلت نكرة أشبهت ما هو من كلام العرب فتصرفوا فيها بإدخال اللام المعرفة عليها. وهل يشترط في ما منع أن يكون علما في لسان العجم؟ فيه خلاف (¬7). ذهب الجمهور إلى أنه لا يشترط (¬8)، وزعم أبو علي الشلوبيين أنه مذهب سيبويه (¬9). وذهب جماعة منهم المصنف إلى اشتراط ذلك وهو ظاهر كلام سيبويه (¬10) فإنه قال في إبراهيم وإسماعيل ونحوهما: لأنها لم تقع في كلامهم إلا معرفة على حد ما كانت في كلام العجم (¬11). وشرط منع العجمة والعلمية الصرف أن تجاوز الكلمة ثلاثة أحرف كإسحاق - ¬

_ (¬1) انظر: أمالي الشجري (2/ 260) وشرح الكافية للرضي (2/ 126)، وشبه الجملة (رسالة) (ص 101). (¬2) انظر: الباب المذكور في الجزء الأول. (¬3) انظر: التذييل (6/ 346)، والهمع (1/ 32). (¬4) انظر: المرجعين السابقين. (¬5) الدّيباج: الثياب المتخذة من الإبريسم فارسي معرب. انظر: اللسان «دبج». (¬6) في اللسان «نزر»: (والنيروز والنوروز: أصله بالفارسية: نبع روز، وتفسيره: جديد يوم) وعبارة القاموس «نزر»: (والنيروز: أول يوم من السنة معرب «نوروز»). (¬7) انظر: التذييل (6/ 346)، والهمع (1/ 32). (¬8) انظر: المرجعين السابقين. (¬9) واستدل على ذلك بقول سيبويه: (اعلم أن كل اسم أعجمي أعرب وتمكن في الكلام فدخلته الألف واللام وصار نكرة فإنك إذا سميت به رجلا صرفته). انظر: الكتاب (3/ 234)، والتذييل (6/ 347)، وشرح التصريح (2/ 219). (¬10) انظر: التذييل (6/ 347)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1469)، والهمع (1/ 32). (¬11) انظر: الكتاب (3/ 235).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويعقوب، وإبراهيم كما أشار المصنف إلى ذلك بقوله: (مع الزّيادة على ثلاثة أحرف). أما إن كان الكلمة ثلاثية فإنها تكون منصرفة على الأصحّ، قال المصنف في شرح الكافية (¬1): شرط ما لا ينصرف للتعريف والعجمة أن يكون عجمي الوضع عجمي التعريف زائدا على ثلاثة أحرف فإن كان عجمي الوضع غير عجمي التعريف انصرف، وكذا إن كان ثلاثيّا ساكن العين أو متحركها فإنه منصرف قولا واحدا في لغة جميع العرب، ولا التفات إلى من جعله ذا وجهين مع السكون، ومتحتم المنع مع الحركة؛ لأن العجمة سبب ضعيف فلم يؤثر بدون زيادة على الثلاثة، ومما يدل على ضعف العجمة أنها لا تعتبر مع عملية متجددة كـ «ديباج» سمي به رجل ولا مع الوصفية كـ «سفسير» (¬2) ولا مع وزن الفعل كـ «بقّم» ولا مع الألف والنون كـ «صولجان» (¬3) ولا مع التأنيث كـ «صنجة» (¬4) وممن صرح بإلغاء عجمة الثلاثي مطلقا: السيرافي وابن برهان (¬5) وابن خروف، ولا أعلم لهم من المتقدمين مخالفا ولو كان منع صرف العجمي الثلاثي جائزا لوجد في بعض الشواذ كما وجد من الوجوه الغربية» انتهى. وإلى الثلاثي المتحرك أشار المصنف بقوله: (أو حركة الوسط على رأي)، وإلى الساكن أشار بقوله: (فإن تجرّدت منهما - أي من الزيادة ومن حركة الوسط - تعيّن الصّرف خلافا لمن أجاز الوجهين). وليعلم أن الأعجمي لو كان على أربعة أحرف وأحد حروفه «ياء» التصغير لا يمتنع صرفه (¬6)، وقد نبه المصنف على ذلك في باب النداء. ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1469) وقد تصرف المؤلف في ما نقله عنه. (¬2) في نسخة «كسفسير» والسّفسير: هو الذي يقوم على الإبل ويصلح شأنها، وقيل: السّمسار، وقيل: غير ذلك وهو معرّب. انظر اللسان «سفسر». (¬3) الصّولجان: المحجن. انظر: المعرب للجواليقي (ص 261). (¬4) الصنجة: صنجة الميزان، فارسي معرب. انظر: اللسان «صنج»، والمعرب للجواليقي (ص 263). (¬5) ابن برهان: عبد الواحد علي بن عمر بن إسحاق بن إبراهيم بن برهان - بفتح الباء - أبو القاسم الأسدي العكبري النحوي، صاحب العربية واللغة والتواريخ وأيام العرب. من كتبه اللمع في النحو، توفي سنة (451 هـ) انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 120 - 121). (¬6) انظر: التذييل (6/ 352).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في شرح الكافية (¬1) لما تكلم على أن المخبر عنه بـ «ابن» قد يعامل معاملة المنعوت به: ومما جاء في نثر قراءة غير عاصم والكسائي (¬2): وقالت اليهود عزيز ابن الله (¬3) فإنه مبتدأ وخبر، و «عزيز» منصرف حذف تنوينه لالتقاء الساكنين ولشبهه بتنوين العلم المنعوت بابن ثم قال (¬4): وإنما حكمت بانصراف «عزيز»؛ لأن عاصما والكسائي قرآ به (¬5) فصح كونه منصرفا إما لأنه عربي الأصل، وإما لأن أصله: «عازار» أو «عيزار» ثم صغر الترخيم حين عرّب، فصرف لصيرورته ثلاثيّا، ولا اعتداد بياء التصغير؛ لأن «نوحا» لو صغر لبقي مصروفا، ولأن سيبويه حكى (¬6) في تصغير «إبراهيم وإسماعيل»: «بريها وسميعا» مصروفين. انتهى. وإذا كان كذلك فلا يستدرك (¬7) ذلك على المصنف ويحمل قوله هنا: مع الزّيادة على ثلاثة أحرف على ما هو زائد على ثلاثة أحرف في أصل الوضع دون ما زيادته بسبب أمر يطرأ. ثم المراد بالعجمي (¬8): كل ما نقل إلى اللسان العربي من لسان غيره سواء أكان من لغة الفرس أم الروم [5/ 63] أم الحبش أم الهند أم البربر أم الإفرنج أم غير ذلك. - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1300). (¬2) في الكشف عن وجوه القراءات السبع (1/ 501) قوله: (عزيز ابن الله) قرأه عاصم والكسائي عزيز بالتنوين جعلاه مبتدأ و «ابنا» خبره فثبت التنوين فيه، وقرأ الباقون بغير تنوين في: «عزير» جعلوا «عزيرا» مبتدأ و «ابنا» صفة له فحذف التنوين فيه لكثرة الاستعمال ولأن الصفة والموصوف كاسم واحد. وانظر: النشر (2/ 279) وانظر: الإرشادات الجليلة في القراءات السبع (ص 189). (¬3) سورة التوبة: 30. (¬4) أي المصنف في شرح الكافية الشافية (3/ 1301). (¬5) انظر: الكشف (1/ 501) والنشر (2/ 279) والإرشادات الجلية (ص 189). (¬6) قال في الكتاب (3/ 476): (وزعم - يعني الخليل - أنه سمع في «إبراهيم وإسماعيل»: بريه وسميع). (¬7) يقصد المؤلف من وراء ذلك دفع ما استدرك به الشيخ أبو حيان في التذييل على المصنف؛ فإنه قال: إن إطلاق المصنف في قوله: «مع الزيادة على ثلاثة أحرف» ليس بجيد؛ لأنه يطلق على مثل «عزير» و «قبيس» أنه أعجمي زائد على ثلاثة أحرف فكان ينبغي له أن يقيد ذلك بأن يقول: مع الزيادة على ثلاثة أحرف وليس أحدها ياء التصغير. انظر: التذييل (6/ 352)، واستند المؤلف في دفع هذا الاستدراك على أنه لا اعتداد بياء التصغير. انظر: حاشية الصبان (3/ 256). (¬8) هذ الكلام كلام الشيخ نقله المؤلف عنه دون أن يشير إلى ذلك. انظر: التذييل (6/ 349).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي شرح الشيخ (¬1) وتعرف عجمة الاسم بوجوه: أحدها: أن ينقل ذلك الأئمة، قال: وقد صنّف أبو منصور الجواليقي (¬2) في ذلك كتابا حسنا (¬3). الثاني: بخروجه عن أوزان الأسماء العربية نحو: إبريسم (¬4). الثالث: أن تتبع الراء النون من أول الكلمة نحو: نرجس (¬5)، فإن ذلك لا يكون في كلمة عربية، وقد تتبعها في الكلمة العربية من آخرها نحو: دنّر ومدنّر (¬6). الرابع: أن تتبع الزاي الدال نحو: مهندز وهو بناء عظيم كالجبل، ببلخ يضرب لعظمه به المثل، ولا يكون ذلك في كلمة عربية. الخامس: أن يجتمع فيه الجيم والقاف بغير حاجز نحو: أبجق (¬7) وقج (¬8)، فإن كان بينهما حاجز فأكثر ما يجتمعان في الكلمة الأعجمية نحو: القبج (¬9) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (ص 349 - 350). (¬2) هو موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن أبو منصور بن الجواليقي عالم بالأدب واللغة مولده ووفاته ببغداد، نسبته إلى عمل الجواليق وبيعها، من كتبه «المعرّب» وشرح أدب الكاتب والعروض، وغيرها. توفي قيل: سنة (540 هـ) وقيل: (539 هـ) وفي البغية (2/ 308) أنه توفي (465 هـ) وهو بعيد عن الصواب، وانظر نزهة الألبا (ص 396 - 398) وإنباه الرواة (3/ 335، 337). (¬3) هذا الكتاب اسمه: «المعرّب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم» وقد ذكرته ضمن الترجمة في التعليق السابق. (¬4) فيه ثلاث لغات: الإبريسم بكسر الهمزة والراء وفتح السين، وأبريسم بفتح الهمزة والراء، ومنهم من يكسر الهمزة ويفتح الراء: إبريسم. انظر اللسان «برسم». (¬5) النّرجس: بالكسر من الرّياحين وهو دخيل، انظر اللسان «نرجس». والمعرب للجواليقي (ص 379). (¬6) رجل مدنّر: كثير الدنانير، وبرزون مدنّر: أشهب مستدير النقش ببياض وسواد ودنّر وجهه: أشرق وتلألأ كالدينار. انظر: المعرّب (ص 187) واللسان «دنر». (¬7) هكذا في جـ، أ، والتذييل وبحثت فلم أعثر على لفظ بهذا التركيب، ولعله كما ذكر الأشموني (3/ 257): «جق» وهو بكسر الجيم وسكون القاف بمعنى: اخرج، والجقة بالكسر: الناقة الهرمة، وجق الطائر: ذرق. وانظر: حاشية الصبان (3/ 257). (¬8) قج: بقاف مفتوحة وجيم مشوبة بالشين ساكنة: لغة تركية بمعنى: اهرب، وبمعنى «كم» الاستفهامية، وأما بكسر القاف فبمعنى: الرجل. انظر: الأشموني وحاشية الصبان (3/ 257). (¬9) القبج: الحجل فارسي معرّب. انظر: المعرّب (ص 309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمنجنيق (¬1). السادس: أن يكون خماسيّا عاريا من حروف الذلاقة (¬2) وهي خمسة (¬3) يجمعها قولك: «ملف نبرّ» فإنه متى كان عربيّا فلا بد أن يكون فيه شيء منها نحو: سفرجل (¬4)، وقرطعب (¬5) وحجمرش (¬6)، وقذعمل (¬7)، ولذلك إن كان رباعيّا وعري منها فهو أعجمي إلا إن كانت فيه سين نحو: عسجد (¬8) وهو قليل جدّا (¬9). ثم قال (¬10): وأما ما يبنى على قياس كلام العرب ويسمى به نحو أن تبني على وزن «برثن» (¬11) من الضرب فتقول: ضربب، أو على مثال «سفرجل» فتقول: ضربّب، فإذا سميت بشيء من هذا أو نحوه فذلك يبنى على اختلاف الناس فيما بنى على ذلك هل يلحق بكلام العرب أو لا يلحق؟ - ¬

_ (¬1) المنجنيق: اختلف فيه أهل العربية فقال قوم: الميم زائدة، وقال آخرون: بل هي أصلية، وقيل: الميم والنون في أوله أصليتان، وقيل: زائدتان، وقيل: الميم أصلية والنون زائدة. انظر المعرب للجواليقي (ص 353 - 354). (¬2) سميت بذلك؛ لأن مخارجها من طرف اللسان. انظر: اللسان (ذلق). (¬3) ذكر المؤلف تبعا للشيخ أن حروف الذلاقة خمسة، والصواب أنها ستة كما هو واضح من المثال الذي يجمعها، وقال الجواليقي في المعرب (ص 60): (وأخف الحروف حروف الذلاقة وهي ستة ثلاثة من طرف اللسان وهي: الراء والنون واللام، وثلاثة من الشفتين وهي: الفاء والباء والميم. انظر: اللسان «ذلق». (¬4) في اللسان «سفرجل»: (السّفرجل: معروف واحدته سفرجلة والجمع سفارج، قال أبو حنيفة: وهو كثير في بلاد العرب). قرطعب: ما عليه قرطعبة خرقة، وماله قرطعبة أي ما له شيء. انظر اللسان (قرطعب). (¬5) قرطعب: ما عليه قرطعبة أي قطعة خرقة، وما له قرطعبة أي ما له شيء. انظر: اللسان «قرطعب». (¬6) حجمرش: الحجمرش من النساء: الثقيلة السّمجة، والحجمرش أيضا العجوز الكبيرة، ومن الإبل: الكبيرة السن، والحجمرش: الأرنب الضخمة، وهي أيضا: الأرنب المرضع. انظر: اللسان (حجمرش). (¬7) قذعمل: القذعمل والقذعمل: القصير الضخم من الإبل، والقذعملة: المرأة القصيرة الخسيسة وشيخ قذعمل: كبير. انظر: اللسان «قذعمل». (¬8) عسجد: العسجد: الذهب، وقيل: هو اسم جامع للجواهر كله من الدّرّ والياقوت. انظر اللسان «عسجد». (¬9) نقص المؤلف وجها وهو: (أن يجتمع فيه الصاد والجيم نحو: الصولجان والصهروج والجص ولا يكون ذلك في كلمة عربية) انظر التذييل (6/ 350). (¬10) أي الشيخ في التذييل (6/ 350 - 351) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬11) برثن: البرثن: مخلب الأسد، وقيل: هو للسبع كالإصبع للإنسان، وقيل: البرثن الكف بكمالها مع الأصابع. انظر: اللسان «برثن».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمنهم من قال: يلحق فيحكم له بحكم العربي وإن كان فيه مانع منع وإلا صرف. ومنهم من قال: لا يلحق فيمنع الصرف لأنه ليس من كلام العرب فصار بمنزلة الأعجمي. ومنهم من قال: لا يلحق إن بني على قياس ما لم يطرد في كلامهم مثل أن تبني من: الضّرب مثل «كوثر» (¬1) فتقول: ضورب، لأن الإلحاق بالواو ثانية لم يكثر فمثل هذا يمنع الصرف إذا سمي به وإن بنى على قياس ما اطرد في كلامهم مثل أن تبنى من: الضّرب: مثل: «قردد» (¬2) فنقول: ضربب فيلحق بكلامهم، لأنه قد كثر الإلحاق بتكرار اللام فيمنع الصرف إن كان فيه مانع وإلا صرف، قال: وهذا هو الصحيح» (¬3). وفي الشرح المذكور (¬4) أيضا «وما كان من الأسماء الأعجمية موافقا في الوزن لما في اللسان العربي نحو: إسحاق فإنه مصدر لـ «أسحق» بمعنى: أبعد (¬5)، أو بمعنى ارتفع، يقال: أسحق الضرع أي: ارتفع لبنه (¬6)، ونحو: يعقوب فإنه ذكر القبج (¬7)، فإن كان شيء منه اسم رجل تبغ فيه قصد المسمى فإن قصد اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم منع الصرف للعلمية والعجمة، وإن عني مدلوله في اللسان العربي صرف، وإن جهل قصد المسمى حمل على ما جرت به عادة الناس وهو القصد بكل منهما موافقة النبي عليه الصلاة والسّلام. ثم قال: وما وافق من الأسماء الأعجمية لمادة عربية فلا يسوغ أن يقال: إنه اشتق من تلك المادة:، لا يقال: إدريس مشتق من الدرس، ولا قابوس مأخوذ من: قبست، ولا يعقوب مأخوذ من: العقبى، ولذلك رد أبو علي في «القصريات» (¬8) - ¬

_ (¬1) الكوثر: الكثير من كل شيء، ورجل كوثر: كثير العطاء والخير، والكوثر: نهر في الجنة يتشعب منه جميع أنهارها وهو للنبي صلّى الله عليه وسلّم خاصة. انظر اللسان (كثر). (¬2) الفردد والقردد: ما ارتفع من الأرض وغلظ. انظر اللسان (قرد). (¬3) انظر الهمع (1/ 33). (¬4) التذييل (6/ 353). (¬5) انظر الهمع (1/ 33) واللسان (سحق). (¬6) انظر المرجعين السابقين. (¬7) وهو الحجل. انظر المعرب (ص 309) والهمع (1/ 33). (¬8) في جـ، أ: «البصريات» وفي التذييل «القصريات» وهو أقرب للصواب وقد سميت باسم محمد ابن طويس القصري تلميذ أبي علي وقد أملاها عليه حينما كان ملازما له وقد قلت أنه قلت أنه أقرب للصواب لأن للفارسي مؤلفا آخر يسمى «المسائل البصرية» وهي كتب مفقودة.

[ما يمتنع صرفه للعلمية والتأنيث]

[ما يمتنع صرفه للعلمية والتأنيث] قال ابن مالك: (ويمنع مع العلميّة أيضا تأنيث بالهاء أو بالتّعليق على مؤنّث، وإن سمّي مذكّر بمؤنّث مجرّد فمنعه مشروط بزيادة على الثّلاثة لفظا أو تقديرا كاللّفظ، وبعدم سبق تذكير انفرد به محقّقا أو مقدّرا، وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لا يلزم، وبعدم استعماله قبل العلميّة في المذكّر، وربّما ألغي التّأنيث فيما قلّ استعماله في المذكّر، فإن كان علم المؤنّث ثنائيّا أو ثلاثيّا ساكن الحشو وضعا أو إعلالا غير مصغّر ففيه وجهان أجودهما المنع، إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميّا فيتعينّ منعه، وكذا إن تحرّك ثانيه لفظا خلافا لابن الأنباريّ في كونه ذا وجهين، وكذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه). ـــــــــــــــــــــــــــــ على أحمد بن يحيى (¬1) ما ادّعاه من أن إبليس من: أبلس وأنه مسمى بذلك لانقطاع رجائه من الله تعالى فقال: هذا لا يصح لأنه غير معروف وليس بمؤنث (¬2)، على أن (¬3) أحمد بن يحيى يمكن أن يعتقد في إبليس أنه عربي ولذلك اشتقه من: أبلس وامتنع الصرف للتعريف وشبه العجمة من حيث إنه قلّت التسمية به». قال ناظر الجيش: قد عرفت أن العلمية تمنع الصرف مع سبع فقدم الكلام على ست منها ونشأ عن معرفة ذلك معرفة ستة أقسام مما أحد علتيه العلمية، وها هو الآن يتكلم في السابعة وهي التأنيث بغير الألف وينشأ عنها معرفة القسم السابع الذي هو تكملة الاثني عشر قسما وبه تتم أقسام الممتنع الصرف، والمصنف قد أورد الكلام على هذا القسم في شرح الكافية (¬4) إيرادا حسنا، وقد لخصت كلامه فأنا أورد أولا ما لخصته كي يستظهر الطالب على ضبط صور مسائل القسم المذكور ثم أعود إلى لفظ الكتاب، فأقول: المؤنث إما بالتاء أو بالمعنى، فالمؤنث بالتاء ممنوع الصرف حتما على الإطلاق (¬5) أي سواء أكان كثير الحروف أم قليلها، مؤنث المسمى أم - ¬

_ (¬1) يعني به إمام نحاة الكوفة ثعلبا. (¬2) انظر المسائل الحلبيات للفارسي (ص 352) تحقيق حسن هنداوي. (¬3) هذا دفاع من الشيخ أبي حيان عن إمام النحويين ثعلب، وهو دفاع جيد وله وجه لطيف. (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1435: 1455) ملخصا. (¬5) انظر شرح ابن الناظم (ص 650).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مذكره كـ «عمرة» و «حمزة» و «طلحة» و «ضباعة» و «عكاشة» و «ثبة» و «هبة» وأما المؤنث بالمعنى فممنوع الصرف حتما أيضا إن زاد على ثلاثة كـ «زينب» و «سعاد»، أو كان ثلاثيّا محرّك الوسط كـ «سفر» أو ساكن الوسط عجميّا كـ «حمص» أو منقولا من مذكر كـ «زيد» إذا جعل اسم امرأة، فإن انتفت العجمة والنقل من مذكر عمّا هو ساكن الوسط جاز فيه الصرف وعدمه (¬1) كـ «جمل» و «دعد» و «هند» إلا أن ترك الصرف فيه أجود (¬2). والزجاج (¬3) لا يرى فيه إلا المنع، على أن الساكن الوسط المنقول من مذكر إلى مؤنث كـ «زيد» لامرأة فيه خلاف: فعند عيسى بن عمر (¬4) وأبي زيد والجرمي والمبرد (¬5) هو ذو وجهين (¬6)، وعند الخليل وسيبويه وأبي عمرو ويونس [5/ 64] وابن أبي إسحاق (¬7) يتعين المنع، لأنهم جعلوا نقل المذكر إلى المؤنث ثقلا يعادل الخفة التي بها صرف نحو هند (¬8) وكذا الثلاثي المحرك الوسط ممتنع (¬9) الصرف عند جميعهم (¬10)، وهو عند ابن الأنباري (¬11) ذو وجهين (¬12)، هذا كله إذا كان المسمّى مؤنثا. - ¬

_ (¬1) انظر شرح ابن الناظم (ص 254) والأشموني (3/ 254). (¬2) انظر الكتاب (3/ 240)، وشرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 254). (¬3) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 50) وشرح السيرافي بهامش الكتاب (2/ 22)، والأشموني (3/ 254). (¬4) في الكتاب (3/ 242) وكان عيسى يصرف امرأة اسمها عمرو لأنه على أخف الأبنية». (¬5) انظر شرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 253). (¬6) في المقتضب (3/ 352: 353) ما يخالف ما نسبه ابن مالك للمبرد فقد ذكر المبرد الرأيين وبين وجهة نظر كل فريق ولم يرجح رأيا على آخر، وفي المذكر والمؤنث للمبرد (ص 126) أيد المبرد رأي الخليل وسيبويه، قال: «وإن كان شيء من ذلك مذكر الأصل وأوقعته على مؤنث نحو امرأة سميتها بزيد أو عمرو فإن أكثر النحويين وهو سيبويه والخليل ومن كان من قبيلهما - وهو القول الفاشي - ألا يصرفوا شيئا من ذلك في المعرفة». (¬7) انظر شرح ابن الناظم (ص 650) وأوضح المسالك لابن هشام (3/ 147) وشرح التصريح (2/ 218)، والأشموني (3/ 253). (¬8) انظر الكتاب (3/ 242). (¬9) انظر شرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 253). (¬10) انظر شرح ابن الناظم (ص 650)، والأشموني (3/ 253). (¬11) سبقت ترجمة ابن الأنباري في الجزء الأول من الكتاب وهو أبو بكر محمد بن القاسم توفي (سنة 327 هـ). (¬12) انظر التذييل (6/ 370) والأشموني (3/ 253) وشرح التصريح (2/ 218).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما إذا كان المسّمى مذكرا فإن كان الاسم ثلاثيّا فتأنيثه غير معتبر في منع الصرف، وسواء في ذلك الساكن الثاني والمحركه (¬1)، وإن كان الاسم زائدا على الثلاثة اعتبر تأنيثه (¬2)، لأن الحرف الزائد منزل منزلة التأنيث وذلك كـ «زينب» و «سعاد»، ويستثنى من هذا الأصل شيئان: أحدهما: ما هو من أسماء (¬3) الإناث إلا أنه مذكر الأصل كـ «دلال» و «وصال» فإنهما من أسماء النساء وأصلهما التذكير لأنهما مصدران، فإذا سمي بمثل هذا مذكر بعد أن سمّى به مؤنث انصرف ولم يعتبر تأنيثه لأنه مسبوق بتذكير (¬4)، بخلاف نحو: زينب وسعاد من المؤنث الذي ليس مسبوقا بتذكير. ثانيهما: ما هو من صفات المؤنث لكنه مستعمل بلفظ التذكير نحو: حائض، فإنه إذا سمي به مذكر انصرف (¬5) لأنه مذكر وصف به مؤنث لأمن اللبس فلما سمي به مذكر عاد إلى أصله ولم يعتبر فيه تأنيث فيقال في حائض اسم رجل: هذا حائض ورأيت حائضا ومررت بحائض، ومن هذا النوع، جنوب ودبور وشمال وحرور وسموم، إذا سميت بشيء منها رجلا صرفته لأن كلّا من هذه الكلمات بمنزلة حائض في الوضعية والتّعرّي من العلاقة وإن كان مخصوصا في الاستعمال بالريح وهي مؤنثة لكنه مذكر الأصل كحائض. قال سيبويه (¬6) بعد أن حكى قول العرب: ريح شمال وريح سموم وريح جنوب: «سمعنا ذلك من فصحاء العرب لا يعرفون غيره»، وأنشد للأعشى: 3709 - لها زجل كحفيف الحصا ... د صادف باللّيل ريحا دبورا (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (3/ 254) وقال: خلافا للفراء وثعلب إذ ذهبا إلى أنه لا يتصرف سواء تحرك وسطه نحو: فخذ، أم سكن نحو: حرب، ولابن خروف في المتحرك الوسط». (¬2) فيجب منع صرفه حينئذ، انظر شرح التصريح (2/ 218)، والأشموني (3/ 254: 255). (¬3) «من» ساقطة من أ. (¬4) انظر شرح التصريح (2/ 218) وحاشية الصبان (3/ 254). (¬5) انظر الكتاب (3/ 236)، وقال الكوفيون: إذا سمي بنحو حائض مذكر لم يصرف. حاشية الصبان (3/ 255). (¬6) انظر الكتاب (3/ 237: 238). (¬7) هذا البيت من المتقارب وهو للأعشى في ديوانه (ص 71) أي للدروع، و «زجل» وهو صوت و «الحفيف» صوت مرها، والحصاد» الزرع وقيل: الشجر، وقيل: شجر بعينه والواحدة حصادة. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال (¬1): ويجعل اسما وذلك قليل قال الشاعر: 3710 - حالت وحيل بها وغيّر آيها ... صرف البلى يجري به الرّيحان ريح الجنوب مع الشّمال وتارة ... رهم الرّبيع وصائب التّهتان (¬2) قال (¬3): «فمن جعلها اسما لم يصرف شيئا منها اسم رجل وصارت بمنزلة الصعود والهبوط» يعني بذلك أن الصعود والهبوط ونحوهما أسماء لا صفات فلا غنى عن تأنيثها لتأنيث مسمّاها وهو الأرض. قال المصنف (¬4): «حاصل كلام سيبويه أن الواقع من أسماء الأجناس على مؤنث حقيقي أو مجازي إذا لم يكن فيه علامة فهو إما اسم أو صفة، فالاسم تأنيثه معتبر حتما كـ «هبوط» و «صعود» والصفة تأنيث الاسم معها غير معتبر إن سمي به مذكر كـ «حائض» و «ضناك» (¬5)، وإن كان صفة على لغة [واسما على لغة] كجنوب اعتبر تأنيثه إن سمي به مذكر على لغة من جعله اسما، ولم يعتبر على لغة من جعله صفة. وليعلم أن تأنيث الجمع غير معتبر إذا كان المسمى بذلك الجمع مذكرا كأن تسمى رجلا بـ «كلاب»، قال في شرح الكافية (¬6): «جمع التكسير المجرد كواحد مذكر - ¬

_ - يعني أن صوتها إذا تحركت على لابسها كصوت الحصاد إذا هبت عليه الدبور، وصف كتيبة تلك حال دروعها. والشاهد: في جعله الدبور وصفا للريح، فعلى هذا إذا سمي به مذكر انصرف في المعرفة والنكرة، لأنه صفة مذكرة وصف بها مؤنث كطاهر وحائض، ومن جعل الدبور اسما للريح ولم يصفها به وسمى به مذكرا لم يصرفه لأنه بمنزلة عقرب وعناق ونحوهما من أسماء المؤنث. والبيت في ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج وديوان الأعشى (ص 71)، وابن السيرافي (2/ 217)، واللسان (دبر). (¬1) أي سيبويه. (¬2) هذان البيتان من الكامل وهما من الأبيات الخمسين المجهولة القائل، الشرح: رهم: الرّهم: الأمطار اللينة واحدتها رهمة، وصائب: نازل، والتهتان: مصدر هتنت السماء: صبّت أمطارها. والشاهد: إضافة الريح إلى الجنوب للتخصيص، ودلت الإضافة على أنها اسم لأن الشيء لا يضاف إلى صفته، ويضاف إلى اسمه تأكيدا للاختصاص. والبيت الأول في اللسان (حول). (¬3) أي سيبويه. (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1487) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬5) الضّناك: المرأة الضخمة. انظر اللسان (ضنك). (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1490) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللفظ، فإذا سمي به مذكر انصرف، ولو كان جمع مؤنث حقيقي، فيقال في رجل اسمه «نساء»: هذا نساء ورأيت نساء ومررت بنساء، [فـ «نساء» في تسمية المذكر به كـ «رجال» في تسمية رجل به]، قال: والمراد بكونه مجردا أن لا يكون على وزن الفعل كـ «أكلب» ولا على وزن منتهى التكسير كمساجد، ولا ذا علامة تأنيث كـ «بعولة» و «أولياء»، ولا مزيدا فيه ألف ونون كـ «غلمان» ولا ذا عدل كـ «أخر» انتهى. ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب فنقول: قوله: ويمنع مع العلمية أيضا تأنيث بالهاء أفاد بإطلاقة أن المؤنث بالهاء ممنوع الصرف مؤنثا كان المسمى به أو مذكرا، كثير الحروف كان أو قليلها، وكأنه إنما عدل عن أن يقول «تأنيث بالتاء» إلى قوله «بالهاء» لئلا يلزم منه أن نحو: «بنت» و «أخت» حكمها في التسمية بهما حكم «هبة» و «ثبة» مسمّى بهما وليس كذلك، فإن بنتا وأختا إذا سمي بهما مؤنث كان حكمهما حكم «هند» فيجيء فيهما الوجهان (¬1)، وإن سمي بهما مذكر كان حكمهما الصرف عند سيبويه وأكثر النحويين (¬2)، لأن التاء فيهما قد بنيت الكلمة عليها وسكن ما قبلها فاشبهتا تاء «جبب» (¬3) و «سحت» (¬4). وقوله: أو بالتّعليق على مؤنّث أشار به إلى المؤنث بالمعنى، لكن قد عرفت أن شرط تحتم منعه الصرف أن يكون زائدا على ثلاثة أحرف أو محرك الوسط إن كان ثلاثيّا، وإن كان ساكن الوسط فشرط منعه أن يكون أعجميّا أو منقولا من مذكر، وقد أشار المصنف إلى ذلك كله في أثناء الفصل حيث قال: فإن كان علم المؤنّث ثنائيّا أو ثلاثيّا ساكن الحشو وضعا أو إعلالا غير مصغّر ففيه وجهان أجودهما المنع إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميّا فيتعيّن منعه، وكذا إن تحرّك ثانيه لفظا خلافا لابن الأنباري في كونه ذا وجهين، وكّذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه. - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (3/ 255). (¬2) انظر الكتاب (3/ 221)، والأشموني (3/ 255). (¬3) «جبت» الجبت: كل ما عبد من دون الله، وقيل: هي كلمة تقع على الصّنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. انظر اللسان (جبت) وحاشية الصبان (3/ 255). (¬4) السّحت والسّحت: كل حرام قبيح الذكر. والسّحت: الحرام الذي لا يحل كسبه لأنه يسحت البركة أي يذهبها. انظر اللسان (سحت) وحاشية الصبان (3/ 255).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقوله: فإن كان علم المؤنّث ثنائيّا أو ثلاثيّا ساكن الحشو ففيه وجهان - يستفاد منه أن قوله قبل: أو بالتّعليق على مؤنّث مصروف إلى غير هذين الشيئين من أسماء وهو الثلاثي المحرك الوسط والزائد على الثلاثة. ثم إنه لما قال: إن الثلاثي الساكن الحشو ذو وجهين، وكان فيه ما هو متحتم المنع كما عرفت قبل - استثنى ذلك بقوله: إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميّا فيتعيّن منعه، وبقوله بعد: وكذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه. فإن قيل: أيّ شيء أحوجه إلى أن يقول: وكذا إن تحّرك ثانيه لفظا [5/ 65] نحن قد عرفنا ذلك من قوله أولا: أو بالتّعليق على مؤنّث وهو لم يخرج من ذلك إلا الساكن الحشو فـ: ما لم يكن ساكن الحشو داخل تحت قوله: أو بالتّعليق على مؤنّث، فيكون متحتم المنع؟. فالجواب: أنه لم يكن محتاجا إلى ذكر ذلك لما قلت، وإنما ذكره لأمر آخر وهو التنبيه على أن فيه خلاف ابن الأنباري حيث لم يقل بتحتم المنع فيه وجعله ذا وجهين. ومثال الثنائي «يد» إذا سميت به امرأة قال في شرح الكافية (¬1): «وإذا سميت امرأة بيد ونحوه مما هو على حرفين جاز فيه ما جاز في هند ذكر ذلك سيبويه (¬2) انتهى. وأنت قد عرفت أن في نحو «هند» وجهين أجودهما المنع، فلتكن «يد» إذا سمّي بها مؤنّث كذلك. ثم إنه فصّل الساكن الحشو إلى ما سكونه بالوضع وذلك كـ «هند» و «دعد» وإلى ما سكونه بالإعلال كـ «دار»، وإنما احتاج إلى ذكر ما سكونه بالإعلال لئلا يقول قائل: هذا متحرك الحشو وإنما عرض له ما أوجب إعلاله فليكن ممنوع - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية (3/ 1493). (¬2) ليس هناك نص لسيبويه في «يد» مسمى به امرأة ولكن نص سيبويه على أن «كل مؤنث سميته بثلاثة أحرف وكان الأوسط منها ساكنا وكانت شيئا مؤنثا أو اسما الغالب عليه المؤنث كـ «سعاد» فأنت بالخيار إن شئت صرفته وإن شئت لم تصرفه وترك الصرف أجود، وتلك الأسماء نحو: قدر، وعنز، ودعد، وجمل، ونعم، وهند. انظر الكتاب (3/ 240: 241)، ولما كان «يد» ثنائيّا لفظا، ثلاثيّا ساكن الوسط تقديرا إذ أصله: يدي بالإسكان فقد أجاز فيه المصنف ما جاز في هند على مذهب سيبويه ونسبه إليه بناء على أنه ثلاثي ساكن الوسط - تقديرا كهند.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصرف، فأزال هذا التخيل بقوله أو إعلالا. وأما قوله غير مصغّر فاحترز به كما ذكر الشيخ (¬1) من نحو: «يد» و «هند» إذا صغّرا فقيل فيهما: يديّة وهنيدة، فإنهما يتحتم فيهما المنع، وإذا كان هذا كما ذكر الشيخ فالمصنف قد كان في غنى عن ذكر ذلك، لأنه قد عرفنا أولا أن التأنيث بالهاء مانع مع العلمية فيصير ذكر هذا ثانيا تكريرا. قال الشيخ (¬2): «فإن لم تلحقه الهاء في التصغير نحو: حرب وناب اسمين لامرأة، إذا صغّرا وقيل فيهما: حريب ونييب جاز فيهما الوجهان، فقد أطلق المصنف في قوله: غير مصغّر، فكان ينبغي أن يقول: غير مصغّر بالهاء» انتهى. وقول المصنف: أجودهما المنع هو قول الجمهور (¬3)، وقال أبو علي (¬4): إن الصرف أفصح، وغلّطوه في ذلك حتى قال ابن هشام (¬5): «ولا أعرف أحدا قال هذا القول قبله». وذهب الزجاج (¬6) إلى أن الصرف غير جائز، وربما علل ذلك بأن الموانع المعنوية لا يعارضها اللفظ (¬7) وقد أبطل (¬8) مذهب الزجاج بالسماع والقياس، أما السماع: فنقل النحويون كافة عن العرب أنها تصرف ومن ذلك قول الشاعر: 3711 - فأبكي إلى هند إذا هي فارقت ... وأبكي إذا فارقت هندا إلى دعد (¬9) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 364). (¬2) المرجع السابق، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬3) انظر التذييل (6/ 364)، والأشموني (3/ 254). (¬4) هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 365) وقد نقه عنه المؤلف دون أن يشير، وانظر الهمع (1/ 34) والأشموني (3/ 254). (¬5) يبدو أنه ابن هشام الخضراوي وانظر الهمع (1/ 34). (¬6) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (49: 50). (¬7) انظر التذييل (6/ 365)، والأشموني (3/ 254)، ومنهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص 429: 430). (¬8) المبطل له الشيخ أبو حيان، انظر التذييل (6/ 365) وما بعدها. (¬9) هذا البيت من الطويل، وهو لكثير عزة، وروايته كما في الديوان: وأبكي إذا فارقت هندا صبابة ... وأبكي إذا فارقت دعدا إلى دعد والشاهد في البيت: مجيء «هند» علم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط مصروفا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال آخر: 3712 - أعلنت في حب جمل أي إعلان ... وقد بدا شأنها من بعد كتمان (¬1) وقال آخر: 3713 - أتصبر عن جمل وأنت صفيّها ... أبا هاشم ليس المحبّ أخا الصّبر تبيت خليّا ترقد اللّيل كلّه ... وجمل تراعي الفرقدين إلى النّسر (¬2) وقال آخر (¬3): 3714 - إنّ دهرا يلفّ شملي بجمل ... لزمان يهمّ بالإحسان (¬4) وقال آخر: 3715 - أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فوا كبدي ممّا أحنّ إلى دعد (¬5) ومما جاء غير مصروف قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) وهو لحاجب بن حبيب الأسدي كما في التذييل (6/ 366). هذا البيت من البسيط، وجمل: اسم امرأة. والشاهد فيه: مجيء «جمل» علم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط منصرفا. والبيت في المفضليات (ص 724)، والأصمعيات (ص 221) وشرح المفضليات (3/ 1256)، والمذكر والمؤنث (ص 112). (¬2) هذان البيتان من الطويل لقائل مجهول، وقد أنشدهما الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 366) ولم ينسبهما لقائل ولم أهتد إلى قائلهما. الشرح: جمل: اسم امرأة، وصفيها: خليلها وحبّها ورواية التذييل: وأنت حبها. وقوله خليّا: الخليّ: الذي لا هم له الفارغ والجمع خليون وأخلياء، و «الفرقدان» نجمان في السماء لا يغربان ولكنهما يطوفان بالجدي. والشاهد فيهما: مجيء «جمل» علم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط مصروفا. والبيتان في المذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 113). (¬3) قال في التذييل (6/ 366): «وأنشد الفراء لبعض العرب» «ويعزى إلى حسان» وليس في ديوانه. (¬4) هذا البيت من الخفيف، واستشهد به على مجيء «جمل» مصروفا، والبيت في معاني القرآن للفراء (2/ 156) والمذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 113). (¬5) هذا البيت من الطويل وهو لنصيب. ذكره أبو حيان في التذييل (6/ 366) ولم ينسبه، وقد أورد المبرد في الكامل (1/ 106) هذا البيت منسوبا إلى نصيب ولكن مع اختلاف في الشطر الثاني. وقد ذكره ابن الأنباري في المذكر والمؤنث (ص 112) والرواية فيه: أوصّ بدعد من يهيم بها بعدي والشاهد في البيت: مجيء «دعد» وهو علم لمؤنث ثلاثي ساكن الوسط مصروفا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3716 - ما بال همّ عنيد بات يطرقني ... بالواد من هند إذ تعدو عواديها؟ (¬1) وقال آخر: 3717 - على جمل منّي إذ دنا الموت بغتة ... سلام كثير كلّما ذرّ شارق (¬2) وقال آخر: 3718 - لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعد ولم تغد دعد في العلب (¬3) فجمع بين اللغتين الصرف وتركه في بيت واحد (¬4). وأما القياس (¬5): فصرفهم «لوطا» و «نوحا» وهما أعجميان معرفتان لخفة الوزن، قالوا (¬6): فكما قاومت الخفة أحد السببين فيهما فكذلك قاومت أحد - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط، وهو لكعب بن مالك. الشرح: ما بال هم أي ما شأنه وما حاله؟ وعنيد: هو من المعاندة وهي: أن يعرف الرجل الشيء فيأباه ويميل عنه، والعنيد: الجائر عن القصد الباغي الذي يرد الحق مع العلم به، ويروى عميد وهي رواية الإنصاف ومعناه: فادح موجع وأصله قولهم: عمده المرض يعمده، ويطرقني: أي ينزل بي ليلا. والشاهد في البيت: مجيء «هند» غير مصروف، والبيت في السيرة لابن هشام (ص 612) والإنصاف (ص 389) والتذييل (6/ 366). والمذكر والمؤنث لابن الأنباري (ص 112). (¬2) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول الشرح: قوله: كلما ذر شارق: أي كل يوم طلعت فيه الشمس، وقيل: الشارق فرن الشمس، والشمس تسمى شارقا، ويقال: إني لآتية كلما ذر شارق أي: كلما طلع الشرق وهو الشمس. والشاهد في البيت: مجيء «جمل» ممنوعا من الصرف: وانظر البيت في المذكر والمؤنث (ص 113) والتذييل والتكميل: (6/ 367). (¬3) هذا البيت من المنسرح وهو لجرير أو لقيس بن الرقيات. تتلفّع: التّلفّع: الاشتمال بالثوب كلبسة نساء الأعراب، والعلب: أقداح من جلود، الواحد علبة يحلب فيه اللبن ويشرب، أي ليست دعد هذه ممن تشتمل بثوبها وتشرب اللبن بالعلبة كنساء الأعراب الشقيات، ولكنها ممن نشأ في نعمة وكسي أحسن كسوة. والشاهد فيه: صرف «دعد» وترك صرفها في نص واحد لأنه اسم ثلاثي ساكن الوسط، وإنما جاز فيه ذلك لخفته، وهو رد على من منع صرفه من النحويين وجعل ما في البيت ضرورة، والصواب أنه يجوز فيه الوجهان الصرف وعدمه لأن العرب قد صرفت الأعلام الأعجمية إذا بلغت هذه النهاية من الخفة نحو: نوح ولوط وهود. وانظر البيت في الكتاب (3/ 241) والخصائص (3/ 61، 316) والمصنف (2/ 66)، وابن يعيش (1/ 70) وشذور الذهب (456)، والأشموني (3/ 154)، وديوان جرير (ص 72). (¬4) انظر الكتاب (3/ 241)، والتذييل (6/ 367). (¬5) انظر التذييل (6/ 367). (¬6) القائل هو الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 367) وانظر ابن يعيش (1/ 70).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السببين في «هند»، و «دعد» ونحوهما. وأقول: إن في ذلك نظرا؛ لأن الاسم الأعجمي الثلاثي مصروف، ولو كان محرّك الوسط فكيف يقال: إن السكون في «نوح» و «لوط» قاوم أحد السببين والعجمة لا أثر لها في الثلاثي جملة (¬1)؟ وقوله إلّا أن يكون الثّلاثيّ أعجميا قد تقدم التمثيل لذلك بـ «حمص» ومثله: ماء وجور (¬2)، ووجه منعه من الصرف أن العلم الثلاثي المؤنث الساكن الوسط غير المنقول من مذكر فيه وجهان: الصرف وتركه، وكان القياس منعه للتأنيث والعلمية، ولكنه حصل له خفة بالسكون فجاز فيه الصرف، فلما انضاف إلى ذلك عجمة ثقل الاسم بها، فكأن العجمة قاومت السكون فرجع الاسم المذكور إلى ما يقتضيه القياس فيه من منع الصرف، فالعلة المانعة من الصرف فيه هي العلمية والتأنيث، والعجمة شرط لتحتم المنع. وفي شرح الشيخ (¬3): «وبعض النحويين جعله كهند فجوز فيه الوجهين ولم يجعل للعجمة تأثيرا». ومثال ما تحرك ثانيه: قد تقدم تمثيله بـ «سقر» ومثله أيضا «قدم» (¬4)، وقد عرفت أن ابن الأنباري جعله ذا وجهين فخالف النحاة أجمعين، ومستند منع الصرف فيه أن حركة الوسط تنزلت منزلة الحرف الرابع، والدليل على أن حركة الوسط تتنزل منزلة الحرف الرابع أنهم يقولون في النسب إلى جمزى جمزيّ بحذف الألف، كما يحذفونها من حبارى ونحوه مما قبل الألف فيه أربعة أحرف، فلو سكن الوسط أجازوا إبقاء الألف ولم يوجبوا الحذف نحو: حبلى، - ¬

_ (¬1) وجهة نظر المؤلف أن الخفة في «هند» قاومت أحد السببين وهما العلمية والتأنيث، أما في نوح ولوط فإن خفة الوزن - بسكون الوسط - لم تقاوم أحد السببين؛ لأنه لا أثر للعجمة فيهما فلم يجتمع فيهما سببان كما اجتمع في «هند» و «دعد» وهي وجهة نظر مقبولة، وكان على القائل أن يعتمد على خفة الوزن فيهما دون اعتماد على مقاومة أحد السببين؛ لأنها ليست موجودة في الاسم الثلاثي الأعجمي مثل ما هي موجودة في الثلاثي المؤنث. (¬2) ماه وجور: بلدتان بفارس. انظر معجم البلدان (2/ 49) وانظر التذييل (6/ 368) والأشموني (3/ 253). (¬3) انظر التذييل (6/ 369). (¬4) فيمتنع صرفه وجوبا إذا سمي به مؤنث على مذهب الجمهور وجعله ابن الأنباري ذا وجهين. انظر التذييل (6/ 369).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنه يجوز أن يقال في النسب إليه: حبلويّ وإن جاز فيه: حبليّ أيضا. وقيد الحركة - أعني حركة الثاني - بكونها لفظا احترازا من نحو: دار ونار مسمّى بهما، فإن ثانيهما متحرك تقديرا، والحاصل: أن الحركة المقدرة لا أثر لها فكما احترز عنها عند ذكره سكون الحشو احترز عنها عند ذكر تحركه أيضا. وقوله: وكذا إن كان مذكّر الأصل خلافا لعيسى في تجويز صرفه قد تقدم ذكر الخلاف في هذه المسألة، وأن مذهب الخليل وسيبويه وأبي عمرو ويونس وابن أبي إسحاق في المنقول من مذكر المسمى به مؤنث منع الصرف، وعلى ذلك الأخفش والمازني والفراء (¬1) أيضا، والعلة في ذلك أن الاسم نقل من الأخف - وهو باب التذكير - إلى الأثقل - وهو باب التأنيث - وهذا بخلاف [5/ 66] إذا سميت رجلا بـ «شمس» فإنك تصرفه؛ لأنه خرج من الباب الأثقل إلى الباب الأخف، واحتج سيبويه - رحمه الله تعالى - بأن الأصل أن يسمى المؤنث بالمؤنث والمذكر بالمذكر (¬2)، فلما كان ثقل المذكر إلى المؤنث الذي يلائمه خلافا لوضع كلامهم والمعتاد من ألفاظهم ثقل فعادل ذلك نهاية الخفة التي لها صرف «هندا» من صرف فلم يجز فيه إلّا منع الصرف (¬3). واعلم أنني قدمت الكلام على ما في أثناء الفصل لتعلّقه بما المسمّى فيه مؤنث، فيكون الكلام مرتبطا بعضه ببعض؛ لأن صور المسائل المذكورة داخلة تحت قسم واحد فلا ينبغي التفريق بينهما في الذكر. بقي الكلام على القسم الذي ما سمي فيه مذكر فنقول: قوله: وإن سمّي مذكّر بمؤنّث مجرّد يريد به أن يكون مجردا من الهاء (¬4) وهو أمر معلوم. وقوله: فمنعه مشروط بزيادة على الثّلاثة قد تقدم أن تأنيث الثلاثي غير معتبر في هذا القسم، وأن شرط منع الصرف الزيادة على الثلاثة، لكن زعم ابن خروف (¬5) أن «قدما» ونحوه من المؤنث إذا سمي به مذكر منع الصرف، لأن حركة العين - ¬

_ (¬1) وثعلب، انظر التذييل (6/ 370). (¬2) انظر الكتاب (3/ 242). (¬3) انظر التذييل (6/ 370) وقد اعتمد عليه المؤلف دون إشارة. (¬4) انظر التذييل (6/ 354). (¬5) انظر التذييل (6/ 354) والهمع (1/ 34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قامت مقام الحرف الرابع، وردّ ذلك عليه بأن العرب إنما حكمت للحرف الرابع في «زينب» ونحوه بحكم علامة التأنيث لمعاقبته لها، والحركة لم تعاقب علامة التأنيث، فلم يحكم لها بحكمها، كأنهم يعنون بهذا الكلام أن المؤنث الثلاثي إذا صغّر ولم يكن فيه «ياء» لحقته في التصغير «تاء» كقولهم في عين: عيينة، ويد: يديّة، وأذن: أذينة وإن كان المؤنث رباعيّا كـ «عقرب» مثلا وصغر لم تلحقه التاء، فحيث لم يوجد الحرف الرابع أتوا بالتاء، وحيث كان الحرف الرابع موجودا امتنعوا من الإتيان، وهذه معاقبة بين الحرفين، ولم توجد هذه المعاقبة بين حركة وحرف. ومذهب الفراء وثعلب (¬1) أن الاسم الثلاثي المجرد المؤنث إذا سمي به مذكرا امتنع من الصرف: ولم يفرقا بين المتحرك الوسط والساكنه وذلك نحو: فخذ وريح، وعللا ذلك بأن فيه أمرين يوجبان له النقل، وهما: التعريف والتعليق على ما لا يشاكله في الثقل. وردّ ذلك بأن نقل اللفظ الثقيل إلى ما لا يلائمه في الثقل لم تجعله العرب من الأسباب المانعة للصرف بدليل صرفهم «كعسبا» اسم رجل وهو منقول من الفعل، والفعل ثقيل، ولأن السماع إنما ورد بالصرف ولم يرد بغيره، قال الشاعر: 3719 - تجاوزت هندا رغبة عن قتاله ... إلى ملك أعشو إلى ضوء ناره (¬2) وقوله: لفظا ظاهر وذلك كـ «سعاد» و «عناق» و «أبان» مسمّى بها. وقوله: أو تقديرا مثاله: «جيل» إذا سميت به المذكر هو اسم للضّبع (¬3)، وأصله: جيأل؛ نقلت حركة الهمزة إلى الياء ثم حذفت، فهو ثلاثي في اللفظ، زائد على الثلاثة في التقدير. وقوله: كاللّفظ يريد به أن هذا المقدر بمنزلة الملفوظ به؛ لأنه قد يصير مخففا في الكلية فينطق به، بخلاف ما لا يمكن النطق به وهو مقدر، وذلك نحو: كتف - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 355)، والأشموني (3/ 254). (¬2) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، وأعشو: يقال: عشا يعشو إذا أتى نارا للضيافة، وهذا البيت أورده أبو حيان في التذييل (6/ 355) مستشهدا به على أن هندا الثلاثي المؤنث المجرد من الهاء مصروف وقد رد على الفراء وثعلب القائلين بأنه يمتنع الصرف مسمى به. (¬3) والضبع مؤنثة فهو ممنوع الصرف للعلمية والتأنيث. انظر التذييل (6/ 355).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقدم إذا سميت بهما مذكرا، فإنهما يصرفان، ومع ذلك فالنحاة يقولون: إذا سمي بهما مؤنث امتنع الصرف، لأن الحركة تنزلت منزلة الحرف الرابع فكأنه مقدر فيه؛ ولذلك إذا صغّروا ذلك ألحقوه هاء التأنيث فقالوا: كتيفة وقديمة، ومع ذلك فإن كان الحرف الرابع مقدّرا قامت الحركة مقامه، فلا يجوز اللفظ به وهو مكبر، فهذا تقدير لا يلفظ به، ومانع للصرف، لكن في المؤنث لا في المذكر. هذا تقرير الشيخ (¬1). ولم أتحقق ما قاله، وقد يقال: إن تقدير الهمزة في «جيل» لتصير الكلمة أربعة أحرف فيمنع الصرف إذا سمي به مذكر، إنما كان كاللفظ من جهة أن الحركة التي كانت على الهمزة باقية بعد حذف الهمزة، وهي ملقاة على الياء التي هي ساكنة في أصل وضع الكلمة، فكان بقاء الحركة كأنه بقاء لما كان محرّكا بها، فمن ثمّ قيل: إن هذا التقدير كاللفظ، وليس لقوله كاللفظ مفهوم لأنه يريد أن التقدير حكم له بحكم اللفظ. وقوله: وبعدم سبق تذكير انفرد به محقّقا أو مقدّرا أقول: قد تقدم أن الاسم المؤنث الزائدة حروفه على ثلاثة إذا سمّي به مذكر امتنع صرفه إلا اسمين: ما هو مذكر الأصل وقد سمي به مؤنث قبل أن يسمى المذكر به كـ «دلال» و «وصال»، وما هو من صفات المؤنث ولكن لفظه لفظ المذكر كـ «حائض» و «طامث» (¬2)، فأشار إلى القسمين الآن بقوله: «وبعدم سبق تذكير» وقصده إخراجهما مما يمتنع صرفه إذا سمي به مذكر، وذلك أنه جعل عدم سبق التذكير التسمية شرطا لمنع الصرف، وهذه الكلمات سبق تذكيرها التسمية بها، فلم يوجد فيها عدم السبق، بل وجد السبق فتكون مصروفة، ولكن سبق التذكير في «دلال» و «وصال» محقق، و «حائض» و «طامث» سبق التذكير فيهما مقدر؛ لأنهما لم يستعملا لمذكر أصلا، لكنهما مع ذلك اسمان مذكران في اللفظ، فمن هذه الحيثية كان سبق التذكير فيهما مقدرا، وإنما وصف بهما وبأمثالهما المؤنث، إما لأمن اللبس كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وإما للحمل على المعنى؛ لأن معنى امرأة حائض: شخص حائض (¬3). - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 356). (¬2) يقال: طمثت المرأة: إذا حاضت فهي طامث اللسان (طمث). (¬3) انظر التذييل (6/ 356).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: «انفرد به» فهو فيه زائد في التسهيل، ولا تعرض إليه في شرح الكافية. قال الشيخ (¬1): «وهو احتراز من نحو: ظلوم وقتول، فإنك إذا سميت به رجلا لم ينصرف عنده، لأنه سبقه تذكير ولم ينفرد به المذكر؛ لأنه يطلق على المؤنث كما يطلق على المذكر، قال: ولا يأتي هذا الذي ذكره على مذهب البصريين؛ لأنهم لا فرق عندهم في سبق التذكير [بين] ما انفرد به المذكر كدلال ووصال. وما لم ينفرد به [5/ 67] كظلوم، وقتول، قال (¬2): وعلى هذا لا فرق بين وصف مختصّ معناه بالمؤنث، ووصف يشترك في معناه المذكر والمؤنث، فإذا سمي بشيء منها مذكر كان منصرفا نظرا إلى أصالة التذكير فيها؛ لأنها أسماء مذكرة وصف بها مؤنث، قال (¬3): ومما يدل على اعتبار التذكير السابق في ما ذكر أنهم إذا صغروا شيئا من هذه الأوصاف لا يدخلون فيه تاء التأنيث فإنهم يقولون في نصف (¬4) إذا صغّروا: امرأة نصيف، فجعلوا لهذه الأوصاف - وإن كانت صفات إناث - حكم المذكر، وأما الكوفيون فإنهم لا يصرفون نحو: حائض وطامث اسمي مذكر كما نقل الشيخ في شرحه (¬5) وذكر عنهم تعليلا وتفصيلا في ذلك عن بعضهم، فتركت إيراده خشية الإطالة، ولأن قول البصريين هو المعمول به في هذه المسألة. وقوله: وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لا يلزم أقول: قد تقدم أن هذه الكلمات وهي: جنوب، ودبور، وشمال، وحرور، وسموم حكمها الصرف إذا سمي بشيء منها مذكر بمنزلة «حائض» في الوصفية والتعري من العلامة، وإن كانت مخصوصة في الاستعمال بالريح وهي مؤنثة، لكنها مذكرات في الأصل كـ «حائض»، وتقدم أن بعض العرب يجعلها أسماء فتكون حينئذ كـ «الصّعود» و «الهبوط» فتمنع الصرف والذي تقدم تقريره مما تحصل من كلام سيبويه أن الواقع من أسماء الأجناس على مؤنث حقيقي أو مجازي إذا لم يكن فيه علامة فهو إما اسم أو صفة، فالاسم تأنيثه معتبر حتما كـ «هبوط» و «صعود» والصفة التأنيث فيها غير معتبر إن سمي - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 356). (¬2)، (¬3) أي الشيخ انظر التذييل (6/ 356 - 357) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬4) النّصف: بالتحريك - التي بين الشابة والكهلة. انظر اللسان (نصف). (¬5) انظر التذييل (6/ 357: 359).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بها مذكر كـ «حائض» و «ضناك» وإن كانت صفة على لغة واسما على لغة كـ «جنوب» اعتبر تأنيثه إن سمي به مذكر على لغة من جعله اسما، ولم يعتبر على لغة من جعله صفة، وإذا كان الحكم في هذه بالنسبة إلى الصرف وعدمه حكم «حائض» فلا حاجة إلى أن يشار إليه ثانيا؛ لأن حكمها قد علم مما علم مما علم منه حكم «حائض» المسمى به وهو قوله: وبعدم سبق تذكير، لكنه قد قال: وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لا يلزم فقال الشيخ في شرحه (¬1): يعني أنه يمنع الاسم الصرف في المذكر بشرط زيادة على ثلاثة وعدم سبق تذكير وعدم ما ذكر في هذا، فإن كان ثلاثيّا انصرف وإن سبقه تذكير انصرف، وإن احتاج مؤنثه إلى تأويل فإما أن يكون غير لازم أو لازما، إن كان غير لازم انصرف، وذلك اسم الجنس بغير علامة لمؤنث نحو: جنوب ودبور وشمال وسموم وحرور، وذلك أنها مؤنثة تحتاج إلى تأويل ولكنه لا يلزم، قال: والتأويل فيها أنها أوصاف جرت على الريح، والريح مؤنثة، ولكن تأويلها هذا ليس بلازم، ألا ترى أن بعض العرب يجعلها أسماء لمؤنثات ولا يلحظ فيها معنى الصفة كـ «الصّعود» و «الهبوط» فعلى هذا إذا سميت بها مذكرا منعتها الصرف، فمتى كان هذا المؤنث يحتاج إلى تأويل لازم كحال هذه إذا جعلت أسماء فإنه يلزم أن تؤوّل بمؤنث وتمنع الصرف إذا سمي بها مذكر وتصير كـ «زينب»، وإن لم يلزم أن تؤوّل بمؤنث كمشهور استعمالها، فإنها إذا سمي بها مذكر انصرفت قال (¬2): وملخص هذا: أن ما كان اسما على لغة وصفة على لغة فهو ذو وجهين: الصرف وتركه، وذلك كـ «جنوب» ونحوه إذا سميت به مذكرا. انتهى. وملخص ما قال: أن هذه الكلمات وهي «جنوب» وما ذكر معها إن استعملت صفات ففيها تأويل، والتأويل فيها أنها أوصاف جرت على الريح، والريح مؤنثة، وأن تأويلها ليس بلازم معللا عدم اللزوم بأن بعض العرب يستعملها أسماء لمؤنثات، وإن استعملت أسماء فإنها تؤول بمؤنث ويكون التأويل فيها لازما، وأقول: إن في ذلك نظرا؛ لأننا إن سلمنا أن فيها تأويلا حال استعمالها صفات، فتأويلها لازم ما دامت صفات، ولا ينفى عنها لزوم التأويل باستعمال بعض العرب لها أسماء؛ لأن حال استعمالها أسماء غير حال استعمالها صفات فلا تعلق لإحدى الحالين بالأخرى. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 359). (¬2) أي الشيخ أبو حيان انظر التذييل (6/ 359).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: إنها إذا استعملت أسماء كان تأويلها بمؤنث لازما فغير ظاهر أيضا؛ إذ لا تأويل في هذه الحالة؛ لأن الاسم تابع المسمى، إن كان المسمى مذكرا فالاسم مذكر، وإن كان المسمى مؤنثا فالاسم مؤنث. وبعد، فهذا الموضع قد أشكل عليّ فيه كلام الشيخ وكذا عبارة المصنف وهي قوله: وبعدم احتياج مؤنّثه إلى تأويل لازم لأن هذا اللفظ يعطي بظاهره أن نحو: جنوب، ودبور، وما ذكر معهما له مؤنث وليس كذلك، إنما المؤنث هي أنفسها إن كانت أسماء، وإن كانت صفات حكم بتأنيثها لجريانها على مؤنث إلّا أن لفظها مذكر، فروعي تذكير اللفظ عند التسمية بها فصرفت، بخلاف ما إذا نقلت وهي أسماء وسمي بها، فإنها لا تصرف حينئذ كما تقدم تقرير ذلك. والحق أن المصنف قد كان في غنية عن ذكر ذلك، لأنه إن كان المراد به أن نحو «جنوب» إذا سمي به منقولا من الصفة انصرف، فهذا قد عرف من قوله وبعدم سبق تذكير كما قدّمنا، وإن كان المراد به غير ذلك فسبحان العالم بما تضمر النفوس. وقوله: وبعدم غلبة استعماله قبل العلميّة في المذكّر يريد به أن منع الصرف في ما سمي به مذكر من المؤنث مشروط أيضا بغلبة استعمال ذلك الاسم قبل العلمية في المذكر، فمعناه أنه إن غلب استعماله قبل العلمية في المذكر انصرف، قال الشيخ (¬1): «ومثال ذلك ذراع، فإنه مؤنث، وسمي به المذكر حتى صار كأنه من أسماء المذكر وبقي بعد مصروفا لكثرة استعمال [5/ 68] العرب له في أسماء الرجال (¬2)، قال: وقول المصنف: إنه غلب استعماله قبل العلمية في المذكر، يعني أنه قبل أن يصير علما غلب استعماله في المذكر أي تابعا للمذكر، فإن العرب تصف به المذكر فتقول: هذا ثوب ذراع أي: قصير (¬3)، فعومل لذلك معاملة ما سمي به من الأسماء المذكرة الزائدة على ثلاثة أحرف، قال: ولا يزيد المصنف أنه غلب استعماله قبل العلمية في المذكر جنسا واقعا على مدلوله في المؤنث غير موصوف به؛ لأن ذلك ليس في كلام العرب وهو أنه يغلب استعماله مذكرا على غير الوجه الذي - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 360). (¬2) انظر شرح التصريح (2/ 218)، والهمع (1/ 34)، وحاشية الصبان (3/ 255). (¬3) انظر الهمع (1/ 34) وحاشية الصبان (3/ 355).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قدمناه من الوصف به، قال: ويحتمل أن يزيد المصنف أنه إذا غلب استعماله في المؤنث قبل العلمية في المذكر، أي قبل أن يصير علما في المذكر فإنه إذ ذاك يصرف ويكون إذ ذاك ذراع سمع فيه التذكير والتأنيث، ولكن غلب فيه التأنيث» انتهى. وهذا الذي ذكره احتمالا لعله هو مراد المصنف لأنه قال في شرح الكافية (¬1): «وإذا استعمل الاسم بتذكير وتأنيث وزاد على ثلاثة أحرف جاز فيه إذا سمي به رجل الصرف وتركه كذراع وكراع (¬2)، وترك الصرف أجود في هذين؛ لأن تأنيثهما أكثر. انتهى. وبعد فلم يتوجه لي كلامه في التسهيل إذا جعلنا المراد به ما ذكره في شرح الكافية؛ لأن كلامه هنا إنما هو فيما يتعين امتناع صرفه من المؤنث إذا سمي به مذكر، لأن قوله: وبعدم غلبة استعماله قبل العلمية في المذكّر معطوف على ما تقدم من المجرور بالياء المتعلقة بقوله: فمنعنه مشروط فالمعنى أنه إن غلب استعماله قبل العلمية في المذكر انصرف وإن لم يغلب الاستعمال المذكور لم ينصرف، فليس الكلام في ما فيه الصرف وتركه، بل فيما يتعين فيه منع الصرف كما ذكرنا، فكيف يمثل لما يتعين منع صرفه بما ذكر هو أن فيه الوجهين أعني الصرف وتركه؟ ثم قال الشيخ (¬3): وقد شبهوا كراعا بذراع حين سموا به مذكرا، وإن كان مؤنثا في الأصل فصرفوه وليس بقياس، والقياس ترك صرفه وهو أجود في كلامهم من الصرف، قال سيبويه (¬4)، قال (¬5): وإلى مسألة كراع أشار المصنف بقوله: وربما ألغي التّأنيث في ما قلّ استعماله في المذكّر، وهو صرف «كراع» إذا سمي به، فإنه يقل استعماله في المذكر، بل هو من الأسماء الغالبة في المؤنث، فكان القياس ألا يصرف هو ولا ذراع، لكن عارض هذا كثرة التسمية بهما في المذكر حتى صار كأنهما من أسمائه، وزاد «ذراع» على «كراع» أنه وصف به المذكر؛ فلذلك تحتم صرفه ولم يتحتم صرف كراع «انتهى». وقد عرفت أن كلام المصنف في شرح الكافية يأبى ذلك؛ لأنه سوى بين «ذراع» - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1491). (¬2) الكراع: من الإنسان ما دون الركبة إلى الكعب ومن الدّوابّ: ما دون الكعب، أنثى. اللسان (كرع). (¬3) انظر التذييل (6/ 360). (¬4) انظر الكتاب (3/ 236). (¬5) أي الشيخ أبو حيان انظر التذييل (6/ 360: 361).

[مسألتان في العلم المختوم بالزيادتين والمجهول الأصل]

[مسألتان في العلم المختوم بالزيادتين والمجهول الأصل] قال ابن مالك: (ولا اعتداد في منع الصّرف بكون العلم مجهول الأصل، أو مختوما بنون أصليّة تلي ألفا زائدة خلافا للفرّاء في المسألتين، ولا اكتراث بإبدال ما لولاه لوجب (¬1) منع الصّرف). - و «كراع» فكيف يحمل كلامه هنا على ما يأباه ثمّ؟. وقد ذكر الشيخ عن صاحب الإفصاح (¬2) ما يقارب كلام المصنف في شرح الكافية قال (¬3): «ذراع» مسمّى به مصروف سماعا من العرب والقياس ترك الصرف، وقال الخليل وسيبويه (¬4): ومن العرب من يصرف كراعا شبهه بذراع وهو أخبث الوجهين، يعني أن كليهما خارج عن القياس، لكن ذراع كثر تسمية المذكر به ووصف به، وكراع ليس كذلك، قال (¬5): وحكى الأصمعي تذكير الذّراع والكراع، فعلى هذا يكون المسموع على القياس، ولم يحفظ الخليل وسيبويه فيهما تذكيرا، ولم يحك أحد في التسمية بذراع عدم الصرف، فكأنهم اتفقوا عند التسمية على التذكير». هذا كلام صاحب الإفصاح. وقد تبين أن هذا الموضوع وهو من قوله: «وبعدم احتياج مؤنثه إلى تأويل» إلى قوله: «في ما قلّ استعماله في المذكر» لم يتحصل من شرحه ما يشفي الغليل، مع ما في عبارة الكتاب من القلق، وما في بعضها من الإباء لما فسر به كلامه، ولا شك أن المسألة معروفة، وكلامه في شرح الكافية واف بالمقصود يمكن الاستغناء به عن هذا الذي ذكره في التسهيل. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان: الأولى: أنه لا يعتد في منع الصرف بكون العلم مجهول الأصل، ولا يكون الاسم العلم - ¬

_ (¬1) في التسهيل 220 «وجب» وكذلك في التذييل (6/ 373)، ومن المعلوم أن خبر «لولا» إذا كان مثبتا قرن باللام غالبا، فالعبارة التي بين أيدينا أولى. (¬2) هو ابن هشام الخضراوي وكتابه يسمى الإفصاح في شرح الإيضاح (مفقود) يوجد جزؤه الخامس وهو الأخير. (¬3) أي صاحب الإفصاح. (¬4) انظر الكتاب (3/ 236). (¬5) أي صاحب الافصاح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مختوما بنون أصلية تلي ألفا زائدة، فمثال الأول: أبو صعرور (¬1)، قال الشيخ (¬2): «ذهب بعض النحويين إلى أن العرب إذا سمت بالاسم المجهول أو بالاسم الذي ليس من عادتهم التسمية به فإنه يجريه مجرى الأعجمي لشبهه به من جهة أنه غير معهود في أسمائهم كما أن الأعجمية كذلك»، وفهمت من كلام الشيخ أنه يرى ذلك لأنه قال (¬3): «وهذا موافق لما تقرر في هذا الباب من جعل شبه العلة علّة». ومثال الثاني: سنان (¬4) وبيان (¬5)، شبه المانع للصرف النون الأصلية بالنون الزائدة، ولا يخفى ضعف هذا المذهب (¬6). وقد خالف الفراء (¬7) في هذين الأمرين فمنع الصرف في المجهول وفي ما آخره نون أصلية بعد ألف زائدة، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: خلافا للفرّاء في المسألتين. الثانية: أن نحو «هراق» بإبدال الهمزة هاء ممتنع الصرف وكذا «أصيلال» بإبدال اللام من النون ممتنع الصرف أيضا إذا سمي بكل منهما، لأن «هراق» فيه وزن الفعل والعلمية، و «أصيلال» فيه زيادة الألف واللام التي هي بدل من النون الزائدة التي لو وجدت لكانت مانعة فأجري ما قام مقامها مجراها (¬8). ومعنى قوله «بإبدال ما لولاه لوجب منع الصّرف» ما لولا كونه [5/ 69] بدلا لوجب المنع وذلك في «أراق» بالهمزة و «أصيلان» بالنون. - ¬

_ (¬1) الصّعرور: الصمغ الدقيق الطويل الملتوي، وقيل: هو الصّمغ عامة. انظر اللسان (صعر). وانظر معاني القرآن للفراء (2/ 290)، والتذييل (6/ 373). (¬2) انظر التذييل (6/ 371). (¬3) التذييل (6/ 372). (¬4) السّنان: الرّمح. انظر اللسان (سنن). (¬5) في التذييل (6/ 372) «بنان» ومعناه: الأصابع فهو جمع واحده بنانة، ومع أن النون فيه أصلية إلا أن الأولى ما أثبت هنا حتى يناسب «سنان» في كونهما مفردين و «بيان» مصدر بان بمعنى اتضح. انظر اللسان (بين). (¬6) والصواب ما ذهب إليه البصريون وهو الصرف. انظر التذييل (6/ 372)، والهمع (1/ 33). (¬7) انظر معاني القرآن (2/ 289 - 290)، والتذييل (6/ 371 - 372). (¬8) انظر التذييل (6/ 373).

[حكم أسماء القبائل والأماكن]

[حكم أسماء القبائل والأماكن] قال ابن مالك: (فصل: صرف أسماء القبائل والأرضين والكلم ومنعه مبنيّان على المعنى، فإن كان أبا أو حيّا أو مكانا أو لفظا صرف، وإن كان أمّا أو قبيلة أو بقعة أو كلمة أو سورة لم يصرف، وقد يتعيّن اعتبار القبيلة أو البقعة أو الحيّ أو المكان). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «وثبت في نسخة عليها خط المصنف بدل قوله: «لوجب منع الصّرف»: «لوجب الصّرف»، وذلك إشارة إلى مسألة عكس هذه المسألة وهي أنك لو سميت بـ «حنّان»، وهو الحنّاء أبدلت همزته نونا، لصرفته، لأن النون بدل من حرف أصلي، كما أن اللام في «أصيلال» بدل من حرف زائد، فلم يكن في «حنّان» إلّا سبب واحد وهو العلمية، ولم يحفل بالنون؛ لأنها بدل من أصل كما لم يحفل باللام لأنها بدل من زائد». قال ناظر الجيش: من المعلوم أن هذا الكلام فيه لف ونشر (¬2)، لأن قوله: فإن كان أبا أو حيّا يرجع إلى «القبائل» وقوله: أو مكانا يرجع إلى «الأرضين»، وقوله: أو لفظا يرجع إلى الكلم، وكذا قوله: وإن كان أمّا أو قبيلة يرجع إلى الأول، وقوله: أو بقعة يرجع إلى الثاني، وقوله: أو كلمة أو سورة يرجع إلى الثالث، فمتى أريد بالأول: الأب أو الحي صرف، لفقد التأنيث، فمثال ما أريد به الأب: «معدّ» و «تميم» و «جذام» و «لخم»، ومثال ما أريد به الحي: «قريش» و «ثقيف» (¬3)، ومتى ما أريد به الأم أو القبيلة منع، لانضمام التأنيث إلى العلمية، فمثال ما أريد به الأم: «باهلة» (¬4)، ومثال ما أريد به القبيلة: «مجوس» و «يهود» (¬5) و «آدم» ومتى أريد بالثاني المكان صرف، ومثال ذلك: «بدر» - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 372: 374). (¬2) قول المؤلف «إن هذا الكلام فيه لف ونشر» يدل على شدة تأثره بالبلاغة، واللف والنشر لون من ألوان البلاغة وهو من المحسنات البديعية، ونقص المؤلف أن يقول: لف ونشر مرتب؛ لأن الأول يرجع إلى الأول، والثاني إلى الثاني، والثالث إلى الثالث، وما هذه حالته يسمى لفّا ونشرا مرتبا، ويمكن أن يعتذر له بأنه يريد أن يلفت نظر القارئ إلى هذه النكتة البلاغية جملة دون تفصيل فهذا ليس موضعه. (¬3) انظر الكتاب (3/ 250). (¬4) انظر الكتاب (3/ 249). (¬5) انظر الكتاب (3/ 254).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «ثبير»، ومتى أريد به البقعة منع، ومثال ذلك: «فارس» «وعمان»، ومتى أريد بالثالث اللفظ صرف، ومثال ذلك: «كتب زيدا فأجاده» - بضمير التذكير - تريد اللفظ، ومتى أريد به الكلمة منع، ومثال ذلك: «كتب زيدا فأجادها» يريد الكلمة، وكذا «كتبت هود» إن أردت السورة منعت الصرف، وإن أردت أنك كتبت هذا الاسم فقط صرفت؛ لأن مدلوله اللفظ وهو مذكر، فالأب والحي يقابلهما الأم والقبيلة، والمكان يقابله البقعة، واللفظ يقابله الكلمة والسورة، قال الشيخ (¬1): وأما سدوس وسلول فهما منقولان من أب ومن أم، وقد ذهب سيبويه إلى أن سدوس اسم مذكر، اسم أب، وقال (¬2): تقول: بنو سدوس منصرف، وغلّطه (¬3) المبرد في ذلك وقال (¬4): إنما سدوس اسم امرأة، فإذا قلت: من بني سدوس لم تصرف، وكذلك سلول وقال الشاعر: 3720 - إذا ما كنت مفتخرا ففاخر ... ببيت مثل بيت بني سدوسا (¬5) وتابع الزجاج (¬6) المبرد في ذلك، والصحيح [5/ 68] ما ذكرناه من أنهما أسماء أب وأم. انتهى. وبعد فجميع ما ذكر هنا وما لم يذكر مما يشبهه من كونه لمذكر أو مؤنث موقوف على النقل عن أئمة اللغة لا مجال للنظر فيه، وقد أعلى المصنف قانونا كليّا يتميز به ما يصرف مما لا يصرف، وهذا هو الذي يتعلق بالصناعة النحوية، ثم ههنا أمور نشير إليها: الأول: أن الشيخ استدرك على المصنف فقال (¬7): «ظاهر قوله: أنه إذا كان المعنى أبا أو حيّا صرف، وليس كذلك، ألا ترى أن «تغلب» سواء أقصدت به - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 375). (¬2) انظر الكتاب (3/ 249). (¬3) قال السيرافي: «وكان أبو العباس المبرد يقول: إن سدوس اسم امرأة، وغلط سيبويه، ولم يغلط سيبويه في شيء من هذه الأسماء»، انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي بهامش الكتاب (3/ 249) (هارون). (¬4) انظر المقتضب (3/ 364) وعبارته: «ورقاش امرأة، وأبو القبيل عمرو بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وكذلك سلول وسدوس فليس من هذا مصروفا إلّا في النكرة وإنما ذلك بمنزلة باهلة وخندف». (¬5) هذا البيت من الوافر قاله امرؤ القيس حين نزل على خالد بن سدوس النبهاني، واستشهد به على منع صرف «سدوس» لأنه اسم أمّ القبيلة على رأي المبرد، والبيت في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 234)، وديوان امرئ القيس (ص 344) تحقيق محمد أبو الفضل، واللسان (سدس)، و «السّدوس» بالفتح الطّيلسان الأخضر. (¬6) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 57). (¬7) انظر التذييل (6/ 375).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القبيلة أم الحي فإنه لا ينصرف لأن فيه وزن الفعل، قال: وقد غلط الزجاج (¬1) فذكر أن «تغلب» إذا أردت به القبيلة منعته الصرف، وإذا أردت به الحي صرفته. انتهى. وهذا الاستدراك يتعجب منه؛ لأن كون نحو «تغلب» ممنوع الصرف قد علم من قبل على ما تقرر في الفصل المفروغ منه، وإذا كان كذلك علم أن الكلام الآن في ما عدا ذلك، ثم إن مبنى هذا الفصل إنما هو على أن بعض الأسماء التي هي أعلام قد يكون معناها صالحا لأن يكون مذكرا وأن يكون مؤنثا، فيترتب على اعتبار كل من الأمرين الصرف وتركه، أما كون العلمية يكون معها مانع آخر غير التأنيث فذلك أمر قد عرف، وكأن الذي أوجب للشيخ هذا الاستدراك هو قول ابن عصفور (¬2) في تقسيمه: «فإن قصدت به قصد الحي صرفته إلّا أن يكون فيه ما يوجب منع الصرف» فأشار إلى مثل ذلك. والحق أن ابن عصفور مستغن عن ذلك لما ذكرنا. الأمر الثاني: أن ابن عصفور ذكر في شرح الجمل (¬3) في باب «أسماء القبائل والبلدان والأحياء والسور» أن أسماء القبائل والأحياء تنقسم خمسة أقسام، وملخص ما ذكره: أن أسماء المذكورات تنقسم أربعة أقسام: قسم لا يستعمل إلا للقبيلة وذلك: يهود ومجوس وآدم، قال الشاعر: 3721 - أولئك أولى من يهود بمدحة ... إذا أنت يوما قلتها لم تؤنّب (¬4) - ¬

_ (¬1) في جـ، أ: «الزجاجي» وعبارة الزجاج في ما ينصرف وما لا ينصرف بعيدة عن تخطئة الشيخ له، فإنه قال في (ص 58): «إن الاسم إذا أريد به الأب أو الحي انصرف، وإذا أريد به القبيلة منع» وليس في ذلك إشارة إلى «تغلب» بعينها كما ذكر الشيخ. (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 234). (¬3) انظر شرح الجمل (2/ 235: 237) وقد لخصه المؤلف كما ذكر بعده. (¬4) هذا البيت من الطويل وقائله رجل من الأنصار كما ذكر الأعلم، و «يهود» مشتق من هاد يهود إذا تاب عن الذنب من قوله تعالى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ من الآية (156) من سورة الأعراف، والمعنى: يعني المسلمين من المهاجرين والأنصار أنهم أولى بالمدح من اليهود بني قريظة وبني النضير، وأنهم أجدر ألا يلام مادحهم لظهور فضلهم عليهم، يقول هذا للعباس بن مرداس، وكان العباس يمدح بني قريظة. والشاهد فيه: جعل «يهود» علما للقبيلة؛ فلذلك منع من الصرف، وإن جعل اسما للحي منع أيضا كما منع يشكر ويزيد. والبيت في الكتاب (3/ 254) (هارون) والتذييل (6/ 379)، واللسان (هود).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الآخر: 3722 - كنار مجوس تستعر استعارا (¬1) وقال آخر: 3723 - سادوا البلاد وأصبحوا في آدم ... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا (¬2) فأعاد الضمير عليه مؤنثا وصرفه للضرورة، فإن لم يجعل «يهود» و «مجوس» علمين كانا جمع. يهودي ومجوسي كما تقول: روميّ وروم، وزنجيّ وزنج، ويدل على خروجهما عن العلمية إذا أريد بهما ذلك دخول اللام عليهما فتقول: اليهود والمجوس. وثلاثة الأقسام الباقية تستعمل لما معناه مذكر ولما معناه مؤنث، فقسم تغلب فيه استعماله للمذكر وهو الحي وذلك: «قريش» و «ثقيف» و «معد» و «عاد» واستعماله للقبيلة قليل، قال الشاعر: 3724 - علم القبائل من معدّ وغيرها ... أنّ الجواد محمّد بن عطارد (¬3) فمنع صرفه لقصد القبيلة، وقال آخر: ¬

_ (¬1) هذا شطر من الوافر وهو عجز لبيت صدره: أحار ترى بريقا هبّ وهنا؟ الشرح: أحار: مرخم وأصله: أحارث وهو الحارث بن التوأم اليشكري وينسب إليه الشطر المستشهد به كما في الديوان في مناظرة بينه وبين امرئ القيس، الوهن: نحو من نصف الليل أو بعد ساعة منه، ونار المجوس: مثل في الكثرة والعظم، شبه البرق المستطير بها وذاك البرق دلالة على الغيث. والشاهد في البيت: منع صرف «مجوس» على معنى القبيلة وهو الغالب الأكثر، والصرف جائز ولكنه قليل. والبيت في الكتاب (3/ 254)، والسيرافي (خ) (4/ 303)، والمقرب (2/ 81)، والتذييل (6/ 379). (¬2) هذا البيت من الكامل وهو لقائل مجهول وهو من الأبيات الخمسين التي لا يعلم قائلها. الشرح: سادوا البلاد: أي أهلها، وبيض الوجوه مشاهير الناس، والفحول: السادة. والشاهد فيه: جعل «آدم» اسما لجميع الناس فصرفه لأنه نكرة أو للضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 252)، والتذييل (6/ 381)، والهمع (1/ 15)، والدرر (1/ 10). (¬3) هذا البيت من الكامل وهو لقائل مجهول وهو من شواهد الكتاب (2/ 27)، ولم ينسبه سيبويه ولا نسبه الأعلم ولكنه قال: «والممدوح محمد بن عطارد أحد بني تميم وسيدهم في الإسلام»، ومعد: هو ابن عدنان جد العرب العدنانية، والشاهد فيه: ترك صرف «معد» حملا على معنى القبيلة، والأكثر في كلامهم صرفه لأن الغالب عليه أن يكون اسما للحي. انظر الأعلم بهامش الكتاب (2/ 27)، والكتاب (هارون) (3 / 250) والإنصاف (ص 505)، والتذييل (6/ 380)، والكامل (1/ 180).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3725 - غلب المساميح الوليد سماحة ... وكفى قريش المعضلات وسادها (¬1) وقال آخر: 3726 - لو شهد عاد في زمان عاد ... لابتزّها مبارك الجلاد (¬2) قال: [5/ 70] والعرب تقول: هذه ثقيف بنت قيس فتمنعه الصرف؛ لأنها قصدت به القبيلة، وكما غلب قصد الحي على قصد القبيلة في هذه الكلمات هكذا غلب قصد الأب على قصد القبيلة في كلمة وهي «تميم» سمع من كلامهم: هذه تميم بنت مرّة (¬3)، وقد جعل ابن عصفور هذا قسما برأسه، ولهذا كانت الأقسام عنده خمسة، والواجب أن ما قصد به الحي أو الأب قسم واحد، لأن كلّا منهما إنما قصد به المذكر فحكمهما واحد. وقسم يتساوى فيه الأمران ومثاله: «ثمود» و «سبأ» قال الله تعالى: أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (¬4)، وقال تعالى: أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ (¬5)، وجاء صرف «سبأ» وعدم صرفه في الكتاب العزيز (¬6). - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الكامل، وهو لعدي بن الرقاع العاملي. الشرح: المساميح: جمع سمح على غير قياس وهو الذي خلفه السماحة والجود، والوليد: هو الخليفة بن عبد المطلب بن مروان، والمعضلات: الشدائد واحدها معضلة، وسادها: صار سيدها ووالي أمورها، يريد: أنهم إذا نزلت بهم معضلة وأمر فيه شدة قام بدفع ما يكرهون عنهم. والشاهد فيه: قوله «قريش» فقد منعه الصرف حملا على معنى القبيلة، والبيت في الكتاب (3/ 250) (هارون) وشرحه الأعلم بهامش الكتاب (2/ 26)، والمقتضب (3/ 362)، والكامل (2/ 109)، والإنصاف (ص 506)، والتذييل (6/ 379). (¬2) هذان بيتان من مشطور الرجز لقائل مجهول وهما من شواهد سيبويه (2/ 27) ولم ينسبهما إلى قائل ولا نسبهما الأعلم في شرحه وهما من الخمسين المجهولة القائل. الشرح: شهد هو هنا بفتح الشين وسكون الهاء وأصله بكسر الهاء على مثال علم فسكن الشاعر العين المكسورة للتخفيف، وابتزها: سلبها، ومبارك الجلاد: وسط الحرب ومعظمها، وأصل الكلام: لابتزها من مبارك الجلاد فحذف حرف الجر وأصله الفعل إلى الاسم بنفسه، والشاهد في البيت: قوله: «عاد» الأولى فإنه ممنوع من الصرف حملا على معنى القبيلة، والبيت في الكتاب (هارون) (3/ 251)، والإنصاف (ص 504)، والتذييل (6/ 380). (¬3) حكاه يونس عن العرب. انظر الكتاب (3/ 249). (¬4) سورة هود: 95. (¬5) سورة هود: 68. (¬6) استشهد لذلك سيبويه في الكتاب (3/ 253) بقوله تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ من الآية (15) من سورة سبأ، وقوله تعالى: مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ من الآية 22 من سورة النمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقسم الغالب فيه استعماله اسما للقبيلة وهو ما بقي. انتهى. ويعني بما بقي غير الذي ذكره في الأقسام الثلاثة المتقدمة الذكر، وكان ابن عصفور قد افتتح كلامه في التقسيم الذي أشرنا إليه بأن قال (¬1): أسماء القبائل إما أن تكون منقولة من اسم أب أو أم أو غير منقولة، فالمنقولة من اسم أم: سدوس وسلول في أحد القولين، وباهلة، قال الشاعر: 3727 - إذا ما كنت مفتخرا ففاخر ... ببيت مثل بيت بني سدوسا (¬2) والمنقول من اسم أب: معد وتميم وجذام ولخم، وغير المنقول منها مثل: قريش، وثقيف، ويهود، ومجوس. فإن كان منقولا من اسم أب أو أم، فإن أضيف إليه «ابن» بقى على ما كان عليه من صرف أو منع صرف؛ لأنه ليس باسم للقبيلة، وإن لم يضف إليه «ابن» فإن كان على نية إضافته إليه، فحكمه حكم المضاف إليه «ابن» لفظا، وإن لم تنو إضافة «ابن» إليه فإن قصد به الحي أو الأب صرفته، وإن قصد به القبيلة منعته الصرف. انتهى. ولا أعرف ما فائدة التفصيل الذي ذكره من إضافة «ابن» أو نية إضافته، والذي يظهر أن مراده أن «ابنا» إذا كان مضافا أو نويت إضافته خرج المضاف إليه عن أن يكون المراد به الحي أو القبيلة، فيكون له حكم نفسه بالنسبة إلى الصرف وعدمه، وإذا لم يضف إليه «ابن» لا لفظا ولا نية تعين حينئذ أن يراد به إما الحي أو القبيلة. ولا شك أن هذا واضح غني عن التنبيه عليه، إلا أن الشيخ لما ذكر هذه المسألة في شرحه قال (¬3): «والحكم هنا في الأخبار والضمائر وغير ذلك يكون للمحذوف لا للملفوظ به بخلاف المضاف في غير هذا الباب، فإن الحكم للملفوظ به لا للمحذوف، تقول: تميم بن مرّ ناصرون لي؛ لأنك تريد أبناء تميم بن مر، قال امرؤ القيس: 3728 - تميم بن مرّ وأشياعها ... وكندة حولي جميع صبر (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 234) وقد تصرف المؤلف في نقله. (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬3) انظر التذييل (6/ 376: 377). (¬4) هذا البيت من المتقارب وهو لأمرئ القيس (ديوانه ص 109) وقبله: فلا وأبيك ابنة العامريّ ... لا يدّعي القوم أني أفر واستشهد به الشيخ أبو حيان: على عود الضمير مؤنثا على «تميم» حين قصد الأبناء.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقال: وأشياعها؛ لأنه يريد أبناء تميم بن مر، فلذلك أعاد الضمير مؤنثا ولا تقول: تميم بن مر وأشياعه، فتجري الحكم على تميم كما أجريته في قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها (¬1) فإنه روعي هنا الملفوظ به القائم مقام المحذوف ولذلك أعيد الضمير مؤنثا في فيها. انتهى. وقوله: إن الحكم في غير هذا الباب يكون للملفوظ لا للمحذوف ليس كذلك فقد قال الله تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ (¬2) ولا شك أن الضمير في «يغشاه» عائد على المضاف المحذوف، إذ التقدير: أو كذى ظلمات، وقد تقدم في باب الإضافة أن الأمرين جائزان، أعني مراعاة المضاف المحذوف، ومراعاة المضاف إليه، فكيف يقول: إن الحكم يكون للملفوظ به لا للمحذوف؟ ثم إن الآية الشريفة وهي قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها ليس فيها دليل على ما ذكره؛ لأن المقصود من قوله تعالى: الَّتِي كُنَّا فِيها وصف المضاف إليه الذي هو «القرية» بذلك لا وصف المضاف المحذوف الذي هو «الأهل»، يدل على ذلك أنه لو قيل في غير القرآن العزيز، واسأل أهل القرية التي كنا فيها، لكان صحيحا، ولو كان «التي كنا فيها» مقصودا به وصف «أهل» لما صح ذلك، وقد تقدم الكلام في ذلك في باب الإضافة (¬3). فالحق أن الحكم يكون للمضاف المحذوف مطلقا، وقد يراعى الملفوظ به الذي هو المضاف إليه فيجعل الحكم في الإخبار عنه وعود الضمير وغير ذلك إذا دلّ على المراد دليل. الأمر الثالث: قسم ابن عصفور (¬4) أسماء الأمكنة غير الواجب منع صرفها لعلمية وتأنيث بعلامة فيه كـ «مكة» و «حزوى» إلى خمسة أقسام كما قسم أسماء القبائل: قسم لا يستعمل إلّا مذكرا وذلك «بدر» و «ثبير» و «فلج» و «نجد»، قال الله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ (¬5)، وقالت العرب: «أشرق ثبير كيما - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 82. (¬2) سورة النور: 40. (¬3) انظر المرجع السابق. (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 237) تحقيق صاحب جعفر أبو جناح وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬5) سورة آل عمران: 123.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نغير» (¬1)، ولم يقولوا: أشرقي ثبير، وقال الشاعر: 3729 - وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد (¬2) وقال الآخر: 3730 - فإن تدعي نجدا أدعه ومن به ... وإن تسكني نجدا فيا حبّذا نجد (¬3) فصرف «بدر» و «فلج» و «نجد» دليل التذكير، وكذا أمر «ثبير» بما يؤمر به المذكر دليل تذكيره أيضا. وقسم الغالب عليه التأنيث وهما: «فارس» و «عمان» وعليه قول القائل: 3731 - لقد علمت أبناء فارس أنّني ... على عربيّات النّساء غيور (¬4) وقسم الغالب عليه التذكير وهو: منى وهجر ودابق وواسط وحنين، وقد تستعمل مؤنثات وقسم يستوي فيه الأمران وهو: حراء، وقباء، وبغداد، قال الشاعر: 3732 - ستعلم أيّنا خير مكانا ... وأعظمنا ببعض حراء نارا (¬5) - ¬

_ (¬1) هذا مثل معناه: أدخل يا ثبير في الشرق كي نسرع في النحر، يقال: أغار فلان إغارة الثعلب أي أسرع، قال عمر رضى الله عنه: إن المشركين كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وكانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس. يضرب في الإسراع والعجلة. انظر مجمع الأمثال (2/ 157: 158)، وإصلاح المنطق (ص 378). (¬2) هذا البيت من الطويل وهو لأشهب بن رميلة كما في الكتاب (1/ 186) (بولاق). الشرح: فلج: واد بين البصرة وحمى ضرية، وقوله: حانت دماؤهم: لم يؤخذ لهم بدية ولا قصاص هم القوم كل القوم، أي القوم الكاملون في قوميتهم. والشاهد فيه: «فلج» فإنه مذكر بدليل صرفه، وفيه شاهد آخر وهو حذف النون من «اللذين» استخفافا لطول الاسم بالصلة. والبيت في الكتاب (1/ 187) (هارون)، والمقتضب (4/ 146)، والمحتسب (1/ 185)، والمصنف (1/ 67)، وابن يعيش (3/ 154، 155)، والعيني (1/ 482)، والخزانة (2/ 507)، وشرح التصريح (1/ 131). (¬3) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول واستشهد به ابن عصفور على أن «نجد» مذكر بدليل صرفه. (¬4) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول واستشهد به ابن عصفور على أن «فارس» مؤنث ولذلك منع الصرف للعلمية والتأنيث. (¬5) هذا البيت من الوافر منسوب لجرير وليس في ديوانه. الشرح: قوله: مكانا يروى في مكانه قديما وهي رواية سيبويه في الكتاب، وقوله: ببعض: يروى بدله ببطن وهي رواية سيبويه أيضا والجوهري، وقوله: حراء: جبل بقرب مكة به غار الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكثيرا ما يسير إله إلحاج تعبدا، ويوقدون النار للقرى، والمعنى: يفخر عليه بقديم مجده، وكرم قومه اللذين يوقدون النار العظيمة في حراء لإطعام المساكين. والشاهد فيه: ترك صرف «حراء» حملا له على معنى -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمنع «حراء» الصرف، وقال آخر (¬1): 3733 - وربّ وجه حراء منحن (¬2) فصرفه. وقسم لا يستعمل إلّا مؤنثا وهو ما بقى ومنه: دمشق وجلّق. الأمر الرابع: قسم ابن عصفور (¬3) أيضا أسماء السور ثلاثة أقسام: قسم هو جملة، وقسم فعل، وقسم اسم. فالجملة تحكي نحو قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ (¬4)، وأَتى أَمْرُ اللَّهِ (¬5) وأشباه ذلك. والفعل يعرب غير مصروف، وإن كان فيه ألف وصل قطعت؛ لأنه قد صار من جملة الأسماء، وألف الوصل لا تكون في الأسماء إلّا في أسماء معلومة وذلك نحو: اقْتَرَبَتِ (¬6)، وكذا [5/ 71] تقلب تاؤه هاء في الوقف، وتكتب بالهاء أيضا. والاسم قسمان: قسم هو حرف من حروف الهجاء، تجوّز ابن عصفور في تسمية ذلك حرفا من حروف الهجاء وإنما هو اسم حرف من حروف الهجاء. وقسم غير ذلك؛ فالذي هو غير ذلك يمنع الصرف للتعريف والتأنيث نحو: «هود» و «نوح»، تقول: هذه هود ونوح، وقرأت هود ونوح، وتبركت بهود ونوح، وإن أضفت إليه سورة في اللفظ أو التقدير بقي على ما كان عليه قبل، فإن كان فيه ما يوجب منع الصرف منع، نحو: قرأت سورة يونس (¬7)، وإلّا صرف نحو: قرأت سورة نوح، وسورة هود؛ والذي هو حرف من حروف الهجاء إما أن يكون واحدا أو أكثر، إن كان واحدا؛ فإن أضفت إليه سورة كان موقوفا لا إعراب - ¬

_ - البقعة. وانظر البيت في الكتاب (3/ 245) والمقتضب (3/ 359). (¬1) نسبه في الكتاب (3/ 245) إلى العجاج، والصواب نسبته إلى رؤبة وهو في ديوانه (ص 163). (¬2) هذا بيت من الرجز المشطور قاله رؤبة من أرجوزة طويلة. الشرح: الوجه: الناصية وحراء: الجبل المعروف في مكة. والشاهد فيه: صرف «حراء» حملا على إرادة المكان. والشطر في معجم ما استعجم (حراء) واللسان (حرى). (¬3) انظر شرح الجمل (2/ 240)، وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬4) سورة الجن: 1. (¬5) سورة النحل: 1. (¬6) سورة القمر: 1. (¬7) يمنع الصرف للعلمية والعجمة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه فتقول: هذه سورة ص، وإن لم تضف إليه سورة لا في اللفظ ولا في التقدير جاز فيه ثلاثة أوجه: الوقف على الحكاية، وأن تعربه منصرفا إن قدرته منقولا من مذكر، وغير منصرف إن قدرته منقولا من مؤنث؛ لأن أسماء الحروف يجوز فيها التذكير على معنى الحرف والتأنيث على معنى الكلمة. وإن كان أكثر من واحد فإن كان على وزن من أوزان الأسماء الأعجمية وأضفت إليه سورة لفظا أو تقديرا فالوقف، وإن لم تضفها إليه لا لفظا ولا تقديرا ففيه وجهان: إعرابه غير منصرف والوقف على الحكاية، وذلك نحو: طس، حم هما على وزن: هابيل وقابيل (¬1). وإن لم يكن على وزن من أوزان الأعجمية فإن أمكن جعله اسما مركبا وذلك: طسم فإن أضفت إليه سورة لفظا أو تقديرا فالوقف، وإن لم تضفها إليه لا لفظا ولا تقديرا فالوقف والبناء نحو «خمسة عشر»، وإعرابه ما لا ينصرف نحو «بعلبك»، وإن لم يمكن جعله اسما واحدا فالوقف ليس إلّا، أضفت إليه سورة أو لم تضف، نحو: «كهيعص»، و «حم عسق» انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وعرف منه أن اسم السورة إذا أضيف إليه سورة لفظا أو تقديرا يكون موقوفا أي محكيّا في ثلاثة مواضع. الأول: أن يكون اسم الحرف واحدا نحو: سورة ص، وسورة ق، وسورة ن. الثاني: أن يكون الاسم على وزن من أوزان الأعجمية نحو: سورة طس، سورة حم. الثالث: أن لا يكون على وزن من الأوزان الأعجمية لكن يمكن تركيبه، أي يمكن أن يركب الأول مع الثاني نحو: سورة طسم، وأجاز الأستاذ أبو علي (¬2) في هذه المواضع الثلاثة مع الحكاية الإعراب أيضا، ففي نحو: ص وهو الموضع الأول يجيز الصرف وعدمه، لأن أسماء الحروف تذكر وتؤنث، فمن ذكر صرف، ومن أنث كان عنده كـ «هند» فيجوز فيه الصرف وعدمه، وفي نحو: طس وحم وهو الموضع الثاني يعربه إعراب ما لا ينصرف؛ لأنها وازنت هابيل وقابيل، وفي نحو: طسم وهو الموضع الثالث يجعل الاسمين اسما واحدا، ويجري فيه الوجهين في «حضر موت». - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 257). (¬2) انظر التذييل (6/ 384: 385)، والهمع (1/ 35).

[تعريفات ومسائل في أسماء القبائل]

[تعريفات ومسائل في أسماء القبائل] قال ابن مالك: (وقد تسمّى القبيلة باسم الأب والحيّ باسم الأمّ فيوصفان بابن وبنت وقد يؤنّث اسم الأب على حذف مضاف مؤنّث، فلا يمنع من الصّرف، وكذا قرأت هودا ونحوه إن نويت إضافة السّورة). ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجوز التركيب بأن يجعل الإعراب في الميم ويفتح النون من «طس»، وتجوز الإضافة أيضا بأن يجعل الإعراب في النون ويجر الثاني بالإضافة إليه بالكسرة، إلّا إن كان فيه ما يمنع الصرف فيجر بالفتحة على ما هو المعروف في هذه المسألة. والظاهر ما قاله ابن عصفور، أعني أن الوقف أي الحكاية واجب ولا يجوز الإعراب؛ لأن السورة إذا كانت مضافة لفظا أو تقديرا، فإنما تضاف إلى مسماها، ومسماها إنما هو لفظ القرآن العزيز لا غيره، ولفظ القرآن العزيز لا يتغير فيتعين أن يقال سورة ص، سورة طس، سورة طسم بحكاية لفظ القرآن العزيز، نعم هذا الذي قاله أبو علي من جواز الإعراب يتوجه إذا لم تذكر السورة ولم تقدر، بل ذكر الاسم خاصة، فإن الذاكر يمكن أن لا يقصد لفظ القرآن العزيز وأنه قصد ذكر اسم هذه السورة وحينئذ يجوز الإعراب (¬1). قال ناظر الجيش: تضمن هذا الكلام الإشارة إلى ثلاث مسائل: الأولى: أن القبيلة قد تسمى باسم الأب فتوصف بابن من حيث إنه اسم أب، وببنت من حيث أطلق على القبيلة، وكذا الحي قد يسمى باسم الأم فيوصف ببنت من حيث إنه اسم أم، وبابن من حيث إنه أطلق على الحي، مثال الأول: تميم بن مرّ، وتميم بنت مرّ لأن (¬2) «تميما» اسم الأب وسميت به القبيلة (¬3)، ومثال الثاني: باهلة بنت - ¬

_ (¬1) ما ذهب إليه المؤلف بأن الظاهر ما قاله ابن عصفور من أن الوقف واجب، وتعليله له بما ذكر رأي وجيه تطمئن إليه النفس، وهذا يدل على كمال وعيه وعدم إغفاله للوجهة الصحيحة، كما أن توجيهه رأي الأستاذ أبي علي في المسألة يدل على أمانته العلمية واحترامه لآراء العلماء، فهو لم يرد تفنيد رأيه، وإنما أراد الوصول إلى القاعدة الصحيحة بوجه يكون مقبولا. (¬2) زعم يونس أن العرب تقول: هذه تميم بنت مر، وقال سيبويه: «وسمعناهم يقولون: قيس بنت عيلان، وتميم صاحبة ذلك، فإنما قال: بنت حين جعله اسما للقبيلة» الكتاب (3/ 249). (¬3) انظر التذييل (6/ 381).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعصر، وباهلة ابن أعصر (¬1) لأن «باهلة» اسم أم وسمي به الحي (¬2). المسألة الثانية: قال الشيخ (¬3): مثال ذلك: قول الشاعر: 3734 - سادوا البلاد وأصبحوا في آدم ... بلغوا بها بيض الوجوه فحولا (¬4) قال: فآدم اسم أب وهو على حذف مضاف مؤنث كأنه قال: سادوا البلاد وأصبحوا في قبائل آدم أو في أولاد آدم ونحو ذلك مما يصلح أن يقدر بمؤنث، ثم أنث آدم بعود الضمير إليه مؤنثا وهو قوله: بلغوا بها، ومع كونه أعاد الضمير مؤنثا لم يمنعه من الصرف؛ لأنه راعى المضاف المحذوف، قال: وقوله: فلا يمنع من الصّرف إشعار بانه لا يتحتم فيه الصرف لأنه يجوز أن يقول: وأصبحوا في آدم فلا يصرف لكن الوزن لا يساعده [و] لأن آدم نقلوا أنه يستعمل للقبيلة وإن كان اسم أب كما استعملوا تميما، فمن هذا الوجه يجوز أن يرد غير مصروف للتأنيث والعلمية انتهى. وما قاله غير ظاهر فإن «آدم» الذي هو اسم لا ينصرف قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ (¬5)، وعدم انصرافه لوزن الفعل والعلمية، وصرفه في البيت الذي أنشده إنما هو للضرورة، وهو محكوم عليه بمنع الصرف فكيف يحكم عليه بأنه مصروف؟ ولم يستحسن كلام الشيخ هنا على أنه قال (¬6) عقب ذلك مشيرا إلى المصنف: «وهذا الذي قاله لا تحقيق فيه [5/ 72] لأن الضمير إنما عاد على ذلك المؤنث المحذوف وهو قبائل». والذي قاله صحيح ولكن من أين لما أن المصنف أراد هذا الذي ذكره هو؟ فقد - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (3/ 249): «ومثل ذلك قوله: باهلة بن أعصر، فباهلة امرأة ولكنه جعله اسما للحي، فجاز له أن يقول: ابن». (¬2) انظر التذييل (6/ 381). (¬3) انظر التذييل (6/ 381: 382). (¬4) سبق شرحه والتعليق عليه، والشاهد فيه هنا: ترك صرف «آدم» لأنه على حذف مضاف مؤنث وهو اسم أب. (¬5) سورة آل عمران: 33. (¬6) انظر التذييل (6/ 382).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون مراده غير ذلك وهو الظاهر، فالشيخ حمل كلام المصنف على معنى يحتمل أن يكون مرادا له، وأن يكون غير مراد، ثم رد ذلك المحتمل بقوله: «وهذا الذي قاله لا تحقيق فيه» مع أننا لم نقطع بأنه قال هذا. وبعد ذلك فقول المصنف: وقد يؤنث اسم الأب على حذف مضاف مؤنث فلا يمنع من الصّرف غير ظاهر أيضا لأن الاسم العلم إذا أنث وجب منع صرفه، فكيف يقال: فلا يمنع من الصرف؟ نعم لو كان الأمر عكس ذلك حتى كأن يقول: وقد يؤنث اسم الأب على حذف مضاف مؤنث فيمنع من الصرف لكان أقرب، وذلك أن التأنيث العارض ليس حكمه حكم التأنيث الأصلي، فما عرض تأنيثه لا يذهب الذهن إلى منع صرفه؛ لأن صرفه هو الأصل فلا حاجة إلى أن ينبه عليه بقوله: فلا يمنع الصرف، وإنما الفائدة في التنبيه على منع صرفه. المسألة الثالثة: وهي المشار إليها بقوله: وكذا قرأت عودا ونحوه إن نويت إضافة السّورة، قال الشيخ (¬1): يقول إن هودا ونحوه لا يمتنع من الصرف إذا نويت إضافة السورة إليه؛ لأنك إذا لم تنو إضافة السورة إليه تحتم منع صرفه؛ لأنه قد انضاف إلى العلمية فيه العجمة في الثلاثي الساكن الوسط المصاحبة للتأنيث، وانضاف إلى تأنيث الثلاثي الساكن الوسط في ذلك كونه منقولا من مذكر، لأنه في الأصل اسم للنبي صلّى الله عليه وسلّم ثم سميت السورة به. انتهى. ولا شك أن كون «هود» منصرفا في قولنا: قرأت هودا ناوين إضافة سورة إليه أمر معلوم؛ لأنه بإضافة سورة إليه تعين أن يراد به اسم النبي صلّى الله عليه وسلّم والاسم الأعجمي شرط منعه الزيادة على الثلاثة كما عرف، وكذا من المعلوم أنا إذا جعلناه اسما للسورة يمتنع للعلمية والتأنيث المنضم إليه العجمة، وإذا كان كذلك فإنما أتى المصنف بقوله: وكذا قرأت هودا إن نويت إضافة السورة ليبين أن نية الإضافة حكمها حكم ما لو نطق بالمضاف، فكما أننا إذا قلنا: قرأت سورة هود نصرف هودا هكذا إذا قلنا: قرأت هودا ونوينا إضافة سورة إليه، ولو لم يذكر ذلك لجاز أن يتوهم أن نية إضافة السورة - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 382: 383).

[ما يمتنع صرفه معرفة ونكرة وما يمتنع صرفه معرفة فقط]

[ما يمتنع صرفه معرفة ونكرة وما يمتنع صرفه معرفة فقط] قال ابن مالك: (فصل ما منع صرفه دون علميّة منع معها وبعدها أيضا إن لم يكن «أفعل تفضيل» مجرّدا من «من» خلافا للأخفش في [معدول العدد وفي] مركّب تركيب «حضر موت» مختوم بمثل «مفاعل أو مفاعيل» أو بذي ألف التّأنيث، وله في أحد قوليه، وللمبرّد في نحو: «هوازن» و «شراحيل» و «أحمر»، وما لم يمنع إلّا مع العلميّة صرف منكّرا بإجماع). ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى هود صلّى الله عليه وسلّم ليس كإضافتها في اللفظ فنبه بما ذكره أن الحكم فيهما واحد. قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى أن ما لا ينصرف ضربان: ضرب لا ينصرف في تنكير ولا تعريف، وضرب لا ينصرف في تعريف وينصرف في تنكير. أما ما لا ينصرف في الحالين فخمسة أقسام وهي: ما أنث بالألف كـ «سكرى» و «حمراء»، والجمع الذي لا نظير له في الآحاد كـ «مساجد» و «قناديل»، والاسم الذي هو صفة إما مع العدل، أو مع الألف والنون الزائدتين، أو مع وزن الفعل كـ «مثنى» و «أخر» وك «سكران» و «ريّان» وك «أحمر» و «أصفر» فهذه تمنع الصرف منكرات، وكذا إذا سمي بها فصارت أعلاما؛ لأن قسمين منها وهما المؤنث بالألف والجمع، كل منهما ذو علة مستقلة بالمنع، فلا فرق فيه بين النكرة والمعرفة، وأما ثلاثة الأقسام الباقية، فلأن العلمية خلفت فيها الوصف، فاستحق منه الصرف لوجود العلتين. وأما ما لا ينصرف في التنكير فسبعة أقسام وهي: ما انضم إلى العلمية فيه تأنيث بغير الألف كـ «طلحة» و «زينب»، أو تركيب كـ «معدى كرب»، أو عجمة كـ «إبراهيم»، أو ألف إلحاق كـ «علقى»، أو عدل كـ «عمر» أو زيادة ألف ونون كـ «عمران»، أو وزن فعل كـ «يزيد» و «تغلب»، فهذه إذا نكرت صرفت، وذلك أن ما كان منها شرط منع صرفه العلمية كالذي فيه تأنيث بغير الألف، أو تركيب، أو عجمة، أو ألف إلحاق مقصورة، فظاهر صرفه إذا نكر لزوال شرط المنع منه وهو العلمية، وما -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان ليس شرط منع صرفه العلمية فالذي فيه عدل، أو زيادة ألف ونون، أو وزن فعل، إذا زالت العلمية منه لم يبق فيه إلّا علة واحدة، نعم إن كان ما فيه أحد الثلاثة وصفا في الأصل فنقل وسمي به ثم نكر بعد التسمية فإنه يمنع الصرف على المذهب الصحيح وهو مذهب سيبويه (¬1) كما سيأتي بيان ذلك. وقد أشار ابن الحاجب إلى هذا الأصل الذي قرر بعبارة وجيزة مفيدة للحكم والتعليل حيث قال (¬2): «وما فيه علمية مؤثرة إذا نكر صرف لما تبين من أنها لا تجامع مؤثرة إلا ما هي شرط فيه إلّا العدل ووزن الفعل وهما متضادان فلا يكون إلّا أحدهما، فإذا نكر بقى بلا سبب أو على سبب واحد». فقوله «مؤثرة» يحترز به من أن تكون العلمية لا أثر لها في منع الصرف لذلك الاسم كـ «مساجد» و «حمراء» اسمي رجلين، فإن العلمية لا أثر لها فيهما لاستقلال الحكم بالجمعية وألف التأنيث. وإنما انصرف ما فيه علمية مؤثرة إذا نكر لما تبين من أن العلمية لا تجامع شيئا من العلل وهي مؤثرة إلّا ما هي فيه إلّا العدل ووزن الفعل فإنها تجامعهما من غير شرطية بدليل منع «ثلاث» و «أخر» و «أحمر» الصرف، ولو كانت العلمية شرطا فيهما لصرفت هذه الكلمات، فدل ذلك على أن العلمية ليست شرطا فيهما، لاستقلال الحكم دونها إلّا [5/ 73] أن العدل ووزن الفعل متضادان، وبيان التضاد (¬3) أن العدل لا يكون إلّا بالأوزان المذكورة ولا شيء منها من أوزان الفعل، فلا يجتمع أبدا مع العلمية إلّا أحدهما، فإن لم يكن فيه أحدهما بقي بلا سبب أصلا؛ لأن العلمية تزول بالتنكير، ويزول كون البواقي سببا لكون العلمية شرطا فيها، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط، وإذا نكر وفيه أحدهما بقي على سبب واحد وهو إما العدل أو وزن الفعل، والعلمية تزول بالتنكير، هذا شرح ما قصده ابن الحاجب. وأقول: قد بقي عليه أن يستثنى الألف والنون الزائدتين؛ لأنهما يمنعان مع الوصف كما يمنعان مع العلمية، فهما في ذلك كالعدل ووزن الفعل، وإذا كان - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 193). (¬2) انظر الإيضاح شرح المفصل (1/ 150: 151) وشرح الكافية للرضي (1/ 64). (¬3) انظر شرح الكافية للرضي (1/ 65: 66).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كذلك فكان الواجب أن يقول: إلّا العدل ووزن الفعل، والألف والنون المزيدتين وهي متضادة فلا يكون إلّا أحدهما، وقد ذكر هذا الإيراد لبعضهم فأجاب بأن قال: هو مستغن عن ذلك لقوله (¬1): «إن كانا - يعني الألف والنون - في اسم فشرطه العلمية، وهذا الجواب لا يفيد، لأن ذلك يقال في العدل أيضا، فيقال: إن كان في اسم فشرطه العلمية وكذا وزن الفعل يقال فيه: إن كان في اسم فشرطه العلمية. وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب وإبراز صور المسائل المذكورة من منطوقة ومفهومه مع الإشارة إلى التعليل فنقول: دخل تحت قوله ما منع صرفه دون علميّة منع معها؛ الأقسام الخمسة وهي: ما امتنع صرفه لسبب واحد كالمؤنث بالألف والجمع المتناهى. وما امتنع صرفه لسببين أحدهما الصفة والآخر العدل أو الزيادة أو الوزن. أما المؤنث فلأن الألف كانت مستقلة بالمنع والعلمية تزيد الاسم ثقلا. وأما الجمع المتناهى فالمانع فيه بعد التسمية به أمران: التعريف وشبه العجمة، لأنك أدخلت في الآحاد العربية ما ليس منها، كما أنك إذا سميت بالعجمي فقد أدخلت في كلام العرب ما ليس منه، هذه الجماعة - أعني المغاربة - وكان المصنف يعلل المنع - أعني منع صرفه - بغير ذلك، والظاهر ما قاله الجماعة. وقال الشيخ (¬2): «إن نحو مساجد إذا سمي به يمتنع الصرف للعلمية وشبه العجمة بلا خلاف بين النحويين؛ لأن شبه العلة في هذا الباب علة، وقد استدلوا على أن العلة هنا علة بمنع «شراحيل» الصرف وهو اسم رجل سمي بالجمع، لأن سيبويه ذكر أنه عربي (¬3)، وهذا المثال لا يكون في الآحاد العربية فهو منقول من جمع». وأما الأقسام الثلاثة الأخر وهي التي امتنع صرفها لسببين أحدهما الصفة فلأنها بعد التسمية بها تخلف الصفة فيها العلمية، وهذا ظاهر، نعم في «أخر» و «مثنى» وأخواتها المعدولة خلاف بعد التسمية بها: مذهب سيبويه منع الصرف (¬4)، وذهب - ¬

_ (¬1) أي ابن الحاجب، وانظر شرح كافية ابن الحاجب للرضي (1/ 60). (¬2) انظر التذييل (6/ 388) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬3) انظر الكتاب (3/ 229). (¬4) انظر الكتاب (3/ 224، 225).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جماعة إلى أنها مصروفة قال [5/ 72] المصنف في شرح الكافية (¬1): «وكل ممنوع الصرف في التنكير ممنوع الصرف في التعريف؛ لأنه إن كان ممنوعا لألف التأنيث فقد تقدم أنها سبب قام مقام سببين، وإذا كانت كذلك في التنكير فهي في التعريف أحق بذلك؛ لأنه لا يخفف ما هو فيه بل يزيده ثقلا، وإذا كان من باب «سكران» (¬2) فزيادتاه إما مستقلتان بالمنع لمضارعتهما ألفي التأنيث، وإما معتضدتان بالوصفية، فإن كانتا مستقلتين فمع العلمية أولى، وإن كانتا معتضدتين بالوصفية فالعلمية تخلفها، وكذا الممنوع للوزن والوصفية، ولعدم النظير والجمعية، وهكذا الممنوع للعدل والوصفية كـ «أخر» و «مثنى» صرح بذلك سيبويه (¬3) وخالفه الأخفش (¬4) وأبو علي وابن برهان (¬5) وابن بابشاذ (¬6) وقالوا: لأن العدل يزول معناه بالتسمية فينصرف «ثناء» وأخواته إذا سمي شيء منها مذكر، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه من منع الصرف؛ لأن لفظ العدل باق فلا أثر لزوال معناه كما لا أثر لزوال معنى الجمعية من «مساجد» علما، ولا لزوال معنى التأنيث من «سعاد» علم رجل. وقوله - أعني المصنف -: وبعدها يريد به أن الذي منع من الصرف مع العلمية وقد كان ممنوعا دونها وهو الأقسام الخمسة المتقدمة الذكر إذا زالت العلمية عنه عاد إلى الحال التي كان عليها، فيمنع الصرف بعد العلمية أيضا إذا نكر، أما المؤنث فلأن الألف لها الاستقلال بذلك، فلا مبالاة بفقد العملية؛ لأنها لم تكن مؤثرة شيئا يزول الأثر بزوالها. وأما ما هو بصيغة الجمع: فقالوا: إن العلة في منعه الصرف شبيه بأصله، وذلك أن الاسم نكرة كما كان قبل التسمية به كذلك، وقال المصنف في شرح الكافية (¬7): «وإذا سمي بنحو: مساجد ثم نكر لم ينصرف عند غير الأخفش (¬8)، وحكم - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1436، 1437). (¬2) انظر الكتاب (3/ 215: 216). (¬3) انظر الكتاب (3/ 224، 225). (¬4) انظر معاني القرآن للأخفش (1/ 155). (¬5) انظر اللمع لابن برهان (رسالة) (ص 377). (¬6) ابن بابشاذ: ظاهر بن أحمد بن بابشاذ ومعناه: الفرح والسرور، توفي سنة (469 هـ). انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 17). (¬7) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1500). (¬8) واختاره المبرد قال في المقتضب (3/ 345): «إلّا أبا الحسن الأخفش فإنه كان إذا سمي بشيء من هذا رجلا أو امرأة صرفه في النكرة فهذا عندي هو القياس».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأخفش بصرفه بعد التنكير، قال: والصحيح مذهب سيبويه (¬1)، ويدل على صحته استعمال العرب «سراويل» غير مصروف كقول ابن مقبل، يصف مكانا فيه بقر الوحش: 3735 - يمشّي به ذبّ الرّياد كأنّه ... فتى فارسيّ في سراويل رامح (¬2) و «سراويل» اسم مفرد نكرة، والجمعية منتفية في الحال، والأصل بخلاف «مساجد» إذا نكر بعد التسمية فإن الجمعية منتفية منه في الحال لا في الأصل فهو أثقل من سراويل [وأحق] بمنع الصرف. انتهى. وليس في كلامه ما يفهم منه علة منع الصرف، غايته أنه استدل على المنع بمنع صرف «سراويل» في لسان العرب. وأما الثلاثة الأخر - أعني الممتنع للوصف ولأحد الثلاثة التي هي: العدل والزيادة والوزن فلأن الاسم المذكور لما زالت منه العلمية اعتبر فيه الأصل وهو الصفة، وقد علم أن المعتبر في هذا الباب إنما هو أصالة الوصف؛ ولذلك لم يؤثر عروض الاسمية في «أدهم» بل منع الصرف نظرا إلى أنه صفة في الأصل ولم يؤثر عروض الوصفية في «أكلب» من قولك: مررت [5/ 74] بقوم أكلب أي: أخسّاء، فلما كان المعتبر إنما هو أصالة الوصف وكانت هذه الأسماء صفات قبل العلمية اعتبر فيها بعد زوال العلمية ما كانت عليه قبلها. وبعد ففي كل من الثلاثة خلاف وأنا أذكر ذلك مفصلا: أما نحو «أحمر» وهو ما كان ممنوعا للعلمية ووزن الفعل كـ «آدر» و «آلى» فإنه إذا نكر بعد التسمية به ففيه مذاهب أربعة: أحدها: مذهب سيبويه وهو أنه لا ينصرف (¬3)، والظاهر أن العلة في منع صرفه ما تقدمت الإشارة إليه وهو وزن الفعل والصفة التي هي أصله، لكن المغاربة يقولون: إن العلة فيه وزن الفعل وشبهه بأصله؛ لأنه الآن نكرة كحاله إذا كان وصفا (¬4)، وشبه العلة في هذا الباب علة كما تقدم. ثانيها: أنه منصرف، وعلة ذلك عند القائل به أنه ليس فيه إلّا علة واحدة؛ لأنه قد نكر بعد التسمية ومعنى الوصف كان قد زال عنه حين سمي به، وهذا المذهب - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 27، 29). (¬2) سبق شرحه. (¬3) انظر الكتاب (3/ 193). (¬4) انظر التذييل (6/ 389).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مشهور عن الأخفش (¬1) لكن قال المصنف في شرح الكافية (¬2): «وفي أحمر وشبهه خلاف، فمذهب سيبويه أنه لا ينصرف إذا نكر بعد التسمية (¬3) وخالفه الأخفش مدة ثم وافقه في كتابه «الأوسط» قال: وأكثر المصنفين لا يذكرون إلا مخالفته، وذكر موافقته أولى لأنها آخر قوليه». ثالثها: التفصيل وهو مذهب الفراء وتبعه ابن الأنباري، زعم أن «أحمر» إذا سمي به رجل أحمر لم يصرف في معرفة ولا نكرة. وإن سمي الأسود مثلا بـ «أحمر» انصرف في النكرة ولم ينصرف في المعرفة (¬4). رابعها: وهو قول للفارسي في بعض كتبه «أنه إذا نكر بعد التسمية جاز فيه الصرف وتركه قال: لأن فعل هذا الذي هو صفة في الأصل حين سمعت به العرب تارة اعتبرت أصله [فجمعته جمع أحمر وتارة اعتبرت ما آل إليه من الاسمية] فجمعته جمع الأسماء فقالوا في «أحوص» العلم: حوص كما قالوا في أحمر: حمر، وقالوا فيه: أحاوص كما قالوا في أحمد: أحامد ويدل عليه قول الشاعر: 3736 - أتاني وعيد الحوص من آل جعفر ... فيا عبد ربّ لو نهيت الأحاوصا (¬5) - ¬

_ (¬1) وقد وافقه المبرد في المقتضب (3/ 312) وابن يعيش في شرح المفصل (1/ 70). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1499). (¬3) انظر الكتاب (3/ 193). (¬4) انظر التذييل (6/ 390: 391). (¬5) هذا البيت من الطويل وقائله - كما سبق أن ذكرنا - هو الأعشى (ديوانه ص 109) ميمون بن قيس من قصيدة نفسر فهمها عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على ابن عمه علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص، الشرح: قوله وعيد الحوص أي ما كان أوعده به علقمة بن علاثة من القتل لما هجاه الأعشى ومدح ابن عمه عامرا بن الطفيل، والأحوص، والأحاوص عنى به من ولده الأحوص منهم: عوف بن الأحوص وعمرو ابن الأحوص وشريح بن الأحوص وربيعة بن الأحوص، والحوص: ضيق إحدى العينين. والمعنى: يقول أتاني أن الأحاوص توعدوني بالقتل فيا عبد عمرو لو نهيتكم عن ذلك كان خيرا لهم وأصون لأغراضهم، يريد أن توعدهم إياه يزيده إقداما على هجوهم وسب أعراضهم. والشاهد في البيت: قوله «الحوص» و «الأحاوص» حيث جمع عليهما «أحوص» وقد علم أنه لا يجمع على «فعل» - بضم فسكون - إلا أفعل صفة وشرطه أن يكون مؤنثه على «فعلاء» ولا يجمع على «أفاعل» إلا أفعل اسما أو أفعل التفضيل وعلى فيكون الشاعر قد لحظ في «الأحوص» الجهتين: الاسمية والوصفية فمن جهة الاسمية جمعه على أحاوص، ومن جهة الوصفية جمعه علي «حوص». وانظر البيت في المفصل (ص 195) والمفضل في شرح أبيات المفصل بهامش المفصل، وابن يعيش (5/ 62، 63)، والخزانة (1/ 88).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فمن جمعه جمع الصفات ينبغي له أن لا يصرف، ومن جمعه جمع الأسماء ينبغي له أن يصرفه (¬1) انتهى. وأقول: إن القول بجواز الصرف وتركه إذا نكر بعد التسمية ليس ببعيد، لكن ليس للعلة التي ذكرها أبو علي، بل يقال: إن هذا الاسم أصله الوصف وقد زال عنه ذلك بالعلمية، فإذا نكر كان لنا اعتباران: إن اعتبرنا أصله بأن لحظنا الصفة التي كان عليها منعناه، وأما نحو «سكران» وهو ما كان ممنوعا للعلمية والزيادة حين التسمية فإنه إذا نكر بعد التسمية به فمذهب سيبويه أنه لا ينصرف (¬2)، والكلام في علة المنع ما هي؟ كالكلام في علة «أحمر» ما هي؟ فمن راعى الأصل قال: المانع الصفة الأصلية والألف والنون المزيدتان، والجماعة يقولون: المانع زيادة الألف والنون وشبهه بأصله من حيث إن اللفظ في الحالين واحد وإنه نكرة كما كان قبل التسمية، وذكروا أن مذهب الأخفش صرفه كما ذكروا عنه صرف «أحمر» منكرا. ولك أن تقول: قد ذكرتم أن الأخفش رجع في نحو «أحمر» إلى موافقة سيبويه فكيف تثبت عنه مخالفته في نحو «سكران»؟ والحق أن المسألتين واحدة فإما أن ينسب إليه الموافقة لسيبويه فيهما أو المخالفة له فيهما. وأما نحو «مثنى» و «أخر» فلا يخفى أن حكمه إذا نكر بعد التسمية به حكم «أحمر»، و «سكران» (¬3) فمن منع الصرف ثمّ منع هنا، ومن صرف ثمّ صرف هنا، وقال الشيخ (¬4): «أما ما عدل في العدد وسمي به ثم نكر بعد التسمية ففيه خلاف: مذهب الجمهور أنه لا ينصرف (¬5). وذهب الأخفش إلى أنه ينصرف (¬6). واختلف النقل عن أبي علي فمنهم من نقل الصرف ومنهم من نقل ترك الصرف «انتهى». - ¬

_ (¬1) انظر الحلبيات للفارسي والتذييل (6/ 391: 392). (¬2) انظر الكتاب (3/ 215)، وابن يعيش (1/ 70). (¬3) انظر التذييل (6/ 393). (¬4) انظر التذييل (6/ 393). (¬5) انظر الكتاب (3/ 225) والهمع (1/ 36). (¬6) انظر الهمع (1/ 36).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم العلة في منع الصرف عند الجماعة العدل وشبهه بأصله، وعند غيرهم العدل والصفة الأصلية. وأما «أخر» فكأنهم لم يختلفوا فيه، فإن الشيخ قال (¬1): «وأما أخر إذا نكر بعد التسمية فينبغي أيضا أن لا يصرف؛ لأنه اجتمع فيه العدل وشبهه بأصله». واعلم أن الشيخ تعرض هنا لذكر «جمع» إذا نكر بعد التسمية به فقال: «إنه منصرف؛ لأن العلمية زالت منه ولم يشبه أصله؛ لأنه لم يعدل إلّا في حال التعريف فصار مثل: عمر إذا نكر بعد التسمية به» انتهى. ولا ينبغي أن يذكر ذلك هنا؛ لأن الكلام الآن هو في ما منع صرفه دون علمية أنه يمنع مع العلمية وبعد العلمية ولم يكن «جمع» يمنع دون علمية إن قلنا إنه معرف بها، أو دون تعريف إن قلنا إن تعريفه بنية الإضافة، وإذا كان كذلك فلا مدخل لذكره مع ما ذكر من الأقسام الخمسة. ثم ليعلم أن «أفعل» المقصود به التفضيل إذا سمي به فإما أن يسمى به وهو مصاحب لـ «من» أو مجرد من «من» ويسمى به، فإن سمي به مصاحبا لـ «من» فحكمه حكم «أحمر» فيكون ممنوع الصرف على المذهب المختار، وإن سمي به مجردا من «من» ثم نكر كان مصروفا بإجماع، ذكر المصنف ذلك في شرح الكافية (¬2) معللا الصرف بأن أفعل لا يعود إلى مثل الحال التي كان عليها إذا كان صفة فإن وصفيته مشروطة بمصاحبة «من» لفظا أو تقديرا. فإلى هذه المسألة أشار في التسهيل فأخرجها مما يمتنع صرفه بقوله «إن لم يكن أفعل تفضيل مجرّدا من من». وأما قول المصنف: خلافا للأخفش في مركّب تركيب حضر موت مختوم بمثل مفاعل أو مفاعيل أو بذي ألف التّأنيث فأشار به إلى أنك إذا سميت بنحو: زيد مساجد أو بنحو: عبد حمراء، أو عبد بشرى، وجعلت الاسمين اسما واحدا كما هما في «حضر موت» - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 393). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1500)، وقد نقله المؤلف بتصرف، وانظر شرح الكافية للرضي (1/ 68) والتذييل (6/ 394: 395).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فمعلوم أن ذلك لا ينصرف للعلمية والتركيب (¬1)، فإذا نكر بعد [5/ 75] التسمية ففيه خلاف: منهم من يمنع الصرف معللا ذلك بأن قال: لم أر شيئا من هذا النوع مصروفا في كلامهم. والجمهور على أنه ينصرف، قالوا: لأن المانع في «مساجد» إنما كان بناء الجمع، وأنت الآن قد صرت في منعه الانصراف إلى التركيب، لأنك جعلتهما كـ «حضر موت» وحضر موت إذا نكر بعد التسمية انصرف، فكذلك هذا، ولأن المانع في «عبد حمراء» و «عبد بشري» إنما هو التركيب لا التأنيث اللازم، فإذا نكّرته بعد التسمية صرفته كما تصرف المركب المنكر بعد التسمية (¬2). والأخفش موافق الجمهور في الصرف (¬3)، فعلى هذا يستفاد من قول المصنف خلافا للأخفش أن المعنى: خلافا للأخفش في صرفه، فيكون مختار المصنف فيه عدم الانصراف، ولا يقال: قد فهمنا أن مختاره عدم الانصراف من قوله منع معها وبعدها أيضا خلافا للأخفش في كذا فإنه وإن منع في ذلك مع العلمية لا يمنع بعدها؛ لأنا نقول: قوله منع معها وبعدها إنما هو حكم ما منع صرفه دون علمية فلا بد أن يكون الذي منع مع العلمية وبعدها ممنوعا قبل صيرورته علما فيحكم له بهذا الحكم، ولا شك أن مثل: «زيد مساجد» و «عبد حمراء» لم يكن له منع قبل علميته لأنه إنما عرض له هذا التركيب حال العلمية، وإذا كان كذلك فلا يفهم من قوله خلافا للأخفش بعد قوله منع معها وبعدها مختاره ما هو؟ ولولا نقل لنا أن الأخفش مذهبه الصرف ما علمنا أن مختار المصنف الصرف. ثم اعلم أن الشيخ مثّل لقول المصنف «مختوم بمثل مفاعل أو مفاعيل» بـ «محاريب مساجد» (¬4)، ولم يكن في عبارته - أعني المصنف - افتتاح هذا المركب مفاعل أو مفاعيل، بل اختتامه بمثل ذلك، على أن ما مثل به الشيخ لا ينافيه كلام المصنف، لكن كان ينبغي للشيخ التمثيل بنحو: زيد مساجد أيضا كما مثل بمحاريب مساجد. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 395). (¬2) انظر التذييل (6/ 395: 396). (¬3) انظر التذييل (6/ 395) وشرح الكافية للرضي (1/ 67) والهمع (1/ 36) ومنهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص 349) فإنه ذكر أن الأخفش قال: «كل شيئين جعلا اسما لم يصرفا». (¬4) انظر التذييل (6/ 395).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي شرح المفصل لابن عمرون - رحمه الله تعالى: «لو سمي بمدائن محاريب فقيل: حكمه الإضافة، لأن باب الإضافة أوسع من باب الأسماء المركبة، ولو أجري على طريقة «حضر موت» كان قياسه أن يصرف في النكرة، كذا ذكر الرماني (¬1)، وقال الزمخشري: إذا ركبت اسما من كلب صفراء قلت: هذا كلب صفراء فلم تصرفه للعلمية والتركيب، فإذا نكرته صرفته فقلت: رب كلب صفراء، وقال ابن بابشاذ: لو سمينا رجلا بمحاريب مساجد بالكلمتين معا لكان حكمه كحضر موت؛ لأنك لما أدخلت هذا باب التركيب أعطيته حكمه فصرفته في النكرة كصياقل لا ينصرف، فإذا دخلته تاء التأنيث انصرف في النكرة، ولو سميت باسمين مركبين وفي آخر الثاني علة تقوم مقام علتين، مثل صاحب حمراء لصرفته في النكرة لدخوله في باب ما لا ينصرف في النكرة، ولو ثنيت لم تقلب همزته بل تفردها فتقول: صاحب حمراءان، قال ابن عمرون بعد ذكره ذلك: والذي أراه ما ذكره ابن خروف أن العلة إن كانت مما يمنع من الصرف وحدها لم ينصرف في النكرة؛ ولذلك إذا كان آخر المركب أحد هذه الأسماء نحو: رام سكران الثاني غير مخفوض بالكسرة في المعرفة والنكرة؛ لأنك لما نكرته بقيت فيه علة لا ينصرف الاسم الذي هي فيه أبدا مركبا كان أو غير مركب، وصرف مثل هذا خطأ في النكرة، وكذا تثنية حمراء في التركيب كتثنيتها قبل التركيب، وإثبات الهمزة في التثنية فاسد، وتشبيه ابن بابشاذ المركب بصياقلة لا وجه له؛ لأن التاء دخلت الاسم الأول وركب معها ومنعته ما يكون فيه إذا لم تدخل عليه، ومساجد حمراء لم يدخل عليها شيء، وحمراء آخر الكلمة فلم يجر فيه حكم ما دخلته تاء التأنيث، والذي بمنزلة صياقل الاسم الأول، وعزا ابن بابشاذ القول إلى الأخفش وهو فاسد قاله من قاله» انتهى. والظاهر ما أشار إليه، وقد قلنا إن الذي يقتضيه كلام المصنف أن مختاره ذلك عدم الصرف، فقد وافق كلام ابن عمرون كلامه في المسألة، ولا يخفى أن ابن عمرون من الحذاق المعتبرين، فرحمهم الله تعالى أجمعين بمنه وكرمه. - ¬

_ (¬1) الرماني: علي بن عيسى بن علي مفسر من كبار النحاة: له نحو مائة مؤلف منها: شرح أصول ابن السراج، وشرح سيبويه (حققه د/ الزهيري بالمنصورة) وتوفي سنة (384 هـ) (2/ 294، 296)، وبغية الوعاة (2/ 180: 181)، والأعلام (4/ 317).

[حكم جوار ونحوه في أحواله الثلاثة]

[حكم جوار ونحوه في أحواله الثلاثة] قال ابن مالك: (فصل: ينوّن [5/ 76] في غير النّصب ما آخره ياء تلي كسرة من الممنوع من الصّرف، ويحكم للعلم منه عند يونس بحكم الصّحيح إلا في ظهور الرّفع، فإن قلبت الياء ألفا منع التّنوين باتّفاق). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قول المصنف: وله في أحد قوليه وللمبرّد في نحو: هوازن وشراحيل وأحمر فيشير به إلى المسألتين المتقدمتي الذكر وهما: الجمع المتناهى إذا سمي به ثم نكر بعد التسمية، و «أفعل» الممنوع الصرف وهو وصف إذا سمي به ثم نكر بعد التسمية، وقد تقدم الكلام على المسألتين بما فيه غنية، والإشارة إلى ذكر خلاف الأخفش فيهما وأنه وافق سيبويه في مسألة «أحمر». والذي استفدناه زائدا هنا أن المبرد خالف (¬1) فيكون مذهبه في المسألتين خلاف ما عليه سيبويه والجماعة فيهما. وأما قوله: وما لم يمنع إلّا مع العلميّة منكّرا بإجماع فقد قامت الإشارة إلى ذلك، والذي لا يمنع إلّا مع العملية هو زيادة الألف والنون في غير «فعلان فعلى» ووزن الفعل في غير «أفعل فعلاء» وما حمل عليه، والعدل في غير العدد، و «أخر» والتأنيث بغير الألف، والتركيب، والعجمة، وألف الإلحاق، وحكم ألف التكثير حكم ألف الإلحاق فتقول: مررت بعثمان وعثمان آخر، وبأحمد وأحمد آخر، وبعمر وعمر آخر، وبطلحة وطلحة آخر، وبمعدي كرب ومعدي كرب آخر، وبإبراهيم وبإبراهيم آخر، وبأرطى (¬2) وأرطى آخر، وبقبعثرى وقبعثرى آخر، وقد تقدم ذكر الموجب للصرف (¬3). وليعلم أن التنوين اللاحق لهذه الأسماء التي ذكرها هو تنوين الصرف، ولا يتوهم الصرف، ولا يتوهم أنه تنوين التنكير؛ لأن تنوين التنكير إنما يلحق الأسماء المبينة فرقا بين معرفتها، ونكرتها، وهذه الأسماء معربة. قال ناظر الجيش: المراد في هذا الفصل الإشارة إلى كل اسم في آخره «ياء» تلي - ¬

_ (¬1) انظر المقتضب (3/ 312، 345). (¬2) الأرطى: شجر ينبت بالرمل واحدته أرطاة، انظر اللسان (أرط). (¬3) الموجب للصرف هو زوال التعريف فلم يبق إلا علة واحدة. انظر التذييل (6/ 396).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كسرة مما هو ممنوع الصرف نحو: جوار وأعيم، ونحو: يغزو ويرمي مسمّى بهما، وأنا أورد أولا كلامه في شرح الكافية ثم أعود لما في الكتاب، قال (¬1) - رحمه الله تعالى -: «المنقوص الذي نظيره من الصحيح غير منصرف إن كان غير علم كجوار وأعيم تصغير أعمى، فلا خلاف أنه في الرفع والجر جار مجرى قاض في اللفظ، وفي النصب جار مجرى نظيره من الصحيح، فيقال: هؤلاء جوار وأعيم، ومررت بجوار وأعيم، ورأيت جواري وأعيمي كما يقال: هذا قاض ومررت بقاض ورأيت صواحب وأسيد، وكذا إن كان علما في مذهب الخليل وسيبويه (¬2) وأبي عمرو وابن أبي إسحاق (¬3) وأما يونس (¬4) وأبو زيد وعيسى والكسائي (¬5) فيقولون في قاض اسم امرأة: هذه قاضي، ورأيت قاضي، ومررت بقاضي، فلا ينون في رفع ولا جر، بل يثبتون الياء ساكنة في الرفع، ويفتحونها في الجر، كما تفعل بالصحيح، ومذهب الخليل هو الصحيح، لأن نظائر جوار من الصحيح لا ينوّن في تعريف ولا تنكير وقد نوّن، ونظائر قاض اسم امرأة لا ينون في تعريف وينون في تنكير، فتنوينه أولى من تنوين جوار، وقول الراجز: 3737 - قد عجبت منّي ومن يعيليا ... لمّا رأتني خلقا مقلوليا (¬6) من الضرورات على مذهب الخليل، وليس من الضرورات على مذهب يونس (¬7)، وشبه (¬8) ثمانيا بجوار من قال: - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1506). (¬2) انظر الكتاب (3/ 310: 311). (¬3) انظر شرح التصريح (2/ 228). (¬4) انظر الكتاب (3/ 312). (¬5) انظر الأشموني (3/ 273) وشرح التصريح (2/ 228). (¬6) هذان بيتان من الرجز المشطور وهما للفرزدق وليسا في ديوانه وهما من أبيات سيبويه. الشرح: يعيليا: مصغر يعلى اسم رجل، وخلقا بفتح الخاء واللام: وهو العتيق جدّا وأراد به رثّ الهيئة ودمامة الخلقة، والمقلولي: المتجافي المنكمش، وأصله ومقلوليا فحذف العاطف للضروة. والشاهد في قوله: «يعيليا» حيث حرك الياء للضرورة ولم ينونه؛ لأنه لا ينصرف. وانظر الرجز في الكتاب، (3/ 315) (هارون) والمقتضب (1/ 142)، والعيني (4/ 359) وشرح التصريح (2/ 228). (¬7) انظر الكتاب (3/ 312) والعيني (4/ 359). (¬8) شبهها بها في اللفظ انظر سر الصناعة (2/ 183) وما ينصرف وما لا ينصرف (ص 47). وقال في الكتاب (3/ 231): «وقد جعل بعض الشعراء ثماني بمنزلة حذار».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3738 - يحدو ثماني مولعا بلقاحها ... حتّى هممن بزيغة الإرتاج (¬1) انتهى. وما ذكره عن يونس ومن وافقه أنهم يقولون في قاض اسم امرأة: هذه قاضي، ورأيت قاضي، ومررت بقاضي، فهو جار عندهم في نحو جوار وأعيم إذا سمي بهما فيقولون: هؤلاء جواري، ورأيت جواري، ومررت بجواري، وكذا يقولون: هذا أعيمي، ورأيت أعيمي، ومررت بأعيمي. وإذا تقرر هذا فقوله في التسهيل ينوّن في غير النّصب ما آخره ياء تلي كسرة من الممنوع الصّرف يشمل ما كان غير علم، وما كان علما، وكما شمل قوله: من الممنوع الصّرف نحو: جوار وأعيم ويغزو ويرمي مسمى بهما شمل نحو: قاض مسمّى به امرأة، ولما كان يونس يخالف في العلم فيثبت الياء ساكنة في الرفع ويفتحها في حالتي النصب والجر قال: «ويحكم للعلم منه بحكم الصّحيح إلّا في ظهور الرّفع». اعلم أن «صحار» و «عذار» جمعي: صحراء وعذراء حكمهما في منع الصرف حكم «جوار» (¬2) لا شك أن نحو: صحراء وعذراء كما يجمع على «فعال» يجمع على «فعالى» بقلب الياء من «صحار» ألفا، لكن لما كان «فعال» ينوّن دون «فعالى» أشار المصنف إلى ذلك بقوله: فإن قلبت الياء ألفا منع التّنوين باتّفاق. كان الواجب لذلك أن التنوين إنما هو تنوين عوض، وقد تقدم في فصل «التنوين» عنه عند سيبويه عوض من الياء لا من حركتها، والياء إنما حذفت لموجب، فلما حذفت أتى بالتنوين وصاغها، وأما الألف المنقلبة عن الياء فلا موجب - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الكامل، وهو لابن ميادة. الشرح: قوله: يحدو من الحدو، وهو سوق الإبل والغناء لها، ومولعا: حال من الضمير الذي في يحدو، من أولع بالشيء إذا أغرم به، واللقاح: بفتح اللام ماء الفحل وهو المراد هنا، والزيغة: الميلة، عني به أسقاطها ما أرتجت عليه أرحامها أي: أغلقتها، يقول: إن ناقته تشبه في سرعتها حمارا وحشيّا يحدو ثماني أتن أي يسوقها عنيفا حتى هممن بإسقاط الأجنة. والشاهد فيه: منع صرف «ثماني» للضرورة تشبيها له - بمساجد - والبيت في الكتاب (3/ 231) والعيني (4/ 352)، والخزانة (1/ 76). والأشموني (3/ 248)، واللسان (ثمن) و (رتج). (¬2) انظر التذييل (6/ 402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لحذفها وإذا لم تحذف كان الذي يؤتى به عوضا مستغنى عنه حينئذ. فإن قيل: ما الموجب لتفرقة يونس ومن وافقه بين الاسم الذي هو علم والاسم الذي هو غير علم حتى إنهم نوّنوا نحو: جوار وأعيم ولم ينونوا نحو: قاض مسمّى به امرأة؟ فالجواب: أنهم ذكروا أن المقتضي لإثبات الياء وعدم التنوين على رأي هؤلاء الجماعة أنهم يزعمون أن التنوين في «جوار» ونحوه تنوين صرف لشبه «جوار» بعد حذف الياء بنحو: جناح وسلام، ولا يمكنهم أن يدّعوا في قاض اسم امرأة إذا قلنا: هذه قاض أن التنوين تنوين صرف؛ لأن علة منع صرفه قائمة، ولا يسعهم أن يقدروه عريّا عنها، ولا يمكن أن يكون التنوين للعوض؛ فلذلك حذفوه في «قاض» اسم امرأة، وأثبتوا الياء. وأقول: مقتضى هذا الجواب أننا إذا سمينا مذكرا بنحو «جوار» أن ينصرف؛ إذا ليس فيه حينئذ إلّا علة واحدة وهي العلمية؛ لأنهم قد حكموا بصرفه قبل التسمية لصيرورته كجناح وسلام، ورأيت في شرح الشيخ (¬1) أنهم يمنعونه للعلمية وشبه العجمة، ولم يظهر لي وجه شبه العجمة، لأن مثال: جناح وسلام من الأوزان العربية. وأما قولهم: إن التنوين في «قاض» اسم امرأة لا يمكن أن يكون للعوض فممنوع، فقد ذكروا (¬2) أن تنوين الصرف حذف منه للعلمية والتأنيث وعادت الياء التي كانت حذفت بسببه ثم حذفت الياء منه رفعا وجرّا كما حذفت من «جوار» قبل التسمية به؛ لأن الياء من «قاض» قد انضاف إلى ثقلها ثقل الاسم الذي أوجب له منع الصرف، كما أنها من «جوار» كذلك ثم عوض منها التنوين بعد الحذف كما فعلوا ذلك بجوار؛ لأن الياء المحذوفة لثقلها وثقل الاسم الذي هي فيه إنما تحذف بشرط أن يعوض منها التنوين، بدليل أنهم لا يحذفونها من «الجواري» ولا من «جواريك» لتعذر تعويض التنوين منها. وأما إظهارهم الفتحة في الياء حالة الجر لخفتها، فقد قيل: إنها خطأ، لأن العرب أجرتها مجرى ما يستثقل في الياء وهو الكسرة، ولما كانت مثلها علامة خفض فحذفوها لذلك، والدليل على هذا أنهم لم يقولوا قبل التسمية: مررت - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 398). (¬2) انظر التذييل (6/ 399).

[الآراء في إعراب المركب المزجي]

[الآراء في إعراب المركب المزجي] قال ابن مالك: (فصل قد يضاف صدر المركّب فيتأثّر بالعوامل ما لم يعتلّ، وللعجز حينئذ ما له لو كان مفردا، وقد لا يصرف «كرب» مضافا إليه «معدي»، وقد يبنى هذا المركب تشبيها بخمسة عشر). ـــــــــــــــــــــــــــــ بجواري كما قالوا في النصب: رأيت جواري، ولو كانت الفتحة التي هي علامة للخفض لا تحذف من الياء لخفتها كما ذهبوا إليه لقالوا ذلك (¬1). قال ناظر الجيش: لما قدم أن التركيب - وهو تركيب المزج - الذي عبر عنه [5/ 77] بأنه «يضاهي لحاق هاء التّأنيث» يمنع ما هو فيه الصرف مع العلمية، أشار الآن إلى أن له في اللغة استعمالين آخرين وهما: إضافة الجزء الأول إلى الثاني، وبناء الجزء الأول والثاني كالبناء في «خمسة عشر». وأفاد بقوله هنا: قد يضاف، وقد يبنى إلى أن اللغة الأولى وهو إعراب الاسم بتمامه إعراب ما لا ينصرف هي اللغة الكبرى، وأن الإضافة فيه أشهر من البناء، قال في شرح الكافية (¬2): «المركب تركيب مزج نحو: بعلبك، ومعدي كرب، في الأصل اسمان جعلا اسما واحدا لا بإضافة ولا إسناد، بل يتنزل ثانيهما من الأول منزلة تاء التانيث، ولذلك التزم فتح آخر الأول إن كان صحيحا كـ «لام» بعلبك، وإن كان معتلّا كـ «ياء» معدي كرب التزم سكونه تأكيدا للامتزاج، ولأن ثقل التركيب أشد من ثقل التأنيث فجعلوا لمزيد الثقل مزيد تخفيف بأن سكنوا «ياء» معدي كرب ونحوه، وإن كان مثلها قبل تاء التأنيث يفتح، وقد يضاف أول جزأي المركب إلى ثانيهما فيستصحب سكون «ياء» معدي كرب ونحوه تشبيها بـ «دردبيس» (¬3)، فيقال: رأيت معدي كرب؛ ولأن من العرب من سكن مثل هذه الياء في النصب مع الإفراد تشبيها بالألف، فالتزم في التركيب لزيادة الثقل ما كان جائزا في الإفراد، والثاني من الجزأين إذا أضيف الأول إليه يعامل معاملته لو كان مفردا، فإن كان فيه - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 399) وقد اعتمد عليه المؤلف دون إشارة. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1455). (¬3) الدردبيس: حمزة سوداء كأن سوادها لون الكبد. انظر اللسان (دردبس).

[ما يمتنع صرفه للوصفية والعدل]

[ما يمتنع صرفه للوصفية والعدل] قال ابن مالك: (فصل العدل المانع مع الوصفيّة مقصور على «أخر» مقابل «آخرين» وعلى موازن «فعال» و «مفعل» من عشرة وخمسة فدونها سماعا وما بينهما قياسا، وفاقا للكوفيين والزّجّاج، ولا يجوز صرفها مذهوبا بها مذهب الأسماء، خلافا للفرّاء ولا منكّرة بعد التّسمية خلافا لبعضهم). ـــــــــــــــــــــــــــــ مع التعريف سبب يؤثر منع الصرف منع الصرف كـ «هرمز» من «رامهرمز» (¬1) فإن فيه مع التعريف عجمة مؤثرة، فيجر بالفتحة ويعرب الأول بما تقتضيه العوامل نحو: جاء رامهرمز، ورأيت رامهرمز، ومررت برامهرمز، ويقال في حضر موت: هذا حضر موت، ورأيت حضر موت، ومررت بحضر موت؛ لأن «موتا» ليس فيه مع التعريف سبب ثان، وكذلك «كرب» في اللغة المشهورة (¬2)، وبعض العرب لا يصرفه فيقول في الإضافة إليه: هذا معدي كرب فجعله مؤنثا. انتهى. وقد عرف من هذا شرح ما تضمنه هذا الفصل والذي ذكره هنا من بناء الجزأين زائد على ما ذكره ثمّ (¬3). قال ناظر الجيش: قد علم مما تقدم أن العدل من العلل المانعة الصرف، ولكن لم يتعرض إلى ذكر الصيغ التي حصل فيها العدل، فأشير في هذا الفصل إلى ذلك، ولما كان العدل منه ما يمنع مع الوصفية، ومنه ما يمنع مع العلمية ميز المصنف أحدهما عن الآخر، وبدأ بذكر ما يمنع مع الوصفية، ثم ذكر ما يمنع مع العلمية لأن الذي يمنع مع الوصف مقدم الذكر في أول الباب على الذي يمنع مع العلمية، لكن قد ذكر المصنف في هذا الباب أن العدل يمنع مع أمر ثالث أيضا وهو: شبه العلمية أو الوصفية كما سيجيء تقريره. أما العدل المانع مع الوصفية فهو مقصور - كما ذكرنا - على «أخر» وعلى موازن «فعال» و «مفعل» من أسماء العدد، قال في شرح الكافية (¬4): «أما أخر فهو المقابل لآخرين، وهو جمع أخرى أنثى آخر، لا جمع أخرى، - ¬

_ (¬1) رامهرمز: موضع انظر اللسان (هرمز). (¬2) انظر الأشموني (3/ 250). (¬3) أي في التسهيل (ص 219). (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1448).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمعنى آخرة، فإن أخرى قد تكون بمعنى آخرة قال الله تعالى: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ (¬1) وهذه تجمع على «أخر» مصروفا، لأنه غير معدول، ذكر ذلك الفراء (¬2) رحمه الله تعالى، والفرق بين أخرى وأخرى (¬3) أن التي هي أنثى آخر لا تدل على الانتهاء كما لا يدل عليه مذكرها؛ فلذلك يعطف عليها أمثالها في صنف واحد [كقولك: عندي بعير وآخر وآخر وآخر، وعندي ناقة وأخرى وأخرى وأخرى، وأما أخرى بمعنى آخرة فتدل على الانتهاء ولا يعطف عليها مثلها في صنف واحد]، وإذا علم الفرق بين أخرى وأخرى، وآخر وآخر، فليعلم أن مانع «أخر» من الصرف الوصفية والعدل، فالوصفية ظاهرة، والعدل أيضا بيّن، وذلك أنه من باب «أفعل التفضيل» وأصله أن لا يجمع إلّا مقرونا بالألف واللام كـ «الكبر» و «الصّغر» فعدل عن أصله وأعطي من الجمعية مجردا ما لا يعطى غيره إلا مقرونا، فهذا عدل من الألف واللام لفظا، ثم عدل عن معناهما لأن الموصوف به لا يكون إلا نكرة، وكان حقه إذا عدل عن لفظهما أن ينوى معناهما مع زيادة كما نوي معنى اثنين بـ «مثنى» مع زيادة التضعيف، وكما نوي بـ «يا فسق» معنى: يا فاسق مع زيادة المبالغة، وكما نوي معنى: عامر بـ «عمر» مع زيادة الوضوح، فلما عدل «أخر» ولم يكن في عدله زيادة كغيره من المعدولات كان بذلك معدولا عدلا ثانيا كـ «مثنى» وأخواتها فهذا اعتبار صحيح وأجود منه أن يقال: كان أصل «أخر» لتجرده عن الألف واللام (¬4) أن يستغنى فيه بـ «أفعل» عن «فعل» كما يستغنى بـ «أكبر» عن «كبر» في نحو: رأيتها مع نسوة أكبر منها لكنهم أوقعوا «فعلا» موقع «أفعل» فكان ذلك عدلا من مثال إلى مثال وهو أولى من العدل عن مصاحبة الألف واللام لكثرة نظائره وقلة نظائر الآخر، ولأن المعدول إليه حقه أن يزيد معنى، وذلك في هذا الوجه محقق لأن تبين الجمعية بـ «أخر» أكمل من تبيينها بـ «آخر» ولأن الوجه الأول يلزم منه مساواة «أخر» لـ «سحر» في زوال العدل بالتسمية، وقد نص سيبويه (¬5) على أن «أخر» إذا - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 38. (¬2) لم أجده في معاني القرآن، وانظر الأشموني (3/ 239). (¬3) انظر الأشموني (3/ 240). (¬4) انظر الكتاب (3/ 224). (¬5) انظر الكتاب (3/ 224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سمّي به لا ينصرف لبقاء العدل، ولا يكون ذلك إلّا بالعدل عن مثال إلى مثال بخلاف العدل عن الألف واللام. وأما المعدول في العدد فهو من «واحد» إلى «أربعة» بلا خلاف وهي على «فعال» أو «مفعل» نحو: رأيت القوم أحاد أو موحد، ومررت بهم ثناء أو مثنى، ونظرت إليهم ثلاث أو مثلث، وأعطيتهم دراهم رباع [5/ 78] أو مربع، وقد يقال: ربع، وبه قرأ (¬1) ابن وثّاب. ولم تستعمل هذه الأمثلة إلّا نكرات، إما أخبار كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «صلاة اللّيل مثنى مثنى» (¬2)، وإما أحوال كقوله تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (¬3)، وإمّا نعوت لمنكرات، كقوله تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ (¬4)، وامتناعها من الصرف عند سيبويه وأكثر النحويين (¬5) للعدل والوصفية، ومنهم (¬6) من جعل امتناعها للعدل في اللفظ وفي المعنى، أما في اللفظ فظاهر، وأما في المعنى فلأن مفهوماتها تضعيف أصولها، فأدنى المفهوم من «أحاد» أو «موحد» اثنان، ومن «ثناء» أو «مثنى» أربعة، وكذلك سائرها، فصار فيها عدلان، وروي فيها عن بعض العرب: مخمس، وعشار، ومعشر، ولم يرد غير ذلك، وأجاز الكوفيون والزجاج (¬7) أن يقال قياسا: خماس، وسداس، ومسدس، وسباع ومسبع، وثمان ومثمن، وتساع ومتسع» انتهى كلامه ولا يحتاج الطالب معه في - ¬

_ (¬1) قرأ به ابن وثاب في قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع انظر المحتسب (1/ 181). (¬2) رواه البخاري في باب التهجد بالليل (1/ 198) (سندي)، ومسلم في كتاب المسافرين (1/ 516) وأخرجه أبو داود في سننه (1/ 297) (تطوع) برواية: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» وأخرجه الترمذي في سننه (2/ 300). (¬3) سورة النساء: 3. (¬4) سورة فاطر: 1. (¬5) انظر الكتاب (3/ 225) والهمع والأشموني (3/ 240). (¬6) هو الزجاج انظر الهمع (1/ 26: 27)، وفيه: «وذهب الفراء إلى أن منعها للعدل والتعريف بنية الألف واللام» وفيه: «وذهب الأعلم إلى أنها لم تنصرف للعدل، ولأنها لا تدخلها التاء». (¬7) انظر ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج (ص 44)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 225: 226)، والهمع (1/ 26)، والأشموني (3/ 240).

[حكم وزن فعل توكيدا]

[حكم وزن فعل توكيدا] قال ابن مالك: (والمانع مع شبه العلميّة أو الوصفيّة في فعل توكيدا). ـــــــــــــــــــــــــــــ الإبانة عما ذكر في هذا الفصل إلى غيره. وأما قوله «ولا يجوز صرفها مذهوبا بها مذهب الأسماء خلافا للفرّاء» فالظاهر بل المتعين أن الضمير في «صرفها» و «بها» إنما يرجع للمعدولات من أسماء العدد، ولم يتحقق مراده من قوله: «مذهوبا بها مذهب الأسماء» ولم أعلم مستند الفراء في إجازته صرفها. وأما قوله: «ولا منكّرة بعد التّسمية خلافا لبعضهم» فقد تقدمت الإشارة إلى ذكر هذه المسألة في الفصل المفتتح بقوله: «ما منع صرفه دون علميّة منع معها» وذكر من خالف في ذلك. قال ناظر الجيش: قدم المصنف على ذكر العدل المانع مع العلمية [ذكر العدل المانع مع شبه العلمية] أو الوصفية، ومراده بذلك: جمع المستعملة في التوكيد وتوابعها وهي: كتع، وبصع، وبتع وهن جمع: جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء، قال في شرح الكافية (¬1): «ومن الممنوع من الصرف للعدل والتعريف: جمع وتوابعه، فإنها لا تنصرف للعدل والتعريف، فأما تعريفها فبالإضافة المنوية (¬2)، فإن أصل: رأيت النساء جمع: رأيت النساء جمعهنّ، كما يقال: رأيتهن كلّهن، فحذف الضمير للعلم به واستغنى بنية الإضافة وصار جمع لكونه معرفة بغير علامة ملفوظ بها، كأنه علم وليس بعلم؛ لأن العلم إما شخصيّ وإما جنسيّ، والشخصيّ مخصوص ببعض الأشخاص فلا يصلح لغيره، والجنسي مخصوص ببعض الأجناس فلا يصلح لغيره، وجمع بخلاف ذلك، فالحكم بعلميته باطل، قال: وما قررته ظاهر قول سيبويه فإنه قال (¬3): وسألته - يعني الخليل - عن جمع وكتع فقال: هما معرفة «كلهم» وها معدولتان عن جمع جمعاء، وجمع كتعاء هذا نصه. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1474). (¬2) انظر الأشموني (3/ 263)، وحاشية الصبان (3/ 264). (¬3) انظر الكتاب (3/ 224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما العدل فعن «فعلاوات» لأنه جمع «فعلاء» مؤنث «أفعل» وقد جمع المذكر بالواو والنون فكان حق المؤنث أن يجمع بالألف والتاء كـ «أفعل»، و «فعلى»، لكن جيء به على «فعل» فعلم أنه معدول عن «فعلاوات» وليس معدولا عن «فعل» كما قال الأخفش والسيرافي (¬1)، لأن «أفعل» المجموع بالواو والنون لا يجمع مؤنثه على «فعل» بسكون العين، ولا هو معدول عن «فعالى» (¬2) لأن «فعلاء» لا يجمع على «فعالى» إلّا إذا لم يكن له مذكر على «أفعل» وكان اسما محضا كصحراء، وجمعاء بخلاف ذلك فلا أصل له في «فعالى» ولا «فعل» وإنما أصله: جمعاوات كما قيل في مذكره: أجمعون انتهى. وقد جعل المانع من الصرف في هذه الكلمات مع العدل شبه العلمية وبيّن الشبه بقوله: «وصار جمع لكونه معرفة بغير علامة ملفوظ بها كأنه علم»، ولا شك أن كون إحدى العلتين فيها هو: شبه العلمية هو الظاهر، وأما شبه الوصفية فلم يتقرر لي، لكن قال الشيخ (¬3): «وأما جهة شبه العلمية أو الوصفية فمن حيث جمع مذكره بالواو والنون كان شبيها بالعلمية، ومن حيث كان المؤنث على «فعلاء» والمذكر على «أفعل» كان شبيها بالصفة؛ لأن ما هذه سبيله فهو صفة» انتهى. وأقول: أما قوله «إنه من حيث جمع مذكره بالواو والنون كان شبيها بالعلمية «فمدفوع» بأمرين: أن الجمع بالواو والنون ليس مخصوصا بالأسماء الأعلام، بل الصفات تشاركها في ذلك، وأن المصنف بيّن في شرح الكافية أن مراده بشبه العلمية في هذه الكلمات كونها معرفة بغير علامة ملفوظ بها. وأما ما قاله في شبه الوصفية فربما يقبل على أنه يمكن أن يقال: إن المراد بشبه الوصفية كونها تستعمل أبدا تابعة لما قبلها كما هو شأن الصفات، ثم إن الشيخ - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (3/ 264)، واختاره ابن عصفور، وهو رأي الزجاج. انظر ما ينصرف وما لا ينصرف (ص 40). (¬2) انظر الأشموني (3/ 264). (¬3) انظر التذييل (6/ 421).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (¬1): «أما أن العدل يمنع مع شبه العلمية فقد قيل به، وأما أن العدل يمنع مع شبه الوصفية في باب جمع فلا أعلم له فيه سلفا من النحاة. انتهى. وأما ما هذه الكلمات معدولة عنه فقد عرفت أنها معدولة إما عن «فعل» على قول، وإما عن «فعالى» على قول، وإما عن «فعلاوات» على قول، وأن كونها عن «فعلاوات» هو اختيار المصنف، قال الشيخ (¬2): «والذي نختاره أن جمع معدول عن الألف واللام؛ لأن مذكره جمع بالواو والنون فقالوا: أجمعون كما قالوا: الآخرون، فقياسه أنه إذا جمع كان معرّفا بالألف واللام، فهو في حال الجمع من باب «أفعل» الذي مؤنثه «الفعلى»، وفي حال الإفراد من باب «أحمر وحمراء»، وأشبه «أجمع»، «أحمر» حتى جعلوا مؤنثه على «فعلاء» من حيث لا يقال فيه: هو أجمع من كذا» انتهى. وهو كلام عجيب ويظهر أنه مدفوع من جهات: أحدها: أن كلمة واحدة كيف يكون إذا جمعت يكون مفردها من باب، وإذا لم تجمع يكون ذلك المفرد من باب آخر وهذا لا يعرف له نظير؟ ثانيها: أنه يلزم مما قاله من أن قياس «جمع» أن يكون بالألف واللام أن يكون «أجمعون» كذلك فيقال فيه: الأجمعون كما قيل: الآخرون، أو يدعى فيه أنه معدول مما فيه اللام ولا قائل بذلك. ثالثها: [5/ 79] أنه نقل القولين المشهورين في تعريف هذه الكلمة هل هو بالعلمية أو بنية الإضافة؟ ولا ينافي القول بذلك مع كون الكلمة معدولة عما فيه اللام، فكان الواجب أن يقول عند ذكر هذين القولين: إن التعريف إنما هو بنية اللام كما يقال في تعريف «سحر» فسكوته عن ذلك تقرير منه لما ذكروه من أن التعريف إما بالعلمية أو بنية الإضافة، ومع ذلك يتعذر القول عما فيه اللام. والحق أنني لم يظهر لي ما قاله في هذه المسألة وقد يكون له توجيه صحيح خفي عني. ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 423). (¬2) التذييل (6/ 421).

[حكم سحر ووزن فعل ووزن فعال علما وغيره]

[حكم سحر ووزن فعل ووزن فعال علما وغيره] قال ابن مالك: (ومع العلميّة في سحر الملازم للظّرفيّة وفيما سمّي به من المعدولات المذكورة، ومن «فعل» المخصوص بالنّداء، وفي «فعل» المعدول عن «فاعل» علما، وطريق العلم به سماعه غير مصروف عاريا من سائر الموانع، وفي حكمه عند تميم «فعال» معدولا علما لمؤنّث كـ «رقاش»، ويبنيه الحجازيّون كسرا، ويوافقهم أكثر تميم فيما لامه راء، واتّفقوا على كسر «فعال» أمرا أو مصدرا أو حالا أو صفة جارية مجرى الأعلام، أو ملازمة للنّداء، وكلّها معدول عن مؤنّث فإن سميّ ببعضها مذكّر فهو كـ «عناق» وقد يجعل كـ «صباح» فإن سميّ به مؤنّث فهو كـ «رقاش» على المذهبين، وفتح «فعال» أمرا لغة أسديّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: هذا شروع في ذكر العدل المانع مع العلمية، فتقدير كلامه: والمانع مع العلمية واقع في كذا وفي كذا، وقد تقدم لنا أن العدل مع العلمية نوعان: عدل عن مثال إلى غيره، وعدل عن مصاحبة الألف واللام إلى المجرد عنها، وأن الأول أقسام أربعة: المعدول من «فاعل» علما إلى «فعل» كعمر ومضر وثعل وزحل. وما جعل علما من المعدول إلى «فعل» في النداء كغدر وفسق. و «فعل» الذي في التوكيد كجمع وتوابعه. و «فعال» كرقاش. وأن الثاني كلمتان وهما: سحر وأمس. فأما «جمع» الواقعة توكيدا وأخواتها فقد أفردها بالذكر؛ لأنه جعل المانع فيها مع العدل شبه العلمية أو الوصفية وتقدم الكلام عليها. وأما «أمس» فقد تقدم له الكلام عليها في باب «المفعول المسمى ظرفا ومفعولا فيه». بقي الكلام الآن موجها إلى ثلاثة الأقسام الباقية وإلى كلمة «سحر» وقد أشار إليها المصنف هاهنا وذكر أمرا زائدا وهو الذي أشار إليه بقوله: وفيما سمي به من المعدولات المذكورة، وأراد بالمعدولات المذكورة التي تقدم ذكره لها في هذا الفصل وهي: أخر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأسماء العدد التي هي: مفعل وفعال وجمع وتوابعها، أعني: كتع وبصع وبتع التي عبر عنها بقوله: «في فعل توكيدا» لأن هذه هي التي تقدم له ذكرها، ولا شك أن الأمر كما ذكره، أعني إذا سمي بشيء من هذه الكلمات وجب منع صرفه، لكن ليس الكلام الآن إلّا في العدل الذي لا يمنع الصرف إلّا مع العلمية، أما العدل الذي يمنع الصرف مع غير العلمية فلا مدخل لذكره مع المذكور في هذا الموضع، نعم يذكر ذلك على أنه مسألة مستقلة، وقد ذكره في فصل متقدم حيث قال: «ما منع صرفه دون علميّة منع معها» وتقدم الكلام على ذلك أيضا، وإذ قد تقدم الكلام فيه فلا يتعرض للكلام عليه هنا. وإذا عرف فلنرجع إلى حل ألفاظ الكتاب فنقول: قدم المصنف الكلام على ما عدل عن مصاحبة الألف واللام إلى المجرد عنها وهو «سحر» ثم ثنى بذكر ما عدل عن مثال إلى غيره وهو الأقسام الثلاثة التي أشرنا إليها آنفا. أما «سحر» فله حالات وإنما يمتنع صرفه في حالة واحدة منها، وذلك أنه إما أن لا يراد به معين، وإما أن يراد به معين، وإذا أريد به معين، فإما أن لا يستعمل ظرفا، وإما أن يستعمل ظرفا. فالحالات ثلاث. مثال ذلك في الحالة الأولى: قوله تعالى: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (¬1). ومثاله في الحالة الثانية: السحر وقت طيب، وسحر ليلة الجمعة مبارك، ولا بد له في هذه الحالة أن يكون معرفا بالألف واللام أو بالإضافة. ومثاله في الحالة الثالثة: صليت يوم الجمعة سحر، ولا بد له في هذه الحالة أن يكون مجردا من الألف واللام والإضافة؛ لأنه لا بد أن يكون معرفا بالعلمية أو بما يشبه العلمية، وذلك إنما يكون بالنية لا بأداة في اللفظ، وهذه هي الحالة التي يمتنع صرفه فيها، وتصرّفه في هذه الحالة ممتنع أيضا فـ «سحر» في هذه الحالة لا يتصرّف ولا ينصرف، أما عدم تصرفه فلكونه لم تستعمله العرب غير ظرف، وأما عدم انصرافه فللعدل والتعريف إما بالعلمية أو بغيرها كما سيذكر، قال المصنف في شرح الكافية (¬2) ومما منع صرفه للعدل والتعريف «سحر» إذا قصد به سحر يوم بعينه وجعل ظرفا كقولك: خرجت يوم الجمعة سحر، والأصل أن يذكر معرفا - ¬

_ (¬1) سورة القمر: 34. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1479).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالألف واللام فعدل عن الألف واللام وقصد تعريفه فاجتمع فيه العدل والتعريف، فمنع من الصرف ولا يكون هذا إلّا مفعولا فيه، ويمنع قصد تعيينه مصاحبة الألف واللام، فلو لم تقصد ظرفيته وقصد تعيينه لم يستغن عن الألف واللام أو الإضافة كقولك: استطبت السحر وطاب السحر، وقمت عند السحر، وزعم صدر الأفاضل (¬1) أن سحر المشار إليه مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف التعريف، وما ذهب إليه مردود بثلاثة أوجه: أحدها: أن ما ادعاه ممكن وما ادّعيناه ممكن، لكن ما ادعيناه أولى، فإنه خروج عن الأصل بوجه دون وجه؛ لأن الممنوع الصرف باقي الإعراب بخلاف ما ادّعاه؛ لأنه خروج عن الأصل بكل وجه. الثاني: أنه لو كان مبنيّا لكان غير الفتحة أولى به؛ لأنه في موضع نصب فيجب اجتناب الفتحة فيه لئلّا يتوهم [5/ 80] الإعراض كما اجتنبت في «قبل» و «بعد» والمنادى المبني. الثالث: أنه لو كان مبنيّا لكان جائز الإعراب جواز إعراب «حين» في قوله: 3739 - على حين عاتبت المشيب على الصّبا (¬2) لتساويهما في ضعف سبب البناء لكونه عارضا، وكان يكون علامة إعرابه ثبوته في بعض المواضع، وفي عدم ذلك دليل على عدم البناء وأن الفتحة إعرابية، وأن عدم التنوين إنما كان من أجل منع الصرف فلو نكر «سحر» وجب التصرّف والانصراف كقوله تعالى: نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا (¬3) انتهى. وقد جعل المانع للصرف مع العدل في هذه الكلمة التعريف بنية الألف واللام، وفي التسهيل صرح كما رأيت بأن المانع منها العدل والعلمية، والظاهر ما ذكره في الشرح وهو والذي ذهب إليه ابن عصفور (¬4)، وكلام ابن أبي الربيع موافق لكلام المصنف، فإنه قال عند ذكره «سحر»، أرادوا إلى واحد مخصوص لم يريدوا - ¬

_ (¬1) انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 248) وشرح التصريح (2/ 223)، والأشموني (3/ 266). (¬2) سبق شرحه. (¬3) سورة القمر: 34، 35. (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 206) والمقرب (1/ 280).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شائعا (¬1) فكان القياس أن يعرفوه باللام أو بالإضافة، فعدلوا عن هذا إلى أن جعلوه علما لهذا الزمان فقالوا: سحر، فلزم هذا القصد من العلمية إلى أن عدلوا من لفظ إلى لفظ بعد أن قصدوا اللفظ الأول ثم تركوه إلى غيره، قال: وهذا بخلاف العدل في عمر، فإنهم أرادوا أن يسموا الرجل بـ «عامر» فعدلوا عنه إلى عمر، وكذلك زفر وقثم وما أشبههما فإنما عدلوا من: عامر وزافر وقاثم من غير شيء كان ذلك». وقد ذكر الشيخ (¬2) عن بعضهم (¬3) أن ترك تنوينه إما هو من أجل نية الألف واللام كما جاء عن العرب: سلام عليكم بترك التنوين على نية الألف واللام في سلام، وعن بعضهم (¬4) أن ترك تنوينه إنما هو على نية الإضافة، قال: «وعلى هذين القولين لا يكون سحر من باب ما لا ينصرف في شيء». وثم سؤال ها هنا وهو أن يقال: ما الفرق بين «سحر» و «أمس» المستعمل غير ظرف على لغة من يبنيه؟ وأما ما عدل من مثال إلى غيره فهو ثلاثة أقسام كما عرفت: الأول: فعل المخصوص بالنداء، قال المصنف في شرح الكافية (¬5): «ومن الممنوع من الصرف للعدل والتعريف ما جعل علما من المعدول إلى «فعل» في النداء كغدر، وفسق، فحكمه حكم عمر وهو أحق من عمر بمنع الصرف؛ لأن عدله محقق وعدل عمر مقدر» انتهى. ومن ذلك: خبث ولكع، وذكروا (¬6) أنها كلمات تحفظ ولا يقاس عليها وهي معدولة عن: فاسق، وغادر، وخبيث، وألكع، وهي مختصة بالنداء فلم تعدل إلّا فيه فإذا سمي بشيء منها امتنع صرفه للعلمية ومراعاة اللفظ المعدول، ومن ثم قال ابن خروف: «ولا فرق بينه وبين أحاد وجمع، فإن سيبويه يمنعهما الصرف عند التسمية؛ لأن تلك إن كانت معدولة في حال الوصف والتأكيد، فكذلك هذه - ¬

_ (¬1) قال في الملخص (خ) ورقة 118: «والذي يشبه المعدول سحر إذا أردته ليوم بعينه لا ينصرف للتعريف والعدل». (¬2) انظر التذييل (6/ 423: 424). (¬3) هو أبو عبد الله الشلوبين الصغير. وانظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 248) وشرح التصريح (2/ 223) والأشموني (3/ 267). (¬4) هو أبو السهيلي وانظر نتائج الفكر للسهيلي (ص 375) تحقيق د/ محمد إبراهيم البنا، نشر دار الرياض. (¬5) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1474). (¬6) انظر التذييل (6/ 427).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معدولة في حال النداء، فلا يزول حكم العدل إلّا بزوال البناء، وكذلك فعال في المؤنث» (¬1) انتهى كلام ابن خروف، وهو كلام حسن. ونقل الشيخ (¬2) عن ابن السيد وعن آخر (¬3)، أنهما يريان صرف نحو: فعل المعدول في النداء إذا سمي به قالا: لأنه لم يعدل إلّا في النداء، قال (¬4): وحكي ذلك عن الأخفش (¬5) أيضا. وأقول: إن هذا مما لا يعول عليه، وقد رأيت كلام ابن خروف، ولا شك أن الذي قاله هو الحق. القسم الثاني: «فعل» المعدول عن «فاعل» علما، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا القسم، وذكر أن علامة العدل فيه منع العرب صرفه مع انتفاء التأنيث؛ ولهذا جعل عدله تقديريّا، فإن صرف حكم بأنه غير معدول كـ «أدد» أو أمكن تأنيثه فكذلك أيضا نحو: طوى في لغة من لم يصرف، فإن تأنيثه باعتبار كونه اسم بقعة ممكن فهو أولى من ادعاء العدل؛ لأن العدل قليل والتأنيث كثير، ولأن ما ثبت عدله وتعريفه فمنعه لازم ما لم ينكر، و «طوى» ذو وجهين فلا يكون معدولا، وهذا هو كلام المصنف في شرح الكافية (¬6)، وإنما أعدت ذكر ذلك قصدا لإراحة الناظر من أن يراجع ما قبل. ولما كانت علامة العدل في هذا القسم منعه الصرف مع انتفاء التأنيث قال المصنف: وطريق العلم به - يعني بعدله - سماعه غير مصروف عاريا من سائر الموانع. ولا شك أن قوله عاريا من سائر الموانع أحسن وأشمل من قوله في شرح الكافية «مع انتفاء التأنيث». وليعلم أن صيغة «فعل» تكون غير معدولة، وعنها احترز المصنف بقوله المعدول - ¬

_ (¬1) انظر شرح كتاب سيبويه لابن خروف (خ) المسمى تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب (ص 312) تحقيق خليفة محمد خليفة - طرابلس (ليبيا) (ص 68) وانظر التذييل (6/ 427). (¬2) التذييل (6/ 427: 428). (¬3) هو العكبري في اللباب في علل البناء والإعراب (1/ 514) تحقيق غازي مختار طليمات (دار الفكر بيروت - دمشق) طبعة أولى - 1995 م. (¬4) أي أبو حيان في التذييل (6/ 428). (¬5) انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 247) والهمع (1/ 28)، والأشموني (3/ 265). وانظر منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص 399). (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1473).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن فاعل، وغير المعدولة إما اسم جنس كـ «ثغر» (¬1) و «صرد» (¬2) أو صفة كـ «حطم» (¬3) و «لبد» (¬4) أو مصدر كـ «هدى» و «تقى» أو جمع كـ «غرف» (¬5)، وجعل الشيخ (¬6) قول المصنف «عن فاعل» احترازا من: فعل المعدول عن غير فاعل كأخر وجمع، وقوله «علما» احترازا عن فعل المعدول عن فاعل في النداء؛ لأنه ليس بمعدول في حال كونه علما. ثم إنه (¬7) استدرك عليه «ثعل» فإنه لا ينصرف كـ «عمر» وهو معدول عن: أثعل لا عن ثاعل. وأقول: إن ذكر هذه المسألة وهي «ثعل» قد تقدم (¬8)، ولقائل أن ينازع في ذلك إلّا إن كانت الأئمة متفقين على أنه معدول «أفعل» فلا كلام. القسم الثالث: «فعال» علما لمؤنث، فإنه ممنوع الصرف للعلمية والعدل، ولكن هذا في لغة التميميين، وأما الحجازيون فيبنونه على الكسر، قال المصنف في شرح الكافية (¬9): «ومن الممنوع للعدل والتعريف: رقاش ونحوه من أعلام المؤنث الموزونة بهذا المثال، فهذا النوع في لغة بني تميم معرب ممنوع من الصرف، وهو في لغة الحجازيين مبني على الكسر (¬10)، ووافقهم [5/ 81] التميميون (¬11) إلّا قليلا في بناء ما آخره «راء» كـ «ظفار» و «وبار» (¬12)، وما التزم إعرابه من موازنات «فعال» فليس بمعدول كـ «دلال» اسم امرأة، ولا يكون المعدول إلّا اسم مؤنث، فإن توهّم تذكير قدّر تأنيث كما قدر سيبويه (¬13) مسمّى «سفار» وهو ماء (¬14): - ¬

_ (¬1) ثغر المجد: طرقه واحدتها ثغرة. انظر اللسان (ثغر). (¬2) الصّرد: طائر فوق العصفور. انظر اللسان (صرد). (¬3) ورجل حطم وحطمة: إذا كان قليل الرحمة للماشية يهشم بعضها ببعض. انظر اللسان (حطم). (¬4) اللّبد: كثير من الرجال: الذي لا يسافر ولا يبرح منزله ولا يطلب معاشا وهو الأليس، وقال لبد: كثير لا يخاف فناؤه كأنه التبد بعضه على بعض. انظر اللسان (لبد). (¬5) في أ «عرف». (¬6) التذييل والتكميل: (6/ 429). (¬7) أي الشيخ أبو حيان انظر التذييل (6/ 429). (¬8) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1476). (¬9) انظر اللغتين في الكتاب (3/ 277، 287)، وما ينصرف وما لا ينصرف (ص 76)، والمفصل (ص 159: 160). (¬10) انظر الكتاب (3/ 278). (¬11) ظفار: قرية من قرى حمير إليها ينسب الجزع الظّفاريّ. انظر اللسان (ظفر). (¬12) وبار: مثل قطام: أرض كانت لعاد غلبت عليها الجن. انظر اللسان (وبر). (¬13) انظر الكتاب (3/ 279). (¬14) «ماء» ساقطة من أ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماءة ومسمى «حضار» وهو اسم كوكب: كوكبة. ولما سمي به مؤنث من نحو: نزال وفساق ويسار وكفاف ما لرقاش في اللغتين من بناء على اللغة الحجازية ومنع صرف على اللغة التميمية، قال: وإنما قيدت ذلك بكونه اسم أنثى؛ لأن المسمى به مذكر من «فعال» كله لا يكون إلّا معربا غير منصرف (¬1)، ومن العرب من يصرف «فعال» المسمى به ذكر تشبيها بـ «صباح» حكى ذلك سيبويه (¬2) رحمه الله تعالى. انتهى. وقد قصر كلامه في التسهيل على ذكر أحكام «فعال» المعدول، ولم يتعرض إلى ذكر غير المعدول مما صيغته موازنة لصيغة المعدول، والجماعة المغاربة كابن عصفور وابن أبي الربيع ذكروا تقسيم الصيغة من رأس، فذكروا (¬3) غير المعدول وهو أربعة: اسم مفرد كـ «جناح» و «عناق». وصفة كـ «جواد» و «جبان». ومصدر كـ «ذهاب». واسم جنس تفصل بينه وبين واحدة تاء التأنيث كـ «سحاب». والذي اعتمده المصنف من الاقتصار على ذكر المعدول هو الواجب؛ لأن غير المعدول مما صيغته موازنة لصيغة المعدول لا يحتاج إلى ذكره؛ لأنه حكم بقية الأسماء في الإعراب والصرف ما دام نكرة (¬4)، وإن سمي به فالأمر فيه كذلك أيضا؛ لأنه إن كان مسماه مؤنثا لم ينصرف للتأنيث والعلمية، وإن كان مسماه مذكرا انصرف إلا أن يكون أصله التأنيث كـ «عناق» اسم رجل (¬5). ولما كان الأمر في غير المعدول كذلك وجه المصنف كلامه إلى المعدول خاصة وقسمه قسمين: ما عدل علما لمؤنث كـ «رقاش» و «حذام» و «قطام». - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 279). (¬2) انظر الكتاب (3/ 280). (¬3) انظر شرح الجمل (2/ 194) رسالة والمطبوع (2/ 243). (¬4) انظر شرح الجمل لابن عصفور (194) رسالة والمطبوع (2/ 243). (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وما عدل غير علم وهو أربعة أشياء: اسم فعل كـ «نزال» وو مصدر كـ «فجار»، وحال كـ «بداد» من قولهم: جاءت الخيل بداد أي متبددة، وصفة إما مستعملة في غير النداء كـ «حلاق» للمنية وإما مخصوصة بالنداء كـ «فساق». فإن قيل: كيف جعل نحو: «فجار» مع كونه علما للفجرة - قسيما للمعدول الذي هو علم أيضا كـ «رقاش»؟ قلت: الظاهر أن المراد بالعلمية الشخصية، ولا شك أن علمية نحو: «فجار» جنسية فلم يكن داخلا في المعدول الذي علميته شخصية. وإذا عرف أن المعدول المذكور قسمان، فلنذكر القسم الأول ثم الثاني فنقول: قد أشار المصنف إلى الأول بقوله: وفي حكمه أي وفي حكم «فعل» المذكور في منع الصرف عند تميم «فعال» معدولا علما لمؤنث كـ «رقاش» فبنو تميم (¬1) يمنعونه الصرف، وعلة منعهم إيّاه الصرف العدل والعلمية فهو جار مجرى «عمر» لأن «رقاش» - مثلا (¬2) - معدول عن علم، كما أن عمر كذلك، هذا مذهب سيبويه (¬3) ومذهب المبرد (¬4) أن علة منع صرفه العلمية والتأنيث، ولكن المشهور في المسألة هو مذهب سيبويه، وإن كان ما ذهب إليه المبرد هو الظاهر، وقد رجّح (¬5) مذهب سيبويه بأن مذهب المبرد يلزم منه أن يكون «حذام» وأمثالها أسماء مرتجلة لا أصل لها في النكرات، والغالب على الأعلام أن تكون منقولة فتكون هذه الأسماء على رأي سيبويه لها أصول في النكرات قد عدلت عنها بعد أن صيّرت تلك الأصول [أعلاما]. وأما قوله: «معدولا» فيحترز به عن الصيغة الموازنة «فعال» ولكنها غير معدولة كـ «جناح» وشبهه من أمثلة الأقسام غير المعدولة المتقدم ذكرها. وقوله: «لمؤنّث» نبّه به على ما ذكره في شرح الكافية بقوله (¬6) «ولا يكون المعدول - ¬

_ (¬1) المرجع السابق نفسه، وانظر التذييل (6/ 430). (¬2) «مثلا» ساقطة من أ. (¬3) انظر الكتاب (3/ 277: 278). (¬4) قال في المقتضب (3/ 375): «وأما بنو تميم فلا يكسرون اسم امرأة، ولكنهم يجرونه مجرى غيره من المؤنث لأنهم لا يذهبون به إلى العدل». (¬5) انظر التذييل (6/ 430). (¬6) انظر التذييل (6/ 430).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا اسم مؤنث حتى إن توهم تذكير قدّر تأنيث كما قدّر سيبويه (¬1) مسمى «سفار» وهو ماء: ماءة، ومسمى «حضار» وهو اسم كوكب: كوكبة. وأشار إلى لغة الحجازيين بقوله: «ويبينه الحجازيون كسرا» قال سيبويه: «هي اللغة الأولى والقدمى»، وسيأتي الكلام على علة بنائه. وأما موافقة أكثر تميم للحجازيين فيما لامه «راء» فقد ذكر الأئمة (¬2) لذلك علة وهي أن الراء توجب من الإمالة ما لا يوجبه غيرها إذا كانت مكسورة، ويمنع من الإمالة ما لا يمنع غيرها إذا كانت مفتوحة أو مضمومة فهم يحافظون عليها. وإنما قال ««أكثر تميم» لأن بعضهم يعربه كما يفعل في «حذام» وقد جمع الشاعر (¬3) بين اللغتين قال: 3740 - ومرّ دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار (¬4) والقوافي مرفوعة، وأول القصيدة: 3741 - ألم تروا إرما وعادا ... أودى بها اللّيل والنّهار (¬5) وقد قيل (¬6): إن «وبار» التي في آخر البيت ليس اسما وإنما الواو عاطفة و «بار» فعل ماض مسند إلى ضمير الجماعة، والمعنى: أن الدهر أهلك أهل وبار، ولا يريد - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1477). (¬2) انظر الكتاب (3/ 279). (¬3) انظر الكتاب (3/ 278) وعبارته: «وهي اللغة الأولى القدمى». (¬4) هذا البيت من مخلع البسيط، ووبار أمة قديمة من العرب العاربة، وقيل أنها مدينة كانت الجن تسكنها وقيل: أنها موضع بالدهناء، وقيل غير ذلك. والشاهد: في «وبار» حيث جمع فيه بين اللغتين: إحداهما في البناء على الكسر وذلك قوله «على وبار» والأخرى هي الإعراب كإعراب ما لا ينصرف وذلك في «وبار» الأخيرة فرفعه بـ «هلكت» و «جهرة» حال. وانظر البيت في الكتاب (3/ 279) والمقتضب (3/ 50، 376)، والرواية فيه «فهلكت عنوة»، وأمالي ابن الشجري (2/ 115) وابن يعيش (4/ 64) والمقرب (2/ 282). (¬5) هذا البيت من مخلع البسيط أيضا وهو أول القصيدة التي منها بيت الأعشى السابق وهو في ديوانه (ص 193) واستشهد بهذا البيت: على أن القوافي مرفوعة، فعلى هذا كان من الضروري أن يأتي الشاعر بقافية البيت السابق مرفوعة، و «إرم» اسم قبيلة، و «عاد» اسم بلدتهم. وانظر هذا البيت في العيني (4/ 358)، والتصريح (2/ 225). (¬6) انظر التذييل (6/ 432: 433)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 251).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بذلك المكان وإنما يريد: أهله، فأعاد الضمير في «هلكت» مؤنثا على «وبار» مراعاة للفظ «وبار» ثم أعاد الضمير جمعا على «الأهل» المحذوف أي: وبار أهلها أي: هلكوا على جهة التأكيد من حيث المعنى، ونظير ذلك قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (¬1). وإذا سمي مذكر بـ «حذام» و «رقاش» و «قطام» ونحوها فإنه يعرب ممنوع [الصّرف] (¬2) كان في آخره «راء» أو لم يكن (¬3)، وذكر سيبويه (¬4) أن من العرب من يصرفه؛ لأنه معدول عن مؤنث وتسمية المذكر به يذهب التأنيث. ثم أشار إلى القسم الثاني وقد عرفت أنه أربعة أشياء بقوله: واتّفقوا على كسر فعال أمرا أو مصدرا أو حالا أو صفة». فمثال الأمر (¬5): «نزال» و «نعاء» و «حذار» و «نظار» و «مناع» وقولهم للضّبع: دباب أي: دبّي (¬6). ومثال المصدر (¬7): «فجار» و «حماد» و «يسار» و «جماد» و «عباب» و «أباب» و «مساس» و «كفاف» و «بوار» و «بلاء» وقال حميد الأرقط [5/ 82]: 3742 - فقلت امكثي حتّى يسار لعلّنا ... نحجّ معا قالت: أعاما وقابله؟ (¬8) كأنه قال: حتى الميسرة (¬9)، وقال الآخر: - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 4، ووجه التنظير بهذه الآية أن قوله تعالى: أَهْلَكْناها نظير: «فهلكت» وقوله تعالى: أَوْ هُمْ نظير: «وبار» وانظر التذييل (6/ 433). (¬2) «الصرف» ساقطة من جـ، ومصححة على هامشها. (¬3) انظر الكتاب (3/ 279). (¬4) الكتاب (3/ 280). (¬5) انظر التذييل (6/ 434). (¬6) انظر الكتاب (3/ 272). (¬7) انظر التذييل (6/ 434). (¬8) هذا البيت من الطويل وهو لحميد بن ثور الهلالي ديوانه (ص 117) ونسبته إلى حميد الأرقط خطأ. ومعنى البيت: طلب منها الأنتظار حتى يوسر فيستطيع الحج. فأنكرت ذلك وقالت: أأنتظر هذا العام القابل، والقابل بمعنى المقبل، والشاهد في قوله: «يسار» وهو اسم لليسر معدول عن «الميسرة»، والميسرة واليسر الغنى. البيت في الكتاب (3/ 274)، الشجري (2/ 113)، وابن يعيش (4/ 55) وشرح التصريح (1/ 125)، والهمع (1/ 29)، والدرر (1/ 8). (¬9) انظر الكتاب (3/ 275) وابن يعيش (4/ 55)، والتذييل (6/ 434).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3743 - جماد لها جماد ولا تقولن ... طوال الدّهر ما ذكرت حماد (¬1) يريد الدعاء على امرأة موصوفة بالجمود والبخل كأنه قال: جمدا لها لا حمدا (¬2). وقالوا: للظّباء إذا وردت الماء: فلا عباب (¬3)، وإذا لم ترد: فلا أباب (¬4)، وقالوا: أنت لا مساس (¬5)، وقالوا: دعني كفاف (¬6) أي: دع [المكافّة]، وقال رؤبة: 3744 - يا ليت حطّي من جداك الصّافي ... والفضل أن تتركني كفاف (¬7) ويقال: نزلت بوار على الكفار (¬8)، ونزلت بلاء على أهل الكتاب (¬9). - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر وهو للمتلمس (ديوانه ص 167) «لها» يعود إلى القرينة وهي النفس في بيت سابق وهو: صبا من بعد سلوته فؤادي ... وسمح للقرينة بانقياد وجماد وحماد: اسمان للجمود والحمد معدلين عن اسمين مؤنثين سميا بهما كالجمدة والحمدة، ويقال للخيل: جماد له أي لا زال جامد الحال، وجماد نقيض جماد، وقوله: ولا تقولن: بنون التوكيد الخفيفة، ويروى: ولا تقولي، وهذا هو المشهور في رواية البيت. والشاهد في قوله: «جماد» أنهما اسمان للجمود والحمد معدولين عن اسمين مؤنثين سميا بهما وهما: الجمدة والحمدة. وانظر البيت في الكتاب (3/ 276) وابن يعيش (4/ 55)، والخزانة (1/ 70: 72). (¬2) انظر التذييل (6/ 434) وانظر ما نقلناه عن البغدادي في الخزانة في شرح البيت السابق. (¬3) لا عباب أي لا عبّ، والعبّ شرب الماء من غير مصّ. انظر ابن يعيش (4/ 55: 56) والتذييل (6/ 435). (¬4) انظر ابن يعيش (4/ 56) والتذييل (6/ 435) وفي المثل: «لا عباب ولا أباب» انظر مجمع الأمثال (3/ 208). (¬5) قال في الكتاب (3/ 275): «والعرب تقول: أنت لا مساس، ومعناه لا تمسني ولا أمسك وانظر التذييل (6/ 435). (¬6) انظر الكتاب (3/ 275). (¬7) هذان بيتان من الرجز المشطور قالهما رؤبة من أرجوزة طويلة تزيد على ثمانين بيتا يعاتب بها أباه؛ لأنه سرق قصيدة له وأنشدها سليمان بن عبد الملك فأجازه عشرة آلاف درهم، فطلب منه ابنه نصيبا منها لكونه أحيز بشعره فأبى. الشرح: قوله: جداك: الجدا: العطية، ويروى مكانه «نداك» وقوله: الصافي أي الخالص النقي ويروى مكانه «الضافي» وهو الكثير من ضفا الحال إذا كثر أو السابغ، وقوله: والفضل بالجر عطفا على «جداك» وقوله: أن تتركني كفاف: خبر ليت وهو من قولهم: دعني كفاف، وفيه الشاهد حيث إنه اسم بمعنى الكفة معدول عن المكافة. والرجز في أمالي الشجري (1/ 28) والمغني (ص 680) بنفس رواية المؤلف، وشرح شواهده للسيوطي (ص 956)، والخزانة (1/ 245) عرضا. (¬8) انظر ابن يعيش (4/ 56) والتذييل (ص 435). (¬9) انظر المرجعين السابقين والمفصل (ص 157).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الحال: بداد (¬1)، قال الشاعر (¬2): 3745 - وذكرت من لبن المحلّق شربة ... والخيل تعدو بالصّعيد بداد (¬3) قال السيرافي: «بداد حال» (¬4). ومثال الصفة الجارية مجرى الأعلام (¬5): «حلاق» (¬6) و «جباذ» (¬7) للمنية، و «ضرام» (¬8) للحرب، و «كلاح» (¬9) و «جداع» (¬10) و «أزام» (¬11) للسنة الشديدة، و «حناذ» (¬12) للشمس، و «طمار» للمكان المرتفع، يقال: هوى من طمار (¬13)، و «لزام»، يقولون: سببته سبّة تكون لزاما أي: لازمة (¬14)، و «كرار» خرزة يأخذ بها النساء أزواجهنّ فيقلن: يا كرار (¬15)، و «بلال» يقال: - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 436). (¬2) نسبة الأعلم لابن الخرع وتبعه ابن يعيش، ونسب لحسان وهو في ديوانه (ص 108) ونسبه سيبويه للنابغة الجعدي وهو في ديوانه أيضا (ص 241). (¬3) هذا البيت من الكامل، الشرح: المحلق - بفتح اللام - وهو من الإبل الموسوم بحلقة في فخذه أو في أصل أذنه. وقوله: بداد: بفتح الباء يقال: جاءت الخيل بداد أي متبددة، وبني على الكسر؛ لأنه معدول عن المصدر وهو «البدد» وفيه الشاهد وقد وقع حالا ههنا على وزن «فعال». والبيت في الكتاب (3/ 275)، والمقتضب (3/ 371) وابن يعيش (4/ 54)، وشرح الكافية للرضى (2/ 87)، والخزانة (3/ 80) وابن السيرافي (2/ 261) والهمع (1/ 29) والدرر (1/ 10). (¬4) انظر شرح السيرافي لكتاب سيبويه (رسالة) (1/ 137) والمخطوط (2/ 375). (¬5) انظر التذييل (6/ 436). (¬6) قيل لها حلاق؛ لأنها تحلق كل حي من حلق الشعر. انظر ابن يعيش (4/ 59). (¬7) من جبذت الشيء كأنها تجبذهم. انظر المرجع السابق. (¬8) من أضرمت النار أي أججها. انظر المرجع السابق. (¬9) كلاح: من قولهم: كلح الرجل كلوحا وكلاحا: إذا كشّر عن أنيابه عبوسا. انظر المرجع السابق. (¬10) جداع: اسم للسنة المجدبة التي تجدع بالمال أي تذهب به. انظر المرجع السابق. (¬11) أزام: من الأمة وهي الشدة والقحط، يقال: أصابتهم سنة أزمتهم أزما أي طحنتهم انظر ابن يعيش (4/ 60). (¬12) حناذ: من الحنذ وهو شدة الحر وإحراقه. انظر المرجع السابق. (¬13) انظر المفصل (ص 157) وفي ابن يعيش (4/ 60) قال الأصمعي: يقال انصبّ عليه من طمار أي من عال. (¬14) حكى ذلك الكسائي انظر ابن يعيش (4/ 16) واللسان (لزم). (¬15) انظر المفصل (ص 158) وابن يعيش (4/ 61)، «كرار» معدول عن كارة وهو من الكر وهو الرجوع يستعمل لازما ومتعديا كما كان رجع كذلك.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تبلّ فلانا عندي بلال أي بالّة، و «وقاع» يقال: كويته وقاع (¬1) وهي سمة على الجاعرتين، وقيل في طول الرأس من مقدمه إلى مؤخره (¬2)، قال الشاعر (¬3): 3746 - وكنت إذا منيت بخصم سوء ... دلفت له فأكويه وقاع (¬4) و «قطاط» قال الشاعر: 3747 - أطلت فراطهم حتّى إذا ما ... قتلت سراتهم كانت قطاط (¬5) أي كانت قطاط، أي كانت الفعلة قاطّة لثأري أي قاطعة له. (¬6) و «صمام» للدّاهية (¬7)، قال ابن أحمر (¬8): - ¬

_ (¬1) وقاع: مأخوذ من الوقيعة وهي: نقرة في متن حجرة يستنقع فيها الماء انظر ابن يعيش (4/ 62). (¬2) انظر المفصل (ص 159)، وقيل: هي دائرة واحدة ينوي بها جلد البعير أين كان لا تخص موضعا. انظر ابن يعيش (4/ 62). (¬3) هو عوف بن الأحوص كما في ابن يعيش (4/ 61) واللسان (بلل). (¬4) هذا البيت من الوافر، الشرح: قوله: دلفت: يقال: دلف يدلف دلفا ودلفانا ودليفا ودلوفا: إذا مشى وقارب الخطو، والدّليف: المشي الرّويد. والشاهد فيه قوله: «وقاع» حيث استعملها علما على تلك الكيّة المخصوصة. انظر البيت في النوادر (ص 431)، والمخصص (6/ 165، 17/ 69)، والمفصل (159) وابن يعيش (4/ 59، 62) واللسان (وقع). (¬5) هذا البيت من الوافر قاله عمرو بن معد يكرب من كلمة له يقولها في بني مازن وهم قوم من الأزد وكانوا قد قتلوا أخاه فأخذ الدية منهم فعيرته أخته كبشة بذاك فغزاهم وأثخن فيهم. الشرح: أطلت: من الإطالة، وقراطهم: أي إمهالهم والتأني بهم، وسراة: قال أهل اللغة:. نه جمع سريّ ويرده أن فعيلا لا يجمع على فعلة بالتحريك، وقيل: إنه اسم جمع، وقيل: هو مفرد لأن سراة يجمع على سرولت، ولو كان سراة جمع سري لما صح أن يجمع على سروات؛ لأنه على وزن فعلة محركا، ومثل هذا البناء لا يجمع، وإنما سرى فعيل من السرو وهو الشرف فإن جمع قيل: سري وأسرياء كغني وأغنياء. ومعنى البيت: أنني أطلت امهالكم أو التقدم إليكم بأن تخرجوا إلى عن حقي فلما قتلت سراتكم كانت تلك القتلة كافية لي ولثأري. والشاهد فيه قوله: «قطاط» فإنه وصف مؤنث بمعنى قاطة أي كافية. وانظر البيت في المفصل (ص 158) وابن يعيش (4/ 58، 61) وشرح الكافية للرضي (2/ 78)، والخزانة (3/ 75). (¬6) انظر المفصل (ص 159). (¬7) انظر ابن يعيش (4/ 62). (¬8) ابن أحمر: عمرو بن أحمر بن قرّاص بن معن بن أعصر، وكان أعور، شاعر مخضرم عاش نحو 90 عاما. انظر الشعر والشعراء (1/ 363).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3748 - وردّوا ما لديكم من ركابي ... ولمّا تأتكم [صمّي] صمام (¬1) كنى بها عن الدّاهية؛ لأنها تصمّ الأسماع، ويكون على هذا من: أصمّ كـ «دراك» من: أدرك، والأجود أن يكون من: صمّ الكوّة بحجر، والقارورة: سدّ فمها، فيكون من ثلاثي غير مزيد، وصمام أيضا للحية؛ لأنها لا تعمل الرّقي لخبثها فلا تجيب كأنها صماء. أوردت ذلك حسبما أورده الشيخ في شرحه (¬2). ومثال الصفة الملازمة للنداء: «يا فساق» و «يا خباث» و «يا لكاع» (¬3)، و «يا رطاب» (¬4) و «يا دفار» (¬5) و «يا خضاف» (¬6) و «يا حباق» (¬7) و «يا خزاق» (¬8). وليعلم أن هذه الأربعة منها ما كثر وروده عن العرب فوجب القياس عليه وهما: اسم فعل الأمر من الثلاثي كـ «نزال»، والصفة المختصة بالنداء، وقد تقدم التنبيه على ذلك في باب المنادى. ومنها: ما لم يكثر فوجب الوقوف فيه مع السماع وهما: المصدر والصفة في غير النداء، وهي التي عبّر عنها المصنف «بالجارية مجرى الأعلام». - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر، الشرح: قوله: ركابي: الرّكاب: الإبل التي تحمل القوم، وقوله: صمّي صمام: هي الحية الصماء التي لا تجيب الرّقي شبهت بها الداهية، ويروى الشطر الأول منه هكذا: فأدوا ناقتي لا تأكلوها. والشاهد في البيت قوله: «صمام» كنى بها عن الداهية. وانظر البيت في المستقصى (2/ 143)، ومجمع الأمثال (2/ 219). (¬2) انظر التذييل (6/ 434: 437) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬3) يقال: رجل لكع أي: لئيم وامرأة لكعاء. ابن يعيش (4/ 57). (¬4) رطاب: كلمة تقال للأمة وهي صفة ذم، والمراد: يا رطبة الفرج وذلك مما تعاب به المرأة. ابن يعيش (4/ 57). (¬5) دفار: كلمة للأمة أيضا والمراد: يا دفار فعدلوا عن: دفرة إلى دفار للمبالغة في الصفة، والدّفر: النتن، والدنيا أم دفار كنوها بذلك ذمّا لها، ويقال: دفرا لك أي نتنا. انظر ابن يعيش (4/ 57). (¬6) خضاف: صفة ذم، والخضف: الحبق، كأنهم أرادوا: يا خاضفة أي: يا ضارطة ابن يعيش (4/ 75: 85). (¬7) حباق: مثل خضاف، والمراد: يا حابقة فعدل إلى فعال للمبالغة، والحبق: الضرط. ابن يعيش (4/ 85). (¬8) خزاق: بالخاء المعجة من الخزق، ويقال للأمة: يا خزاق يكنى به عن الذّرق. انظر شرح الكافية للضرى (2/ 77) واللسان (حزق) وابن يعيش (4/ 85)، و «حزاق» بالحاء المهملة من صفات الذم من معنى البخل. ابن يعيش (4/ 85).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: وكلّها معدول عن مؤنّث فهو أمر كالمجمع عليه عند النحاة، ولكن يتعين التعرض لبيان المعدول عنه في كل من الأربعة المذكورة. أما الصفة المختصة بالنداء: فالظاهر أن فساق معدول عن: فاسقة، وخباث عن خبيثة، ولكاع عن: لكعاء، وكان العدل في مثلها لقصد المبالغة في الذم (¬1). وأما الصفة الجارية مجرى الأعلام (¬2): فذكروا أنها معدولة عن صفات غلبت فاستعملت أسماء كـ «نابغة» في قوله: 3749 - ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته ... عليه صفيح من تراب منضّد (¬3) فهو نعت في الأصل إلّا أنه غلب حتى صار اسما (¬4)، قالوا: ولذلك لا يجوز في شيء منها أن يتبع موصوفا، لأنها صارت لغلبتها تشبه الأعلام، والعلم لا يوصف به، هذا ما أشار إليه الشيخ في شرحه (¬5). ولا يخفى أن غلبة الاسمية على الوصفية في بعض الكلمات لا يكون عدلا؛ لأن العدل عبارة عن تبديل لفظ بلفظ للدلالة على المبالغة في ذلك المعنى الذي أفاده اللفظ المعدول عنه، ولم يتحقق لي وجه العدل في هذه المسألة. وأما المصدر: فقالوا: هو معدول عن مصدر مؤنث وإن كانوا لم يستعملوا في كلامهم ذلك المصدر للمعرفة المؤنث الذي عدل عنه، كما أن «مشابه» و «ملامح» و «مذاكر» جمع لمفرد لم يستعمل في الكلام. (¬6) انتهى. وفهمت من هذا أن ذلك ليس بعدل حقيقي وإنما هو عدل تقديري. وأما الحال: كـ «بداد» فقالوا: إنه عدل عن مصدر مؤنث معرفة، وقد فسر - ¬

_ (¬1) انظر ابن يعيش (4/ 57). (¬2) انظر التذييل (6/ 440). (¬3) هذا البيت من الطويل وهو لمسكين الدارمي في ديوانه (ص 49)، الشرح: الصفيح: الحجارة العريضة، يصف موت النابغة الجعدي ودفنه بالرمل ووضع التراب والحجارة عليه. والشاهد: في «نابغة» حيث إنه في الأصل صفة واستعمل اسما علما على الشخص. والبيت في الكتاب (3/ 244) والمقتضب (3/ 373)، والخزانة (2/ 117). (¬4) انظر التذييل (6/ 440). (¬5) ما بين المعقوقين ساقط من جـ، ومصحح على هامشها. (¬6) قال سيبويه في الكتاب (3/ 275): «ألا تراهم قالوا: ملامح ومشابه وليال، فجاء جمعه على حد ما لم يستعمل في الكلام».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه هذا (¬1) في البيت المتقدم الإنشاد (¬2) فقال (¬3): تعد وبددا، إلّا أن «بداد» ليست معدولة عن بدد لأن بددا نكرة، وإنما هي معدولة عن البدّة أو المبادّة. انتهى. وهذا العدل أيضا إنما هو تقديري. وأما اسم فعل الأمر: فلم يذكروا ماذا عدل عنه؟ والعجب أنهم يجعلون اسم الفعل أصلا في العدل والتأنيث حتى قال ابن أبي الربيع: «وبني اسم الفعل على الكسر؛ لأنه مؤنث، والكسرة تناسب التأنيث، ولما ذكر الصفات المبنية على الكسر كحباق وحلاق قال: «وبني لشبهه بنزال، ووجه الشبه بينهما أن كلّا منهما معدول عن علم وهو مؤنث مع اتفاقهما في الوزن» وقال في المصدر أيضا كيسار وفجار: «إنه بني لشبهه بنزال في الوجوه المذكورة» هذا كلامه في شرح الإيضاح. وقال ابن عصفور (¬4): «إن سبب بناء فعال الذي هو علم كرقاش، وفعال المعدول المصدر المعرفة، وفعال المعدول عن الصفة الغالبة شبهها بفعال الذي هو اسم الأمر، ووجه الشبه بينها وبينه هو تساويهما في التعريف والتأنيث والعدل والوزن وقال: «وهذا هو المذهب الصحيح وهو مذهب سيبويه». انتهى. ودلّ كلامه على أن اسم فعل الأمر هو الأصل في العدل والتأنيث والتعريف، ولا أعلم توجيه واحد من الثلاثة - أعني العدل والتأنيث والتعريف - وما برحت أتطلب بيان ما عدل عنه «نزال» وبيان كونه مؤنثا، ولم أقف من كلامهم على ما يوضح لي ذلك، والذي يظهر أن القول بالعدل والتأنيث في «نزال» ونحوه من أسماء فعل الأمر ليس على وجه التحقيق، بل على وجه التقدير، وقد قال صاحب الإفصاح (¬5): «نزال» عند سيبويه علم معرفة على الجنس، وكل ما عدل منها فهو معرفة، وكذلك فجار علم على المعنى كسبحان ومثله: حلاق وحماد في اسم المنيّة والسنة - ¬

_ (¬1) في أ: «بداد». (¬2) وهو: وذكرت من لبن المحلق شربة ... والخيل تعدو بالصعيد بداد (¬3) انظر الكتاب (3/ 275). (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 244) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬5) يقصد ابن هشام الخضراوي وانظر التذييل (6/ 440).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المجدبة (¬1)، وضرام للحرب، وقد يكون هذا المعدول علما على الشخص كحذام ورقاش، ويرى سيبويه (¬2) أن هذه الأشياء بنيت حملا على نزال، ونزال بني حملا على الفعل انتهى. ويظهر من كلامه هذا أن العدل في هذه الأمور إنما هو تقديري، وأما قوله: إن نزال عند سيبويه علم فلم يتسع لي كون نزال علما. وإذ قد انقضى الكلام على عدل هذه الأشياء فلنذكر سبب بنائها، وحكم الأربعة منها، أعني اسم فعل الأمر والمصدر والحال والصفة [5/ 83] قبل التسمية بها وبعد أن تصير أسماء. أما سبب البناء: فقد تقدم من كلام صاحب الإفصاح أن هذه الأشياء بنيت حملا على نزال، ونزال بني حملا على الفعل، وتقدم من كلام ابن عصفور (¬3) أن سبب البناء فيها شبهها بفعال الذي هو اسم الأمر في العدل والتأنيث والتعريف والوزن، قال: وهذا مذهب سيبويه وهو الصحيح، وبعد ذكره هذا قال (¬4): «ومنهم من قال: إنما بنيت لتوالي العلل عليها، وذلك أنها قد كانت ممنوعة الصرف قبل العدل للتأنيث والتعريف، فلما زاد العدل - وليس بعد منع الصرف إلا البناء - بنيت، وهو مذهب أبي العباس المبرد (¬5)، ومنهم من قال: إنما بنيت لتضمنها معنى الحرف وهو تاء التأنيث وهو مذهب الرّبعيّ (¬6). قال (¬7): وهذان المذهبان ليسا بصحيحين؛ لأن الأمر لو كان كما قال الرّبعيّ لم - ¬

_ (¬1) قوله أن «حماد» اسم للسنة المجدبة ليس بصحيح لأن حماد مصدر بمعنى الحمد والذي هو اسم للسنة المجدبة من فعال: كلاح وجداع وأزام. (¬2) قال في الكتاب (3/ 274): «وإنما كسروا فعال هاهنا لأنهم شبهوها بها في الفعل». (¬3) انظر شرح الجمل (2/ 244، 245). (¬4) انظر المقتضب (3/ 374) وقد رد عليه ابن جني في الخصائص (1/ 179) وابن الشجري (2/ 115) والرضي في شرح الكافية (2/ 78). (¬5) الربعي: على بن عيسى بن الفرج أبو الحسن، شرح إيضاح الفارسي وغيره توفي سنة 420 هـ والأعلام (4/ 318). (¬6) أي ابن عصفور. (¬7) أي اللذان ذهبا إليهما أبو العباس المبرد والربعي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجز في الاسم العلم المؤنث إلّا البناء خاصة كما لم يجز في المعدول عن المصدر وعن الصفة الغالبة إلا البناء؛ لأن الاسم المتضمن معنى الحرف لا يجوز فيه إلّا البناء خاصة، وباطل أيضا أن يكون موجب البناء كثرة العلل؛ لأن هذه العلل إذا وجدت في الاسم كان الاسم بها شبيها بالفعل، وشبه الفعل لا يوجب البناء إنما يوجب منع الصرف. قال: و [أمّا] من ردّ ذلك بأن كثرة العلل لا توجب البناء (¬1) مستدلّا على ذلك بـ «بعبلك» وبأنك إذا سميت امرأة بـ «سلمان» فإنك تمنع الصرف ولا يجوز البناء، ففي «بعبلك» التأنيث والتعريف والتركيب وفي «سلمان» الزيادة والعلمية والتأنيث فباطل؛ لأن المبرد إنما ذهب إلى أن الاسم إذا كان لا ينصرف فحدثت عليه علة فإنه يبنى؛ لأنه ليس بعد منع الصرف إلّا البناء، وأما ما دخلته علل كائنة ما كانت في أحواله ولم يثبت له منع الصرف قبل ذلك لا يوجب بناءه؛ لأنها دخلت عليه وهو مصروف فنقلته إلى منع الصرف. ثم قال (¬2): فإن قيل: فـ «سلمان» قبل التسمية به لا ينصرف، فالجواب: أنه لم يستقر فيه منع الصرف وهو اسم لمؤنث، فأشبه ما حدثت فيه العلل في أول أحواله ولم يكن قبل ذلك ممنوع الصرف انتهى كلام ابن عصفور. وأما حكم الكلمات المذكورة بالنسبة إلى الإعراب والبناء فهو أنها قبل أن يسمى بها مبنية على الكسر، وعرف هذا من قبل المصنف: واتّفقوا على كسر فعال أمرا إلى آخره، وأما بعد التسمية بها فإن سمي بها مذكر كانت معرفة غير منصرفة، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: فإن سمّي ببعضها مذكّر فهو كعناق ثم أشار إلى أن من العرب من يصرفه بقوله وقد يجعل كصباح قال سيبويه: «ومن العرب من يصرفه» (¬3) وهي لغة خيثية خارجة عن القياس. وإن سمّي بها مؤنث جاء فيها اللغتان - أعني البناء على الكسر في لغة الحجازيين والإعراب إعراب ما لا ينصرف في لغة التميميين - وإلى ذلك الإشارة بقوله: وإن - ¬

_ (¬1) انظر الخصائص (1/ 180). (¬2) أي ابن عصفور. (¬3) نص عبارة سيبويه في الكتاب (3/ 280) ومن العرب من يصرف رقاش وغلاب إذا سمي به مذكرا، لا يضعه على التأنيث بل يجعله اسما مذكرا كأنه سمى رجلا بصباح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سمّي به مؤنّث فهو كرقاش على المذهبين. وقد ذكر ابن عصفور خلافا في المسألتين - أعني في تسمية مذكر بها وفي تسمية مؤنث - فقال (¬1): وفعال المعدولة إذا سميت بها مذكرا امتنعت من الصرف للتأنيث والتعريف، وما قاله ابن بابشاذ (¬2) من أنها يجوز فيها الإعراب والبناء حملا على الاسم المؤنث المعدول العلم فباطل؛ لأنه لا يشبهه؛ لأن ذلك مؤنث وهذا مذكر، وإن سميت بها مؤنثا فيجوز فيها وجهان: البناء والإعراب إعراب ما لا ينصرف، وذلك أنها صارت اسما علما لمؤنث فأشبهت حذام فجاز فيها ما جاز في حذام. قال (¬3): وزعم أبو العباس (¬4) أن نزال إذا سمي بها ليس فيها إلّا البناء، واستدل على ذلك بأنه يبقى على ما كان عليه من البناء؛ لأنه نقل من اسم إلى اسم، كما أنك إذا سميت بـ «انطلاق» لم تقطع الهمزة؛ لأنك نقلته إلى بابه، ولو كان المسمى فعلا قطعت الهمزة؛ لأنه خروج عن بابه. قال (¬5): وهذا الذي قاله باطل؛ لأن الإعراب ليس بمنزلة همزة الوصل، ألا ترى أن الفعل إذا سمي به أعرب، فإذا أعرب الفعل لأجل التسمية به مع أن بابه لا يعرب كان إعراب هذا أولى، لأن بابه الإعراب، انتهى. وأشار المصنف بقوله: وفتح فعال أمرا لغة أسديّة إلى أن بني أسد يبنون نحو: نزال وتراك على الفتح، ولا شك أن أصل الحركة لالتقاء الساكنين الكسر، وبنو أسد فتحوا لمناسبة الألف وقصدا للخفة، وللشيخ كلام مع المصنف في قوله: واتّفقوا، هل المراد به الحجازيون والتميميون فيكون بقية العرب مسكوتا عنهم؟ أو المراد به كل العرب فبنوا أسد لا يكسرون؟ (¬6) وهذا عجب من الشيخ فإن تخصيص العموم لا يدفع، فالمصنف أفاد العموم بقوله أولا: واتّفقوا يعني جميع العرب، ثم خصص ذلك العموم بقوله بعد: وفتح فعال أمرا لغة أسديّة. ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (2/ 246). (¬2) انظر التذييل (6/ 443) والأشموني (3/ 270). (¬3) أي ابن عصفور. (¬4) انظر المقتضب (3/ 374). (¬5) أي ابن عصفور. (¬6) انظر التذييل (6/ 445).

[حكم الصرف وعدمه بالنسبة إلى الاسم مكبرا ومصغرا]

[حكم الصرف وعدمه بالنسبة إلى الاسم مكبرا ومصغرا] قال ابن مالك: (فصل: يصرف مصغّرا ما لا يصرف مكبّرا إن لم يكن مؤنّثا أو أعجميّا أو مركّبا أو مضارعا لـ «فعلاء» مكبّرا ومصغّرا، أو ذا شبه بالفعل المضارع سابق للتّصغير أو عارض فيه وقد يكمل موجب المنع في التّصغير فيمتنع مصغّرا ما صرف مكبّرا). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬1): «ما لا ينصرف بالنسبة إلى التكبير والتصغير أربعة أقسام: ما لا ينصرف مكبرا [ولا مصغرا، وما لا ينصرف مكبرا وينصرف مصغرا، وما لا ينصرف مصغرا وينصرف مكبرا]، وما يجوز فيه الوجهان مكبرا ويتحتم منعه مصغرا. فالأول: نحو: بعلبك، وطلحة، وزينب، وحمراء، وسكران، وإسحاق، وأحمر، ويزيد مما لا يعدم سبب المنع في تكبير ولا تصغير. والثاني: نحو عمر، وشمّر، وسرحان (¬2)، وعلقى (¬3)، وجنادل أعلاما مما يزول بتصغيره سبب المنع فإن تصغيرها: عمير، وشميّر، وسريحين، وعليق، وجنيدل [5/ 84] بزوال مثال العدل، ووزن الفعل، وألفي سرحان وعلقى، وصيغة منتهى التكسير. والثالث: نحو: تحلئ (¬4)، وتوسّط (¬5) وترتب (¬6) وتهبّط (¬7) أعلاما مما يكمل فيه بالتصغير سبب المنع، فإن تصغيرها: تحيلئ، وتويسط، وتريتب، وتهيبط، على وزن مضارع بيطر، فالتصغير كمل لها سبب المنع فمنعت من الصرف فيه دون التكبير، فلو جيء في التصغير بياء معوضة مما حذف تعيّن الصرف لعدم وزن الفعل. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1502). (¬2) في الكتاب (3/ 217): «فإذا حقرت سرحان اسم رجل فقلت: سريحين صرفته». (¬3) في الكتاب (3/ 219): «وسألته - يعني الخليل - عن تحقير علقي اسم رجل، فقال: أصرفه كما صرفت سرحان حين حقرته». (¬4) التّحلئ: - بالكسر - ما أفسده السكين من الجلد إذا قشر. انظر اللسان (حلأ). (¬5) توسّط: مصدر توسط الشيء إذا صار وسطه. (¬6) التّرتب: الشيء المقيم الثابت، والأمر الثابت، والعبد السّوء. انظر اللسان (رتب). (¬7) التّهبّط: بلد، وقيل: إنه طائر ليس في الكلام على مثال تفعّل غيره. اللسان (هبط).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والرابع: نحو: هند وهنيدة، فلك فيه مكبرا وجهان، وليس فيه مصغرا إلّا منع الصرف. انتهى. فقوله في التسهيل: يصرف مصغّرا ما لا يصرف مكبّرا إشارة منه إلى القسم الذي ذكره في شرح الكافية ثانيا وهو: ما لا ينصرف مكبرا وينصرف مصغرا، وذلك نحو: عمر، وشمّر، وسرحان، وعلقى، وجنادل. أعلاما، فإن التصغير فيها يزيل سبب المنع وهو العدول في عمر، ووزن الفعل في شمّر، والألف في سرحان، وعلقى وصيغة الجمع في جنادل. وقوله: إن لم يكن مؤنّثا أو أعجميّا أو مركّبا أو مضارعا لفعلاء مكبّرا، ومصغّرا، أو ذا شبه بالفعل المضارع سابق للتّصغير أو عارض فيه إشارة منه إلى القسم الذي ذكره أولا (¬1) وهو: ما لا ينصرف مكبرا ولا مصغرا، وذلك نحو: زينب وإبراهيم، وإسماعيل، وبعلبك، وسكران، وتغلب، وأجادل أعلاما، فإنها لا تعدم سبب المنع في تكبير ولا تصغير، فتصغير زينب: زيينب وفيه العلمية والتأنيث وتصغير إبراهيم وإسماعيل: بريهيم، وسميعيل، أو: أبيره وأسيمع على مذهب من يرى تصغيرهما كذلك (¬2)، وعلى كلا القولين هما ممنوعان الصرف للعلمية والعجمة، وتصغير بعبلك، ومعدي كرب: بعيلبك ومعيدي كرب وفيها العلمية والتركيب، وتصغير سكران: سكيران، فالألف والنون الزائدان مع الوصف كما يمنعان في التكبير يمنعان في التصغير. وعدل المصنف عن التعبير بالمزيد آخره ألف ونون إلى قوله: «أو مضارعا لفعلاء مكبّرا ومصغّرا» لأمرين: أحدهما: عدم الاحتياج إلى ذكر العلة الأخرى وهو الوصف. ثانيهما: الاحتراز من نحو: سرحان أن يدخل تحت عبارته، وسرحان إذا صغر صرف، وأراد المصنف بذلك أن الألف والنون في «سكران» مضارعتان لألفي التأنيث في «حمراء» في الحالين - أعني التكبير والتصغير (¬3) - فيقال في تصغير - ¬

_ (¬1) أي في شرح الكافية الشافية فيما نقله عنه المؤلف في الصفحة السابقة. (¬2) في الكتاب (3/ 446) قال سيبويه: «وإن حقرت إبراهيم وإسماعيل قلت: بريهيم وسميعيل تحذف الألف وفي (476) قال: «وزعم - يعني الخليل - أنه سمع في إبراهيم وإسماعيل، بريه وسميع» وانظر شرح الشافية للرضي (1/ 263) وقد ذكر أن المبرد رد على سيبويه بأن الهمزة لا تكون زائدة لأن بعدها أربعة أصول فتحذف الحرف الأخير منون: أبيرية وأسيميع. وانظر شرح السيرافي بهامش الكتاب (3/ 446). (¬3) انظر التذييل (6/ 448).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سكران: سكيران، كما يقال في تصغير حمراء: حميراء فمصغر كل منهما كمكبره، وسرحان ليس مصغره كمكبره، وتقول في تصغير تغلب ويشكر: تغيلب ويشيكر وفي تصغير أجادل علما: أجيدل فتمنعها الصرف؛ لأن شبه المضارع في تغيلب ويشيكر سابق للتصغير فيمنعان الصرف مصغرين كما يمنعانه مكبرين، وشبه الفعل المضارع في «أجيدل» عارض بعد التصغير إذا صار على وزن، أبيطر فيمنع الصرف مصغرا كما يمنع مكبرا (¬1)، لكن في التصغير منعه للعلمية ووزن الفعل، وفي التكبير منعه إما للعلمية وشبه العجمة، أو للصيغة التي هي منتهى الجموع على القولين المتقدمي الذكر. ولقائل أن يقول: قول المصنف: أو ذا شبه بالفعل المضارع سابق للتّصغير يقتضي ظاهره أن: تغيلب ويشيكر منعا الصرف للعلمية ووزن الفعل السابق على التصغير وذلك غير ظاهر؛ لأن وزن الفعل المضارع الذي [هو] تفعل في تغلب ويفعل في يشكر قد زال بالتصغير، ومع زوال السبب يزول المسبب عنه. والذي يظهر أن «تغيلب» المصغر على وزن: تبيطر، ويشيكر المصغر على وزن يبيطر، فهما إنما منعا الصرف فيهما من وزن الفعل بعدد التصغير لا للوزن الذي كان لهما حال التكبير. واحترز بقوله «المضارع» من الماضي كـ «شمّر» مسمّى به، فإنه إذا صغر صرف كما تقدم. وقوله - أعني المصنف -: وقد يكمل موجب المنع في التّصغير فيمنع مصغّرا ما صرف مكبّرا إشارة منه إلى القسمين الباقيين اللذين ذكرهما في شرح الكافية ثالثا ورابعا (¬2) وهما: ما لا ينصرف مصغرا وينصرف مكبرا، وما يجوز فيه الوجهان: مكبرا ويتحتم منعه مصغرا؛ لأن الذي صرفه مكبرا إما أن يكون صرفه متحتما واجبا، وإما أن يكون صرفه جائزا، وكلاهما يصدق عليه أنه صرف مكبرا. فالأول: هو الذي مثل له في شرح الكافية بنحو: تحلئ وتوسط وترتب مسمّى - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 448). (¬2) انظر ما نقله المؤلف عن المصنف من شرح الكافية مثل ذلك قريبا.

[أسباب صرف ما لا ينصرف وحكم منع المصروف]

[أسباب صرف ما لا ينصرف وحكم منع المصروف] قال ابن مالك: (فصل: يصرف ما لا ينصرف للتّناسب أو للضّرورة، وإن كان أفعل تفضيل خلافا لمن استثناه ويمنع صرف المنصرف اضطرارا خلافا لأكثر البصريين، لا اختيارا خلافا لقوم، وزعم قوم أنّ صرف ما لا ينصرف مطلقا لغة، والأعرف قصر ذلك على نحو سلاسل وقوارير). ـــــــــــــــــــــــــــــ بها، فهذه يكمل فيها بالتصغير سبب المنع (¬1). والثاني: هو الذي مثل له في الشرح أيضا بنحو: هند؛ لأن في هذا الاسم مكبرا وجهين: وإذا صغر وجبت التاء فتحتم المنع من الصرف حينئذ (¬2). قال ناظر الجيش: من المعلوم أن الصرف هو الأصل في الأسماء، ولا شك أن ما كان فيه رجوع إلى الأصل أقرب وأولى مما يكون فيه خروج عن الأصل، فلذلك أجمعوا على جواز صرف ما لا ينصرف لتناسب أو ضرورة (¬3)، واختلفوا في منع المنصرف للضرورة كما سيذكر ذلك. فأما الصرف للتناسب فيكفي وإثباته وروده في كتاب الله تعالى، فمن ذلك قراءة (¬4) نافع والكسائي سلاسل (¬5) وقواريرا (¬6)، ومنه قراءة الأعمش (¬7) - ¬

_ (¬1) فمنعت الصرف للعلمية ووزن الفعل لأنها بعد التصغير صارت على وزن مضارع بيطر. (¬2) انظر التذييل (6/ 449). (¬3) في قوله: أجمعوا على جواز صرف ما لا ينصرف لتناسب أو ضرورة نظر؛ لأن الإجماع على صرف ما لا ينصرف في الضرورة فقط انظر الإنصاف (ص 493) مسألة «70» أما الصرف للتناسب فليس هناك إجماع عليه مع جوازه لثبوت وروده في كتاب الله؛ ولذلك قال الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 450) وأكثر النحويين لا يذكرون أن ما لا ينصرف قد يصرف للتناسب، والفرق بين التناسب والضرورة: أن التناسب جائز والضرورة واجبة. انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 254). (¬4) انظر في هذه القراءة الكشف (2/ 352) وحجة القراءات لابن زنجلة (ص 738) والحجة لابن خالويه (ص 358: 359). (¬5) من قوله تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً من الآية 4 من سورة الإنسان. (¬6) من قوله تعالى: كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً من الآية 15 والآية 16 من سورة الإنسان. انظر في هذه القراءة مختصر شواذ القرآن لابن خالويه (ص 162) والإتحاف (ص 429)، والبحر المحيط (8/ 342). (¬7) الأعمش: سليمان بن مهران، تابعي أخذ القراءة عن إبراهيم النخعي وزر بن حبيش وروى عنه حمزة، وابن أبي ليلى، توفي سنة (148 هـ). انظر ترجمته في طبقات القراء (1/ 315).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يغوثا ويعوقا (¬1) بالصرف ليناسبا: ودّا، وسواعا. ونسرا (¬2). وأما الصرف للضرورة [5/ 85] فكثير، منه قول الشاعر (¬3): 3750 - ممّن حملن به وهنّ عواقد ... حبك النّطاق فشبّ غير مهبّل (¬4) وقول الآخر: 3751 - تبصّر خليلي هل ترى من ظعائن ... سوالك نقبا بين حزمي شعبعب؟ (¬5) وقول الآخر: 3752 - فأتاها أحيمر كأخي السّه ... م بعضب فقال كوني عقيرا (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة نوح: 23. (¬2) انظر التذييل (6/ 450) وشرح الألفية للأبناسي (2/ 155). (¬3) هو أبو كبير الهذلي كما في الكتاب (1/ 108) (هارون) وانظر ديوان الهذليين (2/ 92). (¬4) هذا البيت من الكامل قاله أبو كبير الهذلي يمدح تأبط شرا وكان زوج أمه. الشرح: الضمير في قوله: حملن يعود إلى النساء وإن لم يجر لهن ذكر، ولكن لما كان المراد مفهوما جاز هذا الإضمار، الحبك: بضم الحاء المهملة والباء الموحدة جمع حبيك، والحبك: الطرائق، والنطاق: بكسر النون بزنة الكتاب - ما تشده المرأة في حقوها وتقول: انتطقت المرأة إذا لبست النطاق، وشب: قوي وترعرع، ورواية الكتاب «فعاش» والمهبل: المدعو عليه بالمهبل وهو الثكل، وقيل: هو المعتوه الذي لا يتماسك، والمعنى: يقول: أن هذا الفتى من الفتيان الذين حملت أمهاتهم بهم وهن غير مستعدات للفراش فنشأ محمودا مرضيّا. والشاهد في البيت هنا قوله: «عواقد» فهذه الكلمة على صيغة منتهى الجموع وهي تقتضي المنع من الصرف، ولكن الشاعر صرفها بنونها مضطرّا لإقامة الوزن، وهو كثير في لغة العرب، والنحاة يستشهدون بهذا البيت على أنه نصب قوله «حبك النطاق»، بـ «عواقد» الذي هو جمع عاقدة الذي هو اسم الفاعل المؤنث من قولهم: عقدت المرأة نطاقها: إذا شدته وربطته. والبيت في الكتاب (1/ 104)، والإنصاف (ص 489)، وابن يعيش (6/ 74)، والمغني (ص 686)، والعيني (3/ 558)، والخزانة (3/ 466). (¬5) هذا البيت من الطويل وهو لامرئ القيس. الشرح: تبصر: بمعنى انظر، وخليلي: منادى مضاف حذف منه حرف ندائه، وسوالك: صفة للظعائن، ونقبا: مفعوله وهو الطريق في الجبل، والحزم: بفتح الحاء وسكون الزاي: ما غلظ من الأرض، وشعبعب: اسم ماء باليمامة. والشاهد في قوله: «ظعائن» حيث صرفه وهو غير مصروف - للضرورة - وانظر البيت في شرح التذييل (6/ 451)، والعيني (4/ 368). (¬6) هذا البيت من الخفيف وهو لأمية بن أبي الصلت الثقفي. الشرح: الضمير في فأتاها: يرجع إلى ناقة صالح عليه السّلام وأراد بأحيمر: الذي عقر الناقة واسمه قذار بن سالف، وكان أحمر أزرق أصهب، وقوله: كأخي السهم: أي كمثل السهم، والعضب: السيف، وكوني: خطاب للناقة، وعقيرا: خبر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: وإن كان أفعل تفضيل خلافا لمن استثناه فإنه يشير به إلى مذهب الكوفيين؛ لأنهم هم المستثنون له، فهم يزعمون أن «أفعل من» لا يجوز صرفه للضرورة معتلين لذلك بأن التنوين إنما حذف من «أفعل» لأجل «من» فلا يمكن أن يجتمع معها كما لا يجتمع التنوين مع الإضافة (¬1)، وهذا ليس بشيء؛ لأن منع الصرف إنما هو لوزن الفعل والوصف، ويدل على ذلك صرف (¬2): خير منك وشرّ منك مع وجود [من]. وليعلم أن من متأخري النحاة من استثنى من صرف ما لا ينصرف للضرورة في ما آخره ألف قال (¬3): فإنه لا يصرف إذ لا فائدة في صرفه؛ لأن صرف ما لا ينصرف إما أن يكون لزيادة حرف كما في قول القائل: وهنّ عواقد وإما لتغيير حركة كما في قول الشاعر: 3753 - إذا ما غزوا في الجيش حلّق فوقهم ... عصائب طير تهتدي بعصائب (¬4) فصرف «عصائب» لأن القوافي مخفوضة، ولا شك أن ما آخره ألف يستوي فيه الرفع والنصب والخفض، فانتفى تغيير الحركة، وإذا زيد فيه التنوين سقطت الألف لالتقاء الساكنين، فيذهب حرف لمجيء حرف آخر. - ¬

_ - كان وهو فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث. والشاهد في: «أحيمر» حيث كونه للضرورة مع كونه مستحقّا للمنع، والبيت في المقرب (2/ 202)، والتذييل (6/ 451)، والعيني (4/ 377)، والأشموني (3/ 274). (¬1) انظر شرح الجمل لابن باشاذ (رسالة) (ص 336)، والإنصاف (ص 488) مسألة (69)، والتذييل (6/ 452). (¬2) انظر شرح الجمل لابن بابشاذ (ص 336)، والإنصاف (ص 491) والتذييل (6/ 452). (¬3) قال ابن بابشاذ في شرح الجمل (ص 336): «فإذا أثبت هذا فكل ما لا ينصرف يجوز صرفه ضرورة إلا إذا كان في آخره ألف التأنيث المقصورة مثل حبلى وسكرى ودنيا، فإن صرفه لا يزيد من وزنه ولا ينقص منه فلم يكن لصرفه معنى» وانظر ابن يعيش (1/ 67) والتذييل (6/ 451). (¬4) هذا البيت من الطويل وهو للنابغة الجعدي في ديوانه: الشرح: قوله: حلق فوقهم عصائب طير: يقول: إذا رأت النسور وغيرها من سباع الطير أهبتهم للقتال علمن أن ستكون ملحمة، فهي ترفرف فوق رؤوسهم وتتبعهم، وقوله: تهتدي بعصائب: أي يتبع بعضها ويهتدي بعضها ببعض. والشاهد في البيت: صرف «عصائب» مع استحقاقه للمنع للضرورة؛ لأن القوافي مخفوضة. والبيت في الشعر والشعراء (ص 175) وديوان النابغة (ص 42) وابن يعيش (1/ 68)، والتذييل (6/ 451).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ردّ ذلك لأن في صرفه فائدة وذلك أن الكلمة التي في آخرها ألف كـ «سكرى» إذا نونت فجاء بعدها ساكن؛ واضطر المتكلم إلى النطق بذلك كسر التنوين لالتقاء الساكنين، ولا سيما المحتاج إلى ذلك لإقامة الوزن، فكما يقال: مررت بفتى انطلق، يقال: مررت بسكرى انطلقت، فيكسر التنوين ويقام الوزن بذلك، ولا شك أن ذلك لا يتأتى مع الألف (¬1). وأما منع صرف المستحق الصرف للضرورة ففيه الخلاف كما ذكرنا أجازه الكوفيون، والأخفش وأبو علي (¬2). قال المصنف (¬3): وبقولهم أقول لكثرة استعمال العرب ذلك كقول الكميت: 3754 - سيوف لا تزال طلال قوم ... تهتكن البيوت [وتنثنينا] يرى الرّاءون بالشّفرات منها ... وقود أبي حباحب والظّبينا (¬4) ومثله قول الأخطل: 3755 - طلب الأزارق بالكتائب إذ هوت ... بشبيب غائلة النّفوس غدور (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 452). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1509) وزاد ابن يعيش (1/ 168) ابن برهان، ابن الانباري، وانظر التذييل (6/ 453)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 258) ديوان النابغة (ص 42). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1509، 1510). (¬4) هذان البيتان من الوافر وقائلهما الكميت من زيد في ديوانه (2/ 126). الشرح: قوله: طلال: يروى في مكانها خلال ذكرها العيني، وقوله: بالشفرات: جمع شفرة السيف وهي حدة، قوله: وقود أبي حباحب: ويروى: كنار أبي حباحب. والوقود: بضم الواو: الإيقاد، وبالفتح: الحطب، والأول هو المراد، والظبينا: بضم الظاء وكسر الباء جمع ظبة وهي طرف النصل. والمعنى: أن سيوفهم مذكرات توقد النار عند الضرب بها من جميع الجهات، والشاهد في قوله: «أبي حباحب» حيث منع صرفه للضرورة. والبيت الأول ذكره العيني (4/ 361) عرضا والثاني في أمالي الشجري (2/ 58)، والتذييل (6/ 454)، وشرح الألفية للأبناسي، واللسان (حجب). (¬5) هذا البيت من الكامل قاله الأخطل (ديوانه ص 76) من قصيدة يذكر فيها ما جرى بين سفيان ابن الأبرد نائب الحجاج زوج ابنته، وبين شبيب بن يزيد رأس الخوارج الأزارقة الذي كان ادعى الخلافة وتسمى بأمير المؤمنين، وكانت زوجته غزالة أيضا خارجة وكانت شديدة البأس، وكان الحجاج مع هيبته يخاف منها. الشرح: الأزارق: أصله: الأزارقة بالهاء فحذفها للضرورة، والكتائب: جمع كتيبة وهي الجيش، وإذ: ظرف بمعنى حين، وهوت: من هوى به الأمر إذا أطعمه وغرّه وغائلة النفوس: شرها، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول ذي الإصبع: 3756 - وممّن ولدوا عام ... ر ذوا الطّول وذو العرض (¬1) ومثله قول قيس: 3757 - ومصعب حين جدّا لأم ... ر أكبرها وأطيبها (¬2) وأنشد أبو سعيد لدوسر بن دهبل: 3758 - وقائلة ما بال دوسر بعدنا ... صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند (¬3) قال الشيخ (¬4): «وهذا الذي اختاره المصنف هو الصحيح لكثرة ما ورد من ذلك وأورده ما أورده المصنف وأنشد للعباس بن مرداس (¬5) أيضا البيت المشهور وهو: - ¬

_ - والشاهد في البيت: منع «شبيب» الصرف للضرورة. والبيت في الإنصاف (ص 493)، والتذييل (6/ 454)، والعيني (4/ 362)، وشرح التصريح (2/ 198، 228)، والأشموني (3/ 275). (¬1) هذا البيت من الهزج، وعامر: الذي في البيت هو عامر بن الظرب العدواني وقوله: ذو الطور وذو العرض: كناية عن عظم جسمه. والشاهد في البيت قوله «عامر» حيث منعه من الصرف فجاء به مرفوعا من غير تنوين مع أنه ليس فيه إلا علة واحدة وهي العلمية. والبيت في الإنصاف (ص 501) وابن يعيش (1/ 68)، والعيني (4/ 364)، وابن عقيل (3/ 340). (¬2) هذا البيت من مجزوء الوافر وهو لقيس بن الرقيات. الشرح: مصعب: المصعب في الأصل: الفحل وقالوا: رجل مصعب يعنون أنه سيد ثم سموا مصعبا، وممن سمي بهذا الاسم مصعب بن الزبير بن العوام، وهو المقصود في البيت هنا، وقالوا: المصعبان يعنون مصعبا وابنه عيسى وقيل: يعنون: مصعب بن الزبير وأخاه عبد الله. والشاهد في قوله: «ومصعب» حيث منعه من الصرف مع أنه ليس فيه إلّا علة واحدة وهي العلمية. والبيت في شرح السيرافي (2/ 17) (رسالة) وروايته: «أكثرها»، والإنصاف (ص 501) بالرواية هذه، وابن يعيش (1/ 68) وروايته «أكبرها»، ومبسوط الأحكام للتبريزي (رسالة) (1/ 128)، والتذييل (6/ 454). (¬3) هذا البيت من الطويل وهو لدوسر بن دهبل الفريحي، الشرح: «ما بال دوسر» أي ما شأنه وما حاله و «صحا قلبه» تريد أنه سلا أحبابه وترك ما كان عليه من الصبابة. والشاهد فيه قوله: «دوسر» حيث منعه الصرف مع أنه ليس فيه إلّا علة واحدة وهي العلمية، والبيت في الإنصاف (ص 500)، وشرح ابن الناظم (ص 260)، ومبسوط الأحكام للتبريزي (1/ 130)، والتذييل (6/ 454)، والعيني (4/ 366)، والأشموني (3/ 275). (¬4) انظر التذييل (6/ 453). (¬5) العباس بن مرادس بن أبي عامر السلمى أبو الهيثم من مضر، شاعر فارسي من سادات قومه أمه الخنساء الشاعرة. ترجمته في الشعر والشعراء (ص 306).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3759 - فما كان قيس ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع (¬1) قال (¬2): «وهذا من تشبيه الأصول بالفروع» انتهى. وأما قوله: لا اختيارا خلافا لقوم فإشارة إلى أن بعضهم يجيز منع صرف ما ينصرف دون ضرورة، قال في شرح الكافية (¬3): «أنشد أحمد بن يحيى»: 3760 - أؤمّل أن أعيش وأنّ يومي ... بأوّل أو بأهون أو جبار أو التّالي دبار فإن أفته ... فمؤنس أو عروبة أو شيار (¬4) فقال الحامض (¬5) لأبي العباس: أؤمل أن أعيش موضوع قال: لم؟ قلت: لأن مؤنسا ودبارا مصروفات وقد ترك صرفهما، فقال أبو العباس (¬6): هذا جائز في الكلام فكيف في الشعر؟ انتهى. فمراد المصنف بقوله: وزعم قوم أنّ صرف ما لا ينصرف [مطلقا] لغة إلى ما نقل عن الأخفش (¬7) أنه قال: من العرب من يصرف في الكلام جميع ما لا ينصرف، قال: وكأن هذه لغة الشعر إلا أنهم قد اضطروا إليه في الشعر فجرت ألسنتهم في - ¬

_ (¬1) هذا البيت من المتقارب وهو في ديوان العباس بن مرداس (ص 84) حابس: والد الأقرع بن حابس، يريد أن أبويهما لم يكونا خيرا من أبيه والشاهد في البيت منع «مرداس» من الصرف مع أنه ليس فيه إلا علة واحدة وهي العلمية. والبيت في الإنصاف (ص 499)، وشرح الكافية للرضي (1/ 38)، والعيني (4/ 365) والخزانة (1/ 71) والأشموني (3/ 275). (¬2) أي الشيخ أبو حيان. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1511). (¬4) هذان البيتان من الوافر وقد أنشدها ابن منظور في اللسان (هون، وجبر، ودبر، وأنس، وعرب، وشير) ولم يعزهما إلى قائل معين في أحد هذه المواضع، وهذه الأسماء أعلام على أيام الأسبوع على ما كان العرب يسمونها في الجاهلية، وقد بينها الأنباري في الإنصاف (ص 497). الشاهد: قوله «دبار» حيث منعه من الصرف مع أنه لا يوجد فيه إلّا سبب واحد وهو العلمية، ونظيره يقال في «مؤنس». والبيتان في الانصاف (ص 497)، والعيني (4/ 367)، واللوامع (1/ 11). (¬5) يقصد أبا موسى الحامض انظر اللسان (غرب) وهو من نحاة الكوفيين أخذ عن أبي العباس ثعلب من مؤلفاته غريب الحديث، وخلق الإنسان توفي سنة (305 هـ). انظر ترجمته في البغية (1/ 601). (¬6) ليس في شرح الكافية الشافية. (¬7) انظر التذييل (6/ 456) وشرح الألفية للأبناسي (2/ 255)، والأشموني (3/ 275).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام على ذلك. ثم قال المصنف: والأعرف قصر ذلك على نحو سلاسل وقوارير ومراده بذلك: أن صرف ما لا ينصرف لا يجوز في الكلام إلا للتناسب كما في «سلاسل» و «قوارير»، وإذا لم يكن تناسب كان ذلك مقصورا على الضرورة، هكذا يظهر لي من هذا الكلام. لكن الشيخ حمل كلامه على ما هو أعم من ذلك فإنه قال (¬1): إن المصنف يعني بذلك أن الأعرف أن يكون الصرف مخصوصا بالجمع المتناهى، قال: وقال الأخفش: إن بعض العرب وإنه سمع ذلك منهم، قال: وذكر الأخفش أن السبب في كون ذلك للجمع المذكور أن العرب يجمعونه جمع سلامة نحو قول بعضهم: صواحبات، وقال الفرزدق: 3761 - وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرّقاب نواكس الأبصار (¬2) قال: فأشبه هذا الجمع عندهم الآحاد فصرفوه انتهى. وأقول: قد ذكر ابن أبي الربيع نحوا من هذا المنقول عن الأخفش لكنه لم ينسبه إليه، فإنه لما ذكر أن نحو «مساجد» ممنوع الصرف لأن فيه علتين: الجمع وعدم النظير في الآحاد فصار بذلك جمعا في اللفظ والمعنى، قال: فيجب على هذا أن من جمع هذا الجمع بالألف والتاء فقال: صواحبات أن يصرفه كما يصرف أكلبا وأجمالا، وقد وجد الصرف في هذا الجمع أكثر مما وجد فيما فيه علتان، قال الله تعالى: إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالًا وَسَعِيراً (¬3)، وقال تعالى: قَوارِيرَا قَوارِيرَا (¬4)، وكان الأستاذ أبو علي يقول: إن أبا علي كان يذهب في هذا وما - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 456: 457) وقد نقله بتصرف. (¬2) هذا البيت من الكامل قاله الفرزدق من قصيدة يمدح بها آل المهلب بن أبي صفرة وخص من بينهم ابنه، الشرح: الخضع: جمع أخضع وهو الذليل الذي قد نكس رأسه. والنواكس: التي تنظر إلى الأرض من الخوف والذلة، والشاهد فيه: جمع «ناكس» صفة العاقل على «نواكس». والبيت في الكتاب (3/ 633) والمقتضب (1/ 259)، وابن يعيش (5/ 56) والخزانة (1/ 99) وشرح شواهد الشافية (142)، وابن السيرافي (2/ 317). وديوان الفرزدق (ص 476). (¬3) سورة الإنسان: 4. (¬4) سورة الإنسان: 15، 16.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أشبهه مما جاء في القرآن العزيز وفي كلام العرب أنه جاء على من قال: صواحبات وجمعه بالألف والتاء، وإن هذا عندي لحسن. انتهى كلام ابن أبي الربيع. ولا يظهر لي أن المصنف قصد [5/ 86] بقوله: والأعرف قصر ذلك على نحو سلاسل وقوارير؛ إلا ما قدمت ذكره والله سبحانه وتعالى أعلم. * * *

الباب الثالث والستون [باب التسمية بلفظ كائن ما كان]

الباب الثالث والستون [باب التسمية بلفظ كائن ما كان] [شرح العنوان وبيان معناه] قال ابن مالك: (باب التسمية بلفظ كائن ما كان). قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬1) رحمه الله تعالى: قوله: كائن ما كان، معناه: هذا باب التسمية بلفظ أي لفظ كان، فكائن صفة للفظ، و «ما» من قوله: «ما كان» قيل: مصدرية، ولذلك تجيء بعد ما يعقل، تقول: لأضربن زيدا كائنا ما كان، ولا تقول: كائنا من كان، لكون زيد عاقلا، وقال القصري (¬2): سألنا أبا علي - يعني الفارسي - عن قولهم: لأضربنّه ما كان فقلنا: «ما» أي شيء هي في هذه المسألة؟ وأي شيء «كان» أهي التي بمعنى «وقع» أم التي للزمان؟ فقال: عندي ما يقع إلى الساعة أن «ما» و «كان» مصدر، وأن «كان» هي التي بمعنى «وقع» والتقدير: لأضربنه كائنا كونه، و «كونه» يرتفع بـ «كائن» و «كائنا» حال منه - يعني من الضمير في «لأضربنه» - ويدل على أن «كان» هي التي بمعنى «وقع» أن المعنى: لأضربنه كائنا حاله أي: واقعا حاله، ومعنى هذه المسألة: لأضربنه ذهب أو مكث. انتهى جواب أبي علي. ولا يصح تقديره: كائنا كونه لأن «كائنا» يدل على المصدر و «كونه» مصدر، ولا بد من مغايرة المحكوم به للمحكوم عليه، ولذلك امتنع ضرب ضرب، ثم تقديره: واقعا حاله لا يفهم له معنى، وإنما المعنى: لأضربنه على كل حال، ولكن تنزيل اللفظ على هذا المعنى فيه عسر، ويتكلف له بأن تجعل «ما» موصولة بمعنى «الذي» وتكون واقعة على العاقل كما وقعت في قولهم: لا سيما زيد إذا رفعت، ألا ترى أن التقدير: لاسي الذي هو زيد، فقد أطلقت «ما» على من يعقل وهو «زيد» فكذلك هذا، ويكون «كائنا» اسم فاعل من «كان» الناقصة وفيه ضمير يعود على ذي الحال و «ما» بمعنى الذي خبر لقوله: «كائنا» و «كان» - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 457: 459). (¬2) القصري: محمد بن طوس القصري أبو الطيب، من النحويين المعتزلة، أحد تلاميذ أبي علي الفارسي، أملى عليه المسائل القصريات، وبه سميت، مات شابّا. انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 122)، وإنباه الرواة (3/ 154)، وفيه: «محمد بن طوسي».

[للاسم المسمى به ما كان له قبل التسمية]

[للاسم المسمى به ما كان له قبل التسمية] قال ابن مالك: (لما سمّي به من لفظ يتضمّن إسنادا أو عملا أو إتباعا أو تركيب حرفين، أو حرف واسم، أو حرف وفعل، ما كان له قبل التّسمية ولا يضاف ولا يصغّر). ـــــــــــــــــــــــــــــ صلة لـ «ما» الاسمية الموصولة، وهي ناقصة واسمها ضمير يعود على «زيد» وخبر «كان» محذوف لفهم المعنى يعود على «ما» كأنه قال: لأضربنّ زيدا الشخص الذي كان زيد إيّاه، أي لأضربنه على كل حال أي في حال كونه موجودا من غير اعتبار حال أخرى من ضحك أو بكاء أو إقبال أو إدبار، أو غير ذلك من الصفات، بل يضربه ما وجده ويدل على أن «ما» موصولة وليست مصدرية كما ذهب إليه أبو علي أنك تقول: لأضربن هندا كائنة ما كانت، ولأضربن الزّيدين كائنين ما كانا، ولأضربن الزّيدين كائنين ما كانوا، ولا يمكن أن تكون المصدرية إذ لو كانت مصدرية لكان اسم الفاعل قبلها مفردا مذكرا، لأن «ما» المصدرية ترتفع إذ ذاك بالحال، وهي تجري مجرى الفعل فتقول: لأضربن هندا دائما هجرها، ولأضربن الزّيدين دائما هجرهما، ولأضربن الزّيدين دائما هجرهم فكونه لا يقال: لأضربن هندا كائنا ما كان، ولا لأضربن الزّيدين كائنا ما كانا، ولا لأضربن الزيدين كائنا ما كانوا دليل على أنها ليست مصدرية» انتهى كلام الشيخ. ولم يتضح لي ما قاله، ولا ما رد به كلام أبي على، وإن كان في كلامه - أعني كلام أبي علي مناقشة من جهة تقدير لأضربنه كائنا ما كان بـ: لأضربنه كائنا كونه، والأحسن في إعراب هذا التركيب - أعني الذي ذكره المصنف - أن يقال: «ما» خبر «كائن» الذي هو صفة لقوله «لفظ»، والاسم ضمير مستتر في «كائن» عائد إلى «لفظ»، و «ما» الذي هو الخبر نكرة موصوفة بـ «كان» وهي تامة بمعنى: وجد، والتقدير: بلفظ كائن شيئا كان أي كائن شيئا وجد، والمعنى: كائن بصفة الوجود من غير نظر إلى حال دون حال (¬1). قال ناظر الجيش: تضمن هذا الكلام أن اللفظ المسمى به متى كان متصفا - ¬

_ (¬1) أرى أن هذا الإعراب الذي ذكره المؤلف جدير بأن يكون أحسن مما ذكر قبله لبعده عن التكلف وهو أقرب ما يكون لفهم المقصود من هذا التركيب، وهذا يدل على سعة أفق المؤلف وحسن فهمه للتراكيب النحوية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بتضمن أحد الأمور التي أشار إليها وجب أن يعامل بعد التسمية به بما كان يعامل قبل التسمية، فإن كان من شأنه أنه كان حكي، وإن كان من شأنه أنه كان يعرب أعرب، والأمور المشار إليها أربعة: الإسناد، والعمل، والإتباع، والتركيب، ثم التركيب إما من حرفين أو من حرف واسم، أو من حرف وفعل فيؤول ما ذكره إلى ستة أقسام. مثال الإسناد: برق نحره، وذرّى حبّا، وتأبّط شرّا (¬1)، وكذا زيد قائم أعني الجملة الاسمية لم تسم بها العرب (¬2). ومثال العمل: قائم أبواه، وضارب زيدا، إذا سميت بهما (¬3) من: زيد قائم أبواه، وعمرو ضارب زيدا، ويبغي أن يمثل لذلك أيضا بنحو: علام زيد مسمّى به لأن الأول عامل في ما بعده، وعلى هذا يستغنى أن يعد من الأقسام المضاف والمضاف إليه. ومثال الإتباع: زيد الخياط، إذا سميت بصفة وموصوف، وزيد وعمرو، إذا سميت بمعطوف ومعطوف عليه (¬4). ومثال التركيب من حرفين: إنما، وكأنّما، وأمّا، وإلّا في الجزاء (¬5)، وذكروا أيضا: كأنّ، قالوا: لأن «كاف» التشبيه دخلت على «أنّ» و «لعّل» أيضا، قالوا: لأن «اللام» زائدة لقولهم علّ، وفي ذلك نظر (¬6)، لأن الذي ذكروه في «كأنّ» أمر منسوخ لا نظر إليه بعد التركيب، وأمّا «لعل» فإن الكلمة المذكورة فيها لغات ومن جملتها علّ، فلا يقال: إن الأصل: علّ حتى يحتاج إلى دعوى زيادة اللام. وأما «إلّا» التي هي أداة استثناء فلا تركيب فيها، وكذا «أمّا» في قولنا: أمّا بعد، وأما الاستفتاحية في قولنا: أما والله، و «ألّا» أختها (¬7). ومثال التركيب من حرف واسم: يا زيد، وأنت، وإنّ زيدا، وكذا: مثلما - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 326)، والتذييل (6/ 459). (¬2) التذييل (6/ 460). (¬3) التذييل (6/ 460: 461). (¬4) التذييل (6/ 462). (¬5) انظر الكتاب (3/ 331، 332)، والمرجع السابق. (¬6) في هذا النظر نظر لأن سيبويه قال في الكتاب (3/ 332): «ولعلّ حكاية لأن اللام هاهنا زائدة بمنزلتها في: لأفعلن، ألا ترى أنك تقول: علّك، وكذلك: كأنّ لأن الكاف دخلت للشبيه». فكيف يقول: وفي ذلك نظر وقد قال به سيبويه؟ (¬7) انظر التذييل (6/ 463).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحيثما [5/ 87] وكذا «أما» التي للاستفهام هي «ما» دخلت عليها «الهمزة»، و «هذا» و «هؤلاء» (¬1) وذكروا من ذلك «كذا» و «كأيّن» (¬2)، وفي إدخال هاتين الكلمتين في المركب من حرف واسم نظر، لأن دلالة الحرف فيهما مهجورة، وإذا كانت دلالته قد هجرت فلا ينبغي الاعتداد به حينئذ. ويدخل أيضا في قوله «أو حرف واسم» نحو: «يزيد» و «في دار»، و «من زيد» و «عن عمرو» و «منذ يومين»، وهو ما يعبر عنه بالتسمية بحرف جر ومجرور، ولا يحتاج إذ ذاك إلى أن يعد قسما برأسه. ومثال التركيب من حرف وفعل: «قد قام»، ومثل له الشيخ (¬3) بقولهم: «هلمّ» مجردا من الضمير، وفي التمثيل بذلك نظر (¬4). إذا عرف هذا فالمتضمن للإسناد حكمه أن يحكي، وكذا المتضمن للتركيب شأنه الحكاية أيضا سواء أكان التركيب من حرفين أو من حرف واسم، أو من حرف وفعل. وأما المتضمن للعمل فإنه يعرب، وكذا المتضمن للإتباع أيضا فتقول: أعجبني قائم أبوه، ورأيت قائما أبوه، ومررت بقائم أبوه، وكذا أعجبني ضارب زيدا، ورأيت ضاربا زيدا، ومررت بضارب زيدا، وتقول: قام زيد الخياط، ورأيت زيدا الخياط، وتقول: قام زيد وعمرو، ورأيت زيدا وعمرا، ومررت بزيد وعمرو (¬5). وحاصل الأمر: أنه قد تقدم المتبوع والتابع رافع رفعا، أو ناصب نصبا، أو جار جرّا، وقد أشار المصنف إلى الحكاية في القسمين الأولين، وإلى الإعراب في القسمين الآخرين بقوله «ما كان له قبل التّسمية» فإنه يريد بذلك أن اللفظ - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 332) والتذييل (6/ 463). (¬2) انظر الكتاب (3/ 332) والمرجع السابق. (¬3) انظر التذييل (6/ 463: 464). (¬4) لم يذكر لنا المؤلف وجهة نظره على عادته ولكنه ترك الأمر على اعتبار أنه مفهوم، والذي يعنيه أن الشيخ أبا حيان مثل للمركب من حرف وفعل بـ «هلم» مجردا من الضمير فلا يكون هناك تركيب، والذي أراه أن تمثيل الشيخ بـ «هلم» تمثيل صحيح قال سيبويه في الكتاب (3/ 332: 333) وأما هلم فزعم - يعني الخليل - أنها حكاية في اللغتين جميعا كأنها لمّ أدخلت عليها الهاء كما أدخلت ها على ذا لأني لم أر فعلا قط بني على ذا ولا اسما ولا شيئا يوضع موضع الفعل وليس من الفعل، وقول بني تميم: هلممن يقوي ذا، كأنك قلت: الممن فأذهبت ألف الوصل». (¬5) انظر التذييل (6/ 461).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتضمن لواحد من هذه الأمور يعامل بعد التسمية به بما كان له قبلها من حكاية، وإعراب، وجعل ابن عصفور الإعراب في ما ذكر حكاية أيضا فإنه قال (¬1): «حكيت الحال التي كانت قبل التسمية، يعني أنه لم يحدث له بجعله اسما أمر لم يكن له قبل، بل هو على الحال التي كان عليها». واعلم أنه قد بقي من الذي يحكي إذا سمي به قسم أشار إليه المصنف [بعد] بقوله: «والمعطوف بحرف دون متبوع كالجملة»: «وزيد» من قولك: جاء عمرو وزيد مثلا، فيقال: جاء وزيد ورأيت وزيدا، ومررت بوزيد فيحكي على حسب الوضع الذي نقل منه (¬2)، وكذا الحكم في ما لو سمي بمعطوف منصوب أو مجرور، وعلى هذا يكون الذي يحكي بعد التسمية ثلاثة أقسام: ما تضمّن إسنادا، وما تضمّن تركيبا من التراكيب الثلاثة التي تقدم ذكرها، والمعطوف بحرف دون متبوع، لا يقال: بقى على المصنف قسم من أقسام التركيب لم يذكره وهو ما تركب من فعل واسم كـ «حبّذا» (¬3) لأن هذا القسم داخل تحت قوله «ما تضمّن إسنادا». واعلم أن الأقسام الحاصلة من تركيب كل من الاسم والفعل والحرف مع غيره منها ستة أقسام: اسم واسم، وفعل واسم، اسم وحرف، وفعل وفعل، وفعل وحرف، وحرف وحرف. فالمركب الذي هو من اسمين إن كان مركبا تركيب مزج فقد علم حكمه في باب «منع الصرف» سواء أكان الثاني صوتا كـ «سيبويه» (¬4) أم غير صوت نحو: بعلبك، وإن كان مركبا تركيب إسناد، أو تركيب إضافة فقد ذكر في هذا الباب وتقدم بيان حكمه. والمركب الذي من اسم وفعل إن كان بينهما قبل التسمية إسناد فقد ذكر هنا - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (2/ 471). (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 472)، والتذييل (6/ 467). (¬3) المرجع السابق، والمطبوع (2/ 472). (¬4) قال ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 473): «فإن كان مركبا من اسم وصوت مثل: سيبويه وعمرويه فإنك تحكي فيه ما كان يجوز فيه قبل أن تحكيه فيجوز البناء، وأن تعربه إعراب ما لا ينصرف فتقول: جاءني سيبويه وسيبويه، ورأيت سيبويه وسيبويه، ومررت بسيبويه وسيبويه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا كما عرف، وإن لم يكن بينهما إسناد فليس مما انطوى عليه كلامه، لأنه أحال الحكم على ما كان له قبل التسمية، ولا يوجد قبل التسمية اسم وفعل بينهما تركيب غير إسنادي، وإذا كان كذلك فيكون داخلا في ما سيذكره بعد من قوله «ويعرب ما سوى ذلك»، ويجب إذا أعرب أن يكون حكمه حكم «بعلبك» أي حكم المركب تركيب مزج. لا يقال: نحن نمنع وجود هذا القسم لأنه لا يتصور وجود تركيب بين اسم وفعل إلا مع إسناد ففرض مركب بين اسم وفعل دون إسناد فرض شيء غير واقع، لأنا نقول: لا يلزم من عدم وجوده في كلام العرب منع التسمية به، فليس من شرط ما يسمى به أن يكون مستعملا في كلام العرب، كيف وقد تضمنت ترجمة الباب التسمية بلفظ كائن ما كان (¬1)؟ وأما المركب الذي هو من اسم وحرف فقد نص عليه وتقدم التمثيل له بـ «يا زيد»، و «أنت» (¬2) و «إن زيدا» و «بزيد» و «في دار» و «من زيد» و «عن عمرو»، و «منذ يومين» وفي كل ذلك الحكاية كما عرفت، إلا أن في نحو: من زيد، ومنذ يومين يجوز مع الحكاية إعراب الأول مضافا إلى ما بعده، وسيأتي ذكر ذلك في أثناء الباب. والمركب الذي من فعل وفعل لا يكون تركيبه إلا تركيب مزج، ولم ينطو كلامه عليه أيضا لما عرفت فيكون داخلا تحت قوله «ويعرب ما سوى ذلك». والمركب الذي هو من فعل وحرف قد عرفت أنه ذكره، وأن حكمه الحكاية إلا أنه يستثنى منه نحو: أسلمت وكذا نحو: أسلما وأسلموا في لغة من يجعل الثلاثة أحرفا فلا يكون فيه حكاية كما سيأتي. والمركب الذي من حرف وحرف قد نص عليه أيضا وقد عرفت أن حكمه الحكاية. قال الشيخ (¬3): «وترك المصنف من الذي يحكي الموصول وصلته كما إذا - ¬

_ (¬1) يفهم من هذا الكلام أن المؤلف يرى أنه لا يقف جامدا أمام المنقول عن العرب، ولكنه إذا رأى ما يمكن على نظيره قاس عليه، وهذا يدل على التوسع في اللغة حتى تساير متطلبات العصور المختلفة. (¬2) أنت: مركبة من الضمير وهو اسم و «تاء» الخطاب وهي حرف. انظر التذييل (6/ 463). (¬3) انظر التذييل (6/ 465) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.

قال ابن مالك: «ويعرب ما سوى ذلك». ـــــــــــــــــــــــــــــ سميت رجلا بالذي رأيت، قال: فهذا لا تغيره عما كان عليه قبل التسمية به فتقول: قام الذي رأيت، وأكرمت الذي رأيت، ومررت بالذي رأيت، قال: وليس هذا شيئا مما ذكره لأنه لم يتضمن إسنادا ولا عملا - أعني أن الموصول لم يعمل في صلته -، ولا إتباعا، ولا هو من تركيب حرفين، ولا تركيب حرف واسم، ولا تركيب حرف وفعل انتهى. وأقول: إن كلمة «رأيت» اشتملت على «مسند» و «مسند إليه» وانضمام «الذي» إليها لا يخرجها من ذلك، وإذا [5/ 88] كان كذلك فهذا الذي ذكره داخل تحت قول المصنف: «يتضمّن إسنادا» ولا يلزم من عدم صدق الكلام على «رأيت» الذي هو صلة عدم صدق الإسناد، وقد تقدم في أول الكتاب عند ذكر «حد الكلام» أن الجملة الواقعة صلة والجملة المضاف إليها الظرف كل منهما تضمّن إسنادا مفيدا (¬1). ثم إن المصنف أشار بقوله بعد «ولا يضاف ولا يصغّر» إلى أن اللفظ المتضمن لما ذكر إذا سمي به لا يضاف ولا يصغر، وإنما امتنع فيه الأمران - أعني الإضافة والتصغير - لأنه إما جملة أو شبه للجملة، والجملة لا ينالها ذلك، وحكم ما أشبهها حكمها، وكما أنه لا يضاف ولا يصغر، لا يثنى ولا يجمع للعلة التي ذكرت وكذا إن كان موصولا فيه الألف واللام لا يجوز نداؤه، نحو: «الذي رأيت» لأن الموصول بصلته في حكم اسم مفرد فيصير «الذي رأيت» كـ «الرجل» والرجل لا يجوز نداؤه من أجل الألف واللام، بخلاف قولك: الرجل منطلق، إذا سميت به فإنه يجوز نداؤه (¬2)، ولا تكون الألف واللام تابعة لما علم في باب النداء (¬3). وأما قول المصنف: «والمعطوف بحرف دون متبوع كالجملة» فقد تقدم الكلام عليه، ولو أخر قوله «ولا يضاف ولا يصغّر» عن قوله «والمعطوف بحرف» كان أولى. قال ناظر الجيش: يريد ويعرب ما سوى ما ذكر، فيدخل في ما سوى ذلك: - ¬

_ (¬1) قال في التسهيل (ص 3): «والكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته». (¬2) انظر التذييل (6/ 466). (¬3) قال في التسهيل (ص 181): «لا يباشر حرف النداء في السعة ذا الألف واللام غير المصدر بهما جملة مسمى بها، أو اسم جنس مشبه به خلافا للكوفيين في إجازة ذلك مطلقا».

[يعرب الاسم المسمى به بما كان له قبل التسمية]

[يعرب الاسم المسمى به بما كان له قبل التسمية] قال ابن مالك: (فإن كان مثنّى أو مجموعا على حدّه أو جاريا مجرى أحدهما مطلقا أعرب بما كان له قبل التّسمية أو جعل المثنّى وموافقه كعمران، والمجموع وموافقه كغسلين، أو حمدون، أو هارون ما لم يجاوزا سبعة أحرف). ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم المفرد العاري عن الإسناد، والعمل، والإتباع، والتركيب، معربا كان كـ «زيد» أو مبنيّا كـ «من» و «ما» و «ذا» و «الّذي»، وسيذكر أن المفرد المبني قد يحكى. ويدخل أيضا: المثنى، والمجموع. ويدخل فيه الفعل غير مسند، ومعربا كان كـ «يضرب» من: يضرب زيد، أو مبنيّا كـ «ضرب» من: ضرب زيد، بخلاف «اضرب» فإن الإسناد لا يفارقه، وقد يقال: إنه يجوز أن يسمى به خاليا من الضمير بأن تقدر أنه غير مسند كما قالوا في: هلمّ (¬1)، وسيذكر أن الفعل غير المسند قد يحكى. ويدخل أيضا الحرف المفرد أي الذي لم يركب مع غيره نحو: «على» و «عن» و «في» و «لو» و «لولا» و «باء» الجر و «كافه». ويدخل أيضا ما تقدم التنبيه عليه مما لم يشمله كلامه وهو: المركب من اسم وفعل دون إسناد بينهما، والمركب من فعل وفعل. ويدخل فيه أيضا حروف الهجاء إذا سمي بها كما سيأتي. قال ناظر الجيش: لما أشار إلى أن ما سوى ما ذكره حكمه الإعراب، وكان من جملة ما يدخل تحت ذلك أمور منها ما قد يكون إعرابه بالحروف، ومنها ما لا بد له من تكميل - أعني أن يزداد على حروفه - ومنها ما لا بد له من حذف شيء منه، ومنها ما لا بد له من إدغام إن كان مفكوكا، شرع في ذكرها أمرا فأمرا وتبيين أحكام كل منها فقال مشيرا إلى الأمر الأول: فإن كان - يعني المسمّى به مما سوى ما ذكر - مثنى أو مجموعا على حدّه، أو جاريا مجرى أحدهما وذلك كـ «اثنين» و «اثنتين» و «كـ» «عشرين» وبابه أعرب بما كان [له] قبل التسمية - يعني بما - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 463، 464).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كان يعرب به - فيكون المثنى وما جرى مجراه بالألف رفعا، وبالياء جرّا ونصبا، والمجموع وما جرى مجراه بالواو رفعا، وبالياء جرا ونصبا. وخرج بقوله «مطلقا»، «كلا»، و «كلتا» فإنهما لا يجريان مجرى المثنى في اللغة المشهورة إلا بقيد وهو: الإضافة إلى مضمر (¬1)، وإذا كانا لا يجريان مجرى المثنى مطلقا فلا يعربان - إذا سمّي بهما إعراب المثنى، بل يعربان إعراب المفرد. ثم ذكر أنه يجوز فيهما - أعني المثنى والمجموع وما جرى مجراهما - أن يعربا بالحركات الظاهرة في النون. أما المثنى وموافقة فإنه يلزم الألف حينئذ ويمنع الصرف (¬2)، وإلى ذلك الإشارة بقوله «أو جعل المثنّى وموافقه كعمران»، واستفيد من التمثيل بـ «عمران» أن منع الصرف في المثنى وموافقه للعلمية وزيادة الألف والنون (¬3)، ومنه قول الشاعر: 3762 - ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان ... ألحّ عليها دائم الهطلان (¬4) وأما المجموع وموافقه: فإنه قد تلزمه الياء أو الواو، لكنه إذا لزمته «الياء» كان منونا إذ لا موجب لمنعه الصرف، وإلى ذلك الإشارة بقوله «كغسلين». قيل: وقلبت الواو «ياء» لأنه لا يوجد مفرد آخره «واو» بعدها «نون» زائدة، وأما «نون» زيتون فأصلية بدليل قولهم: «أرض زتنة» إذا كان فيها زيتون (¬5). وأما إذا لزمته «الواو» فإنه يمتنع الصرف للعلمية وشبه العجمة، إذ ليس في المفرد العربي ما هو على هذا الوزن، وإلى هذا الوجه الإشارة بقوله «أو هارون»، وهو تمثيل حسن لأنه يستفاد منه أيضا أن المانع في «زيدون» ونحوه مع العلمية شبه العجمة، لأن المانع مع العملية في «هارون» إنما هو العجمة، ولا عجمة في - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 467). (¬2)، (¬3) المرجع السابق. (¬4) هذا البيت من الطويل وهو للنجاشي الحارثي من بني الحارث بن كعب (شاعر أموي). الشرح: السبعان: موضع معروف في ديار قيس، ألح: ألح السحاب بالمطر: دام، وسحاب ملحاح دائم، والهطلان: المطر المتفرق العظيم القطر، وهو مطر دائم مع سكون وضعف. والشاهد فيه قوله: «بالسبعان» حيث لزم المثنى الألف ومنع الصرف، والبيت في التذييل (6/ 468) وفي اللسان (سبع). (¬5) انظر التذييل (6/ 468).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «زيدون» فليكن فيه شبهها. واعلم أن المصنف لما ذكر هذا الحكم في غير هذا الكتاب لم يتعرض إلى منع الصرف، بل ذكر أن الإعراب يجري على «النون» مع لزوم «الواو» فيحتمل أنه إنما سكت عن التعرض لمنع صرفه لأنه ذكر في ذلك الكتاب (¬1) أن «حمدون» وشبهه من الأعلام يمتنع صرفه إلحاقا بما منع صرفه للتعريف والعجمة المحضة على هذا الاحتمال يكون ما ذكره في ذلك الكتاب موافقا لما ذكره هنا، ويحتمل أن يكون سكوته عن منع الصرف هناك إنما كان لأنه مصروف، وهو قد ذكر هنا أنه ممتنع الصرف، فعلى هذا يكون في المجموع المسمى به إذا أعرب بالحركات مع لزوم «الواو» وجهان: الصرف وعدمه، فيصير في المجموع حينئذ إذا سمي به أربعة أوجه (¬2): إجراؤه على ما كان عليه قبل [5/ 89] التسمية وهو أجودها، قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (¬3). الثاني: إجراؤه مجرى غِسْلِينٍ (¬4) في لزوم «الياء» وإجراء حركات الإعراب على النون. الثالث: إجراؤه مجرى «عربون» في إجراء الإعراب على «النون» ولزوم «الواو» مع كونه مصروفا. والرابع: إجراؤه مجرى «هارون» يعني فيكون كما قبله إلا أنه لا ينون لأنه غير مصروف. وقد زاد السيرافي (¬5) رحمه الله وجها آخر وهو: استصحاب «الواو» في الأحوال كلها مع فتح «النون» وعدم سقوطها في الإضافة، وزعم أنه ثابت في كلام العرب، وأشعارها بالرواية الصحيحة، قال: كأنهم حكوا لفظ المرفوع في حال التسمية، وألزموا طريقة واحدة وأنشد: 3763 - ولها بالماطرون إذا ... أكل النّمل الّذي جمعا - ¬

_ (¬1) يقصد شرح الكافية الشافية (3/ 1496). (¬2) ذكر المصنف هذه الأوجه الأربعة في شرح الكافية الشافية (1/ 196). تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬3) سورة المطففين: 18، 19. (¬4) سورة الحاقة: 36. (¬5) انظر شرح السيرافي للكتاب (2/ 905: 906) (رسالة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلفة حتّى إذا ارتبعت ... ذكرت من جلّق بيعا (¬1) قال المصنف في شرح الكافية (¬2) بعد ذكر هذه الأوجه على هذا الترتيب الذي ذكرناه: «ولم يذكر سيبويه (¬3) إلا الوجهين الأولين». وقوله ما لم يجاوزا سبعة أحرف أشار به إلى أن الحكم المذكور للمثنى والمجموع مشروط بألا يجاوزا سبعة أحرف، فإن جاوزا سبعة أحرف أي بعلامتي التثنية والجمع فإنهما لا يعربان حينئذ بالحركات، بل يعربان بما كانا يعربان قبل التسمية بهما حقّا، إذ لا يعرب بالحركات إلا مفرد أو ما يشبه المفرد، ولا شك أن منتهى الاسم بالزيادة سبعة أحرف، وبزيادة علامة التثنية على ما هو سبعة، أو علامة الجمع تخرج الكلمة عن قاعدة المفردات، فوجب أن لا يعرب بالحركات، وذلك كقولك في تثنية اشهيباب، وجمعه: [اشهيبانان] (¬4)، واشهيبانون. ثم إن الشيخ ذكر فرعا (¬5) وهو: «أنك إذا سميت بـ «ذين» أو بـ «تين» اسمي الإشارة جازت فيه حكاية التثنية، قال: ومن لم يحك ألزمهما الألف وصرفهما فقال: جاءني ذان، ورأيت ذانا، ومررت بذان، لأنه لا يكون في الأسماء المفردة ما آخره «ياء» و «نون» زائدتان قبلهما حرف مفتوح، فلا بد من رده إلى مثال الأسماء، وهو أن تصير [الياء] ألفا حتى يشبه الأسماء المفردة (¬6)، - ¬

_ (¬1) هذان البيتان من الرمل، وفيهما: الخبن والحذف، وقائلهما يزيد بن معاوية بن أبي سفيان من قصيدة عينية يتغزل بها في نصرانية كانت قد ترهبت في دير خراب عند الماطرون وهو بستان بظاهر دمشق يسمى اليوم المنظور. الشرح: قوله خلفة: هو ما يطلع من الثمر بعد الثمر الطيب، قوله: ارتبعت: من ارتبع البعير إذا أكل الربيع، وارتبعنا بموضع كذا أقمنا به في الربيع، و «جلق» بكسر الجيم وتشديد اللام مكسورة: موضع بالشام وسوق الجلق بدمشق مشهور، وبيعا: بكسر الباء وفتح الياء جمع بيعة وهي لليهود مثل الكنيسة للنصارى، والشاهد في قوله «بالماطرون» حيث لزم «الواو» وفتح «النون» مع أنه مجرور وهكذا في حالتي الرفع والنصب على ما ذكر السيرافي والبيت الأول في الكامل للمبرد (1/ 226) وشرح الكافية للرضى (2/ 140) والبيتان في التذييل (6/ 469) والعيني (1/ 148، 149)، والخزانة (3/ 278، 279). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (1/ 197). (¬3) انظر الكتاب (3/ 232: 233). (¬4) اشهيباب: مصدر «اشهابّ» من الشّهبة وهي: البياض الذي غلب على السواد. انظر اللسان (شهب). (¬5) انظر التذييل (6/ 469). (¬6) قال في الكتاب (3/ 280): «وسألته - يعني الخليل - عن ذين اسم رجل فقال: هو بمنزلة رجلين ولا أغيره لأنه لا يحتمل الاسم أن يكون هذا».

[إجراء حاميم وياسين مجرى قابيل]

[إجراء حاميم وياسين مجرى قابيل] قال ابن مالك: «ويجري نحو حاميم مجرى هابيل». ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ويفيد بهذه المسألة قولهم في المثنى إذا سمي به أن فيه وجهين وهما: حكاية التثنية، وإلزامه الألف ومنعه الصرف». قال ناظر الجيش: لم يظهر [لي] وجه ذكر المصنف لهذه المسألة هنا إذ لا تعلق لها بما هو مذكور قبلها، ولا بما هو مذكور بعدها، على أن الإشارة إليها قد تقدمت في الباب الذي قبل هذا الباب، والمراد: أنك إذا سميت بـ «حاميم» أو «طاسين» أو «ياسين» أو بما يوازنها كان ممنوع الصرف كـ «هابيل» إلا أن «هابيل» ممنوع الصرف للعلمية والعجمة، و «حاميم» وموازنة ممنوع الصرف للعلمية وشبه العجمة (¬1). لكن قد تقدم لنا في الباب السابق أن المصنف قال في شرح الكافية (¬2): «وحكم سيبويه (¬3) لـ «حاميم» اسم مذكر بمنع الصرف تشبيها بـ «هابيل» في الوزن، وعدم لحاق الألف واللام». فلم يجعل المصنف العلة المقارنة للعلمية شبه العجمة كما رأيت، والظاهر أن العلة المؤثرة إنما هي شبه العجمة لا ما ذكره المصنف، ودليل استعمال، «حاميم» غير مصروف قول الشاعر: 3764 - يذكّرني حاميم والرّمح شاجر ... فهلّا تلا حاميم قبل التّقدّم (¬4) ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 417). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1495) ولم يتقدم أن المؤلف نقل هذا الكلام عن هذا الكتاب كما ذكر. (¬3) انظر الكتاب (3/ 257). (¬4) هذا البيت من الطويل منسوب لرجل من بني أسد. الشرح: قوله يذكرني حاميم ... إلخ أي يذكرني حاميم والحال أن رمحي مختلط في ثيابه وأضلاعه، وقيل المعنى: والحال أن الرماح مختلطة والحرب قائمة، وقوله فهلا فيه نوع توبيخ أي: كان من حقه أن يذكرني بها قبل التقدم للحرب. والشاهد في البيت منع صرف «حاميم» تشبيها له بـ «هابيل» إلا أن «هابيل» ممنوع الصرف للعلمية والعجمة و «حاميم» ممنوع الصرف للعلمية وشبه العجمة. والبيت في الكشاف (1/ 17) والمقتضب (1/ 373) والتذييل (6/ 471).

[المسمى به إذا كان ناقصا كمن وعن]

[المسمى به إذا كان ناقصا كمن وعن] قال ابن مالك: (وإن كان ما سمي به حرفي هجاء ضعّف ثانيهما إن كان حرف لين، وإن كان حرفا واحدا كمّل بتضعيف مجانس حركته إن كان متحرّكا ولم يكن بعض كلمة، وإن يكنه وهو ساكن فبالحرف الّذي قبله على رأي، وبهمزة الوصل على رأي، وإن كان متحرّكا فبالفاء إن كان عينا، وبالعين إن كان فاء، وبأحدهما إن كان لاما لا بالتضعيف المستعمل في ما ليس بعضا خلافا لمن رآه). قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على الأمر الأول وهو: ما قد يكون إعرابه بالحرف شرع في الكلام على الأمر الثاني وهو: ما لا بد له من تكميل، وذلك إذا كان المسمى به حرفين من حروف الهجاء، أو حرفا واحدا منها. وأقول: المسمى به إما حرفان أو حرف واحد، والحرفان: ثانيهما إما صحيح وإما معتل، وعلى كلا التقديرين: إما أن يكون كل منهما كلمة مستقلة وإما بعض كلمة، فهذه أربعة أقسام، والحرف الواحد إما كلمة مستقلة وإما بعض كلمة، وهو إما ساكن أو متحرك، وهذه أربعة أقسام أيضا، فعلى هذه الأقسام التي تذكر أحكامها في هذا الموضع ثمانين. أما المسمى به الذي هو حرفان وثانيهما صحيح فحكمه البقاء على ما كان دون تغيير (¬1) سواء أكان كلمة مستقلة أم بعضا من كلمة، فيقال في «عن» مسمى بها: عن وعنا، وعن رفعا ونصبا وجرّا، وكذا إذا سمي بنحو «ضر» من: ضرب يقال: ضر، وضرا، وضر، في الأحوال الثلاثة. وأما الذي ثاني حرفيه معتل فحكمه تضعيف ذلك المعتل (¬2) سواء في ذلك ما كان كلمة مستقلة، وما كان بعضا من كلمة فيقال في «كي» و «لو» و «لا» مسمّى بها: كيّ ولوّ ولاء، رفعا، وكيّا ولوّا ولاء نصبا، وكيّ ولوّ، ولاء جرّا، وكذا يقال - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 472). (¬2) انظر الكتاب (3/ 261) والتذييل (6/ 471: 472).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في «بي» من «بيع» و «قو» من «قول» و «عا» من «عاقبة» إذا سمّى بها: بيّ، وقوّ، وعأّ بالتضعيف رفعا ونصبا وجرّا. وقد علم هذان الحكمان من قوله: وإن كان ما سمّي به حرفي هجاء ضعّف ثانيهما إن كان حرف لين، الثاني بالمنطوق والأول بالمفهوم. وإنما وجب التضعيف في ما ذكره لأن الاسم المعرب لا يكون آخره حرف لين تجري عليه حركات الإعراب (¬1). وأما إبدال الألف المزيدة على ما ثانيه «ألف» همزة قلما عرف في التصريف (¬2). وأما الحرف الواحد الذي هو كلمة مستقلة فإن كان متحركا فحكمه أن يزاد عليه حرف من جنس حركته ثم يضعف ذلك الحرف، كما إذا سميت بـ «التاء» من ضربت، وب «الكاف» من: ضربك، وب «التاء» من: ضربت [5/ 90] فيقال: توّ وكاء وتيّ رفعا، وتوّا وكاء وتيّا نصبا، وتوّ وكاء وتيّ جرّا (¬3)، وإلى هذا الحكم الإشارة بقوله «وإن كان حرفا واحدا كمّل بتضعيف مجانس حركته إن كان متحرّكا ولم يكن بعض كلمة». وإن كان ساكنا كما لو سميت بـ «التاء» من نحو: ضربت هند فلم يذكره المصنف، والظاهر أن حكمه حكم الساكن الذي هو بعض كلمة [في أن يكمل بهمزة وصل كما سيبين لا بشيء مما قبله وأما الذي هو بعض كلمة] فقد علمت أنه قسمان أيضا، ساكن ومتحرك، أما الساكن: فحكمه أن يكمل بحرف قبله واختلف فيه: فقيل (¬4): بالحرف الذي كان قبله قبل أن يقتطع ويسمى به، وقيل: بهمزة الوصل، فإذا سميت بثاني «ضرب» قيل على القول الأول: ضر، وعلى القول - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (3/ 261): «إلا أنك تلحق واوا أخرى فتثقل، وذلك أنه ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها حرف مفتوح»، وانظر التذييل (6/ 472). (¬2) وذلك لأنه بزيادة الألف التقى ساكنان فقلبت الثانية - وهي التي زيدت - حرفا قريبا من مخرجها وهو الهمزة، وإنما قلبت الألف همزة لأنها حرف ضعيف واسع المخرج لا يحتمل الحركة، فإذا اضطروا إلى تحريكه قلبوه إلى أقرب الحروف إليه وهو الهمزة، والهمزة حرف جلد يقبل الحركة، وقلبت الثانية ولم تقلب الأولى لأن التغيير أليق بالأواخر، ولأن في تحريك الثانية تحصيلا لظهور الإعراب الذي يحصل به الفرق بين المعاني. وانظر ابن يعيش (9/ 130) وحاشية الصبان (4/ 286). (¬3) انظر التذييل (6/ 473). (¬4) انظر التذييل (6/ 473: 474).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أر قيل: وهو مذهب سيبويه (¬1)، وإلى هذا أشار بقوله: وإن يكنه وهو ساكن فبالحرف الّذي كان قبله على رأي، وبهمزة الوصل على رأي أي: وإن يكن الحرف الواحد بعض كلمة. وأما المتحرك: ففي الذي يكمّل به خلاف: فقيل: إن كان الحرف المسمى به عين كلمة كمّل بفائها، وإن كان فاء كمّل بعينها، وإن كان لاما كمّل إما بالفاء وإما بالعين (¬2). [فإذا سميت بالأوسط من: ضرب قلت: ضرّ، وإذا سميت بالأول منه قلت: ضرّ أيضا]، وإذا سميت بالثالث منه كنت مخيرا بين أن تقول: ضبّ أو ربّ، وقيل (¬3): إنما يكمّل الحرف المتحرك بالتضعيف في ما ليس بعضا. وقد عرفت أن التضعيف المذكور هو: أن تزيد على الحرف حرفا من جنس حركته، ثم يضعف ذلك الحرف، فعلى هذا القول يقال: ضاء، وراء، وباء (¬4). ولو سميت بـ «الصاد» المضمومة من: ضرب قلت: ضرّ، وضرّا، وضرّ. ولو سميت «الضاد» المكسورة من: ضرب قلت: ضيّ، وضيّا، وضيّ (¬5). وإلى هذا الحكم أشار بقوله «وإن كان متحركا فبالفاء إلى قوله خلافا لمن رآه». وقال صاحب البسيط (¬6): «إذا سميت بالباء من: ضرب قلت على رأي سيبويه والخليل (¬7): باء، وعلى رأي الأخفش (¬8): ضب، وعلى رأى المازني (¬9): رب، وعلى رأي غيرهم (¬10) ترد الكلمة بأسرها فتقول: ضرب» انتهى. - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 321). (¬2) انظر التذييل (6/ 475). (¬3) انظر التذييل (6/ 476). (¬4) في الكتاب (4/ 425: 326): «وإن سميت بالضاد من: ضرب قلت: ضاء، وإن سميته بها من: ضراب قلت: ضيّ، وإن سميته بها من: ضحى قلت: ضوّ، وكذلك هذا الباب كله، وهذا قياس قول الخليل ومن خالفه رد الحرف الذي يليه». وانظر التذييل (6/ 476). (¬5) انظر الكتاب (3/ 325: 326) والتذييل (6/ 476). (¬6) انظر التذييل (6/ 476). (¬7) انظر الكتاب (3/ 320). (¬8) انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي بهامش الكتاب (3/ 322) وشرح الكافية للرضي (2/ 143). (¬9) انظر المرجعين السابقين. (¬10) هو أبو العباس المبرد. انظر شرح السيرافي بهامش الكتاب (3/ 322)، وشرح الكافية للرضي (2/ 142).

قال ابن مالك: (ويجعل «فو» «فما»، وذو المعرب «ذوا أو ذوّا»). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تخفى مخالفة هذا الذي نقله (¬1) لما ذكره المصنف. واعلم أن «حرفا» في قول المصنف «وإن كان حرفا» يشمل الصحيح والمعتل: لكنهم لم يمثلوا إلا بالصحيح فبقى علينا أن نعرف حكم الحرف الواحد المعتل، وكذا حكم الحرفين المعتل أولهما. قال ناظر الجيش: هذا الذي ذكره كالمستثنى مما تقدم، وذلك أنه قدم لنا أن المسمى به إذا كان ثانية حرف لين ضعف ذلك اللين، فكأنه قال: إلا فو وذو مسمّى بهما فإن كلّا منهما آخره لين ولا يضعف بل يرد «فو» إلى فم، و «ذو» ذوا، أو ذو، أما ردّ «فو» إلى فم فلأن العرب حين أفردته عوضت عن الواو الميم، وجعلتها حرف الإعراب، ولولا فعلت العرب ذلك لكان يرّد إليه ما حذف منه أصلا وهو «الهاء» كما رد إلى «ذو» ما حذف منه (¬2). وأما رد «ذو» إلى ذوا أو ذوّ: فليس الحال فيهما على التخيير، ولكن هما مذهبان فسيبويه على الأول، والخليل على الثاني، وقد تقدم في أول الكتاب أن الإمامين المشار إليهما مختلفان في أصله: فعند سيبويه أن «ذو» وزنه «فعل» (¬3) وأصله: ذوي كـ «فتى» ثم أعلت اللام بقلبها ألفا كما أعل «فتى» ثم حذف فهو عنده من باب «طويت». وقال الخليل (¬4): وزنه «فعل» - بسكون العين - وهو من باب «قوة» وأصله: ذوّ مثل: فوّ، فمن ثمّ رده كل منهما في التسمية به إلى أصله عنده، وأصل «الذال» على كلا القولين الفتح، وفي شرح الشيخ (¬5) ما يقتضي الطعن في مذهب الخليل، وإذا حقق كان ذلك الطعن مدفوعا، وإنما تركت إيراده خشية الإطالة. ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان فقد نقل هذا الكلام عن صاحب البسيط انظر التذييل (6/ 476). (¬2) انظر التذييل (6/ 477). (¬3) انظر الكتاب (3/ 262: 263). (¬4) انظر الكتاب (3/ 263) ونصه: وكان الخليل يقول: هذا ذوّ بفتح الذال، لأن أصلها الفتح، تقول: ذوا، وتقول: ذوو. (¬5) انظر التذييل (6/ 477).

[أحكام مختلفة في المسمى به]

[أحكام مختلفة في المسمى به] قال ابن مالك: (وتقطع همزة الوصل إن كان ما هي فيه فعلا، ويجبر الفعل المحذوف آخره أو ما قبل آخره، والمحذوف «الفاء» و «اللّام» أو «العين» و «اللّام» بردّ المحذوف، وتحذف «هاء» السّكت ممّا هي فيه، ويدغم المفكوك للجزم أو للوقف). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: هذا الكلام يشتمل على ذكر ثلاثة أشياء وهي: ذكر بقية ما بقى من الأمر الثاني وهو: ما لا بد له من تكميل. وذكر ما لا بد له من حذف شيء منه وهو الأمر الثالث. وذكر ما لا بد له من إدغام إن كان قبل التسمية به مفكوكا وهو الأمر الرابع، وقدم على ذلك ذكر حكم يتعلق بـ «همزة الوصل» وكأنه قصد أن ينظم الأحكام التي يختص بها الفعل إذا سمي به ويوردها جملة. وإذ قد عرف ما قصده من نظم المسائل فأقول: اعلم أن المسمى به إن كان فعلا يختص بأحكام زائدة على الأحكام [التي] يشترك هو والاسم فيها فمنها: أنه إن كان ذا همزة وصل عادت الهمزة همزة قطع بعد التسمية فيقال في: انطلق، واستخرج مسمّى بهما: ذهب إنطلق، وقام إستخرج؛ بقطع الهمزة فيهما، وقد علل ذلك بأن ما جاء بهمزة الوصل من الأسماء قليل فلا يقاس عليه، وقد أخرج هذا اللفظ من جنس الأفعال إلى جنس الأسماء فكان حمله على الأكثر في الأسماء أولى (¬1). وعلم من كلام المصنف أن ذا همزة الوصل من الأسماء تستمر همزته إذا سمّي به على ما كانت عليه دون قطع لأنه إنما نقل من اسمية إلى اسمية فوجب بقاؤه على ما كان عليه [دون قطع]. وعن ابن الطراوة (¬2) أنها تقطع قال: «لأن همزة الوصل إنما كانت فيه حين كان - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 478). (¬2) ابن الطراوة: هو سليمان بن محمد، توفي سنة (528 هـ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جاريا على الفعل وقد خرج عن ذلك بالعلمية (¬1). وقد ردّ عليه بأن العرب لم تعتبر ما ذكره ويدل عليه: هبة الله علما، ولا شك أن الأصل فيه: وهبة، وإنما حذفت «الواو» لجريان الكلمة على الفعل، وقد بقيت الكلمة على ما كانت عليه بعد أن صارت علما (¬2). ومنها: أنه إذا كان قد حذف آخره أو حذف ما قبل آخره، أو حذف منه «الفاء» و «اللام»، أو حذف [5/ 91] منه «العين» و «اللام» جبر برد المحذوف في هذه الصور كلها، فمثال المحذوف الآخر (¬3): يرمي، ويغزو من: لم يرم، ولم يغز، إذا سمي بهما فترد «الياء» و «الواو» فتقول: هذا يرم ويغز، ونظرت إلى يرم ويعز ورأيت يرمي ويغزي، ترد «الياء» في الأول، و «الواو» في الثاني، ثم حذف «الياء» من يرمي كما تحذفها من «قاض»، وأما يغز فبعد رد الواو تقلبها «ياء» وتقلب الضمة قبلها كسرة لأجل الياء والموجب لذلك أن اسما معربا لا يكون في آخره «واو» قبلها ضمة، فيعود اللفظ بـ «يغز» كاللفظ بـ «يرم» سواء، ويكون حكمهما حكم المنقوص. ومثال المحذوف ما قبل الآخر: يبع ويقم [ويخف] من: لم يبع، ولم يقم، ولم يخف، فإذا سميت [بها قلت: يبيع، ويقوم، ويخاف رفعا، ويبيع، ويقوم ويخاف نصبا وجرّا، وكذا (¬4) إذا سميت] بنحو: بع وقل، قلت: بيع، وقول رفعا، وبيعا، وقولا نصبا، وبيع، وقول جرّا، وقد عرفت في باب «منع الصرف» أن مثل هذا الوزن لا أثر له في المنع من الصرف. ومثال المحذوف «الفاء» و «اللام» (¬5): عه إذا سميت به وهو أمر من: وعي فتحذف «هاء» السكت - كما سيأتي - وترد الفاء وهي «واو» واللام وهي «ياء» فتقول: جاء وع (¬6)، ورأيت وعيا، ومررت بوع. واعلم أنك لا ترد «الفاء» من: يق، ويف من: لم يق، ولم يف إذا سميت بهما، بل ترد اللام فقط، كأنهم يستغنون بحرف المضارعة عن «الفاء» فلا يردونها - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 478) والهمع (2/ 155). (¬2) انظر التذييل (6/ 479). (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر التذييل (6/ 479) وانظر الكتاب (3/ 319). (¬5) انظر التذييل (6/ 479). (¬6) انظر الكتاب (3/ 318).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنقول: قام يق ويف، ورأيت يقي ويفي، ومررت بيق ويف. ومثال المحذوف «العين» و «اللام»: ره، إذا سميت به (¬1)، وهو أمر من «رأى» حذفت «هاء» السكت على ما ستعرف، ورددت ما كان حذف منه وهو الهمزة، والياء اللتان هما: العين واللام، ولما ردت الهمزة عادت «الراء» إلى أصلها من السكون، لأن الحركة التي كانت عليها إنما هي حركة الهمزة نقلت إليها منها، ثم حذفت، فلما عادت، عادت «الراء» إلى ما كانت عليه في الأصل فوجب الإتيان بهمزة الوصل فيقال فيها بعد العمل المذكور: ارأي، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا فتصير: ارأى، قالوا: وهو منصرف لأنه لا مانع من صرفه، ووزنه: افعل (¬2). وفي ذلك نظر، لأن هذه الزنة تغلب في فعل الأمر من الثلاثي، ولا شك أن: ارأى يوازن اعلم، وقد نصّوا على أن نحو: إصبع إذا سمي به منع الصرف وبعض النحويين لا يعيد «الراء» إلى سكونها الأصلي بل يتركها متحركة (¬3)، فإذا تركت بحالها وردّت الهمزة والياء لزم أن يقال: رأى كـ «عصا» لأن الياء لما ردّت انقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها. وإن كان المحذوف «العين» و «اللام» على حرفين بحرف المضارعة نحو: ير من قولك: لم ير فإن عين الكلمة لا ترد حينئذ، كما أنك لا ترد «الفاء» من نحو: يف ويق من قولك: لم يق ولم يف، فتقول: قام يرى، ورأيت يرى، ومررت بيرى، غير مصروف للعلمية ووزن الفعل (¬4). ومنها: أنه إذا سمّي به و «هاء» السكت مصحوبة له حذفت «الهاء» المذكورة، لأن الإتيان بها كان لموجب وقد زال، ومثال ذلك ما تقدم من نحو: عه، وره مسمّى بهما. وكذا لو كان الفعل على أكثر من حرف واحد، كما إذا سميت بـ «ارمه» مثلا فإنك تقول فيه: إرم رفعا وجرّا، وإرمي نصبا، وتعود همزته همزة قطع (¬5). ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (3/ 318): «ولو سميت رجلا بره لأعدت الهمزة والألف، فقلت: هذا إرأ قد جاء، وتقديره: إدعى». (¬2) انظر التذييل (6/ 481). (¬3) انظر التذييل (6/ 480). (¬4) المرجع السابق. (¬5) انظر الكتاب (3/ 317: 318) والتذييل (6/ 481).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا سميت بنحو: اخشه تقول: إخشا، تحذف «الهاء» وترد اللام المحذوفة وتقطع الهمزة. ومنها: أن المفكوك للجزم أو الوقف إذا سمي به يدغم أحد المثلين في الآخر، ومثال ذلك: أن يسمى بـ «يردد» [من لم يردد] فتقول فيه: يردّ رفعا، ويردّ نصبا وجرّا ويجب منع صرفه (¬1). وكذا إذا سمي بـ «اردد» يدغم، وإذا الإدغام تحركت «الراء» فيستغنى عن همزة الوصل، فيقال: ردّ رفعا، وردّا نصبا، وردّ جرّا، لأنه لا مانع من صرفه إذ ذاك (¬2). وفي شرح الشيخ (¬3): «وإنما وجب الإدغام في ما ذكرنا لأن العلة المقتضية للفكّ في الفعل لم تكن في الاسم - أعني في «يردد واردد - لما سمي بهما، وإذا كان كذلك وجب الرجوع إلى قياس اعتلال الأسماء، لأن الكلمة انتقلت إلى نوع آخر فصار لها حكم النوع الذي نقلت إليه، ولذلك إذا سميت [بقيل] تقول فيه: قيل على رأي سيبويه (¬4)، ولو سميت بصيد وعور قلت: صاد وعار، ولو سميت بعاور قلت: عائر لأنه يصير كفاعل نحو: قائم، ولو سميت باغضض قلت: إغضّ، قاله سيبويه (¬5)، قال الشارحون لكلامه: لأنك [إذا] نقلت إلى ما الألف فيه وصل فتقطع الهمزة وتحرك آخره فيلزم الإدغام، لأنه لا يجوز في المضاعف أن تظهر عينه ولامه مع تحريك الآخر، إذ ليس في الدنيا عربيّ يقول: يردد، هذا إن كان الفك لجزم أو وقف، وإن كان الفكّ شاذّا أي لغير ذلك كأن يسمى بألبب من قوله: 3765 - قد علمت ذاك بنات ألببه (¬6) لا يغير، ولا يقال: ينبغي أن يغير لأن العرب إنما شذّت فيه في موضعه، فإذا انتقل عن ذلك الموضع انبغى أن يرجع فيه إلى القياس لأن اللفظ الذي عزمت فيه - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 319) والتذييل (6/ 481: 482). (¬2) انظر التذييل (6/ 482). (¬3) انظر التذييل (6/ 482: 483) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬4) انظر الكتاب (3/ 309). (¬5) انظر الكتاب (3/ 319: 320). (¬6) هذا شطر من بيت من الرجز، وهو من الخمسين المجهولة القائل، وقد أورده البغدادي في الخزانة، على أنه لأعرابية جعلت تعاتب ابنا لها فقيل لها: مالك لا تدعين عليه؟ فقالت هذا. والشاهد فيه: فك إدغام (ألبب) شذوذوا، والبيت في الكتاب (3/ 195) والمقتضب (1/ 307)، (2/ 97) والمصنف (1/ 200)، (3/ 34)، والخزانة (3/ 292).

[جواز الإعراب والحكاية في الجار والمجرور]

[جواز الإعراب والحكاية في الجار والمجرور] قال ابن مالك: (وإعراب ما جرّ من حرف وشبهه كائن على أكثر من حرف، وإضافته إلى مجروره معطى ما له مستقلّا بالتّسمية أجود من حكايتهما). ـــــــــــــــــــــــــــــ العرب على الشذوذ فيبقى على حاله فلو تغير عنه كأن تصغره لأدغمت فقلت: أليبّ» انتهى. قال ناظر الجيش: تقدم الوعد بذكر المسألة عند ما ذكر أن المركب من حرف واسم حكمه الحكاية، وأن في نحو: من زيد، ومنذ يومين يجوز فيه مع الحكاية إعراب الأول مضافا إلى ما بعده فها هو ذا قد أشار إلى هذا الحكم. وحاصل الأمر: أنه إذا سمي بحرف جار ومجروره وكان حرف الجر [5/ 92] على حرف واحد فليس في ذلك إلّا الحكاية كما تقدم، وإن كان على أزيد من حرف واحد بأن يكون على حرفين نحو: من زيد، أو أكثر نحو: منذ يومين جازت الحكاية، والأرجح أن يعرب الأول ويضاف إلى ما بعده، وهذا الوجه هو الذي ذكره سيبويه (¬1) مقتصرا عليه، ومن ثمّ قال المصنف: إنه أجود من حكايتهما، لكنه أطلق كلامه فيما هو على حرفين. وأما ابن عصفور فإنه قيد جواز الإعراب في ذلك بكون ثاني الحرفين من ذلك الحرف الجار حرفا صحيحا كـ «من» و «عن»، وأما إذا كان معتلّا فذكر أن مذهب الجمهور أنه لا يجوز إلّا الحكاية نحو: في زيد (¬2)، أما المبرد (¬3) والزجاج (¬4) فإنهما أطلقا ولم يفرقا بين ما ثانية حرف صحيح وما ثانيه حرف علة حتى نقل (¬5) عنهما أنهما أجازا الإعراب في الحرف الواحد الجار نحو «الياء» من: يزيد. ولم أعلم ما أراد المصنف بقوله: «وشبهه» فالله تعالى أعلم بمراده بذلك ما هو؟ - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 329: 330). (¬2) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 472: 473). (¬3) انظر المقتضب (4/ 43) والتذييل (6/ 484) والهمع (2/ 155). (¬4) انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي بهامش الكتاب (3/ 330) والتذييل (6/ 84) والهمع (2/ 155). (¬5) انظر التذييل (6/ 484) والهمع (2/ 155).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأفاد بقوله: معطى ما له مستقلّا بالتّسمية أنك تقول في نحو: من زيد، ومن زيد، ومن زيد رفعا ونصبا وجرّا كما تقول: من، ومنا، ومن في الأحوال الثلاثة، وكذا يكون العمل في: منذ يومين سواء (¬1). وتقول في على زيد مسمّى به: على زيد في الأحوال الثلاثة، لأن «على» لو استقل بالتسمية كان حكمه حكم المقصور. وتقول في نحو: في زيد على ما اقتضاه إطلاق المصنف: فيّ زيد، وفيّ زيد، وفيّ زيد رفعا ونصبا وجرّا فتضعف الحرف الثاني من «في» كما لو سميت بها وحدها (¬2). وقد ذكروا الإعراب (¬3) الأول في نحو: من زيد مسمّى به وجها وهو: تشبيه حرف الجر لكونه خافضا لما بعده بالاسم المضاف من حيث كان خافضا لما بعده، قالوا: فعلى هذا لا يجوز الإعراب في نحو: بزيد ولا في نحو: في زيد بل تجب الحكاية؛ لأن المضاف لا يكون على حرف واحد أصلا ولا على حرفين أحدهما حرف علة إلّا ما شذ من: فيك وذي مال (¬4). واعلم أن الكلمة الأولى - أعني الجارة - كما أعطيت حال الإعراب ما لها مستقلة هكذا الكلمة الثانية - أعني المجرورة - يجب أن تعطى في هذه الحالة أيضا ما لها لو سمّي بها مستقلة، فعلى هذا إذا سمي بنحو: ممّ، وعمّ وجب أن يقال حال الإعراب: من ماء، وعن ماء رفعا، ومن ماء، وعن ماء نصبا، ومن ماء، وعن ماء جرّا (¬5). - ¬

_ (¬1) يقال: جاء في منذ يومين، ورأيت منذ يومين، ومررت بمنذ يومين، هذا إذا أعرب، فإن حكي قيل: منذ على كل حال. وانظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 473). (¬2) وهذا مذهب المبرد والزجاج. (¬3) قال في الكتاب (3/ 334): «وأما كزيد، وبزيد فحكايات؛ لأنك لو أفردت الياء والكاف غيّرتها ولم تثبت كما ثبتت من». (¬4) انظر التذييل (6/ 484). (¬5) قال في الكتاب (3/ 334): «وإن سميت رجلا: عمّ فأردت أن تحكي في الاستفهام تركته على حاله كما تدع: أزيد، وأزيد: إذا أردت النداء، وإن أردت أن تجعله اسما قلت: عن ماء؛ لأنك جعلته اسما وتمدّ ماء كما تركت تنوين سبعة، لأنك تريد أن تجعله اسما مفردا أضيف هذا إليه بمنزلة قولك: عن زيد، وعن ههنا مثلها مفردة؛ لأن المضاف في هذا بمنزلة الألف واللام لا يجعلان الاسم حكاية، كما أن الألف واللام لا تجعلان الاسم حكاية، وإنما هو داخل في الاسم وبدل من التنوين، فكأنه الألف واللام».

[حكم الفعل والعلامة في لغة يتعاقبون]

[حكم الفعل والعلامة في لغة يتعاقبون] قال ابن مالك: (ويلحق نحو: أسلمت، وأسلما، ويسلمان، وأسلموا، ويسلمون في لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» بمسلمة، ومسلمين، ومسلمين مسمّى بها، ونحو «فعلن» في تلك اللّغة معرب غير منصرف). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر الشيخ (¬1) في شرحه عن صاحب البسيط في هذا الموضوع تقسيما بالنسبة إلى التسمية بحروف المعاني دون ما تدخل عليه زاعما أن كلام المصنف لم يتضمن ذلك، ثم إنني لم أورد ذلك لقلة فائدته، على [أن] ما ذكره تقدم التعرّض إليه عند الكلام على قوله: وإن كان ما سمّي به حرفي هجاء. والناظر إذا تأمل ما ذكرناه ثمّ تحقق الاستغناء عما ذكره الشيخ عن صاحب البسيط هنا. قال ناظر الجيش: قد تقدم لنا أن المركب من حرف وفعل محكيّ، وتقدمت الإشارة إلى أنه سيأتي أنه مستثنى من ذلك نحو: أسلمت، وأسلما، وأسلموا، وأسلمن، على لغة من يحكم بحرفية «الألف» و «الواو» و «النون» فلا يكون فيه حكاية، بل يتعين إعرابه، وها هو قد أشار الآن إلى ذلك. فالفعل الذي اتصلت به «تاء التأنيث» الساكنة نحو أسلمت من قولنا: أسلمت هند إذا سمّي به يلحق بـ «مسلمة» مسمّى بها، فيكون معربا ممنوع كالعلم المؤنث بالتاء فيقال فيه: اسلمة رفعا، وأسلمت نصبا وجرّا، وينبغي إذا وقف عليه إذ ذاك أن تبدل التاء «هاء» (¬2). والفعل المسند إلى ظاهر الذي اتصل به ألف الاثنين - ماضيا كان أو مضارعا - أو واو جمع - ماضيا كان أو مضارعا - على لغة يتعاقبون فيكم ملائكة (¬3) إذا اقتطع - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 485: 487). (¬2) انظر الكتاب (3/ 210) والتذييل (6/ 487: 488). (¬3) هذه اللغة هي التي تعارف عليها النحاة بأنها لغة «أكلوني البراغيث» وفي هذه اللغة تكون الواو علامة للجمع وليست ضميرا للفاعل، وكذلك الألف تكون علامة للتثنية وليست ضميرا للفاعل في حالة إسناد الفعل إلى ألف الاثنين، والمذكور قطعة من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رواه البخاري عن أبي هريرة في باب «مواقيت الصلاة» (1/ 105)، وانظر الموطأ (1/ 170).

[تسمية المذكر ببنت وأخت]

[تسمية المذكر ببنت وأخت] قال ابن مالك: (وإن سمّي مذكّر بـ «بنت» أو «أخت» صرف عند الأكثر، وتردّ «هنت» إلى «هنة» لفظا وحكما). ـــــــــــــــــــــــــــــ عما أسند إليه وسمّي به عومل ما اتصل به «الألف» معاملة المثنى مسمّى به، وما اتصل به «الواو» معاملة الجمع الذي على حده مسمّى به أيضا (¬1). ويلحق «النون» في نحو: أسلما، وأسلموا، وهو الفعل الماضي لتصير الكلمة على حد المثنى والمجموع فيستحق إعرابهما، فيقال: أسلمان، ويسلمان رفعا، وأسلمين ويسلمين نصبا وجرّا، وأسلمون، ويسلمون رفعا، وأسلمين ويسلمين نصبا وجرّا، هذا إن أعربت بالحروف، وإن أعربت بالحركات فلا يخفى عليك ذلك لما تقدم من بيانه في هذا الباب. والفعل الذي اتصلت به «نون» الإناث الحرفية، وهي المرادة بقوله: في تلك اللّغة أي لغة «يتعاقبون فيكم ملائكة» إذا سمّي به معرب، كما أن ما تقدمه من نحو: أسلمان ويسلمان وأسلمون، ويسلمون معرب أيضا (¬2). لكن نحو «فعلن» يتحتم أن يكون إعرابه بالحركات بخلاف ما سبق، فلذا أفرده بالذكر عن أخواته، ثم إنه ممنوع الصرف للعلمية وشبه العجمة، إذ مثل هذا الوزن مفقود في الأوزان العربية، فيقال: ضربن رفعا وضربن نصبا وجرّا. وقد اقتصر المصنف في المتصل به «النون» على التمثيل بالماضي، والظاهر أن المضارع كذلك (¬3)، فلو سمّي بنحو: يضربن من: يضربن الهندات وجب له من الإعراب ومنع الصرف ما وجب لـ «ضربن» لما سمّي به. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان: أما الأولى: فقد تقدم الكلام في باب «منع الصرف» ولا شك أن ذلك الباب - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 209: 210) والتذييل (6/ 488). (¬2) انظر الكتاب (3/ 210) والتذييل (6/ 490). (¬3) ما ذكره المؤلف صواب فهو مذهب سيبويه قال في الكتاب (3/ 210): «وإن سميت رجلا بضربن أو يضربن لم تصرفه في هذا، لأنه ليس له نظير في الأسماء» فقد مثل سيبويه بالماضي والمضارع كما هو واضح من النص.

[حكم التسمية بالأسماء الموصولة]

[حكم التسمية بالأسماء الموصولة] قال ابن مالك: (وينزع من «الألى» الألف واللّام، وكذا من «الّذي» و «الّتي» و «اللّائي» و «اللاتي» وتجعل الياء منهنّ حرف إعراب إن ثبتت قبل التّسمية وإلّا فما قبلها). ـــــــــــــــــــــــــــــ أولى بذكرها فيه من هذا الباب. وحاصل الأمر فيها: أن التاء في «بنت» و «أخت» عند سيبويه (¬1) والجمهور للإلحاق؛ لأن «تاء» التأنيث لا يسكن ما قبلها بل يلزم تحركه لفظا كـ «تمرة» أو تقديرا كـ «قطاة» ولأنها تثبت وقفا في لغة الجميع، و «تاء» التأنيث لا تثبت لفظا إلّا في لغة طيئ، بل تقلب «هاء» (¬2). وأما المسألة الثانية: فهي مسألة «هنت» إذ سمّي بها، فأشار إلى أن «هنتا» إذا سمي بها تردّ إلى: هنه لفظا وحكما، [أما الرد لفظا] فبأن [يحرك ما قبل التاء، وتعود الكلمة إلى أن يوقف عليها بالهاء، وأما الرد حكما فبأن] تمنع الصرف (¬3). والفرق بين «هنت» و «أخت» أنهم لما وقفوا على: هنة قالوا: هنه بالتحريك والإبدال، بخلاف «أخت» قالوا: فرجع في التسمية إلى حال الوقف لأنه القياس [5/ 93] وذلك أن مذكره: هن، فوجب إذا قصد إلى تأنيثه أن تزداد عليه علامة التأنيث، هكذا ذكر الشيخ هذا الفرق في شرحه (¬4)، ولم أتحقق ما قاله. ونقل (¬5) عن صاحب البسيط أنه قال: «إن سمّي بهنت من الوصل كان كبنت وصلت أو وقفت، وإن سمي به من الوقف كان كتيه في الوصل والوقف» انتهى. وليس في كلام المصنف تفرقة بين الحالين، ولا يبعد أن ما ذكره صاحب البسيط هو الظاهر. قال ناظر الجيش: حاصل ما أشار إليه أن الاسم الموصول إذا سمي به دون صلته، وكان فيه ألف ولام نزعتا منه، سواء أكان مفردا أم جمعا لمذكر [أم لمؤنث]، إلا - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 221) والتذييل (6/ 490). (¬2) انظر التذييل (6/ 490: 491)، والهمع (2/ 209). (¬3) انظر الكتاب (3/ 222)، والتذييل (6/ 491). (¬4) انظر التذييل (6/ 491). (¬5) انظر التذييل (6/ 492) وقد نقله المؤلف عن أبي حيان بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه لم يذكر «الذين» مع الكلمات التي ذكرها ولم يتعرض إلى ذكر صيغة المثنى من المذكر والمؤنث، والظاهر أنه لا فرق بين الجميع بالنسبة إلى نزع الألف واللام منها حال التسمية بها. وإنما نزعت اللام من هذه الكلمات؛ لأنها زائدة (¬1)، وقد حذفها من قرأ (¬2) صراط لذين أنعمت عليهم (¬3) وقال بعضهم: إن كانت للتعريف نزعت وإلّا فلا (¬4)، ويظهر أن هذا القول هو الذي يقتضيه القياس. ثم إن هذه الكلمات التي ذكرت إذا سمي بها وجب إعرابها؛ لأن المقتضي للبناء وهو شبه الحرف في الافتقار إلى الصلة قد زال (¬5)، وأنت قد عرفت ما في «الذي» و «التي» من اللغات وهي: إثبات الياء مشددة أو مخففة، وحذفها مع إسكان الآخر الذي قبلها، أو تحريكه، فمن أثبت «الياء» قبل التسمية جعلها حرف الإعراب، فإن كانت مشددة [جرت] (¬6) الحركات الثلاث عليها كما تجري على نحو: صبي وزكي، وإن كانت مخففة أعربت الكلمة إعراب المنقوص فيقال: لذ رفعا وجرّا، ولذيا نصبا كـ «شج» و «عم» ومن حذف الياء ثم سمّى بالكلمة بعد الحذف جعل الإعراب على ما قبلها سواء أكان ساكنا أم متحركا فيقال: لذ، ولذا، ولذ رفعا ونصبا وجرّا كما تفعل بـ «أب» و «يد» و «دم» (¬7)، وقد فهم هذا من قول المصنف: وإلّا فما قبلها لأنه يريد: وإلا تكن «الياء» ثابتة قبل التسمية فما قبله هو حرف الإعراب، وهذا أعم من أن يكون ساكنا أو متحركا. وأما «الألى» فبعد نزع «اللام» منها تصير كـ «على» فتعرب إعراب المقصور (¬8)، بأن تقدر فيها الحركات [الثلاث]، وتكون منوّنة، ولا تمنع الصرف لشبه صيغتها بصيغة «عمر» لأن طريق العلم بعدل هذه الصيغة سماع الاسم من العرب غير مصروف، نعم لو سمي بها مؤنث منعت الصرف للعلمية والتأنيث، - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 492). (¬2) انظر التذييل (6/ 492). (¬3) في مختصر شواذ القرآن لابن خالويه (ص 1) (صراط الذين) بتخفيف اللام أعرابي. (¬4) سورة الفاتحة: 7. (¬5) انظر الهمع (2/ 155). (¬6) انظر التذييل (6/ 492). (¬7) انظر التذييل (6/ 493). (¬8) انظر التذييل (6/ 493).

[أسماء الحروف الهجائية وحكمها]

[أسماء الحروف الهجائية وحكمها] قال ابن مالك: (وما ذكر من اسم حرف فموقوف، فإن صحب عاملا اختير جريه مجرى موازنه مسمّى به، وقد يقال: هذا با). ـــــــــــــــــــــــــــــ والحكم بالصرف وعدمه لا يتعلق بهذا الباب لأن ذلك يعرف من بابه. وإذا سميت (¬1). قال ناظر الجيش: قد يقال: لا مدخل لهذه المسألة في هذا الباب فما وجه إيرادها فيه؟ ويجاب عن ذلك: بأن الموجب لإيرادها هنا أنه حكم على ما ذكره بأنه إذا صحبه عامل أجري مجرى موازنة مسمّى به على المختار، فلما كان حكم ما ذكره محالا على حكم ما سمّي به من موازنة، وحكم المسمّى به الموازن قد علم من هذا الباب سوّغ له ذلك إيراد هذه المسألة هنا. والمقصود الذي أشار إليه تبيين حكم أسماء الحروف بالنسبة إلى الإعراب وغيره، فليعلم أن أسماء الحروف إن ذكر شيء منها غير مصحوب بعامل كان موقوفا نحو: ألف، جيم، كاف، عين، صاد، قاف، يا، تا، ثا، بالقصر في الثلاث (¬2)، وقد تقدم في أول الكتاب (¬3) ذكر المذاهب في كل من هذه الكلمات وما عومل معاملتها - ¬

_ (¬1) ذكر الناسخ على هامش النسخة جـ، عند هذا الموضع أن ههنا بياضا قدر تسعة أسطر، وقد تركت مساحة هذا القدر بيضاء دون كتابة في النسخة أ، ورأيت إتماما للفائدة أن أكمل هذا القدر بما ذكره الشيخ أبو حيان في شرحه ولا سيما أن المؤلف قد تأثر به كثيرا في ثنايا هذا الشرح. قال الشيخ في التذييل (6/ 494): «وإذا سميت باللائي واللاتي فإن الياء إذا كانت ثابتة قبل التسمية صارا من باب: قاض، وغاز، وإن كانت محذوفة قبل التسمية صارا من باب: نار، وعار، فعلى الوجه الأول تقول: قام لاء ولات ورأيت لائيا ولاتيا، ومررت بلاء ولات. وعلى الوجه الثاني تقول: قام لاء ولات، ورأيت لاء، ولاتا، ومررت بلاء ولات. وفي البسيط: اللات كذات وكتاب، وقد يقال: يجوز أن تكون كهندات كما كان ذين بمنزلة رجلين، وقد يقال: لا يجوز لأنه لم يكن في أصله معربا بما لم يعرب به الجمع مع أنها ليست بتاء جمع وإنما كهذي وهن وأنتم وأنتن وهذا وهؤلاء من المركب». (¬2) انظر التذييل (6/ 494: 495). (¬3) انظر ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب الذي بين يديك.

من الأسماء في ذكره غير مصحوب بعامل أهو معرب أم مبني؟ أم ليس محكوما عليه بإعراب ولا بناء؟ وإن ذكر مصحوبا بعامل وجب إعرابه، ويجب حينئذ إجراؤه مجرى ما وازنه إذا كان ذلك الموازن مسمّى به (¬1)، وأنت قد عرفت في هذا الباب حكم الموازن كيف يصنع به إذا جعلته اسما لشيء. ثم إجراؤه مجرى موازنه هو المختار، وقد لا يجرى مجرى موازنه [وهذا يفهم من قول المصنف: «اختير جريه مجرى موازنه»]. لكن إعراب اسم الحرف لا بد منه وإن لم يصرح به في الكتاب للاستغناء بقوله: فإن صحب عاملا؛ لأن الإعراب لازم للتركيب. وإذا تقرر هذا علمت أنك تقول: «كتبت جيما وقافا ولاما وألفا، وهو واضح، وتقول: كتبت ياء ولاء وراء فتضعّف الحرف الثاني ثم تقلبه همزة فيجب المدّ على الألف حينئذ، كما أنك إذا سميت بشيء من هذه الثلاثة كذلك تفعل (¬2)، وقد تقدم تعليل ذلك. وإذا لم يجر الاسم المذكور مجرى الموازن وذلك على القول [غير] المختار فمقتضاه أنه يحكى فيقال: كتبت خا، كتبت تا، كتبت را بالقصر حكى ذلك الفراء (¬3). ومما ينبّه عليه هنا أنهم ذكروا في الزاي لغتين (¬4): زي بوزن: كي، وزاي، فإذا سميت بها على اللغة الأولى أو صحبها عامل قلت: زيّ بالتضعيف، وعلى اللغة الثانية زاء بالمد؛ لأنك أبدلت من الياء همزة وإن كانت واقعة بعد ألف غير زائدة (¬5). ولقائل أن يقول: لا يمتنع تصحيح الياء لو قيل به، بل ربما يقال: إن بقاءها دون إبدال متعين؛ لأن القاعدة تصحيح كل من «الياء» و «الواو» إذا وقع بعد ألف أصلية نحو: [واو، وآي] وقوله: وقد يقال: هذا با أشار به إلى أن نحو: با وتا قد - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 495). (¬2) انظر الكتاب (3/ 264)، وانظر شرحه للسيرافي بهامشه (3/ 264: 265). (¬3) انظر التذييل (6/ 495). (¬4) في الكتاب (3/ 266): «وأما زاي ففيها لغتان: فمنهم من يجعلها في التهجي كـ «كي»، ومنهم من يقول: زاي فيجعلها بزنة واو، وهي أكثر». (¬5) انظر التذييل (6/ 495).

[أحكام أخرى لأسماء الحروف]

[أحكام أخرى لأسماء الحروف] قال ابن مالك: (وقد يحكى المفرد المبنيّ به، وكذا الفعل غير المسند على رأي). ـــــــــــــــــــــــــــــ تعرف من غير مد فيؤتى به مقصورا منونا فيقال: هذا با وكتبت تا، ولا شك أن هذا قليل شاذ أن هذا قليل شاذ، لأن القياس أن أسماء الحروف المذكورة إذا ركبت وأعربت أن تجرى مجرى غيرها من الكلمات إذا سمّي به (¬1). قال ناظر الجيش: تقدم لنا عند الكلام على قوله: ويعرب ما سوى ذلك أن المسمى به غير ما أشار إليه أول الباب يعرب وأنه يدخل تحت قوله: ما سوى ذلك أشياء كثيرة منها: الاسم المبني والفعل إذا لم يكن مسندا، وتقدم أيضا الوعد أن المفرد المبني والفعل غير المسند قد يحكيان مسمّى بهما [5/ 94] فها هو قد ختم الباب بالإشارة إلى الحكم المذكور. واحترز بـ «المفرد» من المركب مع غيره فإن له الحكاية، وإن كان في بعض أقسامه قد ينضم الإعراب إليها كما تقدم تفصيل [ذلك]. ومثال المفرد المبني: صاد، قاف، نون؛ إذا جعلت أسماء للسور فإن التقدير: هذه صاد، فحكى اللفظ مع أنه مسمّى به وقد صحب عاملا وهكذا مثل الشيخ (¬2) لهذه المسألة، وفي التمثيل بذلك نظر من وجهين: أحدهما: أن نحو: صاد، وقاف، ونون - ليس مجمعا على بنائه بل الراجح كونه معربا (¬3). الثاني: أن النحاة ذكروا أن ما كان من أسماء السور متأتيا فيه الإعراب نحو: صاد، وقاف، ونون يجوز فيه الأمران: الإعراب والحكاية، وقد أشار الزمخشري إلى ذلك في أول الكشاف (¬4)، وإذا كان كذلك فلا يسوغ التمثيل بهذه الكلمات لما أراده المصنف، والأولى أن يمثل لذلك بنحو: قام من، ورأيت من، ومررت بمن مسمّى بها إن كان قد سمع نحو ذلك، ولا شك أن كلام المصنف - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 495: 496). (¬2) انظر التذييل (6/ 496). (¬3) انظر الكتاب (3/ 285، 259). (¬4) انظر الكشاف (1/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يشعر بوروده. وأما مثال الفعل غير المسند فـ «جلا» (¬1) من قول الشاعر: 3766 - أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا ... متى أضع العمامة تعرفوني (¬2) فحكى «جلا» ولم يعربه مع أنه جعله اسما لأبيه (¬3). وإنما قال: على رأي لأنهم لم يجمعوا على [أن] «جلا» في البيت قد جعل اسما، بل قد قيل بأن الموصوف محذوف والفعل صفة له، التقدير: أنا ابن رجل جلا أي: جلا الأمور وجرّبها، والقائلون بأنه جعل اسما لم يجمعوا على أنه خال من الضمير، بل قد قيل بأن فيه ضميرا، وأنه قد سمي بالجملة فحكيت، والقائلون بأنه خال من الضمير منهم من نفي عنه الحكاية وجعله معربا ممنوعا من الصرف للعلمية ووزن الفعل على القول باعتبار الوزن المشترك، وهو رأي عيسى بن عمر، وعليه جعل «جلا» في البيت المذكور كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب منع الصرف (¬4). * * * ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 497). (¬2) سبق ذكره. (¬3) انظر التذييل (6/ 497). (¬4) انظر الكتاب (3/ 206) وشرح الكافية الشافية (3/ 1467)، والتذييل (6/ 497).

الباب الرابع والستون [باب إعراب الفعل وعوامله]

الباب الرابع والستون [باب إعراب الفعل وعوامله] قال ابن مالك: (باب إعراب الفعل وعوامله). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: قد تقدم في أوائل الكتاب أن المعرب من الأفعال هو المضارع الذي لم يتصل به نون توكيد ولا نون إناث؛ فلذلك استغنى المصنف عن تقييد الفعل في هذه الترجمة بالمضارع، ولكن قد تقدم أيضا أن إعراب الفعل: رفع ونصب وجزم، فقد كان يكفيه أن يقول: باب عوامل الفعل، ولا يتعرض إلى ذكر الإعراب.

[اختلاف النحويين ومذاهبهم في رافع المضارع]

[اختلاف النحويين ومذاهبهم في رافع المضارع] قال ابن مالك: (يرفع المضارع لتعرّيه من النّاصب والجازم، لا لوقوعه موقع الاسم خلافا للبصريّين). قال ناظر الجيش: اختلف في عامل الرفع في الفعل: والأصح أنه معنوي، فقال البصريون (¬1): وقوعه موقع الاسم، أي وقوعه حيث يصح وقوع الاسم، لا أن الموضع كان فيه الاسم فأزيل ووقع الفعل مكانه، وقال الفراء ومن وافقه من الكوفيين (¬2) تجرده من الناصب والجازم. والمراد بتجرده منهما: أنهما لم يباشراه لا أنهما كانا فأزيلا ورفع الفعل بعد إزالتهما. قال المصنف في شرح الكافية (¬3) مشيرا إلى هذا المذهب: «وهو قول حذاق الكوفيين وبه أقول؛ لسلامته من النقض، بخلاف القول الآخر - يعني قول البصريين - فإنه ينتقض بنحو: هلا تفعل وجعلت أفعل، وما لك لا تفعل؟، ورأيت الذي يفعل، فإن الفعل في هذه المواضع مرفوع مع أن الاسم لا يقع فيها، ولو لم يكن للفعل رافع غير وقوعه موقع الاسم لكان في هذه المواضع مرفوعا بلا رافع فبطل القول بأن رافعه وقوعه موقع الاسم، وصح القول بأن رافعه التجرد من الناصب والجازم». انتهى. ولا تخفى قوة هذا الاستدلال، وقد أجيب عن ذلك بما هو مقبول، قال الإمام بدر الدين (¬4) بعد تمثيله بـ «لو يقوم زيد» و «هلا يفعل» مقيما بذلك صحة الدليل على قول الكوفيين فإن قيل: لا نسلم أن الرافع للمضارع لو كان وقوعه موقع - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 8 - 12) والإنصاف (ص 550) مسألة رقم (74)، وشرح الكافية الشافية (3/ 1519)، وفي شرح التصريح (2/ 229): «خلافا للبصريين غير الأخفش والزجاج». (¬2) انظر: الإنصاف (ص 550) وما بعدها، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 261)، وشرح التصريح (2/ 229) والأشموني (3/ 277). (¬3) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1519) تحقيق د/ عبد المنعم أحمد هريدي. (¬4) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (تكملة شرح والده) (4/ 6) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ بدوي المختون، وانظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 665).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم لما ارتفع بعد هذه الحروف؛ لأن المراد بموقع الاسم: الموضع الذي هو للاسم في الجملة، وما بعد هذه الحروف هو للاسم بدليل قولهم: لو ذات سوار لطمتني (¬1)، وهلا زيد قام، فإذا وقع فيه المضارع ارتفع للعلة المذكورة، فالجواب أن يقال: لا يخلو مرادكم بموقع الاسم إما أن يكون الموضع الذي هو للاسم في الأصل، أو الموضع الذي هو للاسم في الاستعمال، أو الموضع الذي هو للاسم في بعضهما، وأيّاما كان يلزم بطلان قولكم: رافع المضارع وقوعه موقع الاسم؛ لأنه ينتقص على الأول بالرفع بعد حروف التحضيض قطعا؛ لأنه موضع ليس للاسم في الأصل، وعلى الثاني بالرفع بعد «كاد» ونحوها؛ لأنه موضع ليس للاسم في الاستعمال وعلى الثالث بالجزم بعد «إن» الشرطية فإنه موضع هو للاسم في الاستعمال كما في قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (¬2) فلو كان رافع المضارع وقوعه موقع الاسم في الجملة لما كان بعد «إن» الشرطية إلا مرفوعا، فلما لم يرفع علم أن رافع المضارع ليس وقوعه موقع الاسم، فتعين أن يكون خلوّه من الناصب والجازم كما قال الكوفيون. وذهب الكسائي (¬3) ومن تبعه من الكوفيين إلى أن عامل الرفع في الفعل لفظي وهو حروف المضارع فردّ عليه بأن حروف المضارع موجودة مع الناصب والجازم، فلو كانت هي العاملة للرفع لما أبطل الناصب والجازم عملها، وأجيب عن ذلك بأن عامل الرفع هنا ضعيف فأبطل من الناصب والجازم عمله، وردّ هذا الجواب بأن العامل القوي لا يبطل عمل الضعيف، بل يكون الضعيف عاملا في اللفظ، وهو ومعموله معمولان للعامل القوي كما في دخول «إن» الشرطية على «لم». ذكر ذلك الشيخ بهاء الدين بن النحاس في تعليقه على المقرّب (¬4). - ¬

_ (¬1) هذا مثل وتقدير الكلام: لو لطمتني ذات سوار؛ لأن «لو» طالبة للفعل داخلة عليه، ومعنى المثل: لو كانت اللاطمة حرة لكان أخف علي. وانظر المثل في مجمع الأمثال (3/ 81)، والمستقصى (2/ 297) المثل رقم (1050) والرواية فيه: لو ذات قلب. (¬2) سورة التوبة: 6. (¬3) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 231)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 261)، وشرح التصريح (2/ 229)، والأشموني (3/ 277)، والأشباه والنظائر (1/ 238). (¬4) كتاب مخطوط في مكتبة الأزهر حقق رسالة ماجستير بكلية اللغة بأسيوط. وانظر النص المذكور ورقة (89) من المخطوط رقم (4947) رواق المغاربة.

[أحكام «أن» المخففة و «أن» المصدرية]

[أحكام «أن» المخففة و «أن» المصدرية] قال ابن مالك: (وينصب بـ «أن» ما لم تل علما أو ظنّا في أحد الوجهين، فتكون مخفّفة من «أنّ» ناصبة لاسم لا يبرز إلّا اضطّرارا، والخبر جملة ابتدائيّة أو شرطيّة أو مصدّرة بـ «ربّ» أو فعل يقترن غالبا إن تصرّف ولم يكن دعاء بـ «قد» وحدها، أو بعد نداء، أو بـ «لو» أو بحرف تنفيس، أو نفي، وقد تخلو من العلم والظّنّ فتليها جملة ابتدائيّة، أو مضارع مرفوع لكونها المخفّفة (¬1) أو محمولة عليها أو على «ما» المصدريّة). وللباحث أن يقول: «لم» متوجهة إلى الفعل الداخلة هي عليه، و «إن» الشرطية ليست متوجهة إلى «يفعل» إنما هي متوجهة إلى «لم يفعل»؛ لأن المشروط في قولنا: إن لم يفعل؛ إنما هو عدم الفعل، وإذا كان كذلك فلا يقال: اجتمع عاملان ضعيف وقوي؛ لأن هذا الكلام يوهم أن العاملين [5/ 95] متوجهان إلى شيء واحد، ثم لا يعقل ضعف «لم» وقوة «إن» بل كل منهما قوي بالنسبة إلى ما يستحقه من العمل، على أن القول بأن عامل الرفع حروف المضارعة قول ظاهر الفساد؛ لأن المضارع إنما صار مضارعا بهذه الأحرف، فكل حرف منها هو جزء من الفعل المبدوء به، وجزء الكلمة لا يكون عاملا فيها (¬2). وقد ذكر الشيخ مذاهب أخر في الرافع للفعل، وذكر أن المذاهب فيه سبعة (¬3). ولا يخفى أن ذكر هذه المذاهب الواضحة البطلان لا ينبغي التشاغل به، ثم إنه بعد ذكر المذاهب كأنه قصد الإشارة إلى فساد ما اختاره المصنف فذكر ما لم أتحققه فتركت إيراده لذلك، ولأنه لا فائدة فيه؛ لأن كون عامل الرفع في الفعل ذا أو ذا، لا يجدي شيئا في الخارج، وقد قال هو في شرحه (¬4): إن الخلاف في ذلك لا ينشأ عنه حكم نطقي. قال ناظر الجيش: اعلم أن المصنف أفرد عوامل الجزم بباب، وقصر هذا الباب - ¬

_ (¬1) في نص التسهيل (ص 228): «لكونها مخففة من «أن» عند الكوفيين ومشبهة بـ «ما» أختها عند البصريين» وقد ذكر المحقق أن المصنف كتب العبارة الأولى ثم ضرب عليها وأثبت العبارة المحققة التي في نص التسهيل. (¬2) انظر: حاشية الصبان (3/ 277). (¬3) انظر: التذييل (6/ 498 - 499). (¬4) انظر: التذييل (6/ 500).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على ذكر عوامل النصب مقدما على ذكرها ذكر عامل الرفع. وأنا أشير أولا إلى ذكرها إجمالا ثم أشرع في ذكرها تفصيلا حسبما يقتضيه لفظ الكتاب فأقول: معلوم أن النواصب أربعة: منها حرفان مصدريان وهما: «أن» و «كي»، وحرف نفي وهو: «لن»، وحرف جواب وهو: «إذن»، وأمّ النواصب «أن»؛ ومن ثمّ كانت هي المتفق عليها، وحصل الخلاف في الثلاث الأخر؛ فقيل في «لن»: إن أصلها: لا أن، وكذا قيل في «إذن»: إنها من إذ وأن، وأما «كي» فقيل: إن النصب بعدها بـ «أن» مقدرة، والحق خلاف ذلك، ويدل على بطلان هذه الأقوال أن «لن» لها معنى مستقل ولو وضع موضعها ما ذكروا لم يستقم، وكذا «إذن»، وأما «كي» فيقال للمخالفين: إن أردتم «كي» الجارة فالأمر كما قلتم، وإن أردتم «كي» المصدرية فباطل؛ لأن حرفا مصدريّا لا يباشر حرفا مصدريّا، والدليل على إثبات مصدريتها دخول «اللام» عليها حيث يقال: لكي. واختصت «أن» دون أخواتها: بأنها تنصب مضمرة كما تنصب مظهرة؛ وذلك لأنها شبيهة لفظا وتأوّلا بأحد عوامل الأسماء وهو: «أن». ثم إضمارها واجب وجائز: فالواجب يكون بعد ستة أحرف وهي: «كي» الجارة، و «لام الجحود» و «حتى» المرادفة لـ «إلى» أو «كي» الجارة، و «أو» الواقعة موقع «إلى أن» أو «إلّا أن»، و «فاء السبب» الواقعة صدر جواب تسعة أشياء وهي: الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والعرض، والتمني، والتحضيض، والرجاء (¬1)، والنفي - و «واو» الجمع الواقعة موقع «الفاء» المذكورة. والإضمار الجائز يكون بعد حرفين وهما: «لام الجر» غير الجحودية ما لم تلها «لا»، وحرف العطف العاطف فعلا على اسم لا يشبه الفعل. فإن ولي «لام الجر» المذكورة «لا» وجب حينئذ إظهار «أن». - ¬

_ (¬1) المشهور أن الأجوبة ثمانية ولكن المؤلف عدها تسعة وذكر معها الرجاء؛ لأن الفراء ألحقه بالتمني فجعل له جوابا منصوبا وقد ثبت مسموعا كقراءة حفص عن عاصم قوله تعالى: لعلى أبلغ الأسبب (36) أسبب السماوات فأطلع إلى إله موسى انظر: شرح ابن الناظم (ص 685).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى هذا يكون لـ «أن» ثلاثة أحوال: وجوب إضمار، وجواز إظهار وإضمار، ووجوب إظهار، هذا الذي ذكر هو مذهب البصريين، وقد خالفهم الكوفيون فمنعوا أن تكون «كي» ناصبة وجعلوا النصب بإضمار «أن» بعدها، ولم يضمروا «أن» بعد «حتى» ولا «لام الجحود»، ولا «الفاء» و «الواو» في الأجوبة الثمانية، بل مذهبهم أن النصب بـ «حتى» و «اللام» أنفسهما، وبالخلاف بعد «الفاء» و «الواو»، والمنقول عن الجرمي أنه يرى أن «الفاء» و «الواو» هما الناصبان أنفسهما، وسيأتي الكلام على هذه المذاهب في تفاصيل الباب إن شاء الله تعالى. وقد تبيّن أن الأحرف التي ينصب الفعل بعدها بـ «أن» مضمرة وجوبا أو جوازا منها ما هو حرف جر وهو ثلاثة: «اللام»، و «كي»، و «حتى»، ومنها ما هو حرف عطف وهو: «أو»، و «الفاء»، و «الواو». ثم لما كانت «أن» المخففة مشابهة لـ «أن» الناصبة للفعل لفظا قصد المصنف تمييز إحداهما من الأخرى فأشار إلى ذلك بقوله: ما لم تل علما أو ظنّا في أحد الوجهين فتكون مخفّفة من «أنّ». وتقرير ذلك أن يقال: إن وليت علما لم تكن الناصبة بل المخففة، والمراد بالعلم، ما يفهم التحقق، فيستوي في ذلك: علم، وتحقق، وتيقن، ووجد ودرى إذا كانتا بمعنى «علم»، وإن وليت «ظنّا» جاز أن تكون المخففة وأن تكون الناصبة للفعل، والمراد [بالظن]: ما يفهم الترجح كـ: «ظن»، و «حسب»، و «خال» و «رأى»، ولكن الأكثر فيها أن تكون الناصبة لا المخففة ولذلك اتفق على النصب (¬1) في قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا (¬2)، وقرئ بالوجهين (¬3) قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ (¬4). وإن وليت ما لا يفهم علما ولا ظنّا تعين أن تكون الناصبة للفعل وذلك بأن تلي - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 668) تحقيق د/ عبد الحميد السيد. (¬2) سورة العنكبوت: 2. (¬3) قرأه أبو عمرو وحمزة والكسائي برفع «تكون» ونصب الباقون. انظر: الكشف (1/ 416)، والحجة لابن خالويه (ص 133)، وانظر شرح ابن الناظم (ص 668). (¬4) سورة المائدة: 71.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يفهم شكّا نحو: توهمت، أو ما لا يفهم علما ولا ظنّا ولا شكّا نحو: أحببت، وأردت، هذا الذي يقتضيه كلام المصنف فإنه قال: وينصب بـ «أن» ما لم تل علما أو ظنّا. فأعطى ذلك أنها إذا لم تل أحد هذين الأمرين تعينّ أن تكون الناصبة للفعل وهذا هو الظاهر (¬1)، لكن في شرح الشيخ ما يناقض ذلك فإنه قال (¬2): الذي قرره أصحابنا أن الفعل المتقدم على «أن» إن كان فعل شكّ فهي الناصبة للفعل، أو فعل يقين فهي المخففة من الثقيلة، أو فعلا مستعملا للشك واليقين، أو عاريا عن استعمال لهما فيجوز إذ ذاك فيها أن تكون المصاحبة للفعل، وأن تكون المخففة نحو: ظننت وأحببت، فـ «ظننت» تستعمل للأمرين كما عرف، و «أحببت» عارية عن أن تكون لشك أو يقين. انتهى. فجعل [5/ 96] الفعل العاري عن الظن واليقين - نحو: أحببت - جائزا معه في «أن» الوجهان - أعني: أن تكون الناصبة للفعل، وأن تكون المخففة - وهذا يقتضي أن «أن» الناصبة للفعل لا تتعين إلا أن تكون مع فعل هو شك، ولا يخفى بطلان ذلك، والحق ما قاله المصنف وهو: أنها تنصب الفعل ما لم تل علما أو ظنّا، فإن وليت علما تعين أن تكون المخففة، وإن وليت ظنّا جاز فيها الأمران (¬3)، وإلى جوازهما الإشارة بقوله: في أحد الوجهين. فقوله: في أحد الوجهين يرجع إلى قوله: أو ظنّا، لكن قال الشيخ (¬4): ويتجه عندي عوده إليهما - يعني إلى قوله: علما أو ظنّا - قال: لأنه قد جاء إجراء العلم مجرى الظن. انتهى. ويدفع ما ذكره أمران: أحدهما: أن المصنف قد صرح في غير هذا الكتاب بأن احتمال الوجهين في «أن» إنما يكون بعد الظن، قال في الألفية: وبلن انصبه وكي كذا بأن ... لا بعد علم والّتي من بعد ظن فانصب بها والرّفع صحح واعتقد ... تخفيفها من أنّ فهو مطّرد - ¬

_ (¬1) انظر: شرح ابن الناظم (ص 688) وشرح الألفية للأبناسي (2/ 268). (¬2) انظر: التذييل (6/ 506، 507) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬3) انظر: شرح ابن الناظم (ص 668) وشرح الألفية للأبناسي (2/ 268). (¬4) انظر: التذييل (6/ 506) وقد نقله المؤلف بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيهما: أن العلم الذي جاء النصب بـ «أن» بعده إنما هو مؤول بغير العلم كما سيجيء ذلك في كلام المصنف. فإن قال: قد أجاز بعضهم وقوعها بعد علم غير مؤول، فالجواب: أن هذا ليس رأي المصنف فكيف يحمل كلامه على أمر غير جائز عنده؟ ثم ها هنا أمر ينبغي التنبيه له: وهو أن الوجهين الجائزين في «أن» بعد «ظنّ» و «حسب» وما بمعناهما هل هما جائزان مطلقا أريد بذلك الفعل اليقين أو الشك؟ أو أن جوازهما إنما هو بحسب ما يراد بالفعل إن قصد به اليقين كانت «أن» بعده هي المخففة، وإن قصد به المعنى الآخر كانت الناصبة للفعل؟! لم أر في كلامهم تعرّضا لذلك، والذي يظهر من كلامهم أن الوجهين جائزان مطلقا، من غير نظر إلى ما يقصد من المعنيين، ويدل على ذلك قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ (¬1) فإنه قرئ بالوجهين. ولما ذكر المصنف أن «أن» الواقعة بعد العلم مطلقا، أو الظن في أحد الوجهين هي المخففة من «أن» شرع في ذكر أحكامها استطرادا، فنبّه على أنها تستحق من العمل ما تستحقه مثقّلة - أعني: أن يكون لها اسم وخبر في الجملة كما لتلك - وإن كان لاسم المخففة وخبرها أحكام خاصة ليست للمثقلة، على أنه قد ذكر أحكامها - أعني: المخففة - في باب «الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر»، ولا شك أن ذلك الباب أحق بذكرها فيه، ولكنه أعاد ذكر الأحكام هنا وزاد شيئا على ما ذكره ثمّ، ونقص منه شيئا كما سينبّه عليه. فمن أحكام اسمها: أن يكون مقدرا أي: غير ملفوظ فلا يبرز إلا في ضرورة الشعر كقوله: 3767 - فلو أنك في يوم الرّخاء سألتني ... طلاقك لم أبخل وأنت طليق (¬2) - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 71. (¬2) هذا البيت من الطويل غير منسوب لقائل يقول: إنك لو سألتني الطلاق في أيام الرخاء وسعة الحال لم أبخل عليك به مع أن الإنسان في أيام رخائه أكثر ضنّا بأهله ومن يعوله، يصف نفسه بالكرم. والشاهد فيه: أن «أن» خففت وبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن، وهو قليل؛ لأن «أن» المخففة لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا، والبيت في المفصل (ص 297)، وابن يعيش (8/ 71، 73، 75)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن أحكام خبرها: أنه لا يكون إلا جملة إما اسمية وإما فعلية: أما الاسمية: فأشار إليها بقوله: والخبر جملة ابتدائية، أو شرطيّة، أو مصدّرة بـ «ربّ». مثال الابتدائية (¬1)، قوله تعالى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬2)، ومنه قول الشاعر: 3768 - في فتية كسيوف الهند قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (¬3) والخبر في البيت مقدم على المبتدأ. ومثال الشرطية (¬4)، قول الآخر: 3769 - فعلمت أن من يثقفوه فإنّه ... حرز لجامعه وفرخ عقاب (¬5) ومثال المصدّرة بـ «ربّ» (¬6)، قول الآخر: 3770 - تيقّنت أن ربّ امرئ خيل خائنا ... أمين وخوّان يخال أمينا (¬7) - ¬

_ - والعيني (2/ 311)، والخزانة (2/ 465)، والدرر (1/ 120). (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (4/ 8). (¬2) سورة يونس: 10. (¬3) هذا البيت من البسيط وهو للأعشى في ديوانه (ص 45). الشرح: «الفتية» جمع فتى وهو الشاب، «ويحفى» مضارع حفى مثل رضى حفاء، وذلك إذا مشى بغير نعل ولا خف، ويراد به هنا الفقير، «وينتعل» أي: يلبس النعل ويراد به الغني، والشاهد فيه: مجيء «أن» مخففة وخبرها جملة اسمية. والبيت في الكتاب (2/ 137)، والإنصاف (ص 199)، والمفصل (ص 298)، وابن يعيش (8/ 74، 81)، والعيني (2/ 287)، والخزانة (3/ 547)، (4/ 356). (¬4) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (4/ 8). (¬5) هذا البيت من الكامل لقائل مجهول. واستشهد به: على أن «أن» مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف والخبر جملة شرطية. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (2/ 41)، (4/ 8) وقوله: يثقفوه من ثقف الرجل: ظفر به، والحرز ما حيز من موضع أو غيره أو لجئ إليه والجمع أحراز، والفرخ ولد الطائر، وقد استعمل في كل صغير من الحيوان والنبات والشجر وغيرها، والعقاب: طائر من العتاق مؤنثة وقيل يقع على الذكر والأنثى. (¬6) انظر شرح التسهيل لابن مالك (4/ 9). (¬7) هذا البيت من الطويل وهو لقائل مجهول. ومعناه: أنه رب شخص يخال خائنا والحال أنه أمين وعكس ذلك أيضا، واستشهد به: على مجيء خبر «أن» المخففة جملة مقرونة بـ «رب»، وفي (جـ)، (أ): نبئت أن ... إلخ وهو خطأ لأنه يكسر وزن البيت. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (4/ 9)، والهمع (1/ 143)، (2/ 26)، والدرر (1/ 119)، (2/ 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر في باب «إنّ وأخواتها» أن تكون الجملة مصدرة بـ «لا» كقوله تعالى: وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ (¬1). وأما الفعلية (¬2): فالفعل الذي هو صدرها إما أن يكون متصرفا أو غير متصرف، والمتصرف إما دعاء أو غير دعاء، وإن كان غير متصرف أو متصرفا وهو دعاء ولي «أن» دون فصل كقوله تعالى: وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ (¬3)، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (¬4)، وكقوله تعالى: وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها (¬5)، وإن كان متصرفا وهو غير دعاء وجب الفصل بينه وبين «أن» بأحد أمور أربعة، وهي: «قد» إما وحدها أو بعد نداء، و «لو» و «حرف نفي»، مثال الفصل بـ «قد»: قوله تعالى: وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا (¬6). ومثال الفصل بها بعد نداء: قوله تعالى: وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا (¬7). ومثال الفصل بـ «لو»: قوله تعالى: تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ (¬8)، أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ (¬9). ومثال الفصل بـ «حرف تنفيس»: قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (¬10). ومثال الفصل بـ «حرف نفي»: قوله تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا (¬11) وهذه الأمور الأربعة المذكورة هنا مذكورة في باب «إنّ وأخواتها» إلا أنه لم يذكر ثمّ أن الفصل بـ «قد» قد يتقدمه نداء. وأشار بقوله: غالبا إلى أن الفعل المتصرف الذي ليس بدعاء قد لا يفصل بينه وبين «أن» بشيء مما ذكر وأن ذلك قليل وشاهده قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة هود: 14. (¬2) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (4/ 9). (¬3) سورة الأعراف: 185. (¬4) سورة النجم: 39. (¬5) سورة النور: 9، في قراءة نافع بتخفيف «أن» ورفع «غضب» أو جعله فعلا ماضيا. انظر الكشف (2/ 134)، والحجة لابن خالويه (260). (¬6) سورة المائدة: 113. (¬7) سورة الصافات: 104، 105. (¬8) سورة سبأ: 14. (¬9) سورة الأعراف: 100. (¬10) سورة المزمل: 20. (¬11) سورة طه: 89.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3771 - علموا أن يؤمّلون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل (¬1) وأما قوله: وقد تخلو من العلم والظّنّ فيليها جملة ابتدائيّة أو مضارع مرفوع، إلى آخره - فمراده به: وقد يليها جملة ابتدائية أو مضارع خلوها من العلم والظن، فالتقليل بـ «قد» راجع إلى ما يليها من هذين الشيئين في هذه الحالة وهي الخلو من العلم والظن، لا إلى الخلو من العلم والظن نفسه؛ لأن خلوّها منهما كثير لا قليل، وأشار بهذا الكلام إلى أن «أن» إذا لم يتقدمها ما يدل على علم أو ظن ووليها جملة ابتدائية أو مضارع مرفوع جاز في «أن» حينئذ أن تكون المخففة وأن تكون الناصبة، وحملت إما على «أن» المخففة أو على «ما» المصدرية فأهملت لذلك، هكذا ذكر المصنف كما عرفت، وفي كلامه أمران: أحدهما: أن مقتضاه التخيير بين الأمرين، لكن الإمام بدر الدين ولده ذكر أن ذلك [5/ 97] مذهبان، فإنه قال (¬2) حاكيا لفظ التسهيل: قوله: وقد تخلو من العلم والظن فيليها جملة ابتدائية أو مضارع مرفوع لكونها مخففة من «أنّ» عند الكوفيين أو مشبهة بـ «ما» أختها عند البصريين، وهذا يدل على أن هذا كلام والده في أصل الكتاب، ولا شك أن هذا هو الظاهر بل المتعين، وكلام المصنف في بقية كتبه يقتضي ذلك (¬3). ثانيهما: أن قوله: لكونها المخفّفة أو المحمولة عليها أو على ما المصدريّة - يقتضي أنها محتملة في هذه الحالة لكل من الثلاثة، لكن في كونها تكون محتملة لأن تكون المخففة أو محمولة عليها نظر؛ لأنها إنما تكون واقعة بعد ما هو خال من العلم والظن - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الخفيف لقائل مجهول. الشرح: قوله: «يؤملون» على صيغة المجهول من التأميل وهو الرجاء، ومفعول «فجادوا» قوله: «بأعظم سؤل» على الصحيح لأن الباء تتعلق به، والضمير في «يسألوا» مفعول ناب عن الفاعل والمفعول الثاني محذوف أي قبل أن يسألهم السائلون، «والسؤل» بالضم بمعنى المسؤول. والشاهد في قوله: «أن يؤملون»؛ حيث جاءت «أن» مخففة من الثقيلة مصدرة بفعل مضارع من غير فصل والتقدير: أنهم يؤملون. والبيت في العيني (2/ 294)، وشرح التصريح (1/ 233)، والهمع (1/ 143)، والدرر (1/ 120)، والأشموني (1/ 292). (¬2) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 10) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد. (¬3) قال في الألفية: وبعضهم أهمل أن حملا على ... ما أختها حيث استحقت عملا

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كما ذكر ولا شك أنها متى وقعت خالية من هذين الشيئين تعين أن تكون الناصبة لقوله قبل: وينصب بـ «أن» ما لم تل علما أو ظنّا؛ لأن ذلك نص منه على أنها إذا لم تل علما أو ظنّا تكون الناصبة، وقد تقدم التنبيه على هذا، وإذا كان كذلك فدعوى أن الخالية من العلم والظن يجوز أن تكون المخففة أو محمولة عليها يناقض قوله: إنها ينصب بها ما لم تل العلم والظن. والذي يظهر أنها إذا وليها مضارع مرفوع فهي الناصبة، وأهملت حملا على «ما» أختها في المصدرية، وكذا إذا وليها جملة اسمية؛ لأن «ما» قد يليها الجملة الاسمية، فاتجه أن تحمل «أن» عليها في ذلك، وبهذا يعلم أن قول البصريين في المسألة أرجح من قول الكوفيين، لكن قال الإمام بدر الدين (¬1): «كلا القولين حسن». ثم قد قلنا: إن التقليل في قوله: وقد تخلو من العلم والظّنّ فيليها جملة ابتدائيّة أو مضارع مرفوع - راجع إلى ولاية الجملة الابتدائية لها والمضارع المرفوع، لا إلى الخلو من العلم والظن، فمثال الجملة الابتدائية: قول الشاعر: 3772 - رأيتك أحببت النّدى بعد موته ... فعاش النّدى من بعد أن هو خامل (¬2) ومثال الفعل المضارع المرفوع قراءة بعضهم قوله تعالى (¬3): (لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة) (¬4)، ومنه قول الشاعر: 3773 - يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما ... وحيثما كنتما لقيتما رشدا أن تحملا حاجة لي خفّ محملها ... تستوجبا منّة عندي بها ويدا أن تقرآن على أسماء ويحكما ... منّي السّلام وأن لا تشعرا أحدا (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 11). (¬2) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، واستشهد به: على أنّ «أن» تليها الجملة الابتدائية مع خلو الجملة من العلم والظن. (¬3) هي قراءة مجاهد. انظر مختصر شواذ القرآن لابن خالويه (ص 14)، والبحر المحيط (2/ 213). وشرح التسهيل لبدر الدين (4/ 11). (¬4) سورة البقرة: 233. (¬5) الأبيات من البسيط وهي لقائل مجهول، والشاهد في البيت الثالث في قوله: «أن تقرآن» حيث ولي «أن» الفعل المضارع المرفوع وأهملت «أن» حملا على «ما» المصدرية أختها لاشتراكهما في معنى -

[خلاف العلماء في «أن» بأنواعها]

[خلاف العلماء في «أن» بأنواعها] قال ابن مالك: (ولا يتقدّم معمول معمولها عليها خلافا للفرّاء، ولا حجّة في ما استشهد به لندوره، أو إمكان (¬1) تقدير عامل مضمر، ولا تعمل زائدة خلافا للأخفش، ولا بعد علم غير مؤوّل خلافا للفرّاء وابن الأنباريّ، ولا يمتنع أن تجرى بعد العلم مجراها بعد الظنّ لتأوّله به، ولا بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقّن المخوف خلافا للمبرّد، ولا يجزم بها خلافا لبعض الكوفيين). - فأهمل الأولى وأعمل الثانية، وكلتاهما مصدرية. وأما ولاية الجملة الابتدائية «ما» المصدرية فشاهده قول الشاعر: 3774 - واصل خليلك ما التّواصل ممكن ... ... البيت (¬2) قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على تمييز «أن» الناصبة للفعل من «أن» المخففة شرع في ذكر أحكام لها في كل منها خلاف ليتبين الصحيح في ذلك ما هو؟ والأحكام التي ذكرها خمسة: الأول: أن معمول معمولها لا يتقدم عليها فلا يجوز أن يقال في نحو: يعجبني أن تشرب العسل: يعجبني العسل أن تشرب؛ لأن «أن» موصول حرفي ومعمول معمولها من تمام صلتها، ولا يجوز تقديم شيء من الصلة ولا من أجزائها على الموصول، وأجاز الفراء (¬3) التقديم مستشهدا بقول الشاعر: - ¬

_ - المصدرية وفي أن كل واحدة منهما تسبك مع ما بعدها بمصدر، وإهمال «أن» حملا على «ما» مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أن «أن» في البيت المذكور هي المخففة من الثقيلة شذ اتصالها بالفعل، قال ابن هشام في المغني (ص 30): «والصواب قول البصريين إنها أن الناصبة أهملت حملا على ما أختها المصدرية». والشاهد في الإنصاف (ص 563)، وابن يعيش (8/ 143) شرح الكافية للرضي (2/ 234)، والمغني (ص 30، 697) وأوضح المسالك (3/ 166)، وشرح التصريح (2/ 232). (¬1) في (جـ)، (أ): وإمكان. (¬2) هذا صدر بيت من الكامل، مجهول القائل، وعجزه قوله: فلأنت أو هو عن قريب ذاهب والشاهد فيه: قوله: «ما التواصل ممكن» حيث وليت «ما» المصدرية الجملة الابتدائية. والبيت في شرح التسهيل لابن مالك (4/ 11). (¬3) انظر: شرح الألفية للأبناسي (2/ 269)، والهمع (2/ 3)، والأشموني (3/ 284).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3775 - ربّيته حتّى إذا تمعددا ... كان جزائي بالعصا أن أجلدا (¬1) وبقول الآخر (¬2): 3776 - وإنّي امرؤ من عصبة تغلبيّة ... أبت للأعادي أن تذلّ رقابها (¬3) قال المصنف: ولا حجة للفراء في ذلك لندور الوارد منه أو لإمكان (¬4) تقدير عامل مضمر قبل أن يدل عليه المذكور بعد (¬5). فيقدر في البيت الأول: كان جزائي أن أجلد بالعصا أن أجلد، وفي البيت الثاني: أبت أن تذل للأعادي رقابها أن تذل رقابها، فحذف الأول في كل من البيتين لدلالة الثاني عليه. الحكم الثاني: أن «أن» الزائدة لا تعمل شيئا وقد عللوا ذلك بأن الزائدة لا تختص (¬6)؛ لأنها تباشر الفعل كقوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ (¬7) وتباشر الاسم كما في قول القائل: 3777 - كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (¬8) - ¬

_ (¬1) هذا رجز. معناه: ربيت ابني حتى إذا غلظ وشب كان جزائي أن أجلد بالعصا. والشاهد فيه: قوله: «بالعصا أن أجلدا» فإن «بالعصا» يتعلق بـ «أجلد» و «أجلد» معمول «أن» وصلتها، و «بالعصا» معمول معمول «أن» فاستدل به الفراء على جواز تقديم معمول معمول «أن» عليها، وأجيب بأنه نادر لا يقاس عليه، والرجز في المحتسب (2/ 310)، وابن يعيش (9/ 151)، والعيني (4/ 410)، والهمع (1/ 112). (¬2) نسبه في المقتضب (4/ 199) إلى عمارة، وقال المحقق الشيخ/ عضيمة، ويظهر أنه يريد بعمارة عمارة بن عقيل بن جرير فقد روى له كثيرا في الكامل. (¬3) هذا البيت من الطويل، والعصبة: الجماعة من الناس، وتغلبية منسوبة إلى تغلب. والشاهد في البيت: في قوله: «أبت للأعادي أن تذل رقابها» فإن ظاهره أن الجار والمجرور وهو قوله: «للأعادي» متعلق بقوله: «أن تذل» المتأخر عنه المعمول لـ «أن» المصدرية فيكون معمول صلة «أن» المصدرية قد تقدم عليها وهذا غير جائز عند جمهور النحاة ولذلك فإنهم جعلوا الجار والمجرور متعلقا بفعل محذوف يقدر قبله ويكون المذكور تفسيرا وبيانا لذلك المحذوف - والبيت في المقتضب (4/ 199). والشطر الأول في ابن يعيش (7/ 29)، وانظر: الإنصاف (ص 596). (¬4) في (جـ)، (أ): ولإمكان. (¬5) انظر التسهيل (ص 228، 229). (¬6) انظر: المغني (ص 34). (¬7) سورة يوسف: 96. (¬8) هذا عجز بيت من الطويل قائله ابن صريم اليشكري أو كعب بن أرقم وصدره: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأجاز الأخفش (¬1) إعمالها زائدة كما أن العرب أعلموا «من» الزائدة كقولك: ما جاءني من أحد، واستدل (¬2) على ما أجازه بقول الله تعالى: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (¬3) إذ التقدير: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله، وكذا بقوله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (¬4) التقدير: لا تنفقون، كما قال تعالى: وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ (¬5) فهذه الجملة الواقعة بعد وَما لَنا في موضع نصب على الحال، فيلزم من ذلك زيادة «أن»، قال المصنف في شرح الكافية (¬6): ما ذهب إليه أبو الحسن ضعيف؛ لأن «من» الزائدة مثل غير الزائدة لفظا واختصاصا؛ فجاز أن تعمل بخلاف «أن» الزائدة فإنها تشبه غير الزائدة لفظا لا اختصاصا؛ لأنه قد يليها الاسم كما في قوله: «كأن ظبية» على رواية من جر «ظبية» بالكاف. انتهى. - ¬

_ - ويوما توافينا بوجه مقسم الشرح: يذكر امرأته وينعتها بأنها حسنة الوجه، و «توافينا»: تأتي وتزورنا، والمقسم: الجميل كله كأن كل موضع منه حاز قسما من الجمال تعطو: تتطاول إليه لتتناول منه، والوارق: المورق: فعله: أورق على غير قياس، والسلم: شجر من العضاة، له زهرة صفراء فيها حبة خضراء طيبة الريح وتجد بها الظباء وجدا شديدا، وظبية: تروى على ثلاثة أوجه: الرفع والنصب والجر، فالرفع على أنها خبر وحذف الاسم مع تخفيف كأن، والتقدير: كأنها ظبية، والنصب بكأن تشبيها بالفعل إذا حذف وعمل نحو: لم يك زيد منطلقا والخبر محذوف لعلم السامع، والتقدير: كأن ظبية تعطو هذه المرأة، والجر على تقدير: كظبية و «أن» زائدة، واستشهد بالبيت هنا: على أن «أن» زائدة ولم تعمل شيئا لأنها غير مختصة فهي تباشر الفعل وتباشر الاسم كما هي هنا. والبيت في الكتاب (2/ 134)، (3/ 165) وابن يعيش (8/ 72، 83) والمقرب (1/ 111)، (2/ 203)، والخزانة (4/ 364، 489)، وشرح التصريح (1/ 234). (¬1) لقد اضطرب الأخفش في القول بإعمال «أن» زائدة في كتابه «معاني القرآن» فتارة يرى عملها قياسا على عمل «الباء» و «من» الزائدتين، ورأى تارة أخرى عدم إمكان عمل الزائد فقال في قول الله تعالى: وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «ولو كانت أن زائدة لارتفع الفعل» انظر معاني القرآن (128، 192، 214) وانظر منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية (ص 395، 396). (¬2) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528) وشرح العمدة (ص 225)، والأشموني (3/ 286). (¬3) سورة البقرة: 246. (¬4) سورة الحديد: 10. (¬5) سورة المائدة: 84. (¬6) انظر: شرح الكافية (3/ 1528).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الآيتان الشريفتان فقد ذكر المعربون (¬1) أن حرف الجر يقدر فيها التقدير: وما لنا في أن لا نقاتل في سبيل الله، وما لكم في أن لا تنفقوا في سبيل الله، وللمصنف تخريج أحسن من هذا وهو أن وَما لَنا (¬2) ضمّن معنى: وما منعنا؛ فـ «أن» مصدرية لا زائدة التقدير: وما منعنا أن لا نقاتل (¬3). الحكم الثالث: أن «أن» الناصبة للفعل قد علمت أنها لا تقع بعد أفعال العلم وإن وقعت بعد علم وجب تأويل العلم بغيره، لكن خالف في ذلك الفراء وابن الأنباري فأجازا (¬4) وقوعها بعد العلم دون تأويل، قالا: فيجوز أن يقال: علمت أن يقوم زيد بالنصب دون تأويل «علمت»، والجمهور (¬5) على خلاف [5/ 98] ما قالا، ومستندهم أن «أن» إذا كانت المخففة فهي للتوكيد، فيناسب معناها معنى الفعل الذي يقتضي تأكيد الشيء وثبوته واستقراره، وإذا كانت الناصبة للفعل فهي لا تقرن إلا بما ليس بمستقر ولا ثابت؛ لأنها إنما بابها أن تدخل على ما هو مستقبل، وإنما دخلت على الماضي من جهة مشاركته للمستقبل في أنه ليس بثابت في الحال لتقضيه، كما أن المستقبل ليس بثابت لعدم وقوعه، فكذلك لم تقع معمولا إلا للأفعال التي تقتضي التحقيق، هكذا عللوا هذه المسألة (¬6)، وهو تعليل إقناعي. وقد استدل الفراء وابن الأنباري على ما ذهبا إليه بقراءة (¬7) مجاهد (¬8): (أفلا يرون ألّا يرجع إليهم قولا) وبقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر: البيان في غريب إعراب القرآن للأنباري (1/ 165)، والتبيان للعكبري (196). (¬2) سورة البقرة: 246. (¬3) انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 615)، ومعاني القرآن (1/ 128، 192)، وانظر المغني (ص 34) وقال ابن هشام: «وفيه نظر لأنه لم يثبت إعمال الجار والمجرور في المفعول به ولأن الأصل أن لا تكون لا زائدة، والصواب قول بعضهم: إن الأصل: وما لنا في أن لا نفعل كذا». (¬4) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 12) والأشموني (3/ 282). (¬5) انظر: الأشموني (3/ 282). (¬6) انظر: حاشية الصبان (3/ 282، 283). (¬7) في التبيان للعكبري (ص 901): «وقد قرئ (يرجع) بالنصب على أن تكون أن الناصبة وهو ضعيف لأنّ يرجع من أفعال اليقين»، وانظر: الأشموني (3/ 282). (¬8) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي، ومولى بني مخزوم، تابعي مفسر من أهل مكة، قال الذهبي: شيخ القراء والمفسرين، أخذ التفسير عن ابن عباس قرأه عليه ثلاث مرات، يقال: إنه مات وهو ساجد سنة (104 هـ). وطبقات القراء (2/ 41)، والأعلام (5/ 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3778 - نرضى عن الله أنّ النّاس قد علموا ... أن لا يدانينا من خلقه بشر (¬1) وحمل المصنف ذلك على الشذوذ والندور (¬2)، لكن قال الإمام بدر الدين بعد ذكر مذهب الفراء وابن الأنباري في هذه المسألة (¬3): وهو مذهب حسن لأنه قد جاء به السماع ولا يأباه القياس. وأشار المصنف بقوله: غير مؤوّل إلى أن «أن» الناصبة للفعل يجوز وقوعها بعد لفظ العلم إذا كان مؤولا بغيره، كقولك: علمت أن تقوم؛ بالنصب، على تأويل «علمت» بـ «ظننت» كما سيأتي ذكر هذه المسألة، وقال المصنف في شرح الكافية (¬4): وقد أجاز سيبويه (¬5) أن يقال: ما علمت إلا أن تقوم؛ بالنصب، قال: لأنه كلام خرج مخرج الإشارة فجرى مجرى قولك: أشرت عليك أن تقوم. انتهى. وقد استدل على أن العلم قد لا يراد به القطع بقوله تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ (¬6)، قالوا: المراد بالعلم هنا الظن القوي؛ لأن القطع بإيمانهن غير متوصل إليه (¬7). وأقول: إن في الاستدلال بذلك نظرا؛ لأن الشرع الشريف جعل مناط الحكم بالإيمان النطق باللسان فمن نطق بلسانه بالشهادتين أجري عليه حكم الإيمان ويقال فيه: إنه معلوم الإيمان وإننا علمنا إيمانه؛ لأن ما في القلب لا يمكننا الاطلاع عليه ولم نكلف إلا بما في وسعنا، فمن نطق بكلمة الإيمان كنا عالمين إيمانه ولو لم يكن إيمانه معلوما ما جاز أن نشهد بإيمانه؛ لأن الشهادة إنما تكون عن يقين لا عن ظن. الحكم الرابع: أنه يجوز إجراء «أن» بعد العلم مجراها بعد الظن لتأوله به، وإجراؤها بعد الخوف مجراها بعد العلم لتيقن المخوف، فمثال الأول: علمت أن - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط وهو لجرير. الشرح: قوله «نرضى عن الله» يعني نثني عليه ونشكره. وقوله: «أن لا يدانينا» أي يقاربنا في المفاخر، وفيه الشاهد حيث نصبت «أن» المضارع مع وقوعه بعد العلم شذوذا، والبيت في الهمع (2/ 22)، والدرر (2/ 2)، والأشموني (3/ 282) وديوان جرير (ص 261). (¬2) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1525). (¬3) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 13). (¬4) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1525) وقد نقله بتصرف. (¬5) انظر: الكتاب (3/ 168). (¬6) سورة الممتحنة: 10. (¬7) انظر: الهمع (2/ 2).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقوم بالنصب - على تأويل «علمت» بـ «ظننت»، ومثال الثاني: خشيت أن لا يقوم، وخفت أن لا يكرمني - بالرفع - قال سيبويه (¬1): ولو قال: أخشى أن تفعل تريد أن تخبره أنه يخشى أمرا استقر عنده أنه كائن جاز وليس وجه الكلام. وقال أبو الحسن (¬2): وأما: خشيت أن لا تكرمني فنصب، ولو رفعته على أمر قد استقر عندك كأنك جرّبته فكان لا يكرمك فقلت: خشيت أن لا تكرمني، أي: خشيت أنك لا تكرمني جاز. وقد خالف المبرد (¬3) في الحكمين المذكورين - أعني إجراء العلم مجرى الظن لتأوله به، وإجراء الخوف مجرى العلم لتيقن المخوف - كما أشار إلى ذلك في متن الكتاب، وقد ردّ على المبرد ذلك: أما الحكم الأول: فبأن «أن» إذا صح وقوعها علم غير مؤول كما في قول القائل: 3779 - قد علموا ... أن لا يدانينا من خلقه بشر فوقوعها بعد العلم المؤول أولى. وأما الحكم الثاني: فبأنه قد سمع من العرب ما ادعى عدم جوازه قال أبو محجن (¬4): 3780 - إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة ... تروّي عظامي بعد موتي عروقها ولا تدفنّني في الفلاة فإنّني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها (¬5) قال الشيخ (¬6): وثبت في بعض النسخ بعد قوله: خلافا للمبرد: وأجاز بعضهم - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 167) ونص عبارته: «ولو قال رجل: أخشى أن تفعل يريد أن يخبر أنه يخشى أمرا قد استقر عنده أنه كائن جاز وليس وجه الكلام». (¬2) انظر: معاني القرآن (1/ 92). (¬3) انظر المقتضب (3/ 7، 8). (¬4) أبو محجن: عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف، وقيل: اسمه أبو محجن، وكنيته أبو عبيد وقيل: اسمه مالك، وقيل: عبد الله، أحد الأبطال الشعراء الكرماء في الجاهلية والإسلام، أسلم سنة (9 هـ) وروى عدة أحاديث، توفي بأذربيجان أو بجرجان سنة (30 هـ). انظر ترجمته في الشعر والشعراء (1/ 430، 431) وخزانة البغدادي (3/ 553 - 556). (¬5) هذان البيتان من الطويل وقائلهما أبو محجن الثقفي - كما ذكر المؤلف - والشاهد في قوله: «أن لا أذوقها» فإن «أن» فيه مخففة من الثقيلة وذلك لإجراء الخوف مجرى العلم، والتقدير: أنه لا أذوقها. والبيتان في معاني القرآن (1/ 146)، وانظر: الخزانة (3/ 550)، والهمع (2/ 2). (¬6) انظر: التذييل (6/ 518).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفصل بينها وبين منصوبها بالظرف وشبهه اختيارا، وقد يرد ذلك مع غيرها اضطرارا. فمثال (¬1) الفصل بين «أن» ومنصوبها: قولك: أختار أن عندي تقيم، وأن في الدار تجلس، ومن أجاز ذلك يمكن أن يعلل إجازته له بما جاز في أن نحو: علمت أنّ اليوم زيدا مسافر، وأنّ في الدار عبد الله جالس، فقاس «أن» على «أنّ» بجامع ما اشتركا فيه من المصدرية والعمل، لكن مذهب سيبويه والجمهور (¬2) أنه لا يجوز شيء من ذلك، فلا يفصل بظرف ولا مجرور ولا قسم ولا غير ذلك. ومثال الفصل بين غير «أن» ومنصوبها: 3781 - لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا ... أدع القتال وأشهد الهيجاء (¬3) أي: لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلا وهو مخصوص بالضرورة بلا خلاف. الحكم الخامس: أن بعضهم أجاز الجزم بـ «أن» قال الإمام بدر الدين (¬4) رحمه الله تعالى: حكي عن الرؤاسي (¬5) أنه قال: فصحاء العرب ينصبون بـ «أن» وأخواتها الفعل، ودونهم قوم يرفعون بها، ودونهم قوم يجزمون بها، قال: وعنده أن مستند الرؤاسي في ذلك ما جاء في الشعر من نحو قوله: 3782 - لقد طال كتماني عزيزة حاجة ... من الحاج لا تدري عزيزة ما هيا - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 518، 519). (¬2) قال في الكتاب (3/ 12، 13): «ولا تفصل بين شيء مما ينصب الفعل وبين الفعل سوى إذن، لأن إذن أشبهت أرى ...» وقال (3/ 13): «ولم يفصلوا بين أن وأخواتها وبين الفعل كراهية أن يشبهوها بما يعمل في الأسماء نحو: ضربت وقتلت؛ لأنها لا تصرف الأفعال نحو: ضربت وقتلت ولا تكون إلا في أول الكلام لازمة لموضعها لا تفارقه فكرهوا الفصل لذلك؛ لأنه حرف جامد»، وانظر حاشية الصبان (3/ 284). (¬3) هذا البيت من الكامل ولم أهتد إلى قائله، ومحل الشاهد قوله: «أدع القتال» حيث فصل بين «لن» ومعمولها بـ «ما» الظرفية المصدرية وصلتها، وهو مخصوص بالضرورة والبيت في المقرب (1/ 262) والمغني (283)، والأشموني (3/ 284). (¬4) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 13). (¬5) الرؤاسي: محمد بن الحسن النحوي أبو جعفر ابن أخي معاذ الهراء، سمي الرؤاسي لأنه كان كبير الرأس وهو أول من وضع من الكوفيين كتابا في النحو، وهو أستاذ الكسائي والفراء، وكان رجلا صالحا، وكتابه يقال له: «الفيصل» انظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 82)، وقد سبقت ترجمته بالتفصيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحاذر أن تعلم بها فتردّها ... فتتركها ثقلا عليّ كما هيا (¬1) ولا حجة فيه لجواز كونه سكون وقف للضرورة لا سكون إعراب. قال الشيخ (¬2): وما ذكره - يعني الإمام بدر الدين - من أنه لا حجة في الاستدلال بهذا البيت صحيح للاحتمال الذي ذكره، لكنه يبعد أن يكون مستند الرؤاسي في ذلك هذا البيت لأنه قال: ودونهم قوم يجزمون، فهذه حكاية لغة لا استنباط من بيت شعر. قال: وقد حكى الجزم بها اللحيانيّ (¬3)، وذكر أن الجزم بها لغة بني صباح (¬4)، وحكاه أيضا أبو عبيدة (¬5)، وأنشدوا شاهدا عليه قول الشاعر: 3783 - إذا ما غدونا قال ولدان أهلنا ... تعالوا إلى أن يأتنا الصّيد نحطب (¬6) [5/ 99] وقول الآخر: 3784 - وأنّ بباب الدّار عينا وأن تدع ... حذارا لتلك العين أهنأ وأجمل (¬7) قال الشيخ: وإذا حكى الجزم بها الكوفيون، ومن البصريين اللّحياني، وأبو عبيدة كان الأصح جواز ذلك لكنه قليل. ¬

_ (¬1) هذان بيتان من الطويل، والبيت الثاني هو بيت الشاهد واستشهد به على أن بعض الكوفيين أجازوا الجزم بأن في قوله: «أن تعلم» ورد بأنه ضرورة وذلك لعطف المنصوب وهو «فتتركها» عليه. وبيت الشاهد في المغني (ص 30)، وشرح شواهده (ص 98)، والهمع (2/ 3)، والدرر (2/ 3)، والأشموني (3/ 285). (¬2) انظر التذييل (6/ 520، 521). (¬3) سبقت ترجمته. (¬4) انظر المغني (ص 30). (¬5) أبو عبيدة: معمر بن المثنى البصري النحوي من أئمة العلم بالأدب واللغة، مولده ووفاته في البصرة، له مجاز القرآن، وما تلحن فيه العامة، ومعاني القرآن، وإعراب القرآن وغيرها، توفي قيل: (سنة 209 هـ) وقيل غير ذلك انظر ترجمته في البغية (2/ 294 - 296)، والأعلام (7/ 272). (¬6) هذا البيت من الطويل. والشاهد فيه: قوله: «أن يأتنا» حيث أجاز بعض الكوفيين الجزم بها وردّ بأنه ضرورة. والبيت في المغني (ص 30) وشرح شواهده (ص 91)، والأشموني (3/ 284)، وحاشية يس على شرح التصريح (2/ 247). (¬7) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. واستشهد به: على جواز الجزم بـ «أن» في قوله «وأن تدع» وهو قليل.

[«لن» الناصبة للمضارع وأحكامها]

[«لن» الناصبة للمضارع وأحكامها] قال ابن مالك: (وينصب المضارع أيضا بـ «لن» مستقبلا، بحدّ وغير حدّ، خلافا لمن خصّها بالتأبيد، ولا يكون الفعل معها دعاء خلافا لبعضهم، وتقديم معمول معمولها عليها دليل على عدم تركيبها من «لا أن» خلافا للخليل). قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على «أن» شرع في الكلام على «لن» وهي حرف نفي ويتخلص الفعل معها للاستقبال، ومن ثمّ قيل: إنها لنفي «سيفعل» (¬1). وذكر السهيلي (¬2) عن بعض المتأخرين أنه خالف في ذلك، ولا شك أن مثل ذلك لا يعبأ به؛ لأن فيه خرقا للإجماع، وقيل: إن الجزم بها لغة (¬3)، وأنشد ابن الطراوة على ذلك: 3785 - لن يخب الآن من رجائك من ... حرّك من دون بابك الحلقه (¬4) وأنشد غيره: 3786 - فلن يحل للعينين بعدك منظر (¬5) وإنما عملت النصب في الفعل لأنها مثل «أن» في الاختصاص بالفعل المستقبل، وفي كونها على حرفين: أولهما مفتوح، وثانيهما نون ساكنة. - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (2/ 7): «... كما كان «لن يفعل» نفيا لـ «سيفعل» وانظر أوضح المسالك (3/ 162). (¬2) انظر التذييل (6/ 525) وفي نتائج الفكر للسهيلي (ص 130): «ومن خواصها أي - لن - أنها تخلص الفعل للاستقبال بعد أن كانت صيغته للحال فأغنت عن السين وسوف». (¬3) انظر: نتائج الفكر للسهيلي (ص 130) وشرح الألفية للأبناسي (2/ 262). (¬4) هذا البيت من المنسرح، وقائله أعرابي، والحلقة: بتسكين اللام سواء حلقة الحديد وحلقة القوم، وجوز بعضهم الفتح كما في البيت، والشاهد في قوله: «لن يخب» حيث زعم بعضهم أن «لن» قد تجزم وأن ذلك لغة لقوم. والبيت في المغني (ص 285، 698) والهمع (2/ 4). (¬5) هذا عجز بيت من الطويل وصدره: أيادي سبا ما كنت يا عز بعدكم ويحل بفتح اللام من حليت المرأة في عيني - بالكسر - تحلى - بالفتح - وأما حلا الشيء فمضارعه يحلو، والكاف في قوله: بعدك: مكسورة لأنه خطاب لأنثى. والشاهد في قوله: «فلن يحل» حيث زعم قوم الجزم بها وهو محتمل للاجتزاء بالفتحة عن الألف للضرورة والبيت في المغني (285) والمنقوص والممدود للفراء (ص 36) والمستقصى (2/ 90) والرواية فيهما «فلم يحل» والأشموني (3/ 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم المنفي بـ «لن» بعد كونه مستقبلا قد يكون مؤقت الزمان وقد يكون غير مؤقته، وإلى ذلك الإشارة بقوله: بحدّ وغير حدّ. فقول القائل: لن أفعل محتمل للأمرين وهما: التحديد والتأبيد، ونقل المصنف (¬1) عن الزمخشري أنه ذكر في أنموذجه أنها لتأبيد النفي (¬2)، وإنما ذكر المصنف الأنموذج؛ لأن الزمخشري قال في الكشاف (¬3) عند الكلام على قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا (¬4): «إن «لا» و «لن» في نفي المستقبل أختان، إلا أن في «لن» توكيدا وتشديدا». ولم يتعرض لذكر التأبيد، فكأن الزمخشري له في المسألة قولان. وذكر ابن عصفور (¬5) عن بعض من صنف في البيان من المغاربة أنه ذهب إلى أن «لن» تنفي ما قرب ولا يمتد معنى النفي فيها كما يمتد في «لا»، ورد ابن عصفور عليه بأن كلّا من الأداتين يستعمل حيث يمتد معنى النفي وحيث لا يمتد، فمن استعمال «لن» في النفي الممتد قوله تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً (¬6)، وقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا، ومن استعمالها حيث لا يمتد قوله تعالى: فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (¬7)، ومن استعمال «لا» في الأول قوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (¬8)، وفي الثاني قوله تعالى: لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً (¬9)، قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً (¬10). وقد استدل على عدم اختصاص «لن» بالتأبيد بمجيء استقبال المنفي بها مغيّا إلى غاية - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1531). (¬2) لم يذكر الزمحشري في أنموذجه أن «لن» لتأبيد النفي، وإنما قال: (و «لن» نظيرة «لا» في نفي المستقبل ولكن على التأكيد) انظر الأنموذج (ص 102) وإنما نسب إليه القول بأنها لتأبيد النفي العلامة ابن مالك وتابعه في ذلك كثير من النحاة وهم في الأعم الأغلب من شراح كتبه أو ممن قرأوا كتبه كأبي حيان والمرادي وابن هشام وابن عقيل وقد ظل هذا القول منسوبا إلى الزمخشري - وهو منه براء - إلى أن قيض الله له من يحكم ببراءته منه وهو الأستاذ الدكتور/ أحمد عبد اللاه هاشم في كتابه «قضية لن بين الزمخشري والنحويين» فلينظر. (¬3) انظر: الكشاف (1/ 76 - 77). (¬4) سورة البقرة: 24. (¬5) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (3/ 60)، والهمع (2/ 4). (¬6) سورة الجاثية: 19. (¬7) سورة مريم: 26. (¬8) سورة طه: 118. (¬9) سورة النحل: 61. وفي نسخة (جـ): عنه، بعد «يستأخرون» وهو خطأ. (¬10) سورة آل عمران: 41.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينتهي بانتهائها كما في قوله تعالى: قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (¬1). وأشار المصنف بقوله: ولا يكون الفعل معها دعاء - إلى أن الفعل المنفي بـ «لن» لا يكون إلا خبرا كالمنفي بغيرها من أدوات النفي؛ فإنه لا يكون غير خبر إلا مع «لا» خاصة فإنها تستعمل في الدعاء كما تستعمل في الخبر، كقول القائل: 3787 - ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (¬2) وأشار بقوله: خلافا لبعضهم - إلى ما حكاه ابن السراج (¬3) أن مذهب قوم جواز استعمالها في الدعاء واستشهد لذلك بقوله تعالى: فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (¬4)، قالوا (¬5): ومنه قول الشاعر: 3788 - لن تزالوا كذلكم لا زل ... ت لكم خالدا خلود الجبال (¬6) قيل (¬7): ولا حجة في الآية الشريفة لأن الدعاء لا يكون للمتكلم، لا يقال: لا أسقي زيدا، ولا سقيت زيدا على طريق الدعاء، وإنما يكون ذلك للمخاطب والغائب - يعني أن فاعل الدعاء إنما يكون مخاطبا أو غائبا نحو: يا رب لا غفرت لفلان، ونحو: لا غفر الله لفلان، وأما البيت فهو محتمل للخبرية (¬8). - ¬

_ (¬1) سورة طه: 91. (¬2) هذا عجز بيت من الطويل وهو لذي الرمة وصدره: ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى الشرح: البلى - بكسر الباء - من بلي الثوب إذا خلق من باب «علم» ومي مرخم ميمه، ومنهلّا بضم الميم وسكون النون وتشديد اللام، من الانهلال وهو: انسكاب الماء وانصبابه، وقوله: بجرعائك الجرعاء: رملة مستوية لا تنبت شيئا، والقطر المطر، والقطر أيضا جمع قطرة. والشاهد في قوله: «ولا زال» حيث استعملت «لا» في الدعاء كما تستعمل في الخبر. والبيت في المغني (ص 243)، والعيني (2/ 6) وشرح التصريح (1/ 185) وديوان ذي الرمة (1/ 559). (¬3) انظر: الأصول لابن السراج (2/ 143). (¬4) سورة القصص: 17. (¬5) انظر: الأصول لابن السراج (2/ 143). (¬6) هذا البيت من الخفيف وهو للأعشى من ديوانه (ص 13) واستشهد به: على مجيء «لن» في قوله: «لن تزالوا» للدعاء مثل «لا» والدليل على أنها للدعاء لا إخبار عطف الدعاء عليه وهو: ثم لا زالت .. إلخ. والبيت في المغني (ص 284) وشرح شواهده (ص 684)، وشرح التصريح (2/ 230). (¬7) انظر المغني (ص 284). (¬8) اختار ابن عصفور القول بأن «لن» في البيت للدعاء قال في الهمع (2/ 4): «وهو المختار عندي لأن عطف الدعاء في البيت قرينة ظاهرة في أن المعطوف عليه دعاء لا خبر» وانظر: حاشية الصبان (3/ 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن «لن» حرف بسيط عند سيبويه (¬1)، والفراء (¬2) قائل بذلك أيضا إلا أنه يدعي أن أصلها «لا» فأبدلت «النون» من «الألف» وقد ردّ عليه ذلك بأنها دعوى لا دليل عليها مع مناقضة أحكام «لم» أحكام «لن» ثم إن «النون» لم يعهد إبدالها من «الألف» بل المعهود إبدال «الألف» من «النون» كما في «نون» التوكيد الخفيفة، و «نون» إذا، إذا وقف على ما هما فيه. وذهب الخليل (¬3) - رحمه الله تعالى - إلى أن «لن» مركبة من «لا» النافية و «أن» الناصبة محذوفة الهمزة لكثرة الاستعمال، كما قالوا: ويلمّه، ووافقه الكسائي (¬4) أيضا. وقد أشار المصنف إلى هذا المذهب وإبطاله بقوله: وتقديم معمول معمولها عليها دليل على عدم تركيبها من «لا أن» خلافا للخليل - يعني أنه يجوز أن يقال: زيدا لن أضرب، فلو كان أصلها «لا أن» للزم تقديم معمول الصلة على الموصول، ولا شك أن معمول الصلة من تمامها، فكما أن الصلة لا تتقدم على الموصول لا تتقدم على معمولها الذي هو من تمامها. وهذا الذي ذكره المصنف هو الذي رد به سيبويه (¬5) على الخليل؛ لأنهما اتفقا على جواز تقديم المعمول للفعل المنصوب بـ «لن» على «لن» (¬6)، ونقل سيبويه (¬7) أن العرب تقول: أما زيدا فلن أضرب. وفي ما حكاه سيبويه ردّ على الأخفش الصغير (¬8) حيث ذهب إلى منع تقديم معمول «لن» عليها (¬9). - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 5). (¬2) انظر: التذييل (6/ 530، 531)، والمغني (ص 284)، والهمع (2/ 3). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 5). (¬4) انظر: التذييل (6/ 530)، والمغني (ص 284). (¬5) انظر: الكتاب (3/ 5). (¬6) انظر: التذييل (6/ 532)، والمغني (ص 284). (¬7) قال في الكتاب: «ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أما زيدا فلن أضرب؛ لأن هذا اسم والفعل صلة فكأنه قال: أما زيدا فلا الضرب له». (¬8) الأخفش الصغير: أبو الحسن علي بن سليمان. انظر ترجمته في بغية الوعاة (2/ 167). (¬9) انظر: التذييل (6/ 535)، والمغني (ص 284)، والهمع (2/ 4).

[كي الناصبة للمضارع وأحكامها]

[كي الناصبة للمضارع وأحكامها] قال ابن مالك: (وينصب أيضا بـ «كي» نفسها إن كانت الموصولة، وب «أن» بعدها مضمرة غالبا إن كانت الجارّة وتتعين الأولى بعد «اللّام» غالبا، والثّانية قبلها، وتترجّح مع إظهار «أن» مرادفة «اللّام» على مرادفة «أن» ولا يتقدّم معمول معمولها، ولا يبطل عملها الفصل خلافا للكسائيّ في المسألتين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال السيرافي (¬1): «المختار أنها غير مركبة؛ لأن التركيب على خلاف الأصل، فلا تقبل دعواه إلا بدليل ولا دليل، ولأن «لن» مع الفعل والفاعل كلام تام ولو كان أصلها «لا أن» لكان الكلام تامّا بالمفرد وهو محال». انتهى. وينبني على هذا الخلاف - أعني في «لن» - أنك إن سمّيت بها فعلى مذهب سيبويه تعرب، وعلى مذهب الخليل تحكي، كما تحكي إذا سميت بـ «هلا» لأنك سميت بحرفين ومتى سميت بحرفين حكيت على القاعدة المعروفة. واعلم أن الشيخ استثنى من معمول معمول «لن» التمييز، قال (¬2): فإنه لا يجوز تقديمه على لن على مذهب سيبويه والجمهور (¬3)، فلا يقال: ذرعا لن أضيق بكذا، [5/ 100] وجعل ذلك مستدركا على المصنف. والذي يظهر: أن هذا ليس باستدراك؛ فإن امتناع التقديم ليس من أجل «لن» فيستدرك، وإنما الامتناع من أجل أن التمييز لا يتقدم على عامله حتى لو قلت: ذرعا ضاق زيد بكذا؛ لم يجز عند الجمهور، نعم إن كان من يجيز التقديم في: ذرعا ضاق زيد بكذا يمنع التقديم في: ذرعا لن أضيق بكذا. تمّ الاستدراك على المصنف. قال ناظر الجيش: شرع في ذكر الناصب الثالث وهو: «كي» وكي في كلام العرب قسمان: جارة وناصبة للفعل وهي المصدرية، فمثال الجارة قولهم في السؤال - ¬

_ (¬1) انظر: شرح السيرافي للكتاب (1/ 59) (رسالة) ونص عبارته: «والقول هو الأول - أي سيبويه بأنها مفردة - لأن «لن» إذا أفردت لها حكم غير متعلق بحكم أن كحرف واحد موضوع لمعناه». (¬2) انظر: التذييل (6/ 537) وقد نقله عنه بتصرف. (¬3) قال سيبويه في الكتاب (1/ 205) (هارون): «ولا يقدم المفعول فيه فتقول: ماء امتلأت، كما لا يقدم المفعول فيه في الصفة المشبهة، ولا في هذه الأسماء لأنها ليست كالفاعل»، وأجاز المبرد تقديم التمييز إذا كان العامل فعلا وزعم أنه رأي المازني. انظر: المقتضب (3/ 36، 37) والمفصل (ص 66).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن العلة: كيمه؟ كما يقولون: لمه؟ فـ «كي» هذه بمنزل «اللام» معنى وعملا. ومثال الناصبة قولك: جئت لكي تكرمني، وقال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ (¬1)، ويتعين في هذه أن تكون الناصبة لدخول «اللام» عليها؛ لأن حرف الجر لا يباشر حرف جر، فـ «كي» وما بعدها في تأويل المصدر، فمعنى قولك: جئت لكي تكرمني: جئت للإكرام، أما إذا قلت: جئت كي تكرمني احتمل أن تكون الناصبة، وأن تكون الجارة فيكون النصب بعدها بـ «أن» مضمرة. وحاصل الأمر: أن لـ «كي» أحوالا ثلاثة: حالة يتحتم فيها كونها الجارة، وحالة يتحتم فيها كونها الموصولة أي: المصدرية، وحالة تحتمل فيها الأمرين. وبعد فأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية أولا ثم أرجع إلى لفظ الكتاب: قال (¬2) رحمه الله تعالى: كي على ضربين: أحدهما: كونها حرفا مصدريّا بمعنى «أن»، ومساوية لها في الاستقلال بالعمل. والثاني: كونها حرف تعليل بمعنى «اللام»، والنصب بعدها حينئذ بأن مضمرة غير جائزة الإظهار، والذي أحوج إلى القول بذلك قول العرب في السؤال عن العلة: كيمه؟ كما يقولون: لمه؟ فسووا بينها وبين «اللام» في المعنى والاستعمال، وقال أبو الحسن (¬3) في قول الشاعر (¬4): 3789 - إذا أنت لم تنفع فضرّ فإنّما ... يراد الفتى كيما يضرّ وينفع (¬5) جعل «ما» اسما و «يضر» و «ينفع» من صلته وأوقع عليه «كي» بمنزلة «اللام» فثبت بذلك أنها حرف جر مرادف لـ «اللام»، وثبت بدخول «اللام» - ¬

_ (¬1) سورة الحديد: 23. (¬2) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1531، 1532). (¬3) انظر: أوضح المسالك (2/ 121)، وشرح التصريح (2/ 3). (¬4) نسب للنابغة الذبياني وليس في ديوانه، ونسب للنابغة الجعدي، والصواب أنه لقيس بن الخطيم في ملحقات ديوانه (ص 170). (¬5) هذا البيت من الطويل، الشرح: قوله: إذا أنت لم تنفع: تقديره: إذا لم تنفع أنت؛ لأن إذا لا تدخل إلا على الجملة الفعلية، وقوله: فضر: جواب الشرط ويجوز فيه التثليث: الفتح لأنه أخف، والضم لأجل الضمة، والكسر لأنه الأصل، والفاء للتعليل؛ حيث دخلت «كي» على «ما» المصدرية وهو نادر، والمعنى: إنما يراد الفتى للنفع والضر، والخزانة (3/ 591)، وشرح التصريح (2/ 3).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليها في نحو قوله تعالى: لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ (¬1) أنها مصدرية؛ لأن حرف الجر لا يدخل على حرف إلا أن يكون مصدريّا، فلزم من ذلك جعل «كي» على ضربين: فالمقترنة بـ «اللام» مصدرية، والداخلة على «ما» في قولهم: كيمه؟ جارة، وكذا التي في قوله: 3790 - يراد الفتى كيما يضرّ وينفع والداخلة على الفعل مجردة من «اللام» محتملة للأمرين، ولا تظهر «أن» بعدها إلا في الضرورة كقوله: 3791 - فقالت: أكلّ النّاس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (¬2) والأظهر في «كي» هذه أن تكون بمعنى «اللام». وأما قول الآخر: 3792 - أردت لكيما أن تطير بقربتي ... فتتركها شنّا ببيداء بلقع (¬3) فيحتمل أن تكون «كي» فيه بمعنى «أن» وشذ اجتماعهما على سبيل التوكيد، ويحتمل أن تكون جارة وشذ اجتماعها مع «اللام» كما في قول الآخر: - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 37. (¬2) هذا البيت من الطويل. الشرح: قوله: «أكل الناس» الهمزة للاستفهام، «وكل الناس» منصوب بـ «مانحا» من المنح وهو العطاء، و «مانحا» خبر «أصبحت»، و «لسانك»: مفعول ثان له، و «تغر وتخدع»: من قبيل واحد، والشاهد في قوله: «كيما أن» حيث جمع فيه بين «كي» و «أن» ولا يجوز ذلك إلا في الضرورة. والبيت في المفصل (ص 325)، وابن يعيش (9/ 14، 16)، والعيني (3/ 244)، (4/ 379)، والخزانة (3/ 584). (¬3) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: قوله: تطير: يقال طار به: إذا ذهب سريعا، وتتركها: بالنصب عطفا على «أن تطير»، وشنّا: حال وهو القربة البالية، وانتصابه بتأويل: مشتنّا من الشنن وهو اليبس في الجلد، والبيداء: المفازة، وبلقع: الذي لا شيء فيه. والشاهد في «لكيما أن تطير» حيث يجوز فيه الوجهان: أحدهما: أن تكون تعليلية مؤكدة لـ «اللام»، والآخر: أن تكون مصدرية مؤكد بـ «أن» زائدة غير عاملة؛ لأن «كيما» تنصب الفعل بنفسها ولا يجوز إدخال ناصب على ناصب. وانظر البيت في الإنصاف (ص 580)، وابن يعيش (7/ 17)، (9/ 16)، والعيني (4/ 404) والخزانة (3/ 585).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3793 - ولا للما بهم أبدا دواء (¬1) انتهى. أما ثلاثة الأحوال التي لـ «كي» فقد اشتمل عليها لفظ الكتاب؛ لأن قوله: وينصب بـ «كي» نفسها، إلى قوله: إن كانت الجارّة - إشارة إلى الحالة المحتملة للأمرين، وقوله: وتتعين الأولى بعد اللّام - إشارة إلى الحالة التي هي فيها مصدرية، واحترز بقوله: غالبا من قوله: 3794 - أردت لكيما أن تطير بقربتي فإنه قد جوز فيه أن تكون جارة في أحد الوجهين مع أنها بعد «اللام»، لكن ورود ذلك نادر. وقوله: والثّانية قبلها - إشارة إلى الحالة التي هي جارة، ومثال ذلك قول حاتم: 3795 - فأوقدتّ ناري كي ليبصر ضوؤها ... وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله (¬2) وقول الطرماح (¬3): - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الوافر لمسلم بن معبد الوالبي، وصدره قوله: فلا والله لا يلفى لما بي الشرح: يلفى فعل مضارع مبني للمجهول ماضيه المبني للمعلوم ألفى ومعناه: وجد، وقوله: ما بي، أي الذي استقر بي، وأراد به ما في نفسه من الهم والحزن والكدر مما يفعل به قومه، وأراد بقوله: ما بهم، ما في أنفسهم من الغل والحقد والحسد. والشاهد في قوله: «للما بهم» حيث كررت فيه «اللام» وهي حرف واحد وهو غاية في الشذوذ والقلة، وذكر البغدادي في الخزانة (1/ 366) أن صاحب منتهى أشعار العرب روى البيت هكذا: فلا والله لا يلفى لما بي ... وما بهم من البلوى دواء والبيت في معاني القرآن (1/ 68)، والمحتسب (2/ 356)، والإنصاف (ص 571)، وابن يعيش (7/ 18)، (8/ 43)، (9/ 15)، والمقرب (1/ 238)، وحاشية الصبان (3/ 181). (¬2) هذا البيت من الطويل منسوب في مراجعه لحاتم الطائي وليس في ديوانه. والشاهد فيه قوله: «كي ليبصر ضوؤها» فإن «كي» فيه تتعين حرفا جارّا للتعليل بمعنى «اللام» لظهور «اللام» بعدها، وإنما جمع بينهما للتأكيد وهذا تركيب نادر، و «الواو» في «وهو» للحال. وانظر البيت في المغني (ص 183)، والعيني (4/ 406)، والحماسة (4/ 227). (¬3) الطرماح بن حكيم: شاعر إسلامي فحل، ولد ونشأ في الشام، وكان هجّاء معاصرا للكميت صديقا له لا يكادان يفترقان. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (ص 589 - 594).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3796 - كادوا بنصر تميم كي ليلحقهم ... فيهم فقد بلغوا الأمر الّذي كادوا (¬1) فلا محيص في كل من البيتين عن أحد أمرين: إما الحكم بأن «كي» مصدرية وأن «لام» الجر أتي بها مؤخرة عنها. وإما الحكم بأنها جارة و «اللام» بعدها مؤكدة، قالوا: والحكم بالأمر الثاني متعين؛ لأن توكيد حرف بمثله ثابت، وتأخير حرف الجر الذي هو هنا عن الحرف المصدري غير ثابت فتعين كون «كي» إذا وجدت قبل «اللام» جارة (¬2). واعلم أن الاستدلال على تعيّن «كي» جارة بوجودها قبل «اللام» كما ذكره في التسهيل أحسن مما ذكره في شرح الكافية؛ لأن كلامه هناك وإن أفاد ثبوت كونها جارة إنما يفيد أنها كذلك إذا باشرت الاسم الصريح؛ لأنه إنما مثل بها داخلة على «ما» الاستفهامية، ولا شك أن المقصود بيان ثلاثة الأحوال لـ «كي» حال مباشرتها الفعل لفظا فكان قوله هنا: والثّانية قبلها هو الواجب أي: وتتعين جارة قبل اللام المباشرة للفظ الفعل. وفي شرح الشيخ (¬3): وقال ابن قيس الرقيات: 3797 - ليتني ألقى رقيّة في ... خلوة من غير ما أنس كي لتقضيني رقيّة ما ... وعدتني غير مختلس (¬4) إن «كي» هنا بمعنى «أن» ولا تكون الجارة؛ لأن حرف الجر لا يعلق. انتهى. - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط. والشاهد فيه قوله: «كي ليلحقهم» فإن «كي» فيه تتعين حرفا جارّا للتعليل بمعنى «اللام» لظهور «اللام» بعدها، وقد جمع بينهما للتأكيد، وهذا أيضا تركيب نادر. والبيت في الهمع (2/ 5)، والدرر اللوامع (2/ 5). (¬2) انظر: الهمع (2/ 5). (¬3) انظر: التذييل (6/ 552). (¬4) هذان بيتان من المديد. والشاهد في قوله: «كي لتقضيني» فإن «كي» فيه تعليلية لتأخر اللام عنها، و «غير مختلس» بالنصب صفة لمصدر محذوف أي: لتقضيني ما وعدتني قضاء غير مختلس، وهو بفتح اللام مصدر ميمي بمعنى الاختلاس، والبيتان في العيني (4/ 379) برواية «من غير ما يبس»، والخزانة (3/ 587)، والشطر الأول من البيت الثاني في شرح الكافية للرضي (2/ 239)، والبيت الثاني في شرح التصريح (2/ 231)، والهمع (1/ 53)، والدرر (1/ 30) والأشموني (3/ 281)، وأوضح المسالك (3/ 162).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا غير مرضيّ من أبي علي؛ لأن حرف الجر هنا لم يعلق، بل هو باق على عمله، وكرر لفظه توكيدا كما في قول الآخر: 3798 - ولا للما بهم أبدا دواء (¬1) وأما قول المصنف: غالبا مع قوله: وب «أن» بعدها مضمرة غالبا إن كانت الجارة فإنه يتعلق بقوله: مضمرة أي: أن «كي» إذا كانت جارة وباشرت الفعل تنصب حينئذ بـ «أن» مضمرة ولا يجوز إظهارها [5/ 101] إلا في الضرورة كقوله: 3799 - فقالت: أكلّ النّاس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغرّ وتخدعا (¬2) وقد قال في شرح الكافية بعد إنشاد هذا البيت: والأظهر في «كي» هذه أن تكون بمعنى اللام. وقال هنا - أعني في التسهيل -: ويترجّح مع إظهار «أن» مرادفة الّلام على مرادفة «أن»، وهذا الكلام منه رحمه الله تعالى محتمل لأمرين: إما كون «كي» في مثل هذا التركيب مرادفة لـ «أن» وأتي بـ «أن» بعدها توكيدا ضرورة هو قول للنحاة فيكون هذا القول مقابلا لقول من يقول: إنها مرادفة اللام. وإما كون «كي» مرادفة لـ «أن» أمر احتمالي يمكن أن يقال به، وكلام الإمام بدر الدين يجنح إلى أنه أمر احتمالي فإنه قال (¬3): وإذا ظهرت «أن» بعد «كي» نظرت فإن لم يكن قبلها «اللام» كما في قوله: .... ... كيما أن تغرّ وتخدعا احتمل أن تكون الجارة، وقد شذ إظهار «أن» بعدها للضرورة، وأن تكون الناصبة للفعل وقد شذ توكيدها بـ «أن» للضرورة، ثم قال: والراجح كونها جارة لأن توكيد الحرف بالحرف شاذ في الاستعمال دون القياس فكان القول به أولى، ثم قال: وإن كان قبلها «اللام» كما في قوله: 3800 - ... لكيما أن تطير بقربتي - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) تقدم. (¬3) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ احتمل أيضا أن تكون جارة وقد شذ اجتماعها مع «اللام» كما اجتمع اللامان في قول الآخر: 3801 - ولا للما بهم أبدا دواء وكما اجتمع «ما» و «لا» في قول الآخر: 3802 - وما أن لا تخاط لهم ثياب (¬1) واحتمل أن تكون الناصبة للفعل المضارع وقد شذ اجتماعها مع «أن»، والراجح كونها جارة؛ لأن توكيد الجار بمثله ثابت بيقين، وتوكيد الناصب للفعل بمثله مشكوك فيه، والحمل على المتيقن أولى، ولأن حرف الجر أقرب إلى ما هو الأصل فيما يؤكد وهو الأسماء من الحرف المصدري؛ لأن حرف الجر يدل على زائد على المفهوم من مصحوبه، بخلاف الحرف المصدري؛ لأنه لا فائدة له إلا بصحيح استعمال الفعل في موضع المصدر، والإقدام على توكيد ما هو أقرب إلى الأصل فيما يؤكد أسهل من الإقدام على توكيد ما هو أبعد منه فلا يقاس عليه. انتهى. وهذا الذي ذكر من أن «كي» مصدرية وجارة هو مذهب سيبويه (¬2) وجمهور البصريين، وبعض البصريين يرى أن النصب بعدها إنما هو بـ «أن» مضمرة ذكر ذلك الشيخ في شرحه (¬3)، والمشهور نسبة هذا القول إلى الكوفيين وكأنهم يرون أنها جارة فقط وأنها لا تكون مصدرية (¬4). وقد أطال الشيخ (¬5) الكلام في ذلك ولم يتحصل لي من كلامه ما يقرب من الضبط. ثم إن المصنف أشار بقوله أولا: ولا يتقدّم معمول معمولها - إلى أن معمول - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الوافر نسب لأمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه واستشهد به: على اجتماع «ما» و «لا» النافيتين وهو ضرورة وانظر الشاهد في الخصائص (2/ 282)، (3/ 108)، والهمع (3/ 158). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 6). (¬3) انظر: التذييل (6/ 549)، وانظر: الأشموني (3/ 280)، وشرح التصريح (2/ 230). (¬4) فيما ذهب إليه المؤلف نظر؛ لأن المنقول أن الأخفش هو الذي يرى أنها جارة دائما، وأن الكوفيين يرون أنها ناصبة للفعل دائما، وقد ردّ على المذهبين، انظر: المغني (ص 183)، وشرح التصريح (2/ 230)، والأشموني (3/ 280، 281). (¬5) انظر: التذييل (6/ 549 - 552).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معمول «كي» لا يتقدم على «كي»، وإنما ترك التقييد؛ لأن الكلام إنما هو في «كي» نفسها، فكل حكم يذكر في ذلك الكلام من تقديم أو تأخير أو فصل أو غير ذلك يتعين كونه راجعا إليها، ومثال ذلك أن تقول: توضأت كي أصلّي الظّهر، فلا يجوز أن يقال: توضأت الظّهر كي أصلّي، وأجاز ذلك الكسائي والجمهور على المنع (¬1)، والعلة ظاهرة فيه، لأن «كي» إن كانت المصدرية فهي حرف موصول وما هو من تمام الصلة لا يتقدم على الموصول، وإن كانت الجارة فالنصب بعدها بـ «أن» مضمرة، و «أن» حرف موصول وما هو من تمام الصلة لا يتقدم على الموصول. وأشار بقوله ثانيا: ولا يبطل عملها الفصل إلى أنه قد يفصل بينها وبين معمولها ومع ذلك يكون النصب باقيا، قال الإمام بدر الدين (¬2): وقد يفصل به - أي بمعمول المعمول - أو بجملة شرطية فيبقى النصب، وقال: قال الشيخ - رحمه الله تعالى - يعني والده -: من كلامهم: جئت كي فيك أرغب، وجئت كي أن تحسن أزورك بنصب «أرغب» و «أزورك»، والكسائي يجيز الكلام برفع الفعلين دون نصبهما. انتهى. قال الشيخ بعد إيراده هذا الكلام (¬3): وهذا الذي اختاره المصنف وشرحه ابنه موافقا هو مذهب ثالث لم يتقدم إليه على ما نبينه فنقول: أجمعوا على أنه يجوز الفصل بينها وبين معمولها بـ «لا» النافية كقوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً (¬4) وب «ما» الزائدة كقول قيس بن سعد بن عبادة (¬5): 3803 - أرادت لكيما يعلم النّاس أنّها ... سراويل قيس والوفود شهود (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 553)، والأشموني (3/ 281). (¬2) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 18). (¬3) انظر: التذييل (6/ 554، 555). (¬4) سورة الحشر: 7. (¬5) قيس بن سعد بن عبادة بن وليم الأنصاري الخزرجي المدني، وال صحابي: من دهاة العرب ذوي الرأي والمكيدة في الحرب والنجدة، وأحد الأجواد المشهورين، له (16) حديثا، انظر ترجمته في صفة الصفوة (1/ 715) والنجوم الزاهرة (1/ 81) والأعلام (5/ 206). (¬6) هذا البيت من الطويل، واستشهد به: على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بـ «ما» الزائدة وهذا بإجماع النحاة، وقد ذكر الشنقيطي في الدرر اللوامع (2/ 5) أن الإمام التبريزي استشهد بهذا البيت في شرح الكافية على اتفاق النحويين على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها ب «لا» الزائدة وانظر: الخزانة (3/ 597).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 3804 - تريدين كيما تجمعيني وصاحبي ... [وهل يجمع السّيفان ويحك في عمد] (¬1) وقد يفصل بهما معا، أنشد ثعلب: 3805 - أرادت لكيما لا ترى لي عثرة ... ومن ذا الّذي يعطى الكمال فيكمل (¬2) وقد يجعل العرب «ما» اللاحقة لها كافة كهي في نحو رُبَما يَوَدُّ (¬3) وذلك نحو قول الشاعر: 3806 - يرجّى الفتى كيما يضرّ وينفع (¬4) وأما الفصل بغير ذلك فمذهب البصريين وبعض الكوفيين أنه لا يجوز، وذهب الكسائي إلى جواز الفصل بينهما بمعمول الفعل الذي دخلت عليه، وبالقسم (¬5)، فيبطل عملها فتقول: أزورك كي والله تزورني، وأكرمك كي غلامي تكرم، ويبطل عملها أيضا عند الكسائي إذا لاصقها الشرط نحو قولهم: أزورك كي إن تكافئني أكرمك، فلا عمل لـ «كي» في الشرط وجوابه، والصحيح أن الفصل بينهما في حال الاختيار لا يجوز كما لا يجوز ذلك في «أن» (¬6)، والعلة المانعة من الفصل بينهما هي العلة المانعة من الفصل بين «أن» ومعمولها، فإن فصل بينها وبين معمولها في حال الاضطرار لم يبطل عملها؛ لأن عملها هو الاختصاص وهو باق لم يبطل، وما ذهب إليه الكسائي من ملاصقة الشرط وإبطال عملها غير محفوظ [5/ 102] من كلام العرب. انتهى. وهذا الذي ذكره من أن الفصل لا يبطل العمل عند غير الكسائي هو الذي قاله المصنف، أما كون الفصل لا يجوز في الاختيار وإنما يجوز في الاضطرار فلم يتعرض المصنف إلى ذكره، وإذا كان كذلك فكيف يقول الشيخ: إن الذي اختاره وشرحه ابنه موافقا عليه هو مذهب ثالث؟ - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو لأبي ذؤيب الهذلي كما في الدرر (2/ 5) واستشهد به: على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بـ «ما» الزائدة، وانظر: الخزانة (3/ 597)، والهمع (2/ 5). (¬2) هذا البيت من الطويل وقد أنشده ثعلب ولم ينسبه لقائل وأنا لم أهتد إليه، واستشهد به: على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بـ «ما» الزائدة و «لا» النافية. وانظر: البيت في الخزانة (3/ 586)، وانظر الهمع (2/ 5). (¬3) سورة الحجر: 2. (¬4) تقدم. (¬5) انظر: الهمع (2/ 5). (¬6) في (جـ)، (أ): لن، والتصويب من التذييل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إن الذي يفهم من قولهم: إن الفصل قد يكون بجملة شرطية، أن جملة الشرط يفصل بها بين «كي» ومعمولها كما قيل في نحو: جئت كي إن تحسن أزورك: إنه ينصب «أزورك». وكلام الشيخ يقتضي أن جملة الشرط يذكر معها جوابها ولا يذكر لـ «كي» معمول؛ لأنه بعد أن مثل بقوله: أزورك كي إن تكافئني أكرمك - بجزم أكرمك - قال: فلا عمل لـ «كي» في الشرط، وهذا عجب فإن الشرط إذا ذكر له جواب ولم يؤت لـ «كي» بمعمول فكيف يقال: إن ثمّ فصلا؟ ثم مقتضى ذلك أن تكون «كي» في هذا التركيب ملغاة لا معنى لها. وحاصل الأمر: أني لم أتحقق كون «أكرمك» في المثال الذي ذكره جواب الشرط، والظاهر بل المتعين (¬1) أن يكون منصوبا بـ «كي» إذ المعنى: أزورك كي أكرمك إن تكافئني، وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام الذي قبل الشرط، كما أن المعنى في المثال الذي ذكره ابن المصنف عن والده: جئت كي أزورك إن تحسن. واعلم أنه لا يخفى جواز تأخر معمول «كي» عنها فيقال: كي تكرمني جئتك، سواء أكانت «كي» الناصبة بنفسها أم الجارة والنصب بعدها بـ «أن» مضمرة، وذلك أنها في المعنى مفعول من أجله فكما يجوز التقديم في نحو: ابتغاء إحسانك زرتك، كذلك يجوز ذلك مع «كي» وهذا واضح (¬2). ثم إن المصنف قال في شرح الكافية (¬3): وإن ولي «كي» اسم، أو فعل ماض أو مضارع مرفوع علم أن أصلها: «كيف» حذفت فاؤها ومنه قول الشاعر: 3807 - كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت ... قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم (¬4) - ¬

_ (¬1) هذا الكلام يدل على أن المؤلف يوافق المصنف وولده على جواز الفصل بين «كي» ومعمولها بجملة الشرط أو بغيرها اختيارا. (¬2) انظر: الهمع (2/ 5). (¬3) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1534). (¬4) هذا البيت من البسيط، وهو لقائل مجهول. والشرح: قوله: تجنحون أي: تميلون، وقوله: سلم: بالكسر والفتح أي: صلح، وقوله: وما ثئرت قتلاكم جملة حالية وثئرت مبني للمجهول من ثأرت القتيل بالقتيل ثأرا وثؤرة أي: قتلت قاتله، وقوله: ولظى الهيجاء تضطرم أي: ونار الحرب تشتعل، وهذه الجملة حالية أيضا. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: وزعم أبو علي (¬1) أن أصل «كما» في قول الشاعر (¬2): 3808 - وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنه ... كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر (¬3) «كيما» محذوفة الياء ونصب بها تنصب لو لم ينلها حذف. انتهى. وكأن المصنف لم يرفض قول أبي علي في هذه المسألة. وأشار إلى المسألة في باب «حروف الجر» لما ذكر أن «ما» تزاد بعد الكاف، وأنها قد تحدث في الكاف معنى التعليل فقال: وربما نصبت حينئذ مضارعا لا لأن الأصل: «كيما» وقال في شرحه لذلك: (¬4) وإذا حدث فيها - يعني في الكاف - معنى التعليل ووليها مضارع نصبته تشبيها بـ «كي» كقول الشاعر: وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنه ... كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر وزعم الفارسي أن الأصل: «كيما» فحذف الياء، وهذا تكلف لا دليل عليه ولا حاجة إليه. انتهى. - ¬

_ - والشاهد في قوله: «كي تجنحون» فإن «كي» فيه بمعنى: «كيف» كما يقال: «سو» في «سوف»، أي: كيف تجنحون؟ والبيت في المغني (ص 182)، والعيني (4/ 378)، والهمع (1/ 214)، والدرر (1/ 184). (¬1) انظر: المغني (ص 177)، والأشموني (3/ 281). (¬2) هو عمر بن أبي ربيعة، انظر ديوانه (ص 66)، وقد ذكر العلامة الأمير في حاشيته على المغني (1/ 151) أن السيوطي وجد البيت في قصيدة لجميل بن معمر العذري، وانظر ديوان جميل (ص 62) وقد نسبه العيني (4/ 407) للبيد العامري. (¬3) هذا البيت من الطويل. الشرح: الطرف - بفتح فسكون - العين وإمّا مركبة من «إن» الشرطية و «ما» المؤكدة، قوله: فاصرفنه أراد: حوله إلى جهة أخرى غير جهتنا. والشاهد في قوله: «كما يحسبوا» حيث ذهب الفارسي إلى أن «كما» أصلها: «كيما» فحذفت الياء ونصبت الفعل المضارع بعدها كما تنصب إذا لم ينلها حذف، وقد زعم أبو محمد الأسود أن أبا علي الفارسي حرّف هذا البيت وأن الصواب روايته على هذا الوجه: إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا ... لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر والرواية في ديوان عمر بن أبي ربيعة كما ذكر أبو محمد الأسود ومع هذا فلا نقبل الطعن في أبي علي الفارسي بأنه صحف البيت ليستشهد به، والبيت في الإنصاف (ص 586)، والمغني (ص 177)، والعيني (4/ 407)، والهمع (2/ 6)، والدرر (2/ 5). (¬4) انظر: التسهيل (ص 147) وشرحه لابن مالك (3/ 173) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي شرح الشيخ (¬1): أن البصريين لا يجيزون نصب الفعل بعد «كما» وأن الكوفيين يجيزون ذلك مع أنهم يجيزون الرفع أيضا. وبعد فكلام الإمام بدر الدين يخالف كلام والده فإنه قال (¬2): وقد تحذف ياء «كي» ويبقى عملها كقول عدي بن زيد (¬3): 3809 - اسمع حديثا كما يوما تحدّثه ... عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا (¬4) أراد: كيما تحدثه، وأنشد أبو علي: 3810 - وطرفك إمّا جئتنا فاصرفنه ... كما يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر (¬5) انتهى. ولا شك أن دعوى «كما» المنصوب بعدها الفعل أصلها: كيما وحذفت الياء أسهل من دعوى أن «كما» نصبت تشبيها بـ «كي» ويقال للمصنف: كما ادّعيت أن «كي» في قول الشاعر: 3811 - كي تجنحون إلى سلم ... ... (¬6) أصلها «كيف» وحذفت «الفاء» هكذا يدّعى في «كما» أن أصلها: كيما وحذفت الياء واعلم أن الشيخ أنشد في شرحه (¬7) هذا البيت وهو: اسمع حديثا كما يوما تحدّثه ... ... وقال: فإن قلت: هذا يدل على أن الفصل بين «كي» والفعل يبطل عملها ألا ترى أن المعنى: كيما يوما تحدثه؛ فالجواب من وجهين: - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 547، 548) وانظر: الإنصاف (ص 585) مسألة رقم (81). (¬2) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 18). (¬3) هو عدي بن زيد بن حمّاد بن زيد العبادي التميمي، شاعر من دهاة الجاهليين، كان يسكن الحيرة. انظر الشعر والشعراء (ص 231 - 239). (¬4) هذا البيت من البسيط وهو لعدي بن زيد ديوانه (ص 158). واستشهد به: على أن «كي» قد تحذف ياؤها ويبقى عملها، فأصل «كما» في البيت «كيما» ولذلك نصب الفعل بعدها. والبيت في الإنصاف (ص 588)، واللسان «كيا». (¬5) تقدم. (¬6) تقدم. (¬7) انظر: التذييل (6/ 548).

[إذن الناصبة للمضارع وأحكامها]

[إذن الناصبة للمضارع وأحكامها] قال ابن مالك: (وينصب غالبا بـ «إذن» مصدّرة إن وليها، أو ولي قسما وليها ولم يكن حالا، وليست «أن» مضمرة بعدها خلافا للخليل، وأجاز بعضهم فصل منصوبها بظرف اختيارا، وقد يرد ذلك مع غيرها اضطرارا، ومعناها الجواب والجزاء، وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر). ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: أن تكون «كما» ليس أصلها: «كيما» بل هي «كما» التي بمعنى «لعل» مركبة من الكاف و «ما» فصارتا بمنزلة حرف واحد، ومنه قول العرب: انتظرني كما آتيك، أي: لعلّي آتيك. ثانيهما: أن يكون أصلها «كيما» فحذفت الياء لكن رفع الفعل بعدها لأن «ما» كافة لها عن العمل كما في قول الآخر: 3812 - كيما يضرّ وينفع (¬1) قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام على الأحرف الثلاثة الناصبة شرع في ذكر الناصب الرابع وهو: «إذن» (¬2). ولما لم تكن هذه الكلمة مختصة بالأفعال انحطت رتبتها في العمل عن أخواتها فاشترط في عملها ما لم يشترط في غيرها، وجاز فيها أن تلغى أيضا وإن استكملت الشروط، والمصنف ذكر شروط عملها أولا ثم ثنّى بذكر خلاف في جواز الفصل في الاختيار بينها وبين منصوبها بالظرف، ثم ثلّث بذكر معناها وأشار مع ذلك إلى جواز إلغائها مع استكمال الشروط وإلى ذكر خلاف الخليل في قوله: إن «أن» مضمرة بعدها، وإلى جواز إعمالها وإن وقعت حشوا. - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) في شرح الجمل لابن عصفور (2/ 133) (رسالة): «اختلف النحويون في صورة إذن في الخط، فمذهب المازني أنها تكتب بالنون، والفراء يفصل فيقول: لا يخلو أن تكون ملغاة أو معملة، فإن كانت ملغاة كتبت بالألف لأنها قد ضعفت، وإن كانت معملة كتبت بالنون؛ لأنها قد قويت، والصحيح أنها تكتب بالنون لأمرين: أحدهما: أن كل نون يوقف عليها بالألف تكتب بالألف، وما يوقف عليه من غير تغيير يكتب على صورته وهذه يوقف عليها من غير تغيير فينبغي أن تكتب على صورتها بالنون، وأيضا فإنها ينبغي أن تكتب بالنون فرقا بينها وبين إذا». وانطلاقا مما ذهب إليه ابن عصفور رأيت أن أكتبها بالنون فرقا بينها وبين «إذا» وانظر الأشموني (3/ 291).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد: فأنا أورد كلامه في شرح الكافية ثم كلام ولده ثم أشير إلى ما لا بد منه مما يتعلق بالكلمة المذكورة أعني «إذن». أما ما ذكره هو فإنه قال (¬1): إن «إذن» تنصب المضارع المراد استقباله لا المراد به الحال لأن المراد به الحال لا بد من رفعه بعدها نحو قولك لمن قال: أحبّك: إذن أصدقك، ولا تنصبه وهو مستقبل إلا إذا صدّرت [5/ 103] الجملة بها، أو كانت في حكم المصدر بها واتصل بها الفعل أو توسط بينهما يمين نحو قولك لمن قال: أزورك: إذن أكرمك، أو: إذن والله أكرمك، فالقسم لا يعدّ هنا حاجزا كما لم يعدّ حاجزا بين المضاف والمضاف إليه كقول بعض العرب: هذا غلام والله زيد، حكاه الكسائي (¬2)، واغتفر ذلك في «إذن»؛ لأنها غير ممتزجة بما تعمل فيه امتزاج غيرها. فلو توسطت «إذن» بين ذي خبر وخبر، أو بين ذي جواب وجواب ألغيت، ولو قدم عليها حرف عطف جاز إلغاؤها وإعمالها وإلغاؤها أجود وهي لغة القرآن العزيز التي قرأ بها السبعة (¬3) في قوله تعالى: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (¬4)، وفي بعض الشواذ (لا يلبثوا) بالنصب (¬5)، وشذ أيضا النصب بـ «إذن» بين خبر وذي خبر في قول الشاعر: 3813 - لا تتركنّي فيهم شطيرا ... إنّي إذن أهلك أو أطيرا (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1535). (¬2) انظر: الهمع (2/ 52) والأشموني (2/ 277). (¬3) انظر: القراءة في السبعة لابن مجاهد (ص 382)، والحجة لابن خالويه (ص 220)، والكشف (2/ 50). (¬4) سورة الإسراء: 76. (¬5) انظر: مختصر شواذ القرآن (ص 27، 77) وهي قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ بن كعب، وانظر: البحر المحيط (6/ 66). (¬6) هذا بيت من الرجز ينسب لرؤبة وليس في ديوانه، الشرح: الشطير: البعيد وقيل: الغريب، وانتصابه على الحال، وأهلك معناه: أموت. والشاهد في قوله: «إني إذن أهلك» حيث أعملها مع أنها معترضة بين «إنّ» وخبرها، وهو ضرورة، وخرج على حذف خبر «إنّ» أي لا أقدر على ذلك ثم استأنف ما بعده. وانظر البيت في الإنصاف (ص 177) وابن يعيش (7/ 17)، والمغني (ص 22)، وشرح شواهده (ص 70).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحكى سيبويه (¬1) عن بعض العرب الفصحاء إهمال «إذن» مع استيفاء شروط العمل. انتهى. وقد عرف من كلامه أن الشروط لعملها ثلاثة: كون الفعل الذي تعمل فيه مستقبلا، وكونه متصلا بها غير مفصول بينها وبينه إلا بقسم، وكونها صدر الجملة، وهي التي أشار إليها في التسهيل بقوله: مصدّرة إن وليها أو ولي قسما وليها ولم يكن حالا. أما اشتراط استقبال الفعل: فلأن أخوات «إذن» من النواصب يتخلص الفعل معها للاستقبال، فعرفنا أن الناصب يخلص المضارع للاستقبال فوجب أن لا يكون لها عمل في ما هو حال (¬2). وأما اشتراط عدم الفصل: فلأن نواصب الفعل لا يفصل بينها وبين منصوبها (¬3)، وإنما جاز الفصل بالقسم؛ لأن القسم هو تأكيد لمضمون الجملة، وإذا كان الفاصل يفيد التأكيد فكأنه يعدّ غير فاصل، ويدل على الاعتداد به في الفصل الفصل به بين الجار والمجرور في النثر نحو: اشتريته بو الله ألف درهم وبين المضاف والمضاف إليه نحو قولهم: هذا غلام والله زيد، حكاه الكسائي عن العرب (¬4). ولم يفصلوا بالظرف بين المتضايفين ولا بين الجار والمجرور إلا في الضرورة، وذكر ابن أبي الربيع أن الفصل بين «إذن» والفعل بالنداء أو بـ «لا» كالفصل بالقسم فلا يبطل عملها (¬5). وأقول: أما كون الفصل بـ «لا» غير معتد به فظاهر؛ لأنها لم يعتد بها فاصلة - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (3/ 16): «وزعم عيسى بن عمر أن ناسا من العرب يقولون: إذن أفعل ذاك في الجواب». (¬2) انظر: الهمع (2/ 6)، والصبان (3/ 287). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 13) وشرط اتصالها بالمضارع لضعفها مع الفصل عن العمل فيما بعدها. انظر شرح التصريح (2/ 235). (¬4) انظر: شرح الكافية (3/ 1536)، وشرح التصريح (2/ 235). (¬5) لعل كلام ابن أبي الربيع هذا في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه، وذهب ابن بابشاذ إلى جواز الفصل بين «إذن» والفعل بالنداء والدعاء. انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 272)، وشرح التصريح (2/ 235)، والأشموني (3/ 289).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع «أن» فكذا لا يعتد بها فاصلة مع «إذن»، وأما الفصل بالنداء فلا يبعد القول به إن ورد به سماع. وذهب الكسائي وهشام (¬1) إلى جواز الفصل بمعمول الفعل، لكن الاختيار حينئذ عند الكسائي النصب، وعند هشام الرفع (¬2) نحو: إذن فيك أرغب، وإذن صاحبك أكرم. فلو قدم معمول الفعل على «إذن» نحو: زيدا إذن أكرم، فعند الفراء يبطل العمل (¬3). وأجاز الكسائي الرفع والنصب، قال الشيخ (¬4): ولا نص أحفظه عن البصريين في ذلك بل يحتمل قولهم: إنه يشترط في عملها أن تكون مصدرة أن لا تعمل والحالة هذه؛ لأنها لم تتصدر، ويحتمل أيضا أن يقال: إنها تعمل لأنها وإن لم تتصدر لفظا فهي مصدرة في النية؛ لأن النية بالمفعول التأخير، قال: ولقائل أن يقول: لا يجوز تقديم معمول الفعل بعد «إذن» لأنها إن كانت مركبة فظاهر؛ لأن «أن» لا يكون معها ذلك - أعني التقديم - وإن لم تكن مركبة فلا يجوز أيضا؛ لأن ما فيها من الجزاء يمنع أن يتقدم معمول ما بعدها عليها. قال: ولما كان من مذاهب الكوفيين جواز تقديم معمول فعل الشرط على أداة الشرط أجازوا ذلك في «إذن» كما أجازوا ذلك في «إن» نحو زيدا إن يضرب أضربه. انتهى. وما قاله من أن ما فيها من الجزاء يمنع أن يتقدم معمول ما بعدها عليها، غير ظاهر؛ لأن معمول فعل الجزاء يجوز تقديمه على الجزاء، ولا يمنع ذلك إلا الفراء (¬5)، وقد أنشدوا على ذلك قول القائل: 3814 - وللخيل أيّام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيّامها الخير تعقب (¬6) - ¬

_ (¬1) هذا كلام أبي حيان في التذييل (6/ 564، 565). (¬2) انظر: شرح التصريح (2/ 235)، والأشموني (3/ 289). (¬3) انظر: الهمع (2/ 7). (¬4) انظر: التذييل (6/ 565) وقد نقله بتصرف. (¬5) انظر: الإنصاف (ص 621) مسألة رقم (86)، وشرح الكافية للرضي (2/ 256). (¬6) هذا البيت من الطويل وهو لطفيل الغنوي كما في الإنصاف (ص 621) وانظر ديوانه (ص 16). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والممتنع عند البصريين إنما هو تقديم معمول فعل الشرط على أداة الشرط (¬1). وأما اشتراط كونها صدر الجملة: فقد قال المصنف في شرح الكافية (¬2): إن «إذن» أشبهت «أن» من وجه وهو: أن الفعل حدث فيه بها أمران وهما: كونه جوابا وجزاء، وكونه بها مرجح الاستقبال على الحال وكان أمره دون «إذن» بالعكس كما حدث فيه بـ «أن» أمران: وهما: كونه بها في تأويله بمصدر، وكونه بها غير محتمل للحال، وباينتها من وجه وهو: عدم اختصاصها بالأفعال وتقدم اختصاصها بالمستقبل إذ قد يليها الحال، قال: فلشبهها بـ «أن» من وجه، ومباينتها من وجه افتقرت في إعمالها إلى ما يقويها من تصدير وغيره. انتهى. ثم ليعلم أنه ليس المراد بكونها مصدرة التصدير اللفظي بل قد يتقدمها كلام وتأتي هي بعده، ولكنها صدر جملتها فيحكم لها بحكم المتصدرة أول الكلام ولهذا قال في شرح الكافية (¬3): ولا تنصبه وهو مستقبل إلا إذا صدرت الجملة بها، أو كانت في حكم المصدر بها. وسيأتي الكلام على ذلك مفصلا مبسوطا إن شاء الله تعالى. وأما قوله: غالبا بعد قوله: وينصب فإشارة منه إلى ما ذكره عن سيبويه أنه حكى عن بعض فصحاء العرب إهمالها مع استيفاء الشروط. وعرف من قوله: (فلو توسّطت «إذن») إلى آخره - معنى ما أراده في التسهيل بقوله: وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر. - ¬

_ - واستشهد به: على جواز تقديم معمول فعل الجزاء على الجزاء في قوله: «الخير تعقب» فـ «الخير» منصوب بـ «تعقب» وتقديره: تعقب الخير، و «تعقب» مجزوم، وإنما كسرت الباء؛ لأن القصيدة مجرورة، وإنما كان هذا في المجرورة دون المرفوعة والمنصوبة لوجهين: أحدهما: أن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، فلما وجب تحريكه حركوه حركة النظير، والثاني: أن الرفع والنصب يدخلان هذا الفعل ولا يدخله الجر، فلو حركوه بالضم أو الفتح لالتبس حركة الإعراب بحركة البناء، بخلاف الكسر فإنه ليس فيه لبس. انظر الإنصاف (ص 622، 623) وانظر البيت في شرح الكافية للرضي (2/ 256)، والخزانة (3/ 642). (¬1) انظر: الإنصاف (ص 623) مسألة رقم (87)، وشرح الكافية للرضي (2/ 256). (¬2) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1521) وقد نقله بتصرف. (¬3) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1535).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما ما ذكره ولده فإنه قال (¬1): «إذن» حرف معناه الجواب والجزاء فلا يصحب إلا جملة هي جواب شرط مذكور كقولهم: إن تأتني إذن آتيك، أو مقدر بـ «إن» إلا في ما بعدها اللام، قال الفراء (¬2): إذا أتت بعد «إذن» اللام فقبلها «لو» مقدرة نحو: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ (¬3)، وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (¬4)، وإِذاً لَأَذَقْناكَ (¬5) التقدير: لو كان معه إله لذهب، ولو فعلت لاتخذوك خليلا، ولو ركنت لأذقناك. ولا تلزم صدر الجواب بل قد تأتي وسطا [5/ 104] وآخرا نحو: أنا إذن أفعل، وأنا أفعل إذن، ولا تختص بالأفعال وكان حقها أن لا تعمل ولكنهم شبهوها بـ «أن» لغلبة استقبال الفعل بعدها ولأنها تخرج الفعل عما كان عليه إلى جعله جوابا كما تخرج «أن» الفعل عما كان عليه إلى جعله في تأويل المصدر، وعملت عمل «أن» فنصبت المضارع وإن لم تختص به كما عملت «ما» عمل «ليس» وإن لم تختص بالأسماء، هذا مذهب أكثر النحويين، وما عزاه إلى الخليل من أن الفعل بعد «إذن» منصوب بـ «أن» مضمرة إنما مستنده فيه قول السيرافي في أول شرح الكتاب (¬6): روى أبو عبيدة عن الخليل أنه قال: لا ينصب شيء من الأفعال المضارعة إلا بـ «أن» مظهرة أو مضمرة و «كي» و «لن» و «إذن» وغير ذلك (¬7). وليس في هذا نص على انتصاب المضارع بعد «إذن» عند الخليل بـ «أن» مضمرة لجواز أن تكون «إذن» مركبة من «إذ» التي للتعليل و «أن» محذوفا همزتها بعد - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 19، 20). (¬2) انظر: معاني القرآن (1/ 274)، (2/ 241)، وانظر: المغني (ص 21). (¬3) سورة المؤمنون: 91. (¬4) سورة الإسراء: 73. (¬5) سورة الإسراء: 75. (¬6) انظر: شرح كتاب سيبويه للسيرافي (رسالة) (1/ 61). (¬7) قال سيبويه في الكتاب (3/ 16): (وقد ذكر لي بعضهم أن الخليل قال: «أن» مضمرة بعد «إذن»، ولو كانت مما يضمر بعده «أن» فكانت بمنزلة «اللام» و «حتى» لأضمرتها إذا قلت: عبد الله إذن يأتيك، فكان ينبغي أن تنصب إذن يأتيك؛ لأن المعنى واحد ولم يغير فيه المعنى الذي كان في قوله: إذن يأتيك عبد الله كما يتغير المعنى في «حتى» في الرفع والنصب فهذا ما ردوا، وأما ما سمعت منه فالأول). فقد نص سيبويه على أن بعضهم ذكر ذلك عن الخليل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النقل على نحو ما رآه في انتصابه بعد «لن» والقول به على ضعفه أقرب من القول بأن «إذن» غير مركبة وانتصاب الفعل المضارع بعدها بـ «أن» مضمرة لأنه لا يستقيم إلا على أن يكون ما بعد «إذن» في تأويل مبتدأ لازم حذف خبره و «إذن» قبله ليست حرفا بل ظرفا مخبرا به عن المبتدأ، وأصلها: إذا قطعت عن الإضافة وعوض عنها التنوين، وكلاهما في غاية من التكلف، والقول بأن «إذن» مركبة من «إذ» و «أن» أسهل منه، وإنما تنصب «إذن» المضارع بشرط كونها مصدرة والفعل مستقبل متصل بها أو منفصل بقسم كقولك لمن قال: أزورك غدا: إذن أكرمك، أو إذن والله أكرمك، فالقسم هنا لا يعدّ حاجزا كما لا يعدّ حاجزا بين المضاف والمضاف إليه. والمراد بالمصدّرة: ما لم يكن ما بعدها من تمام ما قبلها؛ إما لأنها لم يتقدمها شيء، وإما لأنها تقدمها كلام فيجوز أن يستأنف وينصب الجواب كما لو لم يتقدمها شيء، وذلك نحو قول ابن عنمة (¬1): 3815 - اردد حمارك لا تنزع سويّته ... إذن يردّ وقيد العير مكروب (¬2) فهذا نصب لأن ما قبله من الكلام فقد استغنى وتمّ، ألا ترى أن قوله: اردد حمارك لا تنزع سويّته كلام قد تم، ثمّ استأنف كأنه أجاب من قال: لا أفعل ذلك فقال: إذن يردّ وقيد العير مكروب وإذا وجدت الشروط المذكورة فالمعروف في كلامهم نصب الفعل بعدها، وزعم - ¬

_ (¬1) ابن عنمة: عبد الله بن عنمة بن حرثان بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة شاعر إسلامي مخضرم. انظر: خزانة الأدب للبغدادي (3/ 580). (¬2) هذا البيت من البسيط، ويروى الشطر الأول منه هكذا: اردد حمارك لا يرتع بروضتنا. الشرح: السوية: شيء يجعل تحت برذعة الحمار كالحلس للبعير، يهدده بذلك، والمكروب: المدانى المقارب، كناية عن تقييد حركته، وفي اللسان «كرب»: كربت القيد: ضيقته على المقيد. والمعنى: يقول: انته عنا وازجر نفسك عن التعرض لنا وإلا رددناك مضيقا عليك. والشاهد في قوله: «إذن يرد» حيث نصب ما بعد «إذن» لأنها مصدرة في الجواب. والبيت في الكتاب (3/ 14)، والمقتضب (2/ 10)، والأصول لابن السراج (2/ 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عيسى بن عمر (¬1) أن ناسا يقولون: إذن أكرمك - بالرفع - وإليه الإشارة بقوله: (غالبا)، فلو وقعت بين «واو» العطف و «فائه» وبين الفعل المستقبل كنت فيها بالخيار؛ إن شئت أعملتها وشاهده قول سيبويه (¬2): وبلغنا أن هذا الحرف في بعض المصاحف (وإذا لا يلبثوا خلفك إلّا قليلا)، وقرأ بعضهم (¬3): (فإذا لا يؤتوا النّاس نقيرا)، وإن شئت ألغيتها وهو الأكثر وبه قرأ القرّاء (¬4). وإن وقعت بين شرط وجزاء، أو بين مخبر عنه وخبره أو منصوب وناصبه ألغيت، نحو: إن تأتني إذن آتك وأنا إذن اكرمك، وزيدا إذن أضرب، كما تلغى «رأى» و «حسب» إذا توسطت الكلام، وربما نصب بها بين مخبر عنه وخبره كقول الراجز أنشده ابن كيسان: 3816 - لا تتركنّي فيهم شطيرا ... إنّي إذن أهلك أو أطيرا (¬5) ولو كان الفعل الذي بعدها حالا ألغيت كقولك لمن قال: أحبّك: إذن أصدقك، بالرفع؛ لأنه موضع لا يعمل فيه أخوات «إذن» فلم تعمل هي فيه. وكذلك لو كان منفصلا بغير قسم كقولك: إذن زيد يكرمك، وإذن طعامك تأكل، وإذن فيك أرغب؛ فليس في هذا ونحوه إلا الرفع لوجود الفصل، وأجاز ابن عصفور (¬6) نصب المضارع بـ «إذن» مع الفصل بالظرف وشبهه، وبالقسم ولم يجز مثل ذلك في غير «إذن» إلا في الضرورة كقوله: 3817 - لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا ... أدع القتال وأشهد الهيجاء (¬7) وأجاز الكسائي (¬8) الفصل بالظرف وغيره بين الفعل وناصبه نحو: جئت كي زيدا تضرب، وأنشد: - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 16). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 13). (¬3) هي قراءة عبد الله بن مسعود. انظر: مختصر شواذ القرآن (ص 27)، وقرأ بها أيضا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. انظر: البحر المحيط (3/ 273). (¬4) هي قراءة السبعة. (¬5) تقدم. (¬6) انظر: شرح التصريح (2/ 235) وأضاف في الهمع (2/ 7) الأبذي. (¬7) تقدم. (¬8) انظر: خزانة الأدب للبغدادي (3/ 564).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3818 - وشفاء غيّك خابرا أن تسألي (¬1) وحمله الفراء (¬2) على أن «خابرا» حال من «الغي». انتهى كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى وهو حسن إلا أنني لم ينتظم لي قوله: إلا على أن يكون ما بعد «إذن» في تأويل مبتدأ لازم حذف خبره، مع قوله: و «إذن» قبله ليست حرفا بل ظرفا مخبرا به عن المبتدأ؛ لأن قوله: و «إذن» قبله مخبر به عن المبتدأ يناقض قوله: على أن يكون ما بعد «إذن» في تأويل مبتدأ لازم حذف خبره؛ إلا أن يكون قوله: و «إذن» قبله ليست حرفا بل ظرفا مخبرا به عن المبتدأ - ليس من تتمة الكلام الذي هو متصل به بل يكون قد قصد به إبطال أن يكون الخبر لازم الحذف إذا أولنا ما بعد «إذن» بمبتدأ؛ فكأنه يقول: كيف يدعى لزوم حذف الخبر و «إذن» قبل المبتدأ الذي ذكرتم أنه مؤول ليست حرفا بل هي ظرف مخبر به؟ فكأن مراده أن دعوى أن الخبر لازم الحذف باطلة، على أن غرضه إبطال المسألة من أصلها فلا مبتدأ ثمّ ولا خبر. وأما قوله: في ما رواه أبو عبيدة عن الخليل أن النصب بعد «إذن» بـ «أن» مضمرة (¬3) - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الوافر وصدره: هلّا سألت وخبر قوم عندهم وهو من قصيدة لربيعة بن مقروم شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام. الشرح: قوله: غيك: الغي: مصدر غوى غيّا من باب ضرب أي: انهمك في الجهل وهو خلاف الرشد والاسم الغواية بالفتح، وخابرا: اسم فاعل من خبرته أخبره من باب نصر خبرا بالضم إذا. علمته، فالخابر: العالم، واستشهد به الكسائي على جواز الفصل بين الفعل وناصبه بمعمول الفعل، والفراء لا يجيز ذلك ويحمل «خابرا» على أنه حال من «الغي» وانظر البيت في شرح الكافية للرضي (2/ 235) والخزانة (3/ 564). (¬2) انظر: الخزانة (3/ 564) وقال البغدادي: فلا يمكن تخريج البيت إلا على ما ذكره الشارح المحقق أو الكسائي، ولا يصح جعل «خابرا» حالا من «الغي» ولا من الكاف فإن الغي لا يتصف بالخبر إذ هو ضده وكذلك المخاطبة لا تتصف به؛ لأنها متصفة بالغي ولعد قوله خابرة بالتأنيث. (¬3) عبارة الإمام بدر الدين في شرح التسهيل لا تحتمل ما ذكره المؤلف، بل إن الإمام بدر الدين نقل عبارة السيرافي في أول شرحه للكتاب وقد احتج بها على أن الخليل لم ينص على ذلك، كما أن الإمام بدر الدين ذكر أن القول بأن «إذن» مركبة أقرب من القول بأنها غير مركبة وانتصاب الفعل بعدها بـ «أن» مضمرة، وخلاصة القول: فإن العبارة التي نقلها الإمام بدر الدين عن السيرافي لا تشير إلى أن أبا عبيدة نقل عن الخليل القول بأن النصب بعد «إذن» بـ «أن» مضمرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه ليس فيه نص على أن «أن» مضمرة لجواز أن تكون «إذن» مركبة من «إذ» التي للتعليل و «أن» - فكلام صحيح لو لم يكن نقل عن الخليل القول الآخر، لكن القولان منقولان عنه، منهم من نقل عنه أنها مركبة من «إذ» و «أن» (¬1)، ومنهم من نقل أن «أن» مضمرة بعدها وهو أبو عبيدة، والمنقول عن الثقات لا يدفع ولولا أن المصنف علم أن ذلك قول للخليل لما قال: وليست أن مضمرة بعدها خلافا للخليل. وبعد: فلنذكر مذاهب النحاة في الكلمة المذكورة فنقول (¬2): ذهب جمهورهم إلى أنها حرف بسيط، وشذ بعض الكوفيين فذهب إلى أنها اسم بسيط [5/ 105] ظرف وهو «إذا» فنوّن واستعمل في الجزاء فحدث فيه معنى الربط والسبب قال: والأصل: إذا جئتني أكرمتك فحذف المضاف إليه «إذا» وهو الجملة وعوض منها التنوين كما في «حينئذ» وحذفت الألف لالتقاء الساكنين. وأما الخليل فنقل عنه (¬3) أنها حرف مركب من «إذ» و «أن» وغلب عليها حكم الحرفية ونقلت حركة الهمزة إلى «الذال» وحذفت وصار هذا النقل ملتزما، فإذا قيل: أزورك فقلت: إذن أزورك فكأنك قلت: حينئذ زيارتي واقعة، ونقل عنه أبو عبيدة أن «أن» مضمرة بعدها، لكن الذي حكاه سيبويه عنه - أعني عن الخليل - أنها تنصب بنفسها (¬4). وقد ذهب بعض المتأخرين (¬5) إلى أنها مركبة من «إذا» و «أن» فحذفت همزة «أن» ثم ألف «إذا» لالتقاء الساكنين، قال: فيدل على الربط بـ «إذا» ويكون النصب بـ «أن». وإذ قد عرف هذا فلنشر إلى أمور: - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 238)، والهمع (2/ 6). (¬2) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 238)، والهمع (2/ 6). (¬3) انظر: الهمع (2/ 6). (¬4) ذكر ذلك الرضي في شرح الكافية (2/ 238): (ويبدو لي أنه قد فهم هذا من كلام سيبويه ضمنا فلم أستطع العثور عليه صراحة في كتاب سيبويه والذي رأيته صراحة في كتاب سيبويه أنه ذكر أن بعضهم روى عن الخليل أن انتصاب الفعل بعد «إذن» بـ «أن» بعدها مضمرة وقد ضعفه سيبويه). انظر: الكتاب (3/ 16). (¬5) هو أبو علي عمر بن عبد المجيد الرندي. انظر: الهمع (2/ 6).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منها: أن هذه الكلمة التي هي «إذن» تلتها الجملة الاسمية فيقال لمن قال: أزورك: إذن أنا مكرم لك، وتتوسط بين المبتدأ وخبره فيقال: أنا إذن مكرم لك، وبين معمول الناسخ وخبره قال الله تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ (¬1)، ويليها المضارع فتنصبه بالشروط المذكورة وهي: أن تكون مصدّرة، وأن يكون الفعل مستقبلا، وأن لا يكون مفصولا بينها وبينه بغير قسم، وكذا إن كان الفصل بنداء أو بـ «لا» فإنه كالفصل بالقسم كما تقدم، ومتى كان الفصل بغير ذلك بطل عملها كقولك: إذن سوف أكرمك، وإذن سأحسن إليك، وكذا إن كان الفعل غير مستقبل بأن يكون حالا كما تقدم. وأما إذا كانت غير مصدرة فإما أن تتأخر وإما أن تتوسّط، فإن تأخرت بطل عملها نحو أن تقول في الجواب: أكرمك إذن، وإن توسطت فقد عرفت من كلام المصنف في شرح الكافية: أنها إذا توسطت بين خبر وخبر أو بين ذي جواب وجواب ألغيت وأن النصب بها شذ بين ذي خبر وخبر، وأنها إذا قدّم عليها حرف عطف جاز إلغاؤها وإعمالها وأن الإلغاء أجود وأن القرآن العزيز جاء به. وإلى ذلك الإشارة بقوله في التسهيل: (وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر)، وقد فهم من قول المصنف: وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر - أنها قد تنصب متوسطة في هذين الموضعين، وأنها إن توسطت في غيرهما وجب إلغاؤها كما لو توسطت بين الشرط وجوابه نحو: إن تكرمني إذن أكرمك، ونحو: والله إذن لأكرمنّك، ومنه قول الشاعر: 3819 - لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ... وأمكنني منها إذن لا أقيلها (¬2) ¬

_ (¬1) سورة النساء: 140. (¬2) هذا البيت من الطويل قاله كثير عزة، ديوانه (2/ 78) من قصيدة يمدح بها عبد العزيز بن مروان والد الخليفة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه. الشرح: الضمير في «بمثلها» و «منها» و «لا أقيلها» إلى خطة الرشد في قوله أول القصيدة: عجبت لتركي خطة الرشد بعد ما ... بدا لي من عبد العزيز قبولها وأراد بها: خصلة الهداية، وقوله: «لا أقيلها» من أقال إقالة أي: لا أتركها. والشاهد فيه: إلغاء «إذن» لوقوعها بين القسم وجوابه، قال العيني فالقسم قوله في البيت الذي قبله: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «لا أقيلها» جواب القسم المحذوف الذي دلت عليه «اللام» الموطئة في «لئن». وقد ذكر الجماعة - أعني المغاربة - ما دل عليه كلام المصنف بمنطوقه وبمفهومه بصورة تقسيم فقالوا (¬1): إذا كانت «إذن» متوسطة فإما أن يفتقر ما بعدها إلى ما قبلها أو لا، فإن افتقر فإما أن يكون افتقار الشرط لجزائه، أو افتقار القسم لجوابه، أو افتقار الخبر للمخبر عنه، فإن كان افتقار الشرط أو افتقار القسم فالإلغاء ولا يجوز العمل، وإن كان افتقار الخبر نحو: أنا إذن أكرمك، وزيد إذن يكرمك فالإلغاء أيضا ولكن قد ينصب بها حينئذ، قالوا: وإنما يجيز النصب الكوفيون، وأما البصريون فيلغونها حتما، وإن لم يفتقر ما بعدها لما قبلها وذلك بأن يتقدمها حرف عطف فما بعدها إما أن يكون معطوفا على ما له محل من الإعراب أو على ما لا محل له، فإن كان الأول فالإلغاء نحو قولك: إن تزرني أزرك وإذن أحسن إليك - بجزم أحسن - ولا يجوز غير ذلك إذا قدّرت أنها مع ما بعدها عطف على جواب الشرط، وكذلك: زيد يقوم وإذن يكرمك إن عطفت على الخبر ألغيت إذ يصير مثل: زيد يكرمك؛ لأن المعطوف على الخبر خبر، وإن كان الثاني بأن يكون قد عطف على الجملة المتقدمة من الشرط والجزاء ومن المبتدأ والخبر جاز إذ ذاك الإلغاء، رعيا لحرف العطف، والإعمال لأن المعنى على استئناف ما بعد حرف العطف حتى قال بعضهم: إن عطفت على الجملة المتقدمة أعملت وصار لها حكمها إذا صدرت. انتهى ما ذكروه، وهذا الذي قالوه قد قلنا: إن كلام المصنف يعطيه بالمنطوق والمفهوم. فإن قلت: كيف تستفيد وجوب الإلغاء من كلامه في نحو: إن تزرني أزرك وإذن أحسن إليك وهو قد أجاز الأمرين بعد حرف العطف؟ قلت: لم يجز الأمرين وإنما قال: وربّما نصب بها بعد عطف - فأفاد أن الإلغاء هو المعمول به وأن الإعمال موقوف على السماع. - ¬

_ - حلفت برب الراقصات إلى منى ... يغول البلاد نصلها وذميلها وجواب القسم «لا أقيلها». اه. فليس القسم محذوفا كما ذكر المؤلف. والبيت في الكتاب (3/ 15) (هارون) وابن يعيش (9/ 13، 22)، وشرح الكافية للرضي (2/ 239). (¬1) انظر ملخص هذا الكلام في الهمع (2/ 27) والأشباه والنظائر (1/ 88).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن صاحب الإفصاح قال (¬1): واعلم أن قول النحويين في هذا: إنه إلغاء؛ فيه تجوّز؛ لأن الإلغاء في الحقيقة: ترك العمل مع التسلط، ولذلك جاز العمل في كل ما يلغى حقيقة لتسلطه في المعنى والحكم نحو: زيدا قائما ظننت، فأما نحو: إن زيدا إذن يكرمك فـ «يكرمك» خبر «إنّ» وما دخلت عليه «إذن» محذوف كجواب «إن» في قولك: زيد إن قمت يقوم؛ لأن ما يطلب جوابا لا بد له منه لفظا أو تقديرا، فكيف يصح أن تقول: ألغي عنه وهو لم يدخل عليه ولا توجّه حكمه عليه؟ لكن تجوّز النحويون في ذلك فسموه إلغاء من حيث دخل على فعل قد يعمل فيه في موضع ما على وجه ما فلم يعمل فيه، ومما يدل على هذا أنك إذا قلت: أنا أكرمك إذن، كيف يصح تسلط «إذن» على ما قبلها؟ وإنما حذفوا جوابها لدلالة ما تقدم عليه كما تقول: أكرمك إن تقم، وأنا مكرم لك لو وافيتني، وإني أكرمته لما جاءني فـ «إذن» هنا كسائر ذوات الجزاء؛ لأنها جزاء [5/ 106] ولذلك جاز فيها: إذن والله أكرمك بالنصب وليس من نواصب الفعل ما يفصل بينه وبين معموله بالقسم سواها، وجاز في «إذن» من حيث هي طالبة جواب، وشأن طالبي الجواب إذا اجتمعا أن يعامل الأول ويستغنى بجوابه عن الثاني فقلت: إذن والله أكرمك، كما قلت: إن تقم والله أكرمك، فإن عكست قلت: والله إذن لأكرمنّك فـ «إذن» ليست ملغاة وإنما حذف جوابها كما حذف جواب القسم في العكس المتقدم. انتهى كلام صاحب الإفصاح وهو كلام حسن ناشئ عن فقه نفس. وقوله: وشأن طالبي الجواب إذا اجتمعا أن يعامل الأول ويستغنى بجوابه عن جواب الثاني صحيح ولكنه ليس على إطلاقه، فإنه إذا اجتمع الشرط و «إذن» فالحكم للشرط تقدم أو تأخر تقول: إذن إن تكرمني أكرمك؛ فتجزم «أكرمك» بالشرط ولا تنصبه بـ «إذن»، وتقول: إن تكرمني إذن أكرمك، وتجزمه لأن «إذن» متوسطة. أشار إلى ذلك ابن أبي الربيع، قال (¬2): وإنما كان الحكم للشرط لأنه أقوى في الجزاء وأنت لو أسقطت «إذن» واكتفيت بـ «إن» لأجزأك ذلك وفهم المعنى الذي يفهم من «إذن» قال: وليس القسم مع «إذن» كذلك؛ لأن - ¬

_ (¬1) نقل السيوطي هذا الكلام في الأشباه والنظائر (1/ 87، 88) عن الإيضاح. (¬2) يبدو أن هذا الكلام في شرح الإيضاح له ولم أعثر عليه (يوجد منه أربعون ورقة من أوله - تركيا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كل واحد منهما يعطي ما لا يعطيه الآخر فكان الحكم للمتقدم. انتهى. وعلى هذا الذي تقرر جاء قول الحماسي: 3820 - لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللّقيطة من ذهل بن شيبانا إذن لقام بنصري معشر خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا (¬1) فذكر جواب «لو» (¬2) وحذف جواب «إذن». ومنها: أن الذي قاله المصنف وهو أن «إذن» معناها: الجواب والجزاء هو مذهب سيبويه (¬3)، لكن الفارسى (¬4) فهم من كلام سيبويه أنها تارة تكون للجواب فقط وتارة تكون للجواب والجزاء: فمعناها اللازم لها الجواب، وأما الجزاء فتارة يوجد معها، وتارة لا يوجد، فمثال ما هي فيه جواب محض أن يقول القائل: أحبّك، فتقول: إذن أظنك صادقا، فهذه لا يتصور فيها الجواب إذ لا يقدر: إذا أحببتني أظنك صادقا، ومثال ما هي فيه للجزاء مع الجواب - وذلك هو الكثير فيها - أن يقول القائل: أزورك فتقول: إذن أحسن إليك، فإن المعنى: إذا زرتني أحسنت إليك، قالوا: ونظير ذلك أن سيبويه قال في نعم: إنها عدة وتصديق (¬5)، وإنما ذلك باعتبار حالين؛ لأنها تكون عدة في المستقبل، وتصديقا في الماضي. ولا شك أن الذي قاله الفارسي هو الظاهر، والمنقول عن الشلوبين (¬6) أنه يرى أن - ¬

_ (¬1) هذان البيتان من البسيط قالهما قريط بن أنيف من بلعنبر حين أغار ناس من بني شيبان عليه فأخذوا له ثلاثين بعيرا فاستنجد قومه فلم ينجدوه فأتى مازن تميم فركب معه نفر فاطردوا لبني شيبان مائة بعير ودفعوها إليه، وقوله: لم تستبح: الاستباحة: اتخاذ الشيء مباحا، وبنو اللقيطة: نسبهم إلى أمهم ذمّا، أراد أنها نبذت فلقطت فليس لها أصل يعرف، و «خشن» جمع أخشن أو خشن، والحفيظة: الغضب في الشيء الذي يجب عليك حفظه، واللوثة بالضم: الضعف، وبالفتح: الشدة. والشاهد في قوله: «إذن لقام» حيث ذكر جواب «لو» وحذف جواب «إذن» ولذلك قرنه باللام. والشطر الأول من البيت الثاني في شرح الكافية للرضي (2/ 236) وديوان الحماسة للتبريزي: (1/ 705) والخزانة (3/ 569) وحاشية الأمير على المغني (1/ 20). (¬2) ولذلك قرنه باللام. (¬3) انظر: الكتاب (4/ 234). (¬4) انظر: شرح الألفية للأبناسي (2/ 270)، والهمع (2/ 6). (¬5) انظر: الكتاب (4/ 234). (¬6) انظر: التوطئة (ص 145)، والهمع (2/ 6).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجزاء معنى لا يفارقها، ولا يخفى أن تقدير كونها للجزاء في نحو: إذن أظنك صادقا جوابا لمن قال: أحبك - متعذر، ثم إذا تقرر أن الجواب معنى لا يفارقها علم أنه لا يجوز أن يقال: إذن يقوم زيد؛ ابتداء من غير أن يجاب بذلك أحد. فأما قوله تعالى: قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (¬1) فقد حمل على أنه جواب لقول فرعون: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (¬2) يريد: من الكافرين لأنعمنا، فقال صلّى الله عليه وسلّم: لم أفعل ذلك كفرا لنعمتك كما زعمت بل فعلتها وأنا جاهل أن الوكزة تقضي عليه، ويؤيد ذلك قراءة من قرأ (¬3): (وأنا من الجاهلين). وقد خرج الشلوبين الآية الشريفة على الشرط والجزاء فقال: التقدير: إن كنت فعلت ذلك كافرا بأنعمك كما زعمت فأنا ضال ولم يثبت بذلك لنفسه كفرا ولا ضلالا لأنه لم يفعل ذلك وهو كافر كما زعم فيلزم أن يكون من الضالين بل فعلها - أعني الوكزة - ولم يقصد بها قتله ولم يحمل الكافرين على كفران النعمة ولا الضلال على الجهل، قال: لأن الضلال والكفر لا يستعملان لذلك المعنى إلا مقيدين فيقال: كافر بالنعمة وضال عن الشيء. انتهى. وأما قول الشاعر: 3821 - اردد حمارك لا يرتع بروضتنا ... إذن يردّ وقيد العير مكروب (¬4) فقد تقدم التقرير فيه من كلام الإمام بدر الدين (¬5)، وأن الكلام الذي قبل «إذن» قد تمّ ثم استأنف كأنه أجاب من قال: لا أفعل ذلك فقال: إذن يردّ وقيد العير مكروب وأما قول المصنف: وأجاز بعضهم فصل منصوبها بظرف اختيارا؛ فقد تقدم الكلام على هذه المسألة بما فيه غنية. - ¬

_ (¬1) سورة الشعراء: 20. (¬2) سورة الشعراء: 19. (¬3) هي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس. انظر: معاني القرآن (2/ 279)، ومختصر شواذ القرآن (ص 106)، وتفسير ابن كثير (3/ 332). (¬4) تقدم. (¬5) انظر ما نقله المؤلف عن شرح التسهيل للإمام بدر الدين في أول شرح هذا المتن من هذا الكتاب.

[إضمار «أن» وجوبا بعد «لام» الجحود وبعد «حتى»]

[إضمار «أن» وجوبا بعد «لام» الجحود وبعد «حتى»] قال ابن مالك: (فصل: ينصب الفعل بـ «أن» لازمة الإضمار بعد «اللّام» المؤكّدة لنفي في خبر «كان» ماضية لفظا أو معنى، وبعد «حتّى» المرادفة لـ «إلى» أو «كي» الجارّة أو «إلّا أن»، وقد تظهر «أن» مع المعطوف على منصوبها). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: وقد يرد ذلك مع غيرها اضطرارا فأشار به إلى البيت الذي تقدم ذكره وهو قول الشاعر: 3822 - لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا ... أدع القتال وأشهد الهيجاء (¬1) وكذا تقدم (¬2) القول أيضا على ما أراد بقوله: وربّما نصب بها بعد عطف أو ذي خبر. قال ناظر الجيش: قد تقدم أن «أن» شبيهة لفظا وتأولا بأحد عوامل الأسماء، وأنها كذلك تعمل مضمرة كما تعمل مظهرة، وتقدم أنها تضمر وجوبا بعد أحرف ستة وهي: «كي»، و «لام» الجحود، و «حتى»، و «أو»، و «الفاء»، و «الواو»، ولما تقدم له ذكر «كي» في الفصل المفروغ منه شرع في ذكر خمسة الأحرف الباقية فذكرها في هذا الفصل والفصل الذي يليه، وإنما أفرد «كي» عن أخواتها المذكورة فذكرها في ما سبق؛ لأنه لما ذكر الناصبة بنفسها وهي الموصولة استطرد فذكر أنها تنصب بعدها بـ «أن» مضمرة إذا كانت الجارة ليستوفي الكلام عليها ناصبة وجارة. وكون النصب بـ «أن» مضمرة بعد هذه الأحرف الخمسة هو مذهب البصريين (¬3)، والكوفيون يرون أن النصب بعد «اللام» و «حتى» بهما أنفسهما (¬4)، وأن النصب بعد «أو»، و «الفاء» و «الواو» بالخلاف (¬5)، والجرمي (¬6) يرى أن الأحرف الثلاثة هي الناصبة أنفسها وما ذهب إليه البصريون [5/ 107] هو الحق، أما - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) انظر ما نقله عن شرح الكافية الشافية للمصنف في أول شرح هذا المتن. (¬3) انظر: الهمع (2/ 7، 8) وانظر الإنصاف (ص 593) مسألة رقم (82)، (597) مسألة رقم (83). (¬4) انظر: المرجعين السابقين أنفسهما، وذهب ثعلب - من الكوفيين - الى أن اللام هي الناصبة لقيامها مقام «أن». انظر الهمع (2/ 7)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 276) والأشموني (3/ 292). (¬5) انظر: الأشموني (3/ 296، 305). (¬6) انظر: ابن يعيش (7/ 21)، وشرح الكافية للرضي (2/ 241)، والتذييل (6/ 596 - 598).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «اللام» و «حتى» فلأنهما حرفا جر ومعناهما إذا نصب الفعل بعدهما كمعناهما فوجب أن يقدر ما دخلتا عليه اسما ولا يقدر الفعل إلا بحرف مصدري، ولا جائز أن يكون ذلك الحرف «أنّ»؛ لأنها لا دخول لها على الأفعال، ولا جائز أن يكون «ما» لأن الفعل منصوب و «ما» لا تنصب ظاهرة فكيف تنصب مضمرة؟ ولا جائز أن يكون «كي» أما إن كانت الجارة فظاهر، وإن كانت غير الجارة فلم يثبت لها أن تعمل مضمرة، كيف والكوفيون ينفون أن تكون «كي» ناصبة أصلا ويجعلون النصب بعدها بإضمار «أن» كما تقدم (¬1) التنبيه على ذلك؟ وإذا كان كذلك تعيّن أن المقدر بعد الحرفين المذكورين - أعني «اللام» و «حتى» - هو «أن» ويقوي ذلك - أعني أن المقدر هو «أن» - إظهارهم لها مع «اللام» فدل ذلك على أنها هي مضمرة مع «اللام» وغير اللام أيضا. وأما «الفاء» و «الواو» فلأنهما حرفا عطف، ولما وقعا صدر أجوبة الأمور التسعة المذكورة (¬2) وتعذر عطف الثاني على الأول للمخالفة التي بينهما - كما سيبين بعد - عدل عن عطف الفعل على الفعل إلى عطف الاسم على الاسم ولا يمكن ذلك إلا بتأويل جعل الأول اسما، وإذا جعل اسما فلا يعطف عليه الفعل إلا بتأويل الاسم، وحينئذ تعيّن تقدير «أن» فكانت مع الفعل الذي نصبته في تأويل المصدر، ولزم أن يكون المعطوف عليه مصدرا متوهما يدل عليه الفعل المتقدم (¬3)، فإذا قيل: ائتني فأكرمك، فالتقدير: ليكن إتيان منك فإكرام مني، وكذا إذا قيل: ما تأتينا فتحدثنا، فالتقدير: ما يكون منك إتيان فحديث. وأما «أو» فإما أن تقدّر عاطفة فالكلام فيها كالكلام في «الفاء» و «الواو»، وإما أن تقدّر بمعنى «إلى» فالكلام فيها كالكلام في «اللام» و «حتى»، وإما أن تقدّر بمعنى «إلّا» منقطعة، و «إلّا» المنقطعة لا يقع بعدها إلا الاسم وحينئذ يجب تقدير «أن» بعدها. واستدل الكوفيون (¬4) على أن النصب بالخلاف بأن قالوا: إن الثاني لم يكن - ¬

_ (¬1) انظر الحديث عن «كي» في المتن الذي قبل المتن السابق. (¬2) وهي: الأمر، والنهي، والدعاء، والاستفهام، والعرض، والتمني، والتحضيض، والرجاء، والنفي. (¬3) انظر: الأشموني (3/ 305، 306). (¬4) انظر: ابن يعيش (7/ 21)، والتذييل (6/ 597).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ داخلا في معنى الأول من نهي أو نفي أو غير ذلك من الأشياء التي يذكر جوابها لكونه مخالفا له، فلما لم يكن داخلا فيه نصب بالخلاف، وردّ ذلك بأمرين: أحدهما: أن عوامل الأفعال بالنسبة إلى العمل فرع عوامل الأسماء، ولا شك أن الخلاف أمر معنوي ولا يوجد نصب في الاسم بعامل معنوي. ثانيهما: أن الخلاف لو كان ناصبا لجاز أن يقال: ما قام زيد بل عمرا، وأيضا فليس نصب الثاني لمخالفة الأول بأولى من نصب الأول لمخالفة الثاني. وأما الجرمي فإنه قد قال: قد وجد الفعل بعد «الفاء» و «الواو» منصوبا ولم يقم دليل على إضمار «أن» فكان النصب بهما، ولا يخفى فساد هذه الدعوى؛ لأن «الفاء» مثلا قد ثبت أنها حرف عطف في غير هذا الموضع فينبغي أن تحمل على ما ثبت لها من العطفية وإذا كانت حرف عطف وجب أن يكون النصب بعدها بـ «أن» مضمرة، فقد قام الدليل على الإضمار. وإذ قد عرف هذا فلنذكر كلام الإمام بدر الدين ثم نردفه بما سنقف عليه: قال (¬1) رحمه الله تعالى: ينصب الفعل بـ «أن» لازمة الإضمار بعد «لام» الجحود، و «حتى» و «الواو» و «الفاء» وأما «لام» الجحود فهي المؤكدة لنفي خبر «كان» ماضية لفظا نحو: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (¬2) أو معنى نحو: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (¬3) وسميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، كما تقول في نحو: ما كان زيد ليفعل: ما كان زيد يفعل، لا لأنها زائدة لا معنى لها، إذ لو كانت كذلك لما كان لنصب الفعل بعدها وجه صحيح، وإنما هي لام اختصاص (¬4) دخلت على الفعل لقصد معنى: ما كان زيد مقدرا أو هامّا أو مستعدّا أن يفعل (¬5)، وكذا قال سيبويه (¬6): وكأنك إذا مثلت قلت: ما كان زيد لأن يفعل أي: ما كان زيد لهذا الفعل، ولام الجر مختصة بالأسماء فلذا وجب في - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل للامام بدر الدين (4/ 22). (¬2) سورة البقرة: 143. (¬3) سورة النساء: 137. (¬4) في (جـ)، (أ): الاختصاص. (¬5) انظر: الأشموني (3/ 293) وقد عزا هذا الكلام للمصنف في شرح التسهيل وهو خطأ وانظر حاشية الصبان (3/ 293). (¬6) انظر: الكتاب (3/ 7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المضارع إذا وليها نصبه بـ «أن» مضمرة لتكون هي والفعل في تأويل اسم مجرور باللام، ولا يجوز إظهار «أن» بعد «لام» الجحود؛ إما لأن ما قبل «اللام» من التقدير قد دل على الاستقبال فأغنى عن ظهور «أن» وإما لأن ما بعد «اللام» جواب ونقض لفعل ليس في تقدير اسم كأنه قيل: زيد سيفعل فقلت: ما كان زيد ليفعل، فلو أظهرت «أن» لجعلت مقابل الفعل لفظ الاسم وهو قبيح، وقال الكوفيون (¬1): اللام هي العاملة، وأجازوا تقديم معمول الفعل عليها وأنشدوا: 3823 - لقد عذلتني أمّ عمرو ولم أكن ... مقالتها ما دمت حيّا لأسمعا (¬2) وهو عند البصريين (¬3) محمول على إضمار فعل كأنه قال: ولم أكن لأسمع مقالتها. وأما «حتى» فيليها الفعل المضارع منصوبا بـ «أن» مضمرة إذا كانت حرف جر بمعنى «إلى» أو «كي» فالأول نحو قولك: أنا أسير حتى أدخلها تريد: أن الدخول غاية للسير ومثله: لأمشينّ حتى تغيب الشمس، وقوله تعالى: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (¬4)، والثاني: كقولك: سرت حتى أدخلها، تريد أن الدخول علة للسير، ومثله: سألته حتى يعطيني، ولأتوبنّ حتى أدخل الجنة، وزاد الشيخ (¬5) - رحمه الله تعالى - كونها بمعنى «إلا أن» واستشهد بقول - ¬

_ (¬1) انظر الإنصاف (ص 593) مسألة رقم (82) وشرح الكافية للرضي (2/ 250) وابن يعيش (7/ 29). (¬2) هذا البيت من الطويل ولم أهتد إلى قائله، والشاهد فيه: قوله: «مقالتها» حيث ذهب الكوفيون إلى أنه مفعول به تقدم على عامله وهو الفعل المضارع المقترن بـ «لام الجحود» الذي هو قوله: «لأسمعا» وجوزوا أن يتقدم معمول المضارع المنصوب بـ «لام الجحود» على اللام، وقال البصريون: لا يجوز أن يتقدم المضارع المقرون بلام الجحود عليه وخرجوا البيت على أن قوله: «مقالتها» مفعول به لفعل محذوف يدل عليه هذا الفعل المذكور وأصل الكلام: ولم أكن لأسمع مقالتها ثم بين هذا الفعل المحذوف بقوله: «لأسمعا»، والبيت في ابن يعيش (7/ 29)، والإنصاف (ص 593) وشرح الكافية للرضي (2/ 250)، والخزانة (3/ 622). (¬3) انظر: الإنصاف (ص 595)، وابن يعيش (7/ 29)، وشرح الكافية للرضي (2/ 250). (¬4) سورة طه: 91. (¬5) أي والده العلامة ابن مالك، وانظر المغني (ص 125).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشاعر (¬1): 3824 - ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتّى تجود وما لديك قليل (¬2) بناء على أنك لو جعلت «إلّا أن» مكان «حتى» فقلت: ليس العطاء من الفضول سماحة إلا أن تجود وما لديك قليل؛ كان المعنى صحيحا، وأرى أنك لو جعلت «إلى أن» فيه مكان «حتى» لم يكن المعنى فاسدا. وإذا كان الفعل بعد «حتى» غاية أو علة كان من تمام الجملة التي قبلها فعند سيبويه (¬3) أنها [5/ 108] حرف جر والفعل بعدها نصب بـ «أن» مضمرة، ولا يجوز إظهارها؛ لأن «حتى» صارت لطولها بدلا من اللفظ بـ «أن»، وعند الكوفيين (¬4) النصب بعد «حتى» بها، ولو أظهرت «أن» فقلت: لأسيرنّ حتى أن أصبّح القادسية؛ جاز وكان النصب بـ «حتى» و «أن» بعدها توكيد. قال الكسائي (¬5): «حتى» لا تخفض إنما تخفض بعدها «إلى» مضمرة ومظهرة فيقال: أكلت السمكة حتى رأسها، وحتى إلى رأسها، فقد حصل بهذا أن «حتى» لا تعمل في الأسماء إذ كان الخفض بعدها بغيرها. وقال الفراء (¬6): حتى من عوامل الأفعال، وقال في حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (¬7)، هي الخافضة لـ «مطلع» لما قامت مقام «إلى». والمختار قول سيبويه؛ لأنه لو كانت «حتى» هي الناصبة للفعل للزم إما حسن الخفض بالجار المحذوف، وإما كون «حتى» تعمل الجر في الأسماء والنصب في الأفعال، ولظهر الجر قبلها في نحو: لأسيرن حتى تغرب الشمس؛ كما ظهر قبل - ¬

_ (¬1) هو المقنع الكندي كما في شرح شواهد المغني (372). (¬2) هذا البيت من الكامل وأراد بالفضول: المال الزائد، والسماحة: الجود، والشاهد: في «حتى» فإن ابن مالك ذكر أنها بمعنى «إلا أن». والبيت في المغني (ص 125)، وشرح شواهده (ص 372)، والعيني (4/ 412)، والهمع (2/ 9)، والدرر (2/ 6)، والأشموني (3/ 297). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 17). (¬4) انظر: الإنصاف (ص 597) مسألة رقم (83)، والهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 298). (¬5) انظر: الهمع (2/ 8). (¬6) انظر: معاني القرآن (1/ 137)، والهمع (2/ 8). (¬7) سورة القدر: 5.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «أن» فهي إذن حرف جر والفعل بعدها نصب بـ «أن» لازمة الإضمار، وقد تظهر «أن» في المعطوف على منصوبها كما قد ذكر؛ لأنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل كقول الشاعر: 3825 - ومن تكرّمهم في المحل أنّهم ... لا يعرف الجار فيهم أنّه الجار حتّى يكون عزيزا من نفوسهم ... أو أن يبين جميعا وهو مختار (¬1) انتهى. وقوله: وإما لأن ما بعد اللام جواب ونقض لفعل ليس في تقدير اسم كأنه قيل: زيد سيفعل فقلت: ما كان زيد ليفعل، فلو أظهرت «أن» لجعلت مقابل الفعل لفظ الاسم وهو قبيح - قد يقال فيه: إن تقدير «أن» يصير الفعل في تقدير الاسم وحينئذ تكون مقابلة الاسم للفعل حاصلة أيضا، إلا أن يقال: المراد القبح اللفظي وذلك إنما يتم إذا قوبل الفعل بلفظ الاسم، وأما مقابلته باسم مقدر فليس كذلك، ولكن قد يقال: الاسم مع ظهور «أن» مقدر أيضا كما هو مع إضمارها، وإذا كان كذلك فلم يقابل الفعل بلفظ الاسم. وفي شرح الشيخ (¬2): ولم يجز إظهار «أن» - يعني في نحو: ما كان زيد ليفعل -؛ لأن إيجابه كان زيد سيقوم، فجعلت اللام في مقابلة السين، فكما لا يجوز أن يجمع بين «أن» الناصبة وبين «السين» أو «سوف» فكذلك كرهوا أن - ¬

_ (¬1) هذان البيتان من البسيط وهما ليزيد بن حمار السكوني كما نسبا لعدي بن زيد والمحل: الشدة، والجوع الشديد وإن لم يكن جدب، واستشهد بهما على أنه قد تظهر «أن» في المعطوف على منصوب «حتى» فظهرت في قوله: «أو أن يبين» المعطوف على «يكون عزيزا». والبيت الثاني في المغني (692) والرواية فيه «في نفوسهم» وشرح شواهده (ص 965)، والهمع (2/ 9) والأشباه والنظائر (1/ 318) والبيتان في الدرر اللوامع (2/ 6)، وحاشية الأمير على المغني (2/ 197) والرواية فيه: لا يعلم الجار فيهم أنه جار وانظر: حاشية الدسوقي على المغني (2/ 312) وقال: والمعنى: أنهم لا يرضون في وقت المجاعة والقحط بما طبعوا عليه من الكرم، بل يتكلفون أكثر منه، ومن تكلفهم أنهم يحلون جارهم من العناية به والإحسان إليه محلّا يتشكك به في نفسه هل هو جارهم أو من أنفسهم وضميمتهم. (¬2) انظر: التذييل (6/ 576).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجمعوا بين «اللام» و «أن» في اللفظ، ويدلك على المقابلة أنه لا يجوز: ما كان زيد سيقوم، ولا: سوف يقوم؛ استغناء بقولهم: ليقوم. وفي الشرح المذكور أيضا: وسأل محمد بن الوليد (¬1) ابن أبي مسهر (¬2) - وكانا قد قرآ كتاب سيبويه على المبرد - فقال له: لم أجاز سيبويه إظهار «أن» مع لام «كي» ولم يجز ذلك مع لام النفي؟ فلم يجب بشيء. انتهى. وإذ قد عرف هذا فلنذكر أمورا تتعين الإشارة إليها: منها: أنهم ذكروا أن النفي في هذه المسألة - أعني نفي الكون - إنما يكون بـ «ما» أو بـ «لم» ولا يكون بـ «إن» ولا بـ «لا» ولا بـ «لما» ولا بـ «لن» (¬3). ومنها: أن بعضهم (¬4) ذهب إلى أن أخوات «كان» تجري مجرى «كان» في ما ذكر قياسا فيقال: ما أصبح زيد ليضرب عمرا، ولم يصبح زيد ليذهب، وذهب بعضهم (¬5) إلى جواز ذلك في «ظننت» أيضا نحو: ما ظننت زيدا ليضرب عمرا، ولم أظنّ زيدا ليضرب عمرا، وهذا كله غير مقبول إذ لم يرد منه شيء في كلام العرب. ومنها: أنهم ذكروا أنه لا يجوز في نفي «كان زيد سيفعل» أن يقال: ما كان زيد يفعل، فيسقط اللام (¬6). ومنها: أنهم اختلفوا في خبر «كان» ما هو في مثل هذا التركيب؟ فالبصريون (¬7) يرون أنه محذوف وهو الذي تتعلق به «اللام» فالنفي واقع على الخبر المحذوف ويلزم من انتفائه انتفاء متعلقه، فالتقدير في وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ (¬8): وما كان الله مريدا لإضاعة إيمانكم، ويكون خبر «كان» قد التزم - ¬

_ (¬1) هو: محمد بن الوليد التميمي النحوي أبو الحسن واشتهر بابن ولاد، وأخذ عن المبرد وثعلب، توفي سنة (298 هـ) بمصر وقد بلغ الخمسين. وانظر ترجمته في بغية الوعاة (1/ 259). (¬2) هو: محمد بن أحمد بن مروان بن سيرة أبو مسهر النحوي، له الجامع في النحو والمختصر وأخبار أبي عيينة. انظر: بغية الوعاة (1/ 47). (¬3) انظر: الهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 294). (¬4) انظر: الهمع (2/ 8). (¬5) انظر: الهمع (2/ 8). (¬6) هذا ظاهر مذهب سيبويه، انظر: الكتاب (3/ 7). (¬7) انظر: التبيان للعكبري (ص 124)، والهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 292، 293). (¬8) سورة البقرة: 143.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حذفه في هذا التركيب، وحامل البصريين على ذلك أن المضمرة ينسبك منها مع الفعل مصدر مقدر جره بـ «لام» الجر، ولا شك أن ذلك غير صالح لأن يكون خبرا. وذهب الكوفيون (¬1) إلى أن الواقع بعد «اللام» هو الخبر، وقد عرفت أن «اللام» عندهم هي الناصبة للفعل بعدها. وكون الواقع بعد اللام هو خبر هو ظاهر كلام المصنف لقوله: بعد اللّام المؤكّدة لنفي في خبر «كان». لكن قال الشيخ (¬2): يتركب من قوله مذهب لم يقل به أحد؛ لأنه زعم أن «أن» لازمة الإضمار وأن النصب بها، وزعم أن الفعل خبر وهذا ليس بقول بصري ولا كوفي. انتهى. ولا شك أن الذي يعطيه كلام المصنف صريحا أن الواقع بعد «اللام» هو خبر «كان» إلا إن كان قد تجوز فأطلق اسم الخبر على متعلق الخبر، وقد يرشد إلى ذلك قول بدر الدين ولده (¬3): وإنما هي لام اختصاص دخلت على الفعل لقصد: ما كان زيد مقدرا أو هامّا أو مستعدّا لأن يفعل، على أن قول البصريين يلزم منه لزوم حذف الخبر في هذا التركيب، وبعد فقول البصريين يلزم منه وجوب حذف خبر «كان» وقول الكوفيين يلزم منه أن تكون «اللام» هي الناصبة للفعل. ثم إن الشيخ قال (¬4): والدليل على صحة ما قدّره البصريون أنه قد جاء مصرحا به في بعض كلام العرب قال الشاعر: 3826 - سموت ولم تكن أهلا لتسمو ... ولكنّ المضيّع قد يصاب (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: التبيان (ص 124) والهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 292، 293). (¬2) انظر: التذييل (6/ 581). (¬3) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 23) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون. (¬4) انظر: التذييل (6/ 582) والارتشاف (2/ 399) تحقيق د/ مصطفى أحمد النماس. (¬5) هذا البيت من الوافر لقائل مجهول. واستشهد به: على صحة ما ذهب إليه البصريون من أن خبر «كان» في نحو: ما كان زيد ليفعل؛ محذوف وأن اللام متعلقة به بدليل التصريح به في قوله: ... ... ولم تكن أهلا لتسمو مع وجود اللام والفعل بعدها، وقد رده المؤلف بأن التركيب الذي يشتمل على قوله: «أهلا» غير التركيب الذي لا يشتمل عليه وهو الصواب فقد يكون أهلا وقد لا يكون لهذا الفعل. والبيت في التصريح (2/ 235)، والهمع (2/ 8)، والارتشاف (3/ 400).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فصرح بالخبر - الذي هو قوله: أهلا - مع وجود اللام والفعل بعدها وصحة أن لو قال: سموت ولم تكن لتسمو. انتهى. وما قاله الشيخ غير ظاهر؛ فإن المراد من: «ولم تكن أهلا لتسمو» نفي الأهلية للسمو لا نفي السمو، وكيف وقد أثبت له السمو بقوله أولا: سموت، والمراد من: «ولم تكن لتسمو»: نفي السمو. وقد يكون مع ذلك أهلا وقد لا يكون فليس تركيب: ولم تكن أهلا لأن يفعل كذا من تركيب: ولم يكن ليفعل كذا في شيء. ومنها: أن الشيخ نقل (¬1) عن «البديع» لمحمد بن مسعود [5/ 109] الغزني (¬2): أنه لا يجوز إظهار «أن» في مثل: ما كان زيد ليفعل إلا بشرط أن يظهر خبر «كان» فيقال: ما كان زيد مريدا لأن يفعل؛ وذلك لأن المحذوفات من كل أمر مشهور إذا أريد ردها فالحق أن ترد كلها حتى يرجع الكلام إلى أصله أو تضمر كلها حتى يبقى الكلام على شهرته نحو: إياك والأسد؛ فلا يجوز أن يرد بعضها ويضمر بعض، لا يقال: إياك احفظ والأسد، بل: إياك احفظ واحذر الأسد. وقال ابن الأنباري (¬3): لا يجوز: ما كان عبد الله لأن يزورك؛ بإظهار «أن» بعد اللام عند كوفي ولا بصري. ومنها: أن بعضهم أجاز حذف «اللام» وإظهار «أن» نحو: ما كان زيد أن يقوم، والأصح أن ذلك لا يجوز (¬4). ومنها: أن الشيخ نقل (¬5) عن ابن هشام الفهري (¬6) أنه قال: إن الفعل الداخل - ¬

_ (¬1) انظر: الارتشاف (2/ 400). (¬2) قال السيوطي: هكذا سماه أبو حيان، وقال ابن هشام: ابن التركي صاحب كتاب البديع، أكثر أبو حيان من النقل عنه وذكره ابن هشام في المغني وقال: إنه خالف فيه أقوال النحويين. انظر بغية الوعاة (1/ 245). (¬3) انظر: التذييل (6/ 579)، والارتشاف (2/ 400) تحقيق د/ مصطفى النماس. (¬4) انظر: الهمع (2/ 8)، والأشموني (3/ 294). (¬5) انظر: الارتشاف (2/ 401). (¬6) هو: محمد بن أحمد بن عبد الله بن هشام أبو عبد الله الفهري الذهبي، ويعرف بابن الشواش، قال ابن الأبار: أخذ النحو عن الجزولي، وسمع من أبي عبد الله بن الفرس وغيره وكان إماما متواضعا بارع الخط، مات سنة (619 هـ) انظر: البغية (1/ 28) وذكر أبو حيان في الارتشاف (ص 694) أن له كتاب «المقرب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عليه «لام» الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم السابق لا السببي؛ فلا يجوز أن يقال: ما كان زيد ليقوم أخوه؛ لأنه سببي، قال الشيخ (¬1): ولا نعلم أحدا نبّه على هذا إلا هذا: ابن هشام. ومنها: أن المصنف إنما قيد «حتى» بقوله: المرادفة لـ «إلى» أو «كي» الجارّة احترازا من «حتى» التي هى لابتداء الغاية ومن «حتى» العاطفة. وأما قوله: إنها ترادف «إلا أن» مستدلّا بقول الشاعر: 3827 - ليس العطاء من الفضول سماحة ... حتّى تجود وما لديك قليل (¬2) فقال الشيخ (¬3): الذي ذكره معظم النحويين في معنى «حتى» إذا انتصب ما بعدها: أنها تكون للغاية أو التعليل فهي تنصب عندهم على أحد هذين المعنيين، وإما أن تكون بمعنى: «إلا أن» فتكون للاستثناء فذكر هذا المصنف، قال: وقد أغنانا ابنه عن الرد على أبيه في ذلك فقال (¬4): - يعني بدر الدين -: وأرى أنك لو جعلت «إلى أن» مكان حتى لم يكن المعنى فاسدا، قال الشيخ: وإذا احتمل أن تكون «حتى» فيه للغاية فلا دليل في البيت على أن «حتى» بمعنى: «إلا أن». انتهى. ولا شك أن تقدير «إلى أن» في البيت المذكور يلزم منه أن يكون مقصود الشاعر أن السماحة إنما يوصف بها من كان له مال كثير فكان يجود منه إلى أن قل ماله ثم إنه استمر يجود مع قلة ماله. والظاهر أن مقصود الشاعر أن السماحة لا يوصف بها إلا من يجود مع كونه قليل المال في الأصل وجاد منه ابتداء، وإذا كان كذلك تعين في البيت تقدير: «إلا أن» وامتنع تقدير «إلى أن»، على أن الشيخ بعد كلامه الذي نقلناه عنه قال (¬5): وقال ابن هشام (¬6) في حديث «كلّ مولود يولد على الفطرة» (¬7) بعد بحث كثير (¬8): - ¬

_ (¬1) انظر: الارتشاف (2/ 401). (¬2) تقدم. (¬3) انظر: التذييل (6/ 587). (¬4) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 24). (¬5) انظر: التذييل (6/ 587، 588). (¬6) هو ابن هشام الخضراوي، وانظر: الهمع (2/ 9). (¬7) جزء من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رواه البخاري عن أبي هريرة في باب الجنائز (1/ 35)، وفي كتاب القدر (4/ 144) بشرح السندي. (¬8) بعده في النسختين: قال، وأرى أنها زائدة لا داعي لها.

[إضمار «أن» وجوبا بعد «أو»]

[إضمار «أن» وجوبا بعد «أو»] قال ابن مالك: (وتضمر أيضا «أن» لزوما بعد «أو» الواقعة موقع «إلى أن» أو «إلّا أن»). ـــــــــــــــــــــــــــــ وعندي أنه يجوز أن يكون «على الفطرة» حالا من الضمير، و «يولد» في موضع الخبر بسبب هذه الإفادة و «حتى» بمعنى: «إلا أن» المنقطعة كأنه قيل: إلا أن يكون أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه، والمعنى: لكن أبواه يهودانه أو ينصرانه، وقد ذكر النحويون هذا المعنى في أقسام «حتى» ومنه قول امرئ القيس: 3828 - والله لا يذهب شيخي باطلا ... حتّى أبيد مالكا وكاهلا (¬1) المعنى: إلا أن أبيد، وهو منقطع بمعنى: لكن أبيد، وقال سيبويه (¬2): وأما قولهم: والله لا أفعل إلا أن تفعل، فإن «تفعل» في موضع نصب وليس بمبتدأ والمعنى: حتى تفعل وكأنه قال: أو تفعل، وقد بيّن أن «أو تفعل» إذا نصب الفعل بعدها بمعنى: «إلا أن» فهذا بيان من كلامهم. انتهى. ويكفي هذا الذي نقله الشيخ عن ابن هشام وما ذكره ابن هشام من كلام سيبويه في صحة ما ذكره المصنف فكيف يقول الشيخ: وإما أن تكون بمعنى: «إلا أن» فتكون للاستثناء فذكره هذا المصنف ثم يقول: وقد أغنانا ابنه عن الرد على أبيه في ذلك؟ ومنها: أن في البيت الذي تقدّم إنشاده وهو: 3829 - حتّى يكون عزيزا من نفوسهم ... أو أن يبين جميعا وهو مختار (¬3) دليلا على صحة مذهب البصريين في أن «أن» مضمرة بعد «حتى» لكونها ظهرت في المعطوف، هكذا ذكروا (¬4) وفيه نظر. قال ناظر الجيش: تقدم لنا أن «أن» تضمر لزوما بعد ستة أحرف منها ثلاثة - ¬

_ (¬1) هذا رجز لامرئ القيس في ديوانه والمراد بقوله: شيخي: أبوه، ومالك وكاهل: قبيلتان قتلتا أباه، وقوله: أبيد بالدال ويروى: «أبير» بالراء، وهي رواية الديوان. والمعنى: حتى أهلك. والشاهد في قوله: «حتى أبيد» فإن «حتى» فيه بمعنى: «إلا أن». والرجز في المغني (ص 125)، وشرح شواهده (ص 372)، والهمع (2/ 9، 96) والدرر (2/ 7، 129) والأشموني (3/ 298). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 342) (هارون). (¬3) تقدم. (¬4) انظر: الهمع (2/ 9).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحرف جر وهي: «كي» و «لام» الجحود و «حتى» وثلاثة أحرف عطف، وقلنا: إن الكلام تقدم على «كي» في الفصل المتقدم، ولما أنهى الكلام في هذا الفصل على بقية الثلاثة وهما: «لام» الجحود و «حتى» شرع في ذكر أحرف العطف وهي: «أو» و «الفاء» و «الواو»، وبدأ بالكلام على «أو» وأنا أذكر كلامه في شرح الكافية ثم كلام ولده ثم أتبع ذلك بما تيسر. قال (¬1) رحمه الله تعالى: والفعل ينصب بـ «أن» واجبة الستر بعد «أو» التي يحسن في موضعها «إلى» أو «إلا» كقولك: لأنتظرنه أو يقدم، ولأقتلن الكافر أو يسلم؛ أي: لأنتظرنه إلى أن يقدم، ولأقتلن الكافر إلّا أن يسلم، ومن الآتية بمعنى «إلى» قول الشاعر: 3830 - لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلّا لصابر (¬2) ومن الآتية بمعنى: «إلّا» قول الشاعر: 3831 - وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما (¬3) ويحتمل الوجهين قول امرئ القيس: 3832 - فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1539، 1540). (¬2) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: لأستسهلن من قولهم: فلان استسهل أمره أي: اتخذه سهلا والمنى: جمع منية، والآمال: جمع أمل وهو الرجاء. والشاهد قوله: «أو أدرك المنى» حيث جاء فيه «أو» بمعنى «إلى» وانتصب الفعل بعدها بأن مضمرة. والبيت في التذييل (6/ 590) والمغني (ص 67)، وشرح التصريح (2/ 236)، والهمع (2/ 210) والدرر (2/ 7). (¬3) هذا البيت من الوافر قاله زياد الأعجم. الشرح: القناة: الرمح، وكعوب الرمح: النواشز في أطراف الأنابيب. والشاهد: في «أو تستقيما» حيث جاء فيه «أو» بمعنى «إلا» في الاستثناء، فانتصب الفعل بعدها بـ «أن» مضمرة. والمعنى: إلا أن تستقيما. والبيت في الكتاب (3/ 48) والمقتضب (2/ 29)، وابن يعيش (5/ 15)، والمقرب (1/ 263)، وشرح التصريح (2/ 236) واللسان (غمز) وقال ابن السيرافي (2/ 162، 163): «كذا أنشده سيبويه بالنصب والشعر لزياد الأعجم في أبيات غير منصوبة». (¬4) هذا البيت من الطويل قاله امرؤ القيس (ص 66). ومعناه: أن رفيقه بكى لما وقع في بلاد غير بلاده فنهاه عن ذلك وقال له: إنما خرجنا نطلب ملكا فإما أن نناله أو نعذر باليأس في عدم الحصول عليه بعدم التقصير في طلبه. والشاهد في قوله: «أو نموت» فإنه نصب بـ «أن» مضمرة بعد أو التي تحتمل أن تكون بمعنى «إلى أن» أو «إلا أن» والبيت في الكتاب (3/ 47)، والمقتضب (2/ 28)، والخصائص (1/ 236) وابن يعيش (7/ 22، 23).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقدير «إلى» و «إلّا» في موضع «أو» تقدير لحظ فيه المعنى دون الإعراب، والتقدير الإعرابي المرتب على اللفظ أن يقدر قبل «أو» مصدر وبعدها «أن» ناصبة للفعل وهما في تأويل مصدر معطوف بـ «أو» على المقدر قبلها فتقدير لأنتظرنه أو يقدم: ليكونن انتظار أو قدوم، وتقدير «لأقتلن الكافر أو يسلم»: ليكونن قتله أو إسلامه، وكذلك العمل في غيرهما. وقال بدر الدين ولده (¬1): أما «أو» فهي حرف عطف معناها: الشكّ والإبهام، ويليها المضارع على وجهين: أحدهما: أن يكون [5/ 110] مساويا للفعل الذي قبلها في الشك فيتبعه في الإعراب كقولك: هو يقيم أو يذهب، وتريد أن تقوم أو تذهب، وليقم زيد أو يذهب. والثاني: أن يكون مخالفا فيكون هو على الشك والفعل الذي قبل «أو» على اليقين فلا يتبعه في الإعراب؛ لأنه لا يشاركه في حكمه بل ينصب بـ «أن» لازمة الإضمار، إلا أن يقدر بناء الفعل على مبتدأ محذوف فيرفع، وعلامة مخالفة ما بعد «أو» لما قبلها وقوعها موقع «إلى أن» كقولك: لأسيرنّ أو تغرب الشمس، ونحوه قول الشاعر: 3833 - لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى ... فما انقادت الآمال إلّا لصابر (¬2) أو موقع «إلّا أن» كقولك: لأقتلن الكافر أو يسلم، ونحوه قول زياد الأعجم (¬3): 3834 - وكنت إذا غمزت قناة قوم ... كسرت كعوبها أو تستقيما (¬4) وكل ما يصح فيه تقدير «أو» بـ «إلى أن» يصح فيه التقدير بـ «إلا أن» من غير عكس، ولذلك لم يذكر سيبويه (¬5) إلا تقديرها بـ «إلا أن» وهو الصواب، والأصل فيما مثلنا به: لأسيرن إلا أن تغرب الشمس، ولأقتلن الكافر إلا أن يسلم؛ لأن المراد التعريف بثبوت السير والقتل على كل تقدير إلا عند غروب الشمس - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 25) وانظر شرحه على الألفية (ص 673). (¬2) تقدم. (¬3) زياد الأعجم بن سليم العبدي، يكنى أبا أمامة، مولى عبد القيس، ولقب الأعجم لعجمة كانت في لسانه. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (437)، وشرح شواهد المغني (206)، والخزانة (4/ 193). (¬4) تقدم. (¬5) قال في الكتاب (3/ 47): (واعلم أن معنى ما انتصب بعد «أو» على «إلا أن»).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإسلام الكافر، فما بعد «أو» مخرج من الأوصاف الثابت معها السير والقتل، فحقه أن يكون مخرجا بـ «إلا» ولكن أقاموا «أو» مقامها لقربها منها، وإذا كان ما بعد «أو» مخالفا في الشك لما قبلها كان ما بعد «إلا» مخالفا لما قبلها، فإذا جاء الفعل بعد «أو» هذه فهو منصوب ما لم يبن على مبتدأ محذوف فيرفع، ونصبه عند البصريين ليس بـ «أو»؛ لأنها حرف عطف وحروف العطف لا تعمل شيئا، بل بـ «أن» مضمرة، قال سيبويه (¬1) بعد إنشاده قول امرئ القيس: 3835 - فقلت له لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (¬2) المعنى: إلا أن نموت فنعذر، ولو رفعه لكان غريبا جائزا على وجهين: على أن تشرك بين الأول والآخر وعلى أن يكون مبتدأ مقطوعا من الأول تقديره: أو نحن ممن يموت، ثم مثّل بقوله: اضربه أو يستقيم، وبقول زياد: 3836 - كسرت كعوبها أو تستقيما ثم قال (¬3): المعنى: إلا أن تستقيم، وإن شئت رفعت في الأمر على الابتداء إلا أنه لا سبيل إلى الإشراك، فحمل الرفع في المخالف على إضمار مبتدأ والنصب على إضمار «أن» بناء على أنها مع صلتها في تأويل اسم معطوف على ما قبل «أو» لتأوله بمصدر معمول لفعل محذوف تقديره في ما مثلنا: ليكونن سير مني أو غروب للشمس، وليكونن قتل مني للكافر أو إسلام منه، إلا أنهم لا يظهرون «أن» استكراها لعطف لفظ الاسم على لفظ المضارع. وقال في شرح الألفية (¬4): فإن قلت: لم نصبوا الفعل بعد «أو» حتى احتاجوا إلى هذا التأويل - يعنى تأويل الفعل قبل «أو» بمصدر معمول لكون مقدر وذلك ليصح عطف ما بعد «أو» على ما قبلها -؟ قلت: ليفرقوا بين «أو» التي تقتضي مساواة ما قبلها لما بعدها في الشك وبين «أو» التي تقتضي مخالفة ما قبلها لما بعدها في ذلك؛ فإنهم كثيرا ما يعطفون الفعل المضارع على مثله بـ «أو» في مقام الشك في الفعلين تارة وفي مقام الشك في الثاني فيهما أخرى فقط، فإذا أرادوا بيان المعنى - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 47). (¬2) تقدم. (¬3) انظر الكتاب (3/ 48، 49). (¬4) انظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 674، 675).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول رفعوا ما بعد «أو» فقالوا: أفعل كذا أو أترك ليؤذن الرفع بأن ما قبل «أو» مثل ما بعدها في الشك، وإذا أرادوا بيان المعنى الثاني نصبوا ما بعد «أو» فقالوا: لأنتظرنه أو يجيء ولأقتلنّ الكافر أو يسلم ليؤذن النصب بأن ما قبل «أو» ليس مثل ما بعدها في الشك لكونه محقق الوقوع أو راجحه، فلما احتيج إلى النصب ليعلم هذا المعنى احتيج له إلى عامل ولم يجز أن يكون «أو»؛ لعدم اختصاصها فتعين أن يكون «أن» مضمرة، واحتيج لتصحيح الإضمار إلى التأويل المذكور. انتهى. وللباحث أن يبحث معه فيقول: قوله: إن ما بعد «أو» في مثل: لأنتظرنه أو يجيء ولأقتلن الكافر أو يسلم في مقام الشك، وأن ما قبلها فيه محقق الوقوع أو راجحه - غير ظاهر؛ فإن «أو» وضعها أن تكون لأحد الشيئين فإذا استعملت للشك وجب أن يكون الشك في ما قبلها وفي ما بعدها على السواء دون تعيين، فنسبة الشك إلى أحدهما كنسبة الشك إلى الآخر، وأيضا فإن الشك في ما بعد «أو» في قولنا: لأقتلن الكافر أو يسلم، ولأنتظرن زيدا أو يجيء قد لا يسلّم وإن سلّم فكيف يتحقق في نحو قولنا: لأسيرنّ أو تغرب الشمس؟ والذي يظهر أن يقال: إن «أو» إذا وقعت بين فعلين مضارعين فقد يقصد تشريك ما بعدها لما قبلها في المعنى الذي سيقت له من معانيها وحينئذ يعطف بها الثاني على الأول ويكون المقصود إذ ذاك العطف خاصة دون معنى آخر، وقد لا يقصد العطف بل يقصد بـ «أو» ما يقصد بـ «إلى» من الغاية أو بـ «إلا» من استثناء بعض الأحوال فلا يراد حينئذ تشريك بين الثاني والأول في حكمه، وإذا كان كذلك امتنع عطف الفعل الذي بعدها على الفعل الذي قبلها وصار المقصود بذكر «أو» إنما هو الغاية أو الاستثناء، لكن «أو» حرف عطف في أصل وضعها ولا يمكن إهمال المعنى الذي وضعت له فوجب حينئذ الالتجاء إلى عمل يستفاد معه حصول المعنى الذي يقصد من الغاية أو الاستثناء مع بقاء «أو» مع ذلك على بابها من كونها عاطفة فقدرت «أن» بعدها ونصب بها الفعل فرجع الأمر إلى أن المعطوف بها اسم على فعل وعطف الاسم على الفعل لا يجوز إلا في موضع خاص (¬1)؛ فوجب لذلك تقدير مصدر [5/ 111] ¬

_ (¬1) وهو إذا كان الاسم يشبه الفعل لتقارب المعنى كقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم: 19]. وانظر: شرح ابن الناظم (ص 685).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من ذلك الفعل الذي قبل «أو» معمول لكون مقدر ليصح عطف ما بعدها عليه، هذا الذي ظهر لي وعلى الناظر أن يتأمل ويحكم بما يؤدى إليه اجتهاده ونظره. ثم الذي يظهر أن الاستثناء المستفاد بـ «أو» هو استثناء مفرغ، إما من الأحوال أو من الأزمان، فإذا قال القائل: لألزمنّك أو تقضيني ديني فالتقدير: لألزمنّك في جميع الأحوال أو في جميع الأزمان إلا في حال أو في زمان قضاء ديني، وكذا التقدير في: لأقتلنّ الكافر أو يسلم. وفي شرح الشيخ (¬1): قد نقض قولهم: إن «أو» تقدر بـ «إلى» أو بـ «إلّا» بقولك: لأطيعنّ الله أو يغفر لي، قال: فلا يصح تقدير هذا بـ «إلى» ولا بـ «إلا» بل يتعين أن يكون المعنى على «كي» أي: لأطيعن الله كي يغفر لي. ولم يظهر لي: هل هذا النقض للشيخ نفسه أو لغيره؟ لأن كلامه غير مفصح، ثم إن التقدير هنا بـ «إلى» لا يظهر امتناعه؛ لأن الغفران مطلوب للعبد دائما فهو يطيع الله إلى أن يغفر له، ولا يتوهم من هذا أنه إذا غفر له انقطعت طاعته؛ لأنه إذا انقطعت طاعته لا يغفر له، فالطاعة تستمر دائما؛ لأن الغفران مطلوب دائما. ثم قال الشيخ (¬2): وهذه التقادير التي قدروها لا حاجة إليها وهى تفسير معنى لا تفسير إعراب، قال: وتفسير الإعراب ينجر معه تفسير معنى «أو» فلا حاجة إلى تلك التقديرات، ومعنى «أو» في هذه المسائل هو معناها المستقر لها في العطف من كونها لأحد الشيئين و «أن» مضمرة بعدها فهي عاطفة مصدرا مقدرا على مصدر متوهم فهذا من العطف على التوهم ولذلك اشترط أن يكون قبلها فعل أو اسم في معنى الفعل، أو ظرف أو مجرور حتى يدل على المصدر المتوهم، فإذا قلت: لألزمنّك أو تقضيني حقّي (¬3) فالتقدير: ليكونن مني لزوم لك أو قضاء لحقي؛ فقد جاء «أو» لأحد الشيئين وهو المعنى الذي استقر لها في العطف. ومما يدل على صحة قولنا: إنه لا يحتاج إلى تلك التقديرات قول الشاعر: 3837 - فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 591). (¬2) انظر: التذييل (6/ 591 - 593). (¬3) في النسختين: ديني، والتقدير بعده يدل على أنه «حقي» كما في التذييل. (¬4) هذا البيت من الطويل وهو للمغيرة بن حبناء، واستشهد به: على أن «أو» في قوله: «أو تموت» =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألا ترى أنك لو قدرت: تعش ذا يسار كي تموت، أو: إلى أن تموت، أو: إلا أن تموت لم يكن المعنى صحيحا؛ إذ لا يلزم من التماس الغنى عيشة في يسار إلا أن يقع الموت أو إلى أن يقع الموت، وأما التعليل فظاهر البطلان، وإنما المعنى: والتمس الغنى يكن لك عيش في يسار أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر إذ لم يكن منك عجز وتقصير فهي هنا لأحد الشيئين، فهذا عطف على مصدر متوهم سبك من قوله: تعش ذا يسار، ولو عطف على تعش ذا يسار فجزم وقال: أو تمت لكان المعنى صحيحا وكان يكون من عطف الفعل على الفعل لا من عطف الاسم على الاسم. ثم قال: وزعم بعض أصحابنا أن النصب في هذا البيت ضرورة وبنى ذلك على أن النصب بعد «أو» لا يكون إلا إن تقدرت بـ «إلّا أن» وهنا لا تتقدر فلا يجوز ذلك. قال: وقد بينا نقض ذلك فيما تقدم. انتهى ما ذكره الشيخ. ولقائل أن يقول: أما قوله: إن هذه التقادير تفسير معنى لا تفسير إعراب؛ فالأمر كما قال وقد تقدم لنا نقل ذلك عن المصنف. وأما قوله: إنه لا حاجة إليها؛ لأن تفسير الإعراب ينجر معه تفسير معنى «أو» فيقال في جوابه: إن تفسير المعنى هو الذي حقق لنا أمر الإعراب، ولولا أن يقال: المعنى في: لألزمنك أو تقضيني ديني: لألزمنك إلى أن تقضيني ديني، وفي: لأقتلن الكافر أو يسلم: لأقتلن الكافر إلا أن يسلم؛ لما عرفنا توجيه النصب في الفعل الواقع بعد «أو»، فلما قيل لنا: إن «أو» بمعنى «إلى» في تركيب وبمعنى «إلا» في تركيب آخر علمنا أن «أن» مضمرة قطعا؛ لأن «لام» الجر لا تباشر الفعل، والمستثنى إنما يكون اسما، ثم بعد تقرير ذلك يرجع إلى تفسير الإعراب فقيل: إن «أن» مع الفعل بتقدير المصدر والمصدر لا يعطف على فعل فوجب تأويل ما قبل «أو» بمصدر أيضا ليصح العطف، فـ «أو» في مثل هذا التركيب - وهو الذي لم يقصد فيه تشريك الفعل الذي بعد «أو» في حكم الفعل الذي قبلها - الكلام فيها من جهتين: - ¬

_ = لأحد الشيئين وقد عطفت مصدرا مؤولا على مصدر متوهم والتقدير: والتمس الغنى يكن لك عيش في يسار أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر، وعلى هذا فلا يحتاج إلى تقدير «أو» بمعنى «كي» أو «إلى أن» أو «إلا أن» لأن ذلك يؤدي إلى فساد المعنى والبيت في المقرب (1/ 263) وشرح الجمل لابن بابشاذ (رسالة) (ص 306) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 156).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إحداهما: كونها يقصد بها الغاية أو الاستثناء وهذه الجهة ترجع إلى تفسير المعنى. والجهة الثانية: كونها عاطفة وهذه الجهة ترجع إلى تفسير الإعراب، وإذا كان كذلك تعيّن التعرّض إلى ذكر كل من الجهتين ولا يستغنى عن إحداهما بالأخرى. وأما البيت الذي أنشده فإن ابن عصفور أنشده في كتبه (¬1) وجعل النصب فيه بعد «أو» ضرورة، وعلل منع التقادير الثلاثة بما ذكره الشيخ من أنه لا يلزم من التماس الغنى عيشة في يسار إلا أن يقع الموت أو إلى أن يقع الموت. والذي فهمته من كلام الشيخ المقتدى فيه بابن عصفور أنه لا يلزم من التماس الغنى حصوله، وإذا لم يحصل فكيف يعيش في يسار؟ فإن كان هذا هو مراده فكيف قال بعد ذلك: وإنما المعنى: والتمس الغنى يكن لك عيش في يسار أو موت قبل إدراك اليسار فتعذر؟ وإن كان مراده غير ذلك فالله تعالى أعلم. والذي يظهر لي في هذا البيت أن «أو» عاطفة فعلا على فعل لا مصدرا مؤولا على مصدر متوهّم، وذلك أن الجمل المقتضية طلبا يجوز أن تضمن معنى الشرط فيكون لها جواب مجزوم على ما هو المقرر عند أهل الصناعة، والفعل الواقع بعد جواب مجزوم يجوز فيه أوجه [5/ 112] ثلاثة (¬2): أحدها: النصب بإضمار «أن» ولا شك أن قوله: «فسر في بلاد الله» جملة طلبية ضمنت معنى الشرط، وكذا جزم «تعش» الذي هو جواب، فكما يجوز النصب بـ «أن» مضمرة للفعل المعطوف على جواب الشرط الصريح كذا يجوز نصب الفعل - ¬

_ (¬1) ذكره في المقرب (1/ 263) وفي شرح الجمل (2/ 156)، وقال في شرح الجمل: (ولا تنصب في غير ما ذكرنا إلا ضرورة كقوله: فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا ثم قال: ألا ترى أنه لا يتصور أن تكون بمعنى «كي» لأنه لا يلتمس الغنى كي يموت، ولا يلزم إذا التمس الغنى أن يعيش ذا يسار إلى أن يموت، فلذلك جعلنا النصب بعدها ضرورة). (¬2) ذكر المؤلف وجها، والوجهان الآخران: الرفع على الاستئناف، والجزم عطفا على الجواب المجزوم، وقد قرئ بالأوجه الثلاثة قوله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ [البقرة: 284]، وانظر البيان (1/ 186) والتبيان (ص 233).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعطوف على جواب الشرط المقدر، لكنهم إنما ذكروا ذلك في العطف بـ «الفاء» وب «الواو»، فإن لم يكن ذلك شرطا تمّ ما ذكرته، وإن كان شرط هذا العطف أن يكون بـ «الفاء» أو بـ «الواو» لم يتم إلا أن يقال: حملت «أو» في ذلك عليهما شذوذا. فإن قيل: ليس المعنى على عطف «تموت» على «تعش»!! قلت: قد قال الشيخ: ولو عطف على: «تعش ذا يسار» فجزم وقال: أو تمت لكان المعنى صحيحا وكان يكون من عطف الفعل على الفعل لا من عطف الاسم على الاسم. وإذا قد تقرر هذا فلنذكر أمورا: منها: أن تقييد المصنف «أو» بقوله: الواقعة موقع «إلى أن» أو «إلّا أن» مفيد أمرين وهما: تفسير معناها إذا نصب الفعل بعدها، وتمييزها من «أو» التي يؤتى [بها] للعطف المحض فإن الفعل الذي بعدها يشارك في الإعراب الذي قبلها، وقد ينصب بـ «أن» مضمرة إذا كان قبل «أو» اسم لا يصح عطف الفعل عليه لكن لا يكون إضمار «أن» لازما بل جائزا كما سيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. ومنها: أن «أو» هذه ترد بعد الخبر والطلب أما الخبر فنحو قوله: 3838 - كسرت كعوبها أو تستقيما ونحو: ما يأتينا أو يستشفع لنا. وأما الطلب فنحو قولك في الأمر: الزمه أو يقضيك حقك، واضربه أو يستقيم، وفي النهي: لا تتركه أو يقضيك حقك، ولا تعجل أو يفتح الله، ولا فرق في ذلك بين الخبر والطلب إلا أن في الخبر يجوز لك العدول عن نصب الفعل وأن تعطفه على ما قبله، وأما في الأمر والنهي فالعطف ممتنع معهما ولا يخفى وجه امتناعه (¬1)، فأما قول القائل: 3839 - على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ... لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (¬2) - ¬

_ (¬1) وهو أنه لا يجوز عطف الخبر على الانشاء وبالعكس. انظر: المغني (482) وما بعدها. (¬2) هذا البيت من الطويل وهو لمتمم بن نويرة كما في الكتاب (3/ 9) واللسان «بعض». الشرح: البعوضة: ماءة معروف بالبادية، بها كان مقتل مالك بن نويرة فيمن قتلوا بأمر خالد بن الوليد، والبيت حض للنساء على أن يبكين هؤلاء القتلى ويخدشن أحرار وجوههن، وحر الوجه: ما أقبل عليك منه، أو هو الخد أو الوجنة. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقيل (¬1): إن ذلك على إضمار «اللام» أي: وليبك من بكى، وقيل: إنه على الحمل على المعنى؛ لأن معنى اخمشى: لتخمشي. وقد ذكروا أنها ترد مع الشرط ومع الجواب أيضا فيقال: إن تأت أو تجلس اضرب زيدا، وإن تأت اضرب زيدا أو يستقيم، واختلفوا في قول الشاعر: 3840 - إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا ... أو تنزلون فإنّا معشر نزل (¬2) فقيل: رفع على القطع، التقدير: أو أنتم تنزلون، وهو قول يونس (¬3)، وجعله الخليل (¬4) من العطف على المعنى كأنه قال (¬5): أتركبون قال: لأن الشرط كالاستفهام في كونه غير واجب. وخرجه السيرافي (¬6) على تقدير «إن» الشرطية بـ «إذا» فأجراها مجراها تقديرا فرفع. ورجّح (¬7) قوله على قول الخليل بأن فيه إجراء أداة شرط مجرى أداة شرط والاستفهام مخالف للشرط، قالوا: والحمل على الموافق أولى من الحمل على المخالف. - ¬

_ - والشاهد فيه: في قوله: «أو يبك» حيث أضمر فيه اللام مع إعمالها، ويجوز أن يكون الجزم عطفا على ما في «اخمشي» من معنى الجزم اذ معناه لتخمشي. والبيت في الكتاب (3/ 9)، والمقتضب (2/ 132)، وأصول النحو لابن السراج (2/ 131)، والإنصاف (532) وابن يعيش (7/ 60، 62)، والمغني (225). (¬1) انظر: التذييل (6/ 595). (¬2) هذا البيت من البسيط وهو للأعشى، ديوانه (ص 48). الشرح: نزل: جمع نازل، وكانوا ينزلون عن الخيل عند ضيق المعركة فيقاتلون على أقدامهم، وفي ذلك الوقت يتداعون: نزال. والشاهد فيه: رفع «تنزلون» عطفا على معنى «أن تركبوا» وهو المسمى عطف التوهم؛ لأن معناه: أتركبون فذاك عادتنا أو تنزلون في معظم الحرب فنحن معروفون بذلك، وهذا مذهب الخليل وحمله يونس على القطع، والتقدير عنده: أو أنتم تنزلون، قال الشنتمري: «وهذا أسهل في اللفظ والأول أصح في المعنى والنظم». والبيت في الكتاب (3/ 51)، والمغني (693)، والخزانة (3/ 612)، والهمع (2/ 60). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 51) وقال سيبويه: «وقول يونس أسهل» وانظر التذييل (6/ 595). (¬4) انظر: الكتاب (3/ 51)، والتذييل (6/ 595). (¬5) أي الشيخ أبو حيان، انظر: التذييل (6/ 595). (¬6) انظر: شرح كتاب سيبويه للسيرافي (خ) (2/ 220) وعبارته: «قال المفسرون: وفيه قول ثالث وهو عندي أسهل من هذين القولين وهو أنه تقدر في موضع: إن تركبوا: إذا تركبون؛ لأن إن وإذا يجازى بهما وهما مقاربان في معنى ما يريد المتكلم». (¬7) المرجع الشيخ أبو حيان، انظر التذييل (6/ 595).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن الشيخ جعل العطف في نحو: لألزمنك أو تقضيني ديني، ولأقتلن الكافر أو يسلم عطفا على التوهم، فإنه لما قرر المسألة قال (¬1): ونظير العطف على التوهم - يعني في المسألة المذكورة - قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ (¬2) ثم قال تعالى بعد ذلك: أَوْ كَالَّذِي (¬3)؛ لأن معنى ذلك: أرأيت كالذي حاجّ إبراهيم؟ قال: ومنه قول الشاعر: 3841 - أجدّك لن ترى بثعيلبات ... ولا بيدان ناجية ذمولا ولا متدارك واللّيل طفل ... ببعض نواشغ الوادي حمولا (¬4) قال: فقوله: «ولا متدارك» عطف على معنى: لن ترى بثعيلبات، كأنه قال: أجدك لست براء ولا متدارك. انتهى. فاقتضى كلامه صريحا أن لا فرق بين العطفين، فالعطف على التوهم هو العطف على المعنى عنده، وكذا عنده العطف على المعنى هو العطف على التوهم، وأن العطف في نحو: لأقتلن الكافر أو يسلم؛ من العطف على التوهم الذي هو عنده عطف على المعنى، وكلام الأمرين فيه نظر وبحث: أما العطف على التوهم والعطف على المعنى فالظاهر أنهما غيران؛ وذلك أن العطف على التوهم ليس فيه إلا أن يتوهم أن المعطوف عليه على حالة يصح اتصافه بها دون تأويل في الكلام كما في قول القائل: 3842 - مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلّا ببين غرابها (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 599). (¬2) سورة البقرة: 258. (¬3) سورة البقرة: 259. (¬4) هذان البيتان من الوافر وهما للمرار بن سعيد الأسدي. الشرح: ثعيلبات وبيدان موضعان، والناجية: الناقة السريعة، وذمولا: الذمول: ضرب من سير الإبل وهو السير السريع اللين، ونواشغ الوادي: أعاليه، والحمول: الهوادج. والشاهد فيه: عطف «ولا متدارك» على معنى «لن ترى بثعيلبات» والبيتان في معاني القرآن (1/ 171)، والخصائص (1/ 388) والخزانة (1/ 262). (¬5) هذا البيت من الطويل وهو للأحوص الرياحي، وقيل: الفرزدق وبحثت في ديوانه فلم أجده وقد أنشده سيبويه في الكتاب ثلاث مرات، نسبه في واحدة (3/ 29) للفرزدق، ونسبه في المرتين الأخريين -

[عدم جواز الفصل بين «حتى» و «أو» وبين الفعل]

[عدم جواز الفصل بين «حتى» و «أو» وبين الفعل] قال ابن مالك: (ولا يفصل الفعل من «حتّى» ولا «أو» بـ «إذن» ولا بشرط ماضي اللفظ خلافا للأخفش، وقد تعلّق قبل الشرط الآخذ حقّه «حتّى» وفاقا له و «كي» وفاقا للفرّاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «ناعب» عطف على «مصلحين» وإنما جرّ لتوهم أن الشاعر قال: بمصلحين من حيث إن المحل صالح للباء. وأما العطف على المعنى فلا بد فيه من تأويل الكلام المعطوف على بعضه بكلام آخر يصح معه العطف كما رأيت من تأويل: «لن ترى» بـ «لست براء». وأما أن العطف في نحو: لأقتلنّ الكافر أو يسلم؛ من العطف على التوهم فليس بظاهر؛ لأن العطف على التوهم إنما يكون على شيء له استحقاق قبل أن يعطف عليه لما توهم فيه، ولا شك أن «لألزمنك» قبل أن يقال: أو تقضيني ديني، و «لأقتلن الكافر» قبل أن يقال: أو يسلم، لا يستحق أن يكون مصدرا بل ولا يجوز فيه ذلك، وإنما لما عطف على الفعل المذكور ما هو اسم في التقدير وجب أن يقدر ما عطفت عليه اسما ليصح العطف، فإنما احتجنا إلى تقديره اسما من أجل أن المعطوف اسم، والاسم لا يعطف على الفعل إلا في موضع خاص (¬1)، وإذا كان كذلك فالعطف في نحو: لأقتلنّ الكافر أو يسلم؛ من باب العطف على التوهم في شيء وإنما عطف على التحقيق لكنه بتأويل في المعطوف عليه، وقد عرفت الموجب للتأويل ما هو؟ قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬2) مشيرا إلى ما ذكر: ثبت هذا في بعض النسخ التي عليها خطه رحمه الله تعالى، قال: وثبت في نسخة أخرى ما نصه: ولا يفصل الفعل من «حتى» ولا «أو» بظرف [5/ 113] ولا شرط ماض خلافا - ¬

_ - (1/ 165، 306) (هارون) إلى الأحوص، وقد رواه الجاحظ في البيان والتبيين (2/ 261) ثالث ثلاثة أبيات ونسبها للأحوص. والشاهد في قوله: «ولا ناعب» حيث ضبط بالجر عطفا على مصلحين لما توهم أن الشاعر قال: بمصلحين من حيث إن المحل صالح للباء، والبيت في الإنصاف (ص 193)، وابن يعيش (2/ 52)، (5/ 68) والمغني (ص 478، 553)، والخزانة (2/ 140)، (3/ 507). (¬1) وذلك إذا كان الاسم يشبه الفعل لتقارب المعنى. (¬2) انظر: التذييل (6/ 600).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ للأخفش وابن السراج، قال (¬1): ونحن نشرح ذلك فنقول: قوله: ولا يفصل الفعل من «حتّى» ولا «أو» بـ «إذن» - الظاهر أنه تصحيف، فإنه لا محل لدخول «إذن» بين «حتى» والمنصوب بعدها، ولا بين «أو» والمنصوب بعدها وإنما هو بـ «أن» أي لا يفصل بين «حتى» والفعل ولا بين «أو» والفعل بـ «أن» وذلك إما على مذهب البصريين فـ «أن» واجبة الإضمار بعدهما، فلا تظهر «أن» بعدهما، وإما على مذهب الكوفيين فلأن «حتى» بنفسها تنصب فلا يناسب المجيء بـ «أن» بعدها، وأما «أو» فالناصب عندهم الخلاف فلا معنى لدخول «أن» بينها وبين الفعل، لكن قد حكى ابن الأنباري أنه يجوز في قول الكوفيين: لأسيرنّ حتى أن أصبّح القادسية، على أن «أن» تؤكد «حتى»، قال (¬2): كما أكدت «كي» ولا موضع لها من الإعراب - يعني «أن» - وذلك لأنها زائدة عندهم لا مصدرية وإن لم يكن قوله: «إذن» تصحيفا فتمثيل المسألة: أصحبك حتى إذن أتعلم، وألزمك أو إذن تقضيني حقي. وقوله: (ولا بشرط ماضي اللّفظ) مثاله: أصحبك حتى إن قدّر الله أتعلم العلم، ولألزمنّك أو إن شاء الله تقضيني حقي (¬3)، وإنما قال «بشرط ماض» لأن جواب الشرط محذوف؛ إذ الفعل منصوب بعد «حتى» و «أو» وجواب الشرط إذا كان محذوفا يقتضي مضي الشرط. وقوله: (خلافا للأخفش) لا أدري أهذا الخلاف للأخفش راجع إلى المسألتين - أعني مسألة الفصل بين «حتى» والفعل، و «أو» والفعل بـ «أن»، ومسألة الفصل بين كل واحدة منهما والفعل بالشرط، أم إلى المسألة الأخيرة وهي الفصل بالشرط؟ وينبغي أن لا يقدم على نسبة ذلك للأخفش إلا بوضوح نقل أبين من هذا النقل. وقوله: (وقد تعلق قبل الشرط الآخذ حقّه «حتّى» وفاقا له) أي للأخفش ومثال ذلك: أصحبك حتى إن تحسن إليّ أحسن إليك، ويعني بالتعليق هنا: إبطال العمل، وذلك كما أجاز الكسائي ومن أخذ بمذهبه ذلك في «كي» نحو: جئت كي إن تكافئ - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 601 - 603) وقد نقله المؤلف بتصرف. (¬2) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 24). (¬3) وهذا على مذهب الأخفش وابن السراج اللذين يريان جواز الفصل بين «حتى» ومنصوبها بالشرط الماضي. انظر: الهمع (2/ 10).

[إضمار «أن» وجوبا بعد فاء السببية المسبوقة بالأجوبة الثمانية]

[إضمار «أن» وجوبا بعد فاء السببية المسبوقة بالأجوبة الثمانية] قال ابن مالك: (وتضمر أيضا لزوما بعد «فاء» السّبب جوابا لأمر أو نهي أو دعاء بفعل أصيل في ذلك، أو لاستفهام لا يتضمّن وقوع الفعل، أو لنفي محض أو مؤوّل، أو عرض أو تحضيض أو تمنّ أو رجاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ أكافئك، وقد تقدم (¬1) الرد على الكسائي وبه يرد على الأخفش في مسألة «حتى». وقوله: (وكي وفاقا للفرّاء) قد ذكرنا أنه مذهب الكسائي وقد تقدم الرد عليه (¬2). ويعني بقوله: (قبل الشّرط الآخذ حقّه) أنه استوفى جوابه فتسلط على الفعل الذي لولا أخذه جوابا به لكان منصوبا بعد «حتى» و «كي». وأما ما ثبت في النسخة الأخرى من قوله: (ولا يفصل الفعل من «حتّى» ولا «أو» بظرف) فمثاله أن نقول: أقعد حتى عندك يجتمع الناس، تريد: حتى يجتمع الناس عندك، وأضربك أو اليوم تستقيم، تريد: أو تستقيم اليوم؛ فهذا لا يجوز. وأجاز هشام (¬3) الفصل بين «حتى» والفعل بالجار والمجرور فإجازته بالظرف أسهل، أجاز: أصير حتى إليك يجتمع الناس ويجتمع الناس، قال: والرفع أصحهما، وقد تقدم إجازته ذلك في «إذن» وأنه أجاز (¬4): أنا إذن فيك أرغب وأرغب، قال: وإنما خصّ هذان الحرفان بالتفرقة بينهما وبين الفعل لأن عملهما يبطل في قولهم: سرت حتى صبّحت القادسية، وإذن عبد الله مقبل يعني أنهما لم يلزما المضارع بل وليهما غيره من الفعل الماضي والجملة الابتدائية، وهما إذا وليهما ذلك لم يكونا ناصبين فكذلك يبطل عملهما إذا وليهما الظرف وما أشبهه. وقوله: (ولا شرط ماض خلافا للأخفش وابن السّرّاج) قد تقدم تمثيل هذه المسألة وعلة اشتراط المضي في الشرط الفاصل على ذلك. هذا آخر كلام الشيخ رحمه الله تعالى. قال ناظر الجيش: شرع بعد الكلام على الأول من حروف العطف وهو «أو» في الكلام على الثاني منهما وهو «الفاء» وختم به الفصل، ولنبدأ بذكر كلامه في - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 555) وقال أبو حيان بعد أن ذكر ما ذهب إليه الكسائي: «وما ذهب إليه الكسائي من ملاصقة الشرط وإبطال عملها غير محفوظ من كلام العرب». (¬2) انظر: المرجع السابق. (¬3) انظر: الهمع (2/ 10). (¬4) انظر: الهمع (2/ 7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شرح الكافية ثم بذكر كلام الإمام بدر الدين ثم نعود إلى لفظ الكتاب وذكر ما تيسر إن شاء الله تعالى. قال (¬1) رحمه الله تعالى: ينصب الفعل بـ «أن» واجبة الإضمار بعد الفاء المجاب بها نفي كقوله تعالى: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا (¬2)، والمجاب بها طلب وهو إما أمر وإما نهي وإما دعاء وإما استفهام وإما عرض وإما تحضيض وإما تمنّ، فالأمر كقول الراجز: 3843 - يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا (¬3) والنهي كقول الشاعر: 3844 - لا يخدعنّك مأثور وإن قدمت ... تراثه فيحيق الحزن والنّدم (¬4) والدعاء كقول الشاعر: 3845 - فيا ربّ عجّل ما أؤمّل منهم ... فيدفأ مقرور ويشبع مرمل (¬5) وكقول الآخر: - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1543) وما بعدها. (¬2) سورة فاطر: 36. (¬3) هذا رجز قائله أبو النجم العجلي كما في الكتاب (3/ 34). الشرح: قوله: يا ناق: منادى مرخم أي: يا ناقة، وعنقا: نصب على أنه نائب عن المصدر، أو صفة مصدر محذوف أي: سيرا عنقا وهو ضرب من السير، والفسيح: الواسع، وسليمان: هو ابن عبد الملك. والشاهد في قوله: «فنستريحا» حيث نصب المضارع بـ «أن» مضمرة وجوبا بعد الفاء لأنه جواب الأمر. وانظر البيت في الكتاب (3/ 35)، والمقتضب (2/ 14) وابن يعيش (7/ 26)، وشرح التصريح (2/ 239). (¬4) هذا البيت من البسيط وهو لقائل مجهول. الشرح: المأثور: المال المتروك والتراث أصله: الوراث فأبدلت الواو تاء، ولعل معنى وإن قدمت تراثه: وإن تقادمت وارثوه من غيرهم وهو باق عندهم فإنه لا ينفع، وقوله: فيحيق: هو من حاق به الشيء يحيق حيقا: نزل به وأحاط به، ويروى «فيحق». والشاهد: في «فيحيق» حيث نصب المضارع بـ «أن» مضمرة وجوبا بعد الفاء لأنه جواب النهي. والبيت في التذييل (6/ 611)، والأشموني (3/ 302)، وانظر: حاشية الصبان (3/ 302). (¬5) هذا البيت من الطويل وهو لقائل مجهول. الشرح: المقرور: البردان، والمرمل: العادم للقوت. والشاهد في قوله: «فيدفأ» فإنه نصب بـ «أن» مضمرة وجوبا بعد الفاء؛ لأنه واقع في جواب الدعاء والبيت في التذييل (6/ 611)، والأشموني (3/ 302).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3846 - ربّ وفّقني فلا أعدل عن ... سنن السّاعين في خير سنن (¬1) والاستفهام كقول الشاعر: 3847 - هل تعرفون لباناتي فأرجو أن ... تقضى فيرتدّ بعض الرّوح للجسد (¬2) والعرض كقول الشاعر: 3848 - يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدّثوك فما راء كمن سمعا (¬3) والتحضيض كقول الشاعر: 3849 - لولا تعوجين يا سلمى على دنف ... فتخمدي نار وجد كاد يفنيه (¬4) والتمني كقول الله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (¬5) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الرمل وهو مجهول القائل أيضا. والسنن بفتحتين في الموضعين: الطريق. والشاهد في قوله: «فلا أعدل» حيث نصب المضارع بـ «أن» مضمرة بعد الفاء لأنه جواب للدعاء، والفاء فاء السبب في الجواب عن الدعاء: أي يا رب وفقني حتى لا أميل عن طريقة الساعين في خير الطريقة. والبيت في التذييل (6/ 611)، وشرح شذور الذهب (ص 306)، والعيني (4/ 388)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 282)، وشرح التصريح (2/ 239)، والهمع (2/ 11)، والدرر (2/ 8)، والأشموني وحاشية الصبان (3/ 302). (¬2) هذا البيت من البسيط لقائل مجهول. الشرح: اللبانات: جمع لبانة بضم اللام: الحاجة، وقوله: أن تقضى في محل النصب مفعول «أرجو» وقوله: فيرتد عطف على «أن تقضى» وقوله: بعض الروح: كلام إضافي فاعله، والشاهد: في «فأرجو» حيث نصب بـ «أن» مضمرة وجوبا بعد الفاء؛ لأنه جواب الاستفهام. والبيت في التذييل (6/ 613)، والعيني (4/ 388)، وشرح التصريح (2/ 239). (¬3) هذا البيت من البسيط كسابقيه لم يعلم قائله وألا للعرض، وما موصول وعائده محذوف تقديره ما قد حدثوك به والفاء في «فما» للتعليل. والشاهد: في «فتبصر» حيث نصب لأنه جواب العرض. والبيت في العيني (4/ 389)، وشرح التصريح (2/ 239)، والأشموني (3/ 302). (¬4) هذا البيت من البسيط وهو مجهول القائل أيضا. الشرح: قوله: دنف: الدّنف: الذي براه المرض حتى أشفى على الموت، وقوله: تعوجين: تعطفين، ونار وجد: كناية عن شدة الشوق. والمعنى: هلا تعطفين يا سلمى على رجل براه المرض حتى أشرف على الموت فتطفئي نار الشوق الذي كاد يضيعه. والشاهد في قوله: «فتخمدي» حيث نصب بحذف النون وذلك بـ «أن» مضمرة بعد الفاء؛ لأنه جواب للتحضيض. والبيت في الهمع (2/ 12)، والدرر (2/ 8) والأشموني (3/ 303). (¬5) سورة النساء: 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الشاعر: 3850 - يا ليت أمّ خليد واعدت فوقت ... ودام لي ولها عمر فنصطحبا (¬1) قال: وقيدت الفاء المنتصب بعدها الفعل بإضافتها إلى جواب - يعني بذلك قوله في النظم: وبعد فا جواب نفي أو طلب (¬2) احترازا من الفاء التي لمجرد العطف كقولك: ما تأتينا فتحدثنا [5/ 114] بمعنى: ما تأتينا فما تحدثنا، أو فأنت تحدثنا، فلو قصد المتكلم معنى: ما تأتينا محدثا، أو ما تأتينا فكيف تحدثنا ثبتت الجوابية وصح النصب (¬3). قال (¬4): وشرط النفي: أن يكون خالصا، فالنفي الذي ليس نفيا خالصا لا جواب له منصوب نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، وما قام فتأكل إلا طعامه ومنه قول الشاعر: 3851 - وما قام منّا قائم في نديّنا ... فينطق إلّا بالّتي هي أعرف (¬5) وكذلك بعد الطلب. انتهى. ولم أتحقق مراده بقوله: وكذلك بعد الطلب؛ إلا أن يريد بذلك أن شرط الطلب - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط لقائل مجهول. والشاهد في قوله: «فنصطحبا» حيث نصب بـ «أن» مضمرة وجوبا بعد الفاء لأنه جواب التمني. والبيت في شرح ابن الناظم (ص 266) والتذييل (6/ 624)، والعيني (4/ 389)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 284)، والأشموني (3/ 303). (¬2) بعده في الألفية: محضين أن وسترها حتم نصب (¬3) انظر: الكتاب (3/ 30). (¬4) أي ابن مالك. (¬5) هذا البيت من الطويل وهو للفرزدق في ديوانه (ص 561). الشرح: منا: في محل الرفع على أنه صفة لـ «قائم» أي: وما قام قائم كائن منا والأولى أن يكون حالا والاستثناء من النفي فيكون إثباتا، والندي، مجلس القوم ومتحدثهم، وقوله: بالتي أي: بالأشياء التي. والشاهد في قوله: «فينطق» حيث رفع مع أنه جواب للنفي؛ لأنه من شرط النصب بعد النفي أن يكون النفي خالصا وههنا ليس كذلك، وهو عند سيبويه منصوب ولا عبرة بدخول «إلا» بعده ناقضة للنفي. انظر: الكتاب (3/ 32)، والخزانة (3/ 607).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن يكون خالصا كما أن ذلك شرط النفي، ويكون مراده بالخلوص ما أراد في الألفية بقوله: وبعد فا جواب نفي أو طلب ... محضين أن وستره حتم نصب يعني: أن الطلب يكون محضا، وذلك احتراز من أن يكون الطلب بما لفظه لفظ الخبر كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فإن كان هذا مراده أمكن حمل كلامه عليه. ثم قال بعد كلام (¬1): وألحق الفراء (¬2) الرجاء بالتمني فجعل له جوابا منصوبا، وبقوله أقول؛ لثبوت ذلك سماعا ومنه قراءة حفص عن عاصم (¬3): لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى (¬4)، ومنه قول الراجز أنشده الفراء (¬5): 3852 - علّ صروف الدّهر أو دولاتها ... يدلننا اللّمّة من لمّاتها فتستريح النّفس من زفراتها (¬6) هذا آخر كلام المصنف. وأما ولده فإنه قال (¬7): اعلم أن الفاء حرف عطف في جميع أماكنها، ويقع بعدها المضارع على خمسة أوجه؛ لأنه إما مشارك لما قبلها داخل في حكمه، وإما مخالف لما قبلها خارج عن حكمه، وذلك إذا كان ما قبل الفاء غير واجب وما بعدها: إما مسبب عنه غير مبني على مبتدأ محذوف، وإما مسبب عنه مبني على - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1554). (¬2) انظر: معاني القرآن (3/ 9، 235). (¬3) انظر: الكشف (2/ 244)، والحجة لابن خالويه (ص 315). (¬4) سورة غافر: 36، 37. (¬5) انظر: معاني القرآن (3/ 9، 235). (¬6) قال العيني: «هذا رجز لم يدر راجزه». الشرح: عل: لغة في «لعل»، والدولات: بضم الدال: جمع دولة في الحال، وبالفتح في الحرب، وقيل: هما واحد، ويدلننا: من الإدالة وهي: الغلبة واللمة بالفتح: الشدة وهي مفعول ثان لـ «يدلننا»، و «الزفرات» جمع زفرة وهي: الشدة والأصل تحريك الفاء في الجمع وسكنت هنا للضرورة. والشاهد في قوله: «فتستريح» حيث نصب بعد «لعل» الذي هو أداة الترجي قاله الفراء وهو الصحيح لثبوته في القرآن العزيز في قوله تعالى: لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى [عبس: 3، 4] وانظر الرجز في معاني القرآن (3/ 9، 235)، والخصائص (1/ 316)، وشرح العمدة (ص 232) والأشموني (3/ 312)، واللسان «علل». (¬7) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 27).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مبتدأ محذوف، وإما مرتب عليه لإفادة نفي الجمع، وإما مرتب عليه لإفادة استئناف الإثبات، فإذا قصد بالمضارع بعد الفاء إشراكه بما قبلها في حكمه تبعه في الإعراب كقولك: زيد يأتيني فيحدثني، وأريد أن تأتيني فتحدثني، وإن تأتني فتحدثني أكرمك، وإن قصدت أنه مسبب مبني على مبتدأ محذوف أو مرتب للاستئناف رفع كقولك: ما تأتيني فتحدثني، فترفع على جعل الإتيان سببا للحديث وتقديره: فأنت تحدثني، وعلى استئناف إثبات الحديث بعد نفي الإتيان على معنى: وتحدثني الساعة، وإن قصدت به أنه مسبب غير مبني على مبتدأ محذوف، أو مرتب لإفادة نفي الجمع نصب كقولك: ما تأتيني فتحدثني فتنصب على جعل الإتيان سببا للحديث وتقديره: إن تأتني تحدثني، أو على الترتيب لنفي الجمع بين الفعلين وإرادة معنى: ما تأتيني محدثا أي: قد تأتيني وما تحدث. ونصبه عند سيبويه (¬1) بـ «أن» مضمرة وما قبل الفاء في تأويل اسم معمول لفعل محذوف ليصح العطف عليه، والتقدير: ما كان منك إتيان فحديث، فصيروا الفعل على هذا التأويل ليدلوا على أحد المعنيين المذكورين ولم يظهروا «أن» بعد الفاء كما لم يظهروها بعد «أو». وقال الكوفيون (¬2): النصب بالفاء والحجة عليهم أن الفاء لو كانت هي الناصبة لدخل عليها «واو» العطف أو «فاؤه» كما يدخل على «واو» القسم ولجاز: ما أنت بصاحبي فأكرمك وفأحدثك، كما يجوز: والله وتالرحمن لأفعلنّ، فلما لم يجز ذلك دلّ على أنها حرف مضمر بعدها العامل كـ «واو ربّ». ولا يطرد نصب المضارع بـ «أن» مضمرة بعد «الفاء» إلا في جواب نفي أو طلب وهو: الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والعرض والتحضيض والتمني، ونورده على ترتيب الكتاب: فأما الأمر: فكقولك: ائتني فأحدثك، وتريد أن الإتيان سبب للحديث على تقدير: ليكن منك إتيان فحديث مني، قال أبو النجم (¬3): - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 28). (¬2) انظر: الأشموني (3/ 305). (¬3) أبو النجم: هو الفضل بن قدامة، من أكابر الرجاز، نبغ في العصر الأموي وكان يحاضر مجالس عبد الملك بن مروان توفي سنة (130 هـ) انظر ترجمته في الشعر والشعراء (ص 607 - 613).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3853 - يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا (¬1) ولو جزمته لم يستقم إلا أن تظهر «اللام» (¬2) ولو رفعته جاز على إضمار مبتدأ التقدير: إن تأتني فأنا أحدثك، أو على الاستئناف كأنك قلت: ائتني فأنا ممن يحدثك جئت أو لم تجئ. وأما النهي: فكقولك: لا تمددها فتشقّها (¬3)، ولا تريد التشريك فتنصب كما بعد الأمر، قال الله تعالى: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ (¬4)، ولو جزمت فقلت: لا تمددها فتشققها جاز على التشريك في النهي (¬5) وإن كانت الفاء للسببية قال الشاعر (¬6): 3854 - فقلت له صوّب ولا تجهدنّه ... فيذرك من أدنى القطاة فتزلق (¬7) ولو رفعت على معنى: فأنت تشقّها، أو على الاستئناف جاز. وأما الدعاء: فكقولك: اللهم ارحمني فأدخل جنتك، ولا تعذبني فآمن من سخطك؛ فتنصب كما بعد الأمر والنهي، قال الشاعر: 3855 - فيا ربّ عجّل ما أؤمّل منهم ... فيدفأ مقرور ويشبع مرمل (¬8) وقال آخر: 3856 - ربّ وفّقني فلا أعدل عن ... سنن السّاعين في خير سنن (¬9) ولا يجوز عند البصريين نصب جواب الدعاء إلا إذا كان بلفظ الطلب؛ لو - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) انظر: الكتاب (3/ 34، 35). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 34). (¬4) سورة طه: 61. (¬5) انظر: الكتاب (3/ 101). (¬6) نسبة البيت في الكتاب (3/ 101) لعمرو بن عمار الطائي، ونسبته في التذييل (6/ 610). لامرئ القيس وكذلك في اللسان «ذرا» وهو الصواب، انظر: ديوان امرئ القيس (174). (¬7) هذا البيت من الطويل. الشرح: صوب أي: اقصد في السير ولا تجهد الفرس ولا تحمله على العدو فيصرعك، والقطاة: من الفرس: موضع الردف، وقوله: فيذرك: من الإذراء وهو الرمي، وامرؤ القيس يخاطب غلامه بذلك وقد حمله على فرسه ليصيد له، والشاهد في قوله: «فيذرك» حيث جزمه عطفا على النهي أي: لا تجهدنه ولا يذرك، ولو نصب بالفاء على جواب النهي لكان حسنا. والبيت في الكتاب (3/ 101). فيدنك من أخرى القطاة .. أي آخرها، وانظر المقتضب (2/ 21). (¬8) تقدم. (¬9) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: رحم الله زيدا فيدخله الجنة لم يجز (¬1)، وإليه الإشارة بقوله: (بفعل أصيل في ذلك) وسيأتي التنبيه على الاختلاف فيه. وأما الاستفهام: فكقولك: هل تأتينا فتحدثنا؟ ولا تريد التشريك فتنصب على تقدير: هل يكون منك إتيان فحديث؛ إما لأن الحديث مسبب غير مبني على مبتدأ محذوف والمعنى فيه: إن تأتني تحدثني، وإما لأنه مرتب لنفي الجمع والمعنى فيه: هل تأتينا محدثا؟ قال الله تعالى: فَهَلْ لَنا [5/ 115] مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا (¬2)، وقال الشاعر: 3857 - هل تعرفون لباناتي فأرجو أن ... تقضى فيرتدّ بعض الرّوح للجسد (¬3) واختار شيخنا (¬4) رحمه الله تعالى أنه لا يجوز النصب فيما ولي «الفاء» و «الواو» بعد الاستفهام إلا إذا لم يتضمن وقوع الفعل، إما لأنه استفهام عن الفعل نفسه كما تقدم، وإما لأنه استفهام عن متعلق فعل غير محقق الوقوع كما في نحو: متى تزورني فأكرمك، وأين تسير فأرافقك، و «من يدعوني فأستجيب له؟» (¬5) فينصب لأنه جواب فعل غير واجب، ولو كان الاستفهام عن متعلق فعل محقق الوقوع كما في قولك: لم يكن الإتيان والحديث: لم تأتينا فتحدثنا أو تحدثنا فليس إلا الرفع؛ لأن الإتيان موجب فلا يجوز النصب بعده إلا على مذهب من ينصب في الواجب كقوله (¬6): 3858 - وألحق بالحجاز فأستريحا (¬7) - ¬

_ (¬1) أجاز ذلك الكسائي. انظر: الهمع (2/ 11). (¬2) سورة الأعراف: 53. (¬3) تقدم. (¬4) أي: ابن مالك والده ويقصد بذلك عبارة التسهيل: «أو لاستفهام لا يتضمن وقوع الفعل». (¬5) هذا جزء من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رواه البخاري عن أبي هريرة في باب التهجد بالليل. انظر البخاري بشرح السندي (1/ 200)، وصحيح مسلم (1/ 522). (¬6) هو المغيرة بن حبناء شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وقال البغدادي في الخزانة (3/ 601): «والبيت لم يعزه أحد من خدمة كتاب سيبويه إلى قائل معين ونسبه العيني وتبعه السيوطي في أبيات المغني إلى المغيرة بن حبناء وقد رجعت إلى ديوانه وهو صغير فلم أجده فيه» وانظر: العيني (4/ 390). (¬7) هذا عجز بيت من الوافر وصدره: سأترك منزلي لبني تميم والشاهد: في «فأستريحا» حيث نصب بعد الفاء وليس بمسبوق بنفي أو طلب وهذا ضرورة ويروى «لأستريحا» فلا ضرورة فيه. والبيت في الكتاب (3/ 39)، والمقتضب (2/ 22) والمحتسب (1/ 197)، والمقرب (1/ 263)، والعيني (4/ 390).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واقتدى في هذه المسألة بما ذكر أبو علي في الإغفال (¬1) رادّا على قول أبي إسحاق الزجاج في قوله تعالى: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (¬2) ولو قيل: وتكتموا الحق لجاز على قولك: لم تجمعون بين ذا وذا؟ ولكن الذي في القرآن العزيز أجود في الإعراب (¬3). قال بدر الدين: وقد حكى ابن كيسان نصب الفعل جواب الاستفهام في نحو: أين زيد فنتبعه؟ وكم مالك فنعرفه؟ ومن أبوك فنكرمه؟ ولا أراه يستقيم على مأخذ البصريين إلا بتأويل ما قبل الفاء باسم معمول لفعل أمر دل عليه الاستفهام، والتقدير: ليكن منك إعلام بموضع ذهاب زيد فاتباع منا، وليكن منك إعلام بقدر مالك فمعرفة منا، وليكن منك إعلام بأبيك فإكرام منا له، وإذا كان مثل ذلك جائزا على ما ذكرنا فالذي قاله الزجاج هو الصواب. وأما النفي: فكقولك: لا تأتيني فتحدثني، فتنصب على تقدير: لا يكون منك إتيان فحديث وله معنيان (¬4): أحدهما: أن يكون الإتيان سببا للحديث وهو منفي نفيا مطلقا، فالحديث ممتنع لعدم سببه كأنه قال: أنت لا تأتيني فكيف تحدثني؟ فلو أتيتني حدثتني كما قال الله تعالى: لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا (¬5). والثاني: أن يكون الإتيان منفيّا بقيد اقتران الحديث به كأنه قال: لا تأتيني إلا لم تحدثني، أو لا تأتيني محدثا أي: منك إتيان كثير بلا حديث كما تقول: [لا يسعني شيء ويعجز عنك] (¬6)، ويجوز فيه الرفع على ثلاثة أوجه (¬7): إما على التشريك كأنك قلت: ما تأتيني وما تحدثني. وإما على السببية وبناء ما بعد الفاء على مبتدأ محذوف كما قال تعالى: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (¬8) التقدير: فهم يعتذرون، والمعنى: فكيف يعتذرون؟ - ¬

_ (¬1) انظر الإغفال (ص 413، 414). (¬2) سورة آل عمران: 71. (¬3) انظر: معاني القرآن للزجاج (1/ 435). (¬4) انظر: الكتاب (3/ 30). (¬5) سورة فاطر: 36. (¬6) ما بين المعقوفين ساقط من النسختين وقد أكملته من شرح التسهيل لبدر الدين. (¬7) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 247). (¬8) سورة المرسلات: 36.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإما على الاستئناف كما قال (¬1): 3859 - غير أنّا لم تأتنا بيقين ... فنرجّي ونكثر التّأميلا (¬2) كأنه قال: فنحن نرجي أبدا (¬3). واعلم أن شرط النصب بعد النفي: أن يكون داخلا على الفعل المعطوف عليه إما خاليا عما يزيل معناه وهو النفي المحض كما تقول: ما تأتيني فتحدثني، ونحوه مما تقدم ذكره، وإما معه ما يزيل معناه وينقل الكلام على الإثبات وهو النفي المؤول، وذلك ما قبله استفهام أو بعده استثناء. فالأول: كقولك: ألم تأتنا فتحدثنا (¬4) فتنصب على: ألم تأتنا محدثا؟ قال الشاعر: 3860 - ألم تسأل فتخبرك الرّسوم ... على [فرتاج] (¬5) والطّلل القديم (¬6) وكل موضع يدخل فيه الاستفهام على النفي فنصبه جائز على هذا المعنى، ولك فيه الجزم (¬7) بالعطف على معنى: ألم تأتنا فلم تحدثنا؟ والرفع على الاستفهام وإضمار مبتدأ كما قال: 3861 - ألم تسأل الرّبع القواء فينطق ... وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق (¬8) - ¬

_ (¬1) أنشده سيبويه في الكتاب (3/ 31) قائلا: «ومثل ذلك قول بعض الحارثيين»، وقال البغدادي: «إنه من شواهد سيبويه التي لم يعرف لها قائل». (¬2) هذا البيت من الخفيف. والشاهد في قوله: «فنرجي» حيث رفع ما بعد الفاء على القطع والاستئناف أي: فنحن نرجي، وانظر البيت في الكتاب (3/ 31، 33) والمفصل (ص 249)، وابن يعيش (7/ 36، 37) والمقرب (1/ 265) وشرح الكافية للرضي (2/ 247). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 31). (¬4) انظر: الكتاب (3/ 34). (¬5) ساقطة من (جـ)، (أ) وتركت مساحتها بيضاء في (أ). (¬6) هذا البيت من الوافر، قالوا: إنه من أبيات سيبويه الخمسين المجهولة القائل، وقد نسبه ابن السيرافي (2/ 149) للبرج بن مسهر. وفرتاج: موضع في بلاد طيئ، والرسوم: جمع رسم وهو ما لم يكن له شخص قائم في الدار، والطلل ما شخص من الدار، أي: لو سألت لخبرتك الرسوم عن أهلها وليس المراد أنها تخبر بالقول وإنما يريد أن الآثار التي تراها في الرسم تدل على ذهاب الذين كانوا فيه فكأنها تخبره بالقول. والشاهد فيه: أنه نصب «فتخبرك» على جواب الاستفهام والبيت في الكتاب (3/ 34)، والرد على النحاة لابن مضاء (ص 117)، والتذييل (6/ 618)، واللسان «فرتج». (¬7) انظر: الكتاب (3/ 34، 35). (¬8) هذا البيت من الطويل وهو لجميل بن معمر، ديوانه (ص 91).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنه قال: فهو ينطق (¬1). والثاني: كقولك: ما تأتينا فتقول إلا خيرا، فتنصب مع أنك أتيت بـ «إلّا» إثباتا؛ لأنه بمعنى: ما تأتينا فتقول شرّا. قال سيبويه (¬2): وتقول: لا تأتينا فتحدثنا إلا ازددنا فيك رغبة، والنصب ها هنا كالنصب في: ما تأتيني فتحدثني، إذا أردت معنى: ما تأتيني فتكون محدثا، قال: ومثل ذلك قول اللعين المنقري (¬3): 3862 - وما حلّ يا سعدى غريب ببلدة ... فينسب إلّا الزّبرقان له أب (¬4) يعني: أن نصب ما فيه الاستثناء إنما يجوز على وجه واحد من وجهي النصب في جواب النفي المحض ولو رفعه جاز على التشريك ومعنى: ما تأتينا وما تقول إلا خيرا، ولا يجوز على الاستئناف لاستلزامه التفريغ في الموجب. وتقول: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، بالرفع؛ لأن النفي لم يدخل على المعطوف عليه إنما دخل في الأول على شيء مقدر أخرج منه المعطوف عليه وأوجب بـ «إلا»، وفي الثاني على متعلق المعطوف عليه وكان معناه النفي فصار إثباتا. ويجوز أن يكون المراد بالنفي المحض: ما يدل عليه بما وضع لمجرد النفي كـ «ما» ¬

_ - الشرح: القواء: المكان القفر، ورواية الديوان «الخلاء» ويروى: «القديم». والبيداء: الصحراء الواسعة، والسملق: التي لا شيء فيها من نبت ولا غيره وهى جرداء مستوية. والشاهد فيه: رفع «ينطق» الواقع بعد الفاء على الاستئناف والقطع أي: فهو ينطق، والبيت في الكتاب (3/ 37)، والمفصل (ص 250)، وابن يعيش (7/ 36، 37)، والمغني (ص 168)، وشرح التصريح (2/ 240). (¬1) انظر: الكتاب (3/ 37). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 32). (¬3) اللعين المنقري: منازل بن زمعة التميمي المنقري، أبو أكيدر، شاعر هجّاء، قيل: سمعه عمر بن الخطاب ينشد شعرا والناس يصلون فقال: من هذا اللعين؟ فعلق به لقبا. انظر ترجمته في الشعر والشعراء (506)، والخزانة (1/ 531)، والأعلام (7/ 289). (¬4) هذا البيت من الطويل وقائله اللعين المنقري كما في الشرح، والزبرقان: هو الصحابي الجليل ابن بدر السعدي، سيد قومه وأعرفهم. والشاهد فيه: نصب ما بعد «الفاء» على الجواب، والرفع جائز على القطع. والبيت في شرح الكافية للرضي (1/ 204)، (2/ 248)، والتذييل (6/ 619)، والخزانة (1/ 530)، (3/ 608).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «لا» و «ليس» ويدخل فيه جميع ما ذكر من النفي الخالي عما يزيل معناه والمقارن لما يزيله ويكون المراد بالنفي المؤول على هذا وهو الأقرب ما يدل عليه بما له مسمى يقرب من معنى النفي فيقام مقامه نحو «غير»؛ فإنها اسم بمعنى: مخالف، وقد يقصد به النفي فيكون له جواب مقرون بـ «الفاء» كقولك: غير قائم الزيدان فنكرمهما، ذكره ابن السراج ثم قال: ولا يجوز هذا عندي (¬1). قال الشيخ (¬2) رحمه الله تعالى: هو عندي جائز، وحجته في ذلك جواز ذكر «لا» مع المعطوف على المضافة هي إليه كما في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (¬3)، وصحة إعمال الصفة للاعتماد عليها كما في قول الشاعر: 3863 - غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهمّ والحزن (¬4) [5/ 116] وأما العرض: فكقولك: ألا تنزل فتصيب خيرا، وهو كجواب النفي بعد الاستفهام، والمعنى فيه: إذا نزلت أصبت، قال الشاعر: 3864 - يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما ... قد حدّثوك فما راء كمن سمعا (¬5) وإن شئت رفعت على التشريك، أو إضمار مبتدأ، أو الاستئناف. وأما التحضيض: فكقولك: هلا أمرت فتطاع، وحكم الجواب بعده حكمه بعد العرض قال الله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (¬6). وأما التمني: فكقولك: ليته عندنا فيحدثنا، وألا ماء فأشربه، فإن شئت نصبت على المعنى في نصب جواب الاستفهام، قال الله تعالى: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (¬7)، وإن شئت رفعت على ما تقدم. - ¬

_ (¬1) انظر: الأصول (1/ 129)، (2/ 155). (¬2) أي: ابن مالك والده. انظر: الأشموني (3/ 305)، والتذييل (6/ 620). (¬3) سورة الفاتحة: 7. (¬4) هذا البيت من المديد قاله أبو نواس يذم به الزمان الذي هذه حالته، فكأنه قال: زمان ينقضي بالهم والحزن غير مأسوف عليه. والشاهد فيه: إعمال الصفة التي هي قوله: «مأسوف» فيما بعدها لاعتمادها على «غير» قبلها وهي مبتدأ. والبيت في المغني (ص 159، 676)، والعيني (1/ 513)، والهمع (1/ 94)، والدرر (1/ 72). (¬5) تقدم. (¬6) سورة المنافقون: 10. (¬7) سورة النساء: 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وربما نصب الجواب جعلها تمنّيا، قال الشاعر (¬1): 3865 - ولو نبش المقابر عن كليب ... [فيخبر بالذّنائب أيّ زير] (¬2) وقال سيبويه (¬3): وزعم [هارون] (¬4) أنها في بعض المصاحف (ودّوا لو تدهن فيدهنوا) (¬5). وأما الرّجاء: فقريب من التمني، وعند البصريين (¬6) أن المقرون بأداة الترجي في حكم الواجب فلا يكون له جواب منصوب، وقال الكوفيون (¬7): «لعل» تكون استفهاما وشكّا وتجاب في الوجهين، ومن أمثلتهم: لعلي سأحج فأزورك، والبصريون لا يعرفون الاستفهام بـ «لعل» ولا نصب الجواب بعدها، والصحيح أن الترجّي قد يحمل على التمني فيكون له جواب منصوب كقراءة حفص عن عاصم (¬8): لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (36) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ (¬9)، وقال الراجز أنشده الفراء: 3866 - علّ صروف الدّهر أو دولاتها ... يدلننا اللّمّة من لمّاتها فتستريح النّفس من زفراتها (¬10) ولا يحسن نصب المضارع بـ «أن» مضمرة بعد «الفاء» في غير ما ذكر، فلا - ¬

_ (¬1) هو مهلهل بن ربيعة واسمه امرؤ القيس وهو خال امرئ القيس بن حجر الكندي. انظر: حاشية الأمير على المغني (1/ 212). (¬2) هذا البيت من الوافر وقد سقط الشطر الثاني من (جـ)، (أ) وتركت مساحته بيضاء في (أ) وبعده: بيوم الشعثمين لقر عينا ... وكيف لقاء من تحت القبور الشرح: كليب: أراد به أخاه، والذنائب: ثلاث هضبات بنجد وبها قبر كليب المذكور، والزير: هو الذي يكثر زيارة النساء والتحدث إليهن. والشاهد فيه: نصب «فيخبر» في جواب التمني أغنت عنه «لو» المصدرية، والبيت في المغني (ص 267)، وشرح شواهده (ص 654)، والعيني (4/ 463)، والأشموني (4/ 32). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 36). (¬4) ما بين المعقوفين ساقط من (جـ)، (أ) وتركت مساحته بيضاء في (أ) والتصويب من الكتاب، وهارون: ابن موسى الأزدي العتكي النحوي البصري، صاحب القراءات، وروى عن عمرو بن العلاء، وابن إسحاق، وعبد الله بن أبي إسحاق، والخليل بن أحمد وعدّة. انظر: تهذيب التهذيب (11/ 14). (¬5) انظر: التبيان للعكبري (ص 1234)، والبحر المحيط (8/ 309). (¬6) انظر: التذييل (6/ 625)، والهمع (2/ 12). (¬7) انظر: التذييل (6/ 625)، والمغني (288)، والهمع (2/ 12). (¬8) انظر: الكشف (2/ 244)، والحجة لابن خالويه (ص 315). (¬9) سورة غافر: 36، 37. (¬10) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحسن نصبه بعد الخبر الواجب؛ لأن الذي أحوجنا بعد النفي والطلب إلى الإضمار وحمل الكلام على غير ظاهره هو الدلالة على المخالفة بين الأول والثاني على ما بيناه، وإذا عطف بـ «الفاء» على الخبر الواجب كما في نحو: أنت تأتينا فتحدثنا لم يقع خلاف بين الأول والثاني فلم يحتج إلى النصب على ذلك الإضمار والتأويل ولم يرد استعماله إلا في أشياء سيأتي التنبيه عليها. هذا آخر كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى، وهو كلام مرتب حسن نظيف، ويتعلق به أمران: أحدهما: قوله في تقسيم المضارع الواقع بعد «الفاء» إذا كان ما قبل «الفاء» غير واجب: إنك إن قصدت أنه مسبب مبني على مبتدأ محذوف رفع كقولك: ما تأتيني فتحدثني، قال: فترفع على جعل الإتيان سببا للحديث، وتقديره: فأنت تحدثني. فإن جعلت الإتيان سببا للحديث مع أن الإتيان منفي والحديث مثبت لا يظهر إلا أن تريد أن الإتيان سبب للحديث في الجملة لا في هذا التركيب فيكون مراد المتكلم أن السبب منتف ولكن مسببه ثابت كأنه يريد بسبب آخر فيستقيم حينئذ. ثانيهما: قوله في المضارع الواقع بعد «الفاء» إذا كان حكمه مخالفا لما قبل «الفاء» وذلك إذا كان ما قبل «الفاء» غير واجب: إن ما بعد الفاء إما مسبب عما قبلها أو مرتب عليه، والمسبب: إما غير مبني على مبتدأ محذوف، أو مبني على مبتدأ محذوف، والمرتب: إما لإفادة نفي الجمع، وإما لإفادة استئناف الإثبات. فإن هذه الأقسام الأربعة التي ذكرها وإن كانت تتصور جميعها في الكلام الواقع بعد النفي قد لا تتصور جميعها في الواقع بعد بعض أقسام الطلب وهو قد أطلق الحكم بقوله: وذلك إذا كان ما قبل الفاء غير واجب. ثم إن المصنف ذكر في مثل: ما تأتينا فتحدثنا: جواز الرفع إما على العطف أو الاستئناف، كما تقدمت الإشارة إليه، ولم يتعرض إلى ذكر شيء من ذلك في بقية المسائل. وأما الإمام بدر الدين فإنه تعرض إلى ذكر ذلك كما رأيت، لكن أبو الحسن بن عصفور أورد ذلك في المقرب إيرادا حسنا، وأنا أذكر كلامه بنصه، قال (¬1) رحمه - ¬

_ (¬1) انظر: المقرب لابن عصفور (1/ 263 - 267).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله تعالى - بعد سرده المواضع التي تضمر فيها «أن» بعد «الفاء» في الأجوبة الثمانية -: وليس النصب بعد «الفاء» حتما في جميع ما ذكر بل يجوز معه غيره. والضابط في ذلك أن تقول: إن تقدم الفاء جملة منفية فإن كانت فعلية وكان الفعل مرفوعا جاز في الفعل الذي بعد «الفاء» النصب والرفع؛ فالرفع له معنيان: أحدهما: أن يكون نفى الإتيان فانتفى من أجله الحديث كأنه قال: ما تأتينا فكيف تحدثنا؟ والتحديث لا يكون إلا مع الإتيان. والثاني: أن يكون أوجب الإتيان ونفى الحديث كأنه قال: ما تأتينا محدثا بل غير محدث. وإن كان الفعل منصوبا: جاز فيه وجهان: الرفع والنصب، فالرفع له وجه واحد وهو القطع فتقول: لن تأتينا فتحدثنا أي: فأنت تحدثنا، والنصب على ثلاثة أوجه: العطف على الفعل فيكون ما بعد «الفاء» شريكا لما قبله في النفي كأنه قال: لن تأتينا فلن تحدثنا؛ والنصب بإضمار «أن» فيكون له المعنيان المتقدما الذكر. وإن كان الفعل مجزوما: جاز فيه ثلاثة أوجه: الرفع والنصب والجزم: فالرفع على القطع فيكون [5/ 117] ما بعد «الفاء» موجبا نحو قولك: لم تأتنا فتحدثنا، أي: فأنت تحدثنا، ومن ذلك قوله: 3867 - غير أنّا لم تأتنا بيقين ... فنرجّي ونكثر التّأميلا (¬1) أي: فنحن نرجي. والجزم على العطف فيكون التقدير: فلم تحدثنا. والنصب بإضمار على المعنيين المتقدمي الذكر. وإن كانت اسمية: لم يجز فيما بعد «الفاء» إلا النصب على المعنيين المتقدمي الذكر، أو الرفع على القطع، ولا يجوز العطف على ما بعد أداة النفي؛ لأنه لم يتقدم فعل فيعطف عليه. وإن تقدم «الفاء» جملة استفهامية: فإن كانت فعلية: جاز في ما بعد الفاء وجهان: الرفع والنصب، فالرفع على وجهين: - ¬

_ (¬1) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العطف فيكون الثاني شريك الأول في الاستفهام نحو قولك: هل تأتينا فتحدثنا؟ أي: فهل تحدثنا. والقطع كأنك قلت: فأنت تحدثنا. والنصب: على أن تقدر الأول سببا للثاني كأنك قلت: هل يكون منك إتيان فيكون بسببه حديث؟ وإن كانت اسمية: لم يجز في ما بعد «الفاء» إلا الرفع على القطع نحو قولك: هل زيد أخوك فنكرمه؟ أي: فنحن نكرمه، أو النصب على السببية نحو قولك: أين بيتك فأزورك؟ وإن تقدمها جملة تمنّ: فإما أن يكون فيها فعل أو لا يكون، فإن كان جاز في ما بعد «الفاء» الرفع والنصب، فالرفع على معنيين: العطف نحو قولك: ليتني أجد مالا فأنفق منه أي: فليتني أنفق منه. والاستئناف أي: فأنا أنفق منه. والنصب: على السببية كأنه تمنى وجدان مال يكون سببا للإنفاق منه. وإن لم يكن فيها فعل: لم يجز إلا النصب على السببية والرفع على القطع، ولا يجوز العطف نحو قولك: ليت لي مالا فأنفق منه برفع «أنفق» ونصبه. وإن تقدمها جملة نهي أو أمر باللام: جاز فيه ثلاثة أوجه: الرفع على الاستئناف، والنصب على السببية والجزم على العطف نحو قولك: لتكرم زيدا فيكرمك، ولا تضرب عمرا فيضربك. وإن كان الأمر بغير «لام»: لم يجز فيه إلا الرفع على القطع، والنصب على السببية نحو قولك: أكرم زيدا فيكرمك برفع «يكرم» ونصبه. وإن تقدمها جملة دعاء وكان فعله على صيغة الأمر: كان حكمه حكم فعل الأمر. وإن تقدمها جملة عرض أو تحضيض أو دعاء على غير صيغة الأمر: جاز فيما بعد «الفاء» الرفع على العطف فيكون شريكا لما قبله في المعنى، أو على القطع، والنصب على السببية نحو قولك: ألا تنزل عندنا فتحدثنا، وغفر الله لزيد فيدخله الجنة. انتهى كلام ابن عصفور رحمه الله تعالى. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس رحمه الله تعالى: قوله (¬1): وليس النصب بعد «الفاء» حتما في جميع ما ذكر بل يجوز معه غيره، فيه ركاكة؛ لأنه إذا أريد معنى السبب لا يجوز فيه إلا النصب، وإن أريد غيره مما يجوز أعرب على حسب ما يقتضيه المعنى المراد، قال: وأحسن من عبارته بكثير قول الزمخشري (¬2): وليس بحتم أن ينصب الفعل في هذه المواضع، بل للعدول به إلى غير ذلك من معنى وجهة من الإعراب مساغ، فنبّه على أن اختلاف الإعراب إنما هو لاختلاف المعنى المقصود. ثم قال الشيخ بهاء الدين: وإذا عرفت أنه لا بد وأن يتقدم هذه الحروف كلام فلا يخلو ما يتقدمها من أن يكون تامّا أو غير تام فإن كان غير تام نحو: ما زيد فيحدثنا قائم، لم يجز في ما بعد «الفاء» النصب أصلا لأن العطف على المعنى لا يجوز إلا بعد تمام الكلام ولم يتم الكلام هنا خلافا لمن قال من الكوفيين (¬3) بجواز النصب على التقديم والتأخير. وإن تم الكلام جملة قبل هذه الحروف وتأخر معمول لما قبلها عما بعدها نحو: ما تأتينا فتحدثنا اليوم على أن يكون «اليوم» ظرفا لـ «تأتينا» فلا يجوز النصب أيضا عندنا؛ لما تقدم من أن النصب يؤدي إلى جعل ما قبل هذه الحروف في مكان مصدر لكون المعطوف عليه مصدرا، فكما لا يجوز الفصل بين المصدر وبعض معمولاته بأجنبي كذلك لا يجوز الفصل بين هذا الفعل وبعض معمولاته بالمعطوف الذي هو أجنبي منه لتنزله في المعنى منزلة المصدر المتوهم المعطوف عليه وإن كان قد أجاز النصب في مثل هذه المسألة أكثر أهل الكوفة. فإن كانت الجملة التي قبل «الفاء» اسمية نحو: ما زيد قائم فيحدثنا، فأبو بكر (¬4) وأكثر النحاة التزموا الرفع في ما بعد «الفاء»؛ لأن النصب يقتضي أن يتصيد من الجملة الأولى مصدر فيعطف عليه هذا المصدر، ولا دلالة في الجملة الاسمية على مصدر كدلالة الجملة الفعلية عليه. انتهى. ولم أتحقق قوله: إن أكثر النحاة التزموا الرفع في ما بعد «الفاء» إن كانت الجملة التي قبل - ¬

_ (¬1) انظر هذا النقل في ورقة رقم (92) من كتاب بهاء الدين بن النحاس وهو المسمى بالتعليقة وهو تعليقه وشرحه لمقرب ابن عصفور وهو مخطوط بمكتبة الأزهر برقم (4947) (المغاربة). (¬2) انظر: المفصل (ص 246). (¬3) انظر: التذييل (6/ 628)، والهمع (2/ 12). (¬4) لعله ابن السراج، وانظر: التذييل (6/ 629).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «الفاء» اسمية نحو: ما زيد قائم فيحدثنا. فإن هذا الذي ذكره خلاف المشهور، وقد عرفت قول ابن عصفور في تقسيم الجملة المتقدمة «الفاء» إذا كانت منفية وإن كانت اسمية لم يجز فيما بعد «الفاء» إلا النصب على المعنيين المتقدمي الذكر، أو الرفع على القطع. وبعد فلا بد من التعرّض إلى ذكر أمور: منها: أن الشيخ قال (¬1): ولا نعلم خلافا في نصب الفعل جوابا للأمر إلا ما نقل عن العلاء بن سيّابة قالوا: - وهو معلم الفراء - أنه كان لا يجيز ذلك (¬2)، وهو محجوج بثبوته عن العرب، أنشد سيبويه (¬3) لأبي النجم: 3868 - يا ناق سيري عنقا فسيحا ... إلى سليمان فنستريحا (¬4) إلا أن يتأوله ابن سيّابة على أنه من النصب في الشعر فيكون مثل قوله: 3869 - سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا (¬5) قال الشيخ (¬6): ولا [5/ 118] يبعد هذا التأويل، ولمنعه وجه من القياس وهو إجراء الأمر مجرى الواجب، فكما لا يجوز ذلك في الواجب كذلك لا يجوز في الأمر، ومن إجراء الأمر مجرى الواجب باب الاستثناء؛ فإنه لا يجوز فيه البدل كما لا يجوز في الواجب، وذلك بخلاف النفي والنهي فإنه يجوز فيهما ذلك. انتهى. ولقائل أن يقول للشيخ: يلزمك على ما قررته أن يمتنع النصب بعد الاستفهام والتمني والعرض والتحضيض؛ لأنها لا يجوز معها البدل في الاستثناء كما لا يجوز الأمر وإنما يجوز البدل في الاستثناء مع الاستفهام إذا أريد به الإنكار والنفي، أما إذا أريد به الاستفهام حقيقة فلا يجوز معه البدل، ثم لا يخفى أن النصب إنما وجب بعد «الفاء» الواقعة في جواب الأمر لتعذر عطف الخبر على الطلب فاحتيج إلى تقدير «أن» ليحصل بذلك تأويل يصح معه العطف، وأما في الاستثناء فإن النصب والبدل إنما يبتنيان على كون الكلام موجبا أو غير موجب فافترق البابان. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 606، 607). (¬2) انظر: معاني القرآن للفراء (2/ 79) ونص عبارته: «وكان شيخ لنا يقال له: العلاء بن سيابة - وهو الذي علم معاذا الهراء وأصحابه - يقول: لا أنصب بالفاء جوابا للأمر». (¬3) انظر: الكتاب (3/ 34، 35). (¬4) تقدم. (¬5) تقدم. (¬6) التذييل (6/ 607).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم أردف الشيخ كلامه المتقدم بأن قال (¬1): وأما قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ * (¬2) على قراءة من نصب (¬3) فظاهره أنه نصب في جواب الأمر (¬4). ومنها: أن الشيخ قال (¬5): وشرط الجواب في النهي أن لا ينقض بـ «إلا» قبل «الفاء» نحو: لا تضرب إلا عمرا فيغضب، قال: فإنك إن نقضته ارتفع الفعل كما في هذا المثال، وإن نقضته بعد «الفاء» (¬6) كان جوابا نحو: لا تضرب زيدا فيغضب عليك إلا تأديبا. انتهى. والحق أنه لا يحتاج إلى هذا الشرط؛ لأن «فيغضب» في المثال الأول ليس جوابا وإذا لم يكن جوابا فمن أين يجيء النصب؟ ومنها: أن المصنف قال: (بفعل أصيل في ذلك) بعد قوله: (أو دعاء) وتقدم قول الإمام بدر الدين: إن والده أشار بذلك إلى أنه لا يجوز نصب جواب الدعاء إلا إذا كان بلفظ الطلب وأن هذا مذهب البصريين، لكن قال الشيخ (¬7): إنه احترز بقوله: (بفعل) من أن يكون الدعاء بالاسم نحو: سقيا لك ورعيا. وأما قوله: أصيل فاحترز به كما قال بدر الدين من الدعاء المدلول عليه بلفظ الخبر. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 608). (¬2) سورة البقرة: 117، وسورة آل عمران: 47، وسورة النحل: 40، وسورة مريم: 35، وسورة يس: 82، وسورة غافر: 68. (¬3) هي قراءة ابن عامر. انظر: الحجة لابن خالويه (88، 300)، والكشف (1/ 260) وقال: «ووافقه الكسائي على النصب في النحل ويس»، وانظر الإرشادات الجلية في القراءات السبع (ص 46). (¬4) قال الشيخ أبو حيان بعد هذا الكلام: فأما في قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فخرّج على أن فَيَكُونُ ليس جوابا للأمر ولكنه معطوف على قوله: أَنْ يَقُولَ لا أنه تسبب عن محكي أَنْ يَقُولَ وهو كُنْ وردّ بأنه يلزم أن يشرك أَنْ يَقُولَ في كونه خبرا فيكون المعنى: إنما أمره الكون، وأمره ليس بالكون، إنما أمره: القول فلا بد من الرفع على الاستئناف كما زعم سيبويه، وأما في قوله تعالى: وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فخرّجه الأستاذ أبو علي على أنه من النصب في الواجب وإن كان ضعيفا، لكن ابن عامر رواه فأخذ به، ولا يكون على كُنْ بل على تقدير: فيقول فيكون، وهذا فيه نظر؛ لأن سيبويه ذكر أنه في الشعر. انظر: التذييل (6/ 608، 609). (¬5) انظر: التذييل (6/ 611)، والارتشاف (704). (¬6) في النسختين: إلا، والتصويب من التذييل والارتشاف. (¬7) انظر: التذييل (6/ 612).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد: فسيأتي الكلام على هذه المسألة في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى. ومنها: أن الشيخ ذكر (¬1) تقسيما في الاستفهام المنصوب الجواب بالنسبة إلى أن الاستفهام قد يكون بالحرف، وقد يكون بالاسم، إلى أن خرج من الأقسام مثل قولك: هل زيد أخوك فنكرمه؟ وأوجب الرفع في مثل هذه الصورة. ولم يظهر لي توجيه ذلك، وقد تقدم من كلام ابن عصفور أن الجملة الاستفهامية إذا كانت اسمية يجوز في ما بعد «الفاء» الرفع على القطع، والنصب على السببية، وهذا هو الظاهر إذ لا وجه لمنع النصب. ومنها: أن المصنف قد قيد الاستفهام كما عرفت بقوله: أو لاستفهام لا يتضمّن وقوع الفعل. وتقدم كلام بدر الدين على ذلك. ونحن الآن نشير إلى ما ذكره الشيخ: قال (¬2) رحمه الله تعالى مشيرا إلى قول المصنف: لا يتضمّن وقوع الفعل: هذا قيد في الاستفهام فإن تضمن وقوع الفعل لم يجز النصب نحو: لم ضربت زيدا فيجازيك؟ لأن الضرب قد وقع، وهذا الشرط الذي ذكره في الاستفهام لم أر أحدا من أصحابنا يشترطه، بل إذا تعذر سبك مصدر مما قبله إما لكونه ليس ثمّ فعل ولا [ما] في معناه ينسبك منه، وإما لاستحالة سبك مصدر مراد استقباله لأجل مضي الفعل فإنما يقدر فيه مصدر مقدّر استقباله مما يدل عليه المعنى، فإذا قال: لم ضربت زيدا فنضربك، أي: ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا. ثم قال: قال ابن المصنف: واقتدى - يعني والده المصنف - في هذه المسألة بما ذكره أبو علي في الإغفال رادّا على قول أبي إسحاق الزجاج في قوله تعالى: لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ (¬3): ولو قيل: وتكتموا الحق؛ لجاز على معنى: لم تجمعون بين ذا وذا؟ ولكن الذي في القرآن أجود في الإعراب. انتهى. وردّ أبي علي على أبي إسحاق في هذا غير متجه؛ لأن قوله تعالى: لِمَ تَلْبِسُونَ ليس نصّا على أن المضارع أريد به الماضي حقيقة إذ قد ينكر المستقبل لتحقق صدوره لا سيما على الشخص الذي تقدم منه وجود أمثاله، ولو - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 612، 613). (¬2) التذييل (6/ 614، 615). (¬3) سورة آل عمران: 71.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فرضنا أنه ماض حقيقة فلا ردّ فيه على أبي إسحاق؛ لأنه كما قررنا قبل أنه إذا لم يمكن سبك مصدر مستقبل من الجملة سبكناه من لازم الجملة. وقد حكى ابن كيسان نصب الفعل في جواب الاستفهام حيث الفعل المستفهم عنه محقق الوقوع نحو: أين ذهب زيد فنتبعه؟ وكذلك في: كم مالك فنعرفه؟ ومن أبوك فنكرمه؟ لكن يتخرج على ما سبق ذكره من أن التقدير: ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا، وليكن منك إعلام بأبيك فإكرام منا له. هذا آخر ما ذكره الشيخ وما نقله عن ابن المصنف. وأقول: أما قول الشيخ: إن هذا الشرط الذي ذكره - يعني المصنف - لم يشترطه الجماعة (¬1) أي: المغاربة، فيقال له: قد تكون الجماعة استغنت عن اشتراطه بما أذكره وهو: أن المنصوب بعد «الفاء» في الطلب إنما هو مسبب عما قبله، ولا شك أن المسبب يترتب وجوده على وجود السبب، كما أن جواب الشرط يترتب وجوده على وجود الشرط، ولهذا إذا سقطت «الفاء» من نحو: أين بيتك فأزورك؟ والمعنى الذي كان مع وجود «الفاء» مراد بعد سقوطها وهو الترتب جزم الفعل الذي هو: أزورك، على أنه جواب لقولك: أين بيتك؟ ولا شك أن ترتب وجود أمر على وجود أمر آخر إنما يعقل بالنسبة إلى الاستقبال، وإذا كان الفعل [5/ 119] المستفهم عنه قد وقع فات المعنى المقصود من الترتب. ثم إن قوله: إنه إذا تعذر سبك مصدر مما قبله إلى آخر كلامه، فإنما يقدر فيه مصدر مقدر استقباله مما يدل عليه المعنى فتقدير قولك: لم ضربت زيدا فنضربك؟: ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا، غير ظاهر؛ لأن معنى: ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا، ليس هو معنى: لم ضربت زيدا فنضربك؟، ثم إن تأويل: لم ضربت زيدا فنضربك؟ بقولنا: ليكن منك تعريف بسبب ضرب زيد فضرب منا - يلزم منه الاعتراف بما ذكره المصنف من أن شرط الاستفهام الذي ينصب جوابه بعد «الفاء» أن لا يتضمن وقوع الفعل، إذ لو لم يكن ذلك شرطا لما احتيج إلى التأويل. وكذا قول بدر الدين في ما حكاه عن ابن كيسان في نحو: أين ذهب زيد - ¬

_ (¬1) عبارة الشيخ: «وهذا الشرط الذي ذكره في الاستفهام لم أر أحدا من أصحابنا يشترطه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فنتبعه؟: ولا أراه يستقيم على مأخذ البصريين إلا بتأويل ما قبل «الفاء» باسم معمول لفعل أمر دل عليه الاستفهام والتقدير: ليكن منك إعلام بموضع ذهاب زيد فاتباع منا - يبين لك صحة ما ذكره المصنف. ثم إن الشيخ ذكر مسألة تتعلق بالاستفهام أيضا فقال (¬1): وزعم بعض النحويين أن الاستفهام إذا كان عن المنسوب إليه الفعل لا عن الفعل فلا يصح النصب بعد الفاء على الجواب، ومنع النصب في نحو: أزيد يقرضني فأسأله؟ وقال: لا يصح ها هنا الجواب وهو محجوج بقراءة من قرأ في السبعة: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ * (¬2) بالنصب (¬3)، ووجه الدلالة من هذه الآية أن الفعل وقع صلة فليس مستفهما عنه ولا هو خبر عن مستفهم عنه بل هو صلة للخبر، وإذا جاز النصب بعد مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ * لكونه في معنى: من يقرض؟ فجوازه بعد «من يقرض» و: أزيد يقرض فأسأله؟ أحرى وأولى. انتهى. والظاهر أن المسوغ لنصب الجواب بعد «الفاء» هو وجود الاستفهام سواء أكان المستفهم عنه الفعل أم متعلقه، أم من ينسب إليه الفعل، وإنما المعتبر هو ما ذكره المصنف وهو: أن الفعل لا يكون قد وقع. ومنها: أنك قد عرفت أن المصنف قسّم النفي المنصوب جوابه بعد «الفاء» إلى: محض ومؤول وأن ولده فسر المحض بأن يكون النفي داخلا على الفعل المعطوف عليه خاليا عما يزيل معناه نحو: ما تأتيني فتحدثني، وفسر المؤول بأن يكون معه ما يزيل معناه وينقل الكلام إلى الإثبات، وأن ذلك ما قبله استفهام أو بعده استثناء نحو: ألم تأتنا فتحدثنا، ونحو: ما تأتينا فتقول إلا خيرا، وعلل النصب في هذا المثال - مع أنك أتيت بـ «إلا» إثباتا - بأن قولك: ما تأتينا فتقول إلا خيرا بمعنى: ما تأتينا فتقول شرّا، وذكر أن هذا بخلاف قولنا: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا وما تزال تأتينا فتحدثنا، فإن الرفع واجب، قال: لأن النفي لم يدخل على المعطوف عليه إنما دخل في الأول على شيء مقدر أخرج عنه المعطوف عليه وأوجب بـ «إلا»، وفي الثاني على متعلق المعطوف عليه وكان معناه النفي فصار إثباتا. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 613، 614). (¬2) سورة البقرة: 245، وسورة الحديد: 11. (¬3) قراءة ابن عامر وعاصم. انظر: الحجة لابن خالويه (ص 98)، وانظر: الكشف (1/ 300).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: إن البحث هنا يتعلق بأمرين: الأول: قول المصنف: أو مؤول ينافي قوله في شرح الكافية: وشرط النفي أن يكون خالصا، فالنفي الذي ليس نفيا خالصا لا جواب له منصوب نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، وما قام فتأكل إلا طعامه، قال: ومنه قول الشاعر: 3870 - وما قام منّا قائم في نديّنا ... فينطق إلّا بالّتي هي أعرف (¬1) فإن قلت: لا منافاة في ذلك، فقد قال بدر الدين: إن النفي في: «ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا» إنما دخل على شيء مقدر أخرج منه المعطوف عليه وأوجب بـ «إلا»، وقال: إن النفي في: «ما تزال تأتينا فتحدثنا» إنما دخل على متعلق المعطوف عليه وكان معناه النفي فصار إثباتا فكان الرفع واجبا في المثالين. قلت: فقد قال بدر الدين شارحا لكلام والده في الألفية (¬2): شرط النفي أن يكون خالصا من معنى الإثبات ولذلك وجب رفع ما بعد «الفاء» في: «ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا»، و «ما تزال تأتينا فتحدثنا»، و «ما قام فتأكل إلا طعامه»، وقول الشاعر: وما قام منّا قائم في نديّنا ... فينطق إلّا بالّتي هي أعرف فوافق كلامه كلام والده في نحو: ما قام فتأكل إلا طعامه، وجعل من ذلك البيت المذكور كما جعله والده، ولا شك أن ما ذكره في الألفية من عدم جواز النصب في نحو: ما قام فتأكل إلا طعامه مناف بعد تمثيله هنا بقولك: ما تأتينا فتقول إلا خيرا؛ لقوله: فتنصب مع أنك أثبت بـ «إلا» إثباتا لأنه بمعنى: ما تأتينا فتقول شرّا. والذي ظهر لي أن الذي اعتبراه في شرحي الكافية والألفية إنما هو وجود النفي في الجملة وأن يكون معه ما ينقضه، فإذا وجد ذلك امتنع النصب، ومن ثمّ امتنع النصب في نحو: ما قام فتأكل إلا طعامه كما امتنع في نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، ولهذا اشترط في الكتابين أن يكون النفي خالصا ومحضا ولم يعتبر النفي المؤول، والذي اعتبراه هنا - أعني في التسهيل وشرحه - أن يكون النفي داخلا على الفعل المعطوف عليه لا على غيره كما في: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا؛ فإن النفي إنما دخل على شيء مقدر أخرج منه المعطوف عليه - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) انظر: شرح الألفية لابن الناظم (ص 680).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأوجب، وكما في «ما تزال تأتينا فتحدثنا» فإن النفي إنما دخل على متعلق المعطوف عليه وهو «تزال» ومعناه النفي فصار إثباتا، فإذا وجد ذلك امتنع النصب، أما إذا كان النفي داخلا على الفعل المعطوف عليه فإن جوابه ينصب وإن انتقض النفي كقولنا: ما قام زيد فتأكل إلا طعامه؛ لأنه بمعنى: ما قام زيد [5/ 120] فتأكل غير طعامه، ولا شك أن هذا كلام صورته صورة الإيجاب ومعناه النفي فمن ثمّ قيل فيه: إنه نفي مؤول ومنه المثال الذي (¬1) ذكره بدر الدين وهو: ما تأتينا فتقول إلا خيرا؛ لأنه بمعنى: ما تأتينا فتقول شرّا كما قال بدر الدين، وعلى ذلك قول سيبويه (¬2): وتقول: لا تأتينا فتحدثنا إلا ازددنا فيك رغبة، وقد رأيت من المثال الذي ذكره بدر الدين وهو: ما تأتينا فتقول إلا خيرا، والمثال الذي ذكره سيبويه وهو: لا تأتينا فتحدثنا إلا ازددنا فيك رغبة - أن «إلا» مذكورة بعد «الفاء». فمن ثمّ كأن الشيخ جعل ذلك هو المسوغ لجواز النصب فإنه قال (¬3): ودخول «إلا» إما أن يكون قبل «الفاء» أو بعدها، فإن كان قبل «الفاء» لم تكن «الفاء» جوابا فلا يجوز إذ ذاك النصب نحو: ما ضرب زيد إلا عمرا فيغضب، وإن كان بعد الفاء جاز النصب نحو: ما ضربت زيدا فيغضب إلا تأديبا، وما تأتينا فتحدثنا إلا بخير. انتهى. وإذ قد تقرر هذا فقولنا: ما قام زيد فتأكل إلا طعامه، يجوز فيه النصب؛ لأنه وإن كانت صورته صورة الإيجاب فإنه مؤول بالنفي كما تقدم من أنه بمعنى: ما قام زيد فتأكل غير طعامه، ومن ثمّ لما نقل الشيخ (¬4) عن المصنف ما قاله في شرح الكافية من أن النفي الذي ليس نقيّا خالصا لا جواب له منصوب، نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، وما قام زيد فتأكل إلا طعامه، وإنشاده قول الشاعر: 3871 - وما قام منّا قائم في نديّنا ... فينطق إلّا بالّتي هي أعرف (¬5) - ¬

_ (¬1) وقع سهو من الناسخ هنا، فكتب كلاما سيأتي ذكره؛ فحين قوبلت هذه النسخة على نسخة أخرى ذكر الناسخ المقابل على هامش النسخة (جـ) أن الذي ذكره بدر الدين بعد ورقتين من هذه الورقة، ويبدو أنه انتزع الورقتين اللتين تعدان مكررتين، حتى يستقيم الكلام اللاحق مع الكلام السابق، غير أنه قد ترك جزءا من هذا الكلام المتكرر وهو الذي يمثل أغلبية الوجه الأيمن للصفحة (120) والتي لم نأخذ منها سوى سطرين كما هو مذكور، وقد قابلنا هذا بالنسخة (أ) فوجدنا الكلام مستقيما لا خلل به. (¬2) انظر: الكتاب (3/ 32). (¬3) انظر: التذييل (6/ 618). (¬4) انظر: التذييل (6/ 620، 621). (¬5) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (¬1): أما المسألتان الأوليان؛ فصواب، وأما: ما قام فتأكل إلا طعامه؛ فخطأ، لأنه يجوز النصب، وعلى النصب أنشد سيبويه البيت (¬2)، فمتى وقعت «إلا» بعد الفعل الداخل عليه «الفاء» جاز النصب فيما بعد «الفاء» سواء أكان ما بعد «إلا» معمولا للفعل الذي قبل «الفاء» أو للفعل الذي بعد «الفاء». الأمر الثاني: أنك قد عرفت من كلام بدر الدين أن من النفي المؤول ما قبله استفهام كقولك: ألم تأتنا فتحدثنا بالنصب على معنى: ألم تأتنا محدثا، ومنه قول الشاعر: 3872 - ألم تسأل فتخبرك الرّسوم ... على فرتاج والطّلل القديم (¬3) ولا شك أن المراد بهذا الاستفهام التقرير، وإذا كان تقريرا فالنفي غير مراد، وإذا لم يكن النفي مرادا كان الواجب أن يمتنع نصب الجواب؛ لأن النفي ليس خالصا، ويعضد ذلك قول بعض العلماء المعتبرين ممن تكلم على الألفية: إن المصنف احترز بتقييد النفي بـ «محض» من النفي التالي تقريرا نحو: ألم تأتني فأحسن إليك إذا لم ترد الاستفهام الحقيقي. والتفصيل الذي ذكر في النفي المنتقض بـ «إلا» من كون «إلا» إما أن تذكر قبل «الفاء» أو بعدها لا يتأتى هنا، ولا شك أن نصب الجواب في مثل ذلك وارد عن العرب: قال الشاعر: 3873 - ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودّة والإخاء (¬4) فإن هذا الاستفهام المراد به التقرير بلا ريب و «الواو» و «الفاء» في هذا الباب سيان. والذي يظهر أن يقال: إن النفي المقرون بأداة الاستفهام وإن كانت حقيقة الاستفهام غير مرادة يعطي أحكام النفي الصريح ولهذا يجاب بكلمة «بلى» التي هي مخصوصة بجواب النفي قال الله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (¬5) فلما كان - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 621). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 32). (¬3) تقدم. (¬4) البيت من بحر الوافر وهو للحطيئة في ديوانه (ص 26). وكلمة «فرتاج» سقطت من (جـ) وضبطت «على» بتشديد الياء، وهو خطأ، وفي «أ» تركت مساحتها بيضاء. والشاهد فيه: في قوله: «ويكون» حيث نصب بتقدير: «أن» لوقوع الفعل بعد «واو» المصاحبة الواقعة بعد الاستفهام التقريري. والبيت في الكتاب (3/ 43)، والمقتضب (2/ 72)، والمغني (ص 669)، والعيني (4/ 417)، والتذييل (6/ 634)، والهمع (2/ 13)، والدرر (2/ 10). (¬5) سورة الأعراف: 172.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حكم النفي مجرى عليه وإن اقترن به ما يخرجه [5/ 121] إلى الإثبات جاز أن ينصب ما وقع جوابا له، لكن في إطلاق النفي المؤول على هذا نظر، فإنه لم يؤول بنفي وإنما أجري عليه أحكام النفي إن كان الأمر فيه على ما قلناه. ثم قد عرفت قول بدر الدين: ويجوز أن يكون المراد بالنفي المحض إلى آخره ويكون المراد بالنفي المؤول على هذا، وهو الأقرب - ما يدل عليه بما له مسمى يقرب من معنى النفي فيقام مقامه نحو: «غير» فإنه اسم بمعنى: مخالف إلى آخر ما قاله؛ فقال الشيخ (¬1): لا يصح أن يفسر قول المصنف بهذا التفسير الثاني أعني أنه يكون معنى قوله: مؤول، يريد به مسألة: غير قائم الزيدان فنكرمهما؛ لأن هذا لا يسمى نفيا مؤولا، بل هو موجب مؤول بالنفي؛ لأن التأويل هو صرف الكلام عن ظاهره ومآله إلى غير ما وضع له بحق الأصالة، وإنما يصدق النفي المؤول على مسألة التقرير ومسألة النقض بـ «إلا». انتهى. وكان قد قال (¬2) في قول المصنف: أو مؤوّل: أن تكون صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي. وما ذكره الشيخ لا يظهر، فإن الكلام إذا كانت صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي كان إيجابا لا نفيا، وإذا كان إيجابا فكيف يسوغ نصب الجواب؟ وإنما مراد المصنف عكس ما قاله الشيخ وهو أن يكون الكلام صورته صورة الإيجاب ويؤول بالنفي فيعطى حكمه؛ لأن «إلا» إذا ذكرت بعد النفي كان الكلام إيجابا، فإذا اتفق في بعض التراكيب تأويل ذلك الكلام بنفي عومل ذلك التركيب بما يعامل به النفي الخالص، وإذا كان الأمر على ما قلنا فاعتراض الشيخ على بدر الدين ساقط؛ لأن الصورة المذكورة في الفصل كل منها موجب مؤول بالنفي وليس منها شيء صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي. ولما اعتقد الشيخ أن المراد بـ «مؤول» في قول المصنف: أن تكون صورته صورة النفي وهو مؤول بغير النفي قال في آخر الفصل (¬3): ويرد على قول المصنف: أو مؤول مسألة يصدق عليها أنها نفي أوّل بغيره ولا ينتصب ما بعد «الفاء» جوابا لها - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 620). (¬2) انظر: التذييل (6/ 618). (¬3) انظر: التذييل (6/ 622).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك مسألة: ما زال زيد يأتينا فنكرمه، قال: فهذا نفي في الصورة ومعناه الإيجاب، تقديره: زيد يأتينا كثيرا فنكرمه، فلا يجوز نصب ما بعد الفاء، وكذلك باقي الأفعال التي صورتها منفية وهي موجبة من حيث المعنى. انتهى. ولا شك أن الموجب لهذا كله حمل الكلام على غير ما أريد به وذلك أن المراد بـ «مؤول» إنما هو أن يكون الكلام صورته صورة الإيجاب والمراد به النفي كما قدمنا، والشيخ عكس ذلك، وبالله العجب يورد الشيخ على المصنف: ما زال زيد يأتينا فنكرمه؛ أنه لا يجوز نصب ما بعد «الفاء» فيه، والمصنف قد ذكر المسألة بعينها في شرح الكافية وهي: ما تزال تأتينا فتحدثنا؛ حيث ذكر: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وقال: إن النفي فيهما ليس خالصا، وإنهما لا جواب لهما منصوب كما تقدم ذكرنا لذلك عنه. ومنها: أن ابن عصفور ذكر مسألتين (¬1): الأولى: أن «الفاء» إذا دخلت على الفعل وكان فيه ضمير يعود على ما قبلها فإما أن يرجع الضمير إلى من نفي الفعل في حقّه أو إلى من أوجب في حقّه، فإن رجع إلى من نفي عنه الفعل نصبت وإلا رفعت، مثاله: ما جاءني أحد إلا زيد فأكرمه، فإن جعلت الهاء لـ «أحد» نصبت كأنه قال: ما جاءني أحد فأكرمه، وإن جعلتها لـ «زيد» لم تنصب؛ لأن المعنى: جاءني زيد فأكرمه. الثانية: أن ما قبل الفاء إذا كان له معمول وأخرته إلى ما بعد الفاء نحو: ما ضربت فأهنته زيدا ففيه خلاف: منهم من أجاز ذلك ومنهم من منع (¬2)؛ فالمجيز يقول: إنك لم تفصل إلا بمعطوف على الفعل بخلاف: إن تضرب فهو يكرم زيدا؛ هذا لا يجوز باتفاق؛ لأنك فصلت بما ليس بمعمول للفعل الأول ولا معطوف عليه؛ لأن الجواب ليس محمولا (¬3) على الشرط، فلو كان معطوفا عليه لشاركه في المعنى، والمانع يقول: إن الفعل الذي قبل «الفاء» في تأويل المصدر ولهذا صح النصب، - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الجمل (2/ 154) تحقيق أبو جناح. (¬2) في الهمع (2/ 12) أن الذي أجازه هم الكوفيون والذي منعه هم البصريون وأكثر النحويين. (¬3) في شرح الجمل: «أن تضرب فهو مكرم زيد».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصدر لا يفصل بينه وبين معموله بشيء والصحيح أنه لا يجوز. انتهى. وفي شرح الشيخ بعد ذكره المسألة (¬1): قال أبو بكر (¬2): والصحيح أنه لا يجوز على هذا إزالة شيء عن موضعه. ولنختم الكلام هنا بمسألة: وهي: أنك قد عرفت أن النصب في نحو قولك: ما تأتينا فتحدثنا له معنيان: أحدهما: أنك نفيت الإتيان والحديث معا. والثاني: أنك قد أثبتّ الإتيان ونفيت الحديث. تقرير الأول: أنك جعلت الإتيان سببا للحديث، ثم إنك نفيت الإتيان فانتفى الحديث؛ لأن انتفاء السبب يلزم منه انتفاء المسبب والمعنى: ما تأتينا فيكف تحدثنا؟ وعلى هذا يكون النفي جاريا على قياس أخواته من الأمر والنهي والدعاء والاستفهام والتمني والتحضيض والعرض؛ لأن هذه الأقسام السبعة ما قبل «الفاء» فيها سبب لما بعدها. وتقرير الثاني: أنك لم تقصد إلى جعل الإتيان سببا للحديث، بل قصدت إلى معنى آخر وهو: إثبات الإتيان ونفي الحديث، والمعنى: ما تأتينا محدثا يعني: بل تأتينا غير محدث؛ فلم تقصد السببية في هذا المعنى الثاني بوجه؛ وعلى هذا لا ينبغي أن يطلق القول بأن «الفاء» في الأجوبة الثمانية إذا نصب الفعل بعدها كانت للسببية؛ لأن «الفاء» في هذه الصورة لا يجوز كونها سببية لأن ما بعدها منتف مع أن قبلها ثابت، فكيف يثبت السبب مع انتفاء مسببه؟ وإذا لم تكن السببية مقصودة تعين قصد المعنى الذي تقدمت الإشارة إليه وهو: إثبات الإتيان ونفي الحديث، وتحريره: أن مريد هذا المعنى قصد إلى نفي ترتب ما بعد «الفاء» على ما قبلها، فليس المقصود بمباشرة النفي فعل الإتيان نفي الإتيان بل المقصود به نفي ترتب ما بعد «الفاء» عليه؛ فالمعنى: ما يحصل منك إتيان يترتب [5/ 122] عليه حديث، فالمنفي ترتب الحديث على الإتيان لا الإتيان. فإن قيل: كيف جعلت في المعنى الأول سببا ثم إنك نفيت عنه السببية في المعنى الثاني؟ فالجواب: أن الإتيان ليس سببا عقليّا حتى يستنكر تخلف المسبب عنه، بل إنما هو سبب وضعي، فالمتكلم جعل الإتيان سببا للحديث، ومعنى جعله إياه سببا: أنه جعل - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 623). (¬2) لعله ابن السراج.

[حكم تقديم الجواب المقترن بالفاء على سببه]

[حكم تقديم الجواب المقترن بالفاء على سببه] قال ابن مالك: (ولا يتقدّم ذا الجواب على سببه خلافا للكوفيّين، وقد يحذف سببه بعد الاستفهام، ويلحق بالنّفي التّشبيه الواقع موقعه، وربّما نفي بـ «قد» فينصب الجواب بعدها). ـــــــــــــــــــــــــــــ الحديث ناشئا عنه مترتبا عليه فصار مسببا عن الإتيان بالجعل لا بالعقل، وإذا كان كذلك جاز أن يتخلف عنه، وإذا جاز تخلفه عنه لم يلزم من وجود الإتيان على هذا وجود الحديث ومما يحقق ما قلته أن ابن الحاجب رحمه الله تعالى بعد أن قرر المعنى الأول قال (¬1) مشيرا إلى المعنى الثاني: وهو أن يقصد إلى أن الفعل الثاني لم يحصل عقيب الأول فكأنه نفى وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقيب الأول كما تقول: ما جاءني زيد وعمرو أي: ما جاءا بصفة الاجتماع، ويجوز أن يكون أحدهما جاء. انتهى. وعلى هذا المعنى وهو قصد نفي ترتب الثاني على الأول دون قصد نفي الأول قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يموت لأحد ثلاثة من الولد فتمسّه النّار إلّا تحلّة القسم» (¬2) لأن النفي باشر «يموت» وليس المقصود نفيه، بل المقصود نفي ترتب المس على هذا الذي ذكر وهو موت ثلاثة من الولد، كما قصد نفي ترتب الحديث على الإتيان لا نفي الإتيان (¬3). وحاصل الأمر: أن الفاء تفيد السببية في جميع الصور التي ينتصب الفعل فيها بعدها إلا في إحدى صورتي النفي وهي الصورة التي ذكرناها وهي: ما تأتينا فتحدثنا، إذا أردت: ما تأتينا محدثا بل غير محدث، والذي أحوج إلى هذا الذي كتبته أن بعض الفضلاء استشكل قول النحاة: إن «الفاء» حيث نصب الفعل بعدها تكون للسببية، ثم إنه رأى السببية لا تتصور في هذه الصورة إذا أردنا هذا المعنى، والذي استشكله ظاهر والجواب عنه ما ذكرته، والله تعالى أعلم. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬4): لا يجوز تقديم الجواب بـ «الفاء» - ¬

_ (¬1) انظر: الإيضاح شرح المفصل (2/ 16). (¬2) أورده البخاري في باب الجنائز عن أبي هريرة رضي الله عنه، انظر: صحيح البخاري بشرح السندي (1/ 217، 239) والموطأ (1/ 235) وانظر: الفائق في غريب الحديث للزمخشري (1/ 306) ويعني بتحلة القسم: الورود والاجتياز كما في قوله تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [مريم: 71]. (¬3) هذا الكلام هو مضمون كلام ابن الحاجب في الإيضاح شرح المفصل (2/ 16، 17). (¬4) انظر: شرح التسهيل للإمام بدر الدين (4/ 34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على سببه؛ لأنه معطوف فلا يتقدم على المعطوف عليه، وقال ابن السراج (¬1): وقد أجازوا - يعني الكوفيين - متى فآتيك تخرج؟ ولم فأسير تسير؟ وقد يحذف سبب الجواب بالفاء بعد الاستفهام لدلالة القرينة عليه، قال الكوفيون (¬2): والعرب تحذف الأول مع الاستفهام للجواب، ومعرفة الكلام فيقولون: متى فأسير معك؟ وقال الكوفيون (¬3): «كأنّ» ينصب الجواب معها، قال ابن السراج: وليس بالوجه (¬4)، وذاك إذا كانت في غير معنى التشبيه وهو نحو قولك: كأنّك وال علينا فتشتمنا. وربما نفي بـ «قد» فينصب بعدها الجواب، ذكر ذلك ابن سيده (¬5) وحكي عن بعض الفصحاء: قد كنت في خير فتعرفه، بالنصب على معنى: ما كنت في خير فتعرفه. انتهى. والذي تضمنه كلام المصنف هنا الإشارة إلى مسائل أربع: الأولى: أن الجواب بـ «الفاء» لا يتقدم على سببه، لأن «الفاء» حرف عطف والمعطوف لا يتقدم على المعطوف عليه، ولما لم تكن «الفاء» عاطفة عند الكوفيين أجازوا التقديم؛ لأنه جواب تقدم على سببه مع تقدم بعض الجملة فلم يتقدم على جميع الجملة، ومن مذهبهم جواز تقديم جواب الشرط على الشرط بكماله، قيل: وإذا جوّزوا ذلك في الشرط فلأن يجوزوه هنا مع بقاء بعض الجملة صدرا أولى وأحرى (¬6). المسألة الثانية: أن سبب الجواب بـ «الفاء» قد يحذف بعد الاستفهام لدلالة القرينة عليه وقد تقدم مثال ذلك (¬7)، لكن قال الشيخ (¬8): وينبغي أن يكون ذلك في استفهام - ¬

_ (¬1) انظر: الأصول لابن السراج (رسالة) (2/ 180). (¬2) انظر: التذييل (6/ 630). (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر: الأصول لابن السراج (2/ 180)، والتذييل (6/ 630). (¬5) انظر: التذييل (6/ 630)، والهمع (2/ 12). (¬6) انظر: التذييل (6/ 628). (¬7) وهو ما ذكره الكوفيون من قولهم: متى فأسير معك. (¬8) انظر: التذييل (6/ 630).

[إضمار «أن» وجوبا بعد واو المعية في الأجوبة المذكورة]

[إضمار «أن» وجوبا بعد واو المعية في الأجوبة المذكورة] قال ابن مالك: (فصل: وتضمر «أن» النّاصبة أيضا لزوما بعد «واو» الجمع واقعة في مواضع «الفاء» فإن عطف بهما أو بـ «أو» على فعل قبل، أو قصد الاستئناف بطل إضمار «أن»، ويميّز «واو» الجمع تقدير «مع» موضعها، و «فاء» الجواب تقدير شرط قبلها أو حال مكانها). ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستثبات، بأن يقول القائل: أسير فتقول له: متى؟ فإنك لو اقتصرت على قولك: متى جاز بخلاف أن يكون ابتداء استفهام فإنه لا يجوز فإذا كان كذلك كان الفعل مدلولا عليه بسابق الكلام فكأنه ملفوظ فيجوز ذلك لهذا المعنى. انتهى. وما قاله غير ظاهر؛ فإن الكوفيين صرحوا بأن الحذف إنما هو لدلالة الجواب كما تقدم نقل الإمام بدر الدين لذلك عنهم. المسألة الثالثة: أن النفي قد يلحق به غيره فينصب الجواب حينئذ، والذي ألحق بالنفي شيئان: التقليل والتشبيه، قال المصنف في شرح الكافية (¬1): التقليل يجري مجرى النفي في إيلائه جوابا منصوبا فيقال: قلما تأتينا فتحدثنا كما يقال: ما تأتينا فتحدثنا؛ فجواز هذا وأمثاله متفق عليه، وزاد الكوفيون إجراء التشبيه مجرى النفي نحو: كأنك أسير فنطيعك لأن فيه معنى: ما أنت أمير فنطيعك. المسألة الرابعة: أن «قد» ينفى بها فينصب الجواب بعدها، وتقدم ذكر ما حكاه ابن سيده من ذلك عن بعض فصحاء العرب وهو: قد كنت في خير فتعرفه. قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬2) بعد ذكر «الفاء» ومواقعها: فلو وقع موقع الفاء «واو» مقصود بها المصاحبة نصب الفعل أيضا بعدها على نحو ما ينصب بعد الفاء، فمن ذلك قول الشاعر (¬3): - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (2/ 1555). (¬2) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1547) وما بعدها. (¬3) نسبه في الكتاب (3/ 41) للأخطل، وكذا فعل ابن يعيش (7/ 24)، ونسبه الزمخشري في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3874 - لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (¬1) ومثله قول الآخر (¬2): 3875 - فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى ... لصوت أن ينادي داعيان (¬3) ومثله قول الآخر في النفي: 3876 - ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودّة والإخاء (¬4) ومن النصب [5/ 123] بعد «واو» الجمع الواقعة بعد نفي قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (¬5). ومن النصب بعدها في التمني قوله تعالى: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (¬6) في قراءة حمزة (¬7) وحفص (¬8). قال ابن السراج (¬9): الواو ينصب ما بعدها في غير الواجب من حيث انتصب ما - ¬

_ - المستقصى (2/ 260) للمتوكل الكناني، ونسب لسابق البربري، وللطرماح بن حكيم، والمشهور أنه من قصيدة لأبي الأسود الدؤلي انظر ملحقات ديوانه (ص 130). (¬1) هذا البيت من الكامل. واستشهد به: على نصب المضارع في قوله: «وتأتي» بـ «بأن» مضمرة بعد الواو التي للمصاحبة لوقوعها بعد النهي. وانظر البيت في الكتاب (3/ 41)، والمقتضب (2/ 16) والأصول لابن السراج (2/ 128)، وابن يعيش (7/ 24)، والعيني (4/ 393)، والمغني (ص 361) والخزانة (3/ 617). (¬2) نسب في الكتاب (3/ 45) للأعشى وليس في ديوانه، ونسبه الزمخشري في المفصل (ص 248) لربيعة بن جشم، وابن يعيش (7/ 33) للحطيئة، أو الأعشى، وعزاه ابن بري لدثار بن شيبان النمري. (¬3) هذا البيت من الوافر ومعناه: قلت لهذه المرأة ينبغي أن يجتمع صوتي وصوتك في الاستغاثة فإن أرفع صوت دعاء داعيين. والشاهد فيه: قوله: «وأدعو» حيث نصب بعد الواو التي للمصاحبة لوقوعها بعد الأمر. وانظر البيت في الكتاب (3/ 45) ومعاني القرآن للفراء (2/ 314)، والمفصل (ص 248)، وابن يعيش (7/ 33). (¬4) تقدم. (¬5) سورة آل عمران: 142. (¬6) سورة الأنعام: 27. (¬7) حمزة بن حبيب بن عمارة أحد القراء السبعة، انعقد الإجماع على تلقي قراءاته بالقبول. توفي سنة (156 هـ) انظر طبقات القراء (1/ 261). (¬8) انظر: الحجة لابن خالويه (ص 137) والكشف (1/ 427). (¬9) انظر: الأصول لابن السراج (2/ 154).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد «الفاء» وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الاشتراك بين الفعل والفعل، وأوردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها كما كان في «الفاء» وأضمرت «أن» وتكون الواو في هذا الموضع بمعنى «مع» فقط. وقال ولده بدر الدين (¬1): الواو حرف عطف ويقع المضارع بعدها على أربعة أوجه: لأنه إما مشارك لما قبلها في حكمه، وإما مخالف له وذلك إذا كان ما قبل «الواو» غير واجب وما بعدها إما مستأنف وإما مصاحب عطف لنفي الجمع غير مبني على مبتدأ محذوف أو مبني على مبتدأ محذوف. فإذا قصد بالمضارع بعد «الواو» إشراكه فيما قبلها تبعه في إعرابه، وإن قصد به أنه مستأنف أو مصاحب عطف لنفي الجمع وهو مبني على مبتدأ محذوف رفع كقولك: ما تأتيني وتحدثني على استئناف إثبات الحديث بعد نفي الإتيان، أو على نفي الجمع بين الإتيان والحديث والذهاب إلى معنى: وأنت تحدثنا، وإن قصد به أنه مصاحب عطف لإفادة نفي الجمع وليس مبنيّا على مبتدأ محذوف نصب كقولك: ما تأتينا وتحدثنا على نفي الجمع بين الإتيان والحديث على معنى: ما تأتينا محدثا؛ أي: تأتي ولا تحدث، ونصبه عند الكوفيين (¬2) بـ «الواو» وعند البصريين (¬3) بـ «أن» لازمة الإضمار وما قبل «الواو» في تأويل مصدر معمول لفعل محذوف ليصح العطف عليه والتقدير: ما كان منك إتيان وحديث، فنصبوا الفعل على هذا التأويل ليدلوا على المصاحبة ونفي الجمع، وإنما يكون ذلك في مواضع الفاء. أما الأمر: فكقولك: زرني وأزورك، بالنصب؛ على معنى: زرني مع زيارتي لك، أي: اجمع بين الزيارتين، والتقدير: لتكون زيارة منك وزيارة مني قال الشاعر: 3877 - فقلت ادعي وأدعو إنّ أندى ... لصوت أن ينادي داعيان (¬4) وأما النهي: فكقولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، والتقدير: لا يكن منك أكل السمك وشرب اللبن، ويجوز فيه الجزم على التشريك والنهي عن كل من المفعولين، والرفع على إضمار مبتدأ و «الواو» للحال كأنه قيل: لا تأكل السمك - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 35). (¬2) انظر الهمع (2/ 14). (¬3) المرجع السابق. (¬4) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنت تشرب اللبن أي: في حال شربك اللبن، أو على الاستئناف كأنه قيل: ومشروبك اللبن أكلت السمك أو لم تأكله، فأما قول الأخطل: 3878 - لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم (¬1) فالنصب على معنى: لا تجمع بين أن تنهى وتأتي، ولو جزم كان المعنى فاسدا، ولو رفع جاز على إضمار مبتدأ و «الواو» للحال لا على الاستئناف. وأما الدعاء: فكقولك: رب وفقني وأطيعك، فينصب فيه ما بعد الواو كما في قول الآمر. وأما الاستفهام: فكقولك: هل تأتينا وتحدثنا؟ فتنصب على معنى: هل يكون منك إتيان وحديث، وإن شئت رفعت على الاشتراك في الاستفهام، أو على إضمار مبتدأ وقصد الحال، أو على الاستئناف. وأما النفي: فكقولك: لا يسعني شيء ويعجز عنك (¬2)، كما قال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (¬3)، وقال الأخطل (¬4): 3879 - ألم أك جاركم ويكون بيني ... وبينكم المودّة والإخاء (¬5) وإن شئت رفعت على ما رفعت عليه بعد الاستفهام. وأما العرض: فكقولك: ألا تنزل وتصيب خيرا. وأما التحضيض: فكقولك: هلا أمرت وتطاع، ينصب فيهما (¬6) ما بعد الواو كما في النفي والاستفهام. وأما التمني: فكقولك: ليتك تأتيني وتحدثني، فتنصب على معنى: ليتك تجمع بين الإتيان والحديث، والتقدير: ليتك كان منك إتيان وحديث، ومثله قراءة حمزة وعاصم (¬7): يليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين (¬8)، وإن شئت - ¬

_ (¬1) تقدم. (¬2) من أمثلة الكتاب (3/ 43). (¬3) سورة آل عمران: 142. (¬4) هكذا في نسخة (جـ)، (أ) والصواب أنه للحطيئة. (¬5) تقدم. (¬6) أي: في العرض والتحضيض. (¬7) انظر الحجة لابن خالويه (ص 137)، والكشف (1/ 427)، وقد روى حفص عن عاصم فنسبت القراءة إليه. (¬8) سورة الأنعام: 27.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفعت على الاشتراك بين الفعلين في معنى التمني، أو على إضمار مبتدأ وقصد الحال، أو على الاستئناف. وقد نبّه (¬1) على وجه ترك النصب بإضمار «أن» بعد «أو» و «الفاء» و «الواو» بقوله: فإن عطف بهما أو بـ «أو» على فعل، أو قصد الاستئناف بطل إضمار «أن» يعني أن هذه الأحرف إذا قصد بها عطف ما بعدها على فعل قبلها وإشراكه في حكمه تبعه في الإعراب وبطل النصب بإضمار «أن» وقد فاته التنبيه على بطلان النصب بإضمار «أن» إذا قصد بناء ما بعد هذه الأحرف على مبتدأ محذوف، وقد مضى شرح هذا كله وتمثيله. والأحسن أن يقال: فإن بني ما بعدهما أو بعد «أو» على مبتدأ محذوف أو عطف على فعل قبل، أو قصد الاستئناف بطل إضمار «أن». ويميّز «واو» الجمع من «الواو» العاطفة: صحة تقدير «مع» موضعها؛ لأن «واو» الجمع إنما تكون في مقام نفي أو طلب للجمع بين فعلين، ومتى نفيت أو طلبت فعلا معلقا به «مع» مضافة إلى مصدر فقد أفدت نفي الجمع بين ما قبلها وما بعدها أو طلبه، ألا ترى أنك إذا قلت: لا تأكل السمك وتشرب اللبن فنصبت لأنك جعلت «الواو» للجمع وأردت النهي عن الجمع بين الفعلين لا عن واحد منهما كيف يصح أن تجعل فيه «مع» مكان «الواو» فيقال: لا تأكل السمك مع شرب اللبن؟ [5/ 124] لأنك إذا نهيته عن الأكل المقيد بمصاحبة الشرب فلم تنهه عن الأكل وحده ولا عن الشرب وحده، ولكن عن الجمع بينهما وذلك هو المعنى المراد في النصب. ويميّز «فاء» الجواب من العاطفة: صحة تقدير: شرط قبلها أو حال مكانها؛ لأن المراد بـ «فاء» الجواب الفاء التي يصح نصب الفعل بعدها بإضمار «أن» وتلك هي الواقعة إما قبل مسبب انتفى سببه وأصبح حينئذ تقدير شرط قبل الفاء كما إذا قصد الإخبار بنفي الحديث لانتفاء الإتيان فقلت: ما تأتينا فتحدثنا، فإن يصح فيه أن يقال: ما تأتينا وإن تأتنا فتحدثنا، وإما بين أمرين أريد نفي اجتماعهما فيصح تقدير حال مكانها كما إذا قصدت أن تنفي اجتماع الحديث والإتيان فقلت: ما - ¬

_ (¬1) أي المصنف في متن التسهيل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تأتينا فتحدثنا؛ فإنه يصح فيه أن يقال: ما تأتينا محدثا، فإن النفي إذا دخل على الفعل المقيد بالحال لم ينفه مطلقا إنما ينفيه بقيد تلك الحال فهو ينفي الجمع بينه وبينها وذلك هو المعنى المقصود من النصب على الوجه المذكور. هذا آخر كلام الإمام بدر الدين ولا يخفى حسنه ولطفه. ولنشر هنا إلى أمرين: الأول: كلام ابن عصفور يقتضي أن من شرط صحة النصب بعد «الواو» أن يتقدم عليها فعل أو ما فيه معنى الفعل، وكذا يكون الحكم مع «الفاء» أيضا إذ لا فرق بينهما في الأحكام المذكورة في هذا الفصل، فإنه لما تكلم على الأمور الثمانية قال (¬1): وأما الاستفهام فلا يخلو من أن يدخل على اسم أو فعل، فإن دخل على فعل مثل: أتقوم فنكرمك؟ جاز الرفع على المعنيين: الاستئناف والقطع، والنصب على ما يثبت، فإن دخل على اسم فإما أن يكون ذلك الاسم ظرفا أو مجرورا أو لا: فإن لم يكن لم يجز النصب نحو: أين زيد؟ وهل أخوك زيد فنكرمه؟ لأنه ليس ثمّ ما يدل على مصدر فلم يبق إلا أن يكون مرفوعا، فإن كان ثمّ مجرور أو ظرف نحو: أين بيتك؟ (¬2) أو: أفي الدار زيد؟ تصوّر النصب لأن هذا المجرور قد ناب مناب الفعل ولم يعمل العامل فيه، ألا ترى أنه يتصور اللفظ به فتقول: أفي الدار استقر زيد؟ فلما كان ثمّ ما يدل عليه ولم يكن منسوخا حمل عليه بخلاف: عليك زيدا، إذ لا يلفظ بهذا الفعل هنا أصلا، فلما كان لا يلفظ به لم تجز معاملته فيحمل عليه فيجوز هنا الرفع والنصب. انتهى. وتبعه الشيخ في ذلك لكنه أوضح الكلام في المسألة فقال (¬3): النصب في جواب الاستفهام تارة يكون بعد أداة الاستفهام من الحرف نحو: «الهمزة» و «هل»، وتارة بعد أداته من الاسم ظرفا وغير ظرف، فأما الحرف فنحو قوله تعالى: فَهَلْ - ¬

_ (¬1) هذا مضمون كلام ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 150) وقد تقدم نقل مثل هذا الكلام عن المقرب ولكن ليس بنصه. ولعل النص الذي بين أيدينا في كتاب آخر غير هذين الكتابين. (¬2) لم يظهر لي أن اسم الاستفهام هنا قد دخل على ظرف ولعله خطأ من الناسخ بدليل ذكر «أو» بعده. (¬3) انظر: التذييل (6/ 612، 613) وقد نقله المؤلف بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا (¬1)، وقال الشاعر: 3880 - هل تعرفون لباناتي فأرجو أن ... تقضى فيرتدّ بعض الرّوح للجسد (¬2) فإذا قلت: أيقوم زيد فأكرمه؟ فالرفع على الاستئناف أو العطف، والنصب على الجواب، وإذا تقدم اسم غير استفهام وأخبر عنه بغير مشتق نحو: هل أخوك زيد فأكرمه؟ فالرفع ولا ينصب، فإن تقدمه ظرف أو مجرور نحو: أفي الدار زيد فأكرمه؟ جاز النصب؛ لأن المجرور ناب مناب الفعل. وأما الاسم فنحو ما ورد في الحديث الشريف: «من يدعوني فأستجيب له؟» (¬3)، وقولك: أين بيتك فأزورك؟ ومتى تسير فأرافقك؟ وكيف تكون فأصحبك؟ ويقدر حينئذ مصدر ما تتضمنه الجملة، ففي مثل: أين بيتك فأزورك؟ يقدر: ليكن منك تعريف ببيتك فزيارة مني، وكذا يقدر في: متى تسير؟: ليكن منك تعريف بسيرك فمرافقة مني، لأن معنى أين بيتك؟ عرفني [بمكان] بيتك. ومعنى متى تسير؟: عرفني بوقت (¬4) سيرك. انتهى. ولم يظهر لي منع النصب في نحو: هل أخوك زيد فأكرمه؟ فقد يقال: إذا نصب الجواب يقدر من الجملة السابقة مصدر يعطيه قوة الكلام كما يقدر ذلك في الجملة المصدرة باسم الاستفهام فيقدر هل أخوك زيد فأكرمه؟ بقولنا: ليكن منك تعريف بإخوتك زيدا فإكرام منا، كما لو قيل: من أخوك فنكرمه؟ إذ تقديره: ليكن منك تعريف بإخوتك زيدا (¬5) فإكرام منا. ثم لك أن تقول: إنما يشترط تقدير المصدر في ما قبل إذا كان المذكور قبل «الفاء» أو «الواو» فعلا نحو: هل تزورني فأزورك؟ أو أزورك؟ أما إذا كان المذكور قبل اسما فإن المصدر لا يقدر حينئذ للاستغناء عن تقديره بوجود اسم صريح قبل العاطف، ويدل على صحة ذلك إجماعهم على صحة - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 53. (¬2) تقدم. (¬3) هذا جزء من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رواه البخاري عن أبي هريرة في باب «التهجد بالليل». انظر البخاري بشرح السندي (1/ 200)، وانظر: صحيح مسلم (1/ 522). (¬4) في (جـ)، (أ): وقت، وما أثبته من التذييل. (¬5) هكذا في النسختين، ولعله زائد؛ لأنه لم يجر له ذكر في الجملة المقدرة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النصب دون تقدير المصدر في قول الشاعر: 3881 - ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما (¬1) التقدير: أو إساءتك، وهذا المصدر المقدر معطوف على «رجال»، لا يقال: بين التركيبين فرق، أعني: هل أخوك زيد فأكرمه؟ وقول الشاعر: ولولا رجال ... ... ... البيت فإن «أخوك زيد» جملة و «رجال» مفرد، والعطف الذي الكلام فيه من عطف المفردات لا من عطف الجمل؛ لأنا نقول: والذي في البيت جملة أيضا لأن «لولا» الامتناعية مخصوصة بالجمل، ومعلوم أن الخبر مقدر ولكنه واجب الحذف، فالجملة واقعة في كلا التركيبين، إلا أن إضمار «أن» واجب في أحد التركيبين جائز في الآخر، وكأن المشترط إنما هو وجود اسم متقدم في الجملة، فلا فرق بين «لولا رجال أو أسوءك» ولا بين: 3882 - ولبس عباءة وتقرّ عيني (¬2) وأما كلام ابن عصفور فإن في بعضه تثبيجا (¬3)، والخلاصة منه هو منع ما أشار الشيخ إلى منعه وقد عرفت ما فيه. الأمر الثاني: المراد من قول النحاة: الواو تقع في جواب كذا وكذا، أن «الواو» - ¬

_ (¬1) هذا البيت من بحر الطويل وهو للحصين بن حمام المري كما في الكتاب (3/ 49). الشرح: رزام بن مالك بن حنظلة بن مالك بن عمرو بن تميم، أعزة: جمع عزيز، وسبيع: هو ابن عمرو ابن فتية، وعلقما: ترخيم علقمة وهو ابن عبيد بن عبد بن فتية. والشاهد في البيت: في قوله: «أو أسوءك» حيث نصب الفعل بعد «أو» باضمار «أن» بدون تقدير المصدر فيعطف اسم على اسم. والبيت في الكتاب (3/ 50)، والمحتسب (1/ 326)، والعيني (4/ 411)، والهمع (2/ 10، 17). (¬2) هذا شطر بيت من الوافر وتمامه: أحبّ إليّ من لبس الشّفوف قالته ميسون بنت بحدل الكلبية. زوج معاوية رضي الله عنه - تذكر ضيق نفسها واستيلاء الهم عليها حين تسرى عليها معاوية وعذلها وقال: أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره. والشاهد فيه: نصب «تقر» بعد الواو بـ «أن» مضمرة. والتقدير: ولبس عباءة وقرة عيني، و «الشفوف» بضم الشين: من الثياب الرقاق، والبيت في الكتاب (3/ 45)، والمقتضب (2/ 27)، والمحتسب (1/ 326)، وابن يعيش (7/ 25)، والخزانة (3/ 592، 621)، وشرح التصريح (2/ 244). (¬3) التثبيج: التخليط. انظر: اللسان (ثبج).

[سقوط الفاء من الأجوبة وجزم الفعل]

[سقوط الفاء من الأجوبة وجزم الفعل] قال ابن مالك: (وتنفرد «الفاء» بأنّ ما بعدها في غير النّفي يجزم عند سقوطها بما قبلها، لما فيه من معنى الشّرط لا بـ «إن» مضمرة خلافا لمن زعم ذلك، ويرفع مقصودا به الوصف أو الاستئناف). ـــــــــــــــــــــــــــــ تقع مواقع [5/ 125] «الفاء» في جواب الأمور التسعة لا أن «الواو» وما بعدها جواب لأنهم قد قرروا أن «الواو» تقدر بـ «مع»، ومتى كانت «الواو» بمعنى «مع» لا تكون جوابا، ويدل على ذلك أنه لا ينعقد من الكلام الذي هي فيه شرط وجزاء، إذ ليس معنى «لا تأكل السمك وتشرب اللبن»: إن تأكل السمك تشرب اللبن، ولا: إن لا تأكل السمك تشرب اللبن، وذلك بخلاف «الفاء» فإنها في جواب غير النفي ينعقد من الكلام الذي هي فيه شرط وجزاء، وكذا في جواب النفي الذي تدخل عليه همزة الاستفهام للتقرير؛ لأن ما بعدها متسبب عما قبلها، فمعنى قوله تعالى: لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ (¬1): إن افتريتم سحتكم، وكذا إذا قلت: ليت لي مالا فأنفق منه، معناه: إن أجد مالا أنفق منه، وكذا: 3883 - ألم تسأل فتخبرك الرّسوم (¬2) معناه: إن تسأل تخبرك. وفي شرح الشيخ (¬3): وذهب بعض النحويين إلى أن النصب بعد الواو على معنى الجواب، وتكلف لذلك فقال: معنى «لا تأكل السمك وتشرب اللبن»: إن أكلت السمك فلا تشرب اللبن، وإن شربت اللبن فلا تأكل السمك، وتقديره: إن لم تأكل السمك فاشرب اللبن، وكذلك أيضا: لا يسعني شيء ويعجز عنك، معناه عند غير هذا القائل: أنه لا يصح أن لا يجتمع في شيء واحد بأن يسعني شيء ويضيق عليك أي: نحن مشتركان فيما يضيق ويتسع، ولو رفعت لكان المعنى: لا يسعني شيء ولا يضيق عليك وهو عكس المعنى، وتقديره عند هذا القائل المخالف: إن لم يسعني شيء لم يسعك. قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬4): جواب غير النفي إذا خلا من «الفاء» وقصد الجزاء جزم بما هو له جواب؛ لأنه شبيه بالشرط في جواز وقوعه - ¬

_ (¬1) سورة طه: 61. (¬2) تقدم. (¬3) انظر: التذييل (6/ 643، 644). (¬4) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1551).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعدم جواز وقوعه بالنسبة إلى علم الشخص المتكلم به، بخلاف النفي فإن الشخص المتكلم به محقق لعدم الوقوع فخالف الشرط ولم يكن له جواب مجزوم. وأكثر المتأخرين (¬1) ينسبون جزم جواب الطلب لـ «إن» مقدرة والصحيح أنه لا حاجة إلى تقدير لفظ «إن» بل تضمن لفظ الطلب لمعناها مغن عن تقدير لفظها كما في أسماء الشرط نحو: من يأتني أكرمه، وهذا هو مذهب الخليل وسيبويه (¬2) رحمهما الله تعالى. وقال الإمام بدر الدين (¬3): كل فعل لمأمور به أو منهي عنه فلا بد أن يكون سببا لجلب مصلحة أو دفع مفسدة وإلا فلا فائدة في طلبه، فمن لوازم الأمر بكل فعل أو النهي عنه كونه سببا وشرطا لأمر، فلهذا إذا خلا الجواب في غير النفي من «الفاء» وقصد الجزاء جزم؛ لأنه جواب شرط مقدر دل عليه ما قبل، تقول في الأمر: زرني أزرك، وفي النهي: لا تعص الله تنل رضاه، وفي الدعاء: اللهم ارزقني مالا أتصدق به، فيجزم على تقدير: إن تزرني وإن لا تعص وإن يرزقني، ولك أن ترفع على الاستئناف، أو على أنه حال لمعرفة أو نعت لنكرة، وتقول في الاستفهام: هل تأتينا تحدثنا؟ فتجزم لأنك تريد بالاستفهام الأمر كما في نحو: أَأَسْلَمْتُمْ؟ (¬4) وفَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟ (¬5) فيدل على شرط هذا جزاؤه، وصار بمنزلة قولك: ائتنا تحدثنا، وتقول: أين بيتك أزرك؟ لأن المعنى: عرفني بيتك أزرك، ولك أن ترفع كما بعد الأمر. وتقول في العرض: ألا تنزل تصب خيرا، وفي التحضيض: هلا أمرت تطع، وفي التمني: ليته عندنا يحدثنا، فيجري الجزاء بعدها مجراه بعد الأمر. وأما الترجي: فجزم الجواب بعده غريب أنشده (¬6) في «شرح إكمال العمدة» (¬7) وهو قول القائل: - ¬

_ (¬1) انظر: الأشموني (3/ 310). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 93، 94). (¬3) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 39). (¬4) سورة آل عمران: 20. (¬5) سورة الأنبياء: 108. (¬6) أي المصنف العلامة ابن مالك. (¬7) من مؤلفات ابن مالك النحوية وأشار إليه السيوطي في بغية الوعاة (1/ 131) ولم أعثر عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3884 - لعلّ التفاتا منك نحوي ميسّر ... يمل بك بعد العسر نحوي لليسر (¬1) وأما النفي: فجوابه إن قرن بـ «الفاء» جاز نصبه ورفعه كما سبق، وإن خلا منها رفع على الحال أو النعت أو على الاستئناف، ولم يجز جزمه؛ لأن النفي ليس مثل الطلب في دلالته على الشرط وفي اقتضائه له. واعلم أن الجواب المذكور لا خلاف في أنه جزاء شرط من جهة المعنى ولكن اختلف في الذي عمل فيه الجزم ما هو؟ فقال أكثرهم: الجواب مجزوم بشرط مقدر دل عليه ما قبل (¬2)، وقال قوم (¬3): هو مجزوم بنفس ما قبله لتضمنه معنى الشرط وهو ضعيف؛ لأن التضمين زيادة بتغيير للوضع، والإضمار زيادة بغير تغيير فهو أسهل، ولأن التضمين لا يكون إلا لفائدة ولا فائدة في تضمين الطلب معنى الشرط؛ لأنه يدل عليه بالالتزام فأي فائدة في تضمنه لمعناه؟ (¬4). واختار شيخنا (¬5) رحمه الله تعالى أن الجواب مجزوم بفعل الطلب؛ لما فيه من معنى الشرط أخذا بظاهر كلام سيبويه رحمه الله تعالى، قال في شرح الكافية (¬6): وأكثر المتأخرين ينسبون جزم جواب الطلب لـ «إن» مقدرة، والصحيح أنه لا حاجة إلى تقدير لفظ «إن» بل تضمن لفظ الطلب لمعناها مغن عن تقدير لفظها كما هو مغن في أسماء الشرط، نحو: من يأتني أكرمه، قال: وهذا هو مذهب الخليل وسيبويه رحمهما الله تعالى. ولا شك أن سيبويه قال (¬7): فأما الجزم بالأمر فكقولك: ائتني آتك، وأما الجزم بالاستفهام فكقولك: ألا تأتيني أحدّثك، وأما الجزم بالتمني فكقولك: ليته عندنا يحدثنا، وأما الجزم بالعرض فكقولك: ألا تنزل تصب خيرا، وإنما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب «إن تأتني» بـ «إن تأتني»، ثم قال: وزعم الخليل أن هذه الأقاويل - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، واستشهد به: على أن جزم الفعل «يمل» بعد سقوط الفاء حال كونه واقعا بعد الترجي غريب، والبيت في الهمع (2/ 14)، والدرر (2/ 10)، والتذييل (6/ 646). (¬2) اختار هذا المذهب أبو حيان. انظر: التذييل (6/ 651). وانظر: الهمع (2/ 15). (¬3) يشير بذلك إلى مذهب ابن مالك الذي ذكره في شرح الكافية الشافية (3/ 1551). (¬4) انظر: التذييل (6/ 649). (¬5) أي: العلامة ابن مالك. (¬6) انظر: الكافية الشافية (3/ 1551). (¬7) انظر: الكتاب (3/ 93) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلها فيها معنى «إن» فلذلك انجزم الجواب. وليس [5/ 126] ذلك من سيبويه محمولا على ظاهره، قال السيرافي (¬1): وهذه الأشياء التي ذكرناها من الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض تغني عن ذكر الشرط بعدها ويكتفى بذكرها عن ذكره فلذلك تجوز سيبويه في عبارته فأوهم أن هذه الأشياء هي الجازمة لما بعدها، ثم قال: وهذا من سيبويه مسامحة في اللفظ واتساع كما اتسع في نصب الظرف وقال في نحو: زيد خلفك: نصب بما قبله، ثم حكى عن الخليل ما يدل على حقيقة الجازم، وهذا الذي ذكره السيرافي هو الذي يعول عليه في هذه المسألة والله تعالى أعلم. هذا آخر كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى. ودل على أن العلة المقتضية لجزم الجواب في المسائل المذكورة هو الأمر أو النهي لأنه علل جزم جواب الاستفهام بأن الاستفهام يراد به الأمر، وقال: إن معنى (¬2) «أين بيتك أزرك؟»: عرفني بيتك أزرك، وقال في العرض والتحضيض والتمني: إنها أجريت مجرى الأمر، وهذا يقتضي أن المسوغ للجزم هو معنى الأمر في جميع المسائل المذكورة، وهو غير ما نزع إليه المصنف؛ لأنه قد علل الجزم كما عرفت بقوله (¬3): لأنه شبيه بالشرط في جواز وقوعه وعدم جواز وقوعه بالنسبة إلى علم المتكلم. والذي قاله المصنف أظهر وأقرب إلى الحق لأن كون الاستفهام أمرا غير مسلم، وإنما استفيد الأمر في الآيتين الشريفتين بما انضم إلى الاستفهام وهو قوله في الآية الأولى: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ (¬4) وقوله تعالى في الآية الثانية: قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ (¬5) قبل: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (¬6)، وقوله تعالى بعد: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ (¬7). وأما قوله: إن معنى «أين بيتك أزرك؟»: عرفني بيتك أزرك؟ فيمنعه الخصم ويقول: بل معناه: إن أعرف بيتك أزرك سواء أعرفه المخاطب بذلك أم غيره، فهو خبر لا طلب. - ¬

_ (¬1) انظر: شرح السيرافي للكتاب (رسالة) (4/ 462) وقد نقله بتصرف. (¬2) انظر: شرح التسهيل: (4/ 41). (¬3) أي: في شرح الكافية الشافية. (¬4) سورة آل عمران: 20. (¬5) سورة الأنبياء: 108. (¬6) سورة الأنبياء: 108. (¬7) سورة الأنبياء: 109.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله في العرض والتحضيض والتمني: إن الجزاء يجري بعدها مجراه بعد الأمر؛ فلا يجوز أن يراد به أن المستفاد منها أمر؛ لأن ذلك باطل فتعين أن يكون مراده أنها حملت في جزم أجوبتها على الأمر في جزم جوابه، وإذا كان مراده ذلك يقال له: ما الدليل على هذه الدعوى؟ ثم إن قوله: إذا قصد الجزاء جزم؛ لأنه جواب شرط مقدر دل عليه ما قبل - يحقق أن الجزم إنما سوغه في الجواب تنزل ما قبله منزلة الشرط. وأما كون عامل الجزم في الجواب هو ما قبل «الفاء» الساقطة لما فيه من معنى الشرط فقد عرفت أنه مختار المصنف حيث قال في متن الكتاب: يجزم عند سقوطها بما قبلها لما فيه من معنى الشّرط لا بـ «إن» مضمرة. وتقدم لنا ذكر ما قاله في شرح الكافية من قوله: والصحيح أنه لا حاجة إلى تقدير لفظ «إن» بل تضمن لفظ الطلب لمعناها مغن عن تقدير لفظها كما في أسماء الشرط، وعلمت قوله: إن هذا مذهب الخليل وسيبويه. وتقدم ذكر كلام السيرافي وذكر اختيار بدر الدين أن العامل إنما هو «إن» مقدرة. ولما ذكر الشيخ ذلك قال (¬1): ورد ابن عصفور هذا المذهب - يعني الذي اختاره المصنف - فقال (¬2): التضمين يقتضي أن يكون العامل جملة ولا يوجد عامل جملة في موضع من المواضع، ثم قال الشيخ: وأقول: إن التضمين لا يجوز أصلا لأن المضمن شيئا يصير له دلالة على ذلك الشيء بعد إن لم يكن له دلالة عليه مع إرادة مدلوله الأصلي، فإذا قلت: من يأتني آته، فـ «من» ضمّنت معنى الحرف ودلّت على مدلولها من الاسم فصارت لها دلالتان: دلالة مجازية وهي معنى «إن»، ودلالة حقيقية وهي مدلول الشخص العاقل، وأما في هذه المسائل: فإن قولك: ائتني أكرمك تكون قد ضمّنت «ائتني» معنى «إن تأتني»، فتضمنت معنى «إن» ومعنى الفعل المعمول لها وذلك معنى مركب. ودلّت على معناها الأصلي من الطلب وهو دلالته الحقيقية، ولا يوجد في لسان العرب تضمين لمعنيين، إنما يكون التضمين لمعنى واحد، ولا يقال: إنه تضمن معنى «إن» وحدها لأن فعل الطلب ليس قابلا لتضمن معنى «إن» لتنافيهما؛ لأن الخبر ينافي الطلب، ولا يكون الشيء الواحد طلبا وخبرا. انتهى. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 649). (¬2) انظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 194).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: ليس التضمين المشار إليه هنا هو التضمين الذي ذكره الشيخ وهو التضمين المعروف في الاصطلاح؛ لأن مراد القائل بأن «زرني» من نحو: زرني أزرك تضمّن معنى الشرط: أنّ «زرني» هذه من حيث إن المتكلم يقصد ترتب الثاني على الأول ويجعل الأول سببا للثاني يعطي من المعنى ما يعطيه «إن تزرني» من: إن تزرني أزرك؛ لأن الثاني مرتب على الأول والأول سبب للثاني، فلما كان معنى: زرني أزرك معنى: إن تزرني أزرك قيل: إنه تضمن معنى «إن» أي: تضمن معنى الشرط، فليس هذا التضمين من التضمين المعروف في شيء، كيف وذلك التضمين إنما يكون بالوضع؟ - أعني وضع أصحاب اللسان - وهو أن توضع كلمة لشيء وتضمن مع دلالتها على ذلك الذي وضعت [له] معنى آخر. وأما هذا التضمين فالموجب للقول به الاستعمال في موضع خاص، فـ «زر» بالوضع لا دلالة له على الشرط، ولما قيل: زرني أزرك، وأتي بهذا التركيب الخاص احتيج إلى القول بأنه ضمّن معنى الشرط بمعنى أنه أوقع موقعه، وأريد به ما يراد بالشرط، هذا هو الذي يظهر لي والله تعالى أعلم بما هو الحق. والدليل على أن المصنف لم يرد التضمين الذي ذكره الشيخ قوله في التسهيل مشيرا إلى الجواب يجزم بما قبلها؛ فلم يذكر التضمين بل قال: لما فيه من معنى الشّرط، ولا شك أن هذا منه يحقق ما قررته. وأما قول ابن عصفور: التضمين يقتضي أن يكون العامل جملة ولا يوجد ذلك [5/ 127] في موضع؛ فقد يقال في جوابه: إن الممتنع إنما هو أن تكون الجملة بنفسها هي العاملة دون النظر إلى شيء آخر، أما إذا كان عملها بما تضمنته فغير ممتنع؛ لأن العمل حينئذ كأنه في الحقيقة منسوب لذلك المتضمن، ولما كانت الجملة هي التي تضمنته نسب العمل إليها. ثم إن الشيخ ذكر (¬1) أن في المسألة مذهبا ثالثا: وهو: أن الجزم بهذه الأشياء لا على جهة التضمين، بل على جهة أنها نابت مناب الشّرط، قال: ونعني به أن جملة الشرط حذفت وأنيبت هذه منابها في العمل. والذي يظهر أن هذا ليس مذهبا ثالثا في المسألة: وإنما هو بيان مسوغ جزم الجواب - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 650).

[حكم الجواب المدلول عليه باسم الفعل جزما ونصبا]

[حكم الجواب المدلول عليه باسم الفعل جزما ونصبا] قال ابن مالك: (والأمر المدلول عليه بخبر أو اسم فعل كالمدلول عليه بفعله في جزم الجواب، لا في نصبه خلافا للكسائيّ فيه وفي نصب جواب الدّعاء المدلول [عليه] بالخبر، ولبعض أصحابنا في نصب جواب «نزال» وشبهه، فإن لم يحسن إقامة «إن تفعل» و «إن لا تفعل» مقام الأمر والنّهي لم يجزم جوابهما خلافا للكسائيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ فعدل هذا القائل عن قول من يقول: إن ما قبل حرف العطف الساقط هو الجازم لتضمنه معنى الشرط إلى قوله: إنه أنيب مناب الشرط، فهذا القول هو ذلك القول في المعنى، ويدل على صحة ما قدمت تقريره. ثم قال الشيخ (¬1): والذي نختاره هو إضمار الشرط بعد هذه الأشياء لدلالة معنى الكلام عليه. وكما أنه يجوز حذف الجواب لدلالة الكلام عليه في نحو: أنت ظالم إن فعلت، كذلك يجوز حذف الشرط لدلالة الكلام عليه، بل هذا أولى؛ لأنه بقي له ما يدل عليه وهو الجزاء المجزوم به فقويت الدلالة عليه من جهة ما قبله ومن جهة ما بعده. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬2) رحمه الله تعالى: قد يلحق الأمر [الذي] بلفظ الخبر واسم الفعل بفعل الأمر فيكون لهما جواب مجزوم كقولهم: حسبك ينم الناس، واتقى الله امرؤ، وفعل خيرا يثب عليه، لأنه بمعنى: اكتف، وليتق، وليفعل، ومنه قوله تعالى: تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (¬3) فـ «يغفر» جزم بأنه جواب تُؤْمِنُونَ لكونه في معنى: «آمنوا»، وأجاز الكسائي (¬4) أن يكون للأمر بلفظ الخبر ولاسم الفعل جواب منصوب بعد «الفاء» نحو: صه فأحدّثك، ونزال فأنزل، وحسبك الحديث فينام الناس، والقياس يأبى ذلك لأن المصحح للنصب بعد «الفاء» بإضمار «أن» إنما هو تأول ما قبلها بمصدر ليصح العطف عليه، فإذا كان قبل «الفاء» أمر بلفظ المبتدأ والخبر أو اسم فعل تعذر تأويله بالمصدر لتعذر تقديره صلة لـ «أن» - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 651) وقد نقله المؤلف بتصرف يسير. (¬2) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 41). (¬3) سورة الصف: 11، 12. (¬4) انظر: التذييل (6/ 653).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فامتنع نصب ما بعد «الفاء»، ومن ثمّ لم يوافق الكسائيّ في ما ذهب إليه أحد، إلا أن بعض أصحاب «كتاب سيبويه» وهو أبو الحسن بن عصفور أجاز (¬1) نصب جواب اسم الفعل المشتق من مصدر نحو: نزال ودراك، ولم يجز نصب جواب الأمر بلفظ الخبر، ولا نصب جواب اسم الفعل غير المشتق، وليس (¬2) في كون «نزال» وشبهه مشتقّا من لفظ المصدر ما يسوغ تأويله بالمصدر، فإنه المصحح للنصب في نحو: انزل فأنزل، هو صحة تأول فعل الأمر بالمصدر من قبل أن فعل الأمر يصح أن يقع في صلة «أن» مصدرا كما في نحو: أو عزت إليه بأن افعل، ولا يصح ذلك في اسم الفعل المشتق من المصدر كما لم يصح في غير المشتق فلا فرق بينهما في امتناع نصب الجواب. وقد تقدم أنه لا ينصب جواب الدعاء إلا إذا كان بلفظ الطلب، وحكى الشيخ (¬3) هنا أن الكسائي يجيز نصب جواب الدعاء بلفظ الخبر، ولم ينفرد الكسائي بهذا الجواز فإن ابن السراج حكي ذلك عنه (¬4) ثم قال (¬5): وقال الفراء: إن قلت: غفر الله لزيد فيدخله الجنة جاز. واعلم أن الأمر إنما يجزم بعده المضارع إذا كان جوابا لما يدل عليه دلالة ظاهرة ويستلزمه لزوما بيّنا وهو شرط الفعل المأمور به (¬6)، وعلامة ذلك: صحة تقدير «إن تفعل» مكان الأمر، تقول: ائتني آتك؛ لأنك لما أمرت بالإتيان دل على أنه سبب وشرط لشيء هو عندك الإتيان، فجزمت بناء على ما دل عليه الأمر، كأنك قلت: إن تأتني آتك، وتقول: ائتني لا أزورك أبدا فترفع على الاستئناف، ولا يجوز أن تجزمه على معنى: إن تأتني لا أزورك؛ لأن الإتيان لا يكون سببا لترك الزيارة ولا على معنى: إن لا تأتني لا أزورك؛ لأن لفعل الأمر دلالة ظاهرة على أنه شرط لفائدة فيصح جزم الفعل بعده إذا حسن تقدير «إن تفعل» مكانه وجعل ذلك الفعل جوابا له، وليس لفعل الأمر دلالة ظاهرة على أن تركه شرط لشيء فلا يجوز جزم الفعل بعده بأنه جواب شرط مخالف. - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 149، 150). (¬2) هذا رد من ابن المصنف على ابن عصفور. وانظر: التذييل (6/ 654). (¬3) يعني والده الإمام ابن مالك، ويعني بقوله: «هنا» أي في التسهيل الذي يتناوله بالشرح. (¬4) انظر: الأصول لابن السراج (2/ 186). (¬5) المرجع السابق. (¬6) على هامش النسختين عند هذا الموضع أشار الناسخ إلى أن هاهنا حاشية من خطه رحمه الله وهي: «أي بأن يجعل ذلك الفعل شرطا لما بعده في التقدير» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والنهي فيما ذكرنا كالأمر فإنما ينجزم بعده المضارع إذا كان جوابا لما يدل عليه (¬1) دلالة ظاهرة ويستلزمه لزوما بيّنا وهو شرط ترك الفعل المنهي عنه، وعلامة ذلك: صحة تقدير «إن لا تفعل» مكان النهي، تقول: لا تعص الله تنل رضاه؛ لأنك لما نهيت عن المعصية وطلبت تركها دل على أنه سبب وشرط لشيء وكان ذلك الشيء عندك نيل الرضا؛ فجزمت بناء على ما دل عليه النهي كأنك قلت: إن لا تعص الله تنل رضاه، وتقول: لا تدن من الأسد يأكلك؛ فترفع على الاستئناف، ولا يجوز جزمه على معنى: إن لا تدن من الأسد يأكلك؛ لأن التباعد من الأسد لا يكون سببا لأكله، ولا على معنى: إن تدن من الأسد يأكلك؛ لأن لفعل النهي دلالة ظاهرة على أن تركه شرط لفائدة فيصح جزم الفعل بعده إذا حسن تقدير «إن لا تفعل» مكانه وجعل ذلك الفعل جوابا، وليس لفعل النهي دلالة ظاهرة على أن فعله شرط لشيء فلا يجوز جزم [5/ 128] الفعل بعده بأنه جواب لشرط مخالف، وأجاز الكسائي فيه الجزم كما يجوز فيه النصب بعد «الفاء»، قال سيبويه (¬2): لا تدن من الأسد يأكلك، قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس؛ لأنك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سببا لأكله فإن رفعت فالكلام حسن، وإن أدخلت الفاء فحسن، وذلك قولك: لا تدن من الأسد فيأكلك، وليس كل موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزم ألا ترى أنك تقول: ما تأتينا فتحدثنا، والجزاء هنا محال، وإنما قبح الجزم في هذا؛ لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء إذا دخلت الفاء. ومراد سيبويه بـ «قبيح» أنه غير مستعمل، وب «حسن» أنه مستعمل. وحاصل الفرق بين النصب والجزم بعد النهي: أن الجزم إنما يجوز في فعل يصح كونه جوابا لشرط مقدر دل عليه النهي كما في قولك: لا تدن من الأسد تنج، وأما النصب فإنما يجوز في فعل مسبب عن فعل قبل «الفاء» منهي عنه طلبا لنفي المسبب بانتفاء سببه كما في قولك: لا تعص الله فتدخل النار، فالمجزوم بعد النهي لنفي ما قبله، والمنصوب بعده لازم لثبوت ما قبله، فوضح الفرق بين الموضعين. وتقول: لا تدن من الأسد فتسلم بالرفع على إضمار مبتدأ، أو على الاستئناف، ولا يجوز أن ينصب؛ لأن دنو - ¬

_ (¬1) على هامش النسخة (جـ)، (أ) عند هذا الموضع أشار الناسخ إلى أن هاهنا حاشية من خطه وهي: «أي أن يجعل ترك الفعل شرطا لما بعده تقديرا» اه. (¬2) انظر: الكتاب (3/ 97) وقد نقله بتصرف يسير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسد لا يكون سببا للسلامة فيصح تقديره بـ: إن لا يكن منك دنو فسلامة. وقد جاء من السماع ما يصلح أن يحتجّ به الكسائي كقول بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين: «يا رسول الله، لا تشرف يصبك سهم» (¬1)، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من أكل من هذه الشّجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذنا» (¬2) فيمن رواه بالجزم، ورواية الرفع أكثر، وحمل ما جاء من ذلك على الإبدال أولى من حمله على الشذوذ (¬3). انتهى كلام بدر الدين رحمه الله تعالى. وأنا أشير بعد ذلك إلى أمور: منها: أن تمثيله بقوله: حسبك ينم النّاس، واتّقى الله امرؤ، وفعل خيرا يثب عليه - يعلم منه أن الخبر المستفاد منه الأمر قد يكون جملة اسمية وقد يكون جملة فعلية؛ لأنهم ذكروا أن خبر «حسبك» محذوف لا يظهر وتقديره: حسبك السكوت والجملة ضمّنت معنى: اكتف، كما أن الجملة الفعلية التي هي: «اتقى الله امرؤ» ضمّنت معنى: ليتق الله امرؤ. وذهب جماعة منهم ابن طاهر (¬4) إلى أنه مبتدأ لا خبر له، قالوا: لأن معناه: اكتف، فلم يحتج إلى خبر؛ لأنه في معنى ما لا يخبر عنه. ونقل الشيخ (¬5) عن بعض الجماعة من المغاربة أنه اسم فعل مبني والكاف للخطاب، قال: وإنما ضمّ آخره؛ لأنه قد كان معربا فحمل على «قبل» و «بعد»، قال (¬6): وزعم الأعلم أنه لا خبر له؛ لأنه مهمل والإهمال عنده يرفع الاسم قال: ولما استعمل استعمال ما ليس له خبر وهو: اكتف لم يحتج إلى خبره، وردّ (¬7) ذلك بأن «حسبك» وحده يتم منه كلامه، وكلام تام من جزء واحد غير موجود. ومنها: أن الكسائي إنما أجاز أن يكون للأمر بلفظ الخبر ولاسم الفعل جواب - ¬

_ (¬1) هذه المقولة قالها أبو طلحة رضي الله تعالى عنه للرسول صلّى الله عليه وسلّم يوم أحد. انظر: البخاري بشرح السندي (2/ 314) (باب مناقب الأنصار)، (3/ 23) (كتاب المغازي) والرواية في الموضعين بالرفع. (¬2) هذا الحديث رواه الإمام مالك في الموطأ (1/ 17) والرواية فيه برفع «يؤذينا»، وانظر صحيح مسلم (1/ 394) برواية «ولا يؤذينّا»، (1/ 395) برواية: «فلا يغشنا في مسجدنا». (¬3) انظر: شرح التسهيل: (4/ 44). (¬4)، (¬5) انظر: التذييل (6/ 652). (¬6) أي: الشيخ أبو حيان. انظر: التذييل (6/ 653). (¬7) الراد هو الشيخ أبو حيان. انظر: المرجع السابق.

[حكم الفعل المعطوف بالواو أو الفاء على الشرط أو الجواب]

[حكم الفعل المعطوف بالواو أو الفاء على الشرط أو الجواب] قال ابن مالك: (وقد تضمر «أن» النّاصبة بعد «الواو» و «الفاء» الواقعتين بين مجزومي أداة شرط، أو بعدهما، أو بعد حصر بـ «إنّما» اختيارا، أو بعد الحصر بـ «إلّا» والخبر المثبت الخالي من الشّرط اضطرارا، وقد يجزم المعطوف على ما قرن بـ «الفاء» اللّازم لسقوطها الجزم، والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها «كي» جائز الرّفع والجزم سماعا عن العرب). ـــــــــــــــــــــــــــــ منصوب بعد «الفاء»؛ لأن «الفاء» عنده ليست عاطفة؛ لأن النصب عنده بالخلاف لا بإضمار «أن» كما تقدم، ولكن قد علم فساد هذا القول - أعني أن النصب بالخلاف - وإذا كان فاسدا فالمرتب عليه فاسد. ومنها: أن قول الإمام بدر الدين رادّا على من أجاز النصب في نحو: نزال فأنزل: وليس في كون «نزال» وشبهه مشتقّا من لفظ المصدر ما يسوغ تأويله بالمصدر إلى آخر كلامه - يقتضي أن النصب بعد «الفاء» أو «الواو» في الأجوبة المعروفة من شرطه أن الجملة المتقدمة على أحد الحرفين المذكورين لا بد أن تشتمل على فعل أو ما فيه معنى الفعل من مشتق أو ظرف أو جار ومجرور، وكلام ابن عصفور يقتضي ذلك، وقد تقدم لنا ذكر ذلك عنه عند الكلام على جواب الاستفهام، على أنه قد صرح بذلك في غير الاستفهام. وحاصل ما يطابق عليه كلام ابن عصفور وابن المصنف والشيخ أن الجملة الاسمية المتقدمة إذا لم يكن فيها مشتق ولا ظرف ولا جار ومجرور لا يجوز نصب الجواب المقرون بـ «الفاء» بعدها، وقد تقدم البحث في ذلك، ولا يظهر لي وجه امتناع النصب في: هل أخوك زيد فنكرمه؟ لأن المصدر يمكن تقديره، ولكن الأئمة قد منعوا ذلك فوجب الاستمساك بقولهم. ومنها: أن قول الإمام بدر الدين: واعلم أن الأمر إنما يجزم بعد المضارع إذا كان جوابا لما يدل عليه دلالة ظاهرة إلى آخر الفصل - كلام منقّح، والظاهر أنه من نتيجة فكره وقوة نظره ولا شك أنه أهل لذلك رحمه الله تعالى. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1) رحمه الله تعالى: قد تضمر «أن» - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الناصبة بعد «واو» الجمع و «فاء» الجواب في غير المواضع المذكورة وذلك على ضربين: أحدهما جائز في الاختيار وسعة الكلام، والآخر مخصوص بالضرورة، فيجوز في الاختيار إضمار «أن» الناصبة بعد «الواو» و «الفاء» الواقعتين بين مجزومي أداة شرط أو بعدهما، أو بعد حصر بـ «إنّما». مثال الأول: إن تأتني فتحدثني أكرمك، فتنصب ما بعد «الفاء»؛ لأن الشرط غير واجب فيجوز أن يلحق بالنفي، قال سيبويه (¬1): وسألت الخليل عن قوله: إن تأتني فتحدثني وإن تأتني وتحدثني أحدثك فقال: هذا يجوز والجزم الوجه، ووجه نصبه أنه حمل على الاسم كأنه أراد أن يقول: إن يكن منك إتيان فحديث أحدثك، فلما قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى «أن»؛ لأن الفعل معها اسم، وإنما كان الوجه [5/ 129] الجزم؛ لأنه إذا نصب كان المعنى معنى الجزم فيما أراد من الحديث، وأنشد الشيخ (¬2) رحمة الله تعالى عليه: 3885 - ومن يقترب منّا ويخضع نؤوه ... ولم يخش ظلما ما أقام ولا هضما (¬3) وأما قول زهير: 3886 - ومن لا يقدّم رجله مطمئنّة ... فيثبتها في مستوى الأرض يزلق (¬4) فنصب «يثبت» فيه؛ لأن الفعل المتقدم على «الفاء» منفي ولجواب النفي النصب - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 88) وقد نقله عنه بتصرف يسير. (¬2) أي العلامة ابن مالك، أنشده في شرح العمدة (ص 251). (¬3) هذا البيت من الطويل ولم أهتد إلى قائله. الشرح: قوله: نؤوه: من آواه يؤويه إيواء: إذا أنزله به، والهضم: الظلم من قولهم: رجل هضم ومهتضم، ويروى: «ولا ضيما» وهو بمعناه. والشاهد: في «ويخضع» حيث جاء بالنصب بتقدير «أن»، والعطف على الشرط قبل الجواب بالفاء أو الواو، ويجوز فيه الوجهان: الجزم عطفا على الشرط، والنصب بإضمار «أن» وههنا تعين النصب للوزن. والبيت في المغني (ص 566)، وشرح شذور الذهب (351)، والعيني (4/ 334)، وشرح التصريح (2/ 251). (¬4) هذا البيت من الطويل نسب لكعب بن زهير في الكتاب وليس في ديوانه، قال ابن السيرافي: يريد من لا يضع رجله إذا مشى في موضع يتأمله قبل أن يضعها يزلق، وهذا على طريق المثل، يريد: من لم يتأمل ما يريد أن يفعله قبل أن يفعله لم يأمن أن يقع في أمر يكون فيه عطبه. والشاهد فيه: نصب «يثبتها» بإضمار «أن» بعد «الفاء» على جواب النفي. والبيت في الكتاب (3/ 89)، والمقتضب (2/ 22، 65)، وشرح العمدة (ص 251)، والتذييل (6/ 663)، وابن السيرافي (2/ 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في مجازاة أو غيرها. وأجاز الكوفيون (¬1) نصب المعطوف على الشرط بـ «ثم» كما في «الواو» و «الفاء»، ومنه قراءة الحسن (¬2): (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثمّ يدركه الموت). ومثال الثاني: إن تأتني آتك وأحسن إليك، والوجه فيه الجزم على الاشتراك في معنى الجزاء، والرفع على الاستئناف، ويجوز نصبه بإضمار «أن» على تقدير: إن تأتني يكن إتيان وإحسان، وحكى سيبويه (¬3) أن بعضهم قرأ (¬4): (يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذّب من يشآء)، ثم قال (¬5): واعلم أن النصب بـ «الفاء» و «الواو» في قولك: إن تأتني آتك وأعطيك - ضعيف وهو نحو من قوله: 3887 - وألحق بالحجاز فأستريحا (¬6) فهذا يجوز وليس بحدّ الكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا؛ لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل، فلما ضارع الذي لا يوجب كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه وإن كان معناه كمعنى ما قبله، وأنشد للأعشى: 3888 - ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى ... مصارع مظلوم مجرّا ومسحبا وتدفن منه الصّالحات، وإن يسئ ... يكن ما أساء النّار في رأس كبكبا (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 663). (¬2) في المحتسب (1/ 195): «وقراءة الحسن والجراح: ثم يدركه: بنصب الكاف»، وانظر التبيان للعكبري (ص 385)، والحسن: هو الحسن بن يسار البصري أبو سعيد، تابعي، كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمنه، ولد بالمدينة وشب في كنف علي بن أبي طالب. توفي سنة (110 هـ)، انظر ترجمته في طبقات القراء (1/ 235)، وحلية الأولياء (2/ 131)، وأمالي المرتضى (1/ 152)، والأعلام (2/ 226). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 90) وعبارته: «وبلغنا أن بعضهم قرأ». (¬4) هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. وانظر: الإتحاف (ص 167)، والبحر المحيط (2/ 360). (¬5) أي: سيبويه، انظر: الكتاب (3/ 92) وقد نقله عنه بتصرف يسير. (¬6) تقدم. (¬7) هذان البيتان من الطويل وهما للأعشى، ديوانه (ص 88). الشرح: مجرّا ومسحبا: مصدران ميميان أو اسما مكان و «كبكب» جبل، قيل: هو خلف جبل عرفات مشرف عليها. والمعنى: يقول: من يغترب عن قومه يجري عليه الظلم لعدم ناصره، فتختفي حسناته وتظهر سيئاته، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الثالث: قراءة عبد الله بن عامر رضي الله تعالى عنه: وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (¬1) بالنصب (¬2) على تقدير: فإنما يكون منه كن فيكون من ذلك الأمر وهو نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة من الشعر. فأما قولهم: فإنما هي ضربة من الأسد فيحطم ظهره (¬3)، فمن النصب بإضمار «أن» جوازا لعطف مصدر مؤول على مصدر صريح، والمعنى: هي ضربة فحطمة، لا من باب قراءة ابن عامر. ويختص بالضرورة إضمار «أن» الناصبة بعد الحصر بـ «إلا» كما في قولك: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وبعد الخبر المثبت الخالي من الشرط كقول الشاعر: 3889 - سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا (¬4) أصل الكلام: وألحق بالحجاز فأستريح، ولكن لما كان الروي مفتوحا اضطر فنصب على تقدير: يكون لحاق فاستراحة، ومثله قول طرفة: 3890 - لنا هضبة لا ينزل الذّلّ وسطها ... ويأوي إليها المستجير فيعصما (¬5) وقول الأعشى: 3891 - ثمّت لا تجزونني عند ذاكم ... ولكن سيجزيني الإله فيعقبا (¬6) - ¬

_ - فتكون مشهورة كنار في رأس جبل، والبيتان من قصيدة طويلة للأعشى هجا فيها عمرو بن المنذر. والشاهد: في «وتدفن» حيث نصب بإضمار «أن» وعلل ذلك الأعلم بقوله: لأن جواب الشرط قبله وإن كان خبرا فإنه لا يقع إلا بوقوع الفعل الأول فضارع غير الواجب. وانظر البيتين في المقتضب (2/ 21)، والأعلم بهامش الكتاب (1/ 449) (بولاق) والتذييل (6/ 666)، اللسان «كبب». (¬1) سورة البقرة: 117. (¬2) انظر: الحجة لابن خالويه (ص 88، 300)، والكشف (1/ 260). (¬3) حكاه الكسائي عن العرب برفع «يحطم» ونصبه. انظر: معاني الفراء (2/ 423). (¬4) تقدم. (¬5) هذا البيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد، ديوانه (ص 4). الشرح: قوله: هضبة: كناية عن عزة قومه ومنعتهم، ويأوي: يلجأ، ويعصم: يمنع. والشاهد فيه: نصب «يعصم» بـ «أن» مضمرة بعد الفاء بعد الخبر المثبت وهو ضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 40) والمقتضب (2/ 23)، والمحتسب (1/ 197)، والتذييل (6/ 671). (¬6) هذا البيت من الطويل وهو للأعشى في ديوانه (ص 90) ورواية الديوان: هنالك لا تجزونني. والمعنى: يقول: لا أبتغي بما أصنع منكم جزاء ولكنما أجري على الله، ويقال: أعقبه الله بطاعته: أي جازاه. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يجزم المعطوف على ما قرن بالفاء اللازم لسقوطها الجزم (¬1)، وهي الفاء الواقعة في جواب شرط أو طلب، أما الشرط: فلأنه إذا عطف على جوابه المقرون بالفاء مضارع فالوجه رفعه كقوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (¬2)؛ لأن الكلام الذي بعد «الفاء» أجري مجراه في غير الجزاء، فحق ما عطف عليه أن يكون كذلك، ويجوز فيه النصب بإضمار «أن»، والجزم أيضا بالعطف على موضع «الفاء» كقراءة بعضهم (¬3) من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم في طغيانهم يعمهون (¬4)، ونظّر سيبويه (¬5) الجزم فيه بالنصب في قوله: 3892 - فلسنا بالجبال ولا الحديدا (¬6) وأما الطلب: فإذا عطف على جواب المقرون بـ «الفاء» مضارع كما في قوله: زرني فأزورك وأحسن عشرتك، فلك في المعطوف النصب على التشريك في عمل «أن» المضمرة، والرفع على الاستئناف، والجزم على توهم حذف الفاء، ومنه قراءة بعضهم (¬7): - ¬

_ - والشاهد فيه: نصب «يعقب» بـ «أن» مضمرة بعد «الفاء» الواقعة بعد الخبر المثبت وهو ضرورة، ويجوز أن يريد النون الخفيفة وهو أسهل في الضرورة، والبيت في الكتاب (3/ 39)، والتذييل (6/ 671). (¬1) في (جـ): «للجزم». (¬2) سورة البقرة: 271. (¬3) هي قراءة حمزة والكسائي. انظر: الكشف (1/ 485)، والحجة لابن خالويه (ص 167). (¬4) سورة الأعراف: 186. (¬5) انظر: الكتاب (3/ 91). (¬6) هذا عجز بيت من الوافر قيل لعقيبة الأسدي، الكتاب: (1/ 67) وقيل لعبد الله بن الزبير الأسدي وصدره: معاوي إننا بشر فأسجح الشرح: معاوي مرخم معاوية، وأسجح: ارفق وسهل، يشكو إلى معاوية جور عماله. والشاهد فيه قوله: «ولا الحديدا» حيث نصب عطفا عى موضع «بالجبال» لأن موضعه النصب خبر لـ «ليس» والباء حرف جر زائد، وقد ردّ على سيبويه رواية البيت بالنصب هذه؛ لأن البيت من قصيدة مجرورة معروفة، وبعده ما يدل على ذلك وهو قوله: أكلتم أرضنا فجزرتمونا ... فهل من قائم أو من حصيد قال الأعلم: «وسيبويه غير متهم رحمه الله فيما نقله عن العرب، ويجوز أن يكون البيت من قصيدة منصوبة غير هذه المعروفة، أو يكون الذي أنشده، رده إلى لغته فقبله منه سيبويه منصوبة، فيكون الاحتجاج بلغة المنشد لا بقول الشاعر». والبيت في الكتاب (1/ 67)، والإنصاف (ص 332) وابن يعيش (2/ 109)، والمغني (ص 477)، والخزانة (1/ 343). (¬7) هي قراءة الجميع غير أبي عمرو فإنه قرأ بإثبات الواو والنصب، انظر: الحجة لابن خالويه (ص 346) والكشف (2/ 322).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (¬1)، فالجزم في ذا نظير الجر في قوله: 3893 - ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (¬2) وحكى الفراء (¬3) عن العرب: الرفع والجزم في المضارع المنفي بـ «لا» الصالح قبلها «كي» وأنهم يقولون: ربطت الفرس لا ينفلت ولا ينفلت، وأوثقت العبد لا يفرّ ولا يفرر، قال: وإنما جزم لأن تأويله: إن لم أربطه فرّ فجزم على التأويل، وأنشد لرجل من عقيل: 3894 - وحتّى رأينا أحسن الفعل بيننا ... مجاملة لا يقرف الشّرّ قارف (¬4) ولآخر: 3895 - لو كنت إذ جئتنا حاولت رؤيتنا ... أتيتنا ماشيا لا يعرف الفرس (¬5) بجزم «يقرف» و «يعرف» ورفعهما. هذا آخر كلام بدر الدين (¬6)، وقال والده رحمه الله تعالى في شرح الكافية (¬7): إذا أخذت أداة الشرط جوابها وذكر بعده مضارع بعد «فاء» أو «واو» جاز جزمه عطفا على الجواب، ورفعه على الاستئناف، ونصبه على إضمار «أن»، قال - ¬

_ (¬1) سورة المنافقون: 10. (¬2) هذا عجز بيت من الطويل نسب لزهير، ديوانه (ص 107) وصدره: بدا لي أني لست مدرك ما مضى ومعناه: إن المرء لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا. والشاهد فيه: قوله: «ولا سابق» حيث جره عطفا على «مدرك» لتوهم وجود «الباء» في خبر «ليس»، والبيت في الكتاب (1/ 165)، (2/ 155)، (هارون)، والمغني (ص 96)، والخزانة (3/ 665). (¬3) انظر: معاني القرآن (2/ 283، 383). (¬4) هذا البيت من الطويل، وقوله: يقرف: يقال: قرف الذنب واقترفه: اكتسبه. والشاهد فيه: قوله: «لا يقرف» حيث يروى بالرفع والجزم؛ لأنه مضارع منفي بـ «لا» الصالح قبلها «كي»، وانظر البيت في شرح الكافية الشافية (3/ 1558)، والتذييل (6/ 673) ومعاني القرآن للفراء (2/ 283). (¬5) هذا البيت من البسيط. والشاهد فيه: قوله: «لا يعرف» حيث يروى بالرفع والجزم؛ لأنه مضارع منفي بـ «لا» الصالح قبلها «كي»، والبيت في شرح الكافية الشافية (3/ 1558)، والتذييل (6/ 674) ومعاني القرآن للفراء (2/ 284). (¬6) انظر: شرح التسهيل (4/ 48). (¬7) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1603) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه: فإذا انقضى الكلام ثم جئت بـ «ثمّ» فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت، وكذلك «الواو» و «الفاء»، إلا أنه يجوز النصب بالفاء والواو، وبلغنا أن بعضهم قرأ (¬1): (يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذّب من يشآء). وروي بالأوجه الثلاثة «ونأخذ» من قول الشاعر: 3896 - فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع النّاس والبلد الحرام ونأخذ بعده بذناب عيش ... أجبّ الظّهر ليس له سنام (¬2) وجاز النصب بعد «الفاء» و «الواو» إثر الجزاء؛ لأن مضمونه لم يتحقق وقوعه فأشبه الواقع بعده الواقع بعد الاستفهام. قال: وأنشد الفراء في كتاب «المعاني» (¬3): 3897 - فإن يهلك النّعمان تعر مطيّه ... وتخبأ في جوف العياب قطوعها وتنحط حصان آخر اللّيل نحطة ... تقضّب منها أو تكاد ضلوعها (¬4) فنصب «تخبأ» وجزم «تنحط». - ¬

_ (¬1) هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. انظر: الإتحاف (ص 167)، والبحر المحيط (2/ 360). (¬2) هذان البيتان من الوافر وهما للنابغة الذبياني، ديوانه (ص 105). الشرح: قوله: أبو قابوس: هو كنية النعمان، وقابوس معرب كاووس كطاووس: اسم أحد ملوك الفرس، وقوله: ربيع الناس والبلد الحرام: يريد أنه كان كالربيع في الخصب لمجتديه، وكالشهر الحرام لجاره أي لا يوصل إلى من أجاره كما لا يوصل في الشهر الحرام إلى أحد، وقوله بذناب عيش: ذناب كل شيء - بكسر الذال - عقبه وما يأتي في أواخره، وأجب الظهر: مقطوع الظهر كأنه جمل قطع سنامه، ويقال: بعير أجب وناقة جباء: إذا كان قد قطع سنامها، والسنام: حدبة البعير. والشاهد: في «ونأخذ» فإنه يجوز فيه الرفع على الاستئناف، والنصب بتقدير «أن» والجزم بالعطف على «يهلك»، ويروى «ونمسك بعده» وهي رواية الديوان، والبيتان في معاني الفراء (3/ 24)، والأشموني (4/ 24)، والكتاب (1/ 196) (هارون)، والمقتضب (2/ 179)، والإنصاف (ص 134)، وابن يعيش (3/ 579)، والخزانة (4/ 95). (¬3) انظر: معاني القرآن (1/ 87). (¬4) هذان البيتان من الطويل قالهما النابغة الذبياني، ديوانه (ص 107) من قصيدة يمدح بها النعمان بن الحارث الأصغر الغساني، وكان قد خرج إلى بعض متنزهاته. الشرح: العياب: جمع عيبة وهو ما يوضع فيه الثياب، والقطوع: أداة الرحل وهو جمع قطع كالطنفسة ونحوها، يقول: إن هلك النعمان ترك كل وافد الرحلة ولم يستعمل مطيته وخبأ في جوف العياب الطنفسة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال (¬1): وإن خلا الفعل المتوسط بين الشرط والجزاء من الفاء والواو جزم، وجعل بدلا من الشرط، أو رفع وكان في موضع نصب على الحال، فمثال المجزوم المجعول بدلا (¬2) قول الشاعر: 3898 - متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (¬3) ومثال المرفوع [5/ 130] المقدر في موضع الحال قول الآخر: 3899 - متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد (¬4) - ¬

_ - التي توضع على الرحل استعدادا للرحيل، وقوله: «وتنحط حصان» أي تزفر حزنا لفقده، وتذكرا لمعروفه وفضله، وقوله: «تقضب» أي تزفر حتى تكاد ضلوعها تكسر من شدة الزفير، والتقضب التكسّر، و «الحصان»: المرأة العفيفة، وهي ذات الزوج أيضا، وإنما خص آخر الليل؛ لأنه وقت هبوبها من نومها، فعند ذلك تتذكره، وتزفر من أجله، وأيضا فإنه وقت يرغب فيه العدو الغارة، فتذكر النعمان لذبه عنها ونصره لها. والشاهد فيهما: نصب «تخبأ» بإضمار «أن»، وجزم «تنحط» عطفا على محل «تخبأ»؛ لأن «تخبأ» يصح جزمه عطفا على ما قبله وهو «تعر» الواقع جوابا للشرط، فكان المجزوم بعده معطوفا على محله. والبيتان في معاني القرآن (1/ 87)، والتذييل (6/ 668)، واللسان «نحط». (¬1) أي: ابن مالك. (¬2) قال سيبويه في الكتاب (3/ 86): «وسألت الخليل عن قوله: متى تأتنا تلمم بنا ... البيت قال: «تلمم» بدل من الفعل الأول». (¬3) هذا البيت من الطويل نسب للحطيئة وليس في ديوانه، الشرح: تلمم: مضارع مجزوم من الإلمام وهو الزيارة، والجزل: غلاظ الحطب، يريد أنهم يوقدون الجزل من الحطب لتقوى نارهم فينظر إليها الضيفان على بعد فيقصدونها، وقوله: نارا تأججا: مأخوذ من التأجج وهو التوقد والالتهاب، وفي «تأجج» ضمير يعود إلى النار فكان ينبغي أن يقول: تأججت، وإنما ذكر لأنه في تأويل الشهاب كأنه قال: وشهابا تأجج. والشاهد فيه: جزم «تلمم» لأنه بدل من قوله: «تأتنا» وتفسير له: لأن الإلمام إتيان، ولو أمكنه رفعه على تقدير الحال لجاز والبيت في الكتاب (3/ 86)، والمقتضب (2/ 61)، والإنصاف (ص 583)، وابن يعيش (7/ 53)، والخزانة (3/ 660). (¬4) هذا البيت من الطويل من قصيدة طويلة للحطيئة مدح بها بغيض بن عامر، وقوله: تعشو: أي: تنظر ببصر ضعيف، يريد أنه ابتدأ بالنظر إلى النار على بعد شديد فقصدها بذلك النظر حتى قرب منها فأضاءت له. والشاهد فيه: رفع «تعشو» وتقديره في موضع الحال أي: متى تأته عاشيا، والبيت في الكتاب (3/ 86)، والمقتضب (2/ 63)، وابن يعيش (2/ 66)، والعيني (4/ 439)، والخزانة (3/ 660)، وديوان الحطيئة (ص 25).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى. وإنما ذكرت حكم الفعل الخالي من «الفاء» و «الواو» هنا قبل الدخول في فصل «الجوازم» لتعلقه بما ذكر قبله، ولا يخفى أننا استفدنا من جزم «تنحط» بعد نصب «تخبأ» أن الفعل المعطوف على فعل منصوب واقع بعد فعل الجزاء يجوز فيه ثلاثة الأوجه: النصب والرفع والجزم؛ لأن الجزم إذا جاز كان النصب والرفع أجوز؛ لأن النصب بالعطف على لفظ ما قبله، والرفع على الاستئناف، وأما الجزم فإنما هو على الموضع؛ لأن «تخبأ» مثلا في البيت يجوز فيه الجزم عطفا على ما قبله، فكان المجزوم بعده معطوفا على محله. وإذا عرف ذلك فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب ونقول: قوله: بين مجزومي أداة شرط أراد به الجزم لفظا أو محلّا، فلو كان الفعلان ماضيين كان حكم الفعل الواقع بينهما كذلك ثم إنه لا يلزم ذكرهما معا، فقد يكون الجزاء محذوفا لدليل، ويكون حكم النصب باقيا، قال الشاعر: 3900 - فلا يدعني قومي صريحا لحرّة ... لئن كنت مقتولا ويسلم عامر (¬1) فقوله «ويسلم» واقع بين مذكور ومحذوف، التقدير: لئن كنت مقتولا ويسلم عامر فلا يدعني قومي، وإنما حذف لدلالة ما قبل عليه كقولهم: أنت ظالم إن فعلت. وقوله: أو بعدهما أي: بعد فعلي الشرط، ولا يريد خصوصية الفعل، بل لو كان الجزاء جملة اسمية كان الحكم كذلك، قال الله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ (¬2) قرئ (¬3) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل نسب لقيس بن زهير بن جذيمة، ويعني بقوله: ويسلم عامر أي: عامر بن الطفيل والمراد به القبيلة كما ذكر ابن السيرافي، والشاعر يقول: لئن قتلت وعامر سالم من القتل فلست بصريح النسب حر الأم، ويعني بذلك أنه إن لم يثأر من العامري الذي قتل أباه فلا يدعه قومه صريحا لحرة. والشاهد في البيت: نصب «يسلم» لوقوعه بين الشرط والجزاء مع كون الجزاء محذوفا لدلالة ما قبله عليه، ويجوز الرفع على الاستئناف، قال سيبويه: «والرفع أيضا جائز حسن». انظر: الكتاب (3/ 46)، والمقتضب (4/ 93)، والهمع (2/ 16)، وانظر: الدرر اللوامع (2/ 10). (¬2) سورة البقرة: 271. (¬3) في (جـ): «قرأ». وقد قرأ نافع وحمزة والكسائي بالجزم، وقرأ الباقون بالرفع، ولم يقرأ بالنصب في السبعة. انظر الكشف (1/ 317) والحجة لابن خالويه (ص 102).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (ويكفّر) بالرفع والنصب والجزم على موضع فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (¬1)، على أن الجزم في هذه الآية الشريفة وفي مثلها كقوله تعالى: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (¬2) قد أشار إليه المصنف بقوله: وقد يجزم المعطوف على ما قرن بالفاء اللازم لسقوطها الجزم، وأما النصب في نحو هاتين الآيتين الشريفتين فقد يقال: ليس في كلام المصنف ما يدل على جوازه، لأنه قيّد الكلام أولا بقوله: بين مجزومي أداة شرط وأشار آخرا إلى الجزم بقوله: وقد يجزم المعطوف على ما قرن بالفاء ولم يتعرض إلى ذكر النصب. وفي شرح الشيخ بعد أن مثّل بالآيتين الشريفتين (¬3): ولم يذكر سيبويه (¬4) النصب هنا فلعله منعه لضعفه في الأصل وهو أن يكون فعل الجزاء مجزوما فأجري هنا، قال: والرفع وجه الكلام؛ لأن المعطوف عليه ليس مجزوما. ولا يقبل لفظه الجزم. انتهى. وبعد: فإذا كان النصب ثابتا في إحدى القراءات السبع تعيّن الاعتراف بصحته، وارتفع الإشكال (¬5). ومما نبّه عليه الشيخ (¬6): أن فعل الجزاء لو كان معمولا لغير الشرط فالرفع يحسن نحو: إن تأتني فلن آتيك وأجفوك، وإن أتيتني لم آتك وأجفوك، ويجوز الجزم والنصب، والذي نبه عليه واضح. وأما نصب الفعل بعد الحصر بـ «إنما» فقد عرفت قول المصنف: أو بعد حصر بـ «إنّما» اختيارا. وقال في شرح الكافية بعد أن ذكر إجراء التقليل مجرى النفي في إيلائه جوابا منصوبا (¬7): وكذلك أجروا الحصر بـ «إنما» كقولهم: إنما هي ضربة من الأسد - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 271. (¬2) سورة الأعراف: 186. (¬3) انظر: التذييل (6/ 667). (¬4) استشهد سيبويه بالآيتين الشريفتين ولم يذكر النصب كما أشار إلى ذلك الشيخ أبو حيان. وانظر: الكتاب (3/ 90، 91). (¬5) لم يثبت أن أحدا من القراء السبعة قرأ بالنصب حتى يقول المؤلف ذلك، اللهم إلا أن يريد نفي ثبوت النصب في إحدى القراءات السبع، كأنه يريد أن يقول: فإذا كان النصب ثابتا في إحدى القراءات السبع تعين الاعتراف بصحته وارتفع الإشكال ولكنه لم يثبت. والله أعلم. (¬6) انظر: التذييل (6/ 667). (¬7) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1555).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتحطم ظهره، وعليه قراءة ابن عامر: فإنما يقول له كن فيكون (¬1). وقد عرفت أن بدر الدين خرّج قولهم: إنما هي ضربة من الأسد فيحطم ظهره، على أنه من النصب بإضمار «أن» جوازا لعطف مصدر مؤول على مصدر صريح، والذي قاله حق، وأنه قال بعد أن ذكر قراءة ابن عامر: وهو نادر لا يكاد يعثر على مثله إلا في ضرورة من الشعر. وهذا من بدر الدين رحمه الله تعالى ليس إنكارا لقراءة ابن عامر إذ لا يمكن إنكارها، وإنما هو إنكار أن يكون مقتضى النصب هو الحصر بـ «إنما» فإن ذلك لم يكن مجمعا عليه، إذ ذكر النحاة للنصب مسوغا غير ذلك، فمنهم من قال: إنه جاء على النصب في الواجب، ونسب ذلك إلى الشلوبين (¬2)، وردّ هذا القول بأن النصب في الواجب إنما بابه الشعر (¬3). وقراءة ابن عامر ثابتة بالتواتر، ومنهم من قال (¬4): إن مسوغ النصب وقوع الفعل جوابا للأمر، وردّ (¬5) ذلك أيضا بأن كُنْ هنا ليس أمرا على الحقيقة؛ لأن المعدوم لا يصح خطابه، إنما جرى ذلك على معنى سرعة التكوين كأنه قال تعالى: إنما شأننا مع المقدورات أن تتعلق قدرتنا بها فتكون بغير تأخير، ولا لفظ هناك ولا نطق، فعبّر بالقول عن التعلق. والحاصل: أن القول في الآية الشريفة كناية عن سرعة الخلق والتمكن من إيجاد ما يريد الله تعالى إيجاده، إذ المعدوم لا يؤمر، وخرّج الشيخ (¬6) ذلك على أن يكون من المنصوب بعد الفاء بعد جواب الشرط؛ لأنه تقدّمه: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فـ «إذا قضى» شرط، و «فإنما» جوابه وصار نظير قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ في قراءة من نصب (¬7). وقد يقال للشيخ: المسوغ للنصب بعد «الفاء» إثر الجزاء كون مضمونه لم يتحقق وقوعه كما تقدم، حتى يشبه الواقع بعد الجزاء الواقع بعد الاستفهام، - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 117، وسورة آل عمران: 47، وسورة مريم: 35، وسورة غافر: 68. (¬2) انظر: التذييل (6/ 609). (¬3) الراد هو الشيخ أبو حيان. انظر: المرجع السابق. (¬4) انظر: التذييل (6/ 608). (¬5) هذا كلام الشيخ أبي حيان. انظر: التذييل (6/ 609). (¬6) انظر: التذييل (6/ 609). (¬7) هي قراءة ابن عباس والأعرج وأبي حيوة. انظر الإتحاف (ص 167)، والبحر المحيط (2/ 360).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا شك أن الشرط والجزاء في قوله تعالى: إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ محققا الوقوع، وإذا كانا بهذه الحيثية انتفت مشابهة الاستفهام، وإذا انتفت مشابهة الاستفهام انتفى المسوغ للنصب، والأولى أن يقال: اكتفى في النصب بصورة الأمر، والأمر ينصب جوابه، فلما اشتمل هذا التركيب على صورة أمر وجواب في اللفظ عومل بما يعامل به الأمر والجواب الحقيقيان. وعلى هذا يقال: مجموع الكلام من الأمر والجواب هو الكناية عن سرعة الخلق والإيجاد، لا القول وحده (¬1)، وهذا النوع هو الذي يقال فيه عند أصحاب [5/ 131] علم «البيان»: إنه التمثيل على سبيل الاستعارة. وهو «المجاز المركب» عندهم. وقال الشيخ (¬2): قول المصنف: (اللّازم لسقوطها الجزم)، يشمل صورتين، ويحترز به من صورتين: أما المشمولتان: فأن تكون «الفاء» دخلت على ما لا يقبل الجزم، لكن لو حلّ مكانه ما يقبل الجزم لجزم نحو ما تقدم من قوله تعالى: فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ (¬3) وأن تكون «الفاء» قد دخلت على نفس المضارع فارتفع، فلو حذفت الفاء لا يجزم الفعل على الجواب. وأما الصورتان المحترز عنهما: فإحداهما: لا يلزم لسقوطها الجزم بل يجوز، والثانية: لا يلزم بل يمتنع. فالصورة الأولى: إذا نصبت ما قرن بالفاء بعد فعل الشرط قبل فعل الجزاء، وكان الفعل المنصوب بعد «الفاء» قريبا من معنى الشرط، فإنك إذا حذفت «الفاء» جاز الجزم على البدل من فعل الشرط، وجاز الرفع على أن يكون الفعل في موضع الحال، مثال ذلك: إن تأتني فتمشي إليّ وتحسن إلى خالد أحسن إليك، فلا يجوز في «وتحسن إلى خالد» الجزم لأنه لو سقطت «الفاء» من: «فتمشي إليّ» لما تعين الجزم في: تحسن؛ إذ يجوز فيه الجزم على البدل كما قلنا، ويجوز الرفع على الحال. والصورة الثانية: إذا كان ذلك الفعل ليس قريبا من معنى فعل الشرط، فإنه إذا - ¬

_ (¬1) في هذا الكلام رد من المؤلف على الشيخ أبي حيان الذي ذهب إلى أن القول في الآية كناية عن سرعة الخلق والتمكن من إيجاد ما يريد الله تعالى إيجاده معللا ذلك بأن المعدوم لا يؤمر. (¬2) انظر: التذييل (6/ 672، 673) وقد تصرف فيما نقله عنه. (¬3) سورة البقرة: 271، وانظر: التذييل (6/ 666).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حذفت «الفاء» لا يجوز الجزم فيه، مثال ذلك: إن تركب إليّ فتضحك وتقرأ أحسن إليك، فلا يجوز الجزم في: «وتقرأ»؛ لأنك لو حذفت الفاء من: فتضحك لم يجز الجزم، بل يرتفع الفعل على أنه في موضع الحال. كأنك قلت: إن تركب إليّ ضاحكا وقارئا أحسن إليك. انتهى. وأما قول المصنف: والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها كي جائز الرّفع والجزم سماعا عن العرب فقد عرفت معناه ومثاله من كلام بدر الدين. قال المصنف في شرح الكافية (¬1): وحكى الفراء عن العرب في المضارع المنفي بـ «لا» الجزم والرفع إذا حسن تقدير «كي» قبله، وأنهم يقولون: ربطت الفرس لا ينفلت ولا ينفلت وأوثقت العبد لا يفرّ ولا يفرر، قال: وإنما جزم؛ لأن تأويله: إن لم أربطه فرّ، فجزم على التأويل، قال: وأنشدني بعض بني عقيل: 3901 - وحتّى رأينا أحسن الفعل بيننا ... مساكتة لا يقرف الشّرّ قارف (¬2) وقال: 3902 - لو كنت إذ جئتنا حاولت رؤيتنا ... أتيتنا ماشيا لا يعرف الفرس (¬3) بجزم: يقرف، ويعرف، ورفعهما. انتهى. قال الشيخ (¬4): لم يذكر المصنف ولا ابنه خلافا في هذه المسألة وادّعيا أن العرب تجيز الجزم والرفع في مثل هذا، وقد خالفا في ذلك الخليل وسيبويه (¬5) وسائر البصريين، فكان ينبغي أن ينبه على خلاف هؤلاء، وإذا كان خلاف هؤلاء لا ينقل، ويزعم أن العرب تقول مثل هذا اغترّ بذلك من ليس له اطلاع على مذاهب العرب، ولا على خلاف أئمة العرب، ولكن الظن يسعهما، أما ابن المصنف فلقلة محفوظه، وأما أبوه المصنف فلقلة اعتنائه بكتاب سيبويه، قال سيبويه (¬6) رحمه الله تعالى: وسألته - يعني الخليل - عن: آتي الأمير لا يقطع اللّصّ، فقال (¬7): الجزاء ها هنا خطأ، لا يكون الجزاء أبدا حتى يكون الكلام الأول غير واجب، إلا أن - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1556) وقد سبق أن أورد المؤلف هذا الكلام عن شرح التسهيل لبدر الدين. (¬2)، (¬3) تقدم. (¬4) انظر: التذييل (6/ 674 - 677). (¬5) ليست في التذييل. (¬6) انظر: الكتاب (3/ 101). (¬7) في النسختين: قال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يضطر الشاعر، ولا نعلم هذا جاء في الشعر ألبتة. يعني لا يكون الجزاء أي: لا يكون الجزم، وذكر أن الجزاء خطأ فصرح بأنه خطأ ثم قال: إلا أن يضطر الشاعر ثم قال: ولا نعلم هذا جاء في الشعر، ونفى عن نفسه أن يحفظ مثل هذا في الشعر، هذا على سعة علم الخليل وحفظه ومعرفته، فكيف يدّعي مدّع أن العرب تجزم مثل هذا؟ ثم نقل عن ابن عصفور: أنه تعرض إلى ذكر المسألة في كتبه، وأنه ذكر عن الكوفيين أنهم أجازوا ذلك، وأنه قال بجوازه في الضرورة، وذكر أنه استدل بالبيتين اللذين ذكرهما المصنف، ثم قال: - أعني الشيخ - ويمكن تخريج هذين البيتين على أن تكون «لا» في كل منهما ناهية، ويكون ذلك من باب قولهم: لا أرينّك هاهنا، وقول النابغة: 3903 - لا أعرفن ربربا حورا مدامعه (¬1) فكأنه قال: لا تتعرض فأراك هاهنا، وكذلك لا تتعرضوا للقتال فأعرف ربربا فكذلك يقدر هاهنا: لا تتعرض لغير المجاملة فيقرف الشرّ قارف، أي: فيكتسب الشر مكتسب، ولا تتعرض للركوب فيعرف الفرس فتفتضح، وإذا احتمل أن يكون من باب ما صورته النهي، ويراد به النهي عن غيره وانتفاؤه هو لم يكن في ذلك دليل على جواز الجزم على المعنى الذي ذهب إليه الفراء والكوفيون، ووافقهم المصنف وابنه عليه، وحمله ابن عصفور عليه، ويؤيد هذا التأويل قول الخليل: ولا نعلم هذا جاء في الشعر ألبتة. فانظر تفاوت ما بين كلام المصنف وكلام الناس، هو يقول: العرب تقول كذا، والخليل يقول: هو خطأ، والأستاذ أبو الحسن يقول: هو ضرورة لا يقاس عليها في - ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من البسيط وهو للنابغة، ديوانه (ص 75) وعجزه كما في التذييل (6/ 677). مردّفات على أعقاب أكوار الشرح: الربرب: القطيع من البقر، شبه النساء به في حسن العيون وسكون المشي، وقوله: مدامعه: رواية الديوان والتذييل: مدامعها، وهي مواضع الدمع، وقوله: حورا: جمع حوراء من الحور وهو: شدة بياض العين مع شدة سوادها ومردفات: متتابعات بعضها وراء بعض، وأعقاب: جمع عقب. وعقب كل شيء آخره، وأكوار: جمع كور وهو الرحل بأداته، ويروى: على «أحناء» جمع حنو وهو السرج. والشاهد: في «لا أعرفن» فإن «لا» ناهية، وهي نهي للمتكلم، وهو قليل جدّا. والبيت في المغني (ص 246)، وشرح شواهده (ص 625)، والعيني (4/ 441)، وشرح التصريح (2/ 245)، والأشموني (4/ 3).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشعر. انتهى. ولقد تحامل الشيخ على المصنف في قوله: إنه ادّعى أن العرب تجيز الجزم والرفع في مثل هذا، فإن المصنف لم يدّع ذلك، بل قال كما علمت: وحكى الفراء عن العرب في المضارع المنفي بـ «لا» الجزم والرفع إذا حسن تقدير «كي» قبله إلى آخر كلامه، ولم يسند إلى نفسه شيئا، ولم يثبت ولم ينف، وأما كونه ينسب المصنف إلى قلة اعتنائه بكتاب سيبويه ظنّا منه أنه لم يطلع على ما قاله الخليل وسيبويه في المسألة، فلا يرتضي من الشيخ أن يقول في حق المصنف ذلك مع شهادة المعتبرين له بالتبريز ومن يدرك غوامض الكتاب كيف تخفى عليه ظواهره؟ بل يقال: إن المصنف تأدب مع الخليل وسيبويه غاية التأدب، وذلك أنه لما رأى كلامهما يقتضي عدم جواز الجزم في هذه المسألة، ورأى الفراء - مع جلالة قدره في العلم - وحفظه - حكى الجزم عن العرب ذكر ما حكاه الفراء مقتصرا على ذلك، ولم يحكم من قبل نفسه بشيء، ولا شك أن العرب نطقت بذلك في البيتين اللذين تقدم إنشادهما، ويؤيد ذلك ذكر ابن عصفور [5/ 132] أيضا المسألة المذكورة وإنشاده البيتين المذكورين، فلم يكن المصنف هو المنفرد بهذا الأمر، فقد ذكره غيره كما ذكره هو، والخليل رحمه الله تعالى لم ينف مجيئه إنما نفى العلم بمجيئه. ثم إن الخليل لما قال: إن الجزاء خطأ لا يكون الجزم أبدا، لم يقل المصنف هو مجزوم على الجواب كي لا يناقض كلامه كلام الخليل، بل قال: إن فيه الجزم سماعا عن العرب، ولا شك أنه مسموع نثرا ونظما. وأما كونه جائزا اختيارا أو ضرورة فلم يتعرض إليه المصنف، وأما كونه ضرورة أو غير ضرورة فلم يتعرض المصنف إلى ذكر ذلك، بل قال: حكي عن العرب، ولم يسند الحكاية إليه بل أسند ذلك إلى الإمام الكبير الذي عرفت، وبعد أن ذكر الشيخ ما ذكر قال (¬1): ويمكن تخريج البيتين اللذين استدل بهما المصنف وابنه على جواز الجزم في السعة، وابن عصفور على مجيئه في الضرورة على وجه غير ما ذكروه وهو أن تكون «لا» فيه ناهية، ويكون ذلك من باب قولهم: لا أرينّك ها هنا، وقول النابغة: 3904 - لا أعرفن ربربا حورا مدامعه (¬2) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 676، 677)، وقد سبق أن نقل المؤلف هذا الكلام عن شرح الشيخ. (¬2) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كأنه قيل: لا تتعرض فأراك هاهنا، ولا تتعرضوا للقتال فأعرف ربربا، وهكذا يقدر هنا: لا تتعرض لغير المجاملة فيقرف الشر قارف أي: فيكتسب الشر مكتسب، ولا تتعرض للركوب فيعرف الفرس فتفتضح، قال: وإذا احتمل أن يكون من باب ما صورته النهي ويراد به النهي عن غيره وانتفاؤه هو لم يكن في ذلك دليل على جواز الجزم على المعنى الذي ذهب إليه الفراء والكوفيون، ووافقهم المصنف وابنه عليه، وحمله ابن عصفور عليه، ثم قال (¬1): وقوله: 3905 - لا يعرف الفرس (¬2) من باب: 3906 - على لاحب لا يهتدى بمناره (¬3) أي: لو جئت ماشيا لم يكن معك فرس فيعرف، فنفى عرفان الفرس، والمقصود نفي الفرس، قال: وقول المصنف: (والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها «كي») لا يختص ذلك بأن يكون منفيّا بـ «لا» عند الكوفيين بل متى كان الفعل الموجب سببا للمجزوم، والمجزوم أعم من أن يكون منفيّا بـ «لا» أو مثبتا نحو: يأتي زيد الأمير يفلت اللّصّ، أي: إن يأته يفلت اللص، قال (¬4): لكن المصنف لما رأى تمثيل الفعل منفيّا بـ «لا» والشاهد الذي أنشده منفيّا بـ «لا» أيضا اعتقد أن شرط جواز الجزم أن يكون منفيّا بـ «لا» وليس ذلك بشرط عندهم (¬5)، قال (¬6): فقوله: (الصّالح قبلها «كي»)، ينبغي أن يقول فيه: الصالح قبل الفعل «كي»، وهو معنى قول الكوفيين: أن يكون الفعل الموجب سببا للمجزوم، إلا أن يكون المصنف أحدث قولا ثالثا خالف فيه البصريين والكوفيين؛ لأن البصريين قالوا: ذلك خطأ (¬7)، والكوفيون أجازوه (¬8)، ولم يشترطوا فيه أن يكون - ¬

_ (¬1) أي: الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 677). (¬2) تقدم. (¬3) سبق شرحه والتعليق عليه في باب نوني التوكيد. (¬4) أي: الشيخ أبو حيان. (¬5) أي: عند الكوفيين وهو ما حكاه الفراء. (¬6) أي: الشيخ أبو حيان. (¬7) يشير بذلك إلى مذهب الخليل. (¬8) يشير بذلك إلى ما حكاه الفراء عن العرب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منفيّا بـ «لا» والمصنف شرط ذلك، فهو قول ثالث لم يتقدمه إليه أحد. انتهى. ويا للعجب!! قد عرفت أن المصنف لم يحكم في المسألة المذكورة بشيء من قبل نفسه حتى يقال إنه أحدث قولا ثالثا، ولم ينسب إجازة ذلك إلى بصري ولا كوفي حتى يحتاج أن يشترط في المسألة شيئا أو لا يشترط، وإنما نقل عن الفراء أن العرب تقول: كيت وكيت، والفراء إمام كبير، رأس الكوفيين بعد الكسائي، فمن أجل ذلك قال في التسهيل: والمنفيّ بـ «لا» الصّالح قبلها «كي» جائز الرّفع والجزم سماعا عن العرب مقتديا في ذلك بنقل الفراء. ثم قال الشيخ (¬1): ولم يبين المصنف وجه جواز الرفع ولا وجه جواز الجزم في هذه المسألة، وقد ذكرنا وجه جواز الجزم على مذهب من أجازه، وأنه لوحظ فيه على قولهم معنى الشرط والجزاء وإن لم يكن بأداة ذلك، ولا من الأشياء التي تقدم ذكرها، وأما وجه الرفع فلم أر أحدا تعرض له، ومعنى الكلام يقتضي أنه متعلق بما قبله تعلقا لا يمكن انفصاله منه؛ لأن الكلام في قوة الجملة الواحدة، وليس جملتين مستقلتين؛ لأن المعنى ليس على الإخبار بأنه يأتي الأمير زيد، ثم أخبر بعد ذلك أن الأمير لا يقطع اللص، وإذا لم يكن الكلام جملتين مستقلتين فالجملة الثانية هي في قوة المفرد، وإذا كانت كذلك فلا يمكن أن تكون في موضع الحال لفساد المعنى؛ لأنه لا يريد: ربطت الفرس غير منفلت، ولا: زيد يأتي الأمير غير قاطع اللص، وإنما المعنى: أني ربطت الفرس لئلا ينفلت، وإنّ زيدا يأتي الأمير لئلا يقطع اللص، فهو مفعول من أجله حذفت منه اللام فبقي: ربطت الفرس أن لا ينفلت، وزيد يأتي الأمير أن لا يقطع اللص (¬2)، ثم اتسعت العرب في ذلك فحذفت «أن» فارتفع الفعل على حد ارتفاعه بعد حذف «أن» في قول الشاعر: 3907 - ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 678). (¬2) بعده في النسختين: وزيد يأتي الأمير أن يفلت اللص. وهذه الزيادة لم أر لها معنى هنا. (¬3) هذا صدر بيت من الطويل وهو لطرفة بن العبد البكري، ديوانه (ص 32) وعجزه: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي وهو من معلقة طرفة بن العبد البكري التي أولها: لخولة أطلال ببرقة ثهمد ... وقفت بها أبكي وأبكي إلى الغد -

[جواز إظهار «أن» وإضمارها بعد عاطف على اسم صريح وبعد لام التعليل]

[جواز إظهار «أن» وإضمارها بعد عاطف على اسم صريح وبعد لام التعليل] قال ابن مالك: (تظهر «أن» وتضمر بعد عاطف الفعل على اسم صريح، وبعد لام الجرّ غير الجحوديّة ما لم يقترن الفعل بـ «لا» بعد اللّام فيتعيّن الإظهار، ولا تنصب «أن» محذوفة في غير المواضع المذكورة إلّا نادرا، وفي القياس عليه خلاف). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقولهم: مره يحفرها (¬1)، وقد روي: يحفرها بالجزم على الجواب، وبالنصب على إضمار «أن»، وبالرفع على ما ذكرناه. قال ناظر الجيش: قد تقدم أن «أن» الناصبة لها أحوال ثلاث: وجوب إضمار، وجواز إظهار وإضمار، ووجوب إظهار، ولما انتهى الكلام على الحالة الأولى حصل الشروع الآن في ذكر الحالتين الأخريين وهما جواز الأمرين، ووجوب الإظهار، فجواز الأمرين يكون بعد الحرفين اللذين تقدم ذكرهما وهما: لام الجر غير الجحودية ما لم يلها «لا»، وحرف العطف الواقع قبله اسم وبعده فعل ووجوب الإظهار إذا ولي لام الجر المذكورة «لا» النافية. قال الإمام بدر الدين (¬2): اطرد نصب [5/ 133] المضارع بإضمار «أن» جائزة الإظهار في موضعين: أحدهما: أن يكون الفعل معطوفا على اسم صريح كقول الشاعر: 3908 - ولبس عباءة وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشّفوف (¬3) أراد: ولبس عباءة وأن تقر عيني، فحذف «أن» وأبقى عملها، ولو استقام الوزن بإظهار «أن» لكان أقيس، ولا يختص هنا الإضمار بالمعطوف بـ «الواو» بل يجوز - ¬

_ - الشرح: الزاجري: أي الذي يكفني ويمنعني، ورواية الديوان: ألا أيهذا اللائمي: أي الذي يلومني، والوغى: الحرب، وقوله: وأن أشهد يروى في مكانه: وأن أحضر، والشاعر يقول: أنا لست خالدا ولا بد أن يأتيني الموت يوما، فليس مما يقتضيه العقل أن أقعد عن شهود الحرب ومنازلة الأقران مخافة أن أموت. والشاهد في قوله: «أحضر الوغى» حيث رفع «أحضر» بعد حذف «أن» المصدرية، ويروى «أحضر» بالنصب، بـ «أن» المصدرية المحذوفة، قال الأعلم: (وقد يجوز النصب بإضمار «أن» ضرورة وهو مذهب الكوفيين). والبيت في الكتاب (3/ 99)، وابن يعيش (2/ 7)، والعيني (4/ 402). (¬1) انظر: الكتاب (3/ 99). (¬2) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 48). (¬3) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في المعطوف بغيرها كـ «الفاء» و «ثم» و «أو» فمثاله بالفاء قول بعض الطائيين: 3909 - لولا توقّع معتر فأرضيه ... ما كنت أوثر أترابا على ترب (¬1) ومثاله بـ «ثم» قول الآخر: 3910 - إنّي وقتلي سليكا ثمّ أعقله ... كالثّور يضرب لمّا عافت البقر (¬2) ومثاله بـ «أو» قراءة السبعة إلّا نافعا: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا (¬3) بنصب (يرسل) عطفا على (وحيا،) وأصله: أو أن يرسل رسولا. ومثله قول القائل: 3911 - ولولا رجال من رزام أعزّة ... وآل سليم أن أسوءك علقما (¬4) والثاني: أن يكون بعد لام الجر غير المؤكد للنفي وهي لام التعليل كما في نحو: جئت لتحسن، ولام العاقبة كما في قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً (¬5) والزائدة كما في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ (¬6) فإن الفعل إذا وقع بعد إحدى هذه اللامات كان نصيبا بإضمار «أن» لأن اللام حرف جر فهي كسائر عوامل الأسماء في امتناع دخولها على الأفعال فإذا وليها الفعل وجب أن يكون مقدرا بـ «أن» ليكون معها اسما مجرورا باللام فنصبوه بها وإن - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط ولم يعلم قائله إلّا ما ذكره الإمام بدر الدين من أنه لبعض الطائيين، الشرح: المعتر: المعترض للمعروف، والأتراب: جمع: ترب - بكسر التاء وسكون الراء - وترب الرجل: لدته وهو الذي يولد في الوقت الذي ولد فيه. والشاهد فيه في قوله: «فأرضيه» حيث نصب بعد «الفاء» التي عطف بها على اسم غير شبيه بالفعل. وانظر البيت في شرح التصريح (2/ 244)، والهمع (2/ 17)، والدرر اللوامع (2/ 11). (¬2) البيت من البحر البسيط وهو لأنس بن مدركة الخثعمي. اللغة: سليك: اسم رجل من الصعاليك. أعقله: أدفع دينه. عافت: كرهت الشرب وغيره. الشاهد فيه: نصب «أعقله» بأن مضمرة جوازا بعد «ثم» المسبوقة باسم خالص وهو «قتل». (¬3) سورة الشورى: 51. (¬4) البيت من بحر الطويل وهو للحصين بن الحمام المري، ورزام: حي من تميم. وعلقما: منادى مرخم. الشاهد فيه: نصب «أسوءك» بإضمار «أن» جوازا بعد «أو» المسبوقة باسم خالص وهو كون المقدر بعد «لولا». (¬5) سورة القصص: 8. (¬6) سورة النساء: 26.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شئت أظهرت «أن» نحو: جئت لئلّا يجيء، ولا يجوز إضمار «أن» بعد غير اللام من حروف الجر، خصوها بذلك لكثرة دور معناها في الكلام. وقد تحذف «أن» قبل المضارع في غير المواضع فتلغى غالبا كقولهم: «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (¬1)، وقول الشاعر: 3912 - ألا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي (¬2) وقول الآخر: 3913 - وما راعني إلّا يسير بشرطة ... وعهدي به قينا يفشّ بكير (¬3) تقديره: أن تسمع، وعن أن أحضر، وإلّا أن يسير، ولكنهم رفعوا؛ لأنهم ألغوا «أن» لما ضعفت بالحذف على غير القياس، وقد لا يلغونها فينصبون بها المضارع كقوله: 3914 - فلم أر مثلها خباسة واحد ... ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله (¬4) قال سيبويه (¬5): أراد بعد ما كدت أن أفعله، وهو قليل لا يقاس عليه، ورآه - ¬

_ (¬1) هذا مثل يضرب لمن خبره خير من مرآه، و «المعيديّ»: تصغير معدي بتخفيف الدال، وقال ابن السكيت: هو تصغير معدّي إلّا أنه إذا اجتمعت تشديدة الحرف وتشديدة ياء النسبة خففت ياء النسبة». (¬2) تقدم. (¬3) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: قوله: إلا يسير: يسير: فعل مضارع من السير، ووقع فاعلا لـ «راعني» بتقدير «أن» المصدرية أي: وما راعني إلّا أن يسير، أي سيره، وقوله: بشرطة متعلق بـ «يسير» وهو بضم الشين، وفتح الطاء، بمعنى: الشرطي، والعين: الحداد، ويفش: من فش الكير نفسه: إذا أخرج ما فيه من الريح، و «الكير» بكسر الكاف: كير الحداد وهو زق أو جلد غليظ، والمعنى: أتعجب منه. وقد كان أمس حدادا ينفخ بالكير واليوم رأيته صار والي الشرط. والشاهد في قوله: «إلا يسير» حيث رفع حين حذفت «أن» المصدرية قبله، والبيت في الخصائص (2/ 434)، وابن يعيش (4/ 27). (¬4) هذا البيت من الطويل نسب لعامر بن جوين الطائي أو لعامر بن الطفيل. الشرح قوله: فلم أر: الفاء للعطف. وخباسة: بضم الخاء: المغنم. ونهنهت: زجرت، وما في «ما كدت» مصدرية والتقدير: بعد قربي من الفعل. والشاهد فيه: «أفعله»؛ حيث نصب لأن أصله: أن أفعله فحذفت «أن» وبقي عملها وهو النصب، قاله سيبويه والبيت في الكتاب (1/ 307) (هارون) والإنصاف (561)، والمقرب (1/ 270)، والهمع (1/ 58)، (2/ 18) والدرر (1/ 33)، (2/ 13). (¬5) قال في الكتاب (1/ 307) (هارون): (فحملوه على «أن»؛ لأن الشعراء قد يستعملون «أن» ها هنا مضطرين كثيرا).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفيون مقيسا (¬1)، وحكوا: خذ اللصّ قبل يأخذك (¬2)، وأنشدوا: 3915 - ألأ أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى (¬3) انتهى كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى (¬4). ولما كان الملفوظ به العاطف إذا لم تذكر «أن» فعلا قال المصنف: بعد عاطف الفعل، وإن كان العاطف في الحقيقة إنما عطف اسما مقدرا على الاسم الذي قبله. وقوله: (على اسم) يشمل ما كان مصدرا، وما كان اسما غير مصدر كما في الأمثلة التي ذكرت. وأما قوله: صريح فقال الشيخ (¬5): احترز به من العطف على المصدر المتوهّم، فإن ذلك يجب فيه إضمار «أن»، وما قاله الشيخ غير ظاهر، فإن هذا الكلام يقتضي أن المصدر المتوهم كان مقدرا قبل العطف، فلما جاء العاطف عطف عليه، وليس الأمر كذلك، وإنما لما حصل العطف ونصب الفعل بـ «أن» مقدرة تعين أن يقدر قبل العاطف مصدرا متوهّما ليصح عطف الاسم المقدر عليه، وإذا كان كذلك فلا يتجه القو بأنه احترز بـ (صريح) من العطف على المصدر المتوهم، والذي يظهر بل ربما يتعين أنه احترز بقوله: (صريح) عما احترز عنه بقوله في الألفية: (خالص) حيث قال: وإن على اسم خالص فعل عطف ... تنصبه أن ثابتا أو منحذف وفسر ولده بدر الدين ذلك بأن يكون غير مقصود به معنى الفعل، قال (¬6): واحترز بذلك من نحو: الطائر فيغضب زيد الذّباب، فإن: «يغضب» معطوف على اسم الفاعل، ولا يمكن أن ينصب؛ لأن اسم الفاعل مؤول بالفعل؛ لأن التقدير: الذي يطير فيغضب زيد الذباب. ثم إننا نشير بعد هذا إلى أمرين: أحدهما: أنك قد عرفت من كلام بدر الدين أن «لام الجر» التي يجوز إظهار «أن» بعدها وإضمارها وهي غير التي للجحود ثلاثة أقسام: لام التعليل، ولام العاقبة، والزائدة. - ¬

_ (¬1) انظر: الإنصاف (559) وما بعدها مسألة رقم (77). (¬2) انظر: الأشموني (3/ 315). (¬3) سبق شرحه والتعليق عليه، والشاهد فيه هنا نصب «أحضر» بـ «أن» المصدرية المحذوفة على مذهب الكوفيين. (¬4) انظر: شرح التسهيل (4/ 50). (¬5) انظر: التذييل (6/ 681). (¬6) انظر: شرح ابن الناظم (269).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأما لام التعليل فهي الأصل، وأما لام العاقبة وهي التي تسمى: لام الصيرورة، ولام المآل أيضا (¬1) كالتي في قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً (¬2)، وفي قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها (¬3)، ومنه قول العرب: 3916 - لدوا للموت وابنوا للخراب (¬4) فالمنقول أن المثبت لها الكوفيون (¬5)، وعزي إلى الأخفش أيضا (¬6)، وأن البصريين لا يخرجونها عن التعليل فيجعلونها في مثل ذلك لام السبب على جهة المجاز؛ لأنه لما كان ناشئا عن التقاط موسى صلّى الله عليه وسلّم، كونه صار عدوّا، صار كأنه التقط لذلك، وإن كان التقاطه في الحقيقة إنما كان ليكون لهم حبيبا وابنا (¬7)، وكذلك يقال في الآية الشريفة التي هي وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها، وكذا يقال في قولهم: لدوا للموت وابنوا للخراب قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ... الآية (¬8). - ¬

_ (¬1) لام العاقبة ولام المآل من تسميات البصريين، والصيرورة من تسميات الكوفيين. انظر: البيان في غريب إعراب القرآن (2/ 229)، والمغني (ص 214)، وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (رسالة) (ص 244). (¬2) سورة القصص: 8. (¬3) سورة الأنعام: 123. (¬4) أورد المؤلف هذا القول على أنه منثور، والحق أنه قول منظوم فهو صدر بيت من الوافر وعجزه: فكلكم يصير إلى ذهاب وقد نسب إلى الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - واستشهد به على أن «اللام» في «للموت» وكذا «للخراب» تسمى لام العاقبة ولام المآل أيضا، وهو مذهب الكوفيين. والبصريون يجعلونها لام العلة على جهة المجاز. والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 328)، وشرح التصريح (2/ 12). (¬5) انظر: التذييل (6/ 686). (¬6) انظر: المرجع السابق، وشرح التصريح (2/ 11)، والهمع (2/ 32)، ومنهج الأخفش الأوسط (ص 223) وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (ص 244). (¬7) انظر: التذييل (6/ 687)، والمغني (ص 214)، وشبه الجملة (ص 244). (¬8) يوجد بياض في جميع النسخ وإتماما للفائدة أنقل تعليق الزمخشري على الآية من الكشاف (3/ 309) يقول: «اللام في: لِيَكُونَ هي لام «كي» التي معناها التعليل كقولك: جئتك لتكرمني سواء -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما «اللام» في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ (¬1) فهي ثالثة الأقسام، وقد حكم بدر الدين بزيادتها كما عرفت، لكن قال الشيخ (¬2): دعوى الزيادة على خلاف الأصل. ثم ذكر في نحوها أقوالا ثلاثة: أحدها: للفراء قال (¬3): زعم الفراء (¬4) أن العرب تجعل [5/ 134] لام «كي» في موضع «أن» في أردت وأمرت، قال الله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا (¬5) وأَنْ يُطْفِؤُا (¬6)، إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ (¬7). وقال الشاعر (¬8). 3917 - أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تخيّل لي ليلى بكلّ طريق (¬9) وقال تعالى: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ (¬10)، وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ (¬11)، وإلى ما ذهب إليه الفراء ذهب الكسائي. - ¬

_ - بسواء، ولكن معنى التعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة؛ لأنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوّا وحزنا ولكن المحبة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له وثمرته، شبه الداعي الذي يفعل الفاعل الفعل لأجله وهو: الإكرام الذي هو نتيجة المجيء، والتأدب الذي هو ثمرة الضرب في قولك: ضربته ليتأدب، وتحريره: أن هذه اللام حكمها حكم الأسد، حيث استعيرت لما يشبه التعليل كما يستعار الأسد لمن يشبه الأسد» اه. (¬1) سورة النساء: 26. (¬2) انظر: التذييل (6/ 685). (¬3) انظر: التذييل (683 - 686) وقد نقله عنه بتصرف. (¬4) انظر: معاني القرآن (1/ 221، 261). (¬5) سورة الصف: 8. (¬6) سورة التوبة: 32. (¬7) سورة الأحزاب: 33. (¬8) هو كثير عزة كما ذكر السيوطي في شواهد المغني (ص 581). (¬9) هذا البيت من الطويل، قائله كثير عزة شرح شواهد المغني (ص 581). تمثل لي ليلى بكل سبيل والشاهد في قوله: أريد لأنسى فإن اللام فيه لام «كي» ووضعت في موضع «أن» بعد «أريد» وأصله: أريد أن أنسى وهذا مذهب الفراء والكسائي كما قال الشيخ أبو حيان. والبيت في المغني (ص 216)، وشرح شواهده (ص 65، 580) والمغني بحاشية الأمير (1/ 180)، وحاشية الدسوقي (1/ 227). (¬10) سورة الأنعام: 71. (¬11) سورة غافر: 66.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثانيها: ذهب سيبويه (¬1) وأصحابه إلى أن اللام دخلت هنا لإرادة المصدر، كأنه قيل: الإرادة للبيان وإرادتي لهذا. قال (¬2): وكلا المذهبين ضعيف، أما مذهب الفراء فمبناه على أن اللام عاملة النصب لوقوعها موقع «أن» وقد علم أن اللام حرف جر، وليس من شأنها أن ينصب بها، قال: وقد قال أبو إسحاق (¬3): لو كانت اللام بمعنى «أن» لم يجز اجتماعها مع «كي» لأن «أن» لا تدخل على «كي»، وأما مذهب سيبويه فلوجهين: أحدهما: أنه سبك مصدرا من غير حرف سابك مع الفعل. والثاني: أنه لو كان كما ذهب إليه لجاز: ضربت لزيد على معنى: الضرب لزيد، وهذا لا يجوز. ثالثها: القول بالزيادة، قال (¬4): والصحيح أن اللام في هذين الفعلين كهي مع غيرهما من الأفعال، قال: وإنما حمل الفراء وسيبويه وابن المصنف على ما ذهبوا إليه كونهم لم يجدوا مفعولا لـ «أراد» فجعلوا ما دخلت عليه اللام منصبّا عليه الفعل السابق، فادعى الفراء أن اللام وقعت موقع «أن» ولا سيما وقد وجد ذلك مصرحا به في نحو: وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ (¬5) ويُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا (¬6) فتأول الحرف. وسيبويه تأول الفعل بأن جعله بمعنى المصدر وأنه في موضع رفع بالابتداء، قال (¬7): والذي نختاره ما اختاره بعض أصحابنا من أن مفعول «يريد» محذوف، ومتعلق «أمر» محذوف والتقدير: يريد الله ما يريد ليبين لكم، وأمرنا بما أمرنا لنسلم، وأما قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا، وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ فلا يتعين أن تكون «أن» والفعل متعلق الفعل السابق؛ إذ يحتمل أيضا حذف المفعول وأن «أن» مضمر قبلها حرف الجر؛ لأن حرف الجر يضمر قبلها كثيرا، والتقدير: يريدون ما يريدون من الكفر والمكر أن يطفئوا أي: ليطفئوا، فتكون إذ ذاك لام العلة، وكذلك وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ أي: أمرت بما أمرت أن أسلم أي: - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (3/ 161): «وسألته - يعني الخليل - عن معنى قوله: أريد لأن أفعل، فقال: إنما يريد أن يقول: إرادتي لهذا». (¬2) أي: أبو حيان. (¬3) انظر: معاني القرآن للزجاج (2/ 43). (¬4) أي: أبو حيان. (¬5) سورة غافر: 66. (¬6) سورة التوبة: 32. (¬7) أي: أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن أسلم، قال: فيكون المعنيان في ذكر اللام وحذفها سواء، وحذف المفعول لدلالة المعنى عليه. انتهى. وهذا الذي ذكره من التخريج في يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا، وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ يبعد وإذا كان ما بعد «يريدون» و «أمرت» صالحا لتسلطهما عليه استغنى عن تقدير مفعول محذوف، ويدل على أن أَنْ يُطْفِؤُا، وأَنْ أُسْلِمَ متعلقان بما قبلهما قوله تعالى: إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها (¬1) فإن المقصود من هذه الآية الشريفة الحصر، إذ المعنى: ما أمرت إلا بعبادة الله تعالى، وإذا جعل التقدير: إنما أمرت بما أمرت لأن أعبد فات معنى الحصر مع أنه هو المقصود، وإذا ثبت في ذلك في هذه الآية الشريفة تعيّن أن يثبت في ما هو نظيرها، والمحوج إلى تقدير مفعول محذوف في نحو قوله تعالى يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، ويُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا، ووَ أُمِرْنا لِنُسْلِمَ إنما هو عدم صلاحية مدخول «اللام» للمفعولية، فإذا كان ما بعد يُرِيدُونَ» أو أُمِرْتُ * صالحا لأن يكون مفعولا انتفى الاحتياج إلى التقدير (¬2). الأمر الثاني: أن الشيخ ذكر في شرحه فروقا بين اللامين - أعني لام الجحود ولام «كي» - فقال (¬3): «ولما كان بين لام الجحود ولام «كي» قدر مشترك من كونهما حرفي جر، وكونهما تضمر «أن» بعدهما - وإن اختلفت جهتا الإضمار - فإنه واجب مع لام الجحود جائز مع لام «كي»، أردنا أن نذكر ما بينهما من الفرق: فمنها: ما ذكر من حكم الإضمار (¬4). ومنها: أن فاعل لام الجحود لا يكون غير مرفوع «كان» فلا يجوز: ما كان زيد ليذهب عمرو. - ¬

_ (¬1) سورة النمل: 91. (¬2) أي انتفى الاحتياج الى تقدير مفعول محذوف وإضمار حرف الجر قبل «أن» وثبت أن قوله تعالى: أَنْ يُطْفِؤُا وأَنْ أُسْلِمَ متعلقان بما قبلهما، وهذا رد على أبي حيان الذي ذهب إلى احتمال حذف المفعول وإضمار حرف الجر قبل «أن» وما ذهب إليه المؤلف أولى لبعده عن التكلف بعدم التأويل لأن ما بعد «يريدون» و «أمرت» صالحا لتسلطهما عليه. (¬3) انظر: التذييل (6/ 687 - 689) وقد نقله المؤلف عنه بتصرف. (¬4) أي إضمار «أن» من حيث وجوبه مع لام الجحود وجوازه مع لام «كي».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنه لا يقع قبلها فعل مستقبل فلا تقول: لن يكون زيد ليفعل، ويجوز ذلك في الفعل قبل لام «كي» فتقول: سأتوب ليغفر الله لي. ومنها: أن الفعل المنفي لا يكون مقيدا بظرف فلا يجوز: ما كان زيد أمس ليضرب عمرا، أو يوم كذا ليفعل، ويجوز ذلك في الفعل قبل لام «كي» فتقول: جاء زيد أمس ليضرب عمرا. [ومنها: أنه لا يوجب الفعل معها فلا يجوز: ما كان زيد إلا ليضرب عمرا] ويجوز ذلك مع لام «كي» فتقول: ما جاء زيد إلا ليضرب عمرا. [ومنها: أنه لا يقع موقعها «كي» لا تقول: ما كان زيد كي يضرب عمرا]. ويجوز ذلك في لام «كي» فتقول: جاء زيد كي يضرب عمرا. ومنها: أن المنصوب بعدها لا يكون سببا فيما قبلها، وهو كذلك بعد لام «كي». ومنها: أن النفي متسلط مع لام الجحود على ما قبلها وهو المحذوف الذي تتعلق به اللام، فيلزم من نفيه نفي ما بعد اللام، وذلك على مذهب البصريين (¬1)، وفي لام «كي» يتسلط على ما بعدها نحو: ما جاء زيد ليضربك، فينتفي الضرب خاصة ولا ينتفي المجيء إلا بقرينة تدل على انتفائه. ومنها: أن لام الجحود لا تتعلق إلا بمعنى الفعل الواجب حذفه، فإذا قلت: ما كان زيد ليقوم فكأنك قلت: ما كان زيد مستعدّا للقيام، يقدّر في كل موضع ما يليق به على حسب مساق الكلام، ففي قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ (¬2) تقديره: مريدا لإطلاعكم على الغيب، وأما لام «كي» فإنها متعلقة بالفعل الظاهر الذي هو معمول للفعل الذي دخلت عليه. ومنها: أن لام الجحود تقع بعد ما لا يستقل أن يكون كلاما دونها، ولام «كي» لا تقع إلا بعد ما يستقل كلاما، فأما قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) الذين يرون أن ما بعد اللام ليس خبرا لـ «كان» وإنما الخبر محذوف وقدروه في: ما كان زيد ليفعل: ما كان زيد مريدا ليفعل، واللام متعلقة بذلك المحذوف على مذهبهم، وذهب الكوفيون إلى أن ما بعد اللام هو الخبر واللام للتوكيد، وانظر: الأشموني (3/ 292، 293). (¬2) سورة آل عمران: 179.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3918 - فما جمع ليغلب جمع قومي ... مقارنة ولا فرد لفرد (¬1) فظاهره أن لام «كي» دخلت بعد ما لا يستقل كلاما؛ لأنه لم يتقدمها إلا قوله: فما جمع وليس بكلام، وتأوله الفراء (¬2) على أن لام [5/ 135] «كي» دخلت على اسم لا فعل له؛ لأن الاسم مأخوذ من الفعل ودالّ عليه، والتقدير عنده: فما قوم يجتمعون ليغلبوا، فأدى «جمع» هذا المعنى، وهذا التأويل ليس بجيد؛ لأن لام «كي» مع ما بعدها من الفضلات وما قبلها لا يكون إلا مستقلّا، ولو صرح بقوله: فما قوم يجتمعون لم يكن أيضا كلاما. وتأوّله بعض أصحابنا على أن اللام فيه لام الجحود و «كان» مضمرة لدلالة المعنى عليه، التقدير: فما كان جمع ليغلب جمع قومي، قال (¬3): قال هذا المتأوّل: ونظير ذلك قول أبي الدرداء (¬4) في الركعتين بعد العصر: «ما أنا لأدعهما» (¬5)، أي: ما كنت لأدعهما، فأضمر «كان» فانفصل الضمير الذي هو اسمها. انتهى ما أشار إليه من الفروق، ولا يخفى أن بعض ما ذكره غير محتاج إلى التنبيه عليه؛ لأن ذلك يعرف من جهة المعنى الذي وضع الحرف له مثلا قوله: إن المنصوب بعد لام الجحود لا يكون سببا فيما قبلها، بخلاف لام «كي»، يقال فيه: كيف يتصور ذلك ولام «كي» إنما هي للتعليل؟ فوضعها أن تكون داخلة على ما هو علة وسبب، ولام الجحود وضعها أن تكون لتوكيد النفي الذي تقدمها، فالمنافاة بينهما في ذلك حاصلة بالوضع. وكذا قوله أولا: إن إضمار «أن» مع لام الجحود واجب ومع لام «كي» - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر لقائل مجهول. والشاهد فيه قوله: «فما جمع ليغلب» حيث يوحي ظاهره بأن لام «كي» دخلت بعد ما لا يستقل كلاما وهذا ليس من شأنها، وتأوله الفراء على أن لام «كي» دخلت على اسم لا فعل له، والتقدير عنده: فما قوم يجتمعون ليغلبوا. وأولوه على أن اللام فيه لام الجحود و «كان» مضمرة بعد النفي، والتقدير: فما كان جمع ليغلب جمع قومي. والبيت في المغني (ص 212)، وشرح شواهده (ص 562)، والأشموني (3/ 293). (¬2) انظر: الارتشاف (2/ 401) تحقيق د/ مصطفى النحاس. (¬3) أي: أبو حيان. (¬4) أبو الدرداء: اسمه عويمر بن زيد، صحابي جليل، حكيم هذه الأمة، وسيد القراء بدمشق، توفي سنة (33 هـ). انظر ترجمته في طبقات القراء (1/ 606)، والإصابة (3/ 46)، وسير أعلام النبلاء (2/ 335). (¬5) انظر: المغني (ص 212)، والأشموني (3/ 294).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جائز. فإن هذا هو حكم كل منهما. وحاصل الأمر: أن الحرفين المذكورين لم يكن بينهما اجتماع في شيء فيحتاج إلى أن يفرق بينهما، غاية ما في الباب أن لفظهما مشترك فيه بين المعنيين، وأما في المعنى فليس بينهما اشتراك في شيء منه، وإنما يحتاج إلى الفرق بين أمرين إذا اشتركا في معنى وافترقا في آخر. وأما قول المصنف: ولا تنصب «أن» محذوفة في غير المواضع المذكورة إلّا نادرا، وفي القياس عليه خلاف فظاهر، لكن في كلام الشيخ أن حذف «أن» من أصله في غير المواضع المذكورة فيه خلاف، فإنه قال في الارتشاف (¬1): ولا يجوز أن تحذف «أن» في غير ما تقدم ذكره، بل يجب إظهارها، هذا مذهب جماعة؛ منهم متأخرو أصحابنا، وذهب جماعة إلى أنه يجوز حذفها في غير تلك المواضع، واختلفوا فذهب أكثرهم إلى وجوب رفع الفعل بعد الحذف، وهو مذهب أبي الحسن (¬2)، ومذهب أبو العباس (¬3) إلى أن العمل يبقى بعد الحذف. انتهى. ولكنه استشهد في الشرح (¬4) على الحذف بعد ذكر الأبيات التي تقدم إنشادها بقوله تعالى: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ (¬5) أي: أن أعبد، وبقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (¬6) أي: أن لا تعبدوا إلا الله. وبعد أن ثبت الحذف في هاتين الآيتين الشريفتين كيف يسوغ القول بمنعه؟ على أن الشيخ بعد ذكر آيات الكتاب العزيز، وذكر ما تقدم من الأبيات قال (¬7): وفي هذه الشواهد دليل على جواز الحذف ثم قال: ولأن الحذف مع لام «كي» وبعد العاطف على اسم إنما هو للدلالة على الناصب وكذلك في هذه المواضع؛ لأن العامل إذا تسلط على الفعل - وليس من عوامله - علم أنه لا يعمل فيه فاحتيج إلى سابك لذلك الفعل إلى الاسم فجاز الحذف لهذا المعنى. انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: الارتشاف (2/ 422، 423). (¬2) انظر: الهمع (2/ 17)، ومنهج الأخفش الأوسط (ص 255). (¬3) انظر: الهمع (2/ 17)، والإنصاف (ص 559) وما بعدها مسألة رقم (77). (¬4) انظر: التذييل (6/ 691). (¬5) سورة الزمر: 64. (¬6) سورة البقرة: 83. (¬7) التذييل والتكميل (6/ 691).

[«أن» الزائدة ومواضع ذلك و «أن» المفسرة وأحكام لها]

[«أن» الزائدة ومواضع ذلك و «أن» المفسرة وأحكام لها] قال ابن مالك: (فصل: تزاد «أن» جوازا بعد «لمّا» وبين القسم و «لو»، شذوذا بعد كاف الجرّ، وتفيد تفسيرا بعد معنيّ القول لا لفظه، وتفيده «أي» غالبا فيما سوى ذلك، وتقع بين مشتركين في الإعراب فتعدّ عاطفة على رأي، وإن ولي «أن» الصّالحة للتّفسير مضارع معه «لا» رفع على النّفي، وجزم على النّهي، ونصب على النّفي وجعل «أن» مصدرية ولا تفيد «أن» مجازاة خلافا للكوفيين ولا نفيا خلافا لبعضهم). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما توجيه وجوب الرفع بعد حذف «أن» فظاهر؛ لأن المقتضي للعمل قد زال، ولأن عمل «أن» ضعيف ليس بأصل، بل بالحمل على عوامل الأسماء، فلا يناسب إبقاء العمل بعد حذفها (¬1). قال ناظر الجيش: «أن» أربعة أقسام: مخففة من «أنّ»، وناصبة للفعل، وزائدة، ومفسرة. وقد تقدمت الإشارة إلى الأوليين، وهذا الفصل يتضمن الإشارة إلى الأخريين، وهما: الزائدة والمفسرة، قال الإمام بدر الدين (¬2) رحمه الله تعالى: «أن» في الكلام على ثلاثة أضرب: مصدرية، وزائدة، ومفسرة. فالمصدرية نحو: أريد أن تفعل، وعلمت أن سوف يقوم زيد، وقد تقدم ذكرهما، والزائدة: هي التي دخولها في الكلام كخروجها وتقع بعد «لمّا» الحينية كقوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ (¬3)، وبين القسم و «لو» كقولك: أما والله أن لو قام زيد قام عمرو، ومثله قول الشاعر: 3919 - فأقسم أن لو التقينا وأنتم ... لكان لكم يوم من الشّرّ مظلم (¬4) - ¬

_ (¬1) وهذا هو مذهب البصريين، وانظر: الإنصاف (ص 562، 563). (¬2) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 51). (¬3) سورة يوسف: 96. (¬4) هذا البيت من الطويل قاله المسيب بن علس كما في مراجعه، ومعناه: لو التقينا متحاربين لأظلم نهاركم، فصرتم منه في مثل الليل. والشاهد فيه زيادة «أن» بين القسم و «لو» و «لو أنتم» عطف على الضمير المرفوع في «التقينا»، وهذا في غير الضرورة قبيح. والتقدير: لو التقينا نحن وأنتم. والبيت في الكتاب (3/ 107)، ابن يعيش (4/ 94)، والمغني (33).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتشذ زيادتها بعد كاف الجر كما في قوله: 3920 - كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (¬1) يروى بنصب «ظبية» على أنها اسم «كأن»، وبرفعها على أنها الخبر والاسم محذوف، وبجرها على زيادة «أن» والكاف حرف تشبيه. وأما المفسرة: فهي الداخلة على جملة محكي بها قول مقدر مفسر بجملة بمعنى القول لا لفظه، مذكورة أو محذوفة، فالمذكورة كما في قوله تعالى: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ (¬2) تقديره: ونودوا أي قيل لهم: تلكم الجنة، ومثله قوله عزّ وجلّ: فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا (¬3)، وقوله تعالى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (¬4)؛ لأن: ما أمرتني به في معنى القول لا لفظه وما بعده مفسّر له، والمعنى: ما أمرتني به أي: قول: اعبدوا الله. وأما المحذوفة فكقوله تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا (¬5) المعنى: ثم نهضوا وانطلقوا من مجالسهم يومئون أي: يقول بعضهم لبعض: امشوا، ولو كان المحذوف مقدرا بلفظ القول لم تدخل «أن» كقوله تعالى: وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ (¬6)، وقوله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ [5/ 136] عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ (¬7) ولو لم يكن ما قبل «أن» جملة كما في قوله تعالى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (¬8) فهي مصدرية في موضع رفع بالخبر لا مفسرة؛ لأن المفسرة لا تدخل إلا على جملة محكية هي فضلة في الكلام. ويستفاد التفسير بـ «أي» بعد ما فيه معنى القول قليلا، وبعد غيره مما يحتاج إلى التفسير لإجمال اللفظ، أو غرابة فيه، أو حذف منه كثيرا، فيؤتى بها مع المفسر بيانا لما قبلها أو بدلا منه، وقد تقع بين مشتركين في الإعراب فعدّها صاحب - ¬

_ (¬1) سبق شرحه. (¬2) سورة الأعراف: 43. (¬3) سورة المؤمنون: 27، وقوله تعالى: بِأَعْيُنِنا ليست في (ب). (¬4) سورة المائدة: 117. (¬5) سورة ص: 6. (¬6) سورة الأنعام: 93. (¬7) سورة الرعد: 23، 24. (¬8) سورة يونس: 10.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «المفتاح» (¬1) عاطفة (¬2)، وليس بمرض؛ لأنه يجوز الاستغناء عنها وحرف العطف لا يستغنى عنه فإن قلت: إذا جاز الاستغناء عن وقوع «أي» بين المشتركين في الإعراب، فما الفائدة في ذكرها؟ قلت: الفائدة هي التنبيه على حاجة ما قبلها إلى التفسير، ورفع توهم كون التابع بدل غلط أو نسيان أو إضراب. ويجوز الحكم على «أن» الصالحة للتفسير بكونها مصدرية فتقول: أشرت إليه أن أفعل، على معنى: أشرت إليه بالفعل، بدليل ظهور «الباء» في قولهم: أو عزت إليه بأن افعل، وإذا ولي «أن» هذه مضارع فإن كان مثبتا كقولك: أو حيت إليه أن يفعل، جاز رفعه على معنى: أي: ونصبه على جعل «أن» مصدرية، وإن كان بعد «لا» (¬3) جاز جزمه على النهى وكون «أن» تفسيرية، ورفعه ونصبه على النفي ومعنى «أي»، أو كون «أن» مصدرية. وزعم الكوفيون (¬4) في «أن» أنها حرف مجازاة في مثل قوله: 3921 - أتجزع أن أذنا قتيبة حزّتا ... جهارا ولم تجزع لقتل ابن مالك (¬5) لصحة وقوع «إن» موقعها كقولك: أتجزع إن أذنا قتيبة حزتا؟ والصحيح أنها مصدرية مقدر معها «اللام» كأنه قال: أتجزع لأن حزّت أذنا قتيبة؟ ولا تدل «أن» على نفي خلافا لبعضهم. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. - ¬

_ (¬1) هو كتاب «مفتاح العلم» وصاحبه هو: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي أبو يعقوب السكاكي، إمام في النحو والتصريف والمعاني والبيان وغيرها، وكتابه المذكور فيه اثنا عشر علما من علوم العربية. توفى بخوارزم سنة (626 هـ). انظر: بغية الوعاة (2/ 364). (¬2) هذا مذهب الكوفيين. انظر: التذييل (6/ 700)، والمغني (ص 76). (¬3) مثاله: أشرت إليه أن لا تفعل، انظر: التذييل (6/ 701). (¬4) انظر: التذييل (6/ 702). (¬5) هذا البيت من الطويل قاله الفرزدق (2/ 311). الشرح: قوله: أتجزع: يروى في مكانه أتغضب وقتيبة: هو ابن مسلم الباهلي، والحز: القطع،، والبيت من قصيدة طويلة للفرزدق يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو جريرا. والشاهد في قوله: «أن أذنا» حيث استدل الكوفيون على مجيء «أن» شرطية بمعنى «إن» وقد تأول الخليل ذلك على أنها الناصبة للفعل، وعلل ذلك بقوله: لأنه قبيح أن تفصل بين «أن» والفعل. انظر: الكتاب (3/ 161)، والبيت في المغني (ص 26)، والهمع (2/ 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتعبيره عن «لمّا» بالحينية إنما هو على مذهب من يرى ظرفيتها، ولم يعبر والده عنها بذلك، بل عبّر عنها بالمقابلة لـ «لو» يعني أنها حرف وجوب لوجوب، كما أن «لو» حرف امتناع لامتناع. وذكر المصنف (¬1) أن أبا الحسن يرى زيادة «أن» في قوله تعالى: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (¬2) قال (¬3): واعتذر عن النصب بها مع زيادتها بأن الزائد قد عمل مثل: ما جاءني من أحد، قال المصنف (¬4): وما ذهب إليه أبو الحسن رحمه الله تعالى ضعيف؛ لأن «من» الزائدة مثل غير الزائدة لفظا واختصاصا، فجاز أن تعمل، بخلاف «أن» الزائدة فإنها تشبه غير الزائدة لفظا لا اختصاصا؛ لأنها قد يليها الاسم كقول الشاعر: 3922 - كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم (¬5) على رواية من جر ظبية بـ «الكاف»، فـ «أن» حينئذ زائدة، وقد وليها اسم فثبت عدم اختصاصها بالأفعال، فلا يصح إعمالها. وأما «أن» في قوله تعالى: أَلَّا نُقاتِلَ فمصدرية دخلت وَما لَنا لتضمنه معنى: ما منعنا. انتهى. والذي ذكره المعربون في الآية الشريفة، أن التقدير: وما لنا في أن لا نقاتل، فتكون «لا» على هذا التخرج غير زائدة، وعلى تخريج المصنف زائدة، وللناظر ترجيح أحد التخريجين على الآخر. وأما قول بدر الدين في «أن» المفسرة: إنها هي الداخلة على جملة محكي بها قول مقدر مفسر بجملة قبله - فظاهره يعطي أن ثمّ قولا مقدرا بعد الجملة الأولى وقبل الجملة الثانية، ولم أتحقق ذلك، وقد قال والده (¬6): وعلامة المفسرة أن يكون قبلها جملة فيها معنى القول دون حروفه. فلم يقل: إن ثمّ قولا مقدرا، وهذا هو - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528) وشرح العمدة (ص 225). (¬2) سورة البقرة: 246. (¬3) أي: المصنف، انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528)، وشرح العمدة (ص 225). (¬4) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1528، 1529). (¬5) تقدم. (¬6) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1522).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعروف في المفسرة، فقوله تعالى: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ (¬1) هو المفسر لقوله تعالى: فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ (¬2)، وأما قوله في قوله تعالى: وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا (¬3): إن التقدير: ثم نهضوا وانطلقوا من مجالسهم يومئون أي: يقول بعضهم لبعض: امشو - فلم أفهمه، والذي قاله العلماء في هذه الآية الشريفة: إن الانطلاق ليس المراد به المشي، بل انطلاق ألسنتهم بهذا الكلام، كما أن المشي ليس المراد به المشي المتعارف، بل المراد به الاستمرار على الشيء (¬4)، فقد وقعت «أن» المفسرة بعد جملة فيها معنى القول دون حروفه. وأما قوله تعالى: ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (¬5) فقال الزمخشري (¬6): يجوز أن تكون «أن» مفسرة للقول على تأويله بالأمر أي: ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن اعبدوا الله، واستحسنه بعض العلماء قال (¬7): ولا يجوز أن تكون أَنِ في الآية الشريفة مفسرة لـ أَمَرْتَنِي لأنه لا يصلح أن يكون: اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ (¬8)، مقولا لله تعالى؛ فلا يصح أن يكون تفسيرا لأمره لأن المفسّر عين مفسّره. انتهى. ولا يظهر لي منع ذلك، لأنا بعد تسليم ما قاله نقول: لا يمتنع أن يكون رَبِّي وَرَبَّكُمْ من مقول عيسى صلّى الله عليه وسلّم فالله تعالى أمره أن يقول لهم: اعبدوا الله، فلما قال لهم ذلك مريدا لحصول عبادة الله تعالى منهم قوى ذلك عندهم بالاعتراف بربوبية الله تعالى حملا لهم على العبادة؛ لأن المربوب يتعين عليه عبادة ربه، فكان اعْبُدُوا اللَّهَ هو الذي أمره الله تعالى أن يقوله، ورَبِّي وَرَبَّكُمْ قاله من عند نفسه حرصا منه صلّى الله عليه وسلم على أن يمتثلوا ما أمرهم به من العبادة، لا يقال: القصر يقتضي أنه ما قال إلا ما أمره الله تعالى أن يقوله، ولم يكن رَبِّي وَرَبَّكُمْ فيما أمر به، لأنا نقول: لو كان القصر في الآية الشريفة قصر إفراد لوجب ذلك، ولكن القصر فيها إنما هو قصر قلب؛ لأن قوله تعالى: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ (¬9) فيه أن المبعوث إليهم عيسى صلّى الله عليه وسلّم - ¬

_ (¬1) و (¬2) سورة المؤمنون: 27. (¬3) سورة ص: 6. (¬4) انظر: المغني (ص 32). (¬5) سورة المائدة: 117. (¬6) انظر: الكشاف (1/ 541، 542)، والمغني (ص 32). (¬7) انظر: المغني (ص 32). (¬8) سورة المائدة: 117. (¬9) سورة المائدة: 116.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يدّعون أنه قال لهم ذلك، والمقصود في ذلك المقام العظيم تكذيب عيسى لهم، وذلك إنما يتم بإبطال ما ادّعوا، فقال: ما ادّعوه، فقال: ما ادّعوه ليس بصحيح وهو أني أمرتهم [5/ 137] بعبادة غير الله [تعالى]، إنما كان المقول لهم خلاف ذلك، فكان القصر حينئذ قصر قلب، فكأنه قال صلّى الله عليه وسلّم: لم أقل لهم ما يدّعونه ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله، ثم إنه صلّى الله عليه وسلّم قصد إقامة الدليل على وجوب العبادة عليه وعليهم، فكمل الكلام بقوله: رَبِّي وَرَبَّكُمْ (¬1). وأشار المصنف بقوله: (وإن ولي «أن» الصّالحة للتّفسير مضارع معه «لا» إلى آخره إلى أن «أن» في بعض المحال صالحة لأن تكون مفسرة وأن تكون غير مفسرة، قال في شرح الكافية (¬2): وإذا وقع بعد «أن» المفسرة مضارع رفع نحو قولك: أشرت إليه أن يفعل؛ بالرفع على معنى «أي» [ويجوز النصب على كون «أن» مصدرية، فلو كان مع الفعل «لا» جاز رفعه على النفي ومعنى «أي»]، وجزمه على النهي ومعنى «أي»، ونصبه على النفي وكون «أن» مصدرية. انتهى. وعلم من ذلك أن قوله في التسهيل: وإن ولي «أن» الصّالحة للتّفسير مضارع معه «لا» رفع على النّفي، وجزم على النّهي يستفاد منه أن «أن» تكون مفسرة مع الرفع والجزم، ولا شك أن الأمر كذلك، ولكن (أراد أن يتمّ الرّضاعة) بالرفع (¬3) على الإلغاء، وتقدمت الإشارة في أوائل الباب إلى أنها قد تلغى بل قد قال بعضهم (¬4): يحتمل أن تكون مصدرية مع الجزم أيضا وذلك بأن تكون المخففة، ولكنه بعيد، وإنما ادعى الكوفيون أن «أن» للمجازاة في قول الشاعر: 3923 - أتغضب أن أذنا قتيبة حزّتا ... .... (¬5) من أجل أن «أن» الناصبة لا يفصل بينها وبين الفعل، فلا يجوز: أن زيد قام خير من أن يقعد، وفي البيت المذكور قد حصل الفصل، قالوا: ولا يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة؛ لأنه لم يتقدم عليها فعل تحقيق ولا شك فتعين أن تكون للجزاء (¬6). - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 117. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1530). (¬3) هي قراءة مجاهد. انظر: مختصر شواذ القرآن (ص 14)، والبحر المحيط (2/ 213). (¬4) انظر: التذييل (6/ 701). (¬5) سبق شرحه. (¬6) انظر: التذييل (6/ 702).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والجواب: أن الفصل بين الحرف الناصب ومنصوبه قد ثبت في الضرورة، ولم يثبت أن «أن» تكون حرف شرط، والخليل هو الذي حكم بأنها الناصبة للفعل (¬1) وكفى بذلك. وتناول المبرد (¬2) ذلك في البيت على أنها المخففة من الثقيلة والتقدير: أتغضب من أجل أنه أذنا قتيبة حزتا؟ ثم حذف الجار ومجروره وخففت «أنّ». وأما قوله: إنها لا تفيد نفيا خلافا لبعضهم فقال الشيخ (¬3): ذكر أبو محمد بن السيد عن أبي الحسن الهروي (¬4) أن «أن» تكون بمعنى «لا» في مذهب بعض النحويين كقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ (¬5) قالوا: معناه: لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وقال آخرون: المعنى: ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، قالوا: وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ اعتراض بين الفعل والمفعول (¬6). وقال الشيخ (¬7): وقد ترك المصنف ذكر معاني أخر لـ «أن»: منها: أن تكون بمعنى: إذ، كقوله تعالى: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ (¬8)، وكقوله تعالى: أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ (¬9)، قال: وهذا ليس بشيء، بل «أن» في الآيتين مصدرية، والتقدير: بل عجبوا لأن جاءهم منذر منهم، وكذلك: يخرجون الرسول وإياكم لأن تؤمنوا بالله ربكم. ومنها: أن تكون بمعنى: لئلا، كقولك: ربطت الفرس أن ينفلت، وكقوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا (¬10)، وقال عمرو بن كلثوم (¬11): - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 161)، والتذييل (6/ 702). (¬2) انظر: التذييل (6/ 702)، والمغني (27)، وقد بحثت في المقتضب والكامل للمبرد فلم أعثر على البيت ولا تعليق المبرد عليه. (¬3) انظر: التذييل (6/ 702) وقد نقله بتصرف. (¬4) هو علي بن محمد أبو الحسن الهروي، عالم باللغة والنحو، من أهل هراة، سكن مصر وقرأ على الأزهري له الأزهرية في علم الحروف توفي سنة (415 هـ). انظر: ترجمته في بغية الوعاة (2/ 205). (¬5) سورة آل عمران: 73. (¬6) قال أبو حيان بعد هذا الكلام: «انتهى ما نقله أبو محمد بن السيد عن الهروي» وانظر: الأزهرية في علم الحروف للهروي (ص 29). (¬7) انظر: التذييل (6/ 703 - 706). (¬8) سورة ق: 2. (¬9) سورة الممتحنة: 1. (¬10) سورة النساء: 176. (¬11) هو عمرو بن كلثوم بن مالك من بني تغلب، شاعر جاهلي، كان من أعز الناس نفسا، أشهر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3924 - تركتم منزل الأضياف منّا ... فعجّلنا القرى أن تشتمونا (¬1) أي: لئلا ينفلت، ولئلا تضلوا، ولئلا تشتمونا، قال (¬2): والصحيح أن «أن» هنا ليست بمعنى: لئلا؛ لأنه يلزم من ذلك وقوع الفعل المثبت منفيّا، ألا ترى أن قوله: أن ينفلت فعل مثبت، إلا أنه لا يصح أن يجعل علة للربط، ولا الضلال علة للبيان، ولا الشتم علة لتعجيل القرى؛ لأن الشيء لا يعلل بما لا يقتضيه ولا يتسبب عنه، لكنه يتصور إبقاء «أن» على حالها ويكون ذلك على حذف مضاف، التقدير: ربطت الفرس مخافة أن ينفلت، ويبين الله لكم كراهة أن تضلوا، وفعجلنا القرى مخافة أن تشتمونا، ويكون ذلك كله مفعولا من أجله. ومنها: ما ذكره أبو علي الفارسي من أنها تكون بمعنى «أن» المخففة من الثقيلة بقوله: إن كان زيد لعالما، فإذا أدخلت على «إن» هذه فعلا ناسخا فتحتها نحو: علمت أن كان زيد لعالما، وهذا بناء منه على أن «اللام» الداخلة بعد «إن» المخففة من الثقيلة ليست لام الابتداء وإنما هي فارقة بينها وبين «إن» النافية، واستدل على أنها ليست لام الابتداء بأن الفعل الذي قبلها يعمل في ما بعدها نحو: إن كان زيد لعالما، ولام الابتداء لا يعمل ما قبلها في ما بعدها، وإذا لم تكن لام الابتداء لم يكن للفعل الذي قبلها مانع من فتحها، فلذلك وجب أن يقال: علمت أن كان زيد لعالما، فتفتح، ولا تلزم اللام حينئذ؛ لأن دخولها إنما كان للفرق، وإذا فتحت لم تحتج إلى فرق، فوجب أن تكون هذه قسما برأسها؛ لأنها ليست بزائدة، ولا مفسرة، ولا ناصبة للفعل؛ لأنها مفتوحة مخففة من «أن» والمخففة لا تعمل في الفعل، فكذلك هذه، ولا هي أيضا المخففة من الثقيلة؛ لأن تلك إذا دخلت على الفعل كان في موضع رفع بها على أنه خبر لها، واسمها مضمر فيها، و «أن» هذه ليست بعاملة للدليل الذي ذكرناه من أنها مفتوحة من «أن» المخففة من الثقيلة وتلك - ¬

_ - شعره معلقته التي مطلعها: ألا هبي بصحنك فاصبحينا انظر: ترجمته في الشعر والشعراء (240 - 242). (¬1) هذا البيت من الوافر، وهو من معلقة عمرو بن كلثوم افتخارا على بني بكر. والشاهد في قوله: «أن تشتمونا» على أن «أن» بمعنى: لئلا، والصواب أنها مصدرية على تقدير: مخافة أن تشتمونا. والبيت من شواهد المغني (36)، وأمالي المرتضى (2/ 49). (¬2) أي: أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ملغاة إذا دخلت على الأفعال، فكذلك ما هو بغير منها، فثبت أنها قسم برأسه. قال: وهذا الذي ذهب إليه الفارسي من فتح «أن» في نحو: علمت أن كان زيد لعالما غير متفق عليه، بل ذهب غيره (¬1) إلى أنه يجب الكسر في «أن» هذه، وقد اختلف في الحديث المشهور «قد علمنا إن كنت لمؤمنا» (¬2)، فقال أبو علي: لا تكون إلا مفتوحة، وقال المخالف له (¬3): لا تكون إلا مكسورة، وهذا الخلاف مبني على الخلاف في «اللام» أهي مجتلبة للفرق [5/ 138] أم هي لام الابتداء لزمت للفرق؟. انتهى. والحق أن «اللام» لام الابتداء لزمت للفرق وهو مذهب سيبويه صرح بذلك في كتابه (¬4)، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب «الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر» (¬5). وإذ قد عرف هذا فلم يكن المصنف ترك ذكر معاني أخر كما ذكر الشيخ؛ لأن المعنيين الأوليين قد أبطلهما هو، والمعنى الثالث تبيّن أن الصحيح فيه خلاف ما يذهب إليه الفارسي. ثم قد بقي التنبيه على أمور: منها: أنهم ذكروا موضعا رابعا تزاد فيه «أن» وهو بعد «إذا» (¬6)، قال الشاعر: 3925 - فأمهله حتّى إذا أن كأنّه ... معاطي يد في لجّة الماء غامر (¬7) - ¬

_ (¬1) في التذييل: «بل ذهب أبو الحسن علي بن سليمان وغيره». التذييل (6/ 706). (¬2) انظر: المغني (ص 232)، وشرح الألفية للأبناسي (1/ 234)، والأشموني (1/ 288). (¬3) في التذييل: «فقال أبو الحسن» ويعني به أبا الحسن علي بن سليمان الأخفش الصغير. (¬4) قال في الكتاب (2/ 139) (هارون): «واعلم أنهم يقولون: إن زيد لذاهب، وإن عمرو لخير منك، لما خففها جعلها بمنزلة «لكن» حين خففها، وألزمها اللام؛ لئلا تلتبس بـ «إن» التي هي بمنزلة «ما» التي تنفي بها» وانظر (4/ 233). (¬5) انظر: التسهيل (ص 65). (¬6) انظر: المغني (ص 34). (¬7) هذا البيت من الطويل، وهو من قصيدة فائية لأوس بن حجر، ديوانه (ص 71). الشرح: قوله: حتى إذا أن كأنه أي: حتى كأنه، وأن: هنا زائدة أي حتى بلغ الحمار هذا الوقت، والمعاطي: المناول، أي حتى اطمأن وصار في الماء بمنزلة المعاطي الذي يتناول فيه. والشاهد فيه: زيادة «أن» بعد «إذا»، والبيت في المغني (ص 34)، وشرح شواهده (ص 112)، والتصريح (2/ 233)، والهمع (2/ 18)، والدرر (2/ 12).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنهم ذكروا أن «أن» الزائدة تفيد توكيد معنى الكلام التي هي فيه (¬1)، وزعم الزمخشري أنه ينجر مع التوكيد معنى آخر فقال (¬2) في قوله تعالى: وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ (¬3): دخلت «أن» في هذه القصة، ولم تدخل في قصة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم في قوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً (¬4) تنبيها وتأكيدا في أن الإساءة كانت بعقب المجيء، فهي مؤكدة للاتصال واللزوم، ولا كذلك في قصة إبراهيم؛ إذ ليس الجواب فيه كالأول وجعلها الشلوبين منبهة على السبب، وأنه واقع بعقبه الإساءة، قال (¬5): «لأنها تكون للسبب في قولك: جئت أن تعطيني أي: للإعطاء، فلما كانت مفعولا من أجله دخلت هناك تنبيها على أن الإساءة كانت لأجل المجيء قال (¬6): وكذلك في قولهم: أما والله أن لو فعلت لفعلت، أكدت «أن» (¬7) ما بعد «لو» (¬8) وهو السبب في الجواب الذي غلبت عليه. انتهى. ولم أتحقق قول الشلوبين: لأنها تكون للسبب في قولك: جئت أن تعطيني؛ - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 694)، والمغني (ص 34). (¬2) هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 695)، وعبارة الزمخشري في الكشاف هكذا: قال في الكشاف (3/ 356) عند تفسير قوله تعالى: وَلَمَّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ: «أن صلة أكدت وجود الفعلين مترتبا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين، لا فاصل بينهما، كأنهما وجدا في جزء واحد من الزمان، كأنه قيل: لما أحسّ بمجيئهم فاجأته المساءة من غير ريث» انتهى. والرّيث: البطء. (¬3) سورة العنكبوت: 33. (¬4) هكذا وردت هذه الآية في التذييل (6/ 695)، وقد نقلها عنه ابن هشام في المغني (1/ 34). ولكنه علق عليها وصوبها، وقد ركب أبو حيان الآية المذكورة من آيتين، فالآية التي فيها «قالوا سلاما» ليس فيها «لما» وهي قوله تعالى في سورة هود: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً من الآية (69)، والآية التي فيها «لما» جوابها غير جواب هذه الآية، وهى قوله تعالى في سورة العنكبوت: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ من الآية (31)، فأبو حيان ركب من الآيتين آية واحدة ونسب ذلك للزمخشري الذي لم يقل ذلك كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى. (¬5) أي: الشلوبين. انظر: التذييل (6/ 695)، والمغني (34). (¬6) أي: الشلوبين. (¬7) بعدها في (جـ)، (أ) «أن» وهى زيادة تؤدي إلى اضطراب في العبارة. (¬8) في التذييل (6/ 695)، في (جـ)، (أ) «الواو» وهو خطأ، والصواب أنها «لو» كما ذكرت، وانظر: المغني (34).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن الكلام الآن إنما هو في الزائدة، و «أن» في «أن تعطيني» ليست زائدة. وبعد، فقال الشيخ (¬1): وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري والشلوبين (¬2) لا يعرفه كبراء النحويين. ومنها: أنّ «أن» التفسيرية قد علم أنها أجريت في التفسير مجرى «أي»، لكن «أي» تدخل على المفرد، بخلاف «أن» فيقال: ما رأيت رجلا أي شجاعا، ولا يجوز: مررت برجل أن شجاع، ولما تكون «أن» مفسرة للجملة الفعلية تكون مفسرة للجملة الاسمية فتقول: كتبت إليه أن افعل، وقالوا: أرسل إليه أن ما أنت وذا؟ (¬3)، كأنه قيل: أرسل إليه فقل له قولا أي: ما شأنك وهذا؟ (¬4). ومنها: أن الشيخ قال (¬5): ظاهر قول المصنف: (وتفيده أي غالبا فيما سوى ذلك) أنّ «أي» لا تكون تفسيرا لما تضمن معنى القول؛ لأنه قال: فيما سوى ذلك، وليس كذلك، بل تكون أيضا مع ما تضمن معنى القول فتقول: كتبت إليه أي قم، وناديته أي اضرب زيدا، لكنه قليل، وتكون «أي» تفسيرا للقول أيضا فتقول: قال زيد قولا أي أكرم عبد الله، قال: وقوله: «غلبا» لأن الإنسان قد لا يفسر ما أجمله، أو لأن ثمّ لفظا آخر يفسر به وهو لفظة: «أعني»، لكن «أعني» عاملة بخلاف «أي». ومنها: أنه قد تقدم أن «أي» إذا وقعت بين مشتركين في الإعراب لا تعدّ عاطفة وكانت باقية على أنها مفسرة، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في باب «العطف» (¬6)، وخرّج الواقع بعدها على أنه عطف بيان، فإذا قلت: هذا الغضنفر أي الأسد، فـ «الأسد» عطف بيان. قال الشيخ (¬7): «ويقال له أيضا: لم نر عطف بيان يتوسط بينه وبين ما يبين - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 695، 696). (¬2) في التذييل: «والأستاذ أبو علي». (¬3) في الكتاب (3/ 163): «وقال الخليل: تكون - يعني «أن» - أيضا على أي، وإذا قلت: أرسل إليه أن ما أنت وذا؟ فهي على أي». (¬4) هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 698) وقد نقله المؤلف عنه مع تغيير يسير ولم يشر. (¬5) انظر: التذييل (6/ 700). (¬6) انظر: الباب المذكور (عطف النسق، أوله) وانظر كلام ابن مالك في شرح التسهيل: (3/ 347). (¬7) انظر: التذييل (6/ 701).

[حكم المضارع بعد «حتى» نصبا ورفعا]

[حكم المضارع بعد «حتى» نصبا ورفعا] قال ابن مالك: (المنصوب بعد «حتّى» مستقبل أو ماض في حكمه، وعلامة ذلك كون ما بعدها غاية لما قبلها أو متسبّبا عنه، وإن كان الفعل حالا أو مؤوّلا به رفع، وعلامة ذلك صلاحية جعل الفاء مكان «حتّى»، وكون ما بعدها فضلة متسبّبا عمّا قبلها، ذا محلّ صالح للابتداء، فإن دلّ على حدث غير واجب تعين النّصب خلافا للأخفش). ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف، فعدم النظير لازم في كونه معطوفا عطف نسق أو معطوفا عطف بيان. انتهى. ولا أعرف كيف يتوجه هذا الإلزام؟ لأن الذي قاله المصنف وولده (¬1): إن حروف العطف لا يجوز الاستغناء عنها، وأي يجوز الاستغناء عنها، ولم يقولا: إن «أي» لا يفصل بها بين تابع ومتبوع فيلزما بأن عطف البيان لا يتوسط بينه وبين ما يبين حرف، ولا شك أن الحرف إذا كان مفسّرا لزم أن يتوسط بين المفسّر والمفسّر. ما يقول الشيخ في «صالحا» من المثال الذي تقدم له التمثيل به (¬2) عند قول المصنف: وتفيد تفسيرا وهو أنك تقول: ما رأيت رجلا أي صالحا؟ فيقال له: الفصل بـ «أي» هاهنا كالفصل بـ «أي» في قولك: هذا الغضنفر أي الأسد فما يقوله هنا يقال هناك. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬3) رحمه الله تعالى: «حتى» الداخلة على المضارع إما حرف جر بمعنى «إلى» أو «كي»، فيليها المضارع غاية لما قبلها أو مسببا عنه وينصب بـ «أن» مضمرة لكونه من تمام الكلام الذي قبلها، وإما حرف ابتداء بمنزلة الفاء، فتأتي بعد تمام الكلام داخلة على جملة محصلة المعنى، مسببة عما قبلها، متصلة به أو منقطعة عنه فيليها المضارع مرفوعا لكونه مستأنفا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم. ولا يخلو المضارع بعد «حتى» من أن يكون مستقبلا أو حالا أو ماضيا، فإن كان المضارع بعد «حتى» مستقبلا فهي حرف بمعنى «إلى» أو «كي»، والفعل بعدها - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل لابن مالك (4/ 52)، وتكملته لبدر الدين، وقد نقل المؤلف كلام بدر الدين فيما سبق من هذا التحقيق. (¬2) انظر: التذييل (6/ 698). (¬3) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 53) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد، د/ محمد بدوي المختون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نصب بإضمار «أن» ليكون معها اسما مجرورا بـ «حتى» وذلك قولك: لأسيرن حتى تطلع الشمس أي: إلى أن تطلع الشمس، وكلمته حتى يأمر لي بشيء أي يأمر، ولا يجوز كونها ابتدائية ورفع ما بعدها؛ لأنه غير محصل لكونه مستقبلا، وإن كان المضارع بعد «حتى» حالا فهي حرف ابتداء وما بعدها رفع؛ لأنه منقطع عما قبلها فلم يدخل عليه ناصب ولا جازم، وذلك قولك: سرت حتى أدخلها الآن، ومرض حتى لا يرجونه (¬1)، [5/ 139] وضرب أمس حتى لا يستطيع أن يتحرك اليوم، ورأى منّي عاما أول شيئا حتى لا أستطيع أن أكلمه العام بشيء، وقول حسان رضى الله تعالى عنه: 3926 - يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل (¬2) ولا يجوز أن تكون جارة؛ لأن الجارة لا تدخل على المضارع إلا منصوبا بـ «أن» مضمرة، و «أن» لا تنصب الحال. وإن كان المضارع بعد «حتى» ماضي المعنى فهو مؤول إما بالمستقبل نظرا إلى أنه غاية لما قبل «حتى» فهو مستقبل بالإضافة إليه وإما بالحال على قصد الإخبار بمعنى ما قبل «حتى» وحكاية حال ما بعدها فإن كان الماضي المعنى غير فضلة أو غير متسبب عما قبل «حتى» أو محله غير صالح للابتداء؛ لأنه جعل غاية فهو مؤول بالمستقبل. فالأول: كما إذا وقع بعد اسم «كان» الناقصة كقولك: كان سيري حتى أدخلها فينصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة في موضع خبر «كان»، ولا يجوز الرفع على التأويل بالحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لئلا تبقى «كان» بلا خبر فإن «حتى» الابتدائية بمنزلة «الفاء». - ¬

_ (¬1) من أمثلة الكتاب (3/ 18). (¬2) هذا البيت من الكامل قاله حسان بن ثابت انظر ديوانه (ص 309). الشرح: يغشون: - مبني للمجهول - أي يؤتون، وتهر: من هر - من باب ضرب - أي: صوت، والمعنى: أي حتى ما تصوت على الضيوف لكثرتهم أو اشتغالها بآثار الثرى، يصف قوما بكثرة غشيان الضيوف لهم. والشاهد في قوله: «حتى ما تهر» حيث وقعت «حتى» حرف ابتداء، ودخلت على الجملة الفعلية، والبيت في الكتاب (3/ 19) والمغني (129، 691)، والهمع (2/ 9)، والدرر (2/ 7) وحاشية الصبان (3/ 301).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: كما إذا كان الدخول من شخص والسير من آخر فقلت: كنت سرت حتى يدخلها زيد، فإنك تنصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة والمعنى: إلى أن يدخلها، ولا يجوز الرفع على الحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لأن «حتى» الابتدائية لا تخلو من معنى السببية، وسيرك لا يكون سببا لدخول غيرك، والثالث: كما إذا أردت بيان الغاية فقلت: كنت سرت حتى أدخلها؛ فتنصب على معنى: إلى أن أدخلها ولا يجوز الرفع لأن الغاية حرف جر، وحرف الجر لا يليه المبتدأ والخبر فلا يليه الفعل المرفوع. وإن كان الماضي المعنى مسببا عما قبلها، وكان ذا محل صالح للابتداء؛ لأن المراد بيان السببية فهو مؤول بالحال فيرفع، لأن «حتى» قبل الحال حرف ابتداء بمنزلة «الفاء» وذلك قولك في كان التامة: كان سيري حتى أدخلها؛ لأنه تمّ الكلام قبل «حتى» فبقي ما بعدها جملة مستأنفة، فترفع على معنى: فأنا أدخلها؛ لأن «حتى» الابتدائية بمنزلة «الفاء» في السببية وأنها لا تقع بين العامل ومعموله، وليست بمنزلة «الفاء» في إشراك الفعل الآخر الأول إذا قلت: لم أجئ، فأقبل، لجواز مجيئها حيث لا يصح التشريك كقولك: كان سيري شديدا حتى أدخلها، ويجوز تأويله بالمستقبل وقصد معنى الغاية، فتنصب على معنى: إلى أن أدخلها، ومثله قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (¬1) قرأه نافع بالرفع وقرأه الباقون بالنصب (¬2). واعلم أن المضارع الماضي المعنى إنما يرتفع بعد «حتى» إذا كان متسببا عما قبلها، فلهذا لا يرتفع الفعل بعد «حتى» إلا إذا كان واجبا أي: حاصلا لحصول سببه يقينا أو ظنّا، فإن الضمير ينعقد على الظن كانعقاده على العلم، وذلك قولك: إن زيدا سار حتى يدخلها، ما سار إلا قليلا حتى يدخلها، وأظن عبد الله سار حتى يدخلها، فلك في كل هذا الرفع على الابتداء؛ لأن الدخول قد وجب بوجوب السير وتأدى به. وإن كان الماضي المعنى بعد «حتى» غير واجب؛ لأن ما قبله غير مؤد إليه ولا - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 214. (¬2) انظر: الحجة (ص 95)، والكشف (1/ 289).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسبب له كقولك: ما سار زيد حتى يدخلها، تعيّن النصب على الغاية وقصد معنى: ما سار إلى أن يدخلها بل إلى ما دون ذلك؛ لأنك لو رفعته على الابتداء لكان ما بعد «حتى» الابتدائية غير محصل ولا متسبب عما قبلها وذلك لا يكون وتقول: قلما سرت حتى أدخلها بالنصب إن أردت النفي، وإن أردت بيان أنك سرت قليلا نصب على الغاية، ورفعت على الابتداء، وتقول: إنما سرت حتى أدخلها بالنصب إن أردت الغاية أو تحقير السير وجعله يسيرا لا يؤدي إلى الدخول، فإن لم ترد ذلك تعيّن الرفع. وأجاز الأخفش (¬1) رفع غير الواجب وقال: ما سرت حتى أدخلها معنى الرفع فيها صحيح، إلا أن العرب لا ترفع غير الواجب، ألا ترى أنك لو قلت: ما سرت فأدخلها أي: ما كان مني سير ولا دخول، أو قلت: ما سرت فإذا أنا داخل الآن لا أمنع، كان حسنا، وغلّط (¬2) في ذلك بأن الدخول في «حتى» إذا وقع إنما يقع بالسير، قال السيرافي: والذي عندي أن أبا الحسن أراد أن «ما» تدخل على: سرت حتى أدخلها بعد وجوب الرفع فتنفي جملة الكلام، فلذلك رآه صحيحا في القياس وإن كانت العرب لا تتكلم به. هذا آخر كلام الإمام بدر الدين رحمه الله تعالى ولا يخفى أنه كلام منقّح، محرّر، عار عن الفضول يشهد لمنشئه بصحة النظر، وثقوب (¬3) الفكر، وإدراك المعاني «ومن يشابه أبه فما ظلم» (¬4). وإن أردت تلخيص ما قاله فقل: الفعل المضارع الواقع بعد «حتى» إذا كان المراد به الاستقبال حقيقة كان غير محصل، وإذا كان غير محصل لا يجوز في «حتى» الواقعة قبله أن تكون ابتدائية، بل يتعينّ كونها الجارّة. وإذا كان المراد به الحال حقيقة تعيّن في «حتى» أن تكون ابتدائية، ولا يجوز - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الجمل لابن عصفور (2/ 128) (رسالة)، والتذييل (6/ 716)، ومنهج الأخفش الأوسط (413). (¬2) المغلط له هو ابن عصفور انظر: شرح الجمل (1/ 165) تحقيق أبو جناح. (¬3) انظر: شرح التسهيل (4/ 56). (¬4) هذا مثل أورده الميداني في مجمع الأمثال (3/ 312) والرواية فيه: «من أشبه أباه فما ظلم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كونها جارة؛ لأن الجارة لا تدخل عليه إلا مع تقدير «أن» و «أن» لا تنصب الحال. وإذا كان الفعل المذكور ماضي المعنى فهو إما أن يؤول بمستقبل نظرا إلى أنه غاية لما قبل «حتى» فينصب؛ لأنه مستقبل بالنسبة إلى ما قبله فيعطى حكم المستقبل، وإما أن يؤول بحال على قصد الإخبار بمضي ما قبل «حتى» وحكاية الحال في ما بعدها فيرفع؛ لأنه بهذا الاعتبار حال فيعطي حكم الحال، وإذا كان كذلك فليس الأمران - أعني التأويل بمستقبل والتأويل بحال - راجعين إلى اختيار المتكلم، بل إلى ما يقصد إما من الغاية، أو من حكاية الحال. وإنما الواقع بعد «حتى» حالا أو مؤولا بالحال إذا كان الكلام الذي بعدها فضلة متسببا عما قبلها، ذا محل صالح للابتداء، وعلامة ذلك صلاحية جعل «الفاء» مكان «حتى» وذلك نحو قولك: [5/ 140] كان سيري حتى أدخلها، إذا جعلت «كان» تامة فـ «حتى» فيه حرف ابتداء، والفعل بعدها مرفوع لأنه مؤول بالحال، والشروط الثلاثة موجودة لأن الكلام الذي قبل «حتى» قد تمّ فما بعد «حتى» فضلة أي: غير محتاج إليه في تكملة الكلام المتقدم، ولأن الدخول متسبب عن السير ولأن المحل صالح للابتداء؛ لأن المعنى: فأنا أدخلها، وقد صلحت «الفاء» في هذا التركيب لوقوعها موقع «حتى». ثم الحال قد تكون محققة وقد تكون مقدرة، كما أن الاستقبال يكون كذلك فمثال الحال تحقيقا: أن تكون قد سرت وأنت داخل فتقول: سرت حتى أدخل البلد، مخبرا عن الدخول الحاصل حالا تحقيقا، ومثال الحال تقديرا: أن يكون السير والدخول قد وقعا جميعا وقصد إلى الإخبار بالدخول الواقع في الوجود إلا أنك قصدت حكاية الحال وقت وجوده فتقول: سرت أمس حتى أدخل المدينة، فتكون مخبرا عن سير حصل عنه دخول في الوجود وحاكيا للحال. أما إذا كان غير فضلة، أو غير متسبب عما قبل «حتى»، أو محله غير صالح للابتداء، فإن نصب الفعل حينئذ متعين لكونه مستقبلا أو مؤولا به، فمثال كونه غير فضلة: وقوعه بعد اسم «كان» الناقصة كقولك: كان سيري حتى أدخلها، فينصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة في موضع خبر «كان»، وإنما -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعيّن النصب من جهة أن «كان» تحتاج إلى خبر وليس ثمّ ما يصلح للخبر إلا قولك: «حتى أدخلها» ولا يصح أن يكون خبرا إلا أن يكون في تقدير الجار والمجرور، وإذا كان كذلك فالنصب واجب ولا يجوز الرفع على التأويل بالحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لئلا تبقى «كان» بلا خبر، وذلك أن «حتى أدخلها» جملة مستقلة بالإخبار بها لا تصلح أن تكون خبرا لـ «كان» لفقدان الضمير العائد، ولفصل «حتى» بين الاسم وما وقع خبرا عنها، فإن زدت «أمس» وعلقته بـ «كان» بأن جعلته خبرا، أو قلت: سيرا متعبا وجعلته أيضا خبرا جاز الوجهان؛ لأنك لم تضطرّ هنا إلى خبر حتى يجب النصب. ومثال كونه غير متسبب عما قبل «حتى» ما إذا كان الدخول من شخص والسير من آخر فقلت: كنت سرت حتى يدخلها زيد، فينصب على التأويل بالمستقبل وجعل «حتى» جارة، والمعنى: إلى أن يدخلها زيد، ولا يجوز الرفع على الحال وجعل «حتى» ابتدائية؛ لأن «حتى» الابتدائية لا تخلو من معنى السببية، وسيرك لا يكون سببا لدخول غيرك. ومثال كون محله غير صالح للابتداء: ما إذا أردت بيان الغاية فقلت: كنت سرت حتى أدخلها فتنصب على معنى: إلى أن أدخلها، ولا يجوز الرفع؛ لأن الغاية حرف جر، وحرف الجر لا يليه المبتدأ والخبر فلا يليه الفعل المرفوع. وليعلم أنه إنما التزمت السببية حال الرفع ولم تلتزم مع النصب؛ لأن الكلام حال الرفع جملتان فاحتيج إلى الربط بينهما، ولا صالح للربط في هذا المحل إلا السببية فكانت ملتزمة ولالتزام السببية مع رفع الفعل وجب النصب في قولك: أسرت حتى تدخلها؟ وامتنع الرفع لأنه لا بد أن يكون مسببا عن الأول سببا محققا، ولا يستقيم أن يكون المسبب محققا ثابتا والسبب مشكوك فيه مسؤول عن وقوعه، أما إذا قيل: أيهم سار حتى يدخلها؟ فإن الرفع جائز؛ لأن السير هاهنا متحقق وإنما المسؤول عنه صاحبه، ويجوز أن يتحقق مسبب السير والسير ويجهل صاحبه فيسأل عنه، وكذا لالتزام السببية مع الرفع وجب النصب في نحو: ما سرت حتى أدخلها؛ لأن عدم السير لا يكون سببا للدخول، وسيأتي الكلام على خلاف الأخفش حيث أجاز الرفع. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذ قد تقرر هذا فلنذكر أمورا: منها: أن الشيخ قال (¬1): إن المصنف أهمل أحد وجهي الرفع، قال: وذلك أنهم ذكروا أن الرفع على وجهين: أحدهما: أن يكون ما بعد «حتى» مشروعا فيه وهو الحال، أو متمكنا منه غير ممنوع منه وهو المؤول بالحال. والوجه الثاني: أن يكون ما قبلها سببا لما بعدها ويكونان متصلي الوقوع في ما مضى، لا مهلة بينهما بل الثاني واقع عقيب الأول نحو: سرت حتى أدخل المدينة أي: سرت فدخلت المدينة، فيكون معناها كمعنى الفاء. انتهى. وأقول: إن هذا داخل تحت قوله: أو مؤوّلا به لأن المقصود منه حكاية الحال التي كان متلبسا بها. ومنها: أنه قد دخل تحت قول المصنف: فإن دلّ على حدث غير واجب نحو: ما سرت حتى أدخل المدينة، وقلّما سرت حتى أدخلها، إذا أردت بـ «قلما» النفي المحض، و: أسرت حتى تدخلها؟ وقد عرفت المقتضي لوجوب النصب، وعرفت أن الأخفش يجيز الرفع فقيل: المسألة مسألة خلاف بين سيبويه والأخفش، وقيل: ليست مسألة خلاف كما سيتأتى الإشارة إلى ذلك في كلام ابن عصفور؛ لأن الوجه الذي منع سيبويه الرفع به غير الوجه الذي جوز الأخفش الرفع به، والوجه الذي منع سيبويه به هو أن نفي السير لا يكون سببا للدخول (¬2)، والوجه الذي جوز به الأخفش هو أن يكون أصل الكلام واجبا وهو: سرت حتى أدخل المدينة، ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره فتنفي أن يكون عنك سير كان عنه دخول، فكأنك قلت: ما وقع السير الذي كان سببا لدخول المدينة (¬3)، ومن ثمّ قال السيرافي: والذي عندي أن أبا الحسن أراد: أن «ما» تدخل على «سرت حتى أدخلها» بعد وجوب الرفع فتنفي جملة الكلام الى آخر كلامه الذي تقدم ذكره. - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 714). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 22، 23). (¬3) انظر: التذييل (6/ 716)، ومنهج الأخفش (ص 413).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: إن هذا الأمر هو الظاهر، وهو أن لا خلاف بين الإمامين، فالذي اعتبره سيبويه لا يمنعه الأخفش والذي اعتبره الأخفش لا يمنعه سيبويه، لكنهم اتفقوا على أن الرفع غير مسموع في ذلك وأن الأخفش إنما أجاز ذلك بالقياس، ونقلوا (¬1) أن الأخفش كان يقول: إن الرفع في النفي جائز في القياس إلا أن العرب لم تستعمله، قالوا: فإذا كان معترفا بأن العرب لم تستعمله لم يجب أن يلتفت إليه لأنا إنما نتكلم بما تكلمت به العرب ولسنا نحدث [5/ 141] لغة. ومنها: أن الشيخ ذكر في شرحه (¬2): أن بعض النحويين تكلم على «حتى» كلاما طويلا بالنسبة إلى سائر أحوالها من كونها جارة للاسم وداخلة على الفعل وعاطفة وابتدائية قال: ونحن نلخص من كلامه ما يليق بمسائل هذا الشرح من كونها تدخل على الفعل غاية أو سببية يصلح مكانها «كي»، أو سببية بمعنى «الفاء» أو غير سببية، وربما انجر مع ذلك مسائل من كونها جارة أو عاطفة، ثم إنه (¬3) شرع في إيراد ذلك، وأطال الكلام وذكر ما يعسر ضبطه، وإذا حقق الناظر نظره رأى أن غالب ما يذكر مستغنى عنه بما قد تقرر من أحكام «حتى» التي تقدمت الإشارة إليها في هذا الفصل. وبعد: ففي ما ذكره الجماعة (¬4) كفاية، فأنا أقتصر عليه، وهو أنهم ذكروا أن «حتى» حرف غاية وتأتي في الكلام على ثلاثة أضرب: عاطفة، وابتدائية، وجارة، فالعاطفة ذكرت في باب «العطف»، والجارة ذكرت في باب «حروف الجر». وأما الابتدائية فإنها تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها، والجملة قد تكون اسمية كقول الشاعر: 3927 - فما زالت القتلى تمجّ دماءها ... بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (¬5) - ¬

_ (¬1) نقل ذلك أبو حيان عن أبي محمد بن السيد البطليوسي. انظر: التذييل (6/ 719). (¬2) انظر: التذييل (6/ 720). (¬3) أي: الشيخ أبو حيان. انظر: التذييل (6/ 720) وما بعدها. (¬4) أي: المغاربة وسوف يذكر المؤلف كلام ابن عصفور في المقرب وشرح الجمل إجمالا ثم يذكر ذلك تفصيلا نقلا عن الكتابين المذكورين. (¬5) هذا البيت من الطويل قاله جرير بن الخطفى من قصيدة يهجو بها الأخطل ديوانه (1/ 143). -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تكون فعلية كقولهم: شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه (¬1) ويتعين كونها الابتدائية إذا وقع بعدها الفعل الماضي أو المبتدأ والخبر. ثم الجارة قد تدخل على الفعل أي: تباشره لفظا كما تباشر الاسم، لكنها إذا باشرت الاسم كانت للغاية بمعنى «إلى»، وإذا باشرت الفعل وجب تقدير «أن» قبله لتكون داخلة على اسم، وحينئذ قد تكون بمعنى «إلى» فتكون للغاية، وقد تكون بمعنى «كي» فتكون للتعليل. فتبين من هذا أنها إذا باشرت الفعل المضارع قد تكون جارة، وقد تكون ابتدائية؛ لأنا قد قلنا: إن الابتدائية تدخل على الجملة الفعلية، فإن كان الفعل بعدها مستقبلا أو في حكم المستقبل فـ «حتى» حرف جر بمعنى «إلى» أو «كي» والفعل بعدها لازم النصب بـ «أن» مضمرة، وإن كان الفعل بعدها حالا أو في تقدير الحال فهي حرف ابتداء والفعل بعدها لازم الرفع لخلوه عن ناصب أو جازم. وبعد: فأنا أورد مفصلا ما ذكر ضابطه إجمالا في تقسيم ذكره ابن عصفور، قال في «المقرّب» في باب «نواصب الفعل» (¬2): و «حتى» إذا كانت بمعنى «إلى أن» أو بمعنى «كي» فإن لم تكن بمعنييهما لم تنصب؛ فعلى هذا لا يخلو أن تقع «حتى» مع ما بعدها خبرا لذي خبر أو لا تقع، فإن وقعت خبرا لم يجز فيما بعدها إلا النصب نحو قولك: كان سيري حتى أدخلها، وسير زيد حتى يدخل المدينة، بنصب: «أدخل»، و «يدخل»، وإن لم تقع خبرا فإما أن يكون ما قبلها سببا لما بعدها أو لا يكون، فإن كان فإن أردت بالفعل الذي بعدها الماضي أو الحال رفعت - ¬

_ - الشرح: تمج أي: تقذف ورفع دماؤها ودجلة: نهر بالعراق، والأشكل: الذي تخالطه حمرة، وعين شكلاء: إذا خالط بياضها حمرة. والشاهد: في «حتى ماء دجلة أشكل» فإن «حتى» فيه حرف ابتداء دخلت على الجملة الاسمية، والبيت في: ابن يعيش (8/ 18)، والعيني (3/ 386)، والخزانة (4/ 142)، والهمع (1/ 248)، والدرر (1/ 207). (¬1) انظر: الكتاب (3/ 18). (¬2) انظر: المقرب لابن عصفور (1/ 268 - 270).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو قولك: سرت حتى أدخل المدينة، تريد: سرت فدخلت أو فأنا داخل، وإن أردت به الاستقبال نصبت وتكون بمعنى: «كي» أو: «إلى أن» كأنك قلت: سرت كي أدخل المدينة أو: إلى أن أدخل، وإن لم يكن ما قبلها سببا لما بعدها لم يجز في الفعل الذي بعدها إلا أن يكون مستقبلا منصوبا وتكون بمعنى: «إلى أن» نحو قولك: سرت حتى يؤذن المؤذن أي: إلى أن يؤذن المؤذن، فإن كثّرت السبب نحو قولك: كثر ما سرت حتى أدخل المدينة كان الرفع أقوى من النصب، وإن قلّلت نحو قولك: قلّما سرت حتى أدخل المدينة كان النصب أقوى من الرفع وإن نفيته فإن قدّرت أن النفي دخل بعد دخول «حتى» فالأمر على ما كان عليه قبل النفي من جواز النصب على معنى: «إلى أن» أو: «كي»، والرفع على المعنيين المتقدمي الذكر (¬1)، وإن قدّرت أنها دخلت بعد دخول النفي لم يجز في ما بعدها إلا النصب على معنى: «إلى أن» وذلك نحو قولك: ما سرت حتى أدخل المدينة؛ بالنصب لا غير على التقدير الثاني، وبالنصب والرفع على التقدير الأول. وقال في «شرح الجمل» (¬2): حتى إما أن يكون ما بعدها حالا أو مستقبلا أو ماضيا فإن كان حالا أو ماضيا فالرفع، وإن كان مستقبلا فالنصب، ولذلك أسباب تذكر، فنقول: إن لم يكن ما قبلها سببا فالنصب نحو: سرت حتى تطلع الشمس، التقدير: إلى أن، وإن كان سببا فإن كان الفعل الذي بعدها حالا أو ماضيا رفع؛ لأنها تكون سببا بمنزلة «الفاء»، و «الفاء» لا تنصب فتقول: سرت حتى أدخلها تريد: فدخلت لأني سرت أو: فأنا داخل الآن لأني سرت، فالرفع على معنيين ولكن السببية معه ملتزمة. وإن كان مستقبلا فالنصب وحينئذ إما أن تلحظ السببية فتكون «حتى» بمعنى: «كي»، فمعنى «سرت حتى أدخلها»: كان سيري كي أدخلها، وإن لم تلحظ السببية وقصدت مجرد الغاية فتكون «حتى» بمعنى: «إلى»، فمعنى «سرت حتى أدخلها»: سرت إلى هذه الغاية؛ لأن الذي كان لأجل الدخول هو السير، فالنصب على معنيين كما أن الرفع على معنيين. - ¬

_ (¬1) وهما: فدخلت أو فأنا داخل. (¬2) انظر: شرح الجمل (2/ 164 - 166) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن وقع قبل الفعل الذي يكون سببا حرف نفي فقلت: ما سرت حتى أدخل المدينة؛ فالنصب لم يذكر سيبويه غيره، قال (¬1): لأن الرفع إنما يكون على معنى السبب وعدم السير لا يكون موجبا للدخول، وزعم الأخفش (¬2) أن الرفع جائز لا على أن يكون عدم السير سببا هذا ما لا يقوله أحد، وإنما يكون ذلك جوابا، فإذا قال قائل: سرت فدخلت، قلت له: ما سرت فدخلت، وإذا قال: سرت فأنت داخل قلت له: ما سرت فأنا داخل الآن، وهذا حسن جدّا وينبغي أن لا يعدّ هذا خلافا بين الأخفش وسيبويه. ثم قال (¬3): فإن أدخلت في الكلام: «رأى» أو «حسب» أو «ظن» فإما أن تدخل شيئا من ذلك بعد «حتى» فيكون الحكم ما تقدم، إن كان القبلي سببا فالرفع إن كان ماضيا أو حالا، والنصب إن كان مستقبلا، وإن لم يكن الفعل القبلي سببا [5/ 142] فالنصب على معنى: «إلى» أو «كي» (¬4)، فتقول: سرت حتى أدخلها أرى أو أظن أو أحسب بالرفع والنصب على حسب المعنى، وإما أن تدخل ذلك قبل «حتى» فتقول: سرت أرى حتى أدخل المدينة، لم يتصور الرفع؛ لأنك لم تثبت سيرا يكون سببا إنما جعلته فيما ترى. ثم ذكر (¬5) أن الكوفيين خالفوا البصريين في أربع مسائل: الأولى: أنهم أجازوا الرفع في نحو: سرت حتى تطلع الشمس، وحكوا من كلام العرب: سرت حتى تطلع الشمس بعرفة (¬6)، وردّ عليهم بأن السببية فيما حكوه موجودة؛ لأن طلوع الشمس بهذه البقعة المباركة يكون سببه جد السير لو ضعف، - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 22، 23) وقال في (3/ 24): «واعلم أن الفعل إذا كان غير واجب لم يكن إلا النصب». (¬2) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 56)، والتذييل (6/ 716). (¬3) أي: ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 166) وقد نقله بتصرف. (¬4) في شرح الجمل «إلى أن وكي». (¬5) أي ابن عصفور، انظر: شرح الجمل (2/ 167، 168) وقد نقله عنه بتصرف. (¬6) في معاني القرآن للفراء (1/ 134) قال: «... فزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: سرنا حتى تطلع لنا الشمس بزبالة فرفع والفعل للشمس».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فهم قد أخذوا سببا وغلطوا فيه فجعلوه غير سبب. الثانية: أن الفراء (¬1) منع النصب في ما لا يتطاول من الأفعال أي: الذي لا يمتد (¬2) نحو: قمت حتى آخذ بحلقه؛ لأن المعنى: قمت فأخذت ولم يتمادّ القيام حتى لزم أن يكون قمت إلى هذه الغاية، وردّ بأن النصب هنا على معنى: «كي» (¬3). الثالثة: أن الكسائي جوّز النصب في فعل الحال وإن كان ما قبله سببا وأجاز ذلك في قول حسان رضي الله تعالى عنه (¬4): 3928 - يغشون حتّى ما تهرّ كلابهم ... لا يسألون عن السّواد المقبل (¬5) وردّ ذلك بأنه لم يرد به سماع ولا يقبله القياس لأن النواصب تخلص الفعل للاستقبال. الرابعة: أنهم فصّلوا في غير السبب الفعل الذي بعد «حتى» إلى ما هو حادث وإلى ما ليس كذلك، فما كان حادثا فالنصب نحو: سرت حتى تطلع الشمس، وإن كان غير حادث فالرفع نحو: سرت حتى يعلم الله أني كالّ (¬6)، قالوا: فلا يتصور هنا إلى أن لأن هذا لم يحدث عن سيرك فيكون غاية له، ولا يتصور معنى: «كي»؛ لأن المعنى ليس عليها، وردّ ذلك بأن علم الله تعالى أني كالّ حادث عن سيري؛ لأن الله تعالى لا يعلم أني كالّ في الحال إلا إذا كنت كالّا في الحال، فتعلق العلم هنا حادث وسببه سيرك، فلهذا كان مرفوعا لا كما قالوه، وامتنع النصب على معنى «إلى أن» لأن المعنى يبطل، ألا ترى أنك إذا قلت: سرت حتى يعلم الله أني - ¬

_ (¬1) انظر: معاني القرآن للفراء (1/ 133). (¬2) أي: ليس له غاية ينتهي إليها. شرح الجمل (2/ 130). (¬3) قال ابن عصفور: «كأنه قال: قمت كي آخذ بحلقه». (¬4) لم ينسبه ابن عصفور في شرح الجمل. (¬5) سبق شرحه. والشاهد فيه هنا: نصب ما بعد «حتى» على مذهب الكسائي. (¬6) انظر: الكتاب (3/ 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كالّ فهو الآن كالّ والله تعالى يعلم أنه كالّ، فلو قدّرت: إلى أن يعلم الله، لكان هذا مستقبلا فيحصل التناقض، وليس النصب على معنى: «كي» لأنه يستحيل أن يكون المعنى: سرت كي يعلم الله أني كالّ؛ لأنك لم تقصد أن الحامل لك على السير هو علم الله بكلالك. انتهى كلام ابن عصفور. وقد طال الكلام في «حتى» ولا شك أن الجارة معلومة، والعاطفة معلومة أيضا، وأما الابتدائية فإن الكلام يستأنف بعدها، وتقع بعدها الجملة من فعل ومرفوعه، وسواء أكان الفعل ماضيا أو مضارعا مرفوعا، نعم مضارعا ونصب كان النصب بـ «أن» مضمرة ووجب كون «حتى» حينئذ حرف جر، والجملة من مبتدأ وخبر، والجملتان من شرط جزاء، فمن وقوع المبتدأ والخبر قول الشاعر: 3929 - فيا عجبا حتّى كليب تسبني ... كأنّ أباها نهشل أو مجاشع (¬1) وقول الآخر: 3930 - فما زالت القتلى تمجّ دماءها ... بدجلة حتّى ماء دجلة أشكل (¬2) وقول الآخر: 3931 - وحتّى الجياد ما يقدن بأرسان (¬3) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل قاله الفرزدق من قصيدة يهجو بها جريرا (1/ 419). الشرح: قوله: فيا عجبا رواية الديوان «فيا عجبي» ويروى: «فواعجبا» وهو من قبيل الندبة للتوجع، وكليب ابن يربوع رهط جرير، جعلهم في الضّعة بحيث لا يسابون مثله لشرفه، ونهشل ومجاشع: ابنا دارم رهط الفرزدق. والشاهد فيه: دخول «حتى» على الجملة الاسمية، وهي حرف ابتداء، والبيت في: الكتاب (3/ 18)، والمقتضب (4/ 406)، وابن يعيش (8/ 18، 62)، والمغني (ص 129)، والخزانة (4/ 141)، والهمع (2/ 24)، والدرر (2/ 16). (¬2) سبق شرحه. (¬3) هذا عجز بيت وهو لامرئ القيس ديوانه (ص 175) وصدره: سريت بهم حتى تكل مطيهم الشرح: الأرسان: جمع: رسن وهو الحبل، و «بأرسان» متعلق بـ «يقدن» ويجوز كون الباء للحال متعلق بمحذوف تقديره: مستعملات. والمعنى: أنها تساق معطلات دون حبال لبعد الغزو وإفراط الكلال.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والنصف الأول من هذا البيت وهو قوله: 3932 - سريت بهم حتّى تكلّ مطيّهم (¬1) شاهد وقوع الجملة الفعلية. ومن وقوع الشرط والجزاء قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها (¬2). ومن مجيء الفعل ومرفوعه قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ (¬3)، ومنه أيضا قوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا (¬4). قال ابن أبي الربيع: ضابط «حتى» أن تقول: إذا كان بعدها مفرد مخفوض أو فعل مضارع منصوب فهي حرف جر، وإذا وقع بعدها اسم مفرد مرفوع أو منصوب فهي حرف عطف، وإن وقع بعدها جملة فهي حرف ابتداء (¬5). انتهى. وقد تقدم لنا ذكر هذه المسألة في باب «حروف الجر» وإنما أعدت ذلك هنا لأن هذا الموضع أمسّ بذكره. * * * ¬

_ - والشاهد في هذا الشطر من البيت: مجيء «حتى» حرف ابتداء ورفع الاسم الذي بعدها على أنه مبتدأ ما بعده خبر، وانظر: الشطر في الكتاب (3/ 27، 626)، ومعاني الفراء (1/ 133)، والمقتضب (2/ 39)، وابن يعيش (5/ 79)، والمغني (ص 127). (¬1) هذا صدر عجز البيت السابق «تكل»: تتعب. والشاهد فيه: وقوع الجملة الفعلية بعد «حتى» والمضارع بعدها منصوب بإضمار «أن» وهي حرف جر، قال ابن هشام في المغني (ص 130): «ولا بد على النصب من تقدير زمن مضاف إلى تكل أي: إلى زمان كلال مطيهم» وقد روي «تكل» بالرفع فتكون «حتى» حرف ابتداء والجملة بعدها مستأنفة والمعنى: حتى كلت، وزعم ابن السيد أن جملة «تكل مطيهم» معطوفة بـ «حتى» على «سريت بهم» هكذا ذكر ابن هشام في المغني (ص 127). وانظر الشطر في المصادر السابقة في عجزه. (¬2) سورة الزمر: 71. (¬3) سورة البقرة: 214. (¬4) سورة الأعراف: 95. (¬5) انظر حديثا مفصلا عن حتى بأنواعها الثلاثة (الجارة والعاطفة والابتدائية) في كتاب البسيط في شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع (2/ 901 - 910) تحقيق د/ عياد الثبيتي (دار الغرب الإسلامي).

الباب الخامس والستون باب عوامل الجزم

الباب الخامس والستون باب عوامل الجزم قال ابن مالك: (منها لام الطّلب مكسورة، وفتحها لغة، وقد تسكّن بعد «الفاء» و «الواو» و «ثمّ»، وتلزم في النّثر في فعل غير الفاعل المخاطب مطلقا خلافا لمن أجاز حذفها في نحو: قل له ليفعل، والغالب في أمر الفاعل المخاطب خلوّه منها ومن حروف المضارعة، وهو موقوف لا مجزوم بلام محذوفة خلافا للكوفيين ولا بمعنى الأمر خلافا للأخفش في أحد قوليه، ويلزم آخره ما يلزم آخر المجزوم. ومنها «لا» الطلبية، وقد يليها معمول مجزومها، وجزم فعل المتكلّم بها أقلّ من جزمه باللّام، ومنها «لم» و «لمّا» أختها، وتنفرد «لم» بمصاحبة أداوات الشّرط، وجواز انفصال نفيها عن الحال، و «لمّا» بوجوب اتّصال نفيها بالحال، وجواز الاستغناء بها في الاختيار عن المنفيّ إن دلّ عليه دليل، وقد يلي «لم» معمول مجزومها اضطرارا، وقد لا يجزم بها حملا على «لا»). قال ناظر الجيش: عوامل الجزم منها ما يجزم فعلا واحدا ومنها ما يجزم فعلين، أما القسم الأول فمنحصر في كلمات أربع وهي: لام الطلب، و «لا» الطلبية، و «لم» و «لما» النافية، وأما القسم الثاني فمنحصر في أدوات الشرط، وقد بدأ المصنف بذكر القسم الأول. وبعد: فأنا أشير أولا إلى ما ذكره في شرح الكافية ثم أتبعه كلام الإمام بدر الدين رحمهما الله تعالى ثم أردف ذلك بما يتيسر إن شاء الله تعالى. قال في شرح الكافية (¬1): ذكر الطلب بعد «اللام» و «لا» الجازمتين يحصل فائدتين لا يحصلان بدونه: إحداهما: تمييز «اللام» المرادة من غير المرادة وهي التي ينتصب الفعل بعدها وقد ذكرت، وتمييز «لا» المرادة من غير المرادة وهي النافية نحو: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (¬2)، - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1561 - 1578) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي (جامعة أم القرى) وقد نقل الشارح عن ابن مالك بتصرف يسير. (¬2) سورة الكافرون: 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والزائدة نحو: ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (¬1). والثانية: من الفائدتين: [5/ 143] أن الطلب يعم لام الأمر نحو: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (¬2) ولام الدعاء نحو: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (¬3)، ويعم «لا» في النهي نحو: لا تَحْزَنْ (¬4)، و «لا» في الدعاء نحو: لا تُؤاخِذْنا (¬5) بخلاف أن يقال: لام الأمر و «لا» في النهي؛ فإن الدعاء لا يدخل في ذلك، ومن ورود الدعاء مجزوما باللام قول أبي طالب (¬6): 3933 - يا ربّ إمّا تخرجنّ طالبي ... في مقنب من تلكم المقانب وليكن المغلوب غير الغالب ... وليكن المسلوب غير السّالب (¬7) ول «لام» الطلب الأصالة في السكون من وجهين: أحدهما: مشترك فيه وهو كون السكون مقدما على الحركة؛ إذ هي زيادة والأصل عدمها. والثاني: خاص وهو أن يكون لفظا مشاكلا لعملها كما فعل بـ «باء» الجر، لكن منع من سكونها الابتداء بها فكسرت وبقي للقصد تعلق بالسكون، فإذا دخل عليها «فاء» أو «واو» رجع غالبا إلى السكون ليؤمن دوام تفويت الأصل، وليس التسكين حملا على عين «فعل» كما زعم الأكثرون؛ لأن في ذلك إجراء منفصل مجرى متصل ومثله لا يكاد يوجد مع قلته إلا في اضطرار، وأيضا لو كان تسكين هذه اللام لغير سبب يخصها لشاركها فيه دون شذوذ لام «كي» الواقعة بعد «فاء» - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 12. (¬2) سورة الطلاق: 7. (¬3) سورة الزخرف: 77. (¬4) سورة التوبة: 40. (¬5) سورة البقرة: 286. (¬6) هو عبد مناف وقيل: شيبة بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، والد علي رضي الله عنه وكرم وجهه، وعم النبي صلّى الله عليه وسلّم توفي قبل الهجرة وحزن عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم شديدا. الخزانة (1/ 261)، والأعلام (4/ 166). (¬7) هذا رجز قاله أبو طالب عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، «والمقنب» كـ «منبر» المراد به هنا: جماعة الخيل، ويطلق على مخلب الأسد وعلى الذئب. واستشهد به هنا ابن مالك على ورود الدعاء مجزوما باللام في قوله: «فليكن المغلوب» و «ليكن المسلوب» وفي الرجز شاهد آخر وهو وقوع «غير» بين ضدين وهذا يزيل إبهامها وهو أمر خارج عن الإضافة. ذكره ابن مالك، وانظر الرجز في شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 85)، والأشموني وحاشية الصبان (2/ 44، 245).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو «واو»، وتسكين هذه «اللام» بعد «الفاء» و «الواو» أكثر من تحريكها، ولذلك أجمع القراء (¬1) على التسكين فيما سوى وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا (¬2)، (وليتمتّعوا) مما ولي «فاء» أو «واوا» كقوله تعالى: وَلْيُؤْمِنُوا بِي (¬3) وكقوله تعالى: فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ (¬4) وكقوله تعالى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا (¬5) وكقوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (¬6)، وقد تسكن هذه «اللام» بعد «ثم» نحو: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ (¬7) وهي قراءة (¬8) قنبل وأبي عمرو وابن عامر وورش، ويقل دخول هذه «اللام» على فعل فاعل مخاطب استغناء بصيغة «أفعل» ومن ذلك على قلته قراءة (¬9) عثمان وأبي وأنس رضي الله تعالى عنهم: فبذلك فلتفرحوا (¬10) وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لتأخذوا مصافكم» (¬11)، والكثير دخولها على فعل ما لم يسمّ فاعله مطلقا نحو: لتعن بحاجتي وليزه زيد علينا (¬12)، ومن دخولها على المضارع المسند إلى المتكلم قوله - ¬

_ (¬1) انظر الكشف (2/ 116، 117) وقرأ ابن ذكوان (وليوفوا، وليطوفوا) بكسر اللام فيهما، وانظر الإرشادات الجلية (2/ 3). (¬2) سورة الحج: 29. (¬3) سورة البقرة: 186. (¬4) سورة البقرة: 282. (¬5) سورة النساء: 102. (¬6) سورة النساء: 9. (¬7) سورة الحج: 29. (¬8) في الكشف (2/ 116): قرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر: (ثم ليقطع) بكسر اللام وأسكن الباقون، ومثله في: (ثم ليقضوا)، غير أن قنبلا معهم على الكسر، وانظر الإرشادات الجلية (ص 312)، وعلى هذا فنسبة تسكين «اللام» بعد «ثم» لقنبل وأبي عمرو وابن عامر وورش غير صحيحة؛ لأن المنسوب لهم قراءة الكسر كما رأينا. (¬9) ذكر ابن السراج في الأصول (2/ 146) أنها قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم، والأنباري في الإنصاف (ص 524)، والزمخشري في المفصل (ص 257)، وانظر معاني القرآن للفراء (1/ 469)، والكشف (1/ 520). (¬10) سورة يونس: 58. (¬11) في صحيح مسلم (2/ 943) لتأخذوا مناسككم، وقد أورد ابن الشجري في أماليه هذا الحديث بالرواية التي ذكرها العلامة ابن مالك. انظر: أمالي الشجري (2/ 112، 218)، وشرح الرضي (2/ 252)، والمغني (ص 224). (¬12) انظر: فصيح ثعلب (ص 17)، والحجة لابن خالويه (ص 182)، واللسان «نا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ (¬1)، وقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا فلأصلّ لكم» (¬2). وحذف لام الأمر وبقاء عملها جائز وهو على ثلاثة أضرب: كثير مطرد، وقليل جائز في الاختيار، وقليل مخصوص بالاضطرار. فالكثير المطرد: الحذف بعد أمر بقول كقوله تعالى: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ (¬3). أي: ليقيموا فحذفت اللام لوقوع ذلك بعد: قل، وليس بصحيح قول من قال (¬4): إن أصله: قل لهم فإن تقل لهم يقيموا؛ لأن تقدير ذلك يلزم منه أن يتخلف أحد من المقول لهم عن الطاعة والواقع بخلاف ذلك فوجب إبطال ما أفضى إليه وإن كان قول الأكثر. والقليل الجائز في الاختيار: الحذف بعد قول غير أمر كقول الراجز. 3934 - قلت لبوّاب لديه دارها ... تيذن فإنّي حمؤها وجارها (¬5) أراد: لتيذن فحذف اللام وأبقى عملها وليس مضطرا لتمكنه من أن يقول: إيذن، وليس لقائل أن يقول: إن هذا من تسكين المتحرك على أن يكون الفعل مستحقّا للرفع فسكن اضطرارا؛ لأن الراجز لو قصد الرفع لتوصل إليه مستغنيا عن «الفاء» فكان يقول: تيذن إني حمؤها وجارها فإذ لم يستغن عن الفاء فاللام والجزم مرادان. والقليل المخصوص بالاضطرار: الحذف دون تقدم قول بصيغة أمر ولا بغيرها كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة العنكبوت: 12. (¬2) رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه في كتاب الصلاة (باب الصلاة على الحصير)، انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي، (1/ 80)، وصحيح مسلم (1/ 457)، والموطأ: باب جامع سبحة الضحى. (1/ 153). (¬3) سورة إبراهيم: 31. (¬4) انظر: معاني القرآن للفراء (2/ 77)، وأمالي الشجري (2/ 192)، وحاشية الصبان (4/ 4). (¬5) هذا رجز لمنظور بن مرثد الأسدي، كما في العيني (4/ 444). والشاهد في «تيذن» إذ أصله: لتيذن فحذف اللام وأبقى عملها، وليس هذا بضرورة لتمكنه من أن يقول: إيذن. وانظر الرجز في المغني (ص 225)، والعيني (4/ 444)، والهمع (2/ 56).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3935 - فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب (¬1) أراد: ولكن ليكن (¬2) فحذف «اللام» مضطرّا وأبقى عملها، وليس من هذا ما أنشده الفراء (¬3) من قول الراجز: 3936 - من كان لا يزعم أنّي شاعر ... فيدن منّي تنهه المزاجر (¬4) لأنه لو قصد الأمر لقال: فليدن مني، وإنما أراد: عطف «يدنو» على «لا يزعم» وحذف «الواو» من «يدنو» لدلالة الضمة عليها كما قال: 3937 - فياليت الأطبّا كان حولي (¬5) فحذف «واو» الضمير اكتفاء بالضمة، فـ «واو» ليست بضمير أحق أن يفعل بها ذلك، وأما «تنهه» فمجزوم؛ لأنه جواب «من». ومن دخول «لا» النهي على فعل المتكلم قول الشاعر: 3938 - إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد ... بها أبدا ما دام فيها الجراضم (¬6) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، يخاطب به الشاعر ابنه لما تمنى موته، وقوله: «بقائي» بيان لقوله: «مني» أو بدل منه، و «منك» حال. والشاهد: في «يكن» إذ أصله ليكن فحذفت اللام للضرورة والبيت في معاني القرآن (1/ 159)، والمغني (ص 224)، وشرح شواهده (ص 597)، والأشموني (4/ 5). (¬2) انظر معاني القرآن للفراء (1/ 160). (¬3) انظر: معاني القرآن (1/ 160). (¬4) هذا رجز لقائل مجهول أورده العلامة ابن مالك على أن قوله: «فيدن» ليس على حذف لام الأمر؛ لأن الراجز لو قصد الأمر لقال: فليدن، وإنما أراد عطف «يدنو» على «لا يزعم» وحذف «الواو» من «يدنو» لدلالة الضمة عليها وهذا وارد في أشعار العرب، أما الفراء فقد أنشد الرجز شاهدا على حذف «لام» الأمر من قوله: «فيدن» والفاء جواب للشرط. والرجز في الخصائص (3/ 303) واللسان «زجر». (¬5) هذا صدر بيت من الوافر لقائل مجهول وعجزه: وكان مع الأطباء الأساة الشرح: الأطبا جمع: طبيب وهو الذي يعالج الأسقام، وأصله: الأطباء فقصره الشاعر، وحولي يروى بدله «عندي» والأساة جمع: آس من قولك: أسا الجرح يأسوه: إذا عالجه ليبرأ. والشاهد في قوله: «كان» إذ أصله: كانوا فحذفت «واو» الجماعة واكتفي بالضمة للدلالة عليها. والبيت في معاني الفراء (1/ 91)، وشرح المفصل للرازي (3/ 14)، وابن يعيش (7/ 5) والإنصاف (ص 385)، والخزانة (2/ 385). (¬6) هذا البيت من الطويل قاله الوليد بن عتبة يعرض بمعاوية، وهو المراد بقوله: «الجراضم» لأنه كان -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله قول الآخر: 3939 - لا أعرفن ربربا حورا مدامعها ... مردّفات على أحناء أكوار (¬1) وقد فصل بين «لا» ومجزومها في الضرورة كقول الشاعر: 3940 - وقالوا أخانا لا تخشّع لظالم ... عزيز ولا ذا حقّ قومك تظلم (¬2) أراد: ولا تظلم ذا حق قومك، وهذا رديء؛ لأنه شبيه بالفصل بين الجار والمجرور. هذا آخر كلامه على «اللام» و «لا» وقد تضمن ما تضمنه من بيان متن الكتاب - أعني التسهيل - شرحا وتعليلا، ولكنا نشير إلى التنبيه على ما لم يتضمنه كلامه في الشرح المذكور فمن ذلك: أنه أشار بقوله في اللام: (وفتحها لغة)، إلى ما ذكره الفراء عند كلامه على قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (¬3) قال (¬4): بنو سليم يفتحون لام الأمر نحو: ليقم زيد. ومنه: أن قوله: (وتلزم في النّثر في فعل غير الفاعل المخاطب) يشمل فعل ما لم يسمّ فاعله مطلقا أي سواء أكان لمخاطب أم متكلم أم غائب، وفعل الفاعل المتكلم وحده أو مشاركا، وفعل الفاعل الغائب فـ «اللام» في كل هذا واجبة الذكر، أما فعل أمر الفاعل المخاطب، فالغالب خلوه منها ومن حروف المضارعة كما أشار إليه. وأما قوله: (خلافا لمن أجاز حذفها في نحو: قل له ليفعل) فلا شك أن هذا الكلام يناقض ما ذكره في شرح الكافية، وقد [5/ 144] قرر الإمام بدر الدين (¬5) - ¬

_ - كثير الأكل جدّا، وهو بضم الجيم، الأكول الواسع البطن. والشاهد فيه دخول «لا» الناهية على فعل المتكلم في قوله: «فلا نعد» وهو نادر؛ لأن المتكلم لا ينهى نفسه إلا على المجاز تنزيلا له منزلة الأجنبي ويجوز أن تكون دعائية كما في المغني، والبيت في المغني (ص 247) وشرح شواهده (ص 633)، وأمالي الشجري (2/ 226)، والعيني (4/ 420)، وشرح التصريح (2/ 246). (¬1) سبق شرحه. (¬2) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. والشاهد فيه: الفصل بين «لا» ومجزومها «تظلم» أراد: ولا تظلم ذا حق قومك، وهو ضرورة. وانظر البيت في الهمع (2/ 56)، والدرر (2/ 7)، والأشموني (4/ 4). (¬3) سورة النساء: 102. (¬4) انظر: معاني القرآن (1/ 285)، وعبارته: وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: «ليقم زيد». (¬5) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 58).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك ولم يتعرض إلى ما ذكره والده في شرح الكافية، وكلام الشيخ موافق لكلام بدر الدين فإنه قال (¬1): «والصحيح أن حذف لام الأمر وإبقاء عملها لا يجوز إلا في الشعر سواء أتقدم أمر بالقول أو قول غير أمر أم لم يتقدم قول. ومنه: أنه عنى بقوله: (ويلزم آخره ما يلزم المجزوم) أنه إن كان مسندا إلى «الألف» أو «الواو» أو «الياء» يقال فيه: اضربا واضربوا واضربي كما يقال: لم تضربا ولم تضربوا ولم تضربي، وإن لم يكن مسندا إلى أحد الثلاثة وهو صحيح الآخر يقال فيه: اضرب كما يقال: لم يضرب، وإن كان معتل الآخر يقال فيه: اغز، وارم، واخش، كما يقال: لم يغز، ولم يرم، ولم يخش. وإذا قد عرف هذا فلنذكر كلام بدر الدين رحمه الله تعالى قال (¬2): عوامل الجزم: لام الأمر، و «لا» التي للنهي، و «لم» و «لما» أختها، و «إن» الشرطية وما ضمنّ معناها، وإنما عملت الجزم؛ لأنها اختصت بالأفعال ولازمتها ولم تتنزل منها منزلة الجزء فاقتضى ذلك أن تؤثر فيها وتعمل؛ لأن كل ما لزم شيئا أثّر فيه غالبا فعملت فيه الجزم لأنه أنسب؛ وذلك لأن الفعل بعد لام الأمر شبيه بالأمر المبني على السكون ومثله في المعنى فحمل عليه في اللفظ فأعرب بالجزم الشبيه بالبناء، وأما النهي فإنه يجزم فعله لأنه نقيض الأمر المبني كما يجزم الفعل بـ «لم» و «لما»؛ لأنه نقيض الماضي، والماضي مبني، وأما «إن» الشرطية فلأنها تقتضي جملتين: شرطا وجزاء فعملت الجزم لأنه أخف وأحسن مع الإطالة. واعلم أن الفعل يجزم باللام في الأمر وهو: طلب الفعل على سبيل الاستعلاء نحو: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (¬3)، وفي الدعاء وهو: طلب الفعل على سبيل الخضوع نحو: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ (¬4)، ومثله قول أبي طالب: 3941 - يا ربّ إمّا تخرجنّ طالبي ... في مقنب من تلكم المقانب فليكن المغلوب غير الغالب ... وليكن المسلوب غير السّالب (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 752) وقد تصرف المؤلف فيما نقله عنه. (¬2) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 57) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد ود/ محمد بدوي المختون. (¬3) سورة الطلاق: 7. (¬4) سورة الزخرف: 77. (¬5) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلذلك سماها: لام الطلب. والنحويون يسمونها: لام الأمر (¬1) لأنه الأصل فيها، ولام الأمر مبنية على الكسر؛ لأنه أقرب إلى الجزم لأنه حركة مقابل مقابله وهو الجر، ومن العرب من يبنيها على الفتح قال الفراء (¬2) في كلامه على قوله تعالى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ (¬3): بنو سليم يفتحون لام الأمر نحو: ليقم زيد. وإذا وقعت لام الأمر بعد «الفاء» و «الواو» و «ثم» جاز تسكينها حملا على «فعل» وإجراء للمنفصل مجرى المتصل لكثرة الاستعمال (¬4)، وهو مع «الفاء» و «الواو» أعرف من التحريك ولذلك اتفق القراء (¬5) على التسكين فيما سوى وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا (¬6)، وَلِيَتَمَتَّعُوا (¬7)، مما ولي «واوا» أو «فاء» كقوله تعالى: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي (¬8) وقوله تعالى: فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ (¬9) وقوله تعالى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ (¬10)، وأما تسكين اللام بعد «ثم» فقليل ومنه قراءة أبي عمرو وغيره: (¬11) ثم ليقضوا تفثهم (¬12). وتلزم لام الأمر في النثر فعل غير الفاعل المخاطب وهو فعل الفاعل الغائب والمتكلم وحده أو مشاركا، وفعل ما لم يسم فاعله مطلقا كقولك: ليقم زيد، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «قوموا فلأصلّ لكم» وقوله تعالى: وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ (¬13)، وقولهم: لتعن - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 251). (¬2) انظر: معاني القرآن (1/ 285). (¬3) سورة النساء: 102. (¬4) وافق الإمام بدر الدين في ذلك مذهب الأكثرين مخالفا بذلك ما ذهب إليه والده المصنف في شرح الكافية الشافية من أن الأمر خلاف ذلك. (¬5) انظر: الكشف (2/ 116 - 117) والإرشادات الجلية (ص 312) وقرأ ابن ذكوان (وليوفوا، وليطوفوا) بكسر اللام فيهما. (¬6) سورة الحج: 29. (¬7) سورة العنكبوت: 66. (¬8) سورة البقرة: 186. (¬9) سورة البقرة: 282. (¬10) سورة النساء: 102. (¬11) وقع الإمام بدر الدين هنا فيما وقع فيه والده المصنف، فنسب قراءة تسكين «اللام» بعد «ثم» إلى أبي عمرو وغيره، والصحيح أن قراءة أبي عمرو وغيره بكسر اللام، وقراءة الباقين بالتسكين. (¬12) سورة الحج: 29. (¬13) سورة العنكبوت: 12.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بحاجتي وليزه زيد علينا (¬1)، فاللام في كل هذا واجبة الذكر ولا يجوز حذفها في مثله إلا في الشعر فإنه محل الاختصار والتغيير فيجوز فيه حذف اللام وجزم الفعل بها مضمرة لاضطرار ودونه، فالأول كقول الشاعر: 3942 - فلا تستطل منّي بقائي ومدّتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب (¬2) أراد: ليكن للخير منك نصيب ولكنه اضطر فحذف (¬3). والثاني كقول الآخر: 3943 - على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ... لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (¬4) لتمكنه من أن يقول: وليبك من بكى، ومثله قول الآخر: 3944 - قلت لبوّاب لديه دارها ... تيذن فإنّي حمؤها وجارها (¬5) لأنه لو لم يؤثر الجزم باللام المحذوفة لقال: إيذن بلفظ الأمر، فأما قول الشاعر (¬6): 3945 - محمّد تفد نفسك كلّ نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا (¬7) فليس يثبت لجواز أن يكون أراد: تفدي نفسك على الخبر، ولكن حذف الياء تخفيفا كما حذفوا من: كرامي الأيد يريدون: الأيدي، وكذا ما أنشده الفراء (¬8): 3946 - من كان لا يزعم أنّي شاعر ... فيدن منيّ تنهه مني المزاجر (¬9) - ¬

_ (¬1) انظر: شرح ابن الناظم (ص 690). (¬2) سبق شرحه. (¬3) انظر معاني الفراء (1/ 160). (¬4)، (¬5) سبق شرحه. (¬6) نسب للأعشى وليس في ديوانه، ولحسان بن ثابت وليس في ديوانه أيضا، ونسب لأبي طالب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. (¬7) هذا البيت من الوافر، والتبال: الفساد، وقيل: الحقد والعداوة. والشاهد في «تفد» حيث حذف منه لام الأمر وبقي عملها إذ أصله: لتفد، وهذا ما عليه سيبويه وأكثر النحويين، ولكن الإمام بدر الدين جعل هذا من قبيل الخبر وأصله: تفدي ثم حذفت الياء تخفيفا. والبيت في الكتاب (3/ 8)، والمقتضب (2/ 130)، وأمالي الشجري (1/ 375)، والإنصاف (ص 530)، وابن يعيش (7/ 25، 60، 62)، (9/ 24)، والمقرب (1/ 272). (¬8) انظر: معاني القرآن (1/ 160). (¬9) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه لو أراد الأمر لقال: فليدن مني، وإنما أراد عطف «يدنو» على «لا يزعم» وحذف «الواو» من «يدنو» لدلالة الضمة عليها كما قال: 3947 - فيا ليت الأطبّا كان حولي (¬1) فحذف «واو» الضمير اكتفاء بالضمة، وأما «تنهه» فمجزوم لأنه جواب «من» (¬2). ولا يجوز في غير الشعر حذف لام الأمر خلافا للكسائي (¬3)، قال ثعلب (¬4): قال الكسائي في قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا (¬5): هو ليغفروا فأسقط «اللام» وترك «يغفروا» مجزوما قلت: والوجه أن يكون مجزوما بجواب الأمر (¬6) على معنى: إن يقل لهم اغفروا يغفروا، والغالب في أمر الفاعل المخاطب خلوّه من «اللام» ومن حرف المضارعة، وقد لا يخلو منهما كقراءة عثمان وأنس وأبيّ (فبذلك فلتفرحوا)، وكقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لتأخذوا مصافّكم» وهو قليل، والكثير المعروف في كلامهم مجيء أمر الفاعل المخاطب مجردا من «اللام» ومن حرف المضارعة مجعولا آخره كآخر المجزوم، فإن لم يتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة فإن كان صحيحا فهو ساكن الآخر نحو: اذهب واضرب واخرج، وإن كان معتلّا فهو محذوف [5/ 145] الآخر نحو: اخش وارم واغز، وإن اتصل به ألف اثنين أو واو جمع أو ياء مخاطبة ثبتت في آخره بغير نون نحو: اضربا، واضربوا، واضربي، وليس ذلك جزما بل بناء؛ لأن دلالة «اضرب» ونحوه على الأمر إما بإضمار اللام وهو مضارع محذوف منه حرف المضارعة، وإما بتضمن معناها وهو مثال مأخوذ من لفظ المصدر للدلالة على الحدث والنسبة تفيد الطلب، لا جائز أن يكون بالإضمار لما فيه من كثرة الحذف لغير موجب فتعيّن أن يكون - ¬

_ (¬1) سبق شرحه. (¬2) هذا الكلام ذكره ابن مالك في شرح الكافية الشافية. (¬3) انظر المغني (ص 225)، والهمع (2/ 55). (¬4) أخذ بهذا الرأي العلامة ابن مالك في شرح الكافية الشافية. انظر ما نقله عنه المؤلف قبل، وانظر البيان للأنباري (2/ 59). (¬5) سورة الجاثية: 14. (¬6) انظر: معاني الفراء (1/ 77)، (3/ 45 - 46)، وأمالي الشجري (2/ 192)، والبيان للأنباري (2/ 59، 365).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتضمين، وإذا كانت دلالة «اضرب» ونحوه على الأمر بتضمن معنى «اللام» وجب الحكم عليه بالبناء لوجهين: أحدهما: عدم وجود علة الإعراب فيه وهو شبه الاسم، فإن المضارع إنما أعرب لشبهه بالاسم إما لجواز قبوله بصيغة واحدة معاني مختلفة وإما في احتمال الإبهام والتخصيص وقبول لام الابتداء، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته، وذلك وشبهه مفقود من فعل الأمر فوجب أن يكون مبنيّا كالماضي. الثاني: أن فعل الأمر لو كان معربا لكان مجزوما، لأنه أبدا ساكن الآخر أو محذوفه، ولو كان مجزوما لكان الجازم له إما اللام وإما غيرها، لا جائز أن يكون مجزوما باللام لأن المتضمن يمنع من إظهار مثله؛ لأنه لا فائدة فيه، ولا يصح أن تعمل متضمنة كما لا يعمل الشيء في نفسه، ولا جائز أن يكون مجزوما بغيرها لاستحالة تقديره فتعيّن الحكم عليه بالبناء. وذهب الكوفيون (¬1) إلى أن فعل الأمر مجزوم بلام محذوفة وهو مضارع حذف منه حرف المضارعة؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان لوجوب حذف آخر المعتل منه وجه، وهو ضعيف لجواز أن يكون الوجه في حذف آخر المعتل من الأمر هو طلب التخفيف استثقالا بحرف العلة المتطرف الساكن، ثم التزموا حذفه كما أجازوا حذف المتحصن بالحركة المقدرة كقراءة من قرأ (¬2) يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه (¬3) وذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ (¬4)، ولو لم يكن لحذف آخر فعل الأمر المعتل وجه من المناسبة والاستحسان لكان دعواه أيسر من دعوى حذف لام الأمر وحرف المضارعة. والمشهور عن الأخفش (¬5) موافقة سيبويه في الحكم على فعل - ¬

_ (¬1) انظر: الإنصاف (ص 524) وما بعدها المسألة رقم «72». (¬2) في النشر (2/ 292): «أثبتها - أي الياء - وصلا المدنيان وأبو عمرو والكسائي، وأثبتها ابن كثير ويعقوب في الحالين، وحذفها الباقون في الحالين تخفيفا كما قالوا: لا أدر، ولا أبال وانظر الإرشادات الجلية (ص 278). (¬3) سورة هود: 105. (¬4) سورة الكهف: 64. (¬5) المشهور أن الأخفش يوافق الكوفيين في أن فعل الأمر معرب، وجزمه بلام الأمر المقدرة على أنه مقتطع من المضارع المجزوم بها، وهذا القول قد ذكره الإمام بدر الدين قولا آخر ولم أر أحدا ذكر أن الأخفش يوافق سيبويه في الحكم على فعل الأمر بالبناء - فضلا عن أن يكون مشهورا - سوى الإمام بدر الدين هنا في شرح التسهيل، ولم يشر إلى ذلك في شرحه على الألفية. انظر المغني (ص 227) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر بالبناء، وعنه أيضا قول آخر (¬1) وهو أن فعل الأمر مجزوم بمعنى الأمر، وهو قول بما لا نظير له من غير دليل عليه. وكذا يجزم الفعل بـ «لا» الطلبية وهي الدالة على النهي عن الفعل كقوله تعالى: لا تَحْزَنْ (¬2) أو الدعاء بتركه لشخص أو عليه فالأول كقوله تعالى: رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا (¬3)، رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً (¬4)، والثاني كقول الشاعر: 3948 - بكى دوبل لا يرقئ الله دمعه ... ألا إنّما يبكي من الذّلّ دوبل (¬5) وقد يليها معمول مجزومها كقول الشاعر: 3949 - وقالوا أخانا لا تخشع لظالم ... عزيز ولا ذا حقّ قومك تظلم (¬6) أراد ولا تظلم ذا حق قومك. وأكثر ما تجزم «لا» فعل المخاطب أو الغائب وقد يجزم بها فعل المتكلم وهو أقل من جزمه باللام ومنه قول الأعشى (¬7): 3950 - لا أعرفن ربربا حورا مدامعها ... مردّفات على أحناء أكوار (¬8) وقول الآخر: 3951 - إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد ... بها أبدا ما دام فيها الجراضم (¬9) - ¬

_ - وشرح التصريح (1/ 55)، وحاشية الصبان (1/ 58) ومنهج الأخفش الأوسط (ص 402). (¬1) انظر: المراجع السابقة. (¬2) سورة التوبة: 40. (¬3)، (¬4) سورة البقرة: 286. (¬5) هذا البيت من الطويل وهو لجرير في ديوانه (ص 141). الشرح: لا يرقئ الله دمعه، يرقئ: مضارع: أرقأ، والمعنى: لا يرفع الله دمعته، ودوبل لقب الأخطل. ومعنى البيت واضح في أن جرير يهجو الأخطل. والشاهد فيه قوله: لا يرقئ حيث جزم الفعل بـ «لا» الدالة على الدعاء على الشخص. انظر البيت في أساس البلاغة (رقأ) (1/ 359)، واللسان «دبل». (¬6) سبق شرحه. (¬7) هذه النسبة خطأ لأن البيت للنابغة الذبياني كما سبق ذلك. (¬8)، (¬9) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى كلام بدر الدين (¬1) وبعضه يحتاج إلى تأمل، وبعض منه يحتمل البحث فيه. ثم لا بد من التنبيه على أمور: منها: أنه لا يجوز أن يفصل بين «لام» الأمر وبين ما عملت فيه لا بمعمول الفعل ولا بغيره فهي أشد اتصالا من حروف الجر؛ لأن حرف الجر فصل بينه وبين مدخوله بالقسم، روى عن العرب: اشتريته بو الله ألف درهم (¬2)، ولا يجوز في «اللام»؛ ذلك لأن عامل الجزم أضعف من عامل الجر (¬3). ومنها: أنه لا يجوز أن يتقدم عليها - أعني اللام - معمول فعلها إذا كان مما يجوز تقديمه في فعل الأمر بغير لام فيجوز أن تقول: زيدا ليضرب عمرو كما يجوز: زيدا اضرب. ومنها: أن قول المصنف في «لا» الطلبية: (وقد يليها معمول مجزومها) ظاهره يعطي أن ذلك يجوز في الكلام على قلة، لكنه قد قال في شرح الكافية كما علمت: إن ذلك مخصوص بالضرورة، وقال: إنه رديء أيضا. ومنها: أن قول المصنف أيضا: (وجزم فعل المتكلّم بها - يعني بـ «لا» - أقلّ من جزمه باللّام) ليس المراد به الإطلاق؛ لأن الفعل إذا كان مبنيّا للمفعول جاز دخول «لا» المذكورة عليه مطلقا سواء أكان لمتكلم أم مخاطب أم غائب نحو: لا أخرج، ولا تخرج، ولا يخرج زيد، أما إذا كان مبنيّا للفاعل فالأكثر كونه للمخاطب نحو: لا تذهب، ويضعف للغائب والمتكلم، والفرق بينه وبين المبني للمفعول أنه لا يلزم في المبني للمفعول أن يكون المنهي غائبا ويلزم ذلك في المبني للفاعل، فإذا قيل: لا أخرج، أو لا يخرج زيد مبنيّا للمفعول احتمل أن يكون الفاعل المحذوف هو المسند إليه الفعل أو غيره، وأما إذا بناه للفاعل فقال: لا أخرج أو لا يخرج زيد فإنه في التّكلّم لا ينهى نفسه إلا على ضرب من التجوّز وتنزيلها منزلة أجنبي حتى ينهاها وأما في الغائب فمحال أن ينهى الغائب، وإنما يكون ذلك أيضا على نوع من التجوز بأن يوصل إليه النهي، وحقيقة الأمر والنهي إنما هو خطاب الحاضر بإيجاد شيء أو تركه فهما فيما سواه إنما يكونان على ضرب من - ¬

_ (¬1) انظر: شرح التسهيل (4/ 63) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد. (¬2) حكاه الكسائي، انظر: الهمع (1/ 37). (¬3) انظر: الهمع (2/ 56).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المجاز والتوسع، هكذا ذكر الشيخ (¬1)، ولا يخفى ما فيه. وقد تعرّض أيضا هنا لذكر مسألة مشهورة لا تعلق لها بمسائل الفصل الذي نحن فيه إلا على بعد فأحييت ذكرها لما فيها من الفائدة قال (¬2) رحمه الله تعالى: «وقد يتجوز بالنهي عن الفعل [5/ 146] المقصود به في الحقيقة - أي بالنهي - إلى ما يلزمه كقولهم: لا أرينّك ها هنا (¬3)، ولا يرينّك زيد هاهنا، لا يريد المتكلم بذلك نهي نفسه ولا نهي الغائب عن الرؤية وإنما يريد: لا تحضر فأراك أو يراك زيد؛ فنهى عن المسبب وليس مقصودا، قال: وقريب من هذا قوله تعالى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (¬4) لم ينههم عن الموت بغير الإسلام؛ لأنه ليس لهم، وإنما معناه: لا تكفروا فتموتوا غير مسلمين، وقوله تعالى: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ * (¬5) أي: لا تمتنعوا. هذا ما يتعلق بالحرفين الأولين وهما: «اللام» و «لا»، وأما الحرفان الآخران وهما: «لم» و «لمّا» النافية فقال المصنف في شرح الكافية (¬6): إذ قلت: لم يكن جاز أن تريد انتفاء غير محدود كقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (¬7)، وانتفاء محدودا متصلا بالحال كقوله تعالى: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (¬8)، وكقول سيبويه (¬9): ولما هو كائن لم ينقطع، وانتفاء منقطعا كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (¬10)، وكقول الراجز (¬11): 3952 - وكنت إذ كنت إلهي وحدكا ... لم يك شيء يا إلهي قبلكا (¬12) - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 765 - 766). (¬2) انظر: التذييل (6/ 766 - 767). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 101). (¬4) سورة البقرة: 132. (¬5) سورة المائدة: 2، 8. (¬6) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1572 - 1574). (¬7) سورة الإخلاص: 3، 4. (¬8) سورة مريم: 4. (¬9) في الكتاب (4/ 220) «ولم، وهي نفي لقوله فعل». (¬10) سورة الإنسان: 1. (¬11) وهو لعبد الله بن عبد الأعلى القرشي كما في الكتاب (2/ 210). (¬12) هذا رجز استشهد به ابن مالك على أن «لم» ترد للنفي المنقطع. قال ابن هشام في المغني (ص 279): «وذلك وهم فاحش»، وفي الرجز شاهدان آخران: أحدهما: استشهد به سيبويه على إثبات الياء في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولجواز انقطاع مدلول «لم» يحسن أن يقال: لم يكن ثم كان، ولجواز كونه غير محدود حسن أن يقال يقال: لم يقض ما لا يكون. وأما «لما» فمدلولها انتفاء محدود متصل بزمن النطق بها، فلذلك امتنع أن يقال: لما يكن ثم كان، ولما يقض ما لا يكون؛ لأن انتفاء قضاء ما لا يكون غير محدود، ولا يشترط كون المنفي بـ «لما» قريبا من الحال كقولهم: عصى إبليس ربّه ولما يندم (¬1)، بل الغالب كونه قريبا (¬2). وقد تهمل «لم» فيليها الفعل مرفوعا (¬3) كقول الشاعر: 3953 - لولا فوارس من نعم وأسرتهم ... يوم الصليفاء لم يوفون بالجار (¬4) وانفردت «لما» بجواز حذف مجزومها (¬5) والوقف عليها كقول الشاعر: 3954 - فجئت قبورهم بدأ ولمّا ... فناديت القبور فلم يجبنه (¬6) وانفردت «لم» بأشياء منها: أنه فصل بينها وبين مجزومها اضطرارا (¬7) كقول الشاعر: - ¬

_ - «يا إلهي» على الأصل وإن كان الحذف أكثر في الكلام، والثاني استشهد به ابن هشام في أوضح المسالك (2/ 184) على إضافة «وحد» إلى الكاف، والرجز في الكتاب (2/ 210) والمقتضب (4/ 247)، والمنصف (2/ 232)، وابن يعيش (2/ 11) والمغني (ص 279)، وشرح شواهده: (ص 681). (¬1) انظر: المغني (ص 279). (¬2)، (¬3) المرجع السابق. (¬4) هذا البيت من البسيط لقائل مجهول. الشرح: فوارس جمع: فارس على غير قياس، ونعم يروى بدله «ذهل» حي من بكر، وأسرة الرجل: رهطه، والصليفاء اسم موضع. والشاهد في «لم يوفون» حيث لم ينجزم المضارع بـ «لم» للضرورة، وظاهر كلام ابن مالك جواز ذلك على قلة مطلقا. والبيت في ابن يعيش (7/ 8) والخزانة (3/ 626) والعيني (4/ 446) والأشموني. (¬5) انظر: المغني (ص 279، 280). (¬6) هذا البيت من الوافر لقائل مجهول، والبدء: السيد أي: ولم أكن سيدا، والضمير في «قبورهم» لقومه الذين يتحسر عليهم، ويقول: إنه صار سيدا بموتهم مع أنه لم يكن كذلك في حياتهم، و «بدأ» حال من التاء، والهاء في «يجبنه» للسكت. والشاهد فيه جواز حذف مجزوم «لما» والوقف عليها في الاختيار، والبيت في المغني (ص 280) وشرح شواهده (ص 681)، والهمع (2/ 57). (¬7) انظر: المغني (ص 278).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3955 - فذاك ولم إذا نحن امترينا ... تكن في النّاس يدرككّ المراء (¬1) التقدير: ولم تكن إذا نحن امترينا يدركك المراء (¬2). وقال الإمام بدر الدين (¬3): من عوامل الجزم و «لم» و «لما» أختها، أما «لم» فحرف نفي يختص بالمضارع ويصرفه إلى معنى المضي، وأما «لما» فعلى ثلاثة أقسام: حرف نفي بمنزلة «لم» في الاختصاص بالمضارع وصرف معناه إلى المضي، وهي التي تجزم نحو قوله تعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ (¬4)، وحرف استثناء بمعنى: إلا، وتختص بالفعل المؤول بالمصدر في مثل قولهم: عزمت عليك لمّا فعلت، المعنى: ما أسألك إلا فعلك (¬5)، وحرف يقتضي فيما مضى وجوبا لوجوب نحو: لما قام زيد قام عمرو، وسيأتي ذكرها، وتنفرد «لم» عن «لما» بأمرين: أحدهما: جواز مصاحبة أدوات الشرط نحو: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ (¬6)، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ (¬7)، كما يجوز دخولها على بناء الماضي نحو: إن قام زيد قام عمرو، ولا يجوز مثل ذلك في «لما» كأنهم كرهوها مع الشرط لطولها وإمكان الاستغناء بـ «لم». والثاني: جواز انفصال نفيها عن الحال فتنفي الماضي المنقطع حدثه عن زمن الحال كما تنفي الماضي المتصل به. مثال الأول: قولهم: لم يكن كذا ثم كان، ومنه قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (¬8) وقال الراجز: 3956 - وكنت إذ كنت إلهي وحدكا ... لم يك شيء يا إلهي قبلكا (¬9) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر، لقائل مجهول. الشرح: امترينا: تجادلنا، والمراء: الجدال وجملة «يدركك المراء» خبر تكن، والظرف الفاصل بين «لم» ومجزومها متعلق بـ «يدرك» والأصل ولم تكن في الناس يدركك المراء إذا نحن امترينا. والشاهد فيه الفصل بين «لم» ومجزومها بالظرف اضطرارا، والبيت في المغني (ص 278)، وشرح شواهده (ص 678)، والأشموني وحاشية الصبان (4/ 5). (¬2) هذا نهاية ما نقله المؤلف عن شرح الكافية الشافية (3/ 1577). (¬3) انظر: شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 63). (¬4) سورة عبس: 23. (¬5) انظر: المغني (ص 281). (¬6) سورة هود: 14. (¬7) سورة المجادلة: 4. (¬8) سورة الإنسان: 1. (¬9) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال الثاني: قول سيبويه (¬1): ولما هو كائن لم ينقطع، ومنه قوله تعالى: وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (¬2) وقال الطرماح: 3957 - لم يفتنا بالوتر قوم وللضّي ... م رجال يرضون بالإغماض (¬3) أي: المسامحة بترك الحق. وتنفرد «لما» بأمرين: أحدهما: وجوب اتصال نفيها بالحال ومن ثمّ امتنع أن يقال: لما يكن كذا ثم كان، وإنما يقال: لما يكن كذا وقد يكون أو لا يكون، قال: 3958 - فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلّا فأدركني ولمّا أمزّق (¬4) والثاني: جواز الاستغناء في الاختيار بذكر «لما» عن ذكر المنفي بها إذا دلّ عليه دليل كما تقول: ندم زيد ونفعه الندم، وندم غيره ولمّا، قال الشاعر: 3959 - فجئت قبورهم بدأ ولمّا ... فناديت القبور فلم يجبنه (¬5) أراد: ولما أكن كذلك. ولا يسلك مثل ذلك بـ «لم» إلا في الضرورة كقول الراجز: 3960 - يا ربّ شيخ من بكير ذي غنم ... أحلج لم يشمط وقد كاد ولم (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (4/ 220). (¬2) سورة مريم: 4. (¬3) هذا البيت من الخفيف، والإغماض: المسامحة والمساهلة، واستشهد به الإمام بدر الدين على جواز انفصال نفي «لم» عن الحال فتنفي الماضي المنقطع حدثه عن زمن الحال نحو قولهم: لم يكن كذا ثم كان، كما تنفي الماضي المتصل به وذلك نحو: «لم» في هذا البيت. (¬4) هذا البيت من الطويل، وهو لممزق العبدي، شاعر جاهلي لقب بالممزق لأجل هذا البيت. كتبه عثمان بن عفان - رضي الله تعالى عنه - متمثلا به إلى علي كرم الله وجهه يدعوه إليه حين حاصره الخوارج، وتوهم أنه بإغراء علي. والشاهد فيه: «ولما أمزق» فإنه شاهد على وجوب اتصال نفي منفي «لما» بحال النطق، بخلاف «لم» والبيت في العقد الفريد (2/ 31)، وأمالي الشجري (1/ 135) وأساس البلاغة (1/ 17) «أكل». (¬5) سبق شرحه. (¬6) هذا رجز لقائل مجهول. الشرح: بكير: اسم قبيلة، وأحلج: من الحلج وهو الحركة والاضطراب، ويروى بالخاء وهو بمعناه، والخلج والخلج - بالخاء مع تسكين اللام وتحريكها - داء يصيب البهائم تختلج منه أعضاؤها، وقوله: لم يمشط: من شمط - بالكسر - يشمط شمطا، والشمط في الرجل: شيب اللحية، والشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد يلي «لم» معمول مجزومها اضطرارا كقول ذي الرمة: 3961 - فأضحت مباديها قفارا بلادها ... كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل (¬1) التقدير: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش، وقول الآخر: 3962 - فذاك ولم إذا نحن امترينا ... تكن في النّاس يدرككّ المراء (¬2) التقدير: ولم تكن يدركك المراء إذا نحن امترينا. وقد تلغى لم حملا على «لا» النافية فيرفع الفعل بعدها، ذكر ذلك جماعة (¬3) وأنشد عليه الأخفش وثعلب: 3963 - لولا فوارس من نعيم وأسرتهم ... يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (¬4) انتهى كلام بدر الدين رحمه الله تعالى. ونحن نشير بعد ذلك إلى أمور: منها: أن الشيخ قال (¬5): إن المصنف يزعم أنه احترز بقوله: (ولما أختها)، يعني أخت «لم» من «لما» التي بمعنى: «إلّا»، ومن «لما» التي هي حرف وجوب لوجوب (¬6) على مذهب سيبويه (¬7)، وظرف على مذهب الفارسي (¬8)، قال (¬9): ولا يحتاج إلى هذا الاحتراز؛ لأن «لما» التي بمعنى «إلّا» والتي هي ظرف أو حرف - ¬

_ - والشاهد في قوله: «ولم» حيث استغنى بذكر «لم» عن ذكر المنفي بها وهو ضرورة، بخلاف «لما» فإن ذلك جائز معها اختيارا، ووجدت على هامش النسخة (جـ) حاشية بخطه نصها: «يريد وقد كاد يمشط ولم يمشط فحذف خبر كاد ومعمول لم». (¬1) هذا البيت من الطويل وهو في ديوان ذي الرمة (ص 506). الشرح: قوله: مباديها جمع: مبدئ وهي المناجع ضد المحاضر، ويروى: مغانيها جمع: مغنى وهو الموضع الذي كان غنيّا به أهله، وقفارا جمع: قفر مفازة لا نبات فيها ولا ماء. والشاهد فيه فصل «لم» من مجزومها وهو «تؤهل» للضرورة والأصل: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش، والبيت في الخصائص (2/ 410)، والمغني (ص 278) وشرح شواهده (ص 678) والعيني (4/ 445). (¬2) سبق شرحه. (¬3) منهم ابن مالك في شرح الكافية الشافية. (¬4) سبق شرحه. (¬5) انظر: التذييل (6/ 770) وقد نقله عنه بتصرف. (¬6) في التذييل: «وجود لوجود» وفي المغني (ص 280): «وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب». (¬7) في الكتاب (4/ 234): وأما «لما»: فهي للأمر الذي قد وقع لوقوع غيره. (¬8) انظر: المغني (ص 280). (¬9) أي: أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجوب لوجوب لا يحفظ دخولها على مضارع، وهو إنما يذكر عوامل الجزم. انتهى. وأقول: إنه قد تقدم الكلام في ذلك في أول الكتاب عند الكلام على قوله «ولما الجازمة» وربما أشير هناك إلى الاعتذار عن المصنف. منها: أنك قد عرفت أن «لم» انفردت عن «لما» بجواز مصاحبتها أدوات الشرط، وعرفت التعليل الذي ذكره «بدر الدين» وقد ذكروا لذلك علة أخرى وهي «إن لم تفعل» نفي «فعل»، فكما أنّ «فعل» تدخل [5/ 147] عليه أدوات الشرط فكذلك نفيه. وأما «لما» فإنها نفي «قد فعل»، و «قد فعل» لا تدخل عليه أدوات الشرط لا يقال: «إن قد قام زيد» كذلك لا يقال: «إن لما يقم زيد»، قالوا: وإنما لم تدخل «إن» على «قد فعل» لأن «إن» تخلص الماضي إلى الاستقبال، وقد تقربه من الحال، فتعارضا. ثم لا يخفى أنّ «لا» النافية تجوز مصاحبتها لأدوات الشرط كما صحبتها «لم»، كقولك: إن لا تفعل أفعل. قال الله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (¬1)، وقال تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ (¬2) ولا يتوهم أن «لا» المصاحبة لأدوات الشرط ناهية؛ لأن النهي طلب، والشرط خبر، فلا يجتمعان. ونقل الشيخ عن بعضهم أنه يزعم أنها النافية، وإن عملها بطل وصار التأثير لأداة الشرط، وذلك بخلاف «لم» فإن التأثير لها لا لأداة الشرط، قالوا: لأن أداة الشرط لم تلزم العمل، في كل ما تدخل عليه، إذ تدخل على الماضي فلم يكن لها اختصاص بالمضارع، فضعفت فحيث دخل عامل مختص كان الحكم له. انتهى (¬3). ولم يظهر لي ما ذكروه؛ لأن مقتضاه أن أداة الشرط المقرونة بـ «لم» طالبة للفعل الذي هو مدخول «لم» وليس كذلك، إنما الأداة طالبة للواقع بعدها وهو نفي الفعل، فالمشروط في نحو قولنا: إن لم يقم زيد قام عمرو، هو نفي قيام زيد، فـ «لم» عاملة في لفظ الفعل الذي هو «يقم»، وأداة الشرط عاملة في محل «لم يقم»، وليس لها طلب للفعل بحال، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى الاعتذار عن عدم عمل أداة الشرط في الفعل بأن أداة الشرط لم تلزم العمل في كل ما تدخل عليه؛ إذ تدخل - ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: 73. (¬2) سورة التوبة: 40. (¬3) انظر: التذييل والتكميل (6/ 771).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الماضي، ثم مقتضى هذا أن أداة الشرط إذا دخلت على الماضي لا عمل لها وهذا لا يسلم، بل الذي يقال: إن أداة الشرط لا بد أن تكون عاملة، ولا يقال: إنها لا تعمل إذا دخلت على الماضي لأنا نقول: إنها عاملة في محله فعملها مستمر، إما في اللفظ وإما في المحل، ولكن لك أن تقول: مقتضى ما قررته أن لا يكون لأداة الشرط في نحو قولنا: إن لا تفعل أفعل - عمل في الفعل المنفي؛ لأن المشروط إنما هو نفي الفعل فليست الأداة طالبة للفعل الواقع بعد «لا»؛ لأن المشروط في مثل ذلك إنما هو نفي الفعل، وإذا كان كذلك فليست الأداة طالبة للفعل الواقع بعد «لا» كما أنها ليست طالبة للفعل الواقع بعد «لم»، وإذا لم تكن طالبة له فيقال: كيف عملت الأداة في الفعل وليست موجهة إليه مثبتا بل إنما هي متوجهة إليه منفيا؟ وقد يجاب عن ذلك بأن يقال: إن «لا» النافية لا عمل لها في الأفعال، ولما لم يكن لها عمل تعيّن عمل الأداة، وإنما تخطت الأداة «لا» وعملت فيما بعدها؛ لأن العرب قد استعملوها زائدة بين العامل والمعمول مع أن معناها وهو النفي مراد فحكم بزيادتها من أجل أن العامل تخطاها وعمل فيما بعدها. ومنها: أن الشيخ ناقش المصنف في شيء فقال (¬1): قوله: (بمصاحبة أدوات الشّرط)، لا يمكن حمله على العموم لأنه يزعم أن «لولا» من أدوات الشرط و «لولا» لا تدخل على «لم» لا يقال: لولا لم يقم زيد لم يقم عمرو، قال: فكان ينبغي أن يخصص أدوات الشرط أو يستثني «لولا». انتهى. وهذا عجب من الشيخ فإن «لولا» المشار إليها لا يليها إلا اسم مبتدأ، و «لم» إنما يتصور وجودها مع الفعل و «لولا» لا تباشر الفعل، فكيف يحترز عن شيء لا يمكن وقوعه؟ ومنها: أن الشيخ أيضا قال (¬2) في البيت الذي أنشده المصنف وهو: 3964 - وكنت إذ كنت إلهي وحدكا ... لم يك شيء يا إلهي قبلكا (¬3) هذا تمثيل وهم فيه إذ ليس من الانتفاء المنقطع؛ لأنه لا يمكن أن يكون تقديره: - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 771) وقد نقله عنه بتصرف. (¬2) انظر: التذييل (6/ 772) وقد نقله عنه بتصرف. (¬3) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يك شيء يا إلهي قبلك ثم كان شيء قبلك، وإنما يكون من هذا النوع لو كان لم يك شيء يا إلهي معك ليحسن ثم كان معك قال: فلم يمعن المصنف ولا ابنه الفكر في ذلك. انتهى. وهو استدراك جيد. ومنها: أنهم عللوا جواز حذف المنفي بـ «لما» في الاختيار إذا دل عليه دليل بأن «لما» لنفي «قد فعل» قالوا (¬1): ويجوز حذف الفعل بعد «قد» إذا دل عليه، قال الشاعر: 3965 - أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا ... لمّا تزل برحالنا وكأن قد (¬2) أي (¬3): وكان قد زالت، فلذلك جاز الحذف بعد «لما»، وأما «لم» فلا يجوز ذلك معها إلا في الضرورة وقد تقدم شاهد ذلك (¬4)، ومنه أيضا قول الشاعر: 3966 - احفظ وديعتك الّتي استودعتها ... يوم الأعازب إن وصلت وإن لم (¬5) يريد: وإن لم تتصل (¬6). وليعلم أن «لم» و «لما» انفردا دون «لام» الابتداء و «لا» الطلبية بدخول - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 251)، والمغني (ص 171). (¬2) هذا البيت من الكامل وهو للنابغة الذبياني في ديوانه (ص 89). الشرح: أزف يروى بدله: «أفد» وهي رواية الديوان: وهما بمعنى: قرب ودنا، والترحل: الرحيل، والركاب: الإبل الرواحل واحدها: راحلة، ولا واحد لها من لفظها، وقيل: جمع ركوب، والرحال: من الرحيل وهو جمع رحل أيضا: مسكن الرحل ومنزله، وقوله وكأن قد أي: وكأن قد زالت وذهبت بقرينة لما تزل والاستثناء منقطع أي: قرب ارتحالنا لكن رحالنا بعد لم تزل مع عزمنا على الانتقال و «كأن» مخففة من المثقلة. والشاهد في البيت هنا حذف الفعل الواقع بعد «قد» لدليل وهو قليل والنحاة يستشهدون بالبيت أيضا على دخول تنوين الترنم في الحرف يعني «قد». وانظر البيت في الخصائص (2/ 361)، (3/ 131)، وابن يعيش (8/ 5، 110، 148)، (9/ 18، 52)، وشرح الكافية للرضي (2/ 251). (¬3) انظر: المغني (ص 171). (¬4) هو بيت الرجز الذي أوله: يا رب شيخ. (¬5) هذا البيت من الكامل وهو لإبراهيم بن هرمة القرشي كما في شرح شواهد المغني (ص 682). و «يوم» الأعازب يوم معهود بينهم. والشاهد فيه: حذف مجزوم «لم» وهو ضرورة والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 251)، والمغني (ص 281) وشرح شواهده (ص 682)، والعيني (4/ 443)، والخزانة (3/ 628). (¬6) قال العيني (4/ 444): كذا قدره أبو حيان على صيغة المعلوم، وقدره أبو الفتح اليعلي وإن لم توصل على صيغة المجهول فعلى التقدير الأول يكون قوله: إن وصلت على صيغة المعلوم أيضا وعلى التقدير الثاني يكون على صيغة المجهول والصواب مع اليعلي.

[الأدوات التي تجزم فعلين]

[الأدوات التي تجزم فعلين] قال ابن مالك: (ومنها أدوات الشّرط وهي: إن، ومن، وما، ومهما، وأيّ، وأنّى، ومتى، وأيّان وهما ظرفا زمان، وكسر همزة «أيّان» لغة سليم، وقلّ ما يجازى بها، وتختصّ في الاستفهام بالمستقبل بخلاف «متى»، وربّما استفهم بـ «مهما» وجوزي بـ «كيف» معنى لا عملا خلافا للكوفيين، ومن أدوات الشّرط: إذما، وحيثما، وأين، وهما ظرفا مكان، وما سوى «إن» أسماء متضمّنة معناها فلذلك بنيت إلّا «أيّا»، وفي اسميّة «إذما» خلاف، وقد ترد «ما» و «مهما» ظرفي زمان، و «أي» بحسب ما تضاف إليه). ـــــــــــــــــــــــــــــ همزة الاستفهام عليهما وهو مع «لم» أكثر منه مع «لما»، وإذا دخلت الهمزة عليهما فقد يكون المراد الاستفهام حقيقة فالمتكلم بذلك يستفهم عن الفعل المنفي بهما، فإذا قال: ألم يقم زيد؟ وألمّا يقم زيد فالمعنى: السؤال عن انتفاء قيام زيد فيما مضى وهذا قليل، وقد يكون ذلك على جهة التقرير (¬1) وهو الكثير، والتقرير هو: التوقيف على ما يعلم المخاطب ثبوته (¬2)، ومن ثمّ كان الكلام معه موجبا حتى إنه يعطف عليه صريح الموجب، قال الله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (¬3)، وقال تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (¬4). [5/ 148] قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على ما يجزم فعلا واحدا وهو الكلمات الأربع شرع في الكلام على ما يجزم فعلين وهو أدوات الشرط وهي إحدى عشرة أداة، وقد سردها في متن الكتاب، ثم منها ما مجمع على حرفيته وهو «إن»، وما هو مجمع على اسميته وهو ما سوى «إذما» من بقية الأدوات، وما هو مختلف فيه هل هو حرف أو اسم؟ وهو «إذما»، قال الإمام بدر الدين (¬5): من عوامل الجزم أدوات الشرط وهي كلمات وضعت لتدل على التعليق بين جملتين والحكم بسببية - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية للرضي (2/ 251)، والهمع (2/ 56). (¬2) قال الرضي في شرح الكافية (2/ 251): ومعنى التقرير إلجاء المخاطب إلى الإقرار بأمر يعرفه، وانظر: الهمع (2/ 56). (¬3) سورة الشرح: 1، 2. (¬4) سورة الضحى: 6، 7. (¬5) انظر: شرح التسهيل (4/ 66) لبدر الدين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أولاهما ومسببية الثانية. وهذا التعليق نوعان: تعليق ماض على ماض، وتعليق مستقبل على مستقبل، فالنوع الأول له حرفان: لو ولولا، وأكثر ما تصحب «لو» بناء الماضي نحو: لو قام زيد قام عمرو، وقد تصحب المضارع ولا تجزمه؛ لأنها لما قل استعمالها مع المضارع لم يقبل أن تؤثر فيه وتعمل عمل ما لازم المضارع أو غلب استعماله، والنوع الثاني له حروف وأسماء فالحروف: «إن» و «إذما» و «أمّا» ويأتي ذكر «أمّا» في آخر الباب، وأما «إن» فللخلو عن الجزم لوقوع الشرط تحقيقا أو باعتبار مجازي، وتعمل الجزم كقولك: إن تقم أقم لأنها تصحب المضارع أكثر مما تصحب الماضي، فلما غلب استعمالها مع المضارع كانت بمنزلة ما لازمه واختص به فقبلت أن تؤثر فيه وتعمل فعملت الجزم لأنه أخف، وأما «إذما» فأصلها: إذ ضمّ إليها ما بعد ما سلبت معناها الأصلي وجعلت حرف شرط بمعنى «إن» فجرت مجراها وعمل عملها، قال الشاعر: 3967 - وإنّك إذ ما تأب ما أنت آمر ... به تلف من إيّاه تأمر آبيا (¬1) وأنشد سيبويه (¬2) للعباس بن مرداس: 3968 - إذ ما أتيت على الرّسول فقل له ... حقّا عليك إذا اطمأنّ المجلس يا خير من ركب المطيّ ومن مشى ... فوق التّراب إذا تعدّ الأنفس (¬3) وأنشد لآخر: 3969 - فإذا ما تريني اليوم مزجى مطيّتي ... أصعّد سيرا في البلاد وأفرع - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: قوله: تأب: من الإباء وهو الامتناع، وهو فعل الشرط، وجوابه تلف من ألفى إذا وجد، وآبيّا: من الإباء أيضا، وقد روى العيني هذا البيت بلفظ «تأت» بالتاء من الإتيان، وكذلك «آتيا». والشاهد فيه في «إذما» حيث جزم الفعلين وهما «تأب» و «تلف». انظر: العيني (4/ 425)، والأشموني (4/ 11). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 57) ولم يذكر سيبويه البيت الأول فقط. (¬3) هذان البيتان من الكامل، قالهما العباس بن مرداس في غزوة حنين يذكر بلاءه وإقدامه مع قومه في تلك الغزوة، وقوله اطمأن المجلس: سكن، والمجلس: الناس، أو المراد: أهل المجلس. والشاهد فيهما: المجازاة بـ «إذ ما» بدليل وقوع الفاء في الجواب. والبيت الأول في المقتضب (2/ 46)، والخصائص (1/ 131)، والمحتسب (2/ 84)، والبيتان في ابن يعيش (4/ 97)، (7/ 46)، والخزانة (3/ 636، 637).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنّي من قوم سواكم وإنّما ... رجالي فهم بالحجاز وأشجع (¬1) وعند المبرد (¬2) وابن السراج (¬3) وأبي علي (¬4) أن «إذما» باق على اسميته، وفي ذلك كلام يأتي ذكره في القول على «حيثما». وأما الأسماء فما تضمن معنى «إن» فجرى مجراها في التعليق والعمل وهي خمسة أضرب: اسم محض، واسم يشبه الظرف، وظرف زمان، وظرف مكان، وما يستعمل اسما وظرفا. الضرب الأول: من، وما، ومهما، فـ «من» لتعميم أولي العلم، وتكون شرطا فتجزم كقوله تعالى: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (¬5)، و «ما» لتعميم الأشياء، وتكون أيضا شرطا فتجزم كقوله تعالى: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ (¬6) و «مهما» مثل «ما» وأعم منها، ولا شك في كونها اسما بدليل عود الضمير إليها كما يعود إلى «ما» قال الشاعر: 3970 - إذا سدته سدت مطواعة ... ومهما وكلت إليه كفاه (¬7) - ¬

_ (¬1) هذان البيتان من الطويل لعبد الله بن همام السلولي، وأفرع من الأضداد وأراد به هنا: انحدر. والشاهد في البيت الأول في «فإذما» حيث وقعت شرطا ولذا قرن جوابها بالفاء في البيت الثاني «فإني». والبيت الأول في أمالي الشجري (2/ 245)، والمفصل (ص 322)، وابن يعيش (7/ 47) والبيتان في ابن يعيش (9/ 6، 7). (¬2) في المقتضب (2/ 45) قال: ومن الحروف التي جاءت لمعنى: «إن» و «إذما». فظاهر كلامه أن «إذما» حرف، ولا يرى أنه باق على اسميته كما ذكر الإمام بدر الدين. (¬3) يرى ابن السراج أنها ظرف، انظر: الأصول (2/ 133). (¬4) يرى أبو علي الفارسي أنها ظرف، انظر: الإيضاح (ص 107). (¬5) سورة التغابن: 11. (¬6) سورة البقرة: 197. (¬7) هذا البيت من المتقارب وهو للمتنخل الهذلي كما في الخزانة (3/ 636)، وانظر ديوان الهذليين (2/ 30). الشرح: قوله: إذا سدته هو من: المساودة التي هي المسادة والسّواد كالسّرار بكسرهما لفظا ومعنى، قال: إذا ساورته طاوعك وساعدك، وقيل: هو من السيادة فكأنه قال: إذا كنت فوقه سيدا له أطاعك، ولم يحسدك، وإن وكلت إليه وفوضته شيئا كفاك، والمطواع: الكثير الطوع والانقياد، والتاء في مطواعة لتأكيد المبالغة. والشاهد فيه على أن «مهما» اسم بدليل رجوع الضمير إليه وهو «الهاء» والضمير لا يرجع إلا إلى الاسم. والبيت في ابن يعيش (7/ 43)، وشرح الكافية (2/ 253)، والخزانة (3/ 635).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «الهاء» في «كفاه» عائدة إلى «مهما» فهي اسم ولكنها في معنى «إن» فلذلك تجزم الفعل كقوله تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ (¬1)، وعند الخليل (¬2) أن أصلها، ما فدخلت عليها «ما» الزائدة كما تدخل على «إن» و «متى» و «أين» و «أيّ» ثم كرهوا التكرير، وأن يقولوا: ماما، فأبدلوا «الهاء» من «الألف»، وقال سيبويه (¬3): وقد يجوز أن تكون «مه» كـ «إذ» ضمّ إليها «ما» وإليه ذهب الزجاج (¬4)، وندر مجيء «مهما» اسم استفهام كقول الراجز (¬5) أنشده أبو علي (¬6): 3971 - مهما لي اللّيلة مهما ليه ... أودى بنعليّ وسرباليه (¬7) أراد: ما لي الليلة؟ استفهاما على طريق التعجب، وزعم الشيخ (¬8) رحمه الله تعالى أن «ما» و «مهما» في الشرط قد يردان ظرفي زمان فقال (¬9): جميع النحويين يجعلون «ما» و «مهما» مثل «من» في لزوم التجرد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار الفصحاء من العرب، وأنشد قول الشاعر: 3972 - فما تك يا ابن عبد الله فينا ... فلا ظلما نخاف ولا افتقارا (¬10) - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 132. (¬2) انظر: الكتاب (3/ 59، 60). (¬3) انظر: الكتاب (3/ 60). (¬4) حكى الزجاج في معاني القرآن وإعرابه (1/ 408) القولين - أي قول الخليل وقول سيبويه - ولكنه سار على مذهب الخليل، وهذا عكس ما ذكره الإمام بدر الدين هنا ومثله صنع الرضي في شرح الكافية (2/ 253) وانظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 311). (¬5) هو عمرو بن ملقط الطائي شاعر جاهلي. انظر شرح شواهد المغني (ص 330). (¬6) ذكر البغدادي في الخزانة (3/ 631) أن أبا علي الفارسي أنشده في التذكرة. (¬7) هذا البيت من السريع. الشرح: أودى: هلك، والسربال: القميص، وقيل: الدرع، وقيل: كل ما ليس على البدن والبيت شاهد على أن «مهما» فيه اسم استفهام، قال ابن هشام في المغني (ص 332): ولا دليل في البيت لاحتمال أن التقدير: من اسم فعل بمعنى: اكفف ثم استأنف استفهاما بما وحدها وانظر البيت في ابن يعيش (7/ 44) وشرح الكافية للرضي (2/ 253) والمغني (ص 108، 332) وشرح شواهده (ص 330، 744)، والخزانة (3/ 631). (¬8) يعني والده المصنف. (¬9) انظر: شرح الكافية الشافية (3/ 1625 - 1627). (¬10) هذا البيت من الوافر وهو للفرزدق في ديوانه (1/ 193) واستشهد به ابن مالك على أن «ما» في قوله: «فما تك» ظرفية، وجعلها الإمام بدر الدين مصدرية، وقد وافقه ابن هشام في المغني (ص 303)، وانظر البيت فيه وفي شرح شواهده (ص 715).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول عبد الله بن الزبير (¬1): 3973 - فما تحي لا تسأم حياة وإن تمت ... فلا خير في الدّنيا ولا العيش أجمعا (¬2) وقول حاتم الطائي: 3974 - وإنّك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا (¬3) ولا أرى في هذه الأبيات حجة؛ لأنه كما يصح تقدير «ما» و «مهما» بظرف زمان كذلك يصح تقديرهما بالمصدر على معنى: أيّ كون قصير أو طويل تكن فينا فلا نخاف، وأيّ حياة هنية أو غير مرضية تحي لا تسأم، وأيّ عطاء قليل أو كثير تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم، لكن يتعين جعل «ما» و «مهما» في الأبيات المذكورة مصدرين؛ لأن في كونهما ظرفين شذوذا وقولا بما لا يعرفه جميع النحويين، بخلاف كونهما مصدرين؛ لأنه لا مانع من أن يكنى بـ «ما» و «مهما» عن مصدر فعل الشرط، كما لا مانع من أن يكنى بهما عن المفعول به ونحوه؛ إذ لا فرق. الضرب الثاني: أنّى وكيف، فـ «أنّى» لتعميم الأحوال وليست ظرفا؛ لأنها لا زمان ولا مكان، ولكنها تشبه الظرف؛ لأنها بمعنى: على أي حال، فلما كانت تقدر بالجار والمجرور والظرف يقدر بهما كانت بمنزلته، وقد تأتي «أنّي» بمعنى: متى، وبمعنى: أين، وتكون استفهاما وشرطا، وإذا كانت شرطا [5/ 149] جزمت. قال الشاعر: 3975 - خليليّ أنّى تأتياني تأتيا ... أخا غير ما يرضيكما لا يحاول (¬4) - ¬

_ (¬1) عبد الله بن الزبير بن الأشيم الأسدي، من شعراء الدولة الأموية ومن المتعصبين لها، كوفي المنشأ والمنزل، كان هجّاء يخاف الناس شره، مات في خلافة عبد الملك بن مروان. انظر ترجمته في الخزانة (1/ 345)، والأعلام (4/ 87). (¬2) هذا البيت من الطويل، واستشهد به ابن مالك على أن «ما» في قوله: «فما تحي» ظرفية مثلها في البيت السابق. وجعلها الإمام بدر الدين مصدرية. وانظر البيت في الأشموني وحاشية الصبان (4/ 12). (¬3) هذا البيت من الطويل وهو في ديوان حاتم (ص 114)، واستشهد به ابن مالك على أن «مهما» هنا ظرفية، وجعلها الإمام بدر الدين مصدرية ووافقه ابن هشام في المغني (ص 331)، وانظر البيت فيه وفي شرح شواهده (ص 744)، والهمع (2/ 73)، والدرر (2/ 73)، والأشموني وحاشية الصبان (4/ 12). (¬4) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. الشرح: خليلي منادى حذف منه حرف النداء، أي: يا خليلي، وقوله: لا يحاول من حاولت الشيء -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول لبيد: 3976 - فأصبحت أنّى تأتها تشتجر بها ... كلا مركبيها تحت رجلك شاجر (¬1) يخاطب رجلا وقع في قضية صعبة المخلص يقول: على أي رجال يأتي الخلاص من هذه القضية يلتبس ويختلط بها «كلا مركبيها تحت رجلك شاجر» أي: داخل تحت الرجل، وإذا دخل شيء بين شيئين فقد شجرهما. وأما «كيف» فاسم لتعميم الأحوال، وتسمى ظرفا لتأولها بـ: على أيّ حال، والدليل على اسميتها جواز الاكتفاء بها مع صحة دخولها على الأفعال، وأكثر ما تكون استفهاما، وقد ترد شرطا في المعنى فحسب، فتعلق بين جملتين ولا تعمل شيئا حملا على الاستفهامية؛ لأنها الأصل، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ (¬2)، وقال تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ (¬3) المعنى: على أي حال يشأ الإنفاق ينفق، فـ «كيف» هنا اسم شرط ولكنها لم تجزم الفعل كما لم تجزم في الاستفهام، وأجاز الكوفيون (¬4) الجزم بها قياسا وأباه البصريون، قال سيبويه (¬5): وسألت الخليل عن قوله: كيف تصنع أصنع. قال: هي مستكرهة وليست من حروف الجزاء، ومخرجها على الجزاء؛ لأن معناها: على أي حال تكن أكن. الضرب الثالث: إذا، ومتى، وأيّان - بفتح الهمزة - وبنو سليم يكسرونها (¬6) فيقولون: إيّان، فأما «إذا» فسيأتي ذكرها، وأما «متى» و «أيّان» فلتعميم الأزمنة ولا يفارقان الظرفية، ويردان شرطا فيجزمان كقول طرفة: - ¬

_ - أي أردته، والمعنى: لا يريد شيئا غير ما يرضيكما. والشاهد في «أنى» حيث جاءت للشرط هنا فجزمت الفعلين «تأتياني» و «تأتيا». والبيت في شرح شذور الذهب (ص 336)، والعيني (4/ 426)، والأشموني (4/ 11). (¬1) هذا البيت من الطويل وهو للبيد ديوانه (ص 220). والشاهد فيه جزم «تأتها» و «تشتجر» بـ «أنى» لأنها للشرط. والبيت في الكتاب (3/ 58)، والمقتضب (2/ 47)، وابن يعيش (4/ 110)، (7/ 45) والخزانة (3/ 190) (4/ 109، 201). (¬2) سورة آل عمران: 6. (¬3) سورة المائدة: 64. (¬4) انظر: الإنصاف (ص 643) المسألة رقم (91). (¬5) انظر: الكتاب (3/ 60). (¬6) انظر: معاني القرآن للفراء (2/ 99).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3977 - ولست بحلّال التّلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد (¬1) وقال الآخر: 3978 - أيّان نؤمنك تأمن غيرنا وإذا ... لم تدرك الأمن لم تزل حذرا (¬2) ويردان استفهاما أيضا فلا يعملان شيئا، ولا يستفهم بـ «أيان» إلا عن زمان مستقبل، وأما «متى» فيستفهم بها عن زمان مستقبل نحو: وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ (¬3)، أو زمن ماض نحو قول الشاعر: 3979 - متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيّتها الخيام (¬4) الضرب الرابع: حيثما وأين وهما لتعميم الأمكنة، ولا ينفكان عن الظرفية، ويفترقان بأن «أين» لا تكون إلا شرطا أو استفهاما، وإذا كانت شرطا جزمت كقول الشاعر: 3980 - أين تضرب بنا العداة تجدنا ... نصرف العيس نحوها للتّلاقي (¬5) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو في ديوان طرفة (ص 29). الشرح: بحلال فعال بالتشديد من حل يحل بالضم: إذا نزل ويروى: بمحلال - بكسر الميم - من قولهم: مكان محلال إذا كان يحل به الناس كثيرا وضبط بالجيم «بجلال» أي: لست ممن يستتر في التلاع مخافة الضيف، والتلاع جمع: تلعة وهو ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها أيضا، وقيل: التلاع: مجاري أعلى الأرض إلى بطون الأودية، ويسترفد أي: يطلب الرفد وهو العطية وقيل: المعونة. والشاهد فيه جزم «متى» الفعلين؛ لأنها للشرط، وفيه شاهد آخر وهو حذف المبتدأ بعد «لكن» ضرورة. وانظر البيت في الكتاب (3/ 78)، والمغني (ص 606)، وشرح شذور الذهب (ص 135)، والعيني (4/ 422)، والخزانة (3/ 650). (¬2) هذا البيت من البسيط. والشاهد فيه مجيء «أيان» جازمة فجزمت الفعلين «نؤمنك» و «تأمن» لأنها للشرط، والبيت في شذور الذهب (ص 336)، والعيني (4/ 423)، وشرح الألفية للأبناسي (2/ 308)، والأشموني (4/ 10). (¬3) سورة الإسراء: 51. (¬4) هذا البيت من الوافر وهو لجرير في ديوانه (1/ 278)، وطلوح: موضع في بلاد بني يربوع وقوله: سقيت الغيث أيتها الخيام دعاء لها بأن ينزل المطر في الموضع الذي هي فيه حتى يخرج نباته فينزله الناس في وقت الربيع. والشاهد فيه الاستفهام بـ «متى» عن الزمان الماضي، وانظر البيت في الكتاب (4/ 206)، والمنصف (1/ 224)، وأمالي الشجري (2/ 39)، وابن يعيش (9/ 78)، والمغني (ص 368). (¬5) هذا البيت من الخفيف، وهو لعبد الله بن همام السلولي، كما في الكتاب (3/ 58).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ (¬1)، وقال الله تعالى: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً (¬2). وأما «حيثما» فلا تكون إلا شرطا، وكانت قبل دخول «ما» اسم مكان خاليا من معنى الشرط ملازما للتخصيص بالإضافة إلى جملة، ولا تعمل في الأفعال، ثم أخرجوها إلى الجزاء فضمنوها معنى «إن» وجعلوها اسم شرط فلزمهم إتمامها وحذف ما تضاف إليه، وألزموها «ما» تنبيها على إبطال مذهبها الأول وجزموا بها الفعل كقول الشاعر: 3981 - حيثما تستقم يقدّر لك اللّ ... هـ نجاحا في غابر الأزمان (¬3) ولا يجوز أن تكون منقولة كـ «إذما» إلى الحرفية؛ لأنها لم تزل عما كانت عليه قبل من الدلالة على المكان بخلاف «إذما» فإنها كانت قبل دخول «ما» عليها اسم زمان ماض خاليا من معنى الشرط، فلما دخلت عليها «ما» صارت أداة شرط بمعنى «إن» مختصة بالمستقبل، وزال ما كان فيها من معنى الاسم، ولم يعلم نقلها إلى معنى آخر غير الشرط فحكمنا بحرفيتها، لأن دلالتها على معنى الحرف متيقّنة، ودلالتها على معنى الاسم مشكوك فيها، والحكم بمقتضى ما تيقّن أولى. الضرب الخامس: «أيّ» وهي لتعميم أوصاف الشيء، والأوصاف مشتركة. فلذلك يلزم في «أي» أن تضاف لفظا أو معنى إلى الموصوف على حد قولهم: سحق عمامة رفعا، لالتباس عموم الأوصاف بجنس لعمومها لغيره فتكون بحسب - ¬

_ - الشرح: قوله: تضرب بنا أي: إلينا، والعداة بضم العين جمع: عاد، والعيس الإبل البيض والمفرد: أعيس وعيساء، كانوا يرحلون على الإبل فإذا لقوا العدو قاتلوا على الخيل، ولم يرد أنهم يلقون العدو على الإبل. يقول: إن تضرب بنا العداة في موضع من الأرض نصرف العيس نحو هؤلاء العداة للقائهم، والشاهد فيه المجاز بـ «أين» وجزم ما بعدها - والبيت في الكتاب (3/ 58)، والمقتضب (2/ 47)، وابن يعيش (4/ 105)، (7/ 45)، والأشموني (4/ 10). (¬1) سورة النساء: 78. (¬2) سورة البقرة: 148. (¬3) هذا البيت من الخفيف وهو لقائل مجهول، والنجاح: الفوز، والغابر: الباقي والماضي أيضا من الأضداد والمراد هو الأول. والشاهد فيه: المجازاة بـ «حيثما» وجزم ما بعدها. وانظر البيت في المغني (ص 133)، وشرح شواهده (ص 391)، وشرح شذور الذهب (ص 337)، والعيني (4/ 426)، والأشموني (4/ 11)، وحاشية يس على شرح التصريح (2/ 39).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما تضاف إليه، فإن أضيفت إلى ظرف فهي ظرف، وإن أضيفت إلى غير ذلك فهي بمعنى ما أضيفت إليه، لأن الصفة هي الموصوف في المعنى، وتقع في الشرط وغيره، وإذا كانت شرطية جزمت الفعل نحو: أيّ يوم تقم أقم، وأَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬1)، وبأي تمرر أمرر، وغلام أيهم تضرب أضرب، وأيّهم يأتي فله درهم. هذه الأسماء المذكورة هي جميع أسماء الشرط، وكلها مبنية لتضمنها معنى «إن» إلا «أيّا» فإنها أعربت، لأنه قد عارض ما فيها من شبه الحرف لزوم الإضافة إلى الأسماء فحماها ذلك عن البناء. انتهى كلام بدر الدين رحمه الله تعالى، وهو كلام نظيف محرر لا يخفى حسنه عن الناظر، لكن فيه بحث: وهو أنه ذكر «لو» و «لولا» و «أمّا» و «كيف» و «إذا» كما عرفت، والكلام إنما هو في أدوات الشرط الجازمة، وهو قد افتتح كلامه بقوله من عوامل الجزم أدوات الشرط وهي كذا كذا؛ فكيف يتجه بعد ذلك أن يذكر من الأدوات ما هو غير جازم؟ فإن قيل: كلامه المتضمن لذكر «لو» و «لولا» إنما يرجع إلى ما يقتضي التعلق لقوله: «وهذا التعليق نوعان» فكون الأداة معلقة أعم من كونها جازمة، فالجازمة معلقة والمعلقة قد تكون جازمة وقد لا تكون!! قيل: فالكلام يرجع معه حينئذ في شيء آخر وهو أن يقال: في ذلك أمران: أحدهما: أن «أمّا» ليس فيها تعليق وهو قد جعلها من جملة الأدوات. ثانيهما: أن تعليق أمر على أمر إنما يكون قبل الوقوع، وذلك إنما يتصور في الأمور المستقبلة، ولهذا أثبت المغاربة إطلاق الشرطية على «لو» الامتناعية حتى ردّوا على الجزولي استثناءه «لو» من قوله: من القرائن المخلصة الفعل المضارع للاستقبال أدوات الشرط إلا لو، فقالوا: استثناؤه «لو» غير مرضي، لأنها إذا كانت شرطا خلصته للاستقبال، وإن كانت - ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 110.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الامتناعية صرفت معناه إلى المضي. وليست إذ ذاك شرطا لا في اللفظ لأنها لا تجزم، ولا [5/ 150] في المعنى، لأن الشرط إنما يكون بالنظر إلى الاستقبال، قالوا: وإن سماها شرطا من حيث إنها مفتقرة إلى جواب فليستثن «أيّا» لأنها تحتاج إلى جواب. ولكن العذر لبدر الدين في ذلك أن المصنف - أعني والده الشيخ جمال الدين - يطلق الشرط على لو الامتناعية وقد قال في الألفية: 3982 - لو حرف شرط في مضيّ ويقل ... إيلاؤه مستقبلا لكن قبل ولكن هذا الإطلاق إطلاق مجازي لا حقيقي. وبعد فالأولى بل الواجب أن يقتصر هنا على ذكر الأدوات الجازمة لأن الباب معقود لها. وأما الكلمات الخمس التي ذكرها بدر الدين فالواجب إفرادها بالذكر وقد فعل المصنف ذلك، فأما إذا فقد سبق كلامه عليها في باب المفعول فيه المسمى ظرفا، وأما كيف فقد أشار إليها بقوله هنا: وربما استفهم بمهما وجوزي بكيف معنى لا عملا، وسيذكرها في باب «تتميم الكلام على كلمات» وأما «لو» و «لولا» وأمّا فقد أشار إليها في الفصول التي ستذكر إن شاء الله تعالى. ثم قد بقيت بعد ذلك الإشارة إلى أمور: منها: أنه قد تقدم أن «مهما» مركبة إما من: ماما أو من: مه ما، وقد قيل: إنها بسيطة (¬1)، واختار الشيخ القول ببساطتها، قال (¬2): «لأن دعوى التركيب لم يقم عليها دليل، فإذا سميت بـ «مهما» فالقائل بالتركيب يحكي، والقائل بالبساطة يمنع الصرف لأن ألفها إن قدرت للتأنيث فظاهر، وإن قدرت للإلحاق فألف الإلحاق المقصورة تمنع الصرف مع العلمية، وثمرة الخلاف تظهر إذا نكرت الكلمة بعد التسمية بها؛ فمن قال: إنها ألف التأنيث استمر بالمنع، ومن قال: إنها ألف الإلحاق صرف». ثم إنك قد عرفت أن «مهما» اسم بدليل عود الضمير عليها، وذهب - ¬

_ (¬1) انظر المغني (ص 331)، والهمع (2/ 56). (¬2) انظر التذييل (6/ 792) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ السهيلي (¬1) إلى أنها تكون حرفا أيضا، وذلك إذا لم يعد عليها ضمير مستدلّا على ذلك بقول الشاعر: 3983 - ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... ولو خالها تخفى على النّاس تعلم (¬2) قال: فـ «مهما» في البيت حرف شرط بمعنى «إن» و «من خليقة» اسم «تكن» و «من» زائدة كأنه قال: وإن تكن عند امرئ خليقة، ولا يتأتى ذلك إلا على القول بأن «مهما» في البيت حرف، قالوا (¬3): وهذا البيت لا حجة فيه، لأنه يمكن أن يكون فيه ضمير يعود على «مهما» فتكون مهما مبتدأ وتكن في موضع خبره، وفي تكن ضمير يعود على مهما. وأنثه حملا على المعنى لأنها واقعة على «الخليقة» وهو اسم نكرة، وقوله «عند امرئ» في موضع الخبر و «من خليقة» تفسير و «من» فيه كـ «من» في قوله تعالى: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ (¬4)، قالوا (¬5): ويلزم على مذهب السهيلي أن تكون «من» في قوله «من خليقة» زائدة، لأنه لا ضمير في «تكن» فترتفع «خليقة» به وتكون «من» زيدت في الواجب وذلك لا يجوز إلا على مذهب مرجوح (¬6)، فثبت أن الصحيح مذهب الجمهور، ولثبوت اسميتها لا توجد في كلامهم إلا مبتدأة عائدا عليها ضمير أو مفرّغا لها العامل فتكون معمولة له نحو قولك: مهما تصنع أصنع، ومن ذلك قول الشاعر: 3984 - وإنّك مهما تأمري القلب يفعل (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 787، 788) وقد نقله عنه المؤلف دون أن يشير. وانظر المغني (ص 330، 331). (¬2) هذا البيت من الطويل وهو لزهير في ديوانه (ص 15)، وقوله «من خليقة» أي: طبيعة بيان لـ «مهما»، وقوله «خالها» أي: ظنها، واستشهد به السهيلي على أن «مهما» فيه حرف شرط بمعنى «إن» وذلك لعدم عود الضمير عليها، ورده أبو حيان، وقال: لا حجة فيه لأنه يمكن أن يكون فيه ضمير يعود على «مهما» فتكون «مهما» مبتدأ و «تكن» في موضع خبره، وفي «تكن» ضمير يعود على «مهما» والبيت في المغني (ص 323 - 330)، وشرح شواهده (ص 386، 738، 743)، والهمع (2/ 35، 58)، والدرر (2/ 35، 74)، والأشموني (4/ 10). (¬3) يشير بذلك إلى الشيخ أبي حيان لأنه ينقل عنه. (¬4) سورة فاطر: 2. (¬5) يشير إلى الشيخ أبي حيان. (¬6) يرى الأخفش والكسائي وهشام أن «من» تزداد في الواجب وغير الواجب. انظر الارتشاف (ص 727) وشبه الجملة في القرآن الكريم (ص 196). (¬7) هذا عجز بيت من الطويل وهو لامرئ القيس (ديوانه ص 13): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فـ «مهما» مفعول ثان لـ «تأمري»، وقول الآخر: 3985 - قد أو بيت كلّ ماء فهي ضاوية ... مهما تصب أفقا من بارق تشم (¬1) يصف حميرا قد أجهدها العطش فيبست أجوافها وهي لا تقدم على ماء الأنهار والعيون فزعا من الصائد، فهي تشيم البرق وترتقب نزول المطر لترده، و «ضاوية» من: الضّوى وهو الهزال، والضوى أيضا: ضعف الخلق وصغره (¬2)، فـ «مهما» مفعول مقدم لـ «تصب» وقوله «أفقا» منصوب على الظرف (¬3). قال الشيخ (¬4): «وقد وقع لبعض الأدباء النبلاء في مكاتبة قوله: ومهما شككت في شيء فلست أشكّ في محبتك، قال: وغلّطه في ذلك صاحب كتاب «الترشيح» (¬5) من حيث استعمل مهما غير عائد إليها ضمير، ولا معمولة لعامل متأخر عنها مفرّغ لها، قال: والصواب أن يقول: ومهما شككت فيه من شيء». ومنها: أنك قد عرفت أن «كيف» أكثر ما تكون استفهاما، وأنها قد تكون شرطا في المعنى فحسب فتعلق بين جملتين ولا تعمل شيئا حملا على الاستفهامية، قيل: وإنما قصرت عن أسماء الشرط من وجهين: أحدهما: أنه لا يكون جوابها إلا نكرة، وجوابات أسماء الشرط تكون معارف - ¬

_ - أغرّك منّي أنّ حبّك قاتلي واستشهد به على أن مهما معمولة لـ «تأمري» ويكون العامل قد فرغ لها واستشهد به سيبويه في الكتاب (4/ 215)، على كسر اللام في حال الجزم للإطلاق والوصل، وانظر البيت في ابن يعيش (7/ 43)، والهمع (2/ 211)، والدرر (2/ 236)، وابن السيرافي (2/ 291). (¬1) هذا البيت من البسيط وهو لساعدة بن جؤية كما في ديوان الهذليين (1/ 198) وأو بيت بالبناء للمجهول: منعت، والبارق: السحاب ذو البرق، وتشم: تنظر من شام البرق يشيمه أي نظر إليه، واستشهد به على أن «مهما» قد أفرغ لها العامل فهي مفعول مقدم لـ «تصب» وهذا يدل على أنها اسم لا حرف كما ذهب إلى ذلك السهيلي. والبيت في المغني (ص 330)، وشرح شواهده (ص 157، 743)، وشرح التصريح (1/ 318)، والهمع (2/ 57)، والدرر (2/ 73) والرواية فيه «وهي ظامية» من الظمأ وهو العطش. (¬2) في اللسان (ضوا): «والضّوى: دقة العظم وقلة الجسم خلقة، وقيل: الضّوى الهزال». (¬3) هذا نهاية كلام الشيخ أبي حيان في التذييل الذي سبق أن ذكرت أن المؤلف قد نقله دون أن يشير. (¬4) انظر التذييل (6/ 788، 789). (¬5) من المعلوم أن «الترشيح» من مؤلفات ابن الطراوة، فيكون صاحب «الترشيح» الذي يقصده أبو حيان هو ابن الطراوة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونكرات، يقول القائل: كيف زيد؟ فتقول: سخيّ أو بخيل، ولا يقال: السخيّ ولا البخيل، ويقول: ما عندك؟ فتقول: خير والخير، ويقول: أيّ الناس عندك؟ فتقول: رجل يعجبك أو زيد أو هند، هكذا ذكر ابن عصفور (¬1)، قال الشيخ (¬2): «وفي هذا الكلام تجوّز لأن أسماء الشرط لا يكون جوابها لا معارف ولا نكرات، إنما يكون جوابها الجمل، قال: لكن يتأوّل كلامه على أنه أراد: وجوابات أسماء الشرط إذا استعملن لمحض الاستفهام وخرجن عن معنى الشرط يكون الجواب بالنكرة والمعرفة، أما إذا بقين على الشرط هن أو استعملت كيف في الشرط فلا يكون جواب شيء منهن لا نكرة ولا معرفة، بل يكون الجواب إذ ذاك جملة أسمية أو فعلية «انتهى». ولم أتحقق هذا الذي ذكره لأن جواب كل من أسماء الاستفهام أيضا لا تكون إلا جملة كما أن جواب كل من أسماء الشرط كذلك، فإذا قال القائل: زيد أو رجل في جواب القائل له: من عندك؟ كان التقدير: عندي زيد أو عندي رجل، ولا أعرف فائدة هذا الكلام ما هي؟ وكلام ابن عصفور مدخول من أصله فإن السؤال بـ «كيف» إنما هو سؤال عن الحال والوصف لا عن الذات، وإذا كان كذلك تعيّن أن يقال في الجواب: سخيّ أو بخيل ليكون ذلك جوابا، ولو قيل: السخيّ أو البخيل لما كان جوابا، لأن هذا إنما يقال لمن هو عالم بتلبس المسؤول عنه بالسخاء أو البخل، ولو كان عالما بذلك لما صح السؤال [5/ 151] بـ «كيف». وأما الوجه الثاني (¬3) من الوجهين اللذين قصرت «كيف» فيهما عن أدوات الشرط: فهو أن الفعلين بعد أسماء الشرط قد يكونان متفقين نحو: إن يقم أقم، ومختلفين نحو: إن يقم أغضب، ولا يكونان بعد «كيف» إلا متفقين نحو: كيف يصنع أصنع، ولا يقال: كيف يقم أخرج، قالوا: فلما قصرت «كيف» عن أدوات الشرط فيما ذكر لم يجزم، وقيل: حملت في منع الجزم بها على «إذا» فخالفت أدوات الاستفهام كما خالفت «إذا» «حيثما» وقيل غير ذلك. وتلحقها «ما» نحو: كيفما يكون أكون لا على جهة اللزوم بل على جهة - ¬

_ (¬1) هذا الكلام ليس في «المقرب» ولا في «شرح الجمل» وقد ذكره أبو حيان في التذييل (6/ 793). (¬2) انظر التذييل (6/ 793). (¬3) انظر التذييل (6/ 793، 794).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التأكيد، قالوا: لضعف الارتباط بها، وفي ذلك نظر؛ فإن «ما» تلحق «إن» و «أين» و «متى» وقوة الارتباط فيها موجودة. ثم إن الشيخ أطال الكلام في «كيف» وقال (¬1): «فالامتناع من المجازاة بها على الإطلاق لا يصح لا سيما وهو موجود»، ثم ذكر الآيتين الشريفتين وهما قوله تعالى: يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ (¬2)، وقوله تعالى: فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ (¬3) قال (¬4): وباطل أن تكون هنا استفهاما فلم يبق إلا أن تكون شرطا مؤخرا في اللفظ كما تؤخر «إن» مع الفعل إذا قلت: أقوم إن قمت، قال: فلا يصح إذن الامتناع من الجزاء بها مع هذا الشاهد الجلي، قال: ولا تكون للمجازاة على الإطلاق لاتفاق العرب والنحاة على أنه لا يجوز: كيف تجلس أقم، ولا كيف تخرج أنم إذا اختلف الفعلان، وهذا كله جائز في أين ومتى وغيرهما، فثبت أن كيف يجازى بها إذا اتفق الفعلان، وإذا اختلف الفعلان فلا يجوز المجازاة بها، ثم قال (¬5) بعد ذلك كله: «وظاهر الآيتين الشريفتين وهما: قوله تعالى: يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ، وفَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ أن كيف فيهما ليست للاستفهام حقيقة، ولا يدل ذلك على أنه جوزي بها من حيث المعنى لا من حيث العمل، بل يدل ذلك على الربط، والربط أعم من أن يكون ذلك على جهة المجازاة المعنوية وغيرها، ألا ترى إلى قولك: حين تقوم أقوم لا يدل ذلك على أن «حين» للمجازاة، بل هي ظرف مختص يقع فيه الفعل المتصل بها والفعل العامل فيها، قال: وإذا ثبت أن الربط أعم من أن يكون لمجازاة أو غيرها احتمل قوله تعالى: يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ أن يكون من الربط غير الجزائي، وإذا احتمل ذلك لم يكن فيه دليل على إثبات المجازاة بكيف من حيث المعنى» انتهى. وأقول: إذا سلم أن الربط حاصل فأي مانع يمنع من قولنا: إن كيف للمجازاة في المعنى؟ وأي محذور يمنع من ذلك؟ وقد تقدم (¬6) لك ما نقله سيبويه عن - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 795). (¬2) سورة المائدة: 64. (¬3) سورة الروم: 48. (¬4) أي: الشيخ أبو حيان. (¬5) أي الشيخ أبو حيان، انظر التذييل (6/ 796). (¬6) انظر الكتاب (3/ 60).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخليل - رحمهما الله تعالى - وهو قوله «ومخرجها على الجزاء لأن معناها: على أي حال تكن أكن»، وكفى بذلك حجة ودليلا على أن «كيف» يجازى بها في المعنى، وإنما حصل الربط في قولك: حين تقوم أقوم بسبب أن كلمة «حين» مضافة إلى أحد الفعلين، والفعل الآخر عامل فيها. ومنها: أن زيادة «ما» مع هذه الأدوات على ثلاثة أقسام: واجبة وممتنعة وجائزة. فالوجوب: مع أداتين وهما: «إذ» و «حيث» فلا يجزم بهما إلا مقرونتين بـ «ما»، قال في شرح الكافية (¬1): «لأنهما إذا تجردا لزمهما الإضافة إلى ما يليهما، والإضافة من خصائص الأسماء فكانت منافية للجزم، فلما قصد جعل هاتين الكلمتين جازمتين ركبتا مع «ما» لتكفهما عن الإضافة وتهيئهما لما لم يكن لهما من معنى وعمل فصارت «ما» ملازمة لهما ما دامت المجازاة مقصودة بهما». والامتناع: مع أربع وهي: «من» و «ما» و «أنّى» و «مهما». والجواز: مع «إن» و «أيّ» وأيّان و «أين» و «متى»، وإذا زيدت «ما» مع «أيّ» والمضاف إليه مذكور فالأجود أن يتوسط بينهما كقوله تعالى: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ (¬2)، ويجوز أن يجاء بها بعد المضاف إليه كقول الشاعر: 3986 - فأيّهما ما أتبعنّ فإنّني ... حريص على إثر الّذي أنا تابع (¬3) وقرأ ابن مسعود (¬4) رضي الله تعالى عنه: (أيّ الأجلين ما قضيت فلا عدون علىّ) فإن حذف ما تضاف إليه نونت ووليت «ما» كقوله تعالى: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬5). هل زيادة «ما» بعد حذف ما تضاف إليه واجبة أو جائزة؟ ظاهر كلام المصنف يعطي الوجوب، وكلام غيره يعطي الجواز. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1620 - 1622) بتصرف. (¬2) سورة القصص: 28. (¬3) هذا البيت من الطويل، واستشهد به على مجيء «ما» الزائدة بعد ما أضيفت إليه «أي». والبيت في معاني القرآن للفراء (2/ 305)، وقال الفراء: «وهذا أكثر في كلام العرب». (¬4) انظر مختصر شواذ القرآن (ص 112) ومعاني الفراء (2/ 305). (¬5) سورة الإسراء: 110.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك قد عرفت قول المصنف (¬1): وقد ترد ما ومهما ظرفي زمان. وقال في شرح الكافية (¬2): «وما سوى إن وإذما من أدوات الشرط فأسماء بإجماع المحققين، وهي على ثلاثة أضرب: ضرب لا ظرفية فيه وهو: أين ومتى وأيّان وحيثما وأيّ، وضرب يستعمل ظرفا وغير ظرف وهو: أيّ تكون عارية من الظرفية إذا أضيفت إلى ما لا يدل على زمان ولا مكان، وتكون ظرف زمان إن أضيفت إلى اسم زمان، وظرف مكان إن أضيفت إلى مكان نحو: أيّهم تضرب أضرب، وأيّ وقت تقم أقم، وأيّ مكان تجلس أجلس»، لكنه قال في متن الكافية (¬3): وقد أتت مهما وما ظرفين في ... شواهد من يعتضد بها كفي وقال في شرحه لذلك (¬4): «جميع النحويين يجعلون ما ومهما مثل من في لزوم التجرد عن الظرفية مع أن استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار الفصحاء من العرب كقول الفرزدق: 3987 - فما تحي لا أرهب وإن كنت جارما ... ولو عدّ أعدائي عليّ لهم ذحلا (¬5) وقول الآخر: 3988 - وما تك يا ابن عبد الله فينا ... فلا ظلما نخاف ولا افتقارا (¬6) وقول الآخر: 3989 - فما تحي لا أخش العدوّ ولا أزل ... على النّاس أعلو من ذرى المجد مفرعا (¬7) وقول تميم العجلاني (¬8): - ¬

_ (¬1) أي: في التسهيل. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1624). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1620). (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1625 - 1627) وقد نقله عنه بتصرف. (¬5) هذا البيت من الطويل وهو في ديوان الفرزدق (2/ 127)، وقوله ذحلا: الذحل: الثأر، وقيل: طلب مكافأة بجناية جنيت عليك أو عداوة أتيت، وقيل: هو الحقد والعداوة. والشاهد فيه: استعمال «ما» الشرطية ظرفا. وانظر البيت في الأشموني (4/ 12). (¬6) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬7) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، واستشهد به على أن «ما» في قوله «فما تحي» ظرفية. (¬8) هو تميم بن مقبل، وقد سبقت ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 3990 - ولو كحلت حواجب خيل قيس ... بتغلب بعد كلبق ما فدينا فما تسلم لكم أفراس قيس ... فلا نرجو البنات ولا البنينا (¬1) وقول عبد الله [5/ 152] بن الزبير الأسدي: 3991 - فما تحي لا تسأم حياة وإن تمت ... فلا خير في الدّنيا ولا العيش أجمعا (¬2) وكقول طفيل الغنوي: 3992 - نبّئت أنّ أبا شتيم يدّعي ... مهما يعش يسمع بما لم يسمع (¬3) وكقول حاتم الطائي (¬4): 3993 - وإنّك مهما تعط بطنك سؤله ... وفرجك نالا منتهى الذّم أجمعا (¬5) انتهى. وقد عرفت أن بدر الدين بغى الحميّة عن ما استدرك به والده وقال: «كما يصح تقدير ما ومهما فيما ذكره بظرف زمان، كذلك يصح تقديرهما بالمصدر فيكون التقدير في قول القائل: 3994 - فما تك يا ابن عبد الله فينا أيّ كون قصير أو طويل تكن فينا فلا نخاف، وقول الآخر: فما تحي لا تسأم ... أيّ حياة هنيّة أو غير مرضية تحي لا تسأم وفي قول الآخر: وإنّك مهما تعط ... أيّ عطاء قليل أو كثير تعط نفسك سؤلها وفرجك نالا منتهى الذم». وقد وافقه الشيخ أثير الدين على ذلك حتى قال (¬6): «فقد كفانا ولده الرد عليه». والظاهر أن ما قاله المصنف أولى وأقرب والطباع تقبله، بخلاف ما ذكره ولده، - ¬

_ (¬1) هذا البيتان من الوافر، والشاهد في قوله «فما تسلم» على أن «ما» استعملت ظرفا. (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬3) هذا البيت من الكامل قاله طفيل الغنوي ديوانه (ص 2) وأبو شتيم اسم رجل. الشاهد فيه: استعمال، «مهما» ظرفا، والبيت في الأشموني (4/ 12). (¬4) في ديوانه (ص 114). (¬5) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬6) انظر التذييل (6/ 805).

[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين]

[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين] قال ابن مالك: (وكلّها تقتضي جملتين تسمّى أولاهما: شرطيّة وتصدّر بفعل ظاهر أو مضمر مفسّر بعد معموله بفعل يشذّ كونه مضارعا دون «لم»، ولا يتقدّم فيها الاسم مع غير «إن» إلا اضطرارا، وكذا بعد استفهام بغير الهمزة، وتسمّى الجملة الثّانية: جزاء وجوابا، وتلزمه الفاء في غير الضّرورة إن لم يصحّ تقديره شرطا، وإن صدّر بمضارع صالح للشّرطية جزم في غير الضّرورة وجوبا إن كان الشّرط مضارعا، وجوازا إن كان ماضيا، وإن قرن بالفاء رفع مطلقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ والمصنف يقول لولده كما قلت إنه لا مانع من أن يكنى بـ «ما» و «مهما» عن مصدر فعل الشرط، كما لا مانع من أن يكنى بهما عن المفعول به. أنا أقول: لا مانع من أن يكنى بـ «ما» و «مهما» عن زمان فعل الشرط كما لا مانع من أن يكنى بهما عن المفعول به. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): كل من الأدوات المذكورة تقتضي جملتين أولاهما ملزومة للثانية، فتسمى الأولى شرطا لأن وجود الملزوم علامة على وجود اللازم، والشرط في اللغة: العلامة (¬2)، وتسمى الثانية جزاء وجوابا، لأنه مدعى فيها أنها لازمة لما جعل شرطا كما يلزم في العرف الجواب للسؤال، والجزاء للإساءة أو الإحسان، فسميت بذلك على الاستعارة والتشبيه، ولا تكون جملة الشرط إلا مصدرة بفعل متصرف مجزوم بالأداة لفظا أو تقديرا وهو إما ماض مجرد من حرف النفي ومن حرف «قد» لفظا أو تقديرا، وإما مضارع مجرد أو منفي بـ «لا» أو «لم» وأكثر ما يكون ظاهرا، ويجوز أن يضمر إذا دل عليه دليل، كما في: إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ تقديره: إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير، وإن كان عمله شرّا فجزاؤه شر، على ما تقدم ذكره في باب «كان» (¬3)، وأكثر ما يضمر إذا فسر - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 73). (¬2) في اللسان (شرط): «والشرط: إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه والجمع: شروطه» وقال: و «الشّرط بالتحريك: العلامة والجمع: أشراط»، ومختار الصحاح (ص 334) (شرط)، ويظهر من ذلك أن بين اللفظين فرقا، فكيف ساغ للإمام بدر الدين أن يجعل معناهما واحدا مع ما بينهما من فرق؟ (¬3) قال في التسهيل (ص 55): «وتختص كان أيضا بعد إن أو لو بجواز حذفها مع اسمها إن كان ضمير ما علم من غائب أو حاضر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد معموله بفعل مذكور والغالب كونه ماضيا أو مضارعا منفيّا بـ «لم» نحو قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ (¬1) ونحو: إن زيد لم يأتني آته، ومجيئه مضارعا بدون «لم» شاذ ومنه قول الشاعر: 3995 - فإن أنت تفعل فللفاعلي ... ن أنت المجيزين تلك الغمارا (¬2) وقول الآخر: 3996 - يثني عليك وأنت أهل ثنائه ... ولديك إن هو يستزدك مزيد (¬3) ولا يتقدم الاسم الفعل على الإضمار المذكور مع غير «إن» من أدوات الشرط إلا في الضرورة كقوله: 3997 - فمن نحن نؤمنه بيت وهو آمن ... ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا (¬4) وكقوله: 3998 - صعدة نابتة في حائر ... أينما الرّيح تميّلها تمل (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 6. (¬2) هذا البيت من المتقارب قاله الكميت بن زيد من قصيدة يمدح فيها أبان بن الوليد بن عبد الملك، يقول: إن تفعل هذه المكارم فأنت منسوب للفاعلين الأجواد، والغمار جمع: غمرة وهي: الشدة، والمجيزين وصف من أجاز بمعنى جاز. والشاهد فيه: مجيء الفعل المفسر لفعل الشرط المضمر مضارعا بدون «لم» وهو ضرورة والبيت في معاني الفراء (1/ 297، 422). (¬3) هذا البيت من الكامل وهو لعبد الله بن عنمة كما في الخزانة (3/ 641). واستشهد به على مجيء الفعل المفسر الفعل الشرط المضمر مضارعا بدون «لم» وهو ضرورة، والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 255)، والهمع (2/ 59)، والدرر (2/ 74)، والأشموني (4/ 30). (¬4) هذا البيت من الطويل قائله هشام المري كما في الكتاب (3/ 114) وقال البغدادي في الخزانة (3/ 642): «وهو منسوب إلى مرة بن كعب بن لؤي القرشي وهو شاعر جاهلي، والشاهد فيه تقدم الاسم الذي هو الضمير «نحن» على الفعل الذي هو «نؤمنه» مع «من» الشرطية وهو ضرورة لأنه لا يتقدم الاسم الفعل إلا مع «إن» من أدوات الشرط. وانظر البيت في المقتضب (2/ 73)، والإنصاف (619)، وشرح الكافية للرضي (2/ 255)، والمغني (ص 403) وشرح شواهده (ص 839). (¬5) هذا البيت من الرمل وهو لكعب بن جعيل كما في الكتاب (3/ 113) ونسبه الشنتمري بهامش الكتاب (1/ 458) (بولاق) لحسام بن ضرار، و «الحائر»: مجتمع الماء، يصف امرأة شبه قدها بالقناة أي: هي صعدة، وهي قناة مستوية لا تنبت إلا كذلك فلا تحتاج إلى تثقيف. والشاهد فيه: تقدم الاسم «الرّيح» على الفعل «تميلها» مع «أينما» وهو ضرورة مع غير «إن» وانظر البيت في المقتضب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 3999 - فمتى واغل ينبهم يحيّو ... هـ وتعطف عليه كأس السّاقي (¬1) والاستفهام في هذا الاستعمال كأدوات الشرط مع كونه غير مختص، فإن كان بالهمزة جاز - لكونها أمّ الباب، وأصل أدوات الاستفهام - أن يتقدم على الفعل بعدها اسم مرفوع بالابتداء أو معمول لفعل مضمر يفسره ما بعد الاسم، وإن كان بـ «هل» أو غيرها من أسماء الاستفهام امتنع أن يتقدم الاسم على الفعل إلا في الضرورة كقوله: 4000 - أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبّة يوم البين مشكوم؟ (¬2) وامتنع حينئذ كونه مبتدأ ووجب حمله على فعل مضمر عامل فيه عمل الفعل الظاهر في ما اشتغل به. وأما الجزاء فيصلح له كل الجمل، فيكون جملة طلبية، وخبرية شرطية وغير شرطية، وجملة اسمية أو فعلية، والأصل كونه جملة يصح جعلها شرطا وهي المصدرة بفعل متصرف ماض مجرد من «قد» لفظا أو تقديرا ومن غيرها، أو مضارع مجرّد أو منفي بـ «لا» أو «لم» لأن الشرط بـ «إن» وأخواتها تعليق حصول ما ليس بحاصل على حصول غيره، فاستلزم في جملته امتناع الثبوت - ¬

_ - (2/ 73) وأمالي الشجري (1/ 332، 347) والإنصاف (ص 618) وابن يعيش (9/ 10)، وشرح الكافية للرضي (2/ 255). (¬1) هذا البيت من الخفيف وهو لعدي بن زيد كما في الكتاب (3/ 113) وانظر ملحقات ديوانه (ص 156) والواغل الداخل على القوم وهم يشربون يكرّم ويحيّا ويسقى وإن كانوا لم يدعوه، والشاهد فيه: تقدم الاسم «واغل» على الفعل «ينبهم» ضرورة لأنه مع غير «إن» وانظره في النوادر (ص 188) والمقتضب (2/ 74)، وأمالي الشجري (2/ 332)، والإنصاف (ص 617) وابن يعيش (9/ 10) وشرح الكافية للرضي (2 / 255). (¬2) هذا البيت من البسيط، وقائله علقمة بن عبدة الفحل، انظر ديوانه (ص 129). والعبرة الدمعة لم يقضها أي هو دائم البكاء، والمشكوم: المجازى من الشكم: العطية عن مجازاة، يقول: أم هل تجازيك بيكائك على إثرها وأنت شيخ؟ والشاهد فيه: تقدم الاسم «كبير» على الفعل «بكى» بعد «هل» وهو ضرورة لأنه لا يتقدم الاسم على الفعل إلا مع الهمزة فقط. وانظر البيت في الكتاب (3/ 178) والمقتضب (3/ 290)، وابن يعيش (4/ 18)، (8/ 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإمكان الحصول؛ فلا تكون إحداهما اسمية ولا طلبية إلا بتأويل. وإذا جاء الجزاء على غير ما هو الأصل فيه وجب اقترانه بالفاء ليعلم ارتباطه بالشرط وتعليق أداته به لما لم يكن على وفق ما يقتضيه الشرط وذلك إذا كان جملة طلبية كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي (¬1) وكقراءة ابن كثير (¬2) ومن يعمل من الصلحات وهو مؤمن فلا يخف ظلما ولا هضما (¬3)، أو شرطية نحو: إن تأتني فإن تحدثني أكرمك، أو اسمية نحو: إن تقم فزيد قائم، أو فعلية مصدرة بفعل غير متصرف نحو: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ (¬4)، أو ماض مقرون بـ «قد» لفظا نحو قوله تعالى: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (¬5)، أو تقديرا وذلك إذا كان الفعل ماضي المعنى كقوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ (¬6)، أو مقرون بحرف نفي نحو: إن قام زيد فما قام عمرو، أو مضارع مقرون بـ «قد» أو حرف تنفيس أو نفي بغير «لا» أو «لم» نحو: إن تقم فقد أقوم أو فسوف أقوم، أو فما أقوم [5/ 153] أو فلن أقوم، فـ «الفاء» في أمثال كل هذا واجبة الذكر لا يجوز أن تقوم «الواو» وغيرها مقامها، ولا يجوز حذفها إلا في الضرورة كقوله: 4001 - من يفعل الحسنات الله يشكرها ... والشّرّ بالشّر عند الله مثلان (¬7) وقوله: 4002 - ومن لا يزل ينقاد للغي والهوى ... سيلفى على طول السّلامة نادما (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 31. (¬2) انظر الكشف (2/ 107)، والسبعة لابن مجاهد (ص 424). (¬3) سورة طه: 112. (¬4) سورة الكهف: 39، 40. (¬5) سورة يوسف: 77. (¬6) سورة يوسف: 26. (¬7) هذا البيت من البسيط وهو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت. وقيل غير ذلك، واستشهد به على حذف «الفاء» من جملة جواب الشرط الله يشكرها ضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 114)، والمقتضب (2/ 70) والخصائص (2/ 28)، (3/ 118)، وابن يعيش (9/ 2، 3). (¬8) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، والغي: الضلال، وسيلفى: سيوجد، وفيه الشاهد حيث وقعت الجملة جوابا للشرط، وقد حذفت منها الفاء للضرورة، والبيت في العيني (4/ 433)، وشرح التصريح (2/ 250)، والأشموني (3/ 21).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا جاء الجزاء على مقتضى الأصل صالحا للشرطية لم يحتج إلى «فاء» تربطه بالشرط؛ فالأولى خلوّه منها ويجوز اقترانه بها، فإن خلا منها وصدر بمضارع جزم سواء أكان الشرط مضارعا نحو قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (¬1) أو ماضيا كقوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها (¬2) وقال الفرزدق (¬3): 4003 - دسّت رسولا بأنّ القوم إن قدروا ... عليك يشفوا صدورا ذات توغير (¬4) وقد يرفع بكثرة إن كان الشرط ماضيا أو منفيّا بـ «لم»، وبقلة إن كان غير ذلك، فالأول كقول زهير: 4004 - وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم (¬5) وقول أبى صخر (¬6): 4005 - وليس المعنّى بالّذي لا يهيجه ... إلى الشّوق إلّا الهاتفات السّواجع ولا بالّذي إن بان عنه حبيبه ... يقول - ويخفي الصّبر - إني لجازع (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة الطلاق: 2. (¬2) سورة هود: 15. (¬3) انظر ديوانه (1/ 213). (¬4) هذا البيت من البسيط. الشرح: التوغير الحمى في الصدر والغيظ، وقوله دست رسولا: يريد المرأة التي كان يهواها دست إليه رسولا بأن لا تأتينا، وأن أهلها إن رأوه قاصدا إليها قتلوه. والشاهد فيه: جزم المضارع «يشفوا» لوقوعه جوابا للشرط مع خلوه من «الفاء» وكون فعل الشرط ماضيا. وانظر البيت في الكتاب (3/ 69)، والهمع (2/ 60)، والدرر (2/ 77)، وابن السيرافي (2/ 99). (¬5) هذا البيت من البسيط وهو لزهير، انظر ديوانه (ص 54). والشاهد فيه: رفع المضارع «يقول» الواقع جوابا للشرط لأن الشرط ماض وهو كثير، وانظر البيت في الكتاب (3/ 66)، والمقتضب (2/ 70)، والإنصاف (ص 625)، وابن يعيش (8/ 157). (¬6) أبو صخر هو: عبد الله بن سالم السّهمي الهذلي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كان متعصبا لبني مروان مواليا لهم. انظر ترجمته في الخزانة (1/ 555). (¬7) هذان البيتان من الطويل، والمعنى الذي يكابد الشوق، والهاتفات جمع: هاتفة وهي الحمامة: هتفت الحمامة هتفا، ناحت، والسواجع: من سجع الحمام يسجع سجعا هدل على جهة واحدة، والمراد ب الهاتفات السواجع حمائم الشوق وبان: افترق، وجازع: الجزع نقيض الصبر وفعله: جزع - بالكسر - والشاهد في البيت الثاني: حيث رفع جواب الشرط «يقول» لأن فعل الشرط ماض. وانظر البيتين في التذييل (6/ 829)، والبيت الثاني في الأشموني (4/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 4006 - فإن كان لا يرضيك حتّى تردّني ... إلى قطريّ لا إخالك راضيا (¬1) وقول الآخر: 4007 - وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوّف أهل الغائب المتنظّر (¬2) والثاني كقول جرير بن عبد الله البجلي (¬3): 4008 - يا أقرع بن حابس يا أقرع ... إنّك إن يصرع أخوك تصرع (¬4) ومثله قول الآخر: 4009 - فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها (¬5) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل قاله سوار بن المضرب حين هرب من الحجاج خوفا على نفسه، وأراد بـ «قطري»: قطري بن الفجاءة الخارجي، ولا إخالك - بكسر الهمزة - لا أظنك. والشاهد فيه: رفع جواب الشرط «لا إخالك» لأن فعل الشرط ماض وهو كثير، والبيت في الخصائص (2/ 433)، والمحسب (2/ 192)، وأمالي الشجري (1/ 185)، وابن يعيش (1/ 80). (¬2) هذا البيت من الطويل، وهو لعروة بن الورد أبو الصعاليك، انظر الديوان (ص 80). و «تشوف» من تشوف إلى الشيء أي تطلع، و «المتنظر» من تنظره: أي تأني عليه. والشاهد فيه: رفع جواب الشرط لأن الشرط ماض وهو كثير. والبيت في التذييل (6/ 829) واللسان (نظر). (¬3) جرير بن عبد الله البجلي، صحابي وكان جميلا. قال سيدنا عمر: هو يوسف هذه الأمة، وقدمه في حروب العراق على جميع بجيله. انظر الخزانة (3/ 397). (¬4) هذان بيتان من الرجز المشطور، وقد أنشد البغدادي البيت الثاني ثالثا ضمن قصيدة مرجزة لعمرو بن خثارم البجلي أما البيت الثاني فهو: إني أخوك فانظرن ما تصنع و «الأقرع بن حابس» من الصحابة وكان عالم العرب في زمانه، والشاهد فيه: رفع جواب الشرط «تصرع» لأن الشرط مضارع وهذا قليل والرجز في الكتاب (3/ 67)، والمقتضب (2/ 72)، وأمالي الشجري (1/ 84)، والإنصاف (ص 623) وابن يعيش (8/ 157)، والمقرب (1/ 275). (¬5) هذا البيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي كما في ديوان الهذيليين (1/ 154) الشرح: الطوق: الطاقة، والمطبعة: المملوءة، وأصله من الطبع بمعنى الختم بالخاتم لأن الختم إنما يكون غالبا بعد الملء وضاره يضيره: ألحق به الضرر، يصف قرية كثيرة الطعام من امتار منها وحمل فوق طاقته لم ينقصها شيئا. والشاهد فيه: رفع جواب الشرط «لا يضيرها» والشرط مضارع وهو قليل، والبيت في الكتاب (3/ 70)، والمقتضب (2/ 72) والشعر والشعراء (ص 59)، وابن يعيش (8/ 158).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنه قراءة طلحة بن سليمان (¬1): أينما تكونوا يدرككم الموت (¬2). ورفعه عند سيبويه على وجهين: على تقدير تقديمه وكون الجواب محذوفا، وعلى حذف الفاء لأنه قال (¬3): وقد يقولون: إن أتيتني آتيك [أي: آتيك] إن أتيتني، وأنشد بيت زهير (¬4) ثم قال (¬5): فإذا قلت آتي من أتاني فأنت بالخيار، إن شئت كانت أتاني صلة، وإن شئت كانت بمنزلها في إن، ويجوز في الشعر: آتي من يأتني قال: 4010 - فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها ... مطبّعة من يأتها لا يضيرها كأنه قال: لا يضيرها من يأتها، ولو أريد به حذف الفاء جاز. منع أبو العباس صحة تقدير التقديم فقال (¬6): وأما قوله: 4011 - وإن أتاه خليل يوم مسألة ... يقول ... (¬7) في القلب فهو محال، وذلك لأن الجواب حده أن يكون بعد إن وفعلها الأول، وإنما يعني بالشيء موضعه إذا كان في غير موضعه نحو: ضرب غلامه زيد، لأن حق الغلام أن يكون بعد زيد، وهذا قد وقع في موضعه من الجزاء، فلو جاز أن يعني به التقديم لجاز أن يقول: ضرب غلامه زيدا، يريد: ضرب زيدا غلامه. وإن قرن المضارع الصالح للشرطية بالفاء وجب رفعه مطلقا سواء أكان الشرط مضارعا أم ماضيا كقوله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ (¬8)، وقوله تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (¬9)، وكقراءة حمزة (¬10): إن تضل - ¬

_ (¬1) هو طلحة بن سليمان أخو إسحاق بن سليمان الرازي وكان مقرئا صاحب قرآن، ويعرف بطلحة السّمان. انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 483: 484)، وغاية النهاية (1/ 341). (¬2) سورة النساء: 78. (¬3) انظر الكتاب (3/ 66). (¬4) وهو: وإن أتاه خليل ... البيت. (¬5) انظر الكتاب (3/ 70، 71). (¬6) انظر المقتضب (2/ 67 - 70، 4/ 102). (¬7) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬8) سورة المائدة: 95. (¬9) سورة الجن: 13. (¬10) انظر الكشف (1/ 320) والسبعة لابن مجاهد (ص 193)، وقراءته بكسر الهمزة من «أن» ورفع «فتذكر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى (¬1)، وينبغي أن يكون الفعل بعد هذه الفاء خبر مبتدأ محذوف، ولولا ذلك لحكم بزيادة الفاء وجزم المضارع، لأنها حينئذ في تقدير الشرط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مظهر. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال والده في شرح الكافية (¬2): «أصل جواب الشرط أن يكون فعلا ماضيا صالحا لجعله شرطا، فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها، فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل، وينبغي أن يكون الفعل خبر مبتدإ، ولولا ذلك لحكم بزيادة الفاء وجزم الفعل إن كان مضارعا لأن الفاء على ذلك التقدير زائدة في تقدير السقوط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مصرح، ومن ذلك قوله تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (¬3)، ومثله قراءة حمزة: إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، وإذا كان الجواب ماضيا لفظا لا معنى لم يجز اقترانه بالفاء إلا في وعد أو وعيد، لأنه إذا كان وعدا أو وعيدا حسن أن يقدر ماضي المعنى فعومل معاملة الماضي حقيقة، ومثال الماضي حقيقة قوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ (¬4)، ومثال الماضي لفظا لا معنى مقرونا بالفاء قوله تعالى: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ (¬5)، وإلى هذا أشرت بقولي. ولا يلي [الفا] الماضي الآتي معنى ... إلّا لوعد أو وعيد يعني ويجوز أن تكون الفاء عاطفة ويكون التقدير: ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار فيقال لهم: هل تجزون؟ كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ (¬6) أي: فيقال لهم: أكفرتم؟ وإذا كان الجواب جملة اسمية [أو فعلية] (¬7) لا تلي حرف الشرط وجب اقترانها بالفاء ليعلم ارتباطها بالأداة، فإن ما لا يصح للارتباط مع الاتصال أحق بأن - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 282. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1594). (¬3) سورة الجن: 13. (¬4) سورة يوسف: 26. (¬5) سورة النمل: 90. (¬6) سورة آل عمران: 106. (¬7) انظر البيان للأنباري (1/ 214)، والتبيان للعكبري (284).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يصلح مع الانفصال، فإذا قرن بالفاء علم الأرتباط، والفعلية التي لا تلي حرف الشرط هي التي فعلها غير متصرف نحو قوله تعالى: فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ (¬1)، وماض لفظا ومعنى نحو قوله تعالى: فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (¬2) أو مطلوب به فعل أو ترك نحو قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (¬3) ونحو قوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (¬4) في رواية (¬5) ابن كثير (¬6)، ومما يجب اقترانه بالفاء لأنه لا يلي حرف الشرط المقرون بالسين أو سوف، والمنفي بلن أو ما أو إن (¬7). وبعد ذلك فالإشارة إلى أمور: منها: أن شاهد [5/ 154] الفعل المفسر للفعل المحذوف بعد «إن» إذا كان مضارعا مقرونا بـ «لم» قول الشاعر: 4012 - وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثّناء سبيل (¬8) ومنها: أن المصنف في شرح الكافية أشار إلى ذكر سبب عدم جواز تقدم الاسم على الفعل مع أدوات الشرط غير «إن» فقال (¬9): «وكان حق أدوات الشرط أن لا يليها إلا معمولها كغيرها من عوامل الفعل السالمة من شذوذ، لكنها أشبهت الفعل في الدخول على معرب ومبنى، وأشبهت الفعل المتعدي بكونها لا تكتفي بمطلوب واحد فجاز أن يليها الاسم أي: معمول فعلها، وخصت إن لكونها في الشرط أصلا بكثرة ذلك فيها بشرط مضي الفعل» انتهى. - ¬

_ (¬1) سورة الكهف: 40. (¬2) سورة يوسف: 77. (¬3) سورة آل عمران: 31. (¬4) سورة طه: 112. (¬5) لعله يقصد: في رواية قراءة ابن كثير. (¬6) انظر الكشف (2/ 107) والسبعة لابن مجاهد (ص 424) وانظر (ص 700) من هذا التحقيق. (¬7) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1597). (¬8) هذا البيت من الطويل، وهو للسموأل بن عادياء الغساني. كما في ديوانه (ص 90). واستشهد به على مجيء الفعل المفسر للفعل المحذوف بعد «إن» مضارعا مقرونا بـ «لم» والبيت في التذييل (6/ 808)، والهمع (1/ 63، 2/ 59)، والدرر (1/ 39، 2/ 75). (¬9) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1598).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما اشترط (¬1) مضى الفعل لئلا يظهر القبح في كونها ظهر لها تأثير وفصل بينهما وبين معمولها بمعموله، أما الفصل بغير معمول فعلها فلا يجوز إلا بـ «لا» خاصة سواء أكان ذلك في «إن» أم في غيرها من الأدوات نحو قوله: 4013 - ومن لا يصانع في أمور كثيرة ... يضرّس بأنياب ويوطأ بميسم (¬2) ومنها: أننا عرفنا من قول المصنف في جملة الشرط: «وتصدّر بفعل ظاهر أو مضمر مفسّر بعد معموله بفعل» أن الاسم بعد أداة الشرط لا يجوز رفعه على الابتداء (¬3)، لأن أداة الشرط مختصة بالأفعال، فإن كان الاسم الذي وليها منصوبا فهو منصوب بفعل مضمر، وإن كان مرفوعا فهو مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر بعده إما من لفظه نحو: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (¬4) وإما من المعنى نحو: 4014 - لا تجزعي إن منفس أهلكته (¬5) أي: إن هلك منفس، والمنقول عن الكسائي أنه يجوز رفع الاسم بعدها على الابتداء قال (¬6): وتكون الجملة الابتدائية في موضع جزم كما أن الجملة الجزائية إذا كانت اسمية تكون كذلك. وكأنه حمل الشرط على الاستفهام فأجاز ذلك كما يجوز: أزيد قائم؟ والفرق: أن العرب لم يسمع منهم نحو: إن زيد قائم قمت، وسمع منهم نحو: أزيد قائم؟ - ¬

_ (¬1) هذا كلام الشيخ أبي حيان في التذييل (6/ 809: 810) وقد نقله عنه المؤلف دون أن يشير إلى ذلك. (¬2) هذا البيت من الطويل وهو لزهير في ديوانه (ص 13) وشرح شعر زهير لثعلب (ص 35)، وقوله يضرس أي: يمضغ، والميسم هو للبعير مثل الظفر للإنسان. والشاهد فيه الفصل بين «من» ومعمولها «يصانع» بـ «لا» ولا يجوز بغيرها والبيت في التذييل (6/ 810). (¬3) هذا كلام الشيخ أبي حيان في التذييل (6/ 811)، وقد نقله عنه المؤلف دون أن يشير إلى ذلك. (¬4) سورة التوبة: 6. (¬5) هذا صدر بيت من الكامل للنمر بن تولب وعجزه: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي والمنفس، المال النفيس. والشاهد فيه رفع الاسم بعد «إن» الشرطية بفعل مضمر يفسره الظاهر بعده، والتقدير: إن هلك منفس، والبيت في الكتاب (1/ 134)، (هارون)، والمقتضب (2/ 74)، وأمالي الشجري (1/ 332، 346)، وابن يعيش (1/ 22، 2/ 38)، والتذييل (6/ 811)، وديوان النمر بن تولب (ص 72). (¬6) انظر التذييل (6/ 811).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «وما ذهب إليه الكسائي من جواز الابتداء بعد أداة الشرط قد ذكره سيبويه وجها رديئا، فذكر (¬2) أن الاسم قد يرتفع بعد حرف الشرط بالابتداء إذا كان الخبر فعلا نحو: إن زيد قام أكرمتك، وسهّل ذلك عنده وجود الفعل في الجملة الشرطية فكأنه لم يعدم الفعل، قال (¬3): وعلى هذا ينبغي أن يحمل بيت لبيد: 4015 - فإن أنت لم ينفعك علمك ... ..... (¬4) فيكون «أنت» مرفوعا بالابتداء لأنه لو حمله على الفعل بعده للزمه أن يقول فإن إياك لم ينفعك علمك ولا يجوز حمل «أنت» على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره قوله: لم ينفعك لأنه يلزم من ذلك تعدي فعل الضمير المرفوع إلى ضميره المتصل المنصوب، إذ يصير التقدير: فإن لم ينفعك، أما من لا يجيز الابتداء بعد أداة الشرط فإنه يذهب إلى [أن] «أنت» مرفوع بفعل محذوف يفسره ما بعده من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. التقدير: فإن ضللت، قال: وأجاز السهيلي (¬5) أن يكون «أنت» في موضع نصب، فيكون مما وضع فيه المرفوع موضع المنصوب كما فعل عكس ذلك حين قالوا: لم يضربني إلا إيّاه وفي الحديث الشريف: «من خرج إلى الصّلاة لا ينهزه إلّا إيّاها» (¬6)، فعلى هذا يكون في تخريج البيت - أعني بيت لبيد - ثلاثة أقوال (¬7). - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 811، 812). (¬2) في الكتاب (3/ 112): «واعلم أن حروف الجزاء يقبح أن تتقدم الأسماء فيها قبل الأفعال» وقال في (ص 113، 114): «واعلم أن قولهم في الشعر: إن زيد يأتك يكن كذا، وإنما ارتفع على فعل هذا تفسيره». (¬3) أي أبو حيان. (¬4) هذا جزء بيت من الطويل وهو للبيد في ديوانه (ص 255) وتمامه: فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب ... لعلك تهديك القرون الأوائل واستشهد به الشيخ أبو حيان على أن قوله «أنت» مرفوع بالابتداء، ولا يجوز حمله على الفعل بعده، كما لا يجوز حمله على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده، والبيت في أمالي السهيلي (ص 43) والعيني (1/ 291) وشرح التصريح (1/ 105)، والهمع (1/ 63، 2/ 59، 114). (¬5) انظر أمالي السهيلي (ص 42، 43). (¬6) أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بلفظ لا ينهزه إلا الصلاة» انظر صحيح البخاري بحاشية السندي (1/ 199)، باب فضل صلاة الجماعة (2/ 14). (¬7) إحداها: أن يكون مبتدأ، والثاني: أن يكون فاعلا بفعل محذوف تقديره: فإن ضللت، والثالث: أن يكون مفعولا لمحذوف تقديره: فإن إياك لم ينفعك علمك. انظر التذييل (6/ 812).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن قول المصنف مشيرا إلى الجواب: «وتلزمه الفاء في غير الضّرورة إن لم يصحّ تقديره شرطا». حيث جعل عدم صحة تقدير الجواب شرطا قانونا كليا لدخول «الفاء» فيه أحسن وأقرب مما ذكره المغاربة وهو أنهم لم يذكروا ضابطا، بل عددوا الأماكن التي تدخلها «الفاء» مكانا مكانا، قال ابن عصفور في المقرب (¬1): «فإن كانت الثانية - يعني جملة الجزاء - أمرا أو نهيا أو دعاء أو استفهاما، أو فعلا قد دخلت عليه قد، أو السين أو سوف أو ما، أو لن، أو غير ذلك أدخلت عليها الفاء». ثم ذكر (¬2) أن الاسمية بالنسبة إلى دخول «الفاء» كذلك. ولو قال ابن عصفور: فإن كانت الثانية طلبا لكان أولى، فإن العرض والتحضيض حكمهما في ذلك حكم الأمر والنهي. يقال: إن الجملة الشرطية إذا وقعت جوابا وجبت «الفاء» فهي داخلة في ضابط المصنف ومسكوت عنها في كلام ابن عصفور. ودخل تحت ضابط المصنف الجملة التعجبية (¬3) نحو: إن أقبل زيد فما أحسنه، والقسم (¬4) نحو: إن تكرمني والله لأكرمنّك، والجملة المصدرة بـ «ربّ» (¬5) نحو قول امرئ القيس: 4016 - فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة ... كشفت إذا ما اسودّ وجه الجبان (¬6) والنداء نحو (¬7): إن أتاك راج فيا أخا الكرام لا تهنه. - ¬

_ (¬1) انظر المقرب (1/ 274)، وقد نقله عنه بتصرف. (¬2) أي ابن عصفور. انظر المقرب (1/ 275، 276). (¬3) انظر التذييل (6/ 816). (¬4)، (¬5) المرجع السابق. (¬6) البيت من الطويل وهو في ديوان امرئ القيس (ص 86)، والبهمة: الأمر الذي لا يهتدي إليه، يقول: أن أصابني الدهر أمسيت مكروبا فكم من أمر لا يهتدي إليه كشف حقيقته وبينت صوابه، والشاهد فيه وقوع الجملة المصدرة بـ «رب» جوابا للشرط فوجب اقترانها بـ «الفاء» و «أيّا» حرف تنبيه. وانظر البيت في التذييل (6/ 816)، والهمع (2/ 28)، والدرر (2/ 22). (¬7) انظر التذييل (6/ 817).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أنك قد عرفت أن حذف هذه «الفاء» لا يجوز إلا في الضرورة والمنقول عن المبرد أنه يجيز ذلك في الكلام (¬1)، وعند سيبويه (¬2) أن ذلك لا يجوز إلا في الشعر قال ابن هشام (¬3): «وهو الصحيح». وقد أجاز (¬4) بعض النحويين حذفها في السعة إذا كان الشرط ماضيا حملا على: إن أتيتني آتيك وجعل من ذلك قوله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (¬5)، وردّ (¬6) عليه ذلك بأن «إنكم لمشركون» جواب قسم محذوف قبل الشرط التقدير: والله إن أطعتموهم إنكم لمشركون كما حذف في قوله تعالى: وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ (¬7)، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (¬8). وقد جاء (¬9) مع حذف «الفاء» حذف المبتدأ الذي دخلت «الفاء» عليه قال الشاعر: 4017 - بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها ... بني ثعل من ينكع العنز ظالم (¬10) التقدير: فهو ظالم، قالوا (¬11) وحسّن حذف المبتدأ فيه أن «من» الشرطية هنا قريبة من الموصولة، فكأنه توهّم [5/ 155] أن «من» موصولة وإن كان قد - ¬

_ (¬1) ما نقل عن المبرد في هذه المسألة غير صحيح فكلامه في المقتضب صريح في أن حذف «الفاء» لا يجوز إلا في ضرورة الشعر فهو موافق لما ذهب إليه سيبويه، فإذا كان سيبويه يرى أن حذف «الفاء» في قوله: الله يشكرها فالمبرد أيضا لم ير غير ذلك، وأكثر من هذا فإن المبرد يرى أن حذف «الفاء» في الشعر جائز على ضعف، فكيف يجيزه في كلام غير شعر. انظر المقتضب (2/ 70 / 71). (¬2) انظر الكتاب (3/ 64). (¬3) هو ابن هشام الخضراوي. انظر التذييل (6/ 817). (¬4) هذا كلام أبي حيان في التذييل (6/ 819)، وقد نقله المؤلف عنه دون أن يشير. (¬5) سورة الأنعام: 121. (¬6) للشيخ أبي حيان. انظر التذييل (6/ 819). (¬7) سورة المائدة: 73. (¬8) سورة الأعراف: 23. (¬9) هذا الكلام نقله الشيخ أبو حيان عن ابن هشام الخضراوي، انظر التذييل (6/ 817). (¬10) هذا البيت من الطويل وثعل قبيلة في طيئ وبني ثعل منادى حذف منه حرف النداء: أي يا بني ثعل ونكع من نكعت الناقة: جهدتها حلبا والشرب بكسر الشين: الحظ من الماء. والشاهد في قوله «ظالم» حيث حذف منه المبتدأ مع «الفاء» التي هي جواب الشرط أي: فهو ظالم. والبيت في الكتاب (3/ 65) والعيني (4/ 448)، والأشموني (4/ 21)، واللسان (نكع). (¬11) القائل هو أبو حيان. انظر التذييل (6/ 817، 818).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استعملها شرطا، ونظير هذا تشبيههم «الذي» وهو موصول بـ «من» الشرطية فجزموا الفعل الواقع خبرا له تشبيها له بالجواب كما سيأتي ذكر ذلك حيث ذكره المصنف. ومنها: أن النحاة اختلفوا في المضارع المرفوع الواقع في محل الجواب فقال سيبويه (¬1): إنه دليل الجواب، وعلى هذا فهو مؤخر عنده من تقديم، وجواب الشرط محذوف، وقال المبرد والكوفيون (¬2): إنه هو الجواب وإن «الفاء» حذفت منه، وقال آخرون (¬3): إن أداة الشرط لما لم يظهر لها تأثير في فعل الشرط لكونه ماضيا لم يجزم الجواب، فهو عند هؤلاء جواب لا دليل الجواب كما يقول سيبويه ولا على إضمار «الفاء» كما يقول المبرد، ولكن قد عرفت أن بدر الدين ذكر أن سيبويه يجيز الوجهين وهما: تقدير التقديم، وكون الجواب محذوفا وحذف «الفاء»، وكلام الشيخ أيضا يقتضي ذلك فإنه قال (¬4) بعد إنشاده: 4018 - إنّك إن يصرع أخوك تصرع (¬5) وقول الآخر: 4019 - .. ... من يأتها لا يضيرها (¬6) والفعل المرفوع إذ ذاك إما أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه أولا، فإن كان نحو: إنّك إن يصرع أخوك تصرع وإن لم يكن نحو: إن تأتني آتيك إذا جاء في الشعر فذهب سيبويه إلى أن الأولى أن يكون في المسألة الأولى على نية التقديم والتأخير، وفي الثانية على إضمار «الفاء»، وجوز العكس وهو أن يكون الأول على إضمار «الفاء» والثاني على التقديم انتهى. واعلم أن الزمخشري قال (¬7) في قوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 66 - 68). (¬2) انظر المقتضب (2/ 68)، والتذييل (6/ 830). (¬3) انظر التذييل (6/ 830). (¬4) انظر التذييل (6/ 820، 821)، والكتاب (3/ 66، 67، 70/ 71). (¬5)، (¬6) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬7) انظر الكشاف (1/ 270).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (¬1): إن «ما» من: وما عملت من سوء، ليست شرطية لارتفاع تود. وقد أبى الجماعة قبول ذلك منه وقالوا (¬2): إن فعل الشرط إذا كان ماضيا واستفيد الجواب من مضارع بعده جاز رفع ذلك المضارع و [قد] تقدمت شواهد ذلك. ولا شك أن كلام الزمخشري غير ظاهر، وقد منع الشيخ كون «ما» المذكورة شرطية من وجه آخر لا لكون «تود» مرفوعا وهو: أن النية بـ «تود» التقديم على مذهب سيبويه، فيكون دليلا على الجواب لا نفس الجواب قال (¬3): فنقول إذا كان تود منويا به التقديم أدى إلى تقديم المضمر على ظاهره في غير الأبواب المستثناه في العربية، ألا ترى أن الضمير في قوله: «وبينه» عائد على اسم الشرط الذي هو «ما» فيصير التقدير: تود كل نفس لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ما عملت من سوء، فيلزم من هذا التقدير تقديم المضمر على الظاهر وذلك لا يجوز، فإن قلت: لم لا يجوز ذلك والضمير قد تأخر عن اسم الشرط وإن كان النية به التقديم فقد حصل عود الضمير على الاسم الظاهر قبله، وذلك نظير: ضرب زيد غلامه والفاعل رتبته التقديم ووجب تأخيره لصحة عود الضمير؟ الجواب أن اشتمال الدليل على ضمير اسم الشرط يوجب تأخيره عنه لعود الضمير، فيلزم من ذلك اقتضاء جملة الشرط لجملة الدليل، وجملة الشرط إنما تقتضي جملة الجزاء لا دليله إذ ليست بعاملة في جملة الدليل، [بل] إنما تعمل في جملة الجزاء، وجملة الدليل لا موضع لها، وحينئذ يتدافع الأمر لأنها من حيث هي دليل لا يقتضيها اسم الشرط ومن حيث عود الضمير على اسم الشرط يقتضيها فتدافعا، وهذا بخلاف: ضرب زيدا غلامه لأنها جملة واحدة والفعل عامل في الفاعل والمفعول معا، ولذلك جاز عند بعضهم، ضرب غلامها هندا لاشتراك الفاعل المضاف للضمير والمفعول الذي عاد عليه الضمير في العامل، وامتنع: ضرب - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 30. (¬2) انظر التذييل (6/ 823). (¬3) انظر التذييل (6/ 823، 824) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غلامها جار هند لعدم الاشتراك في العامل، قال: فهذا فرق ما بين المسألتين انتهى كلامه. وفي مستند المنع الذي ذكره نظر، لأنا لا نسلم أنه يلزم من اشتمال دليل الجواب المتأخر عن جملة الشرط على ضمير عائد على اسم الشرط اقتضاء جملة الشرط لجملة الدليل، بل المعتبر في صحة تفسير الظاهر للمضمر في غير الأبواب المستثناه (¬1) تقدم ذلك الظاهر على ذلك المضمر لفظا ورتبة، أو لفظا لا رتبة كما تقرر في علم النحو. وأما اشتراك الاسم الذي اتصل به الضمير وصاحب الضمير أي: مفسره في عامل واحد فغير لازم بدليل جواز: ضرب غلامها بعل هند على القول الأصح، فلم يشترك المفعول المضاف للضمير والاسم الذي عاد عليه الضمير في العامل، وإنما احتيج في [نحو] ضرب غلامها هندا إلى أن يكون الذي عاد عليه الضمير مشاركا للمضاف إلى الضمير في العامل لأن الضمير عاد فيه على متأخر لفظا ورتبة، فالتزموا في المفسر المشاركة لما قبله في العامل ليكون العامل منصبا عليهما معا فيخف الأمر في عود الضمير على ما هو متأخر من جهتين، فكأن اشتراكهما في العامل نزلهما منزلة واحدة، فلم يكن اشتراط المشاركة في العامل في المسألة المذكورة لأمر يرجع إلى جهة الاقتضاء الذي أشار إليه الشيخ، بل لما ذكرته، وإذا كان كذلك فلم يتحقق ما قرره من امتناع أن تكون «ما» من قوله تعالى: وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ (¬2) شرطية. ومنها: أن المصنف ذكر في شرح الكافية مسألة وكأنه لم يذكرها في التسهيل وهي (¬3): ما إذا تقدم على الشرط استفهام نحو: أإن تقم أقم؟ قال (¬4): «فسيبويه (¬5) يجعل الاعتماد على الشرط كأن الاستفهام لم يكن، ويونس (¬6) يجعل الاعتماد على الاستفهام ناويا تقديم الفعل الثاني، وإلى هذا أشرت بقولي: ويونس التّقديم [ينوي] فرفع ... وعند سيبويه ذلك [5/ 156] امتنع - ¬

_ (¬1) المعلوم أن عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة لا يجوز، ولكنهم استثنوا سبعة مواضع يجوز فيها عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وقد ذكرها ابن هشام في المغني (ص 489 - 493). (¬2) سورة آل عمران: 30. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1617). (¬4) المرجع السابق. (¬5) انظر الكتاب (3/ 83). (¬6) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن حجة سيبويه (¬1) قوله تعالى: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (¬2)» انتهى. ومعنى قوله: «إن سيبويه يجعل الاعتماد على الشرط» أن الجواب الذي يذكر يكون للشرط ويكون الاستفهام داخلا على جملة الشرط والجزاء نحو قولك: هل إن قام زيد يقم عمرو؟ ويونس لما نوى التقديم جعل الجواب محذوفا، ولزم من ذلك كون فعل الشرط ماضيا لأنه محذوف الجواب فيقول: أإن أتيتني آتيك التقدير: آتيك إن أتيتني، ولا يجوز عنده أإن تأتني آتك بجزمها، ولا: أإن تأتني آتيك بجزم الأول ورفع الثاني إلا في الضرورة (¬3). وأما وجه دليل سيبويه من الآية الشريفة فإنه لا يجوز أن يكون التقدير: أفهم الخالدون فإن مت؟ لأن الذي يقول: أنت ظالم إن فعلت، فيحذف الجواب لدلالة ما تقدم عليه لا يقول: أنت ظالم فإن فعلت، أن «الفاء» حرف استئناف يمنع ما قبلها أن يفسر ما بعدها (¬4). قال الشيخ (¬5): «وليس في ما ذكره دليل على فساد مذهب يونس، لأن الكلام إنما كان في مسألة تقدمت همزة الاستفهام على أداة شرط بعدها مضارعان، وليست الآية الشريفة من هذا في شيء» انتهى. وأقول: إن الشيخ بنى الأمر على أن المسألة التي يأتي فيها خلاف يونس لا بد أن تكون أداة الشرط يتقدمها الاستفهام داخلة على مضارعين، وأطال الكلام في ذلك بما توقف عليه كلامه. والذي يقتضيه كلام المصنف وكلام ابن عصفور أن يونس يجعل الاعتماد على الاستفهام دون الشرط في كل مسألة باشر الاستفهام فيها أداة الشرط دون تقييد بمضارعين أو غيرهما. وقد قال الشيخ (¬6): «إن سيبويه رد على يونس بالقياس والسماع» فذكر - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 83). (¬2) سورة الأنبياء: 34. (¬3) انظر التذييل (6/ 825). (¬4) انظر التذييل (6/ 825). (¬5) انظر التذييل (6/ 825). (¬6) انظر التذييل (6/ 826).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القياس ثم قال (¬1): «وأما السماع» فذكر الآية الشريفة - أعني قوله تعالى: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (¬2). ومنها: أنه قد تقدم أن المضارع الصالح للشرطية إذا قرن بـ «الفاء» يجب رفعه كقوله تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (¬3)، وكقراءة حمزة أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (¬4) أنه ينبغي أن يكون الفعل بعد هذه «الفاء» خبر مبتدأ محذوف، وأنه لولا ذلك الحكم بزيادة «الفاء». وجزم المضارع لأنها حينئذ في تقدير الشرط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مظهر، فذكر الشيخ: ذلك (¬5) ثم قال (¬6): «وإذا كان على ما قالوا فيكون قوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ على قراءة حمزة (¬7) يكون المبتدأ ضمير الشأن أو القصة، إذ قد رفع الظاهر فليس ثمّ اسم متقدم يعود عليه الضمير فيكون إذ ذاك الضمير ضمير الأمر أو القصة، ولذلك إذا قلت: إن قام زيد فيقوم عمرو يكون التقدير: فهو يقوم عمرو، والضمير إذ ذاك ضمير الأمر والشأن، ثم قال: ويمكن أن يقال: إن ربط الجملة الشرطية المصدر جوابها بالمضارع يكون بأمرين: أحدهما: بجزم المضارع، والآخر: بالفاء ورفعه، لأنه لو رفع ولم تدخل الفاء لتوهم فيه أنه على نية التقديم كما قال سيبويه (¬8) في قوله: إن قام زيد يقوم عمرو، فيكون إذ ذاك للربط طريقان ولا يحتاج إلى تكلف الإضمار في كل مكان وخصوصا تكلف إضمار القصة أو الشأن إذا لم يمكن أن يعود الضمير على سابق، وكما ربطت الفاء الجملة الاسمية كذلك ربطت الجملة الفعلية المصدرة بالمضارع إذا لم يؤثر فيه الشرط الجزم». انتهى. ولا يخفى أن هذا الذي ذكره فيه هدم لقاعدة الباب، لأن الأداة طالبة للجواب كما هي طالبة للشرط، وإذا كانت طالبة كانت منصبة عليه عاملة فيه كما سيأتي أنه - ¬

_ (¬1) أي: الشيخ أبو حيان. (¬2) سورة الأنبياء: 34. (¬3) سورة الجن: 13. (¬4) سورة البقرة: 282. (¬5) انظر التذييل (6/ 831، 832). (¬6) التذييل (6/ 832). (¬7) انظر القراءة المذكورة في السبعة لابن مجاهد (ص 193) والكشف (1/ 320). (¬8) انظر الكتاب (3/ 66).

[العامل في الجواب]

[العامل في الجواب] قال ابن مالك: (وجزم الجواب بفعل الشّرط [لا] بالأداة وحدها، ولا بهما، ولا على الجوار خلافا لزاعمي ذلك). ـــــــــــــــــــــــــــــ المذهب الصحيح، فإذا كان الجواب صالحا لمباشرة الأداة بان يكون صالحا لكونه شرطا جزم لفظا، وكان جزمه دليلا على ارتباطه بما قبله، وإذا لم يكن صالحا للشرطية أتى بـ «الفاء» لتدل على الارتباط، إذ شأنها أن تصل ما بعدها بما قبلها، وحكم على محله بالجزم، فقد ثبت لنا أن «الفاء» إنما يحتاج إليها عند عدم صلاحية ما تباشره لأن يكون شرطا، ولزم من ذلك أنها إذا باشرت ما هو صالح للشرطية أن يقدر قبله مبتدأ فتصير الجملة اسمية لتكون «الفاء» واقعة موقعا تستحقه، ولو لم يكن الأمر كذلك لقال النحاة ابتداء: إن ربط الجملة الشرطية المصدرة بالمضارع يكون بأمرين أحدهما: بجزم المضارع، والآخر: بالفاء ورفعه، وهم لم يقولوا ذلك. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): «اختلف في الجازم لجواب الشرط إذا حذفت منه الفاء، فعند الكوفيين (¬2) هو مجزوم على الجوار كخفض «خرب» من قولهم: هذا جحر ضبّ خرب (¬3)، ويبطله أمور ثلاثة: أحدها: أن الخفض على الجوار لا يكون واجبا وجزم الجواب واجب. الثاني: أن الخفض على الجوار لا يجوز إلا بعد مخفوض خفضا لتحصل المشاكلة، وجزم الجواب يكون بعد جزم ظاهر وغير ظاهر. الثالث: أن الخفض على الجوار لا يكون مع الاتصال، وجزم الجواب يكون مع الاتصال والانفصال فعلم أنه ليس مجزوما على الجوار، فجزمه إما بفعل الشرط، وإما بأداته، وإما بهما، لا جائز أن يكون جزمه بالأداة وحدها، لأن الجزم في الفعل نظير [5/ 157] الجر في الاسم وليس في عوامل الجر ما يعمل في شيئين دون إتباع، فوجب أن تكون عوامل الجزم كذلك تسوية بين النظيرين، ولئلا يلزم ترجيح الأضعف على الأقوى، وأيضا فإن العوامل على ضربين أحدهما: ما يعمل عملا - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 79). (¬2) انظر المسألة (ص 84) من مسائل الإنصاف (ص 602 - 615)، وانظر التذييل (6/ 835). (¬3) انظر الكتاب (1/ 436) (هارون) والإنصاف (ص 607).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متعددا، والثاني: ما يعمل عملا غير متعدد، والعامل عملا متعددا لا بد في عمله من اختلاف، أن يغاير معنى معموليه ليمتاز أحدهما من الآخر، والشرط والجواب متغايران فلو كان عاملهما واحدا لوجب اختلاف عمليهما وجوب ذلك في الفاعل والمفعول، فالحكم على أداة الشرط بأنها جازمة للجواب مع أنها جزمت الشرط حكم بما لا نظير له، فوجب منعه. ولا جائز أن يكون جزم الجواب بالأداة والشرط معا لأن كل عامل مركب من شيئين لا يجوز انفصال جزئيه ولا حذف أحدهما كـ «إذما» و «حيثما» بخلاف أداة الشرط وفعله فإن انفصالهما جائز نحو: إن زيدا تكرم يكرمك، وقد يحذف فعل الشرط دون الأداة كقوله: 4020 - فطلّقها فلست [لها] بكفء ... وإلّا يعل مفرقك الحسام (¬1) فلو كان العمل لهما معا وجب لهما ما وجب لـ «إذ ما» و «حيثما» من عدم الإفراد والانفصال، وإذا بطل جزم الجواب بما سوى فعل الشرط تعيّن كونه مجزوما بفعله لاقتضائه إياه بما أحدثت فيه الأداة من المعنى والاستلزام، وعلى هذا يؤول قول سيبويه: واعلم أن حروف الجزاء تجزم الأفعال ويجزم الجواب بما قبله (¬2)، لأن ترك تأويله يقتضي أن يكون للفاعل والمفعول حظ في جزم الجواب وذلك لا يصح اتفاقا وقد دل الدليل على أن جزم الجواب ليس بالأداة والشرط معا، ولا بالأداة وحدها فلم يبق ما يحمل عليه قول سيبويه إلا فعل الشرط وحده، وبهذا الجواب يسلم من ترجيح الاسم على الفعل في العمل مع أصالته وفرعية الاسم، وذلك أن الاسم قد عمل في جنسه نحو: هذا ضارب زيدا، وفي غير جنسه نحو: من يكرمني أكرمه، فلو لم يكن جزم الجواب بفعل الشرط لزم كون الفعل مقصور العمل على غير جنسه وذلك انحطاط أصل عن رتبة فرع، فإذا كان جزم الجواب بفعل الشرط - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الوافر وهو للأحوص في ديوانه (ص 184). الشرح: الخطاب في قوله فطلقها لمطر في البيت قبله والضمير لامرأته وكانت جميلة وكان مطر دميم الخلقة فأمره بطلاقها لأنه ليس كفأ لها، والمفرق وسط الرأس، والحسام السيف، والشاهد فيه حذف فعل الشرط وبقاء الأداة والتقدير وإن لا تطلقها يعل ... ، والبيت في الإنصاف (1/ 72) والتذييل (6/ 834)، والمغني (ص 647) وشرح شذور الذهب (ص 343)، والعيني (4/ 435). (¬2) انظر الكتاب (3/ 62).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أمن ذلك فوجب القول به انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وهذه الأقوال في جازم الجواب أربعة: أحدها: أنه الجوار وقد عرفت أنه مذهب الكوفيين، وقد ردّ ذلك عليهم بما تقدم ذكره. ثانيها: أنه فعل الشرط وهو مذهب الأخفش (¬1) قال: «لأنه مستدع للجواب بما أحدثت فيه الأداة من المعنى والاستلزام» وقد عرفت أنه مختار المصنف (¬2). ثالثها: أنه الأداة وفعل الشرط (¬3). رابعها: أنه الأداة وحدها قال الشيخ (¬4): «وهو مذهب المحقيين من البصريين (¬5)، وعزاه السيرافي (¬6) إلى سيبويه، وهو مختار الحذاق من المتأخرين كالجزولي (¬7)، والأبّذيّ (¬8)، وابن عصفور (¬9)» انتهى. والذي يظهر أنه هو الحق، لأن الأداة هي الطالبة للجواب كما هي طالبة للشرط. وأما قول بدر الدين: إنه ليس في عوامل الجر ما يعمل في شيئين فوجب أن تكون عوامل الجزم كذلك «فيقال» في جوابه: إن العمل إنما يكون بحسب الاقتضاء، وعامل الجر إنما اقتضى شيئا واحدا فكيف يعمل في شيئين؟ وأما قوله: إن العامل عملا متعددا لا بد في عمله من اختلاف، أن يغاير معنى معموليه ليمتاز أحدهما من الآخر والشرط وجوابه متغايران، فلو كان عاملهما واحدا - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 254) والتذييل (6/ 833)، ومنهج الأخفش الأوسط (ص 79). (¬2) كما يفهم ذلك من نص التسهيل في الصفحة السابقة. (¬3) انظر الإنصاف (2/ 602) وهو مذهب بعض البصريين، ونسب للخليل وسيبويه، انظر التذييل (6/ 834). (¬4) انظر التذييل (6/ 834). (¬5) انظر الإنصاف (2/ 602). (¬6) ليس في كلام السيرافي ما يشير إلى أنه نسب ذلك لسيبويه قال في شرحه للكتاب (خ) جـ 3 ورقة 229 / بـ «وقوله: وبنجزم الجواب بما قبله، ويجوز أن يكون بجملة ما قبله وهو: إن والشرط، ويحتمل أن يكون بإن وحدها، والاختيار عندي أن يكون بإن وحدها». (¬7) انظر المقدمة الجزولية (ص 42، 43) بتحقيق د/ شعبان عبد الوهاب محمد. (¬8) في بغية الوعاة (2/ 367)، (باب الكني والألقاب): «والأبّذيّ جماعة أشهرهم من المتقدمين أبو الحسن على بن محمد بن على الكتامي شيخ أبي حيان» فلعله المقصود هنا. (¬9) انظر شرح الجمل (2/ 204) تحقيق صاحب أبو جناح.

[الجزم بإذا حملا على غيرها وإهمال غيرها حملا عليها]

[الجزم بإذا حملا على غيرها وإهمال غيرها حملا عليها] قال ابن مالك: (قد يجزم بإذا الاستقباليّة حملا على «متى»، وتهمل «متى» حملا على «إذا»، وقد تهمل «إن» حملا على «لو» والأصحّ امتناع حمل «لو» على «إن»، وقد يجزم مسبّب عن صلة الّذي تشبيها بجواب الشّرط). ـــــــــــــــــــــــــــــ لوجب اختلاف عمليهما .. إلى آخر كلامه فيقال في جوابه: إن هذا الذي ذكره إنما يتصور في معمول يقبل من أنواع الإعراب غير ما التبس به المعمول الآخر كما أن المفعول يقبل النصب مع أن الفاعل مرفوع، وما نحن فيه لا يمكن فيه ذلك، وبيانه أن الفعل إنما له من الإعراب الذي تحدثه العوامل اللفظية نوعان وهما: النصب والجزم ولا شك أن النصب متعذر لأن العامل الذي عمل في الشرط إنما عمل جزما فثبت أنه عامل جزم، وإذا ثبت له ذلك امتنع فيه أن ينصب فعل الجواب، وإذا امتنع النصب تعين الجزم، إذ ليس للعامل اللفظي الداخل على الفعل غيرهما، ثم من المعلوم أن العامل هو ما يتقوم به المعنى المقتضي، ولا شك أن الشرط وجوابه إنما يتقومان بالأداة فوجب نسبة العمل فيها إليها. فإن قال الإمام بدر الدين: الشرط يتقوّم بالأداة والجواب يتقوّم بالأداة وبالشرط معا فيجب على هذا أن تكون الأداة والشرط هما العاملان في الجواب!! أجيب بأنك أنت [قد] أبطلت أن يكون الجزم بالأداة والشرط معا، ولا شك أنه إبطال صحيح، وإذا كان كذلك تعين أن الأداة هي العاملة فيهما، ولا شك أن كون الأداة هي الجازمة للشرط والجواب هو الذي تركن إليه النفس، ولم ينتهض الأمر الذي استدل به على بطلانه فتعيّن الاستمساك به. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): «إذا في الكلام على ضربين: ظرف زمان مستقبل وحرف مفاجأة، فالتي هي حرف مفاجأة مختصة بالجمل الاسمية ولا عمل لها، والاستقبالية مختصة بالجمل الفعلية وتأتي على وجهين: أحدهما: أن تكون خالية من معنى الشرط نحو: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (1) [5/ 158] وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى (¬2). ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 81). (¬2) سورة الليل: 1، 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أن تكون متضمنة معنى الشرط وهو الغالب فيها نحو قوله تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ (¬1). وهي كالخالية من معنى الشرط في عدم استحقاق عمل، لأن إذا الشرطية مختصة بالتعليق على الشرط المقطوع بوقوعه حقيقة أو حكما كقولك: آتيك إذا احمرّ البسر، وإذا قدم الحاجّ، ولو قلت: آتيك إن احمرّ البسر كان قبيحا (¬2)، فلما خالفت إذا «إن» وأخواتها فلم تكن للتعليق على الشرط المشكوك في وقوعه فارقتها، في حكمها فلم يجزم بها في السعة، بل تضاف إلى الجملة، وإذا وليها المضارع كان مرفوعا كقوله تعالى وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (¬3)، وأما في الشعر فساغ الجزم بها حملا على «متى» قال سيبويه (¬4): وقد جازوا بها في الشعر مضطرين شبهوها بإن وحيث رأوها لما يستقبل وأنها لا بد لها من جواب، قال قيس بن خطيم (¬5): 4021 - إذا قصرت أسيافنا كان وصلها ... خطانا إلى أعدائنا فنضارب (¬6) القافية مكسورة (¬7)، وقال الفرزدق: 4022 - ترفّع لي خندف والله يرفع لي ... نارا إذا خمدت نيرانهم تقد (¬8) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 14. (¬2) انظر الكتاب (3/ 60). (¬3) سورة الشورى: 29. (¬4) انظر الكتاب (3/ 61). (¬5) انظر الديوان (ص 88)، وهو قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي أبو يزيد، شاعر الأوس وأحد صناديدها في الجاهلية، قتل قبل أن يدخل الإسلام. انظر ترجمته في الخزانة (3/ 168، 169)، والأعلام (5/ 205). (¬6) هذا البيت من الطويل ومعناه: إذا قصرت سيوفنا في لقاء الأعداء عن الوصول إليهم حشاهم بخطانا في أقدامنا عليهم حتى تنالهم. والشاهد فيه الجزم بـ «إذا» تشبيها لها بـ «إن» بدليل جزم «فنضارب» عطفا على «كان» التي في محل جزم لأنها جواب «إذا» وهذا ضرورة. والبيت في المقتضب (2/ 55) وأمالي الشجري (1/ 333)، وابن يعيش (4/ 97، 7/ 47)، والتذييل (6/ 838). (¬7) هذه العبارة من كلام الإمام بدر الدين وليست عبارة سيبويه. (¬8) هذا البيت من البسيط وهو للفرزدق في ملحقات ديوانه (ص 216). ومعناه: ترفع لي قبيلتي من أشرف ما هو في الشهرة كالنار المتوقدة إذا قعدت بغيري قبيلته، وخندف أم مدركة وطابخة ابني إلياس، وتميم من ولد طابخة فلذلك فخر بخندف على قيس عيلان بن مضر. والشاهد فيه جزم «تقد» على جواب «إذا» لأنه قدرها عاملة عمل «إن» ضرورة. وانظر البيت في المقتضب (2/ 55)، وأمالي الشجري (1/ 333)، وابن يعيش (7/ 47)، والخزانة (3/ 162) والأشموني (4/ 13).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد الفراء (¬1): 4023 - استغن ما أغناك ربّك بالغنى ... وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (¬2) وقال الآخر (¬3): 4024 - وإذا نطاوع أمر سادتنا ... لا يثننا بخل ولا جبن (¬4) قال الشيخ رحمه الله تعالى - يعني والده -: وليس قائل [هذا] مضطرا لأنه لو رفع: نطاوع لم يكسر الوزن ولم يزاحفه (¬5). وقد تهمل «متى» فيرفع الفعل بعدها حملا على «إذا» وهو غريب ومنه «إنّ أبا بكر رجل أسيف وأنّه متى يقوم مقامك رقّ» (¬6). وقد تهمل «إن» حملا على «لو» كما في الحديث الشريف: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإنّك إن لا تراه فإنّه يراك» (¬7). وأجاز الجزم بـ «لو» في الشعر قوم منهم الشجري واحتج (¬8) بقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر معاني القرآن (3/ 158)، ولم ينسبه. (¬2) هذا البيت من الكامل، وقائله عبد قيس بن خفاف بن عمرو، من البراجم، وروايته في معاني القرآن: واستغن، ويروى: فتحمل - بالحاء المهملة - والشاهد فيه المجازاة بـ «إذا» في ضرورة الشعر حيث جاء قوله فتجمّل مجزوما في جوابها. والبيت في المغني (ص 93، 96، 698)، وشرح شواهده (ص 271)، والخزانة (2/ 176) (عرضا)، والهمع (1/ 206). (¬3) أنشده الفراء في المعاني (3/ 158)، وقال: «أنشدني بعضهم». (¬4) هذا البيت من الكامل واستشهد به على المجازاة بـ «إذا» فجزم «نطاوع» و «يثننا» على الشرط والجزاء، وظاهر كلام ابن مالك الذي ذكره بدر الدين أن ذلك ليس ضرورة، لأن الشاعر ليس مضطرا، وظاهر كلام الفراء أن ذلك ضرورة فإنه بعد إنشاده هذا البيت قال: «وأكثر الكلام فيها الرفع» والبيت في معاني القرآن بتقديم «جبن» على «بخل» انظر التذييل (6/ 839). (¬5) أي لم يدخله الزحاف بتسكين الثاني المتحرك وهو الإضمار في علم العروض. (¬6) أخرجه البخاري في كتاب «بدء الخلق» عن عائشة رضى الله عنها. انظر صحيح البخاري بحاشية السندي (2/ 242)، ورواه في كتاب «الصلاة» بلفظ آخر (1/ 122). (¬7) رواه البخاري في كتاب «الإيمان» (1/ 19) بلفظ «فإن لم تكن تراه». (¬8) بالبحث في «أمالي ابن الشجري» وجدت أنه لم يجز الجزم بـ «لو» فضلا عن أنه يحتج لذلك، ولكنه تعرض لذكر بيت حدث فيه الجزم بلو ثم قال: «جزم بلو وليس حقها أن يجزم بها لأنها مفارقة لحروف الشرط وإن اقتضت جوابا كما تقتضيه إن الشرطية، وذلك أن حرف الشرط ينقل الماضي إلى -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4025 - لو يشأ طار به ذو ميعة ... لا حق الآطال نهد ذو خصل (¬1) قال الشيخ رحمه الله تعالى (¬2): وهذا لا حجة فيه لأن من العرب من يقول: جاء يجئ وشاء يشأ بترك الهمزة، فيمكن أن يكون قائل هذا البيت من لغته ترك همزة «يشاء» فقال: يشا، ثم أبدل الألف همزة كما قيل في: عالم وخاتم، عألم وخأتم، وكما فعل ابن ذكوان (¬3) في قوله تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ (¬4). والأصل: منسأة مفعلة من: نسأته: زجرته بالعصا، فأبدل الهمزة ألفا ثم أبدل الألف همزة ساكنة فعلى ذلك يحمل قوله: لو يشأ، وأما قول الشاعر: 4026 - تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت ... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا (¬5) فهو من تسكين ضمة الإعراب تخفيفا كما قرأ أبو عمرو (¬6) وينصركم (¬7) - ¬

_ - الاستقبال كقولك: إن خرجت غدا خرجنا، ولا تفعل ذلك لو وإنما تقول: لو خرجت أمس خرجنا «ثم قال: «وقد جاء الجزم بلو في مقطوعة لامرأة من بني الحرث بن كعب» ثم ذكر ثلاثة أبيات ثانيهما بيت الشاهد. انظر أمالي الشجري (1/ 186، 187)، فابن الشجري لم يجز الجزم بـ «لو» ولم يحتج لذلك كما هو واضح من هذا النص ولكنه حين رأي ذلك في البيت الذي أورده وهو: إن الوفاء كما اقترحت فلو تكن ... حيا اذن ما كنت بالمزداد أراد أن يقول: أن هذا ليس بغريب فقد ورد الجزم بها عن الثقات من العرب. (¬1) هذا البيت من الرمل: الشرح: الميعة: النشاط وأول جرى الفرس، واللاحق الضامر، والآطال جمع: إطل - بكسر الهمزة وسكون الطاء وكسرها، وهي الخاصرة، فاستعمل الشاعر الجمع فيما فوق الواحد، ونهد: جسيم، وخصل - بضم الخاء وفتح الصاد - جمع: خصلة وهي القطعة من الشعر، والضمير في «يشأ» يرجع إلى الفارس المذكور في البيت قبله. والشاهد فيه الجزم بـ «لو» وقد رد الاحتجاج به العلامة ابن مالك، والبيت في المغني (ص 271، 698) وشرح شواهده (ص 664)، والخزانة (4/ 521)، والهمع (2/ 64). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1633، 1664). (¬3) انظر الحجة لابن خالويه (ص 293) والكشف (2/ 203) وفيه «قرأه نافع وأبو عمرو بألف من غير همزة وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة إلا ابن ذكوان فإنه أسكن الهمزة». (¬4) سورة سبأ: 14. (¬5) هذا البيت من البسيط وهو للقيط من زرارة كما في اللسان (تيم)، وقوله «تامت» من: تيّمه الحب إذا استعبده، والشاهد فيه قوله «لو يحزنك» حيث جزم بـ «لو» وخصوه بضرورة الشعر، والبيت في التذييل (6/ 842) والمغني (ص 27)، وشرح شواهده (ص 665)، والأشموني (4/ 14، 43). (¬6) انظر الحجة لابن خالويه (ص 77) والكشف (1/ 240)، وفيه «قرأه» أبو عمرو بإسكان الراء. (¬7) سورة التوبة: 14.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و (يشعركم) (¬1) وكما قرأ بعض السلف (¬2): ورسلنا لديهم يكتبون (¬3) بسكون اللام. وأشار بقوله: «وقد يجزم مسبّب عن صلة الّذي تشبيها بجواب الشّرط» إلى ما أنشد ابن الأعرابي (¬4) من قول الشاعر: 4027 - لا تحفرن بئرا تريد أخا بها ... فإنّك فيها أنت من دونه تقع كذاك الّذي يبغي على النّاس ظالما ... تصبه على رغم عواقب ما صنع (¬5) انتهى كلام بدر الدين رحمه الله تعالى. واعلم أن «إذا» قد تقدم الكلام عليها مشبعا محررا في باب «المفعول فيه» (¬6) فالناظر بمراجعته ذلك يكتفي به عن غيره، ولا حاجة إلى الإطالة بإعادته هنا. وأما جزم المسبب عن صلة الذي فقال الشيخ (¬7): «إنه مذهب الكوفيين قال: وليس مذهب البصريين» انتهى. هذا تنبيه من الشيخ على المذاهب لا دفع لما ذكره المصنف، فإن عبارته قد أشعرت بأن ذلك في غاية القلة، ولا شك أنه مسموع فأشار إلى أنه سمع، أما كونه مذهبا لقوم دون قوم فلم يتعرض إلى ذلك. قال الشيخ (¬8): وقد يجزم أيضا مسبب عن نكرة موصوفة تشبيها بجواب الشرط قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 109. (¬2) انظر الاتحاف (ص 238). (¬3) سورة الزخرف: 80. (¬4) ابن الأعرابي: محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي أبو عبد الله، راوية ناسب علّامة باللغة، من أهل الكوفة، كان أحول، مات بسامراء سنة (231 هـ)، له تصانيف كثيرة منها: «أسماء الخيل وفرسانها» و «تاريخ القبائل» و «النوادر» وغيرها. انظر ترجمته في الفهرست (ص 102، 103) ونزهة الألباب (ص 150 - 153)، والبغية (1/ 105، 106)، والأعلام (6/ 131). (¬5) هذان البيتان من الطويل لقائل مجهول، والشاهد في قوله «تصبه» فإنه مسبب عن صلة «الذي» وقد جزم تشبيها له بجواب الشرط. وانظر البيتين في التذييل (6/ 842، 843). (¬6) انظر التسهيل (ص 93، 94). (¬7) انظر التذييل (6/ 842). (¬8) انظر التذييل (6/ 843) وقد نقله عنه بتصرف.

[حكم تقديم معمول الشرط أو الجواب عليهما]

[حكم تقديم معمول الشرط أو الجواب عليهما] قال ابن مالك: (ويجوز نحو: إن تفعل زيد وفاقا لسيبويه، ونحو: إن تنطلق خيرا تصب خلافا للفرّاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ 4028 - وكلّ امرئ بغى على النّاس ظالما ... تصبه على رغم عواقب ما صنع (¬1) وقال الآخر: 4029 - وإنّ امرأ لا يرتجى الخير عنده ... يكن هيّنا ثقلا على من يصاحبه (¬2) قال (¬3): وهذا كله ضرورة، ونظير هذا التشبيه دخول «الفاء» في الخير تشبيها بجواب الشرط نحو: كلّ رجل يأتني فله درهم، والذي يأتني فله درهم، إلا أن هذا جائز في الكلام وذلك لم يسمع إلا في الشعر. انتهى. ولا يخفى أن بين الشبيهين في البابين فرقا، لأن «الفاء» إنما دخلت في الخير لشبه المبتدأ باسم الشرط وشبه الخبر بالجواب كما عرف ذلك في موضعه، ولهذا اشترطوا فيه أن يكون الخير مستحقا بالصلة أو الصفة. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬4): ويجوز في الشرط بـ «إن» تقديم معموله عليه وحده باتفاق، وأجاز سيبويه (¬5) والكسائي (¬6) نحو: إن طعامنا تأكل نكرمك، وفي الجزاء المجزوم بـ «إن» تقديم معموله عليه نحو: إن تكرمنا طعامك نأكل، وإن تنطلق خيرا تصب كما جاز مثله في الشرط، وأنشد الكسائي (¬7): - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو لقائل في قوله «تصبه» فإنه مسبب عن نكرة موصوفة هي قوله «امرئ» الموصوف بجملة «يبغي على الناس» وقد جزم تشبيها له بجواب الشرط. (¬2) هذا البيت من الطويل وهو لأبي الأسود الدؤلي ملحقات ديوانه (ص 229) والشاهد في قوله «يكن»، حيث جزم تشبيها له بجواب الشرط لأنه مسبب عن نكرة موصوفة هي قوله «امرأة» الموصوفة بجملة «لا يرتجى الخير عنده». (¬3) أي: الشيخ أبو حيان. (¬4) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 84). (¬5) انظر الكتاب (3/ 113، 114). (¬6) انظر معاني الفراء (1/ 422)، والإنصاف (ص 621). (¬7) انظر معاني الفراء (1/ 423).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4030 - وللخيل أيّام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيّامها الخير تعقب (¬1) ومنع ذلك الفراء (¬2) وأوجب في الجزاء إذا تقدم معموله الرفع على القلب أو على تقدير «الفاء» نحو: إن تنطلق خيرا تصيب، وجعل «الخير» في البيت صفة لـ «الأيام». وإن صدر الجزاء باسم يليه فعل مسند إلى ضميره فالوجه ذكر «الفاء» ورفع الفعل نحو: إن يفعل فزيد بفعل، وأجاز سيبويه (¬3) ترك «الفاء» والجزم نحو: إن تفعل زيد يفعل، ووجهه أن يكون الاسم مرفوعا بفعل مضمر يفسره الفعل الظاهر لصحة عمله في محل الاسم السابق لو خلا عن الشاغل، ومنع ذلك الفراء والكسائي (¬4)، أما الفراء فمنعه له متّجه على أصله فإنه [5/ 159] لما منع عمل الجواب المجزوم فيما قبله وجب عليه أن يمنع تفسيره عاملا فيما قبله، وأما الكسائي فإنه يجيز عمل الجواب المجزوم فيما قبله، فقد كان ينبغي له أن يجيز تفسيره عاملا فيما قبله، اللهم إلا أن يكون مذهب الكسائي امتناع إضمار الفعل على شريطة التفسير إلا عند وجود الموجب لإضماره أو المرجّح أو المسوى، فحينئذ يكون نحو: إن تنطلق زيد يفعل ممتنعا عند الكسائي لوجوب كون «زيد» مبتدأ، وكون الفعل خبره وامتناع جزم الخبر انتهى كلامه رحمه الله تعالى. والذي ذكره المصنف مسألتان: أما الأولى: وهي إن تفعل زيد يفعل فقال الشيخ (¬5): «قد اختلف رأي المصنف في هذه - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وقائله طفيل الغنوي في ديوانه (ص 16) وقوله «الخير تعقب» الخير: مفعول مقدم لـ «تعقب» ومعناه: تحدث الخير في عاقبة أمرها، وفيه الشاهد فإن «تعقب» واقع جواب في الشرط الذي هو «من» ويدل على ذلك أنه مكسور الروي، وقد تقدم عليه معموله وهو «الخير» وهذا جائز على مذهب سيبويه والكسائي ومنعه الفراء. والبيت في الإنصاف (ص 621)، وشرح الكافية للرضي (2/ 256)، والخزانة (3/ 642). (¬2) انظر معاني القرآن (1/ 422، 423)، والإنصاف (ص 621). (¬3) قال في الكتاب (3/ 114) «فإن قلت: إن تأتني زيد يقل ذاك جاز على قول من قال: زيدا ضربته، وهذا موضع ابتداء». (¬4) انظر معاني القرآن (1/ 422). (¬5) انظر التذييل (6/ 844).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة، ففي هذا الكتاب وافق سيبويه، وفي شرح الكافية اختار المنع، وقال: أجاز ذلك سيبويه دون سماع، ومنعه الكسائي والفراء، وبقولهما أقول» انتهى. وقد عرفت ما قاله بدر الدين من أن توجيه ذلك أن يكون ذلك أن يكون الاسم مرفوعا بفعل مضمر يفسره الفعل الظاهر لصحة عمله في محل الاسم السابق لو خلا عن الشاغل، إلا أن في ما قاله نظرا. وأما المسألة الثانية: فقد اقتصر المصنف فيها على ذكر حكم واحد وهو: تقديم معمول الجواب المجزوم عليه، وكلامه في الكافية يزيد على ذلك فإنه قال (¬1): وقد يلي الجزاء ما فيه عمل ... عند سوى الفرّا وشيخه قبل كزيدا إن تسل يبن وكالمنى ... إن تزك تبلغ رأياه حسنا وقال في شرح ذلك (¬2): «مثال إيلاء الجزاء ما عمل فيه قول طفيل الغنوي: 4031 - وللخيل أيّام فمن يصطبر لها ... ويعرف لها أيّامها الخير تعقب (¬3) قال: ولم يجز الفراء (¬4) مثل هذا، وهو محجوج بالنقل، وأجاز هو والكسائي (¬5) تقديم معمول الجزاء على أداة الشرط، نحو: المنى إن تزك تبلغ، وأجاز الكسائي (¬6) وحده: زيدا تسأل يبن» انتهى. فذكر ثلاث مسائل: الأولى: تقديم معمول الجزاء المجزوم عليه وذكر أن الفراء يمنعه. الثانية: تقديم معمول الجزاء على أداة الشرط، وذكر أن الكسائي والفراء يجيزان ذلك. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1594). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 2600) وقد نقله عنه بتصرف. (¬3) سبق شرحه والتعليق عليه في الصفحة السابقة. (¬4) انظر معاني القرآن (1/ 422، 423). (¬5) انظر معاني القرآن (1/ 422). (¬6) انظر التذييل (6/ 847)، والهمع (2/ 61).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالثة: تقديم معمول الشرط على أداته، وذكر أن الكسائي وحده يجيزها. وقد ذكر الشيخ (¬1) أن هذا الذي تقدم الكلام عليه ثبت في نسخة ابن المصنف قال (¬2): «والذي ثبت في كتابي بعد قوله: خلافا لزاعمي ذلك، قوله: ولا يمنع جزمه تقديم معموله عليه، ولا يعمل في ما قبل الأداة إلا وهو غير مجزوم خلافا للكوفيين في المسألتين. ثم شرح ذلك بأن قال (¬3): «مثال تقديم معمول الجواب المجزوم عليه: إن تأتني خيرا تصب قال: ونسب المنع إلى الكوفيين، والذي ثبت في نسخة ابن المصنف أن الذي خالف فيها هو الفراء وهو الصحيح لأن الكسائي وهو رأس الكوفيين وافق سيبويه في الجواز. وقوله: ولا يعمل في ما قبل الأداة، أي: ولا يعمل فعل الجواب في ما قبل أداة الشرط إلا والفعل غير مجزوم مثال ذلك: خيرا إن أتيتني تصيب، فإن جزمت أجاز ذلك الكسائي والفراء ولا يجوز ذلك عند البصريين. قال (¬4): وقول المصنف: ولا يعمل فعل الجواب في ما قبل الأداة إلا وهو غير مجزوم، ليس بصحيح لأن الفعل إذ ذاك ليس فعل جواب، بل الجواب محذوف والتقدير: تصيب خيرا إن أتيتني» انتهى. وقد تبين أن كلامه في الكافية وشرحها أوضح وأجلى مما ذكره هنا، لكن بقى عليه أن يذكر تقديم معمول فعل الشرط على الأداة نحو: خيرا إن تفعل يثبك الله قال الشيخ (¬5): «ومذهب البصريين والفراء (¬6) فيها المنع ومذهب الكسائي (¬7) الجواز» انتهى. وأما تقديم معمول فعل الشرط وحده إذا كان الشرط بـ «إن» فقد عرفت جوازه باتفاق كما ذكر الشيخ بدر الدين ولد المصنف. واعلم أن المصنف لما ذكر في شرح الكافية تقديم معمول الجزاء المجزوم عليه استدل بقول طفيل: - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 846). (¬2) المرجع السابق. (¬3) انظر التذييل (6/ 846، 847). (¬4) أي: الشيخ أبو حيان. (¬5) انظر التذييل (6/ 847). (¬6)، (¬7) انظر الهمع (2/ 61).

[نيابة إذا الفجائية عن الفاء]

[نيابة إذا الفجائية عن الفاء] قال ابن مالك: (وقد تنوب إذا المفاجأة عن «الفاء» في الجملة الاسميّة غير الطّلبيّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ 4032 - وللخيل أيّام فمن يصطبر لها (¬1) جعل (¬2) من ذلك قول الآخر: 4033 - هل أنت بائعتي دمي بغلائه ... إن كنت زفرة عاشق لم ترحمي (¬3) وكنت لما وقفت على ذلك كتبت على حاشية الكتاب: إن في الاستدلال بهذا البيت نظرا، لأن «زفرة عاشق» مع عامله الذي هو «لم ترحمي» من تتمة فعل الشرط وليس «لم ترحمي» جوابا بل هو خبر «كان» التي هي فعل الشرط، [ثم] لما نظرت في شرح الشيخ وجدته قال (¬4): وقد وهم المصنف في شرح الكافية - يشير إلى هذا البيت - الذي فيه: إن كنت زفرة عاشق لم ترحمي قال: توهم أن: لم ترحمي جواب وليس كذلك، لأن «لم ترحمي» خبر لـ «كنت» والجزاء محذوف يدل عليه قوله: هل أنت بائعتي دمي بغلائه قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬5): «يقوم مقام «الفاء» بعد «إن» الشرطية خاصة «إذا» المفاجأة في ربط الجزاء بالشرط، وإنما يكون ذلك إذا كان الجزاء جملة اسمية غير طلبية نحو: إن تقم إذا زيد قائم، لأن «إذا» المفاجأة لا تدخل على الجملة الفعلية ولا الطلبية، وإنما قامت مقام «الفاء» لأنها مثلها في عدم الابتداء بها وفي إفادة معنى التعقيب، قال سيبويه (¬6): سألت الخليل عن قوله تعالى: وَإِنْ - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1600). (¬3) هذا البيت من الكامل لقائل مجهول، واستشهد به ابن مالك على تقديم معمول الجواب عليه، وقد رده المؤلف بما هو مذكور في الشرح. والبيت في التذييل (6/ 845). (¬4) انظر التذييل (6/ 845) وقد نقله عنه بتصرف. (¬5) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 85). (¬6) انظر الكتاب (3/ 63، 64)، وقد نقله عنه بتصرف يسير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (¬1) قال: هذا معلق بالكلام [5/ 160] الأول كما كانت الفاء معلقة [بالكلام]، الأول، وهذا هاهنا في موضع قنطوا كما أن الجواب بالفاء في موضع الفعل، ومما يجعلها بمنزلة الفاء أنها لا تجيء مبتدأة كما لا تجيء الفاء مبتدأة ثم قال: وزعم الخليل أن إدخال الفاء على إذا قبيح ولو كان إدخال الفاء على إذا حسنا لكان الكلام بغير الفاء قبيحا فهذا قد استغنى عن الفاء كما استغنت الفاء عن غيرها فصارت إذا هنا جوابا كما صارت الفاء جوابا» انتهى. وقال والده في شرح الكافية (¬2): ويقوم مقام الفاء في الجملة الاسمية إذا المفاجأة نحو قوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ وإنما قامت مقامها لأنها مثلها في عدم الابتداء بها فوجودها يحصل ما يحصل بالفاء من بيان الارتباط» انتهى. وعني الخليل بقوله «قبيح» يعني إدخال «الفاء» على «إذا» أنه ممتنع، قال الشيخ (¬3): ثبت في بعض النسخ: وقد ينوب بعد إن إذا المفاجأة والنصوص متظافرة في الكتب على الإطلاق في الربط بإذا الجملة الاسمية، ولكن السماع إنما ورد في إن من أدوات الشرط الجازمة، فيحتاج في إثبات ذلك في غير إن من الأدوات إلى سماع، وجاء جواب إذا بـ «إذا» الفجائية؛ قال الله تعالى: وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا (¬4) وقال تعالى: فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (¬5). وإنما قال المصنف: الاسمية، لأن إذا الفجائية لا تباشر الأفعال، ومثال الطلبية التي لا تباشرها إذا المذكورة قولك: إن عصى زيد فويل له، وإن أطاع فسلام عليه. قال (¬6): وقد نقص المصنف قيدان في الجملة الاسمية: أحدهما: أن لا تدخل عليها أداة نفي، فإن دخلت فلابد من الفاء نحو: إن تقم فما عمرو قائم، ولا يجوز إذا ما عمرو قائم. - ¬

_ (¬1) سورة الروم: 36. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1598). (¬3) انظر التذييل (6/ 847، 848)، وقد نقله عنه بتصرف. (¬4) سورة يونس: 21. (¬5) سورة الروم: 48. (¬6) أي الشيخ أبو حيان.

[أحكام في تقديم جواب الشرط على الأداة]

[أحكام في تقديم جواب الشرط على الأداة] قال ابن مالك: (فصل لأداة الشّرط صدر الكلام، فإن تقدّم عليها شبيه بالجواب معنى فهو دليل عليه وليس إيّاه خلافا للكوفييّن والمبرّد وأبي زيد، ولا يكون الشّرط حينئذ غير ماض إلّا في الشّعر، وإن كان غير ماض مع «من» أو «ما» أو «أيّ» وجب لها في السّعة حكم «الّذي» وكذا إن أضيف إليهنّ «حين» ويجب ذلك مطلقا لهنّ إثر «هل» أو «ما» النّافية أو «إنّ» أو «كان» أو إحدى أخواتها، أو «لكن» أو «إذا» المفاجأة غير مضمر بعدهما مبتدأ). ـــــــــــــــــــــــــــــ القيد الثاني: أن لا تدخل إنّ على الجملة الاسمية، فإن دخلت إنّ قلت: إن يقم زيد فإنّ عمرا قائم ولا يجوز: إذا إنّ عمرا قائم، وإن كان يجوز مع غير الشرط نحو قوله: 4034 - إذا إنّه عبد القفا واللهازم (¬1) انتهى. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬2): «لإن الشرطية صدر الكلام فلا يتقدم عليها ما بعدها، ولا يعمل فيها ما قبلها، ولا يكون مع الشرط والجزاء إلا كلاما مستأنفا أو مبنيا على ذي خبر أو نحوه كقولك: زيد إن يقم يقم أخوه، وكذا جميع أسماء الشرط فلذلك لو تقدم على أداة الشرط مفعول في المعنى لفعل الشرط أو الجزاء وجب رفعه بالابتداء وشغل الفعل بضمير مذكور أو مقدر خلافا للكسائي (¬3) في جواز: طعامك إن آكل يعجبك، وله وللفراء (¬4) في جواز طعامك - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الطويل وهو من الأبيات الخمسين المجهولة القائل في الكتاب وصدره: وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا الشرح: قوله عبد القفا، أي: عبد قفاه كما قال: لئيم القفا وكريم الوجه، واللهازم، جمع: لهزمة - بكسر اللام والزاي - وهي: بضيعه في أصل الحنك الأسفل وذلك لأن القفا موضع الصفع واللهمزة موضع اللكز. والشاهد فيه دخول «إذا» الفجائية على «إنّ» مع غير الشرط، أما في الشرط فلا يجوز دخولها عليها. والبيت في الكتاب (3/ 144)، والمقتضب (2/ 350) وابن يعيش (4/ 97، 8/ 61)، والخزانة (4/ 303). (¬2) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (خ) (4/ 86). (¬3) انظر التذييل (6/ 847)، والهمع (2/ 61). (¬4) انظر معاني القرآن (1/ 422) وشرح الكافية الشافية (3/ 1600).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن تذهب آكل، ولو تقدم على الأداة جملة هي الجواب في المعنى فليست هي نفس الجواب بل دليل عليه (¬1) وهي كلام منقطع عما بعده، وقد يكون حكمه مطلقا، وقد يكون مقيدا بشرط مقدر وإلا لزم تنجيز المعلق عليه تقديمه، وذهب الكوفيون (¬2) وأبو العباس (¬3) وأبو زيد الأنصاري (¬4) إلى أن المتقدم على الشرط نفس الجواب، ويرده أن حرف الشرط دال على معنى في الشرط والجزاء وهي الملازمة بينهما فوجب تقديمه عليهما كما وجب تقديم سائر حروف المعاني على ما فيه معناها واحتج أبو زيد (¬5) على أن المتقدم هو نفس الجواب بمجيئه مقرونا بالفاء كقوله: 4035 - فلم أرقه إن ينج منها وإن تمت ... فطعنة لا نكس ولا بمغمّر (¬6) وليس بشيء، لأن تقدير معطوف عليه خير من تقديم الجزاء على الشرط وتصدير حرف العطف، ولا يجوز أن يتقدم دليل الجواب على الشرط في السعة إلا إذا كان ماضيا نحو: آتيك إن أتيتني ولا يجوز: آتيك إن تأتني إلا في الشعر كما في قوله: فلم أرقه إن ينج منها ..... (¬7) قال سيبويه (¬8): وقبح في الكلام أن تعمل إن أو شيء من حروف الجزاء في الأفعال حتى يجزمها في اللفظ ثم يكون لها جواب ينجزم بما قبله، ألا ترى أنك تقول: آتيك إن أتيتني ولا تقول: آتيك إن تأتني إلا في الشعر، لأنك أخرت إن وما عملت فيه ولم تجعل لإن جوابا ينجزم بما قبله فهكذا أجرى هذا في كلامهم. وإذا تقدم دليل الجواب وكان الشرط غير ماض مع «من» أو «ما» أو «أيّ» وجب لها في السعة حكم «الذي» - وإن كان المعنى على المجازاة - فلا تجزم - ¬

_ (¬1) هذا مذهب البصريين وانظر شرح الكافية للرضي (2/ 257) والتذييل (6/ 850). (¬2) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 257)، والتذييل (6/ 850). (¬3) انظر المقتضب (2/ 68). (¬4) انظر النوادر (ص 283). (¬5) انظر النوادر (ص 283). (¬6) هذا البيت من الطويل وهو لزهير بن مسعود، قوله فلم أرقه من الرقية وهي التعويذة، والنكس الرجل الضعيف، ويروى «لاغس» وهو بمعناه والمغمر الذي لم يجرب الأمور والناس يستجهلونه والشاهد في قوله «فلم أرقه» حيث احتج به أبو زيد على أنه الجواب نفسه بدليل اقترانه بالفاء. والبيت في الخصائص (2/ 388)، وتهذيب الألفاظ (ص 143)، والإنصاف (ص 626)، والتذييل (6/ 855) واللسان (غسس). (¬7) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬8) انظر الكتاب (3/ 66).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويكون ما بعدها صلة وما قبلها عاملا فيها وذلك قولك: آتي من يأتني، وأقول ما تقول، وأعطيك أيّها تشاء، فترفع لأنه لما امتنع في السعة تأخير أداة الجزاء إذا جزمت ما بعدها حملوا هذه الأسماء على «الذي» لأنه لا قبح فيه، ولم يحملوها على الجزاء إلا في الشعر، وقد تقدم عند ذكر «فاء» الجواب حكاية كلام سيبويه في هذه المسألة فلا حاجة إلى إعادته. ويجب حكم «الذي» أيضا لـ «من» أو «ما» أو «أيّ» إذا وقعت صفة وذلك في صور: إحداها: أن يضاف إليها حين يعني ظرف زمان كقولك: أتذكر إذ من يأتينا نأتيه، وإنما كرهوا الجزاء هاهنا لأنه ليس من مواضعه، لأن أسماء الأحيان لا تضاف إلى الجمل الشرطية، ألا ترى أنه لا يقال: أتذكر إذ إن تأتنا نأتك (¬1)، فلما كان قبيحا في «إن» قبح في سائر أخواتها ولم يرد إلا في الشعر كقول لبيد: 4036 - على حين من تكتب عليه ذنوبه ... يجد فقدها إذ في المقام تدابر (¬2) الوجه حمله على حذف ضمير الشأن، والمعنى: على حين الشأن من تكتب عليه ذنوبه يجد فقدها كما تقول: أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته (¬3)، لأن الجملة الشرطية تصح أن تكون خبرا [5/ 161] ولا يصح أن تكون مضافا إليها. الثانية: أن تقع بعد «هل» كقولك: هل من يأتينا نأتيه؟ فليس لك في نحو هذا إلا الرفع لأن «من» موصولة ولا يجوز جعلها شرطية لأن «هل» لا يستفهم بها عن الشرطية فلا يقال: هل إن تقم أقم، ولو كان الاستفهام بالهمزة جاز وكون «من» شرطية لأنه توسّع في الهمزة فاستفهم بها عن الجمل الشرطية كما يستفهم بها عن غير ذلك كقولك: أإن تأتني آتك؟ فلما حسن دخولها على [إن حسن - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 75). (¬2) هذا البيت من الطويل وهو في ديوانه (ص 217)، وقوله يجد فقدها أي: يؤلمه فقدها والشرب: الحظ من الماء، والمقام أراد مقاما فاخر فيه غيره، والتدابر: التقاطع. والشاهد فيه المجازاة بـ «من» مع إضافة حين إليها وهو ضرورة لأن حين لا تضاف إلى الجمل الشرطية، والبيت في الكتاب (3/ 75)، والإنصاف (ص 291)، وشرح الكافية للرضي (2/ 258، 259)، والتذييل (6/ 860)، والخزانة (3/ 649). (¬3) انظر الكتاب (3/ 76).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دخولها على] أخواتها فيقال: أمن يأتنا نأته.؟ وإن لم يجز مثله في «هل». الثالثة: أن تقع بعد «ما» النافية كقولك: ما من يأتينا نأتيه، وما أيّها تشاء أعطيك، فيرفع ما بعد الاسم لأنه موصول، ولا يجوز الجزم وجعل الاسم شرطا لأن «ما» لا تنفي الجملة الشرطية فلا يقال: ما إن تأتنا نأتك، فلما لم يجز ذلك في «إن» لم يجز فيما سواها، ولو كان النفي بـ «لا» لم يجب لما ذكر حكم «الذي» فيجوز جعله شرطا فيجزم ما بعده كقولك لا من يأتك تعطه (¬1)، ولا من تعطه يأتك، لأنهم لما توسّعوا في «لا» فقدموا العامل عليها ونفوا بها المفرد والجملة نفوا بها الجملة الشرطية أيضا كقولك: لا إن أتيناك أعطيتنا، ولا إن بعدنا عنك عرضت علينا، قال ابن مقبل: 4037 - وقدر ككفّ القرد لا مستعيرها ... يعار ولا من ذاقها يتدسّم (¬2) الرابعة: أن تقع بعد «إن» أو إحدى أخواتها كقولك: إنّ من يأتيني آتيه، وليت ما أقول تقول، فترفع لأنك لما أعملت «إنّ» في «من» وجب أن تكون موصولة لأن الشرطية لا يعمل فيها لفظ قبلها إلا أن يكون حرف جر نحو: بمن تمرر أمرر (¬3) وعلى أيّها تركب أركب (¬4) لأنه معدّ لفعل الشرط إلى الاسم فصار مع الفعل بمنزلة فعل وصل إلى الاسم بغير حرف جر، فلما لم يعمل في الأسماء الشرطية لفظ قبلها غير حرف الجر وجب فيما وقع قبلها بعد «إنّ» أو إحدى أخواتها أن يكون موصولا؛ لأن هذه الحروف لا تدخل على «إن» الشرطية لأنها مختصة بالأسماء، ولا تدخل على ما تضمن معنى «إن» إلا في الشعر، ولا يكون ذلك إلا على حذف الاسم، قال الأعشى: - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 76). (¬2) هذا البيت من الطويل وهو في ملحقات ديوان ابن مقبل (ص 395)، وقوله يتدسم من الدّسم وهو: ودك اللحم والشحم، هجا قومه فجعل قدرهم في ضالتها ككف القرد، يضنون بها على المستعير فارغة ولا يجد طالب القرى فيها ما يتدسم به وذلك للؤمهم وبخلهم. والشاهد فيه المجازاة بـ «من» بعد «لا» لأنهم توسعوا في «لا» ونفوا بها المفرد والجملة فكذلك نفوا بها الجملة الشرطية دون تغيير لعمل الشرط. والبيت في الكتاب (3/ 77) والخصائص (3/ 153) وأساس البلاغة (1/ 271) (دسم) والتذييل (6/ 862). (¬3) انظر الكتاب (3/ 81). (¬4) انظر الكتاب (3/ 79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4038 - إنّ من لام في بني بنت حسّا ... ن ألمه وأعصه في الخطوب (¬1) وقال أمية بن أبي الصلت: 4039 - ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه ... بعدّته ينزل به وهو أعزل (¬2) قال سيبويه (¬3): فزعم الخليل أنه إنما جازي حيث أضمر الهاء وأراد: إنّه ولكنّه. الخامسة: أن تقع بعد «كان» أو إحدى أخواتها كقولك: كان من يأتيني آتيه، وليس من يأتيني آتيه (¬4)، فترفع بعد «كان» و «ليس» كما ترفع بعد «إنّ» وأخواتها، ويجوز الجزم على أن يضمر في «كان» ضمير الشأن فتقول: كان من يأتني آته، وليس من يأتنا نحدّثه (¬5)، لأنك جعلت الجملة خبرا فجاز على حد قولك: كنت من يأتني آته، ولست من يأتني أحدّثه. السادسة: أن تقع بعد «لكن» المخففة غير مضمر بعدها مبتدأ كقولك: ما أنا ببخيل ولكن من يأتيني أعطيه، فترفع لأنك لما لم تضمر قبل «من» مبتدأ وجب أن تكون موصولة، لأن «لكن» لا تدخل على الجملة الشرطية، ولك أن تجزم على جعل «من» الشرطية وإضمار مبتدأ قبلها كما أضمر بعد «لكن» في غير ذلك نحو: ما زيد عاقلا ولكن أحمق، فتقول: ما أنا ببخيل ولكن من يأتني أعطه (¬6) كما قال: ولكن متى يسترفد القوم أرفد (¬7) - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الخفيف قاله الأعشى من قصيدة يمدح فيها أبا الأشعث بن قيس الكندي، وحسان أحد تبايعة اليمن. والشاهد فيه: جعل «من» للجزاء مع إضمار المنصوب بـ «إنّ» ضرورة، ولذلك جزم «ألمه» في الجواب، والبيت في الكتاب (3/ 72) وأمالي الشجري (1/ 295) والإنصاف (ص 180) والمغني (ص 605) وشرح شواهده (ص 24) وديوانه (ص 27). (¬2) هذا البيت من الطويل، والأعزل الذي لا سلاح معه يقول: من لم يستعد لما ينوبه من الزمان قبل نزوله بساحته، نزلت به الحوادث فضعف عن تحملها. والشاهد فيه جعل «من» للجزاء مع إضمار المنصوب بـ «لكنّ» للضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 73) وأمالي الشجري (1/ 295) والإنصاف (ص 181) والمغني (ص 239) وشرح شواهده (ص 702). وديوانه (ص 46). (¬3) انظر الكتاب (3/ 73). (¬4) انظر الكتاب (3/ 71). (¬5) انظر الكتاب (3/ 72). (¬6) انظر الكتاب (3/ 77). (¬7) سبق شرحه والتعليق عليه، والشاهد فيه هنا حذف المبتدأ بعد «لكن» ضرورة والمجازاة بـ «متى» بعدها، والتقدير: ولكن أنا متى أسترفد أرفد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقديره: ولكن أنا متى، ولا يجوز في «متى» ولا غيرها من الظروف أن توصل بالفعل كما توصل «من» و «ما» و «أىّ»، ولا تقع في شيء من الصورر المذكورة إلا على تقدير مبتدأ قبلها. السابعة: أن تقع بعد «إذا» المفاجأة غير مضمر بعدها مبتدأ كقولك: مررت به فإذا من يأتيه يعطيه بالرفع، لأنك لم تضمر قبل «من» مبتدأ فتعين أن تكون موصولة لأن «إذا» المفاجأة لا تدخل على الشرط والجزاء، ولك أن تضمر قبل «من» مبتدأ، وتجزم قال سيبويه (¬1): «وإن شئت جزمت لأن الإضمار يحسن هنا ألا ترى أنك تقول: مررت به فإذا أجمل الناس، ومررت به فإذا أيّما رجل، فإذا أردت الإضمار فكأنك قلت: مررت به فإذا هو من يأته يعطه، فإن لم تضمر وجعلت إذا تلي «من» فهى بمنزلة «إذ» لا يجوز فيها الجزم» انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وبعد ذلك لا بد من الإشارة إلى أمور: منها: أن المصنف (¬2) قد ذكر أن أداة الشرط لها صدر الكلام، وهذا هو الذي عليه جمهور البصريين، فحكمها في الصدارة حكم أدوات الاستفهام وحكم «ما» النافية ومقتضى إجازة الكوفيين والمبرد وأبي زيد تقديم الجواب عليها أن لا يكون لها الصدر قال الشيخ (¬3): ذكر المصنف مذهبين: أحدهما: أنه يجوز تقديم جواب الشرط عليه. والثاني: المنع، قال: وترك مذهبين آخرين: أحدهما: مذهب المازني (¬4) وهو أنه إن كان ماضيا فلا يجوز تقديمه، وإن كان مضارعا جاز. والثاني: مذهب بعضهم وهو أنه يجوز تقديم الجزاء فيما كان الشرط فيه ماضيا أو كانا معا ماضيين، قال: فصارت المذاهب في المسألة أربعة، قال: فأما من منع (¬5) وجعل المتقدم في نحو: أقوم إن قمت هو دليل الجواب فاستدل بعدم جزمه، - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 76) وقد نقله عنه بتصرف. (¬2) انظر التذييل (6/ 850). (¬3) انظر التذييل (6/ 850، 851). (¬4) انظر الهمع (2/ 61). (¬5) وهم جمهور البصريين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعدم دخول الفاء عليه، وبأن الجواب مسبب عن الشرط، والمسبب لا يتقدم على سببه، وبالتفرقة في المعنى بين التقديم والتأخير، فإنك في التقديم وفي التأخير تثبت الكلام أولا على الشرط «ثم قال (¬1): وأما من أجاز تقديم الجواب على الشرط فمستنده أن الأصل في الكلام أن لا حذف وإذا أمكن استقلال الكلام فلا حاجة إلى تقدير شيء زائد، وأما تخلّف بعض آثار التأخر لأجل التقديم فلا يدل ذلك على الحذف لأن ترك العمل إن قلنا: إن العامل هو الحرف - كما هو القول الأصح - فقد ضعف عمله بالتقدم عليه ولم تبلغ الحروف من القوم في العمل أن تعمل متقدمة مثلها متأخرة، وإن قلنا إن العامل هو المجاورة فشرط عمل المجاورة كونه تابعا لما جاوره، وقد زالت التبعية فزال العمل، وأما كون الفاء لا تدخل حالة التقدم فإنما كان ذلك لأن الفاء خلف عن العمل والعمل مفقود حالة التقديم فكذلك الفاء [5/ 162] وأيضا فإن الفاء إنما هي للعطف وقد زال نظام العطف» انتهى. وأقول: إن الأمر لا يفتقر إلى شيء من ذلك لأن الصدارة إذا كانت ثابتة لأدوات الشرط كان ذلك كافيا في منع تقديم الجواب. واعلم أنه قد تقدم احتجاج أبي زيد على أن المتقدم هو نفس الجواب بقول القائل: 4040 - فلم أرقه إن ينج منها .... البيت ورد الإمام بدر الدين ذلك بقوله: «إن تقدير معطوف عليه خير من تقديم الجزاء على الشرط فذكر الشيخ ذلك (¬2) ثم قال (¬3): ما ذهب إليه أبو زيد في البيت المذكور سهو لأن الفعل المنفي بلم الواقع جزاء لا تدخله الفاء تقول: إن قمت لم أقم ولا يجوز: إن قمت فلم أقم، فدخل الفاء الجزائية على: لم أرقة لا يجوز إذا كان متأخرا فكيف إذا كان متقدما؟ وإنما هي للعطف على جملة متقدمة في اللفظ أو في التقدير». ومنها: أنك قد عرفت أنه إذا تقدم دليل الجواب تعيّن أن يكون فعل الشرط ماضيا، ولا يجوز أن يكون غير ماض إلا في الشعر (¬4)، وعلة ذلك (¬5) أن الأداة - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 855). (¬2) انظر التذييل (6/ 855). (¬3) انظر التذييل (6/ 856). (¬4) قال سيبويه في الكتاب (3/ 66): «هكذا جرى هذا في كلامهم»، وانظر التذييل (6/ 858). (¬5) هذا الكلام ذكره الشيخ أبو حيان في التذييل (6/ 858، 859) وقد نقله المؤلف عنه دون أن يشير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقتضي الجملتين فإذا حذفت جملة الجزاء على مذهب أو قدمت على مذهب لم يكن إذ ذاك للأداة تأثير في الجملة إما لحذفها أو لتقديمها، قالوا (¬1): فلما لم تؤثر في الجملة الجزائية كان ذلك إضعافا لها فأتى بجملة الشرط ماضية حتى لا يظهر فيها تأثير، إذ لو ظهر لها [فيها] تأثير لكانت من حيث ظهور التأثير في الشرط قوية، ومن حيث عدم ظهوره في الجزاء ضعيفة، فنكبوا عنه، أما الشعر فلما كان محلّ الضرورة جاز فيه ذلك، والمنقول عن الكوفيين سوى الفراء (¬2) أنهم يجيزون في الكلام أن يكون فعل الشرط مستقبلا عند حذف الجواب أو تقديمه على رأيهم فيجيزون: أنت ظالم إن تفعل. ومنها: أن الشيخ قال (¬3): «والأشياء التي ذكرها المصنف بعضها مما أخرج أسماء الشرط إلى الموصولية وجوبا أو جوازا يريد: أن يعقد فيها عقدا يشمل ما يجوز من ذلك وما يمتنع وما يوجب» فذكر تقسيما أطال فيه ولخصه في «ارتشاف الضرب» له فاقتصرت على ما ذكر في «الارتشاف» وهو أنه قال (¬4): «فالداخل على هذه الأدوات إما عامل معنوي فيجوز أن يكون الاسم موصولا واسم شرط مبتدأ خبره جملة الشرط لا هي وجملة الجزاء معا خلافا لبعضهم، وإما لفظي عامل في الجمل مما لا يعلق نحو «كان» وأخواتها و «ما» الحجازية، و «لا» العاملة عمل «إنّ» فيتعيّن الوصل إلا في ما يصح فيه إضمار الشأن فيجوز الوصل، ولا يكون في أفعال المقاربة، وقيل: يجوز في «عسى» (¬5)، أو مما يعلّق كـ «ظننت» وأعملتها في الأول جاز الأمران نحو: ظننت زيدا من يأتيه يعطيه ومن يأته يكرمه، أو لم تعملها فيه فالظاهر من قول المبرد (¬6) أنه لا يجوز الشرط، ومن قول غيره (¬7) أنه يجوز وتعلق عنها، أو غير عامل في الجملة الابتدائية فعلا فلا يصح دخوله، أو عاملا في الأفعال فلا يصح دخول لا على حرف الشرط ولا اسمه، ولا إن كان - ¬

_ (¬1) يشير بذلك إلى الشيخ أبي حيان. (¬2) انظر معاني القرآن (1/ 66 - 68) والهمع (2/ 62). (¬3) انظر التذييل (6/ 866). (¬4) انظر الارتشاف (2/ 559، 560) تحقيق د/ مصطفى النماس. (¬5) انظر التذييل (6/ 866). (¬6)، (¬7) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موصولا أو عاملا في الأسماء كحروف الجر، فإن تعلقت بفعل أجنبي عن الشرط والجزاء رجعت إلى الوصل نحو: أتصدّق على من يسأل وأدعو من يسمع فيجيب، فإن كان المجرور في موضع خبر محذوف فمن جعل العامل فعلا أو اسم فاعل منع الشرط، ومن جعله نفس الخبر أجاز نحو: زيد في أي مكان يكون أكون أو في [أي] مكان يكن أكن، وإن تعلق بالجزاء بطل الشرط نحو: بمن تمرّ أمرّ أو بفعل الشرط جاز بقاء الشرط، فإن شغلت كلا من الفعلين بضمير نحو: بمن تمرر به أمرر به فالوصل والشرط، ولا بد لحرف الجر الداخل على اسم الشرط إذا ذاك إضمار فعل يتعلق به التقدير: بمن تمرر أمرر به، وإن حذفت الضمير منهما تعلق بأحدهما، فإن كان بالفعل الذي يليه فالجزم، أو بالفعل مقدر جزاء فالوصل، وحذفه من هذا ضعيف، ويضعف إن اختلف نحو: بمن تمرّ أنزل، وكحرف الجر الاسم الذي يضاف إلى اسم الشرط، فإن عمل فيه الجزاء رفعت، أو الشرط جزمت، أو غير ذلك فلا بد أن يكون جملة، فإن شاركت الشرط في معناه فلا تدخل على جملة الشرط كـ «إذا» و «لمّا» و «لو» وإن لم تشارك وشأنه أن يغير لفظ ما دخل عليه إلى لفظ آخر كالنهي، واعتمد عليه حرف جواب الشرط إلى نفسه أو معتمدا على غيره فالشرط على ما كان عليه، أو شأنه أن لا يغير وهو مخصوص ببعض الجمل أو أكثرها نحو المختص بالجمل الابتدائية كـ «إنّ» وأخواتها إذا كفّت و «لام» الابتداء، و «لكن» المخففة، و «ما» التميمية، و «أمّا»، و «لولا»، والظروف المضافة إلى الجمل نحو «إذ» و «إذا» الفجائية و «حيث»، ونحو المختصة بالفعلية كالظروف غير اللازمة للإضافة إذا أضيفت نحو «حين» و «يوم» ونحوه، فالمختصة بالاسمية الوجه أن لا تدخل عليها، فإن دخلت كانت موصولة ويصير الفعل إلى الصلة، وأجاز المبرد (¬1) في هذا كله أن تدخل على الشرط، وقد أجازه سيبويه (¬2) على ضعف، وأحسن ما يجوز ذلك فيه في الأسماء المبتدأة ثم تحمل عليه «إن» فإن كان مما لا يجوز الإضمار بعده مبتدأ جاز الشرط مطلقا، والمضاف إلى الفعلية بمنزلة ما تقدم، ويجوز فيه ما جاز في تلك على ضعف، وغير المخصوص - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 868). (¬2) انظر الكتاب (3/ 80 - 82) والتذييل (6/ 868).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صحّ دخوله عليه وذلك أفعال نحو: قال وسمع، وجميع أفعال الحكاية، وحروف كالحروف العاطفة، وكحرف الاستفهام وهو «الألف» وحده، أما أسماؤه فلا تدخل على الشرط، وتقدّم خلاف يونس في الهمزة إذا دخلت على الشرط وبمنزلة «ألف» الاستفهام في هذا «لا» غير العاملة، وأما «ما» التميمية فجوزها المبرد (¬1) وأبو علي (¬2)، وأما الحجازية إذا ألغيت بسبب «إن» فينبغي أن لا تدخل لأنها عاملة لولا «إن» فهي كإن انتهى. ومنها: أن الشيخ أنشد (¬3) بيتا لمقصد وهو قول الشاعر: 4041 - وإنّ الكثيب الفرد من جانب الحمى ... إليّ وإن لم آته لحبيب (¬4) والمقصد الذي ذكر له البيت هو: أنه يردّ بذلك على يدّعى أن المتقدم على الشرط مما يفيد الجواب يكون نفسه جوابا، قال (¬5) لأن الشرط قد عطف ولو كان الأول جوابا لم يعطف عليه الشرط لأن رتبة الجواب متأخرة عن رتبة الشرط، فلو عطف لصار المتأخر متقدما فيبطل الجزاء [5/ 163] وأقول: لا يخفي ضعف هذا الكلام، ثم إن عطف الشرط على ما هو دليل الجواب لا يعقل من حيث المعنى ولا توجيه له من حيث الصناعة النحوية. ثم إن الشيخ نقل (¬6) عن ابن جني أن هذه «الواو» عنده واو الحال، فالجملة الشرطية عنده في هذا البيت وما أشبهه حال فإذا قلت: أقوم وإن غضبت فالتقدير: أقوم وإن كانت الحال هذه. ثم إنه نقل (¬7) عن بعضهم إفساد قول ابن جني بما هو غير ظاهر، وأطال القول في ذلك ثم (¬8) قال: «والذي يظهر لي أن الواو الداخلة على الشرط في مثل: أقوم - ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر التذييل (6/ 869). (¬3) انظر التذييل (6/ 851). (¬4) هذا البيت من الطويل نسب لقيس بن الملوح، وهو في ديوانه (ص 9) والكثيب: المجتمع من الرمل، واستشهد به الشيخ أبو حيان ليرد به على من يدعي أن المتقدم على الشرط مما يفيد الجواب يكون نفسه جوابا، لأن الشرط قد عطف ولو كان الأول جوابا لم يعطف عليه الشرط لأن رتبة الجواب متأخرة عن رتبة الشرط، فلو عطف لصار المتأخر متقدما فيبطل الجزاء. وقد ضعفه المؤلف كما ترى في النص الذي بين أيدينا. (¬5) انظر التذييل (6/ 852). (¬6)، (¬7) المرجع السابق. (¬8) المرجع السابق (6/ 853).

[حذف الشرط أو الجواب أو هما معا]

[حذف الشرط أو الجواب أو هما معا] قال ابن مالك: (ويحذف الجواب كثيرا لقرينة، وكذا الشّرط، ويحذفان بعد إن في الضّرورة، وقد يسدّ مسدّ الجواب خبر ما قبل الشّرط). ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن قمت، واضرب زيدا وإن أحسن إليك، إنما هي للعطف لكنها لعطف حال على حال محذوف يتضمنها الكلام السابق تقديره: أقوم على كل حال وإن قمت، واضرب زيدا على كل حال وإن أحسن إليك أي: وفي هذه الحال» انتهى. وهذا الذي قاله الشيخ هو الظاهر، بل هو الحق ولا يجوز العدول عنه، ولك أن تقدر الحال المحذوفة في نحو: اضرب زيدا وإن أحسن إليك غير ذلك فيكون التقدير: اضرب زيدا إن أساء إليك وإن أحسن إليك، ولا شك أن الضرب لزيد مع إحسانه فيه منافاة بخلاف الضرب له مع إساءته، فإذا أثبت حكم مع ما ينافيه كان إثباته مع ما يناسبه أولى وأحرى، والمعنى يرجع إلى: اضرب زيدا على كل حال، لكن في التقدير الذي ذكرنا من المبالغة في طلب الضرب مثلا ما ليس في هذا التقدير. وإنما ساغ وقوع الجملة المصدرة بأداة الشرط حالا في الأمثلة التي ذكرناها لما تقدم ذكره في باب «الحال». لم يشرح الإمام بدر الدين من هذا الموضع إلى قوله «خلافا لبعضهم» قال الشيخ (¬1): «وذلك نحو سبعة سطور من أصل كتابي، بل وجد بياض معدّ لأن يشرح» انتهى. قال ناظر الجيش: وأنا أذكر كلام المصنف في شرح الكافية أولا، ثم أذكر كلام الشيخ ثانيا. قال المصنف (¬2) رحمه الله تعالى: والاستغناء عن جواب الشرط للعلم به كثير ومنه قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ (¬3) وقوله تعالى: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 869). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1609). (¬3) سورة يس: 19، وتقدير الجواب: أئن ذكرتم تلقيتم التذكير والإنذار بالكفر والإنكار. انظر البيان للأنباري (2/ 292) وقال العكبري في التبيان (ص 1079): «تقديره: إن ذكرتم كفرتم ونحوه»، وقال أبو حيان في التذييل (6/ 869): «تقديره - والله أعلم - تطيرتم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بِآيَةٍ (¬1)، والاستغناء عن الشرط وحده أقل من الاستغناء عن الجواب، ومنه قول الشاعر: 4042 - فطلّقها فلست لها بكفء ... وإن لّا يعل مفرقك الحسام (¬2) أراد: وإن لا تطلقها يعل مفرقك الحسام، ومنه قول الآخر: 4043 - متى تؤخذ واقسرا بظنة عامر ... ولا ينج إلّا في الصّفاد يزيد (¬3) أراد: متى تثقفوا تؤخذوا، ومثال حذف الشرط والجزاء معا قول الراجز: 4044 - قالت بنات العمّ يا سلمى وإن ... كان فقيرا معدما قالت وإن (¬4) أي: قالت: وإن كان فقيرا معدما هويته ورضيته، وقال السيرافي: يقول القائل: لا آتي الأمير لأنه جائر فيقال: ائته وإن، ويراد بذلك: وإن كان جائرا فأته. وهذا - أعني حذف الجزأين معا - لا يجوز مع غير «إن» وهو مما يدل على أصالتها في باب المجازاة. ثم قال: وقد يغني عن جواب الشرط خبر ذي خبر متقدم على أداة الشرط، أو خبر مبتدأ مقدر بعد الشرط؛ فالأول كقول الله تعالى: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (¬5) قال الشاعر: 4045 - وإنّي متى أشرف من الجانب الّذي ... به أنت من بين الجوانب ناظر (¬6) وكقول الآخر: - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 35، وتقدير الجواب المحذوف: «فافعل» انظر البيان (1/ 320) والتبيان (492) والتذييل (6/ 869). (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬3) هذا البيت من الطويل وهو لقائل مجهول. الشرح: قسرا قهرا وغصبا والظنة - بكسر الظاء - التهمة، والصّفاد» بكسر الصاد: وهو ما يوثق به الأسير من قدّ وقيد وغل، يقول: متى أخذتم لا ينج أحد منكم غير يزيد فإنه أيضا يقيد في الصفاد. والشاهد فيه: حذف فعل الشرط، والتقدير: متى تثقفوا تؤخذوا. والبيت في التذييل (6/ 872) والعيني (4/ 436) وشرح التصريح (2/ 252) والهمع (2/ 263). (¬4) هذا رجز لرؤبة في ملحقات ديوانه (ص 186) والشاهد فيه حذف الشرط والجزاء جميعا، والتقدير: وإن كان فقيرا معدما هويته ورضيته. وانظر الرجز في المقرب (1/ 277) والتذييل (6/ 872) والمغني (ص 649) وشرح شواهده (ص 936) والعيني (1/ 104)، (4/ 436). (¬5) سورة البقرة: 70. (¬6) هذا البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه (ص 41) ومعناه: هل يجزي نظري إليك في كل جهة كنت فيها؟ أي هل تنظرين إليّ كذلك أو هل تجزينني على هذه المحبة. والشاهد فيه على أن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4046 - هذا سراقه للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (¬1) والثاني: مثل قول الشاعر: 4047 - بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها ... بني ثعل من ينكع العنز ظالم (¬2) انتهى. وذكر الشيخ الآيتين الشريفتين (¬3) وقال (¬4): «تقدير الجواب في الآية الأولى - والله أعلم - تطيرتم، وتقديره في الآية الثانية: فافعل، قال: وجعل من ذلك بعض أصحابنا قول الشاعر: 4048 - أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم ... وإن لّا تقيموا صاغرين الرّؤسا (¬5) وقدره: وإن لا تقيموا مختارين تقيموا صاغرين الرؤوس [قال] فقوله: لا تقيموا هو فعل الشرط وحذف «مختارين» لدلالة «صاغرين» عليه، وحذف «تقيموا» الذي هو جواب «إن لا تقيموا» لدلالة «إن لا تقيموا» عليه، فحذف من الأول الحال ومن الثاني فعل الجواب، قال الشيخ (¬6): ولا يتعين هذا التخريج إذ يحتمل أن يكون فعل الشرط محذوفا بعد الأداة وحرف النفي، وكون «تقيموا» الثانية هي - ¬

_ - قوله «ناظر» خبر «وإني» في أول البيت وقد أغني عن جواب الشرط. والبيت في الكتاب (3/ 68)، والمقتضب (2/ 69) وشرح الكافية للرضي (2/ 257) والتذييل (6/ 875). (¬1) هذا البيت من البسيط مجهول القائل، وسراقة رجل من القراء نسب إليه الرياء وقبول الرّشا وحرصه عليها حرص الذئب على فريسته. والشاهد فيه على أن قوله «ذئب» خبر «والمرء» المتقدم على أداة الشرط وقد أغنى عن جواب الشرط. وانظر البيت في الكتاب (3/ 67)، وأمالي الشجري (1/ 339) والأصول لابن السراج (2/ 163)، والمقرب (1/ 115) وشرح الكافية للرضى (2/ 256، 257). (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬3) وهما قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ ووَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ ... الآية. (¬4) انظر التذييل (6/ 869، 870). (¬5) هذا البيت من الطويل وهو ليزيد بن الخذاق الشنى. واستشهد به من أورده له أبو حيان على أنه حذف جواب الشرط، وجعله ابن الشجري في الأمالي (1/ 341) على أنه من حذف جملة الشرط التقدير: وإن لا تقيموا صدوركم تقيموا الرؤوس. وهو الأظهر والأوضح. والبيت في أمالي الشجري (1/ 283)، وابن يعيش (6/ 115) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 200). (¬6) أي في التذييل (6/ 870).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جواب الشرط، فيكون حذف منه فعل الشرط (¬1)» انتهى. والذي قاله هو الظاهر وما كنت أفهم من هذا البيت قبل غير ذلك، ومن حذف الشرط قول الآخر: 4049 - فإمّا أن تكون أخي بحقّ ... فأعرف منك غثّي من سميني وإلّا فاطّرحني واتّخذني ... عدوّا أتّقيك وتتّقيني (¬2) التقدير: وإن لا تكن كذلك فاطرحني (¬3). وزعم ابن عصفور (¬4) والأبّذيّ (¬5) أنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلا بشرط تعويض «لا» من الفعل المحذوف تقول: اضرب زيدا إن أساء وإلا فلا تضربه، قال الشيخ (¬6): وليس ذلك بشئ لأن «لا» هي نافية وليست عوضا من الفعل، ولو كانت عوضا لما جاز الجمع بينهما، وأنت يجوز لك أن تقول: وإن لا يسئ فلا تضربه. انتهى. والعجب من هذين الرجلين الكبيرين، كيف يزعمان أن «لا» عوض مع أن الشرط ليس الفعل المثبت، بل الشرط إنما هو الفعل المنفى، فأداة الشرط إنما هي طالبة في مثل هذا التركيب للفعل المنفي لا للفعل المثبت، ثم إن الفعل حذف وبقيت «لا» لتدل على أن المشروط إنما هو النفي لا الإثبات، وإذا كان كذلك فكيف يقال: إن «لا» عوض من الفعل؟ لأن لازم هذه الدعوى أن «لا» إنما أتي بها بعد أن حذف الفعل، ويلزم منه أن أداة الشرط مباشرة للفعل دون «لا» وليس الأمر كذلك. - ¬

_ (¬1) انظر أمالي ابن الشجري (1/ 341). (¬2) هذا البيتان من الوافر وهما للمثقب العبدى في ديوانه (ص 42) و «الغث» من غثّ اللحم يغثّ غثّا: إذا كان مهزولا والمعنى: أعرف منك ما يفسد مما يصلح فهو على المجاز. والشاهد في قوله «وإلا فاطرحني» حيث حذف فعل الشرط لدلالة المقام والتقدير: وإن لا تكن كذلك فاطرحني، والبيتان في أمالي الشجري (2/ 344)، والمقرب (1/ 232) والتذييل (6/ 871) والمغني (ص 16). (¬3) انظر التذييل (6/ 871). (¬4) ظاهر عبارة ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 200) لا تشعر بشيء من ذلك فإنه قال: «ويجوز حذف فعل الشرط والجواب وذلك إذا فهم المعنى، فمثال حذف فعل الشرط وإبقاء الجواب قوله: فطلقها فلست لها بكفء ... البيت». (¬5) انظر التذييل (6/ 871). (¬6) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم إنك عرفت من البيت الذي أنشده المصنف في شرح [5/ 164] والكافية وهو قول القائل: 4050 - متى تؤخذوا قسرا بظنّة عامر أن حذف أحد الجزأين ليس مختصّا بكون أداة الشرط «إن» لورود حذف فعل الشرط مع «متى» ولكن قال الشيخ (¬1): «ولا أحفظ لفعل الشرط ولا الجزاء جاء بعد غير إن، إلا أن المصنف أنشد بيتا في شرح الكافية زعم أنه حذف فيه فعل الشرط بعد متى وهو قوله: متى تؤخذوا قسرا ... البيت» انتهى. وأما حذف فعلي الشرط والجزاء معا فقد عرفت من كلام المصنف في شرح الكافية أن حذفهما معا لا يجوز مع غير «إن» وقيّد ذلك في التسهيل «بالضّرورة» أيضا، وفي شرح الشيخ (¬2) أن بعضهم يجيز ذلك في الكلام دون ضرورة. وأما قول المصنف «وقد يسدّ مسدّ الجواب خبر ما قبل الشّرط» فقد تقدم من كلام المصنف في شرح الكافية ما يغني عن ذكر ذلك هنا، غير أن في قوله «وقد يسدّ مسدّ الجواب خبر ما قبل الشّرط» وذلك كقوله وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (¬3) فيه بحث وهو أن يقال: مقتضى كلامه أن لَمُهْتَدُونَ الذي هو الخبر هو الذي سد مسدّ الجواب، ولا شك أن الذي سد مسدّ الجواب إنما هو الجملة بتمامها لأن الفائدة إنما تتم بذكرها، والحق أن الذي سد مسدّ الجواب إنما هو وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ والجملة السادة متقدمة على الشرط، ثم بعد تقديمها اعترض بجملة الشرط بين المبتدأ والخبر. ونظير الحذف في قول القائل: 4051 - وإنّي متى أشرف من الجانب الّذي ... به أنت من بين الجوانب ناظر (¬4) قول القطامي (¬5): - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 871، 872). (¬2) انظر التذييل (6/ 872). (¬3) سورة البقرة: 70. (¬4) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬5) في ديوانه (ص 25). والقطامي: عمير بن شبيم بن عمرو بن عباد، من بني جشم بن بكر أبو سعيد التغلبي الملقب بالقطامي، شاعر غزل فحل، كان من نصارى تغلب في العراق وأسلم، و «القطامي» بضم القاف وفتحها انظر ترجمته في الشعر والشعراء (ص 727 - 730) والمؤتلف والمختلف للآمدي (ص 166) والأعلام (5/ 88، 89).

[حكم اجتماع الشرط والقسم وحديث طويل في ذلك]

[حكم اجتماع الشرط والقسم وحديث طويل في ذلك] قال ابن مالك: (وإن توالى شرطان، أو قسم وشرط، استغني بجواب سابقهما، وربّما استغني بجواب الشّرط عن جواب قسم سابق، ويتعيّن ذلك إن تقدّمهما ذو خبر، أو كان حرف الشّرط لو أو لولا). ـــــــــــــــــــــــــــــ 4052 - والنّاس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهي ويلام المخطئ الخبل (¬1) قال ناظر الجيش: من المعلوم أن الشرط يحتاج إلى جواب، وأن القسم يحتاج إلى جواب، فإذا اجتمع شرطان في كلام وولي أحدهما الآخر، أو قسم وشرط كذلك اقتصر على جواب واحد ولم يذكر جواب الآخر، ومن ثمّ قال المصنف: «استغني بجواب سابقهما» بعد قوله «وإن توالى شرطان أو قسم وشرط». ولنفصل القول في كل من القسمين: أما توالي القسم والشرط فقد تقدّم الكلام عليه مشبعا في باب «القسم»، ولكن الناظر قد لا يتيسر له مراجعة ذلك الباب فوجب أن نشير إلى شيء من ذلك الآن مقتصرين على ما ذكره في شرح الكافية قال (¬2) رحمه الله تعالى: «إذا اجتمع في كلام واحد شرط وقسم استغني بجواب أحدهما عن جواب الآخر، وكان الشرط حقيقا بأن يستغنى بجوابه مطلقا لأن تقدير سقوطه يخل بمعنى الجملة التي هو منها، وتقدير سقوط القسم غير مخل لأنه مسوق لمجرد التوكيد والاستغناء عن التوكيد سائغ، ففضّل الشرط بلزوم الاستغناء بجوابه مطلقا إذا تقدّم عليه وعلى القسم ذو خبر نحو: الفتى والله إن يقصد يبرّ، وإن لم يتقدم ذو خبر وأخّر القسم وجب الاستغناء عن جوابه بجواب الشرط [وإن أخّر الشرط] استغني في أكثر الكلام عن جوابه بجواب القسم كقوله تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ (¬3)، ولا يمتنع الاستغناء بجواب الشرط مع تأخره، ومن شواهد ذلك قول الأعشى: - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط والهبل: المعتوه الذي لا يتماسك. والشاهد فيه قوله «قائلون له ما يشتهي» حيث إنه خبر للمبتدأ «والناس» وقد سدّ مسدّ جواب الشرط، والبيت في التذييل (6/ 875) وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 181). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1615 - 1620). (¬3) سورة النور: 53.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4053 - لئن منيت بنا عن غبّ معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل (¬1) ومنها قول الفرزدق: 4054 - لئن بلّ لي أرضي بلال بدفقة ... من الغيث في يمنى يديه انسكابها (¬2) أكن كالّذي صاب الحيا أرضه الّتي ... سقاها وقد كانت جديبا جنابها ومنها قول ذي الرمة: 4055 - لئن كانت الدّنيا عليّ كما أرى ... تباريح من ميّ فللموت أروح (¬3) ومنها قول ذي الرمة أيضا: 4056 - لئن قطع اليأس الحنين فإنّه ... رقوء لتذراف الدّموع السّوافك (¬4) ومنها قول الآخر (¬5) أنشده الفراء (¬6): - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط وهو للأعشى. والشرح: قوله منيت أي ابتليت من منى بأمر كذا إذا ابتلى به وقوله غب أي: عقب، وقوله لا تلفنا أي لا تجدنا من ألفى يلفى، وقوله ننتفل أي: ننتفي يقال: انتفل عن الشيء إذا انتفى منه، وقيل: إن الانتفال الجحود، يقول: إن لقيتنا بعد وقعة نوقعها بكم لم ننتفل ولا نتبرأ ولا نعتذر عن دماء من قتلنا منكم. والشاهد فيه الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم لما اجتمعا مع تأخير الشرط ودلّ على ذلك جزم «لا تلفنا» ولو كان الجواب المذكور القسم لقال: لا تلفينا بالرفع بإثبات الياء. والبيت في معاني الفراء (1/ 68)، (2/ 131)، والتذييل (6/ 880) والعيني (3/ 283)، وديوانه (ص 149). (¬2) هذا البيت من الطويل وهو للفرزدق. والشرح: البلال الندى والخير، والغيث المطر، والحيا الخصب، والجديب عكس الخصيب، والجناب الناحية والفناء وما حول القوم، والشاهد فيه الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم مع تأخر الشرط وتقدم القسم، والذي دل ذلك جزم «أكن». والبيتان في الخزانة (4/ 536) (عرضا) وديوانه (1/ 50، 51). (¬3) هذا البيت من الطويل، والتباريح العذاب والمشقة ويروى «ليلى» بدل «مي» ورواية الديوان «مي» والشاهد فيه: الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم مع تأخر الشرط بدليل دخول «الفاء» على الجملة الاسمية، والبيت في المغني (ص 236) وشرح شواهده (ص 609)، والخزانة (4/ 534) عرضا، ديوانه (ص 128). (¬4) هذا البيت من الطويل. الشرح: قوله: رقوء الرّقوء: الدواء الذي يوضع على الدم ليرقئه فيسكن، والتذراف مصدر ذرفت العين الدمع: أسالته، والسوافك من سفك الدمع: صبه وهراقه. والشاهد فيه: الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم بدليل دخول «الفاء» على الجملة الاسمية. والبيت في أساس البلاغة (1/ 359) (رقأ)، ديوانه (3/ 1724). (¬5) امرأة من عقيل. (¬6) انظر معاني القرآن (1/ 68)، (2/ 131).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4057 - لئن كان ما حدّثته اليوم صادقا ... أصم في نهار القيظ للشّمس باديا وأركب حمارا بين سرج وفروة ... وأعر من الخاتام صغرى شماليا (¬1) فثبتت المزية للشرط من ثلاثة أوجه: أحدها: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدم ذي خبر. والثاني: لزوم الاستغناء بجوابه عند تقدمه وعند تقدم ذي خبر. والثالث: جواز الاستغناء بجوابه عند تأخره وعدم تقدم ذي خبر. قال (¬2): ثم قلت - يعني في النظم: وبجواب لو ولولا استغنيا ... حتما إذا ما تلوا أو تنليا فنبهت بذلك على قول الشاعر: 4058 - فأقسم لو أبدى النّديّ سواده ... لما مسحت تلك المسالات عامر (¬3) المسالات: جمع مسالة وهي: جانب اللحية، وعلى نحو قول الآخر: - والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا (¬4) انتهى. وقد تقدم في باب «القسم» مباحث تتعلق بما ذكرناه، فمن أراد الوقوف عليها فليراجع الباب (¬5). - ¬

_ (¬1) هذان البيتان من الطويل، والقيظ شدة الحر وباديا من: بدا إذا ظهر الخاتام لغة في الخاتم والشاهد فيه: الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم المتقدم بدليل جزم «أصم» والبيت الأول في المغني (ص 236) وشرح التصريح (2/ 245) والخزانة (4/ 535) (عرضا). (¬2) أي العلامة ابن مالك. (¬3) هذا البيت من البسيط. الشرح: أبدى فعل ماض من الإبداء وهو: الإظهار، والندى مجلس القوم، وسواده أي: شخصه، وأراد ب عامر قبيلة في قريش. والمعنى: أن الشاعر يحلف أن الممدوح لو حضر مجلس القوم لما قدر عامر أن يمسحوا شواربهم من هيبته وسطوته على الناس، والشاهد فيه: الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم، فاستغنى بجواب «لو» وهو «لما مسحت» والبيت في العيني (4/ 450) والأشموني (4/ 28) واللسان (سيل). (¬4) بيتان من الرجز المشطور وهما للصحابي الجليل عبد الله بن رواحة. والشاهد فيها الاستغناء بجواب لولا عن جواب القسم. (¬5) راجع باب «القسم» في هذا الكتاب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما توالي الشرطين فقد قال المصنف: إنه يستغنى بجواب سابقهما كما رأيت، ومقتضى هذا أن الشرط الثاني له جواب مقدر، لكن كلامه في شرح الكافية يقتضي أن الثاني لا جواب له لأنه قال (¬1): «إذا توالى شرطان دون عطف فالثاني مقيد للأول كتقييده بحاله واقعة موقعه، والجواب المذكور أو المدلول عليه للأول والثاني مستغن عن جواب لقيامه مقام ما لا جواب له وهو الحال مثال ذلك قول الشاعر: 4059 - إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا ... منّا معاقل عزّ زانها كرم (¬2) فهذا بمنزلة أن تقول: إن تستغيثوا بنا مذعورين تجدوا [منا] معاقل عز، فالشرط الأول هو صاحب الجواب، والثاني مفيد ما يفيده الحال من التقييد، ومن هذا النوع قوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (¬3) فـ «لا ينفعكم» دليل على الجواب المحذوف، وصاحب الجواب أول الشرطين والثاني مقيد له مستغن [5/ 165] عن جواب والتقدير: إن أردت أن أنصح لكم مرادا غيّكم لا ينفعكم نصحي. فإن توالى شرطان بعطف فالجواب لهما معا كقولك: إن تؤمّا وتلمّا تكرما، ومنه قوله تعالى: وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ (¬4) انتهى. فإن قيل: لا منافاة بين هذا الذي قاله في شرح الكافية وبين قوله في التسهيل «استغني بجواب سابقهما» لأن الاستغناء بجواب السابق قد يكون لدلالة الكلام على الحذف من المسبوق وقد يكون لعدم الاحتياج إليه قبل هذا الذي ذكر، محتمل لكن يدفعه أنه قرن بتوالي الشرطين توالي القسم والشرط ثم قال بعد ذكرهما: إنه يستغنى بجواب السابق، ولا شك أن القسم وإن تأخّر لا بد له من تقدير جواب - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (2/ 655). (¬2) هذا البيت من البسيط لقائل مجهول. الشرح: تستغيثوا من الاستغاثة تذعروا من الذعر وهو الخوف ومعاقل جمع معقل وهو الملجأ. والاستشهاد فيه على الاكتفاء بجواب واحد من الشرطين وذلك قوله «إن تستغيثوا» وقوله «إن تذعروا» فاكتفى بجواب السابق عن جواب الثاني مقيدا للأول كتقييده بحال واقعة موقعه والتقدير: أن تستغيثوا بنا مذعورين. والبيت في المغني (ص 614) والعيني (4/ 452) وشرح التصريح (2/ 254) والهمع (2/ 63)، والأشموني (4/ 31). (¬3) سورة هود: 34. (¬4) سورة محمد: 36، 37.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فليكن المقرون معه في الذكر وهو الشرط كذلك. وأما قوله «فإن توالي شرطان بعطف فالجواب لهما معا» واستشهاده بالآية الشريفة فكلام عجيب لأن الآية الشريفة لم يتوال فيها شرطان وليس إلا شرط واحد، وإنما عطف على الفعل الذي هو شرط فعل آخر، على أن الشيخ ذكر نقلا عن المصنف وأقره وقال (¬1): «وقد أطلق المصنف في العطف وفيه تفصيل، لأن العطف إن كان بـ «أو» نحو: إن جاء زيد أو جاءتك هند فأكرمها أو فأكرمه فالجواب لا يكون لهما معا بل لأحدهما، وكذلك إذا كان بالفاء ذكروا ونصوا على أن الشرط إذا كان بالفاء بعد شرط سابق فإنه جواب ذلك الشرط السابق فعلى هذا لا يكون الجواب للشرطين معا إذا كان الحرف «الفاء» بل الجواب للثاني، والثاني المصحوب بـ «الفاء» وجوابه للأول» انتهى. والذي ذكره الشيخ غير الذي ذكره المصنف، فإن الشيخ أتى في تمثيله بشرطين صريحين كل منهما مقرون بأداة وأما ما ذكره من الحكم إذا كان العطف بـ «أو» أو بـ «الفاء» فإنه أمر معلوم لا يرتاب فيه فيحتاج معه إلى تنبيه، وعلى هذا لا يكون الجواب لهما معا إلا إذا ذكرت أداة الشرط مع المعطوف. وإذا [قد] عرف هذا فاعلم أنني أورد كلام ابن عصفور على توالي الشرطين أولا ثم كلام الشيخ ثانيا، ثم أتبع ذلك بما سنقف عليه إن شاء الله تعالى. قال ابن عصفور (¬2): «اجتماع الشرطين فصاعدا بمنزلة اجتماع القسم والشرط في أنك تبني الجواب على المتقدم وتجعل جواب الذي يليه محذوفا لدلالة الشرط المتقدم وجوابه عليه ولا بد إذا ذاك من أن يكون فعل الشرط المتأخر ماضيا لأنه محذوف الجواب فتقول: من أجابني إن دعوته أحسنت إليه، فيكون «أحسنت» جواب «من»، وجواب «إن» يغني عنه «من» وجوابها التقدير: من أجابني أحسنت إليه إن دعوته، فقولك: من أجابني أحسنت إليه هو جواب «إن» حتى كأنك قلت: إن دعوت فمن أجابني أحسنت إليه، فإذا وقع منه الدعاء أولا لشخص وأجابه ذلك الشخص بعد دعائه إيّاه وجب عليه الإحسان له لأن جواب - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 879). (¬2) لم أعثر على هذا الكلام لابن عصفور في المقرب ولا في شرح الجمل. وانظر شرح الجمل (2/ 198) وما بعدها تحقيق أبو جناح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشرط في التقدير بعد الشرط، وعلى هذا الذي ذكرته تجري الشروط وإن كثرت، فإذا قال الرجل: إن أعطيتك إن وعدتّك إن سألتني فعبدي حرّ فليس يعتق العبد إلا إن بدأ بآخر الشروط، فيكون مبدأ فعله، ويكون أول الشرط آخر فعله، فإن سأله ثم وعده ثم أعطاه لزمه العتق، وإن وقعت الشروط على غير هذا الترتيب لم يلزم العتق، وذلك أنه قد تقدم على الجواب ثلاثة شروط فيجعل الجواب للشرط الأول، وجواب الشرط الثاني محذوف لدلالة الشرط المتقدم وجواب عليه، وإذا كان دالّا عليه فهو الجواب في المعنى، وجوابه الشرط الثالث محذوف لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه، وإذا كان دالّا عليه ومغنيا عنه فهو جواب في المعنى، ولما كان جواب كل شرط بعده وإن تقدم عليه جرى في المعنى على أن يتأخر بعده حتى كأنه قال: إن سألتني فإن وعدتّك فإن أعطيتك فعبدي حرّ، قال الفراء (¬1): سألت عن هذه المسألة عدة من الفقهاء فقال بعضهم: كما قدمنا آنفا، وقال بعضهم: إذا وقع فعل الشرط الأول ثم فعل الثاني ثم فعل الثالث لزم العتق، وقال بعضهم: أيّا ما فعل قدّم أو أخّر لزم العتق» انتهى. ثم إنه صحح المذهب الأول وأفسد المذهبين الآخرين كما سيأتي الكلام على ذلك. وأما الشيخ فإنه قال (¬2): «لا اختصاص لقوله: شرطان، بل قد يقع شرطان فصاعدا وهما إذ ذاك بمنزلة اجتماع القسم والشرط في أنك تبني الجواب على المتقدم، وتجعل جواب الذي يليه محذوفا لدلالة الشرط المتقدم وجوابه عليه، ويلزم مضي فعل الشرط المتأخر لأنه قد حذف جوابه، ولا يحذف جواب الشرط في فصيح الكلام حتى يكون فعله ماضيا، قال (¬3): وإنما قلنا: في فصيح الكلام لأنه جاء بصيغة المضارع وليس مقرونا بلم قال الشاعر: 4060 - إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا ... منّا معاقل عزّ زانها كرم (¬4) ثم ذكر ما ذهب إليه المصنف من أن الشرط الثاني مقيد للأول، فكأنه في البيت قال: إن تستغيثوا بنا مذعورين، قال (¬5): وكذا إذا قلت: من أجابني إن دعوته - ¬

_ (¬1) لم أعثر عليه في معاني القرآن. وانظر التذييل (6/ 877). (¬2) انظر التذييل (6/ 876 - 878). (¬3) أي الشيخ أبو حيان. (¬4) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬5) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحسنت إليه، فـ «أحسنت» جواب من وجواب «إن دعوته» عنده مستغنى عنه بجواب الشرط، وكأنه قال: من أجابني داعيا له أحسنت إليه، أي من أجابني في حال دعائي أحسنت إليه، قال: وغير المصنف يجعله متأخرا في التقدير فكأنه قال: من أجابني أحسنت إليه إن دعوته، فقولك: من أجابني أحسنت إليه هو جواب «إن» في المعنى حتى كأنك قلت: إن دعوت فمن أجابني أحسنت إليه، فإذا وقع دعاؤه لشخص فأجابه [5/ 166] ذلك الشخص بعد دعائه إياه وجب عليه الإحسان، لأن جواب الشرط في التقدير بعد الشرط وكذلك البيت الذي أنشدناه يكون التقدير: إن تذعروا فإن تستغيثوا بنا تجدوا منا معاقل عز، فأول الشرط يصير آخرا سواء أكانت مترتبة في الوجود أم غير مترتبة، فمثال المترتبة: إن أعطيتك إن وعدتّك إن سألتني فعبدي حرّ فالسؤال أول ثم الوعد ثم الإعطاء، فمتى وقع في الوجود وجب العتق، وإن وقعت على غير هذا الترتيب لم يجب العتق، ومثال غير المترتبة: إن جاء زيد إن أكل إن ضحك فعبدي حرّ، فضحك زيد أول ثم الأكل ثم مجيئه [و] حكمها كالمسألة الأولى، وذلك أنه قد تقدم على الجواب ثلاثة شروط فيجعل الجواب للشرط الأول، وجواب الشرط الثاني محذوف لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه، وإذا كان دالّا عليه فهو الجواب في المعنى، وجواب الشرط الثالث محذوف لدلالة الشرط الثاني وجواب عليه، وإذا كان دالّا عليه وأغنى عنه فهو جوابه من حيث المعنى، ولما كان جواب كل شرط بعده وقوعا وإن تقدم عليه لفظا جرى في الواقع على أن يتأخر بعده وحتى كأنه قال: إن سألتني فإن وعدتّك فإن أعطيتك فعبدي حرّ قال: وقد سئل عن هذه المسألة عدّة من الفقهاء فمنهم من ذهب إلى هذا الذي قررناه، ومنهم من جعل الجواب للآخر وجواب الثاني الشرط الثالث وجوابه وجواب الأول الشرط الثاني وجوابه، فإذا وقع الأول ثم الثاني ثم الثالث لزم العتق وكأن الفاء عنده محذوفة، فكأنه قال: إن أعطيتك فإن وعدتّك فإن سألتنى فعبدي حرّ، ولا يلزم على هذا المذهب مضيّ فعل الشرط لأنه غير محذوف الجواب، لأن كل شرط قد ذكر جوابه، قال (¬1): وردّ هذا المذهب بوجهين: أحدهما: أن حذف الفاء لا يجوز في الكلام إنما يجوز في الضرورة. - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أن حكمه حكم القسم مع الشرط، فكما أنهما إذا اجتمعا بني الجواب على السابق منهما فكذلك إذا اجتمع الشرطان بجامع ما بينهما من أن الجواب في الموضعين تقدّمه ما يطلبه منهما، فكما بني الجواب على القسم إذا تقدّم الشرط كذلك بني على الشرط إذا تقدم الشرط» انتهى. وهذان الوجهان اللذان ردّ بهما هذا المذهب هما اللذان رد بهما ابن عصفور، إلا أن الشيخ قال بعد ذلك (¬1): «الفرق بينهما عندي أن الشرط الثاني يمكن أن يكون جوابا للشرط الأول بخلاف القسم إذا تقدم الشرط فإن الشرط لا يمكن أن يكون جوابا له، فلما لم يمكن أن يكون جوابا له وقوي بالتقدم كان الجواب له وحذف جواب الشرط لدلالة جواب القسم عليه، غاية ما يبقى على هذا المذهب حذف الفاء، لكن يدفع هذا المذهب أنا نجد شرطين متواليين لا يمكن تقدير الفاء في الثاني، وذلك إذا كان الأول يكون بعد الثاني نحو البيت الذي أنشدناه من قبل: 4061 - إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا (¬2) ألا ترى أنه لا يصلح تقدير الفاء هنا. ومن الفقهاء من ذهب إلى أنه لا يلتفت إلى تقديم فعل منها وتأخيره، بل إذا حصلت الشروط جميعها وقع العتق وكأنه احتمل عنده المذهب الأول والمذهب الثاني، واحتمل أيضا عنده أن يكون أضمر الفاء في الثاني ولم يضمرها في الآخر، واحتمل أيضا عنده أن يضمرها في الثالث ولم يضمرها في الثاني، و [لما] كانت تقادير هذه الاحتمالات وأحكامها متغايرة قال: إذا حصلت هذه الأفعال وقع العتق ولا يقال بالتقديم والتأخير» انتهى. قال ابن عصفور (¬3): «صاحب هذا المذهب يرى أن الكلام يحتمل أن يكون على ما ذكرناه أولا من بناء الجواب على الشرط الأول، وعلى ما ذكرناه لصاحب المذهب الآخر من جعل الشرط الثاني جوابا للأول وذلك على إضمار الفاء، ثم - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 878). (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه. وانظر التذييل (6/ 876). (¬3) لم أعثر على هذا الكلام في المقرب ولا في شرح الجمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: فلما كان هذا الكلام يحتمل عنده ما ذكر قال: إذا وقعت هذه الأفعال لزم العتق ولا يبالي بأيّها قدّم أو أخرّ» انتهى. ثم قال الشيخ (¬1): «والصحيح المذهب الأول وبه ورد السماع وعليه البيت الذي أنشدناه، وعليه عمل فصحاء المولدين قال أبو بكر بن دريد: 4062 - فإن عثرت بعدها إن وألت ... نفسي من هاتا فقولا لالعا (¬2) ألا ترى أنه جعل الجواب للشرط الأول وهو متقدم لفظا متأخر معنى، والشرط الثاني متأخر لفظا متقدم في المعنى فكأنه قال: إن نجوت من هذه فإن عثرت بعدها فقولا: لالعا. ثم قال (¬3): - أعني الشيخ -: «وثبت بعد قول المصنف: استغنى بجواب سابقهما، في نسخة عليها [خطه] ما نصه: وثاني الشرطين لفظا أولهما معنى في نحو: إن تتب إن تذنب ترحم (¬4)، قال (¬5): وقد تقدم لنا ذكر الأقاويل الثلاثة في اجتماع الشروط، فإن المختار أن الآخر هو الأول في الوقوع، وأنه لا فرق بين أن تكون مترتبة في الوجود أو لا تكون مترتبة، وكان المصنف ذهب إلى تفصيل فذكر أنه ما كان منها مترتبا في الوجود فوقع في النطق على غير الترتيب الوجودي فإن المراعي في الجواب إنما هو على الترتيب الوجودي لا على الترتيب المنطقي، فيكون: ترحم جواب: إن تتب وإن تذنب جوابه محذوف يدل عليه جواب: إن تتب، قال (¬6): وذهل (¬7) عن القاعدة التي قررها وهي: أنه متى كان الجواب محذوفا لم يكن فعل الشرط غير ماض، فأني بصيغة: إن تذنب وليس بلفظ المضيّ، قال: وغرّه في ذلك الوقوف مع ظاهر قوله: 4063 - إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا (¬8) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 878، 879). (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه في باب «أسماء الأفعال والأصوات» والشاهد فيه هنا: اجتماع الشرطين وجعل الجواب للأول منهما وهو متقدم لفظا متأخر معنى. (¬3) انظر التذييل (6/ 882، 883). (¬4) انظر التسهيل (ص 239). (¬5)، (¬6) أي الشيخ أبو حيان. (¬7) يعني المصنف. (¬8) سبق شرحه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن صيغة «تذعروا» مضارعة، وقد ذكرنا أن هذا إنما جاء في الشعر، قال: وأفهم كلامه في هذه المسألة [أنه] إذا لم [5/ 167] يكن الشرطان مترتبين فإن كل واحد يقع معنى حيث يقع نطقا نحو: إن أكلت إن ضحكت فأنت حرّ فيكون: إن أكلت أولا لفظا ومعنى، وإن ضحكت ثانيا لفظا ومعنى» انتهى. وفي قوله مشيرا إلى المصنف: وغرّه في ذلك الوقوف مع ظاهر قوله: 4064 - إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا نظر لأن المصنف لا يرى [أن] «إن تذعروا» له جواب وذلك أنه يجعله حالا مقيدة لقوله: «إن تستغيثوا» كما تقدم تقرير ذلك عنه، وإذا لم يكن له جواب فلا حذف حينئذ، وإذا لم يكن حذف لم يتعيّن كون فعل الشرط ماضيا. ثم قال الشيخ (¬1): «وأما قوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (¬2) فهذان شرطان متواليان قد حذف جواباتهما على مذهب جمهور البصريين، وقوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي ينبغي أن يجعل دليل جواب الأول، ويكون جواب الثاني محذوفا لدلالة الشرط وجوابه المحذوف عليه، فيكون محذوف دلّ على محذوف ويصير نظير قولك: أزيد أخاه تضربه، إذ التقدير: أتهين زيدا تضرب أخاه تضربه، فـ «تضرب» الناصب «أخاه» محذوف دلّ على «أتهين» الناصب زيدا فيكون محذوف قد دلّ على محذوف، ودلّ على المحذوف الأول لفظ وهو في الشرط: ولا ينفعكم نصحي، وفي مسألة الاشتغال قولك: تضربه، وهذا على مذهب من أجاز: أزيدا أخاه تضربه، وفي جوازها خلاف، ويكون المعنى في الشرط: إن أردت أن أنصح لكم لا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم، وقدره المصنف على عادته بالحال فقال (¬3): التقدير: إن أردت [أن] أنصح مريدا الله غيّكم لا ينفعكم نصحي» انتهى. ولقائل أن يقول: إذا كان قوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي دليل جواب «إن أردت أن أنصح لكم» وكان هذا الشرط مع دليل جوابه دليل جواب «إن كان الله يريد أن يغويكم» كان كل من الشرطين كأن جوابه مذكور لقيام الدليل مقام المدلول - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 883). (¬2) سورة هود: 34. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1614).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيف لا وهذا الذي جعله البصريون دليل الجواب هو نفس الجواب ضد الكوفيين ومن وافقهم من البصريين؟ وإذا كان الأمر كذلك كان كل من الشرطين في حكم مذكور الجواب لذكر ما هو دليل عليه، فيكون كل منهما كأنه قد ذكر جوابه، وتقدير الجواب محذوفا لم يكن للاحتياج إليه للاستغناء عنه بذكر ما دلّ عليه قبل الشرط، بل إنما هو من أجل الصناعة النحوية، لأنه قد تقرر أن الشرط لا بد له من جواب، وأن الجواب شأنه أن يذكر بعد الشرط، وإذا كان كذلك لم تكن الآية الشريفة وهي قوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (¬1) من قبيل ما نحن فيه، لأن الكلام الآن إنما هو في كلام توالى فيه شرطان وليس معهما مذكور إلا جواب واحد، وأن الاستغناء يحصل بذلك الجواب عن جواب الآخر ولا شك أن [الأمر في] الآية الشريفة ليس كذلك. وبعد فمسألة اعتراض الشرط على الشرط مهمة ومحتاج إليها في مسائل فقهية فلنذكرها الآن والمذاهب فيهما من رأس فنقول: نقل عن بعض النحاة منع هذا التركيب - أعني أن يعترض شرط على شرط - لكن الجمهور مطبقون على صحته، ولا شك في وروده في كلام العرب فيجب الاعتراض به، وقد عرفت أن مذهب النحاة أن الجواب يكون للشرط الأول وأن جواب الشرط الثاني محذوف لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه، وكذا جواب الشرط الثالث محذوف لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه، فإذا كان الشرط الأول وجوابه دالّا على جواب الشرط الثاني، والشرط الثاني وجوابه دالّا على جواب الشرط الثالث كان كل منهما جوابا من حيث المعنى لأنه قد دل على الجواب وأغنى عنه فكأنه هو في المعنى، واستدل على أن الشرط وجوابه يدلان على جواب الشرط بقوله تعالى: يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (¬2) لأن التقدير: إن كنتم مسلمين فإن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا، فحذف الجواب لدلالة ما تقدم عليه، ولا شك أنه إذا كان الأمر كذلك يلزم فيما علّق على شرط اعترض عليه شرط آخر أن يكون الشرط الثاني يقع في الوجود قبل الشرط الأول، لأن الأول قد تقرر فيه أنه قائم مقام الجواب، والجواب لا بد من تأخره عن الشرط لأنه مسبب - ¬

_ (¬1) سورة هود: 34. (¬2) سورة يونس: 84.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه، فالقائم مقامه حكمه حكمه، كيف والكوفيون ومن وافقهم من البصريين يدّعون أن المتقدم نفسه هو الجواب كما عرفت. فإذا قال القائل: إن أعطيتك إن وعدّتك إن سألتني فعبدي حرّ، فلا يحصل العتق في هذه الصورة إلا بوقوع السؤال أولا ثم وقوع الوعد ثانيا ثم وقوع الإعطاء ثالثا، لأن التقدير: إن سألتني فإن وعدتك فإن أعطيتك فعبدي حر، وإذا تقرر أن الجواب للشرط الأول تعيّن أن يكون فعل الشرط في الثاني وكذا الثالث إن كان الثالث ماضيا لأن الجواب قد حذف منه أو منهما، وإذا كان الجواب محذوفا تعيّن مضىّ فعل الشرط على ما هو متقرر عند النحاة، نعم يجوز أن يرد في الشعر غير ماض لأنه محلّ ضرورة، ومنه قول الشاعر: 4065 - إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا ... منّا معاقل عزّ زانها كرم (¬1) لكن قد عرفت أن المصنف لم يجعل هذا البيت ضرورة لأن الشرط الثاني لا جواب له عنده وإنما هو مقيد للأول كما يكون مقيدا بحال واقعة موقعه والتقدير: إن تستغيثوا بنا مذعورين، وعلى هذا إذا قيل: إن لبست إن ركبت فأنت حرّ كان معناه: إن لبست راكبا فأنت حر، قال بعض الفضلاء: «فهو - يعني المصنف - موافق للجمهور في اشتراط تأخير المقدم وتقدم المؤخر، لكن تخريجه يخالف تخريجهم» انتهى. وما قاله من أن المصنف [5/ 168] موافق الجمهور في اشتراط تأخير المقدم وتقديم المؤخر، قد ينازع فيه فإن الركوب في قولنا: إن لبست إن ركبت، لو قارن اللبس وذلك بأن يقعا معا حصل مقصود المصنف، نعم المصنف لا يمنع تقديم المتأخر، أما أن يوجبه كما توجبه الجماعة فلا. وإذا تقرر أن الشرط المذكور ثانيا هو في الوقوع أول، والمذكور أولا هو في الوقوع ثان، بطل أن يقال: إن توضأت إن صليت أتيت، لأن الوضوء لا يتسبب عن الصلاة، وصح أن يقال: إن صليت إن توضأت أتيت لأن الصلاة تتسبب عن الوضوء. ثم إنك قد عرفت ما ذكره ابن عصفور عن الفراء السادة الفقهاء من المذهبين - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والتعليق عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخرين في هذه المسألة، وأن منهم من جعل الجواب للآخر، وجواب الثاني الشرط الثالث وجواب الأول الشرط الثاني وجوابه، فاذا وقع الأول ثم الثاني ثم الثالث لزم المعلّق على الشرط، ففي قولنا: إن أعطيتك إن وعدتّك إن سألتني فأنت حرّ، إنما يحصل العتق إذا وقع الأول ثم الثاني ثم الثالث، وأن منهم من لم يعتبر تقديما ولا تأخيرا بل يقول: إذا حصلت الشروط جميعها على أي وجه حصلت وقع العتق، وقد طعن في هذين المذهبين: أما الأول منهما [فقد] تقدمت الإشارة إلى فساده بالوجهين اللذين ذكرهما الشيخ وقلنا: إنهما لابن عصفور، ومما يدل على بطلانه أيضا قول الشاعر: 4066 - إن تستغيثوا بنا إن تذعروا ..... (¬1) وذلك أن الواقع أولا إنما هو «الذعر» ثم تنشأ الاستغاثة عنه. وأما الثاني: فبطلانه ظاهر، لأن القائل به إن جعل الجواب للشرطين إن تقدم شرطان أو للشرط إن تقدم أكثر من شرطين فلا يكون جواب واحد لشيئين، وإن جعل لغير الشرط الأول فقد تبين بطلانه بما ذكر ردّا على المذهب الثاني، وإن جعل للشرط الأول فقد وافق قوله حينئذ قول الجمهور ولكنه لا يقول به. ثم إذا علم أن اعتراض الشرط على الشرط إنما يتحقق إذا توالي في الكلام شرطان أو أكثر، وكان المذكور بعد جوابا واحدا نحو: إن أعطيتك إن وعدتّك إن سألتني فعبدي حرّ علم أن الشرط إذا وليه جوابه ثم ذكر شرط آخر نحو قوله تعالى: وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (¬2) لا يكون ذلك من اعتراض الشرط على الشرط، وكذا لا يكون منه أيضا ما إذا كان الشرط الثاني مقرونا بـ «الفاء» نحو: إن راعاك زيد فإن أقبل عليك فأقبل عليه، إذ الشرط الثاني وجوابه جواب الشرط الأول، وكذا لا يكون منه أيضا ما إذا كان كل من جوابي الشرطين محذوفا مدلولا عليه بما هو متقدم على الشرط كقوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (¬3) فقد تقدم أن قوله تعالى: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي دليل جواب «إن أردت أن أنصح لكم»، وأن - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬2) سورة يونس: 84. (¬3) سورة هود: 34.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الشرط مع دليل جوابه دليل جواب «إن كان الله يريد أن يغويكم» والتقدير: إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم، فإن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي، فكل من الشرطين في حكم مذكور الجواب لذكر ما هو دليل عليه، ونظير هذه الآية الشريفة قوله تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها (¬1) لاشتماله على شرطين ذكر دليل جواب كل منهما مقدما عليه فليس في شيء من هذه الصور الثلاث اعتراض شرط على شرط. وبقيت صورة اضطرب الكلام فيها وهي: ما إذا اجتمع «أما» وأداة الشرط كقوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (¬2)، فأما المصنف فإنه جعل ذلك من قبيل [دخول] شرط على شرط فقال (¬3): «وقد يلي أمّا «إن» فيغني جواب «أمّا» عن جوابها كقوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: وقد تقدم (¬4) أن الجواب لأول الشرطين المتواليين، فإذا كان أول الشرطين «أما» كانت أحق بذلك من وجهين: أحدهما: أن جوابها إذا انفردت لا يحذف أصلا، وجواب غيرها إذا انفرد يحذف كثيرا لدليل، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه الثاني: أن «أما» قد التزم معها حذف فعل الشرط وقامت هي مقامه، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافا و «إن» ليست كذلك» هذا كلامه رحمه الله في شرح الكافية، وكلامه في التسهيل موافق لذلك فإنه لما ذكر «أمّا» قال (¬5): «ولا يليها فعل بل معموله أو «أو» إلى أن قال: أو أداة شرط يغنى عن جوابها جواب أمّا»، وقال الشيخ (¬6) في شرح هذا: «هذه المسألة فيها خلاف والصحيح أن أداة الشرط جوابها محذوف لدلالة جواب «أمّا» عليه، قال: ولذلك لزم أن يكون فعل الشرط ماضيا، ثم قال: وسبب ذلك أن ما يلي «أمّا» مقدم من تأخير وكان حقه أن يكون بعد «الفاء» فصار اجتماع «أما» والشرط كاجتماع الشرطين، وكاجتماع - ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 50. (¬2) سورة الواقعة: 88، 89. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1647) وقد نقله عنه بتصرف. (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1647). (¬5) انظر التسهيل (ص 245). (¬6) انظر التذييل والتكميل (خ) (4/ 198، 199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القسم المتقدم مع الشرط، فيحذف إذ ذاك جواب الشرط الثاني، قال (¬1): والتقدير: مهما يكن من شيء فروح وريحان إن كان من المقربين، فـ «الفاء» في جواب الشرط الذي تقدم، وجواب «إن» محذوف، قال (¬2): وهذا مذهب سيبويه (¬3)، قال: وزعم الأخفش (¬4) أن «فروح» و «فسلام» و «فنزل» جواب لـ «أمّا» والشرط معا فالأصل عنده: مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح، ثم أنيبت «أمّا» مناب «مهما» والفعل الذي بعدها فصار: فأمّا إن كان من المقربين فروح، ثم قدمت «إن» والفعل الذي بعدها [5/ 169] فصار: فأما إن كان من المقربين ففروح التقت الفاءان فأغنت إحداهما عن الأخرى فصار: فروح، قال: وهذه تقادير عجيبة ومع ذلك هي باطلة» انتهى. وقد أخرج بعض الفضلاء هذه المسألة من اعتراض على الشرط فقال: «وليس من اعتراض الشرط على الشرط أن يقترن الثاني منها بـ «الفاء» تقديرا، كما أنه ليس منه إذا اقترن بـ «الفاء» لفظا، قال: وذلك نحو قوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ (¬5) قال: لأن الأصل: مهما يكن من شيء فإن كان المتوفى من المقربين فجزاؤه روح، فحذفت «مهما» وجملة شرطها وأنيب عنها «أمّا» فصار: فأما فإن كان ففروا من ذلك لوجهين: أحدهما: أن الجواب لا يلي أداة الشرط بغير فاصل. والثاني: أن «الفاء» في الأصل للعطف فحقها أن تقع بين شيئين وهما المتعاطفان، فلما أخرجوها في باب الشرط عن الشرط حفظوا عليها المعنى [الأصلي] وهو التوسط، فوجب أن يقدم ما في حيزها عليها فقدمت جملة الشرط الثاني لأنها كالجزء الواحد، كما قدم المفعول في قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (¬6) فصار: فأما إن كان من المقربين ففروح، فحذفت «الفاء» التي هي جواب «إن» لئلا يلتقي فاءان، قال: فتلخص أن جواب «أما» ليس محذوفا بل مقدما بعضه - ¬

_ (¬1) و (¬2) أي الشيخ أبو حيان. (¬3) قال في الكتاب (4/ 235): وأما «أما» ففيها معنى الجزاء، كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من أمره فمنطلق ألا ترى أن الفاء لازمة لها أبد». (¬4) انظر معاني القرآن للأخفش (ص 334) ولم يذكر شيئا من هذا في هذه الآية. (¬5) سورة الواقعة: 88، 89. (¬6) سورة الضحى: 9.

[الأوجه الجائزة في المضارع المعطوف على الشرط]

[الأوجه الجائزة في المضارع المعطوف على الشرط] قال ابن مالك: (وإن توسّط بين الشّرط والجزاء مضارع جائز الحذف غير صفة أبدل من الشّرط إن وافقه معنى وإلّا رفع وكان في موضع الحال). ـــــــــــــــــــــــــــــ على «الفاء» فلا اعتراض» انتهى. ولقائل أن يقول: لا شك أن «أما» ليست حرف شرط في الأصل وإنما هي حرف تفصيل وقد تضمن معنى الشرط كما في قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (¬1) وقد لا تضمن وذلك إذا اقترنت بها أداة شرط كقوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (¬2) فيقال: استغنى عن تضمينها معنى الشرط بذكر الشرط معها وخلصت هي للتفصيل الذي هو معناها الأصلي، وعلى هذا فتخرج المسألة من هذا الباب. وأما قول المصنف: «ويتعيّن ذلك - يعني الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم السابق - إن تقدّمهما ذو خبر» فقد تقدم آنفا ما نقلناه عنه من شرح الكافية، وتقدم الكلام [عليه] في باب «القسم» أيضا. وأما قوله «أو كان حرف الشّرط لو أو لولا» فقد أشبع فيه الكلام في باب «القسم» أيضا فليراجع فإنه مشتمل على بحث حسن. قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬3) بعد كلامه على الفعل المتوسط بين الشرط والجزاء المقترن بـ «فاء» أو «واو»: «فإن خلا الفعل المتوسط بين الشرط والجزاء من الفاء والواو جزم وجعل بدلا من الشرط أو رفع وكان في موضع نصب على الحال، فمثال المجزوم المجعول بدلا قول الشاعر: 4067 - متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (¬4) - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 106، 107. (¬2) سورة الواقعة: 88، 89. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1607). (¬4) سبق شرحه والتعليق عليه في هذا التحقيق. والشاهد فيه هنا قوله: «تلم» حيث إنه مضارع توسط بين الشرط والجزاء وخلا من «الفاء» و «الواو» على البدل من الشرط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال المرفوع المقدر في موضع الحال قول الآخر: 4068 - متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد (¬1) انتهى. لكنه [هنا] قيّد الفعل - أعني المضارع المتوسط بين الشرط والجزاء الصالح للبدلية أو الحال تقيدين وهما: أن يكون جائز الحذف، وأن يكون غير صفة، واحترز بالقيد الأول من أن يكون ذلك الفعل خبر «كان» أو ثاني مفعولي «ظننت» نحو قولك، إن تكن تحسن إلى أحسنت إليك، وإن تظنني أصدق أصدقك، ومن ذلك قول زهير: 4069 - ومن لا يزل يستحمل النّاس نفسه ... ولا يغنها يوما من الدّهر يسأم (¬2) فالفعل الذي في هذين المثالين وفي هذا البيت لا تعلق له بفعل الشرط فيكون بدلا منه، ولا بفاعل فعل الشرط فيكون حالا، إنما هو خبر «كان» وخبر «لا يزال» وفي موضع ثاني مفعولي «ظننت» فكان له في الإعراب حكم نفسه، ولم يجز فيه أن يكون بدلا من فعل الشرط ولا حالا من فاعله. واحترز بالقيد الثاني من أن يكون ذلك الفعل صفه أي في موضع الصفة نحو قولك: إن يأتني رجل يخاف الله أعظّمه، فـ «يخاف الله» في موضع الصفة لفاعل الشرط فكان له أيضا في الإعراب حكم نفسه. فإذا انتفى عن المضارع الواقع بين الشرط والجزاء أن يكون جائز الحذف وأن يكون صفة ووافق في المعنى فعل الشرط جزم على أنه بدل من فعل الشرط كما في البيت المتقدم إنشاده (¬3)، وإن لم يوافق ذلك الفعل المتوسط فعل الشرط في المعنى - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والتعليق عليه في نواصب المضارع. والشاهد فيه هنا: قوله «تعشو» حيث إنه مضارع بين الشرح توسط والجزاء وخلا من «الفاء» و «الواو» فرفع وهو في موضع نصب على الحال والتقدير: متى تأته عاشيا. (¬2) هذا البيت من الطويل وهو لزهير وقوله «يستحمل الناس نفسه» أي يلقى إليهم بحوائجه وأموره فيعطهم إياها. والشاهد فيه رفع «يستحمل» لأنه لا تعليق له بفعل الشرط ولا بفاعله وإنما هو خبر «لا يزال» والبيت في الكتاب (3/ 85)، والمقتضب (2/ 63)، وأمالي الشجري والهمع (2/ 63) وديوانه (ص 15). (¬3) وهو قوله: متى تأتنا تلمم بنا .... البيت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رفع وكان في موضع الحال نحو: من يأتني يضحك أحسن إليه، ومن ذلك البيت المتقدم إنشاده وهو: 4070 - متى تأته تعشو إلى ضوء ناره قال الشيخ (¬1): «والموافقة قد تكون بالترادف كما في قوله: 4071 - متى تأتنا تلمم .... لأن الإتيان والإلمام مترادفان، وقد يكون الفعل الثاني نوعا من الأول نحو قولك: إن تأتني تمشى أمش إليك. انتهى. ولك أن تقول: كان الواجب أن يقول المصنف: وغير حال بعد قوله: «غير صفة» لأن الصفة كما أنها لفاعل فعل الشرط هكذا الحال إنما هي حال من فاعل الفعل المذكور فلها حكم نفسها، كما أن الصفة لها حكم نفسها، فكان الواجب أن يستثنى الحال كما تستثنى الصفة لأن الكلام إنما هو مسوق الآن لبيان تبعية المتوسط في الإعراب لفعل الشرط، وذلك إنما يتصور إذا كان بينه وبين فعل الشرط علاقة بأن وافقه معنى كما ذكر، أما إذا كان صفة لفاعل فعل الشرط أو حالا منه فلا يخفى أن له في الإعراب حكم نفسه. واعلم أن كلام الشيخ هنا تضمّن أمورا: أولها: أنه قال (¬2): «لا خصوصية في المسألة بالمضارع، بل الحكم الذي ذكره من البدل [5/ 170] أو الحال جار في المضارع وفي الماضي، فكما تقول: إن تأتني تمشي أكرمك تقول: إن أتيتني قد مشيت أكرمك، وإن تأتني قد ضحكت أحسن إليك، ويجوز أن لا تأتى بـ «قد» على رأي من لا يشترط ذكرها، ثم قال (¬3): ولكن المصنف ذكر المضارع لأن فيه يظهر أثر العمل في البدل وعدم أثره في الحال. انتهى. وقد كفانا مؤونة الجواب عن المصنف بقوله: إن أثر العمل يظهر في المضارع - يعني من جزم أو رفع ولا شك أن هذا هو المقتضي له أن خصص المضارع بالذكر. ثانيها: أنه قال (¬4): «وذكر المصنف أن المضارع إذا استوفى ما ذكره من الشروط - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 892). (¬2) انظر التذييل (6/ 891) وقد نقله عنه بتصرف. (¬3) أي الشيخ أبو حيان. (¬4) انظر التذييل (6/ 892).

[اتصال «ما» الزائدة ببعض أدوات الشرط]

[اتصال «ما» الزائدة ببعض أدوات الشرط] قال ابن مالك: (واتّصال «ما» الزّائدة بإن وأيّ وأين وأيّان ومتى وكيف جائز). ـــــــــــــــــــــــــــــ كان بدلا، قال: وظاهر كلامه أنه لا يجوز فيه الحال ولذلك قال: وإلا رفع وكان في موضع الحال، وليس على ما ذكر، بل قد جوّز النحويون أنه إذا كان بتلك الشروط رفعه على أنه يكون في موضع الحال، وتكون تلك الحال مؤكدة، ويقوي الحال إن كان المضارع نوعا من الأول، وإن كان جزمه بدلا في النوعين هو الوجه» انتهى. ولقائل أن يقول: جعل المضارع المتوسط بين الشرط والجزاء حالا لا يمنع منه مانع صناعي، فإذا كان حالا كأنه جاء على ما يقتضيه أصل التركيب، وإنما تبعية ذلك المتوسط لما قبله في الإعراب هو الذي يحتاج إلى التنبيه عليه، فكان هو المحتاج إلى ذكره لأنه قد يتوهم فيه أنه لا يجوز إتباعه في الإعراب لما قبله. وأما قوله «وإلّا رفع وكان في موضع الحال» فتنبيه على أنه إذا لم يوافق فعل الشرط في المعنى لا يجوز أن تبدل منه، بل يعطى حكم نفسه فيرفع، ونبّه على أنه إذا رفع كان في موضع الحال لأنه قد يتوهم فيه الاستفهام. ثالثها: أنه قال: لم يبين المصنف في قوله: «أبدل، طريقة البدل، قال: ونصّوا على أنه يكون بدل الشيء من الشيء وهما لعين واحدة، وبدل اشتمال على ما قررناه من القسمين» انتهى. قال ناظر الجيش: قد تقدم الكلام على هذه المسألة، وذكر أن أدوات الشرط بالنسبة إلى لحوق «ما» وعدم اللحوق على أقسام ثلاثة: قسم يجب فيه عدم اللحوق وهو: «من» و «ما» و «مهما» و «أنّى». وقسم يجب فيه اللحوق وهو: «إذ» و «حيث». وقسم يجوز فيه الأمران وهو: «إن» و «متى» و «أين» و «أيّ» و «أيّان» وهذا تقسيم مدخول لأن «إذ» و «حيث» ليستا أداتي شرط إنما الأداة «إذما» و «حيثما». وبعد فالذي أتى به المصنف هنا في غاية الحسن وهو أنه لم يتعرض لشيء من ذلك، بل ذكر أن اتصال «ما» جائز بهذه الكلمات التي ذكرها، فعلم أن اتصالها -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ببقية الكلمات من أدوات الشرط غير جائز، وأما «إذما» و «حيثما» فقد عرفت أن «إذما» هي الأداة نفسها لا «إذ» وكذا «حيثما» هي الأداة [لا «حيث» فلا يقال إن ثمّ أداة] شرط يجب اتصال «ما» الزائدة بها، وقد ذكر المصنف «كيف» ولا شك أن كلامه الآن إنما هو في الأدوات الجوازم فكان ينبغي أن يؤخّر ذلك إلى أن يتكلم في «كيف». واعلم أن في شرح الشيخ (¬1) أن الكوفيين يجيزون زيادة «ما» بعد «من» و «ما» و «أنّى»، وأن الفراء (¬2) يجوّز الجزم بـ «إذ» وب «حيث» دون «ما» ولا شك أن مثل هذا لا ينبغي التعويل على نقله ولا الاشتغال به. والمنقول عن الجزولي (¬3) أن «ما» لحقت «أيّا» عوضا من الإضافة، وهو غلط، لأنها لو كانت عوضا للزمت ثم إنها قد لحقت مع الإضافة في قوله تعالى: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ (¬4)، والحق أن «ما» زائدة لمجرد التوكيد (¬5). فأما لحاقها «إن» فمنه قوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ * (¬6) وقوله تعالى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ (¬7)، وقوله تعالى: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ (¬8) وهو في القرآن العزيز كثير (¬9)، ولم يأت لحاقها «إن» في الكتاب العزيز إلا والفعل مؤكد بـ «النون» (¬10)، ومن ورودها في غير الكتاب العزيز بغير «نون» قوله: 4072 - زعمت تماضر أنّني إمّا أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلّت (¬11) وأما لحاقها «أيّا» فمنه قوله تعالى: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ، وقوله تعالى: - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 893، 894). (¬2) أشار الفراء في معاني القرآن (1/ 85) إلى جواز ذلك في «حيث»، وانظر الهمع (2/ 58). (¬3) انظر المقدمة الجزولية «القانون» (ص 42) تحقيق د/ شعبان عبد الوهاب محمد. (¬4) سورة القصص: 28. (¬5) سورة القصص: 28. (¬6) سورة الأعراف: 200، وسورة فصلت: 36. (¬7) سورة الأنعام: 68. (¬8) سورة الإسراء: 28. (¬9)، (¬10) انظر التذييل (6/ 895). (¬11) سبق شرحه والتعليق عليه. الشاهد فيه هنا اتصال «ما» الزائدة بـ «إن» الشرطية في قوله «إما أمت» والفعل غير مؤكد بالنون.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬1). وأما لحاقها «أين» فمنه قوله تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ (¬2). وأما لحاقها «أيّان» فكقول القائل: 4073 - فأيّان ما تعدل بها الرّيح تنزل (¬3) ولا التفات إلى قول من يمنع لحاقها «أيّان» (¬4). وأما لحاقها «متى» فكقول القائل: 4074 - ومتى مايع منك كلاما ... يتكلّم فيجبك بعقل (¬5) وكقول الآخر: 4075 - متى ما يجئ يوما إلى المال وارثي ... يجد جمع كفّ غير ملء ولا صفر يجد فرسا مثل العنان وصارما ... حساما إذا ما هزّ لم يرض بالهبر (¬6) وأسمر خطّيّا كأنّ لعابه وأما لحاقها «كيف» فكقول القائل: افعل كيف ما شئت. - ¬

_ (¬1) سورة الإسراء: 110. (¬2) سورة النساء: 78. (¬3) هذا عجز بيت من الطويل لقائل مجهول وصدره: إذا النعجة الأدماء كانت بقفرة والشاهد فيه زيادة «ما» بعد «أيان» في قوله «فأيان ما تعدل» والبيت في التذييل (6/ 899)، والهمع (2/ 63) والدرر (2/ 80) والأشموني (4/ 10). (¬4) انظر التذييل (6/ 896). (¬5) هذا البيت من المديد، وهو لقائل مجهول، واستشهد به على زيادة «ما» بعد «متى» في قوله: ومتى مايع. (¬6) هذه الأبيات من الطويل، وهي لحاتم الطائي في ديوانه (ص 28). الشرح: قوله «جمع كف» هو قدر ما يشتمل عليه الكف من المال وغيره، وقوله «مثل العنان» رواية الديوان: مثل القناة، يقول: متى جاء وارثي بعد موتي يجد قدرا من المال لا يوصف بالكثرة ولا بالقلة يجد فرسا ضامرا كالعنان في إدماجه وضمره، وسيفا قاطعا إذا حرك في الضريبة لم يرض بالهبر أي القطع ولكن يتجاوزه إلى ماوراءه، وقوله «قد أرمى» «ذراعا على العشر»: وصفه بأنه لم يكن طويلا ولا قصيرا حتى لا يكون مضطربا ولا قاصرا. والشاهد في قوله: «ومتى ما يجيء» حيث زيدت «ما» بعد «متى» الشرطية. والبيت الأول منها في التذييل (6/ 895)، والأبيات الثلاثة في شرح ديوان الحماسة للتبريزي (4/ 146، 147).

[صور فعلي الشرط والجواب]

[صور فعلي الشرط والجواب] قال ابن مالك: «وكون فعلي الشّرط ماضيين وضعا، أو بمصاحبة «لم» أحدهما أو كليهما، أو مضارعين دون «لم» أولى من سوى ذلك، ولا يختصّ نحو: إن تفعل فعلت بالشّعر خلافا لبعضهم». قال ناظر الجيش: أراد بقوله «فعلي الشّرط»: فعلى الشرط والجزاء، لأن فعل الجزاء لما كان ناشئا عن فعل الشرط لأنه مسبب عنه صحت نسبته إليه، ثم إن فعل الشرط إما أن يكون ماضيا بالوضع، أو مضارعا عاريا من «لم» أو مضارعا مصحوبا بـ «لم» وفعل الجزاء أيضا كذلك، والخارج من ذلك تسع صور وتؤخذ من كلام المصنف، فمنها خمس بالمنطوق وهي: أن يكون الفعلان ماضيين بالوضع نحو: إن قام زيد قام عمرو، وأن تكون «لم» مصاحبة لفعل الشرط نحو: إن لم يقم زيد قام عمرو، وأن تكون «لم» مصاحبة [5/ 171] لفعل الجزاء نحو: إن قام زيد لم يقم عمرو، وأن تكون «لم» مصاحبة كليهما نحو: إن لم يقم زيد لم يقم عمرو، وأن يكون الفعلان مضارعين دون «لم» في كل منهما نحو: إن يقم زيد يقم عمرو. ومنها أربع بالمفهوم وهي: أن يكون الشرط ماضيا بالوضع وفعل الجزاء مضارعا لم تصحبه «لم» نحو: إن قام زيد يقم عمرو، وأن يكون الأول مصحوبا بـ «لم» والثاني مضارعا نحو: إن لم يقم زيد يقم عمرو، وأن يكون الأول مضارعا لم تصحبه «لم» والثاني [ماضي الوضع نحو: إن يقم زيد قام عمرو، وأن يكون الأول مضارعا لم تصحبه «لم» والثاني] مضارعا مصحوبا بـ «لم» نحو إن يقم زيد لم يقم عمرو. ثم إن كلّا من الصور الخمس المأخوذة من المنطوق أولى من كل من الصور الأربع المأخوذة من المفهوم كما صرح به في قوله «وكون فعلي الشّرط كذا أولى من سوى ذلك»، وإنما كانت تلك أولى للمشاكلة، ولكن بعضها أولى من بعض، قالوا (¬1): فالأحسن أن يكونا مضارعين [وذلك لظهور (¬2) العمل فيهما، ثم ماضيين للمشاكلة وهو عدم التأثير، ثم أن يكون الأول ماضيا والجواب مضارعا، قالوا (¬3): - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 896). (¬2) في التذييل (6/ 896) «لظهور تأثير العمل فيهما». (¬3) انظر التذييل (6/ 896).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن فيه الخروج من الأضعف إلى الأقوى وهو من عدم التأثير إلى التأثير. وقال الإمام بدر الدين (¬1): «إذا كان الشرط والجزاء فعلين جاز أن يكونا مضارعين] وأن يكونا ماضيين، وأن يكون الشرط ماضيا والجواب مضارعا، وأن يكون الشرط مضارعا والجواب ماضيا، والأكثر أن يكونا مضارعين لأنه الأصل، ومنه قوله تعالى: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ (¬2) ويليه في الكثرة أن يكونا ماضيين وضعا أو بمصاحبة «لم» أحدهما أو كلاهما لأنه وإن كان أبعد عن الأصل من كون أحدهما مضارعا فهو أدخل في المشاكلة وذلك نحو: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا (¬3)، ونحو: إن قمت لم أقم، وإن لم تقم قمت، وإن لم تقم لم أقعد، وأما كون الشرط ماضيا والجواب مضارعا فقليل بالنسبية ومن ذلك قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها (¬4) وأقلّ منه كون الشرط مضارعا والجواب ماضيا لأن الشرط الماضي لا يلتبس بغيره لأنه مقرون بأداة الشرط والجواب الماضي قد يلتبس بغيره لعدم ظهور الجزم فيه» انتهى. وقال سيبويه (¬5) بعد أن قرر أن المجزوم بـ «لم» ماض: «فإذا قلت: إن تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل لأنه نظيره من الفعل، وإذا قلت: إن فعلت فأحسن الكلام أن تقول: فعلت لأنه مثله فكما ضعف فعلت مع أفعل، وأفعل مع فعلت قبح لم أفعل مع الفعل، لأن لم أفعل نفي فعلت، وقبح لا أفعل مع فعل لأنها نفي أفعل» انتهى. وأما أفهم كلام المصنف أن الصور الأربع - وإن كانت الصور الخمس أولى منها - جائزة في الكلام، وكان في إحداهما خلاف وهي التي قال فيها بدر الدين: «وأقلّ منه كون الشرط مضارعا والجواب ماضيا» أراد التنبيه على ذلك فأشار إليه بقوله «ولا يختصّ إن تفعل فعلت بالشّعر خلافا لبعضهم» ثم لما ذكر هذه المسألة في شرح الكافية أنشد أبياتا (¬6) شواهد على ذلك وهي قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 90). (¬2) سورة البقرة: 284. (¬3) سورة الإسراء: 8. (¬4) سورة هود: 15. (¬5) انظر الكتاب (3/ 91، 92). (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1585 - 1588).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4076 - من يكدني بسيّئ كنت منه ... كالشّجابين حلقه والوريد (¬1) وقول الآخر: 4077 - إن تصرمونا وصلناكم وإن تصلوا ... ملأتم أنفس الأعداء إرهابا (¬2) وقول الآخر: 4078 - إن يسمعوا سبّة طاروا بها فرحا ... منّي وما يسمعوا من صالح دفنوا (¬3) ثم قال (¬4): وأكثر النحويين يخصون ذلك بالضرورة، ولا أرى ذلك لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (¬5)، قال: ولأن قائل البيت الأول متمكن من أن يقول بدل: كنت منه: أك منه وقائل الثاني متمكن من أن يقول بدل: وصلناكم: نواصلكم، وبدل: ملأتم: تملأوا، وقائل الثالث متمكن من أن يقول بدل: إن تسمعوا: إن سمعوا وبدل: وما يسمعوا: وما سمعوا. فإذ لم يقولوا ذلك مع إمكانه علم أنهم غير مضطرين، قال: وقد صرح بجواز ذلك في الاختيار الفراء (¬6) - رحمه الله تعالى - وجعل من ذلك قوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (¬7) لأن: ظلت بلفظ الماضي وقد - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الخفيف وهو لأبي زيد الطائي في ديوانه (ص 52) و «الشجا» ما ينشب في الحلق من عظم أو غيره، و «الوريد» عرق غليظ في العنق، والشاهد فيه كون فعل الشرط مضارعا وهو «يكدني» وجوابه ماضيا وهو «كنت»، ويراه بعضهم مخصوصا بالضرورة، وجوزه ابن مالك، والبيت في المقتضب (2/ 58)، والمقرب (1/ 275)، والتذييل (6/ 897) والخزانة (3/ 654). (¬2) هذا البيت من البسيط، والصرم: القطع، والإرهاب: مصدر أرهبه اذا أخافه. والشاهد فيه أن الشرط في الموضعين جاء مضارعا والجواب مضارعا. والبيت في التذييل (6/ 897) والعيني (4/ 428) والهمع (2/ 59). (¬3) هذا البيت من البسيط، وهو لقعنب بن أم صاحب، والسّبّة «ما ينسب به من العيوب. والشاهد فيه مجيء الشرط مضارعا والجزاء ماضيا في الموضعين المذكورين في البيت، وقد خص الجمهور هذا بالضرورة وأجازه ابن مالك والفراء. والبيت في المحتسب (1/ 206)، والتذييل (6/ 897) والمغني (ص 692) وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص 1450). (¬4) أي ابن مالك. (¬5) رواه البخاري في باب «فضل ليلة القدر» بلفظ «ومن قام ليلة القدر». انظر صحيح البخاري بحاشية السندي (1/ 343) وانظر الموطأ (1/ 113). (¬6) انظر معاني القرآن (2/ 276). (¬7) سورة الشعراء: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف على: تنزل، وحق المعطوف أن يصلح لحلوله محلّ المعطوف عليه» انتهى. قال الشيخ (¬1): «هذا البعض الذي خالفه المصنف هو الجمهور، ونصّوا على أنه مخصوص بالشعر». ثم قال (¬2): فأما استدلاله بالأثر فنقول: قد لهج هذا المصنف في تصانيفه كثيرا بالاستدلال بما وقع في الحديث في إثبات القواعد الكلية في لسان العرب بما روي فيه، وما رأيت أحدا من المتقدمين ولا المتأخرين سلك هذه الطريقة غير هذا الرجل، قال: وإنما تنكّب (¬3) العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك نفس لفظ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وذلك أن الرواة جوّزوا النقل بالمعنى، قال: وقد وقع اللحن كثيرا فيما روي في الحديث لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في نقلهم وهم لا يعلمون. وأطال الكلام في ذلك إلى أن قال (¬4): إن المصنف يستدل بالآثار متعقبا بزعمه على النحويين وما أمعن النظر في ذلك، ولا صحب من له التمييز في هذا الفن والاستبحار والإمامة، ولذلك تضعف استنباطاته من كلام سيبويه، وينسب إليه مذاهب، ويفهم من كلامه مفاهيم لم يذهب سيبويه إليها، ولا أرادها، ووقفت له على ذلك، ومنها: زعمه أن مذهب سيبويه أن [الفعل المبني للمفعول أصل بنفسه، ومنها: زعمه أن مذهب سيبويه أن] إن النافية تعمل عمل «ما» النافية، ومنها: زعمه أن ترخيم الجملة جائز، وغير ذلك، يستنبط ذلك بزعمه من «كتاب» سيبويه والعارفون بالكتاب وبمقاصده، والعاكفون على إقرائه والجمع بين أطرافه يخالفونه في ذلك، فدلّ على أنه حين ينظر في «كتاب» سيبويه إنما ينظر نظر من لم يتفقه فيه مع أحد، وقال وقال إلى أن قال (¬5): إنما الناس [5/ 172] الفاضل منهم من يحل كتابا أو كتابين في الفن المنسوب إليه، هذا إذا كان مزاولا لذلك الكتاب، وأما إن كان صاحب نتاتيف (¬6) وينظر في علوم كثيرة فهذا لا يمكن أن - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 897). (¬2) انظر التذييل (6/ 898). (¬3) تنكب عن الشيء وعن الطريق: عدل. اللسان (نكب). (¬4) انظر التذييل (6/ 900). (¬5) انظر التذييل (6/ 901). (¬6) يبدو أنه جمع: نتفة وهو ما نتف بالأصابع من النّبت أو غيره، وهو كناية عن قلة ما جمع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يبلغ الإمامة في شيء منها. قال (¬1): وقد نظمت أبياتا في شأن من يقرأ بنفسه ويأخذ العلم من الصحف بفهمه وهي: يظنّ الغمر أنّ الكتب تهدي ... أخا فهم لإدراك العلوم (¬2) وما يدري الجهول بأنّ فيها ... غوامض حيّرت عقل الفهيم إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصّراط المستقيم وتلتبس الأمور عليك حتّى ... تصير أضلّ من توما الحكيم (¬3) أشرت إلى قول بعضهم: قال حمار الحكيم توما ... لو أنصفوني لكنت أركب لأنّني جاهل بسيط ... راكبي جاهل مركّب قال (¬4): وكان بعض من تولي قضاء القضاة بديار مصر من أهل الصعيد الأعلى يقول: هذا كتاب سيبويه فيه عجمة ونكادة لفظ، قال (¬5): وما ذلك إلا لكونه لم يقرأ النحو أو قرأ منه نزرا يسيرا على مبتدئ في النحو، هذا وما كان مدفوعا عن فطنة وذكاء وإعمال فكر وإكداده وبعض إنصاف رحمه الله تعالى. وأما هذا المصنف الذي كمّلنا شرح كتابه فإنه كان رجلا صالحا مغتنيا بهذا الفن النحوي، كثير المطالعة لكتبه، منفردا بنفسه، لا يحتمل أن ينازع ولا يجادل، ولا يباحث، ونظم في هذا الفن كثيرا، ونثر، جمع باعتكافه على الاشتغال بهذا الفن والشّغل به وبمراجعة الكتب ومطالعة الدواوين الغريبة، وطول السن من هذا العلم غرائب، وحوت مصنفاته منها نوادر وعجائب، ومنها كثيرا ستخرجه من أشعار العرب وكتب اللغة، ولم يكن ممن لازم في هذا الفن إماما مشتهرا به، ولا يعلم له فيه - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 901). (¬2) الغمر والغمر والغمر والغمر: الذي لم يجرب الأمور. انظر اللسان (غمر). (¬3) «توما الحكيم» كان طبيبا بالعراق هجاه بعض العراقيين بما أورده أبو حيان من البيتين التاليين فصار قوله يضرب مثلا في الجهل. (¬4) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 902). (¬5) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شيخ، ولا ذكر هو من اشتغل عليه بهذا الفن، واستمر في كلام يشبه ذلك ثم قال (¬1): وقال لي قاضي القضاة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي (¬2)، وكان ممن قرأ على المصنف، وقد جرى ذكرا ابن مالك واستدلاله بما أشرنا إليه قال (¬3): قلت له: يا سيدي هذا الحديث روته الأعاجم، ووقع فيه بروايتهم ما نعلم أنه ليس من لفظ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فلم يجب بشيء، قال (¬4): وإنما أمعنت الكلام في هذا المسألة لئلا مبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلّون بما ورد في الحديث بنقل العدول كالبخاري (¬5) ومسلم (¬6) وأضرابهما، فإذا طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث» انتهى. وأقول: أما إنكاره على المصنف الاستدلال بما ورد من الأحاديث الشريفة معتلّا لذلك بأن الرواة جوّزوا النقل بالمعنى، فيقال فيه: لا شك أن الأصل في المروي أن يروى باللفظ الذي سمع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والرواية بالمعنى وإن جازت فإنما تكون في بعض كلمات الحديث المحتمل لتغيير اللفظ بلفظ آخر يوافقه معنى، إذ لو جوّزنا ذلك في كل ما يروى لارتفع الوثوق عن جميع الأحاديث بأنها هي بلفظ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهذا أمر لا يجوز توهمه فضلا عن أن يعتقد وقوعه، ثم إن المصنف إذا استدلّ على مسألة بحديث لا يقتصر على ما في الحديث الشريف، بل يستدل بكلام العرب من نثر ونظم يردف ذلك بما في الحديث إما تقوية لما ذكره من كلام العرب وإما استدلالا على أن المستدل عليه لا يختصّ جوازه بالشّعر، بل إنه يجوز في الاختيار أيضا، ولا يخفى عن البيب أن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعمر رضي الله تعالى عنه في ابن - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 903). (¬2) قاض من العلماء بالحديث وسائر علوم الدين، ولد في حماة وولي الحكم والخطابة بالقدس ثم القضاء بمصر فقضاء الشام، ثم قضاء مصر إلى أن شاخ وعمي، وتوفى بمصر سنة (733 هـ)، وله تصانيف منها: «المنهل الروي في الحديث النبوي» انظر ترجمته في النجوم الزاهرة (9/ 289)، وفوات الوفيات (3/ 297، 298). (¬3) أي قاضي القضأة أبو عبد الله بن جماعة. (¬4) أي الشيخ أبو حيان. التذييل (6/ 903). (¬5) هو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي، ولد ببخارى سنة (194 هـ) وتوفى بها سنة (256 هـ). انظر مقدمة صحيح البخاري بحاشية السندي (1/ 3). (¬6) هو الإمام أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم النيسابوري. ولد سنة (206 هـ) وتوفي سنة (261 هـ). انظر مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي والأعلام (7/ 221).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صيّاد «إن يكنه فلن تسلّط عليه وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله» (¬1) يبعد فيه أن يكون مغيّرا، كذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ملّككم إيّاهم ولو شاء ملّكهم إيّاكم» (¬2) وأما قوله: إن المصنف ما أمعن النظر في ذلك فما علمت الأمر الذي أشار إليه بأن المصنف ما أمعن فيه نظره ما هو؟ وأما قوله: «ولا صحب من له التمييز في هذا الفن والاستبحار والإمامة» فما أعرف من أين له علم ذلك حتى بنفيه؟ وكأنه يشير بذلك إلى أنه ما صحب أبا علي الشلوبين ولا قرأ عليه، كما اتفق ذلك للحلبة الشلوبينية كابن عصفور وابن الضائع والأبّذيّ وابن هشام وابن أبي الربيع، وأصحابهم، وهذا أمر عجيب، فإن الله تعالى من كرمه وإنعامه على عباده لم يحصر العلم في ناحية ولا في إنسان، بل فضل الله منتشر في الجهات ومثبوت في العباد ولا يختص بجهة دون جهة، ولا بإنسان دون آخر، وهب أنه صحب من له الإمامة في الفن أو من ليست له الإمامة أليس الله تعالى قد أنعم عليه وأوصله عن هذا العلم إلى ما لم يصل إليه من صحب له التمييز في هذا الفن والاستبحار كما ذكر والإمامة. وأما قوله عنه: إنه تصعف استنباطاته من كلام سيبويه وينسب إليه مذاهب ويفهم من كلامه مفاهيم لم يذهب سيبويه إليها ولا أرادها، وإن منها كذا وكذا ومنها كذا وكذا إلى آخر كلامه، فهذا عجب من الشيخ كيف يصدر عنه هذا في حق مثل هذا الإمام الكبير المشهود له بالتبريز الذي قال هو في حقه: إنه نظم في هذا الفن كثيرا ونثر، وأنه جمع باعتكافه على الاشتغال بهذا الفن والشّغل به، ومراجعة الكتب ومطالعة الدواوين الغريبه من هذا العلم غرائب، وحوت مصنفاته منها نوادر وعجائب، وإن منها كثيرا استخرجه من أشعار العرب وكتب اللغة، فمن شهد له بأنه وصل إلى هذه الرتبة التي هي رتبة الاجتهاد لقوله: إنه استخرج كثيرا من أشعار العرب وكتب اللغة، ولا شك أن هذه وظيفة المجتهد، كيف يقول [5/ 173] فيه: إنه ضعيف الاستنباط من كلام سيبويه، وأنه يفهم غير المراد، وأنه وأنه؟ - ¬

_ (¬1) رواه البخاري في باب «الجنائز» (1/ 234)، وورواه أيضا في كتاب «الجهاد والسير» (2/ 179) ورواه مسلم في صحيحه (4/ 2244). (¬2) انظر شرح الألفية للأبناسي (1/ 83).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: إنه لم يعلم له شيخ، فما أعرف كيف ذلك نقصا في رجل انتشر علمه وانتهى إلى رتبة بلغ بها أن يصحح ما أبطله غيره ويبطل ما صححه غيره بالأدلة الواضحة والمستندات الراجحة؟ وكم من طالب فاق شيخه، وخادم برّز على أستاذه، وانظر إلى العلماء الكبار المشهورين من أهل الفنون الذين اعترف الناس لهم بأنهم ارتقوا في فنونهم إلى المراتب السنية التي لا تلحق، هل كانوا متقدمين في الذكر على من اشتغلوا عليه وأخذوا عنه أولا؟ والطالب لا بد له من شيخ موفق، ولكن إنما يحتاج إليه في حل الكتاب الذي يقرأه عليه وتبيين المقصود من كل باب من ذلك الكتاب، وتقرير مسائله تصورا وتصديقا بحيث تصير له أهلية لفهم ما يطالعه من كتب ذلك الفن، والتمييز بين الصحيح والفاسد من مسائله، فإذا أعطاه الله تعالى مع ذلك صحة فكر وقوة إدراك واستمر عاكفا محصلا لما هو بصدده فقد يصل إلى أضعاف ما وصل إليه شيخه، وقد قال المصنف (¬1): «وإذا كانت العلوم منحا إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين»، ولكن الشيخ - رحمه الله تعالى - كان في خاطره أن النحو الذي وصل إليه المتأخرون من المغاربة كالأستاذ أبي علي الشلوبين وتبّاعه - رحمهم الله تعالى - لم يصل إليه غيرهم، فما رأي كتب المصنف وما أبرزه من النوادر والغرائب والعجائب، ولم يبعد أن حصل في النفس حسد ما، وكأن المصنف استشعر وقوع ذلك فلهذا قال بعد كلامه الذي تقدم (¬2): «أعاذنا الله من حسد يسدّ باب الإنصاف، ويصدّ عن جميل الأوصاف». ولكن الله در أبي تمام الطائي (¬3) حيث قال: 4079 - وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النّار في ما جاورت ... ما كان يعرف طيب نشر العود (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر التسهيل (ص 2). (¬2) المرجع السابق نفسه. (¬3) أبو تمام: حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، الشاعر الأديب أحد أمراء البيان، أقام في العراق حتى توفي بها سنة (231 هـ). انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 155، 156)، والخزانة (ص 172) والأعلام (2/ 165). (¬4) هذان بيتان من الكامل قالهما أبو تمام من قصيدة يمدح فيها أبا عبد الله أحمد بن أبي وهما في ديوانه بشرح التبريزي (1/ 397) ويروى فيه «طيب عرف العود» وانظرها في عيون الأخبار (2/ 8) والعقد الفريد (2/ 152).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله - أعني الشيخ -: «إن الفاضل من يحل كتابا أو كتابين في الفن المنسوب إليه مع مزاولته لذلك الكتاب» فهذا الكلام منه دليل على أن المصنف لم يحل كتابا في هذا الفن على أحد، وكفى بهذا الكلام من قائله قبحا، ويزيد هذا القبح قبحا إنشاده لنفسه - عقب ذلك - الأبيات التي أولها: يظنّ الغمر أنّ الكتب تجدي ... أخا فهم لإدراك العلوم وقوله فيها: إذا رمت العلوم بغير شيخ ... ضللت عن الصّراط المستقيم لأن هذا إنما يقال لإنسان جاهل لا قرأ ولا درى ولا اقتبس من أحد شيئا فيأخذ كتابا وينظر فيه ظانّا أنه يدرك معانيه بنظرة من غير توقيف من مرشد، ولا يقال هذا لواحد من الطلبة المتميّزين فضلا أن يقال في معرض التعريض بإمام يشهد له بالفضل أهل المشرق والمغرب من أهل فنه، وقد كان هو - أعني الشيخ - رحمه الله تعالى يقول: «من عرف ما في هذا الكتاب - يعني التسهيل - لا يكون تحت السماء أنحى منه». ثم لم يقنع الشيخ ما قاله في حق المصنف حتى تعدّاه إلى آخر وهو الذي ذكر أنه من أهل الصعيد الأعلى وأنه تولى قضاء القضاة بديار مصر فقال عنه: إنه لم يقرأ النحو وقرأ منه نزرا يسيرا على مبتدئ في النحو، وهذا الرجل الذي أشار إليه هو الشيخ: تقى الدين الشهير بابن دقيق العيد (¬1) - رحمه الله تعالى - وهو الرجل الذي يعترف بفضله الحاضر والبادي، والدّاني والقاصي، والصديق والعدو، ولم ينازع في علمه أحد، بل كان في زمن فيه رؤوس العلماء المعتبرين الراسخون في الفنون، والكل خاضعون له، ماثلون بين يديه، يتلقون منه ما يقوله، ومعترفون بأنه أحد أهل وقته، ويدلك على صحة ذلك ما أبرزه من مصنفاته، والناظر إذا وقف على كلامه وتأمله علم أنه فوق ما ذكرنا، وكيف لا يكون كذلك وله استنباطات أحكام من السنة النبوية انفرد بها؟ ولقد استنبط من حديث واحد من الأحاديث التي أوردها في كتابه «الإلمام» أربعمائة وستة وثلاثين حكما، أترى من له هذه القوة والتمكن يقال عنه: إنه لم يقرأ النحو وأنه قرأ منه نزرا يسيرا على مبتدئ؟ - ¬

_ (¬1) سبق ترجمته.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكيف يصل من يستنبط الأحكام الشرعية إلى ما يقصده دون تضلّع بعلم العربية و [علم] الأصول، وغيرها مما يتبعهما، ولا يبعد أن غض الشيخ منه له سبب محرج أوجب له أن يتكلم بذلك، ويحكى أن قضية جرت بين الشيخ تقي الدين وبينه لكنني لم أتحقق أنها وقعت، فما أمكنني تسطيرها. وبعد فرحمهم الله تعالى أجمعين بمنّه وكرمه. ثم قال الشيخ (¬1): «وأما قول المصنف، إن قائل البيت الأول متمكن من أن يقول بدل: كنت منه: أك منه، وقائل الثاني متمكن من كذا، فهذا حديث من لم يفهم معنى قول النحويين: في ضرورة، ففهم أن الضرورة في اصطلاحهم هو الإلجاء إلى الشيء، فقائل بأنهم لا يلتجئون إلى ذلك إذ يمكن أن يقول: كذا، قال: فعلى زعمه لا توجد ضرورة أصلا، لأنه [ما] من ضرورة إلا ويمكن إزالتها ونظم تركيب آخر غير ذلك التركيب، وإنما يعنون بالضرورة أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة به، ولا يقع في كلامهم النثر». انتهى. والحق أن الأمر كما قاله، لكن المصنف سلك في تقرير الضرورة هذه الطريقة. ثم قال الشيخ (¬2): «وأما قوله - يعني المصنف - وقد صرح بجوازه الفراء، فقول الغير لا يكون حجة إلا إذا عضده الدليل، قال: وأما جعل الفراء منه الآية الشريفة (¬3) فالجواب، أنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل نحو: ربّ شاة وسخلتها بدرهم» (¬4). قال الشيخ (¬5): «وقول المصنف: ولا يختص نحو: إن تفعل فعلت [بالشعر]، تقصير في العبارة، إذ قد فاته تركيب آخر هو مختص بالشعر وهو أن يكون الأول [5/ 174] مضارعا والثاني منفيّا بلم نحو: إن تفعل لم أفعل، كما اختص إن تفعل فعلت» انتهى. وقد يقال: لا تقصير في عبارة المصنف لأنه قال: «نحو: إن تفعل فعلت» - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 903، 904). (¬2) انظر التذييل (6/ 904). (¬3) وهي قوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [سورة الشعراء: 4]. (¬4) بعده في التذييل (6/ 904) «ولا يجوز: رب سختلها، وكذلك جاز: فظلت مع العطف وإن كان لا يقع لو كان ذو العطف جوابا للشرط». (¬5) انظر التذييل (6/ 904).

[حكم الشرط إذا حذف الجواب]

[حكم الشرط إذا حذف الجواب] قال ابن مالك: (وإن حذف الجواب لم يكن الشّرط مضارعا غير منفىّ بـ «لم» إلّا قليلا). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراده بذلك أن يكون فعل الشرط مضارعا وفعل الجزاء ماضيا، ولا شك أن المضارع المقرون بـ «لم» ماضي المعنى. فيمكن شمول عبارته له. قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬1): تقدم له أول هذا الفصل قوله: «ولا يكون الشرط حينئذ غير ماض إلا في الشعر (¬2) وذلك فرع من كلامه هنا، لأن تلك المسألة معروضة في تقدم شبه الجواب، وأن الجواب محذوف إذ ذاك، والذي هنا شرط فيه حذف الجواب، وحذف الجواب تارة يكون لتقدم دليل الجواب كتلك المسألة، وتارة يكون لغير ذلك نحو القسم إذا تقدّم على الشرط نحو: والله إن جاء زيد لأضربنّه فـ «لأضربنّه» وهو متأخر يدل على حذف جواب الشرط، فحذف الجواب أعم من حذفه لتقديم الدليل عليه، إلا إن ادّعى أن الشرط مؤخر في الرتبة وإن كان متقدما في اللفظ، لأن وضع المقسم عليه أن يكون ملاصقا في التركيب للقسم، فحينئذ يكون لا يحذف جواب الشرط إلا إذا تقدمه ما يدل عليه إما لفظا وإما تقديرا. قال (¬3): وقوله: لم يكن مضارعا غير منفىّ بلم، هو معنى قوله: ولا يكون الشرط حينئذ غير ماض، إلا أنه في تلك المسألة قال: إلا في الشعر، وهنا قال: إلا قليلا، وهذا لا يشعر بالاختصاص بالشعر، بل بجوازه على قلة، والصحيح اختصاص ذلك بالشعر، وقال سيبويه (¬4): إن أتيتني آتيك أي على التقديم والتأخير، وقال أيضا (¬5): وأما إن تأتك هند آتيك فقبيح، لأن الجواب لا يحذف مع عمل إن إلا ضرورة، وقد سوّى المبرد (¬6) بين الموضعين». - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 906). (¬2) انظر التذييل (6/ 850). (¬3) أي الشيخ أبو حيان. (¬4) قال في الكتاب (3/ 66): «وقد تقول: إن أتيتني آتيك، أي آتيك إن أتيتني». (¬5) قال في الكتاب (3/ 67): «ولا يحسن إن تأتني آتيك، من قبل أن إن هي العاملة، وقد جاء في الشعر». (¬6) انظر المقتضب (2/ 69).

[اختصاص أدوات الشرط بالمستقبل]

[اختصاص أدوات الشرط بالمستقبل] قال ابن مالك: (ولا يكون الشّرط غير مستقبل المعنى بلفظ «كان» أو غيرها إلّا مؤوّلا، وقد يكون الجواب ماضي اللّفظ والمعنى مقرونا بالفاء مع «قد» ظاهرة أو مقدّرة، ولا ترد إن بمعنى «إذ» خلافا للكوفيين). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): «إن الشرطية وأخواتها مختصة بالمستقبل، فلا يكون شرطها ولا جزاؤه بمعنى الماضي، ولا بمعنى الحال، وما أوهم ذلك أوّل، فإذا جاء [في موضع الشرط أو الجزاء ما هو حال أو ماض بلفظ «كان» أو غيرها، حمل على أنه متعلق بفعل مستقبل هو] الشرط أو الجزاء في الحقيقة ولكنه حذف اختصارا واستغناء عنه بانصباب الكلام إلى معناه، وذلك قولك: إن أحسنت إلى أمس فقد أحسنت إليك اليوم، والمعنى: إن تبين إحسانك أمس تبيّن إحساني اليوم، وذهب أبو العباس المبرد (¬2) إلى أنه يجوز بلا تأويل كون الشرط ماضي المعنى بلفظ «كان» دون غيرها، فإنه قال: وما يسأل عنه في هذا الباب قولك: إن كنت زرتني أمس أكرمتك اليوم، فقد صار ما بعد «إن» يقع في معنى الماضى، قيل للسائل: ليس ذا من قبل «إن» ولكن لقوة «كان» وأنها أصل الأفعال وعبارتها جاز أن تغلب «إن» فتقول: إن كنت أعطيتني فسوف أكافئك، فلا يكون ذلك إلا ماضيا، وقال تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ (¬3)، والدليل على أنه كما قلت وأن هذا لقوة «كان» أنه ليس من الأفعال ما يقع بعد «إن» غير [كان] إلا ومعناه الاستقبال، لا تقول: إن جئتني أمس أكرمتك اليوم، ولم يصوّب ما ذهب إليه المبرد في هذه المسألة، وقد ردّه عليه ابن السراج فقال (¬4): وهذا الذي قاله أبو العباس لست أقوله، ولا يجوز أن يكون إن تخلو من الفعل المستقبل لأن هذا نقض الكلام وما وضعت له، قال: والتأويل عندي في قولهم: إن كنت زرتني أمس أكرمتك اليوم أي: إن تكن [كنت] ممن زارني أمس أكرمتك اليوم، فدلّت: كنت على: تكن وكذلك قوله تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 92). (¬2) بحثت في المقتضب فلم أعثر على شيء من هذا، وانظر التذييل (6/ 907). (¬3) سورة المائدة: 116. (¬4) انظر أصول النحو (2/ 161) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي إن أكن كنت قلته أو إن أقل كنت قلته، أو أقر بهذا الكلام، وقد حكى المازني ما يقارب هذا. وأشار بقوله: وقد يكون الجواب ماضي اللّفظ والمعنى [مقرونا بالفاء مع قد ظاهرة أو مقدرة، إلى نحو قوله تعالى: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (¬1) وقوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ (¬2) تقديره: فقد صدقت، وهو عندي محمول على التأويل المذكور، ولا يستقيم أن يكون على غيره لتقدم الشرط على الجزاء واستحالة تقدم المستقبل على الماضي في الخارج أو في الذهن انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ولا شك أن قول المصنف «وقد يكون الجواب ماضى اللّفظ والمعنى»] غير مرض، وإنما إذا ورد ما ظاهره ذلك يجب تأويله إذ لو لم يكن [ذلك] مؤولا لزم تقدم ما هو مستقبل على ما هو ماض كما قال الإمام بدر الدين. قال الشيخ عند ذكر هذه المسألة (¬3): «ظاهر كلام المصنف والجزولي (¬4) وغيرهما أن هذا الفعل الماضي المقرون بالفاء وقد ظاهرة أو مقدرة هو جواب الشرط، وذلك مستحيل، فينبغي أن يتأول كلامهم، واستحالة ذلك من حيث إن الشرط بما هو شرط يتوقف عليه مشروطه، فيجب أن يكون الجواب بالنسبة إليه مستقبلا وإلا لزم من ذلك تقدم المستقبل على الماضي في الخارج أو في الذهن وذلك محال، فيتأوّل ما ورد من ذلك في كل مكان بما يناسبه، فيتأوّل قوله تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (¬5) على معنى: وإن يكذبوك فتسلّ فقد كذبت رسل، وقوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ على معنى: فتأسّ بمن تقدم فقد سرق أخ له من قبل أو ما أشبه هذا التأويل، ولما كان هذا الجواب استعمل محذوفا، وكثر استعمال هذا الفعل المصحوب بالفاء وبقد ظاهرة أو مقدرة سمّوا ذلك الفعل جوابا لأنه لا يجامع الجواب، بل صار مغنيا عنه، ولا شك أنه ماضي اللفظ والمعنى وقوعا أو مزعوما وقوعه، فالوقوع مثل فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ، والمزعوم وقوعه فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» انتهى. - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 77. (¬2) سورة يوسف: 26. (¬3) التذييل (6/ 908). (¬4) انظر القانون «المقدمة الجزولية» في النحو (ص 43، 44). (¬5) سورة فاطر: 4.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يظهر تقدير «فتأسّ» جوابا لقوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ (¬1) والظاهر أن يكون التقدير: فلا عجب أو نحو ذلك. وأما قوله «إنه لا يجامع الجواب» فإن أراد به أنه قد أغنى عنه فقريب، وإن أراد أنه لا يجمع بينه وبين الجواب في الذكر فغير صحيح، إذ لو قيل في غير القرآن العزيز [5/ 175] وإن يكذبوك فتسلّ فقد كذبت رسل من قبلك لم يكن ممتنعا. وأما قول المصنف: «ولا ترد إن بمعنى إذ» فأشار به إلى أن «إن» حرف و «إذ» اسم وهو ظرف، وإذا كان كذلك فكيف يتفقان معنى؟ وأجاز الكوفيون ذلك مستدلين بقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ (¬2) قالوا: لأن «إن» للتردد ولا تردد لليهود، والمعنى: وإذ كنتم: في ريب (¬3)، والجواب عن ذلك ما ذكره أصحاب علم «المعاني» فإنهم قالوا: «إنّ» «إن» قد تستعمل في مقام القطع بوقوع الشرط لنكتة وذكروا أمورا: منها: التوبيخ على الشرط كقوله تعالى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (¬4) في من قرأ «إن» بالكسر (¬5) فإن ذلك سيق لقصد التوبيخ والتجهيل في ارتكاب الإسراف، وتصوير أن الإسراف من العاقل في هذا المقام واجب الانتقاء، حقيق أن لا يكون ثبوته إلا على مجرد الفرض. ومنها: التغليب، أي تغليب غير المتّصف بالشرط على المتصف به، ومثّلوا له بهذه الآية الشريفة أيضا، قالوا: وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا (¬6) يحتمل أن يكون للتوبيخ على الرّيبة لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها، ويحتمل أن يكون لتغليب غير المرتابين من المخاطبين على المرتابين منهم، فإنه كان منهم من يعرف الحق وإنما ينكر عنادا، قالوا: وكذا قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ فِي - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 77. (¬2) سورة البقرة: 23. (¬3) انظر الإنصاف (ص 632) مسألة رقم (88) وانظر التذييل (6/ 910). (¬4) سورة الزخرف: 5. (¬5) في الكشف (2/ 255) «قرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر أن وفتح الباقون»، وانظر الحجة لابن خالويه (ص 320) والسبعة في القراءات (ص 586). (¬6) سورة البقرة: 23.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ (¬1)» انتهى. ومما قيل: إنّ «إن» فيه بمعنى «إذ» قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ (¬2)، وما ورد في الحديث: «وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (¬3) وكذا حمل على ذلك قوله: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (¬4). قال الشيخ (¬5): «وحملها على أنها شرط في هذا كله سائغ، فلا ينبغي العدول عن ذلك إلا بدليل واضح» انتهى. وأقول: قد قال الزمخشري (¬6) في قوله تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ (¬7): «إنما ساغ دخول إن لكون الموت مجهول الوقت» وهو كلام حسن، فيمكن أن يقال [ذلك] [في] الآية الشريفة وهي: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ وكذا في الحديث الشريف وهو «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» وهو أن مشيئة الله سبحانه تعالى مجهولة الوقت، وأما قوله تعالى: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فيمكن أن يكون المراد بالإيمان فيها: كمال الإيمان، ولا شك أن كمال الإيمان بامتثال جميع الأوامر واجتناب جميع النواهي، ومن تعاطى الرّبا لا يكون كامل الإيمان، فاتجه أن يخاطب بـ «إن كنتم مؤمنين». ثم إن الشيخ أنشد (¬8) بيت الفرزدق وهو قوله: 4080 - أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا ... جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم (¬9) وقال (¬10): قد يؤول ذلك على معنى إذ، قال: ومذهب سيبويه والخليل وأبي سعيد أنها في البيت للشرط، والمعنى: أتغضب إن افتخر مفتخر بحزّ أذني قتيبة لأن من شأن المفتخر أن يقول: حززنا أذني قتيبة وفعلنا، فيكون من وقوع السبب موقع المسبب، ولا يمكن أن يكون شرطا على ظاهره من غير تأويل، لأن حز أذني قتيبة - ¬

_ (¬1) سورة الحج: 5. (¬2) سورة الفتح: 27. (¬3) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب «الطهارة» (1/ 218)، وكتاب «الجنائز» (2/ 671). (¬4) سورة البقرة: 278. (¬5) انظر التذييل (6/ 910). (¬6) لم أجده في الكشاف ولا في المفصل. (¬7) سورة آل عمران: 158. (¬8) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬9) التذييل (6/ 911 - 913) وقد نقله عنه بتصرف. (¬10) انظر الكتاب (3/ 161).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ماض حقيقة، قال السيرافي (¬1): والعرب تعادل وتفاضل بين الفعلين الماضيين في المواقعة فيستقبل بهما الكلام كقوله تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ (¬2) ومنه قول الشاعر: 4081 - إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن ... عارا عليك وربّ قتل عار (¬3) وقول الآخر: 4082 - إن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم ... بعتيبة بن الحارث بن شهاب (¬4) والمخاطب بهذا مقتولان، والقتل قد وقع بهما. وإنما تأويل ذلك على فعل غير هذا الظاهر، وكأنهم افتخروا بقتله فقال: إن يفتخروا بقتلك فإن الأمر كذا وزعم المبرد (¬5) وجماعة أن «أن» في البيت مفتوحة وجعلوها مخففة من الثقيلة كأنه قال: أتغضب لأنه أذنا قتيبة حزّتا، ورد ابن عصفور (¬6) ذلك بأن «أن» المصدرية لا تقدم فيها الأسماء على الأفعال لا تقول: يعجبني أن زيد قام، وخرّج البيت تخريجا آخر. قال الشيخ (¬7): ووهم ابن عصفور في رده لأنه فهم من القائل بذلك أنه يقول: إن أن المصدرية هي التي تنصب الفعل، والقائل بذلك إنما أراد أنها المخففة من المشددة وأنها لما خففت ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر على حد: - ¬

_ (¬1) انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي (خ) (4/ 130، 131). (¬2) سورة الرعد: 5. (¬3) هذا البيت من الكامل قاله ثابت قطنة من قصيدة رثى بها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، والشاهد فيه وقوع لفظ الشرط بما هو في معنى الماضي وتأويله في البيت أن يفتخروا بسبب قتلك أو أن يتبين أنهم قتلوك. وانظر البيت في المقتضب (3/ 66)، وأمالي الشجري (2/ 301) والمقرب (1/ 220) والمغني (ص 27، 134، 503) وشرح شواهده (ص 89، 393) والخزانة (4/ 184). (¬4) هذا البيت من الكامل وهو لرجل من بني نصر بن قعين كما في الحماسة (1/ 251) والشاهد فيه كالبيت السابق. (¬5) لم أعثر على كلام المبرد في المقتضب. (¬6) لم أعثر عليه في المقرب ولا في شرح الجمل. (¬7) أي في التذييل (6/ 912).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4083 - قد علموا ... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (¬1) انتهى. ويمكن أن يجاب ابن عصفور بجواب آخر على تقدير أن «أن» في البيت هي التي تنصب الفعل، وهو أن يقال: إن ثمّ فعلا مضمرا مسندا إلى قوله «أذنا قتيبة» التقدير: أتغضب أن حزّ أذنا قتيبة، و «حزّتا» المذكور تفسير ذلك المحذوف، وحاصل الأمر: أن تكون صلة «أن» حذفت وبقى معمولها كما حذفت صلة «ما» الحرفية وبقي معمولها في قولهم: لا أصحب فلانا ما أنّ حراء مكانه، التقدير ما ثبت أنّ حراء مكانه. وإذ قد انقضى الكلام على هذا الباب فلنذكر حكم أدوات الشرط بالنسبة إلى الإعراب ناقلين في ذلك كلام ابن عصفور قال (¬2) رحمه الله تعالى: «وما كان من الجوازم حرفا فلا موضع له من الإعراب، وما كان منها اسم مكان أو زمان أو مصدرا - وأعني بذلك «أيّا» المضافة إلى المصدر - كان في موضع نصب على الظرفية أو على المصدرية، وما كان منها اسما لغير ما ذكر فإن دخل عليه حرف خفض كان مخفوضا به، ويكون المجرور متعلقا بفعل الشرط، وإن لم يدخل عليه حرف خفض فإن كان الفعل الذي بعده غير متعدّ كان مبتدأ نحو: من يقم أقم معه، وإن كان متعديا فإن كان فاعل الفعل ضميرا يعود على اسم الشرط كان أيضا مبتدأ نحو قولك: من يضرب زيدا أضربه، وإن لم يكن ضميرا يعود على اسم الشرط فإن كان الفعل لم يأخذ مفعوله كان مفعولا مقدما نحو قولك: من يضرب أضربه، وإن كان قد أخذه فإن كان المفعول ضميرا عائدا على اسم الشرط أو سببا له، جاز فيه الرفع على الابتداء، والنصب بإضمار فعل، والاختيار الرفع نحو قولك: من يضربه زيد أضربه، ومن يضرب غلامه زيد أضربه، وإن كان المفعول أجنبيّا لم يجز فيه إلا الرفع على الابتداء نحو قولك: من يضرب زيدا أضربه، ومن يضرب [5/ 176] غلامه زيدا أضربه، وحكم المضاف إلى اسم الشرط في الإعراب حكم اسم الشرط في جميع ما ذكر» انتهى. - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والتعليق عليه أول باب النواصب، واستشهد به هنا على رفع الاسم بعد «أن» المخففة. (¬2) هذا الكلام ليس في المقرب ولا في شرح الجمل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي يتلخص من ذلك أن اسم قد يكون في محل نصب، وقد يكون في محل خفض، وقد يكون في محل رفع، وقد يجوز فيه أن يكون في محل نصب أو رفع، ويستثنى من أسماء الشرط «مهما» فإنها لا تكون إلا مبتدأة أو مفعولة غير مقيدة بحرف جر ولا مضاف إليها، ثم نصب المنصوب إما على الظرف أو المصدرية أو المفعولية، والعامل فيه حينئذ فعل الشرط، وخفض المجرور إما بحرف، أو بإضافة اسم إليه، فإن كان الجار حرفا فهو متعلق بفعل الشرط، وإن كان اسما فيجيء فيه ما ذكر في اسم الشرط من نصب وخفض ورفع، ورفع المرفوع إنما يكون على الابتداء خاصة، وحيث جاز في الاسم المذكور الرفع والنصب فالمسألة من باب «الاشتغال». واعلم أن الشيخ ذكر هذه المسألة (¬1) وتضمن إيراده لها تقاسيم منتشرة يحتاج في ضبطها إلى عسر ولخص تلك التقاسيم في «الارتشاف» واقتصرت على ما ذكره فيه، قال رحمه الله تعالى (¬2): «واسم الشرط إن كان ظرفا أو أريد به المصدر كان في موضع نصب والعامل فيه فعل الشرط، وإن كان غير ذلك وفعل الشرط لازم فمبتدأ نحو: من يقم أقم معه، وخبره الفعل، أو متعد لم يأخذ مفعوله وهو مسند إلى ظاهر نحو: من يضرب زيد أضربه، أو إلى متكلم نحو: من أضرب تضربه، أو إلى مخاطب نحو: من تضرب أضربه فمفعول بفعل الشرط، أو إلى ضمير غائب عائد على اسم الشرط نحو: من يضرب أضربه، فمبتدأ أو على غيره نحو: هند من تكرم أكرمه فمفعول، أو أخذه تقديرا - يعني أو أخذ مفعوله تقديرا - نحو قوله تعالى: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ (¬3) - أي من يشأ الله إضلاله يضلله - أو لفظا والفاعل سببي لاسم الشرط والمفعول أجنبي نحو: من يضرب أخوه زيدا أضربه فمبتدأ فقط، أو ضميره نحو: من يضربه أخوه أضربه، أو سببي نحو: من يضرب أخوه غلامه أضربه فالمسألتان من الاشتغال، أو مضمر يعود على اسم الشرط متصلا فلا يجوز إلا أن يكون مخاطبا نحو: من يضربك أضربه، أو غائبا على غير اسم الشرط نحو: هند من يضربها أضربه فالرفع بالابتداء فقط، أو منفصلا ولاسم الشرط في فعله ضمير أو سببي منصوب أو مجرور فالمسألة من الاشتغال، نحو، من - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 915 - 921). (¬2) انظر الارتشاف (2/ 564) تحقيق د/ النماس. (¬3) سورة الأنعام: 39.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يضربه إلا هو أضربه، ومن لم يضرب أخاه إلا هو أضربه، ومن لم يمرر به إلا هو أمرر به، وإن لم يكن فاسم الشرط مبتدأ نحو: من لم يضرب زيدا إلّا هو أضربه» انتهى. وأقول: إن الذي ذكرته عن ابن عصفور فيه كفاية، ولا شك أن الإنسان إذا علم أن أدوات الشرط لها صدر الكلام، وأنها إذا كانت معمولة لعامل لفظي وجب أن يكون مؤخرا عنها، وكذا إذا كان يعلم أن العامل الجائز العمل فيما قبله إذا نصب ضمير اسم سابق جاز في ذلك الاسم الرفع والنصب، وتكون المسألة من باب «الاشتغال» أهدى إلى ما ذكر. وبالجملة إذا كان الناظر عالما بالقواعد لا يخفى عليه الحكم في الصور التي ذكرها الشيخ، وكذا ما ذكره ابن عصفور لا يكاد يخفى لأن القواعد تؤدي إليه ولا تقتضي خلافه، ولهذا لم يكن في كلام المصنف تعرّض إلى ذلك وإنما ذكرته قصدا لزيادة تقديره، والتنبيه على ما لعل الخاطر يذهل عنه. وبعد فلا بد من الإشارة إلى أمور: منها: أن اسم الشرط إذا كان مبتدأ كان خبره فعل الشرط وذهب بعضهم (¬1) إلى أن الخبر هو الشرط والجزاء معا مستدلّا بأن الكلام لا يتم إلا بالجواب، وردّ (¬2) هذا الاستدلال بأن الافتقار إلى الجواب إنما أوجبه التعليق، كما أنك إذا قلت: لولا زيد لأكرمتك لا يتم إلا بالجواب وليس داخلا في الخبر، ومما استدل به على أن الخبر هو الشرط وأن الجزاء لا مدخل له في الخبرية أن فعل الشرط هو الذي يتحمل ضمير المبتدأ، وأن الجواب لا يلزم فيه ضمير فيقال: من يقم يقم زيد (¬3)، لكن قال الشيخ (¬4): «إن الحكم ليس كذلك لأن اسم الشرط إذا كان غير ظرف ولا مصدر لزم أن يكون في جملة الجزاء ضمير يعود على اسم الشرط نحو: من يقم يقم معه، ومن يضرب أضربه، قال: ولا يجوز أن تعرّى جملة الجزاء من الضمير فيكون المتعلق به فعل الجزاء أجنبيّا أصلا، ولا يجوز: من يضرب أقتل خالدا حتى تقول: من أجله، أو تحذفه للعلم به نقل ذلك عن العرب الأخفش، قال: ولذلك تأوّل النحويون قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 916). (¬2) المرجع السابق نفسه. (¬3) انظر التذييل (6/ 916). (¬4) انظر التذييل (6/ 917).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4084 - فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإنّي وقيّار بها لغريب (¬1) وقول الآخر (¬2): 4085 - فمن يك سائلا عنّي فإنّي ... وجروة لا ترود ولا تعار (¬3) وقول الآخر: 4086 - فمن تكن الحضارة أعجبته ... فأيّ رجال بادية ترانا (¬4) فإن جمل الجزاء في هذه الأبيات ليس فيها ضمير يربط جملة الجزاء بجملة الشرط، قال (¬5): وهذا يقوّي قول من يقول: إن جملتي الشرط والجزاء معا هما الخبر، ولكن المختار مذهب الأكثرين». انتهى. وما ذكره من أن جملة الجزاء لا بد أن تشتمل على ضمير يعود على اسم الشرط، في التزامه نظر، وكنت أسمع من شيخي برهان الدين إبراهيم الرشيدي (¬6) جزاه الله تعالى عني أفضل الجزاء، أن الذي يشترط عود ضمير من الجزاء إلى اسم الشرط - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل قاله ضابئ البرجمي في السجن حينما حبسه عثمان لهجائه قوما من بني جرول بن نهشل، وقيار اسم فرسه وقيل: اسم جمله، الرحل: المنزل، يقول: من كان بيته بالمدينة، ومنزله فلست من أهلها ولا لي بها منزل. والشاهد فيه على أن جملة جزاء الشرط ليس فيها ضمير يربطها بجملة الشرط ولذلك تأوله النحويون. والبيت في الإنصاف (ص 94) والمغني (ص 475، 622) والخزانة (4/ 81) وشرح ابن السيرافي (1/ 244، 245) والكتاب (1/ 75). (¬2) هو شداد بن معاوية العبسي أبو عنترة. انظر الكتاب (1/ 302) (هارون) والبيت في ديوان عنترة (ص 45). (¬3) هذا البيت من الوافر. الشرح: جروة: اسم فرس شداد، لا ترود: لا تذهب وتجيء يريد: أنها لا تخلى وتترك تذهب وتجيء مع الخيل، ولا تعار لمن التمس إعارتها ضنّا بها. والشاهد فيه كالبيت سابقه وهو خلو جملة الجزاء من ضمير يربطها بجملة الشرط، والبيت في الكتاب (1/ 302) (هارون) وشرحه الأعلم الشنتمري بهامش الكتاب (1/ 152) (بولاق) وانظر شرح ابن السيرافي (1/ 235) واللسان (جرا). (¬4) هذا البيت من الوافر، وهو للقطامي في ديوانه (ص 58) والشاهد فيه كسابقيه وهو خلو جملة الجزاء من ضمير يربطها بجملة الشرط وهو رد على الأخفش الذي نقل عنه أنه يشترط اشتمال جملة الجزاء على ضمير يربطها بجملة الشرط. والبيت في المغني (ص 507) واللسان (حضر، بدو). (¬5) أي الشيخ أبو حيان. (¬6) هو إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي الأغرى النحوي المقرئ، كان عالما بالنحو والتفسير والفقه والطب والقراءات. توفي بالطاعون سنة (749 هـ). انظر البغية (1/ 434).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الأخفش، وكنت أفهم عنه أن المعمول به في هذه المسألة خلاف [5/ 177] ذلك، وها أنت قد رأيت الشيخ أيضا إنما ذكر ذلك عن الأخفش خاصة (¬1)، ويدل على أن الأصح خلاف قول الأخفش الأبيات التي أنشدها، وأما قوله: إنها تؤول، فالخصم لا يسلم ذلك، وقد قال الله تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (¬2) وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (¬3) فالجواب في هاتين الآيتين الشريفتين لم يكن فيه ضمير يعود على اسم الشرط، وليس ارتباط الجزاء بالشرط مفتقرا إلى ضمير، لأن الارتباط يحصل بالتعليق وبالعمل أيضا. ومنها: أن جواب الشرط كخبر المبتدأ فلا بد من تغايرهما لتحصل الفائدة، ولهذا كان المعنى في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» (¬4): فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّة وقصدا كانت هجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا، وقد يحمل الكلام على معنى يكون ذلك المعنى مسوغا للاتخاذ ظاهرا كقول القائل: إن لم تطعني فقد عصيتني، فإنه أراد بذلك التنبيه على العقوبة كأنه قال: إن لم تعطني فقد وجب عليك ما وجب على العاصي. ونقل الشيخ (¬5) عن صاحب كتاب «الإعراب» (¬6) أنه قال (¬7) في قوله تعالى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (¬8): نبّه تعالى بأنه [ما] بلغ على الوعيد اللاحق، فكأنه قال: فلست تعدم الجزاء على ذلك، قال: وهذا من باب التلطّف في الإخبار بالوعيد لمن كان عند الآمر بمنزلة، قال: ويحتمل أن يريد تعالى: وإن لم تفعل لخوف أحد فلا تسقط عنك المطالبة، بل أنت غير مبلغ ومراده: قطع العذر - ¬

_ (¬1) هذا يدل على أن الأخفش قد انفرد باشتراط عود الضمير من الجزاء الى اسم الشرط، وقد بحثت فلم أجد من يعزو إليه هذا سوى الشيخ أبي حيان، وما نقله المؤلف عن شيخه برهان الدين الرشيدي. (¬2) سورة الأعراف: 132. (¬3) سورة الإسراء: 110. (¬4) رواه البخاري في كتاب «الإيمان» (1/ 20) وفي كتاب «النكاح» (3/ 238) حاشية السندي. (¬5) انظر التذييل (6/ 923، 924). (¬6) يقصد أبا البقاء العكبري وقد أشار إلى ذلك السيوطي في بغية الوعاة (2/ 38). (¬7) ليس في التبيان ولا في اللباب. (¬8) سورة المائدة: 67.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنه، ولذلك قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (¬1) وقيل: هو على تقدير: إن تبلغ بعضا فكأنك غير مبلّغ، قال: ومن ذلك قولك: إن قلت زيد قائم فهو قائم، تريد: فهو حق أي في نفس الأمر كذلك كقوله: 4087 - إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا ... أو قلت زانك ربّي فهو قد فعلا (¬2) وترتّب هذا على الشرط تقدر فاعلم أو فتبيّن أو نحوه: وكذلك قوله تعالى: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ (¬3)، هذا كله كلام صاحب «الإعراب». ومنها: أن العطف على الشرط إما بـ «الواو» أو بغيرها، فإن كان بـ «الواو» وتكررت أداة الشرط نحو: إن آتك وإن أدخل دارك فعبدي حرّ، عتق بالفعلين كليهما وبواحد منهما، لأن تكرير الأداة يدل على الاستقلال وأنه علّق عتق العبد على وجود كل واحد منهما، فمتى وجد واحد وحده أو مضموما إلى غيره فقد وجد ما علق عليه فيعتق، وإن لم تتكرر الأداة نحو: إن آتك وأدخل دارك فعبدي حرّ، عتق بفعل الفعلين معا ولا يبالى بأيّهما بدأ، وإن كان العطف بـ «الفاء» أو بـ «ثم» نحو: إن آتك فأدخل دارك أو ثمّ أدخل دارك فعبدي حرّ، عتق العبد إذا فعل الفعلين وبدأ بالأول، وسواء أكرر أداة الشرط أم لم يكررها، وإن كان العطف بـ «أو» نحو: إن أدخل دارك أو أزرك فعبدي حرّ فبفعل الفعلين أو أحدهما يعتق العبد، لأنه علق العتق على وجود أحدهما، فمتى وجد أحدهما وحده أو مضموما إلى الآخر صدق عليه أنه وجد أحدهما فيعتق، وسواء أيضا أكررت مع «أو» أداة الشرط أم لم تكررها (¬4). ومنها: أن الشرط الذي لا يقتضي التكرار لو انفرد كقولك: إن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق، إن ربط بالفاء بما يقتضي التكرار وأمكن تكراره فإما أن يكون مناسبا للفعل المكرر أولا: إن كان مناسبا نحو قولك: كلّما أجنبت منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق، فإن أجنب ثلاثا واغتسل لكل إجنابة طلقت ثلاثا، - ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 67. (¬2) هذا البيت من البسيط لقائل مجهول. والشاهد فيه: أن الخبر لا يصح أن يكون عين المبتدأ ولا الجواب عين الشرط إلا بتقدير معنى يجوز ذلك، وقوله: «فأنت كذا» في البيت جواب الشرط وهو عين الشرط فيقدر: فأنت حق كذا أو فاعلم أو فتبيّن. (¬3) سورة يوسف: 77. (¬4) هذا الكلام الذي يبدأ بقوله: «ومنها أن العطف على الشرط» والذي ينتهي هنا هو كلام الشيخ أبي حيان في التذييل (6/ 924) وقد نقله المؤلف عنه دون أن يشير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن أجنب منها ثلاثا واغتسل واحدة فزعم أبو يوسف (¬1) أنها تطلق عليه ثلاثا (¬2)، وزعم الفراء أن قول أبي يوسف غلط (¬3)، وإن كان غير مناسب نحو: كلّما دعوتني فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حرّ، فإن دعاه ثلاث دعوات وسقط الحائط فعليه عتق ثلاثة أعبد، ولا يلزم في غير المناسب التكرار، هذا مذهب الفراء، أصول البصريين تقتضي التكرار في المربوط بالفاء على ما يقتضي التكرار إذا كان الفعل قابلا سواء أكان مناسبا أم غير مناسب ولا يجوز أن يكون فعل الشرط إلا مما يمكن فيه التكرار يعني إذا كان بعد ما يقتضي التكرار نحو: كلّما وما أشبهها. انتهى من شرح الشيخ (¬4). ودلّ هذا على أن لا يعتق إلا عبد واحد في ما إذا قال: كلّما دعوتني فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حرّ، ودعاه ثلاث دعوات وسقط الحائط، لأن فعل الشرط الذي هو سقوط الحائط «لا يمكن فيه التكرار، وهم قد قالوا: ولا يجوز أن يكون فعل الشرط إلا مما يمكن فيه التكرار». ثم إن الشيخ تكلّم على إعراب «كلّما» فقال (¬5): «وكلّما في هذه المسائل منصوبة على الظرف والعامل فيها محذوف يدل عليه جواب الشرط المعطوف بالفاء بعدها، والتقدير: أنت طالق كلما أجنبت منك جنابة فإن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق، وكذلك عبد من عبيدي حرّ كلما دعوتني فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حر، وتبيين ذلك أن «ما» المضاف إليها «كل» هي ما المصدرية وفيها معنى العموم فإذا قلت: لا أصحبك ما طلعت الشمس فمعناه لا أصحبك مدّة طلوع الشمس، فحذف «مدة» وأقيم المصدر مقامه ثم جعلت «ما» والفعل قائمة - ¬

_ (¬1) أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيها علامة من حفاظ الحديث. من كتبه: الخراج، والآثار، والنوادر، وغيرها، وتوفي سنة (182 هـ). وانظر ترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 220) والفهرست (ص 286) والنجوم الزاهرة (2/ 107). (¬2) انظر الأشباه والنظائر (4/ 242). (¬3) «لأن الفعل إذا كان يجوز أن يقع مع شرطه فلا يقع الطلاق حتى يقعا معا» انظر الأشباه والنظائر (4/ 243). (¬4) انظر التذييل (6/ 925) وقد نقله عنه بتصرف، وانظر ما نقله السيوطي في الأشباه والنظائر عن كتاب «الادكار بالمسائل الفقهية» لأبي القاسم الزجاجي (4/ 241، 242). (¬5) انظر التذييل (6/ 925 - 929) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصدر، ولا يريد بذلك مطلق المصدر فيصدق بالمرة الواحدة، بل العرب لم تستعمل «ما» التوقيتية إلا بمعنى العموم، ثم دخلت عليها «كل» فأكدت معنى العموم الذي فيها فانتصبت على الظرف؛ قال الله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها (¬1)، وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ [5/ 178] لَهُمْ جَعَلُوا (¬2)، وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ (¬3)، ولذلك كثر مجيء الفعل الماضي بعدها، لأن «ما» التوقيتية كذلك، و «ما» التوقيتية شرط من حيث المعنى وإن لم يكن إلا على ما ذهب إليه المصنف فقد ذكر هو الجزم بها عن بعض العرب (¬4)، وقال تعالى: فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (¬5) لما جرت مجرى الشرط في المعنى جرت مجراه في الجواب فدخلت «الفاء» لما كان الجواب فعل أمر كما تدخل في نحو: إن جاء زيد فاضربه، ولم تدخل في قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ كما لم تدخل في: إن قام زيد قام عمرو، فحكم «كلما» حكم أداة الشرط في اقتضاء جملتين تترتب إحداهما على الأخرى. قال (¬6): وإنما تعرضت لإعراب «كلّما» في هذه المسائل وإن كان من واضح الإعراب لأن أبا الحسن بن عصفور زعم أن «كلّما» في هذه المسائل مرفوعة بالابتداء، وقال (¬7): لا يجوز فيها في هذه المسائل المذكورة غير ذلك، قال: وجملة الشرط والجواب في موضع خبرها، قال: ولا بد من عائد يعود عليها ملفوظ به أو مقدر، ودخلت «الفاء» على جملة الشرط والجواب وهي في موضع خبر المبتدإ لأن «كلّما» اسم عام وبعدها فعل، وكل اسم عام مضاف إلى موصوف بفعل قابل لأداة الشرط أو ظرف أو مجرور والخبر مستحق ذلك الظرف أو المجرور أو الفعل دخلت «الفاء» عليه لعلّة ذكرت في باب «الابتداء» (¬8) قال: فعلى هذا إذا - ¬

_ (¬1) سورة النساء: 56. (¬2) سورة نوح: 7. (¬3) سورة هود: 38. (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1625 - 1627). (¬5) سورة التوبة: 7. (¬6) أي: الشيخ أبو حيان. (¬7) لم أعثر على هذا الكلام الذي نقله الشيخ أبو حيان عن ابن عصفور فيما بين أيدينا من مؤلفاته. (¬8) الأصل أن لا تدخل «الفاء» على خبر المبتدأ لارتباطه به ارتباط المحكوم به بالمحكوم عليه، إلا أنه لما لحظ في بعض الأخبار معنى ما يدخل الفاء فيه دخلت وهو الشرط والجزاء، والمعنى الملاحظ أن يقصد أن الخبر مستحق بالصلة أو الصفة وأن يقصد به العموم. انظر الهمع (1/ 109) والأشموني (1/ 223)، (224).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: كلّما أجنبت منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمّام [فعبدي حرّ، فالمعنى: كل وقت أجنبت فيه منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمام] بعده فعبدي حرّ، ولا بد من ذلك لترتبط الصفة بالموصوف والخبر بالمخبر عنه، وتكون جملة الشرط والجواب مستحقة بكل إجنابة أجنبها، وكذلك أيضا يلزم وإن لم يكن فعل الشرط مناسبا لفعل «كلّما» نحو قولك: كلّما أجنبت منك إجنابة فإن جاء زيد فعبدي حرّ، كأنه قال: كل وقت أجنبت فيه منك إجنابة فإن جاء زيد فيه فعبدي حرّ، وتكون جملة الشرط والجواب أيضا مستحقة بكل إجنابة أجنبها. قال الشيخ (¬1): وهذا الذي ذهب إليه ابن عصفور تبعه عليه الأبّذيّ، وهذا الذي ذهب إليه مدفوع بالسماع والقياس: أما السماع: فالمحفوظ من [لسان] العرب نصب «كلّما» هذه والقرآن العزيز مملوء من ذلك وكذا أشعار العرب، ولم يسمع من العرب الرفع بل النصب، والنصب على ما ذكرناه من الظرف، لأن «كلّا» مضاف إلى «ما» الظرفية، والعامل في هذا الظرف هو الفعل الواقع جوابا فـ «بدّلناهم» عامل في «كلّما» من قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ (¬2) وكذلك بقية الآيات الشريفة وهي قوله تعالى: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا (¬3)، كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها (¬4) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها (¬5)، كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها (¬6)، والفعل بعد «كلّما» في موضع صلة «ما» الظرفية لا في موضع الصفة. وأما القياس: فإنه لو كانت «ما» نكرة موصوفة للزم من ذلك شيئان: أحدهما: أن النكرة الموصوفة إنما تتقدّر بشيء لأنها مبهمة فلا دلالة فيها على أن ذلك الشيء هو وقت لأن العام لا دلالة له على تعيين بعض أفراده فتقديره أن «ما» بمعنى: وقت ليس بشيء لأن «ما» إذا كانت نكرة لا دلالة لها على تعيين أن ذلك الشيء هو وقت. - ¬

_ (¬1) في التذييل (6/ 927)، وما بعدها. (¬2) سورة النساء: 56. (¬3) سورة البقرة: 25. (¬4) سورة الأعراف: 38. (¬5) سورة الحج: 22. (¬6) سورة الملك: 8.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنه لو كان الفعل واقعا صفة للزم أن يعود منه ضمير على الموصوف ولا يحذف إلا قليلا ولم يوجد في جميع استعمالات «كلما» ضمير يعود على الموصوف، فدلّ على أن الفعل ليس بصفة، وإنما هو صلة «ما» و «ما» حرف فلا يعود عليها ضمير، قال: وإنما غلّط الأستاذ أبا الحسن في ذلك أنه رأى أن ما بعد «كلّما» هو شرط دخلت عليه «الفاء»، فإذا نصب «كلّما» فما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله فعدل إلى وجوب الرفع في «كلّما» فرارا من عامل النصب فيها وقد ذكرنا أنه محذوف لدلالة جواب الشرط عليه، قال (¬1): وأيضا قد تقرر عند الجمهور (¬2) أن الخبر عن الموصول أو الموصوف بشروطه، شرط دخول الفاء عليه أن يكون مستحقّا بالصلة أو الصفة، وهذه الجملة الواقعة خبرا لـ «كلّما» إذا رفعت «كلما» هي شرطية، فليست مستحقة بالصلة ولا الصفة، بل المستحق إنما هو قوله: فأنت طالق أو فعبد من عبيدي حرّ، وهذا جواب للشرط لا خبر عن المبتدأ، إلا أن يقال: ما كان مستحقّا بشيء ومترتبا عليه جعل كأنه مستحق بما قبله، وهذا كله ضعيف. ثم ذكر (¬3) عن صاحب «البسيط» أنه قال: كلّما» تأتيني أكرمتك، على رأي سيبويه (¬4) «ما» مصدرية بمنزلة: ما تدوم لي أدوم لك، ومقصود بها الحين أي: أزمان إتيانك أكرمك، ثم أدخلت «كلا» على المصدر بتأويل الزمان فاكتسب منها الزمان، فانتصب على ذلك، فحينئذ لا تكون شرطية، ومعناها: أزمان دوامك كلها أدوم لك، وقد قيل: إنها شرطية بمنزلة «لما» مع الماضي، وقيل: هي «كل» المتضمنة للشرط وأصلها: كل مضافة إلى اسم موصوف بمعنى: الأزمان كأنه قال: كلّ زمن تأتيني فيه أكرمك، والأول باطل لوجود معنى الكلية فيها فلا تكون بمنزلة «لما»، ويبطل الثاني أنه لزم طريقة الفعلية، ولو كان بمنزلة كلّ رجل يأتيني لجاز كون الجواب فيها بالجملة الاسمية والفاء، ولا تكون ذلك لبقاء «كلما» بلا عامل، وأيضا لجاز رفعها على الابتداء كما في [كلّ] رجل يأتيني له درهم، ولا تدخل «كل» هذه على «ما» الشرطية في قولك: ما تفعل أفعل، لأنها تدل أيضا على - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. (¬2) انظر الهمع (1/ 109، 110) والأشموني (1/ 223 - 225). (¬3) أي الشيخ أبو حيان. (¬4) انظر الكتاب (3/ 102).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العموم فلا تدخل عليه نفسه لأن العموم يعم. انتهى. ما ذكره الشيخ بحثا ونقلا في مسألة «كلّما». وقوله «إن ما المصدرية الظرفية فيها معنى [5/ 179] العموم» لم أتحققه، لأن «ما» المذكورة مؤولة مع الفعل الذي بعدها بالمصدر، والمصدر لا عموم له، ولا شك أن حكم ما هو مؤول بشيء حكم ذلك الشيء الذي أوّل به، وإذا كان كذلك فمن أين يجيء العموم؟ ثم إن قوله في: لا أصحبك ما طلعت الشمس «إن معناه: لا أصحبك مدّة طلوع الشمس فحذفت مدة وأقيم المصدر مقامها ثم جعلت «ما» والفعل قائمين مقام المصدر غير ظاهر، لأن الذي أقيم مقام المضاف المحذوف الذي هو «مدة» إنما هو «ما» والفعل، لا المصدر وإنما «ما» والفعل مؤوّلان بالمصدر، والشيخ عكس الأمر فجعل القائم مقام المضاف هو المصدر، ثم جعل «ما» والفعل قائمين مقامه، والذي يظهر أن عموم الوقت المستفاد من نحو قولنا: لا أصحبك ما طلعت الشمس، ليس مستفادا من كلمة «ما» إنما استفيد ذلك من اسم الزمان المقدر إضافته إلى المصدر المؤول وهو «مدة» لأن هذه الكلمة بإضافتها إلى شيء يستفاد منها عموم وقت ما أضيفت إليه، ويدل على هذا الذي قلته أنك لو لم تأت بـ «ما» والفعل بل أتيت بالمصدر الصريح، وأضفت هذه الكلمة - أعني مدّة - إليه لأفاد ذلك العموم كقولك: لا أصحب زيدا مدّة طلوع الشمس، هذا الذي أدى إليه النظر في هذه المسألة، والله تعالى أعلم بالصواب. وأما قوله - أعني الشيخ - «إن ما التوقيتية شرط من حيث المعنى فقد ينازع فيه، وأما أن المصنف ذهب إلى أن لها عملا [فلا] أستحضر الآن أين ذكر المصنف ذلك، نعم ذكر المصنف أن «ما» الشرطية قد تستعمل ظرفا وكذا «مهما» وقد تقدم الكلام على ذلك، فإن كان هذا هو الذي قصده الشيخ لم يثبت ما ذكره لأن «ما» هذه ليست التوقيتية وإنما هي الشرطية نفسها، لكنها مع كونها شرطا قصد منها الظرفية، ثم يقال: إن قوله تعالى: فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (¬1) من هذا القبيل الذي ذكرته - أعني أن ما في الآية الشريفة شرطية، ومع كونها شرطية - ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 7.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هي ظرفية وعلى هذا لا يحتاج إلى قول الشيخ إنها - أعني ما التوقيتية - لما جرت مجرى الشرط في المعنى جرت مجراه في الجواب فدخلت «الفاء» لما كان الجواب فعل أمر. وبعد فتفسير صاحب «البسيط» لكلمة «كلّما» حيث قال: «ما مصدرية بمنزلة: ما تدوم لي أدوم لك ومقصود بها الحين أي: أزمان إتيانك أكرمك ثم أدخلت «كلا» على المصدر بتأويل الزمان فاكتسب منها الزمان فانتصب على ذلك» أبين وأوضح من تفسير الشيخ، لأنه جعل المصدر المؤول قائما مقام الزمان المحذوف، ثم حكم بأن «كلا» صار مدلولها زمانا لإضافتها إلى ما قام مقام الزمان، ولم يدّع عموما في «ما» فعلمنا أن العموم إنما استفيد من الكلمة الموضوعة [له] وهي «كلّ». ومنها: مسألتان ذكرهما الشيخ (¬1): الأولى: إذا كان قبل فعل الشرط وبعده فعل ليس جوابا فإن حملت على الأول رفعت مثاله: تؤجر أمرت بمعروف وتثاب، أو على الثاني جاز الرفع والجزم مثاله: تؤجر إن أمرت بالمعروف وتنهى عن المنكر، فالجزم في «وتنهى» بالعطف على محل «أمرت» والرفع على الاستئناف. الثانية: إذا أتيت بأفعال بعد فعل الشرط من معناه فإن عطفتها بـ «الواو» نحو: إن تحسن وتكرم أباك وتصل رحمك وتأمر بمعروف وتنه عن منكر فالله يثيبك، فالجواب مستحق بالمجموع إن لم تعطفها فإبدال بداء (¬2) ليس فيه إبطال، فالظاهر أن الجواب مستحقّ بجميعها إن وقعت، وبواحد منها إن وقع، وإن كانت ليست من معنى فعل الشرط لزم أن ترتفع، فيرفع الأول على الحال وتعطف البواقي عليه (¬3). ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 930). (¬2) لعله يقصد أنها إذا لم تعطف أعربت بدل بداء - أي بدل إضراب - ليس فيه إبطال للمتقدم. (¬3) مثال ذلك: إن تذاكر وتصلي الفرائض وتأكل وتنام وتستيقظ فأنت معتدل، فيرفع الأول على الحال وتعطف الأفعال الباقية بعده عليه.

[لو الشرطية معناها وما تختص به]

[لو الشرطية معناها وما تختص به] قال ابن مالك: (لو حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه، واستعماله في المضيّ غالبا، فلذا لم يجزم بها إلّا اضطرارا، وزعم اطّراد ذلك على لغة، وإن وليها اسم فهو معمول فعل [مفسّر] بظاهر بعد الاسم، وربّما وليها اسمان مرفوعان، وإن وليها «أنّ» لم يلزم كون خبرها فعلا خلافا لزاعم ذلك). قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): «من حروف المعاني «لو» وهي في الكلام على ضربين: موصولة وشرطية؛ فالموصولة هي التي تأتي مع الفعل في تأويل مصدر كما في قوله تعالى: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ (¬2) وقد تقدم ذكرها. وأما الشرطية فهي لتعليق ما امتنع لامتناع شرطه فتقتضي جملتين ماضيتين الأولى [منهما] مستلزمة للثانية، لأنها شرط والثانية جوابه، وتقتضي أيضا امتناع الشرط لأنه لو ثبت لثبت جوابه، وكان الإخبار بذلك إعلاما بإيجاب لإيجاب، لا بتعليق ما امتنع لامتناع شرطه فتخرج «لو» عن معناها، ولا تقتضي امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته لأنه لازم، والشرط ملزوم، ولا يلزم من انتفاء الملزوم انتفاء اللازم، بل إن كان مساويا للشرط امتنع بامتناعه كما في نحو: لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجودا، وإن كان أعم من الشرط لم يلزم أن يكون ممتنعا في نفس الأمر لامتناع شرطه بجواز كونه لازما لأمر ثابت فيكون هذا نصّا ثابتا لثبوت ملزومه كما في قولك: لو ترك العبد سؤال ربه لأعطاه، فإن تركه السؤال محكوم بكونه مستلزما للعطاء، وبكونه ممتنعا والعطاء محكوم بثبوته على كل حال، والمعنى أن إعطاءه حاصل مع ترك السّؤال فكيف مع السؤال؟ وكما في قول عمر رضي الله عنه: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» (¬3) فإن عدم الخوف محكوم بكونه مستلزما لعدم المعصية، وبكونه ممتنعا وعدم المعصية [5/ 180] محكوم بثبوته، لأنه إذا كان ثابتا على تقدير ثبوت عدم الخوف فالحكم بثبوته على تقدير الخوف أولى، وكما في قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 94). (¬2) سورة البقرة: 96. (¬3) انظر حلية الأولياء (1/ 177) وحاشية الأمير على المغني (1/ 206) وقال العلامة الأمير: «فتش العلماء فلم يجدوا لهذا مخرجا عن عمر ولا عن غيره وإن اشتهر بين النحاة، نعم ورد نحوه مرفوعا في حق سالم مولى أبي حذيفة: أن سالما شديد الحب لله عز وجل لو كان لا يخاف الله ما عصاه خرجه أبو نعيم في الحلية» اه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (¬1) لأن عدم النفاد ثابت على تقدير كون ما في الأرض من شجرة أقلاما مدادها البحر وسبعة أمثاله وعلى تقدير عدم ذلك، وقد ظهر من هذا أن «لو» حرف شرط في الماضي وأنها تقتضي نفي تاليها واستلزام ثبوته ثبوت تاليه، لأنهما شرط وجواب ولا تقتضي نفي الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته، وقال أكثر النحويين (¬2): لو حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره أي: على امتناع الثاني لامتناع الأول، وكان شيخنا (¬3) رحمه الله تعالى يرى أنه تفسير لـ «لو» بأخص من معناها لأنه يقتضي كون جوابها ممتنعا غير ثابت على وجه، وذلك فيها غير ثابت بدليل مجيء جوابها ثابتا في نحو ما تقدم من الأمثلة، ولا شك أن ما قاله الشيخ في تفسير «لو» أحسن وأدلّ على معنى «لو» مما قاله النحويون غير أن ما قالوه عندي تفسير صحيح واف بشرح معنى «لو» وهو الذي قصد سيبويه رحمه الله من قوله: لو لما كان سيقع لوقوع غيره (¬4)، يعني أنها تقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره، والمتوقّع غير واقع فكأنه قال: لو تقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان يثبت لثبوته، وهو نحو ما قال غيره، ولنرجع إلى بيان صحته فنقول: قولهم: لو تدلّ على امتناع الثاني لامتناع الأول يستقيم على وجهين: الأول: أن يكون المراد أن جواب «لو» ممتنع لامتناع الشرط غير ثابت لثبوت غيره بناء على مفهوم الشرط في عرف اللغة لا في حكم العقل، فإنك إذا قلت: إن قام زيد قام عمرو فهو دالّ في عرفهم على أنه إذا لم يقم زيد لم يقم عمرو، لأن الأصل فيما علّق على شيء أن لا يكون معلقا على غيره، فجرى العرف على هذا الأصل، ولذلك فهموا عدم جواز القصر في السفر عند عدم الخوف (¬5) من قوله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ (¬6) وعلى هذا إذا قلت: - ¬

_ (¬1) سورة لقمان: 27. (¬2) انظر التذييل (6/ 931) والمغني (ص 257) وشرح التصريح (2/ 257) والهمع (2/ 64) والأشموني (4/ 35 - 37). (¬3) يعني والده العلامة ابن مالك. (¬4) انظر الكتاب (4/ 224). (¬5) هكذا فهم سيدنا عمر - رضى الله تعالى عنه - حتى إنه قال: «فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» انظر تفسير ابن كثير (1/ 544). (¬6) سورة النساء: 101.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لو جئتني لأكرمتك فقد دلت «لو» على أن المجيء مستلزم للإكرام وعلى أنه ممتنع، ففهم منه أن الإكرام ممتنع أيضا غير ثابت بوجه كما يفهم من نفي شرط إن نفي جوابه. والوجه الثاني: أن يكون المراد أن جواب [لو] ممتنع لامتناع شرطه، وقد يكون ثابتا لثبوت غيره، لأنها إذا كانت تقتضي نفي تاليها واستلزامه لتاليه فقد دلّت على امتناع الثاني لامتناع الأول، لأنه متى انتفى شيء انتفى مساويه في اللزوم مع احتمال أن يكون ثابتا لثبوت أمر آخر فيصح إذن أن يقال: لو حرف يدل على امتناع الثاني لامتناع الأول، لأنه لا يقتضي كونها تدل على امتناع الجواب على كل تقدير، بل على امتناعه لامتناع الشرط المذكور مع احتمال كونه ثابتا لثبوت أمر آخر، وغير ثابت لأن امتناع الشيء لامتناع علّة لا ينافى ثبوته لثبوت علة أخرى، ولا انتفاءه لانتفاء جميع علله. وعند أكثر المحققين (¬1) أن «لو» لا تستعمل في غير المضي وذهب قوم إلى أن استعمالها في المضي غالب وليس بلازم لأنها قد تأتي للشرط المستقبل بمنزلة «إن» واحتجوا بنحو قول الشاعر: 4088 - ولو تلتقي أصداؤنا بعد موتنا ... ومن دون رمسينا من الأرض سبسب لظلّ صدى صوتي ولو كنت رمّة ... لصوت صدى ليلى يهشّ ويطرب (¬2) وقول الآخر (¬3): 4089 - ولو أنّ ليلى الأخيليّة سلّمت ... عليّ ودوني جندل وصفائح لسلّمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح (¬4) - ¬

_ (¬1) نقل ابن هشام في المغني كلام بدر الدين هذا ورد عليه بكلام حسن فليراجع. انظر المعني (ص 262 - 265). (¬2) هذان البيتان من الطويل وهما لقيس بن الملوح. الشرح: الأصداء: جمع صدّى وهو الذي يجيبك بمثل صوتك في الجبال ونحوها والرمس: تراب القبر، وسبسب: مفازة ويهش: يرتاح، ويطرب: من الطرب وهو خفة السرور، والرّمة: العظام البالية وقوله: ولو كنت رمّة يروي «وان كنت رمة». والشاهد في أن «لو» ها هنا للتعليق في المستقبل وقد احتج بذلك جماعة من النحويين، ولا حجة لهم فيه لصحة حمله على المضي. وانظر البيتين في التذييل (6/ 938) والمغني (ص 261) وشرح شواهده (ص 643) وشرح التصريح (2/ 255). (¬3) هو توبة بن الحمير كما في التذييل (6/ 938) والمغني (261). (¬4) هذا البيتان من الطويل. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ (¬1)، وليس بحجة (¬2) لأن غاية ما فيه أن ما جعل شرطا لـ «لو» مستقبل في نفسه، أو مقيد بمستقبل، وذلك لا ينافي امتناعه في مضي لامتناع غيره، ولا يحوج إلى إحراج «لو» عما عهد من معناها إلى غيره. ولما كانت «لو» للشرط في الماضي كان دخولها على المضارع على خلاف الأصل فلم تجزمه في سعة الكلام كما تجزمه «إن» وإن كانت مثلها في الاختصاص بالفعل، وحكى الشجري (¬3) أن بعضهم يرى الجزم بها لغة والمعروف أنه لا يجزم بها إلا في ضرورة كقوله: 4090 - تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت ... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانا (¬4) وقول الآخر: 4091 - لو يشأ طار به ذو ميعة ... لاحق الآطال نهد ذو خصل (¬5) وذهب الشيخ - رحمه الله تعالى - في شرح الكافية (¬6) إلى منع الجزم بـ «لو» في السعة والضرورة، وقال عن تسكين «النون» من: يحزنك: «فهذا من تسكين ضمة الإعراب تخفيفا كما قرأ أبو عمرو: وينصركم (¬7) ويأمركم (¬8)، ويشعركم (¬9) وقرأ بعض السلف: ورسلنا لديهم يكتبون (¬10)» وعن - ¬

_ - الشرح: الجندل: الحجارة، والصفائح: الحجارة العراض تكون على القبور، وهي جمع: صفيحة، وزقا: صاح، والصدى: هو الذي يجيبك بمثل صوتك ... إلخ ما سبق في البيت السابق، والصدى أيضا: ذكر البوم وقيل هو طائر كالبومة كانت العرب تزعم أنه يخرج من رأس القتيل ويصيح: اسقوني اسقوني حتى يؤخذ بثأره، ولعله المراد هنا. والشاهد فيه وقوع «لو» للتعليق في المستقبل كما في البيت السابق. وانظر البيتين في شرح ابن الناظم (ص 711) والتذييل (6/ 938) والمغني (ص 261) والعيني (4/ 453) والبيت الأول في الهمع (2/ 64) والدرر (2/ 80) والأشموني (4/ 38). (¬1) سورة النساء: 9. (¬2) ذكر ابن هشام في المغني (ص 262) أن ابن الناظم تابع ابن الحاج في نقده على المقرب في إنكار مجيء «لو» للتعليق في المستقبل. وانظر شرح التصريح (2/ 256). (¬3) انظر أمالي الشجري (1/ 187). (¬4)، (¬5) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬6) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1632 - 1634). (¬7) سورة التوبة: 14. (¬8) سورة البقرة: 67. (¬9) سورة الأنعام: 109. (¬10) سورة الزخرف: 80.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تسكين الهمزة من لو يشأ: «وهذا لا حجّة فيه لأن من العرب من يقول: جأ يجئ وشأ يشأ فقال: يشأ ثم أبدل الألف همزة كما قيل في: عالم وخاتم: عألم وخأتم، وكما فعل ابن ذكوان في تأكل منسأته (¬1) [حين قرأ بهمزة ساكنة والأصل: منسأته مفعلة من نسأه: زجره بالعصا، ولذلك سميت: منسأة] فأبدل الهمزة ألفا ثم الألف همزة ساكنة فعلى ذلك يحمل قوله: لو يشأ». و «لو» مختصة بالأفعال فلا تباشر الجمل الاسمية، ولكن يليها الاسم مرفوعا ومنصوبا، فإن وليها المرفوع فإن كان غير «أن» وصلتها فهو مرفوع بفعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم نحو «لو ذات سوار لطمتني» ولو زيد قائم أبوه قمت، وإن كان «أنّ» وصلتها كما في قولك: لو أنّك جئتني لأكرمتك فهو عند سيبويه (¬2) في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف، وقد شذّ ابتداء «أنّ» بعد «لو» كما نصبت «غدوة» بعد «لدن»، وعند الأخفش (¬3) في موضع رفع بـ «ثبت» مضمرا كما هو كذلك بعد «ما» النائبة عن الظرف كقولهم: لا أفعل ما أنّ حراء مكانه، ولا أكلمه ما أنّ في السّماء نجما (¬4)، وإن ولي «لو» اسم منصوب فقد يكون منصوبا بما بعده كما في قولك: لو زيدا ضربت لأكرمتك، وقد يكون منصوبا بفعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم وغير مفسر، فالأول نحو: لو زيدا رأيته أكرمك ولو عمرا [5/ 181] كلمت أخاه أعطاك، والثاني قولهم: اضرب ولو زيدا، وألا شراب ولو ماء (¬5)، وندر المجيء باسمين مرفوعين بعد «لو» في قول الشاعر: 4092 - لو بغير الماء حلقي شرق ... كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (¬6) - ¬

_ (¬1) سورة سبأ: 14. (¬2) انظر الكتاب (3/ 121)، وانظر شرح ابن الناظم للألفية (ص 711، 712). (¬3) أشار إلى هذا الرأي في شرح الألفية (ص 712) دون أن ينسبه لأحد ونسب في التذييل لأبي العباس المبرد، انظر التذييل (6/ 946) والمقتضب (3/ 77، 78) ونسب في المغني (ص 270) للمبرد والزجاج والكوفيين. (¬4) انظر شرح ابن الناظم (ص 711) والأشموني (4/ 41). (¬5) في الكتاب (1/ 227) (هارون) «ألا ماء ولو باردا». (¬6) هذا البيت من الرمل، وهو لعدي بن زيد التميمي في ديوانه (ص 93). الشرح: قوله: شرق صفة مشبهة من قولهم: شرق بريقة إذا غصّ. والمصدر: الشّرق، وغصّان يقال: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحمله أبو علي (¬1) على أن «حلقي» فاعل لفعل مضمر يفسره «شرق» و «شرق» خبر مبتدأ محذوف مدلول عليه بالفاعل والتقدير: لو شرق بغير الماء حلقي هو شرق، وحمله شيخنا (¬2) - رحمه الله تعالى - على أن «حلقي» مبتدأ و «شرق» خبره و «بغير الماء» متعلق بالخبر، وقد ابتدأ الكلام بعد «لو» لأنها لما لم تعمل لم يسلك بها سبيل «إن» في الاختصاص بالفعل أبدا، فنبّه على ذلك بمباشرتها «أنّ» كثيرا وبماشرتها غيرها قليلا (¬3). ومحلّه عندي على أن يكون قوله: «حلقي شرق» مبتدأ وخبرا في موضع نصب بـ «كان» الشانية مضمرة تقديره: لو كان الأمر أو الشأن حلقي شرق بغير الماء كنت كالغصّان، وكان بالماء اعتصاري (¬4). وزعم الزمخشري (¬5) أن الخبر بعد «لو أنّ» ملتزم مجيئه فعلا ليكون ذلك عوضا عن ظهور الفعل المقدر بين «لو» و «أنّ» ومنع صحة قولك: لو أنّ زيدا [حاضري] لأكرمته، قال الشيخ رحمه الله تعالى (¬6): وما منعه سائغ في كلام العرب كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ (¬7) ومنه قول الراجز: 4093 - لو أن حيّا مدرك النّجاح ... أدركه ملاعب الرّماح (¬8) - ¬

_ - غصصت بالماء أغصّ غصصا إذا شرقت به أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه، ورجل غصّان: غاص، وقوله اعتصاري أي نجاتي وملجئي. والمعنى: لو شرقت بغير الماء اسغت شرقي بالماء، فإذا غصصت بالماء فبم أسيغه؟ والشاهد فيه المجيء باسمين مرفوعين بعد «لو» وهو نادر لأن «لو» لا يليها إلا الأفعال، وقد اختلف في تخريج ما في البيت كما هو موضح بالنص، والبيت في الكتاب (3/ 121) والمستقصى (2/ 408) وشرح الكافية الشافية (3/ 1636) والتذييل (6/ 943، 944). (¬1) انظر التذييل (6/ 944). (¬2) يعني والده العلامة ابن مالك. (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (2/ 665). (¬4) وهذا ما ذهب إليه أبو الحسن بن خروف. انظر التذييل (6/ 944). (¬5) انظر المفصل (ص 323). (¬6) أي العلامة ابن مالك انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1637). (¬7) سورة لقمان: 27. (¬8) هذا رجز وقوله: النجاح يروى بدله «الفلاح» وأراد بـ «ملاعب الرماح» أبا براء عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة وغيّره لبيد إلى هذه القافية. والشاهد في قوله: «مدرك النجاح» حيث وقع خبرا لـ «أنّ» الواقعة بعد «لو» وهو اسم وفي هذا رد على الزمخشري الذي يرى أن الخبر بعد «لو أنّ» ملتزم مجيئه فعلا. والرجز في التذييل (6/ 947) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الشاعر (¬1): 4094 - ولو أنّ حيّا فائت الموت فاته ... أخو الحرب فوق القارح العدوان (¬2) وقول الآخر: 4095 - ولو أنّ ما أبقيت منّي معلّق ... بعود ثمام ما تأوّد عودها (¬3) وقول الآخر: 4096 - ولو أنّها عصفورة لحسبتها ... مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما (¬4) هذا آخر كلام بدر الدين رحمه الله تعالى (¬5). وقد اختلفت عبارات النحاة في تفسير معنى «لو» فالجاري على ألسنة المعلمين والمعربين (¬6) أنها حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، أي: امتناع الثاني لامتناع - ¬

_ - والمغني (ص 270) وشرح شواهده (ص 663) والعيني (4/ 466). (¬1) هو صخر بن عمرو السلمي كما في العيني (4/ 459). (¬2) هذا البيت من الطويل والفرس القارح الذي عمره خمس سنين والعدوان شديد العدو والجري وأخو الحرب صاحب الحرب. والشاهد فيه وقوع خبر «أنّ» بعد «لو» اسما وهو قوله «فائت الموت» والبيت في شرح ابن الناظم (ص 278) والعيني (4/ 459)، والأشموني (4/ 42) واللسان (عدا). (¬3) هذا البيت من الطويل هو لأبي العوام بن كعب بن زهير بن أبي سلمى كما في العيني (4/ 457)، الشرح: الثمام: نبت ضعيف له خوص ربما حشي به، وتأوّد من أود الشيء - بالكسر - يأود أودا: إذا اعوج، يصف به الشاعر ضعيف الثمام مخاطبا لمحبوبته مدعيا بأنها لم تبق منه إلا شيئا يسيرا لو علق بعود ما اعوجّ مع ضعفه لكون ذلك الشيء حقيرا جدّا، وهذا كناية عن غاية فنائه في محبتها وأنه لم يبق فيه شيء ينتفع به. والشاهد فيه وقوع خبر «أنّ» بعد «لو» اسما. والبيت في شرح ابن الناظم (ص 712) والتذييل (6/ 947) والعيني (4/ 457) والأشموني (4/ 42). (¬4) هذا البيت من الطويل. الشرح: مسومة أي خيلا معلمة، وعبيدا بطن من الأوس وأزنم بطن من بني يربوع وإليهم تنسب الإبل الأزنمية، يقول لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلا مسومة قصدت هاتين القبيلتين، يذم شخصا ويضعه بشدة الجبن والخوف. والشاهد فيه وقوع خبر «أنّ» بعد «لو» اسما. والبيت في التذييل (6/ 948) والمغني (ص 270) وشرح شواهده (ص 662) والعيني (4/ 467) والأشموني (4/ 41). (¬5) انظر شرح التسهيل (4/ 100). (¬6) انظر التذييل (6/ 931) والمغني (257) وشرح التصريح (2/ 257) والهمع (2/ 64) والأشموني (4/ 35 - 37).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول، وقد عبّر عنها المصنف بما عرفت وقوله في شرح الكافية (¬1): «لو حرف يدل على انتفاء تال يلزم لثبوته ثبوت تاليه» أخلص وأبين من قوله هنا (¬2) حرف شرط يقتضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه لأن هذه العبارة تقتضي أن يستلزم نفي ما يلي [لو] نفى الذي يليه وهو الجواب، وليس هذا بمراد، بل المراد أن ثبوت الأول يستلزم ثبوت الثاني. ثم قال شرح الكافية بعد ذكره الحد المذكور (¬3): «فقيام زيد من قولك: لو قام زيد لقام عمرو محكوم بانتفائه فيما مضى، وكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام من عمرو، وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد أو ليس له؟ لا تعرض لذلك، بل الأكثر كون الثاني والأول غير واقعين، قال: وعبارة سيبويه عنها أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره (¬4)، يعني أنك إذا قلت: لو قام زيد لقام عمرو فمقتضاه، أن القيام من عمرو كان متوقعا لحصول قيام من زيد على تقدير حصوله، قال: وليس في هذه العبارة تعرض لكون الثاني صالحا للحصول بدون حصول الأول أولا، والحقّ فيه أنه صالح لذلك، وأن الأول محكوم بعدم حصوله لأنه قد يقال: لو ترك العبد سؤال ربه لأعطاه، فـ «ترك» السؤال محكوم بعدم حصوله و «العطاء» محكوم بحصوله على كل حال، والمعنى: إن عطاءه حاصل مع ترك السؤال فكيف مع السؤال؟ ومنه قول عمر رضى الله تعالى عنه: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» انتهى. والذي قاله النحاة (¬5): إن الذي ذكره سيبويه في «لو» هو المطرد فيها، وكونها حرف امتناع لامتناع غير مطرد فيها بدليل قولنا: لو كان هذا إنسانا لكان حيوانا، فإنه لا يلزم من انتفاء الإنسانية انتفاء الحيوانية وإذا جعلنا مدلول «لو» ثبوتيّا اطرد ذلك: لأن ثبوت الإنسانية يلزم منه ثبوت الحيوانية. وأما قول المصنف: «إنه ليس في عبارة سيبويه تعرّض لكون الثاني صالحا للحصول بدون حصول الأول أولا فالجواب عنه أنه لا يحتاج إلى ذلك، لأن المراد من «لو» إفهام أن الأول لم يقع، وأن الثاني يقع لوقوعه. أي: يكون وجوده مترتبا - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1631). (¬2) أي في التسهيل. (¬3) انظر شرح الكافيه الشافية (3/ 1631). (¬4) انظر الكتاب (ص 224). (¬5) انظر التذييل (6/ 936) والمغني (ص 259، 260).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على وجوده، فـ «لو» إنما أتي بها لذلك، أما كون الثاني يوجد بدون الأول أو لا يوجد فلا مدخل لـ «لو» فيه. وبعد فقد قال بدر الدين: وإن قول من قال: لو تدل على امتناع الثاني لامتناع الأول يستقيم على وجهين: أحدهما: أن يكون مرادهم أن جواب «لو» ممتنع لامتناع الشرط في عرف اللغة لا في حكم الفعل إلى آخر ما قرره. ثانيهما: أن يكون مرادهم أن جواب «لو» ممتنع لامتناع شرطه وقد يكون ثابتا لثبوت غيره، لأنها إذا كانت تقتضي نفي تاليها واستلزامه لتاليه فقد دلّت على امتناع الثاني لامتناع الأول، لأنه متى انتفى شيء انتفى مساويه في اللزوم مع احتمال أن يكون ثابتا لثبوت أمر فيصح إذن أن يقال: لو حرف يدل على امتناع الثاني لامتناع الأول، لأنه لا يقتضى كونها تدل على امتناع الجواب على كل تقدير، بل على امتناعه لامتناع الشرط المذكور مع احتمال كونه ثابتا لثبوت أمر آخر وغير ثابت، لأن امتناع الشيء لامتناع علة لا ينافي ثبوته لثبوت علّة أخرى، ولا انتفاءه لانتفاء جميع علله» انتهى (¬1). وأقول: إن الذي ذكره في الوجه الثاني حسن، ولكن لم يتجه لي عليه معنى الآية الشريفة وهي قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (¬2) لأن مقتضى ما قرره أن يكون امتناع عدم النفاد يوجد لامتناع كون ما في الأرض من شجرة أقلام، وكون البحر يمده من بعده سبعة أبحر، ويلزم من امتناع عدم النفاد وجود النفاد لأن امتناع عدم الشيء يلزم منه وجود ذلك الشيء والأمر بخلاف ذلك. وقد ذكر ابن الضائع لقول من قال: إنها للامتناع توجيها حسنا من جهة أنه خاصّ لا عامّ، فقال (¬3): «ليس قولهم في الامتناع خطأ بل له وجه صحيح وذلك أن «لو» في أصل وضعها كما زعم سيبويه - يعني أنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، قال: فلم يقع لأن سببه لم يقع أيضا فلا [5/ 182] خلاف بين كلام سيبويه وكلام من قال بالامتناع، وإجماع النحويين أو أكثرهم على أخذ الامتناع فيها دليل - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل (4/ 95، 96). (¬2) سورة لقمان: 27. (¬3) انظر التذييل (6/ 935، 936).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو كالدليل على صحته، وتبيين صحته أن: لو قام زيد قام عمرو لا بد فيه من عدم قيام زيد، إذ لو كان قام لزمه قيام عمرو فلم يكن لقولك: لو قام زيد قام عمرو فائدة، ومقتضى السببية أنه إذا لم يوجد السبب لا يوجد المسبب وإلا فإن كان المسبب يوجد وإن لم يوجد سببه فما معنى كونه سببا فيه؟ فيكون إذن كلام النحويين وسيبويه في ما هو سبب ومسبب، والمسائل المعارضة ليست سببا ومسببا في الحقيقة، إذ الصدق ليس سببا في عدمه في قوله تعالى حكاية: وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (¬1) بل الأمر بالعكس، وكذلك متى كان كثرة الأقلام والمداد سببا في أن لا ينفد الكتاب، بل المظنون أن كثرة الأقلام والمداد سبب في نفاد المكتوب، وكذلك متى كان الخوف سببا في عدم المعصية، بل الأمر في ما يظن بالعكس، فمتى كان جواب «لو» يراد به إثباته أبدا على كل حال، أو نفيه أبدا على كل حال بولغ في ذلك فجيء بما هو سبب في عكس المراد أو يظن أنه سبب، فيصير سببا في المراد، فكأن المعنى: هذا يكون ولا بد» انتهى. وهو تقرير حسن يتعيّن التعويل عليه، وعلى هذا لا فساد في شيء من التعاريف الثلاثة لـ «لو» وهي قولهم: حرف يدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، وحرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وحرف يدل على انتفاء تال يلزم لثبوته ثبوت تاليه، وهذا هو الذي ذكره المصنف، ولا شك أنه أقرب إلى فهم معنى «لو» ثم إنه يشمل صور المسائل كلها، ولا يحتاج معه إلى أن يجاب عما أورد على من قال: إنها حرف يدل على الامتناع، وكذا التعريف الذي ذكره إمام الصناعة سيبويه - رحمه الله تعالى - وهو: أنها لما كان سيقع لوقوع غيره، وقد تقدم الجواب عن اعتراض المصنف عليه بما اعترض به. واعلم أن من الناس من قال (¬2): إن «لو» تكون للتعليق وهي التي ذكرت لها هذه التعاريف ووقع البحث والكلام فيها، وقد تكون لمجرد [ارتباط] الثاني بالأول من غير دلالة على امتناع أو غيره (¬3)، وعلى ذلك قول المتنبي (¬4): - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 17. (¬2) التذييل (6/ 933)، والمغني (ص 255 - 258). (¬3) نقله أبو حيان عن بعض المتأخرين انظر التذييل (6/ 938). (¬4) المتنبي هو: أحمد بن الحسين أشهر شعراء المحدثين، مات مقتولا سنة (354 هـ) قرب بغداد. انظر ترجمته في نزهة الألباء (ص 394 - 399).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4097 - ولو قلم ألقيت في شقّ رأسه ... من السّقم ما غيّرت من خطّ كاتب (¬1) قال (¬2): وضابط هذا القسم أن تقوم لنا قرينة تدل على ثبوت الثاني مطلقا، إما من مدلول الكلام وإما من خارج، فالأول كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ (¬3) فإن الآية الشريفة سيقت لبيان أن بين ثبوت أن كون ما في الأرض من شجرة أقلام وكون البحر يمده من بعده سبعة أبحر، وبين نفي النفاد ارتباطا، ولو فرض امتناع لزم أن يكون نفى النفاد منفيّا فيكون حاصلا وذلك باطل. والثاني كقول عمر رضي الله عنه «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» فبين نفي الجواب ونفي العصيان ارتباط، ولو فرض امتناع لزم وجود العصيان على تقدير وجود الخوف وهو خلاف المقصود، وخلاف المعقول أيضا، والمقتضي لذلك أنه إذا أريد ثبوت شيء مطلقا، أو نفي شيء مطلقا علّق على أحد النقيضين لوجوده دائما، لكن إنما يذكر النقيض الذي يكون ثبوت ذلك الأمر أو نفيه على تقدير النقيض الآخر لو ذكر من الطريق الأولى كما يفهم من الآية الشريفة ومن الأثر المتقدمي الذكر، ولا شك أن القول بذلك إذا كان سالما من الخدش يتعين المصير إليه فإنه سهل مريح من تكلف أجوبة عن المسائل التي يشكل كون «لو» فيها للتعليق. وذكر عن الشلوبين (¬4) أنه كان يرى أن «لو» تقتضي لزوم جوابها لشرطها فقط، وهذا مما يقوي القول بأنها قد تأتي لمجرد الارتباط، لأن الشلوبين يدّعي أن ذلك هو معناها دائما، وإذا كان كذلك فلا أقلّ أن يقال: إن ذلك ثابت لها في بعض الاستعمالات. ثم ليعلم أن قول بدر الدين مقررا أمر التعريف الذي اختاره والده: «ولا تقتضي - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل. والشق بالفتح: الفرجة، وبالكسر الجانب. واستشهد به على أن «لو» فيه لمجرد ارتباط الثاني بالأول من غير دلالة على امتناع أو غيره، وقد لحنّ الشيخ أبو حيان المتنبي في قوله: ولو قلم ألقيت قال: لأنه لا يمكن أن يقدر: لو ألقى قلم، وقال ابن هشام في المغني: روي بنصب «قلم» ورفعه وهما صحيحان والنصب أوجه بتقدير ولو لابست قلما، كما يقدر في نحو: زيدا حبست عليه، والرفع بتقدير فعل دلّ عليه. المعنى، أي: ولو حصل قلم أي: ولو لوبس قلم. انظر التذييل (6/ 945) والديوان (1/ 276) والمغني (ص 269) وحاشية الأمير على المغني (1/ 213). (¬2) أي الذي نقل عنه المؤلف ولم أعثر عليه. (¬3) سورة لقمان: 27. (¬4) انظر التذييل (6/ 935).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته لأنه لازم والشرط ملزوم إلى آخر كلامه «تقرير حسن»، إلا أن ما قاله إنما يتم حيث يعقل سببية ومسببية بين الأول والثاني، أما إذا لم يعقل بينهما سببية ومسببية كما في الآية الشريفة وكما في الأثر، فلا يتم تقريره. وقد بقيت الإشارة إلى أمور: منها: أن بعض العلماء قال: عبارة سيبويه مقتضية أن الثاني كان بتقدير وقوع الأول، فرتب الوقوع لإتيانه بالسين في قوله «سيقع» وهو كلام عجيب، بل العبارة تقتضي أن الثاني واقع عقيب الأول دون تأخّر، وأما «السين» فإنها إنما أتي بها لأن ما دخلت عليه مستقبل بالنسبة إلى وقت التلفظ بهذه العبارة. ومنها: أن «اللام» في قول سيبويه «لوقوع غيره» للتوقيت كما هي في قوله تعالى: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ (¬1) بمعنى أن الثاني يكون ثبوته عند ثبوت الأول، فلا يقال: إن «اللام» للتعليل لأن ذلك يؤدي إلى أن عدم نفاد الكلمات معلل بأن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر وليس الأمر كذلك، قيل: وليس في عبارة سيبويه دلالة على أن الشرط منتف، وأجيب بأن ذلك يفهم من قوله «لما كان سيقع» لأن ذلك يدل على أنه لم يكن واقعا (¬2). ومنها: أن بعض العلماء قال (¬3): في عبارة ابن مالك نقص؛ فإنها لا تفيد أن اقتضاءها للامتناع في الماضي، قال: فيتعين أن يقال: لو حرف يقتضي في الماضي امتناع ما يليه واستلزامه لتاليه، وهو إيراد عجيب فإن ابن مالك قد قال بعد ذلك (¬4) «واستعماله في المضي غالبا» وإنما لم يأخذ قيد المضي في الحد لأنه يرى أنها تكون للتعليق في المستقبل كما تكون له في الماضي. ومنها: [5/ 183] «أن الإمام فخر الدين (¬5) سلب «لو» الدالّة على الامتناع - ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 187. (¬2) انظر المغني (ص 259، 260). (¬3) انظر المغني (ص 260). (¬4) أي في التسهيل. (¬5) هو الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل الرازي، صاحب المصنفات العظيمة في التفسير والحديث والفقه والفلسفة وعلوم الكلام والطب والتصوف وغيرها، ومن أشهر مصنفاته التفسير الكبير المسمى «مفاتيح الغيب» توفي سنة (606 هـ) وانظر ترجمته في مقدمة التفسير الكبير له (طبعة بولاق) ومقدمة شرح المفصل له المسمى «عرائس المحصل من نفائس المفصل» (رسالة) المجلد الثالث (ص 13 - 23)

[أحوال جواب لو]

[أحوال جواب لو] قال ابن مالك: (وجوابها في الغالب فعل مجزوم بـ «لم» أو ماض منفيّ بـ «ما» أو مثبت مقرون غالبا بلام مفتوحة، ولا تحذف غالبا إلّا في صلة، وقد تصحب ما). ـــــــــــــــــــــــــــــ مطلقا وجعلها لمجرد الربط واحتج بقوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (¬1) قال (¬2): فلو أفادت «لو» انتفاء الشيء لانتفاء غيره لزم التناقض، لأن قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ يقتضي أنه ما علم فيهم خيرا وما أسمعهم، وقوله تعالى: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا يفيد أنه تعالى ما أسمعهم ولا تولوا، لكن عدم التولي خير فيلزم أن يكون قد علم فيهم خيرا وما علم فيهم خيرا، قال: فعلمنا أن كلمة «لو» لا تفيد إلا الربط» هذا كلامه. قيل: وقد يمنع قوله: إن عدم التولي خير، فإن الخير إنما هو عدم التولي بتقدير حصول الإسماع، والغرض أن الإسماع لم يحصل فلا يكون عدم التولي على الإطلاق خيرا، بل عدم التولي المرتب على الإسماع. وقيل (¬3): إن قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ على معنى الاستدلال، وقوله تعالى: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ على معنى الذم، فلذلك لا ينتج: لو علم فيهم خيرا لتولوا، وقال الزمخشري (¬4): ولو علم الله فيهم خيرا وقتا ما لتولّوا بعد ذلك، وقيل غير ذلك (¬5). قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬6) رحمه الله تعالى: «انفردت لو بلزوم كون جوابها في الغالب فعلا مضارعا مجزوما بـ «لم» نحو: لو قام زيد لم أقم، قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الأنفال: 23. (¬2) انظر التفسير الكبير «مفاتيح الغيب» للإمام فخر الدين الرازي (4/ 531) وقد نقله عنه بتصرف. (¬3) انظر التذييل (6/ 937). (¬4) عبارة الزمخشري في الكشاف (2/ 209) «ولو علم الله فيهم خيرا للطف بهم ولو لطف بهم لما انتفعوا باللطف» وانظر التذييل (6 / 937). (¬5) انظر التذييل (6/ 937، 938). (¬6) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (خ) (4/ 100).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4098 - فلو كان حمد يخلد النّاس لم تمت ... ولكنّ حمد النّاس ليس بمخلد (¬1) أو ماضيا مثبتا، أو منفيا بـ «ما»، فإن كان مثبتا فالأكثر أن تصحبه لام مفتوحة نحو وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (¬2)، وقد يخلو منها كما في قوله تعالى: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ (¬3) وقوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ (¬4)، وإن كان منفيا بـ «ما» فالأكثر خلوّه من اللام كما في قوله تعالى: لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ (¬5)، وقد تصحبه كما في قولك: لو كان كذا لما كان كذا. وقوله: في الغالب، احتراز من مجيء جواب «لو» جملة اسمية مصدرة باللام كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ (¬6)، وبالفاء كما أنشده الشيخ (¬7) رحمه الله تعالى من قول الشاعر: 4099 - قالت سلامة لم يكن لك عادة ... أن تترك الأصحاب حتّى تعذرا (¬8) لو كان قتل يا سلام فراحة ... لكن فررت مخافة أن أوسرا فحمل ما بعد الفاء على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: فهو راحة، والجملة جواب لـ «لو» وجاز أن يجاب بجملة اسمية مقرونة بالفاء تشبيها بـ «إن»، ويجوز عندي أن يكون ما بعد الفاء معطوفا على فاعل «كان» وجواب «لو» محذوف تقديره: لو كان قتل فراحة لثبتّ (¬9)، كما حذف في مواضع كثيرة كما - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل قاله زهير من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان. والشاهد فيه: مجيء جواب «لو» مضارعا مجزوما بلم وهو قوله: «لم تمت» وهذا هو الغالب فيها. والبيت في التذييل (6/ 948) والمغني (ص 256) وشرح شواهده (ص 642) والهمع (2/ 66) والديوان (ص 95). (¬2) سورة الأنفال: 23. (¬3) سورة الأعراف: 155. (¬4) سورة النساء: 9. (¬5) سورة الأحقاف: 11. (¬6) سورة البقرة: 103. (¬7) يعني والده الشيخ جمال الدين بن مالك، وما أنشده ليس في شرح الكافية ولعله في كتاب آخر غير هذا الكتاب. (¬8) هذان البيتان من الكامل لقائل مجهول. وقوله: الأصحاب يروى بدله الأعداء. والشاهد في قوله: فراحة حيث جاء جواب «لو» جملة اسمية مصدرة بالفاء وهذا غير الغالب فيها وتقديره في البيت: فهو راحة، والبيتان في التذييل (6/ 951) والمغني (ص 272) وشرح شواهده (ص 667). (¬9) انظر حاشية الأمير على المغني (1/ 215).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ (¬1) وكما حذف هو والشرط في قول الشاعر (¬2): 4100 - إن يكن طبّك الدّلال فلو في ... سالف الدّهر والسّنين الخوالي (¬3) قال أبو الحسن (¬4): يريد فلو كان في سالف الدهر لكان كذا وكذا انتهى كلامه رحمه الله تعالى وهو كلام والده في شرح الكافية (¬5) [إلا] تصدّر جملة الجواب بالفاء والبيتين اللذين أنشدهما فإنه ذكر في غير الشرح المذكور، لأنه ذكر أن البيتين من إنشاداته. وأما قوله مشيرا إلى اللام «وقد تصحب ما» فمثاله قول الشاعر: 4101 - لو أنّ بالعلم تعطى ما تعيش به ... لما ظفرت من الدّنيا بنقرون (¬6) وأما قوله مشيرا إلى اللام أيضا «ولا تحذف غالبا إلّا في صلة» فمثال ذلك (¬7) قوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ (¬8)، قال الشيخ (¬9): «ويعني بالصلة أن تكون لو وما دخلت عليه واقعة صلة قال: - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 91. (¬2) هو عبيد بن الأبرص في ديوانه (37). (¬3) هذا البيت من الخفيف وهو لعبيد بن الأبرص (ديوانه ص 37) الشرح: طبّك بكسر الطاء وتشديد الباء أي: إن يكن عادتك الدلال فلو كان هذا فيما مضى لاحتملناه، والطب: العادة، والدلال: هو التحاشي والتمانع على المحب وهو من دلّ يدل من باب ضرب يضرب، والخوالي: المواضي جمع خالية من خلا إذا مضى. والشاهد فيه حذف فعل الشرط لـ «لو» وجوابه فإن تقدير قوله: فلو في سالف الدهر، فلو كان ذلك في سالف الدهر لكان كذا، وشبه «لو» في هذا البيت بـ «إن» فكما جاز حذف فعل الشرط والجواب بعد «إن» كذلك جاز بعد «لو» لكن ذلك في «إن» لدلالة المعني جائز وفي «لو» نادر. والبيت في شرح ابن الناظم (ص 814) والتذييل (6/ 953)، والمغني (ص 649)، وشرح شواهده (ص 973). (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1641) وشرح ابن الناظم (279) والمغني (ص 649) ومنهج الأخفش الأوسط في الدارسة النحوية (ص 328، 329)، وانظر معاني القرآن (ص 215). (¬5) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1641). (¬6) هذا البيت من البسيط لقائل مجهول والنقرون من النقير وهو النكته التي في ظهر النواة، والمعني: أنه لم يظفر من الدنيا بشيء يذكر. والشاهد فيه دخول اللام الواقعة في جواب «لو» على «ما» النافية وهو قليل، والبيت في التذييل (6/ 950). (¬7) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1639). (¬8) سورة النساء: 9. (¬9) انظر التذييل (6/ 949).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكون المثبت مقرونا غالبا بلام ولا تحذف غالبا إلا في صلة شيء اختاره هذا المصنف وتقييد لما أطلقه النحويون من قولهم: إن المثبت الواقع جوابا للو يجوز دخول اللام عليه وحذفها من غير اعتبار غلبة لا في الدخول ولا في الحذف، وقد نطق القرآن العزيز بهما قال الله تعالى: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً (¬1) وقال تعالى: أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ (¬2) وقال تعالى: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ (¬3)، وأما في كلام العرب فخارج حذف اللام عن الحصر». هذا كلام الشيخ والعجب منه أنه قال قبل ذلك عند شرح قول المصنف: مثبت مقرون غالبا بلام مفتوحة وأكثر ما جاء في القرآن العزيز مقرونا باللام (¬4)، وإذا كان أكثر ما ورد في الكتاب العزيز مقرونا باللام كان ذلك شاهدا لقول المصنف. ثم قال الشيخ (¬5): «وقد سقط قوله: ولا تحذف غالبا إلّا في صلة، من نسخة عليها خطه وتصحيحه، ثم قال: وتدخل إذن بين لو وجوابها فتقول: لو جئتني إذن لأكرمتك، قال: وقد جاء دخول اللام على إذن دون الفعل قال الشاعر: 4102 - لو تأتّي لك التّحوّل حتّى ... تجعلي خلفك اللّطيف أماما ويكون الأمام ذو الخلقة الجب ... لة خلفا مراكنا مستكاما لإذن كنت يا عبيدة خير الن ... نّاس خلفا وخيرهم قدّاما (¬6) قال: ومن غريب ما وقع جوابا للو أفعل في التعجب مصحوبة باللام، قال عبد الله بن الحر (¬7): - ¬

_ (¬1) سورة الواقعة: 70. (¬2) سورة الأعراف: 100. (¬3) سورة الأعراف: 155. (¬4) انظر التذييل (6/ 949). (¬5) انظر التذييل (6/ 949، 950). (¬6) هذه الأبيات من الخفيف، لقائل مجهول. الشرح: الجبلة: الغليظة، والمراكن: الغليظ الضخم الذي له أركان، والمستكام من الكوم: المجتمع. والشاهد في قوله لإذن كنت حيث دخلت اللام على «إذن» الداخلة بين «لو» وجوابها والأصل أن تدخل على الفعل الذي هو جواب لـ «لو». (¬7) هو عبيد الله بن الحر بن عمرو الجعفي، من بني سعد العشيرة، قائد من الشجعان الأبطال، كان من خيار قومه شرفا وصلاحا وفضلا، وكان شاعرا فحلا، مات غريقا سنة (68 هـ). انظر ترجمته في الخزانة (1/ 296 - 299)، والأعلام (4/ 192).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4103 - فلو متّ في يوم ولم آت عجزة ... يضعّفني فيها امروء غير عاقل لأكرم بها من ميتة إن لقيتها ... أطاعن فيها كلّ خرق منازل (¬1) انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى. وقد عرفت أن المصنف احترز بقوله «في الغالب» - كما قال الإمام بدر الدين - من مجيء [5/ 184] جواب «لو» جملة اسمية مصدرة باللام ومصدرة بالفاء، وأما المصدرة بالفاء فقد عرفت أن بدر الدين لم يجعل المصدر بالفاء جوابا وأنه أجاب عما استدل به والده من قول الشاعر: 4104 - لو كان قتل يا سلام فراحة (¬2) أن «فراحة» معطوف على فاعل «كان» الذي هو «قتل» وأن الجواب محذوف، ولا شك أن «كان» في البيت تامة، والمعنى على ما يراه المصنف: لو وقع قتل استرحت، فأوقع الشاعر موقع استرحت فهو راحة، والذي قاله بدر الدين هو الظاهر، بل هو الحق، بل يقال: إن جواب «لو» لا يكون جملة اسمية أصلا، وأما قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ (¬3) فقد أجيب عنه بأن جواب «لو» محذوف لدلالة ما بعده عليه، التقدير: لأثيبوا، والجملة التي هي «لمثوبة من عند الله خير» جواب قسم محذوف أي: والله لمثوبة من عند الله خير، ولا شك أن حذف جواب «لو» لدلالة المعنى عليه كثير في الكتاب العزيز وفي أشعار العرب، قال الله تعالى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ (¬4) وقال تعالى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ (¬5) وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً الآية (¬6) التقدير في الأولى: ولو كنا صادقين ما آمنتنا أي ما صدقتنا، وفي الثانية: ولو افتدى به لم يقبل منه، وفي الثالثة: ولو أن قرآنا الآية لكان هذا - ¬

_ (¬1) هذا البيتان من الطويل. والعجزة: آخر ولد الرجل، والخرق من الفتيان: الظريف في سماحة ونجدة. والشاهد في قوله «لأكرم بها من ميتة» حيث وقع «أفعل» في التعجب جوابا لـ «لو» مصحوبا باللام والبيتان في الهمع (2/ 66) والدرر (2/ 82). (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬3) سورة البقرة: 103. (¬4) سورة يوسف: 17. (¬5) سورة آل عمران: 91. (¬6) سورة الرعد: 31.

[لما ومعانيها]

[لمّا ومعانيها] قال ابن مالك: (إذا ولي لمّا فعل ماض لفظا ومعنى فهي ظرف بمعنى إذ فيه معنى الشّرط، أو حرف يقتضي فيما مضى وجوبا لوجوب، وجوابها فعل ماض لفظا ومعنى، أو جملة اسميّة مع إذا المفاجأة أو الفاء، وربّما كان ماضيا مقرونا بالفاء، وقد يكون مضارعا). ـــــــــــــــــــــــــــــ القرآن، ومنه قول امرئ القيس: 4105 - وجدّك لو شيء أتانا رسوله ... سواك ولكن لم نجد لك مدفعا (¬1) أي: لو شيء أتانا رسوله سواك لما آتيناه (¬2). قال: قال المصنف في شرح الكافية (¬3): «لمّا في كلام العرب على ثلاثة أقسام: الأول: أن تكون نافية جازمة، وقد تقدم ذكرها، وأن الذي يليها من الأفعال مضارع اللفظ ماضي المعنى. والثاني: أن تكون حرفا يدل على وجوب شيء لوجوب غيره، ولا يليها إلا فعل خالص المضى أي ماض لفظا ومعنى كقوله تعالى: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا (¬4)، وهي حرف عند سيبويه (¬5)، وظرف بمعنى حين عند أبي علي (¬6)، والصحيح قول سيبويه، لأن المراد أنهم أهلكوا بسبب ظلمهم، لا أنهم أهلكوا حين - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو لامرئ القيس (ص 130) وقوله وجدك يروى بدله «وأقسم» ويروى «فأقسم». والاستشهاد فيه على أن «لو» حرف شرط وأن جوابه محذوف وتقدير الكلام: لو أتانا رسول سواك لدفعناه. وفي الخزانة: «استشهد به على أن الجواب فيه محذوف وهو جواب القسم لا جواب لو علما بمقتضى الضابط في اجتماع قسم وشرط» وهو الصواب، والبيت في معاني الفراء (2/ 7، 63، 417) وابن يعيش (9/ 7) والتذييل (6/ 952) والخزانة (4/ 227). (¬2) انظر التذييل (6/ 952). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1643). (¬4) سورة الكهف: 59. (¬5) انظر الكتاب (1/ 98)، (4/ 234) (هارون). (¬6) نسب في المغني (ص 280) لابن السراج وتبعه الفارسي وتبعهما ابن جني وتبعهم جماعة، وانظر الأشموني (4/ 7).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ظلمهم لأن ظلمهم متقدم على إنذارهم، وإنذارهم متقدم على إهلاكهم، ولأنها تقابل «لو» لأن «لو» في الغالب تدل على امتناع لامتناع و «لما» تدل على وجوب لوجوب، ويحقق تقابلهما أنك تقول: لو قام زيد قام عمرو ولكنه لما لم يقم لم يقم، ويقوى قول أبي علي أنها قد جاءت لمجرد الوقت في قول الراجز: 4106 - إنّي لأرجو محرزا أن ينفعا ... إيّاي لمّا صرت شيخا قلّعا (¬1) والثالث: أن تكون بمعنى «إلا» بعد قسم كقوله: عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطا، وكقول الراجز: 4107 - قالت له بالله يا ذا البردين ... لمّا غنثت نفسا أو اثنين (¬2) وقد تكون بمعنى «إلا» بعد نفي دون قسم، ومنه قراءة عاصم وحمزة (¬3) وإن كل لما جميع لدينا محضرون (¬4)، وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا (¬5) أي: وما كل إلا جميع، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا. ومثال وقوع جواب لما جملة ابتدائية قوله تعالى: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ (¬6). ومثال وقوع جوابها مقرونا بإذا المفاجأة قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ - ¬

_ (¬1) هذا رجز والمحرز من أحرزت الشيء أحرزه: إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ ومحرز: اسم، وقوله قلعا شيخ قلع: يتقلع إذا قام. والشاهد فيه قوله «لما صرت» حيث جاء «لما» لمجرد الوقت، وهذا يقوى مذهب أبي علي أنها ظرف بمعنى حين، وانظر الرجز في شرح العمدة (75) والتذييل (6/ 964) واللسان (قلع). (¬2) هذا رجز، وغنث كفرح: شرب ثم تنفس، وفي اللسان: «وقال الشيباني: الغنث هنا كناية عن الجماع». والشاهد فيه كون «لما» بمعنى «إلا» بعد القسم. والرجز في المغني (1/ 2) والهمع (1/ 236) والدرر (1/ 200) واللسان (غنث). (¬3) في شرح الكافية الشافية «ومنه قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة» والزيادة من المحقق، وانظر القراءة في الكشف (2/ 215)، والحجة (ص 368). (¬4) سورة يس: 32. (¬5) سورة الزخرف: 35. (¬6) سورة لقمان: 32.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مِنْها يَرْكُضُونَ (¬1) انتهى. وأورد ذلك بدر الدين برمّته دون زيادة (¬2)، وأنشد شاهدا لقول المصنف «وربّما كان ماضيا مقرونا بالفاء» قول الشاعر: 4108 - فلمّا رأى الرّحمن أن ليس فيهم ... رشيد ولا ناه أخاه عن الغدر فصبّ عليهم تغلب ابنة وائل ... فكانوا عليهم مثل راغية البكر (¬3) وأما قول المصنف «وقد يكون مضارعا» أي: جواب «لما» فشاهده قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا (¬4) قالوا: التقدير: جادلنا (¬5). وبعد فلنذكر أمورا: منها: أن الشيخ عند الاستشهاد بقوله تعالى: وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا (¬6)، وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (¬7). في قراءة من شدد الميم (¬8). قال (¬9): «فأما قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ (¬10) - في قراءة من خفف إن أو ثقّلها وثقّل ميم لما (¬11) - فقال صاحب كتاب «اللامات» (¬12): قال محمد - ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 12. (¬2) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 101، 102). (¬3) هذا البيتان من الطويل وهما للأخطل في ديوانه (ص 221) والضمير في «عليهم» لبني عامر، والبكر بفتح الموحدة: الصغير من الإبل، والراغية مصدر بمعنى: الرغاء وهو صوت البعير، ويريد بالبكر. ولد ناقة صالح عليه السّلام وذلك أنه لما قتلت الناقة رغا ولدها فصاح برغائه كل شيء له صوت فهلكت ثمود عند ذلك فضربته العرب مثلا، والشاهد في قوله نصب على أنه وقع جوابا لـ «لما» وهو ماض مقرون بالفاء، والبيتان في شرح الكافية للرضي (2/ 368)، والتذييل (6/ 965، 966)، (2/ 368)، والخزانة (4/ 418). (¬4) سورة هود: 74. (¬5) انظر البيان للأنباري (2/ 23) والتبيان للعكبري (ص 708)، والمغني (ص 281). (¬6) سورة الزخرف: 35. (¬7) سورة يس: 32. (¬8) هي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة. (¬9) انظر التذييل (6/ 957 - 959). (¬10) سورة هود: 111. (¬11) في الكشف (1/ 536، 537): «وإن كلا: قرأ الحرميان وأبو بكر: وإن كلا بتخفيف إن، وشدد الباقون، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر لما بالتشديد، وخفف الباقون» وانظر الحجة لابن خالويه (ص 191). (¬12) لعله يقصد أبا الحسن الهروي صاحب الأزهية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن يزيد - يعني المبرد (¬1) -: هذا لحن لا تقول العرب: إن زيدا لما خارج، ولا إن زيدا لا خارج، وقال المازني (¬2): لا أدرى ما وجه هذه القراءة؟، وقال الفراء (¬3): التقدير: لمن ما فلما كثر الميمات حذف منهن واحدة، فعلى هذا القول هي لام توكيد، ونعني بكثرة الميمات أن نون «من» حين أدغمت في ميم «ما» انقلبت ميما بالإدغام فصارت ثلاث ميمات، وقال المازني أيضا: إن بمعنى ما ثم ثقّلت (¬4)، قال صاحب كتاب «اللامات»: فذهب المازني إلى أن «إن» إذا كانت خفيفة كانت بمعنى ما ثم تثقّل، كما أن «إن» المؤكدة تخفف ومعناها الثقيلة. انتهى كلامه. قال الشيخ (¬5): وارتباك النحويين في هذه القراءة، وتلحين بعضهم لقارئها يدل على صعوبة المدرك فيها وتخريجها على القواعد النحوية، فأما التلحين فلا سبيل إليه ألبتة لأنها منقولة نقل التواتر في السبعة، وأما من قال: لا أدري ما وجهها؟ فمعذور لخفاء إدراك ذلك عليه، وأما تأويل «إنّ» المثقّلة بأنها المخففة التي هي نافية ففي غاية من الخطأ، لأنها لو كانت نافية لم ينتصب بعدها «كل» إنما كان يرتفع، وأيضا فإنه لا يحفظ من كلامهم أن تكون المثقلة نافية. وأما تأويل الفراء المثقلة بأنها المخففة فالآخر في غاية [5/ 185] من الضعف، إذ لا يحفظ من كلامهم «لما» في معنى: لمن ما. قال (¬6): وقد كنت من قديم فكّرت في تخريج هذه الآية الشريفة فظهر لي تخريجها على القواعد النحوية من غير شذوذ، وهو أن «لمّا» في قراءة من نصب «كلا» وخففت «إن» أو ثقلها هي الجازمة وحذف الفعل المعمول لها لدلالة معنى الكلام عليه، فيكون نظير قولهم: قاربت المدينة ولمّا، ويريد: ولمّا أدخلها، فيكون معنى الآية: وإن كلّا لمّا يبخس أو ينقص عمله، أو ما كان من هذا المعنى، فحذف - ¬

_ (¬1) بحثت في كتابي «المقتضب» و «الكامل» للمبرد فلم أعثر على النص المذكور. (¬2) في التذييل «وقال الكسائي» والصواب أنه المازني بدليل قوله «بعد»: وقال المازني أيضا. (¬3) انظر معاني القرآن (2/ 29). (¬4) انظر الأشباه والنظائر (1/ 137). (¬5) أي في التذييل (6/ 958). (¬6) أي الشيخ في التذييل (6/ 959).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل لدلالة قوله تعالى: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ عليه، لأنه تعالى لما أخبر أن كل إنسان لا يبخس شيئا من عمله أكد ذلك بالقسم عليه فقال: ليوفينهم ربك أعمالهم. قال (¬1): ولم يهتد أحد من النحويين الذين وقفنا على كلامهم في هذه الآية إليه على وضوحه واتجاهه في علم العربية، والعلوم كنوز تحت مفاتيح الفهوم، ثم إني حين وصلت في تفسير القرآن العزيز في كتابي المسمى بـ «البحر المحيط» وجدت شيخنا أبا عبد الله بن النقيب (¬2) [قد حكى عن أبي عمرو بن الحاجب أن لمّا هنا هي الجازمة وحذف الفعل بعدها (¬3)، ذكر ذلك] ابن النقيب في تفسيره الذي سمّاه بـ «التجريد» والتحبير لأقوال أهل التفسير» انتهى. وأقول: أما الشيخ فقدره جليل، ولا يشك أحد في علو طبقته وارتفاع شأنه في علم العربية، وكم له من مشكل حلّه، وعسر خرّجه، وخفىّ أوضحه، وغامض أبرزه، وما أنشأه من المصنفات المختصرات والمطولات لا سيما التفسير يشهد له بأكثر مما ذكرته، ومن هو بهذه الصفات كيف لا يدرك مثل ذلك؟ فأنا واحد من أقل الطلبة الذين أخذوا عنه ولقد يسّر الله تعالى لي الجواب عن هذه الآية الشريفة، وهي وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ (¬4) بأن قلت: إن «لمّا» هي النافية، وأن الفعل المنفي بها محذوف يدل عليه قوله تعالى: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ وكان السائل عن ذلك بعض الفضلاء فبعد أيام قال لي: إن الجواب الذي ذكرته ذكره أبو شامة (¬5) في (شرح الشاطبية) نقلا عن - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) هو جمال الدين محمد بن سليمان بن حسن المقدسي مفسر من فقهاء الحنفية، وأصله من بلخ ومولده في المقدس، انتقل الى القاهره وأقرأ في بعض مدارسها وعاد إلى المقدس فتوفي بها سنة (698 هـ). انظر الأعلام (7/ 21). (¬3) انظر البحر المحيط (5/ 267، 268). (¬4) سورة هود: 111. (¬5) أبو شامة: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي أبو القاسم شهاب الدين أبو شامة، مؤرخ، محدث، باحث، أصله من القدس ومولده في دمشق، وبها منشأه ووفاته ولقب أبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر. له مصنفات كثيرة منها: «إبراز المعاني» في شرح -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ أبي عمرو بن الحاجب (¬1) - رحمه الله تعالى - فحصل لي بذلك ابتهاج وشكرت الله تعالى أن هداني إلى ما هدى إليه هذا الرجل العالم العامل. ومنها: أن الشيخ ذكر مسألة وهي: أقسمت لمّا لم تفعلنّ وقال (¬2): «قال أبو عمرو بن تقي (¬3): وقعت لمّا في الكتاب مشددة ومخففة وهو الوجه، ولذلك يقول النحويون في جواب القسم: لما أو لمّا على الشك، فوجه المخففة أنها لام التوكيد دخلت على «ما» وهي للنفي [و] لما كان أصلها أن تنفي الماضي أو الحال وكان هذا الفعل مستقبلا بدليل وجود «النون» معه أدخلوا «لم» في الموضع تحسينا لـ «ما» لأن «لم» تنفي الماضي بلفظ المستقبل ولما اجتمع نفيان انقلبا إيجابا فصلح دخول «النون» لأنها لا تدخل على المنفي، فكأنه قال: أقسمت عليك لتفعلنّ وهو المعني» انتهى. ولم أتحقق ما ذكره عن هذا الرجل في هذه المسألة. ومنها: أن الشيخ قال (¬4): «إن المصنف تسامح في أمرين: أحدهما: قوله: فهي ظرف بمعنى إذ، أو حرف، لأنه أخرج الكلام في «لما» مخرج الترديد، - يعني كأن المصنف خيّر [بين] الأمرين - قال (¬5): وهذا قول ثالث لم يقل به، لأن سيبويه يحكم بالحرفية والفارسي يحكم بالظرفية، قال: وهذا لا يجيز قول هذا فيها، وهذا لا يجيز قول هذا. والثاني: قوله إنه حرف يقتضي فيما مضى وجوبا لوجوب، قال (¬6): لأن القائل بهذا لا يقتصر على هذا، بل يقول ذلك إذا كانا مثبتين، أما إذا كانا منفيين فإنه يقتضي امتناعا لامتناع، وأما إذا كان الأول مثبتا والثاني منفيا فيقتضي امتناعا لوجوب، وأما عكسه فبالعكس». - ¬

_ = الشاطبية، ونظم المفصل للزمخشري ومقدمة في النحو، وتوفى سنة (665 هـ). انظر ترجمته في طبقات المفسرين (1/ 263 - 265)، وغاية النهاية (1/ 365). (¬1) انظر المغني (ص 282). (¬2) انظر التذييل (6/ 960). (¬3) لم أعثر له على ترجمة. (¬4) انظر التذييل (6/ 960، 961) وقد نقله عنه بتصرف. (¬5)، (¬6) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأقول: إن قول المصنف «فهي ظرف أو حرف» معناه: فهي ظرف عند من يرى ظرفيتها، وهي حرف عند من يرى حرفيتها، ومراده أنها لا تخرج عند النحاة عن القسمين، وكيف يتصور لقائل باسمية كلمة أن يجيز القول بحرفيتها؟ أو لمن يقول بالحرفية كيف يجيز الاسمية؟ وإذا كان كذلك انتفى الترديد وأما قوله: إنها تقتضي وجوبا لوجوب، فليس المراد بالوجوب ما يقابل الامتناع فيتوجه عليه ما قاله الشيخ بل المراد به: وجود شيء لشيء أو وقوع شيء لشيء، فـ «لمّا» تدل على أن المذكور ثانيا حصل بحصول المذكور أولا، وهذا أعم من أن يتفق الأول والثاني في الإثبات أو النفي أو يختلفا. ومنها: أن الشيخ قال (¬1): «ما استدلوا به لمذهب سيبويه: - يعني على حرفية لمّا - من قوله تعالى: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا (¬2) لا دليل لهم فيه، لأنهم أخذوا قوله تعالى: لَمَّا ظَلَمُوا على ابتداء الظلم، فجعلوا بين الظلم والإهلاك زمانا غير زمانهما وهو زمان الإنذار، ولا يتعيّن حمل قوله تعالى: لَمَّا ظَلَمُوا لما ابتدأو الظلم، بل يصدق أنهم أهلكوا حين الظلم، لأن حين الظلم متسع لابتدائه ولغير ابتدائه، ألا ترى أنهم كانوا ظالمين وقت الإهلاك لم يخرجوا عن الظلم، فالإهلاك وقع وقت التباسهم بالظلم» انتهى. ولك أن تقول: لا بد أن يتقدم الظلم منهم على إهلاكهم لأن الله سبحانه لا يؤاخذ بغير ذنب، فلا بد من تقدم وجود الظلم، ثم إذا أهلكوا وهم مستمرون في الظلم فلا بد أن يكون الإهلاك بسبب ظلم متقدم وإن انضم إليه ظلم آخر، ومقتضى ما قرره الشيخ أن الإهلاك إنما بسبب الظلم المتلبّسين هم به وقت إهلاكهم، وهو غير مسلّم. ثم قال (¬3): «وقد ذكرت الاستدلال على صحة مذهب سيبويه في كتابنا المسمى [5/ 186] بـ «النكت الحسان في شرح غاية الإحسان» بوجهين (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 962) وقد نقله عنه بتصرف. (¬2) سورة الكهف: 59. (¬3) انظر التذييل (6/ 963). (¬4) الحق أنه استدل على ذلك بثلاثة أوجه لا بوجهين. انظر النكت الحسان (ص 298) تحقيق: د/ عبد الحسين الفتلي (بغداد).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأزيدهما ها هنا بيانا: أحدهما: أنا وجدنا الفعل الذي يكون جوابا لها قد يأتي منفيّا بـ «ما» متأخرا عن الفعل الذي بعدها قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ (¬1) فلو كانت ظرفا لما صح لمعمول الفعل المنفي بـ «ما» أن يتقدم عليه، لا يجوز: حين جئت ما جئت، وقد تقدم، فدل على أنه ليس بظرف. والثاني: أنا وجدنا جوابها يكون بـ «إذا» الفجائية قال تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (¬2)، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (¬3) وهو كثير في القرآن العزيز وفي أشعار العرب ولا يصح لما بعد «إذا» الفجائية أن يعمل فيما قبلها، فلو كان ظرفا لما صلح أن يتقدم على «إذا» المذكورة قال (¬4): ومما يستدل به على بطلان [مذهب] أبي على إجماع النحويين على جواز زيادة «أن» بعد «لمّا» ولو كانت ظرفا والجملة بعدها في موضع خفض بالإضافة لما جاز الفصل بـ «أن» الزائدة بين المضاف والمضاف إليه، كما لا يجوز ذلك في الظروف المضافة إلى الجمل. ثم ذكر (¬5) قول المصنف (¬6): ويقوّي قول أبي علي أنها قد جاءت لمجرد الوقت في قول الراجز: 4109 - إنّي لأرجو محرزا أن ينفعا ... إيّاي لمّا صرت شيخا قلّعا (¬7) قال (¬8): ولا حجة في ذلك إذ يحتمل أن يكون جواب «لمّا» محذوفا لفهم المعنى أي: لمّا صرت شيخا قلعا حصل لي هذا الرجاء، فتكون إذ ذاك حرفا. ومنها: أن المصنف قد قال (¬9): إن جواب [لمّا] قد يكون جملة اسمية مع الفاء - ¬

_ (¬1) سورة سبأ: 14. (¬2) سورة الأنبياء: 12. (¬3) سورة العنكبوت: 65. (¬4) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 963، 964) وقد نقله عنه بتصرف. (¬5) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 964). (¬6) أي في شرح الكافية الشافية (3/ 1644). (¬7) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬8) انظر التذييل (6/ 964). (¬9) انظر شرح الكافية الشافية (2/ 669).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنه ربما كان ماضيا مقرونا بالفاء، وأنه قد يكون مضارعا، واستدل على المسألة الأولى بقوله تعالى: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ (¬1)، وعلى الثانية بقول الشاعر: 4110 - فلما رأي الرحمن ..... ... فصبّ عليهم ..... (¬2) على أنه جواب لقوله: وعلى المسألة الثالثة بقوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا (¬3) كما عرفت، وقد نوزع في المسائل الثلاث: أما الأولى (¬4): فقيل: لا دليل له عليها لأنا ندّعي أن الجواب في الآية الشريفة محذوف، والتقدير: فلما نجاهم إلى البر انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير مقتصد [فحذف الجواب وحذف المعطوف الذي هو: ومنهم غير مقتصد] لدلالة قوله تعالى: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (¬5) عليه. وأما الثانية: فقيل: إن الذي استدل به عليها لا دليل فيه، لأنا ندّعي حذف الجواب أيضا لدلالة المعنى عليه التقدير: انتقم منهم فصب عليهم، كما حذف في قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (¬6) وفي قول امرئ القيس: 4111 - فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى ... بنا بطن خبت ذي ركام عقنقل (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة لقمان: 32. (¬2) سبق شرح هذين البيتين. (¬3) سورة هود: 74. (¬4) نازعه في ذلك الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 965، 966). (¬5) سورة لقمان: 32. (¬6) سورة يوسف: 15. (¬7) هذا البيت من الطويل وهو لامرئ القيس (ديوانه ص 19). الشرح: انتحى: اعترض، والخبث: المتسع من بطون الأرض، وقوله ذي ركام يروى بدله ذي قفاف والركام والقفاف: ما ارتفع من الأرض، والعقنقل: الوادي العظيم المتسع. والشاهد فيه: حذف جواب «لما». والتقدير: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بطن خبت أمنا أو نلت مأمولي، وهذا مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أن «انتحى» هو الجواب و «الواو» زائدة. والبيت في معاني الفراء (2/ 50، 211)، والمنصف (3/ 75) وشرح الكافية للرضي (2/ 368)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الثالثة: فقيل: إن الجواب من قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا (¬1) محذوف، التقدير: أقبل يجادلنا (¬2). والظاهر أن الحقّ في هذه المسائل الثلاث خلاف ما ذكره المصنف، وأن الجواب محذوف في الآيتين الشريفتين اللتين استدل بهما، وكذا في البيت الذي ذكره. * * * ¬

_ - والخزانة (4/ 413). (¬1) سورة هود: 74. (¬2) انظر المغني (ص 281).

الباب السادس والستون باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك

[الباب السادس والستون باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك] قال ابن مالك: (يستفهم بـ «كيف» عن الحال قبل ما يستغنى به، وعن الخبر قبل ما لا يستغنى به، ومعناها: على أيّ حال فلذا تسمّى ظرفا، وربّما صحبتها «على»، ولجوابها والبدل منها النّصب في الأوّل، والرّفع في الثّاني إن عدمت نواسخ الابتداء، وإلّا فالنّصب، ولا يجازى بها قياسا خلافا للكوفيّين). قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): «من الأسماء المبنية: كيف، ويدل على اسميتها أمور كثيرة: أحدها: انتفاء أن تكون حرفا للاكتفاء بها مع الاسم المنفرد نحو: كيف أنت؟ وانتفاء أن تكون فعلا لدخولها على الأفعال واتصالها بها نحو: كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ * (¬2) والفعل لا يدخل على الفعل إلا مفصولا عنه في النية بضمير الفاعل المستكن كما في قولهم: إن تقم أقم، فلما انتفى أن تكون حرفا وأن تكون فعلا تعيّن أن تكون اسما. الثاني: جواز إبدال الاسم منها كما في قولك: كيف زيد أفارغ أم مشغول؟ وكيف سرت أراكبا أم ماشيا؟ فلولا أن «كيف» اسم لما أبدل منها الاسم. الثالث: دخول حرف الجر عليها في قول بعضهم: على كيف تبيع الأحمرين (¬3)؟ وهي اسم مبني لشبهها بالحرف في المعنى لتضمنها معنى همزة الاستفهام بدليل وجوب اقتران الهمزة بالبدل منها نحو: كيف زيد صحيح أم سقيم؟، وبنيت على حركة فرارا من التقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة؛ لأنها أخف والنطق بها بعد «الياء» الساكنة أسهل. ومعنى «كيف» الاستفهام عن وصف منكور لموصوف بعده مذكور، ولذلك - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 104) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد د/ محمد بدوي المختون. (¬2) سورة الفجر: 6، سورة الفيل: 1. (¬3) انظر المغني (ص 205) والأحمران: اللحم والخمر. انظر اللسان (حمر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يدل منها، ولا يجاب إلا بصفة نكرة، فيجب أن تكون عامة لجميع أحوال الموصوف حتى يصح أن يجاب ببعضها، ولذلك تسمى: اسم استفهام عن الحال، وقيل: معناها: على أيّ حال؟ فتسمى ظرفا لأنها في تأويل جار ومجرور، كما أن الظرف في تأويل جار ومجرور، ولا شك في صحة تقدير: على أيّ حال؟ مكان «كيف». وأن قولك: كيف زيد؟ في معنى: على أيّ حال زيد؟ ولكن ليس ذلك لأن «كيف» موضوعة لذلك المعنى، بل لأن معناها راجع إليه بنوع من اللزوم، ويدل على ذلك أمران: أحدهما: أنه كما يصح تقدير: على أي حال؟ مكان «كيف» كذلك يصح تقدير وصف مجرد من حرف جر مكانها، فيجوز أن تأتي بدل «كيف» من نحو: كيف أنت؟ بـ «أقائم» وشبهه، فتقول: أقائم أنت أم غير قائم؟ فيفيد بذلك ما يفيده: كيف أنت؟ فيجب أن تكون حقيقة في الاستفهام عن الحال، لأن كونها ظرفا يستلزم لكثرة التضمين ولتقدير الاستقرار، وكلاهما على خلاف الأصل. الثاني: أن البدل من «كيف» إما منصوب نحو: كيف سرت أراكبا أم ماشيا؟ وإما مرفوع نحو: كيف زيد أصحيح أم سقيم؟ ولو كانت ظرفا لما كان البدل [5/ 187] منها إلا مجرورا بمثل ما تضمنته، فكان يجب أن يقال: كيف سرت أعلى ركوب أم على مشي؟ وكيف زيد أعلى صحة أم على سقم؟ كما يجب أن يقال: أين كنت أفي الدار أم في المسجد؟ فلما لم يجب أن يقال ذلك بل أبدلوا منها بدون حرف جر علم أنها ليست ظرفا. ول «كيف» صدر الكلام كغيرها من أدوات الاستفهام، ولا تخرج في الاستعمال عن أن تكون في موضع نصب على الحال، أو خبر مبتدأ في الحال أو الأصل إلا ما شذ من نحو جرها بـ «على» في قول بعضهم: على كيف تبيع الأحمرين؟ فإذا وقعت «كيف» قبل كلام تام مستغن عنها كانت في موضع نصب على الحال؛ لأنها في تأويل صفة نكرة متقدمة على موصوفها، والصفة المتقدمة على الموصوف لا يجوز أن تكون نعتا له؛ لأن النعت تابع فلا يتقدم على المتبوع، بل يجب فيها أحد أمرين: إما أن تجعل حالا من الموصوف، وإنما أن تقام مقامه ويجعل هو بدلا منها، فلم يجز في «كيف» أن تقام مقام الموصوف؛ لأنها في تأويل صفة نكرة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصفة النكرة يقبح فيها ذلك، فوجب أن تكون حالا، ولذلك يبدل منها ويجاب بالنصب تقول: كيف سار زيد أراكبا أم ماشيا؟ ويقال: كيف جئت؟ فتقول: مسرعا بالنصب لا غير، لأن البدل من الحال حال، والحال لا تكون إلا منصوبة. وإذا وقعت «كيف» قبل ما لم يتم كلاما كانت خبرا مقدما وما بعدها مخبر عنه، لأنه لا يجوز أن تكون ملغاة؛ لأنه قد حصلت بها الفائدة وتم بها الكلام، ولا يجوز أن تكون هي المخبر عنه وما بعدها الخبر؛ لأنها في تأويل صفة نكرة فيقبح جعلها اسما مخبرا عنه بما بعده، فوجب أن تكون خبرا مقدما في موضع رفع إن عدمت نواسخ الابتداء، ولذلك يبدل منها ويجاب بالرفع نحو: كيف زيد أفارغ أم مشغول؟ وإن وجدت نواسخ الابتداء فهي في موضع نصب خبرا قبل «كان» أو إحدى أخواتها، ومفعولا ثانيا قبل «ظن» أو إحدى أخواتها، ولذلك يبدل منها ويجاب بالنصب نحو: كيف كان زيد أصحيحا أم سقيما؟ وكيف رأيت عمرا أشاعرا أم فقيها؟ وقد تقدم الكلام على المجازاة بها؛ فلا حاجة إلى إعادته» انتهى كلامه (¬1) رحمه الله تعالى، وهو من حر الكلام وخالصه ومستغنى به عن غيره. ووقع لابن عصفور (¬2) في «كيف» خبط، وقد أورد الشيخ في شرحه (¬3) عن المغاربة كابن عصفور وابن هشام (¬4) وابن الضائع وغيرهم مما لا يتحصل منه طائل، فأضربت عن إيراده، إذ فيما ذكره المصنف وابنه مقنع، في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل. وإذا علم أن دخول حرف الجر على «كيف» شاذّ نادر (¬5) وجب أن لا تكون «كيف» من قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (¬6) بدلا من «الإبل» وإن كانت «إلى» قد دخلت عليها في قولهم: انظر إلى كيف تصنع؟ لأن ذلك إن ثبت عن عربي فهو في غاية الندور غير معتد به، ولأن «إلى» متعلقة بكلمة «ينظرون» والعامل في البدل هو العامل في المبدل منه، فيلزم كون العامل في الاستفهام متقدما عليه، بل «كيف» منصوبة على الحال والعامل «خلقت» وقد - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل: (4/ 106). (¬2) انظر شرح الجمل (2/ 196) تحقيق أبو جناح. (¬3) انظر التذييل. (¬4) أي الخضراوي صاحب الإفصاح. (¬5) انظر التذييل، والمغني (ص 207). (¬6) سورة الغاشية: 17.

[قد ومعانيها وإعرابها]

[قد ومعانيها وإعرابها] قال ابن مالك: (تكون «قد» اسما لـ «كفى» فتستعمل استعمال أسماء الأفعال وترادف «حسبا» فتوافقها في الإضافة إلى غير «ياء» المتكلّم، وتكون حرفا فتدخل على فعل ماض متوقّع لا يشبه الحرف لتقريبه من الحال، أو على مضارع مجرّد من جازم وناصب وحرف تنفيس لتقليل معناه، وعليهما للتّحقيق، ولا يفصل بين أحدهما بغير قسم، وقد يغني عنه دليل فيوقف عليها، ويسوّغ اقترانها بالمضارع تأوّله بالماضي كثيرا، وترادفها هل). ـــــــــــــــــــــــــــــ علقت «ينظرون» عن العمل في لفظها، والجملة مع معمولها الذي هو «كيف» في موضع البدل من «الإبل» إلا أن «ينظرون» تعدّى إليها على سبيل التعليق وإلى «الإبل» بواسطة «إلى» وقد تبدل الجملة الاستفهامية من الاسم وليس فيه استفهام نحو: عرفت زيدا أبو من هو، على أصح الأقوال في ذلك. قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): تكون «قد» في الكلام اسما وحرفا، فإذا كانت اسما فهي على ضربين: أحدهما: أن تكون اسم فعل بمعنى «كفى» فتستعمل استعمال أسماء الأفعال، فيتم بها الكلام مع الفاعل، ولا يبرز معها ضميره، وتنصب المفعول مؤخرا كقولك: قد زيدا درهمان، والدّرهمان قد زيدا، ولا يجوز: قدا كما يجوز: كفيا؛ لأن «قد» اسم فعل. والثاني: أن تكون بمعنى: حسب أي كاف، فتوافقها في الإضافة إلى المفعول، وفي لزوم استعمالها أحد جزأي الابتداء كقولك: قد زيد درهم كما تقول: حسب زيد درهم، فـ «قد» في هذا اسم لمرادفتها لما ثبتت اسميّته معنى واستعمالا، وهي مبتدأ و «درهم» الخبر، ولكنها مبنية على السكون لوضعها على حرفين وشبهها بـ «قد» الحرفية فلم يظهر فيها الرفع. وقوله: فتوافقها في الإضافة إلى غير «ياء» المتكلم، معناه: أن «قد» تضاف إلى كل ما تضاف إليه حسب إلا أن «حسبا» تضاف إلى «ياء» المتكلم مجردة عن «نون» الوقاية كقوله: - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين: (4/ 106).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4112 - فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا (¬1) و «قد» تضاف إلى «الياء» مجردة ومع «نون» الوقاية كما سبق الاستشهاد عليه في باب المضمر نحو قول الشاعر: 4113 - إذا قال قدني قال بالله حلفة ... ..... (¬2) وقول الآخر: 4114 - قدني من نصر الخبيبين قدي (¬3) وإذا كانت حرفا فهي على ثلاثة أضرب: أحدهما: أن تكون حرف تقريب فتدخل على فعل ماض متصرف متوقّع، أي: منتظر لتقريبه من الحال. والثاني: أن تكون حرف تقليل فتدخل على المضارع المجرد من جازم وناصب - ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت من الطويل وصدره: فإمّا كرام موسرون لقيتهم وهو لمنظور بن سحيم الفقعسي شاعر إسلاميّ. الشرح: كرام جمع كريم، ولقيتهم يروى أتيتهم ورأيتهم، وقوله فحسبي أي: يكفيني ومن ذي عندهم أي من الذي عندهم أي عند الكرام، والألف في «كفانيا» للإشباع. والشاهد فيه: إضافة «حسب» إلى «ياء» المتكلم مجردة عن «نون» الوقاية. والبيت في ابن يعيش (3/ 138) والمقرب (1/ 59)، والمغني (ص 410)، وشرح شواهده. (¬2) هذا صدر بيت من الطويل وعجزه: لتغني عنّي ذا إنائك أجمعا وقائله حريث بن عناب الطائي. الشرح: قوله إذا قال يروى إذا قلت وهو الأصح، وقدني يكفيني، يصف ضيفا قدم له إناء فيه لبن فشرب منه ثم قال: يكفيني فحلف عليه ليشربن جمعيه، وقوله لتغني أي: لتبعد وأصله: لتغنينّ - بالنون المشددة ثم حذفت النون فبقى لتغني. والشاهد فيه: إضافة «قد» إلى «ياء» المتكلم مع «نون» الوقاية. والبيت في ابن يعيش (3/ 8) والمقرب (2/ 77) والمغني (ص 210، 409). (¬3) هذا البيت من الرجز لحميد بن ثور الهلالي وبعده: ليس الإمام بالشّحيح الملحد قوله «الخبيبين» يروى بصورة المثنى وبصورة جمع المذكر السالم، «الملحد» مأخوذ من قولهم: ألحد فلان في الحرم، إذا استحل حرمته وانتهكها. والشاهد فيه مجيء «قد» مضافة إلى «ياء» المتكلم مع «نون» الوقاية وبدونها وهذا يدل على جواز الوجهين فيه. والرجز في الكتاب (2/ 371) (هارون) والمحتسب (2/ 223)، وأمالي الشجري (1/ 14)، (2/ 142)، والإنصاف (ص 131)، وابن يعيش (3/ 124)، (7/ 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحرف تنفيس لتقليل وقوعه كقولك: البخيل قد يعطي، والجواد قد يمنع. الثالث: أن تكون حرف تحقيق فتدخل على كل من الماضي والمضارع لتقرير معناه ونفي الشك عنه، فدخولها على الماضي كثير كقوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها (¬1) وقوله تعالى [5/ 188]: وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ (¬2)، وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ (¬3)، ومن دخولها على المضارع قوله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ (¬4)، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ (¬5) ومنه قول الشاعر: 4115 - قد أترك القرن مصفرّا أنامله ... كأنّ أثوابه مجّت بفرصاد (¬6) وهو في علم البيان من التقليل على طريق التهكم. ولا يفصل بين «قد» والفعل إلا بالقسم كقول الشاعر: 4116 - أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المظلوم فينا بسارق أقرّ بما يأته المرء إنّه ... رأى القطع خيرا من فضيحة عاشق (¬7) وقول الآخر: 4117 - لقد أرسلوني في الكواعب راغبا ... فقد وأبي راعي الكواكب أفرس (¬8) أراد: فقد أفرس راعي الكواكب وحقّ أبي، ويجوز أن يكون أضاف الأب إلى «راعي» وهو يعني نفسه وقد يغني عن الفعل بعدها دليل فيحذف كما يحذف بعد «لمّا» ويوقف عليها كقولك: أزف الشّخوص (¬9) وكأن قد، قال النابغة: - ¬

_ (¬1) سورة المجادلة: 1. (¬2) سورة الصافات: 75. (¬3) سورة طه: 115. (¬4) سورة البقرة: 144. (¬5) سورة الأحزاب: 18. (¬6) هذا البيت من البسيط، و «مجّت» صبّ عليها كما يصبّ الماء من الغم، والفرصاد: ماء التوت أو التوت نفسه، يقول: ربما تركت القرن مقتولا قد اصفرت أنامله لما خرجت منه الروح، وأن الدم الذي على ثيابه بمنزلة ماء التوت. والشاهد فيه: مجيء «قد» حرف تحقيق داخلة على المضارع. والبيت في الكتاب (4/ 224) والمقتضب (1/ 181)، وأمالي الشجري (1/ 212) وابن يعيش (8/ 147). (¬7) هذان البيتان من الطويل، و «أوطئت» يروى «وطّئت». والشاهد فيه: الفصل بين «قد» والفعل بالقسم، وشطر البيت في الهمع (1/ 2448)، والبيتان في الدرر (1/ 206). والبيت الأول في المغني (ص 171، 392)، والبيتان في شرح شواهده: (ص 488، 489). (¬8) هذا البيت من الطويل. والشاهد فيه: الفصل بين «قد» والفعل بالقسم. (¬9) الشخوص: السير من بلد إلى بلد. انظر اللسان (شخص).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4118 - أزف التّرحّل غير أنّ ركابنا ... لم تزل برحالنا وكأن قد (¬1) أي: وكأن قد زالت. و «هل» حرف استفهام، وتجيء مع الماضي بمعنى قد كقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (¬2) [قال المفسرون (¬3): المعنى: قد أتى على الإنسان أي: ألم يأت على الإنسان حين من الدهر] انتهى كلامه - رحمه الله تعالى - وعلم أن «قد» تكون اسما وتكون حرفا، وأنها في الاسمية إما اسم فعل وإما بمعنى «حسب»، فإن كانت اسم فعل فما بعدها منصوب بها، حتى إذا قلت: قدك درهم كانت «الكاف» في محل نصب فإذا اتصلت بها «ياء» المتكلم وجبت «نون» الوقاية كما في سائر أسماء الأفعال، وإن كانت بمعنى «حسب» استعملت استعمالها فيقال: قد زيد درهم [كما يقال: حسب زيد درهم]. وقد عرفت قول بدر الدين: إنها مبنية على السكون لوضعها على حرفين وشبهها بـ «قد» الحرفية، وأنها إذا اتصلت بها «الياء» - أعني [ياء] المتكلم - جاز أن يأتي بـ «نون» الوقاية وأن لا يأتي بها، لكن بناؤها هو الأكثر وهو مذهب البصريين (¬4)، ومذهب الكوفيين فيها أنها معربة (¬5) فيقولون: قد زيد درهم بالرفع كما يقال: حسب زيد درهم، ولحاق «نون» الوقاية وعدم لحاقها مرتب على البناء والإعراب، فمن بني ألحق «النون» محافطة على بقاء سكون «الدال» لأنها مبنية على السكون ومن أعرب لا يلحقها بل يقول: قدى درهم كما تقول: حسبي درهم (¬6)، وأما في الحرفية فقد ذكر المصنف أنها تكون للتقريب أو للتقليل أو للتحقيق. وبعد فلا بد من الإشارة إلى أمور: منها: أن الشيخ قال (¬7) «في كلام ابن المصنف تعقّب من وجهين: - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬2) سورة الإنسان: 1. (¬3) في الكشاف (4/ 532) «هل بمعنى قد في الاستفهام خاصة». (¬4) انظر التذييل (خ) (5/ 188). (¬5) المرجع السابق. (¬6) انظر المغني (ص 170). (¬7) انظر التذييل (خ) (5/ 188) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: قوله: فتوافقها - يعنى قد - حسبا في الإضافة إلى المفعول، قال: وكلاهما - أعني حسبا وقد مرادفها - ليسا مضافين إلى مفعول لأنهما ليسا من الأسماء العاملة النصب في مفعول فيكونا قد أضيفا إلى المفعول. والوجه الثاني: قوله: إنها حال موافقتها لحسب مبنية على السكون، قال (¬1): ولا يتم ذلك إلا [على] قول البصريين لأن الكوفيين يرون أنها معربة. ولقائل أن يجيب عن الأول بأن «حسب» بمعنى: كاف وما بعد «كاف» يجوز نصبه على المفعولية، وإذا جر بالإضافة كان المجرور مفعولا في المعنى، ولا شك أن «حسبا» بمعناها لكنها إنما استعملت مضافة وهي بمعنى «كاف» فالمجرور بها مفعول في المعنى لأنه هو الذي يجوز نصبه بعد «كاف» على المفعولية، وإذا كان كذلك صحّ قول بدر الدين: إن قد توافق حسبا في الإضافة إلى المفعول، أو يقول: بأن «قد» و «حسب» اختها يوافقان «قد» التي هي اسم فعل في المعنى الواقع بعد اسم الفعل هو الواقع بعدهما. وأن يجيب عن الثاني بأن بدر الدين اقتصر على ذكر مذهب البصريين ولا شك أنها في مذهبهم مبنية، وإذا كان في مسألة مذهب آخر أو قول آخر ولم يذكره صاحب التصنيف لا يكون في ذلك تعقّب عليه كيف وذلك القول الذي لم يذكره معمول به عند الجمهور من أهل تلك الصناعة؟ ومنها: أنك عرفت من كلام بدر الدين أن «قد» بمعنى «حسب» إذا أضيفت إلى «الياء» جاز لك فيها الوجهان - أعني أن تأتي بـ «نون» الوقاية وأن لا تأتي بها - وهذا هو الذي يقتضيه كلام والده في باب «المضمر»، لكن قد تقدم للشيخ في باب «المضمر» أنه إذا قيل: قدني بالنون تعيّن أن تكون اسم فعل، وقد أعاد ذلك هنا وقال (¬2): فأما قول الشاعر: 4119 - قدني من نصر الخبيبين قدي (¬3) فالأول اسم فعل والثاني وهو قوله: قدي يحتمل ثلاثة أوجه: - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. (¬2) انظر التذييل (خ) (5/ 188). (¬3) سبق شرحه والتعليق عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه اسم فعل ولكن الياء ضمير المتكلم وحذفت نون الوقاية ضرورة كما حذفت في: 4120 - إذ ذهب القوم الكرام ليس (¬1) وأنه اسم فعل ولكن الياء ليست ضميرا، إنما لحقت لإطلاق القافية. وأن قد اسم مرادف لحسب وأضيف إلى الياء - وهي ياء المتكلم - كما تضاف حسب، قال (¬2): وكان ذلك على جهة التوكيد لـ «قدني» الأول لأنهما يؤولان من حيث المعنى إلى معنى واحد. ومنها: أن قول المصنف في «قد» الحرفية: إنها تدخل على فعل ماض متوقع، وشرح ولده لـ «متوقع» بـ «منتظر» لم أتحققه، فإن الماضي قد مضى، والتوقع والانتطار إنما يكونان لما لم يقع، ثم لم ينتظم لي قوله «على فعل ماض متوقّع» مع قوله «لتقريبه من الحال»، وقد استنكر الشيخ أيضا ذلك وقال (¬3): «والذي تلقيناه من أفواه الشيوخ بالأندلس أنها حرف تحقيق إذا دخلت على الماضي، وحرف توقع إذا دخلت على المستقبل، قال (¬4): إلا إن عني بالتوقع: أنه كان يتوقع ثم صار ماضيا كقولهم: قد قامت الصّلاة. فإنه قيل: إنها دخلت على الفعل لقوم ينتظرون الصلاة. انتهى. وقيل: إن المراد بذلك أن «قد» تدل على أن الفعل الماضي قبل الإخبار متوقعا لا أنه الآن متوقع والذي يظهر [5/ 189] أن التوقع إنما يكون بالنسبة إلى الفعل المستقبل، ولو قال المصنف: لتقريبه من الحال، ولم يقل: متوقع لكان له وجه وهو أن المغاربة ذكروا (¬5): أن المقسم عليه إذا كان فعلا ماضيا مثبتا قريبا من زمن الحال دخلت عليه «قد» نحو: والله لقد قام زيد، وإن كان بعيدا لم تدخل نحو: والله - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الرجز المشطور وقبله: عددت قومى كعديد الطّيس وقائله رؤبة بن العجاج. والشاهد فيه: حذف «نون» الوقاية من «ليس» المتصلة بها «ياء» المتكلم وهو ضرورة، وفيه ضرورة أخرى وهي أنه أتى بخبر «ليس» متصلا، والرجز في ملحقات ديوان رؤبة (ص 175)، وابن يعيش (3/ 108)، والمغني (ص 171، 344). (¬2) أي الشيخ أبو حيان في التذييل (خ) (5/ 188). (¬3) انظر التذييل (خ) (5/ 188). (¬4) أي الشيخ أبو حيان. المرجع السابق. (¬5) انظر المقرب لابن عصفور (1/ 205).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقام زيد، وعليه: 4121 - حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا .... البيت (¬1) وقد ذكر ذلك في باب «القسم». ومنها: أن المصنف احترز بقوله «لا يشبه الحرف» من الأفعال الماضية التي لا تتصرف نحو: ليس، ونعم، وبئس، وعسى، وحبذا، وأفعل في التعجب، فإن «قد» لا تباشر شيئا من ذلك. ومنها: أن الشيخ قال (¬2): «ظاهر كلام المصنف أن تقليل معنى الفعل دلّ عليه «قد» وليس كذلك بل «قد» يدل على توقع الفعل ممن أسند إليه، وتقليل المعنى لم يستفد من «قد» بل لو قيل: البخيل يجود والكذوب [يصدق] فهم منه التقليل». وأقول: ما ذكره الشيخ ممنوع، لأن قولنا: البخيل يجود والكذوب يصدق كذب، وقولنا: البخيل قد يجود والكذوب قد يصدق صدق، وإنما كان الأمر كذلك لأن التركيب الذي ليس فيه «قد» لم يفهم منه تقليل، والتركيب الذي فيه «قد» فهم منه التقليل فكيف يقال: إن التقليل يستفاد مع عدم «قد»؟ ومنها: أن قوله ولا يفصل بين أحدهما أراد به لا يفصل بين أحدهما وبين ما دخل عليه كأنه يعني أنه لا يفصل بين «قد» التي للتحقيق والتي لغير التحقيق وبين ما باشرتاه بغير قسم، فلا يجوز: قد زيدا ضربت، ولا: قد زيدا أضرب، لأن الحرف المختص بما دخل عليه إذا لم يكن عاملا فإنه يتنزل مما دخل عليه منزلة الجزء منه ولذلك جعل سيبويه (¬3): قد زيدا رأيت من المستقيم القبيح أي: من - ¬

_ (¬1) البيت بتمامه كما في المقرب (1/ 205): حلفت لها بالله حلفة فاجر ... لناموا فما إن من حديث ولا صال وهو من الطويل، وقائله امرؤ القيس في ديوانه (ص 141)، والفاجر اللازب وقوله «ولا صال» يروى بدله «ولا صال» وهو المصطلي بالنار، واستشهد به على أن المقسم عليه فعل ماض مثبت بعيد من زمن الحال ولذلك لم تدخل عليه «قد» فقال: لناموا، والبيت في ابن يعيش (9/ 20، 21، 97) والمغني (ص 173، 636)، وشرح شواهده: (ص 341، 494) والخزانة (4/ 221). (¬2) انظر التذييل (خ) (5/ 188). (¬3) قال في الكتاب (1/ 98) (هارون): «ولو قلت: سوف زيدا أضرب لم يحسن، أو قد زيدا لقيت لم يحسن، لأنها إنها وضعت للأفعال».

[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين]

[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين] قال ابن مالك: (وتساوي همزة الاستفهام فيما لم يصحب نافيا، ولم يطلب به تعيين ويكثر قيام «من» مقرونة بالواو مقام النّافي، فيجاء غالبا بـ «إلّا» قصدا للإيجاب، وقد يقصد بـ «أيّ» نفي فيعطف على ما في حيّزها بـ «ولا» ولأصالة الهمزة استأثرت بتمام التّصدير فدخلت على «الواو» و «الفاء» و «ثمّ» ولم يدخلن عليها، ولم تعد بعد «أم» بخلاف «هل» وسائر أخواتها، ويجوز أن لا تعاد «هل» لشبهها بالهمزة في الحرفيّة، وأن تعاد لشبهها بأخواتها [الاسميّة] في عدم الأصالة، وقد تدخل عليها الهمزة فتتعيّن مرادفة «قد» وربّما أبدلت «هاؤها» همزة) (¬1). - المستقيم في المعنى القبيح في التركيب، لأنك وضعت اللفظ في غير موضعه، قالوا: وإنما جاز الفصل بالقسم لأن «قد» قد تفرد من الفعل إذا حذف ويوقف عليها في فصيح الكلام بخلاف «أل» مثلا، ولأن «أل» أقوى تعلقا بما دخلت عليه لأنها نقلته من الشياع إلى التخصيص و «قد» ليست كذلك. ومنها: أن قول المصنف «ويسوّغ [اقترانها] بالمضارع تأوّله بالماضي كثيرا» أراد به قول الله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ (¬2)، قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ (¬3)، (قد يعلم ما أنتم عليه) ولا شك أن المضي من هذه الآيات الشريفة معلوم، ولم يتعرض بدر الدين إلى ذكر هذه المسألة، وقد قال الشيخ (¬4): «إن في نسخة ضرب المصنف على قوله: (ويسوّغ) إلى قوله: (كثيرا). وأقول: إنه يستغنى عن ذكر ذلك هنا بقوله في أول الكتاب مشيرا إلى المضارع: «وينصرف إلى المضيّ بكذا وكذا إلى أن قال: وبإذ وربّما وقد في بعض المواضع». قال ناظر الجيش: أي: وتساوى «هل» همزة الاستفهام، ولما ذكر أن «هل» ترادف «قد» ومن المعلوم أنها حرف استفهام، وكانت الهمزة حرف استفهام - ¬

_ (¬1) في التسهيل 243 «بأخواتها الاسمية». (¬2) سورة البقرة: 144. (¬3) سورة الأنعام: 33. (¬4) انظر التذييل (خ) (5/ 189).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا، وبين الحرفين المذكورين اشتراك في شيء وافتراق في شيء أردف ذلك بذكر «الهمزة» مشيرا إلى ما بينهما من الاتفاق والاختلاف، قال الإمام بدر الدين (¬1): «للاستفهام حرفان: الهمزة وهل، فالهمزة يستفهم بها عن التصديق كقولك: أزيد قائم؟ وأقام عمرو؟ وعن التصور لطلب التعيين كقولك: أزيد قام؟ وأعمرا كلمت؟ وتدخل على النفي لتقرير أو توبيخ أو تمنّ أو نحو ذلك كما سبق التنبيه عليه في باب «لا لنفي الجنس». وأما هل فيستفهم بها من التصديق الموجب لا غير، ولذلك قبح: هل زيد قام؟ وهل عمرا ضربت؟ وامتنع هل زيد قائم أم عمرو؟ وإلى كون هل للاستفهام عن التصديق الموجب الإشارة بقوله: وتساوي همزة الاستفهام في ما لم يصحب نافيا ولم يطلب به تعيين، وكثيرا ما يعدّى الاستفهام عن أصله فيؤتى به في مقام الإنكار والجحد فيجري مجرى النفي، ومما جاء من ذلك بالهمزة قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ (¬2) وبهل قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (¬3) وبمتى كقولهم في مقام الجحد: متى قلت هذا؟ وبأين نحو ما حكى الكسائي (¬4): أين كنت لتنجو منّي؟ أي: ما كنت لتنجو مني أي: ما كنت لتنجو مني، وبكيف كقراءة عبد الله (¬5): كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله (¬6)، وقد جاء ذلك بمن مقرونة بالواو، وبعدها «إلا» في الغالب لقصد الإيجاب كقوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (¬7) المعنى: وما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، ومثله قوله تعالى: قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (¬8) وقد يجيء بأيّ فيعطف على ما في حيزها بـ «ولا» كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 109 - 1112). (¬2) سورة الزخرف: 32. (¬3) سورة سبأ: 17. (¬4) انظر معاني الفراء (1/ 164، 424). (¬5) انظر معاني الفراء (1/ 423) ومختصر ابن خالويه (ص 52). (¬6) سورة التوبة: 7. (¬7) سورة البقرة: 130. (¬8) سورة الحجر: 56.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4122 - فاذهب فأيّ فتى في النّاس أحرزه ... عن حتفه ظلم دعج ولا جبل (¬1) واعلم أن أصل أدوات الاستفهام الهمزة لأنها تأتي في الإيجاب والنفي، ويستفهم بهم عن التصور وعن التصديق [وغيرها يستفهم به إما عن التصور وإما عن التصديق] ولكونها أصل أدوات الاستفهام، والاستفهام له صدر الكلام استأثرت على أخواتها بتمام التصدير فدخلت على العواطف من «الواو» و «الفاء» و «ثم» [5/ 190] ولم يدخلن عليها، فلا يقال: قد قام زيد فأقام أخوه؟ كما يقال: فهل قام أخوه؟ وإنما يقال: قد قام زيد أفقام أخوه؟ كما قال تعالى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ (¬2)، أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ (¬3)، أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا (¬4)، أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ (¬5) وهو عند سيبويه (¬6) على التقديم والتأخير إيثارا لهمزة الاستفهام بتمام التصدير، وفي امتناع دخول العواطف عليها مع مساواتها «هل» في عطف ما هي فيه على ما قبله شاهد صدق على قول سيبويه، وقد حمل الزمخشريّ بعض ما جاء من ذلك في القرآن العزيز على إضمار المعطوف عليه فقال (¬7) في قوله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً (¬8) وقوله تعالى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ (¬9): «تقديره: أكفروا وكلما عاهدوا، وأكفرتم فكلما جاءكم رسول» وهو إضمار لا دليل عليه ولا يفتقر تصحيح الكلام إليه. ولاستئثار الهمزة بتمام التصدير لم تعد بعد «أم» المتصلة ولا المنقطعة تقول: - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط قاله المنتخل الهذلي من قصيدة رثاء ابنه أثيله، يقول: لا تقيه من موته الظّلم الدّعج يستتر بها من الهلاك، ولا الجبال متحصن بها. والشاهد فيه: خروج الاستفهام عن أصله فأتى به في مقام الإنكار والجحد وجرى مجرى النفي، قال ابن الشجري: «ذهب بقوله: أي فتى مذهب النفي أي: ليس في الناس فتى أحرزه من حتفه ظلم فلذلك عطف عليه بالنفي فقال: ولا جبل»، والبيت في معاني الفراء (1/ 164، 423) وأمالي الشجري (2/ 32) وديوان الهذليين (2/ 35) واللسان (قلا). (¬2) سورة طه: 128. (¬3) سورة الأعراف: 100. (¬4) سورة الرعد: 31. (¬5) سورة يونس: 51. (¬6) انظر الكتاب (3/ 187 - 189). (¬7) انظر الكشاف (1/ 121 - 127) والمفصل (ص 319). (¬8) سورة البقرة: 100. (¬9) سورة البقرة: 87.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أدنس في الآثام أم عسل؟ وأزيد خارج أم عمرو مقيم؟ وليس لك أن تعيد الهمزة بعد «أم» كما تعيد الجارّ في التوكيد في نحو: أبزيد مررت أم بعمرو؟ لأنها [لما] لم تقع للتأسيس بعد العاطف كانت عن وقوعها للتوكيد بعده أبعد. وأما [هل] فيجوز فيها مع «أم» المنقطعة أن لا تعاد استغناء بدلالة العاطف على التشريك نحو: هل قام زيد أم خرج عمرو؟ ويجوز أن تعاد توكيدا لأنه لا يمتنع دخول العاطف عليها نحو: هل قام زيد أم هل خرج عمرو؟ وقال الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ (¬1) فجمع بين الاستعمالين. فإن قلت: كيف يصح الجمع بين «هل» و «أم» المنقطعة والنحويون يقولون: إنها تفيد الاستفهام والإضراب معا؟ قلت: يتجه ذلك على أن تكون «أم» دالة على الإضراب بالوضع وعلى الاستفهام إذا لم يذكر بعدها بالالتزام العرفي، فإنها لا تدخل إلا على جملة استفهامية فصار لفظها مشعرا بالاستفهام فيجوز إظهاره بعدها على الأصل، ويجوز إضماره استغناء بدلالة «أم». فأما قوله: ويجوز في «هل» أن لا تعاد لشبهها بالهمزة في الحرفيّة وأن تعاد لشبهها بأخواتها في عدم الأصالة، فكلام غير محقق فإن عدم إعادة «هل» بعد «أم» مثل عدم إعادة الهمزة في كونه على وفق الدليل فلا فائدة في قياس جواز أحدهما على جواز الآخر، وإعادة «هل» بعد «أم» ليست مثل إعادة أخواتها من أسماء الاستفهام، فإن «هل» تعاد توكيدا كما سبق، وغيرها يعاد تأسيسا إذا قصد معناه وإذا لم يقصد معناه لم يذكر تقول: متى قام زيد أم متى خرج عمرو؟ إذا أضربت عن الاستفهام عن وقت قيام زيد إلى الاستفهام عن وقت خروج عمرو، وإن أضربت عن ذلك إلى الاستفهام عن نفس الخروج أو عن أمر آخر متعلق به قلت: متى قام زيد أم متى خرج عمرو؟ ومتى قام زيد أم أين خرج عمرو؟ أو نحو ذلك. وقد تدخل الهمزة على «هل» فتتعين أن تكون المرادفة لـ «قد» كقول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الرعد: 16.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4123 - سائل فوارس يربوع بشدّتنا ... أهل رأونا بقلع القفّ ذي الأكم (¬1) وقد تبدل «هاؤها» همزة فيقال: أل قام زيد؟ يعني: هل قام زيد؟ انتهى (¬2) كلام الامام بدر الدين رحمه الله تعالى. ومما يستدل به على إعادة «هل» بعد «أم» وعدم إعادتها قول علقمة (¬3): 4124 - هل ما علمت وما استودعت مكتوم ... أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم أم هل كبير بكى لم يقض عبرته ... إثر الأحبّة يوم البين مشكوم (¬4) فلم يعد «هل» بعد «أم» الأولى وأعادها بعد «أم» الثانية، وهو عكس ما في الآية الشريفة (¬5). وبعد فأنا أورد الآن الكلام على أدوات الاستفهام من رأس ذاكرا ما يميز بعضها عن بعض، وربما ينطوي ذلك على إيضاح بعض ما ذكره بدر الدين فأقول: الكلمات الموضوعة للاستفهام اثنتا عشرة كلمة، منها ما هو حرف وهو ثلاثة: الهمزة وهل وأم، ومنها ما هو اسم وهو تسعة: من وما وأيّ وكم وكيف وأين وأنّى ومتى وأيّان، ثم هذه الأدوات أعني الاثنتي عشرة على ثلاثة أنواع: الأول: لطلب - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط وقائله زيد الخيل. الشرح: يربوع أبو حي من تميم، والقف ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا، والأكم: جمع أكمة وهي التل، ويقول: سائل هذه القبيلة عن حال شدتنا أكانت قوية جلبت لنا العز والفخار أم كانت دون ذلك فجلبت علينا الذي والهوان. والشاهد فيه: دخول همزة الاستفهام على «هل» فتعين أن تكون المرادفة لـ «قد»، والبيت في المقتضب (1/ 182)، (3/ 291) والخصائص (2/ 463) وأمالي الشجري (1/ 108)، (2/ 334) وابن يعيش (8/ 152، 153). (¬2) انظر شرح التسهيل (4/ 112). (¬3) شاعر جاهلي معاصر لامرئ القيس، الخزانة (1/ 565). (¬4) هذان البيتان من البسيط هما ديوانه (ص 129) وقد سبق شرح البيت الثاني، ومعنى البيت الأول: هل تبوح بما استودعتك من سرها يأسا منها أو تصرم حبلها أي تقطعه لنأيها وبعدها عنك وانقطاعها. والشاهد هنا: عدم إعادة «هل» بعد «أم» في «أم حبلها» وإعادتها في قوله «أم هل كبير» فدل ذلك على جواز الأمرين. والبيتان من شواهد الكتاب (3/ 178). (¬5) وهي قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ [سورة الرعد: 6].

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التصديق أو التصور. والثاني: لطلب التصديق وحده. والثالث: لطلب التصور وحده، والنحاة يعبرون عن طلب التصور بالسؤال عن التعيين، وعن طلب التصديق بالسؤال عن الوقوع فينبغي الاقتداء بهم في ذلك، فجميع أدوات الاستفهام ما عدا «هل» و «الهمزة» و «أم» المنقطعة لا تكون إلا للسؤال عن التعيين ولا يكون ذلك إلا مع العلم بالوقوع، ويختلف السؤال بحسب الأداة، فـ «من» عن تعيين من يعقل، و «ما» عن تعيين ما لا يعقل، و «أيّ» عن تعيين أحد الشيئين أو الأشياء مما أضيف إليه «أيّ»، و «كم» عن تعيين العدد، و «كيف» عن تعيين الصفة أي: الحال لأنها وصف في المعنى، و «أين» عن تعيين المكان، و «متى» عن تعيين الزمان، و «أيّان» مثلها لكنها تختص بالمستقبل، و «أنّى» عن تعيين المكان وعن تعيين الحال، و «أم» المتصلة حكمها حكم «الهمزة» التي تتقدمها. وأما «الهمزة» فتكون سؤالا عن التعيين، وتكون سؤالا عن الوقوع، وأما «هل» فلا تكون سؤالا إلا عن الوقوع فلا تستعمل حيث يقطع بوجود الفعل، وأما «أم» المنقطعة فحكمها حكم «هل»، ولما كانت «هل» للسؤال عن الوقوع امتنع هذان التركيبان الأول: هل زيد قائم أم عمرو؟ لأن «أم» المتصلة هنا إنما هي للسؤال عن التعيين، والسؤال عن التعيين إنما يكون مع العلم بالوقوع، ومع العلم بالوقوع يمتنع السؤال بـ «هل»، نعم لو كانت «أم» منقطعة صحّ وذلك نحو أن يقال: هل عندك عمرو أم عندك بشر؟ لأن المتكلم سأل عن الوقوع ثم أعرض عن ذلك السؤال لقصد سؤال آخر. والثاني: هل زيدا ضربت؟ لأن التقديم يستدعي حصول العلم [5/ 191] بوقوع الفعل، لأن التقديم يفيد التخصيص، وإذا أفاد التخصيص وجب أن يكون العلم بنفس الفعل الذي هو «الضرب» حاصلا، وأن يكون الاستفهام لطلب تعيين المضروب، فيلزم أن تكون «هل» مستعملا لطلب التعيين وهو باطل، ثم إن «هل» مع موافقتها «الهمزة» في الاستفهام تفارقها بحسب الاستعمال في أمور: منها: ما تقدمت الإشارة اليه وهو أن «هل» للسؤال عن الوقوع خاصة، و «الهمزة» يجوز فيها أن تكون للسؤال عن الوقوع وللسؤال عن التعيين. ومنها: أن «هل» لا يجوز في المستفهم عنه بها أن يصحب نافيا، فلا يقال في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هل قام زيد: هل لم يقم زيد؟ وحاصله أن «هل» لا يستفهم بها عن النفي ويعبر عن ذلك بأنها إنها تستعمل في التصديق الموجب، وأما «الهمزة» فيجوز في المستفهم عنه بها أن يصحبه النافي وحينئذ قد يكون الاستفهام عن النفي (¬1) كقول الشاعر: 4125 - ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد (¬2) وقد لا يراد الاستفهام بل معنى من المعاني المتولدة من الاستفهام كقوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (¬3) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (¬4) وهذان الأمران هما اللذان أشار إليهما المصنف بقوله: «وتساوي همزة الاستفهام في ما لم يصحب نافيا ولم يطلب به تعيين». ومنها: أنه إذا عطف كلاما يتضمن استفهاما بالهمزة وكان العطف بأحد الأحرف الثلاثة: الواو والفاء وثم وجب تقديم الهمزة على العاطف المذكور وإلى ذلك أشار ذلك المصنف بقوله «ولأصالة الهمزة استأثرت بتمام التّصدير فدخلت على الواو والفاء وثمّ». ومنها: أن الهمزة لا تعاد بعد «أم» متصلة كانت أم منقطعة فلا يقال: أزيد قام أم عمرو؟ ولا: ألك عين تبصر بها أم ألك رجل تمشي بها؟ بخلاف «هل» فإنها يجوز فيها أن تعاد وأن لا تعاد وإلى ذلك أشار المصنف بقوله «ولم تعد بعد أم بخلاف هل وسائر أخواتها». ولا شك أن «أم» التي يعاد بعدها «هل» وبقية أدوات الاستفهام هي المنقطعة، لكن ذكر الأدوات غير «هل» إذا قصد معناها واجب لأن لها معاني زائدة على - ¬

_ (¬1) انظر المغني (ص 15). (¬2) هذا صدر بيت من البسيط وعجزه: إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي، وهو لقيس بن الملوح في ديوانه (ص 228). والمعني: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت، أينتفي الصبر عن هذه المرأة أم يثبت لها جلد؟ وكنى عن الموت بما ذكر تسلية لها. والاستشهاد فيه: في قوله «ألا اصطبار» حيث أريد مجرد الاستفهام عن النفي والحرفان باقيان على معنييهما وهو قليل. والبيت في المغني (ص 15، 69) وشرح شواهده: (ص 42)، (ص 213)، والعيني (2/ 358) والهمع (1/ 147). (¬3) سورة الشرح: 1. (¬4) سورة الزمر: 36.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفهام فوجب ذكرها عند قصد تلك المعاني الزائدة، وقد أشار بدر الدين إلى ذلك بقوله «إن هل تعاد توكيدا وأن غيرها يعاد تأسيسا إذا قصد معناه وإذا لم يقصد معناه لم يذكر». وأما جواز الأمرين في «هل» فقد علل (¬1) ترك ذكرها بشبهها للهمزة في الحرفية، وعلل ذكرها بشبهها بأخواتها الاسمية في عدم الأصالة، وقد عرفت طعن بدر الدين في هذا التعليل وأنه علل ذلك بأن قال: «وأما هل فيجوز فيها مع أم المنقطعة أن لا تعاد استغناء بدلالة العاطف على التشريك، ويجوز أن تعاد توكيدا لأنه لا يمتنع دخول العاطف عليها». ومنها: أن «هل» لا تباشر أدوات الشرط والهمزة تباشرها كقوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ (¬2) وكذا لا تباشر «هل» «إنّ» بخلاف الهمزة قال الله تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ (¬3)، والظاهر أن العلة في ذلك إنما هو أصالة الهمزة في الاستفهام، وانضم إلى ذلك كونها على حرف واحد، فكان [في] النطق بها سهولة إذا انضمت إلى غيرها. ومنها: أنه إذا اجتمع في الجملة الواقعة بعدها اسم وفعل وجب أن يليها الفعل ولا يليها الاسم إذ ذاك إلا في الشعر، وقد تقدم التنبيه على العلة الموجبة لذلك (¬4). وإذ [قد] تقرر هذا فلنذكر أمورا: ومنها: أن الشيخ قال (¬5): «مفهوم كلام المصنف يدل على أن الكلام إذا صحب نافيا انفردت به الهمزة، وقد وجدنا ما يصحب نافيا ولا تدخل عليه «هل» ولا «الهمزة» وذلك «إن» النافية لا يحفظ من لسان العرب: أإن زيد تاجر؟ ولا: إن زيد قائم؟ قال (¬6): وكذلك وجدنا ما صدق عليه أنه صحب نافيا ويدخل عليه الهمزة وهل وذلك نحو: زيد غير قائم فهذا قد صحب نافيا ويجوز - ¬

_ (¬1) أي المصنف. (¬2) سورة يس: 19. (¬3) سورة فصلت: 9. (¬4) لم يسبق للمؤلف أن نبه على شيء من هذا. (¬5) انظر التذييل (خ) (5/ 189). (¬6) أي الشيخ أبو حيان. المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ دخولها عليه فتقول: أزيد غير قائم؟ وهل زيد غير قائم؟» انتهى. وهو كلام عجيب فإن الذي ذكره شيء غير الذي ذكره المصنف، لأن الذي أعطاه كلامه أن همزة الاستفهام يصحبها النافي ولا يصحب «هل» ولم يقل إن الهمزة يصحبها كلّ ناف، ولا إن ما صحب نافيا لا يدخل عليه الهمزة ولا هل، ولا يقتضي ذلك كلامه أيضا، وإذا كان كذلك فكيف يورد عليه ما لا قاله ولا اقتضاه كلامه. ومنها: أن الشيخ أيضا قال: (¬1) «وكان ينبغي للمصنف أن يذكر أيضا مما لا تساوي هل الهمزة فيه أن يتضمن الاستفهام التوبيخ والإنكار والتعجب، قال: وتنفرد «هل» بأن يراد بالاستفهام بها الجحد؛ قال الله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (¬2) ولا يكون ذلك في الهمزة، لا يجوز: «أزيد إلا قائم» انتهى. وأقول: أما الجواب عن الأول فهو أن المعاني التي أشار إليها كالتوبيخ والإنكار والتعجب وغيرها إنما هي متولدة عن الاستفهام، فليست دلالة الهمزة عليها بالوضع، والمصنف إنما يتوجه كلامه إلى الكلمة باعتبار ما وضعت له، أما باعتبار ما يعرض في الاستعمال فلا. وأما الجواب عن الثاني فهو أن «هل» إذا أريد بها الجحد خرجت عن أن تكون استفهاما إلى معنى آخر، والكلام الآن إنما هو في كلمتين معناهما واحد واختصت إحداهما باستعمال دون الأخرى، فلما ذكرتا باعتبار ما اشتركا فيه ذكر ما ينفرد به أحد اللفظين عن الآخر، على أن «الهمزة» قد استعملت للجحد كـ «هل» وتقدم التنبيه على ذلك في كلام بدر الدين والاستشهاد له بقوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ (¬3) وقد كان يجب على الشيخ على ما قاله هنا أن يقول: إن المنصف كان يتعين [عليه] لما ذكر «إن» التي هي أداة شرط أن يميز بينها وبين «إن» التي هي حرف نفي مثلا. ومنها: أن الشيخ أيضا [5/ 192] قال (¬4) في قول المصنف «ويكثر قيام من مقرونة بالواو مقام النّافي» «ظاهر قوله: مقرونة بالواو أنه شرط في المسألة ولا أرى - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) (5/ 189). (¬2) سورة سبأ: 17. (¬3) سورة الزخرف: 32. (¬4) انظر التذييل (خ) (5/ 190).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لأن الواو لا تأثير لها في إرادة هذا المعنى» انتهى. والذي قاله الشيخ حقّ ويدل على ذلك قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (¬1). ثم قال (¬2): «وظاهر قول المصنف الاختصاص بها، وليس عندي كذلك، بل لو أتيت بـ «غير» مكان «إلا» صح نحو: ومن يضرب زيدا غير عمرو، وأيّ ما يضرب زيدا غير عمرو؟ وارتفاع «غير» على البدل من الضمير المستكن في الفعل العائد على «من» وهو أصح من النصب على الاستثناء والرفع على الصفة» انتهى. ولم يكن المصنف محتاجا إلى أن ينبه على مثل هذا لأن من المعلوم أن «غيرا» تقوم مقام «إلا» وأن لها من الإعراب ما للاسم الواقع بعد «إلا» فلو ذكرها لكان عيّا. ومنها: أن المصنف قال في «هل»: «وتدخل عليها الهمزة فتتعين مرادفة قد» وتقدم الاستشهاد على ذلك بقول الشاعر: 4126 - سائل فوارس يربوع ... .... البيت فقال الشيخ (¬3): «ليس الأمر كما قال لأن ذلك لم يكثر كثرة توجب القياس، إنما جاء منه هذا البيت أو بيت آخر إن كان جاء، وإذا كان الأمر كذلك احتمل أن يكون مما دخل فيه أداة استفهام على مثلها على سبيل التوكيد، وإذا كان ذلك يوجد في المتحد اللفظ العامل كقوله: 4127 - ولا للما بهم أبدا دواء (¬4) وفي المختلف اللفظ العامل كقوله: 4128 - فأصبحن لا يسألنه عن بما به (¬5) - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 255. (¬2) انظر التذييل (خ) (5/ 190). (¬3) انظر التذييل (خ) (5/ 191). (¬4) سبق شرحه والتعليق عليه في باب النواصب. (¬5) هذا صدر من بيت من الطويل وعجزه: أصعّد في علو الهوى أم تصوّبا واستشهد به على أن دخول همزة الاستفهام على «هل» في قوله: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلأن يوجد في المختلف اللفظ غير العامل أحرى وأولى، وإذا احتمل ما ذكرناه من التوكيد لم تتعين مرادفة «قد»، قال (¬1): وما ذكر هذا المصنف وغيره من أن «هل» ترادف «قد» لم يقم على ذلك دليل واضح إنما هو شيء قاله المفسرون في قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ إن معناه: قد أتى (¬2)، وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، ولا يرجع إليهم في مثل هذا، إنما يرجع في ذلك إلى أئمة النحو واللغة لا إلى المفسرين، قال (¬3): وثبت في نسخة عليها خط المصنف، فتترجح بدل قوله: فتتعين، وكأن المصنف أحسّ بهذا التأويل الذي ذكرناه فأتى بقوله فتترجح بدل قوله: فتتعين، وليس ذلك بمترجح أيضا لأن الرجحان إنما يكون إذا كان ثمّ دليل واضح يدل على أن هل ترادف قد. انتهى. ثم نقل عن صاحب الإفصاح (¬4) أنه قال: «قد ذكر جماعة من النحويين وأهل اللغة أن هل تكون بمعنى قد مجردة من الاستفهام وبها فسروا قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (¬5) وأرى هذا القول مأخوذا من قول سيبويه (¬6): وتقول أم هل فإنما هي بمنزلة قد، فقيل: أراد أنها بمنزلة قد في الأصل، فإن كان قد [أخذ] من تأويل كلام سيبويه فيها هنا فلا حجة له إذ قد يرد أنها بمنزلة قد بعد أم، أو يريد في الأصل دون أن تستعمل ولا يصح ذلك التأويل، وإن كان قد سمع فحجة قوية لسيبويه، وبمعنى قد قال الكسائي والفراء (¬7) في الآية الشريفة وأبو العباس (¬8) والزجاج إلا أنه قال: المعنى ألم يأت» هذا كلام صاحب «الإفصاح» والعجب من الشيخ هو الناقل لهذا عن الرجل الكبير - أعني صاحب الإفصاح - وهو قبل ذلك - ¬

_ - سائل فوارس يربوع بشدتنا ... أهل .... البيت إنما هو للتأكيد كدخول حرف الجر على مثله يعني في قوله «عن بما به» مع اختلاف لفظ العامل، والبيت في معاني الفراء (3/ 321) وشرح الكافية للرضي (2/ 328) والخزانة (4/ 162). (¬1) انظر التذييل (خ) (5/ 191). (¬2) انظر الكشاف (4/ 532). (¬3) انظر التذييل (خ) (5/ 191). (¬4) صاحب «الإفصاح» هو ابن هشام الخضراوي. (¬5) سورة الإنسان: 1. (¬6) انظر الكتاب (1/ 100) (هارون). (¬7) انظر معاني القرآن (3/ 213). (¬8) انظر المقتضب (1/ 181)، (3/ 289).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قد نفاه عن النحويين حيث قال: «إنما هو شيء قاله المفسرون، وإنه إنما يرجع في ذلك إلى أئمة النحو واللغة». والحقّ أن كون «هل» ترد بمعنى «قد» قول جماعة من رؤوس النحاة كالكسائي والفراء (¬1) والمبرد (¬2)، وأغرب الزمخشري (¬3) حيث زعم أن «هل» تكون أبدا بمعنى «قد» وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدّرة معها، ثم إنه نسب القول بذلك إلى سيبويه، ولكن يبطل قول الزمخشري أنها لو كانت بمعنى «قد» لامتنع فيها أن تباشر الجمل الاسمية كما أن «قد» كذلك، ولما نقل عن ابن عباس (¬4) رضي الله [تعالى] عنهما وهو إمام المفسرين أن «هل» في قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (¬5) بمعنى «قد» قال بعض العلماء: إن الاستفهام في الآية الشريفة للتقرير وليس باستفهام حقيقي، فلما كانت للتقرير فسّرت بـ «قد» لأنها للتحقيق فهي تلاقيها في المعنى، لكن قال الشيخ في شرحه (¬6): «والهمزة أقوى في جميع التصرفات ولذلك استعملت في التقرير دون هل على ما ذكر سيبويه (¬7)، وتنقل النفي إلى الإثبات [مع] ثلاث أدوات وهي: لم وما وليس، وتفيد ما تفيد من المعاني كالإنكار والتعجب والتوبيخ وغيرها». ¬

_ (¬1) انظر معاني القرآن (3/ 213). (¬2) انظر المقتضب (1/ 181)، (3/ 289). (¬3) قال في المفصل (ص 319): «وعند سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في الاستفهام» وقال ابن يعيش في شرح هذا (8/ 152): «هذا هو الظاهر من كلام سيبويه وذلك أنه قال عقيب الكلام على من وما: وكذلك هل إنما هي بمنزلة قد ولكنهم تركوا الألف إذ كانت هل إنما تقع في الاستفهام، كأنه يريد: أن أصل هل أن تكون بمعنى قد والاستفهام فيها بتقدير ألف الاستفهام كما كان كذلك في من ومتى وما الأصل: أمن وأمتى وأما، ولما كثر استعمالها في الاستفهام حذفت الألف للعلم بمكانها» ا. هـ كلام ابن يعيش، وانظر الكتاب لسيبويه (3/ 189). (¬4) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس، حبر الأمة الصحابي الجليل. توفي سنة 68 هـ. انظر ترجمته في طبقات القراء (1/ 425). (¬5) سورة الإنسان: 1. (¬6) انظر التذييل (خ) (5/ 191). (¬7) قال في الكتاب (3/ 176): «ومما يدلك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل أنك تقول للرجل: أطربا؟ وأنت تعلم أنه قد طرب، لتوبخه وتقرره، ولا تقول هذا بعد هل».

[حروف التحضيض وأحكامها وما تختص به]

[حروف التحضيض وأحكامها وما تختص به] قال ابن مالك: (فصل؛ حروف التّحضيض: هلّا وألا ولولا، ولو ما، ولا يليهنّ غالبا إلّا فعل ظاهر، أو معمول فعل مضمر مدلول عليه. وقلّ ما يخلو مصحوبها من توبيخ، وإذا خلا منه فقد يغني عنهن «لو» و «ألا» وتدلّ أيضا: لولا ولو ما على امتناع لوجوب فيختصّان بالأسماء، ويقتضيان جوابا كجواب «لو» وقد يلي الفعل لولا غير مفهمة تحضيضا فتؤوّل بـ «لو لم» وتجعل المختصّة بالأسماء والفعل صلة لـ «أن» مقدّرة). قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (¬1): «التحضيض مبالغة في الحضّ على الشيء وهو طلبه والحثّ على فعله، وحروفه: هلّا وألا ولولا، ولو ما، فيدخلن على الفعل للتوبيخ في ضمن التقديم إن كان ماضيا، وفي ضمن التقاضي إن كان مستقبلا، وكأنهن مأخوذات من «هل» المنقولة إلى التمني في نحو قوله عز وجل: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ (¬2) مبدلة هاؤها همزة على لغة، ومن «لو» المنقولة إلى التمني أيضا في نحو: لو تأتيني فتحدثني - بالنصب - لما فيها من تقدير غير الواقع واقعا، ثم ركبت مع «ما» و «لا» المزيدتين، تنبيها على نقلها إلى التحضيض، فإذا قلت: هلّا فعلت فكأنك قلت: ليتك فعلت، متولدا منه معنى التنديم، أو قلت: هلّا تفعل فكأنك قلت: ليتك تفعل، متولدا [5/ 193] منه معنى التقاضي والحث. ولحروف التحضيض صدر الكلام، وهي مختصة بالأفعال فيليها في الغالب فعل ظاهر متصل، نحو: هلّا تضرب زيدا، أو منفصل بمعموله نحو: هلّا زيدا ضربت، وإما معمول فعل مضمر على شريطة التفسير كقولك: هلّا زيدا ضربته، أو مدلول عليه بمذكور قبل، كقول الشاعر: 4129 - تعدّون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا (¬3) - ¬

_ (¬1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 113). (¬2) سورة الأعراف: 53. (¬3) هذا البيت من الطويل قاله جرير في ديوانه (2/ 907) من قصيدة يهجو بها الفرزدق. الشرح: تعدون: تحسبون، النيب جمع ناب وهي المسنة من النوق، وبني ضوطرى منادى حذف منه حرف النداء، ورماهم بالحمق بذلك؛ لأن الضوطرى: المرأة الحمقاء، والكمي: المتغطي بالسلاح والمقنعا: صفته وهو الذي عليه مغفر أو بيضة. والشاهد فيه: نصب «الكمي» بعد «لولا» بفعل مضمر دل عليه الفعل المتقدم، والتقدير: لولا تعدون عقر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المعنى: لولا تعدون عقر الكمي، فحذف الفعل والمضاف وأقام المضاف إليه مقامه، اعتمادا على دلالة أول الكلام. وقد يلي حروف التحضيض جملة اسمية، كقول الشاعر: 4130 - ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها (¬1) وهو شاذ نادر، ويمكن تخريجه على إضمار «كان» الشأنية وجعل الجملة المذكورة خبرها، والتقدير: فهلّا كان الأمر أو الشأن نفس ليلى شفيعها. وتخلو الحروف المذكورة عن التوبيخ، فتكون لطلب الفعل على سبيل العرض، كما في قوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ (¬2) وقوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (¬3) ويجوز أن تغني عنهن حينئذ «لو» المنقولة إلى التمني كما تقدم، في نحو: لو تأتيني فتحدثني، و «ألا» المخففة كقولهم: ألا تنزل فتصيب خيرا. وتدلّ أيضا «لولا» و «لو ما» على امتناع الشيء لوجود غيره فيختصان بالأسماء ويقتضيان جوابا كجواب «لو» فيكون فعلا مجزوما بلم أو ماضيا منفيّا بما، أو مثبتا مقرونا في الغالب بلام مفتوحة. وقد يلي الفعل «لولا» غير مفهمة تحضيضا، كقوله: 4131 - لا درّ درّك إنّي قد رميتهم ... لولا حددت ولا عذرى لمحدود (¬4) والوجه الثاني فيه: أن تكون «لو» هي التي تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره - ¬

_ - الكمي، فحذف الفعل والمضاف وأقام المضاف إليه مقامه لدلالة أول الكلام عليه. والبيت في الكامل (1/ 163) والخصائص (2/ 45) وأمالي الشجري (1/ 279)، وابن يعيش (2/ 38)، (8/ 144). (¬1) هذا البيت من الطويل، وقائله: قيس بن الملوح، وقيل غير ذلك. ونبئت أي: أخبرت. واستشهد به على جواز إيلاء الجملة الاسمية لحروف التحضيض فوليت «هلا» في قوله «فهلا نفس ليلى» وهو نادر. ولذلك خرج على إضمار كان الشانية وجعل الجملة المذكورة خبرها والتقدير: فهلا كان الأمر أو الشأن نفس ليلى شفيعها. والبيت في الخزانة (1/ 463)، (3/ 597)، وشرح التصريح (2/ 41)، والهمع (2/ 67). (¬2) سورة التوبة: 122. (¬3) سورة المنافقون: 10. (¬4) هذا البيت من البسيط وهو للجموح الظفري كما في اللسان (عذر). والعذرى: الخروج من الذنب، الشاهد فيه: قوله «لولا حددت» حيث ولي الفعل «لولا» على أنه صلة لـ «أن» مضمرة والمعنى: لولا أن حددت لرميت.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ و «لا» بعدها حرف نفي مع الماضي بمعنى: لم يفعل، كقول الراجز: 4132 - وأيّ شيء سيّئ لا فعله (¬1) أي: لم يفعله، والتقدير: لو لم أحدّ لرميت، ويجوز أن تكون هي التي لامتناع الشيء لوجود غيره، وقد وليها الفعل على أنه صلة لـ «أن» مضمرة والمعنى: لولا أن حددت لرميت (¬2) انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال والده في شرح الكافية (¬3): للولا ولو ما استعمالان: أحدهما: يدلان فيه على امتناع شيء لثبوت غيره، ويقتضيان حينئذ مبتدأ ملتزما حذف خبره، وجوابا مصدرا بفعل ماض لفظا ومعنى، أو بمضارع مجزوم بلم، ويقترن الأول إن كان مثبتا بلام مفتوحة، كقوله تعالى: لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (¬4) وإن كان منفيّا لم يقترن باللام، كقوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ (¬5) ومنه قول الأنصاري رضي الله تعالى عنه: 4133 - والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا (¬6) وقد يقترن بها المنفي بـ «ما»، كقول الشاعر: 4134 - لولا رجاء لقاء الظّاعنين لما ... أبقت نواهم لنا روحا ولا جسدا (¬7) وقد يخلو منها المثبت، كقول الآخر: - ¬

_ (¬1) هذا بيت من الرجز المشطور، نسب في الخزانة لشهاب بن العيف العبدي وقبله: لا همّ إن الحارث بن جبلة ... زنى على أبيه ثم قتله وكان في جاراته لا عهد له واستشهد به على أن «لا» دخلت على الفعل الماضي بمعنى: لم يفعل، والرجز في الإنصاف (ص 77)، وابن يعيش (1/ 109) واللسان (زني). (¬2) انظر شرح التسهيل (4/ 115). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1650 - 1655) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. وقد نقله عنه بتصرف. (¬4) سورة سبأ: 31. (¬5) سورة النور: 21. (¬6) سبق شرحه والتعليق عليه. والشاهد فيه هنا: كون جواب «لولا» منفيّا فلم يقترن باللام. (¬7) هذا البيت من البسيط، واستشهد به على اقتران جواب «لولا» المنفي بـ «ما» باللام. وهو قليل. والبيت في الأشموني (4/ 50).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4135 - وكم موطن لولاي طحت كما هوى ... بأجرامه من قنّة النّيق منهوي (¬1) وإذا دل دليل على جواب لولا ولو ما حذف كما فعل بجواب «إن» فمن ذلك قول الله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (¬2). ويدلان على التحضيض فيختصان بالأفعال، كقوله تعالى: لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ (¬3) ولَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ (¬4) ويشاركهما في التحضيض: هلّا وألا، وقد يلي حرف التحضيض اسم معمل فيه فعل متأخر أو محذوف لدليل، كقول الشاعر: 4136 - ألان بعد لجاجتي تلحونني ... هلّا التّقدّم والقلوب صحاح (¬5) وكقول الآخر: 4137 - أتيت بعبد الله في القدّ موثقا ... فهلّا سعيدا ذا الخيانة والغدر (¬6) وكقول الآخر: - ¬

_ (¬1) هذا البيت من الطويل وهو ليزيد بن الحكم. الشرح: طحت بفتح التاء - أي: هلكت، من طاح يطوح ويطيح وهوى: سقط، والأجرام: جمع جرم الشيء وهو جثته، والقنة بضم القاف وتشديد النون مثل القلة، وهي أعلى الجبل، والنيق أرفع موضع في الجبل، ومنهوي: الهاوي. والشاهد في قوله: «لولاي طحت» على خلو جواب «لولا» من اللام مع أنه مثبت. والبيت في الكتاب (2/ 373) (هارون) والمقتضب (3/ 73) وأمالي الشجري (1/ 177) والمفصل (ص 135). (¬2) سورة النور: 10. (¬3) سورة الفرقان: 7. (¬4) سورة الحجر: 7. (¬5) هذا البيت من الكامل، الشرح: ألان بفتح الهمزة واللام والنون وأصله الآن؛ حذفت الهمزة وأعطيت حركتها لما قبلها، قوله: بعد لجاجتي أي: بعد غضبي من لججت ألج من باب علم يعلم، وقوله: تلحونني من: لحيت الرجل ألحاه لحيّا، إذا لمته، فهو ملحى. وصحاح جمع صحيح. والمعنى: إنكم تلومونني بعد أن وقع بيني وبينه، فهلّا كان ذلك والقلوب عامرة ليس فيها غضب. والشاهد فيه قوله: «هلّا التقدم» حيث حذف الفعل بعد حرف التحضيض؛ لأن التقدير فيه: هلّا كان التقدم باللحي، وذلك لأن التحضيض لا يدخل إلا على الفعل، والبيت في معاني الفراء (1/ 198) وشرح ابن الناظم للألفية (ص 280)، والعيني (4/ 474). (¬6) هذا البيت من الطويل، والقد بكسر القاف وتشديد الدال: سير يقد من جلد غير مدبوغ. والشاهد في «سعيدا» حيث نصب بعد حرف التحضيض بتقدير العامل؛ إذ التقدير: فهلّا أسرت سعيدا أو قيدت أو أوثقت، والبيت في أمالي الشجري (1/ 353)، وشرح ابن الناظم (ص 280)، والعيني (4/ 475) والأشموني (4/ 51).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4138 - تعدّون عقر النّيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا (¬1) وربما ولي حرف التحضيض مبتدأ وخبر كقوله: 4139 - ونبّئت ليلى أرسلت بشفاعة ... إليّ فهلّا نفس ليلى شفيعها (¬2) والأجود أن ينوي بعد «هلا» كان الشأنية ويجعل «نفس ليلى شفيعها» خبرا. وألحق بحروف التحضيض في الاختصاص بالفعل «ألا» المقصود بها العرض نحو: ألا تزورنا، وهي مركبة من «لا» و «الهمزة»، وأما «ألا» المستفتح بها فغير مركبة ولا مختصة، بل جائز أن يرد بعدها جملة اسمية نحو: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ (¬3) وجملة فعلية نحو: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً (¬4) انتهى كلامه رحمه الله تعالى (¬5). وإنما أوردته لما فيه من الزيادة التي لم يتضمنها كلام ولده، وليعلم أن قول بدر الدين: «فيدخلن على الفعل للتوبيخ» إلى قوله: «ومن لو المنقولة إلى التمني أيضا» هو شيء قد اتبع فيه طريقة أصحاب «علم المعاني» وأنا أذكر ما قالوه تفصيلا؛ لينكشف معنى ما ذكره إجمالا، فأقول: ذكروا أنه قد يستعمل للتمني ما هو موضوع لغيره مجازا، وذكروا لذلك أداتين وهما: «هل» و «لو» وقرروا ذلك بما أذكره؛ فقالوا في «هل»: إنها حرف موضوع للاستفهام، والاستفهام لطلب حصول في الذهن، فإذا قال القائل: هل لي من شفيع؟ في مقام يقطع فيه بعدم الشفيع، تعذّر الحمل على حقيقة الاستفهام؛ لأن حقيقته تقتضي الجهل بالمستفهم عنه؛ لأن الطلب يقتضي أن لا يكون المطلوب حاصلا وقت الطلب، والعلم هنا بأن الشفيع ليس بموجود حاصل، وإذا تعذّر الحمل على حقيقة الاستفهام، حمل على ما يناسب المقام. والذي يناسب المقام هو التمني. قالوا: والموجب للعدول عن صيغة التمني إلى صيغة الاستفهام في هذا المقام هو إبراز المتمنّى لكمال العناية به في صورة الممكن، وعليه قوله تعالى حكاية عن الكفار فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا (¬6). - ¬

_ (¬1) و (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه. (¬3) سورة البقرة: 12. (¬4) سورة هود: 8. (¬5) انظر شرح الكافية الشافية: (3/ 1655). (¬6) سورة الأعراف: 53.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقالوا في «لو» ما ذكره النحاة: وهو أنها تكون للتمني بدليل نصب الفعل [5/ 194] الواقع جوابا لها نحو: لو تأتيني فتحدثني، والفعل إنما ينصب في الجواب إذا كان جوابا لأحد الأمور الثمانية. والمعنى الذي يناسب «لو» من الثمانية هو التمني؛ لأنه كما يفرض بـ «لو» ما يستحيل وقوعه وهو كون ما لم يقع في الزمن الماضي واقعا في الزمان الماضي، كذلك قد يفرض بصيغة التمني ما يستحيل وقوعه نحو: ليت الشباب يعود، فضمنت «لو» بسبب هذه المناسبة القريبة معنى التمني. ثم لما قرروا ذلك في «هل» و «لو» قالوا: وكأن الحروف المسماة بحروف التحضيض وهي: هلّا وألا ولولا ولوما مأخوذة منهما، مركبة مع «لا» و «ما» المزيدتين مطلوبا بالتزام التركيب التنبيه على إلزام «هل» و «لو» معنى التمني، فإذا قيل: هلّا أكرمت زيدا وألا - بقلب الهاء همزة - أو لولا أو لوما، كان المعنى: ليتك أكرمت زيدا، فيتولد منه معنى التنديم، وإذا قيل: هلّا تكرم زيدا، أو ألا كان المعنى: ليتك تكرمه، فيتولد منه معنى التحضيض. وإذ قد تقرر هذا فلنذكر أمورا: منها: أن المصنف قد قال: ولا يليهنّ غالبا إلّا فعل ظاهر أو معمول فعل مضمر. وقد عرفت من كلام ولده أن معمول الفعل الظاهر يليها أيضا نحو: هلّا زيدا ضربت، لكن قد يقال: يمكن أن يستفاد هذا من كلام المصنف؛ لأنه إذا قال: إن معمول الفعل المضمر يليها ولم يقيد ذلك الفعل بكونه يضمر قبل المعمول أو بعده، علم منه جواز ولائه معمول الفعل الظاهر لها. ومنها: أن قول المصنف وإذا خلا منه فقد يغني عنهنّ لو وألا - قد شرحه ولده بقوله: «وتخلو الحروف المذكورة عن التوبيخ فتكون لطلب الفعل على سبيل العرض، كما في قوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ (¬1) وقوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ (¬2) ويجوز أن يغني عنهن حينئذ لو المنقولة إلى التمني كما في: لو تأتيني فتحدثني، وألا المخففة كقولهم: ألا تنزل فتصيب خيرا». ولم أتحقق أولا قوله: «فتكون لطلب الفعل على سبيل العرض» لأن العرض غير - ¬

_ (¬1) سورة التوبة: 122. (¬2) سورة المنافقون: 10.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التحضيض، والكلام إنما هو في أدوات التحضيض، ولا شك أن التحضيض فيه طلب وحث، وأما العرض فلا طلب فيه، ولا يلزم من كون الأداة واحدة الاتفاق في المعنى، ولذا لم أتحقق ثانيا قوله: «ويجوز أن يغني عنهن حينئذ لو المنقولة إلى التمني، كما في: لو تأتيني فتحدثني وألا المخففة كقولهم: ألا تنزل فتصيب خيرا»، ولا قول والده: فقد يغني عنهنّ لو وألا لأن معنى قوله: «وإذا خلا منه»: أن مصحوب أدوات التحضيض إذا خلا من توبيخ أنّ «لو» و «ألا» قد يغنيان عنه حينئذ، ولا شك أنه إذا لم يكن توبيخ، تعيّن أن يكون ما بعد الأداة مطلوبا، فيلزم أن يكون الكلام فيه دلالة على الطلب، و «لو» التي يستفاد منها التمني، كقولك: لو تأتيني فتحدثني لا تقتضي طلبا من المخاطب، ولم أفهم كون: ألا تنزل فتصيب خيرا، يفهم منه التحضيض، لأن التحضيض فيه طلب، والعرض لا طلب فيه، هذا هو الذي أفهمه، وقد قيل: إن بينهما فرقا وهو أن التحضيض طلب بحثّ وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدّب، وللمنازعة في ذلك مجال، وقد يعرض الإنسان أمرا على آخر مجاملة وتوددا في الظاهر وهو في نفس الأمر غير مجلب له، وليس بين الطلب والعرض ملازمة في الذهن ولا في الخارج. وأقول: إن كلام المصنف في هذا الموضع غير ناصع من جهتين: إحداهما: قوله: وقلّ ما يخلو مصحوبها من توبيخ؛ لأن هذا يعطي أن الحكم المذكور لها على الإطلاق وليس كذلك؛ لأن مصحوبها يكون ماضيا، ويكون مضارعا، ولا شك أن التوبيخ إنما يتصور إذا كان الفعل ماضيا، أما إذا كان الفعل مضارعا فلا، والحق أنها إذا صحبت الماضي كانت للتوبيخ، وإذا صحبت المضارع كانت للتحضيض، وكلام بدر الدين مصرح بذلك فإنه قال: «فإذا قلت: هلّا فعلت، فكأنك قلت: ليتك فعلت، متولدا منه معنى التنديم، أو قلت: هلّا تفعل، فكأنك قلت: ليتك تفعل متولدا منه معنى التقاضي والحثّ» نعم، قد يقصد المتكلم بالأداة إذا وليها الفعل الماضي - التحضيض دون توبيخ، فلو قال المصنف: وقل ما يخلو مصحوبها من توبيخ إذا وليها الماضي، لكان الواجب. الجهة الثانية: قوله: وإذا خلا منه فقد يغني عنهنّ لو وألا. وقد تقدم الكلام على ذلك بما فيه غنية. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنها: أن الشيخ قال (¬1): «إن قول المصنف في لولا ولوما الامتناعيتين: فيختصان بالأسماء، إنه ليس جيدا، لأن ذلك يوهم أنهما كالحروف المختصة بالأسماء نحو حروف الجر، وليس كذلك، إنما يدخلان على الجمل، لكن تلك الجمل تكون اسمية» انتهى. والجواب (¬2): أن هذا الوهم يدفعه قوله: ويقتضيان جوابا كجواب لو، لأن الجواب لا يكون عن مفرد إنما يكون عن كلام، فلزم من هذا أن الذي يلي هذين الحرفين يتعيّن فيه أن يكون جملة وهذا أمر ظاهر. ثم شرع الشيخ في ذكر المذاهب في الاسم المرفوع بعد «لولا» وذكر أنها ثلاثة (¬3): - مذهب سيبويه والبصريين أنه مبتدأ (¬4). - ومذهب الفراء أنه مرفوع بـ «لولا» نفسها (¬5). - ومذهب الكسائي أنه مرفوع بفعل محذوف (¬6). وأطال الكلام في ذلك. ولا يخفى أن مثل هذا لا ينبغي تسويد الأوراق به، وتضييع الزمان، مع أن ذكر هذه المذاهب ربما تقدّم في باب «المبتدأ» (¬7). والحق الإضراب عن ذكر المذاهب الضعيفة والأقوال السخيفة، والاشتغال بما هو أهم من ذلك. ومنها: أنه قال (¬8): «ليس عندي ما يختلف [5/ 195] فيه جواب لو وجواب لولا ولوما، إلا أن جواب لولا وجدناه في لسان العرب قد يقرن بـ «قد» نحو قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 192. (¬2) هذا كلام الشيخ أبي حيان في التذييل. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 192، 193. (¬4) قال سيبويه في الكتاب (3/ 139، 140): «ولو بمنزلة لولا ولا تبتدأ بعدها الأسماء سوى أن، نحو: لو أنّك ذاهب، ولولا تبتدأ بعدها الأسماء». (¬5) انظر الهمع (1/ 105). (¬6) المرجع السابق. (¬7) انظر الباب المذكور في إعراب الاسم الواقع بعد لولا في هذا الكتاب. (¬8) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 193.

[حديث عن ها ويا وألا وأما]

[حديث عن ها ويا وألا وأما] قال ابن مالك: (فصل؛ «ها» و «يا» حرفا تنبيه، وأكثر استعمال لـ «ها» مع ضمير رفع منفصل أو اسم إشارة، وأكثر ما يلي يا نداء أو أمر أو تمنّ أو تقليل، وقد يعزى التّنبيه إلى «ألا» و «أما» وهما للاستفتاح مطلقا، وكثر «ألا» قبل النداء، و «أما» قبل القسم، وتبدل همزتها هاء أو عينا، وقد تحذف ألفها في الأحوال الثّلاث). ـــــــــــــــــــــــــــــ 4140 - لولا الأمير ولولا حقّ طاعته ... لقد شربت دما أحلى من العسل (¬1) ولا أحفظ في لو، ذلك، وليس ببعيد أن يسمع ذلك فيها». قال ناظر الجيش: أما كون «ها» للتنبيه فمعلوم، وقد ذكر أنها تستعمل مع ضمير رفع منفصل أو مع اسم إشارة، أما ضمير الرفع فشرطه أن يكون مخبرا عنه باسم إشارة، كقوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ (¬2)، لا يقال: إنها هي الداخلة على اسم الإشارة ولكنها قدمت لأن قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ (¬3) يدفع ذلك ودخولها على ضمير مخبر عنه بغير اسم الإشارة، وقد ورد ولكن عدّوه شاذّا، أنشد أحمد بن يحيى (¬4) وذكر أن الفراء أنشده (¬5): 4141 - أبا حكم ها أنت عمّ مجالد ... وسيّد هذا الأبطح المتناحر (¬6) قال الشيخ (¬7): «ومن شروط دخولها على المضمر أن يكون مبتدأ، فلو كان غير مبتدأ لكونه فاعلا أو مفعولا لم يسمّ فاعله لم يجز أن تدخل عليه نحو: ما قام إلا أنا، وما ضرب إلا أنا». انتهى. - ¬

_ (¬1) هذا البيت من البسيط، واستشهد به الشيخ أبو حيان على أن جواب «لولا» قد يقرن بـ «قد» كما في قوله: «لقد شربت» في البيت، وواضح من عبارته أنه قليل. (¬2) سورة آل عمران: 119. (¬3) سورة النساء: 109. (¬4) أي ثعلب. (خ) جـ 5 ورقة 194. (¬5) انظر معاني الفراء (3/ 296). (¬6) البيت من الطويل أنشده الفراء، وقال: «وأنشدني بعض بني أسد»، وقوله: «وسيد هذا الأبطح» رواية معاني الفراء، واللسان (نحر): «وسيد أهل الأبطح» والمتناحر أي المتقابل، قال الفراء قبل إنشاده هذا البيت: «وسمعت بعض العرب يقول: منازلنا تتناحر هذا بنحر هذا أي: قبالته. والشاهد فيه قوله: «ها أنت عم مجالد» حيث دخلت «ها» على ضمير مخبر عنه بغير اسم الإشارة. (¬7) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 194.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولك أن تقول: استغنى المصنف عن ذكر هذا الشرط بذكر التنبيه، فإن التنبيه إنما يؤتى به أول الكلام ولا يؤتى به عجزه. وأما استعمالها مع اسم الإشارة فظاهر. ولا يحتاج اسم الإشارة إلى التقييد بأن لا يكون بعيدا كما ادّعى الشيخ؛ لأن عدم مباشرتها للبعيد قد علم من باب «اسم الإشارة». قال الشيخ (¬1) مستدركا على المصنف: «ولنا صورة يجب فيها ذكر «ها» للتنبيه مع اسم الإشارة. وذلك إذا كان اسم الإشارة صفة لـ «أيّ» في النداء نحو: يا أيّهذا الرجل» انتهى. واقتصار الشيخ على ما ذكره ليس بجيد، فإنه كما وجب دخولها في: يا أيّهذا الرجل يجب دخولها في: يا أيّها الرجل، وحاصل الأمر: أنه يجب دخولها بين «أيّ» ونعتها كائنا ما كان إذا كانت «أيّ» مناداة. وأقول: إن المصنف لا استدراك عليه في هذه المسألة؛ لأنه قد ذكر ذلك في أبواب «النداء» فاستغنى بما ذكره ثمّ عن ذكره هنا. وقد دلّ قول المصنف: وأكثر استعمالها مع كذا أو كذا - على أنه نقل استعمالها مع غير ما ذكر. ومن ذلك قول زهير: 4142 - تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما ... فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك (¬2) هكذا أنشد الشيخ (¬3) هذا البيت شاهدا على دخولها على غير ضمير واسم إشارة، ولقائل أن يقول: إنها داخلة على اسم الإشارة، وفصل بينها وبينه بالقسم الذي هو «لعمر الله» (¬4). وأما قول المصنف: وأكثر ما يلي يا نداء أو أمر أو تمنّ أو تقليل - فمثال النداء: يا زيد، ومثال الأمر قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ (¬5) ومنه قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195. (¬2) سبق شرحه والتعليق عليه في باب نون التوكيد من هذا التحقيق. والشاهد فيه هنا دخول «ها» على غير ضمير واسم إشارة. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195. (¬4) انظر شرح ديوان زهير للأعلم الشنتمري (ص 48). (¬5) سورة النمل: 25. «ألا» بالتخفيف قراءة الكسائي وقرأ الباقون بالتشديد. انظر الكشف (2/ 156)، وفي معاني الفراء (2/ 290) «وقرأها أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وحميد الأعرج مخففة على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فيضمر هؤلاء، ويكتفي منها بقوله: يا» - بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4143 - ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال (¬1) وقول الآخر: 4144 - ألا يا اسقياني قبل ضلّ أبي بكر ... لعلّ منايانا أتين ولا ندري (¬2) وقول الآخر: 4145 - ألا يا اسلمي ذات الدّماليج والعقد ... وذات اللّثات الحمّ والفاحم الجعد (¬3) وقول الآخر: 4146 - ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى ... ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (¬4) وقول الآخر: 4147 - ألا يا اسلمي ثمّ اسلمي ثمّت اسلمي ... ثلاث تحيّات وإن لم تكلّم (¬5) ومثال التمني قوله تعالى: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (¬6) ومنه قول القائل: 4148 - يا ليت زوجك قد غدا ... متقلّدا سيفا ورمحا (¬7) - ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من الطويل وعجزه: وقبل منايا قد حضرن وآجال وهو للشماخ. وقوله: ألا يا اسقياني يروى «ألا يا اصبحاني» وسنجال: قرية بأرمينية وقيل بأذربيجان وقيل: اسم رجل من بني عبد مناة أصيب بأذربيجان، ومنايا جمع منية، وآجال جمع أجل. والشاهد فيه: دخول «يا» على الأمر. والبيت في الكتاب (4/ 224)، والمفصل (ص 308) والمغنى (ص 373) وشرح شواهده (ص 796) واللسان (سنجل). (¬2) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. واستشهد به على دخول «يا» على الأمر. وانظره في التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195. (¬3) هذا البيت من الطويل لقائل مجهول والدماليج: جمع دملج ودملوج وهو المعضد من الحلي واللثاث الحم أي السوداء، والحم: الأسود من كل شيء، والفاحم الأسود الشديد السواد، والجعد» هو الشعر القصير. والشاهد فيه: دخول «يا» على الأمر. والبيت في شرح الإيضاح للعكبري والرواية فيه: (والثنايا الغر) بدل (واللثات الحم). (¬4) سبق شرحه والتعليق عليه في باب إعراب الفعل وعوامله. والشاهد فيه هنا: دخول «يا» على الأمر. (¬5) البيت من الطويل لقائل مجهول. والشاهد فيه: دخول «يا» على الأمر. والبيت في ابن يعيش (3/ 39). (¬6) سورة الزخرف: 38. (¬7) البيت من مجزوء الكامل، وهو لعبد الله بن الزبعرى. والشاهد فيه: دخول «يا» على التمني. -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «وينبغي أن يقيد ذلك بلفظ ليت وإلا فـ «لو» تستعمل للتمني، وكذا «ألا»، و «ودّ» ولا يجوز في شيء من هذا إدخال يا عليها» انتهى. ولك أن تقول: إذا أطلق التمني أو غيره، فإنما يتوجه إلى الأداة التي هي لذلك المعنى بالوضع، ولا شك أن الدال على التمني من الحروف بالوضع إنما هو «ليت»، فلا يكون لغيرها مدخل معها. ومثال التقليل قول امرئ القيس: 4149 - ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنّها خطّ تمثال (¬2) وقوله أيضا: 4150 - فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة ... كشفت إذا ما اسودّ وجه الجبان (¬3) ولم يتضح لي قول المصنف: وأكثر ما يلي يا نداء؛ لأن المراد بالنداء: المنادى، وإذا كان الذي ولي «يا» منادى، كانت حرف نداء لا حرف تنبيه. وقال الشيخ (¬4): «ويعني في اللفظ وإلا ففي التقدير الذي ولي يا إنما هو فعل النداء» هكذا قال، ولم يظهر لي هذا الذي قاله، فإن «يا» في قولنا: يا زيد تتعين أن تكون للنداء ولا يجوز كونها للتنبيه، وإذا كانت للنداء فإنما يليها المنادى وهي قائمة مقام الفعل العامل فيه، فكيف يكون الذي ولي «يا» إنما هو فعل النداء؟ وأما قول المصنف وقد يعزى التّنبيه إلى ألا وأما إلى آخره، فقال الشيخ (¬5): «في قوله: وقد يعزى، إشعار بالقلة» يعني أن الأكثر أن يكونا للاستفتاح مطلقا سواء أقصد مع ذلك تنبيه أم لم يقصد. - ¬

_ - والبيت في معاني الفراء (3/ 123، 208) والكامل (1/ 196، 403) والمقتضب (2/ 50) والخصائص (2/ 431) وأمالي الشجري (2/ 321). (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195. (¬2) البيت من الطويل وهو في ديوان امرئ القيس (ص 140)، والشاهد فيه: دخول «يا» على «رب» وهي للتقليل، وانظر البيت في المقرب (1/ 199)، والمغني (ص 135) وشرح شواهده (ص 393) وشرح التصريح (2/ 18). (¬3) سبق شرحه والتعليق عليه، والشاهد فيه هنا: دخول «يا» على «رب» وهي للتقليل. (¬4)، (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال مجيء «ألا» قبل النداء قول الشاعر: 4151 - ألا يا قيس والضّحّاك سيرا ... فقد جاوزتما خمر الطّريق (¬1) وقول الآخر: 4152 - ألا يا عباد الله قلبي متيّم ... بأحسن من صلّى وأقبحهم فعلا يدبّ على أحشائها كلّ ليلة ... دبيب القرنبى بات يعلو ندى سهلا (¬2) ويجوز إبدال همزة «ألا» هاء فتقول: هلا وقد قرأ بعضهم (¬3) ألا يسجدوا لله (¬4) ذكره الزمخشري (¬5). ومثال مجيء «أما» قبل القسم قول الشاعر: 4153 - أما ودماء لا تزال مراقة ... على قنّة العزّى وبالنّسر عند ما (¬6) ومثال إبدال [5/ 196] همزتها هاء أو عينا: هما والله لقد كان كذا، وعما والله لقد كان كذا ومراده بالأحوال الثلاث في قوله: وقد تحذف ألفها: حال إقرار الهمزة، وحال إبدالها هاء، وحال إبدالها عينا، فيقال: أم وهم وعم. ¬

_ (¬1) البيت من الوافر، والخمر: وهدة يختفي فيها الذئب، والشاهد فيه: مجيء «ألا» قبل النداء، والبيت في ابن يعيش (1/ 129)، والهمع (2/ 142)، والدرر (2/ 196). (¬2) البيتان من الطويل، والقرنبى قال في اللسان (قرنب): «حكى الأصمعي أنه دويبة شبه الخنفساء أو أعظم منها شيئا طويلة الرجل» والشاعر يصف جارية وبعلها. والشاهد في قوله: «ألا يا عباد الله» حيث جاءت «ألا» قبل النداء، والبيت الثاني في اللسان (قرنب) والشطر الأول في الهمع (2/ 70) والبيت الأول في الدرر (2/ 86). (¬3) في معاني الفراء (2/ 290): «وهي في قراءة عبد الله هلا تسجدون لله بالتاء فهذه حجة لمن خفف». (¬4) سورة النمل: 25. (¬5) لم يشر الزمخشري في الكشاف إلى هذه القراءة - أعني هلا - بإبدال الهمزة هاء وإنما أشار إلى قراءة «ألّا» بالتشديد و «ألا» بالتخفيف. انظر الكشاف (3/ 284، 285). (¬6) البيت من الطويل، ويروى شطره الأول هكذا: أما ودماء مائرات تخالها وهو لعمرو بن عبد الجن، وقيل: لمجهول، ودماء مائرات مائجات، والقنّة: أعلى الجبل، والعزى اسم صنم، وكذا النسر اسم صنم أيضا وأصله: نسر فأدخل عليه الشاعر الألف واللام. والشاهد فيه قوله: أما ودماء حيث جاءت «أما» قبل القسم. والبيت في المنصف (3/ 134)، وأمالي الشجري (1/ 154)، (2/ 341) والإنصاف (ص 318).

[حروف الجواب: سردها وأحكامها]

[حروف الجواب: سردها وأحكامها] قال ابن مالك: (فصل؛ من حروف الجواب نعم، وكسر عينها لغة كنانيّة، وقد تبدل حاء، وحاء حتّى عينا، وهي لتصديق مخبر، أو إعلام مستخبر، أو وعد طالب وإي بمعناها مختصّة بالقسم، وإن وليها «الله» حذفت ياؤها، أو فتحت، أو سكّنت، وأجل لتصديق الخبر، وبلى لإثبات نفي مجرّد أو مقرون باستفهام، وقد توافقها نعم بعد المقرون). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الفصل على ذكر كلمات أربع، وهي كلها من حروف الجواب. الأول: نعم - بفتح العين - وكسرها لغة وبها قرأ الكسائي (¬1)، وقد ذكر المصنف أن الكسر لغة كنانية، وذكر عن الكسائي أنه قال: إن أشياخ قريش أيضا يتكلمون بها مكسورة، وأما إبدال عينها «حاء» فلطلب الخفة؛ لأن الحاء أخف لقربها إلى حروف الفم، وأما إبدال «حاء» حتّى عينا فقد تقدم ذكره في باب «حروف الجر»، وأنها لغة هذيلية. ثم إن «نعم» كما قال المصنف، إما لتصديق مخبر، أو إعلام مستخبر، أو وعد لطالب. فمثال الأول: أن يقال: جاء زيد أو ما جاء زيد، فيقال: نعم. ومثال الثاني: أن يقال: هل جاء زيد؟ فيقال: نعم. ومثال الثالث: أن يقال: اضرب زيدا أو لا تضرب زيدا، فيقال: نعم. ولم يذكر سيبويه الإعلام، وإنما قال (¬2): «أما نعم فعدة وتصديق، وأما بلى فيوجب بها بعد النفي»، وفسّر كلامه بأنها عدة في المستقبل، نحو: أتفعل؟ وتصديق في الماضي سواء أكانت بعد موجب، نحو: قد قام زيد، أو سؤال عنه نحو: أكان كذا؟ أو نفي نحو: ما قام زيد، أو سؤال عنه نحو: أما قام زيد؟ فتصديق هذا كله بـ «نعم»، ففي الموجب والسؤال عنه تصديق للثبوت، وفي - ¬

_ (¬1) انظر الكشف (1/ 462) والحجة لابن خالويه (ص 154). (¬2) انظر الكتاب (4/ 234).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النفي والسؤال عنه تصديق للنفي، هكذا ذكروا، ولم أتحقق أنها تكون بعد السؤال للتصديق؛ لأن الذي يقبل التصديق إنما هو الخبر لا الإنشاء، وقد قيل (¬1): إن سيبويه كأنه رأى أنه إذا قيل: هل قام زيد؟ فقيل: نعم، فهو لتصديق ما بعد الاستفهام، ولم أتحقق هذا القول، ولا شك أنها في مثل ذلك للإعلام، فالحق ما ذكره المصنف أنها: إما لتصديق مخبر أو إعلام مستخبر أو وعد طالب. وأما «بلى» فقد قال المصنف: إنها لإثبات نفي مجرد أو مقرون باستفهام، فإذا قال القائل: ما قام زيد وأردت تصديقه قلت: نعم، أو أردت تكذيبه قلت: بلى، وكذلك أيضا تثبت النفي المقرون بأداة الاستفهام فإذا قال القائل: أليس زيد بعالم؟ وأردت تصديقه، قلت: نعم؛ أو أردت تكذيبه، قلت: بلى، ولو قال المصنف «وبلى لإثبات منفي» كان أولى من قوله: لإثبات نفي؛ لأنه قد يفهم منه أن المراد: إثبات النفي نفسه وليس كذلك. ثم إنهم قالوا: وسواء أردت الاستفهام عن حقيقة النفي، أو أردت التقرير وإن كان معناه الإيجاب، قالوا: لأن العرب تجريه في باب الجواب مجرى النفي المحض. والدليل على ذلك قوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (¬2) ومن ثمّ قال ابن عباس رضي الله عنهما ولو قالوا: نعم في الجواب كفروا (¬3). ملخص ما ذكروه (¬4): أنه إذا قيل: قام زيد، فتصديقه: نعم، وتكذيبه: «لا»، ويمتنع دخول «بلى» لأنها إنما يجاب بها بعد النفي، وإذا قيل: ما قام زيد، فتصديقه: نعم، وتكذيبه: بلى، قال الله تعالى: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى (¬5) ويمتنع دخول «لا» لأنها لنفي الإثبات لا لنفي النفي، وإذا قيل: أقام زيد؟ فهو مثل: قام زيد، فتقول: نعم، إن أثبتّ القيام، وتقول: لا، إن نفيته، ويمتنع دخول «بلى» لما عرفت، وإذا قيل: ألم يقم زيد؟ فهو مثل: لم يقم زيد، فتقول: بلى إن أثبت القيام، ويمتنع دخول «لا»، وتقول: نعم إن نفيته. فالحاصل: أن «بلى» لا تأتي إلا بعد نفي، وأن «لا» لا تأتي إلا بعد إيجاب، - ¬

_ (¬1) انظر المغني (ص 345). (¬2) سورة الأعراف: 172. (¬3) انظر شرح الجمل لابن عصفور (2/ 485)، ودرة الغواص للحريري (ص 261). (¬4) انظر هذا الكلام في المغني (ص 346). (¬5) سورة التغابن: 7.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأن «نعم» تأتي بعدهما، واعلم أن ابن عصفور قد أجاز وقوع «نعم» في جواب النفي المصاحب لأداة الاستفهام المراد به إيجاب النفي معللا ذلك بأن: التقرير إيجاب في المعنى، وأنا أورد كلامه في ذلك بجملته، قال في المقرب (¬1): فنعم تكون عدة في جواب الاستفهام والأمر، وتكون تصديقا للخبر نحو قولك لمن قال: قام زيد، وما قام زيد: نعم، تصدقه في إثبات القيام لزيد أو نفيه عنه، وبلى تكون جوابا للنفي خاصة إلا أن معناها أبدا إيجاب المنفي مقرونا كان النفي بأداة الاستفهام أو غير مقرون بها، نحو قولك في جواب من قال: ما قام زيد، وألم يقم عمرو؟: بلى قد قام، ولو قلت: نعم، كنت محققا للنفي كأنك قلت: نعم لم يقم، وقد تقع نعم في جواب النفي المصاحب لأداة الاستفهام والمراد به إيجاب المنفي إذا أمن اللبس، وذلك بالنظر إلى المعنى؛ لأن التقرير في المعنى إيجاب، ألا ترى أنك إذا قلت: ألم يقم زيد؟ فإنما تريد أن تثبت للمخاطب قيام زيد، ومن ذلك قوله: 4154 - أليس اللّيل يجمع أمّ عمرو ... وإيّانا فذاك بنا تداني نعم وترى الهلال كما أراه ... ويعلوها النّهار كما علاني (¬2) انتهى. والذي ذكره من أن التقرير في المعنى إيجاب فيجوز أن يجاب الكلام الذي يتضمنه بكلمة «بلى» هو الظاهر، ومما يدل على ذلك أيضا قول [5/ 197] الأنصار للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقد قال لهم: «ألستم ترون لهم ذلك؟» نعم (¬3)، غير أن قوله: إن نعم تكون عدة في جواب الاستفهام، غير ظاهر. وقد تكلم الشيخ بهاء الدين بن النحاس - رحمه الله تعالى - على هذا الموضع، فقال (¬4): - ¬

_ (¬1) انظر المقرب (1/ 294، 295). (¬2) البيتان من الوافر، وهما لجحدر بن مالك اللص. والشاهد فيه: وقوع «نعم» في جواب النفي المصاحب لأداة الاستفهام والمراد به إيجاب المنفي، فكأنه قيل: إن الليل يجمع أم عمرو وإيانا، نعم، فإن الهمزة إذا دخلت على النافي تكون لمحض التقرير. والبيتان في الشعر والشعراء (ص 449) منسوبين للمعلوط، وشرح الجمل لابن عصفور (رسالة) (2/ 485)، والمغني (ص 347)، وشرح شواهده (ص 408). (¬3) انظر المغني (ص 347). (¬4) انظر التعليقة ورقة (125) وهي تعليقات ابن النحاس على مقرب ابن عصفور (مكتبة الأزهر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ «إن نعم في جواب الطلب عدة، كقولك: نعم لمن قال: أعط زيدا درهما، قال: وأما في الاستفهام ففي قول المصنف (¬1): إنها عدة، نظر، فإنها في الاستفهام قد تكون عدة، وقد تكون تصديقا، فمثال كونها عدة قولك: نعم، في جواب من قال: هل تعطيني درهما؟ فها هنا في عدة، وأما إذا قال: هل قام زيد، وألم يقم زيد؟ لا بمعنى التقرير فقلت في جوابه: نعم، فهي هنا لتصديق ما قبلها من إيجاب أو نفي كحاله إذا لم تصحب الاستفهام» انتهى. وما قاله ابن عصفور من أن نعم تكون عدة في جواب الاستفهام، غير ظاهر، وكذا تفصيل الشيخ بهاء الدين وجعله إياها عدة في جواب: هل تعطيني؟ وتصديقا في جواب: هل قام زيد؟ غير ظاهر أيضا، والذي يظهر أنها للإعلام في المثالين المذكورين. والحاصل: أن الواقعة في جواب الاستفهام مطلقا تكون للإعلام، هذا هو الظاهر. ثم قال الشيخ بهاء الدين: «والفرق بينها وبين بلى ما ذكره المصنف - يعني ابن عصفور - من أن نعم تصديق للخبر إيجابا كان أو نفيا، وبلى توجب النفي نحو قولك لمن قال: لم يقم زيد أو ألم يقم زيد؟ ولم ترد به التقرير إذا أردت أن القيام قد حصل». انتهى (¬2)، وقد أفهم كلامه أن بلى لا تكون جوابا لقولنا: ألم يقم زيد؟ إلا إذا لم يرد التقرير، لكنه أردف كلامه المتقدم بأن قال: «ولذلك أجابوا قوله تعالى: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى (¬3)، قال العلماء: لو قالوا عوض بلى: نعم كفروا من حيث كانوا مصدقين النفي». انتهى. فلم يتطابق لي كلامه ثانيا مع كلامه أولا؛ لأن التقرير مراد في الآية الشريفة قطعا، وهو قد شرط أن «بلى» إنما تكون جوابا للنفي إذا لم ترد به التقرير، لكنه قال (¬4) بعد ذلك شارحا لقول ابن عصفور: «وقد تقع نعم في جواب النفي» إلى آخره: «حرف الاستفهام إذا دخل على النفي يدخل بأحد معنيين: إما أن يكون الاستفهام عن النفي هل وجد أو لا؟ فيبقى النفي على ما كان عليه، أو للتقرير - ¬

_ (¬1) يعني ابن عصفور. (¬2) أي كلام ابن عصفور. (¬3) سورة الأعراف: 172. (¬4) أي الشيخ بهاء الدين بن النحاس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كقولك: ألم أحسن إليك؟ وكقوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (¬1) فإن كان بالمعنى الأول لم يجز دخول نعم في جوابه إذا أردت إيجابه، بل تدخل حينئذ بلى، وإن كان بالمعنى الثاني وهو التقرير، فللكلام حينئذ لفظ ومعنى، فلفظه نفي دخل عليه الاستفهام ومعناه الإثبات، فبالنظر إلى لفظه يجيبه ببلى وبالنظر إلى معناه وهو كونه إثباتا يجيبه بنعم، قال (¬2): وهذا مراد ابن عصفور بقوله: وذلك بالنظر إلى المعنى إذا أمن اللبس، أي: إذا علم أن المراد بالكلام التقرير لا الاستفهام عن النفي، قال: والذي يقرر عندك أن معنى التقرير الإثبات، قول ابن السراج (¬3): فإذا أدخلت على ليس ألف الاستفهام كانت تقريرا ودخلها معنى الإيجاب فلم يجئ معها أحد، لأن أحدا إنما يجيء مع حقيقة النفي، لا تقول: أليس أحد في الدار؟ لأن المعنى يؤول إلى قولك: أحد في الدار، وأحد لا تستعمل في الواجب، وكذلك لا يجوز أن تجيء إلا مع التقرير، لا تقول: أليس زيد إلا فيها؟ لأن المعنى يؤول إلى قولك: زيد إلا فيها وذا لا يكون كلاما». انتهى (¬4). وهو كلام حسن وقد خلا الإشكال، وحقق قوله أولا: وبلى يوجب النفي نحو قولك لمن قال: لم يقم زيد أو ألم يقم زيد؟ ولم ترد به التقرير إذا أردت أن القيام قد حصل. ولكن قد قال ابن عصفور في غير المقرّب» (¬5): «أجرت العرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض وإن كان إيجابا في المعنى، فإذا قيل: ألم أعطك درهما؟ قيل في تصديقه: نعم، وفي تكذيبه: بلى، وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه وقد يخالفك، فإذا قال: نعم، لم يعلم هل أراد: نعم لم يعطني على اللفظ، أو نعم أعطيتني على المعنى. فلذلك أجابوا لى اللف ولم يلتفتوا إلى المعنى» انتهى. لا يخفى ضعف هذا التعليل الذي ذكه، وقد خالف كلمه هنا كلامه في «المقرّب» ولذي في «المقرب» هو الذي يقتضيه النظر، وقد تقدمت الإشارة إلى أنه هو الظاهر. - ¬

_ (¬1) سورة الضحى: 6. (¬2) أي الشيخ بهاء الدين بن النحاس. (¬3) انظر أصول النحو لابن السراج (1/ 49). (¬4) انظر تعليقات ابن النحاس على مقرب ابن عصفور ورقة (125) (مكتبة الأزهر 4947). (¬5) انظر شرح الجمل لابن عصفور (رسالة) (2/ 485) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول المصنف: وقد توافقها نعم بعد المقرون - أي: وقد توافق بلى نعم، أي: يؤتى بـ «نعم» في جواب النفي المقرون باستفهام - يعد ما ذكرته، والقائلون بوجوب الإتيان بكلمة «بلى» في جواب النفي المقرون بالاستفهام، يجيبون عن بيت جحدر (¬1)، فيقولون (¬2): إن نعم فيه جواب لغير مذكور وهو ما قدره في اعتقاده من أن الليل يجمعه وأم عمرو، قالوا (¬3): وجاز ذلك لأمن اللبس؛ لأن كل أحد يعلم أن الليل يجمعه وأم عمرو، قالوا (¬4): أو يكون جوابا لقوله: وترى الهلال ... البيت، وقدمه عليه. قال الشيخ (¬5): «والأولى عندي أن يكون جوابا لقوله: فذاك بنا تدان». قالوا (¬6): وأما قول الأنصار: نعم فإنما جاز ذلك لزوال اللبس، لأنه قد علم أنهم يريدون: نعم نعرف لهم ذلك. ولا يخفى على صاحب النظر أن ما أجابوا به ليس بذاك، والحق أن «نعم» قد تقع جوابا للنفى المقرون باستفهام إذا كان المراد من الكلام التقرير؛ لأنه إيجاب في المعنى، وعلى ذلك يحمل قول المصنف: وقد توافقها نعم بعد المقرون. ويدل [5/ 198] على ما قلته قول سيبويه (¬7) في باب «النعت» في مناظرة جرت بينه وبين بعض النحويين: «فيقال له: ألست تقول كذا؛ فإنه لا يجد بدّا من أن يقول: نعم، فيقال له: أفلست تجعل كذا؟ فإنه قائل: «نعم» فأتى بـ «نعم» في جواب: ألست، لما كان المراد به التقرير». وقد لحن ابن الطراوة (¬8) سيبويه في إتيانه بكلمة «نعم» في موضع يستحق أن يؤتى فيه بكلمة «بلى». ولقد كان يقبح بابن الطراوة أن يقع في حق من شيّد الله قدره، وأعلى محله، وجعله إمام الأئمة في هذا العلم، وينسب اللحن إلى كلامه، لا جرم أن الله تعالى قد صرف الناس عن قبول أقواله، وجعل كلامه مرفوضا - ¬

_ (¬1) هو جحدر بن مالك. ويقال له: جحدر العكلي: شاعر من أهل اليمامة كان في أيام الحجاج بن يوسف يقطع الطريق وينهب الأموال ما بين حجر واليمامة، وكان فتاكا شجاعا. انظر ترجمته في شرح شواهد المغني (ص 408)، والأعلام (2/ 113). (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 196. (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر الذييل (خ) جـ 5 ورقة 196. (¬5)، (¬6) المرجع السابق. (¬7) انظر الكتاب (2/ 19) (هارون) وقد نقله عنه بتصرف. (¬8) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 196.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مدحوضا لا يلتفت إليه، ولا يعوّل عليه، وقد حقق لنا سيبويه - رحمه الله تعالى - بما قاله أن كلمة «نعم» يجاب بها النفي المقرون بالاستفهام إذا كان المراد به التقرير. ولكن قد يشكل على ما قررناه قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لو قالوا نعم كفروا، إن صح هذا النقل عنه رضي الله تعالى عنه، والظاهر أن الذي قاله أنهم لو قالوا: نعم لم يكن كافيا في الإقرار بالربوبية، لأن مراعاة اللفظ في مقام الاحتمال أولى من مراعاة المعنى، كيف والمقام يقتضي الإتيان بحقيقة الاعتراف بالربوبية وإخلاص العبودية؟ وإذا كان كذلك، وجب أن يعدل عن اللفظ المحتمل لغير المقصود ويؤتى باللفظ القاطع الذي لا يكون فيه احتمال. ثم إن الشيخ ذكر هنا مسألة وهي (¬1): أن سيبويه قال (¬2): وأما ألا فتنبيه، تقول: ألا إنه ذاهب ألا بلى. قال ابن خروف: ليس بجواب لما قبله. قال الشيخ (¬3): يعني أن ما قبله من قوله: ألا إنه ذاهب، جملة مثبتة فجوابها لا يكون بـ «بلى» قال (¬4): وقال أبو عمرو بن تقي: إنما هو تأكيد له، أي: تقول: ألا إنه ذاهب أو ألا بلى فتجمعهما تأكيدا لأنهما سواء، قال (¬5): وقال بعض أصحابنا: هذا موضع مشكل وتفسيره: إذا أردت أن تقول في جواب من قال: ليس زيد بذاهب: ألا إنه ذاهب، قلت: عوض هذا: ألا بلى أي: ألا بلى هو ذاهب. ثم ذكر (¬6) مسألة أخرى وهي: أن النهي يجري مجرى النفي في الجواب ببلى، فإذا قال القائل: لا تضرب زيدا قلت: بلى، أي: اضربه، قال: وإنما كان ذلك لأن النهي فيه معنى النفي والترك. انتهى. وأما قول المصنف: وإي بمعناها، إلى آخره - فأراد به أن «إي» بمعنى: نعم من كونها لتصديق مخبر أو إعلام مستخبر أو وعد طالب، لكنها مختصة بالقسم بخلاف «نعم» فإنها تكون مع قسم وغير قسم، قال الله تعالى: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 197. (¬2) انظر الكتاب (4/ 235). (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 197. (¬4) أي الشيخ أبو حيان في التذييل (خ) جـ 5 ورقة 197. (¬5) أي الشيخ أبو حيان. (¬6) أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 197.

[كلا وحديث عنها]

[كلّا وحديث عنها] قال ابن مالك: (فصل، كلّا حرف ردع وزجر، وقد تؤوّل بـ «حقّا»، وتساوي «إي» معنى واستعمالا، ولا تكون لمجرّد الاستفتاح؛ خلافا لبعضهم). ـــــــــــــــــــــــــــــ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ (¬1)، وإذا وليها حرف القسم فـ «الياء» ثابتة قطعا، وإذا وليها الاسم المعظم جاز حذف «الياء»؛ لالتقائها ساكنة مع لام «الله» فتقول: إالله، وجاز فتحها كما فتحت نون «من» مع «لام» التعريف، فتقول: إي الله وجاز إسكانها فتقول: إي الله لأنه يجوز الجمع بين الساكنين إذا كانا على شرطهما وهو أن يكون الأول حرف علة والثاني مشددا، هكذا ذكروا (¬2) ولكن الشرط أن يكون حرف العلة والساكن المدغم في كلمة، وها هنا الساكن المدغم من كلمة أخرى غير الكلمة المتضمنة الساكن الأول. وأما قوله: وأجل لتصديق الخبر فظاهر، ومثاله: أن يقول القائل: قام زيد أو ما قام زيد أو يقوم زيد أو ما يقوم زيد، فتقول: أجل، فهي لتصديق الخبر سواء أكان ماضيا أم غير ماض وسواء أكان موجبا أم غير موجب، كالأمثلة المذكورة. قال الشيخ (¬3): «ولا تجيء بعد الاستفهام، وحكي عن الأخفش (¬4) أنها تكون فيهما إلا أنها في الخبر أحسن من نعم، ونعم في الاستفهام أحسن منها» انتهى. ومن حروف الجواب أيضا: «جير» و «إنّ» بمعنى نعم، وقد ذكرهما المصنف. أما «جير» ففي باب «القسم»، وأما «إنّ» ففي باب «الأحرف الناصبة الاسم الرافعة الخبر». قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬5): «كلّا حرف بسيط، ودعوى ثعلب (¬6) أنها مركبة من «كاف التشبيه» و «لا» التي للرد شددت «اللام» - لا دليل له عليها. وهي حرف ردع وزجر عند الخليل وسيبويه (¬7) والأخفش والمبرد وابن قتيبة وعامة - ¬

_ (¬1) سورة يونس: 53. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 196. (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر المغني (ص 20). (¬5) انظر التذييل وقد نقله عنه بتصرف. (¬6) انظر المغني (ص 188). (¬7) قال في الكتاب (4/ 235) «أما كلا فردع وزجر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البصريين (¬1)، وبمعنى «حقّا» عند الكسائي وابن الأنباري وجماعة (¬2). وتساوي «إي» معنى واستعمالا يعني أنها تكون حرف تصديق، وأنها تستعمل مع القسم فتقول: كلا والله، في معنى: إي والله، وكونها بمعنى «نعم» هو مذهب النضر بن شميل (¬3)، وقال عبد الله بن محمد الباهلي: كلّا على وجهين: أحدهما: أن تكون ردّا لكلام قبلها، فيجوز الوقف عليها، وما بعدها استئناف. والآخر: أن تكون صلة للكلام فتكون بمنزلة «إي». وقال محمد بن واصل (¬4): كلا بمعنى القسم في بعض المواضع، قال الله تعالى: كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ (¬5)، وزعم أبو حاتم (¬6) أن «كلا» تكون ردّا للكلام الأول وتكون بمعنى «ألا» الاستفتاحية. و «كلا» لها معنى كثير في باب الاتعاظ. وذهب الفراء (¬7) إلى أن «كلا» بمنزلة «سوف» وهو غريب. وذهب صاحب كتاب «الترشيد» (¬8) أن كلا تكون بمنزلة «لا» ردّا لما قبلها، ويبتدأ بما بعدها، ويوقف عليها، قال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (78) كَلَّا (¬9)، قال: «وعدتها أربعة عشر موضعا في القرآن العزيز - أي التي تكون - ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر المغني (ص 188). (¬3) المغني (ص 189)، وأضاف ابن هشام «والفراء ومن وافقهما». والنضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي أبو الحسن، أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة، ولد وتوفي بمرو (من بلاد خراسان) وكانت وفاته سنة (203 هـ). ومن كتبه: الصفات والمعاني والأنواء، انظر ترجمته في البغية (2/ 316). (¬4) هو محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل أبو عبد الله المازني التميمي الحموي، جمال الدين، مؤرخ عالم بالمنطق والهندسة، من فقهاء الشافعية، من مؤلفاته: شرح قصيدة ابن الحاجب في العروض، توفي سنة (697 هـ). انظر البغية (1/ 108) والأعلام (6/ 133). (¬5) سورة الهمزة: 4. (¬6) انظر المغني (ص 189). وأبو حاتم: سهل بن محمد السجستاني، من كبار العلماء باللغة والشعر، من أهل البصرة، من مؤلفاته: كتاب «المعمرين» و «ما تلحن فيه العامة»، توفي سنة (248 هـ). ترجمته في البغية (1/ 606). (¬7) انظر الهمع (2/ 75). (¬8) لعله «الترشيح» لخطاب المادري وقد صحف. (¬9) سورة مريم: 78، 79.

[أما وحديث عنها]

[أمّا وحديث عنها] قال ابن مالك: (وأمّا حرف تفصيل مؤوّل بـ «مهما يكن من شيء» فلذا تلزم الفاء بعد ما يليها، ولا يليها فعل بل معموله، أو معمول ما أشبهه، أو خبر، أو مخبر عنه، أو أداة شرط يغني عن جوابها جواب أمّا، ولا تفصل الفاء بجملة [5/ 199] تامّة، ولا تحذف في السّعة إلّا مع قول يغني عنه محكيّه؛ ولا يمتنع أن يلي «أمّا» معمول خبر «إنّ» خلافا للمازنيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ ردّا ويوقف عليها - قال: وهذا قول الأكثر من أهل الأداء والعربية وأهل المعاني والتفسير». قال ناظر الجيش: يؤخذ من كلام المصنف أن «أمّا» حرف شرط كما أنها حرف تفصيل لقوله: مؤوّل بمهما يكن من شيء وقد صرح في شرح الكافية بأنها للأمرين، وذكر الزمخشري (¬1) لها معنى آخر وهو التوكيد، وأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية ثم أردفه بكلام غيره. قال رحمه الله تعالى (¬2): «أمّا فيها معنى الشرط والتفصيل، وتقدر بـ «مهما يكن من شيء» ولا يليها فعل لأنها قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط، فلو وليها فعل لتوهم أنه فعل الشرط ولم يعلم بقيامها مقامه، فإذا وليها اسم بعده «الفاء» كان في ذلك تنبيه على ما قصد من كون ما وليها مع ما بعده جوابا، والمقرون بـ «الفاء» بعد ما يليها إما مبتدأ نحو: أما قائم فزيد، وإما خبر نحو: أما زيد فقائم، وإما عامل فيما وليها أو مفسر عامل فيه نحو: أما زيدا فأكرم وأما عمرا فأعرض عنه، وقد تليها «إن» فيغني جواب «أما» عن جوابها، كقوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (¬3) وقد تقدم (¬4) أن الجواب لأول الشرطين المتواليين، فإذا كان أول الشرطين «أما» كانت أحق بذلك من وجهين: أحدهما: أن جوابها إذا انفردت لا يحذف أصلا، وجواب غيرها إذا انفرد - ¬

_ (¬1) ليس في المفصل. وانظر المغني (ص 57). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1646 - 1648) وقد نقل عنه بتصرف. (¬3) سورة الواقعة: 88، 89. (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1647، 1648).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحذف كثيرا لدليل، وحذف ما عهد حذفه أولى من حذف ما لم يعهد حذفه. والثاني: أن أما قد التزم معها حذف فعل الشرط وقامت هي مقامه، فلو حذف جوابها لكان ذلك إجحافا، و «إن» ليست كذلك. ويجوز حذف الفاء بعدها إذا كان المقرون بها قولا باقيا ما هو محكي به، كقوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ (¬1) الأصل: فيقال لهم: أكفرتم (¬2) ولا تحذف غالبا دون مقارنة قول إلا في ضرورة كقول الشاعر: 4155 - فأمّا القتال لا قتال لديكم ... ولكنّ سيرا في عراض المواكب (¬3) انتهى. وقد تضمن شرح غالب الفصل المذكور. وقال الزمخشري (¬4): «فائدة «أما» في الكلام أن تعطيه فضل توكيد، تقول: زيد ذاهب فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب وأنه بصدد الذهاب، وأنه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب، ولذلك قال سيبويه (¬5) في تفسيره: مهما يكن من شيء فزيد ذاهب، وهذا التفسير مدل بفائدتين: بيان كونه توكيدا، وأنه في معنى الشرط» انتهى، ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب وشرح ما لم يذكره في شرح الكافية، فنقول: أما قوله وأمّا حرف تفصيل مؤوّل بمهما يكن من شيء - فقد ناقشه الشيخ فيه، قال (¬6): لا ينبغي أن ينسب إلى ذلك؛ لأن معنى التفصيل ليس بلازم لها، بل قد يجيء حيث لا يفصل تقول: أما زيد فمنطلق، قال: وأما التأويل بـ «مهما» فمن - ¬

_ (¬1) سورة آل عمران: 106. (¬2) انظر معاني الفراء (1/ 228)، (3/ 49). (¬3) البيت من الطويل وهو للحارث بن خالد المخزومي. الشرح: قوله: «في عراض المواكب» العراض: الشق والناحية. وعراض المواكب: شقها وناحيتها، و «المواكب» جمع موكب، والموكب القوم الركوب على الإبل المزينة، وكذلك جماعة الفرسان. والشاهد فيه: حذف «الفاء» بعد «أما» دون مقارنة قول وذلك في قوله: «لا قتال لديكم» وهو ضرورة، والبيت في المقتضب (2/ 69)، والمنصف (3/ 118)، وأمالي الشجري (1/ 285، 290)، (2/ 348)، وابن يعيش (7/ 134)، (9/ 12). (¬4) ليس في المفصل وانظر المغني (ص 57). (¬5) قال في الكتاب (4/ 235): «وأما «أما» ففيها معنى الجزاء كأنه يقول: عبد الله مهما يكن من أمره فمنطلق، ألا ترى أن الفاء لازمة لها أبدا». (¬6) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 198، وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حيث صلاحية التقدير، لأن «أما» حرف فكيف يكون معناه معنى اسم شرط وفعل شرط؟ ولأن في «يكن» ضميرا يعود على «مهما» لأنها اسم شرط، ولأن جملة الجواب إذا وقعت جوابا لفعل الشرط الكائن أداته اسما وجب أن يكون في جملة الجواب ضمير يعود على اسم الشرط وذلك منتف كلّه في أما» انتهى. وأقول: أما قوله: «لا ينبغي أن ينسب إلى التفصيل، لأنها قد تكون لغير تفصيل»، فيقال فيه: لا شك أن التفصيل هو الغالب والأكثر في استعمالها، ولعلها إنما جاءت في الكتاب العزيز للتفصيل، وكونها في بعض الاستعمالات قد لا تكون للتفصيل لا ينفي عنها ذلك، على أن لقائل أن يقول: لا يبعد أنها في مثل: أما زيد فمنطلق للتفصيل أيضا، وذلك كأن قائل هذا الكلام يأتي به ردّا على من يقول: زيد منطلق، وعمرو منطلق؛ فإذا قال: أما زيد فمنطلق، فالتقدير: أما عمرو فغير منطلق، وهكذا يفهم من قولنا: أما زيد فعالم، أن هذا القول كأنه ردّ على من ادّعى أن زيدا عالم وأن غيره عالم أيضا فيقول الرادّ: أما زيد فعالم فكأنه قال: وأما غير زيد فليس بعالم، فلم تستعمل «أما» لغير تفصيل على هذا. وأما قوله: «إن أما حرف فكيف يكون معناه معنى اسم شرط وفعل شرط؟» فيقال فيه: متى ادّعى المصنف ذلك حتى يناقش فيه؟ وإنما المراد أن الذي يفهم من قولنا: مهما يكن من شيء، يفهم من «أما». ومن ثمّ قالوا: إنها قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط، واعلم أن بعض المغاربة يقول: لو كانت «أما» شرطا لكان ما بعدها متوقفا عليها، وأنت تقول: أما عالما فعالم، فهو عالم ذكرته أنت أو لم تذكره؛ بخلاف إن قام زيد قام عمرو، فقيام «عمرو» متوقف على قيام «زيد». وأجيب عن ذلك بأنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه، كما قال: 4156 - من يك ذا بتّ فهذا بتّي (¬1) - ¬

_ (¬1) هذا بيت من الرجز المشطور بعده: مصيّف مقيّظ مشتي وهو لرؤية في ملحقات ديوانه (ص 189). والبت هو الكساء الغليظ المربع، وقيل: الطيلسان. وقال ابن السيرافي: «البت كساء يعمل من صوف وجمعه بتوت، ويقال لبائع البتوت: بتّات». واستشهد به على أنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه، لأن بته موجود كان لغيره بت أم لم يكن. وانظر الرجز في الكتاب (2/ 84) (هارون) وأمالي الشجري (2/ 255) والإنصاف -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكقول الآخر: 4157 - فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقيّار بها لغريب (¬1) وقول الآخر: 4158 - فإن يك حقّا ما أتاني فإنّهم ... كرام إذا ما النّائبات يترّب (¬2) فـ «بتّه» موجود كان لغيره بتّ أو لم يكن، وهو و «قيار» غريبان كان بالمدينة من أمسى رحله أو لم يكن بها، وكذلك هم كرام كان ما أتاه حقّا أو لم يكن، لكن يخرّج ذلك على إقامة السبب مقام المسبب؛ لأن المعنى: من يك ذا بت فأنا لا أحسده، وسبب ذلك أن لي بتّا، وكذا إن يكن أحد من أهل المدينة فإني لا أغبطه لأني غريب، وكذلك فإن يك حقّا ما أتاني فإنهم صبر لأنهم كرام، وقولهم: أما عالما فعالم، فالمعنى: مهما تذكره عالما فذكرك حق لأنه عالم. ثم إن المصنف رتّب على كون «أما» مؤولة بأداة الشرط لزوم الإتيان بـ «فاء» بعدها بقوله فلذا تلزم الفاء. لكن لا بد أن يفصل بين «أما» و «الفاء» بجزء؛ ومن ثمّ قال: بعد ما يليها. [5/ 200] ولا شك أنهم لما أنابوا «أما» مناب أداة الشرط، وفعله، وليت «الفاء» الواقعة في الجواب «أما» وأداة الجزاء لا تلي أداة الشرط، فلزم أن يولوا «أما» شيئا من أجزاء الكلام الواقع جزاء ليكون بين أداة الشرط وما صدر به الجزاء فاصل يحصل به إصلاح اللغة. قال الشيخ (¬3): «وهذه الفاء جاءت في اللفظ خارجة عن قيامها، لأنها لم تجئ رابطة بين جملتين ولا عاطفة مفردا على مثله» انتهى. والحق أن «الفاء» رابطة بين جملتين وهي جملة الشرط التي قامت «أما» مقامها، والجملة الواقعة جزاء، وإنما قدّم على «الفاء» جزء منها؛ كي يزول القبح اللفظي لو لم يقدم شيء، وهو أن يلي الجزاء أداة الشرط. - ¬

_ - (ص 725) وابن يعيش (1/ 199). (¬1) البيت من بحر الطويل قاله ضابئ البرجمي لما حبسه عثمان لهجائه بني نهشل. والشاهد فيه هنا: على أنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه، وهو في الإنصاف (ص 94) والخزانة (4/ 81). (¬2) البيت من الطويل، واستشهد به على أنه قد يجيء الشرط على ما ظاهره عدم التوقف عليه. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 198.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال الشيخ (¬1): «وتعليل المصنف للزوم الفاء بتأويلها بـ «مهما يكن» ليس بجيد، لأن جواب «مهما يكن» لا يلزم الفاء إذا كان صالحا لأداة الشرط، والفاء لازمة بعد «أما» كان ما دخلت عليه صالحا لأداة الشرط أو لم يكن، ألا ترى أنه يجوز أن يقول: مهما يكن من شيء لم أبال به ويمتنع ذلك في «أما»؛ بل يجب ذكر «الفاء» فتقول: أما كذا فلم أبال به، فدلّ ذلك على أن دخول الفاء ووجوبها ليس بداخل إن أوّلت بمهما يكن» انتهى. ولك أن تقول: الفاء هي التي دلت على أن «أما» مؤولة بـ «مهما يكن» إذ لولا هي لم يعلم أن «أما» أريد بها ما يراد بـ «مهما يكن»؛ لأن النحاة إنما دلّهم على أنها شرط لزوم «الفاء» بعدها، وإذا كذلك كان ذكرها لازما، فقول المصنف: فلذا تلزم الفاء - تعليل لكونها حرفا مؤولا بـ «مهما يكن» لا تعليل لكونها بمعنى «مهما يكن» فيلزمه ما ذكره الشيخ. وأما قول المصنف: ولا يليها فعل - فقد تقدم قوله في شرح الكافية: «ولا يليها فعل لأنها قائمة مقام حرف شرط وفعل شرط، فلو وليها فعل لتوهم أنه فعل شرط» إلى آخر ما ذكره. وأما قوله: بل معموله أو معمول ما أشبهه أو خبر أو مخبر عنه أو أداة شرط - فإشارة إلى الجزء الذي يجب الفصل به بين «أما» وجوابها، وقد ذكر خمسة أشياء، وهي بالحقيقة أربعة، فإن معمول ما أشبه الفعل لا فرق بينه وبين معمول الفعل إذ المعمول يشملهما، فمثال معمول الفعل قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (¬2) إلى آخر الآيات الشريفة (¬3)، ومثال معمول ما أشبهه قول العرب: أما العسل فأنا شرّاب (¬4)، ومثال الخبر: أما في الدار فزيد، ومثال المخبر عنه: أما زيد فمنطلق، ومثال أداة الشرط قوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ (¬5) إلى آخر الآيات الشريفة (¬6). - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) سورة الضحى: 9. (¬3) يعني الآية 10، والآية 11 من سورة الضحى. (¬4) انظر الكتاب (1/ 111) (هارون). (¬5) سورة الواقعة: 88، 89. (¬6) يعني الآيات: 90، 91، 92، 93 من سورة الواقعة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليعلم أن قول المصنف: بل معموله - أراد به نحو: أما زيدا فاضرب، كما تقدم (¬1)، ويدخل تحت عبارته أمران آخران وهما: نحو: أما زيدا فاضربه، وهو ما إذا كان الفاصل معمولا لفعل يفسره الفعل المذكور بعد الفاء، ونحو: أما اليوم فزيد ذاهب وأما في الدار فزيد جالس، وهو ما إذا كان المعمول ظرفا أو شبهه، وإذا كان هذان الأمران تشملهما عبارته، فلا حاجة إلى أن يفردا بالذكر، وتجعل أقسام الفاصل الذي يجب الفصل به بين «أما» وجوابها ستة، لكن العامل الذي في نحو: أما زيدا فاضربه، أن ما يقدر بعد «الفاء» قبل الذي هي داخلة عليه ولا يقدر قبلها؛ لأن «أما» نائبة عن الفعل، فكان الفعل مذكورا، وفعل لا يلي فعلا. ثم ليعلم أن العامل في الظرف وشبهه في نحو: أما اليوم فزيد ذاهب وأما في الدار فزيد جالس، يجوز أن يكون «أما» نفسها لما فيها من معنى الفعل الذي هي نائبة عنه؛ لأن الظروف تعمل فيها روائح الأفعال، ويجوز أن يكون العامل الفعل المحذوف الذي نابت «أما» عنه. قال الشيخ (¬2): «وفي قول المصنف: إنها لا يليها إلا معمول فعل أو معمول ما أشبهه أو خبر أو مخبر عنه أو شرط، دليل على أنه لا يليها غير ما ذكر، وليس الأمر كذلك بل يليها الجار والمجرور والظرف والمفعول والحال، وتكون هذه الأشياء معمولة لها بما تضمنته من فعل الشرط ويتعلق المجرور بها، هذا مذهب سيبويه (¬3) والمازني (¬4) والزجاج وابن السراج والجماعة، قال: وفي بعض شروح «الكتاب» أن ابن خروف أجاز أن يلي «أما» المفعول له وتكون عاملة فيه، وذلك لا يجوز، وما سوى الظرف والمجرور والحال لا تعمل فيه «أما» بما فيها من معنى الفعل لأن الأسماء الصريحة لا تعمل فيها المعاني، وأجاز ذلك الكوفيون (¬5)، والصحيح عدم الجواز» انتهى. وليس في كلام المصنف ما يدفع أن «أما» لا يليها الجار والمجرور والظرف والمفعول له والحال؛ بل كلامه يتضمن أن كل ذلك يليها لأنها كلها داخلة تحت - ¬

_ (¬1) أي من قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 199. (¬3) انظر الكتاب (1/ 388)، (3/ 139) (هارون). (¬4) انظر المغني (58). (¬5) انظر الهمع (2/ 68).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: «معمول فعل»؛ لأنه أطلق المعمول ولم يقيده بالصراحة، فشملت عبارته المعمولات كلها صريحة كانت أو غير صريحة، ولكنه لم يذكر أن العامل فيها يجوز أن يكون «أما» لما فيها من معنى الفعل، واقتصر على ذكر أن العامل هو الفعل الذي بعد «الفاء» أو شبهه، والشيخ أفاد كلامه أن «أما» يجوز أن تكون هي العاملة في المذكورات أيضا، وربما يستفاد ذلك من كلام المصنف أيضا حيث ذكر مسألة «أمّا علما فعالم» في باب «الحال». وأما قوله - أعني المصنف - يغني عن جوابها جواب أمّا - فمراده بذلك: أن جواب «أمّا» أغنى عن جواب أداة الشرط، وقد تقدم إيراد كلامه في شرح الكافية على المسألة المذكورة. قال الشيخ (¬1): «هذه المسألة فيها خلاف، والصحيح أن أداة الشرط جوابها محذوف لدلالة جواب أمّا عليه، ولذلك لزم أن يكون فعل الشرط بعد «إن» ماضيا ولا يلزم مضيّه إلا عند حذف الجواب، قال: كأنه قيل: مهما يكن من شيء فروح وريحان إن [5/ 201] كان من المقربين، فالفاء جواب الشرط الذي تقدم وجواب «إن» محذوف. وهذا مذهب سيبويه (¬2)، وزعم الأخفش (¬3) أن الجواب المذكور لأمّا والشرط معا، فالأصل عنده: مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح، ثم أنيبت «أما» مناب «مهما» والفعل الذي بعدها فصار: أما فإن كان من المقربين فروح، ثم قدمت «إن» والفعل الذي بعدها، فصار: أما إن كان من المقربين ففروح، فالتقت الفاءان، فأنيبت إحداهما عن الأخرى فصار: فروح، قال (¬4): وهذه كلها تقادير عجيبة ومع ذلك هي باطلة، وقد أبطل أبو علي ظاهر كلام الأخفش بأن «أما» بعد الفاء تكون جوابا لشيئين، وتأوّل كلامه على أنها لما كانت جوابا لأحدهما وأنيبت عن الثاني صارت كأنها جوابا لهما، قال (¬5): واضطرب فيها قول أبي علي (¬6)، فمرة قال: لا يفصل في أمّا إلا بمفرد، فالفاء جواب إن وجواب أمّا - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 198، 199. (¬2) انظر الكتاب (3/ 79)، شرح الكافية للرضي (2/ 396، 397) والبحر المحيط (8/ 216). (¬3) انظر البحر المحيط (8/ 216). (¬4)، (¬5) أي الشيخ أو حيان. (¬6) انظر البحر المحيط (8/ 216).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ محذوف، وهذا لا يصح؛ لأنه متى اجتمع طالبا جواب كان الجواب للأول منهما، ومرة قال بقول سيبويه، وقال: الجملة إذا لم تستقل صارت بمنزلة مفرد. قال الشيخ (¬1): وهذا هو الصحيح، فإذن في المسألة ثلاثة مذاهب: مذهب سيبويه، ومذهب الأخفش ومذهب أبي علي في أحد قوليه» انتهى. وأقول: إن الكلام قد تقدم على هذه المسألة عند الكلام على اجتماع الشرطين، وتقدم ذكر أن من الناس من أخرج المسألة من هذا الباب - أعني اجتماع الشرطين - وذلك أن التقدير: مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين فروح، فتكون الجملة الشرطية وجوابها جواب «أما». وتقدم أيضا هناك بحث، وهو أن «أما» إذا قرن بها أداة شرط فتجرد هي عن معنى الشرط وتتمحض لأن تكون للتفصيل لا غير، وحاصل الأمر: أن ما تقدم فيه غنية فلا حاجة إلى التطويل بإعادته. وأما قوله: ولا تفصل الفاء بجملة تامّة، فقال الشيخ (¬2): «كان ينبغي أن يقيد هذا بأن لا تكون الجملة دعاء، فإن كانت دعاء جاز ذلك بشرط أن يفصل بين «أما» وجملة الدعاء بمعمول «أما» نحو: أما اليوم رحمك الله فلأصنعن كذا، أو بمعمول جوابها نحو: أما زيدا رحمك الله فاضرب، فلو فصلت بجملة الدعاء بينها وبين فصلها اللازم، نحو: أما رحمك الله زيدا فاضرب، لم يجز». انتهى. ولا يخفى أن جملة الدعاء من الجمل التي يعترض بها، والفصل بجملة الاعتراض سائغ حتى بين الموصول وصلته التي هي من تمامه، فكيف لا يجوز في غير ذلك؟ وأما قوله: ولا تحذف في السّعة إلّا مع قول يغني عنه محكيّه - فقد تقدم الكلام فيه، وهذه المسألة قد سبق ذكرها في آخر باب «المبتدأ» لما ذكر دخول «الفاء» على الخبر. وأما قوله: ولا يمتنع أن يلي أمّا معمول خبر إنّ؛ خلافا للمازني - فأشار به إلى - أن نحو قولك: أما زيدا فإني ضارب - جائز. ¬

_ (¬1)، (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 199.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «وهذه المسألة فيها خلاف كما ذكر، فمذهب سيبويه وأبي عثمان (¬2) أنك تعتبر ما يجوز من ذلك وما يمتنع بأن تسقط أما والفاء، فحيث جاز تقديم المعمول قدمته، وحيث امتنع ذلك منعته، وهذه المسألة: لو طرحت أما والفاء، فقلت: زيدا إني ضارب، لم يجز، فكذلك إذا ذكرتهما، ولو قلت: أما زيدا فضربت، وطرحت أما والفاء فقلت: زيدا ضربت لجاز ذلك، فكذلك إذا أدخلتهما. فبهذا يعتبر سيبويه والمازني مسائل أما. ولذلك احتج سيبويه (¬3) على تقديم معمول فعّال بقولهم: أما العسل فأنا شرّاب، ورد على الخليل أن «لن» أصلها: لا أن، بقولهم: أما زيدا فلن أضرب (¬4). وقال سيبويه (¬5): وسألته عن قولهم: أما حقّا فإنك ذاهب، فقال: هذا جيد، وهذا الموضع من مواضع إنّ، ألا ترى أنك تقول: أما يوم الجمعة فإنك ذاهب، وأما فيها فإنّك قائم، ثم قال (¬6): وإنما جاز هذا في أما لأن فيها معنى مهما يكن من شيء يوم الجمعة فإنك ذاهب، فهذا تفسير أنّ أمّا تعمل لما فيها من معنى الفعل، ومعاني الأفعال تعمل في الظروف والحال والمفعول له، كما قدمنا» انتهى. وليعلم أن «حقّا» منصوب على الظرف (¬7) - أعني ظرف الزمان - والتقدير: أما في حق فإنك ذاهب، ولهذا قبح أن تعمل فيه «أما» لما فيها من معنى الفعل، ويدلك على أنه ظرف تسوية الخليل (¬8) بينها وبين: أما يوم الجمعة فإنك ذاهب وأما فيها فإنّك قائم. ثم قال الشيخ (¬9): «وتخصيص المصنف منع: أما زيدا فإني ضارب بالمازني. وقد سبق إلى ذلك سيبويه إما جهل منه أن سيبويه منع ذلك، وإما استحياء أن يخالف سيبويه، قال (¬10): وقد جهل كثيرا من مذاهبه، ورد عليه مواضع على زعمه، فهلا استحيا منه!! - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 199. (¬2) يعني المازني، وانظر الهمع (2/ 68). (¬3) انظر الكتاب (1/ 111) (هارون). (¬4) انظر الكتاب (3/ 5). (¬5) انظر الكتاب (3/ 137). (¬6) أي سيبويه. (¬7) انظر المغني (ص 55). (¬8) انظر الكتاب (3/ 137). (¬9) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 199، 200. (¬10) أي الشيخ أبو حيان.

[أحكام أخرى لأما]

[أحكام أخرى لأما] قال ابن مالك: (وقد تبدل ميمها الأولى ياء، وقد يليها مصدر متلوّ بما اشتمل على مثله أو مشتقّ منه، فينصبه الحجازيّون مطلقا ويرفعه التّميميّون معرفة وينصبونه نكرة، وقد يرفعونه، والنّصب على تقدير: إذ ذكرت، والرّفع على تقدير: إذ ذكر، واستعمال العلم بالوجهين موضع هذا المصدر جائز على رأي). ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب المبرد وابن درستويه (¬1) إلى أن ما بعد «إنّ» يعمل فيما قبلها مع «أمّا» خاصّة وهو الذي اختاره المصنف، واحتجّا بأنه لما لزم الفصل بين «أمّا» و «الفاء» أوقعوا الفصول بينهما ما لا يتقدم في غير هذا الموضع لضرورة الفصل، كما أعملوا ما بعد الفاء فيما قبلها معها دون غيرها، نحو: أما زيدا فضربت، ولا يقولون: إن أقم زيدا فاضرب، فكذلك يجوز: أما زيدا فإني ضارب؟ وذهب الفراء إلى إجازة ما أجازه المبرد وابن درستويه مع «إنّ» وزاد أن أجاز ذلك في: ليت ولعلّ، وكل ما يدخل على المبتدأ نحو: أما زيدا فليتني ضارب، وأما عمرا فلعلي ضارب، واحتجّ على ذلك بأن باب الفاء للاستئناف، فهي سوّغت الابتداء وهذه إنما دخلت على الابتداء فلم يعتدّ بها، ولذلك أجاز الفراء النصب في نحو: أما زيدا فلأضربنّه (¬2). قال (¬3): والرفع في هذا كله الوجه والقياس، وما ذهب إليه المبرد وابن درستويه والفراء غير صحيح، ولم يرد به سماع ولا يقتضيه قياس صحيح، بل القياس مذهب سيبويه [5/ 202] وقد رجع إليه المبرد فيما حكى، قال: وقال الزجاج (¬4): رجوعه مكتوب عندي بخطه، فصار المنع إجماعا من البصريين». قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬5): «ثبت هذا الكلام بجملته في نسخة الشيخ بهاء الدين الرقي المقروءة على المصنف والتي عليها خطه، وسقط من بعض النسخ، ووجه سقوطه أنه قد ذكر أكثرها في باب «الحال» وشرح ذلك هناك شرحا شافيا، - ¬

_ (¬1) انظر المقتضب (2/ 352، 353) والهمع (2/ 68). (¬2) انظر الهمع: (2/ 68). (¬3) أي الشيخ أبو حيان. (¬4) انظر الهمع (2/ 68). (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 200.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال (¬1): ونحن نشرح ما يجب هنا شرحا لطيفا، فقوله: وقد تبدل ميمها الأولى ياء، أي: يقال: أيما زيد فمنطلق وقال الشاعر: 4159 - رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت ... فيضحى وأيما بالعشيّ فيخصر (¬2) وأنشد الفراء: 4160 - أيما وشاحها فيجزى وأي ... ما العجز منّها فلا يجزى (¬3) وقوله: بما اشتمل عليه، مثاله: أما علما فذو علم، وقوله: أو مشتق منه، مثاله: أما علما فعالم، وقوله: فينصبه الحجازيون مطلقا، مخالف لما ذكره في باب «الحال»، فإنه ذكر عن الحجازيين في المعرف نحو رفع ونصب، وذكر في الشرح عنهم أنهم يلتزمون نصب المنكر، وقوله: ويرفعه التميميون معرفة وينصبونه نكرة، وقد يرفعونه أي: النكرة، وهذا موافق لما في باب «الحال» فإنه قال فيه (¬4): وترفع تميم المصدر التّالي أمّا في التّنكير جوازا مرجوحا وفي التّعريف وجوبا. وقوله: والنصب على تقدير: إذ ذكرت، والرفع على تقدير: إذ ذكر، قد ذكر هو في باب «الحال» أن النصب عند سيبويه هو على أنه مفعول له، وأنه مفعول مطلق عند الأخفش (¬5)، وذكر في الشرح هذين المذهبين، وذكر هذا المذهب الثالث عن بعض النحويين ولم يسمه واختاره ورجّحه بما يوقف عليه من كلامه في الشرح، وهذا الرأي هو رأي الكوفيين نقله عنهم ابن هشام الخضراوي، يحملون الباب كله على تقدير فعل لا يظهر مع أما كما لا يظهر الفعل في قول العرب: أما - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. (¬2) البيت من الطويل وقائله عمر بن أبي ربيعة في ديوانه (ص 64). الشرح: قوله عارضت يروى بدله «أعرضت» ومعارضة الشمس: ارتفاعها حتى تصير في حيال الرأس، وقيل: عارضت: صارت قبالة العيون في القبلة، ويضحي يبرز ويخصر: يبرد، يقال: خصر الرجل: إذا آلمه البرد في أطرافه. يقول: إن هذا الرجل يضحى وقت معارضة الشمس إياه ويخصر بالعشي فهو أخو سفر يصلى الحر والبرد بلا ساتر. والشاهد فيه قوله: «أيما» حيث أبدلت ميم «أما» الأولى ياء. والبيت في معاني الفراء (2/ 194) والكامل (1/ 172) والمحتسب (1/ 284)، والمغني (ص 56). (¬3) البيت من السريع. وقوله «العجز» رواية التذييل: العجن. واستشهد به على إبدال ميم «أما» الأولى «ياء» في قوله: «أيما». (¬4) التسهيل (ص 109) وانظر باب الحال في هذا الكتاب. (¬5) التسهيل (ص 109).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أنت منطلقا انطلقت معك، يقولون في قول العرب: أما علما فعالم وأما سمنا فسمين، كأنه قال: مهما تذكر علما أو سمنا» انتهى. وقال بعض العلماء (¬1): «وقد سمع: أما العبيد فذو عبيد بالنصب، وأما قريشا فأنا أفضلها، قال: وذلك يدل على أنه لا يلزم أن يقدر: مهما يكن من شيء بل يجوز أن يقدر غيره مما يليق بالمحل، إذ التقدير هنا: مهما ذكرت، وعلى ذلك يخرّج قولهم: أما العلم فعالم وأما علما فعالم، قال: وهو أحسن مما قيل: إنه مفعول مطلق لما بعد الفاء (¬2) أو مفعول لأجله إن كان معرفا (¬3)، أو حال إن كان منكرا (¬4)، وعلى أن «أما» ليست العاملة؛ إذ لا يعمل الحرف في المفعول به، وعلى أنه يجوز: أما زيدا فإني أكرم، على تقدير العمل للمحذوف» انتهى. وهذا الذي ذكره فيه جنوح إلى مذهب الكوفيين في مثل هذا التركيب. وأما قول المصنف: واستعمال العلم بالوجهين موضع هذا المصدر جائز على رأي، فقال الشيخ (¬5): «هذا رأي الكوفيين أجازوا أن يأتي بعد «أما» العلم وغيره من المعارف، وحكوا من كلام العرب: أمّا البصرة فلا بصرة لك، وأمّا أباك فلا أب لك، ويجيزون: أما العبيد فلا عبيد لك يريد عبيدا بأعيانهم، ولا يجوز النصب في شيء من هذا عند سيبويه (¬6)، فإن صح ما حكوا فالقول قولهم إن النصب بإضمار فعل ولم يسمعه سيبويه». انتهى. وهذا الذي قاله الشيخ من أنه إن صحّ ما حكوا فالقول قولهم إن النصب بإضمار فعل ولم يسمعه سيبويه، إنصاف وحقّ. ثم إن الشيخ ذكر (¬7) بعد ذلك عن صاحب «البسيط» كلاما في «أمّا» وأطال فيه، فأضربت عن ذكره لأن الذي تقدّم فيه غنية. ¬

_ (¬1) انظر المغني (58، 59). (¬2) هو مذهب الأخفش. انظر التسهيل (ص 109). (¬3) نسبه في التسهيل (ص 109) إلى سيبويه وانظر الكتاب (1/ 385) (هارون). (¬4) هو مذهب الأخفش أيضا. انظر التسهيل (109). (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 200. (¬6) انظر الكتاب (1/ 387 - 390) (هارون). (¬7) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 200، 201.

[أقل رجل يقول ذلك وأحكام هذه الجملة]

[أقل رجل يقول ذلك وأحكام هذه الجملة] قال ابن مالك: (فصل؛ قد يقوم مقام ما يفعل «أقلّ» ملازما للابتداء والإضافة إلى نكرة موصوفة بصفة مغنية عن الخبر لازم كونها فعلا أو ظرفا، وقد تجعل خبرا، ولا بدّ من مطابقة فاعلها للنّكرة المضاف إليها). قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬1): «أجرت العرب «أقلّ» مجرى «قلّ رجل» فلذلك لا تدخل عليه العوامل، ووضعته العرب في أحد محمليه موضع النفي، لأن القليل أقرب شيء إلى النفي كما أن الكثير أبعد شيء منه، ولزمت الابتداء فوقعت صدرا إذ جعلت نائبة عن النفي، والنفي له صدر الكلام، ولو قلت: كان أقل رجل يقول ذلك لم يجز إلا على إضمار الشأن في «كان» ولإجرائها مجرى النفي قالوا: أقلّ رجل يقول ذلك إلا زيد. قال سيبويه (¬2): لأنه صار في معنى: ما أحد فيها إلا زيد. وإنما لزم إضافته إلى نكرة لأنه في سياق النفي يعمّ، والمعنى على النفي؛ فإذا قلت: أقلّ رجل يقول ذلك فمعناه: ما أحد يقول ذلك. وقوله نكرة أعم من أن يكون مما يجوز أن تدخل عليه «أل» نحو: رجل، أو لا تدخل عليه نحو: أقل من يقول ذلك. قال سيبويه (¬3): حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة كما قال: 4161 - ربّما تكره النّفوس من الأم ... ر له فرجة كحلّ العقال (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 201، 202. (¬2) انظر الكتاب (2/ 314) (هارون). (¬3) انظر الكتاب (2/ 315) (هارون). (¬4) البيت من الخفيف وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه (ص 50). الشرح: الفرجة بالفتح: الانفراج وقيل: الفرجة بالفتح في الأمر، وبالضم فيما يرى من الحائط ونحوه، والعقال هو القيد، وقيل: هو الحبل الذي يعقل به البعير. والمعنى: رب شيء تكرهه النفوس من الأمر له انفراج سهل سريع كحل عقال الدابة. والشاهد فيه: أن دخول «رب» على «ما» دليل على قابليتها للتنكير؛ لأن «رب» لا تدخل إلا على نكرة. والبيت في المقتضب (1/ 180)، وابن يعيش (8/ 30) والعيني (1/ 484).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: أن «ربّ» دخلت على «ما» وهي لا تدخل إلا على نكرة، فتنكيرها كتنكير «من» وقد دخلت «ربّ» أيضا على «من»، قال: 4162 - ربّ من أنضجت غيظا صدره (¬1) وقوله: موصوفة بصفة مغنية عن الخبر: إذا قلت: أقلّ رجل يقول ذلك فـ «أقل» مبتدأ كما تقدم، واختلف في الجملة الواقعة بعده: هل هي في موضع الخبر أو في موضع صفة تغني عن الخبر [5/ 203] ويكون الخبر محذوفا؟ فمنهم من قال: هي في موضع الخبر؛ لأن المبتدأ لا بد له من خبر وليس هنا شيء يصلح للخبر غير هذه الجملة، وكأنه قال: ما رجل يفعل ذلك، وأنت لو قلت: ما رجل يفعل ذلك، لكان «يفعل ذلك» في موضع الخبر، فكذلك هذا. فموضعه على هذا رفع على أصل وضع الكلام؛ إذ المبتدأ لا بد له من خبر وإلى هذا ذهب الأخفش. وقال بعضهم: الجملة صفة وهي في موضع جر، والدليل على ذلك جريان هذا الفعل مطابقا للمجرور، فتقول: أقل امرأة تقول ذلك، وأقل امرأتين تقولان ذلك، أقل نساء يقلن ذلك، وأقل رجل يقول ذلك، وأقل رجلين يقولان ذلك، وأقل رجال يقولون ذلك، فتطابق الجملة المجرور، ولو كانت خبرا لطابقت المبتدأ الذي هو «أقل» فكنت تقول: أقل رجال يقول ذلك، وعزي هذا المذهب إلى الأخفش أيضا. فإن قلت: قد زعمت أن «أقل» يجب أن يكون مبتدأ ولا تدخل عليه - ¬

_ (¬1) هذا صدر بيت من الرمل وعجزه: قد تمنّى لي موتا لم يطع وهو لسويد بن كاهل البشكري. الشرح قوله أنضجت هو من إنضاج اللحم: جعله بالطبخ مستويا يمكن أكله ويحسن، وهو هنا كناية عن نهاية الكمد الحاصل للقلي. والشاهد فيه: أن «رب» دخلت على «من» وهو دليل على قابليتها للتنكير؛ لأن «رب» لا تدخل إلا على نكرة. والبيت في أمالي الشجري (2/ 169)، والمغني (ص 328) وشرح شواهده (ص 740) والدرر (1/ 69)، (2/ 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النواسخ فكيف أورده سيبويه في باب «الاشتغال» في قوله (¬1): «هذا باب ما يجري مما يكون ظرفا هذا المجرى وذلك: يوم الجمعة ألقاك فيه، وأقلّ يوم لا أصوم فيه، وخطيئة يوم لا أصيبه، ومكانكم قمت فيه، فصارت هذه الأحرف ترتفع بالابتداء كارتفاع عبد الله وصار ما بعدها مبنيّا عليها كبناء الفعل على الاسم الأول». ثم قال بعد ذلك (¬2): «ويدخل النصب كما دخل في الاسم، ويجوز في ذلك: يوم الجمعة ألقاك فيه وأصوم فيه كما جاز في قولك: عبد الله مررت به». فدل كلام سيبويه هذا على أمرين: أحدهما: أنه لا يلتزم فيه الابتداء. والثاني: أن الجملة في موضع الخبر لا في موضع الصفة، لأن الصفة لا تفسر عاملا!! فالجواب: أن الذي يتكلم فيه غير الذي ذهب إليه سيبويه، لأن الذي ذكره سيبويه لم يرد به النفي المحض إنما أريد به الأقل المقابل للأكثر فعرض الإلباس والإشكال من حيث الاشتراك. ألا ترى أن القائل: أقلّ يوم لا أصوم فيه لا يمكن حمله على النفي المحض؛ لأنه إذ ذاك يصير المعنى: ما يوم من الأيام ينتفي عنه فيه الصوم، وقد علم ضرورة أنه لا يصوم أيام الأعياد، وإنما مراد المتكلم أنه قليل من الأيام ينتفي عنه فيها الصوم، يريد أنه يكثر الصوم ولا يعني أنه يديمه سرمدا من غير تخلل إفطار. انتهى. وقد عرف من قول المصنف: قد يقوم مقام ما يفعل أقلّ، أن «أقل» قد لا يراد به النفي وإنما يراد به الأقلية المقابلة للأكثرية، وإتيان المصنف بكلمة «قد» يدل على أن إرادة النفي به أقل من أن يراد به غير ذلك. وحاصل الأمر: أن «أقل» لها محملان: أحدهما: أن تكون «أفعل» تفضيل فلا نفي، ثانيهما: أن يراد به النفي المحض. ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (1/ 84) (هارون). (¬2) انظر الكتاب (1/ 85) (هارون) وقد نقله عنه بتصرف.

[قلما وقليل وحديث عنهما]

[قلّما وقليل وحديث عنهما] قال ابن مالك: (ويساوي «أقلّ» المذكور «قلّ» رافعا مثل المجرور، ويتّصل بـ «قلّ» ما كافّة عن طلب فاعل فيلزم في غير ضرورة مباشرتها الأفعال، وقد يراد بها حينئذ التّقليل حقيقة، وقد يدلّ على النّفي بـ «قليل» و «قليلة»). قال ناظر الجيش: يريد أن الفاعل الذي تسند «قلّ» إليه يكون مثل المجرور أي الذي جرّ بـ «أقل» فـ «اللام» في «المجرور» للعهد، وإذا كان مثله فيتعين أن يكون نكرة موصوفة بصفة لازم كونها فعلا أو ظرفا يراد به في أحد محمليه نفي العموم، وذلك نحو: قلّ رجل يقول ذلك، وقلّ رجل في الدّار، وقلّ رجل عندك، المعنى: ما رجل يقول ذلك، وما رجل في الدار، وما رجل عندك. ونبه بقوله: ويتّصل بقلّ ما كافة عن طلب فاعل - على أن «قل» حينئذ تجري مجرى حرف النفي، فلا يكون لها فاعل، ولما أجريت مجرى النفي وليها الأفعال في الكلام الفصيح، فيقال: قلّما يقوم زيد في معنى: ما يقوم زيد، ولا يليها الاسم إلا في الضرورة، كقول الشاعر: 4163 - صددت فأطولت الصّدود وقلّما ... وصال على طول الصّدود يدوم (¬1) ويفهم من قول المصنف: إنّ ما كافّة لقلّ عن طلب فاعل - أن الاسم الذي وليها في هذا البيت لا يكون فاعلا، ولم يعلم من كلامه ما هو الرافع لذلك الاسم الواقع بعدها؟ وللنحاة فيه تخريجان (¬2): أحدهما: أنه مرفوع بـ «يدوم» فالنية به التأخير ولكن قدّم ضرورة. ثانيهما: أنه فاعل بفعل مضمر يفسره ما بعده، التقدير: وقلما يدوم وصال على طول الصدود يدوم. - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه (ص 207). والشاهد فيه قوله: «وقلما وصال» حيث ولي «قلما» الاسم ضرورة لأنه إذا اتصل بـ «قل» ما تجري مجرى النفي فيليها الأفعال في الكلام الفصيح. وانظر البيت في الكتاب (1/ 31) (هارون)، (3/ 115)، والمنصف (1/ 191، 2/ 69)، والمحتسب (1/ 96) وأمالي الشجري (2/ 139، 244) والإنصاف (ص 144). (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 202.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا التخريج أولى بل هو المتعين، لأن الفاعل لا يتقدم على عامله لا في ضرورة ولا غيرها عند البصريين (¬1)، وحكم الشيخ (¬2) بأن التخريج الأول هو الذي يطابق كلام المصنف لقوله: فيلزم في غير ضرورة مباشرتها الأفعال - فتكون في الضرورة لا تباشر الأفعال، وإذا قدرت فعلا رافعا لـ «وصال» تكون «قلما» قد باشرت الفعل. وأقول: يمكن أن المصنف يريد أنها تباشر الأفعال لفظا لا تقديرا، وإذا كان «وصال» في البيت مرفوعا بفعل مقدر، انتفت المباشرة اللفظية فعدّ لذلك من الضرورات. وقول المصنف: وقد يراد بها حينئذ التّقليل حقيقة - يعني حين مساواتها لـ «أقل» لأن «أقل» لها محملان كما تقدم، أحدهما: أن تكون أفعل تفضيل فلا تدل على النفي، والثاني: أن يراد بها النفي المحض، و «قل» لها محملان أيضا فكما كانت للنفي تكون للتقليل، فلما ذكر أنها تساوي «أقل» المراد به النفي ذكر أنها قد يراد بها التقليل. هذا ما يتضمنه كلام الشيخ في شرح هذا الموضع (¬3). وربما يقال: إن مراد المصنف بقوله: حينئذ حين يتصل بها «ما» أي أن «قلّما» قد يراد بها النفي وقد يراد بها التقليل. وأما قوله: حقيقة - ففسره الشيخ (¬4) بأنه يعني بذلك أن أصل «قل» أن لا تكون للنفي بل تدل على نزارة الشيء وقلّته [5/ 204] دون نفيه. وقال الشيخ (¬5) في قول المصنف: ويتصل بقلّ ما كافة: «إنما قال: كافة احترازا من اتصال «ما» المصدرية بها، فإنها تتصل بها وينسبك منها مع الفعل الذي بعدها مصدر هو فاعل «قل»، فتقول: قلما أضرب زيدا في معنى: قلّ ضربي زيدا» انتهى. ولم أتحقق ما قاله؛ فإن «قلما» التي يتكلم المصنف عليها إنما هي الكلمة التي يراد بها النفي؛ فـ «ما» المتصلة بها كافّة قطعا، والتي ذكرها الشيخ إنما هي الكلمة - ¬

_ (¬1) انظر أوضح المسالك (1/ 337: 339). (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 202. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 203. (¬4) المرجع السابق. (¬5) انظر التذييل.

[سرد لبعض الأفعال الجامدة]

[سرد لبعض الأفعال الجامدة] قال ابن مالك: (فصل؛ منعت التّصرف أفعال منها المثبتة في نواسخ الابتداء، وباب «الاستثناء» و «التّعجّب» وما يليه، ومنها «قلّ» النّافية، و «تبارك» و «سقط في يده» و «هدّك من رجل» و «عمّرتك الله» و «كذب» في الإغراء، و «ينبغي» و «يهيط» و «أهلمّ» و «أهاء وأهاء» بمعنى آخذ، وأعطي، و «هلمّ» التّميميّة، و «هأ» و «هاء» بمعنى خذ، و «عم صباحا» و «تعلّم» بمعنى اعلم). ـــــــــــــــــــــــــــــ التي يراد بها التقليل، ولهذا جاز أن تكون «ما» المتصلة بها مصدريّة. وأما قول المصنف: وقد يدل على النّفي بقليل وقليلة - فمثال ذلك: قليل من الرجال يقول ذلك، وقليلة من النساء تقول ذلك، فهذا قد يراد به النفي أي: ما يقول ذلك رجل، وما تقول ذلك امرأة. قال ناظر الجيش: المراد بعدم تصرف الفعل: لزومه صيغة واحدة، وذلك بأن لا تختلف أبنيته لاختلاف الزمان. وأشار إلى أن من الأفعال العادمة التصرف ما تقدم له ذكره في أربعة الأبواب، أما ما بيّن في نواسخ الابتداء فهو المذكور في باب «كان» وهو: ليس ودام، وفي باب «أفعال المقاربة» وفي باب «الأفعال الناصبة المبتدأ والخبر مفعولين» وهو: تعلّم وهب، وأما المبين في باب الاستثناء فهو: عدا وخلا وحاشى ولا يكون، وأما المبين في باب «التعجب» فهو: الصيغ التي هي مستعملة في التعجب، وأما المبين في الباب الذي يليه وهو باب «أفعال المدح والذم» فهو: نعم وبئس وحبذا وما ذكر معها. ثم أشار إلى بقية الأفعال غير المتصرفة التي لا تختص بباب من الأبواب وجملتها: خمسة عشر فعلا: الأول منها: «قلّ»: وقد تقدم ذكرها، وتقييدها بالنافية احتراز من الدالة على القلة المقابلة للكثرة فإنها تتصرف، يقال: قلّ ودّ فلان وقلّ ماله ويقلّ ودّه ويقلّ ماله. والثاني: «تبارك» قال الله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ (¬1) وقال الله - ¬

_ (¬1) سورة الملك: 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (¬1) قيل: وهو مشتق من البركة، وهو غير متعدّ، وأما «بارك» فقد عدي بـ «في» نحو: بارك الله فيك، وب «على» نحو: وبارك على محمد، وبنفسه، قال الله تعالى: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها (¬2) وهو متصرف، يقال: تبارك الله فيك. والثالث: سقط في يده: وهي كلمة تقال في معنى الندم والتّخلي عما كان يتعلق به، وأصل «سقط» بمعنى وقع: التّصرّف وعدم التّعدّي، ثم إنه لما خرج عن أصل وضعه واستعمل مجازا في المعنى الذي ذكر، أشبه الحرف فمنع التصرف، وبني لما لم يسم فاعله، وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل. والرابع: هدّك من رجل: ذكر الشيخ في شرحه (¬3) «أن العرب تارة تجعل هذا اسما وتصف به وتتبعه ما قبله في الإعراب نحو: مررت برجل هدّك من رجل، ومعناه معنى: حسبك من رجل، أي: بحسبك من رجل، تقول العرب: أحسبني أي: كفاني، ولا يثنى ولا يجمع تثنية الموصوف ولا جمعه، بل تقول: مررت برجلين هدّك من رجلين، لأن الأصل فيه المصدر، قال (¬4): وزعم بعض أصحابنا أن العرب لم تستعمل منه فعلا، وليس بصحيح، بدليل نقل سيبويه (¬5) وغيره أن العرب تجعله فعلا فتقول: مررت برجل هدّك من رجل، فإن قلت: فلعل هذا اسم وهو منصوب على الحال من النكرة!! فالجواب أن العرب قالت: مررت بامرأة هدتك من امرأة فألحقت «تاء» التأنيث اللاحقة للأفعال، فدل على أنه فعل وهو مع ذلك لا يتصرف. قال سيبويه (¬6): وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: مررت برجل هدّك من رجل، ومررت بامرأة هدّتك من امرأة فجعله فعلا بمنزلة: كفاك وكفتك». والخامس: «عمّرتك الله» (¬7): ومعناه: أسالك بالله، وهو فعل مأخوذ من قولهم: عمّرك الله، قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة المؤمنون: 14. (¬2) سورة النمل: 8. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 203. (¬4) أي الشيخ أبو حيان. المرجع السابق. (¬5) انظر الكتاب (1/ 422) (هارون). (¬6) انظر الكتاب (1/ 423) (هارون). (¬7) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 203.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4164 - عمّرتك الله إلّا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم؟ (¬1) وحقيقة الكلام في: عمرتك الله، أن يكون أراد: تعميره أو طلب، إذ ليس له أن يعمره حقيقة. والسادس: «كذب» في الإغراء: ذكر الشيخ في شرحه (¬2) «أن الكذب في لسان العرب يطلق ويراد به تغيير الحاكي ما سمع وقوله ما لا يعلم، ويطلق ويراد به أن يقول القائل قولا يشبه الكذب ولا يقصد به إلا الحق، ويطلق ويراد به الخطأ كأن تقول: أقدر أن فلانا في منزله الساعة، فيقال له: صدقت أي: أصبت، وكذبت أي: أخطأت، ويطلق ويراد به البطول، يقال: كذب الرجل أي بطل عليه أمله وما رجا وقدره، ويطلق ويراد به الإغراء ومطالبة المخاطب بلزوم الشيء المذكور، كقول العرب (¬3): كذب عليك العسل؛ يريدون: كل العسل»، وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (¬4): «كذب عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد؛ ثلاثة أسفار كذبن عليكم» معناه: الزموا الحج والعمرة والجهاد. قال الشيخ (¬5): واختلف في المغرى به، فذهب بعضهم إلى أنه مرفوع بـ «كذب» ولا يجوز نصبه، قال: لأن «كذب» فعل لا بد له من فاعل، وخبر لا يخلو من محدث عنه، فالفعل والفاعل كلاهما [5/ 205] تأويلهما الأمر والإغراء، كما أن قولهم: حسبك خبر، يعنى به الأمر، وذهب بعض النحويين إلى جواز النصب فيه ويستدل له بما روى أبو عبيد (¬6) عن أبي عبيدة عن أعرابي أنه نظر إلى ناقة نضو (¬7) - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط وقائله الأحوص في ديوانه (ص 201). «ذي سلم» موضع، أقسم الشاعر عليها أن تخبره هل كانت جارة لهم بذي سلم؟ واستشهد به على أن «عمرتك» فعل مأخوذ من: عمرك الله، قال سيبويه في الكتاب (1/ 322) (هارون): «فصارت عمرك الله منصوبة بعمرتك الله، كأنك قلت: عمرتك عمرا». والبيت في الكتاب (1/ 323) (هارون)، والمقتضب (2/ 328)، وأمالي الشجري (1/ 349)، والخزانة (1/ 231). (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 203، 204. (¬3) انظر النهاية لابن الأثير (4/ 12) واللسان (كذب). (¬4) المرجع السابق وانظر النوادر (ص 178) وإصلاح المنطق (ص 292) واللسان (كذب). (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 204. (¬6) انظر اللسان (كذب). (¬7) في اللسان (نضا): «والنّضو: الدابة التي هزلتها الأسفار وأذهبت لحمها».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لرجل، فقال له: كذب عليك البزر والنّوى أي: الزمهما بنصب البزر والنوى، وقال يونس: مرّ أعرابي برجل يعلف شاة، فقال: كذب عليك البزر والنّوى فأتى به منصوبا، وقال أبو عبيد (¬1): ولم يسمع النصب مع كذب في الإغراء إلا في هذا الحرف، قال ابن الأنباري: وهذا شاذ من القول لا يعوّل عليه. وأنشد أحمد بن يحيى (¬2) عن ابن الأعرابي لمعقّر بن حمار البارقيّ: 4165 - وذبيانيّة وصّت بنيها ... بأن كذب القراطف والقروف تجهّزهم بما اسطاعت وفالت ... بنيّ فكلّكم بطل مسيف (¬3) أراد: عليكم القراطف والقروف فخذوها، والقراطف: القطف (¬4)، والقروف: الأدم (¬5) والمسيف: الذي وقع في ماله السّواف وهو داء (¬6)، فأهلكه، وقال عنترة: 4166 - كذب العتيق وماء شنّ بارد ... إن كنت سائلتي غبوقا فاذهبي (¬7) العتيق في هذا البيت: التمر (¬8)، والذي يدل على رفع الأسماء بعد «كذب» أنه يتصل بها الضمير كما جاء في كلام عمر رضي الله عنه: «ثلاثة أسفار كذبن عليكم» (¬9) - ¬

_ (¬1) انظر اللسان (كذب). (¬2) يعني: ثعلب. (¬3) البيتان من الوافر، واستشهد بهما على أن معنى «كذب» الإغراء أي عليكم القراطف والقروف فخذوها، وكأن الأصل في هذا أن يكون نصبا ولكنه جاء عنهم بالرفع شاذّا على غير قياس. وانظر البيت الأول في إصلاح المنطق (ص 293) وأمالي الشجري (1/ 260) واللسان (قرف) و (كذب) و (قرطف) والبيتان جميعهما في الخزانة (2/ 289، 290)، (3/ 15). (¬4) جمع قطيفة وهي القطيفة المخملة. انظر اللسان (قرطف) وفي مادة (كذب) «القراطف: أكسية حمر». (¬5) في اللسان (قرف): «أبو عمرو: القروف الأدم الحمر، الواحد قرف». (¬6) انظر إصلاح المنطق (ص 259) وفي اللسان (سوف) «السّواف: داء يأخذ الإبل فيهلكها، أبو حنيفة: السّواف: مرض المال، وفي المحكم: مرض الإبل». (¬7) البيت من الكامل وهو لعنترة. الشرح: العتيق التمر، والشن القربة البالية، والغبوق شراب العشي. يقول لها: لا طعام لك عندي إلا التمر وماء القربة البالية البارد؛ فإن كنت تطلبين الغبوق فاذهبي إلى غيري. واستشهد به على أن «كذب» إغراء وكان الأصل نصب ما بعده ولكنه جاء مرفوعا شذوذا. والبيت في الكتاب (4/ 213) وأمالي الشجري (1/ 260)، واللسان (كذب)، (عتق). ديوان عنترة (ص 33). (¬8) انظر اللسان (عتق)، (كذب). (¬9) انظر النهاية لابن الأثير (4/ 12).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشاعر: 4167 - كذبت عليك لا تزال تقوفني ... كما قاف آثار الوسيقة قائف (¬1) معناه: عليكي (¬2) فرفع التاء وهي مغرى بها واتصلت بالفعل؛ لأنه لو تأخر الفاعل لكان منفصلا، وليس هذا من مواضع انفصال الضمير. وقال عبد الدائم بن مرزوق القيرواني (¬3) - في كتاب «حلى الحلى» في الأدب من تصنيفه في قول عنترة: 4168 - كذب العتيق وماء شنّ بارد إنه يروى: العتيق بالرفع والنصب ومعناه: عليك العتيق وماء شن، وأصله: كذب ذاك عليك العتيق، ثم حذف «عليك» وناب «كذب» منابه فصارت العرب تغري به. وقال الأعلم (¬4) في بيت عنترة: قوله «كذب العتيق» أي عليك بالتمر و «العتيق» التمر البالي، والعرب تقول: كذبك التمر واللبن أي عليك بهما، وبعض العرب ينصب وهم مضر والرفع لليمن، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: كذبكم الحجّ والقرآن (¬5)، أي عليكم بهما وأصل الكذب: الإمكان. وقول الرجل للرجل: كذبت، أي: أمكنت من نفسك وضعفت، فلهذا اتسع فيه فأغري به؛ لأنه متى أغري بشيء فقد جعل المغرى به ممكنا مستطاعا إن راقه المغري. انتهى. قال الشيخ (¬6): وإذا نصبنا بقي «كذب» بلا فاعل على ظاهر اللفظ، والذي - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل قيل للأسود بن يعفر وقيل لغيره. الشرح: الوسيقة هي من الإبل كالرّفقة من الناس، والقائف الذي يعرف الآثار، يقول: ظننت بك أنك لا تنام عن وتري فكذبت عليكم فأذله بهذا الشعر وأخمل ذكره. واستشهد به على أن «كذب» إغراء ورفع الاسم بعدها، وهو جائز بدليل اتصال الضمير بها. والبيت في اللسان (قوف) و (كذب) و (وسق). (¬2) في اللسان (معناه: عليك بي). انظر اللسان (كذب). (¬3) نحوي قديم، روى عنه أبو جعفر محمد بن حكم السّرقسطي، وأكثر أبو حيان في «الارتشاف» من النقل عنه. انظر بغية الملتمس للضبي (ص 386)، وإنباه الرواة (2/ 158)، وبغية الوعاة (2/ 75). (¬4) انظر شرح أبيات الكتاب للأعلم بهامش كتاب سيبويه (2/ 302) (بولاق). (¬5) في النهاية لابن الأثير (4/ 12): «وكذب عليكم الحج كذب عليكم العمرة ...». (¬6) التذييل (خ) جـ 5 ورقة 204.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقتضيه القواعد أن هذا يكون من باب «الإعمال» (¬1) فـ «كذب» يطلب الاسم على أنه فاعل و «عليك» يطلبه على أنه مفعول، فإذا رفعنا الاسم بـ «كذب» كان مفعول «عليك» محذوفا لفهم المعنى، التقدير: كذب عليكه الحج، وإنما التزم حذف المفعول؛ لأنه مكان اختصار ويحرف عن أصل وضعه، فجرى لذلك مجرى الأمثال في كونها يلتزم فيها حالة واحدة لا يتصرف فيها، وإذا نصبنا الاسم كان الفاعل مضمرا في «كذب» يفسره ما بعده على رأي سيبويه، ومحذوفا على رأي الكسائي. قال: وقال ابن طريف (¬2) في «الأفعال»: وكذب عليك كذا أي: عليك به، معناه: الإغراء، إلا أن الشيء الذي بعد «عليك» يأتي مرفوعا، وشكا عمرو بن معديكرب إلى عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - المعص، فقال: كذب عليك العسل (¬3)، والمعص: أن تشتكي العصب من كثرة المشي (¬4)، والعسل أن يمشي مشيا سريعا (¬5). انتهى. وشكا رجل النّقرس إلى عمر - رضي الله تعالى عنه -، فقال: «كذبتك الطهارة» (¬6) أي عليك بالمشي فيها، ومنه الحديث «فمن احتجم يوم الخميس ويوم الأحد كذباك» (¬7) أي عليك بهما، وفي حديث علي - رضي الله تعالى عنه -: «كذبتك الحارقة» (¬8) قال أبو الهيثم (¬9): تقول: عليك بمثلها، وقال الفراء: معنى - ¬

_ (¬1) يعني «التنازع». (¬2) هو عبد الملك بن طريف الأندلسي أبو مروان النحوي اللغوي، أخذ عن ابن القوطية، وكان حسن التصرف في اللغة، وله كتاب حسن في «الأفعال» وهو كبير بأيدي الناس. مات في حدود الأربعمائة. انظر بغية الوعاة (2/ 111). (¬3) انظر النهاية لابن الأثير (4/ 12) واللسان (معص). (¬4) في اللسان (معص): «المعص: التواء في عصب الرجل». (¬5) انظر اللسان (معص) و (عسل). (¬6) انظر النهاية لابن الأثير (4/ 12) والنّقرس: داء معروف يأخذ في الرجل، وقيل: يأخذ في المفاصل. اللسان (نقرس). (¬7) انظر النهاية (4/ 12)، واللسان (كذب). (¬8) انظر النهاية لابن الأثير (4/ 12) واللسان (حرق) والحارقة: المرأة التي تغلبها شهوتها، وقيل: الضيقة الفرج. (¬9) أبو الهيثم الرازي كان إماما لغويّا أدرك العلماء وأخذ عنهم، وتصدى بالرّيّ للإفادة، توفي سنة (276 هـ). من مصنفاته: كتاب «الشامل» في اللغة، و «الفاخر» في اللغة و «المؤلف» انظر نزهة الألباء (ص 147)، وبغية الوعاة (2/ 329).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كذب عليك وجب عليك، وهو الكذب في الأصل؛ فمعنى قوله: كذب عليكم الحج أي: إن قيل لكم: لا حج، فهو كذب. وقال أبو سعيد (¬1): معناه: الحضّ، يقول: إن الحج ظن بكم حرصا عليه ورغبة فيه، فكذب ظنه. و «كذب» في جميع إطلاقاتها متصرفة إلا إذا استعملت في الإغراء؛ فإنها لا تتصرف، لا يقال: يكذب عليك البزر والنوى، ولا: يكذب عليكم الحج والجهاد، ولا: كاذب عليكم الحج. والسابع: «ينبغي»: قال الشيخ (¬2): «ذكر المصنف ينبغي في ما لا يتصرف من الأفعال، وقد نقل أنه يقال: انبغى، ذكر ذلك ابن فارس (¬3) في «المجمل»، وقال: هو من الأفعال المطاوعة، تقول: بغيته فانبغى، كما تقول: كسرته فانكسر» انتهى (¬4). ولا شك أن «انبغى» إن ثبت سماعه (¬5) فهو في غاية الندور، فلهذا لم يعتد به المصنف. والثامن: «يهيط»: ذكر الشيخ (¬6) عن أبي الحسن بن سيده أنه قال: ما زال منذ اليوم يهيط هيطا، وما زال في هيط وميط وهياط ومياط، أي: في ضجاج وشرّ وجلبة، وقيل: في هياط ومياط أي: في دنوّ وتباعد، يقال: تهايط القوم: اجتمعوا، وتمايطوا: تباعدوا وفسد ما بينهم (¬7). وقال ابن طريف: يقال: ما زال يهيط مرّة ويميط أخرى، ولا ماضي ليهيط، - ¬

_ (¬1) لا أدري أهو أبو سعيد السيرافي أم هو أبو سعيد الضرير الذي نقل عنه صاحب اللسان في هذا الموضع؟ وانظر اللسان (كذب). (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 204. (¬3) ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي أبو الحسين، من أئمة اللغة والأدب. من مصنفاته: مقاييس اللغة، والمجمل، والصاحبي في علم العربية وغيرها. توفي بالرّي سنة (395 هـ). انظر نزهة الألباء (ص 320 - 322) وبغية الوعاة: (1/ 352). (¬4) انظر اللسان (بغا). (¬5) قال في اللسان (بغا): «وقولهم: ينبغي لك أن تفعل كذا فهو من أفعال المطاوعة تقول: بغيته فانبغى، كما تقول: كسرته فانكسر» فدل ذلك على أنه مسموع. (¬6) انظر التذييل (خ) جـ ورقة 205. (¬7) انظر اللسان (هيط).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والهياط: الصّياح، والمياط: الدفاع. والتاسع: «أهلمّ»: وهي كلمة يقولها من خوطب بقولك: هلمّ، قالوا: فدخول همزة المتكلم دليل الفعلية. ولم تستعمل العرب من هذه المادة فعلا ماضيا، ولا أكثر العرب فعل أمر، فلذلك حكم عليها بعدم التصرف. والعاشر والحادي عشر: «أهاء وأهاء» بمعنى: آخذ وأعطي: قال الشيخ (¬1): «قد تقدم الكلام في أسماء الأفعال على «ها» ونبهنا على أنها تكون في بعض اللغات فعلا وأن تصريفها قد يكون تصريف «خف» (¬2) فتقول: هأ، هائي، هاءا هاءوا، هأن، قال: فعلى هذا يكون: أهاء التي ذكرها المصنف هنا مضارعا بمعنى: آخذ، وجعله إياها فعلا لا يتصرف يريد به أنها [5/ 206] لا تتصرف التّصرّف التام من استعمال ماض له وأمر ومضارع، فيكون نظير «ذر» و «دع» و «يذر» و «يدع» في كونهما لا يستعمل منهما ماض ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول. فكذلك: أهاء لم يستعمل له إلا فعل أمر على تلك اللغة التي أشرنا إليها، قال: فأما «أهاء» بمعنى أعطي ففعل لا يتصرف إذ لم يستعمل منه ماض ولا أمر ولا مضارع مبني للفاعل. والثاني عشر: «هلمّ» التميمية: وقد ذكرت في باب «أسماء الأفعال». ولم يستعمل بنو تميم منها ماضيا ولا مضارعا غير ما نبه عليه قبل، وهي عند غير بني تميم اسم فعل. والثالث عشر: «هأ وهاء» بمعنى: خذ: قال الشيخ (¬3): لم يذكر المصنف في باب: أسماء الأفعال، أن هأ قد تكون فعلا، وقد ذكرنا لها ثلاثة تصاريف، وفي لحاق الضمير لها تكون هنا فعلا. والرابع عشر: «عم صباحا»: قال الشيخ (¬4): «زعم المصنف أن «عم» في قول العرب: عم صباحا، فعل لا يتصرف، وأنه لم يستعمل إلا فعل أمر، وليس ذلك بصحيح، قال - ¬

_ (¬1) التذييل (خ) جـ 5 ورقة 205. (¬2) انظر التذييل (6/ 168) (رسالة). (¬3)، (¬4) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 205.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يونس (¬1): وعمت الدّار أعم أي: قلت لها: انعمي، فهذا متعدّ، وقال الشاعر: 4169 - عما طللي جمل على النّأي واسلما (¬2) وقال الأصمعي: عم في كلام العرب أكثر من: انعم، وقال الأعلم (¬3): يقال: وعم يعم في معنى: نعم ينعم، فهذا لازم، قال (¬4): ووهم بعض الناس (¬5) في قول عنترة: 4170 - وعمي صباحا دار عبلة واسلمي (¬6) فزعم أنه أمر من: يعمي المطر، ويعمي البحر بزبده، فأراد: كثرة الدّعاء لها وكثرة السّقيا، يقال: عمى المطر يعمى عميّا، قال (¬7): وهذا ذهول عن علم التصريف إذ لو كان أمرا من: عمى، لقال: اعم كما تقول من رمى: ارم، وإنما هو مما حذفت فاؤه في المضارع، فانحذفت في الأمر نحو: يعد وعد، قال (¬8): فثبت بما قلناه أن قول المصنف: إن «عم» من الأفعال التي لا تتصرف، ليس بصحيح - بنقل يونس والأعلم وعم يعم متعديا ولازما -» انتهى. والذي يظهر أن مراد المصنف أن الذي لا يتصرف هو «عم» من قولنا: عم صباحا، فمتى كان مقرونا بقولنا: صباحا لا يتغير عن هذه الصيغة أعني صيغة - ¬

_ (¬1) انظر اللسان (وعم). (¬2) هذا شطر بيت من الطويل. واستشهد به على أن «عم» من الأفعال المتصرفة وأنه في البيت لازم. وانظر هذا الشطر في اللسان (وعم). (¬3) انظر شرح أبيات سيبويه للأعلم بهامش الكتاب (1/ 402) (بولاق). (¬4) أي الشيخ أبو حيان. (¬5) هو أبو عمرو بن العلاء. انظر اللسان (وعم). (¬6) هذا عجز بيت من الكامل وهو لعنترة. ديوانه (ص 15) وصدره قوله: يا دار عبلة بالجواء تكلّمي وهو ثالث أبيات معلقة عنترة المشهورة، و «الجواء» - بكسر الجيم - واد في ديار عبس وأسد في أسافل عدنة، و «عمي صباحا» كلمة تحية عندهم. واستشهد به على أن بعض الناس وهم، فزعم أن «عمي» أمر من: يعمي المطر، والصواب أنه من «وعم» فحذفت فاؤه في المضارع ثم حذفت في الأمر كما في: يعد وعد. والبيت في الكتاب (2/ 269)، (4/ 213) وشرح شواهد الشافية (ص 123) وشرح التصريح (2/ 185). (¬7)، (¬8) أي الشيخ أبو حيان.

[حديث عن بقية الأفعال الجامدة]

[حديث عن بقية الأفعال الجامدة] قال ابن مالك: (وفي زجر الخيل «أقدم» و «اقدم» [وهب] و «أرحب» و «هجد» وليست أصواتا ولا أسماء أفعال لرفعها الضّمائر البارزة، واستغني غالبا بـ «ترك» عن «وذر» و «ودع» وب «التّرك» عن الوذر والودع). ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر. فلا يقال: وعم صباحا ولا: يعم صباحا. والخامس عشر: «تعلّم» بمعنى اعلم، وقد كان المصنف مستغنيا عن إفراد هذه الكلمة بالذكر؛ لأنها ذكرت في باب «ظن وأخواتها» فهي داخلة تحت قوله هنا: منها المثبتة في نواسخ الابتداء. قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬1): «قال ابن دريد (¬2): أقدم كلمة زجر للفرس معلومة في كلامهم، وضبطها بقطع الألف وكسر الدال من الإقدام، والإقدام: التقدم في الحرب، والإقدام: الشجاعة ومنه: المقدام، وفي الحديث: «أقدم حيزوم» (¬3)، وضبط هذا الحرف عن أبي بحر سفيان بن القاضي الأسدي (¬4) بضم «الدال» كأنه من التقدّم، قال الله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ (¬5)، وقد تكسر الهمزة من: أقدم» انتهى. وعلى هذا تكون «أقدم» الأولى في كلام المصنف بقطع الهمزة وكسر «الدال» و «اقدم» الثانية بوصل الهمزة مضمومة وضم «الدال» كالتي وردت في الحديث الشريف. وأما «هب» فتكون زجرا للخيل أيضا وقد ذكر في «نواسخ الابتداء» أنها - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة (205). (¬2) انظر جمهرة اللغة لابن دريد (2/ 293) (دقم). (¬3) في صحيح مسلم (5/ 157) «باب غزوة بدر»: «قال أبو زميل: حدثني ابن عباس قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارسي يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فخر صريعا». و «حيزوم» اسم فرس الملك. (¬4) هو سفيان بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن البلنسي أبو بحر ابن المرينة، قال ابن عبد الملك: كان نحويّا ماهرا، تاريخيا حافظا زاهدا، شديد العناية بالتقييد والضبط، ثقة، ولد ببلنسية سنة (594 هـ) ومات بتونس سنة (650 هـ). انظر بغية الوعاة (1/ 592). (¬5) سورة هود: 98.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون بمعنى: ظن (¬1)، فاللفظ مشترك، وقد عرف أن الناسخة لا تتصرف وكذلك التي للزجر لا تتصرف. وأما «أرحب» فقال الجوهري (¬2): «أرحبت الشّيء أوسعته، ويقال: أرحب بمعنى أوسع، ويقال أيضا في زجر الفرس: أرحب وأرحبي أي توسعي وتباعدي»، قال الشاعر: 4171 - نعلّمها: هبي وهلا وأرحب (¬3) وأما «هجد» فقال الشيخ (¬4): «قد ضبط هذا الحرف بهاء وجيم مكسورتين ودال ساكنة مهملة، قال محمد بن المستنير (¬5) في كتاب «الفرق» له في باب «الزجر»: يقال في زجر الفرس: إجد إجد وهجد هجد، وإجدم، تزاد فيه الميم، يقال: قد أجدمت الفرس إجداما إذا قلت لها ذلك، قال الشيخ (¬6): والذي يظهر أن الهاء بدل من الهمزة، وهذه الصيغة ليست على أوزان الأفعال، والذي يتخيل فيه ويتحيل لتخريجه أن الأصل فيه: إجدم بالميم؛ لأنهم قد قالوه، وهذا فعل بدليل لحاق الضمير له في قولهم: إجدمي، والميم من نفس الكلمة وهي لام الفعل ثم حذفوا الميم شذوذا، فصار: إجد ثم نقلوا حركة الدال إلى الجيم الساكنة، فصار: اجد. ولم يعتدوا بكسر الجيم؛ لأنه عارض؛ فأقروا همزة الوصل كعروض حركة الجيم، كما قالوا: اسل في: اسأل». وأما قوله: وليست أصواتا ولا أسماء أفعال لرفعها الضّمائر البارزة - فظاهر، وكذا قوله: واستغني غالبا بترك - إلى آخره، وفهم من قوله: غالبا - أنه قد - ¬

_ (¬1) انظر التسهيل (ص 71) وانظر باب ظن وأخواتها في هذا من الكتاب الذي بين يديك. (¬2) انظر الصحاح (1/ 135) (رحب). (¬3) هذا صدر بيت من الوافر وهو للكميت بن معروف وعجزه: وفي أبياتنا ولنا افتلينا والشاهد فيه: قوله «أرحب» حيث إنه زجر للفرس. والبيت في اللسان (رحب). (¬4) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 206. (¬5) محمد بن المستنير بن أحمد الشهير بقطرب، نحوي عالم بالأدب واللغة، من أهل البصرة، من كتبه: معاني القرآن، والنوادر والأزمنة، توفي سنة 206 هـ. انظر مراتب النحويين (ص 109) بغية الوعاة (1/ 242). (¬6) التذييل (خ) جـ 5 ورقة 206.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال (¬1): وذر وودع وقد قرئ شاذّا (¬2): (ما ودعك ربّك وما قلى)، وفي الحديث: «ذروا الحبشة ما وذرتكم». وجاء في الحديث الشريف: «لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعة» (¬3). * * * ¬

_ (¬1) التذييل (خ) جـ 5 ورقة 206. (¬2) قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم، انظر مختصر ابن خالويه (ص 175) ونسبها في اللسان (ودع) إلى عروة بن الزبير. (¬3) رواه النسائي في كتاب «الجمعة» والرواية فيه «عن ودعهم الجمعات» انظر سنن النسائي (3/ 88، 89).

الباب السابع والستون باب الحكاية

الباب السابع والستون باب الحكاية [الحكاية بأي وبمن] قال ابن مالك: (إن سئل بـ «أيّ» عن مذكور منكّر عاقل أو غيره حكي فيها مطلقا ما يستحقّه من إعراب وتأنيث وتثنية أو جمع تصحيح موجود فيه أو صالح لوصفه، وإن سئل عنه في الوقف بـ «من» فكذلك ولكن تشبع الحركات في نونها حال الإفراد، وتسكّن قبل «تاء التّأنيث» حال التّثنية، وربّما سكّنت في الإفراد وحرّكت في التّثنية، وقد يستعملان مع غير المفرد المذكّر استعمالهما معه). قال ناظر الجيش: حقيقة الحكاية أن تورد ما نطق به المتكلم على حسب ما نطق به، ثم المحكي إما جملة وإما مفرد، أما الجملة فتحكى بعد القول، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب «الأفعال الناصبة المبتدأ والخبر مفعولين». وأما المفرد: فلا يحكى في غير الاستفهام وشذّ قول من قال: دعنا من تمرتان، وليس بقرشيّا، ردّا على من قال: إن في الدار قرشيّا، وقول الشاعر: 4172 - وأجبت قائل كيف أنت [5/ 207] بصالح ... حتّى مللت وملّني عوّادي (¬1) وقول الآخر: 4173 - كريم إلى جنب الخوان وزورا ... يحيّي بأهلا مرحبا ثمّ يحبس (¬2) وأما في الاستفهام فيحكى إذا كان السؤال بـ «أيّ» أو بـ «من» خاصة، وهذا - ¬

_ (¬1) البيت من الكامل وهو لقائل مجهول. الشرح: مللت من الملالة وهي السآمة، والعواد جمع عائد المريض، وهو الزائر الذي يزوره ويسأل عن حاله. والشاهد فيه: قوله «بصالح» بالجر على قضية حكاية الاسم المفرد كأنه قال: وأجبت قائل كيف أنت، بهذه اللفظة وهو شاذ؛ لأن المفرد لا يحكى في غير الاستفهام. والبيت في المغني (ص 422)، وشرح شواهده (ص 837)، والعيني (4/ 503)، والهمع (1/ 157). (¬2) البيت من الطويل لقائل مجهول، والخوان - بكسر الخاء وضمها - الذي يؤكل عليه، معرّب. والجمع: أخونة في القليل، وفي الكثير: خون. والشاهد فيه: قوله «بأهلا» على حكاية الاسم المفرد، كأنه قال: يحيي بهذه اللفظة وهو شاذ؛ لأنه في غير استفهام.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الباب معقود لذلك، وهاتان الكلمتان سئل بهما عن النكرة فيحكى إعرابهما في لفظهما دون أن يذكر الاسم الذي يحكى إعرابه، ويسأل عن العلم أيضا فيؤتى به بعدها محكيّا إعرابه دون تغيير. وبعد، فأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية ثم أعود إلى لفظ الكتاب. قال رحمه الله تعالى (¬1): «إن سئل بـ «أي» عن مذكور منكر حكي فيها وصلا ووقفا ما للمسئول عنه من إعراب، وتذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية وجمع تصحيح موجود فيه أو صالح لوصفه، كقولك لمن قال: رأيت رجلا وامرأة وغلامين وجاريتين وبنتين وبنات: أيّا وأيّة وأيّين وأيّتين وأيّين وأيّات وإن سئل عنه بـ «من» حكي في لفظها في الوقف خاصة ما له من الحركات بإشباع كقولك لمن قال: لقيني رجل: منو، ولمن قال: رأيت رجلا: منا، ولمن قال: مررت برجل: مني، وتقول لمن قال: رأيت امرأة: منه أو منت، ولمن قال: رأيت رجلين: منين، ولمن قال: رأيت رجالا: منين، ولمن قال: رأيت امرأتين: منتين أو منتين، ولمن قال: رأيت نساء: منات، فإن وصلت قلت: من يا فتى في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث. وفي قول الشاعر (¬2): 4174 - أتوا ناري فقلت: منون أنتم ... فقالوا: الجنّ قلت: عموا ظلاما (¬3) شذوذ من وجهين (¬4): أحدهما: أنه حكى مقدرا غير مذكور. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1717). (¬2) هو سمير بن الحارث الضّبّي، وفي العيني والخزانة: شمير - بالشين - لا بالسين. (¬3) البيت من الوافر، زعم الشاعر أنه أتاه الجن وهو عند ناره فسألهم من هم؟ فلما ذكروا أنهم الجن حيّاهم وقال لهم: عموا ظلاما؛ لأنهم جن كما يقول بعض بني آدم إذا أصبحوا: عموا صباحا، وإنما انتشارهم بالليل، واستشهد به ابن مالك على أن فيه شذوذا من وجهين أحدهما: أنه حكى مقدرا غير مذكور والثاني: أنه أثبت العلامة في الوصل وحقها أن لا تثبت إلا في الوقف. والبيت في الكتاب (2/ 411) (هارون). والخصائص (1/ 129)، وابن يعيش (4/ 16) وشرح شواهد الشافية (ص 295). (¬4) ذكرهما الأشموني (4/ 90) وزاد ثالثا وهو تحريك النون، وزاد الصبان رابعا وهو أن المقدر المحكي ضميره، انظر حاشية الصبان (4/ 90).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والثاني: أنه أثبت العلامة في الوصل وحقها أن لا تثبت إلا في الوقف». انتهى. وحاصل الأمر: أن المسؤول عنه الذي هو نكرة يحكى بـ «أيّ» وب «من» وإذا حكي بواحدة من الكلمتين جيء فيها بما يستحقه المحكي من إعراب وتأنيث وتثنية وجمع، كما مثل، وقد لا يطابق في تثنية ولا جمع، كما سيذكر، ولكن الأكثر والأفصح المطابقة. وليعلم أن «أيّا» إذا لم تكن للاستثبات، فإن الأفصح فيها أن تكون مفردة بغير «تاء» للمذكر والمؤنث في جميع الأحوال، ومن العرب من يثني ويجمع ويؤنث، وهو قليل لا يكاد يوجد إلا في الشعر ومنه: 4175 - وأيّة بلدة إلّا أتينا ... من البلدان تعلمها نزار (¬1) وقول الآخر: 4176 - بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب (¬2) ثم اعلم أن إحدى الكلمتين تفارق الأخرى في ثلاثة أحكام (¬3): الأول: أن «أيّا» يحكى بها ما للعاقل وما لغير العاقل، ولهذا قال المصنف بعد ذكره «أيّا»: عاقل أو غيره، و «من» لا يحكى بها إلا ما للعاقل. الثاني: أن «أيّا» يحكى بها في الوصل والوقف. وهذا مراد المصنف بقوله: مطلقا، و «من» لا يحكى بها إلا في الوقف خاصة، وقد نبه المصنف على ذلك بقوله: في الوقف. الثالث: أن «أيّا» تحكى فيها حركات الإعراب دون إشباع، وأما «من» فيجب في الحكاية بها الإشباع، ولهذا قال المصنف بعد ذكر «من»: ولكن تشبع - ¬

_ (¬1) البيت من الوافر ولم أهتد إلى قائله، والشاهد فيه قوله: «وأية بلدة» فإنه أتى بالتاء في «أي» والأفصح فيها إذا لم تكن للاستثبات أن تكون مفردة بغير «تاء» وهذا قليل خاص بالشعر. (¬2) البيت من الطويل وهو للكميت بن زيد. والشاهد فيه قوله: «بأية سنة» فإنه أتى بالتاء في «أي» وهذا قليل خاص بالشعر؛ لأن «أيّا» الأفصح فيها إذا لم تكن للاستثبات أن تكون مفردة بغير «تاء». والبيت في المحتسب (1/ 173)، والخزانة (4/ 5). (¬3) زاد الأشموني حكمين آخرين أحدهما: أن «من» يحكى بها النكرة ويحكى بعدها العلم و «أي» تختص بالنكرة. والثاني: أن ما قبل «تاء التأنيث» في «أي» واجب الفتح، تقول: أية وأيتان وفي «من» يجوز الفتح والإسكان. انظر الأشموني (4/ 92، 93).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحركات في نونها حال الإفراد، فأفهم كلامه بقوله: «ولكن» أن الحكم المذكور مخصوص بـ «من». وأفهم قول المصنف: وتسكّن قبل تاء التّأنيث حال التّثنية - أنها قبل «تاء» التأنيث في الإفراد لا تسكن بل تفتح كما أن كل حرف واقع قبل «تاء» التأنيث يستحق الفتح، فيقال: منة في الإفراد ومنتان في التثنية. وأشار بقوله: وربّما سكّنت في الإفراد وحركت في التّثنية - إلى أنه قد يعكس الأمر فيهما فيقال: منت، ومنتان. وأفهم قوله «وربّما» أن الأكثر والأفصح التحريك في الإفراد، والتسكين في التثنية. ولما كان المجموع الذي يحكى بـ «أيّ» وب «من» قد يكون جمع تكسير، وكانت الحكاية إنما يؤتى فيها بصيغة جمع التصحيح، كقولك: أيّون، ومنون - احتاج المصنف بعد قوله: أو جمع تصحيح - إلى أن يردف ذلك بقوله: موجود فيه أو صالح لوصفه. فمثال الأول: بنون وبنات، ومثال الثاني: رجال ونساء. فإن جمع التصحيح وإن لم يكن موجودا فيهما لكنهما صالحان لوصف يجمع جمع التصحيح، كقولك: قام رجال مسلمون ونساء مسلمات. وأما قوله: وقد يستعملان مع غير المفرد المذكّر استعمالهما معه -، فأشار به إلى أن «أيّا» يحكى فيها إعراب المحكي خاصة كائنا ما كان، فإذا قيل: قام رجل أو رجلان أو رجال قلت: أيّ، وإذا قيل: ضربت رجلا، أو رجلين أو رجالا قلت: أيّا، وإذا قيل: مررت برجل أو رجلين أو رجال، قلت: أيّ، وكذا إذا قيل: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء، قلت: أيّة يا هذا، وتنصب في نصب ذلك وتجر في جره، وكذا تفعل في «من» فتلحقها «واوا» رفعا و «ألفا» نصبا و «ياء» جرّا، فيقال في: قام رجل أو رجلان: منو، وفي نصب ذلك: منا، وفي جره: مني، وكذلك في المؤنث إفرادا وتثنية وجمعا، نقل ذلك يونس عن قوم من العرب وهو لا (¬1)، قصدوا قصر الأمر على حكاية الإعراب خاصة. - ¬

_ (¬1) يعني أن يونس نقل ذلك عنهم ومع ذلك فقد خالفهم، قال في الكتاب (2/ 410) (هارون) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واعلم أن الذي تعطيه عبارة الكتاب أنه يقال في السؤال عن قول القائل: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء: أيّ، فالتذكير لقوله: وقد يستعملان مع غير المفرد المذكّر استعمالهما معه. ولا شك أن غير المفرد المذكر من جملته المؤنث، وإذا كان كذلك أشكل قولهم: إنك تقول لمن قال: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء: أيّة يا هذا، ثم لازم ذلك أن يقال لمن قال: قامت امرأة ... إلى آخره: منة دون منو، والظاهر أن الأمر بخلاف ذلك؛ لكن قال الشيخ (¬1): «إنك لا تقول إلا أيّة وإن النقل عنهم كذلك». والذي ذكره ابن عصفور في «المقرّب» موافق لكلام المصنف فإنه قال (¬2): «وإن استثبت بأيّ قلت: أيّ في الرفع [5/ 208] وأيّا في النصب وأيّ في الخفض، وسواء أكان الاسم مفردا أم مثنىّ أم مجموعا أم مذكرا أم مؤنثا». واعلم أن الشيخ عند ما تكلّم على إشباع حركات نون «من»، قال (¬3): «وتلخص أنك في منان ومنين حكيت التثنية والإعراب، وفي منون ومنين حكيت الجمع والإعراب، وفي منه أو منت حكيت الإفراد والتأنيث لا الإعراب، وفي منتان ومنتين حكيت التثنية والتأنيث والإعراب، وفي منات حكيت التأنيث والجمع لا الإعراب» انتهى. ولقائل أن يقول: إن الإعراب في «منه» أو «منت» وفي «منات» محكي تقديرا؛ لأن «من» لا يحكى بها إلا في الوقف، ولكن لا يوقف على متحرك، والسكون إنما هو عارض من أجل الوقف، ولا يلزم من عدم النطق بشيء عدم تقدير ذلك الشيء، ولو قال القائل: قام زيد: وقف وسكّن «دال» زيد - لا يمتنع أن - ¬

_ - «وحدثنا يونس أن ناسا يقولون أبدا: منا ومني ومنو، عنيت واحدا أو اثنين أو جميعا في الوقف، فمن قال هذا قال: أيّا وأيّ وأيّ إذا عنى واحدا أو جميعا أو اثنين، وإنما فعلوا ذلك بمن لأنهم يقولون: من قال ذاك؟ فيعنون ما شاءوا من العدد، وكذلك أي، تقول: أيّ يقول ذاك؟ فتعني بها جميعا وإن شاء عنى اثنين، وأما يونس فإنه كان يقيس «منه» على أيّة فيقول: منة ومنة ومنة، إذا قال: يا فتى، وكذلك ينبغي له أن يقول إذا آثر أن لا يغيرها في الصلة، قال سيبويه: وهذا بعيد، وإنما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لم يسمع بعد». (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 207. (¬2) انظر المقرب (1/ 299). (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 207، 208.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: زيد مرفوع وإن لم ينطق برفعه، لأنه إنما سكّن آخره لكونه موقوفا عليه، وهكذا يقال في المحكي. وفي شرح الشيخ (¬1): «واختلف النحويون في الحروف اللاحقة لمن يعني: الواو والألف والياء، في: منو ومنا ومني، فقال المبرد (¬2): هي حروف زيدت أولا ولزمت عنها الحركات، وقال بعضهم: إنها عوض من لام العهد (¬3)، وقال السيرافي (¬4): إن حركات النون حركات حكاية وأشبعت فولدت عن الحركات الحروف، والموجب للإشباع أنه لا يوقف على متحرك» انتهى. والذي قاله السيرافي هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه، ولا يفهم الذهن الصحيح غيره، وأما القولان المنسوب أحدهما للمبرد، فلم أفهم معناهما. ثم ذكر الشيخ (¬5) أن من فروع هذه المسألة - يعني الحكاية بـ «من» - أنه إذا اجتمع مؤنث ومذكر ألحقت في الآخر، تقول لمن قال: رأيت رجلا وامرأة: من ومنه فتسكن الأول؛ لأنه وصل، وكذلك لو عكست، تقول لمن قال: رأيت امرأة ورجلا: من ومنا، وسواء اتفق الإعراب كما مثل أم اختلف، تقول لمن قال: ضرب رجل امرأة: من منه، والعكس من منا، وكذلك أيضا لو اتفقنا في الوحدة كما مثل، أو اختلفا فتقول لمن قال: رأيت رجلا وامرأتين: من ومنتين، ورجلا ونساء: من ومنات، وكذلك في العكس، فتقول لمن قال: رأيت امرأة ورجلين: من ومنين، ونساء ورجلا: من ومنا، وعلى هذا يقاس. قال (¬6): وهل يجوز أن يغلب المذكر على المؤنث فيبنى بصيغة المذكر، فتقول لمن قال: رأيت رجلا وامرأة: منين، كما تقول: ضربت أحمرين في رجل أحمر وامرأة حمراء، فيمكن أن يلحق بهذا، فيقال: منين ويمكن أن لا يلحق به؟ فلا يجوز؛ لأن القصد الحكاية في الاستثبات، فتقول على هذا: من ومنه كما ذكر أولا، وكذلك إذا سئل بأيّ يجري على هذا القياس، فتقول لمن قال: رأيت رجلا - ¬

_ (¬1) المرجع السابق ورقة 208، وقد نقله عنه بتصرف. (¬2) انظر المقتضب (2/ 305). (¬3) انظر الهمع: (2/ 153). (¬4) المرجع السابق. (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 208، 209. (¬6) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وامرأة: أيّا وأيّة، وكذلك العكس فتقول لمن قال: رأيت امرأة ورجلا: أيّة وأيّا، يجري كل واحد منهما على ما يقتضيه قياسه وإعرابه، قال (¬1): ولو خلطت سؤال من مع سؤال أيّ وذلك في العاقل وغيره في قول من قال: رأيت رجلا وحمارا، فتقول: من وأيّا، فتأتي بكل واحد منهما على قياسه. قال الشيخ (¬2): «ولم يتعرض المصنف لإعراب أيّ في الحكاية ولا علام يكون رفعها ونصبها وجرّها؟ قال: ونحن نتكلم الآن على ذلك ... فذكر: أنهم اختلفوا في الحركات اللاحقة لأيّ، فقيل: حركات إعراب نشأت عن عوامله، وقيل: ليست للإعراب، وإنما هي إتباع للفظ المتكلم على الحكاية، لأنه يلزم من كونها إعرابا إضمار حرف الجر إذا جررت أيّا، وعلى هذا تكون أيّ بمنزلة من في موضع رفع بالابتداء أو الخبر، ولا يبعد أن تكون مفعولة محلّا، وقد التزم بعضهم إدخال حرف الجر، فيقول: بأيّ. وقياس مذهب البصريين (¬3) أن أيّا إذا كانت مرفوعة أن يكون رفعها على الابتداء، فإذا قيل: أيّ سؤالا لمن قال: قام رجل فالتقدير عندهم: أيّ قام، ولا يقدر الفعل قبلها، فتكون فاعلة؛ لأن الاستفهام لا يتقدم عامله عليه إلا إذا كان جارّا بشرط أن يتأخر عنه الذي يتعلق به الجار. والكوفيون (¬4) يجيزون في باب الحكاية رفعها بفعل مضمر قبلها، لأن اسم الاستفهام عندهم في الحكاية يجوز تقديم العامل فيه حتى يكون طبق المحكي في ذلك، ولو أظهر الفعل عندهم لجاز، وإظهاره هو المختار عندهم في مثل: اشترى أيّ أيّا، حكاية لمن قال: اشترى رجل فرسا؛ ليتبين أن الاسمين محمولان على فعل واحد مضمر يرفع أحدهما وينصب الآخر، كما أن المحكي كذلك. وأما إذا كانت أيّ منصوبة أو مخفوضة فإنها إذ ذاك محمولة على فعل مضمر، ويجوز الإتيان به تأكيدا فتذكره متأخرا فتقول: أيّا ضربت، وبأيّ مررت؟ ويجوز أن تأتي به قبل أيّ فتقول: ضربت أيّا، ومررت بأيّ، لأنه قد جرى الفعل في كلام - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 207. (¬3) انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 386) (رسالة). (¬4) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتكلم، فكان ذكرك إياه كالتكرار، فكأنك لم تذكر قبل أداة الاستفهام فعلا، ولذلك لم يفعلوه إلا في الاستثبات ولم يفعلوا ذلك مع جميع أسماء الاستفهام، إنما يفعلون ذلك مع أيّ وما ومن لا يجوزونه في غيرهن، يقول القائل: أكلت خبزا فتقول: أكلت ما، ويقول: لقيت زيدا فتقول: لقيت من، ويقول: ضربت رجلا فتقول: ضربت أيّا، ولو قال: خرجت يوم الجمعة فاستثبته، لقلت: متى خرجت؟ ولا يقول: خرجت متى؟ وتقول: سرت ضاحكا فتقول له: كيف سرت؟ ولا يجوز: سرت كيف؟ وكذلك سائر أسماء الاستفهام إلا «أين» فقد حكي في الاستثبات [5/ 209] بها تقدم العامل، حكي من كلامهم: إنّ أين الماء والعشب، استثباتا لمن قال: إنّ في موضع كذا الماء والعشب، وقد جاء أيضا في «كم» معطوفة على غيرها، تقديم العامل لأنه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه، حكي من كلامهم: قبضت عشرين وكم استثباتا لمن قال: قبضت عشرين وكذا» انتهى. ولم أتحقق قولهم: إن الحركات اللاحقة لـ «أيّ» في هذا الباب تكون حركات إعراب نشأت عن عوامله؛ لأن الأمر إذا كان كذلك فلا حكاية حينئذ، ولا شك أن الحكاية هي المقصودة، ثم كيف يتجه في حركات «أيّ» أن تكون حركات إعراب مع أن حركة الحكاية قسيمة لحركة الإعراب بالنسبة إلى أصل الحركات؟ ثم إن حركة الإعراب يجاء بها لبيان مقتضى العامل، وحركة الحكاية لا يؤتى بها لذلك فبينهما تناف، نعم إذا قيل: إن الحركة إعراب وإن التقدير: أيّ قام، كان ذلك غير ممتنع، لكن تخرج المسألة من باب «الحكاية» ويكون المتكلم بذلك حينئذ قاصدا الاستفهام لا قاصدا لحكاية إعراب اسم في كلام الغير، والقول بأن الكوفيين يجيزون في باب «الحكاية» رفع «أيّ» بفعل مضمر يمكن حمله على ما قلته. والحق أنه لا يتصور في حركات «أيّ» و «من» في باب «الحكاية» أن تكون حركات إعراب؛ لأن ذلك مؤدّ إلى نقض القواعد وهدم ما تقرر، وقد أمكن حمل كلام من يقول بتقدير عامل على غير قصد الحكاية، وأنه إنما يقصد إذ ذاك الاستفهام خاصة دون حكاية لشيء سبق، ويعضد هذا قول صاحب «الإفصاح» (¬1): «من النحويين من أجاز ترك الحكاية في باب «أي» وأجاز الاستئناف على الابتداء والخبر». - ¬

_ (¬1) هو ابن هشام الخضراوي.

[العلم وأحكامه عند حكايته]

[العلم وأحكامه عند حكايته] قال ابن مالك: (ولا يحكى غالبا معرفة إلّا العلم غير المتيقّن نفي الاشتراك فيه، فيحكيه الحجازيّون مقدّرا إعرابه بعد «من» غير مقرونة بعاطف، ولا يقاس عليه سائر المعارف، ولا يحكى في الوصل بـ «من»؛ خلافا ليونس في المسألتين، وفي حكاية العلم معطوفا أو معطوفا عليه خلاف [منعه يونس وجوّزه غيره واستحسنه سيبويه]). ـــــــــــــــــــــــــــــ فصرح بأن الحكاية تترك إذا قصد التركيب من مبتدأ وخبر، وأن ذلك يكون استئنافا للاستفهام بمعنى ليس معادا من كلام تقدم، لكن قد قال ابن عصفور في «المقرّب» (¬1): «ولا بد من إدخال حرف الجر على من وأيّ إذا استثبت بهما عن مخفوض، ويكون المجرور متعلقا بفعل مضمر وتقدره بعدهما، وإذا استثبت بهما عن مرفوع كانا مبتدأين والخبر محذوف لفهم المعنى، وإذا استثبت بهما عن منصوب كانا منصوبين بفعل مضمر محذوف لفهم المعنى» انتهى. وأقول: هذا الكلام منه يناقض قوله في أول الفصل: إنك تحكي بمن وبأيّ لأن حركة الحكاية غير حركة الإعراب، ثم إذا كان الأمر كما ذكره ثانيا لم يكن ثمّ حكاية أصلا، وهذا الكلام مما أشكل عليّ. قال ناظر الجيش: اعلم أن المسؤول عنه في هذا الباب إما نكرة وإما معرفة، فالنكرة نفسها لا تحكى وإنما يحكي ما لها من إعراب وتذكير وإفراد وأضدادهما، وإما بـ «أيّ» وقفا ووصلا، إما بـ «من» في الوقف خاصة، وقد انتهى الكلام على ذلك. وأما المعرفة فتحكى هي نفسها، لكن إنما يحكى منها العلم خاصة دون بقية المعارف، وإنما يحكيه الحجازيون بالشرط الذي ذكره كما سيشرح. قال المصنف في شرح الكافية (¬2) - تلو كلام في المتقدم -: «وإن سئل بمن عن علم جيء بمن وبعدها العلم المسؤول عنه محركا بضمة إن كان الأول مرفوعا، - ¬

_ (¬1) انظر المقرب (1/ 300، 301). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1718، 1719).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبفتحة إن كان منصوبا، وبكسرة إن كان مجرورا بشرط أن لا يتقدم على «من» حرف عطف، هذا هو مذهب أهل الحجاز (¬1)، وأما غيرهم (¬2) فيجيء بالعلم بعد «من» مرفوعا سبقت «من» بعاطف أو لم تسبق، فإن سبقت من بعاطف فالرفع متعين عند الجميع، وهو مقدر على لغة من يحكي وهم الحجازيون، وذلك قولك: من زيدا، لمن قال: رأيت زيدا، ومن زيد، لمن قال: مررت بزيد، فالفتحة والكسرة للحكاية، والرفع في موضعهما مقدر؛ لأن الواقع بعد «من» مبتدأ خبره «من» أو خبر مبتدؤه «من»، فإن كان المحكي مرفوعا رفع ما بعد «من» في اللغتين، وأجاز يونس (¬3) حكاية كل معرفة قياسا على العلم، فيجوز عنده أن يقال لمن قال: رأيت غلام زيد، ومررت بصاحب عمرو: من غلام زيد، ومن صاحب عمرو، وأجاز (¬4) أيضا حكاية النكرة بـ «من» في الوصل، ولا أعلم له في المسألتين موافقا. واختلف في حكاية العلم معطوفا على غير علم أو معطوفا عليه غير علم، فبعضهم أجاز وبعضهم منع (¬5)، نحو قولك: من سعيدا وابنه؟ لمن قال: رأيت سعيدا وابنه، ومن غلام زيد وعمرا؟ لمن قال: رأيت غلام زيد وعمرا» انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وانحل به ما ذكره في «التسهيل» غير قوله غالبا، وقوله: غير المتيقّن نفي الاشتراك فيه. فأما غالبا - فاحترز به من حكاية غير العلم من المعارف، من ذلك قول - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (2/ 413) (هارون) والمفصل (ص 148) والأشموني (4/ 91) وقال الصبان: «إنهم يجوزون الحكاية والإعراب، بل يرجحون الإعراب» حاشية الصبان (4/ 91). (¬2) وهم بنو تميم، انظر الكتاب (2/ 413) (هارون) وقال سيبويه «وهو أقيس القولين» وانظر المفصل (ص 148). (¬3) انظر المقتضب (2/ 308)، وقال المبرد: «وقد يجوز ما قال وليس بالوجه» وقال الأشموني (4/ 92): «والصحيح المنع». (¬4) قال في الكتاب (2/ 411) (هارون): «وزعم يونس أنه سمع أعرابيّا يقول: ضرب من منا، وهذا بعيد لا تكلم به العرب ولا يستعمله منهم ناس كثير». (¬5) منعه يونس وجوزه غيره واستحسنه سيبويه. انظر الكتاب (2/ 413، 414) (هارون). والأشموني (4/ 92).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم (¬1): ذهب مع منين، لمن قال: ذهب معهم، وستأتي إشارة المصنف إلى هذه المسألة، وذلك في غاية الندور، قال الزجاجي: لو قال: رأيته أو مررت به، لقلت: من هو، ولم يجز غير ذلك وقال سيبويه (¬2): حكاية مثل هذا من الأسماء المضمرة جائز على مذهب من قال: دعنا من تمرتان، وهو قبيح شاذ جدّا ليس مما يعوّل عليه. وأما قوله: غير المتيقّن نفي الاشتراك فيه، فاحترز به من العلم الذي يتيقن نفي الاشتراك فيه فإنه لا يحكى، فلا يقال: من الفرزدق لمن قال: رأيت الفرزدق، لأنه اسم يتيقّن نفي الاشتراك [5/ 210] فيه (¬3). وشمل قول المصنف: العلم - أقسامه الثلاثة التي هي: الاسم واللقب والكنية، والسبب في أن العرب قصروا حكاية المعرفة على العلم، وأنه لا يحكى إلا بـ «من» خاصة - ثلاثة أمور: أحدها: أن «من» اسم مبني فلا يظهر فيه قبح الحكاية لعدم ظهور الرفع، ولا يصح أن يجيء الخبر على صورة المنصوب والمجرور. ثانيها: أن الأعلام بابها التغيير؛ لأنها كلها منقولة إلا اليسير منها، فلذلك كثرت الشذوذات فيها إذ التغيير يأنس بالتغيير. ثالثها: خوف اللبس، لأنه إذا قال القائل: رأيت زيدا ولم تحك لفظه في الاستثبات وقلت: من زيد يتوهم السامع أنك لا تسأله عن زيد الذي ذكره، ومن ثمّ كان شرط الحكاية أن لا يدخل على «من» حرف عطف لزوال اللبس بدخول حرف العطف، لأنه قد علم أن المسؤول عنه إنما هو الأول، ولولا ذلك لم يسغ عطف كلامك على الكلام المتقدم. ذكر ذلك أبو الحسن بن عصفور (¬4) ثم قال (¬5): «فلما اجتمعت هذه الأشياء لم يكن بدّ من الحكاية عند أهل - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (2/ 412) (هارون). (¬2) انظر الكتاب (2/ 412) (هارون) وهو مفهوم عبارة سيبويه. (¬3) انظر الأشموني (4/ 92). (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 465) وقد نقله عنه بتصرف. (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحجاز» انتهى. وقوله عن الحجازيين: إنه لا بد من الحكاية عندهم في ما اجتمعت فيه هذه الأشياء، موافق لكلام المصنف؛ إلا أن الشيخ قال (¬1): «والمنقول أن الحجازيين قد يرفعون العلم على كل حال كلغة غيرهم، وقد يحكون إعرابه في كلام المتكلم، وبنو تميم يعربون ولا يحكون». وهذا النقل يخالف ما قاله المصنف وابن عصفور، ثم نقل الشيخ (¬2) عن صاحب «البسيط» أنه قال: «إذا أردت أن تحكي أكثر من اثنين، وكان كلّ مما يحكى على حدته، وكانا علمين، وفصلت بمن وكررتها مع الثاني، أدخلت حرف العطف على من وحكيت، فقلت لمن قال: ضربت زيدا وعمرا: من زيدا ومن عمرا، ولا يبطل دخول حرف العطف على الثاني، الحكاية؛ لأنه إنما يبطلها في الأول، وإن لم تعد من لم تكن الحكاية، لأن العطف يقرب من التثنية، والتثنية لا تحكى فكذلك العطف، وقد يجوز لأنه ليس كالتثنية من كل الوجوه، لأن التثنية إنما كانت مانعة لزوال العلمية والعطف لا يزيل ذلك» انتهى. وما قاله صاحب «البسيط» ليس ببعيد، لأن الامتناع من الحكاية مع حرف العطف المذكور أولا إنما كان للعلة التي عرفتها (¬3)، وتلك العلة مفقودة في المسألة التي ذكرها، وأما قوله: «إن العطف يقرب من التثنية» فهو أمر لا اعتبار له في ما الكلام فيه، ولا محقق لذلك في هذه المسألة. واعلم أن قول المصنف: فيحكيه الحجازيّون مقدّرا إعرابه بعد من - أن الإعراب يقدر في الأحوال الثلاثة (¬4)، أما في حالتي النصب والجر فظاهر، وأما في حالة الرفع فلأن الحركة الموجودة في نحو قولنا: من زيد، حكاية قول القائل: جاء زيد، إنما أتي بها للحكاية كما أتي بحركة النصب والجر، في قولنا: من زيدا، ومن زيد، وإذا كانت للحكاية وجب تقدير الحركة الإعرابية، وقد ذكر الشيخ (¬5) عن - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209. (¬2) المرجع السابق ورقة 210. (¬3) وهي خوف اللبس. وانظر حاشية الصبان (4/ 91). (¬4) لأن حرفه مشغول بحركة الحكاية. انظر الهمع (2/ 153). (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعضهم (¬1) أنه يقول: «إن الحركة حال حكاية المرفوع حركة إعراب، قال: لأنه لا حاجة إلى تكلف تقدير رفعه مع وجود أخرى» ولا يخفى ضعف هذا القول وبعده عن القواعد وعن الذوق أيضا. وذكر الشيخ (¬2) أيضا عن الفارسي (¬3) أنه يجعل الخبر بمن في قولنا: من زيدا ومن زيد - يعني إذا حكيت النصب أو الجر - جملة حذف أحد جزأيها وبقي الآخر وهو «زيد» المحكي. وهو كلام في غاية السقوط، والاشتغال بمثله يذهب لطائف أسرار الصناعة النحوية. وكذلك نقل (¬4) عن الكوفيين (¬5) ما يطول ذكره وهو لا يجدي شيئا، بل فيه خرم للقواعد وتشويش على الأذهان مع ضياع الزمان في تسويد الأوراق. ثم إن الشيخ عند كلامه على قول المصنف: ولا يقاس عليه سائر المعارف، ولا يحكى في الوصل بمن؛ خلافا ليونس في المسألتين - قال (¬6): «إذا كان الاسم المستثبت عنه معرفة غير علم، ففيه تفصيل لم يتعرض له المصنف، وهو إما أن يكون وصفا منسوبا أو غير ذلك. إن كان وصفا منسوبا فإنك تدخل على «من» الألف واللام و «ياء» النسب (¬7) فتقول: المنيّ، لمن قال: قام زيد القرشيّ إذا لم تفهم القرشي فاستثبت عنه، ويعرب إذ ذاك ويؤنث ويثنى ويجمع بالواو والنون، وبالألف والتاء، وتثبت هذه الزيادات في الوصل والوقف، فإن فهمت الصفة ولم تفهم الموصوف، لم تحك، بل تقول: من زيد القرشيّ؛ إلا على لغة من يحكي العلم المتبع وذلك قليل. - ¬

_ (¬1) هو أبو الحكم الحسن بن عبد الرحمن بن عذرة الخضراوي كما ذكره الشيخ في التذييل. وانظر الهمع (2/ 153)، وقد ترجم له السيوطي في بغية الوعاة (1/ 510). (¬2) التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209. (¬3) انظر الهمع (2/ 153). (¬4) أي الشيخ، انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209. (¬5) انظر الهمع (2/ 153). (¬6) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 210، 211 وقد نقله عنه بتصرف. (¬7) انظر الكتاب (2/ 415) (هارون).

[مسائل خمس في باب الحكاية]

[مسائل خمس في باب الحكاية] قال ابن مالك: (وفي حكاية العلم معطوفا أو معطوفا عليه خلاف [منعه يونس وجوّزه غيره واستحسنه سيبويه] (¬1) ولا يحكى موصوف بغير «ابن» مضاف إلى علم، وربّما حكي الاسم دون سؤال، وربّما حكي العلم والمضمر بـ «من» حكاية المنكّر، وربّما قيل: ضرب من منه ومنو منا، لمن قال: ضرب رجل [5/ 211] امرأة ورجل رجلا). - وإن كان غير وصف منسوب، لم تجز فيه الحكاية، نحو قولك: من صاحبك، ومن هذان، ومن الزيدان، هذا هو المختار، وأجاز بعضهم الحكاية أجراه مجرى العلم فيقول: من أخاك ومن أخيك، لمن قال: رأيت أخاك ومررت بأخيك، قال: وهذا المذهب هو الذي حكاه المصنف عن يونس. وليعلم أن ابن عصفور جعل الاستثبات عن نسب المسؤول عنه مسألة برأسها فقال (¬2): «وإذا استثبت عن نسب المسؤول عنه، قلت: المنّيّ في العاقل والمائيّ والماويّ في غير العاقل، وتجعله في الإعراب والتثنية والجمع والتأنيث والتذكير على حسب المسؤول عنه». قال ناظر الجيش: هذه مسائل خمس: الأولى: حكاية العلم معطوفا أو معطوفا عليه: قال المصنف في شرح الكافية (¬3): «واختلف في حكاية العلم معطوفا على غير علم أو معطوفا عليه غير علم، فبعضهم أجاز وبعضهم منع، نحو قولك: من سعيدا وابنه لمن قال: رأيت سعيدا وابنه، ومن غلام زيد وعمرا لمن قال: رأيت غلام زيد وعمرا» انتهى. واعلم أن عبارة المصنف يفهم منها أن الخلاف موجود، سواء أكان أحد - ¬

_ (¬1) أعاد الشارح المتن وشرحه مرة أخرى. (¬2) انظر المقرب (1/ 301). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1720).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتعاطفين علما أم غير علم، بخلاف ما ذكره في شرح الكافية. قال الشيخ (¬1): «مذهب يونس (¬2) رحمه الله، وجماعة، أن عطف أحد الاسمين على الآخر مبطل للحكاية، ومذهب غيره أن العطف لا يبطل الحكاية، فإذا كان الاسمان المتعاطفان من قبيل ما يحكى، حكيتهما، فتقول لمن قال: رأيت زيدا وعمرا: من زيدا وعمرا؟، وإن كان أحدهما من قبيل ما لا يحكى (¬3) والآخر ليس من قبيل ما يحكى بنيت على المتقدم منهما وأتبعته الآخر في الحكاية أو إبطالها. فتقول لمن قال: رأيت زيدا وصاحب عمرو: من زيدا وصاحب عمرو، ولمن قال: رأيت صاحب عمرو وزيدا: من صاحب عمرو وزيد». وهذا الذي ذكره الشيخ هو الذي ذكره ابن عصفور؛ فإنه قال (¬4): «فإن اجتمع ما يحكى مع ما لا يحكى بنيت الكلام على المتقدم، فتقول: من زيدا ورجلا، لمن قال: رأيت زيدا ورجلا، ومن رجل وزيد إن تقدم الرجل». لكن الشيخ نقل (¬5) عن صاحب «البسيط» أنه قال: «وحكى سيبويه (¬6) الجواز، فتقول: من زيدا وأخا عمرو، تتبع الكلام بعضه بعضا، ولأنهما لما اشتركا في العطف اكتسب أحدهما حكم الآخر، كما أنك تقول ذلك في: تبّا له وويلا له وويل، ومن قال هذا فهو أولى أن يقول: من زيدا وعمرا». قال (¬7): «وفي الإفصاح قال سيبويه (¬8): وأما ناس فقاسوا فقالوا: تقول: من أخو زيد وعمرو، ومن عمرا وأخا زيد، فتتبع الكلام بعضه بعضا، قال سيبويه: وهذا أحسن» انتهى ما ذكره الشيخ. واستفيد من المنقول عن سيبويه أن العطف غير مبطل للحكاية، وإن كان - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 212. (¬2) انظر الكتاب (2/ 413، 414) (هارون). (¬3) بالأصل: من قبيل ما لا يحكى، وما أثبتناه هو الصواب. (¬4) انظر المقرب (1/ 298). (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 212. (¬6) انظر الكتاب (2/ 414) (هارون). (¬7) أي الشيخ، انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 212. (¬8) انظر الكتاب (2/ 414) (هارون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحد المتعاطفين غير صالح لها، فكيف إذا كان كلاهما صالحا لذلك؟ المسألة الثانية: العلم المنعوت لا يحكى مع نعته: قال المصنف في شرح الكافية (¬1): «وأما حكاية العلم بصفته فجائزة إن كان الوصف بابن مضاف إلى علم، كقولك (¬2): من زيد بن عمرو، لمن قال: مررت بزيد بن عمرو، فإن وصف بغير ذلك لم يجز أن يحكى بصفته، بل إن حكي حكي بدونها» انتهى. واعلم أنه كما امتنعت حكاية المنعوت بغير «ابن» هكذا يمتنع ما أتبع بتوكيد أو عطف بيان أو بدل. ومن ثمّ قال ابن عصفور (¬3): «ولا يحكى إلا بشرط أن لا يكون الاسم المحكي متبعا بتابع من التوابع ما عدا العطف، إلا أن يكون الاسم التابع مع المتبع كالشيء الواحد، فإنه يجوز حكايته نحو: زيد بن عمرو». فلهذا قال الشيخ (¬4): «وفي قول المصنف: ولا يحكى موصوف - قصور؛ إذ حكم التوكيد وعطف البيان والبدل حكم النعت، قال: فلو قال: ولا يحكى متبع إلا موصوف بابن مضاف إلى العلم كان جامعا، قال: والفرق بين العطف وبين غيره من التوابع: أن العطف ليس فيه بيان للمعطوف عليه، بخلاف غيره من التوابع فإن فيه بيان أن المتبوع هو الذي جرى ذكره في كلام المخبر، وأما في العطف فلا يبين ذلك بيانا تامّا إلا بالحكاية وإيراد لفظ المخبر في كلام الحاكي على حاله من الحركات». المسألة الثالثة: وهي المشار إليها بقوله: وربّما حكي الاسم دون سؤال: والذي يظهر أنه قصد بذلك الإشارة إلى ما ذكره في شرح الكافية وهو قوله (¬5): ومن العرب من يحكي الاسم النكرة مجردة من «أيّ» و «من» ومنه قول بعضهم: ليس بقرشيّا (¬6) رادّا على من قال: إن في الدار قرشيّا أو نحو ذلك، ومنه - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1720). (¬2) انظر الكتاب (2/ 414) (هارون). (¬3) انظر المقرب (1/ 298). (¬4) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 212. (¬5) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1721). (¬6) انظر الكتاب (2/ 413) (هارون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا قول من قال: دعنا من تمرتان (¬1)، وقول الشاعر: 4177 - وأجبت قائل كيف أنت بصالح ... حتّى مللت وملّني عوّادي (¬2) أدخل الباء على «صالح» وتركه مرفوعا كما كان يكون لو لم تدخل عليه الباء ويمكن أن يكون من هذا ما كتب بواو في خط الصحابة رضي الله تعالى عنهم: فلان بن أبو فلان، كأنه قيل: فلان بن المقول فيه أبو فلان، والمختار فيه عند المحققين أن يقرأ بالياء وإن كان مكتوبا بالواو كما تقرأ: الصلاة والزكاة، بالألف، وإن كانا مكتوبين بالواو تنبيها على أن المنطوق به منقلب عن «واو». انتهى. ولكن الشيخ شرح هذا الموضع بأن قال (¬3): «فسر قوله: وربّما حكي الاسم دون سؤال، بقول الله تعالى: يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (¬4) قال: فإبراهيم ليس مسؤولا عنه، وقد حكي هذا اللفظ لأنه كان اسمه: إبراهيم، فحكي هذا اللفظ وأعراب وجعل مفعولا لم يسم فاعله». ثم ذكر (¬5) اختلاف الناس في تخريج قوله تعالى: يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ وأورد ثلاثة الأقوال المشهورة وهي (¬6): أنه إما مفعول صريح لـ «يقال» وإما منادى حذف منه حرف النداء، وإما أن يكون مرفوعا بالإهمال، وقال: إذا كان مفعولا صريحا لـ «يقال» فيكون من حكاية المفرد». انتهى. ولم ينتظم لي قوله أولا «فحكي هذا اللفظ وأعرب وجعل مفعولا لم يسم فاعله» ولا قوله ثانيا: «فيكون من حكاية المفرد» مع قوله «إنه مفعول صريح ليقال» إذ حركة الحكاية غير حركة الإعراب. ثم إن المصنف يرى أن الكلمة إذا أريد مجرد لفظها ووجه إليها القول نصبتها - ¬

_ (¬1) انظر المرجع السابق. (¬2) البيت من الكامل وهو لقائل مجهول. والعوّاد جمع عائد وهو من يزور المريض. والشاهد فيه هنا: حكاية الاسم النكرة مجردة من أي ومن، فأدخل الباء على «صالح» وتركه مرفوعا كما كان يكون لو لم تدخل عليه، وهو قبل دخولها عليه مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف أي: أنا صالح، ونحو ذلك. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 212. (¬4) سورة الأنبياء: 60. (¬5) أي الشيخ أبو حيان. (¬6) انظر البيان للأنباري (2/ 162)، والتبيان للعكبري (921).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مفعولا بها، فتقول: قلت زيدا، قلت عمرا، وقوله تعالى: يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (¬1) عنده من هذا القبيل، فلما بني الفعل [5/ 212] للمفعول أقيم المنصوب مقام المرفوع، وتقدم له ذكر هذه المسألة في باب «الأفعال الناصبة المبتدأ والخبر مفعولين» وقررها أحسن تقرير، فليس «إبراهيم» من قوله تعالى: يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ من الحكاية عند المصنف في شيء، وإذا كان كذلك فكيف يفسر كلامه بشيء قد نص هو فيه على خلافه؟ وبقية كلام الشيخ في هذه المسألة لم يتحقق لي فتركت إيراده. المسألة الرابعة: أن العلم والمضمر قد يحكيان بـ «من» حكاية المنكّر، وقد تقدم ذكر شيء من ذلك. قال ابن عصفور (¬2): «ومن العرب من يجري سائر المعارف مجرى النكرة في الاستثبات بمن وبأيّ، سمع من العرب من يقال له: ذهب معهم، فيقول: مع منين (¬3)؟ والأحسن أن يقول: من هم؟ فلا يحكي». ولما كانت عبارة ابن عصفور أعم من عبارة المصنف في هذه المسألة - قال الشيخ (¬4): «وفي قوله - يعني المصنف -: ويحكى العلم والمضمر، قصور، وكذا في قوله: من قصور أيضا، وكان ينبغي أن يقول: وربما حكيت المعرفة، ليشمل العلم والمضمر وغيرهما، وأن يقول: بأيّ وبمن ولا يخصص من». المسألة الخامسة: وهي: ربما قيل: ضرب من منه ومنو منا، لمن قال: ضرب رجل امرأة، ورجل رجلا، أما: ضرب من منه فذكروا أن حركاتهما حركة إعراب. قال ابن عصفور (¬5): «وحكى يونس (¬6) أن بعض العرب يعرب من ويحكي بها النكرات، كما يحكي بأيّ، وسمع من كلامهم: ضرب من منا، وعلى هذه اللغة قوله: 4178 - أتوا ناري فقلت: منون أنتم ... فقالوا: الجنّ، قلت: عموا ظلاما (¬7) - ¬

_ (¬1) سورة الأنبياء: 60. (¬2) انظر المقرب (1/ 300). (¬3) انظر الكتاب (2/ 412) (هارون). (¬4) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 212. (¬5) انظر المقرب (1/ 300). (¬6) انظر الكتاب (2/ 410، 411) (هارون). (¬7) سبق شرحه والتعليق عليه.

[حكاية التمييز]

[حكاية التمييز] قال ابن مالك: (ويقال في حكاية التّمييز لمن قال: عندي عشرون: عشرون ماذا؟ وعشرون أيّا؟ على رأي). ـــــــــــــــــــــــــــــ فأثبت علامة الجمع في الوصل كما يفعل بأيّ، وهذه اللغة من الندور بحيث لا يقاس عليها». انتهى. قال الشيخ بهاء الدين بن النحاس في شرح هذا الموضع (¬1): «قال سيبويه (¬2): وهذا بعيد لا يتكلم به ولا تستعمله العرب، ولا يستعمله ناس كثير، وكان يونس إذا ذكرها يقول: لا يقبل هذا كلّ أحد، وينبغي لهذا أن لا يقول: منو في الوقف، ولكن يجعله كأيّ - يعني يجعلها معربة، كأيّ ويخلع منها معنى الاستفهام - فلذلك استبعده يونس. قال: وأما تخريج البيت (¬3) فالذي خرجه عليه أحسن من تخريج الزمخشري وهو (¬4) أن الشاعر ارتكب شذوذين: إلحاق العلامة في الدّرج، وتحريك النون، قال شيخنا - يعني ابن عمرون - في البيت: فإنما يجوز: منون على ذا، يعني على حكاية يونس فيها الإعراب» انتهى. وهو كلام حسن غير أنه يقتضي أن كلمة «أيّ» في قولنا في الحكاية: أي تكون معربة. وقد عرفت أن القول بالإعراب ينافي الحكاية، على أن ابن عصفور قد صرح بالإعراب في الصور كلها كما تقدم نقلنا ذلك عنه، وفي ذلك الإشكال الذي تقدم لنا ذكره. وأما قول المصنف: ومنو منا - فإشارة إلى أن حركة «من» والإشباع يثبتان في الوصل، كما أنهما يثبتان في الوقف وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك. قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬5): وليس هذا من حكاية التمييز؛ إذ لم ينطق به المتكلم، وإنما هذا من الاستفهام - ¬

_ (¬1) انظر كتاب التعليقة على المقرب لابن النحاس ورقة (125). (¬2) انظر الكتاب (2/ 411) (هارون) وقد نقله بتصرف. (¬3) القائل هو الشيخ بهاء الدين بن النحاس. والبيت هو قوله: أتوا ناري فقلت: منون أنتم ... البيت. (¬4) انظر المفصل (ص 147، 148). (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 213، وقد نقله عنه بتصرف.

[حكاية المفرد المنسوب إليه حكم للفظه]

[حكاية المفرد المنسوب إليه حكم للفظه] قال ابن مالك: (ويحكى المفرد المنسوب إليه حكم هو للفظه، أو يجرى بوجوه الإعراب اسما للكلمة أو للّفظ). ـــــــــــــــــــــــــــــ المستأنف عن التّمييز ليس من باب «الاستثبات» عن التمييز إذ لم يجر ذكره في الكلام المتقدم. ثم دل قوله: على رأي، أن منهم من يمنع ذلك، ومستند المانع: أن التمييز لا يكون بأسماء الاستفهام؛ لأنه يلزم من ذلك تقدم العامل فيها عليها ولا يجوز ذلك. ولا شك أن هذا التركيب يلزم منه أن يكون «عشرون» ناصبا لـ «ماذا»، ولقولنا «أيّا» وهو متقدم عليها، ومعلوم أن ذلك غير جائز». قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬1): «وإذا نسب إلى حرف أو غيره حكم هو للفظه دون معناه، جاز أن يحكى وجاز أن يعرب بما يقتضيه العامل، فمن الحكاية قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إيّاكم ولو فإنّ لو تفتح عمل الشّيطان» (¬2) ومنه قول الشاعر: 4179 - بثين الزمي لا إنّ لا إن لزمته ... على كثرة الواشين أيّ معون (¬3) ومن الإعراب قول الشاعر: 4180 - ليت شعري وأين منّي ليت ... إنّ لوّ أو إنّ ليتا عناء (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1722، 1723). (¬2) انظر مسند ابن حنبل (2/ 366، 370). (¬3) سبق شرحه والتعليق عليه في باب: ما زيدت الميم في أوله من هذا التحقيق. والشاهد فيه هنا: حكاية الحرف «لا». (¬4) سبق شرحه والتعليق عليه في باب أسماء الأفعال والأصوات من هذا التحقيق. والشاهد فيه هنا: إعراب الحرف بما يقتضيه العامل، فأعرب «ليت» خبرا لـ «أين» ورفعها، وأعرب «لو» و «ليت» اسما لـ «إنّ» ونصبهما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفي حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وأنهاكم عن قيل وقال» (¬1) على الحكاية (¬2) و «عن قيل وقال» على الإعراب (¬3). ثم إن الأداة التي يحكم لها بالاسمية في هذا الاستعمال إن أوّلت بكلمة منعت الصرف، وإن أوّلت بلفظ صرفت». وقال الشيخ في شرح هذا الموضع (¬4): «مثال ذلك: أن يقول القائل: ضربت زيدا، فتقول: زيدا مفعول فتحكي الكلمة، أو تعربها، فتقول: زيد مفعول، وتجريه إذا أعربته بوجوه الإعراب، فيكون اسما للكلمة، فتؤنث ما يعود عليها من الضمائر، وتخبر عنها إخبار الذّكر، فتقول: زيد مفعولة، أي هذه الكلمة، أو: زيد مفعول أي: هذا اللفظ». وقال (¬5) في قول المصنف: أو يجرى بوجوه الإعراب: «هذا إذا كان مما يقبل الإعراب، فإن كان مبنيّا حكيته، ولا يجوز إعرابه، نحو أن يقول قائل: قام من في الدار، فتقول: من موصول ولا يجوز: من موصول، وكذلك لو قيل: عجبت من عمرو، لقلت: من حرف جر، ولا يجوز: من حرف جر. وحكم الإسناد اللفظي أن يكون للمسند إليه ما يستحقه من إعراب وبناء لو أسند إلى معناه فتقول: زيد ثلاثي فتعربه كما يعرب: زيد قائم، واضرب فعل أمر، فتتركه مبنيّا كحاله إذا أمرت المخاطب به، فقلت: اضرب، ومن حرف جر كحاله إذا قلت: عجبت من زيد». انتهى. وما ذكره من أن الكلمة إذا كانت مبنية وحكيت [5/ 213] لا يجوز إعرابها - ليس على إطلاقه، وإنما يتعين البناء إذا كانت الكلمة مسندا إليها ما هي موضوعة له، كقولنا: - ¬

_ (¬1) جزء من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رواه البخاري عن المغيرة في كتاب «الدعوات» باب «ما يكره من قيل وقال» انظر صحيح البخاري (4/ 125) بحاشية السندي، ورواه مسلم في كتاب «الأقضية» الحديث: 10، 13، 14، ورواه الإمام مالك في الموطأ (2/ 990) برواية «ويسخط لكم قيل وقال». (¬2) انظر الكتاب (3/ 268) واللسان (قول). (¬3) انظر المرجعين السابقين. (¬4) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 213. (¬5) أي الشيخ، وانظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 213.

[حكم حكاية السؤال بالهمزة]

[حكم حكاية السؤال بالهمزة] قال ابن مالك: (فصل: إن سأل بالهمزة عن مذكور منكر اعتقاد كونه على ما ذكر، أو بخلافه، حكاه غالبا ووصل منتهاه، ولو كان صفة أو معطوفا في الوقف جوازا، بمدّة تجانس حركته إن كان متحرّكا، أو بياء ساكنة بعد كسرة، إن كان تنوينا، أو نون «إن» تلي المحكيّ توكيدا للبيان، وربّما وليت دون حكاية ما يصحّ به المعنى كقول من قيل له: أتفعل: أأنا إنيه؟ وقد يقال: أذهبتوه لمن قال: ذهبت، وأ أنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل، فإن فصل بين الهمزة والمذكور «تقول» أو نحوه، أو كان السّائل واصلا، أو غير منكر ولا متعجب لم تلحق هذه الزّوائد). ـــــــــــــــــــــــــــــ ضرب فعل ماض، ومن حرف جر؛ لأن «ضرب» إنما يكون فعلا ماضيا إذا كان آخره مفتوحا، لا إذا كان آخره مضموما، وحرف الجر إنما هو «من» بالسكون لا «من» بالحركة وإذا كان كذلك، وجب بقاء كل من الكلمتين على بنائه الذي هو موضوع عليه. أما لو ذكرت الكلمة مخبرا عنها بأمر ليس ذلك الأمر موضوعها، كما في قول الشاعر: 4181 - إن لوّا وإنّ ليتا عناء (¬1) أو كان القصد بذكرها مجرد اللفظ بها كما في الحديث الشريف: «وأنهاكم عن قيل وقال» - فإن الإعراب جائز كما أن الحكاية جائزة (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬3): «حرف الإنكار مدّة زائدة تلحق المحكيّ بعد همزة الاستفهام، متصلة بآخره، مجانسة لحركته، أو بعد كسرة تنوينه إن كان منونا، أو بعد كسرة نون «إن» مزيدة بعد الآخر، كقولك في: هذا - ¬

_ (¬1) سبق شرحه والتعليق عليه في باب أسماء الأفعال والأصوات. (¬2) انظر الكتاب (3/ 268). (¬3) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1725، 1726).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عمر: أعمروه؟ وفي رأيت عثمان: أعثماناه؟ وفي لقيت حذام: أحذاميه (¬1)؟ وفي قدم زيد: أزيدنيه؟ أو أزيد أنيه؟ وله معنيان: أحدهما: إنكار أن يكون الأمر على ما ذكر المخاطب. والثاني: إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر. ومن الثاني قول رجل من العرب إذ قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟: أأنا إنيه؟ منكرا لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج (¬2)، وهذا إنكار بلا حكاية، وكذا قولك: أأنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل، وإن فصلت هذه الهمزة بقول لم يجز لحاق مدة الإنكار، كقولك لمن قال: هذا عمر: أتقول عمر؟ وكذلك إذا لم يكن المنكر واقفا كقولك لمن قال: رأيت عثمان: أعثمان يا فتى؟ وكذا إذا لم يكن المستفهم منكرا. وإن كان الواقع بعد هذه الهمزة منعوتا، أو معطوفا أو معطوفا عليه، فموضع حرف الإنكار آخر النعت وآخر المعطوف، كقولك لمن قال: لقيت زيدا وعمرا: أزيدا وعمرنيه؟ ولمن قال: ضربت زيدا الطويل: أزيدا الطويلاه؟» انتهى. واعلم أن مدة الإنكار لما كانت تتصل غالبا بما يحكى أورد المصنف ذكر أحكامها في باب «الحكاية» فعقد لها هذا الفصل، ثم من المعلوم أن المراد بالاستفهام هنا إنما هو الإنكار؛ إذ الإنكار أحد المعاني التي تتولد منه، وإذا كان الأمر كذلك فلا يناسب قوله: إن سأل بالهمزة عن مذكور منكر - لأن المنكر ليس بسائل، وقوله في شرح الكافية: «حرف الإنكار مدة زائدة تلحق المحكي بعد همزة الاستفهام» أحسن من قوله هنا: إن سأل بالهمزة، وقد عرف من كلامه - أعني في التسهيل - ثلاثة أمور: الأول: أن مدة الإنكار لا بد أن تتقدمها همزة، وإنما كان كذلك لأن المراد الإنكار، والمدة لا دلالة لها عليه، وإنما الدال عليه الهمزة. - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (2/ 421) (هارون). (¬2) انظر الكتاب (2/ 420) (هارون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني: أن لحاقها الكلمة جائز لا واجب، فلك مع قصد الإنكار أن لا تلحق وهذا يحقق لك أن الإنكار إنما يستفاد من الهمزة. الثالث: أنها إذا لحقت فإنما تلحق المحكي في الغالب، فأفاد ذلك أنها قد تلحق غير المحكي؛ لكن ذلك قليل. وإذ قد علم هذا فلنرجع إلى شرح ألفاظ الكتاب. فقوله: إن سأل بالهمزة - قد عرف اشتراط ذلك، أعني تقدم الهمزة. وقوله: عن مذكور - إعلام بأنه لا بد أن يسبق في كلام المتكلم الكلمة التي تلحقها المدّة المذكورة، فلو لم يتقدم ذكر لم تلحق العلامة، كما لو أنكرت ابتداء ضرب عمرو مثلا لقلت: أضربت عمرا؟ دون إلحاق. وقوله: منكر اعتقاد كونه على ما ذكر أو بخلافه - قد تقدم بيانه بما ذكره في شرح الكافية حيث قال: إن له معنيين أحدهما: إنكار أن يكون الأمر على ما ذكر المخاطب، والثاني: إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر. ومثّل للثاني بقول بعض العرب، وقد قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟: أأنا إنيه؟ منكرا لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج، المعنى: كيف لا أخرج إن أخصبت البادية؟ والذي فهمته أنه منكر على نفسه أن لا يخرج؛ حيث اقتضى استفهام المتكلم أن المخاطب بالاستفهام يستوي عنده الأمران، أو أنه قد لا يخرج، فلما اقتضى كلام المتكلم ذلك أنكر المخاطب ذلك على نفسه، كأنه يقصد بذلك الرد على ما توهمه المستفهم، والشيخ جعله منكرا لرأي المتكلم أن يكون على خلاف الخروج. قال (¬1): «كأنه قال: كيف لا أخرج إن أخصبت البادية؟ فأنكر كونه استفهم عن شيء لا ينبغي أن يستفهم عنه؛ لأنه لا بد من وقوعه». وما قاله الشيخ ليس ببعيد، والأمر في ذلك قريب؛ إذ المراد حصول الإنكار في الجملة كائنا على من يكون. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 214.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثم قال الشيخ (¬1): «وأنا في قوله: أأنا إنيه؟ مرفوع بأخرج لأن «أنا» هو المضمر في: أتخرج؟ فأدخل الهمزة على ذلك الكلام» انتهى. ولم أتحقق قوله: «لأن أنا هو المضمر في أتخرج؟» لأن المضمر في «أتخرج» إنما هو «أنت» إلا أن يريد الشيخ بهذا الذي قاله [5/ 214] أن «أنت» المضمر في «أتخرج» المراد به إنما هو المخاطب الذي عبّر عن نفسه بـ «أنا» فذاك شيء آخر، ثم إذا كان «أنا» مرفوعا بـ «أخرج» كما قال، لزم أن يكون منكرا أن يخرج، والغرض أنه منكر أن لا يخرج. والذي يظهر أن «أنا» مبتدأ خبره محذوف، التقدير: أأنا لا أخرج؟ يدل على ذلك سياق الكلام المتلوّ بالإنكار. وقوله: حكاه غالبا - إشارة إلى أن مدة الإنكار قد يؤتى بها دون حكاية، وسيذكر ذلك. وأما قوله: ووصل منتهاه، إلى قوله: إن كان تنوينا - ظاهر، وقد تضمن نقلنا عنه من شرح الكافية شرح ذلك. ولما تكلم الشيخ على قوله: أو بياء ساكنة بعد كسرة إن كان تنوينا؛ ومثّل لذلك بقولك لمن قال: قام زيد: أزيدنيه؟ قال (¬2): «فإن كان قد حذف آخر الاسم لأجل التنوين نحو: رام وعصا، فالقياس أن يكسر كتنوين زيد لأنه حال وصل فيرجع المحذوف حينئذ فتقول: أعصانيه؟ وأرامينيه؟ وإنما رجع لأن سبب حذفه كان سكون التنوين وقد زال العارض بتحريكه. وقد يقال: حكمه حكم الأول إبقاء للحكاية، فتقول: أرامنيه؟ وأعصنيه؟ فلا يرد المحذوف. فإن كان الآخر ساكنا لا يقبل الحركة نحو: موسى والقاضي، وتغزو وترمي، فتقول في الإنكار: أموساه؟ وأألقاضيه؟ فتأتي بمدة الإنكار مناسبة للحرف الساكن، ويحذف ذلك الحرف لالتقاء الساكنين كما تحذفه في نحو: موسى الكتاب، ويرمي الرجل، وقيل: لا يكون هذا لأنه يقدح الحكاية، وإنما الوجه أن يفصل بين الاسم وبين حرف الإنكار بـ «إن»، فتليه النون مع المد فيرجع حرف المد - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 214.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ياء فتقول: أموسى إنيه؟ وكذلك في كلها وهو الصحيح، وقد قالوا: أأنا إنيه؟ ولو كان الأول لقالوا: أأنا؟ فإن كان الحرف ياء إضافة في لغة من سكّن، فلك أن تحذف كما حذفت في النّدبة حين قلت: واغلاماه على قول من لا يلحق «إن» ولا يجوز ذلك على قول من يلحقها لزوال الحكاية، بل يأتي بـ «إن» والفرق بينها وبين النّدبة قصد الحكاية». ثم لما تكلّم على نون «إن» قال (¬1): فإذا أكدت بـ «إن» لزم إذ ذاك أن يكون حرف الإنكار ياء لأن قبلها ساكنا يقبل الحركة، فتقول مثلا لمن قال: قام أحمد: أحمد إنيه؟ فإن كان آخر الاسم منوّنا وألحقت «إن» جاز فيه ثلاثة أوجه: أحدها: إقرار التنوين ساكنا وتحقيق همزة «إن» فتقول: أزيد إنيه؟ والثاني: نقل كسرة الهمزة إلى التنوين وتحريكه بحركتها وتحذفها، فتقول: أزيدننيه؟ والثالث: أن تدغم نون التنوين في نون «إن» المكسورة بعد النقل المذكور فتقول: أزيدنّيه؟ وذكر بعد ذلك عن ابن هشام وابن أبي الربيع كلاما يتضمن أن الهمزة حذفت وأدغمت التنوين في النون المكسورة للحاق مدة الإنكار، قال (¬2): وقال ابن أبي الربيع: ولا يقال إن الهمزة نقلت كسرتها فالتقت النونان فوقع الإدغام. وأطال الكلام في تقرير كلام ابن أبي الربيع فتركت إيراده لك خشية الإطالة. وأما قوله - أعني المصنف -: وربّما وليت دون حكاية ما يصحّ به المعنى كقول من قيل له: أتفعل: أأنا إنيه؟ - فقد عرفت قوله في شرح الكافية: «وهذا إنكار بلا حكاية» مشيرا بذلك إلى قول القائل: أأنا إنيه؟ جوابا لمن قال له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقد وليت «إن» دون حكاية الضمير الذي هو «أنا» وهو يصح به المعنى. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 214، 215. (¬2) المرجع السابق (خ) جـ 5 ورقة 215.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ (¬1): «لأنه قال: أتخرج؟ فخاطبه وفي «تخرج» ضمير الخطاب مستكنّا فلا يبرز فتلحقه «إن» فأدخله على «أنا» ولم يحك كلام القائل وصح به المعنى والإنكار الذي أراده، قال: وقال سيبويه (¬2): ومن قال: أذهبتوه؟ قال: أأناه؟ يريد أنه يدخل المدّة على «أنا» فيقول: أأناه؟ وتأويل القائل أنه حذف الألف الأولى خطأ بيّن؛ لأنه لا ألف؛ لأن الألف في الوقف وكتبها «أنا» بالألف إنما ذلك على حالة الوقف كما يكتبون: رأيت زيدا بالألف لتبيين حالة الوقف» انتهى. وهو كلام حسن إلا أني لم أتحقق قوله: «فأدخله على أنا» لأن «إن» لم تدخل على «أنا» في قول القائل: أأنا إنيه؟ وأما قوله: وقد يقال أذهبتوه؟ لمن قال: ذهبت، وأأنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل فأشار به إلى مسألتين: الأولى: حكى فيها كلام المتكلم، ووصلت علامة الإنكار بآخر الجملة، وكانت «واوا» لأجل ضمة التاء، ودلت كلمة «قد» على أن إلحاق العلامة في نحو هذا قليل، وكان قياسه أن لا يحكى، بل يقال: أأنت إنيه؟ لأن الضمير في «ذهبت» لا ينفصل، فتلحقه علامة الإنكار، فكان يكون نظير: أأنا إنيه؟ حيث لم يمكن انفصال الضمير في «أتخرج؟» هذا كلام للشيخ (¬3) وعليك أن تتأمله. المسألة الثانية: هي أن يقال: أأنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل. قال الشيخ (¬4): «أمكن إدخال الهمزة وإلحاق العلامة في أنا؛ لأنه ضمير منفصل» انتهى. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 215. (¬2) عبارة الكتاب (2/ 422) (هارون): «وقد يقول الرجل: إني قد ذهبت، فتقول: أذهبتوه؟ ويقول: أنا خارج، فتقول: أنا إنيه؟ تلحق الزيادة ما لفظ به، وتحكيه مبادرة له وتبيينا أنه ينكر عليه ما تكلّم به». (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 215. (¬4) المرجع السابق.

[إلحاق حرف مد آخر المحكي]

[إلحاق حرف مد آخر المحكي] قال ابن مالك: (فصل؛ إذا نطق بكلمة متذكّر غير قاصد للوقف، وصل آخرها بمدّة تجانس حركته إن كان متحرّكا، وبياء ساكنة بعد كسرة إن كان ساكنا صحيحا، ولا تلي هذه الزّيادة هاء السّكت بخلاف زيادة الإنكار). ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم أتحقق ما المراد بقول القائل: أأنا إنيه؟ بعد قول من قال: أنا فاعل؟ والظاهر أن المقصود بهذا الكلام الإنكار على المتكلم ما تكلّم به من قوله: أنا فاعل كذا، كأن المخاطب أنكر عليه الإخبار عن نفسه بما أخبر. وأما قوله: فإن فصل بين الهمزة والمذكور «تقول» أو نحوه، إلى آخره؛ فإنه يشير إلى ما تقدم لنا نقله عنه من شرح الكافية، قيل: وسبب عدم لحاق هذه الزوائد عند وجود ما ذكره أنك [5/ 215] لم تحك كلام المتكلم حيث زدت فيه شيئا لم يذكره هو فصار نظير دخول حرف العطف على «من» في حكاية الأعلام؛ لأن دخوله صار دليلا على أنك لا تريد حكاية لفظه؛ لأن العطف مناف للحكاية؛ لأنه يصير إذ ذاك عطف جملة على جملة، فإذا قلت لمن قال: قام أحمد: أتقول أحمد؟ وكنت منكرا مثلا فإنما يفهم الإنكار بقرينة أخرى غير المدّة الموضوعة لذلك. ومثال الفصل بنحو «تقول»: أن تقول: أأليوم أحمد؟ لمن قال: جاء أحمد، وكذلك الحكم إذا وصلت أو كنت غير منكر، وكذا إذا كنت غير متعجّب أيضا، وهذا يدل على أن التعجّب بمنزلة الإنكار. قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬1): «وإذا نطق المتكلم بكلمة، فقصد تذكّر ما يتصل بها دون قطع لكلامه وصل آخر الكلمة بمدة تجانس حركته إن كان متحركا، نحو قول من قصد ذلك بعد نطقه بـ «قال»: قالا، وبعد نطقه بـ «يقول»: يقولو، وبعد نطقه بـ «من العام»: من العامي، وإن كان الآخر ساكنا صحيحا كـ «لام التعريف» ودال «قد» كسر ووصل بياء، قال سيبويه (¬2): - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1728). (¬2) انظر الكتاب (4/ 216).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سمعناهم يقولون: إنه قدي وألي - يعني في قد فعل وفي الألف واللام إذا تذكّر الحارث ونحوه - قال (¬1): وسمعنا من يوثق به يقول: هذا سيفني، يريد: سيف من صفته كيت وكيت. ولا توصل مدّة التذكّر بهاء السكت؛ لأن المتذكّر ليس واقفا، وهاء السكت إنما تزاد في الوقف، أو فيما ينوي الوقف عليه، وأما مدة الإنكار فالأجود وصلها بهاء السكت؛ لأن المنكر واقف ولو لم يقف لم يأت بالمدة الدالة على الإنكار» انتهى. وقد تضمن ذلك شرح ما ذكره في «التسهيل»، واحترز بقوله: إن كان ساكنا صحيحا - من أن يكون الآخر ساكنا معتلّا، فإنه إن كان كذلك كان مدّه ممكنا، فيستغنى بمدّه عن إلحاق علامة إن كان حرف مدّ ولين. * * * ¬

_ (¬1) أي سيبويه. المرجع السابق.

الباب الثامن والستون باب الإخبار

الباب الثامن والستون باب الإخبار [شروط الاسم المخبر عنه] قال ابن مالك: (شرط الاسم المخبر عنه في هذا الباب إمكان الاستفادة والاستغناء عنه بأجنبيّ، وجواز استعماله مرفوعا مؤخّرا هو أو خلفه المنفصل مثبتا منوبا عنه بضمير، وأن يكون بعض ما يوصف به من جملة أو جملتين في حكم واحدة، وإن كان معطوفا أو معطوفا عليه فيشترط اتّحاد العامل حقيقة أو حكما). قال ناظر الجيش: أطلق المصنف الترجمة هنا، ومراده الإخبار بـ «الذي» وفروعه وب «الألف واللام»، وليعلم أولا أن الإخبار في هذا الباب إنما هو عن الذي؛ حتى قال ابن أبي الربيع رحمه الله تعالى: «جواب النحويين في هذا الباب مخالف لسؤالهم، فإنهم قالوا في جواب: أخبر عن زيد بالذي، من: قام زيد: الذي قام زيد، فجعلوا «الذي» مبتدأ و «زيدا» خبره. وهو عكس السؤال، قال: وقد تكلم المتأخرون في ذلك فقال بعضهم: هو على القلب، والقلب إذا فهم المعنى صحيح في كلامهم، حكى سيبويه: أدخلت القلنسوة في رأسي، وإنما الكلام: أدخلت رأسي في القلنسوة، وعلى هذا أخذ المبرد قوله تعالى: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (¬1) التقدير: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه، والنّوء: النهوض بثقل، والعصبة الجماعة من الإبل، وكذا قول امرئ القيس: 4182 - كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل (¬2) وقول الآخر: - ¬

_ (¬1) سورة القصص: 76. (¬2) هذا عجز بيت من الطويل وصدره: كميت يزلّ اللّبد عن حال متنه وهو في ديوانه (ص 20). واستشهد به: على أن قوله «كما زلت الصفواء بالمتنزل» على القلب أي: كما زل المتنزل بالصفواء، والبيت في حاشية الدمنهوري (ص 91)، واللسان (صفا) و «الصفواء»: العريض من الحجارة الأملس.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4183 - ديار الّتي كانت ونحن على منى ... تحلّ بنا لولا نجاء الرّكائب (¬1) أي كما زل المتنزل بالصفواء، ويحل بها، ثم قلت: لفهم المعنى، وسيبويه والأكثرون يذهبون إلى أن الباء بمنزلة الهمزة والتقدير: ما إن مفاتحه لتنيء العصبة أي: تجعلها تنهض بثقل، وكذلك كما أزلت الصفواء المتنزل وتحلنا، وجعلوا هذا كله بمنزلة: تكلم فلان فما سقط بحرف، المعنى: فما أسقط حرفا. وعلى الجملة قد اتفق النحويون على صحة القلب واستقراره في كلام العرب، وإنما وقع اختلافهم في حزبيات: يذهب واحد إلى القلب، ويذهب آخر إلى غيره لما يترجح عنده، فجاء كلام النحويين في هذا على القلب الثابت من كلامهم، فيكون مرادهم بقولهم: أخبر عن زيد بالذي: أخبر عن الذي بزيد، ومنهم من قال: هذا على وضع حرف مكان حرف، التقدير: أخبر عن الذي بزيد، فوضع «عن» موضع «الباء» ووضع «الباء» موضع «عن»، وقد جاء قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (¬2) أي: عنه، وقالوا: رميت عن القوس أي: بالقوس، والتأويل الأول عندي أقرب، لأن البصريين لا يرون هذا الثاني (¬3)، وقيل: لما كان المعنى واحدا تسامحوا في الجواب والسؤال، ألا ترى أنك إذا قلت: الذي قام زيد، وزيد الذي قام - لم يكن بينهما فرق في المعنى. وكان الأستاذ أبو علي (¬4) يذهب إلى أن معنى: أخبر عن زيد بالذي: أخبر عن زيد معبرا عنه بالذي، لأنك حين قلت: الذي قام زيد كأنك قلت: زيد قام ويقع على زيد «الذي»، فقد عبّرت عن الشخص المسمى بزيد بالذي قام، وجعل هذا - ¬

_ (¬1) البيت من الطويل وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه (ص 77)، ومنى موضع بمكة، وتحل بنا أي: تجعلنا نحل، والركائب: جماعة العير التي تأتي أهلها بالطعام. واستشهد به على أن قوله: «تحل بنا» على القلب أي: يحل بها، والبيت في اللسان (حلل). وفي اللسان (حلل): «وأحلّه المكان وأحلّه به وحلله به وحل به: جعله يحل، عاقبت الباء الهمزة». (¬2) سورة الفرقان: 59. (¬3) مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، ومذهب الكوفيين وبعض المتأخرين جواز ذلك. انظر المغني (ص 111)، وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (رسالة) (ص 288). (¬4) أي الشلوبين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بمنزلة: خرج زيد بثوبه أي معه ثوبه، وكذلك أخبر عن زيد بالذي أي ومعك الذي» انتهى ما ذكره ابن أبي الربيع رحمه الله تعالى. والذي يظهر أن الذي قاله الأستاذ أبو علي، هو الحق، وهو أن معنى: أخبر عن زيد بالذي: أخبر عن زيد معبرا عنه [5/ 216] وبالذي، أي عن مسمّى زيد معبرا عن ذلك المسمّى بالذي، وذكر أهل هذه الصناعة أن المقصود من وضع هذا الباب إنما هو التدريب في الامتحان في استحضار الأحكام (¬1). ثم إن الكلام في هذا الباب يتعلق بأمرين: أحدهما: يرجع إلى كيفية الإخبار، وثانيهما: يرجع إلى شروط الاسم المخبر عنه، وأنا أذكر أولا كلامه في شرح الكافية ثم أعود إلى لفظ الكتاب. قال (¬2) رحمه الله تعالى: المخبر عنه في هذا الباب هو المجعول في آخر الجملة خبرا لموصول مبتدأ تصدر به الجملة، فإذا عين لك اسم من جملة وقيل لك: كيف تخبر عنه؟ فصدّر ما يطابقه من «الذي» وفروعه مجعولا مبتدأ، وأخّر المسؤول عنه مجعولا خبرا، واجعل في موضعه ضميرا يخلفه فيما كان له من الإعراب عائدا إلى الموصول مطابقا له، وما بين الخبر والموصول صلة له. قال ابن السراج (¬3): وإنما قال النحويون: أخبر عنه وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى مخبر عنه، فإن أخبرت عن «التاء» من قولك: بلّغت من الزّيدين إلى العمرين رسالة قلت: الذي بلّغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا، فإن أخبرت عن «الزيدين» قلت: اللذان بلّغت منهما إلى العمرين رسالة الزيدان، فإن أخبرت عن العمرين، قلت: الذين بلّغت من الزيدين إليهم رسالة العمرون، فإن أخبرت عن «الرسالة» قلت: التي بلّغتها من الزيدين إلى العمرين رسالة. وأما شروط الاسم الذي يخبر عنه: فبدأ (¬4) منها بذكر جواز تأخيره منبها بذلك على أن الواجب التقديم لا يخبر عنه كـ «ضمير الشأن». - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (4/ 53). (¬2) انظر: شرح الكافية الشافية (4/ 1772). (¬3) انظر أصول النحو (رسالة) (2/ 282). (¬4) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1772) وقد نقله عنه بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثنّى بذكر جواز رفعه منبها به على أن ما لا يرفع لا يخبر عنه كغير المتصرف من الظروف والمصادر. وثلّث بذكر جواز الاستغناء عنه بأجنبي منبها به على امتناع الإخبار عن ضمير عائد على بعض الجملة كالهاء من قولك: زيد ضربته، قال (¬1): «فإنها عائدة قبل ذكر الموصول على بعض الجملة، فلو أخبرت عنها لخلفها مثلها في العود إلى ما كانت تعود إليه، ولطلب الموصول عوده إليه، فيلزم من ذلك عود ضمير واحد إلى شيئين في الحال، وذلك محال، فلو كان الضمير عائدا إلى الاسم من جملة أخرى جاز الإخبار عنه نحو أن يذكر إنسان فتقول: لقيته، فيجوز الإخبار عن «الهاء» فيقال: الذي لقيته هو، نبه على ذلك الشلوبين (¬2) مستدركا على الجزولي (¬3) في قوله: وأن لا يكون قبل الإخبار عائدا على شيء». وربّع بذكر جواز الاستغناء عنه بمضمر منبها بذلك على أنه لا يخبر عن مصدر عامل، ولا عن موصوف دون وصفه، ولا عن مضاف دون المضاف إليه. وخمّس بذكر جواز الاستغناء عنه بمثبت منبها به على أنه لا يخبر عن «أحد» ولا «عريب» ولا «ديّار» ونحوها من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي. وسدّس بذكر جواز الاستغناء عنه بعادم التنكير منبها به على أنه لا يخبر عن تمييز ولا حال، قال (¬4): «وكان في اشتراط جواز الاستغناء عنه بمضمر ما يغني عن هذا الشرط؛ لكن ذكرته زيادة في البيان، وإذا كان المخبر عنه ضميرا متصلا جيء بدله بمنفصل يوافقه معنى كـ «أنا» في مسألة: الذي بلّغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا»، هذا كلامه. وقد بقي شرط سابع لم يذكره وهو: أن تكون الجملة المشتملة على الاسم الذي يقصد الإخبار عنه صالحة لوقوعها صفة، وذلك بأن تكون خبرية؛ لأن الجملة التي هو فيها لا بد أن تصير صلة الموصول الذي يجعل مبتدأ، والجملة الطلبية لا يوصل بها. وإذ قد عرف هذا فلنرجع إلى شرح ما في الكتاب، وقد بدأ المصنف بالكلام - ¬

_ (¬1) أي المصنف في شرح الكافية الشافية (4/ 1774). (¬2) ليس في التوطئة، وانظر الهمع (2/ 147). (¬3) انظر الهمع (2/ 147). (¬4) أي المصنف في شرح الكافية الشافية.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على الشروط المعتبرة في الاسم المخبر عنه، وعقّب ذلك بالكلام على كيفية الإخبار. أما قوله: إمكان الاستفادة - فقال الشيخ (¬1): «إنه احتراز من أن يكون الاسم ليس تحته معنى، فلا يمكن أن يصير خبرا عن شيء، قال: وذلك نحو الأسماء المضافة في الكنى وفي غيرها من الأعلام المضافة نحو: بكر من قولهم: أبو بكر، وقزح من قولهم: قوس قزح، وثواني المركبات تركيب مزج إذا أعربت إعراب المتطابقين، فلو أخبرنا عن ذلك لم يمكن استفادة؛ لأن ذلك يكون كذبا» انتهى. وأقول: إذا كان الاسم ليس تحته معنى فكيف يصح الإخبار به أو الإخبار عنه؟ وكيف يتصور حصول فائدة إذ ذاك؟ والحق أن ذكر هذا لا فائدة فيه؛ إذ شرط الاستفادة قد تبين أنه لا حاجة إليه، بل ينبغي أن يذكر. وهذه الكلمة التي هي «الاستفادة» لم تكن في أصل النسخة التي قرأتها على الشيخ، ولكنها في الهامش معلّم عليها أنها في بعض النسخ. وأما الاستغناء عنه بأجنبيّ فقد عرفت معناه بما ذكره في شرح الكافية، وأنه أراد به امتناع الإخبار عن ضمير عائد على بعض الجملة كـ «الهاء» من قولك: زيد ضربته، قال الشيخ (¬2): «ومثال ذلك: زيدا في: ضربت زيدا؛ فإنك تقول: ضربت عمرا، وكذلك في: زيد قائم، لك أن تقول: عمرو قائم؛ بخلاف الهاء في نحو: زيد ضربته، فلا يجوز فيه: زيد ضربت عمرا». وأما جواز استعماله مرفوعا - فقد عرفت مراده به، وأن الاحتراز بذلك عن غير المتصرف من الظروف والمصادر. وقال الشيخ (¬3): «إنه احتراز من الأسماء التي لزمت حالا واحدة ولم يتصرف فيها؛ فمنها ما وجب رفعه وذلك: ايمن في القسم و «ما» التعجبية، أو نصبه نحو: سبحان الله وبابه و «سحر» معينا وأخواته». وأما جواز استعماله مؤخّرا - فقد عرفت أن الاحتراز بذلك عن واجب التقديم كـ «ضمير الشأن» وكذا كل ما لازم الصدر كـ «أسماء الشرط» [5/ 217] و «أسماء الاستفهام» و «كم» الخبرية. وأشار بقوله: أو خلفه - إلى ما ذكره في شرح الكافية من أن المخبر عنه إذا كان - ¬

_ (¬1) انظر التذييل. (¬2)، (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 217.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ضميرا متصلا جيء بدله بمنفصل يوافقه معنى كما إذا أخبرت عن «التاء» من: بلّغت، قلت: الذي بلّغ أنا. وأما جواز استعماله مثبتا - فقد عرفت أنه احترز به عما لا يستعمل إلا في النفي كـ «أحد» و «عريب» و «ديّار» كما تقدم ذكر ذلك. وأما جواز استعماله منوبا عنه بضمير - فقد عرفت أن المصنف نبّه بذلك على أنه لا يخبر عن مصدر عامل ولا عن موصوف دون وصفه، ولا عن مضاف دون المضاف إليه، وكذا لا يخبر عن الاسم المجرور بـ «حتى» ولا المجرور بـ «مذ» أو «منذ» لما علم من أن مجرورهن لا يكون إلا ظاهرا (¬1). ودلّ كلام المصنف على أنه إذا أخبر عن الموصوف وصفته معا، أو عن المضاف والمضاف إليه معا - جاز، وكذا إذا أخبرت عن المصدر العامل ومعموله معا جاز أيضا. ومثال ذلك أن يقال: سرّ أبا زيد قرب من عمرو الكريم، فلا يجوز الإخبار عن «أب»؛ لأن الضمير لا يضاف، ولا عن «قرب» لأن الضمير لا يتعلق به جار ومجرور، وأما «عمرو» و «الكريم» فلأن الضمير لا يوصف ولا يوصف به (¬2)، وإنما يجوز الإخبار من هذا التركيب عن «زيد» وحده، فيقال: الذي سرّ أباه قرب من عمرو الكريم زيد، نعم إذا أخبرت عن المضاف والمضاف إليه معا، أو عن المصدر ومعموله معا، أو عن الموصوف والصفة معا - جاز، فيقال: الذي سرّه قرب من عمرو الكريم أبو زيد، والذي سرّ أبا زيد هو قرب من عمرو الكريم، والذي سرّ أبا زيد قرب منه عمرو الكريم (¬3). وليعلم أن هذا الشرط وهو جواز استعمال المخبر عنه منوبا عنه بضمير، يعرف منه أن الحال والتمييز لا يخبر عنهما؛ فإنهما لا يكون شيء منهما ضميرا؛ ومن ثمّ قال الشيخ فيه (¬4): «إنه احتراز من الحال والتمييز» ولم يذكر أنه احتراز عن المصدر العامل، ولا عن الموصوف دون صفته، ولا عن المضاف دون المضاف إليه. وقد كان ينبغي له التعرض إلى ذكر ذلك، لكنك قد عرفت أن المصنف في شرح الكافية جعل من الشروط جواز الاستغناء عن الاسم المخبر عنه بعادم التنكير منبها بذلك على أنه لا يخبر - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (4/ 56). (¬2)، (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر التذييل.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن تمييز ولا حال، لكنه قال بعد ذلك: «وكان في جواز الاستغناء عنه بمضمر ما يغني عن هذا الشرط» قلت: ولذلك لم يعد ذلك شرطا في «التسهيل» أعني جواز الاستغناء عن المخبر عنه بعادم التنكير اكتفاء بقوله: وجواز استعماله منوبا عنه بمضمر. وأما كون المخبر عنه يكون بعض ما يوصف به - فهو إشارة إلى الشرط الذي أهمل ذكره في شرح الكافية، وهو كون الجملة التي الاسم المخبر عنه بعضها تكون خبرية، فعبّر عن الخبرية بكونها يوصف: بها، إذ لا يوصف إلا بالجمل الخبرية، وإنما اشترط في الجمل ذلك لأنها تصير صلة للموصول، ومعلوم بأن الصلة لا تكون جملة طلبية ولا إنشائية (¬1). ولما ذكر الشيخ أنها تكون خبرية قال (¬2): «وأن تكون عارية من معنى التعجب، غير مستدعية كلاما قبلها». وأشار المصنف بقوله: أو جملتين في حكم واحدة - إلى أن الإخبار عن «زيد» من قولنا: إن تضرب زيدا أضربه جائز، فتقول: الذي إن يضربه أضربه زيد، وكذا الإخبار عن «زيد» أو «عمرو» من قولنا: إن قام زيد قعد عمرو، فتقول: الذي إن قام قعد عمرو زيد، وكذا تقول: الذي إن قام زيد قعد عمرو، وعرف من هذا أن الاسم إذا كان بعض جملتين مستقلّتين لا يجوز الإخبار عنه، فلا يخبر لا عن «زيد» ولا عن «عمرو» من قولنا: قام زيد وقعد عمرو (¬3). وقد تبيّن أن الشروط الذي اشتمل عليها لفظ الكتاب ستة وهي: إمكان الاستغناء عنه بأجنبي، وجواز استعماله مرفوعا، وجواز استعماله هو أو خلفه مؤخرا، وجواز استعماله مثبتا، وجواز استعماله منوبا عنه ضمير، وأن يكون من جملة يصح الوصف بها أي: أن تكون خبرية. ثم أشار إلى أنه يشترط أمر سابع إذا كان المخبر عنه معطوفا أو معطوفا عليه، وهو اتحاد العامل حقيقة أو حكما، فمثال اتحاد العامل حقيقة: قام زيد وعمرو. فإذا أخبرت عن «زيد» قلت: الذي قام هو وعمرو زيد، وإذا أخبرت عن «عمرو» - ¬

_ (¬1) انظر الأشموني (4/ 56، 57). (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 218. (¬3) انظر الأشموني (4/ 57).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلت: الذي قام زيد وهو عمرو، ومثال اتحاد العامل حكما قولك: ما هذا بزيد ولا عمرا، فإذا أخبرت عن «زيد» المجرور بـ «الباء» قلت: الذي ما هذا به ولا عمرا زيد، وإذا أخبرت عن «عمرو» قلت: الذي ما هذا بزيد ولا إيّاه عمرو، وكذلك تقول: كفى بزيد وعمرو رفيقين. فإذا أخبرت عن زيد قلت: الذي كفى به وعمرو رفيقين زيد، وإذا أخبرت عن عمرو قلت: الذي كفى بزيد وهو رفيقين عمرو. قال الشيخ (¬1): «فما اتحد العامل في هاتين المسألتين حقيقة؛ لأن أحد الاسمين مجرور بحرف الجر الزائد، والآخر عطف على موضعه؛ لكنه اتحد من حيث الحكم، قال: واحترز - يعني المصنف - بقوله: فيشترط اتّحاد العامل، من أن يختلف، وذلك لا يتصور إلا في العطف على التّوهّم، لأن قولك: زيد لم يقم ولا بصديقك تريد به: زيد ليس بقائم ولا بصديقك، فلا يجوز الإخبار عن قولك: بصديقك، فتقول: الذي زيد لم يقم ولأنه صديقك؛ لأن عامل الجر ليس موجودا في المتوهم العطف عليه، فما اتحد العامل في المتعاطفين، فإن عامل المتوهم مفقود، وإنما هو شيء توهم النطق به». هكذا قرر الشيخ هذا الموضع، وفي النفس منه شيء. ثم قد بقي الكلام في أمر [5/ 218] وهو أنك قد عرفت قول المصنف في شرح الكافية: «فلو كان الضمير عائدا إلى اسم من جملة أخرى جاز الإخبار عنه نحو أن يذكر إنسان فتقول: لقيته؛ فيجوز الإخبار عن الهاء فيقال: الذي لقيته هو، وقوله: إن الشلوبين نبّه على ذلك مستدركا على الجزولي في قوله: وأن لا يكون قبل الإخبار عائدا على شيء». فأقول: إن الشيخ تعرّض إلى ذكر هذه المسألة، فقال (¬2): «وزعم الشلوبين أن من شرط الضمير أن لا يكون قبل الإخبار رابطا لا مستغنى عنه نحو: زيد ضربته؛ إذ هو رابط للجملة الابتدائية، قال (¬3): وإنما قلت ذلك؛ لأنه قد يكون الضمير عائدا على اسم قد ذكر في جملة متقدمة وهو في جملة أخرى، وذلك كأن يذكر - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 218. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 217. (¬3) أي الأستاذ أبو علي الشلوبين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنسان فتقول: لقيته؛ فيجوز الإخبار هنا عن هذا الضمير فتقول: الذي لقيته هو، فقد صح الإخبار عن الضمير في: لقيته وإن كان عائدا على شيء، قال الشلوبين الصغير (¬1): هذا الذي ذكره الأستاذ غير صحيح ولا مقول في كلام العرب؛ إذ لا يفهم المعنى المراد منه في الجملة، وإنما هو عائد امتنع ذلك فيه، ورأى الأستاذ أن ذلك لم يكن فيه إلا لأجل كونه رابطا بحيث إن صوّر أن يكون غير رابط، وإذا وقفت على: الذي لقيته هو، علمت أنه لا يفهم منه معنى إخبار عن الضمير في: لقيته حافظا لمعنى عودته على الرجل المذكور في جملة أخرى لذهاب معنى ذلك تفصيل الإخبار، وإلا فما كان يمنعنا من الإخبار عن الضمير من: زيد ضربته، أليس ينافي أن يقول: الذي زيد ضربته هو؟ فإذا كان يتأتى هنا عرض شرط الباب عليه كما يتأتى في قولك: الذي لقيته هو، فينبغي أن يجوز بجوازه، وأن يمتنع بامتناعه، وذلك ممتنع بإجماع، فيكون هذا ممتنعا مثله وفرق الربط غير معتبر. انتهى كلامهما، وكلام ابن عصفور موافق لكلام الأستاذ أبي علي». ثم أورد الشيخ كلام ابن عصفور إلى آخره، وهو موافق لكلام المصنف وقال بعد ذلك (¬2): وتلخّص من هذا كله أن المخبر عنه إذا كان ضميرا هل من شرطه أن لا يكون عائدا على شيء قبله أو هل من شرطه أن لا يكون رابطا؟ والذي نذهب إليه هو الأول، وهو اختيار الجزولي». انتهى. فلم يوافق الشيخ المصنف ولا ابن عصفور ولا الشلوبين الكبير، ثم قال (¬3): «فلو كان في الكلام رابطان كقولك: زيد ضربته في داره جاز الإخبار عن الهاء إذ ذاك، فتقول: الذي زيد ضربته في داره هو، فالهاء من ضربته تعود على الذي، وبقي ضمير في داره رابطا الخبر بالمخبر عنه وهو خبر الذي، وهو عائد على زيد». وهذا الذي ذكره ظاهر، وإنما ذكرته للزيادة في الإيضاح لا غير. ¬

_ (¬1) هو محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المالقي أبو عبد الله، يعرف بالشلوبين الصغير، قال ابن البركاني: من النبهاء الفضلاء، أخذ العربية والقراءات عن عبد الله بن أبي صالح، ولازم ابن عصفور مدة إقامته بمالقة، وأقرأ ببلده القرآن والعربية، شرح أبيات سيبويه شرحا مفيدا، وكمل شرح شيخه ابن عصفور على الجزولية، مات في حدود سنة 660 هـ عن نحو أربعين سنة. انظر بغية الوعاة (1/ 187). (¬2)، (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 218.

[الإخبار عن الاسم بالذي وفروعه وبالألف واللام]

[الإخبار عن الاسم بالذي وفروعه وبالألف واللام] قال ابن مالك: (فإن استوفى الشروط أخبر عنه مطلقا بما يوافقه من الّذي وفروعه، وبالألف واللّام، إن صدّرت الجملة الّتي هو منها بفعل موجب يصاغ منه صلة لهما). قال ناظر الجيش: الإخبار في هذا الباب إما أن يكون بـ «الذي» وفروعه من الموصولات، وإما أن يكون بـ «الألف واللام» فإن كان بموصول غير «الألف واللام» وجب أن يطابق الموصول المخبر عنه، وهو الذي جعل خبرا في الإفراد والتذكير وما يضارعهما، وقد تقدم تبيين ذلك في التمثيل بقولنا: بلّغت من الزيدين إلى العمرين رسالة، فأشار المصنف الآن إلى ذلك بقوله: فإن استوفى الشروط - يعني الأمور الذي ذكرها - أخبر عنه بما يوافقه من الذي وفروعه، وإن كان بـ «الألف واللام» فمن المعلوم أن اللفظ بهما واحد بالنسبة إلى المفرد والمثنى والمجموع تذكيرا وتأنيثا، ولكن يشترط في الإخبار بهما مضافا إلى الأمور المشترطة في الإخبار بغيرهما أمور أخر، فيعلم من قوله: وبالألف واللّام، عطفا على قوله: بما يوافقه من الذي وفروعه - أن تلك الأمور التي ذكرت تشترط في الإخبار بـ «الألف واللام» كما هي مشترطة في «الذي» وفروعه، ومن قوله: إن صدّرت الجملة التي هو منها بفعل إلى آخره - أن الإخبار بـ «الألف واللام» يشترط فيه مع تلك الأمور المتقدمة الذكر أمور زائدة، وقد ذكر أنها ثلاثة: أن تكون الجملة التي منها ذلك الاسم المخبر عنه مصدرة بفعل، وأن يكون ذلك الفعل موجبا، وأن يكون صالحا لأن يصاغ منه ما يصلح صلة لـ «الألف واللام» فلا يخبر بـ «الألف واللام» عن اسم من جملة اسمية، ولا من جملة فعلها منفي كـ «ما قام زيد، وما زال عمرو عالما»، ولا من جملة فعلها غير متصرف كـ «عسى» و «يذر» و «يدع» إذ لا يصاغ من الفعل المنفي، ولا من الفعل الذي لا يتصرف اسم فاعل أو مفعول ليكون صلة لـ «أل». وقال المصنف في شرح الكافية (¬1): «وإن كان الموصول الألف واللام لم يجز الإخبار به إلا عن اسم من جملة مصدرة بفعل يصاغ منه اسم فاعل، فلا يجوز الإخبار بهما عن زيد من قولك: زيد قائم؛ لأن الجملة اسمية، ولا من قولك: كاد زيد يفعل؛ لأن كاد - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1775).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يصاغ منها اسم فاعل». انتهى. واعلم أن المصنف لم يقتصر على كون الجملة في الإخبار بـ «الألف واللام» فعلية كما فعل غيره، بل دلّ كلامه لقوله: «إن صدّرت» على أن الشرط أن يكون الفعل مصدّرا، وكذا قوله في شرح الكافية: «من جملة مصدرة بفعل» وكذا قوله في الألفية: وأخبروا هنا بأل عن بعض ما ... يكون فيه الفعل قد تقدّما ومن ثم قال الشيخ (¬1): «قوله: إن صدّرت [5/ 219] احتراز من أن لا تصدر به، فلا يخبر بـ «أل» عن عمرو من قولك: زيدا ضرب عمرو إلا أن يتقدم الفعل المصوغ منه اسم الفاعل، فتدخل عليه أل». انتهى. وإذا كان كذلك فالأمور التي تشترط زائدة في الإخبار بـ «الألف واللام» تكون أربعة وهي: أن تكون الجملة التي منها ذلك الاسم المخبر عنه فعلية، وأن يكون الفعل صدرها، وأن يكون موجبا، وأن يكون متصرفا. وأراد المصنف بقوله: مطلقا الإشارة إلى أنه لا فرق بين أن يكون الاسم المخبر عنه بـ «الذي» وفروعه من جملة اسمية أو جملة فعلية لصلاحية كل منهما أن يكون صلة، بخلاف المخبر عنه بـ «الألف واللام» كما عرفت، إلا أن الشيخ قال (¬2): «وقوله: مطلقا ليس بصحيح لأن أبا الحسن (¬3) ذكر موضعا يصح فيه الإخبار بالألف واللام ولا يصح بالذي، تقول: قامت جاريتا زيد لا قعدتا، فإذا أخبرت عن زيد قلت: القائم جاريتاه لا القاعدتان زيد، ولو أخبرت بالذي فقلت: الذي قامت جاريتاه لا الذي قعدتا زيد لم يجز، لأنه لا ضمير يعود على الذي من الجملة المعطوفة. قال (¬4): فثبت أن للألف واللام تصرّفا لا يكون للذي، لكن تصرف الذي أكثر، قال: وقد أجاز بعض النحويين: مررت بالذي قام أبواه لا الذي قعدا، فعلى هذا المذهب يكون قول المصنف: مطلقا - صحيحا. قال (¬5): وقد ذكر الأخفش (¬6) أيضا مسألة أخرى يخبر فيها بأل ولا يجوز الإخبار - ¬

_ (¬1)، (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 218. (¬3) انظر شرح المرادي على الألفية (4/ 300) وشرح الأبناسي على الألفية (2/ 356). (¬4)، (¬5) أي الشيخ أبو حيان. (¬6) انظر شرح المرادي على الألفية (4/ 300) وشرح الأبناسي على الألفية (2/ 356).

[تقديم الموصول وذي الألف واللام مبتدأين]

[تقديم الموصول وذي الألف واللام مبتدأين] قال ابن مالك: (وذلك بتقديم الموصول مبتدأ، وتأخير الاسم أو خلفه خبرا، وجعل ما بينهما صلة عائدا منها إلى الموصول ضمير يخلف الاسم في إعرابه الكائن قبل، فإن كان الاسم ظرفا متصرّفا قرن الضّمير بـ «في» إن لم يتوسع فيه قبل، فإن كان الموصول الألف واللّام ومرفوع الصلة ضمير لغيرهما وجب إبرازه). ـــــــــــــــــــــــــــــ بالذي، وذلك قولك: المضروب الوجه زيد، ولا يجوز: الذي ضرب الوجه زيد. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على الشروط المعتبرة في الاسم المخبر عنه شرع في بيان كيفية الإخبار، فذكر أن الموصول يقدم مبتدأ سواء كان الموصول «الذي» أو أحد فروعه، أو «الألف واللام»، ويؤخر الاسم المخبر عنه خبرا، وإن تعذر تأخيره لكونه ضميرا متصلا ناب عنه خلفه، وهو الضمير المنفصل، ويجعل ما بين الموصول الذي هو المبتدأ وبين الاسم المخبر عنه المجعول خبرا صلة لذلك الموصول، وإن كان الموصول «الألف واللّام» فقد عرفت أنك تسبك له من الفعل صلة، ويكون العائد إلى الموصول ضميرا يخلف ذلك الاسم المخبر عنه الذي أخّر في إعرابه الذي كان له قبل ذكر الموصول، وقد تقدمت الإشارة/ إلى شيء من ذلك أول الكلام على هذا الباب، ونعيده الآن، قال المصنف (¬1): «ففي نحو: بلّغت من الزيدين إلى العمرين رسالة إن أخبرت عن التاء قلت: الذي بلّغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا، وإن أخبرت عن الزيدين قلت: اللذان بلغت منهما إلى العمرين رسالة الزيدان، وإن أخبرت عن العمرين قلت: الذين بلّغت من الزيدين إليهم رسالة العمرون، وإن أخبرت عن الرسالة قلت: التي بلغتها من الزيدين إلى العمرين رسالة». ويجوز حذف هذا الضمير؛ لأنه عائد متصل منصوب بفعل، ومثل ذلك جائز الحذف كما عرف ذلك في باب «الموصول» وإن كان الإخبار بـ «الألف واللام» (¬2) فإن أخبرت عن «التاء» قلت: المبلغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا، فإن أخبرت - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1772، 1773). (¬2) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1776).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عن الزيدين قلت: المبلغ أنا منهما إلى العمرين رسالة الزيدان، فإن أخبرت عن العمرين قلت: المبلغ أنا من الزيدين إليهم رسالة العمرون، فإن أخبرت عن الرسالة قلت: المبلغ أنا من الزيدين إلى العمرين رسالة، والمبلغها أجود. فاستتر ضمير الرفع في المثال الأول؛ لأنه ضمير «الألف واللام» وهو و «الألف واللام» والمخبر عنه شيء واحد؛ فلم يحتج إلى الإبراز؛ لأن رافعه جار على ما هو له بخلاف الأمثلة الأخر؛ فإن مرفوع الصلة فيها ضمير لغير «الألف واللام» ورافعه جار على غير ما هو له، فوجب إبرازه وانفصاله». انتهى. وإلى ثلاث الصور التي وجب فيها إبراز الضمير الإشارة بقوله في «التسهيل»: فإن كان الموصول الألف واللّام ومرفوع الصلة ضمير لغيرهما وجب إبرازه. وإنما قال المصنف: «والمبلّغها أجود» لأن العائد المنصوب الواقع صلة «الألف واللام» لا يحذف إلا على قلة، وغير المصنف يجعل الحذف ضرورة. وأما قوله: فإن كان الاسم ظرفا متصرّفا قرن الضّمير بفي إن لم يتوسّع فيه قبل - فأشار به إلى أن المخبر إذا أخبر عن «اليوم» من قولنا: قمت اليوم، قال: الذي قمت فيه اليوم، وكذا إذا أخبر عن «خلفك» من: قعدت خلفك، قال: الذي قعدت فيه خلفك (¬1)، وعلة ذلك ظاهرة. أما إذا توسّع في الظرف قبل الإخبار فإن الفعل يصل إلى الضمير بنفسه (¬2)؛ لأنه كان قد عدّي إليه ونصبه نصب المفعول به توسعا، فقال: الذي قمته اليوم، والذي قعدته خلفك. قال الشيخ (¬3): «واحترز بقوله: متصرفا من الظرف غير المتصرف؛ فإنه لا يجوز الإخبار عنه لأن ذلك يخرجه إلى التصرّف، قال: ولا يحتاج إلى هذا الاحتراز؛ لأنه قد شرط في الاسم المخبر عنه جواز استعماله مرفوعا. ثم قال: وكذلك المفعول من أجله [5/ 220] إذا أخبر عنه تعدى الفعل إليه بوساطة اللام، فإذا قيل: أخبر عن ابتغاء الخير من قولك: جئتك ابتغاء الخير قلت: الذي جئتك له - ¬

_ (¬1) انظر الهمع (2/ 146). (¬2) المرجع السابق. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 219، 220.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابتغاء الخير، ولا تقول الذي جئتكه؛ لأن المفعول من أجله لا ينتصب إلا أن يكون مصدرا، قال: ولعل المصنف لا يرى جواز الإخبار عن المفعول من أجله» ولا شك أن في ذلك خلافا سيذكر، ثم إنه ناقش المصنف مناقشتين (¬1): الأولى: أنه قال: «كان ينبغي أن يشترط أن يكون الضمير غائبا مطلقا سواء أكان المخبر عنه مظهرا أم مضمرا، لمتكلم أو لمخاطب؛ يعني في قوله: عائدا منها إلى الموصول ضمير، قال: فمثال المظهر: الإخبار عن العسل من قولنا: أكلت العسل، ومثال ضمير المتكلم: الإخبار عن التاء من: ضربت، ومثال ضمير المخاطب: الإخبار عن التاء من: ضربت، فتقول في الثلاثة: الذي أكلته العسل، والذي ضرب أنا، والذي ضرب أنت، قال: فنجد الضمير العائد على الموصول في هذه الصور وما أشبهها ضميرا غائبا» انتهى. وهو كلام عجيب فإن الضمير إذا عاد على اسم إنما يكون بحسب ذلك الاسم، إن ظاهرا فظاهر، وإن مضمرا فمضمر، ولا شك أن الضمير في هذه الصلات إنما يعود على الاسم الموصول، والموصول اسم ظاهر، فكيف يتصور أن يكون الضمير العائد إليه غير غائب؟ وإذا كان كذلك سقطت هذه المناقشة. ثم ذكر الشيخ (¬2) أن بعضهم (¬3) يجيز عود الضمير مطابقا للخبر في الخطاب، فيقول: الذي ضربت أنت، قال: يحمله على المعنى لأن الذي هو أنت، قال: وردّ عليه بأنه يلزم من ذلك أن تكون فائدة الخبر حاصلة في المبتدأ وذلك خطأ. انتهى. وسيأتي ذكر هذه المسألة فيما نذكره عن ابن عصفور. المناقشة الثانية: قال في قوله: بتقديم الموصول مبتدأ، وتأخير الاسم أو خلفه خبرا، أطلق في مكان التقييد، لأن الذي تريد أن تخبر عنه إذا كان اسم استفهام فإنك لا تقدم الذي بل تقدم اسم الاستفهام. فإذا أردت الإخبار عن أيّ من قولك: أيّهم قام تقول: أيّهم الذي هو قائم، وكذا تقول في الإخبار من مثل: أيّ رجل كان أخاك: أيّهم الذي - ¬

_ (¬1) المرجع السابق ورقة 218. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 219. (¬3) هو: أبو ذر مصعب بن أبي بكر الخشني، وانظر الهمع (2/ 146) وذكر أنه: أبو ذر مصعب بن أبي كثير الخشني.

[تقديم خبر كان مبتدا]

[تقديم خبر كان مبتدا] قال ابن مالك: (وهذا الاستعمال جائز في خبر «كان» لا في البدل المفرد من متبوعه؛ خلافا لقوم). ـــــــــــــــــــــــــــــ كان هو أخاك، تجعل الضمير الذي يعود على «أيّ» في موضع «أيّ» الذي كان وجب له بحكم الأصل، قال (¬1): فهذه المسألة لم يتقدم فيها الموصول، ولذلك عدل أبو علي الفارسي عن ذكر التقديم، فقال: ألحق الكلام الذي، ولم يقل: ألحق أول الكلام، كما قال غيره، ولم يقل: تقدم الموصول كما قال هذا المصنف؛ لتندرج مسألة الاستفهام في كلامه لأن لحاق الذي الكلام؛ أعم من أن تلحقه مقدمة أو غير ذلك. فلو كان الإخبار عن اسم دخلت عليه أداة الاستفهام نحو أن يقال: أخبر عن زيد من قولك أزيد أخوك؟ قلت: آلذي هو أخوك زيد، ولو قيل: أخبر عن أخوك من قولك: أزيد أخوك، قلت: آلذي زيد هو أخوك؟ فتقدم أداة الاستفهام على الاسم الموصول. انتهى. وسيأتي ذكر مسألة الإخبار عن اسم الاستفهام في كلام ابن عصفور، إن شاء الله تعالى. قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬2): «يشير بقوله: وهذا الاستعمال، إلى إبراز الضمير، فتقول في: كنت أخاك إذا أخبرت عن خبر «كان»: الكائنه أنا أخوك، وهذه المسألة مبنية على جواز الإخبار عن خبر «كان» وأخواتها، وفي ذلك خلاف: منهم من أجاز ومنهم من منع» (¬3). وقوله: لا في البدل المفرد من متبوعه خلافا لقوم - مثاله: أن تخبر عن البدل من قولك: ضربت زيدا أخاك بـ «أل» فتقول: الضارب أنا زيدا إيّاه أخوك، فصلة «أل» ضارب وقد رفع «أنا» و «زيدا» مفعول «ضارب» و «إياه» بدل من «زيدا» وبقيت «أل» عارية من عائد عليها؛ لأن «زيدا» مفعولها، وضارب صفة جرت على غير من هي له فبرز ضمير الفاعل وهو «التاء» في: ضربت. - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 220. (¬3) في الأشموني (4/ 60): «والصحيح الجواز».

[حديث طويل عن الإخبار في الجملة المتنازع فيها]

[حديث طويل عن الإخبار في الجملة المتنازع فيها] قال ابن مالك: (وإن كانت الجملة ذات تنازع في العمل، لم يغيّر التّرتيب ما لم يكن الموصول الألف واللّام والمخبر عنه غير المتنازع، فإن كان ذانك قدّم المتنازع فيه معمولا لأوّل المتنازعين وإن كان قبل معمولا للثّاني، وهذا أولى من مراعاة التّرتيب بجعل خبر أوّل الموصولين غير خبر الثّاني). ـــــــــــــــــــــــــــــ وتقول في الإخبار بـ «أل» عن «أخيك» من قولك: مررت برجل أخيك: المارّ أنا برجل به أخيك، تدخل «الباء» على الضمير الذي حلّ محلّ البدل. قال ناظر الجيش: قال الشيخ (¬1): «مثال كون الجملة كما ذكر: ضربني وضربت زيدا، فإذا أخبرت عن زيد قلت: الذي ضربني وضربته زيد، وقوله: فإن كان ذانك، أي: فإن كان الموصول ذا أل، والمخبر عنه غير المتنازع فيه إلى آخر كلامه، مثال ذلك: ضربت وضربني زيد، إذا أخبرت عن ضمير المتكلم وهو غير المتنازع فيه قلت: الضارب زيدا، والضاربه هو أنا، وقوله: وهذا أولى من مراعاة التّرتيب، إلى آخره، فتقول في ضربت وضربني زيد - وهو المثال السابق - إذا أخبرت عن ضمير المتكلم - إذ هو غير المتنازع فيه: الضاربه أنا هو والضاربه زيد أنا، فيصير الكلام جملتين اسميتين كما كان جملتين فعليتين، وبقي المتنازع فيه في مكانه فروعي ترتيبه. وهذه المسألة مختلف فيها بين النحويين وهي: إذا كان المعطوف والمعطوف عليه من جملتين فعليتين بينهما ارتباط وأردت الإخبار بـ «أل» عن بعض أسماء الجملتين فمنع [5/ 221] ذلك قوم وأجازه آخرون، واختلف المجيزون لها فذهب الأخفش (¬2) إلى أنه يسبك من الفعلين اسمي فاعل وتدخل «أل» عليهما، ويوفيا عوائدهما وتجعلهما كشيء واحد، ويعطف مفرد على مفرد، كما قلنا في اختيار المصنف في تصوير المسألة أولا، وذهب قوم من البغداديين إلى نحو مما ذهب إليه الأخفش، إلا أنهم يحذفون العوائد فيقولون في: ظننت وظنني زيد عاقلا، إذا أخبرت عن «التاء» من ظننت: الظّانّ والظّانّ عاقلا زيد أنا، وقياس قول الأخفش: الظّانّه إيّاه والظّانّ عاقلا زيد أنا، وذهب المازني إلى مراعاة الترتيب، وهو كأصحاب الحذف إلا أنه يجعل الكلام جملتين اسميتين كما كان فعليتين. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 220. (¬2) انظر الهمع (2/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذهب الفارسي والجرجاني إلى أنهما يدخلان «أل» على الأول خاصة فيقولان: الظّانّه أنا إيّاه وظنني عاقلا زيد. فهذه خمسة مذاهب ذكرها ابن إصبغ (¬1). قال (¬2): وسيأتي خلاف عن المازني في هذه المسألة غير ما ذكر ابن إصبغ». انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى. واعلم أن كلام المصنف في هذا الباب مفيد جامع مرشد إلى المقاصد مع اختصاره وإيجازه، وهذه طريقته في كل باب، فرحمه الله تعالى وجعل جزاءه الجنة بمنّه وكرمه إنه كريم وهاب. وقد عرفت أن الشروط التي ذكرها بغير «الألف واللام» ستة، وأنها تنتهي إلى سبعة في بعض الصور، لكن ابن أبي الربيع زاد على ما ذكره المصنف فقال: «اعلم أن الاسم لا يخبر عنه حتى يجتمع فيه اثنا عشر شرطا (¬3): الأول: أن لا يكون قد تضمن حرف صدر كأسماء الاستفهام والشرط وكم الخبرية، وكل ما ألزمته العرب التقديم ولم يجز أن يكون مقدما ومؤخّرا، لأنك لا بد أن تؤخره حين الإخبار، ولا يصح؛ لأن فيه إخراجا له عن وضعه. الثاني: أن يكون اسما متصرفا لا يلزم طريقة واحدة نحو: الظروف التي لا تتصرف، والمصادر التي لا تتصرف، فلا يخبر عن: عندك من: جلست عندك مثلا لأنه لم يستعمل إلا منصوبا ولم يستعمل مرفوعا ولا مخفوضا إلا بمن خاصة، وأنت لو أخبرت عنه لجعلته خبرا عن الذي وهو ليس بمكان له، فلا بد من رفعه فيخرج عن وضعه. الثالث: أن لا يكون من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي العام كأحد - ¬

_ (¬1) انظر الهمع (2/ 148) وابن إصبغ: إبراهيم بن عيسى بن إصبغ الأزدي أبو إسحاق، قاض من الشعراء، أندلسي من أهل قرطبة، أملى على قول سيبويه «هذا باب علم ما الكلم من العربية» عشرين كراسا، وله كتاب «رؤوس المسائل في الخلاف». ذكره السيوطي في الهمع (2/ 148) توفي ابن إصبغ سنة 627 هـ، انظر البغية (1/ 421) والأعلام (1/ 56). (¬2) أي الشيخ أبو حيان. (¬3) انظر بعض هذه الشروط في كتاب البسيط، في شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع (1/ 535) تحقيق د/ عياد الثبيتي، طبعة دار الغرب الإسلامي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعريب وأخواتها، لأنك إن أخبرت عنها قلت: الذي ما في الدار هو عريب، فيأتي خبرا عن الذي وليس بمنفي. الرابع: أن يكون من الأسماء التي يصح تعريفها، فالحال لا يخبر عنها وكذا التمييز، لأنك تجعل مكان الاسم ضميرا تعربه بإعرابه، والمعرفة لا تكون حالا ولا تمييزا، وفي أحد وأخواته بهذا الرابع فيمتنع الإخبار عنها من الوجهين الثالث والرابع. الخامس: أن يكون الاسم قد دخل عليه ما لا يدخل على المضمرات، وذلك كل اسم دخل عليه: كاف التشبيه أو حتى، فلا يجوز الإخبار عن زيد من قولك: عمرو كزيد؛ لأنه يلزمك أن تقول: الذي عمرو كه زيد، وكاف التشبيه لا تدخل على المضمرات إلا في الشعر (¬1)، وكذلك قام القوم حتى زيد لا يجوز الإخبار عن زيد لأنك لو أخبرت عنه لوجب أن تقول: الذي قام القوم حتاه زيد، و «حتى» لا تدخل على المضمرات (¬2)، ومن هذا: ما في الدار من أحد، لا يجوز الإخبار عن أحد؛ لأن «من» هذه وهي الزائدة لا تدخل إلا على نكرة يراد بها الاستغراق، وتكون بعد غير الواجب (¬3)، فقد صح من هذا كله أن أحدا من قولك: ما جاءني من أحد، لا يخبر عنه لثلاثة أوجه وهي ما ذكرته في الثالث والرابع والخامس. السادس: أن يكون الاسم في جملة خبرية، فإذا أخبرت عن زيد من: هل قام زيد؟ احتجت إلى جعل الجملة صلة للذي ولا يصح أن تكون جملة الصلة غير خبرية. السابع: أن لا يكون صفة، لأنك إن أخبرت عنه جعلت مكانه ضميرا يجري مجراه، والضمير لا يوصف به، وكذلك عندي البدل وعطف البيان لا يخبر - ¬

_ (¬1) وذلك مثل قول الراجز: نحى الذنابات شمالا كثبا ... وأمّ أوعال كها أو أقربا (¬2) هذا على مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون والمبرد جرّها الضمير قياسا، واستدلوا على ذلك بقول الشاعر: فلا والله لا يلفى أناس ... فتى حتّاك يا ابن أبي يزيد انظر الارتشاف (2/ 469) وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (ص 207). (¬3) هذا على مذهب البصريين، وغيرهم يجيز زيادتها في الواجب وغير الواجب، داخلة على نكرة أو معرفة، وهو مذهب الأخفش والكسائي وهشام، وأجاز الكوفيون زيادتها في الواجب وغير الواجب بشرط تنكير ما دخلت عليه. انظر الارتشاف (ص 727) وشبه الجملة (ص 196).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عنهما، وأما المعطوف بالحرف (¬1) فيخبر عنه، فإذا قيل: أخبر عن زيد من قولك: قام زيد وعمرو قلت: الذي قام هو وعمرو زيد، ويقبح: الذي قام وعمرو زيد؛ لأن الضمير المرفوع لا يعطف عليه إلا بعد توكيده في الأكثر، فإن أخبرت عن عمرو في هذه المسألة قلت: الذي قام زيد وهو عمرو، ومن الناس من قال: لا بد إذا أخبرت عنه من أن تجعله فاعلا فتقدمه وتجعل المعطوف عليه معطوفا فتقول: الذي قام هو وزيد عمرو، لأن الواو لا تقتضي الترتيب، فتطلب أخصر اللفظين وأقربهما وأليقهما بفصيح كلام العرب ومنزعه، وإن هذا حسن؛ فعلى هذا إذا عطف بثم أو بالفاء أو ببل أو بلا أو بحتى أو بلكن، تركت كل اسم في موضعه لما يؤدي من انقلاب المعنى، فتقول في مثل: قام زيد فعمرو إذا أخبرت عن عمرو: الذي قام زيد فهو عمرو. وكذا البواقي، فلو قصدت الإخبار عن عمرو من قولك: قام زيد أو عمرو، جرى فيه الخلاف الذي في الواو، وأما المعطوف بأم فلا يخبر عن المعطوف ولا عن المعطوف عليه؛ لأن أم لا يعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام، وقد تقدّم أن كل اسم في جملة غير خبرية لا يخبر عنه. الثامن: أن لا يكون الاسم ضميرا أضمر على أن يفسره ما بعده، كضمير الشأن والضمير الذي في «نعم»؛ لأنه وضع على أن يبين ويفسر بعد ذلك، وأنت إذا أخبرت عنه أخّرته وجعلت [5/ 222] مكانه ضميرا يعود إلى الذي، فالذي يعود على الذي تفسيره الذي وهو قبله، فيكون ذلك نقضا لما وضع. التاسع: أن لا يكون ضميرا رابطا؛ لأنك إن أخبرت عنه جعلت مكانه ضميرا يعود إلى الذي فيبقى الذي سيق من أجله غير مرتبط، وإن بقيته على حاله أولا بقي الموصول بلا ضمير يعود إليه من صلته، ومثال ذلك: إذا قيل لك: أخبر عن الضمير المنصوب من: زيد ضربته؛ فلا يخبر عنه لما تقدم. العاشر: أن لا يكون الاسم مضافا إلى ضمير رابط، نحو: زيد أبوه منطلق، فالأب لا يخبر عنه؛ لأنه يلزم أن تجعل مكانه ضميرا؛ فإن بقيت الضمير الأول لزم إضافة الضمير العائد إلى الضمير الرابط والضمير لا يضاف، وإن لم تبقه بقي المبتدأ بلا ضمير يعود إليه من خبره. - ¬

_ (¬1) يقصد بذلك عطف النسق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحادي عشر: أن يكون الاسم ليس من صميم الجملة، وإنما جيء به لأمر خارج عن طريق الإفادة وهي حاصلة دونه؛ نحو الضمير في: منطلق، من: زيد منطلق؛ لأنه إنما احتاج إلى الضمير لكونه مشتقّا لا لكونه خبرا عن المبتدأ بدليل صحة: زيد أخوك فإنما يحمل الضمير ليجري مجرى ما أشبهه وهو الفعل، لا لأن الكلام يحتاج إليه في الارتباط، فمثل هذا لا يخبر عنه لأنه لا يقع العهد إليه، ولأن الخبر لا يفيد ومن شرطه الإفادة، ألا ترى أنك لو قلت: الذي زيد منطلق هو لم يحصل من هذا فائدة، فكيف يكون خبرا؟ الثاني عشر: أن لا يكون الاسم مصدرا وخبره محذوف، وقد سدت الحال مسدّ الخبر وذلك نحو: ضربي زيدا قائما، فلا يخبر عن: ضربي؛ لأنك إن جعلت مكانه ضميرا فقلت: الذي هو زيدا قائما ضربي، جاء الضمير عاملا في زيد والضمير لا يعمل في شيء، واختلف في تعلق المجرور بضمير المصدر نحو: علمي بزيد حسن وهو بعمرو قبيح؛ فمنهم من أجاز ومنهم من منع. فإن قلت: الذي هو قائما ضربي زيدا، كان الضمير الذي في قائم ليس ثمّ ما يعود إليه». انتهى كلامه (¬1) رحمه الله تعالى. وربما يكون بعض الشروط التي ذكرها مستغنى عنه؛ لدخوله تحت بعض آخر منها، ويظهر ذلك بالتأمل، ومنهم من قال: إن الشروط كلها تنحصر في شرطين: أحدهما: أن يكون الاسم يصح في مكانه مضمر. والثاني: أن يكون يصح جعله خبرا للموصول. وبعد، فمن النحاة من اكتفى بذكر الشروط كما فعل المصنف، ومنهم من ذكر ما لا يخبر عنه، وفصّل القول فيما يخبر عنه من المرفوعات والمنصوبات والمجرورات، ووسّع ابن عصفور الكلام في ذلك، وأنا أشير أولا إلى تعداد ما لا يصح الإخبار عنه سردا حسبما ذكروه، ثم أذكر ما قاله ابن عصفور. أما ما لا يصح الإخبار عنه: فقالوا: الفعل، والحرف، والجملة، والحال، والتمييز، والظرف غير المتمكن، والعامل دون معموله، والمضاف دون المضاف إليه، والموصوف دون صفته، والموصول دون صلته، واسم الشرط دون شرطه، - ¬

_ (¬1) أي كلام ابن أبي الربيع القرشي الإشبيلي المتوفى سنة 688 هـ، وانظر البسيط (1/ 536).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والصفة، والبدل، وعطف البيان، والتأكيد، وضمير الشأن، والعائد إذا لم يكن غيره، والمسند إليه الفعل غير الخبري ومفعوله، والمضاف إلى المائة، والمجرور بـ «ربّ» وب «كم» وأيّما رجل، وكيف، وكم، وكأي، والمصدر الواقع موقع الحال، وفاعل نعم وبئس، وفاعل فعل التعجب، وما للتعجب، والمجرور بـ «كاف التشبيه» وب «حتى» وب «مذ» وب «منذ» واسم الفعل، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر، اللواتي تعمل عمل الفعل، والمجرور بـ «كل» المضاف إلى مفرد، وأقلّ رجل وشبهه، واسم «لا» وخبرها، والاسم الذي ليس تحته معنى، والمصدر والظرف اللازمان للنصب، والاسم الذي إظهاره ثان عن إضماره، والاسم الذي لا فائدة في الإخبار عنه، والاسم المختص بالنفي والمجرور في نحو: كلّ شاة وسخلتها، ولا عن «وسخلتها»، ولا المعطوف في باب «ربّ» على مجرورها، ولو كان مضافا للضمير نحو: ربّ رجل وأخيه. والذي ذكره ابن عصفور أن قال (¬1): اعلم أن كل اسم يجوز الإخبار عنه إلا ما يستثنى من ذلك، وهو: أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام ما لم تتقدم صدر الكلام، فإن قدمت جاز الإخبار عنها كما سيبين، والأسماء التي لزمت حالة واحدة ولم تتصرف كسحر، وبعيدات بين، وسبحان الله، ومعاذ الله وأشباهها وكم الخبرية، وما التعجبية، وضمير الأمر والشأن، وفاعل نعم وبئس ظاهرا كان أو مضمرا، وكل ضمير رابط كالهاء من: زيد ضربته، وكل اسم ليس تحته معنى كـ «بكر» من: أبي بكر و «عبد الله» من: أبي عبد الله، وكل اسم عامل، والمنعوت دون النعت، والنعت دون المنعوت، والمضاف دون المضاف إليه، والتمييز، والحال، والاسم المخفوض بـ «ربّ»، والأسماء المختصة بالنفي كأحد وعريب وكتيع وديّار وشبهها. ثم شرع في تعليل امتناع الإخبار عن هذا الذي ذكره قسما قسما: فأما أسماء الشرط فالعلّة في امتناع الإخبار عنها معلومة (¬2)، وكذا أسماء - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (2/ 494 - 498) بتحقيق أبو جناح، وقد لخص المؤلف كل ما ذكره ابن عصفور في هذا الموضع. (¬2) قال في شرح الجمل (2/ 495): «فأما امتناع الإخبار عن أسماء الشرط فلأشياء، منها: أن ذلك يؤدي إلى استعمالها غير ما استعملتها العرب في جعلها آخر الكلام ومحلها أبدا في كلام العرب الصدر، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاستفهام (¬1)، وهذا إذا لم تتقدم على الموصول، فإن قدمت على الذي أو الألف واللام، جاز الإخبار عنها، قال: لأن ذلك لا يخرجها عن الصّدريّة، فإذا أخبرت عن أيّ من: أيّهم قائم، قلت: أيّهم الذي هو قائم، وكذا الأسماء غير المتمكنة كسحر وشبهه، العلة فيها معروفة أيضا، وأما كم الخبرية فلأنها تلزم الصّدر، وكذا ما التعجبية للزومها الصّدر، ولأنها لا بد أن توصل بشيء وإذا أخّرت وإذا زال ذلك الشيء، ولأن التعجب جار مجرى [5/ 223] المثل والأمثال لا تغير، وكذا ضمير الأمر والشأن لأنه لازم للابتدائية، ولأنه يعود على ما بعده لا على ما قبله، وكذا امتنع الإخبار عن فاعل نعم، فإن وضعه أن يفسره ما بعده لا ما قبله، وكذا الضمير المخفوض بـ «ربّ» العلة في امتناع الإخبار عنه ما ذكر (¬2)، وكذا العلة في امتناع الإخبار عن الضمير الرابط قد علمت (¬3)، وأما امتناع الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى كبكر من أبي بكر فلأن ذلك يكون كذبا؛ إذ ليس «بكر» موجودا فيخبر عنه، قال (¬4): ومنهم من أجاز ذلك (¬5) مستدلّا بقول الشاعر: 4184 - أو حيث علّق قوسه قزح (¬6) - ¬

_ - ومنها: أن ذلك يؤدي إلى استعمالها مفردة بغير صلة بفعل، وأسماء الشرط موصولة بفعل الشرط، ومنها: أن ذلك يؤدي إلى أن يكون الضمير الذي يجعل موضعه عاملا برب وذلك لم يثبت للضمائر». (¬1) لأن العرب قد ألزمتها الصدر، فلو أخبر عنها لأخرجت عما وضعت له العرب. شرح الجمل (2/ 399). (¬2) أي في فاعل «نعم». (¬3) وهي: أنك لو أخبرت عنه لم يخل من أن تجعله عائدا على الذي إن كان الإخبار عنه، أو على الألف واللام إن كان الإخبار عنها، أو على المبتدأ الذي كان يعود عليه، فإن جعلته عائدا على الذي أو على الألف واللام، فالمبتدأ الذي كان يعود عليه ليس له ما يربطه بالخبر، وذلك لا يجوز، فإن جعلته عائدا على المبتدأ بقى الذي أو الألف واللام ليس معها ما يعود عليها وذلك لا يجوز. انظر شرح الجمل (2/ 496). (¬4) أي ابن عصفور. (¬5) هو المازني. انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 355). (¬6) هذا عجز بيت من الكامل وصدره: فكأنّما نظروا إلى قمر وهو للحكم بن عيدل الأسدي وقيل لغيره، واستشهد به على صحة الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى، فأخبر عن «قزح» من «قوس قزح» ورد بأن «قزح» اسم للشيطان فلا يكون فيه دليل على صحة ما ذكر. والبيت في العيني (4/ 479) والهمع (2/ 146) والدرر (2/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأخبر عن «قزح» من قولك: قوس قزح، وقد قيل: إن «قزحا» اسم الشيطان، وكأن العرب وضعت قوسا للشيطان، ويكون هذا من أكاذيبها (¬1)، و «قزح» طريق في السماء ذو ألوان (¬2)؛ فعلى هذا ليس لمن أجاز الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى دليل في قوله: 4185 - أو حيث علّق قوسه قزح لأن «قزح» اسم للشيطان كما قيل (¬3)، وأما امتناع الإخبار عن الاسم العامل كالمصدر وشبهه فظاهر مما تقدم؛ لأن جواز ذلك يؤدي إلى أن يكون الضمير عاملا وهو لا يجوز خلافا للكوفيين، وأما امتناع الإخبار عن المضاف دون المضاف إليه، فلأن جواز ذلك يؤدي إلى إضافة الضمير وهو لا يجوز، وكذا امتناع الإخبار عن النعت دون المنعوت فلأن جوازه يؤدي إلى أن المضمر ينعت به، وأما امتناع الإخبار عن المنعوت دون النعت فلأن جوازه يؤدي إلى نعت المضمر وهو لا يجوز، وأما امتناع الإخبار عن الأسماء المختصة بالنفي فظاهر مما تقدم، وكذا امتناع الإخبار عن الحال والتمييز فقد تقدمت الإشارة إلى علته. هذا ملخص كلام ابن عصفور. ثم إنه (¬4) شرع في ذكر ما يقصد الإخبار عنه من المرفوعات اسما اسما إلى أن أنهاها، وكذا من المنصوبات وكذا من المجرورات، ولكن كلامه تضمن تقسيما منتشرا، وكان الشيخ أورده ملخصا (¬5) لكنه لم ينسبه إلى ابن عصفور ولا إلى غيره، وأنا أورد ذلك بتقسيم يقرب إلى الضبط حسبما يتيسر من كلام الرجلين مع الاختصار. المرفوعات (¬6): مبتدأ أو خبر مبتدأ، أو فاعل أو مشبه بالفاعل، والمشبه بالفاعل هو خبر «إنّ» واسم «كان» وأخواتها، واسم «ما»، والمفعول الذي لم يسم فاعله، والتابع من عطف أو بدل خاصة، وأما النعت فلا يخبر عنه للعلة التي - ¬

_ (¬1) انظر الهمع (2/ 146). (¬2) انظر اللسان (قزح) وفي شرح الجمل لابن الضائع: «وفي نوادر أبي علي: قوس قزح لقب من ألقاب السماء» (خ) جـ 3 ورقة 8. (¬3) رد ابن الضائع على ابن عصفور فقال: «وهذا ضعيف جدّا وشاذ فلا ينبغي أن يقاس عليه بوجه» انظر المرجع السابق. (¬4) أي ابن عصفور. (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 3 ورقة 217. (¬6) هذا كلام ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 499) وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقدمت، وأما التأكيد فامتناع الإخبار عنه لما يؤدي إلى التأكيد بالمضمر والتأكيد إنما هو بألفاظ محصورة لا تتعدّى. المبتدأ: يخبر عنه مظهرا كان أو مضمرا، لمتكلم أو مخاطب أو غائب، فيقال في الإخبار عن «هو» من قولك: هو قائم: الذي هو قائم هو، وفي الإخبار عنه إذا كان لمتكلم أو مخاطب خلاف والأصح الجواز، والضمير الذي يؤتى به خلفا يكون ضمير غيبة، وأجاز الكسائي: الذي أنا قائم أنا، والذي أنت قائم أنت، في الإخبار عن ضمير المتكلم من: أنا قائم، وعن ضمير المخاطب من: أنت قائم، وغير الكسائي يقول: الذي هو قائم أنا، والذي هو قائم أنت، والكسائي نظر إلى المعنى، ولا شك أن هذه المسألة تلتفت إلى مسألة: أنت الذي قام، وأنا الذي قام؛ حيث يجوز فيها: أنت الذي قمت، وأنا الذي قمت، ولكن شرط مراعاة المعنى في هذه المسألة تقدّم الضمير على الاسم الموصول، فلو تقدم الموصول على الضمير لم يجز مراعاة المعنى إلا عند الكسائي، وتقدم الكلام على ذلك في باب «الموصول»، فمن ثمّ أجاز الكسائي في باب «الإخبار»: الذي أنا قائم أنا، والذي أنت قائم أنت. الخبر: يجوز الإخبار عنه إن كان جامدا، وإن كان مشتقّا ففي الإخبار عنه خلاف، حجة المانع أنه بالإخبار تتغيّر حالة المبتدأ الذي كان أخبر عنه بالخبر المذكور عما كانت عليه قبل، قال: لأنه كان يخبر عنه بفعل إذا قلت: زيد قائم؛ لأن قولك: قائم في معنى: يقوم، وفي الإخبار تقول: الذي زيد هو قائم، فتخبر بغير فعل، وحجة المجيز أن الخبر المشتق الذي كان عن «زيد» قبل الإخبار موجود في الجملة بعد الإخبار. قال ابن عصفور (¬1): «والصحيح أن الإخبار عنه لا يجوز» انتهى. وقال الشيخ أيضا (¬2): «الصحيح أنه لا يجوز». وأقول: الظاهر أن المنع لا وجه له؛ لأن المفهوم من قولنا قبل الإخبار: زيد قائم، وقولنا بعد الإخبار: الذي زيد هو قائم مفهوم واحد. الفاعل: حكمه في الإخبار عنه حكم المبتدأ في حالتي الإظهار والإضمار، - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (2/ 501). (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 217.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والخلاف فيه إذا كان ضميرا لمتكلم أو لمخاطب كالخلاف في المبتدأ. وقد عرفت أن الأصح فيه ثمّ الجواز فكذلك هنا أيضا. ثم إن ابن عصفور قال هنا ما ملخصه (¬1): وإن عطفت عليه - يعني على الفاعل - فإما أن تعطف جملة أو مفردا: أما إذا كان جملة: فإما أن يكون الفاعل الأول هو الثاني أو خلافه، وإذا كان خلافه فالعطف إما بالواو أو بالفاء أو بثم أو بغير الثلاثة، وإن كان بالواو فإما أن تقدّر - يعني الواو - بمعنى مع أو تجعلها مشتركة، قال: فإن قدرتها بمعنى مع وكان الإخبار بالذي جاز الإخبار عن كلا الفاعلين من الجملتين المعطوف إحداهما على الأخرى، فتقول مخبرا عن الذباب من: يطير الذباب ويغضب زيد: الذي يطير ويغضب زيد الذباب، ولما كانت الجملتان كالجملة الواحدة من جهة أن الواو بمعنى مع صح عطف «يغضب» - وإن لم يكن فيه ضمير يعود على ما عاد عليه ضمير ما قبله وهو «يطير» - على «يطير» قال: وكذلك إن أخبرت عن زيد وكان العطف بالواو التي بمعنى مع قلت: الذي يطير الذباب ويغضب زيد، ففي «يغضب» ضمير يعود على «الذي» ولم تحتج [5/ 224] الجملة الأولى إلى أن يعود منها ضمير على «الذي» أيضا لما عرفت من أن الجملتين كالجملة الواحدة. وإن كان العطف في المسألة المذكورة بالفاء، كان الحكم كذلك؛ لأن الفاء للسببية وجملتا المسبب والسبب كالجملة الواحدة. وإن كان العطف بغير الواو والفاء، أو كانت الواو ليست بمعنى مع؛ فإن الإخبار في المسألة الأولى لا يجوز لما يؤدي إليه من خلو إحدى الجملتين من ضمير يعود على «الذي». قال: وإن كان الإخبار بالألف واللام فالحكم كالحكم مع «الذي» في ما تقدم؛ فتقول مخبرا عن «الذباب»: الطائر فيغضب زيد الذباب، وصح خلوّ «فيغضب» عن ضمير يعود إلى الألف واللام لما تقدم، وصح أيضا عطف الفعل على الاسم لكون الاسم في معنى الفعل، وتقول مخبرا عن «زيد»: يطير الذباب - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (2/ 501 - 512) ملخصا من المؤلف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالغاضب زيد، ففي «الغاضب» ضمير يعود على «الألف واللام» واكتفي بضمير واحد في الجملتين لما تقدم. قال: وإن عطفت على الفاعل الأول من: يطير الذباب فيغضب زيد اسم فاعل وكان الإخبار بالذي كان اسم الفاعل مذكّرا ولا يجوز غيره فتقول: الذي يطير الذباب فغاضب زيد إذا أخبرت عن «زيد»، وإن أخبرت عن «الذباب» قلت: الذي يطير فغاضب زيد الذباب، ولا يجوز إدخال «الألف واللام» على اسم الفاعل المعطوف؛ لأن ذلك يؤدي إلى بقاء اسم موصول وهو «الألف واللام» ليس له ما يربطه بصلته، قال: إلا أن هشاما (¬1) قد يجوّز ذلك لأنه يرى زيادة «الألف واللام» ولكن زيادة «الألف واللام» ليست مقيسة، وإن كان الإخبار بـ «الألف واللام» كان اسم الفاعل أيضا نكرة فتقول: الطائر فغاضب زيد الذباب، إن أخبرت عن «الذباب»، وإن أخبرت عن «زيد» قلت: الطائر الذباب فغاضب زيد، ولا سبيل إلى إدخال «الألف واللام» لما يلزم من خلو الموصول من عائد. قال: ويجوز في هذه المسائل من حروف العطف ما جاز في المسائل المتقدمة، ويمتنع معها ما امتنع معها. وإن كان الفاعل الثاني هو الأول نحو: قام زيد وخرج جاز لك الإخبار عن «زيد» وعن الضمير الكائن في «خرج» بالذي وبالألف واللام، وجاز لك أن تعطف بما شئت من حروف العطف، فإن أخبرت بالذي عن الضمير في «خرج» قلت: الذي قام زيد وخرج هو، وإن أخبرت بالألف واللام قلت: القائم زيد والخارج هو، ويكفيك في الجملتين ضمير واحد؛ لأنهما مفعوله لفاعل واحد وهو «زيد». وأما إذا كان مفردا نحو: قام زيد وعمرو جاز لك الإخبار عن الأول وعن الثاني، فإن أخبرت عن الأول لم تستعمل من حروف العطف إلا الواو خاصة؛ لأنها لا تغير معنى الكلام؛ لكونها لا يتبين معها المتقدم في إحداث الفعل من المتأخر، وغيرها من حروف العطف ينقل معنى الكلام عما كان عليه إلى معنى آخر؛ لأنه إذا كان معنى: قام زيد وعمرو، وأردنا الإخبار عن «زيد» وعطفت بالواو، كان الكلام بعد الإخبار على معناه قبل الإخبار، إذ كنا قبل الإخبار لا نعلم من - ¬

_ (¬1) هو هشام بن معاوية الضرير.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القائم أوّلا، وكذلك بعد الإخبار، وغيرها من حروف العطف ليس كذلك، وأما الفاء وثم فمفهوم الكلام معهما أن الثاني بعد الأول بلا مهلة مع الفاء، وبمهلة مع ثم، ولم يكن مفهوم الكلام قبل الإخبار هذا لكونه كان العطف فيه بالواو، وكذلك سائر حروف العطف مغير لمعنى الكلام، فتقول مخبرا عن «زيد» من قام زيد وعمرو: الذي قام هو وعمرو زيد، ولا بد من تأكيد الضمير في «قام» للقاعدة المعروفة، وإن أخبرت عن «عمرو» قلت: الذي قام زيد وهو عمرو، ولا يستعمل في المسائل التي ذكرت في عطف المفرد على الفاعل من حروف العطف سوى الواو للعلة التي تقدم ذكرها، والإخبار بالألف واللام في هذا الفصل كالإخبار بالذي على حد سواء. المفعول الذي لم يسمّ فاعله: حكم المفعول الذي لم يسم فاعله حكم الفاعل أيضا، إلا أنه إذا أخبر عنه غيّرت الصيغة من فعل الفاعل ومن اسمه إلى صيغة فعل المفعول واسمه، فيقال في: ضرب زيد: الذي ضرب زيد، والمضروب زيد، وفي: ضربت وضربت: المضروب أنا، والمضروب أنت، والذي ضرب أنا، والذي ضرب أنت، ولا خفاء في وضوح ذلك وأنه غير محتاج إلى التنبيه عليه، ولا يخبر عن المجرور الذي قام مقام الفاعل ما دام مجرورا نحو: مرّ بزيد، وما ضرب من رجل، لأنه لا يكون مبتدأ. المشبه بالفاعل: حكمه في الإخبار عنه حكم الفاعل من اتفاق واختلاف. ولنورد ذلك مفصلا كما ذكره الشيخ، قال (¬1): «اسم كان وأخواتها يخبر عنه بالذي وبأل إلا ليس وما دخل عليه حرف النفي لزوما، أو حالة إرادة نفيه فلا يخبر عنه بأل؛ إذ لا يصح من ذلك صوغ اسم فاعل ولا اسم مفعول، وإلا اسم ما دام فلا يخبر عنه بالذي ولا بأل فتقول في: كان زيد قائما: الذي كان قائما زيد، والكائن قائما زيد، وفي: كنت قائما: الذي كان قائما أنت، والكائن قائما أنت، وفي: كنت قائما: الذي كان قائما أنا، والكائن قائما أنا، وإذا ثنّيت أو جمعت - والإخبار بأل في ضمير المخاطب والمتكلم - ثنّي اسم الفاعل أو جمع واستتر الضمير على كل حال إلا على [5/ 225] مذهب الكسائي فيهما فيبرز الضمير. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 222.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المرفوع بأفعال المقاربة: إن كان الفعل متصرفا نحو: كاد وأوشك جاز الإخبار عنه فتقول في: كاد زيد يضرب عمرا: الذي كاد يضرب عمرا زيد، وكذلك أوشك، وأما باقيها فما عرض له عدم التصرف لاستعماله في باب «المقاربة» وكان أصله أن يتصرف فالظاهر جواز الإخبار عنه فتقول في: جعل زيد يقرأ: الذي جعل يقرأ زيد، وإن كان جامد الوضع وهو عسى فأجاز ابن أبي الربيع (¬1) الإخبار فيه فتقول في: عسى زيد أن يقوم: الذي عسى أن يقوم زيد، قال الشيخ (¬2): والجمهور لا يجيزون ذلك؛ لأن الجملة المصدرة بعسى جملة غير خبرية، والصلة لا بد أن تكون خبرية» انتهى. ولقائل أن يقول: إنما اشترط في الجملة الواقعة صلة أن تكون خبرية، حيث يقصد الإخبار عن اسم موصول بحكم مقصود؛ لتحصل الفائدة بتعريف الموصول بالعهد الذي في الصلة، وإنما يكون ذلك حيث تكون الجملة خبرية، وأما في باب «الإخبار» فليس المقصود منه إلا الاهتداء إلى الإتيان بالتركيب بعد الإخبار على الوجه الذي تقتضيه الصناعة النحوية، وليست الإفادة فيه بمقصودة؛ لأن الناطق به لم يقصد به الإخبار عن شيء وقع ولا عن شيء سيقع. اسم ما ولات (¬3): تقول في: ما زيد قائما: الذي ما هو قائما زيد، وأجاز ابن عصفور (¬4) حذف الضمير العائد على الموصول، ومنع ذلك ابن الضائع (¬5)، وتقول في لاتَ حِينَ مَناصٍ (¬6) في قراءة من نصب (¬7): الذي لات هو حين مناص الحين، فيظهر ذلك الذي كان محذوفا، ويبقى مكانه ضمير ويجوز أن يحذف، وتقول في قراءة من رفع (¬8): الذي لات هو حين مناص، ولا يحذف «هو»؛ إذ - ¬

_ (¬1) انظر الهمع (2/ 148). (¬2) التذييل (خ) جـ 5 ورقة 222. (¬3) هذا كلام الشيخ أبي حيان في التذييل. (¬4) وذلك بأن يكون في صلة «أي» أو كان في الصلة طول. (¬5) انظر شرح الجمل لابن الضائع (خ) جـ 3 ورقة 10. (¬6) سورة ص: 3. (¬7) قراءة النصب هي قراءة الجمهور. انظر البحر المحيط (8/ 384). (¬8) هي قراءة عيسى بن عمر وأبي السمال. انظر مختصر ابن خالويه (ص 129) والبحر المحيط (7/ 384).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقبح حذفه وحده دون طول فكيف هنا؟ إذ يكون إجحافا بحذف الصلة برأسها وهي المبتدأ والخبر، قاله ابن عصفور (¬1)، قال (¬2): وقوله: 4186 - نحن الألى فاجمع جمو ... عك ثمّ وجّهّم إلينا (¬3) شاذ لا يقاس عليه؛ لأنه يريد: نحن الذين نطلب فحذف الصلة رأسا، قال (¬4): وجاز إعمال لات في الضمير؛ لأنها قد تعمل في غير الحين من أسماء الزمان كقوله: 4187 - لات هنّا ذكرى جبيرة أو من ... جاء منها بطائف الأهوال (¬5) وقال ابن الضائع (¬6): هذا كله لا يجوز، قال سيبويه (¬7): لا يكون ذلك إلا في الحين - يعني عمل لات. انتهى. وأقول: إن قول ابن عصفور: «وجاز إعمال لات في الضمير لأنها قد تعمل في غير الحين» غير ظاهر؛ لأن الضمير إنما هو ضمير الحين فهي لم تعمل في غير الحين، وعلى هذا لا يتم قول ابن الضائع: إن هذا لا يجوز معتلّا لذلك بقول سيبويه: «لا يكون ذلك إلا في الحين». ثم إن المقصود في باب «الإخبار» إنما هو الامتحان والاستخبار عن كيفية النطق بتركيب تقتضيه القواعد إذا أخبر في ذلك التركيب بالذي أو بالألف واللام. - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (1/ 187). (¬2) أي ابن عصفور. انظر المرجع السابق. (¬3) البيت من مجزوء الكامل وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه (ص 28). واستشهد به على أن حذف صلة «الأولى» - وهو بمعنى «الذين» - محذوفة وهو شاذ، وقيل: الذين ها هنا لا صلة له. والبيت في أمالي الشجري (1/ 29، 2/ 179، 308)، والمغني (ص 86)، والعيني (1/ 490)، وشرح التصريح (1/ 42). (¬4) أي ابن عصفور وقد نقله عنه ابن الضائع في شرح الجمل (خ) جـ 5 ورقة 10. (¬5) البيت من الخفيف، وهو للأعشى في ديوانه (ص 164)، الشرح: هنّا بفتح الهاء وتشديد النون إشارة إلى الزمان وجبيرة بضم الجيم وفتح الباء وفتح الراء، وضبطه بعضهم بفتح الجيم وهي جبيرة بنت عمرو من بني حزم بن بكر بن وائل، ويقال: هي امرأة الأعشى، و «الطائف» الذي يطوف بالليل والأهوال جمع هول وهو الخوف وأراد به ها هنا الخيال. والشاهد فيه: قوله «لات هنا» حيث دخلت «لات» على غير الحين من الزمان. والبيت في الخصائص (2/ 474) والعيني (2/ 106)، (4/ 198) وشرح التصريح (1/ 200). (¬6) انظر شرح الجمل (خ) جـ 3 ورقة 10. (¬7) انظر الكتاب (1/ 58) (هارون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خبر إنّ وكأنّ: تقول في: إن زيدا أخوك: الذي إن زيدا هو أخوك وفي: كأنّ زيدا أسد: الذي كأن زيدا هو أسد، وإن كان الخبر مشتقّا ففيه الخلاف الذي في خبر المبتدأ. المنصوبات (¬1): مفعول فيه، ومفعول معه، ومفعول من أجله، ومفعول به، ومفعول مطلق، ومشبه بها، وهو خبر «كان» وأخواتها، وخبر «ما» الحجازية، واسم «إنّ» وأخواتها. المفعول فيه: إن لم يتسع فيه قلت مخبرا عن «اليوم» من قولك: صمت يوم الجمعة: الذي صمت فيه يوم الجمعة، وتقول في الإخبار بالألف واللام: الصائم أنا فيه يوم الجمعة، وإنما برز الضمير لجريان الصفة على غير من هي له، وإن اتسعت فيه قلت: الذي صمته يوم الجمعة، ويجوز حذف العائد حينئذ؛ لأنه منصوب متصل، وإن أخبرت بالألف واللام قلت: الصائمه أنا يوم الجمعة، ولا يجوز حذف العائد؛ لأن عائد الألف واللام لا يحذف إلا نادرا (¬2). المفعول معه: في الإخبار عنه خلاف، فالأخفش يمنعه معتلّا لذلك بأن الإخبار عنه يغيره عن حاله قبل الإخبار، لأنك تقول في الإخبار عن «الطيالسة» من: جاء البرد والطّيالسة: التي جاء البرد وإيّاها الطيالسة، فقد أدخلت الواو على الضمير وأخرت «الطيالسة» دون الواو، واختار ابن عصفور (¬3) مذهب الأخفش، وأجاز غير الأخفش ذلك، واختاره ابن الضائع (¬4)، وهو الحق لأن التغيير موجود في كل اسم أردت الإخبار عنه (¬5). المفعول من أجله: في الإخبار عنه خلاف أيضا، فالمانع يقول: الإخبار عنه يغيّره عن حاله التي كان عليها قبل الإخبار؛ لأن المفعول من أجله إنما يكون اسما ظاهرا، وكان منصوبا؛ لأنه فعل الفاعل الفعل المعلل، فإذا أخبر عنه انتقل عن ذلك، والمجيز يقول: لم ينتقل؛ لأن اللام تثبت مع الضمير، فتقول إذا أخبرت عن «إجلال» من - ¬

_ (¬1) هذا كلام ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 507 - 512) نقله عنه المؤلف بتصرف. (¬2) ولعدم الطول. (¬3) انظر شرح الجمل (2/ 508). (¬4) انظر شرح الجمل لابن الضائع (خ) جـ 3 ورقة 9. (¬5) انظر الهمع (2/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولك: قمت إجلالا لك: الذي قمت له إجلال لك، وصحح ابن عصفور عدم الجواز (¬1)، وصحح ابن الضائع الجواز (¬2) وقال: ليس مفعولا معه (¬3) وهو مرفوع، بل هو اسم يثبت أنه السبب كما تقول: إجلال زيد حملني على القيام له، وإنما امتنع أن ينتصب لإضماره. المفعول المطلق: في الإخبار عنه خلاف، فالمانع يقول: الإخبار عنه لا يفيد؛ إذ الفعل يعطي ما يعطيه هو، والمجيز يجيز ذلك إذا كان في الإخبار عنه فائدة، نحو أن تخبر عن «ضرب» من قولك [5/ 226]: ضربت زيدا ضربا شديدا، فتقول: الذي ضربته زيدا ضرب شديد، قال ابن عصفور (¬4): والأصح جواز الإخبار عنه إذا كان فيه فائدة، فالحاصل: أنه إذا كان مؤكدا لا يجوز الإخبار عنه، وإن كان غير مؤكّد جاز ولا فرق بين الموصوف والمضاف كشرب الإبل من قولك: شربت شرب الإبل، لأن التخصيص يحصل بالإضافة كما يحصل بالوصف. المفعول به: إما مفعول واحد، وإما مفعولان، وإما ثلاثة مفاعيل، بحسب الفعل الناصب له، فإن كان واحدا وذلك نحو: ضربت زيدا، قلت في الإخبار عنه: الذي ضربته زيد، ولك أن تحذف العائد، وإن كان الإخبار عنه بالألف واللام، قلت: الضاربه أنا زيد، ولا يجوز حذف العائد لما عرفت (¬5). وإن كان مفعولين وهما معمولان لباب «أعطيت» قلت في: أعطيت زيدا درهما: الذي أعطيته درهما زيد، والمعطيه أنا درهما زيد، ويجوز حذف العائد على الذي دون العائد على الألف واللام لما عرفت. هذا إن أخبرت عن الأول، وإن أخبرت عن الثاني قلت: الذي أعطيته زيدا درهم، والمعطيه أنا زيد درهم، وإنما قدم الضمير على «زيد» لأنه مهما أمكن أن يؤتى بالضمير متصلا لا يؤتى به منفصلا، وإنما يجوز تقديم الضمير ووصله بالفعل كما مثل لعدم اللبس، أما إذا كان لبس فإنه يمتنع التقديم حينئذ، ويجب أن يذكر الضمير في رتبة الاسم الذي أتي بالضمير - ¬

_ (¬1) قال في شرح الجمل (2/ 509): «والصحيح أن الإخبار عن المفعول من أجله لا يجوز». (¬2) انظر شرح الجمل لابن الضائع (خ) جـ 3 ورقة 9. (¬3) هكذا بالأصل. (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 509). (¬5) لقلة طول الصلة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عوضا عنه، نحو أن تخبر عن «عمرو» من: أعطيت زيدا عمرا، فتقول: الذي أعطيت زيدا إيّاه عمرو، ولا يجوز حذف هذا العائد. قال ابن عصفور (¬1): لأنه جرى مجرى الظاهر في عدم الاتصال، وقد جرى مجراه في عدم الحذف إذا تقدم على الفعل فقلت: إياك أكرمت، فإنه لا يحذف أبدا، فلذلك عومل في باب «الإخبار» هذه المعاملة. وإن كان المفعولان معمولين لباب «ظننت» قلت: الذي ظننته منطلقا زيد إن أخبرت عن الأول من: ظننت زيدا منطلقا، وحذف العائد ينبني على أنه حذف اختصارا واقتصارا، إن كان الأول جاز، وإن كان الثاني لم يجز، وإن أخبرت بالألف واللام، قلت: الظّانّه أنا منطلقا زيد، وحذف العائد حينئذ لا يجوز، وقد أجازه ابن عصفور (¬2) معللا الجواز بالطول ووافقه الشيخ (¬3) وفيه نظر، وإن أخبرت عن الثاني: فإن كان مشتقّا ففيه الخلاف الذي في خبر المبتدأ إذا كان مشتقّا، وإن كان جامدا فلا خلاف في الإخبار عنه، فتقول إذا أخبرت عنه بالذي: الذي ظننته زيدا منطلق. قال ابن عصفور (¬4): ويجوز حذف العائد لأن في الكلام ما يدل عليه، ولا يجوز لك أن تقدم ضمير الثاني إذا أخبرت عنه على المفعول الأول وتصله بالفعل إلا إذا عدم اللبس وعلم ما الخبر وما المخبر عنه كالمثال المذكور؛ فإن كان لبس لم يجز، نحو أن تخبر عن «عمرو» من قولك: ظننت زيدا عمرا؛ لأنك إذا أخبرت عن الثاني وقدمت ضميره على الأول ووصلته بالفعل انقلب المعنى وصار «عمرو» المظنون، وقد كان قبل التقديم: زيد الذي ظنّ عمرا. وإن كان ثلاثة مفاعيل نحو: أعلمت زيدا عمرا منطلقا، قلت في الإخبار عن الأول: الذي أعلمته عمرا منطلقا زيد. قال ابن عصفور (¬5): ولا يجوز حذف هذا الضمير؛ لأن الذي أحل هو محله لا يجوز حذفه لأنه بمنزلة الفاعل، والفاعل لا يحذف. وابن عصفور منازع في - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (2/ 510). (¬2) المرجع السابق. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 223. (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 511). (¬5) انظر شرح الجمل (2/ 511).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك، والحقّ أن حذفه جائز؛ لأنه الآن فضلة من الفضلات الجائز حذفها، وكذلك إن أخبرت عنه بالألف واللام الحكم كالحكم مع الذي، وإن أخبرت عن الثاني قلت: الذي أعلمت زيدا إيّاه منطلقا عمرو، ولا يجوز أن تقدم «إيّاه» على «زيد» وتصله بالفعل على أن «زيدا» (¬1) هو الذي أعلم بانطلاق «زيد» و «زيد» هو الذي أعلم بانطلاق «عمرو»؛ لأنه إذا حذف لم يعلم هل كان قبل المفعول الأول أو بعده؛ فإن قدّر قبله كان مفهوم الكلام أن عمرا علم بانطلاق زيد، وإن كان بعده كان المفهوم أيضا أن زيدا هو المعلم بانطلاق عمرو، فإن عدم اللبس جاز اتصاله بالفعل نحو أن تخبر عن «هند» من قولك: أعلمت زيدا هندا ضاحكة فتقول: التي أعلمتها عمرا (¬2) ضاحكة هند. ولا يجوز حذف الضمير المتصل؛ لأنه قد أجري مجرى الظاهر، وقد يجوز حذفه في قليل من الكلام، قال تعالى: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (¬3) والأصل: تزعمونهم إيّاهم فحذف العائد على الذين وهو الضمير المتصل بـ «يزعمون» ثم ناب منابه المنفصل، فحذف لنيابته مناب المتصل المحذوف، قاله ابن عصفور (¬4)، والظاهر أن مفعول «يزعمون» المحذوف هو «أنّ» ومعمولها حذف حذف اختصار لدلالة الكلام عليه، التقدير: يزعمون أنّهم شركائي، وإن أخبرت عن المفعول الثالث قلت: الذي أعلمت زيدا عمرا إيّاه منطلق، ولا يجوز اتصال هذا الضمير إلا إذا عدم اللبس كما تقدم، وكذلك لا يجوز حذفه للعلة التي تقدم ذكرها، وإذا كان هذا المفعول الثالث مشتقّا فإن فيه الخلاف كما تقدم. وذكر الشيخ المنصوب على الاستثناء، فقال (¬5): «تقول في الإخبار عن المستثنى من نحو: قام القوم إلا زيدا: الذي قام القوم إلا إيّاه زيد، وعنه من نحو: قام القوم ليس زيدا: الذي قام القوم ليس إيّاه زيد، ولا تصل الضمير في الأجود، فتقول: ليسه زيد لأنها [5/ 227] هنا أجريت مجرى «إلّا» فانفصل الضمير بعدها كما - ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، ولعل الصواب «عمرا». (¬2) كذا بالأصل. (¬3) سورة القصص: 74. (¬4) انظر شرح الجمل (2/ 512)، وهذا النقل الطويل معناه، وكثير من لفظه في شرح الجمل الكبير، أما نصه فهو في شرح الإيضاح المفقود. (¬5) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 224.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ينفصل بعد «إلا»، وكذلك «لا يكون» وأما «خلا» و «عدا» و «حاشى» إذا نصبت، فإذا أخبرت عن منصوبها من مثل: قام القوم خلا زيدا، قلت: الذي قام القوم خلاه زيد» انتهى. ويقال: إن «خلا» وأختيها قامت في الاستثناء مقام «إلّا» أيضا فكان الواجب أن يؤتى بالضمير بعدها منفصلا كما يؤتى به بعد «ليس» و «لا يكون». المجرورات: إن كان الجرّ بحرف لا يجر إلا المضمر جاز الإخبار عن ذلك المضمر، فتقول في: لولاك لقمت: الذي لولاه لقمت أنت، وإن كان بحرف يجر المضمر ضرورة لم يجز الإخبار عن ذلك المضمر، وإن كان لا يجر إلا المظهر لم يجز الإخبار عن ذلك المظهر نحو «ربّ» و «واوها»، وإن كان يجرهما جاز الإخبار عن مجروره فتقول في الإخبار عن «زيد» من قولك: مررت بزيد: الذي مررت به زيد، وحذف «به» ضعيف جدّا. وإن كان المجرور بإضافة جاز الإخبار عن المجرور، فتقول في الإخبار عن «زيد» من: قام غلام زيد: الذي قام غلامه زيد، والقائم غلامه زيد، قالوا: ولا يجوز حذف المضمر إلا أن يكون الاسم قد يقطع عن الإضافة لفظا إذا فهم المعنى كـ «كل» فتقول في: مررت بكلّ القوم: الذين مررت بكلّ القوم، وكذلك بعض. ويجوز التصريح بالضمير وهو الأولى، فتقول: الذين مررت بكلهم القوم، واختلفوا في المضمر المجرور من قولك: ويحه رجلا فمن إجاز الإخبار عنه قال: الذي ويحه رجلا هو، وحجة المانع: أن ذلك يؤدي إلى وصل الموصول بالدعاء. وإن كان المجرور بالإضافة «ياء المتكلم» نحو: هذا غلامي فنقول: الذي هذا غلامه أنا، وقد استضعف أبو عثمان (¬1) الإخبار عن «الياء»، وإن أخبرت في هذه المسألة عن اسم الإشارة، قلت: الذي ها هو غلامي ذا؛ لأن حرف التنبيه يدخل على الهمزة، وإن كان من العدد الذي أضيف إليه مميزه نحو قولك: هذه ثلاثة أبواب، فتقول: التي هذه ثلاثتها أبواب، قالوا: وهذا فيه ضعف، لأن اسم العدد حقّه أن يضاف إلى الجنس ليبينه، والإضافة إلى المضمر الغائب غير مبينة، وأقول: لا يخفى ضعف هذا التعليل لأن الضمير عائد على الموصول الذي هو «التي» فهو - ¬

_ (¬1) أي المازني. انظر الهمع (2/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو، والموصول مخبر عنه بـ «الأبواب»، ولا شك أن هذا يعلم أن الضمير لـ «الأبواب» فقد تبين اسم العدد بضمير الجنس كما يتبين بالجنس نفسه. المتبوعات وتوابعها: أما المنعوت: فقد عرفت أنه يجوز الإخبار به مع نعته فتقول في: مررت برجل عاقل: الذي مررت به رجل عاقل، والمارّ به أنا رجل عاقل. وأما المؤكد: فيخبر عنه مع توكيده، فيقال في: قام زيد نفسه: الذي قام زيد نفسه، والقائم زيد نفسه، قالوا: ويقال في: ضربت زيدا نفسه: الذي ضربته نفسه زيد، ولا يجوز حذف الضمير من «ضربته»، نص عليه الأخفش ناقلا عن العرب أنهم لا يقولون: الذي ضربت نفسه زيد يريدون: ضربته، وفي كتاب سيبويه تمثيله وتمثيل الخليل بجواز حذف المؤكد المعطوف عليه يجوّز الإخبار بالمعطوف عليه والمعطوف، فتقول في: قام زيد وعمرو: الذي قام هو وعمرو زيد، والذي قام زيد وهو عمرو، تضع الضمير مكان الذي أخبرت عنه، وذهب بعضهم إلى أنه لا بد أن تجعله فاعلا فتقدمه وتجعل المعطوف عليه قبل الإخبار معطوفا فتقول: الذي قام هو وزيد عمرو؛ لأن «الواو» لا تقتضي الترتيب، والأمر واحد في المعطوف والمعطوف عليه إذا كان العطف [بالواو] (¬1) فتقدم أيّهما شئت، واستحسن ابن أبي الربيع هذا المذهب. فإن كان العطف بـ «أو» ففيه الخلاف الذي في «الواو»، وإن كان بـ «أم» لم يجز الإخبار عن شيء منهما (¬2) - يعني المعطوف والمعطوف عليه -، وإن كان بـ «الفاء» أو بـ «ثم» أو بـ «حتى» أو بـ «بل» أو بـ «لا» أو بـ «لكن» كان الضمير في مكان الذي تريد أن تخبر عنه؛ لئلا ينقلب المعنى فتقول في الإخبار عن «عمرو» من: قام زيد فعمرو: الذي قام زيد فهو عمرو، وعنه من قولك: قام زيد لا عمرو: الذي قام زيد لا هو عمرو، وعنه من قولك: ما قام زيد لكن عمرو: الذي ما قام زيد لكن هو عمرو، وكذلك بل وحتى، وتقول: زيد وعمرو قائمان، فإذا أخبرت عن «زيد» قلت: الذي هو وعمرو قائمان زيد، أو عن «عمرو» قلت: الذي زيد وهو قائمان عمرو، أو عنهما معا قلت: اللذان هما قائمان زيد وعمرو، ويجوز ذلك في العطف بـ «ثم» و «الفاء» و «أو». وإذا أخبرت عن المبدل منه وهو «زيد» من قولك: قام زيد أخوك، ففيه - ¬

_ (¬1) زيادة يقتضيها السياق (¬2) انظر الهمع (2/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف، فمنهم من يبدل من «زيد» ضميرا ويؤخره إلى آخر الكلام ويجعل الآخر بدلا منه، كما كان على الإخبار فتقول: الذي قام زيد أخوك، ففي «قام» ضمير يعود على «الذي» و «أخوك» بدل منه و «زيد» خبر «الذي» وبقي التابع تابعا والمتبوع متبوعا، ومنهم من يخبر عن كل منهما على انفراده، فيقول إذا أخبر عن المبدل منه: الذي قام أخوك زيد، ففي «قام» ضمير يعود على «الذي» و «أخوك» بدل منه و «زيد» خبر «الذي»، وإذا أخبر عن البدل، قال: الذي قام زيد هو أخوك، فـ «هو» بدل من «زيد» وهو عائد على «الذي». قال ابن عصفور (¬1): والصحيح في هذا المذهب الأخير أن تخبر عن الأول الذي هو مبدل منه فتقول: الذي قام هو أخوك زيد، وتقدر «هو» مطروحا كأنه ليس في الكلام ويحل محلّه «أخوك» بعد أن تقدر: أخوك هو؛ لئلّا يبقى «الذي» بلا عائد يعود عليه، فتكون المسألة جائزة؛ لكونها لم تخل من ضمير يعود على الموصول، وإن أخبرت عن الثاني الذي هو بدل لم يجز لخلوّ الجملة الأولى من ضمير يعود على الموصول، ألا ترى أنك لو قلت: الذي قام [5/ 228] زيد أخوك، بقيت جملة الصلة بلا عائد على الموصول، وذلك لا يجوز. وفي «الغرة» (¬2): «وأما البدل إذا أخبرت عنه في قولك: مررت بأخيك زيد، فإنك إذا أخبرت عن أخيك، ففيه قولان: أحدهما: أن تؤخر البدل والمبدل منه إلى آخر الكلام، وتقول: الذي مررت به أخوك زيد. والثاني: أن تؤخر الأخ وحده، وتجعل زيدا بدلا من ضميره، فتقول: الذي مررت به زيد أخوك، وإن أخبرت عن زيد فمن الناس من لا يجيزه لعدم العائد من الأول ومنهم من يجيزه فيقول: الذي مررت بأخيك به زيد، فإن أخبرت عن الأول باللام قلت على القول الأول: المارّ به أنا أخوك زيد، وعلى القول الثاني: المارّ به أنا زيد أخوك، وإن أخبرت عن زيد فالكلام فيه كالكلام في الأول» هذا كلام - ¬

_ (¬1) انظر شرح الجمل (2/ 506) تحقيق أبو جناح. (¬2) الغرة لابن الدهان، وقد بحثنا في الجزء الموجود من هذا الكتاب بدار الكتب مخطوطا، وهو الجزء الثاني، فلم نعثر على هذا الكلام، وقد نقله عنه الشيخ أبو حيان في التذييل (خ) جـ 5 ورقة 225.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ صاحب «الغرة» وهو كلام مختصر واف بالمقصود. وقد ختم الشيخ الكلام على هذا الباب بمسائل منثورة: منها (¬1): «إذا أخبرت عن «الياء» من: ضربي زيدا قائما قلت: الذي ضربه زيدا قائما أنا، وعن «زيد» قلت: الذي ضربته أو ضربي إيّاه قائما زيد، ولا يجوز أن تخبر عن ضربي ولا عن قائم» انتهى. وعلة ذلك معلومة وهي أن ضمير المصدر لا يعمل والحال لا يكون معرفة. ومنها: «أن الموصولات كغيرها من الأسماء بالنسبة إلى الإخبار بها، فتقول في الإخبار بالذي من: ضربت الذي ضربته: الذي ضربته الذي ضربته». ومنها: «أن اسم الاستفهام مختلف في جواز الإخبار عنه: فمنهم من منع ذلك، وهو القياس - وقد عرفت أن المصنف من المانعين له وذلك لما يؤدي إليه من تأخير ما له الصدر - ومنهم من أجاز ذلك إلا أنه يلزم اسم الاستفهام الصدر فيقول في: أيّهم قائم: أيّهم الذي هو قائم، وفي: أيّهم ضربت: أيّهم الذي إيّاه ضربت - وقد عرفت أن ابن عصفور يجيز ذلك - قالوا (¬2): وإذا أخبرت عن اسم من جملة الاستفهام صيرت اسم الاستفهام أولا مبتدأ ثم تأتي بالموصول، ثم بضمير مكانه من الجملة، ثم بضمير المخبر عنه خبرا عن الموصول فتقول في: أيّهم زيد: أيّهم الذي هو زيد، الضمير الثاني ضمير زيد خبر للأول، وزيد خبر الذي، والجملة خبر أيّهم، وتقول في الإخبار عن أخيك من قولهم: أيّ رجل كان أخاك: أيّهم الذي هو كأنه أخوك أو إيّاه كان أخوك، فاسم كان مضمر يعود إلى هو: وهو مضمر أيّ، فأيّ قيل: مبتدأ أول والذي مبتدأ ثان، وأخوك خبره، وهو ضمير أي ضمير أيّ راجع إليه المضمر الفاعل في كان، والذي وخبره خبر أيّهم. هكذا ذكروا. وقد يقال: إذا قدّم اسم الاستفهام على «الذي» خرج ذلك عن أن يكون إخبارا - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 227. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 226.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بـ «الذي» لأن الإخبار بـ «الذي» عبارة عن أن تجعل «الذي» نفسه مبتدأ وتخبر عنه، لكن ذكر الشيخ أنهم اختلفوا في إعراب «أيّهم» إذا أخبر عنها فقيل: أيّهم الذي هو زيد، قال: فذهب ابن عصفور إلى أنه خبر مقدم، والموصول مبتدأ صلته: هو زيد، وذهب ابن الضائع إلى أنه مبتدأ، قال (¬1): والذي يقتضيه القياس ما قاله ابن عصفور، ألا ترى أنه لو كان اسما غير اسم الاستفهام لم يكن إلا خبرا، ويكون الموصول هو المبتدأ لا الخبر، لكن منع من تأخيره كونه صدرا، فقدّم لذلك، وبقي على حاله من كونه خبرا على أصل باب الإخبار» انتهى. ولا شك أن الأمر كما قاله ابن عصفور، غير أن المقصود من باب «الإخبار» أن الموصول يؤتى به متقدما وأن يؤخر ما يقصد الإخبار عنه بالموصول، فإذا أتي بذلك الخبر مقدما كان فيه إحالة لصورة المسألة، والذي يظهر أن الإخبار عن اسم الاستفهام ممتنع كما قال المصنف. ومنها (¬2): «أنه قد علم أن «الذي» في باب الإخبار أعم من أل؛ لأن «الذي» يخبر به عن اسم من جملة اسمية وجملة فعلية، وأل لا يخبر بها عن اسم إلا من جملة فعلية بالشروط المعروفة، لكن ذكر الأخفش موضعا يصلح لأل ولا يصلح للذي، قال: تقول: مررت بالقائم أبواه لا القاعدين، ولو قلت: مررت بالذي قام أبواه لا الذي قعدا، لم يجز لخلوّ صلة الذي الثانية من عائد، وكذا مررت بالقائم أبواها لا القاعدين جاز، ولو قلت: مررت بالتي قعد أبواها لا التي قاما لم يصح، فإذا أخبرت عن زيد من قولك: قامت جاريتا زيد لا قعدتا، قلت: القائم جاريتاه لا القاعدتان زيد، ولو قلت: الذي قامت جاريتاه لا التي قعدتا زيد، لم يجز؛ لأنه لا ضمير يعود على الذي من الجملة المعطوفة. قال الشيخ (¬3): فعلى هذا قد صار لكل من الذي ومن أل عموم تصرف ودخول فيما لم يدخل فيه الآخر، لكن ما اختص به الذي أكثر، قال (¬4): وقال ابن السراج - ¬

_ (¬1) أي الشيخ أبو حيان. (¬2) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 226. (¬3) المرجع السابق. (¬4) أي الشيخ أبو حيان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في مسألة: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين: إنه شاذ خارج عن القياس، وقد كان ينبغي أن لا يجوز، قال: ولكنه حكي عن العرب وكثر في كلامهم حتّى صار قياسا فيما هو مثله؛ فلهذا لا يقاس عليه الفعل، وقال ابن الضائع: هذا شيء يحدث مع أل ولم يكن كلام قبل أل فيه اسم يجوز الإخبار عنه بأل، ولا يجوز بالذي، فلا يدخل هذا على من قال: إن كل ما يخبر عنه بأل يخبر عنه بالذي، ولكن إذا نظرت لما وقعت فيه أل ولا يقع في موضعها الذي كان كذلك» انتهى. وهذا الذي قاله ابن الضائع هو الحق. ومنها (¬1): «أن الإخبار إذا كان عن اسم قد تنازع فيه عاملان، فيقال: إن اتفق العاملان في العمل نحو: ضربت وأهنت زيدا، فمذهب أبي الحسن أنك تقول: الذي ضربته وأهنته زيد، ويجوز حذف الضمير، وباللام: الضاربه أنا وأهنته زيد، وإن شئت كررت الموصول فقلت: والمهينه أنا، ولا بد إذ ذاك من ضمير ثان، وزعم [5/ 229] بعضهم أنه لا يجوز الإتيان بالضمير في الصلة الأولى، فيزول العامل عما كان قبل الإخبار، هذا مع طول الكلام إذ الجملتان كجملة واحدة، وقالوا: هذا فاسد لأن الحذف في الصلة لا يجوز إلا بعد الإضمار والحذف قبل الإخبار، وليس كذلك فاختلفا، وإن اختلف العاملان في العمل نحو: ضربت وضربني زيد فإذا أخبرت عن «زيد» ففيه مذاهب: أحدها: مذهب الأخفش: وهو أن تدخل الموصول على الأول والثاني وتستوفي كل جملة عائدها، وتستوفي إحدى الجملتين خبرها، وتترك الأخرى لا خبر لها، فتقول في الذي - يعني في الإخبار بالذي -: الذي ضربته والذي ضربني زيد، وتقول في أل على إعمال الثاني: الضاربه أنا والضاربي زيد، والضمير في الجملة الأولى لأنه اسم فاعل جرى على غير من هو له، لأن الفعل لك والخبر عن زيد، وأل على هذا المذهب لزيد في الاسمين، وجاءوا بالضمير لأن الصلة لا تتم إلا بعائد على الموصول. - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 226، 227.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المذهب الثاني: كالأول إلا أنه يحذف الضمير للطول، فتقول: الذي ضربت والذي ضربني زيد، والضارب أنا والضاربي زيد، وأل لزيد، وحذف الضمير من اسم الفاعل حملا على الفعل، والجملتان عندهم كجملة واحدة. المذهب الثالث: أن تدخل الذي أو أل على الجملة الأولى، وتترك الثانية على حالها فتقول: الذي ضربت وضربني زيد، والضارب أنا وضربني زيد. واتفقت هذه المذاهب الثلاثة على حذف الخبر من إحدى الجملتين، وتوفية الأخرى حقّها من المبتدأ والخبر. المذهب الرابع: مذهب المازني، وهو أن تدخل الموصول على الأول والثاني وتأتي بكل جملة على انفرادها، وتوفّى حقّها من الخبر والضمير، وكل جملة منهما قائمة بنفسها فتقول: الذي ضربته زيد، والذي ضربني زيد، والضاربه أنا زيد والضاربي زيد، وردّ ابن السراج هذا، قال (¬1): لأنه قبل الإخبار جملتان كواحدة بدليل: ضربني وضربته زيد». انتهى. ولم أتحقق قوله (¬2): «واتفقت هذه المذاهب الثلاثة على حذف الخبر من إحدى الجملتين»؛ لأنه ليس في قولنا: الذي ضربت وضربني زيد، والضارب أنا وضربني زيد إلا مبتدأ واحد، وقد ذكر خبره وهو زيد، فلا شك أن «زيدا» خبر عن الموصولين المبتدأين المعطوف أحدهما على الآخر وكذا في قولنا: الضارب أنا والضاربي زيد، «زيد» خبر عن المبتدأين المعطوف أحدهما على الآخر، كما تقول: الذي أكل والذي شرب زيد، والآكل والشارب زيد، ثم إن قولنا: الضارب أنا من هذا التركيب المذكور ليس جملة، وكذا الضاربي زيد أيضا، فكيف يقول: على حذف الخبر من إحدى الجملتين؟ ومنها (¬3): «إذا أخبرت عن التاء من: ضربت وضربني زيد - قلت على مذهب الأخفش: الضارب والضاربه زيد أنا، وعلى مذهب المازني: الضارب أنا والضاربي زيد، - ¬

_ (¬1) انظر أصول النحو (2/ 315) تحقيق د/ عبد الحسين الفتلي. (¬2) أي قول الشيخ أبي حيان. (¬3) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 227.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى مذهب الرّمانيّ: الضارب وضربه زيد أنا. وإن أخبرت عن الياء قلت في مذهب المازني: الضارب أنا والضاربه زيد أنا. وإذا أخبرت عن الضمير المستكن في ضربني من قولك: ضربني وضربت زيدا على مذهب الأخفش أو عن زيدا من: ضربت وضربني زيدا، فلا يجوز لامتناع وجود العائد من إحدى الجملتين». ثم إن الشيخ أتبع ذلك (¬1) بذكر بعض مسائل من هذا النوع - أعني ما فيه تنازع - تتعلق باب «أعطيت» وباب «ظننت» لا يتحصل منها طائل، فأضربت عن إيرادها خشية الإطالة، على أن منى أحكم قواعد باب «الإخبار» لا يكاد يخفى عليه تقرير ذلك. * * * ¬

_ (¬1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 227، 228.

الباب التاسع والستون باب التذكير والتأنيث

الباب التاسع والستون باب التّذكير والتّأنيث [علامة التأنيث - حكم ما لم تظهر فيها العلامة] قال ابن مالك: (وأصل الاسم التذكير فاستغنى عن علامة بخلاف التأنيث، وعلامته في الاسم المتمكّن تاء، ظاهرة أو مقدّرة، أو ألف مقصورة أو ممدودة مبدلة همزة ويعلم تأنيث ما لم تظهر العلامة فيه بتصغيره أو وصفه أو ضميره، أو الإشارة إليه أو عدده، أو جمعه على مثال يخصّ المؤنّث، أو يغلب فيه). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (¬1): لما كان التذكير أصلا استغني عن علامة بخلاف التأنيث، فإنه فرع، فافتقر إلى علامة، وهي تاء، أو ألف مقصورة، أو ممدودة. والتاء أظهر وأكثر دلالة؛ لأنها لا تلتبس بغيرها. بخلاف الألف فإنها قد تلتبس بغيرها فتحتاج إلى تمييز لما يأتي ذكره. ولمزية التاء في الدلالة جعلت ظاهرة كتمرة، ومقدرة ككتف، ويدل على التقدير: الإضمار، بنحو: الكتف نهشتها (¬2). والإشارة، نحو: هذه كيف. والتصغير، نحو: كتيفة. واطراد الجمع في القلة على أفعل مع كونه رباعيّا كعقاب (¬3) وأعقب، وذراع وأذرع، ويمين وأيمن. وقلت: وباطراد: احترازا من قول بعض العرب: غراب وأغرب مع كونه مذكرا، والمشهور أغربة ويعرف أيضا تأنيث العاري من علامة بحاله ونعته، وخبره نحو: هذه الكتف - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (4/ 733) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي. (¬2) النّهش: الأخذ بالأضراس، والنّهش: الأخذ بالأسنان. (¬3) العقاب: طائر من كواسر الطيور، قوي المخالف. مسرول به منقار قصير، حاد البصر لفظه مؤنث للذكر الأنثى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مشوية، والكتف المشوية لذيذة، ويد زيد مبسوطة. ويعرف - أيضا - تأنيث العاري من علامة بأن يجرد عدده من التاء باطراد كاشتريت ثلاث أدور، وسقيته أربع أكؤس. وقلت باطراد احترازا من نحو ثلاث شخوص، وعشر أبطن (¬1). انتهى. ويستفاد منه شرح ما ذكره في التسهيل، ثم إنه قيد ما الاسم التي تكون التاء فيه علامة التأنيث بكونه متمكنا تنبيها على أن الاسم [5/ 230] المبني إما يدل على تأنيث بغير التاء؛ كقولنا: أنت بفتح التاء للمذكر، وأنت بكسرها للمؤنث، وكقولنا: هم في جمع المذكر العاقل، وهنّ في جمع المؤنث، أو المذكر غير العاقل وفي شرح الشيخ (¬2) إن بعضهم يرى أن التأنيث بالهاء، وأنها تبدل في الوصل تاء مستندا في هذه الدعوى إلى قول سيبويه في باب الترخيم (¬3) وإنما كان الحذف للتاء، ولا شك أن مثل هذا لا ينبغي الالتفات إليه، ولا تصنيع الزمان في إيراده، وقد قال سيبويه في باب الوقف (¬4) وفي حروف البدل، وأما الهاء فتكون بدلا من التاء التي يؤنث بها الاسم فوجب أن يصرف قوله: وإنما كان الحذف للتاء إلى التجوز، ومما ينبه أن المراد بتأنيث الاسم هنا تأنيث مسماه سواء كان في الاسم تاء أم لن يكن، كعائشة وقائمة وهند وشمس لا تأنيث اللفظ كطلحة وحمزة فعلى هذا يقال أن الاسم إما أن يكون فيه تاء تأنيث، وإما أن يكون لا علامة فيه للتأنيث، فالاسم الذي فيه تأنيث: إن كان مسماه مذكرا كان حكمه في الإخبار عنه، والوصف وغير ذلك حكم المذكر الذي ليس فيه تاء تأنيث، فإنما يحكم بتأنيث لفظه فقط لاشتماله على التاء، ومن ثم يمتنع صرفه إذا كان علما، ومن أجل أنه محكوم بتذكيره عدّ من الشواذ قول القائل: 4188 - أبوك خليفة ولدته أخرى ... ..... (¬5) - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (4/ 1734). (¬2) انظر التذييل والتكميل في المذكور (الجزء الخامس). (¬3) انظر الباب المذكور في كتاب سيبويه (2/ 237) (تحقيق هارون). (¬4) انظر كتاب سيبويه (4/ 166). (¬5) البيت من بحر الوافر وهو في المدح لقائل مجهول. وشاهده قوله: ولدته حيث أنث الفعل شذوذ؛ -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: وغيره الفلحا، وإن كان مسماه مؤنثا كان حكمه فيما ذكر حكم المؤنث؛ فإن عومل معاملة مذكر كان ضرورة، وهذا فيما يمتاز فيه المذكر من المؤنث، وأما إذا لم يمتز أحدهما من الآخر فإنه يكون محكوما له بحكم المؤنث، فيعامل معاملته ولو كان المدلول مذكرا إذ لا فرق في مثل ذلك بين المذكر والمؤنث، وذلك نحو: نملة وقطّة وهذا إذا كان الاسم الذي فيه التاء يوصف بالتذكير حقيقة وبالتأنيث حقيقة. فإن كان الاسم المذكور ليس مذكرا حقيقة ولا مؤنثا حقيقة، فهو مؤنث على كل حال نحو: خشبة وآخرة ثم إن الشيخ لما نقل أن نحو نملة يحكم بتأنيثه سواء كان المدلول مذكرا أم مؤنثا، قال (¬1): ومن ثم وهم من سئل عن نملة سليمان صلّى الله عليه وسلّم أكان ذكرا أم أنثى فقال: كانت أنثى بدليل قوله تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ (¬2) قال: فلم يعلم أن قاعدة اللسان العربي أنه إذا لم يميز المذكر من المؤنث مما فيه تاء تأنيث أنه يعامل معاملة المؤنث سواء أكان المدلول مذكرا أم مؤنثا قال: وقد استحسن هذا الجواب ضعفة أهل العربية مثل: الزمخشري وغيره وأوردوا ذلك من محاسن المجيب جهلا منهم بلسان العرب انتهى. ولا شك في أن الشيخ قدره كبير، ورتبته في الفنّ سامية، ولكن يقبح أن يجعل الزمخشري من ضعفة أهل العربية، وهو الإمام المشهود له بالتبريز في الفنون عموما، وفي فنّ العربية خصوصا، ويكفي في الشهادة له بذلك أن الأئمة ما زالوا يقرءون كتابه الذي هو المفصل للزمخشري ويعتنون به، ويتصدى لشرحه كل مشهود له بالإمامة كالأندلسي، وابن يعيش وابن عمرون وابن الحاجب، وقد وجه المصنف أعني جمال الدين بن مالك عنايته إلى الكتاب المذكور أيضا فنظمه ثم فك ذلك النظم ولا شك أنّ رتبة الزمخشري في علم اللسان العربي لا تخفى، وكان الشيخ - رحمه الله - تعالى لا يعد المشارقة نحاة، وبهذا ما كان ينظر إلى المفصل ولا إلى الإيضاح الذي للفارسي وكان يصرّح برفقتهما وينهى عن الاشتغال بهما، وإنما كان مقبلا على كتب المغاربة، ولا شك أن المغاربة لهم الباع - ¬

_ - لأن الفاعل ضمير يعود على مذكر على والذي جوزه اقتران هذا المذكر بالتاء، وانظر البيت في المساعد (3/ 279) وحاشية الصبان (4/ 94). (¬1) انظر التذييل والتكميل (الجزء الخامس) مخطوط بدار الكتب: 62 نحو. (¬2) سورة النمل: 18.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المديد في النقول، والتقسيم، والتفريع. ولكن المشارقة عندهم زيادة نظر وتدقيق وتحقيق وفي كل خير فرض الله تعالى عنهم أجمعين بمنّه وكرمه. وأما الاسم الذي لا علامة فيه للتأنيث، فإما أن يكون حقيقي التذكير، أو حقيقي التأنيث، أو غير ذلك إن كان غير ذلك، فالأصل فيه التذكير، نحو: عود، وحائط ولا يؤنث شيء منه إلّا سماعا، نحو: قدر وشمس، وإما أن يكون حقيقي التذكير والتأنيث فإما أن يمتاز فيه المذكر من المؤنث أو لا يمتاز إن امتاز، فظاهر أن المذكر يعامل بحكم التذكير كزيد، والمؤنث يعامل بحكم التأنيث كهند والذي لم يمتز فيه المذكر من المؤنث فإن حكم الاسم فيه التذكير ولو أريد به المؤنث نحو: برغوث. وليعلم أن قول المصنف في التسهيل: ممدودة مبدلة همزة يفهم منه أن الدال على التأنيث في المدود إنما هو ألف واحدة [وعلى ذلك فيجب أن يكون الدال على التأنيث] في نحو صحراء ألف واحدة، كما أن الدال عليه في نحو: سكرى، وحبلى كذلك ولكن الألف لما حصل قبلها ألف أخرى وجب إبدالها همزة، ولا يظنّ أن الدال على التأنيث في نحو: صحراء إنما هو مجموع الألفين؛ لأن الأمر لو كان كذلك؛ لكان الألفان للتأنيث والأمر ليس كذلك؛ لأن الأئمة قالوا: علامة التأنيث تاء، أو ألف مقصورة، أو ممدودة، فالدال على التأنيث في نحو: صحراء إنما هو الألف الآخرة، ولكن زيد قبلها ألف ليحصل التمييز بين نحو: سكري، وحبلى، وصحراء، وحمراء وقد نقل عن الأخفش أن الألف والهمزة معا للتأنيث فما أدري هل يدعي مع ذلك أن الهمزة أصل بنفسها، أو أن الأصل هو الألف والهمزة بدل منه؟ وردّ قول الأخفش بأنه لا يوجد في كلامهم ما علامة التأنيث فيه حرفان. ومذهب الكوفيين أن الهمزة نفسها هي علامة التأنيث، وأبطل [5/ 231] المصنف قولهم بأن العرب قالوا في جمع صحراء صحار كما قالوا: في حبلى حبال، قال: فلو كانت الهمزة غير مبدلة لسلمت. وقد ذكرت المغاربة عن الكوفيين أنهم زادوا في علامات التأنيث التاء في -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخت، وبنت (¬1) والألف والتاء في المسلمات ونحوه، والنون الثانية في هنّ؛ قالوا: ودخلت النون الأولى؛ لأن نون التأنيث لا يكون ما قبلها إلّا ساكنا، وكذا أيضا زادوا الكسرة في أنت، والياء في هذي. ولا يخفى أن مثل هذا لا ينبغي التشاغل به، ولا التعريج عليه؛ إذ لا يخفى أن التاء في أخت، وبنت، ومسلمات تاء التأنيث، وأن هنّ بكمالها هي الموضوعة للتأنيث لا النون، وكذا القول في أنت وهذي. ثم قد عرفت قول المصنف في متن الكتاب أو جمعه على مثال يخص المؤنث أو يغلب فيه وعرفت مما ذكره في شرح الكافية أن المؤنث الرباعي بمدة ثالثة يطرد جمعه على «أفعل» كعقاب وأعقب، ويمين وأيمن. وإنه احترز بالاطراد من قول بعض العرب عزاب وأعزب مع كونه مذكرا فجعل الشيخ ذلك مثالا لقوله أو يغلب فيه قال (¬2): ومثال جمعه على مثال يحض المؤنث قولهم: هندات قال: فهذا جمع يحض المؤنث؛ لأنه لا يجمع هذا الجمع إلا ما كان مفرده مؤنثا بعلامة، ولا مذكرا مصغّرا ولا وصفا لجمع لا يعقل بانفراد ذاك على مفرده بأنه مؤنث والهندات ليس مفرده مؤنثا بعلامة ولا مذكرا مصغرا ولا وصفا لا يعقل فيعلم آنذاك أن مفرده مؤنث انتهى. ولقد أبعد الشيخ المرمى والذي خبر أن مراد المصنف بقوله يخص المؤنث أو يغلب فيه شيء واحد وهو الذي مثل به في شرح الكافية فإن صيغة «أفعل» تخص المؤنث، وإن لم تخصه لورود أعزب جمع عزاب؛ فإنها تغلب فيه فهي تخصه على لغة من يقول في عزاب أعزب، وغالبه على لغة من يقول فيه أعزب، ثم إن الشيخ كأنه يستدرك على المصنف قال (¬3) أو نقص المصنف مما يعلم به تأنيث مما لا علامة فيه إلحاق تاء التأنيث لفعله، نحو: انكسرت القدر وتنكسر القدر. وهذا عجب من الشيخ، فإن لحاق التاء الفعل إنما هو تبع لتأنيث الفاعل فإذا تحقق التأنيث ألحقت التاء ومقتضى ما قاله الشيخ أننا نستدل بلحاق التاء على تأنيث فاعل ذلك - ¬

_ (¬1) انظر المساعد لابن عقيل (3/ 290) تحقيق د/ محمد كامل بركات. (¬2) التذييل والتكميل (مخطوط بدار الكتب) جـ 5. (¬3) القائل هو أبو حيان في التذييل والتكميل (مخطوط) وحقق في عدة رسائل دكتوراة (ثمان).

[مواضع تاء التأنيث]

[مواضع تاء التأنيث] قال ابن مالك: (وأكثر مجيء التّاء لفصل أوصاف المؤنّث من أوصاف المذكّر، والآحاد المخلوقة من أجناسها، وربما فصلت الأسماء الجامدة والآحاد المصنوعة وربّما لحقت الجنس وفارقت الواحد، وربّما لازمت صفات مشتركة أو خاصّة بالمذكر لتأنيث ما وصف بها في الأصل أو تنبيها على أن المؤنّث أولى بها من المذكر وتجيء أيضا لتأكيد التّأنيث، أو الجمع، أو الواحدة أو لبيان النّسب، أو التّعريف أو المبالغة، أو عوضا عن محذوف لازم الحذف أو معاقب). ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل وليس الأمر كذلك. قال ناظر الجيش: اعلم أنني أورد أولا كلام المصنف في شرح الكافية ثم أعود إلى لفظ الكتاب قال رحمه الله تعالى (¬1): الأكثر في التاء أن يجاء بها لتمييز المؤنث من المذكر في الصفات كمسلم، ومسلمة، وضخم، وضخمة، ومجيئها في الأسماء غير الصفات قليل كامرئ، وامرأة، وإنسان، وإنسانة، ورجل، ورجلة، وغلام، وغلامة. ويكثر مجيئها لتمييز الواحد من الجنس الذي لا يصنعه مخلوق، كتمر وتمرة، ونمر ونمرة، ونمل ونملة، ونخل ونخلة، وشجر وشجرة، ويقل مجيئها لتمييز الجنس من الواحد ككمأة كبيرة، وكمء واحد، وكذلك يقل مجيئها لتمييز الواحد من الجنس الذي يصنعه المخلوق نحو: جرّ وجرّة، ولبن ولبنة، وقلنس، وقلنسوة، وسفين وسفينة وقد تكون التاء لازمة فيما يشترك فيه المذكر والمؤنث كربعة وهو المعتدل والمعتّدلة من الرجال والنساء وقد يلازم ما يخص المذكر كرجل لم يجيء وهو الشجاع، وقد يجيء في لفظ مخصوص بالمؤنث لتأكيد تأنيثه كنفحة وناقه، وقد يجيء للمخالفة كرجل راوية ونسابة، وقد يجاء بها معاقبة لتاء مفاعيل، كزنادقة وجحاجحة، فإذا جيء بالياء لم يجأ بالهاء بل يقال زناديق وجحاجيح، فالياء والهاء متعاقبان في هذا النوع (¬2) وقد يجاء بها دالة على النسب؛ كقولهم أشعثيّ، وأشاعثة، وأزرقي وأزارقة، ومهلّبيّ ومهالبة، وقد يجاء بها دالة على - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية (4/ 1734). (¬2) مرّ أن الياء في زناديق وجحاجيح حذف من الجمع، وعوض عنها التاء، فإذا ردت الياء التي كانت في المفرد حذفت التاء من الجمع فهما متعاقبان.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تعريب الأسماء الأعجمية، نحو: كيلجة، وكيالجة ومذرج، وموازجة والكيلجة مقدارا من الكيل معروف والموزح: الخف وقد يجاء بها عوضا من فاء، نحو: عدة، أو من عين، نحو: إقامة، وقد عوضت من مدة «تفعيل» في تزكية، وعوضت أيضا من اللام في لغة وقلة ونحوهما (¬1) انتهى. فقوله في بالتسهيل لفصل أوصاف المؤنث قد مثل له بمسلم، ومسلمة، وضخم، وضخمة، ومثله حسن وحسنة وصفيّ، وصفيّة، وقوله: أو الآحاد المخلوقة من أجناسها قد مثل له (¬2) بتمرة، وتمر، ومثله درة ودر، وبقرة وبقر، وأجاز الكوفيون أن يكون لفظ الجنس من هنا للمفرد المذكر، فيقولون بقر للواحد المذكر وحكوا من كلام العرب رأيت حماما على حمامة، وحكى الفراء رأيت نعاما أقرع ورأيت حماما ذكرا، ورأيت جرادا على جرادة، أي رأيت ذكرا على أنثى وقال الكسائي: سمعت كل هذا النوع يطرح من ذكره الهاء إلا في حية؛ فإنهم يقولون حية للمذكر والمؤنث، فيقولون: رأيت حية على حية، فلا يطرحون [5/ 232] الهاء من ذكره. قال: وسبب ذلك أنهم لم يجمعوه بحذف التاء؛ لئلا يلتبس بالحي الذي هو ضدّ الميت، فلما لم يجمعوه ولم يكن للمذكر ما يقع عليه أشار إلى ذلك ابن عصفور في شرح الجمل (¬3) ثم قال: وهذا الذي ذكره الكوفيون شاذ عند البصريين؛ لأنه لم يكثر، وعلى هذا فالمؤنث منه والمذكر بالتاء نحو: حمامة وعقربة ولم يكن بغير التاء؛ لئلا يلتبس بالجمع (¬4). وقوله: وربما فصلت الأسماء الجامدة قد مثل له بقوله: امرئ وامرأة وإنسان وإنسانة، ورجل ورجلة وغلام وغلامة، ومثله حمار وحمارة، وأسد وأسدة وبرذون وبرذونة ولا يقاس على ذلك، ومن الشواهد على ما ذكر قول القائل: 4189 - كلّ حيّ ظلّ مغتبطا ... غير جيراني بني جبلة هتكوا جيب فتاتهم ... لم يبالوا حرمة الرّجلة (¬5) - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية (4/ 1735). (¬2) شرح الجمل لابن عصفور: (2/ 370) تحقيق أبي جناح. (¬3) انظر الكتاب المذكور (2/ 70). (¬4) المرجع السابق. (¬5) البيتان من بحر الرمل، والقائل مجهول وهو في الهجاء لجيران غدروا بالشاعر، وشاهده قوله: حرمة الرجلة حيث يجوز تأنيث رجل على غير المعهود، والبيت في المساعد (3/ 392) وفي اللسان (رجل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله الآخر: - 4190 - إنسانة فتّانة ... بدر الدّجى منها خجل (¬1) وقوله: والأحاد المصنوعة قد مثل له بقوله: جرّ وجرة إلى آخره ومنه غمام وغمامة. وقوله: وربما لحقت الجنس وفارقت الواحد، وربما لازمت صفات مشتركة قد مثل له بربعة. قال ابن عصفور: والتاء في الصفات المشتركة تكون للمبالغة ولغير المبالغة فالتاء في نحو قوله: رجل ربعة، وامرأة ربعة، كأنهم أرادوا به في المذكر نفسا ربعة (¬2) والأول نحو: رجل علّامة، وامرأة علّامة، وكذلك مطرابه وقروقه وملولة، من الصفات المشتركة قال: وإنما أتت في المذكر؛ لأنهم أرادوا أنه غاية في ذلك الوصف يعني صفة المدح، وصفة الذم والغاية مؤنثة. وقوله أو خاصة بالمذكر قد مثل له بقوله رجل بهمة وهو الشجاع. وأشار بقوله لتأنيث ما وصف بها في الأصل إلى أن الأصل ذلك نفس بهمة، أي: ذات شجاعة فهو وصف لما هو مؤنث في الأصل. وأشار بقوله: أو تنبيها على أن المؤنث أولى بها من المذكر إلى أن الهاء ربما لازمت المذكر فلم تفارقه تنبيها على أن المؤنث أولى بها من المذكر، وذلك شاة؛ لأن لفظها المؤنث أولى به من المذكر، وذلك من أجل التاء، فإذا كانوا قد ألزموا المذكر التاء؛ فلأن يلزموها المؤنث أحرى وأولى، هكذا قال الشيخ (¬3) وربما يكون مراد المصنف غير ذلك، وقوله: ويجيء أيضا لتأكيد التأنيث قد مثل له بقوله: نعجة وناقة، والمراد أن المؤنث انفرد باسم غير اسم المذكر، فكان ذلك يغني عن تاء التأنيث؛ لحصول الفرق بينهما، كما أغنى في جدى وعناق (¬4) إذ جدى لمكر، وعناق للمؤنث، فكان يكفي أن يقال ناق ونعج، لكنهم زادوا التاء لتأكيد ما دلا عليه من التأنيث والأصل في الأسماء المختصة بالتأنيث أن لا يدخلها التاء، نحو: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الهزج، وهو من الغزل، وشاهده إلحاق التاء بإنسان إذا أريد به التأنيث، والبيت في المساعد (3/ 293). (¬2) انظر شرح الجمل (2/ 371) تحقيق أبي جناح. (¬3) التذييل والتكميل جـ 5 (مخطوط بدار الكتب). (¬4) العناق (بفتح العين) الأنثى من أولاد المعز والغنم من حين الولادة إلى تمام الحول.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عجوز، وعناق، وشيخ، وحمار، وأثان وبكر وقلوص (¬1). قيل: إن التاء في ناقة، ونعجة لتأكيد الفرق؛ لأن المقابل لهما جمل وتيس وقوله: أو الجمع أي لتأكيد الجمع؛ مثاله حجارة وفحوله فالحجارة والفحولة (¬2) مؤنث وإن لم يدخل فيهم التاء، قالوا: وما دخلت التاء فيه لتأكيد تأنيث الجمع قسمان: ما التاء فية مطردة نحو أرغفة، وما هي فيه غير مطردة، كحجارة وفحولة وفيه نظر؛ لأن أرغفة لا يقال فيه؛ لأن صيغة الجمع أفعلة لا أفعل، وأما الحجارة والفحولة فإن صيغة الجمع فيهما فعال وفعول وكل منهما صيغة مستقلة، وقد يقال حجار، وفحول بغير تاء، فمن قيل بأن التاء فيهما لتأكيد الجمع، وكان المراد بتأكيد الجمع تأكيد تأنيث الجمع، وقوله: أو الواحدة أي لتأكيد الواحدة قد مثل له الشيخ، بنحو: ظلمة وغرفة ومدينة ولم يتجه لي ذلك قال (¬3): وعبر بعضهم عن هذا المعنى بتأنيث اللفظ؛ لأنه ليس تحته تأنيث معنى كامرأة، وقائمة، ولكنه للدلالة على أن هذا اللفظ عندهم موضوع موضع المؤنث في الإخبار والإشارة والإضمار، وغير ذلك من أحكام التأنيث، وقوله: أو لبيان النسب قد مثل له بقوله أشعثي وأشاعثة، وأزرقي، وأزارقة، ومهلّبي، ومهالبة. والمراد بالأشاعثة الأشخاص المنسوبون إلى الأشعث ابن قيس، وبالمهالبة الأشخاص المنسوبون إلى المهلّب بن أبي صفرة، ولو قيل: المهالب؛ لكان جمعا لكل من اسمه مهلّب، فإنما أدخلوا التاء فيه دلالة على أنه جمع لاسم منسوب لا جمع لاسم غير منسوب، وقوله أو التعريف قد مثل له بقوله كيالجة وموازجة. ومنهم من يعبر عن هذه التاء بأنها للعجمة، قال الشيخ (¬4): ولا بعد من المعنيين؛ لأن التعريب لا يكون إلا عن عجمة ومن جعلها للعجمة قصد أن الاسم أصله من لسان العجم فعرب. وقوله أو المبالغة مثاله علامة، ونسابة، وقد تقدم ذكر ذلك عند الكلام على قول المصنف، وربما لازمت صفات مشتركة. - ¬

_ (¬1) القلوص: (من الإبل): الفتية المجتمعة لخلص من حين تركب حتى التاسعة من عمرها. (¬2) الفحولة: الذكورة (المعجم الوجيز). (¬3) التذييل والتكميل (الجزء الخامس). (¬4) التذييل والتكميل (الجزء الخامس) مخطوط بدار الكتب.

[من أحكام تاء التأنيث]

[من أحكام تاء التأنيث] قال ابن مالك: (وتقدّر منفصلة ما لم يلزم بتقدير حذفها عدم النظير، والجنس المميّز واحده بها يؤنثه الحجازيّون ويذكّره التّميميّون والنجديّون). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله: أو عوضا من محذوف لازم الحذف قد مثل له بقوله عدة وإقامة ولغة مما حذفت فاؤه، أو عينه أو لامه (¬1)، ومثل له بقوله تزكية أيضا مما حذفت منه مدة تفعيل، ومثل عدة، لدة، وهو المماثل للشخص يطلق على الذكر وعلى الأنثى، ومثل لغة قلة، وثبة. وقوله: أو معاقب، قد مثل له بقوله زنادقة، وجحاجحة، ومثله فرارنة وتدخل تحت قوله: أو معاقب التاء في [5/ 233] أنت وأنت في النداء فإنها معاقبة لياء المتكلم، وليعلم أن ابن عصفور ذكر أن التاء قد تأتي دالة على النسب والعجمة، نحو البرابرة (¬2) فذكر الشيخ ذلك، ليستدرك به على المصنف (¬3) وهو عجب؛ فإن المصنف قد ذكر أنها تأتي للدلالة على النسب، وللدلالة على التعريب الذي تعبر عنه المغاربة بالعجمة، ولم يقل: أن دلالتها على ذلك مفيدة بانفراد حتى يقال إنهما إذا اجتمعا لا تدخل المسألة تحت كلامه، ثم إن الشيخ استدرك مسألة أخرى، وهي أن التاء تأتي فارقة بين الواحد والجمع في الصفات، قال: فمن ذلك قولهم: بقّال وبقّالة، وحمار وحمارة، وجمال وجمالة، ووادد وواددة، وشارب وشاربة، وسائل وسائلة، ومنه البصرية، والكوفية، والزبيرية، والمروانية، والمسوّدة والمبيضة الواحد بصري، وكوفي، وزبيري، ومرواني، ومسوّد، ومبيّض، قال: ومن ذلك الركوبة، قال الله - تعالى -: فَمِنْها رَكُوبُهُمْ (¬4) وقرئ: ركوبهم (¬5). قال: وأما حلوبة فللواحد، وحلوب للجمع، فيكون من باب تمرة وتمر. قال ناظر الجيش: اعلم أن المصنف لما ذكر في باب ما ينصرف وما لا ينصرف من شرح الكافية ألف التأنيث، وأنها قائمة في منع الصرف مقام السببين، قال (¬6): وإنما كانت كذلك؛ لأن لحاقها شبيه بلحاق الحروف الأصلية مزجا ولزوما بخلاف - ¬

_ (¬1) عدة مما حذفت فاؤه وأصله وعدة وإقامة مما حذفت عينه (إفالة) ولغة مما حذفت لامه؛ لأنه من لفوت. (¬2) لأن البرابرة نسبه إلى البربر. (¬3) التذييل والتكميل (جـ 5). (¬4) سورة يس: 72. (¬5) انظر القراءة المذكورة. (¬6) شرح الكافية الشافية لابن مالك (3/ 1437).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التاء فإنها في الغالب طارئة زايلة مقدرة الانفصال ولذلك لا يعتد بها في نسب ولا تكسير، ولا تصغير كما اعتدّ بألف التأنيث، قال: وإنما قلت في الغالب؛ لأن من المؤنث بالتاء، ما لا ينفك عنها استعمالا، ولو قدر انفكاكه؛ لوجد له نظير كهمزة، فإن التاء ملازمة له استعمالا، ولو قدر انفكاكه عنها؛ لكان همزا كحطم لكن حطم مستعمل وهمز غير مستعمل، ومن المؤنث بالتاء ما لا ينفك عنها استعمالا ولو ندر انفكاكه عنها لم يوجد له نظير كحذرية وعرقوة، فلو قدر سقوط تاء حذرية وتاء عرقوة لزم وجدان ما لا نظير له؛ إذ ليس في كلام العرب اسم على «فعلى» ولا فعلو إلا أن وجود التاء هكذا قليل، فلا اعتداد به انتهى (¬1). فقوله في التسهيل: ما لم يلزم بتقدير حذفها عدم النظير يشير به إلى كحذرية وعرقوة وما شاكلهما، ولا يخفى أن ثمّة التّاء منفصلة إنما هو بالنسبة إلى ما يقتضيه قواعد التصريف أما بالنسبة إلى ما يقتضيه التركيب الإعرابي فإنها تعد متصلة بدليل أنها حرف إعراب الكلمة التي هي فيها؛ لأنها جزء كلمة حقيقة، وإنما تعد متصلة لأمر يوجب لها ذلك، وأما تأنيث الجنس المميز واحده بها وتذكيره، فقد ورد في الكتاب العزيز قال الله - تعالى -: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (¬2) وقال - تعالى -: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (¬3) وقال - تعالى -: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا (¬4) وقال - تعالى -: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ (¬5) وقال - تعالى -: مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (¬6) فاشتملت الآية الشريفة على التأنيث والتذكير، وقال - تعالى -: يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ (¬7) وقال - تعالى -: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (¬8) والإتيان بالتاء في مفرد هذا الجنس واجب، ولو كان مسماه مذكرا، ومن ثم قال يونس: إذا أرادوا ذلك قالوا حمامة ذكر، وبطة ذكر، وشاة ذكر إذ لم يؤت بالتاء لالتبس (¬9) الواحد بالجمع. واعلم أن الشيخ يعقب كلام المصنف من وجهين: أحدهما: أنه أطلق التذكير - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (3/ 1438). (¬2) سورة الحاقة: 7. (¬3) سورة القمر: 20. (¬4) سورة البقرة: 70. (¬5) سورة فاطر: 10. (¬6) سورة الواقعة: 52 - 54. (¬7) سورة النور: 43. (¬8) سورة الرعد: 12. (¬9) انظر بقيته في التذييل والتكميل (الجزء الخامس).

[حكم الصفات المختصة بالإناث]

[حكم الصفات المختصة بالإناث] قال ابن مالك: (الغالب في الصفات المختصّة بالإناث ان لم يقصد بها معنى الفعل ألا تلحقها التاء لتأديتها معنى النّسب أو لتذكير ما وصف بها في الأصل أو لأمن اللّبس، وربّما جاءت كذلك صفات مشتركة). ـــــــــــــــــــــــــــــ والتأنيث في اسم الجنس قال، وهذا الحكم ليس في كل جنس مميز واحده بها ألا ترى أن المصادر أسماء أجناس، ويقع التمييز في كثير منها بين المفرد، واسم الجنس بالهاء، نحو ضرب، وضربة، وقتل وقتلة، وإتيان وإتيانة، والعرب تذكر مثل ضرب وقتل وإتيان ونحوها، ولا يحفظ عن أحد منهم تأنيث ذلك. ثانيهما: أنه قد نقل أن بعض أسماء الأجناس جاء مؤنثا لا غير، وذلك نحو البط والنمل، وأن بعضها جاء مذكرا لا غير، وذلك نحو: القمح والعنب فكان ينبغي للمصنف أن ينبه على ذلك هذا كلامه رحمه الله تعالى. وأقول: أما التعقيب الأول فالجواب عنه أن كلام المصنف إنما هو في اسم الجنس الذي له آحاد مخلوقة؛ لأنه قد تقدم قوله أولا وأكثر مجيء التاء لفصل أوصاف المؤنث من أوصاف المذكر والآحاد المخلوقة من أجناسها، فوجب أن تكون اللام في قوله هنا والجنس المميز بواحده بالتاء لام العهد، وإذا كان كذلك فكلامه الآن مصروف إلى الجنس الذي آحاده مخلوقة لا إلى جنس، ولا شك في ظهور هذا. وأما التعقيب الثاني: فالجواب عنه أن المصنف إنما يذكر الحكم العام الشامل بجميع أسماء الأجناس وهو التذكير والتأنيث، ولا يلزمه التعرض إلى كلمات قليلة لم تبلغ أدنى العدّ والتزم في كلمتين منها التأنيث وفي كلمتين منها التذكير فيستثنيها إذ ذاك فهذا من وظيفة اللغوي لا من وظيفة النحوي هذا إن ثبت التزام أحد الأمرين أعني التذكير أو التأنيث في الكلمات المذكورة. ونقل الشيخ عن بعضهم: أنه قال وما علمنا أحدا يؤنث الرمان، ولا الموز، ولا العنب [5/ 234]، وذكر أن الحمام واليمام والجراد يذكر لا غير (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: الصفات المختصة بالإناث مستغنية عن التاء نحو: حائض وطامث ومرضع ومطفل؛ لأن مجرد لفظها مشعر - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (الجزء الخامس) والذي نقل عنه هو أبو حاتم السجستاني في كتابه التذكير والتأنيث كما نص عليه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالتأنيث إشعارا بالاحتمال فيه، فإن قصد معنى الفعل جيء بالتاء، فقيل: هذه مرضعة ولدها غدا أو الآن. فلو لم يقصد إلا أنها ذات أهلية للإرضاع دون تعرض للفعل؛ لقيل مرضع، وكذا الموصوفة بالحيض إن قصد أنها ذات حيض، قيل: هي حائض، وإن قصد أنها تحيض الآن أو غدا قيل: هي حائضة غدا أو الآن، وقد يكون الوصف واقعا على المذكر والمؤنث ولا تلحقه التاء عند قصد التأنيث فمن ذلك قولهم: رجل عانس وامرأة عانس وجمل ضامر، وناقة ضامر انتهى (¬1) ومن الصفات المختصة بالمؤنث طالق وفارق وعاطل وكاعب وحاد وناهد ووالد للكثيرة الولد وشاة لبون للولادة، وشاقة شاوق وماخص وشايل وفاطم ووالد إذا اشتد وجدها، وشاة داجن وداجن مستأنسة وريح عاصف، وواضع للتي تضع همّا وغمّا وطاهر وقاعد وحامل وعاند وعاند وحابل والأمر فيها جميعها كما قال المصنف إن قصد بها أنها فعلت أو تفعل أتيت بالتاء في الغالب قال الله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ (¬2) ومن ذلك قول الشاعر: 4191 - كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بني بطنها ذاك الضلال عن القصد (¬3) وقول لآخر: 4192 - أيا جارتي بيني فإنّك طالقه ... كذاك أمور الناس غاد وطارقه (¬4) وقول الآخر: 4193 - تمخضت المنون له بيوم ... أني ولكل حاملة تمام (¬5) ثم إن المصنف علل عدم لحاق التاء في هذه الأوصاف بثلاثة أمور؛ أحدها: - كونها تؤدي معنى النسب نحو: طالق أي ذات طلاق، وحائض أي ذات حيض، - ¬

_ (¬1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1738). (¬2) سورة الحج: 2. (¬3) البيت من بحر الطويل لأبي الأخيل العجلي، وهو في الوصف حيث يترك الإنسان حاجته ويشغل بحاجات غيره، وضرب المثل بمن ترضع أولاد الناس وتترك أولادها، وشاهده فولد مرضعة حيث جاء الوصف متصلا بالتاء مع أنه خاص بالإناث. وهو في المساعد (3/ 300). (¬4) البيت من بحر الطويل مطلع قصيدة للأعشى، وأراد بالجارة الزوجة، وبيني: معناه الفراق والطلاق. وشاهده كالذي في قوله طالقة (المساعد 3/ 299). (¬5) البيت من بحر الوافر نسبه صاحب اللسان إلى عمرو بن حسان، وشاهده كالذي قبله.

[الصفات التي لا تلحقها التاء]

[الصفات التي لا تلحقها التاء] قال ابن مالك: (فصل: لا تلحق التّاء غالبا صفة مفعال أو مفعل أو مفعل أو مفعيل أو فعول بمعنى فاعل أو فعيل بمعنى مفعول إلّا أن يحذف موصوف فعيل فتلحقه، ولشبهه بفعيل بمعنى فاعل قد يحمل أحدهما على الآخر في اللّحاق وعدمه، وربّما حمل على فعيل في عدم اللّحاق فعال وفيعل). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: وهذا التعليل أظنه وقول الخليل. ثانيها: كونها وصف بها في الأصل مذكر كأنه قيل شخص طالق أو شخص حائض، قال الشيخ: وهذا التعليل أظنه قول سيبويه. ثالثها: أمن اللبس؛ لأن التاء الأصل فيها إذا دخلت في الصفات أن تكون فارقة بين وصف المذكر والمؤنث، وهذه أوصاف مختصة بالمؤنث، فلا يحتاج فيها إلى فرق لعدم وجوده في المذكر، فلما أمن اللبس لم تلحق. قال الشيخ: والتعليل بأمن اللبس هو قول الكوفيين ثم إنك قد عرفت أن المصنف مثل للصفات المشتركة بين المذكر والمؤنث بقوله: رجل عانس، وامرأة عانس، وجمل ضامر، وناقة ضامر، ومن ذلك أيضا جنب، وعزب، يقال: رجل جنب. وامرأة جنب ورجل عزب وامرأة عزب، ومنه أيضا بازل، وعقيم، وعاقر، وعاشق وكلمات أخرى، ذكرها الشيخ في شرحه (¬1). قال ناظر الجيش: الكلمات التي ذكر أن التاء لا تلحقها خمس، وهي مفعال ومفعل ومفعيل ومفعول بمعنى فاعل وفعيل، وذكر في الكافية والألفية كلمة أخرى وهي مفعل لكنه لم يذكر فيها صيغة مفعل فتكون الكلمات على ما ذكر هنا، وأنا أورد كلامه في شرح الكافية أولا ثم أرجع إلى ما في الكتاب، قال رحمه الله تعالى (¬2) من أمثلة الصفات ما لا تلحقه علامة التأنيث الفاصلة بين المؤنث والمذكر، وذلك ما كان على زنة فعول مقصودا به المبالغة في فاعل، وكذا ما كان على مفعال أو مفعيل أو مفعل، فيقال: رجل صبور وامرأة صبور، ورجل مهذار وامرأة مهذار، - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (الجزء الخامس) قال: ومنها رجل بكر وامرأة بكر وكذا أيم ووقاح الوجه، كما يقال امرأة أمين ووزير ووكيل وكفيل وشاهد ومؤذن، قال: قال الفراء؛ لأن أكثر ما يكون ذلك في الرجال دون النساء فلما احتاجوا إليه في النساء أداروه على الأكثر، وقد يدخلون الهاء في أمين وما بعده على القياس. (¬2) انظر شرح الكافية الشافية لابن مالك (4/ 1738).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورجل معطير وامرأة معطير، ورجل مغشم وامرأة مغشم، فلا تلحق التاء الفارقة شيئا من هذه الأمثلة إلا على سبيل الندور، فمن النادر قولهم عدوة ورجل ميقان وامرأة ميقانة، وهما الموقنان بكل ما سمعا، ومسكينة. ومن العرب من يقول: امرأة مسكين على القياس، حكاه سيبويه (¬1) فإن كانت للمبالغة لا للفرق لحقت المذكر والمؤنث، نحو: رجل ملولة وامرأة ملولة، وقد يؤنث بالتاء فعول بمعنى مفعول، وهو قليل كركوبة ورغوثة بمعنى مركوبة ومرغوثة أي موضوعة (¬2) فإن كانت الصفة على فعيل بمعنى مفعول لم تلحقه التاء إلا إذا جرد عن الوصفية، نحو: ذبيحة ونطيحة فإن قصدت الوصفية، وعلم الموصوف جرد من التاء نحو: رجل قتيل وامرأة قتيل وعين كحيل وكف خضيب وقد يشبه فعيل الذي بمعنى فاعل بهذا ويشبه هذا به فيعطي كل منهما حكم الآخر. فمن حمل الذي بمعنى فاعل على الذي بمعنى مفعول، قول الله - تعالى -: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (¬3) وقوله تعالى: قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (¬4) ومن حمل الذي [5/ 235] بمعنى مفعول على الذي بمعنى فاعل قول العرب: خصلة حميدة وصفة ذميمة بمعنى محمودة ومذمومة أجروهما مجرى جميلة وقبيحة انتهى. وفهم من قوله فمن النادر عدوه وسقاية ومسكينة أن هذا هو الذي احترز عنه بقوله هنا غالبا بعد قوله لا تلحق التاء صفة على كذا وكذا؛ لأن هذا اللحاق لهذه الكلم الثلاث ليس هو الغالب، ومثال مفعل قول العرب امرأة مذكر (¬5) ومحمق ومغزل ومطفل ومعصر للتي أدركت ومسلف للتي بلغته خمسا وأربعين ومتيم ومعقل ومقذف، ومن أمثلة الصفة الجائية على مفعال: معطار ومذكار (¬6) ومقلات ومن أمثلة الجائية على مفعيل محضير وميسير ومكثير ومعليم، ومن أمثلة الجائية على فعول شكور وضروب وقتول وغيور وجهول وضحوك وظلوم ودلو وودود وعروس وكلها معدولة عن فاعل. واحترز بقوله بمعنى فاعل عن أن تكون بمعنى مفعول فإن - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 640). (¬2) في القاموس: الرغوث: كل مرضعة كالمرغث، وقد أرغثت ورغثها وارتغثها: رضعها، وأرغثته: أرضعته. (¬3) سورة الأعراف: 56. (¬4) سورة يس: 78. (¬5) في القاموس: أذكرت المرأة ولدت ذكرا وهي مذكر ومذكار. (¬6) في القاموس: المقلات: المرأة لا يعيش لها ولد.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التاء تلحقه نحو: أكولة بمعنى مأكولة وركوبة. قال الشيخ: وفي قول المصنف بمعنى فاعل تجوز؛ لأنه إذ ذاك يدل على المبالغة، فليس بمعنى فاعل حقيقة؛ لأن فاعلا لا دلالة فيه على المبالغة انتهى (¬1). والجواب أن المراد بقوله بمعنى فاعل أن مدلول الصفة فاعل لذلك الفعل لا مفعول له لا أن مدلول فعول هو مدلول فاعل، ومن أمثلة الجائية على «فعيل» بمعنى مفعول جريح، ودهين، وقتيل واحترز المصنف بقوله: بمعنى مفعول من نحو: مريض، وشريف، وظريف؛ إذ يقال فيه للمؤنث مريضة وشريفة وظريفة، وقد ذكروا من هذا النوع كلمات لم تدخلها التاء وهي: ملحفة جديد وملاة قشيب وشاة سديس وريح خريق وكتيبة خصيف (¬2) وهي السواد من السلاح فحذف التاء مما ذكر على غير قياس، لأنها ليست بمعنى مفعول قالوا: وأما قريب وبعيد، فتكون للمذكر والمؤنث، وأما قوله تعالى: وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (¬3) [ففيه وجهان: أحدهما: أنه فعيل بمعن مفعول أي مبغيّا بها، والثاني أن تكون فعيلا بمعنى فاعل ثم أعلى] (¬4) ونبه المصنف بقوله إلا أن يحذف موصوف فعيل فتلحقه على أنه يقال مررت بقبيلة بني فلان، ورأيت قبيلة؛ إذ لو لم يأت بالتاء لحصل لبس المؤنث بالمذكر، ومراد المصنف بقوله إلا أن يحذف موصوف فعيل أن الموصوف إذا لم يعلم كان الحكم كذلك، ولهذا قال في شرح الكافية (¬5): فإن قصدت الوصفية، وقد علم الموصوف، وعلى هذا لو قلت: رأيت قتيلا من النساء دون أن تأتي فيه بالتاء، جاز وأما قول المصنف ولشبهه بفعيل بمعنى فاعل قد يحمل أحدهما على الآخر في اللحاق وعدمه فقد تقدم بيانه بما نقلناه عنه من شرح الكافية، وقوله: ربما حمل على فعيل في عدم إلحاق فعال، وفيعل، أما فعال، فأشار به إلى قولهم: هدية هذام ومدية جراز (¬6) حكاهما سيبويه (¬7) وقال: جعلوا - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (الجزء الخامس) مخطوط بدار الكتب. (¬2) يقال شاه سديس أتى عليها ستة أعوام وريح خريق باردة أو لينة (ضد) وكتيبة خصيف (بالخاء) فيها سواد وبياض سلاح. (¬3) سورة مريم: 28. (¬4) ما بين المعقوفين بياض في ناظر الجيش أكملناه من التذييل والتكميل. (¬5) شرح الكافية (4/ 1740) وأصله: فإن قصدت الوصفية وقد علم الموصوف جرد من التاء، نحو: قتيل وامرأة قتيل وعين كحيل وكف خصيب. (¬6) من الهذم وهو القطع والهذام: السيف القاطع وجراز بمعناه أيضا. (¬7) الكتاب (3/ 638).

[حكم فعيل بمعنى مفعول- تذكير المؤنث وعكسه]

[حكم فعيل بمعنى مفعول - تذكير المؤنث وعكسه] قال ابن مالك: (وصوغ فعيل بمعنى مفعول مع كثرته غير مقيس ويجيء أيضا بمعنى مفعل ومفعل قليلا وبمعنى مفاعل كثيرا. وقد يذكّر المؤنّث ويؤنّث المذكّر [حملا على المعنى]، ومنه تأنيث المخبر عنه لتأنيث الخبر). ـــــــــــــــــــــــــــــ فعالا بمنزلة أختها فعيل، قال الشيخ: ولا ينبغي أن يفهم من فعيل الذي هو بمعنى مفعول بل فعيل الذي هو بمعنى فاعل المشبه بفعول وكذا قال سيبويه قال (¬1): وقد أجري شيء من فعيل مستويا في المؤنث والمذكر شبه بفعول، وذلك قولك جديد وسديس وكتيبة خصيف وريح خريق. قال الشيخ: فعلى هذا لا يكون فعيل بمعنى فاعل حمل في ترك التاء على فعيل بمعنى مفعول، كما قاله المصنف؛ لأن سيبويه إنما حمله على فعول، وهذا أظهر؛ لأن الحمل على ما كان بمعنى فاعل أولى لاشتراكهما في ذلك بخلاف حمله على فعيل بمعنى مفعول لاختلاف المدلولين، بخلاف حمله على فعول؛ لاتفاق المدلولين في كونهما للمبالغة في فاعل. قال: وإنما حمل فعال على فعيل؛ لأنهما أخوان قال سيبويه (¬2): ألا ترى أنك تقول طويل وطوال وبعيد، وبعاد، وشجيع وشجاع وخفيف وحفاف، وتدخل في مؤنث فعال الهاء، كما تدخل التاء في مؤنث فعيل انتهى كلام سيبويه - رحمه الله تعالى - وأما فيعل فأشار به إلى قوله تعالى: وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً (¬3) لأن الأصل ميّت فخفف تخفيف هينّ وليّن، وذكر الشيخ أن التاء حذفت من أبنية كثيرة مختلفة للمؤنث منها: امرأة حصان، وحرب عوان، وأرض جرز، وبقية ما ذكره يوقف عليه في كتابه (¬4). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على ثلاث مسائل: الأولى: أن فعيلا يرد بمعنى مفعول كثيرا، وأنه مع كثرته غير مقيس، وذلك نحو: جريح، وقتيل، وتقدم ذكره لهذه المسألة في باب اسم الفاعل. - ¬

_ (¬1) المرجع السابق الجزء والصفحة. (¬2) انظر كتاب سيبويه (3/ 634) (هارون). (¬3) سورة ق: 11. (¬4) قال أبو حيان في التذييل والتكميل (باب التذكير والتأنيث - جـ 6): من ذلك قولهم ناقة جرجوج طويلة على الأرض، ومرزم أسنت، وذلفم: تكسرت أسنانها، وعطول: طال عنقها، وامرأة خود: حسنة الخلق، وامرأة عطل: لا تتحلى.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثانية: أن فعيلا يجيء بمعنى مفعل وبمعنى مفعل أما مجيئه بمعنى مفعل، فنحو: أعقدت العسل فهو عقيد أي معقد، وتقدمت له الإشارة إلى ذلك في الباب المذكور أيضا، وأما مجيئه بمعنى مفعل فقد قال إنه قليل، وذلك نحو: سميع بمعنى مسمع، قال الشاعر: 4194 - أمن ريحانة الدّاعي السّميع ... يؤرقني وأصحابي هجوع (¬1) [5/ 236] ومنه عذاب أليم بمعنى مؤلم، وأما مجيئه بمعنى مفاعل، فقد قال: إنه كثير. وذلك نحو جليس وقعيد وخليط بمعنى مجالس، ومقاعد، ومخالط. المسألة الثالثة: أن المؤنث قد يذكر والمذكر قد يؤنث أي يستعمل كلاهما استعمال الآخر حملا على المعنى، فمن تذكير المؤنث قولهم: ثلاثة أنفس، وذلك لمراعاة المعنى فكأنه قال: ثلاثة أشخاص، ومن تأنيث المذكر قولهم: «جاءته كتابي» فاحتقرها حملا للكتاب على معنى الصحيفة، قال ومنه يعني، ومن التأنيث حملا على المعنى، تأنيث المخبر عنه لتأنيث الخبر، وذلك نحو قوله تعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا (¬2) في قراءة من قرأ لم قرأ (لم تكن) بالتاء أنث المصدر المنسبك من أن والفعل وهو المخبر عنه؛ لأنه اسم يكن لتأنيث الخبر وهو فتنتهم، وكذلك قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً (¬3) في قراءة لمن قرأ (إلا أن تكون) بالتاء، فإن في تكون اسمها وهو ضمير مذكر يعود على قوله: مَيْتَةً فأنث لتأنيث خبره وهو ميتة. ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر وهو مطلع قصيدة لعمرو بن معديكرب (من المخضرمين) الذي منه هذا البيت المشهور وهو قوله. إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع وهو شاهد لمجيء صيغة فعيل بمعنى مفعل، أي: سميع بمعنى مسمع، وريحانة مطلقته. وانظر البيت في الأمالي الشجرية: (1/ 64) واللسان (سمع) وديوانه (ص 128). (¬2) سورة الأنعام: 23. والقراءة المذكورة (تأنيث الفعل ونصب فتنة) هي قراءة نافع وأبي عمرو من السبعة وأبي جعفر من المبسوط (ص 167)، والنشر (2/ 257). (¬3) سورة الأنعام: 145.

الباب السبعون باب ألفي التأنيث

الباب السبعون باب ألفي التّأنيث (¬1) [أوزان الألف المقصورة] قال ابن مالك: [6/ 44] (تعرف المقصورة بوزن حبلى وحبارى وشقّارى وسمّهى وفيضوضى وبرحايا وأربعاوى [وأربعى] وهرنوى وقعولى وبادولى وأيجلى وسبطرى ودفقّى وحذرّى وعرضّى وعرضنى وعرضنى، ورهبوتى وحندقوقا ودودرّى وهبيّخى ويهيرّى ومكورّى ومرقدّى وشفصلّى ومرحيّا وبردرايا وحولايا، وبفعلى أنثى فعلان، أو مصدرا أو جمعا، وبفعلى مصدرا أو جمعا فإن ذكّر ما سوى ذلك أو لحقته التّاء دون ندور أو صرفه فألفه للإلحاق؛ فإن كان في صرف لغتان ففي ألفه وجهان). قال ناظر الجيش: بدأ المصنف يذكر ما اشتمل على التأنيث المقصورة، وثنّى بذكر ما اشتمل على ألفه الممدودة: لأن الأولى هي الأصل والثانية فرع (¬2)، وثلّث بذكر ما تشترك الألفان فيه. ثم إنه لم يورد ذلك بذكر الزنات كما فعل في بقية كتبه، بل أتى بمواد الكلم أنفسها أعني الموزنات (قصرا للمسافة) على الطلاب، هذا في القسمين الأولين، وأما القسم الثالث فأورده بذكر الأوزان كليّا للاختصار؛ لأن كل وزن تحته مثالان، فلو ذكر الموزونات؛ لكان الشيخ ذكر المصنف نحوا من ثلاثين مثالا. قال (¬3): ونحن نشرحها من حيث اللغة، فينجر بشرحها ذكرها، ثم إنه لم يشرح بعضها والأمثلة التي ذكرها المصنف؛ منها: حبلى، ولا شك، ولا شك أن كل ما كان على وزن (فعلى) فألفه للتأنيث كحبلى (وأنثى وخنثى وبشرى ورجعى وزلفى وشورى، سواء أكانت وصفا كحبلى) أم مصدرا كرجعى أم اسما كبهمى وإذا كانت الألف للتأنيث امتنع دخول التاء على تلك الكلمة، ومن ثم عدّ من - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الكتاب (2/ 321) وما بعدها، والصبان (2/ 98) وما بعدها، والمفصل (ص 201، 202)، وابن يعيش (5/ 106) وما بعدها، والهمع (2/ 171، 172)، الرضي على الكافية (2/ 166) وما بعدها، والتصريح (2/ 288)، وشرح الكافية الشافية (4/ 1741 - 1769). (¬2) انظر الكتاب (3/ 215)، والصبان (4/ 98)، والتصريح (2/ 211)، والمقتصد (2/ 987). (¬3) يقصد أبا حيان، انظر التذييل (5/ 234 / ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الشواذ قولهم: بهماة (¬1). ومنها حبارى (¬2) ومثله: جمادى للشهر المعروف، وخزامى (¬3) لنبت، ونعامى (¬4): للريح اللينة، وسمانى: للطائر. وكل ما كان على وزن فعالى فألفه للتأنيث - أيضا - ومنها: شقّارى ووزنه فعّالى، ومثله: حضّارى، وجوّارى والشّقّارى نبت (¬5)، ومنها: سمهّى ووزنه (فعلّى) ومثله: بدّرى. والسّمهّى الهواء، ويقال: ذهب في السّمهّى أي في الباطل (¬6)، ومنها فيضوضى ووزنها (فعلولى)، وقيل: فيعولى، وألف هذه الأوزان الثلاثة أعني: (فعّالى)، (وفعّلى) (وفعلولى) إنما يكون للتأنيث (¬7) كما أن ألفي (فعلى) و (فعالى) إنما يكونان للتأنيث - أيضا - ومنها: برحايا ووزنه (فعلايا) وألفه - أيضا - إنما تكون للتأنيث قالوا: ولم يجئ على هذا الوزن غير: برحايا، ومعناه: العجب (¬8) ومنها: أربعاوى ووزنه (أفعلاوى) وألفه للتأنيث - أيضا كالذي قبله، يقال: قعد أربعاوى، إذا قعد متربعا، ومنها هرنوى ووزنه (فعلوى) وألفه - أيضا - إنما تكون للتأنيث، ومنها: قعولى ووزنه (فعولى) وهو ضرب من متن الشيخ والظاهر أن ألفه للتأنيث، ومنها: بادولى ووزنه (فاعولى) (¬9) وألفه للتأنيث خاصة - أيضا - وبادولى اسم موضع. قالوا: ولم يجئ غيره، ومنها: أيجلى ووزنه (أفعلى) وهو اسم موضع، وقيل: اسم رجل (¬10)، وألفه للتأنيث كالذي قبله (¬11). ومنها: سبطرى ووزنه فعلّى، - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 355)، والصبان (4/ 100)، وتوضيح المقاصد (5/ 7)، اللسان (بهم)، والرضي (2/ 166)، وقال أبو حيان في التذييل (5/ 234) (وقيل: جعلوا الألف كأنها لتكثير الكلمة وللإطلاق). (¬2) (الحبارى: ذكر الخرب، وقال ابن سيدة: الحبارى طائر) اللسان (حبر). (¬3) (الخزامى: نبت طيب الرائحة) اللسان (خزم). (¬4) (والنّعامى بالضم على فعالى: من أسماء ريح الجنوب؛ لأنها أبلّ الرياح وأرطبها) اللسان (نعم) والتذييل (5/ 234) (ب). (¬5) التذييل (5/ 335) (أ). (¬6)، (¬7) المرجع السابق. (¬8) ينظر: اللسان والقاموس (برح)، والصبان (4/ 101)، والهمع (2/ 172)، والممتع (1/ 132)، والتذييل (5/ 235) (أ). (¬9) ثبت في نسخة التسهيل المحققة (بادولى) بضم الدال، قال الصبان: (وفي القاموس أن في الدال الفتح والضم) الصبان (4/ 103)، والتسهيل (ص 255)، وانظر: القاموس (3/ 344). (¬10) القائل بذلك هو الأصمعي، كما ذكر أبو حيان في التذييل (5/ 235) (أ). (¬11) انظر: التذييل (5/ 235) (أ)، والصبان (4/ 101)، والهمع (2/ 172).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثله: دفقّى وضبعطى وذقمّى وهو موضع، والدّفقّى: مشية يتدفّق فيها ويسرع (¬1)، منها: حذرّى من الحذر، وبذرّى من التبذر، وكفرّى لوعاء الطلع، ومنها: عرضّى ووزنه (فعلّى) وهو الاعتراض، والكفرّى: لغة في الكفرّى، ونقل الفراء: السّلحفى والسّلحفاة (¬2). قال الشيخ: فعلى ظاهر هذا النقل لا يكون (فعلّى) من الأوزان المختصة بالتأنيث؛ لدخول التاء فيه إلا إن جعل دخول التاء نادرا، كما قيل: بهماة في بهمى؛ لأنهم نصّوا على ندور دخول التاء فيه؛ إذ قد ثبت منع صرف بهمى ولا مانع له إلا التأنيث اللازم (¬3). ومنها: عرضنى ووزنه (فعلنى) وألفه للتأنيث وهو من الاعتراض أيضا. ومنها: عرضنى ووزنه (فعلنى) وهو من الاعتراض (أيضا) وألفه للتأنيث. ومنها: عرضنى ووزنه (فعلنى) وهو من الاعتراض وألفه للتأنيث كالذي قبله. ومنها: رهبوتى ووزنه (فعلوتى)، ومثله: رغبوتى، وهما من (الرّهبة والرّغبة) ولم يجئ إلا اسما، وهو قليل (¬4). ومنها: حندقوقى وهو نبت، ووزنه إما (فعللولى) إن كانت النون أصلا، وإما (فنعلولى) إن كانت زائدة. وقد جوّزوا فيه الأمرين، وذكروا أنه يقال بكسر الحاء. وأنه يقال: بكسر الحاء والدال (¬5) قال الشيخ: وذكر سيبويه: حندقوقا على وزن (فعللول) (¬6) وأنه صفة. قال: وبغير ألف ذكرها التصريفيون. (¬7) وذكرها ابن القطاع بألف كما ذكرها المصنف (¬8). ومنها: دودرّى، ووزنه (فوعلّى) وهو العظيم الخصيتين وألفه للتأنيث (¬9). ومنها: هبيّخى. - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 235) (أ). (¬2) انظر: الأشموني (4/ 100)، وتوضيح المقاصد (5/ 9)، والتذييل (5/ 235) (أ، ب). (¬3) التذييل (5/ 235) (أ، ب). (¬4) انظر الصبان (4/ 101) والتذييل (5/ 335) (ب). (¬5) القائل بذلك هو ابن القطاع كما أخبر أبو حيان في التذييل (5/ 235) (ب)، وانظر: الهمع (2/ 172)، والصبان (4/ 101). (¬6) في النسختين (فيعلول)، وفي الكتاب (2/ 337) ويكون على مثال فعللول وهو قليل، قالوا منجنون، وهو اسم، وحندقوق، وهو صفة. (¬7) انظر: التذييل (5/ 235) (ب)، والمساعد (3/ 312)، والصبان (4/ 101)، واللسان (حندق). (¬8) انظر التذييل (5/ 235) (ب)، والمساعد (3/ 312). (¬9) التذييل (5/ 235) (ب)، والصبان (4/ 102).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال الشيخ: المحفوظ في هذا والجارية: هبيّخة (¬1) قال: وقد ذكره ابن القطاع بألف، كما ذكره المصنف فيحتمل أن تكون الألف فيه للإشباع، وقال (¬2): وعلى هذا ينبغي التوقف في إثبات هذا الوزن حتى يقوم الدليل (¬3). ومنها: يهيرّى، قال الشيخ: هذا - أيضا - المحفوظ فيه إنما هو يهيّر بفير ألف. وقال ابن السّراج ربما زادوا الألف، فقالوا: يهيرا، وهو من أسماء الباطل، وبزيادة الألف ذكره ابن القطاع، وذكر أن وزنه (فعفلّى)، (¬4) وذكر صاحب الممتع أن وزنه (يفعلّى)، قال: ولم يجئ إلا اسما وهو قليل، (¬5) ويهيّر قيل: وزنه (يفعل)؛ لأن (فعيلا) ليس في كلام العرب. قيل؟ ولم يثبت (يفعل) بتشديد اللام في أوزان سيبويه (¬6). ومنها: مكورّى، ووزنه (مفعلّى) (¬7) وألفه للتأنيث، وهو قليل، ولم يجئ إلا صفة وهو العظيم الروثة من الدواب. وقال بعضهم: المكورّى العظيم روثة الأنف من الرجال (¬8) وقيل: هو العظيم الأنف، وذكر فيه كسر الميم وضمها، ومنها: مرقدّى ووزنة (مفعلّى) وألفه للتأنيث، ولم يجئ إلا اسما نحو: مرعزّى، وزعم بعضهم (¬9) أنه جاء صفة وهو قولهم: رجل مرقدّى أي كثير الرقاد (¬10) وقيل: إن ذلك من قبيل الوصف بالأسماء، ومنها: شفصلّى ووزنه - ¬

_ (¬1) اللسان (هبخ)، والتذييل (5/ 235) (ب). (¬2) الشيخ في التذييل (5/ 235) (ب). (¬3) المرجع السابق. (¬4) ينظر: التذييل (5/ 235) (ب)، والمساعد (3/ 312). (¬5) الممتع (1/ 129). (¬6) انظر: اللسان (هير)، والتذييل (5/ 235) (ب). (¬7) (ومفعلّى ذكر الشارح - الأشموني - منه ثلاثة أوزان الأول بفتح الميم كما يؤخذ من ضبط الدماميني (مكورّى) المفسر بعظيم الأرنبة بفتح الميم، وإن قال والثلاثة بسكون الفاء وتشديد اللام والأولان منها بفتح العين والأخير بكسرها ... قوله: (كمكورّى) بتشديد الراء في الأول، والثاني قوله: (للعظيم الأرنبة وأما بغير هذا المعنى فمثلّث الميم. قال في القاموس: رجل مكورى ومكور وتثليث ميمهما: فاحش مكثار أو لئيم أو قصير عريض) الصبان (4/ 101، 102) وانظر القاموس (2/ 134)، والتذييل (5/ 235) (ب)، 235 (أ) مكرر. (¬8) اللسان (كور) والتذييل (5/ 235) (أ) مكرر. (¬9) هو أبو بكر الزبيدي كما أخبر أبو حيان في التذييل (5/ 235) (أ) مكرر. (¬10) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (فعللى)، وألفه للتأنيث، والذي أثبت هذا الوزن الزّبيدي (¬1) وابن القطاع (¬2)، و (الشّفصلّى) هو حمل بعض الشجر معلق من مثل القطن وله حب؛ كالسّمسم (¬3)، هذا البناء من جملة ما استدركه الزبيدي على سيبويه. ومنها: قرحيّا ووزنه (فعليّا) وألفه للتأنيث ومثله: برديّا وقلميّا ولم يجئ إلا اسما وهو قليل، ومرحيّا لعبة من المرح، وقيل: هو [6/ 45] موضع وبرديّا موضع، وملهيّا حفيرة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ومنها بردرايا، ووزنه (فعللايا) وألفه للتأنيث، وهو اسم ذكره ابن القطاع، وقال: إنه موضع (¬4) ومنها: حولايا ووزنه: فعللايا وألفه للتأنيث وهو اسم (¬5) ثم إن المصنف أشار إلى ما ألفه قد يكون للتأنيث، وقد يكون لغير التأنيث، بقوله: وبفعلى أنثى فعلان ... إلى آخره. يريد بذلك أن ما كان زنة (فعلى) وكان صفة كسكرى - وإياه قصد بقوله: أنثى فعلان - أو مصدرا كدعوى أو جمعا لجر حتى وقتلى ومرضى وهلكى، وأنّ ما كان على زنة فعلى مصدرا، نحو: ذكرى وصرّى من قولهم: هو مني صرّى أي عزيمة (¬6)، أو جمعا، نحو: ظربى وحجلى فألفه للتأنيث، ويفهم منه أن (فعلى) إذا لم تكن صفة ولا مصدرا ولا جمعا، (فعلى) إذا لم تكن مصدرا ولا جمعا لا يتعين كون الألف فيهما للتأنيث، وذلك نحو: أرطى وعلقى في (فعلى) وعزهى في (فعلى) فقد جوّزوا أن تكون الألف فيهما للتأنيث، وأن تكون للإلحاق. قال المصنف في شرح الكافية: وإن كان (فعلى) غير صفة ولا مصدر ولا جمع ففي ألفه احتمال، وكذا إن كان (فعلى) غير مصدر ولا جمع، ففي ألفه احتمال أيضا وذلك بعد أن قال: وإما (فعلى) و (فعلى) فمثالان تشترك فيهما ألف التأنيث وألف الإلحاق (¬7) فما كان منهما غير ما قيل فيه أن ألفه للتأنيث إن لم ينون في التنكير، فألفه للتأنيث، وإن نوّن فألفه للإلحاق، وإن سمع بتنوين من قوم وبعدم تنوين من قوم - ¬

_ (¬1) نحوي قديم، ولد بأشبيلية (316 هـ) من مصنفاته: الواضح في النحو، طبقات النحويين واللغويين، ولحن العامة ومختصر العين. انظر: الشذرات (3/ 94)، والبغية (ص 34)، والأعلام (6/ 312). (¬2) ينظر: الصبان (4/ 102)، والمساعد (3/ 314). (¬3) اللسان (شفصل) والتذييل (5/ 235) (أ) مكرر. (¬4) ينظر: التذييل (5/ 235) مكرر، والصبان (4/ 102). (¬5) المرجع السابق. (¬6) اللسان (صرر)، والمساعد (3/ 314). (¬7) شرح الكافية (1744) وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فألفه عند من نوّن للإلحاق، وعند من لم ينون للتأنيث، فالأول (كضئزى) بالهمز وهي القسمة الجائرة، والثاني نحو: رجل كيص، وهو المولع بالأكل وحده، والثالث كذفرى (¬1) فإنه ينون في لغة ويترك تنويه في لغة، ومثال ما فيه وجهان من المفتوح الأول: تَتْرا (¬2) نونه ابن كثير وأبو عمرو على أن ألفه للإلحاق، ولم ينونه الباقون على أن ألفه للتأنيث هذا كله كلام المصنف في شرح الكافية (¬3)، وكذا لو استعمل ذلك اللفظ استعمال المذكر، كان ذلك دليلا على ألفه للإلحاق، وكذا إذا لحقته تاء التأنيث، كقولهم: أرطاة في أرطى، كانت ألفه ألف إلحاق، وإلى ذلك الإشارة بقوله هنا في متن الكتاب: فإن ذكّر ما سوى ذلك أو لحقته التاء دون ندور، أو صرف فألفه للإلحاق، واحترز بقوله: دون ندور، من قولهم بهماة في بهمى، فإن ألفه للتأنيث قطعا فلحوق التاء به نادر، ثم قال: فإن كان في صرفه لغتان ففي ألفه وجهان، وقد عرفت ذلك، والتذكير الذي أشار إليه بقوله: فإن ذكر ما سوى ذلك، هو أن يخبر عن تلك الكلمة إخبار المذكر أو يوصف بوصف المذكر، أو يثار إليهما كما يشار إليه (¬4) والإشارة بذلك في قوله المصنف: فإن ذكّر ما سوى ذلك ... إلى آخر كلامه - إلى (فعلى) و (فعلى) المذكورين لا تتوهم غير هذا، ويدل على ما قلناه كلامه في شرح الكافية الذي ذكرناه آنفا. ومما الألف فيه للإلحاق: حبنطى. قال في شرح الكافية: وأما ألف: حبنطى وشبهه فملحقة: بسفرجل وكذا ألف: كفرّى بفتح الكاف والفاء - ولذلك يصرفان في التنكير (¬5)، وقد ذكر الشيخ ألفاظا زائدة على ما ذكره المصنف مما التأنيث فيها بالألف المقصورة، وهي (فعّيلى) نحو: حضيضى، و (فعنلى) نحو: تلنصى لنوع من الطير واحده (تلصوص)، و (فعيلن) نحو: قصيرى، (مفعلّى) ولم تأت إلا صفة، قالوا: مرعزّى ومرقدّى للماضي من الأمور، و (فنعلى) نحو: خنسرى من الخسارة. و (فعللّى) نحو: قرقرّى للظهر، و (أفعلى) نحو: أجفلى، و (مفعلّى) نحو: مكورّى لغة في: مكورّى، و (مفعلّى) نحو: مكورّى (¬6)، وذكر معها كلمات لم يتيسر لي ضبطها ولا من خطه - رحمه الله - ¬

_ (¬1) الذفرى من الإنسان والحيوان: والشحم الشاخص خلف الأذن. (¬2) سورة المؤمنون: 44. (¬3) شرح الكافية (4/ 1748) وما بعدها. (¬4) التذييل (5/ 235) (ب) مكرر. (¬5) شرح الكافية الشافية (4/ 1748). (¬6) التذييل (5/ 235) (أ، ب) مكرر.

[أوزان الألف الممدودة]

[أوزان الألف الممدودة] قال ابن مالك: (وتعرف الممدودة بوزن حمراء وبراكاء وسيراء وقصاصاء وقاصعاء وعشوراء وحروراء وديكساء وينابعاء وتركضاء ونفرجاء وكبرياء وبرنساء وبرناساء وقرفصاء وقرفصاء وعنصلاء وعنصلاء ومشيوخاء ومشيخاء ومرعزّاء وأربعاء وأربعاء وأربعاء ومزيقياء وسلحفاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ تعالى - فإنه ألحق ذلك في الهامش مخطوطا بما هو مضروب عليه مع إلحاق وتخريجات لا يهتدى إلى المقصود منها، وأما نسختي وإن كانت واضحة لكنني لم يمكنني الاعتماد على ما فيها من ذلك فتركت إيرادها (¬1). قال ناظر الجيش: هذه الأمثلة التي ذكرها للألف الممدودة ستة وعشرون مثالا (¬2): أما حمراء فوزنها (فعلاء). قال في شرح الكافية: (فعلاء) على ضربين صفة وغير صفة، والصفة على ضربين مؤنث (أفعل) كحمراء وهو كثير، وما ليس كذلك (كديمة هطلاء) وهو قليل، وغير الصفة مصدر وغير مصدر، فالمصدر (كرغب رغباء) وغير المصدر جمع في المعنى (كطرفاء) و (قصباء) وغير جمع كصحراء وجرعاء. انتهى (¬3). ولما كان: طرفاء وقصباء اسمي جمع عبّر المصنف عنهما بأنهما جمع في المعنى ومثلهما: أشياء فإن وزنها عند سيبويه (¬4) (فعلاء) وعادت بالقلب إلى (لفعاء) على ما عرف في التصريف (¬5) ومثل: رغباء في المصدرية: سرّاء، وضرّاء. ومثل صحراء: الجرباء (¬6) للسماء، والجمّاء (¬7) الغفير، وهضّاء وهي الجماعة من الناس، أنشد الفارسي: - ¬

_ (¬1) ينظر المرجع السابق (5/ 235) (ب) مكرر. (¬2) الأوزان المذكورة هنا خمسة وعشرون وزنا وقد سقط منها. (¬3) شرح الكافية الشافية (4/ 1751). (¬4) الكتاب (3/ 379، 380). (¬5) ينظر في هذه المسألة: الكتاب (4/ 381) الجاربردي (1/ 26)، والمصنف (2/ 94، 102)، والرضي على الشافية (1/ 21 - 32)، والإنصاف (ص 812 - 820)، الممتع (2/ 513 - 517). (¬6) (الجرباء السّماء، وقيل: الجرباء من السماء الناحية التي لا يدور فيها فلك الشمس والقمر، وأرض جرباء ممحلة ممحوطة لا شيء فيها. والجرباء الجارية المليحة) اللسان (جرب). (¬7) (من قولهم: جاءوا الجمّاء الغفير، ومن جمهرة الأمثال (1/ 316) (جاءوا جمّا غفيرا وجاءوا جمّا غفيرة: إذا جاءوا بكثرة).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4195 - إليه تلجأ الهضّاء طرّا ... فليس بقائل هجرا لجار (¬1) وقد فهم من قول المصنف (¬2) وما ليس كذلك كديمة هطلاء، أن هطلاء لا مذكر لها؛ لأنه ذكرها في مقابل مؤنث أفعل فدلّ ذلك على أنها مؤنثة لا أفعل لها مذكر (¬3). وفي شرح الشيخ: ولا يقولون: مطر أهطل. قال: وكذلك: امرأة حسناء، وداهية دهياء، وعرب عرباء، وامرأة عجزاء، وحلّة شوكاء (¬4) بمعنى أن شيئا من هذه لا يكون له أفعل للمذكر، وأما براكاء (¬5) فوزنه (فعالاء) ويكون اسما وصفة، فالاسم، نحو: عجاساء (¬6) وبراكاء وقصاصاء (¬7) والصفة نحو: عياياء، وطباقاء وبراكاء كل شيء معظمه وشدّته، وطباقاء الرجل الذي ينطبق عليه أمره، يقال: رجل طباقاء عياياء. لا يقال: أن هذا الوزن من الأوزان المشتركة بين الممدودة والمقصورة بدليل صحارى؛ لأن الألف في صحارى مبدلة من الياء والأصل: صحار فلم تكن الكلمة مبنية على الألف ابتداء (¬8). قال الشيخ: وقد أثبت ابن القطاع: فعالى وذكر من ذلك كلمات فجعل الوزن المذكور من الأوزان المشتركة (¬9) بين الألفين أعني الممدودة والمقصورة، وأما: سيراء، فوزنه فعلاء (¬10). وقال المصنف في [6/ 46] الكافية: وفعلاء مطلق الفا وكذا ... مطلق عينه فعالاء خذا - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الوافر مجهول القائل، والهضاء لامه ياء، فانقلبت همزة، ومعناه الجماعة من الناس والهجر: القبيح من الكلام، والجادي: طالب الجدا (العطيّة). انظره في: التكملة (ص 105)، وإيضاح شواهد الإيضاح (ق 120) واللسان «جدا» والتذييل (5/ 236) (أ). (¬2) يقصد قوله في شرح الكافية الشافية كما تقدم. (¬3) اللسان (هطل). (¬4) (حلة شوكاء: قال أبو عبيدة عليها خشونة الجدة) اللسان (شوك) وانظر التذييل. (¬5) قال أبو حيان (5/ 236) (أ): (والبراكاء أن يبركوا إبلهم وينزلوا عن خيلهم ويقاتلوا رجالة، وبراكاء كل شيء معظمه وشدته. انظر: القاموس (3/ 304). (¬6) (العجاساء الظلمة، والعجاساء: الإبل العظام الواحد. والجمع: عجاساء) اللسان (عجى) والتذييل (5/ 236) (أ). (¬7) هكذا وزنه وسيذكره بعد، وهو القصاصي (القصاصي والقصاصاء والقصاصاء القود) اللسان (قصصى). (¬8) ينظر: التذييل (5/ 236) (أ). (¬9) انظر: الأشموني (4/ 103). (¬10) التذييل (5/ 236) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال في شرحه قولى: مطلق الفاء: المضموم الفاء والمفتوحها والمكسورها، فالمضمومها جمع وغير جمع، فالجمع (كظرفاء، وغير الجمع صفة كنفساء، وغير صفة كرحضاء وهو عرق) المحموم (¬1) والمفتوحها: جنفاء وهو اسم مكان (¬2)، والمكسورها: خيلاء لغة في الخيلاء، وعنباء لغة في العنب، وسيراء وهو ثوب مخطط بحرير، وبعض أسماء الذهب. قال: وعم قولي: ... وكذا ... مطلق عينه فعالاء ... نحو: ثلاثاء وكثيراء (¬3). انتهى. وفي الحديث الشريف: «فأتى بحلّة سيراء» (¬4). قال الشيخ: وذكر سيبويه أن فعلاء لا يكون صفة (¬5)، قال: فالاتباع ينبغي أن يكون على جهة عطف البيان في قول من يراه من النكرات أو يكون مما وصف به من الأسماء: كلجام ذهب، وثوب خز (¬6) وفي شرح الشيخ: وجاء: خيمى اسم ماء (¬7)، قال: فعلى هذا يكون هذا الوزن مشتركا (¬8)، ثم قال: ويحتمل أن يكون: خيمى منع الصرف للتأنيث والعلمية، فلا تكون الألف للتأنيث، ويكون إذ ذاك: فعلاء وزنا مختصّا كما ذكره المصنف (¬9)، وأما: قصاصاء، فوزنه: فعالاء، قال المصنف: وهو القصاص (¬10). قال الشيخ: ولا يحفظ غيره، قال يفتح القاف (¬11)، وأما: قاصعاء، فوزنه: - ¬

_ (¬1) اللسان (رحض). (¬2) اللسان (جنف). (¬3) شرح الكافية (4/ 1750) وما بعدها. (¬4) في المعجم المفهرس للحديث الشريف، والسّيراء: المضلع بالقز، والنص كما جاء في البخاري كتاب بيوع (40)، ومسند أحمد (3/ 144). (¬5) الذي ذكره الشيخ ونسب إليه هذا الرأي إنما هو أبو زيد وليس سيبويه. انظر: التذييل (5/ 236) (ب)، والكتاب (4/ 261). (¬6) التذييل (5/ 236) ب. (¬7) (وخيماء: اسم ماءة عند الفراء) اللسان (خيم). (¬8) قال أبو حيان في التذييل (5/ 236) (ب): (وجاء: خيمى اسم ماء، فعلى هذا لا يكون هذا الوزن مختصّا به بل مشتركا). (¬9) المرجع السابق. (¬10) شرح الكافية (4/ 1755). (¬11) التذييل (5/ 236) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فاعلاء، ومثله: نافعاء وسابياء وباقلاء وراهطاء وقاطعاء، قالوا: ولم يجئ إلا اسما، والقاصعاء من حجرة اليوبوع وكذا: النّافقاء أيضا، والسابياء، قيل: الذي يخرج مع الولد، وقيل: السابياء النتاج (¬1)، وأما: عشوراء فوزنه: فعولاء وهو بمعنى عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم، قال الشيخ: وليس من الأبنية له نظير، قال: وقد ذكر بعضهم (¬2) فيه القصر، فتقول: عشورى، فعلى هذا البناء من المختص بالألف الممدودة، بل يكون من الأبنية المشتركة (¬3) وأما: حروراء وهو موضع فوزنه فعولاء ولم يجئ إلا اسما وهو قليل، ومثل: حروراء دنوقاء وبروكاء وجلولاء وهو موضع وأما بروكاء فموضع الحرب (¬4) وقد تقدم لك قول المصنف: ..... وكذا ... مطلق عينيه فعالاء خذا فحروراء ودنوقاء، وما ذكر معهما قد دخل تحت قوله؛ لأن فعالى إذا ضمت عينه وجب فيه قلب الألف واوا كما أنه إذا كسرت عينه تقلب الألف فيه ياء. قال الشيخ: وذهب ابن القوطيّة (¬5) وابن القطّاع إلى إثبات: فعولى (¬6). قال: وهو الصحيح فعلى هذا يكون الوزن مما اشترك فيه الممدودة والمقصورة (¬7)، وأما ديكساء (¬8) فوزنه فيعلاء وهو القطيع من الغنم. - ¬

_ (¬1) السابياء: الماء الكثير الذي يخرج على رأس الولد، والسابياء: تراب رقيق يخرجه اليربوع من حجره، يشبّه بسابياء الناقة لرقته. وفي الحديث: تسعة أعشراء البركة في التجارة، وعشر في السابياء. يريد بالحديث النتاج في المواشي وكثرتها) اللسان (سبى) والتذييل (5/ 236) (أ). (¬2) هو أبو عمرو الشيباني. انظر: التصريح (2/ 290). (¬3) انظر: التذييل (5/ 236) (ب). (¬4) المرجع السابق. (¬5) هو محمد بن عبد العزيز بن إبراهيم بن عيسى الأشبيلي الأصل القرطبي المعروف بابن القوطية، لغوي أديب نحوي، توفي 367 هـ من مصنفاته: تصاريف الأفعال، المقصور والممدود. انظر: بغية الوعاة (1/ 198) والشذرات (3/ 62). (¬6) قال الدماميني: (وجاء منه: دنوقى) تعليق الفرائد (ص 474) (ب)، وانظر: المساعد (3/ 318) التذييل (5/ 237) (أ)، والهمع (2/ 173). (¬7) التذييل (5/ 237) (أ)، والهمع (2/ 173). (¬8) هكذا ضبطها في النسخة المحققة من التسهيل، قال الصبان (4/ 104): (قوله: ديكساء قال في القاموس بكسر الدال وفتح الياء التحتية، والكاف مضبوطة بالقلم في النسخ الصحاح منه بالسكون، فقول شيخنا وتبعه البعض: أنها بالفتح غير معوّل عليه، ومما يردد أنه يلزم عليه توالي أربع متحركات في الكلمة الواحدة، وهو -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونقل الشيخ عن بعضهم: أن وزنه فعللاء، نحو: طرمساء فجعل الياء أصلا في بنات الأربعة، كالياء في: يستعور، قال: وهذا أولى من إثبات ما لم يستقر في كلامهم، وهو فيعلاء، على أن هذا البناء مما استدركه الزبيدي، قال: وتبعه (¬1) المصنف. وأما: ينابعاء فوزنه يفاعلاء، وذكر المصنف في شرح الكافية الضم في الياء - أيضا - فقال: ينابعاء، وينابعاء (¬2)، قال الشيخ: ولم أر أحدا أثبت هذا البناء غير ابن القطاع وتبعه هذا المصنف، قال: وقد تتبعت كلام من صنف في الأبنية فلم يذكروا هذا البناء في مزيد الثلاثي ولا غيره. قال: وذكر ابن القطاع في أوله الضم والفتح (¬3). وأما: تركضاء، فالظاهر أن وزنه تفعلاء، قال الشيخ: ولم يسمع غيره، قال: وهي مشية فيها تبختر، ويقال فيها - أيضا -: تركضاء بكسر التاء والكاف (¬4) وأما: نفرجاء فوزنه تفعلاء، قال الشيخ: وهذا الوزن مما استدركه الزبيدي على سيبويه وتبعه المصنف (¬5)، قال أبو زيد، ويقال: نفرج ونفراج، وهو الذي يكشف فرجه، وذهب بعضهم إلى أن وزنه: فعللاء، نحو: طرمساء والنون فيه أصل (¬6). قال الشيخ: وهذا أولى من إثبات بناء لم يستقر في كلامهم (¬7) وأما كبرياء، فوزنه فعلياء وهو قليل، ويكون في الاسم، نحو: كبرياء وسيمياء وهي العلامة، وفي الصفة نحو: جربياء، يقال: ريح جربياء إذا كانت شمالا، وأما برنساء فوزنه فعنلاء. قال المصنف: (برناساء بمعنى برنساء) (¬8) وهم الناس (¬9) قال الشيخ: وقد عده الزبيدي وابن القطاع وصاحب الممتع في ما جاء على وزن فعللاء (¬10) نحو: عقرباء، قال: ولا جائز أن يريد به المصنف هذا الوزن؛ لأنه ذكر بعد ذلك - ¬

_ - مرفوض عندهم. فتأمل، ثم رأيت الدمامينى ضبطها بغير ما مرّ، فقال: بدال مهملة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فكاف مكسورة، فسين مهملة، والياء فيه زائدة فوزنه: فيعلاء، وقيل: أصلية، فوزنه فعللاء، وقواه بعضهم، وقوله: القطعة من الغنم، عبارة القاموس: لقطعة عظيمة من الغنم والغنم) وانظر القاموس (2/ 224). (¬1) التذييل (5/ 237) (أ). (¬2) شرح الكافية الشافية (4/ 1755). (¬3) التذييل (5/ 237) (أ). (¬4) المرجع السابق. (¬5) التذييل (5/ 237) (أ)، والمساعد (3/ 320)، والصبان (4/ 104)، واللسان (ركض). (¬6) التذييل (5/ 237) (أ). (¬7) نفس المرجع. (¬8) في النسختين (برنساء بمعنى برناساء وعبارة المصنف في شرح الكافية الشافية: (وب (فعنالاء) إلى برناساء بمعنى برنساء) (ص 1755). (¬9) التذييل (5/ 237) (أ). (¬10) الممتع (1/ 160).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أن فعلاء تشترك فيه المقصورة والممدودة (¬1) وأما برناساء فوزنه فعنالاء، وقد عرفت أن معناه ومعنى البرنساء واحد وهو الناس، واستدل على أن النون في هذين اللفظين زائدة بقوله العرب في معناه: براساء فبخلوّ براساء من النون علمت زيادتها في: برنساء وبرناساء، قال الشيخ: والذي ذكره التصريفيون أنه على وزن فعلالاء وهو قليل (¬2) فيكون من باب: سبط وسبطر وحمله على هذا الباب أولى من إثبات بناء لم يستقر في كلامهم، وأما: قرفصاء فهو بفتح الفاء وضمها أما المضموم فوزنه فعللاء ولم يجئ إلا اسما وهو قليل وهو ضرب من القعود، يقال: قعد القرفصاء إذا اجتمع في قعدته، وقال ابن القطاع: أنه يقصر، ذكر ذلك الشيخ عنه في شرحه (¬3)، وأما المفتوح الفاء، فقال الشيخ فيه: أن المصنف أثبته وأن غيره لم يثبته، قال: (وكانت) (¬4) الفتحة في الفاء للتخفيف، فلا يكون هذا البناء أصلا بل هو فرع عن المضموم الفاء، كما قالوا في برقع وجخلب أن أصلهما: يرقع وجخدب (¬5)، وأما عنصلاء وعنصلاء فوزنهما: فنعلاء وفنعلاء، ومثلهما: خنفساء: وخنفساء، والعنصلاء بصل البر وهو العنصل - أيضا - قال الشاعر: 4196 - كأنّ السّباع فيه غرقى عشيّة ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل (¬6) وذكر الشيخ عن ابن القطاع أنه ذكر في: خنفساء بضم الفاء وفتحها القصر، قال: فيكون الوزنان على هذا من الأوزان المشتركة (¬7)، وأما مشيوخاء فوزنه مفعولاء، ومثله: (مأتوناء) جمع أتان ذكره المصنف في شرح الكافية (¬8)، ويأتي في الصفات - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 237) (أ). (¬2) المرجع السابق. وانظر: الكتاب (4/ 297)، والمفصل (ص 127)، والممتع (1/ 162). (¬3) التذييل (5/ 237) (أ، ب) وانظر: الأشموني (4/ 103). (¬4) كذا في (أ) وفي (ب) وكأن. (¬5) التذييل (5/ 237) (أ، ب). (¬6) البيت من بحر الطويل قائله امرؤ القيس من معلقته والضمير في قوله: (فيه) يرجع إلى المطر، والغرقى: جمع غريق والأرجاء: النواحي، والقصوى والقصياء: تأنيث الأقصى، وهو الأبعد، والأنابيش أصول النبت سميت بذلك؛ لأنها ينبش عنها واحدتها أنبوشة، والعنصل: البصل البرّي. وانظر البيت في: المصنف (3/ 75) وديوانه (ص 63)، والتذييل (5/ 237) (ب). (¬7) المرجع السابق. (¬8) شرح الكافية الشافية (4/ 1754)، والتذييل (5/ 237) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأسماء فالصفة: مشيوخاء ومعلوجاء، والاسم معيوراء ومأتوتاء، والمراد جماعة الشيوخ والعلوج (والأعيار) والأتن (¬1)، وأما (مشيخاء) فوزنه مفعلاء، وهو قليل وذكره المصنف في شرح الكافية (¬2) لكن قال الشيخ: ووجدته في شرح الكافية بالجيم (¬3) وفسره بالاختلاط من قوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ (¬4) قال: فعلى هذا لا يكون وزنه مفعلاء بل فعيلاء، وتكون الميم أصلية، قال: ولا يكون إذ ذاك من الأوزان المختصة بالألف الممدودة: وأما: مرعزّاء فوزنه مفعلاء بتشديد الزاي وتخفيفها، قال: وذكر فيها القصر، وعلى هذا لا تكون هذه البينة مختصة بالممدودة (¬5) وأما: أربعاء وأربعاء وأربعاء، فالمصنف لما ذكر في الكافية أن من أوزان أبنية الممدودة أفعلاء مثلّث العين قال [6/ 47] في الشرح: وعم قولي: ... وأفعلاء ... مثلّث العين ... نحو: أصدقاء وأولياء و (أربعاء) جمع ربيع وهو النهر الصغير. وقولهم لليوم الرابع من (أيام) الأسبوع: أربعاء وأربعاء، وأربعاء بكسر الباء وفتحها وضمها، و (الأربعاء) - أيضا - أحد أعمدة الخيمة (¬6) وقال الشيخ: ما كان على أفعلاء فلم نعلم منه مفررا إلا أربعاء لليوم المعروف، فإذا كسّر عليه الواحد جاء كثيرا، نحو: أصدقاء جمع صديق، وأما (أفعلاء) بفتح الهمزة وضم العين فهكذا هو مضبوط في نسختي من هذا الكتاب وضبطته في نسختي من الممتع بفتح الهمزة والعين (¬7) - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 237) (ب). (¬2) قال في الكافية الشافية (4/ 1754): (وب) مفعلاء إلى (مشيخاء) وهو الاختلاط). (¬3) قال الصبان: (قوله: مشيخاء) بميم مفتوحة فشين معجمة مكسورة فتحتية ساكنة فخاء معجمة، وأصله مشيخاء بسكون الشين وكسر الياء، فأعلّ إعلال صحيح وقد ضبط بإعجام الخاء الدماميني ولم يذكر معناه على هذا الضبط، ثم قال: وقال ابن القطاع السعدي - رحمه الله تعالى -: يقال: القوم في مشيحاء بحاء مهملة أي في جدّ وعزم، وفي شرح الكافية للمصنف بالجيم وهو الاختلاط من قوله تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ ووزنه على هذا (فعيلاء) وفي القاموس في فصل الشين المعجمة من باب الحاء المهملة هم في مسيوحاء من أمرهم، ومشيحي: أي في أمر يبتدرونه أو في اختلاط، ولم أر فيه ولا في غيره من كتب اللغة مشيخاء بالخاء المعجمة بمعنى الاختلاط، وإنما ذكر في القاموس مشيخاء بفتح الميم، وسكون الشين، وضم التحتية جمعا لشيخ) (4/ 104)، وانظر اللسان (5/ 237) (ب)، والقاموس (1/ 272). (¬4) سورة الإنسان: 2. (¬5) المرجع السابق، والمساعد (3/ 322). (¬6) شرح الكافية الشافية (4/ 1752). (¬7) الممتع (1/ 133)، وانظر: المزهر (2/ 24).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ معا، وكذا قاله السعدي (¬1) وفسره بأنه يقال لعمود من أعمدة الخباء (¬2) قال: ولا نعلم غيره، وقال بعض أصحابنا: وأما (أربعاء) يعني بفتح الهمزة، وضم الباء فظاهره أنه أفعلاء، ويمكن أن يكون فعللاء كعقرباء، ولا نجعل الهمزة زائدة، وإن كانت في موضع تكثر فيه الزيادة؛ لئلا يكون في ذلك إثبات بناء لم يوجد، وأما (أربعاء) يضم الهمزة والباء فاسم موضع، ثم منهم من قال: وزنه (أفعلاء) ومنهم من قال: فعللاء كقرفصاء، أما (مزيقياء) فوزنه فعيلياء، وهو لقب ملك اسمه عمرو ابن عامر ملك اليمن (¬3) قال الشيخ: ولم يذكر التصريفيون هذا البناء وذكره المصنف (¬4) تابعا لابن القطاع، قال: وكأنهم رأوا أن هذه الياء ياء تصغير فكأنه في الأصل بني على (فعلياء) وإن لم ينطق به فيكون مثل لو صغرت: كبرياء، لقلت: كبيرياء، وما جاء في لسانهم على هيئة المصغر وصنعا فإنه (لا) (¬5) يثبت أصليّا نحو: (لعيب) اسم طائر، فلا نقول: إن هذا بناء أصلي؛ لأنه جاء على صفة المصغر (¬6)، وأما (سلحفاء) فوزنه (فعلّاء)، قال الشيخ: ولم يذكر هذا البناء من وقفت عليه من التصريفيين إلا ابن القطاع، وهذا المصنف (¬7) ولكن ذكر بعض أصحابنا في ما زيد في آخره من الرباعي زيادة واحدة وزن فعلّيّة، قال: ولم يجئ إلا اسما ويلزمه الهاء، نحو: سلحفّيّة. قال: وأما (سلحفاة) فليس فيه دليل على إثبات (فعلّاة)، بل هو (فعلية) في الأصل ثم قلبوا الكسرة فتحة (والياء) ألفا وهي فاشية في طيّء يقولون: رضي رضى. ثم قال الشيخ: وقد نقص المصنف من الأبنية التي تختص بالألف الممدودة شيئا، فمن ذلك: (أفعلاء) قالوا: أرمداء، أو (فعللاء) قالوا: هندباء، ولم يجيء إلا اسما، و (فاعلاء) كفاصلاء وثاصلاء لنبت، (أفعولاء) نحو: أكثوثاء اسم موضع، و (أفعلاء) بضم الهمزة وفتح العين - ¬

_ (¬1) هو ابن القطاع وقد تقدمت ترجمته. (¬2) (والأربعاء والأربعاوى: عمود من (أعمدة الخباء) اللسان (ربع). (¬3) المرجع السابق (5/ 238)، والدماميني (475) (أ). (¬4) شرح الكافية الشافية (4/ 1753). (¬5) ساقطة من النسختين وثابته في التذييل (5/ 238) (أ). (¬6) المرجع السابق. (¬7) يقصد ابن مالك وعبارته في شرح الكافية الشافية: وأشير بـ (فعلّاء).

[الأوزان المشتركة]

[الأوزان المشتركة] قال ابن مالك: (ويشتركان في فعلى وفعلى وفعللى وفعللى وفوعلى وفيعلى وفعيلى وفعّيلى وفاعولاء، وإفعيلى وفعلى وفعلولاء وفعليّا وفعّيلى وفعنلى وأفعلى ويفاعلى وفعاللاء، وأما فعلاء وفعلاء، وفعلّاء فملحقات بقرطاس وقرناس وطرمّاح). ـــــــــــــــــــــــــــــ هو يمشي الأربعاء ويجلس الأربعاء لضرب من المشي والجلوس، و (نفعلاء) نحو: نفرجاء للجبان، وتركضاء لمشية فيها تبختر، و (فاعلاء) قالوا: خازباء، و (فوعلاء) (¬1) نحو: لوبياء، (وسوبياء) لضرب من الأشربة، و (فنعلاء) نحو: عنكباء و (فعليلياء) نحو: بربيطياء لضرب من النبات و (فنعولاء) نحو: قنطوراء و (فعلاء)، نحو: طرباء، و (فعلياء) قالوا: سمّياء لنجوم في الجوزاء. (¬2). قال ناظر الجيش: أما (فعلى) المقصور، فهو اسم أو صفة، فالاسم: أجلى اسم موضع وذفرى: اسم روضة وقلمى اسم موضع، والصفة: جمبزى، يقال: جمل جمزى أي سريع، ويشكى، يقال: ناقة يشكى أي خفيفة، والجفلى والنقرى، يقال: دعوتهم الجفلى إذا دعوت جميعهم، والنّقرى إذا دعوت بعضهم (¬3)، قال الشاعر: 4197 - نحن في المشتاة ندعو الجفلى ... لا ترى الآدب فينا ينتقر (¬4) وأما (فعلاء) الممدود فنقل الشيخ: أنه لا يحفظ منه إلا قرماء وجنفاء، وهما موضعان (¬5)، وأما: فعلى المقصور، فقالوا: لم يرد اسما، نحو: شعبى، وهو اسم موضع: قال: 4198 - أعبدا حلّ في شعبى غريبا (¬6) - ¬

_ (¬1) ما بين القوسين ساقط من التذييل (5/ 238) (أ). (¬2) انظر: التذييل (5/ 238) (أ). (¬3) ينظر: التذييل (5/ 238) (ب). (¬4) البيت من الرمل، وقائله طرفة بن العبد، دعاهم الجفلى: أي بجماعتهم، الآدب: الداعي إلى الطاعم. راجع: النوادر (ص 84)، والمصنف (3/ 110)، ودلائل الاعجاز (ص 90). (¬5) التذييل (5/ 238) (ب). (¬6) صدر بيت من الوافر لجرير، يهجو العباس بن يزيد الكندي وتمامه: ألؤما لا أبا لك واغترابا، والبيت من شواهد سيبويه (1/ 339)، والخزانة (1/ 308)، والعيني (3/ 49)، ومعجم البلدان (شعبي).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ونحو: أربى وهو من أسماء الداهية، ونحو: أدمى: اسم موضع، ونحو: الجعبى وهو: عظام النّمل، وأما: فعلاء الممدود فيكون اسما وصفه، فالاسم نحو: الخششاء، وهو عظم خلف الأذن، والصّعداء للتنفس والبرجاء من التّبرّج، والرّحضاء العرق يخرج مع الولد (¬1)، والمطواء من التّمطّي والثّوباء من التثاؤب، والقوباء والرّغثاء: عرق في الثدي، والعدواء: للبعد والغلواء لأول الشباب (¬2)، والطّلحاء للقيء وباقي (فعلاء) جمعا، وهو كثير، نحو: علماء وشعراء، والصفة، نحو: ناقة عشراء وامرأة نفساء، وأما (فعللى) المقصور فلا يكون إلا اسما فمنه: قهمزى، وهو ضرب من المشي، وفرتنى اسم امرأة (¬3)، وقهقرى مشية إلى خلف، وقرقرى اسم موضع، قال: 4199 - قد أصبحت بقرقرى كوانسا ... فلا تلمه أن ينام البائسا (¬4) وجحجبى اسم رجل (¬5)، وأما (فعللاء) الممدودة فلا يكون إلا اسما - أيضا - وذلك نحو: عقرباء وحرملاء، وهما موضعان، وكربلاء حيث قتل الحسين - رضي الله تعالى عنه -، وثرمداء موضع - أيضا - قال الشيخ: وقد ذكر المصنف في الكافية وشرحها (¬6): أن فعلى وفعلى وفعللى من الأبنية المختصة بالألف المقصورة وذكر في هذا الكتاب أنها من الأبنية المشتركة، قال: وهو الصحيح للمثل التي أوردناها، وأما (فعللى) المقصور فلم يجئ إلا اسما وهو قليل قالوا: الهربذى وهي مشية الهرابذة (¬7). - ¬

_ (¬1) الرّحضاء: العرق، وفي حديث نزول الوحي: فمسح عنه الرحضاء، وهو عرق يغسل الجلد لكثرته وكثيرا ما يستعمل في عرق الحمي والمرض، والرّحضاء: العرق في أثر الحمي، والرّحضاء الحمى بعرق) اللسان (رحض). (¬2) ينظر التذييل (5/ 339) (أ). (¬3) الفرتنى ولد الضبع، وبلا لام المرأة الزانية والأمة وامرأة. القاموس (فرتن) (4/ 257) وسيبويه (2/ 339)، وانظر التذييل (5/ 239) (أ). (¬4) البيت من بحر الرجز مجهول القائل. قرقرى: اسم موضع باليمامة، كوانس جمع كانس، وأصل الكنوس للظّباء وبقر الوحش فاستعاره للإبل، والكنوس دخول الظبي في كناسة أي موضعه، قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ والبيت من شواهد سيبويه (1/ 255)، والهمع (1/ 66)، (2/ 117، 127) والمغني (ص 455)، والدرر (1/ 45)، (2/ 149، 164)، والتذييل (5/ 239) (أ). (¬5) ينظر: التذييل (5/ 239) (ب)، (وجحجبى حي من الأنصار) اللسان (جحجبي) والتذييل (5/ 239) (أ). (¬6) 1742 وما بعدها. (¬7) في النسختين بالدال وجاء في اللسان (هزبذ) (والهربذى: مشية فيها اختيال كمشي الهرابذة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما (فعللاء) الممدود فجاء منه الهندباء وهي بقلة طيّبة الطعم، والطّرمساء الظلمة، ويقال: ليلة طرمساء، وطلمساء، والجلحطاء أرض لا شجر فيها، وأما (فوعلى) المقصور فمنه الخوزلى، وأما (فوعلاء) الممدود، فنحو: حوصلاء، ولم يجئ اسما وهو قليل، وأما (فيعلى) المقصور فمنه: الخيزلى، وأما (فيعلاء) الممدود، فنحو: الدّيكساء، ومنهم من لم يثبت هذا الوزن أعني الممدود فيكون (فيعلى) عنده من الأبنية المختصة بالألف المقصورة، وأما (فعيلى) المقصور، فنحو: كثيرى، وأما الممدود، فنحو: كثيراء، وقريثاء وكريثاء للبسر، وأما (فعّيلى) المقصور فلم يجئ إلا مصدرا، نحو هجّيرى، وحثّيثى وفتّتى ودلّيلى، وأما (فعّيلاء) الممدود فلا يحفظ منه ما ذكر الشيخ ألا: فخّيراء وخصّيصاء، قال وزاد أبو الحسن الكسائي: المكّيناء، قال: ولا يحفظ لها رابع (¬1)، قال: وهذه الثلاثة تقصر وتمدّ (¬2)، وأما (فاعولى) المقصور بادولى، والممدود، نحو: ضاروراء وعاشوراء، وأما (إفعيلى) المقصور، فنحو: إهجيرى وإجريّا - للعادة - ولا يحفظ غيرها، والممدود، نحو: إهجيراء وإجليلاء اسم موضع (¬3)، وأما (فعلّى) المقصور، فنحو: قطبّى وزمكّى وزمجّى أصل ذنب الطائر (¬4) والجرشّى النفس (¬5) والعبدّى: العبيد، والكمرّى: القصير، ورجل حنفّى العنق أي مائله، والقطبّى نبت يصنع منه حبل ثمين (¬6)، والممدود نحو: الزّمجّاء والزّمكّاء، وقال الشيخ: والصواب أنها يقصران ويمدان، قال: وذكر - ¬

_ - وهم حكام المجوس، قال امرؤ القيس: مشى الهربذى في دفّه ثمّ فرفرا وقيل: هو الاختيال في المشي) وانظر: الكتاب (4/ 297)، والممتع (1/ 153)، وفي التذييل: الهزبرى وهي مشية الهزابرة التذييل (5/ 239) (ب). (¬1) انظر: التذييل (5/ 239) (ب)، والمساعد (3/ 326)، وقال الأشموني (4/ 100): (وخصّيصاء للاختصاص، وفخّواء للفخر، ومكّيناء للتمكن وهذه الكلمات تمد وتقصر، وجعل الكسائي هذا الوزن مقيسا والصحيح قصره على السماع). (¬2) ينظر التذييل (5/ 239) (ب). (¬3) التذييل (5/ 239) (ب). (¬4) (والزّمجّى: منبت ذنب الطائر، مثل: الزمكّى) اللسان (زمج) وانظر: التكملة (ص 111). (¬5) (والجرشّى على مثال: فعلّى كالزّمكّى: النفس) اللسان (جرش). (¬6) (والقطبّى: ضرب من النبات يصنع منه حبل كحبل النارجيل، فينتهي ثمنه مائة دينار عينا) اللسان (قطب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف في الشافية وشرحها (¬1): أن (فعلّى) من الأبنية المختصة بألف التأنيث المقصورة وجعله هنا وزنا مشتركا بين المقصورة والممدودة، قال: وهو الصحيح. وأما (فعلولى) المقصورة، فنحو: فوضوضى، قالوا: أمرهم فوضوضى، أي: يتفاوضون فيه (¬2)، قال الشيخ: وأما الممدودة من ذلك فهو (فعلولاء) (¬3) ففي إثبات خلاف. أثبته الزّبيديّ وتبعه المصنف، وأورد من ذلك: معكوكاء وبعكوكاء للجلبة والشرّ، يقال: هم في: بعكوكاء، وكذا هم في: معكوكاء، وذهب غيرهما إلى أن وزنها مفعولاء، نحو: معلوجاء، والباء في بعكوكاء بدل من الميم على لغة بني مازن (¬4)، وأما (فعليّا) المقصور فكزكريّا، والممدود: زكريّاء، وأما (فعّيلى) المقصور فلا يجيء إلّا اسما نحو: لغّيزى وخلّيطى وبقّيرى، وأما الممدودة فلا يحفظ منه إلا قولهم: هو عالم بدخيّلائك، أي: بباطن أمرك، وأما (فعنلى) المقصور فمنه: الجلندى، ولم يجئ إلا اسما وهو قليل، وهو اسم ملك، وأما الممدود منه، فجلنداء - أيضا - ومنهم من لم يثبته ممدودا، قال: إن ورد ممدودا فيكون مدّه ضرورة (¬5)، وأما (أفعلى) المقصور، فهو: الأجفلى وأوجلى اسم موضع، قال الشيخ: ولا يعلم غيرهما، والأجفلى: هي دعوة الجماعة دون أن تخص واحدا، وأما (أفعلاء) الممدود، فهو: الأربعاء والأجفلاء. وأما: الممدود، فقالوا: ينابعاء اسم بلد لا غير، وذكر بعضهم فتح أوله أيضا (¬6)، وأما (فعاللى) المقصور، فهو قليل، ولم يجئ إلّا اسما: جخادبى، والممدود لا يجئ أيضا إلا اسما، وهو قليل قالوا: جخادباء (¬7). قال الشيخ: وفات المصنف مما هو مشترك بين المقصورة والممدودة (فعولى) نحو: قنونى وشرورى اسمين - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية (4/ 1747) وما بعدها، وانظر: التذييل (5/ 239) (ب). (¬2) المرجع السابق. (¬3) في التذييل (5/ 239) (ب) (فعولاء) والصواب ما أثبته. (¬4) (وأما قولهم: هم في معكوكاء وبعكوكاء، فمعولاء لا فعلولاء، والباء في: بعكوكاء بدل من الميم على لغة بني مازن، فإنهم يبدلون من الميم ياء إذا كانت أوّلا) الممتع (1/ 144). (¬5) التذييل (5/ 240) (أ). (¬6) هو ابن القطاع، وانظر المساعد (3/ 327)، والهمع (2/ 172)، والتذييل (5/ 240) (أ). (¬7) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لموضعين، وطرورى للكيّس وشجوجاء وحجوجاء للطويل الرّجلين، وطروراء للكيّس، و (فاعلى) نحو: فاقلى، وفاقلّاء. (¬1) انتهى. وقول المصنف: وأما فعلاء وفعلاء فملحقان بقرطاس وفرناس، يشير به إلى أن هاتين البنيتين لم تجئ الألف الممدودة فيهما للتأنيث، إنما جاءت للإلحاق، نحو: علباء وقوباء (¬2)، قال الشيخ: فأما قوله تعالى: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ (¬3) على قراءة من فتح السين، فالهمزة ليست للتأنيث وإنما امتنع الصرف للعلمية والتأنيث لا لتأنيث اللازم (¬4). وأما قول الشاعر: 4200 - غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها ... تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل (¬5) فإنه يروى بفتح الهمزة وكسرها، فمن كسرها أضاف إلى مجهل، من فتح فإنه لا يجوز ذلك إلا على اعتقاد أن يكون: زيزاء علما فيكون امتناعه من الصرف للعلمية والتأنيث هذا مذهب البصريين؛ أعني أن (فعلاء) لا يكون ألفه إلا للإلحقاق لا للتأنيث، نحو: علباء وحرباء، وأجاز الكوفيون أن تكون ألفه للتأنيث مستدلين بقوله تعالى: مِنْ طُورِ سَيْناءَ (¬6) وقد عرفت توجيه البصريين لذلك، وعلى رأي - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 240) (أ). (¬2) منقول من المرجع السابق. (¬3) سورة المؤمنون: 20. (¬4) إنما تمنع «سيناء» بفتح السين من الصرف لألف التأنيث الممدودة، كصحراء وهي قراءة الجمهور، وقد ذكر ذلك أبو حيان نفسه في البحر المحيط (6/ 393) قال: (وجمهور العرب على فتح سين سيناء فالألف فيه للتأنيث، كصحراء فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم، وكنانة تكسر السين فيمتنع الصرف للتأنيث اللازم - أيضا - عند الكوفيين؛ لأنهم يثبتون أن همزة فعلاء تكون للتأنيث، وعند البصريين يمتنع من الصرف للعلمية والعجمة أو العلمية والتأنيث؛ لأن ألف فعلاء لا تكون للتأنيث، بل للإلحاق كعلباء ودرحاء) وانظر التبيان (ص 952)، والإتحاف (ص 318)، وحجة القراءات (ص 484)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 232). (¬5) من الطويل، وقائله هو مزاحم بن الحارث العقيلي، تصل: أي يسمع لأحشائها صليل من يبس العطش القيض: قشرة البيضة العليا اليابسة. المجهل: الصحراء التي يجهل فيها، إذ لا علامة فيها، وقد أوضح الشارح موضع الاستشهاد بالبيت، وفيه شاهد آخر عند سيبويه، وهو يستشهد به على اسمية (على) بدليل دخول حرف الجر عليها، وفي المسألة خلاف، انظره في المقتضب (3/ 53)، والنوادر (ص 163)، والكامل (ص 488)، وابن يعيش (8/ 38)، والجمل (ص 73)، والخزانة (4/ 253)، والمغني (ص 146)، (ص 532)، والعين (3/ 301). (¬6) استدل الكوفيون على ذلك بقراءة «سيناء» بكسر السين. انظر: الحاشية (4 السابق).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكوفيين قوله: بزيزاء مجهل، امتنع فيه الصرف للتأنيث اللازم، ومجهل لزيزاء، والزيزاء: الغليظ من الأرض، والمجهل: القفر الذي ليس فيه أعلام يهتدى بها قال: وذكر المصنف في الشافية وشرحها: أن (فعلّاء) من الأبنية الملحقه وذكر من ذلك: زمكّاء الطائر، وهو: عصعصه (¬1) قال: وذلك على رأي فحقه الانصراف؛ لأنه ملحق بطرمّاح [6/ 48] وهو البناء المرتفع وسنمّار وهو اسم بنّاء (¬2)، وقد ذكر في التسهيل أن (فعلّاء) من الأبنية المشتركة بين الألفين، فعلى هذا لا يكون ملحقا (¬3). * * * ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1756). (¬2) المرجع السابق. (¬3) ينظر: التذييل (5/ 240) (أ، ب).

الباب الحادي والسبعون باب المقصور والممدود

الباب الحادي والسبعون باب المقصور والممدود (¬1) [ما يعرف به المقصور والممدود القياس وغيره] قال ابن مالك: (كلّ معتلّ الآخر فتح ما قبل آخر نظيره الصحيح لزوما أو غلبة فقصره مقيس، كاسم مفعول ما زاد على ثلاثة أحرف، ومصدر فعل اللازم، والمفعل والمفعل مرادا به الآلة وجمع فعلة وفعلة والفعلى أنثى الأفعل، فإن لزم قبل آخر نظيره الصحيح ألف، أو غلب فمدّه مقيس كمصدر ما أوله همزة وصل، وموازن فعّال وتفعال ومفعال صفة وواحد أفعلة، وما لم يكن كذلك فمأخذ قصره ومدّه على السّماع). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: المقصور من الأسماء هو المتمكن الذي آخره ألف لازمة في الإعراب كلّه، فالمتمكن يخرج المبنىّ كما الاسميّة، واللزوم يخرج المثنى المرفوع والأسماء الستّة المنصوبة، فإن ألفها لا تلزم في الإعراب كلّه. والممدود من الأسماء هو المتمكن الذي آخره همزة بعد ألف زائدة، فالمتمكن يخرج (نحو): أولاء من المبنيات والألف يخرج، نحو: نسيء ووضوء، والتّقييد بالزيادة يخرج نحو: دواء فإنّ أصله دواو فألفه منقلبة عن أصل ومدّها عارض، ولا أمنع من تسمية: أولاء ودواء ونحوهما ممدودا في اللغة بل أمنعه عرفا واصطلاحا. وإذا ثبت هذا فليعلم أن كل واحد من المقصور والممدود على ضربين: قياسي وسماعي، فالمقصور القياسي: ما له من الصحيح نظير اطرد فتح ما قبل آخره كمرى جمع: مرية، ومدى جمع: مدية فإن نظيرهما من الصحيح: قرب جمع قربة وقرب جمع قربة، وكذا اسم مفعول ما زاد على ثلاثة أحرف كمعطى ومبتلى، فإن نظيرهما من الصحيح: عمش عمشا، وصلع صلعا، وكذا: أفعل صفة - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب الكتاب (3/ 536) وما بعدها، وابن يعيش (6/ 36)، والأشموني (4/ 106)، والمقتضب (3/ 79)، والتكملة (ص 75)، والمقرب (2/ 139)، وأوضح المسالك (4/ 292)، والهمع (2/ 173)، والمنقوص والممدود للفراء (ص 11)، والتصريح (2/ 291)، والجاربردي (1/ 189)، والرضي على الشافية (2/ 324).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لتفضيل كان كالأقصى أو لغير تفضيل كأعمى وأعشى فإن نظيرهما من الصحيح: الأبعد والأعمش، وكذلك ما كان جمعا للفعلى أنثى الأفعل كالقصوى، والقصا والدّنيا والدّنا. فإن نظيرهما من الصحيح: الكبرى والكبر والأخرى والأخر، وكذلك ما كان من أسماء الأجناس والأعلى الجمعيّة بالتجرد من التاء كائنا على فعل، وعلى الواحدة بمصاحبة التاء كحصاة وحصى وقطاة وقطا فإن نظيرهما من الصحيح: شجرة شجر ومدرة (¬1) ومدر، وكذلك المفعل مدلولا به على مصدر أو زمان أو مكان كملهى ومسعى، فإنّ نظيرهما من الصحيح: مذهب ومسرح، وكذا المفعل مدلولا به على آلة كمرمى ومهدى، وهو: وعاء الهدية ونظيرهما من الصحيح: مخصف ومغزل، على أن الصحيح من هذا النوع قد يجيء على (مفعال) كمحراث ومقراض (¬2) ولا يكاد ذلك يوجد في المعتل. فهذه ضوابط المقصور قصرا قياسيّا. وأما الممدود مدّا قياسيّا فما له من الصحيح نظير اطّرد كون ما قبل آخره ألفا، كظبي وظباء ونضو وأنضاء، فإن نظيرهما من الصحيح: كعب وكعاب وحزب وأحزاب ومدّ (النّظراء) وشبهه مطرد؛ لأن قصره يجعله على: فعلى وهو وزن مهمل المجموع. وشذّ في الآحاد، إذ لم يجئ منه إلا: أربى، وهو من أسماء الداهية، وشعبى وأدمى، وهما اسما مكانين، وقدّ (أفعلاء) أشدّ اطّرادا؛ لأن (أفعلى) بالقصر مهمل ولم يأت (أفعلاء) غير جمع إلا (الأربعاء) اسم اليوم، ومن الممدود مدّا قياسيّا (إفعال) مصدر (أفعل) كأعطى إعطاء، وفعال مصدر فاعل كوالى ولاء، وعادى عداء، وكذا مصدر كل ما أوّل ماضيه همزة وصل كانقضى انقضاء واهتدى إهتداء. وكذا ما صيغ من المصادر على (تفعال)، ومن الصفات على (فعّال) أو (مفعال) لقصد المبالغة، كالتّعداء والعداء والمعطاء؛ لأن نظائرها من الصحيح قد اطّرد كون ما قبل آخره ألفا، كالإكرام، والقتال، والانقسام والاعتصام والتّذكار والختّار والمهذار. ومن المد القياسي قدّ: فعّال في الأصوات، والأمراض الصعبة كالرّغاء (¬3) والثّغاء (¬4) - ¬

_ (¬1) المدر: قطع الطين اليابس، وقيل: الذي لا رمل فيه واحدته مدرة. (¬2) جاء في المصباح المنير (ص 497) (قرضت الشيء قرضا من باب ضرب قطعته بالمقراضين، والمقراض أيضا بكسر الميم والجمع مقاريض). (¬3) الرّغاء: صوت الإبل، ويطلق على غيره من الأصوات) انظر اللسان (رغا) والقاموس (4/ 337). (¬4) (الثّغاء: صياح الشاة ونحوها) وانظر اللسان (ثغا) والقاموس (4/ 311).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والمشاء (¬1) والأباء فإن نظائرها من الصحيح البغام، والصّراخ، والحمام، والهيام (ثم نبهت على أن) غير ما سبق ذكره لا يقدم فيه على قصر ولا مد إلا بالنقل، كقصر: الفتى واحد الفتيان، السّنا المراد به الضّوء، والثّرى المراد به التراب: وكمد: الفتاء - المراد به حداثة السن، والسّناء المراد به: الشرف، والثّراء - المراد به كثرة المال، ثم نبهت على) أن بعض الأسماء قد يرد بالوجهين القصر والمد كـ (زكريّاء) (¬2) وبقصره (¬3) قرأ الكوفيون إلا أبا بكر (¬4) وقرأ الباقون بالمد. (¬5) انتهى. ولنرجع إلى لفظ الكتاب، فنقول: قوله: كاسم مفعول ما زال على ثلاثة أحرف. قد عرفت تمثيله لذلك، نحو: معطى ومبتلى وأن نظيرهما من الصحيح مكرم ومحترم. وقوله: ومصدر فعل اللازم. قد عرفت تمثله لذلك - أيضا - بنحو: عمي عمى وجلي جلا، وأن نظيرهما عمش عمشا وضلع ضلعا. وقوله: والمفعل يشمل اسم المصدر واسم الزمان واسم المكان، وقد عرفت تمثيله لذلك، نحو: ملهى ومسعى، وأن نظيرهما مذهب ومسرح. وقوله: والمفعل مرادا به الآلة قد عرفت تمثيله له، بنحو: مرمى ومهدى، وأن نظيرهما مخصف ومغزل. وقوله: وجمع (فعلة) و (فعلة) و (الفعلى) أنثى الأفعل قد عرفت تمثيله للأول، بنحو: مدية ومدى وأن نظيره: قربة وقرب، وللثاني بنحو: مرية ومرى وأن نظيره: قربة وقرب، وللثالث بنحو: القصى والدّنى جمعى القصوى والدّنيا وأن نظيرهما: الكبرى والكبر والأخرى والأخر. وأما قول المصنف لزوما أو غلبة بعد قوله: فتح ما قبل آخر نظيره الصحيح. فقد قال الشيخ: لزوما مثاله: اسم مفعول ما زاد على الثلاثة، فإن جمعه جاء مفتوح ما قبل الآخر لزوما، نحو: مكرم ومستخرج، وكذلك المعتل منه جاء جميعه مقصورا لم يشذ منه شيء. وقوله: أو غلبة مثاله: - ¬

_ (¬1) (المشاء: إسهال البطن) اللسان (مشى). (¬2) ورد هذا الاسم في آيات كثيرة في القرآن الكريم منها الآيات «37»، «38» آل عمران، «85» الأنعام، «2»، «7» مريم. (¬3) كذا في شرح الكافية وفي النسختين فإنه بالقصر والمد. وانظر الحجة (3/ 33) (دار المأمون للتراث) الإتحاف (ص 173). (¬4) هو أبو بكر بن عياش الأسدي النهشلي الكوفي الحناط الإمام العالم راوي عاصم عمر دهرا طويلا إلا أنه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنوات، وكان من أئمة السنة. انظر: الحجة (ص 57، 58)، والشذرات (1/ 334). (¬5) شرح الكافية (4/ 1759 - 1766).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مصدر ما كان على (فعل) اللازم فإن فتح ما قبل الآخر هو المقيس الكثير، نحو أشر أشرا، وبطر بطرا. قال: وقد جاء فيه (فعالة) (¬1) نحو: شكس شكاسة، و (فعولة) نحو: صهب صهوبة، و (فعل) قالوا: شكر شكرا، وأما المعتل منها غير مقصور، نحو: هوي (هوى) وثوي ثوى وجوي جوى، وقد جاء منه شيء بخلاف هذا قالوا: روي بروى ريّا فجاء على فعل، واختلف في مصدر: غري، فحكى فيه أبو زيد والأصمعي: غرى بالقصر على قياس إخوانه، ونقله سيبويه والفراء: (غراء) بالمدّ على وزن (فعال) على جهة الشذوذ (¬2) قال الشاعر: 4201 - إذا قلت مهلا غارت العين بالبكا ... غراء ومدّتها مدامع حفّل (¬3) ثم إن الشيخ - أيضا - لما [6/ 49] ذكر جمع (فعلة) و (فعلة) قال إلا أنه لا يندرج تحت (قول المصنف) (¬4) فتح ما قبل آخره نظيره من الصحيح إلا من جمع - فعلة بكسر الفاء فجاء على فعل بضمها، وذلك نحو: حلية ولحية فإنهم قالوا من جمعهما: حلى ولحى بكسر أوله و: حلى ولحى بضم أوله، ولا من (فعلة) فضم الفاء فجاء على فعل بكسرها، وذلك نحو: كسوة وكسى بضم أوله في الجمع وكسره: لأنه لا يوجد في كلامهم، نحو: ظلمة وظلم بكسر الظاء في الجمع، ولا مثل: قربة وقرب بضم القاف في الجمع وقد وجد ذلك في المعتل، قال: فإذا ليس جمع المعتل مطلقا نظيره جمع التصحيح مطلقا (¬5). انتهى. والجواب أن المعتل الذي ذكره قد وجد فيه الوجه الآخر، فكما أنهم قالوا في لحية وحلية: لحى وحلى بالضم، قالوا فيهما: لحى وحلى بالكسر، وكما أنهم قالوا في كسوة: كسى بالكسر، قالوا: كسى بالضم. وأما قول المصنف فإن لزم قبل آخر نظير الصحيح ألف أو غلب. فقال الشيخ: مثال ما لزم قبل آخر نظيره - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 240) (ب) (فعلة). (¬2) الكتاب (2/ 162). (¬3) من الطويل قاله كثير عزة. غارت من غار الغيث الأرض بغيرها. أي سقاها، وقيل: من غارت عينه تغور غورا: إذا دخلت في الرأس، وغراء: نصب على الحال بمعنى مغاريه، وفيه الشاهد. وانظره في: الأشموني (4/ 106)، وابن يعيش (6/ 39)، والتذييل (5/ 241) (أ)، وابن جماعة (1/ 192)، والعيني (4/ 59). (¬4) التذييل (5/ 241) (أ) (قوله). (¬5) التذييل (5/ 241) والعبارة منقولة بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الصحيح ألف: انطلاق، ولم يجئ بشيء من هذا الوزن يخالف هذا القانون، ومثال ما غلب صفة مفعال، فإن الغالب في الصحيح أن يجيء على هذا الوزن، وقد يجيء على (مفعل) نحو: مدعس ومظعن وقد جاء بعضه في المعتل - أيضا - على هذا الوزن كما نبيّنه - إن شاء الله تعالى - وإن كان الغالب أن يأتي على (مفعال) انتهى (¬1). وقوله - أعني المصنف: كمصدر ما أوله همزة وصل، وقد عرفت تمثيله له بقوله: انتهى انقضاء واهتدى اهتداء، ولا شك أن نظيرهما من الصحيح: انطلاق واقتدار، ومثل ذلك: استدعاء واستجلاء فإن نظيرهما استخراج. وقوله: وموازن (فعّال) و (تفعال) و (مفعال) صفة. قد عرفت تمثيله (لفعّال) بعدّاء، ومثله سقّاء، وأن نظير ذلك من الصحيح: ختّار، ومثله: قتّال وشرّاب، وتمثيله (لتفعال) بتعداء، ومثله: ترماء، وأن نظير ذلك من الصحيح تذكار، ومثله تطواف، وتمثيله (لمفعال) بمعطاء، ومثله: مهداء، وأن نظير ذلك من الصحيح: مهزار (¬2). قال الشيخ: وقد شذّوا في شيء منه فجاء مقصورا، قالوا: رجل معطى، وإنما قيّد (مفعالا) بقوله بعده: صفة، اهتزازا من اسم الآلة، فإن أكثره يجيء على مفعل (ولا يتوهم من قول المصنف: و (مفعال) صفة أن (فعّالا) المذكور قبل يكون غير صفة لأن (فعّالا) إنما هو صفة ولما لم يكن استغنى عن تقييده بذلك، وقوله: وواحد أفعلة مثاله: كساء وقبّاء ونظيرهما من الصحيح: خمار وقذال، ولا شك أنها تجمع على: أكسية وأقبية وأخمرة وأقذلة، وشذ من ذلك مفرد أندية (¬3) وأرحية وأقفية فإن مفرداتها جاءت مقصورة، قالوا: ندى ورحى وقفا، وزعم الأخفش أن أرحية وأقفية من كلام المولدين وتأوّل أندية على أن يكون جمع نداء الممدود في الضرورة (¬4) وزعم المبرد أنّ أندية جمع نداء، وأن نداء جمع نديّ، (¬5) لأن (فعلا) يجمع على (فعال) و (فعال) يجمع على (أفعلة)، قيل: وهذا ضعيف؛ لأن - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) النص منقول من التذييل (5/ 241) (أ) (ب). (¬3) قال سيبويه: (وقالوا: ندى وأندية فهذا شاذ) الكتاب (2/ 163). (¬4) ينظر: الخصائص (3/ 237)، وابن جماعة (1/ 192)، والتصريح (2/ 292)، والتذييل (5/ 241) (ب). (¬5) قال المبرد في المقتضب (3/ 82): (وقال بعضهم: إنما أراد جمع نديّ، أي: نديّ القوم الذي يقيمون فيه ويفخرون، كما قال الشاعر - سلامة بن جندل السعدي - من البسيط: يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نداء جمع ندى لا يحفظ ولم يسمع من كلامهم، وفيه جمع الجمع ولا ينقاس. قال ابن عصفور: وهذا الذي قال يجوز قياسا إلا أن لم نسمع نداء في جمع ندى (¬1). قال الشيخ: وهذا وهم؛ أعني قول ابن عصفور: يجوز قياسا، والتبس عليه جمع (فعال) على (أفعلة) وذلك لا ينقاس إلا في المفردات، كخمار وأخمرة، وأما (فعال) الجمع فلا يجوز جمعه لا على (أفعلة) ولا على غيره من الأوزان قياسا؛ لأن جمع الجمع لا يقال بقياس، قال: وهذا ما لا نعلم فيه خلافا، بل قد نقل الإجماع فيه على أنه لا يجوز (¬2)، بل ما جاء منه يحفظ ولا يقاس عليه (¬3). انتهى. وليعلم. أن المصنف يفهم من قوله في المقصور: كاسم مفعول ما زاد .... إلى آخره. ومن قوله في الممدود: كمصدر ما أوّله همزة وصل إلى آخره، أنه لم يقصد بذلك أن المقصور والممدود محصوران فيما ذكره؛ لأنه إنما قصد التمثيل ببعض الصور في القسمين، وذلك أنه أعطى قاعدة كلية يحصل بهما ضبط كل منهما فاكتفي بذلك عن التعداد، واقتصر على بعض الأمثلة، ويدلّك على ذلك أنه - ¬

_ - (وذهب غير أبي الحسن والمبرد إلى أنه كسّر فعلا على أفعل، كزمن وأزمن وجبل وأجبل فصار: أند كأيد، ثم أنّث أفعل هذه بالتاء، فصارت أندية على أفعلة، وقال ابن جني في إعراب الحماسة: وهذا وإن كان شاذّا، فإن له عندي وجها من القياس صالحا، ونظيرا من السماع، أما السماع فقولهم في تكسير: قفا ورحى: أقفية وأرحية حكاهما الفراء وأبي السكيت فيما علمت الأن وأما وجه قياس أصل الجمع فهو أن العرب قد تجري الفتحة مجرى الألف، ألا تراهم لم يقولوا في الإضافة إلى: جمزى وبشكى إلا جمزيّ وبشكيّ، كما لا يقولون في حبارى إلا: حبارىّ: ومشابهة الحركة للحرف أكثر ما يذهب إليه، فكأن فعلا على هذا فعال وفعال مما يكسّر على أفعلة، نحو: غزال وأغزلة) انظر: شرح شواهد الشافية - بتصرف - (ص 277). (¬1) التذييل (5/ 241) (ب)، وانظر: الدماميني (477) (أ). (¬2) قال ابن يعيش (5/ 74): (اعلم أن جمع الجمع ليس بقياس فلا يجمع كل جمع، وإنما يوقف عند ما جمعوه من ذلك، ولا يتجاوز إلى غير ذلك؛ وذلك لأن الغرض من الجمع الدلالة على الكثرة، وذلك يحصل بلفظ الجمع، فلم يكن بنا حاجة إلى جمع ثان، قال سيبويه: (اعلم أنه ليس كل جمع يجمع، كما أنه ليس كل يجمع كالأشغال) .... وقال أبو عمر الجرمي: لو قلنا في أفلس وأفالس ... لم يجز، فإذا جمع الجمع شاذ) وفصّل السيوطي في الهمع (2/ 183) فأشار إلى أنه لا خلاف في أن جموع الكثرة لا تجمع قياسا ولا أسماء المصادر ولا أسماء الأجناس إذا لم تختلف أنواعها؛ فإن اختلفت فالجمهور وسيبويه - وصححه أبو حيان - لا يقيسان، والمبرد والرماني يقيسان، والأكثرون على أن جمع القلة منقاس. ويقول ابن عصفور في المقرب (2/ 127): (وقد شدت العرب أيضا فجمعت بعض الجمع) وانظر الصبان (4/ 152). (¬3) التذييل (5/ 241) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر في شرح الكافية (¬1) من صور القسمين ما لم يذكره هنا، فعلمنا أنه إنما ترك ذكر ذلك استغناء عنه بالضابط الذي ذكره، وأما قوله: وما لم يكن كذلك فمأخذ قصره ومدّه السماع، فمعناه وما لم يندرج في القانون الذي ذكرته للقسمين فقصره ومده سماعي. يعني أنه موقوف على السماع. قال الشيخ: وهذا عام مخصوص وتخصيصه مما تقدم له ذكره من الأوزان المذكورة في باب ألفي التأنيث فأنّه ذكر هناك أوزانا تختص بالمقصورة، وأوزانا تختص بالممدودة، قال: فهذه الأوزان مخصصة لهذا العموم الذي ذكره (¬2). انتهى. ولم يظهر لي هذا القول الذي قاله؛ لأن الأوزان التي ذكرت في باب ألفي التأنيث إنما مأخذ القصر والمد فيها السماع أيضا لكن، وإن لم يختص بمادة فهو مختص بوزن، فما كان على وزن (فعلى)، و (فعالى) و (فعّالى) فهو مقصور، وما كان وزن (فعلاء) مثلا فهو ممدود ولا شك أن هذا أمر موقوف على السماع - أيضا - ولكن توقفه باعتبار الزّنة لا باعتبار المادة، واعلم أن المصنف في شرح الكافية ختم الباب بذكر مسألة، فقال: أن بعض ما فيه وجهان قد تتغير حركة فإنه تتحرك في أحد الوجهين الآخر وهو على ثلاثة أقسام: ما يقصر من الكسر ويمدّ مع الفتح، وما يقصر مع الفتح، ويمد مع الكسر، وما يقصر مع الضم ويمدّ مع الفتح، فالأوّل: (الأنى) واحد (الإناء)، و (الإيا) ضوء الشمس و (البلى) خلاف الجدّة والرّوى الماء الكثير (وسوى) بمعنى غير، وقرى مصدر: وقريت الضيف، و (قلى) مصدر قليته أي أبغضته. والثاني: أضا جمع أضاءة وهي الغدير، والسّحا: الخفاش، والصّلى مصدر صلى النّار: قاسي حرّها، والغرا الذي يلزق به الريش وغيره، و (الغمى) السقف و (الفدى) مصدر (فديت)، والثالث (البؤسى) و (الرّغبى) و (العليا) و (النّعمى) و (الضّحى) هذا جملة ما ذكره ابن السكيت وقد وضع لي ما يكسر فيقصر ويضم فيمدّ عن ابن ولّاد وهو (القرفصاء)، قال ابن ولّاد: يقال لها (القرفصي) بالكسر: فبهذا تتكمل أربعة أقسام (¬3) انتهى. وقد أورد الشيخ في شرحه هذا الذي ذكرناه مسنده إلى المصنف، وقال بعد ذلك: وإنما ذكرنا هذه الأقسام هنا وإن كان مدركها السماع؛ لأن للنحو فيهما حظّا، وهو حصر ما جاء - ¬

_ (¬1) انظره في: شرح الكافية (4/ 1760) وما بعدها. (¬2) التذييل (5/ 242) (أ). (¬3) شرح الكافية (4/ 1766) - (1768)، والتذييل (5/ 242) (أ، ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ [6/ 50] من ذلك. فلو ادّعى مدع شيئا هذا لم يقبل منه إلا بثبت واضح عن العرب (¬1) انتهى. ثم ثنى المصنف في شرح الكافية بذكر مسألة أخرى لم يذكرها في التسهيل وهي قصر الممدود، فقال: أمّا قصر الممدود فيجوز للشاعر إذا اضطر إليه أن يستعمله بلا خلاف وهو شبه صرف ما لا ينصرف، وأما مدّ المقصور للضرورة فممتنع عند البصريين لا عند الكوفيين، وهو شبيه بمنع صرف المنصرف. ومما يحتج به الكوفيون قول الراجز: 4202 - يا لك من تمر ومن شيشاء ... ينشب فى المسعل واللهاء (¬2) فمد اللهاء اضطرارا وهو واجب القصر؛ لأنه نظير حصى وقطا. انتهى (¬3) ومما يحتج به الكوفيون (¬4) قول الشاعر: 4203 - سيغنينى الّذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم ولا غناء (¬5) وقد خرّج البصريون هذا - أعني غناء - على أنه مصدر لغانى، كأنّه قال: فلا افتقار شخص لشخص يدوم، ولا استغناء شخص عن شخص يدوم: فإنّه يقال: غانى وتغانى، قال الشاعر. 4204 - كلانا غنيّ عن أخيه حياته ... ونحن إذا متنا أشدّ تغانيا (¬6) - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) رجز استشهد به كثير من شراح الألفية، ولم يعزه أحد لقائل، ونسبه البكري في سمط اللآلئ (ص 874) إلى أبي المقدام الراجز وانظره في - شواهد العيني (4/ 507) وأمالي القالي والإنصاف (ص 746) وهمع الهوامع (2/ 157)، والدرر اللوامع (2/ 211)، وشرح الكافية (1768). (¬3) شرح الكافية (4/ 1768 - 1769). (¬4) ينظر في هذه المسألة الأشموني بحاشية الصبان (4/ 110)، والتصريح (2/ 293)، والإنصاف (ص 745). (¬5) من الوافر والشاهد فيه قوله: (ولا غناء) حيث مدّه وهو مقصور، والأصل: ولا غنى بكسر الغين، ولكن الشاعر مدّه حين اضطر لإقامة وزن البيت، وزعم قوم أنه بفتح الغين من قولهم: (هذا رجل لا غناء عنده) أي لا نفع، وليس ما في البيت من هذا، والدليل على أنه من الغنى المقصور فمده للضرورة أنه وقع في البيت مقترنا بالفقر، وأهل اللغة ينصّون على أن الغنى الذي هو في مقابل الفقر مقصور ليس غير. انظر: الشاهد في الإنصاف (ص 747) والأشموني (4/ 110)، وأوضح المسالك (4/ 297). (¬6) البيت من الطويل، وقائله عبد الله ابن معاوية بن عبد الله بن جعفر، وقد استشهد به البصريون لإبطال حجة الكوفيين في جواز مدّ المقصور بأن قالوا: أن رواية (غناء) بكسر الغين - في الشاهد السابق - يكون غناء مصدرا لغانيته، أي: فاخرته بالغنى، يقال: غانيته أغانيه غناء. انظر: الإنصاف (ص 745)، والأشموني (2/ 260)، و (4/ 110)، وشواهد المغني (ص 240)، والتصريح (2/ 43) واللسان (غنا).

الباب الثاني والسبعون باب التقاء الساكنين

الباب الثاني والسبعون باب التقاء الساكنين (¬1) [تقدير التقاء ساكنين في الوصل المحض] قال ابن مالك: (لا يلتقي ساكنان في الوصل المحض إلّا وأوّلهما حرف لين وثانيهما مدغم متّصل لفظا أو حكما، وربما فرّ من ذلك بجعل همزة مفتوحة بدل الألف، فإن لم يكن الثاني مدغما متصلا حذف الأول إن كان ممدودا أو نون توكيد خفيفة أو نون «لدن» غالبا، فإن كان غيرهن حرّك، إلّا أن يكون الثّاني آخر كلمة فيحرّك هو ما لم يكن تنوينا فيحرّك الأول، وربّما حذف الأول إن كان تنوينا، أو أثبت إن كان ألفا، ويتعين الإثبات إن أوثر الإبدال على التّسهيل في نحو: الغلام فعل؟ وربّما ثبت الممدود قبل المدغم المنفصل وقبل الساكن العارض تحريكه، وأصل ما حرّك منهما الكسر، ويعدل عنه تخفيفا، أو جبرا أو إتباعا، أو ردّا للأصل، أو تجنّبا للبس أو حملا على نظير، أو إيثارا للتجانس). - وأما الرّجز، فقالوا: لا نعرف قائله، ولا يخفى بعد هذا التخريج، وأما الرجز، فإن جهل قوم قائله فقد لا يجهله آخرون، والظاهر العمل بقول الكوفيين، كما اختار المصنف، ولا شك أن الشعر يجوز فيه ارتكاب ما هو أشد من هذا، وقد عرفت قول المصنف: أن مد المقصور شبه بمنع الصرف للمنصرف، وهذا كاف في إثبات المقصور. قال ناظر الجيش: الكلام على هذا الباب يرجع إلى أربعة مقاصد: ما يغتفر فيه باب التقاء الساكنين، وما يجب فيه حذف أول الساكنين، وما يحرّك فيه أحد الساكنين؛ إما الأول، وإما الثاني، وإما الحركة التي يحرك بها الساكن، وقد بدأ المصنف بذكر المقصد الأول، وثنى بذكر الثاني، وثلّث بذكر الثالث، وربّع بذكر الرابع، أما اغتفار باب التقاء الساكنين، فيكون في مواضع أربعة: أحدها: الوقف، وسواء أكان الساكن الأول حرفا صحيحا أم حرف علّة، - ¬

_ (¬1) ينظر في هذا الباب: الهمع (2/ 198، 200)، والتكملة (ص 5 - 13)، وابن يعيش (9/ 120، 131)، والمقرب (2/ 18)، والرضي على الشافية (2/ 210)، والجاربردي (1/ 150) وما بعدها، وشرح الكافية (4/ 2002).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: بحر، وعمر، وقفل، وبرد، وورفد وجبر وثريد ورحوم ومختار. وإنما كان ذلك مغتفرا لإمكانه. ثانيها: ما كان الساكن الثاني فيه مدغما والساكن الأول حرف لين، وكان الساكن واللين في كلمة واحدة نحو: دابّة ودويبة وحوج زيد، وإنما جاز ذلك لما في المد (من التمكن من النطق بالساكن بعده، إما إذا كان المدغم في كلمة وحرف المد في كلمة أخرى، فإنه يجب حذف حرف المد، نحو: قالوا: ادّار أنا (¬1) وقالا: ادّارأنا، وقولي ادّارأنا، فلم يغتفر باب التقاء الساكنين في مثل ذلك. قالوا: والسر فيه أن حرف اللين لما كان آخر كلمة كان محلّا للتغير، فاغتفر حذفه لذلك بخلاف الوسط. ثالثها: ما كان من الكلمات التي قبل آخرها حرف لين، وذكرت دون تركيب فإن باب التقاء الساكنين مغتفر في مثلها وصلا كما أنه يغتفر وقفا، نحو قولك: تواب، غفور، رحيم، وعلى هذا ما جاء من الكلمات المفردة في فواتح السور الشريفة، وهو نحو: (لام ميم) (¬2)، (قاف عين) (¬3)، أما التقاؤهما في الوقف فقد علم أن ذلك جائز في ما قبل آخره حرف صحيح، فكيف في ما قبل آخره حرف لين، وأما التقاؤهما في الوصل فذكر في تعليله أنهم كأنهم قصدوا إلى الفرق بين ما بني لوجود المانع وبين ما بني لعدم المقتضي يعني أن المقتضي للإعراب إنّما هو التركيب فالكلمة بعد وجود التركيب، كأين وكيف من قولنا: أين زيد وكيف عمرو قد وجد فيها المقتضي للإعراب وهو التركيب ولكن وجد فيها مانع منه وهو شبه الحرف، فناسب بناءها على حركة، وأما الكلمة قبل أن تركب مع كلمة - ¬

_ (¬1) قال الجاربردي (1/ 151): (وقوله في كلمة احتزار عما يكونان في كلمتين، نحو: قالوا ادّار أنا، فإنّه يحذف الساكن الأول لما سيجيء وأصله تدارأنا، أي اختلف وتدافعنا، فأدغمت التاء في الدال واجتلب الألف؛ ليصح الابتداء بها وكذا: قالا ادّرأنا). (¬2) من قوله تعالى: الم آية البقرة. (¬3) قال الرضي في شرح قول ابن الحاجب في المواضع التي يغتفر فيها باب التقاء الساكنين: (وفي نحو: ميم وقاف وعين مما بني لعدم التركيب، وقفا ووصلا، وإنّما كانت هذه الأسماء كذلك، لأن الواضع وضعها لتعلّم بها الصبيان، أو من يجري مجراهم من الجهال صور مفردات حروف الهجاء، فسمى كل واحد منها باسم أوّله ذلك الحرف، حتى يقول الصبي: ألف مثلا، ويقف هنيهة قدر ما يميزها عن غيرها، ثم يقول: با وهكذا إلى الآخر، فلا ترى ساكنين ملتقيين في هذه الأسماء إلا وأولهما حرف لين، نحو: جيم دال نون، وكذا الأصوات، نحو: قوس، وطيخ الوقف فيها وضعي؛ لأنها لم توضع لقصد التركيب) الرضي على الشافية (2/ 215).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أخرى فلم يكن فيها مقتضى للإعراب وهو التركيب، فاستمرت على ما وضعت عليه من السكون، ولا شك أن هذا تعليل حسن لكن إنما يتم على قول من يقول: أن الكلمة قبل التركيب محكوم عليه بالبناء، أما من لا يقول ببنائها فيحتاج إلى ذكر العلة في جواز باب التقاء الساكنين فيها وصلا، وقد قيل: إن السكون في مثل ذلك للوقف كأنهم يعنون أنه بنيّة الوقف يريدون أن المتكلم نوى الوقف فسكن لأجله ثم أجري الوصل مجرى الوقف. رابعها: كل كلمة أولها همزة وصل مفتوحة ودخلت عليها همزة الاستفهام، وذلك فيما فيه لام التعريف مطلقا، وفي: آيمن الله، وآيم الله خاصة؛ إذ لا ألف وصل مفتوحة في غير ذلك، والسبب في الإبقاء أن همزة الوصل في مثل ذلك لو حذفت التبس الاستخبار بالخبر فأبدلت ألفا والتقت مع الساكن الذي بعدها، وقد تسهل الهمزة بين بين، كما سيذكر بعد إن شاء الله تعالى. إذا تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب، فنقول: أما قوله: لا يلتقي ساكنان في الوصل، فيفهم منه أن الساكنين يجوز أن يلتقيا في الوقف مطلقا أي سواء كان الأول منهما حرف علة أم حرفا صحيحا وهذا أحد المواضع الأربعة من المقصد الأول. أما قوله: المحض، فيجوز أن يكون احترز به من الكلمات التي تذكر سردا، ويجمع فيها بين ساكنين، وذلك كما في فواتح السور الشريفة من نحو: الم (¬1)، حم * وعسق (¬2) فإنهم قد عللوا جواز باب التقاء الساكنين فيها كما تقدم بأن المتكلم بها ناو للوقف، فقد يقال: إذا كان المتكلم بها ناويا للوقف مع كونه واصلا، وصدق أن يقال في هذا الوصل: أنه ليس بمحض إذ لو كان محضا لما جاز فيه باب التقاء الساكنين، فإن ثبت أن مراده بالمحض ما قلته كان هذا منه إشارة - أيضا - إلى الموضع الثالث من المواضع الأربعة ويدل على أن مراده قوله في شرح الكافية: واكتفي بعد همزة الاستفهام بمدّ الأوّل، [6/ 51] نحو: آلغلام قام (¬3)، ثم قال: وكذلك اكتفي بمدّ الأول في (لام، ميم) ونحوهما؛ لأن الناطق بهم ناو للوقف (¬4)، وأما قوله: إلا وأوّلهما حرف لين، وثانيهما مدغم فهو ثاني المواضع الأربعة - أيضا -، وأراد بقوله: متصل لفظّا ما تقدمت الإشارة إليه من أن المدغم واللين قبله يكونان في كلمة واحدة، وأما قوله: أو حكما فقد مثّل له الشيخ، - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 1. (¬2) سورة الشورى: 1، 2. (¬3) شرح الكافية الشافية (4/ 2005). (¬4) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بنحو: اضربنّ واضربنّ، قال: فهذا متصل في الحكم ولولا ذلك لقيل: اضربونّ، كما قيل: حوجّ زيد (¬1). انتهى. وأقول: إن هذا التمثيل يعطي خلاف ما أراده المصنف فإن مراده بقوله: متصل حكما أن المساكن الأول يبقى كما بقى مع المفصل لفظّا والساكن في: اضربنّ واضربنّ قد حذف فلم يلتق في المثالين المذكورين ساكنان، ومراد المصنف أن الساكنين اللذين أولهما حرف لين، والثاني منهما مدغم يلتقيان في ما حكمه حكم الكلمة الواحدة، ومقتضى ما قاله الشيخ أن يكون مراد المصنف أن نحو: اضربون واضربين جائز فيه اجتماع الساكنين، وإن كانت نون التوكيد كلمة أخرى غير الكلمة المشتملة على حرف اللين؛ لأنها وإن كانت منفصلة فهي في حكم المتصلة، ولا شك أن هذا ليس بمراده؛ لأن بقاء الواو والياء في مثل ذلك غير جائز. والشيخ نفسه قد صرح بأنه إنما يقال: اضربن واضربن بالحذف، ولا شك أن الحذف واجب؛ لأن النون - أعني نون التوكيد - وإن حذف لفظا فهو في حكم الملفوظ فيعد فاصلا بين الفعل وبينها ولهذا لما كان الساكن الأول قبلها غير حرف مدّ حرّك، فقيل: اخشون واخشين، ولو كان حكمهما حكم المتصل؛ لجاز اجتماع الساكنين. كما في نحو: نصّة، نعم قد يسأل، فيقال: هذا الذي ذكر من أن نون التوكيد في حكم المنفصل إذا كان الفعل معها مسندا إلى ضمير بارز وهو الواو والياء، ولذلك يحذف الساكن الأول وهو الواو أو الياء، وإن كان حرف مدّ قبل مدغم؛ لأن ذلك ليس فيما حكمه حكم الكلمة الواحدة. كلام واضح لكن يشكل عليه إبقاء الألف في نحو: اضربانّ، وهل يضربانّ؛ إذ لا فرق بينها وبين الواو أو الياء فكان الواجب أن النون مع الألف يحكم لها بحكم المنفصل كما لها بذلك مع أختي الألف - أعني الواو والياء ولا شك أن هذا إشكال ظاهر؛ لأن الساكن في مثل ذلك - أعني أن يكون الأول حرف مد، والثاني مدغما - إنّما يغتفر إذا جمع الساكنين كلمة واحدة، ونون التوكيد مع الضمير البارز محكوم لها بحكم المنفصل، ولهذا حذفت الواو والياء من نحو: هل يضربن، وهل تضربن. وبعد فقد ذكروا أن الموجب؛ لإبقاء الألف إنما هو خفتها وشبهها قبل النون بالفتحة، فإن - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 243) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثبت هذا التعليل كان كالجواب عن هذا الإشكال، ولو ضم إلى هذا التعليل أن يقال: ولو حذفت الألف؛ لالتبس المثنى بالواحد وحينئذ تكون العلة في الأصل، إنما هي الالتباس لكن ذلك ليس بمسوّغ للجمع بين الساكنين، فيقال: وإنما احتمل ذلك؛ لأن الألف لخفتها شبّهت قبل النون بالفتحة. وأما رابع من هذا المقصد - أعني الأول - فقد أخره المصنف، وسيشير إليه بقوله: ويتعين الإثبات إن أوثر الإبدال على التسهيل في نحو: آلغلام، وأما قوله: وربما فرّ من ذلك بجعل همزة مفتوحة بدل الألف، فيريد الفرار من أن يلتقي ساكنان، وذلك أن بعض العرب تبدل الساكن الأول - من الكلمة التي يلتقي فيها ساكنان أولهما ألف، والثاني مدغم - همزة مفتوحة قال في الكشاف: وقرأ أيوب السختياني (¬1) ولا الضآلين (¬2) بالهمز كما قرأ عمرو بن عبيد (¬3) ولا جأن (¬4) وهذه لغة من جد في الهرب من باب التقاء الساكنين. ومنها ما حكاه أبو زيد من قولهم: شأبّة ودأبّة (¬5). انتهى (¬6) وقد ورد ذلك في أبيات للعرب منها قول الشاعر: 4205 - وللأرض أمّا سودها فتجلّلت ... بياضا وأمّا بيضها فادهأمّت (¬7) وقول الآخر: - ¬

_ (¬1) تابعي من البصرة سيد فقهاء عصره ثقة من حفاظ الحديث. انظر: تهذيب التهذيب (1/ 397، 399). (¬2) فاتحة الكتاب: 7. (¬3) هو: عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري. روى الحروف عن الحسن البصري، وسمع عنه، وروي عنه الحروف بشار بن أيوب الناقد. توفي في ذي الحجة (144 هـ). طبقات ابن الجزري (1/ 602). (¬4) سورة الرحمن: 39. (¬5) قال البغدادي في شرح شواهد الشافية (ص 168) (وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد أنه قال: سمعت عمرو بن عبيد يهمز (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن) فظننته قد لحن إلى أن سمعت العرب يقولون: شأبة ودأبة) وانظر الممتع (1/ 320) والرضي على الشافية (2/ 248)، وابن يعيش (9/ 130)، والخصائص (3/ 148). (¬6) الكشاف (1/ 73)، وانظر التبيان (1/ 11) والتذييل (5/ 243) (ب). (¬7) البيت من الطويل لكثير عزة. والشاهد فيه قوله: (فادهأمت) مهموز، وأصله ادهام بلا همز. وبعد الألف ميم مشددة، فاستنكر التقاء الساكنين فاعتزم تحريك الألف فقلبها همزة؛ لأنها حرف ضعيف لا يمكن تحريكه. وانظر: المحتسب (1/ 47، 312)، والهمع (2/ 199)، وابن يعيش (10/ 12)، والدرر (2/ 230)، وديوانه (2/ 113).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4206 - راكدة مخلاته ومحلبه ... وجلّه حتّى ابيأضّ ملببه (¬1) وقول الآخر: 4207 - وبعد انتهاض الشّيب من كلّ جانب ... على لمّتي، حتّى اشعألّ بهيمها (¬2) وقول المصنف: وربّما فرّ، يفهم منه أن ذلك قليل، ولا شك أن الأمر كذلك، وأما قوله: فإن لم يكن الثاني مدغما متصلا إلى قوله: غالبا، فهو إشارة منه إلى المقصد الثاني، وهو ما يجب فيه حذف الأول الساكنين. وشمل قوله: فإن لم يكن الثاني مدغما متصلا، ما يكون الثاني فيه من الساكنين غير مدغم سواء كان ذلك في كلمة أم كلمتين، وما يكون الثاني فيه مدغما منفصلا ففي هذه المسائل الثلاث يحذف الساكن الأول إن كان ممدودا، كما قال: أو نون توكيد خفيفة أو نون لدن، مثال ما الساكن الثاني فيه غير مدغم، والساكنان في كلمة: خف، وبع وقل، ولم يخف، ولم يقل، ولم يبع، ومثال ذلك في كلمتين: يخشى القوم، ويغزو الجيش، ويرمي الغرض، ومثال ما لساكن الثاني فيه مدغم منفصل أي في كلمة أخرى قالوا: ادّارأنا، وقالا ادّارأناه، وقولي ادّارأنا وقد تقدمت الإشارة إلى العلة المقتضية إقرار الساكن الأول الذي هو لين فيما الساكن الثاني الذي هو مدغم إذا كآنا في كلمة واحدة، وحذفه إذا كانا في كلمتين، وفي الكتاب العزيز: وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (¬3) وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ (¬4) وأَ فِي اللَّهِ شَكٌّ (¬5) وقد حذف الياء والألف من: إي الله لأفعلن، وهالله لأقومن (¬6) وهو القياس، وحكى إثباتهما على الشذوذ، ومثال نون التوكيد الخفيفة، قولك: اضرب الرّجل، أصله: اضربن، - ¬

_ (¬1) رجز قاله ركين يصف فيه إكرامه لفرسه والملبب: موضع اللبّه وأبيأضّ يريد: بياضّ. وهو في النسختين (رائدة مخلاته) وقد صوبته من المصادر الآتية: سر الصناعة (1/ 83)، الخصائص (3/ 148)، وسمط اللآلي (ص 586، 587) والإبدال (ص 545) وشرح الشواهد الشافية (ص 170) والتذييل (5/ 243) (أ). (¬2) من الطويل ولم ينسبه أحد لقائل ويروى: وبعد بياض الشّيب من كلّ جانب ... علا لّمتي حتى اشعألّ بهيمها والشعل: أصله البياض في ذنب الفرس، والمراد هنا البياض. أراد الشاعر أن يقول: اشعال كاحمارّ، فحرّك الألف لباب التقاء الساكنين، فانقلبت همزة، وانظره في ابن يعيش (9/ 130) وشرح: شواهد الشافية (ص 169)، والممتع (1/ 321)، والمقرب (2/ 161). (¬3) سورة الإسراء: 53. (¬4) سورة التحريم: 10. (¬5) سورة إبراهيم: 10. (¬6) انظر الكتاب (1/ 293)، (2/ 145)، والمقتضب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال «لدن» قولك: ما رأيته من لد الصّباح، وحذف النون من لدن هو الكثير، وربما ثبتت، وكسرت للباب لالتقاء الساكنين، كقول الشاعر: 4208 - تنهض الرّعدة في ظهيري ... من لدن الظّهر إلى العصير (¬1) وعن هذا احتراز المصنف بقوله: غالبا، ولولا أن نون التوكيد لا يجوز إقرارها، لجاز أن يرجع بقوله: غالبا إلى جميع ما ذكر قبله لثبوت: إي الله، وهالله، ثم هاهنا تنبيهان: أحدها: يدخل أيضا تحت قول المصنف: حذف الأول إن كان ممدودا، نحو: أتخشين يا امرأة، ونحو: ارمي، واغزوا، ونحو: ارمنّ واغزنّ؛ لأن الأصل في الأول: أتخشين، قلبت الياء التي هي لام الكلمة ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها مع ياء الضمير، فحذفت لالتقاء الساكنين، وارمى [6/ 52] يا امرأة، أصله: ارمي، فسكنت الياء التي هي لام الكلمة استثقالا لكسرتها بعد كسرة على الأصل المطّرد، فالتقت مع ياء الضمير، فحذفت لالتقاء الساكنين، واغزوا أصله: اعزووا، وهو في الواو مثل: ارمي في الياء، وارمنّ أصله: ارمينّ يا امرأة استثقلت الكسرة على الياء بعد الكسرة فسكنت وحذفت لالتقائها مع النون الساكنة بعدها. ثانيها: أن الساكن الثاني في مثل ذلك إذا حرّك قد تكون حركته عارضة فلا يعتد بها فلا يرد الساكن الأول، وقد تكون حركته غير عارضة، فيلزم الاعتداد بها وحينئذ يرد الساكن الأول الذي كان قد حذف، فمثال ما لحركة فيه عارضة، قولك: خف الله، واخشوا الله، واخشي الله، واخشونّ، واخشينّ، وذلك أن الحركة في الأمثلة المذكورة إنّما أتي بها في نحو: خف الله من أجل الساكن بعدها، والساكن في كلمة أخرى، وذلك غير لازم فمن ثم لم يعتد بها، وكذلك الحركة في واو: اخشوا الله، وأما اخشونّ واخشينّ، فلأن نون التوكيد محكوم لها في المثالين بحكم الانفصال من أجل أنها جاءت بعد ضمير بارز، ومثال ما الحركة فيه غير عارضة: خافا، وخافوا؛ وذلك لأن الحركة فيه كالأصلية لاتصال ما بعدها - ¬

_ (¬1) رجز قال العيني (3/ 429): أقول قائله راجز من رجّاز طيّئ، لم أقف على اسمه ولم ينسبه السيوطي في الهمع، ولا الشنقيطي في الدرر، والرعدة: النّافض يكون من الفزع وغيره، وظهيرى: تصغير ظهر، يعني يقوم على الارتعاد من عند الظهر إلى العصر. والشاهد في: من لدن حيث ثبتت نون لدن وكسرت، فجاءت لدن معربة وهي لغة قيس. وانظر الهمع (1/ 215)، والدرر للشنقيطي (1/ 174).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالكلمة اتصال الجزء؛ لأن الفاعل كالجزء من الفعل، فلما اتصل بالفعل صارت الحركة لازمة لأجله، فمن ثمّ ردت الألف، وفي كلام أبي عمرو بن الحاجب التمثيل، بقوله: (خافنّ) فإن (¬1) كان خافن بضم الفاء أو بكسرها، فالألف إنما ثبتت لأجل حركة الفاء من أجل واو الضمير في خافنّ، أو من أجل يائه في خافن لأجل نون التوكيد إذ لو كان ثبوت الألف لأجل حركة الفاء من أجل النون لزم أن تثبت الألف في اخشونّ واخشينّ ولم تثبت، فتبين أنه لأجل الحركة للضمير كما هو في خافا وخافوا لأجل النون، وأما إن كان بفتح الفاء على أنه للمخاطب فيشكل، وذلك أنّ ردّ الألف يكون للاعتداد بحركة الفاء؛ لأجل النون، وقد تبين في: اخشون أنه لا اعتداد بحركة الواو؛ لأجل النون فينبغي أن يكون هذا كذلك لكن يقال: أن الفرق بينهما أن النون إنّما جعلت في: اخشون كالمنفصلة من حيث أن الواو - أعني واو الضمير - فاصلة بين الفعل وبينها، وكذلك في: اخشين، الياء فاصلة أيضا بخلاف: خافنّ فإن النون باشرت الفعل نفسه فاعتد بحركة الفاء؛ لأجل النون فرد الساكن الذي كان قد حذف، فالحاصل أن كل فعل جاءت النون فيه بعد ضمير بارز كان حكم النون معه حكم المنفصل، وكل فعل ليس معه ضمير بارز حكم النون فيه حكم المتصل؛ لأن الضمير البارز يجعل كالحاجز بين الفعل والنون وما خلا الألف فإنها لم تجعل كالحاجز لما تقدم من أن الألف في نحو: اضربان، وهل يضربان لا يجوز حذفها، ومما يدل على اعتبار النون وجعلها كالجزء إذا باشرت دون ما إذا لم تباشر، أنّ الفعل المضارع في المذهب الصحيح إذا أكّد بالنون لا يبنى إلا إذا كانت مباشرة له، وأما قوله: فإن كان غيرهنّ حرّك ... إلى قوله: فيحرك الأول، فهو إشارة إلى المقصد الثالث وهو ما يحرك فيه أحد الساكنين. والحاصل أن الساكن الأول إذا كان غير ممدود وغير نون توكيد خفيفة وغير نون: لدن يحرك، فدخل في ذلك الساكن الصحيح، نحو: اذهب اذهب (¬2) والم (1) اللَّهُ (¬3)، والساكن الذي هو لين، نحو قولك: اخشوا الله واخشي - ¬

_ (¬1) انظر الرضي (2/ 228). (¬2) قال ابن يعيش (9/ 124): وقالوا: (اذهب اذهب) فكسروا الباء لسكونها وسكون الذال بعدها؛ لأن همزة الوصل تسقط في الوصل. وانظر الكتاب (2/ 275). (¬3) سورة آل عمران: 1، 2.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الله، والتنوين داخل تحت قولنا: الساكن الصحيح، نحو: أكرم زيد العالم، هذا كله إذا لم يكن الساكن الثاني آخر كلمة، فإن كان الثاني من الساكنين آخر كلمة حرّك هو الأوّل، نحو: كيف، وأمس وحيث، نعم إن كان الساكن الثاني في مثل ذلك تنوينا حرّك الأول، نحو: إيه وصه وحينئذ ويومئذ؛ لأن ذال «إذا» ساكنة والتقت مع التنوين المأتي به عوضا، ومما يحرك فيه الساكن الثاني دون الأوّل، ما سكن الأول فيه تخفيفا، نحو: انطلق ولم يلده (¬1)، وضابطه كل موضع سكن الأول فيه الغرض التخفيف، وهو معه في كلمة فيه الثاني؛ لأنهم لو حرّكوا الأول؛ لصاروا إلى ما فروا منه، وذلك كما انطلق، ولم يلده، فإن أصل انطلق: (¬2) انطلق سكنت اللام تخفيفا كما سكن، نحو: كيف فالتقى ساكنان هي والقاف فحركت القاف، وكذلك: لم يلده، وأشار بقوله: وربّما حذف الأوّل إن كان تنوينا إلى قراءة من قرأ (¬3) «قل هو الله أحد الله الصمد» (¬4) بحذف التنوين، وإلى قراءة من قرأ «ولا الليل سابق النهار» (¬5) وورد ذلك في الشعر كثير منه قول القائل: 4209 - عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون عجاف (¬6) وأشار بقوله: أو أثبت إن كان ألفا (¬7) ... إلى قول من قال: (التقت حلقتا - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (2/ 266) (4/ 115)، والمقتضب (3/ 169)، والرضي (2/ 228) وابن يعيش (9/ 126 - 127) والخصائص (2/ 333). (¬2) قال الجاربردي (1/ 158) (وأصل: انطلق انطلق بكسر اللام وسكون القاف فاشبهوا: طّلق بكتف فسكّنوا لامه، فالتقى ساكنان فحركوا القاف وفتحوها اتباعا لحركة أقرب المتحركان إليها وهي فتحة الطاء، ولأنهم لو كسروا لزم مافر منه في الساكن الأول وهو الكسر). (¬3) قال ابن جماعة (1/ 156): «وجاء أيضا حذف الألف تنوينا، كما روى عن أبي عمرو «أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ» بحذف التنوين، وبه قرأ أيضا شاذّا إبان بن عثمان، وزيد بن علي، وأبو السمال وغيرهم وقرأ عمارة بن عقيل، كما رواه عنه المبرد وغيره «ولا الليل سابق النهار» بحذف التنوين، ونصب النهار. وانظر التذييل (5/ 243) ب. (¬4) سورة الإخلاص: 1، 2. (¬5) سورة يس: 40. (¬6) من الكامل قاله عبد الله بن الزّبعرى، يقال: رجل سنت: قليل الخير وأسنتوا فهم مسنتون: أصابتهم سنة وقحط وأجدبوا العجف ذهاب السمنة. وانظره في اللسان (سنت) وسيرة ابن هشام (ص 87)، نوادر أبي زيد (ص 167) والكامل (1/ 148) والمقتضب (2/ 311). (¬7) علل ابن جني - في الخصائص (1/ 93) - الجواز إثبات الألف بقوله: (وقولهم: «التقت حلقتا البطان» بإثبات الألف ساكنة في اللفظ قبل اللام، وكأن ذلك إنّما جاز في هاهنا لمضارعة اللام النون - في اضربان - ألا ترى أن في مقطع اللام غنّة كالنون).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البطان) (¬1) بإثبات الألف، ومن ذلك ما تقدم لنا ذكره وهو قولهم في القسم: (إي الله وها الله) بإثبات الياء وإثبات الألف، ولكن ينبغي أن يعلم أن حذف التنوين قد ورد منه ما ورد نثرا ونظما، وأما إثبات الألف أو الياء فشاذ نادر، وأما قوله: ويتعين الإثبات إن أوثر الإبدال على التسهيل، فهو إشارة منه إلى رابع المواضع من المقصد الأول الذي تقدم لنا أنه سيشير إليه، وهو ما كان أول الكلمة فيه همزة وصل مفتوحة قد تقدمها همزة الاستفهام، وقد تقدم أن هذا يكون فيما فيه لام التعريف مطلقا وفي آيمن الله، وآيم الله خاصة؛ إذ لا ألف وصل مفتوحة في غير ذلك، وقد عرفت أن السبب في إبقائها واجتماع الساكنيين الخوف من التباس الاستخبار بالخبر، والحاصل أن همزة الوصل المفتوحة إذا تقدمها همزة الاستفهام للعرب فيها مذهبان (¬2): أحدهما: التسهيل بين بين، والثاني: إبدالها ألفا، وقرئ بالوجهين في السبعة، والإبدال أرجح من التسهيل، وإنما كان كذلك؛ لأن الإبدال يزيل صورتها، وأما في التسهيل فإنها متحركة فكأنها ما ذهبت. ومما يدل على ثبوت التسهيل بين بين قول الشاعر: 4210 - وما أدري إذا يمّمت أرضا ... أريد الخير أيّهما يليني أأالخير الّذي أنا أبتغيه ... أم الشّرّ الّذي هو يبتغيني (¬3) - ¬

_ (¬1) هذا مثل يضرب لشدة الأمر وتفاقم الشر. انظر مجمع الأمثال (2/ 90، 106) وقال ابن عصفور في المقرب (2/ 19): فأما ما حكاه الكوفيون من قول بعضهم: (التقت حلقتا البطان) فشاذ لا يلتفت إليه) وشذوذه؛ لأن القياس حذف الألف لالتقاق الساكنين كما حذفوها في قولك: (غلاما الرجل) وانظر ابن يعيش (9/ 123)، والرضي (2/ 224، 225). (¬2) قال ابن الجزري في النشر (1/ 377): (وأما همزة الوصل الواقعة بعد همزة الاستفهام فتأتي على قسمين مفتوحة ومكسورة، فالمفتوحة أيضا على ضربين: ضرب اتفقوا على قراءته بالاستفهام، وضرب اختلفوا فيه. فالضرب الأول المتفق عليه ثلاث كلمات في ستة مواضع {آلذَّكَرَيْنِ} في موضعي الأنعام {آلْآنَ وَقَدْ} في موضعي يونس، {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} في يونس: 59، {آللَّهُ خَيْرٌ} في النمل: 59، فأجمعوا على عدم حذفها وإثباتها مع همزة الاستفهام فرقا بين الاستفهام والخبر، وأجمعوا على عدم تحقيقها لكونها همزة وصل، وهمزة الوصل لا تثبت إلا ابتداء، وأجمعوا على تليينها، واختلفوا في كيفيته فقال كثير منهم: تبدل ألفا خالصة وجعلوا الإبدال لازما ... وهو قول أكثر النحويين وقياس ما روي عن نافع. وقال آخرون: تسهّل لثبوتها في حال الوصل، وتعذر حذفها فيه) وانظر: المرجع نفسه. (¬3) من الوافر قائله المثقب العبدي ويروى (يممت أمرا) و (يممت وجها) ويروى المصراع الثاني من البيت الشاهد: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فسهل ألف الوصل بين بين بدليل أنه لو لم يجعلها بين بين لم يقم وزن البيت، وأما قوله: وربما [6/ 53] ثبتت الممدودة قبل المدغم المنفصل، وقبل الساكن العارض تحريكه فأشار به إلى مسألتين ثبت الساكن الأول فيهما مع وجود المقتضي لحذفه. الأولى ثبوته قبل المدغم المنفصل ومثاله قراءة البزّي (¬1) عنه تلهى (¬2) ووَ لا تَيَمَّمُوا (¬3)، المسألة الثانية: ثبوته قبل ساكن عارض تحريكه. قال المصنف في شرح الكافية: وإذا حذف حرف المد لسكون ما بعده، ثم عرض تحريك ما بعده لساكن آخر لم يرد المحذوف (ولذلك) لم ترد ألف (يشاء) من قوله تعالى: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ (¬4) ولا ياء (يريد) في قوله تعالى: لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ (¬5) ولا واو (يكون) في قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا (¬6) (ثم نبهت على أن) بعض العرب قد تعتد بالحركة العارضة فيرد المحذوف فيقول في: (رمت المرأة) (رمات المرأة)، وأنشد الكسائي قول الراجز: 4211 - يا حبّ قد أمسينا ... ولم تنام العينا (¬7) وفي هذا شاهد أن: شاهد على رد الألف اعتدادا بحركة الميم وهي عارضة، وشاهد على حذف نون التثنية دون إضافة (¬8) انتهى. وأما قوله: وأصل ما حرّك منهما الكسر، فهو إشارة إلى المقصد الرابع، وهو الحركة التي يحرك بها الساكن ما هي من كسرة أو فتحة أو ضمة، وليعلم أن - ¬

_ - أم الشّرّ الّذي لا يأتليني والشاهد في قوله: أألخير، حيث جاء بهمزة الوصل بين بين. إذ دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل، والقياس حذفها، لكنها لم تحذف ولا سبيل إلى تحقيقها فخففت بالتسهيل. وانظر معاني القرآن (2/ 112) وابن يعيش (9/ 138)، والخزانة (2/ 512)، وشرح شواهد الشافية (ص 188)، وديوانه (ص 212، 213). (¬1) هو أحمد بن محمد بن عبد الله توفي (250 هـ)، انظر ترجمته في غاية النهاية (1/ 119 - 120). (¬2) سورة عبس: 10. ويقول أبو حيان في البحر (8/ 428): وقرأ الجمهور تلهى والبزي عن ابن كثير: «عنه تّلهى» بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل وأبو جعفر بضمها مبنيّا للمفعول، الإتحاف (ص 163، 164). (¬3) سورة البقرة: 267. (¬4) سورة الأنعام: 39. (¬5) سورة المائدة: 41. (¬6) سورة البينة: 1. (¬7) من الرجز. الحب بكسر الحاء: المحب والمحبوب، العينا: قال البغدادي: أراد (العينان) فحذف النون. الخزانة (3/ 339). (¬8) شرح الكافية الشافية (4/ 2008، 2009).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الساكنين إذا التقيا قد يكونان من كلمة واحدة، وقد يكونان من كلمتين فإذا كانا من كلمة واحدة لم يكن للمتكلم في الحركة تصرف يعني أن الحركة التي حركت بها العرب ملتزمة، وهذا القسم الذي أشار إليه المصنف في هذا الفصل، وإذا كان الساكنان من كلمتين، وإنما يكون كذلك حيث تكون الكلمة التي تضمنت الساكن الأول موضوعة على السكون، فيتصرف فيه المتكلم ويحركه بما يؤمر به من كسر أو فتح أو ضم، وهذا القسم قد أفرده المصنف بالذكر في الفصل الذي ذكره بعد هذا الفصل (¬1)، ثم الأصل في ما حرك من الساكنين أن يحرك بالكسر (¬2) والتحريك بغير الكسر إنما يكون لأمر اقتضى ذلك وجوبا أو استحسانا أو مساواة، قالوا: وإنما كان الأصل الكسر؛ لأن أصل الجزم السكون والجزم في الأفعال عوض عن الجر في الأسماء، فلما ثبت بينهما تعويض، واضطر هنا إلى تعويض عن السكون جعل أخوه عوضه على سبيل التقاضي والتعارض (¬3) ومن النحاة من قال: يحتمل أن يقال: الفتح الأصل؛ لأنه أخف الحركات ولا يكون لغيره إلا لوجه آخر قبل، أو يقال: لا أصل في الالتقاء لحركة؛ بل يقتضي وجوده التحريك خاصة وتعيّن الحركة يكون لوجوه. ثم ذكر المصنف: أنه يعدل عن الكسر لأمور سبعة: أحدها: التخفيف، وذلك كما في: أين وكيف؛ لأن الساكن الثاني لو حرك بالكسر أدى إلى اجتماع الكسرة والياء وهو موجب للثقل. ثانيها: الجبر، وذلك كما في: قبل وبعد، كأنهما جبرا بذلك لما حذف ما يضافان إليه، وقد قيل: إنهما لم يبنيا على الفتح ولا على الكسر؛ لأن كلا من الحركتين يكون لهما حال إعرابها فبنيا على الضم؛ لتخالف حال البناء حال الإعراب، فعلى هذا كان المناسب أن يقول المصنف: أو رفع إبهام، بدل قوله: أو جبرا. ثالثها: الإتباع وذلك كما في: منذ، عدل عن الكسر إلى الضمّ لإتباع حركة الذال للحركة التي قبلها. - ¬

_ (¬1) ينظر: التسهيل (ص 259، 260). (¬2) قال الرضي (2/ 211): (إذا خليت نفسك وسجيتها وجدت منها أنها لا تلتجئ في النطق بالساكن الثاني المستحيل مجيئه بعد الساكن الأول من بين الحركات إلا إلى الكسرة ...). (¬3) وقيل: إنما كسر أول الساكنين وقت الاحتياج إلى تحريكه؛ لأنه لم يقع إلا في آخر الكلمة فاستحب أن يحرك بحركة لا تلتبس بالحركة الإعرابية، فكان الكسر أولى؛ لأنه لا يكون إعراب إلا مع تنوين بعده، أو ما يقوم مقامها من لام وإضافة فإذا لم يوجد بعده تنوين، ولا قائم مقامها، علم أنه ليس بإعراب.

[أحوال نون من وعن ولكن]

[أحوال نون من وعن ولكن] قال ابن مالك: (فصل تفتح نون من مع حرف مع التّعريف وشبهه وربّما حذفت، وتكسر مع غيره غالبا، والكسر معه أقلّ من الفتح مع غيره، وتكسر نون عن مطلقا، وربّما ضمّت مع حرف التعريف، وتضمّ الواو المفتوح ما قبلها إن كانت للجمع وإلّا كسرت، وقد ترد بالعكس وربّما فتحت وتحذف نون لكن للضّرورة). ـــــــــــــــــــــــــــــ رابعها: الرد إلى الأصل وذلك في: مذ اليوم التي أصلها منذ، وذلك أن النون حذفت فبني على السكون، فلما التقى ثم ضمه عند التقائه مع ساكن بعده. خامسها: تجنب اللبس، وذلك كما في أنت، وذلك يعني أن تاء الخطاب وكاف الخطاب لو كسرا؛ لألبس ذلك بخطاب المؤنّثة هكذا مثل الشيخ: بمذ للثالث، ويمذ المقتطعة من منذ للرابع وبأنت وذلك للخامس (¬1)، وذلك غير ظاهر؛ لأن عقد هذا الفصل إنما هو لالتقاء الساكنين في كلمة واحدة لا في كلمتين، وأيضا فإن التاء من أنت والكاف من ذلك لم يوضعا على السكون؛ لأن الحرف الواحد لا يوضع ساكنا إنما يقال ذلك فيما يكون النطق به ساكنا، والحرف الواحد لا يمكن فيه ذلك. ثم أقول: أما حركة تاء الخطاب وحركة كاف الخطاب فليست لالتقاء ساكنين كما عرفت، وإذا كان ما هو على حرف واحد إنما يوضع متحركا، فقد يسأل عن حركته بتلك الحركة دون غيرها من بقية الحركات، فقد يكون لذلك مناسبة وأما حركة (مذ). فسيأتي الكلام عليها. سادسها: الحمل على النظير، ومثل لذلك (بنحن) قالوا: لأن الضمة في (نحن) بمنزلة الواو في هم إذا حركنا الميم موصولة بالواو (¬2). وسابعها: إيثار التجانس، ومثل لذلك (بأسحار) إذا سمي به ورخم، فإن ترخيمه بحذف الراء الآخرة، وحينئذ تصير الراء ساكنة بعد الألف، فإذا احتيج إلى تحريك الراء حركت بالفتحة لمجانستها الألف (¬3). قال ناظر الجيش لما تقدم له قوله: وأصل ما حرك منهما الكسر، وكان ثمّ مواضع يعدل فيها عن الكسر إلى غيره شرع في ذكر ذلك، وقد عرفت أن ذلك إنما يتأتى - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 245) (أ). (¬2) التذييل (5/ 245) (أ). (¬3) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في شيء يكون الساكن الأول فيه آخر كلمة، والساكن الثاني أول كلمة أخرى، وأن العدول عن الكسر إلى غيره من ضم أو فتح إنما يكون لأمر اقتضى ذلك وجوبا أو استحسانا أو مساواة، والحاصل أن من المواضع ما يجب فيه التزام الأصل، وهو الكسر وما يجوز فيه مع الكسر غيره؛ إما جوازا راجحا أو مرجوحا، وما يجب فيه الضم، وما يجوز فيه مع الضم غيره، إما جوازا راجحا أو مرجوحا، كما سيتضح ذلك عند ذكر الصور مفضلة، إن شاء الله تعالى. والمصنف في هذا الفصل إنما تعرّض إلى ذكر نون (من)، ونون (عن) والواو الدالّة على الجمع، والتي لا دلالة له لكونها جزء كلمة. فأما نون (من) فذكر أنها تفتح مع حرف التعريف وتكسر مع غيره، ولا شك أن هذا واجب، وقوله: غالبا لا [4/ 54] ينفي الوجوب، وإنما نبّه به على أن النون المذكورة قد تكسر مع حرف التعريف، وقد تفتح مع غير حرف التعريف، ولكن ذلك ضعيف، ولو قال المصنف: ويضعف خلاف ذلك؛ لكان أولى من قوله: غالبا، وإنما خففت حرف التعريف لكثرة وقوع من معه، فقصدوا إلى أخف الحركات؛ لتخفيف ما كثر، وإنما أتوا بالكسر على الأصل مع غير حرف التعريف؛ لأنه لم يكثر، فلم يستثقلوا فيه الكسرة، ولمّا كانت نون من تفتح في مثل: خذ من الزيد، ومن الذي يعطيك، واللام ليست للتعريف إنما هي زائدة، احتاج المصنف إلى أن يقول: وشبهه، وقوله: وربما خففت: يريد به أن النون قد تحذف إذا وليها حرف التعريف، كقول أبي صخر الهذلي: 4212 - كأنّهمام الآن لم يتغيّرا ... وقد مرّ للدّارين من بعدنا عصر (¬1) وقول الآخر: 4213 - وكأنّ الخمر المدام من الإس ... فنط ممزوجة بماء زلال (¬2) - ¬

_ (¬1) من الطويل، والشاهد فيه، قوله: «م الآن» ووجه الاستشهاد بهذا أنه أراد «من الآن» فحذف النون لباب التقاء الساكنين. وانظره في الخصائص: (1/ 310)، وابن يعيش (8/ 35)، والهمع (1/ 208)، (2/ 199)، وأمالي الشجري (1/ 386)، والتذييل (5/ 245) (ب)، وبقية أشعار الهذليين (ص 93). (¬2) من الخفيف للأعشى، ويروى: من الإسفنط. ويروى: العتيق بدل المدام. الإسفنط: من أسماء الخمرة، فارسي معرّب، وقيل: روميّ معرب. زلال: بارد عذب. والشاهد على رواية الشارح: حذف نون (من)، وفيه شاهد آخر، وهو وصف -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 4214 - ليس بين الحيّ والميت سبب ... إنّما للحيّ ملميت النّصب (¬1) وقول الآخر: 4215 - وكنت لبين الحاجبيّة حاذرا ... فلم تنج نفسي ملفراق حذارها (¬2) وذكر الجماعة لحذف هذه النون شرطا آخر، وهو أن تكون اللام ظاهرة أي غير مدغمة في ما بعدها، فلا يقال في من الظّالم: م الظّالم، ولا من اللّيل: م الليل، قالوا (¬3): ونظير ذلك حذف نون: بني فإنهم قد يحذفونها إذا كان بعدها لام ظاهرة، فتقول في بني الحارث بلحارث، ولا يقولون في بني (¬4) النجار: بلنجار (¬5)، وقال الشيخ: قول المصنف: (وربّما) يعطي أن حذف نون من قبل حرف التعريف قليل، وليس كذلك، بل قدّروا ذلك كثيرا في أشعار العرب، قال: ويجوز في سعة الكلام أيضا. (¬6) انتهى. وقوله: وتكسر مع غيره أي مع غير حرف التعريف ظاهر، وذلك نحو: من ابنك و: من انطلاقك و: من اسم زيد نبّه على أن الكسر معه أي مع حرف التعريف أقل من الفتح من غير حرف التعريف يعني أن الكسر في نحو: من الرّجل أضعف من الفتح من نحو: من ابنك، وأما نون عن فتكسر مطلقا، أي مع حرف - ¬

_ - الخمر بالمؤنث في قوله: ممزوجة. قال السجستاني: الخمر مؤنث، وقد يذكرها بعض الفصحاء. وانظره في: اللسان (خمر)، والمذكر والمؤنث للفرّاء (ص 83)، والمذكر والمؤنث للأنباري (ص 338)، والمخصص (17/ 19)، وديوانه (ص 5). (¬1) من الرمل لم أعرف قائله، والاستشهاد به في قوله: «ملميت» حيث حذفت نون «من» وأصله: من الميت. وهو في: التذييل (5/ 245) (ب). (¬2) من الطويل لم أعرف قائله، والاستشهاد به في قوله: (ملفراق) حيث حذفت نون (من) وأصله (من الفراق). وانظره في التذييل (5/ 245). (¬3) القائل بذلك هو أبو حيان. راجع التذييل (5/ 245). (¬4) قال سيبويه (4/ 484) ومن الشاذ قولهم في بني العنبر وبني الحارث: بلعنبر، وبلحارث بحذف النون، وكذلك يفعلون بكل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة وانظر: معجم القبائل (1/ 231)، وابن جماعة (1/ 277). (¬5) من قوله قبل: (يرد به أن النون ...) إلى هنا منقول من التذييل دون إشارة. وانظر: التذييل (5/ 245) (ب). (¬6) المرجع السابق (5/ 246) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التعريف وغيره، نحو: عن القوم وعن ابنك، وحكى الأخفش الضم (¬1) مع حرف التعريف، وذلك في غاية الندور، وقال بعضهم: هي قبيحة رديئة، وأما الواو الدالة على الجمع المفتوح ما قبلها فتحرك بالضم وجوبا؛ قال الله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (¬2) وتقيدها بالمفتوح ما قبلها احتراز من المضموم ما قبلها، نحو: اقتلوا الرجل، وارموا المرأة، فإنها تحذف في مثل ذلك لما عرفت قبل، فإن كانت الواو لا دلالة لها، كواو (لو) كانت حركتها بالكسر على الأصل، نحو: لو استطعنا، وأشار بقوله: وقد ترد بالعكس، إلى أن واو الجمع قد تكسر، وأن واو لو قد تضم، ولا شك أن الأفصح هو الذي ذكر أولا؛ لأنهم قصدوا التفرقة بين واو الضمير وغيرها، وكان الضم لما هو ضمير أولى للمناسبة، وأشار بقوله: وربّما فتحت، إلى قراءة من قرأ: «اشتروا (¬3) الضّلالة بالهدى (¬4)» وأما قوله: وتحذف نون (لكن) للضرورة، فشاهده قول الشاعر: 4216 - فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل (¬5) وقد بقي على المصنف الكلام على أربع مسائل، وهي ما إذا الساكن الأول (ميم الجمع) أو كان (مذ) أو كان الساكن الثاني (لام التعريف) مقرونا بالجلالة المعظمة، أو كان بعد الساكن الثاني ضمة أصلية في كلمة ذلك الساكن، أما ميم - ¬

_ (¬1) انظر: الرضي (2/ 247)، وابن يعيش (9/ 131)، والهمع (2/ 200)، والتذييل (5/ 246) (أ). (¬2) سورة المائدة: 44. (¬3) قال ابن جني في المحتسب (1/ 54): (في هذه الواو ثلاث لغات: الضم والكسر. وحكى أبو الحسن فيها الفتح، ورويناه أيضا عن قطرب، والحركة في جميعها لسكون الواو وما بعدها، والضم أفشى، ثم الكسر ثم الفتح. وإنما كان الضم أقوى لأنها واو جمع فأرادوا الفرق بينها وبين واو (أو) و (لو)؛ لأن تلك مكسورة نحو قول الله سبحانه لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ، ومنهم من يضمها، فيقول: (لو اطّلعت) كما كسر أبو السمال، وغيره من العرب واو الجمع تشبيها لها بواو (لو). وأما الفتحة فأقلها، والعذر فيه خفة الفتحة مع ثقل الواو، وأيضا فإن الغرض في ذلك إنما هو التبليغ بالحركة لاضطرار الساكنين إليها، فإذا وقعت من أي أجناسها امتنعت في ذلك). (¬4) سورة البقرة: (16). (¬5) من الطويل ينسب للنجاشي الحارثي. والحديث على لسان ذئب استضافه النجاشي للطعام والشراب فقبل الذئب الشراب، واعتذر عن عدم قبول الطعام. والبيت من شواهد سيبويه (1/ 27) وانظره في: أمالي الشجري (1/ 315)، وفرحة الأديب (ص 103) وأمالي المرتضى (2/ 211)، والمعاني الكبير لابن قتيبة (ص 207)، وشرح الكافية (4/ 2009)، والتذييل (5/ 246) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الجمع فالواجب أن تحرك (¬1) بالضم وذلك في نحو (قوله تعالى): عَلَيْكُمُ الْقِتالُ * (¬2) مما لم تقع الميم المذكورة فيه بعدها بعد هاء تلي ياء أو كسرة، وإنما ضمت ردّا إلى أصلها، ومن كسر في مثل (قوله تعالى): فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ (¬3) فإنما كسر للإتباع قصدا للخفة، وأما ذال (مذ) فالواجب فيها أيضا أن تحرك بالضم؛ لأن أصلها (منذ) (¬4) بذال مضمومة، فلما سكنت الذال بعد حذف النون، واحتيج إلى تحريكها لملاقاة ساكن حركت بحركتها الأصلية، وأما ما الساكن الثاني فيه التعريف مصاحبا للاسم المعظم، وذلك نحو قوله تعالى: الم (1) اللَّهُ (¬5) فيحرك الساكن الأول فيه بالفتح، وهل ذلك على سبيل الوجوب أو الاختيار، ظاهر كلامهم أن ذلك مختار لا واجب، والظاهر أن ذلك واجب، ويدل على ذلك قولهم: أنه لم يسمع فيه أحد الكسر، ولا قرئ به، وقال سيبويه: (فأما) الم (1) الله فلا يكسر؛ لأنهم لم يجعلوه في ألف الوصل بمنزلة غيره ولكنهم جعلوه كبعض ما يتحرك لالتقاء الساكنين، نحو: اعلمن ذلك، ولم يلده (¬6). انتهى. والحق أن الفتح واجب للمحافظة على بقاء التفخيم في اسم الله تعالى (¬7) وقد تعرض المصنف إلى ذكر هذه المسألة في شرح الكافية (¬8) ولم يصرح فيها بوجوب ولا اختيار، وأما ما بعد الساكن الثاني فيه ضمة أصلية في كلمته، وذلك نحو: - ¬

_ (¬1) ليس على إطلاقه، بل هو المشهور، وربّما كسرت. انظر: الرضي (2/ 240)، وابن جماعة (1/ 160). (¬2) سورة البقرة: 216. (¬3) سورة البقرة: 93. (¬4) اختلف النحاة في مذ ومنذ أهما أصلان أم أن أحدهما أصل للآخر؟ على ثلاثة مذاهب: أولها: وهو مذهب سيبويه والمبرد والجمهور وعليه الشارح: أن منذ أصل ومذ فرع عنه. وثانيها: وهو مذهب ابن ملكون إبراهيم بن محمد الإشبيلي - أنهما أصلان، وليس أحدهما فرعا عن الآخر. وثالثها: وهو مذهب المالقي - أحمد بن عبد النور - أن مذ إذا كانت اسما فأصلها منذ، وإذا كانت حرفا فهي أصل. انظر: الكتاب (3/ 453). (¬5) سورة آل عمران: 1، 2. (¬6) الكتاب (4/ 155) بتصرف. (¬7) قال أبو حيان في الارتشاف (1/ 207): (وقال أبو الحسن - الأخفش - الكسر هنا جائز، وقال سيبويه أما «ألم» فلا تكسر) وفي البحر المحيط (2/ 374) (قال الأخفش: يجوز (ألم الله) بكسر الميم لباب التقاء الساكنين، قال الزجاج: هذا خطأ ولا تقوله العرب لثقله). (¬8) شرح الكافية (4/ 2007).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (قوله تعالى): وَقالَتِ اخْرُجْ (¬1) فهو الذي يستوي فيه الأمران أعني كسر الساكن الأول وضمه، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في شرح الكافية، فقال: وإن ولي ثاني الساكنين ضمة لازمة؛ جاز كسر الأول وضمه، نحو (قوله تعالى): فَمَنِ اضْطُرَّ (¬2) ووَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ (¬3) وقُلِ ادْعُوا اللَّهَ (¬4) انتهى. وقيدت الضمة بكونها أصلية لتقيد دخول، نحو: قالت: اغزي، في الضابط، وخروج نحو: قالت: ارموا منه، أما نحو: قالت: اغزي؛ فلأن الضمة منه إنما زالت لعرض؛ فهي في حكم الموجود فتعتبر، وأما نحو: قالت: ارموا، فلأن الضمة ليست أصلية، وإنما هي عارضة، فلم تعتبر، وكذا الضمة في: إن امرؤ؛ لأن الضمة في الراء إنما جيء بها للإتباع ولهذا تزول بزوال رفع امرئ، وقيدت أيضا بأنها تكون في كلمة ذلك الساكن الثاني؛ ليخرج به، نحو (قوله تعالى) إِنِ الْحُكْمُ (¬5) فإن الضمة وإن كانت لازمة لكنها ليست في كلمة الساكن الثاني؛ لأن الثاني من الساكنين لام التعريف وسرّه هو أنه إذا كان في كلمة أخرى صار غير لازم للساكنين فصار كالعارض كما في نحو: ارموا، وإن امرؤ، ونلخص أن مجموع ما أشير إليه مما يحرك من الساكن الأول إما بكسر أو بضم أو بفتح ثماني مسائل، وهي: نون (من) ونون (عن) وواو [6/ 55] الجمع وواو (لوئ) وما الساكن الأول فيه ميم الجمع أو ذال (مذ)، وما كان الساكن الثاني فيه حرف التعريف مقرونا بالجلالة المعظمة، وما كان بعد الساكن الثاني فيه ضمة أصلية. فأما نون (من) فقد عرفت أنها تفتح مع حرف التعريف وتكسر مع غيره، وإن فعل عكس ذلك في الموضعين لا عبرة به؛ لأنه في غاية الندور؛ وأما نون عن فقد عرف أنها تكسر مطلقا، وأن ضمها مع حرف ففي غاية الندور أيضا، وأما واو الجمع المفتوح ما قبلها فإنها تضم وكسرها في غاية الندور، وأما واو (لو) فإنها تكسر وضمها في غاية الندور أيضا، وأما ميم الجمع فتضم بالقيد الذي عرف، وأما ذال (مذ) فكذلك تضم أيضا، (وأما ما الساكن فيه حرف التعريف مقرونا) بالجلالة المعظمة فله الفتح، والظاهر أنه على سبيل الوجوب، كما تقدمت الإشارة - ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 31. (¬2) سورة المائدة: 3. (¬3) سورة الأنعام: 10. (¬4) سورة الإسراء: 110، وانظر: شرح الكافية (4/ 2008). (¬5) سورة الأنعام: 57.

[فك التضعيف في المجزوم والمبني]

[فك التضعيف في المجزوم والمبني] قال ابن مالك: فصل: (استصحب بنو تميم إدغام الفعل المضعّف اللّام السّاكنها جزما أو وقفا في غير (أفعل) تعجّبا، والتزموا فتح المدغم فيه في (هلمّ) مطلقا، وفي غيرها قبل هاء غائبة، وضمّة في المضموم الفاء قبل هاء غائب، وربّما كسر وقد يفتح على رأي ولا يضمّ قبل ساكن بل يكسر، وقد يفتح، وإن لم يتّصل بشيء ممّا ذكر فتح أو كسر أو أتبع حركة الفاء، وفكّ الحجازيّون كلّ ذلك إلا (هلمّ)، والتزم غير بكر الفكّ قبل تاء الضّمير وأخويه، وحذف أوّل المثلين عند ذلك لغة سليم). ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى ذلك، وأما ما بعد الساكن فيه ضمة أصلية في كلمته ففي الساكن الأول فيه وجهان الكسر والضم، وحاصل الأمر أن الكسر كما وجب في محل قد يجب الضم في محل آخر والفتح في محل آخر، وقد يجوز الوجهان أعني الكسر والضم على السواء، وقد يجيء الفتح فيما حقه الكسر نادرا، وقد يجيء الكسر فيما حقه الفتح نادرا، وقد يجيء الضم فيما حقه الكسر نادرا. قال ناظر الجيش: من المعلوم أن من موجبات الإدغام التقاء المثلين متحركين في كلمة إلا فيما استثنى، وأن من موانع الإدغام سكون ثاني المثلين، فعلى هذا، إذا حصل إدغام مثل في مثل في كلمة، ثم عرض سكون الثاني منهما بجزم أو وقف وجب الفك؛ لتعذر الإدغام حينئذ فيقال في الأمر والمضارع من نحو: رد ومد وكر: اردد، ولم يردد، وامدد، ولم يمدد، واكرر ولم يكرر، هذه هي لغة الحجازيين، وأما بنو تميم فإنهم لا يفكّون. بل يستمرون في مثل ذلك على الإدغام (¬1)، وعلل الأئمة جواز الإدغام في - ¬

_ (¬1) يقول ابن يعيش (9/ 127): ومن ذلك (ردّ) في الوقف و (لم يرد) في الجزم، فإن بني تميم وغيرهم من العرب ما خلا أهل الحجاز يدغمون هذا النوع؛ لأنهم شبّهوه بالمعرب المرفوع والمنصوب، نحو: هو يردّ ولن يردّ، وكلّ العرب تدغم هذا المعرب. ووجه الشبه بينهما أنهم رأوا آخر: اردد، ونحوه تتعاقب عليه الحركات للبناء كما تتعاقب حركات الإعراب على آخر المعرب وردّنّ يا رجال، وحيث أدغم وجب تحريك الآخر لباب التقاء الساكنين، ولم يحركوا الأول لما أرادوه من التخفيف بالإدغام، فلو حرّكوا الأوّل لبطل الإدغام وانتقض الغرض من الإدغام) وانظر: التذييل (5/ 246) ب، والأشموني (4/ 352)، والتصريح (2/ 401) (4/ 421).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لغتهم بأنّ سكون المثل الثاني في ذلك عارض بسبب الجزم أو الوقف (¬1) وعورض هذا التعليل بأن، نحو: ظللت مجمع على إدغامه مع أن سكون اللام فيه عارض، وأجيب عنه بأن السكون في ظللت لازم لا ينفكّ مع التاء، وفي: لم يردد، قد يزول لزوال الجازم، ورد هذا الجواب بأن اتصال التاء بظللت كاتصال الجازم، نحو: لم يردد فكما أن ذلك لازم عنده فكذلك الآخر، وأجيب بأن التاء منزّلة منزلة الجزء من الكلمة والجازم كلمة مستقلة، ولما أدغم التميميون مثل ذلك التقى ساكنان، فلما احتيج إلى تحريك أحد الساكنين حرّك الثاني لما عرفت من أن الحركة تكون للساكن الأول، إلا أن يكون الساكن الثاني آخر كلمة فيحرك هو دون الأول، كما في كيف، وأين، ثم إن الحركة له قد تكون بالفتح وقد تكون بالضم وقد تكون بالكسر يختلف ذلك بسبب المواضع، كما سنبين إن شاء الله تعالى. وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب فنقول: قوله: استصحب بنو تميم إدغام الفعل المصنف اللام الساكنها جزما أو وقفا، عبارة حسنة؛ لإشعارها بأن بني تميم يستمرون في الجزم ويبقون ما كان مدغما قبل ذلك على إدغامه، فيقولون: لم يردّ، ولم يبرّ، ولم يفرّ، ولم يلمّ، وكذا يقولون: ردّ، وبرّ، وفرّ، وألمّ، وذكر الجماعة أن الذين لا يدغمون هم أهل الحجاز، وأما غيرهم من العرب فإنهم يدغمون بنو تميم وغيرهم (¬2)، وسيبويه لما ذكر بني تميم، قال: وهو قول غيرهم من العرب وهم وكثير (¬3). انتهى. قال الشيخ: قد أطلق المصنف هنا حيث قال: أو وقفا، ومن صور هذه: ارددن، ولم يرددن، قال: فهذان مبنيان وآخرهما قد سكن، وهو من المضعف اللام، ومع ذلك لا يدغمه بنو تميم. انتهى. والعجب من الشيخ كيف وهم أن هذا استدراك على المصنف، والمصنف قد قال في هذا الفصل: والتزم غير بكر الفك قبل تاء الضمير وأخويه، وأحد أخوي تاء الضمير هو نون الإناث؛ لأن كلّا منهما ضمير رفع، وغير بكر يشمل العرب أجمعين بني تميم وغيرهم، فثبت من هذا أن بني تميم لا يدغمون، نحو: ارددن، - ¬

_ (¬1) ينظر: التصريح (2/ 402). (¬2) ينظر: شرح الكافية (4/ 2190) وما بعدها. (¬3) الكتاب: (4/ 418).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولم يرددن، وكان هذا الكلام من المصنف تقييدا لكلامه السابق. وأما قوله: في غير أفعل تعجبا، فأشار به إلى أن نحو: أشدد بحمرة زيد، لا يدغم عند جميع العرب (¬1) ولا شك أن العلة في عدم إدغام مثل ذلك ظاهرة؛ لأن الإدغام يوجب تحريك الثاني في وصل الكلام، وأفعل في التعجب يجب سكون آخره؛ إذ لا يليه إلا متحرك، ثم إن المصنف شرع في ذكر بيان أن الحركة التي يحرك بها الساكن الثاني عند الاحتياج إلى ذلك ما هي من فتح أو ضم أو كسر، وقدم على ذلك الكلام (هلمّ) (¬2) ولاختصاصها بحكم لا يكون لغيرها من المدغم وهو أنها بفتح آخرها ولو قبل ضمة، نحو: هلمّه، أو قبل ساكن، نحو: هلمّ الرجل، ولا شك أن هلمّ اسم فعل في لغة الحجازيين، وفعل في لغة بني تميم، فالحجازيون لا يبرزون فاعلها في تأنيث ولا تثنية ولا جمع، وبنو تميم يبرزونه، فيقولون: هلمّي وهلما وهلمّوا وهلممن ويؤكدونه بالنون، نحو: هلمّنّ، وقد استعمل لها مضارعا من قيل له: هلمّ، فقال: لا أهلمّ وأصل الكلمة عند البصريين: هالم، وعند الكوفيين: هل أم (¬3). قال المصنف: وقول البصريين أقرب إلى الصواب، ومعنى: هلمّ، احضر؛ قال الله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا (¬4) فأشار المصنف بقوله: والتزموا فتح المدغم فيه في هلمّ مطلقا. يشير به إلى أن الذين يستعملونها فعلا، وهم بنو تميم يفتحونها مطلقا أي سواء اتصل بها هاء الغائبة، نحو: هلمّها، أم هاء الغائب، نحو: هلمّه، أم ساكن، نحو: هلمّ الرجل (¬5)، فمراد المصنف بقوله: مطلقا أنها تفتح من هاء الغائبة وهاء الغائب والساكن، وهذا بخلاف غير: هلمّ من المدغم، - ¬

_ (¬1) لم تتفق كلمة النحاة في ذلك، وإنما هذا رأي الجمهور وهو المشهور، ويرى الكسائي إدغامه، فيقال: أحبّ بزيد في أحبب بزيد، ولعله قليل شاذ. لذا قال الشارح ما قاله. وانظر: الهمع (2/ 227)، ابن جماعة (1/ 332). (¬2) انظر الحديث عنها في الخصائص (3/ 35) وما بعدها، وابن يعيش (4/ 41)، والرضي على الكافية (2/ 72)، والأشموني (4/ 353). (¬3) انظر الرضي على الكافية (2/ 72 - 73)، وابن يعيش (4/ 42)، والأشموني (4/ 353). (¬4) سورة الأحزاب: 18. (¬5) انظر: التذييل (5/ 247) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: ردّ مثلا، فإنه يضم مع هاء الغائب، ويكسر مع الساكن الذي بعده ولا يفتح إلا مع [6/ 56] هاء الغائبة كما سيأتي، وهلم يفتح مطلقا، وإذا كان المراد بقوله: (مطلقا) هذا، اندفع ما قاله الشيخ من أن قوله: مطلقا يوهم أنها تفتح دائما، وليس كذلك؛ لأنها تكسر قبل الياء وتضم قبل الواو وتسكن قبل نون الإناث، وأما غير هلم من المضعف اللام المستصحب إدغامه، فأشار إليه بقوله: وفي غيرها، أي وفي غير هلم، وذكر أنه يجب فتحه في موضع وضمه في موضع وكسره في موضع. فأما فتحه فقيل هاء غائبة نحو: لم يردّها، وردّها، ولم تبرّها وبرّها، ولم يقرّها وأقرّها، وأما ضمه فقبل هاء غائب، نحو: ردّه. ولم يردّه. والسبب في أن وجب الفتح في ردّها والضم، في: ردّه أن الهاء خفيّة، فكأنك قلت: ردا وردوا، ولا شك أن ما قبل الألف يكون مفتوحا وما قبل الواو يكون مضموما، ويفهم من قوله: وضمة في المضموم الفاء. أن الضمّ لا يجب في المكسور الفاء، نحو: شدّه وعلّه، ولم يشدّه ولم يعله على لغة من يكسر فاء الكلمة ولا المفتوحها، نحو: برّه ولم يبرّه، وعلى الناظر أن يحقق ذلك، فإني لم أقل ذلك نقلا وإنما لما أفهمه. قول المصنف: وضمه في المضموم الفاء، فإنه ظاهر في ما أشرت إليه، ولا يبعد أن الأمر كذلك، ثم إن المصنف أشار إلى أن، نحو: رده قد يكسر وقد يفتح. أما الكسر فذكروا أنه لغيّة، وأما الفتح فجوزه قوم وذكر الشيخ أنه رأي الكوفيين (¬1)، قال ثعلب في فصيحه: أزرر عليك قميصك، وزرّه، وزرّه (¬2) وزرّه وغلّط الناس ثعلبا في ذكر الفتح لكونه ضعيفا، وكتابه إنما هو موضوع لذكر الفصيح. قال الشيخ: وظاهر مذهب سيبويه هو ما ذكره ثعلب (¬3). ثم لما ذكر المصنف الفتح والضم أشار إلى الكسر بقوله: ولا يضم قبل ساكن بل يكسر، وقد يفتح، فالمشهور أن يقال: ردّ الرجز ابنك؛ لأن هذه الحركة - أعني الكسرة - هي الأصل في تحريك أحد الساكنين إذا التقيا، قال ابن كيسان في لغة قيس وتميم ردّ القوم بالكسر أنشد الخليل (رحمه الله تعالى): - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 247) (أ). (¬2) فصيح ثعلب (ص 11) والتذييل (5/ 247) (أ). (¬3) الصحيح أن سيبويه يخالفه، قال سيبويه في الكتاب (2/ 160): (فإن جاءت لهاء والألف - كما في ردّها - فتحوا أبدا ... فإذا كانت الهاء مضمومة ضمّوا) وعليه فإن كلام سيبويه غير موافق لما ذكر ثعلب. وانظر كلام الشيخ في التذييل (5/ 247) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4217 - ذمّ المنازل بعد منزلة اللّوى (¬1) بالكسر، وكذا قول الآخر: 4218 - فغضّ الطّرف إنّك من نمير (¬2) بالكسر أيضا. قال أبو علي: ومنهم من يفتح مع الألف واللام (¬3). قال سيبويه: الأفصح والأكثر الكسر، وأما الضم مع الألف واللام فذكر سيبويه: أنه ليس من كلامهم (¬4) قيل: والقياس لا يبعده؛ لأنه كالفتح في عدم مراجعة الأصل، قيل: وحكاه ابن جني (¬5)، وأشار المصنف بقوله: وإن لم يتصل بشيء مما ذكر فتح أو كسر وأتبع حركة الفاء إلى أن الفعل المدغم الذي الكلام فيه إذا لم يتصل بهاء الغائبة ولا هاء الغائب ولا الساكن جاز فيه ثلاثة الأوجه وهي: الفتح والكسر والإتباع (¬6) فيقال: ردّ وفرّ وغضّ بالفتح، قيل: وهي لغة لتميم وناس غيرهم. وردّ وفرّ وغضّ بالكسر، قيل: وهي لغة كعب، وردّ وفرّ وغضّ بالإتباع لحركة الفاء، فقالوا: وهذا أكثر في كلامهم (¬7). وأما قوك: وفكّ الحجازيون كل ذلك إلا (هلمّ). فظاهر وتقدم الكلام في ذلك، (وإنما لم يدغموا؛ لأن الإدغام يؤدي إلى التقاء ساكنين ويحتاج بعد ذلك إلى عمل آخر من تحريك الساكن الثاني، وأكثر ما جاء في الكتاب العزيز من ذلك على لغتهم، قال الله تعالى: وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (¬8) ووَ لا تُشْطِطْ (¬9) وإِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ (¬10) ووَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا - ¬

_ (¬1) صدر بيت من الكامل لجرير بن عطية، ضمن قصيدة طويلة يهجو فيها الفرزدق وتمامه: والعيش بعد أولئك الأيّام. والشاهد فيه تحريك الميم من (ذم) بالكسر للتخلص من باب التقاء الساكنين. وانظره في: المقتضب (1/ 185)، وابن يعيش (9/ 129)، والتصريح (1/ 28)، والأشموني (1/ 139) ديوانه (ص 551). (¬2) صدر بيت من الوافر لجرير وتمامه: فلا كعبا بلغت ولا كلابا. والشاهد فيه قوله: (فغض الطرف) على رواية كسر الضاد. وانظره في الكتاب. (¬3) ينظر: التكملة (ص 10، 11)، وابن يعيش (9/ 129)، والتذييل (5/ 247) (أ). (¬4) الكتاب (4/ 153) وما بعدها. وشرح الكافية (4/ 2010) وما بعدها. (¬5) انظر: المحتسب (1/ 54)، والتذييل (5/ 247) (أ). (¬6) انظر: المقتضب (1/ 185)، والتذييل (5/ 247) (أ). (¬7) انظر: المرجع السابق. (¬8) سورة المدثر: 6. (¬9) سورة ص: 22. (¬10) سورة آل عمران: 120.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (¬1) ووَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (¬2) ووَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (¬3) ووَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ (¬4) وأَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (¬5) وقد قرئ في السبعة وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ (¬6) بالفكّ والإدغام (¬7). وأما هلمّ فقد عرفت أنها فعل في لغة بني تميم، وهم من شأنهم الإدغام، واسم فعل في لغة الحجازيين، وإذا كانت اسم فعل فمن أين يدخلها الفكّ، قال الشيخ: كان ينبغي للمصنف أن لا يستثنيها؛ لأنها لم تندرج في قوله: استصحب بنو تميم إدغام الفعل المضعف اللام الساكنها جزما ووقفا؛ لأنها ليست بفعل، قال فهو استثناء منقطع (¬8). انتهى. ولك أن تقول: لم يستثن المصنف (هلمّ) من الفعل، بل من قوله: كل ذلك؛ لأنه يريد: وفكّ الحجازيون كل ذلك، أي كل ما ذكر في هذا الفصل وهلمّ من جملة ما ذكر وعلى هذا فالاستثناء متصل. وأما قوله: والتزم غير بكر (¬9) الفك قبل تاء الضمير وأخويه، فالمراد بأخوي تاء الضمير نون الإناث، إذا كانت فاعلة؛ لأنها إنما تكون أخت تاء الضمير إذا كانت في موضع رفع، والمقصور بهذا الكلام أن جميع العرب - إلا بكرا - يلتزمون الفك، نحو: رددت، ورددنا، ورددن، والعلة لذلك ظاهرة وهي الفرار من التقاء ساكنين في الوصل المحض، وبنو بكر بن وائل يدغمون: وليس الإدغام عن كلهم، وإنما نقل ذلك ناس منهم، ولا يخفى ما في ذلك الثقل وعسر النطق، وقد قال بعضهم: أن هذا لا ينبغي أن يؤخذ به، ومراده أنه لا يقاس عليه ولا شك أن هذا اتفاق، وليعلم أن ما شذت العرب فيه وفكّته ولم تدغمه من المضاعف في الأفعال، لا تدغمه بنو بكر، وذلك نحو: لححت - ¬

_ (¬1) سورة الأنعام: 17. (¬2) سورة طه: 81. (¬3) سورة لقمان: 19. (¬4) سورة نوح: 12. (¬5) سورة التوبة: 63. (¬6) سورة البقرة: 217. (¬7) انظر: التذييل (5/ 247) (ب) من قوله: (وإنما لم يدغموا ....) وقد نقل الشارح العبارة دون إشارة إلى ذلك. (¬8) التذييل (5/ 247) (ب). (¬9) بكر اسم قبيلة تنسب إلى بكر بن وائل. انظر معجم القبائل (1/ 93). وانظر رأيهم في الكتاب (3/ 335)، والرضي على الشافية (2/ 246).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العين (¬1)، وشكل (¬2) الفرس، وقطط (¬3) الشعر، وألل السّقاء (¬4)، وحبب المكان، ودبب (¬5) الإنسان؛ لأن الوقوف على ما نطقت به العرب، وإن كان شاذّا، واجب. وأما قوله: وحذف أول المثلين عند ذلك لغة سليم، فمراده أن حذف أول المثلين عند اتصال التاء ونا ونون الإناث بالفعل لغة من ذكره (¬6). ومثال ذلك: ظلت في ظللت (¬7). قال الشيخ: هذا الحذف شاذّ، نص على ذلك سيبويه (¬8) وغيره، ونقل هذا عن المصنف أنه لغة لبني سليم. قال الشيخ: ولم يذكر ذلك سيبويه على أنه لغة، بل إنما أورده مورد ما لا يقاس عليه، ومثّل: بظلت ومست، وقال: حذفوا وألقوا الحركة على الفاء، كما قالوا: خفت، وذكر مع ظلت ومست أحست، وقال: ولا نعلم شيئا من المضاعف شذ إلا هذه الأحرف. انتهى كلام سيبويه. قال الشيخ: ولكنّ المصنف نقل: أن ذلك لغة سليم، وهو كثير الاطلاع ثقة فيما ينقله. * * * ¬

_ (¬1) أي لصقت انظر اللسان (لحح). (¬2) (الشّكال في الخيل: أن تكون ثلاث قوائم من محجّلة والواحدة مطلقة) اللسان (شكل). (¬3) اشتدت جعودته اللسان (قطط). (¬4) أي: تغيرت رائحته. اللسان (ألل). (¬5) أي: نبت الشعر على جبينه اللسان (دبب). (¬6) قال ابن عقيل في المساعد (3/ 350): (والمصنف حكى أن ذلك لغة سليم، وقال ابن جني: إن كسر الظاء من: ظلت لغة الفراء أن هذا القياس مستمر في: ردت ومرت وهمت) وانظر البحر المحيط (6/ 276)، والممتع (2/ 661). (¬7) من قوله تعالى: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ [طه: 97] قرأ ابن مسعود وقتادة والأعمش والمطوعي بكسر ظاء (ظلت) وقرأها أبىّ بلامين (ظللت) الأولى مكسورة والثانية ساكنة وبها قرأ المطوعي (فظلتم) من قوله تعالى: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (الواقعة 65)، وكذا الحجدري مع فتح اللام الأولى. انظر: الإتحاف (ص 307، 408)، ومختصر في شواذ القرآن (ص 89، 151) وذكر أبو البقاء أن كسر ظاء ظلت وفتحها لغتان. التبيان (2/ 903). (¬8) الكتاب (4/ 482).

الباب الثالث والسبعون باب النسب

الباب الثالث والسبعون باب النّسب (¬1) [حرف إعراب المنسوب إليه وما يحذف لياء النسب] قال ابن مالك: (يجعل حرف إعراب المنسوب إليه ياء مشدّدة تلي كسرة، ويحذف لها عجز المركّب غير المضاف وصدر المضاف إن تعرّف بالثّاني تحقيقا أو تقديرا. وإلّا فعجزه وقد يحذف صدره خوف اللّبس، وقد يفعل ذلك بـ (بعلبكّ) ونحوه، ولا يقاس عليه الجملة خلافا للجرمىّ، ويحذف الآخر إن كان تاء تأنيث أو زيادتي تصحيح [6/ 57] أو شبيهتيهما أو ياء منقوص غير ثلاثيّ، أو مشدّدة بعد أكثر من حرفين، أو ألفا للتّأنيت رابعة أو فوقها مطلقا، أو واو تلي مضموما ثالثا فصاعدا، أو حرف لين مع نون تسقط للإضافة). قال ناظر الجيش: اعلم أن قول المصنف: يجعل حرف إعراب المنسوب إليه ... (إلى آخره ... يفهم منه (حدّ) النسب، فكأنه قال: النسب هو جعل حرف إعراب المنسوب إليه ياء مشددة مع كسر ما قبلها وذلك) (نحو) قولك في هاشم ومطّلب وتيم: هاشميّ ومطّلبيّ وتيميّ، وأما المنسوب فهو الملحق بآخره ياء مشددة؛ ليدل على نسبته إلى المجرد عنها، وذلك واضح؛ فإنك إذا قلت: دمشقيّ كانت الياء فيه دالة على أنه منسوب إلى مدلول الاسم قبل الإلحاق ومن هذه الجهة كان الباب كلّه صفات؛ لأن معناه: منسوب إلى ما ألحقت ياء النسب فيه قد يجعل لبعض الأسماء التي ينسب إليها تغيير موجبه التخفيف، أو ما تقتضيه قواعد التصريف، فيجب التعرض لذكر ذلك؛ لحصول ذلك إما بتغيير حركة وإما بحذف، وإما برد لحرف كان قد حذف، وإما بتضعيف وإما ببدل حرف من حرف، فالتغييرات إذا خمسة، ثم الحذف إما حذف كلمة إما عجز لكمة أخرى، وإما صدر لها، وإما حذف حرف، وذلك الحرف إما آخر وإما قبل الآخر، وقد بدأ - ¬

_ (¬1) ينظر في الباب: الكتاب (3/ 324 - 335)، والمقتضب (3/ 133 - 165)، والرضي على الشافية (2/ 4 - 89)، والتكملة (ص 50 - 65)، وابن يعيش (5/ 141 - 157)، (6/ 2 - 15)، والمقرب (2/ 54 - 70)، واللمع (ص 279 - 290)، والهمع (2/ 192 - 198)، والأشموني (4/ 176 - 203)، والتصريح (2/ 327 - 338)، وشرح الكافية الشافية (4/ 1928 - 1966)، والمساعد (3/ 351 - 386).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف بذكر حذف الّذي هو كلمة عجزا أو صدرا، وأردف ذلك بذكر حذف الحرف الذي هو آخر، ولا شك أن حذف كلمة إنما يتصور حيث يكون تركيب، والمركب ثلاثة أقسام: تركيب مزج وتركيب إسناد، وتركيب إضافة، وأما تركيب العدد فهو داخل في تركيب المزج (¬1). والقاعدة أن المركب يحذف لأجل النسب فيه العجز إن كان مركبا تركيب مزج أو إسناد، نحو: بعليّ وراميّ وحضريّ وخمسيّ ومعديّ في النسب إلى: بعلبك، ورام هزمز وحضر موت وخمسة عشر (¬2) ومعديكرب، ونحو: تأبّطي في النسب إلى: تأبّط شرّا، ومثله: برقي في النسب إلى: برق نحره، قالوا (¬3): وكان مقتضى القياس أن الجملة لا ينسب إليها كما أنها لا تثنى ولا تجمع ولا تعرب، ولا تضاف ولا تصغّر وإنّما جاز النسب إلى الصدر منها تشبيها لها بالمركب تركيب المزج، قال المصنف: في شرح الكافية: وشذ قولهم في الشيخ الكبير: (كنتيّ) فنسبوا إلى الجملة دون حذف (¬4). انتهى. ولو نسب إلى صدر الجملة؛ لقيل: كونيّ فترد الواو؛ لزوال موجب حذفها وهو اجتماعها ساكنة مع النون الساكنة لأجل تاء الضمير، وإنّما قيل للشيخ الكبير: كونيّ وكنتيّ؛ لأنه يقول: كنت كذا، وكنت أفعل، وشاهد كنتيّ، قول الشاعر: 4219 - فأصبحت كنتيّا وأصبحت عاجنا ... وشرّ خصال المرء كنت وعاجن (¬5) ثم إن الشيخ ذكر هاهنا شيئين: أحدهما أنه يدخل تحت قول المصنف: عجز - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (2/ 87)، وابن يعيش (6/ 9)، والمقتضب (3/ 141 - 143)، والتكملة (ص 63)، وأوضح المسالك (4/ 336). (¬2) حالة كونه علما. لأنه لا ينسب إليه الخمسة عشر عددا، قال الجاربردي (1/ 122): (وإنما لا ينسب إلى خمسة عشر عددا، لأن الجزءين حينئذ مقصودان، فلو حذف أحدهما اختل المعنى ولو لم يحذف استثقل) وانظر الرضي (2/ 73)، وابن يعيش (6/ 6، 7). (¬3) نسب السيوطي في الهمع (2/ 192) هذا القول لأبي حيان. (¬4) شرح الكافية الشافية (4/ 1953). (¬5) البيت من الطويل، نسبة في معجم الشواهد للأعشى، قال: وليس في ديوانه، والشاهد فيه قوله: «كنتيا» حيث نسب إلى المركب الإسنادي على لفظه، وبدون نون وقاية، والبيت بروايات مختلفة. انظرها في: الرضي (2/ 77)، وابن يعيش (6/ 7)، والمساعد (3/ 352) والهمع (2/ 193)، والأشموني (4/ 189)، واللسان (عجن)، (كون) وابن جماعة (1/ 122).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المركب، نحو: لولا وحيثما، إذا نسبت إليهما فتقول: لوىّ بتخفيف الواو: حيثيّ بحذف عجزهما؛ لجريانهما مجرى الجملة التي تحكى (¬1)، وثانيهما: أنه قال: يرد على المصنف في قوله: عجز المركب نقد وهو أنه إذا كان المسمى بجملة زائدة على كلمتين، كأن سمّيت رجلا: يخرج اليوم زيد، فإنك في النسب لا تحذف العجز فقد بل تحذف ما زاد على الجزء الأول، فلو قال: ينسب إلى الجزء الأول من المركب غير المضاف ... إلى آخره؛ لاندرجت هذه المسألة فيه، فإنك إذا نسب إلى المثال المذكور، قلت: خرجىّ، قال: وقد عبّر في الكافية بأحسن من عبارته في التسهيل، فقال: وصدر جملة له - أيضا - نسب ... وشذّ (كنتي) فمثله اجتنب (¬2) انتهى. ولا نقد على المصنف؛ لأن المراد بعجز المسألة أحد جزئي الإسناد، وكذا المراد بصدرها؛ فالجملة إذا أطلقت إنما يراد بها ما تضمن جزئي إسناد، ولا نظر إلى ما هو فضلة، فإذا قيل: يحذف في النسب عجز الجملة، استفيد منه أن صدرها هو الذي ينسب إليه، فإذا سمي أحد، بنحو: خرج اليوم زيد، لا يقال فيه: سمّي بجملة ويقتصر، بل يقال: سمّي بجملة ومعمول لأحد جزئيها. وأما المركب تركيب إضافة ففيه تفصيل (¬3) وذلك أنه إن تعرف الأول بالثاني تحقيقا أو تقديرا، أو خفيف لبس، حذف المصدر ونسب إلى العجز، وإن لم يتعرف الأول بالثاني، أو لم يخف لبس حذف العجز ونسب إلى الصدر، كما يفعل في ما هو مركب تركيب مزج أو إسناد، فمثال ما تعرف فيه الأول بالثاني تحقيقا: ابن الزبير، وابن عمر، وما شاكل هذين المثالين، ومثال ما تعرف فيه الأول بالثاني، تقديرا: أبو بكر مثلا، والمراد بذلك كل كنية، وبيان كونه يعرّف تقديرا أن: (أبو بكر) علم فلم يتعرف الأول بالثاني تحقيقا؛ لأن الاسم لا يكون معرفا من جهتين، وجزء العلم المضاف، لا يكون معرفا بالإضافة؛ لكن الجزء الأول يعرف بالثاني تقديرا لأنه حال الإضافة - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 249) (ب)، والأشموني (4/ 190). (¬2) شرح الكافية (4/ 1934)، وانظر التذييل (5/ 249). (¬3) ينظر الكتاب (3/ 374 - 380)، والكامل للمبرد (2/ 220 - 221)، والمقتضب (3/ 141)، والتكملة (63)، والرضي (2/ 75)، وشرح (4/ 1953).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل العلمية كان الأول وهو أبو معرفا بالثاني وهو بكر تحقيقا، فيقال في النسب إلى ابن الزبير، وابن عمر: زبيري وعمري، وفي النسب إلى أبو بكر: بكرى، ومثال خوف اللبس أن يقال في عبد مناف وعبد الأشهل: منافي وأشهليّ؛ لأنهم لو قالوا: عبدي لالتبس بالنسب إلى عبد القيس، قيل: لأنهم قالوا في النسب إليه: عبدي، فرّقوا بين ما يكون الأول مضافا إلى اسم يقصد قصده ويتعرّف المضاف الأول به، وهو مع ذلك اسم غالب أو طرأت عليه العلمية، نحو: ابن عمر، وأبو بكر، وعبد مناف وعبد الأشهل وعبد المطلب، ومن ما ليس كذلك، نحو: امرؤ القيس وعبد القيس؛ لأن القيس بشيء معروف معين يضاف امرؤ إليه، أو عبد. هذا ما ذكر الشيخ (¬1) في شرحه وفهم منه أنه: يقال في النسب إلى عبد القيس: عبدي، كما يقال في امرئ القيس: امرئي، ومن ثم جعل امتناع أن يقال في عبد مناف: عبدي إنما هو خوف أن يلتبس بالنسبة إلى عبد القيس؛ لأنه يقال فيه عبدى ولا يقال: قيسي، والذي كنت أفهمه من قولهم: خوف اللبس أنه إذا قيل: عبدي لا يعرف هل النسبة إلى عبد مناف أو عبد الأشهل أو عبد القيس أو عبد آخر غيرها، ولم يتجه لي دفع ما قاله الشيخ من أجل أنهم يقولون في امرئ القيس: امرئي ولم يقولوا: قيسي مع أن امرئي يحتمل أن يكون قبل النسب مضافا إلى غير القيسي، ومثال ما لم يتعرف فيه الأول بالثاني لا تحقيقا ولا تقديرا، ولم يخف فيه لبس قولهم في امرئ القيس: امرئي [6/ 58] ومرئي. قال الشيخ: فامرؤ القيس لم يتعرف فيه الأول بالثاني تحقيقا ولا تقديرا، لأنه لم يسبق له إضافة قبل استعماله (¬2) علما كما سبقت لأبي بكر. هكذا ذكر، وكذا اثنا عشر إذا سميت به، فالنسب فيه يكون إلى الأول بعد حذف الثاني، فيقال: اثني وثنويّ، وإنما قبل: اثنىّ بحذف الألف وعشر؛ لأن تنزل منزلة النون فحذفهما معه، نحو حذفهما من: زيدين إذا سميت به وأعربته إعراب المثنى. نص على ذلك سيبويه في كتابه (¬3) وأشار المصنف، بقوله: وقد يفعل ذلك (ببعلبكّ) ونحوه، إلى أنه قد يحذف صدره وينسب إلى عجزه، فيقال: بكي. قال الشيخ: كان الجرمي يجيز النسب إلى أيّهما شئت، فيقول: بعلي وبكّي انتهى. - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 250) (أ) و (ب). (¬2) التذييل (5/ 250) (ب). (¬3) الكتاب (3/ 374).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويعطي كلام المصنف أن ذلك وارد عن العرب، ولهذا قال بعده: ولا يقاس عليه الجملة، وقال في شرح الكافية: وقد يبنون اسما رباعيّا من بعض صدر المركب وبعض عجزه وينسبون إليه، كقولهم في (حضرموت): حضرمي، وفي عبد شمس وعبد القيس وتيم اللات: عبشمي، وعبقسي وتيملي، وهذا النوع مقصور على السماع. (¬1) انتهى. وأجاز الجرمي قياسا أن يحذف صدر الجملة وينسب إلى عجزها (¬2) ولم يأت السماع عن العرب إلا بما قاله غير الجرمي، وقال أبو الحسن: لم يسمع في الجملة النسبة إلى ثان جزئيها وقياسها على المركب تركيب مزج قياسي فاسد (¬3)، ثم إن المصنف لما أنهى الكلام على حذف ما هو كلمة شرع في ذكر حذف الحرف الذي هو آخر مشيرا إلى ذلك بقوله: ويحذف الآخر إن كان تاء تأنيث ... إلى آخره. وحاصل الأمر أن الآخر الذي يحذف من أجل النسب على ما ذكره المصنف هنا تسعة أشياء؛ وهي: تاء التأنيث، وعلامة التثنية، وعلامة جمع التصحيح لمذكر أو مؤنث، وعلامة شبهه بأحدهما، وياء المنقوص، والياء المشددة وألف التأنيث رابعة فما فوقها، وألف غير التأنيث خامسة فصاعدا وواو تلي مضموما ثالثا فصاعدا (¬4). أما تاء التأنيث، فنحو أن يقال في النسب إلى مكة: مكّي وإلى فاطمة: فاطمي وإلى طلحة: طلحي، وإلى ثمرة: ثمري. وعلل وجوب حذف تاء التأنيث بأمرين: أحدهما: أنه لو لم تحذف للزم في بعض الصور اجتماع تائي تأنيث، كما لو نسبت مؤنثة إلى فاطمة، فإنك تقول: فاطمتيّة. ثانيهما: أن الياء تجيء للفرق بين الواحد والجنس كزنج وزنجي، وروم ورومي، وترك وتركي، كما أن تاء التأنيث تكون للفرق بينهما، نحو: تمر وتمرة فلم يجز الجمع بين حرفي معنى في كلمة واحدة، وأما زيادتا التصحيح فتخذفان أيضا، كقولك في النسب إلى مسلمين وإلى مسلمات مسمى بهما: مسلمي، هذا إذا أعرب جمع المذكر بعد التسمية بالحروف أما إذا أعرب بالحركات فإنه ينسب إليه - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1953). (¬2) انظر المساعد (3/ 355)، والأشموني (4/ 190)، والهمع (2/ 193). (¬3) انظر التذييل (5/ 250) (ب)، والمساعد (3/ 355). (¬4) ينظر: الرضي (2/ 4)، والجاربردي (1/ 101)، وابن يعيش (5/ 143)، والمقرب (2/ 56).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على لفظه دون حذف، والعلة في وجوب حذف علامة التذكير إذا كان الإعراب بالحروف أنه لو لم يكن حذف لزم اجتماع إعرابين في اسم واحد أحدهما بالحروف والآخر بالحركات، والعلة في وجوب حذف زيادة ما جمع بالألف والتاء أنها لو لم تحذف لزم اجتماع حرفين ببدلان على التأنيث في بعض الصور، ومن فروع المنسوب إلى ما جمع بالألف والتاء أنك إذا نسبت إليه، وكان قد تغير لأجل الجمع لحركة لازمة، نحو: جفنات، أو جائزة، نحو: سدرات وغرفات، فإن لم يكن علما رددته إلى مفرده، فتقول: جفني وسدري وغرفي بسكون عين الكلمة، وإن كان علما أبقيت الحركة فتقول: جفني وسدري وغرفي، إلا إذا كان التغيير كسرة، نحو: سدرات فإنك تردها فتحة وتنسب، فتقول: سدري كما تقول في النسبة إلى إبل: إبلي (¬1)، وأما العلامة الشبيهة بأحدهما فأراد به، نحو: عشرين فإنه ليس يجمع ولكن الزيادة اللاحقة لعشر شبيهة بالزيادة التي في مسلمين الذي هو جمع، فحكم زيادة عشرين في الحذف؛ لأجل النسب حكم زيادة مسلمين في ذلك، قال الشيخ: ويدخل في قوله: أو شبيهتيهما، المثنى فيحذف الألف والنون إلا إن جعلت الإعراب في النون (¬2) انتهى. ولم يظهر لي دخول المثنى؛ لأن المصنف، قال: أو زيادتي تصحيح، ثم قال: أو شبيهتيهما، ولا شك أن زيادتي التصحيح إما ألف وتاء أو واو ونون، أو ياء ونون، والمثنى زيادته إما ألف ونون، أو ياء ونون، والألف هي الأصل، فلا شبه بين زيادة المثنى زيادته إما ألف ونون، أو ياء ونون، والألف هي الأصل، فلا شبه بين زيادة المثنى وزيادة التصحيح، ولا يكفي أن يقال: أن المثنى حال نصبه وجرّه، زيادته كزيادة التصحيح حال نصبه وجرّه، فإن المثنى حال رفعه يكون على هذا مسكوتا عنه، ثم إن المثنى يمتنع أن يكون مرادا لأمرين أحدهما: أن المصنف قد قال آخر الفصل عطفا على ما يحذف من أجل النسب: أو حرف لين مع نون تسقط للإضافة، ومثّل له الشيخ بنحو: عبدان وزيدان واثنان، حتى قال: وجميع المثنى (¬3)، وهذا يدل على أن المصنف لم يقصد دخول المثنى في قوله: أو شبيهتيهما، ثانيهما: قول المصنف شبيهتيهما، فإن ذلك يعطي أن المراد به أن يكون ثمّ شبيهان لزيادتي التصحيح، أي زيادة تشبه زيادة - ¬

_ (¬1) انظر: الهمع (2/ 192). (¬2) التذييل (5/ 251) (أ). (¬3) المرجع السابق (5/ 251) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسلمين وزيادة تشبه زيادة مسلمات، لا زيادة واحدة تشبه زيادة تصحيح واحد؛ لأن عبارة المصنف فيها تثنية شبيهه وإضافتها إلى ضمير اثنين، والذي يظهر أن المراد بشبيهتي الزيادتين، الزيادة التي في نحو: عشرين الشبيهة بزيادة مسلمين، والزيادة التي في ألات الشبيهة بزيادة مسلمات، لكن قد يقال: أن الألف في ألات ليست زائدة إنما المزيد التاء خاصة، وحينئذ يتعذر الحمل على ما قلته وتشكل عبارة المصنف. وأما ياء المنقوص (¬1) فثلاثة أقسام؛ قسم يجب فيه الحذف، وقسم يجب فيه الإثبات، وقسم يجوز فيه الأمران. فمتى كانت خاصة كان الحذف واجبا، نحو: معتلّ، فيقال في النسب إليه: معتليّ، ولا يخفى أن حكم السادسة كذلك، نحو: مستدع، ومتى كانت ثالثة وجب الإثبات، كقولك: شجويّ وعمويّ في شج (¬2) وعم (¬3) كما سيأتي، ومتى كانت رابعة، نحو: قاض جاز الأمران، لكن الحذف هو المختار (¬4)، وسيذكر المصنف ذلك، وقد علم من قوله: أو ياء منقوص غير الثلاثي، أن المنقوص الثلاثي لا يجوز فيه الحذف؛ بل يبقى على أصله ويفعل فيه ما سيبين، ودخل تحت قوله: غير الثلاثي [6/ 59] القسمان الباقيان، لكن سيذكر أن الرباعي قد يعامل معاملة الثلاثي في عدم الحذف. (فعلم من ذلك أن الذي) يجب فيه الحذف إنما هو ما زاد على الأربعة، وإنما كان الحذف واجبا في مثل ذلك فرارا من التقاء الساكنين لو بقيت الياء، ومن الثقل وطول الكلمة لو قلبت واوا وحركت قبل ياء النسب. أما الياء المشددة (¬5) فأربعة أقسام واجب الحذف، وجائز الحذف والإثبات لإحدى الياءين مع حذف الأخرى، وواجب الحذف لإحدى الياءين مع وجوب إثبات الأخرى، وممتنع الحذف. أما وجوب الحذف، ففي مكانين: أن تكون الياء خامسة فصاعدا أو رابعة، وكلا الياءين زائد، فالخامسة، كياء: مخاتيّ إذا سميّت به ثم نسبت إليه (¬6)، فإن ياءه تحذف حتما وتخلفها ياء للنسب، ومن ثم كان - ¬

_ (¬1) ينظر الكتاب (3/ 326 - 335)، والهمع (2/ 193)، والأشموني (4/ 180). (¬2) أي حزين. ينظر: المصباح (306). (¬3) من عمي عليه الأمر إذا التبس. ينظر: الصحاح (6/ 2439)، ومختار الصحاح (580). (¬4) ينظر: الكتاب (3/ 326 - 330)، والتكملة (58)، والهمع (282)، وابن يعيش (5/ 151). (¬5) ينظر: الرضي (2/ 45)، والجاربردي (1/ 111)، والهمع (2/ 193 - 194)، والأشموني (4/ 182). (¬6) أما إذا كان جمعا فإنه يجب ردّه إلى واحده، وهو: بختي - لنوع من الإبل، قيل: أعجمي معرب، وقيل: عربي. ينظر: الصحاح (1/ 243)، والمصباح (ص 37)، وشفاء الغليل (ص 64).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ممنوع الصرف قبل النسبة إليه (¬1)، ومصروفا بعد أن صار منسوبا، لما علم من أن ياء النسب غير معتد بها في صيغة مفاعل، والرابعة جعفي (¬2) وشافعي (¬3) فإن كلا الياءين في هاتين الكلمتين زائد فإذا نسبت إليهما وجب الحذف - أيضا - كما وجب في الخامس، وأما جواز الحذف والإثبات لإحدى الياءين مع حذف الأخرى، ففي مكان واحد، وهو أن تكون الياء المشددة رابعة، ولكن إحدى الياءين أصلي لا زائد كما، لو سميت، بنحو: مرميّ، فإنهم أجازوا أن يقال في النسبة إليه: مرمي بالحذف، وهو المختار، ومرمويّ بحذف الياء الزائدة، وقلب الأصلية واوا. (¬4) وأما وجوب الحذف لإحدى الياءين مع وجوب إثبات الأخرى، ففي مكان واحد أيضا وهو أن تكون الياء ثالثة، نحو: قصي وأميّة فإنه يقال في النسب إليهما: قصويّ وأمويّ بحذف الياء الأولى وقلب الثانية واوا. وأما امتناع الحذف ففي مكان واحد أيضا وهو أن تكون الياء ثانية، نحو: حيّ وطيّ؛ إذ يقال في النسب إليهما: حيويّ وطوويّ، كما سيذكر ذلك كله إن شاء الله تعالى. وإذ قد عرف هذا فاعلم أن كلام المصنف واف بالمقصود حيث قال مشيرا إلى الياء: أو مشددة بعد أكثر من حرفين. فإنه يفهم منه أن التي بعد حرفين وهي الثالثة لا تحذف أعني بجملتها، وإن كان إحدى الياءين يحذف، كذا التي بعد حرف بطريق الأولى، وأن التي بعد ثلاثة أحرف وهي الرابعة فما فوقها تحذف، فأما كون الرابعة إذا كان أحد الياءين منها أصليّا لها حالة أخرى، وهي أن الزائد يحذف ويبقى الأصلي فسيشير إليه بعد، فيكون ذلك تقييدا لما أطلقه هاهنا، وأما ألف التأنيث رابعة فمثاله: جمزى وحبلى، فيقال في النسب إليهما: جمزيّ وحبليّ بحذف الألف لكن الحذف في نحو: جمزى وهو ما تحرك ثانيه واجب، وأما الحذف في نحو: حبلى وهو ما سكن ثانيه فإنه أرجح من الإثبات وسينبه على أن الإثبات جائز وعلى حكم الألف الرابعة كائنة لغير التأنيث بأن فيها الوجهين، أعني الإثبات والحذف، وإنما وجب الحذف في نحو: جمزى من أجل توالى أربعة متحركات في كلمة واحدة، وإنما حذف من نحو: حبلى، وإن كان ثاني الكلمة ساكنا إجراء لألف - ¬

_ (¬1) أي: ليصغة منتهى الجموع. (¬2) جعفي بن سعد العشيرة أبو حي من اليمن. (¬3) أبو عبد الله محمد بن إدريس صاحب المذهب المعروف. (¬4) ينظر: الكتاب (3/ 328)، والمقتضب (3/ 138)، والتكملة (ص 58)، وابن يعيش (5/ 155).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التأنيث مجرى تاء التأنيث، وحكم ألف التأنيث خامسة حكم الرابعة التي يكون ثاني ما هو فيه متحركا، فيجب حذفها، كما إذا نسبت إلى، نحو: حباري (¬1) فتقول: حباري، وأما الألف الخامسة فصاعدا كائنة لغير التأنيث فحكمها الحذف - أيضا -، وإلى ذلك الإشارة بعد قوله: أو ألفا للتأنيث رابعة، بقوله: أو فوقها مطلقا، يريد أو فوق الرابعة، وشمل قوله: مطلقا، ألف التأنيث والألف التي هي لام الكلمة والزائدة للتكثير، فالأولى نحو: فوضوضى، والثانية، نحو: مشترى ومستدعى، والثالثة، نحو: قبعثرى (¬2)، والموجب لحذف الحرف من نحو هذه الكلمات إنما هو التخفيف لطول الكلمة، وأما الواو التي تلي مضموما هو ثالث، فنحو: عرقوة (¬3) وترقوة (¬4)، والتي تلي مضموما زائدا على الثلاثة، نحو: قمحدوة (¬5)، فإذا نسب إلى هذه يقال: عرقي وترقي وقمحدي، وذكروا لذلك تعليلا وهو أنهم لما نسبوا حذفوا تاء التأنيث وسكنوا ما قبل ياء النسب فصار الاسم في آخر واو قبلها ضمة، ومتى ادعى الإعلال إلى شيء من ذلك وجب قلب الواو ياء والضمة كسرة، فيصير من باب قاض ومشتر، فتحذف الياء كما تحذف منهما (¬6). انتهى. وهو تعليل حسن، لكن لم يظهر لي قولهم: وسكنوا ما قبل ياء النسب؛ لأن ما قبل ياء النسب لا يكون ساكنا، ولأن قبل الواو المضموم ما قبلها - إذا وقعت آخر معرب اسم معرب - ياء واجب ولم كانت الواو متحركة بدليل قبلها في: أدل وأجر، جمعي: دلو وجرو، فقولهم: وسكّنوا ما قبل ياء النسب مستغنى عنه، ثم مقتضى ذلك أن الحذف يكون واجبا في مثل: قمحدوة؛ لأن التاء فيه خامسة، وأما في مثل: عرقوة وترقوة، فينبغي على ما قالوه أن يكون الإثبات فيه جائزا، وإن كان مرجوحا؛ لأنّا - ¬

_ (¬1) من الجمز وهو السير السريع، يقال: حمار جمزي، أي سريع السير وألفه رابعة للتأنيث. ينظر: فقه اللغة للثعالبي (ص 292)، واللسان «جمز» وو المصباح المنير (ص 108)، وانظر: الكتاب (3/ 335)، والمقتضب (3/ 148)، والخصائص (2/ 319)، وابن يعيش (5/ 150). (¬2) للعظيم الشديد وألفه ليست للتأنيث، لقولهم: قبعثراة. وينظر: القاموس (2/ 113)، والمحكم (2/ 329) واللسان (قبعثرة). (¬3) الخشبة المعروضة على الدلو. اللسان (عرق). (¬4) مقدم الحلق حيث يترقّى النفس. اللسان (ترق) والمصباح (ص 74). (¬5) ما خلف الرأي وهو مؤخر القذال المصباح (ص 515). (¬6) انظر التذييل (5/ 251) (ب)، والمساعد (3/ 357)، والرضي (2/ 46).

[النسب لما آخره ألفه أو ياء]

[النسب لما آخره ألفه أو ياء] قال ابن مالك: (ويقلب واوا ما تليه ياء النّسب، من ألف ثالثة، أو رابعة لغير تأنيث، أو همزة أبدلت من ألف التّأنيث، وفي [6/ 60] همزة غيرها تلي ألفا وجهان: أجودهما في الأصليّة التّصحيح، وربّما حذفت الألف الرّابعة كائنة لغير التّأنيث، وقلبت كائنة له فيما يسّكن ثانيه، وقد تزاد ألف قبل بدلها وبدل الرّابعة الّتي للإلحاق، ولا تقلب ألف (معلّى) ونحوه من المضاعف العين خلافا ليونس. والنّسب إلى: شجّ وحيّ وعليّ تحيّة ونحو هنّ كالنّسب إلى فتى، ويفتح ويصحّح ثاني، نحو: حيّ، وشذّ، نحو: حيّيّ، وأهيّيّ، وقد يعامل، نحو: قاض ومرميّ معاملة شج، وعليّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ نقول في قاض: قاضويّ، لأن ياءه رابعة، فعلى هذا يجوز أنه يقال: عرقويّ (¬1)، ولكن الحذف واجب كما أفهمه كلام المصنف، قال الشيخ: واحترز - يعني المصنف - بقوله - مضموما ثالثا، من أن يكون مضموما أوّل كالنسبة إلى (فو) من قولك: فو زيد، مسمى به، أو ثانيا كرموة، إذا بنيت من الرمي، مثل: سمرة وبنيتها على تاء التأنيث، فإن الواو فيها لا تحذف في النسب (¬2) انتهى. وأما قول المصنف: أو حرف لين مع نون تسقط للإضافة، فأراد به علامة التثنية، ولا شك أن علامتها حرف لين مع نون تسقط للإضافة، فإذا نسبت: زيدان، مسمى به وكان إعرابه بعد التسمية به إعراب المثنى، قيل: زيديّ بحذف اللين والنون، وكذا: اثنان إذا سمي به ونسب إليه، قيل: اثنيّ، واستفيد من قوله: مع نون تسقط للإضافة، أن النون لو لم تسقط للإضافة، - وذلك بأن جعل الإعراب في النون - أن لا حذف حينئذ، بل يقال: زيداني، كما يقال: سلماني في النسب إلى سلمان، ولو قرن المصنف ذكر هذه المسألة بذكر مسألة علامة الجمع؛ لكان أحسن ترتيبا، على أن قوله: أو حرف لين مع نون تسقط؛ للإضافة يشمل جمع التصحيح لمذكر، نحو: مسلمون. قال ناظر الجيش: تقدم أن التغييرات اللاحقة لبعض الأسماء المنسوبة خمسة، من - ¬

_ (¬1) قال الرضي (2/ 46): (وبعض العرب، يقول: عرقويّ بفتح القاف كقاضوي). (¬2) التذييل (5/ 251) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جملتها الحذف، وأن الحذف إما حذف كلمة أو حذف حرف إما آخر، وإما قبل الآخر، وقد ذكر المصنف القسمين الأولين؛ وهما: حذف الكلمة، وحذف الحرف الذي هو آخر، وسيذكر حذف الحرف الذي هو قبل الآخر، ثم إنه الآن ثنّى بذكر التغيير الذي هو القلب أعني قلب الحرف إلى حرف آخر، وليعلم أن الذي يقلب إمّا ألف أو همزة أو ياء، وكل منها إذا قلب إنما يقلب واوا، ثم أن الألف إمّا ثالثة أو رابعة أو فوق ذلك أي فوق الرابعة فحكمها الحذف سواء أكانت أصلية، نحو: مصطفى، أم زائدة للتأنيث، نحو: حبارى، أو للإلحاق، نحو: حبركى (¬1) الملحق بسفرجل، وقد عرف هذا من قوله قبل: أو فوقها مطلقا، فيقال: مصطفي وحباري وحبركي، وأما الرابعة المتحرك ثاني ما هي فيه فحكمها الحذف أيضا، نحو: جمزيّ ولا تكون الألف فيما هو كذلك إلا للتأنيث، وأما الرابعة الساكن ثاني ها هي فيه، ففيها الوجهان: الحذف، والقلب سواء كانت الألف أصلية، نحو: ملهى، أم زائدة، إما للتأنيث، نحو: حبلى أو للإلحاق (¬2) نحو: علقى (¬3)، لكن الأرجح في التي للتأنيث الحذف (¬4)، والتي لغير التأنيث القلب (¬5)، ويقع الترجيح بين: ملهى وعلقى في الحذف والقلب، فيرجح القلب على الحذف في نحو: ملهى؛ لكون الألف أصلية، والحذف على القلب في: علقى؛ لكونها غير أصلية، وأما الثالثة فلا تكون إلا أصلية، وهي إما عن ياء كفتى، أو عن واو كعصا، وليس فيها إلا القلب، فيقال: فتوي، وعصوي، (¬6) وإذ قد تقرر هذا - ¬

_ (¬1) القوم الهلكى، والقراد والغليظ الرقبة. انظر: القاموس (30)، واللسان (حبرك). (¬2) قال سيبويه (3/ 212): (وبعض العرب يؤنث العلقى، فينزلها منزلة البهمى. يجعل الألف للتأنيث، قال العجاج: يستنّ في علقى وفي مكور). (¬3) ضرب من الشجر تدوم خضرته. اللسان (علق). (¬4) وهذا - أي الحذف - هو الأفضل والأجود والأشكل لمنهاج القياس والوجه كما عبر سيبويه والمبرد وابن جني وغيرهم، ثم: حبلاويّ ثم حبلويّ، انظر: الكتاب (3/ 352)، والمقتضب (3/ 147)، والخصائص (2/ 319)، وابن يعيش (5/ 149)، والتكملة (ص 54). (¬5) وهو - أي: القلب - أجودهما، فيقال في النسب إلى ملهى: ملهويّ، ثم ملهاويّ: ثم ملهي. انظر: المراجع السابقة. (¬6) قال المبرد (3/ 136) (وإنما قلبت الألف المنقلبة من الياء واوا لكراهيتك اجتماع الياءات والكسرات، فصار اللفظ في النسب إلى المقصور الذي على ثلاثة أحرف واحدا. وانظر الكتاب (2/ 72) والتكملة (35 - 54) والتصريح (2/ 329).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلنرجع لفظ الكتاب ونطبقه على ما ذكرناه، فنقول: قوله: ويقلب واوا ما تليه ياء النسب من ألف ثالثة. قد عرفت معناه والتمثيل له، بنحو: فتى وعصا، وقوله: أو رابعة لغير التأنيث، يشير به إلى نحو: ملهى وعلقى، مما ألفه أصلية أو للإلحاق، فيقال في النسب إليهما: ملهويّ وعلقويّ، وأما الرابعة التي هي للتأنيث، فقد عرفنا من كلامه المتقدم أنها تحذف، وتقدم لنا أن ذلك يشمل ما كانت ثاني الكلمة فيه متحركا، وما كان فيه ساكنا، وأن الحذف واجب فيما تحرك فيه الثاني وجائز فيما هو فيه ساكن، وأن الألف الرابعة لغير تأنيث وهي الأصلية أو الإلحاقية، فيها وجهان، وهما الإثبات والحذف. وقلنا: إن المصنف سينبه على ذلك فها هو قد أشار إلى ذلك بقوله هنا: وربما حذفت الألف الرابعة كائنة لغير التأنيث، يعني بأن تكون أصلية أو إلحاقية وقلبت كائنة له فيما سكن ثانية، فيقال: ملهيّ وعلقيّ، وكذا يقال: حبلويّ، فقد استفيد من كلامه المذكور ثانيا، مضموما إلى كلامه المذكور أوّلا، ما أشرنا إليه، ثم أفاد بقوله: وقد تزاد ألف قبل بدلها، وبدل الرابعة التي للإلحاق، أنه يقال في: حبلويّ: حبلاويّ، وفي علقويّ: علقاويّ، فيصير في مثل ذلك ثلاثة أوجه: حبليّ وعلقيّ، وحبلويّ علقويّ، وحبلاويّ وعلقاويّ، واقتصاره على أن الألف قد تزاد قبل البدل في حبلى وعلقى يفيد أنها لا تزاد قبل البدل في ملهى. وأمّا قوله: أو همزة أبدلت من ألف التأنيث، وفي همزة غيرها تلي ألفا وجهان أجودهما في الأصلية التصحيح. فإنه يشير به إلى بيان كيفيّة النسب إلى الاسم الممدود، ومن المعلوم أن الممدود وهو الاسم الذي حرف همزه يلي ألفا زائدة، وهو أربعة أقسام. كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل الكتاب (¬1): ما همزته أصلية كقرّاء (¬2) ووضّاء (¬3)، وما همزته زائدة أي: بدل من حرف زائد كحمراء، وصفراء، وما همزته بدل من أصل كالهمزة في كساء ورداء، وما همزته بدل من حرف ملحق بالأصلي، كالهمزة في: علباء، والمتقرر في التثنية (¬4) أن الأصلية تقرّ، وأن الزائدة تقلب واوا، وأن الهمزتين الأخريين - ¬

_ (¬1) انظر ذلك في باب: كيفية التثنية وجمعي التصحيح. (¬2) القراء: يكون من القراءة جمع قارئ .... والقراء: الناسك. اللسان (قرأ). (¬3) الوضاء: الوضيء الوجه (اللسان: وضأ). (¬4) ينظر: الكتاب (3/ 390)، والمقتضب (3/ 87)، والأشموني (4/ 112)، والتصريح (2/ 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهما وجهان الإقرار وقلبهما واوا، لكن الإقرار فيما كان بدلا من أصل أولى من القلب، والقلب فيما كان بدلا من الملحق بالأصلي أولى من الإقرار، ثم المعروف أن حكم هذه الهمزات في النسب حكمها في التثنية، وقد قال المصنف في الألفية: وهمز ذي مدّ ينال في النّسب ... ما كان في تثنية له انتسب والذي ذكره في التسهيل موافق لذلك إلا في شيء واحد وهو قوله: أجودهما في الأصلية التصحيح، لأن هذه العبارة تقتضى جواز القلب فيها، أن التصحيح أجود، والذي ذكره في كيفيّة التثنية أن التصحيح واجب إلا أنه قال بعد ذلك: وربما قلت الأصلية واوا، وقال في الشرح: وذلك نادر ولم يذكر سيبويه فيه إلا الإقرار (¬1)، ولا شك أن هذا لا يطابق قوله هنا: أجودهما في الأصلية التصحيح، ومما نبه عليه هنا أن يونس يقول في النسب إلى كلتا: كلتي وكلتوي وكلتاوي (¬2) كما يقال في حبلي: حبلي وحبلوي وحبلاوي، وإنما لم يحذف التاء؛ لأنه جعلها كالأصلية، فعاملها معاملة ما هو أصل، كما نقول في أخت وبنت: أن التاء فيهما ليس حكمها حكم تاء التأنيث؛ لكون ما قبلها ساكنا مع أنه حرف صحيح ولكونها لا تبدل هاء في الوقف ففارقت تاء التأنيث من هذين الوجهين فلم تعامل معاملتها، وعلى هذا نقول في النسب إلى أخت وبنت: أختيّ وبنتيّ. والظاهر أن مذهبه كمذهب سيبويه في أن التاء للتأنيث، لكن التاء لم تعامل معاملة تاء مكة. في الحذف لما ذكرنا (¬3)، وأما سيبويه - رحمه الله تعالى - فإنه يحذف التاء من: - ¬

_ (¬1) هذا مخالف لما ذكره سيبويه حيث قال (3/ 351 - 352) (وإذا كانت الهمزة من أصل الحرف، فالإبدال فيها جائز كما كان فيما كان بدلا من واو أو ياء، وهو فيها قبيح وقد يجوز إذا كان أصلها الهمز، مثل: قرّاء ونحوه) ولم يذكر المصنف هذا الرأي لسيبويه انظر: شرح التسهيل له (ص 101) وقال، وليست منقلبة من ياء أو واو. وهذا جائز). (¬2) قال الرضي (2/ 70): (وليس ليونس في كلتا قول، ولم يقل أنه ينسب إليه مع وجود التاء، كما نسب إلى: أخت وبنت ... فقول المصنف: (وعليه كلتى ....) فيه نظر، إلا أن يريد أنك لو نسبت إليه تقديرا على قياس ما نسب يونس إلى أخت وبنت؛ لجاز الأوجه الثلاثة) وانظر: الكتاب (3/ 363) وشرح الكافية - (ص 1956)، والأشموني (4/ 195). (¬3) قال الأشموني في معرض حديثه عن أخت وبنت (4/ 195): (فالتاء إذن فيهما عوض من اللام -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كلتا وأخت وبنت، فيقول في النسب إليها: كلوي وأخوي وبنوي، أما في كلتا فلأنه يحذف التاء؛ لأنها كتاء التأنيث في الدلالة على معنى التأنيث، قالوا هي بدل عما انقلبت عنه ألف كلا فالأصل: كلوي، وعلى هذا تكون الألف في كلتا للتأنيث [6/ 61] لكن إذا كانت الألف للتأنيث فكيف تكون التاء للتأنيث، والظاهر أن التاء في كلتا ليست للتأنيث، وإنما هي بدل من لام الكلمة التي هي الواو في الأصل؛ لتدل على أن مدلول الكلمة مؤنث إذ لو قيل: كلوي على الأصل لاحتمل أن يكون مدلولها مذكر، أو إن كان اللفظ مؤنثا فصارت كلتا في مقابلة كلا لتحقيق الدلالة على إراده مؤنث، وقد رجح قول سيبويه بشيء، وهو أن الاتفاق واقع على أن التاء من أخت وبنت تحذف في الجمع، فيقال: أخوات وبنات، والذي ظهر من كلامهم أن الألف في كلتا عند سيبويه للتأنيث، وكذا عند يونس وأن التاء بدل من لام الكلمة التي هي الواو في الأصل (¬1)، لكن سيبويه يجريها مجرى تاء التأنيث فإذا حذفها انحذفت الألف الزائدة، وعادت لام الكلمة التي هي الألف المنقلبة عن الواو وهي ألف ثالثة يجب إثباتها ثم قال: كلوي؛ ويونس يجريها مجرى الأصلي، فلا يحذف ويبقى ألف التأنيث على حالها فتعامل الكلمة حينئذ معاملة حبلى، فيقول: كلتيّ وكلتويّ وكلتاويّ، ويدل على أن الأمر، كما قلته أنهم نقلوا أن الألف عند الجرميّ أصل، وأن وزن كلتا عنده فعتل وردّ ذلك عليه بأنه مثال غير موجود (¬2) وزيادة التاء حشوا قليل جدّا، وهذا يدل على أن الألف في كلتا عند سيبويه ويونس ليست أصلية، وإذا لم تكن أصلية كانت زائدة للتأنيث (¬3)، وقوله: ولا تقلب ألف (معلّى) ونحوه من المضاعف العين خلافا ليونس يشير به إلى مسألة خالف يونس فيها سيبويه، قال الشيخ: إذا وقعت الألف خامسة وهي منقلبة (عن أصل) بعد حذف مشدد، نحو: معلّى ومثنّى ومعمّى، ففيه خلاف، مذهب - ¬

_ - المحذوفة، وإنما حذفت في النسب على مذهب سيبويه لما فيها من الإشعار بالتأنيث، وإن لم تكن متمحضة للتأنيث وظاهر مذهب سيبويه أن تاء كلتا، كتاء بنت وأخت، وأن الألف للتأنيث) وانظر: الرضي (2/ 70)، والخصائص (1/ 202). (¬1) ينظر: الخصائص (1/ 203)، والأشموني (4/ 196)، وابن يعيش (6/ 6)، والرضي (2/ 70). (¬2) قال ابن جني في الخصائص (1/ 203): (غير أني وجدت لهذا القول نحوا ونظيرا، وذلك فيما حكاه الأصمعي من قولهم للرجل القوّاد: الكلتبان، وقال مع ذلك: هو من الكلب، وهو القيادة، فقد ترى التاء على هذا حشوا ووزنه فعتلان). (¬3) ينظر: ابن يعيش (6/ 6)، والخصائص (1/ 202).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سيبويه والجمهور الحذف كحالها إذا وقعت خامسة وهي منقلبة عن أصل وليس قبلها مشدد، نحو: مشترى، فإنّه لا خلاف في حذفها ومذهب يونس جعله كمعطى وملهى فيجيز فيه القلب وهو قول ضعيف؛ لأن المدغم بمنزلة ما ليس بمدغم في الزنة، وهو حرفان في الوزن الأول منهما ساكن، ولذلك ألزمه سيبويه أن يقلبه في عبدي، ولا يحذف وأن يصرف في مثل: خدبّ أو: حمّص اسم مؤنث سمي به مذكر؛ لأنه يجعل المدغم بمنزلة حرف، وهو لا يقول في عبدّى إلا بحذف الألف فلا يجعله كحبلى فيجيز فيه: عبدّوي كما جاز في: حبلوي كما جاز في: حبلى حبلويّ، وكذلك لا يقول في نحو: حمّص، لمؤنث سمي به مذكر إلا بالصرف ولا يجعله كقدم وأذن فإنه إذا سمي بهما مؤنث لا ينصرفان، فلو كان الحرف المشدد يجري مجرى الحرف الواحد؛ لجاز القلب في عبدّي ومنع الصرف في: حمّص، ثم إن هذا القلب في فعلّى عند يونس، إنما هو جائز لا واجب (¬1) انتهى. قوله - أعني المصنف - والنسب إلى شج وحيّ وعليّ وتحيّة ونحوهن كالنسب إلى فتى، تتضمن الإشارة إلى ثلاث مسائل وهي مسألة المنقوص الثلاثي ومسألة الياء المشددة الواقعة بعد حرف واحد، ومسألة الياء المشددة الواقعة بعد حرفين، وقد ذكر أن النسبة في ثلاث المسائل، كالنسبة إلى: فتى، ويعني بذلك أن تقلب الياء التي تليها ياء النسب واوا ويفتح ما قبلها، فيقول في النسب إلى شج: شجويّ وإلى حيّ حيوي وإلى: عليّ وتحيّة: علويّ وتحويّ، كما يقال في النسب إلى فتى: فتوي، وتقرير ذلك: أما المنقوص الثلاثي، فقد تقدم القول بأن الياء من المنقوص متى كانت ثالثة لا تحذف وذلك يعرف من قول المصنف: أو ياء منقوص غير ثلاثي، يعني أن ياء المنقوص تحذف إما وجوبا وإما وجوبا وإما جوازا إن كان غير ثلاثي، فاستثنى المنقوص الثلاثي من المنقوص الذي تحذف ياؤه، ثم إذا لم تحذف لا يجوز إبقاؤها ياء، لما يؤدي إليه ذلك من الثقل باجتماع ثلاث ياءات قبلها كسرة، بل تقلب واوا وتفتح عين الكلمة التي هي مكسورة لما ستعرف أن النسبة إلى الاسم الثلاثي في المكسور العين إنما تكون بفتحها، كقولك في نمر: نمريّ (¬2)، فمن ثم في شج شجويّ، وفي عم عمويّ، والجماعة - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 253) (ب). (¬2) قال سيبويه (3/ 344): (النمر ليس فيه حرف إلا مكسور إلا حرفا واحدا وهو النون وحدها، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقولون في النسبة إلى نحو شج: أن العين تفتح أولا، فيلزم انقلاب الياء حينئذ ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها فتصير الكلمة من باب المقصور تقديرا فينسب إليه كما ينسب إلى المقصور الذي هو ثلاثي (¬1) وأقول: أنه لا حاجة إلى هذا العمل المؤدي إلى إخراج الكلمة من باب إلى باب آخر مع الاستغناء عنه، ثم لك أن تقول: العين إنما تفتح لأجل النسب، فينبغي أن تقلب الياء واوا أولا لينسب فإذا تعينت النسبة فتحت العين حينئذ لذلك، وكلام الجماعة يقتضي أن العين تفتح أولا، وحينئذ تقلب الياء ألفا، ثم بعد ذلك نأتي بياء النسب، ولا يخفى بعد ذلك وأما الياء المشددة الواقعة بعد حرف واحد، والياء المشددة الواقعة بعد حرفين، فقد عرفت في ما تقدم لنا ذكره أن أقسام الياء المشددة آخر الاسم الذي (تقصد) النسبة إليه أربعة: واجب الحذف وهو إذا كانت خامسة، كياء: بخاتي أو رابعة، وكلا الياءين زائد، كياء: جعفي وشافعي، وجائز الحذف والإثبات لإحدى الياءين مع حذف الأخرى وهو أن تكون الياء رابعة، ولكن الزائد إحدى الياءين والياء الأخرى أصل كمرمي، فإنه يقال فيه: مرمي بحذف الياءين، وهو المختار و: مرموي بحذف الياء الزائدة وبقاء الأصلية مقلوبة واوا (¬2)، ووجب الحذف لإحدى الياءين مع وجوب بقاء الأخرى وهو أن تكون الياء ثالثة، نحو: قصي وأمية، فإنك تقول في النسب إليهما قصويّ وأمويّ وممتنع الحذف، وهو أن تكون الفاء ثانية، نحو: حي وطي فإنك تقول في النسب إليهما: حيوي وطووي، ثم لما علم من قول المصنف أن التي بعد أكثر من حرفين تحذف، أن التي بعد حرف واحد وهي الثانية لا تحذف، وأن التي بعد حرفين وهي الثالثة لا تحذف أيضا لكن الحذف الممتنع إنما هو حذفها بجملتها، فإن حذف إحدى الياءين لا بد منه ثم إن بعض ما هو بعد ثلاثة أحرف وهو الرابعة فيه تفصيل، ولما لم يكن - ¬

_ - فلاكثر فيه الكسر والياءات تقل، فلذلك غيروه إلى الفتح). (¬1) ينظر: الكتاب (3/ 342)، والمقتضب (3/ 136)، والتكملة (ص 55) واللمع (ص 282). (¬2) قال الرضي (2/ 53): (فإن سكن ثاني الكلمة، نحو: مرميّ وكذا: يرمي في النسب إلى يرمي على وزن: يعضيد من: رمي فالأولى حذفهما - أيضا - للاستثقال، ويجوز حذف الأول فقط، وقلب الثاني واوا احتراما للحرف الأصلي، فتقول: مرموي ويرموي وإنما فتحت ما قبل الواو استثقالا للكسرتين مع اجتماع ثلاثة أحرف معتلة، فيكون كقاضوي عند المبرد، وإن تحرك ثاني الكلمة فلا بد من حذفهما مع أصالة الثاني، كما تقول في النسب إلى: قضويّة على وزن: حمصيصة من: قضى: قضويّ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في كلامه المتقدم ما يعرف منه كيفية العمل فيما الياء فيه بعد حرف أو حرفين، [6/ 62] وأن الذي يحذف بعد الحرفين، إنما هو إحدى الياءين ولا الياء الرابعة التي قلنا: إن فيها تفصيلا، أورد ذلك كله هنا فأشار بحيّ إلى ما الياء فيه بعد حرف واحد وهي الثانية، وبعليّ وتحيّة إلى ما الياء فيه بعد حرف واحد وهي الثانية، وبعلىّ وتحيّة إلى ما الياء فيه بعد حرفين وهي الثالثة، وبقوله بعد: وقد يعامل، نحو: قاض، معاملة: شج وعليّ أي يعامل: قاض معاملة: شج في أن لا تحذف ياؤه، بل تبقى وتقلب واوا وهذه هي المسألة التي تقدم قولنا عند الكلام على المنقوص أنه سيذكرها وها هو قد ذكرها. ويعامل: مرميّ معاملة: عليّ فلا تحذف ياء مرميّ بجملتها، وإنما تحذف الياء الأولى وهي الزائدة وتبقى الثانية وهي الأصلية، وتقلب واوا، فيقال في الأولى: قاضويّ وفي الثانية (¬1): مرمويّ، وقد قال المصنف: إن النسب إلى: حي وعلي وتحية، كالنسب إلى فتى يعني، فيقال: حيويّ وعلوي وتحوي، والموجب لذلك طلب الخفة، أما: حيّ، فقالوا: إن الياء الأولى حرّكت الياء بالفتح، ولزم من ذلك قلب الثانية ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها (¬2). ولو قيل بأن الياء الثانية قلبت واوا ابتداء ثم حركت الياء الأولى؛ لأنها لو استمرت ساكنة لزم العود إلى ما حصل الفرار منه، وهو اجتماع أربع ياءات؛ لأن سكون الياء الأولى يوجب أن تقلب الثانية وهي الواو التي قلبت عن الياء يا للقاعدة المستقرة وهي: إذا اجتمع واو وياء وسبق إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياء والإدغام. وأما علي وتحية، فقلب الياء الثانية منهما واوا، قد عرفت أنه لازم هربا من اجتماع أربع ياءات بعد كسرة، وأما حذف الياء الأولى فقد عرفت أن الياء المشددة إذا كانت ثالثة وجب حذف إحدى الياءين وهي الأولى وبقاء الأخرى، وسنذكر تعليل ذلك في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى، وقوله: وشذ نحو: حيّيّ وأميّي (¬3)، وجه الشذوذ فيه ظاهر وهو اجتماع أربع ياءات قال سيبويه: وسألته عن - ¬

_ (¬1) قال ابن عقيل في المساعد (3/ 362): (ونص أبو عمرو وسيبويه والأخفش على شذوذ: قاضوي ووجهه أنه فتح وسطه، ثم قلبت ياؤه واوا) انظر: الكتاب (2/ 71، 72)، التكملة (ص 58)، واللمع (ص 282)، وابن يعيش (5/ 151)، والمقرب (2/ 64، 65)، والهمع (2/ 193). (¬2) ينظر: الرضي (2/ 50)، والمساعد (3/ 360). (¬3) قال سيبويه (3/ 344) (وزعم يونس أن ناسا من العرب، يقولون: أميّيّ، فلا يغيّرون لما صار إعرابها كإعراب ما لا يعتل).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإضافة إلى تحيّة، فقال: تحويّ (¬1) وكذا كل شيء آخره هكذا، يعني إن كان ما آخره ياء مشددة يفعل به هكذا. وبعد أن ذكر الشيخ المسألة المذكورة، قال: وقيل هذا ليس على إطلاقه؛ لأنك لو صغرت كساء ثم نسبت إليه لم تقل إلا: كسيّي، بياءين مشددتين، ولا يجوز غيره وعلة ذلك أن تصغير كساء كسيّي بثلاث ياءات ياء التصغير والياء المنقلبة عن الألف الزائدة والياء المنقلبة عن لام الكلمة، فتحذف الياء المنقلبة عن الألف، وتدغم ياء التصغير في الياء التي انقلبت عن اللام، فيقال: كسيّ كأخي ثم تدخل ياء النسب تقول: كسيّيّ، ولا يجوز أن تحذف إحدى الياءين الباقيتين؛ لأن ياء التصغير لا يجوز حذفها؛ لأنها لمعنى والمعنى باق، وحذف الياء الأخيرة لا يجوز؛ لأنك توالي بين إعلالين؛ لأنك كنت قد حذفت الياء التي كانت منقلبة عن ألف كساء، هذا مع أنك تحرك ياء التصغير، وذلك لا يجوز فلهذا التزم فيه التثقيل، وما كان بمثل الكساء مصغرا، ثم نسب إليه فإنه لا يحذف أصلا (¬2)، وربما تدخل هذه المسألة تحت كلام سيبويه؛ لأنه قال: يفعل هذا فيما آخره هكذا، ولا يجوز مثله إلا أن يكون غير مؤدّ إلى حذف حرف المعنى أو إلى موالاة الإعلال وربما تشكل هذه المسألة على بعض النحويين فيجيز: كسويّ (¬3) انتهى ما نقله الشيخ عمن لم يعيّنه. وأقول: إن الذي ذكره هذا القائل من أنه يلزم أن يقال في النسب إلى: كسيّ المصغر: كسيّيّ - بياءات أربع، من أجل أنك إن حذفت ياءا لتصغير لم يجز؛ لأنها لمعنى والمعنى باق، وإن حذفت ياء الثانية لم يجز؛ لتوالي إعلالين - مدفوع بقول العرب في النسب إلى قصي: قصويّ وإلى جهينة: جهني بحذف الياء، فإن قال: إن قصيّا وجهينة ليسا بمصغرين، وإنما نطقوا بهاتين الكلمتين ابتداء فأتوا بهما على زنه: فعيل وفعيلة دون قصد تصغير. قيل له: فكيف تعمل في: أميّة فقد ذكر الأئمة أنها تصغير: أمة، والأصل: أميوة ولكنها أعلت الإعلال المعروف لمثلها، وقد أجمع النحاة على أن يقال في النسب إليها: أموي بحذف الياء الأولى التي للتصغير وقلب الياء الثانية واوا (¬4). - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 346). (¬2) ينظر: المساعد (3/ 361 - 362). (¬3) التذييل (5/ 253) (أ)، (ب). (¬4) قال في المصباح (25): (الأمة: محذوفة اللام، وهي واو والأصل: أموة ولهذا تردّ في التصغير، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: إن ياء التصغير لمعنى، والمعنى فالجواب عندي من وجهين؛ أحدهما: أن المحذوف لإعلال تصريفي في حكم المذكور. ثانيها: أن الياء وحدها لم تكن المستقلة بالدلالة على التصغير؛ بل الدال عليه مع الياء ضم أول الاسم، وفتح ثانيه فبزوال الياء لم تفت الدلالة على التصغير. وأما قوله: أن حذف الثانية لا يجوز لتوالي إعلالين، فهذا منه بناء على أن الياء التي كانت حذفت من: كسّي المصغر قبل النسب إليه هي الياء المبدلة من الألف الزائدة في: كساء، والأمر ليس كذلك، فإن النحاة نصوا على أن المحذوف في مثل ذلك إنما هو الياء الأخيرة (¬1)، وقد قال سيبويه - رحمه الله تعالى: واعلم أنه إذا كان بعد ياء التصغير إن حذفت التي هي آخر الحروف (ويصير) (¬2) الحرف على مثال: فعيل، ويجري على وجوه العربية وذلك قولك في عطاء: عطي وقضاء: قضي وسقاية: سقيّة وإداوة: أديّة وفي شاوية: شويّة، وفي غاو: غوي، إلا أن تقول: شويوية وغويو في من قال: أسيود (¬3)؛ وذلك لأن اللام إذا كانت بعد كسرة (اعتلت، واستثقلت إذا كانت بعد كسرة) في غير المعتل فلما كانت بعد كسرة في ياء قبل تلك اليائيان التحقير - ازدادوا لها استثقالا فحذفوها (¬4). انتهى كلام سيبويه - رحمه الله تعالى - وإذا قلت: إن المحذوف قبل النسب في مصغر: عطاء وكساء، إنما هو الياء التي هي لام الكلمة، فإذا جاء النسب وحذفنا لأجله ياء التصغير وقلبنا الياء الأخرى واوا كان توالي الإعلالين منتفيا، وقوله - أعني المصنف - وقد يعامل، نحو: قاض ومرمي معاملة: شج وعلي، وقد تقدم الكلام عليه ولاختصاصها بحكم صار، نحو: قاض كأنه مستثنى من المنقوص الذي ذكره. - ¬

_ - فيقال: (أميّة) والأصل: أميوة، وبالمصغر سمي الرجل .... والنسبة إلى (أميّة): أموي بضم الهمزة على القياس) وانظر: اللسان (أما). وفي الكتاب (3/ 344) (وزعم يونس أن ناسا من العرب، يقولون: أميّيّ، فلا يغيرون لما صار إعرابها كإعراب ما لا يعتل). (¬1) المنقلبة عن الهمزة الواقعة بعد ألف كساء، وهي لام الكلمة. انظر: الرضي (1/ 231)، والمساعد (3/ 361)، وابن جماعة (1/ 84، 85). (¬2) كذا في الكتاب وفي نسختي التحقيق (فيصير). (¬3) ينظر: الخصائص (1/ 155، 354)، (3/ 84)، والمقتصب (1/ 256)، (2/ 241)، والرضي (1/ 230). (¬4) الكتاب (2/ 132).

[ما يحذف قبل الآخر لأجل النسب]

[ما يحذف قبل الآخر لأجل النسب] قال ابن مالك: (ويحذف أيضا لياء النّسب ما يليه المكسور لأجلها من ياء مكسورة مدغم فيها [ما لم ينفصل]). ـــــــــــــــــــــــــــــ قيل: ومرمي كأنه مستثنى من المختوم ياء مشددة، الذي ذكره أيضا. وشاهد الحذف من المنقوص قول الشاعر: 4220 - كأس عزيز من الأعناب عتّقها ... لبعض أربابها حانيّة حوم (¬1) وشاهد الإثبات فيه قول الآخر: 4221 - وكيف لنا بالشّرب إن لم يكن لنا ... دراهم عند الحانوي ولا نقد (¬2) قال الشيخ: وحانية وقاص [6/ 63] ونحوهما عند سيبويه القياس فيه الحذف، وأما القلب فمن شواذ تغيير النسب (¬3). قال ناظر الجيش: يشير بهذا الكلام إلى مسألة يحذف منها لأجل النسب حرف قبل الآخر، ولا شك أن من جملة التغييرات لبعض الأسماء المنسوبة الحذف، كما عرفت، وأن الحذف إما حذف كلمة أو حذف حرف هو آخر أو قبل الآخر، وقد تقدم الكلام على حذف آخر ما هو كلمة، وما هو آخر، وبقي الكلام على حذف ما هو قبل الآخر، والمصنف أورد ذلك في الفصل الذي يأتي، وقد كان الأليق أن يضم هذه المسألة إلى المسائل التي سيذكرها، لكنه أفردها بالذكر هنا والمراد أنه إذا كان قبل الحرف الذي هو آخر الكلمة ياء مكسورة مدغم فيها تحذف - ¬

_ (¬1) من البسيط لعلقمة الفحل يصف خمرا ويقصد بالعزيز ملكا من ملوك الأعاجم، عتقها: تركها حتى عتقت فرقّت. وأربابها: أصحابها، ويروى: أحبابها أي: أوقاتها من فصح أو عيد، والحانية: الخمارون، وهي موضع الشاهد حيث نسب إلى الحانة على القياس، وحوم: سود يريد أنها من أعناب سود، ويقال: الحوم جمع حائم، وهو الذي يقوم على الخمر ويحوم حولها، وانظر في: ديوانه (ص 131)، والكتاب (3/ 342)، والمقرب (2/ 65)، والمفضليات (ص 402). (¬2) من الطويل قائله ذو الرّمة: وموضع الاستشهاد في البيت، قوله: حانوي فإنه نسبه إلى الحانية تقديرا، فقلبت الياء واوا كما في النسبة إلى قاضي على غير القياس، قال سيبويه: الوجه الحاني، لأنه منسوب إلى الحانة وهي بيت الخمار. انظر: الكتاب (3/ 340)، والمحتسب (1/ 134)، وابن يعيش (5/ 151)، والمقرب (2/ 65)، والعيني (4/ 538)، ملحق ديوان ذي الرّمة (ص 665). (¬3) الكتاب (3/ 340)، والتذييل (5/ 254) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتلك الياء المكسورة وجوبا حال (¬1) النسب، فيقال في النسب إلى: سيّد وطيّب: سيديّ وطيبيّ، ويقال في النسب إلى مهيّم اسم فاعل من هيّم (¬2) مهيميّ، وإنما قالوا ذلك فرارا من الثقل بسبب وجود ياء مشددة قبلها كسرة، وقبل الكسرة ياء مكسورة مشددة أيضا ومن ثمّ القياس أن يقال: طيئي في النسب إلى: طيي، لكنهم شذّوا فيه، فقالوا: طائي (¬3) بقلب الياء الساكنة المفتوح ما قبلها ألفا، كما قالوا في يجل: يا جل، ثم إن المصنف قيد الياء المدغم فيها التي يجب حذفها لأجل ياء النسب بقيدين؛ أحدهما: أن المكسور لأجل ياء النسب وهو آخر الكلمة يلي تلك الياء التي تحدث، فلو لم يل المكسور الياء بأن فصل بينهما حرف ساكن امتنع الحذف، وذلك نحو أن ينسب إلى نحو: مهيّم مصغر مهوّم اسم فاعل من هوّم الرجل إذا نام (¬4) فإنك تقول: مهيّميّ، لما سنذكره. فقد ولي الحرف المكسور - وهو الميم - حرفا ساكنا وهو الياء التي جيء بها في المصغر تعويضا مما حذف منه فلم نحذف الياء المكسورة المدغم فيها للفصل بينهما وبين المكسور الذي هو آخر بحرف ساكن، وليعلم أن التعويض حال النسب مما ذكر لازم، وتقرير ذلك أن مهوّما إذا صغر وجب أن يحذف منه إحدى الواوين، ثم يصغر فتنقلب الواو ياء، لوقوع الياء ساكنة قبلها فيصير لفظه مهيّم، ولا شك أن لفظ اسم الفاعل من هيّم مهيّم فلو ذهبوا ينسبون إليهما على ذلك الأصل لالتبس فنسبوا إلى اسم الفاعل من هيّم على الأصل المقرر، فقيل: مهيمي، ونسبوا إلى مهيّم تصغير مهوّم: مهيّمي، بالتعويض وكان بالتعويض أحق؛ لأنه قد حذف منه إحدى العينين، فكان التعويض - ¬

_ (¬1) قال الرضي (2/ 32): (لكراهتهم في آخر الكلمة الذي اللائق به التخفيف اكتناف ياءين مشددتين بحرف واحد مع كسرة الياء الأولى، وكسرة الحرف الفاصل، وكان الحذف في الآخر أولى، إلا أنه لم يجيز حذف إحدى ياءي النسب لكونها معا علامة، ولا ترك كسرة ما قبلهما لالتزامهم كسرة مطردا، ولا حذف الياء الساكنة؛ لئلا يبقى ياء مكسورة بعدها حرف مكسور بعدها ياء مشددة ... فلم يبق إلا حذف المكسورة) وانظر: الكتاب (2/ 70، 71)، والمقتضب (3/ 135) والتكملة (ص 58)، والخصائص (2/ 232) وابن يعيش (5/ 147). (¬2) من هيّم الحب الرجل إذا جعله هائما. انظر: اللسان «هيم». (¬3) بقلب الياء الأولى ألفا. وانظر الكتاب (2/ 86)، والخصائص (1/ 155)، والمقرب (2/ 68)، والتصريح (2/ 230)، والهمع (2/ 194). (¬4) ينظر: الصحاح (5/ 2062)، ومختار الصحاح (ص 479).

[النسب إلى المركب]

[النسب إلى المركب] قال ابن مالك: (وقد يبنى من جزئي المركّب (فعلل) بفاء كلّ منهما وعينه، فإن اعتلّت عين الثّانى كمل البناء بلامه أو بلام الأوّل ونسب إليه، وربّما نسب إليهما معا: مزالا تركيبها أو صيغا على زنة واحدة أو شبّها به فعوملا معاملته). ـــــــــــــــــــــــــــــ به أجدر ولم يبقوه على أصله استثقالا لمهيّمي فزادوا ياء مع الكسرين، وأربع الياءات؛ لأن السكون من غير إدغام، كالاستراحة وهو في حرف المدّ أقعد، (¬1) القيد الثاني أن الياء التي يليها الآخر وهي التي يجب حذفها تكون مكسورة، كما هي في: سيّد وطيّب وأسيّد وحميّر وغزيّل، فلو كانت مفتوحة امتنع الحذف لانتقاء الثّقل، فيقال في النسب إلى هبيّخ هبيّخي دون حذف، وخرج بقوله: مدغم فيها من ياء مكسورة لا إدغام فيها وينكسر ما بعدها لأجل ياء النسب، وذلك نحو: مغيل ومغيم اسم فاعل من أغيمت السماء وأغيلت المرأة إذا سمي بهما ونسب إليهما، فإن الياء المقصورة لا تحذف بل يقال: مغيلي، ومغيمي. قال ناظر الجيش: إتيان المصنف بكلمة قد يعرف منه أن الذي يذكره قليل ولا شك أنه موقوف على السماع، ولا مجال فيه للقياس والمنقول عن العرب: عبشمي وعبدري، (¬2) في عبد شمس وعبد الدار، ومرقسيّ وعبقسيّ في امرئ القيس، وعبد القيس وحضرمي وتيملي في حضرموت وتميم اللات فعبشمي وعبدري بني منهما فعلل بفاء كل منهما وعينه وقد اعتلت عين الثاني من قيس من امرئ القيس، ومن عبد القيس، ومن تيم اللات، فكمل البناء بلام الثاني في مرقسي وعبقسي، وبلام الأول في: حضرمي وتيملي، وأشار بقوله: وربما نسب إليهما معا هزالا تركيبهما، إلى أنهم يقولون جاءني البعليّ البكيّ (¬3)، قال الشاعر: 4222 - تزوّجتها راميّة هرمزيّة ... بفضل الّذي أعطى الأمير من النّقد (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: الرضي (2/ 33 - 35) والخصائص (2/ 232). (¬2) ينظر: ابن يعيش (6/ 7)، والرضي (2/ 72، 73)، والهمع (2/ 193)، الأشموني (4/ 190). (¬3) جوز هذا أبو حاتم السجستاني. راجع ابن يعيش (6/ 7)، والرضي (2/ 72)، 73، والهمع (2/ 193)، والأشموني (4/ 190). (¬4) من الطويل، قائله مجهول، ويروى الشطر الثاني: بفضل الذي أعطى الأمير من الرزق. والشاهد في قوله: رامية هرمزية. على أنه جاء النسب إلى الجزأين في: رامهرمز.

[النسب إلى فعيلة وفعيلة وفعولة]

[النسب إلى فعيلة وفعيلة وفعولة] قال ابن مالك: (يقال في فعيلة فعليّ وفي فعيلة وفعولة فعليّ ما لم يضاعفن أو تعدم الشّهرة أو تعتلّ عين فعولة أو فعيلة صحيحة اللّام وقد يقال فعلّى وفعلّى في فعيل وفعيل صحيحي اللّام ولا يقاس عليه، وفعولة المعتلّ اللّام كالصّحيحها لا كـ «فعول» خلافا للمبرّد في المسألتين). ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقوله: أو صيغا على زنة واحد إلى قولهم: البعلبكّي والرّامهرمزي، ومراده بقوله: أو شبّها (¬1) به، أن المركبين شبها بما صنع على زنة واحدة فعوملا معاملته في إلحاق النسبة إليه، ومثّل لذلك بقولهم: كنتيّ في كنت قال الشيخ: فهذا مشبه بالبعلبكّي، وذلك أن بعلبك مدلوله مفرد فناسب إدخال ياء النسب عليه بخلاف قولهم: كنت كنت، فإنه ليس مدلوله مفردا ولا هو علم على شيء، وإنما هو قول من عجز من الكبر، فيقول: كنت كذا كنت كذا، قال فهو مراد به الجملة (¬2) انتهى كلامه رحمه الله تعالى. والواقف عليه أن يتأمله. قال ناظر الجيش: قد قلنا إن من جملة التغييرات اللاحقة لبعض الأسماء المنسوبة حذف حرف قبل الآخر، وقد شرع المصنف في ذكر ذلك. وقبل الخوض فيه ينبغي أن يعلم أن الذي يحذف لأجل ياء النسب من الأحرف الواقعة قبل آخر الكلمة ستة أحدها: الياء المكسورة المدغم فيها كسيديّ في النسبة إلى سيّد، ثانيها: فعيلة كجهني في النسبة إلى جهينة، ثالثها: ياء فعيلة كحنفي في النسبة إلى: حنيفة، رابعها: واو فعولة كشنئي في النسبة إلى شنوءة، خامسها: ياء فعيل المعتل اللام كغنوي في النسبة إلى غني وعلوي في النسبة إلى عليّ، سادسها: ياء فعيل المعتل اللام كقصوي في النسبة إلى قصي فالحرف الذي يحذف إما ياء، وذلك في مواضع خمسة، وإما واو [6/ 64] وذلك في موضع واحد، ثم إن الياء المكسورة المدغم فيها قد ذكرها المصنف في الفصل الذي فرغ منه، وقلنا: إنه لو أخر المسألة وذكرها هنا كان أولى، وأما ياء فعيل وفعيل (المعتل) اللام كغنيّ وقصيّ فقد سبق الكلام - ¬

_ (¬1) قال ابن عقيل في المساعد (3/ 365) (أي شبّه المركبان بما صيغ على زنة واحد، كقولهم في كنت: كنتي نزلوا كنت للشيخ منزلة العلم لكثرة وقوع هذا اللفظ منه، فنسبوا إلى لفظه كما ينسب إلى المفر (تشبيها له به). (¬2) التذييل (5/ 255) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيهما؛ لأنهما انتظما في ما الآخر فيه ياء مشددة، والكلام على الياء المشددة التي قبلها حرفان، وتكون الياء المشددة في تلك الكلمة ثالثة قد تقدم فوجب لذلك أن يتمحض هذا الفصل لذكر ما بقي، وهو ثلاثة ياء فعيلة وياء فعيلة وواو فعولة (¬1)، ومن ثم قصره المصنف على ذكرها خاصة دون ما شاركها في الحذف المذكور ولحذف الياء من فعيلة، والواو من فعولة شرطان وهما نفي التضعيف وصحة العين، فنفي التضعيف مشترط في الثلاثة. ولذلك قال المصنف بعد ذكرهن: ما لم يضاعفن وصحة العين مشترط في أوله مفتوح ولذلك قال: أو تعتل عين فعولة أو فعيلة، ثم المقتضي لحذف الياء والواو من هذه الثلاثة طلب التخفيف، ومن ثم كان الحذف مما فيه التاء دون ما لا تاء فيه؛ لأن الكلمة بالتأنيث تثقل (¬2) وكأنهم قصدوا إلى الفرق بين النسب إلى فعيلة وفعيل وفعولة وفعول. فإذا نسبوا إلى ما فيه التاء حذفوا الياء معها، وإذا نسبوا إلى ما لا تاء فيه أثبتوا الياء، فيقولون في طريفة: طرفي، وفي طريف: طريفي، وإنما أبقوا الياء والواو في المذكر إما؛ لأنه الأصل فكان الحذف من الفرع؛ لأنه الثاني، وإما لاستثقالهم المؤنث، كما تقدم، وإنما اشترط نفي التضعيف؛ لأنهم لو قالوا في النسب إلى مثل قليلة وشديدة وملولة: قللي وشددي ومللي؛ لصاروا إلى ما يفرون منه من اجتماع المثلين من غير إدغام، وإنما اشترط صحة العين في (فعيلة وفعولة)؛ لأنهم لو قالوا في مثل طويلة وقووله: طولي وقولي بالحذف؛ لأدى ذلك إلى وقوع الواو متحركة مفتوحا ما قبلها فيلزم حينئذ قلبها ألفا، فيقال: طالي وقالي، فتخرج الكلمة من صيغة إلى صيغة أخرى. فمن ثم امتنع الحذف، فقالوا: طويلي وقوولي؛ ليكون سكون ما بعد الواو مانعا - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (3/ 339)، والمقتضب (3/ 134)، والتكملة (ص 56)، والخصائص (1/ 115)، وابن يعيش (5/ 146)، والمقرب (2/ 61، 62)، وابن جماعة (1/ 104)، والهمع (2/ 195)، والتصريح (2/ 331)، والرضي (2/ 23)، والأشموني (4/ 186). (¬2) قال أبو علي الفارسي في التكملة (ص 86): (أصل الأسماء التذكير، والتأنيث ثان له) وقال ابن يعيش (5/ 88): (والدليل على أن المذكر أصل أمران: أحدهما: مجيئهم باسم مذكر يعم المذكر والمؤنث وهو شيء. الثاني: أن المؤنث يفتقر إلى علامة ولو كان أصلا لم يفتقر إلى علامة) وانظر: الأشباه والنظائر (2/ 117)، والهمع (2/ 169)، والصبان على الأشموني (4/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من انقلابها ألفا من أجل الفتحة التي قبلها، ولما لم يكن هذا موجودا في (فعيلة) لم يشترط في حذف الياء منها صحة العين لكون ما قبلها مضموما، فيقال في النسب إلى عيينة (¬1) وقويمة تصغير قامة، أو قومة: عيني وقومي بالحذف، كما يقال في جهينة (¬2) مما هو صحيح العين جهني، وإذ قد تقرر هذا فلنرجع إلى ألفاظ الكتاب، فنقول: قوله: يقال في فعيلة: فعلى ظاهر ومثاله: جهني في المنسوب إلى جهينة: بثني في المنسوب إلى: بثينة (¬3) و: ضبعي في المنسوب إلى: ضبيعة (¬4) وشذ قولهم: رديني في المنسوب إلى: ردينة (¬5)، وقوله في: فعيلة وفعولة فعلي ظاهر أيضا، ومثاله قولهم في المنسوب إلى حنيفة (¬6) وربيعة (¬7): حنفي وربعي؛ لأن حذف تاء التأنيث لا بد منه ثم بعد حذف الياء الزائدة آل وزن الكلمة إلى فعل بكسر العين، وستعرف أن الكسرة في مثل هذ الوزن تبدل فتحة، فيقال في النسب إلى نمر: نمري بفتح الميم فكذلك يجب أن يقال في النسب إلى حنيفة وربيعة: حنفي وربعي بفتح النون والياء اللتين كانتا مكسورتين، وقد شذ من ذلك كلمات وردت عن العرب منها قولهم في عميرة كلب (¬8): عميري وفي السّليقة: سليقي وهو - ¬

_ (¬1) اسم رجل كعيينة بن حصن الفزاري واسم موضع. ابن جماعة (1/ 105) اللسان (عين). (¬2) بالتصغير علم مرتجل في اسم أبي قبيلة من قضاعة من القحطانية، وهو جهينة بن زيد بن ليث ينتهي نسبه إلى قضاعة، كانت مساكنهم بين ينبع ويثرب، كما سمي بجهينة قرية كبيرة من نواحي الموصل، وقلعة حصينة بطبرستان. انظر: معجم القبائل (1/ 216)، ومعجم البلدان (2/ 194). (¬3) (تصغير بثنة) وهي الأرض السهلة اللينة، وقيل: الرملة. وبها سميت المرأة بثنة وبتصغيرها سميت (بثينة) اللسان (بثن). (¬4) (ضبيعة: قبيلة: وهو أبو حي من بكر، وهو ضبيعة بن قيس ثعلب بن عكاية بن صعب بن بكر بن وائل، وهم رهط الأعشى ميمون بن قيس، قال الأزهري: وضبيعة قبيلة في ربيعة) اللسان (ضبع). (¬5) قال ابن منظور في اللسان (ردن): (وردينة: اسم امرأة، والرّماح الردينيّة منسوبة: إليها الجوهري: الفتاة الرّدينيّة والرمح الرديني زعموا أنه منسوب إلى امرأة). (¬6) (حنيفة: أبو حي من العرب وهو حنيفة ابن مجيم ابن صعب بن علي بن بكر بن وائل) اللسان (حنف) ومعجم القبائل (1/ 312). أو لقب أثال ابن لخيم كما في ابن جماعة (1/ 104). (¬7) جاء في اللسان (ربع): (وربيعة اسم، والربائع: بطون من تميم، وقال الجوهري وفي تميم ربيعتان: الكبرى وهو ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهو ربيعة الجوع، والوسطى وهو ربيعة بن حنظلة بن مالك. (¬8) قال ابن منظور: (وعميرة: أبو بطن، وزعمها سيبويه في كلب) اللسان (عمر) ومعجم القبائل (3/ 991).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرجل الذي يتكلم بأصل طبعه ولغته (¬1)، وفي سليمة (¬2): سليمي فلم يحذفوا من هذه الثلاث، ولكنهم لم يغيروها عن لفظها الأصلي، ومنها قولهم في بني عبيدة وهم حي من بني تميم (¬3) وفي بني جذيمة (¬4) عبدي وجذمي بحذف الياء وضم أول الكلمة، وإنما ضموه فرقا بينه وبين عبيدة من قوم آخرين وبين جذيمة؛ لأن في العرب جماعة اسمهم جذيمة، ومنها قولهم في زبينة (¬5): زباني بفتح الباء وألف بعدها، قال الشيخ: ولو سميت رجلا زبينة، ونسبت إليه لم تقل: زباني ولكن: زبني على القياس نص على ذلك سيبويه رحمه الله تعالى - قال: وهو مطرد في كل ما شذت فيه العرب في النسب إذا سميت به فصار علما وأردت النسب إليه، فإنما تنبّه على القياس لا على الشاذ الذي كان في النسب قبل أن يصير علما (¬6) ثم إنه أعني الشيخ ... ذكر أن في فعولة ثلاثة مذاهب: أحدها مذهب سيبويه، وهو أنك تحذف الواو وتفتح عين الكلمة، فتقول في حمولة وركوبة: حملي وركبي، والثاني: مذهب الأخفش والجرمي والمبرد، وهو أنك تنسب إليه على لفظه، فتقول: حمولي وركوبي وشنئي أزد شنوءة (¬7) شاذ عندهم؛ حتى قيل: لم يجئ الحذف في غيره؛ لأنهم إنما حذفوا الياء ولم يحذفوا الواو إلا في هذا الحرف، والثالث: مذهب ابن الطراوة؛ وهو أنك تحذف الواو، وتترك ما قبلها على الضم، فتقول: حملي وركبي. ومستند سيبويه أن العرب، قالت في النسبة إلى شنوءة: شنئي بحذف الواو. وفتح ما كان قبلها، ولا يقال: إنه لم يسمع ذلك إلا في شنوءة فهو شاذ؛ لأنه لم يرد عن العرب مما هو قد نسب إلى فعولة سوى: شنوءة فقط، ولم يسمع - ¬

_ (¬1) ينظر اللسان (سلن). (¬2) وبنو سليمة بطن من الأزد وبنو سليمة: من عبد القيس، قال سيبويه: النسب إلى سليمة سليمي). انظر اللسان (سلم)، والكتاب (2/ 71). (¬3) انظر اللسان (عبد)، والرضي (2/ 28)، والجاربردي (1/ 106). (¬4) جذيمة لحي من أسد ولحي من عبد القيس، كما يقال لجذيمة بن رواحة، وجذيمة بن سعد. انظر: اللسان (جذم)، ومعجم القبائل (1/ 175)، والكتاب (2/ 69). (¬5) وبنو زبينة، كسفينة حي، والنسبة إليه زباني. القاموس (4/ 233)، واللسان (زين). (¬6) الكتاب (3/ 338). (¬7) حيّ من اليمين. انظر: معجم القبائل (2/ 614)، ومعجم البلدان (3/ 368).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منهم نسبه إلى فعولة على غير هذه. الطريقة لأنهم إنما سمع منهم شنئي لا غير؛ فصار أصلا يقاس عليه ما كان على وزنه، وأما مستند الأخفش ومستند ابن الطراوة، فتركت ذكرهما خشية الإطالة، قالوا: والصحيح ما ذهب إليه سيبويه؛ لأن السماع يعضده (¬1) وقوله: (ما لم يضاعفه) ظاهر، وقد تقدم التمثيل لذلك (¬2) وقول: أو تعدم الشهرة، قال الشيخ فيه: هذا الذي ذكره المصنف لم يذكره أصحابنا ولم يفصلوا في ذلك؛ بل يقولون: إن الياء تحذف من (فعيلة وفعيلة) والواو من فعولة مطلقا إلا إن ضوعفت العين أو اعتلت، وهكذا ذكر سيبويه في كتابه (¬3) ولم يذكر عدم الشهرة (¬4) انتهى. وقوله: أو تعتل عين (فعولة أو فعيلة) قد تقدم الكلام فيه والتمثيل لذلك والمراد أن العين متى ضوعفت من الأوزان الثلاثة أو اعتلت من فعولة أو فعيلة امتنع حذف الياء، وأما قوله صحيحة اللام، فقال الشيخ: واحترز بذلك من معتلها، فإنها إذا كانت معتلة اللام، نحو: طويّة (¬5) وحييّة (¬6) فإنك تحذف ياء (فعيلة وفعيلة) فتقول: طووي وحيوي، ثم [6/ 65] قال: وقوله: صحيحة اللام قيد فيما اعتلت عينه من هذه الأوزان الثلاثة (¬7)، انتهى، واعلم أني لم أتحقق ما قاله الشيخ في هذا الموضع، فإن مقتضى كلامه أن (فعيلة وفعيلة) إذا كانت واحدة منهما معتلة اللام تحذف الياء منهما، وعلى ما قاله يتحد ما هو صحيح اللام منهما، وما هو معتلها في الحذف المذكور، وإذا كان كذلك التغت فائدة تقييد المصنف حينئذ، بقوله: (صحيحة اللام) بعد قوله: (أو تعتل عين فعولة وفعيلة)؛ لأن الياء الزائدة إذا كانت تحذف من هذين الوزنين مطلقا أعني صحيحي اللام كانا أو معتليهما فلا فائدة لقوله: صحيحة اللام. ثم الذي تعطيه عبارة المصنف أن صحة اللام شرط في حذف الياء من الوزنين المذكورين ومفهومها أن اللام إذا كانت معتلة - ¬

_ (¬1) (فإن العرب حين نسبت إلى شنوءة، قالوا: شنئي (بحذف الواو) فإن قيل: شنئي شاذ أجيب بأنه لو ورد نحوه مخالفا له صح ذلك، ولكن لم يسمع في فعولة غيره، ولم يسمع إلا كذلك فهو جميع المسموع منه فصار أصلا يقاس عليه). ابن جماعة (1/ 1040)، والهمع (2/ 195)، والتصريح: (2/ 331)، والرضي (2/ 23)، والأشموني (4/ 186). (¬2) مثل لذلك بقليلة وشديدة وملولة. (¬3) الكتاب (3/ 338 - 342). (¬4) التذييل (5/ 256) (أ). (¬5) (الطويّة: الضمير). اللسان (طوى)، ومختار الصحاح (ص 401). (¬6) (حييّة: اسم) انظر: اللسان (حيا). (¬7) التذييل (5/ 256) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا يكون حذف، ولا شك أن القول بعدم الحذف لمعتل اللام بعيد أو ممتنع (¬1)؛ لأن حذف الياء إذا كان واجبا في المعتل اللام من (فعيل وفعيل) كان الحذف من (فعيلة وفعيلة) المعتلين أوجب؛ لأن الياء من (فعيلة وفعيلة) الصحيحي اللام واجبة الحذف غير جائزة الحذف من (فعيل وفعيل) الصحيحي اللام، فإذا كان الحذف مع صحة اللام واجبا في الوزنين المذكورين أعني (فعيلة وفعيلة) كيف لا يكون حذف في المعتل اللام منهما. وعلى هذا يشكل قول المصنف صحيحة اللام والذي ذكره الشيخ من أنك تحذف الياء منهما، فنقول في: طويّة وحييّة: طووي وحيوي، موافق لما قلناه لكن فيه حمل كلام المصنف على خلاف ما يفهم من ظاهره، واعلم أن قول المصنف هنا: أن الياء تحذف حال النسب من فعيلة وفعيلة، فيقال: فعلي وفعلي مع ما تقدم له قبل من أن ما آخره ياء مشددة قبلها حرفان تحذف الياء منه أيضا حال النسب (¬2) كقولك علوي في علي وقصوي في قصي يعلم منه بطريق المفهوم أو بطريق عدم التعرض لذكره أن الياء من فعيل وفعيل الصحيحي اللام لا تحذف، فيقال: إنه لمّا لم يذكره لزم بقاؤه على الأصل وهو عدم الحذف، ولكن لمّا ورد عن العرب الحذف في كلمات قليلة نبّه المصنف على ذلك بقوله هنا: وقد يقال: (فعلي وفعلي في فعيل وفعيل صحيحي اللام) وذلك قولهم: ثقفي في النسبة إلى ثقيف (¬3). - ¬

_ (¬1) يقول المصنف في متن التسهيل: (يقال في فعيلة: فعلي - بالحذف - وفي فعيلة وفعولة: فعلي - بالحذف أيضا - ما لم يضاعفن - فلا حذف - نحو قولهم في النسب إلى شديدة وضرورة: شديدي وضروري، بدون حذف الياء أو الواو؛ لأن العين مضعفة - أو تعدم الشهرة - فلا حذف ولعله تحرز من قولهم في ردينة: رديني - أو تعتل عين فعولة أو فعيلة - حالة كونهما (فعولة وفعيلة) - صحيحي اللام. مثال ذلك طويلة وقؤولة فلا تحذف الياء أو الواو؛ لأجل صحة اللام، فيقال في النسب إليهما: طويلي وقؤولي. أما معتلة العين واللام فتحذف منها الياء، نحو: طويّة وحييّة فنقول في النسب إليهما: طووي وحيوي وعلى ذلك فلا وجه لاعتراض الشارح. وانظر: الكتاب (2/ 73)، والمقتضب (3/ 140)، وابن يعيش (5/ 148)، والمقرب (2/ 62)، والهمع (2/ 195)، والأشموني (4/ 187). (¬2) فتحذف الياء وتفتح العين المكسورة وتقلب الياء الأخيرة واوا كراهية اجتماع ياءات مع كسرتين. وانظر: الرضي (2/ 22)، والجاربردي (1/ 106، 107). (¬3) ثقيف: أبو قبيلة من هوازن واسمه قسي بن منبّه بن بكر بن هوازن وتنسب إليه قبيلة ثقيف، وكان موطنها بالطائف، وأسلمت سنه (9 هـ). معجم القبائل (1/ 148، 150)، واللسان (هزن).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قرشيّ في النسبة إلى قريش (¬1)، ومثله هذلي (¬2) وفقمي (¬3) وملحي (¬4) وكان القياس: ثقيفي وقريشي وهذيلي فقيمي ومليحي، وقد جاء النسب إلى قريش على الأصل دون حذف، قال الشاعر: 4223 - بكلّ قريشي عليه مهابة ... سريع إلى داعي النّدى والتّكرّم (¬5) وأما قول المصنف: (وفعولة المعتل اللام كالصحيحها لا كفعول) فلا يخفى أنه قد تقدم أن الياء من (فعيلة وفعيلة) والواو من (فعولة) تحذفان مطلقا حال اتصال ياء النسب بها بالشرط الذي علم، وكذا الياء من (فعيل وفعيل) المعتلّي اللام تحذف أيضا بخلاف الصحيح اللام منهما وعلم بالسكوت عن صيغة (فعول) أنها ينسب إليها على الأصل دون حذف صحيحة كانت لامها أو معتلة، أما مع صحة اللام فكأختيهما اللتين هما فعيل، وأما مع إعلال اللام، فلأن الموجب للحذف في نحو: (فعيل وفعيل) إنما هو الثقل؛ لاجتماع الياءات، وأما نحو قولنا في النسب إلى عدوّ: عدوّي فلا ثقل فيه، فلم يكن للحذف موجب؛ إذ ذاك لكن قد عرفت أو الواو تحذف من (فعولة) في النسب كما تحذف الياء من (فعيلة وفعيلة) وذلك نحو قولك في النسب إلى عدوّة: عدوّي، هذا قول سيبويه فجرى في الصيغة المؤنثة وهي فعولة على القاعدة وهي حذف الحرف الزائد (¬6)، وخالف المبرد في ذلك فنسب إلى عدوة، كما ينسب إلى عدو فلم يحذف شيئا، بل قال: عدوّي في - ¬

_ (¬1) انظر: معجم القبائل (3/ 947 - 951). (¬2) في النسب إلى (هذيل) وهي قبيلة من قبائل الحجاز العظيمة. انظر: معجم القبائل (3/ 1213). (¬3) في النسب إلى (فقيم) حي من كنانة. انظر: المرجع السابق (3/ 926)، والرضي (2/ 29). (¬4) في النسب إلى (مليح) لحي من خزاعة. انظر: معجم القبائل (1/ 338، 339)، (3/ 1138)، والرضي (2/ 29). (¬5) من الطويل وهو من شواهد سيبويه (2/ 70) ولم يعزه لأحد ولا عزاه صاحب معجم الشواهد. ويروى: بكلّ قرشي إذا ما لقيته ... سريع إلى داعي النّدى والتّكرّم والشاهد في قوله: (قريشي) بإثبات الياء على القياس، لكنهم يغايرون ذلك ويعدلون عنه في قريش، فيقولون: قريشي. انظر: الإنصاف (ص 350)، وابن يعيش (6/ 11)، واللسان (قرش). (¬6) ينظر الكتاب (3/ 344)، وابن يعيش (5/ 148).

[النسب إلى الثلاثي المكسور العين]

[النّسب إلى الثلاثي المكسور العين] قال ابن مالك: (وتفتح غالبا عين الثّلاثي المكسورة، وقد يفعل ذلك نحو: تغلب، وفي القياس عليه خلاف والمنسوب إلى إرمينية أرمني، وفي معاملة دهليز ونحوه معاملته نظر، ولا يغيّر، نحو: جندل). ـــــــــــــــــــــــــــــ كلتا الكلمتين (¬1)، وحاصل الأمر أنّ سيبويه يجري الحال مجرى فعول وفعولة في الصحيح، فيثبت الحرف الزائد في صيغة فعول ويحذفه في صيغة فعولة، وأما المبرد فأجراه على ما يقتضيه أصل النسب ولم يجره مجرى شنوءة، وعلل ذلك بأنه أجرى الحرفين من أجل الإدغام مجرى الحرف الواحد، قالوا: وسيبويه راعى بابه الذي هو أخص، فأجراه مجرى فعولة في الصحيح، فقال في عدوّة: عدوي، كما قولوا في شنوءة: شنئي (¬2) ولم يعتد بالإدغام قال الأئمة: وكلا القولين غير بعيد. فإن سمع أحدهما أتبع وإلا فلا يعد في كل منهما، لكن المصنف جرى في المسألة على مذهب سيبويه، ولما كان المبرد قد خالف في هذه المسألة كما عرفت، وأجاز القياس أيضا على ما شذ من قول العرب في فعيل وفعيل الصحيحي اللام فعلي وفعلي بالحذف، وكأن قوله في القياس غير معمول به أشار المصنف إلى الأمرين بقوله: خلافا للمبرد في المثالين. قال ناظر الجيش: يشير إلى أن أن نحو: نمر إذا نسب إليه فإنما يقال فيه: نمري بفتح الميم، ويدخل تحت قوله: عين الثلاثي المكسورة ثلاث كلمات وهي فعل كنمر، وفعل كإبل، وفعل كدئل ففي النسب إلى الثلاث يجب فتح العين منها لما يلزم لو بقيت كسرة من توالي كسرتين في نحو: نمر ودئل أو ثلاث في نحو: إبل، وياء مشددة مع حركة قبل ذلك، وعلى هذا يقال: نمري وإبلي ودوئلي بجعل الكسرة فتحة، وأما (غالبا) من قول المصنف، فظاهره أن العين في مثل ذك قد تفتح وتبقى في النسب على كسرها ولا يخفى بعد ذلك، قال الشيخ: ولا أعلم خلافا في وجوب فتح العين في نحو: نمر وإبل دئل إلا ما ذكره طاهر (القزويني) (¬3) في - ¬

_ (¬1) ينظر: المقتضب (3/ 137)، وابن يعيش (5/ 148). (¬2) ينظر: ابن يعيش (5/ 149)، والرضي (2/ 23، 24)، وشرح الكافية (4/ 1946). (¬3) ما بين القوسين بياض في النسختين والإضافة من التذييل (5/ 257) (ب) وطاهر القزوين هو -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مقدمة له أن ذلك على جهة الجواز (¬1). انتهى. ولا شك أن المصنف لا يرى ذلك وكأنه إنما احترز بقوله: غالبا عن كلمة شذت، فوردت بالكسر، أما أنه يجيز ذلك فلا، ويدل على ذلك أنه قال في شرح الكافية. وشذّ قولهم في الصّعق: صعقي. والأصل: صعق فكسروا الفاء إتباعا لكسرة العين، ثم ألحقوا ياء النسب واستصحبوا الكسرتين شذوذا (¬2). ويفهم من تقييد هذا الحكم بالثلاثي أن الكسرتين والياء المشددة لو توالينا بعد حركة في كلمة زائدة على الثلاثة لا تغير الكسرة بفتحة كما نسب إلى جحمرش (¬3) فإنك تقول: جحمرشي (¬4) وقد علل ذلك بتعليل لم أتحققه (¬5)، ومن فروع هذه المسألة [6/ 66] أنك لو سميت بيعد ثم نسبت إليه فتحت العين وقلت: يعدي (¬6)؛ لأنهم إنما ينظرون إلى اللفظ لا إلى أصل الكلمة فلا يقال إن الأصل: يوعد فهو، مثل: تغلب فيجوز فيه بقاء الكسرة، ويدل على ذلك أنك لو سميت، بنحو: يصنع منعته الصرف؛ لأنه على وزن الفعل ولو صغرته صرفته لزوال وزن الفعل ولو نسبت إلى، يزر اسم إنسان، والأصل فيه: يزءر فخفف بنقل حركة الهمزة إلى ما قبلها، جاز فيه وجهان أحدهما أن تجريه مجرى (نمر، فتقول: يزري بالفتح، والثاني أن تراعي المحذوف وهو الهمزة فيصير رباعيّا) فتجريه مجرى تغلب (¬7) فيكون الأحسن فيه الكسر، ذكر هذه المسألة الشيخ في شرحه، ثم قال (¬8): فإن قيل أي فرق بين يعد ويزر، وكلاهما على وزن الفعل، أجيب بأن الكسرة في يعد أصل وهي في يزر عارضة، فلذلك كان التحويل في يعد - ¬

_ - محمد بن أحمد تتلمذ على ابن مالك، واشتهر بتدريسه لكتاب سيبويه، وله تعليق عليه. راجع. بغية الوعاة (1/ 28) وطبقات ابن الجزري (2/ 375). وانظر رأيه في: المساعد (3/ 368)، والهمع (2/ 195)، وابن جماعة (1/ 103). (¬1) التذييل (5/ 257) (ب). (¬2) شرح الكافية (4/ 1947). (¬3) (جحمرش: العجوز الكبيرة) اللسان (جحمرش). (¬4) ينظر المساعد (3/ 369). (¬5) قال ابن جماعة (1/ 103): (بأن كثرة الحروف غلبت على الكسرة، وصارت كالمنسي معها أي قويت الكلمة بالزائد عن الثلاثة)، وانظر ابن يعيش (5/ 146). (¬6) هذا الرأي لأبي حيان. انظر التذييل (5/ 250) (أ)، وابن جماعة (1/ 102). (¬7) اسم قبيلة. راجع: معجم القبائل (1/ 120). (¬8) التذييل (5/ 250) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألزم منه في يزر ألا ترى أن الأصل في يعد: بوعد، والأصل في يزر: يزءر ولا يكون الأصلي في النقل كالعار: انتهى. وعلى الناظر أن يتأمل ما ذكره، وقول المصنف: وقد يفعل ذلك بنحو: تغلبيّ، قال في شرح الكافية: والجيد في النسب إلى تغلب ونحوه من الرباعي الساكن المكسور الثالث بقاء الكسرة (¬1)، والفتح عند أبي العباس مطرد وعند سيبويه مقصور على السماع (¬2)، ومن المقول بالفتح والكسر (تغلبي) ويحصبي (¬3) ويثربي. وأما ما لم يسكن ثانية، نحو: علبط (¬4) فلا بد من كسر ثالثه في النسب، فيقال علبطىّ (¬5). انتهى وإلى وجوب بقاء الكسر في النسب إلى علبط أشار المصنف بقوله هنا ولا يغير نحو: جندل (¬6)، يعني أنه يقال فيه: جندليّ، ومثل: جندل وعلبط وعجلط وعكلط (¬7) ولك أن تقول مقتضى وجوب الفتح في نحو: نمري؛ لكون ما قبل المكسور فيه محركا واختار بقاء الكسر في: تغلبي ونحوه؛ لسكون ما قبل المكسور، وأن يختار الفتح في نحو: (علبطي) لحركة ما قبل المكسور، فالعجب من وجوب بقاء الكسر فيه، وامتناع الفتح، ولكنهم علّلوا بقاء الكسر في مثل ذلك، بأن الحرف الأول والثاني إذا تحركا بغير الكسر قاوما ما بعدهما بين الحرفين المكسورين. انتهى. ولا يخفى ضعف هذا التعليل. ولكون الفتح في نحو: (تغلب) مطردا عند أبي العباس مقصورا على السماع عند سيبويه (¬8) أشار المصنف بعد ذكره أن الفتح يكون في نحو: تغلب إلى ذلك، فقال: وفي القياس عليه خلاف (¬9)، وقوله والمنسوب إلى إرمينية: أرمني قال الشيخ: إرمينية هي بكسر الهمزة، وسكون الراء، - ¬

_ (¬1) بقاء الكسرة في ذلك هو اختيار الخليل وسيبويه والفتح شاذ لا يقاس عليه عندهما. وهو قياس عند المبرد وابن السراج ومن وافقهما كالرصاني والفارسي والصيمري وجماعة، وذهب أبو موسى الجزولي إلى توسط بين القولين وهو أن المختار أن لا يفتح. راجع تفصيل ذلك في: الكتاب (3/ 342 - 345) وابن يعيش (5/ 146)، والرضي (2/ 19)، والأشموني (4/ 182). (¬2) الكتاب (3/ 342). (¬3) (يحصبي: حي من اليمين) اللسان (حصب). (¬4) (العلبط: الغليظ من اللبن وغيره) اللسان (علبط). (¬5) شرح الشافية الكافية (4/ 1947) وما بعدها. (¬6) انظر: الكتاب (3/ 343). (¬7) (العجلط والعكلط) اللبن الخاثر الثخين. انظر اللسان (عجلط). (¬8) ينظر: الكتاب (3/ 342 - 344)، وابن يعيش (5/ 146). (¬9) انظر الخلاف في هامش (1) من نفس الصفحة.

[النسب إلى الثنائي]

[النسب إلى الثنائي] قال ابن مالك: (فصل لا يجبر في النّسب من المحذوف الفاء أو العين إلّا المعتلّ اللّام، فأمّا المحذوفها فيجبر بردّها إن كان معتلّ العين، وكذا الصّحيحها إن جبر بردّها في التّثنية والجمع بالألف والتّاء وإلّا فوجهان وتفتح عين المجبور غير المضاعف مطلقا خلافا للأخفش في تسكين ما أصله السّكون، وإن جبر ما فيه همزة الوصل حذفت وإلّا فلا، وإن كان حرف لين آخر الثّنائي الّذي لم يعلم له ثالث ضعّف وإن كان ألفا جعل ضعفها همزة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وميم مكسورة بعدها ياء ساكنة يليها نون مكسورة تليها ياء خفيفة بعدها تاء التأنيث، وقد ذكر المصنف أن النسب إليها: أرمني؛ بحذف الياءين وفتح الميم، وإنما فتحت الميم ولم تبق على كسرتها؛ لئلا يكون معظم الاسم، ثقيلا ألا ترى أن الهمزة مكسورة بعدها ساكن والساكن حاجز غير حصين، ثم بعدها الميم مكسورة من كسر النون؛ ليأتي النسب فصار حل الاسم تثقيلا ففتحت الميم؛ لذلك كما فتحت العين في نمر ودئل. انتهى. وقول: وفي معاملة دهليز (¬1) ونحوه معاملته نظر أي أن الياء تحذف منه ويفتح ما قبل آخره، فيقال: دهلزيّ ونحو دهليز: قنديل ومنديل، قال الشيخ: وتردد نظره في هذا أنه إن أقرّ ياء: دهليز كان (معظم) الاسم ثقيلا وقد تجنبته العرب، وإن حذفها فكذلك أيضا يبقى معظمه ثقيلا، وكأنه توالت فيه كله كسرات مع ياء أو دونها مع ياءي النسب؛ لأن الساكن حاجز غير حصين، فهذا يقتضي إلحاقه به ويقال إنه لم تتوال كسرتاه؛ إذ قد فصل بين كل منهما بساكن، فقلّ الثقل، فهذا يقتضي أن ينسب إليه على لفظه، وهذا أرجح الوجهين عندي؛ لأن مثل: أرمني لم يكثر كثرة تقتضي القياس (¬2)، انتهى، وقول المصنف ولا يغير نحو: جندل قد تقدم الكلام عليه. قال ناظر الجيش: قد تقدم الإعلام أن من التغييرات التي تعرض لبعض الأسماء المنسوب إليها رد حرف كان قد حذف من تلك الكلمة، وتضعيف حرف منها أيضا. وها هو قد ضمن القسمين المذكورين، أعني الرد والتضعيف هذا الفصل، وأنا - ¬

_ (¬1) (الدهليز: الدلّيج، فارسي معرب) اللسان (دهلز). (¬2) التذييل (5/ 250) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أذكر أولا تقسيما يحصل به ضبط المسائل المذكورة فيه، ثم أعود إلى لفظ الكتاب. فأقول: إذا قصر النسب إلى كلمة ثنائية في اللفظ فإمّا أن تكون ثلاثية الوضع قد حذف منها أو ثنائية لم يحذف منها فمنهما نوعان، النوع الأول بالنسبة إلى رد المحذوف ينقسم إلى ثلاثة أقسام واجب الرد، ممتنعة، جائزة، أما وجوب الرد ففي مواضع ثلاثة: أحدها: إذا كان المحذوف غير اللام، واللام معتلة، نحو: شية (¬1) مما هو محذوف الفاء ومري اسم فاعل من أرى مما هو محذوف العين. ثانيها: إذا كان المحذوف اللام والعين معتلة، نحو: ذو، وشاه. ثالثها: إذا كان المحذوف غير اللام والعين صحيحة، ولكن اللام ترد في التثنية والجمع بالألف والتاء، نحو: أب وأخت، وأما امتناع الرد ففي موضع واحد وهو إذا كان المحذوف غير اللام، واللام صحيحة نحو: عدة في المحذوف الفاء وسه (¬2) في المحذوف العين، وأما جواز الأمرين أعني الرد وعدمه ففي موضعين: أحدهما: إذا كان المحذوف اللام والعين صحيحة، ولكن لا ترد اللام حال التثنية والجمع، نحو: دم وحر وست وغد وشفة (¬3)، وكذا: ثبة فإنّ سيبويه يذهب إلى: أن المحذوف اللام، وأنها ياء لقولهم: ثبيت، أي: جمعت والثّبة الجماعة (¬4) قال تعالى: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (¬5) أي: جماعة جماعة، أو انفروا مجتمعين، وقال الزجاج إن - ¬

_ (¬1) وهي كل لون يخالف معظم اللون من جميع الجسد في البهائم وغيرها وأصلها وشية بكسر الواو، فقلبت الكسرة إلى الشين، ثم حذفت الواو وهي فاؤها وعوض منها تاء التأنيث. انظر: التصريح (2/ 335)، والصحاح (6/ 2524). (¬2) وأصلها سته. ينظر في النسب إليها: التكملة (60)، وابن يعيش (6/ 5)، والتصريح (2/ 335)، والأشموني (4/ 197). (¬3) ينظر: الكتاب (3/ 357 - 359)، والمقتضب (1/ 366)، والمنصف (2/ 148). (¬4) وأصلها ثبوة فعلة من ثبا يثبو إذا اجتمع وتضام، وقيل للجماعة: ثبة، لانضمام بعضها إلى بعض، واستدل ابن جني على أن المحذوف الواو بأن أكثر ما حذفت لامه إنما هو من الواو، نحو: أب، وأخ، وسنة، وثبة الحوض وسطه، جعلها الأخفش والزجاج مما حذفت عينه من ثاب الماء يثوب. بدليل تصغيرها على ثويبة، قال ابن يعيش: والصواب أن يكون المحذوف منها اللام، لكثرة ما حذفت لامه من الأسماء، وقلة المحذوف منه العين، فلم يأت مما حذفت عينه إلا كلمتان: مذ، وسه. راجع: الكتاب (3/ 359)، والمقتضب (1/ 376) واللسان (ثبا)، والخصائص (1/ 226)، وابن يعيش (5/ 4، 5)، وابن جماعة (1/ 136). (¬5) سورة النساء: 71.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المحذوف من ثبة عين الكلمة، وقول سيبويه هو المعتبر؛ لأن حذف اللام أكثر من حذف العين. ثانيهما: إذا كان محذوف اللام، ولكن عوّض بهمزة الوصل، نحو: ابن، إن حذفت همزة الوصل رددت المحذوف، وإن أبقيتها لم ترده (¬1)، وأما النوع الثاني وهو الكلمة الثنائية وضعا، فإما أن يكون الثاني من [6/ 67] الحرفين صحيحا نحو: كم ومن فيجوز النسب إليه على لفظه ويجوز تضعيفه (¬2) وإما أن يكون معتلّا فيجب التضعيف، ويفعل في الكلمة بعد ذلك ما يقتضيه القياس فيقال في النسب إلى: كي ولو ولا: كيويّ ولوّيّ ولائيّ، وإذ قد علم هذا فلنطبق عليه كلام المصنف، فنقول قوله: لا يجبر في النسب من المحذوف الفاء أو العين إلّا المعتل اللام إشارة إلى أول المواضع الثلاثة التي يجب فيها الرد وهو المحذوف الفاء كشية، أو العين كمري مع اعتلال اللام فيهما، وقوله: فأما المحذوفها فيجبر بردها إن كان معتل العين إشارة إلى ثاني المواضع وهو المحذوفها اللام مع اعتلال العين منه، نحو: ذو، وشاه، وقوله: وكذا الصحيحها إن جبر في التثنية والجمع بالألف والتاء إشارة إلى ثالث المواضع، وهو نحو: أب وأخت، وأما امتناع الرد، فقد عرفت أنه في موضع واحد وهو إذا كان المحذوف غير اللّام، واللام صحيحة كعدة في المحذوف الفاء، وسه في المحذوف العين، وهذا الموضع يفهم من قوله: لا يجبر في النسب من المحذوف الفاء أو العين إلّا المعتل اللام إذ مفهوم الحصر أنه إذا كان الاسم صحيح اللام، وكان مع ذلك قد حذفت فاؤه كما في عدة، أو عينه كما في: سه، فإنه لا يجبر برد، وأما جواز الأمرين وهما الردّ وعدمه، فقد عرفت أنه في موضعين، وهما إذا كان المحذوف اللام والعين صحيحة، ولكن اللام لا ترد في التثنية ولا الجمع بالألف والتاء نحو: دم وحر وست وإذا كان المحذوف - ¬

_ (¬1) تقول: ابني وبنويّ، فيجوز الرد مع حذف الهمزة وعدمه مع إثباتها. راجع الكتاب (2/ 81)، والمقتضب (3/ 154)، والأشموني (4/ 194). (¬2) قال الرضي (2/ 60): (اعلم أن الاسم الذي على حرفين على ضربين: ما لم يكن له ثالث أصلا، وما كان له ذلك فحذف، فالقسم الأول لا بد أن يكون في أصل الوضع مبنيّا؛ لأن المعرب لا يكون على أقل من ثلاثة في أصل الوضع، فإذا نسبت إليه، فإما أن تنسب إليه بعد جعله علما للفظه، أو تنسب إليه بعد جعله علما لغير لفظه، كما تسمى شخصا بمن أو كم ففي الأول لا بد من تضعيف ثانيه سواء كان الثاني حرفا صحيحا أو لا ... فتقول في الصحيح: الكمّيّة واللمّيّة بتشديد الميمين، وهو منسوب إلى ما.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللام، ولكن حصل العوض بهمزة وصل، نحو: ابن، أما الموضع الأول فيستفاد من قوله: وإلا فوجهان لأن قوله: وإلا قسيم لقوله: إن جبر في التثنية والجمع فالمعنى وإن لا يجبر في التثنية والجمع فوجهان وهما الرد وعدمه، وأما الموضع الآخر، وهو ما كان محذوف اللام وعوض بهمزة الوصل، فقد أشار إليه بقوله: وإذ جبر ذو همزة الوصل حذفت وإلّا فلا فيعرف منه أنه يقال في النسب إلى ابن: ابنيّ وفي النسب إليه دون همزة الوصل: بنويّ بالرد، وعرف أيضا من قوله: وإن كان حرف لين آخر (الثنائي) إلى آخره، أن آخر ما هو ثنائي الوضع إذا كان معتلّا يضعف، لكن مفهومه أن الآخر منه إذا كان صحيحا لا يضعف وليس الأمر كذلك؛ لأنه يجوز فيه الأمران وهما التضعيف وعدمه، وليعلم أن قول المصنف: وإن كان ألفا جعل ضعفها همزة فيه شيء، وهو أننا إذا ضعّفنا آخرا هو ألف، إنما نأتي بألف، ثم بعد اجتماع الألفين تبدل الثانية همزة على القاعدة المعروفة في مثل ذلك، وإذا كان الأمر هكذا، فالهمزة ناشئة عن الألف، وقوله: جعل ضعفها همزة ينافي ذلك، وقد ذكر المسألة في شرح الكافية، فقال: وإذا نسب إلى ذي حرفين لا ثالث لهما، ولم يكن الثاني حرف لين جاز تضعيفه وعدم تضعيفه، فيقال في كم: كمّيّ وكميّ، وإن كان الثاني حرف لين وجب تضعيفه وعومل ذو الياء معاملة حيّ وذوا الواو معاملة (ذوّ) (¬1) فيقال في النسب إلى في مسمى به: فيويّ وفي (المنسوب) إلى لو: (لوويّ) (¬2) وإن كان حرف اللين ألفا ضوعفت وأبدلت الثانية همزة، ثم أوليت ياء النسب، كقولك في: (لا) مسمّى به (لائيّ) ويجوز قلب الهمزة واوا (¬3). انتهى كلامه - رحمه الله تعالى - وأما قول المصنف وتفتح عين المجبور غير المضاف مطلقا خلافا للأخفش في تسكين ما أصله السكون فأشار به إلى أنك تقول في النسب إلى شية: وشويّ على مذهب سيبويه (¬4)، وأنك تقول فيه: وشييّ على مذهب الأخفش (¬5)، قال في شرح الكافية، وقد ذكر نحو: شية وحر - ¬

_ (¬1) في النسختين (ذو) وفي شرح الكافية (دوّ) والدو: الفلاة الواسعة والمستوى من الأرض. اللسان (دوا). (¬2) كذا في شرح الكافية وفي النسختين (لوى). (¬3) شرح الكافية (4/ 1956) وما بعدها. (¬4) الكتاب (3/ 369). (¬5) ينظر: ابن يعيش (6/ 4)، بدر الدين على الألفية (319)، والتصريح (2/ 335)، والأشموني (4/ 197).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيما يجب جبره برد المحذوف: ومذهب سيبويه (¬1) ألا تردّ عين المجبور إلى السكون إن كان أصلها السكون بل تفتح ويعامل الاسم معاملة المقصور إن كان معتلّا ومعاملة: جمل وعنب وصرر إن كان صحيحا، كقولك في شية وحر: وحرحيّ، ومذهب الأخفش أن تردّ عين المجبور إلى سكونها إن كانت ساكنة في الأصل، فيقال على مذهبه: وشييّ وحرحيّ (¬2) انتهى. ومذهب سيبويه هو الأصح؛ لأن الحرف الثاني كانت الحركة لازمة له للإعراب، وإنما ردّوا الحرف الذاهب لقلة الحروف، فإذا ردّوا ما لم تكن فيه من أجل الكثرة وجب أن يزيلوا ما هو فيه الحركة وهو تحريك الثاني، والفتحة أخف الحركات، قالوا: وكلام العرب على ما ذهب إليه سيبويه، قالوا في غد: غدوىّ بفتح الدال (¬3)، وغد أصله غدو بسكون العين (¬4)، وأما الأخفش فإنه يسكن؛ لأنه يقول إنما حرّك الحرف؛ لأجل الإعراب المنتقل إليه من لام الكلمة المحذوفة التي كانت محل الإعراب، فلما عادت اللام عادت العين إلى أصلها من السكون، قالوا: وما ذهب إليه الأخفش قياس مصادم للنّص، قالوا: وقد رجع الأخفش إلى مذهب سيبويه وذكر سماعا عن العرب (¬5)، وإنما عومل، نحو: شية بعد الجبر معاملة المقصور؛ لأنك لمّا رددت الواو التي هي فاء الكلمة وهي مكسورة والسين مستمرة على كسرها أيضا، آل وزن الكلمة إلى فعله، فوجب فتح عين الكلمة كما في نحو: إبل، وإذا فتحت العين وجب قلب الياء التي هي لام الكلمة ألفا، فيصير الاسم مقصورا ثلاثيّا، فيعامل معاملته بقلب ألفه واوا، وأما الأخفش فإنه ردّ عين الكلمة إلى أصلها من السكون، ولما سكنت العين بقيت لام الكلمة التي هي الياء على حالها؛ إذ لا موجب لتغييرها، وكأن سيبويه يرى أن الواو والحاء إنما ردّا في (شية وحر) من أجل النسب فكانا في حكم العارض لا في حكم ما هو أصل، فمن أجل ذلك استمرت الشين من شية، والراء من حر بعد رد المحذوف على حركتيهما، وأراد المصنف بقوله: مطلقا ما أصله السكون وما أصله - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 369). (¬2) شرح الكافية (4/ 1957) وما بعدها. (¬3) مع: غديّ. انظر شرح الكافية - 1954، والرضي (2/ 64). (¬4) المصباح - (443). (¬5) قال المرادي في شرحه للألفية (5/ 145): (وحكي عن أبي الحسن أنه رجع في (الأوسط) إلى مذهب سيبويه، وذكره سماعا عن العرب). وانظر: ابن جماعة (1/ 119)، والأشموني (4/ 194).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحركة، وهذا واضح، فإن قيل: ما الموجب لإيجاب الجبر برد المحذوف في بعض وامتناعه في بعضه، وجواز الأمرين في موضع، قلت: لم أر في كلام المصنف التعرض إلى ذكر ذلك ولا كلام الشيخ أيضا، إلّا فيما ذكره عنه، ويمكن أن يقال: أما وجوب الرد في نحو: شية ومري، فلأن اعتلال اللام يذهب صورتها الأصلية، فإذا انضم إلى ذلك كون فاء الكلمة أو عينها محذوفة أدى ذلك إلى اختلالها، فلا جرم أنهم أوجبوا [6/ 68] الرد، وأما وجوبه في نحو: ذو، وشاة فلأن اللام قد حذفت واعتلال العين يذهب صورتها، فكان الاختلال من (جهتين) كما في القسم الذي قبله، وهو ما اعتلت لامه، وكان المحذوف منه أحد الأصلين الآخرين اللذين هما الفاء والعين، وأما وجوبه في نحو: أب وأخ فقد قال الشيخ أبو عمرو الحاجب - رحمه الله تعالى - أن العلة في ذلك أنهم لو لم يردّوا لأخلّوا بحذف لامه وبحذف حركة وسطه مع أن المحذوف لام وهو محل قابل للتغييرات، فكان الرد والمحذوف لام أسهل، فلو قالوا: أبيّ وأخيّ؛ لكانوا قد حذفوا اللام وحركة العين؛ لأن الحركة اللام الحركة إنما هي لأجل ياء النسب (¬1). وفي هذا التعليل نظر؛ لأنه يلزم منه وجوب الرد في نحو: ست؛ لأن لامه محذوفة وهو متحرك الوسط ولا شك أن الرد في: ست جائز لا واجب، وعلّل الشيخ وجوب الرّد في نحو: شية بأنه لو لم يرد؛ لأدى ذلك إلى بقاء الاسم بعد حذف تاء التأنيث منه على حرفين ثانيهما حرف علة، وذلك لا يوجد في كلامهم (¬2)، وأقول هذا التعليل منقوض، بنحو: مري فإن الرّد فيه واجب مع أن ثاني الحرفين لو لم يرد حرف صحيح، لا حرف علة، وأما امتناع الرد في نحو: عدة وسه، وهو ما كان صحيح اللام وقد حذفت فاؤه أو عينه، فلأن صحة اللام تنفي الاختلال لبقائها على أصلها دون تغيير فلم يحتج إلى الرد، وأما جواز الأمرين في نحو: دم (وحر وست مما هو محذوف اللام) (¬3) لم ينضم إلى حذفها شيء آخر حتى يحصل اختلال للكلمة، فلم يجب الرّد كما في ذو وشاة، ولم يمتنع الرّد كما في عدة؛ لأن لام الكلمة محل قابل للتغيير من حيث هو آخر، فمن ثم سهل ردّ اللام، وإذ قد انقضى الكلام - ¬

_ (¬1) انظر: ابن جماعة (1/ 117 - 118). (¬2) التذييل (5/ 259) (ب). (¬3) كذا في (أ) وفي (ب) (حي وست مما هو محذوف اللام والعين صحيحة واللام لا ترد في التثنية ولا الجمع بالألف والتاء، فلأن اللام لم ينضم ...).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على هذا الفصل فلنذكر أمورا تضمنها شرح الشيخ - رحمه الله تعالى - منها أنه عند ذكر، نحو: عدة وسه، وهو ما كان صحيح اللام، وكانت فاؤه أو عينه محذوفة، والحكم بأن المحذوف منه لا يرد، قال: هذا مفهوم كلام المصنف، وأطلق ويحتاج إلى تقييد، وذلك أن المحذوف العين إن كان غير مضعف فالحكم، كما ذكر نحو: سه، وإن كان مضعفا، نحو: رب المخففة من ربّ، بحذف الباء الأولى الساكنة، فإنك إذا سمّيت بها ونسبت رددت المحذوف، لا نعلم في ذلك خلافا، وقد نص عليه سيبويه (¬1)، قال الشيخ: فهذه مسألة (خرجت عصا) قعّده المصنف من أن المحذوف العين لا يجبر بردها إلّا إذا كان معتل اللام، وهذا يجبر برد اللام مع أنها صحيحة. (¬2) انتهى كلامه. وقد ذكر المصنف هذه المسألة في شرح الكافية بعد أن تكلم على النسب إلى: شية وحر، وأن سيبويه لا يرد عين المجبور إلى السكون إن كان أصله السكون بل يفتح، وأنّ الأخفش يرد عين الكلمة إلى أصلها من السكون، فيقول فيهما: وشييّ وحرحيّ، فقال: فلو كان ما أصله السكون مضاعفا رد إليه باتفاق، كراهية لفك المضاعف، فيقال في النسب إلى رب مسمّى به على قصد الجبر: ربّي، ولا يقال رببيّ. نص على ذلك سيبويه - رحمه الله تعالى (¬3) - فالمصنف لم يجهل الحكم في هذه المسألة، وأما قول الشيخ: أنه أطلق وإنه كان يحتاج إلى تقييد. فلقائل أن يقول: إذا ثبت أن الأمر كذلك، فستكون هذه المسألة برأسها تذكر على حدتها لا دخول لها هنا؛ لأن كلامه في هذا الفصل مختص بكلمة ثلاثية لم تستعمل إلا محذوفة الفاء، أو العين، أو اللام كشية ومر وعدة وأب وأخ، وربّ المضعفة مستعملة بالتمام، بل هي أكثر استعمالا من المخففة وهي فرع المضعفة، وإذا كان كذلك فقد يقال: إن وجوب الردّ في مثلها قد يكون لخوف إلباس، وهو توهم النسبة إلى غير ما المثقلة أصله، وقد يكون لأمر آخر. ومنها: أنك إذا نسبت إلى: شاة قلت على مذهب سيبويه: شاهيّ (¬4) وذلك أن الأصل في شاة شوهة بسكون الواو كصحفة (¬5)، فلما حذفت الهاء باشرت تاء - ¬

_ (¬1) قال سيبويه (3/ 359): (وإذا أضفت إلى (رب) فيمن خفف - فرددت قلت: ربّي) وانظر: التذييل (5/ 258) (أ). (¬2) التذييل (5/ 258) (أ). (¬3) شرح الكافية (4/ 1958). (¬4) الكتاب (3/ 368). (¬5) ينظر: المرجع السابق، والممتع (2/ 626)، والمساعد (3/ 371).

[النسب لما آخره ياء، أو واو قبلها ألف]

[النسب لما آخره ياء، أو واو قبلها ألف] قال ابن مالك: (فصل: تبدل «همزة» ياء، نحو: «سقاية» و «حولايا»، وقد تجعل واوا، وفي نحو: «غاية» ثلاثة أوجه: أجودها الهمز ولا يغير ما لامه ياء أو واو من الثّلاثي الصّحيح العين السّاكنها باتّفاق إن كان مجرّدا، وإن أنّث بالتّاء عومل معاملة منقوص ثلاثيّ إن كان ياء وفاقا ليونس لا إن كان واوا وفاقا لغيره). ـــــــــــــــــــــــــــــ التأنيث الواو وهي لا تكون إلّا بعد فتحة أو ألف، فتحركت الواو بالفتحة بسبب التاء فانقلبت ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، وعلى أصل الأخفش، يقال: شوهيّ، برد الواو إلى أصلها من السكون، وإنما قيل: إن الأصل السكون؛ لأن الأولى أن يقدر الحرف ساكنا؛ لأن الحركة أمر زائد والأصل عدمه، منها أنك تقول في النسب إلى ذو: ذوويّ؛ لأن أصله: ذوى فلامه ياء وعينه واو، فلما رد حرف العلة المحذوف، وفتحت العين؛ لكونها في الأصل مفتوحة انقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فنسب إليه كما ينسب إلى عصا موجب أن يقال: ذووي. قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على ثلاث مسائل: الأولى: أن النسب إلى: سقاية ودرحاية وحولايا، ونحوها مما الياء فيه غير ثالثة، يكون بإبدال الياء همزة، قال في شرح الكافية: ثم يعامل معاملة همزة كساء، فيقال: سقائيّ وسقاويّ ودرحائيّ ودرحاويّ وحولائيّ وحولاويّ كما يقال: كسائيّ وكساويّ، ولا يجوز: سقاييّ بسلامة الياء (¬1). انتهى. وفهم منه أن الضمير في قوله: وقد يجعل واوا راجع إلى الهمزة، أي، وقد تجعل الهمزة في: سقاء، ونحوه واوا فإنّه نظّر ذلك بكساويّ والذي جعل واوا في كساويّ إنّما هو الهمزة، وحاصل الأمر أن نحو: سقاية (¬2) مما وقعت الياء فيه بعد ألف زائدة، وصححت من أجل تاء التأنيث القياس في النسب إليه أن يقال: سقائيّ بالهمز؛ - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1952). (¬2) قال سيبويه (3/ 348 - 350). في سقاية وفي باب شقاوة: (هذا باب الإضافة إلى كل شيء لامه ياء أو واو، وقبلها ألف ساكنة غير مهموزة، وذلك نحو: سقاية وصلاية ونفاية. وشقاوة وغباوة، نقول في الإضافة إلى سقاية سقائيّ، وفي صلاية: صلائي، وإلى نفاية: نفائي كأنك أضفت إلى سقاء وإلى: صلاء ... وإن أضفت إلى شقاوة وغباوة وعلاوة، قلت: شقاوي وغباويّ) وانظر: ابن يعيش -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإنما كان لأنهم حذفوا تاء التأنيث للنسب، فلو أبقوا الياء على حالها لجاء الاستثقال من: سقايي مع الاستغناء عن ذلك بردها إلى ما هو الأصل من قلبها همزة؛ لذهاب المانع وهو تاء التأنيث ولما قلبت همزة جاز أن تجعل الهمزة واوا كما فعل ذلك في نحو: كسائيّ حيث قالوا فيه كساويّ، وعلم من ذكر الياء، تخصيص هذا الحكم بها وأن الواو الواقعة بعد [6/ 69] ألف زائدة لا تغير، فيقال في نحو: شقاوه: شقاويّ؛ لأن الواو لا تستثقل مع الياءين، كاستثقال الياء معهما، ودليل ذلك أنهم يقولون: ذوّىّ ولوّيّ ولا يقولون: طيّيّ. المسألة الثانية: أن النسب إلى نحو: غاية فيه ثلاثة أوجه، قال في شرح الكافية: ويجوز في غاية ونحوه مما الياء فيه ثالثة سلامة الياء، (وإبدالها) همزة، وإبدال الهمزة واوا، فيقال: غاييّ بياء سالمة، وغائيّ بالهمزة وغاويّ بالواو (¬1). انتهى. واقتصار المصنف على نحو: غاية قد يوهم أن ذلك مخصوص بما فيه تاء التأنيث وليس كذلك، فلا فرق بين ما هو مختتم بتاء التأنيث وما ليس فيه تاء، فراي، في النسب إليه كراية؛ لأن التاء لا بد من حذفها للنسب، وإذا كان كذلك استوى ما فيه تاء، وما ليست التاء فيه، وإنما اغتفر بقاء التاء في مثل ذلك لسكون ما قبلها. كما اغتفر ذلك في: ظبييّ، وأما: زائيّ بالهمز فإنما جاز تشبيها له بسقائيّ، لأن الياء فيه واقعة بعد ألف فشبهت لوقوعها بعد ألف أصلية بما وقعت فيه بعد ألف زائدة، وأما: زاويّ بالواو فوجهه أنه لما اجتمعت الياءات بعد ألف كانت أثقل من طيئيّ؛ لأن الساكن في: طيئيّ صحيح فلما استثقل حمل على ما يستثقل في مثله والياء إذا استثقلت قبل ياء النسب قلبت واوا فمن ثم قالوا: ذاويّ، وقال المصنف: أجودها الهمزة (¬2) أي أجود الأوجه الثلاثة، قال الشيخ: هذا الزيادة ثبتت في نسخة البهاء الرقي (¬3) وإنما كان الأجود ذلك؛ لأن فيه سلامة من استثقال - ¬

_ - (5/ 156)، والتكملة 59، والمقرب (2/ 64)، والهمع (2/ 196). (¬1) شرح الكافية (4/ 1952). وانظر: الكتاب (3/ 350 - 351)، والتكملة (57)، والخصائص (3/ 19)، وابن يعيش (5/ 157)، والمقرب (2/ 60)، والهمع (2/ 196). (¬2) واختار ابن يعيش في شرحه للمفصل (5/ 157) بقاء الياء، قال في حديثه عن النسب إلى راية وآية: (فلك في النسب إليه ثلاثة أوجه أقيسها ترك الياء). (¬3) بهاء الدين بن الرقي، آخر أصحاب ابن مالك، توفي سنة ثمانين وستمائة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الياءات في الوجه الواحد (¬1)، ومن كثرة العمل في الوجه الآخر. المسألة الثالثة: أن النسب إلى أي وجه يكون إذا نسب إلى نحو: ظبية وقنية ورقية وغزوة وعروة ورشوة، وهو ما كان على زنة فعله أو فعله أو فعله مما لامه ياء أو واو، قال المصنف في شرح الكافية: ولا يغير في النسب ما اعتل لامه من الثلاثي الساكن العين باتفاق إن لم يكن مضاعفا كحيّ، ولا مؤنثا بالتاء كظبية وزنية ودمية - قال -: فأما المضاعف فقد مضى الكلام فيه، وأما (المعتل بالياء) فإن كانت لامه ياء فمذهب سيبويه (¬2) فيه ألّا يغيّر منه إلّا ما ورد تغييره عن العرب، نحو: قروي وزنويّ فيما نسب إلى القرية وبني زنية - حيّ من العرب - ومذهب يونس (¬3) فيه وفي ذوات الواو أن تفتح عينه ويعامل معاملة الثلاثي المقصور، ولا شاهد له في تغيير ذوات الواو، فمذهبه في ذوات الياء قوي (لاعتضاده) بالسماع وهو في ذوات الواو ضعيف لعدم السماع (¬4). انتهى. وأفهم قوله: (باتفاق إن لم يكن مضاعفا ولا مؤنثا بالتاء) أن نحو: ظبي وغزو، لا تغيير فيه، فيونس موافق لسيبويه في ذلك، وإليه أشار بقوله في التسهيل: ولا يغير ما لامه ياء أو واو من الثلاثي الصحيح العين الساكنها باتفاق إن كان مجرّدا، ولكونه في الشرح المذكور قال فمذهبه - يعني يونس - في ذوات الياء قويّ، وهو في ذوات الواو ضعيف قال في التسهيل: إن كان ياء وفاقا ليونس، لا إن كان واو وفاقا لغيره، وعن المضاعف احترز هنا بقوله: (الصحيح العين) لأن نحو: حي معتل العين وحاصل الأمر أن فعلة وفعلة وفعلة، مما هو معتل اللام بالواو أو بالياء ينسب إلى جميعه بحذف تاء التأنيث على القياس الأصلي، كالصحيح؛ لأن الياء إذا سكن ما قبلها كان حكمها، كحكم الحرف الصحيح فينسب إلى: ظبي وظبية، كما ينسب إلى: نمر ونمرة وكذلك سائرها، هذا مذهب سيبويه في الجميع (¬5) - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 261) (أ). (¬2) الكتاب (3/ 346 - 348). (¬3) قال سيبويه (3/ 348): (وأما يونس فجعل بنات الياء في ذا، وبنات الواو سواء). (¬4) شرح الكافية (4/ 1949 - 1950). (¬5) قال في الكتاب (3/ 346): (هذا باب الإضاءة إلى كل اسم كان آخره ياء، وكان الحرف الذي قبل الياء ساكنا، وما كان آخره واوا، وكان الحرف الذي قبل الواو ساكنا، وذلك نحو: ظبي ورمي وغزو، ونحو، نقول: ظبييّ ورمييّ وغزويّ ونحويّ: ولا تغير الياء ولا الواو في هذا الباب ... -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وزنويّ وقرويّ في النسب إلى: بني زنية (¬1) وقرية، شاذ عنده (¬2) وكان القياس أن يقال: زنيي وقريي، وقال يونس: النسب إلى ما لا تاء فيه كالصحيح، والنسب إلى ما فيه التاء بتحريك الساكن وقلب اللام واوا إن لم تكنها، فيقال في ظبية وغزوة: ظبويّ وغزويّ، وكذلك بقية الكلمات، (¬3) قالوا والوجه ما قاله سيبويه، وقياس ذلك على: غزويّ بعيد؛ لسكون ما قبل الياء، والسكون يجعلها كالصحيح كما ثبت في الإعراب، كقولك في الرفع ظبي وفي الجر: ظبي، قالوا: وغزويّ أبعد لما في ظبيىّ من اجتماع الياءات، قالوا: ومن ثم كان الخليل يعذره في بنات الياء دون بنات الواو، والحاصل أن باب (ظبى وغزو) اتفاق وباب ما لحقته التاء من ذلك محل الخلاف (¬4)، وبدويّ شاذ عند القبيلين؛ لأنه فعل فكان القياس أن يقال: بدويّ فحرك على غير قياس (¬5)، ونقل الشيخ مذهبا ثالثا وهو التفرقة بين ذوات الياء فيفتح ما قبلها ويقلبها واوا كالثلاثي المنقوص، وبين ذوات الواو فيبقيه ساكنا، قال: وهو اختيار ابن عصفور (¬6) وتبعه هنا المصنف (¬7) في هذا الكتاب في غير رواية البهاء الرقي، وأما رواية البهاء الرقي فإنه ثبت في كتابه: وإن أنّث فكذلك خلافا ليونس في فتح عينه، وقلب يائه واوا (¬8). وهذه موافقة لمذهب سيبويه والخليل (¬9)، انتهى. ولكن قول المصنف في شرح الكافية: إن مذهب يونس في ذوات الياء قوي، وفي ذوات الواو ضعيف يدل على عدم موافقته لمذهب الخليل وسيبويه في ذلك. ¬

_ - فإن كانت هاء التأنيث بعد الياءات، فإن فيه اختلافا: فمن الناس من يقول في رمية: رميي وفي ظبية ... وهو القياس). (¬1) حيّ من العرب. اللسان (زني)، والكتاب (3/ 347)، وابن يعيش (5/ 154). (¬2) أي عند سيبويه وعند الخليل ليس بشاذ. انظر المرجع السابق. (¬3) انظر رأي يونس في الكتاب (2/ 75). (¬4) ينظر الكتاب (3/ 346 - 349)، والمقتضب (3/ 137)، والتكملة (ص 57)، وابن يعيش (5/ 153)، والجاربردي (1/ 113)، والرضي (2/ 48). (¬5) ينظر: الكتاب (3/ 336)، والمقرب (2/ 69)، وابن جماعة (1/ 113)، والرضي (2/ 49). (¬6) المقرب (2/ 69). (¬7) وفي شرح الكافية - أيضا (4/ 1950)، وانظر ابن جماعة (1/ 113). (¬8) انظر: التسهيل (ص 264) هامش (11). (¬9) شرح الكافية (4/ 1950).

[النسب إلى أخت ونظائرها]

[النسب إلى أخت ونظائرها] قال ابن مالك: (والنّسب إلى أخت ونظائرها كالنّسب إلى مذكّراتها خلافا ليونس في إيلاء ياء النّسب التّاء). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: النسب إلى بنت وأخت كالنسب إلى مذكريهما، فيقال في المؤنثين: بنويّ وأخويّ، كما يقال في المذكّرين، هذا مذهب سيبويه والخليل (¬1)، وأما يونس، فيقول: بنتيّ، ويقول سيبويه في كلتا: كلويّ، ويقول يونس كلتيّ وكلتويّ، ويقال في ذيت علما: ذيويّ وذيتيّ على المذهبين (¬2). انتهى. وتوجيه قول سيبويه أن تاء التأنيث من أخت تحذف فيبقى الاسم على الهمزة والخاء، فيعامل معاملة أخ في النسب إليه، وكذلك بنت تحذف تاء التأنيث، وتنسب إليه كما ينسب إليه كما ينسب إلى ابن بحذف همزته (¬3)، أما إذا نسب إلى: ابنة فإنه يقال: إبنيّ وبنويّ باتفاق من سيبويه ويونس (¬4)، وأما كلتا فالتاء تحذف منه على القاعدة في حذف تاء التأنيث؛ لأجل النسب، وبعد حذف التاء، تقلب اللام واوا، ويفتح ما قبلها تشبيها لها ما هو ثلاثي مختوم بألف، وأما توجيه قول يونس، فقالوا فيه: كأنه لما رأى التاء عوضا من المحذوف جعلها [6/ 70] كالأصل فعاملها معاملتها، فمن ثم قال: أختيّ وبنتيّ، وعلى ذلك قال في النسب إلى كلتا وكلتيّ وكلتوي وكلتاوي (¬5)؛ لأن التاء عنده كالأصلي، فتصير كلتا من باب حبلى، وقد عرفت أن النسب إلى حبلى يكون بالأوجه الثلاثة، ومما يدل على صحة مذهب سيبويه قولهم في الجمع: أخوات - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 361) وانظر: الجاربردي (1/ 121)، وشرح الكافية (1956). (¬2) قال سيبويه (3/ 363) (ذيت) بمنزلة (بنت) أصلها (ذيّة) عمل بها ما عمل ببنت، يلزمها التثقيل إذا حذفت التاء، ثم تبدل واوا فكان التاء في النسب ... وكذلك كلتا وثنتان، نقول: هنتييّ في هنه، بتصرف. (¬3) انظر: ابن يعيش (60/ 5)، والرضي (2/ 68)، والجاربردي (1/ 121). (¬4) ينظر: الكتاب (3/ 362)، والمقتضب (3/ 155)، والجاربردي (1/ 121)، والأشموني (4/ 196). (¬5) ينظر: الكتاب (3/ 363)، والرضي (2/ 70)، وشرح الكافية (1956)، والأشموني (4/ 195)، والخصائص (1/ 201)، والجاربردي (1/ 121).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبنات دون: أختات وبنتات (¬1)، وقول يونس: أختي وبنتي محتجّا بأن التاء لغير التأنيث بدليل سكون ما قبلها مع كونه حرفا صحيحا، (¬2) وبدليل عدم إبدالها في الوقف هاء بقولهم في الجمع: أخوات وبنات، وحاصله أن الصيغة التي هي أخت وبنت كلها للتأنيث، فوجب ردها إلى صيغة المذكر هكذا ذكروا، وفيه نظر؛ لأن النسب إلى صيغة المؤنث لا يمتنع، إنما الممتنع ثبوت تاء التأنيث، وقال الشيخ شارحا لكلام المصنف: نظائر أخت وبنت وثنتان وكلتا، وذيت وكيت، فتقول في النسب إليها: بنوي، وأخوي، وكلوي، وثنوي، وذيوي، وكيوي، وأما يونس فإنه يقر التاء فيقول: بنتي وأختي وذّيتي وكيتي وثنيتي، وكلتي وكلتوي، قال: وهذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب: الأول: مذهب سيبويه والخليل وهو حذف التاء، وإن كانت للإلحاق إجراء لها مجرى تاء التأنيث؛ لأنها لم تقع إلا على مؤنث، ومذكرها بخلاف لفظها كأخ وابن، فجمعتها العرب وصغرتها بردها إلى الأصل وترك الاعتداد بالتاء، فلذلك اختير ردها إلى الأصل في النسب. المذهب الثاني: مذهب يونس وهو أن ينسب إليها على لفظها؛ لأن التاء فيها للإلحاق بمثل جذع وقفل، فأجرى الملحق مجرى الأصلي، وألزمه الخليل أن يقول في النسب إلى هنت ومنت بإثبات التاء على لفظه (¬3)، وهو لا يقول بذلك بل اتفقوا على حذف التاء، وهذا إلزام حسن؛ لأن هنتا ومنتا التاء فيهما تدل على التأنيث، وهنت كناية عن المرأة كما أن هنا كناية عن الرجل، أو كناية عن الفعلة القبيحة فهو مثل أخت، وقد قالوا في الجمع: هنوات، قال بعض: شيوخنا وليونس أن يقول: إن هنتا ومنتا لا تشبه بنتا وأختا، وذلك أن التاء فيهما لا تلزم؛ لأنها في هنت في الوصل خاصة، وفي منت في الوقف خاصة إلّا في قول من قال: 4224 - أتوا ناري فقلت منّون أنتم؟ (¬4) - ¬

_ (¬1) ينظر: الصبان (4/ 194). (¬2) المرجع السابق. (¬3) ينظر: الرضي (2/ 69)، وابن جماعة (1/ 121)، والكتاب (3/ 365). (¬4) شطر بيت من الوافر تمامه: فقالوا الجنّ، قلت عموا ظلاما قائله شمير بن الحارث الضّبي، والبيت من شواهد سيبويه (2/ 411) وانظره في: النوادر لأبي زيد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلما لم تلزم لم يعتد بها، وصارت كالمعدومة فلم أثبتها في النسب؟ المذهب الثالث: مذهب الأخفش (¬1) وهو أنه تحذف التاء من هذا الضرب، ويقرّ ما قبلها على سكونه، وما قبل الساكن على حركته ويرد المحذوف، فتقول: أخوي، وبنوي، وكلويّ وثنييّ، قال: وقياس مذهبه في كيت وذيت أنه إذا ردّ المحذوف وحذف التاء، فتصير كيّا وذيّا أن ينسب إليه، كما ينسب إلى حيا، فيقول: كيويّ، ثم قال: وفي تاء كلتا خلاف، ظاهر كلام سيبويه أنها كتاء بنت والألف للتأنيث، وكونها للتأنيث أولى من كونها للإلحاق؛ لأن زيادة الحرف لمعنى أولى من زيادته لغير معنى. وذهب الجرمي إلى أنها زائدة والألف لام الكلمة ووزنه فعتل فإذا نسبت إليه على مذهبه قلت: كلتويّ، كما تقول في ملهى: ملهويّ، وردّ على الجرمي بأن التاء لا تزاد حشوا (¬2)، إنما تزاد أولا، نحو: ترتب أو آخرا، نحو: يرنموت، وقيل: التاء بدل من الواو، والأصل كلوي، كما قالوا في تخمه وترات فإذا نسبت إليه على هذا القول قلت كلتي (¬3) انتهى. واعلم أنني لم ينتظم لي كلام الشيخ حيث قال أولا: لما تكلم على بنت وأخت وأخواتهما: مذهب سيبويه والخليل حذف التاء وإن كانت للإلحاق - إجراء لها مجرى تاء التأنيث، وقال ثانيا: ظاهر كلام سيبويه أن تاء كلتا كتاء بنت، والألف للتأنيث، وكونها للتأنيث أولى من كونها للإلحاق، وظاهر هذا الكلام التدافع؛ لأنه أولا أثبت كون تاء بنت للإلحاق بقوله: وإن كانت للإلحاق، وثانيا قال: وكونها للتأنيث أولى من - ¬

_ - (123)، والحيوان (1/ 176)، والمقتضب (2/ 307)، والخصائص (1/ 129)، وابن يعيش (4/ 16)، وشرح الكافية (4/ 1718)، والتذييل (5/ 261) (ب) قال ابن مالك في متن الكافية: (وإن تصل فلفظ (من) لا يختلف ونادر (منون) ممّن لم يقف. وقال في الشرح: (وفي قول الشاعر: أتوا ناري فقلت منون أنتم؟ ... فقالوا الجن، قلت عموا ظلاما شذوذ من وجهين: أحدهما: أنه حكى مقدّرا غير مذكور. والثاني: أنه أثبت العلامة في الوصل، وحقها ألا تثبت إلا في الوقف) شرح الكافية (4/ 1715، 1718). (¬1) ينظر: الأشموني (4/ 195). (¬2) يعيش (6/ 6)، وتوضيح المقاصد (5/ 147). (¬3) ينظر التذييل (5/ 261) (ب)، (262) (أ).

[النسب إلى فم وابنم]

[النسب إلى فم وابنم] قال ابن مالك: (وتقول في «فم» ومن اسمه «فو زيد»: فمي وفمويّ، وفي «ابنم»: «ابنميّ» «وابنيّ» «وبنوى»). ـــــــــــــــــــــــــــــ كونها للإلحاق منظّرا تاء كلتا بتاء بنت، فدل على أن تاء بنت للتأنيث للإلحاق (¬1)، فإن قلت: الضمير في قوله: وكونها للتأنيث يرجع إلى الألف لا إلى التاء، قلت يلزم من رجوع الضمير إلى الألف ألّا تكون التاء حينئذ للإلحاق؛ لأن من يجعل التاء للإلحاق يجعل الألف لام الكلمة، وإذا لم تكن للإلحاق وجب أن تكون للتأنيث، ويلزم من كونها للتأنيث اجتماع علامتي تأنيث وهما التاء والألف، وهذا لا يكون وقد تقدم الكلام على كلتا في باب الإعراب، وقرر أن لام كلا واو وقلبت تاء في كلتا عند سيبويه، فألفها عنده للتأنيث، والتاء بدل من الكلمة والأصل كلوي، وعللوا إبدالها تاء بأن في التاء علم التأنيث، فصار في إبدال الواو تاء تأكيد للتأنيث، وقال الجرمي التاء ملحقة والألف لام الكلمة، ووزنها عنده فعتل ورد قوله بأنهم يقولون في النسب إليه: كلوي، بإسقاط التاء، وذلك دليل على أنها كتاء أخت حيث قالوا فيها: أخويّ، ولو كان الأمر كما قال الجرمي لقالوا فيه: كلتوي (¬2). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: ويقال في فم: فميّ وفمويّ ويقال في من اسمه (فو محمد): فميّ وفمويّ، كما يقال في من اسمه فم (¬3)، (وإلى ابنم: ابنميّ أو بنويّ) (¬4). انتهى. وأقول: أما فم فيجوز فيه فميّ بناء على أن مادته الأصلية (فوه)، فلما كانت اللام محذوفة في الاستعمال وهي الهاء وأفردت الكلمة عن الإضافة تعذر بقاء الواو مضموما ما قبلها في آخر كلمة معربة فحذفت وعوض عنها ميما وهي حرف صحيح، فكان النسب إليه كالنسب إلى كم، ونحوها إذا سمي بها، فيقال: فميّ كما يقال: كميّ، ويجوز فيه فمويّ - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (1/ 385)، والأشموني (4/ 195)، والخصائص (1/ 202). (¬2) ينظر: الخصائص (1/ 203)، وابن يعيش (6/ 6)، والرضي (2/ 70). (¬3) شرح الكافية (4/ 1956). (¬4) شرح الكافية (1955) وفي نسختي التمهيد (ويقال في النسب إلى ابنم ...).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بناء على أن مادته الأصلية (فـ م و)، أو (فـ م ي) (¬1)، قلب حرف العلة الواقع آخرا ألفا فصار فما فنسب إليه كما نسب إلى: عصا ورحى، وأما فو زيد فالنسب إليه - أيضا - فميّ وفمويّ (¬2)، وذلك أنك لما حذفت المضاف إليه على القاعدة في ذلك ونسبت إلى المضاف تعذر بقاء الواو المضموم ما قبلها آخرا فحذفت ووجب العوض أو الرجوع إلى مادة أخرى، فمن قال: فمي فوجهه ما تقدم، ومن قال: فمويّ ردها إلى مادة (فم) [6/ 71] ونسب فقال: فمويّ، ولقائل أن يقول: قد قررتم أن الكلمة إذا كانت محذوفة اللام ومعتلة العين يجب رد لامها في النسب إليها، كالنسب إلى شاة، وعلى هذا كان ينبغي أن تكون من جملة الوجوه الجائزة في النسب إلى: فو زيد فوهيّ بفتح الفاء ردّا إلى أصلها عند ما ردت اللام، فإن الأصل: فوه لقولهم في الجمع: أفواه، إنما ضمت الفاء في: هذا فو زيد، إتباعا كما هو المعروف في هذه الكلمات وهي، فو زيد وأخواته. وأما النسب إلى ابنم فقد ذكر أن فيه أوجها ثلاثة: الأول: النسب إليه على لفظه فتقول: ابنميّ (¬3) فتتركه على حاله دون تغيير، قالوا: وهذا قياس من الخليل، ولم تتكلم به العرب. والوجه الثاني: أن تحذف الميم وتبقى همزة الوصل، فتقول: ابنيّ كما تقول في النسب إلى ابن. الوجه الثالث: أن تقول: بنويّ كأنك نسبت إلى ابن، ثم أنك تعرف أن النون في ابنم تتبع حركة الميم فعلى هذا إذا قلت: ابنميّ ابنبيّ صار مثل: زبرجيّ، قالوا - ¬

_ (¬1) قال سيبويه (2/ 83): (وأما فم فقد ذهب من أصله حرفان؛ لأنه كان أصله فوه، فأبدلوا الميم مكان الواو؛ ليشبه الأسماء المفردة من كلامهم، فهذه الميم بمنزلة العين، نحو ميم دم، ثبتت في الاسم في تصرفه في الجر والنصب والإضافة والتثنية. فمن ترك: دم على حاله إذا أضاف، ترك: فم على حاله ومن رد إلى: دم اللام، رد: فم العين فجعلها مكان اللام، كما جعلوا الميم مكان العين في فم ... وقالوا: فموان فإنما ترد في الإضافة كما ترد في التثنية وفي الجمع بالتاء، وتبني الاسم كما تثني به، إلّا أن الإضافة أقوى على الرد. فإن قال: فمان فهو بالخيار، إن شاء قال: فمويّ، وإن شاء قال: فميّ، ومن قال: فموان قال: فمويّ على كل حال) وانظر: المقتضب (3/ 158 - 159)، والرضي (2/ 66). (¬2) (وإذا أضفت إلى رجل اسمه فو زيد فكأنك إنما تضيف إلى فم؛ لأنك إنما تريد أن تفرد الاسم ثم تضيف إلى الاسم) الكتاب (2/ 84). (¬3) قال ابن عقيل: (ولم يسم وإنما قيل نظرا) المساعد (7/ 778)، وانظر الكتاب (2/ 82).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن قال: تضلبيّ تغلبيّ وفتح، فقياس قوله ان تفتح النون والراء فتقول: ابنميّ وزبرجيّ، وأما من يفتح النون ولا يتبع فلا كلام فيه؛ لأنه في النسب إليه تتم النون على فتحها (¬1). قال الشيخ: وأغفل المصنف هنا مسألة النسب إلى: امرئ امرأة، وهو مما فيه همزة الوصل ولم يحذف من أصوله شيء، فإذا نسبت إليه لم تحذف همزة الوصل بل تقول: امرئيّ بكسر الراء تبعا لكسرة الهمزة التي هي لام الكلمة، وقالوا في النسب إلى امرئ القيس: امرئيّ، قيل: وهو شاذ عند سيبويه، والمطرد عنده فيمن اسمه امرؤ القيس (¬2): مرئيّ بحذف الهمزة وفتح الميم والراء كذلك فعلت العرب قال الشاعر: 4225 - يعدّ النّاسبون إلى معدّ ... بيوت المجد أربعة كبارا يعدّون الرّباب وآل عمرو ... وعوفا ثمّ حنظلة الخيارا ويذهب (بينها) المرئيّ لغوا ... كما ألغيت في الدّية الحوارا (¬3) انتهى. ولم أتحقق وجه الشذوذ في قولنا: امرئيّ، ولم أتحقق أيضا الاطرار في: مرىّ بحذف الهمزة وفتح الميم والراء، وقد نقل الشيخ في شرحه عن سيبويه ما يخالف ذلك فقال: وقال سيبويه: وأما الإضافة إلى امرئ القيس، فعلى القياس نقول: أمرئيّ، وإن أضفت إلى امرأة فكذلك، وقد قالوا: مرئي في امرئ القيس. انتهى. قال الشيخ: يريد بذلك أنهم نسبوه الى أصل مقرر وهو مرأ. انتهى. فقول سيبويه: وقد قالوا في مرئي القيس بعد قوله: فعلى القياس تقول: امرئي يدل على أن مرئيّ هو الشاذ. ¬

_ (¬1) ينظر: المساعد (3/ 378). (¬2) قال في الكتاب (2/ 88): (فمن ذلك: عبد القيس وامرؤ القيس، فهذه الأسماء علامات كزيد وعمرو، فاذا أضفت قلت: عبدي وامرئي ومرئي). (¬3) الشعر من الوافر ونسبه في ابن يعيش لذي الرمة برواية: يعدّ النّاسبون إلى تميم ... بيوت المجد أربعة كبارا يعدّون الرّباب وآل بكر ... وعمرا ثمّ حنظلة الخيارا ويذهب بينها المرئيّ لغوا ... كما ألغيت بالدّية الحوارا والشاهد فيه قوله: (المرئي) حيث نسب إلى رجل اسمه امرؤ القيس. انظر: ابن يعيش (6/ 8)، وديوانه (ص 196)، والأشموني (4/ 192)، وانظر: التذييل (5/ 262) (ب).

[النسب إلى الجمع]

[النسب إلى الجمع] قال ابن مالك: (وينسب إلى الجمع بلفظ واحده إن استعمل، وإلّا فبلفظه، وربّما نسب إلى ذي الواحد بلفظه لشبهه بواحد، وحكم اسم الجمع والجمع الغالب والمسمّى به حكم الواحد. وذو الواحد الشّاذّ كذي الواحد القياسيّ لا كالمهمل الواحد خلافا لأبي زيد). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: وإذا قصد النسب جمع باق على جمعيته جيء بواحده (¬1) ونسب إليه كقولك في النسب إلى الفرائض: فرضيّ وإلى الحمس (¬2) والفرع (¬3): أحمسيّ وأفرعيّ، ولا فرق في ذلك بين ما له واحد قياسيّ كفرائض وبين ما لا واحد له قياسي كمذاكير خلافا لأبي زيد في إجازة مذاكيري ونحوه مما جمع على تقدير واحد لم يستعمل (¬4)، فإن لم يبق الجمع على جمعيته بنقله إلى العلمية كأنمار نسب إليه على لفظه فقيل: أنماريّ وكذلك إن كان باقيا على جمعيته وجرى مجرى العلم كالأنصار، وكذا إن كان جمعا أهمل واحده كالأعراب، فإن كان المنسوب (إليه) اسم جمع كركب أو اسم جنس، كتمر نسب إليه بلفظه كقولك: ركبيّ وتمري، وركب عند الأخفش جمع (¬5) فحقه أن يقال في النسب إليه على رأيه: راكبيّ كما يقال باتفاق في النسب إلى ركبان (¬6). انتهى. ولا شك في أن هذا الذي ذكره في شرح الكافية ينحلّ به أكثر ما ذكره في التسهيل، وسنشير إلى ما قد يحتاج إليه، لكن قال الشيخ: أطلق المصنف في قوله: إن استعمل واحد الجمع نسب إليه، وفي ذلك تقييد، وهو أنه يردّ إلى الواحد بشرط ألّا يكون ردّه إلى الواحد يغير المعنى، فإنه إن كان كذلك ينسب إلى الجمع على لفظة، - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (3/ 378 - 380)، والمقتضب (3/ 150)، والتكملة (ص 64)، والهمع (ص 289)، وابن يعيش (6/ 9)، وأوضح المسالك (4/ 339)، والمقرب (2/ 56)، والتصريح (2/ 336)، والأشموني (4/ 198). (¬2) الحمس: جمع أحمس وهو الشديد والجمع أحامس والأنثى حمساء. اللسان (حمس). (¬3) الفرع: جمع أفرع وهو التام الشعر اللسان (فرع). (¬4) ينظر: الكتاب (3/ 379) والرضى (2/ 78)، والمساعد (3/ 380). (¬5) ينظر: ابن يعيش (5/ 77)، والرضي (2/ 204) والأشموني (4/ 155). (¬6) شرح الكافية (4/ 1958) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تقول في النسب إلى الأعراب: أعرابيّ، ولا يرد إلى عرب؛ لأن عربا؛ أعمّ من أعراب لوقوعه على البادي والحاضر، واختصاص الأعراب بالبوادي، فلو نسب إلى عرب مفرد أعراب أدخلت في المنسوب عموما لم تردّه، وجعل المصنف أعرابا جمعا أهمل واحده، فلذلك نسب إليه على لفظه، فقيل: أعرابي، ذكر ذلك في بعض كتبه (¬1). وقاله السيرافي في قبله جعله كعباديد (¬2). انتهى. وهذا الكلام عجب من الشيخ؛ فإن عربا ليس واحد أعراب فيرد أعراب إليه، بل أعراب جمع أهمل واحده، كما قال المصنف وقد تقدم في أوائل الكتاب ذكر هذه المسألة، فقال: وقد أبى سيبويه أن يجعل أعرابا جمعا لعرب (¬3)؛ لأن أعرابا خاص بسكان البوادي، والعرب يعمّ سكان الحاضرة والبوادي، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يقول الشيخ: إن الأعراب جمع عرب مع أن سيبويه قد أبى ذلك، والحق في ذلك ما (قاله) المصنف، وهو أن أعرابا جمع أهمل واحده، وأما قول المصنف: وإلّا فبلفظه فمعناه: وأن لا يستعمل له واحد فالنسب إلى لفظه، وذلك نحو: عباديد (¬4) وشماطيط (¬5)، وأبابيل (¬6) فالنسب إليها: عباديديّ، وهماطيطيّ، وأبابيليّ (¬7). قال الشيخ: ولا يقدر لهذه المذكورات واحد؛ لأن مثل هذا الجمع لا يتعين له تقدير واحد إذ يحتمل أن يكون مفرد شماطيط شمطاط، أو شمطوط، أو شمطيط، فلما لم يتعين واحد وجب أن ينسب إلى لفظه، وأما قوله: وربّما نسب إلى ذي الواحد بلفظه لشبهه بواحد، فمثاله قولهم: كلابي الخلق، وكان قياسه: كلبيّ الخلق، وشبهه بالواحد كونه على زنة من أوزان المفرادات، وهو فعال، ودلّ قول المصنف: وربما، على أن ذلك في غاية القلة (¬8). قال الشيخ: وليس هذا مما يبنى عليه قاعدة، وإنما - ¬

_ (¬1) ذكر ذلك في شرحه للكافية (4/ 1959). (¬2) التذييل (5/ 263) (أ). (¬3) قال في الكتاب (3/ 379): (وتقول في الأعراب: أعرابي؛ لأنه ليس له واحد على هذا المعنى، ألا ترى أنك تقول: العرب فلا تكون على هذا المعنى). (¬4) (العباديد الخيل المتفرقة في ذهابها) اللسان (عبد). (¬5) (الشماطيط: القطع المتفرقة، يقال: جاءت الخيل شماطيط أي: متفرقة أورسالا) اللسان (شمط). (¬6) (الأبابيل جماعة في تفرقة) اللسان (أبل). (¬7) انظر: الكتاب (3/ 379). (¬8) التذييل (5/ 263) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يورد مورد الشذوذ. وأما قوله: وحكم اسم الجمع والجمع الغالب [6/ 72] أو المسمى به حكم الواحد فهو إشارة إلى مسائل ثلاث (¬1)، أما اسم الجمع فقد تقدم لك قوله في شرح الكافية: فإن كان المنسوب اسم جمع كركب، أو اسم جنس، كتمر، نسب إليه بلفظه، كقولك: ركبيّ وتمريّ وقد عرفت ما أشار إليه المصنف من أن الأخفش حقه أن يقول في النسب إلى ركب: راكبيّ؛ لأن ركبا عنده جمع (¬2) قال الشيخ: وفي النسب إلى أناس خلاف، فمن يقول: أنه اسم جمع يقول: إناسيّ عل لفظه، ومن الناس من يقول: إنه جمع نظيره ظئر وظؤار وتوأم وتؤام، فعلى هذا ينسب إلى مفرده، فيقول: إنساني. وقال سيبويه: وتقول في الإضافة إلى أناس إنسانيّ وأناسيّ، وهو أجود القولين (¬3) وأما الجمع الغالب، فأراد به نحو: الأنصار وقد عرفت قول المصنف في شرح الكافية: وكذلك إن كان باقيا على جمعيته وجرى مجرى العلم كالأنصار. ومعنى قوله: الغالب، أنه غلب على قبائل بأعيانهم، فهذا ينسب إليه بلفظه، وأما الجمع المسمى به، فأراد به نحو: أنمار، وإليه الإشارة بقوله في شرح الكافية: فإن لم يبق الجمع على جمعيته بنقله إلى العلمية، كأنمار نسب إليه على لفظه، فقيل: أنماريّ، ومثل أنمار في ذلك كلاب، وضباب، ومن ذلك - أيضا ما ذكره الشيخ في شرحه: مداين ومعافر وأكلب، فيقال: مدايني ومعافريّ وأكلبيّ (¬4)، وأما قوله وذو الواحد الشاذ كذي الواحد القياس لا كالمهمل الواحد خلافا لأبي زيد، فقد عرفت قوله في شرح الكافية بعد أن ذكر أن النسب يكون إلى واحد الجمع لا إلى الجمع، ولا فرق في ذلك بين ما له واحد قياسي - كفرائض - وبين ما لا واحد له قياسي كمذاكير خلافا لأبي زيد في إجازة مذاكيري، ونحوه مما جمع على تقدير واحد لم يستعمل، والحاصر أن الجموع التي أهملت مفرداتها القياسية. نحو: مذاكير وملاميح ومشابه ومحاسن إذا نسب إلى شيء منها، فسيبويه ينسب إلى مفرد ذلك الجمع الشاذ فيقول ذكريّ ولمحي (¬5)، - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) ينظر: ابن يعيش (5/ 77)، وشرح الكافية (4/ 1958) وما بعدها، والرضي (2/ 203)، والأشموني (4/ 155). (¬3) الكتاب (3/ 379)، التذييل (5/ 263) (ب). (¬4) التذييل (5/ 263) (ب). (¬5) الكتاب (3/ 379).

[فتح عين تمرات، وأرضين ونحوهما]

[فتح عين تمرات، وأرضين ونحوهما] قال ابن مالك: (ويلتزم فتح عين «تمرات» و «أرضين» ونحوهما، وكسر تاء سنين ونحوه إن كنّ أعلاما). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأبو زيد يجعل ذلك كالذي أهمل واحده؛ لشذوذ واحده فينسب إلى الجمع بلفظه (¬1) فيقول: مذاكيري وملاميحي ومحاسني ومشابهيّ (¬2)، وغير أبي زيد يقول: قد نطق له بواحد في الجملة، وإن لم يكن جاريا على القياس، فينسب إليه، ونقل أبو زيد أن العرب قالوا في النسب إلى محاسن: محاسنيّ. قال ناظر الجيش: إنما التزم فتح عين تمرات وأرضين؛ للفرق بين النسبة إليهما علمين (¬3)، وبين النسبة إليهما جمعين؛ لأنه في كلا الحالتين يلزم حذف الألف والتاء والياء والنون، فلو أسكنا لا لتبس بالنسبة إليهما مرادا به الجمع؛ لأنه في الجمع يرد إلى مفرده، ومفرده ساكن العين وهو تمرة وأرض، وقد نص على فتح ميم: تمريّ في النسب إلى: تمرات العلم، سيبويه (¬4) ثم إن الشيخ قال: فرع. لو سميت بظريفات يعني جعلته علما حكيت إعرابه يعني أنك تعربه إعراب الجمع، فإذا نسبت إليه، قال الأستاذ أبو علي (¬5): ينسب إليه: ظريفي ولا تحذف الياء لكثرة توالي التغيير، وهو حذف الألف والتاء، ثم الياء كما لم يحذفوا ياء: شديدة وطويلة، وقال الأبّذىّ (¬6): إن في الكلام أبي على نظرا، يعني حيث لم يحذف - ¬

_ (¬1) وقد وافقه ابن يعيش (6/ 10). (¬2) ينظر: الكتاب (3/ 379)، والأصول (2/ 421)، والرضي (2/ 78)، والأشموني (4/ 199)، والهمع (2/ 197)، والتصريح (2/ 336)، والنوادر (ص 325)، وابن جماعة (1/ 124)، والتذييل (5/ 263) (ب). (¬3) ينظر: الرضى (2/ 80 - 81)، وأوضح المسالك (4/ 334)، والتصريح (2/ 329)، وحاشية ابن جماعة (101). (¬4) الكتاب (3/ 372). (¬5) هو عمر بن محمد بن عبد الله الأستاذ أبو علي الأشبيلي الأزدي المعروف بالشلوبين، له التوطئة في النحو وشرحين للجزولية. انظر: وفيات الأعيان (3/ 123). (¬6) هو أبو الحسن الأبّذى علي بن محمد بن عبد الرحيم الخشني الأبذي ... توفي سنة ثمان وستمائة. انظر: بغية الوعاة (2/ 199) بتحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء (¬1) قال الشيخ، وأقول لا نظر غامض في هذا ولا تعليل أبي على بجيد؛ لأن كليهما كأنه توهم أنه يردّ إلى ظريفة فيلزم إذ ذاك حذف الياء؛ لأنه يصير كحنيفة، قال: وليس كذلك؛ لأنه لما كان علما نسب إليه غير مردود إلى واحده ولا متوهم فيه ذلك؛ بل حذفت منه الألف والتاء على القاعدة المعروفة، فلما حذفت الألف والتاء صار إلى فعيل، وفعيل إذا نسب إليه لا تحذف الياء منه إلّا على جهة الشذوذ، وعلى هذا يلزم أن يقال في النسب ظريفيّ، يعني إذا نسبت إلى المسمى بظريفات المحكي فيه إعراب الجمع بالألف والتاء انتهى. وما قاله الشيخ حسن (وهو الحق). ثم قال: وأما من يجعله كأرطاة علما فيمنعه الصرف فينسب إليه بحذف التاء، كما يحذفها من طلحة، ويلزم من حذف التاء حذف الألف، لأنهما زيادتان زيدتا معا، أولهما ساكنة، وكذلك حذفا معا في الترخيم، ثم ينسب إليه كما ينسب إلى ظريف، ولا تحذف الياء؛ لأن فعيلا لا تحذف تاؤه (¬2) انتهى، وفي خاطري وربما هو قول الفارسي أن نحو: تمرات علما إذا جعل كأرطاة ومنع الصرف ثم نسب إليه، أن التاء تحذف منه على القاعدة وحينئذ يصير تمرا مثل جمزى، وإذا نسبت إلى: جمزى وجب حذف الألف، فيقال: جمزيّ، فكذلك يقال في تمرا: تمريّ (¬3)، وهذا التعليل لحذف الألف من هذا الجمع إذا أعرب إعراب ما لا ينصرف ثم نسب إليه، غير التعليل الذي ذكره الشيخ؛ لحذف الألف من ظريفات إذا جعل علما، وأعرب إعراب ما لا ينصرف ونسب إليه، ولو جعل الشيخ العلة لحذف الألف من ظريفات إذا كان علما وأعرب إعراب ما لا ينصرف ونسب إليه كونها ألفا خامسة؛ لكان أولى مما ذكره، وإذا ثبت أن ألف تمرات العلم إذا أعرب إعراب ما لا ينصرف إنما تحذف؛ لكونها رابعة في اسم تحرك ثانيه، ثبت أن نحو: عبلات جمع عبلة - ¬

_ (¬1) التذييل (5/ 264) (أ). (¬2) المرجع السابق الصفحة نفسها. (¬3) قال في التكملة (63): (فإن سمّيت بتمرات شيئا، قلت: تمريّ، فتركت العين مفتوحة ولم تكن) وجاء في هامش (7) من نفس الصفحة: (في حاشية الأصل: وتمرات اسم رجل تحذف منه الألف والتاء، فيبقى: تمر بتحريك العين، فتقول: تمرىّ، ولم يقولا: تمراتىّ؛ لوقوع تاء التأنيث حشوا، فحذف الألف والتاء؛ لأنهما زائدتان جاءتا معا وبقي الميم على حركته في الأصل. فإن كان تمرات جمع تمرة ولم تكن اسم رجل قلت: تمريّ، لأن الميم في تمرة ساكنة) ونسب ابن جماعة في حاشية علي الجاربردي (1/ 101، 102) هذا الرأي لابن هشام الخضراوي.

[شواذ النسب]

[شواذ النسب] قال ابن مالك: (وما غيّر في النّسب تغييرا لم يذكر [6/ 73] أو سلم ممّا ذكر اطّراده لم يقس عليه). ـــــــــــــــــــــــــــــ الصفة إذا عوملت في التسمية بها هذه المعاملة، ونسب إليها يجوز فيها الحذف والقلب واوا، كما في نحو: حبلى، فيقال: عبلي، وعبلويّ، وعبلاويّ وليعلم أنه كما التزم فتح عين تمرات وأرضين في النسب إذا كانا علمين. التزم كسر فاء نحو: سنين، وذلك إذا أعرب بالحروف وسمي به، ثم نسب فيقال: سنيّ بحذف الياء والنون وكسر ثانيه لياء النّسب، وإن نسب إلى سنين غير مسمّى به، فقد عرفت أنك ترد الجمع إلى مفرده، ومفرد سنين سنة، فتقول في النسب إليه: سنويّ أو سنهيّ وإن أعربت سنين بالحركات (على) (¬1) النون مع التزام الياء فالنسب إليه: سنينيّ دون حذف شيء (¬2) سواء سميت به أم لم تسم؛ لأن من أعربه بالحركات فهو عنده اسم مفرد لفظا جمع في المعنى، فيكون كنفر وقوم قال الشيخ: وفي وزنه إذ ذاك خلاف، فقيل: فعلين كغسلين، وأصله سنوين فحذفت لامه (¬3). قال ناظر الجيش: اعلم أن ابن عصفور قال في المقرب: والمنسوب على غير قياس (¬4) ثلاثة أنواع، نوع كان بابه أن يتغير فلم يتغير، ونوع كان بابه ألّا يتغير فغير، ونوع كان بابه أن يتغير ضربا من التغيير فغير تغييرا آخر، فمما غير وبابه ألّا يتغير قولهم في النسب إلى هذيل (¬5) وسليم (¬6): هذليّ وسلميّ، وإلى فقيم (¬7) - ¬

_ (¬1) كذا في التذييل، وفي النسختين: في. (¬2) ينظر: الرضي (2/ 82)، والمساعد (3/ 381). (¬3) التذييل (5/ 264) (أ). (¬4) ينظر في شواذ النسب الكتاب (3/ 336) وغيرهما، والمقتضب (3/ 134 - 145 - 146)، والتكملة (52، 56)، والخصائص (2/ 436)، وابن يعيش (6/ 10 - 13)، وأوضح المسالك (4/ 335 - 336)، والمقرب (2/ 67 - 70)، والهمع (2/ 198)، والأشموني (4/ 201 - 202) والرضى (2/ 81 - 82). (¬5) قبيلة من قبائل الحجاز ينظر: معجم البلدان (3/ 1213). (¬6) من أشهر قبائل العرب. معجم القبائل (2/ 542). (¬7) معجم القبائل (3/ 926).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقريش (¬1) ومليح خزاعة (¬2): فقميّ وقرشيّ وملحي وإلى أمسيّ والبصرة: إمسيّ وبصري، بكسر الهمزة والباء، وإلى السّهل والدّهر: سهليّ ودهريّ بضم السين والدال، وإلى البحر: بحراني في أحد القولين، وإلى الجمّة: جمّاني، وإلى الرّقبة: رقباني، وإلى اللحية: لحياني، وإلى أفق: أفقيّ بفتح الهمزة والفاء، وإلى خراسان: خراسيّ وخرسيّ وإلى الحمض: حمضيّ بفتح الميم، وإلى الطّلح: طلاحيّ. وإلى الخريف: خرفّي بفتح الخاء وتسكين الراء (¬3) وإلى قفا: قفيّ، وإلى الشام: شام، وإلى اليمن: يمان، وإلى تهامة: تهام، وإلى ثقيف: ثقفيّ وإلى الأنف: أنافيّ للعظيم الأنف، وإلى وبار: أباري، وإلى الروح: روحاني. وإلى مرو: مروزيّ، ولا يقال في غير الإنسان إلا، مرويّ وإلى الرّي (¬4) رازيّ، ومما ترك تغييره وبابه أن يتغيّر قولهم في النسب إلى سليقة وعميرة (كلب) (¬5) وسليمة: سليقيّ وعميريّ وسليميّ، وإلى حمراء: حمرائيّ بالهمز، وإلى بعلبك: بعلبكيّ حكاهما الكوفيون، وإلى كنت: كنتي، وإلى البحرين: بحراني في أصح القولين، ومما غير خلاف تغييره الذي يجب فيه، قولهم في النسب إلى زبينة: زباني، وإلى الحيرة وطييء: حاري وطائي، وإلى العالية: علو يّوإلى البادية بدوي، وإلى الشتاء: شتوي، وإلى بني عبيدة: عبديّ وإلى جذيمة: جذميّ بضم الجيم والعين، وإلى بني الحبلى من الأنصار: حبلي بفتح الباء، وإلى دستواء وبهراء وصنعاء وروحاء: صنعاني وبهراني ودستواني وروحانى، وإلى حروراء وجلولاء: حروريّ وجلولي، وإلى أميّة وطهيّة: أمويّ وطهويّ بفتح الطاء وسكون الهاء. وإلى عبد قيس وعبد شمس وعبد الدار وحضر موت ودراء بجرد وامرئ القيس الشاعر خاصة: عبقسيّ وعبشميّ وعبدريّ وحضرميّ ودراورديّ ومرقسيّ، وإلى سوق مازن: سقزني، وإلى سوق الليل: سقليّ، وإلى سوق العطش سقشيّ وإلى سوق يحيى: سقحى، وإلى دار - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (3/ 947 - 951). (¬2) نفس المرجع (3/ 1138). (¬3) وبفتحها أيضا. انظر: الرضي (2/ 82). (¬4) مدينة من مدن أصبهان. معجم البلدان (3/ 116). (¬5) سقط من النسختين وهي في المقرب فأثبتها (1300).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البطيخ: دربخي، وإلى كنت كنتني: قال: 4226 - ولست بكنتيّ ولست بعاجن ... وشرّ الرّجال الكنتنيّ وعاجن (¬1) انتهى كلام ابن عصفور، (¬2) وقال المصنف في شرح الكافية في آخر الباب المذكور: وما جاء من المنسوب مخالفا لما يقتضيه القياس، فهو من شواذ النسب التي تحفظه ولا يقاس عليها، وبعضه أشذ من بعضه، فمن ذلك قولهم في المنسوب إلى البصرة: بصري، وإلى الدهر: دهريّ، وإلى مرو: مروزي، وإلى (الريّ) رازيّ، وإلى خراسان: خرسيّ وحراسي، وإلى السهل من الأمكنة: سهليّ، وإلى الخريف: (خرفّي) وخرفّي، وإلى جلولاء وحروراء: جلولي وحروري، وإلى صنعاء وبهراء: صنعاني وبهراني، وإلى بني الحبلى حي من الأنصار: حبلي، وإلى جذيمة: جذمي، وإلى العالية: علويّ، وإلى الحمض: حمضيّ، وإلى الأفق: أفقيّ وإلى الشّتاء: شتوي، وإلى البحرين: بحراني، وإلى طهية: طهوي وطهوي، وإلى زبينة: زباني، وإلى بني عدىّ من مزينة: عداوي، وإلى أميّة: أمويّ، وإلى البادية: بدوي، وإلى الطّلح: إبل، طلاحيّة بالكسر والفتح، وإلى العضاة - وهو ما عظم من شجر الشوك: إبل عضاهيّة. ومن النسب الذي يحفظ، ولا يقاس عليه قولهم: رقباني وجمّاني وشعراني ولحياني، للعظيم الرقبة والجمّة والشّعر واللحية. وقد يدلّون على هذا المعنى بفعالي، كقولهم: عضاديّ (ورآسيّ) (¬3)، ومعنى عظيم العضد والرأس. (¬4) انتهى. وإذا عرف هذا علم أن قول المصنف في الكتاب - أعني: متن التسهيل: وما غيّر في النسب تغييرا لم يذكر، يدخل تحته قسمان: وهما ما كان بابه أن لا يتغير فغيّر، وما كان بابه أن يتغير ضربا من التغير، فغير تغييرا آخر، وأن قوله: أو سلم مما ذكر اطراده، يدخل تحته القسم الثالث، وهو ما كان بابه أن يتغير فلم يتغير، والمقصود أنه لا يقاس على شيء من ذلك. ¬

_ (¬1) تقدم في أول باب النسب. (¬2) المقرب (2/ 67 - 70). (¬3) كذا في شرح الكافية وفي النسختين (رواسي). (¬4) شرح الكافية (4/ 1964 - 1965 - 1966).

[استعمالات ياء النسب والنسب بدونها]

[استعمالات ياء النسب والنسب بدونها] قال ابن مالك: (فصل: قد تلحق ياء النّسب أسماء أبعاض الجسد مبنيّة على فعال، أو مزيدا فى آخرها ألف ونون للدّلالة على عظمها، وتلحق - أيضا - فارقة بين الواحد وجنسه، وعلامة للمبالغة وزائدة لازمة وغير لازمة، ويستغنى عنها غالبا بـ «فعّال» من لفظ المنسوب إليه إن قصد الاحتراف وبصوغ «فاعل» إن قصد صاحب الشّيء، وقد يقام أحدهما مقام الآخر وغيرهما مقامهما، وقد يعوّض من إحدى ياءي النّسب ألف قبل اللّام، وشذّ اجتماعهما وفتحوا تاء تهام؛ لخفاء العوض). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الفصل على مسائل: الأولى: أن ياء النسب قد تلحق أسماء أبعاض الجسد مبنيّة على فعال قولهم (¬1): أنافيّ في العظيم الأنف، ورآسيّ في العظيم الرأس، وعضاديّ في العظيم العضد، وفخاذيّ في العظيم الفخذ، وقد ذكر المصنف هذا في شرح الكافية كما نقلناه عنه آنفا، قال الشيخ: ويقال ذلك في الشيء الذي يكون في طوله أو عرضه شبر أو شبران أو ثلاثة، أحادي وثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي إلى السبعة، ومثال ما زيدت فيه ألف ونون، قولهم: رقباني في العظيم الرقبة و: جماني في العظيم الجمة، ولحياني في العظيم اللحية، وشعراني في العظيم الشعر، قال: وقالوا: روحاني لمن له روح ولا يدرك بالبصر دائما، كالملك والجن، ويقال لهم: روح. المسألة الثانية: أن الياء المشددة التي؛ كياء النسب قد تلحق الكلمة لغير قصد النسب، فإما أن تكون فارقة بين الواحد وجنسه، وإما أن تكون علامة للمبالغة، وإما أن تكون زائدة، فمثال الفارقة: زنجي، وزني، وحبشي وحبش وتركي وترك ويهوديّ ويهود وروميّ وروم، فالياء فارقة بين الواحد وجنسه، كما فرقت التاء بينهما، كتمرة وتمر ونخلة ونخل وبسرة وبسر، ومثال ما هي فيه للمبالغة أعجميّ وأسفريّ وأحمريّ ودوّاريّ، كما قالوا: رجل راوية، فزادها التاء للمبالغة، إلّا أن زيادة التاء للمبالغة أكثر من زيادة الياء لها (¬2) وأما الزائدة فقد - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (3/ 379) والرضى (2/ 84)، وشرح الكافية (4/ 1966). والمساعد (3/ 382). (¬2) التذييل (5/ 265) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون لازمة، وقد تكون غير [6/ 74] لازمة، فمثال اللازمة: كرسى وحواري وبردي وكلب زيني قول الشاعر: 4227 - مثل الفراتيّ إذا ما طما ... يقذف بالبوصيّ والماهر (¬1) ومثله قول الصلتان: 4228 - أنا الصّلتاني الذي قد علمتم ... إذا ما يحكّم فهو بالحكم صادع (¬2) أشار إلى ذلك كله المصنف في شرح الكافية (¬3)، ولا شك أن الفرات علم، وكذا الصّلتان أيضا، ولا يقال: إن الياء في: دوّاريّ للمبالغة (¬4)؛ لأن المبالغة قد استفيدت من بنائه على فعّال. والمسألة الثالثة: أنهم يستغنون عن ياء النسب بلفظ فعّال مبنيّا من لفظ المنسوب إليه فيما يقصد به الاحتراز وبلفظ فاعل إن قصد به صاحب الشيء، قال في شرح الكافية: ويستغنون ببناء فعال في الحرف عن إلحاق ياء النسب، كقولهم: بقّال وبزّار وحدّاد وخياط وحمّال وكلاب، وكذلك يستغنون بناء فاعل بمعنى صاحب، كذا، نحو: تامر ولابن وكاسي بمعنى تمر ولبن وكسوة (¬5)، واحترز المصنف، بقوله: غالبا من نحو: عطريّ لبائع العطر، وبتّي لبائع البتوت، وهي الأكسية، وقد قالوا: عطّار وبتّات أيضا. - ¬

_ (¬1) من السريع من قصيدة للأعشى ميمون يفضل عامرا على علقمة بن علاثة، الفراتي: المنسوب إلى الفرات، وهو نهر في العراق، أو الماء الشديد العذوبة، طما: ارتفع، والبوصي: الملاح، الماهر: السابح. ينظر في شرح الكافية (4/ 1961) ديوانه (ص 106). (¬2) من الطويل من قصيدة قالها الصلتان العبدي عند ما ادعى أن الفرزدق وجريرا تحاكما إليه فقضى بينهما بتفضيل الفرزدق على جرير. صادع: صدع الأمر وبه بينه ومهر به قال تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، والصادع القاضي بين القوم. انظر: أمالي القالي (2/ 142، 143)، والمحتسب (1/ 113)، والأشموني (4/ 203)، والتذييل (5/ 265) (ب). (¬3) شرح الكافية (4/ 1961). (¬4) من قول العجاج: أطربا وأنت قنّسري ... والدّهر بالإنسان دوّاريّ قال الصبان (4/ 203): (قوله: دوّاريّ قال الدماميني: يحتمل كون الياء فيه لتوكيد المبالغة كالتاء في علّامة) وانظر: الخصائص (3/ 104، 105) والمحتسب (1/ 310)، وأمالى الشجري (1/ 29)، وابن يعيش (3/ 139)، ومغني اللبيب (ص 18)، والهمع (2/ 230)، وديوان العجاج (ص 66). (¬5) شرح الكافية (4/ 1962).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأشار بقوله: وقد يقام أحدهما مقام الآخر وغيرهما مقامهما، إلى أن المعاوضة قد تحصل بين فعّال وفاعل، وإلى أن غيرهما يقوم مقامها، فمثال قيام فعال مقام فاعل، أي: يراد بفعّال صاحب كذا كما يراد بفاعل، قول امرئ القيس: 4229 - وليس بذي رمح فيطعنني به ... وليس بذي سيف وليس بنبّال (¬1) أي: وليس بذي نبل، قال المصنف: وعلى هذا حمل المحققون قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (¬2) أي: بذي ظلم (¬3). انتهى. ومن ذلك قولهم: سيّاف لصاحب السيف، وتراس لصاحب الترس، وبغال لصاحب البغل، ولا ينقاس شيء من هذين البناءين، ومثال قيام فاعل مقام فعّال: قولهم حائك في معنى حوّاك؛ لأن الحياكة من الحرف والصنائع، ومثال قيام غيرهما مقامهما، قولهم: رجل طعم ولبس وعمل، بمعنى ذي طعام، وذي لباس، وذي عمل، ومنه قول الراجز: 4230 - لست بليليّ ولكنّي نهر ... لا أدلج اللّيل ولكن أبتكر (¬4) قال المصنف: أراد ولكني نهاري أي عامل في النهار (¬5). انتهى. وكذا ما أنشده سيبويه وهو: 4231 - حتّى شآها كليل موهنا عمل ... باتت طرابا وبات اللّيل لم ينم (¬6) ومن ذلك قولهم امرأة معطار: أي ذات عطر، وناقة محضير، فمعطار قام مقام - ¬

_ (¬1) البيت من شواهد سيبويه (2/ 383) وهو من الطويل، والشاهد فيه قوله: (نبّال) لذي النبل والبيت من قصيدة مشهورة لامرئ القيس، وانظره في: المقتضب (3/ 162)، وابن يعيش (6/ 14)، والتصريح (2/ 337)، والأشموني (2/ 200) وديوانه (ص 23). (¬2) سورة فصلت من الآية: (46). (¬3) شرح الكافية (4/ 1963). (¬4) رجز قائله مجهول، وهو من شواهد سيبويه (2/ 91) والإدلاج: سير الليل كله، والشاهد في قوله: (نهر) بزنة فعل مرادا به النسب لا المبالغة. وانظره في: النوادر لأبي زيد (ص 249)، والمخصص (9/ 51)، والمقرب (2/ 55)، والتصريح (2/ 337) والأشموني (4/ 201) واللسان (ليل) و (نهر). (¬5) شرح الكافية (4/ 1963). (¬6) من البسيط قائله ساعدة بن جؤية، والبيت من شواهد سيبويه (1/ 58) وقد استشهد به على أن (فاعلا) قد يعدل به إلى (فعيل) و (فعل) على سبيل المبالغة، والاستشهاد به هنا على أنه قد يستغنى عن ياء النسب بصيغة (فعل) كما في قوله ... موهنا عمل. شآها: ساقها والضمير يعود إلى بقر الوحش، كليل: برق أضعفه بعد المسافة، الموهن: منتصف الليل، عمل: ذي عمل أو دائب العمل. ديوان الهذليين (1/ 198). وشرح الكافية (2/ 1036) واللسان (عمل شأي) والخزانة (3/ 450).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عطّار، وهذا كثير في الكلام مع أنه ليس بقياس. قال سيبويه: وليس في كل شيء من هذا قيل: ذا ألا ترى أنك لا تقول لصاحب الدقيق: (دقّاق، ولا لصاحب الفاكهة: فكّاه ولا لصاحب الشعير: شعار (¬1). المسألة الرابعة: أن إحدى يائي النسب قد تحذف ويعوض عنها ألف قبل لام الكلمة، قال في شرح الكافية: وقالوا في المنسوب إلى اليمن والشام) (¬2) يمان وشام معوّضين الألف من إحدى الياءين، ومن العرب من يقول: يمانيّ وشآميّ كأنه جمع بين العوض والمعوّض منه، والأجود أن يكون قائل هذا نسب إلى المنسوب، ومن ذلك قول الشاعر. 4232 - ترهب السّوط في اليمين وتنجو ... كاليمانيّ طار عنه العفاء (¬3) انتهى. (¬4). ولا يخفى أن الاسم المنسوب إذا حذفت إحدى الياءين منه وعوض ألفا أنه يصير حكمه في الإعراب حكم المنقوص، فيقال: جاء اليماني، ومررت باليماني، ورأيت اليماني وهذا ظاهر، وأما قوله: وفتحوا تاء تهام لخفاء العوض، فقال الشيخ فيه: إن الألف في يمان وشآم تعويضها من إحدى ياءي النسب ظاهر؛ لأن الأصل يمن وشآم على زنه فعل وفعل، وأما في تهام، فإن أصله تهامة على فعالة فكأنهم بنوه على فعل، نحو: تهم ثم نسبوا فعوضوا من إحدى الياءين ألفا، فقالوا: تهام فلحقا العوض فتحوا التاء حيث بنوه على فعال، وقالوا: تهاميّ بكسر التاء وإلحاق ياءي النسب، كما قالوا: شآميّ ويمني (¬5). * * * ¬

_ (¬1) هناك خلاف في قياسية ظلك فسيبويه يرى أنه غير مقيس، كما نقل الشارح والمبرد بقول، وأنه ليس محتجّا بكثرته في كلامهم. ورده ابن ولاد. انظر: الكتاب (3/ 381)، والمقتضب (3/ 161)، وابن يعيش (6/ 15)، والهمع (2/ 198)، والأشموني (4/ 201). (¬2) كذا في شرح الكافية وفي نسختي المخطوط (الشام واليمين). (¬3) من الخفيف مجهول القائل. والشاهد فيه قوله: يماني منسوب إلى يمان. والعفاء: التراب. (¬4) التذييل (5/ 266) (ب). (¬5) شرح الكافية (1959).

الباب الرابع والسبعون باب جمع التكسير

الباب الرابع والسبعون باب جمع التكسير (¬1) قال ابن مالك: (أمثلة الجمع وما يتعلّق به ممّا لم يسبق ذكره). قال ناظر الجيش: المراد بأمثلة الجمع أوزانه. والتقدير: باب ذكر أمثلة الجمع وذكر ما يتعلق به، والذي يتعلق به اسم الجمع واسم الجنس، ذكرهما ليتميز هو عنهما، ويتميز أحدهما عن الآخر، ولما كان هذا الباب معقودا لذكر أمثلة جمع التكسير، وأمثلة القسمين الآخرين نبه على ذلك بقوله: مما لم يسبق ذكره؛ لأن ذكر جمعي التصحيح قد تقدم له في أوّل الكتاب، فصار الكلام الآن في هذا الباب منحصرا في الأقسام المذكورة - أعني جمع التكسير، واسم الجمع، واسم الجنس - لأن الاسم متى دل على أكثر من اثنين كان منحصرا في الثلاثة. ¬

_ (¬1) هذا العنوان من وضع المحققين.

[الجمع واسم الجمع واسم الجنس

[الجمع واسم الجمع واسم الجنس (¬1)] قال ابن مالك: (كلّ اسم دلّ على أكثر من اثنين ولا واحد له من لفظه، فهو جمع واحد مقدّر إن كان على وزن خاصّ بالجمع أو غالب فيه، وإلّا فهو اسم جمع؛ فإن كان له واحد يوافقه في أصل اللّفظ دون الهيئة، وفي الدّلالة عند عطف أمثاله عليه، فهو جمع ما لم يخالف الأوزان الآتي ذكرها، أو يساو الواحد دون قبح في خبره ووصفه والنّسب إليه، أو يمتز من واحده بنزع ياء النّسب أو تاء التّأنيث مع غلبة التّذكير). قال ناظر الجيش: لم يتعرض المصنف هنا لذكر جمع التكسير؛ لاستغنائه عنه بما تقدم له من ذكره في باب الإعراب، وهو قوله: (والجمع جعل الاسم القابل دليل ما فوق اثنين بتغيير ظاهر أو مقدر وهو التكسير) (¬2)، وهو موافق لما ذكره في الكافية، وهو قوله: والجمع إن أبانه تغيير ... تقديرا أو لفظا هو التّكسير (¬3) فقوله: إن أبانه تغيير، وهو معنى قوله في التسهيل: دليل ما فوق اثنين بتغيير، والتغيير اللفظي هو الذي عبر عنه بقوله: ظاهر وذلك كأسد وقلوب وكلاب، والتقديري هو المقدر؛ وذلك نحو: فلك ودلاص إذا قصد هذا الجمع، لا الإفراد كما سيأتي، وقد يقال إنما لم يتعرض لذكر حد الجمع، أعني جمع التكسير، ولا لذكر حد قسميه - أعني اسم الجمع واسم الجنس - لأن التقسيم الذي ذكره، قد يستفاد منه حدود الأقسام (الثلاثة لما هو معلوم من أن التقسيم الصحيح يعلم منه حدود الأقسام) [6/ 75] الخارجة منه، ثم، ليعلم أن ليس من شرط الجمع أن يكون له واحد ملفوظ به، فقد يكون واحده مهملا، أي لم تنطق له العرب بواحد؛ ولا من شرط اسم الجمع ألّا يكون له واحد من لفظه؛ فقد يكون كذلك وقد لا - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (3/ 567 - 650) - والمقتضب (1/ 256 - 285)، (2/ 193، 233)، والتكملة (147 - 195)، والهمع (ص 246 - 255)، وابن يعيش (5/ 2 - 85)، والمقرب (2/ 106 - 129) - وأوضح المساعد (4/ 307 - 325)، والهمع (2/ 174 - 185)، والتصريح (2/ 299 - 317) والجاربردي (1/ 127 - 147). (¬2) انظر التسهيل (ص 13) وانظر الباب المذكور في الجزء الأول من الكتاب الذي بين يديك. (¬3) شرح الكافية (4/ 1807).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون، وأما اسم الجنس، فلا بد أن واحده يشاركه في اللفظ، فقول المصنف: كل اسم دل على أكثر من اثنين، هذا هو المقسّم إلى الثلاثة، فيلزم اشتراكهما في الدلالة على ما زاد على الاثنين، وتقدير كلامه أن يقال: الاسم الدال على أكثر من اثنين إما أن يكون له واحد من لفظه أو لا يكون؛ إن لم يكن له واحد من لفظه، فهو قسمان: جمع واسم جمع؛ لأنه إما أن يكون على وزن خاص بالجمع، أو على وزن غالب فيه، أو لا يكون على هذين الوزنين، فإن كان فهو جمع واحد مقدر، وإلّا فهو اسم جمع كإبل وذود وقوم، ومثال الوزن الخاص: أبابيل وعباديد وشماطيط، فهذه الجموع لم ينطق لها بمفرد، وإنما حكم بجمعيتها لمجيئها على هذا الوزن الذي لا يكون إلّا جمعا، ومثال الوزن الغالب: أعراب فإنه جمع لمفرد مقدر أي لم ينطق به، قال المصنف: أبى سيبويه أن يجعل أعرابا جمعا لعرب، لأنّ عربا عام وأعرابا خاص، وانما كان هذا الوزن غالبا في الجمع لقلة أفعال في المفردات على أن أكثرهم لا يثبته في المفرد، وجعلوا قول العرب: برمة أعشار (¬1)، من باب وصف المفرد بالجمع، وقد استدل على ثبوته بقول العرب: أستار، وهو اسم لبعض أيام الأسبوع (¬2)، ولا يخفى أن كلمة واحدة على تقدير صحتها لا يثبت بها أمر كلي، وإن كان لذلك الاسم الدال على أكثر من اثنين واحد من لفظه فهو ثلاثة أقسام، جمع واسم جنس (¬3)؛ لأنه إن كان على وزن من الأوزان المنسوبة إلى الجمع الآتي ذكرها في هذا الباب فهو جمع وإن خالف الأوزان المذكورة، أو ساوى الواحد فيما ينبغي أن يكون للواحد من خبر أو وصف أو غيرهما فهو اسم جمع، وإن انضم إليه مع ذلك أن امتاز من واحده بنزع ياء النّسب، أو تاء التأنيث ولم يلتزم تأنيثه، فهو اسم جنس، وإذا تقرر هذا فلنرجع إلى ذكر ألفاظ الكتاب والتنبيه على القيود التي - ¬

_ (¬1) إذا كانت البرمة، وهي القدر من الحجر متكسّرة قطعا. انظر الصحاح (2/ 748) وانظر: الأشموني (4/ 154). (¬2) جاء في اللسان (ستر): (الإستار بكسر الهمزة من العدد الأربعة ... قال أبو سعيد: سمعت العرب تقول للأربعة: إستار). (¬3) انظر: الفرق بين الجمع، واسم الجمع، واسم الجنس: شرح الكافية للرضي (2/ 178) والأشموني (4/ 153، 154)، والتبيان في تصريف الأسماء (152/ 154)، والفيصل في ألوان الجموع (111/ 114).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تضمنته وتطبيق ذلك مفصلا على ما أشرنا إليه مجملا، فنقول قوله: كل اسم دال على أكثر من اثنين ولا واحد له من لفظه. فهو جمع واحد مقدر إن كان على وزن خاص بالجمع، أو غالب فيه قد تقدم ما يستفاد منه شرح هذا الكلام، وتقدم تمثيل الوزّن الخاص والوزن الغالب، وقوله: وإلّا فهو اسم جمع تقدم أيضا شرحه وتمثيله، وقوله: وإلّا كان له واحد يوافقه في أصل اللفظ، هو قسيم لقوله: ولا واحد له من لفظه وهو يشمل الأقسام الثلاثة كما تقدم، وقوله: يوافقه في أصل اللفظ ظاهر؛ وذلك كرجل وراكب وبسرة بالنسبة إلى: رجال وبسر، وقوله دون الهيئة احتراز من نحو: فلك الجمع؛ فإن له مفردا يوافقه في أصل اللفظ والهيئة، هكذا قال الشيخ: وهو غير ظاهر، قال المصنف: قد حكم في هذا الفصل على نحو: فلك بأنه جمع، وإن كان قد اختار بعد أنه اسم جمع، فكيف يخرجه من حد الجمع بقوله: دون الهيئة (والظاهر أنه إنما قصد بذلك الإشارة إلى أن جمع التكسير لا بد فيه من تغيير نظم واحده، لكن التغيير لم يجز له هنا، فكأنه نبّه عليه بقوله: دون الهيئة)؛ لينص على أن تغيير نظم الواحد في هذا الجمع لازم، ويجوز أن يقال: إنه احترز بذلك من جمع التصحيح، نحو: مسلمين وهندات؛ فإنه يصدق عليه أن له واحدا يوافقه في أصل الحروف وليس هو بجمع التكسير؛ لأن ذلك الواحد يوافق في الهيئة أيضا، ومن شرط جمع التكسير: أن يخالف واحده في الهيئة، وقوله: وفي الدلالة عند عطف أمثاله عليه، معطوف على قوله: في أصل اللفظ، فهو متعلق بقوله: يوافقه، والمعنى أننا إذا ذكرنا واحد ذلك الاسم، وعطفنا أمثاله عليه، وافق الجمع في الدلالة، وهو كلام ظاهر؛ فإن قولنا: قام رجل، ورجل، ورجل، يفيد ما يفيده قولنا: قامت الرّجال، قال الشيخ: واحترز بذلك من نحو: قريش فإن واحدهم: قرشي، وإذا عطفت أمثاله عليه فمدلوله جماعة منسوبة إلى قريش، وليس مدلول قريش جماعة منسوبين إلى قريش، فليس قريش جمع قرشي بخلاف رجال، فإنه جمع رجل (¬1). انتهى ومقتضي كلامه أن قريشا لا دلالة له على آحاد وهو غير ظاهر؛ فإن نسبة: قرشيّ من قريش، كنسبة: روميّ وتركي من روم وترك، والتمييز بين الواحد - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 1) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجنسه حاصل فيها بياء النسب، وما يميز واحده منه بياء النسب فهو اسم جنس (¬1) كما أشار إلى ذلك المصنف هنا، وقد علمت أن اسم الجنس واسم الجمع والجمع تتشارك في أن كلّا منها دال على أكثر من اثنين، وإذا كان قريش اسم جنس وجب أن يدل على آحاد، وآحاده إنما هي: قرشيّ وقرشيّ وقرشيّ، فمدلول قريش على هذا قرشيون، كما أن مدلول روم روميون، ومدلول ترك تركيون، ثم إن لازم كلام الشيخ أن اسم الجنس لا يصح في واحده عطف أمثاله عليه، وكلام المصنف يقتضى صحة ذلك؛ فإنه لما حكم بالجمع على ما هذه صفته قيده بقيود أخر زائدة، وهي قوله: ما لم يخالف الأوزان الآتي ذكرها، إلى قوله: مع غلبة التذكير، ثم قال بعد: فإن كان كذلك، أي فإن انتفت هذه القيود الزائدة انتفت الجمعية، وكان ذلك الاسم الدال على أكثر من اثنين اسم جمع، أو اسم جنس، فدل كلامه على أن اسمي الجمع والجنس مشتركان مع الجمع في ما ذكره أولا، وهو قوله: فإن كان له واحد يوافقه في أصل اللفظ دون الهيئة، وفي الدلالة عند عطف أمثاله عليه. وإذا كان كذلك فكيف يقال: إنه احترز بقوله: وفي الدلالة عند عطف أمثاله عليه عن نحو: قريش، وقد تبين أن قريشا اسم جنس، وتبين أيضا أن اسم الجنس يصح في واحده عطف أمثاله عليه، وكذا اسم الجمع إذا كان له واحد من لفظه فهما كالجمع لا فرق بينهما وبينه في ذلك، وإذا تقرر هذا؛ أفلا يكون قوله: وفي الدلالة عند - ¬

_ (¬1) كذلك ما يفرق واحده منه بالتاء - فتكون التاء في الواحد، كتمر وتمرة أو في الجمع، نحو: كمء للواحد والكمأة للجنس، والحكم على مثل ذلك بأنه اسم جنس هو مذهب البصريين قال ابن يعيش (5/ 71): (اعلم أن هذا الضرب من الأسماء التي يميز فيها الواحد بالتاء من نحو: شعيرة وشعير ونمرة ونمر إنما هو عندنا - أي: البصريين - اسم مفرد واقع على الجنس، كما تقع على الواحد وليس بتكسير ... والكوفيون يزعمون أنه جمع كسّر عليه الواحد، ويؤيد ما ذكرناه أمران: أحدهما: أنه لو كان جمعا؛ لكان بينه وبين واحده فرق إما بالحروف وإما بالحركات؛ فلما أتى الواحد على صورته لم يفرق بينهما بحركة ولا غيرها دل على ما ذكرناه، وأما التاء فبمنزلة اسم ضمّ إلى اسم، فلا يدل سقوطها على التكسير. الأمر الثاني: أنه يوصف بالواحد المذكر من نحو: قوله تعالى: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر: 20] وأنت لا تقول: مررت برجال قائم فدل ذلك على ما قلناه. فإن قيل: فقد قال: أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة: 7] فأنّث، وقال: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ق: 10] والحال كالوصف وقال سبحانه: السَّحابَ الثِّقالَ [الرعد: 12] فوصفه بالجمع، فهلّا دل ذلك على أنه جمع؛ لأن المفرد المذكر لا يوصف بالجمع. قيل: إن ذلك جاء على المعنى؛ لأن معنى الجنس العموم والكثرة؛ والحمل على المعنى كثير، ويدل على ذلك إجماعهم على تصغيره على لفظه، نحو: تمير وشعير ...) انظر الرضي (2/ 192 - 193)، والرضي على الكافية (2/ 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عطف أمثاله عليه، احترازا من شيء، وإنما يكون من تمام تعريف الثلاثة وإيضاحها، أعني الجمع واسم الجمع الذي له واحد من لفظه، واسم الجنس، فيكون قد عرفها بأن لكل منها واحدا يوافقه في أصل اللفظ دون الهيئة وفي الدلالة عند عطف أمثاله عليه، [6/ 76] وإن كان الجمع يمتاز عن قسيميه بأمر آخر وهو أن يكون على الأوزان المخصوصة كما سيأتي، وقوله: فهو جمع ما لم يخالف الأوزان الآتي ذكرها، وإلى آخره، يريد (به) إن كان لذلك الاسم واحد يوافقه فيما ذكر فهو جمع؛ إلّا أن يخالف (أوزان) الجمع التي سيذكرها أو يساوي الواحد في ثلاثة أمور: الخبر، والوصف، والنسب إليه، أو يمتاز من واحده بنزع ياء النسب أو تاء التأنيث، فقيّد الجمع بثلاثة قيود زائدة على ما ذكره أولا: القيد الأول: ألا يخالف وزنه الأوزان التي يذكرها للجمع في هذا الباب. القيد الثاني: ألا يساوي ذلك الاسم في ثلاثة الأمور التي ذكرها وهي الخبر، نحو: الركب سائر والوصف، نحو: هذا ركب سائر، والنسب إليه نحو: ركبيّ، فركب ليس بجمع؛ لأنه ساوى راكبا في خبره، ووصفه، والنسب إليه أي نسب إليه على لفظه، ولو كان جمعا لرد في النسب إلى واحده؛ وإنما قال دون قبح احترازا من نحو: الرجال قائم، لوجاء؛ فإن الرجال تساوي الواحد في خبره مع أنه جمع، لكنّ ذلك قبيح فلا يعتد به، والظاهر أن المستفاد من القيدين معنى واحد؛ فإنه متى خالف الاسم المذكور أوزان الجموع؛ لزم أن يكون مساويا للواحد في الأمور التي ذكرها، فليس ثم اسم ليس على أوزان الجموع، إلّا وهو يوافق الواحد في هذه الأمور الثلاثة؛ فإن جعلناهما قيدين مستقلين لزم وجود ما يخالف أوزان الجمع، ولا يوافق الواحد فيما ذكر، نعم قد يقال: إنه احترز بالقيد الثاني من نحو: عمام؛ فإنه ليس بجمع كما سيأتي مع أنه على زنة فعال، وهي من أوزان الجموع، وفي شرح الشيخ أن أبا عليّ لا يجيز: قومك ذهب ولا صحبك خرج ولا قومك ذاهب، إلّا إن جاء في شعر أو نادر كلام، قال: وقال سيبويه القوم مفرد وصفته لا تجيء إلّا على المعنى، فلا تقول: قوم ذاهب (¬1)، قال ابن هشام (¬2): وهذا هو - ¬

_ (¬1) قال سيبويه (3/ 247): (القوم) هو واحد في اللفظ وصفته تجري على المعنى، لا تقول: القوم ذاهب. (¬2) التذييل (6/ 1) (أ)، والمساعد (3/ 390): وهو أبو عبد الله محمد بن يحيى الخزرجي أخذ عن ابن خروف وغيره. له الإفصاح، والاقتراح، وغزر الإصباح وكلها على الإيضاح. راجح البغية (1/ 267)، والبلغة (ص 250).

[اسم الجمع واسم الجنس]

[اسم الجمع واسم الجنس] قال ابن مالك: (فإن كان كذلك فهو اسم جمع، أو اسم جنس لا جمع، خلافا للأخفش في «ركب»، ونحوه، وللفرّاء في كلّ ما له واحد موافق في أصل اللّفظ). ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل. قال الله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (¬1) وقال تعالى: جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (¬2) انتهى. القيد الثالث: ألا يمتاز ذلك الاسم من واحده بنزع ياء النسب أو تاء التأنيث، فعلى هذا لا يحكم على نحو: روم وترك بالجمعية لقولهم في واحده: روميّ وتركيّ؛ وكذا لا يحكم بالجمعية أيضا على نحو: بسر وتمر؛ لأن واحده بسرة وتمرة؛ لأن امتياز الأول من واحده إنما حصل بنزع ياء النسب منه، وامتياز الثاني إنما حصل بنزع تاء التأنيث: (وقوله: مع غلبة التذكير قيد في الثاني فقط، وهو الممتاز من واحده بنزع تاء التأنيث)، ومراده بذلك أن الذي يمتاز من واحده بنزع التاء إنما يحكم عليه بأنه اسم جنس إذا جاز فيه التذكير والتأنيث. ومقتضى كلام المصنف أن يكون التذكير غالبا، قال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (¬3) وقال تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (¬4)؛ فإن التزم تأنيثه حكم عليه بالجمعية؛ وذلك نحو: تخم وتهم؛ فإن مفرديهما: تخمة وتهمة، وهما جمعان؛ لأن العرب لم تقل إلّا: هذه تخم، وهي التهم؛ فالتزمت التأنيث، بخلاف الرّطب فإنه يذكر ويؤنث؛ ولذلك حكم سيبويه على هاتين الكلمتين بالجمعية أعني التخم والتهم (¬5). قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى ما هو الفارق بين الثلاثة - أعني الجمع واسم الجمع واسم الجنس - ولما كان بين الجمع عليهم واسم الجمع الذي له واحد من لفظه واسم الجنس اشتراك وافتراق، وذكر ما به الاشتراك، وهو دلالة كل منهما على أكثر من اثنين، ثم أشار إلى ما به الافتراق بأن ميز قسم الجمع عن القسمين - ¬

_ (¬1) سورة القمر: 45. (¬2) سورة يس: 32. وانظر: التذييل (1/ 6) (أ). (¬3) سورة الحاقة: 7. (¬4) سورة القمر: 20. (¬5) قال سيبويه (3/ 583): (الفعلة) تكسّر على (فعل) إن لم تجمع بالتاء، نحو: تخمة، وتخم، وتهمة، وتهم، وليس كرطبة ورطب، ألا ترى أن الرطب مذكر كالبرّ، والتمر وهذا مؤنث كالظّلم. والغرف. وانظر شرح الشافية (4/ 1884).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخرين بثلاثة قيود، وهي: عدم مخالفة وزنه الأوزان المذكورة للجمع، وعدم مساواته الواحد في الخبر والوصف والنسب إليه وعدم امتيازه من واحده، بنزع ياء النسب أو تاء التأنيث مع غلبة التذكير، نبّه الآن على أن هذه الأمور الثلاثة، إذا انتفت عن الاسم أو انتفى شيء منها لا يحكم على ذلك الاسم بكونه جمعا؛ بل يتعين الحكم عليه بأنه اسم جمع أو اسم جنس على ما تبين، ولا شك أنه متى انتفى القيد الأخير من الثلاثة، وهو عدم الامتياز من الواحد بما ذكره كانت تلك الكلمة اسم جنس، ويلزم من انتفائه انتفاء القيدين الأولين، وهما عدم المخالفة وعدم المساواة؛ لأن وزن اسم الجنس يخالف أوزان الجمع ويساوي الواحد، فصار القيد الأخير هو الضابط؛ لتمييز اسم الجنس من اسم الجمع الذي له واحد من لفظه، ومتى انتفى القيدان الأولان دون الأخير كانت الكلمة اسم جمع، إذا تقرر هذا، فاسم الإشارة في قول المصنف: فإن كان كذلك، مشار به إلى نفي القيود الثلاثة التي ذكرها للجمع؛ ولكن قد علمت أنه لا يكون اسم جمع إلّا إذا انتفى القيدان الأوّلان دون الأخير؛ وأنه لا يكون اسم جنس إلّا إذا انتفى الأخير، وقد تقدم أنه يلزم من انتفائه انتقاء الأولين؛ فكأن كلامه انطوى على ما يشبه اللف والنشر، واتكل في فهم المراد على وضوح الأمر في ذلك وشهرته، وقد صرح في شرح الكافية (¬1) بما يدل على أن مراده باسم الجمع واسم الجنس ما ذكرته، ثم أشار المصنف بقوله: لا جمع إلى آخر كلامه، إلى أمرين: أحدهما: أن الأخفش يدعي أن نحو: صحب وركب وطير، جموع (¬2)؛ وكأنه لا يرى أن اسم الجمع يكون له واحد من لفظه؛ وإنما اسم الجمع عنده هو ما ليس له واحد من لفظه، كقوم ورهط وعلى هذا يكون ما دل على أكثر من اثنين، وله واحد من لفظه منحصرا عنده في الجمع واسم الجنس؛ والحق أن هذه الكلمات وما شاكلها أسماء جموع؛ لأن العرب عاملتها معاملة المفرد في ما تقدم من الأمور الثلاثة؛ ولأنها إذا صغرت، صغرت على - ¬

_ (¬1) قال ابن مالك في شرح الكافية (4/ 1884): (كل ما دل على جمع، وليس له واحد من لفظه فهو اسم جمع، أو اسم جنس ما لم يكن على وزن مختص بالجموع، كأبابيل؛ فإنه جمع لواحد مهمل. وما له واحد من لفظه، ولم يكن على وزن من الأوزان التي تقدم ذكرها. فليس بجمع - أيضا - بل هو اسم جمع أو اسم جنس، فإن كان واحده بالتاء أو بياء، كياء النسب فهو اسم جنس، كحدأ وحدأة ومجوس ومجوسي). (¬2) ينظر: ابن يعيش (5/ 77)، والرضي (2/ 203)، والأشموني (4/ 155).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظها (¬1) ولا ترد إلى الواحد، ولو كانت جموعا لكانت الكثرة وجموع للكثرة لا تصغّر بل يصغّر واحدها، ثم يجمع على ما أحكم في باب التصغير. الأمر الثاني: أن الفراء يدعي الجمعية في كل ما له واحد يوافقه في أصل اللفظ، ومقتضي هذا أن الفراء يوافق مذهبه مذهب الأخفش في أن نحو: ركب وصحب جمع، ويزيد عليه (أنه) يرى أن نحو: بسر وغمام جمع أيضا، فعلى هذا يكون ما دل أكثر من اثنين وله واحد من لفظه منحصرا عنده في الجمع (¬2) [6/ 77] خاصة لأنه يطلق الجمع على نحو: صحب وركب وبسر وغمام، كما يطلقه على نحو: رجال، ثم إن الشيخ اقتصر في شرح كلام المصنف وتبين مذهب الفراء على بسر وغمام (¬3) فقط، وعبارة المصنف تقتضي التعميم، ثم إن مذهب الفراء مردود بما رد به مذهب الأخفش، وقد قال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (¬4) وكَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (¬5)، واعلم أن الإمام بدر الدين ولد المصنف - رحمهما الله تعالى - جعل التمييز بين الثلاثة - أعني الجمع واسم الجمع واسم الجنس - بأمر معنوي ذكر ذلك في شرح الألفية، فقال: الاسم الدال على أكثر من اثنين، على ثلاثة أضرب: جمع واسم جمع واسم جنس؛ وذلك لأن الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل إما أن يكون موضوعا للآحاد المجتمعة دالّا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف، وإما أن يكون موضوعا لمجموع الآحاد دالّا عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماه، وإما أن يكون موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية، إلّا أن الواحد ينتفي بنفيه؛ فالموضوع للآحاد المجتمعة هو الجمع سواء أكان له (واحد من لفظه) مستعمل، أم لم يكن، والموضوع لمجموع الآحاد هو اسم الجمع سواء أكان له واحد من لفظه أم لم يكن، والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور هو اسم الجنس (¬6). انتهى كلامه ويحتاج إلى إقامة دليل على أن العرب قصدت بوضع كل من الثلاثة ما أشار إليه، ثم عبارته نظر من وجوه، أما أولا: فلأن قوله في الجمع: إنه موضوع للآحاد المجتمعة، إما أن يريد به أنه وضع لها جملة، أو أنه وضع لكل فرد منها بقيد كونه - ¬

_ (¬1) ينظر: الرضي (2/ 203)، والمساعد (3/ 391). (¬2) اللسان (2/ 797)، والمساعد (3/ 391)، وابن يعيش (5/ 73). (¬3) التذييل (6/ 2) (أ). (¬4) سورة الحاقة: 7. (¬5) سورة القمر: 20. (¬6) شرحه للألفية (ص 43، 44).

[الفرق بين الجمع واسم الجمع]

[الفرق بين الجمع واسم الجمع] قال ابن مالك: (ومن الواقع على جمع ما يقع على الواحد؛ فإن لم يثنّ فليس بجمع، وإن ثنّي فهو جمع مقدّر تغييره على رأي، والأصحّ كونه اسم جمع مستغنيا عن تقدير التّغيير). ـــــــــــــــــــــــــــــ مجموعا إلى غيره؛ فإن أراد الأول لم يكن فرق بين الجمع واسم الجمع على ما قرره؛ وإن أراد الثاني - وهو الظاهر - لزم منه أن رجالا - مثلا - موضوع لواحد ولكن يقيد الانضمام إلى مثليه أو أمثاله؛ ولا يخفى بعد ذلك، ثم مقتضى ذلك أن يكون الوضع لكل واحد واحد من تلك الأفراد المدلول عليها بالجمع؛ لقوله: للآحاد المجتمعة، ويلزم من ذلك أن الجمع إذا كان مرادا به مائة فرد مثلا أن يكون قد وضع لكل منها على انفراده، فيكون موضوعا مائة مرة، ولا يقول أحد ذلك، وأما ثانيا فلأن قوله في اسم الجنس أنه موضوع للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية، إما أن يريد بالحقيقة فيه الجنس من قطع النظر عن الأفراد وهو الظاهر؛ لقوله: ملغى فيه اعتبار (الفردية)، فيلزم خروج هذا القسم عن تقسيمه؛ فلا يدخل تحت المقسّم أولا إلى الثلاثة؛ المقسّم إليها هو الاسم الدال على أكثر من اثنين، والدال على الحقيقة لا دلالة له على وحدة ولا تعدد بالنسبة إلى أفراد تلك الحقيقة، وإما أن يريد بالحقيقة مجموع الأفراد التي يصدق اسم الجنس عليها، فيلزم مساواته لاسم الجمع في الدلالة؛ لأنه موضوع لمجموع الآحاد كما ذكر، وحينئذ لا يتميز أحد القسمين عن الآخر، وأما ثالثا: فإنه قيد تعريف اسم الجنس بأن الوحدة تنتفي بنفيه وهو غير ظاهر؛ فإنه لا يلزم من نفي اسم الجنس انتفاء الواحد، لو قال: ما عندي بسر مثلا، وكان عنده واحدة من البسر كان الكلام صدقا. قال ناظر الجيش: قد تقدم الإشعار بأن التغيير الحاصل لجمع التكسير، قد يكون مقدرا كما يكون ظاهرا، وعلى هذا تستوي الكلمة في اللفظ مرادا بها المفرد، ومرادا بها الجمع؛ إذ التغيير المقدر كالتغيير الظاهر، ولما كان من (الكلم) ما يكون للواحد والجمع بلفظ واحد، ولكنه ليس بجمع؛ وذلك نحو: جنب؛ إذ يقال: رجل جنب، ورجال جنب، قصد المصنف التنبيه على ذلك وتمييز أحدهما عن الآخر، فقال: ومن الواقع على جمع ما يقع على الواحد، وهذه العبارة تشمل نحو: فلك وجنب ثم ميّز بينهما بقوله: فإن لم يثنّ فليس بجمع وإن ثنّي فهو جمع مقدر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تغييره. يعني الفارق بينهما التثنية، وذلك أن جنبا لم يثنّ حيث قيل: رجلان جنب، فكان للواحد والجمع والمثنى بلفظ واحد، فلم يحكم بجمعيته؛ لأن العرب لمّا لم يثنوه على أنه - حال إطلاقه على الجمع - لم يغيّر عما كان عليه بلفظ الواحد، كما أنهم لم يغيّروه - حال إطلاقه على المثنى - وأمّا: فلك فإنهم ثنّوه فقالوا: فلكان فدلّ تغيير هم له حال إطلاقه على المثنى أنهم يغيرونه حال إطلاقه على الجمع، بهذا فرق سيبويه (¬1)، ولا شك أن الذي اعتبره في الفرق لطيف، بديع، وكما قيل في فلك؛ إنه حال الجمع مغير تقديرا، هكذا القول في هجان ودلاص فإنهما يثنيان فالضمّة في: فلك المفرد، كضمة: قفل وفي فلك الجمع، كضمة: رسل، والكسرة في هجان ودلاص حال الأفراد، كالكسرة في: كتاب، وحال الجمع كالكسرة في: رجال، ثم إن المصنف اختار في نحو: فلك، وهجان، ودلاص أنها ليست جموعا، فبعد قوله: وإن ثني فهو جمع مقدر تغييره، قال: رأي (¬2)، ثم قال: والأصح كونه اسم جمع مستغنيا عن تقديرا التغيير؛ وكأن المصنف يجعل هذه الكلمات خاصة بأسماء الجموع، فلا يراد بشيء منها مفرد؛ إذ لو كانت تستعمل مرادا بها المفرد، كما يراد بها اسم الجمع، لزم الاشتراك بين المفرد وغيره، وهو إنما أخرجها عن الجمعية من أجل الاشتراك، فكيف يفرّ من شيء إلى القول بمثله؛ ولا شك أن قوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ (¬3) أدل دليل على أن: الفلك جمع، وقد قال المصنف في شرح الكافية بعد أن حكم على فلك، ودلاص، بأنهما يكونان جمعين كما يكونان مفردين: أن الحامل على ذلك دون أن يجعلا مما اشترك فيه الواحد والجمع كجنب، أن جنبا لا يختلف لفظه في إفراد، ولا تثنية، ولا جمع، فعلم أن العرب قصدت فيه (الاختصار) والاشتراك. وأما فلك ودلاص؛ فإنهما لا يخليان من علامة التثنية عند قصدها، فدلّ ذلك على انتفاء الاشتراك وقصد تغيير منويّ في حال الجمعية. ونظير فلك ودلاص عفتان - وهو الرجل القوي الجافي - يقال: رجل عفتان، ورجلان - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 578). (¬2) هذا قول الخليل وسيبويه لوجود التغيير في التثنية على تقدير التغيير في الجمع - والمصنف أيضا في شرح الكافية - كما نقل عنه الشارح - أما الجرمي فعنده نحو: هجان، ودلاص، صالح للمفرد، والمثنى، والجمع لجريه مجرى المصدر. راجع في هذه المسألة: الكتاب (3/ 639) والرضي (2/ 135 - 136)، وابن يعيش (5/ 50 - 51). وشرح الكافية (4/ 1810)، والمساعد (3/ 392). (¬3) سورة يونس: 22.

[أوزان جمع القلة]

[أوزان جمع القلة] قال ابن مالك: (فصل تكسير الواحد الممتاز بالتّاء محفوظ استغناء بتجريده في الكثرة، وبتصحيحه في القلّة، وهي من ثلاثة إلى عشرة، وأمثلتها: «أفعل»، «أفعال»، «أفعلة»، ومنها «فعلة» لا من أسماء الجمع، خلافا لابن السّرّاج، وليس منها فعل [6/ 78] وفعل، وفعلة، خلافا للفرّاء، بل هنّ وسائر الأمثلة الآتي ذكرها لجمع الكثرة). ـــــــــــــــــــــــــــــ عفتانان، ورجال عفتان، فهو في الإفراد بمنزلة سرحان وفي الجمع بمنزلة غلمان (¬1). قال ناظر الجيش: لما كان الجمع نوعين: جمع قلة، وجمع كثرة، ولكل منهما أوزان معروفة خاصة به، شرع في ذكرها وقدم على ذلك التنبيه على أمر وهو أن بعض الأسماء لا تجمع هذا الجمع - أعني جمع التكسير - وهو ما كان من آحاد أسماء الأجناس المميز بالتاء، نحو: تمرة وبسرة ونحلة، وأن ما ورد منه مكسّرا يحفظ ولا يقاس عليه؛ وذلك قولهم: أرطاب في رطبة، وذلك أنهم استغنوا عن تكسيره عند إرادة الدلالة على الكثرة، بتجريده من التاء، فيقولون: تمر، وبسر، ونحل، وعند إرادة الدلالة على القلة بتصحيحه، أي: جمعه جمع تصحيح بالألف والتاء، فيقولون: تمرات، وبسرات، ونخلات، ثم إن المصنف بيّن أن القلة هي من ثلاثة إلى عشرة، وذكر أن لها أوزانا أربعة وهي: أفعل كأفلس، وأفعال كأثواب، وأفعلة كأرغفة، وفعلة كغلمة، وقال في شرح الكافية بعد ذكر هذه الأربعة: ويشارك هذه الأبنية في الدلالة على القلة جمعا التصحيح، ما لم تقترن بهما الألف، واللام (الدالة) على الاستغراق أو يضافا إلى ما يدل على الكثرة، فالاقتران بالألف واللام، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ (¬2) الآية الشريفة، وقد تضمن (القرينتين) قول حسان ابن ثابت - رضي الله تعالى عنه -: 4233 - لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما (¬3) - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1809، 1810). (¬2) من الآية: (35) من سورة الأحزاب وتمامها وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً. (¬3) من الطويل قائله حسان بن ثابت، الجفنات: جمع جفنة وهي القصعة، الغر: البيض من كثرة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى (¬1). وقد تكلم الشيخ على بيت حسان بكلام لم أتحققه فتركت إيراده لذلك (¬2). وخالف ابن السراج في فعلة، فقال: إنها اسم جمع لا جمع (¬3)، قالوا: وربما تكون شبهته في ذلك أن هذا الوزن لم يطرد، كما حصل الاطراد في ثلاثة الأوزان الأخر، بل اقتصر فيها على السّماع. والذي حفظ من ذلك: صبية، وخصية، وفتية، وولدة، وثيرة، وشيخة، وغلمة، وغزلة، وشجعة، وثنية، في جمع صبيّ وخصيّ وفتيّ، وولد، وثور، وشّيخ، وغلام، وشجاع، وثني، والثّنى هو الثاني من السيادة، قال الشيخ: وهو أغرب هذه الألفاظ، قال: وثني صفة على وزن فعل بسكون العين (¬4)، وفتح الفاء، وقد ضعفت شبهة ابن السراج، بأن النحاة أجمعوا على أن ثمّ أبنية هي جموع، ولم تطرد فيما وردت فيه فلتكن هذه الزنة التي هي فعلة منها، ومذهب الفراء أن فعلا، نحو: ظلم، وغرف، وفعلا، نحو: نعم، ونقم وفعلة، نحو: حسلة وقردة (¬5)، أسماء جموع، قالوا: وربما تكون شبهته في ذلك أنه رأى في فعل وفعل، أنه يجمع بعضها بالألف والتاء، كظلمات وغرفات وسدرات (وأن الاتفاق واضح على أن جمع الجمع لا ينقاس فرأى أن هذه أسماء جموع؛ لأنها أقرب إلى المفرد من الجمع، وأقرب لأن تجمع، ورد هذا بأن غرفات، وظلمات، وسدرات) ليس جمعا لغرف، وظلم، وسدر، إنما هو جمع غرفة، وظلمة، وسدرة والفتحة فيها على سبيل التخفيف، كما عرف ذلك في موضعه (¬6)، ثم إن هذه الصيغ لا توصف إلّا بجمع، ولا يخبر عنها إلّا كما يخبر عن الجمع، يقال: - ¬

_ - الشحم فيها، أو المشهورة، النجدة: سرعة الإغاثة. وقد جاء في البيت قوله: الجفنات جمع قلة وكثرته (جفان) وقوله: أسيافنا وكثرته (سيوف)، المقتضب (2/ 188)، والخصائص (2/ 206)، والمحتسب (1/ 187، 188)، وابن يعيش (5/ 10)، وديوانه (ص 371). (¬1) شرح الكافية (4/ 1810 - 1811). (¬2) التذييل (6/ 2) (ب). (¬3) التذييل (6/ 3) (أ)، والمساعد (3/ 394)، والأشموني (4/ 121). (¬4) التذييل (6/ 3) (أ). (¬5) قال الأشموني (4/ 121): (زاد الفراء فعلا كظلم، وفعلا، كنعم، وفعلة كقردة، وزاد البعض فعلة كبررة، وزاد أبو زيد، وابن الدّهان أفعلاء) وانظر التذييل (6/ 3) (أ). (¬6) ينظر: التذييل (6/ 3) (ب).

[الاستغناء ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة والعكس]

[الاستغناء ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة والعكس] قال ناظر الجيش: (وربّما استغني بما (لإحداهما) عمّا للأخرى وضعا أو استعمالا، لا اتّكالا على قرينة). ـــــــــــــــــــــــــــــ الغرف انهدمن، والظّلم انجلين، والنعم أفاضهن الله، وأما قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً (¬1)، وقوله تعالى: لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ (¬2)؛ فلا يعترف به فيقال: إن نعما وغرفا عوملا معاملة المفرد؛ لأن ذلك يرجع إلى باب آخر، وهو أن جمع (الأبنية) الغائب غير العاقل يعامل معاملة الغائبة (¬3) ومعاملة الغائبات، ولبطلان قول الفراء في هذه الأبنية قال المصنف: بل هن وسائر الأمثلة الآتي ذكرها لجمع الكثرة. قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: وقد يستغنى ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة، وببعض أبنية الكثرة عن بعض أبنية القلة، فالأول كرجل وعنق وأعناق، وفؤاد وأفئدة، والثاني كرجل ورجال، وقلب وقلوب، وصرد وصردان (¬4)، انتهى. وهذه المذكورات ممّا استغني بما لإحداهما عمّا للأخرى وضعا قوله، إذ لم يوضع غيرها، وأما الاستغناء استعمالا فقال الشيخ: مثال ذلك قوله تعالى: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (¬5)؛ وذلك أن القرء يجمع جمع قلة على أقرأء، وجمع كثرة على قروء، وقد استعمل في الآية الشريفة بلفظ جمع الكثرة اتكالا على القرينة، والقرينة هنا ذكر الثلاثة؛ ففهم من الثلاثة القلة. (¬6) انتهى. ولك أن تقول: قد كان يجب على الشيخ كما مثّل للاستغناء بجمع الكثرة عن جمع القلة في الاستعمال أن يمثل لعكس ذلك، وهو الاستغناء بجمع القلة عن جمع الكثرة في الاستعمال - أيضا - ليحصل التقابل فيما هو في الاستعمال كما حصل فيما هو في الوضع، على أن المصنف ذكر في باب العدد أن سبب العدول في الآية الشريفة عن أقراء إلى قروء أن المفرد منه قرء بفتح الفاء، وقياس فعل الاسم الصحيح العين إذا جمع جمع قلة: أفعل كفلس وأفلس، ولكنّه إنما جمع على أفعال، فقيل: أقراء؛ ولا شك أن ذلك خلاف القياس، - ¬

_ (¬1) سورة لقمان: 20. (¬2) سورة الزمر: 20. (¬3) كل ذلك منقول من التذييل (6/ 3) (ب). (¬4) شرح الكافية (4/ 1811). (¬5) سورة البقرة: 228. (¬6) التذييل (6/ 3) (ب).

[ما يرد في التكسير وإغناء التصحيح عن التكسير]

[ما يرد في التكسير وإغناء التصحيح عن التكسير] قال ابن مالك: وما حذف في الإفراد من الأصول ردّ في التّكسير ما لم على ثلاثة فيكسّر على لفظه، ويغني غالبا التّصحيح عن تكسير الخماسي الأصول، وموازن «مفعول»، والمشدّد العين من الصّفات غير ثلاثي، والمزيد أوّله ميم مضمومة إلّا مفعّلا ومفعلا يخصّ المؤنّث. واستغني بمذكّر التّصحيح في بعض الثلاثيّ صفة لمذكّر عاقل، وبمؤنّثه فيما لم يكسّر من اسم ما لم يعقل مذكّرا، وقد يفعل ذلك (به ثابتا) تكسيره، ويكثر في صفاته مطلقا وليس مطّردا في اسمه الخماسي فصاعدا ما لم يكن مصدرا ذا همزة وصل، خلافا للفرّاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان ضعيفا فمن أجل ضعفه عدل عنه إلى قرؤ وإن كان للكثرة (¬1)، وإذا كان الأمر كذلك لا يحس أن يمثل به لما قال المصنف؛ لأن الإتيان في الآية الشريفة بقروء بدل أقراء ليس مقتضيه الاستغناء بما هو للكثرة عما هو للقلة؛ إنما المقتضى له أمر آخر. قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على مسائل: الأولى: أن ما كان من الأسماء في الإفراد ناقصا عن ثلاثة أصول؛ بأن يكون قد حذف منه أحد أصوله؛ فإنه يرد إليه حال تكسيره ما كان قد حذف منه، أما إذا كان الباقي بعد الحذف ثلاثة أحرف؛ فإنه يكسّر على لفظه دون ردّ للمحذوف، فمثال ما يرد قولك: وعد في جمع عدة، وأستاه في جمع سه، وأيد في جمع يد، ومثال ما لا يرد قولك: باز، وأبواز، فأصله البازي فحذفت منه اللام، وقال ابن عصفور: والاسم المكسّر إن كان منقوصا ولم يكن مؤنثا بالتاء ردّ إليه المحذوف، ثم جمع على قياس نظيره، فيقال في [6/ 79] أخ: إخاء؛ لأنه بزنة قفا فتجمعه جمعه، وتقول في يد: أيد لأنه بزنة طيئ، فتجمعه جمعه؛ وإن كان مؤنثا بالتاء، فبابه أن يجمع للقليل بالألف والتاء، وللكثير بالواو والنون، فيقول: سنوات وسنون، وتكسيره شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، والذي كسر منه أمة وبرة ولفة وشفة وشاة، فقالوا في - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1664).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أمة: إماء، وأموان، وآم، وفي لغة وبرة: لغى وبرى، وفي شفة، وشاة: شفاه، وشياه (¬1). المسألة الثانية: أن ثمّ كلمات استغني فيها بجمع التصحيح عن جمع التكسير (¬2) وهن على ما ذكره المصنف أربع: الخماسي الأصول، وما وازن مفعولا، والمشدد العين من الصفات، إذا كان غير ثلاثي، والمزيد أوله ميم مضمومة إلّا ما استثناه، فمثال الخماسي: فرزدقون في فرزدق و: سفرجلات في سفرجل، ومثال ما وازن مفعولا: مضروبون ومضروبات، ومثال المشدد العين من الصفات شرّابون، وحسّابون، ومثال المزيد أوله ميم مضمومة: مكرم، ومكرم، ومقتدر، ومنطلق، ومستخرج، فيقال في المذكر: مكرمون، وفي المؤنث: مكرمات، وكذا في بقية الأمثلة، واحترز المصنف بقوله: غالبا، من قولهم: فرازد وسفارج؛ فإن ذلك قليل لا غالب، وفي تصريف الشيخ أبي عمرو بن الحاجب - رحمه الله تعالى -: ونحو: شرابون، وحسّابون، وفسّيقون، ومضروبون، ومكرمون، ومكرمون، استغني فيها بالتصحيح وجاء عواوير، وملاعين وميامين، ومشائيم، ومياسير، ومقاطير، ومناكير، ومطافل، ومشادن (¬3). انتهى. وعواوير جمع عوّار (¬4)، وملاعين، وميامين، ومشائيم جمع ملعون، وميمون، ومشؤوم، وبقية الأمثلة جمع موسر، ومقطور، ومنكور، ومطفل، ومشدن، والسبب في عدولهم في مثل ذلك عن جمع - التكسير إلى جمع التصحيح، أمّا في الخماسيّ فلما يؤدي إليه تكسيره من حذف حرف أصلي منه؛ وقد يستعذر جمع التصحيح في مثل ذلك مع احتياجهم إلى جمع تلك الكلمة، فعند ذلك يعدلون إلى جمع التكسير ويحذفون لأجله ما يحذفون، كما يأتي بيان ذلك بعد إن شاء الله تعالى، وأما في غيره مما وقعت - ¬

_ (¬1) المقرب (2/ 106). (¬2) ينظر: الكتاب (3/ 641)، والرضي (2/ 175). (¬3) الرضي (2/ 175). (¬4) قال سيبويه (3/ 641): (وقد قالوا: عوّار روعواوير شبّهوه بنقّاز ونقاقيز. وذلك أنهم قلّما يصفون به المؤنث، فصار بمنزلة مفعال ومفعيل ولم يعد بمنزلة فعال ...) وانظر: ابن يعيش (5/ 67)، والتكملة (ص 193).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإشارة إليه؛ فكأن التكسير فيه يؤدي إلى اختلاط الأبنية، والتباس بعضها ببعض؛ إذ لو كسّر نحو: مضروب مثلا؛ لقيل فيه مضاريب، ومضاريب لا يتعين كونه جمع مضروب؛ إذ يحتمل أن يكون مفرده مضراب مثلا؛ وكذا لو كسر مثل: شرّاب وحسّان أيضا، وأما قول المصنف: غير ثلاثي، فقال الشيخ فيه: إن هذا القيد ثبت في نسخة عليها خط المصنف وقرئت عليه، واحترز بذلك من نحو: مرّ، فإنه شددت عينه من الصفات ولم يمنع من التكسير، قالوا: مرّ وأمرار، قال: ولا احتياج إلى قوله: غير ثلاثي؛ لأنه لا يطلق عليه أنه مشدد العين؛ بل هذا من مضعف العين واللام؛ فاستثناؤه ليس بصحيح إلا أن يكون استثناء منقطعا (¬1). انتهى. ولم أفهم قوله مضعف العين واللام؛ لأن العين كما أنها لم تشدد في مرّ لم تضعف أيضا، بل اللام والعين في الكلمة المذكورة من واد واحد، والظاهر أن المثال الذي ذكره الشيخ وهو: مرّ، لم يرده المصنف؛ وإنما أراد شيئا آخر والله تعالى أعلم بمراده. ثم قال الشيخ: واحترز المصنف بمضمومه في قوله: والمزيد أوله ميم مضمومة من الصفة التي يكون أولها ميم مكسورة، نحو: (مطعان) ومطعام، قال: فإن هذا النوع امتنع فيه جمع السلامة، وكسّر تكسير الأسماء، وأنشد قوله الشاعر: 4234 - مطاعين في الهيجا مطاعيم في القرى ... إذا ابيضّ آفاق السّماء من القرس (¬2) انتهى (¬3). ثم إن المصنف استثنى من المزيد أوله ميم مضمومة صيغتين وهما: مفعّل، ومفعل، وقيّدهما بكونهما يخصان المؤنث؛ فأفهم أن هاتين الصيغتين من الصفات المقصود بهما مؤنث، يجوز أن يجمعا جمع تكسير مع كون الميم المضمومة مزيدة أولهما فمثال مفعّل على ما مثل به الشيخ: امرأة مكعّب أي كعاب (¬4)، وامرأة مثيّب أي ثيّب (¬5) وامرأة معجّز أي هرمة (¬6) ومثال مفعل امرأة - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 4) (أ). (¬2) من الطويل لأوس بن حجر، ويروى: إذا احمرّ وإذا اغبر، والهيجاء: الحرب والمطاعيم: جمع مطعام، وهو الكثير الطعام، والقرس: أبرد الصقيع، والشاهد قوله: مطاعين جمع مطعان وهو الكثير الطعن قال أبو علي الفارسي: ولم يجمع بالواو والنون حيث استوى اللفظ للمذكر والمؤنث. والتكملة (ص 192) وانظر: اللسان «قرس» والتذييل (6/ 4) (أ). (¬3) التذييل (6/ 4) (أ). (¬4) التذييل (كعب). (¬5) اللسان (ثيب). (¬6) اللسان (عجز).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مطفل ومرضع، وغزالة مغزل (¬1) ومشدن (¬2)، ومقتضى ما قاله المصنف أن هاتين الصيغتين يجمعان جمع تكسير؛ لأنه استثناها مما ذكر أنه يستغنى فيه غالبا بالتصحيح عن التكسير، وقد رأيت قوله ابن الحاجب: وجاء عواوير، إلى أن قال: ومطافل (¬3) وهذل يدل على أن مفعلا وإن كان لمؤنث لا يكسّر إلّا سماعا (¬4) وقد قال الشيخ في شرح قول المصنف إلا مفعّلا ومفعلا يخص المؤنث: تتبعت هذا الشكل مما هو ميم، وفاء، وعين، ولام في الأوزان التي تختص بالمؤنث فوجدته على وزن مفعّل، وعلى وزن مفعل، وعلى وزن مفعل، وعلى وزن مفعل، وعلى وزن مفعل، فمفعّل نحو: امرأة مكعّب، وأمرأة معجّر، وامرأة مثيّب، ومثال مفعل امرأة مطفل، ومرضع، وغزالة مغزل ومشدن، ومثال مفعل امرأة ملدّ أي ملازمة للخصومة، وناقة منعث أي سريعة، وملوخ أي ضامرة، ومثال مفعل: خادم متبع: معها ولدها يتبعها، ونخلة موقر (¬5)، ومثال مفعل: أرى مجهل قال فهذه تجمع جمع التكسير؛ ولا يغني عنه جمع التصحيح وهو مما أوله ميم، ويخص المؤنث؛ وإنما كان كذلك لأنه لا يصحح فيجمع بالألف والتاء من صفات المؤنث إلّا ما كان تأنيثه بالتاء، نحو: مكرمة وضاربة، ولذلك كان خودات وثّيبات شاذّا، ومفعل وأخواه ليس مما أنث بالتاء؛ فلا يجمع جمع صحة بالألف والتاء (¬6). انتهى. وقد ذكر خمس صيغ فزاد على ما ذكره المصنف ثلاثا؛ والتعليل الذي ذكره الشيخ لمنع تصحيح هذه الصيغ - وهو عدم تأنيثها بالتاء - تعليل مناسب؛ لأن جمع التصحيح إذا كان ممتنعا تعين الجمع الآخر وهو جمع التكسير، ولكن يشكل على ذلك حكمهم بشذوذ: مطافل جمع مطفل، ومطفل مفعل ويختص بالمؤنث؛ لأن مقتضى امتناع الكلمة من جمع التصحيح أن يكون جمع التكسير فيها سائغا مقبولا؛ إلّا أن يقال: إن من الكلمات ما لا يسوغ جمعه جمع تصحيح ولا جمع تكسير؛ - ¬

_ (¬1) أي ذات غزال. اللسان (غزل). (¬2) التذييل (6/ 4) (أ). (¬3) في جمع: مطفل. (¬4) قال سيبويه (3/ 640): (وأما «مفعل» الذي للمؤنث، ولا تدخله الهاء؛ فإنه يكسّر، وذلك مطفل، ومطافل، ومشدن، ومشادن. وقد قالوا على غير القياس: مشادين ومطافيل). (¬5) أي: كثر ورقها. اللسان (وقر). (¬6) التذييل (6/ 4) (أ) و (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لوجود مانع يمنع من كل منهما، وهذا بعيد ولا بد من التأمل لذلك، ومهما صح عند المتأمل يكن العمل بحسبه. المسألة الثالثة: أن الاستغناء قد حصل بجمع التصحيح المذكر في بعض الثلاثي الذي هو صفة، عن جمع التكسير إن كان ذلك الاسم الذي هو صفة لمذكر عاقل، وأن الاستغناء حصل - أيضا - بجمع التصحيح المؤنث عن جمع التكسير في ما لا يعقل مذكرا ما [6/ 80] لم يكسر؛ فإنه كسّر منه شيء لم يجمع جمع تصحيح، وقد أشار المصنف إلى الأولى بقوله: واستغني بمذكر التصحيح في بعض الثلاثي صفة لمذكر عاقل، وإلى الثاني بقوله: وبمؤنثه فيما لم يكسر من اسم ما لا يعقل مذكرا، ومثال الأول على ما ذكره الشيخ: عجلون، وحذرون، وندسون (¬1) قال: فهذه لم تجمع جمع تكسير؛ لأنهم استغنوا فيها بجمع التصحيح عن جمع التكسير (¬2)، ومثال الثاني على ما ذكره الشيخ أيضا: حمّامات وسحلات وإصطبلات وسرادقات (¬3)، وأشار بقوله: وقد يفعل ذلك به ثابتا تكسيره إلى: بواق؛ فإنه جمع بالألف والتاء، وإن كانوا قد كسّروه فقالوا: بوق ومن ثم قال أبو الطيّب: 4235 - إذا كان بعض النّاس سيفا لدولة ... ففي النّاس بوقات له وطبول (¬4) فقال في بوق: بوقات من أنه قد كسر، حيث قالوا: أبواق، وهذا الذي قلناه أولى من قول من ينسب أبا الطيب إلى اللحن في قوله: بوقات (¬5). المسألة الرابعة: أن الجمع بالألف والتاء في صفات ما لا يعقل مطلقا أي سواء كسّر أم لم يكسّر؛ - ¬

_ (¬1) اللسان (ندس). (¬2) التذييل (6/ 4) (ب). (¬3) المرجع السابق. (¬4) من الطويل قائله أبو الطيب المتنبي يمدح سيف الدولة، بوقات: جمع بوق وأراد بالبوق والطبل: الشعراء الذين يشيعون ذكره ويذكرون في أشعارهم غزواته، فينتشر بهم ذكره في الناس، والشاهد فيه قوله: بوقات، حيث جمع الشاعر: بوق بالألف والتاء، وقيل: إن ذلك لحن، قال ابن جني: وقد عاب على أبي الطيب من لا خبرة له بكلام، نحو جمع بوق على بوقات والقياس يعضده إذ له نظائر كثيرة: حمام، وحمامات، وسرادق، وسرادقات، وقرار وقرارات. انظر: المحتسب (1/ 295)، (2/ 153)، والمقرب (2/ 51)، والهمع (1/ 23)، وديوانه (2/ 87) والتكملة (1/ 471). (¬5) انظر: الهمع (1/ 23)، والمقرب (2/ 51).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وذلك نحو: جبال راسيات، وجبال شامخات، وخيول سابقات، وسرادقات طويلات، فيجوز أن يقول: رواس، وشوامخ، وسوابق، وطوال، وإلى ذلك الإشارة بقوله: ويكثر في صفاته مطلقا، أي ويكثر جمع التصحيح في صفات ما لا يعقل عن المذكر؛ ولا شك أن هذا الحكم قد كان عرف في أوائل الكتاب، عند ذكر ما يجمع بالألف والتاء قياسا؛ إذ ذكر هناك صفة المذكر الذي لا يعقل؛ وإنما أعاد ذكر ذلك هنا لأمر، وهو أنه لما ذكر أن اسم ما لا يعقل مما هو (مذكر) استغنى فيه بجمع التصحيح المؤنث عن التكسير، ولكن شرط ذلك أن لا يكون كسّر، وكانت صفات المذكر الذي لا يعقل تجمع جمع التصحيح المؤنث سواء أكسّرت أم لم تكسّر ناسب أن يفرّق بينهما في الذكر، بينها على مخالفة صفة المذكر الذي لا يعقل للاسم المذكر الذي لا يعقل في الأمر الذي أشار إليه، وقوله: وليس بمطرد في اسمه الخماسي فصاعدا، يشير به إلى الجمع المصحح بالألف والتاء وإن كثر في صفات ما لا يعقل واطرد فيه، ليس بمطرد في اسم ما لا يعقل الخماسي فما فوقه هكذا يعطيه كلامه، ولم أتحقق ذلك؛ فإن نحو: حمّامات وإصطبلات، من الأسماء المذكورة التي هي لما لا يعقل قد نصّوا على أن شيئا منها إذا لم يكسر؛ فإنه تجمع بالألف والتاء قياسا، ولا شك أن كلام المصنف في هذا الموضع يحتاج إلى تأمل، وأما قوله: ما لم يكن مصدرا ذا همزة وصل (فقال الشيخ (¬1) شارحا له: إن المصنف يعني بذلك أنه إذا كان الاسم مصدرا ذا همزة وصل) فإنه يطرد جمعه تصحيحا بالألف والتاء، وذلك نحو: استخراج، واستخراجات، وانطلاق وانطلاقات، واقتدار، واقتدارات، ثم قال: وهذا عندي ليس كما ذكر، أعني أنه ليس جمعا لمطلق المصدر، بل هو جمع لما أنّث منه بالتاء؛ لأنه يجوز قياسا أن يؤنث كل مصدر زائد على ثلاثة أحرف لم يبن على التاء كمضاربة، وتجربة، وتعزية، بالتاء في آخره فيقال: استخراجة وانطلاقة، كل ذلك دلالة على المرّة الواحدة، فاستخراجات جمع لاستخراجة لا لاستخراجه، وإذا كان كذلك فلا يحتاج إلى هذا القيد، وهو قوله: ما لم يكن مصدرا. انتهى. والذي قاله الشيخ حق، قال: وأما قوله: ذا همزة وصل فقيد صحيح؛ لأنه إذا لم يكن ذا همزة وصل لا يطرد فيه - ¬

_ (¬1) التذييل والتكميل (6/ 4).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الجمع الذي هو بالألف والتاء، وذلك نحو: مدحرج المراد به المصدر، ومقاتل المراد به أيضا المصدر؛ فإن كلّا منهما يصدق عليه أنه اسم خماسي، وهو مصدر، مع ذلك لا يجمع بالألف والتاء (¬1). وانتهى. وقد يقال: قد قلتم إن كل مصدر زائد على ثلاثة أحرف لم يبن على التاء؛ فإنه يجوز أن يؤتى في آخره بتاء التأنيث للدلالة على المرة، فكيف منعتم دخولها في نحو: مدحرج ومقاتل ليس مصدرا، وإنما هما اسما مفعولين، وليسا بمصدرين إنما أتي باسم المفعول وأريد به المصدر كما يراد به الزمان والمكان لمعنى ما دل عليه، وإذا كان كذلك فلا يتأتى فيه تأنيث إلّا إذا أريد به مؤنث، (وإذا) لم يتأت فيه التأنيث، فكيف يجمع بالألف والتاء، وقد قلتم إن نحو: انطلاقات إذا قيل فإنما هو جمع انطلاقة لا جمع انطلاق، وحاصل الأمر أن سبب عدم تأنيثه مرادا به المصدر إنما كان من حيث هو اسم مفعول لا من حيث المصدرية المرادة به، فزال الإشكال حينئذ، ثم أشار المصنف بقوله، خلافا للفراء، إلى أن الفراء، رحمه الله تعالى - يذهب إلى أن ما لا يعقل من الاسم المذكر الممتنع من التكسير، الخماسي فصاعدا الذي ليس بمصدر يجوز جمعه بالألف والتاء قياسا (¬2)، قال الشيخ وقد ذكر ذلك بعض أصحابنا وقال: إنه مقيس ادّعوه في الأقسام التي تجمع بالألف والتاء (¬3) انتهى. وهذا الذي ذكره الشيخ عن بعض أصحابهم هو الذي أشرت إليه آنفا بقولي: إن نحو: حمّامات وإصطبلات من الأسماء المذكرة التي هي لما لا يعقل، قد نصوا على أن شيئا منها إذا لم يكسر، فإنه يجمع بالألف والتاء قياسا، وإنما نقلت ذلك من كلام ابن عصفور (¬4) والآن قد اتضح بقول المصنف: خلافا للفراء أن المسألة خلافية، والظاهر أن الذي ذهب إليه الفرّاء فيها هو الحق، ثم قد عرفت أن شرط جمع مثل ذلك بالألف والتاء أن يكون الاسم قد جمع جمع تكسير؛ ولذلك عد شاذّا، قولهم: رمضانات، وشوّالات مع أن العرب قالوا فيهما: أرمضة وشواويل فجمعوهما جمع تكسير. ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر: الرضي (2/ 207)، وابن يعيش (5/ 85)، والتذييل (6/ 4) (ب)، والمساعد (3/ 398). (¬3) التذييل (6/ 4) (ب). (¬4) انظر: المقرب (2/ 51).

[جمع أفعل]

[جمع أفعل] قال ابن مالك: (فصل: «أفعل» لاسم على «فعل» صحيح العين أو مؤنّث بلا علامة رباعيّ بمدّة ثالثة، ويحفظ في «فعل» مطلقا وفي «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعل» و «فعلة» و «فعلة» أسماء، وفي نحو: عبد، وسيف، وثوب، وطحال، وعنان، ومكان، وجنين، وأنبوب وليس التأنيث مصحّحا؛ لاطّراده في «فعل»، خلافا ليونس، ولا في فعل ولا في «فعل» وما بينهما خلافا للفرّاء). قال ناظر الجيش: تقدمت الإشارة إلى أن جموع التكسير منها ما هو للقلة ومنها ما هو للكثرة؛ وأن لجموع القلة أربعة أبنية، (وأن بقية الأبنية التي في الباب لجموع الكثرة، ومن هنا شرع المصنف في الكلام على الأبنية بنية مبيّنا) ما يجمع على تلك البنية قياسا، وما يجمع عليها دون قياس، وبدأ بذكر أبنية القلة، وثنّى بذكر أبنية الكثرة، وقد جمع المصنف الأبنية في أبيات من نظمه في الكافية وهي [6/ 81]: - بأفعل أفعلة مع فعلة ... ثمّت أفعال مباني (¬1) قلّة ومثل الكثرة فعل وفعل ... فعلان فعلان وفعلى فعل فعّال أفعلاء ثمّ فعّل ... فواعل فعلى فعال فعل فعلة فعائل وفعلة ... ومع فعالى وفعالى فعلة ومع فعيل وفعول فعلا ... بفعال والفعالى كمّلا (¬2) وجملة ما ذكره ثمانية وعشرون بناء منها للقلة أربعة وأربعون، وعشرون للكثرة، وإذا تقرر هذا فلنذكر أوّلا كلامه في شرح الكافية، ثم نعود إلى لفظ الكتاب قال - رحمه الله تعالى -: فالقياس من أفعل ما كان جمعا لثلاثي مجرد مفتوح الفاء ساكن العين صحيحها غير صفة، كفلس، وأفلس، ونفس، وأنفس، أو جمعا لاسم رباعي بمدة ثالثة، مؤنث بلا علامة خال من وصفية كعناق ودراع، فكعب وأكعب، وكلب وأكلب، وضرب وأضرب قياسيّة؛ لتضمنها ما في فلس ونفس - ¬

_ (¬1) كذا في الكافية وفي النسختين (جموع). (¬2) شرح الكافية (4/ 1807) ولم ينقل الشارح الأبيات على ترتيبها وإنما ترك بعض الأبيات في الوسط.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الوزن وصحة العين وعدم الوصفية، ويمين أو أيمن وشمال وأشمل وكراع وأكرع قياسية؛ لتضمنها ما في عناق وذراع من التأنيث بلا علامة، والتوافق في العدد بمدة ثالثة زائدة وعدم الوصفية، فلو كان (فعل) صفة لم يجمع على أفعل إلّا إذا كان مستعملا استعمال الأسماء، كعبد وأعبد؛ وإن كان معتل العين لم يجمع على أفعل، إلا أن يسمع فيحكم بشذوذه كأعين وأثوب، وعلى الجملة متى جمع على أفعل غير ما ذكر أنه فيه مطّرد، علم أنه شاذ فلا يقاس عليه، كأشهب، وأغرب، وأعتد في جمع شهاب، وغراب، وعتاد، ومن الشاذ: قفل، وأقفل، وذئب، وأذوب، ورسن وأرسن، وأكمة وآكم، ونعمة وأنعم، وضلع وأضلع، وضبع وأضبع (¬1). انتهى. قوله في التسهيل: أفعل لاسم صحيح العين إلى قوله: بمدة ثالثة، أشار به إلى النوعين اللذين أفعل قياس فيهما، وقد عرفت أمثلة ذلك، ومن جملة أمثلة فعل - أيضا - ما كان مضعّفا أو معتل اللام، نحو: صك وأصك ودلو وأدل، وظبي وأظب، وثدي وأثد، وقوله: ويحفظ في فعل مطلقا إلى قوله: وفعلة اسما، مثال فعل اسما جرو، وذئب، ورجل، وضرس، ومثاله صفة جلف، وإنما قال: مطلقا: ليشمل الاسم والصفة، ومثال فعل: جبل، وعصا، ودار، ورسن، وزمن، ونار، ويقول فيها: أجبل، وأغصن، وأدور، وأرسن، وأزمن، وأنور، قال الشاعر: 4236 - إنّي لأكني بأجبال عن أجبلها ... وباسم أودية عن اسم واديها (¬2) وقال ابن أبي ربيعة: 4237 - ولما وفدت النّار منها وأطفئت ... مصابيح شبّت بالعشاء وأنور (¬3) ومثال فعل: قفل وأقفل، وركن وأركن، قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1815) وما بعدها بتصرف. (¬2) من البسيط ولم يعز لأحد، والشاهد فيه قوله: أجبلها. حيث جمع جبل على أجبل، وانظره في: الكامل (ص 37)، والخصائص (3/ 59)، وأمالي الشجري (1/ 109). (¬3) من الطويل وجاء في المقتضب (2/ 203) برواية: فلمّا فقدت الصّوت منهم وأطفئت ... مصابيح شبّت بالعشاء وأنور واستشهد به في المخصص (1/ 53) على إبدال الواو المضمومة همزة في (أنؤر)، والشاهد فيه هنا جمعه نار على (أنور)، وانظر: الخزانة (2/ 421)، وابن يعيش (10/ 11) وديوان عمر بن أبي ربيعة (ص 88).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4238 - وزحم ركنيك شديد الأركن (¬1) ومثال فعل: فرط وأفرط، ومثال فعل: ضبع وأضبع، ومثال فعل: ضلع وأضلع، ومثال فعلة: أكمة وأكم، ومثال فعلة: شدّة وأشد، ونعمة وأنعم، واسما قيد في الأمثلة السبعة وقوله: في نحو: عبد وسيف، إلى قوله: وأنبوب، يقال: عبد وأعبد، وقد عرفت قوله في شرح الكافية: أن المسوّغ لأعبد في عبد كونه استعمل استعمال الأسماء وقالت العرب: سيف وأسيف، وثوب وأثوب، وقوس، وأقوس، وعين وأعين. قال الشاعر: 4239 - كأنّهم أسيف بيض يمانية ... عضب مضاربها باق بها الأثر (¬2) وقول آخر: 4240 - لكلّ حال قد لبست أثوبا (¬3) وفي الكتاب العزيز: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا (¬4)، وقالوا: طحال وأطحل، كما قالوا: شهاب وأشهب، وعتاد وأعتد، وقالوا: جناح وأجنح، وقالوا: مكان وأمكن، وكان قياس مكان ألّا يجمع هذا الجمع؛ ولا على أمكنة أيضا؛ لأنه وزنه مفعل، إذ أصله مكون من الكون؛ لأنه الموضع الذي يكون فيه الكائن، ولزمت الميم فصارت كالأصلية؛ حتى قالوا في جمعه: أمكنة كما جاء في فعال، حيث في زمان أزمنة؛ فكأنه فعال كذا قال الخليل (¬5) - رحمه الله تعالى - ونحو: منه: - ¬

_ (¬1) من الرجز لرؤبة كما عزاه سيبويه، والشاهد فيه جمع ركن على أركن، وهو في الكتاب (3/ 578) برواية: وزحم ركنيك شداد الأركن وانظره في المقرب (2/ 108) وديوانه (ص 164). (¬2) من البسيط، ولم أقف على نسبة إلى قائل معين، والشاهد فيه قوله: (أسيف)؛ فإنه جمع لسيف، وقياسه أن يجمع على أفعال لاعتلال عينه، ولكن جمعه كما جمع صحيح العين. وانظره في: التذييل (6/ 5) (ب) وتوضيح المسالك (4/ 309)، والأشموني (4/ 123). (¬3) رجز لمعروف بن عبد الرحمن أو حميد بن ثور وقد استشهد به سيبويه (3/ 588) على جمع ثوب على أثوب تشبيها بالصحيح - أيضا - والكثير تكسيره على أثواب. انظر: المقتضب (1/ 29، 132) (2/ 199)، ومجالس ثعلب (ص 439)، والمنصف (1/ 284)، (3/ 47). (¬4) سورة القمر: 14. (¬5) قال سيبويه (3/ 602) (وأما ما كان فعالا؛ فإنهم إذا كسّروه على بناء أدنى العدد فعلوا به ما فعلوا بفعال؛ لأنه مثله في الزيادة والتحريك والسكون، إلّا أن أوله مفتوح، وذلك قولك: زمان وأزمنة، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مسيل الماء وهو مفعل من السيل، ولزمت الميم حتى توهّموه فعيلا فجمعوه على مسل (¬1) كقضيب وقضب، ولو جمعوا مكانا على الأصل، لقالوا: مكاون (¬2)، قال الشيخ: ويحتمل عندي، أن تكون الميم أصلية في مكان ويكون وزنه فعالا ويكون جمعه على أفعلة جمعا مقيسا؛ وذلك بأن يجعل اشتقاقه من المكانة التي هي مصدر مكن الرجل فهو مكين أي تمكن، ولما كان الموضع محلّا للتمكن عليه والتثبيت فيه سمّي مكانا قال: وهذا أولى من ادعاء الزيادة في الميم؛ لأنه إذا أمكنت الأصالة لم يعدل إلى الزيادة وقد أمكن ذلك على ما بيناه (¬3). انتهى. ولا يخفى بعد ما ذكره، كيف والمكان اسم لأمر حسّي والمكانة اسم لأمر معنوي، وأما قوله: إن هذا أولى من ادعاء الزيادة؛ لأن الأصالة إذا أمكنت لم يعدل إلى الزيادة، فالجواب عنه أن الأصالة فيما ذكره غير ممكنة؛ لأن الاشتقاق دليل قاطع، ولا شك أنه دال على الزيادة، ثم قال الشيخ: وقال أبو علي في أمكن: هو شاذ؛ لأن البناء لا يجمع في المذكر على أفعل في الأمر السائغ (¬4)، سيبويه يرى أنه جمع ما لم يطبق به؛ كأنه (¬5) جمع مكن (¬6). انتهى. وقالوا في جنين: أجن إنه جاء مفكوكا في الشعر. قال رؤبة: 4241 - إذا رمى مجهوله بالأجنن (¬7) ومثال: أنبوب أنبّ، قال الشيخ: وجاء أفعل في فعول، قالوا: رسول وأرسل وأنشد: 4242 - لو كان في قلبي كقدر قلامة ... حبّا لغيرك قد أتاها أرسلي (¬8) - ¬

_ - ومكان وأمكنة، وقذال وأقذلة)، وانظر: التذييل (6/ 5) (ب)، واللسان (كون). (¬1) اللسان (سيل) وانظر: المساعد (3/ 401). (¬2) هذا كلام أبي حيان التذييل (6/ 5) (ب). (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر: التذييل (6/ 5) (ب). (¬5) الكتاب (3/ 617). (¬6) التذييل (6/ 5) (ب). (¬7) رجز لرؤبة من أرجوزة طويلة مدح بها بلال بن أبي بردة، والشاهد فيها - كما ذكر البغدادي - جمع جنين على أجنن على غير قياس. انظر: شرح شواهد الشافية للبغدادي (134)، والتذييل (6/ 5) (ب)، وديوانه (ص 162). (¬8) من الكامل لأبي كبير الهذلي، والقلامة: هي المقلومة عن طرف الظّفر، والشاهد في البيت أنه كسّر رسولا وهو مذكر على أرسل، وهو من تكسير المؤنث، وانظره في: الخصائص (2/ 416)، واللسان (رسل)، وديوان الهذليين (2/ 99).

[ما يجمع على أفعال]

[ما يجمع على أفعال] قال ابن مالك: (فصل: «أفعال» لاسم ثلاثيّ لم يطّرد فيه «أفعل»، وقلّ في «فعل» معتلّ العين، وندر في «فعل»، ولزم في «فعل» وغلب في نحو: مديّ، ولبب، ونمر وعنب وعضد وطنب وفلوّ وعدو، ويحفظ في «فعل» صحيح العين، وليس مقيسا فيما فاؤه همزة أو واو خلافا للفرّاء، ويحفظ - أيضا - في «فعيل» بمعنى «فاعل» و «فعال» و «فعلة» و «فعلة»، ونحو: شعفة، وفيقة، ونمرة، وجلف، ونضوة وحرّ، وخلق، وجنب، في لغة من جمعه ويقظ، ونكد، وكؤود، وقماط، وغثاء، وخريدة وميّت وميتة وجاهل وواد، وذوطة وأغيد وقحطاني). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما قوله: وليس التأنيث مصححا إلى قوله: خلافا للفراء، فأشار به إلى مسألتين: خالف يونس في إحداهما، وخالف الفراء في الأخرى، أما يونس فإنه يرى اطراد أفعل في فعل إذا كان لمؤنث، نحو: قدم فيجوز فيه أقدم قياسا عنده (¬1)، وأما الفراء؛ فإنه يرى اطراد أفعل في ستة أوزان وهي: فعل وفعل وفعل وفعل وفعل وفعل، وعنها عبّر المصنف بقوله: ولا في فعل وفعل، وما بينهما وذلك إذا كانت الأوزان المذكورة لمؤنث، ومثال ذلك: قدر، وقدم، وغول، وعجر، وعنق، وقنب (¬2)، هذه الأمثلة التي مثل لها [6/ 82] الشيخ، ثم قال: قال ابن دريد: إذا سكنت الثاني من عنق ذكرت وإذا لم تسكنه أنثته فإن كان هذا الذي قاله سماعا قبل، وإلا فلا تظهر لذلك علة. قال ناظر الجيش: قد علم أن الذي يطرد فيه أفعل من الثلاثي هو وزن واحد وهو فعل، الاسم الصحيح العين، فقوله: أفعال لاسم ثلاثي لم يطرد فيه أفعل يفيد أن ما سوى المذكور من الثلاثي إذا كان اسما غير صفة يطرد جمعه على أفعال، قال في شرح الكافية: فبان بهذا أن نحو: بيت وأبيات، وثوب وأثواب مطّرد؛ لأن اعتلال العين مانع من (جمع فعل) على أفعل قياسا، وبان - أيضا - أن الجمع على أفعال مطّرد في غير فعل المقيد كحزب وأحزاب، وصلب وأصلاب، وجمل وأجمال، - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 6) (أ)، والمساعد (3/ 402)، والأشموني (4/ 122). (¬2) انظر: المراجع السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووعل وأوعال، وعضد وأعضاد، وعنق وأعناق، وعنب وأعناب، وإبل وآبال، ورطب وأرطاب، إلا أن فعلا يقتصر فيه غالبا على فعلان كصرد وصردان (¬1) انتهى. ثم إن المصنف ذكر أن هذا الوزن الذي هو أفعال، ويقل في شيء، ويندر في شيء، ويلزم في شيء، ويغلب في شيء كل هذه الأشياء من الثلاثي فيقل في: فعل معتل العين، نحو: مال وأموال، وحال وأحوال، وخال وأخوال، ويندر في فعل نحو: رطب وأرطاب، وربع وأرباع، ويلزم في فعل، نحو: إبل وآبال، وإطل - عند من أثبته (¬2) - وآطال، ويغلب في سبعة أوزان مخصوصة وهي: فعل كمدي وظبى، وفعل كلبب وطلل، وفعل كنمر، وكبد، وفخذ وفعل كعضد وفعل كعنب وفعل كطنب وعنق، وفعول معتلّا كغلوّ وعدوّ فيقال: أمداء، وأظباء، وألباب، وأطلال، وأنمار، وأكباد، وأفخاذ (وأعضاد) وأعناب، وأطناب، وأعناق، وأفلاء، وأعداء، وقال الشيخ: ولا يتجاوز فعول المعتل اللام أفعالا، إلا ما حكي شاذّا فيه وهو فعال وفعول، قالوا: فلاء وفليّ (¬3). انتهى. وقد ذكر المصنف في شرح الكافية: أن أفعالا أكثر من أفعل في فعل الذي فاؤه واو، كوقت وأوقات، ووصف وأوصاف، ووقف وأوقاف، ووكر وأوكار، ووغر وأوغار، ووغد وأوغاد، ووهم وأوهام؛ فإنهم استثقلوا ضم عين أفعل بعد الواو فعدلوا إلى أفعال، كما عدلوا إليه فيما عينه معتلة، وكما شذ في المعتل أعين وأثوب، كذلك شذ فيما فاؤه واو كوجه ونحوه، والمضاعف من فعل كالذي فاؤه واو، في أن أفعالا في جمعه أكثر من أفعل كعمّ وأعمام، وجدّ وأجداد، وربّ وأرباب، وبرّ وأبرار، وشتّ وأشتات، وفنّ وأفنان، وفذّ وأفذاذ، ثم قال: وكثيرا ما يستغنى في هذا النوع ببعض أبنية الكثرة؛ فلا يستعمل (غيره) (¬4) كخدّ وخدود، وحدّ وحدود، وقدّ وقدود، وحظّ وحظوظ، وخطّ وخطوط، وحقّ وحقوق، ورقّ ورقوق، وفصّ وفصوص، ونصّ ونصوص، ولم يسمع في شيء من هذا النوع أفعل إلا نادرا ككف وأكفّ (¬5). انتهى. - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1817). (¬2) قال في اللسان (أطل): أنشد ابن برّي في الإطل قول الشاعر: لم تؤز خيلهم بالثّغررا صدة ... ثجل الخواصر لم يلحق لها إطل (¬3) التذييل (6/ 6) (أ). (¬4) في الكافية وسقطت من نسختي التحقيق. (¬5) شرح الكافية (4/ 1818 - 1820)، والعبارة منقولة بتصرف من الشارح.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكان الواجب أن يذكر في التسهيل هذين النوعين، أعني ما فاؤه واو والمضاعف مع ما ذكر أنه يغلب، وبإضافة هذين النوعين إلى ما ذكر هنا يكون أفعال تغلب في تسعة أوزان، وأما قوله: ويحفظ في فعل صحيح العين إلى آخره، فأشار به إلى أن أفعالا يحفظ في أوزان مخصوصة، وفي كلمات مسموعة، أما الأوزان فمنها فعل صحيح العين، قال في شرح الكافية: إن ما حقه أفعل في قد يشترك فيه أفعل، وأفعال، كفرخ وأفرخ وأفراخ، وزند وأزند وأزناد (¬1)، وقد ذكر الشيخ في شرحه كلمات أخر، وهي رأل وأرآل، وشفر وأشفار، وفرد وأفراد، وألف وآلاف، وبرد وأبراد، وأنف وآناف، وثلح وأثلاج، وحمل وأحمال، وذكر الشيخ بعد ذلك كلمات كثيرة جاءت على أفعال؛ ثم قال: ولو ذهب ذاهب إلى اقتباس أفعال في فعل الصحيح العين؛ لكان قد ذهب مذهبا حسنا لكثرة ما ورد منه (¬2) انتهى. ثم أشار المصنف إلى أن الفراء يرى اقتباس أفعال في جمع فعل الصحيح العين فيما فاؤه همزة كأنف وأكف، أو واو كوقت ووقف، بقوله: وليس مقيسا فيما فاؤه همزة أو واو خلافا للفراء، وكأن الفراء لمّا رأى كثرة ما ورد من ذلك حكم بأنه مقيس (¬3)، ومن الأوزان التي يحفظ فيها أفعال فعيل بمعنى فاعل، وفعال وفعلة وفعلة، أما فعيل فنحو: شريف وأشراف، وسني وأسناء، وقمير وأقمار، أي: مقامر ومقامرون عن ابن سيده قال في شرح الكافية بعد التمثيل بما ذكرته: وقالوا: أنصار وأشهار وأقصاء في جمع ناصر ونصير، وشاهد وشهيد، وقاصي وقصيّ (¬4)، واحترز المصنف بقوله: بمعنى فاعل، من فعيل الذي ليس بمعنى فاعل؛ إن كان اسما وهو مؤنث، فقياسه في القلة أفعلة وإن كان صفة كجريح، وقتيل، فلم يجئ شيء من هذا النوع على أفعال، وأما فعال فمثاله: جبان وأجبان، مثّل به في شرح الكافية (¬5)، وأما فعلة فنحو: هضبة وأهضاب، وسطبة وأسطاب، وشفرة (¬6) وأشفار، مثّل به في شرح الكافية (¬7) وأنشد: - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (1818). (¬2) التذييل (6/ 6) (أ) و (ب). (¬3) انظر: المرجع السابق (6/ 6) (ب) والمساعد (3/ 403)، والأشموني (4/ 125). (¬4) شرح الكافية (4/ 1821). (¬5) المرجع السابق (1822). (¬6) الشفرة: ما عرض وحدد من الحديد، كحد السيف والسكين. اللسان (شفر). (¬7) شرح الكافية الشافية: (4/ 1821).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4243 - ثمّ طاروا إليهم بزناد ... واريات وحدّت الأشفار (¬1) وأما فعلة، فنحو بركة وأبراك: طائر من طيور الماء، وجثّة وأجثاث، مثّل بهما المصنف في شرح الكافية (¬2)، وأما الكلمات المسموعة فهي إحدى وعشرون كلمة، قالوا في جمع شعفة: أشعاف وفي جمع قصرة أقصار، قال في شرح الكافية: وهي أصل العنق، وقيل: بالذال - أيضا (¬3) - انتهى. وقالوا في جمع فيقة أفواق، والفيقة: ما بين الحلبتين، وقالوا في جمع نمرة: أنمار، قال الشيخ: ما فيه تاء التأنيث قياسا أن يجمع جمع تصحيح (¬4). انتهى. وقالوا في جمع جلف أجلاف وسمع أجلف - أيضا - وقياس فعل الوصف إذا كان للعقلاء أن [6/ 83] يجمع بالواو والنون، نحو: (ردّ وردون)، وقالوا في جمع نضوة أنضاء، قال في شرح الكافية: وقالوا في جمع لقوة وهي (العقاب السريعة) (¬5): ألقاء، ونظير لقوة وألقاء نضوة وأنضاء عن سيبويه (¬6). انتهى. وقال في جمع حرّ: أحرار، ومثله: مرّ وأمرار، وقياس فعل الصفة للآدميين أن تجمع بالواو والنون، وقالوا في جمع خلق: أخلاق، ومثله: بطل وأبطال، وسمك وأسماك، وقالوا في جمع جنب: أجناب في لغة من يجمعه؛ لأن جنبا فيه لغتان أفصحهما الإفراد على كل حال، مذكرا كان أو مؤنثا واحدا أو مثنى أو مجموعا، واللغة الثانية المطابقة لما جرى عليه، قالوا: ولم يجئ من الصفات على فعل إلّا كلمتان، وهما جنب ومعناه معروف، وشلل، قالوا: رجل شلل وهو السريع في حاجته (¬7)، قال الشيخ: ولم يتجاوز هذا الجمع بالواو والنون، وأما تأنيث فعل الصفة، فلم يجئ منه شيء (¬8). انتهى، وقالوا في جمع يقظ أيقاظ (¬9)، ومثله: نجد وأنجاد، قال الشيخ: هذا فعل الصفة وتكسيره قليل - ¬

_ (¬1) البيت من الخفيف، ولم أعثر له على قائل ورى الزند: خرجت ناره - حدت الأشفار: صارت قاطعة. وانظر: اللسان (ورى) و (حدد). (¬2) شرح الكافية (4/ 1822). (¬3) المرجع السابق. (¬4) التذييل (6/ 7) (أ). (¬5) كذا في (ب) وفي (أ) (العقار الشريفة) تحريف. (¬6) شرح الكافية (4/ 1821) وما بعدها، وانظر: الكتاب (2/ 211). (¬7) قال في اللسان (شلل): (ورجل مشل، وشلول، وشلل، وشلشل: خفيف سريع). (¬8) التذييل (6/ 7) (ب). (¬9) (ورجل يقظ ويقظ: كلاهما على النسب، أي: متيقظ حذر، والجمع أيقاظ، وأما سيبويه، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جدّا، يتجاوز فيه الجمع بالواو والنون، نحو: حوت وحوتين، وفرس وفرسين، إلا نجد ويقظا كسّرا شذوذا قال الكميت: 4244 - لقد علم الأيقاظ أخفية الكرى ... تزجّجها من حالك واكتحالها (¬1) قال: لم يجئ منه بالتاء (¬2). انتهى. وقالوا في جمع نكد أنكاد، قال الشيخ: ولم يتجاوز فعل الصفة الجمع بالواو والنون، نحو: قزع وقزعين، وحذر وحذرين، إلا أنهم جمعوا نكدا وفرحا على أفعال فقالوا: أنكاد وأفراح، وأما ما جاء منه بالتاء فيجمع بالألف والتاء (¬3). انتهى. وقالوا في جمع كؤود عقاب أكآد وقالوا في جمع قماط وجمع غثاء: أقماط وأغثاء، وذكرهما في شرح الكافية (¬4) عند ذكره أن جبانا يجمع على: أجبان، وقالوا في جمع خريدة: أخراد وفي جمع ميّت وميّتة: أموات ذكرهما المصنف في شرح الكافية (¬5)، وقالوا في جمع جاهل: أجهال، قال المصنف في الشرح المذكور: ورد جاهل وأجهال، وبان وأبناء، وجان وأجناء، ومنه قولهم: أبناؤها أجناؤها أي بناتها جنّاتها كذا قال أبو عبيد (¬6): انتهى. وقالوا: واد وأوداء كصاحب وأصحاب، قال امرؤ القيس (¬7): - ¬

_ - فقال: لا يكسّر يقظ لقلة فعل في الصفات، وإذا قلّ بناء الشيء قلّ تصرفه في التكسير؛ وإنما أيقاظ عنده جمع يقظ؛ لأن فعلا في الصفات أكثر من فعل) اللسان (يقظ) والكتاب (2/ 206). (¬1) من الطويل للكميت بن زيد، والشاهد فيه جمع يقظ على أيقاظ، قال سيبويه (2/ 179): (وما كان على ثلاثة أحرف، وكان فعلا فهو كفعل وفعل، وهو أقل في الكلام منها، وذلك قولك: عجز وأعجاز وعضد وأعضاد، وقد بني على فعال قالوا: أرجل ورجال، وسبع وسباع، جاؤوا به على فعال، كما جاؤوا بالصّلع على فعول، وفعال، وفعول أختان، وجعلوا أمثلته على بناء لم يكسّر عليه واحده؛ وذلك قولهم: ثلاثة رجلة، واستغنوا بها عن أرجال)، وانظر الشاهد في ابن يعيش (5/ 27)، وأمالي ابن الشجري (1/ 106)، العيني (2/ 612)، واللسان (خفي)، والتذييل (6/ 7) (ب). (¬2) المرجع السابق. (¬3) نفس المرجع. (¬4) شرح الكافية (4/ 1822). (¬5) المرجع السابق (4/ 1823). (¬6) كذا في شرح الكافية، والتذييل (6/ 7) (ب)، وفي نسختي التحقيق (أبو عبيدة)، وأبو عبيد هو القاسم بن سلام الخزاعي، كان مؤدبا وولي القضاء في طرسوس. كان فقيها محدثا نحويّا. راجع: معرفة القراء (1/ 141 - 143). وانظر: شرح الكافية (4/ 1820) وما بعدها. (¬7) كذا في النسختين وليس في ديوانه.

[ما يجمع على أفعلة]

[ما يجمع على أفعلة] قال ابن مالك: (فصل: «أفعلة» لاسم مذكّر رباعيّ بمدّة ثالثة؛ فإن كانت ألفا شذّ غيره فيه معتلّ اللّام أو مضاعفا على «فعال» أو «فعال» ويحفظ في نحو: شحيح، ونجيّ، ونجد، ووهي، وسدّ وسدّ وقدح وقنّ، وخال، وقفا، وجائز وناجية وظنين ونضيضة وعيى وحزة وعيّل، وعقاب، وأدحيّ ورمضان وخوّان لربيع الأوّل، ويحفظ «فعلة» فى «فعيل»، و «فعل» و «فعل» و «فعال» و «فعال» و «فعل»). ـــــــــــــــــــــــــــــ 4245 - سالت بطاح بهنّ في رأد الضّحى ... والأمعزان، وسالت الأوداء (¬1) وقالوا: في جمع دوطة أدواط، وهو ضرب من العناكب يلسع، ذكره المصنف في شرح الكافية (¬2)، وقالوا في جمع أغيد: أغياد ذكره المصنف في الشرح المذكور (¬3) - أيضا - ومثله أعزل وأعزال، وقالوا في جمع قحطاني: أقحاط. قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: وأما أفعلة فمطرد، فيما ليس صفة من مذكّر رباعيّ بمدّة زائدة ثالثة، كطعام وأطعمة، وحمار وأحمرة، وغراب وأغربة، ورغيف وأرغفة، وعمود وأعمدة (¬4)، وهو ملتزم في جمع ما ضعّف من فعّال كبتّات وأبتتة، وزمام وأزمّة، أو أعلّ لامه كقضاء وأقضية، وبناء وأبنية، وشذ عنن وحجج في جمعي عنان وحجاج (¬5)، ذكرهما ابن سيده، وشذ أفعلة في فاعل اسما كأجوزة في جمع (جائز) وهي الخشبة الممتدة في أعلى السقف، وفي فعيل صفة، كشحيح وأشحّة، وظنين وأظنّة، وفي فعل وفعل وفعل كنجد وأنجدة وقدح وأقدحة وصلب وأصلبة، وفي فعل كباب وأبوبة، وقالوا: رمضان وأرمضة وعيّل (وأعولة)، وجزّة وأجزّة، ونضيضة وأنضّة، والأجزّة صوت شاة (مجزور)، - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الكامل، وليس في ديوان امرئ القيس. اللغة: بطاح: اسم موضع، ورأد الضحى: رونق الضحى أو ارتفاعه، والشاهد في البيت، قوله: (الأوداء) حيث جاءت جمعا لواد. (¬2) شرح الكافية (4/ 1823). (¬3) شرح الكافية (4/ 1822). (¬4) المرجع السابق (1823). (¬5) انظر: المحكم (عنن) (1/ 48)، (حجج) (2/ 238).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والنّضيضة المطرة القليلة، وجمع عقاب في القلة: أعقب، على القياس؛ لأنّها مؤنثة، وحكى ابن سيده: أنها قد جمعت على: أعقبة وهو أشذ من أشهب في جمع شهاب؛ لأن لشهاب وأشهب نظائر يسيرة كغراب وأغرب، ومكان وأمكن، ولا نظير لعقاب وأعقبة فيما أعلم، ثم قال: وفعلة في مواردها كلّها مقصورة على السّماع؛ لأن كل واحد جمع عليه، فلعل النظير نحو: صبي وصبية وخصيّ وخصية، وفتى وفتية، وولد وولدة، وشيخ وشيخة، وثور وثيرة، وغلام وغلمة، وشجاع وشجعة، وغزال وغزلة، وثني وثنية، وهو أغربها والثّني: الثاني في السيادة، وأنشد أبو علي في التذكرة: 4246 - طويل اليدين رهطه غير ثنية ... أشمّ كريم جاره لا يرهّب (¬1) وقال أبو علي: ثنية جمع ثني، وهو مما أتى على فعل صفة كقوم (¬2) عدى. انتهى. وقد علم منه أكثر ما في الفصل المذكور، وقوله: فإن كانت ألفا شذ غيره فيه معتل اللام أو مضاعفا، يعني به فإن كانت المدة الثالثة ألفا فغير أفعلة فيه شاذ، إن كان معتل اللام أو مضاعفا وفهم منه أن أفعلة ملتزم في مثل ذلك؛ فإن ورد منه شيء على غير وزن أفعلة عد شاذّا، فأما المضاعف فالذي ورد منه قولهم: عنن وحجج في جمعي عنان وحجاج، وأما المعتل اللام فالذي ورد منه قولهم في سماء: سمي وقياسه أسميّة، قال الشيخ: وهو مسموع - أيضا - يعني أسمية، قال: والسماء المجموع سميّا، إنما يعنون به المطر وهو مذكّر، وفي فعال المذكر أورده النحويون، قال الراجز: 4247 - تلفّه الأرواح والسّميّ (¬3) - ¬

_ (¬1) من الطويل قائلة الأعشى وجاء في الديوان برواية (يرهق) والقصيدة قافيّة، قالها في مدح المحلق مطلعها: أرقت وما هذا السّهاد المؤرّق ... وما بي من سقم وما بي معشق وكذا جاءت في لسان العرب (ثني)، ولكن ابن مالك جاء برواية: لا يرهّب في شرح التسهيل، وشرح الكافية، وشرح عمدة الحافظ ورهط الرجل: قومه المقربون والثّنيان: الذي يكون دون السّيد في المرتبة، والجمع ثنية، وفلان ثنية أهل بيته أي أرذلهم، وانظر شرح الكافية (4/ 1826)، والمساعد (3/ 413) واللسان (ثني). (¬2) شرح الكافية (4/ 1823) وما بعدها والعبارة منقولة بتصرف. (¬3) هو العجاج ونسبة في اللسان (سما) إلى رؤبة وأورده برواية. تلفه الأرواح. وذكر أن الجوهري أورده برواية: تلفّه الرّياح ... وبعده: فى دفء أرطاة لها حنيّ. -

[من جموع الكثرة فعل بضم شكوك]

[من جموع الكثرة فعل بضم شكوك] قال ابن مالك: (فصل: من أمثلة جمع الكثرة «فعل» وهو لأفعل وفعلاء وصفين متقابلين أو منفردين لمانع في الخلقة؛ فإن كان المانع الاستعمال خاصّة، ففعل فيه محفوظ، ويجوز في الشّعر إن صحّت لامه أن تضمّ عينه ما لم تعتلّ أو تضاعف، ويحفظ أيضا في «فعيل» و «فعول» معتلّي اللّام صحيحي العين، وفي نحو: سقف وورد وخوّار، وخوّارة، ونموم وعميمة، وبازل، وعائذ وحاج وأسد، وأظل، وبدنة، وكثر في نحو: دار وقارة وندر في زغبوب). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقال الشاعر: 4248 - إذا نزل السّماء بأرض قوم ... رعيناه وإن (كانوا) غضابا (¬1) انتهى (¬2). وقد عرف من قول المصنف: فإن كانت ألفا، أن المدة الثالثة إذا كانت غير ألف بأن تكون تاء أو واوا، لا يلتزم في الاسم الذي هي فيه أفعلة، وذلك نحو: سرير، والكلمات التي ذكرها في التسهيل فيما يجمع على أفعلة: نجيّ، وسدّ، وقنّ، وخال، وقفا، وناحية وعبيّ وأرحيّ، وخوان. فيقال: أنجية، وأوهية، وأسدّة، وأقنّة، وأخولة، وأقفية، وأنجية، وأعبية، وأدحية، وأخونة، قال الشيخ ونقص المصنف: واد وأدوية، ورحى وأرحية، وباب وأبوبة، وندى وأندية (¬3). انتهى. وقد علمت أنه ذكر بابا وأبوبة في شرح [6/ 84] الكافية، وأما فعلة فقد استوفى الكلام عليها فيما نقلناه من الشرح المذكور، وفهم من قول المصنف: ويحفظ فعلة في كذا وكذا، أن الصيغة المذكورة ليست مقيسة في شيء، بل ما جمع عليها موقوف على السماع، وقد تقدم الإعلام بأن ابن السراج يرى أنها اسم جمع لا جمع. قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: من أمثلة الكثرة فعل وهو قياسيّ وغير - ¬

_ - والشاهد فيه: جمع السماء على سميّ، واستشهد به ابن يعيش في شرح المفصل على تكسير ريح على أرواح، قال: وربما قالوا: أرياح وهو قليل من قبيل الغلط، وانظره في: المخصص (9/ 4، 116)، وابن يعيش (5/ 44)، (10/ 30)، وديوان الحجاج (ص 69)، والتذييل (6/ 8) (أ). (¬1) من الوافر ونسبه صاحب اللسان لمعاوية بن مالك، واستشهد الشارح به على مجيء السماء مقصودا به المطر. وانظره في: اللسان (سما) والتذييل (6/ 8) (أ). (¬2) التذييل التكميل (6/ 8) (أ). (¬3) نفس المرجع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قياسيّ فالقياسي: ما كان لأفعل مقابل فعلاء، ولفعلاء مقابل أفعل كأحمر وحمراء، ولأفعل لا فعلاء له لعدم القبول في الخلقة، كأكمر وهو العظيم الكمرة وهو: رأس الذكر، أو لعدم الاستعمال كرجل ألي وهو العظيم الألية، ولفعلاء لا أفعل له لعدم القبول في الخلقة، كالعفلاء وهي المرأة التي في رحمها صلابة تعسر (وطأها)، أو لعدم الاستعمال كامرأة عجزاء وهي العظيمة العجيزة، فيطّرد فعل في هذا النوع كما يطرد في النوع الآخر، وتكسر فاء فعل في جمع ما ثانيه ياء كأبيض وبيض (¬1). انتهى. ومخالفة كلامه هذا لما ذكره في التسهيل ظاهرة؛ فإنه قال في التسهيل: إن المانع من التقابل بين أفعل وفعلاء إذا كان الاستعمال خاصة كان فعل محفوظا فيهما، وفي الشرح سوّى بين ما كان المانع فيه من التقابل الخلقة، وما كان المانع فيه الاستعمال؛ لأنه جمع بينهما في الذكر، وقال: فيطرد فعل في هذا النوع كما يطرد في النوع الآخر، عنى بهذا النوع القسمين المذكورين وبالنوع الآخر ما كان بين أفعل وفعلاء فيه تقابل كأحمر وحمراء، ومثل أكمر في الانفراد بالمذكر، آدر، وأغزل، وأقلف ومثل عقلاء في الانفراد بالمؤنث رتقاء وعذراء، وأشار بقوله: ويجوز في الشعر إن صحت لامه أن تضم عينه، ما لم تعتل أو تضاعف إلى أنهم إذا اضطروا إلى تحريك العين، وكان الاسم صحيح اللام، ولم يكن معتل العين ولا مضاعفها حركوها بالضم، وأنشد في شرح الكافية قول الشاعر: 4249 - جرّدوا منها ورادا وشقر (¬2) وقول الآخر: 4250 - طوى الجديدان ما قد كنت أنشره ... وأخلفتني ذوات الأعين النّجل (¬3) - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1828). (¬2) عجز بيت من المديد لطرفة بن العبد، وصدره: أيّها الفتيان في مجلسنا جردوا الخيل: ألقوا عنها جلالها وأسرجوها استعدادا للقتال الورّاد: الخيول لونها بين الأشقر، والأحمر، والأسود، والشاهد فيه تحريك الوسط في قوله: شقر، وهذا خاص بالشعر. راجع ابن يعيش (5/ 60) وديوانه (ص 70)، وشرح الكافية (4/ 1830). (¬3) من البسيط من قصيدة نسبها القالي في أماليه (1/ 259) إلى أبن سعيد المخزومي، ورواه السيوطي في الهمع برواية (وأنكرتني) في مكان (وأخلفتني)، طوى الشيء: ضم بعضه على بعض. الجديدان: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقول الآخر: 4251 - وما انتميت إلى خور ولا كشف ... ولا لئام غداة الرّوع أوزاع (¬1) فكشف: جمع أكشف: وهو الفارس الذي لا مجنّ له (¬2)، فلو كان الاسم غير (¬3) صحيح اللام، نحو قولك: عثو، وعمي جمعا، أعشى أو عشواء، أو أعمى أو عمياء، أو كان معتل العين، مثل سود، وبيض جمعي أسود أو سوداء، أو أبيض أو بيضاء، أو مضاعفها، نحو: غرّ وجمّ جمعي أغرّ أو غرّاء، وأجم أو جماء امتنع ضم العين في ثلاثة الأقسام. أما امتناعه في نحو: عمي؛ فلأنه يلزم من ذلك وقوع ياء آخر اسم قبلها صفة فيجب انقلابها واوا ثم يلزم انقلاب الواو فيه وفي نحو: عشو عند ضم الشين ياء لما هو متقرر من أن كل اسم آخره واو قبلها ضمة يجب انقلاب الواو فيه ياء والضمة كسرة، فيؤول الأمر إلى أن يصير على فعل وهم قد تنكبوا هذا البناء في أصل الوضع، فلا يفعلون ما يصيّرهم إلى ما تنكبوه. وأما امتناعه في معتل العين، فأما نحو: سوء فلاستثقال الضمة في الواو؛ لأنه يصير كاجتماع واوين، وأما في نحو: بيض فلاستثقال الضمة على الياء، والمطلوب في لسانهم، إنما هو الخفة ومن ثم وجب قلب الضمة قبل الياء في مثل ذلك كسرة طلبا للخفة والمناسبة؛ وأما امتناعه في مضاعف العين؛ فلما يؤدي إليه من ثقل الفك مضموما إلى ثقل الجمع وعورض هذا التعليل بأنهم قالوا: سرر وجدد؛ ولم يستثقلوا فعلا مع أنه مفكوك، والكلمة جمع وأجيب عن ذلك؛ بأن سررا جمع سرير، وجددا جمع جديد، وهما غير مدغمين فلم يستثقل الفك في الجمع؛ لأنه لم يسبق إدغام في المفرد أغر وأجم، فإنهم أدغموها في المفرد هروبا من الفك، فوجب استمرار الإدغام في الجمع، قال الشيخ: وقد ادعى - ¬

_ - الليل والنهار. نشر الشيء بسطه وفرّقه وأذاعه. الأعين النجل: الواسعة، وفيه الشاهد: حيث حرك العين للضرورة. راجع: شرح شواهد العينى (3/ 530)، والهمع (2/ 175)، والدرر (2/ 277)، والأشموني (4/ 128)، وشرح الكافية (4/ 1830). (¬1) من البسيط قائله ضرار بن الخطاب في يوم أحد، الخور: الضعفاء. الروع: الحرب، الأوزاع: المتفرقون، والشاهد حيث حرك الشين في كشف للضرورة. وانظره في: شرح شواهد العيني (4/ 157)، والهمع (2/ 136، 175)، والدرر (2/ 186، 226)، وشرح الكافية (4/ 1831). (¬2) شرح الكافية (4/ 1830) وما بعدها. (¬3) إلى هنا تنتهي نسخة تركيا، ثم يبدأ بعد ذلك باب التصريف حتى نهاية الكتاب (باب مخارج الحروف).

[من جموع الكثرة: فعل بضمتين]

[من جموع الكثرة: فعل بضمتين] قال ابن مالك: (ومنها: «فعل» ولا يكون لمعتل اللّام وهو مقيس في «فعول» لا بمعنى مفعول، وفي «فعيل» اسما و «فعال» و «فعال» اسمين غير مضاعفين، وندر: عنن، ووطط، ويحفظ في «فعل» و «فعل» و «فعيلة» مطلقا وفي «فعيل» و «فاعل» و «فعل» و «فعال» و «فعال» و «فعلة» أوصافا، وفي «فعال» و «فعلة» و «فعل» أسماء، ويجب في غير الضّرورة تسكين عينه إن كانت واوا، ويجوز أن لم تكنها، ولم تضاعف، وربّما سكّنت مع التّضعيف؛ فإن كانت ياء كسرت الفاء عند التّسكين). ـــــــــــــــــــــــــــــ بعض العرب: ثقل: سرر وجدد (¬1) ففتح العين فيهما (¬2)، ثم أشار المصنف بقوله: ويحفظ إلى آخر الفصل، إلى ما جمع على فعل دون قياس، وذكر سبعة عشر اسما، فمثال فعيل وفعول معتلي اللام صحيحي العين: ثني وعفو، قالوا: عفو وثني، وبقية الكلمات قد صرح بها في متن الكتاب (¬3)، ونموم هو النّمام، وعميمة: النخلة الطويلة، والعائذ: القريبة العهد بالنتاج، والأظلّ: باطن القدم، ذكر المصنف الثلاثة في شرح الكافية (¬4)، والزغبوب هو القصير، وقالوا في جمعه: زغب، قال الشيخ: وإنما حكم - يعني المصنف - لهذا بالندور؛ لأنه على وزن (فعلول) والباء فيه للإلحاق بعصفور فقياسه أن يجمع جمع عصفور، فيقال: زغابيب، كما قالوا في رعبوب: رعابيب فنزّلوا المزيد للإلحاق في الحذف منزلة الزائد لغير الإلحاق؛ ولا شك أن المزيد للإلحاق أدخل في الكلمة مما زيد لغيره، وذكر في شرح الكافية كلمتين أخريين وهما: ذبّ ونقوق، قالوا فيهما: ذبّ ونقّ والنقوق الضفدعة الصيّاحة (¬5). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: من أمثلة الكثرة فعل، والقياس منه - ¬

_ (¬1) (وبعضهم يستثقل اجتماع الضمتين مع التضعيف فيرد الأول منها إلى الفتح لخفّته فيقول: سرر، وكذلك ما أشبهه من الجمع، مثل: ذليل وذلل ونحوه). اللسان (سرر). (¬2) التذييل (6/ 9) (أ). (¬3) وقال في شرح الكافية (4/ 1830) (ومن فعل المستندر: ثنيّ وثني وأندر منه: ظل في جمع: الأظلّ - وهو باطن القدم - ومن فعل الذي لا يقاس عليه: حاجّ، وحجّ، وبازل، ونزل، وعائذ وعوز). (¬4) شرح الكافية (4/ 1830). (¬5) قال في شرح الكافية (4/ 1829): (ثم أشرت إلى أن (فعلا) نادر في قولهم ذباب وذبّ، ونفوق ونقّ، ونموم ونمّ، وعميمة وعمّ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما كان جمعا لفعول بمعنى فاعل صحيح اللام، ولاسم صحيح اللّام رباعي بمدة زائدة ثالثة مذكرا كان كل واحد من النوعين أو مؤنثا، فالأول: كصبور، وصبر، والثاني: كقذال وقذل، وأتان وأتن، وحمار وحمر، وذراع وذرع، وقرار وقرر، وكراع، وكرع، وعمود وعمد، وقلوص وقلص، وقضيب وقضب، [6/ 85] وتنكبوه غالبا فيما مدته ألف من المضاعف، وقولهم: عنان وعنن، وحجاج وحجج، نادر، ولم يتنكبوا فعلا فيما ضوعف، ومدّته غير ألف، نحو: سرير وسرر، وذلول وذلل (¬1). انتهى. وأفاد كلامه أنّ فعلا مطرد في نوعين؛ وهما فعول بمعنى مفعول، والاسم الرباعي بمدة ثالثة غير ألف، إذا كان صحيح اللام، ولما كانت صحة اللام مشترطة في النوعين قال المصنف في متن الكتاب - أعني التسهيل - ولا يكون لمعتل اللام فأخرج بذلك، نحو: عدو، ونحو: كساء وقباء؛ لأن اللام معتلة في فعول (وفي فعال وفعال، ويظهر لي أن التعبير عن هذه المسألة بما ذكره في الكافية وفي الألفية) أحسن وأخصر مما ذكره هنا؛ فإنه قال في الكتابين المذكورين (وفعل لاسم رباعيّ بمدّ.: قد زيد قبل لام اعلالا فقد) (¬2) (ما لم يضاعف في الأعمّ ذو الألف) (¬3)، وذلك أنه استغنى بذكر زيادة حرف المد قبل اللام عن ذكر الصيغ الثلاث، أعني صيغة فعيل وفعال وفعال، ولكن اقتصاره على ذكر فعال وفعال يوهم خروج فعال المضموم الأول: ولا شك أن فعالا مساو لفعال وفعال في الجمع على فعل، كما عرفت نحو: قرار وقرر، وكراع وكرع، وذراع وذرع، لكن سيذكر بعد ذلك من كلام المصنف ما يقتضي أن فعلا يحفظ في فعال، وعلى هذا يكون للمصنف في المسألة قولان؛ فإن قيل: من أين يعلم دخول نحو: سرير وذلول أعني ما هو مضاعف من هذين الوزنين في ضابط ما يجمع على فعل، قيل: يفهم ذلك من ذكره فعيلا وفعولا ذكرا مطلقا دون تقييد، كما فهم خروج المضاعف من فعال وفعال بتقييده لهما بقوله: غير مضاعفين، وإذا تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب، فنقول: قوله: لا بمعنى مفعول، بعد قوله: وهو مقيس في فعول، احترز به من نحو: حلوب، وركوب؛ فإنهما لا يجمعان على فعل، ودخل تحت - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1833)، وما بعدها بتصرف. (¬2) الألفية (66). (¬3) شرح الكافية (4/ 1832).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: فعول الاسم نحو: عمود وقلوص، والصفة نحو: صبور، وشكور، وغفور، وحكم المضاعف في ذلك حكم غير المضاعف، فيقال في ذلول: ذلل، وقوله في فعيل اسما، احترز بقيد الاسمية عن فعيل الصفة كنذير وحليم وجريح، ودخل تحت فعيل ما هو مضاعف منه، نحو: سرير؛ إذ يقال فيه: سرر، وقوله: وفعال وفعال اسمين احتراز من أن يكونا وصفين، نحو: جبان من قولهم: رجل جبان، وضناك من قولهم: ناقة ضناك، والضّناك العظيمة المؤخرة، قوله: غير مضاعفين، احتراز من نحو: جنان ومداد، وقد عرفت أن نحو: عنن وحجج جمعي عنان وحجاج نادر، وقد أشار إلى ذلك في الكتاب (¬1) بقوله: وندر عنن، وأما قوله: ووطط فهو جمع (وطواط) (¬2)؛ ثم إنه بعد ذلك شرع في ذكر ما يحفظ فيه فعل، وهو كلمات عدتها اثنتا عشرة، فمثال فعل: سقف، ورهن، وسحل، وحكى نجد ونجد (وقلب النخلة) قلب، ومثال فعل: (نمر) (¬3) ونمر، قال الشاعر: 4252 - فيها عيائيل وأسود ونمر (¬4) وبعضم يرى أن: نمرا مقصور من نمور للضرورة (¬5)، ومثال فعيلة: صحيفة، وكأنه عنى بقوله: مطلقا، أنه لا فرق فيه بين الاسم والصفة، ومثال الصفة: نجيبة ونجب، وخريدة وخرد، ومن الكلمات التي يحفظ فيها ست لكنها مقيدة؛ بأن تكون أوصافا وهي فعيل كنذير ونذر، وخضيب وخضب، وفاعل كنازل ونزل، - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية (4/ 1834). (¬2) بياض في النسختين، والمعنى يقتضه فأثبته. (¬3) كذا في التذييل (6/ 10) (أ) وسقطت من النسختين. (¬4) رجز قائله حكيم بن معية الربعي يصف قناة نبتت في موضع محفوف بالجبال والشجر، وفي البيت شاهدان: الأول: نمر جمع نمر، وبه استشهد سيبويه (3/ 179) والثاني: على أن عيائيل جمع عيّل كسيّد، ثم أشبعت الكسرة، فتولدت ياء والأصل عيائل، فلم يعتد بهذه الياء فاصلة كما اعتد بها في طواويس، الرضي (3/ 132) ويروى البيت بجر: أسود بالإضافة، ويروى برفعها على أنه بدل من عيائيل. راجع: المقتضب (2/ 203)، وابن يعيش (5/ 18)، (10/ 91، 92)، والمغرب (2/ 107، 164)، والأشموني (4/ 290) والتصريح (2/ 310، 370). (¬5) هو ابن عصفور قال في المقرب (2/ 107) وقوله: فيها عيائيل أسود ونمر مقصور من نمور للضرورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشارف وشرف، وبازل وبزل، وفعل كخشن وخشن، وفعال كجمل ثقال، وجمال ثقل، وامرأة صناع ونساء صنع، وفعال كناقة كناز، ونوق كنز، وحكي: نوق كناز بلفظ الإفراد. فعلى هذا يكون مثل هجان ودلاص، قال الشيخ: على أنهم جمعوا هجانا ودلاصا على فعل، قالوا: نياق هجن، ودروع دلص؛ فيكون من باب كناز وكنز (¬1)، وفعلة مثاله: فرحة وفرح، ومن الكلمات التي يحفظ فيها فعل أيضا ثلاث، لكنها مقيدة بأن تكون أسماء وهي فعال كقراد وقرد، وكراع وكرع، ولكن قد ذكرنا عنه من شرح الكافية؛ أن ذلك مقيس، وهو الذي يقتضيه كلامه في الألفية ومن ثم قال الشيخ: إن قول المصنف: وفي فعال وفعلة وفعل، ساقط من بعض النسخ؛ وأن ذلك في نسخة البها الرقي وغيره، لكن قال الشيخ: والصحيح ما ذكر في هذه الزيادة من أن جمع فعال على فعل لا ينقاس، فلا يقال في غراب: غرب، ولا في عقاب: عقب. انتهى. وفعلة كثمرة وثمر وخشبة وخشب، وفعل نحو: حدج وحدج، وستر وستر، وأما قول المصنف: ويجب في غير الضرورة تسكين عينه إن كانت واوا إلى آخره فاعلم قبل شرح ذلك أن العين من فعل الذي هو صيغة الجمع، إما أن تكون واوا، وإما أن تكون ياء، وإما أن تكون حرفا صحيحا؛ فإن كانت واوا وجب تسكينها؛ ولا يجوز بقاؤها على الحركة إلّا في الضرورة؛ وإن كانت ياء جاز البقاء على الحركة وجاز التسكين، لكن إذا سكنت الياء وجب كسر الفاء؛ وإن كانت حرفا صحيحا جاز فيه التسكين كما يجوز تسكين ما كان على فعل الذي هو مفرد، نحو: عنق في عنق إلّا أن تكون العين مضاعفة فيجب البقاء على الحركة؛ ولا تسكن إلّا في الضرورة، فمثال التسكين في الواو قولهم: نور جمع نوار، وعون جمع عوان، وسور جمع سوار، وسوك جمع سواك، وخون جمع خوان، قال الشاعر: 4253 - ومأتم كالدّمي حور مدامعها ... لم تيأس العيش أبكارا ولا عونا (¬2) ومثال حركتها في الضرورة قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 10) (أ). (¬2) البيت لتميم بن مقبل، والشاهد فيه قوله: عون جمع عوان، ونظيره جواد وجود، وأراد بالمأتم النساء ويروى (حمر مدامعها) و (لم تبأس)، وانظره في: ديوانه (ص 325)، والأضداد للسجستاني (ص 143)، والأضداد لابن الأنباري (ص 103)، والتكملة (ص 187)، واللسان (أتم).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4254 - أغرّ الثّنايا أحمّ اللّثات ... يحسّنها سوك الإسحل (¬1) وقول الآخر: 4255 - وتبدو بالألفّ اللّامعات سور (¬2) وقال الفراء: وربّما قالوا: عون كرسل فعلوا ذلك فرقا بين جمعي العوان والعانة (¬3)، لكن البصريون لا يجيزون ضم هذه الواو؛ إلّا في الشعر، كما قال المصنف: إذا عرف ذلك فقوله في الكتاب: ويجب في غير الضرورة تسكين عينه إن كانت واوا قد عرفت ما ورد منه في الضرورة، وفهم منه أن العين إذا لم تكن واوا، تكون محرّكة، ولو كانت ياء مثلا، وقوله: ويجوز إن لم تكنها، أي ويجوز التسكين إن لم تكن واوا سواء كان حرفا صحيحا أم ياء، فيقال في حمر وقذل: حمر وقذل، وكذا يقال في سيل وعين جمعي سيال وعيان: سيل وعين فتسكن العين لكن يجب كسر الفاء حينئذ؛ لتصح الياء كما فعل ذلك [6/ 86] في بيض فإنه جمع أبيض ووزنه فعل كحمر في أحمر؛ لكن لو تكسر الفاء فيه لزم انقلاب الياء واوا؛ كضمة ما قبلها كما انقلبت في موقن؛ فكان تغيير الحركة عليهم أسهل من تغيير الحرف. وإلى كسر الفاء في سيل وعين أشار المصنف بقوله: فإن كانت - أي العين - ياء كسرت الفاء عند التسكين؛ فإن قيل: لم لم يكسروا ما قبل الياء؛ في موقن؛ ليصح وتسلم الياء من قبلها واوا، فالجواب أن الكسر في مثل ذلك يؤدي إلى مخالفة النظائر؛ لأن أسماء الفاعلين من غير الثلاثي كلها، الميم منها مضمومة، قالوا: ولأنه يؤدي أيضا إلى صيغة مفعل، وهذا الوزن سكنته - ¬

_ (¬1) من المتقارب لعبد الرحمن بن حسان، والأغر الأبيض والثنايا الأسنان في مقدمة الفم ثنتان من فوق وثنتان من أسفل، وسوك الإسحل: فيه الشاهد حيث ضم فيه الواو للضرورة، والقياس تسكنها وهي جمع سواك والإسحل شجر يتخذ منه المساويك، والشاهد في المنصف (1/ 338)، وابن يعيش (10/ 84)، والعيني (4/ 530)، والمخصص (11/ 192)، والمساعد (3/ 420). (¬2) من السريع، قائله عدي بن زيد صدره: عن مبرقات بالبرين المبرقات: النساء المتزينات، البرون: جمع بره، وهي الخلخال، السور: جمع سوار، وفيه الشاهد حيث حركت الواو بالضم تشبيها للمعتل بالصحيح عند الضرورة، وانظره في: المقتضب (1/ 113)، والمنصف (1/ 338)، وابن يعيش (5/ 44)، (10/ 84، 91)، والمقرب (2/ 119) وديوانه (ص 127). (¬3) الهمع (2/ 176)، والمساعد (3/ 420)، وتوضيح المقاصد (5/ 46).

[من جموع الكثرة فعل بضم فسكون]

[من جموع الكثرة فعل بضم فسكون] قال ابن مالك: (ومنها: فعل وهو لفعلة (¬1) وفعلة اسمين وللفعلى أنثى الأفعل ويحفظ في نحو: الرؤيا ونوبة، ولا يقاس عليهما خلافا للفراء ويحفظ أيضا في فعلة وصفا ونحو: تخمة ونفساء وعجاية، وقرية وحلية وعدو وظبة، واطرد عند بعض بني تميم وكلب في المضاعف المجموع على فعل). - العرب حتى قال الأئمة في منخر: إن حركة الميم فيه حركة إتباع لحركة الخاء؛ إذ يقال فيه: منخر بفتح الميم وكذا: مغيّره ومنتّن الكسرة فيهما للإتباع؛ لأنهما اسما فاعل من أنتن وأغار، وأخرج المصنف (¬2)، نحو: سرر وذلل، بقوله: ولم يضاعف يريد بذلك أن تسكين العين إذا لم تكن واوا جائز، إلا أن تكون الكلمة مضاعفة كما مثلنا، فإن بقاء حركة العين واجب لما يؤدي إليه التسكين من الإدغام، قالوا: والجمع مبني على المفرد، فكما فك في مفرده: فك في جمعه، وسيذكر أن بعض التميميين والكلبيين يبدل الضمة فتحة، فيقول في جدد: جدد، وفي ذلل ذلل، وأما قوله: وربّما سكنت من التضعيف، فأشار به إلى أنهم قالوا: ذبّ في جمع ذباب. قال ناظر الجيش: ذكر أن فعلا مقيس في ثلاثة أشياء وهي: فعلة وفعلة اسمين، فالفعلى أنثى الأفعل، ومحفوظ فيما عدا ذلك. قال في شرح الكافية: ومن أمثلة الكثرة فعل والقياس منه ما كان لفعلة اسما كغرفة وغرف، وعدّة وعدد وعروة وعرى أو لفعلى أنثى الأفعل كالكبري، والكبر، والأولى والأول والأخرى والأخر والعليا والعلى، وشذ فيما سوى ذلك، كفقر وفقر ونقوق ونقق، ورجل بهمة ورجال بهم، ورؤيا ورؤى ونوبة ونوب وقرية وقرى وتخمة وتخم، وحكى ابن سيده جمع نفساء نفسا - بالتخفيف - ونفّسا بالتشديد (¬3) الفقر الجانب، ثم قال وعلامة جمعية فعل الذي له واحد على فعلة ألا يستعمل إلا مؤنثا، نص على ذلك سيبويه (¬4) - - ¬

_ (¬1) قال ابن سيده في المخصص (1/ 21): (فإذا ولدت المرأة قيل: وضعت، ثم هي نفساء، والجمع نفساوات، ونفاس، ونفس، ونفّس). (¬2) يقصد في شرح الكافية. انظر (4/ 1834). (¬3) اللحياني - ونفّاس، أبو علي ونوافس. اللسان (نفس). (¬4) الكتاب (3/ 365).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحمه الله تعالى -، فرطب عنده اسم جنس لقولهم: هذا رطب، وأكلت رطبا طيبا، والتّخم عنده جمع؛ لأنه مؤنث (¬1). انتهى. وفهم من تمثيله بعد: غرفة، وغرف، بعدة وعدد، (وعروة) وعرى؛ أنه لا فرق في فعلة التي تجمع على فعل بين صحيح اللام ومضعفها (ومعتلها)، سواء أكان الاعتلال بالواو، كما مثل أم بالياء كنهية ونهى، وأمّا فعلة فمثاله جمعة وجمع، واحتراز بقوله: اسمين من أن يكونا وصفين، نحو: رجل ضحكة وهزأة، وامرأة شللة وهي السريعة في حاجتها؛ لأن المذكر فيه شلل، قالوا وهو قليل جدّا لم يحفظ منه إلا جنب وشلل، واحترز المصنف، بقوله: في الفعلى أنثى الأفعل من نحو: الحبلى والرّبّى والبهمى والرّجعى؛ فلا يأتي شيء من هذا على فعلى، وأشار بقوله: خلافا للفراء إلى أن الفراء يقيس على الرّأى رؤيا، والنوب جمع نوبة فيجمع ما كان مصدرا على فعلى قياسا، نحو: ورجعى ورجع (¬2)، قال الشيخ: وما كان على فعلة مما ثانيه واو ساكنة؛ نحو: جوزة وجوز (¬3). انتهى، وكأنه يشير بذلك إلى أن الفراء هو الذي يجيزه، وقال المصنف: ويحفظ أيضا في فعلة وصفا إلى آخره، قد عرفت أكثره مما ذكرناه عنه من شرح الكافية. ومثال فعلة وصفا: رجل بهمة ورجال بهم، ومثال جمع العجاية عجى، والعجاية (¬4) قدر مضغة من لحم تكون موصولة بعصبة تنحدر من ركبة البعير إلى الفرس (¬5)، وقالوا في حلية: حلى وفي لحية: لحى قال الشيخ: وقد (سمع) حلى ولحى، وهو القياس وقالوا في عدوّ: عدى (¬6)، قال الشيخ: والمشهور لزوم التاء له، فتقول عداة، وقال أيضا ومن غريب ما وقع من فعلة معتل اللام، وجمع على فعل، ولم يذكره النحويون؛ وإنما وجدته أنا في أشعار العرب، قولهم: شهوة وشهى، قالت امرأة من بني نضر بن معاوية: 4256 - فلولا الشّهى والله كنت جديرة ... بأن أترك اللّذّات في كلّ مشهد (¬7) - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1837) وما بعدها بتصرف. (¬2) انظر: الأشموني (4/ 130)، والمساعد (4/ 421)، وتوضيح المقاصد (5/ 47). (¬3) التذييل (6/ 11) (أ). (¬4) (العجاوة: وهي العجاية أيضا)، اللسان (عجا). (¬5)، (¬6) التذييل (6/ 11) (ب). (¬7) الشاهد فيه جمع (فعلة على فعل) حيث جمع: شهوة على: شهي والبيت في مقدمة الارتشاف -

[من جموع الكثرة فعل بكسر ففتح]

[من جموع الكثرة فعل بكسر ففتح] قال ابن مالك: (ومنها فعل وهو لفعلة اسما تامّا، ويحفظ على فعلى اسما، ونحو: ضيعة؛ ولا يقاس عليهما خلافا للفرّاء، ويحفظ باتّفاق في فعلة واحد: فعل، والمعوّض من لامه تاء، وفى نحو: معدة، وقشع وهضبة، وقامة وهدم، وصورة، وذربة وعدو وحدأة، وألحق المبرّد بفعلة وفعلة فعلا وفعلا مؤنّثين ولا يكون فعل ولا فعال لما فاؤه ياء، إلا ما ندر كيعار). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنشد غير ذلك أبياتا شاهدة على ورود شهي جمع شهوة (¬1)، وأما قول المصنف: واطرد عند بعض تميم وكلب في المضاعف المجموع على فعل، فمراده به أن فعلا بضم الأول وفتح الثاني يطرد عند هؤلاء في ما ذكره، قال في شرح الكافية: واستثقل بغض التميميين والكلبيين ضمة عين فعل في المضاعف، فجعلوا مكانها فتحة فقالوا: جدد، وذلل، بدل جدد وذلل (¬2)، قال الشيخ: وقد أطلق المصنف في قوله المضاعف المجموع على فعل (وكان ينبغي أن يقيد، فيقول: في فعيل المضاعف المجموع على) فعل، نحو: سرير وسرر (¬3) انتهى. ثم عبارة المصنف تشمل المضاعف من الاسم والصفة، وقد مثل بالصفة في شرح الكافية وهي: جديد وذليل، حيث قال: إنهما جمعا على جدد وذلل، لكن الشيخ: أن بعض اللغويين؛ لا يجيز ذلك في الصفة، قال وهو اختيار ابن الضائع (¬4) انتهى؛ ولا شك أن نقل المصنف إنهم يقولون: جدد وذلل يوجب ثبوت ذلك. قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: ومن أمثلة الكثرة فعل، والقياس منه ما كان جمعا لفعلة، نحو: كسرة وكسر، وحجّة وحجج، ومرية [6/ 87] ومرى، ورآه الفراء مطّردا في فعلى كذكرى وذكر؛ لأن المؤنث بالألف شبيه بالمؤنث (بالتاء)، إذا كان ما قبلها على زنة واحدة (¬5)، وقد أجرتهما العرب - ¬

_ - (ص 40)، والبيت في مقدمة الإرتشاف (ص 40)، والبحر المحيط (2/ 392). (¬1) انظر: التذييل (6/ 11) (ب). (¬2) شرح الكافية (4/ 1837) (حكي أبو زيد وأبو عبيدة أن ناسا فتحوا عين سرر، فقالوا: سرر. والأشهر الضم) الرضي (2/ 132). (¬3) التذييل (6/ 12) (أ). (¬4) انظر الهمع (2/ 176)، وتوضيح المقاصد (5/ 46)، وانظر: التذييل (6/ 12) (أ). (¬5) الأشموني (4/ 131)، وتوضيح المقاصد (5/ 49).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مجرى واحدا في مواضع منها قولهم في فعلة وفعلى فعل، كغرفة وغرف وأخرى وأخر، وقولهم في فاعله وفاعلاء فواعل كسالفة وسوالف وقاصعاء وقواصع؛ فإذا أجرى فعلى مجرى فعلة لم يكن بدعا ولم يعدم نظيرا، ويحفظ فعل في فعلة، كقامة وقيم وحاجة وحوج، وفي فعل (كقشع) (¬1) وقشع، والقشع: الجلد البالي، وفي فعلة كقصعة وقصع، وفي فعلة صفة كصمّة وصمم، وذربة وذرب، وفي فعل كهدم [وهدم]، والصّمّة الرجل الشجاع، والذّربة المرأة الحديدة اللسان، والهدم الثوب الخلق، ويحفظ فعل - أيضا - في فعيلة كبنيقة وبنق، وشكيكة، وشكك، والشّكيكة الطريقة، ومن المسموع الذي لا يقاس عليه فعلة وفعل كمعدة ومعد، وقد ينوب فعل عن فعل وفعل عن فعل، فالأول: كحلية وحلى، ولحية ولحى، والثاني: كصورة وصور وقوّة وقوى، ويلحق فعل وفعل مؤنّثين بفعلة وفعلة، فيقال: هند وهند وجمل وجمل، كما يقال: كسرة وكسر، وغرفة وغرف. (¬2). انتهى. فقوله في التسهيل: وهو لفعلة يشمل الصحيح، والمعتل، والمضاعف، وقد مثل لها بكسرة ومرية وحجة، ومثل كسرة وكسر، خرقة وخرق وفرقة وفرق، وكذا لو كانت فعلة معتل العين كديمة وديم، وأما قوله: اسما، فقيل: احترز به من الصفة؛ لكن قال بعضهم: إنه لم يجئ من الصفة شيء من فعل بالتاء. قال الشيخ: فعلى هذا يكون قوله: اسما تامّا لجملته، احترازا من اسم غير تام، نحو: رقة فإن وزنه فعلة (¬3)؛ لكنه ليس بتام؛ إذ قد حذفت منه فاء الكلمة، فلا يجمع على فعل (¬4)، وأشار بقوله: خلافا للفراء، بعد قوله: ويحفظ على فعلى اسما، ونحو: ضيعة، إلى أن الفراء يرى اطراد فعل فيهما، فزاد على ما ذكره عن الفراء في شرح الكافية فعلة، وذلك نحو: ضيعة وخيمة، مما عينه ياء، واطرد ذلك عنده كما أنه طرد فعلا في الرؤيا، وفي نحو: نوبة كما تقدم التنبيه عليه. قال الشيخ: واحترز بقوله: في فعلى اسما، من فعلى إذا كان صفة، نحو: رجل كيصى (¬5). انتهى. - ¬

_ (¬1) كذا في شرح الكافية، وفي (ب) وفي (جـ) (كشفع) تحريف. (¬2) شرح الكافية (4/ 1839) وما بعدها. (¬3) (لأن أصله: ورق، لكن حذفت فاؤه)، توضيح المقاصد (5/ 48) قال في اللسان (ورق): الرّقة: أول خروج الصّليان، والنّصي، والطريفة: رطبا، يقال: رعينا رقته ابن الأعرابي: يقال للنّصي والصّلّيان إذا نبتا: رقة). (¬4) التذييل (6/ 12) (ب). (¬5) المرجع السابق (6/ 12) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال فعلة واحد فعل سدرة سدر؛ فإن سدرة واحد سدر، وهو محفوظ كما ذكر فلا يقاس عليه، فلا يقال في تثنية واحدتين: تين بفتح الياء، ومثال المعوض من لامه تاء: عزة ولثة، قالوا فيهما: عزى ولثى وأما معدة، فالظاهر أنها بفتح الميم وكسر العين. والشيخ أوردها بكسر الميم وسكون العين؛ ولا شك أن فيها اللغتين، ومن ثم قال ونحو: معدة ومعد قولهم: نقمة ونقم، قال: وكأنهم بنوه على فعلة؛ إذ يجوز ذلك فيه (¬1). انتهى. والذي يظهر أن المصنف انما أراد معدة بفتح الميم؛ لأنه جعل فعلا فيها محفوظا، ولو كانت بكسر الميم لكانت فعلة، ولا شكّ أن فعلة فيها قياسها، أن تجمع على فعل كما عرفت. والمصنف إنما أورد ذلك في ما يحفظ ولا يقاس عليه، وقد تقدم القول عنه في شرح الكافية، أن من المسموع الذي لا يقاس عليه فعلة وفعل كمعدة ومعد، ونظير هضبة وهضب، وقصعة وقصع، وجفنة وجفن وحلقة وحلق، ومثل قامة وقيم، وحاجة وحوج، وذكر المصنف ذربة، وفي شرح الكافية زاد صمّة، قال الشيخ: وهما صفتان، قال: وقد تقدم قول من قال إن فعلة صفة لم يسمع، قال: كأنهم عنوا أن فعلا المجرد لا يؤنث بالتاء حال كونه صفة؛ وكأن هاتين الكلمتين وضعتا على التأنيث بالتاء، فالتاء فيهما ليست للفرق؛ بل بنيت الكلمة عليها، ألا ترى أنهم لا يقولون: ذرب وصمم (¬2) للمذكر، وأما صور جمع صورة (¬3)، فقد عرفت قول المصنف في شرح الكافية: وقد ينوب فعل عن فعل، وفعل عن فعل، ومثّل للأول بقوله: حلية وحلي، ولحية ولحى، وللثاني بقوله: صورة وصور وقوة وقوى، وأما عدو فقال الشيخ: زعم المصنف: أن عدى جمع له، قال: وذكره (البصريون) (¬4) في أبنية الأسماء المفردة، ولم يثبت سيبويه من فعل صفة غير عدى (¬5)، وزاد غيره زيما، وزاد غيرهما غير هذين (¬6). انتهى. - ¬

_ (¬1) المعدة من الإنسان مقر الطعام والشراب، وتخفف بكسر الميم وسكون العين، وجمعت على: معد، مثل: سدرة وسدر، والمصباح (ص 575) وانظر: التذييل (6/ 12) (ب). (¬2) مع أنهم قالوا: ذربة مثل قربة لغة في مرأة ذربة أي: حديدة اللسان، وقالوا في الجمع ذرب، والصّمّة: الرجل الشجاع، والذكر من الحيات وجمعه صمم. راجع المساعد (3/ 425) والتذييل (6/ 12) (ب). (¬3) المرجع السابق. (¬4) كذا في التذييل وفي النسختين (التصريفيون) تحريف. (¬5) قال في الكتاب (4/ 244) (ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف من المعتل يوصف به الجماع، وذلك قولهم: قوم عدى، ولم يكسر على عدى واحد، ولكنه بمنزلة السّفر والرّكب). (¬6) التذييل (6/ 12) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد ذكر المصنف حداة فدل أن حدأ جمع لها، قال الشيخ: وينبغي أن ينظر أهو جمع، أم اسم جنس، قال، وقول الشاعر: 4257 - وتغني الأولى يستلئمون على الأولى ... تراهنّ يوم الرّوع كالحدا القبل (¬1) يدل على أنه جمع؛ لأنه وصفه بجمع وهو القبل، إذ هو جمع أقبل أو قبلاء، ولقائل أن يقول: إنه من تأنيث اسم الجنس، ووصف بالجمع، كقوله تعالى: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (¬2) انتهى. وأما قول المصنف وألحق المبرد بفعلة وفعلة فعلا وفعلا مؤنثين (¬3) فقد عرفت معناه من قوله في شرح الكافية: ويلحق فعل وفعل مؤنثين بفعلة وفعلة فيقال: هند وهند وجمل وجمل، كما يقال: كسرة وكسر، وغرفة وغرف؛ ولكنه لم يتعرض إلى أن ذلك رأي المبرد، بل ذكر ذلك على سبيل الجزم. فالظاهر أنه يوافق المبرّد في ذلك، وأما قوله: ولا يكون فعل ولا فعال لما فاؤه ياء، إلا ما ندر كيعار فظاهر؛ وإنما كان الأمر فيما فاؤه ياء كذلك؛ لاستثقال الكسرة والياء أول الكلمة، ويعار لفظ نادر وهو جمع يعرة ويعر، وهو الجدي يربط في الزّبية للأسد (¬4) قال الشاعر: 4258 - مقيما بأملاح كما ربط اليعر (¬5) فيعار جمع بعرة، نحو: قصعة وقصاع، أو جمع يعر، نحو: كلب وكلاب، وفي شرح الشيخ: حكى يقاظ في جمع يقظ، وقيل: جمع يقظان وهو الظاهر، فإنّ فعالا في جمع فعلان كثير، ولم يحك في فعل (¬6). ¬

_ (¬1) من الطويل لأبي ذؤيب الهذلي، يستلئمون: يلبسون اللأمة، وهي الدرع، الحدأ: جمع حدأة: الطائر المعروف، القبل: وهي التي في أعينها قبل وهو الحور. راجع شواهد العيني (1/ 455)، الهمع (1/ 83)، والدرر (1/ 57)، والأشموني (1/ 148)، والتذييل (6/ 12) (ب) وديوان الهذليين (1/ 37). (¬2) سورة الرعد: 12. وانظر: التذييل (6/ 12، 13) (أ). (¬3) المقتضب (2/ 221). (¬4) (اليعر واليعرة: الشاة أو الجدي يشد عند زبية الذئب أو الأسد)، اللسان (يعر). (¬5) عجز بيت للبريق الهذلي صدره: أسايل عنهم كلّما جاء راكب والشاهد في قوله: اليعر وهو الجدي. انظر اللسان (يعر) والتذييل (6/ 13). (¬6) التذييل (6/ 13) (أ).

[من جموع الكثرة فعال بكسر أوله]

[من جموع الكثرة فعال بكسر أوله] قال ابن مالك: (فصل: من أمثلة جمع الكثرة فعال، وهو لفعل غير اليائي العين ولفعلة مطلقا ولفعل اسما غير مضاعف ولا معتلّ اللّام، ولفعلة، ولاسم على فعل أو فعل، ما لم يكن كمدى أو حوت، ولوصف صحيح اللّام على فعيل أو فعيلة بمعنى فاعل وفاعلة، أو على فعلان أو فعلان أو فعلى أو فعلانة أو فعلانة، ولم يجاوز في: طويل وطويلة إلّا للتّصحيح). قال ناظر الجيش: لما انتهى الكلام [6/ 88] على صيغ جموع الكثرة، التي لا زيادة فيها وهي أربع، فعل وفعل وفعل وفعل، شرع في ذكر الصيغ التي فيها الزيادة، ثم إنه قال في شرح الكافية: فعال مقيس في جمع فعل وفعله اسمين كان أو وصفين، نحو: كعب وكعاب وصعب (¬1) وصعاب، ونعجة ونعاج، وخذلة وخذال، وشذ فيما فاؤه أو عينه ياء كيعر ويعار، وضيف وضياف، ومقيس - أيضا - في فعل وفعلة ما لم يضاعفا أو تعتلّ لامهما؛ وذلك نحو جمل وجمال، ورقبة ورقاب، والأكثر في قلم أن يستغنى في جمعه بأقلام (عن قلام)، وحكى ابن سيده أنه قد جمع على قلام (¬2)، ومقيس أيضا في فعل وفعل اسمين، نحو: ذئب وذئاب، ورمح ورماح، ما لم يكن فعل واويّ العين كحوت، أو يائي اللام كمدى، ومقيس أيضا فيما بمعنى فاعل وفاعلة من فعيل وفعيلة وصفين، كظراف وكرام في جمع ظريف وظريفة، وكريم وكريمة، وشاع دون اطّراد في فعلان وصفا، وفي أنثييه وهما فعلى وفعلانة، وفي فعلان وفعلانة أوصافا نحو: غضاب وندام وخماص في جمع غضبان وغضبى، وندمان وندمانة، وخمصان وخمصانة، ولم يجاوز فعال إلى غيره فيما عينه واو، ولامه صحيحة من فعيل وفعيلة وصفين، كطوال في جمع طويل وطويلة (¬3) انتهى. وجملة الأوزان التي ذكرها مما جمع على فعال مقيسا وشائعا ثلاثة عشر وزنا، إذا عرف هذا، فقوله في التسهيل: مطلقا، بعد قوله: وهو لفعل ولفعلة، أفاد به أن الاسم والصفة مستويان في ذلك، كما عرفت من تمثيله في الشرح، واحترز بقوله: اسما بعد قوله: ولفعل، عن أن يكون - ¬

_ (¬1) كذا في شرح الكافية، وفي النسختين (صعبة). (¬2) المحكم (6/ 169). (¬3) شرح الكافية (4/ 1849)، وما بعدها بتصرف.

[ما يحفظ فيه فعال بالكسر]

[ما يحفظ فيه فعال بالكسر] قال ابن مالك: (ويحفظ في فعول وفعلة وفعلة وفعل وفعالة، وفي وصف على فاعل أو فاعلة أو فعلى أو فعال أو فعال أو فيعل أو أفعل أو فعلاء أو فعيل بمعنى مفعول، وفي اسم على فعلة أو فعل أو فعل أو فعلان أو فعيل أو فعل أو فعل، وندر في يائي العين أو الفاء، وفي أيصر وحدأة وقنينة). ـــــــــــــــــــــــــــــ صفة، فلا يقال: بطل وبطال، ولا عزب وعزاب، وقد قالوا: حسان جمعا لحسن، واحترز بقوله: غير مضاعف من نحو: طلل، وبقوله ولا معتل اللام من نحو: فتى ورحى وقذى وعصى وهوى. فإن قياس هذه أفعال، ومثال فعلة رقبة ورقاب، كما عرفت ومثله حسنة وحسان، قاله الشيخ: والمراد بالحسنة، ما يقابل السيئة، ومثل ذئب وذئاب: بئر وبئار، واحترز بقوله: ولاسم على كذا وكذا، من الصفة، نحو: جلف وحلو؛ فإنهما لا يجمعان على فعال، وقد استغنى، نحو: مدى وحوت، وهو ما كان ياءيّ اللام أو واويّ العين مما ذكروه، فعلم منه أنه لا يقال: مداء ولا حيات، بل قياس المعتل بالياء أفعال، نحو: أمداء وأظباء لمدي وظبي، وقياس الواوي العين فعلان، نحو: حيتان، ونينان، وعيدان، لحوت، ونون وعود (¬1)، واحترز في فعيل وفعيلة، بقوله: بمعنى فاعل وفاعله من أن يكونا بمعنى مفعول، نحو: جريح ولطيمة، فلا يقال فيهما: جراح، ولا لطام. وأما قول المصنف: أو على فعلان أو فعلان إلى قوله: أو فعلانة، فقد عرفت أمثلته من الذي نقلناه عنه من شرح الكافية؛ ولكنه في الشرح قد قال: إن ذلك شاع من غير اطراد (¬2)، وفي التسهيل حكم باطراده وكذا، قوله: ولم يجاوز في نحو: طويل وطويلة، قد قيده في شرح الكافية بكون عينه واوا، ولامه صحيحة (¬3) وعرف منه أنهم التزموا فعلا في فعيل وفعيلة أنثاه، إذا كانا بهذه الصفة فلم يكسروهما على غير هذه الصيغة، نعم يجوز أن يصححا فيقال: طويلون وطويلات، ولذلك استثناه، فقال: إلا (للتصحيح). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: ويحفظ فعال في جمع فاعل وفاعلة - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 13) (ب). (¬2) قال في شرح الكافية (4/ 1850): وشاع دون اطراد في فعلان - وصفا - وفي أنثييه وهما فعلى. (¬3) راجع شرح الكافية (4/ 1851).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصفين كقائم وقيام، وراع، ورعاء، وآمّ وإمام؛ قال الله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (¬1) وكذا يقال في جمع قائمة، وراعية وآمّة، ومن المحفوظ الذي لا يقاس عليه برمة وبرام، وأنثى وإناث، وأعجف وعجاف، وجواد وجياد، وخير وخيار، وأبصر وإصار وبطحاء وبطاح، وقلوص وقلاص، وربع ورباع، ولقحة ولقاح (¬2) انتهى. فقوله في التسهيل: فعول، مثاله: قلوص، ومثله خروف، وقوله: وفعلة مثاله لقحة وقد ذكرهما في الشرح. وقوله: وفعل وفعلة مثاله: نمر ونمرة، ويقال فيهما: نمار، وقوله: فعالة، ومثاله: عباءة وعباء، ولم يذكرهما في الشرح، وقوله: وفي وصف على فاعل أو فاعلة أو فعلى أو فعال، مثال الأول: قائم وقائمة، وصائم وصائمة، وراع وراعية، فيقال في جمعهما: قيام، وصيام، ورعاء، ومثال الثاني: أنثى وإناث، وربّى ورباب، ومثال الثالث: جواد وجياد، وقد ذكرهما في الشرح كما رأيت، ومثال فعال: هجان، ودلاص، يقال: ناقة هجان، ونياق، هجان، ودرع دلاص، ودروع دلاص، ولم يذكره في الشرح (¬3)، ومثال فيعل وأفعل وفعلاء: خيّر وخيار، وأعجف وعجاف، وبطحاء وبطاح، وكذا عجفاء وعجاف، وذكر ذلك في الشرح كما عرفت، ومثال فعيل بمعنى مفعول - ولم يذكره في الشرح: ربيط ورباط، ومثال فعلة: برمة وبرام، وبرقه وبراق، وحفرة وحفار، ومثال فعل ربع ورباع، وجمد وجماد، قرط وقراط، وجاء في المضاعف فعال وهو كثير فيه نحو: خفّ وخفاف، وعشّ وعشاش، وخصّ وخصاص؛ وقد ذكر برمة وربعا في شرح الكافية (¬4) ومثال فعلان سرحان وسراح وضبعان وضباع، ومثال فعيل: فصيل وفصال وأقيل وإقال، ومثال فعل: رجل ورجال، وسبع وسباع، وضبع وضباع ولم يذكرهما في الشرح، ثم ذكر المصنف أن فعالا ندر في خمسة وهي يائي العين نحو: ضيف وضياف، ويائي الفاء، نحو: يعر ويعار، وقد تقدم ذكره، وأيصر، قالوا فيه: إصار وحدأة، قالوا فيها: حداء وقنينة، قالوا فيها: قنان. ¬

_ (¬1) سورة الفرقان: 74. (¬2) شرح الكافية (4/ 1851)، وما بعدها بتصرف. (¬3) لم يذكره هنا، ولكنه ذكر بعدها أنها من الألفاظ الدالة على الجمع، قال في شرح الكافية (4/ 1809): وأما التقديري، ففي: فلك ودلاص ونحوهما مقصودا بهما الجمع ... ودلاص نظير ظراف في أن كسرته دالة على الجمعية. (¬4) شرح الكافية (4/ 1852).

[ما يشارك فيه فعول بالضم فعالا بالفتح]

[ما يشارك فيه فعول بالضم فعالا بالفتح] قال ابن مالك: (ويشاركه فعول قياسا في اسم على فعل، ليس عينه واوا أو على فعل أو فعل غير مضاعف أو فعل، وسماعا [6/ 89] في فاعل وصفا غير مضاعف ولا معتلّ العين، وفي نحو: فسل وفوج وساق وبدرة وشعبة وقنّة، وشذوذا في نحو: ظريف وأسينة وحصّ وآنسة). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ناظر الجيش: قال المصنف - رحمه الله تعالى - في شرح الكافية: فعول (مطرد) في جمع فعل وفعل اسمين، نحو: كعب وكعوب، وضرس وضروس، ويقل في جمع فعل ويقتصر على سماعه كأسد وأسود، وشجن وشجون، وندب وندوب، ذكر وذكور، وساق وسووق؛ إلا أن سووقا شاذ؛ لثقل الضمة على الواو، وكذا فعل إذا لم يضاعف، ولم يعلّ يجمع على فعول، كجند وجنود، وبرد وبرود؛ فإن ضوعف كخف أو أعلّ كحوت ومدي، لم يجمع على فعول؛ إلا ما شذ من قولهم في الحصّ وهو الورس: حصوص، وفي النّؤي نؤيّ، وقد يكون فعول جمعا لفاعل على قلّة نحو: راكع وركوع، وشاهد وشهود، وباك وبكيّ، وصال وصليّ، وقد يكون (جمعا) لصفة على فعل نحو: كهل وكهول، وفسل وفسول، ولاسم على فعلة كبدرة وبدور، وصخرة وصخور، وندر فعول في جمع فوعل كقول الشاعر: 4259 - أبلغ بني أود فقد أحسنوا ... أمس بضرب الهام تحت القنوس (¬1) فجمع قونسا على قنوس. ومما يحفظ ولا يقاس عليه، ما حكى ابن سيده: أنه يقال للناقة القليلة اللبن شصوص (¬2)، ويجمع على شصائص على القياس، وشصوصا - أيضا - وهو نادر؛ ومن المحفوظ الذي لا يقاس عليه، ظريف وظروف، وخبيث وخبوث، عن أبي زيد (¬3)، ومثله عناق وعنوق وسماء وسميّ، - ¬

_ (¬1) من السريع نسبه ابن منظور في اللسان إلى الأفوه. الهام: جمع هامة، وهي الرأس أو أعلاه أو وسطه، أود: اسم رجل. وانظره في: شرح الكافية (4/ 1854)، واللسان (قنس) والتذييل (6/ 15) (ب). (¬2) المخصص (7/ 46). (¬3) قال ابن سيده في المحكم (5/ 102): (الخبيث ضد الطيب من الرزق، والولد، والناس، وحكى أبو زيد في جمعه: خبوث وهو نادر).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا المضاعف من فعل كطلل وطلول؛ ومما يحفظ أيضا جمع فعلة على فعول كشعبة، وشعوب، وقنّة، وقنون، وقالوا: آنسة وأنؤس وأسينة، وأسون، وإسان. وهي قوي الوتر وكلها نوادر (¬1) انتهى. وقبل الشروع في الكلام على ألفاظ الكتاب، فليعلم أن الذي يتبادر إلى الذهن من قوله: ويشاركه فعول إلى آخره، أن كل مثال يذكر من الأمثلة للأوزان التي يذكرها يجوز فيها الجمعان، أعني فعالا وفعولا، وليس كذلك؛ لأن هذا الأمر وإن صح في كعب مثلا؛ حيث يقال في جمعه: كعاب وكعوب، لا يصح في فلس؛ فإنه إنما يجمع على فعول فالذي يتعين أن يكون مراد المصنف بقوله: ويشاركه فعول، أن فعولا يشارك فعالا في الزنة، وذلك نحو: فعل؛ فإن فعلا، أي هذا الوزن يجمع: على فعال وعلى فعول، فموزونه قد يجتمع له الأمران، وقد يتعين له أحدهما، أي أحد الوزنين، وإذ قد تقرر هذا فقوله في الكتاب: في اسم على فعل، مثاله: كعب وكعوب، وفلس وفلوس وقدر وقدور، واحترز بقوله: ليس عينه واوا، من نحو: حوض، وفوج، ومثال فعل: ضرس وضروس، ودرع ودروع، ومنه جسم وجسوم، وحلم وحلوم، ومثال فعل برد وبرود، وجند وجنود، واحترز بقوله: غير مضاعف، من نحو: جل، وقف، وخف، وقد عرفت قوله في هذا الوزن في شرح الكافية: فإن ضوعف كخفّ، أو أعل كحوت، ومدي؛ لم يجمع على فعول، فزاد قيد الإعلال؛ لصحة هذا الجمع على ما ذكر ههنا، ومثال فاعل وصفا: شاهد وشهود، وراكع وركوع، وساجد وسجود، وهاجد وهجود، وقد ذكرنا أمثلة ذلك فيما نقلناه عنه في شرح الكافية، واحتراز بقوله: غير مضاعف من نحو: رادّ ووادّ، وبقوله: ولا معتل العين من نحو: قائم، وبائع، وأشار بقوله: وفي نحو: فسل، وإلى أن ما كان على فعل وهو صفة فجمعه على فعول، مسموع لا مقيس؛ وذلك نحو: كهل وكهول، وفسل وفسول (¬2)، ومثال فعال فيه صعب وصعاب، وضخم وضخام، وأما فوج فقد عرفت أنه لمّا ذكر فعلا قيّد ذلك بقوله: ليس عينه - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1852)، وما بعدها بتصرف. (¬2) (الفسل: الرجل الدون الخسيس وجمعوه - أيضا - على فسال)، المساعد (3/ 434) وانظر: اللسان (فسل).

[ما ينفرد فيه فعول عن فعال]

[ما ينفرد فيه فعول عن فعال] قال ابن مالك: (وانفرد مقيسا، بنحو: كبد وبيت، ومسموعا، بنحو: نؤي وطلل وعناق وسماء وهراوة، وفاق فعالا في فعل وفعل المخالف مديا، وفاقه فعال في فعل غير المضاعف، وشاركه شذوذا في نحو ضيف، وقد تلحقهما التّاء وقد يستغنى عنهما بفعيل وفعال، والأصحّ أنّهما مثالا تكسير لا اسما جمع؛ فإن ذكّر فعيل كغزّى فهو اسم جمع). ـــــــــــــــــــــــــــــ واوا (¬1)، فمن ثم ذكر أنه مسموع؛ وإن كان ليس مقيسا وكذا: ساق، وبدرة، وشعبة، وقنّة، جمع كل منها على فعول موقوف على السماع، وأما ظريف، وأسينة، وحص، وآنسة؛ فقد جمع كل منها على فعول شذوذا (¬2)، وقالوا: خبث وخبوث، كما قالوا: ظريف وظروف؛ وقد جاء فعال في نحو: ساق، قالوا (ساق وسياق) ودار وديار، وفي نحو: فعلة قالوا: جفنة وجفان، وجاء في فعلة، فعال - أيضا - قالوا: برمة وبرام، وقنّة وقنان، وقبّة وقباب. قال ناظر الجيش: ذكر هاهنا أربعة أمور، وهي انفراد فعول عن فعال ببعض الكلمات، وأن فعولا فاق فعالا في بعض الأوزان، وأن فعالا (فاق) فعولا في بعض آخر، وأنه شارك فعولا شذوذا في شيء، وأما الأمر الأول: وهو انفراد فعول عن فعال فهو قسمان: مقيس ومسموع أما ما انفرد به مقيسا، ففي اسمين وهما ما كان على زنة فعل أو على زنة فعل مما عينه ياء، الأول نحو: كبد وكبود، وكرش وكروش، وكتد وكتود (¬3)، والثاني نحو: عين وعيون، وبيت وبيوت، وليث وليوث، وغيث وغيوث، وأما ما انفرد به مسموعا ففي كلمات، والذي ذكره منها خمس وهي قولهم: نؤي ونؤيّ، وطلل وطلول، وعناق وعنوق، وسما وسميّ، وهراوة وهريّ؛ وقد علمت أن المصنف أتى بأكثر مما ذكر في شرح الكافية. وأما الأمر الثاني: وهو أن فعولا فاق فعالا ففي وزنين وهما: فعل وفعل المخالف مديا، وأما الأمر الثالث: وهو أن فعالا فاق فعولا ففي فعل غير المضاعف، - ¬

_ (¬1) تقدم عند ذكر المتن. (¬2) قالوا: ظروف، أسون، وحصوص وأنوسي، وكل هذا شاذ، المساعد (3/ 435). (¬3) (الكتد والكتد: مجتمع الكتفين من الإنسان، والفرس ... والجمع أكتاد وكتود) اللسان (كتد).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما الأمر الرابع: وهو أن: فعالا شارك فعولا [6/ 90] شذوذا، ففي: ضيف، قالوا: ضيف وضيوف وأضياف. قال الشيخ: وكلاهما شاذ، إنما كان ضيوف شاذّا وإن كان فعول مقيسا، نحو: بيت وعين؛ لأن ضيفا من الصفات وبيتا وعينا من الأسماء؛ وإنما ينقاس فعول في مثله إذا كان اسما (¬1)، وأقول: ذكر المصنف أن فعولا انفرد مقيسا عن فعال بما هو على زنة فعل، نحو: كبد، وما هو زنه فعل مما هو معتل العين بالياء، نحو: بيت، وقد وجد انفراده عن فعال أيضا في ما هو على وزن فعل، نحو: فلس، إذ يجمع على فعول دون فعال، وأما قول المصنف: وقد تلحقهما التاء، فأشار به إلى أن موزون، فعال وفعول قد تلحقه تاء التأنيث، وذلك نحو: حجارة وفحولة، ونبّه بقوله: وقد، على أن ذلك قليل، غير مطرد، وقوله: وقد يستغنى عنهما بفعيل وفعال، ويشير به إلى أنهم في الاستعمال قد يستغنون بفعيل أو بفعال عن فعول وفعال، أما الاستغناء بفعيل، فنحو قولهم في جمع ضأن: ضئين، ولم يقولوا: ضآن ولا ضؤون (¬2)، وقالوا في معز: معيز؛ لكنّهم قالوا: معاز؛ وأما الاستغناء بفعال، فنحو قولهم: ظئر وظؤار، ولم يقولوا: ظئار ولا ظؤر، وقالوا: رخل ورخال (¬3) ولم يقولوا: رخول وقالوا: رخال مع أن فعلا قياسه فعول، نحو: كبد وكبود كما تقدم، وأشار بقوله: والأصح أنهما مثالا تكسير لا اسما جمع، إلى أن في ذلك خلافا بين النحويين، فمنهم من يقول: إنهما جمعا تكسير، ومنهم من يقول: إنهما اسما جمع (¬4)، قال الشيخ: وفي محفوظي أن أصحابنا يزعمون أن مثل: كليب وضريس (¬5)، جمع تكسير، وأن مثل ظؤار، ورخال، وتؤام اسم جمع، قال: فيكون هذا مذهبا ثالثا وهو التفصيل بين فعيل وفعال (¬6)، وقوله: فإن - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 15) (ب). (¬2) انظر: المساعد (3/ 436). (¬3) المرجع السابق الرخل والرخل: الأنثى من أولاد الضأن، والذكر حمل، والجمع أرخل ورخل، مثل: ظئر وظؤار. (¬4) انظر: توضيح المقاصد (5/ 75)، المساعد (3/ 436، 437)، والرضي (2/ 206، 207) وشرح الكافية (4/ 1886)، والتذييل (6/ 15) (ب). (¬5) قال المرادي في توضيح المقاصد (5/ 75)، (قال ابن الخباز: قد كسروا على فعيل ثلاثة أبنية: فعل، كعبد وعبيد، وكلب وكليب .... وفعل كبقر وبقير، وفعل كضرس وضريس). (¬6) التذييل (6/ 15) (ب).

[من جموع الكثرة فعل بالضم والتشديد]

[من جموع الكثرة فعّل بالضم والتشديد] قال ابن مالك: (فصل: من أمثلة الكثرة: فعّل وهو لفاعل وفاعلة وصفين، وشاركه فعّال قياسا في المذكر، وسماعا في المؤنّث، ويقلّان في المعتلّ اللّام وندرا في سخل ونفساء وفعّل في نحو: أعزل، وسروء، وخريدة وفعّال في حكيم وحفيظ). ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكّر فعيل كغزّى فهو اسم جمع، يشير به إلى أن التذكير دليل على أن تلك الكلمة اسم الجمع يعامل معاملة المذكر فتقول، الرّهط صنع كذا، والرّكب رحل، ولا يقال الرجال ولا الزيود خرج، وقد تقدم الاستدلال على ذلك في أول الباب، وقال في شرح الكافية: وما على وزن فعيل فهو جمع؛ إن أنّث كعبيد وحمير واسم جمع، إن ذكّر نحو: كليب وحجيج، واتبع ذلك بأن قال: وما كان على فعلة فهو جمع؛ إن لم يجمع نحو: كفرة وبررة، وهو اسم جمع إن جمع كسراة وسروات (¬1) انتهى. قال الشيخ: قيل ولم يأت من فعل على فعيل إلا كلب وكليب وعبد وعبيد، قال: والكليب جمع كلب عند أبي علي، وقال أبو حاتم: الكليب جمع كلاب جمع كلب، وقد تقدم أنهم قالوا: معز ومعيز، وضأن وضئين، وحكى أبو علي في الأغفال يد ويدي (¬2). وأنشد: 4260 - فإن أذكر النّعمان إلّا بصالح ... فإنّ له عندي يديّا وأنعما (¬3) قالوا جمعوا يد النعمة على يدي (¬4). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: من أمثلة الكثرة (فعّل) والقياسي منه - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1886). (¬2) قال ابن منظور في اللسان «يدى»، ويدي، ويدي في النعمة خاصة. (¬3) البيت من الطويل نسبه ابن منظور في اللسان إلى الأعشى، وليس في ديوانه، وفي معجم الشواهد لضمرة بن ضمرة النهشلي، والشاهد فيه: جمع يد على يديّ، قال في اللسان (يدي): (وقال الجوهري: في قوله: يديّا وأنعما: إنما فتح الياء كراهة لتوالي الكسرات) وانظر: النوادر لأبي زيد (ص 53)، وابن يعيش (10/ 56)، والتذييل (6/ 15) (ب). (¬4) ينظر: اللسان (يدي).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما كان لفاعل وفاعلة وصفين صحيحي اللام، وشاركه فعّال قياسا في المذكر، كصائم وصوّم وصوّام، وندر في المؤنث، كقول الشاعر: 4261 - أبصارهنّ إلى الشّبّان مائلة ... وقد أراهنّ عني غير صدّاد (¬1) فجمع صادّة على صدّاد، وهو نادر، واعتلال اللام مانع منهما استغناء في فاعل بفعلة، كرام ورماة، وفي فاعلة بفواعل كرامية وروام، وندر غاز وغزّى، وعاف وعفّى، وكذا ندر غزّاء في جمع غاز، وسرّاء في جمع سار، كقول الشاعر: 4262 - تقري بيوتهم سرّاء ليلهم ... ولا يبيتون دون اللّيل أضيافا (¬2) وحكى سيبويه: جانيا وجنّاء (¬3) وهو نظير سرّاء في جمع سار، وحكى ابن سيده ساقيا وسقّى (¬4)، وهو نظير غزّى في جمع غاز، وقالوا خريدة وخرّد، ونفساء ونفّس ورجل سخل أي رذل، ورجال سخّل، ورجل أعزل: لا سلاح له ورجال عزّل، وجرادة سرو أي: بيوض، وجراد سرّأ، وهذه كلها نوادر، ولا يقاس عليها (¬5). انتهى، وقد انحل بهذا الكلام ما تضمنه كلامه في التسهيل، واحترز بقوله: وصفين، من أن يكون فاعل وفاعلة اسمين وذلك نحو: حاجب العين، وجائزة البيت، لا يقال فيهما إذا جمعا حجّب ولا جوّز، قال الشيخ (¬6) مشيرا إلى قول الشاعر: أبصارهنّ إلى الشّبّان مائلة ... البيت إن حكاية جرت بين الأصمعي وابن الأعرابي؛ وأن بعضهم تأوّل صدّاد على أنه جمع صادّ المذكر على القياس؛ وذلك بأن جعل (هن) عائدا على الأبصار؛ وأنّه - ¬

_ (¬1) من البسيط، قاله القطامي ديوانه (ص 7)، في اللسان (صدد) برواية (عنهم) في مكان (عني) وقد اعتمد العيني رواية المصنف (4/ 521)، وكذلك صاحب التصريح (2/ 308)، والأشموني (4/ 133)، ومجالس العلماء للزجاجي (ص 275)، وشرح الشواهد للعيني (4/ 521)، وشرح الكافية (ص 1846). (¬2) من البسيط، لم أعثر على قائله، قري الضيف يقريه قري - بالكسر، والقصر، والفتح، والمد: أضافة. (¬3) الكتاب (4/ 48). (¬4) المحكم (6/ 302). (¬5) شرح الكافية (4/ 1845) وما بعدها بتصرف. (¬6) انظر التذييل (6/ 16).

[من جموع الكثرة فعلة بفتح الفاء والعين]

[من جموع الكثرة فعلة بفتح الفاء والعين] قال ابن مالك: (ومنها: فعلة لفاعل وصفا مذكّرا صحيح اللّام، ويقل فيما لا يعقل وندر في نحو: خبيث وسيّد وبرّ وخيّر وأجوق [ودنغ]). ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: بصر صادّ، وأبصار صدّاد، ثم ذكر أن عزّلا كما ندر في جمع أعزل هكذا ندر فيه عزّال، قال الشاعر: 4263 - فلم نوقّف مشيلين الرّماح ولا ... كنّا عواوير يوم الرّوع عزّالا (¬1) قال: وأنكر بعضهم أن يجمع أعزل على عزّال، وليس ذلك بشيء، لأن أشعار العرب قد وجد ذلك فيها، وأنشد أبياتا منها قول الأعشى: 4264 - غير ميل ولا عواوير في الهي ... جا ولا عزّل ولا أكفال (¬2) قال: فأعزل قد جمعوه ثلاثة جموع غير قياسية له، وهي عزّل وعزّال وأعزال، قال: وإنما خالف أعزل أفعل الصفة في جمعه؛ لأن الصفة لنحو: أحمر، وأصفر، وأبله، وأحمق، وأعمى، وأعشى، وأحدب، ونحوها لازمة، والأعزل ليس كذلك؛ لأنه لو تناول سيفا أو عصا أو رمحا زالت عنه هذه الصفة، فهو على هذا أشبه بطريق فاعل فعدل به إلى جمعه، حيث قالوا عزل وعزال. انتهى. وفي نسخة البها الرّقي في هذا الموضع زيادة، وهي: وفعّال في: حكيم وحفيظ (¬3)؛ والمراد من ذلك أن فعّالا ندر في: حكيم وحفيظ حيث قالوا فيهما: حكّام وحفّاظ. قال الشيخ: ويحتمل هذا عندي؛ أن يكون من باب الاستغناء، وأنهما جمع فاعل وفعال تشرك فعلا في الذكر قياسا ولم نسمعهم يقولون: حكّما ولا حفّظا، فاحتمل أن يكون من باب الاستغناء؛ إذ قد سمع حاكم وحافظ (¬4). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: من أمثلة جمع الكثرة فعلة والقياسي منه: - ¬

_ (¬1) البيت من البسيط، ولم ينسبه الشارح، ولم أعرف قائله، والعواوير جمع عوّار وهو الجبان، والعزّال جمع أعزل وهو الذي لا سلاح معه. (¬2) من الخفيف لأعشى ميمون، ميل: جمع أميل، وهو الذي لا سلاح معه، والعواوير: جمع عوّار وهو الجبان، والعزّل: جمع أعزل، وهو الذي لا سلاح معه - الشاهد - والأكفال: الذين لا يثبتون على الخيل. وانظره في: ابن يعيش (5/ 67) واللسان «عزل» وديوانه (ص 11)، والتكملة (ص 193). (¬3) أثبتناها في المتن؛ لأنها في التسهيل (ص 274) المطبوع. (¬4) التذييل (6/ 18) (أ).

[من جموع الكثرة فعلة بضم ففتح]

[من جموع الكثرة فعلة بضم ففتح] قال ابن مالك: (ومنها: فعلة لفاعل وصفا لمذكّر عاقل معتلّ اللّام وندر في نحو: (غويّ) وعريان، وعدوّ، وهادر، ورذيّ، وباز). ـــــــــــــــــــــــــــــ ما كان لفاعل صحيح (اللام) صفة لمذكر عاقل نحو: سافر وسفرة، وبارّ وبررة، وساحر وسحرة، وكافر وكفرة، ويقلّ فيما لا يعقل كناعق و (نعقة) وهي (الغربان)، وفي غير فاعل كسيد وسادة، وخبيث وخبثة، ودنغ ودنغة (¬1)، وأجوق و (جوقة)، والدّنغ: الرّذل، والأجوق: المائل الشّدق (¬2). انتهى. واحترز المصنف بقوله لمذكر من نحو: طالق، وطامث، وحائض، وبقوله: صحيح اللام من نحو: غاز، ورام، قال الشيخ: في قول المصنف: وبر، يعني أنه يجمع على: بررة قليلا، يحتمل هذا عندي أن يكون من باب الاستغناء عن جمع بر بجمع بار؛ إذ قد سمع بارّ وبررة (¬3). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: ومن أمثلة الكثرة فعلة، والقياسي منه ما كان لفاعل معتل اللام [6/ 91] صفة لمذكر عاقل، كقاض، وقضاة، ورام، ورماة، ويقل فعلة فيما لا يعقل كباز وبزاة، وفي صحيح اللام كهادر وهدرة. والهادر: الرجل الذي لا يعتدّ به (¬4)، وشذ فعلة - أيضا - في جمع (غوي) وعريان، ورذي - وهو البعير المهزول جدّا - (¬5). انتهى. واحترز بقوله: وصفا من نحو واد، بقوله: لمذكر من نحو: غادية؛ فإنما تجمع على غواد لا على غداة (¬6) قال الشاعر: 4265 - سقاك من الغرّ الغوادي مطيرها (¬7) - ¬

_ (¬1) الدنغ: من سفلة القوم، رجل دنغ من قوم دنغة نادر؛ لأن فعلة جمعا، إنما هو تكسير فاعل، وهم السفلة الأراذل. (اللسان) (دنغ). (¬2) شرح الكافية (4/ 1842)، وانظر اللسان (جوق). (¬3) التذييل (6/ 18). (¬4) اللسان (هدر). (¬5) شرح الكافية (4/ 1842)، وما بعدها بتعرف. (¬6) الغادية: السحابة تنشأ فتمطر غدوة، وجمعها غواد. اللسان (غدا). (¬7) عجز بيت من الطويل، وصدره:

[من جموع الكثرة فعلة كقردة]

[من جموع الكثرة فعلة كقردة] قال ابن مالك: (ومنها: فعلة لاسم صحيح اللّام على فعل كثيرا، وعلى فعل وفعل قليلا، وندر في نحو: علج، ووقعة وهادر). ـــــــــــــــــــــــــــــ وبقوله: عاقل، من ضار من قولك: كلب ضار، وبقوله: معتل اللّام من صحيحها، كضارب من: رجل: ضارب، ونظير غويّ وغواه، كميّ وكماة. قال الشيخ: ويحتمل أن تكون الغواة مما استغنى فيه بجمع غاو عن جمع غوي، وأما كماة فلم يسمع فيه كام (¬1)، وقال الشيخ أيضا: في: عراة جمع عريان، وعداة جمع عدو: ويحتمل أن يكون: عراة جمع عار، وعداة جمع عاد (¬2)؛ وإنما حكم بندور: بزاة جمعا لباز مع أنه معتل اللام؛ لأن بازيا اسم لا صفة (¬3). قال ناظر الجيش: قال في الشرح المذكور: ومن أمثلة الكثرة: فعلة، وكثر في فعل اسما صحيح اللّام كقرط، وقرطة، ودرج، ودرجة، وكوز وكوزة، وقلّ في فعل وفعل كغرر وغررة، وقرد وقردة، وندر: خطرة في جمع: خطرة: وهو الغصن وكتفة في جمع كتف، وذكرة في جمع: ذكر ضد الأنثى، وهدرة في جمع هادر (¬4). انتهى، ومثل غرر وغررة مع قلّته زوج وزوجة، واحترز المصنف بقوله: لاسم عن الصفة، فالاسميّة قيد في فعل، وفعل، وفعل، ومن ثم جعل علجة في جمع: علج نادرا لأن علجا (¬5) صفة، وكذا هدرة في جمع هادر؛ لأن هادرا صفة أيضا (¬6)؛ وإنما كان نادرا في: وقعة؛ لأنه فعلة بالتاء لأفعل بغير تاء. ¬

_ - حمامة بطن الواديين ترنّمي وقائله هو توبة بن حمير. والشاهد فيه: جمع غادية على غواد. وانظره في: أمالي القالي (1/ 88)، والمقرب (2/ 128)، وشرح شواهد العيني (4/ 86)، والهمع (1/ 51)، والدرر (1/ 26)، ديوانه (ص 36)، والتذييل (6/ 18) (أ). (¬1) التذييل (6/ 18) (أ). (¬2) المرجع السابق. (¬3) (البازي: واحد البزاة التي تصيد. ضرب من الصقور). اللسان (بزا). (¬4) شرح الكافية (4/ 1844)، وما بعدها. (¬5) (العلج: الرجل الشديد الغليظ). اللسان (علج). (¬6) (والهدر والهادر: الساقط ... وبنو فلان هدرة، وهدرة، وهدرة: ساقطون ليسوا بشيء، قال ابن سيده: والفتح أقيس؛ لأنه جمع هادر). اللسان (هدر).

[من جموع الكثرة فعلى كقتلى]

[من جموع الكثرة فعلى كقتلى] قال ابن مالك: (ومنها: فعلى لفعيل بمعنى ممات أو موجع، ويحمل عليه ما دلّ على ذلك من فعيل وفعل وفعلان وفيعل وأفعل وفاعل، وندر في كيس وذرب وجلد). قال ناظر الجيش: قال في الشرح المذكور أيضا: ومن أمثلة الكثرة فعلى، والقياس منه ما كان لفعيل بمعنى مفعول، دال على هلك أو توجّع أو تشتت، كقتيل وقتلى وجريح وجرحى، وأسير وأسرى، ويحصل عليه ما أشبهه (في المعنى) من فعيل لا بمعنى مفعول كمريض، ومرضى، وفعل كزمن وزمنى، وفاعل كهالك وهلكى، وفيعل كميّت وموتى، وأفعل كأحمق وحمقى، وفعلان كسكران وسكرى، (وبه قرأ) (¬1) حمزة والكسائي (¬2): وترى الناس سكارى وما هم بسكارى (¬3)، ويحفظ في: رجل جلد، ورجال جلدى، ورجل كيس ورجال كيسي، وسنان ذرب وأسنّة ذربى، قال الشاعر: 4266 - إنّي امرؤ من عصبة سعديّة ... ذربى الأسنّة كلّ يوم تلاق (¬4) انتهى (¬5). فقوله هنا: لفعيل ممات أو موجع، يعرف منه أن مراده بفعيل ما هو بمعنى مفعول، والمراد بمعنى ممات: قتيل وقتلى، وبمعنى مرجع: جريح وجرحى، وأسير وأسرى. - ¬

_ (¬1) في النسختين: ومنه قراءة، وما أثبتناه من الشرح. (¬2) قال في الحجة (ص 472): قرأ حمزة والكسائي: وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، وحجتهما: أي فعلى (جمع كل ذي ضرر، مثل: (مريض ومرضى، وجريح وجرحى). والعرب تذهب بفاعل وفعيل وفعل، إذا كان صاحبه كالمريض أو الصّريع فيجمعونه على فعلى) وانظر: الإتحاف (ص 313). (¬3) سورة الحج: 2. (¬4) لم أعرف قائله، وذكره الأشموني، وصاحب معجم الشواهد دون أن ينبه إلى أحد، والبيت من الكامل. والشاهد فيه: جمع: ذرب على ذربي، والأسنّة الذّربى الحديدية الماضية. انظر: الأشموني (4/ 133)، وشرح الكافية (4/ 1844)، والتذييل (6/ 19) (أ). (¬5) شرح الكافية (4/ 1843)، وما بعدها بتصرف.

[من جموع الكثرة: فعلى]

[من جموع الكثرة: فعلى] قال ابن مالك: (ومنها: فعلى، لحجل وظربان). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومراده بفعيل من قوله: ويحمل على ذلك من فعيل ما هو بمعنى فاعل، كمريض ومرضى، ونظير أحمق وحمقى، أنوك ونوكى؛ وإنما حكم بندوره، في كيس كيسى؛ لكونه ليس بمعنى ممات أو موجع ولا بمعنى ما هو محمول عليهما، وبندوره في ذرب وذربى؛ لكونه ليس على شيء من الأوزان التي ذكرت وليس فيه المعنى الذي أشار إليه. قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: ومن أمثلة الكثرة فعلى، ولم يسمع جمعا إلا: حجلى (¬1) جمع حجل (¬2) وظربي جمع ظربان، ومذهب ابن السراج؛ أنه اسمع جمع (¬3). انتهى (¬4). وفي شرح الشيخ: أن الفارسيّ سأل المتنبي: كم جاء على وزن فعلى؟ فقال المتنبي على البديهة ولم يفكر: حجلى وظربى، قال الفارسي: فبت طوال الليل أطلب لهما ثالثا فلم أقدر عليه. قال الشيخ: وهذا يدل على علم أبي الطيب، وسعة اطلاعه واستحضاره لكلام العرب. ونقل الشيخ: أن الأصمعي يرى أن حجلى لغة في الحجل، والظربان دابّة تشبه القرد، وقال الجوهري: تشبه الهرّ، منتنة الريح، وقيل: تشبه الكلب، أصلم الأذنين طويل الخرطوم، قال: ويجمع على: ظرابى وظرابين وظرب وظربان (¬5). ¬

_ (¬1) لم يذكره سيبويه، وهو جمع على الصحيح، وقال الأصمعي: هو لغة في الحجل، وقال الأخفش: حجلى يكون واحدا وجمعا كفلك، ابن يعيش (5/ 20)، والرضي (2/ 97). (¬2) وهو: القبج اسم طائر كالقطا أحمر المنقار والرجلين، والكروان أيضا، معرب، وفارسيته: كبج. انظر: اللسان (قبج) و (حجل)، وشفاء العليل (ص 210). (¬3) قال ابن عقيل المساعد (3/ 444): (وقال ابن السراج هو اسم جمع، وكلامه يقتضي أنه لم يوجد فعلى جمعا إلا لهذين - حجل وظربان - والأمر كذلك) وانظر: الأشموني (4/ 146)، والمصباح (ص 384)، واللسان (ظرب). (¬4) شرح الكافية (4/ 1845). (¬5) التذييل (6/ 19) (أ)، (ب).

[من جموع الكثرة فعلاء كشعراء]

[من جموع الكثرة فعلاء كشعراء] قال ابن مالك: (ومنها: فعلاء لفعيل وصفا لمذكّر عاقل بمعنى فاعل أو مفعل أو مفاعل، وحمل عليه خليفة، وما دلّ على سجيّة أو حمد أو ذمّ من فعال أو فاعل؛ فإن ضوعف فعيل المذكور أو اعتلّت لامه لزمه أفعلاء إلّا ما ندر، وندر فعلاء في: رسول، وودود، وحدث، وفي نحو: سفيهة وأسير، وسمح وخلم، ويحفظ أفعلاء في نحو: نصيب وصديق وظنين وهيّن وقزّ وندر في صديقة). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: [6/ 92] ومن أمثلة الكثرة فعلاء، وهو مقيس فيما كان على فعيل صفة لمذكر عاقل بمعنى فاعل، غير مضاعف، ولا معتل اللّام، كظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، ويكثر في ما دلّ على مدح من فاعل، كصالح وصلحاء، وعاقل وعقلاء، وشاعر وشعراء، وقد يجيء جمعا لفعال، كجبان وجبناء، ولفعيلة، كخليفة وخلفاء، وسفيهة وسفهاء، ولفعل كسمح وسمحاء، ولفعل كخلم وخلماء، والخلم: الصديق، وقد يجيء - أيضا - جمعا لفعيل بمعنى مفعول كدفين ودفناء، وسجين وسجناء، وجليب وجلباء، وستير وستراء حكاهن اللّحياني (¬1)، ونقل عن العرب: ودراء، ورسلاء في جمع ودود ورسول، وأفعلاء ينوب عن فعلاء في المعتل اللام، كولي وأولياء. وفي المضاعف كشديد وأشداء، وقال بعض العرب: سري وسرواء، وتقي وتقواء، وسخي وسخواء، وقالوا في نصيب: أنصباء، وفي صديق: أصدقاء وفي ظنين: أظنّاء، وفي قزّ: أقزّاء، وفي هين: أهوناء، وكله مقصور على السماع، وفي الحديث: «أرسلوا إلى أصدقاء خديجة» (¬2). جمع صديقة وهو في النّدور نظير سفيهة وسفهاء، وحق فعلاء وأفعلا؛ أن يخصّا بالمذكّرين (¬3) انتهى. ولنرجع إلى لفظ الكتاب، فنقول: قوله: ومنها فعلاء - ¬

_ (¬1) هو أبو الحسن علي بن مبارك، وقيل ابن حازم من بني لحيان بن ذهيل، قيل: سمّي بذلك لعظم لحيته، أخذ عن الكسائي، وأبي زيد، والشيباني، والأصمعي، وله نوادر مشهورة. البغية (ص 346). (¬2) البخاري: مناقب الأنصار (20)، والتّرمذي في البرّ (69)، وأحمد (6/ 279). (¬3) شرح الكافية (4/ 1860)، وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لفعيل وصفا لمذكّر عاقل بمعنى فاعل، قد عرفت مثاله، وهو: ظريف وظرفاء، وكريم وكرماء، وفي شرح الشيخ: وقد استغنوا في: صغير وصبيح وسمين بفعال عن فعلاء. فقالوا: صغار وصباح وسمان. وقال سيبويه: إنهم لا يقولون صغراء ولا سمناء (¬1). وأما فعيل بمعنى مفعل فمثاله: سميع وسمعاء، بمعنى مسمع، وأما فعيل بمعنى مفاعل فمثاله: جليس وجلساء، ونديم وندماء، وخليط وخلطاء، وقوله: وحمل عليه خليفة إلى آخره، أما خليفة فهو بمعنى الفاعل من: خلف يخلف، ووجه حمله عليه أنه شبه ما فيه التاء بما لا تاء فيه، ومن ثم قال سيبويه: وقالوا: خلفاء من أجل أنه لا يقع (إلا) على مذكر؛ فحملوه على المعنى؛ كأنهم جعلوا خليفا؛ حيث علموا أن الهاء لا تثبت في تكسيره (¬2)، وأبو علي جعل جمع خليفة خلائف، كظريفة وظرائف (¬3) قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ (¬4)، وجعل خلفاء جمع خليف اعتمادا على أن فعيلة؛ لا يجمع على فعلاء ولا فعيلا على فعائل؛ وقد سمع من كلامهم خليفة وخليف، ولم يسمع سيبويه خليفا، ورأى أبو علي أن سيبويه، لو سمع خليفا لم يسعه إلا أن يقول بهذا القول (¬5). من شرح الشيخ - رحمه الله تعالى -، وأتبع ذلك بشيء آخر تركته خشية الإطالة، وأما ما دل على سجيّة من فعال فمثاله: شجاع وشجعاء، ومثاله - ¬

_ (¬1) و (¬2) الكتاب (3/ 636). (¬3) قال في التكملة (ص 185): وقالوا: خليفة وخلائف؛ فجعلوه مثل ظريفة وظرائف، وفي التنزيل: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ [يونس: 14] وقالوا: خلفاء فجاءوا بالجمع على خليف، وفي التنزيل: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ [النمل: 62] فجاء هذا أيضا على خليف. (¬4) سورة فاطر: 39. (¬5) التذييل (6/ 19) (ب) وقال أبو عليّ في التكملة، مستشهدا على مجيء «خليف» بقول الشاعر: (إنّ من القوم موجودا خليفته ... وما خليف أبي ليلى بموجود) التكملة (ص 186)، والبيت لأوس بن حجر يرثي عمرو بن مسعود الأسدي، والشاهد فيه قوله: خليفته، ثم قال: وما خليف، وخليفة واحد في المعنى، وجمع خليفة خلائف، كظريف وظرائف، وصبيحة وصبائح، وجمع خليف خلفاء، كظريف وظرفاء. قال سيبويه: (خليفة وخلفاء كسّروه تكسير فعيل، إلا للمذكر وأما خلائف فعلى لفظ خليفة، ولم يعرف خليفا وحكاه أبو حاتم، واستشهد بالبيت المستشهد به، وانظر: ديوانه (ص 25)، وابن يعيش (5/ 52)، والرضي (4/ 139)، والمخصص (3/ 134)، واللسان (خلف).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من فاعل: صالح وصلحاء، وعاقل وعقلاء، وعالم وعلماء، وجاهل وجهلاء، وأما قوله: فإن ضوعف فعيل المذكور، واعتلت لامه لزمه أفعلاء؛ فقد عرفت قوله في شرح الكافية. وأفعلاء ينوب عن فعلاء في المعتل اللام: كوليّ وأولياء، وفي المضاعف: كشديد وأشداء، وإنما عدلت العرب إلى أفعلاء في المعتل والمضاعف، أما المعتل؛ فلأنه يلزم من جمعه على فعلاء أن يتحرك حرف العلة وينفتح ما قبله وحينئذ يجب انقلابه ألفا؛ فيلتقي إذ ذاك ألفان فتحذف إحداهما وعند حذفها تختل الكلمة، وأما المضاعف فلما يلزم من ثقل اجتماع المثلين، وفيه ثقل؛ إذ اجتماعهما على حدّ غير اجتماعهما في المفرد؛ لحصول الفصل في المفرد دون الجمع، ولما كان الإدغام غير جائز في فعلاء عدلوا عنه إلى أفعلاء؛ لأنّ الإدغام لا مانع منه في هذه الصيغة بخلاف صيغة فعلاء، فقالوا: أشدّاء لخفة الكلمة بالإدغام، وأشار بقوله: إلا ما ندر، إلى ما ذكره في شرح الكافية من قول بعض العرب: سري وسرواء، وتقي وتقواء، وسخي وسخواء، وأما قوله: وندر فعلاء في رسول، وودود، وحدث، إلى آخره؛ فقد تقدم قوله في الشرح المذكور، ونقل عن (بعض) العرب: ورداء ورسلاء، وذكر - أيضا - سفهاء وسمحاء وحلماء، ودخل أسراء تحت قوله: وقد يجيء - أيضا - جمعا لفعيل بمعنى مفعول؛ لأن أسيرا بمعنى مأسور فهو فعيل، بمعنى مفعول، وليس قياسه فعلاء، ومثله دفين، وسجين، وحليب، ولم يغفل في الشرح إلا حدثاء جمع حدث، وقوله: ويحفظ أفعلاء في نحو: نصيب إلى آخره ظاهر، وقد ذكر أكثر ذلك في الشرح كما نقلناه عنه، ونظير نصيب وأنصباء: خميس وأخمساء، وربيع وأربعاء؛ ولا شك أن قياسي نصيب أن يجمع على أفعلة في القلّة، وعلى فعل في الكثرة، نحو: رغيف وأرغفة ورغف؛ فجمعوه وهو اسم جمع فعيل المعتل اللّام الصفة، وقالوا: صديق وأصدقاء وقياسه صدقاء، وكذا ظنين وأظناء قياسه ظنناء، وقالوا هين وأهوناء وقياسه هونى نحو: ميت وموتى، وقالوا: قز وأقزاء، وقياس فعل المضاعف الاسم؛ أن يجمع في القلة على أفعل، وفي الكثرة على فعال وفعول، قالوا: صك وأصك وصكاك وصكوك، قال الشيخ: وقد قالوا في جمع كريم: كرماء ولم يذكره المصنف (¬1). ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 20) (ب).

[من جموع الكثرة فعلان كغلمان]

[من جموع الكثرة فعلان كغلمان] قال ابن مالك: (ومنها فعلان لاسم على فعل أو فعال أو فعل مطلقا أو فعل واويّ العين، ويحفظ في اسم على فعل أو فعال أو فعال أو فعول أو فعيل أو فاعل أو فعلة أو فعل أو فعلة، وفي وصف على فعل أو فعال، وندر في كروان وفلتان وضفنّ). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: ومن أمثلة الكثرة فعلان، وهو مقيس فيما كان من الأسماء الجامدة على فعال، كغراب وغربان وغلام وغلمان. أو على فعل كصرد وصردان، وجرذ وجرذان، وخزر وخزّان، وهي ذكور الأرانب، واطرد فعلان - أيضا - في جمع ما عينه واو من فعل وفعل، فمثال فعل: عود وعيدان، وحوت وحيتان، وكوز وكيزان، ونون ونينان، وهي الحيتان، ومثال فعل تاج وتيجان وقاع وقيعان، وخال وخيلان، وجار وجيران، وقد يجمع عليه [6/ 93] فعل صحيح العين كخرب وخربان، وأخ وإخوان، والخرب ذكر الحبارى، وقد يجمع على فعلان فعال كغزال وغزلان، وفعال كصوار وصيران، والصّوار: قطيع بقر الوحش، ويجمع على فعلان - أيضا - فعيل كظليم وظلمان، وفعول كخروف وخرفان، وفاعل كحائط وحيطان، وفعل كقنو وقنوان، وفعلة، كنسوة ونسوان، وفعل كعبد وعبدان، وضيف وضيفان، وفعلة كبركة وبركان، لبعض طير الماء، وفعلة كقضفة وقضفان، والقضفة: الأكمة، وجمعوا - أيضا - على فعلان فعلان ككروان وكروان، وصميان وصميان: وهو الرجل الشجاع، وقالوا: ضفنان في جمع ضفن وهو الأحمق الجسيم (¬1) انتهى. فقوله في التسهيل: لاسم على فعل أو فعال، قد عرفت أنه مثل لهما بقوله: صرد وصردان وغراب وغربان، وقوله: أو فعل مطلقا، قد مثل له بقوله: خرب وخربان، وإنما قال: مطلقا ليشمل صحيح العين، كما مثّل ومعتلها، نحو: تاج وتيجان، وكذا يشمل ما كان معتل اللام، نحو: فتى وفتيان، وأخ وإخوان، وقد مثل به المصنف كما عرفت (¬2)، ومثال: فعل: قنو وقنوان، وفعال: صوار وصيران، وفعال: غزال وغزلان، - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1857)، وما بعدها بتصرف. (¬2) مثل المصنف لذلك بأخ وإخوان. انظر: شرح الكافية (/ 1858).

[ما يجمع على فعلان كقضبان]

[ما يجمع على فعلان كقضبان] قال ابن مالك: (ومنها فعلان لاسم على فعيل أو فعل صحيح العين أو فعل أو فعل، ويحفظ في فاعل وأفعل فعلاء) ونحو: حوار وزقاق وثني وقعيد وجذع ورخل). ـــــــــــــــــــــــــــــ وفعول: خروف وخرفان، وفعيل: ظليم وظلمان، وفاعل: حائط وحيطان، وفعلة: كنسوة ونسوان، وفعل: عبد وعبدان وفعلة: قضفة وقضفان، وقد علمت أنه ذكر هذه الأمثلة في الشرح، وأما قوله: وفي وصف على فعل أو فعال، فمثالهما: ضيف وضيفان، وقد ذكره المصنف كما عرفت، وشجاع وشجعان، وندر: فلتان جمع فلتان (وضفنان جمع ضفنّ) وقد ذكر هذا المصنف كما عرفت، قال الشيخ: ونقص المصنف فعلة، قالوا: أمة وإموان، الأصل: أموة؛ فحذفوا لامه وحرّكت الميم بالفتح لأجل التاء (¬1). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: ومن أمثلة الكثرة فعلان، وهو مقيس فيما كان من الأسماء الجامدة والجارية مجراها على فعل: كظهر وظهران، وبطن وبطنان، وعبد وعبدان، وسقب وسقبان، أو على فعيل: كقضيب وقضبان، وكثيب وكثبان، ورغيف ورغفان، وقفيز وقفزان، أو على فعل: صحيح العين كذكر وذكران، وجذع وجذعان، وحمل وحملان، وقلّ في فاعل: كحاجز وحجزان، وراكب وركبان، وفي أفعل فعلاء: كأسود وسودان، وأعمى وعميان، وفي فعال: كحوار وحوران، وزقاق وزقّان، وذكرهما سيبويه (¬2)، ويقلّ - أيضا - في فعلة كقضفة وقضفان، وفي فعل كذئب وذؤبان (¬3) انتهى. فقوله: لاسم على فعيل، إلى قوله: أو فعل مثال الأول: قضيب وقضبان، ومثال الثاني: ذكر وذكران، ومثال الثالث: ظهر وظهران، ومثال الرابع: ذئب وذؤبان؛ وقد عرفت أنه ذكرها في الشرح، وكلامه في التسهيل يعطي أن نحو: ذؤبان في ذئب مقيس؛ وقد عرفت أنه في الشرح حكم عليه بالقلّة، وقوله: ويحفظ في فاعل وأفعل فعلاء، ونحو: حوار (¬4) - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 20) (ب). (¬2) الكتاب (3/ 576). (¬3) شرح الكافية (4/ 1859)، وما بعدها بتصرف. (¬4) (الحوار: ولد الناقة من حين يوضع إلى أن يفطم ويفصل، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل ... والجمع: أحورة وحيران ... قال سيبويه: وفّقوا بين فعال وفعال، كما وفقوا بين فعال وفعيل، قال: -

[من جموع الكثرة فواعل كفوارس]

[من جموع الكثرة فواعل كفوارس] قال ابن مالك: (ومنها: فواعل لغير فاعل الموصوف به مذكّر عاقل ممّا ثانيه ألف زائدة، أو واو غير ملحقة بخماسيّ، ويفصل عينه من لامه ياء؛ إن انفصلا في الإفراد وشذّ نحو: دواخن وحوائج وفوارس ونواكس). ـــــــــــــــــــــــــــــ وزقاق، هو معنى قوله في الشرح: وقل في فاعل: كحاجز وراكب، وأفعل فعلاء: كأسود وأعمى، وفي فعال: حوار وزقاق، ومثل راكب وركبان، وراع ورعيان، وفارس وفرسان، ومثل أعمى وعميان، أغر وغرّان، قال الشاعر: 4267 - ثياب بني عوف طهارى نقيّة ... وأوجههم عند المشاهد غرّان (¬1) ومن المحفوظ الذي ذكره ثني وثنيان، وقعيد وقعدان، ورخل ورخلان (¬2)، وأما قوله: وجذع، فقد ذكره الآن مع الكلمات المحفوظة، وقبل ذلك جعله من المقيس حيث قال: لاسم على فعيل أو فعل صحيح العين، وجذع فعل صحيح العين، وقد جعله في شرح الكافية من المقيس لا القليل (¬3). قال ناظر الجيش: ذكر في شرح الكافية: أن فواعل جمع لأسماء عدة، وهي: فوعل: كجوهر وجواهر، وكوثر وكواثر، وفاعل: كطابع وطوابع، وقالب وقوالب، وفاعلاء: كقاصعاء وقواصع، وراهطاء ورواهط، وفاعل (وفواعل) في صفات الإناث كحائض وحوائض، وطالق وطوالق، وفاعل (وفواعل) في صفات ذكور ما لا يعقل كنجم طالع، ونجوم طوالع، وجبل شامخ، وجبال شوامخ، قال: وهو مطرد نصّ على ذلك سيبويه (¬4)، وغلط كثير من المتأخرين فحكم على مثل هذا - ¬

_ - وقد قالوا: حوران). اللسان «حور». (¬1) البيت من بحر الطويل، وهو لامرئ القيس يمدح قوما، والشاهد فيه قوله: غرّان حيث جاءت جمعا، والمراد بالثياب هنا القلوب، غرّان الواحد الأغر: الأبيض. والمعنى يقول: إنّ ثياب بني عوف طاهرة ليست كثيابكم يا بني حنظلة؛ فإنها دنسة. (¬2) جمع رخل في اللسان (رخلان) بكسر الراء وهو لا يوافق هذا الوزن، والغالب أن الكلمة فيها تحريف، وأصلها رحل، وجمعها رخلان ... انظر: اللسان (رخل) و (دحل). (¬3) شرح الكافية (4/ 1859 - 1860). (¬4) الكتاب (3/ 632) حيث قال: (وإذا لحقت الهاء فاعلا للتأنيث كسّر على فواعل؛ وذلك قولك: ضاربة وضوارب، وقوائل، وخوارج؛ وكذلك إن كان صفة للمؤنث، ولم تكن فيه هاء؛ وذلك: حوارس، وحوائض).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشذوذ، وإنما الشاذ جمع فاعل لمذكر عاقل على فواعل نحو: فارس وفوارس، وأما فاعل اسما: كعاتق وكاهل، ففواعل فيه مطرد ويستوي فيه اسم الجنس والعلم، فيقال في حاتم: حواتم (كما يقال في خاتم: خواتم)، وفواعل - أيضا - مطرد في جمع فاعله مطلقا، كضوارب، وفواطم، ونواصي، في جمع ضاربة، وفاطمة، وناصية، وكذا في جمع فوعلة: كصومعة وصوامع، وزوبعة وزوابع، وشذ: دخان ودواخن، وغثان وغواثن، وحاجة وحوائج، وحجاج وحواجج، وشجن وشواجن، وهي: أعالي الأودية (¬1). انتهى. ومجموع الأمثلة التي ذكر أن فواعل مطرد فيها ثمانية، وهي (فوعل) كجوهر وكوثر، وفاعل: كطابع وقالب، وفاعلاء: كقاصعاء وراهطاء، وفاعل صفة لمؤنث: كحائض وطالق، وفاعل صفة لمذكر ما لا يعتل كنجم طالع، وجبل شامخ، وفاعل اسما علما كان كحاتم، أو اسم جنس كخاتم، وفاعلة اسما كان كفاطمة وناصية، أو صفة كضاربة وكاذبة، وفوعلة كصومعة وزوبعة، فقوله في التسهيل: لغير فاعل الموصوف به مذكر عاقل مما ثانيه ألف زائدة، يدخل تحته ستة أمثلة منها، وهي نحو: طابع، وقاصعاء، وحائض، وطالق من نجم طالع، وحاتم، وخاتم، وفاطمة، وضاربة، وقوله: أو واوا غير ملحقة بخماسي، يدخل [6/ 94] المثالان الباقيان وهما: كوثر وصومعة. قال الشيخ: واحترز بقوله: غير ملحقة بخماسي من نحو: كوألل، وخورنق؛ فإن ثانيهما واو ملحقة هذا البناء ببناء: سفرجل؛ فإذا جمعت هذا البناء سقطت الواو في الجمع، فتقول: خرانق وكآلل، قال: واحترز بقوله: زائدة يعني الألف، من ألف يكون بدلا من أصل كألف آدم، فألفه بدل من أصل، وهو فاء الكلمة فوزن: أوادم أفاعل (¬2) انتهى. وقد يقال: إذا كانت الألف بدلا من أصل فمن أين يجيء فواعل؟ والظاهر أن المصنف لم يحترز بقوله: زائدة من شيء؛ وإنما قصد التعريف وإعطاء ضابط ينظم الأمثلة الستة، التي تقدم ذكرها، وأشار بقوله: ويفصل عينه من لامه ياء؛ إن انفصلا في الإفراد إلى أن نحو: ساباط، وجاموس، وطومار وتوراب وعاشوراء، يقال في جمعها: سوابيط، وجواميس، وطوامير، وتواريب، وعواشير، والظاهر أن ذكر ذلك لا حاجة إليه؛ لأن من المعلوم أن الزيادة على - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1864)، وما بعدها. (¬2) التذييل (6/ 21) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأربعة، إذا كانت مدة قبل الآخر لا تحذف في تكسير ولا تصغير، فيقال في قرطاس: قراطيس وقريطيس، وفي قنديل: قناديل وقنيديل، وفي عصفور عصافير وعصيفير، وكان الموجب لذكر المصنف، ذلك هنا مع أنه قد ذكره في موضعه؛ أنه إنما يتكلم الآن في صفة فواعل، وأعطى قانونا لما تجمع عليه الصيغة المذكورة؛ وهو أن يكون ثاني الكلمة ألفا زائدة أو واوا لغير إلحاق، وكان ذلك شاملا لنحو: ساباط وطومار، خشي أن يتوهّم، أن نحو هاتين الكلمتين يجمع على فواعل لا على (فواعيل)؛ فاحتاج في إزالة هذا التوهم إلى أن قال: وأما قوله: وشذ نحو: دواخن، وحوائج، وفوارس، فظاهر؛ لأن دخانا قياسه في القلة: أدخنة، وفي الكثرة دخنان، كغراب وغربان، وحاجة وزنها فعلة، وقياسها في القلّة أن تصحح بالألف والتاء، وفي الكثرة أن يحذف منها التاء، فيقال: (حجاج) وأما فوارس، فقالوا: إنما حسّنه كون فارس؛ وإن كان صفة يلي العوامل فجرى لذلك مجرى الأسماء؛ (ولأنه صفة) لا يشارك فيها المؤنث المذكر (¬1)، وقد ذكروا (¬2) كلمات غير فارس من صفات المذكر جمعت على فواعل منها هالك، قال الشاعر: 4268 - وأيقنت أنّي عند ذلك ثائر ... غدا تئز أو هالك في الهوالك (¬3) وناكس قال الشاعر: 4269 - وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم ... خضع الرّقاب نواكس الأبصار (¬4) - ¬

_ (¬1) قال ابن يعيش في جمع فارس على فوارس (5/ 456): (وذلك قليل شاذ، ومجازه أمران: أحدهما: أن فارسا قد جرى مجرى الأسماء؛ لكثرة استعماله مفردا غير موصوف، والآخر: أن فارسا لا يكاد يستعمل إلا للرجال، ولم يكن في الأصل؛ إلا لهم فلما لم يكن للمؤنث فيه خط لم يخافوا التباسا). (¬2) الذي ذكر هذه الكلمات، وشواهدها الآتية هو أبو حيان. التذييل (6/ 22) (أ). (¬3) من الطويل قائله ابن جذل الطعان، وجاء في اللسان، وابن يعيش برواية: فأيقنت أني ثائر ابن مكرّم. والشاهد فيه: جمع هالك على هوالك شذوذا، وقال الشيخ خالد في التصريح (2/ 313): وزعم بعضهم أن ذلك كله غير شاذ وأنه جمع لفاعلة وكأنه قيل: طائفة هالكة وطوائف هوالك، وانظر: ابن يعيش (5/ 56)، واللسان «هلك» والتذييل (6/ 22) (أ). (¬4) من الكامل للفرزدق من قصيدة يمدح بها آل المهلب، وخصّ من بينهم ابنه يزيد. خضع: جمع خضوع مبالغة خاضع، ويحتمل أن يكون خضع بسكون الضاد جمع أخضع كأحمر، نواكس: ينكسون أبصارهم، إذا رأوه إجلالا وهيبة. وهي الشاهد حيث جمع ناكس صفة العاقل على نواكس ضرورة، وانظر تفصيل هذه المسألة، والأسماء التي جمع فيها فاعل العاقل على فواعل في: الخزانة (1/ 99)، -

[من جموع الكثرة فعالى بالفتح وفعالى بالضم]

[من جموع الكثرة فعالى بالفتح وفعالى بالضم] قال ابن مالك: (ومنها: فعالى لاسم على فعلاء أو فعلى أو فعلى، ولوصف على فعلى لا أنثى أفعل أو على فعلان أو فعلى، ويحفظ في نحو: حبط، ويتيم وأيّم وطاهر وعذراء ومهريّ وشاة رئيس وفعالى في وصف على فعلان أو فعلى راجح، وفي غير يتيم من نحو: قديم وأسير مستغنى به، وفي غير ذلك مستغنى عنه، ويغني الفعالي عن الفعالى جوازا في فعلى وما قبلها، ونحو: عذراء ومهريّ ولزوما في نحو: حذرية وسعلاة وعرقوة والمأقي، وفيما حذف أوّل زائديه من نحو: حبنطى وعفرنى وعدولى وقهوباة وبلهنية وقلنسوة وحبارى، وندر في أهل وعشرين وليلة وكيكة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وغائب قال الشاعر: 4270 - أحامي عن ديار بني أبيكم ... ومثلي في غوائبكم قليل (¬1) وقالوا: شاهد وشواهد، وناشئ من الغلمان، ونواشئ وفي شرح الشيخ ذكر أبو العباس أنه الأصل؛ وأنه في الشعر سائغ جائز، يعني جمع فاعل الصفة لمذكر عاقل على فواعل (¬2). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على الإشارة إلى أوزان ثلاثة، وهي (فعالى) بفتح الأول والرابع و (فعالى) بضم الأول وفتح الرابع و (فعالي) بفتح الأول وكسر - ¬

_ - والشاهد في: الكتاب (3/ 633)، والمقتضب (1/ 121)، (2/ 219)، والكامل (4/ 189)، شرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 142)، والتذييل (6/ 22) (أ)، وديوانه (ص 376). (¬1) من الوافر لعتيبة بن الحارث، وجاء في الرضي (2/ 153) برواية: أحامي عن ذمار بني ... والشاهد فيه: قوله: غوائبكم حيث جاء جمعا لغائب فاعل العاقل شذوذا، وأحامي: من الحماية وهي الحفظ، والذمار بكسر الذال المعجمة: يقال فلان حامي الذمار أي إذا ذمّر - أي: استثير وغضب - حمي، وسمي ذمارا؛ لأنه يجب على أهله التذمر له. وانظره في: شرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 141)، والتذييل (6/ 22) (أ). (¬2) وذكر ذلك عنه - أيضا - الرضي في شرحه للشافية (2/ 153)، والذي ذكره المبرد في المقتضب (1/ 121)، والكامل (4/ 189)؛ أنه ضرورة حيث قال في المقتضب: «قال الفرزدق: حيث احتاج إليه: وإذا الرجال ... البيت»، وقال في الكامل: فلما احتاج الفرزدق لضرورة الشعر أجراه على أصله، فقال: نواكس الأبصار، ولا يكون مثل هذا أبدا إلا في ضرورة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابع؛ وليعلم أن فعالى بفتح الأول والرابع. وفعالى بضم الأول وفتح الرابع قد يتواردان على شيء واحد، نحو: سكران وسكرى؛ إذ يقال في جمعهما سكارى وسكارى وقد ينفرد فعالى بفتح الأول عن فعالى كيتيم ويتامى، وأيّم وأيامى، وحبط (¬1) وحباطى، وقد ينفرد فعالى بضم الأول كقديم وقدامى، وأسير وأسارى، وأما الفعالي بفتح الأول وكسر الرابع؛ فقد يغني عن الفعالى؛ إما جوازا كحبلى وحبالى وحبال وعلقى وعلاقى وعلاق وصحراء وصحارى وصحار، وعذراء وعذارى وعذار؛ وإما لزوما كحذرية (¬2) وحذار، وسعلاة (¬3) وسعال، وعرقوة (¬4) وعراق، ويظهر التمييز بين ما فيه الاشتراك والانفراد بما يذكر في شرح ألفاظ الكتاب؛ (وأما) فعالى فقد ذكر أنه يطرد في شيء ويحفظ في شيء، أما ما يطرد فيه فاسم أو وصف، أما الاسم (فإما على فعلاء كصحراء وصحارى، أو على فعلى كذفرى وذفارى أو على فعلى كعلقي وعلاقى، وأما الوصف؛ فإما على فعلى كحبلى وحبالى وخنثى وخناثى، واحترز بقوله: لا أنثى أفعل، من نحو: الفضلي؛ فإنه يجمع على: الفضل كما مرّ، وعلى فعلان كسكران وسكارى، ومثله غضبان وغضابى، وغرثان وغراثى، أو على فعلى كسكرى وسكارى، ومثله: غضبى وغرثى، يقال فيهما: غضابى وغراثى، فالمذكر والمؤنث في هذا الجمع مستويان، وأطلق المصنف فعلان وفعلى ليشمل في الأوّل (الذي مؤنثه فعلى كسكران) والذي مؤنثه فعلانة كندمان؛ فإنه يقال في جمعه: ندامى، وفي الثاني: التي مذكرها فعلان كسكرى والتي ليست كذلك: أي ليس لها مذكر، نحو قولهم شاة (حرمى) وهي المشتهية للنكاح؛ فإنه يقال في جمعها: شياة حرامى، وأما ما يحفظ فيه فهو كلمات وهي حبط وحباطى، ويتيم ويتامى وأيّم (¬5) وأيامى، وطاهر وطهارى، وعذراء وعذارى، ومهريّ ومهارى، وشاه رئيس (¬6) وشياه - ¬

_ (¬1) الحبط: البعير المنتفخ البطن لوجع. اللسان «حبط». (¬2) الحذرية: الأرض الخشنة. اللسان «حذر». (¬3) في القاموس: السّعلاة، والسّعلاة: الغول، أو ساحرة الجن. القاموس (3/ 407). (¬4) العرقوة: الخشبة المعترضة على رأس الدلو. اللسان «عرق». (¬5) الأيّم في الأصل: التي لا زوج لها، بكرا كانت أو ثيّبا. اللسان «أيم». (¬6) هي التي أصيبت رأسها. اللسان «رأس».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رآسى، وكون أيامى، فعالى هو مذهب سيبويه (¬1)، وقال أبو الحسن: إن الأصل أيائم فقلب، يعني أن أيّما فيعل فجمع على فياعل، كضيغم وضياغم، ثم حصل فيه القلب. فوضعت اللام موضع العين، والعين موضع اللام فصار أيامئ، وأبدل من الهمزة ياء فصار: أيامي كحبالي [6/ 95] ثم قلبت الكسرة فتحة والياء ألفا فصار أيامى كحبالى؛ فوزنها على هذا فيالع (¬2). قال الشيخ: وإن شئت قلت لما صار في التقدير إلى أيائم، قلبت الكلمة قبل أن يجب قلب الياء همزة، وجعلت القلب عوضا عن الإعلال ومنجيا منه (¬3). انتهى. والقول في هذه الكلمة ما قاله سيبويه، إذ القلب خلاف الأصل، فلا يقال به إلا إذا دلّ عليه دليل، وأما فعالى فيشارك فعالى في كلمات. وينفرد به عن فعالى بكلمات، وينفرد فعالي عنه بكلمات، فقول المصنف: وفعالى في وصف على فعلان أو فعلى راجح، إشارة إلى ما حصل فيه الاشتراك بين الوزنين؛ وذلك فيما كان جمعا؛ لوصف على فعلان أو فعلى، نحو: سكران وسكرى، فلك أن تقول في جمعهما سكارى بالضم، كما قلت فيه: سكارى بالفتح، إلا أن الضم أرجح كما أشار إليه، وقوله: وفي غير يتيم من نحو: قديم، وأسير مستغنى به، إشارة إلى ما ينفرد به فعالى، وكأنّه يريد بما ذكره ما كان من الصفات على زنة فعيل كقديم وأسير؛ فإن جمعهما قدامى وأسارى بالضم لا غير، واستثنى من هذا الوزن يتيما؛ فإن جمعه يتامى بالفتح لا غير، قوله: وفي غير ذلك مستغنى به: إشارة إلى ما ينفرد به فعالى بالفتح، وأراد بغير ذلك ما بقي من الكلمات التي ذكر أن فعالى يحفظ فيها. غير ما ذكر أنه يستغني فيه بفعالى، وهو قديم وأسير وذلك حبط، ويتيم، وأيّم، وطاهر، وعذراء، ومهريّ، ورئيس من شاة رئيس، فيقال فيها: حباطى ويتامى، وأيامى، وطهارى، وعذارى، ومهارى، ورآسى بالفتح لا غير، وأمّا فعالي فقد ذكر أنه يغني عن الفعالى في كلمات جوازا؛ ويغني عنه في كلمات لزوما، ويندر في كلمات فالأقسام ثلاثة: فأما إغناؤه جوازا، ففي نحو: الحبالى والعلاقى والذّفارى والصّحارى، وإلى ذلك الإشارة بقوله: في فعلى وما قبلها، يعني بذلك الأوزان التي تقدم ذكرها عند ذكر - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (2/ 214): وقد جاء منه شيء كثير على فعالى، قالوا: يتامى وأيامى، شبهوه بوجاعى وحباطى؛ لأنها مصائب قد ابتلوا بها، فشبّهت بالأوجاع حين جاءت على فعلى. (¬2) التذييل (6/ 22) «ب». (¬3) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعالى بفتح الأول والرابع، وكذا يغني الفعالى عن الفعالي جوازا في كلمتين أخريين، وهما العذارى والمهارى؛ فيجوز فتح الرابع وكسره في ذلك كله فيقال: الصحارى والصّحاري، والحبالى والحبالي، والعلاقى والعلاقي، والذّفارى والذّفاري، والعذارى والعذاري، والمهارى والمهاري، وأما إغناؤه لزوما فقد ذكر أنه في خمس كلمات، وهي: حذرية، وسعلاة، وعرقوة، والمأقى (¬1)، فهذه أربع، والخامسة: كلمات مخصوصة في كل منها زائدان إذا حذف منهما الزائد الأول، والكلمات سبع وهي حبنطى (¬2)، وعفرنى (¬3)، وعدولى (¬4)، وقهوباة (¬5)، وبلهنية (¬6)، وقلنسوة (¬7)، وحبارى، فيقال الحذاري، والسّعالي، والعراقي، والمآقي، والحباطي، والعفاري، والعدالي، والقهابي، والبلاهي، والقلاسي، والحباري، فلو حذف من هذه السبع ثاني الزائدين امتنع فيها هذا الجمع، ووجب أن يقال فيها: الحبانط، والعفارن، والعداول، والقهاوب، والبلاهن، والقلانس، والحبائر؛ وأما الندور فقد ذكر أنه في أربع كلمات وهي: أهل، وعشرون، وليلة، وكيكة، فيقال: الأهالي، والعشاري، والليالي، والكياكي، والكيكة: البيضة. وقد ذكر المصنف ثلاثة الأبنية المذكورة في شرح الكافية، لا على التفصيل الذي ذكره هنا؛ فقال: فعالي جمع لفعلاة: كسعلاة وسعالي، ولفعلية: كهبرية وهباري، ولفعلوة: كعرقوة وعراقي، ولما حذف أوّل زائديه، كحباط وقلاسي في جمع حنبطى وقلنسوة - على حذف النون - فلو حذفت ألف حبنطى وواو قلنسوة، لقيل حبانط وقلانس، ولك في جمع (صحراء) وعذراء أن تقول: صحار، وعذار وصحارى وعذارى، وكذلك ما أشبههما، وكذلك يشترك فعال وفعالى في ما آخره ألف مقصورة للتأنيث أو للإلحاق في نحو: (حبال) وحبالى، وذفار، وذفارى، في جمع حبلى - ¬

_ (¬1) الماق: هو طرف العين، مما يلي الأنف، ويقال له: الموق والماق - اللسان «مأق». (¬2) الحنبط: العظيم البطن؛ وزيدت فيه النون والألف، ليلتحن بسفرجل. اللسان «حبط». (¬3) هو الأسد وأول زائديه النون. اللسان «عفر». (¬4) فرية بالبحرين، وأول زائديه الواو. اللسان «عدل». (¬5) النصل العريض، وأول زائديه الواو. اللسان «قهب». (¬6) البلهنية: الرخاء وسعة العيش حصو في بلهنية من العيش أي سعة، والنون زائدة. اللسان «بلة». (¬7) ما يلبس على الرأس، مزيد فيه النون والواو ليلحق بقمحدوة، وأول زائديه النون - اللسان «قلس».

[من جموع الكثرة فعالي كأناسي]

[من جموع الكثرة فعالي كأناسي] قال ابن مالك: (ومنها: فعالي لثلاثيّ ساكن العين زائد آخره ياء مشدّدة؛ لا لتجديد نسب، ولنحو: علباء «وقوباء» وحولايا، ويحفظ في نحو: صحراء وعذراء وإنسان وظربان). ـــــــــــــــــــــــــــــ وذفرى؛ وقد يغني عن فعال فعالي: كيتيم ويتامى، وأسير وأسارى (¬1). قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: ويقال في كرسيّ، وبرديّ: كراسي، وبرادي؛ وكذلك ما أشبههما في عدة الحروف، وتأخر ياء مشددة زائدة لغير نسب متجدد (¬2)، وعلامة النسب (المتجدد) جواز سقوط الياء، وبقاء الدلالة على معنى مشعور به قبل سقوط الياء، بخلاف كرسيّ وبرديّ؛ فأناسيّ على هذا ليس بجمع إنسي، (وإنما) جمع إنسان، وأصله أناسين فأبدلت النون ياء كما قالوا: ظربان وظرابي. ومن العرب من يقول: أناسين وظرابين على الأصل، ولو كان أناس جمع إنسي لقيس في جمع جنّيّ: جنائيّ، وفي جمع تركيّ: تراكيّ، وقد تكون الياء في الأصل للنسب الحقيقي، ثم يكثر استعمال ما (هي) فيه، حتّى يصير النسب منسيّا أو كالمنسي فيعامل الاسم معاملة ما ليس منسوبا، كقولهم: مهريّ ومهاريّ ومهار ومهارى، وأصل المهري: بعير منسوب إلى مهرة قبيلة من قبائل اليمن، ثم كثر استعماله حتى صار اسما للنجيب من الإبل (¬3). انتهى، وأراد بنحو: علباء وقوباء ما همزته للإلحاق؛ إذ: علباء ملحق بسرداح، وقوباء ملحق بقسطاس، فيقال في جمعهما: علابي وقوابي، ويقال في جمع حولايا: حوالي، ثم هذا الوزن الذي هو فعالي يحفظ في أربع كلمات كما ذكر، فيقال في صحراء: صحاريّ؛ وفي عذراء عذاريّ؛ فيكون في جمعهما ثلاثة أوجه: صحارى وصحار وصحاريّ؛ وكذلك يقال: عذارى وعذار وعذاريّ، وكذا تجيء الأوجه الثلاثة في جمع مهري وقد عرفت ذلك مما تقدم، وأما إنسان وظربان فقد أبان أمرهما بما ذكره في شرح الكافية؛ ثم إن الشيخ ذكر مسألة: وهي أن: أناسية جمع إنسان على ما ذكره سيبويه، والتاء فيه - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 1867)، وما بعدها بتصرف. (¬2) ينظر: الأشموني (4/ 144، 145)، وتوضيح المقاصد (5/ 70، 71)، وأوضح المسالك (4/ 322)، والمساعد (3/ 455). (¬3) شرح الكافية (4/ 1869)، وما بعدها.

[من جموع الكثرة فعائل كقبائل]

[من جموع الكثرة فعائل كقبائل] قال ابن مالك: (ومنها فعائل لفعيلة لا بمعنى مفعولة، ولنحو: شمأل وجرائض وقريثاء وبراكاء وجلولاء وحبارى وحزابية؛ إن حذف ما زيد بعد لاميهما ولفعولة وفعالة وفعالة وفعالة أسماء؛ وإن خلون من التّاء مع انتفاء التّذكير، حفظ فيهنّ، وأحقّهنّ به فعول؛ وقد يثبت له ولفعال وفعيل مذكّرات، وقد يثبت لفعيل وفعيلة بمعنى مفعول ومفعولة، ولنحو: ضرّة وظنّة وحرّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ لتأنيث الجماعة كما هي: قشاعمة وصياقلة (¬1)، قال: وقال المبرد: إنه جمع إنسيّ، جعل التاء بدلا من الياء المحذوفة فهو عنده من باب فرازن وفرازنة (¬2)، قال: وذهب بعضهم إلى أنه جمع إنسان جمع على حذف الألف والنون، كما قالوا: الطيالسة، وردّت الياء المحذوفة؛ لأن أصله: إنسيان وهو مشتق من النسيان [6/ 96] وعليه قالوا في التصغير: أنيسيان، وأطال الكلام في المسألة فمن أراد الوقوف عليه فليتطلبه (¬3). قال ناظر الجيش: حاصل كلامه أن فعائل يطرد جمعا لأشياء، ويحفظ في أشياء، أما الذي هو مطرد فيه فأوزان وكلمات مخصوصة، أما الأوزان فخمسة وهي: فعيلة لا بمعنى مفعولة، اسما كانت أو صفة وفعولة وفعالة وفعالة وفعالة أسماء لا صفات، وأما الكلمات فسبع منها خمس بغير شرط وهي: شمأل وجرائض وقريثاء وبراكاء وجلولاء، ومنها اثنتان بشرط، وهو حذف الزائد بعد لاميهما، وأما الذي يحفظ فيه فهو ما ذكره من قوله: وإن خلون من التاء مع انتفاء التذكير حفظ فيهن إلى آخر الفصل، وإذ قد عرفت ما ذكره إجمالا، فلنذكره تفصيلا مع مراعاة لفظ الكتاب، فنقول: قوله لفعيلة يشمل الاسم، نحو: صحيفة، وكثيبة، والصفة نحو: ظريفة ولطيفة، فيقال في جمعها: صحائف، وكتائب، - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 620)، وانظر: التذييل (6/ 23) (ب). (¬2) قال المبرد: (أناسية جمع إنسية، والهاء عوض من الياء المحذوفة؛ لأنه كان يجب أناسي بوزن زناديق وفرازين؛ وأن الهاء في زنادقة وفرازنة؛ إنما هي بدل من الياء؛ وأنها لما حذفت للتخفيف عوضت عنها الهاء، فالياء الأولى من أناسي بمنزلة الياء من فرازين وزنايق، والياء الأخيرة منه بمنزلة القاف والنون منهما). اللسان (أنس)، وانظر: التذييل (6/ 23) (ب). (¬3) التذييل (6/ 23) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وظرائف، ولطائف، واحترز بقوله: لا بمعنى مفعولة، من نحو: قبيلة بني فلان، فلا يقال في جمعها: قبائل، وتقول: شمائل (¬1)، وجرائض (¬2)، وقرائث (¬3)، وبرائك (¬4)، وجلائل (¬5) في جمع شمأل وما بعدها، وأما حبارى وحزابية، فيقال فيهما: حبائر وحزائب، إن حذف ما بعد لاميهما، وإن حذف الزائد الأول، قيل: حبارى وحزابى، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وقوله: (اسما)، قيد لما قبله من الأسماء الأربعة، وذلك نحو: حمولة، وسحابة، ورسالة، وذؤابة، فيقال في جمعها: حمائل، وسحائب، ورسائل، وذوائب، وخرج بقوله: (اسما)، ما هو على هذه الأوزان من الصفات، نحو: ضرورة، وفقاقة وطوالة، ثم أشار المصنف: إلى ما يحفظ فيه فعائل، وهي أشياء كما عرفت؛ فمنها الأوزان الأربعة المذكورة: وهي فعولة وفعالة وفعالة وفعالة؛ إذا خلت من التاء، واستعملت إذ ذاك لمؤنث، فمثال فعول: قلوص وقلائص، وعجوز وعجائز، وصعود وصعائد، وسلوب وسلائب، ومثال فعال: شمال وشمائل، ومثال فعال: شمال وشمائل، ومثال فعال: عقاب وعقائب، ولا يطرد ذلك فيها؛ إذ لا يقال في كراع: كرائع ولا في ذراع: ذرائع، ولا في عناق: عنائق ولا فى هبوط: هبائط، وقوله: (وأحقّهن به فعول)، مثاله: قلائص، وعجائز، وصعائد، وسلائب في جمع سلوب، قالوا: وهذا هو القياس ما لم يستغنوا ببعض المثل عن بعض، والضمير في قوله: (وقد يثبت له) عائد على فعول، أي: وقد تثبت فعائل لفعول ولفعال وفعيل مذكرات؛ فمذكرات قيد في الثلاثة، فمثال فعول قولهم: جزور وجزائر، وقالوا: جزر - أيضا - قال الشيخ: ولم يثبت من فعول المذكر شيء على فعائل إلا هذه الكلمة، ومثال فعائل: سماء وسمائي، وذلك في قول من ذكّر السماء، - ¬

_ (¬1) قال ابن مالك في شرح الكافية (4/ 1866): (ومثال فعائل للمجرد من التاء: شمائل في جمع شمأل وشمال، والشمأل الريح التي تهب من الجهة التي تقابل الجنوب). (¬2) قال الصبان (4/ 142): قوله: جرائض بجيم مضمومة فراء فألف فهمزة مكسورة فضاد معجمة وهو العظيم البطن. وانظر: اللسان «جرض». (¬3) جمع: قريثاء وهو التمر والبسر الجيدان. القاموس (1/ 178). (¬4) جمع براكاء وهي ساحة الحرب والثبات في الحرب أيضا. اللسان «برك»، والصبان (4/ 142). (¬5) جمع جلولاء: قرية بناحية فارس. المرجع السابق.

[ما بقي من أوزان الجمع]

[ما بقي من أوزان الجمع] قال ابن مالك: (فصل: غير فواعل وفعائل من المساويهما في البنية لكلّ ما زاد على ثلاثة أحرف لا بمدّة ثانية ولا بهمزة أفعل فعلاء مستعملة أو مقدّرة ولا بعلامة تأنيث رابعة ولا بألف ونون يضارعان ألفي فعلاء فيما لم يشذّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ قالوا: ولذلك جمع على اسمية قذال وأقذلة، ومثال فعيل: وصيد ووصائد، وسليل وسلائل، وهي أودية تنبت نوعا من الأشجار، وقوله: وقد يثبت لفعيل وفعيلة إلى آخره، مثال فعيل بمعنى مفعول: (سعيد ولطيف، علمين لمؤنث نقول في جمعهما: سعائد ولطائف) (¬1)، ومثال فعيلة بمعنى مفعولة: قولهم: رهينة ورهائن، ولطيمة ولطائم، وذبيحة وذبائح، وقوله: (ولنحو: ضرّة، وطنّة (¬2)، وحرّة) ويشير به إلى أنك تقول: ضرائر وظنائن وحرائر، قال الشيخ: ونقص المصنف فعال قالوا: ناقة هجان (ونوق هجان) (¬3) انتهى. وقال المصنف في شرح الكافية: وأما فعائل جمع فعيل؛ فلم يأت في اسم جنس - فيما أعلم -؛ لكنه بمقتضى القياس لعلم مؤنث كسعائد جمع سعيد علم امرأة (¬4). قال ناظر الجيش: مقصود المصنف الآن الإشارة إلى ذكر ما بقي من أمثلة الجمع، وهو ثلاثة: فعالل وما يشبهه في الزنة وفعاليل، وهذه الأمثلة يجمع عليها قياسا ما ذكره في هذا الفصل وهو خمسة أشياء: الرباعي المجرد، والمزيد فيه منه، والخماسى المجرد، والمزيد فيه منه، وهذه الأربعة لها فعالل، والخماسي: هو الثلاثي المزيد فيه غير ما تقدم ذكره في هذا الباب بحكم أن تكون الزيادة فيه حرفا واحدا، وهذا له - ¬

_ (¬1) بياض في نسختي التحقيق ونسخة التذييل (6/ 24) (ب)، ولم يمثل له ابن عقيل في المساعد (3/ 459)، وفعيل بمعنى مفعول، بابه أن يكسّر على فعلى وقد شذ: قتلاء وأسراء، وفعيل إذا لم يكن بمعنى مفعول له في الجمع ثلاثة أبنية فعال وفعائل وأفعلاء. ابن يعيش (5/ 51)، وانظر الفيصل في ألوان الجموع (ص 80). (¬2) قال الصبان (4/ 142): وطنّة، بفتح الطاء المهملة، وتشديد النون: رطبة حمراء شديدة الحلاوة .... وفي اللسان «طنن»: ويروى بالظاء المعجمة .... وفي الحديث فمن تظّنّ؟ أي من تتهم؟ وأصله: تظنن من الظّنّة التهمة؛ فأدغم الظاء في التاء ثم أبدل منها طاء مشددة؛ كما يقال: كمطّلم في مظطلم. (¬3) التذييل (6/ 24) (ب). (¬4) شرح الكافية (4/ 1866)، وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شبه فعالل، كما سيذكر، فأما كون فعالل للرباعي المجرد فظاهر كجعافر، وزبارج، وبراثن لجمع جعفر، وزبرج، وبرثن، وأما كونه للخماسي المجرد؛ فلأن حذف حرف منه واجب؛ فيرجع بعد الحذف إلى أربعة، وحينئذ يجمع جمع الرباعي؛ وأما كونه للمزيد فيه منهما؛ فلأن الزيادة يجب حذفها وبعد الحذف يعود الاسم رباعيّا فيجمع جمعه؛ نعم إن كانت الزيادة حرف لين قبل الآخر ثبتت، وحينئذ تجيء صيغة مفاعيل، كقولك في قرطاس: قراطيس، وفي غرنيق، وفردوس: غرانيق، وفراديس، وأما كونه للثلاثي المزيد فيه غير ما تقدم بشرط أن تكون الزيادة واحدة؛ فلأنه بالزيادة الخاصة التي ستعرف يصير موازنا للرباعي المجرد، كأفضل ومسجد وصيرف، إذ يقال في جمعها: أفاضل، ومساجد، وصيارف. وأفاعل، ومفاعل، وفياعل هي شبه فعالل، وإذ قد عرف هذا إجمالا، فسيعرف تفصيلا عند الأخذ في الكلام على ألفاظ الكتاب، فقول المصنف: غير فواعل وفعائل من المساويهما في البنية، يريد بذلك أن ما ساوى [6/ 97] هذين الوزنين، في الحركات، والسكنات، وعدد الحروف؛ كأن يكون على فعالل أو مفاعل أو فعاعل أو فعاول أو مفاعل أو فياعل أو مفاعل أو فعالن أو أفاعل أو فياعل أو فعالم، وما أشبه هذه الأوزان يكون جمعا لكل اسم زاد على ثلاثة أحرف غير ما استثناه، وهو أربعة أشياء وهي: ما هو ذو مدة ثانية نحو: ضارب وقائم، وأفعل فعلاء نحو: أحمر؛ فإن مؤنثة: حمراء، وهي مستعملة ونحو: آلى؛ فإن مؤنثه ألياء (¬1)، ولكن هي مقدرة لا مستعملة، والثالث: ما هو ذو علامة تأنيث رابعة نحو: حبلى وذكرى ودعوى، والرابع: ما هو ذو ألف ونون يضارعان ألفي فعلان نحو: سكران، وأشار بقوله: فيما لم يشذ إلى أنهم قالوا في غرثان: غراثين، وقياسه غراثى، نحو: سكارى، قال الشيخ: فإن هذه الأصناف الأربعة قد تقدم حكمها؛ وأنها جمعت جمعا لا يساوي فواعل ولا فعايل في البنية فلذلك استثناها؛ لأنها مندرجة تحت قوله: لكل ما زاد على ثلاثة أحرف (¬2). انتهى. ولا شك أن هذا الذي ذكره هو مراد المصنف؛ غير أنه قد بقي عليه أن يضيف إلى هذه الأربعة خامسا وهو: ما هو ذو - ¬

_ (¬1) قال ابن عقيل في المساعد (3/ 460): (رجل آلى، ولم يقولوا: امرأة ألياء). (¬2) التذييل (6/ 24) (ب).

[عدم فك المضعف اللام في الجمع على مفاعل]

[عدم فك المضعف اللّام في الجمع على مفاعل] قال ابن مالك: (ولا يفكّ المضعّف اللّام في هذا الجمع؛ إن لم يفكّ في الإفراد مطلقا خلافا لمستثنى ما كان ملحقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ مدة ثالثة، كغزال، وغلام، وطعام، وحمار، وغراب، وكريم، وشريف، وشديد، وصبور، وغفور، ونحو ذلك؛ فإنه مما تقدم له ذكره ولم يستثنه، وكذا بقي عليه أن يضيف سادسا، وهو: ما كان على وزن فيعل كبيّن، وميّت، وسيّد؛ فإن الثاني منها ليس مدة؛ وإن كان حرف لين، وهذا الموضع مما استشكله واستصعب حلّه، وقوله في الألفية: وبفعالل وشبهه انطقا ... في جمع ما فوق الثّلاثة ارتقا من غير ما مضى ومن خماسي ... جرّد الآخر انف بالقياس (¬1) أخلص مما قاله في التسهيل، وبعد فالحاصل أن فعالل للرباعي والخماسي المجردين، والمزيد فيهما لجعفر، وسفرجل، ومدحرج، وقرطبوس، وخندريس، فيقال: جعافر، وسفارج، ودحارج، وقراطب، وخيادر، وشبهه فعالل للمزيد فيه من الثلاثي، غير الذي تقدم ذكره بحكم أن تكون الزيادة واحدة، كأفضل، ومسجد، وصيرف؛ إذ يقال في جمعها: أفاضل، ومساجد، وصيارف، قال في شرح الكافية: فعالل مثال يجمع عليه كل رباعي مجرد من الزيادة، كجعفر وجعافر، ودرهم ودراهم، وسبطر وسباطر، وزبرج وزبارج، وبرثن وبراثن، وجخدب وجخادب، وعلى زنته يجمع كل رباعي بزيادة الإلحاق كجوهر وجواهر، وبيطر وبياطر، أو لغير الإلحاق كمسجد ومساجد، وأصبع وأصابع، فإن كان ذو الزيادة كأحمر وسكرى ومما استقر تكسيره على غير هذا البناء، لم يدخل فيما نحن بسبيله (¬2). انتهى. قال ناظر الجيش: مثال المضعف اللام الذي لم يفك في الإفراد: معدّ، وطمرّ، وخدب؛ فيقال في جمعها: معادّ، وطمارّ، وخدابّ. قال في شرح الكافية: المجموع على مثال مفاعل؛ إن كان مضاعف اللام بإدغام استصحب الإدغام في - ¬

_ (¬1) الألفية (ص 67). (¬2) شرح الكافية (4/ 1874).

[عدم حذف الزائد إذا كان لينا زائدا في جمع الخماسي]

[عدم حذف الزائد إذا كان لينا زائدا في جمع الخماسي] قال ابن مالك: (وما رابعه حرف لين زائد غير مدغم فيه إدغاما أصليّا، فصل في هذا الجمع ثالثه من آخره بياء ساكنة قد تعاقبها هاء التّأنيث). ـــــــــــــــــــــــــــــ جمعه، نحو: مدق (¬1) ومداق، وخدب وخدابّ، وأجاز بعضهم خدابب بالفك، قال: لأن خدبا ملحق بسبطر، فيغتفر في جمعه الفك؛ لأن باءه الثانية بإزاء راء سبطر (¬2). انتهى. ومثال المضعف الذي فك في الإفراد: قردد، ومهدد فيقال في جمعهما: قرادد ومهادد، وأشار بقوله: خلاف المستثنى ما كان ملحقا، إلى أن بعضهم يقول في خدب: خدابب بالفك؛ لأن خدبا ملحق بسبطر، كما قال في شرح الكافية: فيفكه في الجمع؛ معللا ذلك بأن الباء الأولى ساكنة في المفرد؛ لمقابلتها الطاء الساكنة في سبطر؛ وأما في الجمع فهي مقابلة للطاء متحركة فلم تدغم. قال ناظر الجيش: قال في شرح الكافية: فإن كان الاسم خماسيّا بزائد حذف الزائد آخرا كان أو غير آخر كسبطرى وسباطر، وفدوكس وفداكس، ومدحرج ودحارج، فإن كان الزائد من الخمسة حرف لين رابعا، لم يحذف كقرطاس وقراطيس، وعصفور وعصافير، وقنديل وقناديل (¬3). انتهى. فعلم من هذا الذي ذكره أن الزائد الذي هو حرف لين لا يحذف في هذا الجمع، لكن ليس في كلامه ما يفهم منه أن كلّا من الألف والواو تقلب ياء، ولا شك أن القلب واجب؛ لأن الألف إذا انكسر ما قبلها وجب لها ذلك، وكذا الواو الساكنة - أيضا - فمن أجل ذلك عدل في التسهيل إلى قوله: وما رابعه حرف لين زائد غير مدغم فيه إدغاما أصليّا فصل في هذا الجمع ثالثه من آخره بياء ساكنة؛ ليفيد أن حرف اللين المذكور إن كان ياء بقي بحاله؛ وإن كان ألفا أو واوا قلب ياء فيقال في قنديل: قناديل، وفي قرطاس: قراطيس، وفي عصفور: عصافير، واستفيد من قوله: حرف لين؛ أنه لا فرق في الحرف الرابع بين أن تكون كل من الياء والواو حرف مدّ، كما مثل، أو غير مد نحو: غرنيق وفردوس، فيقال في جمعهما: غرانيق وفراديس، كما قيل في قنديل وعصفور: قناديل، وعصافير. ويعلم أن كون حرف اللين هذا زائدا لا بد - ¬

_ (¬1) المدق: بضم الميم والدال على غير قياس، وجاء كسر الميم وفتح الدال على القياس: هو ما يدق به القماش وغيره. المصباح (ص 197). (¬2) شرح الكافية (4/ 1882). (¬3) شرح الكافية (4/ 1875)، وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ منه؛ إذ لو كان أصليّا وجب رده إلى أصله، فيقال في مختار ومنقاد: مخاير ومقاود، وقد ثبت في بعض النسخ لفظ (زائد) (¬1) بعد قوله: حرف لين، وهذا أمر لا بد منه، وقد صرح في شرح الكافية - كما عرفت - بكون الحرف المذكور يكون زائدا؛ فلزم أن يكون الثابت في بعض النسخ من لفظ زائد هو الحق، وأما قوله: غير مدغم فيه إدغاما أصليّا. فقال الشيخ: دخل تحت قوله: إدغاما: قسمان: ما إدغامه أصلي نحو: عطوّد، وهبيّخ، وقنوّر (¬2)، والثاني: ما إدغامه عارض نحو: جديّل تصغير جدول، وعثيّر تصغير عثير (¬3). فخرج بقوله: أصليّا نحو: عطوّد وهبيّخ؛ فإنك لا تفصل الثالث من الآخر بل تحذف الواو والياء الساكنتين؛ بخلاف باب بهلول؛ فإنك تفصل فتقول: بهاليل، وسرابيل، وقناديل، ومطاعين، ومطاعيم، قال: وخلص بقوله حرف لين غير مدغم فيه إدغاما أصليّا، باب بهلول، وهو أن لا يكون مدغما البتّة، وباب جديّل، وهو أن يكون أدغم إدغاما غير أصلي؛ فكل من هذين يصدق عليه؛ أنه حرف لين لم يدغم فيه إدغام أصلي (¬4). انتهى. واعلم أني لم أتحقق هذا الكلام؛ فإن الحرف الرابع في عطوّد وجديّل ليس حرف لين، ثم قال الشيخ: فإن قلت: قد قالوا في عطوّد: عطاود وعطاويد، وفي عثول: عثاول وعثاويل. قلت: ليس هذا من النوع؛ لأن عطاويد إنما فصل فيه الرابع؛ لأن الثالث وهو الواو الساكنة قد حذفت؛ ولأن [6/ 98] عتاويل ليس رابعه فيه في المفرد حرف لين؛ إنما اللين ثالثه، فلم يدخل تحت قوله: وما رابعه حرف لين (¬5). انتهى. ولا بد للواقف على هذا من التأمل كي يتحقق الأمر عنده، وأما قوله: قد تعاقبها هاء التأنيث، فالمراد منه أن هاء التأنيث تعاقب الياء الساكنة التي يفصل بها ثالث الكلمة من آخرها، وذلك نحو: جبابرة، ودجاجلة جمعي: جبار، ودجال؛ فالقياس أن يقال في جمعهما: جبابير ودجاجيل، فعاقبت الهاء الياء فقيل: جبابرة، ودجاجلة؛ ولا شك أن ذلك قليل، ولذلك أتى المصنف بكلمة: قد، حين ذكر المعاقبة. ¬

_ (¬1) ينظر: التسهيل (ص 278). (¬2) القنوّر: بتشديد الواو: الشديد الضخم الرأس من كل شيء. اللسان «قنور». (¬3) العيثر والعثير: الأثر الخفي. اللسان «عثر». (¬4)، (¬5) التذييل (6/ 25) (أ).

[ما يحذف من الزوائد في الجمع]

[ما يحذف من الزوائد في الجمع] قال ابن مالك: (ويحذف من ذوات الزّوائد ما يتعذّر ببقائه أحد المثالين؛ فإن تأتّى بحذف بعض وإبقاء بعض أبقي ما له مزيّة في المعنى أو اللّفظ، وما لا يغني حذفه عن حذف غيره، فإن ثبت التّكافؤ فالحاذق مخيّر، وميم: مقعنسس ونحوه أولى بالبقاء من الملحق، خلافا للمبرّد. ولا يعامل انفعال وافتعال معاملة فعال في تكسير ولا تصغير، خلافا للمازنيّ). قال ناظر الجيش: من المعلوم أن نهاية ما يرتقي إليه بناء الجمع؛ أن يكون على مثال فعالل أو فعاليل؛ فإذا كان في الاسم من الزوائد ما يخل بقاؤه بأحد المثالين حذف؛ حرفا كان أو أكثر؛ فإن تأتي بحذف بعض، وإبقاء بعض أبقي ما له مزيّة، فإن لم يكن لأحدهما مزية؛ بل كانا متكافئين، فالحاذق مخيّر في حذف ما شاء من ذلك؛ فقول المصنف: ويحذف من ذوات الزوائد ما يتعذر ببقائه أحد المثالين، يشمل ما فيه زائدان تتعذر الصيغة مع بقائهما، وما فيه زائد واحد تتعذر الصيغة معه أيضا، ففي نحو: متعدّ، ومستخرج، تحذف السين والتاء، فيقال: معادّ ومخارج، وفي نحو: مدحرج بحذف الميم، وفي نحو: فدوكس بحذف الواو، فيقال: دحارج، وفداكس، وقوله: فإن تأتّى بحذف بعض وإبقاء بعض أبقي ما له مزية في المعنى أو اللفظ؛ يشير به إلى ما ذكره في شرح الكافية، وهو قوله: إذا أغنى (أحد الزائدين) (¬1) عن الآخر؛ فإن كان لأحدهما مزيّة أبقي وحذف الآخر؛ فمن ذلك قولك في مرتق: مراق؛ فيؤثر الميم بالبقاء؛ لكون زيادتها مختصة بالأسماء، بخلاف التاء؛ فإنها تزاد في الأفعال؛ كما تزاد في الأسماء؛ فتقول في استخراج تخاريج فتؤثر التاء بالبقاء على السين؛ لأن بقاءها لا يخرج إلى عدم النظير؛ لأن تخاريج كتماثيل؛ بخلاف السين؛ فإن بقاءها مع حذف التاء يخرج إلى عدم النظير؛ لأن السين لا تزاد وحدها، فلو أفردت بالبقاء في استخراج لقيل سخاريج، ولا نظير له (¬2). انتهى. وإلى بقاء الميم وحذف التاء في مرتق، ونحوه: كمنطلق ومعتلم الإشارة بقوله: مزيّة في المعنى؛ لأن الميم إنّما زيدت لمعنى وهو الدلالة على - ¬

_ (¬1) كذا في شرح الكافية، وفي النسختين. (وحذف أحد الزائدين). (¬2) شرح الكافية (4/ 1876)، وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اسم الفاعل، فيقال: مطالق، ومعالم، كما يقال: مراق، وإلى بقاء التاء وحذف السين في استخراج، ونحوه: كاستنظار، واستعلام، واستعظام، الإشارة بقوله: أو اللفظ؛ لأن إبقاء التاء وحذف السين مؤدّ إلى وجود النظير كتماثيل، وبقاء السين وحذف التاء مؤدّ إلى عدم النظير؛ لأن سفاعيل معدوم في أبنية كلامهم، فكانت التاء لها مزيّة على السين في اللفظ دون المعنى؛ ثم إن المصنف أتبع قوله في شرح الكافية: فلو أفردت بالبقاء في استخراج لقيل: سخاريج، ولا نظير له؛ بأن قال: ومن المؤثر بالبقاء لمزيّة همزة حطائط؛ فإنها أولى بالبقاء من الألف لتحركها ولشبهها بحرف أصلي؛ لأن زيادتها وسطا شاذة؛ بخلاف الألف، ويونس يؤثر الألف بالبقاء؛ لأنها أبعد من آخر الاسم، ومن المؤثر بالبقاء لمزية: الهمزة والياء من ألندد (ويلندد) (¬1)؛ لأوّليّتهما. ولأنهما في موضع يقعان فيه دالّين على معنى بخلاف النون؛ فإنها في موضع لا تدل فيه على معنى أصلا فيقال: ألادّ، ويلاد بالإدغام، وكذلك ألبب إن كان علما يقال في تكسيره: ألاب بالإدغام؛ ردّا إلى القياس (¬2). واعلم أني لم ينتظم لي قوله هنا: فيقال: ألادّ ويلادّ بالإدغام، مع قوله في التسهيل: ولا يفك المضعف اللام في هذا الجمع إن لم يفك في الإفراد، وقد تقدم أن نحو: قردد يقال فيه: قرادد؛ لكونه مفكوكا في الإفراد، وكذا يلندد وألندد مفكوكان في الإفراد؛ فكيف جاء الإدغام في الجمع، وهذا يحتاج إلى تأمل، ثم قال - أعني المصنف -: ومن المؤثر بالبقاء لمزية قولهم في ذرحرح: ذرارح بإبقاء الرّاء دون الحاء؛ لأن ذلك لا يخرج إلى الثقل اللازم بإبقاء الحاء وحذف الراء؛ إذ لو قيل: ذراحح لالتقى المثلان بلا فصل؛ بخلاف ذرارح ومن المزايا المرجح بها البقاء ما في راء مرمريس من المزية على ميمه؛ وذلك أن إبقاء الرّاءين إذا قلت: مراريس، لا يجهل معه كون الاسم ثلاثيّ الأصل بخلاف إبقاء الميمين بأن يقال: مرامر؛ فإنه يوهم أن الاسم رباعي الأصل (¬3). انتهى. ولا يخفى أن (المراعى) (¬4) في هذه الصورة - ¬

_ (¬1) انظر: اللسان «لدد». (¬2) شرح الكافية (4/ 1877)، وما بعدها بتصرف. (¬3) شرح الكافية (4/ 1879)، وما بعدها بتصرف. (¬4) في النسختين «المراعا»، وانظر اللسان «رعى».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي ذكرها وهي أربع: المزية في اللفظ دون المعنى كما في: تخاريج جمع استخراج. ثم قال - أعني المصنف -: فإن كان أحد الزائدين بإزاء أصل ومضاعفا من أصل، والآخر بخلاف ذلك أوثر بالبقاء الذي بإزاء أصل ومضاعف من أصل، كقولك في عفنجج: وعفاجج، فالنون والجيم الثانية مزيدتان؛ إلا أن الجيم تضاهي الأصل من وجهين أحدهما: أنها ليست من حروف سألتمونيها؛ بل هي ضعف حرف أصلي، والثاني: أنها بإزاء اللام من سفرجل، بخلاف النون، فإنها ليست ضعف حرف أصلي؛ فكان للجيم عليها مزية فأوثرت بالبقاء، فلو كان الذي ليس ضعف أصل متحركا ومتصلا بالأول كافأ ضعف الأصل نحو: واو كوألل؛ فلك أن تقول في جمعه: كوايل بحذف أحد اللامين وإبقاء الواو، ولك أن تحذف الواو وتبقي اللام فتقول: كآلل، فلو كان الحرف الذي لا يضاهي أصلا ميما سابقة كميم مقعنسس [6/ 99] أوثرت بالبقاء عند سيبويه (¬1)، فقيل في الجمع مقاعس، والمبرد (¬2) يخالف سيبويه فيحذف الميم ويبقي السين لمضاهاتها الأصل، فيقول: قعاسس (¬3). انتهى. وأما قوله - أعني المصنف -: وما لا يغني عن حذف غيره؛ فمعناه أنه يبقى كما أبقي ما له مزيّة، في المعنى؛ فإن قوله: وما لا يغني حذفه: معطوف على قوله ما له مزيّة المعنى؛ فإن تأتي بحذف بعض، وإبقاء بعض أبقي ما له مزية في المعنى أو اللفظ؛ وأبقي ما لا يغني حذفه عن حذف غيره، والإشارة بذلك إلى واو نحو: حيزبون؛ فإنه يجمع على حزابين بحذف الياء وقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها. قال في شرح الكافية: وإنما أوثرت الواو بالبقاء؛ لأن الياء إذا حذفت أغنى حذفها عن حذف الواو لبقائها رابعة قبل الآخر فيؤمن حذفها ويفعل بها ما فعل بواو عصفور، ولو حذفت الواو أولا لم يغن حذفها عن حذف الياء؛ لأنها ليست في - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب: (3/ 429): (وإذا حقرت: مقعنسس حذفت النون وإحدى السينين؛ لأنك كنت فاعلا؛ ذلك لو كسرته للجمع). (¬2) قال في المقتضب (2/ 235): (اعلم أنك تجري الملحق مجرى الأصلي في الجمع والتصغير: وذلك أن الملحق؛ إنما وضع بإزاء الأصلي لتلحق الثلاثة بالأربعة، والأربعة بالخمسة، وذلك قولك في مثل: مسحنكك سحاكك، وفي مقعنسس: قعاسس؛ لأن الميم والنون، لم تزادا لتلحقا بناء ببناء). (¬3) شرح الكافية (4/ 1880)، وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موضع يؤمنها من الحذف (¬1) انتهى. وتقرير قوله: ولو حذفت الواو ولم يغن حذفها عن حذف الياء؛ لأنها ليست في موضع يؤمنها من الحذف، إن حذف الواو لا يغني عن حذف الياء؛ بل كان يجب بعد حذف الواو أن تحذف الياء - أيضا -؛ وذلك أن الواو إذا حذفت ولم تحذف الياء، وجاءت ألف الجمع ثالثة وجب أن يقال: حيازبن، وذلك غير جائز؛ لأن ثلاثة الأحرف الواقعة بعد ألف هذا الجمع، يجب أن يكون أوسطها حرف علة لا حرفا صحيحا؛ وحينئذ يمنع صيغة مفاعيل؛ ويرجع إلى صيغة مفاعل، وحينئذ يقال: حزابن فتحذف الياء - أيضا - بعد حذف الواو، فقد صحّ قوله: لأنها ليست في موضع يؤمنها من الحذف، وثبت أن حذف الياء مغن عن حذف الواو؛ وأن حذف الواو ليس مغنيا عن حذف الياء. واعلم أن المصنف لما ذكر هذه المسألة في شرح الكافية. قال: ومن المؤثر بالبقاء لمزية واو حيزبون (¬2)، فجعل العلّة في بقاء الواو المزية، وفي التسهيل قد أفرد المسألة بالذكر عما ذكر أنه يفعل للمزية، والذي قاله في التسهيل هو الظاهر، ونظير: حيزبون فيما ذكر: غيطموس، إذ يجب في جمعه إبقاء الواو وحذف الياء، للأمر الذي ذكر في جمع حيزبون، ومثّل الشيخ - أيضا - هاهنا بلغّيزى، وخضّيرى، قال: فأحد المضاعفين زائد، والألف زائدة فيبقى المضاعف؛ لأن حذفه لا يغني عن حذف الآخر؛ ألا ترى لو حذفت المضاعف لبقي: لغيزى، وخضيرى، مخفّفا؛ ولو جمعت هذا لزم حذف الألف؛ فلذلك يبقى المضاعف ويحذف الألف فيقول: لغاغيز، وخضاضير (¬3)، ثم إن الشيخ - أيضا - لما تكلم على ذرحرح؛ وأنه يجمع على ذرارح؛ كما قال المصنف، قال: وإنما حذفت الحاء الأولى؛ لأن حذفها يؤمن به شبه المهمل وقلة النظير؛ إذ: ذرارح بوزن سلالم، قال: ولو حذفت الراء الأولى فقلت: ذحارح؛ لأدى إلى قلة النظير؛ لأنه يصير مشبّها بحدرد، وهو غريب التأليف، أو الراء الثانية فقلت: ذراحح، لأدى إلى مشابهة قرادد، وهو أقل من باب سلالم، ولو حذفت الحاء الأخيرة فقلت: ذراحر؛ لأدى أيضا إلى شبه المهمل؛ لأنه يصير على وزن فعالع وهو بناء مهمل، ثم قال: ومن المزية المعنوية؛ أن - ¬

_ (¬1) و (¬2) شرح الكافية (4/ 1878)، وما بعدها بتصرف. (¬3) التذييل (6/ 26) (أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون أحد الزائدين شبيها بالأصل؛ لكونه ليس واحدا من حروف الزيادة العشرة، ويكون الآخر منها نحو: عبدّى؛ فإحدى الدالين والألف، وأبقيت الدال فقلت: عبادد (¬1). انتهى. ولا يظهر أن هذا الذي ذكره يرجع إلى المزية المعنوية، والذي يظهر أنه راجع إلى المزية اللفظية، ثم إن المسألة التي ذكرها قد عرفت من كلام المصنف؛ لأن: عبدّى نظير عفنجج. وقد تقدم أن الجيم تبقى في الجمع؛ لأنها تضاهي الأصل؛ فكذلك يقال في عبدي أن الدال تبقى؛ لأنها تضاهي الأصل، وأما قول المصنف: فإن ثبت التكافؤ فالحاذق مخيّر، فأشار به إلى معنى ما ذكره في شرح الكافية، حيث تكلم في حذف الزائد من الكلمة لأجل ثاني صيغة الجمع وهو: فإذا أغنى أحد الزائدين، ولم يكن لأحدهما مزية فاحذف أيهما شئت، كنون: حبنطى وألفه، فلك أن تقول في تكسيره: الحبانط بحذف الألف: والحباطي بحذف النون (¬2)، قال: وكذلك النون والألف في: عفرنى؛ لأنهما مزيدان لإلحاق الثلاثي بالخماسي، فيقال: في جمع عفرنى: عفارن، إن حذفت الألف: وعفار، إن حذفت النون (¬3). انتهى. قال الشيخ: الزائد الأول - يعني النون - فضلت بالتقدم، والزائد الثاني - يعني الألف - فضلت بنيّة الحركة؛ لأنه ملحق بسفرجل وكذلك: قلنسوة فضلت النون بالتقدم والواو بالحركة؛ وكذلك عفرنى فضلت النون بالتقدم، وفضلت الألف بتمكنها في التقدير والحركات الثلاث، فيقال في جمع هذا كله: حبانط، وقلانس، وعفارن، والحباطي، والقلاسي، والعفاري، قال: ورجّح أبو العباس حذف الواو وفي قلنسوة؛ لأنها ملحقة بقمحدوة (¬4)، فالنون في موضع الأصلي، والواو في موضع الواو الزائدة وغير متطرفة، ذكر ذلك في التصغير، وهو جار في التكسير، فأما: قندأو (¬5) فلم يذكر فيه سيبويه إلا حذف الواو، وإذا حقّرت قندأو حذفت الواو؛ لأنها زائدة - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (6/ 25) (ب). (¬2) شرح الكافية (4/ 1876). (¬3) نفس المرجع (4/ 1882). (¬4) قال في المقتضب (2/ 253): (كما أن: قلنسوة لما كانت في وزن قمحدوة كانت النون بحذاء الأصلي، والواو بحذاء الواو الزائدة). (¬5) القندأو: القصير من الرجال ... والقندأو: الصغير العنق الشديد الرأس اللسان «قدأ».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كزيادة ألف: حبركى (¬1)، ثم قال: وقندأو النون فيه زائدة؛ لأنه لم يجئ شيء على هذا المثال إلا وثانيه نون، وفي بعض النسخ بعد قوله: حبركى: وإن شئت حذفت النون من قندأو (¬2). انتهى كلام سيبويه. وهذا هو القياس؛ وقاله أبو علي: لأن الكلمة ملحقة بجردحل، فالنون والواو بمنزلتهما في قلنسوة، وما ذكره أبو العباس في قلنسوة يسقط في قندأو؛ لأن الواو كالنون في موضع الأصلي (¬3). انتهى ما ذكره الشيخ. وأما قول المصنف: وميم مقعنسس ونحوه أولى بالبقاء من الملحق خلافا للمبرّد، فأشار به إلى ما تقدم لنا ذكره عنه من شرح الكافية، وهو أن الميم في نحو: مقعنسس مؤثر بالبقاء عند سيبويه. فيقال: مقاعس، وأن المبرّد يخالف سيبويه، فيحذف الميم وتبقى السين لمضاهاتها [6/ 100] الأصل، فيقول: قعاسس، وقد وجه قول سيبويه بأن الميم متقدمة، وأنها تفيد معنى، وهو الدلالة على اسم الفاعل (¬4)، ولا شك في أرجحية قول سيبويه؛ لأن كلّا من الميم والسين زائد، لكن الميم زائد يدل على معنى، والسين زائد دون دلالة على معنى، وبقاء ما له دلالة أولى من بقاء ما ليس له دلالة، أما قول المصنف ولا يعامل انفعال وافتعال معاملة فعال في تكسير، ولا تصغير خلافا للمازني؛ فيشير به إلى ما كان من المصادر على وزن انفعال أو افتعال نحو: انطلاق وافتقار، فإن في تكسيره وتصغيره خلافا بين سيبويه والمازني، أما سيبويه فيقول: مطاليق، وفتاقير، ونطيليق، وفتيقير (¬5)، قال الشيخ: وترد تاء افتعال إلى أصلها، فيقال في اضطراب، واصطبار، وازديان، واذّكار، واظّلام: ضتاريب وضتيريب، وكذلك باقيها (¬6). انتهى. وقد يقال: إن العلة التي قلبت فيها التاء طاء ودالا موجودة وهي: الضاد، والصاد، والزاي، وأخواتها؛ فما وجه الرجوع إلى التاء حال الجمع؛ وأما المازني؛ فإنه يجري الانفعال والافتعال مجرى فعال في حذف الهمزة وحذف النون والتاء، فيقول في الجمع: طلايق، وفقاير، وطليق، وفقير، محتجّا بأن ليس في كلامهم - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 120). (¬2) انظر: الكتاب (3/ 446). (¬3)، (¬4) التذييل (6/ 26) (أ) و (ب). (¬5)، (¬6) الكتاب (3/ 433)، والتذييل (6/ 26) (ب).

[ما يحذف من الخماسي عند الجمع]

[ما يحذف من الخماسي عند الجمع] قال ابن مالك: (وإن تعذّر أحد المثالين ببعض الأصول حذف خامسها مطلقا، ورابعها إن وافق بعض الزّوائد لفظا أو مخرجا، ولا يعامل بذلك ما قبل الرّابع خلافا للكوفيّين والأخفش). ـــــــــــــــــــــــــــــ نفعال، قالوا: وقد أثبت ابن جني نفعالا زاعما؛ أن نبراسا من هذا الباب؛ وأن وزنه نفعال؛ وكذلك أيضا: نفراج قد قيل: إنه نفعال (¬1). قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية: فإن كان الاسم خماسيّا دون زيادة حذف الآخر، وجمع على مثال فعالل نحو: فرزدق، وفرازد، وجردحل، وجرادح؛ ويجوز حذف رابعه؛ إن كان لفظه كلفظ ما يزاد كنون خدرنق، أو مخرجه مخرج ما يزاد، كذاك: فرزدق، فلك أن تقول في جمعهما: خدارق وفرازق، والأجود: خدارن وفرازد (¬2). انتهى. ومراد المصنف بالمثالين فعالل وفعاليل، وأراد بقوله: مطلقا من قوله: حذف خامسها مطلقا: أن يكون الرابع قد وافق بعض الزوائد لفظا أو مخرجا، أو لم يوافقه، وأراد بقوله: ورابعها إن وافق بعض الزوائد لفظا أو مخرجا: أن لك فيما كان كذلك، ألا تحذف الخامس بل تبقيه، وتحذف الرابع إذا كان بالوصف الذي ذكرته، وقد عرفت من قوله في شرح الكافية: والأجود خدارن، وفرازد؛ أن الأمرين ليسا على التخيير؛ بل الأولى حذف الخامس، وعبارة التسهيل قد تعطي التخيير ولو قال: وقد يحذف الرابع إن وافق بعض الزوائد؛ لكان أحسن وموافقة اللفظ معروفة، وموافقة المخرج كذاك فرزدق؛ فإنها توافق الياء في ذلك، والياء من حروف الزيادة، فأعطيت الدال حكمها، وقوله: ولا يعامل بذلك ما قبل الرابع خلافا للكوفيين والأخفش: يشير به إلى أن من ذكرهم يجيزون حذف الثالث، فيقولون في فرزدق وخدرنق: فرادق وخرانق (¬3)، وليعلم أن تكسير - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 26) (ب)، وانظر: المساعد (3/ 464)، والهمع (2/ 181). (¬2) شرح الكافية (4/ 1875). (¬3) قال الشيخ خالد الأزهري في التصريح (2/ 315، 316): (والحاصل أنك إذا جمعت الخماسي؛ فإن لم يكن رابعه شبيها بالحرف الزائد تعين حذف خامسه، وإن كان رابعه شبيها بالحرف -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخماسي مستكره (¬1)، نصّ على ذلك سيبويه، وبوّب على تصغير الخماسي الأصول، ولم يبوب على تكسيره، (¬2) ونقل الشيخ عن ابن ولّاد؛ أنه يمنع تكسيره، قال: وهو الذي يختاره؛ إذ لو كان التكسير في باب الخمسة جائزا لورد عنهم كما ورد تصغيره، ومما أورده (¬3) الشيخ هنا تكسير: همّرش (¬4)، ولا شك أن تكسيره مبني على وزنه؛ فالأخفش يقول: إن أصله: هنمرش كجحمرش، فوزنه: فعللل وحروفه كلها أصول (¬5)، والجماعة يقولون: إن أصله همّرش فالميم الأولى زائدة ووزنه فعّلل، وهو ملحق: بجحمرش، فعلى قول من حروفه كلّها عنده أصول، يقال في تكسيره: هنامر بحذف الخامس، وعلى قول الآخرين يقال فيه: همارش بحذف الحرف الزائد، ولا شك أن هذا من الواضحات، ولكن الشيخ ذكر أن ظاهر كلام سيبويه في هذه المسألة فيه تناقض وأورد كلامه، وأطال القول فتركت ذكر ذلك؛ لعدم الحاجة إليه (¬6). ¬

_ - الزائد، لا يتعين حذف خامسه؛ بل يتخير الحاذق؛ فإن شاء حذف الرابع وأبقى الخامس فيقول: حدارق وفرازق - وجوّد السيوطي هذا في الهمع (2/ 181) - وإن شاء حذف الخامس وأبقى الرابع فيقول: خدارن وفرازد وهو الأجود، ومذهب سيبويه - كذا في الأشموني (4/ 147)، وقال المبرد في المقتضب (2/ 228): لا يحذف إلا الخامس أي: الأخير، وفرازق ليس بجيّد؛ وجار مجرى الغلط عنده، وأجاز الكوفيون والأخفش حذف الثالث، فيقال: فرادق. الهمع (2/ 181)؛ والأشموني (4/ 147)، ومحل الخلاف، إذا لم يكن الخامس يشبه لفظ الزائد؛ فإن أشبهه تعيّن حذفه قولا واحدا، نحو: قذعمل، فتقول في جمعه: قذاعم. انظر: التذييل (6/ 26) (ب)، (27) (أ). (¬1) قال الرضي (2/ 192): (إنما استكره تصغير الخماسي وتكسيره؛ لأنك تحتاج فيهما إلى حذف حرف أصلي منه؛ ولا شك في كراهته؛ فلا تصغره العرب، ولا تكسّره في سعة كلامهم). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 415 - 443)، والمقتضب (2/ 228)، وأوضح المسالك (4/ 322)، والتذييل (6/ 27) (أ). (¬3) التذييل (6/ 27) (أ)، وانظر: توضيح المقاصد (5/ 77). (¬4) الهمّرش: العجوز المضطربة الخلق. اللسان «همرش»، وانظر: الكتاب (2/ 339، 341، 354) والممتع (1/ 296 - 298) والتذييل (6/ 28) (أ). (¬5) انظر: اللسان «همرش»، والممتع (1/ 297)، والمزهر (2/ 29)، والتذييل (6/ 28) (أ). (¬6) المرجع السابق.

[حذف الزائد عن الأربعة عند الجمع]

[حذف الزائد عن الأربعة عند الجمع] قال ابن مالك: (ولا يستبقى دون شذوذ في هذا الجمع مع أربعة أصول زائد إلّا أن يكون حرف لين رابعا). قال ناظر الجيش: الإشارة بهذا الجمع إلى ما وازن فعالل وفعاليل؛ ولا يتصور شيء من الصيغتين المذكورتين في اسم زادت حروفه على أربعة؛ إلا أن يكون الزائد حرف لين رابعا كما أشار إليه؛ فيحذف الزائد على الأربعة، أولا كان أو ثانيا أو ثالثا أو رابعا أو خامسا أو سادسا نحو: مدحرج، وقنفخر، وفدوكس، وصفصل، وسبطرى، وعنكبوت، وعقربان، وبرنساء؛ فيقال: دحارج، وقفاخر، وفداكس، وصناصل، وسباطر، وعناكب، وعقارب، وبرانس؛ وإن كان حرف لين رابعا وجب إبقاؤه (¬1)، فيقال في عصفور، وقنديل، وسرداح، وغرنيق، وفردوس: عصافير، وقناديل، وسراديح، وغرانيق، وفراديس، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك؛ وأن الياء تبقى بحالها وأن كلّا من الواو والألف تقلب ياء؛ وفهم من قوله: حرف لين؛ أن الحرف الزائد على الأربعة إذا كان صحيحا أو حرف علّة لا لين يحذف ولا يبقى نحو: قرشب (¬2)، وكنهور (¬3)، فيقال فيهما: قراشب وكناهر؛ فإن وزن كنهور: فعلول، فالواو فيه زائدة وليست حرف لين فيحذف؛ لأن حرف اللين هو الساكن من حروف العلة الثلاثة، وفهم من قوله: رابعا، أن حرف اللين غير الرّابع لا يبقى بل يحذف - أيضا - كالتّاء في: خيثعور (¬4)، والياء والواو معا في: خيسفوج (¬5)؛ فيقال في جمعهما: خثاعر، وخسافس؛ وكذا الياء والواو والألف في سميدع، وفدوكس، وغدافر، وأما قول المصنف: - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (3/ 612): (فإن كان فيه - الرباعي المزيد - حرف رابع، حرف لين، وهو حرف المد كسرته على مثال مفاعيل). وقال ابن هشام في أوضح المسالك (4/ 323): (ويجب حذف زائد هذين النوعين - الرباعي والخماسي المزيدين - إلا إذا كان لينا قبيل الآخر فيثبت)، وانظر: التكملة (ص 173)، وابن يعيش (5/ 69). (¬2) القرشب: الضخم الطويل من الرجال. اللسان «قرشب». (¬3) الكنهور: العظيم من السحاب. الصحاح «كهر». (¬4) الخيثعور: السراب، وقيل: هو ما بقي من السراب. اللسان «خثعر». (¬5) الخيسفوج: حب القطن. اللسان «خسفج».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (دون شذوذ) فمعناه أنه في الشذوذ، قد يبقى الزائد على أربعة أصول؛ وإن لم يكن حرف لين رابعا، ولم أعلم لذلك مثالا أذكره؛ ولم يذكر الشيخ له مثالا؛ بل ترك في النسخة بياضا مع سكوته عن التنبيه على ذلك (¬1) [6/ 101] هل وجد أو لم يوجد؟ وقد ذكر بعض الفضلاء، أن مثال الشاذ من ذلك: عناكبيت قال: وعنه احترز المصنف بقوله: (دون شذوذ)، واعتمد هذا الفاضل (¬2) فيما ذكره على قول ابن جني في المحتسب: وفي آخر سورة الرحمن عز وجلّ أنهم قالوا: عنكبوت وعناكبيت، قال: وذكر فيه أيضا أنه قرئ (وعباقري) (¬3)، قال: فيكون مثالا ثانيا؛ إن لم يجعل الياء للنسب. انتهى. وذكرت أن بعضهم مثّل لذلك بعشاوز جمع عشوزن (¬4)؛ وكان قد جرى ذكر هذا الموضع في محفل؛ وكان به جماعة من طلبة العجم؛ فسألوني عن أي شيء احترز الشيخ ابن مالك في التسهيل بقوله: دون شذوذ؟ وكان سؤالهم سؤال امتحان لا سؤال استفادة، فقلت: هذا يحتاج إلى نظر واستخراج مثال، ثم إنهم ذكروا ما تقدم لنا ذكره، من أن مثال ذلك: عناكبيت، وعشاوز، فنظرت في المثالين المذكورين فلم يظهر لي صلاحيتهما تمثيلا لما أراده المصنف، ويسّر الله تعالى لي؛ أن أجيب عن ذلك فكتبت في ذلك الوقت ما أنا مورده الآن، وعرضته على الجماعة السائلين فكفّوا: والذي كتبته هو أن الفصل الذي أورد المصنف فيه هذا كلام معقود لما يجمع على صيغة مخصوصة، وهي المساوية في البنية لصيغتي فواعل وفعائل، والمراد بذلك كل جمع أوله مفتوح، - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 28) (ب). (¬2) في هامش نسخة (أ) كتب هنا أن هذا الفاضل، هو جمال الدين ابن هشام. (¬3) من قوله تعالى في سورة الرحمن مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ، وفي المحتسب (2/ 350): (قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعثمان ... «رفارف خضر وعباقري حسان» بكسر القاف، وفتحها غير مصروف، قال أبو حاتم: ولو قالوا: «عباقري» فكسروا القاف وصرفوا لكان أشبه بكلام العرب) وانظر: معاني القرآن للفراء (3/ 120). (¬4) مثّل به ابن عقيل في المساعد (3/ 466)، حيث قال: واحترز بدون شذوذ من بقائه شذوذا في قول الشماخ: حوامي الكراع المؤيدات العشاوز فعشاوز: جمع عشوزن، وهو الشديد الغليظ، ونونه أصلية، كما نص عليه سيبويه وغيره، والواو زائدة للإلحاق، وقد أبقاها في العشاوز، وحذف النون وهي أصل. وانظر: الكتاب (2/ 336).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وثالثه ألف بعدها حرفان، وقد عرفت أن المراد بالمساواة المذكورة المساواة في الحركات، والسكنات، والهيآت، وعدد الحروف؛ وإنما اعتمد المصنف هذه العبارة لقصد الاختصار؛ إذ يدخل تحتها أوزان كثيرة من جموع ما زاد على ثلاثة أحرف؛ لو استوفاها بالذكر لطال، وهي فعالل وما أشبهها من مفاعل وفعاعل وفعاول وفعالن وفعالم؛ إلى غير ذلك؛ فالمقصود هنا إنما هو هذه الصيغة الخاصة دون غيرها من الصيغ، ثم إن المصنف ذكر في أثناء الفصل المذكور؛ أن الكلمة إذا كان فيها حرف لين رابع؛ بقي بعد قلبه ياء إن لم يكنها؛ فيقال في سربال، وبهلول، وقنديل: سرابيل، وبهاليل، وقناديل؛ فانضمت هذه الصيغة المشار إليها ثانيا إلى الصيغة المشار إليها أوّلا؛ فصار المقصود بالذكر في الفصل هاتين الصيغتين لا غيرهما، وتعين أن يكون كلام المصنف في بقية الفصل مبنيّا عليهما ومردود إليهما، ومن ثم قال: ويحذف من ذوات الزوائد ما يتعذر ببقائه أحد المثالين؛ وأراد بالمثالين ما ساوى فواعل وفواعيل، وقال - أيضا -: وإن تعذر أحد المثالين ببعض الأصول حذف خامسها، كل ذلك منه للمحافظة على هاتين الصيغتين، ثم إنه أتى بعد ذلك بقوله: ولا يستبقى دون شذوذ في هذا الجمع، مع أربعة أصول زائد؛ إلا أن يكون حرف لين رابعا، ولا يرتاب في أن الإشارة بهذا الجمع، وإنما هي إلى هاتين الصيغتين اللتين نظمهما هذا الفصل، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح التمثيل لقوله: دون شذوذ، بعناكبيت أو عباقري وهاتان الكلمتان ليستا من الصيغتين في شيء، وإن صح عن العرب عناكبيت، وعباقري؛ حكم بأن هذين الوزنين خارجان عن الأوزان المعتبرة في هذا الباب؛ وأنهما على غير القانون المعتبر عند أهل هذه الصناعة، ويلزم من مثل لهذه المسألة بهذين المثالين أحد أمرين: إما أن يقول: إن ما وازن فواعل وفواعيل صادق عليهما، أي أنهما يساويانه في الزنة - ولا شك أن الأمر بخلاف ذلك - وإما أن يقول: إن الفصل ليس معقودا لهاتين الصيغتين؛ بل لما هو أعم منهما، فيقال له: إن المصنف لما ذكر صيغ جموع التكسير وأتى عليها، لم يذكر نحو هذا الوزن حتى يرجع إليه في بعض صور الأمثلة، وأما التمثيل بعشاوز جمع عشوزن فباطل قطعا؛ لأن أحد أصوله قد حذف، وهو النون فلم يبق فيه من الأصول سوى ثلاثة أحرف، وإذا كان كذلك فهو خارج عن الذي الكلام فيه، -

[التعويض عن المحذوف للجمع]

[التعويض عن المحذوف للجمع] قال ابن مالك: (وجائز أن يعوّض ممّا حذف ياء ساكنة قبل آخر، ما لم يستحقّها لغير تعويض، وقد تعوّض هاء التّأنيث من ألفه الخامسة، وهي أحقّ بما حذف منه ياء النّسب، وتلحق لغير تعويض العجميّ كثيرا وغيره قليلا). ـــــــــــــــــــــــــــــ والذي يظهر أنه لا يمكن أن يوجد لقوله: دون شذوذ، مثال لأنه يلزم من استيفاء الزوائد مع أصول أربعة؛ فوات الصيغة المقصودة بالذكر هنا، ومما يدل - أيضا - على أن المصنف معتبر الصيغة المذكورة دون غيرها، أنه لما كان بقاؤها يمكن مع بعض الزوائد، فإن كانت الكلمة مشتملة على أربعة أصول استثنى ذلك بقوله: (إلا أن يكون حرف لين رابعا)، فكلام المصنف أولا وآخرا دائر مع إمكان الإتيان بالصيغة وعدم الإمكان، وبعد فالله سبحانه تعالى أعلم بالصواب. قال ناظر الجيش: قد علم أن الذي يحذف منه ليتأتى في جمعه صيغة مفاعل، قد يكون ثلاثيّ الأصول كمنطلق، ورباعيها كفدوكس، وخماسيها كسفرجل، وعلم أن جمع هذه الكلمات يقال فيه: مطالق، وفداكس، وسفارج؛ فأشار المصنف هنا بقوله: وجائز أن يعوض إلى آخره، إلى أن لك أن تعوض الياء عن المحذوف في نحو هذه الثلاث فيقال: مطاليق، وفداكيس، وسفاريج (¬1)؛ ولا شك أن صيغة مفاعل يرجع إلى أختها، وهي صيغة مفاعيل؛ إلا أن تكون الياء مستحقة الإتيان بها قبل الآخر؛ لكونها في مفرد ذلك الجمع، ولكون المفرد قبل آخره حرف لين، فإن التعويض عن المحذوف بياء غير ممكن؛ لاشتغال المحل بياء تستحق الإثبات من غير جهة التعويض وذلك نحو: لغاغيز جمع لغّيزى، وحراجيم جمع احرنجام، فكل من الكلمتين قد حذف منه حرف حال الجمع؛ لكن الياء مستحقة الإتيان بها، أما في: لغاغيز؛ فلأنها في مفرده ولا موجب لحذفها، وأما في حراجيم؛ فلأنها منقلبة عن حرف واجب الثبوت؛ لكونه حرف لين قبل الآخر، ثم ذكر المصنف أن هاء التأنيث قد يؤتى بها عوضا عن ألف (¬2) التأنيث الخامسة، فنحو: حبانطة - ¬

_ (¬1) انظر: توضيح المقاصد (5/ 82)، والمساعد (3/ 468)، والأشموني (4/ 151)، والهمع (2/ 182). (¬2) انظر ابن يعيش (5/ 69)، والهمع (2/ 182)، والمساعد (3/ 469).

[جواز المماثلة بين بعض الأوزان]

[جواز المماثلة بين بعض الأوزان] قال ابن مالك: (فصل: تجوز مماثلة ما ماثل مفاعيل لمفاعل وكذلك العكس في غير فواعل ما لم يشذّ كسوابيغ، وردّ غيره من مماثل مفاعل المعتلّ الآخر إلى مماثلة فعالى جائز، ولا يفتتح هو ولا مماثل مفاعيل بما لم يفتتح واحده ولا يختتم بحرف لين ليس في الواحد هو ولا ما أبدل منه، وما ورد بخلاف ذلك فهو في الأصل لواحد قياسيّ مهمل أو مستعمل قليلا، وقد يكون للمعنى اسمان فيجمع أحدهما على ما يستحقّه الآخر ولا يقتصر في ذلك على السّماع وفاقا للفرّاء، وربّما قدّر تجريد المزيد فيه فعومل معاملة المجرّد). ـــــــــــــــــــــــــــــ وعفارنة جمعي: حبنطى وعفرنى، وحاصل الأمر أن لك أن تقول في حبانط وعفارن: حبانيط، وعفارين؛ فتعوض الياء عن الألف المحذوفة منهما، كما تعوض في: مطاليق وسفاريج ولك أن تقول: حبانطة وعفارنة، فتعوّض هاء التأنيث فيها للتأنيث؛ إنما تعوض من ألفه الخامسة، ويعلم من هذا أن باب تعويض الياء واسع جدّا؛ لأنها يجوز دخولها في كل ما حذف منه شيء غير باب احرنجام، وأما تعويض الهاء فمقصور على ما ذكره المصنف، وأشار بقوله: وهي أحق بما حذف منه ياء النسب إلى أنه يقال: أشعثيّ وأشاعثة، وأزرقيّ وأزارقة، ومهلبيّ [6/ 102] ومهالبة، وأما الهاء المأتي بها لغير تعويض فقسمان: كثير في العجمي، وقليل في غيره مثال الأول: موزج وموازجة، والموزج: الخف، وكيلجة وكيالجة، والكيلجة: مقدار من الكيل معروف، ومثال الثاني: حجار وفحولة، وقد تقدم للمصنف الكلام على ذلك في باب التذكير والتأنيث. قال ناظر الجيش: هذا الفصل يشتمل على مسائل: الأولى: أن مماثل مفاعيل (¬1) يجوز أن يرجع به إلى مماثلة مفاعل بحذف الياء التي قبل - ¬

_ (¬1) المراد بمماثل: مفاعل، ومماثل مفاعيل، ما وافقهما في العدة والهيئة، وإن خالفهما في الوزن. وانظر الصبان: (4/ 151).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر، وأن مماثل مفاعل يجوز أن يرجع به إلى مماثلة مفاعيل بإلحاق ياء قبل آخره (¬1)، فيقال في سرابيل، وقراطيس، وعصافير: سرابل، وقراطس، وعصافر، ويقال في دراهم، وصيارف: دراهيم، وصياريف، ويستثنى من القسم الثاني: فواعل؛ فلا يجوز فيه المماثلة المذكورة؛ فلا يقال في ضوارب: ضواريب، ولا في قوابل: قوابيل؛ وإن ورد في مثله فواعيل عدّ شاذّا، كقوله: 4271 - سوابيغ بيض لا يخرّقها النّبل (¬2) وإلى هذا أشار المصنف بقوله: ما لم يشذ كسوابيغ، والمنقول عن البصريين؛ أنهم لا يجيزون المماثلة المذكورة في القسمين المذكورين إلا في الضرورة، ومن ثم قال الشيخ: وما اختاره المصنف هو مذهب الكوفيين، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ (¬3) وقوله تعالى: وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (¬4)، فقالوا: إن مفاتح جمع مفتاح، وإن معاذير جمع معذرة (والبصريون يقولون: إن مفاتح جمع مفتح، ومعاذير جمع معذار) (¬5). انتهى. والظاهر أن مفاتح جمع مفتاح ومعاذير جمع معذرة، ثم إن الشيخ قال: ظاهر كلام المصنف أن فواعل لا يقال فيه: فواعيل إلا شاذّا؛ وذلك لإطلاقه في قوله: في غير فواعل ما لم يشذ كسوابيغ قال: فإن كان عنى الوصف فهو كما قال؛ وإن كان عنى مطلقا في الوصف وفي غيره فقد نصّ سيبويه في كتابه أن من العرب من يقول: دوانيق، وخواتيم، وطوابيق، وهي فواعل جوّزوا فيها فواعيل بالياء. قال سيبويه: والذين قالوا: دوانيق، وخواتيم، وطوانيق؛ إنما جعلوه تكسير فاعال؛ وإن - ¬

_ (¬1) ينظر: الهمع (2/ 182)، والأشموني (4/ 151)، وتوضيح المقاصد (5/ 82)، والمساعد (3/ 469، 470). (¬2) عجز بيت من الطويل، لزهير بن أبي سلمى، وصدره: عليها أسود ضاريات لبوسهم أي: على الخيل أسود، الضاريات: جمع ضارية من ضرى، إذا اجترأ. وسوابيغ: أي: كوامل. وهي موضع الاستشهاد حيث جمع سابغة - شذوذا - على سوابيغ، والقياس: سوابغ. انظره في: العيني (4/ 533). والهمع (2/ 182) والدرر (2/ 228)، والأشموني (4/ 152)، وديوانه (ص 103). (¬3) سورة الأنعام: 59. (¬4) سورة القيامة: 15. (¬5) التذييل (6/ 29) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يكن في كلامهم، كما قالوا: ملامح والمستعمل في كلامهم لمحة، ولا يقولون: ملحمة، غير أنهم قد قالوا: خاتام، قال سيبويه: وزعم يونس أن العرب تقول أيضا: خواتم، ودوانق، وطوابق، في فاعل كما قالوا: نابل ونوابل. انتهى كلام سيبويه (¬1) رحمه الله. قال الشيخ: فأنت ترى سيبويه قد حكى أن من العرب من يقول في فواعل الاسم: فواعيل (¬2). انتهى. ولقائل أن يقول: إن فواعل لا يقال فيها: فواعيل مطلقا كما يفهم من كلام المصنف، سواء كان فواعل صفة أم اسما، ويدل على ذلك قول سيبويه: والذين قالوا: دوانيق، وخواتيم، وطوانيق؛ إنما جعلوه تكسير فاعال؛ وإن لم يكن في كلامهم (¬3)، فأفهم كلامه أن فواعيل، إنما هو جمع فاعال، ويقوي ذلك أيضا قوله عن يونس: إن العرب تقول: خواتم، ودوانق، وطوابق، على فاعل. المسألة الثانية: أن ما كان على وزن فعالي بكسر رابعه إذا كان معتل الآخر، يجوز فيه قلب الكسرة فتحة، فيرجع إلى وزنة فعالى بفتح اللام، فكما يقال في صحرى، وذفرى، وعلقى، وخنثى: صحار، وذفار، وعلاق، وخناث، يقال في صحارى وذفارى وعلاقى، وخناثى، فهذا هو المقصود بقول المصنف: وردّ غير فواعل من مماثل مفاعل المعتل الآخر إلى مماثلة فعالى جائز؛ ثم إنه لما لم يعبر هنا بفعالى؛ بل عبر بمماثل مفاعل شملت هذه العبارة فواعل، وفواعل المعتلة لا يتأتى فيها هذا الحكم، أعني فتح الحرف الرابع؛ فلا يقال في جوار، ونواص، وغواش: جوارى، ولا نواصى ولا غواشى، أخرج ذلك بقوله: غير فواعل؛ ثم إن الشيخ قال: قد أطلق - يعني المصنف - هنا في مكان التقييد حيث ذكر أن مماثل مفاعل المعتل الآخر يجوز رده إلى مماثلة فعالى؛ وقد جوّز ذلك قبل في قوله: ومنها فعالي إلى آخره، ودل كلامه هناك على أن فعالى هو الأصل؛ إذ قال: ويغني الفعالي عن الفعالى، وذكر أن إغناء الفعالي عن الفعالى، جائز ولازم؛ فإذا كان شيء منه لازما فكيف يطلق هنا بجواز رده إلى فعالى ومنه ما لا يجوز رده؟ وتحريره أن يقول: - ¬

_ (¬1) الكتاب (1/ 348)، (2/ 198، 318). (¬2) التذييل (6/ 29) (أ). (¬3) الكتاب (1/ 348)، (2/ 198، 318).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما لم يجب فيه الفعالي منه؛ أو يندر جمعه عليه، فلا يجوز فيه أن يرد إلى الفعالى؛ فمثال ما وجب: الحذاري، ومثال ما ندر نحو: اللّيالي، والأهالي؛ أن يقال: اللّيالى، والأهالى (¬1). انتهى. واعلم أني لم أر لإيراد هذه المسألة هنا مناسبة على أن الكلام قد تقدم فيها، والحكم الذي أشار إليه تقدم تقريره؛ ولكن على عكس ما ذكره هاهنا؛ لأنه قال: ثم إن الفعالي بكسر الرابع قد يغني عن الفعالى؛ إما جوازا. كحبالى وحبال، وإما لزوما: كحذار، وسعال، وعراق، جموع حذرية، وسعلاة، وعرقوة؛ وإذا كان الأمر كذلك ففعالى بفتح رابعه هو الذي يرد إلى فعال، وهاهنا قال: إن زنة فعال بكسر الرابع ترد إلى زنة فعالى. المسألة الثالثة: أن كلّا من مماثل مفاعل، ومماثل مفاعيل يجب افتتاحه بالحرف الذي افتتح به واحده؛ وإلى ذلك الإشارة بقوله: (ولا يفتتح هو ولا مماثل مفاعيل بما لم يفتتح به واحده) وذلك نحو: درهم ودراهم، وعصفور وعصافير، قال الشيخ: وهذا الذي ذكره أمر مشترك بين هذين المثالين وبين كثير من أمثلة (الجموع) (¬2)؛ فلا خصوصية لهذا الحكم بهذين المثالين، وإنما يخرج من هذا الحكم مما ينقاس: ما جمع على أفعل وأفعال وأفعلة وأفعلاء وفعل في جمع أفعل نحو: كلب وأكلب، وحوض (وأحواض) (¬3)، ورغيف وأرغفة، وصديق وأصدقاء، وأحمر وحمر (¬4)، انتهى. والذي قاله الشيخ حق. انتهى. المسألة الرابعة: أن مثال مفاعل لا يختم بحرف لين، ليس في الواحد هو ولا ما أبدل منه، فمثال ما هو في الواحد: الحذارى في جمع حذرية، ومثال ما أبدل مما في الواحد السّعالي والعراقي لجمع: سعلاة وعرقوة؛ فالياء بدل من الألف في الأول، ومن - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 29) (ب). (¬2) كذا في التذييل والتكميل في النسختين «الجمع». (¬3) كذا في التذييل والتكميل في النسختين «أحوض». (¬4) انظر التذييل والتكميل (6/ 29) (ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو في الثاني، وقوله: وما ورد بخلاف ذلك يشير به إلى الأمرين المتقدمين، وهما افتتاح أحد هاتين الصيغتين بما لم يفتتح به الواحد، واختتام الآخر بحرف لين ليس هو، ولا ما أبدل منه في واحده؛ فإذا ورد شيء من ذلك جعل في الأصل جمعا لواحد قياسي مهمل، أو الواحد مستعمل استعمالا قليلا. فمثال الأول: ملامح، ومذاكير، ومحاسن، فيقدّر آحاد هذه الكلمات: ملمحة، ومذكار، ومحسنة، بمعنى لمحة، وذكر، وحسنة، وهذه الآحاد المذكورة مهملة الوضع فجاء جمعها على واحدها القياسي المهمل، ومثال الثاني [6/ 103] (¬1) وهو المفرد المستعمل قليلا: قولهم: أظافير؛ فإن المشهور في الواحد: ظفر، وقالوا أيضا: أظفور في معنى ظفر؛ إلا أن ظفرا أشهر فجاؤوا بأظافير على مراعاة أظفور؛ وأما المختتم بحرف لين ليس في المفرد قولهم: الليالي؛ فإن مفرده ليلة، وقالوا: ليلات؛ فجاء بالليالي على مراعاة القليل. وأما قوله: وقد يكون للمعنى اسمان فيجمع أحدهما على ما يستحقه الآخر فمثاله: سوار بكسر السين ضموا أوله وكسروه؛ واتفقوا على جمعه في الكثرة على سور، وهو قياس المكسور، كخوان وخون، وليس قياس المضموم (¬2) ولا يقتصر في ذلك على السماع بل هو قياس قاله الفراء، وقد فعلوا ذلك في الجمع، بالألف والتاء فقالوا: شاة لجبة (¬3) بسكون الجيم، وفتحوها أيضا، ولم يقولوا في الجمع إلا: لجبات بفتح الجيم. وأما قوله: وربما قدر تجريد المزيد فيه فعومل معاملة المجرد فمثاله: رعبوب، وهو الضعيف الجبان؛ فإنه ملحق بعصفور، وقالوا في جمعه: رعب؛ كأنهم جمعوا فعلا مثلا كأسد وأسد؛ وكذا أشهاد في شهيد؛ كأنهم جعلوه كنمر وأنمار. ¬

_ (¬1) من هنا إلى نهاية الباب الخامس والسبعين، شرح أكملنا به شرح ناظر الجيش على متن ابن مالك. (¬2) في القاموس (خون): الخوان كغراب، وكتاب ما يؤكل عليه الطعام، وجمعه أخونة، وخون، وخوان كشداد. (¬3) في القاموس (لجبه): اللجبة بكسر الجيم وفتحها: الشاة قل لبنها، والغزيرة (ضد)، وجمعها لجاب ولجبات.

[أسماء الجمع: تعريفا وأنواعا وأوزانا]

[أسماء الجمع: تعريفا وأنواعا وأوزانا] قال ابن مالك: (فصل: من أسماء الجمع ما لا واحد له من لفظه وما له واحد، فمن ذلك: «فعل» لنحو راكب، وعائذ، ونائحة، وتمرة، وألّة، وزنجي، و «فعلة» لنحو: راجل، وكمء، و «فعل» لنحو: خادم، ورائح، وغائب، وناشئة وأديم، وبعيد، وعمود وإهاب وحلقة وشجرة، وفاقة، وحبشي، ومنها «فعلة» لنحو صاحب، وفاره، وأخ، ومنها «فعل» لنحو: نبقة، ولبنة، وظربان. ومنها «فعيل» المذكّر لنحو: ضأن، ويد، ومعز، وغاز، وجريدة، وسفينة. ومنها «فعلاء» لنحو: قصبة، وحلفة، وطرفاء، وشيء. ومنها «مفعولاء» لنحو: بعل، وشيخ، وعلج، وكبير، وأتان، ومنها «فعل» لنحو سمرة، وعبد. ومنها «مفعلة» لنحو عبد، وسيف، وشيخ، وأسد، ومنها ما يوحّد بالتّاء من «فعال» و «فعال» و «فعال» و «فعلى» و «فعلى» و «فعلى» و «فعالى» وغير ذلك. ومنها «فعالة» لنحو: صاحب، وقريب، وجمل. ومنها «فعالة» لنحو: جمل، و «فعلان» لنحو: مرجانة، وصنو. وأقربها من الاطّراد، الموحّد بالتّاء، اسما لمخلوق، مباينا لفعلى و «فعالى» وشبههما، وأغربها أروى، وبلصوص، وعراعر). ـــــــــــــــــــــــــــــ الشّرح: عرف ابن مالك في شرح الكافية اسم الجمع، واسم الجنس، فقال (¬1): كل ما دل على جمع، وليس له واحد من لفظه، فهو اسم جمع، أو اسم جنس ما لم يكن على وزن مختص بالجموع كأبابيل، فإنه جمع لواحد مهمل. وما له واحد من لفظه، ولم يكن على وزن من الأوزان التي تقدم ذكرها فليس بجمع - أيضا - بل هو اسم جمع، أو اسم جنس؛ فإن كان واحده بالتاء أو بياء النسب فهو اسم جنس كـ «حدأ»، و «حدأة»، و «مجوس» و «مجوسي». وعلى ذلك فاسم الجمع: ما دل على جماعة، وليس له واحد من لفظه غالبا كقوم، ورهط، وإبل، وقد يكون له واحد من لفظه كصحب وركب -؛ فإن - ¬

_ (¬1) (4/ 1884) تحقيق د/ عبد المنعم هريدي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لهما مفردا من لفظهما وهو: صاحب، وراكب؛ ولكنه ليس على وزن من أوزان الجمع المعروفة، ويصغر على لفظه كالمفرد، كما يعود الضمير المذكر عليه نحو: حضر الرّكيب، ويرى الفراء (¬1) أن كل ما دلّ على جماعة وله واحد من لفظه سواء أكان من أسماء الجموع، أم من أسماء الجنس جمع تكسير، ويرى الأخفش (¬2) أن ما له واحد من لفظه من أسماء الجموع جمع تكسير كركب، وسفر، وسراة، وخدم ومفردها: راكب، وسافر، وسريّ، وخادم، وهما رأيان ضعيفان، والرأي القوي هو الذي اختاره ابن مالك في التسهيل (¬3)، والكافية الشافية؛ لأن هذه الألفاظ تصغر على لفظها، ويعود الضمير عليها مذكرا، وليس هذا شأن الجمع، وما لا واحد له من لفظه فليس بجمع اتفاقا؛ كقوم ورهط، وماء، وتراب (¬4). وقد ذكر ابن مالك صيغ اسم الجمع الذي له واحد من لفظه وهو: اسم مفرد موضوع لمعنى الجمع فقط (¬5)، ولا فرق بينه وبين الجمع إلا من حيث اللفظ، والدليل على إفراده جواز تذكير ضميره، قال الشنفرى في قصيدة لامية العرب: 4272 - فعبّت غشاشا ثمّ مرّت كأنّها ... مع الصّبح ركب من أحاظة مجفل (¬6) وأيضا تصغيره على لفظه كقوله: 4273 - أخشى ركيبا أو رجيلا عاديا (¬7) - ¬

_ (¬1) الشافية (2/ 194). (¬2) انظر الشافية (2/ 203). (¬3) (ص 280). (¬4) التبيان في تصريف الأسماء (ص 168). (¬5) انظر الشافية (2/ 202). (¬6) البيت من الطويل، يصف قطاة وردت الماء فشربت الباقي منه. والعب: شرب الماء بلا مص. الغشاش: الوقت الذي قبل الفجر. وكأنها: أي: القطاة. أحاظة: قبيلة من الأزد في اليمن. مجفل: مسرع. والشاهد فيه: أن ركبا لفظه مفرد، بدليل عود الضمير عليه مفردا في قوله: مجفل. وانظر الشافية (2/ 202). (¬7) هذا بيت من الرجز المشطور، لأحيحة بن الجلاح، وكان مسوّدا في قومه الأوس. والشاهد فيه: أن ركبا اسم جمع، ولفظه مفرد بدليل تصغيره على لفظه، كما تصغر المفردات. وانظر الشافية (2/ 203).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهذا ما استدل به سيبويه (¬1)، بأن الجمع العرب ألزمته التأنيث، مثل هذه تهم، وهي التخم، أما اسم الجمع الذي له واحد من لفظه، فقد ذكر المصنف أوزانه والأمثلة الواردة في ذلك فقال: فمن ذلك «فعل» نحو: راكب وركب، وعائذ وعوذ، ونائحة ونوح، وتمرة وتمر، وألّة وألّ وهي عظم ألية الكبش، وزنجي وزنج، و «فعلة» لنحو: راجل وهو خلاف الفارس، وكمء، فقالوا: رجلة، وكمأة، وبعض العرب يجعل كمأة للمفرد، وكمأ للجمع، والكمء: الخفيّ في الأرض و «فعل» نحو: خادم، ورائح، وغائب، وناشئة، وأديم، وبعيد، وعمود، وإهاب، وحلقة، وشجرة، وفاقة، وحبشي، قالوا في اسم الجمع: خدم، وروح، وغيب، ولم يعلوا ألفين، ونشأ، وأدم، وبعد، وعمد، وأهب، وحلق، وشجر، وفاق، وحبش. ومنها «فعلة» لنحو صاحب وفاره وأخ قالوا فيها: صحبة، وفرهة، وأخوة، ومنها «فعل» لنحو: نبقة، ولبنة، وظربان (دويبة كالهرّة منتنة الرائحة) قالوا: نبق، لبن، وظرب. ومنها «فعيل» المذكر، لنحو: ضأن، يد، معز، غاز، جريدة، سفينة، قالوا: ضئين يديّ، معيز، غزيّ، جريد، سفين. وأخرج المؤنث، فإنّه جمع تكسير كعبيد، وحمير فيقال: هي العبيد والحمير. ومنها «فعلاء» لنحو قصبة، حلفة، طرفاء، شيء فقد قالوا: قصباء وحلفاء (نبت في الماء)، وطرفاء، (شجر)، واحد وجمع، وأشياء وأصله شيئاء. ومنها «مفعولاء» لنحو: بغل، وشيخ، وعلج (الرجل الضخم من كفار العجم) وكبير وأتان (حمار). قالوا: مفعولاء، وشيوخاء، ومعلوجاء، ومكبوراء، وأتوناء. ومنها «فعل» لنحو: سمرة وهي شجر الطلح، قالوا: سمر وعبد، ومنها: «مفعلة» لنحو: عبد، وسيف، وشيح، وأسد، قالوا: معبدة، ومسبعة، ومشيخة، ومأسدة، ومنها ما يوحّد بالتاء من فعال نحو: سحاب وسحابة، و «فعال» نحو: عمام وعمامة، و «فعال» نحو: جمان وجمانة وهي - ¬

_ (¬1) انظر المساعد لابن عقيل (3/ 474)، والكتاب (3/ 582).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حبة من الفضة كالدرة و «فعلى» نحو: أرطى وأرطاة شجر من أشجار الرمل و «فعلى» نحو: دفلي ودفلاة وهو نبت مر؛ كما استعملوا دفلى أيضا للواحدة، وألفه للإلحاق أو للتأنيث، و «فعلى» كبهمى وبهماة نبت. قال سيبويه (¬1): تكون واحدة وجمعا وألفها للتأنيث، وقيل: للإلحاق «وفعالى» نحو: شكاعى وشكاعاة، نبت يتداوى به، وهو واحد وجمع كما قال سيبويه؛ وغير ذلك مما آخره ألف نحو: كمثرى وكمثراة، ومنها «فعالة» لنحو: صاحب، وقريب، وجمل (¬2) قالوا: صحابة، وقرابة، وجمالة. ومنها «فعالة» لنحو: جمل، قالوا: جمالة و «فعلان» لنحو: مرجانة وصنو، قالوا: مرجان وصنوان، وأقربها من الاطراد الموحّد بالتاء اسما لمخلوق مباينا فعلى وفعالى وشبههما؛ كجوز وجوزة، وشعير وشعيرة، وخرج لمخلوق المصنوع كعمام وعمامة، وسفين وسفينة، فليس بمطرد، وبمباين بهمى وشكاعى ونحوهما. وأغربها «أروى» الواحدة أروية، وهي إناث تيوس الجبل، فأروية (¬3) من باب ناقة، وتنون أروى فتكون على وزن أفعل، ولا تنون فتكون على وزن «فعلى» وبلصوص والواحد بلنصي، وهو طائر قصير المنقار والرجلين كثير الصياح، صليت الصوت ونونه زائدة، وعراعر جمع عرعرة، قال الشاعر: 4274 - خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شجر العرى، وعراعر الأقوام (¬4) وقال الكميت: 4275 - ما أنت من شجر العرى ... عند الأمور ولا العراعر (¬5) - ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 429). (¬2) وجمالة ليست في الأصل؛ وإنما من تمثيل من ابن عقيل، في المساعد (3/ 477). (¬3) المساعد (3/ 478). (¬4) البيت من الكامل للكميت في ديوانه قيل: لمهلهل بن ربيعة، أو شرحبيل بن مالك، ونسب في العين (1/ 99) إلى الكميت، وفي الصحاح: العرعر: شجر السّرو واسم موضع، والعرعرة: لعبة الصبيان، عرعار أيضا الخبل، والعراعر: السيد وروي في (د، ز): وسار تحت لوائه، والعراعر أيضا أطراف الأسنة. والبيت في ديوان الكميت (ص 721) والشاهد فيه: عراعر، فهي جمع عرعرة، فهي اسم جمع على رأي سيبويه وابن مالك. (¬5) البيت للكميت وهو كسابقه. والعراعر: السادة، والعرى: جمع عروة، وهي من الشجر الذي -

[كيفية جمع العلم المرتجل والمنقول]

[كيفية جمع العلم المرتجل والمنقول] قال ابن مالك: (فصل يجمع العلم المرتجل والمنقول من غير اسم جامد مستقرّ له جمع جمع موازنه أو مقاربه من جوامد أسماء (¬1) الأجناس الموافقة له في تذكير وتأنيث). - فالخلاصة: أن اسم الجمع قد يأتي لا مفرد له كقوم ورهط، وقد يأتي له مفرد وأنواعه كثيرة، ذكرها ابن مالك بأوزانها المختلفة وأمثلتها المتعددة، وخالف بذلك غيره كما بينا من أن الفراء يجعلها جميعا من الجموع، والأخفش يرى أيضا أنها جمع؛ لأن لها مفردا، ولكن ابن مالك نظر إلى أنها لم ترد على وزن الجمع، وأنها تصغر على لفظها كالمفرد، ويعود الضمير عليها مذكرا، فسار بذلك طريق سيبويه في الكتاب، وهو أسلم الطريق؛ لاعتماده على الوارد من كلام العرب، وقد أسلفنا ذلك ووضحناه سابقا؛ وبذلك ظهر الفرق بين اسم الجمع واسم الجنس (¬2). الشّرح: يشير بهذا الكلام إلى جمع العلم، سواء أكان مرتجلا (¬3): وهو ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها مثل سعاد، وزينب وأدد، والمنقول: ما نقل من غيره صفة كحامد أو فعل كشمّر أو مصدر كفضل ونحو ذلك؛ فيجمع ما سبق جمع موازنه؛ فتجمع زينب على زيانب؛ وأدد إدّان، وفي نغر نغران، وهو طير كالعصافير حمر المناقير، وفي سعاد أسعد، وكراع أكرع، وفي حامد علما حوامد، وفي حائط حوائط، وفي ضرب علما أضراب، ومثال المقارب كقولك: في زينب زيانب، وأرنب أرانب، وقوله: (في تذكير (¬4) وتأنيث) يفيد أن العلم المرتجل والمنقول إن كانا لمذكر جمعا جمع اسم الجنس المذكر؛ وإن كانا لمؤنث جمعا جمع اسم الجنس المؤنث. ¬

_ - لا يزال باقيا في الأرض لا يذهب، وجمعه عرى ويشبه به النبيل من الناس. (¬1) في نسخة: من جوامد الأسماء. التسهيل (ص 281). (¬2) انظر الكافية الشافية (4/ 1884). (¬3) انظر المساعد (3/ 480، 481)، والشرح الكبير لابن عصفور (ص 544). (¬4) انظر الكافية الشافية (4/ 1886).

[أحكام الجمع العلم]

[أحكام الجمع العلم] قال ابن مالك: (ولا يتجاوز بالمنقول (¬1) من جامد مستقرّ له جمع ما كان له؛ فإن لم يستقرّ له جمع عومل معاملة ما استقرّ له جمع من أشبه الأسماء به). الشّرح: يشير ابن مالك بما سبق أن المنقول الذي استقر له جمع لا يفارقه، ذلك وحاله كحاله قبل العلمية؛ فلو سميت بغراب لقلت في الجمع: أغربة وغربان. وإن كان له جمع مقيس وغيره أتبع المقيس، وأعزل علما يجمع على عزل، فهو المقيس فيه قبل العلمية، دون عزّل وعزّال وأعزال كما كان قبل التّسمية. فإن لم يكن له مقيس؛ فأنت بالخيار فغزال علما يجمع على غزلان وغزلة، كحاله قبل التسمية، ولم يكن واحد منهما مقيسا. (فإن لم يستقر له جمع عومل معاملة ما استقر له جمع من أشبه الأسماء به)؛ فلو سميت بمصدر كضرب، قلت في الجمع: أضرب كما تقول: كلب وأكلب، وضروب، كما تقول: كعب وكعوب. ¬

_ (¬1) انظر في ذلك شفاء العليل (3/ 1051).

[حكم تثنية المركب وجمعه]

[حكم تثنية المركب وجمعه] قال ابن مالك: (ويستغنى عن التّثنية والجمع بخلف في نحو: «سيبويه» وبعلبك. وباتّفاق في الجملة وشبهها؛ بأن يضاف إليه «ذو أو ذات» مثنّى أو مجموعا، وكذلك المعرب بإعراب المثنّى والمجموع على حدّه (¬1)، إلّا ما ندر كاثنين (¬2) وأثانين، ويتحيّل لما أوهم جمعه في وجه يلحقه بنظير). الشّرح: يثنى المفرد والجمع بعلامتهما المعروفة، ففي التثنية بالألف والنون رفعا، وبالياء والنون نصبا وجرّا، نحو: جاء الطالبان، وشاهدت الطالبين، وسلمت على الرّجلين، والجمع بحده بالواو والنون رفعا في جمع المذكر نحو سافر المحمدون، وبالياء والنون نصبا وجرّا، نحو: سلمت على المحمدين، وأبصرت المخلصين، وهنا يتكلم ابن مالك عن حكم تثنية المركب المزجي سواء أكان مختوما بويه، أو غير مختوم بها، نحو: سيبويه وبعلبك؛ وفيه خلاف فاختار ابن عصفور المنع، واختار الحضراوي، وابن أبي الربيع وغيرهما الجواز فيهما، وذكر اتفاق العلماء في جواز تثنية وجمع الجملة وشبهها مثل: تأبط شرّا، وبرق نحره، ونحو ذلك، فيضاف إلى ما سبق (ذو أو ذات) مثنى ذوا للمذكر، وذواتا للمؤنث وذوو في الجمع، وذوات في جمع المؤنث تقول: جاءني ذوا سيبويه، وللمؤنث: ذواتا سيبويه، وفي الجمع: ذوو سيبويه، وذوات سيبويه، وكذا الباقي. وكذلك تنقل بالمثنى المعرب بالحروف وجمع المذكر؛ كذلك تقول: جاءني ذو زيدين وذوو زيدين؛ إلا ما ورد نادرا كاثنين وأثانين، وحسنه قليلا؛ كونه ليس بمثنى (¬3) حقيقة؛ فإذا أوهم أنه جمع، وتعذر ذلك فيه، يتخيّل له في وجه يلحقه بنظير؛ إما بأن يقدر مفردا بوجه من الوجوه أو جمعا لواحد مقدر، وذلك نحو قولهم: «الفتكرين» وهي الشدائد والدواهي؛ فإنه يوهم الجمعية، لكن يمنع فيها أنه يلزم كونه جمعا لفعل؛ وهو مفقود فيتخرج على أن نونه أصلية، فيكون وزنه فعلّيلا كقذعميل (¬4). ¬

_ (¬1) أي: يعربان بالحروف. (¬2) ثبت هذا الاستثناء في نسخة عليها خطه؛ فجمعوا اثنين على أثانين، وهو معرب إعراب المثنى. (¬3) أي: ملحق بالمثنى في إعرابه، وليس له مفرد، وانظر في ذلك شفاء العليل للسلسيلي (3/ 1052). (¬4) القصير الضخم من الإبل. اللسان (11/ 554).

[حكم تثنية المضاف وجمعه]

[حكم تثنية المضاف وجمعه] قال ابن مالك: (ويستغنى بتثنية المضاف وجمعه عن تثنية المضاف إليه وجمعه، وكذا ما ليس فيه التباس من أسماء الأجناس. ولا يقال في ابن كذا، وأخي كذا، وذي كذا ممّا لا يعقل إلّا بنات كذا، وأخوات كذا وذوات كذا). الشّرح: يشير ابن مالك بأن المضاف من الأعلام كعبد الله، يثني صدره، ويجمع ويضاف إلى المضاف إليه، تقول: عبد الله، وأبوا بكر، وعبيد الله، وآباء أبي بكر، وكذا يستغنى بتثنية المضاف وجمعه فيما ليس فيه التباس من أسماء الأجناس، تقول: هذان ابنا عرس، وهؤلاء بنات عرس، وهؤلاء أبناء عم وبنات عم، هذا عند أمن اللبس؛ فإن ألبس اسم الجنس وجب تثنية المضاف إليه أيضا وجمعه فتقول: هذان ابنا إنسانين صالحين، وهؤلاء بنو ناس صالحين. (ولا يقال في ابن كذا، وأخي كذا مما لا يعقل إلّا بنات كذا (¬1)، وأخوات كذا، وذوات كذا)؛ ولا يجمع جمع مذكر سالما؛ بل يعامل معاملة المؤنث في ذلك، فيقال في ابن لبون وبنت مخاض (¬2)، وابن آوى: بنات كذا وكذا البواقي. ¬

_ (¬1) انظر المساعد (3/ 484)، وشفاء العليل (3/ 1052)، والكافية الشافية (2/ 286). (¬2) انظر شرح جمل الزجاجي؛ لابن عصفور (ص 548).

[حكم جمع المضاف والمضاف إليه]

[حكم جمع المضاف والمضاف إليه] قال ابن مالك: (وقد يجمع المضاف والمضاف إليه من الكنى، وإن كان المضاف إليه أبا أو أمّا استغني بجمعه غالبا على مثال «مفاعل» أو «مفاعلة» أو بالواو والنّون، وقد يجمع بالألف والتّاء). الشّرح: الكنية: هي التي صدر بأب، أو أم، أو نحوهما (¬1) كأبي بكر، وأم عمرو، فأشار ابن مالك؛ بأنه قد يجمع المضاف والمضاف إليه على رأي الكوفيين (¬2)، وسيبويه رحمه الله لا يجيز ذلك؛ إنما يجيز جمع المضاف فقط كما تقدم وتثنيته، فتقول: أبو الزيدين، وأبو البكرين وأم العمرين، وهو مذهب (¬3) يونس أيضا، أما الكوفيون، فيقولون: آباء الزيدين، وأمهات العمرين وهكذا. وإن كان المضاف إليه أبا أو ابنا استغني غالبا بجمعه على مثال مفاعل أو مفاعلة أو بالواو والنون كالبواهل (¬4)، والخنادف في أبناء باهلة وخندف، وكالمهالبة والأشاعثة في أبناء المهلب، وأبناء الأشعث؛ ويجوز مع ذلك أن يلفظ بالمضاف جمعا ويفرد المضاف إليه، فنقول: بنو الأشعث، وآباء بأهلة. أو بالواو والنون في نحو قولهم: الأشعرون في بني أشعر، وقد يجمع بالألف والتاء كالعبلات (¬5)، أولاد أمية الأصفر، والحبطات: أولاد الحبط بن عمرو بن تميم، واسمه الحارث (¬6). ¬

_ (¬1) انظر أوضح المسالك (1/ 127). (¬2) انظر المساعد (3/ 485)، وشفاء العليل (3/ 1053)، والتذييل والتكميل (6/ 34)، وهمع الهوامع (2/ 194). (¬3) المساعد (3/ 485). (¬4) باهلة: قبيلة من قيس عيلان، وهو في الأصل اسم امرأة من همدان، كانت تحت معن بن أعصر، فنسب ولده إليها، وهي أمهم. والخنادف: سميت من الخندفة وهي مشية كالهرولة، سميت خندق امرأة إلياس بن مضر، واسمها ليلى، نسب ولدها إليها، وهي أمهم. (¬5) وعبلة اسم جارية، وأمية الصغرى من قريش. (¬6) والأصل: انتفاخ بطن الدابة من أكل الذّرق، ومنه سمي الحارث بن عمرو بن تميم، والحبط، كان في سفر؛ فأصابه مثل ذلك، وولده يسمّون: الحبطات.

[حكم تثنية وجمع اسم الجمع والتكسير]

[حكم تثنية وجمع اسم الجمع والتكسير] قال ابن مالك: (يجمع اسم الجمع وجمع التّكسير غير الموازن «مفاعل» أو «مفاعيل» أو «فعلة» أو «فعلة» لمّا يثنّيان له، جمع شبيهيهما من مثل الآحاد، وربّما جمع جمع تصحيح موازن «مفاعل» أو «أفعل» بالألف والتّاء، والواو والنّون، وقد تجمع «أفعال» و «أفعلة» بالألف والتّاء، و «فعّل» بالواو والنّون، ويستغنى بلفظ الواحد عن الجمع مع الألف واللّام، والنّفي وشبهه كثيرا، ودون ذلك قليلا؛ فإن أضيف إليه العدد أو قصد معنى التّثنية تطابق اللّفظ والمعنى غالبا). الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى جواز جمع اسم الجمع، إذا قصد به بيان الأنواع نحو: رهط وأرهط، وقوم وأقوام، وظاهر كلام سيبويه أن جمع اسم الجمع لا ينقاس، قال (¬1): وهذا بناء ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون في مثله، ولم يكسّر هو على ذلك البناء. فمن ذلك قولهم: رهط وأراهط؛ كأنهم كسروا أرهط؛ ومن ذلك باطل وأباطيل؛ لأن ذا ليس بناء باطل ونحوه إذا كسرته؛ فكأنه كسرت عليه إبطيل وأبطال، ومثل ذلك كراع وأكارع؛ بل بدل كلامه على أنه سماعي، ولكن غيره يرى أنه قياسي. أما جمع التكسير فالأكثرون (¬2) على أنه ينقاس جمع الجمع الذي بصيغة القلة، وقال ابن عصفور (¬3): يقتصر فيه على ما سمع، وعليه حمل السيرافي كلام سيبويه (¬4)، وهو قول الجرمي، وهذا في غير الموازن مفاعل أو مفاعيل أو فعلة أو فعلة؛ فلا يجمع نحو: درارهم، ودنانير، وقضاة، وفجرة، فيجوز تكسير صيغ الجموع كلها ما عدا الأربع المذكورة. وقال المبرد (¬5) والرماني وغيرهما: يقاس جمع الكثرة إذا اختلفت أنواعه، وسيبويه يقتصر على السماع. - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (3/ 616). (¬2) انظر المساعد (3/ 486). (¬3) الشرح الكبير (ص 514). (¬4) الكتاب (3/ 621). (¬5) شفاء العليل (3/ 1053)، والمساعد السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ويثنيان عند قصد بيان الأنواع فيقال: قومان، وأقوام، وحوض وأحواض، ومصير ومصران وهي الأمعاء، ومصارين أيضا، وربما جمع موازن مفاعل أو أفعل بالألف والتاء كقولهم: صواحبات، قال الشاعر: 4276 - ترمي الفجاج والنيافي والقصا ... بأعينات لم يخالطها القذى (¬1) وبالألف والنون نحو أيامنين جمع أيامن، وهو جمع أيمن جمع يمين، قال الشاعر: 4277 - قد جرّت الطّير أيامنينا (¬2) وقولهم: في نواكس جمع ناكس: نواكسي الأبصار، وفي أعم جمع عمّ أعممون، وقد يجمع أفعال وأفعلة بالألف والتاء نحو قولهم: أبناء سعد، وأبناوات سعد، وفي أسماء جمع اسم: سماوات، وأغطية جمع غطاء: أغطيات، وفعل بالواو والنون نحو: خسر وخسّرون. ولا يستغنى بلفظ الواحد عن الجمع مع الألف واللام نحو قولهم: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، والنفي نحو: ما قام رجل إلا زيد، وشبهه نحو: لا تضرب أحدا (¬3) إلا زيدا، وهل قام أحد إلا زيد؟ والاستغناء في المواضع الثلاثة السابقة كثير، ودون ذلك قليل كقوله تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ (¬4) وتمرة خير من جرادة أي: كل نفس، وكل تمرة. فإن أضيف إليه العدد، أو قصد معنى التثنية تطابق اللفظ والمعنى غالبا؛ وذلك إذا أضيف إليه العدد نحو: قام ثلاثة رجال، أو قصد معنى التثنية نحو: ما قام رجلان - ¬

_ (¬1) البيتان من الرجز. ولا يعرف قائلهما، الفجاج: جمع فج، وهو الطريق في الجبل، والفيافي: الصحاري، والقذى: وسخ العين. والشاهد فيه: أعينات، فالجمع أعين وأعيان وأعينات - وهي جمع الجمع، وأثبت ابن الشجري جمع جمع الجمع، وجعل منه أصايل، جمع آصال، وهي جمع أصل، جمع أصيل. انظر المساعد (3/ 487)، وشرح الكافية الشافية (4/ 1888)، والشافية (2/ 203)، وما بعدها. (¬2) البيت من الرجز، والشاهد فيه: أيامنينا؛ لأن جمع أفعال كجمع إفعال، قال في اللسان «يمين»: إن ابن سيده قال: عندي أنه جمع يمينا على أيمان، ثم جمع أيمانا على أيامين؛ ثم أراد وراء ذلك جمعا آخر؛ فلم يجد جمعا من جموع التكسير أكثر من هذا، فرجع إلى الجمع بالواو والنون. (¬3) انظر شفاء العليل (3/ 1054)، والمساعد (3/ 489). (¬4) التكوير (14). عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ والانفطار آية 5 عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لم يجز وضع الواحد موضع الجمع في التركيب الأول، ولا وضع الواحد موضع الاثنين في التركيب الثاني، هذا هو الغالب؛ وقد جاء خلاف ذلك في قول الشاعر: 4278 - كأنّ خصييه من التّدلدل ... ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل (¬1) لأن القياس إذا أضاف ثنتا أن يقول: حنظلتين، كثلاثة رجال، وقول الآخر: 4279 - حمامة بطن الواديين ترنّمي ... سقاك من الغرّ الغواري مطيرها (¬2) حقه أن يقول: بطني الواديين؛ لأن لكل واد بطنا؛ فاستغنى بالواحد عن التثنية. * * * ¬

_ (¬1) البيت من الرجز لخطام المجاشعي، أو جندل ابن المثنى أو سلمى الهذلة، وانظر المساعد (3/ 490) والدرر (1/ 209)، ومعجم شواهد الفرق، وهو من شواهد سيبويه، وشفاء العليل (3/ 1054)، والشاهد فيه: إضافة ثنتا إلى حنظل على تقدير ثنتان من الحنظل. التدلدل: التعلق والاضطراب، وظرف العجوز: مزودة، وخصيان: مثنى خصية لضرورة الشعر، ويقول الخليل: إذا ثنيت خصية جاز فيها التأنيث والتذكير. انظر المساعد (3/ 490). (¬2) من الطويل نسبه العيني إلى الشماخ، وليس في ديوانه، والشاهد فيه: وضع المفرد موضع المثنى، والأصل: بطني الواديين. والبيت يدعو فيه الشاعر للحمامة بدوام السقيا.

الباب الخامس والسبعون باب التصغير

الباب الخامس والسبعون باب التّصغير [تعريف التصغير وبيان أغراضه وصيغه وشروطه وكيفيته] قال ابن مالك: (يصغّر الاسم المتمكّن الخالي من التّوغّل في شبه الحرف، ومن صيغ التّصغير وشبهها، ومنافاة معناه، بضمّ أوّله وفتح ثانيه، وزيادة ياء ساكنة بعده، يحذف لها أوّل ياءين ولياها، ويقلب ياء ما وليها من واو وجوبا إن سكنت أو اعتلّت أو كانت لاما، واختيارا إن تحرّكت لفظا في إفراد وتكسير ولم تكن لاما). الشّرح: يشير ابن مالك إلى تصغير الاسم؛ لأن التصغير هو تحويل بنية الكلمة لغرض؛ إما التحقير لما يتوهم أنه عظيم نحو: زييد وعمير ورجيل وأسيد، أو تقليل الكثير نحو: دريهمات ودنينير، أو تقريب ما يتوهم أنه (¬1) بعيد نحو: بعيد المغرب وقبيل العشاء، وزاد الكوفيون التعظيم كقول لبيد: 4280 - وكلّ أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفرّ منها الأنامل (¬2) فقد صغر الداهية، وهي الموت، ولا داهية أعظم منه، فيكون تصغيرها للتعظيم ويدخل فيه التصغير المفيد للعطف والتلطف نحو: يا بنيّ، يا أخيّ، يا صديّقي. ثم ذكر شروط الاسم الذي يراد تصغيره، بأنه لا بد أن يكون المصغر اسما، فلا تصغير للأفعال والحروف؛ لأن التصغير وصف في المعنى، والفعل والحرف لا يوصفان، ولا بد أن يكون المصغر غير متوغل في شبه الحرف، فلا تصغير للمضمرات ولا الموصولات نحو: من وكيف ومتى وأين، إلا ما شذ منها، وأن يكون خاليا من صيغ التصغير نحو: كميت وكعيت - البلبل -، وكذا مثل شبه صيغة التصغير كقليل؛ لأن معنى التصغير فيه، وأن يكون قابلا للتصغير بأن لا ينافيه، فلا يصغر مثل كبير وجسيم، وكذلك أسماء الله وأنبيائه وملائكته، ولا جمع الكثرة، ولا أسماء - ¬

_ (¬1) انظر الشافية (1/ 189). (¬2) البيت من الطويل والشاهد فيه: تصغير داهية على دويهية للتعظيم على رأي الكوفيين، وانظر الشافية (1/ 191).

[حكم تصغير ما فيه ألف]

[حكم تصغير ما فيه ألف] قال ابن مالك: (ويجعل المفتوح للتّصغير واوا وجوبا إن كان منقلبا عنها، أو ألفا زائدة، أو مجهولة الأصل، أو بدل همزة يلي همزة، وجوازا مرجوحا إن كان ياء أو منقلبا عنها، وللمجموع على مثال «مفاعل» أو «مفاعيل» من هذا الجعل الواجب ما للمصغّر). ـــــــــــــــــــــــــــــ الشهور كالمحرم والأسبوع كالسبت والأحد، ولا الأسماء العاملة عمل الفعل، وكذلك حسب، وأحد، وكل، وبعض، وأي، وغير ذلك مما ينافي معنى التصغير (¬1). ثم بين ذلك صيغة التصغير بأن يضم أوله، وفتح ثانيه، وزيادة ياء ساكنة بعده نحو: رجيل، وجعيفر، وعضيفير؛ فأوزان التصغير ثلاثة: فعيل، وفعيعل، وفعيعيل وينظر فيه مجرد الهيئة اللفظية من حيث الحركات والسكنات وعدد الحروف بقطع النظر عن الأصالة والزيادة، وهذا اصطلاح خاص بهذا الباب فلا تغيير فيه. ويحذف لها أي: للياء أول ياءين ولياها كما إذا صغرت صبيّا تقول: صبيّ، كما تقلب لها الواو الساكنة التي تليها مثل عجوز تقول فيها: عجيّز أو كانت معتلة مثل مقام تقول: مقيّم، أو كانت الواو لاما مثل غزو تقول: غزيّ. بقلب الواو ياء وإدغامها، ويجوز قلب الواو ياء أو بقاؤها إن تحركت لفظا في إفراد وتكسير، مثل أسود وأساود، وجدول، وجداول فتقول في التصغير: أسيّد وجديّل بقلب الواو ياء والإدغام (¬2) وهو القياس، وأسيود وجديول ببقاء الواو، واحترز بقوله: ولم تكن لاما من كروان فقد قالوا في جمعه: كراوين، ومع هذا لا يقال في تصغيره إلا: كريّان أو كريّين بقلب الواو والإدغام، ولم يعتدوا بكراوين لشذوذه. الشّرح: يشير إلى حكم المفتوح مع المصغر فتقلب واوا وجوبا إن كانت منقلبة عن الواو، والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها فتقول في: مال، ريح، ريان، قيمة: مويل، رويح، رويّان، قويمة، وعويد (¬3) في عيد، أو كان ألفا زائدة تقول في - ¬

_ (¬1) انظر في ذلك شرح ابن الناظم (2/ 288)، وشرح الشافية (1/ 190)، والمساعد (3/ 494)، وشفاء العليل (3/ 1055)، والكتاب (3/ 415)، والوافي (ص 10، 11). (¬2) انظر المساعد (3/ 495). (¬3) المساعد (3/ 498).

[كسر ما بعد ياء التصغير]

[كسر ما بعد ياء التصغير] قال ابن مالك: (ويكسر ما ولي ياء التّصغير غير آخر ولا متّصل بهاء التّأنيث أو اسم منزّل منزلتها، أو ألف التّأنيث أو الألف قبلها أو ألف «أفعال» (¬1) جمعا أو مفردا أو ألف ونون مزيدتين لم يعلم جمع ما هما فيه على «فعالين» دون شذوذ إلّا في حال لا يصغّر فيها). - ضارب، كاهل، قاصعاء: ضويرب، كويهل، قويصعاء، أو مجهولة الأصل نحو صاب - عصارة شجر مر -، وعاج تقول: صويب، عويج، أو بدل همزة تلي همزة نحو آدم تقول: أويدم. وجوازا مرجوحا إن كان ياء نحو (¬2) بيت، شيخ تقول: بييت، وشييخ، أو منقلبا عنها نحو ناب، باب تقول: نييب ونويب، بييب وبويب وللمجموع على مثال مفاعل أو مفاعيل من هذا الجعل الواجب ما للمصغر، فينقلب فيهما إلى الواو وعلى الحد المذكور في التصغير فتقول: أوارم وقواصع وخواتيم، وفي ميزان: موازين. الشّرح: يشير بذلك إلى حكم الحركة بعد ياء التصغير، وأنه يجب فيها الكسر نحو: دريهم وقد كان مفتوحا قبل التصغير، فإن كان مكسورا بقي على كسره نحو: زبيرح في زبرح، وذلك بشرط ألا يتصل (¬3) بهاء التأنيث، فإن كان متصلا بها وجب الفتح نحو: نميرة، وإلّا كسر نحو: دحيرجة أو اسم منزل منزلتها فيفتح المتصل كبعلبك بفتح اللام؛ لأن العجز منه كتاء التأنيث من المؤنث، أو ألف التأنيث المقصورة نحو: حبيلى في حبلى، أو الممدودة مثل: حميراء في حمراء. فإن كانت ألفه للإلحاق نحو: علقى، أو بألف قبلها كعلباء فإنه يكسر عليّقى وعليّبى أو ألف «أفعال» جمعا أو مفردا، جمعا مثل أثيّاب في أثواب، وأجيمال في أجمال، فلو سميت بأجمال كان مفردا فتقول: أجيمال (¬4). - ¬

_ (¬1) المساعد (3/ 500)، والكافية الشافية (2/ 285). (¬2) شفاء العليل (3/ 1056). (¬3) انظر الشافية (1/ 194)، وشرح ابن الناظم (2/ 562)، والكتاب (3/ 475). (¬4) انظر المساعد (3/ 500)، والشافية (1/ 189).

[تصغير ما حذف أحد أصوله]

[تصغير ما حذف أحد أصوله] قال ابن مالك: (ويتوصّل إلى مثال «فعيل» في الثنائي بردّ ما حذف منه إن كان منقوصا (¬1)، وإلّا فإلحاقه بدم أولى من إلحاقه بأفّ (¬2)، ولا اعتداد بما فيه من هاء تأنيث أو تائه، وتزال ألف الوصل مما هي فيه، وإن تأتى «فعيل» بما بقي من منقوص لم يردّ إلى أصله وما شذّ ردّه لم يقس عليه، خلافا لأبي عمرو). - أو ألف ونون مزيدتين كسكران وحسّان من الحسّ تقول: سكيران وحسيسان فالألف والنون فيهما زائدتان، لم يعلم جمع ما فيه على فعالين مثل: سكران وعثمان فلم يقل العرب في جمعه: سكارين ولا عثامين، فإن علم بأن العرب جمعته على فعالين قلبت ألفه ياء نحو: سرحان وسلطان فقيل: سريحين وسليطين، وكذلك كروان دون شذوذ نحو: عراثين في عرثان - جائع - وأناسين في إنسان فهذان شاذان فلا يعتد بهما ولا يقال: عريثين ولا: أنيسين. إلا في حال لا يصغر فيها هذا احتراز من عقبان فإنهم جمعوه على عقابين، ومع هذا فلا يقال: عقيبين؛ لأنه في حال لا يصغر فيها؛ لأنه جمع كثرة، وجمع الكثرة لا يصغر (¬3) على لفظه. الشّرح: يشير بذلك إلى حكم تصغير ما نقص منه حرف على سبيل الحذف سواء كان المحذوف فاء كعدة أم عينا كسنة أم لاما كيد؛ فيردّ ما حذف عند التصغير تقول: وعيدة، وسنيّة، ويديّ وفي سنة: سنيّة، سنيهة، فإن كان ثنائي الوضع كمن وعن فيكون تصغيره بزيادة ياء ثالثة له تقول: منيّ وعنيّ كتصغير دم دميّ، ويجوز أن يجعل المحذوف من لفظ الثاني تقول: منين وعنين كأفّ وأفيف، ولا اعتداد بما فيه من هاء التأنيث كعدة وشفة أو تائه كأخت وزيت، فلا يصير بذلك (¬4) ثلاثيّا بل هو ثنائي، يرد إليه ما حذف منه فتقول: وعيدة وشفيهة وأخيّة وزييّة. - ¬

_ (¬1) المراد ما نقص منه حرف. (¬2) بأن كان ثنائي الوضع. انظر التسهيل (ص 285). (¬3) شرح ابن الناظم (2/ 562). (¬4) انظر شفاء العليل (3/ 1057)، والوافي (ص 43)، والمساعد (3/ 502).

[التوصل إلى صيغة فعيعل وفعيعيل بما توصل به إلى جمع تكسيره]

[التوصل إلى صيغة فعيعل وفعيعيل بما توصل به إلى جمع تكسيره] قال ابن مالك: (ويتوصّل إلى مثال «فعيعل» أو «فعيعيل» فيما يكسّر على مثال «مفاعل» أو «مفاعيل» بما توصّل إليهما فيه، وللحاذف فيه من التّرجيح والتّخيير ماله في التّكسير، إلّا أنّ هاء التّأنيث، وألفه الممدودة، وياء النّسب، والألف والنون المزيدتين بعد أربعة أحرف فصاعدا لا يحذفن في التّصغير، ولا يعتدّ بهنّ، وتحذف واو جلولاء وشبهها، خلافا للمبرّد، ونحو: ثلاثين مطلقا، وظريفين علما، ملحق بجلولاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ وتزال ألف الوصل مما هي فيه عند تصغيره؛ لأن ثاني المصغر يتحرك فلا حاجة إليها فتقول في تصغير اسم، انطلاق، استضراب: سميّ، نطيليق، تضيريب، وعند صياغة فعيل حذف منه حرف لم يرجع إلى أصله نحو هار - الأرض المتصدعة، والرجل الكبير الضعيف -، وميت، وخير فتصغيرها على لفظها، تقول: هوير، ومييت، وخيير. وما ورد شذوذا عند تصغيره، لا يصح القياس عليه مثل قول بعضهم: هوير في هار، و: رويجل في رجل، خلافا لأبي عمرو ويونس اللذين أجازا الرد، وقال سيبويه (¬1): لا يجوز. الشّرح: يشير ابن مالك: إلى أنه يتوصل في تصغير فعيعل وفعيعيل إلى طريق ما توصّل به إلى جمع تكسيره مثل خدبّ، وخداب، وبهلول (¬2) وبهاليل، وعطوّد وعطاويد، تقول في تصغيره: خديّيب، وبهيليل، وعطيّيد، ويحذف في التصغير ما يحذف في التكسير ترجيحا أو تخييرا فكلاهما سواء في الحكم فتقول في عيطموس - التامة الخلق من النساء والإبل -: عطيميس، كما تقول: عطاميس أي بحذف الياء تصغيرا وجمعا، وتقول في منطلق: مطيليق، كما تقول: مطاليق، وفي استخراج: تخيريج كما تقول: تخاريج، وتقول في حبنطى - القصير الغليظ -: حبينط، وحبيط كما تقول: حبانط، وحباطى. إلا أن هاء - ¬

_ (¬1) انظر المساعد (3/ 503). (¬2) السيد الكريم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التأنيث، وألفه الممدودة، وياء النسب، والألف والنون المزيدتين بعد أربعة أحرف فصاعدا، لا يحذفن في التصغير؛ وعلى ذلك تحذف هاء التأنيث للتكسير دون التصغير مثل: دحارج في دحرجة، وفي التصغير: دحيرجة، والألف الممدودة فيقول في التكسير: قواصع في قاصعاء والتصغير قويصعاء، والمقصور لا يحذف فيهما نحو: حبالى وحبيلى إلا إن كان قبلها أربعة فصاعدا فتحذف في الجمع والتصغير نحو: قراقر وشقاقر، وقريقير وشقيقير، وكذا ياء النسب تقول في لوذعيّ (¬1) في الجمع: لواذع، وفي التصغير: لويذعيّ، وكذا مثل زعفران تقول في جمعه: زعافر، وفي تصغيره: زعيفران، وذلك بعد أربعة أحرف فإن كان بعد ثلاثة لم تحذف في تكسير ولا تصغير، تقول في سرحان: سراحين، وسريحين، وخرج النون الأصلية كنون أسطوانة فلا حذف لها نحو (¬2): أساطين جمعا، وتصغيرا: أسيطنة ولا يعتد بهاء التأنيث وألفه الممدودة وياء النسب والألف والنون المزيدتين؛ لأن التاء وباقيها ككلمة منفصلة وكأنما صغر دحرج، وقاصع، ولوذع، وزعفر، ومثلها عجز المركب، وعلامة التثنية والجمع الصحيح فتقول: بعيلبك، ومسيلمين، ومسيلمين، ومسيلمات. وتحذف واو جلولاء (¬3) وشبهها نحو براكاء (¬4)، وقريثاء، فتقول عند سيبويه: جليلاء وقريثاء، وبريكاء بحذف الألف والواو والياء، تشبيها بألف مبارك، وواو فدوكى (¬5) وياء سميذع (¬6). والمبرد (¬7) يخالفه في إقراره الواو والياء والألف، وتدغم ياء التصغير فيها بعد قلب الواو ياء تقول جليّلاء، وبريّكاء، فعاملها معاملة ما فيه تاء التأنيث. - ¬

_ (¬1) اللوذعي: الرجل الظريف الحديد الفؤاد، والياء للنسب. (¬2) في الصحاح: الأسطوانة بالسين معروفة والنون أصلية وهو أفعوالة مثل أقحوانة، وانظر فيما سبق الشافية (2/ 200)، وشفاء العليل (3/ 1057)، والمساعد (3/ 505)، والتسهيل (ص 281). (¬3) بلدة ببغداد قرب خانقين بمرحلة. (¬4) الثبات في الحرب والعدد. والقريثاء: ضرب من التمر ومنه نخل قريثاء. (¬5) فدوكى: الأسد، ورهط الشاعر الأخطل. (¬6) السّميذع: السيد الموطأ الأكناف بفتح السين لا بضمها. (¬7) انظر المقتضب (2/ 262) فقد حكم على رأي سيبويه بالغلط البين وأن احتجاجه بألف مبارك ليس بحجة؛ لأن كاف مبارك من الكلمة، فلذلك حذف الألف؛ لأنه لا يصغر خمسة أحرف، وأنه يلزمه في تحقير بروكة أن تقول: بريكة.

[ما يرد إلى أصله عند التصغير وما لا يرد]

[ما يرد إلى أصله عند التصغير وما لا يرد] قال ابن مالك: (فصل: يردّ إلى أصله في التّصغير والتّكسير على مثال «مفاعل» أو «مفاعيل» أو «أفعال» أو «أفعلة» أو «فعال» ذو البدل الكائن آخرا مطلقا، فإن لم يكن آخرا فيشترط كونه حرف لين بدل غير همزة تلي همزة. وما ورد بخلاف ذلك فمن مادة أخرى، أو شاذ، ولا تغيّر تاء متّعد ومتّسر ونحوهما، خلافا لقوم، وإن صغّر ذو القلب أو كسّر فعلى لفظه لا أصله). ـــــــــــــــــــــــــــــ وحجة سيبويه (¬1): أن لها شبها بتاء التأنيث وبالمقصورة، فبالأولى بقيت في التصغير، وشبهها بالألف المقصورة سقطت الأحرف الثلاثة؛ لأنها كألف حبارى. ونحو: ثلاثين مطلقا، وظريفين علما، ملحق بجلولاء، فتقول عند تصغيرها على رأي سيبويه: ثليثين، وظريفين، وظريفين، وظريفات علما، فتحذف الألف والياء كما حذفت واو جلولاء. أما المبرد فقال: أقول: ثليّثين بالتثقيل وهو القياس، وما قاله يونس خطأ. وحكى الفارسي أن ثليثين بالتخفيف قول جميع العرب وهذا يبطل قول المبرد في المسألتين. الشّرح: يشير ابن مالك إلى أن التصغير والتكسير يرد الشيء إلى أصله، وذلك ما كان على مثال: مفاعل كملاه، ومفاعيل كصحاري وأفعال كأمواه، وأفعلة كأسقية، وفعال كمياه، فنقول في التصغير: مليّه، ومويّه، وسقيّ، وقوله: مطلقا أي سواء كان حرف لين كملهى فألفه منقلبة عن واو من اللهو، أو غيره كماء فهمزته بدل من هاء، فإن لم يكن ذو البدل آخرا فيشترط كونه حرف لين بدل غير همزة تلي همزة، فقولك: مال، ومويل، وموقن، ومييقن اجتمع فيهما الشرطان، - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (2/ 117) بولاق، وقد ذكرت دليله السابق، الذي ذكره في (2/ 118) قال: «ولو جاء الكلام فعولاء ممدودة لم تحذف الواو؛ لأنها تلحق الثلاثة بالأربعة، فهي بمنزلة شيء من نفس الحرف، وذلك حين تظهر الواو فيمن قال: أسيود فهذه الواو بمنزلة واو أسيود». ورد ابن ولاد كلام المبرد في الانتصار (ص 260 - 264) فقال: أما إلزامه أن يجعل بروكاء في التحقير كبروكة، فيثقل، ويقول: بريكاء كما يقول: بريكة فليس بصحيح؛ لأنه وإن جعل الألف الممدودة للتأنيث بمنزلة الهاء في حال فليست بمنزلتها في كل حال.

[تصغير المؤنث الخالي من تاء التأنيث]

[تصغير المؤنث الخالي من تاء التأنيث] قال ابن مالك: (فصل: تلحق تاء التّأنيث في تصغير ما لم يشذّ من مؤنّث بلا علامة، ثلاثي أو رباعي بمدّة قبل لام معتلّه، إن لم يكن مصدرا في الأصل ولا اسم جنس مذكّر الأصل، ولا اعتبار في العلم بما نقل عنه من تذكير أو تأنيث، خلافا لابن الأنباريّ، ولا تلحق دون شذوذ غير ما ذكر إلّا ما حذف منه ألف التّأنيث، خامسة أو سادسة، ولا تحذف الممدودة فيعوّض منها، خلافا لابن الأنباريّ، وتحذف تاء ما سمّي به مذكّر من بنت ونحوه بلا عوض). ـــــــــــــــــــــــــــــ فهو حرف لين، وهو بدل غير همزة، فإذا كان غير لين كتخمة لا يردّ إلى الأصل، وكذا إن كان بدلا من همزة تلي همزة كآدم؛ فالهمزة فيه بدل من همزة، فلا يرد إلى أصله المبدل منه، بل يصغر الأول على (¬1) لفظه تخيمة وتراث وتريث، وتقلب الألف في الثاني واوا لضم ما قبلها تقول: أويدم، وكذا التكسير تقول: أوادم. وما ورد بخلاف ذلك فمن مادة أخرى أو شاذ. مثال الأول: قولهم: فسيتيط. فلا تجعل التاء بدلا من الطاء في فسطاط بل هو تصغير فسيتاط، وقالوا في الجمع (¬2): فساطط، وفساطيط. ومثال الثاني: قولهم في عيد: عييد وقياسه عويد؛ لأنه من عاد يعود، ولا تقيد تاء متعد ومتسر ونحوهما خلافا لقوم منهم الزجاج (¬3)، فتقول: متيعد ومتيسر بحذف تاء مفتعل لزيادتها، وهذا مذهب سيبويه (¬4) كما تقول: تخيمة وتريّث، وقال الزجاج: ترد الواو والياء فتقول: مويعد، ومييسر، نظرا إلى زوال موجب التاء. وإن صغّر ذو القلب أو كسّر فعلى لفظه لا على أصله، فلو صغرت قسيّا قلت في تصغيره: قسي وأصله قؤوس، ولو صغر على أصله لقيل: قويس، وكذا جاه يصغر على جويه (¬5) لا على أصله: وجيه، وفي أينق: أيينق وأيانق. الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى أن تاء التأنيث تلحق الاسم الثلاثي المؤنث - ¬

_ (¬1) انظر المساعد (3/ 509). (¬2) شفاء العليل (3/ 1058). (¬3) همع الهوامع (2/ 188). (¬4) الكتاب (2/ 129). (¬5) انظر المساعد (3/ 511)، وشرح الكافية الشافية (4/ 1960)، وشرح الناظم (2/ 590).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي ليس فيه علامة تأنيث نحو: دار وسنّ ويد (¬1) فتقول: دويرة، وسنينة، ويديّة ومن الشاذ ترك التاء في ألفاظ مثل: ذود - من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشر - وشول - الماء القليل في أسفل القربة - ونصف - المرأة المتوسطة العمر - فنقول: ذويد، وشويل ونصيف بدون تاء، أو كان رباعيّا بمدة قبل لام معتلة نحو سماء تقول: سميّة. بحذف المتطرفة من الياءات الثلاث، فيبقى ثلاثيّا فتلحقه التاء، ما لم يكن مصدرا كحرب، أو اسم جنس مذكر الأصل كناب تقول: حريب ونويب، بدون تاء. وكذا إذا لم يحصل التباسه بمذكر كعشر وتسع وشجر وبقر (¬2) فلا تدخل عليها تاء بعد تصغيرها. ولا اعتبار في العلم بما نقل عنه من تذكير أو تأنيث فلو سميت امرأة برمح لقلب رميحة نظرا إلى أصله، أو سميت مذكرا بأذن قلت: أذين، لا: أذينة؛ نظرا إلى الحال؛ لأن الاعتبار بالموجود لا المفقود، خلافا لابن الأنباري في اعتبار الأصل، وهو منقول عن يونس في صورته الثانية محتجّا بقولهم: عروة بن أذينة، وعيينة بن حصن، ومالك بن نويرة، ولكن الحقيقة أن التصغير بعد التسمية بالمكبّر. ولا تلحق التاء الثلاثي الرباعي في غير ما ذكر؛ فلا تلحق زينب وعقرب وعناق فإن لحقتها فهي شاذة مثل: قديّمة وأميّمة، ووريّئة في: قدام وأمام ووراء. إلا ما حذف منه ألف التأنيث خامسة أو سادسة، المراد أنك تقول في حبارى: حبيّرة وقيل: حبيّير (¬3)، الأولى بجعل التاء عوضا عن الألف المحذوفة وغير أبي عمرو لا يعوض فيقول: حبيّر. ومثال ألف التأنيث السادسة: لغّيزى بالتعويض عن المحذوف لغيغيزة؛ فالتاء عوض عن الألف المحذوفة أو لغيغيز بدون تعويض. ولا تحذف الممدودة فيعوض عنها خلافا لابن (¬4) الأنباري؛ فتقول في باقلاء، برناء - الناس -: بويقلة، وبرينة قياسا على المقصورة، وتحذف تاء ما سمي به من مذكر من بنت ونحوه بلا عوض؛ فتقول في بنت وأخت علمي مذكر: بنيّ وأخيّ بحذف التاء ولا تعوض بل تصغرهما كتصغير ابن وأخ، ولو سميت بهما مؤنثا أثبت التاء تقول: بنيّة وأخيّة كما كنت تصغرهما. ¬

_ (¬1) انظر المساعد (3/ 512) والكتاب (2/ 129). (¬2) انظر شفاء العليل (3/ 1059). (¬3)، (¬4) الهمع (2/ 189).

[تصغير ما دل على جمع]

[تصغير ما دلّ على جمع] قال ابن مالك: (فصل: تصغّر أسماء الجموع وجموع القلّة، ولا يصغّر جمع كثرة تصغير مشاكله من الآحاد خلافا للكوفيّين بل مع الرّدّ إلى تكسير قلّة، أو تصحيح مفرد المذكور إن كان لمذكّر عاقل مطلقا، وإلّا فجمع تصحيح الإناث مطلقا، وإن كان جمعا مكسرا على واحد مهمل وله واحد مستعمل ردّ إليه لا إلى المهمل القياسي، خلافا لأبي زيد، فإن لم يكن له واحد مستعمل ردّ إلى المهمل القياسيّ، وعومل معاملة مستعمل، وسريّيل في سراويل أجود من سريّيلات، ويقال في ركب وسفر: ركيب وسفير، لا رويكبون، ومسيفرون خلافا لأبي الحسن). الشّرح: أشار ابن مالك إلى تصغير أسماء الجمع وجمع القلة بأنه يصغر على لفظه مثل قوم ورهط وأكلب وأرغفة، تمر، وغلمة فتصغر على لفظها فتقول: قويم، ورهيط، وأكيلب، وأريغفة، وتمير، وغليمة، وأجيمال في أجمال ونحو ذلك، أما جمع الكثرة فلا يصغر على لفظه؛ لأن الصيغتين متنافيتان وضعا فلا يجمع بينهما، خلافا (¬1) للكوفيين محتجين بأصيلان تصغير أصلان جمع أصيل، وهذا مردود؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: أصيلين، ولا يصغر إلا مع الرد إلى جمع القلة مثل فلوس تصغيرها أفيلس، وفتيان فتيّة إن كان له جمع قلة أو تجمعه جمع مذكر إن كان لمذكر عاقل تقول في زيدون: زييدون، وفي غلمان غليّمون. مطلقا أي: سواء كان المفرد مما يجمع بالواو والنون كزيد أم لا كغلام، وسواء أكان له جمع أم لا كغلمان ورجال فما له قلة يرد إليها ويصغر أو إلى المفرد ويصغر ثم يجمع بالواو والنون وما لا قلة له يتعين فيه الثاني (¬2). وإلّا فجمع تصحيح الإناث أي: بأن كان لمذكر غير عاقل كدراهم، أو لمؤنث مطلقا كجوار ورسائل فإنه يرد إلى المفرد ويصغر، ويجمع بالألف والتاء نحو: دريهمات، وجويريات، ورسيّلات مطلقا سواء أكان مكبره يجوز جمعه بالألف - ¬

_ (¬1) الهمع (2/ 189). (¬2) المساعد (3/ 519).

[الاستغناء بالمصغر عن المكبر ونحوه]

[الاستغناء بالمصغر عن المكبر ونحوه] قال ابن مالك: (فصل: قد يستغنى بمصغّر عن مكبّر، وبتصغير مهمل عن تصغير مستعمل، وبتصغير أحد المترادفين عن تصغير الآخر، ويطّرد ذلك فيهما جوازا إن جمعهما أصل واحد، وقد يكون للاسم تصغيران: قياسي وشاذّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ والتاء كمفرد جوار أم لا كمفرد دراهم، وسواء أكان له جمع قلة كغواش أم لا كدراهم، فإن كان له جمع قلة جاز الرد إليه فيقال: أغيشية. وإن كان جمعا مكسرا على واحد مهمل وله واحد مستعمل ردّ إليه مثل مذاكير وملاميح وواحدهما المهمل: مذكار وملمحة، والمستعمل: ذكر ولمحة، فتردهما إلى المستعمل فتقول: ذكيرات ولميحات حتى ينطق بنطق العرب، خلافا لأبي (¬1) زيد الذي يرد إلى الواحد المهمل فيقول: مذيكرات، ومليمحات. وردّ بأن هذا لم ينطق به العرب. فإن لم يكن له واحد مستعمل ردّ إلى المهمل القياسي، وعومل معاملة مستعمل نحو عباديد ليس له مفرد مستعمل فيرد للضرورة إلى المهمل القياسي عبديد - الفريق من الناس - ثم يصغر ويعامل معاملة المستعمل، فإن كان لمذكر عاقل قيل: عبيديدون أو لغيره قيل: عبيديدات. وسريّيل في سراويل أجود من سريّيلات؛ لأنه ليس بجمع كدنانير علما، فيصغر على لفظه تقول: سريّيل، ومن قال: إنه (¬2) جمع سروالة صغره عليه ثم جمع بالألف والتاء سريّيلات، ويقال في ركب وسفر: ركيب وسفير؛ لأن أسماء الجموع تصغر على لفظها، وبها جاء السماع: 4281 - أخشى ركيبا أو رجيلا عاديا والأخفش يرى أنه جمع تكسير فرده إلى المفرد وجمعه كما تقول: رويكبون، ومسيفرون. الشّرح: يشير ابن مالك بأن من الألفاظ ما ينطق (¬3) به على صورة المصغر - ¬

_ (¬1) السابق (3/ 520). (¬2) الكتاب (3/ 444). (¬3) انظر في ذلك المساعد (3/ 521) وشفاء العليل (3/ 1061).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا ينطق بالمكبر نحو الكميت من الخيل والخمر، وكأنه تصغير أكمت تصغير ترخيم؛ لأن قياس الألوان أفعل، ونحو الكعيت وهو البلبل، وكما يستغنى بتصغير مهمل عن تصغير مستعمل نحو قولهم في مغرب: مغيربان وفي رجل: رويجل وكأنه تصغير مغربات وراجل ونظيره: مذاكير وأعاريض جمع ذكر وعروض - وهي الناقة التي لم ترض، وقيل غير ذلك، كما يستغنى بتصغير أحد المترادفين عن تصغير الآخر مثل قصر بمعنى عشي يقال: أتيته قصرا، أي: عشيّا، ولم يصغروا قصرا، استغناء بتصغير عشيّ، وقالوا في تصغير عشيّ: عشيّانات، وقالوا في تصغيره: عشيشيان، والجمع عشيشيانات، وهذا كما قالوا في تصغير عشية عشيشية والجمع عشيشيانات. ويطرد ذلك فيهما جوازا إن جمعهما أصل واحد، ولك أن تستغني بتصغير أحد المترادفين عن تصغير الآخر بشرط أن يجمعهما أصل واحد في الاشتقاق نحو جليس ومجالس فيجمعهما (¬1) الاشتقاق من الجلوس فيجوز أن تستغني بجليس عن مجيلس وبالعكس. وقد يكون للاسم تصغيران: قياسي (¬2) وشاذ وذلك نحو صبيّة جمع صبيّ، وقالوا في تصغيره: صبيّة على لفظه، وهو القياسي. لأن جمع القلة يصغر على لفظه، وقالوا: صبيبة على غير قياس كأنه تصغير أصبية، ولم يتكلموا بهذا المكبر، لكنه قياس جمع فعيل في القلة، وقالت العرب في جمع غلام: غلمة، وفي التصغير: أغيلمة كأنه تصغير أغلمة وهو قياس القلة في فعال (¬3) كغراب وأغربة، ولكنه لم يستعمل في غلام في التكسير، وقد استغنوا بغلمة عن أغلمة وتصغير الغلمة: أغيلمة على غير مكبرة، كأنهم صغروا أغلمة، وإن كانوا لم يقولوه. ¬

_ (¬1) انظر المقتضب (2/ 285). (¬2) انظر الهمع (2/ 190). (¬3) انظر الكتاب (3/ 626).

[تصغير غير المتمكن]

[تصغير غير المتمكن] قال ابن مالك: (فصل: لا يصغّر من غير المتمكّن إلّا «ذا» و «الّذي» وفروعهما الآتي ذكرها، فيقال: «ذيّا» و «تيّا» و «اللّذيّا» و «اللّتيّا» و «ذيّان» و «تيّان» و «اللّذيّان» و «اللّتيّان» و «أليّا» و «أليّاء» و «اللذيّون» و «اللذيّون» في الذين، و «اللّتيّات» و «اللّويتا» في اللاتي، و «اللّويّاء» و «اللّويؤون» في اللّائي، واللّائين، فوافقت المتمكّن بزيادة الياء ثالثة بعد فتحة، وخالفته بترك الأوّل على حاله وزيادة ألف عوضا منه. وأصل «ذيّا» و «تيّا» و «ذييّا» و «تييّا» فخفّفا بحذف الياء الأولى، ولهما ول «أليّا» و «أليّاء» من التّنبيه والخطاب ما لهن في التكبير، وضم لام «اللّذيّا» و «اللّتيّا» لغيّة). الشّرح: يشير ابن مالك بما سبق إلى تصغير المبهمات، وكان حق اسم الإشارة أن لا يصغر؛ لغلبة شبه الحرف عليه، وأصله وهو ذا على حرفين، لكنه تصرّف تصرّف الأسماء المتمكنة فوصف ووصف به وثني وجمع وأنث فأجري مجراها في التصغير، وكذلك اسم الموصول لما كان كما سبق جاز تصغيره، وتصغير ما تصرف منه دون غيرها من الموصولات كمن وما، وخولف بتصغيرهما تصغير الأسماء المتمكنة، فزيد في الآخر ألف بدل الضمة بعد أن كملوا لفظ «ذا» ثلاثة أحرف (¬1) بزيادة في آخره. فيقال في تصغير ذا والذي، وفروعهما: ذيّا، وتيّا والأصل ذييّا وتييّا، واللذيّا واللتيّا في تصغير الذي والتي، وذيان وتيان في تثنية ذا، وتا، واللذيّان واللتيّان في تثنية الذي والتي، وأليّا في تصغير الألى، وأوليّاء في تصغير أولاء، واللذيّون، واللّذيّون في الذين، الأول قول سيبويه، والثاني قول المبرد، واللّتيّات واللّويتا في اللائي، والثاني قول الأخفش، واللّويّاء، واللّويؤون في اللائي واللائين، فالأول تصغير اللائي غير مهموز وهو قول الأخفش، وأجاز بعضهم تصغيرها مهموزا فتقول: اللّويئا، وتصغر اللائين فتقول: اللّويؤون. والحق أن ما سمع فيها - ¬

_ (¬1) الشافية (2/ 284).

[تصغير الترخيم]

[تصغير الترخيم] قال ابن مالك: (فصل: تصغير التّرخيم جعل المزيد فيه مجرّدا معطى ما يليق به من «فعيل» أو «فعيعل» ولا يخصّ الأعلام خلافا للفرّاء، ولا يستغني «فعيل» عن هاء التأنيث إن كان لمؤنّث، ولا يمتنع صرفه إن كان لمذكّر، وقد يحذف لهذا التّصغير أصل يشبه الزّائد) (¬1). - قليل؛ لأن تصغير المتوغل في البناء خارج عن القياس، ثم يقول فارقا بين تصغير المبنيات والمعربات ومبينا الموافقة بينهما ويذكر أنها وافقت المعرب في زيادة الياء ثالثة بعد فتحة نحو اللذيا واللتيا، وخالفته بترك الأول على حاله وزيادة ألف في آخره عوضا عما فاته من ضم أوله. وأصل: ذيّا، تيّا: ذييا وتييا فزادوا الياء حتى تكمل ثلاثة أحرف، ثم خففت بحذف الياء الأولى، والياء الثانية للتصغير، والثالثة: يحتاج إليها لأجل الفتحة المستحقة للألف الزائدة عوضا. ولهما ول «أليّا» و «أوليّاء» من التنبيه والخطاب ما لهن في التكبير (¬2) أي: يثبت لذيّا وتيّا وما ذكر من فروعهما ما كان في التكبير، من لحاق هاء التنبيه وكاف الخطاب مع اللام ودونها، ومع التشديد والتخفيف فتقول: هاذيّا وذيّاك، وهاذيّاك، وذيّالك، وتقول: هاذيّان وذيّانك، وهاذيّانك، وذيّانّك بتشديد النون أو إبدال إحدى النونين (¬3) ياء، وتمتنع هاء التنبيه عند التشديد أو البدل، وهاؤليّا وأوليّاك، وهؤلياك بالقصر، وهؤليائك، قال الشاعر: 4282 - يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا ... من هؤليّائكن بين الضال والسمر (¬4) وتقول: اللّذيا واللّتيا بضم لامهما لغة (¬5) شاذة. الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى أن تصغير الترخيم يقصد به تصغير بتجريد - ¬

_ (¬1) نحو بريه وسميع في إبراهيم وإسماعيل. (¬2) المساعد (3/ 528). (¬3) شفاء العليل (3/ 1061). (¬4) البيت من البسيط للعرجي، وقيل: لغيره. والضال: السدر البري، والسمر: شجر الطلح، وهؤلياء: تصغير شاذ للإشارة. (¬5) انظر الكتاب (3/ 287)، والشافية (2/ 284)، والكافية الشافية (2/ 298).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاسم من الزوائد فإن كانت أصوله ثلاثة ردّ إلى (¬1) «فعيل» وإن كانت أصوله أربعة ردّ إلى فعيعل فهو عبارة عن حذف جميع الزوائد ثم تصغر بعد ذلك على ما عرفت في التصغير السابق، وفي ذلك يقول سيبويه (¬2): «اعلم أن كل شيء زيد في بنات الثلاثة فهو يجوز لك أن تحذفه في الترخيم، متى تصير (¬3) الكلمة على ثلاثة أحرف؛ لأنها زائدة فيها وتكون على مثال فعيل وذلك قولك في حارث: حريث، وفي أسود: سويد، وفي غلاب: غليبة - وغلاب اسم امرأة - ويدخل هذا التصغير (¬4) العلم وغيره، وهذا رأي البصريين، ويرى الفراء أنه لا يصغر تصغير ترخيم إلا العلم؛ لأن ما أبقي منه دليل على ما ألقي لشهرته، ولكن ورود هذا المثل (¬5) «عرف حميق جمله» تصغير أحمق فهو غير علم، وسمي بهذا الاسم؛ لأن في حذف الزائد تسهيل الكلمة بتقليل لفظها والترخيم لغة التسهيل فتقول في أزهر: زهير، وفي منطلق: طليق وفي مستخرج: خريج، وفي مدحرج: دحيرج على فعيعل، وفي تصغير إبراهيم وإسماعيل: بريه وسميع، وهو السماع الوارد عن العرب وحكاه سيبويه (¬6)، وأمّا ما قاله المبرد فالتصغير فيها: أبيريه وأسيميع، وقيل: يصغران على بريهيم وسميعيل وقال الرضي (¬7): وهما المشهوران، وهما شاذان. والقياس ما قال المبرد وبين تصغير الترخيم وخلافه من التصغير افتراق واتفاق؛ فقد يفترقان في تصغير زعفران فالعادي زعيفران (¬8)، والترخيم زعيفر بتجريده من الزوائد وقد يتفقان كتصغير الثلاثي، فتقول في سعد وفضل: سعيد وفضيل ولا يستغني فعيل عن هاء التأنيث، إن كان لمؤنث؛ فتقول في سعاد لمؤنث: سعيدة وحمراء: حميرة، وفي سعاد لمذكر: سعيد بلا تاء، وطامث: طميث، ونصف: نصيف، ولا يمتنع صرفه إن كان لمذكر، فتقول في أحمد: حميد مصروفا. وقد يحذف لهذا التصغير - أي: تصغير الترخيم - أصل يشبه الزائد نحو بريه وسميع - ¬

_ (¬1) انظر شرح الشافية (4/ 1926). (¬2) الكتاب (3/ 476). (¬3) انظر الكافية الشافية (ص 1927). (¬4) انظر الشافية (4/ 1926). (¬5) مجمع الأمثال (1/ 401). (¬6) الكتاب (3/ 476). (¬7) الشافية (1/ 284). (¬8) المساعد (3/ 529).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في إبراهيم وإسماعيل. تحذف الهمزة والميم واللام، ومذهب سيبويه أن الهمزة زائدة (¬1) فيصغران على بريهيم وسميعيل، ومذهب المبرد أنها أصلية. فيصغران على أبيره وأسيمع، وفي شرح الأشموني: أبيريه، وأسيميع (¬2). * * * ¬

_ (¬1) شفاء العليل (3/ 1063)، وابن الناظم (ص 563). (¬2) شرح الأشموني (4/ 170).

الباب السادس والسبعون باب التصريف

الباب السادس والسبعون باب التّصريف [تعريف التصريف] قال ابن مالك: (التّصريف علم يتعلّق ببنية الكلمة، وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحّة وإعلال وشبه ذلك). قال ناظر الجيش: التصريف في اللغة (¬1): التقليب من حال إلى حال، وهو مصدر صرفه، أي: جعله يتقلب في أنحاء كثيرة، قال الله تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا (¬2) أي: لم يكن ضربا واحدا، بل جعلناه على أنحاء وجهات متعددة. وأما في الاصطلاح: فقد عرفه المصنف في شرح الكافية بأنه: تحويل الكلمة من بنية إلى غيرها لغرض لفظي أو معنوي (¬3)، فاللفظي كتغيير: قول، وبيع، ورمي، وأأيمة إلى: قال، وباع، ورمى، وأئمّة، والمعنوي كتغيير المفرد إلى المثنى والمجموع، وتغيير المصدر إلى بناء الفعل واسمي الفاعل والمفعول، وهذا التعريف يوافق التفسير اللغوي، إلا أن ذلك عام، وهذا تغيير خاص بالكلمة وعرّفه هنا - أعني في التسهيل -: بأنه علم يتعلق ببنية الكلمة ... إلى آخره، وكذا عرّفه به في إيجاز التعريف له، ولا اختلاف بين التعريفين؛ لأن ذلك تعريف له باعتبار العمل، وهذا التعريف له باعتبار العلم، فلم يتواردا على محل واحد، واعلم أن المصنف قصر هذا الباب على ذكر الأمور الراجعة إلى الغرض اللفظي؛ وذلك لأنه أورد الكلام فيما يتعلق بما يرجع إلى الغرض المعنوي في أبواب متفرقة في الكتاب، وقد فعل الأستاذ أبو الحسن ابن عصفور كما فعل المصنف معتذرا بأن هذا النّحو من التصريف جرت - ¬

_ (¬1) التصريف في اللغة يأتي لمعنى: التبيين، والتحويل، والتقليب، والاشتقاق، والإنفاق وشرب الشيء صرفا، فمن الأول: تصريف الآيات، ومن الثاني: تصريف الرياح، ومن الثالث: قولك: صرفته في الأمر، ومن الرابع: تصريف الكلام، ومن الخامس: تصريف الدراهم، ومن السادس: تصريف الخمر. القاموس (3/ 162). وأصله - أي: التصريف - تصررف براءين؛ لأن فعله صرّف بشد الراء، ويجب اشتمال المصدر على جميع حروف فعله، أبدلت الثانية ياء من جنس حركة ما قبلها، وخصت بذلك؛ لأن ثقل التكرار إنما حصل بها، وهكذا كل ما وازنه، كتقديس وتكريم وتفضيل. انظر: الكتاب (4/ 242)، والمنصف (1/ 2)، والممتع (1/ 27)، وحاشية الخضري (2/ 183). (¬2) سورة الإسراء: 41. (¬3) شرح الكافية لابن مالك (4/ 2012).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عادة النحويين أن يذكروه مع ما ليس بتصريف (¬1)، يعني أنهم يدرجون أبوابه مع أبواب علم الإعراب، بقي أن يقال: فهل التعريف الذي ذكره هنا شامل للأمرين الراجعين إلى الغرضين، أو هو مقصور على الأمر الراجع إلى الغرض اللفظي فقط، كما أن الباب مقصور عليه والجواب الذي يقتضيه التبويب والترتيب ظاهر أن التعريف يكون مقصورا على ما قصر عليه الباب، وهو الأمر الذي يرجع إلى الغرض اللفظي، ولم يكن قصره إياه على ذلك؛ ليخرج القسم الآخر - أعني المتعلق بالغرض المعنوي من التصريف - كيف وقد صرح بأنه منه؛ بل لأنه قد أورد ذلك في أبواب أخر كما تقدم فصار الكلام حينئذ موجها إلى قصد ذكر ما يرجع إلى الغرض اللفظي، ويمكن أن يقال: إن التعريف المذكور يكون شاملا للأمرين؛ لأن معرفة المثنى والمجموع وأبنية الأفعال ومصادرها، والصفات والمصغر والمنسوب والإمالة، يمكن دخولها تحت قوله: علم يتعلق ببنية الكلمة، ولا يضر شمول التعريف للأمرين مع قصر الباب على ذكر أحدهما إذا عرف ذلك فلنرجع إلى الكلام على مفردات التعريف، فقوله: علم جنس يدخل تحته علم التصريف وغيره من العلوم، وقوله: ببنية الكلمة فصل أخرج به ما عدا علم التصريف حتى علم الإعراب؛ لأن علم الإعراب علم بحال الكلمة حال التركيب بالنسبة إلى ما لها من الأحكام، لا علم ببنية، إن كان العلمان داخلين تحت علم النحو. ويدخل في قوله: ببنية الكلمة ما تقدمت الإشارة إليه من الصيغ المختلفة لاختلاف المعاني وما تغير من الأبنية؛ لا لاختلاف المعاني بل للتخفيف، وهو الراجع إلى الغرض اللفظي، كقال، وباع، ورمى وأئمّة ورسائل وأواصل، ونحو ذلك ويدخل فيه - أيضا - أوزان الأبنية فإن معرفة الأوزان من علم التصريف، وكذا يدخل ما لا يضطر إليه في الكلام مما يستعمله التصريفي على سبيل التدرب والامتحان، كما إذا بنيت من كلمة مثل أخرى، كضربت من دحرج (¬2)، وقوله: وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك، قيل: أشار بقوله: وشبه ذلك إلى الحذف، والنقل، والإدغام، - ¬

_ (¬1) الممتع (1/ 31). (¬2) هذا تعريف الشارح للأبنية، وانظر في ذلك: الجاربردي (1/ 11)، وحاشية ابن جماعة عليه (1/ 11)، وشرح الشافية للرضي (1/ 2)، والنكت للسيوطي (2/ 958).

[ما يدخله التصريف]

[ما يدخله التصريف] قال ابن مالك: (ومتعلّقه من الكلم: الأسماء المتمكّنة والأفعال المتصرّفة ولها الأصالة فيه). ـــــــــــــــــــــــــــــ والقلب، ثم قال الشيخ: هذا يعني قوله: وما لحروفها ... إلى آخره كأنه شرح لقوله: علم يتعلق ببنية الكلمة؛ إذ العلم الذي يتعلق بالبنية هو النظر فيها من حرف أصلي أو زائد، وصحيح أو عليل (¬1). انتهى. ولقائل أن يقول: عطفه على ما قبله يأبى أن يكون كالشرح له، ولو أراد ذلك لقال: علم يتعلق ببنية الكلمة مما لحروفها من أصالة ... إلى آخره، ولا شك أن حمل هذا الكلام على إفادة معنى زائد أولى من جعله تفسيرا لما تقدمه؛ وذلك بأن يقال: إنه لا يتوصل إلى معرفة الأصلي من الزائد في الأبنية، إلا بعد معرفة الحروف الزوائد ومعرفة أدلة الزيادة، ومعرفة الأماكن التي هي محل لاطراد زيادتها فيها، وكذا لا يتوصل إلى معرفة التصحيح والإعلال، إلا بعد معرفة ما يوجبها، وكذا لا يتوصل إلى معرفة النقل، والحذف، والإدغام، والقلب إلا بعد معرفة ما يوجبها أو يجوزها أو يمنعها، وذلك متوقف على معرفة القواعد المؤدية إلى ذلك؛ فإذن معرفة الحروف الزوائد، ومعرفة أدلة زيادتها، ومعرفة الأماكن التي تطرد زيادتها فيها ومعرفة ما يوجب التصحيح، والإعلال، ومعرفة ما يوجب الحذف والنقل والإدغام والقلب أو يجوّزها أو يمنعها، كل ذلك من علم التصريف، بل هو معظمه وغالبه، فكأن المصنف قصد بقوله: وما لحروفها من أصالة ... إلى آخره، الإشارة إلى ذلك جميعه، ومما يوضح ذلك أن قوله: وما لحروفها معطوف على بنية الكلمة، فيكون التقدير: علم يتعلق ببنية الكلمة وبما لحروفها من أصالة وكذا وكذا، ولا يتوصل إلى ذلك إلا بمعرفة ما أشير إليه، وعلى هذا فيكون المصنف قد أوقع المسبب موقع السبب فتبين أن قوله: وما لحروفها ... إلى آخره ليس كالشرح لما قبله؛ بل هو مفيد فائدة مقصودة، لا بد من التعرض لها. قال ناظر الجيش: أفاد هذا الكلام أنه لا حظّ للحروف في التصريف، وكذا الأسماء غير المتمكنة، والأفعال الجامدة (¬2) نحو: ليس، وعسى، ونعم. وقد قال - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 56 ب). (¬2) وما دخله التصريف من هذه الأنواع فهو شاذ لا يقاس عليه، بل يوقف على المسموع منه، وانظر -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن عصفور: ولا يدخل التصريف في أربعة أشياء وهي: الأسماء الأعجمية التي عجمتها شخصية، كإسماعيل ونحوه؛ لأنها نقلت من لغة قوم ليس حكمها كحكم هذه اللغة، والأصوات، كغاق ونحوه؛ لأنها حكاية أصوات، وليس لها أصل معلوم، والحروف وما شبه بها من الأسماء المتوغلة في البناء نحو: من وما؛ لأنها لافتقارها بمنزلة جزء من الكلمة التي تدخل عليها فكما أن جزء الكلمة الذي هو حرف الهجاء لا يدخله تصريف فكذلك ما هو بمنزلته (¬1). انتهى. أما الأصوات والحروف وما شبّه بها من الأسماء، فقد [6/ 104] تعرّض لها المصنف؛ لأنه أخرج الحروف بقوله: الأسماء وأخرج الأخيرين بقوله: المتمكنة، وأما الأسماء الأعجمية فقد اعترض بها الشيخ عليه، قال: لأنها متمكنة غير مبنية (¬2)، ويدفع هذا الاعتراض أن الكلام في التصريف إنما هو بالنسبة إلى اللغة العربية لا بالنسبة إلى غيرها من اللغات فلا حاجة إلى إخراج الأعجمية؛ لأنها غير مرادة، قال ابن عصفور: ومما يدل على أن الحرف لا يدخله تصريف وجود: ما ولا ونحوهما من الحروف يعني بالألف؛ لأنها لا يصح أن تكون منقلبة كألف: عصا ورحى؛ إذ لو كانتا ياء أو واوا لظهر تا لسكونهما كما ظهرتا في نحو: كي وأي ولو، ولا يجوز أن يقال: إن حرف العلة تحرك فقلب ألفا لانفتاح ما قبله؛ لأن الحروف مبنية وهي لا تبنى إلا على السكون، ولا تبنى على حركة إلا إذا كانت حرفا واحدا، كواو العطف، وأيضا لا يمكن الحكم على ألف ما وأمثالها بالزيادة؛ لأن ذلك إنما يعرف بالاشتقاق أو بدليل من الأدلة التي ستذكر، ولا يوجد شيء من ذلك في الحروف (¬3). انتهى. وقد علم مما ذكر أن تصغير المبهمات على غير قياس، وأهمله المصنف هنا؛ لقلته ولأنه نبه عليه في باب التصغير (¬4)، قال ابن عصفور: وقد جاء بعض المبنية مشتقّا نحو: قط؛ لأنها من قططت، أي: قطعت؛ لأن قولك: ما فعلته قطّ، معناه: فيما انقطع من عمري (¬5)، ورد ابن هشام الخضراوي أن الحروف وما أشبهها - ¬

_ - تفصيل ذلك في: المقرب (2/ 145)، والأشموني (4/ 237). (¬1) الممتع (1/ 35). (¬2) التذييل (6/ 56 ب). (¬3) الممتع (1/ 36) بتصرف. (¬4) التسهيل (ص 288). (¬5) الممتع (1/ 35).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الأسماء لا يدخلها تصريف - بأن سيبويه ذكر أنك إذا سميت بعلى قلت في التثنية: علوان؛ لأنه من علوت (¬1)، وجاء الحذف في سوف وإن، والقلب، والإبدال في على ولعن، وأجيب عن ذلك بأن سيبويه إنما حكم بذلك بعد انتقال: على إلى الاسمية (¬2) وجعلها اسما متمكنا، وحكم على الألف بأنها عن واو لما فيها من معنى العلو، وبأن الحذف والإبدال شاذ، ويمكن أن يدّعى أن لا حذف ولا إبدال في الحروف، وأن هذه الكلمات الواردة ليس فيها حذف ولا إبدال، وإنما هي لغات في ذلك الحرف، وأما قوله: ولها الأصالة فيه فقد علل ذلك الشيخ بأن قال: إنما كان لها الأصالة فيه؛ لظهور ذلك فيها، ألا ترى أن ضرب وضارب وضرب وتضارب واضطرب، كيف تبين بغير فكر؟ ورجوع هذه الألفاظ إلى معنى الضرب وكذلك الصفات الجارية عليها، واسما الزمان والمكان والمصادر والآلات؛ لظهور التصرف فيها (¬3). انتهى. ولم أتحقق هذا التعليل الذي ذكره، وقد يقال: إنه إنما كانت الأصالة للأفعال في التصريف؛ لأنه عبارة عن تغيير الكلم وتقليبها وتحويلها من حالة إلى حالة، وهذا لا يتأتى في الأسماء الجامدة؛ إنما يأتي في الأفعال وفي الأسماء الجارية عليها، ولأمر آخر؛ وهو أنهم بالاستقراء وجدوا الاسم يصح بصحة الفعل كاستحواذ؛ لقولهم: استحوذ، ويعل بإعلاله كاستقامة؛ لقولهم: استقام فدلهم تبعية الاسم للفعل في الإعلال على فرعية الاسم وأصلية الفعل فيه؛ ولكن على هذا إنما يتجه أن يحكم بأصالة الأفعال في التصريف بالنسبة إلى أحد قسميه، وهو الأمر الراجع إلى الغرض اللفظي، وأما ما يرجع إلى الغرض المعنوي، كالتغيير بسبب التثنية، والجمع، والتصغير، والنسب ونحو ذلك، فلا شك أنه من خصائص الأسماء. ¬

_ (¬1) الكتاب (3/ 387)، وانظر: التذييل (6/ 57 أ)، وقال ابن عقيل في المساعد (4/ 7): «وكون التصريف لا يدخل الحرف وشبه من الأسماء المتوغلة في البناء، نص عليه ابن جني وغيره، ومنازعة الخضراوي ابن عصفور في ذلك ليس لها حجة»، وانظر: ابن جماعة (1/ 14، 15). (¬2) قال في الكتاب (3/ 387): «ولو جعلت «على» اسما ثم ثنيت لقلت: علوان؛ لأنها من علوت». (¬3) التذييل (6/ 57 أ).

[عدد حروف المجرد]

[عدد حروف المجرد] قال ابن مالك: (وما ليس بعضه زائدا يسمّى مجرّدا، ولا يتجاوز خمسة أحرف إن كان اسما، ولا أربعة إن كان فعلا، ولا ينقصان عن ثلاثة). قال ناظر الجيش: أشار بهذا الكلام إلى ثلاثة أمور واضحة: أحدها: أن ما ليس بعضه زائدا يسمى مجردا، يعني لكونه جرّد عن أحرف الزيادة فحروفه كلّها أصول. ثانيها: أن الاسم المجرد من الزيادة، يكون ثلاثيّا ورباعيّا وخماسيّا، ولا يتجاوز الخمسة، والفعل المجرّد منها يكون ثلاثيّا ورباعيّا. ولا يتجاوز الأربعة ودليل ذلك الاستقراء، وذكر الأئمة أن البناء الثلاثي في الكلام أكثر من البناء الرباعي، وأن البناء الرباعي أكثر من البناء الخماسي. ثالثها: أن الاسم المتمكن المجرد والفعل المجرد لا ينقصان عن ثلاثة أحرف، وقد قيد المصنف في غير هذا الكتاب البعض بكونه في الوضع يعني أنهما لا ينقصان في الوضع عن الثلاثة؛ وذلك لأن الاسم في الاستعمال قد ينقص عن الثلاثة كيد ودم وفم (¬1)، وليس بالكثير وما يلحقه هاء التأنيث من ذلك عوضا عن المحذوف أكثر مما يلحقه نحو: شية وثبة وشفة وسنة ولثة وعضة، والمحذوف قد يكون الفاء وقد يكون العين وقد يكون اللام ولا ينتهي الاسم بالحذف منه إلى حرف واحد أبدا، وقولهم: م الله، حرف قسم جاء على حرف واحد كالباء وليس أصله أيمن، وأما ما حكي من قولهم: شربت ما، يريدون ماء؛ فنادر لا يعتد به، هذا في الاسم، وأما الفعل فقد يبقى منه بعد الحذف حرفان نحو: بع وقل وكل، وقد يبقى منه حرف واحد نحو: عه وقه، أمرين من: وعى ووقى، وذلك لمقتضيات أوجبت ذلك، على ما أحكم في التصريف، قال المصنف في غير هذا الكتاب: إن الاسم والفعل لا ينقصان في الوضع عن ثلاثة أحرف، حرف مبدوء به وحرف موقوف عليه، وحرف مفصول به بينهما (¬2)، وكأن هذا الكلام إشارة إلى ما يذكر من التعليل، - ¬

_ (¬1) انظر تفصيل ذلك: في شرح الشافية للرضي (1/ 7 - 8) هامش (أ)، وحاشية ابن جماعة (1/ 13 - 14) والأشموني (4/ 237). (¬2) ينظر: شرح الكافية (4/ 2013)، والأشموني (4/ 237)، وتوضيح المقاصد (5/ 211)، وابن الناظم على الألفية (ص 820).

[مبلغ الاسم والفعل بالزيادة]

[مبلغ الاسم والفعل بالزيادة] قال ابن مالك: (والمزيد فيه إن كان اسما لم يتجاوز سبعة إلّا بهاء التّأنيث أو زيادتي التّثنية أو الجمع أو النّسب، وإن كان فعلا لم يتجاوز ستّة إلّا بحرف التّنفيس أو تاء التأنيث أو نون التّوكيد). ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو أن الحرف المبدوء به واجب الحركة، والحرف الموقوف عليه واجب السكون، فكرهوا الانتقال من وجوب إلى وجوب، فجعلوا بين الوجوبين فاصلا يجوز فيه الأمران أو أن بعض الكلم يحتاج إلى ثالث في بعض الأحكام كالتصغير مثلا؛ فإن ياءه إنما تقع ثالثة وحرف الإعراب بعدها، وهذا هو مذهب البصريين وذكر بعضهم أن مذهب الكوفيين أن أقل ما يكون عليه الاسم حرفان (¬1). قال ناظر الجيش: ذكر أن أقصى ما ينتهي الاسم إليه بالزيادة سبعة أحرف، وهذا كالمطبق عليه عند النحاة؛ لما اشتملت عليه نصوصهم من ذلك (¬2)، قال الشيخ: وقد [6/ 105] بلغ الاسم بالزيادة ثمانية أحرف، ولم يذكر في هذا الموضع شيئا، غير أنه لما ذكر بعد ذلك أن الزوائد في الثلاثي قد تكون واحدة واثنين وثلاثا وأربعا، قال: وقد تكون خمسا نحو: كذّبذبان (¬3) بتشديد الذال ووزنه فعّلعلان، وقال: إن غير هذا الوزن لا يحفظ (¬4). انتهى. ولا يخفى أن بمثل هذا لا ينقض الإجماع، وينبغي أن يعلم أن البالغ من الأسماء بالزيادة سبعة إنما هو الثلاثي منها والرباعي، وأما الخماسي فإنما ينتهي إلى ستة؛ لأنه لا يلحقه إلا زيادة واحدة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فمثال المنتهي إلى سبعة من الثلاثي: اشهيباب واحميرار في المصادر وعاشوراء وكذبذبان ومعيوراء في غيرها، ومثال الرباعي: اعزيزام - ¬

_ (¬1) ذكر ذلك في التذييل (6/ 57 ب) حيث قال: «وما ذكرناه من أن أقل الأصول ثلاثة هو مذهب البصريين وذكر أبو الفتح نصر بن أبي الفنون البغدادي - وهو تلميذ أبي البركات الأنباري - أن مذهب الكوفيين أن أقل ما يكون عليه الاسم حرفان حرف يبدأ به وحرف يوقف عليه». (¬2) انظر: الكتاب (4/ 230)، والأشموني (4/ 237)، وتوضيح المقاصد (5/ 212)، والتصريح (2/ 354)، وشرح الكافية (2019). (¬3) من الكذب، قال ابن جني في الخصائص (3/ 204): «وأما كذبذب خفيفا، وكذّبذب ثقيلا ففائتان ... ولسنا نعرف كلمة فيها ثلاث عينات غير كذّبذب وذرّحرح»، وانظر: اللسان «كذب». (¬4) التذييل (6/ 57 ب)، وانظر: المساعد (4/ 9).

[أبنية الثلاثي المجرد

[أبنية الثلاثي المجرد (¬1)] قال ابن مالك: (فصل: الاسم الثّلاثي المجرّد مفتوح الأوّل ساكن الثّاني أو مفتوحه أو مكسوره أو مضمومه ومكسور الأوّل ساكن الثّاني أو مفتوحه أو مكسوره، ومضموم الأوّل ساكن الثّاني أو مفتوحه أو مضمومه وندر مكسوره). - واحرنجام في المصادر وعريقصان وعبوثران وبرناساء في غيرها، قال الشيخ: وذكر أبو القاسم السعدي (¬2) في مزيد الخماسي فعلا ليلا وهو مغناطيس لغة في مغنطيس، قال: فهذا خماسي قد زيد فيه زيادتان (¬3). انتهى. قلت: وفي نقض ما قررته الأئمة بكلمة واحدة، نادرة مع أنها نائبة عن غيرها نظر لا يخفى، ثم أشار المصنف بالاستثناء الذي ذكره إلى أن الاسم لا يتجاوز سبعة أحرف إلا بهاء التأنيث نحو: قرعبلانة، وهي دويبة عظيمة البطن عريضة وأصله: قرعبل زيد فيه ثلاثة أحرف، وكذلك: اصطفلينة أو زيادتي التثنية والجمع نحو: عرطليلان تثنية عرطليل هو (الطويل) (¬4) وكذا: عرطليلون وعرطليلات إذا سمي به مذكر أو مؤنث ثم جمع، أو ياءي النسب نحو: خنفساوي وعندليبي، في النسب إلى خنفساء وعندليب، قال الشيخ: وهذا الاستثناء الذي ذكره ليس بشيء؛ لأنه لم يرد شيء مما ذكر في بنية الاسم، وكأن الشيخ يريد بذلك أن الاسم إنما تعتبر بنيته إذا لم يتصل به شيء من هذه الأمور الأربعة، وكأنه بهذه الأمور يخرج عن الأبنية المعتد بها، وما ذكره غير ظاهر فإن الإفراد صادق على المؤنث بهاء التأنيث والملحق به علامتا التثنية والجمع وعلامة النسب، وكما لا يتجاوز الاسم سبعة أحرف إلا بما ذكر، لا يتجاوز الفعل ستة أحرف إلا بحرف التنفيس أو تاء التأنيث أو نون التوكيد نحو: سيستخرج واستخرجت ولا يستخرجن وقد رد الشيخ هذا الاستثناء كما رد الأول والجواب ما تقدم (¬5). قال ناظر الجيش: هذا الفصل معقود لذكر أوزان الاسم المجرد، أعني الذي تكون - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 57 ب) وانظر: الأشموني (4/ 238) والمساعد (4/ 10). (¬2) المشهور بابن القطاع توفي سنة (514 هـ). (¬3) بياض في النسختين والتذييل (6/ 57 ب)، وانظر: اللسان «عرطل». (¬4) التذييل (6/ 57 ب) - (58 أ). (¬5) انظر: الكتاب (4/ 242)، والمقتضب (1/ 191)، وابن يعيش (6/ 112)، والمزهر (2/ 5)، ونزهة الطرف (80)، والمبدع (ص 6)، وأوضح المسالك (4/ 360)، والهمع (2/ 158)، والتكملة (ص 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حروفه كلها أصولا وقد عرفت أن المجرد ثلاثي، ورباعي، وخماسي، فبدأ بالثلاثي وذكر أنّه على عشرة أوزان؛ وذلك أنه: إما مفتوح الأول، أو مكسوره، أو مضمومه، والمفتوح الأول: إما ساكن الثاني نحو: كعب وصعب، وإما مفتوح الثاني نحو: حسن ورسن، وإما مكسور الثاني نحو: نمر وحذر، وإما مضموم الثاني نحو: سبع وطمع، والمكسور الأول إما ساكن الثاني نحو: ظلف وجلف، وإما مفتوح الثاني نحو: زيم (¬1)، وإما مكسور الثاني نحو: إبل وبلز (¬2)، والمضموم الأول: إما ساكن الثاني نحو: برّ، ومرّ، وإما مفتوح الثاني نحو: نعز وغدر، وإما مضموم الثاني، نحو: طنب وجنب، وقد بقي من أوزان الثلاثي التي تقتضيها القسمة العقلية (¬3) وزنان وهما: ما اجتمع فيهما الضم والكسر، فأما مكسور الأول مضموم الثاني فمهمل (¬4)؛ لأن الكسرة ثقيلة، والضمة أثقل منها؛ فكرهوا الانتقال من مستثقل إلى أثقل منه، وأما مضموم الأول مكسور الثاني فلم يهملوه (¬5) أصلا؛ لأن الانتقال من ضمة إلى كسرة فيه تخلص من زيادة الثقل، ولكنهم خصوه بالفعل الذي لم يسم فاعله، ثم نبهوا على أن إخراجه في الأسماء ليس لمانع فيه؛ لقولهم: دئل (¬6) لدويبة، ووعل (¬7) في الوعل - ¬

_ (¬1) انظر: الارتشاف (1/ 18) تحقيق د/ النماس، وابن جماعة (1/ 31)، والأشموني (4/ 239)، والمبدع (ص 6). (¬2) في الكتاب (2/ 315): «ويكون فعلا في الاسم نحو: إبل وهو قليل لا نعلم في الأسماء والصفات غيره» وزاد أبو الفتح ابن جني في المنصف (1/ 18) ألفاظا أخرى. (¬3) وهي حاصل ضرب حركات أحوال الفاء وهي الحركات الثلاث - الفتحة والضمة والكسرة - في أحوال العين الأربعة - الحركات الثلاث والسكون - وقد جاءت الحركات الثلاث في فاء الاسم لخفته، أما فاء الفعل فلم يرد فيها - أصالة - إلا الفتح؛ لأن الضم والكسر ثقيلان والفعل ثقيل بطبعه لدلالته على الحدث والزمان فلم يجمعوا ثقلا على ثقله، وما ورد منه مضموم الأول - الفاء - نحو: فهم، أو مكسوره نحو: شهد فغير أصلي؛ لأنه فرع عن الفتح؛ فالأول مفرّع عن فهم، والثاني مفرع عن شهد. راجع الأشموني بحاشية الصبان (4/ 240 - 243). (¬4) انظر: الكتاب (4/ 243) والمقتضب (1/ 193). (¬5) أسقطه سيبويه، قال في الكتاب (4/ 243): «واعلم أنه ليس في الأسماء والصفات فعل ولا يكون إلا في الفعل» والمبرد - أيضا - في المقتضب (1/ 193)، وأثبته ابن مالك انظر: شرح الكافية (4/ 2021) وهو الحق؛ لأن فيه نوع تخفيف. انظر ابن جماعة (1/ 29). (¬6) الدّئل: حيّ من كنانة ... والدّئل على وزن وعل: دويبة شبيهة بابن عرس. اللسان «دأل». (¬7) لغة حكاها الليث والخليل. وفي الوعل ثلاث لغات الأولى: فتح أوله وسكون ثانيه والثانية فتح -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورئم للسّه (¬1)، وإلى هذه الأمثلة الثلاثة أشار المصنف بقوله: ونذر مكسوره، أي ونذر مكسور الثاني من مضموم الأول، قال المصنف: لأن أكثر النحويين لم يعتدّوا بهذا البناء في الأسماء؛ لعلمهم أنه في الأصل مقصود به اختصاص الفعل الذي لم يسم فاعله، بقي هاهنا التنبيه على شيئين: أحدهما: أن فعلا لم يأت صفة إلا في كلمة واحدة وهي عدى قال الشاعر: 4283 - إذا كنت في قوم عدى لست منهم ... فكل ما علفت من خبيث وطيّب (¬2) قال سيبويه: ولم نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع وهو: قوم عدى (¬3)، وقد استدرك على سيبويه قراءة من قرأ: دينا قيما (¬4) أي: قيّما، ومكان سوى قال الله تعالى: لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (¬5) وأجيب بأن قيما مصدر في الأصل مقصور من قيام، ولولا ذلك لقيل: قوما؛ لأنه من ذوات الواو ولا تقلب الواو ياء إذا كانت متحركة عينا في مفرد؛ لانكسار ما قبلها إلا بشرط أن يكون بعدها ألف، وتكون في مصدر لفعل قد اعتلت عينه، نحو: قام قياما وعاذ عياذا، فدل انقلاب الواو ياء في قيم على أنه مصدر في الأصل وصف به، كما وصف بعدل وزور وبأن سوى اسم في الأصل للشيء المستوي وصف به؛ بدليل أنه كان صفة أصلية ليمكن في الوصفية فكان يذكر مع المذكر ويؤنث مع المؤنث، وهم يقولون: بقعة سوى كما يقولون: مكان سوى (¬6)، - ¬

_ - أوله وكسر ثانيه، والثالثة: ضم أوله وكسر ثانيه والأخيرة نادرة، والوعل: تيس الجبل. انظر: اللسان «وعل» والمصباح (ص 666)، ونزهة الطرف (ص 81)، وتوضيح المقاصد (5/ 215 - 216). (¬1) قال أبو عبيد: «السّه حلقة الدبر». اللسان «سهه» و «رأم». (¬2) من الطويل نسبه في اللسان لزرارة بن سبيع الأسدي، قال: وقيل: وهو لنظلة بن خالد الأسدي، وقال ابن السيرافي هو لدودان بن سعد الأسدي والشاهد فيه قوله: عدى - بزنة: فعل - أي متباعدون انظر: اللسان «عدا» والأشموني (4/ 239)، وزاد أبو الفتح: مكان سوى. المنصف (1/ 17 - 19)، وإصلاح المنطق (ص 99). (¬3) الكتاب (4/ 243). (¬4) سورة الأنعام: 161، وقراءة كسر القاف وفتح الياء لابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، ووافقهم الأعمش. الإتحاف (ص 220)، والحجة (ص 278). (¬5) سورة طه: 58. قرأ عاصم وحمزة وابن عامر: مكانا سوى بضم السين وقرأ الباقون بالكسر. انظر: الحجة (ص 453)، والإتحاف (ص 304). (¬6) قال الفراء: «في (سوى) أكثر كلام العرب بالفتح؛ إذا كان بمعنى (نصف) و (عدل) فتحوه ومدّوه، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما زيم (¬1): وهو المثال الذي مثل به المصنف وشاهده قول النابغة: 4284 - باتت ثلاث ليال ثمّ واحدة ... بذي المجاز تراعي منزلا زيما (¬2) أي: متفرق النبات. الثاني (¬3): أن سيبويه لم يحفظ في فعل غير: إبل (¬4)، وحكى غيره: أتان إبد للوحشية، فأما إطل، وهو الخصر فلا حجة فيه؛ لأن المشهور فيه: إطل بسكون الطاء، فإطل يمكن أن يكون مما اتبعت فيه الطاء الهمزة للضرورة؛ لأنه لا يحفظ إلا في الشعر كقوله: 4285 - له إطلا ظبي وساقا نعامة (¬5) وأما حبرة، وهي الصفرة التي على الأسنان، فالأصح المشهور فيها إنما هو حبرة بفتح الحاء وسكون الباء (¬6)، وأما: بلز - وهي الضّخمة [6/ 106] السمينة - فالأشهر فيه: بلزّ بالتشديد (¬7)، فيمكن أن يكون: بلز مخففا منه، وقد ذكرت - ¬

_ - والكسر والضم مع القصر عربيّا وقد قرئ بهما. وقال الأخفش (سوى) إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت، وإذا فتحت مددت تقول: مكانا سوى وسوى وسواء». انظر معاني القرآن (2/ 181 - 182)، واللسان «سوا»، والمصنف (1/ 17 - 19). (¬1) بكسر الزاي وفتح الياء من الأمثلة المستدركة على سيبويه حيث قال (2/ 315): «ولا نعلمه - أي فعلا - جاء صفة إلا في حرف من المعتل يوصف به الجماع وذلك قولهم: عدى»، وهناك أمثلة أخرى مستدركة عليه كما تقدم وانظر: الارتشاف (1/ 18)، وابن جماعة (1/ 31)، والأشموني (4/ 239)، والمزهر (2/ 5، 50)، والمبدع (ص 6). (¬2) من البسيط للنابغة الذبياني والشاهد فيه: قوله: زيما بزنة فعل والزّيم: المتعضّل المتفرق، والزيم: الضّيّق. وانظر: في المنصف (1/ 19)، واللسان «زيم» والتذييل (6/ 61 أ) وديوانه (ص 68). (¬3) من الأمرين اللذين نبّه عليهما. (¬4) الكتاب (4/ 244). (¬5) هذا صدر بيت من الطويل من معلقة امرئ القيس يصف فيه فرسه وتمامه: وإرخاء سرحان وتقريب تتفل ويروى أيضا: له إيطلا، والأطل والأيطل: كحشه، وهو ما بين آخر الضلوع إلى الورك، وفيه الشاهد، قال في الاقتضاب (ص 273): «وأما إطل فزيادة غير مرضية؛ لأن المعروف إطل بالسكون، ولم يسمع محرّكا إلا في الشعر»، وانظر: ابن يعيش (6/ 112) وديوانه (ص 55). (¬6) والحبر والحبر والحبرة والحبرة والحبر والحبرة: كل ذلك: صفرة تشوب بياض الأسنان. اللسان «حبر». (¬7) اللسان «بلز».

[أبنية الرباعي المجرد

[أبنية الرباعي المجرد (¬1)] قال ابن مالك: (والرّباعي المجرّد مفتوح الأوّل والثّالث أو مكسورهما أو مضمومهما، ومكسور الأوّل مفتوح الثّاني أو الثّالث، وتفريع فعلل على فعلل أظهر من أصالته، وفرّع فعلل على فعنلل وفعلل، على فعالل وفعلل وفعلل على فعليل لا على فعالل وفاقا للفرّاء وأبي عليّ). - ألفاظ غير هذه ويمكن أن تكون المنازعة في كونها أصلا بنفسها، ويمكن كونها أصلا (¬2)، ولما ذكر المصنف مجيء دئل ووعل، وأنهم لم يهملوا هذا الوزن بل خصوه بالفعل قال: إلا أن أكثر النحويين لم يعتدّوا بهذا البناء في الأسماء؛ لعلمهم أنه في الأصل مقصود به اختصاص الفعل الذي لم يسم فاعله، واعتدّوا بموازن فعل على قلّته؛ لأنه لم يوجد في غير الأسماء، ولأنه لا مانع له من نفسه، إذ الكسرتان أقل ثقلا من الضمتين، وذو الضمتين في الكلام كثير، فذو الكسرتين حقيق بكثرة النظائر، إلا أنه قلّت نظائره اتفاقا؛ فلم يسع إلا التسليم. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على الثلاثي المجرد شرع في الرباعي (¬3)، وذكر أنه على خمسة أوزان؛ وذلك: إما أنه مفتوح الأول والثالث: كجعفر (¬4) وقرهب - وهو الثور المسن - هذا مثال هذا الوزن اسما، وأما مثاله صفة فنحو: شجعم وسلهب، ومعنى كل منهما طويل، وقيل: إن الميم في المثال الأول، والهاء في - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (4/ 288)، والمقتضب (1/ 204)، (2/ 106)، والتكملة (ص 129)، والمنصف (1/ 25)، وابن يعيش (6/ 136)، ونزهة الطرف (ص 89)، والمبدع (7)، والمزهر (2/ 28)، والهمع (2/ 159)، وأوضح المسالك (4/ 361)، والأشموني (4/ 246)، والتصريح (2/ 355). (¬2) ينظر: المقتضب (1/ 192)، والمنصف (1/ 18)، وتوضيح المقاصد (5/ 219)، والمساعد (4/ 11). (¬3) يقول في شرح الشافية (1/ 47): «اعلم أن مذهب سيبويه وجمهور النحاة أن الرباعي والخماسي صنفان غير الثلاثي، وقال الفراء والكسائي: بل أصلهما الثلاثي، قال الفراء: الزائد في الرباعي حرفه الأخير وفي الخامس الحرفان الأخيران، وقال الكسائي: الزائد في الرباعي الحرف الذي قبل آخره، ولا دليل على ما قالا وقد ناقضا قولهما باتفاقهما على أن وزن جعفر فعلل ووزن سفرجل فعلّل مع اتفاق الجميع على أن الزائد إذا لم يكن تكريرا يوزن بلفظه»، وانظر: ابن يعيش (6/ 112، 143)، والتصريح (2/ 356). (¬4) وهو النهر الصغير. ينظر: اللسان «جعفر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المثال الثاني زائدان (¬1) ومن أمثلة الصفة: شهربة وشهبرة للعجوز الكبيرة، و (بهكنة) (¬2) للضخمة، وأما مكسور الأول والثالث؛ فالاسم: زبرج (¬3) وزئبر (¬4) وهجرس (¬5)، والصفة: زهلق (¬6)، وعنفص (¬7) وخرمل، والخرمل: الحمقاء من النساء، وأما مضموم الأول والثالث؛ فالاسم: برثن (¬8) وفلفل، والصفة: جرشع (¬9) وكندر (¬10)، وأما مكسور الأول مفتوح الثاني؛ فالاسم: فطحل (¬11) وقمطر (¬12)، والصفة: هزبر وسبطر وهو الطويل، وهبلع للأكول، ثم أشار المصنف بقوله: وتفريع فعلل على فعلل أظهر من أصالته، إلى أن من النحاة من أثبت للرباعي وزنا سادسا؛ وهو مضموم الأول مفتوح الثالث (¬13) كبرقع وجرشع، قال المصنف: لم يروه سيبويه لكن رواه الأخفش من أئمة البصرة والفراء من أئمة الكوفة، وزيادة الثقة مقبولة، قال: ومما يؤيّد رواية هذين الإمامين قول العرب: ما لي من ذلك عندد أي (¬14) بدّ، فجاؤوا به مفكوكا غير مدغم، ولا يفعلون ذلك بذي مثلين متحركين، لا يوازن فعلا نحو: كلبب، ولا فعلا نحو: كلل، ولا فعلا كذلل، ولا فعلا كصفف، إلا إذا كان أحدهما مزيدا للإلحاق نحو: ألندد بمعنى - ¬

_ (¬1) انظر: الأشموني (4/ 246). (¬2) في النسختين «هنبكة» قال في اللسان «بهكن»: «امرأة بهكنة وبهاكنة: تارّة غضّة وهي ذات شباب بهكن أي غضّ» وهنبك: الأزهري في النوادر: «هنبك من دهر وسنبة من دهر بمعنى». اللسان «هنبك». (¬3) الوشي والذهب. اللسان «زبرج». (¬4) ما يعلو الثوب الجديد. اللسان «زأبر». (¬5) ولد الثعلب. اللسان «هجرس». (¬6) الزّهلق: الأملس، والحمار السمين. اللسان «زهلق». (¬7) العنفص: المرأة القليلة الجسم، ويقال - أيضا -: هي الداعرة (الخبيثة). اللسان «عنفص». (¬8) الظّفر من الإنسان والمنسم من ذي الخف والحافر من ذي الحافر. المصباح (ص 41). (¬9) العظيم الصدر. اللسان «جرشع». (¬10) الكندر: اللّبان، وفي المحكم: ضرب من العلك. اللسان «كندر». (¬11) اسم زمن قديم. اللسان «فطحل». (¬12) الجمل القوي السريع. اللسان «قمطر». (¬13) الأخفش والكوفيون زادوا بناء سادسا وهو: فعلل، وزاد قوم من النحويين ثلاثة أوزان أخرى لم يثبتها الجمهور، وعدّ ما صحّ نقله منها شاذّا. انظر: الأشموني (4/ 247 - 248)، والمزهر (2/ 28)، والخصائص (1/ 67)، وشرح الكافية (4/ 2023)، والمساعد (4/ 15). (¬14) انظر: الأشموني (4/ 247).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الألدّ، ومعلوم أن عنددا ليس موازيا لفعل وأخواته، فيتعين كونه ملحقا بفعلل؛ إما بزيادة أحد الدالين فيكون من العنود، وإما بزيادة النون من الأعداد، ثم قال: وأيضا إذا ثبت فعلل كان للضمة ثلاثة مواقع في الرباعي وللكسرة أربعة وللفتحة خمسة فثبتت المزية للفتحة بموضع خامس؛ فلو لم يكن فعلل مثبتا كان للفتحة أربعة مواضع: فاء فعلل، ولامه الأولى، وعين فعل، ولام فعلل الأولى، على عدد مواقع الكسرة وهن: فاء فعلل، ولامه الأولى، وفاء فعلل وفعلّ، فكان يفوت التنبيه على كون الفتحة أخف في الاستعمال وأحق بسعة المجال، ثم قال: وقد ينتصر لسيبويه - رحمه الله تعالى - فعللا بأن يقال: سلّمنا صحة نقله عن العرب، إلا أنه فرع على فعلل؛ لأن كل ما نقل فيه الفتح نقل فيه الضم، ولا ينعكس؛ فلو كان فعلل أصلا كغيره من الرباعي، لجاز أن ينفرد عن فعلل؛ فعلم بذلك أن فتح ما فتح لم يكن إلا فرارا من توالي ضمتين ليس بينهما إلا ساكن، وهو حاجز غير منيع؛ فكان عدولهم عن فعلل إلى فعلل شبيها بعدولهم في جمع جديد ونحوه من فعل إلى فعل، ومخلصا من توالي الضمتين، وكان مقتضى الدليل أن يفروا إلى السكون إلا أنه منع في فعلل خوف التقاء الساكنين، وفي جدد ونحوه؛ خوف إدغام اسم لا يشبه الفعل فلجئ إلى شبيه السكون في الخفة، وهو الفتح، وذكر ابن عصفور ثلاثة أوزان أخر، إلا أنه حكم بندرة اثنين منها ولم يثبت الآخر، فالنادران: فعلل، قال: ولم يجئ منه إلا طحربة (¬1)، وفعلل والمحكي منه: زئبر وضئبل، قال: وذلك شاذ لا يلتفت إليه، والذي لم يثبته فعلّ فإنه قال: وأما الفتكرين (¬2) بضم الفاء على ما حكاه يعقوب وكأنه فتكر ثم جمع فلا حجة فيه على إثبات فعلّ، إلا أن يحفظ بالواو والنون رفعا والياء والنون نصبا وجرّا ولكن المسموع من هذا إنما هو بالياء، وإذا كان كذلك فيمكن أن يكون فتكرين اسما مفردا كقذعميل (¬3)، ثم ذكر المصنف ثلاثة أوزان غير ما تقدم له ذكره وهي فعلل وفعلل وفعلل، ونبّه على أنها ليست أصولا في نفسها فتعد من أصول الرباعي المجرد، بل هي فروع من غيرها، فمثال - ¬

_ (¬1) الطحربة: القطعة من خرقة وفيها لغات كثيرة. اللسان «طحربة». (¬2) الأمر العجيب العظيم، وقيل: الدواهي والشدائد. اللسان «فتكر». (¬3) الممتع (1/ 67 - 69).

[أبنية الخماسي المجرد

[أبنية الخماسيّ المجرّد (¬1)] قال ابن مالك: (والخماسي المجرّد مفتوح الأوّل والثّاني والرّابع، أو مفتوح الأوّل والثّالث مكسور الرّابع، أو مكسور الأوّل مفتوح الثّالث، أو مضموم الأوّل مفتوح الثّاني مكسور الرّابع). - الأول: عرتن (¬2) وليس فيه دليل على إثبات فعلل في الرباعي؛ لأنه لم يجئ منه إلا هذا وقد قالوا فيه: عرنتن، فكان عرنتن هو الأصل كقرنفل، وكان عرتن فرعا عنه (¬3). ومثال الثاني: علبط وهو الضخم، وعجلط، وعكلط؛ وهما اللبن الشديد الانعقاد، فأصلها علابط وعجالط وعكالط؛ لأنّه لم يرد من هذا النوع شيء دون ألف إلا وروي مستعملا بألف (¬4)، فعلم أن ما فيه الألف أصل وأن ما ليس هي فيه فرع عن ذلك الأصل. ومثال الثالث: جندل (لمكان الحجارة، وخنثر للشيء الخسيس من متاع القوم، والأصل فيهما: إما جنادل وخناثر؛ فيكون جمعا، وهو قول البصريين، وإما جنديل وخنثير؛ فيكون مفردا، وهو قول الكوفيين، ووافقهم أبو علي (¬5)، وقد اختار ذلك المصنف. وإذا ثبت أن الأصل أحد هذين الوزنين ثبتت فرعية جندل وخنثر عليه) (¬6). قال ناظر الجيش: شرع في ذكر الخماسي المجرد وذكر أن له أربعة أوزان؛ وذلك لأنه [6/ 107]: إما مفتوح الأول والثاني والرابع كسفرجل اسما وشمردل صفة، وإما مفتوح الأول والثالث مكسور الرابع، قالوا: ولم يجئ إلا صفة نحو: جحمرش (¬7) - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (4/ 301)، والمقتضب (1/ 206)، والمصنف (1/ 30)، وابن يعيش (6/ 142)، ونزهة الطرف (ص 93)، والمبدع (ص 7)، والمزهر (2/ 33)، والهمع (2/ 159)، وأوضح المسالك (4/ 361)، والتصريح (2/ 356)، والأشموني (4/ 248)، والتكملة (ص 229). (¬2) نبت يدبغ به. اللسان «عرتن». (¬3) قال ذلك سيبويه (2/ 352): «والعرنتن قد تبينت بعرتن والبناء. وقرنقل مثله؛ لأنه ليس في الكلام مثل: سفرجل». انظر: المساعد (4/ 15). (¬4) انظر: المساعد (4/ 16)، والأشموني (4/ 248). (¬5) راجع: الأشموني (4/ 248)، والمساعد (4/ 16)، وشرح الكافية (ص 2027، 2028). (¬6) ما بين القوسين سقط من (جـ). (¬7) الجحمرش: من النساء: العجوز الكبيرة، ومن الإبل: الكبيرة المسنة. اللسان «جحمرش».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقهبلس (¬1)، وإما مكسور الأول مفتوح الثالث، كقرطعب (¬2) اسما وجردحل (¬3) صفة، وإما مضموم الأول مفتوح الثاني مكسور الرابع نحو: خبعثن (¬4) اسما وقذعمل (¬5) صفة، واعلم أنه قد ذكر للخماسي وزنان آخران أحدهما فعللل نحو: الهندلع اسم بقلة، وزعم ابن السراج أن نونه أصلية وأن وزنه فعللل (¬6)، قال المصنف: فجعل للخماسي وزنا خامسا، قال: وهذا مردود؛ لأنه يلزم على قوله أن يكون نون كنهبل أصلا؛ لأن زيادتها لم تثبت إلّا لأن الحكم بأصالتها موقع في وزن لا نظير له، وذلك لازم من أصالة نون: هندلع، مع أن نون: هندلع ساكنة ثانية فأشبهت نون: عنبس وحنظل وسنبل وقنفخر، والنون في هذه زوائد بدليل الاشتقاق، ولا يكاد يوجد نظير كنهبل في زيادة نون ثانية متحركة، وقد حكم مع ذلك عليها بالزيادة؛ فالحكم على نون: هندلع بالزيادة أولى (¬7)، الوزن الثاني: فعلّل نحو: صنبّر، قالوا: ولم يجئ إلا في قوله: 4286 - حين هاج الصنبّر (¬8) قال ابن عصفور: وهذا لجواز أن يكون لما سكن الراء للوقف كسر الباء لالتقاء الساكنين (¬9). ¬

_ (¬1) القهبلس: الضخمة من النساء والذكر. اللسان «قهبلس». (¬2) الشيء الحقير. اللسان «قرطعب». (¬3) وهو البعير الغليظ. اللسان «جردحل». (¬4) من الرجال القوي، والشديد من الأسد. اللسان «خبعثن». (¬5) البعير الضخم. اللسان «قذعمل». (¬6) الأصول لابن السراج (3/ 225)، (ص 240) وانظر: شرح الشافية (1/ 49)، وابن يعيش (6/ 143)، والأشموني (4/ 249)، والخصائص (3/ 203). (¬7) هذا رأي الجمهور، وسيبويه لم يثبت هذا الوزن - وهو الحق - وعلى ذلك يكون هندلع من مزيد الرباعي ووزنه: فنعلل، وانظر المراجع السابقة، والتكملة (ص 229، 230)، والهمع (2/ 160)، والمزهر (2/ 34)، وشرح الكافية (4/ 2025)، وما بعدها. (¬8) جزء من عجز بيت من الرمل لطرفة والبيت بتمامه: بجفان تعتري نادينا ... وسديف ... البيت والصّنبّر: الريح الباردة، وهي الشاهد، والسّديف: السّنام أو شحمه. وانظره في: الخصائص (1/ 281)، (3/ 200)، والمحتسب (2/ 83)، واللسان «صنبر» وديوانه (ص 69). (¬9) الممتع (1/ 71)، وقد أنكر ابن جني مثل هذا التعليل؛ قال في الخصائص (3/ 200): «وفيه -

[أبنية الاسم المجرد الثلاثي والرباعي والخماسي الشاذة]

[أبنية الاسم المجرد الثلاثي والرباعي والخماسي الشاذة] قال ابن مالك: (وما خرج عن هذه المثل، فشاذّ أو مزيد فيه أو محذوف منه أو شبه الحرف أو مركّب أو أعجميّ). قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على أوزان المجرد من الأسماء، وجملتها على ما هو المعتبر تسعة عشر بناء منها للثلاثي عشرة، وللرباعي خمسة، وللخماسي أربعة، وكان من الأبنية ما يخالف الأبنية المذكورة، أراد أن ينبه على المقتضي لعدم ذكرها معها، وجعل المقتضي لذلك ستة أشياء، وهي: الشذوذ، والزيادة، والحذف، وشبه الحرف، والتركيب، والعجمة؛ فالشاذ نحو: دئل في الثلاثي وطحربة وزئبر في الرباعي، وصنبّر، إن ثبت في الخماسي، والمزيد منه يشمل ما فيه زيادة من الثلاثي والرباعي والخماسي، والمحذوف منه نحو: شية وسه ودم، ويدخل فيه نحو: علبط أيضا، وشبه الحرف نحو: من وكم، والمركب نحو: بعلبك وحضرموت، والأعجمي كالأسماء الأعجمية، وإدخاله شبه الحرف والأعجمي مع هذه الأقسام لا حاجة إليه؛ لأنهما لا يدخلهما تصريف، ولأنه قد قال بعد ذكر حدّ التصريف: ومتعلقه من الكلم الأسماء المتمكنة، وما أشبه الحرف ليس بمتمكّن، وقد تقدم لنا أن الكلام في علم التصريف إنما هو بالنسبة إلى اللغة العربية؛ فإذا لا مدخل للكلمة الأعجمية في ذلك، واعلم أن الشيخ لما انقضى الكلام في شرحه على هذا الموضع شرع في ذكر أبنية الأسماء والأفعال المجرد منها والمزيد فيه وقرن ذلك بالأمثلة فكتب أوراقا عدّة، ولا شك أن أبنية الأفعال قد تقدم ذكرها؛ فلا حاجة لإيرادها هنا، وأما أبنية الأسماء فذكرها على التفصيل (¬1)، وربما يضجر الناظر ويملّ الخاطر، ومراجعة كتاب سيبويه وغيره من الكتب في هذا الفن مغنية، والذي ذكره الزبيدي أن جملة أبنية الأسماء المجردة والمزيدة ثلاثمائة بناء وثمانية أبنية (¬2)، منها للثلاثي مائتان وثمانية وثلاثون بناء، للمجرد منها عشرة أبنية أو أحد - ¬

_ - ضعف، وذلك أن الساكنين إذا التقيا من كلمة واحدة حرّك الآخر منهما، نحو: أمس، وجير ... وإنما يحرّك الأول منهما إذا كانا من كلمتين، نحو: قد انقطع، وقم اللّيل، وأيضا فإن الساكنين لا ينكر اجتماعهما في الوقف». (¬1) انظر: التذييل من (6/ 62 أ) إلى (6/ 94 ب). (¬2) انظر: الرضي (1/ 50)، والتصريح (2/ 354)، وابن جماعة (1/ 35).

[المضاعف من الثلاثي

[المضاعف من الثلاثيّ (¬1)] قال ابن مالك: (فصل: استثقل تماثل أصلين في كلمة وسهّلة كونهما عينا ولاما، وقلّ ذلك فيهما حرفي لين، أو حلقيّين وأهمل كونهما همزتين وعزّ كونهما هاءين. ونحو: قلق قليل، وقلّ كون الفاء واللّام حلقيّين وأقلّ منه نحو: كوكب، وأقلّ منه نحو: ببر وأقلّ منه نحو: ببّ، والأظهر كون الياء والواو نظيرتيه في التّأليف من ثلاثة أمثال). - عشرة بناء إن ثبت نحو: دئل والبقية للمزيد فيه منه، وللرباعي واحد وستون بناء، للمجرد منها خمسة أبنية والبقية للمزيد فيه منه (¬2)، وللخماسي تسعة أبنية للمجرد منها أربعة أبنية والبقية للمزيد فيه منه، ولم يجئ من مزيد الخماسي غير خمسة أبنية وهي: فعلليل كسلسبيل ودردبيس، وفعلّيل كخزعبيل وقذعميل وفعللول كعضرفوط ويستعور، وفعلّلى كقبعثرى، وفعللول كقرطبوس (¬3)، وحاصله: أنه لم يزد في الخماسي سوى حرف مدّ إما قبل آخر الكلمة أو بعده، وسيذكر المصنف ذلك بعد قليل. قال ناظر الجيش: اعلم أنه قد تجتمع ثلاثة أمثال أصول في كلمة كما سيأتي، - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (4/ 401 - 415 - 416)، والمساعد (4/ 19)، والممتع (2/ 561). (¬2) ينظر: الكتاب (4/ 302 - 332، 336، 340) والمقتضب (1/ 194 - 198، 224)، والتكملة (230 - 242) والممتع (1/ 72، 145)، وابن يعيش (6/ 112 - 135، 137 - 142)، ونزهة الطرف (212 - 222)، والمبدع (8 - 26)، والهمع (2/ 160، 214 - 217)، والأشموني (4/ 249)، والتصريح (2/ 354، 359 - 364). (¬3) أما ما سمع خلاف ما تقدم فمردود بدخول التحريف فيه، أو بكونه أعجميّا غير عربي، أو لازدياد ثقله لكثرة حروفه المزيدة مع روايته عن واحد فقط؛ فالأوّل فعلّول كسمرطول بإهمال أوله وإعجامه للطويل المضطرب، وهو تحريف: سمرطول كعضرفوت، مسموع في الشعر فقط وهم مما يحرفون في الشعر إذا اضطروا إلى ذلك، قال الشاعر: على سمرطول نياف شعشع أي على جمل طويل العنق، ونظيره في التحريف قوله: بسبحل الدّفّين عيسجور أراد سبحلا كقمطر فغيّر، والثاني: فعلالل كخزرانق، لضرب من الثياب، فارسي ودرداقس لعظم يصل بين الرأس والعنق، قال الأصمعي: أحسبه روميّا. والثالث: فعلّلانة كقرعبلانة لدويّية عريضة بزيادة الألف والنون والتاء مع سماعه من كتاب العين فقط. انظر الخصائص (3/ 204 - 205، 207 - 208) والمزهر (2/ 34)، وابن جماعة (1/ 35 - 36)، والمبدع (ص 26، 27).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد تشتمل الكلمة على مثلين أصليين وذلك على ثلاثة أقسام: ما تماثلت فيه الفاء والعين، وما تماثلت فيه الفاء واللام، وما تماثلث فيه العين واللام. فالأول: إما بغير فاصل بين المتماثلين نحو: ببر (¬1) وببّ (¬2) وددن (¬3)، وإما بفاصل بينهما نحو: كوكب وقوقل. والثاني: لا يمكن أن يكون إلا بفاصل وهو العين نحو: سلس وقلق، ويدخل فيه نحو: سندس (¬4) - أيضا -. والثالث: إما بغير فاصل نحو: طلل ولبب، وإما بفاصل نحو: حدرد، وقد عرف مما ذكرناه أنه ليس من شرط وجود الأصلين المتماثلين في الكلمة اجتماعهما وأن ذلك لا يتقيد بكون الكلمة ثلاثية، إذا تقرر ذلك فليعلم أن تماثل أصلين في كلمة مستثقل كما أشار إليه المصنف، وقد علل ذلك: بأن مخرج المتماثلين واحد فربّما يحتبس اللسان عند النطق بهما (¬5)، وكذلك يفرّون إلى الإدغام؛ حيث يتفق اجتماعهما في كلمة إلا ما استثني كما عرف في باب الإدغام، وهذا إنما يتجه التعليل به حيث لا فاصل بين المثلين، أما مع وجود فاصل فهو غير متّجه، ثم اعلم أن باب نحو: طلل، وهو ما تماثلت عينه ولامه، أكثر من باب نحو: سلس، وهو ما تماثلت فاؤه ولامه، وباب نحو: سلس أكثر من باب نحو: كوكب، وهو ما تماثلت فاؤه وعينه بفاصل بينهما، وباب نحو: كوكب أكثر من باب نحو: ببر، وهو: ما تماثلت فاؤه وعينه دون فاصل، ودلّ على كون باب نحو: طلل أكثر؛ قول المصنف: (وسهّله كونهما عينا ولاما)، ويدخل فيه نحو حدرد - أيضا - وأما كون باب نحو: سلس أكثر من باب نحو: كوكب، فلم يصرح به المصنف، بل لو لم يكن في كلامه نصّ على أن الفاء واللام يتماثلان، ولكن ذلك يؤخذ من كلامه حيث قال: وقلّ كون الفاء واللام [6/ 108] حلقيين، فإنه يفهم من هذا الكلام: أن الفاء واللام يتماثلان، وأفاد قوله: أنه يقلّ كونهما حلقيين - أنه لا يقل - ¬

_ (¬1) حيوان يعادي الأسد ... قال: الأزهري: «وأحسبه دخيلا وليس من كلام العرب». المصباح (ص 35). (¬2) الغلام السمين. اللسان «ببب». (¬3) اللهو واللعب. اللسان «ددن». (¬4) رقيق الديباج ورفيعه. اللسان «سندس». (¬5) انظر المساعد (4/ 19).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كونهما غير حلقيين، فكأنه قال: يجوز تماثل الفاء واللام، ولكن يقل ذلك إذا كانا حلقيين، ودلّ قوله قبل: وسهّله كونهما عينا ولاما أن باب نحو: طلل أكثر؛ لذكره مقدّما، ولنسبته التسهيل إليه؛ فيكون باب نحو: سلس أقلّ منه؛ لذكره إياه بعد، وعلى هذا فالضمير في قوله: وأقلّ منه نحو: كوكب يرجع إلى ما تماثلت فيه الفاء واللام غير حلقيّتين وهو: سلس، فيكون مراده وتماثل الفاء والعين إذا كان بينهما فاصل، وأما كون باب كوكب أكثر من باب نحو: ببر؛ فقد عرف من قوله بعد ذكر كوكب: وأقلّ منه نحو: ببر، ثم إن المصنف نبّه بقوله: وقلّ ذلك فيهما حرفي لين ... إلى آخره على أن تماثل اللام والعين يكثر على غيره من المذكورات بعده على الإطلاق، بل بقيد كون الحرفين المتماثلين صحيحين غير حلقيين ولا همزتين، أما كونهما همزتين فغير وارد في كلام العرب، ولذلك قال: وأهمل كونهما همزتين، وأما كونهما حرفي لين أو حلقيين فقليل، وذلك نحو: قوّة وعيّ وغيّ وحيّ وصحّ وشحّ ولححت عينه (¬1) وشعاع وبخ (¬2) ومهه (¬3)، وأما قوله: وقلّ كون الفاء واللام حلقيين فقد تقدم الكلام عليه، ومثاله: أجاء وخباح وآء، وهو شجر، والواحدة آءة (¬4)، ولا يظن أن باب نحو: سلس أقلّ من باب نحو: قوّ بل إنما هو أقلّ من باب نحو: طلل كما تقدم، وهو أكثر من باب نحو: قوّ ومهه، وقد نصّوا على ذلك (¬5). وسبب سهولة تماثل العين واللام أن اللام معرضة لتغيّر حركات الإعراب ولسكونها في الوقف؛ فتخالف حينئذ حركة العين فيسهل النطق بها، هكذا ذكروا، ثم لما أنهى المصنف الكلام على ما اشتمل من المتماثل على أصلين؛ أخذ في - ¬

_ (¬1) لححت عينه: إذا لصقت بالرّمص. اللسان «لحح». (¬2) كلمة فخر. اللسان «بخخ». (¬3) أي يسير. اللسان «مهه». (¬4) جاء في هامش (1) من الصحاح (1/ 34): «الصحيح عند أهل اللغة أنه - أي الآء - ثمر السرح»، وزاد ابن بري في حاشية الصحاح: ولا يعكر عليه قول شرذمة منهم: إنه اسم للشجر؛ لأنهم قد يسمّون الشّجر باسم ثمره ألا ترى إلى قوله تعالى: فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (27) وَعِنَباً. (¬5) قال سيبويه: (2/ 404): «قد نقل ما هو أخف مما يستعملون كراهية ذلك أيضا، وذلك نحو: سلس وقلق، ولم يكثر كثرة رددت في الثلاثة؛ كراهية كثرة التضعيف في كلامهم، فكأن هذه الأشياء تعاقب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلام على ما اشتمل على ثلاثة أمثال أصول، وأشار إليه بعد قوله: وأقل منه نحو: ببر الذي هو أقلّ من نحو: كوكب، الذي هو أقلّ من نحو: سلس، الذي هو أقلّ من نحو: طلل؛ فهو حينئذ في الرتبة الخامسة، فنحو: ببّ تماثلت فيه الفاء والعين واللام، وقد ذكروا أن التأليف من ثلاثة أمثال قليل، وأن الذي جاء منه في الصحيح خمسة تآليف وهي: ببّ الصبي فهو ببّه أي: سمين، وههّ يههّ ههّا وههّة أي: لثغ واحتبس لسانه، وززّه يززّه ززّا أي: صفعه، وقعد الصبي على صصّه وققّه أي حدثه، وفعلهما صصّ يصصّ صصّا، وققّ يققّ ققّا، وأما الذي جاء منه في المعتل فكلمتان لا غير وهما ياء وواو، ودلّ كلام المصنف على أن في ذلك خلافا؛ حيث قال بعد ذكر بب: والأظهر كون الواو والياء نظيرتيه في التأليف من ثلاثة أمثال، لكن قال الإمام بدر الدين ولده: إن الياء من ثلاثة أمثال اتفاقا والدليل عليه قولهم: ييّيت الياء وأصلها: ييّ فقلبت العين واللام ألفين؛ لتحرك كل منهما وانفتاح ما قبله، فالتقى ألفان؛ فقلبت الثانية همزة لتطرفها بعد ألف فصار: ياء (¬1)، وفي هذا العمل الذي ذكره نظر، فإن القاعدة المعروفة: أنه لا يتوالى إعلالان في كلمة، وأن القياس أنه إذا وجد في كلمتين عين ولام يستحقان هذا الإعلال إنما تعلّ اللام وتصحح العين نحو: الحيا، والهوى والحوى مصدر: أحوى إذا اسودّ، والأصل: حيي وهوي، وحوو، وقد يعكس هذا العمل شذوذا نحو: غاية وطاية وثاية، وأيضا فإن حرف العلّة الواقع بعد ألف إنما يبدل همزة إذا كانت الألف زائدة، أما إذا كانت الألف أصلية، فإن حرف العلة يبقى بحاله نحو: آية وراية، والأولى في التعليل أن يقال: تحركت الياء المتوسطة التي هي العين، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وقلبت الياء الأخيرة همزة، لوقوعها طرفا تشبيها للألف المنقلبة عن الأصل بالألف الزائدة، ثم قال الإمام بدر الدين: وأما الواو فقيل: هو من باب (¬2): سلس وقلق، وعينه ياء؛ لأن باب: سلس في كلامهم أكثر من باب: ببّ، فالحمل عليه أولى، وقال الأخفش هو من باب: ببّ وعينه واو، وهو قول صحيح (¬3)، ويدل على صحته أمور ثلاثة: أحدها: قولهم في التصغير: أويّة بقلب فائه همزة؛ لكونها أوّل - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 95 ب) وانظر: الجاربردي (1/ 269). (¬2) انظر الجاربردي (1/ 269). (¬3) ينظر اللسان «وا» وشرح الشافية (3/ 74).

[اجتماع حرفي علة في كلمة]

[اجتماع حرفي علّة في كلمة] قال ابن مالك: (وإن تضمّنت كلمة ياء وواوا أصليّين لم تتقدّم الياء إلّا في: يوح ويوم وتصاريفه، وواو حيوان ونحوه بدل من ياء على رأي الأكثرين، وقلّ باب: ويح، وكثر باب: طويت). ـــــــــــــــــــــــــــــ واوين مصدّرتين ولو كانت عينه ياء لقيل في التصغير: وييّة (¬1). والثاني: أن كون العين واوا كما في نحو: حال، وجال أكثر من كونها ياء كما في: باع ومال ونحوه، والحمل على الأكثر عند التردد أولى (¬2). الثالث: أن كون الواو من باب: ببّ يستلزم شذوذا واحدا ارتكب مثله في ستة تآليف، يعني في الخمسة الصحيحة وفي الياء، وكونه من باب: سلس يستلزم شذوذين: أحدهما: ارتكب مثله في أربعة تآليف لا غير، وهو كون الواو فاء والياء عينا والأربعة: ويح وويب وويس وويل. والآخر: لم يرتكب مثله في شيء وهو كون الياء عينا، والواو لاما، وما يستلزم الشذوذ من وجه واحد أولى بالمصيّر إليه مما يستلزم الشذوذ من وجهين، لا سيما على الوجه المذكور. انتهى. هو كلام جيد، واعلم أن أصل واو على هذا: ووو (¬3)، كما أن أصل ياء: ييي (¬4) تحركت الواو المتوسطة وما قبلها مفتوح فانقلبت ألفا وصحت الواو آخرا فلم تعتل بإبدالها همزة، وهذا بخلاف ما فعلوا في ياء؛ حيث أبدلوا الياء همزة، وكأنهم جروا في واو على القياس، فلم يبدلوا الواو همزة؛ لوقوعها بعد ألف أصلية، كما كان قياس: ياء: أن يقولوا فيها: ياي. قال ناظر الجيش: لما ذكر اجتماع الياء مع مثلها، واجتماع الواو مع مثلها في الكلمة الثلاثية شرع الآن ذكر اجتماع إحداهما مع الأخرى في الكلمة الثلاثية - أيضا - فذكر أنهما إذا اجتمعتا لا تتقدم الياء على الواو إلا في: يوح ويوم، ويوح: اسم الشمس وسواء أكانت الياء فاء أم عينا؛ فالحاصل أن الياء - ¬

_ (¬1) و (¬2) الجاربردي (1/ 269). (¬3) اللسان «وا». ويرى أبو علي الفارسي أنها مركبة من واو وياء وواو «ويو»، وثعلب يرى أنها «ووّيت» انظر شرح الشافية (3/ 74). (¬4) ومذهب أبي علي أن أصلها «يوي». شرح الشافية (3/ 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا تكون فاء والواو عينا إلا في ما استثناه (¬1)، [6/ 109] وكذا لا تكون الواو لاما والياء عينا، وأورد على ذلك: حيوان، وأجيب عنه بأن واوه بدل من ياء على رأي الأكثرين وأصله: حييان، ولذلك قالوا في حيوة: إن أصله: حيّة ولا شك أن البدل المذكور فيهما شاذ قالوا: وهذا مذهب سيبويه (¬2)، ووجهه: أنهم كرهوا إظهار الياءين فأبدلوا من الثانية واوا كما فعلوا في النسب حيث قالوا: غنويّ، وزعم المازني ومن وافقه أن باب: حيّ مما عينه ياء ولامه واو، واستدل على ذلك بقول العرب: حيوة وحيوان، وقد ردّ ذلك بأنه قد ثبت إبدالهم الياء واوا شذوذا، ولم يثبت من كلامهم ما عينه ياء ولامه واو، ولأجل خلاف المازني في هذه المسألة قيد المصنف كلامه بقوله: على رأي الأكثرين. واعلم أن القياس الأصلي أن يقال في حيوان: حايان؛ لأن الياء الأولى تحركت وانفتح ما قبلها فقياسها أن تقلب ألفا، ولكنهم من أصلهم - أيضا - إذا كان اسم لمعنى يدل على تحرك واضطراب؛ صححوا حرف العلة فيه ليكون مطابقا لمدلوله في المتحرك، وكذلك قالوا: جولان وميلان؛ إجراء له مجرى الصحيح، حيث كان كذلك كالخفقان، وأورد على هذا التعليل: موتان، وأجيب بأنه من هذا الباب؛ لأنهم يحملون الشيء على نقيضه، ولما قالوا: حيوان حملوا عليه نقيضه في الصحة فقالوا: موتان فلما وجب بهذا السبب بقاؤها متحركة كرهوا اجتماع الياءين فقلبوا الثانية واوا كما تقدم، وأراد المصنف بالتصاريف في قوله: ويوم وتصاريفه، صيغة الجمع نحو: أيام أصله أيوام ونحو: قولهم: يوم أيوم، وياومه مياومة ويواما، وقد كان الاقتصار على ذكر يوم كافيا، فإن الفروع تابعة للأصول، ثم اعلم: أن الواو تقدمت فاء على الياء عينا، وتقدمت - أيضا - عينا على الياء لاما، لكن الثاني كثير والأول قليل، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: وقلّ - ¬

_ (¬1) انظر: الرضي (3/ 74)، وابن يعيش (10/ 55). (¬2) واو حيوان بدل من ياء عند سيبويه وأصحابه، أبدلت منها؛ لتوالي الياءين وأبدلت الثانية؛ لأن استكراه التتالي إنما حصل لأجلها، وأيضا لو أبدلت العين واوا لحمل على باب: طويت الكثير، وظنّ أنها أصل في موضعها؛ لكثرة هذا الباب، فلما قلبت الثانية واوا صارت مستنكرة في موضعها فيتنبه بذلك على كونها غير أصل، وقال المازني: واو حيوان أصل، وليس في حييت دليل على كون الثانية ياء لجواز أن يكون كشقيت ورضيت قلبت ياء لانكسار ما قبلها. الرضي (3/ 73)، وانظر: ابن يعيش (10/ 55)، والكتاب (4/ 409).

[بناء فعل من باب قو]

[بناء فعل من باب قوّ] قال ابن مالك: (واستغنوا في باب قوّ بفعل عن فعل وفعل، فإن اقتضى ذلك قياس رفض). ـــــــــــــــــــــــــــــ باب: ويح، وكثر باب: طويت، وهما عكس المسألتين المتقدمتين؛ لأن ويحا عكس يوحا، وطويت عكس حيوان، إن لم يكن واوه مبدلا عن ياء، قيل: ولم يحفظ من الأوّل إلا: ويل وويح وويس وويب (¬1)، كما أنه لم يحفظ من عكسه إلا: يوح ويوم، وأما باب: طويت، فالمحفوظ منه كثير، منه: شوي وكوي ولوي (¬2) ونوي وحوي وغوي وعوي وثوي، وقد ثبت في بعض النسخ، قال الشيخ: في نسخة البهاء الرّقي زيادة بعد قوله: وكثر باب طويت وهي قوله: وأنيت (¬3)، فالحمل عليهما أولى من بابي: قوّ وأجإ؛ فباب: قوّة راجع إلى طويت يعني أن تكون العين واوا واللام ياء أولى من كونهما واوين (¬4)، وقوله: وأجإ؛ راجع إلى أنيت، يعني أن تكون فاء الكلمة همزة ولامها ياء؛ أولى من كونهما همزتين (¬5). قال ناظر الجيش: يريد أنه إذا كانت العين واللام واوين نحو: باب حوّة (¬6) وقوّة، فإن الفعل منه إنما تبنيه العرب على فعل بكسر العين، فيقولون: قوي، وأصله: قوو، فقلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، ولزم مجيء مضارعه على يفعل، فقيل: يقوى، وأصله: يقوو، ولم يبنوه على فعل ولا على فعل لما يلزم منه من مجيء مضارعه على يفعل فقيل: يقوى؛ لأن مضارع فعل إنما يأتي كذلك، ومضارع فعل الواويّ العين كذلك - أيضا -، فكان يجيء على: يقوو، فاستثقلوا مجيء واوين في آخر الفعل، فرفض ما أدى إليه وكذا كان يجتمع في آخر الماضي واون (¬7) إذا قلت: قووت - ¬

_ (¬1) انظر شرح الشافية (3/ 72) وابن يعيش (10/ 55) والمساعد (4/ 25) والممتع (2/ 567). (¬2) في المساعد (4/ 25): «شويت وكويت ...». (¬3) الواو تقدمت عينا على الياء لاما وهو كثير نحو: طويت ونويت وغويت. الرضي (3/ 573)، وانظر: التذييل (6/ 96 ب) والمساعد (4/ 25 - 26). (¬4) وكون الواو عينا والياء لاما نحو: طويت أكثر من كون العين واللام واوين كقوّة؛ فالحمل على الأول عند خفاء الأصل أولى، فيقال: إن ذا في اسم الإشارة أصله ذوي لا ذوو. الرضي (3/ 73). (¬5) انظر: المساعد (4/ 26). (¬6) سواد إلى الخضرة، وقيل: حمرة تضرب إلى السواد. اللسان «حوا». (¬7) بداية سقط من (ب) وينتهي السقط في صفحة (4902) في هذا التحقيق.

[المضارع من الرباعي]

[المضارع من الرباعي] قال ابن مالك: (ويماثل كثيرا ثالث الرّباعيّ أوّله، ورابعه ثانيه، وأهمل ذلك مع الهمزة فاء، وقلّ مع الياء مطلقا، ومع الواو عينا، فإن كانت في فعل لم تقلب ألفا، وما أوهم ذلك فأصله الياء كحاحيت خلافا للمازنيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ أو قووت، فإن اقتضى ذلك قياس رفض وذلك أن يقال لك: ابن من قوّة مثل سبعان، فيقول في أحد المذاهب التي سيأتي ذكرها: قويان، أصله: قووان، لكنك رفضت هذا الأصل، وصيرته على وزن فعلان، وقلبت الواو الآخرة ياء؛ لكسر ما قبلها فقلت: قويان. قال ناظر الجيش: قد ذكر المصنف هذه المسألة - أعني التي حصل فيها التماثل - في فصل يأتي بعد ذكر فصول أربعة من هذا الفصل (¬1)، وذلك الفصل أمر بذكرها فيه، وإنما تعرض لذكرها هنا لأمرين: أحدهما: أنه لما تكلم على تماثل الأصول في الكلمة الثلاثية أردف ذلك بالكلام على تماثلها في الكلمة الرباعية. ثانيهما: التنبيه على أن هذا التماثل مهمل بالنسبة إلى بعض الحروف، وقليل بالنسبة إلى بعض آخر، ومراده أن مماثلة الثالث للأوّل والرابع للثاني يكون في كلمة واحدة، لا أن كل تماثل في كلمة؛ وذلك نحو: سحسح وسمسم وجمجم وبربر وربرب وزلزل وقلقل وصلصل، ثم هذا التماثل قد يكون مهملا، وقد يكون قليلا؛ فأما كونه مهملا ففي الهمزة إذا كانت فاء؛ فلم يسمع من كلام مثل: أجأج ولا أزأز، ولم يهمل ذلك فيها إذا كانت عينا فقد سمع من كلامهم: بأبأ (¬2) وزأزأ (¬3) وضئضئ (¬4)، وأما كونه قليلا فمع الياء مطلقا أي: فاء كانت أو عينا، ومع الواو إذا كانت عينا فالياء نحو: يؤيؤ (¬5) وصيصية (¬6) والواو نحو: ضوضى - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 296). (¬2) بأبأ الرجل: أسرع. اللسان «بأبأ». (¬3) زأزأ زأزأة: عدا، وزأزأ الظليم: مشى مسرعا ورفع قطرية. اللسان «زأزأ». (¬4) الضئضئ والضؤضؤ: الأصل والمعدن، اللسان «ضأضأ». (¬5) اليؤيؤ: طائر يشبه الباسق من الجوارح. اللسان «بأبأ». (¬6) الصّيصية: شوكة الحائل التي يسوى بها السداة واللّحمة. اللسان «صيص».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوقى؛ فهما من باب: صلصل وقلقل ولم يحكم بزيادة الواو في: ضوضى فيقال: إن وزنه فوعل كجوهر؛ لأن ذلك يدخل الكلمة في باب: ددن، وهو قليل، والحكم بأنها أصل يدخل الكلمة في المضعف الرباعي وهو كثير، ويقيد القلة بكون الواو عينا يفهم منه أن الواو إذا كانت فاء لا يقل التماثل معها، وذلك نحو: وسوس، ووعوع. قوله: فإن كانت في فعل، أي: فإن كانت الواو عينا في فعل لم تقلب ألفا، مثال ذلك: قوقى وضوضى، وما أوهم كون العين واوا قلبت ألفا، فأصل الألف الياء لا الواو وكحاحيت، ومثله هاهيت وعاعيت (¬1)؛ فإن الأخفش لم يأت في هذا الباب - في ما علمناه - غير هذه الثلاثة (¬2)، وأصل الألف فيها الياء، وإنما ذهبنا إلى أنه فعللت لا فاعلت؛ لقولهم في المصدر: الحيحاء والعيعاء (¬3)، ولو كان فاعل لكان مصدره فعالا، وإنما قيل: إن أصل الألف ياء في هذه الكلمات الثلاث؛ لأنه لم تجئ كلمة منها على الأصل الذي لها قط؛ فلو كان أصلها واوا لجاء كما قالوا: قوقيت، قالوا: وإنما لم تبدل الواو ألفا في قوقيت ونحوه، ليفرّقوا بين ذوات الواو وذوات الياء، وكان الإبدال في ذوات الياء أولى لقرب الألف من الياء ولما في ذلك من اجتماع الأمثال ويدل على أنهم يبدلون؛ كراهة اجتماع الأمثال قولهم: وهديت، والأصل فيه: وهدهت، وخالف المازني في ذلك وجعل الألف في حاحيت ونحوه منقلبة عن واو، واحتج على ذلك بأن الألف لمّا لم ينطق بها بأصل لا ياء ولا واو كان حملها على ما نطق له بأصل وهو: قوقيت أولى (¬4)، قال الشيخ: وكونها منقلبة عن ياء أحسن للعلّتين المتقدمتين (¬5). ¬

_ (¬1) كلها أسماء أصوات البهائم، قال ابن منظور في اللسان «حا»: «إنما هو صوت بنيت منه فعلا، كما أن رجلا لو أكثر من قوله: لا، لجاز أن يقول: لاليت». (¬2) وهو ما ذكر سيبويه - أيضا - في الكتاب (4/ 314)، وانظر: التذييل (6/ 97 أ). (¬3) ويدلك على أنها ليست فاعلت قولهم: الحيحاء والعيعاء بالفتح كما قالوا: الحاحات والهاهات، فأجري صاصيت وعاعيت وهاهيت مجرى دعدعت؛ إذ كن للتصويت. اللسان «صا» وانظر: الكتاب (2/ 347)، والتذييل (6/ 97 أ). (¬4) المنصف (2/ 170 - 171)، والممتع (2/ 592)، والمساعد (4/ 29). (¬5) التذييل (6/ 97 أ).

[الميزان الصرفي

[الميزان الصرفي (¬1)] قال ابن مالك: (ويسمّى أوّل الأصول فاء، وثانيها عينا، وثالثها ورابعها وخامسها لامات؛ لمقابلتها في الوزن بهذه الأحرف مسوّى بينهما في الحال، والمحلّ ومصاحبة زائد سابق أو لاحق). قال ناظر الجيش: لما راموا وزن الكلمة قابلوا أوّل أصولها بفاء وثانيها بعين وثالثها ورابعها وخامسها بلامات فلهذه المقابلة يسمى أول الأصول فاء، وثانيها عينا، وثالثها لاما، وكذا رابعها وخامسها إن كانا، وأشار بقوله: مسوّى بينهما، إلى أنه يسوي بين الوزون والزنة في الحال والمحل ومصاحبة زائد. أما الحال: فالمراد به الحركة والسكون فيعطى المقابل به ما للمقابل منهما فيوزن عصر من قول الشاعر: 4287 - لو عصر منه البان والمسك انعصر (¬2) بفعل بسكون العين، وإن كان أصله: عصر بكسرها؛ لأن حالها عند الوزن السكون، وكذا يوزن جلد من قول الشاعر: قول الشاعر: 4288 - ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا (¬3) بفعل بكسر العين، وإن كان أصله الجلد بسكونها؛ لأن حالها عند الوزن الحركة، والمعتبر من مشكلات الحروف ما استحق قبل طروء التغيير الحادث بإعلال حالها؛ - ¬

_ (¬1) أطلق الصرفيون على مقابلة أصول الكلمة بالفاء، والعين، واللام كثيرا من الأسماء منها: المثال، والوزن والزنة، والصيغة والوزان والتمثيل، والميزان الصرفي. انظر نزهة الطرف (ص 70)، وأوضح المسالك (4/ 363). (¬2) من الرجز المشطور قائله أبو النجم العجلي، والبان: شجر سبط القوام ليّن الورق يشبه به قدود الحسان، له زهرة طيبة الريح، والشاهد في قوله: عصر، فإن أصله بضم العين وكسر الصاد، ولكن الشاعر خففه بإسكان الصاد فيوزن على حالته هذه. انظر: المنصف (1/ 24) (2/ 124)، والاقتضاب (ص 462)، والإنصاف (1/ 124)، والتصريح (1/ 294) واللسان (عصر) والتذييل (6/ 98 أ). (¬3) عجز بيت من البسيط لعبد مناف بن ربعي الهذليّ وصدره: إذا تجاوب نوح قامتا معه السبت: الجلد المدبوغ يتخذ منه النعال، ولعجه: آلمه، والشاهد فيه: قوله: الجلدا؛ حيث أتبع اللام الساكنة لحركة الجيم المكسورة، انظر نوادر أبي زيد (ص 30)، والخصائص (2/ 332)، والمنصف (2/ 308)، والهمع (2/ 157)، والدرر (2/ 214)، وديوان الهذليين (2/ 38)، والتذييل (6/ 98 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلذا يقال في وزن معدّ: مفعل؛ لأن أصله معدد، ويقال في وزن بيع: فعل؛ لأن أصله بيع. وأما المحل: فالمراد به أنه إذا حصل في الموزون تقديم بعض حروفه على بعض فعل مثل ذلك في الزنة فيوزن: آرام: أعفال، وحادي: بعالف، وكذا ما أشبههما من المقلوب، وأما مصاحبة المزيد: فالمراد به أن الموزون إذا كان فيه زائد أتي بنظيره في الزنة فيوزن جوهر: بفوعل، وقسور: بفوعل، وعثير: بفعيل، ومراد المصنف أن الزائد يصاحب الزنة كما يصاحب الموزون؛ أما مقابلته في الوزن بلفظه أو بغير لفظه فيذكره، وأما قوله: سابق أو لاحق - فأبدى الشيخ في المراد به احتمالين: أحدهما: أن الزائد السابق ما كان في بنية الكلمة من أول وضعها كياء يرمع؛ وتاء تنضب والزائد اللاحق ما لحق الكلمة لمعنى عرض كألف ضارب، وياء التصغير، وألف الجمع (¬1) وهم الأدلة. الثاني: أن السابق ما كان سابقا على ماهية الكلمة كالسين من: سيضرب، والتاء الساكنة من: ضربت، والألف واللام من الضارب، واللاحق (¬2) ما كان لاحقا للماهية كالتنوين من: زيد مثلا لو قيل: ما وزنه؟ فتقول: فعلن (¬3). انتهى. ولا شك في بعد الاحتمال الثاني، وكان المصنف في غنى عن تقييد الزائد بكونه سابقا أو لاحقا؛ إذ لا فائدة في ذلك، واعلم أن الفائدة في وزن الكلمة بالفعل هي الإعلام بمعرفة الزائد من الأصل على طريق الاختصار؛ لأن قولك في وزن أحمر: إنه أفعل؛ أخصر من قولك: الهمزة منه زائدة. وإنما كنّوا عن الأصول بالفاء والعين واللام؛ لأن حروف الفعل أصول (¬4)، فجعلوها لذلك في مقابلة الأصول، ولم - ¬

_ (¬1) فألف ضارب لمعنى اسم الفاعل أو المفاعلة، وياء التصغير تكون لمعنى التحقير أو التقليل أو غيرهما، وألف الجمع لإفادة معنى الجمعية. (¬2) نهاية السقط الذي بدأ في صفحة (4898) في هذا التحقيق. (¬3) التذييل (6/ 98 ب). (¬4) قال الرضي في شرح الشافية (1/ 13): «ومعنى تركيب «فـ ع لـ» مشترك بين جميع الأفعال والأسماء المتصلة بها، إذ الضرب فعل وكذا القتل والنوم، فجعلوا ما تشترك أيضا في معناه، ثم جعلوا الفاء، والعين، واللام في مقابلة الحروف الأصلية؛ إذ الفاء والعين واللام أصول» وقيل: إن سبب خصوص الفاء، والعين، واللام أوثر لأسباب وهي: 1 - أصل المخارج ثلاثة: الحلق، واللسان، والشفتان فأخذ الصرفيون من كل مخرج منها حرفا: الفاء من الشفتين، والعين من الحلق، واللام من اللسان. -

[حروف الزيادة ودليلها وأنواعها]

[حروف الزيادة ودليلها وأنواعها] قال ابن مالك: (وما لم تبن زيادته بدليل فهو أصل، والزّائد بعض سألتمونيها، أو تكرير عين أو لام أو عين ولام مع مباينة الفاء، أو فاء وعين مع مباينة اللّام، وإذا كان الزّائد من سألتمونيها قوبل بمثله في الوزن، وإلّا فبما يقابل الأصل من فاء وعين ولام، خلافا لمن يقابل بالمثل مطلقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ يكنوا عن الأصول بغير هذه الحروف؛ لأنهم إنما كنوا بما عادة العرب أن تكني به وهو الفعل، ألا ترى أن القائل يقول: هل ضربت زيدا، فتقول: فعلت، وتكني بقولك: فعلت عن الضرب، وللكوفيين في كيفية الوزن بالنسبة إلى مقابلة ما زاد من الكلم على ثلاثة، بما إذا تقابل تفصيل وبينهم اختلاف في ذلك، والظاهر أنه مبني على غير أصل، تم الكلام في ذلك، وإيراد تقاسيمهم لا يفيد شيئا فتركته خوف الإطالة (¬1). قال ناظر الجيش: دعوى الزيادة لا تقبل إلا بدليل يدل على أن ذلك الحرف مزيد في تلك الكلمة؛ لأن الأصل عدم الزيادة، فمن ثم قال المصنف: وما لم تبن زيادته بدليل فهو أصل، وسيأتي ذكر الأدلة التي تدل على الزيادة، ثم الزيادة إما بتكرير أو بغير تكرير، أما زيادة التكرير: فغير مختصة بشيء من الحروف، وأما الزيادة بغير تكرير: فلا يخرج عن شيء من هذه الحروف العشرة وهي: الألف، والياء، والواو، - ¬

_ - 2 - «الفعل» هو الذي يكثر فيه التغيير دون سائر الكلمات فأوثرت مادته المشتملة على الفاء، والعين واللام لوزن جميع الكلمات. 3 - مادة (فعل) وتصرفاته: تطلق على جميع الأحداث وتصرفاتها فيقال مثلا: فعل الصلاة .. كما يقال: فعل الزكاة .. ومنه قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ [المؤمنون: 4]. فأوثرت هذه المادة لعمومها. ينظر: الهمع (2/ 213)، والأشموني (4/ 253)، وأوضح المسالك (4/ 363). (¬1) مذهب البصريين والجمهور: عند وزن الكلمات الزائدة عن ثلاثة أحرف مقابلة الحرف الأصلي الذي بعد الثلاثة الأصول باللام سواء أكان رباعيّا في الفعل، أم خماسيّا في الاسم. فالأول مثل: دحرج تقول: وزنه فعلل، والثاني مثل: جحمرش تقول فيه: فعللل بثلاث لامات، وقد أوثرت اللام هنا لقربها من لام سابقة في أصل الميزان، ولم يوضع الأصل الذي بعد ثلاثة بلفظه في الميزان؛ لئلا يتوهم أنه غير أصلي. ومذهب الكوفيين: يضع بعضهم هذا الأصلي بلفظه في الميزان فيقول في جعفر مثلا: وزنه فعلر بالراء بعد اللام، وبعضهم يضع ما قبل الآخر بلفظه في الميزان فيكون وزن جعفر عندهم: فعفل لفظ الفاء: التي هي في موضع اللام في الميزان، أما الأصلي الذي بعد الثلاثة فيقابل باللام، وقد ذهب بعض الكوفيين - أيضا - إلى عدم وزن الأصلي الذي بعد ثلاثة أحرف فلا توزن الكلمة التي تشتمل عليه؛ لأنه لا يدرى عندهم كيفية وزنه. والصحيح: هو مذهب البصريين والجمهور. انظر الهمع (2/ 213)، والأشموني (4/ 253).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والهمزة، والميم، والنون، والتاء، والسين، والهاء، واللام، ويجمعها قولك: سألتمونيها، يقال: إن بعض النحاة سئل عن أحرف الزيادة، فقال: سألتمونيها، قالوا: نعم، قال: قد أجبتكم (¬1). وقد جمعها المصنف في بيت واحد أربع مرات، وهو: هناء وتسليم تلا يوم أنسه ... نهاية مسؤول أمان (وتسهيل) (¬2) والمراد من كونها أحرف الزيادة أنه إذا وجد حرف زائد لغير الإلحاق والتضعيف فلا يكون إلا منها، لا أن المعنى أنها لا تقع إلا زوائد، وأما المزيد للإلحاق والتضعيف، فقد يكون من غيرها كما يكون منها، وهذا الذي قلناه هو مراد المصنف بقوله: والزائد بعض سألتمونيها، أو [6/ 110] تكرير عين ... إلى آخره، ولكنه يجوز في قوله: أو تكرير؛ لأن التكرير زيادة والزائد إنما هو المكرر، ثم ذكر المصنف: أن التكرير أربعة أقسام: تكرير عين فقط نحو: سلّم وقطّع، وتكرير لام فقط نحو: مهدد وجلبب، وتكرير عين ولام مع مباينة الفاء لهما ووزنهما، نحو: دمكمك وصمحمح (¬3) فالميم والكاف في الأول. والميم والحاء في الثاني، وقد تكررتا مع مباينة الفاء لهما، ووزنهما: فعلعل، فأصول كل من الكلمتين ثلاثة أحرف لا غير، والدليل على ذلك أنهم أجمعوا على أنهم يقولون في جمعها: دمامك وصمامح (¬4)، - ¬

_ (¬1) ينظر: المساعد (4/ 31)، والتذييل (6/ 98 ب). (¬2) كذا ذكرها المصنف وفي النسخة (ب): «وتسليمه» وحكي أن المبرد سأل المازني عن حروف الزيادة فأنشده: هويت السّمان فشيّبنني ... وما كنت قدما هويت السّمانا والبيت من المتقارب لأبي محمد اليزيدي وسيق للاستشهاد على عدة حروف الزيادة وهي قوله: «هويت السّمان». وقد عاب ابن مالك هذا الجمع من وجهين: أحدهما: إدخال حروف أجنبية بين الجملتين المتضمنتين الحروف المقصودة. والثاني: أن الهمزة واللام لم ينطق بهما، والاعتماد في تضمين كلام حروفا مقصودا حفظها أن يكون صريحا لفظها. قال - ابن مالك -: وأجود من قول أبي عثمان قول بعض الأندلسيين: أتى ومنّ سهيل ... ومن سهيل أتاه وانظر: شرح الكافية (4/ 2033)، والمنصف (1/ 98)، وابن يعيش (9/ 141)، والجابردي (1/ 193)، وشرح الشافية (2/ 331). (¬3) الدمكمك: قالوا: رحى دمكمك أي: شديدة الطحن. اللسان «دمك». الصمحمح من الرجال: الشديد المجتمع الألواح. اللسان «صمح». (¬4) انظر: الكتاب (3/ 431)، (4/ 278)، والممتع (1/ 115)، والأشموني (4/ 256).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والعرب لا تجمع الخماسي إلا على: استكراه؛ وإنما يجمعونه بحذف الآخر، فيقولون في سفرجل: سفارج، فلو كان: دمكمك، وصمحمح خماسيين، لكانوا يحذفون الآخر فيقولون: دماكم، وصماحم، قلت: الذي حذف من قولهم: دمامك، وصماحم، إنما هو لام الكلمة، وهي الكاف من الأول، والحاء من الثاني، وقد يستشكل حذف الحرف الأصلي، ويقال: حذف أحد الزائدين المكررين أولى وهو من دمكمك: إما الميم وإما الكاف فكان يقال: دماكك ودماكم، ومن صمحمح، إما الميم، وإما الحاء، فكان يقال: صماحح أو صماحم، قيل: لكنهم لم يقولوا: صماحم لفقد فعالع، ولم يقولوا: صماحح للاستثقال (¬1)، قلت: وفي التعليل بفقد فعالع نظر؛ فإنه قد يقال: الغرض أن الميم والحاء الآخرتين مزيدتان تكريرا للعين واللام فحذفت إحداهما توصلا إلى الإتيان بصيغة الجمع، وبقيت الأخرى وهي مكررة عن عين الكلمة، فقوبلت في الوزن مما يقابل به العين، ولا يضرّ كون الحرف الذي تقابل به العين آخرا؛ لأن الحرف مزيد لا أصل؛ ولأن المزيد الآخر المحذوف الذي يقابل اللام في حكم الموجود، فالواقع آخرا إنما هو الحرف الذي يقابل اللام، والقسم الرابع: تكرير فاء وعين مع مباينة اللام نحو: مرمريت وهو العصر، ومرمريس وهو الداهية (¬2)، والدليل على ذلك الاشتقاق فإنهما من المرت، والمراس فالميم، والراء الأخريان مزيدتان، وزنة الكلمتين: فعفعيل، ولم تتكرر الفاء والعين إلا في هذين الاسمين، قال المصنف في شرح الكافية بعد ذكر مرمريس ومرمريت: وزنهما فعفعيل، وهو وزن غريب (¬3). ثم لمّا ذكر المصنف أن الزيادة في الكلمة بأحد طريقين إما بالتكرير، وإما ببعض الأحرف العشرة، قال: وإذا كان الزائد من سألتمونيها قوبل ... إلى آخره، يعني أن الزائد إذا كان من سألتمونيها - ويريد بذلك أن زيادته لم يقصد بها التكرير - قوبل في الوزن بمثله وهذا ظاهر كقولك: وزن ضارب ومضروب: فاعل ومفعول، وقد تقدم ذلك، قال في شرح الكافية: إلا أن يعرض له في الموزون سبب تغيير، يعني فيؤتى به في - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 99 أ). (¬2) ينظر: اللسان «مرس»، والكتاب (3/ 431)، (4/ 269، 326)، والممتع (1/ 139). (¬3) شرح الكافية (4/ 2034).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوزن على أصله من غير تغيير، وذلك كما تقول: وزن مصطبر، ومزدجر: مفتعل فتأتي بالتاء في الزنة؛ لأن الموجب لقلبها طاء ودالا في الموزونين مفقود في الزنة (¬1)، قوله: وإلا فيما يقابل الأصل، يعني وإن لا يكن الزائد من سألتمونيها، ويريد بذلك أنه قصد بزيادتها التكرير قوبل في الوزن بما يقابل به الأصل من فاء، وعين، ولام، فتقول: وزن سلّم فعّل، وجلبب: فعلل، ودمكمك: فعلعل، ومرمريس: فعفعيل، ويقول: وزن اغدودن: افعوعل (¬2). والحاصل: أن المزيد المكرر لا يوزن بلفظه، وإنما يوزن بالحرف الأصلي الذي قبله، فصل بينه وبينه زيادة أو لم يفصل، كان التكرير من غير حروف الزيادة أو منها، وسواء كان زيادة التكرير للإلحاق (¬3) أم لغير الإلحاق، أما المقابلة إنما يقابل به الأصل في الإلحاق، فلأن غرضهم بالزيادة جعل الكلمة على مثال ما موزونها فيه أصل (¬4)، فأرادوا في الزنة أن ينبهوا على ذلك وأما في غير الإلحاق، فأرادوا أن ينبهوا على أن هذه الزيادة قصدوا بها تكرير ما قبلها، وما قبلها أصل؛ فقصدوا بوزنها بما قبلها التنبيه على هذا الغرض، بخلاف الزيادة التي ليست للإلحاق، والتي لقصد التكرير، ثم أشار المصنف بقوله: خلافا لمن يقابل بالمثل مطلقا (¬5)، يعني يقابل بمثل الزائد في التكرير كما يقابل به في غير التكرير، إلى أن من الناس من يقابل في التكرير الزائد بمثله إذا نطق بوزنه فيقول في اغدودن: افعودن فيقابل بالمثل، كما تقول في وزن: جوهر: فوعل، وكذا يقول: وزن جلبب: فعلب (¬6) إن كان المزيد عنده هو الثاني، وإن كان المزيد عنده الأول، قال: وزنه: فعبل هكذا قال الشيخ، وفي ذلك نظر؛ فإن جلبب ملحق بدحرج. والحرف الذي حصل به الإلحاق إنما هو الثاني، فالظاهر أنه هو المزيد فلا يتأتى في - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 2030). (¬2) ينظر: الأشموني (4/ 254)، والرضي (1/ 13)، وابن يعيش (9/ 144). (¬3) الزيادة لأجل الإلحاق لغرض جعل مثال على مثال أزيد منه، بأن يجعل الحرف الزائد في المزيد فيه مقابلا للحرف الأصلي في الملحق به ليعامل معاملته في التكسير، والتصغير وغيرهما. انظر الممتع (1/ 206)، والرضي (1/ 52)، والهمع (2/ 216). (¬4) مثل: قردد الملحق بجعفر فوزنه: فعلل، فيعبّر عن الدال الثانية بما عبر به عن الأولى؛ لئلا يفوت غرض الإلحاق من جعل الكلمة على مثال باب موازنها. (¬5) وذلك رأي بعض الكوفيين كما تقدم. (¬6) ينظر: التذييل (6/ 99 ب)، والمساعد (4/ 30).

[الزيادة قبل فاء الفعل والاسم]

[الزيادة قبل فاء الفعل والاسم] قال ابن مالك: (فصل: لأصالة الفعل في التّصريف، زيد قبل فاء ثلاثيّه إلى ثلاثة، وقبل فاء رباعيّه إلى اثنين، ومنع الاسم من ذلك ما لم يشاركه لمناسبة. أو يكن ثلاثيّا والمزيد واحد وشذّ: إنقحل وإنزهو، وينجلب، وإستبرق. ومنتهى الزّيادة في الثّلاثيّ من الأفعال ثلاثة، ومن الأسماء أربعة، وفي الرّباعيّ من الأفعال اثنان، ومن الأسماء ثلاثة، وقد يجتمع في آخر الاسم الثّلاثيّ ثلاثة وأربعة. وفي آخر الرّباعي ثلاثة ولم يزد في الخماسيّ غير حرف مدّ قبل الآخر أو بعده مجرّدا أو مشفوعا بهاء التّأنيث، وندر: قرعبلانة، وإصطفلينة، وإصفعند). ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: جلبب الخلاف (¬1) الذي في نحو: كرّم، قال المصنف: ويلزم من المقابلة بالمثل في المكرر أمران مكروهان: أحدهما: تكثير الأوزان مع إمكان الاستغناء بواحد في نحو صبّر وقتّر وكثّر، فإن وزنها وما شاكلها على القول المشهور: فعّل، ووزنها على القول الآخر المرغوب عنه: فعبل وفعتل (¬2)، وهكذا إلى آخر الحروف، وكفى هذا الاستثقال منفّرا. والثاني: التباس ما يشاكل مصدره تفعيلا بما يشاكل مصدره فعللة، وذلك أن الثلاثي المعتل العين قد تضعّف عينه؛ للإلحاق، ولغير الإلحاق، ويتحد اللفظ به كبيّن مقصودا به الإلحاق، ومقصودا به التعدية؛ فعلى القصد الأوّل مصدره: بيّنة، مثل دحرجة، وعلى القصد الثاني تبيين، ولا يعلم امتياز المصدرين إلا بعد العلم باختلاف وزني الفعلين، واختلاف وزني الفعلين على ما نحن بصدده ليس إلا على المذهب المشهور فتعيّن رجحانه (¬3). قال ناظر الجيش: قد تقدم أن للأفعال الأصالة في التصريف، وتقدم تعليل ذلك؛ فلا حاجة إلى إعادته، وقد رتب المصنف على كون الفعل أصيلا في التصريف الحكم الذي ذكره وهو تعدد الزيادة في أوله، واختصاصه بذلك دون الاسم، ودلّ ذلك على أن تعدد الزيادة في أول الكلمة فيه دلالة على تمكن تلك الكلمة في باب - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 99 ب). (¬2) في شرح الكافية (فعتل ومعتل). (¬3) شرح الكافية (4/ 2030 - 2031).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التصريف بخلاف الزيادة في آخرها، وحاصل ما تضمنه هذا الفصل: الإشارة إلى محل وقوع الزيادة في الفعل والاسم، وقد اشترك الفعل والاسم في تعدد المزيد (¬1)، وانتهاء الزيادة إلى أقصى ما يزاد في كل منهما؛ لكونهما افترقا في أن تعدد المزيد وانتهاءه إلى أقصى ما يزاد، إذا كان في الفعل إنما يكون في أوله، وإذا كان في الاسم إنما يكون في آخره، وأنه مع ذلك لم يكثر فيه كثرته في الفعل، ويدلّ على عدم الكثرة قوله: وقد يجتمع في آخر الاسم. فأتى بـ «قد» المفيدة للتقليل، وقد علمت أن الفعل ثلاثي ورباعي، فأما الثلاثي فزيد قبل فائه زيادة، وزيادتان، وثلاث. الأول: نحو: أكرم، والثاني: نحو: انطلق، والثالث: نحو: استخرج. وهذه نهاية زيادة الثلاثي؛ وأما الرباعي فزيد قبل فائه زيادة نحو: تدحرج، وزيادتان نحو: يتدحرج، وهذه نهاية زيادة الرباعي، وأما الاسم فمنع من ذلك أي: من مثل هذه الزيادة على النهج الذي ذكره، وهو أن يزاد قبل فاء ثلاثيّه إلى ثلاثة، وقبل فاء رباعيّه إلى اثنين إلا أن يشرك الاسم الفعل لمناسبة؛ فإنّه يوافقه في تلك الزيادة نحو: منطلق، ومستخرج، ومتدحرج، والاشتراك بينهما هو رجوعهما إلى أصل واحد في الاشتقاق، وإلا أن يكون الاسم ثلاثيّا، والمزيد حرف واحد فإنّه لم يمنع الاسم من ذلك نحو: أفكل (¬2)، ويرمع (¬3) وهو كثير، وعلم من اقتصاره والاستثناء على ما ذكره - أنّه لا يزاد قبل فاء الاسم الثلاثيّ، إذا لم يكن مشاركا للفعل زيادتان فصاعدا فمن ثمّ قال المصنف بعد ذلك: وشذّ: إنقحل، وإنزهو، وينجلب، وإستبرق؛ أما إنقحل وإنزهو، فمن القحل (¬4) والزّهو (¬5)، فالهمزة والنون فيها زائدتان، وليس إنقحل وإنزهو مشاركين للفعل لمناسبة فكانا شاذين (¬6). قال الشيخ: وقد جاء غير هاتين الكلمتين قالوا: انقلس وانقلس لضرب من السمك يشبه الحيات، وأمّا ينجلب (¬7)؛ فإنّه قد زيد قبل فائه زيادتان: وهما الياء والنون؛ فشذوا فيه شذوذهم - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 100 أ)، والمساعد (4/ 34 - 35). (¬2) الأفكل، على أفعل: الرّعدة، ولا يبنى منه فعل. التهذيب عن الليث وغيره، الأفكل: رعدة تعلو الإنسان ولا فعل له. اللسان «فكل». (¬3) يقال: رمع إذا تحرك. اللسان «رمع». (¬4) يقال: قحل الشيء يقحل قحولا: يبس. اللسان «قحل». (¬5) الزّهو: الكبر والتّيه والفخر والعظمة. اللسان «زها». (¬6) انظر: التذييل (6/ 100 أ). (¬7) الينجلب: خرزة، يؤخذ بها الرجال. اللسان «جلب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في: إنقحل وإنزهو، وما قاله المصنف غير ظاهر، فإن: ينجلب منقول من الفعل (¬1). وقد ناقشه الشيخ في ذلك وقال: إنما غرّه فيه كونه من أسماء الأجناس لا الأعلام، فاعتقد أنه ليس بمنقول من الفعل، قال: وقد ذكر النحويون أن النقل يكون في أسماء الأجناس وفي الأعلام. ونصوا على أن ينجلبا منقول من الفعل، وإن كان اسم جنس، وكذلك قالوا في تنوّط - اسم طائر -: إنه منقول من الفعل وهو اسم جنس؛ وأما دخول تاء التأنيث [6/ 111] على: ينجلب، وقولهم: الينجلبة فإنما ساغ؛ لنقله من الفعلية إلى الاسمية، وأما إستبرق فهو مأخوذ من البريق، وقد زيد قبل فائه ثلاثة حروف وليس من الأسماء المستثناة فيكون شاذّا. والإستبرق غليظ الديباج (¬2)، ثم لما انقضى الكلام على الفعل بالنسبة إلى الزيادة التي ذكرها شرع في الكلام على الاسم بالنسبة إلى هذه الزيادة فقال: وقد يجتمع في آخر الاسم الثلاثي ثلاثة وأربعة، وفي آخر الرباعي ثلاثة، مثال زيادة الثلاثة في آخر الثلاثي: عنفوان، فالواو والألف والنون زوائد، ومثله: أربعاوى، فالألف والواو والألف زوائد، وكذا الهمزة في أوله أيضا، ومثال زيادة الأربعة فيه: سلمانين اسم موضع، ومثال زيادة الثلاثة في آخر الرباعي: قردمانى: لدواء معروف (¬3)، فالألف والنون والألف في آخره زوائد، قال الشيخ: وكذا عقربّان لدخّال الأذن؛ (¬4) إذا قلنا بأن الحرف الأخير من المضعف هو الزائد، وأما قول (¬5) المصنف: ومنتهى الزيادة في الثلاثي إلى قوله: ومن الأسماء ثلاثة - فغير محتاج إليه، بل هو تكرار منه؛ لأن هذا قد عرف من قوله قبل: والمزيد فيه إن كان اسما لم يتجاوز سبعة. بقي الكلام على قوله: ولم يزد في الخماسي ... إلى آخره، فنقول: قد تقدّم لنا أن الذي ينتهي من الأسماء بالزيادة إلى سبعة إنما هو الثلاثي منها والرباعي، أما الخماسي فإنما ينتهي إلى ستة؛ لأنه لا يلحقه إلا زيادة واحدة، ولم تبيّن تلك الزيادة ما هي؛ فذكر المصنف ما ذكره غيره وهو أن الخماسيّ لم يزد فيه إلا حرف مدّ قبل الآخر أو بعده مجردا من هاء التأنيث، أو مشفوعا بها، فمثال المجرد من الهاء: - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 100 أ). (¬2) التذييل (6/ 100 ب). (¬3) اللسان «قردم». (¬4) اللسان «عقرب». (¬5) التذييل (6/ 100 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عضرفوط وقبعثرى، ومثال المشفوع بها عندليبة وقبعثراة، وانتقد الشيخ على المصنف كلامه من وجهين: أحدهما: أنه قد زيد في الخماسي حرفان، قالوا: مغناطيس، والألف والياء زائدتان. الثاني: أنه قال: قبل الآخر، وقد وجدنا المزيد فيه قبل الحرف الذي يلي الآخر نحو قولهم: مغنيطس (¬1)، وأجاب عن هذا الثاني بأنه يصدق على الياء أنها قبل الآخر إن لم تل الآخر (¬2). انتهى. قلت: وأما مغناطيس، فبعد ثبوته يدعى شذوذه أو أنه غير عربي، ثم ذكر المصنف أنه قد ندر ثلاث كلمات، وهي: قرعبلانة (¬3)، وإصطفلينة (¬4)، وإصفعند (¬5)، أما قرعبلانة فلأنه قد زيد بعد لام الكلمة زيادتان وهما: الألف والنون، وقد ذكر أنه لا يزاد إلا حرف مدّ. قال الشيخ: فإن كان قصد الجنس فالندور في الكلمة لأجل النون؛ لأنها ليست من حروف المدّ، وإن كان قصد الوحدة؛ فالندور لأجل كون المزيد حرفين، وأما إصطفلينة؛ فلأنه قد زيد بعد أصولها الياء والنون فالندور فيها على الوجهين المذكورين في: قرعبلانة (¬6)، وقد جعلها الشيخ من الرباعيّ الذي زيد فيه ثلاثة أحرف وهي الهمزة، والياء، والنون، قال: ووزنها: إفعلّينة، ووزنها على قول المصنف: فعللينة، وأصله فعللّ نحو: جردحل ثم زيد في [6/ 112] آخره ياء ونون، وأما: إصفعند؛ فندوره لأنه زيد قبل آخره غير حرف مدّ وهو النون، وأما الهمزة فأصلية (¬7). ¬

_ (¬1) والمغنطيس والمغنيطس والمغناطيس: حجر يجذب الحديد معرب. القاموس (2/ 243). (¬2) التذييل (6/ 100 ب). (¬3) القرعبلانة: دويبة عريضة محبنطئة عظيمة البطن، قال ابن سيده: وهو مما فات الكتاب من الأبنية. إلا أن ابن جني قد قال: كأنّه: قرعبل ولا اعتداد بالألف والنون بعدها، على أن هذه اللفظة لم تسمع إلا في كتاب العين. اللسان «قرعبل» وانظر: الخصائص (3/ 208). (¬4) في كتاب معاوية إلى ملك الروم: ولأنزعنّك من الملك نزع الإصطفلينة، أي الجزرة. اللسان «إصطفل». (¬5) الإصفعند: من أسماء الخمر، قال ابن سيده: وإنما أثبت في الخماسي ولم أحكم بزيادة النون؛ لأنه نادر لا مادّة له، ولا نظير في الأبنية المعروفة وأحر به أن يكون في الخماسي كإنقحل في الثلاثيّ. اللسان «أصفعد». (¬6) وهما زيادة النون، وتعدد الزوائد. انظر: المساعد (4/ 38). (¬7) التذييل (6/ 100 ب، 101 أ).

[الأوزان المهملة من المزيد فيه]

[الأوزان المهملة من المزيد فيه] قال ابن مالك: (فصل: أهمل من المزيد فيه فعويل وفعولى، إلا: عدولى وقهوباة، وفعلال، غير مضعّف، إلّا الخزعال، وفيعال غير مصدر، إلّا ناقة ميلاعا، وفعلال مضعّف الأوّل، والثّاني غير مصدر إلّا الدّيداء، وفوعال وإفعلة وفعلى أوصافا، إلّا ما ندر كضيزى وعزهى، وفيعل في المعتلّ دون ألف ونون، وفيعل في الصّحيح مطلقا إلا ما ندر كعيّن، وبيئس، وطيلسان في لغة، وندر فعيل وفعيل، وكثر فعيل). قال ناظر الجيش: ذكر المصنف في هذا الفصل من المزيد فيه من الثلاثي، وغيره ثلاثة عشر وزنا منها عشرة أوزان مهملة لم توجد إلا فيما استثناه، وزنان نادران، ووزن لم يندر، وإنما تعرض لذكر هذه الأوزان المهملة دون غيرها من المهملات؛ لأنها لم تهمل على الإطلاق؛ بل وجد منها بعض ألفاظ، وإن كانت في غاية القلة فاقتضى وجود هذه الألفاظ التعرض لذكر الأوزان المذكورة ليحصل التنبيه على الموجود منها وأنه قليل، ولو لم توجد هذه الألفاظ لم يكن لذكر الأوزان المذكورة فائدة؛ إذ المهملات تشذ عن الحصر فلا فائدة إذا في التعرض إلى ذكرها، ولكنّ المصنف افتتح ذكر الأوزان بـ: فعويل ولم يتعرض (لذكر) (¬1) مجيء شيء على هذا الوزن بخلاف ما فعل في بقية الأوزان وقد كان ينبغي له ألا يذكره لما قررناه من أنه لا فائدة في ذكر الأوزان المهملة؛ لعدم دخولها تحت الحصر، ثم إن الشيخ استدرك هذا على المصنف وقال: قد وجد هذا الوزن قال: ومنه سرويل (¬2)، والثاني من الأوزان التي ذكرها: فعولى، واستثنى منه عدولى (¬3)، وقهوباة (¬4)، وعدولى: اسم واد بالبحرين، وقهوباة: النّصل، وبعضهم لم يثبت هذا الوزن مطلقا، وقال: - ¬

_ (¬1) سقط من (جـ). (¬2) السّراويل: فارسية معربة وقد تذكّر ... جمع سروال، وسروالة أو سرويل بكسرهن وليس في الكلام فعويل غيرها. القاموس (3/ 406). (¬3) وعدولى: قرية بالبحرين وقد نفى سيبويه فعولى؛ فاحتج عليه بعدولى، فقال الفارسي: أصلها: عدولا؛ وإنما ترك صرفه؛ لأنه جعل اسما للبقعة، ولم نسمع نحن في أشعارهم عدولا مصروفا. اللسان «عدل». (¬4) قال ابن منظور في اللسان «قهب»: والقهوبة، والقهوباة من نصال السّهام له ثلاثة شعب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن وزن الكلمتين المذكورتين فعولل: كفروكس (¬1). قال الشيخ: فيكون الألف - يعني في عدولى وقهوباة - منقلبة عن واو دون الحكم أصلا في بنات الأربعة (¬2). انتهى. ولم أعلم الموجب لحكمه بأن الألف منقلبة عن واو، دون الحكم بأنها تكون عن ياء، ومستند المنكر لهذا الوزن قول سيبويه: ليس في الكلام فعولى (¬3)، والظاهر في هاتين الكلمتين ما قاله المصنف، وذكر الشيخ كلمة ثالثة وهي: حبونا، قال: ويحتمل أن يكون المكان سمي بجملة (¬4). والثالث من الأوزان: فعلال غير مضعف واستثنى منه: الخزعال، تقول العرب: ناقة بها خزعال أي: ظلع، حكاه الفراء (¬5)، قال الشيخ: وأكثر النحويين لا يثبتونه قال: وزاد بعضهم قسطالا للغبار، وقشعاما للعنكبوت (¬6)، وقد قيد المصنف ذلك بكونه غير مضعف؛ لأن هذا الوزن في المضعف كثير نحو: الزلزال، والقلقال، والوسواس، والصلصال. والرابع من الأوزان المهملة: فيعال غير مصدر، واستثنى منه: ناقة ميلاعا (¬7) وهي السريعة، وقيد ذلك بكونه غير مصدر؛ لأن هذا الوزن يوجد في المصادر نحو: قتيال. والخامس من الأوزان المهملة: فعلال مضعف الأول والثاني، غير مصدر، واستثنى منه الديداء وهو آخر الشهر، وفيه لغة أخرى وهي: الدّاداء، وقيده بكونه غير مصدر (¬8)؛ لأن فعلال مضعف الأول والثاني يوجد في المصادر نحو: الزّلزال. - ¬

_ (¬1) هو ابن عصفور الإشبيلي، ذكر ذلك في الممتع (1/ 103). (¬2) التذييل (6/ 101 أ). (¬3) قال في الكتاب (4/ 263): «ولا نعلم في الكلام فعليا ولا فعولى». (¬4) قال في التذييل (6/ 101 أ): «وأن يكون حبونا من: حبوت، مثل: عفونا من: العفو، يعني فيكون وزنه فعلنى، ويحتمل أنهم قالوا: حبونن فأبدل الشاعر من إحدى النونين ألفا كراهة التضعيف لا نفتاح ما قبلها، أو يكون حرف العلة والنون تعاقبا على الكلمة لمقاربة النون» وانظر المساعد (4/ 39). (¬5) قال الفراء: «وليس في الكلام فعلال مفتوح الفاء من غير ذوات التضعيف إلا حرف واحد، يقال: ناقة بها خزعال إذا كان بها ظلع. اللسان «خزعل» وانظر: التذييل (6/ 101 أ) والمساعد (4/ 39). (¬6) انظر: اللسان «خزعل»، والتذييل (6/ 101 أ) والمساعد (4/ 39). (¬7) انظر: اللسان «ملع». (¬8) قال ابن عصفور في الممتع (1/ 151 - 152): «فأما الدّئداء ففعلاء كعلباء، فيكون في معنى الديداء ومخالفا له في الأصول؛ لأن الديداء فعلال فيكون نحو: سبط وسبطر وهذا أولى من إثبات فعلال مضعّفا غير مصدر؛ لأنه لم يستقر من كلامهم». -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والسادس والسابع والثامن من الأوزان المهملة: فوعال، وإفعلة، وفعلى أوصافا، إلا ما ندر كضئزى وعزهى، وحاصل الأمر: أن هذه الأوزان الثلاثة لم تهمل مطلقا؛ إنّما أهملت صفات وجاءت أسماء فمثال: فوعال: توراب (¬1)، ومثال إفعلة: إنفحة في لغة من لا يشدد الحاء (¬2)، ومثال فعلى: ذكرى وسيمى، وقد استثنى من فعلى: ضئزى وعزهى. وتعقب الشيخ على المصنف ثلاثة تعقبات: الأول: أن بعضهم حكى مجيء فوعال صفة قالوا: رجل هوهاءة للأحمق، نقله ابن القطاع (¬3)، قال الشيخ: ويحتمل عندي أن يكون وزنه فعلالا، ويكون من المضاعف نحو: الوسواس، وتكون الهمزة فيه مبدلة من واو كما في: ضوضاء وغوغاء فلا تعقب إذا. الثاني: نفي الوصفية عن إفعلة؛ لأن ظاهره التخصيص بما فيه تاء التأنيث، وليس الحكم كذلك بل إفعل وإفعلة فيه سواء نحو: إصبع وإثّرة، وإنفحة، قال: وقد ذكرنا إمّعة (¬4) وكونه وصفا. الثالث: أنه لم يستثن من فعلى غير ضئزى (¬5) وعزهى. وقد نقل: رجل كيصى للنازل وحده، ورجل عزهاة (¬6)، وامرأة سعلاة (¬7). ولا يخفى ضعف هذه التعقبات، ولقد كان ترك التعرض لها أجمل. - ¬

_ (¬1) (التّرب، والتّراب، والتّرباء، والتّرباء، والتّورب، والتّيرب، والتّوراب، والتّيراب، والتّريب، والتّريب كله واحد. اللسان «ترب». (¬2) الإنفحة: بكسر الهمزة وفتح الفاء مخففة: كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش. اللسان «نفح». (¬3) المذكور في اللسان «هوه»: «ورجل هوهاء، وهوهاءة، وهوهاة: ضعيف الفؤاد جبان». (¬4) قال المصنف في شرح الكافية (4/ 2062): «الإمعة من الرجال: الذي لا يستقل بأمر بل دأبه أن يقول: من يفعل فأفعل معه، ووزنه: فعّلة لأنه صفة، وفعّلة في الصفات موجود كبذنته، وهو الرجل: القصير وليس وزنه إفعلة؛ لأنه مخصوص بالأسماء كإنفحة» وانظر: الكتاب (4/ 44) والممتع (1/ 55، 233). (¬5) من قوله تعالى: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (21) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى [النجم: 21، 22] وقرأ ابن كثير: (ضئزى) بالهمز وقرأ الباقون بغير همز وهما لغتان. أجمع النحويون على أن وزنه فعلى، وأن أصل ضيزى: ضوزى بالضم مثل حبلى؛ لأن الصفات لا تأتي إلا على فعلى بالفتح نحو: سكرى وغضبى أو بالضم نحو: حبلى ولا تأتي بالكسر. والواو الأصل في ضيزى، فلو تركت الضاد على ضمتها لا نقلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها فكسرت لتصح الياء كما قالوا: أبيض وبيض. حجة القراءات (685 - 686)، وانظر: معاني القرآن للفراء (3/ 98 - 99). (¬6) أي لئيم. اللسان «عزه». (¬7) الغول وقيل: ساحرة الجن. اللسان «سعل».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والتاسع من الأوزان المهملة: فيعل في المعتل دون ألف ونون، يعني أنه لا يوجد فيعل في المعتل، وأراد المعتل العين، وسيذكر أنه لم يأت منه إلا كلمة واحدة، وهذا بخلاف الصحيح العين، فإنه يأتي على فيعل كثيرا نحو: ضيغم وصيرف وسواء في المعتل العين اعتلاله بواو أو بياء، فلو قيل: ابن من البيع والقول مثل فيعل، لوجب التنكب عنه إلى فيعل فكنّا نقول: بيّع كليّن، وقيل: كسيّد، وقيّد ذلك بكونه دون ألف ونون فعلم أنه إذا وجدت الألف والنون في بناء جاز كونه على فيعل وذلك نحو: تيّحان وهو الكثير الكلام العجول (¬1)، وهيّبان وهو الجبان (¬2). والعاشر من الأوزان المهملة: فيعل في الصحيح مطلقا، يعني أن فيعلا مهمل في الصحيح (¬3) كما أن فيعلا مهمل في المعتل، إلا أن فيعلا إنما أهمل في المعتل العين، إذا لم تقترن بالكلمة ألف ونون، أما مع الاقتران بهما فهو غير مهمل، وأما فيعل في الصحيح فإنّه أهمل مطلقا سواء كان آخر الكلمة ألف ونون أو لم يكن، يستثنى منه كلمتين جاءتا، فعلى هذا لا يوجد في كلامهم مثل: ضيغم ولا ضيغمان بكسر الغين، وقوله: إلا ما ندر كعيّن وبيئس وطيلسان (¬4)، أما عيّن فراجع إلى قوله: وفيعل في المعتل دون ألف ونون، ولا يحفظ غيره، فانحصر فيه النادر من هذا الوزن (¬5). قال الشيخ: وإنما دخلت عليه الكاف [6/ 113] وإن كان لا يوجد غيره باعتبار ما عطف عليه، فكأنه قال: إلا ما ندر ككذا وكذا، فالتشبيه دخل باعتبار المجموع لا باعتبار عيّن وحده، فإنه أراد أن يستثني ما ندر من المجموع، وأما بيئس (¬6) فراجع إلى قوله: وفيعل في الصحيح. وهي إحدى القراءات في قوله تعالى: بِعَذابٍ بَئِيسٍ (¬7)، قال الشيخ: وفيها اثنتان وعشرون قراءة، وقد قالت العرب: صيقل في اسم امرأة علم لها (¬8)، وأما طيلسان فراجع إلى مفهوم - ¬

_ (¬1) قال الأزهري: رجل تيّحان يتعرض لكل مكرمة وأمر شديد. اللسان «تيح» وانظر: الكتاب (4/ 262). (¬2) اللسان «هيب». (¬3) قال سيبويه في الكتاب (4/ 262): «ولا نعلم الكلام في فيعلان في غير المعتل». (¬4) نوع من الأكسية. اللسان «طلس». (¬5) انظر: الممتع (1/ 81). (¬6) وكأن الذي سهّل ذلك فيه شبه الهمزة بحروف العلة. الممتع (1/ 81). (¬7) الأعراف: 165. قال في الإتحاف (232): «وروى الجمهور عن العليمي عنه بفتح الباء وكسر الهمزة وياء ساكنة على وزن: رئيس وصف كشديد للمبالغة، وبه قرأ الباقون» وانظر الحجة (ص 300). (¬8) انظر التذييل (6/ 103 أ) والمساعد (4/ 43).

[أدلة الزيادة]

[أدلة الزيادة] قال ابن مالك: (فصل: يحكم بزيادة ما صحب أكثر من أصلين من ألف أو ياء أو واو غير مصدّرة أو همزة مصدّرة أو مؤخّرة هي أو نون بعد ألف زائدة، أو ميم مصدّرة إن لم يعارض دليل الأصالة كملازمة ميم معدّ في الاشتقاق، وكالتّقدّم على أربعة أصول في غير فعل أو اسم يشبهه، فإن لم تثبت زيادة الألف فهي بدل لا أصل إلّا في حرف أو شبهه). ـــــــــــــــــــــــــــــ قوله: مطلقا. ونبّه المصنف بقوله: في لغة على أن كسر اللام فيه يقل بالنسبة إلى فتحها، والوزنان النادران: فعيل وفعيل. مثال فعيل: ضهيد اسم موضع، ومثال فعيل قولهم: عليب لاسم واد باليمن (¬1)، والوزن الذي لم يندر فعيل، ومثاله: عثير، وحمير، وحثيل وطريم، وعريف (¬2)، ولا حاجة بالمصنف إلى ذكر هذا الوزن - أعني فعيلا -؛ لأنّه بصدد أن يذكر الوزن المهمل والنادر، وكأنه إنما ذكر ذلك لذكره ما يقارب وزنه وهو فعيل وفعيل، أو لأنه لما ذكر المفتوح الأول والمضمومه أراد أن يكمل بذكر المكسوره. قال الشيخ: وثبت في بعض النسخ المقروءة على المصنف وعليها خطه عوض - قوله: وندر فعيل وفعيل، وكثر فعيل (¬3) قوله: وأهمل فعيل دون فعيل وفعيل فقوله: أهمل يدل على أنه لم يوجد في كلامهم قال ابن جني: أما ضهيد (وعتيد) (¬4) فمصنوعان فلا يجعلان دليلا على إثبات فعيل وفعيل. يعني أن هذين الوزنين ليسا مهملين؛ بل هما موجودان، وإن اختلفا بالكثرة ففعيل كثير (¬5)، وفعيل قليل جدّا. قال ناظر الجيش: قد تقدم ما يدل على أن الزيادة في الكلمة نوعان: نوع يكون ببعض حروف سألتمونيها، ونوع يكون بتكرير بعض أصول الكلمة؛ فعقد المصنف - ¬

_ (¬1) النسختين «علبب» وكذا في المساعد (4/ 43) والصواب ما أثبته، وانظر: اللسان «علب»، والممتع (1/ 84). (¬2) انظر: الممتع (1/ 84)، والتذييل (6/ 103 أ). (¬3) ينظر: التسهيل (294)، وفي التذييل (6/ 103 أ). (¬4) في النسختين والتذييل (6/ 103) والمساعد (4/ 44): «عثير»، والصواب ما أثبته من الخصائص (3/ 216) حيث قال ابن جني: «وضهيد: اسم موضع، ومثله عتيد وكلاهما مصنوع» وانظر: الهمع (1/ 84). (¬5) قال ابن عصفور في الممتع (1/ 84): «وعلى فعيل ويكون فيهما - أي: في الاسم والصفة - فالاسم نحو: عثير، والصفة نحو: طريم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الفصل للنوع الأول، وعقد الفصل الذي يليه للنوع الثاني، وقبل الخوض في شرح كلام المصنف؛ يتعين التعرض لذكر أمور ينبني عليها ما سيأتي؛ فمنها: أن شرط الحرف الذي يعدّ زائدا من هذه الحروف العشرة أن يكون ممتزجا بالكلمة التي هو فيها ليصير جزءا منها كما يكون الحرف الأصلي جزءا ممّا هو فيه؛ لأن الحرف إذا لم يكن أصلا وامتزج بالكلمة احتيج إلى إقامة الدليل على زيادته لكونه أشبه الأصل في الامتزاج (¬1)، أما إذا لم يمتزج فزيادته ظاهرة، وإذا كان هذا شرطا اتجه أن لا تعدّ اللام المصاحبة لأسماء الإشارة ولا هاء السكت من الحروف المذكورة في هذا الباب؛ لأن كلّا منها مستقل بالدلالة على المعنى المقصود به، ولازم الامتزاج أن لا يكون لذلك الحرف وحده دلالة، بل يكون مجموع الكلمة هو الدال على معناها، وقد أدخل المصنف وابن عصفور الحرفين المذكورين - أعني اللام التي مع أسماء الإشارة وهاء السكت - في حروف الزيادة وليس (¬2) بجيد، وأما تاء التأنيث في نحو: قائمة فقد اعتذر ابن عصفور عن ذكرها في الحروف الزوائد مع أنها ليست كالجزء مما هي فيه، بأنها صارت حرف إعراب، ولم يذكرها المصنف، والوجه ما فعله ابن عصفور (¬3). ومنها: أن ابن عصفور أورد أن قولهم: هند كيّ في معنى هنديّ يدل على أن الكاف من حروف الزيادة؛ لأنها صارت من نفس بناء الكلمة، ثم أجاب عن ذلك بأن هنديّا وهندكيّا من باب سبط وسبطر، يعني مما تقارب فيه اللفظ والأصل - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور في الممتع (1/ 201) فإن قيل: فهلا زدتم في حروف الزيادة كاف الخطاب التي في: تلك، وذاك ونحوهما، والشين اللاحقة للكاف التي هي ضمير المؤنث في الوقف نحو: أعطيتكش، وأكرمتكش، فالجواب: أنه لا يتكلم في هذا الموضع من حروف الزيادة إلا فيما جعلته العرب كالجزء من الكلمة، نحو: همزة: أحمر، وتاء: تنضب، وأشباه ذلك، ألا ترى أنهما من كمال الاسم كالدال من: زيد؛ لأن هذا الضرب هو الذي يحتاج إلى إقامة الدليل على زيادته لمشاكلته الأصل في كونه من كمال البناء، فأما ما لم تجعله كالجزء مما زيد معه فزيادته بيّنة لا يحتاج إلى إقامة دليل عليها. (¬2) قال ابن مالك في أثناء عده للزوائد في كافيته: والهاء وقفا كلمه ولم يره ... واللّام في الإشارة المشتهره وقال في شرحه: «أقل الزوائد زيادة الهاء كلمه، واللام، إلا أنّ الهاء اطردت زيادتها وقفا على ما الاستفهامية المخفوضة وعلى الفعل المحذوف اللام للجزم أو الوقف ... وأما اللام فلم ترد باطّراد إلا في الإشارة نحو: ذلك، وتلك». شرح الكافية (4/ 2055 - 2056) وانظر الممتع (1/ 202، 205). (¬3) المرجع السابق (1/ 202).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مختلف (¬1)، قلت: وفي كون هندكي أصلا بعد، والذي يظهر أن الكاف زائدة (¬2)، ولا يلزم أن تعد من جملة حروف الزيادة؛ لأن مقتضى الامتزاج على ما تقدم تقريره أن يختل معنى الكلمة، وتفوت دلالتها على معناها، عند سقوط ذلك الحرف الممتزج الزائد، فلا شك أن: هندكيّا إذا سقطت الكاف منه لا تفوت دلالته على معناها، فلا يتأتى إدارج الكاف في جملة هذه الحروف ولا يلزم من عدم اندراجها في حروف الزيادة هذه ألا تكون هي زائدة في نفسها على ماهية الكلمة؛ بمعنى أنها لا فائدة لها، وأن وجودها في الكلمة وعدمها سواء. ومنها: أنهم ذكروا علّة لكون هذه الأحرف كانت هي التي تزاد دون غيرها فقالوا: إنما خصّت هذه الحروف بالزيادة دون بقية حروف المعجم؛ لأن أمهات الزوائد الواو والياء والألف؛ لكثرة دورها في الكلام، ولذلك كانت هذه الثلاثة أكثر الحروف زيادة، وأما الهمزة والنون والميم والتاء؛ فلشبهها بحروف العلة، ولذلك كانت هذه الأحرف الأربعة تلي حروف العلة في كثرة الزيادة؛ وأما السين، والهاء، واللام فإنما زيدت لشبهها بالحروف المشبهة لحروف العلة، أما اللام فمشبهة للنون من حيث الاستطالة في المخرج، وأما السين فمشبهة للهاء في همسها وتقارب مخرجيهما، وأما الهاء فمشبهة للهمزة من جهة تقارب المخرج؛ لأنهما من حروف الحلق (¬3)، ولما كانت هذه الأحرف لا تشبه أحرف العلة، بل أشبهت المشبهة بها، لم تجئ مزيدة إلا في ألفاظ محفوظة وأماكن مخصوصة لا يتعداها فهي أقل الحروف زيادة لذلك، وقال المصنف: أحقّ الحروف بالزيادة أحرف اللين، وهي الألف، والياء، والواو؛ لسهولة الإتيان بها عند إشباع الحركات، ولأن كل كلمة لا تخلو مما أخذ منها، وهي الحركات الثلاث، والألف أخفها، فهي أحق بالزيادة من أختيها؛ لكن منع من زيادتها أولا تعذر الابتداء بها لملازمتها السكون، فزادوا الهمزة أولا كالعوض منها؛ لاتحاد مخرجيهما، ومنع من زيادة الواو أوّلا استثقالها وتعرضها للإبدال الجائز إن لم [6/ 114] تلها واو أخرى، والإبدال اللازم إن وليها واو أخرى، كما فعل بالأصلية نحو: أقّتت وأواق، والأصل: وقّتت، ووواق جمع - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) انظر: اللسان «هندك». (¬3) انظر: ابن يعيش (9/ 141 - 143).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ واقية، فلما امتنع زيادتها أولى - مع كونها من أمهات الزوائد - زيدت الميم أوّلا كالعوض منها، ولذلك لم تزد الميم أولا إلا شذوذا؛ لعدم الحاجة إلى التعويض. انتهى وهو كلام لطيف بديع ولا يبعد أنه من استخراجاته - رحمه الله تعالى - واستفيد من اقتصاره على ذكر أحرف العلة، والهمزة والميم: أن هذه الأحرف الخمسة هي التي يكثر زيادتها وتطّرد دون الأحرف الخمسة الأخر وهي: النون، والتاء، والسين، واللام، والهاء؛ فإنها لم تكثر زيادتها ولم تطّرد ومع كون زيادتها غير مطّردة لا يشتبه كونها مزيدة، ولا تخفى زيادتها على من له أدنى نظر، بخلاف الأحرف الخمسة المتقدمة، فإنها قد تشبّه بالأصلية في بعض المواضع، وسيتضح هذا عند الكلام على زيادة كل منها - إن شاء الله تعالى - ومن الأمور التي يتعين التعرض لذكرها أن ابن عصفور ذكر أن الحروف العشرة المذكورة، لا تزاد إلا لأسباب سبعة، وهي: الإلحاق نحو: واو كوثر، أو الدلالة على معنى نحو: حروف المضارعة، أو الإمكان - يعني إمكان النطق - نحو: همزة الوصل، ونحو الهاء في نحو: قه وعه، أو بيان الحركة نحو: سُلْطانِيَهْ (¬1)، والمد نحو: كتاب وقضيب وعجوز، أو العوض نحو: التأنيث في زنادقة، أو التكثير - يعني تكثير الكلمة - نحو: ألف قبعثرى، ونون كهبل؛ لأنه لا يمكن فيها الإلحاق؛ إذ ليس لهما من الأصول نظير يلحقان به (¬2)، ثم قد عرفت أن الواجب أن لا تعد هاء السكت في حروف الزيادة، وأما همزة الوصل فينبغي أن لا تعد فيها أيضا؛ لأن معنى الكلمة لا يختل بسقوط الهمزة المذكورة، ومن شرط الزائد في هذا الباب أن يكون كذلك، فعلى هذا يسقط من الأسباب التي ذكرها سببان وهما: الإمكان، وبيان الحركة (¬3)؛ وحينئذ تصير الأسباب خمسة لا غير، وهي: الإلحاق، والدلالة على معنى، والمدّ، والعوض، والتكثير. إذا تقررت هذه الأمور رجعنا إلى شرح كلام المصنف، فنقول: إنه أشار - ¬

_ (¬1) من قوله تعالى: هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ [الحاقة: 29]. (¬2) الممتع (1/ 204 - 206). (¬3) همزة الوصل تعد من حروف الزيادة؛ لأنها تزاد للتوصل للنطق بالساكن ولا تكون فاء أو عينا أو لاما للكلمة؛ فانكسر، وانتصر واقشعرّ واستغفر ألفاتها ألفات وصل، وهي زائدة. انظر الأشموني (4/ 272). أما هاء السكت فقد قال الأشموني (4/ 271): «التحقيق ألا تذكر هاء السكت مع حروف الزيادة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أولا إلى ذكر الأحرف التي تكثر زيادتها وتطّرد وهي الألف، والياء، والواو، والهمزة، والميم، وإنما ذكر النون مع هذه الخمسة، وكان يجب ذكرها مع الأحرف الأخر التي سنذكرها ثانيا؛ لأنها في بعض المواضع التي تزاد فيها شاركت الهمزة في ما أثبته لها من الزيادة آخرا بعد ألف، فأدرج النون معها لمشاركتها لها في هذا الحكم المذكور؛ كيلا يعيد ذكر ذلك ثانيا طلبا للاختصار، وقد أشرك المصنف بين الخمسة - أعني الألف والياء والواو والهمزة والميم - في شيء وهو الحكم على كل منها بالزيادة متى صحب أكثر من أصلين، يعني ثلاثة فصاعدا، لكنه قيّد الواو بكونها غير مصدرة، وقيد الهمزة والميم بكونها مصدرتين، فعلم من ذلك أن الواو لا تزاد مصدّرة، وأن الياء كما تزاد غير مصدّرة تزاد مصدّرة إلا في ما استثني، وأن الميم لا تزاد مؤخرة عن الصّدر وكذا الهمزة - أيضا - إلا في ما ذكره وهو كونها بعد ألف زائدة، وأما الألف فلا تزاد أولا لسكونها وتعذر الابتداء بالساكن فيتعين أن تكون زيادتها غير أول، وينبغي أن يعلم أنه ليس المراد من قولنا: إن الميم تزاد مصدّرة وأن الهمزة لا تزاد غير مصدرة إلا بالقيد الذي ذكره، أنهما لا يحكم بزيادتهما إلا عند تصدّرهما، أو عند تأخّر الهمزة بعد ألف زائدة، كيف والميم محكوم بزيادتها في: دلامص (¬1) وقمارص (¬2)، وترامز (¬3) وهرماس (¬4)، وزرقم (¬5)، والنون محكوم - ¬

_ (¬1) الدرع البراق، وزيادة الميم فيها هو مذهب الخليل، ورجحه ابن جني، وزعم أبو الحسن والمازني أنها رباعية وليست مشتقة من الثلاثي. ينظر: اللسان «دلص»، والمنصف (1/ 151 - 152)، وابن يعيش (9/ 153)، والرضي (2/ 334). (¬2) شراب قمارص: أي حامض قارص. ينظر: اللسان «قرص»، ونزهة الطرف (ص 217)، وابن يعيش (9/ 153)، والرضي (2/ 334). (¬3) الترامز من الإبل: الذي إذا مضغ رأيت دماغه يرتفع ويسغل وقيل: هو القوي الشديد، قال ابن جني: ذهب أبو بكر إلى أن التاء فيها زائدة ولا وجه لذلك؛ لأنها في موضع عين عذافر. اللسان «ترمز». وقال ابن عصفور في الممتع (1/ 96): «فأما قولهم: ترامز فإنه فعالل: كعلابط، ولا ينبغي أن يجعل تفاعلا من الرمز؛ لأن ذلك بناء لم يثبت، ولا له اشتقاق يشهد بذلك». (¬4) هرماس بكسر أوله للأسد من الهرس وهو الدّق. اللسان «هرس»، وانظر: المنصف (1/ 152)، والممتع (1/ 242)، والرضي (2/ 334). (¬5) للأزرق الشديد من الزرقة. اللسان «زرق»، وانظر: المنصف (1/ 150، 151)، والممتع (1/ 90، 240، 246)، وشرح الشافية (2/ 334).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بزيادتها في: رعشن (¬1)، وفرسن (¬2)، وقنعاس (¬3)، بل المراد أنهما لا تطرد زيادتهما إلا إذا كانتا مصدّرتين، أو كانت الهمزة آخرا بشرط كونها بعد ألف زائدة وأنه يحكم بزيادتهما إذا وجدتا بهذه الصفة من غير نظر إلى اشتقاق أو غيره ما لم يعارض الزيادة دليل أصالة كما سينبّه عليه، وأما إذا كانتا غير مصدرتين، ولم تكن الهمزة آخرا بعد ألف زائدة فإنه لا يحكم بزيادتهما إلا بدليل يدل على الزيادة كالاشتقاق، وعدم النظير لو حكم بالأصالة، واعلم أن الموجب للحكم على هذه الأحرف المذكورة بالزيادة حيث وجدت بالصفة التي ذكرت أن زيادتها في ما علم اشتقاقه ثابتة بالقيود التي أشير إليها، فوجب الحكم بذلك في ما لم يعلم اشتقاقه حملا لما لم يعلم بالاشتقاق على ما علم به، فأما الألف فقد عرفت أنها لا تزاد أوّلا وإنما تزاد ثانية نحو: ضارب، وثالثة نحو: كتاب، ورابعة نحو: علقى، وخامسة نحو: حبنطى، وسادسة نحو: يهيرّى (¬4)، ولا توجد سابعة إلا أن تكون ألف تأنيث وتقع بعد ألف زائدة فتصير همزة نحو: معلوجاء، هذا في بنات الثلاثة، وأما في بنات الأربعة فلا تزاد الألف فيها ثانية وإنما تزاد ثالثة نحو: جخادب (¬5)، ورابعة نحو: حملاق (¬6)، وخامسة نحو: حبركى (¬7)، وسادسة نحو: حبوكرى (¬8)، وتجيء سابعة للتأنيث؛ إلا أنها تنقلب همزة نحو: جخادباء (¬9)، وأما في بنات - ¬

_ (¬1) الرعشن: المرتعش، وجمل رعشن سريع لاهتزازه في السير، نونهما زائدة. اللسان «رعش»، وانظر: الممتع (1/ 89، 271)، (2/ 696)، والرضي (2/ 333). (¬2) الفرسن: مقدم خف البعير؛ لأنه يفرس: أي يدق. الرضي (2/ 333)، والمنصف (1/ 167)، والممتع (1/ 89). (¬3) قنعاس بكسر أوله للإبل العظيم من القعس وهو الثبات. الرضي (2/ 334)، والممتع (1/ 98، 267، 268). (¬4) الكتاب (4/ 265). (¬5) ضرب من الجنادب والجراد. اللسان «جخدب» وانظر: الممتع (1/ 147). (¬6) الحملاق: ما لزق بالعين من موضع الكحل من باطن. اللسان «حملق». (¬7) اللسان «حبرك»، والممتع (1/ 153). (¬8) (الأم الحبوكرى: الداهية، والحبوكرى: الصبي الصغير، والحرب بعد انقضائها. اللسان «حبكر»، وانظر الممتع (1/ 154). (¬9) الجخادباء: ضرب من الجنادب. اللسان «جخدب» وانظر الممتع (1/ 162).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الخمسة فلا تلحق إلا سادسة نحو: قبعثرى (¬1)؛ ولا توجد في السداسي إلا في هذا البناء خاصة، وأما الياء فقد علمت أنها تزاد أوّلا وغير أوّل، فتزاد في بنات الثلاثة أولا نحو: يعمل (¬2)، وثانية نحو: زينب (¬3)، وضيغم (¬4)، وثالثة نحو: قفيز (¬5) ونضيب وسعيد وشريف وعثير وعليب، ورابعة نحو: حذرية (¬6) وزبنية (¬7)، وأما بنات الأربعة فتزاد الياء فيها ثالثة نحو: سميدع (¬8)، ورابعة نحو: قنديل وشنظير (¬9)، وخامسة نحو: سلحفية (¬10)، وأما بنات الخمسة فتزاد الياء فيها خامسة، ويكون قبل الآخر نحو: سلسبيل ودردبيس وخزعبيل وقذعميل (¬11)، وشرط زيادة الياء أوّلا أن تكون بعدها ثلاثة أصول فقط كيرمع (¬12) ويعمل ويعسوب، فإن كان بعدها أربعة أصول حكم لها بالأصالة كما سيأتي، فالواو لا تلحق زائدة ثانية إلا في الثلاثي أيضا إلا فيعلولا وهو: عيطموس (¬13)، وأما الواو فقد علمت أنها لا تزاد أوّلا بل غير أول، فتزاد [6/ 115] في بنات الثلاثة ثانية نحو: كوكب وعوسج وحومل، وثالثة نحو: عتود وخروف وصدوق وجدول وجهور، - ¬

_ (¬1) والممتع (1/ 155، 164). (¬2) اليعمل: النجيب المطبوع على العمل من الجمال. اللسان «عمل» وانظر: الكتاب (2/ 3، 325)، (1/ 80، 95). (¬3) الممتع (1/ 81). (¬4) المرجع السابق. (¬5) القفيز: مكيال قديم يختلف مقداره في البلاد، ويعادل بالتقدير المصري الحديث ستة عشر كيلو جراما، والجمع أقفزة، وقفزان. المعجم الوسيط (2/ 751). (¬6) الأرض الخشنة. اللسان «حذر». (¬7) الكتاب (2/ 346). (¬8) (السّميدع بالفتح: الكريم السّيّد الجميل الموطّأ الأكناف. اللسان «سمدع»، وانظر: الممتع (1/ 148)، (2/ 739). (¬9) السيئ الخلق الفحاش. الممتع (1/ 149)، والكتاب (2/ 337). (¬10) السّلحفية والسلحفاة بفتح اللام: واحدة السّلاحف من دواب الماء. اللسان «سلحف»، وانظر الكتاب (2/ 337، 347). (¬11) فالياء تلحق خامسة فيكون الحرف على مثال: فعلليل في الصفة والاسم، فالاسم سلسبيل وخندريس وعندليب، والصفة. دردبيس، وعلطميس .. ويكون على مثال: فعلّيل في الاسم والصفة فالاسم نحو: خزعبيل والصفة قذعميل. الكتاب (2/ 341)، وانظر: الممتع (1/ 163 - 164). (¬12) الممتع (1/ 80، 111). (¬13) الزائد الثاني هنا: إنما هو الياء والواو زائدة رابعة. انظر: اللسان «عطمس»، والممتع (1/ 154).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورابعة نحو: ترقوة وقرنوة وجنذرة وعنصوة وجندوة (¬1)، قالوا: ولا تفارق الياء هذه الأبنية كما لا تفارق: حذرية وأخواتها، وأما بنات الأربعة فتزاد فيها ثالثة نحو: حبوكر وفدوكس وسرومط وعشوزن (¬2)، ورابعة نحو: كنهور ووزنه فعلول، وهو قليل في الكلام (¬3)، ونحو: عنقود وزنبور وقرقوس (¬4)، وخامسة نحو: قمحدوة ووزنها فعلّوة وهو وزن قليل في الكلام، والهاء لازمة له (¬5) ونحو: خيتعور (¬6) وعنكبوت (¬7) ومنجنون (¬8)، وأما بنات الخمسة فإن الواو تلحقها خامسة وتأتي على وزنين، فعللول نحو: عضرفوط (¬9)، وفعللول نحو: قرطبوس (¬10) وهو قليل، وقد علم من هذا كلّه أن الواو مع كونها لا تزاد أولا؛ لا تزاد ثانية في الرباعي؛ ولا تزاد في بنات الخمسة إلا خامسة، وإذا علم أن الواو لا تزاد أوّلا وجب الحكم بأصالتها في: ورنتل وهو الشر، ونقل المصنف عن بعضهم أنها زائدة على سبيل الندور؛ لأن الواو لا تكون أصلا في بنات الأربعة قال: والصحيح أنها أصل، واللام زائدة مثلها في نحو: فحجل بمعنى: أفحج؛ لأن لزيادة اللام آخرا نظائر، بخلاف الواو أوّلا (¬11). انتهى. والموجب لدعوى زيادة اللام في: ورنتل الفرار من الحكم بكون الواو أصلا في بنات الأربعة (¬12)، والشيخ لما ذكر أصالة الواو في ورنتل قال: واللام - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (1/ 90 - 91). (¬2) قال سيبويه (2/ 336): «قالوا وتلحق ثالثة فيكون الاسم على مثال: فعولل في الاسم والصفة فالأسماء نحو: حبوكر، وفدوكس، وصنوبر، والصفة نحو: السّرومط، والعشوزن، والعرومط». (¬3) الكتاب (2/ 336). (¬4) انظر: الكتاب (4/ 291)، والممتع (1/ 150). (¬5) الكتاب (2/ 336)، والممتع (1/ 154). (¬6) ووزنه: فيعلول وهو السراب. الكتاب (2/ 337)، والممتع (1/ 154). (¬7) ووزنه: فعللوت. الكتاب (2/ 337)، والممتع (1/ 159). (¬8) ووزنه: فعللول. وهو الدولاب التي يستقى عليها. المرجعين السابقين. (¬9) وهو ذكر العظاء. الكتاب (2/ 341)، والممتع (1/ 165، 289). (¬10) الناقة العظيمة. الكتاب (4/ 303) والممتع (1/ 164). (¬11) شرح الكافية (4/ 2038) وما بعدها بتصرف. (¬12) انظر في هذه المسألة: الكتاب (2/ 347)، والمفصل (ص 199)، والممتع (1/ 103، 116، 121، 128، 173، 292)، وشرح الشافية (1/ 33)، (2/ 375)، والمساعد (4/ 57)، والأشموني (4/ 259).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه أصلية مثلها في: حجنفل؛ ثم قال: وذهب أبو علي إلى أنها زائدة (¬1). انتهى. وكأن المصنف اتّبع رأي أبي علي في ذلك، والقول بذلك بعيد، والحق أن اللام أصلية؛ إذ لا موجب للقول بزيادتها كما تقدم، قال ابن أبي الربيع (¬2): فإن قلت: كما أن الواو لا تزاد أوّلا في بنات الأربعة، فكذلك الواو - أيضا - لا تكون أصلا في بنات الأربعة. قلت: الواو لم تأت زائدة أوّلا في شيء من الكلام، ولا على وجه، والواو تكون أصلا في بنات الأربعة بالتضعيف؛ نحو: قوقيت، وضوضيت، فقد جاءت أصلا في بنات الأربعة بالتضعيف؛ إذ قد وجدت أصلا في بنات الأربعة بالتضعيف، أيسر من زيادة الواو أوّلا؛ إذ ذلك لا يوجد على حال من الأحوال (¬3). انتهى كلام ابن أبي الربيع. وهذا آخر الكلام على زيادة الأحرف الثلاثة أعني: الألف والياء والواو. ولكن بقي التنبيه هاهنا على أمر: وهو أنّه قد علمت مما تقدم عند الكلام على قوله: وتماثل كثيرا ثالثا الرباعي أوله ورابعه ثانيه، حيث قال: وقلّ ذلك مع الياء مطلقا ومع الواو عينا: أن الياء والواو يحكم بأصالة كل منهما في الثنائيّ المكرر نحو: يؤيؤ وصيصة وضوضى ووعوعة، ولا شك أن هذا النوع يحكم بأصالة حروفه كلّها كما يحكم بأصالة حروف: سمسم (¬4) وسحسح وربرب، وقد قال المصنف في الألفية: فألف أكثر من أصلين ... صاحب زائد بغير مين واليا كذا والواو إن لم يقعا ... كما هما في يؤيؤ ووعوعا (¬5) وإنما لم يستثن المصنف ذلك في التسهيل هنا؛ لأنه اكتفى بالتنبيه عليه فيما تقدم، وأما الهمزة فقد عرفت أن زيادتها مقيّدة بكونها مصدّرة يعني أن تكون أوّلا، وعرفت أن الميم مشاركة لها في ذلك، وأنها لا تفارقها إلا في شيء واحد وهو أن - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 103 ب). (¬2) هو أبو الحسين عبد الله بن أحمد الأشبيلي. لم يكن في طلبة الشلوبين أنجب منه. له الملخص وشرح الكتاب وشرح جمل الزجاجي وغيرها. راجع: البغية (2/ 125، 126)، وغاية النهاية (1/ 484). (¬3) انظر: التذييل (6/ 104). (¬4) بكسر السينين: الحبّ المعروف، وبفتحهما: الثعلب. الصبان (4/ 255). (¬5) الألفية (ص 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمزة تزاد مؤخّرة بعد ألف زائدة بخلاف الميم، وإذا كانت الميم مشاركة للهمزة في الزيادة أوّلا، وجب أن يكون الكلام في الحرفين معا فنقول: ذكروا أن الهمزة تزاد أوّلا وثانيا وثالثا ورابعا، وأن الميم تزاد كذلك، قالوا: ولم يذكر سيبويه زيادتها ثانية ولا ثالثة وإنما ذكر زيادتها أوّلا ورابعة (¬1)، والذي يظهر أنه لا حاجة إلى التنبيه على مواضع زيادة هذين الحرفين غير أول؛ لأن المطرد الكثير إنما هو زيادتهما أوّلا بخلاف زيادتهما غير أول، وهم إنما نبهوا على ذلك في الألف والياء والواو لكثرة زيادتها واطّرادها، ولأن الألف والواو لا يزادان أولا، وزيادة الياء أوّلا في غاية القلة، فلما كانت زيادة الألف والواو إنما تكون غير أول وكانت زيادة الياء أولا في غاية القلّة؛ كان التعرض لذكر مواطن زيادة الثلاثة متعينا، وأما الهمزة والميم فلا يحكم بزيادتها غير أوّل إلا إذا دلّ دليل من اشتقاق أو غيره على ذلك، على أنه إنما ورد في كلمات قليلة منها شأمل وشمأل (¬2) وضهيأ (¬3) وحطائط (¬4) وقمارص وهرماس ودلامص وزرقم وستهم (¬5)، وإنما الذي يذكر هنا أن يقال: متى تقدمت الهمزة أو الميم على أربعة أصول حكم على كل منها بالأصالة كما سيأتي، وإن كان التقدم على ثلاثة أصول حكم بالزيادة، وإن لم يعلم الاشتقاق؛ لأنهما قد كثرت زيادتهما واطردت فيما علم اشتقاقه كأحمد وأحمر وأصفر ومكرم ومعلم ومؤمن؛ فوجب الحكم عليهما بالزيادة في ما لم يعلم اشتقاقه كأصبع (¬6) ومخلب (¬7)، ولو كان أحد الثلاثة الواقعة بعد الهمزة أو الميم حرف لين، أو مكررا؛ فإنه يحكم بأصالة ذلك الحرف، ويكون الهمزة والميم محكوما بزيادتهما كما حكم بزيادتهما لو لم يكن أحد الثلاثة لينا أو مكرّرا، وذلك نحو: أورق وأيدع (¬8) وموئل (¬9) وميسر وأشدّ ومجنّ (¬10)، فإن - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 235 - 237). (¬2) ريح الشمال. وفيها لغات. انظر: المصباح (ص 323)، والمزهر (2/ 12، 13)، والكامل (2/ 58)، والممتع (1/ 82، 85، 227، 239، 277). (¬3) الضهيأ: شجر والمرأة التي لا لبن لها ... وضهيأ فعلأ، الهمزة زائدة كما زيدت في شمأل. اللسان «ضها» وانظر: الممتع (1/ 90، 228). (¬4) الحطائط: الصغير من الناس. اللسان «حطط» وانظر: الممتع (1/ 118، 227). (¬5) الستهم: الكبير العجز. الممتع (1/ 90، 240، 246)، واللسان «سته». (¬6) الممتع (1/ 74). (¬7) الممتع (1/ 77). (¬8) الممتع (1/ 72، 233، 286). (¬9) الموئل: الملجأ. اللسان «وأل». (¬10) انظر: الممتع (1/ 86).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انفك المثلان كمهدد (¬1)؛ فأحدهما زائد إلا أن يوجب تقدير زيادته استعمال ما أهمل كمحبب فإنه مفعل، فإن تقدير زيادة أحد ياءيه يوجب أن يكون الأصل «محبّ» وهو تركيب أهملت العرب جميع وجوهه (¬2)، وكذا لو كان مع الثلاثة التي هي أصول الكلمة الواقعة بعد الهمزة والميم حرف لين، فهو - أيضا - زائد كإسكاف (¬3) وإبريق وأسلوب، ذكر المصنف ذلك في إيجاز التعريف له، ولا شك أن التنبيه على أن حرف اللين زائد في هذه الأبنية الثلاثة مستغنى عنه، فإنّه من المعلوم الحكم على كل من الألف والياء والواو بالزيادة متى صحب أكثر من أصلين وإذا كانت الأحرف الثلاثة مقطوعا بزيادتها لما ذكر، فلا حاجة إلى التنبيه على زيادتها، هنا بقي الكلام على زيادة [6/ 116] الهمزة مؤخرة بعد ألف زائدة، كما قيّده المصنف، ويذكر معها النون لإشراك المصنف إياها مع الهمزة في هذا الحكم بعد ذكر الهمزة مصدرة بقوله: أو مؤخرة أو نون بعد ألف زائدة، فنقول: ذكر المصنف في إيجاز التعريف له: أن الهمزة المتأخرة يحكم بزيادتها بعد ألف زائدة قبلها ثلاثة أصول أو أكثر كعلباء وقرفصاء، ثم قال: ويشارك الهمزة في مثالها متأخرة النون نحو: سرحان وزعفران، وهكذا ذكر في بقية كتبه أن الهمزة في نحو: علباء وقرفصاء زائدة (¬4)، والأصح: أن همزة قرفصاء بدل من ألف مزيدة للتأنيث وكذلك همزة علباء بدل من ياء هي حرف إلحاق، وإذا كان كذلك لم - ¬

_ (¬1) من أسماء النساء. الممتع (1/ 87، 249). (¬2) قال ابن عصفور في الممتع (1/ 252 - 253): «فإن قيل: فهلّا جعلتم الميم أصلية في «محبب» - اسم رجل - بدليل فك الإدغام كما فعلتم ذلك في مهدد، فالجواب أنه لمّا كان جعل الميم فيها أصلية يؤدّي إلى الحمل على القليل، وجعلها زائدة يؤدّي - أيضا - إلى ذلك كانت الأولى الزيادة هنا؛ لأن الميم إذا كانت زائدة كانت الكلمة من تركيب «حبب»، وهو موجود، وإذا كانت الميم أصلية كانت الكلمة من تركيب «محب» وهو غير موجود، فكان الحمل على الموجود أولى» وانظر: نفس المرجع (2/ 649، 733)، وشرح الكافية (ص 2060). (¬3) الممتع (1/ 106). (¬4) قال في الكافية: كذاك همز آخر بعد ألف ... أكثر من حرفين لفظها ردف وقال في الشرح: الهمزة في الآخر مساوية للنون في استبانة زيادتها بتأخرها بعد ألف قبلها ثلاثة أحرف فصاعدا نحو: علباء وحرباء. شرح الكافية لابن مالك (4/ 2040) وقال في متن الألفية ما قاله هنا. انظر: الألفية «ص 75).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يثبت أن الهمزة تزاد مؤخرة بعد ألف زائدة (¬1)، وإنما يثبت هذا الحكم للنون فقط، فلو كان قبل الألف الزائدة حرفان وجب الحكم بأصالة النون (نحو: سنان وعنان وبنان (¬2) وكذا لو كانت الكلمة من باب جنجان) (¬3) يحكم بأصالة النون؛ إذ لو كانت زائدة لكانت الكلمة من باب سلس وهو قليل فينبغي أن تكون الكلمة من باب الرباعي المضاعف نحو: صلصلت (¬4)، واعلم أنّا نفهم من قول المصنف: يحكم بزيادة ما صحب أكثر من أصلين من كذا أو كذا - أمرين: أحدهما: أن كلّا من هذه الأحرف الخمسة متى صحب أصلين فقط لا يحكم بزيادته، بل يجب الحكم بأصالته إن كان غير ألف، ويكون بدل أصل إن كان ألفا، وإنما كان كذلك لأنّه لا بد من تكملة أقل الأصول وهو ثلاثة، فمن ثمّ حكم بأصالة الياء في: يوم وبيع ورمي، وبأصالة الواو في: قول وغزو، وبأصالة الهمزة في: أخذ وأكل وأمر، وبأصالة الميم في: ملك ومسخ وأشباههما، وحكم بكون الألف بدلا من أصيل في: مال وباب وناب وعصا ورحا، ولو انضم إلى الأصلين حرف محكوم بزيادته كان الحكم بأصالة الحروف المذكورة باقيا كما في نحو: ياوم وبايع ورامى وقاول وغازى وآخذ وآكل وآمر ومالك وماسخ، وهذا واضح. ثاني الأمرين: أن كلّا من هذه الأحرف الخمسة، إذا وجد بالقيد الذي قيدت به زيادته ووجد معه ثلاثة أحرف حكمنا بزيادته، ولو كان أحد تلك الثلاثة حرفا يمكن أن يكون هو الزائد بأن يكون حرف لين أو مكرّرا مدغما. والظاهر: أن الأمر كذلك إلا إذا دلّ دليل على أن الزائد هو حرف لين أو المكرر - ¬

_ (¬1) أقرّ الشارح بزيادة الهمزة في هذا الموضع حيث قال (ص 4920): «بل المراد أنهما - الهمزة والميم - لا تطرد زيادتهما إلا إذا كانتا مصدرتين، أو كانت الهمزة آخرا بشرط كونها بعد ألف زائدة، وأنه يحكم بزيادتها إذا وجدتا بهذه الصفة من غير نظر إلى اشتقاق أو غيره ما لم يعارض الزيادة دليل أصالة». (¬2) الممتع (1/ 258). (¬3) سقط ما بين القوسين من (جـ) وانظر: المرجع السابق. (¬4) قال ابن عصفور في الممتع (1/ 258): «ألا تكون من باب: جنجان؛ فإنه ينبغي أن تجعل النون فيه أصلية؛ إذ لو كانت نونه زائدة لكانت الكلمة ثلاثية، ويكون فاؤها جيما ولامها جيما فيكون من باب: سلس وقلق أعني مما فاؤه ولامه من جنس واحد وذلك قليل جدّا، وإن جعلت النون أصلية كانت من باب الرباعي المضعف، نحو: صلصلت وقلقلت وذلك باب واسع».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المدغم؛ فحينئذ يحكم عليه بالزيادة، ويتعين إذ ذاك الحكم بالأصالة لذلك الحرف الذي من شأنه أننا كنا نحكم بزيادته، لو لم يكن ذلك اللين أو المكرر، وقد تقدم أنه لو كان أحد الثلاثة الواقعة بعد الهمزة أو الميم حرف لين أو حرفا مكررا حكم بزيادة الهمزة والميم نحو: أورق وأبدع وموئل وميسر وأشدّ ومجنّ، ولفصل القول في ذلك بالنسبة إلى كل حرف من الخمسة متعرضين إلى ذكر الدليل الدال على كون المزيد أحد الثلاثة من حرف لين أو حرف مكرر في بعض الكلم، فنقول: الهمزة يحكم بزيادتها إذا كان أحد الثلاثة التي بعدها ياء أو واوا أو ألفا، نحو: أيدع وأبين وأورق وأشفى (¬1) وأفعى، ولو لم يكن معنا دليل يدل على زيادة الهمزة؛ لأن جميع ما ورد من ذلك مما عرف اشتقاقه، الهمزة فيه زائدة نحو: أغوى وأنوأ (¬2)، فحمل ما ليس له اشتقاق على ما عرف اشتقاقه إلا إذا دلّ دليل على أصالة الهمزة، فيجب حينئذ الحكم بزيادة الحرف الذي هو أحد الثلاثة الواقعة بعد الهمزة، وذكروا أن ذلك في أربع كلمات وهي: أولق وأيصر وأرطى وإمّعة (¬3)، أما أيصر، فلقولهم في جمعه: إصار بإثبات الهمزة وحذف الياء، وأما: إمّعة؛ فلأنه يلزم من القول بزيادة الهمزة أن يكون وزنه إفعلة، وإفعلة لا يكون صفة أصلا، إنما يكون اسما نحو: إشفى (وإنفحة) (¬4) فيجب أن يكون وزنه فعّلة؛ لأن فعّلة في الصفات موجود نحو: رجل دنّبة (¬5)، وأما: أولق وأرطى، فلسقوط الواو والألف في قولهم: ألق الرجل ألقا فهو مألوق أي جنّ (¬6)، وبعير أرط وأديم مأروط، نعم من قال: ولق ولقا فهو مولوق (¬7) بمعنى جنّ - أيضا - وبعير راط وأديم مرطي، - ¬

_ (¬1) الأشفى: المخرز. انظر: اللسان «شفى» والممتع (1/ 232، 233). (¬2) أغوى: من الغيّ، وأضوأ: من الضوء. انظر: الممتع (1/ 233). (¬3) الذي ذكر ذلك هو: ابن عصفور، انظر: الممتع (1/ 233 - 234). (¬4) كذا في الممتع (1/ 234). (¬5) أي: قصير اللسان «دنب». (¬6) الممتع (1/ 235). (¬7) ذهب أبو عليّ الفارسي إلى أن: أولق تحتمل وجهين الأوّل أنها فوعل، فهمزتها أصلية، والثاني من ولق يلق إذا أسرع؛ وذلك لأن الأولق: الجنون، وهي مما يوصف بالسرعة فلما كانت حروف أولق إذا جعلته أفعل، وولق واحدة ومعنياه متقاربين؛ لأن الجنون ليست السرعة في الحقيقة، بل يقرب معناها من معنى السرعة، جعل الأولق مشتقّا من ولق، لا بمعنى أن الأولق مأخوذ من ولق. الممتع (1/ 232، 234) ونسب ابن جني هذا الرأي في الخصائص (1/ 908) إلى أبي إسحاق الزجاج، وانظر الكتاب (2/ 308).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انعكس الحكم عنده فيحكم بأصالة الواو في أولق، والألف في أرطى، وبزيادة الهمزة فيهما، ولك أن تقول: الموجب للحكم بأصالة الهمزة أولا في هاتين الكلمتين وهما أولق وأرطى، وبزيادتهما فيهما ثانيا إنما هو الاشتقاق ولا شك أنه مقدّم على غيره من أدلة الزيادة، وإذا ثبت الاشتقاق، حكمنا بزيادة الحرف في موطن ليس من شأنه أن يزاد فيه، وبأصالته في مكان شأنه أن يزاد فيه، ولا ينظر إلى شيء آخر، وإذا كان كذلك لا يحسن التمثيل بأولق وأرطى في ما نحن بصدده؛ لأن الاشتقاق هو الحاكم فيها، وإنما يحسن التمثيل بما لا اشتقاق له؛ لأنا قررنا أولا أنا نحكم بزيادة الهمزة ولو لم نعلم الاشتقاق، وإذا كان كذلك سقط الاستدلال على هذا المقصود بهاتين الكلمتين، وأما: أيصر وقولهم في جمعه: إصار فلا يتم الاستدلال به؛ لأن كلام الجوهري في الصّحاح يدل على أن إصار مرادف لأيصر لأنه قال: الإصار والأيصر حبل قصير يشدّ به في أسفل الخباء إلى وتد، وجمع الإصار أصر، وجمع الأيصر أياصر (¬1)، وإذا كان كذلك لم تكن الياء في أيصر الزائدة، ويكون وزنه أفعل، فالهمزة هي الزائدة؛ فلم يبق من الكلمات الأربع المستدل بها إلا كلمة واحدة هي إمّعة لا غير. الميم: يحكم بزيادتها إذا كان أحد الثلاثة التي بعدها ياء أو واوا أو ألفا نحو: ميسر وموئل ومسرى كما تقدم في - الهمزة سواء، والعلة في ذلك ما تقدم إلا إذا دلّ دليل على أصالة الميم فيجب حينئذ الحكم بزيادة الحرف الذي هو أحد الثلاثة الواقعة بعد الهمزة، وذلك في ستة ألفاظ كما ذكروا وهي: معزى ومأجج ومهدد ومعدّ ومنجنيق ومنجنون، أما أصالتها في معزى فلقولهم [6/ 117]: معز بحذف الألف، ولو كانت الميم هي الزائدة لقالوا: عزي (¬2)، وأما أصالتها في معدّ فلقولهم: تمعدد الرجل إذا تكلم بكلام معد، فلو لم نقل بأصالة الميم لكان وزنه تمفعل، وهو وزن مهمل لم يوجد منه إلا: تمسكن وتمدرع، وهما نادران، والأجود أن يقال: تسكّن وتدرّع (¬3)، وأما أصالتها في: مأجج ومهدد؛ فلأنها لو كانت زائدة لوجب الإدغام كما قالوا: مفرّ ومكرّ ومردّ، - ¬

_ (¬1) الصحاح (2/ 1579). (¬2) الكتاب (2/ 344)، والممتع (1/ 250). (¬3) الكتاب (4/ 308 - 309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فدلّ الفك على أن الميم أصل، وأن الحرف المكرر زائد لإلحاق الكلمتين بجعفر، كما ألحق به قردد فلم يدغم، لا يقال: (احكم بزيادة الميم، واجعل الفكّ شاذّا، كما جاء الفكّ في: لححت عينه، وألل السّقاء، وضبب البلد) (¬1) لأنا نقول: لمّا كان كل من الأمرين أعني الزيادة والنقصان يفضيان إلى قليل، كانت الأصالة أولى، وأمّا أصالتها في منجنيق؛ فلأن النون (¬2) ثابتة الزيادة لقولهم: مجانيق، ولو كانت أصلية لقالوا: مناجيق، ومتى ثبتت زيادة النون وجب الحكم بأصالة الميم؛ إذ لو قيل بزيادتها مع أن النون زائدة؛ لأدى ذلك إلى اجتماع زيادتين أوّل الكلمتين، وذلك لا يوجد إلا في الأفعال أو الأسماء الجارية عليها، نحو: انطلق ومنطلق، ومنجنيق ليس باسم جار على الفعل، وإذا ثبتت أصالة الميم وزيادة النون الأولى وجب أن يقضى على النون الثانية بالأصالة؛ لأنه لو قضي عليها بالزيادة لكان وزن الكلمة (فنعنيلا) (¬3) وهو بناء غير موجود، أما إذا كانت أصلية فتصير الكلمة نظير: عنتريس ووزنه فنعليل. قال ابن عصفور: فهلا استدل على زيادة الميم بما حكي عن أبي عبيدة (¬4)، بأنه سأل أعرابيّا عن حروب كانت بينهم فقال: كانت (بيننا) (¬5) حروب عون تفقأ فيها العيون مرة نجنق، ومرة نرشق. فقال: نجنق ولو كانت الميم أصلية لقال: نمجنق (¬6) ثم ذكر الجواب عنه، وقد أورد ابن الحاجب الكلام على منجنيق أحسن إيراد وأنهى (البحث) (¬7) فيه، فليقف عليه الناظر إذا أراد (¬8)، وأما أصالتها في منجنون فالذي يدل عليها أنه إما أن يقدر الميم والنون زائدتين ولا يجوز لما تقدم في منجنيق، وإما أن يقدر أن أحدهما أصل والآخر زائد، فإن كانت الميم هي الزائدة كان وزن الكلمة مفعلولا، وهو بناء غير موجود، - ¬

_ (¬1) ما بين القوسين منقول من الممتع (1/ 252)، وانظر: الكتاب (4/ 308، 309). (¬2) يعني النون الأولى. الممتع (1/ 253). (¬3) كذا في الممتع (1/ 253)، وفي النسختين «فعنيلا». (¬4) معمر بن المثنى النحوي البصري، أخذ عن يونس وأبي عمرو، وعنه أخذ أبو حاتم، والمازني. انظر: الأعلام (8/ 191)، والإنباه (3/ 276). (¬5) كذا في الممتع (1/ 254) وسقطت من النسختين. (¬6) المرجع السابق. (¬7) كذا في (ب)، وفي (جـ) «الكلام». (¬8) انظر: شرح الشافية (2/ 344).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإن كانت النون هي الزائدة كان باطلا؛ لقولهم: مناجين في الجمع بإثبات النون الأولى فلزم من ذلك القول بأصالة كلّ منهما - أعني الميم والنون - ويكون وزن الكلمة فعللولا نحو: حندقوق، هذا كلام ابن عصفور (¬1)، وفيه نظر لا يخفى، وقد حقق ابن الحاجب البحث في الكلمة الأخرى - أيضا - (¬2)، ثم لك أن تقول: الموجب للحكم بأصالة الميم في معزى ومعدّ ومنجنيق ومنجنون إنّما هو الاشتقاق، أو ما يرجع إليه، وقد تقدم أن الاشتقاق هو الفاضل، والدليل المقدّم على غيره من الأدلة، وأنه إنما يحسن التمثيل في هذا الموطن بما لا اشتقاق له؛ لما تقرر أولا من أننا نحكم بزيادة الميم ولو لم نعلم الاشتقاق، وأما: مأجج ومهدد فهما غير مقصودين؛ لأنهما خارجان عن الضابط الذي ذكر أوّلا، وهو أنا نحكم بزيادة الميم إذا كانت أوّلا وبعدها ثلاثة أحرف، أحدها مكرر إذا كان المكرر مدغما، أما إذا كان مفكوكا فإنّا نحكم إذ ذاك بزيادته وبأصالة الميم المتقدمة أوّلا في مثل: محبب، وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى استثناء هاتين الكلمتين؛ لأنهما خرجا أوّلا بالقيد الذي ذكر لأصالة الألف والواو والياء، أما الألف والواو فقد علمت أنهما لا يزادان أوّلا، وإنما يزادان غير أوّلين، فإذا اشتملت الكلمة على ألف محتملة للزيادة وللأصالة أعني لأن تكون منقلبة عن أصل، وكانت تلك الكلمة مصدّرة بهمزة أو ميم يحتمل كل منها الأصالة والزيادة، ولم يكن معنا دليل يدلنا على أحد الأمرين، حكمنا بزيادة الهمزة أو الميم أو بأصالة الألف أو الواو، وهذا قد علم عند الكلام على الهمزة والميم، وتقدمت أمثلة ذلك فلا حاجة إلى إعادته، وكذا حكم الياء إذا وجدت غير أول، وهي محتملة للأمرين، وصدّرت كلمتها بهمزة أو ميم، وإن صدرت تلك الكلمة بياء - أيضا - فينبغي الحكم بزيادتها - أيضا - وأصالة الياء أعني التي هي غير أول؛ لأن الياء الواقعة كالهمزة إذا وقعت أوّلا، وإذا وقعت الهمزة أوّلا وبعدها الياء حكمت على الهمزة بالزيادة ولم يحكم على الياء بالزيادة، فكذلك الياء الأولى - ¬

_ (¬1) الممتع (1/ 255 - 256) وبأصالة الميم والنون في منجنون قال سيبويه في الكتاب (4/ 309) والمازني في المنصف (1/ 146). (¬2) جعل ابن الحاجب منجنون مثل منجنيق في أوزانه قال في الشافية: «ومنجنون مثله - أي مثل منجنيق - لمجيء منجنين إلا في منفعيل، ولولا منجنين لكان فعللولا كعضرفوط، وخندريس كمنجنين» الرضي (2/ 344)، والجاربردي (1/ 216).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحكم عليها بالزيادة، وعلى الثانية بالأصالة، ولا يعكس الحكم؛ لأن زيادة الياء أوّلا أكثر من زيادتها غير أول، وإذا حقق الأمر فيما ذكر، علم أن ذكر الهمزة والميم والياء المصدرة مغن عن ذكر الألف والواو والياء إذا كانت غير مصدّرة، ولهذا اقتصر المصنف على ذكرها حين قال في أثناء الفصل الذي بعد الفصل التالي لهذا الفصل الذي نحن فيه: وتترجح زيادة ما صدّر من ياء أو همزة أو ميم على زيادة ما بعده من حرف لين أو تضعيف (¬1)، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى. واعلم أن المصنف لما قرّر مواضع زيادة الأحرف الخمسة أعني الألف والياء والواو والهمزة والميم، وحكم بزيادة كل منهم متى صحب أكثر من أصلين بالقيود التي ذكرها، وكان الحكم بالزيادة موقوفا على شرط، شرع في الإشارة إليه فقال: إن لم يعارض دليل الأصالة، يعني أنّا لا نحكم بزيادة حرف من هذه الحروف، وإن كان في محل من شأنه أن يحكم بزيادته فيه، إلا إذا انتفى ما يدل على أصالته، أما إذا وجد دليل يدل على الأصالة فإنّه يجب الرجوع إليه، ثم إنه أشار إلى أن الذي يدل على الأصالة أمران: أحدهما: الاشتقاق (¬2) ولا شك أنه أقوى الأدلّة؛ ولهذا يقول - ¬

_ (¬1) التسهيل (297، 298). (¬2) الاشتقاق: هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في المعنى والتركيب، فتردّ أحدهما إلى الآخر نحو: ردك ضرب إلى الضّرب والمضروب إليه - أيضا - للمناسبة التي بينهما في اللفظ والمعنى، فيسوغ لك أن تقول: هذا مشتق من ذاك. وهو بهذا التعريف يسمى الاشتقاق الأصغر. وللعلماء في وجوده مذاهب ثلاثة: الأول: مذهب الخليل وسيبويه ومن وافقهما، وحاصله: أن الكلام بعضه مشتق، وبعضه غير مشتق. الثاني: مذهب طائفة من المتأخرين، وحاصله: أن الكلم كله مشتق وقد نسب هذا المذهب للزجّاج، وزعم بعضهم أنه كان رأيا لسيبويه. الثالث: مذهب قوم آخرين، وحاصله: أنه لا يوجد اشتقاق فالكلم كلّه أصل وليس منه شيء قد اشتق من غيره. والراجح المذهب الأوّل وعليه الجمهور. وهناك نوع آخر من الاشتقاق يسمى بالاشتقاق الأكبر وهو سماعي، وهو عقد تقاليب الكلمة كلها على معنى واحد، نحو ما ذهب إليه أبو الفتح ابن جني، من عقد تقاليب: القول الستة على معنى الخفة - القول، والقلو، والوقل، والولق، واللوق، واللقو. وهناك الاشتقاق الكبير: وهو تقديم بعض حروف الكلمة على بعض وهو ما يعرف بالقلب المكاني نحو: الواحد والحادي، والوجه والجاه ... وهذا سماعي - أيضا -. ينظر في ذلك: النزهة (75 - 76)، والهمع (2/ 12 - 13)، والممتع (1/ 40)، وابن جماعة (1/ 199)، والخصائص (2/ 133 - 139).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النحاة: الاشتقاق مقدّم على سائر الأدلّة، وقال المصنف في شرح الكافية: والاشتقاق إذا ظفر به فهو راجح على غيره من الأدلّة (¬1)، عنى بالرجحان التقدّم ولم يرد به الأولوية فلولا الاشتقاق لحكم بزيادة ميم معدّ؛ لأنها ميم مصدّرة [6/ 118] على ثلاثة أصول كالميم في مردّ ومقرّ ونحوهما، لكنهم لما اشتقوا الفعل من هذه الكلمة قالوا: تمعدد (¬2) فلزوم الميم في تصاريف الكلمة دلّ على أصالتها، فكان هذا الدليل معارضا لتصدّرها على ثلاثة أصول بعدها ونظير الميم في: معدّ الهمزة في: أولق وأرطى، في لغة من قال: ألق فهو مألوق وآرط ومأروط، فثبوت الهمزة في التصاريف دلّ على أصالتها فقد عارض دليل الأصالة تصدر الهمزة على ثلاثة بعدها فكان مانعا من الحكم بزيادتها. الأمر الثاني: التقدم على أربعة أصول، يعني تقدم الحرف الذي من شأنه أن يحكم بزيادته، إذا تقدم على ثلاثة أصول، ويريد به أحد الثلاثة التي هي الهمزة، والميم، والياء، لا الألف والواو لما علمت من أنهما لا يزادان أوّلا. وحاصل الأمر: أن تقدم الأحرف الثلاثة - أعني: الهمزة والميم والياء - على أكثر من ثلاثة أصول دالّ على أصالتها، فصار التقدم على الأربعة التي هي أصول دليلا معارضا للحكم بالزيادة، فيجب حينئذ الحكم بالأصالة لتلك الأحرف المتقدمة وذلك نحو: إصطبل (¬3)، ومرزجوش (¬4)، ويستعور (¬5)، فالهمزة والميم والياء في هذه الكلم محكوم بأصالتها ولذلك يوزن الأول بفعلل كجردحل، والثاني والثالث بفعللول كعضرفوط، والسبب في ذلك: أن الزيادة لا تحلق بنات - ¬

_ (¬1) شرح الكافية لابن مالك (4/ 2045). (¬2) ومعد مثله - أي معزى - للتمعدد، لقلة تمفعل. الكتاب (2/ 344)، وانظر: الممتع (1/ 250). (¬3) الممتع (1/ 231). (¬4) المرزنجوش: فارسيّ معرب مرزنكوش، وعربيته السّمسق، والمرزجوش لغة فيه بوزن فعللول كعضرفوط، وهما المردقوش: الزّعفران، أو طيب تجعله المرأة في مشطها يضرب إلى الحمرة والسّواد. ونبت نافع لكثير من الأمراض، والمرزنجوش إن قلنا بزيادة النون والواو، من مزيد الخماسي، وإن قلنا: بزيادة الميم معهما، من مزيد الرباعي راجع القاموس (2/ 299)، واللسان (مردقش)، (مرزجش)، والمزهر (1/ 276)، والممتع (1/ 247)، وفقه اللغة للثعالبي (ص 454) وابن جماعة (1/ 36). (¬5) الكتاب (4/ 303، 313، 316)، والممتع (1/ 136، 164، 172، 288، 295)، والتكملة (ص 235)، والخصائص (3/ 215).

[زيادة النون والتاء والسين والهاء واللام]

[زيادة النون والتاء والسين والهاء واللام] قال ابن مالك: (وزيدت النّون - أيضا - باطّراد في الانفعال والافعنلال وفروعهما، وفي التّثنية والجمع وغيرهما ممّا سبق ذكره، وساكنة مفكوكة بين حرفين قبلها وحرفين بعدها، والتّاء في المضارع والتّفعّل والتّفاعل والتّفعلل والافتعال وفروعهنّ، وفي التّفعيل التّفعال، ومع السّين في الاستفعال وفروعه، والهاء وقفا في مواضع يأتي ذكرها واللّام في الإشارة كما سبق). ـــــــــــــــــــــــــــــ الأربعة من أولها إلا في الأفعال والأسماء الجارية عليها، وقد نبّه المصنف على ذلك بقوله: في غير فعل أو اسم يشبهه فالفعل نحو: تدحرج وادّحرج، والاسم نحو: مكرم ومدحرج، ونحو (¬1) ذلك، ثم أشار المصنف بقوله: فإن لم تثبت زيادة الألف فهي بدل لا أصل، إلا في حرف أو شبهه، إلى أن الألف إما أن يحكم عليها بالزيادة حيث يقوم الدليل على زيادتها، وإما أن لا يحكم عليها بالزيادة، فيحكم عليها بأنها بدل من ياء أو واو أصليّين كما هي في رحى وعصا (¬2)، ولا يحكم بالأصالة إلا في الحروف أو الأسماء التي تشبه الحروف يعني المبنية كألف: ما، ولا، وحتّى، وإذا، وما الاسمية وذا ونحوها، وقد استدرك على أصالة الألف في ما ذكر أنه لو كان أصل الألف في: ما - ياء؛ لقلت: مي نحو: كي، أو واوا لقلت: مو، نحو: لو؛ لأن حرف العلّة إنما كان يقلب لو كان متحركا وقبله مفتوح، ولا يمكن تقدير الحركة في الحروف ولا في ما يشبهها من الأسماء؛ لأن المبنيات إنما تبنى على السكون؛ ولا تبنى على حركة إلا لعارض، كالتقاء الساكنين نحو: ثمّ، وإذا كانت الكلمة على حرف واحد كواو العطف (¬3). قال ناظر الجيش: لما انقضى كلامه في الأحرف الخمسة التي هي: الألف، والياء، والواو، والهمزة، والميم - شرع في الكلام على الخمسة الأخرى وهي النون، والتاء، والسين، والهاء، واللام، وبدأ بالنون وذكر أنها تزاد في ستة مواضع، وقد كان ذكر أنها تشارك الهمزة في زيادتها آخرا بعد ألف زائدة قبيلها ثلاثة أحرف فما فوقها، - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (1/ 231). (¬2) انظر: الممتع (1/ 36). (¬3) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فتكون المواضع سبعة ولذكره لها قبل قال هنا: وزيادة النون أيضا، وإنما قال: باطّراد؛ لأنها قد تزاد في غير المواضع التي ذكرها، ولكن ذلك لا يطرد بل هو موقوف على السماع كما هي في: نرجس (¬1)، وقنعاس (¬2)، وقنفخر (¬3) ورعشن (¬4)، وفرسن (¬5). والمصنف إنما يتعرض لذكر المطرد دون غيره بالنسبة إلى هذا الحرف - أعني النون - وإلى غيره من حروف الزيادة، وأما غير المطرد فلم يذكره؛ لأنه إنما يدعى زيادته إذا دلّ دليل عليها من اشتقاق أو عدم نظير؛ فالأصل أن يحكم بزيادته وهو في مقام التعليم والتنبيه على ما يعلم به الزائد من الأصلي بقاعدة كليّة، وما لا يدخل تحت ضابط كلّي، وإنما يعلم بالتعداد له فلم يكن لازم الذكر، نعم يلزمه أن ينبّه على ما يعرف به الزائد من حيث هو زائد من الأدلّة، كالاشتقاق وعدم النظير مثلا، وقد نبّه على ذلك. إذا تقرر هذا فنقول: الموضع الأوّل والثاني من المواضع الستة التي تزاد فيها النون: الانفعال، والافعنلال كالانطلاق، والانصراف والانجلاء، والاحرنجام مصدر احرنجم مطاوع حرجم الإبل، أي ردّ بعضها على بعض، وأراد بفروعها الأفعال الثلاثة أعني الماضي، والأمر، والمضارع، واسمي الفاعل، والمفعول. الموضع الثالث والرابع: التثنية والجمع. الموضع الخامس: ما أراده بقوله: وغيرهما مما سبق ذكره، بعد أن ذكر التثنية والجمع، وكأنه يريد به ما ألحق في الإعراب بالمثنى وما ألحق فيه بالجمع الذي على حده، كالنون في: اثنين وستين، أو نون: تفعلان وتفعلون وتفعلين، أو كلا النونين. الموضع السادس: أن تكون ساكنة غير مدغمة قد توسطت في كلمة مشتملة على أربعة أصول، حرفين قبلها وحرفين بعدها، وحاصله أن تكون نونا ساكنة غير مدغمة قد توسطت في كلمة مشتملة على أربعة أصول حرفين قبلها وحرفين بعدها، وحاصله أن تكون نونا ساكنة مفردة ثالثة في كلمة خماسية كنوني - ¬

_ (¬1) النرجس: من الرياحين معرب والنون زائدة. اللسان «رجس»، وانظر: الممتع (1/ 80، 266)، والمنصف (1/ 104). (¬2) القنعاس الناقة العظيمة الطويلة السنمة. اللسان «قعس» وانظر: الممتع (1/ 98، 267، 268). (¬3) القنفخر: التار النّاعم الضخم الجثة. اللسان «قفخر» وانظر: الكتاب (4/ 324). (¬4) للمرتعش وانظر: الممتع (1/ 89، 271)، (2/ 696). (¬5) الفرسن: طرف خفّ البعير. اللسان «فرس» وانظر: المنصف (1/ 167)، والممتع (1/ 89).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غضنفر (¬1) وعفنقس (¬2)، قال المصنف: وإنما حكم بزيادتها في مثل ذلك لسقوطها في اشتقاق أكثر النظائر كعقنقل وهو الرمل المتراكم المتعقد، واشتقاقه من العقل: وهو الإمساك، وكالدّلنظى وهو الدافع، من: الدلظ وهو: الدفع، وكالألندد وهو الشّديد الخصومة من اللّدد، وكالعفنجج وهو: الأحمق، من العفج: وهو كثرة الاضطراب في العمل، وأيضا: الضرب بالعصا، وما لا اشتقاق له من هذا النوع قليل، فيحمل على الكثير (¬3). انتهى. واستدل سيبويه على أن مثل هذه النون يحكم بزيادته في ما لم يعرف له اشتقاق، بأن بنات الخمسة قليلة، وما كان على خمسة أحرف وفيه النون الساكنه ثالثة كثير لكثرة ما جاء فيه حرف اللين ثالثا نحو: غدافر [6/ 119]، وسميدع، وفدوكس، والأربعة التي مع النون أصول كشرنبث، وجرنفس، وعرنتن (¬4). وهو استدلال حسن؛ لأن النون لو كانت أصلية في مثل هذا لكان مثل سفرجل كثيرا وليس كذلك، فكون هذا المثل لم يكثر إلا مع النون ومع حروف اللين دليل على زيادة النون، واحترزنا بقولنا: غير مدغمة من نحو: عجنّس (¬5)، وسفنّج (¬6)، وهجنّف (¬7)، فإنه يصدق على النون الأولى أنها ثالثة ساكنة وبعدها حرفان، ومع ذلك لا يحكم عليها بالزيادة؛ لأنه لم يكثر زيادتها في ما عرف له اشتقاق أو تصريف إلا إذا كانت مدغمة فنحو: عجنّس تعارضت فيه زيادة النون مع زيادة التضعيف فغلب التضعيف؛ لأنه الأكثر وكان وزنه فعلّلا لا فعنللا (¬8)، واختار الشيخ: أن الكلمة ثلاثية، وأن كلا النونين مزيد - ¬

_ (¬1) الغضنفر: الأسد، ورجل غضنفر: إذا كان غليظا أو غليظ الجثّة. اللسان «غضفر»، وانظر: شرح الكافية (4/ 2041)، وأوضح المسالك (4/ 365)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 830). (¬2) العفنقس: السيئ الخلق. اللسان «عفقس». (¬3) التذييل (6/ 112 أ). (¬4) الكتاب (4/ 323)، وانظر: الأشموني (4/ 266)، وشرح الكافية (2042). (¬5) الجمل الضخم. اللسان «عجنس» وانظر: الكتاب (2/ 112، 119، 339) والممتع (2/ 739). (¬6) السّفنّج: السريع. اللسان «سفنج». (¬7) ظليم هجنّف: جاف. اللسان «هجنف» قال الشيخ أبو حيان: «والذي أذهب إليه، أن النونين زائدتان ووزنه فعنّل، والدليل على ذلك أنّا وجدنا النونين مزيدتين فيما عرف له اشتقاق نحو: ضفنّط وزونّك». (التذييل) (6/ 112 أ) وانظر: توضيح المقاصد (5/ 257)، والأشموني (4/ 267). (¬8) انظر: المرجعين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: لأنهما وجدتا مزيدتين في ما عرف اشتقاقه نحو: ضفنّط (¬1)، وزونّك (¬2)؛ لأنهما من الضّفاط والزّوك، فيحمل ما لا يعرف اشتقاقه على ما عرف اشتقاقه (¬3). وعبر المصنف عن عدم إدغام النون بقوله: مفكوكة. قال الشيخ: ولو قال: غير مدغمة كان أولى؛ لأن المفكوك إنما يصدق على ما يمكن فيه الإدغام ولم يدغم نحو: طلل ولبب، وأما إذا كان الحرف مباينا (بالكليّة لما بعده) (¬4) بحيث لا يمكن فيه الإدغام فلا يطلق عليه أنه مفكوك (¬5). هذا آخر الكلام على مواضع زيادة النون، واعلم أن في بعض ما ذكره المصنف نظرا؛ لأن الاشتقاق هو الذي يدل على زيادة النون في نحو: نضرب، وفي الجمع والتثنية مثلا، وما دلّ عليه الاشتقاق خارج عن مقصوده؛ لأن الكلام في أول الفصل إنما هو معقود في ما يستدل على زيادته بغلبة زيادته في ذلك المحل، لا في ما يستدل على زيادته بالاشتقاق، وقد ذكر ابن عصفور نوني التوكيد الشديدة والخفيفة اللاحقتين للأفعال، ونون الوقاية، ونون التنوين، والنون اللاحقة جمع التكسير في ما كان على وزن: فعلان أو فعلان نحو: قضبان أو غربان، قال: إذ لا يتصور جعلها أصلية؛ إذ ليس في أبنية الجموع ما هو على وزن فعلال أو فعلال (¬6) نحو: قضبان؛ فوجب كون النون فيه زائدة، وحكم على هذه النونات بالزيادة، وفي ما ذكره نظر، أما نون التوكيد شديدة كانت أو خفيفة فإنها حرف معنى، فهي كلمة انضمت إلى كلمة أخرى وركّبتا؛ ولذلك بني الفعل معها بعلّة التركيب، وحروف الزيادة التي يتكلم فيها في هذا الباب إنما هي حروف هجاء ولذلك شرط في عدّ الأحرف زائدة في كلمة أن تكون ممتزجة بتلك الكلمة كما تقدم، ونون الوقاية كنون التوكيد، ويدل على ذلك أنها خارجة عن ماهية الكلمة، وأما نون التنوين فكذلك؛ لأن التنوين إنما جيء به للدلالة على التمكين فهو حرف جاء لمعنى، وأما النون اللاحقة جمع التكسير فعروّ مفرد ذلك الجمع عنها يدل على زيادتها في الجمع؛ فدليل زيادتها يرجع إلى - ¬

_ (¬1) رجل ضفّاط وضفيط وضفنّط: سمين رخو ضخم البطن. اللسان «ضفط». (¬2) الزّونّك المختال في مشيته. القاموس (3/ 310)، وانظر: الممتع (1/ 121). (¬3) التذييل (6/ 112 أ). (¬4) كذا في التذييل (6/ 112 أ) وفي النسختين «لما قبله ولما بعده». (¬5) التذييل (6/ 112 أ). (¬6) الممتع (1/ 257).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الاشتقاق، وما دل على زيادته الاشتقاق لا يناسب ذكره مع دليل علّيّة الزّيادة في محلّ خاص، ثم ثنّى المصنف بالتاء وذكر أنها تزاد في ثمانية مواضع وهي: الفعل المضارع كتضرب، والتّفعّل كالتّعلّم، والتفاعل كالتقارب والتّفعلل كالتّدحرج، ولا شك أن التاء تكون زائدة في فروع الأربعة من الأفعال والصفات كما هي في أصولها، والموضع السابع والثامن التّفعيل والتّفعال كالتّقديس، والتّجوال، ولم يقل هنا: وفروعهما؛ لأن فروع التقديس قدّس ويقدّس وقدّس ومقدّس ومقدّس ولا تاء فيها، وفروع التّفعال هي فروع التفعيل وإنما عدل عن التفعيل إلى التفعال لقصد التكثير، وإذا كان كذلك فلا تاء فيها أيضا. وأما الموضع الثامن فإنما زيدت فيه مع زيادة غيرها وهو السين، فاستفيد من ذلك ذكر موضع زيادة السين - أيضا - وهو الحرف الثالث من الحروف الخمسة، والذي تزاد فيه التاء مع السين هو الاستفعال: كالاستخراج، والاستنقاد، والاستنباط، وسكت عن الفروع؛ لأنه قد علم مما قبله أن الفروع تابعة للأصل، ولكنه في إيجاز التعريف أشار إلى الفروع دون الأصل، فإنه قال: ويحكم بزيادتها يعني التاء وزيادة سين قبلها بعد همزة وصل، أو حرف مضارعة، أو ميم زائدة نحو: استخرج ويستخرج، ومستخرج، والأمر في ذلك قريب؛ فإنه لا خفاء في زيادة التاء والسين في مثل ذلك، واعلم أنه ذكر في هذا الكتاب - أعني إيجاز التعريف - لزيادة التاء موضعا تاسعا، فإنه قال: ويحكم بزيادتها إذا قلبت في الوقف هاء وأن يكمل للكلمة بها ثلاثة أحرف كلثة، وظبة (¬1). انتهى. وحاصل ما ذكر: أن التاء في مسلمة، وقائمة محكوم بزيادتها، حتى ولو كانت الكلمة مشتملة على حرفين فقط دون التاء، فإنّه يحكم عليها بالزيادة، فاقتصاره على التمثيل بظبة ولثة، مؤذن بأن الحكم بزيادتها في مثل مسلمة وقائمة بطريق الأولى، وفي تقييد المصنف التاء بكونها تقلب في الوقف هاء نظر، فإنهم نصّوا على زيادتها في قامت وخرجت، ولا يرد عليه: ربّت وثمّت؛ لأنهما حرفان والكلام إنما هو ما يدخله التصريف وهو الأسماء المتمكنة والأفعال المتصرفة، بقيت الإشارة هنا إلى أمور ثلاثة: أحدها: أن الاشتقاق هو الذي دلّ على زيادة التاء في هذه - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 915 ب) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المواضع التي ذكرها، أو في أكثرها، وقد تقدم لنا أن الذي يدل على زيادته بالاشتقاق ليس هذا موضع ذكره؛ إنما يذكر هنا ما يحكم بزيادته بغلبة وقوع ذلك الحرف الذي هو زائد في ذلك المحل، ومما يؤيد ما ذكرته أنه لم يذكر عند إيراد الهمزة والياء زيادتهما في الفعل المضارع؛ فكان الواجب أن لا يذكر النون والتاء أيضا. الثاني: أن ابن عصفور حكم بزيادة التاء في أنت وفروعه، وعد هذا الموضع من جملة مواضع زيادة التاء (¬1)، وتبعه الشيخ في (¬2) ذلك واستدرك على المصنف، وفي ما ذكراه نظر، فإن التاء في [6/ 120] أنت دالة على الخطاب، فهي حرف جاء لمعنى لا حرف هجاء، والدليل على ذلك أنّا لو سمّينا إنسانا بأنت لحكيناه؛ لأنه مركب من اسم وحرف، وإذا كان كذلك امتنع الحكم بزيادة التاء فيه. الثالث: قد يسأل فيقال: كيف اقتصر المصنف في زيادة السين على الاستفعال فقط ولم يذكر زيادتها في: أسطاع، ولا في قدموس؟ والجواب: أن المصنف إنما يذكر في هذا الموضع ما تطّرد زيادته دون ما لا تطرد، وكذا إنما يذكر هنا ما يوجب الحكم بزيادته غلبة وقوعه في ذلك المحل، والزيادة في أسطاع، وقدموس لم يكن دليلها الغلبة، إنما الدّالّ عليها الاشتقاق (¬3)؛ فوجب ذكرهما عند ذكر ما يوجب الحكم بزيادة الاشتقاق، أو عدم النظير، وهذا مما يؤيد ما تقدم من أن كلام المصنف في هذا الموضع بزيادة الاشتقاق أو عدم النظير، وهذا إنما هو في الزائد الذي يدل على زيادته غلبة وقوعه في ذلك المحل الذي هو فيه، وأما الزائد الذي يدل عليه بالاشتقاق أو بعدم النظير لو قيل بأصالته فسيذكره المصنف، ثم لما انقضى الكلام - ¬

_ (¬1) قال في الممتع (1/ 272): «والتاء التي للخطاب في نحو: أنت، وأنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن». (¬2) قال في التذييل (6/ 115 أ، ب): «والذي ذكره المصنف هنا من زيادة التاء هو ما اطّرد زيادتها فيه وقد نقصها من ذلك زيادتها حرف مضارعة نحو: تقوم، وكذلك أيضا نقصه ذلك في فصل الياء نحو: يقوم، وفي فصل النون نحو: نقوم، وفي فصل الهمزة نحو: أقوم، ونقصه - أيضا - التاء التي تزاد للخطاب نحو: أنت، وأنتما، وأنتم، وأنتن، وتاء التأنيث اللاحقة للفعل نحو: قامت، وللاسم نحو: قائمة، وفي الحرف نحو: ربت وثمت». (¬3) قال سيبويه (1/ 25): «وقولهم: أسطاع يسطيع، وإنما هي أطاع يطيع، زادوا السين عوضا من ذهاب حركة العين من أفعل» وانظر: الكتاب أيضا (4/ 483) والممتع (1/ 226)، وشرح الشافية (2/ 379 - 380)، وقدموس: بمعنى قديم. اللسان «قدمس»، وتوضيح المقاصد (5/ 264)، والتذييل (6/ 120 ب).

[الزيادة غير المطردة]

[الزيادة غير المطردة] قال ابن مالك: (وتقلّ زيادة ما قيّد إن خلا من القيد، ولا تقبل زيادته إلّا بدليل جليّ كلزوم كون الثّاني من نحو: كنثأ وأحد سألتمونيها وكسقوط همزة شمأل وشأمل، واحبنطأ في الشمول والحبط، وميم دلامص وزرقم في الدّلاصة والزّرقة، ونون رعشن وبلغن، في الرّعش والبلوغ وهاء أمّهات وهبلع وأهراق في الأمومة والبلع والإراقة، ولام فحجل وهدمل في الفحج والهدم، وسين قدموس وأسطاع في القدم والطّاعة، وكلزوم عدم النّظير بتقدير أصالة نون: نرجس وعرند، وكنهبل، وإصفعند، وخبعثنة، وهندلع، ولام: ورنتل وعقرطل، وتاء: تنضب، وتدرأ وتجيب وعزويت). ـــــــــــــــــــــــــــــ على النون، والتاء، والسين، شرع في ذكر الحرفين الأخيرين وهما الهاء واللام، فأما الهاء فذكر أنها تزاد في الوقف في مواضع يأتي ذكرها يعني في باب الوقف إن شاء الله تعالى، وسيذكر بعد زيادتها في كلمات في غير الوقف، وإنما اقتصرنا على زيادتها وقفا؛ لأنّه إنما يذكر في هذا الموضع ما اطّردت زيادته دون ما لا يطرد كما تقدم التنبيه عليه، واعلم أنا قدّمنا عند الكلام على الحروف الزوائد أن هاء السكت ينبغي ألا تعد منها، لعدم امتزاجها بالكلمة التي هي فيها ولاستقلالها بالدلالة على معناها فهي حرف جاء لمعنى فيكون كلمة، والحرف الذي يحكم بزيادته في كلمة إنما هو حرف الهجاء وذكر أن اللام تزاد في الإشارة، وإنما اقتصر على ذلك مع أنها قد تزاد في غير الإشارة للعلة التي ذكرناها في الهاء، ثم الكلام معه في اللام المصاحبة لأسماء الإشارة، كالكلام معه في هاء السكت سواء، والحق أن هاء السكت واللام المصاحبة لأسماء الإشارة لا يحكم بزيادتهما، وإن كانت الهاء واللام من حروف الزيادة لا أنهما لا يعدان في هذين المكانين زائدين، بل زيادتهما تثبت في مواضع أخر كما سيأتي. قال ناظر الجيش: أفاد قوله هنا: وتقلّ أن كلامه من أول الفصل إلى قوله: واللام في الإشارة كما سبق، إنما هو في الزائد الذي تطرد زيادته وتكثر، وأنه من هنا شرع في ما لم تكن زيادته مطّردة وقد علمت مما تقدم القيود التي قيّد بها زيادة كل من الأحرف الخمسة، التي هي: الألف، والياء، والواو، والهمزة، والميم، ومن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النون إذا كانت متأخرة، فالواو مقيّدة بكونها غير مصدرة، والميم بكونها مصدّرة والهمزة بكونها مصدّرة - أيضا - أو متأخرة بعد ألف زائدة، وكذا النون مقيدة زيادتها آخرا بما قيدته زيادة الهمزة آخرا، وهو كونها بعد ألف زائدة، ومن قيود زيادة الهمزة والميم المصدرتين: أن لا تكون الأصول التي بعدها أكثر من ثلاثة أحرف، وكذا الياء إذا كانت مصدّرة - أيضا - لا يحكم بزيادتها إذا كان بعدها أصول أكثر من ثلاثة، وقيّد النون إذا كانت زيادتها غير آخر وبقية الأحرف وهي: التاء والسين والهاء واللام - بمواضع مخصوصة، ولا شك أن القيد الذي ذكره أوّل الفصل وهو مصاحبة ذلك الحرف المحكوم بزيادته لأكثر من أصلين - شامل للأحرف العشرة فلا بد منه في كلّ منها، وإن كانت عبارته لا تعطي أنه قيد في النون إذا كانت غير آخر، وفي الأحرف الأربعة المذكورة بعدها؛ إذا تقرر ذلك فنقول قوله: وتقلّ زيادة ما قيد إن خلا من القيد لا يعني به القيد العام - أعني الشامل للعشرة - وهو المصاحبة أكثر من أصلين؛ لأن هذا القيد إذا انتفى يكون ذلك الحرف أصلا لا زائدا، وإنما يعني به القيد الخاص، فنقول: إذا انتفى القيد الذي قيد به زيادة ذلك الحرف لا يقع زائدا إلا قليلا، ولا يحكم إذ ذاك، إلا إذا دلّ عليها دليل، وإلى ذلك أشار بقوله: ولا تقبل زيادته إلا بدليل جليّ. قال المصنف في شرح الكافية: إذا رأيت في كلمة حرفا جرت العادة أن يزاد بقيد فامنع زيادته إن عدم قيد زيادته، كنون ساكنة ثانية، أو همزة أو ميم في حشو الكلمة، أو في آخرها دون تقدم ألف، أو كهاء في غير وقف، أو لام في غير إشارة فإن كان مدّعي الزيادة ذا حجة ظاهرة فمسلّم دعواه (¬1)، وقال في إيجاز التعريف: ومن ادعى زيادة الهمزة، أو الميم، أو النون، أو الياء، أو الهاء، أو اللام، مع خلوهن من القيود التي شرطت في زيادتهن فهو محجوج، إلا أن يسقط ما ادعى زيادته منهن في اشتقاق واضح، إلى آخر ما ذكره، أما كلامه في شرح الكافية؛ فإنه لا يقتضي قصر الحكم على الأحرف التي ذكرها؛ لأنه أورد ذلك في معرض التمثيل، وأما كلامه في إيجاز التعريف فإن ظاهره يقتضي قصر الحكم على الذي ذكره، وهو ستة أحرف، وليس كذلك فإن السين تجري هذا المجرى وهي أنها إذا خلت من القيد الذي قيّد به - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (ص 2056) وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادتها لا تقبل دعوى زيادتها إلا بدليل، وعبارة التسهيل لا تقتضي الاقتصار [6/ 121] على شيء دون شيء فهي شاملة، فهي أحسن من غيرها، فإن قلت: إذا كانت شاملة، فهل تشمل الحروف العشرة أو تشمل السبعة التي ذكرت دون الألف والواو والياء؟ قلت: إنما تشمل السبعة خاصة؛ لأن كلّا من الأحرف الثلاثة المذكورة متى صحب أكثر من أصلين، وكانت الواو غير مصدرة، ولم يكن بعد الياء إذا تصدرت أكثر من ثلاثة أصول، حكم بزيادتها من غير نظر إلى دليل، وكأنه أراد بجلي من قوله: إلا بدليل جلي - ما أراد بواضح من قوله في إيجاز التعريف: إلا أن يسقط ما ادعي زيادته منهن في اشتقاق واضح، وسيتبين الواضح من غير الواضح بعد. واعلم أنّ المصنف ذكر أن الذي يدل عليه زيادة ما خلا من القيد ثلاثة أمور: الأمر الأول: لزوم التاء من حروف الزيادة، وأشار إليه بقوله: كلزوم كون الثاني من نحو: كنثأو أحد سألتمونيها، ومعنى هذا الكلام أن حرف الزيادة إذا لزم مكانا واحدا من بناء الكلمة ولم يتبدل بغيره من حروف الزيادة ولا غيرها، كان ذلك دليلا على زيادته، ومثال ذلك: كنثأو، وحنطأو، وسندأو، وقندأو، وكندأو، وخنصأو، وجنثأو (¬1)، قالوا: والمحفوظ من هذا الوزن هذه الأسماء السبعة لا غير (¬2). قال ابن أبي الربيع: فإن قلت: ولم حكم على هذه النون بالزيادة وهي ثانية، والنون متى وقعت ثانية ساكنة كانت أو متحركة فإنها يحكم عليها بالأصالة حتى يقوم دليل؟ قلت: لزوم هذا البناء النون دليل على الزيادة، وأنها إنما جيء بها لمكان البناء، ولو كانت أصلا لم يلزم، ولكانت تارة نونا، وتارة لاما، وتارة كافا، وتارة تاء، إلى غير ذلك من الحروف، ألا ترى أن الأول لم يلزم ولا الثالث، يعني في سبعة الأمثلة المتقدمة فلا بد من الحكم بأصالتها، واللازم يحكم عليه بالزيادة، - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (4/ 269): «ويكون على فنعلو في الصفة قالوا: حنطأو، وكندأو، وسندأو، وقندأو» وقال المازني في المنصف (1/ 164): «واعلم أن مثل حنطأو، وكنثأو وقندأو، النون والواو فيهن زوائد، وقد ألحقن بباب جردحل». قال أبو الفتح: اعلم أنه إنما ذهب إلى أن الواو والنون جميعا زائدتان؛ لأن الواو لا تكون أصلا في ذوات الخمسة أبدا، ولا في ذوات الأربعة على هذه السبيل فلما ثبت زيادة الواو قضى بزيادة النون أيضا؛ لأنها لزمت في هذا الموضع من هذا المثال كما لزمت النون باب جندب، وعنظب، وعنصل في ذلك، وانظر: الممتع (1/ 56، 112، 267)، والتكملة (ص 240). (¬2) التذييل (6/ 199 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا تجد لازما في هذا البناء إلا النون والواو، فيحكم عليهما بالزيادة، وأما الهمزة فهي تلزم في الأكثر، وقد يكون غير ذلك كما قالوا عنزهو فوجدت هاء فلا تجد ما يلزم - ولا بد - إلا النون والواو، فقد ثبتت زيادتهما (¬1). انتهى. والظاهر أن هذا دليل خاص، أعني لزوم حرف الزيادة البناء؛ فإنّه إنما يستدل به على زيادة النون في: كنثأو، ونظيره من الأوزان المذكورة خاصة، فلا يتعداها، ومن ثمّ قال الشيخ: إن قول المصنف: أحد سألتمونيها، فيه إبهام؛ لأنه لم يلزم أحد سألتمونيها على طريقة البدل إنما لزم منها حرفا واحدا معينا وهو النون (¬2). الأمر الثاني: الاشتقاق وإياه أراد بقوله: وكسقوط همزة: شمأل إلى قوله: وأسطاع في القدم والطاعة، وقد اختلفت العبارات في حدّه، والأقرب أن يقال فيه: إنه إحداث لفظ يشارك لفظا آخر في معناه وحروفه الأصلية لإفادة معنى زائد. واعلم أن الاشتقاق مقدّم على سائر الأدلّة؛ ولذلك يحكم بزيادة حرف في محل ليس من شأن ذلك الحرف أن يزاد في ذلك المحل لدلالة الاشتقاق على زيادته فيه، ويحكم بزيادة حرف في محل ليس من شأن ذلك الحرف أن يكون أصلا في ذلك المحل؛ لدلالة الاشتقاق على أصالته فيه، ومن ثم حكم بزيادة الهمزة، والنون، والميم. والثاني: شمأل، ودلامص، ورعشن، وترنموت وليس من شأنها أن تزاد في هذا المحل، وحكم بأصالة الميم، والياء، والنون في: معدّ، ومراجل ومعزى؛ وضهيأ، على أحد القولين (¬3) وقنيان وليس من شأنها أن يكون أصلا في هذا المحل، وقد قال المصنف في الكافية: والاشتقاق دليل فاضل، فإن عدم فكثرة النظير قدم في الكلم (¬4)، يعني: أن الاشتقاق دليل فاضل إذا ظفر به كان مقدّما على غيره من الأدلّة، قال: وإن خفي الاشتقاق وحكم بمقتضى دليل غيره عذر من حكم بذلك، - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 108 أ)، (114 ب). (¬2) التذييل (6/ 120 أ). (¬3) وحروف ضهيأ الأصول إنما هي: الضاد، والهاء، والياء ... وزعم الزجّاج أنه يجوز أن تكون همزة ضهيأ - أيضا - أصلية وياؤه زائدة ويكون مشتقّا من ضاهأت وهو أولى به؛ لأن أصالة الهمزة غير أول أكثر من زيادتها. الممتع (1/ 228). (¬4) قال ابن مالك في شرح الكافية (4/ 2045): «الاشتقاق إذا ظفر به رجّح على غيره من الأول»، وقال: «وإن عدم الاشتقاق أو احتمل اشتقاقين رجح ما لزم منه كثرة النظائر على غيره».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وعلى من اطلع على الاشتقاق ألا يحكم إلا بمقتضاه، وإن لزم من ذلك مخالفة الأفضل، فلذلك قلت: إن نون رمّان أصلية؛ لثبوتها في قولهم: مرمنة للبقعة الكثير الرّمّان، وإن كان سيبويه ذهب إلى أن نونها زائدة (¬1)، ولو كان الأمر كما قال لقيل: مرمّة لا: مرمنة (¬2)، وفي التسهيل في أول هذا الفصل حين حكم بزيادة ما حكم بزيادته شرط في الحكم بالزيادة شرطا، فقال: إن لم يعارض دليل الأصالة كملازمة ميم: معدّ في الاشتقاق (¬3)، ثم قال في شرح الكافية: قد يحل الحرف محل أصل وهو زائد لسقوطه في الاشتقاق والتصريف كميم مدحرج؛ فإنّها بالنظر إلى تقدّمها على أربعة أصول حقيقة بالأصالة، لكن زوالها في التصريف يدل على زيادتها، وكذلك همزة أيطل بالنظر إلى لفظ ما هي فيه يقتضي زيادتها ليكون وزنه أفعل؛ لأنه أكثر من فيعل، لكنهم قالوا فيه: إطل، فأسقطوا الياء، واكتفوا بالهمزة، فدل ذلك على أصالتها وزيادة الياء (¬4). انتهى. وهذا كلّه يدلّ على ما قرر من أن الاشتقاق مقدّم على غيره في الحكم بالزيادة، والحكم بالأصالة، وقد استدل المصنف بالاشتقاق هاهنا على زيادة ستة أحرف وهي: الهمزة، والميم، والنون، والهاء، واللام، والسين. فأمّا الهمزة ففي: شمأل واحبنطأ، وكذا شأمل - أيضا - وذلك لسقوطها في الشمول والحبط، قالوا: شملت الريح فهى شمأل، وشمال، وشامل. والهمزة في: شمأل وشأمل للإلحاق بجعفر، وكذا الهمزة في احبنطأ للإلحاق باجرنجم (¬5)، وذكر الشيخ: أن منهم من حكى بأن وزنه: افعنلى كاعرندى واسرندى، وجعل الهمزة فيه بدلا من الألف كما قالوا: لبّا بالحج، وأصله: لبّى، قال: لأن افعنلأ بناء مفقود في الأفعال (¬6)، وممّا دلّ الاشتقاق فيه على زيادة الهمزة جرائض بدليل قولهم: جرواض وهو في معناه، والجرائض: الجمل العظيم (¬7)، وحطائط؛ لأنه الصغير المحطوط عن قدره المعتاد (¬8)، - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 11). (¬2) شرح الكافية (4/ 2045). (¬3) التسهيل (ص 295). (¬4) شرح الكافية (ص 2059) وما بعدها بتصرف. (¬5) الكتاب (4/ 248 - 325)، والمنصف (1/ 105)، والممتع (1/ 227)، والتذييل (6/ 120 أ). (¬6) المرجع السابق. (¬7) انظر: الكتاب (2/ 317، 352)، والممتع (1/ 227)، والمنصف (1/ 106). (¬8) المراجع السابقة.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقدائم؛ لأنه في معنى قديم (¬1)، والنّئدلان؛ لأنهم يقولون في معناه: النّيدلان، والنيدلان هو الذي يسمى الكابوس (¬2)، وأما ضهيأ فزعم غير الزجاج أن همزته زائدة؛ لأنهم يقولون: ضهياء في معناه، وحروف ضهياء الأصول [6/ 122] إنما هي: الضاد، والهاء، والياء؛ فلذلك ضهيا المقصور أيضا، فإن الضهياء المرأة التي لا تحيض (¬3)، وقيل: التي لا ثدي لها، فهو على هذا مشتق من ضاهيت أي: شابهت، قال الله تعالى: يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ (¬4)، وأمّا الزجاج فجوّز أصالة الهمزة، وزيادة الياء، ويكون مشتقّا من ضاهأت أي: شابهت؛ لأنه يقال: ضاهيت وضاهأت، وهذا أولى؛ لأن (أصالة) (¬5) الهمزة غير أول أكثر من زيادتها، قال ابن عصفور: فيكون ضهياء الممدود عنده من ضاهيت، وضهيا المقصور عنده من: ضاهأت، وهذا الذي ذهب إليه الزجاج حسن من طريق الاشتقاق، إلا أنه يلزم منه إثبات بناء لم يستقر في كلامهم؛ لأنه يلزم من أصالة الهمزة أن يكون وزنه فعيلا، وهو بناء غير موجود؛ إلا أن يكون مكسور الفاء نحو: طريم (¬6)، وحذيم (¬7)، وإذا كان كذلك كان مذهب غير الزجاج في هذا الوزن هو الصحيح (¬8)، وأما الميم ففي: دلامص وزرقم لسقوطها في الدّلاصة والزرقة، والميم فيهما للإلحاق بغدافر وبرثن، ودلامص بمعنى: برّاق، ويقال: دمالص أيضا بمعنى دلامص قال الأعشى: 4289 - إذا جرّدت يوما حسبت خميصة ... عليها وجربال النّضار الدّلامصا (¬9) - ¬

_ (¬1) الممتع (1/ 227). (¬2) اللسان «ندل»، والممتع (1/ 227)، والمنصف (1/ 106). (¬3) انظر: الكتاب (2/ 352)، والتكملة (233)، والممتع (1/ 228 - 230). (¬4) سورة التوبة: 30، فأما (يضاهئون) فالجمهور على ضم الهاء من غير همز، والأصل ضاهى والألف منقلبة عن ياء وحذفت من أجل الواو، وقرئ بكسر الهاء وهمزة مضمومة بعدها، وهو ضعيف. التبيان (2/ 640 - 641)، وانظر: الإتحاف (ص 241). (¬5) كذا في الممتع (1/ 228) والنسختين (أصله). (¬6) الطّريم: السّحاب الكثيف، والطّريم: العسل، والطّريم: الطويل. اللسان «طرم» وانظر: الكتاب (4/ 267)، والممتع (1/ 229). (¬7) الحذيم الحاذق بالشيء. اللسان «حذم» وانظر: الكتاب (2/ 346، 372)، والممتع (1/ 229). (¬8) الممتع (1/ 229 - 230). (¬9) من الطويل للأعشي ميمون بن قيس، الخميصة: كساء أسود مربّع له علمان، والنّضار - بزنة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: البرّاق (¬1)، وقد يحذف الألف تخفيفا كما يحذف من: علابط، فيقال: دلمص، ودملص والدّليص: البريق، ومما دلّ الاشتقاق فيه على زيادة الميم قمارص؛ لأنه يقال: لبن قمارص بمعنى: قارص، وستهم (¬2)، وفسحم (¬3)؛ لأنهما من الاست، والفسحة، وضرزم، ودردم، ودلقم، ودقعم، وحلكم، وخضرم؛ لأن: درما من الأدرد، وهو الذي تكسرت أسنانه، والحلكم الشديد السّواد فهو من الحلكة وهي السّواد، والدّقعم التراب فهو من الدّقعاء، والدّلقم: الناقة التي تكسّرت أسنانها، وسال لعابها، وكذلك قالوا: سيف دلوق؛ إذا كان لا يثبت في غمده، والضّرزم بمعنى: الضّرز وهو الشديد البخل، وخدلم، وشدقم، وشجعم؛ لأن خدلما بمعنى خدله، والشّدقم بمنزلة الأشدق، وهو العظيم الشدق، وأما: جشعم فلتأكيدهم به الشجاع في مثل قوله: 4290 - الأفعوان والشّجاع الشّجعما (¬4) فهو من لفظه وفي معناه، وزيدت من الأفعال في تمسكن، وتمدرع من لفظ المدرعة، والميم في المدرعة - أيضا - زائدة، وأيضا أكثر كلام العرب تسكّن وتدرّع (¬5)؛ وأما تمندل فمن لفظ المنديل، والميم في المنديل زائدة، وتمنطق من - ¬

_ - غراب -: الجوهر الخالص من التّبر والجربال - بكسر الجيم -: صبغ أحمر وحمرة الذهب، والشاهد في البيت قوله: «الدّلامصا»، ومثله دلمص بوزن: علبط ومعناهما: البرّاق. انظره في: المنصف (3/ 25)، وابن يعيش (9/ 153)، والممتع (1/ 239)، وديوانه (108). (¬1) كذا في (جـ)، وفي الممتع و (ب) «البريق». (¬2) الستهم: العظيم الاست. اللسان «ستهم»، والمنصف (1/ 150 - 151)، والممتع (1/ 240). (¬3) الفسحم: الواسع الصدر. اللسان «فسحم» والممتع (1/ 240). (¬4) رجز للعجاج. ديوانه (ص 89) ونسب لكثيرين غيره، وقبله: قد سالم الحيّات منه القدما واستشهد به سيبويه (1/ 145) على حذف الفعل الناصب للأفعوان قال: «فإنما نصب الأفعوان والشجاع؛ لأنه قد علم أن القدم هاهنا مسالمة، كما أنها مسالمة، فحمل الكلام على أنها مسالمة». وفي الخصائص (2/ 430): «رواها الكوفيون بنصب الحيات وذهبوا إلى أنه أراد القدمان، فحذف النون» الشجاع: ضرب من الحيات، الشجعم: الطويل، الأفعوان: الذكر من الحيات. وصف راعيا بخشونة القدمين وغلظ جلدهما حتى لا تستطيع الحيات أن تؤثر فيهما. وانظره في: المقتضب (3/ 283)، والخصائص (2/ 430)، والمنصف (3/ 69)، والمخصص (16/ 106)، ومغني اللبيب (ص 699)، والأشموني (3/ 67)، والممتع (1/ 241). (¬5) الممتع (1/ 242).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النطاق، وتمسلم أي: صار يدعى مسلما بعد أن كان يدعى بخلاف ذلك فهو من لفظ مسلم، والميم في مسلم زائدة (¬1)، وأما تمولي علينا، فمعناه: تعاظم فهو من لفظ المولى، والميم في المولى زائدة (¬2)، قال أبو الحسن بن عصفور: وزعم بعض النحويين أن الميم في: هرماس، وضبارم، وحلقوم، وبلعوم، وسرطم، (وصلقم) (¬3)، ودخشم وجلهمة زائدة؛ لأن هرماسا من أسماء الأسد، وهو يوصف بأنه هرّاس؛ لأنه يهرس فريسته، وضبارم: الأسد الوثيق، فهو من الضّبر وهو شدّة الخلق، وحلقوم من الحلق، والبلعوم: مجرى الطعام في الحلق فهو راجع لمعنى (البلع) (¬4)، والسّرطم الواسع الحلق السريع الابتلاع، فهو من السّرط، وهو الابتلاع، والصّلقم: الشديد الصّراخ فهو من الصّلق؛ لأن الصّلق الصياح، ودخشم، وجلهمة اسمان علمان، فأما: دخشم فمشتق من: دخش يدخش إذا امتلأ (لحما) (¬5)، وأما جلهمة فمن جلهة الوادي (¬6)، وهو ما استقبلك منه، ثم قال: وعندي أن الميم في هذا كلّه أصلية؛ لأن زيادة الميم غير أول قليلة فلا يذهب إلى ذلك إلا بدليل قاطع، وليست هذه الألفاظ كذلك (¬7)، ثم بيّن ذلك بما يوقف عليه في كلامه، ثم قال: وزعم أبو الحسن وأبو عثمان المازني أن: دلامصا من بنات الأربعة (¬8)، وأن معناه كمعنى دليص، وليس بمشتق منه، فجعلاه من باب سبط وسبطر، والموجب لقولهما بأصالة ميم دلامص، مع قولهما بزيادة ميم زرقم وستهم - قلّة مجيء الميم زائدة حشوا، بل إذا جاءت زائدة غير أول، إنما تزاد طرفا، قال: وكذلك ينبغي أن تكون: قمارص عندهما ثم قال: وبالجملة ليس دلامص، مع دليص، كسبط مع سبطر؛ لأن الذي قاد إلى ادعاء أن سبطا وسبطرا أصلان مختلفان - أن الرّاء لا تحفظ زائدة في موضع، وأما الميم فقد جاءت (زائدة) (¬9) - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) المرجع السابق نفسه. (¬3) كذا في الممتع وفي النسخة (ب)، أما في (جـ) «صقلم». (¬4) كذا في الممتع ونسخة (جـ)، وجاءت في (ب) «بلعم». (¬5) كذا في الممتع (1/ 243)، وفي النسختين «غما». (¬6) انظر: الممتع (1/ 243) والمنصف (1/ 151). (¬7) انظر: الممتع (1/ 242، 243). (¬8) مذهب الخليل ورجحه ابن جني أنها ثلاثية، انظر: المنصف (1/ 152)، وابن يعيش (9/ 153). (¬9) كذا في الممتع (1/ 246)، وسقطت من النسختين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طرفا غير أوّل فيما ذكرنا، وحشوا في تمسكن وأخواته (¬1)، وأما النون في رعشن (¬2)، وبلغن (¬3) لسقوطها في الرعش والبلوغ، ورعشن ملحق بجعفر، وبلغن ملحق بقمطر وذكر في إيجاز التعريف سحفنية أيضا - وحكم بزيادة النون، قال: لأنه من السّحف وهو الحلق، والسّحفنية: المحلوق الرأس (¬4). انتهى. ومما دلّ الاشتقاق فيه على زيادة النون: قنعاس وقنفخر، وعنبس، وعنسل، وعنتريس، وخنفقيق، فأما قنعاس فإنّه من القعس، وأما قنفخر، فلقولهم في معناه: قفاخرى، وعنبس من العبوس، وعنسل من العسلان، وعنتريس من العترسة وهي الشدة، والخنفقيق من الخفق وهو الاضطراب (¬5)، وذكر المصنف في شرح الكافية: العنظوان وهو شجر، وحكم بزيادة نونيه لقولهم: عظى البعير عظا فهو عظ إذا تأذى من أكل (¬6) العنظوان، وذكر الأقحوان وحكم فيه بزيادة الهمزة والنون لقولهم: قحوت الدّواء، إذا جعلت فيه أقحوانا، وعلى هذا فالواو أصلية ووزنه أفعلان، قال: وأما أسطوان فوزنه أفعوال لقولهم: أساطين مسطّنة، ثم قال: وقالوا: عنيت الكتاب عنّا وعنوته عنوا، وعنونته عنونة، فمن قال: عنيته عنّا جعله مما عينه ولامه نونان، فعنوان عنده فعوال كعضواد، وهو ما التوى بعضه على بعض، ومن قال: عنوته عنوا جعله معتل اللام من بنات الواو، وجعل نونه الآخرة زائدة، فوزنه عنده فعلان، ومن قال: عنونته فوزنه عنده إما فعول كجهور، وإما فعلن كقطرن البعير إذا طلاه بالقطران (¬7). انتهى. وأما كنثأو، وكنهبل فلا يوردان هنا، فإن كانت النون فيهما زائدة؛ لأنه إنما يورد هنا ما دلّ على زيادته الاشتقاق، والذي دلّ على [6/ 123] زيادة النون في كنثأو، إنما هو لزوم البناء ذلك الحرف الذي هو من حروف الزيادة دون غيره كما تقدم، والذي دل على زيادتها في كنهبل إنما هو لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة كما سيأتي، وأما الهاء ففي أمّهات، وهبلع، وأهراق؛ لسقوطها من الأمومة والبلع والإراقة، واعلم أن أبا العباس المبرد لم يعد الهاء في حروف الزيادة (¬8) والأصح - ¬

_ (¬1) الممتع (1/ 245 - 246). (¬2) الممتع (1/ 89، 271)، (2/ 696). (¬3) الكتاب (4/ 270)، واللسان «بلغ». (¬4) اللسان «سحف». (¬5) انظر: الممتع (1/ 267، 268). (¬6) كذا في شرح الكافية وفي النسختين «يأكل». (¬7) شرح الكافية (ص 2047) وما بعدها. (¬8) بيّن الشيخ محمد عبد الخالق عضيمة خطأ نسبة هذا القول إلى المبرد، وأنه من الأقوال التي نسبت إلى -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ خلاف ما ذهب إليه؛ لأنه قد ثبتت زيادتها إلا أنّ ذلك قليل، وكأنه لقلّة ما ورد منه لم يثبتها المبرد في الزوائد، والكلمات التي ذكر أن الهاء فيها مزيدة، أمّهة، وهجرع، وهركولة، وهبلع، وأهراق، وأهراح الماشية، وفي كلّها الخلاف، فأمّا أمّهة فالدليل على زيادة الهاء (¬1) فيها أنها في معنى الأم قال: 4291 - أمّهتي خندف والياس أبي (¬2) أي: أمّي، وأمّ فعل بدليل الأمومة، ومنهم من جعل الهاء أصلية مستدلّا بقولهم: تأمّهت أمّا، فتأمّهت تفعّلت بمنزلة تنبّهت (¬3) فتكون أمّهة فعّلة كأبّهة، ثم حذفت الهاء، قال ابن الحاجب، أو هما أصلان كدمث، ودمثر، وثرّة، وثرثار، ولؤلؤ، ولآل (¬4)، قال ابن عصفور: والصحيح أنها زائدة؛ لأن الأمومة حكاها أئمة اللغة، وأما تأمّهت فانفرد بها صاحب العين، وكثيرا ما يأتي في كتاب العين ما لا ينبغي أن يؤخذ به؛ لكثرة اضطرابه وخلله (¬5)، وأما هبلع فدل على زيادة الهاء فيه وضوح اشتقاقه من البلع، وزيدت للإلحاق بدرهم (¬6)، وأما أهراق ومثله أهراح الماشية، فزيادة الهاء فيه ظاهرة؛ لسقوطها في الإراقة والإراحة، ولأنهما بمعنى أراق وأراح - ¬

_ - المبرد، وفي المقتضب (4/ 223) (فهارس) ما يعارضها، وانظر: (1/ 194) (هامش)، والممتع (1/ 204، 217)، والمبدع (ص 35)، والهمع (2/ 215)، وابن يعيش (9/ 143)، والأشموني (4/ 269). (¬1) وهو مذهب الجمهور فيرون أن أصل أمّهات أمّات. وقال: الفيومي في المصباح (ص 23): والوجه ما أورده - أبو علي القالي - في البارع أن فيها أربع لغات: (أم) بضم الهمزة وكسرها، و (أمة) (أمهة)، (فالأمهات) و (الأمات) لغتان ليست إحداهما أصلا للأخرى، ولا حاجة إلى دعوى حذف ولا زيادة. وانظر الأشموني (4/ 269 - 270). (¬2) رجز قائله قصي بن كلاب بن مرة - الجد الرابع لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم - وخندف: هي ليلى بنت عمران ابن الحارث من قضاعة، وكانت من اليمن، وإلياس هو: إلياس بن مضر جد قصي، وفي البيت شاهدان: الأول: في قوله: «أمّهتي» دلالة على زيادة الهاء حيث يريد (أمي)، الثاني: في قوله: «والياس» وصل همزة القطع للضرورة. وقد أفاض البغدادي في شرح شواهد الشافية (ص 301 - 308) في التعليق على هذا الشاهد فارجع إليه إن شئت، وانظر: الجمهرة (3/ 267)، وأمالي القالي (2/ 301)، والمحتسب (2/ 224)، والروض الأنف (1/ 7)، وابن يعيش (10/ 3 - 4) واللسان «أمم»، والتهذيب (15/ 631)، والهمع (1/ 23)، والتصريح (2/ 362)، والدرر اللوامع (1/ 5 - 6)، والعيني (4/ 565). (¬3) الممتع (1/ 218). (¬4) الرضي (2/ 383). (¬5) الممتع (1/ 218 - 219). (¬6) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سواء (¬1)، وأما هجرع، فزعم أبو الحسن الأخفش أن الهاء فيه زائدة، والهجرع الطويل، فكأنه مأخوذ من الجرع وهو المكان السهل المنقاد (¬2)، وأما هركولة فقال الخليل (¬3): هي الضخمة ووزنها هفعولة؛ لأنها تركل في مشيها، ولا يخفى بعد ما بين الاشتقاقين؛ ولذلك لم يذكر المصنف هاتين الكلمتين أعني هجرعا، وهركولة، وأما هاء السكت فقد ذكرها المصنف قبل في القسم الذي تطرد زيادته، وقد علمت مما تقدم أن الواجب أنها لا تعد في جملة الزوائد للعلة التي تقدم ذكرها، ويعضّد ذلك قول ابن الحاجب في تصريفه: وأما الهاء فكان المبرد لا يعدها ولا يلزمه نحو: اخشه؛ لأنها حرف معنى كالتنوين وباء الجر ولامه (¬4)، وأما اللام ففي فحجل (¬5)، وهدمل؛ لسقوطها في الفحج، والهدم (¬6)، وزيادة اللام فيهما للإلحاق بجعفر وزبرج، وفي اقتصار المصنف على هذين المثالين دليل على أنه لا يعدها زائدة، وفي زيدل، وعبدل، ولا في فيشلة، وهيقلة، وطيسل؛ أما اللام في زيدل، وعبدل (¬7)، فهي وإن كانت زائدة فلا تعد مع الحروف الزوائد لفوات الشرط الذي تقدم وهو الامتزاج بالكلمة، وإذا كان كذلك فزيادتها بمعنى أن وجودها في الكلمة وعدمها سواء بالنسبة إلى الدلالة كما قلنا في الكاف من هندكيّ. وأما الكلمات الثلاث الأخر فقال ابن الحاجب: وأما اللام فقليل حتى قال بعضهم في فيشلة: فيعلة مع فيشة، وفي هيقل مع هيق، وفي طيسل مع طيس للكثير (¬8)، وقال ابن عصفور: فأما فيشلة وهيقل وطيسل فيمكن أن تجعل اللام فيها - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 333)، والتكملة (ص 242)، وابن يعيش (6/ 126)، والممتع (1/ 171)، وشرح الشافية (2/ 384)، وفي (أهراق) لغتان أخريان ذكرهما الجوهري في الصحاح (4/ 1569 - 1570): «هراق يهريق - بفتح الهاء - هراقة، وأهرق يهرق إهراقا». (¬2) انظر: ابن يعيش (10/ 5)، والممتع (1/ 219)، والأشموني (4/ 270)، وقد وافق ابن عصفور الأخفش على زيادة الهاء في هبلع دون هجرع. (¬3) انظر: المنصف (1/ 25)، والأشموني (4/ 270)، قال الزنجاني في الكاف (3/ 535): «وما ذهب إليه الخليل حسن؛ لأن الاشتقاق إذا شهد بشيء عمل به ولا التفات إلى قلّته». (¬4) انظر: شرح الشافية (2/ 382). (¬5) الفحجل الذي في رجليه اعوجاج. اللسان «فحج»، وانظر: ابن يعيش (10/ 7)، والممتع (1/ 213). (¬6) التذييل (6/ 119 ب). (¬7) الممتع (1/ 203، 213، 214). (¬8) الرضي (2/ 381).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة؛ لأنه يقال: فيشة وهيق في معنى فيشلة، وهيقل وطيس في معنى طيسل، يمكن - أيضا - أن تجعل اللام أصلية، والياء زائدة؛ لأن زيادة الياء أوسع من زيادة اللام فتكون هذه الألفاظ متقاربة، وأصولها مختلفة نحو: ضيّاط وضيطار (¬1) وسبط وسبطر (¬2) وأما السين ففي قدموس وأسطاع؛ لسقوطها في القدم والطّاعة، وزيادتها في: قدموس للإلحاق بعصفور وهو بمعنى قديم، وأسطاع هو أطاع، فزيدت السين فيه، وعلى هذا أتى مضارعه مضموم الأول، فقالوا: يسطيع، كما يقولون: يطيع، هذا مذهب سيبويه (¬3). وقال الفراء: أسطاع أصله: استطاع فحذفت التاء وفتحت الهمزة شذوذا، وعلى هذا فمضارعه مفتوح الأول كمضارع استطاع. وحاصل الأمر: أن أسطاع، روي فيها عن العرب الوصل والقطع، فأما الوصل فظاهر؛ لأن أصله: استطاع فحذفت التاء لكونها مجانسة للطاء، كما يحذف أحد المثلين مثل: ظلت وأحست، ومضارعه يسطيع بالفتح مثل يستطيع كما تقدم، وأما القطع فعلى أن أصله: أطاع وهو رأي البصريين وهو مذهب سيبويه، وذهب الكوفيون إلى أن أصله: استطاع كما تقدم (¬4)، وينبني على المذهبين أمر المضارع، فيضم أوله على قول سيبويه، ويفتح على رأي الكوفيين، وإذا كان كذلك فالسين وحدها على مذهب سيبويه زائدة. قال سيبويه: وأمّا الذين قالوا: أهرقت فإنما جعلوها عوضا من حذفهم العين، وإسكانهم إيّاها كما جعلوا ياء: أينق، وألف: ثمان عوضا، وجعلوا الهاء العوض؛ لأن الهاء تزاد ونظير هذا قولهم: أسطاع يسطيع، جعلوا العوض السين؛ لأنه فعل، فلمّا كانت السين تزاد في الفعل زيدت في العوض؛ لأنها من حروف الزوائد التي تزاد في الفعل (¬5). انتهى. وإنما نظّر سيبويه أسطاع بأهراق؛ لأن كلّا منهما وزنه أفعل، ولكنه معتلّ العين فزادوا الهاء في أهراق عوضا من حذفهم العين - يعني من حذفهم حركة العين - ¬

_ (¬1) في الرجل الضخم الغليظ اللسان «ضيط». (¬2) الممتع (1/ 214 - 215). (¬3) حيث قال في الكتاب (1/ 25) (هارون): «وقولهم: أسطاع يسطيع، وإنما هو أطاع يطيع، زادوا السّين عوضا من ذهاب حركة العين من أفعل»، وانظر (4/ 285، 483) من الكتاب. (¬4) انظر: ابن يعيش (10/ 6)، والممتع (1/ 226)، والمساعد (4/ 50) والعبارة منقولة من التذييل (6/ 120 أ). (¬5) الكتاب (4/ 283) والعبارة منقولة من التذييل (6/ 120 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من العين - وأما تشبيهه أهراق بثمان في جعل الألف عوضا، فظاهر؛ إذ الألف عوض من إحدى ياءي النسب، وأما تشبيهه إياه بأينق، فقد قرر بأن أينقا (¬1) جمع ناقة، وأصل ناقة نوقة، تحركت الواو وقبلها فتحة فقلبت ألفا، وعين الكلمة واو، والدليل على ذلك قولهم: نوق، وأنوق، واستنوق الجمل (¬2)، ثم جمع نوق على أنوق فكانت الواو متحركة بالضم ثم قلبت فكان القياس في القلب أن يقال: أونق، فلم يقولوه، وقالوا: أينق بإبدال الواو ياء حالة القلب (¬3)، فقد صارت الياء عوضا من ذهاب الحركة من الواو التي كانت عينا؛ إذ قد نقلت الحركة إلى النون التي هي فاء الكلمة (¬4). انتهى هذا التقرير وفيه نظر؛ لأنه كيف يقال: إن الياء عوض من ذهاب حركة الواو، والياء هي الواو نفسها؛ فكيف يكون [6/ 124] الشيء عوضا من حركة نفسه؟ وشأن العوض أن يكون أمرا زائدا جيء به لقصد العوضيّة، ولا شك أن الياء إنما هي نفس الواو التي هي عين، غاية ما تم أنها قدمت على الفاء وقلبت، فكيف يكون قبلها عوضا؟ أو المقلوب نفسه عوضا على أن ظاهر كلام سيبويه يفهم منه أن الياء زائدة؛ لأن تشبيه أينق وثمان بأهراق يقتضي أن تكون الياء في أينق، والألف في ثمان زائدتين، وكذلك يقتضي تنظيره أسطاع بذلك، فلو ادعى قائل أن الواو من أنوق حذفت وأن الياء زائدة في أينق عوضا عنها؛ لساعده على ذلك ما اقتضاه ظاهر كلام سيبويه إلا أن فيه دعوى الحذف، ولكن المقتضي لذلك ما أفهمه تنظير سيبويه من زيادة الياء، وقد تعقب المبرد على سيبويه فقال: إنما يعوض من الشيء إذا فقد وذهب فأما إذا كان موجودا في اللفظ فلا (¬5)، وحركة العين التي كانت في الواو موجودة في الطاء (¬6)، وقد انتصر لسيبويه فقيل: إن العين لما سكنت توهنت لسكونها، وتهيأت للحذف عند سكون اللام، وذلك في نحو: لم يطع، وأطع، وأطعت، فقد حذفت العين لالتقاء الساكنين، ولو كانت العين - ¬

_ (¬1) لسيبويه رأيان في أينق قال عنها في (1/ 217) وفي (2/ 333): «أنها مما حذفت عين وعوّض عنها الياء، فوزنها على هذا أيفل» وقال في (2/ 129): «ومثل ذلك أينق إنما هو أنوق في الأصل فأبدلوا الياء مكان الواو». (¬2) انظر: اللسان «نوق». (¬3) المرجع السابق. (¬4) منقول من التذييل (6/ 121 أ). (¬5) كذا في الممتع (1/ 224)، وسقطت من النسختين. (¬6) انظر: المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متحركة لما حذفت بل كنت تقول: لم يطوع، وأطوع، وأطوعت، فزيدت السين لتكون عوضا من العين متى حذفت، وأما قبل حذف العين فليست بعوض؛ بل هي زائدة؛ فلذلك ينبغي أن تجعل أسطاع من قبيل ما زيدت فيه السين، بالنظر إليه قبل الحذف ومن جعل أسطاع من قبل ما لسين فيه عوض فبالنظر إلى الحذف (¬1)، وكذلك الأمر في أهراق، وأهراح، يعني أنهما يسوغ إيرادهما في العوض بالنظر إليهما بعد الحذف، وفي الزيادة بالنظر إليها قبل الحذف، قال ابن عصفور: فإن قيل: إن سيبويه جعل السين عوضا من ذهاب حركة العين - لا كما قرر من أنها عوض متى حذفت العين - فالجواب عنه شيئان: أحدهما: أنه يمكن أن يكون أراد بقوله: من ذهاب حركة العين، أي: زادوا من أجل ذهاب حركة العين؛ لأن زيادة السين لتكون معدّة للعوضيّة إنما كان من أجل ذهاب حركة العين؛ لأن ذهاب حركة العين هو الذي أوجب حذف العين عند سكون اللام، والآخر: أن يكون جعل السين عوضا من ذهاب حركة العين، وإن كانت إنما هي عوض من العين في بعض المواضع؛ لأن السبب في حذف العين إنما هو ذهاب الحركة، فأقام السبب مقام المسبب، ثم قال: وقال الفراء: شبّهوا أسطعت: بأفعلت، فهذا يدلّ من كلامه على أن أصله عنده: استطعت فلما حذفت التاء بقي على وزن أفعلت ففتحت الهمزة وقطعت، وهذا الذي ذهب إليه غير مرض؛ لأنه لو كان بقاؤه على وزن أفعلت بعد حذف التّاء يوجب قطع همزته لما قالوا: إسطاع بكسر الهمزة وجعلها للوصل واطراد ذلك وكثرته عندهم يدل على فساد مذهبه. انتهى (¬2). والفراء لم يدّع وجوب قطع الهمزة فيلزمه ذلك، غاية ما فعل أنهم شبهوا أسطعت بأفعلت ولم يدّع أنهم التزموا التشبيه ليلزم عنه القطع. قال الشيخ (¬3): ومما كتب عن أستاذنا أبي جعفر بن الزبير (¬4) ما نصه: اعترض على سيبويه باعتراضين: - ¬

_ (¬1) القائل بذلك هو ابن عصفور في الممتع (1/ 224، 225)، وانظر: ابن يعيش (10/ 6). (¬2) الممتع (1/ 225، 226)، وانظر: ابن يعيش (10/ 6). (¬3) في التذييل (6/ 122). (¬4) هو أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم الثقفي الجياني الغرناطي المنشأ، أستاذ أبي حيان، ولّي الخطابة والإمامة بالجامع الكبير وصنف تعليقا على سيبويه، والبرهان في ترتيب سور القرآن، وغيرها. راجع طبقات المفسرين (1/ 25)، والأعلام (1/ 83)، والبغية (1/ 291).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحدهما: ما قاله المبرد: كيف يقال: السين عوض من حركة العين بعد ذهابها، وهي لم تذهب وإنما نقلت من العين إلى الفاء فلم تذهب من اللفظ؟ وانفصل ابن ولّاد، والسّيرافي وغيرهما من المتقدمين عن ذلك بأن قالوا: عنى سيبويه بالذهاب: الانتقال؛ فالسين عوض عن الانتقال، ويبين ذلك أنه نص في آخر الكتاب على أن ما كان مثل هذا لا تذهب منه الحركة، إنما ينتقل عنها إلى الفاء، وما ردّوا به على المبرد صحيح، لكن أخذهم كلام سيبويه على ظاهره لم يسلّمه الأستاذ أبو علي ولا ارتضاه من حيث إن الانتقال حكم وليست الأحكام يعوض منها الحروف إنما تعوض من الحركات أو من حروف مثلها وهو كما قال، وخرّج كلام سيبويه على حذف مضاف أي من أجل ذهاب حركة العين، وأراد أن السين عوض من العين؛ لأنها عند حذف حركتها وبقائها ساكنة توهنت، وتعرضت للحذف، حتى لو أسندت الفعل إلى غير غائب فقلت: أطعت وأطعت؛ لا تحذف رأسا، فكأن العرب توهمت حالها مع غير الغائب، حاصلا مع الغائب وعاملت ذلك كلّه معاملة واحدة فابتدرت بالعوض، قال: وإلى هذه العلّة أشار سيبويه بقوله: على ما قرر من أجل ذهاب حركتها، قال: ولا ينكر الحذف الكثير في كلام هذا الإمام. الاعتراض الثاني: جعل سيبويه أطاع وأسطاع شيئا واحدا؛ لقوله: إنما هي، وليس كذلك؛ لأن المعنيين فيهما متباينان، فمعنى أسطاع: قدر، ومعنى أطاع: انقاد وتذلّل، ولم ينقل عن أحد من أهل اللغة عن العرب أن أسطاع بمعنى أطاع؛ بل ذكروا أن العرب تقول: استطاع، وأسطاع، وأستاع بقطع الهمزة ووصلها، وكل ذلك بمعنى قدر (¬1)، ومن العجب سكوت المبرّد عنه في هذا على كثرة ولوعه بالنقد عليه، وقد انفصل عنه ابن عصفور وسبق إليه بأن قال: يمكن أن يكون سيبويه ناقلا عن العرب ما ذكره من أن أطاع بمعنى أسطاع فيتلقى بالقبول (¬2)، وهذا لا يدفع الاعتراض؛ لأنه ليس في كلام سيبويه ما يقطع بأن ذلك نقل منه عن العرب، ولو كان فيه نقل بالسماع لارتفع النزاع، وأجود من هذا التمسك ما ذهب إليه ابن الطراوة من أنه: قد ثبت - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (1/ 25)، (4/ 285)، وابن جماعة والجاربردي (1/ 227، 128)، وابن يعيش (10/ 5، 6)، والممتع (1/ 225، 226)، والإتحاف (ص 295)، والحجة (ص 232، 233)، ويس على التصريح (1/ 362، 363). (¬2) الممتع (1/ 225، 226).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طاع الرجل بمعنى: انقاد وتذلّل، فلا يبعد أن يكون من كلامهم أطاع غيره بمعنى صيّره منقادا نقلا من أطاع؛ لا أنه الذي بمعناه؛ إذ لا يمنع القياس نقل هذا الضرب من الفعل وإذا كان كذلك فقد آل معنى أطاع إلى معنى استطاع؛ لأن معنى الاستقرار قد دخله من حيث إن القائل: أطعت بمعنى صيّرت غيري منقادا إليّ - كأنه قال: قدرت وأسطعت، فيكون سيبويه إنما جعل أسطاع من أطاع للالتقاء الذي بينهما في المعنى؛ لأن كل لفظة منهما عين [6/ 125] الأخرى، وهذا لا بأس به وقد ارتضاه ابن الضائع، وأما الأستاذ أبو علي فتوقف وقال: إن ثبت عن العرب نقل ذلك فلا ينبغي أن ينكر هذا الوجه، وإن لم يثبت فالأمر مشكل؛ لأن ما ثبت من قولهم: أطاع بالهمز إنما هو بمعنى: انقاد مثل طاع من غير فرق، ولم يكن لينكر قياس النقل في ذلك، وإنما توقف لعزة وجود السماع وهذا الموضع من مشكلات الكتاب (¬1). انتهى. والذي يظهر في الجواب عن الاعتراض الثاني أن يقال: لا نسلم أن معنى أسطاع: قدر، بل معناه معنى أطاع وهو: انقاد؛ لأن أسطاع إنما هو أطاع، وزيدت فيه السين، وأما أسطاع الذي بمعنى قدر؛ فإنما هو استطاع الذي حذفت منه التاء ثم فتحت الهمزة كما قال الفراء، ولعل هذا هو معنى الجواب الذي ذكره ابن عصفور (¬2)، وإذا كان كذلك فلا إشكال إلا أن يمنع ما ذكره الفراء من فتح الهمزة وثبت عن العرب أن أسطاع بالفتح بمعنى قدر (¬3)، فلا يتم حينئذ هذا الجواب، واعلم أن المصنف قد ذكر في إيجاز التعريف كلمة أخرى يمكن القول بزيادة السين فيها، فقال: ولمدّع أن يدعي زيادتها في: ضغبوس، وهو الصغير من القثّاء (¬4)، ويستدل بقول العرب: ضغبت المرأة، إذا اشتهت الضغابيس (¬5)؛ فأسقطوا السين في الاشتقاق. - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 122 أ، ب). (¬2) انظر: الممتع (1/ 225 - 226). (¬3) والاستطاعة: القدرة على الشيء وقيل: هي استفعال من الطاعة، قال الأزهري: والعرب تحذف التاء فتقول: اسطاع يسطيع. اللسان «طوع». (¬4) وأرض مضغبة: كثيرة الضغابيس، وهي صغار القثاء. اللسان «ضغب». (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأمر الثالث: لزوم عدم النظير بتقدير أصالة ذلك الحرف الذي يلزم بتقدير أصالته، ذلك بأن يقال: هو الذي يلزم بتقدير أصالته وزن مهمل، والعبارتان تلتقيان على معنى واحد، وقد مثّل المصنف ذلك باثني عشرة كلمة وهي: نرجس، وعرند، وكنهبل، وإصفعند، وخبعثنة، وهندلع، وورنتل، وعقرطل، وتنضب، وتدرأ، وتجيب، وعزويت، منها ما الزائد فيه نون وهو الست الأول، ومنها ما الزائد فيه لام وهما السابعة والثامنة، ومنها ما الزائد فيه تاء وهو الأربع الباقية المذكورة آخرا، فأما نرجس (¬1)، فإنه يلزم من القول بأصالة نونه أن يكون وزنه فعللا، وهو وزن مهمل؛ إذ قد تقدّم أن الرباعي المجرد إذا كان مفتوح الأول لا يأتي إلا على مثال: جعفر (¬2)، وأما: عرند (¬3)، فإنه يلزم من القول بأصالة نونه أن يكون وزنه فعللا، وهو وزن مهمل أيضا. وأما كنهبل (¬4) فإنه يلزم من أصالة نونه أن يكون وزنه فعلّلا وهو وزن مهمل أيضا. وأما: إصفعند (¬5)، والمثالان بعده فلما ذكر من أن القول بأصالة نوناتها يؤدّي إلى القول بثبوت أبنية مهملة، قال المصنف في شرح الكافية: وزعم ابن السراج أن النون في الهندلع وهو اسم بقلة أصل وأن وزنه فعللل، فجعل للخماسي وزنا خامسا (¬6)، ثم رد المصنف ذلك؛ لأنه يلزم على قوله أن يكون نون كنهبل أصلا؛ لأن زيادتها لم تثبت إلا لأن الحكم بأصالتها موقع في وزن لا نظير له، وذلك لازم من أصالة نون هندلع مع أن نون هندلع ساكنة ثانية، فأشبهت نون عنبسى، وحنظل، وسنبل، وقنفخر، والنون في هذه زوائد بدليل الاشتقاق، ولا يكاد يوجد نظير كنهبل في زيادة نون ثانية متحركة، وقد حكم مع ذلك عليها بالزيادة؛ فالحكم على نون هندلع بالزيادة أولى (¬7). وأمّا - ¬

_ (¬1) انظر: التكملة (240)، والمنصف (1/ 104)، والممتع (1/ 80، 266). (¬2) المنصف (1/ 104). (¬3) الغرند: الشديد. اللسان «عرد»، وانظر الممتع (1/ 85). (¬4) لنوع من شجر البادية. اللسان «كنهبل»، وانظر: الكتاب (4/ 297، 352) والتكملة (240)، والممتع (1/ 58، 136، 206، 268). (¬5) انظر: المساعد (4/ 56). (¬6) انظر: اللسان «هندلع»، والممتع (1/ 71 - 72)، وتوضيح المقاصد (5/ 231)، ويس على التصريح (2/ 357)، والمساعد (4/ 57). (¬7) شرح الكافية (4/ 2025).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ورنتل، وعقرطل فقد حكم المصنف بزيادة اللام فيهما، ومستنده في القول بالزيادة على ما عليه مبنى كلامه أن القول بالأصالة مؤدّ إلى إثبات بناء مهمل أي: ليس له نظير، وقد تقدم الكلام على ورنتل، وأن المصنف يرى زيادة اللام وتقدم البحث في ذلك وأن الصحيح أن اللام أصلية؛ لأن القول بأصالتها لا يؤدي إلى عدم النظير فورنتل كجحنفل (¬1)، والظاهر أن المصنف تبع أبا علي الفارسي في ذلك - أعني القول بزيادة اللام - وموجب قول أبي علي بزيادتها على ما يظهر الفرار من الحكم بكون الواو أصلا في بنات الأربعة، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، وأما عقرطل وهي أنثى الفيل (¬2)، فظاهر زيادة اللام فيه إذ القول بأصالتها يؤدي إلى أن وزنه فعلّل وهو بناء مهمل، وأما تنضب، وتدرأ، وتجيب، وعزويت، فالتاء فيها كلها زائدة؛ لأنها لو كانت أصلية لكان وزن تنضب (¬3) فعللا، وتدرأ (¬4) فعللا، وتجيب (¬5) إما فعيلا وإما فعّلا وعزويت (¬6) فعويلا وهي أوزان مهملة، أي: لا نظير لها، واعلم أنه كما استدل بعدم النظير أن لو قيل بالأصالة على زيادة حروف ليس من شأنها أن تكون زائدة في ذلك المحل الذي هي فيه، كالنون، واللام، والتاء المشار إليها، كذلك يستدل بعدم النظير أن لو قيل بالزيادة على أصالة حرف واقع في محل من شأن ذلك الحرف أن يزاد في ذلك المحل، وذلك نحو: ملوظّ وإمّعة، أما الملوظ وهو ما يضرب به من عصا ونحوها فكان حق ميمه أن تكون زائدة لتصدرها؛ لكن الحكم بزيادتها يلزم منه ثبوت مفعلّ بتشديد اللام وهو وزن مهمل، أما إذا جعلت أصليّة فإن وزن الكلمة إذ ذاك فعولّ وهو وزن مستعمل (¬7) كسعودّ للحيّة، وعثولّ للكثير الشعر، وأما الإمّعة من الرجال من لا يستقل بأمر، بل يقول لكل فاعل فعل: - ¬

_ (¬1) شرح الشافية (2/ 375)، والممتع (1/ 116، 121). (¬2) اللسان «عقرطل». (¬3) تنضب: ضرب من الشجر. اللسان «نضب»، وانظر الممتع (1/ 77، 201). (¬4) التّدرأ: الدرء. الممتع (1/ 77، 274، 275، 351). (¬5) وتجيب: بطن من كندة، وهو تجيب ابن كندة بن ثور. اللسان «جيب». (¬6) انظر: الكتاب (4/ 269، 316)، والتكملة (ص 236)، والمنصف (3/ 28). (¬7) قال ابن سيده: وإنما حملته على فعول دون مفعل؛ لأن في الكلام فعولا وليس فيه مفعل. اللسان «ملظ».

[ما ثبتت زيادته لعدم النظير]

[ما ثبتت زيادته لعدم النظير] قال ابن مالك: ([6/ 126] وما ثبتت زيادته بعدم النّظير فهو زائد. وإن وجد النّظير على لغة والزّيادة أولى إن عدم النّظير مع تقديرها وتقدير الأصالة). ـــــــــــــــــــــــــــــ إنه معه، فكان حق الهمزة منه أن تكون زائدة لتقدمها على ثلاثة أحرف، لكن الحكم بزيادتها يوجب أن يكون وزن الكلمة إفعلة فيلزم منه ثبوت إفعلة، وهو وزن مخصوص بالأسماء كإنفحة مهمل في الصفات، فوجب الحكم بأصالتها ليكون وزنها فعّلة؛ لأنها صفة وفعّلة في الصفات موجود كدنّبة وهو الرجل القصير (¬1) والفرق بين الاستدلالين، أن الأول يستدل به على زيادة الحرف متى لم يوجد للكلمة نظير لو قدر ذلك الحرف أصلا فيحكم على الحرف بالزيادة، وإن لم يوجد للكلمة إذ ذاك نظير كما تقدم أن سعودا، نظير ملوظ، فإن لم يوجد للكلمة أيضا نظير بتقدير ذلك الحرف أصلا؛ فإنه يحكم على ذلك الحرف بالزيادة كما سيأتي آنفا. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان واضحتان: الأولى: أن الكلمة المحكوم بزيادة حرف فيها لعدم النظير بتقدير الأصالة إذا كان فيها لغة أخرى ولها نظير إذ ذاك، ولو حكمنا بأصالة ذلك الحرف، فإنّا لا نحكم بأصالته في اللغة الأخرى التي وافقت النظير، بل نحكم بالزيادة كما حكمنا به في تلك اللغة، وذلك نحو: ترتب (¬2) وتتفل (¬3)، فإن التاء محكوم بزيادتها فيهما؛ لأن القول - ¬

_ (¬1) اللسان «دنب». (¬2) انظر: الكتاب (3/ 197)، والمصنف (1/ 104). (¬3) وذلك نحو: تتفل فإن فيه لغتين: فتح التاء الأولى وضم الفاء، وضمها مع الفاء، فمن فتح التاء فلا يمكن أن تكون عنده إلا زائدة؛ إذ لو كانت أصلية لكان وزن الكلمة: فعللا بضم اللام الأولى، ولم يرد مثل ذلك في كلامهم، ومن ضم التاء أمكن أن تكون عنده أصلية؛ لأنه قد وجد في كلامهم مثل فعلل بضم الفاء واللام نحو: برثن؛ إلا أنه لا يقضى عليها إلا بالزيادة، لثبوت زيادتها في لغة من فتح التاء. الممتع (1/ 57 - 58)، وانظر: (1/ 76، 77، 275) من نفس المرجع، والكتاب (2/ 3، 327، 348)، والتكملة (ص 241)، والمنصف (1/ 105).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بأصالتها مؤدّ إلى عدم النظير كما تقدم، وكذلك نحكم بزيادتها على لغة من ضم التاء، وإن وجد النظير على لغة الضّم وهو برثن مثلا، والموجب لذلك أن مدلول الكلمة في اللغتين واحد، وقد ثبتت زيادة الحرف في إحدى اللغتين فوجب الحكم بزيادتها في اللغة الأخرى، ولهذا جعل ابن الحاجب الدليل على الزيادة في تتفل وترتب بالضم عدم النظير، كما جعله في تتفل وترتب بالفتح، فإنه قال: فإن فقد الاشتقاق فبخروجها عن الأصول كتاء تتفل، وترتب، ثم قال: أو بخروج: زنة أخرى لها كتاء تتفل وترتب مع تتفل وترتب (¬1)، ليتنبّه هاهنا لأمر؛ وهو أنه قد علم أن الزيادة تكون لأسباب خمسة كما تقدم وهي: الإلحاق، والدلالة على معنى والمدّ، والعوض، والتكثير، وإن لم تكن التاء في ترتب، وتتفل بالفتح داخلة في شيء من الخمسة المذكورة؛ لكن يمكن أن يقال: التاء قد ثبتت زيادتها في لغة الضم، فتكون حينئذ لإلحاق ما هي فيه نحو: برثن، وجرشع، ودلّنا على أن هذه التاء زائدة وأنها ليست أصلية ورود الكلمة بفتح التاء، وكأن لغة الفتح مع لغة الضم لا يعقل بينهما ترتب فلا إشكال في قولنا: ودلّنا على زيادتها في لغة الضم ورود الكلمة بالفتح في قولهم: إنه لما ثبت زيادة التاء في لغة الفتح وجب القول بزيادتها في لغة الضم، وحاصل الأمر: أن القول بزيادتها في إحدى اللغتين لازم للقول بزيادتها في اللغة الأخرى. المسألة الثانية: أن الكلمة إذا عدمت النظير على كل من التقديرين - أعني تقدير الأصالة وتقدير الزيادة - وجب القول بالزيادة، وإن كان النظير مفقودا، قال المصنف في شرح الكافية: إذا كان في الكلمة حرف لا نظير لما هو فيه لا بتقدير أصالته ولا بتقدير زيادته، حكم بزيادته؛ لأن باب الزيادة أوسع من باب التجرد، فيغتفر عدم النظير مع الزيادة لا مع التجرد؛ لأن ذا الزيادة إذا عدم نظيره الموازن له، فلا يعدم نظيره الموافق له في الانفراد بوزن لا اشتراك فيه، وليس المجرد كذلك فإنه إذا عدم نظيره عدم مطلقا. انتهى. ومثال ذلك: كنهبل؛ لأنه على التقديرين لا نظير له إذ ليس - ¬

_ (¬1) شرح الشافية (2/ 358).

[الزائد بالتضعيف]

[الزائد بالتضعيف] قال ابن مالك: (فصل: إن تضمّنت كلمة متباينين ومتماثلين ولم تثبت زيادة أحد المتباينين فأحد المتماثلين زائد، إن لم يماثل الفاء ولا العين المفصولة بأصل كحدرد). ـــــــــــــــــــــــــــــ في لسانهم فعلّل ولا فنعلل، ومثله تهبّط اسم طائر (¬1) فإنه إن حكم فيه بأصالة التاء كان وزنه فعلّلا، ولا نظير له وإن حكم بزيادتها كان وزنه تفعّلا ولا نظير له أيضا. قال في إيجاز التعريف: فإن قيل: ما تجنبتموه من عدم النظير بتقدير أصالة نوني: كنهبل، وهندلع لازم بتقدير زيادتهما؛ فلم أوثر الحكم بالزيادة على الحكم بالأصالة؟ فالجواب: أن باب ذوات الزيادة أوسع مجالا من باب ذوات التجريد فهو أجمل لنادر يستعمل، وأيضا فإن كنهبلا، وإن لم يوجد في الرباعي المزيد ما يوافقه في موازنة فنعلل، فقد وجد ما يوافقه في زنة مستندرة كخنضرف: وهي العجوز التي خضرف جلدها أي: استرخى (¬2)، وشفنترى: اسم رجل من اشفترّ الشيء أي: تفرق (¬3)، وسلحفاء، وشمنصير (¬4): وهو مكان. فهذه على وزن فنعلل، وفعنللى، وفعللّاء، وفعنليل، ولا نظير لواحد منهن فلكنهبل، وهندلع بهن أسوة. قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام في الزائد الذي هو بعض سألتمونيها في الفصل الذي فرغ منه شرع في ذكر الزائد الذي يكون بتكرير بعض أصول الكلمة في هذا الفصل، وهذا التكرير هو الذي يعبّر عنه بالتضعيف، وقد علمت أن الزيادة بغير تضعيف منحصرة في عشرة الأحرف التي تقدم ذكرها، وأما الزيادة بالتضعيف فتكون في الحروف كلها إلا الألف فإنها لا يمكن تضعيفها لعدم قبولها الحركة، واعلم أن شأن المكرر في الحكم بزيادته شأن أحرف العلة مثلا، بمعنى أنه يحكم - ¬

_ (¬1) والتّهبّط: بلد، وقال كراع: التّهبّط طائر ليس في الكلام على مثال تفعّل غيره. اللسان «هبط». (¬2) اللسان «خضرف». (¬3) اللسان «شفتر»، وانظر: الممتع (1/ 155). (¬4) اسم جبل. الممتع (1/ 155).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بزيادة المكرر متى وجد إن لم يعارض دليل أصالة بشرط أن تكون مصاحبة المكرر؛ لأكثر من أصلين، ثم المضعف في الكلمة قد يكون حرفا واحدا نحو: جلباب، وقد يكون حرفين نحو: صمحمح لكن الفاء لا تضاعف وحدها، ولم تضاعف قط إلا مع العين (¬1)، ولم يأت من ذلك إلا مرمريس، ومرمريت، وهما نادران كما تقدم التنبيه على ذلك، وأما العين فتضاعف وحدها كضرّاب، وعقنقل، وتضاعف مع الفاء كما قلنا في: مرمريس، وتضاعف مع اللام نحو: صمحمح، هذا في الثلاثي، وأما الرباعي فلم تأت الفاء فيه مضاعفة لا وحدها ولا مع غيرها، وأما العين فضوعفت وحدها نحو: علّكد (¬2)، وهلّقس (¬3)، وأما اللام فضوعفت وحدها، فقد تضاعف الأولى نحو: شفلّح (¬4)، وعدبّس (¬5)، وقد تضاعف الثانية نحو: سبهلل (¬6). وعربدّ (¬7)، وأما الخماسي فلا يكون فيه تضعيف البتّة، إذا تقرر ما ذكرناه رجعنا إلى لفظ الكتاب، فقول المصنف: إن تضمنت كلمة متباينين ومتماثلين، ولم تثبت زيادة أحد المتباينين فأحد المتماثلين زائد - يستفاد منه أمران: أحدهما: أن المكرر يحكم بزيادته لدلالة التكرير نفسه على الزيادة دون احتياج إلى دليل غيره. الثاني: أنه لا يحكم بزيادة المكرر، إلا إذا كان معه أكثر من أصلين، وإلى هذا أشار بقوله: ولم تثبت زيادة أحد المتباينين؛ لأنه متى ثبتت زيادة أحد المتباينين وجب الحكم بأصالة المكرر لوجوب [6/ 127] تكميل أقل الأصول، ومثال ما يحكم فيه بزيادة المكرر لعدم ثبوت زيادة أحد المتباينين: قردد، وجلبب، - ¬

_ (¬1) عند البصريين، وقال الكوفيون: يجوز تكرير الفاء وحدها، انظر: الإنصاف (2/ 792 - 795)، والهمع (2/ 215، 216)، وشرح الشافية (2/ 367). (¬2) العلّكد: الضخم. اللسان «علكد»، وانظر: الكتاب (4/ 301)، والممتع (1/ 147). (¬3) الهلّقس: الشديد. اللسان، «هلقس»، وانظر الكتاب (4/ 298). (¬4) الشّفلّح: الغليظ الشفة. اللسان «شفلح»، وانظر الكتاب (2/ 339)، والممتع (1/ 148). (¬5) جمل عدبس وعدبّس: شديد وثيق الخلق عظيم. اللسان «عدبس»، وانظر: الكتاب (2/ 339)، والممتع (1/ 121، 148، 162)، (2/ 739). (¬6) جاء سبهللا: أي بلا شيء، وقيل: بلا سلاح ولا عصا. اللسان «سبهل»، وانظر: الكتاب، والممتع (1/ 152). (¬7) العربدّ والعربدّ كلاهما حيّة تنفخ ولا تؤذي. اللسان «عربد»، وانظر: الممتع (1/ 152).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومثال ما يحكم فيه بأصالة المكرر لثبوت زيادة أحد المتباينين: مفرّ ومقرّ، وكذا: محبب لما تقدم، وبيّن بقوله: إن لم يماثل الفاء أن الفاء لا تكرر كما قدمنا الإشارة إلى ذلك؛ لأن الضمير الذي هو فاعل «يماثل» راجع إلى أحد المتماثلين فيحكم بأصالة القاف في قرقف، والسين في سندس، والكاف في كركم، والدال في دردح. قال المصنف في إيجاز التعريف: فإن كان المتماثل الفاء وحدها فمماثلها أصل كقرقف؛ لانتفاء دليل الزيادة باشتقاق وغيره؛ ولأن استعمال مثل الأصل مزيدا متأخر في المرتبة عن استعماله أصلا، أهملت أصالة مثله، فلا يصلح أن تستعمل زيادته، ومعلوم أن وقوع مثل الفاء أصلا مهمل إلا ما ندر من نحو ددن (¬1)، فإهمال وقوعه زائدا حق واقتصاره على الفاء يفيد أن الممتنع إنما هو تكرير الفاء وحدها، وقد تقدم أن الفاء تضاعف مع العين ولكنه قليل (¬2)، وكذا بيّن بقوله: ولا العين المفصولة بأصل كحدرد أنّ العين إذا ضوعفت، يحكم على المكرر بالزيادة إن لم يحصل بين المتماثلين فصل، كعلّم، أو كان بينهما فصل بحرف زائد نحو: عقنقل، أما إذا كان الفصل بحرف أصل كحدرد وهو القصير، فإنه يحكم بأصالة مثل العين حينئذ والذي يدل على أصالة مثل الفاء نحو: قرقف، ومثل العين في نحو: حدرد، أن الاشتقاق لم يدل في شيء من نحو ذلك على الزيادة، وفهم من اقتصار المصنف في نفي الزيادة على المكرر من الفاء وحدها، أو من العين المفصولة بحرف أصلي، أنه يحكم بزيادة المكرر إن كان مثل اللام: كقردد وجلباب، أو مثل العين وليس مفصولا بأصل نحو: علّم وعقنقل، أو مثل العين واللام كصمحمح وهو الشديد، أو مثل الفاء والعين كمرمريس وهو الداهية، ووزنه فعفعيل؛ لأنه مأخوذ من المراسة وهي القوة، وقد عرفت أنه وزن نادر، هذا إذا كان مع الفاء والعين المكررتين أصل ثالث كما مثل، فإن تكرر مثل الفاء والعين بدون أصل ثالث كسمسم، وزلزل، فإلى ذلك وإلى ما قبله أشار بقوله: ¬

_ (¬1) وهو ما فيه الفاء والعين من جنس واحد، انظر: الممتع (1/ 138، 234، 287، 293، 300). (¬2) التصريح (2/ 360).

[حكم ما تماثل فيه كل حرفين من الرباعي]

[حكم ما تماثل فيه كل حرفين من الرباعي] قال ابن مالك: (فإن تماثلت أربعة، ولا أصل للكلمة غيرها عمّتها الأصالة مطلقا خلافا للكوفيّين والزّجّاج في نحو: كبكبة ممّا يفهم المعنى بسقوط ثالثه، فإن كان للكلمة أصل غير الأربعة حكم بزيادة ثاني المتماثلات وثالثها في نحو: صمحمح وثالثها في نحو: مرمريس). قال ناظر الجيش: اعلم أنه إذا حصل تماثل في كلمة فإمّا بين حرفين فقط، وإمّا بين حرفين منها وحرفين، فالكلمة التي تماثل فيها حرفان إما ثلاثية أو رباعيّة، فالمتماثلان أصلان في الثلاثيّة، وأما في الرباعيّة فإن ثبتت زيادة أحد الحرفين اللذين ليسا بمتماثلين، فالمتماثلان أصلان أيضا نحو: كوكب، وإن لم تثبت زيادة أحد الحرفين المذكورين، فأحد المتماثلين زائد إن لم يماثل الفاء ولا العين المفصولة بأصل كما تقدم، والكلمة التي حصل التماثل فيها بين حرفين وبين حرفين آخرين منها: إما أن لا يكون مع تلك الأحرف الأربعة أصل آخر، أو معها أصل غير الأربعة فهي قسمان: الأول: أن لا يكون معها غيرها، وحينئذ يجب الحكم بأصالة المكررين، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: فإن تماثلت أربعة ولا أصل للكلمة غيرها عمّتها الأصالة وذلك نحو: سمسم، وسحسح، وقمقم، وفلفل، وزلزل، وصلصل، وإنما وجب الحكم بأصالة المكررين؛ لأن أصالة أحدهما واجبة تكميلا لأقل الأصول، وليس أصالة أحدهما أولى من أصالة الآخر، فحكم بأصالتهما معا، قال المصنف في شرح الكافية: لأن أصالة اثنين متيقّنة ولا بد من مكمّل لأقل الأصول، وليس أحد الباقيين بأولى من الآخر؛ فحكم بأصالتهما معا (¬1). ثم قال المصنف في الكتاب المذكور أيضا: فإن كان الثالث صالحا للسقوط مع سلامة المعنى نحو: كبّه وكبكبه، وكفّه عن الشيء وكفكفه فهو أيضا أصل عند البصريين إلا أبا إسحاق الزّجّاج (¬2)، وليست إحدى الكلمتين من الأخرى في شيء، بل هما من المترادفات - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 2035). (¬2) قال ابن جني في الخصائص (2/ 52): «وذهب أبو إسحاق الزجاج في نحو: قلقل، وصلصل، وجرجر، وقرقر إلى أنه فعنل، وأن الكلمة ثلاثية، وهذا مذهب شاذ غريب في أصل منقاد قريب ... ألا ترى أن تكرير الفاء لم يأت به ثبت إلا في مرمريس .. فارتكب أبو إسحاق مركبا وعرا، وفي هذا إقدام وتعجرف» بتصرف، وانظر: التصريح (2/ 360).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التي توافقت في معظم اللفظ، وعند أبي إسحاق أن الصالح للسقوط زائد وهو عند الكوفيين بدل من تضعيف العين، فأصل كفكف على هذا الرأي كفّف (¬1) فاستثقل توالي ثلاثة أمثال، فأبدل من أحدها حرف مماثل للفاء (¬2). وقال في إيجاز التعريف: فإن فهم المعنى بسقوط أحدها فهو زائد نحو: كفكفت الشيء بمعنى كففته، كان في الأصل كفّفت بثلاث فاءات، الأولى عين، والثانية زائدة، والثالثة لام؛ فاستثقل توالي الأمثال فرد إلى باب سمسم، بزيادة مثل الفاء بدل مثل العين تخفيفا، وقد خففوا هذا النوع بإبدال أحد الأمثال يعني ثالثها ياء نحو: تظننت؛ لأنه من الظنّ، وكلا التخفيفين مطرد في أصل الكوفيين، والبصريون فيهما مع السماع، ويرون أن كفكف وأمثاله بناء مرتجل رباعي كل حروفه أصول (¬3)، وليس من مادة الثلاثي في شيء، ثم قال: وهذا مكلّف والمختار فيه ما قاله الكوفيون، وأما تظننت فالمختار فيه الاقتصار على السماع، فلو كانت الأمثال أربعة تعين إبدال الرابع ياء إن لم يكنها نحو: رددّية وهو مثال خبعثنة من الردّ، ومن قال: أميّيّ فجمع في النسب أربع ياءات، قال في هذا المثال رددّدة كذا قال أبو الحسن في تصريفه هذا آخر كلامه (¬4). واعلم أن حكم نحو: يلملم في الحكم بأصالة المكررين منه حكم سمسم، وإن كان مع الأحرف الأربعة غيرها وهو الياء؛ لأن الياء مقطوع بزيادتها، وهذا يعلم من التقييد بالأصالة فيما تقدم من قولنا: أن لا يكون مع تلك الأحرف الأربعة أصل آخر، بقي هاهنا أمران: أحدهما: أن الشيخ ناقش المصنف في قوله: فإن تماثلت أربعة، قال: لأن الأربعة لم تتماثل، وإنما التماثل بين حرفين من الأربعة وحرفين آخرين منها (¬5). والجواب عن هذه المناقشة: [6/ 128] أن المصنف كأنه بنى كلامه هذا على كلامه قبل؛ حيث قال: إن تضمنت كلمة متباينين ومتماثلين فكأنه قال: إن خلف المتباينين اللذين صحبا المتماثلين متماثلان، وإذا كان كذلك جاز أن يقال: تماثلت أربعة بمعنى أن التماثل شملها؛ لأنه إذا تماثل حرفان وحرفان صدق التماثل على الأربعة؛ لأن كلّا منها مماثل لآخر منها، ولا يلزم أن كلّا منها يماثل الثلاثة الباقية. الأمر الثاني: قوله: خلافا للكوفيين والزّجّاج إنما أراد به اتفاق الكوفيين والزجاج - ¬

_ (¬1) انظر الإنصاف (2/ 788). (¬2) شرح الكافية (4/ 2035، 2036). (¬3) الإنصاف (2/ 792). (¬4) ينظر: المنصف (2/ 263) وما بعدها. (¬5) التذييل (6/ 124 أ).

[تعيين الزائد من حرفي التضعيف]

[تعيين الزائد من حرفي التضعيف] قال ابن مالك: (وثاني المثلين أولى بالزّيادة في نحو: اقعنسس؛ لوقوعه موقع ألف احربنى، وأوّلهما أولى في مثل: علّم؛ لوقوعه موقع ألف فاعل، وياء فيعل، وواو فوعل). ـــــــــــــــــــــــــــــ على مخالفة البصريين في القول بأصالة الأحرف، يعني أنهم متفقون على زيادة الحرف الذي قال البصريون بأصالته، وإن كان الزجاج يقول بأنه زائد أتي به ابتداء، والكوفيون يقولون بأنه بدل من تضعيف العين، كما تقدم. القسم الثاني: أن يكون مع الأحرف الأربعة أصل غيرها، وذلك: صمحمح، ودمكمك (¬1)، ومرمريس، ومرمريت، فيجب الحكم بزيادة المكررين، وإلى ذلك الإشارة بقوله: فإن كان للكلمة أصل غير الأربعة ... إلى آخره، وثاني المتماثلات في: صمحمح هو الحاء الثانية، وثالثها هو الميم الثانية، وثالثها في: مرمريس هو الميم الثانية، ورابعها هو الراء الثانية، وإنما كان الثاني والثالث في: صمحمح (والثالث والرابع في: مرمريس؛ لأن الحرف الأصل الذي هو غير الأربعة في صمحمح) (¬2) هو الفاء، وفي: مرمريس هو اللام، قالوا: إنما حكم بزيادة المكررين في مثل ذلك؛ لأن ما له اشتقاق وجد فيه كل واحد من المكررين زائدا فحمل ما ليس له اشتقاق على ذلك نحو: مرمريس فإنه من المراسة (¬3). قال ناظر الجيش: اختلف النّحاة في الزائد بالتضعيف ما هو؟ هل هو الأول من المضاعفين أو الثاني منهما، فقيل: الزائد هو الثاني، وقيل: الزائد هو الأول، وقيل: يجوز الأمران، والأول مذكور عن يونس، والثاني مذكور عن الخليل، والثالث سيبويه (¬4). - ¬

_ (¬1) ينظر: الممتع (1/ 115، 264، 283، 302). (¬2) سقط ما بين القوسين من (جـ). (¬3) القائل بذلك هو الخليل. انظر: الكتاب (3/ 432)، والممتع (1/ 303)، والتذييل (6/ 125 أ). (¬4) مذهب الجمهور عدا الخليل أن الزائد من كل مضعّف كقردد وجلبب هو الحرف الثاني؛ لأنه المحل الذي احتجنا عنده إلى دعوى الزيادة، وقال الخليل: الحرف الأول هو الزائد؛ لأن الحكم على الساكن بالزيادة أولى تقليلا للمجاز، وجوّز سيبويه الأمرين قال في الكتاب (2/ 354): «وكلا الوجهين صواب ومذهب». ينظر تفصيل المسألة في: الخصائص (2/ 61 - 62)، والأشباه والنظائر (1/ 45 - 47)، والممتع (1/ 303 - 306)، ويقول السيوطي في الهمع (2/ 216): «واختلف في المثلين في نحو: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قال ابن عصفور: وذهب الخليل إلى أن اللام الأولى من: سلّم هي الزائدة، وكذلك الزاي الأولى من بلزّ، وحجّته أن الأول قد وقع موقعا تكثر فيه أمهات الزوائد، وهي: الياء والألف والواو، ألا ترى الحكم عليها حين وقعت ثانية بالزيادة في نحو: صيقل، وحومل، وكاهل، وكذلك - أيضا - لمّا وقعت هذه الحروف زائدة ثالثة نحو: قضيب، وعجوز، وكتاب، فالزّاي الأولى من بلزّ واقعة موقع هذه الزوائد، وكانت اللام في سلّم، والزاي في بلزّ ساكنتين كسكون حروف العلة الثلاثة التي ذكرت، ومذهب يونس أن الثاني هو الزائد، واستدل على ذلك بأن الياء والواو قد يقعان زائدتين ثالثتين متحركتين نحو: جهور وعثير، فاللّام الثانية من سلّم في الزيادة والحركة نظير الياء والواو في عثير وجهور فإنهما زائدتان متحركتان وكذلك - أيضا - تكثر زيادتهما رابعتين متحركتين نحو: كنهور وعفرية، فإذا جعلنا الزّاي الثانية من بلزّ زائدة كانت واقعة موقع الواو من كنهور، والياء من عفرية ومتحركة مثلهما. قال سيبويه: وكلا القولين صحيح ومذهب، قال ابن عصفور: وهذا القدر الذي احتج به الخليل ويونس لا حجة لهما فيه؛ لأنه ليس أكثر من التأنيس بالإتيان بالنظير وليس فيه دليل قاطع، قال وزعم الفارسي أن الصحيح ما ذهب إليه يونس من زيادة الثاني من المثلين، واستدل على ذلك بوجود اسحنكك، واقعنسس، وأشباههما في كلامهم، وذلك أن النون من افعنلل من الرباعي لم توجد قط إلا بين أصلين؛ نحو: احرنجم، فينبغي أن يكون ما ألحق به من الثلاثة بين أصلين لئلا يخالف الملحق ما ألحق به، ولا يمكن جعل النون في اسحنكك، واقعنسس وأشباههما أصليين، إلا أن يكون الأوّل من المثلين هو الأصل والثاني هو الزائد، وإذا ثبت في هذا الموضع أن الزائد من المثلين هو الثاني حملت سائر المواضع عليه، وهذا الذي استدل به لا حجة فيه؛ لأنه لا يلزم أن يوافق الملحق ما ألحق به في أكثر من موافقته له في الحركات والسكنات وعدد الحروف، ألا ترى أن النون في افعنلل من الرباعي بعدها حرفان أصلان وليس بعدها فيما ألحق به من الثلاثي - ¬

_ = اقعنسس وعلّم أيّهما الزائد؟ فذهب الخليل إلى أن الزائد هو الأول، وذهب يونس إلى أن الثاني هو الزائد، وأما سيبويه فإنه حكم بأن الثاني هو الزائد، ثم قال بعد ذلك: وكلا الوجهين صواب ومذهب، وصحّح الفارسي مذهب سيبويه وصحح ابن عصفور مذهب الخليل ... واختار ابن مالك في التسهيل أن الثاني أولى بالزيادة في باب اقعنسس والأوّل أولى في باب علّم».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر؛ فإن أحدهما أصلي والآخر زائد، فكما خالف الملحق ما ألحق به في هذا القدر، فكذلك يجوز أن يخالفه في كون النون في الملحق به واقعة بين أصلين، وفي الملحق واقعة بين أصل وزائد (¬1). ثم قال ابن عصفور: والصحيح عندي قول الخليل بدليلين: أحدهما: أنهم لما صغّروا صمحمحا قالوا: صميمح، فحذفوا الحاء الأولى، ولو كانت الأصلية لم تحذف. والآخر: أن العين إذا ضعّفت وفصل بينهما حرف فإن ذلك الفاصل لا يكون إلا زائدا نحو: عثوثل وعقنقل، فحينئذ يكون الزائد من صمحمح هو الحاء الأولى؛ لأنها فاصلة بين العينين، فلا يكون أصلا؛ لأن ذلك فيه كسر لما استقر في كلامهم، وإذا ثبت أن الزائد في هذا الموضع هو الأول ثبت في بقية المواضع، وقال ابن أبي الربيع وبعد أن ذكر القولين - أعني كون الزائد هو الأول أو الزائد هو الثاني -: وإذا نظرت إلى القولين وجدتهما ممكنين لوجود الزائد ثانيا كجوهر، وثالثا كجهور، ثم قال: والظاهر أن العرب تجعل الأولى زائدة تارة والثانية تارة، وذلك يختلف بحسب المواضع ألا ترى أنك إذا صغّرت صمحمحا قلت: صميمح فحذفت الحاء الأولى حين كانت هي الزائدة؛ لأنه لا يحذف الأصلي ويبقى الزائد، وكذلك كل ما كان من هذا النوع، وقالوا: اقعنسس فهذا ملحق باحرنجم، والنون في احرنجم، وقعت بين أصلين، فيجب أن تقع في اقعنسس بين أصلين فيجب على هذا أن تكون السين الأولى أصلية والثانية زائدة، فقد جئتك بمثالين أحدهما يقتضي أن تكون الثانية هي الزائدة، والثاني يقتضي أن تكون الزائدة هي الأولى، فمثل: سلّم، يمكن أن يكون [6/ 129] مثل: صمحمح فيكون الزائد هو اللام الأولى، ويمكن أن تكون مثل: مقعنسس فيكون الزائد هو الثانية، فقد تبين أن العرب تزيد الأولى في موضع، ويعلم ذلك بدليل، وتزيد الثانية في موضع ويعلم ذلك بدليل، ويأتي موضع ثالث يكون الأمران فيه ممكنين إذا لم يدل دليل، وقال سيبويه لمّا ذكر القولين: وكلا الوجهين صواب ومذهب (¬2). انتهى وهو كلام حسن. واعلم أن ابن الضائع خطّأ ابن عصفور في الدليلين المتقدمين، أما الدليل الأول وهو حذف الحاء الأولى من صمحمح إذا صغّر فلم (يفهم) (¬3) عن الخليل ولا عن يونس ولا عن سيبويه مرادهم من ذلك، فإنهم - ¬

_ (¬1) الممتع (1/ 303 - 306) بتصرف. (¬2) التذييل (6/ 125 أ، ب) غير منسوب إليه. (¬3) كذا في التذييل وسقطت من النسختين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متّفقون على أن الحاء الأولى من صمحمح هي الزائدة، لم يختلفوا في ذلك، فكيف يقول يونس: الثانية هي الزائدة - ولا بد - ويخالف كلام العرب؟ وقد زعموا أن ما فعلت العرب في تصغير صمحمح وجمعه هو القياس، وذلك نص من كلامهم في التصغير والتكسير (¬1)، وإنما مراد هؤلاء أن الكلمة التي لم يثبت فيها سماع من العرب ولا نص أيهما الزائد، واحتمل الوجهين ما الحكم فيها؟ هل القضاء بزيادة الأوّل؟ أو القضاء بزيادة الثاني؟ فاختار الخليل الأوّل، واختار غيره الثاني، وأما الدليل الثاني وهو الفصل بين العينين المضاعفين فيقال له: كما لا يفصل بين العينين إلا بزائد كذلك لا يفصل بين اللامين المضاعفين إلا بزائد، وعلى هذا يلزم أن تكون الميم الثانية من صمحمح هي الزائدة (¬2). انتهى. والمراد بهذا الكلام أن ابن عصفور يدعي أن المزيد من المثلين هو الأول، كما قال في أن المزيد من صمحمح هو الحاء الأولى، وذلك يقتضي أن الزائد هو الميم الأولى منه أيضا، فألزم بقوله: أن لا يفصل بين المتضاعفين إلا بزائد أن يكون الميم الثانية هي الزائدة، ومن ثم قال أبو جعفر بن الزبير: فإن قيل: إنما قال: من العينين والحاء لام. فلا يلزمه ما ذكر؛ إذ لم يقل بين اللامين، فالجواب: أن التقييد هنا بالعين أو اللام غير ملتفت إليه، ولا مراعى؛ فإن الفاصل بين المتضايفين أبدا، يحكم بزيادته كانا عينين أو لامين، فلا يجدي تقييده بقوله: العين إذا تضاعفت (¬3)، إذا عرف هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب، فقوله: وثاني المثلين أولى بالزيادة في نحو: اقعنسس ... إلى آخره، يريد بذلك أنّ احربنى، ملحق باحرنجم، واحربنى من بنات الثلاثة فلما ألحق باحرنجم لم يأتوا بالزائد الذي للإلحاق إلا آخرا، وهي الألف، ثم إن اقعنسس ملحق باحرنجم أيضا فينبغي أن يكون الزائد الذي حصل به الإلحاق في: اقعنسس مقابلا للألف في: احربنى، والمقابل لها في اقعنسس إنما هو السين الثانية، وحينئذ يجري باب الثلاثي في الإلحاق بالرباعي مجرى واحدا، وإنما قلنا: إنهما من الثلاثي؛ لأنهما مشتقان من الحرب والقعس، وقوله: وأوّلهما أولى في مثل: علّم ... إلى آخره، يريد به أنهم لما ألحقوا باب الثلاثي بالرباعي زادوا حرف الإلحاق، ثانيا نحو: - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 432)، (4/ 327)، والممتع (1/ 306). (¬2) التذييل (6/ 126 أ). (¬3) التذييل (6/ 126 أ، ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيطر، وجوهر، وثالثا نحو: جهور، وقلنس، ورابعا نحو: قلسى، وحين بنوا في غير المضاعف رباعيّا من الثلاثي إنما كانت الزيادة فيه ثانية نحو: ضارب وقاتل، ولم تجئ ثالثة في هذا، فقد صارت الزيادة ثانية أوسع إذا جاءت في الملحق، وغير الملحق، وصارت ثالثة أضيق إذا جاءت في الملحق فقط، فراعى المصنف الحمل على الباب الأوسع هذا ما ذكره الشيخ (¬1)، والظاهر أن العلّة في ذلك هي: ما تقدم ذكره عن الخليل أن الأول قد وقع موقعا تكثر فيه أمهات الزوائد، وهي: الألف والياء، والواو كما في كاهل وصيقل وحومل، ولعل في ذكر المصنف الألف والياء والواو إشعارا بذلك. واعلم أن الأولويّة في كلام المصنف تحتمل أن يراد بها الوجوب وحينئذ تتعين زيادة ثاني المثلين في نحو: اقعنسس وزيادة أوّلهما في نحو: علّم، ويحتمل أن يراد بها الرجحان والاختيار، والذي تلخص من كلام المصنف بالنسبة إلى الذي يحكم بزيادته من المكرر أن الكلمة التي تماثل فيها حرفان وحرفان، ومع تلك الأربعة حرف محكوم بأصالته يحكم فيها بزيادة الحرف الثالث منها والرابع، سواء أكان ذلك الحرف المباين فاء الكلمة نحو: صمحمح، أم لام الكلمة نحو: مرمريس، فإن المحكوم بزيادته في صمحمح: الحاء الأولى والميم الثانية، والمحكوم بزيادته في مرمريس: الميم الثانية والرّاء الثانية، والكلمة التي تماثل فيها حرفان فقط، فإن لم يكن أحدهما مدغما في الآخر نحو: اقعنسس (¬2)، فالزائد الثاني إما وجوبا وإما اختيارا، وإن كان ثم إدغام، فالزائد الأول إما وجوبا وإمّا اختيارا، هذا في نحو: علّم وكرّم، وأما نحو: بلزّ فلا أعلم ما الذى يحكم المصنف بأنّه زائد فيه، هل هو الأول؟ أو الثاني؟ وذلك لأنه علل الحكم بزيادة الأول في: علّم بوقوعه موقع أحرف العلّة في كاهل، وصيقل، وحومل، وقد عرف من هذا أن المصنف وافق ما عليه النّحاة من القول بزيادة الحاء الأولى والميم الثانية من صمحمح، ووافق في القول بزيادة الثاني في قول: اقعنسس، قول من يقول بأن الزائد من المكررين هو الأول للعلّة التي ذكرها، وقال الشيخ: لم يتعرض المصنف هنا لتحرير مذهبه في أحد المضاعفين على الإطلاق أيهما زائد، إنما حكم بزيادة الثاني والثالث من: صمحمح ونحوه، والثالث والرابع في: مرمريس، وأن - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 125 أ). (¬2) ينظر: الممتع (1/ 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثاني في نحو: اقعنسس، والأول في نحو: علّم أولى بالزيادة، قال: وهذا التفصيل الذي ذكره ليس مذهبا لأحد، وإنما هو إحداث قول ثالث جريا على عادته (¬1). انتهى. وقد تبين أن كلام المصنف يوافق كلام الناس ولا مخالفة، أما في: صمحمح فقد تقدم أن النّحاة متفقون على أن الحاء الأولى من صمحمح هي الزائدة، لقول العرب في الجمع: صمامح، وفي التصغير: صميمح، فلو لم تكن الحاء زائدة لم تحذف، وأمّا نحو: اقعنسس وعلّم فقد تقدم ذكر الخلاف في الزائد، أي حرف هو؟ وتقدم أن سيبويه جوّز أن يكون الأول وأن يكون الثاني، فالمصنف غاية ما فعل أنه جوّز الأمرين، كما هو رأي سيبويه ولكنّه جعل الأولى في بعض المواضع الأوّل، وجعله في بعضها الثاني [6/ 130]، وإذا كان كذلك فكيف يقال: إنه أحدث قولا ثالثا؟ وقد فعل ابن أبي الربيع كما قال المصنف؛ فإنه جزم بزيادة الحاء الأولى في صمحمح، وبزيادة السين الثانية في اقعنسس للدليل الذي تقدم ذكره، وجوّز في نحو: سلّم الوجهين، وإذا حملنا الأولويّة في كلام المصنف على الرجحان وهو الظاهر، أفاد ذلك أنه يجوّز الوجهين، ثم إنه رجّح أحدهما لما ذكره، وقد تبيّن لك أن الحاء الأولى في صمحمح هي الزائدة للدليل الذي ذكروه (¬2)، وقد علمت أن الميم الواقعة بعدها محكوم بزيادتها - أيضا - إذ لو لم يحكم بزيادتها لزم الفصل بين المكررين بحرف أصلي، وإنما يفصل بينهما بحرف زائد كما تقدم (¬3)، وأمّا مرمريس فإنما حكم فيه بزيادة الميم الثانية لقولهم: مرمريس ومراريس فحذفوها في التصغير والتكسير، وأما الرّاء الثانية فإنما حكم بزيادتها؛ لأنه قد علم مما تقدم أن الفاء لا تكرر وحدها، وإنما تكرّر مع العين؛ فلزم من أجل ذلك الحكم بزيادة الرّاء تبعا للحكم بزيادة الميم، وأما اقعنسس فإنما حكم بزيادة السين الثانية فيه وجوبا أو اختيارا على رأي المصنف لوقوعها موقع ألف: احربنى كما تقدم تقريره، وأما على رأي ابن أبي الربيع فلأنه ملحق باحرنجم والنون من احرنجم واقعة بين أصلين - أيضا - وإذا كانت السين الأولى هي الأصلية تعين أن الزائد هو الثانية، وأمّا علّم فقد حكم المصنف فيه بزيادة الأول؛ لوقوعه موقع أحرف العلّة في فاعل وفيعل وفوعل كما تقدم، ولكن هذا الذي علّل به المصنف - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 126 ب). (¬2) أي: لقولهم في الجمع: صمامح، وفي التصغير: صميمح بحذف الحاء الأولى. انظر: الممتع (1/ 306 - 307). (¬3) انظر: الأشباه والنظائر (1/ 46).

[اجتماع حرف من سألتمونيها والتضعيف في الكلمة]

[اجتماع حرف من سألتمونيها والتضعيف في الكلمة] قال ابن مالك: (وإن أمكن جعل الزّائد تكريرا أو من سألتمونيها رجح ما عضّد بكثرة النّظير إن لم يمنع اشتقاق أو ما يجري مجراه). ـــــــــــــــــــــــــــــ معارض بأن يقال: الزائد هو الثاني؛ لوقوعه موقع واو: جهور، وياء عثير (¬1)، وقد علمت أن ابن أبي الربيع أجاز الأمرين على السواء من غير ترجيح، وهذا هو الظاهر. قال ناظر الجيش: قال الشيخ: إذا كان الزائد يمكن أن يكون من قبيل زيادة التضعيف، ويحتمل أن يكون من قبيل زيادة الحروف العشرة التي يعبر عنها بحروف الزيادة، فإن الترجيح في إلحاقه بزيادة التضعيف، أو بزيادة إحدى الحروف العشرة يقوى بكثرة النظير، ومثال ذلك قولهم: مهدد علم لامرأة، قال النابغة: 4292 - حان الرّحيل ولم تودّع مهددا ... والصّبح والإمساء منها موعدي (¬2) فهذا يمكن أن يكون مفعلا من الهدّ، وفعللا من المهد ولكن فعللا يجيء كثيرا نحو: قردد، ومفعل لا يجيء مفكوكا إلا قليلا شاذّا، فلذلك حكمنا على مهدد أنه من باب فعلل لا من باب مفعل ويكون أصله الميم والهاء وأحد الدالين ويكون أحد الدّالين زائدا، فهذا مما عضد ورجّح بأن الزائد أحد المتضاعفين (¬3)، ومثال ما قوي بكثرة النظير من أنه من باب الزيادة أحد الحروف العشرة، هذا (¬4) آخر كلام الشيخ، ولم يذكر لهذا القسم الثاني الذي ذكره مثالا مع أن تمثيله للقسم الأول بمهدد فيه نظر وذلك أن الفك في الكلمة دليل على زيادة أحد المثلين، وقد قال المصنف في إيجاز التعريف: فإن انفك المثلان كمهدد فأحدهما زائد (¬5)، وقال في الكافية: - ¬

_ (¬1) الممتع (1/ 304). (¬2) البيت من بحر الكامل وهو من قصيدة مشهورة للنابغة الذبياني مطلعها قوله: أمن آل مية رائح أو مغتد ... عجلان ذا زاد وغير مزود اللغة: مهدد: اسم الجارية التي يتغزل بها. الصبح والإمساء: هنا للجنس والمعنى أنه لن يلتقي بها حتى آخر الدهر. وشاهده: قوله: مهدد فإنه على وزن مفعل أو فعلل، والبيت في ديوان النابغة (ص 38) بتحقيق كرم البستاني (دار صادر بيروت). (¬3) قال ابن منظور في اللسان «مهد»: «ومهدد: اسم امرأة قال ابن سيده: وإنما قضيت على ميم مهدد أنها أصل؛ لأنها لو كانت زائدة لم تكن الكلمة مفكوكة وكانت مدغمة كمسدّ ومردّ وهو فعلل، قال سيبويه: الميم من نفس الكلمة ولو كانت زائدة لأدغم الحرف مثل: مفرّ ومردّ، فثبت أن الدّال ملحقة والملحق لا يدغم»، وانظر الكتاب (4/ 309، 313). (¬4)، (¬5) التذييل (6/ 126 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومأجج كجعفر لا مفعل ... إذ لا يفك مفعل بل فعلل (¬1) فثبت أن أحد المثلين في مهدد مقطوع بزيادته بدليل الفك، ومسألة الكتاب إنما هي في الذي يمكن أن يكون المكرر فيه هو الزائد لأنه قال: إن أمكن جعل الزائد تكريرا أو من سألتمونيها فما كان مقطوعا فيه بزيادة أحدهما مما لا يدخل تحت كلامه، وإذا لم يدخل تحت كلامه؛ فلا يحسن التمثيل به، ثم إن هذا التقرير الذي قرره يقتضي أن تكون الكلمة مشتملة على حرفين، أحدهما إذا قيل بزيادته كان من زيادة التكرير، والآخر إذا قيل بزيادته لم يكن من زيادة التكرير بل من سألتمونيها دون تكرير كالميم والدّال من: مهدد وعبارته لا تقتضي أن الحرف المحكوم بزيادته محتمل أن يكون من قبيل زيادة التضعيف وأن يكون من قبيل زيادة الحروف العشرة، وبين المقتضيين منافاة، والذي يعطيه كلام المصنف هو هذا الثاني وهو أن الحرف المحكوم بزيادته هو من حروف سألتمونيها، وهو مماثل لحرف آخر في الكلمة، فيحتمل أنهم قصدوا بزيادته التضعيف، ويحتمل أنهم لم يقصدوا التضعيف، بل زادوا حرفا فوافق أنه مماثل لما قبله من غير قصد إلى التكرير، وقد تعرض ابن الحاجب في أول مقدّمته في التصريف إلى كلمات يمكن أن تورد أمثلة في هذا المحل بالنسبة إلى المعنى الذي قرّرناه، وهو حلتيت (¬2)، وسحنون (¬3)، وعثنون (¬4)، وسمنان (¬5)، وبطنان (¬6)، وحكم بأن الزيادة في حلتيت للتكرير، وكذا في سحنون، وعثنون المضموم أولهما (¬7)، وحكم بأنها في سحنون بفتح أوله، وفي سمنان، وبطنان لغير التكرير (¬8)، أما حكمه بأنها في هذه الثلاثة لغير التكرير فلأنّ المقرر في - ¬

_ (¬1) شرح الكافية الشافية (4/ 2063). (¬2) كسكيت: عقّير معروف، ونبات وصمغ ويقال له: حلتيت وهو عربي أو معرب. انظر المحكم (3/ 202)، واللسان «حلت». (¬3) اسم رجل فقيه مالكي هو: عبد السّلام بن سعيد بن حبيب التنوخي. الأعلام (4/ 5) ويقال لأول الريح والمطر. انظر: الجاربردي وابن جماعة (1/ 18)، والصبان (4/ 254). (¬4) لرأس الحية، ولشعرات تحت حنك البعير، ولأول الريح والمطر. انظر: القاموس (4/ 246)، واللسان «عثن». (¬5) سمنان بالفتح لماء، أو لموضع. انظر: القاموس (4/ 236)، وابن جماعة (1/ 19)، والصبان (4/ 254). (¬6) اسم لباطن ريش الطائر. الجاربردي (1/ 20) وشرح الشافية (1/ 10، 11). (¬7) شرح الشافية (1/ 10، 11). (¬8) المرجع السابق (1/ 11).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللغة العربية أن الزيادة لا تكون للتكرير إلا إذا كان لذلك الوزن الذي فيه التكرير نظير في الأصول؛ لأن التكرير إذا كان للإلحاق فظاهر، وإن كان لغير الإلحاق. وإذا كان كذلك يلزم وجود نظير سحنون وسمنان، وبطنان في الأصول وقد وجد لكنه في غاية القلّة والندور، فنظير سحنون وسمنان، خرنوب (¬1)، ونظير سمنان خزعال (¬2)، ونظير بطنان قرطاس (¬3)، ولندرة هذه الأوزان لم يعتد بها وإذا لم يعتد بها امتنع الحكم على الحرف الواقع في نظيرها من الأوزان بأنه مزيد للتكرير وإذا لم يكن مزيدا للتكرير، والفرض أنه في نفسه مزيد، تعيّن أنه مزيد لغير التكرير، وكيف ولزيادة النون آخرا دون تكرير في هذه الأوزان الثلاثة نظائر كثيرة؟ فنظير سحنون، حمدون، وزيدون، وعبدون، قالوا: وهارون مختص بالعلم، ونظير سمنان سكران وريّان وغرثان، ونظير بطنان شكران وغفران فهذه الأمثلة الثلاثة التي هي: سحنون، وسمنان، وبطنان بتقدير أن تكون النون المزيدة فيها للتكرير، يوجد لذلك الوزن نظير في الأصول، وبتقدير أن تكون الزيادة لغير التكرير يوجد لها نظير في الزيادة، ولكن نظيرها إذا كانت الزيادة لغير التكرير أكثر من النظير إذا كانت الزيادة للتكرير، فرجح الحكم بزيادتها لغير التكرير على الحكم بزيادتها للتكرير، فقد رجح ما عضد بكثرة النظير وهو [6/ 131] كون الزائد من سألتمونيها لا تكريرا على ما لم يعضد بكثرة النظير وهو كون الزائد للتكرير، وأما ترجيح كون الزائد للتكرير على كونه لغير التكرير فقد يمثل له بالثلاث الأول التي هي: حلتيت، وسحنون، وعثنون بضم أولهما، من حيث إن إحدى التاءين في الكلمة الأولى محكوم بزيادتها للتضعيف لا لغير التضعيف، وكذا حكم إحدى النونين في الكلمتين الأخريين وهما سحنون وعثنون إلا أن التعليل الذي علّل به المصنف وهو الاعتضاد بكثرة النظير، قد لا يتمشى هنا أما سحنون وعثنون فليس لهما نظير إذا جعلنا النون فيهما زائدة لغير التضعيف، وأما إذا جعلت زائدة للتكرير فالنظير موجود في الأصول كعصفور، فلم يوجد النظير في الطرفين مع كثرة في طرف، وقلة في - ¬

_ (¬1) انظر: الجاربردي (1/ 19)، وأوردها في اللسان «خرنب» بالفتح نقلا عن الأزهري. (¬2) لناقة بها ظلع أي: عرج. اللسان «ظلع»، والأشموني (4/ 255)، والمصباح (ص 385)، والجاربردي (1/ 19). (¬3) ضعف ابن الحاجب الضم في قرطاس، وهو ظاهر كلام الجوهري في الصحاح (2/ 959)، وذكر صاحب المصباح (ص 498) بأنّ الكسر أشهر، وانظر: اللسان «قرطس»، والرضي (1/ 17).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ طرف حتى يحصل الترجيح بالكثرة على القلة إلا أن يريد المصنف بقوله: بكثرة النظير - وجود النظير في الجملة فيتم المراد ويصحّ التعليل، وأما حلتيت فقد وجد له النظير في الأصول، بتقدير جعل التاء المزيدة للتكرير كقطمير، ووجد له نظير بتقدير جعلها لغير التكرير كعفريت، والفرض أن الزيادة فيه للتكرير، فإذا مثّلنا به لما قصده المصنف، لزم أن يكون وجود النظير له في الأصول أكثر من وجود نظيره في المزيد، ولكن الذي يفهم من كلام ابن الحاجب أنه: حيث وجد تكرير في الكلمة، فالأصل أن يجعل ذلك الحرف مزيدا للتكرير، وإن كان من الحروف العشرة التي سألتمونيها، إلا أن يدلّ دليل على أنهم لم يقصدوا التكرير، والدليل هو فقد نظير ذلك الوزن من الأصول، وإذا دلّ الدليل على أنهم لم يقصدوا التكرير حكم على ذلك الحرف بأنه مزيد لغير التكرير (¬1)، وإذا كان الأمر كذلك لا يتجه التمثيل له لما قصده المصنف إلا بتأويل، وقد قال الشيخ في ارتشاف الضرب: وإن دار حرف بين أن يكون زائدا أو من المضعف رجّح إلحاقه بأحدهما بكثرة النظير كشملل، جاز أن تكون اللام زائدة كهي في: زيدل، وجاز أن تكون من المضعف كدال: قردد فيحمل على التضعيف لكثرة النظير في: قردد، وشملل، وقلّة زيادة اللام، وهجنّف جاز كونه من المضعف كباء عدبّس وجازت الزيادة كهي في زونّك، فيحمل على الزيادة لكثرة النظير في نحو: سفنّج (¬2)، وعجنّس (¬3)، فما النون فيه مشددة زائدة، وقلّة فعلّل المضاعف (¬4)، وأما قول المصنف: إن لم يمنع اشتقاق أو ما يجري مجراه، فمعناه أن الاشتقاق وما يجري مجراه يمنعان الترجيح بما ذكره ويجب الرجوع إلى ما يوجبانه، ومثّل الشيخ للاشتقاق المانع بزونّك، قال: فالاشتقاق دلّ على الزيادة فإنهم، قالوا: زاك يزوك، وللتضعيف بعتلّ، قال: فإنّهم قالوا: عتلّ، ومثّل لما يجري مجرى الاشتقاق بإمّعة فإن الزائد أحد المضاعفين؛ لفقدان إفعلة في الصفات ووجود فعّلة (¬5). ¬

_ (¬1) قال الرضي: «وقد يجوز في بعض الكلمات أن تحمل الزيادة على التكرير، وأن لا تحمل عليه، إذا كان الحرف من حروف: اليوم تنساه، وذلك كما في: حلتيت يحتمل أن تكون اللام مكرّرة كما في شمليل فيكون وزنه فعليلا فيكون ملحقا بقنديل، وأن يكون لم يقصد تكرير لامه وإن اتفق ذلك، بل كان القصد إلى زيادة الياء والتاء كما في عفريت فيكون فعليتا». انظر شرح الشافية (1/ 15). (¬2) السّفنّج: السريع. اللسان «سفنج». (¬3) الجمل الشديد القوي. اللسان «عجنس». (¬4) الارتشاف (1/ 20). (¬5) المرجع السابق (ص 50)، وانظر: الممتع (1/ 234).

[زيادة الهمزة والنون آخرا]

[زيادة الهمزة والنون آخرا] قال ابن مالك: (فصل: ما آخره همزة أو نون بعد ألف بينهما وبين الفاء حرف مشدّد أو حرفان أحدهما لين فمحتمل لأصالة الآخر وزيادة أحد المثلين أو اللّين وللعكس، ما لم يهمل أحد البناءين أو الوزنين أو يقلّ نظير أحد المثالين). قال ناظر الجيش: قد تقدم الإعلام بأن الهمزة أو النون الواقعتين بعد ألف زائدة، محكوم بزيادة كلّ منهما بشرط أن يتقدم على الألف ثلاثة أصول، ولكن إذا كانت الثلاثة المتقدمة على الألف مقطوعا بأصالتها، فأما إذا كان أحد الثلاثة المتقدمة على الألف محتملا للأصالة والزيادة، بأن يكون أحدها مضعفا ولينا، فإنه لا يقطع بزيادة الهمزة ولا النون إذ ذاك، وإلى ذلك يشير المصنف بقوله: ما آخره همزة إلى قوله: فمحتمل لأصالة الآخر وزيادة أحد المثلين أو اللين وللعكس يعني أنه مع وجود التضعيف أو اللين قبل الألف يحتمل أصالة الآخر وهو الهمزة أو النون وزيادة أحد المثلين أو اللين ويحتمل العكس وهو زيادة الآخر الذي هو الهمزة أو النون وأصالة أحد المثلين أو اللين، والذي تضمنه كلام المصنف أربع صور: ما آخره همزة مع التشديد نحو: سلّاء وتقّاء (¬1) وهو الخردل، أو مع اللين نحو: زيزاء (¬2) وقوباء (¬3)، وما آخره نون مع التشديد نحو: رمّان (¬4)، أو مع اللين نحو: - ¬

_ (¬1) قال المصنف في الكافية: فمل عن الفعلان والفعلاء ... في النبت للفعّال كالسّلاء وقال في شرحه: (كل اسم مضموم الأول مضعف الثاني ثالثه ألف بعدها نون أو همزة فيحتمل أن يكون الآخر زائدا والتضعيف أصلا وبالعكس) شرح الكافية (4/ 2046)، وانظر: اللسان «سلأ». (¬2) الزّيزاء: الريش. اللسان «زيز»، وانظر: الممتع (2/ 595)، والمنصف (2/ 180). (¬3) القوباء والقوباء: داء معروف بالحزاز. اللسان «قوب»، وانظر: الكتاب (4/ 257)، والممتع (1/ 122). (¬4) اختلف في وزن رمّان هل هو فعّال أم فعلان، قال الأخفش: هو فعّال، وإن كان تركيب: رمن مهملا وهو ما ذكرته كتب اللغة، وقد نقل الجاربردي عن ابن الحاجب في شرح المفصل أنه يحتمل أن يكون رمّان من: رمم، أو من: رمن، بمعنى أقام. ومذهب الخليل وسيبويه أن نون: رمّان زائدة، قال سيبويه (2/ 11): «وسألته - أي: الخليل - عن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ عقيان (¬1)، وعلوان، فوزن سلّاء: فعلاء؛ إن حكمت بزيادة الهمزة وفعّالا إن حكمت بأصالتها، ووزن زيزاء، وقوباء: فعلاء وفعلاء؛ إن حكمت بأن الهمزة زائدة، وفيعال وفوعال؛ إن حكمت بأنها أصل، ووزن: رمّان فعلان؛ إن كانت النون محكوما بزيادتها، وفعّال؛ إن كانت محكوما بأصالتها، ووزن عقيان، وعلوان: فعلان، وفعلان؛ إن قيل بزيادة النون، وفيعال؛ إن قيل بأصالتها. وقد تعرض المصنف - في إيجاز التعريف له - إلى قسم المشدد مع الهمزة أو النون دون قسم اللين معهما، فقال: إن كان قبل الألف المتقدمة على الهمزة المتأخرة حرفان أحدهما مضاعف كحمّاء، وقبّان؛ فجائز أن يكون الزائد ما بعد الألف، ويكون ذو الهمزة فعلاء من الحمّة وهي السواد (¬2)، وذو النون فعلان من القبب وهو الضمور (¬3)، وجائز أن يكون الزائد أحد المثلين، فيكون ذو الهمزة فعّالا من الحمء وهو تنقية البئر من الحمأة (¬4)، ويكون الآخر فعّالا من القبون وهو الذهاب في الأرض (¬5). انتهى. واعلم أن احتمال الأمرين فيما تقدم ذكره مشروط بأن يكون كل من نظير الكلمتين موجودا، إما مادة وإما وزنا، وأن لا يقل نظير أحدهما، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: ما لم يهمل أحد البناءين أو الوزنين، أو يقلّ نظير أحد المثالين، وثبت في بعض النسخ بدل قوله: أحد التأليفين (¬6)، وهو أحسن وأدل على المراد؛ لأن المعنيّ بالبناء المادة، ودلالة التأليف على المادة أظهر وأبين، أمّا ما يؤدي إلى إهمال البناء - أعني المادة - في القول بأصالة أحد الحرفين دون الآخر في تلك الكلمة، فمثال ذلك القول بأصالة الهمزة في: مزّاء وهي الخمر؛ لأن مادة (م ز أ) - ¬

_ - رمّان فقال: لا أصرفه وأحمله على الأكثر - وهو زيادة الألف والنون - إذا لم يكن له معنى يعرف»، واختار ابن مالك في شرح الكافية أصالة النون لثبوتها في قولهم: مرمنة للبقعة الكثيرة الرّمّان وتبعه المرادي. وانظر تفصيل ذلك في: ابن يعيش (1/ 67)، وشرح الكافية (4/ 2045)، وتوضيح المقاصد (5/ 255)، والرضي (2/ 388)، والممتع (1/ 259، 260). (¬1) العقيان: الذهب الخالص. اللسان «عقا» وانظر: المساعد (4/ 65). (¬2) اللسان «حمم». (¬3) المرجع السابق «قبب». (¬4) المرجع السابق «حمأ». (¬5) المرجع السابق «قبن». (¬6) التسهيل (ص 297) هامش (5) والتذييل (6/ 127 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مهملة ومادة (م ز ز) موجودة بدليل: مزّ، وعلى هذا يكون وزن: مزّاء فعلاء، وعكسه القول (¬1) بأصالة الحرف الذي حصل به التشديد في (سقّاء) (¬2) على وزن حسّان؛ لأن مادة سقق (¬3) [6/ 132] مهملة ومادة (س ق ي) موجودة، وعلى هذا يكون وزن سقّاء فعّالا، فقد حكم على مزّاء بأنه فعلاء، وإن كان فعّال موجودا وعلى سقّاء بأنه فعّال، وإن كان فعلاء موجودا. والحاصل: أن كلّا من مزّاء وسقّاء يحتمل الوزنين أعني فعّالا وفعلاء؛ لأن كلا الوزنين موجود في اللغة العربية، ولكن وجب الوقوف على كل من الكلمتين مع وزن واحد؛ لأن القول فيها بالوزن الآخر يؤدي إلى استعمال مادة مهملة في لسان العرب، ومثال ذلك - أيضا - القول بأصالة النون في لوذان؛ لأن مادة (لـ ذ ن) (¬4) مهملة، ومادة (لـ وذ) (¬5) موجودة بدليل لواذ؛ وعلى هذا يكون وزن لوذان: فعلان، لا فوعالا فحكم بأصالة اللين ذي النون، وعكسه القول بأصالة النون دون اللين في: فينان؛ لأن مادة: (فـ ي ن) مهملة، ومادة (فـ ن ن) موجودة بدليل فنن وأفنان، وعلى هذا يكون وزن فينان: فيعالا (¬6) لا فعلانا. والحاصل كما تقدم: أن كلّا من لوذان، وفينان يحتمل الوزنين، ولكن منع من فوعال في لوذان، ومن فعلان في فينان إهمال - ¬

_ (¬1) المزّاء: من أسماء الخمر يكون فعّالا من المزيّة وهي الفضيلة .. أبو عبيد: المزّاء ضرب من الشراب يسكر بالضم، قال الجوهري: وهي فعلاء بفتح العين، فأدغم؛ لأن فعلاء ليس من أبنيتهم ويقال: هو فعّال من المهموز، قال: وليس بالوجه؛ لأن الاشتقاق ليس يدل على الهمز كما دل في: القرّاء والسّلّاء، اللسان «مزز»، وانظر: التذييل (6/ 127 ب). (¬2) كذا في التذييل (6/ 127 ب)، والمساعد (4/ 66) وفي النسختين (ثقاء) بالثاء في كل كلماتها الآتية، وانظر: القاموس (4/ 345)، والهمع (2/ 216). (¬3) قال في اللسان «سقق»: سقّ العصفور وسقسق الطائر: ذرق، عن كراع بن الأعرابي: السّقق: المغتابون، وانظر اللسان «سقي». (¬4) قال في اللسان «لذن»: اللّاذن واللّاذنة من العلوك، وقيل: هو دواء بالفارسية، وقيل: هو ندى يسقط على الغنم في بعض جزائر البحر. (¬5) لاذ به يلوذ لوذا، ولواذا، ولواذا، ولياذا: لجأ إليه وعاذ به. اللسان «لوذ» وانظر: التذييل (6/ 127 ب)، والمساعد (4/ 66)، والهمع (2/ 216). (¬6) شعر فينان: أي له فنون كأفنان الشجر .. الفينان الشعر الطويل الحسن قال أبو منصور: فينان فيعال من الفنن. اللسان «فنن» وقال سيبويه (4/ 218): «وسألته - أي الخليل - عن رجل يسمى فينانا فقال: مصروف؛ لأنه فيعال». وانظر: التذييل (6/ 128 أ)، والمساعد (4/ 66).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المادة، فتعين فعلان في الأول وفيعال في الثاني، واعلم أنه لم يمثل مع الهمزة إلا بما فيه تضعيف دون ما فيه حرف لين، ولم يمثل مع النون إلا بما فيه حرف لين دون ما فيه تضعيف، ولم أدر هل الموجب للاقتصار على ذلك عدم وجدان ما لم يذكر في اللغة العربية، أو أمر آخر، وأما ما يؤدّي إلى إهمال الوزن فهو أن تكون الكلمة تحتمل مادتها أصالة الهمزة وزيادة أحد المثلين، أو أصالة النون وزيادة أحد المثلين، أو أصالة الهمزة وزيادة اللين، أو أصالة النون وزيادة اللين، أو عكس هذه الأربعة، لكن يمنع من بعض ذلك كون هذا الوزن مهملا، ومثال ذلك في الهمزة: حوّاء للذي يعاني الحيات فيحكم على أحد المثلين بالزيادة، وعلى الهمزة بالأصالة وإن كانت الكلمة تحتمل مادتها الأصالة لأحد المثلين والزيادة؛ لأن مادة: (ح وو) موجودة ومادة: (ح وي) (¬1) موجودة - أيضا - لكن حملناه على زيادة أحد المثلين، وجعل وزنه فعّالا، ولم يحمل على زيادة الهمزة فيجعل وزنه فعلاء؛ لأن فعلاء مصروفا مهمل، ومثال عكس ذلك. ومثال ذلك في الوزن بعد الألف التي بينها وبين الألف حرف مشدّد لا يوجد أي إهماله يعني أنه لا يهمل شيء مما آخره نون قبلها ألف بينها وبين الفاء حرف مشدّد؛ لأنّا إن جعلنا النون أصلية وأحد المثلين زائد كان على وزن فعّال كحسّان من الحسن، وفعّال كحسّان من الحسن - أيضا - أو فعّال كحنّان وهو الحنّاء (¬2)، وإن جعلناها زائدة وأحد المثلين أصل كان على وزن فعلان كحسّان من الحس، أو على وزن فعلان كقرّان (¬3)، أو على وزن فعلان كحنّان فهذه الأوزان التي هي: فعّال، وفعّال، وفعّال، وفعلان، وفعلان، وفعلان؛ أوزان غير مهملة، فقول المصنف: أو أحد الوزنين لا يمكن أن يعود إلى ما آخره نون بعد ألف بينها وبين الفاء حرف مشدد؛ إذ جميع ما يتصور فيه من الأوزان موجودة غير مهملة؛ لكنه يرجع إلى ما آخره همزة بعد ألف قبلها وقبل الألف حرف مشدد وقد تقدم ذلك، ومثال إهمال أحد الوزنين فيما آخره نون بعد ألف قبلها وقبل الألف حرفان أحدهما لين؛ لا يوجد - أيضا - يعني أنه لا يهمل شيء منه؛ لأنّا - ¬

_ (¬1) قال ابن منظور في اللسان «حوا»: «ورجل حاو: يجمع الحيات»، وانظر: القاموس (4/ 324). (¬2) والحنّان: لغة في الحنّاء. اللسان «حنن». (¬3) وقران: اسم رجل، وقران في شعر أبي ذؤيب: اسم واد. اللسان «قرر»، وانظر: التذييل (6/ 128 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إن جعلنا النون أصلية وحرف اللين زائدا كان على وزن فيعال كخيتام (¬1)، أو فيعال كميلاع (¬2)، أو فوعال كتوراب (¬3)، أو فوعال كطومار (¬4)، أو فعيال كجريال (¬5)، أو فعيال كقنيان (¬6)، أو فعوال كجحوان اسم رجل من الجحن وهو سوء الغذاء (¬7)، أو فعوال كقرواش (¬8)، أو فعوال: كعصواد (¬9)، وإن جعلنا النون زائدة، واللين أصلا كان على وزن فعلان أو فعلان أو فعلان فجميع هذه الأوزان مما النون فيه زائدة أو أصل موضوعة غير مهملة إلا وزنا واحدا، فإنه موضوع، إن جعلنا النون زائدة وحرف اللين أصلا ومهمل إن جعلنا حرف اللين زائدا والنون أصلية، ومثال ذلك: خزيان، فمادة: (خ ز ن) موجودة، ومادة (خ ز ي) موجودة - أيضا - لكن إن جعلنا وزن: خزيان فعلانا كان هذا الوزن موضوعا، وإن جعلنا وزنه (فعيالا) (¬10) كان مهملا، فقد انحصر قوله: أو أحد الوزنين بالنسبة إلى ما آخره نون بعد ألف، وقبل الألف حرفان أحدهما لين في هذا الوزن وهو (فعيال) (¬11) إذ جميع الأوزان الممكنة فيه كلها موضوعة كما تقدم، وأما ما يؤدّي إلى قلة النظير أي: قلة نظير أحد المثلين؛ يعني إذا قلّ النظير لم يلتحق به وألحق بما كثر نظيره، فلا يتساوى إذ ذاك الحمل على أصالة الهمزة أو النون أو زيادتهما، فإن منع اشتقاق من الحمل على الأكثر حكم بالأقل كفينان وهو فيعال؛ لأنه مشتق من الفين (¬12)، وشيطان وهو فيعال؛ - ¬

_ (¬1) الختم والخاتم، والخاتم، والخاتام، والخيتام من الحلي. اللسان «ختم»، وانظر: الكتاب (4/ 260). (¬2) وميلاع نادر فيمن جعله فيعالا. اللسان «ملع». (¬3) التّراب، وانظر: الممتع (1/ 98، 293، 294، 593). (¬4) الطومار: الصحيفة. اللسان «طمر»، وانظر: الممتع (1/ 97)، (2/ 605، 751، 763). (¬5) الجريال: صبغ أحمر. اللسان «جرل»، وانظر: شرح الكافية (4/ 2046). (¬6) وفي قينان زيادة الياء؛ لأن مادة «قين» مهملة ومادة «قنن» موضوعة؛ لقولهم: قنن وأقنان. الهمع (2/ 216). (¬7) اللسان «جحن»، وانظر: التذييل (6/ 128 أ). (¬8) ومقارش وقرواش: اسمان. اللسان «قرش». (¬9) العصواد: الجلب والاختلاط. اللسان «عصد»، وانظر: الممتع (1/ 115)، والتذييل (6/ 128 أ). (¬10)، (¬11) كذا في (ب)، وفي (جـ) «فيعال». (¬12) وإن أخذت قولهم: شعر فينان من الفين وهو الغصن؛ صرفته في حالي النكرة والمعرفة، وإن أخذته من الفينة، وهو الوقت من الزمان؛ ألحقته بباب فعلان وفعلانة فصرفته في النكرة ولم تصرفه في -

[حكم نظير أحد المثالين]

[حكم نظير أحد المثالين] قال ابن مالك: (ويتعيّن اغتفار قلّة النّظير إن سلّم به من ترتيب حكم على غير سبب). ـــــــــــــــــــــــــــــ لقولهم: تشطن (¬1)، فيحملان على القليل وإن كان فعلان أكثر. ويحتاج إلى مثل ستة: مثالان يرجعان إلى ما آخره همزة بعد ألف بينها وبين الفاء حرف مشدّد قلّة وكثرة، ومثالان يرجعان إلى ما آخره نون كذلك، ومثالان يرجعان إلى ما آخره نون بعد ألف بينها وبين الفاء حرفان أحدهما لين، قلّة وكثرة فمثال الأول: قثّاء، إن جعلنا وزنه فعّالا كان كثيرا وإن جعلنا وزنه فعلاء كان قليلا، فيحمل على أن أحد الحرفين مزيد والهمزة منقلبة عن أصل، ومثال الثاني: رمّان إن جعلت نونه أصلية كان على مثال فعّال، وهو قليل وإن جعلت زائدة كان وزنه فعلانا، وفعلان كثير ولذلك: دكّان يحتمل الأمرين ولكن حمله على زيادة النون أولى؛ لأنه الأكثر وقد ذهب الأخفش إلى أن النون في: رمّان أصلية لكثرة فعّال في النبات (¬2)، وذكر المصنف في شرح الكافية أن الاشتقاق دلّ على أصالة نون: رمّان، لقولهم: أرض مرمنة، للبقعة الكثيرة الرّمّان (¬3). قال ناظر الجيش: كما تقدّم له أنه إذا قلّ نظير أحد المثالين فلا تحكم للنون باحتمال الأمرين أعني الأصالة والزيادة، بل إن قلّ نظير الأصالة وكثر نظير الزيادة حكمنا بالزيادة، وإن قلّ نظير الزيادة وكثر [6/ 133] نظير الأصالة حكمنا بالأصالة فجعل قلة النظير مانعة من الحكم أصالة وزيادة، ذكر: الآن أنّه يتعين القول (بقلّة) (¬4) - ¬

_ - المعرفة. اللسان «فين»، وانظر: الكتاب (3/ 216)، والتذييل (6/ 128 ب). (¬1) قال ابن منظور في اللسان «شطن»: (والشيطان فيعال من شطن إذا بعد؛ فيمن جعل النون أصلا، وقيل: الشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق)، وانظر: الكتاب (4/ 260، 321)، والممتع (1/ 261، 262)، والتذييل (6/ 128 ب). (¬2) ينظر: توضيح المقاصد (5/ 256)، وشرح الشافية (2/ 388). (¬3) قال في شرح الكافية (4/ 2045): وعلى من اطلع على الاشتقاق ألا يحكم إلا بمقتضاه، وإن لزم من ذلك مخالفة الأفضل، فمن ذلك قولي: إن نون (رمّان) أصلية لثبوتها في قولهم: (مرمنة) للبقعة الكثيرة الرّمان، وانظر: الكتاب (4/ 217)، والممتع (1/ 259، 260)، والتذييل (6/ 128 ب). (¬4) كذا في (ب) وفي (جـ) «بكثرة».

[الحكم بزيادة الياء والهمزة والميم أولا]

[الحكم بزيادة الياء والهمزة والميم أولا] قال ابن مالك: (وتترجّح زيادة ما صدّر من ياء أو همزة أو ميم على زيادة ما بعده من حرف لين أو تضعيف، فإن أدّى ذلك إلى شذوذ فك أو إعلال أو عدم نظير حكم بأصالة ما صدّر ما لم يؤدّ ذلك إلى استعمال ما أهمل من تأليف أو وزن كمحبب ويأجج). ـــــــــــــــــــــــــــــ النظير، إذا كان الحمل عليها يؤدي إلى السلامة من أن يترتّب حكم على غير سبب، ومثال ذلك قول العرب: غوغاء غير متصرف، فهمزته زائدة ووزنه فعلاء، وإن كان يلزم فيه أن يكون من باب: سلس وهو قليل - أعني ما تماثل فاؤه ولامه - فيحمل على هذا، وإن كان قليلا، ولا يقال: إنه فوعال ولا فعلان كصلصال وزلزال؛ لئلا يترتّب منع الصرف على غير سبب، فتعين أن يكون فعلاء، وإن أدّى القول به إلى قلّة النظير بأن يكون من باب: سلس. قال سيبويه: وأما الغوغاء، فمن قال: غوغاء، فأنّث ولم يصرف؛ فهي عنده مثل عوراء، ومن قال: غوغاء، فصرف وذكّر؛ فهي عنده بمنزلة القمقام (¬1). قال ناظر الجيش: لما تكلم المصنف في إيجاز التعريف على زيادة الهمزة والميم، وحكم بزيادة ما صدّر منهما على ثلاثة أصول كأصبع ومخلب، قال: فإن كان أحد الثلاثة التي بعدها حرف لين أو مكررا فهو أصل، والهمزة أو الميم زائدة نحو: أورق، وأيدع، وموئل، وميسر، وأشدّ، ومجنّ، ثم قال: فإن انفك المثلان كمهدد علم امرأة، فأحدهما زائد؛ إلا أن يوجب تقدير زيادته استعمال ما أهمل كمحبب، فإنّه مفعل، فإنّ تقدير زيادة إحدى بائيه يوجب أن يكون الأصل: (م ح ب) وهو تركيب أهملت العرب جميع وجوهه (¬2). انتهى. فقد انحل بهذا الكلام بعض هذا الموضع، وأما ما صدر بياء بعدها ثلاثة أحرف أحدها حرف لين، فقد مثّلوا له بيحيى اسم النبي عليه الصلاة والسّلام، وهو اسم أعجمي لكن قال ابن الباذش - وقد ذكر: يحيى وموسى وعيسى -: هذه الأسماء - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 386)، وانظر: الممتع (1/ 285، 292، 293)، (2/ 593)، والتذييل (6/ 128 ب)، والمساعد (4/ 68). (¬2) التذييل (6/ 130 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أعجمية وكل اسم أعجمي استعملته العرب، فالنحويون يتكلمون على أحكامه في التصريف على الحد الذي يتكلمون في العربي (¬1)، وقال ابنه أبو جعفر: فأما يحيى فوزنه يفعل ولا يكون فعلا؛ لأن الياء أولا يقضى عليها بالزيادة، للكثرة عند سيبويه (¬2)، ونقل عن الكسائي أن وزنه: فعلى، كذا عن غيره، قال: ولا يصح (¬3)، وأما ما صدّر من ياء - أيضا - وبعدها تضعيف قولهم: يلندد ويلنجج، وقد تقدم التمثيل لشذوذ الفك بمهدد، وإنما وجب القول بزيادة أحد المثلين دون الميم المصدّرة، وإن كان الحكم بزيادة كلّ منهما يمكن رجوعه إلى دليل اشتقاق؛ إذ يجوز أن يكون مفعلا من الهدّ، وفعللا من المهد؛ لأنه لو جعلت الميم هي الزائدة لوجب الإدغام كما في نظيره من: مكرّ ومفرّ، فوجب القول بأصالتها وزيادة أحد المثلين للإلحاق بجعفر الملحق لا يدغم؛ فلا شذوذ في الفك حينئذ، بل الفك واجب كما وجب في قردد حين ألحقوه بجعفر، فهذا هو الموجب للحكم بأصالة الميم وزيادة أحد الدّالين؛ لأنه لا شذوذ فيه، ولو عكس الأمر لكان فيه الشذوذ، وقول المصنف: أو إعلال ظاهره يعطي أنه معطوف على ذلك، فيكون المراد أن الوزن يؤدّي إلى شذوذ إعلال لو قيل بزيادة ما يصدّر من الحروف الثلاثة - أعني الياء، والهمزة، والميم - وحينئذ يقال بزيادة حرف اللين أو التضعيف، ومثال ذلك: (مدين) (¬4)، لكن تقرير الشيخ وتمثيله يقتضي أن يكون: «أو إعلال» معطوفا على «شذوذ»، فإنّه قال: ومثال ما أدّى إلى الإعلال قولهم: مدين، قال: فهذا يحتمل أن يكون مفعلا، وأن تكون الميم زائدة والياء أصلية، ويحتمل أن يكون فعيلا كضهيأ، عند من جعل وزنه فعيلا، وكان ينبغي أن يكون مفعلا، لترجيح زيادة الميم المصدرة على حرف اللين؛ إلا أنه عارضه؛ إذ لو كان على هذا الوزن لوجب أن يقل فكنت تقول: مدّان كما تقول: منّان ومجّان؛ لأن الواو والياء في مفعل يعلّان، فكذلك حكم بأصالة الميم وزيادة الياء؛ لأن عكسه يؤدّي - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 129 ب)، والمساعد (4/ 69). (¬2) ينظر: التذييل (6/ 129 ب)، والمساعد (4/ 69). (¬3) انظر: المرجعين السابقين. (¬4) مثل به في التذييل (6/ 130 أ)، وفي نسختي التحقيق بياض، وانظر: المساعد (4/ 69).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى الإعلال وهو لم يعل (¬1). انتهى. ولا يخفى عدم اختلال هذا الكلام، وأن هذا التفسير مناف لما يعطيه كلام المصنف، وأما ما يؤدّي إلى عدم النظير، فقد مثّل له بإمّعة (¬2)؛ فإنه كان ينبغي أن يكون وزنه إفعلة لترجيح زيادة الهمزة المصدّرة على التضعيف، لكن عارض ذلك أن إفعلة لا يوجد في الصفات؛ فحكم بزيادة أحد المضعفين، وأصالة الهمزة وعلى هذا فوزنه فعّلة (¬3)؛ لأن هذا الوزن له نظير في كلامهم، وأما قول المصنف: ما لم يؤدّ ذلك إلى استعمال ما أهمل من تأليف أو وزن، فأراد بذلك أنّه يرتكب شذوذ الفك أو الإعلال أو عدم النظير، ويحكم بزيادة ما صدّر وأصالة المضعف أو اللين إذا أدّى جعل المصدر أصلا وأحد المذكورين زائد إلى استعمال ما أهمل من وصف أو وزن؛ فمثال الأول: محبب فإن أصله مفعل، فالميم زائدة والفكّ فيه شاذّ (¬4)، وكان قياسه أن يقال فيه: محبّ كمكرّ ومفرّ (¬5)، ولو حكم بأصالة الميم وزيادة التضعيف لكان وزنه فعللا، ويؤدّي إذ ذاك إلى استعمال تأليف مهمل في اللغة العربية؛ لأنه ليس فيها مادة (م ح ب) وفيها (م ح ب ب) فكان احتمال شذوذ الفك أيسر من احتمال مادة مفقودة، ومثال الثاني قولهم: يأجج، هو بكسر الجيم (¬6)، فيحكم بأن وزنه يفعل؛ لأنه وزن موجود في لسانهم، فتكون الياء زائدة والجيمان أصلان ولا نقول: إن وزنه فعلل؛ لأنه وزن مهمل، ولا فأعل بزيادة الهمزة؛ لأنه وزن مهمل - أيضا - فلذلك حكم بزيادة الياء وأصالة ما سواها من الهمزة والجيمين. قال الشيخ: وحكى سيبويه في: يأجج فتح الجيم، وقال: الياء فيه من نفس الحروف (¬7). قال الأستاذ أبو علي: يعني أن الياء لو كانت في: يأجج زائدة؛ لكان المضعفان أصليين نحو: ردّ ويردّ ومردّ، فإظهارهم التضعيف دليل على أصالة الياء وزيادة أحد المضاعفين للإلحاق كما في مهدد، فوزن يأجج على هذا فعلل كجعفر، وحكى غير سيبويه - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 130 أ). (¬2) المرجع السابق. (¬3) ينظر: الكتاب (4/ 307، 308)، والممتع (1/ 55، 233، 234). (¬4) ينظر: الممتع (1/ 252)، (2/ 649، 733). (¬5) التذييل (6/ 130 أ). (¬6) يأجج بكسر العين وبفتحها اسم مكان من مكة على ثمانية أميال. اللسان «أجج»، والمساعد (4/ 70). (¬7) الكتاب (4/ 313).

[المزيد للإلحاق]

[المزيد للإلحاق] قال ابن مالك: (فصل: الزّائد إمّا للإلحاق وإمّا لغيره، فالّذي للإلحاق ما قصد به جعل ثلاثيّ أو رباعيّ موازنا لما فوقه ومساويا له مطلقا في تجرّده من غير ما يحصل به الإلحاق، وفي تضمّن زيادته إن كان مزيدا فيه، وفي حكمه ووزن مصدره الشّائع إن كان فعلا). ـــــــــــــــــــــــــــــ يأجج بكسر الجيم (¬1)، وهذه الحكاية توجب زيادة الياء، وأن يكون الإظهار شاذّا؛ لأنه ليس في الكلام نحو: جعفر بكسر ما قبل الأخير (¬2). انتهى كلام أبو علي. واعلم أني لم أكن [6/ 134] على وثوق ببعض ما كتبته في شرح هذا الفصل، وبعض الأمثلة إنما أوردته تقليدا، ويظهر لي أن ما أشار إليه الشيخ أبو عمرو بن الحاجب - رحمة الله تعالى عليه - في آخر باب ذي الزيادة من تصريفه يستعان به في حل أكثر صور هذا الفصل، والنّاظر إذا نظر في ذلك لا يخفى عليه أن ينزّل ما ذكره ابن الحاجب (¬3) من الأمثلة على أكثر هذه المسائل. قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام في ما تقدم على المزيد لغير الإلحاق، شرع الآن في ذكر المزيد للإلحاق، وقد علم مما تقدّم أن الزائد لإلحاق أو تضعيف، لا يتعين كونه من أحرف الزيادة؛ بل قد تكون زيادة الإلحاق منها وقد تكون من غيرها وكذا زيادة التضعيف - أيضا - وتقدم التنبيه على أن أحرف الزيادة، إنما تزاد لأسباب وأن النحاة ذكروا أنها سبعة، وتقدم ذكر المناقشة في بعضها وأن الظاهر أنها خمسة أسباب لا غير، أحدها الإلحاق، وكأنه إذا انتفى كون الزائد من الحروف العشرة دالّا على معنى أو كونه للمدّ أو العوض أو التكثير تعين أن يكون للإلحاق، أما إذا كان الزائد للإلحاق من غيرها؛ فمعلوم أنه للإلحاق قطعا، ولا جائز أن يكون لغير الإلحاق؛ لما علم من أن الزيادة لغير إلحاق أو تضعيف لا تكون إلا من الأحرف العشرة - أعني أحرف الزيادة - إذا تقرر هذا فقول المصنف: الزائد إما للإلحاق وإما - ¬

_ (¬1) شرح الشافية (2/ 389)، والجاربردي (1/ 234)، والتكملة (ص 235)، واللسان «أجج»، والمساعد (4/ 70). (¬2) التذييل (6/ 130 أ، ب)، وانظر: التكملة (ص 235). (¬3) شرح الشافية (2/ 386).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لغيره - فيه إشارة إلى ما قلناه من أن الزيادة تكون لأسباب غير الإلحاق، لكنه لم يتعرض لتبيين ما يقصد بالمزيد لغير الإلحاق، وهي الأمور الأربعة التي ذكرناها متقدمة ثم آنفا - أعني الدلالة على معنى، والمد، والعوض، والتكثير - وإنما تقدم له الكلام على الزائد لغير الإلحاق دون ذكر ما يقصد به من الأمور الأربعة، ثم أشار إلى المقصود بالإلحاق، وما هو بقوله: فالذي للإلحاق ما قصد به ... إلى آخره. والحاصل: أن الإلحاق يقصد به: جعل الناقص مساويا للزائد؛ ليعامل معاملته، والطريق فيه أن يعمد إلى ثلاثي أو رباعي فيجعل موازنا لما فوقه ومساويا له مطلقا في تجرده من زيادة ليست في الملحق به، وفي تضمن زيادة هي في الملحق به، وكذا يجعل مساويا له - أيضا - في حكمه، هذا إن كان الملحق به اسما، وإن كان الملحق به فعلا اشترط مع ما ذكر أمر آخر، وهو مساواة الملحق بالملحق به، في وزن مصدره الشائع، وقوله: موازنا لما فوقه أي: لما فوق أحد المذكورين؛ وذلك بأن يجعل الثلاثي موازنا للرباعيّ كرعشن مثلا؛ فإنّه ملحق بزيادة النون بجعفر (¬1) أو بخماسيّ كانقحل فإنه ملحق بزيادة الهمزة والنون بجردحل، أو الرباعي موازنا لخماسي كفردوس؛ فإنه ملحق بزيادة الواو بجردحل - أيضا - وقوله: ومساويا له مطلقا كأنّه يعني بذلك المساواة في: تثنية، وجمع، وتصغير، ونسب، وضم حرف المضارعة في تجلبب كما يضم في تدحرج ونحو ذلك. وقال الشيخ: «مطلقا»، يعني سواء أكان اسما أو فعلا (¬2)، وفيه بعد؛ لأن قول المصنف بعد ذلك: ووزن مصدره الشائع إن كان فعلا - يعطي أن المذكور قبله غير مخصوص بالفعل، وإذا كان غير مخصوص اشترك فيه الاسم والفعل، وهذا معنى الإطلاق، فعلى هذا قوله: مطلقا لا فائدة فيه حينئذ، وقوله: في تجرده، يعني به أن الملحق به إذا لم يكن فيه شيء من حروف الزيادة وكان في الملحق شيء منها وجب تجرده منه ليوافق الملحق به في التجرد من ذلك الزائد، ولما أوجب التجرد المذكور، وكان الحرف الذي يحصل به الإلحاق زائدا، ولا بد منه؛ إذ لا يتم الإلحاق ولا يتصور إلا به، أخرجه بقوله: من غير ما يحصل به الإلحاق، يعني أن الملحق تجرد من كل زائد ليس في الملحق به إلا من الحرف الذي حصل به الإلحاق، فإنه لا يجرد منه، مع أنه - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 130 ب). (¬2) التذييل (6/ 131 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليس في الملحق به وعلى هذا من غير متعلقه بتجرده، وكأن الشيخ علّقها بقوله: مساويا؛ فإنه قال في شرح الكافية: من غير ما (يحصل) (¬1) به الإلحاق فإنه لا يساويه في ذلك إذ هو في المقابل أصل، وفي الملحق زائد فلا يتساويان في ذلك (¬2)، ولا يخفى بعد هذا الذي ذكره عن مراد المصنف مع أنه لا فائدة فيه حينئذ؛ لأن من المعلوم أن الحرف الذي في المقابل أصل وفي الملحق زائد، ويدل عليه قوله: الزائد إما للإلحاق وإما لغيره، وقوله بعد ذلك جعل ثلاثي أو رباعي موازنا لما فوقه؛ لأن المراد بالثلاثي والرباعي المذكورين ما حروفه كلها أصول؛ فيتعين أن المراد بما فوق كل منهما ما هو كذلك، وقوله: في تضمن زيادته يعني أنه إذا كان في الملحق به زيادة وجب أن يضمّن الملحق تلك الزيادة، ومثال ذلك: أن يبنى من سحك مثل: احرنجم، فإنك تقول: اسحنكك (¬3) فإحدى الكافين للإلحاق والنون في احرنجم زائدة فأتي بها في الملحق، وكذا لو بني من: دحرج مثل قبعثرى لقيل: دحرجحى (¬4)؛ فزيد حرف خامس يقابل راء قبعثرى، وزيد ألف في آخره مقابل ألفه فضمّن الملحق الزيادة التي في الملحق به وقد يجب تجريد الملحق من الزائد وتضمينه زائدا هو في الملحق به في كلمة واحدة وذلك كأن يبنى من مقعنسس مثل: سميدع فتجرد مقعنسسا مما ليس في سميدع وهو الميم والنون وثبتت فيه ياء بإزاء الياء، ويغتفر بقاء السين الثانية؛ إذ لا يكمل الإلحاق بدونها فتقول: قعيسس قابلت السين بالقاف، والميم بالعين، والياء بالياء، والدال بالدال، والعين بالسينين، وقوله: وفي حكمه يريد به أن الملحق يجعل - أيضا - مساويا للملحق به في حكمه، فما يثبت للملحق به من أحكام الصحة والإعلال وغيرهما يثبت للملحق؛ فلو بني من الضّرب مثل: جعفر؛ لقيل: ضربب أو مثل: برثن؛ لقيل: ضربب، ولو بني من البيع مثل: ضيون؛ لقيل: بيوع بالتصحيح ولا يعل، ولو بني من القول مثل: طيّال؛ لقيل: قيّال - ¬

_ (¬1) كذا في (ب) وفي (جـ) «يساوي». (¬2) قال: «علامة المثال الملحق بمثال آخر أن يكون الملحق مشاركا للملحق به في ثبوت ما فيه من زائد، وتجريده مما ليس فيه إلا ما لا يكمل إلحاقه بدونه». شرح الكافية (4/ 2065). (¬3) اسحنكك الليل: اشتدت ظلمته. اللسان «سحك»، وانظر: الممتع (1/ 305، 635)، والتذييل (6/ 131 أ). (¬4) ينظر: التذييل (6/ 31 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالإعلال (¬1)، وكأن الأمر إنما كان كذلك؛ لأن المقصود من الإلحاق التقابل، وهو إنما يحصل إذا قوبل الصحيح بمثله، والمعلّ بمثله، ومن هنا امتنع الإدغام في الملحق بتضعيف كقردد الملحق بجعفر، فإن الفك فيه واجب؛ وذلك لأنه لو حصل الإدغام لحصل بالتقابل، والتقابل مقصود، نعم لو كان أول المثلين في الملحق المذكور ساكنا تعين الإدغام نحو: خدبّ (¬2)؛ فإنه ملحق بقمطر (¬3) بتضعيف الياء، وقال المصنف في شرح الكافية: وإنما اغتفرت هذه المخالفة يعني في: خدبّ لما في الفك من الصعوبة والثقل (¬4). انتهى. ولا يخفى أن هذا التعليل ليس بجيد، والحق أن يقال في التعليل [6/ 135]: إن هذا الإدغام في مثله ليس فيه إخلال بالتقابل، واعلم أن النّحاة ذكروا أنه لو بني مثل: جعفر من قرأ؛ لقيل: قرأا والأصل: قرأأ: فاجتمع همزتان مؤخرتان، والقاعدة في الهمزتين المتحركتين إذا كانتا مؤخرتين أن تبدل الثانية ياء، سواء كانت الأولى مفتوحة أم مضمومة أم مكسورة، فلما أبدلت الثانية ياء، قيل: قرأي، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، ولو بني من قرأ مثل: برثن أو زبرج لقيل: قرأي وقرإي، على ما هو معروف في باب تخفيف الهمز، وعلى هذا لم يساو الملحق الملحق به في الصحة، فإما أن يستثنى مثل هذا من المساواة في الحكم، ويعلّل استثناؤه بأن اجتماع همزتين متحركتين مرفوض في كلامهم، وإما أن يقال: لا حاجة إلى الاستثناء؛ لأن المراد بالمساواة في الحكم أن يكون الملحق به يستحق شيئا ويكون على خلافه كضيون، فإنه يستحق الإعلال، فصحح، وكطيّال فإنه يستحق التصحيح؛ لعدم إعلال الواو في مفرده الذي هو طويل، وأعلّ، فالملحق بكل من هذين يعامل معاملته، أي: إذا كان الملحق يستحق الإعلال كما يستحقه الملحق به، ولكن الملحق به صحّح، وجب التصحيح في الملحق، وهكذا العكس، أما إذا كان الملحق به صحيحا كجعفر مثلا، والملحق يستحق إعلالا في نفسه كقرأأ؛ فإنّ الملحق يوفّى حقه من - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 131 أ) والمساعد (4/ 72، 73). (¬2) الخدب: الشيخ، والخدب: العظيم. اللسان «خدب»، وانظر: الكتاب (4/ 289، 326)، والممتع (1/ 86)، (2/ 648)، وشرح الكافية لابن مالك (4/ 2076). (¬3) القمطر: الجمل القوي السريع. اللسان «قمطر». (¬4) شرح الشافية الكافية (4/ 2067).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعلال، والظاهر أن يعول على هذا الثاني، وإنما احتجت إلى إيراد ما ذكرت؛ لأن الشيخ قال: إنه قد وجد في بعض النسخ - يعني نسخ التسهيل - لفظ: غالبا (¬1)، بعد ذكر المساواة في الحكم قال: ففي قوله: غالبا، ما يدل على أن الملحق قد لا يحكم له بحكم مقابله، وإن كان الغالب عليه أن يحكم عليه بحكمه، قال: ومثال ما خرج عن بعض الأحكام، عن مقابله أن تبني من: قرأ، مثل: درهم فنقول: قرأى وأصله: قرأأ، بهمزتين، فسهّلت الأخرى بإبدالها ألفا؛ إذ لا يوجد في لسانهم ذلك، فهذا قد خالف مقابله في بعض أحكامه (¬2). انتهى، وفي كون هذا مخالف لمقابله نظر وبعد، فإن ثبتت المخالفة كما قال؛ فتكون هذه المسألة مستثناة كما تقدم، وإن لم تثبت المخالفة استغني عن ذكر هذه المسألة رأسا، وهذا هو الظاهر كما تقدمت الإشارة إليه، وقول المصنف: ووزن مصدره الشائع إن كان فعلا قد سبقت الإشارة إلى أن هذا الشرط مختص بالفعل؛ فالفعل يشارك الاسم فيما تقدّم ويزيد عليه بأن يوافق الملحق الملحق به في وزن مصدره، وهذا الشرط قد كان يستغنى عن ذكره بما ذكره أوّلا، وهو مساواة الملحق الملحق به مطلقا، فإن من جملة المساواة مطلقا موازنة المصدر المصدر، لكن إنما احتاج إلى ذكره نصّا؛ لأجل تقييده بالشائع كما ستعرفه. والحاصل: أنه متى ألحق فعل بفعل أزيد منه، وجب أن يوازن مصدره مصدره، فيقال في مصدر: بيطر، وجهور: بيطرة وجهورة؛ لأنهما ملحقان بدحرج، ومصدره دحرجة (¬3)، وقد يأتي مصدر فعلل على فعلال، قالوا: سرهف سرهافا مع قولهم: سرهفة، لكن سرهفة شائع، وسرهافا ليس بشائع، وبيطر لا يقال في مصدره: بيطار (¬4)؛ فقد وافق الملحق الملحق به في مصدره الشائع، أي: الكثير المقيس دون القليل، وعرف من هذا أنه وافق في وزن المصدر الشائع فكفى، ولا يضر عدم موافقته في وزن المصدر الذي ليس بشائع. بقي هاهنا بحث: وهو أن الشيخ ناقش المصنف في أمرين: أما أولا: ففي قوله: فالذي للإلحاق ما قصد به جعل ثلاثي أو رباعي موازنا لما - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 131 أ)، وينظر: التسهيل (ص 298). (¬2) ينظر: التذييل (6/ 131 أ)، والمساعد (4/ 73). (¬3) ينظر: التذييل (6/ 131 أ). (¬4) المرجعين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فوقه، فقال في قوله: قصد نظر؛ لأن الواضع الذي نطق بجوهر لا يقول: إنه قصد به الإلحاق بجعفر مثلا، وإنما هذا اعتبار النحوي لا اعتبار الواضع، فلما نظر النحوي إلى مادة: جوهر، رأى أن الحروف الأصلية إنما هي: الجيم، والهاء، والراء؛ فحكم على الواو بأنها ليست حرفا أصليّا، ثم نظر في زيادتها لأي معنى يكون فرأى انتفاء الأشياء الستة التي ذكرها قبل عن هذه الواو، فتخيل أن هذه الواو جعلت مقابلة للعين في جعفر فسماها زيادة للإلحاق، أي: لإلحاق بنات الثلاثة ببنات الأربعة، وكذلك فيما أشبهها ولو استفهمت الواضع للفظة جوهر - أي العربي القح الناطق على سليقته - عن الواو في جوهر؛ لما فهم أنها زائدة للإلحاق، وأنها مقابلة للعين في جعفر؛ فلا حاجة لقول المصنف: ما قصد به كذا (¬1). انتهى. ويلزم مما ذكره أن الواضع كما لا يقصد بذلك المزيد للإلحاق، لا يقصد بالمزيد لغير الإلحاق ما أريد بزيادته؛ فحينئذ لا يقصد الدلالة على معنى، ولا المدّ، ولا العوض، ولا التكثير، وهذا في غاية من البعد؛ لأنه يفضي إلى أنّ الواضع يضع الكلمة من غير اعتبار شيء، وكيف يكون ذلك والواضع قد قال: ضرب، ويضرب، وضارب، ومضروب، وهو يقصد بكل صيغة معنى، ولولا ذلك الحرف المزيد على المادة الأصلية لم يجز له قصد ذلك المعنى، فالظاهر أنه يقصد بالحرف المزيد المعنى الذي زيد الحرف لأجله، ولا شك أن إلحاق الكلمة بأخرى ليعامل معاملتها أمر يمكن قصده؛ فالواضع قصد الموازنة والمقابلة لا بد من هذا، نعم النحوي سمّى هذا - يعني موازنة كلمة لما فوقها بزيادة حرف أو حرفين - إلحاقا. وأما ثانيا: ففي قوله: موازنا لما فوقه، قال: فإنّ معناه أن يجعل على وزنه، وليس بجيد؛ لأنه ليس على وزنه؛ لأن وزن: جعفر فعلل، ووزن: رعشن فعلن؛ فإذا ليس على وزنه، إنما هو موافق في الحركات والسكنات وعدد الحروف (¬2). انتهى. أما قوله: إن نحو: رعشن ليس على وزن جعفر، فغير مسلّم، بل هو على وزنه، لكنه لا يوزن بما يوزن به جعفر، ولا شك أن اللفظ إذا وافق لفظا آخر في الحركات والسكنات وعدّة الحروف كان موازنا له فهو على وزنه، أما كونه يوزن بما يوزن به الآخر، أو لا يوزن؛ فهو حكم غير الأول، وأما كون راء جعفر في الزنة - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 130 ب). (¬2) المرجع السابق بتصرف.

[إلحاق الألف والهمزة]

[إلحاق الألف والهمزة] قال ابن مالك: (ولا تلحق الألف إلّا آخرة مبدلة من ياء، ولا الهمزة أوّلا إلّا مع مساعد كنون ألندد وواو ادرون، ولا إلحاق في غير تدرّب وامتحان إلّا بسماع). ـــــــــــــــــــــــــــــ تقابل باللام، ونون رعشن تقابل بمثلها، فهذا قد عرف من كلام المصنف في ما تقدم، وعلى هذا فلا يتوجه على المصنف مؤاخذة. قال ناظر الجيش: اعلم أن الحروف كلها صالحة لأن تقع للإلحاق، ولم يستثن منها سوى حرفين هما: الألف، والهمزة؛ لكن الهمزة مستثناة في حالة دون حالة، وأما الألف فمستثناة مطلقا، وإلى الألف أشار بقوله: ولا تلحق الألف إلا آخرة [6/ 136] مبدلة من ياء. قال في شرح الكافية: وأما الألف فإنها لمّا لم يكن لها حظّ في الأصالة؛ لم يقابل بها أصل، وقد جرت عادة النحويين أن ينسبوا الإلحاق إلى ألف: حبنطى وشبهه، وإنما يريدون بذلك أنها بدل الإلحاق، فنسبوا الإلحاق إليها، كما نسبوا التأنيث إلى همزة صحراء وشبهه، وإنما الهمزة بدل ألف التأنيث (¬1). انتهى. وحبنطى ملحق بسفرجل (¬2)، وكذا علقى في لغة من نوّن ملحق بجعفر (¬3)، وذفرى في من نوّن - أيضا - ملحق بدرهم (¬4) وكذا اسلنقى ملحق باحرنجم (¬5)، وقد علّل (¬6) عدم وقوع الألف للإلحاق، أما حشوا؛ فلأنها إذ ذاك لا تكون إلا منقلبة، كما أن الألف في الأصل لا تكون إلا منقلبة، فإن قابلت ساكنا لم يصح؛ لأن الألف لا تكون منقلبة عن ساكن؛ إذ لا موجب لإعلاله، فإن قابلت متحركا لزم تخالف الملحق والملحق به؛ إذ الحرف في الملحق به متحرك. وقد صار مقابله في الملحق ساكنا، وأورد على هذا أن ما عللتم به لازم في وقوعها للإلحاق آخرا، وأجيب بأن حركة الآخر لا تكون من البناء؛ فلم يعتد بها (¬7)، ولقائل أن يقول: لا يلزم من وقوع الألف للإلحاق حشوا أن تكون منقلبة، ولا يلزم - ¬

_ (¬1) شرح الكافية لابن مالك (4/ 2069) وما بعدها بتصرف. (¬2) ينظر: الكتاب (3/ 212)، والتذييل (6/ 131 أ). (¬3) التذييل (6/ 131 أ). (¬4) المرجع السابق. (¬5) ينظر: الممتع (1/ 169). (¬6) يعني الشيخ أبا حيان. (¬7) التذييل (6/ 131 أ، ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من كون الألف في الكلمة الملحق بها منقلبة أن تكون في الملحق كذلك؛ لأن المقصود المقابلة في الجملة، وقد قوبل ألف صورة بألف وهذا كاف، والأقرب في التعليل ما ذكره ابن الحاجب، وهو أن يقال: لما قصدوا في الإلحاق إلى وقوع الحرف الزائد موقع الأصل، كرهوا أن يجعلوه في الحشو ألفا؛ فيؤدي إلى تحريك ألف في حكم الأصلية، فرفضوه لذلك، ولم يوقعوها للإلحاق إلا آخرا لإمكان بقائها غير متحركة؛ لأنها لو كانت متحركة لقلبت ألفا، قال: وإنما لزم تحريكها حشوا؛ لأنها إن كانت ثانية وجب تحريكها في التصغير، وإن كانت ثالثة وجب تحريكها بعد ياء التصغير، وإن كانت رابعة وجب وقوعها آخرا في التصغير والجمع؛ لأنها إذا كانت رابعة حشوا وهي للإلحاق فلا تكون إلا للإلحاق بالخماسيّ فيجب حذف الآخر ليمكن جمعه وتصغيره (¬1). انتهى. وأما عدم وقوعها للإلحاق آخرا فقد قال ابن الحاجب: وقد يقال: إن الألف لا تقع للإلحاق آخرا - أيضا - وذلك لأن الآخر يكون محرّكا أبدا وإن كانت حركته عارضة وإذا كان كذلك فلا تتأتى الألف؛ لسكونها، وإذا وجد في آخر كلمة ألف للإلحاق قدرت ياء تحركت وانفتح ما قبلها، فانقلبت ألفا (¬2). انتهى. فانظر إلى هذا الرجل كيف ذكر شيئا على وجه البحث والاحتمال من أن الألف لا تقع للإلحاق آخرا فأصاب الشاكلة، وعرف من هذا أن الألف لا تقع للإلحاق أصلا، وهذا مذهب المحققين وهو الصحيح (¬3)، وقد منع ابن هشام الخضراوي ذلك وقال: إنه لم يقل أحد في ألف الإلحاق: إنها منقلبة، قال: ولو انقلبت كان الإلحاق بالمنقلب عنه (¬4)، ويقال عنه: نعم الإلحاق بالمنقلب عنه لا بألف، فما المانع من ذلك؟ وإنما قال المصنف: منقلبة عن ياء؛ لأنها إنما تكون رابعة أو خامسة، فإن كان ذلك الحرف ياء في الأصل فالألف عنه، وإن كانت واوا وجب قلبها ياء. كما تقلب في نحو: أغزيت واستغزيت (¬5)، ثم تصير ألفا. ثم اعلم أن ابن الحاجب - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 131 ب)، وشرح الشافية (1/ 57 - 58)، وابن يعيش (7/ 156). (¬2) التذييل (6/ 131 ب). (¬3) ينظر: المرجع السابق، وابن يعيش (7/ 156)، والممتع (1/ 206، 207). (¬4) التذييل (6/ 131 ب). (¬5) ينظر التذييل (6/ 131 ب) والمساعد (4/ 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إنما منع وقوع الألف للإلحاق حشوا في الاسم؛ لأنه يرى وقوعها للإلحاق حشوا في الفعل، وذلك أنه يدعي أن نحو: تغافل ملحق وتبع في ذلك الزمخشري (¬1)، وقال بهذه المقابلة ابن عصفور أيضا (¬2). والحق أن نحو: تغافل ليس ملحقا، وأما الهمزة فلها حالتان كما تقدم حالة يجوز فيها وقوعها للإلحاق وهي إذا كانت غير مصدّرة بأن تكون حشوا أو طرفا، وحالة لا يجوز فيها ذلك وهي إذا كانت الهمزة مصدّرة؛ ولهذا لم يقولوا في أفكل: إنه ملحق بجعفر، نعم إذا كان مع الهمزة حرف آخر للإلحاق؛ جاز وقوعها صدرا، فيكون الإلحاق قد حصل بالحرفين - أعني الهمزة المصدّرة وذلك الحرف - وإلى هذا أشار المصنف بقوله: ولا الهمزة أوّلا إلا مع مساعد كنون: ألندد، وواو: إدرون (¬3)، فأفاد قوله: أولا أنها تقع حشوا وطرفا، مثال الأول: شأمل فإنه ملحق بجعفر، وقد يكون معها حرف زائد نحو: حطائط؛ فإنّه ملحق بغدافر. ومثال الثاني: غرقئ (¬4) فإنه ملحق بزبرج، وقد يكون معها حرف زائد نحو: علباء فإنّه ملحق: بقرطاس. وأفاد قوله: إلا مع مساعد أن الهمزة إذا وقعت أوّلا، وليس معها حرف آخر لا تكون الهمزة للإلحاق، وذلك نحو: أفكل كما تقدم. وأفاد قوله: كنون ألندد، وواو إدرون، أن الحرف الذي يقع مع الهمزة للإلحاق: إما نون وإما واو، والظاهر أن المساعد لا يكون غيرهما أما ألندد فملحق بسفرجل، وهو مشتق من: اللّدد؛ فالهمزة فيه والنون زائدان للإلحاق، وإظهار التضعيف يدل على ذلك، وإدرون بمعنى: الدرن (¬5)؛ فالهمزة والواو فيه زائدان للإلحاق، بجردحل، ثم إن المصنف أشار بقوله: ولا إلحاق في غير تدرّب وامتحان إلا بسماع إلى أن الإلحاق لا يجوز في غير ما سمع عن العرب إلا في موضعين: أحدهما: أن يتدرب الطالب بإعمال فكره فيبني من كلمة مثال كلمة أخرى. والآخر: أن يمتحن الطالب ليعلم صحة نظره فيقال له: ابن من كذا مثل كذا، - ¬

_ (¬1) المفصل (ص 278) وشرح الشافية (1/ 67). (¬2) ينظر: الممتع (1/ 206، 207). (¬3) الإدرون: المعلف. اللسان «درن»، وانظر: الممتع (1/ 106)، والتذييل (6/ 132 أ). (¬4) الغرقئ: القشرة الملتزقة ببياض البيض. اللسان «غرق»، وانظر: المساعد (4/ 75). (¬5) ينظر: التذييل (6/ 132 أ) والمساعد (4/ 74).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإذا بنيت من كذا كيف ينطق به؟ (¬1) ومعنى هذا الكلام: أن إلحاق كلمة بأخرى إنما هو الواضع أما إلحاق غير الواضع فلا يكون حكمه حكم إلحاق الواضع في أن تعدّ تلك الكلمة من كلام العرب، وهذا هو الظاهر، بل الحق؛ لأن من شرط الكلمة الوضع، فإذا لم يكن الإلحاق من الواضع؛ لم تكن الكلمة موضوعة، لكن إذا استعمل غير الواضع الإلحاق؛ لقصد تدرب أو امتحان كان ذلك جائزا، ولا تلحق تلك الكلمة بكلام العرب، ونقل ابن عصفور في أن يبنى من كلمة مثل أخرى، وهل يجوز أو لا ثلاثة مذاهب للنحويين: أحدها: أنه لا يجوز شيء من ذلك، وإنما يقصد بذلك بيان أنه لو كان من كلام العرب، كيف يكون حكمه في النطق (¬2) به؟ والثاني: أنه جائز على كل حال (¬3). والثالث: التفصيل (¬4)، وهو أنه إن كانت العرب قد فعلت مثل ذلك فعلا مطردا جاز، وإلا فلا؛ فعلى هذا إذا بنيت من الضرب مثل جعفر فقلت: ضربب كان عربيّا، وجاز التكلم به نظما ونثرا؛ لأن العرب ألحقت الثلاثي بالرباعي (¬5) بالتضعيف كثيرا نحو: قردد، ومهدد، وعبدد، ورمدد، ولا فرق [6/ 137] بين قياس الألفاظ على الألفاظ والأحكام على الأحكام، وأنت إذا قلت: طاب الخشكنان (¬6) ترفعه (إذا كان فاعلا) (¬7)، وإن لم تكن العرب رفعته بل لم يتكلم به لكن لمّا رفعت نظائره من الفاعلين، هذا كلام ابن عصفور (¬8). قال الشيخ: والذين قالوا بالقياس في هذه الأشياء - يعني بجواز البناء مطلقا - اختلفوا في المعتل والصحيح أنهما باب واحد، فما سمع من أحدهما قيس عليه - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 132 أ). (¬2) وهو اختيار المصنف، وقال في المساعد (4/ 76): (وهو ظاهر مذهب الخليل)، وفي التذييل (6/ 132 أ): «وحجة هذا المذهب أنه إحداث لفظ لم تتكلم به العرب». (¬3) وحجته أن العرب قد أدخلت في كلامها الألفاظ الأعجمية كثيرا، وسواء كان بناء الأعجمي على بناء كلامهما أم لم يكن فلذلك يجوز إدخال هذه الألفاظ المصنوعة منّا في كلامهم قياسا على الأعجمية، إن لم يكن منها، وهذا مذهب أبي علي. التذييل (6/ 132 أ)، وانظر: المساعد (4/ 77). (¬4) نسبه في الارتشاف إلى المازني (1/ 114). (¬5) ينظر التذييل (6/ 132 ب)، والمساعد (4/ 76)، والارتشاف (1/ 114)، والهمع (2/ 217). (¬6) ضرب من الطعام، الممتع (2/ 734) هامش (1)، وانظر: الهمع (2/ 217). (¬7) كذا في الممتع (2/ 734) وسقطت من النسختين. (¬8) الممتع (2/ 733، 734).

[الإلحاق بالتضعيف]

[الإلحاق بالتضعيف] قال ابن مالك: (ويقارب الاطّراد الإلحاق بتضعيف ما ضعّفت العرب مثله؛ فلا يلحق بتضعيف الهمزة، ولا بتضعيفين متّصلين لإهمال العرب لذلك فإن قصد التّدرّب؛ فلا بأس به، ولو كان إلحاقا بأعجمي أو بناء مثل منقوص وفاقا لأبي الحسن بشرط اجتناب ما اجتنبت العرب من تأليف أو هيئة). ـــــــــــــــــــــــــــــ الآخر، وهما بابان متباينان يجري في أحدهما ما لا يجري في الآخر. ذهب سيبويه وجماعة إلى أنهما باب واحد، وذهب الجرمي (¬1) إلى أنهما بابان وهو قول أبي العباس. قال سيبويه: إذا أردت أن تبني من قال وباع مثل: إبل قلت: قول وبيع (¬2)، قال أبو العباس: وأرى بناء ذلك خطأ؛ لأن العرب لم تبن من المعتل على مثال فعل، والصحيح جنس والمعتل جنس، ولا أبني فيعلا نحو: سيّد من الصحيح لاختصاصه بالمعتل، ولا أبني من المعتل مثالا على افعوعل ويبنى منه على أفعالات، وسيبويه والخليل يبنيانه من الأول (¬3). قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الإلحاق في غير تدرّب وامتحان لا يكون إلا بسماع، وعرف من كلامه أن إلحاق الكلمة بأخرى دون تنوين الأمرين لا يجوز، وكان هذا الكلام مطلقا شاملا لكل صورة تفرض من صور الإلحاق، أشار الآن بهذا الذي ذكره إلى ما هو كالاستثناء مما تقدم، وكأنه قال: لا يجوز الإلحاق دون الأمرين المذكورين، إلا إذا كان الإلحاق بتضعيف؛ فإنه يجوز كثيرا كثرة تقارب الاطراد، ولكنه لا يلحق رتبة الاطراد، يعني أنه لا يقاس، وعلم من ذلك أن الإلحاق بغير تضعيف باق على الحكم المذكور أوّلا، وهو عدم جوازه، فالذي يقارب الاطراد إنما هو الإلحاق بالتضعيف، كما إذا ألحقنا بجعفر من: قرد أو: ضرب أو: خرج، فنقول: قردد وضربب (¬4) وخرجج، وإنما جاز هذا دون - ¬

_ (¬1) والمبرد. التذييل (6/ 132 ب)، والمساعد (4/ 76). (¬2) الكتاب (2/ 368). (¬3) ينظر: التذييل (6/ 132 ب)، والمساعد (4/ 76)، والارتشاف (1/ 114 - 115). (¬4) ينظر: الكتاب (4/ 309 - 326، 401)، والممتع (1/ 52، 87، 205، 207، 208)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ غيره؛ لكثرة ما جاء عن العرب من الإلحاق بالتضعيف، ويشعر كلام الشيخ بعض إشعار بأن يكون التضعيف في لام الكلمة، ولا تقييد في كلام المصنف لمّا كان تضعيف الهمزة مهملا في كلام العرب، وكذا توالي تضعيفين في كلمة دون فاصل بينهما قيّد كلامه بأن قال: بتضعيف ما ضعفت العرب مثله ... إلى آخره، فعلم من هذا أن تضعيف الهمزة غير جائز، وذلك لثقلها ومن ثم جاز تحققها مفردة وإذا انضم إلى الهمزة همزة أخرى في كلمة، وجب التخفيف بإبدال إحدى الهمزتين كما تقول في أأممة: أئمّة؛ ولأجل هذا لو بني من قرأ مثل جعفر لقيل: قرأي، وكذا لا يجوز توالي تضعيفين وهو المراد بقوله: ولا بتضعيفين متصلين، ومثال ذلك أن يقال: ابن من كم مثل: جردحل؛ فلا يتصور ذلك إلا بتضعيف الميم مرتين فيقال: كمّم، وقد علل امتناع الأمرين بقوله: لإهمال العرب (¬1) لذلك على أن ذلك قد يفهم من قوله: ما ضعّفت العرب مثله، وإردافه ذلك بقوله: فلا تلحق بكذا ولا بكذا؛ لأن هذا الكلام يعطي أن العرب لم تفعله، فالظاهر أن قوله: لإهمال العرب لذلك تأكيد لزيادة البيان، واحترز بقوله: متصلين من أن يكون التضعيفان منفصلين، فإن العرب لم تهمل ذلك ومثاله: صمحمح، ودمكمك، وجلعلع، وهذا إنما يمتنع إذا لم يقصد التّدرّب، أما إذا قصد فيجوز الإلحاق بتضعيف الهمزة وبتضعيفين متصلين، وإلى ذلك الإشارة بقوله: فإن قصد التّدرب فلا بأس به، وذلك أن يقال: إذا بني من قرأ مثل جعفر أو زبرج أو برثن كيف تنطق به؟ فيقال: قرأى وقرئي وقرؤو، على ما هو المعروف في باب تخفيف الهمزة، ثم أشار المصنف بقوله: ولو كان إلحاقا بأعجمي ... إلى آخره، إلى أن الإلحاق بالأعجمي جائز عند قصد التدرب، وكذا الإلحاق ببناء مثل منقوص، ولكن إنما يجوز ذلك عند أبي الحسن (¬2) في المسألتين بالشرط الذي ذكره، وقد نبّه على ذلك بقوله: وفاقا لأبي الحسن، وهو اجتناب ما اجتنبه العرب كما سيبين، ومثال - ¬

_ - (2/ 732، 733). (¬1) التذييل (6/ 134 أ). (¬2) ينظر: التذييل (6/ 134 أ)، والمساعد (4/ 77).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإلحاق بالأعجمي: أن يبنى من ضرب اسم على وزن: صحقن وهو القار باللسان التركي (¬1)، فيقال: ضربب، والتأليف الذي تضمنته الكلمة موجود في لسان العرب، والهيئة موجودة أيضا وهي الزنة؛ لأن فعللا موجود كدرهم، ومثال الإلحاق ببناء منقوص: أن يقال: ابن من ابن مثل يد فيقال: بن، ومثل فل فتقول: بن، هكذا مثّل الشيخ (¬2)، ولم يطابق هذا التمثيل لفظ الكتاب، فإنّ هذا الذي ذكره إلحاق ببناء منقوص؛ لأن يدا كلمة منقوصة، ولفظ الكتاب إنما هو ببناء مثل منقوص، ثم إنه لا إشكال في أن يقال في يد من ابن: بن، وكيف يتجه أن يمنع جواز ذلك ولا يقول بجوازه إلا أبو الحسن وحده (¬3)؟ ولم أتحقق كيف يقرأ هذا اللفظ؟ هل بتنوين بناء وإجراء مثل صفة له، أو بإضافة بناء إلى مثل المضاف إلى المنقوص. والمعنى المستفاد بالإضافة غير المعنى المستفاد بغيرها، وقوله: بشرط اجتناب ما اجتنبت العرب من تأليف أو هيئة، يريد به أن المجيز لذلك للمتمرّن إنما يجيزه بهذا الشرط، وأراد بالتأليف: المادة، وبالهيئة: الوزن، ومثال ما اجتنبه العرب من التأليف مادة كلمة مشتملة على نون ولام تليها، فمتى أدّى إلحاق كلمة بأخرى إلى أن يحصل ذلك - امتنع الإلحاق، وذلك بأن تبني من الجلوس اسما على وزن جنلق، وهي: الشّختورة بلسان الترك، ويقول: (جنلس) (¬4)؛ فهذا ممتنع (¬5)، ومثال الهيئة أن تبني من الضرب اسما على وزن دبكج، وهو: المهماز بلسان الترك، ونقول: ضربب؛ فهذا لا يجوز؛ لأن هذه الهيئة - أعني الوزن - مفقودة في اللسان العربي (¬6)، وكذا لا يجوز أن تبنى من: الرّمي اسما على وزن مفعل فيقال: مرم؛ لأن مفعلا في المنقوص مجتنب عند العرب إلا ما شذ من مأوى الإبل (¬7). ¬

_ (¬1) المرجعين السابقين. (¬2) التذييل (6/ 134 أ). (¬3) وغير الأخفش لا يحسن عنده أن يلحق بأعجمي ولا ببناء منقوص ولو قصد التدرب؛ لأن الأعجمي من غير لغة العرب، فلا يحسن أن تلحق به والمنقوص ليس بقياس. المساعد (4/ 78). (¬4) كذا في (ب)، وفي (جـ) «جلنس». (¬5) لأنه لا يوجد في لغة العرب كلمة تقع النون فيها متلوة باللام. التذييل (6/ 134 أ)، والمساعد (4/ 78). (¬6) انظر: المرجعين السابقين. (¬7) انظر: المرجعين نفسيهما.

[أمثلة الملحق بالخماسي]

[أمثلة الملحق بالخماسي] قال ابن مالك: (وسلوك سبيل صمحمح وحبنطى في إلحاق ثلاثيّ بخماسيّ أولى من سلوك سبيل غدودن، وعفنجج، وعقنقل، وخفيدد وخفيفد واعثوجج وهبيّخ وقنوّر وضربّب ويختار إبدال ياء من آخر نحو: ضربّب من الرّدّ ونحوه). قال ناظر الجيش: اعلم أن المصنف أورد هنا إحدى عشرة كلمة وهي: صمحمح، وحبنطى، وغدودن، وعفنجج، وعقنقل [6/ 138]، وخفيدد، وخفيفد، وعثوجج، وهبيّخ، وقنوّر، وضربّب، وكل منها ثلاثي الأصل وقد ألحق بالخماسي، والإلحاق لجميعها إنما هو بسفرجل، فأما صمحمح فإن الإلحاق حصل فيها بتكرير العين واللام بعد كمال أصولها؛ لأن وزنها على الأصح فعلعل (¬1)، وأما حبنطى؛ فإن الإلحاق حصل فيها بحرفين مختلفين منفصلين دون تكرير لشيء من أصول الكلمة وأحد الملحقين، قبل كمال أصول الكلمة (¬2)، وأما غدودن فإن الإلحاق حصل فيها بحرفين: أحدهما: غير مماثل لشيء من أصولها وهو الواو. والآخر: مماثل للعين منها وهو الدّال، ولم يفصل بينهما مع أن أحدهما وجد قبل كمال الأصول أيضا؛ لأن النون أصل وهي متأخرة (¬3)، وأما عفنجج فإن الإلحاق حصل فيها بالنون والجيم، وهما متصلان عند من يرى أن الزائد في التضعيف هو الأول. وأحد الحرفين مماثل لأصل من أصول الكلمة وهو اللام (¬4)، وأما عقنقل وخفيدد وخفيفد (¬5)، ففيها ما في عفنجج من الإلحاق بزائدين متصلين، أحدهما مماثل لأصل من أصول الكلمة؛ إلا أن كلّا من هذه الكلم الأربع يفارق الآخر في شيء، فالإلحاق في عفنجج بزائدين: أحدهما مثل اللام، والآخر حرف تطرد - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 278)، والممتع (1/ 115). (¬2) الكتاب (2/ 115، 323)، والممتع (1/ 101). (¬3) الكتاب (3/ 428، 429)، (4/ 276)، والممتع (1/ 114، 283). (¬4) قال ابن عصفور: «وعلى فعنلل: ولم يجئ إلا صفة نحو: ضفندد وعفنجج». الممتع (1/ 119)، انظر: الكتاب (2/ 112، 327، 341). (¬5) انظر: الكتاب (3/ 428، 429)، (4/ 267)، والممتع (1/ 114، 120، 307، 309).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زيادته، وهو النون؛ لكونها ثالثة ساكنة مفكوكة، والإلحاق في عقنقل كما هو في عفنجج، إلا أن المكرر في عقنقل مثل العين، والإلحاق في خفيدد بزائدين: أحدهما حرف يماثل أصلا من أصول الكلمة أيضا وهو اللام كما في عفنجج، لكن الحرف الآخر الذي هو غير مماثل لأصل، وهو الياء، لا تطرد زيادته، والإلحاق في خفيفد كما هو خفيدد، في أن الحرف الذي ليس بتكرير وهو الياء لا تطرد زيادته، لكن المكرر فيه مماثل للعين، فقد شابه عقنقلا في شيء وخالفه في شيء (¬1)، والإلحاق في عثوجج كما هو في خفيدد ومن جميع الوجوه المذكورة إلا أن الحرف الذي لا تطرد زيادته في تلك الكلمة ياء، وفي هذه واو أما هبيّخ وقنور فإن الإلحاق حصل فيهما بزيادة حرفين من حروف العلة، أدغم أحدهما في الآخر، وأما ضربّب فإن الإلحاق حصل فيها بتكرير اللام، إذا عرفت هذا، فاعلم أن المصنف إنما جعل سلوك سبيل صمحمح وحبنطى في إلحاق ثلاثي بخماسي أولى من سلوك بقيّة الكلمات المذكورة؛ لثقل نحو: هبيّخ وقنوّر، من أجل تضعيف حرف العلة وثقل نحو: ضربّب لما فيه من التكرير مع توالي الأفعال، ولقلّة نحو الكلمات الباقية وهي: غدودن، وعفنجج، وعقنقل، وخفيدد، وخفيفد، وعثوجج بالنسبة إلى نحو: صمحمح، وحبنطى فإن سلوك سبيل البناءين المذكورين أولى من سلوك غيرهما من المذكورات فعلى هذا إذا قيل: ابن من ضرب مثل سفرجل، كان الأولى أن يقال: ضربرب؛ لأنه في التكرير كصمحمح أو ضربنى؛ لأنه نظير حبنطى، وغير الأولى أن يقال: ضروبب كغدودن، وضرنبب كعفنجج، وضربرب كعقنقل، وضرببب كخفيدد، وضربرب كخفيفد، وضروبب كعثوجج، وضربّب كهبيّخ، وضروّب كقنوّر، وضربّب فيأتي بحرف مضعّف من جنس لام الكلمة وأشار بقوله: ويختار إبدال الياء ... إلى آخره إلى مسألة تبنى على أصل وهو أنه: إذا اجتمع في كلمة ثلاثة أمثال كما إذا أتيت بنحو: تفعّلت من الظن فقلت: تظننت جاز التخفيف في هذه الكلمة بإبدال ثالث الأمثال ياء فيقال: تظنيت وهو أمر موقوف على السماع (¬2)، فلو كانت الأمثال أربعة وجب إبدال الرابع ياء نحو أن تبني مثل: - ¬

_ (¬1) المرجعين السابقين. (¬2) ينظر: الكتاب (4/ 425)، والممتع (1/ 372).

[ما يعرف به الزائد]

[ما يعرف به الزائد] قال ابن مالك: (وجملة ما يتميّز به الزّائد تسعة أشياء: دلالته على معنى وسقوطه لغير علّة، من أصل أو فرع أو نظير، وكونه مع عدم الاشتقاق في موضع تلزم فيه زيادته أو تكثر، مع وجود الاشتقاق واختصاصه ببنية لا يقع موقعه منها، ما لا يصلح للزّيادة، ولزوم عدم النّظير بتقدير أصالته فيما هو منه أو في نظير ما هو منه). ـــــــــــــــــــــــــــــ خبعثنة من الرّدّ فيقول: رددّية (¬1)، ثم إن المصنف ذكر هذه المسألة بمثال آخر وهو أن تأتي بمثل: ضربّب من الرّدّ، ولا شك أن في: ضربّب ثلاثة أمثال، أحدها لام الكلمة، والآخران الحرفان اللذان حصل بهما الإلحاق بسفرجل، فإذا بني مثل ذلك مما عينه ولامه من جنس واحد في كلمة ثلاثية، ثم جاء الحرفان المماثلان للعين واللام من أجل الإلحاق، لزم اجتماع أربعة أمثال في آخر الكلمة، وذلك في غاية الثّقل فصار إبدال آخر الأمثال ياء واجبا في مثل ذلك، إن كان جائزا في ما اجتمع فيه ثلاثة أمثال نحو: تظنّيت كما تقدمت الإشارة إليه، وعلى هذا يكون وزان: ضربّب من الرّدّ: رددّد، فإذا حصل الإبدال قيل: رددّى الأصل: رددّي قلبت الياء ألفا؛ لوجود العلّة المقتضية لذلك (¬2)، ولما تكلّم المصنف على هذه المسألة في إيجاز التعريف وذكر أنه يقال في مثل خبعثنة من الردّ: رددّية؛ أردف ذلك بقوله: ومن قال: أميّيّ فجمع في النسب أربع ياءات، قال في هذا المثال: رددّدة (¬3)، كذا قال أبو الحسن في تصريفه (¬4). انتهى. فقوله في التسهيل: ويختار إبدال ياء ظاهره يقتضي أنه يوافق رأي أبي الحسن في إجازة الجمع في نحو المثال المذكور بين أربعة أمثال (¬5)، ولكنه يرى أن مذهب غيره - وهو الإبدال - أولى، وهو خلاف ما يعطيه ظاهر كلامه في إيجاز التعريف ويحتمل أن يحمل قوله: ويختار على أنه اختار مذهب غير أبي الحسن، وهو وجوب الإبدال على مذهب أبي الحسن، فلا يكون الاختيار متعلقا بالإبدال لكنّه خلاف الظاهر. قال ناظر الجيش: ذكر رحمه الله أن جملة ما يتميز به الحرف الزائد من الحرف الأصلي - ¬

_ (¬1) و (¬2) التذييل (6/ 134 ب)، والمساعد (4/ 81). (¬3) انظر: المرجعين السابقين. (¬4) التذييل (6/ 134 ب). (¬5) انظر: المساعد (4/ 81).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (تسعة) (¬1) أشياء (¬2): الأول: دلالته على معنى، كحروف المضارعة، وألف فاعل، وتاء اقتدر، وميم اسم الفاعل، والمفعول، وياء التصغير. الثاني: سقوطه من أصل كسقوط همزة أحمر من الحمرة فإن الحمرة أصل لأحمر؛ لكونها مصدر، وقد سقطت الهمزة منها (¬3). الثالث: سقوطه من فرع كسقوط الياء من: أيصر في إصار الذي هو جمعه (¬4). الرابع: سقوطه من نظير، ومثاله: أيطل وإطل، استدل على زيادة الياء في: أيطل بسقوطها في: إطل (¬5)، وقول المصنف: لغير علّة، قيد في الأنواع الثلاثة فلو كان سقوطه من أصل أو فرع، أو نظير لعلّة لم يكن ذلك دليلا على زيادته، فمثال سقوطه من أصل لعلّة سقوط الواو في: عدة، فلا يكون ذلك دليلا على زيادتها في: وعد؛ لأنها إنما سقطت من الأصل لعلّة (¬6) ستعرفها إن شاء الله تعالى. ومثال سقوطها من فرع لعلّة: يعد فإن أصله: يوعد، وسقطت الواو للعلة المعروفة (¬7)، ومثال سقوطها من نظير [6/ 139] لعلّة عدة فإنها نظير الوعد؛ إذ هما مصدران، ولكن سقوط الواو من عدة لعلّة كما عرفت، فلا يحكم بزيادتها في النظير الذي هو الوعد. الخامس: كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق، يعني أنه إذا وجد حرف من حروف الزيادة في كلمة لا يعلم لها اشتقاق وكان ذلك الحرف في موضع يلزم فيه زيادته في ما علم اشتقاقه؛ حكم على الحرف المذكور بالزيادة ومثال ذلك النون من غضنفر، فإنّه يحكم بزيادتها (¬8) مع كونها في كلمة لا يعرف لها اشتقاق؛ وذلك لأن كل - ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (جـ) «سبعة». (¬2) زاد ابن عصفور آخر، وهو الدخول في أوسع البابين نحو: كنهبل، فعلى الأصالة وزنه: فعلّل وعلى الزيادة: فنعلل، وكلاهما مفقود؛ فيحمل على الزيادة؛ لأن باب المزيد أوسع لكثرة أبنية المزيد وقلّة أبنية المجرد. ينظر: الممتع (1/ 58). (¬3) ويسمى هذا الاشتقاق. الممتع (1/ 53). (¬4) وهو التصريف. الممتع (1/ 54). (¬5) المرجع السابق (1/ 55). (¬6) مصدر الفعل المثال بزنة فعلة، تحذف منه الواو؛ لثقل الكسرة في الواو، ألقوا كسرة الواو على ما بعدها وحذفوها. الممتع (2/ 431)، المنصف (1/ 195). (¬7) وقعت الواو فاء لفعل على وزن فعل؛ فتحذف في مضارعه لوقوعها بين ياء وكسرة وهما ثقيلتان، فلمّا انضاف ذلك إلى ثقل الواو وجب الحذف. الممتع (2/ 426). (¬8) اللسان «غضفر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما وجد من هذا النوع - أعني ما ثالثه نون ساكنة وبعدها حرفان - وعلم اشتقاقه؛ كانت زائدة نحو: جحنفل للعظيم الجحفلة، وحبنطى من حبط بطنه، ودلنظى من دلظه أي: رفعه (¬1). السادس: كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته في ما علم الاشتقاق، يعني أنه إذا وجد حرف من حروف الزيادة في كلمة لا يعلم لها اشتقاق وكان ذلك الحرف في موضع يكثر فيه زيادته في ما علم اشتقاقه، حكم على الحرف المذكور بالزيادة حملا على الأكثر، ومثال ذلك: الهمزة إذا وقعت أوّلا قبل ثلاثة أحرف؛ فإنها يحكم عليها بالزيادة، وإن لم يعلم الاشتقاق للكثرة، ما وجدت فيه زائدة في ما عرف اشتقاقه، ومثال ذلك الهمزة في أفكل فإنّها يحكم عليها بالزيادة (¬2) وإن لم يعرف للكلمة اشتقاق؛ لأن الهمزة قد علمت زيادتها بالاشتقاق في نحو: أحمر، وقد علمت من هذا أن تقدير كلام المصنف وكونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق، أو يكثر مع وجود الاشتقاق؛ فاختصر بحذف أحدهما لدلالة الآخر عليه. السابع: اختصاصه ببنية لا يقع موقعه منها ما لا يصلح للزيادة؛ يعني أن اختصاص الحرف ببنية لا تقع موقع الحرف من تلك البنية حرف لا يصلح للزيادة أي: ليس من حروف سألتمونيها، دليل على زيادته، ومثال ذلك: النون في حنطأو، وكنثأو، وأخواتهما المتقدمة الذكر، فإنّ وزن كل واحد منهما فنعلو، والنون فيها زائدة؛ لأنها اختصت بموضع لا يقع فيه حرف أصلي، فدلّ ذلك على زيادتها. الثامن: لزوم عدم النظير بتقدير أصالته في ما هو منه، ومثال ذلك: الواو في ملوظ (¬3)؛ فإنه يحكم عليها بالزيادة وعلى الميم بالأصالة فوزنه: فعول، وهو بناء موجود كعتود للحيّة، وعثول للكثير الشعر، ولو حكم على الواو بالأصالة لزم الحكم على الميم بالزيادة، فيكون وزنه: مفعلا وهو بناء مفقود، هكذا مثّلوا لذلك، وفيه نظر؛ لأنهم قالوا: إنه مشتق من الملظ، وإذا كان مشتقّا فالاشتقاق هو الذي دلّ على زيادة الواو، والأولى أن يمثل - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (4/ 322)، والممتع (1/ 55)، واللسان «دلظ». (¬2) ينظر: الكتاب (4/ 250)، والممتع (1/ 55، 72، 232). (¬3) الملوظ: عصا يضرب بها أو سوط، قال ابن سيده: وإنّما حملته على فعول دون يفعل؛ لأن في الكلام فعولا وليس فيه يفعل. اللسان «ملظ».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لذلك بنحو: غزويت (¬1)؛ فإن التاء فيه يحكم عليها بالزيادة، إذ لو حكم عليها بالأصالة لكان وزنه فعويلا، وهو بناء مفقود في لسانهم، فوجب الحكم عليها بالزيادة؛ ليكون وزنه فعليتا وهو بناء موجود كعفريت. التاسع: لزوم عدم النظير بتقدير أصالته في نظير ما هو منه، ومثال ذلك: التاء الأولى المضمومة في: تتفل؛ فإنّه محكوم بزيادتها، مع أنه لا يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير؛ لأن فعللا موجود كبرثن؛ ولكنّها حكم بزيادتها؛ لأنه يلزم من تقدير أصالتها عدم النظير في لغة من قال: تتفل بفتح التاء؛ لأنّه يؤدّي إلى أنه وزنه: فعلل، وهو بناء مفقود (¬2)، وكذلك: نرجس بكسر النون؛ فإنّه يحكم على نونه بالزيادة وإن كان له نظير في اللغة لو حكم عليها بالأصالة، وهو: زبرج، ولكن يلزم من القول بأصالتها عدم النظير في لغة من قال: نرجس بفتح النون؛ لأن الحكم فيه بزيادة النون واجب؛ لأن الحكم بأصالتها يقتضي أن يكون وزنه فعللا، وهو بناء مفقود (¬3)، فالقول بأصالة التاء في: تتفل بالضم، وبأصالة النون في: نرجس بالكسر يؤدي إلى عدم النظير، في نظير ما هو منه، وهو تتفل بفتح التاء، ونرجس بفتح النون. انتهى شرح كلام المصنف. واعلم أن هذه الأمور التي ذكرها قد يرجع بعضها إلى بعض، ويدخل أحدها في آخر مع أنه لم يدخل الاشتقاق صريحا، وهو أقوى الأدلّة، ومقدّم على سائرها في الاستدلال به على الزيادة، والحق انحصار الأدلة التي يتميز بها الزائد في ثلاثة أمور، وهي: الاشتقاق، وعدم النظير، وغلبة الزيادة في الحرف، وما ذكر زائدا على هذه الثلاثة يمكن ردّه إليها، أما كون الحرف دالّا على معنى كحروف المضارعة مثلا، فلا شك أن هذا يرجع إلى دليل الاشتقاق، على أن حرف المضارعة لا دلالة له وحده، ولكنه جزء من الدال فله مدخل في الدلالة، - ¬

_ (¬1) الغزويت بالعين والغين المعجمة: القصير والداهية، وغزويت فعليت، قال ابن سيده: وإنما حكمنا عليه بأنه فعليت؛ لوجود نظيره وهو عفريت وتعريف، ولا يكون فعويلا؛ لأنه لا نظير له. اللسان «عزا»، وانظر: الكتاب (4/ 271)، والممتع (1/ 58، 125، 277، 292). (¬2) ومن قال: تتفل بضم التاء فهي عنده - أيضا - زائدة لثبوت زيادتها في لغة من فتح التاء. الممتع (1/ 275). (¬3) ينظر: الممتع (1/ 266)، والمساعد (4/ 86).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما أنه دالّ بنفسه خاصة على المعنى المقصود؛ فلا يتحقق ذلك فيه، وأما سقوطه من أصل؛ فواضح كون الاشتقاق هو الذي دلّ على الزيادة، وأما سقوطه في فرع، والتمثيل لذلك بأيصر وإصار فلا يتم؛ لأن الجوهري يدل كلامه على أن إصارا مرادف لأيصر، لأنه قال: الأيصر والإصار: حبل قصير يشدّ به أسفل الخباء إلى وتد، وجمع الإصار: أصر وجمع الأيصر: أياصر (¬1). انتهى. وإذا كان كذلك لم تكن الياء في: أيصر زائدة؛ بل تكون أصلا، ويكون وزنه: أفعل، وأما سقوطه من نظير، والتمثيل له بأيطل وإطل فلا يظهر؛ لأنه يمكن أن يدعي أن كلّا منهما أصل، وأن اللفظ له مادتان إحداهما الفاء فيها همزة، والأخرى الفاء فيها ياء، وأما كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق والتمثيل له بغضنفر، وكذا كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه زيادته مع وجود الاشتقاق، والتمثيل له بأفكل، فهذان القسمان يشملهما دليل غلبة الزيادة في الحروف وهو ظاهر، وأما اختصاصه ببنية لا يقع موقعه منها، ما لا يصلح للزيادة والتمثيل له بنحو: حنطأو؛ فيشمله دليل عدم النظير، وأما لزوم عدم النظير بتقدير الأصالة، والتمثيل له بعزويت، وكذا لزوم عدم النظير بتقدير أصالته في نظير ما هو منه، والتمثيل له بنحو: تتفل بضم التاء، فهذان القسمان يشملهما دليل عدم النظير؛ فالحاصل: أن التسعة التي ذكرها المصنف منها أمران يرجعان إلى دليل الاشتقاق؛ وهما: دلالة الحرف على معنى، وسقوطه من أصل، ومنها ثلاثة أمور ترجع إلى دليل عدم النظير؛ وهي: اختصاصه ببنية لا تقع موقعه منها ما لا يصلح للزيادة كحنطأو، ولزوم عدم النظير بتقدير الأصالة فيما هو منه، ولزوم عدم النظير بتقدير أصالته في نظير ما هو منه، ومنها أمران يرجعان إلى دليل غلبة الزيادة في الحرف، وهما كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يلزم فيه زيادته مع وجود الاشتقاق وكذا كونه مع عدم الاشتقاق في موضع يكثر فيه [6/ 140] زيادته مع وجود الاشتقاق، ومنها فرعان لا يتحققان؛ وهما: سقوط الحرف من الفرع كأيصر وإصار، وسقوطه من نظير كأيطل وإطل، كما تقدمت الإشارة إليهما. ¬

_ (¬1) الصحاح (2/ 579).

[الإبدال

[الإبدال (¬1)] قال ابن مالك: (فصل: يجمع حروف البدل الشّائع في غير إدغام قولك: لجدّ صرف شكس آمن طيّ ثوب عزّته، والضّروريّ في التّصريف هجاء: طويت دائما، وعلامة صحّة البدليّة الرّجوع في بعض التّصاريف إلى المبدل منه لزوما أو غلبة، فإن لم يثبت ذلك في ذي استعمالين فهو من أصلين). قال ناظر الجيش: قد تقدم أن علم التصريف علم يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة وصحة وإعلال وشبه ذلك، فكان علم التصريف نوعان: نوع يتعلق ببنية الكلمة وما لحروفها من أصالة وزيادة، ونوع يتعلق بالصحة والإعلال، وقد انقضى كلام المصنف على النوع الأول، ومن هاهنا ابتدأ الشروع في النوع الثاني، ولا يخفى أن هذا - أعني الإعلال - هو المقصود الأعظم من علم التصريف، ومن هنا قيل: التصريف تحويل الكلمة من بنية إلى غيرها؛ لغرض لفظي أو معنوي، وقد تقدم لنا أن هذا الباب قصره المصنف على ذكر التحويل الراجع إلى الغرض اللفظي فقط، ولا شك أن هذا هو الإعلال، والإعلال إبدال، وحذف وقلب، أعني تقديم حرف وتأخير حرف، لكن جلّ الأمر إنما هو الإبدال، وأما الحذف والقلب فالأمر فيهما سهل، وقد أوردهما المصنف في فصلين بعد أن أنهى الكلام على الإبدال (¬2)، ثم اعلم أن أكثر المصنفين يجعلون الإعلال، والإبدال بابا، ويخصون الإعلال بتغير حروف العلة وهي: الياء، والواو، والألف، ثم إنهم في باب الإبدال يذكرون إبدال بعض أحرف العلة من بعض - أيضا - فيعيدون ذكر ما ذكروه في (باب) (¬3) الإعلال، ثم إنهم لا يقتصرون في ذكر الإبدال على ذكر البدل القياسي، بل يدرجون معه ذكر البدل الشاذ، وأما المصنف - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (4/ 237، 331)، والمقتضب (1/ 199 - 203)، والتكملة (ص 243)، وشرح الشافية (3/ 197 - 233)، والجاربردي (2/ 220 - 230)، والممتع (1/ 319، 415)، والمقرب (2/ 159 - 182)، وشرح الكافية لابن مالك (4/ 2077 - 2101). (¬2) انظر: التسهيل (ص 312، 315). (¬3) كذا في (ب)، وفي (جـ) «بعض».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإنّه جعل البابين واحدا وعبّر عنه بالإبدال، ولكنّه قصر الباب على البدل الضروري في التصريف، وهو اللازم الذي لا بدّ منه، على أنه تعرّض لغير الضروري بعد ذلك في فصل مفرد (¬1)، ويظهر أن الذي فعله المصنف أولى وأقرب إلى الضبط، وأجمع لخاطر الناظر في هذا الفن، فرحمه الله تعالى، وجزاه عن صنيعه أفضل الجزاء بمنه وكرمه، وإذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف ذكر أوّلا الحروف التي تبدل من غيرها بدلا شائعا جامعا لها في الكلم التي تضمنها متن الكتاب، وهي اثنان وعشرون (¬2) حرفا: اللّام، والجيم، والدّال، والصّاد، والرّاء، والفاء، والشّين، والكاف، والسّين، والهمزة، والألف، والميم، والنون، والطّاء، والياء، والثّاء، والواو، والباء، والعين، والزّاي، والتّاء، والهاء. وبسكوته عن باقي حروف المعجم علم أن غير المذكورات لا تبدل عن غيره، وهي: الحاء، والخاء، والذّال، والضّاد، والظّاء، والغين، والقاف. واحترز بقوله: الشائع من إبدال الذّال من الدّال، قرأ الأعمش (¬3) (فشرّذ بهم مّن خلفهم) (¬4) بذال معجمة (¬5) قال ابن جني: لم يمرّ بنا في اللغة تركيب: (ش ر ذ)، وأوجه ما يصرف إليه ذلك أن تكون الذال بدلا من الدال كما قالوا: لحم خرادل وخراذل، والمعنى الجامع لهما أنهما مجهوران ومتقاربان (¬6)، وخرّج الزمخشري قراءة الأعمش على أنه من باب ما قلبت فيه لام - ¬

_ (¬1) التسهيل (317). (¬2) هذا ما ذهب إليه ابن مالك، ونقل ابن يعيش عن الرّماني أنها أربعة عشر حرفا. ابن يعيش (10/ 8)، وذكر سيبويه (2/ 313)، والمبرد في المقتضب (1/ 199)، وأبو علي في التكملة (ص 243)، وابن جني في التصريف الملوكي (ص 17)، وابن عصفور في المقرب (2/ 159): أنها أحد عشر، ونقل السيوطي في المزهر (1/ 474) عن أبي علي القالي في أماليه: أنها اثنا عشر، أو أنها ثلاثة عشر، كما ذكر الزمخشري في المفصل (ص 201)، وقيل غير ذلك. (¬3) هو سليمان بن مهران الأعمش، ولد سنة (60 هـ)، وتوفي سنة (148 هـ). غاية النهاية (1/ 315). (¬4) من قوله تعالى في سورة الأنفال: 57: فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ. (¬5) عزاها الزمخشري في الكشاف (2/ 180)، وابن خالويه في شواذ القرآن (ص 50) إلى ابن مسعود وعزاها البنّاء في الإتحاف (ص 238) إلى المطوعي، وعزاها ابن جني في المحتسب، ونقله الأشموني (4/ 282) إلى الأعمش، كما عزاها أبو حيان في التذييل، ونقله عنه الشارح. وانظر: التبيان (2/ 629). (¬6) المحتسب (1/ 280).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلمة فجعلت مكان العين، والعين مكان اللام من قولهم: شذر مذر أي: فرّق بهم من خلفهم (¬1)، ولما كان البدل لأجل الإدغام لا يختص بهذه الحروف؛ بل يكون في حروف المعجم كلها إلا الألف أخرجه بقوله: في غير إدغام ثم أشار إلى الضروري في التصريف من هذه الحروف يعني الذي يكون فيه البدل لازما لا محيد عنه، لعلّة موجبة تبين في علم التصريف، ثمانية أحرف: الطّاء، والواو، والياء، والتّاء، والدّال، والألف، والهمزة، والميم، وهي التي تضمنها هجاء (طويت دائما) ولم يذكر المصنف الهاء في هذا الكتاب مع هذه الأحرف، مع أنه ذكرها في بقية كتبه معها (¬2)، فجعل الأحرف التي تبدل تسعة، ويظهر أن الاقتصار على ثمانية الأحرف أولى؛ فإن الهاء إنما تبدل سماعا من الهمزة في هرقت، وهرحت (¬3)، وهيّاك (¬4) ولهنّك (¬5)، وهن فعلت في طيئ (¬6)، وهذا الذي في: إذا الذي وشذوذا من الألف في: أنه، وحيّهله ومه مستفهما (¬7)، والبدل المتكلم فيه الآن؛ إنما هو الذي يطّرد ويكون مقيسا، وأما بدل الهاء من التاء في الوقف على مثل: رحمة، وإن كان مطردا فلا يعد من البدل المقصود في الإعلال؛ لأنه إنما صار لعارض وهو الوقف، لا لأمر يرجع إلى الكلمة في ذاتها، وإذا كان بدل الهاء من غيرها إما مسموعا، أو شاذّا أو لعارض فلا ينبغي أن يذكر مع الحروف التي تبدل من غيرها - ¬

_ (¬1) الكشاف (2/ 180)، والتذييل (6/ 139 أ)، والمساعد (4/ 86). (¬2) قال في الألفية (ص 75): أحرف الإبدال هدأت موطيا ... فأبدل الهمزة من واو ويا وقال في متن الكافية: هادأت مطوي كلام جمعا ... حروف إبدال فشا متّبعا شرح الكافية لابن مالك (4/ 2077). (¬3) أصلها أرقت وأرحت. الممتع (1/ 171، 399)، والرضي (3/ 222). (¬4) أصلها إياك. الممتع (1/ 397). (¬5) وهذه كلمة تكلم بها العرب في حال اليمين، وليس كل العرب تتكلم بها، نقول: لهنّك لرجل صدق، فهي إن ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف. الكتاب (1/ 474). (¬6) وطيئ تبدل همزة إن الشرطية هاء فتقول: هن فعلت فعلت تريد إن. الممتع (1/ 297)، وانظر: الرضي (3/ 223). (¬7) ينظر شرح الشافية للرضي (3/ 224)، وابن جماعة (2/ 227).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قياسا مطّردا لأمور ذاتية. وأما قول المصنف: وعلامة صحة البدليّة إلى آخره، فأشار به إلى أمر وهو أنه إذا وجدنا كلمة يختلف بعض حروفها في الاستعمال، فيكون لها استعمالان بحرفين مختلفين، ومدلولها في الحالين لا يتغير، فقد يكون أحد الحرفين بدلا من الآخر؛ فيحكم إذ ذاك بأن إحدى الكلمتين أصل والأخرى فرع، وقد لا يكون ثم بدل أصلا فيحكم حينئذ بأن الكلمتين من أصلين، فقال: إن علامة صحة البدليّة الرجوع في بعض التصاريف إلى المبدل لزوما، أو غلبة، فمثال الرجوع لزوما قولهم: جدث وجدف، الفاء بدل من الثاء، لأنهم لما جمعوه قالوا: أجداث على جهة اللزوم (¬1)، ومثال الرجوع غلبة: وحد وأحد، وأفلت وأفلط، فالهمزة بدل من الواو، والطاء بدل من التاء، فإن الغالب في الاستعمال أفلت بالتاء ووحد بالواو هكذا مثله الشيخ (¬2)، وفيه نظر؛ فإنّ أفلت بالتاء ليس بعض تصاريف الكلمة؛ بل هو نفس الكلمة، وكذا وحد - أيضا - على أن الغالب إنما هو استعمال أحد، ولو قال الشيخ: إنما قيل: الطاء بدل من التاء؛ لأنهم قالوا: في المصدر: إفلات ولم يقولوا: إفلاط، وإنما قيل: إن الهمزة بدل من الواو؛ لأنهم قالوا: وحد وتوحد، ووحدة، فكان أقرب، هذا إن ثبت أنهم لم يقولوا في المصدر: إفلاط بالطاء. ثم قال المصنف: فإن لم يثبت ذلك أي: الرجوع إلى المبدل في بعض التصاريف لزوما أو غلبة في ذي استعمالين أي: في لفظ ذي استعمالين فهو من أصلين أي: يحكم بأن ذلك اللفظ من أصلين، ومثال ذلك: وكّد، وأكّد، وورّخ، وأرّخ؛ لأنهم قالوا: أكّد ووكّد ويؤكّد وتؤكّد وأكّد ووكّد، وأرّخ وورّخ ويؤرّخ ويورّخ وورّخ وأرّخ. فلم يغلب أحد الاستعمالين الآخر؛ فحكم بأن الواو أصل [6/ 141]، والهمزة أصل (¬3). ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 139 أ)، والمساعد (4/ 87)، والممتع (1/ 414). (¬2) التذييل (6/ 139 أ). (¬3) ينظر: التذييل (6/ 139 أ)، والمساعد (4/ 87 - 88).

[إبدال الهمزة من حروف اللين

[إبدال الهمزة من حروف اللين (¬1)] قال ابن مالك: (فصل تبدل الهمزة وجوبا من كلّ حرف لين يلي ألفا زائدة متطرّفا. أو متّصلا بهاء تأنيث عارضة، وربّما صحّح مع العارضة، وأبدل مع اللّازمة). قال ناظر الجيش: قد علم أن البدل الضروري في التصريف إنما هو لثمانية الأحرف المتقدمة الذكر (¬2) وينبغي أن يعلم بعد هذا أن أربعة منها أقلّ الأحرف بدلا وهي: التّاء، والطّاء، والدّال، والميم، فإن التاء إنّما تبدل من الياء والواو إذا وقعا فاءين في الافتعال وحروفه كاتّسر واتّعد (¬3)، والطاء إنّما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التاء بعد أحد أحرف الإطباق (¬4) كاصطبر واضطرب، واطّعنوا، واظطلموا، والدّال إنّما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التّاء بعد الدّال أو الزّاي أو الذّال (¬5)، كادّان، وازداد، وادّكر (¬6)، وهي افتعل من دان، وزاد، وذكر، والميم إنما تبدل من النون الساكنة الواقعة قبل ياء نحو: من يعد، ولا يبدل شيء من هذه الأربعة المذكورة في غير ما ذكر، وقد ذكر المصنف الثلاثة الأول في فصل، وذكر الرابع ضمن فصل آخر (¬7). ولا شك أن شيئا من هذه الأربعة لا يحتاج في إبداله من غيره إلى عمل فوجب أن يكون جلّ الأمر ومعظمه إنما هو في إبدال الأحرف الأربعة الأخر وهي: الهمزة وأحرف العلة - أعني الياء والواو والألف - ثم إن الهمزة إنما تبدل من أحرف العلة الثلاثة خاصة ولم تبدل من غيرها أعني في البدل التصريفي وهو الذي نحن بصدده، وأما أحرف العلّة فإن كلّا منها تبدل من الهمزة، ويبدل كل منها من الآخر، فالتكافؤ واقع بينها في الإبدال، - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (4/ 237)، والتكملة (243)، والممتع (1/ 320 - 343)، والرضي (3/ 203). (¬2) وهي هجاء: طويت دائما. (¬3) انظر: الكتاب (2/ 314)، والتكملة (ص 244)، والمفصل (204)، والرضي (3/ 219). (¬4) انظر: الكتاب (4/ 467)، والخصائص (2/ 141)، وشرح الشافية (3/ 226). (¬5) انظر: الخصائص (2/ 142)، وابن يعيش (10/ 150)، والرضي (3/ 227). (¬6) قال ابن جني في الخصائص (2/ 142): «ومن ذلك أن تقع فاء (افتعل) زايا أو دالا أو ذالا فتقلب تاؤه لها دالا كقولهم: ازدان، وادّعى، وادّكر، وإذدكر فيما حكاه أبو عمرو». (¬7) التسهيل (ص 312) وما بعدها.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وكذا هو واقع بينها وبين الهمزة، وسترى ذلك مفصلا بعون الله تعالى وتوفيقه، وقد ابتدأ المصنف بذكر إبدال الهمزة من غيرها، ولا شك أن الهمزة تبدل من الياء، والواو، والألف في مواضع، فتبدل من الواو والياء الواقعين طرفا لفظا أو حكما بعد ألف زائدة، فالواقع طرفا لفظا نحو: كساء، ورداء، ودعاء، وبناء، وجراء، وظباء؛ الأصل: كساو، ورداي، ودعاو، وبناي، وجراو، وظباي جمعا: جرو، وظبي، والمراد بالواقع طرفا حكما ما ختم بتاء التأنيث غير لازمة، وهي التي لم تبن الكلمة عليها وذلك نحو: قولهم في عظاء: عظاءة (¬1)، وفي بناء: بناءة، وفي دعاء: دعاءة، أما إذا اختتمت الكلمة بتاء تأنيث لازمة وهي التي بنيت الكلمة عليها؛ فإنه يجب تصحيح الياء والواو، وذلك نحو: هداية، وحماية، وسعاية، وعلاوة، وإداوة، وهراوة (¬2)؛ إذ لم يقع حرف العلة طرفا لا لفظا ولا حكما، بل لتحصّنه بتاء التأنيث اللازمة صار وسطا، وإلى ذلك كلّه أشار المصنف بقوله: تبدل الهمزة وجوبا من كل حرف لين يلي ألفا زائدة متطرفا أو متصلا بهاء تأنيث عارضة، فحرف اللين يشمل: الياء والواو، واحترز بالألف الزائدة عن الأصلية، فلا يبدل ما يليها نحو: زاي وواو؛ لئلا يتوالى إعلالان؛ لأن الألف منقلبة عن أصل هو عين الكلمة؛ فلا يجوز إعلال اللام مع إعلال العين، لما يلزم من توالي إعلالين، هكذا عللوا، وقد يقال: إنما يمتنع توالي إعلالين إذا كانا من نوع واحد، أما إذا اختلف الإعلالان فجائز كما في: ماء، فإن أصله: موه (¬3) فقد أعلت العين واللام، وكان الواجب أن يقال: ياي، ولكنهم قالوا: ياء بالإبدال، وقد تقدم الكلام على هذه - ¬

_ (¬1) دويبة. وأما قولهم: عظاءة، وعباءة، وصلاءة فقد كان ينبغي لما لحقت الهاء آخرا وجرى الإعراب عليها، وقويت الياء ببعدها عن الطرف ألّا تهمز، وألا يقال إلا: عظاية، وعباية، وصلاية، فيقتصر على التصحيح دون الإعلال، وألا يجوز فيه الأمران كما اقتصر في نهاية، وغباوة، وشقاوة، وسعاية، ورماية على التصحيح دون الإعلان، إلا أن الخليل رحمه الله قد علّل ذلك فقال: «إنهم إنما بنوا الواحد على الجمع فلمّا كانوا يقولون: عظاء، وعباء، وصلاء؛ فيلزمهم إعلال الياء لوقوعها طرفا أدخلوا الهاء وقد انقلبت اللام همزة فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت معتلة قبلها». اللسان «عظى»، وانظر الكتاب (2/ 197، 383، 394). (¬2) ينظر: شرح الكافية لابن مالك (4/ 2082). (¬3) والدليل على أن الأصل فيه الهاء قولهم: أماه فلان ركيّته، وقد ماهت الركية، وهذه مويهة عربة. انظر: اللسان «موه»، وحكى ابن جني «أمواء». المنصف (2/ 151).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الكلمة، وأن الكلام فيها على خلاف القياس. واحترز بالتطرف من: تعاون وتباين، فإن الواو والياء فيهما ليسا بمتطرفين، ثم أشار إلى التطرف الحكمي بقوله: أو متصلا بهاء تأنيث عارضة، وإنما قال: وجوبا؛ لأنه سيذكر أن الواو والياء قد تبدل منهما همزة على سبيل الجواز، لا على سبيل الوجوب، وذلك في موضع خاص؛ فإن قيل: قد تقدّم أن المصنف قصر هذا الباب على البدل الضروري في التصريف، وهو اللازم الذي لا بد منه، فكيف يذكر البدل الجائز؟ فالجواب: أنه إنما يذكر البدل اللازم، لكنّه إذا ذكر إبدال حرف من حرف وكان ذلك الحرف بعينه يبدل جوازا في مكان آخر، يذكره على سبيل الاستطراد، واستيفاء الكلام على إبدال ذلك الحرف من غيره وجوبا وجوازا، وهذا منه في غاية الحسن، أما أنه يذكر شيئا من الإبدال الجائز ابتكارا فلا، والمشهور في تعليل إبدال الهمزة من الحرفين المذكورين في مثل: كساء، ورداء، ونحوهما: أن حرف اللين تحرّك وقبله فتحة مفصولة بحاجز غير حصين، وهو الألف الزائدة، وانضم إلى ذلك أنه في مظنّة التغيير وهو الطرف، فقلب ألفا، كما إذا تحرك وانفتح ما وليه نحو: دعا، ورمى، فالتقى ساكنان لا يمكن حذف أحدهما للإخلال، فقلبت الثانية همزة؛ لأنها من مخرج الألف، فظهرت الحركة التي كانت لها (¬1)، وقد صرّح المصنف بهذا التعليل في إيجاز التعريف، مع قوله أوّلا: إن الهمزة في مثل ذلك تبدل من الياء والواو بالقيد الذي ذكر. لكن مقتضى هذا التعليل أن يكون في الكلمة عملان، وهما: إبدال الألف من واو وياء ثم إبدال الهمزة من الألف، وعبارة المصنف لا تعطي ذلك؛ بل ظاهره أن الهمزة أبدلت من الواو والياء ابتداء. وكذا عبارة الشيخ أبي علي في الإيضاح (¬2)، تقتضي أن الهمزة أبدلت من الواو والياء، وهذا أقرب عملا، وتكون العلّة في الإبدال: أن حرف العلّة لا يقوى على الحركة إذا كان قبله ألف لا أصل لها في الحركة، فلذلك أبدلت همزة - لما فيها - بين الهمزتين، وحروف العلّة من التكافؤ في الإبدال، وقد أورد الشيخ على عبارة المصنف إيرادا، وهو أنه قد - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 139 أ، ب)، والمساعد (4/ 88)، والممتع (1/ 326)، والرضي (3/ 173 - 174). (¬2) المقتصد شرح الإيضاح (ص 987).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يوجد حرف لين يلي ألفا زائدة وقد تطرف، ومع ذلك لا تبدل همزة، ومثال ذلك قولهم: غاويّ في النسب إذا سمّينا به ورخّمناه على لغة من لا ينتظر الحرف؛ فإنك تقول: يا غاو بضم الواو، ويصدق عليه أنه حرف لين، يلي ألفا زائدة؛ لأنها فاعل وقد تطرفت ومع ذلك لا تبدل همزة (¬1). انتهى. ولا يرد ذلك على المصنف؛ لأن الحرف الذي هو الواو في يا غاو، وإن كان متطرفا صورة ليس بمتطرف في الأصل؛ لأن الواو عين الكلمة، واللام محذوفة؛ حذفت لأجل ياء النسب، ثم استمر الحذف بعد التسمية والترخيم، والمصنف إنما يريد بالمتطرف ما هو طرف في الأصل لاما وقع طرفا في الصّورة، وهو حشو في الأصل، ثم إن المصنف لما قرّر أن الإبدال المذكور في الكلمة المختتمة بتاء التأنيث إنما يكون مع التاء العارضة، ولا يكون مع اللازمة نبّه على أنه قد يكون الأمر فيهما على العكس بقوله: وربّما صحح مع العارضة وأبدل من اللازمة، فمثال الأول التصحيح مع العارضة شقاوة وصلاية، وأما الإبدال مع اللازمة فقد مثل الشيخ له بما ورد [6/ 142] في المثل وهو قولهم: «اسق رقاش فإنها سقّاية» (¬2)، قال: فصححوا الياء؛ لأن المثل لا يغير فأمن سقوط التاء منه فأشبه ما وضع على التاء بدأة فجرى مجراه (¬3). ولا يظهر لي مناسبة هذا المثال لهذا الحكم؛ فإنّه لا إبدال في سقّاية؛ وإنما ينبغي أن يمثل بسقّاية في القسم الأول، وهو الذي صحح فيه الحرف مع التاء العارضة، ثم يعلل التصحيح بما تقدم من أنه مثل، والمثل لا يغيّر، فأمن سقوط التاء منه، والواجب أن يمثل لذلك بنحو: حمأة وهراة، لو ورد مثلا. ثم قال الشيخ: لا اختصاص لهاء التأنيث بالنسبة إلى العروض واللزوم بما ذكره، بل زيادتا التثنية تجري مجرى هاء التأنيث، فإن لم تبن الكلمة عليهما جاز الوجهان يعني التصحيح والإبدال، وإن بنيت عليهما فلا إبدال بل يبقى حرف اللين بحاله كثنايين (¬4). انتهى. وإنما لم يذكر المصنف ذلك هنا؛ - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 139 ب)، والمساعد (4/ 88). (¬2) من أمثال العرب: رقاش مثل: حذام مبني على الكسر: اسم امرأة يضرب في الإحسان إلى المحسن. مجمع الأمثال للميداني (1/ 346)، وجمهرة الأمثال (1/ 56). (¬3) التذييل (6/ 139 ب). (¬4) من قولهم: عقلته بثنايين. فيبقى اللين صحيحا، ولا يجوز إبداله همزة. التذييل (6/ 139 ب)، وعقلت البعير بثنايين غير مهموز؛ لأنه لا واحد له، إذا عقلت يديه جميعا بحبل أو بطرفي حبل، وإنما -

[إبدال الهمزة وجوبا]

[إبدال الهمزة وجوبا] قال ابن مالك: (وتبدل الهمزة - أيضا - وجوبا من كلّ ياء أو واو وقعت عينا لما يوازن فاعلا أو فاعلة من اسم معتز إلى فعل معتلّ العين، أو اسم لا فعل له، ومن أوّل واوين صدّرتا وليست الثّانية مدّة غير أصليّة، ولا مبدلة من همزة، فإن عرض اتّصالهما بحذف همزة فاصلة فوجهان). ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه قد تقدّم له ذكره في باب كيفية التثنية وجمعي التصحيح (¬1)، وأما تاء التأنيث فلم يتقدم لها ذكر فاحتاج إلى أن نذكرها. قال ناظر الجيش: هذان موضعان آخران تبدل الهمزة - أيضا - فيهما وجوبا من ياء أو واو، الموضع الأول: كل اسم فاعل أعلت عين فعله، إذا كان موازنا فاعلا أو فاعلة كبائع وبائعة، وطائع وطائعة أصلها: بايع وبايعة، وطاوع وطاوعة؛ فتحركت الياء والواو مع ضعفها بمجاورة الطرف، وتقدم إعلالهما في الفعل، وكان قبل كل واحدة منهما فتحة مفصولة بألف زائدة فنوي سقوطها واتصال الفتحة فانقلبت الفاء، فالتقت ألفان في اللفظ، فتحركت الثانية وانقلبت همزة وكان ذلك أولى من حذف إحدى الألفين؛ لأن الحذف يوقع في الإلباس (¬2)، قال المصنف: وربما أوثر حذف إحدى الألفين نحو قولهم في شائك: شاك، فلو صحّت العين في الفعل كحيي وقوي - صحّت في اسم الفاعل كحاي وقاو وكذا عين فهو: عاين، وعور فهو عاور، وظاهر كلام المصنف في متن التسهيل أن الهمزة أبدلت من الياء والواو، ولكنه ذكر في إيجاز التعريف ما ذكرته آنفا. وإذ قد عرفت هذا فقول المصنف: وقعت عينا قيد للمسألة؛ لأن الياء والواو إذا وقعت فاء أو لاما كان لها حكم غير هذا. وقوله: لما يوزان فاعلا أو فاعلة عبارة حسنة؛ لأن اسم الفاعل إذا لم يكن على هذا الوزن لا يعل هذا الإعلال وإن أعلّت عينه في الفعل، وذلك - ¬

_ - لم يهمز؛ لأنه لفظ جاء مثنى لا يفرد واحده فيقال: «ثناء». اللسان «ثنى»، وانظر: الممتع (1/ 327)، والمنصف (2/ 132). (¬1) التسهيل (ص 16). (¬2) انظر: التذييل (6/ 140 أ)، والمساعد (4/ 89)، والممتع (1/ 327 - 328).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: مطيل ومنيل، فإنهما من: أطال وأنال ولما قال: لما يوزان فاعلا أو فاعلة، احتاج إلى أن يقول: من اسم معتز إلى فعل؛ فليس ذلك احترازا من شيء خيف دخوله، ولا من شيء خيف خروجه. وقوله: معتل العين، قد عرفت أن ذلك شرط لإعلال اسم الفاعل المذكور، ولو قال: معلّ العين كان أولى، فإن نحو: عين، وقوي، وعور وصيد، وشوي، يصدق عليه أنه معتل العين؛ لأن عينه حرف علّة، ومع هذا فاسم الفاعل منها لا إبدال فيه، بل يجب فيه التصحيح وقوله: أو اسم لا فعل له قد ثّلوا له بحائز وحائزة، قالوا: فإنهما اسمان لا فعل لهما، والحائز: البستان، قال الشاعر: 4293 - صعدة نابتة في حائز ... أينما الرّيح تميّلها تمل (¬1) والحائزة: خشبة تعمل في وسط السقف. الموضع الثاني: كل كلمة صدّرت بواوين فإنه يجب إبدال الهمزة من أول الواوين ولكنّ ذلك مقيد بقيد؛ وهو أن لا تكون الثانية مدّة زائدة ولا مدّة مبدلة من همزة، أما إذا كانت الثانية غير مدّة كأواصل جمع: واصلة، وأويصل تصغير واصل (¬2)، أو مدّة غير زائدة كالأولى، أصله الوولى؛ لأنه مؤنث، فإن الإبدال - أعني إبدال الهمزة من الواو الأولى - واجب، ومثال ما لا يجب فيه الإبدال المذكور مما الثانية فيه مدّة مزيدة: ووفي وووري: الأصل: وافي وواري، مبنيّا للمفعول، ومما الثانية فيه مبدلة من همزة: الوولى مخفف: الوؤلي أنثى: الأوأل أفعل تفضيل من: وأل إذا لجأ (¬3)، وإلى هذين الأمرين أشار المصنف بقوله: - ¬

_ (¬1) البيت من بحر الرمل وقائله هو كعب بن جعيل من قصيدة يصف فيها امرأة، شبّه قدّها بالقناة وقبل البيت: فإذا قامت إلى جارتها ... لاحت السّاق بخلخال زجل الصّعدة: القناة التي تنبت مستوية فلا تحتاج إلى تثقيف، ويقال: امرأة صعدة أي: مستوية القامة، ويروى البيت برواية: حائر، والحائر: الأرض التي يستقر فيها السّيل فيتحير ماؤه ولا يجري، وفي البيت شاهد آخر وهو تقديم الاسم على الفعل مع: أينما الشّرطية. والبيت من شواهد سيبويه (1/ 458)، وشرح الكافية (4/ 1599)، وأمالي الشجري (1/ 332)، واللسان «صعد»، والعيني (4/ 424، 571). (¬2) ينظر: التذييل (6/ 140 أ)، والمساعد (4/ 90)، والممتع (1/ 332). (¬3) ينظر: التذييل (6/ 140 ب)، والمساعد (4/ 91).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وليست الثانية مدّة غير أصلية ولا مبدلة من همزة فاشترط لوجوب إبدال الهمزة من الواو الأولى أن ينتفي عن الواو الثانية كونها مدّة غير أصلية، وكونها من همزة ففي مثل: أواصل وأويصل وأول انتفى كونها مدّة، وفي الأولى انتفى كونها غير أصلية مع كونها مدّة فكان الإبدال فيهما واجبا في مثل: ووفي وووري، لم ينتف كون الثانية مدّة زائدة؛ بل ثبت كونها مدة زائدة، وفي مثل: الوولى أنثى الأوأل، لم ينتف كونها مبدلة من همزة؛ بل ثبت كونها مبدلة منها، فكان الإبدال فيها غير واجب، وقد أورد المصنف هذه المسألة في إيجاز التعريف إيرادا حسنا فقال: تبدل الهمزة - أيضا - من أول واوين وقعتا أول الكلمة، وليست الثانية مدة مزيدة أو مبدلة، والمراد بالمدة كونها ساكنة بعد ضمة كأويصل تصغير واصل، أصله: وويصل؛ الواو الأولى فاء الكلمة، والثانية بدل من ألف فاعل؛ فاستثقل تصدير واوين فأبدل من أولاهما همزة؛ لأن الهمزة وإن لم تؤاخ الواو فهي مؤاخية لأختها وهي الألف، من حيث إنها من مخرجها ونائبة عنها في الزيادة أوّلا كما سبق ذكره. وكانت الأولى أحق بالإبدال؛ لأن الهمزة لا تغيّر إذا كانت أوّلا، بخلافها إذا كانت غير أول، فلو كانت الثانية مدّة مزيدة أو مبدلة أو من زائد لم يجب إبدال الأولى همزة؛ لأن الثانية عارضة لضم ما قبلها أو شبيهة بما هو كذلك؛ فالعارضة في بناء فعيل من: ويس، وفاعل وفيعل من: وعد لما لم يسمّ فاعله، وذلك وويس، وووعد فالثانية في وويس بدل من أصل (¬1)، وفي ووعد بدل من ألف فاعل وياء فيعل، فهي واو في اللفظ غير واو في التقدير، فلم يستثقل اجتماعهما، والشبيه بالعارضة كثانية فوعل من: الوعد مبنيّا لما لم يسمّ فاعله، فإنك تقول فيه أيضا: ووعد دون إبدال؛ لأن الثانية وإن كانت واوا في الحالين لكنّها أشبهت المنقلبة من ألف فاعل بزيادتهما وعروض مدّها، وكذلك لو كان مدّها غير عارض مع زيادتها، كبناء مثل: طومار من الوعد، فإنك تقول فيه أيضا: ووعاد (¬2) دون [6/ 143] إبدال؛ لأن الواو الثانية وإن كان مدّها غير متجدد لكنها على كل حال مدة زائدة؛ فلم تخل من التشبه بالمنقلبة عن ألف فاعل، بخلاف ما لو كانت غير - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 140 ب). (¬2) ينظر: التذييل (6/ 140 ب)، وجعل الرضي قلب الواو الأولى واجبا. شرح الشافية (3/ 76).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدة كالعين من أولى، وأصلها: وولى على وزن فعلى، فأبدلت الواو الأولى همزة؛ لأن الثانية غير عارضة ولا شبيهة بالعارضة (¬1). انتهى. وعلم منه أن الواو الثانية متى كانت مبدلة من غيرها سواء أكان ذلك همزة أم غير همزة؛ لا يجب إبدال الأولى، وعلى هذا فقد كان يكفي أن يقول: ولا مبدلة ويقتصر على ذلك، ولا حاجة إلى قوله: من همزة؛ فإن في ذلك قصورا عن المراد. والذي يظهر لي أن الواجب لهذا العمل من المصنف وتحرير القيود لهذه المسألة: إنما هو وجوب البدل في نحو: الأولى مع كون الثانية مبدلة، لكنها غير مزيدة ولا مبدلة من شيء؛ فاحتاج إلى ذلك ليدخل في الواجبة الإبدال نحو: الأولى، ويخرج ما عداها، والذي فعله ابن الحاجب أسهل من هذا، وهو أنه قال: يجب إبدال أوّل الواوين المصدرتين إذا تحركت الثانية، ثم قال: والتزموه في الأولى حملا على الأول (¬2)، وليس فيه إلا أن يقال: كيف يحمل الأصل الذي هو المفرد على الفرع الذي هو الجمع، لكن ذكر الإمام بدر الدين ولد المصنف: أنك لو بنيت من الوعد مثل كوثر لقلت: أوعد، والظاهر أن عبارة المصنف يدخل تحتها مثل ذلك، فإن كان الإبدال في مثل: كوثر من الوعد واجبا تعيّن العدول عما ذكره ابن الحاجب، والوقوف على ما قاله المصنف فرحمهم الله أجمعين بمنّه وكرمه. وقد أورد الشيخ على قول المصنف: ومن أوّل واوين صدّرتا، أنّا قد وجدنا كلمة اجتمع في أولها واوان ولم تبدل الأولى همزة بل أبدلت تاء، وذلك نحو: تولج وهو بيت الوحشي، والمكان الذي يلج فيه، ويقال له أيضا: دولج، فإن بعضهم ذهب إلى أن وزنه: تفعل، ولكن ذهب الخليل وسيبويه إلى أن وزنه: فوعل (¬3) وأصله: وولج قال: فعلى هذا كان ينبغي للمصنف أن يقول: ما لم يكن قد أبدل منها تاء، أو يقول: إلا في: تولج، على مذهب الخليل وسيبويه (¬4). انتهى. ولا يظهر ما قاله؛ فإن: تولج لم تجتمع فيه واوان قط، وكلام المصنف إنما هو حيث يؤدي الحال بالمتكلم إلى اجتماع واوين في تصغير أو تكسير أو تصريف غير ذلك، أما إذا كانت العرب نطقت بكلمة مبدل منها حرف بحرف ابتداء، فأيّ عمل في ذلك - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 140 ب). (¬2) شرح الشافية (3/ 76). (¬3) الكتاب (4/ 333). (¬4) التذييل (6/ 140 أ).

[إبدال الواو همزة جوازا]

[إبدال الواو همزة جوازا] قال ابن مالك: (وكذا كلّ واو مضمومة ضمّة لازمة غير مشدّدة ولا موصوفة بموجب الإبدال السّابق). ـــــــــــــــــــــــــــــ لصاحب الصناعة أو غيره؟ والعجب من الشيخ كيف يرتضي مثل ذلك؟ ثم أشار المصنف بقوله: فإن عوض اتصالهما بحذف همزة فاصلة فوجهان إلى مسألة قال فيها الشيخ: هذه المسألة مما تعبت في استخراج مثالها، وهو أن تقول في البناء من وأيت على وزن افعوعل: إيأوأى أصله: إوأوأى، قلبت الواو التي هي فاء الكلمة ياء لسكونها بعد كسرة، وتحركت الياء آخرا وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، فإذا سهّلت الهمزة الأولى بنقل حركتها إلى الياء الساكنة قبلها، انحذفت همزة الوصل لعدم الحاجة إليها، وإذا زالت همزة الوصل عادت الياء إلى أصلها من الواو؛ لأن الموجب لقلبها ياء هو الكسرة التي كانت قبلها، فتصير الكلمة إلى: ووأى، فقد حصل ما قاله المصنف وهو عروض اتصال الواوين بحذف همزة فاصلة بينهما، ويعني بالوجهين إقرار الأولى واوا وإبدالها همزة، ووجه الإقرار إنه لم يلتق واوان في الأصل، ولا اعتداد لعروض الالتقاء، ووجه الإبدال أنه اعتدّ بالعارض، وهو اجتماع الواوين صورة وإن كان ثم فاصل في الأصل (¬1). ثم قال الشيخ: واندرج تحت قول المصنف: فإن عرض اتصالهما هذه المسألة وهي: أن يتصلا والواو الثانية ساكنة، ومسألة أخرى، وهي: أن يتصلا والواو الثانية متحركة وهو أن يسهّل الهمزتين بحذفهما ويلقي حركتهما على الواوين معا، فإنه يصير: ووى فيجوز إبدال الأولى همزة اعتدادا بالعارض، ويجوز الإقرار لعدم الاعتداد بالعارض (¬2). ثم قال الشيخ: وما ذهب إليه المصنف من جواز الوجهين في هذه المسألة هو قول الفارسي (¬3)، قال: وذهب غيره من النحويين إلى أن هذا لا يجوز فيه إلا وجه واحد، وهو إبدال الأولى همزة على جهة اللزوم، وذلك في الصورتين معا (¬4). قال ناظر الجيش: هذه المسألة والتي قبلها وكذا الذي يأتي بعدها إنما ذكرها - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 141 أ)، والمساعد (4/ 91). (¬2) التذييل (6/ 141 أ). (¬3) التذييل (6/ 141 أ)، والمساعد (4/ 91). (¬4) التذييل (6/ 141 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف استطرادا وذلك أنه لما ذكر أن الواو تبدل همزة وجوبا أراد أن يستوعب ما أبدلت فيه الواو همزة، فعدّى كلامه إلى الإبدال الجائز، وقد تقدم الاعتذار له عن ذلك من حيث إن الباب الذي هو فيه - أعني باب الإبدال - إنما هو مقصور على ذكر الإبدال اللازم، ومقصود المصنف الآن: الإشارة إلى أن الواو قد تبدل همزة جوازا في غير ما تقدم ذكره، لكن الواو إما مضمومة، أو مفتوحة، أو مكسورة، أمّا المفتوحة فلم يتعرض المصنف لذكرها في هذا الفصل؛ لأن إبدالها همزة قليل موقوف على السماع، كما قالوا: أحد في وحد (¬1)، وأناة في وناة (¬2)، وأسماء في وسماء (¬3)؛ فالبدل في هذه الكلمات على خلاف القياس وذلك لخفّة الفتحة، وأما المكسورة سيذكرها بعد، وأن إبدالها همزة يطرد على لغة، وأما المضمومة فهي التي يطرد إبدالها همزة وينقاس، وسواء أكانت مصدرة نحو: أجوه، وأقّتت في وجوه ووقّتت، وأعد في وعد، وأدّ في ودّ، حتى أنه يقال في ووري وووعد: أوري وأوعد، فالهمزة في هاتين الكلمتين وما شاكلهما؛ لأجل الضمة، لا لأجل اجتماع الواوين فإن الإبدال في مثله غير لازم كما عرفت - أم متوسطة نحو: تهاون وتعاون ونحوهما، وكذا: أدؤر وأثؤب، في: أدور وأثوب، وفؤوج (¬4)، وقول، قال المصنف في إيجاز التعريف: والغوور بذلك أحق؛ لأن التصحيح فيه أشق (¬5). انتهى. وقد علّل إبدال الواو المضمومة همزة في مثل ما ذكرنا بأن الضمة على الواو تشبه اجتماع واوين، واجتماع الواوين مستثقل فكذلك ما يشبههما، وقد قيّد المصنف جواز البدل المذكور بثلاثة قيود: هي أن تكون الضمة التي على الواو لازمة كما تقدّم في التمثيل، فلو كانت الضمة غير لازمة لم يجز الإبدال كما في نحو: قوله تعالى: - ¬

_ (¬1) ينظر: الكتاب (4/ 351)، والممتع (1/ 335). (¬2) الونى: ضعف الأبدان ... وجارية وناة كأنها الدّرّة. اللسان «وني» وانظر: الممتع (1/ 335). (¬3) كون الهمزة في أسماء بدلا من الواو هو مذهب سيبويه ورجحه ابن السراج فقوّى أبو بكر قول سيبويه: إنه في الأصل: وسماء، ثم قلبت واوه همزة وإن كانت مفتوحة حملا على باب أحد، ووناة. اللسان «وني»، وانظر: الممتع (1/ 335) ويرى المبرد أنها بوزن (أفعال). ينظر: المقتضب (3/ 365 - 366) مع هامش التحقيق والجابردي (1/ 271). (¬4) ينظر: التذييل (6/ 141 ب). (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ (¬1)، و: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ (¬2)، و: لَتُبْلَوُنَّ (¬3)، و: قُلِ الْعَفْوَ (¬4)؛ وذلك لعدم الثّقل لعروض الضّمّة. وأن تكون الواو غير مشدّدة نحو: تعوّر، وتسوّق، وتسوّر، وذلك لتحصين التضعيف، يعني أن التضعيف حصّن الواو عن الإعلال، ويظهر أنه لو علّل بأن الإدغام في مثل هذه الكلمات مطلوب للخفة؛ ولأن المصادر تابعة للأفعال في الصحة والإعلال، ولا شك أن [6/ 144] الإبدال يمنع الإدغام؛ فكان أولى. والقيد الثالث: هو أن لا تكون الواو موصوفة بموجب الإبدال السابق، يعني أن لا تكون كالواو في أويصل تصغير واصل، فإنّه يصدق عليها أنها واو مضمومة ضمّة لازمة، وهي غير مشددة؛ ومع ذلك الإبدال فيها واجب كما تقدم. فلما خشي من ورود ذلك عليه لو اقتصر على ما ذكر احتاج أن يقول: ولا موصوفة بواجب الإبدال السابق، والظاهر أن المصنف كان مستغنيا عن ذكر هذا القيد؛ لأن القيود التي ذكرها في الإبدال الواجب معلومة الانتفاء فيما ذكر أن الإبدال فيه جائز، وإذا كانت قيود الوجوب منتفية امتنع القول به. واعلم أن ابن عصفور ذكر في الممتع له شرطا زائدا لجواز إبدال الواو المضمومة ضمة لازمة إذا وقعت وسطا وهو أن لا يمكن تخفيفها بالإسكان كأدؤر، وأثؤب؛ لأن الواو لو سكنت لزم اجتماع الساكنين، فإن أمكن تخفيف الواو المضمومة بالإسكان لم تبدل همزة، وذلك نحو قولهم: سور في جمع سوار (¬5). ثم قال الشيخ: وقد نقص المصنف شرطا في جواز إبدال هذه الواو همزة، وذكر المثال المذكور وزاد ابن جني شرطا آخر وهو: أن لا تكون الواو زائدة فلا يجوز عنده في: التّرهوك مصدر ترهوك إبدال الواو همزة، بخلاف الأصلية كالأمثلة المتقدمة وفرّق بينهما بأن الأصلية يدل تصريفها واشتقاقها على أن الهمزة بدل من الواو، وأما الزائدة فقد لا يعلم أن الهمزة أبدلت منها، بل يتوهم أن الهمزة كانت أوّلا دون - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 16. (¬2) سورة المائدة: 144، والذي مثّل به الشارح قوله: «اخشوا الله» وكذا مثّل أبو حيان في التذييل (6/ 141 ب) وابن عقيل في المساعد (4/ 91)، وأثبتّ ما في القرآن. (¬3) سورة آل عمران: 186. (¬4) سورة البقرة: 219. (¬5) الممتع (1/ 335، 336).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بدل (¬1) وقد قوّى ذلك بعضهم بأن قال: لا يحفظ همزة مبدلة من واو زائدة (¬2) وقد عرفت ما دخل من المسائل تحت قول المصنف: وكذا كل واو مضمومة إلى آخره - أعني ما تبدل الواو فيه همزة جوازا من مصدّرة أو متوسطة مفردة أو منضمّا إليها واو أخرى، نحو: وعد، وأثوب، وووري، وفووح، غير أن مسألة من المسائل فيها خلاف، وهي: ما كان فيها واوان مصدّرتان، والثانية مدّة بدل من همزة نحو: الوولى مؤنث الأوأل، ذهب المازني إلى أن البدل في الواو الأولى جائز، قال: إذا بنيت من الوأي اسما على فعل، قلت: وءي، ثم إذا خفّفت الهمزة قلت: ووي، كما تقول في بؤس: بوس، فتتصدر الواوان والثانية مدّة وهي بدل من الهمزة، فتهمز الأولى جوازا كما همزت في: ووري لعروض الواو فيهما إذ هي في: ووي بدل من همزة، وفي: ووري بدل من ألف (¬3)، وإنما كان البدل في: ووري جائزا لا لازما؛ لأن التخفيف عارض فكأن الواو الثانية همزة. والدليل على أنهم اعتبروا العروض أنهم لم يدغموا الواو في الياء مع اجتماعهما وسبق إحداهما بالسكون؛ فلم يقولوا: ويّ، كما قالوا: طيّ في طوي، وذهب أبو العباس (¬4) إلى أن البدل لا يجوز من قبل أن الذين خففوا غرضهم أن يفروا من الهمزة إلى الواو، والواو أخف، والإبدال يؤدّي إلى الفرار من همزة ساكنة إلى همزة متحركة، وإذا كانوا قد فرّوا من الهمزة الساكنة إلى الواو اقتضى ذلك أن لا يفروا من الواو المتحركة إلى الهمزة، وذهب الخليل وسيبويه إلى أن البدل لازم (¬5) فكأنهما حكما للواو العارضة في نحو: ووي بما حكما به في الواو الأصلية، كالأولى مؤنث - ¬

_ (¬1) ينظر: التذييل (6/ 141 ب)، والمساعد (4/ 93)، والممتع (1/ 336). (¬2) التذييل (6/ 141 ب). (¬3) المنصف (1/ 219 - 220)، والرضي (3/ 78)، والمساعد (4/ 93). (¬4) قال في المقتضب (1/ 93): «فإذا التقت واو في أوّل الكلام إلى جانبها واو، الأولى مضمومة، فإن شئت همزت الأولى لضمها ولا يكون ذلك لازما؛ لأن الواو التي هي مدّة ليست بلازمة». (¬5) قال في الكتاب (4/ 333): «وإذا التقت الواوان أوّلا أبدلت الأولى همزة ولا يكون فيها إلا ذلك؛ لأنهم لمّا استثقلوا التي فيها الضمة فأبدلوا وكان ذلك مطّردا إن شئت أبدلت وإن شئت لم تبدل، لم يجعلوا في الواوين إلا البدل؛ لأنهما أثقل من الواو والضمة، فكما اطرد البدل في المضموم كذلك لزم البدل في هذا ... وقال: ... وسألت الخليل عن فعل من: وأيت، فقال: وؤي كما ترى. فسألته عنها فيمن خفف الهمز فقال: أوي كما ترى، فأبدل من الواو همزة فقال: لا بدّ من الهمزة؛ لأنه لا يلتقي واوان في أوّل الحرف».

[إبدال الهمزة جوازا]

[إبدال الهمزة جوازا] قال ابن مالك: (وكذا كلّ ياء مكسورة بين ألف وياء مشدّدة، وهمز الواو المكسورة المصدّرة مطّرد على لغة، وربّما همزت الواو لضمّة عارضة). ـــــــــــــــــــــــــــــ الأوّل، وكالأول جمع الأولى، وقد ذكر الشيخ هذه المسألة في شرحه، وذكر المباحث بين المذاهب المذكورة فتركتها خوف الإطالة، إلا أنه قال بعد ذلك: تلخص من هذا الذي ذكرناه اختلافهم في العارض ما هو، وجاء في المسألة ثلاثة أقوال: لا يجوز إبدال الواو همزة وهو رأي المبرد، يجوز وهو رأي المازني، يجب وهو رأي الخليل وسيبويه، ثم قال: والمصنف وافق المازني (¬1). انتهى. ويحتاج إثبات كون مذهب سيبويه وجوب إبدال الواو الأولى همزة في مثل الوولى تأنيث الأوأل إلى تحرير، وقد تقدم استثناء مثل هذه المسألة من وجوب الإبدال بقول المصنف: ولا مبدلة من همزة، وشرحه الشيخ وقرره بمسألة: الوولى تأنيث الأوأل. وقال: فلا يجب إبدال الواو الأولى همزة؛ لأن الثانية بدل من الهمزة فكأنها موجودة (¬2)؛ فلم يجتمع واوان، ثم إن الشيخ هناك عند إيراد هذه المسألة لم يذكر أن سيبويه ولا غيره يوجب الإبدال (¬3). وبعد فلا شك أن البدل في مثله جائز على كل قول من حيث إن كلّ واو مضمومة ضمة لازمة، يجوز إبدالها همزة كما في ووعد، وووري، فإن البدل فيه لأجل الضمة، لا لأجل اجتماع الواوين. قال ناظر الجيش: هذا الكلام مشتمل على مسائل ثلاث: أما الأولى: فذكرها إنما هو على سبيل الاستطراد - أيضا - كما تقدمت الإشارة إليه، وذلك أنه لما ذكر أن الهمزة تبدل وجوبا من الواو تارة، ومن الياء تارة، وكانت - أعني الهمزة - تبدل (جوازا) (¬4) تارة من الواو وتارة من الياء، والباب إنما هو معقود للإبدال الواجب استطرد فذكر الإبدال من الحرفين المذكورين على سبيل الجواز، وبدأ بذكر البدل من الواو، ثم ها هو يذكر الإبدال من الياء، وخصّ ذلك بمسألة واحدة وهي ما تقع فيها الياء بين ألف وياء مشدّدة، ومثال ذلك المنسوب إلى نحو: راية - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 142 أ، ب). (¬2) التذييل (6/ 141 أ). (¬3) المرجع نفسه. (¬4) كذا في (ب)، وفي (جـ) «وجوبا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وغاية، فإنّهم جوّزوا في النسب إليه ثلاثة أوجه؛ أحدها: أن تبدل الياء همزة. والثاني: إقرار الياء بحالها. والثالث إبدالها واوا، وهذه المسألة مذكورة في النسب (¬1). وأما الثانية: فهي أن الواو المصدّرة المكسورة قد تهمز، ومثال ذلك: إشاح، وإسادة، وإعاء في: وشاح، ووسادة، ووعاء، وقد جعل المصنف هذا الإبدال مطردا على لغة، ومنهم من ذكر أن المجيز لذلك قياسا هو المازني (¬2). وقال ابن عصفور: إن المازني لا يجيز همز الواو المكسورة بقياس بل يتبع في ذلك السماع (¬3). وحاصل الأمر: أنّ النّقل عن المازني مختلف فيه، وذكر الشيخ أن مذهب الجمهور أن هذا الإبدال مطّرد منقاس. قال سيبويه: وليس هذا مطّرد في المفتوحة يعني قلبها أوّلا همزة، قال: ولكنّ ناسا كثيرا يجرون الواو إذا كانت مكسورة مجرى (المضمومة) (¬4) فيهمزون الواو المكسورة (¬5)، فقال الأستاذ أبو علي: لا يريد سيبويه الاطراد، بل يريد أن همز الواو المكسورة أكثر من همز المفتوحة (¬6)، وقال ابن عصفور: والصحيح اطّراد ذلك؛ لأنه قد جاء منه جملة صالحة للقياس عليه، وقال ابن الضائع: وردت منه ألفاظ كثيرة بالنظر إلى المفتوحة، قليلة بالنظر إلى المضمومة، فيقوى عندي الوقوف على ما سمع من ذلك (¬7). وأمّا الثالثة [6/ 145]: فهي أن الواو المضمومة منه عارضة قد تبدل همزة، ولكنّ ذلك في غاية القلّة ولهذا أتى بربّما، ومثال الضمة العارضة ضمّة الإعراب، أو ضمّة لالتقاء الساكنين نحو: هذا دلوك، وفَلا تَخْشَوُا النَّاسَ (¬8)، ومن ذلك قراءة من قرأ شاذّا: (وإن منهم لفريقا يلؤن) (¬9) وكذا: (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) (¬10)؛ فإن الضّمّة عارضة، ومستند من أبدل تشبيه العارضة باللّازمة وهو - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 264). (¬2) ينظر: المصنف (1/ 228 - 229) حيث قال المازني: «واعلم أن الواو إذا كانت أوّلا وكانت مكسورة فمن العرب من يبدل مكانها الهمزة ويكون ذلك مطردا فيها فيقولون في وسادة: إسادة وفي وعاء: إعاء، وفي الوفادة: إفادة». (¬3) الممتع (1/ 333)، والرضي (3/ 78). (¬4) كذا في الكتاب وفي النسختين «الضمة». (¬5) الكتاب (4/ 331). (¬6) التذييل (6/ 143 أ). (¬7) المرجع السابق. (¬8) سورة المائدة: 144. (¬9) انظر: الآية 78 من سورة آل عمران في تفسير البحر المحيط (2/ 503)، والتبيان (1/ 274). (¬10) انظر: الآية 153 من سورة آل عمران في تفسير البحر المحيط (3/ 82)، والتبيان (1/ 302).

[إبدال حرف اللين الثاني في مثل: عيايل همزة]

[إبدال حرف اللين الثاني في مثل: عيايل همزة] قال ابن مالك: (فصل: إذا اكتنف طرفا اسم حرفي لين بينهما ألف، وجب في غير ندور إبدال الهمزة من ثانيهما، إن لم يكن بدلا من همزة ولا مفصولا من الطّرف لفظا أو تقديرا، ولا يختصّ هذا الإعلال بواوين في جمع خلافا للأخفش). ـــــــــــــــــــــــــــــ غير مرضيّ؛ لأن العارض لا اعتداد به. ومن فروع هذه المسألة أنك إذا سمّيت رجلا بورقا ثم جمعته تصحيحا فإنك تقول فيه: ورقاوون (¬1) بالواو، كما تقدم ذلك أول الكتاب؛ فهل يجوز بدل مثل هذه الواو؟ مذهب الجمهور: لا يجوز؛ لأن الضمة عارضة كضمة الإعراب لزوالها في حالتي النصب والجر. قيل: وقد أجاز بعضهم ذلك؛ لأن الضمة ليست ضمة الإعراب (¬2)، واعلم أن هذا الفصل الذي فرغ منه قد اشتمل على ذكر إبدال الهمزة من حروف العلّة وجوبا في ثلاثة مواضع وهي باب: كساء ورداء، وباب: قائم وبائع، وباب: أواصل وأويصل ونحوهما. قال ناظر الجيش: هذا موضع رابع من المواضع التي يجب فيها إبدال حرف العلّة همزة، والمراد بما ذكره كل جمع لرباعي اكتنف ألفه لينان، فإن حرف اللين الثاني الواقع بعد ألف الجمع تبدل همزة، كما لو سميت بنيف ثم كسّرته، فإنك تقول فيه: نيائف (¬3)، وكذا: أوّل حيث تقول فيه: أوائل (¬4)، فقد اكتنف طرفا نيائف - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 143 ب). (¬2) المرجع السابق (6/ 144 أ). (¬3) ينظر: الأشموني (4/ 289). (¬4) هذا مذهب الجمهور إلا أبا الحسن الأخفش فإن كان لا يهمز من ذلك إلا ما كانت الألف منه بين واوين، ويجعل ذلك نظيرا للواوين إذا اجتمعا في أوّل الكلمة، فكما أنك تهمز الأولى منهما، للعلة التي تقدم ذكرها، فكذلك تهمز الواو الآخرة في أوائل وأمثاله ولا يرى مثل ذلك إذا اجتمعت ياءان أو واو وياء، ويقول: لأنه إذا التقى الياءان أو الياء والواو أولا نحو: يين اسم موضع، و: ويل، ويوم لم يلزم الهمز فكذلك لا يهمز عنده مثل: سيائق وسيائد). الممتع (1/ 337)، وقال الأشموني (4/ 289): «واعلم أن ما اقتضاه إطلاق الناظم هو مذهب الخليل وسيبويه ومن وافقهما، وذهب الأخفش إلى أن الهمزة في الواوين فقط ولا يهمز في الياءين ولا في الواو مع الياء، فيقول: نيايف، وسياود، وصوايد -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل البدل وهما النون والفاء، وطرفا أوائل وهما الهمزة واللام حرفي لين، وهما الياءان في الأولى، والواوان في الثانية، وبين حرفي اللين ألف، والموجب لإبدال ثاني حرفي اللين همزة الاستثقال لتوالي ثلاث (لينات) (¬1) متصلة بالطرف، وكذا إذا انفصل هذا اللين الثاني من الطرف بمدة امتنع الإبدال كطواويس (¬2). كما ستعرف ذلك، واعلم أن المصنف أورد هذه المسألة في إيجاز التعريف أحسن إيراد، فأنا أورد كلامه بنصّه لحسنه ولاشتماله على شرح كلامه في هذا الفصل. قال رحمه الله تعالى: إذا وقعت ألف التكسير بين حرفي علّة وجب إبدال الهمزة من ثانيهما إن اتصل بالطرف نحو: أوائل جمع أوّل وبيائن جمع بينّ، وسيائد جمع سيّد، وصوائد جمع صايدة، فالأول: مثال لذي واوين، والثاني: مثال لذي يائين، والثالث: مثال لذي ياء بعدها واو، والرّابع: مثال لذي واو بعدها ياء، فإن كان ثاني حرفي العلّة مبدلا كالياء الثانية في جيايا سلم، وجيايا جمع جيّئ مثال عيّل من حيث أصله: جيايئ ثم عومل معاملة عيايل، ثم معاملة خطايا، فاستسهل أمر الياء في الحالة الثانية من جيايا؛ لأنها مفتوحة وبدل من همزة، فكان تصحيحها كتصحيح واو بويع (¬3)، ولم يستسهل أمرها في الحالة الأولى؛ لأنها حينئذ مكسورة، وياء غير مبدلة من شيء؛ فلو انفصل ثانيهما من الطرف دون اضطرار، وجب التصحيح نحو: عواوير جمع عوّار: وهو الرمد والخفاش والجبان - أيضا - (¬4). فلو كان - ¬

_ - على الأصل، وشبهته أن الإبدال في الواوين؛ إنما كان لثقلها، ولأن لذلك نظيرا وهو اجتماع الواوين أوّل كلمة، وأما إذا اجتمعت الياءان أو الياء والواو فلا إبدال؛ لأنه إذا التقت الياءان أو الياء والواو أول كلمة؛ فلا همز نحو: يين ويوم اسم موضع، واحتج - أيضا - بقول العرب في جمع ضيون وهو ذكر السنانير: ضياون، من غير همز، والصحيح ما ذهب إليه الأولان - أي الخليل وسيبويه - للقياس والسماع؛ أمّا القياس: فلأن الإبدال في نحو: أوائل إنما هو بالحمل على كساء ورداء لشبهه به من جهة قربه من الطرف ... وأما السماع: فحكى أبو زيد في سيّقة سيائق بالهمز وهو فعيلة من ساق يسوق». (¬1) كذا في (ب)، وفي (جـ) «حركات». (¬2) جمع طاوس؛ لأن الواو قد قويت ببعدها عن محل التغيير وهو الطرف. الممتع (1/ 339). (¬3) لو بنيت فوعلا من البيع لقلت: بيع. أصله: بويع فقلبت الواو ياء لأجل الإدغام. الممتع (1/ 344). (¬4) انظر: اللسان «عور»، والمساعد (4/ 95، 96).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الانفصال للضرورة لم تمنع من الإبدال كما لو اضطر شاعر إلى أن يقول في أوائل: أوائيل (¬1)، وكذلك لو اضطر إلى أن يقول في عواوير: عواور بغير فصل، فلا سبيل إلى الإبدال؛ لأن العارض لا يعتد به (¬2)، ولو وقع في واحد حرفا علّة بينهما ألف كما وقعا في أوائل وإخوانه عومل معاملتهن لشبهه بهن، وذلك نحو: بناء مثل عوارض (¬3) من قول فإنك تقول فيه: قوائل (¬4)، والأصل: قواول بواوين أولاهما زائدة في مقابلة واو عوارض، والثانية عين بمنزلة ثانية واوي أواول، فعمل بها ما عمل بها هناك لتساويهما، والأخفش يخص هذا الإعلال بجمع يكتنف ألفه واوان كأواول، ويقول في جمع بينّ، وسيّد، وصائدة: بياين، وسياود، وصوايد، وفي مثل عوارض من القول: قواول، فلا يهمز (¬5). هذا آخر كلامه في هذا الفصل وقد ظهر منه بيان أكثر ما ذكره هنا. واحترز بقوله: في غير ندور في: ضياون فإن قياسه الهمز، ووجه الشذوذ فيه، أنهم شذّوا في مفرده فقالوا: ضيون (¬6)، فلم يدغموه فشذوا فيه في جمعه، وقيل: إنما صحّ في الجمع؛ لأنه صحّ في المفرد، وردّ هذا بأن صحّة المفرد لا يلزم منها صحة الجمع، بل يلزم في الجمع الإعلال، ويدلّ على ذلك أنك لو بنيت مثل: ضيغم من القول، وصححت لقلت: قيول، فلو جمعته، لقلت: قيائل بالهمز (¬7). وقد قال سيبويه: لو جمعت ألببا لقلت: ألابّ يعني بالإدغام، وإن كان قد شذّ مفرده بالفك (¬8)، وأما قوله: إن لم يكن بدلا من - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (1/ 339)، والمنصف (2/ 49). (¬2) المرجعين السابقين. (¬3) وهو بضم الفاء اسم جبل عليه قبر حاتم. المساعد (4/ 94). (¬4) الهمز هنا على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور، وقال الأخفش والزجاج: لا يهمز لفوات ثقل الجمع، والراجح الأول لقوّة الشبه. المساعد (4/ 95)، وانظر: الكتاب (4/ 370). (¬5) وذهب إليه الزجاج. انظر: التذييل (6/ 144 ب)، والمساعد (4/ 95)، والأشموني (4/ 289)، والرضي (3/ 134)، وتوضيح المقاصد (6/ 18). (¬6) ينظر: الكتاب (4/ 370)، والممتع (1/ 338)، والأشموني (4/ 290)، والضّيون: السّنور الصغير. اللسان «ضون». (¬7) ينظر: التذييل (6/ 144 أ)، والمساعد (4/ 95). (¬8) قال بإدغامه في التصغير. الكتاب (3/ 431)، ولو سميت رجلا بألبب ثم حقّرته قلت: أليبّ وانظر: التذييل (6/ 144 ب)، والمساعد (4/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ همزة، فقد عرفت أنه احترز به من جيايا جمع جيّئ، ويدخل - أيضا - تحت قوله: إن لم يكن بدلا من همزة نحو: جوايا جمع جويّة، أو جاوية أو جاويا، وزوايا جمع زاوية، وجنايا جمع جنيّة والعلة لعدم إبدال الحرف المذكور همزة، أنه كان همزة ثم أبدل منها كما سيأتي بيانه في مسألة خطايا ونحوه، إن شاء الله تعالى. فلو أبدلوه همزة لكانوا قد عادوا إلى ما استثقلوه من اجتماع ألفين وهمزة مفتوحة بينهما (¬1)، وأما قوله: ولا مفصولا من الطرف لفظا أو تقديرا فقد عرفته، والمفصول لفظا نحو: طواويس وعواوير، والمفصول تقديرا نحو: عواور، فإذا اضطر شاعر فلا يبدل؛ لأن الأصل: عواوير والحذف عارض فلا يعتد به، كما لا يعتد بالبعد من الطرف إذا اضطر شاعر فزاد ياء نحو قوله: 4294 - فيها عيائيل أسود ونمر (¬2) لأن هذا المدّ عارض للضرورة، فلا اعتداد به، وما أحسن قول ابن الحاجب: وصحّ عواور وأعل عيائيل؛ لأن الأصل: عواوير فحذف، وعيائيل فأشبع (¬3)، واستحسن الشيخ قول المصنف في إيجاز التعريف إذا وقعت ألف التكسير بين حرفي علّة (¬4)، واستجوده على عبارته في التسهيل؛ لأنه قال: إذا اكتنفنا طرفا اسم حرفي لين بينهما ألف. قال الشيخ: ومثل عواوير وطواويس لم يل الواو الآخرة فيهما الطرف، وإنما وليها ياء بعدها الطرف (¬5). انتهى. ولا شك أن عبارته في إيجاز التعريف أخصر وأبين وأحسن. وأما قوله: ولا يختص هذا الإعلال بواوين في جمع، خلافا للأخفش فقد تقدم تقريره وإلى ما ذهب إليه الأخفش في ذلك ذهب أبو إسحاق الزجاج قالوا: - ¬

_ (¬1) ينظر: المساعد (4/ 95). (¬2) من الرجز قائله حكيم بن معية الربعي، الضمير في: فيها يرجع إلى الغيطان في البيت الذي قبله. والشاهد: في قوله: عيائيل؛ حيث أبدلت الهمزة من ياء. واحد العيال: عيل، والجمع: عيايل، مثل: جيد وجيايد. ويروى فيها: تماثيل، وفيها: غيائيل. انظره في: الكتاب (3/ 574)، والمقتضب (2/ 203)، وابن يعيش (5/ 18، 10/ 91، 92)، والمقرب (2/ 107، 163)، وشرح شواهد الشافية للبغدادي (276)، والعيني (4/ 586)، والتصريح (2/ 310، 370). (¬3) شرح الشافية (3/ 127). (¬4)، (¬5) التذييل (6/ 144 ب).

[قلب المدة الثالثة في الجمع على مفاعل همزة]

[قلب المدّة الثالثة في الجمع على مفاعل همزة] قال ابن مالك: (فصل: يجب أيضا إبدال الهمزة ممّا يلي ألف جمع يشاكل مفاعل من مدّة زيدت في الواحد، فإن كانت المدّة عينا لم تبدل إلّا سماعا). ـــــــــــــــــــــــــــــ والسماع يرد هذا الذي ذهب إليه، حكى أبو زيد في سيّقة: سيائق (¬1)، وهو فعيلة في ساق يسوق، وحكى الجوهري في تاج اللغة: جيد وجيائد (¬2)، وحكى أبو عثمان [6/ 146] عن الأصمعي في جمع عيّل: عيائل بالهمز (¬3)، وهذه الكلمات لم يكتنف ألف بعد الجمع فيها واوان؛ فدلّ على أن العرب إنما استثقلت اكتناف ألف الجمع حرفا علّة، والمفرد إذا شاكل الجمع في هذا الاكتناف كان حكمه حكمه. قال ناظر الجيش: هذا - أيضا - موضع خامس من المواضع التي يجب فيها إبدال حرف العلّة همزة والمراد بذلك كل جمع، لما فيه مدّة ثالثة، إذا كان الجمع على مثال مفاعل، فتبدل الهمزة من المدّة الواقعة بعد ألف الجمع نحو: قلادة وقلائد، وصحيفة وصحائف، وعجوز وعجائز، فقول المصنف: يشاكل مفاعل عبارة حسنة، ويريد بها: أنه يشاكله في الحركات، والسكنات، وعدد الحروف (¬4). وقوله: من مدّة زيدت في الواحد يخرج ما كان زائدا، لكنّه غير مدّة كقسور؛ فإن جمعه: قساور، وجدول وطريم؛ فإن جمعهما: جداول، وطرايم دون بدل، وما كان مدّة لكنه غير زائد كمفازة؛ فإنها منقلبة عن أصل، ومعيشة، ومعونة؛ فإن جمعها: مفاوز، ومعايش، ومعاون، وقد شمل قوله: مدة: الألف، والياء، والواو، وقد ذكرت أمثلتها، ونحو: مفازة، ومعيشة، ومعونة أخرجه المصنف بقوله: فإن كانت المدة عينا لم تبدل، وعلى هذا يقال في جمع مسيل: مسايل، قال (الأخطل) (¬5): - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 144 ب)، والمنصف (2/ 46)، والأشموني (4/ 290). (¬2) انظر: التذييل (6/ 144 ب)، والأشموني (4/ 290). (¬3) المنصف (2/ 45)، والأشموني (4/ 290). (¬4) انظر: التذييل: (6/ 145 أ)، والمساعد (4/ 97). (¬5) في النسختين والتذييل (6/ 145 أ) «الفرزدق» وكذا في المقتضب والمخصص (14/ 21)، وهو في ديوان الأخطل (ص 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4295 - وإنّي لقوّام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها (¬1) وإنما فعلوا ذلك ليفرّقوا بين الياء، والواو الزائدتين، وبين الياء والواو الأصليتين وقال في إيجاز التعريف: أما إبدال الألف فلأنّها التقت مع ألف التكسير، وهي مثلها في الزيادة والإتيان لمجرد المدّ فلم يكن بدّ من حذف إحداهما، أو تحريكها فامتنع الحذف؛ لإيجابه اللبس بالمفرد، فتعين تحريك أقربهما إلى الطرف؛ فانقلبت همزة، وحملت الواو والياء على الألف لتساويهن في الزيادة والإتيان لمجرد المدّ، وقول المصنف: إلا سماعا يعني أن سماع الإبدال فيما هو عين الكلمة قيل دون قياس عليه والذي سمع (معائش) (¬2)، وهو ضعيف لم يثبت في السبع (¬3)، ومصائب وقياسه: مصاوب لكنه التزم فيه السمع قبل، وإنما التزم فيه الهمز تنبيها على أنه جمع مفعلة، لا مفعلة، ولا مفعلة؛ لأن قياس جمع اسم الفاعل في مثله أن يجمع مصحّحا، فلما كسر أبدلت الواو فيه - مع كونها عينا - همزة تنبيها على مخالفه، وما ألطف قول ابن جني: وأمّا همز مصائب فمن المصايب (¬4) ومن المسموع أيضا: مسائل جمع: مسيل (¬5)، - ¬

_ (¬1) من الطويل للأخطل التّغلبي من كلمة يهجو بها جريرا، والشاهد فيه: قوله: مقاوم، وهو: جمع مقامة وأصلها: مجلس القوم. راجع: الخصائص (3/ 145)، والمقتضب (1/ 122)، والمنصف (1/ 306)، وابن يعيش (10/ 90، 97)، وديوانه (ص 123). (¬2) من قوله تعالى في سورة الأعراف: 10: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ ومن الآية 20 من سورة الحجر. (¬3) قال العكبري في التبيان (1/ 558): «قوله تعالى: مَعايِشَ * الصحيح أن الياء لا تهمز هنا؛ لأنها أصليّة، وحرّكت؛ لأنها في الأصل محرّكة ووزنها: معيشة كمحسبة. وأجاز قوم أن يكون أصلها الفتح، وأعلّت بالتسكين في الواحد كما أعلّت في يعيش، وهمزها قوم وهو بعيد جدّا. ووجهه أنّه شبّه الأصلية بالزائدة نحو: سفينة وسفائن». وجاء في السبعة في القراءات لابن مجاهد (ص 278): «قوله تعالى: مَعايِشَ * كلهم قرأ مَعايِشَ * بغير همز وروى خارجة عن نافع (معائش) ممدودة مهموزة» والصحيح أنها قراءة سبعية ورواها غير نافع - أيضا - فقد رويت عن الأعرج وشيخه عبد الرحمن بن هرمز، وزيد بن عليّ، والأعمش، وابن عامر وجاء في كتاب (مع القواعد النحوية ص 78) ما يلي: «فعلماء النحو قد غلّطوا هذا القارئ الثّبت نافع بن أبي نعيم، من قراءة متواترة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، على أساس مقاييسهم التي لا يجب أن تثبت أمام هذه القراءة المتواترة، وإذا (فمعائش) ليست غلطا ولا خطأ ولا لحنا وانظر: الإتحاف (ص 222)، والبحر (4/ 271)، والمنصف (1/ 308). (¬4) انظر: الخصائص (3/ 144)، والمنصف (1/ 309، 310). (¬5) مفعل من سال يسيل فجمعوه كرغيف للشبه اللفظيّ، وهمزه شاذ، وعلى هذا كلام سيبويه وغيره، -

[إبدال أحرف العلة من الهمزة]

[إبدال أحرف العلة من الهمزة] قال ابن مالك: (وتفتح في غير شذوذ الهمزة العارضة في الجمع المشاكل مفاعل، مجعولة واوا فيما لامه واو سلمت في الواحد بعد ألف، ومجعولة ياء في غير ذلك ممّا لامه حرف علّة أو همزة، وربّما عوملت الهمزة الأصليّة معاملة العارضة للجمع ونحو هديّة وهداوى شاذّ ولا يقاس عليه خلافا للأخفش). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومنائر (¬1) جمع: منارة، هذا آخر كلام المصنف في إبدال الهمزة من حروف العلة، وقد عرفت أنه ذكر في هذا الفصل والذي قبله إبدال الهمزة من ألف أو ياء أو واو في خمسة مواضع لا غير؛ ولكنه ذكر في شرح الكافية موضعا سادسا وهو: كل ذي ألف تأنيث ممدوة كصحراء؛ فإن الهمزة فيه بدل من ألف مجتلبة للتأنيث كاجتلاب ألف سكرى، لكن ألف سكرى غير مسبوقة بألف؛ فسلمت، وألف: صحراء مسبوقة بألف؛ فحرّكت فرارا من التقاء الساكنين فانقلبت همزة؛ لأنها من مخرجها، وكانت الثانية بالتحرك أولى؛ لأنها آخرة والأواخر بالتغيير أولى، ولأنها حرف إعراب والحركة فيه مقدّرة، والأولى لمجرد المدّ كألف أرطاة فلا حظّ لها في حركة (¬2)، هذا كلامه في شرح الكافية، وقد ناقض ذلك في هذا الكتاب وفي إيجاز التعريف؛ فحكم بأن الهمزة نفسها زائدة دون بدل وهذا إنما هو مذهب الكوفيين، والحق ما ذكره في شرح الكافية، وقد استدل هو في باب منع الصرف من شرح الكافية - على أن الهمزة في صحراء بدل من ألف بقولهم في الجمع: صحار، كما قالوا في حبلى: حبال، قال: فلو كانت الهمزة في صحراء غير مبدلة لسلمت (¬3). قال ناظر الجيش: قد تقدم لنا أن الهمزة إنما تبدل البدل اللازم في التصريف من - ¬

_ - قال الأعلم: المسايل، حيث يسيل الماء إلى الرياض، والقياس أن لا يهمز؛ لأن ياءه أصلية، وقيل: هو جمع مسيل وهو: ماء المطر، ويجمع - أيضا - على: أمسلة، ومسل: نحو: كثيب وأكثبة ... وحينئذ لا يكون همزة شاذّا. انظر: التذييل (6/ 145 أ)، والمساعد (4/ 98). (¬1) وصوابها: مناور؛ لأن الألف ليست بزائدة انظر: المرجعين السابقين، والخصائص (3/ 145). (¬2) شرح الكافية لابن مالك (4/ 2080)، وما بعدها بتصرف. (¬3) انظر: شرح الكافية لابن مالك (3/ 1436).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أحرف العلّة وهي: الياء، والواو، والألف، وأن أحرف العلّة يبدل كل منها من الهمزة، ويبدل كل منها من الآخر - أيضا - فالأقسام ثلاثة، وقد أنهى الكلام على القسم الأول وهو إبدال الهمزة من أحرف العلّة الثلاثة، ثم إنه شرع الآن في القسم الثاني وهو إبدال أحرف العلّة من الهمزة، فبدأ بذكر ما تبدل فيه الهمزة ياء تارة، وواوا تارة أخرى، وذلك في بعض صور المسألة التي ذكرت في الفصل الذي قبيل هذا، وفي بعض صور المسألة التي افتتح بها هذا الفصل، ولهذا لمّا كان هذا الحكم الذي سيذكره متعلّقا بالمسألتين المذكورتين قبله، لم يفرده بفصل، وذكره في هذا الفصل إشعارا بأنّه ملتحق بما قبله، والذي يقال الآن: إن الحكم المتقدم الذكر وهو إبدال الهمزة الواقعة بعد الألف فيما يشاكل مفاعل من ثاني اللينين اللذين توسطت الألف بينهما، أو من المدّة الزائدة في الواحد لا بدّ منه سواء أكان لام تلك الكلمة المشتملة على المدّة المزيدة حرفا صحيحا غير همزة أم حرف علّة - وأعني به الياء أو الواو أم الهمزة - لكنه إن كانت اللام حرفا صحيحا، اقتصر على العمل المتقدم وهو إبدال المدّة بعد ألف الجمع همزة كرسائل وصحائف وركائب (¬1)، وإن كانت اللام حرف علّة أو همزة فلا بدّ مع ذلك العمل المتقدم من عملين آخرين، وهما: فتح الهمزة المكسورة الواقعة بعد ألف الجمع المبدلة؛ إما من ثاني اللينين المكتنفي ألف الجمع، وإما من المدّة المزيدة، وإبدال هذه الهمزة التي فتحت ياء أو واوا على ما يفصّل، وذلك أن لام الكلمة إما حرف علّة أو همزة، فإن كانت حرف علّة وهو واو سلمت في الواحد بعد ألف؛ أبدلت الهمزة واوا، وإن كان واوا ولم يسلم في الواحد أو ياء مطلقا - أعني سلمت في الواحد أو أعلّت - أو همزة؛ أبدلت الهمزة المذكورة ياء، هذا كلّه تقسيم يتضمن تقرير الحكم وسيأتي أمثلة ذلك. واعلم أنني الآن أورد كلام المصنف في إيجاز التعريف؛ لاشتماله على التعليل والتمثيل، ثم أرجع إلى لفظ الكتاب. قال رحمه الله تعالى: تفتح الهمزة العارضة في الجمع المشاكل مفاعل مجعولة واوا فيما لامه واو سلمت في الواحد بعد ألف مجعولة ياء في غير ذلك من المعتل - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (3/ 610)، والممتع (1/ 343).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اللّام ويتعين جعل آخر الجميع ألفا كهراوة (¬1). وهراوى (¬2)، وقضية وقضايا، وزاوية وزوايا الأصل: الهرائي كالرسائل، والقضائي كالصحائف، والزوائي كالدواعي، لكن استثقل هذا الجمع؛ لكونه منتهى الجموع فخففوه في الصحيح بمنع الصرف، فإن اعتل آخره كان أثقل فزيد تخفيفا بفتح ما قبل آخره جوازا فيما سمع كمهارى ومدارى، فإن انضم إلى اعتلال الآخر اعتلال ما قبله كما هو فيما ذكر من ذي الهمزة العارضة في الجمع؛ تضاعف الثقل فقوي داعي التخفيف، فالتزم في مطايا (¬3) وبابه ما جاز في مدارى وأخواته، لكن بوجه يكمل التخفيف فالتزم؛ لأن المفتوح هنا يقع بين ألفين سلمت الهمزة عند فتحها كانت كألف ثالثة، فوجب التخفيف بإبدالها ياء أو واوا، فأوثرت الياء لكونها تجانس حركة الهمزة في الأصل يعني الكسر، وكان للواو في ذلك حق فجاؤوا بها في جمع ما لامه واو ساكنة؛ ليشاكل الجمع الواحد في سلامة (الواو) (¬4) رابعة بعد ألف، وإن كانتا متغايرتين؛ فقالوا: هراوى وعلاوى كذلك، وربّما فعل ذلك بما لم تسلم الواو في واحده نحو: مطاوى وهداوى، وعاملوا ما لامه همزة مما ذكر معاملة نظيره مما لامه - ¬

_ (¬1) الهراوة: العصا الضخمة، وجمعها هراوي. اللسان «هرا». (¬2) حق هراوة أن يجمع كرسالة فيقال: هرائي كرسائل لكن استثقلت الكسرة ففتحوا الهمزة، فصار هراءو، فتحرّكت الواو وانفتح ما قبلها؛ فقلبت ألفا، فصار هراءى، فكرهوا اجتماع ألفين بينهما همزة مفتوحة فكأنه اجتمع ثلاث ألفات؛ فأبدلوا من الهمزة واوا، فصار هراوى، وكذا يفعل في جمع إداوة، وعلاوة ونحوهما. المساعد (4/ 99)، وقال الأشموني (4/ 292): «وأشار بقوله - أي: ابن مالك -: وفي مثل هراوة جعل ... واوا ... إلى أن المجموع على مثال: مفاعل إذا كانت لامه واوا لم تعل في الواحد؛ بل سلمت فيه كواو هراوة، جعل موضع الهمزة في جمعه واوا فيقال: هراوى والأصل: هرائو، بقلب ألف هراوة همزة، ثم هرائي بقلب الواو ياء لتطرفها بعد الكسرة، ثم خففت بالفتح فصار هراءى، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار هراءا، فكرهوا ألفين بينهما همزة ... فأبدلوا الهمزة واوا طلبا للتشاكل؛ لأن الواو ظهرت في واحده رابعة بعد ألف فقصد تشاكل الجمع لواحده فصار هراوى بعد خمسة أعمال». (¬3) مما همزته بعد ألف الجمع، وأصل مطايا مطائو، ثم قلبت الواو ياء؛ لتطرفها وانكسار ما قبلها، فصار: مطائي، ثم قلبت الكسرة فتحة تخفيفا فصار: مطاءي ثم قلبت الياء ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار: مطاءى ثم أبدلت الهمزة ياء لما قدمنا. راجع: الممتع (2/ 603)، والرضي (3/ 60)، والأشموني (4/ 291). (¬4) كذا في (ب)، وفي (جـ) «اللام».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حرف لين فقالوا: خطايا؛ وذلك أن أصله: خطائئ (¬1) بهمزتين، فصارت الثانية ياء لامتناع تحقيق همزة في كلمة وقبلها همزة عارضة في جمع، فصار اللفظ بها كاللفظ بالقضائي فجرت على طريقته، وقد شذّ قول بعضهم: خطائئي (¬2) بالتحقيق شذوذ قولهم في منيّة: منائي على الأصل المتروك، قال عبيدة بن الحارث (¬3) رضي الله تعالى عنه: 4296 - فما برحت أقدامنا في مقامنا ... ثلاثتنا حتّى أزيروا المنائيا (¬4) وكذلك شذّ مرايا في جمع مرآة (¬5) بإبدال الهمزة وهي غير عارضة في جمع. انتهى. وهو كما قال أبو تمام: - ¬

_ (¬1) بهمزتين الأولى مبدلة من مدة الواحد والثانية لام الكلمة، فوجب إبدال الثانية ياء، لاجتماع همزتين ثم فتحت الأولى، ثم قلبت الثانية ألفا ثم أبدلت الأولى ياء. وهذا مذهب سيبويه وجمهور البصريين، وذهب الخليل إلى أن مدة الواحد لا تبدل في هذا همزة؛ لئلا يلزم اجتماع همزتين فأصلها عنده خطايئ فيقلب بتقديم الهمزة على الياء فيصير: خطائي ثم يعل كما تقدم. واعترض بأن القياس قلب الياء همزة. راجع: الكتاب (3/ 553)، والمقتضب (1/ 278 - 279)، والمنصف (2/ 56)، والرضي (3/ 59)، وابن يعيش (9/ 117)، والجاربردي (1/ 263)، وتوضيح المقاصد (6/ 19)، واللسان «خطأ»، والأشموني (4/ 292). (¬2) قال بعض العرب: اللهمّ اغفر لي خطائئي. راجع الأشموني (4/ 292)، وتوضيح المقاصد (6/ 19)، والجاربردي (1/ 263)، والتذييل (6/ 145 ب)، والمساعد (4/ 100)، وابن يعيش (9/ 117). (¬3) ابن عبد المطلب ابن عم النبي صلّى الله عليه وسلّم، من أبطال قريش في الجاهلية والإسلام، شهد بدرا وقتل فيها. راجع: إمتاع الأسماع (1/ 52، 99)، والمحبر (ص 116). (¬4) من قصيدة من الطويل قالها يوم بدر وكان أمير المسلمين فقطعت رجله ومات بالضفراء وقال هذه القصيدة في قطع رجله وفي مبارزته هو وحمزة وعلي رضي الله عنهم وهم المراد من قوله: ثلاثتنا، فما برحت: أي فما زالت، والشاهد: في قوله: المنائيا، والأصل فيه: المنايا، ولكن أظهرت فيه الياء للضرورة وقلبت همزة شذوذا، وفيه شاهد آخر: في قوله: ثلاثتنا؛ فإنه بدل وهو اسم ظاهر، من ضمير الحاضر، وهو: نا، في: مقامنا بدل كل من كل، وإنما جاز لإفادته فائدة التوكيد من الإحاطة والشمول، وانظره في: التصريح (2/ 272)، وسيرة ابن هشام (ص 527)، والأشموني (3/ 129). (¬5) «مرآة مفعلة من الرؤية وهي التي كمطرقة والهمزة فيها أصلية ليست عارضة للجمع والأصل: مرأية، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصارت مرآة، وقالوا في جمعها: مرائي على وزن مفاعل وهو القياس، ومرايا قالوا: عاملوا الهمزة الأصلية التي هي عين الكلمة معاملة الهمزة العارضة للجمع فأبدلوها ياء». المساعد (4/ 101)، وانظر: الأشموني (4/ 292).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4297 - يستنبط الرّوح اللّطيف نسيمها ... أرجا وتؤكل بالضّمير وتشرب (¬1) فسبحان من الفضل بيده يؤتيه من يشاء. أما لفظ الكتاب فقوله: في غير شذوذ احترز به عن قول من قال في منيّة: منائي، وفي خطيّة: خطائي. وقوله: سلمت في الواحد احترز به من نحو: مطيّة؛ فإن لامها واو ولم تسلم في الواحد، وقوله: ومجعولة ياء في غير ذلك مما لامه حرف علة أو همزة أي في غير ما لامه واو سلمت في الواحد وذلك بأن تكون لامه واوا اعتلت في الواحد، نحو: مطيّة، أو ياء سلمت في الواحد نحو: زاوية، أو اعتلت نحو: هديّة، ولهذا يقال: مطايا، وزوايا، وهدايا (¬2). وقوله: أو همزة مثاله: خطيئة كما عرفت. وقوله: وربما عوملت الهمزة الأصلية معاملة العارضة للجمع أشار به إلى ما تقدم نقله عنه من إيجاز التعريف من قولهم: مرايا في جمع: مرآة، فإن الهمزة في مرآة أصلية؛ لأنها مشتقة من الرؤية، ووزنها مفعلة، والألف بدل من أفعلة: مرأية تحركت الياء وانفتح ما قبلها ألفا وهي اسم آلة للرؤية نحو: مطرقة ومكسحة، فجمعها: مراء على وزن مفاعل ولكنه منقوص، وقالوا في جمعه: مرايا، فعاملوا الهمزة الأصلية معاملة العارضة للجمع في إبدالها ياء بعد ألف الجمع وقوله: ونحو: هديّة [6/ 147] وهداوى شاذ، إنما كان شاذّا؛ لأن حق ما لامه ياء أن تقلب الهمزة التي بعد ألف الجمع فيه ياء، وقد قاس الأخفش (¬3) عليه، وضعف مذهبه بأنه لم تنقل بالواو فيما لامه ياء إلا هذه الكلمة، ولا فيما لامه واو لم تسلم في الواحد إلا مطاوى (¬4)، - ¬

_ (¬1) كذا في ديوان أبي تمام وجاء في المخطوط برواية: يستنبط الروح اللطيف نسيمه بالتذكير، والبيت من الكامل وهو مثل كما يقال: فلان يشرب مع الماء، وكدت آكله شغفا به؛ لمن يستحل خلقا أو خلقا وظرفا، والبيت ضمن أبيات قالها أبو تمام في مدح الحسن بن وهب ويذكر غلاما أهداه له أوّلها: لمكاسر الحسن بن وهب أطيب ... وأمرّ في حنك الحسود وأعذب والمكاسر: جمع مكسر وهو الأصل، ونسيمها: أي نسيم هذه الضرائب يحرّك الرّوح اللطيف. ديوانه (1/ 136). (¬2) أصل زوايا: زوائي بإبدال الواو همزة لكونها ثاني ليّنين اكتنفا مدّ مفاعل ثم خفف بالفتح فصار: زواءي ثم قلبت الياء ألفا فصار زواءا ثم قلبت الهمزة ياء لاستثقال وقوع همزة عارضة في جمع بين ألفين وهي من مخرج الألف فكان كتوالي ثلاث ألفات، أما هدايا ومطايا فالعمل فيهما واحد. انظر الأشموني (4/ 291، 292)، وتوضيح المقاصد (6/ 19). (¬3) راجع التذييل (6/ 146 أ)، والمساعد (4/ 101)، والأشموني (4/ 293)، وتوضيح المقاصد (6/ 21). (¬4) ينظر: المراجع في الهامش السابق.

[إبدال الهمزة من الهاء والعين]

[إبدال الهمزة من الهاء والعين] قال ابن مالك: (وتبدل الهمزة قليلا من الهاء والعين وهما كثيرا منها). ـــــــــــــــــــــــــــــ والكثير الياء نحو: منيّة، ومنايا، وحنيّة، وحنايا (¬1)، قال الشيخ: ولو ذهب ذاهب إلى أن هذا الوزن كله هو فعالى، وأن علاوى وبابه صحّت الواو فيه، لما صحت في مفرده، واعتلت في مطايا لمّا اعتلت في: مطيّة مفرد مطايا، وأن حنايا جاء على الأصل من ظهور الياء فيه، وأن خطيّة جاء على تقدير إبدال همزة خطيّة وإدغام ياء المدّ فيها فصارت كحنيّة، لكان مذهبا حسنا بعيدا عن التكليف. قال: وإنما دعا النحويين إلى تلك التقديرات حملهم جمع المعتل على الصحيح؛ فأجروا ذلك مجرى رسالة وصحيفة، وقد تكون أحكام للمعتل لا تكون للصحيح، وأحكام الصحيح لا تكون للمعتل (¬2). انتهى. وما قاله يشكل من وجهين: أحدهما: أنّ هذا الوزن - أعني فعالى - ليس قياسا لجمع نحو: علاوة، ومطيّة، وحنيّة، وخطيّة. الثاني: أن بدل الهمزة في خطيّة ياء إنما الموجب له طلب التخفيف فأبدلت لتدغم فيها الياء التي قبلها. وأما في خطاأا فلا موجب لإبدالها ياء أصلا، وكذا بدل الواو ياء في مطية، إنما كان لأجل الياء الساكنة المجتمعة معها، ولا موجب لذلك في مطايا فكان الواجب على ما قرره أن يقال: مطاوى وإذا كان في المفرد علّة جامعة وهي في الجمع منتفية لا يتعدى الحكم من المفرد إلى الجمع بدليل: ميقات وميزان، ومواقيت وموازين. والذي فعله النحويون في ذلك وقدّروه هو المتعين، ولا يجوز العدول عنه، ولقد هدوا إلى طريق الرشد في ذلك فرحمهم الله تعالى أجمعين بمنّه وكرمه، ثم إن الذي اختاره الشيخ في هذه المسألة المذكورة قد ذكر هو أنه قول لبعض الكوفيين، وأن بعضهم نسبه إلى الفراء (¬3)، وسيأتي التعرض لذلك في فصل القلب عن الكوفيين إنما هو في مسألة خطايا، والظاهر أنه لا فرق بين خطايا ومطايا في القول بذلك. قال ناظر الجيش: قد تقدم أن هذا الباب إنما هو معقود للإبدال القياسي اللازم، - ¬

_ (¬1) راجع: التذييل (6/ 146 أ)، والمساعد (4/ 101). (¬2) التذييل (6/ 146 أ). (¬3) وزن خطايا وبابه عند البصريين: فعائل، وعند الكوفيين: فعالى، ونسب إلى الخليل وليس الفراء. راجع المساعد (4/ 101)، وتوضيح المقاصد (6/ 21)، والأشموني (4/ 293).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأنه إن ذكر فيه شيء من الإبدال الجائز كان ذلك على سبيل الاستطراد، ولما ذكر المصنف في الفصول المتقدمة إبدال الهمزة الإبدال اللازم، ذكر فيها أنها قد تبدل في غير ذلك جوازا ثم استطرد استطرادا ثانيا، فذكر ما تبدل من الهمزة جوازا أيضا. ومثال إبدال الهمزة من الهاء قولهم: ماء، أصله: موه بدليل مياه، وهو إبدال شاذّ لكنّه مع شذوذه لازم (¬1)، ومنه أيضا قولهم: أل في: هل، يقولون: أل فعلت كذا؟ (¬2) يريدون: هل فعلت كذا؟ ومنه أيضا: آل، أصله أهل؛ فأبدلت الهاء همزة فقيل: أأل ثم أبدلت الهمزة ألفا فقيل: آل، ولم يجعل الألف بدلا من الهاء ابتداء؛ لأنه لم يثبت إبدال الألف من الهاء في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه، ويثبت إبدال الهمزة من الهاء في ماء، وليس أصل: آل أوّل، كما قال بعضهم (¬3)؛ لأنهم قالوا في تصغيره: أهيل لا أويل. ومثال إبدالها من العين قولهم: أباب بحر في عباب بحر (¬4) والأصل: العين؛ لأن عبابا أكثر استعمالا من [6/ 148] أباب، قيل: ولم يجئ بدل الهمزة من العين في غير ذلك، ومن الناس من زعم أن الهمزة أصل وليست بدلا من شيء (¬5)، وأما إبدال الهاء والعين من الهمزة فكثير، ولكنّه موقوف على السماع فمثال إبدال الهاء من الهمزة قولهم: هرحت، وهنرت، وهثرت، وهردت، وهرقت، في: أرحت، وأنرت وأثرت، وأردت، وأرقت (¬6)، وقد قالوا في المضارع: يهريق، واسمي الفاعل والمفعول مهريق ومهراق، وكذلك باقيها وقالوا - ¬

_ (¬1) راجع: اللسان «موه»، والمنصف (2/ 151)، والرضي (3/ 208)، والممتع (1/ 348). (¬2) حكاه أبو عبيدة. راجع شرح الشافية للرضي (3/ 208)، وابن يعيش (10/ 16)، والممتع (1/ 351). (¬3) هو الكسائي راجع شرح الشافية (3/ 208)، والجاربردي (1/ 317)، والتذييل (6/ 146 ب). (¬4) يطلق العباب على أول كل شيء، وأول الماء، والجمع يقال: جاؤوا بعبابهم أي بأجمعهم. ينظر: اللسان «أبب» و «عبب»، والمقرب (2/ 164)، وابن يعيش (10/ 16)، وشرح الشافية للرضي (3/ 207)، والممتع (1/ 352). (¬5) هو ابن جني قال: «أباب من: أبّ إذا تهيّأ». راجع: سر الصناعة (1/ 121)، وشرح الشافية (3/ 207)، والممتع (1/ 352)، والمساعد (4/ 102)، وشرح شواهد الشافية (ص 432). (¬6) يقال: هنرت الثوب: أي: أنرته، وهرحت الدّابة: أي أرحتها، وحكى اللحياني: هردت الشّيء أي: أردته. الرضي (3/ 222، 223)، وانظر: الكتاب (4/ 237)، والجاربردي (1/ 322)، والممتع (1/ 399).

[إبدال حروف العلة من الهمزة]

[إبدال حروف العلة من الهمزة] قال ابن مالك: (فصل: تبدل الهمزة السّاكنة بعد همزة متحرّكة متّصلة مدّة تجانس الحركة، فإن تحرّكتا والأولى لغير المضارعة أبدلت الثّانية ياء، إن كسرت مطلقا، أو فتحت بعد مكسور أو كانت موضع اللّام مطلقا، وواوا إن فتحت بعد مفتوحة، أو مضمومة أو ضمّت مطلقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ وهن فعلت في طيئ، وهذا الذي، في: إياك، ولأنك، وإن فعلت فعلت، وأذا الذي؟ مستفهما (¬1)، ومثال إبدال العين من الهمزة قولهم في أن: عن (¬2)، وفي مؤتل: معتل (¬3)، وفي أمّا: عمّا، واعلم أن سيبويه لم يذكر إبدال العين من الهمزة؛ لأنه قليل (¬4)، ولهذا ناقش الشيخ المصنف في زعمه أنه كثير (¬5). قال ناظر الجيش: هذا الفصل والذي بعده يتضمنان إبدال أحرف العلة من الهمزة أيضا، ويعبّر النحاة عن المذكور في هذين الفصلين: بتخفيف الهمزة ولا شك أن هذا الإبدال قسمان: واجب وجائز، فالواجب منه إنما يكون عند اجتماع همزتين في كلمة، والجائز هو الذي يكون في الهمزة إذا كانت مفردة أو مجتمعة مع أخرى لكن في كلمتين. وقد كان حق المصنف أن يقتصر على ذكر الواجب لما تقدّم، ولكن قد سبق لنا أنه إذا ذكر إبدالا واجبا من حرف، وكان ثم بدل جائز من ذلك الحرف ذكر ذلك الإبدال الجائز أيضا على سبيل الاستطراد وقصدا لاستيفاء الكلام على الإبدال من ذلك الحرف وجوبا وجوازا، واعلم أن المصنف قدم الكلام على - ¬

_ (¬1) من ذلك قول الشاعر: وأتى صواحبها فقلن هذا الّذي ... منح المودّة غيرنا وجفانا انظر: شرح الرضي للشافية (3/ 223، 224)، والممتع (1/ 399، 400)، والمساعد (4/ 103). (¬2) من ذلك قول ذي الرمة: أعن توسّمت من خرقاء منزلة ... ماء الصّبابة من عينيك مسجوم راجع: الخصائص (2/ 11) «وأبدلت من همزة أنّ بالتشديد - أيضا - قالوا: يعجبني عنّ عبد الله قائم يريدون: أنّ». الممتع (1/ 413)، وانظر: شرح شواهد الشافية (ص 427). (¬3) راجع: الممتع (1/ 413). (¬4) راجع: الكتاب (4/ 237)، والتذييل (6/ 147 أ). (¬5) راجع التذييل (6/ 147 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإبدال الواجب؛ لأنه الأصل، ولنذكر قبل الخوض في كلامه تقسيما تضبط به مسائل الفصل؛ فنقول: الهمزة إذا اجتمعت مع أخرى في كلمة: فإما أن تكون الهمزتان متحركتين، وإما أن تكون الأولى متحركة والثانية ساكنة، وإما أن تكون الأولى ساكنة والثانية متحركة، فهذه ثلاثة أقسام، ثم المتحركتان: إما مصدّرتان أو مؤخرتان، والهمزتان اللتان الأولى منهما ساكنة والثانية متحركة: إما في موضع العين وإما في موضع اللام؛ فآلت الأقسام إلى خمسة: ما الأولى فيه متحركة والثانية ساكنة. وما الأولى فيه ساكنة والثانية متحركة وهما في موضع العين. وما هو كذلك أيضا وهما في موضع اللام، وما الأولى والثانية فيه متحركتان وهما مؤخرتان، وما هو كذلك أيضا وهما مصدّرتان، ثم هذا القسم - أعني ما الهمزتان فيه (مصدّرتان) (¬1) مع تحركهما - له تسع صور؛ لأن كلّا من الأولى والثانية لا بدّ أن يكون متحركا بإحدى الحركات الثلاث، والمرتفع من ضرب ثلاثة في ثلاثة تسعة، ثم الهمزة في هذه الأقسام كلّها إما أن تبدل ألفا أو واوا أو ياء أو لا تبدل بل تبقى بحالها كما سنبيّن ذلك مفصلا بعون الله تعالى وتوفيقه إن شاء الله تعالى. وقد قدم المصنف الكلام على ما الهمزة الثانية فيه ساكنة، وثنّى بذكر ما الهمزتان فيه متحركتان مصدّرتان، واستوفى الكلام على الصور التسع وأدرج في أثناء ذلك المؤخرتين من هذا القسم - أعني المتحركتين - وثلّث بذكر ما الأولى فيه ساكنة وهما في موضع اللام، ثم أردف ذلك بذكرهما إذا كانت في موضع العين. فقوله: تبدل الهمزة الساكنة إلى آخره إشارة إلى القسم الأوّل وهو ما الهمزة الأولى فيه (متحركة) (¬2)، والثانية ساكنة وحكمه: أن تبدل الثانية الساكنة مدّة تجانس حركة الأولى، نحو قولك: آثرت أوثر إيثارا، وأصله: أأثرت أؤثر إئثارا؛ اجتمعت همزتان ثانيهما ساكنة، فوجب تخفيفهما بإبدالها مدّة من جنس حركة ما قبلها؛ لأن الثقل إنما يحصل بها، وهذا حكم واجب في كل ما سكن ثاني همزتيه، وإنما قيّد الهمزة بكونها متّصلة؛ لأن الإبدال إنما يجب إذا اتصلت الثانية بالأولى، ولا يستفاد الاتصال بقوله: الساكنة بعد همزة متحركة؛ - ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (جـ) «متحركتان». (¬2) كذا في (ب)، وفي (جـ) «ساكنة».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن (البعدية) (¬1) لا يلزم منها الملاصقة، وقد مثل لذلك أي: للساكنة المنفصلة عن المتحركة بقوله: بأن تبني من الهمزة مثل «قمطر» فإنك تقول فيه: إيأي (¬2)، فالهمزة الثانية ساكنة بعد متحركة، وليست متصلة بها، وقد ثبت بعد قوله: تبدل الهمزة الثانية الساكنة في بعض نسخ التسهيل قوله: دون ندور - والإشارة بالندور إلى قراءة بعضهم (¬3) (إئلافهم رحلة الشّتاء) - وأما نحو قولك مستفهما: أأتمن زيد عمرا؟ فلا يجب فيه الإبدال؛ لأن الهمزتين لم تجتمعا في كلمة؛ لأن همزة الاستفهام كلمة، والفعل الذي الهمزة الثانية فاؤه كلمة أخرى وقوله: فإن تحركتا والأولى لغير المضارعة شروع في القسم الثاني وهو ما الهمزتان فيه متحركتان مصدّرتان، وقيّد الأولى بأن تكون لغير المضارعة، ليحترز بذلك من نحو: أأكرم فإنّ الثانية حكمها الحذف لا البدل (¬4)، ويذكر في مكانها. وقد عرفت أن هذا القسم له تسع صور، فمنها أربع صور تبدل الهمزة ياء، وفي خمس الصور الأخرى تبدل الهمزة واوا، فأمّا الأربع فأشار إليها بقوله: أبدلت الثانية ياء إن كسرت مطلقا، أو فتحت بعد مكسور يعني إن كسرت بعد مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، واستفيد هذا من قوله: مطلقا، أو فتحت بعد مكسور؛ فمثال المكسورة بعد المفتوحة: أئمّة؛ أصله: أأممة فنقلت الحركة التي على الميم الأولى إلى الهمزة فصارا: أئمّة فالتقى همزتان فوجب التخفيف فأبدلت الثانية ياء (¬5)، ومثال المكسورة بعد المكسورة قولك: إيمّ؛ أصله: إئم وهو مثال إصبع من أمّ (¬6)، ومثال المكسورة بعد المضمومة قولك: أينّ، أصله: أؤين؛ لأنه مضارع أننته، أي: جعلته يئن، فدخله النقل والإدغام، ثم خفف بالإبدال (¬7)، ومثال المفتوحة بعد المكسورة قولك: إيمّ، وأصله: إئمم، وهو مثال إصبع من أمّ، نقلت - ¬

_ (¬1) كذا في (جـ) وفي (ب) «التعدية». (¬2) التذييل (6/ 147 ب)، والمساعد (4/ 104). (¬3) رواها يحيى عن أبي بكر عن عاصم. راجع: الحجة (ص 773)، والبحر (8/ 514)، والتبيان (2/ 1305). (¬4) راجع: المساعد (4/ 105). (¬5) راجع: اللسان «أمم». (¬6) انظر: شرح الكافية لابن مالك (4/ 2096)، والمساعد (4/ 105)، وشرح ابن عقيل (4/ 217). (¬7) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحركة فصار: إأمّ، ثم خفف فقيل: إيمّ (¬1). قال المصنف في شرح الكافية بعد ذكر هذه الصور: فنقلت فتحة الميم الأولى إلى الهمزة توصّلا إلى الإدغام، ثم أبدلت الهمزة ياء، وهذا أولى من أن يقال: أبدلت الثانية ياء ثمّ نقلت إليها حركة الميم المقصود إدغامها؛ لأنه لو كانت العناية بالإعلال مقدمة على العناية بالإدغام لقيل في جمع إمام: آمّة [6/ 149]؛ لأن الأصل: أأممة فتقلب الهمزة ألفا لسكونها بعد همزة مفتوحة، ثم تدغم الميم في الميم فتصير: آمّة، لكنهم لم يقولوا ذلك، بل قالوا: أيمّة فنقلوا ثم أبدلوا، وربّما لم يبدلوا؛ فعلم أن عنايتهم بالإدغام متقدمة (¬2). انتهى كلامه. وحاصله: أن إبدال الهمزة ياء في نحو: إيمّ لا بد منه، لكن هل البدل قبل نقل الحركة إليها فيكون إبدالها؛ لكونها ساكنة بعد مكسور، أو بعد النقل فيكون إبدالها؛ لكونها مفتوحة بعد مكسور، ولا شك أن كلّا من الأمرين يمكن دعواه. فقول المصنف على أن الإبدال بعد النقل وجعل ذلك ذريعة إلى الإدغام يعني أنه إذا نقلت الحركة من الميم الأولى إلى الهمزة قبلها سكنت، فيجب حينئذ إدغامها في الميم التي بعدها، واستنتج من ذلك أن العناية بالإدغام متقدمة على العناية بالإعلال، لكن في كلام أبي عمرو ابن الحاجب ما يناقض هذا، فإنه قال: أعلوا قوو، فقالوا: قوي، ولم يدغموا؛ لأن الإعلال قبل الإدغام (¬3). وظاهر كلام ابن مالك أن الإدغام قبل الإعلال، وهذا الموضع ما زلت أستشكله وبحثته مع الجماعة المتوغلين في الفن، فوافقوا على إشكاله ولم يصححوا شيئا، ثم ظهر لي بعد ذلك أن الظاهر ما قاله ابن الحاجب؛ بدليل قولهم في قوو: قوي، دون قوّ (¬4) كما ذكر. وأما قول المصنف: إنهم نقلوا توصلا إلى الإدغام، فغير ظاهر؛ لأن الإدغام بتقدير عدم النقل واجب؛ لأنه متى التقى مثلان متحركان وجب الإدغام إلا في كلمات استثنيت، - ¬

_ (¬1) انظر: شرح ابن عقيل (4/ 216). (¬2) شرح الكافية لابن مالك (4/ 2096) بتصرف. (¬3) شرح الشافية (3/ 112). (¬4) راجع: شرح الشافية (3/ 119 - 120) والجاربردي وابن جماعة (1/ 279)، وأوضح المسالك (4/ 396).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ليست المذكورة منها، وإذا كان كذلك اتجه أن يقال: إن الإبدال في: إيم إنما هو عن همزة ساكنة، والأصل: إئمم كإصبع، فأبدلت الهمزة ياء لسكونها بعد مكسور، فقيل: إئمّ، ثم الإدغام واجب؛ لالتقاء المثلين، فيجب نقل حركة الميم المقصود إدغامها إلى الساكن قبلها وهو الياء، فيعود بعد ذلك إلى: إيمّ، وعلى هذا لا يتم (¬1) قول المصنف: إن العناية بالإدغام متقدمة على العناية بالإعلال. وأما استدلاله على ما ذكره بأنهم قالوا: أيمّة، ولم يقولوا: آمة، فهو ظاهر في مقصوده، ولكن قد يقال: إنهم إنما احتاجوا في هذا المثال - أعني: أيمّة - إلى أن ينقلوا، ثم يدغموا (¬2)، من أجل أنهم لو لم ينقلوا، وأبدلوا الهمزة وهي ساكنة ألفا، فقالوا: آمّة إلى أن ينقلوا ثم يدغموا؛ حصل لبس الكلمة بغيرها؛ لأن آمة ممكن أن يقال فيه: إنه مؤنث آمّ لا جمع إمام، فلما كان الإبدال قبل النقل في هذه الكلمة يؤدي إلى الإلباس؛ نقل أولا، ثم أدغم بعد ذلك، وأما خمس الصور التي تبدل الهمزة الثانية فيها واوا، فأشار إليها بقوله: وواوا، إن فتحت بعد مفتوحة أو مضمومة، أو ضمت مطلقا، لكن لمّا كانت الهمزة الثانية من الهمزتين المتحركتين المؤخرتين تبدل ياء قرن ذلك بذكر الصور التي تبدل الثانية من الهمزتين المتحركتين فيهما ياء للمناسبة فذكر القسم المقابل للقسم الذي هو فيه قبل إتمام صوره لموافقته في الحكم، وهو إبدال الهمزة ياء لما ذكره، وهو الصور الأربع، وإلى ذلك أشار بقوله: أو كانت موضع اللام مطلقا يعني أو كانت الثانية موضع اللام، فإنّها تبدل ياء؛ لأنه عطف ذلك على ما تبدل الثانية فيه ياء، وحاصله: أن الهمزتين المتحركتين إذا كانت الثانية منهما موضع اللام أبدلت ياء، سواء أكانت الأولى مفتوحة أم مكسورة أم مضمومة، وإلى ذلك أشار بقوله: مطلقا، ولا تبدل واوا؛ لأن الواو لا تقع متطرفة في ما زاد على ثلاثة أحرف، ثم ما قبل هذه الهمزة المبدلة ياء إن كان مفتوحا قلبت الياء ألفا، وإن كان مضموما كسر، وإن كان مكسورا بقي على حاله، فيقال في مثل جعفر، وبرثن، وزبرج من قرأ: قرأأ، وقرؤؤ، وقرئئ، فيصير قرأيا من باب المقصور وقرؤيا وقرئيا من باب المنقوص، وهذا الحكم ثابت عند اجتماع الهمزتين المتحركتين - ¬

_ (¬1) راجع: شرح ابن عقيل (4/ 216)، والمساعد (4/ 106). (¬2) انظر: ابن يعيش (9/ 116 - 117)، والهمع (2/ 220).

[خلاف الأخفش والمازني في إبدال الواو]

[خلاف الأخفش والمازني في إبدال الواو] قال ابن مالك: (خلافا للأخفش في إبدال الواو من المكسورة بعد المضمومة والياء من المضمومة بعد المكسورة، وللمازني في استصحاب الياء المبدلة منها لكسرة أزالها التّصغير أو التّكسير، وفي إبدال الياء منها فاء لأفعل). ـــــــــــــــــــــــــــــ في آخر الفعل أيضا من غير فرق (¬1). ولنرجع إلى ذكر الصور الخمس التي تبدل فيها ثانية المتحركتين المصدرتين واوا، فنقول: هي إذا فتحت بعد مفتوحة أو مضمومة، مثال الأولى: أوادم في جمع آدم، أصله أأادم (¬2) بهمزتين، الأولى همزة أفاعل، والثانية فاء الكلمة، مثال الثانية: أويدم تصغير آدم، أصله: أأيدم، الأولى همزة أفعل والثانية فاء الكلمة (¬3)، وكذا إذا ضمت بعد مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، وإلى ذلك أشار بقوله: أو ضمت مطلقا فمثال المضمومة بعد مفتوحة: أوبّ جمع أبّ، وهو المرعى، أصله أأبب نقلت حركة عينه لفائه توصّلا للإدغام، فعاد إلى: أأبّ، ثم أبدلت الثانية واوا، فعاد إلى: أوبّ، ومن ذلك: أؤمّ مضارع أمّ لكن بعض العرب يحقق هذا فيقول: أأم (¬4)؛ لشبه الهمزة بهمزة الاستفهام لمعاقبتها النون، والياء، والتاء، ومثال المضمومة - أيضا - بعد مكسورة مثال: إصبع من أمّ، تقول فيه: إوم، أصله: إأمم، نقلت حركة العين إلى الفاء فعاد إلى إأمّ، ثم أبدل فقيل: إوم، ومثال المضمومة - أيضا - بعد مضمومة مثال: أبلم من: أمّ، تقول فيه: أومّ، أصله: أأمم، نقلت الحركة فعاد إلى: أؤمّ، ثم أبدل فقيل: أومّ (¬5). قال ناظر الجيش: لما قدم أن الهمزة الثانية المكسورة من الهمزتين المصدّرتين - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 147 ب)، (148 أ)، والمساعد (4/ 106)، وشرح ابن عقيل (4/ 217)، والهمع (2/ 220)، والأشموني (4/ 300). (¬2) انظر: الهمع (2/ 220)، والمساعد (4/ 107)، وشرح ابن عقيل (4/ 216). (¬3) انظر: المراجع السابقة. (¬4) انظر: شرح الكافية لابن مالك (4/ 2098)، وشرح ابن عقيل (4/ 217). (¬5) انظر: الهمع (1/ 365).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتحركتين تبدل ياء ولو بعد الهمزة المضمومة، وأن الثانية المضمومة منهما تبدل واوا ولو بعد الهمزة المكسورة - أراد أن ينبّه على أن الأخفش يخالف في المسألتين (¬1)، فيبدل من المكسورة بعد المضمومة واوا ومن المضمومة بعد المكسورة ياء، فإذا قال الجماعة في: أأين مضارع أينته: أينّ، قال الأخفش: أونّ، وإذا قالوا في مثل: إصبع من أمّ: إومّ، قال الأخفش: إيمّ، وحاصله: أن الجماعة راعوا حركة الهمزة نفسها، فأبدلوا الهمزة من جنس حركتها، والأخفش راعى حركة ما قبل الهمزة المخففة، والعمل إنما هو على مذهب الجماعة، وسيذكر بعد ضعف مذهب الأخفش في ذلك، وأمّا قوله: وللمازني في استصحاب الياء ... إلى آخره، فأشار به إلى مسألة، وهي أن الهمزة الثانية فيما نحن فيه إذا أبدلت ياء لكونها مكسورة، ثم تغيرت تلك الكسرة بفتحة عارضة لتصغير أو تكسير، فإن الجماعة ينظرون إلى ما آل إليه أمر الهمزة من الفتح فيبدلونها واوا لكونها مفتوحة بعد مضمومة في التصغير، ومفتوحة في التكسير؛ فيقولون في تصغير أئمة: أويمّة، وفي تكسير إيدم وهو مثال إصبع (¬2) من الأدمة: إودم، والمازني لم يعتبر ذلك، بل استصحب الياء التي [6/ 150] استحق إبدالها من الهمزة (¬3) أوّلا وكأنه يرى أن التكسير والتصغير عارضان، فلا يراعي ما حدث بسببها، ورجّح مذهب غير المازني بأن الواو أحق بأن تبدل من هذه الهمزة؛ لأن الياء إنما صيّر إليها؛ لأجل الكسرة وقد ذهبت، وأشار بقوله: وفي إبدال الياء منها فاء لأفعل إلى أن المازني خالف الجماعة - أيضا - في مسألة أخرى، وهي أن تبدل الهمزة الثانية المتحركة إذا وقعت فاء لأفعل ياء، فتقول في مثال أفعل من أمّ: أيمّ (¬4)، أصله: أأمم فنقلت الفتحة التي على الميم إلى الهمزة، - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 148 أ)، والمساعد (4/ 107)، والمقتضب (1/ 294)، والهمع (2/ 220)، والأشموني (4/ 300)، والمنصف (2/ 315)، والممتع (1/ 367). (¬2) الأصبع: واحدة الأصابع تذكر وتؤنث، وفيه لغات: الإصبع، والأصبع بكسر الهمزة وضمها والباء مفتوحة، والأصبع، والأصبع، والأصبع، والإصبع، مثال اضرب، والأصبع بضم الهمزة والباء، والإصبع نادر. اللسان «صبع». (¬3) المنصف (2/ 316) وما بعدها، والتذييل (6/ 148 أ)، والمساعد (4/ 108)، والممتع (1/ 366). (¬4) انظر: المنصف (2/ 318)، والتذييل (6/ 148 ب).

[تكملة اجتماع الهمزتين]

[تكملة اجتماع الهمزتين] قال ابن مالك: (فإن سكنت الأولى أبدلت الثّانية ياء إن كانت موضع اللّام، وإلّا صحّحت). ـــــــــــــــــــــــــــــ فبقي: أأمّ، ثم أبدلت الثانية ياء فقيل: أيم، وأما غير المازني فإنه يقول فيه: أومّ وهو القياس؛ لأنها مفتوحة بعد مفتوحة، وقوله في المسألة السابقة أسهل من قوله في هذه المسألة، وقد علّل قول المازني بشيء وهو أن الفتحة أخت الكسرة، فالأقيس أن يكون حكم الهمزة (المفتوحة) (¬1) حكم المكسورة في الإبدال، لا كالمضمومة في إبدالها واوا، فصار إبدال المفتوحة عنده ياء في: أيمّ كإبدال المكسورة ياء في أئمة قال المصنف في إيجاز التعريف: وكفى بقول العرب: ذوايب، دون ذيايب فيصلا. قال ناظر الجيش: قد تقدم أن اجتماع الهمزتين في كلمة ينظمه خمسة أقسام، وتقدم الكلام على ثلاثة منها ولم يبق إلا قسمان، وهما: ما الهمزة الأولى فيه ساكنة وهما في موضع العين، وما الهمزة الأولى فيه كذلك وهي في موضع اللام وها هو قد أشار إليهما، وحاصل الأمر: أن الهمزتين المذكورتين إما في موضع العين، فلا إبدال البتة، بل تدغم الأولى في الثانية، وذلك نحو: سآل (¬2)، ولآل (¬3)، وإما موضع اللام فيجب إبدال الثانية ياء، فتقول في قمطر من قرأ: قرأي، والأصل: قرأأ، فالتقى في الطرف همزتان فوجب إبدال الثانية ياء (¬4)، وإن كانت الأولى ساكنة يمكن إدغامها، بحيث تصير مع التي بعدها كالشيء الواحد؛ لأن الطرف محل التغيير، فلم يغتفر فيه ذلك كما اغتفر في مثل: سآل، ولآل؛ ولأن العرب قد أجمعت على ترك الإدغام في الهمزتين من كلمة إلا إذا كانا عينين، وإنما أبدلت ياء حملا على ما يقع منها رابعا في المتحركتين، فإنه يبدل ياء كما عرفت، ولا (خفاء) (¬5) في إعطاء كلام المصنف معنى ما ذكرته. ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (جـ) «المكسورة». (¬2) انظر: التذييل (6/ 149 أ)، والمساعد (4/ 109)، وشرح الكافية لابن مالك (4/ 2100). (¬3) انظر: الأشموني (4/ 298). (¬4) انظر: التذييل (6/ 149 أ). (¬5) كذا في (ب)، وفي (جـ) «خلاف».

[اجتماع همزتين بينهما فاصل]

[اجتماع همزتين بينهما فاصل] قال ابن مالك: (ولا تأثير لاجتماع همزتين بفصل، ولا يقاس على ذوائب، إلّا مثله جمعا وإفرادا خلافا للأخفش وتحقيق غير السّاكنة مع الاتّصال لغة). قال ناظر الجيش: المراد أنه إذا اجتمع (همزتان) (¬1) في كلمة بينهما فاصل جاز تحقيقهما، ولا يجوز التخفيف، ومثال ذلك: آء، وهو شجر، وكذا: آءة (¬2)، وهو واحده، فالفاصل قد نفى وجوب التخفيف؛ لزوال الثقل بالفصل بين الهمزتين، فعبّر المصنف عن ذلك بنفي تأثير اجتماع الهمزتين بفصل، وإذا لم يكن لاجتماعهما مع فاصل تأثيره انتفى وجوب التخفيف وإذا انتفى وجوب التخفيف جاز التحقيق، ثم لمّا كان نحو: ذوائب اجتمع فيه همزتان بفاصل، ومع ذلك كان لاجتماعهما تأثير؛ لأن الهمزة الأولى خففت بإبدالها واوا، صار ذلك كأنه نقض لما قرره فنبّه على ذلك بقوله: ولا يقاس على ذوائب إلا مثله وكأنه استثنى هذه الكلمة من هذا الأصل فكأنه قال: ولا تأثير لاجتماع همزتين بفاصل إلا في ذوائب، فإن الهمزتين فيهما بينهما فاصل وقد أثر الاجتماع من حيث أبدلت الأولى واوا، وذلك أن الفاصل ذآئب الأولى عين الكلمة والثانية بدل من المدّة الزائدة في المفرد الواقعة بعد ألف الجمع، لكن ليس في عبارة المصنف ما يقتضي أن الإبدال في ذوائب واجب، وقد نصّوا على وجوبه. قال ابن عصفور في باب إبدال الواو من الهمزة: وتبدل - أيضا - باطراد إذا كانت قبل الألف في الجمع الذي لا نظير له في الآحاد بشرط أن يكتنف ألف الجمع همزتان نحو: ذوائب في جمع ذؤابة، أصله: ذآئب، فأبدلت الهمزة واوا هروبا من ثقل البناء مع ثقل الهمزتين والألف، لأن الألف قريبة من الهمزة؛ لأنها من الحلق. كما أن الهمزة كذلك، فكأنه قد اجتمع في الكلمة ثلاث همزات، فالتزموا لذلك إبدال الهمزة واوا (¬3). انتهى. ثم إن المصنف لما أثبت هذا الحكم - أعني إبدال الهمزة الأولى واوا كنحو: ذوائب - - ¬

_ (¬1) كذا في (ب)، وفي (جـ) «لغتان». (¬2) انظر: التذييل (6/ 149 ب)، والمساعد (4/ 110)، والممتع (2/ 508). (¬3) الممتع (1/ 362 - 363).

[حكم توالي أكثر من همزتين]

[حكم توالي أكثر من همزتين] قال ابن مالك: (ولو توالى أكثر من همزتين حقّقت الأولى، والثّالثة، والخامسة، وأبدلت الثّانية والرّابعة). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال: ولا يقاس على ذوائب إلا مثله جمعا وإفرادا وأراد بمثله جمعا أن يكون على فعائل، وبمثله إفرادا أن يكون على وزن مفرده، وصحّت فيه الهمزة نحو: ذؤابة، وقد خالف الأخفش في ذلك فقاس على ذوائب ما ليس مثله لا في الجمعية ولا في الإفراد، وذلك نحو أن تبني من السؤال مثل فعالل، فتقول على مذهبه: سوائل (¬1)، بالواو وإن كان مفردا قياسا على ذوائب في كونها همزة بعدها همزة، ومثال ما هو جمع وهو مخالف في الإفراد: سآيم جمع سآمة، مسمى بها على حد سحابة وسحائب، فيقول فيه الأخفش: سوايم، قياسا على ذوايب (¬2)، وإن كان مفرده مخالفا لمفرده في الوزن، وأشار المصنف بقوله: وتحقيق غير الساكنة ... إلى آخره: أن تحقيق الهمزة المتحركة مع اتصالها بهمزة أخرى لغة، فيقال في أيمة: أئمة، وفي أومّ من: فلان أأمّ من فلان، وقد قرئ أئمة (¬3) بالتحقيق في السبع (¬4). واعلم أن المصنف قال في إيجاز التعريف: اجتماع الهمزتين في كلمة موجب لإبدال الثانية حرف لين ما لم يشذ التحقيق (¬5). قال الشيخ: فقوله: ما لم يشذ التحقيق مناف لقوله هناك: إن ذلك لغة. قال: إلا إن كان يعني بالشذوذ القياس، فنعم، كقولهم: أعمال الحجاز بين أول شاذ. يعنون في القياس (¬6). قال ناظر الجيش: هذا كلام واضح، قال المصنف في إيجاز التعريف: ولو اتفق توالي أكثر من همزتين أبدلت الثانية والرابعة، وحقّق ما سواهما، وذلك أن تبني مثل قمطر من همزات فتقول إيأي، والأصل: إ أأ أفأبدلت الثانية؛ لأنها بعد همزة - ¬

_ (¬1) انظر مذهبه في: التذييل (6/ 149 ب)، والمساعد (4/ 110). (¬2) ينظر: التذييل (6/ 149 ب). (¬3) سورة التوبة: 12، وسورة الأنبياء: 73. (¬4) وهي قراءة ابن عامر والكوفيين. راجع الحجة (ص 315)، والإتحاف (ص 240)، والتبيان (2/ 637). (¬5) التذييل (1/ 150 أ). (¬6) المرجع السابق.

[تخفيف الهمزة المتحركة]

[تخفيف الهمزة المتحركة] قال ابن مالك: (فصل: إذا كان في الكلمة همزة غير متّصلة بأخرى من كلمتها، جاز أن تخفّف متحرّكة، متحرّكا ما قبلها بإبدالها مفتوحة بواو بعد ضمّة، وبياء بعد كسرة، وأن تخفّف مفتوحة بعد فتحة ومكسورة أو مضمومة بعد فتحة، أو كسرة أو ضمّة بجعلها كمجانس حركتها خلافا للأخفش في إبدال المضمومة بعد كسرة ياء والمكسورة بعد ضمّة واوا). ـــــــــــــــــــــــــــــ محققة، وهكذا قياس ما لم يذكر (¬1). انتهى. والمثال المطابق للفظ الكتاب هو أن تقول في أترجة إذا بنيته من الهمزة: أوأوأة والأصل: (أأ أأ أة) (¬2) فاجتمعت خمس همزات، فقلبت الثانية واوا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها فحجزت بين الأولى والثالثة، وقلبت [6/ 151] الرابعة واوا؛ لسكونها وانضمام ما قبلها فحجزت بين الثالثة والخامسة، قال: خففت الهمزة الثالثة قلت: أووءة ألقيت حركتها على الساكن قبلها وحذفتها (¬3)، يعني ابن عصفور بهذا التخفيف: التخفيف الجائز، ثم قال ابن عصفور: فإن قيل: فهلا أبدلت الهمزتين واوين، وأدغمت الواوين اللتين قبلهما فيهما كما تقول في مقروءة: مقروّة فكنت تقول منها: أوّوّة؟ فالجواب: أن الواو في مقروءة إنما زيدت للمدّ، وليست منقلبة عن حرف أصلي ولا غير أصلي. فلا يمكن تحريكها؛ لئلا يخرج من المدّ الذي جيء بها من أجله، والواوان في: أوءوءة لم تزادا للمدّ بل هما بدل من حرفين أصليين، وهما الهمزتان، فاحتملتا الحركة لذلك (¬4). انتهى. ولم يكن هذا من الأمور الغامضة فيحتاج أن ينبّه عليه، بل هو من الواضحات إن شاء الله تعالى. قال ناظر الجيش: لما انقضى الكلام على الهمزتين المجتمعتين في كلمة بالنسبة إلى التخفيف، شرع في الكلام على الهمزة المفردة والملاقية لأخرى، لكن في كلمتين، وقد تقدمت الإشارة إلى أن المذكور في هذا الفصل من تخفيف الهمزة إنما هو - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 150 أ). (¬2) في المنصف (3/ 106) «أأأة بوزن: عععة»، وفي الممتع (2/ 770) «أؤأؤآة). (¬3) الممتع (2/ 770)، وانظر: المنصف (1/ 106، 109)، والمساعد (4/ 112). (¬4) الممتع (1/ 770، 771).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مذكور على سبيل الاستطراد والتبعية لغيره، وقد فهم من كلام المصنف إذا كان في الكلمة همزة غير متصلة بأخرى من كلمتها جاز أن يخفف. إنّ الكلام الآن إنما هو في التخفيف الجائز، وأنه إنما يكون جائزا إذا كانت الهمزة مفردة أو مجتمعة مع أخرى لكن كل منهما من كلمة، واعلم أنّ التخفيف المذكور في الفصل المتقدم - أعني التخفيف الواجب - منحصر في الإبدال أعني إبدال الهمزة حرفا من حروف العلّة - أعني الياء، والواو، والألف - وأما التخفيف المذكور في هذا الفصل وهو التخفيف الجائز فإنه يكون بأحد ثلاثة أشياء وهي: الإبدال، والحذف، وجعل الهمزة بين بين أي تلينّ بأن تجعل بينها وبين حرف حركتها. إذا تقرر هذا؛ فاعلم أن الهمزة المشار إليها في هذا الفصل إما متحركة متحرك ما قبلها، وإما ساكنة بعد حركة، وإما متحركة بعد ساكن، فهذه ثلاثة أقسام ولكلّ حكم، وعلم من هذا التقسيم أن الهمزة المفردة التي يقصد تخفيفها شرطها أن لا تكون مبتدأ بها. أما القسم الأوّل: وهو ما الهمزة فيه متحركة متحرك ما قبلها فللهمزة فيه تسع صور؛ لأن الهمزة لا بد أن تكون متحركة بإحدى الحركات الثلاث وما قبلها كذلك والمرتفع من ضرب ثلاث في ثلاث تسع، فالهمزة إما مفتوحة وقبلها الثلاث نحو: سأل، ومائة، ومؤجّل، وإما مكسورة وقبلها الثلاث نحو: سئم، ومستهزئين، وسئل، وإما مضمومة وقبلها الثلاث نحو: رؤوف، ومستهزئون، ورؤوس، ففي صورتين من هذه التسع يكون الإبدال، وفي سبع الصور الباقية يكون التسهيل؛ وذلك بأن تجعل الهمزة بين بين كما سيأتي أما الصورتان اللتان فيهما الإبدال فهما أن تكون الهمزة مفتوحة بعد ضمة نحو: مؤجّل، وجؤن جمع جونة (¬1)، أو مفتوحة بعد كسرة نحو: مائة، ومئر جمع مئرة (¬2)، وكذا: أريد أن أقرئك، فالواقعة بعد ضمّة تبدل واوا. والواقعة بعد كسرة تبدل ياء، وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: جاز أن تخفف متحركة متحركا ما قبلها بإبدالها مفتوحة بواو بعد ضمة، وبياء بعد كسرة. وأما الصور السبع التي فيها التسهيل: فهي أن تكون الهمزة مفتوحة بعد فتحة، أو مكسورة بعد الثلاث - أعني: الفتحة، والكسرة، - ¬

_ (¬1) الجونة: جونة العطار وربما همز، والجمع: جون. اللسان «جون». (¬2) المئرة بالهمزة: الذّحل والعداوة وجمعها: مئر. اللسان «مأر».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والضمة - أو مضمومة بعد الثلاث نحو: سأل، وسئم، ومستهزئين، وسئل ورؤوف، ومستهزئون ورؤوس. وقد أشار المصنف إلى ذلك بقوله: وإن تخفف مفتوحة بعد فتحة ومكسورة أو مضمومة بعد فتحة أو كسرة أو ضمة بجعلها كمجانس حركتها ومراده: أن يجعل الهمزة بينها وبين الحرف الذي منه حركتها. وهذا هو المراد بقوله: يجعل بين بين. وكان قياس تسهيل الهمزة المذكورة - أعني المفردة المتحركة المتحرك ما قبلها - أن تكون بين بين في الأحوال كلها، فإنهم اعتذروا عن عدم جعلها بين بين في نحو: مؤجل، ومائة بأن قالوا: لو جعلت بين بين في نحو هذين لكانت تجعل بين الهمزة والألف، ولا يجوز ذلك؛ لأنها إذ ذاك تقرب من الألف، فكما أن الألف لا يكون ما قبلها مضموما، ولا مكسورا فكذلك ما يقرب منها، فلما تعذر تسهيلها على هذا الوجه أبدل منها واوا إذا انضم ما قبلها، وياء إذا انكسر كما يفعل بالألف إذا انضم ما قبلها أو انكسر، ثم أشار المصنف بقوله: خلافا للأخفش إلى أن الأخفش خالف في صورتين من السبع وهما ما اشتملا على ضم وكسر معا، فخفّف بالإبدال، فأبدل المضمومة بعد كسرة ياء، والمكسورة بعد ضمة واوا (¬1)، وذلك نحو: يستهزئون، وسئل، فالأخفش إذا خفف يقول: يستهزيون وسول، وحاصل فعله: أنّه أجرى المضمومة بعد الكسرة، والمكسورة بعد الضمة مجرى المفتوحة بعد الضمة والكسرة. فكما أبدلت المفتوحة بعد الضمة واوا وبعد الكسرة ياء (هكذا أبدل هو المضمومة من بعد الكسرة ياء) (¬2) والمكسورة بعد الضمة واوا وحجّته في ذلك أنك إذا سهّلت المضمومة قربتها من الواو الساكنة، فكما أن الواو الساكنة لا تقع بعد كسرة، كذلك ما يقرب منها، وإذا سهّلت المكسورة كان ذلك تقريبا لها من الياء الساكنة، فكما أن الياء الساكنة لا تقع بعد ضمة كذلك ما يقرب منها، وإنما تكون الواو الساكنة بعد الكسرة ياء نحو: ميزان، والياء الساكنة بعد الضمة واوا نحو: موقن، وقد رد مذهب الأخفش بأنه لم يسمع الإبدال في مثل يستهزئون وسئل (¬3)، قالوا: والقياس جعلها بين بين كسائر أخواتها - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 150 ب)، والمساعد (4/ 114)، والأشموني (4/ 300)، وتوضيح المقاصد (6/ 27 - 28)، وابن يعيش (9/ 112)، وشرح الشافية (3/ 46). (¬2) ما بين القوسين سقط من (جـ). (¬3) انظر: التذييل (6/ 150 ب)، والمساعد (4/ 114) وكتب في هامش النسخة (ب): -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو مذهب سيبويه (¬1)، ولولا ما ورد به السماع في جون (¬2)، ومير من الإبدال لما أبدلت، بل كانت في ذلك تحمل على نظائرها مما هو متحرّك ما قبله في جعلها بين بين. وقد علم من هذا أن الأخفش يوافق الجمهور في تسهيل الهمزة بينها وبين حرف حركتها في الصور الخمس الباقية، وهي: المفتوحة بعد كسرة، والمكسورة بعد فتحة أو كسرة، والمضمومة بعد فتحة أو ضمة نحو: سأل، وسئم، ومستهزئين، ورؤوف، ورؤوس. واعلم أن في الهمزة المضمومة بعد [6/ 152] كسرة، والمكسورة بعد ضمة (مذهبا) (¬3) آخر لم يذكره المصنف، وهو أن يجعل الهمزة بينها وبين حرف حركة، فيكون تخفيف: مستهزئون بين الهمزة والياء، وتخفيف: سئل بين الهمزة والواو، وكأن هذا المذهب فرع عن مذهب الأخفش. على أن ابن الحاجب إنما ذكره، ولم يذكر (¬4) مذهب الأخفش، وهو الإبدال واوا أو ياء، عكس ما فعله المصنف. وقد نقل الشيخ هذا المذهب ونسبه إلى أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح (¬5)، ثم قال: وقد أولع به جماعة من القراء. وآثروه على مذهب سيبويه، يعني وهو التسهيل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها، وعلى مذهب الأخفش وهو الإبدال واوا أو ياء، ثم إنه استضعف ذلك بما توقف عليه من كلامه (¬6)، ولما ذكر ابن الحاجب الصور التسع في الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها وذكر أمثلتها؛ قال: فنحو: مؤجّل واو، ونحو: مائة ياء، ونحو: مستهزئون، وسئل بين بين المشهور، وقيل: البعيد، والباقي بين بين المشهور (¬7)، وأراد بالمشهور: أنه يكون بينها وبين حرف حركتها، وبالبعيد أن - ¬

_ - «أتعجب من قوله: لم يسمع مع أنه جاء منه عن همزة وقف في نحو: مستهزئون وسئل فلا تغفل». ينظر في ذلك: الإتحاف (ص 129 - 130). (¬1) انظر: الكتاب (3/ 544 - 555)، والتذييل (6/ 151 أ)، وابن يعيش (9/ 112)، وشرح الشافية (3/ 47). (¬2) الجونة: من أسماء الأضداد، يطلق على الأبيض والأسود. اللسان «جون». (¬3) كذا في (ب)، وفي (جـ) «مذهب». (¬4) شرح الشافية للرضي (3/ 44). (¬5) هو شريح بن محمد بن شريح بن أحمد بن شريح الرعيني الإشبيلي أبو الحسن القاضي المقرئ، أخذ القراءات عن أبيه، صنف بديع القرآن. راجع: بغية الوعاة (2/ 2)، وطبقات القراء لابن الجزري (2/ 153). (¬6) التذييل (6/ 150 ب). (¬7) شرح الشافية (3/ 44).

[تخفيف الهمزة الساكنة]

[تخفيف الهمزة الساكنة] قال ابن مالك: (وأن تخفّف ساكنة بعد حركة بإبدالها مدّة تجانسها، وإن تحرّكت بعد ساكن فبحذفها ونقل حركتها إليه ما لم يكن ألفا أو واوا مزيدة للمدّ، أو ياء مثلها أو للتصغير أو نون الانفعال عند الأكثر وتسهّل بعد الألف إن أوثر التّخفيف، وتجعل مثل ما قبلها من الواو والياء المذكورتين ويتعيّن الإدغام، وربّما حمل في ذلك الأصليّ على الزّائد، والمنفصل على المتّصل، ونحو قولهم في كمأة: كمأة، لا يقاس عليه خلافا للكوفيّين). ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون بينها وبين حركة ما قبلها، والباقي الذي أشار إليه هو الصور الخمس التي قدّمنا ذكرها آنفا، والعلّة في أن لم تجئ هذه بين بين البعيد أما في: سال، ومستهزيين، ورووس (¬1)؛ فإنّه لا فرق بينها وبين المشهور والبعيد؛ لمجانسة حركتها حركة ما قبلها، والحمل على المشهور أولى، وأما سئم ورؤوف فلأنّهم كرهوا أن يجعلوا الهمزة فيها بين بين البعيد فتقرب من الألف وعليها كسرة في: سئم، وضمة في: رؤوف. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على الهمزة المتحركة المتحرك ما قبلها، وهو القسم الأول من الأقسام الثلاثة التي ذكرناها أول الفصل؛ شرع في الفصلين الأخيرين، وقدم الكلام على الهمزة الساكنة الواقعة بعد حركة، وذكر أن حكمها في التخفيف الإبدال وهو: أن تبدل مدّة تجانس الحركة التي قبلها؛ إن فتحة فألف، وإن كسرة فياء، وإن ضمة فواو. وقال ابن الحاجب: فالساكنة تبدل بحرف حركة ما قبلها (¬2)، والعبارتان متقاربتان، ويظهر أن عبارة المصنف أخصر وأبين، ومثال ذلك: رأس، وبئر (¬3)، وسؤق، هذا في كلمة، ومثاله في كلمتين قوله تعالى: إِلَى الْهُدَى ائْتِنا (¬4) والَّذِي اؤْتُمِنَ (¬5) و (يقولون) - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (3/ 47). (¬2) شرح الرضي للشافية (3/ 30). (¬3) انظر: شرح الرضي للشافية (3/ 32). (¬4) سورة الأنعام: 71 وهي قراءة أبي جعفر وورش وأبي عمر. انظر: النشر (1/ 390)، وابن جماعة (1/ 251). (¬5) سورة البقرة: 283 وهي قراءة أبي جعفر ووافقه أبو عمرو وورش وقرأ عاصم بإدغام الباء في التاء -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ (لى) (¬1) ثم ذكر الهمزة المتحركة الواقعة بعد ساكن، وتخفيف هذه الهمزة: إما بالإبدال والإدغام معا، وإما بجعلها بين بين، وإما بنقل حركتها إلى الساكن قبلها وحذفها، وذلك أن الساكن الذي قبل الهمزة: إما حرف صحيح أو معتل، والمعتل: إما ألف أو ياء أو واو، والياء والواو: إما زائدان أو أصليان، والزائدان: إما للإلحاق أو لغير الإلحاق؛ فهذه خمسة أقسام، ثلاثة أقسام منها نقل الحركة إلى الساكن وحذف الهمزة، وهي ما إذا كان الساكن حرفا صحيحا أو ياء فيها، أو واوا أصليين أو زائدين للإلحاق، وقسم منها يجعل بين بين، وهو ما إذا كان الساكن الذي قبل الهمزة ألفا، وقسم - وهو الخامس - تبدل فيه الهمزة من جنس ما قبلها ويدغم بعد ذلك الحرف الأول في الثاني، وهو ما إذا كان الساكن ياء أو واوا زائدين لغير الإلحاق فقول المصنف: وإن تحركت بعد ساكن فبحذفها ونقل حركتها إليه ما لم يكن ألفا أو واوا مزيدة للمدّ، أو ياء مثلها، إشارة إلى ما تخفيفه بالنقل والحذف، فأفاد أن هذا الحكم ثابت للهمزة التي قبلها ساكن صحيح، نحو: هذا خبّك في خبئك، ورأيت خبّك، ونظرت إلى خبّك (¬2)، وكذا التي قبلها واو أو ياء أصليان نحو: شيّ، سوّ، في شيء وسوء (¬3)، وكذا التي قبلها واو أو ياء مزيدان للإلحاق سواء أكانا حرفي لين نحو: جيل وحوب (¬4)، في جيأل وحوأب (¬5)، أم حرفي مدّ، وذلك نحو: أن تبني من السؤال مثل طومار - ¬

_ - قياسا على اتسر في الافتعال من اليسر، وليس بصحيح؛ لأن الياء منقلبة عن الهمزة فهى في حكم الهمزة، وقرأ حمزة وحفص وعاصم - في رواية - بهمزة ورفع أي إسقاطها، والإشارة إلى الهمزة بالضم وهذا لا يجوز لغة، وقرأ الباقون «الذى أؤتمن»، ساكنة الهمزة. راجع: السبعة لابن مجاهد (ص 194)، والكشاف (1/ 252)، والنشر (1/ 390)، (2/ 237). (¬1) سورة التوبة: 49 وقراءة تخفيف الهمزة قراءة ورش. انظر: البحر المحيط (5/ 51) وقال الرضي في تخفيف الهمزة في الآيات السابقة: «وإنما لم تجعل بين بين إذ لا حركة لها حتى تجعل بينها وبين حرف حركتها ولم تحذف؛ لأنها إنما تحذف بعد إلغاء حركتها على ما قبلها لتكون دليلا عليها، والحركة إنما تلقى على الساكن لا على المتحرك». شرح الشافية (3/ 32). (¬2) انظر: التذييل (6/ 151 ب)، وفي المساعد (4/ 115): «هذا خيك ورأيت خيك ... إلخ) وانظر: الكتاب (4/ 545) وشرح الشافية: (3/ 43). (¬3) المرجع السابق. (¬4) انظر: الكتاب (4/ 548 - 556). (¬5) قال الرضي (3/ 34): «كذا إذا لم يكونا مدّتين مع كونهما في بنية الكلمة، نحو: حوأبة وجيأل، فإنهما للإلحاق في مقابلة حرف أصلي»، وانظر: المساعد (4/ 116).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وديماس، فتقول: سوآل وسيآل، ثم تخفف إذا قصدت التخفيف، فتقول: سوال وسيال (¬1)؛ لأن حرف الإلحاق حكمه حكم الأصلي، وإنما قلنا: إن كلام المصنف أفهم أن الحكم المذكور وهو النقل والحذف، ثابت لما ذكرنا؛ لأنه بعد إخراج الألف إنما أخرج الواو والياء المزيدتين للمدّ، فبانتفاء كل من هذه القيود الثلاثة يثبت الحكم، فلا جرم أنه ثبت إذا كان الحرف صحيحا، بأن لم يكن ألفا ولا واوا ولا ياء، وكذا ثبت إذا كان الحرف واوا أو ياء أصليين، وكذا ثبت إذا كان الحرف مزيدا للإلحاق؛ لأنه إذا كان مزيدا للمدّ لا يكون للإلحاق؛ لأن زيادة الإلحاق إنما يقصد بها الإلحاق لا غير، ولا يضر كونها حرف مدّ، وأما الزيادة للمدّ، فإنما زيدت مد، كما في كتاب وقضيب وعمود؛ لأنهم قصدوا أن تخفّ الكلمة على اللسان بعدم توالي الحركات، فخللوا بينها بما هو ساكن، ولا شك أن هذا أمر مقصود لنفسه، فظهر أن بقوله: مزيدة للمدّ، تخرج المزيدة للإلحاق وإن كانت حرف مد، وعلم من هذا أن الساكن الذي قبل الهمزة إذا كان ألفا حكم الهمزة التي تليه في التخفيف غير ما ذكر كهباءة وعباءة (¬2)، وكذا إذا كان واوا مزيدة للمدّ أو ياء مثلها نحو: خطيئة وشنوءة، فإن للهمزة حينئذ حكما آخر كما سيذكرهما. وأما قول المصنف بعد ذكر الياء المزيدة للمدّ: أو للتصغير أو نون الانفعال عند الأكثر - فإشارة منه إلى مسألتين: إحداهما: أن ياء التصغير حرف مزيد، وهو ليس حرف مدّ، إنما هو حرف لين، ومع هذا لا ينقل إليه حركة الهمزة، يعني لا تخفف الهمزة بعد ياء التصغير بالنقل والحذف. الثانية: أن نون الانفعال حرف صحيح، ومع ذلك لا تنقل إليه حركة همزة واقعة بعده. وحاصل الأمر: أن هاتين المسألتين كالمستثنيين مما تقدّم؛ لأنا قد أسلفنا أن الياء إذا لم تكن مزيدة للمدّ وقصد تخفيف همزة بعدها، نقلت حركتها إليها، وياء التصغير ليست مزيدة للمدّ، ومع ذلك لا تنقل إليها وذلك نحو: أفؤس إذا صغرته فإنك تقول: أفيئس، ولا يجوز أن يخفف بالنقل والحذف، وعلّلوا ذلك بأنّ ياء التصغير - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 152 أ). (¬2) الأصل «كهبااة وعبااة»، وانظر: التذييل (6/ 152 أ)، والمساعد (4/ 115، 116).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تجري مجرى حرف المدّ لشبهها بألف التكسير من حيث إنها تقع من الاسم ثالثة وبعدها كسرة (¬1)، وعلى هذا فيكون تخفيف أفيئس إذا قصد تخفيفه بالإبدال [6/ 153] والإدغام كما في خطيّة وسيأتي (¬2)، وأسلفنا - أيضا - أن الساكن الذي قبل الهمزة إذا كان صحيحا تنقل إليه حركتها عند قصد التخفيف، ونون الانفعال حرف صحيح، ولا ينقل إليها عند الأكثرين، وذلك نحو: انآد، وانأطر (¬3). قال الشيخ: مذهب الأكثرين أنه لا يجوز النقل، قال: وسبب ذلك ما يؤدّي إليه من الإلباس؛ لأنك إذا نقلت حذفت الهمزة وألقيت حركتها على النون وحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها بحركة النون فيصير اللفظ بالكلمتين بعد النقل: نأد ونطر، فيلتبس بالثلاثي المجرد، فاعتبر الأكثرون هذا الالتباس العارض، قال: ومن لم يبال بالعارض أجاز ذلك (¬4). ثم قال الشيخ: وينبغي عندي أن يقرّ همزة الوصل، قيقال: انآد وانطر (¬5)؛ لأن هذا النقل عارض (¬6). انتهى. والذي قاله الشيخ حق، وقد كان خطر لي ذلك لكن لمّا رأيت الشيخ قد ذكره أبيت أن أنسبه إليّ. وقد انتهى الكلام على الأقسام الثلاثة التي قياس الهمزة فيها إذا خفّفت أن تنقل حركتها إلى ما قبلها وتحذف. وقول المصنف: وتسهل بعد الألف إن أوثر التخفيف إشارة إلى ما تخفيف الهمزة فيه بجعلها بين بين، وهو القسم الرابع، وعبّر بالتسهيل عن جعلها بين بين حركتها، قالوا: وإنما جاز ذلك والألف ساكنة وهمزة بين بين بمنزلة الساكن؛ لأن الألف فيها فضل مدّ، والهمزة الملينة فيها فضل حركة، فسهل لذلك اجتماعهما، وإنما قال المصنف: إن أوثر التخفيف لينبّه على أن هذا التخفيف جائز، لا واجب وإنما لم يكفف عن ذلك بقوله أول الفصل: جاز أن يخفف؛ لأن قوله: وتسهل بعد الألف أتى به كلاما مستأنفا لم يعطفه على متعلقات جاز المتقدم الذكر، ثم إنه أشار إلى ما تخفيف الهمزة فيه بالإبدال والإدغام معا وهو القسم الخامس - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 151 ب)، والمساعد (4/ 116). (¬2) وقال الرضي: «بقلب الهمزة إلى الساكن وإدغامه فيها». شرح الشافية (3/ 34). (¬3) انظر: التذييل (6/ 152 أ)، والمساعد (4/ 117)، انآد: الانئياد وهو: الانحناء. الصحاح (2/ 242)، و (انأطر: يقال: أطرت القوس: حنيتها). الصحاح (2/ 580). (¬4) التذييل (6/ 152 أ، ب). (¬5) انظر: المساعد (4/ 117). (¬6) المرجع قبل السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله: وتجعل مثل ما قبلها من الواو والياء المذكورتين، ويتعين الإدغام. وحاصله: أنك إذا خففت خطيئة ومقروءة، قلت: خطيّة ومقروّة (¬1)؛ لأنك لما أبدلت صار بدل الهمزة من جنس الحرف الذي قبله فالتقى مثلان، أولهما ساكن؛ فوجب الإدغام، وإنما تعين ذلك؛ لأنه لا يمكن بين بين؛ لأن بين بين قريب من الساكن، فيلزم التقاء الساكنين؛ لأن ما قبل الهمزة ساكن ولا الحذف ينقل حركتها إلى ما قبلها لكراهتهم تحريك حرف لا أصل له في الحركة مع الاستغناء عن تحريكه بما ذكر، وقد أفاد كلام المصنف أن نحو: أفيئس إذا خفّف يقال فيه: أفيّس؛ لأن ذكر ياء التصغير قد تقدم ذكرها له مع الياء المزيدة للمدّ والواو المزيدة له - أيضا - في إخراجها عن حكم النقل والحذف عند قصد التخفيف، ثم قوله الآن: وتجعل مثل ما قبلها من الواو والياء المذكورتين مفيد أن حكم: أفيئس في تخفيف همزته حكم: خطيّة في ذلك. بقي هاهنا أن ننبّه على أمرين: أحدهما: أن قول المصنف: أو نون الانفعال معطوف على ما قبله مما لا يجوز فيه نقل حركة الهمزة إلى ساكن قبلها وحذفها، وهو ما الساكن فيه ألف أو واو مزيدة للمدّ أو ياء مثلها، أو ياء التصغير، وقد عرفت أن حكم الهمزة فيما ذكر مختلف، فإنها مع الألف تسهّل بين بين، ومع الياء والواو المزيدتين للمدّ ومع ياء التصغير تقلب وتدغم، وأما نون الانفعال فإنها تحقق؛ لأنه إنما نفى عن المذكورات النقل إلى الساكن وحذف الهمزة، ثم ذكر الهمزة مع الألف، ثم مع الواو والياء سواء أكانت الياء للمدّ أو للتصغير فتبقى الهمزة مع نون الانفعال على التحقيق؛ لأنه لا طريق لتخفيفها إلا النقل والحذف، وقد منعه، فوجب بقاؤها على حالها وهو التحقيق. الأمر الثاني: أن نقل حركة الهمزة إلى الساكن الذي قبلها ليس مختصّا بكونهما معا في كلمة واحدة، بل يجري ذلك، وإن كان الساكن آخر كلمة والهمزة أوّل كلمة أخرى كقولك في من أبوك؟، ومن أمّك؟، وكم إبلك؟: من بوك؟، ومن مّك؟، وكم بلك (¬2)؟ وكذا لو كان هذا الساكن حرف مدّ، فإنه ينقل إليه - أيضا - نحو قولك: أبو يّوب، وذو مرهم، واتّبعي مره، وقاضو بيك، وهؤلاء - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 152 أ)، والمساعد (4/ 116). (¬2) انظر: الكتاب (4/ 545)، وابن يعيش (9/ 109).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مكرمو خيك، ومكرمو خوتك، ورأيت ضاربي مّ فلان. هكذا أطلق بعض المصنفين (¬1)، وفي شرح الشيخ ما يقتضي أن يكون حرف العلة دالّا على معنى، ولا يظهر ذلك (¬2)، فإن الظاهر أن التخفيف في نحو: قاضي ابيك، لا يمنع مع أن الياء في قاضي ليست دالة على معنى فإن قال قائل: الشرط إما الدلالة على معنى، وإما كون الحرف أصليّا لا زائدا وحينئذ يستقيم الضابط، قيل: ما تقول في نحو: عرقوة إذا سمي به، ثم نودي ورخّم على لغة من لا ينتظر المحذوف، وقلت: يا عرقيّ، ثم أمرت المنادي بأمر فقلت: يا عرقيّ أكرم زيدا، وقصدت التخفيف بالنقل هل يجوز؟ فإن منعه فلا كلام، وإن أجازه ثبت أن حرف اللين إذا كان آخر كلمة جاز أن ينقل إليه حركة الهمزة التي في أول كلمة أخرى، دون اشتراط أن يكون الحرف المذكور دالّا على معنى وأصليّا. ثم لما أنهى المصنف الكلام على الأقسام كلها أشار إلى مسألتين: إحداهما: التي أشار إليها بقوله: وربّما حمل في ذلك الأصلي على الزائد يعني أنهم يبدلون ويدغمون في نحو: شيء فيقولون: شيّ وسوّ فهاتان الكلمتان قياسهما في التخفيف والنقل والحذف لأصالة حرف العلّة فيهما، فعوملا معاملة خطيئة ومقروءة إذا خففا إجراء للحرف الأصلي مجرى الحرف الزائد. والثانية: العلّة التي أشار إليها بقوله: والمنفصل على المتصل وذلك أنه قد تقدم أن حرف المدّ إذا كان في كلمة والهمزة في كلمة أخرى فإن التخفيف بالنقل إليه بخلاف ما إذا كان الحرف المذكور والهمزة في كلمة واحدة، فإن تخفيف الهمزة حينئذ إنما هو بالإبدال والإدغام، فقال المصنف: وربما حمل المنفصل على المتصل يعني أنهم يبدلون ويدغمون في المنفصل كما يفعلون في المتصل فيقولون: أبو يّوب، وفيّ براهيم، في: أبو أيوب، وفي إبراهيم (¬3)، إجراء للحرف المنفصل مجرى الحرف المتصل، ثم أشار بقوله ونحو: قولهم في كمأة: كماة ولا يقاس عليه خلافا للكوفيين إلى أنك (إذ) (¬4) قد عرفت أن قياس تخفيف كمأة النقل والحذف فيرجع - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 166)، وشرح الشافية (3/ 32)، وابن يعيش (9/ 109، 110). (¬2) التذييل (6/ 152 أ). (¬3) انظر: التذييل (6/ 152 ب)، والمساعد (4/ 118). (¬4) سقط من (ب).

[حكم المنقول إليه حركة الهمزة]

[حكم المنقول إليه حركة الهمزة] قال ابن مالك: (وإن كان المنقول إليه حرف التّعريف رتّب الحكم على سكونه الأصليّ كمن الآن، أو على حركته العارضة كمن لآن، وربّما استغني بحذف الهمزة عن النّقل إلى الياء والواو المتحرّك ما قبلها ما لم تكن الحركة فتحة وقد لا تستثنى، والتزم غالبا النّقل في [6/ 154] ما شاع من فروع الرّؤية والرّأي والرّؤيا، إلّا: مرأى ومرئيّا ومرآة، وأرأى منه، وما أرآه، وأرء به). ـــــــــــــــــــــــــــــ إلى كمة، أما نقل حركتها إلى الساكن قبلها وإبدال الهمزة ألفا فشاذّ، وقاس عليه الكوفيون (¬1)؛ جريا على مذهبهم في بناء القواعد على ما قلّ وندر. قال سيبويه: وقد قالوا: المراة والكماة، ومثله قليل (¬2). قال ناظر الجيش: هذا الكلام يشتمل على مسائل ثلاث: الأولى: أن الحركة التي تنقل إلى ساكن قبلها عن همزة قد حققت عارضة غير أصلية، فإمّا أن لا يعتد بالعارض وهو الأكثر، فيكون حكم المتحرك المذكور حكم الساكن وإمّا أن يعتد بالعارض وهو الأقل فيكون حكم المتحرك المذكور حكم المتحرك بحركة أصلية، وعن العرب اعتبار الأمرين، وينبني على الاعتبارين نحو: الأحمر مثلا إذا خفّف، فيقال على الأكثر: الحمر، وعلى الأقل: لحمر (¬3). فإذا قيل: كيف اعتد بالعارض هنا على هذه اللغة، ولم يعتد به (¬4) في نحو: قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا (¬5)؟ أجيب بأن اللّام صارت مع المعرف بها كالجزء لفظا ومعنى؛ فلكونها على حرف واحد، وأما المعنى؛ فلكونها تغيّر مدلول الاسم عن كونه كان لواحد لا بعينه إلى واحد معين فجرت مجرى الجزء. - ¬

_ (¬1) راجع: ابن يعيش (9/ 110، 111)، وشرح الشافية (3/ 41). (¬2) الكتاب (4/ 545). (¬3) انظر: الكتاب: (2/ 165)، والتذييل (6/ 152 أ)، والمساعد (4/ 119)، والتكملة (ص 34، 35)، والمفصل (ص 194)، وابن يعيش (9/ 115)، وشرح الشافية (3/ 51). (¬4) العارض هنا هو حركة النون من «يكن». (¬5) سورة البيّنة: 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فإن قيل: كيف لم يعتد بالعارض في نحو: سل، فكأنّه يقال فيه: إسل (¬1) كما أنهم لم يعتدّوا به في الحمر، ولا شك أن عدم الاعتداد في اللغة الكبرى؟ قلت: قال الشيخ أبو عمرو ابن الحاجب في تصريفه: ولم يقولوا: إسل؛ لاتحاد الكلمة (¬2)، وقال في شرح ذلك: يعني أنه لمّا كثر الأمر من اسئل نقلوا الهمزة إلى السين غالبا فصار من حكم الملتزم ومن حيث كانت كلمة واحدة فاستغني عن همزة الوصل لذلك أو لأنهم لما استثقلوا الهمزتين في: اسل في الابتداء مع كسرها آثروا في الأفصح نقل الهمزة إلى السين فلو أبقوا همزة الوصل والهمزة التي بقيت حركتها في حكم الموجودة - لكانوا كأنهم جمعوا بين همزتين، وقد أورد على هذا الأمر من: جأر، ورؤوف (¬3)؛ لأنك تقول: اجأر، وارؤف، فإذا نقلت حركة الهمزة وحذفتها جاز إبقاء همزة الوصل نحو: إجر وإرف، وحذفها نحو: جر، ورف وأجيب بأن كثرة الاستعمال فيهما منتفية والكثرة هي العلة في ما مرّ، إذا عرفت هذا فعلى اللغة الكبرى يقال: من لحمر بفتح النون لالتقاء الساكنين، وفلحمر بحذف الياء؛ لأن اللّام في حكم السكون فالتقي ساكنان فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وعلى اللغة القليلة يقال: من لحمر بإسكان النون فيدغم في اللام، وفي لحمر بإثبات (¬4) الياء، وقراءة أبي عمرو ونافع (¬5) (عاد لولى) (¬6) هي على الأقل؛ لأن قياس اللغة الكثيرة إذا نقلت الهمزة في الأولى فاتصلت بـ (عادا) أن يقال: (عادن لولى)؛ لأن التنوين ساكن ولام التعريف ساكنة في الحكم فيجب كسر التنوين لالتقاء الساكنين، وقياس اللغة القليلة أن يقال: (عادن لولى)؛ لأن اللام في حكم - ¬

_ (¬1) حكاه الأخفش. انظر: شرح الشافية (3/ 42). (¬2) الرضي (3/ 51). (¬3) من الرأفة وهي الرحمة، وقيل: أشد الرحمة وأرقها ... يقال: رؤفت بالرجل أرؤف به رأفة ورآفة، ورأفت به، ورئفت به رأفا كل من كلام العرب أي: رحمته. اللسان «رأف». (¬4) انظر: شرح الشافية (3/ 51). (¬5) ووافقهما ورش وقالون وأبو جعفر ويعقوب، وقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي عاداً الْأُولى منوّنة مهموزة ووافقهم نافع في رواية. انظر تفصيل ذلك في: السبعة لابن مجاهد (615)، والنشر لابن الجزري (1/ 410 - 411)، والحجة لابن زنجلة (ص 687)، والإتحاف (ص 403 - 404)، ومعاني القرآن للفراء (3/ 102). (¬6) سورة النجم: 50.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتحرك فيبقى التنوين ساكنا على حاله ويدغم في اللام على القياس، وقد عرف من هذا الذي ذكرناه ما أراده المصنف بقوله: وإن كان المنقول إليه حرف التعريف رتّب الحكم على سكونه الأصلي كمن الآن، أو على حركته العارضة كمن لان، على أن عبارة المصنف تقتضي تساوي الأمرين، إلا أن يقال: إن بدأ به مما قلنا: إنه اللغة الكبرى، وتقديمه ذلك في الذكر يدل على أنه الأولى. المسألة الثانية: قد تقدّم أن تخفيف الهمزة المتحركة إذا كان قبلها ياء أو واو تكون بنقل حركتها إلى الياء أو الواو وحذفها بالشرط المعروف وهذا هو القياس، فأشار الآن بقوله: وربّما استغني بحذف الهمزة عن النقل إلى الياء والواو المتحرك ما قبلهما إلى أن الهمزة تحذف مع حركتها ولا يكون نقل؛ وعلى هذا إما أن يكون ما بعد الهمزة متحركا أو ساكنا، فإن كان متحركا حذفت الهمزة مع حركتها، ولا يفعل شيء آخر فيقال: في يغزو أدد (¬1)، ويرمي أدد: يغزو دد ويرمي دد، وإن (¬2) كان ما بعد الهمزة ساكنا وجب حذف الياء والواو لالتقاء الساكنين نحو: يغزو إخوتك، ويرمي إخوتك فيقال: يغز خوتك، ويرم خوتك (¬3)، ونبّه المصنف على أن ذلك قليل بقوله: وربّما، وأما تقييده الياء والواو بالمتحرك ما قبلهما فظاهر، وأفاد المصنف بذكر الياء والواو أن الألف لا يكون معها هذا الحكم - أعني حذف الهمزة مع حركتها - نحو: هذا ابراهيم، وهذا احمد، وقد يسأل فيقال: أيّ فرق بين الألف وأختيها، وهلا قيل: هذ برهيم، وهذ حمد، بحذف ألف هذا، بعد حذف الهمزة كما قيل: يغز خوتك، والذي ظهر لي أن تخفيف نحو: هذه الهمزة - أعني المتحركة التي قبلها ياء أو واو - إنما هو بالنقل والحذف ثم إنه قد يقتصر على أحد الأمرين وهو الحذف دون نقل، أما الهمزة التي قبلها ألف فقياسها التسهيل بين بين كما تقدم، وليس قياسها النقل والحذف معا، ولا شك أن الحذف دون نقل فرع عن النقل والحذف، وقد عرف أن لا نقل إلى الألف فينبغي أن لا يجيء - ¬

_ (¬1) أبو قبيلة من اليمن. اللسان «أدد». (¬2) انظر: التذييل (6/ 153 ب)، والمساعد (4/ 120). (¬3) انظر: المرجعين السابقين.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الحذف دون نقل؛ لأن الحذف دون نقل فرع عن النقل والحذف وإذا كان الأصل ممتنعا وجب امتناع الفرع. وأشار بقوله: ما لم تكن الحركة فتحة إلى أنه إذا كانت الحركة فتحة فلا يستغنى بحذف الهمزة عن النقل إلى الحرفين المذكورين نحو: يغزو أحمد، ويرمي أحمد، بل بنقل الحركة إلى الياء والواو وبحذف الهمزة، ثم منهم من يحذف الهمزة مع الحركة التي هي فتحة ولا ينقل فيقول: يغز حمد، ويرم حمد (¬1)، كما يفعل مع الياء والواو، وإلى ذلك أشار بقوله: وقد لا يستغنى. المسألة الثالثة: هذا التخفيف الذي هو بالنقل والحذف جائز كما عرفت ولكنه التزم في باب: يرى، وأرى، ويرى لكثرة دور هذه الألفاظ من هذه المادة فقصد التخفيف، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: والتزم غالبا النقل في ما شاع من فروع الرّؤية، والرّأي والرّؤيا فهذه الثلاثة مصادر، فالرؤية بمعنى الإبصار في اليقظة، والرأي في معنى الاعتقاد، والرؤيا بمعنى الإبصار المنامي (¬2). قال الله تعالى: وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا (¬3) وفروع هذه هي المضارع والأمر نحو: أرى، ونرى، وترى، ويرى، وره وكذا الداخل عليه همزة النقل فإنه فرع - أيضا - ويلزم التخفيف في ماضيه كما يلزم في مضارعه فيقال: أرى، ويرى، وترى، ونرى، وأري، ويقال في الأمر: أر زيدا عمرا، والأصل أرإي حذفت الياء للبناء ثم حصل النقل وحذفت الهمزة فقيل: أر، ويقال في اسم الفاعل والمصدر من أرى: أنا مر زيدا عمرا إراءة، والأصل: مرء، وإرآأة كاستخراجة فالهمزة الأولى عين الكلمة وهي التي حذفت بعد نقل حركتها، والهمزة الثانية هي لام الكلمة قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة وهي الباقية في: إراءة، واعلم أن لغة تيم اللّات عدم [6/ 155] النقل في ما ذكر فيقولون: يرأي وأرأى (¬4)، وعن هذه اللغة احترز المصنف بقوله: غالبا، قيل: وإنما قال: في - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 153 ب)، والمساعد (4/ 121). (¬2) انظر: المرجعين السابقين. (¬3) سورة الصافات: 104، 105. (¬4) ومعظم العرب على التزام التسهيل. راجع: التذييل (6/ 153 ب)، والمساعد (4/ 121، 122).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما شاع احترازا من نحو: استرأى؛ لقلّة ذلك (¬1)، ثم إن المصنف استثنى من الفروع كلمات لم يحصل فيها نقل، وأشار إليها بقوله: إلا مرأى ... إلى آخره: أما مرو، فهو مفعل. قال الشيخ: وقد جاء مخففا، قال الشاعر: 4298 - محمرّة عقب (الصّبوح) (¬2) عيونهم ... بمرى هناك من الحياة ومسمع (¬3) وأما مرئيّ فهو: اسم مفعول، وأما مرآة فهو: اسم للآلة، وأما أرأى منه فهو: صيغة التفضيل، ومنه هذه هي التي تقع بعد أفعل التفضيل، وأما ما أرآه، وأرء به فهما: صيغتا تعجب (¬4). قال الشيخ: وأفهم كلام المصنف: إلا مرأى أنه لا يلزم فيه وفي ما بعده النقل، وتحت هذا قسمان: أحدهما: منع النقل، والآخر: جوازه (¬5). انتهى. والظاهر أن النقل لا يمتنع فعلى هذا الاستثناء إنما هو من التزام النقل، والمعنى أن النقل ملتزم إلا في هذه الكلمات، فإنه لا يلتزم فيبقى أصل الجواز. وقال الشيخ: قال صاحب كتاب الأمر والنهي: إذا أردت الأمر من رأيت الصيد، إذا أصبت رؤيته قلت: إرأه، ولا ترأه، وأرأياه، ولا ترأياه؛ لقلة هذا الحرف في كلامهم، وإنما يحذفون الكلمة إذا كثر استعمالهم إياها لتخف عليهم. انتهى. ومن هنا قال الشيخ: أطلق المصنف في قوله: من فروع الرؤية والرأي والرؤيا؛ لأن الرأي لا يكون مصدرا - أيضا - لرأى التي بمعنى أصاب الرئة، وجميع فروعه مهموز، وإنما جاء الحذف في فروع ما يكون بمعنى الإبصار والعلم والاعتقاد. انتهى. وكأنه يريد بقوله: وإنما جاء الحذف لزوم الحذف، وكذا يريد بقوله: وجميع فروعه مهموز، أنه لا يجب ترك همزة ولا يريد أنه لا يجوز ترك الهمز؛ لأن تخفيف الهمز لا يمكن منعه. ¬

_ (¬1) انظر: المرجعين السابقين. (¬2) كذا في ديوانه، وفي النسختين والتذييل «الصباح». (¬3) البيت من الكامل للحادرة واسمه قطبة من مفضلية له، والشاهد: في قوله: بمرى هناك. بمعنى: م رأى، وهو مفعل من رأى، على التخفيف، وانظره في: التذييل (6/ 154 أ)، والمساعد (4/ 122)، وديوانه (ص 56). (¬4) انظر: التذييل (6/ 154 أ)، والمساعد (4/ 122). (¬5) التذييل (6/ 154 أ).

[إبدال أحرف العلة من بعض: إبدال الياء من الواو]

[إبدال أحرف العلة من بعض: إبدال الياء من الواو] قال ابن مالك: (فصل: تبدل الياء بعد كسرة من واو هي عين مصدر لفعل معتلّ العين، أو عين جمع لواحد معتل العين مطلقا أو ساكنها إن وليها في الجمع ألف وصحّت اللّام وقد يصحّح ما حقّه الإعلال من فعل مصدرا أو جمعا، وفعال مصدرا، وقد يعلّ ما حقّه التّصحيح من فعال جمعا أو مفردا غير مصدر، ومن فعلة جمعا وليس مقصورا من فعالة خلافا للمبرّد). قال ناظر الجيش: لمّا أنهى الكلام على إبدال الهمزة من أحرف العلّة، ثم على إبدال أحرف العلّة من الهمزة، شرع في الكلام على إبدال أحرف العلّة بعضها من بعض، وقد ذكرنا قبل أن التكافؤ في الإبدال واقع بين أحرف العلّة الثلاثة، أي أن كلّا منها يبدل من أخويه، وقد بدأ المصنف بذكر إبدال الياء من الواو، واعلم أن الياء تبدل من الواو ومن الألف، أما إبدالها من الواو فقد يكون في مصدر أو جمع، وقد يكون في غيرهما أما إبدالها في مصدر أو جمع فقد قصر هذا الفصل على ما ذكره، وأما إبدالها في غير هذين فسيذكره في الفصل الآتي بعد هذا لو نظم إبدال الياء من الواو في جميع المواضع في فصل واحد لكان أولى. إذا تقرر هذا فالذي اشتمل عليه هذا الفصل أن الياء تبدل من الواو بشرطين: أن تقع بعد كسرة، فلو وقعت بعد فتحة نحو: روح، أو ضمة نحو: عوار فالتصحيح (¬1) وأن تكون واقعة عينا إما لمصدر، وإما لجمع، فنحو: سواك وخوان وصوان وتصحح؛ لأنها مفردات وليست بمصادر، وأما المصدر فشرطه أن يكون مصدر فعل معتل العين نحو: قام قياما وصام صياما، وعاد عيادا، فلو صحت عين الفعل لم تعل عين المصدر نحو: لاوذ لواذا (¬2) وجاور جوارا. ولو قال المصنف: لفعل معتل العين كان أحسن؛ لأن المعتل ما فيه حرف العلّة، وإن لم يلحقه إعلال. واعلم أن ثم شرطا آخر لإعلال عين المصدر هذا الإعلال لم يذكره المصنف في هذا الكتاب، ولا في إيجاز التعريف، ولكن ذكره في الكافية وشرحها. وهو أن يوجد بعد عين المصدر - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 154 ب)، والمساعد (4/ 123). (¬2) لاوذ بالشيء لواذا: لجأ إليه واستتر به وتحصن ولاوذ القوم: لاذ بعضهم ببعض، ولاوذ فلان: راوغ وحاد. اللسان «لوذ».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ألف كقيام وصيام، فإن لم يكن ألف وجب التصحيح؛ كالحول مصدر حال، والعود مصدر عاد المريض، والعوج مصدر عاج (¬1) وقد علّل قلب الواو ياء في ما ذكر، بأن الواو لمّا أعلّت في الفعل استثقل إبقاؤها في المصدر بعد الكسرة وقبل حرف يشبه الياء وهو الألف، فأعلّت حملا للمصدر على فعله، فقلبت ياء ليصير العمل في اللفظ من وجه واحد وهو الكسر والياء والألف التي تشبه الياء، وأما الجمع فشرطه أن يكون واحده إما معتل العين، أو ساكنها، فإن كان معتلّ العين أي: معلّها أبدلت الواو ياء في الجمع سواء أوجد بعدها فيه ألف أم لا نحو: ديار جمع دار، ورياح جمع ريح، وتير وقيم، جمعي تارة وقامة (¬2)، وإلى عموم الحكم في القسمين المذكورين أشار المصنف بقوله: «مطلقا»، وإن كان واحد الجمع ساكن العين أبدلت الواو ياء في الجمع إن وليها فيه ألف نحو: حوض وحياض، وثوب وثياب، وسوط وسياط، فلو لم يلها ألف فالتصحيح نحو: عودة جمع عود وكوزة جمع كوز (¬3) ودول جمع دولة، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: أو ساكنها إن وليها في الجمع ألف، فعلم أنه إذا لم يلها ألف لا يكون إعلال، بل يتعين التصحيح كما مثل. وأما قوله في الكتاب: وصحت اللّام فهو شرط ثان لإعلال جمع ما سكنت عينه هذا الإعلال، والمراد أن الواو لا تقلب ياء في الجمع مع سكونها في الواحد إلا أن ينضم إلى وجود ألف بعدها في الجمع صحة اللام، كما تقدم من نحو: حياض وثياب وسياط، أما إن اعتلت اللام فالتصحيح، وذلك نحو: رواء فإنّه جمع ريّان فقد وجد في الجمع ألف بعد العين الساكنة في المفرد ومع - ¬

_ (¬1) قال ابن مالك في كافيته: والألف اقلب ياء إن كسرا تلا ... أو ياء تصغير كذا الواو اجعلا آخرة أو قبل تا التّأنيث أو ... زيادتي فعلان هكذا رووا في مصدر المعتلّ عينا، والفعل ... منه صحيح غالبا نحو الحول وقال في أثناء شرحه لهذه الأبيات: ويجب هذا الإعلال - أيضا - للواو الواقعة عينا لمصدر فعل معلّ نحو: صام صياما. وقال: «ونبّه بتصحيح ما وزن (فعل) كالحول مصدر حال، وكالعود مصدر عاد المريض، وكالعوج مصدر عاج، على أن إعلال المصدر المذكور مشروط بوجود الألف فيه حتى يكون على فعال». شرح الكافية (4/ 2111) وما بعدها. (¬2) انظر: شرح الكافية (4/ 2113)، وما بعدها. (¬3) انظر: المرجع السابق (4/ 2111)، والتذييل (6/ 155 أ)، والمساعد (4/ 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك لم يعل لأجل إعلال اللام (¬1)، قال المصنف في إيجاز التعريف: يجب إبدال الواو ياء إذا كانت عين فعال جمعا لواحد صحت لامه وأعلت عينه كدار وديار، أو سكنت كثوب وثياب، أو اجتمع فيها الأمران كريح ورياح فلو كانت اللام واوا أو ياء، وجب تصحيح العين في الجمع؛ لئلا يتوالى إعلالان، وذلك أن اللام في هذا الجمع تتطرف بعد ألف زائدة، فيجب إبدالها همزة لما تقدم ذكره، فلو أعلّت العين - أيضا - بإبدالها ياء، فقل في جمع جو: جياء، وفي جمع ريان: رياء، لزم توالي إعلالين، وذلك إجحاف بالأصل، فلجئ إلى تصحيح العين فقيل: جواء ورواء، وكذلك حكم ما أشبههما (¬2). انتهى. وهكذا علل غيره الصحة في نحو: رواء بأن الإعلال يلزم منه توالي [6/ 156] إعلالين. قال ابن الحاجب: وصحّ رواء جمع ريّان كراهة إعلالين (¬3)، وهو تعليل ظاهر، غير أن المصنف قال في شرح الكافية: توالي إعلالين إجحاف، فينبغي أن يجتنب على الإطلاق، فاستمرّ اجتنابه إذا كان الإعلال متفقا كما يكون في الهوى. واغتفر تواليهما إذا اختلفا نحو: ماء أصله: موه فأبدلت الواو ألفا والهاء همزة، وهذا لا يطّرد، واغتفر تواليهما باطّراد في نحو: شاء اسم فاعل من شاء وأصله: شاوئ. فأعلت عينه بإبدالها همزة كما فعل بقائم، ثم أبدلت الهمزة الثانية ياء، لوقوعها طرفا بعد همزة مكسورة، واغتفر تواليهما - أيضا - للاختلاف في نحو: ترى؛ لأن أصله: ترأى، فحذفت الهمزة وقلبت الياء ألفا، وأمثال ذلك كثيرة (¬4)، هذا كلامه، ولا شك أن الإعلالين في نحو: رواء، لو أعلّت عينه يختلفان والغرض أنه عند الاختلاف يجوز تواليهما، فكيف يعتذر عن عدم الإعلال بما يؤدي الإعلال إليه من توالي الإعلالين، مع أن الإعلالين مختلفان، والتوالي عند الاختلاف جائز، كما تضمنه كلامه المذكور آنفا، ولمّا قرر المصنف ما قرّره، وعلم منه ما حقه أن يصحّح وما حقّه أن يعلّ، وكان قد خرج من القاعدة في كل من البابين شيء، فعومل بخلاف ما يستحقه، نبّه على ذلك بقوله: وقد يصحّح ما حقّه الإعلال ... إلى آخر الفصل، فذكر - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 154 ب)، والمساعد (4/ 124)، والرضي (3/ 138) قال ابن عصفور: ويجوز عندي أن يكون رواء جمع رويّ لا جمع ريان فتكون صحة الواو في الجمع لما ذكرناه ولتحركها في المفرد. الممتع (2/ 496). (¬2) التذييل (6/ 154 ب). (¬3) الرضي (3/ 137). (¬4) شرح الكافية (4/ 2131 - 2132).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما صحّح وحقّه الإعلال، أولا، ثم ذكر ما أعلّ وحقّه التّصحيح ثانيا، واعلم أنه قد تقدّم أن الواو الواقعة بعد كسرة إذا كانت عين مصدر فعل معتل العين، تبدل ياء كصيام وقيام، وتقدّم أنه لم يشترط في التسهيل لإبدالها ياء شرط آخر، فعلى هذا مثّل لقوله: وقد يصحّح ما حقّه الإعلال من فعل مصدرا، بقولنا: حال حولا وهو تمثيل صحيح؛ لأنه لم يشترط لذلك وجود ألف بعد العين. ولكن قد تقدم لنا أنه اشترط ذلك في شرح الكافية، وكلامه فيه يقتضي تحتم التصحيح في نحو: حول وعود وعوج، لعدم الألف بعد العين، وكلامه في متن الكافية يقتضي أن التصحيح أغلب من الإعلال، فإنّه ذكر هذا الحكم أعني إبدال هذه الواو ياء، ثم قال المصنف: في مصدر المعتلّ عينا والفعل ... منه صحيح غالبا نحو الحول (¬1) فقوله في التسهيل: وقد يصحح ما حقه الإعلال من فعل مصدرا، ينافي ما ذكره في متن الكافية وشرحها؛ لأنه إذا جعل حق الكلمة الإعلال، كان التصحيح مرجوحا، وربّما يعد شاذّا، وكلامه في الكافية وشرحها يقتضي أنه إما واجب أو راجح (¬2)، وكلام ابن الحاجب (¬3) يوافق ما ذكره المصنف في التسهيل فإنه أوجب إعلاله، وجعل تصحيحه في بابه شاذّا لتصحيح، العود في بابه، وتقدّم أن الواو المكسور ما قبلها في جمع واحد معتلّ العين تبدل ياء، وجدت الألف بعد العين، في العين كديار، أو لم توجد كقيم، فعلى هذا قولهم: حوج في جمع حاجة شاذ (¬4)، فهذا مثال لقوله: أو جمعا، بعد قوله: من فعل مصدرا. قال في إيجاز التعريف: وشذ التّصحيح في نظير: قيم فقالوا: حاجة وحوج وأما فعال مصدرا - يعني بالألف - فلا شك في استحقاقه الإعلال فتصحيحه شاذّ وذلك قولهم: نارت نوارا، أي نفرت، وكان حقّه: نيارا كقيام وهذا مثال لقوله: وجمعا، وقوله: وفعال مصدرا، ولو قال المصنف: من فعال مصدرا أو فعل مصدرا أو جمعا، كان أحسن ترتيبا؛ لأن: فعالا المصدر مستحق الإعلال قطعا بخلاف - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 2121). (¬2) انظر: المرجع السابق. (¬3) انظر: الرضي (3/ 137). (¬4) قال المصنف في شرح الكافية (4/ 2114): «فإن كان الجمع على فعل جاز التصحيح والإعلال نحو: قامة وقيم وحاجة وحوج».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعل المصدر فإن فيه ما عرفت. ولكن العذر له أنه ساوى في التسهيل بين فعل وفعال، في استحقاق الإعلال، وأن فعلا إذا كان جمعا، فتصحيحه شاذ لا محالة، إذا كانت عين مفرده معتلّة، وهو قد قرن الجمع الذي على فعل بالمصدر الذي هو على هذه الصيغة؛ فلهذا قدم ذكر فعل على ذكر فعال ثم قد عرفت أن هذا الإعلال لا يكون في جمع إلا إذا كانت عين واحده معتلة أو ساكنة، وأنه لا يكون في مفرد إلا إذا كان ذلك المفرد مصدرا، أما إذا لم تكن عين واحده معتلة أو ساكنة بأن تكون متحركة، فإنها لا تعلّ في الجمع، فإن أعلّت كان ذلك شاذّا، وكذا إذا كانت العين التي هي واو متحركة وقبلها كسرة لكنه في مفرد غير المصدر، فإن حكمها التصحيح، فإن أعلت كان ذلك شاذّا، وهذا الذي قلناه هو المراد من قول المصنف: وقد يعلّ ما حقّه التصحيح من فعال جمعا أو مفردا غير مصدر، فمثال الجمع قولهم في جمع طويل: طيال. قال الشاعر: 4299 - تبيّن لي أنّ القماءة ذلّة ... وأنّ أعزّاء الرّجال طيالها (¬1) وروي في البيت: «طوالها» قيل: وهو أشهر، ومثل طيال في الشذوذ: جياد في جمع جواد، ومثال المفرد غير المصدر قولهم: صيان وصيار، في صوان وصوار، ثم قد عرفت - أيضا - أنّ الواو المكسور ما قبلها في الجمع، إن سكنت في واحده، إنما تبدل ياء في الجمع إذا وجد بعدها ألف كحياض وثياب، أما إذا لم توجد الألف فالتصحيح نحو: عودة جمع عود وكوزة جمع كوز (¬2) ودول جمع دولة، فعلى هذا الإعلال شاذ. فلهذا قال: ومن فعلة جمعا، بعد قوله: وقد يعل ما حقه التصحيح وذلك نحو: ثور وثيرة (¬3) وكان قياسه: ثورة، كما قالوا: عود، يقول في إيجاز التعريف: وشذّ الإعلال في نظير دول فقالوا: عود وعيد، والعود: البعير - ¬

_ (¬1) من الطويل عزاه في معجم الشواهد لأنيف بن زبان، والقماءة بزنة سحابة، مصدر قمأ الرجل إذا ذلّ وصغر، فهو قميء، أي: ذليل، والشاهد في البيت: قوله: طيالها؛ حيث جاء بالياء والقياس: طوالها وجاء برواية الواو. انظر: المنصف (1/ 342)، والمحتسب (1/ 184)، وأمالي الشجري (1/ 56)، وابن يعيش (4/ 45، 10/ 87 - 88)، وشرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 385)، والتصريح (2/ 379)، والأشموني (4/ 304) والتذييل (6/ 155 أ). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 369) بولاق. (¬3) انظر: المرجع السابق (2/ 185، 369).

[إبدال الألف والواو ياء]

[إبدال الألف والواو ياء] قال ابن مالك: (فصل: تبدل الألف ياء لوقوعها إثر كسرة، أو ياء التّصغير، وكذا الواو الواقعة إثر كسرة متطرّفة. أو قبل علم تأنيث أو زيادتي فعلان، أو ساكنة مفردة لفظا أو تقديرا، وكذلك الواقعة إثر فتحة رابعة فصاعدا طرفا أو قبل هاء التأنيث ونحو: مقاتوة وسواسوة وأقروة، وديوان واجليواذ شاذّ، لا يقاس عليه، وتبدل الألف واوا لوقوعها إثر ضمّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ المسن (¬1)، وأشار بقوله: وليس مقصورا من فعالة: إلى أن أبا العباس المبرد يرى أن ثيرة أصله: ثيارة، كحجارة (¬2) فقلبت الواو ياء لأجل الألف التي بعدها، كما قلبت في سياط، فلما قصره منه بقيت الياء منبّهة على أن أصله فعالة، وأن هذا مقصور منه. ثم إن المصنف لم ير رأي المبرد في ذلك؛ لأن ما رآه دعوى لا دليل عليها. قال ناظر الجيش: قد أسلفنا أن الياء تبدل من الواو في مواقع، وأنه ذكر في الفصل الذي فرغ منه إبدالها في المصدر والجمع، وأنه سيذكر إبدالها منها في غير هذين، وها هو قد ذكر ذلك في هذا الفصل، لكنه قدّم عليه الكلام في إبدال الياء من [6/ 157] الألف ولا أعلم السبب الموجب لكون المصنف قدّم أول الفصل ذكر إبدال الياء من الألف، ثم ذكر ثانيا إبدال الياء من الواو، ثم ذكر ثالثا إبدال الواو من الألف، وقد كان ينبغي له أن يقدّم الكلام في إبدال الياء من الواو ليستوفي الكلام في إبدال الياء من الواو ثم يذكر إبدال الياء من الألف ثانيا، ثم يجيء ذكره لإبدال الواو من الألف ثالثا، فيصير الكلام في إبدال الياء من الواو في جميع المواضع - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 155 أ). (¬2) جاء في المقتضب (1/ 268): «هذا ما كان من الجمع على فعلة، اعلم أن كل ما كان من هذا الجمع من بناء الياء والواو اللتين هما عينان - فإن الياء منه تجري على أصلها والواو، إن ظهرت في واحده ظهرت في الجمع فأما ما ظهرت فيه فقولك: عود وعودة وثور وثورة .. فأما قولهم: ثيرة فله علّة أخّرناها لنذكرها في موضعها إن شاء الله» .. ثم قال في (ص 337) في باب إدغام المثلين «وما كان منه على فعل فكذلك - أي الإظهار - تقول: قدد وشدد وسرر كما كنت تقول في الثاء والواو ثورة ولم يرد على هذا». وانظر: الخصائص (1/ 112)، والمنصف (1/ 346)، والتذييل (6/ 155 أ) والمساعد (4/ 125)، والأشموني (4/ 305) وابن يعيش (10/ 88) والتصريح (2/ 378).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متواليا، والكلام في إبدال الياء والواو من الألف متواليا أيضا. وإذ قد عرفت ذلك، فأنا أبدأ بالكلام على إبدال الياء من الواو، ثم أذكر إبدال الياء من الألف، وإبدال الواو منها - أيضا - فأقول: إن الياء تبدل من الواو في مواضع؛ وقد تقدّم منها في الفصل السابق موضعان. الثالث: ما وقعت فيه الواو متطرفة وقبلها كسرة نحو: رضي وقوي وغزي، أصلها: رضو وقوو وغزو؛ لأنها من الرضوان والقوة والغزو، ولكن لمّا كسر ما قبل الواو وكانت بتطرفها معرضة لسكون الوقف عليها عوملت بما يقتضيه السكون من وجوب إبدالها ياء توصّلا للخفة وتناسب اللفظ، ومن ثم لم تتأثر الواو بالكسرة وهي غير متطرفة كعوج وعوض. الرابع: ما وقعت فيه الواو بعد كسرة وقد وليها علم تأنيث نحو: سجيّة وعريقية وتريقية، تصغير عرقوة وترقوة، ومنه أكسية جمع كساء، الأصل: أكسوة (¬1). الخامس: ما وقعت فيه الواو بعد كسرة وقد وليها زيادتا فعلان نحو: شجيان، ولهذا يقال في مثل: ظربان من الغزو: غزيان، وإنما وجب الإبدال في هذين القسمين؛ لأن التاء في حكم الانفصال، وكذا الألف والنون، فلا تخرج الواو بذلك عن حكم المتطرف. السادس: ما وقعت فيه الواو بعد كسرة وكانت ساكنة وذلك نحو: إيعاد مصدر أوعد، وكذا ميقات وميزان وميراث، فإنهن من الوقت والوزن والوراثة، وكذا: ديمة (¬2) وريح، الأصل: دومة (¬3) وروح، وقيّد المصنف الواو الساكنة المذكورة بكونها مفردة لفظا أو تقديرا، وعنى بالمفردة أن لا تكون مدغمة في مثلها صرح بذلك في إيجاز التعريف فلو كانت الواو مدغمة في مثلها وجب التصحيح نحو: إوّاب مصدر: أوّب إذا استوعب النهار سيرا، وغيره من الأعمال (¬4) فبعد كسرة الهمزة من: إوّاب واو ساكنة لكن حصنها الإدغام فلم تتأثر للكسرة، وإنما - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 155 أ)، والمساعد (4/ 126)، والأشموني (4/ 302). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 369)، والرضي (3/ 138)، وابن يعيش (10/ 88). (¬3) قال بذلك ابن منظور في اللسان «دوم» و «ديم» والفيومي في المصباح (ص 204)، وقال في الصحاح: إنه يائي أيضا (5/ 1924). (¬4) انظر: المرجع السابق والمساعد (4/ 126).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يجب الإعلال للواو المفردة إما لفظا كما مرّ من إيعاد وميقات وريح، وإما تقديرا ومثّله الشيخ بقولنا: حيّاء، وهو مصدر إحووى على لغة من قال في مصدر اقتتل: قتّالا (¬1)، وذلك لأن أصله: جوّاء، فتقلب الواو الأولى الساكنة ياء؛ لانكسار ما قبلها، فيجتمع مع الواو التي هي إحدى لامي الكلمة فتقلب الواو ياء وتدغم الياء في الياء فتصير: حيّاء (¬2). قال الشيخ: فهذه واو مفردة لم توضع أولا على الإدغام يعني كما في إوّاب؛ لأن أصل مصدر إحووى أن يقال فيه: احووّاء، وإنما صار إلى حيّاء على لغة من قال في مصدر اقتتل إذا أدغم قتّالا (¬3)، انتهى. وقد يقال: إنما يتم هذا لو ثبت لنا أن الذي يقول: قتّالا بالإدغام هو الذي يقول: اقتتالا. أما إن كان هذا لغة لقوم وذلك لغة لقوم فلا يتجه أن يقال: إن أصل مصدر احووى احوواء، وفي تصريف ابن الحاجب ومن أدغم اقتتالا قال: حوّاء (¬4) على أن الشيخ قال بعد ذكره ما تقدم: وزعم أبو الحسن أنك تقول في مصدر احووى على قياس مصدر اقتتل قتّالا: حوّاء ثم قال بعض أصحابنا: وهو الصحيح؛ لأن الواو بالإدغام قد زال عنها المدّ فصارت بمنزلة الحروف الصحيحة (¬5). انتهى. وعلى هذا الذي ذكرناه ونقله الشيخ عن أبي الحسن لا يثبت حيّاء فلا يتم التمثيل به لما فيه الهمزة المفردة تقديرا ولكن ذكر الشيخ حكما لمسألة، فعلى الناظر أن ينظر: هل يمكن أن يكون مثالا لذلك والمسألة هي أنك لو بنيت من القوة مثل جردحل قلت على رأي أبي إسحاق الزجاج: قوّيّ أصله قوووو أدغمت الأولى في الثانية ولم تقلب؛ لأن الواو زال عنها المد بالإدغام وقلبت الثالثة ياء؛ لئلا تجتمع ثلاث واوات، وقلبت الرابعة ياء؛ لأنه قد اجتمع ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت وأدغمت الياء في الياء، وخالف أبو بكر محمد بن أحمد الخياط (¬6) في ذلك فذهب إلى أنه يقال: قيّوّ أصله: قوووو كما تقدم قلبت الواو الأولى ياء؛ لأنها ساكنة قبلها - ¬

_ (¬1) انظر: الرضي (3/ 121) والمنصف (2/ 220 - 221). (¬2)، (¬3) التذييل (6/ 155 ب). (¬4) الرضي (3/ 112). (¬5) التذييل (6/ 155 ب)، وانظر: المساعد (4/ 127). (¬6) من سمرقند قدم بغداد بعد وفاة المبرد، وضعف ثعلب عن الإفادة لصممه الشديد وجرت بينه وبين الزجاج مناظرة، من مصنفاته النحو الكبير، والموجز والمقنع، مات بالبصرة سنة (320 هـ). النشأة (ص 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كسرة، ثم تقلب الواو التي بعد الياء ياء لاجتماعهما مع ياء ساكنة قبلها، وأما الواو الثالثة فتدغم في الرابعة؛ إذ لا موجب لقلبها لعدم الواوين قبلها (¬1). قال: ولو بنيت من القوّة مثل: عثول قلت: قيّو أصله: قووو قلبت الأولى - لكسرة ما قبلها - ياء، وأقرت الثانية؛ لأنها زائدة للإلحاق، واتفق الزجاج والخياط على هذه المسألة، وأنك تقول فيها: قيوو، كما ذكرنا، انتهى. السابع: ما وقعت فيه الواو رابعة فصاعدا طرفا، وكانت إثر فتحة، وسواء أكان ذلك في فعل أم في اسم فمثال الفعل: أغزيت وأعطيت واستعليت، ومثال الاسم مغزى ومعطى ومستعلى، فالألف منقلبة عن ياء هي بدل من واو، والدليل على أن الألف منقلبة عن الياء أنك تقول في التثنية: معطيان ومستعليان (¬2)، وقد علّل هذا القلب بأن همزة النقل لمّا دخلت على الفعل صارت الواو رابعة فقلبت ياء حملا للماضي على مضارعه، يعني أن الواو تقلب ياء في يعطي؛ لانكسار ما قبلها، فحمل الماضي في ذلك عليه، قالوا: وهذا الحمل كما حمل اسم المفعول من نحو: معطى على اسم الفاعل نحو: معطي، كما حمل مرضيان في قلب واوه ياء حملا على يرضيان، فالحاصل أن الماضي حمل على المضارع واسم المفعول على اسم الفاعل، والمضارع المبني للمفعول على المضارع المبني للفاعل (¬3). الثامن: ما وقعت فيه الواو كذلك غير أنها ليست طرفا، إنما وقعت قبل هاء التأنيث وذلك نحو: معطاة ومستعلاة؛ لأن هاء التأنيث في حكم الانفصال، فكأن الواو واقعة طرفا (¬4)، وإلى هذه المواضع الستة التي ذكرناها الإشارة بقوله: وكذا الواو الواقعة إثر كسرة متطرفة إلى قوله: أو قبل هاء التأنيث وقد تقدم في الفصل [6/ 158] السابق موضعان فهذه ثمانية مواضع، وقد بقي من المواضع التي تبدل فيها الواو ياء - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 155 ب). (¬2) انظر: التذييل (6/ 155 ب)، والمساعد (4/ 127)، والأشموني (4/ 306). (¬3) قال الأشموني (4/ 306): «وقد أفهم بالتمثيل أن هذا الحكم ثابت لها سواء كانت في اسم كقولك: المعطيان، وأصله: المعطوان، فقلبت الواو ياء حملا لاسم المفعول على اسم الفاعل، أم في فعل كقولك: يرضيان أصله، يرضوان؛ لأنه من الرضوان، فقلبت الواو ياء حملا لبناء المفعول على بناء الفاعل، وأما يرضيان المبني للفاعل من الثلاثي المجرد فلقولك في ماضيه: رضي» وانظر: الهمع (2/ 222)، وشرح ابن عقيل (4/ 222)، والتصريح (2/ 380). (¬4) انظر: التذييل (6/ 155 ب)، والمساعد (4/ 128)، والأشموني (4/ 306)، والتصريح (2/ 380).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ موضعان. موضع فيه البدل خاصة، كما هو في المواضع المتقدمة وهو ما وقعت فيه الواو لاما لفعلى الوصف كالدّنيا والعليا، وموضع فيه مع البدل إدغام وهو ما وقعت فيه الواو مجاورة لياء في كلمة، وقد سكن السابق منهما، وقد ذكرهما المصنف، وأفرد لكل منهما فصلا سيأتي من بعد إن شاء الله تعالى، وعلى هذا يكون إبدال الواو ياء في عشرة مواضع، ثم ذكر المصنف كلمات خمس شذّات، وأنها لا يقاس عليها، وذلك أن منها ما يستحق إبدال الواو فيه ياء ولم تبدل وهو: مقاتوة وسواسوة وأقروة، ومنها ما يستحق تصحيح الواو فيه فأبدلت وهو: ديوان واجليواذ، أما: مقاتوة فهي جمع مقتو، اسم فاعل من القتوى، أي: خدم وساس. قال عمرو بن كلثوم: 4300 - متى كنّا لأمّك مقتوينا (¬1) وقال يزيد بن الحكم: 4301 - تبدّل خليلا بي كشكلك شكله ... فإنّي خليلا صالحا بك مقتوي (¬2) فمقتر مفتعل من القتو، وهو الخدمة (¬3) قال الشاعر: 4302 - إنّي امرؤ من بني خزيمة لا ... أحسن قتو الملوك والحفدا (¬4) - ¬

_ (¬1) عجز بيت من الوافر من معلقة عمرو بن كلثوم وصدره: تهدّدنا وأوعدنا رويدا والشاهد فيه: قوله: مقتوينا حيث جاءت فيه الواو مصححة شذوذا والقتو: خدمة الملوك. يقول: ترفق في تهددنا وإيعادنا ولا تمعن فيهما، فلسنا خدما لأمك حتى نعبأ بتهديدك ووعيدك والبيت في: نوادر أبي زيد (188)، وخزانة الأدب للبغدادي (3/ 326، 420)، والتصريح (2/ 377)، وشرح المعلقات (ص 128)، والتذييل (6/ 155 ب)، والمساعد (4/ 128). (¬2) من الطويل والشاهد: في قوله: مقتوي وهو مفعلل، وأصله: مقتوّ. ونصب خليلا - من قوله: فإني خليلا صالحا ... - بمقتوي على تضمينه معنى متخذ. انظره في: الذخائر (2/ 104)، والمحتسب (2/ 25)، واللسان «قتا»، والتذييل (6/ 156 أ). (¬3) اللسان «قتا». (¬4) من المنسرح قائله لبيد وجاء في اللسان «قتا» برواية: قتو الملوك والخببا والخبب: الخبث، والحفد في الخدمة والعمل: الخفة. والبيت في مجالس ثعلب (ص 534)، والخصائص (2/ 104) ويس (2/ 377) واللسان «خبب، وقتا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والقياس في مقاتوة أن يقال: مقاتية، وأما سواسوة فالقياس فيها: سواسية (¬1)، وقد سمع على الأصل. قال الشاعر: 4303 - أنّى لكليب أن تسامي معشرا من ... النّاس أن ليسوا بفرع ولا أصل (¬2) سواسية سود الوجوه كأنّهم ... ظرابيّ غربان بمجرودة محل (¬3) والسواسوة: هم المستوون في الشر، وأما أقروة: وهي جمع قرو، وهي ميلغة الكلب فكان قياسه: أقرية كأكسية (¬4). وأما ديوان، فأصله دوّان؛ لقولهم في جمعه: دواوين وكان حقّ واوه التصحيح؛ لكونها غير مفردة، أي: مدغمة في غيرها، وقد تقدّم. إنما كان كذلك حقّه أن يصحح فإعلاله شاذ، وأما: اجليواذ فأصله: اجلوّاذ مصدر اجلوّذ فكان حقّ واوه أن تصحّح؛ لأنها مدغمة في الأصل، فهي غير مفردة وقياسها أن لا تبدل، فالإعلال في هذه الكلمة شاذ كما في ديوان (¬5). هذا آخر الكلام على إبدال الياء من الواو. وأما إبدال الياء من الألف ففي مكانين، وأما إبدال الواو منها ففي مكان واحد. وقد أشار إلى إبدال الياء منها بقوله أوّل الفصل: تبدل الألف ياء لوقوعها إثر كسرة، أو ياء التصغير، فمثال وقوعها إثر كسرة: مصابيح في مصباح، وكذلك: مفاتيح ومفيتيح في مفتاح، ومثاقيل ومثيقيل في مثقال، ومثال وقوعها إثر ياء التصغير: غزيّل وكتيّب مصغّري غزال وكتاب. وأشار إلى إبدال الواو منها بقوله آخرا: وتبدل الألف واوا لوقوعها إثر ضمة، ومثال ذلك: ضويرب في تصغير ضارب، وضوعف، وبويع في ضاعف وبايع، إذا بنيتهما للمفعول، والتعليل في البابين واضح وهو تعذر النطق بغير ذلك. ¬

_ (¬1) راجع الكتاب (2/ 126) بولاق، والممتع (2/ 553) والرضي (3/ 161)، والمنصف (2/ 134). (¬2) كذا في النسخة (ب) والتذييل (6/ 156 أ)، وسقط البيت من (جـ)، وليس في المساعد (4/ 126). (¬3) من الطويل نسبه في اللسان للبعيث والسواسية: يقال: هم سواسية إذا استووا في اللؤم والخسة والشر، والظرابي: جمع ظربان وهي دابة تشبه القرد، والمجرودة: من قولهم: جردت الأرض فهي مجرودة إذا أكلها الجراد. محل: أرض محل: لا مرعى بها ولا كلأ. والشاهد فيه: قوله: سواسية على الأصل وهو الإعلال بقلب الواو ياء لوجود المقتضي وانظره في اللسان «ظرب»، والتصريح (2/ 376)، والتذييل (6/ 156 أ)، والمساعد (4/ 129). (¬4) انظر: التذييل (6/ 156 أ)، والمساعد (4/ 129)، واللسان «قرا». (¬5) انظر: التذييل (6/ 156 أ)، والمساعد (4/ 129).

[إبدال الياء واوا]

[إبدال الياء واوا] قال ابن مالك: (وكذلك الياء السّاكنة المفردة في غير جمع والواقعة آخر فعل أو قبل زيادتي فعلان أو قبل علامة تأنيث بنيت الكلمة عليها). قال ناظر الجيش: هو معطوف على ما قبله، أي، وكما أبدلت الألف واوا لكذا، وكذلك تبدل الياء واوا لكذا ولكذا ولكذا. واعلم أنه لما أنهى الكلام على إبدال الواو ياء وعلى إبدال الألف ياء وكذا إبدالها واوا شرع في الكلام على إبدال الياء واوا (¬1) وهو القسم المقابل لإبدال الواو ياء، فذكر أن الياء تبدل واوا في مواضع، ولكن إبدالها في المواضع كلها مشروط بأن تكون واقعة إثر ضمة، وهذا مفهوم من إحالته الحكم في الياء على الحكم في الألف، فإن حكم إبدال الألف واوا مقيد بكونها واقعة إثر ضمة، فوجب أن يكون ذلك قيدا في المسائل المحالة عليها. الموضع الأول: ما وقعت فيه الياء ساكنة في غير جمع يعني في مفرد، كموقن وموسر أصلهما ميقن وميسر (¬2)؛ لأنهما من أيقن وأيسر، وكذلك: يوسر أصله ييسر، مضارع: يسر ثم بني لما لم يسم فاعله، فلو تحركت الياء قويت على الصحة ولم تعلّ وذلك نحو: عينة وهيام، ولذلك قيدت بالسكون، ولو وقعت ساكنة إثر ضمة في جمع فإن الياء لا تبدل واوا بل تحول الضمة كسرة فتسلم الياء وذلك نحو: هيم وبيض جمعي هيماء وبيضاء؛ لأنهما نظير حمر جمع حمراء (¬3)، وقيد المصنف الياء بكونها مفردة وأراد بذلك أنها لا تكون مدغمة واحترز بذلك من بيّاع وهو فعّال من البيع. قال الشيخ: للكثير البيع فإنه يقال فيه بياع، ولا تبدل فيه الياء واوا لضمة ما قبلها وإن كانت ساكنة؛ لأنها تحصنت بالإدغام (¬4) وهذا المزيد الذي قيد به الياء قد عرفت فيما تقدم أنه قيد به الواو أيضا. وقد نظم الكلام على الواو - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 359)، والمقتضب (1/ 230) والمنصف (1/ 220) وابن يعيش (10/ 29، 30)، والنزهة (238، 239). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 358)، والمقتضب (1/ 230) والمنصف (1/ 220)، وابن يعيش (10/ 30) والنزهة (ص 238 - 239)، والممتع (2/ 436)، والتذييل (6/ 156 أ)، والمساعد (4/ 130). (¬3) انظر: الكتاب (2/ 363، 371، 380، 381)، وابن يعيش (10/ 67، 81)، والتذييل (6/ 156 ب)، والمساعد (4/ 131)، والممتع (2/ 458). (¬4) التذييل (6/ 156 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والياء بالنسبة إلى تقييدهما بهذا القيد، وتكلم عليهما معا في إيجاز التعريف، فقال بعد تقرير إبدال الواو ياء كميقات، وإبدال الياء واوا كموقن: فلو لم تكن الواو ولا الياء مفردة، بل مدغمة في مثلها وجب التصحيح نحو: إوّاب مصدر أوّب إذا استوعب النهار بسير أو غيره من الأعمال، ونحوه: بيّاع جمع بائع، فبعد كسرة الهمزة من أوّاب واو ساكنة، وبعد ضمة الياء من بياع ياء ساكنة لكن حصّنها بالإدغام؛ فلم تتأثر للكسرة والضمة، وذلك أن المدغم والمدغم فيه يتلفظ بهما دفعة واحدة فيصير كل واحد منهما وقاية لصاحبه ما كان يناله مفردا من الإعلال، أما كون الثاني وقاية للأول فيظهر في نحو: إوّاب، فإن واوه الأولى ساكنة بعد كسرة، وبإدغامها في الثانية والتلفظ بهما دفعة واحدة أشبهت واو سواك ونحوه فاستحقت التصحيح، وأما كون الأولى وقاية للثاني فيظهر بنحو: صبيّ، وعفوّ، فإن الياء الثانية من صبي بإدغام الأولى فيها أشبهت ياء ظبي، فلم تستقل فيها الكسرة كما استقلت في ياء قاض ونحوه، ولو خلت من إدغام فيها باشرتها الكسرة فجرت في الإعلال مجرى نظيرتها، وكذلك الواو الثانية من عفوّ، لو خلت من إدغام فيها وجب لها ما وجب لواو: أدل (¬1) جمع دلو من إبدال الضمة قبلها كسرة وانقلابها ياء وتقدير الرفع والجر فيها لاستثقال ظهوره، لكن بإدغام الأولى فيها أشبهت واو عفو وشبهه فجرت مجراها (¬2). انتهى، وهو كلام يصلح أن يصدر من مثل هذا الرجل - رحمه الله تعالى - غير أن تمثيله بكلمة بيّاع مع جعله إياها جمع لا يناسب؛ لأنه إذا كان بيّاع جمعا جاز أن يقال فيه: إن امتناع إبدال الياء واوا إنما هو من أجل كونه جمعا، لا من أجل إدغام الياء في الياء، والأولى - بل المتعين - أن يحكم على بيّاع بالإفراد، وذلك بأن يجعل فعّالا من البيع كما تقدم، واعلم أن المصنف قيد الياء المذكورة في إيجاز التعريف بقيد آخر وهو [6/ 159] أن لا تكون متصلة بالآخر كما تقدم تمثيله من: موقن وموسر، فإن اتصلت بالآخر أو ما هو في حكم الآخر أبدلت الضمة كسرة فسلمت الياء نحو: عيسة، من قولهم: جمل أعيس أي: أبيض بيّن العيسة والعيس، وأصلها: عيسة؛ لأنها اسم للون الوصف منه على أفعل وفعلاء فيجب كونه على فعلة كالحمرة. - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 382) والمنصف (2/ 118)، ونزهة الطرف (ص 238)، والممتع (2/ 742). (¬2) التذييل (6/ 157 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الموضع الثاني: ما وقعت فيه الواو آخر فعل وذلك نحو: قضو الرجل ورمو، وهو مختص بفعل التعجب (¬1). قال في إيجاز التعريف: يجوز بناء الفعل المتعجب على فعل فإن كانت لامه ياء صارت واوا لتطرفها بعد ضمة نحو: قضو الرجل بمعنى ما أقضاه، ولم يجئ مثل ذلك في متصرف إلا ما ندر من نحو قولهم: نهو الرجل فهو نهيّ إذا كان كامل النهية أي: العقل (¬2). الموضع الثالث: ما وقعت فيه الياء لام اسم مزيد آخره ألف ونون، وذلك نحو أن تبني مثل: سبعان، من الرمى فتقول: رموان أصله رميان، فقلبت الياء واوا وسلمت الضمة. الموضع الرابع: ما وقعت فيه الياء لام اسم مختوم بتاء التأنيث كما إذا بنيت مثل: مقدرة من الرمي، فإنك تقول: مرموة، وإلى هذين الموضعين أشار المصنف بقوله: أو قبل زيادتي فعلان، أو قبل علامة تأنيث. وقيّد التاء بقوله: بنيت الكلمة عليها والمراد بذلك أن تكون الكلمة مبنية على التأنيث بالتاء. قال في إيجاز التعريف: وكذلك تقلب الياء بعد الضمة واوا في بناء مثل مقدرة، مما لامه ياء إن قدر بناء الكلمة على التأنيث، وذلك نحو: مرموة فتقلب الواو ياء بعد الضمة؛ لكونها لاما واللام ضعيفة على كل حال، ولم تبدل الضمة كسرة، فتسلم الياء؛ لأنها ليست طرفا، ولأن لحاق التاء غير عارض، فلو قدر بناء مرموة على التذكير ثم عرض لحاق التاء وجب إبدال الضمة كسرة وتصحيح الياء، كما يجب ذلك مع التجرد من التاء؛ لأن لحاقها عارض، فلا يعتد به، فإن بني مثل: سبعان مما لامه ياء فعل بالياء بعد الضمة مع الألف والنون ما فعل بها مع التاء المقدر لزومها، فيقال: رموان، وهو مثل: سبعان (¬3) من الرمي. انتهى. فهذه أربعة مواضع تبدل فيها الياء واوا وقد عرفت أن من جملتها ما وقعت فيه الياء ساكنة في غير جمع نحو: موقن وموسر كما تقدم، ولا شك أنه يدخل تحت هذا الضابط ما هو على وزن فعلى مما عينه ياء سواء أكان اسما نحو: طوبى فإنه من - ¬

_ (¬1) قال ابن مالك في شرح الكافية (4/ 1094): «العرب قد تستغني في التعجب عن أفعل بفعل، كقولهم: قضو الرجل فلان بمعنى ما أقضاه، وعلم الرجل، هو بمعنى: ما أعلمه، فعلم بذلك أم ضرب حين قصد به التعجب حول إلى ضرب ليصير على بنية أفعال الغرائز؛ إذ لا يتعجب من معنى إلا وهو غريزة أو كالغريزة». (¬2) اللسان «نهي». (¬3) انظر: الهمع (2/ 222).

[حكم إبدال الضمة كسرة في فعلى وغيرها]

[حكم إبدال الضمّة كسرة في فعلى وغيرها] قال ابن مالك: (وتبدل الضمة في الجمع كسرة فيتعين التّصحيح، ويفعل ذلك بالفعلى صفة كثيرا وبمفرد غيرها قليلا وربّما قررت الضّمّة في جمع فيتعيّن الإبدال). ـــــــــــــــــــــــــــــ الطيب، أم صفة نحو: الكوسى أنثى الأكيس (¬1)، والضوقى أنثى الأضيق، لكن سيذكر أن إبدال الضمة كسرة وتصحيح الياء في الصفة أولى، وأكثر من بقاء وإبدال الياء واوا، وقد بقي موضع خامس تبدل فيه الواو ياء: وهو ما وقعت فيه الياء لاما لفعلى (¬2) الاسم فإنها تقلب واوا فرقا بينها وبين الصفة كتقوى أصله تقيا؛ لأنه من تقيت، فقلبوا الياء واوا ليفرقوا بينه وبين نحو: صديا وخزيا من الصفات وخصّوا الاسم بقلب الياء واوا؛ لأنه أخف من الصفة فكان أحمل للثقل، ومثل تقوى السّروى بمعنى: المثل، والفتوى والبقوى والثّنوى بمعنى الفتيا، والبقيا والثّنيا، وقد ذكر المصنف هذا القسم في الفصل الذي ذكر فيه إبدال الواو ياء في فعلى صفة، لكنه جعل إبدال الواو من الياء فيه شاذّا وهو خلاف المعروف في المسألة وستقف على ذلك عند ذكر المصنف له إن شاء الله تعالى (¬3). قال ناظر الجيش: قد علم من كلام المصنف ومما تقدم أن الياء الساكنة الواقعة بعد ضمة إنما تبدل واوا في غير جمع، وأنها في الجمع لا تبدل، ولا شك أن الإتيان بياء ساكنة بعد ضمة فيه عسر وقد امتنعوا من قلب الياء واوا فوجب أن تبدل الضمة التي قبل الياء كسرة لتخف الكلمة، فيسهل النطق بها، فأشار إلى هذا الحكم بقوله: وتبدل الضمة في الجمع كسرة فيتعين التصحيح وذلك نحو قولنا: بيض وهيم في (¬4) جمع: أبيض وبيضاء، وأهيم وهيماء، وكذا عين في جمع عيناء، والأصل ضم الفاء في الجميع كما تضم في نحو: حمر وخضر جمعي أحمر وحمراء وأخضر - ¬

_ (¬1) انظر: الجاربردي (1/ 290، 291)، والكتاب (2/ 372) (بولاق). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 372، 385)، والمقتضب (1/ 306)، والتكملة (ص 269) والمنصف (2/ 157)، والخصائص (1/ 133، 107)، والنزهة (ص 240)، وابن يعيش (10/ 111). (¬3) وذلك عند الحديث في فصل تبدل الياء من الواو لاما لفعلى صفة محضة. (¬4) انظر: الكتاب (2/ 364، 381، 382) بولاق، وابن يعيش (10/ 67، 81).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وخضراء والعلّة في أن غيرت الحركة في الجمع ولم يغير الحرف أن الجمع أثقل من المفرد؛ فكان أحق بمزيد التخفيف، ومقتضى كلام المصنف في إيجاز التعريف: أن العلة في ذلك اتصال الياء الساكنة بالآخر ولكونه جعل العلّة ذلك؛ عدّى الحكم أعني إبدال الضمة كسرة وتصحيح الياء في المفرد الذي الياء فيه متصلة بالآخر أو في حكم المتصلة به، وأنا أورد كلامه برمته. قال: إذا انضم ما قبل الياء الساكنة المفردة واتصلت بالآخر أو ما هو في حكم الآخر أبدلت الضمة كسرة، فسلمت الياء جمعا كان ما هي فيه كبيض أو مفردا كعيسة من قولهم: جمل أعيس أي: أبيض بين العيسة والعيس (¬1)، فالأصل منهما: بيض وعيسة، ثم فعل بهما ما ذكر، والدليل على ضم هذه الياء العين في الأصل أن بيضا جمع لصفة على أفعل مذكر فعلاء فيجب كونه على فعل كأحمر وحمر وأخضر وخضر، وأن العيسة اسم للون الذي منه على أفعل فعلاء فيجب كونه على فعلة كالحمرة والخضرة، فلو انفصلت الياء أقرت الضمة التي قبلها، وقلبت الياء واوا كموسر، اسم فاعل من أيسر إذا استغنى وعوطط بمعنى عيط، وهي النوق التي لم تحمل، يقال: عاطت الناقة تعيط إذا ضربها الفحل ولم تحمل، والعوطط أيضا مصدر عاطت الناقة (¬2)، وإنما لم تقرّ الضمة قبل الياء المتصلة بالآخر فتنقلب واوا، وأقرت قبل الياء المنفصلة من الطرف؛ لأن أحد الأمرين لازم، إمّا إبدال الضمة كسرة، وإمّا إبدال الياء واوا. وأخفهما إبدال الضمة فاستعمل في أحق المحلين بالتخفيف وهو ما اتصل بالآخر، واستعمل الآخر في ما انفصل عنه؛ لأن الواو مستثقلة واستثقالها متزايد بتأخرها وإن كان الموضع لها بالأصالة فكيف إذا كان لغيرها، وقد يعترض على هذا بأن يقال: إن التغيير بتبدل الحرف أشد من التغيير بتبدل الحركة، فكان القريب من الآخر أحق به من البعيد، والأولى أن يقال: لمّا كان تبدّل الحركة يلزم منه زوال الوزن الأصلي كان أمكن في الإعلال، وأبعد من التصحيح فخصّ به ما قرب من الآخر الذي هو بالإعلال أولى بخلاف تبدّل الياء واوا مع بقاء الضمة فإن كلّا تغيير لبقاء الوزن الأصلي، وأيضا فإن تبديل الضمة بكسرة عمل محض؛ لأنه اختياري وتبدل الياء بعد الضمة واوا عمل اضطراري فأشبه التصحيح، فخص بما بعد من الطرف (¬3). - ¬

_ (¬1) انظر ابن جماعة (1/ 292). (¬2) اللسان «عوط». (¬3) انظر التذييل (6/ 158).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ انتهى كلامه. وعرف منه أن [6/ 160] كلامه في التسهيل فيه إخلال لعدم وفائه بما ذكره في إيجاز التعريف؛ لأنه قال أولا في إبدال الياء واوا: وكذلك الياء الساكنة المفردة في غير جمع (¬1). ومقتضى هذا أن الياء الساكنة المضموم ما قبلها متى كانت في غير جمع تقلب واوا، وقد تبين أن ذلك إنما يكون في الياء التي ليست متصلة بالآخر أما إذا كانت متصلة بالآخر فإن حكمها حكم الياء الواقعة كذلك في جمع سواء، وهو إبقاء الياء وإبدال الضمة كسرة وإن كانت في مفرد. وقال ثانيا: وتبدل الضمة في الجمع كسرة فيتعين التصحيح، فإن مفهومه أن الضمة لا تبدل كسرة في غير الجمع، وقد تبين أن قسما من المفرد وهو ما الياء فيه متصلة بالآخر تشارك الجمع في حكمه المذكور. واعلم أن إلحاق المفرد الموصوف بما تقدم بالجمع في هذا الحكم الذي هو إبدال الضمة كسرة هو مذهب الخليل وسيبويه. وأما أبو الحسن فإنه لم يلحق المفرد المذكور بالجمع في ما ذكر، بل خص إبدال الضمة كسرة لتسلم الياء بالجمع؛ لأن فيه ثقلا ليس في المفرد، فأوثر بأخف الإعلالين (¬2). قال في إيجاز التعريف بعد ذكر مذهب أبي الحسن: ولو كان الأمر كما ادعى لقيل في عيسة: عوسة؛ لأنه مفرد، وممكن الاعتذار لأبي الحسن عن عيسة؛ فإن فيه ثقلا للزوم تأنيثه، فأشبه الجمع، وقد حكى الأزهري (¬3) أن من العرب من يقول: معوشة في معيشة (¬4)، وهذا مما يقوّي قول أبي الحسن؛ لأن المعوشة مفعلة من العيش وهو مفرد، ولكن الاستدلال به لا يساوي الاستدلال بعيشة ولا يقاربه؛ لأن جميع العرب يقولون: عيشة، وجمهورهم يقولون: معيشة لا معوشة، فثبت أن إبدال الضمة كسرة في المفرد لتسلم الياء حكم مبني على ما استعمله جميع العرب، وإبدال الياء فيه واوا حكم مبني على قول شاذ، والشاذ لا - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 305). (¬2) انظر: تفصيل هذه المسألة في: الكتاب (2/ 364)، وابن يعيش (10/ 81، 82)، والممتع (2/ 469)، والمساعد (4/ 132)، والجاربردي (1/ 292)، والرضي (ص 136). (¬3) هو: أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري اللغوي، غلبت عليه اللغة فاشتهر بها، صنف التهذيب في اللغة وكتابا في التفسير. انظر: الأعلام (6/ 22)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (3/ 458). (¬4) قال الأزهري: «والمعوشة لغة الأزد». تهذيب اللغة (3/ 60).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعول عليه. انتهى. ومما استدل به لسيبويه أنه لا يوجد في كلامهم اسم على وزن فعل مفرد (¬1) مما عينه ياء، وإنما كان كذلك؛ لأن العين حكم لها بحكم اللام فقلبت الضمة لأجلها كما قلبت لأجل اللام. واستدل الأخفش بما تقدم من أن الجمع فيه ثقل ليس في المفرد، وأن بعض العرب يقول: معوشة وتقول العرب: مضوفة لما يحذر منه، وإنما هو من ضاف يضيف إذا أشفق وحذر. قال الشاعر: 4304 - وكنت إذا جاري دعا لمضوفة ... أشمّر حتّى ينصف السّاق مئزري (¬2) وأجيب عن ذلك بأن الخفّة في المفرد عارضها قرب الياء من الطرف، وأما مضوفة فشاذ ومعوشة قليل - أيضا -. قال الشيخ: والذي صحّحه النّاس مذهب الخليل وسيبويه (¬3). انتهى. وإذ قد عرف هذا فاعلم أن المصنف جعل مدار كلامه في إيجاز التعريف في هذه المسألة على أن الياء الساكنة المضموم ما قبلها إما متصلة بالآخر، أو بما هو في حكم الآخر، أو منفصلة عن ذلك، وخلص له من ذلك المسائل الثلاث أعني نحو: بيض وعيسة، وموقن وابن الحاجب له طريق آخر في إيراد هذه المسألة، ويظهر لي أنه أحسن، وهو أنه قال ما معناه: الياء الساكنة المضموم ما قبلها إما فاء، وإما عين. فإن كانت فاء قلبت الياء واوا كموقن وموقظ، إن كانت عينا فتقلب في باب: طوبى، أي في فعلى اسما ولا تقلب في الصفة ولكن يكسر ما قبلها فتسلم الياء نحو: مشية حيكى، وقسمة ضيزي، وكذلك - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (2/ 469). (¬2) من الطويل قائله أبو جندب بن مرة القردي من هذيل، ويروى البيت: جار بالتنكير ويروى - أيضا - يبلغ مكان: ينصف، نصف الشيء ينصفه من باب نصر إذا بلغ نصفه والساق مفعول مقدم ومئزري فاعل مؤخر، والشاهد فيه: قوله: المضوفة حيث قلبت الياء واوا وهي عين في غير فعلى اسما وغير فعل جمعا شذوذا في رأي سيبويه وقياسا عند الأخفش؛ إذ أصلها مضيفة فقلبت الضمة إلى الضاد، وهنا يرى سيبويه قلب الضمة كسرة لتسلم الياء فتصير مضيفة، ويرى الأخفش قلب الياء واوا لتسلم الضمة. انظر: معاني القرآن للفراء (2/ 152) والمحتسب (1/ 214)، وإصلاح المنطق (ص 241)، والصحاح (6/ 2190)، وابن يعيش (10/ 81)، والممتع (2/ 470)، شرح شواهد الشافية (ص 383)، والجاربردي (1/ 291) والمنصف (1/ 301)، والتذييل (6/ 157 أ)، والأشموني (4/ 308). (¬3) التذييل (6/ 157 أ)، وانظر: الممتع (2/ 469)، والأشموني (4/ 308).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ باب بيض يعني بذلك ما هو جمع، ثم قال: واختلف في غير ذلك؛ فقال سيبويه: القياس الثاني، يعني بذلك إبدال الضمة كسرة وتصحيح الياء فنحو: مضوفة شاذ عنده، ونحو: معيشة يجوز أن يكون مفعلة مفعلة. وقال الأخفش: القياس الأول، يعني قلب الياء واوا، فمضوفة قياس عنده ومعيشة مفعلة، وإلا لزام معوشة، وعليهما لو بني من البيع مثل: ترتب لقيل: تبيع. يعني على مذهب سيبويه. وتبوع يعني على مذهب الأخفش (¬1). انتهى. وليس في كلامهم سوى أنه جذم في الصفة بالإبدال أعني إبدال الضمة كسرة لتسلم الياء، ولا شك أن الإبدال أكثر، ولكن قلب الياء واوا جائز مع كونه مرجوحا. وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: ويفعل ذلك بالفعلى صفة كثيرا والإشارة بذلك إلى ما تقدم من إبدال الضمة كسرة، وذلك نحو: امرأة حيكى وقِسْمَةٌ ضِيزى (¬2) والأصل فيهما: فعلى بالضم؛ لأنه لا يحفظ في الصفات فعلي بكسر الفاء بل بضمها نحو: حبلى. قال في إيجاز التعريف: وأما الصفة التي على وزن فعلى كالكيسى والخيرى، مؤنّثي الأكيس والأخير (¬3)، فالأجود فيهما إبدال الضمة وتسلم الياء تشبيها لألف التأنيث بهائه في تقدير تمام الكلمة بدونهما وإيثارا بأخف الإعلالين أثقل المثالين وهو الصفة، فلو كان اسما كطوبى تعين أثقل الإعلالين، وهو إبدال الياء واوا؛ لأن الاسم أخف من الصفة، فكان أحمل لمزيد الثقل، كما حرّكوا عين فعلة اسما حين جمعوه ولم يحركوه من الصفة نحو: جفنات وضخمات، وقد روي عن العرب الكوسى والخورى (¬4) فعوملا معاملة عوطط تشبيها للألف للزومها وعدم تقدير انفصالها بالحرف الثاني من عوطط، وكذلك روي: الضّوقى، في أنثى الأضيق. انتهى. واعلم أن الشيخ ناقش المصنف فقال: ظاهر كلامه أن الصفة كثير في الفعلى التي عينها ياء. قال: ولم يذكر منه إلا امرأة حيكى وقسمة ضيزى لكنه - والله أعلم - - ¬

_ (¬1) انظر: الرضي (3/ 134)، والكتاب (2/ 366)، وابن يعيش (10/ 81)، والتكملة (ص 256)، والأشموني (4/ 321). (¬2) من قوله تعالى: تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى [النجم: 22]. (¬3) انظر: التذييل (6/ 157 ب)، والمساعد (4/ 133). (¬4) التذييل: (6/ 157 ب)، والمساعد (4/ 133)، وانظر: اللسان «كيس».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جعل الفعلى التي هي للتفضيل من باب الصفة ولكن أفعل ومؤنثه كالكوسى والخورى والطوبى مؤنثات الأكيس والأخير والأطيب عند سيبويه حكمها حكم الأسماء (¬1)، ولذلك جمعت جمع الأسماء. قال: ولذلك ذكرهما أصحابنا التصريفيون في باب الأسماء لا في باب الصفات. قال: وظاهر كلام المصنف جواز الوجهين في الفعلى للتفضيل وقد مثل بالوجهين في بعض كتبه - يعني في إيجاز التعريف - ونص على أن الوجهين مسموعان من العرب، وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز فيهما إلا إقرار الضمة وإبدال (الياء واوا) (¬2). انتهى. وفي كون أفعل من، ومؤنثه عند سيبويه حكمها حكم الأسماء نظر، ولا يلزم من الحكم لها بحكم الأسماء مطلقا، ويحتاج إلى التثبت في ذلك والوقوف على ما قاله شراح الكتاب في هذا الموضع وأشار المصنف بقوله: وبمفرد غيرها قليلا، إلى أن إبدال الضمة كسرة وتصحيح الياء في مفرده غير صفة مما الياء فيه عين ساكنة بعد ضمة قليل، وذلك نحو: الطّيبى في الطّوبى الذي هو مصدر طاب، تقول: طاب طوبي، ومنه قوله تعالى: طُوبى لَهُمْ [6/ 161] وَحُسْنُ مَآبٍ (¬3) وقرأ بعض القراء: (طيبى لهم) (¬4). واعلم أن لقائل أن يعترض على المصنف فيما قرره من أن الخفة في المفرد عارضها قرب الياء من الطرف، ولذلك سلمت الياء في عيشة نحو: طوبى، فإن الياء قلبت فيه واوا مع أنها في حكم ما هو متصل بالآخر وألف التأنيث فيها نظير التاء في عيشة وعلى هذا لا يتم ما قاله المصنف من أن الياء الساكنة المفردة إذا انضم ما قبلها واتصلت بالآخر أو ما هو في حكم الآخر أبدلت الضمة كسرة، فسلمت الياء جمعا كان أو مفردا. ولا شك أن ذلك اعتراض ظاهر. وقد يجاب عنه بأن يقال: نعم كانت الياء في طوبى تستحق أن لا تبدل، وإنما حصل الإبدال فيها وفيما شابهها للفرق بين الاسم والصفة (¬5)؛ لأن المقصود تمييز أحدهما من الآخر. وأما قول - ¬

_ (¬1) انظر: الأشموني (4/ 310). (¬2) كذا في (ب) وفي (جـ) «الواو ياء». وانظر التذييل (6/ 157 ب)، والكتاب (2/ 372). (¬3) سورة الرعد: 29. (¬4) وقرأ مكوزة الأعرابي (طيبى لهم) فكسر الطاء لتسلم الياء كما قيل: (بيض ومعيشة). الكشاف (2/ 59) طبعة دار الفكر. (¬5) انظر: الجاربردي (1/ 292).

[مواضع أخرى لقلب الضمة كسرة والياء واوا]

[مواضع أخرى لقلب الضمة كسرة والياء واوا] قال ابن مالك: (وتبدل كسرة - أيضا - كلّ ضمّة تليها ياء أو واو وهي آخر اسم متمكّن لا يتقيّد بالإضافة أو مدغمة في ياء هي آخر اسم لفظا أو تقديرا، وكلّ ضمّة في واو قبل واو متحرّكة أو قبل ياء تليها زيادتا فعلان، أو علامة تأنيث). ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف: وربما قررت الضمة في جمع فتعين الإبدال. قال الشيخ في شرح هذا الموضع: نقل أبو عبيدة أن عائطا تجمع على عيط وهو القياس كبيض وعين وعلى عوط بإقرار الضمة وإبدال الياء واوا لأجلها (¬1). انتهى. وقد تقدم من كلام المصنف في إيجاز التعريف أنه قال: عاطت الناقة تعيط إذا ضربها الفحل ولم تحمل، فعلى هذا العائط هي الناقة التي وجدت بهذا الوصف، ومعنى قول المصنف: وربما قررت الضمة في جمع، أنها لم تبدل كسرة، فلمّا لم تبدل كسرة عسر الإتيان بالياء الساكنة بعدها فتعين إبدالها واوا. قال ناظر الجيش: هذا الفصل إنما هو مقصود لإبدال بعض أحرف العلّة من بعض؛ لأنه من جملة الفصول المعقودة للإبدال، وإنما أشار الآن إلى أن الضمة تبدل كسرة فيما يذكره؛ لأنه إنما تكلم على إبدال الياء الساكنة المفردة الواقعة بعد ضمة واوا، خرج عن ذلك ما كان جمعا احتاج أن يذكر حكم الجمع ليعلم ما هو، فذكر أن الضمة تبدل فيه كسرة، فلما ذكر ذلك استطرد منه فذكر ما تبدل فيه الضمة كسرة في غير الجمع - أيضا - فبين أن الكسرة تبدل من الضمة، وفيه مسائل: الأولى: أن الكسرة تبدل من كل ضمة تليها ياء أو واو بالقيود التي ذكرها، وذلك نحو قولك في جمع ظبي ودلو: أظب وأدل (¬2)، فالأصل أظبي وأدلو، فأما أظبي فاستثقلت فيه الضمة قبل الياء، فأبدلت كسرة وعوملت الكلمة حينئذ معاملة المنقوص. وأما أدلو فقد جوز الفارسي فيه وفي نحوه وهو ما وقع في آخره من الأسماء المعربة واو تلي ضمة نحو: أيدي جمع يد وقمحدوة وعرقوة وثمود إذا - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 58 أ). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 381) بولاق، والمنصف (2/ 118)، ونزهة الطرف (ص 238)، والممتع (2/ 742)، والهمع (2/ 222).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رخّمت على لغة من لا ينتظر المحذوف، أن تقلب الضمة فيه كسرة فتنقلب الواو ياء لانكسار ما قبلها كأكسية وأقرية، نزلوا الكسرة المنقلبة عن الضمة منزلة الكسرة التي هي من نفس الوضع، وأن الواو قلبت ياء فانقلبت الضمة التي قبلها كسرة؛ ليخف النطق بالكلمة، ووجّه أبو الفتح تسويغ أبي علي كلّا من الوجهين، فوجه الابتداء بالأول بأنك إنما تغير لينطق بما تصير الصيغة إليه وإنما نبتدئ بالحرف من أوله لا من آخره، ووجّه الابتداء بالثاني بأنك لمّا أردت التغيير ابتدأت به من أمثل المواضع له وهو الآخر (¬1) قلت: وظاهر ما يعطيه كلام المصنف أن الضمة قلبت كسرة، فانقلبت الواو ياء؛ لأنه قال: وتبدل كسرة كل ضمة، نعم إنما يقول المصنف بإبدال الواو ياء ابتداء حيث تكون الكسرة أصلية كالغازي والعادي والساطي ونحوها، وقد تقدّم له الكلام على هذا أول هذا الفصل والموجب لتغيير نحو: أظبي إلى أظب، ونحو: أدلو إلى أدل - أن حرف العلة يستثقل عليه الحركة الثقيلة؛ كالضمة والكسرة إذا كان قبله حرف متحرك، فإذا كان ياء قدّروا الحركة في الياء ثم إن كان قبلها كسرة أبقوها للمناسبة، وإن كان ضمة قلبوها كسرة ليخف النطق وصار اللفظ بالمرفوع والمجرور واحدا وإذا كان واوا، فلا شك أن الواو أثقل، ولذلك لم يوجد في الأسماء المعربة ما آخره واو قبلها ضمة بالموضع، لكن قد يؤدي التصرف في الكلمة بجمع أو ترخيم إلى وجود ذلك فيفعل فيه ما تقدم ذكره من إبدال الضمة كسرة، وقلب الواو ياء وإن وجد قبلها كسرة قلبت الواو ياء للخفة نحو: أكسية (¬2) وأقرية أصله: أكسوة وأقروة فقلبت الواو ياء للكسرة قبلها، ولم يبقوا الواو مع الكسرة فيقولوا: أكسوة أبقاها مع الياء لعدم المناسبة وأما الفعل فإنه يقع فيه الواو بعد الضمة كيدعو ويغزو لعدم المحذور الذي يحصل لو وقع ذلك في الاسم. قال المصنف في إيجاز التعريف: يجب إبدال الضمة كسرة إن وليها في آخر الاسم ياء أو واو كأظب جمع ظبي. وأجر جمع جرو وأصلهما: أظبي وأجرو كأفلس (¬3) وأضرس، فكسرت عيناهما وجريا مجرى قاض وغاز؛ لأنه ليس في - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 158 ب)، والخصائص (1/ 234، 235، 2/ 470 - 472)، وابن جماعة (1/ 304). (¬2) انظر: الفيصل في ألوان الجموع (ص 43). (¬3) انظر: الممتع (2/ 468)، والكتاب (2/ 176).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأسماء المتمكنة ما آخره حرف علة إنما يكون في الأفعال نحو: يدعو ويغزو، فإن قيل: لم خص الفعل وهو أثقل من الاسم بهذا الذي رفض من الاسم. فالجواب: أن ذلك سهل عليهم في الفعل لتعرضه بحذف آخره في الجزم. والمستثقل إذا كان بصدد الزوال هان أمره والاسم ليس كذلك، وأيضا فإن آخر الاسم معرّض لما تتعذر الواو معه، أو يكثر استثقالها كالجرّ، وياء المتكلم دون وقاية ويائي النسب، وآخر الفعل ليس كذلك ولذلك لم يبال بهو، وذو بمعنى الذي لأنهما لا يلحقهما ما ذكرته. انتهى. وقال ابن عصفور في تقسيم ذكره: وإن كانت الحركة ضمة، وكان حرف العلّة متطرفا قلبتها كسرة وقلبت حرف العلّة إن كان واوا ياء ثم يصير حكمه في الإعراب حكم الاسم الذي في آخره ياء قبلها كسرة، وذلك نحو: أظب جمع ظبي وأحق جمع حقو .. أصلهما أظبي وأحقو، فأمّا أظب فاستثقلت الضمة فيه قبل الياء كما تستثقل الواو قبل الياء في مثل طيّ أصله طوي فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء. وأما أحق فاستثقلوا فيه الواو المتطرفة المضموم ما قبلها، وإن لم تستثقل في الفعل؛ لأن الاسم تلحقه ياء النسب، ويضاف إلى ياء المتكلم فلو أقرت فيه الواو، لكان ذلك داعيا إلى اجتماع ضمة وواو قبلها مع ياء النسب أو ياء المتكلم، والكسرة التي قبلها وذلك ثقيل، فقلبت الواو ياء والضمة [6/ 162] كسرة، وإن كان حرف العلّة غير متطرف فإن الواو تثبت وذلك نحو: أفعوان، وذلك أن الموجب لقلبها قد زال وهو كونها معرضة للحاق ياء النسب أو ياء المتكلم، وأما الياء فإنها تقلب واوا لأجل الضمة التي قبلها كما فعل ذلك في الفعل نحو: لقضو الرجل فتقول في جمع كلية على قياس من قال ركبات: كلوات، إلا أن العرب التزمت التسكين أو الفتح في لام كلية؛ لئلا يخرجوا من الأخف، وهو الياء إلى الأثقل وهو الواو، وإنما قلبت هنا ولم تقلب في عيبة؛ لأنها في عيبة عين، والعين أقوى من اللام (¬1). انتهى. واقتضى كلامه أن الياء تقلب واوا لأجل الضمة قبلها لكن استدلاله يدفع ما ذكره. فإنه يقال: إن قياس ذلك أن يقال في جمع كلية على قياس من اتبع: كلوات، ثم قال: إلا أن العرب التزمت التسكين أو الفتح في اللام يعني في عين الكلمة، وإذا كانوا قد التزموا ذلك فمن أين يثبت أنهم يقلبون - ¬

_ (¬1) الممتع (2/ 558 - 559).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء لأجل الضمة واوا؟ ثم إنه قد مرّ لك أن الياء المتطرفة لا تبدل واوا لضمة قبلها في غير فعل إلا إن ختمت الكلمة بتاء تأنيث بنيت الكلمة عليها كمرموة وهو مثال: مقدرة من الرمي، أو بزيادتي فعلان كرموان وهو مثال سبعان من الرمي وتقدم أنه لو قدّر بناء مرموة على التذكير ثم عرض لحاق التاء، وجب إبدال الضمة كسرة وتصحيح الياء كما يجب مع التجرد من التاء، وهذا ينافي ما ذكره ابن عصفور من أن الياء المتطرفة تقلب واوا لأجل الضمة قبلها كما كان ذلك في الفعل وإذ قد تقرر هذا فاعلم أن الشيخ اعتمد في شرح هذا الموضع - أعني قول المصنف: وتبدل كسرة أيضا كل ضمة تليها ياء أو واو على كلام ابن عصفور المذكور أيضا فذكره بعينه، ولم أفهم منه ما يحقق لي مراد المصنف، بل ظاهره عدم المطابقة كما قدمت من بيان مخالفة كلام ابن عصفور في هذا الموضع لما تقدم من كلام المصنف في إبدال الياء واوا (¬1)، وبعد فكلام المصنف هاهنا يحتاج في تقريره إلى تكلف، وذلك أن في قوله: هي آخر اسم متمكن لا يتقيّد بالإضافة - قيودا أربعة، وقد ذكرت بعد قوله: ياء أو واو فوجب أن يكون القيود الأربعة لكلّ من الياء والواو؛ فأما قوله: آخرا، فإنه يدخل تحته الياء من نحو: أظب والواو من نحو: أدل، واحترز بذلك من ياء لا تكون آخرا نحو: عيبة وهيام، وواو لا تكون آخرا أيضا نحو: أفعوان، وأما القيود الثلاثة الباقية فالظاهر أنها مختصة بالواو؛ إذ لا يتصور أن يكون شيء منها قيدا في الياء؛ لأن قيد الاسم احترز به عن كون الحرف آخر فعل نحو: يدعو ويغزو، فإنّه لا يغير عن حاله وليس لنا فعل في آخره ياء قبلها ضمة فتبقى الياء ولا تغير الضمة قبلها، وقيد التمكن، احترز به من نحو: هو في لغة من سكّن الواو (¬2)، وذو الموصولة في لغة من بنى وهي اللغة الشهيرة (¬3). قال الشيخ: ومن نحو: منهو وعنهو، يعني في: منه وعنه (¬4)، وعنهمو ومنهمو يعني في: منهم، وعنهم، وليس لنا فعل يوصف بأنه غير متمكن في آخره ياء قبلها ضمة، - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 158 أ). (¬2) للتخفيف. انظر: ابن يعيش (3/ 97)، والتذييل (6/ 158 أ). (¬3) انظر: الأشموني (1/ 158)، والتذييل (6/ 158 أ). (¬4) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقيد عدم التقيد بالإضافة احترز به من ذو بمعنى صاحب فإنه متمكن، ولكن تتقيد بالإضافة وليس لنا فعل يوصف بأنه يتقيد بالإضافة في آخر ياء قبلها ضمة. والظاهر أن القيود المذكورة ترجع إلى الواو خاصة، لا القيد الأول وهو الآخر، ولا يخفى أن المراد إذا كان كذلك ما في عبارة الكتاب من القلق. ولو قال المصنف: وتبدل كسرة - أيضا - كل ضمة يليها ياء طرفا أو واو هي آخر اسم متمكن لا يتقيد بالإضافة لكان أخلص تغييرا، وأوفى بتأدية المقصود، ثم إن في تمثيل الشيخ بنحو: منهو وعنهو، نظرا، فإن هذه الواو إنما هي ناشئة عن إشباع حركة الهاء والكلام إنما هو في واو تكون أحد حروف هجاء تلك الكلمة التي تكون هي فيها، وكذا في التمثيل المتمكن الذي لا يتقيّد بالإضافة بذو نظر - أيضا - فإن ضمّة الذال إنما هي ضمة عارضة جيء بها اتباعا لما بعدها، وأصل الذال الفتح، وإذا كان كذلك فالضمة - أيضا - جيء بها قصدا، وإذا كان كذلك فلا يحتاج إلى الاحتراز عن ذو؛ لأن الذال لم تكن مضمومة، وإنما ضمّت ضمّا عارضا لسبب، وما كانوا ليأتوا بالضم لقصد، ثم إنهم يعدلون عنه إلى غيره؛ لما في ذلك من التدافع وإذا كان كذلك فلا حاجة إلى الاحتراز عن شيء بهذه الصفة؛ لأنه لا يتصور فيه فعل ما وجب لغيره فيحترز عنه، واعلم أنه قد عرف مما تقدم أنك لو سميت أحدا بنحو: يغزو نقلا من الفعل الخالي من الضمير - أنك تقول فيه: يغز رفعا وجرّا، ويغزي نصبا، فتقلب ضمته كسرة وواوه ياء، كما تقول: أجر رفعا وجرّا في جمع جرو، وأجريا نصبا، هذا مذهب البصريين وهو على هذه القاعدة التي قرروها، وأما الكوفيون فإنهم يبقونه على ما كان عليه قبل التسمية ويفتحونه في حال النصب والجر، واحتجوا لذلك بأن العرب لما أسمت بيزيد أبقته على إعلاله، ولم يحكم له بحكم الاسم؛ إذ لو حكمت له بحكمه لصحت عينه؛ لأن الاسم إذا كان على وزن الفعل وزيادته زيادة الفعل صحت عينه نحو: أسود وأبيض (¬1) فكما أبقيت العين من يزيد على ما كانت عليه في حال كونه فعلا، لذلك تبقى اللام من يغزو على ما كانت عليه في حال كونه فعلا، وقد عرفت العلّة الموجبة لإبدال الضمة - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 60)، والمقتضب (1/ 186)، والتذييل (6/ 159 أ) وابن جماعة (1/ 304)، والمنصف (2/ 118 - 119).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كسرة والواو ياء في: أدل ونحوه وهو كون الاسم معرضا لمباشرة ياء النسب وياء المتكلم نحوهما مما يتعذر الواو معه أو تستثقل الكلمة بسببه، ولأجلها يعل غزو إذا سمي به، ولا شك أن هذه العلّة منتفية من نحو: يزيد فيظهر الفرق. وذكر الشيخ أن الاسم الأعجمي الذي آخره واو قبلها ضمة نحو: سمندو إذا نقلته العرب إلى كلامها أبقته على ما كان عليه ولا تغيره، ولا يخفى أن نحو: سوء المرفوع إذا خففت، وقيل فيه: سوء بالنقل والحذف لا تقلب فيه الضمة كسرة، ولا الواو ياء؛ لأن تطرف الواو عارض بسبب التخفيف والمتطرف في التقدير هو الهمزة ولا اعتداد بالعارض، وأن جمع المذكر السالم في الرفع ليست الواو فيه متطرفة؛ لأن النون بعدها أو ما عاقب النون وهو المضاف إليه، وأيضا فإن الواو لا تسلم إذ تخلفها الياء فلا يثبت لها الحكم الذي تقدم. المسألة الثانية: أن الكسرة تبدل أيضا من كل ضمة يليها واو مدغمة في ياء وإلى ذلك الإشارة بقوله: أو مدغمة في ياء، وهو معطوف على قوله: هي آخر اسم التقدير: ياء أو واو [6/ 163] هي آخر اسم صفته كذا، أو واو مدغمة في ياء، أي وتبدل كسرة كل ضمة يليها واو مدغمة في ياء وذلك نحو: مرمي ومقضي، في المفرد وعصى ودلي وجثي في الجمع، أما مرمي ومقضي فاسما مفعول من رمى وقضى، أصلهما مرموي ومقضوي، فسلك بهما قياس مثلهما في الإبدال والإدغام كما سيأتي ذلك بعد فصلين من هذا الفصل في كلام المصنف (¬1) - إن شاء الله تعالى - فبعد الإبدال والإدغام بقيت الضمة قبل واو مدغمة في ياء؛ الواو واو مفعول، والياء لام الكلمة؛ فأبدلت الكسرة منها ليخف النطق بالكلمة فقيل: مرمي (¬2) ومقضي، وأما: عصي ودلي وجثي، فإنها جمع: عصا ودلو وجاث جمعت على فعول، ولام كل منها واو فقلبت ياء لتطرفها، ثم قلبت الواو الزائدة ياء - أيضا - لتدغم في ما بعدها على القاعدة في مثله وبعد القلب والإدغام بقيت الضمة قبل واو مدغمة في ياء؛ فأبدلت الكسرة منها للعلّة التي تقدمت، ثم إن المصنف قيّد الياء المدغم فيها؛ بكونها آخر الاسم، فاحترز بالآخر من نحو ياء: ضيّم فإنها ياء مدغم فيها ولا يجب كسر الضمة؛ لأن الياء ليست آخرا، واحترز بالاسم من أن - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 309). (¬2) انظر: الممتع (2/ 456).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون الياء المدغم فيها آخر فعل نحو: حيّ إذا بنيته للمفعول فإنك تقول فيه: حيّ، ولا يجب فيه إبدال الضمة كسرة، لكنه يجوز كما سيأتي، واعلم أن تاء التأنيث إذا ختمت بها الكلمة بعد الياء المدغم فيها المضموم ما قبلها لا يخرج الياء المذكورة عن أن تكون آخرا وذلك نحو: مرميّة ومقضيّة، فيجب لها من إبدال الضمة كسرة ما وجب لنحو مرميّ ومقضيّ، ولذلك قال المصنف: لفظا أو تقديرا بعد قوله: هي آخر اسم. المسألة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة: أن الكسرة تبدل - أيضا - من كل ضمّة في واو قبل واو متحركة تليها زيادتا فعلان أو علامة تأنيث، وإلى ذلك الإشارة بقوله: وكل ضمة في واو ... إلى آخره، وهو معطوف على قوله: كل ضمة من قوله: وتبدل كسرة كل ضمة، فمثال الضمة في الواو قبل الواو المتحركة التي تليها زيادتا فعلان أن تبني من القوة اسما على وزن السّبعان - وهو موضع - فتقول: قويان، أصله: قووان، فأبدلت الكسرة من الضمة فوقعت الواو التي هي لام بعد كسرة فأبدلت ياء، وأنا أذكر ما ذكره ابن عصفور في هذا المثال من المذاهب، ثم أرجع إلى كلام المصنف. قال - رحمه الله تعالى -: ونقول في فعلان منها - أي القوة -: قووان وإن شئت أسكنت الواو الأولى تخفيفا وأدغمت، فقلت: قوّان هذا مذهب سيبويه (¬1). وقال أبو العباس: ينبغي لمن لم يدغم أن يقول: قويان، فيقلب الواو الثانية ياء والضمة التي قبلها كسرة؛ لئلا تجتمع واوان في إحداهما كسرة، والأخرى متحركة قال: وهذا قول أبي (عمر) (¬2) وجميع أهل العلم (¬3). وقال أبو الفتح: الوجه عندي إدغامه ليسلم من ظهور الواوين مضمومة إحداهما، ولأنه إذا قال: قويان التبس بفعلان فمن هنا قوي الإدغام (¬4)، ثم اعترض على نفسه بأن قال: فإن قيل: إذا أدغم، لم يعلم أفعلان هو أم فعلان بكسر العين، قيل: هذا مذهب محال؛ لأنك لو أردت فعلان لقلبت الواو الآخرة: ياء لانكسار ما قبلها، فيختلف الحرفان فتقول: قويان، فلا تدغم (¬5)، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه، أما ما ذهب إليه ابن جني من أن قلب الضمة - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 394). (¬2) في النسختين: «عمرو» والصحيح أنه أبو عمر الجرمي، انظر: الممتع (2/ 759). (¬3) راجع التذييل (6/ 160 ب)، والمساعد (4/ 137)، والمنصف (2/ 282). (¬4) راجع المنصف (2/ 282). (¬5) المنصف (2/ 282).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كسرة والواو ياء يؤدي إلى إلباس، فالإلباس غير محفول به، ألا ترى أن كلامهم يوجد فيه البناء المحتمل لوزنين كثيرا مثل مختار، فإنه متردد بين مفتعل ومفتعل، وأيضا، فإنه إذا أدغم لم يدر هل البناء فعلان في الأصل أو فعلان بسكون العين، وأما ما ذهب إليه أبو العباس من أن اجتماع واوين الأولى منهما مضمومة والثانية متحركة لا يجوز لثقله، فباطل؛ لأنه قد وجد في كلامهم نظيره. ألا ترى أنك إذا نسبت إلى صوى بعد التسمية به قلت: صووي لا خلاف في ذلك، مع أنه قد اجتمع له واوان الثانية متحركة وقبل الأولى ضمة، والحركة بعد الحرف في التقدير، فكأنها في الواو، فكذلك قووان، فهذا الذي ذهب إليه سيبويه هو الصحيح؛ لأن مثل: قووان لم يجئ في كلامهم مصححا ولا معللا فإذا بنيته فالقياس أن تحمله على أشبه الأشياء به، وأشبه الأشياء صووي (¬1). انتهى. وقد ظهر أن المصنف ماش في ذلك على مذهب المبرد ومن وافقه، لكنه لم يتعرض هنا لإبدال الواو الثانية ياء، ولا بد منه إذا أبدلت الضمة التي على الواو الأولى كسرة؛ لأن المذهب المنسوب إلى سيبويه لا تغيير فيه لا للحرف ولا للحركة، والمذهب المنسوب إلى المبرد فيه تغييرهما، أما تغيير الحركة دون الحرف فلا قائل به، والمصنف قد حكم بتغيير الحركة - أعني الضمة -، فوجب أن يقال بتغيير الحرف - أيضا - وذلك بأن يقال: إنه لمّا حكم بتغيير الضمة إلى الكسرة وقعت بعد الكسرة واو وهي لام وجب قلبها ياء، لما تقدم له من أن الواو الواقعة قبل زيادتي فعلان إذا كانت إثر كسرة تقلب ياء، ومثّل لذلك بغزيان وهو فعلان من الغزو، وهذه هي المسألة الأولى من الأربع التي ذكرت، ومثال الضمة في الواو قبل الواو المتحركة التي قبلها علامة تأنيث قووة وهو مثال سمرة من القوة، فتقول: قوية تبدل من الضمة كسرة فتصير: قووة، وقد تقدّم في أول الفصل أن الواو الواقعة قبل علم تأنيث إذا كانت إثر كسرة تبدل ياء ومثل بعريقية تصغير عرقوة، فعلى هذا يقال فيها: قوية، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في إيجاز التعريف وصوّرها بأن تبني مثل: عرقوة من غزو فتقول: غزوية، والأصل: غزووة، ثم حصل الكسر والإبدال (¬2)، وقال ابن عصفور: وتقول في مثل ترقوة من الغزو: غزوية سواء أبنيت على التذكير أم على التأنيث، - ¬

_ (¬1) الممتع (2/ 758 - 759 - 760). (¬2) التذييل (6/ 161 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأصلها: غزووة، فاجتمع واوان في الطرف وضمة، فصار ذلك كثلاث واوات فقلبت المتطرفة ياء والضمة قبلها كسرة لتصح، فصار غزوية، وإنما استوى البناء على التذكير والتأنيث لوجود الاستقلال في الحالتين (¬1) وفي شرح الشيخ: (وأما قياس قووان على غزوة فقياس فاسد؛ لأنه ليس موجب القلب في غزويّة اجتماع واوين الأولى منهما مضمومة والثانية متحركة كما هما في: قووان بل موجبه أن الهاء يجوز فيها أن لا يبنى عليها الكلمة فالتزم سيبويه في غزوية (¬2) أحد الجائزين لزيادة [6/ 164] الثقل وهو قياس كلام العرب، ألا تراهم قالوا: مرضي، وإن كان شاذّا والتزموا مقوي لأجل اجتماع الواوات إذ الأصل: مقوو فلو أدغموا لكان ثقيلا) (¬3). وهذه هي المسألة الثانية فيها، ومثال الضمة في الواو قبل الياء المتحركة التي تليها زيادتا فعلان، أن نبني من شوى اسما على وزن فعلان، فتقول: شويان، ثم تبدل الكسرة من الضمة، فتقول: شويان والموجب للإبدال المذكور طلب الخفة وزاد الشيخ العمل فقال: الأصل شويان، فتقلب الياء واوا لضمة ما قبلها فتصير: شووان مثل: قووان، ويظهر أن يجيء فيه المذاهب الثلاثة، ولكن لا أثقلها في هذا بخصوصه، فإن قلبت الضمة لا توجب قلب الياء المتحركة، بدليل قولهم: عيبة، فصححوا الياء، قلت: الياء في عيبة عين الكلمة فلا تقلب لقوتها، وأما في مثل: شويان فتقلب، ألا تراهم قلبوا في: يقضو الرجل (¬4)؟ انتهى. ولا أعرف ما الموجب لدعوى قلب الياء واوا ثم بعد إبدال الكسرة من الضمة تقلبها ياء، أما قوله: إن الضمة هي التي أوجبت القلب كما أوجبته في يقضو الرجل؛ فالفرق أن الضمة في يقضو مستمرة لازمة لهذا البناء بخلاف الضمة في: شويان فإنها زائلة بإبدالها كسرة. ثم يقال له: إذا أبدلت وصارت الكلمة مثل: قووان، كان الواجب أن لا تعل الكلمة بعد ذلك على مذهب سيبويه؛ لما تقدم من أن سيبويه يصحح نحو هذا المثال، وأن غيره هو الذي يبدل الواو ياء والضمة كسرة. وهذه هي المسألة الثالثة منها أيضا، ومثال الضمة في الياء قبل الواو المتحركة التي تليها - ¬

_ (¬1) الممتع (2/ 745 - 746). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 394، 369). (¬3) بياض في النسختين، وكذا في التذييل (6/ 161). (¬4) انظر: التذييل (6/ 161 ب).

[منع إبدال الضمة كسرة]

[منع إبدال الضمة كسرة] قال ابن مالك: (فإن كانت في غير واو قبل واو قبل هاء التّأنيث لم تبدل إلّا إن قدّر طرآن التّأنيث). ـــــــــــــــــــــــــــــ علامة تأنيث أن تبني من شوى مثل: سمرة، فتقول: شوية، فتبدل الكسرة من الضمة فتقول: شوية، وهذه هي المسألة الرابعة التي بها يكمل ست مسائل، وقد ادعى الشيخ في شوية ما ادعاه في: شويان وهو أن الياء أبدلت واوا، فصار شووة فاجتمع في آخره واوان فثقل بذلك ووجب قلب الثانية ياء وكسر ما قبلها فصار شوية، هذا كلامه وقد عرفت ما فيه قبل (¬1). قال ناظر الجيش: الضمير المستتر في: كانت، يرجع إلى الضمة لتقدم ذكرها، أي: فإن كانت الضمة في حرف غير واو ويكون ذلك الحرف المضموم قبل واو تلك الواو قبل هاء التأنيث لم تبدل - يعني الضمة كسرة - إلا إن قدّر طرآن التأنيث فإنه إذا قدّر كان آخر الاسم واو قبلها ضمة فيجب القلب حينئذ، ومثال ذلك أن تبني مثل سمرة من الغزو فتقول: غزوة، فقد وقعت الضمة في غير واو قبل واو قبل هاء التأنيث وهي مقدرة الطرآن، فتقول: غزية، أبدلت الكسرة من الضمة فانقلبت الواو التي بعدها ياء على القاعدة المعروفة (¬2) المتقدمة الذكر. قال سيبويه: في فعلة من الرمي رموة إذا بنيت على التاء، ورمية إذا لم تبن (¬3)، وقال المصنف في إيجاز التعريف: لا تعتبر الضمة الكائنة في غير واو بعدها هاء التأنيث إن بنيت الكلمة عليها كعرقوة فلو قدر عروضها، أبدلت الضمة كسرة والواو ياء مثل أن يجاء للعرقي والقلنسي بواحد، مبني عليها بناء عباية على عباء (¬4)، فإن الواجب أن يقال فيه من العرقي: عرقية ومن القلنسي: قلنسية، والأصل عرقوة وقلنسوة، فلم يستعمل الأصل مع الهاء العارضة كما لم يستعمل قبل عروضها. انتهى والذي فهمته من هذا الكلام أن الحكم بكون هاء التأنيث غير عارضة يرجع إلى قصد - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 161 ب). (¬2) انظر: التذييل (6/ 162 أ)، والمساعد (4/ 139). (¬3) الكتاب (2/ 394)، والتذييل (6/ 162)، والمساعد (4/ 139). (¬4) انظر: الكتاب (2/ 394)، والتذييل (6/ 162 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتكلم، فإن قدر أن الكلمة مبنية عليها فلا تعتبر الضمة التي قبل الواو، بل تستمر الضمة والواو بعدها على حالهما، وإن قدّر عروض الهاء حكم بأن الواو وقعت آخر الاسم وقبلها ضمة، فوجب إبدال الضمة كسرة ويتعين حينئذ إبدال الواو ياء، ويدل على هذا قول سيبويه: تقول في فعلة من الرمي: رموة إذا بنيت على التاء. ورمية إذا لم تبن، فجعل الأمر في ذلك راجعا إلى تقدير المتكلم وقصده، وكان ظني - وهو الذي كنت أفهمه أولا - أن الحكم بعدم عزو الهاء وحروفها أمر يضطر إليه ولا تعلق له بالقصد، وذلك أن الكلمة المشتملة على هاء التأنيث إذا فرض أن لها نظيرا مستعملا بعد فرض حذف هاء التأنيث منها حكم على الهاء بالعروض وذلك كثير، والغالب ما يؤنث بالتاء مما لامه واو واقعة بعد كسرة، وإن لم يكن للكلمة بعد فرض حذف الهاء منها نظيره - أعني في الوزن - حكم بأن الكلمة مبنية على الهاء، وأنها عارضة، ويدل على ذلك ما تقدم في هذا الفصل من أن الياء الواقعة آخر الكلمة قبل علامة تأنيث بنيت الكلمة عليها، تقلب واوا بعد ضمة، ومثال ذلك بأن تبني من الرمي مثل: مقدرة، وتقدر أنك تقول فيه: مرموة (¬1) فكان المثال لما بني على الهاء التي للتأنيث بمفعلة، وإنما حكم للتاء في مفعلة بذلك؛ أن مفعلا لا يوجد في كلامهم، وإذ قد عرفت هذا الحكم، فاعلم أن المصنف قال في إيجاز التعريف بعد كلامه المذكور آنفا: فلو كانت الضمة في واو قبل الواو التي بعدها هاء التأنيث تضاعف الاستثقال فيتعين الإعلال مطلقا يعني، سواء أبنيت الكلمة على هاء التأنيث أم لم تبن، نحو أن تبني مثل: عرقوة من غزو، فإنك تقول فيه: غزوية، والأصل غزووة (¬2) ثم فعل به ما ذكر من الكسر والإبدال، وكذلك لو كانت الواوان أصليين كبناء مثل: مقدرة من قوة، فإنك تقول فيه: مقوية، والأصل مقووة، ثم فعل به ما ذكر هذا آخر كلام. واعلم أن الشيخ ذكر ما ظاهره يقتضي مناقشة المصنف في العبارة، فقال: قول المصنف: إلا إن قدّر طرآن التأنيث، يقتضي أن تبدل إلا إن كان قد وجد هذا الشرط، وهو تقدير طرآن التأنيث، وأما ما لا يقدر فيه طرآن التأنيث، وذلك نحو أن تبني من الرّمي مثل: مفعلة أو فعلوة، فإنك تقول فيه: مرموة، ورميوة، وهذا لا يمكن أن يقدر فيه طرآن التأنيث فيقال - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 394). (¬2) الكتاب (2/ 396).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيه: مرمية ورمية؛ لأنه ليس في الكلام مفعل (¬1) ولا فعلوة دون تاء، قال: فهاتان كلمتان [6/ 165] لا يجوز البناء فيهما على حذف التاء، ثم قال فإن قلت: أما مفعل فصحيح عند البصرية وأما فعلوة فقد جاء العرقي في جمع العرقوة قلت: لما كان لم يجئ إلا محذوفا منه التاء، ولا بد، ولم يجئ في غير جمع فعلوة صار كأنه ليس في الكلام، وصار كأنه محذوف من فعلوة، فكيف يجوز أن يجعل أصلا للتاء، ولم يقل: عظاءة حتى جعلنا عظاء (¬2) هو الأصل، والتاء داخلة عليه، فلو كان فعلوّ أو فعليّ أصل بناء لجاز غير محذوف منه التاء ولهذا لم يذكرهما سيبويه في أصول الأبنية، أعني فعلو وفعلى وكذا فعنلو (¬3)، وهم قد قالوا: قلنس في قلنسوة (¬4). انتهى. والمصنف لم يفوض تقدير طرآن التأنيث وعدم تقديره إلى نظر الناظر حتّى إن شاء قدّر وإن شاء لم يقدر، بل علق الأمر الذي هو إبدال الضمة كسرة لتنقلب الواو التي بعدها ياء على شيء، وهو أن يقدر طرآن التأنيث في تلك الكلمة، ولا شك أنه إذا كان لنا ما لا يجوز تقدير طرآن التأنيث فيه لا يقدر؛ فكلام المصنف محمول على ما يجوز فيه أن يختم بالتاء وأن لا يختم، فإذا ختم جاز لك أن لا تقدر طرآن التأنيث، وحينئذ تصير الكلمة كأنها مبنيّة على التاء فتستمر الضمة على حالها وتسلم الواو التي بعدها؛ لأنها لم تقع طرفا وأن تقدره وحينئذ فالكلمة ليست كالمبنية على التاء فتصير الواو في حكم المتطرفة، فتبدل الضمة كذلك كسرة وتقلب الواو ياء وتحقق، هذا قول سيبويه، تقول في فعلة من الرمي: رموة، إذا بنيت على التاء ورمية إذا لم تبن (¬5)، ويدل على أن مراد المصنف ما قلته ما تقدم ذكرنا له آنفا، وهو قوله في إيجاز التعريف: لا تغيّر الضمة الكائنة في غير واو قبل واو بعدها هاء التأنيث إن بنيت الكلمة كعرقوة، فلو قدّر عروضها أبدلت الضمة كسرة والواو ياء مثل أن يجاء للعرقي والقلنسي بواحد مبني عليهما بناء عباءة على عباء (¬6)، فإن الواجب أن يقال فيه من العرقي عرقية ومن القلنسي قلنسية، والأصل عرقوة - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 328). (¬2) الكتاب (2/ 383)، والمنصف (2/ 128 - 131). (¬3) المرجع السابق (2/ 329). (¬4) التذييل (6/ 162 أ). (¬5) الكتاب (2/ 394). (¬6) قال سيبويه (2/ 383) (بولاق): «وسألته - أي: الخليل - عن قولهم: صلاءة، وعباءة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقلنسوة، فلم يستعمل الأصل مع الهاء العارضة، كما تستعمل قبل عروضها، فانظر كيف حكم على عرقوة بأنها لا تغير لبناء الكلمة على التاء فلو كان يجيز في مثل ذلك تقدير الطرآن لأجاز التغيير فيه وجعل التاء عارضة في عرقوة وقلنسوة حيث جعلهما مبنيتين على العرقي والقلنسي، يعني أنا إذا أدخلنا التاء على هاتين الكلمتين ويدل على أنه قصد هذا قوله: بناء عباءة على عباء وقوله: فلم يستعمل الأصل مع الهاء العارضة كما لم يستعمل قبل عروضها، ولا شك أن تقرير هذه المسألة لا يخلو من قلق، ولم أصل فيها إلى ما يثبت عندي تحققها، ولم يشف الغليل في فهمها على ما ينبغي، ويشبه هذه المسألة في عدم التحقق مسألة أذكرها الآن، وهي أنهم قالوا: إن الواو المتطرفة بعد كسرة يجب قلبها واوا كرضي في رضو، وقوي في قوو وعلّة ذلك أنه كسر ما قبل الواو، وكانت متطرفة معرضة لسكون الوقف عوملت بما يقتضيه السكون من وجوب إبدالها؛ توصّلا للخفة، وتوصّلا لتناسب (¬1) اللفظ، قالوا: ويستمر هذا الحكم ولو فتحت الكلمة بتاء التأنيث كشجية في شجوّة فيفعل بالواو قبل التاء ما يفعل بها متطرفة؛ لأن التاء في حكم الانفصال، وحكموا للألف والنون أيضا بما حكموا به للتاء فجعلوا لها حكم الانفصال، قالوا: فيقال في ظربان من الغزو: غزيان (¬2)، وقد تقدّم تقرير حكم هذه المسألة في هذا الفصل، ثم إنهم قالوا: إذا كانت الياء لام فعل وهي متحركة بعد ضمة وجب إبدالها واوا نحو: يقضو الرجل، أي: ما أقضاه، وليس في من شيء ثم عدوا هذا الحكم إلى الاسم فقالوا: وكذا إذا كانت الياء المتحركة المضموم ما قبلها لام اسم مبني على التأنيث بالتاء كما إذا بنيت من الرمي بمثال مقدرة، فإنك تقول فيه: مرموة فلو كانت التاء عارضة أبدلت الضمة كسرة وسلمت الياء، كما يجب ذلك مع التجريد نحو: توانية، والأصل توانية؛ لأنه مصدر توانى، وقياس مصدر تفاعل التفاعل، فأبدلت الضمة كسرة من أجل الياء التي بعدها من حيث حكم لها بحكم المتطرفة، ولم يعتد بتاء التأنيث لعروضها، وحكموا للألف والنون - أيضا - بما حكموا به للتاء - ¬

_ - وعظاءة، فقال: إنما جاؤوا بالواحد على قولهم: صلاء وعظاء وعباء، كما قالوا: مسنيّة ومرضيّة حيث جاءتا على مرضي ومسنيّ). (¬1) انظر: الجاربردي وابن جماعة (1/ 302). (¬2) انظر: ابن جماعة (1/ 302).

[مواضع قلب الضمة كسرة جوازا]

[مواضع قلب الضمة كسرة جوازا] قال ابن مالك: (وفي ضمّة مصدّرة قبل ياء مشدّدة أو متلوّة بأخرى مغيّرة لياء مشدّدة أو منقولة إلى واو من همزة قبل واو وجهان). ـــــــــــــــــــــــــــــ التي بنيت الكلمة عليها؛ فجعلوا لها حكم الاتصال، قالوا: فإذا بني من رمى مثل سبعان يقال: رموان، أصله: رميان فقلبت الياء واوا؛ لأجل الضمة قبلها وعلّلوا ذلك بأن الألف والنون لا يكونان أضعف حالا من التاء اللازمة في التحصين من التطرف وتقدم حكم تقرير هذه المسألة أيضا في هذا الفصل، إذا عرف هذا فلقائل أن يقول: إن التاء قد اختلف حكمها، وكذا الألف والنون، وذلك أنها جعل لها حكم الانفصال في مثل شجيّة وغزيان فلم يمنع من الحكم على الواو بالتطرف ولذا قلبت ياء وجعل لها حكم الاتصال في مثل: مرموة ورموان، فقلبت الواو ياء كما قلبت في: يقضو الرجال، ولو جرينا على القاعدة في ما أوجب القلب في شجية وغزيان لوجب بقاء الياء في مرموة ورموان، وقلب الضمة كسرة لتسلم الياء، وهذا الموضع كلما أتيت عليه أستشكله، وأتطلب الفرق بين البابين والذي يظهر من كلامهم في الفرق بين البابين أن نحو: شجية التاء فيه عارضة لم تبن الكلمة عليها، فحكم عليها بالانفصال، وحيث حكم لها بالانفصال كانت الواو الواقعة قبلها في حكم المتطرفة، فقلبت ياء لكسر ما قبلها، وحكم للألف والنون في: غزيان من الانفصال بما حكم به للتاء؛ لاتفاق الكلمتين - أعني شجية وغزيانا - في إعلال واحد (¬1)، وأما نحو: رموة، فإن التاء فيه لازمة بنيت الكلمة عليها، فحكم لها بالاتصال، وحيث حكم لها بالاتصال لم تكن الياء الواقعة قبلها متطرفة ولا في حكم المتطرفة ووجد قبلها ضمة والياء إذا لم تكن طرفا وضم ما قبلها قلبت واوا وحكم للألف والنون في نحو: رموان بما حكموا به للتاء لاتفاق الكلمتين في إعلال واحد أيضا ولكن يعكر على هذا الفرق البحت الذي تقدم في تقرير عروض تاء التأنيث وعدم عروضها. قال ناظر الجيش: لما ذكر أن الضمة تبدل كسرة وجوبا في المواضع التي تقدمت أراد أن يذكر ما تبدل فيه الضمة كسرة جوازا، فذكر أن ذلك يكون في ثلاثة مواضع: - ¬

_ (¬1) انظر: ابن جماعة (1/ 302).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأول: ضمة مصدّرة قبل ياء [6/ 166] مشددة. الثاني: ضمة مصدّرة أيضا متلوّة ياء أخرى، أي بضمة أخرى، لكنها غيرت لياء مشددة. الثالث: ضمة منقولة إلى واو من همزة قبل واو منقولة، أو منقولة: معطوف على قوله: مصدّرة فمثال الضمة المصدّرة قبل ياء مشددة ضمة لام: ليّ جمع ألوى (¬1)، وضمة صاد: صيّم جمع صائم، فيجوز إبقاؤها، ويجوز إبدالها كسرة (¬2)، ومثال الضمة المصدّرة الممتلوّة لضمة أخرى قد غيرت تلك الضمة - أعني التالية لياء مشددة - ضمّة عين: عصيّ جمع عصا فإنّ الصاد كانت مضمومة وكسرت لأجل الياء المشددة التي بعدها (¬3)، وكذا ضمّة الدال في: دليّ (¬4)، وضمّة الجيم في جثيّ (¬5) فيجوز بقاء ضمة العين والدال والجيم، ويجوز إبدالها كسرة، ومثال الضمة المنقولة إلى واو من همزة قبل واو أن تبني من لفظ سواء اسما على وزن عرقوة، فإنك تقول فيه: سوؤوة ثم إذا نقلت حركة الهمزة إلى الواو وحذفتها صارت الكلمة سوّوة، فضمة الواو حركة منقولة من همزة قبل واو (¬6)، وإنما كان في ما ذكر الوجهان: أما إقرار الضمة؛ فلأنها الأصل في ليّ (¬7) وصيّم (¬8) وعصي (¬9)، ومنقولة بما هي فيه أصل في سّووة وأما الكسر فالمسوغ له في: لي حمله على بيض إجراء لذوات الواو مجرى ذوات الياء ولمناسبة التي تليها، والمسوغ له في صيّم مناسبة الياء أيضا والمسوغ له في عصي الاتساع وسهولة اللفظ؛ لأن الخروج من ضم إلى كسر أثقل من توالي كسرتين، وأما المسوغ له في سوّوة فسيذكره، واعلم أن المصنف لو أخر الكلام على هذه المسألة أعني إبدال الضمة - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (2/ 762). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 370) والمنصف (2/ 1)، والممتع (1/ 497). (¬3) انظر: الكتاب (2/ 678) والممتع (2/ 497). (¬4) المرجع السابق. (¬5) انظر: الكتاب (2/ 382). (¬6) انظر: التذييل (6/ 162 ب) والمساعد (4/ 140). (¬7) جمع ألوى، انظر: المقتضب (1/ 318). (¬8) جمع صائم، وانظر: الكتاب (2/ 371، 375) والمنصف (2/ 951)، والأشموني (4/ 338). (¬9) انظر: الممتع (2/ 497، 551، 748، 762).

[تسكين ذي الكسرة والضمة المؤثرتين إعلال اللام]

[تسكين ذي الكسرة والضمة المؤثّرتين إعلال اللام] قال ابن مالك: (وقد يسكّن ذو الكسرة والضّمّة المؤثّرتين إعلال اللّام فيبقى أثرهما وقد يؤثران إعلالها محجوزة بساكن، وربّما أثّرت الكسرة محجوزة بفتحة؛ وربّما جعلت الياء واوا لإزالة الخفاء والواو ياء لرفع لبس وتقليل ثقل). ـــــــــــــــــــــــــــــ كسرة جوازا فيما ذكره الآن، وكذا الكلام على إبدال الضمة كسرة وجوبا فيما تقدم له ذكره قبيل هذا وهي الضمة الواقعة على عين نحو: ولي وعصي ومرمي، فكان يذكر ذلك عند الكلام على إبدال الواو ياء، وإدغام إحدى اليائين في الأخرى لكان أولى فإن إبدال الضمة كسرة وجوبا أو جوازا في القسمين اللذين ذكرهما إنما جاء تبعا لإبدال الواو ياء والإدغام إذا كان الشيء تبعا لشيء وجب أن يذكر مع متبوعه؛ لأن إفراده بالذكر موهم أن الكلام فيه مقصود بالذات مع ما يؤدي إليه من كثرة الصور وانتشارها على المحصل. بقي علينا ذكر المسوغ لإبدال الضمة كسرة في سوّوة. اعلم أن الشيخ لمّا ذكر هذه المسألة قال: وأما سوّوة فضمّة الواو حركة منقولة من الهمزة كما قررناه فصار في اللفظ نحو: قوّوة ولكن الضمة في قوّوة غير عارضة فاعتد بها وكان فيها القلب قولا واحدا، وهي في سوّوة عارضة، فإن لم يعتد بها فلا قلب، وكأنك نطقت بسوؤوة فكما صحت في عرقوة فكذلك في هذا، وإن اعتددت بها صارت مثل: قوّوة مما آخره واوان فتقلب فيقول: سوية (¬1). انتهى. يعني أنك تبدل الضمة كسرة جوازا، فتقول: سوّوة وحينئذ تقلب الواو ياء؛ لأن الواو الواقعة قبل علم تأنيث إذا كانت إثر كسرة تقلب ياء كما تقدم قبل هذا. قال ناظر الجيش: قصد المصنف بهذا الكلام الإشارة إلى فروع تنشأ أحكامها عما سيذكر، فمنها: أن الكسرة مؤثرة قلب الواو ياء في نحو: غزيان، والضمة مؤثرة قلب الواو ياء في نحو: رموان كما قد عرفته قال: فقد يسكن ما قبل الياء في غزيان وما قبل الواو في: رموان لقصد التخفيف، ويبقى إعلال اللام على ما كان عليه قبل التسكين وإلى ذلك الإشارة بقوله: فيبقى أثرهما أي فيبقى أثر الكسرة وإن زالت؛ - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 162 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو قلب الواو ياء، وأثر الضمة وإن زالت؛ وهو قلب الياء واوا، والموجب لذلك أن السكون عارض ولا اعتداد بالعارض في الأغلب، ومما بقي فيه أثر الكسرة والضمة بعد زوالهما بالسكون قولهم، غزي مخفف: غزى ولقضو مخفف قضو، والعلّة فيه ما تقدم، وقد أنشدوا: 4305 - تهزأ منّي أخت آل طيسله ... قالت أراه والفا قد دني له (¬1) وأصله: دني له فأسكن النون، واعتبر كسرتها الزائل فأبقى الياء المنقلبة بسببها عن الواو. ومنها: أن الكسرة والضمة قد يؤثران إعلال اللام وقد حجز بينهما ساكن، وأن الكسرة تؤثر ذلك وقد حجزت بفتحة؛ فمثال الكسرة المحجوزة عن اللام بساكن قولهم: هو ابن عمّي دنيا، أي قريبا، أصله دنوا؛ لأنه من الدنو فقلبت الواو ياء لكسرة الدال، وإن كان قد حجز بينهما ساكن، وذلك أن الساكن عندهم حاجز غير حصين، فكأن الكسرة جاوزت الواو، وهذا تعليل للنذور، والأكثر الشائع عدم الاعتداد بالكسرة المحجوزة بالساكن نحو: حنو وقنو وصنو وجرو وغير ذلك، ومثل دني في النذور والشذوذ: الفتية والصيبة والعلية، أصلها الواو فأعلت لما أعل له دني (¬2)، ومثال الضمة المحجوزة عن اللام بساكن - أيضا - قولهم للعريان: عرو أصله عري، وقد نطق به أيضا فقلبت واوا لضمة العين ولم يعتد بالساكن الذي هو الراء، فكأن الضمة جاوزت الياء، والأكثر في كلامهم صحة الياء نحو: مدي وظبي وعمي (¬3)، ومثال الكسرة المحجوزة عن اللام بفتحة قولهم في نحو رضا: رضيان بالياء، وأصله الواو؛ لأنه من: الرضوان، وكأن الفتحة عندهم أخت السكون في الخفة فكما لم يعتد بالسكون حاجزا حصينا لم يعتد بالفتحة أيضا ومع ذلك فهو - ¬

_ (¬1) رجز مجهول القائل، عجزه في رواية اللسان «طسل»: قالت أرا في الوقار والعله وليس فيه شاهد. دلف الشيخ: إذا مشى وقارب الخطو، ودني له بالتسكين أصلها دني، وفيه الشاهد حيث سكن النون واعتبر كسرتها الزائلة، فأبقى الياء المنقلبة بسببها عن الواو، ودني له أي: قرب له. وانظر: المنصف (2/ 125)، والتذييل (6/ 162 ب)، والمساعد (4/ 141). (¬2) التذييل (6/ 163 أ). (¬3) المرجع السابق، والمساعد (4/ 142).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نادر لا يقاس عليه، وقد ذكر المصنف في باب كيفية التثنية أن الكسائي يراه قياسا (¬1). ومنها: أن الياء تجعل واوا ومثل ذلك قولهم: أوفع الغلام، في أيفع الغلام. وعلّل المصنف ذلك بأن القصد به إزالة الخفاء (¬2). ومنها: أن الواو تجعل ياء إما لرفع لبس أو تقليل ثقل، فمثال ذلك لرفع اللبس قولهم في جمع عيد: أعياد وهو من ذوات الواو، ولم يقولوا: أعواد؛ لئلا يلتبس بجمع عود، فإنهم قالوا فيه: أعواد، وكذلك أرياح في جمع ريح، والقياس أرواح وهو أفصح وأشهر وأكثر من أرياح، والعلّة لقولهم: أرياح مع قلته أن أرواحا يلتبس بجمع روح؛ فإن جمعه أرواح (¬3)، وكذا قولهم: خيائن جمع خيانة، وإن كان أصلها الواو فجعلت الواو ياء خوف التباسه بجمع خائنة [6/ 167]، ومثال ذلك لتقليل الثقل قولهم في صوّم: صيّم، واعلم أنه سيأتي أن الواو إذا كانت عين فعّل جمعا ولم تكن الكلمة معتلة اللام جاز فيها وجهان: التصحيح وهو الأكثر؛ لأنه الأصل، والإعلال، وذلك أن تقلب الواو الآخرة ياء ثم تقلب الواو الأولى ياء، ثم تدغم الياء في الياء، حملا للعين على اللام ولقربها من الطرف، ولهذا حكم بالشذوذ في قول الشاعر: 4306 - ألا طرقتنا ميّة ابنة منذر ... فما أرّق النّيّام إلّا سلامها (¬4) - ¬

_ (¬1) انظر: التسهيل (ص 17). (¬2) انظر: التذييل (6/ 163 أ)، والمساعد (4/ 142). (¬3) انظر: المرجعين السابقين، والممتع (1/ 236 - 237). (¬4) من الطويل قائله ذو الرمّة كما جاء في المنصف (2/ 5)، وابن يعيش (10/ 93)، والكافي (3/ 618) وعزاه في التصريح (2/ 383)، إلى أبي النجم الكلابي، وفي العيني (4/ 578) إلى أبي الغمر الكلابي، والصواب أنه لذي الرمّة كما قال البغدادي في شرح شواهد الشافية (ص 382)، ويروى برواية أخرى: ألا خيّلت ميّ وقد نام صحبتي ... فما أرّق النّيّام إلا سلامها وطرقتنا: من الطروق وهو المجيء ليلا، وميّة: معشوقة ذي الرمة، وأرق: أسهر، النيام: جمع نائم، ويروى: «إلا كلامها» وهو محل الشاهد؛ حيث قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، دون مقتض إذ أصله النوام، والقياس قلب الياء واوا وإدغامها في الواو فتصير النوام وشذوذ النيام من جهة الاستعمال والقياس أما في الاستعمال فظاهر، وأما القياس فلأنه إذا ضعف القلب مع المجاورة في نحو: صيّم وقيّم كان مع التباعد أضعف، وانظر: الأشموني (4/ 328)، ويس (2/ 381)، والتذييل (6/ 163 أ)، والممتع (2/ 498) وديوانه (ص 38) والمنصف (2/ 5).

[مواضع إبدال الياء المدغمة في مثلها واوا]

[مواضع إبدال الياء المدغمة في مثلها واوا] قال ابن مالك: (فصل: تحذف الياء المدغمة في مثلها قبل مدغمة في مثلها إن كانت ثالثة زائدة لغير معنى متجدد أو ثالثة عينا، ويفتح ما قبلها إن كان مكسورا، وإن كانت ثانية فتحت وردّت واوا إن كانت بدلا منها، وتبدل الثّانية واوا ولا تمتنع سلامتها إن كانت الثّالثة والرّابعة لغير النّسب خلافا للمازنيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ ومن الشاذ - أيضا - قولهم: صيّابة، قالوا: فلان في صيّابة قومه، يريدون في صوّابة أي: صميمهم وخالصهم (¬1) وشاهد نحو: صيّم قول الشاعر: 4307 - ومعرّض تغلي المراجل تحته ... عجّلت طبخته لرهط جيّع (¬2) أي: جوّع جمع جائع. وإنما قيد فعّلا بكونه جمعا؛ لأنه إذا كان مفردا لم يعل نحو: حوّل، وكذا إذا كان جمعا معتل اللام، وذلك نحو قولهم: شاو وشوّى وذلك لكراهة اجتماع إعلالين، وسيأتي ذكر هذين القيدين عند تعرض المصنف لذكر هذه المسألة في مكانها - إن شاء الله تعالى - وإنما قلت في صوّم ونحوه: لتقليل الثقل؛ لأن صوّما فيه اجتماع واوين وضمة، فكأنه اجتمع ثلاث واوات فثقل بذلك فقلبوا الواوين يائين لنقل الثقل؛ لأن اليائين أخف من الواوين. قال ناظر الجيش: لا يخرج هذا الفصل عن الفصول التي تقدّمته في اشتماله على ذكر إبدال بعض أحرف العلّة من بعض ولكن لمّا كان الإبدال الذي سيذكره إنما يتأتى بعد حذف شيء من الكلمة التي فيها الإبدال لزم التعرض إلى الحذف أولا لابتناء الإبدال عليه فليس ذكر الحذف مقصودا هناك بالذات لا يقال الكلام في هذه الفصول، إنما هو في الإعلال، والحذف إعلال أيضا فجاز أن يقصده لذاته؛ لأنا نقول: الكلام في الإبدال لم ينته وما كان المصنف ليذكر شيئا قبل إنهائه الكلام في - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 163 أ)، والممتع (2/ 498). (¬2) من الكامل قائله الحادرة واسمه قنطبة قوله: ومعرض: هو اللحم الملقى في العرضة، والمراجل: جمع مرجل وهو القدر من النحاس، والمعنى ظاهر والشاهد فيه قوله: جيع فإن أصله جوّع؛ لأنه من الأجوف الواوي؛ فأبدلت الياء من الواو، ينظر المنصف (2/ 3) والأشموني (4/ 328) والممتع (2/ 498) والتذييل (6/ 163) (أ) وديوانه (ص 5).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شيء آخر، وأيضا فإن الحذف الذي هو إعلال حذف محض لا يشاركه إبدال ثم إن قول المصنف في فصل يأتي بعد فصول من هذا الفصل: «من وجوه الإعلال الحذف» (¬1) يبين لك أنه من هناك ابتدأ الكلام في الحذف. إذا عرف هذا فأنا أورد أولا ما ذكره المصنف في إيجاز التعريف لما اشتمل عليه من الفائدة ثم أعود إلى حل ألفاظ الكتاب. قال - رحمه الله تعالى -: يحذف الياءان المدغم إحداهما في الأخرى إن كانتا زائدتين ووليهما مثلاهما كقولك: كرسيّ (¬2) في النسب إلى: كرسيّ والأصل كرسيّيّ فاستثقل توالي إدغامين في أربع ياءات زوائد، وكانت الأوليان في حكم زيادة واحدة، فحذفتا معا، كما حذفتا معا في الترخيم، ويدل على إلحاق يائيه غير الكائنين قبل ياء النسب أن بخاتي اسم رجل لا ينصرف، فإذا نسبت إليه انصرف (¬3)، فقيل: هذا بخاتيّ فلو كانت الياءان بما اللتين كانتا قبل، لما تغير حكمه، فإن كانت الأولى مخصصة بالزيادة سابقة في الوجود للثالثة والرابعة حذفت، وقلبت الثانية واوا وانفتح ما قبلها إن لم يكن مفتوحا كعلوي في النسب إلى علي والأصل: عليّيّ (¬4)، فاستثقل في الأول، ولم تكن الأولتان زائدتين فاقتصر على حذف الزائد، فقيل: علييي، ثم كمل التخفيف بإبدال الكسرة فتحة والياء واوا فرارا من توالي الأمثال فلو كان ما قبل الياء المفتوحة مفتوحا اقتصر على الحذف والقلب، كقولك في النسب إلى قصي: قصويّ، فلو كانت الأولى متأخرة في الوجود لم تحذف؛ كالياء الأولى في عدي تصغير عدوي والأصل فيه عديوي، فعمل فيه ما يعمل بغزوة في التصغير حين يقال: غزيّة؛ لأن الواو فيهما لام ولا سبيل إلى تصحيح اللام مع وجود سبب الإعلال، وإنما يوجد ذلك في الواو النائبة عينا كأسيود والأجود مع ذلك أسيّد بالإعلال، واغتفر توالي يائين مشددتين؛ لأن التخلص منه لا يمكن إلا بتفويت الدلالة على التصغير لو قيل: عدوي، أو تصحيح ما لا يصح لو قيل: عديوي، فكان توالي اليائين المشددتين أهون من - ¬

_ (¬1) انظر: التسهيل (ص 312). (¬2) انظر: الخصائص (3/ 63)، والهمع (2/ 193)، والجاربردي (1/ 114). (¬3) «والبختي نوع من الإبل وجمعه: بخاتي غير منصرف وإذا سمي به فلا ينصرف أيضا كما إذا سمي بالمصابيح لكن إذا نسبت إليه صرفت؛ لأن ياء النسبة ليست من بنية الكلمة» الجاربردي (1/ 114)، وانظر: الكتاب (2/ 71). (¬4) انظر: الرضي (2/ 22، 23).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك مع أن من العرب من يرتكبه ولو لم يلزم من تركه ما ذكر، كقول بعضهم في النسبة إلى أمية: أميّيّ (¬1)، فلأن يغتفر في تصغير عدويّ ونحوه، أحق وأولى فلو كانت الأولى والثانية أصلية وقبلهما زائدا عوملتا معاملة يائي: عليّ وقصيّ، وذلك كقولك في النسب إلى تحية: تحويّ، وإن فصل الأصلين المسبوقين بزائد حرف لين حذف وعوملا المعاملة المذكورة، كقولك في النسبة إلى: محيّ اسم فاعل من حي: محويّ (¬2) فإن لم يكن قبلهما زائد كحي، قلبت الثانية واوا وفتحت الأولى، فتقول في النسب إلى حيّ: حيويّ فلو كانت الأولى منقلبة عن واو، ردت إلى أصلها كطووي في النسب إلى طيّ (¬3)، أصله: طوي لأنه مصدر: طويت فقلبت الواو ياء؛ إذ كانت ساكنة تليها ياء فلما حركت ووليتها واو عادت إلى أصلها، ولم تقلب الياء والواو هنا ألفين حين حركتا وانفتح ما قبلهما؛ لئلا يتوالى إعلالان؛ إذ لا بد من انقلاب الثانية واوا - أيضا - فإن يائي النسب زيادتان مخصوصتان بالأسماء فصححتا معهما كما صححتا مع ألف التأنيث والألف والنون في الصّورى والحيرى والحولان وأهيمان، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى. ويقال في مثال: جردحل من حي على ما تقرر آنفا: حيّوي، والأصل فيه حيّيّ بأربع ياءات مقابلة للراء ومقابلة للراء ومقابلة للحاء ومقابلة للام فعمل به ما عمل في النسب إلى حي وشبهه، ويقال في مثال: عصفور من شوي شووي، والأصل شويوي ثم شيّيّ ثم شووي يخالف المنسوب إلى شوي بضم الشين. انتهى ما ذكره من أحكام هذا الفصل في إيجاز التعريف، وملخص ما تضمنه كلامه أن الياءين المدغم إحداهما في الأخرى إذا وليهما مثلاهما، فإما أن يكونا معا زائدين أو أصليين، أو الأولى زائدة والثانية أصلية، فالزائدان يحذفان نحو: كرسي في النسب إليه، وإن كانت الزائدة الأولى فقط حذفت الزائدة وقلبت الأصلية التي هي الثانية واوا مع فتح ما قبلها، فإن كان ما [6/ 168] قبلها مفتوحا فذاك كقصوي في النسب إلى: قصي، وإن كان مكسورا فتح نحو: علوي، وغنوي، في النسب إلى: علي وغني؛ هذا إذا كانت الياء الزائدة التي هي الأولى، قد وجدت قبل - ¬

_ (¬1) قاله يونس. انظر: الرضي (2/ 23) وابن جماعة (1/ 107). (¬2) انظر: الجاربردي (1/ 112)، والرضي (2/ 45). (¬3) انظر: الجاربردي (1/ 113).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجود اليائين اللتين حصل الحذف لأجلهما وهما الثالثة والرابعة كما في قصي وعلي بالنسبة إلى قصوي وعلوي، أما إذا كانت الياء المذكورة متأخرة في الوجود عن اليائين المذكورتين فإنها لا تحذف، بل تبقى وذلك نحو: عدوي إذا صغر، فإنه يقال فيه: عديّي كما قررنا. والظاهر أنه لا احتياج إلى الاحتراز عن ذلك فإن الشيء إنما يحذف لطرآن شيء آخر عليه، إذا حصل بذلك الطارئ مع ما طرأ عليه ثقل كالحذف من نحو: كرسيّ وعليّ إذا طرأت عليهما ياء النسب، ولا شك أن الياء الزائدة للتصغير في عدوي إذا صغّر، هي الطارئة على غيرها وما كانوا ليأتوا بشيء ثم يحذفوه لطرآنه على شيء موجود قبله؛ إذ لو كانوا يحذفونه ما أتوا به، لا سيما شيء يؤتى به لمعنى مقصود. وإن كان الياءان أصليين فإما أن يكون قبلهما زائدة أو لا يكون، فإن كان عوملت الكلمة معاملة قصي وعلي فتحذف الياء الأولى مع كونها أصلا وتقلب الثانية واوا ويفتح ما قبلها كقولك: تحويّ في المنسوب إلى تحية. وإن اتفق أن يفصل بين الأصليين المسبوقين بزائد حرف لين حذف ذلك الحرف أيضا أعني حرف اللين مع ما ذكر متقدما وهو حذف الياء الأولى الأصلية وفتح ما قبلها كقولك: محوي في النسب إلى: محي، وإن لم يكن قبلها زائد قلبت الثانية واوا وفتحت الأولى، فإن كانت ياء بقيت بحالها كقولك: حيوي في النسب إلى حي، وقد ظهر من هذا أن كلام المصنف هنا إنما هو مسوق لذكر إبدال الياء واوا، ولكن لمّا كان هذا الإبدال موقوفا على حذف شيء لزم التعرض إلى الحذف، ليرتب عليه ما هو المقصود بالذكر، وإنما أفرد هذا الإبدال وأورده في هذا الفصل ولم يذكره مع ما تقدم من إبدال الياء واوا؛ لأنه إبدال لعارض وهو اجتماع ياءات أربع، وإنما ذكر حذف الياء المشددة من نحو: كرسيّ في النسب إليه، مع أنه حذف لا إبدال معه تمهيدا لما ذكره بعد حذف اليائين، وكأنّه قصد أن يتكلم في الياء المشددة رابعة أولا نحو: كرسي، ثم فيها ثالثة ثانيا نحو: عليّ وتحية ومحيّ، ثم فيها ثانية ثالثا نحو: حي وطي ليصير الكلام في ذلك مرتبا منتظما، وإذا قد تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب، فقوله: تحذف الياء المدغمة في مثلها قبل مدغمة في مثلها إن كانت ثالثة زائدة يشير به إلى حذف الياء الأولى من نحو: عليّ وغنيّ وقصيّ إذا نسبت إليها فقلت: علويّ وغنويّ وقصوىّ؛ لأن الياء الأولى من كل -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذه الكلمات مدغمة في مثلها قبل مدغمة في مثلها وهي ثالث حرف في الكلمة وهي زائدة (¬1)، وإنما قيدها بالثالثة لتخرج الياء الأولى من نحو: كرسي إذا نسبت إليه فإنه لا يقتصر على حذفها بل يحذف مع الياء التي هي مدغمة فيها، ولتخرج الياء الأولى من نحو: حيّ إذا نسبت إليها فإنها لا تحذف كما عرفت، وإنما قيدها بالزائدة تحرّزا من الياء الأولى في نحو: تحيّة، فإنها أصلية، واحترازه؛ لأنها لا تحذف، إذا نسبت إلى الكلمة؛ لأنها تحذف - أيضا -، بل لأنه ميّزها عن الزائدة بذكرها وحدها واحترز بقوله: لغير معنى متجدد، من نحو الياء في: عديّ (¬2) تصغير عدويّ؛ لأنها لا تحذف كما تقدم تقريره، وقد تقدم البحث في أنه قد لا يحتاج إلى هذا الاحتراز. ولم يتعرض في التسهيل هنا لحذف اليائين من نحو: كرسيّ إذا نسب إليه، لما عرفت أن كلامه هنا ليس في الحذف المحض، بل في الحذف الذي يترتب عليه إبدال الياء واوا وقوله: أو ثالثة عينا يشير به إلى الياء الأولى من نحو: تحيّة إذا نسب إليها فإنها عين الكلمة؛ لأن وزن تحية تفعلة وهو مصدر حيّا، وعطف: أو ثالثة عينا، على ما حكم عليه بالحذف، وهي الياء الثالثة الزائدة، فعلم أن حكم الياء التي هي عين في نحو: تحيّة الحذف أيضا، وقوله: ويفتح ما قبلها إن كان مكسورا، يشير به إلى أن الفتح لازم في المسألتين - أعني التي الياء فيهما زائدة - نحو: علويّ وغنويّ، والتي الياء فيها أصليّة نحو: تحويّ إنما لزم الفتح؛ لأن الكلمة بعد الحذف تصير على زنة فعل كنمر، وحكم فعل إذا نسب إليه أن تحول كسرته فتحة لاستثقالهم أن يؤتى بحركة تليها كسرتان، ثم ياءان لو قيل: نمريّ بكسر الميم، وهذا الحكم معروف في باب النسب (¬3)، وقد يكون ما قبل الياء المحذوفة مفتوحا فيبقى على فتحه نحو: قصويّ، ولذلك قيد الفتح بقوله: إن كان مكسورا، وقوله: وإن كانت ثانية فتحت وردت واوا إن كانت بدلا منها، وتبدل الثانية واوا يشير به إلى الياء الأولى من نحو: حيّ وطيّ إذا نسب إليهما، ومعلوم أنها لا تحذف، ولكنها تفتح، فإن كانت غير بدل من واو بقيت بحالها - ¬

_ (¬1) و (¬2) انظر: التذييل (6/ 163 ب) والمساعد (4/ 143). (¬3) انظر: الكتاب (2/ 73)، والرضي (2/ 17 - 18)، والجاربردي (1/ 102)، وابن يعيش (5/ 145).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: حيويّ، إذا نسبت إلى حييّ، وإن كانت بدلا من واو ردّت واوا نحو: طوويّ إذا نسبت إلى: طيّ، أما الثانية فتبدل واوا جزما كما رأيت في المثالين المذكورين، وعلّة ذلك واضحة، وأما قوله: ولا تمتنع سلامتها إن كانت الثالثة والرابعة لغير النسب خلافا للمازني، فقد شرحه الشيخ بأن قال: وذلك أن تبني من حي اسما على وزن: جردحل، فإنك تقول فيه: حيويّ، والأصل حيّيّ بأربع ياءات فعمل به ما عمل في النسب إلى حيّ وشبهه (¬1)، قلت: والمصنف قد ذكر المسألة في إيجاز التعريف كما تقدّم لنا نقل ذلك عنه، لكنه حكم فيه بالإعلال جزما، وهاهنا قد جعل الجزم بالإعلال هو قول المازني وأجاز هو السلامة من الإعلال، وأنك تقول فيه: حيّيّ، فإن كان مراده هو ما مثل به الشيخ فقد اتضح مخالفة ما في التسهيل لما في إيجاز التعريف؛ لأنه أجاز في التسهيل الصحة وأوجب هناك الإعلال البتّة، ولكن المصنف قد ذكر في إيجاز التعريف مسألة تشبه هذه المسألة لا من كل الوجوه وذكر فيها خلاف المازني، وهي أنك إذا بنيت من فتى مثل حمصيص وهو بقلة، فال: تقول فيه: فتويّ وأصله فتييّ، الياء الأولى بإزاء الصاد الأولى منه، والثانية بإزاء يائه، والثالثة بإزاء الصاد الثانية، فأدغمت الثانية في الثالثة فصارت: فتييّا (¬2) ثم قلبت الأولى واوا كما فعل في النسب فرارا من توالي [6/ 169] الأمثال؛ لأن كسرة الياء المتحرك ما قبلها بمنزلة ياء أخرى، كما أن ضمة الواو المتحرك ما قبلها بمنزلة واو أخرى ولذلك فرّ من مقووة إلى مقوية على كل حال، وقد تسلم الياء الأولى في مثال: حمصيص المذكور خلافا للمازني (¬3)، وإن كانت لا تسلم في المنسوب؛ لأنها فيه تقدر طرفا؛ لأن ياء النسب كهاء التأنيث فتنقلب ألفا لتحركها وفتح ما قبلها وتدعو الحاجة إلى تحريكها لملاقاتها الساكن بعدها، فتقلب واوا ولا تحذف؛ لئلا يلتبس بفعيل ولا تثبت كثبوتها في: دابّة؛ لأن مثل الياء في بنات الياء والواو مرفوض، وأما مثال: حمصيص المذكور فلا تقدر ياؤه الأولى طرفا للزوم ما بعدها، فمن قلبها شبّهها بلام المنسوب، ومن لم يقلبها شبّهها بعين حييّ وعييّ. انتهى. فقد يقول قائل: هذه المسألة - أعني مثال: - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 164 أ). (¬2) انظر: المرجع السابق والمساعد (4/ 145). (¬3) «لو بنيت مثل: حمصيص وهي بقلة من فتى قلت على رأي المازني: فتويّ لا غير، وقلت عند غيره كذلك، وفتييّ» المساعد (4/ 145).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حمصيص من فتى - هي المرادة بقوله في التسهيل: ولا تمتنع سلامتها ... إلى آخره، فيكون الخلاف الذي أشار إليه في التسهيل بقوله: خلافا للمازني، هو الخلاف الذي ذكره في إيجاز التعريف، وأشار إليه بقوله: «وقد تسلم الياء الأولى في مثال حمصيص المذكور خلافا للمازني، وعلى هذا لا يكون: بين كلاميه في الكتابين مخالفة، وحينئذ لا ينبغي أن يمثل لقوله: ولا تمتنع سلامتها ... إلى آخره بما ذكره الشيخ، وهو أن تبني من حي مثل: جردحل، بل يمثل بمثال: حمصيص من فتى، فيقال في جواب هذا القائل: الذي قلته حسن، لكن لا يمكن حمل كلامه في التسهيل عليه؛ لأن الضمير في قوله: ولا تمتنع يعود على الياء المتقدمة الذكر، والمتقدمة مقيدة بكونها ثانية، والياء في مثال حمصيص من فتى هو: فتييّ ثالثة وإذا لم يمكن حمل كلامه على ذلك تعيّن صحة تمثيل الشيخ لقوله: ولا تمتنع سلامتها ... إلى آخره بمثال: جردحل من حيّ، فإن قيل: فكيف حكم بوجوب الإعلال في إيجاز التعريف في مثال: جردحل من حي، وأجاز السلامة في التسهيل؟ فالجواب: أن الإعلال لا شك أنه أكثر والسلامة في مثل ذلك جائزة على قلّة، فترك التعرض لذكرها في ذلك الكتاب وذكرها هنا ولا يضر ذلك؛ لأنه لم ينف جواز السلامة في ذلك الكتاب فيصادم ذلك إجازته لها هنا. وحاصل الأمر: أن الإعلال في المسألتين مجمع عليه، وأما السلامة فيهما فغير المازني يجيزها، والمازني يمنع (¬1)، وتلخّص من مجموع كلامه هنا وهناك: أن غير المازني يجوّز السلامة في نحو: حيّيّ مثال جردحل من: حي، وأن المازني لا يجيزها بل يعمل حتما، وهذه مستفادة من التسهيل، وأن غير المازني يجوز السلامة - أيضا - في فتييّ مثال حمصيص من فتى، وأن المازني لا يجوزها - أيضا - بل يعلّ حتما، وهذه مستفادة من إيجاز التعريف، فالمسألتان عند المازني لا فرق بينهما بالنسبة إلى جواز السلامة وعند المازني لا فرق بينهما بالنسبة إلى وجوب الإعلال، ولولا قوله في التسهيل: ولا تمتنع سلامتها وكونه يتعين أن يريد بذلك مثال: جردحل من: حيّ، فكان يمكن أن يكون ذلك مقصودا به مثال: حمصيص من فتى، فيقال: إن السلامة في مثال حمصيص من فتى وهو فتييّ - جائزة، دون مثال: جردحل من حي؛ فإنه - ¬

_ (¬1) انظر: المنصف (2/ 272 - 274).

[إبدال الياء واوا]

[إبدال الياء واوا] قال ابن مالك: (وتبدل واوا - أيضا - بعد فتح ما وليته إن كان مكسورا، الياء الواقعة بعد متحرّك، وقبل ياء أدغمت في أخرى وتحذف رابعة فصاعدا، وكذا ما وقع هذا الموقع من ألف أو واو تلت ضمّة، فإن كانت ألفا لغير تأنيث اختير قلبها واوا، وقد تقلب رابعة للتّأنيث فيما سكّن ثانيه). ـــــــــــــــــــــــــــــ يتعين فيه الإعلال، فيقال فيه: حيويّ دون: حيّيّ، ويفرق بينهما بأن مثال: جردحل هو حيّيّ قبل الياء المشددة فيه ياء مشددة بعد كسرة، ولا شك في ثقله، ومثال حمصيص من فتى وهو: فتييّ ليس فيه قبل الياء المشددة سوى ياء واحدة تلي فتحة، ولا شك أن هذا أخفّ من الأول، وإذا كان كذلك فلا يلزم من إجازة السلامة في الأخف تجويزها في الأثقل، لكن لم يساعد على ذلك كلام المصنف؛ بل دلّ كلامه على أن السلامة جائزة في مثال: جردحل من حي كما تقدم تقديره، فوجب الوقوف عنده. قال ناظر الجيش: لمّا ذكر قبل أن الياء تبدل واوا عطف عليه هذا الكلام، ولذلك أتبعه بقوله: أيضا، واعلم أن الياء إما تقع ثالثة أو رابعة أو خامسة فصاعدا، وحكم هذه الياء - إذا وليتها ياء مشدّدة - إن كانت ثالثة: البدل حتما، وإن كانت خامسة فما فوقها: الحذف حتما، وإن كانت رابعة: الحذف والبدل، والحذف أفصح، وحيث كان البدل يجب فتح ما قبل المبدل، وقد أشار إلى حكم الثالثة بقوله: وتبدل واوا - أيضا - بعد فتح ما وليته إلى قوله: أدغمت في أخرى، وعلم كون كلامه هذا في الثالثة بقوله بعده: وتحذف رابعة فصاعدا على أنه قد وجد في نسخة (¬1): «الواقعة ثالثة بعد متحرك» ولكن لا يحتاج إليه؛ لأنّا قد علمنا أن كلامه لا يكون إلا في الثالثة لذكر الرابعة فما فوقها بعده، واحترز بقوله: الواقعة بعد متحرك من الواقعة بعد ساكن نحو: ظبي، فإن الياء فيه لا تغيّر لأجل الياء المدغمة في مثلها بعده، ومثال ذلك: شج وعم وصد، فيقال: شجويّ وعمويّ وصدويّ (¬2)، والعلّة في العدول عن الكسرة والياء قبل اليائين إلى الفتحة والواو فيما ذكر طلب الخفة، ولهذا لما سكن ما قبل الياء لم يغيّر وإنما قال: إن كان مكسورا؛ - ¬

_ (¬1) نسخة البهاء الرقي. انظر: التسهيل (ص 307) والتذييل (6/ 164 أ) والمساعد (4/ 145). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 72) والمقتضب (3/ 136) والتكملة (ص 55)، واللمع (ص 282).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنه إذا كان مفتوحا بقي على فتحه، هكذا قال الشيخ (¬1)، ولم يذكر له مثالا، إلا أنّ المصنف قال في إيجاز التعريف: تبدل الواو من الياء الواقعة ثالثة بعد متحرك إن وليها ياء مدغمة في أخرى كفتويّ في النسب إلى: فتى، فحكم بأن آخر فتى ياء ولا شك أن الياء إذا كان قبلها فتحة تقلب ألفا وذلك نحو: فتى وحي وكمثل هذا لا يصدق عليه أن آخره ياء إلا إن أراد أن ذلك الحرف كان ياء في الأصل وهو غير ظاهر، فالأولى أن يذكر نحو: فتى وحي فيما آخره ألف، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى قوله: إن كان مكسورا؛ لأن ما قبل الياء لا يكون إلا مكسورا، وإنما قال: وقبل ياء مدغمة في أخرى لتكون العبارة شاملة لياء النسب ولغيرها فياء النسب كشجويّ وعمويّ، وياء غير النسب كما إذا بنيت مثل: جردحل من حي، فإنك تقول فيه: حيويّ كما تقدم، فقد حصل البدل في الياء ثالثة. وهي ليست قبل ياء النسب، لكنها قبل ياء مدغمة [6/ 170] في أخرى، ثم أشار إلى حكم الياء الرابعة فما فوقها بقوله: وتحذف رابعة فصاعدا، وليست هذه العبارة بمرضية، وقد وجد في نسخة البهاء الرقي: «وتحذف جوازا رابعة، ووجوبا خامسة فصاعدا» (¬2) وهذه العبارة هي الصواب، قال في إيجاز التعريف بعد أن ذكر الياء الثالثة وحكمها: فإن كانت هي رابعة حذفت، وقد تقلب ويفتح ما قبلها كقارضيّ وقاضويّ (¬3) في النسب إلى قاض ويتعين الحذف فيما زاد على ذلك كمشتريّ ومستدعيّ في النسب إلى: مشتر ومستدع (¬4). واعلم أنه إنما ذكر الحذف في الرابعة ليعرفنا أن البدل معه وجه آخر وإنما ذكر ذلك في الخامسة فصاعدا استطرادا لما عرفت قبل أن الكلام في هذه الفصول إنما هو في الإبدال، ثم إنه لمّا أنهى الكلام على الياء التي تقع قبل ياء أدغمت في أخرى، شرع في الكلام على الألف والواو الواقعتين قبل ياء كذلك، وإليه الإشارة بقوله: وكذا ما وقع هذا الموقع من ألف أو واو تلت ضمّة ... إلى - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 164 أ، ب). (¬2) التسهيل (ص 307) والتذييل (6/ 164 ب)، والمساعد (4/ 146). (¬3) انظر: الكتاب (2/ 72) والتكملة (ص 58) وابن يعيش (5/ 151) والمقرب (2/ 64، 65) والجاربردي (1/ 111، 112). (¬4) انظر: الكتاب (2/ 71) والرضي (2/ 46) والجاربردي (1/ 112) والمفصل (ص 209).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آخره، وحاصل الأمر: أن الألف إما ثالثة أو رابعة أو خامسة، وحكم الثالثة قبل الياء المذكورة أن تقلب واوا نحو: فتويّ ورحويّ وعصويّ (¬1) في: فتى ورحى وعصى، وأما الرابعة فإما أصلية أو زائدة للتأنيث، ففي الأصلية وجهان: الحذف والقلب واوا وهو أولى، وذلك نحو: ملهويّ ومرمويّ وملهيّ ومرميّ، في ملهيّ ومرميّ (¬2) وأما الزائدة لتأنيث فتحذف سواء تحرك ثاني الكلمة نحو: جمزيّ ومرطيّ، أم سكن نحو: حبلى وسكرى إلا أن ما سكن ثانيه يجوز فيه القلب - أيضا - فيقال: حبليّ وحبلويّ (¬3)، وأما الخامسة فما فوقها فليس فيها إلا الحذف نحو: مراميّ وقبعثريّ في النسب إلى مرامي وقبعثرى (¬4)، وكلام المصنف ظاهر التطبيق على ما قلته، ولم يتعرض الشيخ في شرحه إلا إلى ذكر الألف الرابعة (¬5)، ولم يحتج إلى ذكر الخامسة؛ لأنه إذا حكم على الرابعة بالحذف كان الحكم به على الخامسة من طريق الأولى، وأهمل المصنف ذكر الثالثة، وكأنه جعل قول المصنف: وكذا ما وقع هذا الموقع راجعا إلى قوله: وتحذف - أي: الياء - رابعة فصاعدا، ولا شك أنه إذا حمل كلام المصنف على ذلك تكون الألف الثالثة مسكوتا عنها، ولا يخفى أن ذلك إخلال، والظاهر أنه لا يمتنع أن تكون الإشارة بقوله: هذا الموقع، إلى ما تقدم من موقع الياء، والذي تقدم ذكر موقعها ثالثة ورابعة وما فوقها فيفيد قوله: وكذا كل ما وقع هذا الموقع من ألف الإحالة على ما تقدم من حكم الياء، فتبدل ثالثة واوا كما تبدل الياء وتحذف رابعة فصاعدا كما تحذف الياء، وحينئذ لا يكون المصنف أهمل ذكر الألف الثالثة، وكما قيل في الألف يقال في الواو التي تلت ضمة، فإن كانت ثالثة لا تحذف وذلك نحو مثال سمرة من الغزو فيقال: غزوة، وإذا نسب إليه يقال: غزويّ، وإن كانت رابعة حذفت وذلك نحو الواو في عرقوة، فإذا نسب إليها قيل: عرقيّ بالحذف؛ لأن الألف الرابعة والياء الرابعة تحذفان لأجل الياء المشددة الواقعة - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 72) والمقتضب (3/ 136) وابن يعيش (5/ 149) والتكملة (ص 53 - 54). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 77) والمقرب (2/ 62) وابن يعيش (5/ 150). (¬3) الكتاب (2/ 77) والمقرب (2/ 63) وابن يعيش (5/ 150). (¬4) الكتاب (2/ 78) والمقرب (2/ 65) وابن يعيش (5/ 150). (¬5) التذييل (6/ 164 ب).

[حذف الياء المتطرفة]

[حذف الياء المتطرفة] قال ابن مالك: (وتحذف أيضا كلّ ياء تطرّفت لفظا أو تقديرا بعد ياء مكسورة مدغم فيها أخرى ما لم يكن ذلك في فعل أو جار عليه، ولا يمنع هذا الحذف لعدم زيادة المكسور خلافا لأبي عمرو، فإن تحركت الأولى والثّانية حذفت الثّالثة أو قلبت الوسطى واوا أو ألفا وسلمت الثّالثة). ـــــــــــــــــــــــــــــ بعدهما، فالواو الرابعة أحق بالحذف منهما، والكلام هنا في حذف الواو الرابعة التالية ضمة إنما هو على سبيل الاستطراد - أيضا - لما عرفت. قال ناظر الجيش: لمّا ذكر حكم الكلمة التي تجتمع فيها من الياءات أربع أتبع ذلك بذكر حكم ما تجتمع فيه من الياءات ثلاث، وحكم ذلك في غير الفعل والجاري عليه أن تحذف الثالثة بالشرط الذي ذكره لكن في صورة يتحتم الحذف وفي صورة يتحتم - أيضا - لكن منهم من لا يحذف، وفي صورة التخيير بين الحذف وبين إبدال الوسطى من الياءات واوا وألفا - كما ستعرف - ثم لا تظن أن هذا الكلام بخصوصه في الحذف، بل هو منعطف على ما تقدم ذكره من الإبدال فهو متشبث ومرتبط بما قبله، وذلك أنه قد تقدم لنا أن الألف الواقعة بعد ياء التصغير تبدل ياء كغزيّل. وكتيّب في غزال وكتاب، لكن يقتصر على هذا الإبدال إذا كان لام الكلمة حرفا صحيحا كما مثّل به، وأما إذا كان حرفا معتلّا، فإنه ينضم إلى الإبدال أمر آخر وهو الحذف، فكأنه يقول: إبدال الألف ياء بعد ياء التصغير لا بد منه، فإن كان لام الكلمة صحيحا فلا كلام، وإن كان لام الكلمة معتلّا لزم اجتماع ثلاث ياءات، وهو لم يذكر فيما تقدم فاحتاج إلى ذكره الآن، ثم استطرد من ذكره إلى ذكر اجتماع ثلاث ياءات دون تصغير. ولنذكر كلام المصنف في إيجاز التعريف؛ لأنه كالشرح لما ذكره في التسهيل، ثم نعود إلى لفظ الكتاب، قال - رحمه الله تعالى - تحذف كل ياء تطرفت لفظا أو تقديرا بعد ياء مكسورة مدغم فيها أخرى في غير فعل واسم جار عليه كقولك في تصغير عطاء: عطيّ، وفي تصغير أداوة: أديّة، الأصل فيه عطيّي وأدييية بثلاث ياءات: الأولى للتصغير والثانية بدل من الألف، والثالثة بدل من لام الكلمة؛ فاستثقل ثلاث ياءات مع كسر المتوسطة منهن، فحذفت الأخيرة تخفيفا، وكانت -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالحذف أولى لتطرفها لفظا في: عطيّ وتقديرا في: أديّة، واشترط كسر المتوسطة؛ لأنها لو فتحت انقلبت الثالثة ألفا، ولو سكنت جرت الثالثة مجرى الصحيح (¬1)، ولا فرق عند سيبويه بين زيادة الثانية كما هي في تصغير عطاء، وعدم زيادتها كما هي في تصغير: أحوى (¬2) لاستواء اللفظين في الثقل لو جاء تائين فتقول في تصغير أحوى: أحيّ غير مصروف، والأصل: أحيوي، فقلبت الواو وأدغم في ياء التصغير فصار: أحيّي، فاجتمع فيه ما اجتمع في عطيّ قبل أن يخفف بالحذف فألحق به، وأبو عمرو (¬3) يفرّق فيحذف في عطيّ ونحوه مما الياء الأولى والثانية فيه زائدان، ولا يحذف في أحيّ ونحوه (¬4)؛ لأن الياء الثانية موضع العين مع الاجتماع على اغتفار ذلك في الفعل كأحيّي مضارع حيّيت، وفي الاسم الجاري عليه كالمحيي والتّزيّي مصدر تزيّا بالشيء، وإنما اغتفر ذلك في الفعل من أجل أنه عرضته لحذف آخره بالجزم (¬5)، ثم حمل عليه اسم الفاعل والمصدر. انتهى. وقد انحلّ بهذا الذي أورده في إيجاز التعريف قوله في التسهيل: وتحذف - أيضا - كل ياء إلى [6/ 171] قوله: خلافا لأبي عمرو، وعرف منه تحتم الحذف عند الجميع في الصورة الأولى وتحتمه - أيضا - إلا عند أبي عمرو في الصورة الثانية من الصور الثلاث التي تقدمت الإشارة إليها، وأما الصورة الثالثة فستذكر، وقال المصنف أيضا في شرح الكافية: إذا وقع بعد ياء التصغير ياءان حذفت الثانية منهما استثقالا لتوالي ثلاث ياءات، كقولك في أتى: أتيّ، والأصل: أتيّي بثلاث ياءات، أولاهن ياء - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 132) والرضي (1/ 231) والجاربردي (1/ 84). (¬2) قال سيبويه في الكتاب (2/ 132) بولاق: «واعلم أنه إذا كان بعد ياء التصغير ياءات حذفت التي هي آخر ويصير الحرف على مثال: فعيل ويجري على وجوه العربية، وذلك قولك في عطاء: عطيّ ... وكذلك أحوى إلا في قول من قال: أسيود. ولا تصرفه؛ لأن الزيادة ثابتة في أوله، ولا يلتفت إلى قلته كما لا يلتفت إلى قلة يضع. ثم قال: وأما يونس فقوله: هذا أحيّ كما ترى وهو القياس والصواب» وانظر: ابن يعيش (5/ 126). (¬3) هو أبو عمرو ابن العلاء وقد تقدمت ترجمته، وانظر رأيه في الكتاب (2/ 133) وابن يعيش (5/ 126) والرضي (1/ 59). (¬4) رده سيبويه حيث قال في الكتاب (2/ 133): «وأما أبو عمرو فكان يقول: أحيّ، ولو جاز ذا لقلت في عطاء: عطيّ؛ لأنها ياء كهذه الياء ...». (¬5) انظر: التذييل (6/ 164 ب) والمساعد (4/ 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التصغير، والثانية والثالثة الموجودتان قبل التصغير، فحذفت الثالثة لتطرفها وأدغمت الأولى في الثانية، ولا فرق بين ما كانت الياءان فيه قبل التصغير كأتى وبين ما تجدد فيه اجتماع اليائين في حال التصغير ككساء، فإن تصغيره كسيّ وأصله كسيّي الياء الأولى للتصغير والثانية منقلبة عن الألف والثالثة منقلبة عن واو، فحذفت الثالثة وصارت كسيّا كقصيّ، وهذا الحذف مجمع عليه إن كان أوّل اليائين الواقعتين بعد ياء التصغير زائدا فإن لم يكن زائدا كالمنقلب عن واو أحوى فإن أبا عمرو يرى فيه تكرير الياءات الثلاث، فيقول: هذا أحيّي ورأيت أحيّي وغيره لا يرى ذلك، إلا أن سيبويه يحذف ويستصحب منع الصرف وعيسى بن عمر يحذف ويصرف (¬1). ومن قال في جدول: جديول. قال في أحوى: هذا أحيو، ورأيت أحيوي (¬2). انتهى. وتقرير هذه المذاهب والاستدلال عليها مذكور في باب التصغير؛ لأن ذلك الباب أمسّ بذلك (¬3). واعلم أن المصنف ذكر فرعا في «إيجاز التعريف» عقب كلامه المتقدم، وهو أنه لو بني مثل جيّد من قوة وجب على قول سيبويه أن يكون: قيّي، وعلى قول أبي عمرو أن يكون: قيّيا وأصله: قيوي، فقلبت الواو وأدغم فيها الياء فصار قيّيا، فيحذف الثالثة سيبويه؛ لأنها كالمحذوفة من عطيّ، في كونها ثالثة تالية مكسورة مدغما فيها أخرى ولا يحذفها أبو عمرو (¬4)؛ لأن التي وليتها غير زائدة فأشبهت آخر محيّي وتزيي. انتهى. وذكر الشيخ عن بعض مشايخه بحثا في مثل هذا مقتضاه أن أبا عمرو يوافق سيبويه في هذه المسألة. قال: وكلام المصنف يقتضي المخالفة (¬5)، وأما الصورة الثالثة التي تقدم الوعد بذكرها وهي التي فيها التخيير، فهي التي أشار إليها المصنف بقوله: فإن تحركت الأولى إلى آخر كلامه. ومثال ذلك أن تبني من الرّمي مثل: جحمرش، فإنك تقول فيه: رمييي فقد اجتمع ثلاث ياءات، الأولى والثانية متحركتان، فإما أن تحذف الثالثة وإما أن تقلب الوسطى واوا، وإما أن تقلبها ألفا، فوجه الحذف أنه لمّا اجتمع مثلان متحركان في - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 132) وابن يعيش (5/ 126) والجاربردي (1/ 86). (¬2) شرح الكافية (ص 1906، 1907). (¬3) التذييل (6/ 165 أ). (¬4) انظر: الكتاب (2/ 133) وابن يعيش (5/ 126) والرضي (1/ 59). (¬5) التذييل (6/ 165 أ).

[حكم ما اجتمع فيه ثلاث أو أربع واوات]

[حكم ما اجتمع فيه ثلاث أو أربع واوات] قال ابن مالك: (فصل: اجتنبوا ضمّة غير عارضة في واو قبل واو؛ لأنّ الضّمة كالواو، فاجتناب ثلاث واوات أحقّ، فإن عرض اجتماعها قلبت الثّالثة أو الثّانية ياء وقد يعرض اجتماع أربع فتعلّ الثّالثة والرّابعة نحو: قوّيّ مثل جحمرش من قوّة وقد تعلّ معهما الثانية نحو: اقويّا مثل: اغدودن منها، وذا أولى من قوّو واقووّا وفاقا لأبي الحسن، وحيّو أو حيّا في مثال جحمرش من حييت أولى من حيّاي). ـــــــــــــــــــــــــــــ كلمة وهما الياءان الأوليان وجب إدغام الأولى بعد نقل حركتها إلى ما قبلها في الثانية فيؤول إلى: رمييّ فيفعل فيه ما يفعل بعطيّ من الحذف فيؤول إلى رميّ، ووجه إبدال المتوسطة واوا مع سلامة الثالثة كراهة اجتماع الأمثال، وعلى هذا يقول: رميو، ويصير من المنقوص، ووجه إبدالها ألفا مع سلامة الثالثة - أيضا - أنها ياء تحركت وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا وعلى هذا يقال: رمياي (¬1). قال ناظر الجيش: لما كان الفصل المفروغ منه متضمنا لذكر حكم ما اجتمع فيه من الكلمة أربع ياءات وثلاث - أيضا - ضمن هذا الفصل حكم ما اجتمع فيه من الواوات ثلاث، وكذا ما اجتمع فيه منها أربع - أيضا - ثم إنه استفتح الفصل بشيء يقصد به التمهيد لما يذكره ويتضمن الاستدلال على إثبات مراده وهو أنهم اجتنبوا ضمة في واو واقعة قبل واو أخرى ولذلك عدلوا عن: مقوول، إلى: مقول، وإنما اجتنبوا ذلك؛ لأن الضمة كالواو، فلو لم يجتنبوا ذلك لكانوا كأنهم أتوا بثلاث واوات في كلمة، ولا شك في أن ذلك يثقل، قال: فإذا كانوا قد اجتنبوا أن يأتوا بضمة في واو تليها واو أخرى فاجتناب ثلاث واوات أحق؛ لأنهم إذا اجتمعوا مع الواوين ما يقرب من الواو فإن يجتنبوا الواو نفسها معهما أحق وأولى وهو استدلال لطيف، وإنما قال: غير عارضة؛ ليحترز من الضمة العارضة، فإن ذلك جائز فيها؛ لأنهم لم يستثقلوها لعروضها، ومثال ذلك أن تأتي بمضارع هوى مسندا إلى ضمير الجماعة المذكرين فتقول، يهوون، والأصل يهويون فالضمة التي على - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 165 أ) والمساعد (4/ 149).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو عارضة؛ لأن أصلها الكسر، فلما مهّد هذا الأصل ذكر ما يفعل إذا اتفق اجتماعها، فقال: إن الثالثة أو الثانية تقلب ياء، وقد مثّل لذلك بأن تبني من القول فعلا على وزن: افعوعل، فتقول: اقووّل، ثم تقلب الثالثة أو الثانية ياء، وأيّا ما قلبت منهما لزم من ذلك قلب الأخرى ياء، وإدغام الياء في الياء، فتصير: اقويّل؛ لأن الياء والواو إذا اجتمعا وسبق (إحداها) (¬1) بالسكون وجب قلب الواو ياء والإدغام على ما عرف في موضعه. واعلم أن ابن عصفور ذكر هذا المثال فقال: وتقول في مثل افعوعل من القول: اقووّل، هذا مذهب سيبويه (¬2)، وأما أبو الحسن فيقول: اقويّل؛ لأنه يستثقل اجتماع ثلاث واوات وإلى ذلك ذهب أبو بكر (¬3)، واحتج بأنهم إذا كانوا يستثقلون الواوين والضمة في مثل: مصوغ، فلا يكملون البناء إلا فيما شذّ، فالأحرى فيما اجتمع فيه ثلاث واوات، وهذا الذي احتجّ به لا يلزم؛ لأن مصوغا وأمثاله إنما استثقل فيه الواوان والضمة لجريانه على الفعل المعتل وإلا فإنهم يتمّون في مثل: قووّل في فصيح الكلام؛ لأنه غير جار على معتلّ، فإن قيل: فإنكم تقولون في مثل عرقوة من الغزو: غزوية، وقد تقدم استثقالا للواوين والضمة مع أنه ليس بجار. فالجواب: أن الطرف يستثقل فيه ما لا يستثقل في الوسط؛ لأنه محل التغيير، ألا ترى أنهم يقلبون في مثل: عصيّ، ولا يلزم ذلك في مثل: صوّم. فإن قيل: فإن وجدتم ثلاث واوات محتملة في كلام العرب. فالجواب: أنه لا يعلم من كلامهم ما اجتمع فيه ثلاث واوات حشوا البتة [6/ 172] لا مصححا ولا معتلّا، فيحمل هذا عليه، والتصحيح هو الأصل فالتزم هذا مع أن ما يقرب منه موجود في كلامهم وهو مثل: قوول، ألا ترى أن فيه واوين وضمة والضمة مثل الواو ولم يغير شيء من ذلك، وأما ما ذهب إليه ابن جني من أن لقائل أن يفرق بين: غزوية واقووّل، بأن يقول: قد يستثقل في الاسم ما يصح في الفعل واستدلاله بصحة يغزو (¬4) وأمثاله وإعلال أدل وأمثاله - ففي نهاية الفساد؛ لأن - ¬

_ (¬1) في النسختين: إحديهما. (¬2) الكتاب (2/ 376) والمنصف (2/ 244) والمقتضب (1/ 312، 323). (¬3) ابن السراج واستظهره ابن جني انظر: الممتع (2/ 747) والمنصف (2/ 244) والمقتضب (1/ 323). (¬4) المنصف (2/ 290 - 291).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل أثقل من الاسم بلا خلاف، وأكثر إعلالا، فكيف يصح فيه ما يعتل في الاسم الذي هو أخف، وأما صحة: يغزو وإعلال أدل، فلأمر عرض قد بيّن في موضعه، فالصحيح عندي ما ذهب إليه سيبويه، فإن بنيته للمفعول قلت: أقووول على القولين جميعا، فلا تدغم، ولا يستثقل اجتماع الواوات؛ لأن الواو المتوسطة مدة محكوم لها بحكم الألف، فكأنه ليس في الكلمة إلا واوان بينهما ألف، وقد حكي عن الأخفش أنه قلب الأخيرة ياء فقال: اقوويل، والأوّل أشهر عنه، وهو الصحيح (¬1)، انتهى كلام ابن عصفور، وهو موافق لما ذكره المصنف، غير أنه ذكر أن مذهب سيبويه في المثال المذكور التصحيح، والمصنف ساكت عن ذكر مذهب سيبويه، فعدم تعرضه لذلك: إما لأنه لا يرى أن مذهب سيبويه هو الذي ذكره، وإما لأنه خالفه عن علم به، وإما لأنه لم يحط علما بمذهبه، ولكن تبيّن أن أبا الحسن وابن السراج وابن جني على القول الذي قاله المصنف، والعلة التي أشار إليها هي بعينها التي احتج بها ابن السراج، وهي أنهم يقولون: مصوغ ولا يكملون البناء فيقولون: مصووغ إلا ما شذ؛ وذلك لاجتماع واوين وضمة، فكيف باجتماع ثلاث واوات، وأما قول ابن عصفور: إن ذلك إنما كان في نحو: مصوغ لجريانه على الفعل المعتل واستدلاله بنحو: قوول، فإنه يتم؛ لأنه غير جار على معتل (¬2)، فلم أفهم كون: قوول غير جار على معتل؛ لأن الذي يفهم من قولهم هذا جار على الفعل أن ينتظم هو والفعل في اشتقاقهما من المصدر، وأن يكون دالّا على ذات ومعنى، ولا شك أن قوولا كذلك، غاية ما فيه أن الجاري الحقيقة هو قائل، وقوول محوّل عنه للمبالغة إلا أن يقال: إن قوولا لا يلاقي المعتل إنما يلاقي: قول الدال على الكثرة في القول، وقول ليس فعلا معلّا، إنما هو فعل صحيح، وهذا فيه بعد؛ لأنه لو كان الأمر كذلك وهو أن قوولا إنما يلاقي قول فكان كلاهما مشتقّا من المصدر الذي هو قياس: قول وهو: التقويل، ويلزم من ذلك أن لا تكون الصيغة المذكورة محوّلة عن فاعل، وهم قد نصوا على أنها وأخواتها محوّلة، واعلم أن الأخفش إنما أجاز: اقوويل في أحد قوليه؛ لأنه فرع عن: اقووّل، وقد أعلّه وهو مبني للفاعل فقال فيه: اقويّل، فلما بني للمفعول استصحب الحالة التي كانت له - ¬

_ (¬1) الممتع (2/ 747 - 750). (¬2) الممتع (2/ 748).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قبل، ثم لما ذكر المصنف حكم ما اجتمع فيه ثلاث واوات شرع في ذكر حكم ما اجتمع فيه أربع واوات، وأشار إلى ذلك بقوله: وقد يعرض اجتماع أربع، وذكر في الكتاب مثالين: أحدهما يعلّ فيه اثنان، والآخر يعلّ فيه ثلاثة، فأما الأوّل فأشار إليه بقوله: فتعلّ الثالثة والرابعة نحو: قوّيّ مثل جحمرش من قوة، وذلك أن أصله قوووو، فتدغم الواو الأولى لسكونها في الثانية، وتبدل الواو الثالثة ياء لاستثقال اجتماع الواوات، وتقلب الرابعة بالكسر ما قبلها فيقال: قويّ؛ لأنه صار منقوصا (¬1)، وأما الثاني فأشار إليه بقوله: وقد تعلّ معها الثانية أي: مع الثالثة والرابعة نحو: اقويّا مثل: اغدودن منها أي: من قوة وذلك أن الأصل: اقووو فأعلت الآخرة بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأعلت ما قبلها لاجتماع ثلاث واوات وأعلّت الثانية؛ لأن الثالثة لمّا قلبت ياء التقت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار: اقويّا (¬2)، وأما قوله: وذا أولى من قوّو واقووّا فإن المراد منه بقوله: وذا، الإشارة إلى ما تقدم ذكره من المثالين يعني أن ما ذكره من: قوّيّ مثال جحمرش من: قوّة أولى من: قوّو ومن: اقويّا، مثال: اغدودن منها أولى من اقووّا، والمراد أن إعلال الواو الثالثة بقلبها ياء أولى من تصحيحها في البناءين أعني بناء جحمرش من قوة، وبناء اغدودن منها، وإنما كان أولى لاستثقال اجتماع ثلاث واوات، وقوله: وفاقا لأبي الحسن، يعني أن أبا الحسن هو الذي يعل الثالثة، وغيره يصحح، وأما إعلال الرابعة فمتفق عليه (¬3) قاله الشيخ، وقال أيضا: قد تقدم أن مذهب أبي الحسن وأبي بكر في: افعوعل من القول الإعلال، فيحتمل أن يكون قوله: وذا أولى، راجعا إلى المسألتين وهما عروض اجتماع ثلاث واوات، وعروض اجتماع أربع واوات (¬4)، انتهى. وأقول: لو لم يقل المصنف: من قوّو واقووّا، بعد قوله: وذا أولى، لأمكن رجوعه إلى المسألتين، لكن قوله: ذلك يمنع الرجوع إليهما. وأما قوله: وحيّو أو حيّا في مثال جحمرش من حييت أولى من حيّاي، فإنه أراد به أن يبين حكم الكلمة إذا اجتمع فيها أربع ياءات كما بين حكمها إذا اجتمع فيها أربع - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 166 أ) والمساعد (4/ 150). (¬2) انظر: التذييل (6/ 166 أ) والمساعد (4/ 150). (¬3) التذييل (6/ 166 ب). (¬4) المرجع السابق.

[من مواضع قلب الواو ياء]

[من مواضع قلب الواو ياء] قال ابن مالك: (فصل: تبدل ياء الواو الملاقية ياء في كلمة إن سكّن سابقهما سكونا أصليّا ولم يكن بدلا غير لازم ويتعين الإدغام، ونحو: عوية وضيون وعوّة وريّة شاذّ وبعضهم يقيس على ريّة، فيقول في قوي مخفّف [6/ 173] قويّ: قيّ). ـــــــــــــــــــــــــــــ واوات، لا يقال قد تقدم له في الفصل المتقدم على هذا الكلام على حكم أربع الياءات فيكون هذا المذكور الآن تكريرا؛ لأن الكلام في الفصل السابق إنما هو في الياء المشددة إذا التقت مع مثلها في كلمة، وليست الياءات التي نذكرها الآن بهذه الصفة، فإذا أتي بمثال جحمرش من حييت، فالأصل: حيييّ فتدغم الأولى في الثانية لسكونها، وتبدل الثالثة واوا كراهة اجتماع الأمثال فيقال: حيّو، ويصير منقوصا، فهذا وجه، والوجه الآخر أن مثال الكلمة بعد الإدغام حيّيّ فيجتمع فيه ما يجتمع في تصغير عطاء، فتحذف الآخرة فتبقى الياء التي قبل المحذوفة متحركة وقبلها فتحة فتنقلب ألفا فيقال: حيّا ووجه من قال: حيّاي - أن الثالثة ياء تحركت وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، وسلمت بذلك الياء الآخرة من الحذف وفهم من كلامه أن ثلاثة الأوجه جائزة، لكن الوجهان الأوّلان أولى من الثالث (¬1). قال ناظر الجيش: قد تقدم الإعلام بأن من المواضع التي تبدل فيها الواو ياء الموضع الذي افتتح به هذا الفصل، وأن المصنف إنما أفرده عن المواضع التي تناسبه وذلك الأمر هو اختصاصه عنها بأمر زائد على الإبدال وهو الإدغام. والحاصل: أن الواو تبدل ياء إذا لاقت ياء، وذلك بشروط: الأول: أن يكون التقاؤهما في كلمة، فلو كان أحد الحرفين في كلمة، والآخر في كلمة أخرى؛ انتفى هذا الحكم نحو: يعطي واقد، ويغزو ياسر (¬2). الثاني: أن يسكن السابق منهما، فلو سكن المسبوق؛ انتفى هذا الحكم أيضا نحو: طويل وغيور (¬3). - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 166 ب) والمساعد (4/ 151) والرضي (3/ 191) وابن جماعة (2/ 263). (¬2) انظر: الأشموني (4/ 313). (¬3) انظر: الكتاب (2/ 372) والأشموني (4/ 313).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الثالث: أن يكون السكون أصليّا، فلو كان السكون عارضا لم يؤثر نحو: قوي مخفف قويّ (¬1). الرابع: أن لا يكون الحرف السابق بدلا من غيره بدلا جائزا، وعبر عن ذلك المصنف بقوله: ولم يكن بدلا غير لازم فلو كان مبدلا من غيره بدلا جائزا لا يثبت الحكم المذكور، وذلك نحو: روية مخفف رؤية (¬2) وقوله: ولم يكن بدلا غير لازم يدخل تحت هذا النفي أمران، ما لم يكن بدلا، بل هو أصل بنفسه، وما كان بدلا لازما كما سيأتي، وقد تضمن كلام المصنف أربعة شروط وكلامه في إيجاز التعريف يتضمن شرطا خامسا وهو ألا يكون الحرف السابق عارضا فإن كان عارضا بانقلابه عن غيره كانقلاب الواو في: بويع من ألف بايع امتنع هذا الإعلال، وقد جعل الشيخ ذلك مستفادا من قوله: ولم يكن بدلا غير لازم، فبهذا الكلام أخرج نحو: سوير وبويع، كما أخرج به نحو: روية المخفف (¬3)، وحاصله: أنه جعل البدل فيه غير لازم وفي ذلك نظر؛ فإن سائر وبائع إذا بنيا للمفعول كان إبدال الواو من الألف لازما، وإذا كان كذلك لم يكن البدل المذكور غير لازم، بل هو لازم مع أنه يمتنع فيه الإعلال المذكور كما قلنا، إذا حصل الإبدال المذكور اجتمع مثلان فيدغم أحدهما بالآخر، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: ويتعين الإدغام، إذا عرف هذا فالذي يجب فيه الإعلال لاجتماع الشروط المذكورة فيه نحو: سيّد وطيّ، أصلهما: سيود (¬4) وطوي؛ لأنهما من ساد يسود، وطوى يطوي فالواو في سيود وكذا في طوي قد لاقت ياء، وهما في كلمة والسابق ساكن سكونا أصليّا ليس مبدلا من غيره لا بدلا جائزا ولا بدلا لازما، والواو عين في الكلمتين، وقد يكون لاما نحو: دليّة تصغير (¬5) دلو، وقد تكون زائدة نحو: مرمي، وقد تكون حرف - ¬

_ (¬1) انظر: الأشموني (4/ 314) والتذييل (6/ 166 ب). (¬2) التذييل (6/ 166 ب) والمساعد (4/ 152). (¬3) التذييل (6/ 166 ب). (¬4) هذا مذهب الخليل وسيبويه وجمهور البصريين انظر الكتاب (2/ 371) والمقتضب (1/ 308)، والتكملة (ص 260)، والمنصف (2/ 15) وذهب الكوفيون والفراء إلى أن وزنه فعيل، وأصله: سويد، فأخرت الواو وتقدمت الياء فصار سيود. انظر: الإنصاف (2/ 795) وابن يعيش (5/ 65)، (10/ 70). (¬5) أصله: دليوة؛ لأنه تصغير دلو، وأتي بالتاء؛ لأن الدلو يذكر ويؤنث وتأنيثها أعلى وأكثر. انظر: المذكر والمؤنث (ص 92) والمصباح (ص 199).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الإعراب نحو: مسلميّ رفعا، ومثال ما البدل فيه لازم قوله: إيّية، وهو مثال إنفحة من أوب: إأوبة ثم: إيوبة، ثم: إيّبة (¬1). قال المصنف في إيجاز التعريف: فإن كان السابق مبدلا بدلا لازما في اسم لا يناسب الفعل فحكمه حكم الأصل؛ كمثال: إنفحة من أوب أصله: إوّبة ثم: إيوبة، ثم: إيّبة، ولا يفعل ذلك بمثل: احمرّ منه وأصله: إأوب، ثم تبدل الهمزة الساكنة ياء لسكونها بعد مكسورة، فيقال: إيوبّ ولا يعمل به ما عمل: بإيوبة حين قيل فيه: إيّبة؛ لأنه اسم جامد لا يلزم نقله إلى صيغة تصح فيه الهمزة بخلاف مثال: احمرّ، فإنه لا يستغنى فيه عن المضارع واسم الفاعل فيقال فيه: يأوبّ فهو: مؤوب، فكان التقاء الياء والواو في: إيّوب شبيها بالتقائهما في إيواء وبويع فلم يختلفا في الحكم. انتهى. وليس في كلامه في التسهيل إشعار بهذا القيد الذي ذكره في إيجاز التعريف، وقد خولف هذا الأصل الذي تقدم تقريره، أعني إبدال الواو الملاقية للياء ياء وإدغامها فيها في نحو: جدول إذا صغر فإنه يجوز فيه وجهان، الإعلال وهو كثير نحو: جديّل، والتصحيح وهو قليل، فيقال: جديول (¬2). قال في إيجاز التعريف: ومن العرب من يحمل التصغير على التكسير فيقول: جديول في تصغير جدول، واللغة الجيدة: جديّل، وكذلك ما أشبهه مما صحت الواو في جمعه على مثال مفاعل، هذا كلامه وفيه إشارة إلى أن شرط التصحيح في ذلك أن يكون ذلك المفرد يصح جمعه على مفاعل، وهذا الذي شرطه هو المعروف في هذه المسألة ولهذا جعل الضابط لجواز التصحيح: أن الواو تحرك في الواحد والجمع، فقيل: إن الواو إذا التقت مع ياء التصغير تقلب ياء إن تطرفت نحو: غزو، وغزيّ، أو كان بعدها حرف واحد ولم تحرك الواو في الواحد والجمع كقولك: عجوز وعجيّز (¬3): وأسود وأسيد، لضد الأبيض؛ لأن أسود الصفة يجمع على سود فلم تحرك واوه في الجمع، وإن هي تحركت في الواحد، فلو تحركت الواو في الواحد والجمع جاز الوجهان، تقول في جدول وأسود للحية: جديّل وأسيّد، وهو الكثير، وجديول وأسيود لقولهم: جداول وأساود، ثم قال - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 167 أ) والمساعد (4/ 152). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 118، 131) والمقتضب (1/ 256)، (2/ 241) والخصائص (1/ 155 - 157)، (3/ 84) والجاربردي (1/ 84). (¬3) انظر: الرضي (1/ 229 - 230).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف في إيجاز التعريف - بعد تقرير الإعلال في نحو: سيد وطي -: فإن استحق هذا الحكم، وكان المدغم فيه لام الكلمة وقبل المدغم ضمة وجب إبدالها كسرة كمرمي وثدي وبغي وأمنية هن في الأصل مرموي وثدوي، وبغوي، وأمنوية؛ لأن الأول اسم مفعول من فعل ثلاثي فوجب موازنته النظائر كمنسوب ومكتوب، والثاني جمع ثدي فيجب كونه على فعول كفلوس، والثالث فعول؛ لأنه إذا كان فعولا كان خلوه من هاء التأنيث باستحقاق، وإذا كان فعيلا يكون خلوه من هاء التأنيث شذوذا، ولا يصار إلى الشذوذ مع إمكان العدول عنه والرابع أفعولة من التمني؛ لأنه لو لم يكن أفعولة لكان إفعيلة وهو وزن مرفوض. انتهى. ولم يذكر ذلك في التسهيل في هذا الفصل، بل ذكره في الفصل الذي قبل هذا الفصل بفصلين، وقد قدمنا أنه لو أخر ذلك وذكره في هذا الموضع لكان أولى؛ لأنه حكم تابع لغيره، وليس مقصودا لذاته، وقد شذ عن هذا الأصل، وهو قلب الواو ياء عند اجتماعهما وإدغام إحداهما في الأخرى ما أشار إليه المصنف بقوله: ونحو: عوية وضيون، وعوّة، وريّة شاذ. والشاذ منه ثلاثة أضرب: أحدها: شذ فيه الإبدال لكونه لم يستوف شروطه، وذلك نحو: ريّة في رؤية حكاها الفراء وسمع الكسائي (¬1) قوله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) (¬2) والمقتضى لذلك الاعتداد بالعارض. الثاني: ما شذ فيه التصحيح كقولهم للسنور: ضيون، و: عوى الكلب عوية، ويوم أيوم (¬3) وحيوة. الثالث: ما شذ فيه إبدال الياء واوا وإدغام الواو في الواو، كقولهم: عوى الكلب عوّة (4)، وفلان نهوّ عن المنكر، والقياس نهيّ، كما قالوا: بغي، وهما فعول من ذوات الياء؛ لأنهما مشتقان من النهي والبغي، ومنه العوّى للنجم، قالوا: وكأنه في الأصل: عويا [6/ 174] قالوا: واشتقاقه من: عويت يده إذا لويتها؛ - ¬

_ (¬1) انظر: معاني القرآن للفراء (2/ 35) والبحر المحيط (5/ 312). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 403) والمنصف (2/ 46، 47) والممتع (2/ 506). (¬3) انظر: مجالس ثعلب (ص 123) والمنصف (2/ 160) والممتع (2/ 571).

[إبدال الواو المتطرفة بعد واوين ياء وكذلك الكائنة لام فعول جمعا]

[إبدال الواو المتطرفة بعد واوين ياء وكذلك الكائنة لام فعول جمعا] قال ابن مالك: (وتبدل ياء - أيضا - الواو المتطرفة لفظا أو تقديرا بعد واوين سكّنت ثانيتهما، والكائنة لام فعول جمعا ويعطى متلوّهما ما تقرّر لمثله من إبدال وإدغام). ـــــــــــــــــــــــــــــ لأنها كواكب ملتوية (¬1)، وإذا عرف شذوذ ما ذكر عرف أنه لا يجوز القياس على شيء منه لكن بعضهم قد قاس على قولهم: ريّة، فأجاز أن يقال: قيّ، في: قوي مخفف قويّ وهذا من الاعتداد بالعارض، ويدل على أن العرب لم تعتد بالعارض في تخفيف قوي قولهم في شقي ودني: شقي ودني بسكون العين، ولم تعد لام الكلمة إلى أصلها من الواو؛ لأن السكون عارض، فالكسرة في تقدير الثبوت، ولا شك أن الأكثر في كلام العرب عدم الاعتداد بالعارض (¬2)، وقد اعتد به قليلا وكثيرا ما يعتد به القراء رضي الله تعالى عنهم. قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان، كل منهما فيها عملان لكن أحد العملين يلزم عن الآخر فهو تابع له وناشئ عنه، ولنقدم قبل الشروع في ذكرهما أصلا، وهو أنه قد علم أن الاسم المعرب لا يختم بواو تلي ضمة، وإن أدى إلى ذلك تصريف قلبت الواو ياء والضمة كسرة كما في: أدل وأجر وكما في نحو: يغزو إذا سميت به، وكذا إذا استعملت قلنسوة على باب: نمرة ونمر، ويقال: قلنس، وكذا مصدر: تعازيت وتعزيت، يقال فيه: التعازي والتعزّي، وذلك أنه لما وجب قلب الواو ياء وجب قلب الضمة كسرة، كما أن الضمة قلبت كسرة في نحو: الترامي، والتجاري، وأصلهما: الترامي والتجاري مصدر ترامينا وتجارينا، فإن فصل بين الواو المتطرفة وبين الضمة واو ساكنة، فإن كانت الكلمة جمعا لم يعتد بالفاصل وجعلت الواو وكأنها وليت الضمة فيكون حكمها مع الفاصل المذكور كحكمها دونه فتعلّ وقد تصحح شذوذا وإن كانت الكلمة غير جمع فالأكثر الاعتداد بالفاصل فيصحح، وقد لا يعتد به، وقد يرجح إعلاله في بعض الصور، وسيأتي ذكر ذلك مفصلا إن - ¬

_ (¬1) قال ابن جني في المنصف (2/ 159): «ومثل ذلك من كلامهم: العوى لهذا النجم، قال لي أبو علي وقت القراءة: إنها في الأصل: عويا؛ لأنها كواكب ملتوية قال: واشتقاقها من عويت يده: أي: لويتها فقلبوا الياء واوا وأدغموا فيها الواو الأولى فصارت عوّى مثل: روّى والعلة واحدة» وانظر التذييل (6/ 168 أ). (¬2) انظر: التذييل (6/ 168 أ)، والمساعد (4/ 153).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ شاء الله تعالى، وحاصل ما يذكر هنا: أنه إذا وقع قبل لام الكلمة واو ساكنة فيما كان جمعا مما لامه واو فبابه الإعلال نحو: عتي وجثي (¬1)، في جمع عات وجاث، والتصحيح فيه نادر كقولهم نحو ونحو (¬2)، وأب وأبو، وما كان غير جمع مما لامه واو أيضا، فإن كان مصدرا ففيه وجهان: التصحيح والإعلال، والتصحيح أكثر، وذلك نحو: بدا الشيء يبدو بدوّا: ظهر (¬3)، وحنا عليه يحنو حنوّا: عطف (¬4)، وخبت النار تخبو خبوّا: سكن لهبها (¬5)، وسلاه يسلوه سلوّا: تركه (¬6)، وعتا يعتو عتوّا: تجبّر (¬7)، وأما الإعلال فنحو: ضحا يضحو ضحيّا: برز للشمس (¬8)، وعتا الشيخ يعتو عتيّا: بلغ غاية الكبر، وعسا الشيخ يعسو عسيّا وعسوّا: كبر وولى، والعود: يبس وصلب (¬9). وإن كان اسم مفعول فإما أن يكون من فعل أو فعل، فإن كان من فعل فقياسه التصحيح وهو الغالب في الاستعمال نحو: دررت الشيء فهو مدروّ ورجوت زيدا فهو مرجوّ وغزوته فهو مغزوّ، وعدوت عليه فهو معدوّ عليه، ويجيء فيه الإعلال ومجيئه فيه أكثر من مجيئه في المصدر نحو: مغزيّ ومعديّ عليه، وإن كان من فعل فقياسه والمعروف في استعماله الاستثقال حملا على الماضي وذلك نحو: ضري الكلب بالصيد فهو مضريّ به، وغبي عن الأمر غباوة فهو مغبيّ عنه، وشهيت الشيء شهوة فهو مشهيّ، ورضيت بالشيء فهو مرضيّ. - قال الله تعالى: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (¬10)، وقد قيل: مرضوّة ولكنهم حكموا بندوره (¬11)، وإذا تقرر هذا فاعلم أن المصنف سيذكر فعولا غير الجمع بعد، وأما فعول الجمع فقد أشار إليه بقوله: والكائنة لام فعول جمعا، فإنه عطفه على ما يبدل فيه الواو المتطرفة ياء، وهذه إحدى المسألتين اللتين تضمنهما كلامه الآن فكأنه قال: وتبدل ياء - أيضا - الواو المتطرفة الكائنة لام فعول جمعا، ومثال ذلك ما تقدم من: عتي وجثي جمعي عات - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 382) والمنصف (2/ 123). (¬2) انظر: المرجعين السابقين. (¬3) اللسان «بدا». (¬4) اللسان «حنا». (¬5) اللسان «خبا». (¬6) اللسان «سلا». (¬7) اللسان «عتا». (¬8) اللسان «ضحا». (¬9) اللسان «عسا». (¬10) سورة الفجر: 28. (¬11) انظر: توضيح المقاصد (6/ 70) وابن عقيل على الألفية (4/ 239).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وجاث، وكذا: دلي وعصي جمع دلو وعصا، أصلهما: دلوّ وعصوّ، واحترز بقوله: جمعا، عما ليس جمعا كعتو وعلو مصدري عتا وعلا ولم يكتف بقوله: جمعا، بل قيده بـ: فعول؛ لأن ما لامه واو قد يجمع على غير فعول، فلا يكون له هذا الحكم، فيحصل في الواو المتطرفة في نحو: جثي ودلي الإبدال ياء كما أشار إليه بقوله: وتبدل ياء - أيضا - الواو إلى أن قال: والكائنة لام فعول جمعا وفي الواو التي قبلها الإبدال والإدغام أي: إبدالها ياء - أيضا - وإدغامها في الياء التي بعدها، وإلى ذلك يشير قاصدا هذه المسألة وما قبلها بقوله: ويعطى متلوهما ما تقرر لمثله من إبدال وإدغام، وأما إبدال الضمة التي قبل الواو المبدلة كسرة فقد ذكره المصنف في الفصل الذي قبل هذا الفصل بفصلين وقلنا هناك: إنه لو أخر الكلام في ذلك إلى أن يقرنه بمسألته في هذا الفصل كان أولى. وأما المسألة الأخرى من المسألتين اللتين تضمنهما كلامه، فهي التي قيد الواو المتطرفة فيها بكونها بعد واوين سكنت ثانيتهما وقد مثل لذلك بأن تأتي باسم مفعول من قوي، قال المصنف في إيجاز التعريف - بعد أن تكلم على نحو: مرميّ وذكر أن إعلاله يؤثر على تصحيحه -: فإن كانت - يعني الواو المتطرفة الواقعة بعد واو زائدة - في مفعول مما عينه واو تعين الإعلال المذكور، يعني إبدال الواو المتطرفة ياء، ثم إبدال التي قبلها كذلك، وإدغام الأولى في الثانية، ثم إبدال الضمة التي قبل كسرة نحو: قوي على زيد، فهو مقويّ عليه، أصله: مقووو فاستثقل توالي ثلاث واوات بعد ضمة فلجئ إلى التخفيف بالإعلال (¬1). قال: وأيضا فإذا كان إعلال: معدوّ جائزا مع أن تصحيحه لا يوقع في بعض ما يوقع تصحيح: مقويّ فإعلال مقوي لإيقاعه فيما ذكر متعين لا محيص عنه. انتهى. وأفاد المصنف بذكر هذه المسألة أن هذا الإعلال يكون واجبا في مفرد وهو اسم المفعول مما عينه ولامه واوان، كما أنه واجب في فعول جمعا، بل ربما يصحح فعول الجمع شذوذا وأما مقوي فلا يصح أصلا، وعلى هذا يكون هذا الإعلال واجبا في شيئين مفرد مقيد بالقيد المذكور وفعول الجمع، ومثل: مقوي من قوي أن تبني من: الغزو مثال: عصفور فإنه يقال فيه: غزووو، ثم يقال: غزويّ بالعمل السابق، وهذا الذي ذكر كلمة الواو فيه [6/ 175] متطرفة لفظا، - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 393) والمنصف (2/ 277) والممتع (2/ 776).

[ما يجوز فيه الإعلال والتصحيح]

[ما يجوز فيه الإعلال والتصحيح] قال ابن مالك: (فإن كانت لام مفعول ليست عينه واوا، ولا هو من فعل، أو لام أفعول أو أفعولة أو فعول مصدرا أو عين فعّل جمعا، فوجهان، والتّصحيح أكثر، فإن كان مفعول من فعل ترجّح الإعلال). ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما المتطرفة تقديرا فمثاله ما تقدم، غير أن الكلمة تكون مختومة بهاء التأنيث، فحكم مقوووة وغزوووة حكم مقوو وغزووو، فيقال فيهما، مقويّة وغزويّة. قال المصنف في إيجاز التعريف لما ذكر إعلال مقوي: وهذا الإعلال متعين أيضا لكل ما آخره كآخر مفعول مبنيّا مما عينه ولامه واو وإن لحقته التاء فكذلك، لا فرق بين تقدير لزومها وتقدير عروضها. قال الشيخ: وهذا الذي ذكره المصنف من الإبدال والإدغام في مثل: عصفور من: الغزو، وأنه يقال فيه: غزويّ هو مذهب سيبويه (¬1)، وذهب الفراء إلى أنه لا يعلّ، وتدغم الواو الثانية في الأخيرة، فيقال: غزووّ. قال: ولا حجة في مقويّ، وإن كان سمع لأنه محمول على الفعل، فكما اعتلت في قوي لموجب اعتلت في مقوي، وإن لم يوجد الموجب حملا على الفعل (¬2) كما أعلوا مرضيا حملا على رضي، وإن كانت علّة الإبدال موجودة في رضي، مفقودة في مرضي، وأما: عصفور فاسم ليس جاريا على الفعل فصار نظير عدد. انتهى. وهذا الكلام يقتضي أن الفرّاء يعل في اسم المفعول نحو: مقوي، وإن كان لا يعل في: غزووة؛ لأن تعليله يرشد إلى ذلك. قال ناظر الجيش: لمّا ذكر ما يجب فيه الإعلال، وهو اسم المفعول الذي لامه واو وعينه واو - أيضا - والذي هو من فعل، وفعول الذي لامه واو وهو جمع، شرع في ذكر ما فيه الإعلال والتصحيح وقد ذكر خمس مسائل منها مسألتان تقدمت الإشارة إليهما في التقسيم، هما ما لامه واو من اسم مفعول ليست عينه واوا، وليس هو من فعل ومن فعول مصدرا والثلاث الأخر منها إما الواو فيه لام وهو اثنتان، ومنها ما الواو فيه عين من فعّل جمعا وهو واحده فمثال اسم المفعول المقيد بما - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 393) والمقتضب (1/ 277) والمنصف (2/ 276) والممتع (2/ 745) والتذييل (6/ 168 ب) والمساعد (4/ 154). (¬2) انظر: التذييل (6/ 168 ب) والمساعد (4/ 154).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذكر: مغزوّ ومعدوّ: ومغزي ومعدي، ومثال ما لامه واو من فعول المصدر: عتا عتوّا وعتيّا. ومثال أفعول وأفعولة مما لامه واو أدحوّ وهو بيض النعام وأدحيّ، وأدعوّة وأدعيّة، ومثال ما الواو فيه عين من فعّل جمعا صوّم ولوّم وصيّم وليّم جمعي صائم ولائم، واحترز بقوله: جمعا من فعّل غير جمع نحو: حوّل، فإنه مفرد صفة لاسم مفرد يقال فيه: رجل حوّل إذا كان كثير التحوّل (¬1)، وقد ذكر المصنف أن في نحو هذه المسائل وجهين، وأن التصحيح أكثر يعني أكثر من الإعلال، وتوجيه الإعلال على قلته كون الواو متطرفة لم يفصل بينها وبين الضمة إلا حاجز غير حصين، وهو الواو الساكنة الزائدة الخفية بالإدغام فكما تقلب الواو ياء إذا تطرفت وقبلها الضمة وتقلب الضمة التي قبلها كسرة فكذلك تقلب هنا، ومن شواهد الإعلال قول الشاعر: 4308 - وقد علمت عرسي مليكة، أنّني ... أنا اللّيث معديّا وعاديا (¬2) قال الشيخ بعد شرح كلام المصنف: ليس الأمر في ذلك كما ذكر، بل الإعلال شاذ في جمع ما مرّ مما لامه واو ولا يطرد إلا في الجمع على فعّل؛ إذ لا يطرد الإعلال في المفرد والقياس التصحيح، وأما فعّل الجمع فإنه يجوز فيه قلب الواو الأخيرة ياء، ثم تقلب الواو الأولى ياء وتدغم الياء في الياء حملا للعين على اللام، وذلك نحو: صائم وصوّم، وجائع وجيّع قال الشاعر: 4309 - ومعرّض تغلي المراجل تحته ... عجّلت طبخته لرهط جيّع (¬3) يريد: جوّعا، وقد قيدوا ذلك بقيد لم يتعرض له المصنف وهو أن تكون الكلمة صحيحة اللام أما إذا كانت معتلة اللام فإنه لا يجوز قلب الواو ياء كراهة توالي - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 169 أ) والمساعد (4/ 156) والممتع (2/ 494). (¬2) من الطويل لسحيم وليس في ديوانه، ونسب إلى عبد يغوث بن وقاص الحارثي. وعرس الرجل: زوجته، ومليكة - بالتصغير -: اسمها، وهو بدل أو عطف بيان، وروي: معدوّا بدل معديّا، والشاهد على رواية الشارح: قلب واو (معدوّا) ياء شذوذا وقلب الضمة كسرة استثقالا للضمة والواو في الطرف. ومعنى البيت قد علمت زوجتي أني بمنزلة الأسد فمن ظلمني فإنما ظلم الأسد فلا بد أني أهلكه، وانظره في الكتاب (2/ 382) والعيني (4/ 589) والمفضليات (ص 158) وشرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 400، 401). (¬3) من الكامل، قائله الحادرة وسبق الاستشهاد به.

[تصحيح الواو وهي لام فعول جمعا]

[تصحيح الواو وهي لام فعول جمعا] قال ابن مالك: (وقد يعلّ بذا الإعلال ولامه همزة وقد تصحّح الواو وهي لام فعول جمعا ولا يقاس عليه خلافا للفرّاء، وربّما أعلّت وهي عين فعّال جمعا). ـــــــــــــــــــــــــــــ إعلالين من جهة واحدة وذلك نحو شاو وشوّى (¬1) ذكر ذلك الإمام أبو الحسن ابن عصفور (¬2)، ومنه أخذ الشيخ فقال: إن للإعلال شرطا أهمله المصنف وذكر ما تقدم (¬3)، ثم إن المصنف لما قيّد اسم المفعول الذي يجوز فيه الوجهان بأمرين، وهما أن عينه لا تكون واوا وأنه لا يكون من فعل تعين أن حكم ما عينه واو من ذلك وما هو من فعل مخالف لما ذكر، وكان قد ذكر حكم ما عينه واو مقرونا بحكم فعول جمعا وجب أن يذكر حكم ما هو من فعل، ولا شك أن فيه الوجهين، لكن الإعلال أكثر من التصحيح، بل التصحيح في غاية القلّة. قال الشيخ: والذي ذكره أصحابنا أن الإعلال شاذ وأن التصحيح هو القياس (¬4). انتهى. وهذا الذي ذكره قاله عن المغاربة (¬5)، مصادم للمسموع، وكفى بالقرآن العزيز شاهدا لما قال المصنف، فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ (¬6)، ثم إن المصنف لما تكم في إيجاز التعريف على فعول المصدر ومفعول قال: والتزم تصحيح فعول كعدوّ وعفوّ؛ لأنه لو أعل بالإعلال المذكور التبس بفعيل كجليّ وزكيّ بخلاف فعول ومفعول؛ فإن التباسهما بغير بنائهما مأمون؛ إذ ليس في الكلام فعّيل ولا مفعيل، إلا ما ندر كسكين، فإذا ظفر بما يوازيهما علم أنه مغير عن أصله كبكيّ وبكي. قال ناظر الجيش: تضمن هذا الكلام ثلاث مسائل، حكم كل منها مخالف لما تقدم تقريره ولهذا نبّه عليها: - ¬

_ (¬1) التذييل (60/ 169 أ). (¬2) قال في الممتع (2/ 498): «وإذا كان الوجه في اللام أن تثبت لم يجز في العين إلا الثبات؛ لأن العين أقوى من اللام. وكذلك - أيضا - لا يجوز قلب الواو الواقعة عنها في الجمع إذا كانت اللام معتلة كراهية توالي الإعلال من جهة واحدة وذلك نحو: شاو وشوى». (¬3) التذييل (6/ 169 أ). (¬4) المرجع السابق (6/ 169 ب). (¬5) المرجع السابق، وانظر: المساعد (4/ 156). (¬6) سورة يونس: 32.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأولى: أن لام فعول أو مفعول إذا كانت همزة نحو: قروء ومقروء وقصد تخفيف الهمزة فلا شك أن قياسها في التخفيف الإبدال واوا وإدغام ما قبلها فيها، فيقال: قروّ ومقروّ، فالواو الواقعة آخرا عارضة؛ لأنها بدل عن همزة وإذا كانت عارضة امتنع أن تعامل معاملة الواو الأصلية في جثيّ ومعدوّ، ولكن قد جاء مشنيّ. قال الشاعر: 4310 - كورهاء مشنيّ إليها حليلها (¬1) ولا شك أن الأصل شنأه يشنؤه فهو مشنوء، فلما خفف قيل: مشنوّ على القياس فوقعت الواو طرفا وقبلها واو تالية لضمة، لكنها - أعني المتطرفة - عارضة، فإذا لم يعتد بالعارض وهو الأكثر بقي الأمر على ما هو عليه؛ وإن اعتد بالعارض جاز أن يجري مجرى مغزيّ ومعديّ، فيقال: مشنيّ أشار المصنف بقوله: وقد يعلّ بذا الإعلال ولامه همزة، وأشار بذي الإعلال إلى ما ذكره من الإبدال والإدغام وإبدال الضمة كسرة وهذا الذي [6/ 176] قررته المقتضي لإعلال مشنوّ هو الظاهر، ولكن المصنف لما أنشد في إيجاز التعريف شطر البيت المتقدم قال: فبناه على شنيّ بإبدال الهمزة ياء؛ لأنها مفتوحة بعد كسرة وقد حكي أن من العرب من يقول: كليته بمعنى: كلأته ومكليّ بمعنى: مكلوء أي: محفوظ، فمشنيّ أولى بذلك (¬2) لكسر عينه. قال: ولو جعل هذا مطردا - أعني إبدال الهمزة ياء إذا كانت لام مفعول من فعل على فعل كشني - كان صوابا وكذلك إذا بني على فعل، وإن كان أصله فعل بفتح العين (¬3)، فليس هذا بأبعد من قول من قال: مشيب ومهوب، جعلا على شيب وهوب، وهما من الشوب والهيبة، قال وهذا منبه على أن إعلال: معدوّ ونحوه حمل على: عدي وعاد مع تقدير طرح المدّة الزائدة فيشبه أدلوا فيعامل معاملته حين قيل فيه: أدل. - ¬

_ (¬1) عجز بيت لأنيف بن زبان وصدره: ما خاصم الأقوام من ذي خصومة (¬2) أي: بالإعلال. (¬3) انظر: التذييل (6/ 169 ب) والمساعد (4/ 157).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المسألة الثانية: أن الواو قد تصح وهي لام فعول جمعا، وقد قدّمنا الإشارة إلى ذلك في التقسيم السابق، لكن لمّا لم يكن في كلام المصنف حين ذكر فعولا الجمع إشعار بذلك صرّح به هنا، ومثال التصحيح قولهم: أبو وأخو وبنو ونحو، وهو جمع: أب وأخ وابن ونحو، وقال المصنف في إيجاز التعريف: وقد يجيء هذا الجمع مصححا كأبوّ ونحو، في جمع: أب ونحو إن لم تكن عينه واوا كلامه؛ كجوّ لو جمع على فعول وهذا القيد لم يذكره في التسهيل ولا بد منه، ثم قال: وشذ تغليب الواو في قولهم: فتى وفتو حكاه الفراء، وممكن أن يكون فتو على لغة من قال في التثنية: فتوان (¬1)، حكاه يعقوب (¬2)، فلام فتى على هذه اللغة واو لا أعرف كونها ياء لاجتماع العرب على فتية وفتيان. انتهى. ثم قد عرفت أن تصحيح فعول الجمع شاذ لقلة ما جاء منه، وإذا كان كذلك فالقياس عليها لا يسوغ، ولهذا كان مذهب الفراء على ذلك مرجوحا في القياس (¬3). المسألة الثالثة: أنه قد تعل الواو بإبدالها ياء، وهي عين فعال جمعا كصوّام فيقال فيه: صوم، وقد تقدم تعليل ذلك، فأما إذا كان الجمع على فعال فإن التصحيح واجب كصوّام ونوّام؛ لأن العين تباعدت بالألف عن الطرف، وقد جاء نيّام فحكموا عليه بالشذوذ. قال الشاعر: 4311 - ألا طرقتنا ميّة ابنة منذر ... فما أرّق النّيّام إلّا سلامها (¬4) فإلى ذلك الإشارة بقوله: وربما أعلت وهي عين فعّال جمعا. وذكر ابن عصفور في الممتع أن حرفا قد شذ وهو قولهم: فلان في صيّابة قومه، يريدون صوّابة قومه أي: صميمهم وخالصهم، وهو من صاب يصوب إذا نزل كأن عرقه فيهم قد شاع - ¬

_ (¬1) ينظر: اللسان «فتا». (¬2) هو ابن السكيت صاحب كتاب إصلاح المنطق. (¬3) انظر التذييل (6/ 169 ب). (¬4) من الطويل، قائله ذو الرمة، وشاهده: قوله: النيام حيث قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، والقياس قلب الياء واوا وإدغامها في الواو فيصير النوام، وقد تقدم الحديث مفصلا عن هذا البيت.

[قلب الواو ياء لاما لفعلى]

[قلب الواو ياء لاما لفعلى] قال ابن مالك: (فصل: تبدل الياء من الواو لاما لفعلى صفة محضة أو جارية مجرى الأسماء إلّا ما شذّ كالحلوى بإجماع، والقصوى عند غير تميم (¬1)، وشذّ إبدال الواو من الياء لاما لفعلى اسما، وربّما فعل ذلك بفعلاء اسما وصفة). - وتمكّن (¬2). ومن ثمّ قال الشيخ: قال بعض أصحابنا: وقد جاء حرفان شاذّان وهما قولهم: فلان في صيّابة قومه، وقولهم: نيّام (¬3)، قال: وعلى هذا لا فائدة لقول المصنف: «جمعا»؛ لأن المفرد والجمع فيه سواء، وذلك أن: نيّاما جمع وصيّابة مفرد (¬4). قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الفصل على مسألتين؛ إحداهما تبدل فيه الياء من الواو، والثانية تبدل فيها الواو من الياء، وقد تقدمت الإشارة إلى الأولى والوعد بذكرها عند ما ذكر الأقسام التي تبدل الياء فيها من الواو، والإشارة إلى الثانية والوعد بذكرها أيضا عند ما ذكر إبدال الواو من الياء: أما المسألة الأولى (¬5): فاعلم أن كلام المصنف فيها مخالف لكلام الجماعة، فأنا أورد أولا كلام غيره ثم أثنّي بكلامه في إيجاز التعريف ثم أعود إلى لفظ الكتاب. قال ابن عصفور عند ما ذكر الأقسام التي تبدل فيها الواو ياء ما نصه: أو يكون الاسم على وزن فعلى وتكون لامه واوا، فإن العرب تبدل من الواو ياء في الاسم وذلك نحو: العليا والدّنيا والقصيا، والأصل فيها الدّنوى والعلوى والقصوى، فقلبت الواو ياء، ألا ترى أن الدنيا من: الدنو، والعليا من: علوت، وأنهم قد قالوا في القصيا: القصوى فأظهروا الواو، فإن قيل: إن هذه الثلاث صفات، فالجواب: أنها قد - ¬

_ (¬1) سقطت من النسختين وقد ذكر الشارح أثناء الشرح في القصوى هي ما قاله الحجازيون وبنو تميم يقولون: القصيا. وانظر المرجع السابق. (¬2) الممتع (2/ 498). (¬3) انظر: الممتع (2/ 498). (¬4) انظر: التذييل (6/ 169 ب). (¬5) انظر: الكتاب (2/ 384) والمقتضب (1/ 307) والتكملة (ص 269) والمنصف (2/ 161) والنزهة (ص 238)، والممتع (2/ 544) والمفصل (ص 217).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ استعملت استعمال الأسماء في ولايتها العوامل وترك أجزائها تابعة، فلذلك قلبت فيه الواو ياء فإن كانت صفة بقيت على لفظها، ولم تقلب الواو ياء نحو: خذ الحلوى، وأعطه المرّى، وقد شذ من فعلى الاسم شيء فلم تقلب فيه الواو ياء وذلك القصوى وحزوى اسم موضع، وكأن القصوى - والله أعلم - إنما صحّت فيه الواو تنبيها على أنه قد كان في الأصل صفة وإنما قلبت الواو ياء في الاسم دون الصفة فرقا بين الاسم والصفة، وكان التغيير هنا في الاسم دون الوصف كما كان التغيير في: فعلى من الياء في الاسم دون الوصف ليكون قلب الواو هنا ياء كالعوض من قلب الياء هنالك واوا وهذا أحسن - أعني قلب الواو إلى الياء - لأن في ذلك تخفيفا للثقل؛ لأن الياء أخف من الواو وهو مع ذلك على غير قياس؛ لأنه قلب لغير موجب، ولولا ورود السماع بذلك لما قيل، فأما فعلى من الياء اسما كانت أو صفة فإنها لا تغير عما تكون عليه؛ لأنهم إذا كانوا يفرون فيها من الواو إلى الياء فإذا وجدوا الياء فينبغي ألا يجاوزوها، كما أن فعلى من الواو لا تغير عما تكون عليه اسما أو صفة، لكونهم يفرون فيها من الياء إلى الواو، فإذا وجدوا الواو فينبغي ألا يعدل عنها (¬1). انتهى. وقال الشيخ أبو عمرو ابن الحاجب: وتقلب الواو ياء في فعلى اسما كالدنيا والعليا، وشذ القصوى وحزوى بخلاف الصفة كالغزوى، ولم يفرّق في فعلى من الواو نحو: دعوى وشهوى، ولا في فعلى من الياء نحو: الفتيا والقصيا (¬2). انتهى. وقد طابق كلامه كلام ابن عصفور في أن الواو تقلب ياء في فعلى اسما كالدنيا والعليا بخلاف الصفة، أما المصنف فقال في إيجاز التعريف: تبدل الياء من الواو الكائنة لام فعلى صفة محضة كالعليا، أو جارية مجرى الأسماء كالدنيا، والأصل فيهما العلوى والدنوى؛ لأنهما من العلو والدنو ولكنهما مؤنثا الأعلى والأدنى، والواو في المذكر قد أبدلت ياء لتطرفها ووقوعها رابعة؛ فقلبت في المؤنث حملا على المذكر، ولأن هذا الإعلال تخفيف فكان به [6/ 177] المؤنث أولى؛ لما فيه من مزيد الثقل بالوصفية والتأنيث بعلامة لازمة غير مغيرة في مثال مضموم الأول ملازم للتأنيث، وإذا كانوا يفرون من تصحيح الواو لمجرد ضم الأول وكون التأنيث بعلامة ليس أصلها أن تلزم فقالوا في الرّغاوة: رغاية، فأبدلوا الواو ياء - ¬

_ (¬1) الممتع (2/ 544 - 546) بتصرف. (¬2) الرضي (3/ 177).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مع الضمة، ولم يبدلوها مع الكسرة حين قالوا: رغاوة لنقصان الثقل، ففرارهم من تصحيحها مع اجتماع المستثقلات المذكورة أحق وأولى، وما جاء بخلاف ذلك فنادر كالقصوى أنثى الأقصى فإن كان فعلى اسما محضا كحزوى لم يغير لعدم مزيد الثقل وعدم ما يحمل عليه كحمل العليا على الأعلى وهذا الذي ذكرته وإن كان خلاف المشهور عند التصريفين فهو مؤيد بالدليل وهو موافق لقول أئمة اللغة، فمن قولهم ما حكاه الأزهري عن ابن السكيت وعن الفراء أنهما قالا: ما كان من النعوت مثل: الدنيا والعليا فإنه بالياء؛ لأنهم يستثقلون الياء مع ضمة أوله، وليس فيه اختلاف؛ لأن أهل الحجاز قالوا: القصوى، فأظهروا الواو وهو نادر، وبنو تميم يقولون: القصيا هذا قول ابن السكيت وقول الفراء (¬1) والواقع على وفقه، قال الله تعالى: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا (¬2)، وقال تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (¬3) وهاتان صفتان محضتان، والنحويون يقولون: إن هذا الإعلال مخصوص بالاسم، ثم لا يمثلون إلا بصفة محضة، أو بالدّنيا والاسمية فيها عارضة ويزعمون أن حزوى تصحيحه شاذ كتصحيح (¬4) حيوة، وهذا قول لا دليل على صحته فلا مبالاة باجتنابه (¬5). انتهى. وقال الشيخ بدر الدين محمد ابن المصنف في كلامه على تصريف الشيخ أبي عمرو ابن الحاجب رحمه الله تعالى: قال شيخنا - يعني أباه رحمه الله تعالى -: زعم أكثر النحويين أن الياء تبدل من الواو لاما لفعلى اسما ثم لا يمثلون إلا بصفة محضة كالعليا، أو جارية مجرى الأسماء كالدّنيا، والصحيح في هذه المسألة ما ذهب إليه أبو علي وأئمة اللغة، وهو أن الياء تبدل من الواو لاما لفعلى صفة محضة كالعليا والقصيا والدّنيا (¬6)، أنثى الأدنى، أو جارية مجرى الأسماء كالدنيا لهذه الدار إلا فيما شذ كالحلوى، بإجماع والقصوى عند غير تميم (¬7) فإن كان فعلى اسما فلا إبدال كحزوى اسم مكان؛ لأن الاسم أخف فكان أحمل للثقل بخلاف الصفة. قال: وأما قول - ¬

_ (¬1) انظر التذييل (6/ 170 أ) والأشموني (4/ 312، 313) وتوضيح المقاصد (6/ 45، 46). (¬2) سورة الأنفال: 42. (¬3) سورة التوبة: 40. (¬4) انظر: الممتع (2/ 545) والجاربردي (1/ 309). (¬5) انظر: التذييل (6/ 170 أ، ب). (¬6) انظر: التذييل (6/ 170 أ) وابن جماعة (1/ 308). (¬7) انظر: الأشموني (4/ 312).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ابن الحاجب: بخلاف الصفة كالغزوى يعني أنثى الأغزى، أفعل تفضيل من غزا يغزو؛ فهو تمثيل من عنده وليس معه ثقل، والقياس أن يقال: الغزيا كما يقال: العليا (¬1). انتهى. ولا يخفى على المتأمل ترجيح كلام المصنف في هذه المسألة وبحثه وتعليله على كلام ابن عصفور فيها، والدليل الذي ذكره المصنف ظاهر في المراد، وقد اعترف ابن عصفور بأن هذه الكلمات - أعني العليا والدنيا والقصيا - صفات، ويكفي ذلك وقد اعترف بأن قلب الواو ياء، إنما هو للفرق بين الاسم والصفة، وإذا كان كذلك فالصفة أثقل من الاسم فهي أحوج منه إلى التخفيف، وقد ذكر الشيخ أن الشيخ بهاء الدين محمد بن إبراهيم بن النحاس الحلبي (¬2) - رحمه الله تعالى - ناهيك به من نحوي حاذق ومحقق، كان يختار ما ذهب إليه المصنف (¬3)، وإذ قد عرف هذا اتضح المراد بقول المصنف في متن التسهيل: تبدل الياء من الواو لاما لفعلى صفة محضة أو جارية مجرى الأسماء إلا ما شذ كالحلوى بإجماع والقصوى عند غير تميم إذ قد مرّ ما يتضمن شرح ذلك، إلا أن قوله: والقصوى عند غير تميم يقتضي بظاهره أن بني تميم ينطقون بالقصوى، وأن ذلك شاذ في القياس، ولكنه قال في شرح الكافية: وشذ ما سلمت واوه كالقصوى، وبنو تميم يقولون: القصيا فيجرونه على القياس (¬4) وقد تقدم ما نقلناه عنه في إيجاز التعريف وهو قوله نقلا عن ابن السكيت والفراء: إلا أن أهل الحجاز قالوا: القصوى، فأظهروا الواو، وهو نادر، وبنو تميم يقولون: القصيا (¬5) وأقر هو ذلك ولم ينكره. وأما المسألة الثانية (¬6): وهي قوله: وشذ إبدال الواو من الياء لاما لفعلى اسما، فاعلم أن المشهور المعروف أن الواو تبدل من الياء لاما لفعلى اسما، وأن ذلك مطرد - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 170 أ) والنكت (2/ 1018) والأشموني (4/ 313)، وابن جماعة (1/ 308 - 309). (¬2) هو الإمام بهاء الدين شيخ العربية والأدب بالديار المصرية قرأ القراءات على الكمال القدير، وروى الإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي والمفصل وغيرهم، كان عالما في النحو واللغة والتصريف. راجع: طبقات القراء لابن الجزري (2/ 46) توفي سنة (698 هـ). (¬3) انظر: التذييل (6/ 170 أ) وابن جماعة (1/ 309). (¬4) شرح الكافية (4/ 2122). (¬5) سقط ما بين القوسين من (جـ). (¬6) انظر: الكتاب (2/ 384) والمقتضب (1/ 306) والتكملة (ص 269) والمنصف (2/ 157) والخصائص (1/ 133، 307) والنزهة (ص 240) والمفصل (ص 217) وابن يعيش (10/ 111).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: تقوى وبقوى ورعوى وسروى بخلاف فعلى الصفة فإنها لا تبدل نحو: خزيا وصديا وريا؛ وذلك للفرق بين الاسم والصفة، وخصوا الاسم بالقلب المذكور؛ لأنه أخص من الصفة فكان أحمل للثقل، وقد قال المصنف في شرح الكافية: إذا كان لام فعلى ياء وكان صفة صحّ نحو: صديا، فإن كان اسما غير صفة أعلّ - غالبا - بإبدال الياء واوا كالتقوى والبقوى (¬1)، وقال في الألفية: من لام فعلى اسما أتى الواو بدل ... ياء كتقوى غالبا جا ذا البدل (¬2) لكنه حكم بالشذوذ هنا أعني في التسهيل، وكذا في إيجاز التعريف، فإنه قال: من شواذ الإعلال إبدال الواو من الياء في فعلى اسما كالثنوى والبغوى والتقوى والفتوى (¬3) والأصل فيهن الياء؛ لأنها من: الثنى والبقى والتقى مصدر: تقيت بمعنى: اتقيت والفتيا، وأكثر النحويين يجعلون هذا مطردا، ويزعمون أن ذلك فعل فرقا بين الاسم والصفة، وأوثر الاسم بهذا الإعلال؛ لأنه مستثقل فكأن الاسم أحمل له لخفته وثقل الصفة كما أنهم حين قصدوا التفرقة بين الاسم والصفة في جمع فعله حركوا عين الاسم وأبقوا عين الصفة على أصلها وألحقوا بالأربعة المذكورة: الشروى والطغوى والعوى والرعوى، زاعمين أن أصلها من الياء، والأولى عندي جعل هذه الأواخر من الواو سدّا لباب التكثير من الشذوذ حين أمكن سدّه وذلك أن الشروى معناه المثل، ولا دليل على أن واوه منقلبة عن ياء إلا ادعاء من قال: إنه من شريت، وذلك ممنوع؛ إذ هي دعوى مجردة عن دليل مع أن الشروى إذا كان غير مشتق وافق كثيرا من نظائره كالتّد والبد والحتن، والتن والشبع والضرع، معنى كل واحدة من هذه كمعنى الشروى (¬4) ولا اشتقاق لها، فالأولى - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 2121). (¬2) الألفية (ص 77). (¬3) قال سيبويه في الكتاب (2/ 385) بولاق: «هذا باب ما تقلب فيه الياء واوا ليفصل بين الاسم والصفة وذلك فعلى إذا كانت اسما، أبدلوا مكانها الواو نحو: الشروى والتقوى والفتوى» وقال في (2/ 94): «وأما الفتى فمن بنات الياء، قالوا: فتيان وفتية وأما الفتوة والندوة، فإنها جاءت فيهما الواو لضمة ما قبلها، مثل لقضو الرجل، من قضيت، وموقن فجعلوا الياء تابعة»، وجاء في المنصف (2/ 157): «هذا باب ما تقلب فيه الواو ياء ليفرّق بين الاسم والصفة وذلك فعلى إذا كانت اسما أبدلوا من الياء واوا وذلك نحو: الشّروى، والتّقوى، والفتوى، والرّعوى، والعدوى» وانظر: الرضي (3/ 177 - 178) والخصائص (1/ 87، 134) والممتع (2/ 542 - 543). (¬4) انظر التذييل (6/ 171 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالشروى أن يكون غير مشتق، وأما الطغوى فإنه قد روي في فعله: طغيت طغيانا، وطغوت طغوانا، فرد الطغوى إلى طغوت، أولى من ردّه إلى طغيت تجنبا للشذوذ. وأما العوّى فهو من عويت الشيء إذا لويته، وقد روي منه عوّة بتغليب الواو على الياء كما فعل في: العتوة، فليس ذلك لأنه على: فعلى، ويحتمل أن يكون: عوّى مقصورا من: عوّاء فعال من: عويت فيكون واوه عينا مضعّفة كالواو في: شوّاء، إذا قصر فقيل فيه: شوا ومنع الصرف لتأنيثه باعتبار كون [6/ 178] مسماه منزله ويحتمل أن يكون منقولا من: عوّى فعّل من: عويت، فسموا المنزلة بهذا الوزن من الفعل كما سمى بشصّر: فرس، وببذّر: ماء، وبعثّر: موضع، ويعتذر عن دخول الألف واللام بما يعتذر عن دخولها في أليس، وأما: الرّعوى فهو: ارعويت، لا من: رعيت، وهذا قول أبي علي (¬1) رحمه الله وهو أولى من شذوذ يؤدي إلى قول من قال: أبدلت الواو من الياء في فعلى اسما مقاصة منها، إذا كانت هي المغلّبة عليها في معظم الكلام (¬2)، وحسب هذا القول ضعفا أنه يوجب أن يكون ما فعل، من الإعلال المطرد الذي اقتضته الحكمة ظلما وتعديا؛ إذ المقاصة لا تكون في غير تعدّ، وقولهم: فعل هذا الإعلال فرقا بين الاسم والصفة كما فرق بينهما في جمع فعله. ليس بجيد - أيضا - لأن الالتباس هناك واقع كجلدات وندبات وعدلات وحثرات، فبتسكين عيناتها يعلم أنهن جمع جلدة بمعنى شديدة، وندبة بمعنى نشيطة، وعدلة بمعنى: ذات عدالة، وحثرة بمعنى: رقيقة، وبفتحها يعلم أنهن جمع مرة من: جلد وندب وعدل وحثر، فظهرت فائدة الفرق هناك، وأما: ثنوى وأخواتها فألفاظ قليلة يكتفى في بيان أمرها بأدنى قرينة لو خيف التباس، فكيف والالتباس مأمون؛ إذ لا توجد صفات توافق ثنوى وأخواتها لفظا، ومما يبين أن إبدال يائها واوا شاذ، تصحيح ياء الريّا وهي الرائحة، والطغيا وهو ولد البقرة الوحشية بفتح طائه وضمها (¬3)، وسعيا اسم موضع فهذه الثلاثة الجائية على الأصل والتجنب للشذوذ أولى بالقياس عليها (¬4). انتهى. والذي يظهر أن الذي ذكره في الكافية - ¬

_ (¬1) التكملة (ص 101). (¬2) انظر: التذييل (6/ 171 ب). (¬3) التكملة (ص 98). (¬4) انظر: التذييل (6/ 171 ب، 172 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والألفية هو ما عليه جمهور الناس، ثم إن اجتهاده ونظره أداه إلى خلاف ذلك، وقام عنده الدليل على صحته فرجع عن ذلك إلى ما ذكره في التسهيل وإيجاز التعريف من الحكم بشذوذ الإبدال. وقال الشيخ: ما ذهب إليه المصنف من أن إبدال الواو من الياء في فعلى شاذ، إن عنى به شذوذ القياس فهو صحيح، وإن عنى به أنه لا يطرد فليس بصحيح بل ذلك مطرد في فعلى إذا كانت اسما ولامها ياء فإنها تبدل واوا قياسا مطّردا، ذهب سيبويه إلى أنهم فرّقوا في ذلك بين الاسم والصفة؛ لأنهم لا يبدلون في الصفة بل يقولون: خزيا، وصديا (¬1)، وعلّله - أيضا - بتعليل ثان، فقال: أبدلوا الياء واوا عوضا من كثرة دخول الياء عليها، كما أبدلوا الواو في الدنيا والعليا فرقا بين الاسم والصفة - أيضا - ومما يدل على اطراد ذلك قول سيبويه وقد ذكر ريّا في الصفات مع صديا وخزيا: ولو كانت ريّا لقلت: روّى؛ لأنك كنت تبدل واوا موضع اللام (¬2). انتهى. يعني أن الأصل: رويا، فتبدل الياء واوا كما فعلت في تقوى ثم تدغم الواو في الواو، قال الشيخ: فهذا نص من سيبويه على اطراد إبدال الياء واوا في الاسم (¬3)، ثم إن الشيخ نقل عن المصنف ما ذكره في إيجاز التعريف، وهو الذي ذكرناه عنه آنفا، ثم قال: وفيه تعقبات: الأول: قوله: إن هذا الإبدال في فعلى اسما من شواذ الإعلال، وقد خالف في ذلك سيبويه فإنه يرى أن ذلك ليس بشاذ، وقد عقد له بابا فقال: هذا باب ما تقلب فيه الياء واوا ليفصل بين الصفة والاسم، وذلك فعلى إذا كانت اسما أبدلوا مكانها الواو نحو: الشّروى والتّقوى والرّعوة والفتوى، وإذا كانت صفة تركوها على الأصل، وذلك نحو: صديا وخزيا وريّا، ولو كانت: ريّا اسما لقلت: روّى؛ لأنك تبدل واوا موضع اللام وتثبت الواو التي هي عين (¬4). انتهى كلام سيبويه، قال (¬5): ويدل على الاطراد والقياس. الثاني: قوله: وألحقوا بالأربعة المذكورة الشّروى والطّغوى والعوّى والرّعوى - ¬

_ (¬1) قال في الكتاب (3/ 385): «وإذا كانت - أي: فعلى - صفة تركوها على الأصل وذلك نحو: صديا وخزيا وريّا». (¬2) الكتاب (2/ 385) والتذييل (6/ 172 أ). (¬3) التذييل (6/ 172 أ). (¬4) الكتاب (2/ 384) (بولاق). (¬5) أي: الشيخ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زاعمين أن أصلها الياء. والأولى عندي جعل هذه الأواخر من الواو، أما سيبويه فذكر من هذه الأربعة الشروى والرعوى، وذكرهما فيما أصله الياء؛ وذلك لظهور الاشتقاق، ودعوى المصنف عدم الاشتقاق في شروى؛ لأن له نظائر غير مشتقة - غير سديد؛ لأنه لا يلزم من عدم الاشتقاق في النظير عدمه في نظيره. وكذلك دعواه في دعوى أنه من ذوات الواو وفاقا لأبي علي - بعيد؛ لأن سيبويه ما حكم على الرعوى بأن واوه منقلبة عن ياء إلا بعد تبيينه أن ذلك من: رعيت رعيا، وهو بمعنى الحفظ (¬1). الثالث: قوله: ومما يبين أن إبدال يائها واوا شاذ تصحيح ياء: ريّا وهي الرائحة ذهب المصنف في: الريّا إلى أنها اسم، وقد ذكرها سيبويه في الصفات، قال سيبويه: ولو كانت ريا اسما لقلت: روّى، قال بعض أصحابنا - يعني به ابن عصفور فإنه ذكر ذلك في الممتع (¬2) -: وأما ريا التي يراد بها الرائحة من قول الشاعر: 4312 - نسيم الصّبا جاءت بريّا القرنفل (¬3) فصفة من معنى: رويت، وكان الأصل فيه رائحة ريّا، أي: ممتلئة طيبا، ولو كانت اسما لكانت روّى؛ لأن أصلها: رويا، ثم تبدل الياء واوا كما فعل في: عوّى، ثم تدغم الواو في الواو، فلما لم يقولوا ذلك، علمنا أنها صفة أصلها رويا، فقلبت الواو ياء وحصل الإدغام (¬4)، والتعقبات التي ذكرها الشيخ عشرة (¬5) اقتصرت منها على ذكر هذه الثلاثة واعلم أن ابن عصفور لما تكلم على فعلى وفعلى المتقدمي الذكر ذكر فعلى فقال: وأما فعلى فينبغي أن يبقى على الأصل ولا يغير من - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 172 أ). (¬2) قال في الممتع (2/ 572): «ولو كانت اسما لكانت: روّى؛ لأن أصلها: رويا، فكنت تبدل الياء واوا كما فعلت ذلك في عوّى ثم تدغم الواو في الواو». (¬3) عجز بيت من الطويل من معلقة امرئ القيس وصدره: إذا قامتا تضوّع المشك منهما الصبا: ريح طيبة من جهة المشرق، الريا: الرائحة وهي الشاهد، يقول: إذا قامت أم الحويرث وأم الرباب فاحت ريح المسك منهما كنسيم الصبا إذا جاءت بعرف القرنفل ونشره، شبه طيب رياهما بطيب نسيم هب على قرنفل وأتى برياه، وانظره في المصنف (3/ 20، 75) والمغني (2/ 617) والممتع (2/ 572) وديوانه (32). (¬4) الممتع (2/ 572). (¬5) التذييل (6/ 172 أ، ب).

[إبدال الألف من الواو والياء]

[إبدال الألف من الواو والياء] قال ابن مالك: (فصل: تبدل الألف بعد فتحة متّصلة اتّصالا أصليّا من كلّ واو أو ياء تحرّكت في الأصل، وهي لام، بإزاء لام غير متلوّة بألف، ولا ياء مدغمة في مثلها، فإن كانت مضمومة أو مكسورة وتلتها مدّة مجانسة لحركتها قلبت ثمّ حذفت ولا تصحّح لكون ما هي فيه واحدا خلافا لبعضهم). ـــــــــــــــــــــــــــــ الياء أو من الواو؛ لأن التغيير في فعلى وفعلى على غير قياس، ولولا السماع لما قيل به، ولم يرد سماع بتغيير في فعلى فينبغي أن يبقى على الأصل، وأيضا فإن التغيير إنما وقع في هذا الباب فرقا بين الاسم والصفة وفعلى لا يكون صفة، فلا ينبغي أن يغيّر؛ لأنه لا يحصل بتغيرها فرق بين شيئين (¬1). انتهى. وتلخص أن فعلى تبدل لامها إذا كانت واوا ياء فالمصنف يقول ذلك في فعلى صفة، وإذا كانت اسما لا تغير، وغيره يقول ذلك في فعلى اسما وإذا كانت صفة لا تغير، وأن لامها، إذا كانت ياء لا تغير اسما كان أو صفة نحو: الفتيا والقصيا. وأما فعلى فتبدل لامها إذا كانت ياء واوا، إذا كانت اسما كتقوى، وإذا كانت صفة لا تغير كصديا، وإذا كانت لامها واوا لا تغير اسما كان أو صفة نحو: دعوى وشهوى، ولهذا لما ذكر ابن الحاجب التفرقة بين فعلى اسما وصفة، إذا كانت لامها ياء وبين فعلى اسما وصفة - أيضا - إذا كانت لامها واوا، قال بعد ذلك: ولم يفرق في فعلى من الواو، ولا في فعلى من الياء (¬2) وأما فعلى فقد عرفت أنها لا تغير سواء كانت لامها واوا أو ياء. بقي الكلام على قول المصنف: وربما فعل ذلك بفعلاء اسما وصفة فتقول: ذلك [6/ 179] إشارة إلى إبدال الواو من الياء، ومثال ذلك في الاسم: العوّاء للنجم؛ لأنها من: عويت فقياسها: عيّا، وقد أجازوا وجها آخر، وهو أن يكون فعّالا الأصل: عوّاي، ثم قلبت الياء همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة (¬3)، وأما الصفة فقيل: يمكن تمثيله بالعواء - أيضا - لأنه صفة في الأصل، وليس بجيد، وإنما مثاله قولهم: داهية ودهواء ودهياء. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على إبدال الواو من الألف، وإبدال الياء منها - ¬

_ (¬1) الممتع (2/ 546). (¬2) الرضي (3/ 177). (¬3) انظر: المنصف (2/ 160) والممتع (2/ 571).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أيضا وإبدال الواو من الياء، وإبدال الياء من الواو - شرع في الكلام على إبدال الألف من الواو والياء فضمّن هذا الفصل: إبدال الواو والياء ألفا ثم كل من الواو والياء إما لام الكلمة أو عين. وقد بدأ المصنف بالكلام عليها لامين، وثنّى بالكلام عليهما عينين، وقبل الشروع في الشرح، أذكر ما يوجب الإبدال في هذا الفصل وما يمنعه ذكرا إجماليّا، ثم أذكر ما أورده المصنف في إيجاز التعريف لاشتماله على الأمثلة المقصورة وتعليل المسائل، ولتكون توطئة لشرح كلامه في التسهيل، فأقول: لوجوب الإبدال المذكور - أعني إبدال الياء والواو ألفا (¬1) - شروط خمسة: حركة كل من الياء والواو وفتح ما قبلهما، وكون الفتحة أصلية، لا عارضة، وكون الحرف المفتوح قبلهما في كلمتيهما، ويعبر عن ذلك بأن يكون الفتح متصلا بهما، لا أن يكون الفتح منفصلا عنهما بأن يكون في كلمة وهما في كلمة أخرى، وأن لا يسكن ما بعدهما، فإن سكن وهما عينان امتنع الإبدال ووجب التصحيح، وإن سكن وهما لامان، فإن كان الساكن ألفا أو ياء مشددة فالحكم في امتناع الإبدال ووجوب التصحيح كذلك، وإن كان الساكن غير الألف أو الياء المشددة فالإبدال واجب. فالحاصل: أن الشرط الخامس المذكور فيه تفصيل (¬2)، فليس شرطا على الإطلاق، ثم هذا الحكم الذي هو الإبدال قد يتخلف مع وجدان شروطه لمانع، وهذا إنما اتفق في العين - أعني عين الكلمة لا في لامها - فتوجد العلّة الموجبة لإبدالها من كونها متحركة بعد فتحة، أصلية متصلة، ويتخلف الحكم الذي هو الإبدال المانع، والموانع خمسة: أن تكون الكلمة قد استحق فيها إعلال اللام وإعلال العين، والقاعدة أن إعلال اللام هو المبدوء به، فإذا أعلّت اللام كان إعلالها مانعا من إعلال العين، وأن تكون الياء والواو عينا للفعل الذي الوصف منه على أفعل، وأن تكون الياء والواو عينا لمصدر هذا الفعل كهيف وحول، وأن تكون الواو عينا من افتعل ودلّ على معنى التفاعل كاجتوروا واشتوروا بمعنى: تجاوروا وتشاوروا (¬3)، بخلاف - ¬

_ (¬1) انظر: التكملة (243) والتصريف الملوكي (ص 18) والمفصل (ص 214) والمنصف (2/ 116، 117) والممتع (2/ 523) والخصائص (1/ 146) والنزهة (ص 224) والجاربردي وابن جماعة (1/ 300، 301). (¬2) انظر: الأشموني (4/ 315). (¬3) انظر: الرضي (3/ 123) والممتع (2/ 473، 474) والمنصف (1/ 305 - 306).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ اعتاد لعدم دلالته على معنى التفاعل، أما إذا كان من ذوات الياء فإنه يعل كابتاعوا، واستافوا، إذا تضاربوا بالسيوف (¬1)، وأن تكون الياء والواو عينا لكلمة في آخرها زيادة تخص الأسماء كجولان وهيمان وصورى وحيدى، وإذا قد ذكر هذا فلنذكر ما ذكره في إيجاز التعريف، قال - رحمه الله تعالى -: فصل: إذا وقع بعد فتحة ياء أو واو متحركة أبدلت الياء والواو ألفا نحو: ناب وباب وعصى وحصى وباع وراع وسمى وصبا، أصلهن: نيب وبوب وعصو وحصي وبيع وروع وسبي وصبوة، بدلالة قولهم: أنياب وأبواب وحصيات وعصوان وبيع وروع وسبي وصبوة فلما انفتح ما قبل الياء والواو وتحركتا في الأصل قلبتا ألفين، ولو سكنتا في الأصل لصحتا، كما صحتا في سيف وجوف وربما قلبت لعد الفتحة وإن سكنتا في الأصل كقولهم في دويبة: دوابّة وفي صومة: صامة، أنشد ابن برهان - رحمه الله تعالى -: 4313 - تبت إليك فتقبّل تابتي ... وصمت ربّي فتقبّل صامتي (¬2) فلو كانت الفتحة في كلمة والياء والواو في أخرى لم يكن إلى هذا الإعلال سبيل نحو: إن ولدك يقظ، وكذلك لو كانت الحركة عارضة كقول من قال في جيأل: جيل، فإن سكن ما بعدهما فكذلك نحو: بيان وعوان وجوير وغيور، فإنهما لو أبدلا عند سكون ما بعدهما لالتقى ساكنان، وعند التقائهما يلزم أحد الأمرين، أما حذف أحدهما فيلتبس مثال بمثال؛ لأن بيانا وعوانا يصيران لو أعلّا: بانا وعانا، وأما تحريك أحدهما وذلك رجوع إلى ما ترك من التصحيح فتعين استصحابه، فلو كانت الواو والياء لاما مضمومة أو مكسورة قبل واو أو ياء ساكنة مفردة حذفت بعد قلبها ألفا نحو: جاءني الأعلون ورأيت الأعلين، والأصل: الأعليون، والأعليين ولم يمنع إعلال هذه الياء نحوها سكون ما بعدها؛ لأنها لام وحذف اللام لساكن منفصل كثير، فإذا حذفت لساكن متصل كما هو في الجمع المذكور فليس بمنكور أيضا؛ فإن اللام أقبل لتأثير أسباب الإعلال من العين؛ ولذلك صحت واو عوض - ¬

_ (¬1) المرجع السابق، والأشموني (4/ 316)، وشرح الكافية (4/ 2129). (¬2) البيت من بحر الرجز والشاهد فيه قوله: «تابتي وصامتي» حيث قلبت فيه الواو ألفا شذوذا والقياس أن يقال: توبتي وصومي. راجع المزهر (2/ 240 - 241) واللسان «توب»، والجاربردي وابن جماعة (1/ 277).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وياء: عيبة، وأعلت واو: شجية وياء: نهو، وهما من: الشجو والنّهية بل قد تتأثر اللام لضعفها بالكسرة المنفصلة نحو: ابن عمي دنيا (¬1)، وهو من: الدنو، وأيضا فإن إعلال لام الأعلين لا يوقع في لبس بخلاف إعلال عين غيور وأمثاله، فلو كانت اللام مفتوحة بعدها ألف صححت؛ لخفة الفتحة والألف، ولأن هذا النوع إما مثنى نحو: فتيان، أو غير مثنى كضميان، فلو أعلت في المثنى التبس بالمفرد حين يضاف، ولو أعلت في غير المثنى التبس بفعال، فإنه كثير، وكلا الأمرين منتف في الجمع المذكور، إذا أعل وكذلك ما أشبه هذا الجمع في كون لامه ياء أو واوا، غير مفتوحة بعد فتحة وقبل واو ساكنة كبناء مثل: عنكبوت من: رمي فإن أصله: رمييوت (¬2) مثل: أعليون، فتقلب الياء الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم تحذف لملاقاة الواو بعدها فتصير: رميوتا وسهّل ذلك أمن اللبس؛ إذ ليس في الكلام: فعليوت ولا فعلوت (¬3)، فلو كان بعد اللام المذكورة واوان أو ياءان، أو واو وياء جعلتا كيائي النسب وكسرت اللام مطلقا وقلبت واوا إن لم تكنها، كبناء مثل: عضرفوط من غزو أو رمي، فإنك تقول فيه من غزو (¬4): غزووي، والأصل غزوووو ثم عمل ما عمل باسم مفعول من: قوي وتقول فيه من رمي: رميوي والأصل: رمييوي، فقلبت الواو ياء [6/ 180] وأدغمت كما فعل باسم مفعول من رمي ثم استثقل توالي الياءات فأبدلت المكسورة واوا ابتداء، أو بعد قلبها ألفا، وكذلك يفعل بكل ما قبل ياء مشددة من ألف رابع مزيد للإلحاق، فإن كان - ¬

_ (¬1) «قولهم: هو ابن عمي دنيا شاذ والقياس: دنوا» الجاربردي (1/ 302). (¬2) جاء في الكتاب (2/ 396): «وتقول في مثل: ملكوت من رميت: رموت ومن غزوت: غزوت، تجعل هذا مثل فعلوا يفعلون» وانظر الرضي (3/ 107، 108) والمنصف (2/ 257). (¬3) انظر: الأشموني (4/ 315) والتذييل (6/ 173 ب). (¬4) جاء في الممتع (2/ 743): «وتقول في مثل عنكبوت من الغزو: غزووت، والأصل: غزوووت. فقلبت الواو المتوسطة ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف لالتقائها ساكنة مع الواو، وكانت المحذوفة الألف، ولم تكن واو فعللوت؛ لأن الواو زيدت مع التاء، فلم يجز أن تحذف إحداهما وتبقى الأخرى ألا ترى أن كل زيادتين زيدتا معا فإنهما تحذفان معا في الترخيم والتصغير». وقال في (2/ 740): «فإذا قيل لك: ابن من الرمي مثل: عنكبوت قلت: رميوت تكرر اللام فتقول: رمييوت، ثم تقلب الياء الثانية ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم تحذف الألف لالتقائها ساكنة مع الواو، وتدع الياء باقية على فتحها فتصير بمنزلة مصطفون» وانظر الرضي (3/ 305).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ زائدا محضا أو خامسا فصاعدا حذف، وقد تقلب واوا ألف التأنيث إن سكن ثاني ما هي فيه رابعة كحبلويّ والحذف أجود، وربما قيل: حبلاوي، ثم أتبع هذا الكلام بأن قال: فصل: ويمنع من قلب الواو والياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها خوف توالي إعلالين؛ لأنه إجحاف ومآله - أيضا - إلى التقاء الساكنين، وذلك نحو: هوى، أصله هوى، فكل واحد من الواو والياء متحرك مفتوح ما قبله، فلو أعلّا لزم المحذور الذي ذكر، ولزم بقاء الاسم على حرف واحد، وبقاء الفعل على حرفين ثانيهما ألف، ولو صححا أهمل مقتضى كل من السببين فتعين تصحيح إحداهما وإعلال الآخر، وكان إعلال الآخر أولى؛ لأنه لو صح عرّض لحركات الإعراب الثلاث والكسر عند الإضافة إلى ياء المتكلم وللإدغام إن وليه مثله والإدغام إعلال، فيلزم حينئذ توالي إعلالين، وليس الأول معرضا لشيء مما ذكر فكان التصحيح أولى، وإن كان الإعلالان مختلفين اغتفر اجتماعهما إن كان مخلصا من كثرة الثقل ولم يوقع في محذور آخر كالتباس مثال بمثال ونحو ذلك، ولذلك قيل في مصدر احواوى: احويواء واحويّاء والإعلال قول سيبويه، والتصحيح قول المبرد (¬1)، ويمنع من الإعلال المذكور أيضا كون حرف اللين عين فعل الذي يلزم صوغ الوصف منه على: أفعل وفعلاء، أو عين مصدره نحو: عور اعور فهو أعور، وغيد الغلام غيدا فهو أغيد، وإنما لم تعل عين هذا النوع مع تحركها وانفتاح ما قبلها حملا على الفعل كاعورّ، فإنهما مستويان في أن لا يستغنى عنهما أو عن أحدهما أفعل الذي مؤنثه فعلاء، فأرادت العرب أن يوافقا لفظا كما يتوافقا معنى، وذلك بحمل أحدهما على الآخر، فكان حمل: فعل على: أفعل فيما يستحقه من التصحيح أولى من حمل: أفعل على: فعل فيما يستحقه من الإعلال؛ لأن التصحيح أصل والإعلال فرع، وأيضا فإن فعل لا يلزم باب أفعل، وفعلاء، وأفعل يلزمه غالبا، فكان الذي يلزم المعنى الجامع بينهما أولى بأن يجعل أصلا ويحمل الآخر عليه، وأيضا فإن إعلال أعور ونظائره موقع في التباس (¬2)؛ لأنه متعذر إلا أن تنقل حركة عينه إلى فائه - ¬

_ (¬1) قال سيبويه في الكتاب (2/ 391): «وإذا قلت: احواويت فالمصدر احويّاء». وانظر ابن جماعة (1/ 280) وابن يعيش (10/ 120) والمنصف (2/ 220 - 222). (¬2) انظر: الرضي (3/ 123) وابن جماعة (1/ 282).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتحذف همزة الوصل للاستغناء عنها بحركة الفاء، فيصير: اعورّ حينئذ عار مماثلا لفاعل من العر، وتصحيح عور ونظائره لا يوقع في شيء من ذلك فكان متعينا، وأما العور ونحوه من مصادر فعل المذكور فصحح حملا على فعله، كما أعل الغار بمعنى الغيرة حملا على فعله، ومن العرب من يقول في عور: عار فمقتضى الدليل أن يكون المصدر عار، ولو قيل: إنما صحح العور حملا على الأعور لكان صوابا، ومما كف سبب الإعلال فيه بالحمل على غيره في التصحيح افتعل حملا على تفاعل نحو: اجتور القوم، فإنه بمعنى تجاوروا؛ فعوملا معاملة عور واعورّ وهذان أولى بتلك المعاملة؛ لأن تفاعل - بالدلالة على معنى لا يستغني بفاعل واحد كالتجاور - أحق من افتعل فيجب أن يتبعه في لفظه كما يتبعه في معناه، ويدل على أصالة تفاعل في المعنى المذكور وأوّليّته به أنه لا يوجد افتعل دالّا عليه دون مشاركة تفاعل، ويوجد تفاعل دالّا عليه دون مشاركة افتعل نحو: تناظر القوم وتجادلوا وتنازعوا، وتكالموا وتبايعوا وتساءلوا وتقابلوا وتمالؤوا وتدانوا وأمثال ذلك كثير. ويمنع أيضا من الإعلال المذكور كون حرف اللين عين فعلان كالجولان والسيلان أو عين: فعلى كالصّورى (¬1) والحيدى، وإنما صحح هذان المثالان حركة عينيهما لا تكون غير فتحة إلا في الصحيح على قلة كظربان وسبعان، والفتحة لخفتها لا تعلّ ما هي فيه، وليس بلازم إلا فيما يوازن مكسورا أو مضموما كفعل فإنه يوازن فعل وفعل فأعلّ حملا عليهما، وليس لنا في المعتل العين فعلان ولا فعلان فيحمل عليه فعلان، ولا لنا فعلى ولا فعلى فيحمل عليه فعلى فوجب تصحيحهما كذلك (¬2)، وأيضا فإن آخر كل واحد منهما زيادة توجب مباينة أمثلة الفعل فصححا تنبيها على أصالة الفعل في الإعلال، وإن الاسم إذا باينه استوجب التصحيح، وإنما كان الفعل أصلا في الإعلال؛ لأنه فرع، والإعلال حكم فرعي فهو به أحق، ولأن الفعل مستثقل والإعلال تخفيف، فاستدعاؤه له أشد، وأيضا فإن جولانا ونحوه لو أعل لالتبس بفاعال كساباط وخاتام فصحح فرارا من اللبس، وقد شذ إعلال فعلان علما - ¬

_ (¬1) انظر: المنصف (2/ 6) والممتع (2/ 491) والمساعد (4/ 165 - 166) والتذييل (6/ 174 ب) والمساعد (4/ 199). (¬2) انظر: ابن جماعة (1/ 285).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كماهان (¬1)، وإن باين الفعل كشذوذ التصحيح في ما وازن الفعل كمبين، ومباينة فعلول ونحوه: أشد من مباينة فعلان وفعلى فتصحيح عينه أيضا متعين نحو: قولول وهو مثال قربوس من القول، وقد صححوا العين المفتوحة مع انتفاء المواقع المذكورة كقود وعين وخونة وحوكة تنبيها على الأصل المتروك فيما جرى على القياس كمال وماء، وإشعارا بأن الفتحة إنما أعل ما هي فيه حملا على المكسور والمضموم وربما جاء ذلك في المكسور حملا على المفتوح كشول وهو الخفيف في قضاء الحاجة (¬2)، وأندر من هذا كله قولهم: عفوة في جمع عفو وهو الجحش، و: أوو في جمع أوّة وهو الداهية من الرجال حكاهما الأزهري، الأول عن أبي زيد الأنصاري والثاني عن أبي عمرو الشيباني (¬3)، هذا آخر كلامه في إيجاز التعريف وهو كما قال أبو تمام: 4314 - يستنبط الرّوح اللّطيف نسيمه ... أرجا ويوكل بالضّمير ويشرب (¬4) فسبحان من الفضل بيده يؤتيه من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولنرجع إلى ألفاظ الكتاب - أعني التسهيل -، وقد عرفت أنه ابتدأ بالكلام على اللام فقوله: تبدل الألف إشارة إلى الذي يؤول إليه حال الواو والياء المقيدين بما ذكر بعد الإبدال وهو الألف وقوله: بعد فتحة احترازا من أن تكون الواو والياء بعد غير فتحة وذلك الغير إما سكون نحو: غزو ورمي، وإما كسر، وحكم الياء والواو الواقعتين بعد كسرة قد علم مما تقدم، وكذا حكمها بعد ضمة، وقوله: متصلة احترازا من نحو: أن ولدك [6/ 181] يقظ، وكذا من نحو: حضر ياسر، ويذهب واقد، والمثال المتقدم للمصنف كما عرفت فدل على أن المراد بقوله: متصلة، أن تكون الفتحة في الكلمة التي فيها الحرف الذي يقصد إبداله وهو الواو والياء. وقد قال الشيخ: إن الاحتراز - ¬

_ (¬1) وقياسها موهان وهو مذهب سيبويه، أما المبرد فيرى أن الإعلال هو القياس. راجع الأشموني (4/ 317) وشرح الكافية (4/ 2133) وتوضيح المقاصد (6/ 54). (¬2) اللسان «شول» والتذييل (6/ 175 أ) والمساعد (4/ 167). (¬3) شرح الكافية (4/ 2135) واللسان «عفا» و «أوا» والتذييل (6/ 175 أ) والمساعد (4/ 167). وأبو عمرو الشيباني هو إسحاق بن مواء الشيباني اللغوي الكوفي كان من أعلم الناس باللغة من مصنفاته: الخيل واللغات والجيم. راجع مراتب النحويين (ص 91 - 92) ونزهة الألباء (ص 120 - 125) وبغية الوعاة (ص 192). (¬4) تقدم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقوله: متصلة، من مثل أي وواو قال: فإنهما لم يتصلا بالفتحة؛ إذ حجز بينهما الألف (¬1)، وأما قوله: اتصالا أصليّا؛ فقال الشيخ: إنه احتراز من أن يكون اتصال الفتحة اتصالا عارضا، قال: وذلك أن تبني مثل (عكمسي) (¬2) من: الغزو والرمي، فتقول: غزو، ورمي، والأصل: غزوو و: رميي. قال: فهذه لام تحركت في الأصل بعد فتحة متصلة لكن هذا الاتصال عارض ليس باتصال أصلي؛ لأن أصله: غزاوو ورمايي؛ لأن عكمسا أصله: عكامس. هذا كلام الشيخ (¬3)، فإن صحّ التمثيل بذلك لهذه المسألة وكان الحكم فيما ذكره كما أشار إليه، فيكون هذا القيد - أعني قوله: اتصالا أصليّا - قيدا زائدا على القيود التي تقدم لنا ذكرها، على أنه لم يتعرض إلى ذلك في شيء من كتبه، وأما قوله: إنه احترز بقوله: متصلة من مثل: آي وواو - فقد عرفت ما فيه، وهو أنه حمل كلام المصنف على غير مراده، على أنه قد يقال: إنه مثل: آي وواو، خرج بقوله: بعد فتحة، فإن الظاهر أن المراد بالتعدية هناك: أن تكون الفتحة متلوة بالحرف، لا أنه يكون مذكورا بعد الفتحة في الجملة، وقوله: من كل واو أو ياء تحركت، احتراز من نحو: غزوت ورميت وغزونا ورمينا ويخشين، ومثل الشيخ لذلك بأن تبني من غزو ورمي مثال: قمطر، فيقال: غزوّ ورميّ من غير إبدال. وقوله: في الأصل؛ قال الشيخ: هو احتراز من أن تكون ساكنة في الأصل نحو: يرعوي ويرميي فهذه ياء وواو متحركتان، لكن حركتهما عارضة إذ أصلهما السكون؛ لأن مثالهما من الصحيح: يحمرّ، مضارع: احمرّ ووزنه: افعلّ، وإنما لم يأت مدغما وجاء مفكوكا، فأعلت واوه الثانية لعلة ذكرها النحويون في غير هذا المكان (¬4). انتهى. يعني أن: ارعوى أصله: ارعوو وكذا يرميي. والظاهر أن الموجب لعدم إعلال الواو في يرعوي، إنما هو صحتها في: ارعوى، - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 173 أ). (¬2) كذا في التذييل والمساعد وفي النسختين «علبط» وابل عكميس وعكامس: القطيع الضخم من الإبل، وليل عكامس: مظلم. اللسان «عكمس». (¬3) التذييل (6/ 173 أ) والمساعد (4/ 161). (¬4) التذييل (6/ 173 أ، ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والموجب لصحتها في: ارعوى أنها لو أعلت فيه لزم توالي إعلالين متفقين في كلمة وكذا القول في: يرم سواء، وإذا كان كذلك لا يحسن التمثيل به لما مثله الشيخ، والظاهر أن قول المصنف: في الأصل بمفرده وليس احترازا من شيء بل هو تتمة قوله: تحركت أي: تحركت في الأصل يعني أن تكون الواو والياء متحركة في الأصل أي: قبل قلبها ألفا، وقد تقدم ما نقلناه عنه من إيجاز التعريف، وهو قوله: انفتح ما قبل الواو والياء وتحركتا في الأصل قلبتا ألفين ولو سكنتا في الأصل لصحتا كما صحتا في سيف وجوف فمثّل لما سكن في الأصل بسيف وجوف؛ فدلّ على أن قوله: في الأصل بمفرده ليس احترازا، وأنه من تتمة قوله: تحركت، وقوله: وهي لام أي: والواو والياء لام الكلمة، وقد عرفت أن كلامه الآن إنما هو في إعلال اللام وذلك نحو: رمى وغزا ورحى وعصا، وقوله: بإزاء لام، مثاله أن تبني من الرمي والغزو مثل: درهم؛ فإنك تقول فيه: رميي وغزوو، فتبدل من الياء والواو ألفا؛ لأنهما بإزاء لام الكلمة وزيدا للإلحاق وفيهما الشروط كلها (¬1) وهما بإزاء لام الكلمة؛ لأن الياء والواو اللتين قبلهما هما لام الكلمة، فعلى هذا يقال فيهما بعد الإبدال: رميا وغزوا، وأصلهما: رميي وغزوو، وقوله: غير متلوة بألف ولا ياء مدغمة في مثلها يشير به إلى أن من شرط الإعلال أن لا يليها ساكن نحو: رمى وغزا ورحى وعصا، أو يليها ساكن غير ألف وغير ياء مدغمة في مثلها نحو: اخشوا واخشون، واخشي واخشين، فإن وليها ساكن هو ألف أو ياء مدغمة في مثلها وجب التصحيح كغزوا ورميا وعصوان ورحيان وعصوي ومقتوي وهو الخادم، منسوب إلى مقتي، وهو مفعل من القتو وهو خدمة الملوك. وقد تبين أنه زاد على الشروط التي ذكرها في إيجاز التعريف شرطين، وهما كون الاتصال أصليّا - أعني اتصال الياء والواو بالفتحة التي قبله - وكون تحريك الياء أو الواو في الأصل، لكن قد علمت ما في هذا الثاني، فإن صح فالزائد شرطان، وإلا فشرط واحد، وأما قوله: فإن كانت مضمومة أو مكسورة وتلتها مدة مجانسة لحركتها قلبت ثم حذفت، فاعلم أنه لما علم في اشتراطه في إعلال الواو والياء التي هي لام كونها غير - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 173 ب) والمساعد (4/ 162).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ متلوة بألف ولا ياء مدغمة - أن اللام التي هي ياء أو واو قبلها فتحة تعل الإعلال المذكور إن لم يلها ألف ولا ياء مدغمة؛ وذلك بأن لا يليها ساكن أصلا نحو: رمى وغزا في رمي وغزو ورحى وعصا في رحي وعصو أو يليها ساكن غير ألف وغير ياء مدغمة في مثلها نحو: اخشوا واخشون، واخشي واخشين، ولا شك أن القسمين فيهما الإبدال - أعني إبدال حرف العلة ألفا لكن أحد القسمين وهو الذي بعد لامه ساكن فيه حذف بعد الإبدال فلما فهم الإبدال خاصة من قوله: غير متلوة بألف ولا ياء مدغمة أراد أن ينبّه على الحذف، لكن لو اقتصر على ذكره لتوهم أن اللام تحذف ابتداء من غير قلب فاحتاج أن يذكرهما، ولهذا قال: قلبت ثم حذفت وهذا الحكم هو الذي (عبر عنه في إيجاز التعريف) (¬1) بما تقدم نقلنا له وهو قوله: فلو كانت الواو والياء لاما مضمومة أو مكسورة قبل واو أو ياء ساكنة مفردة حذفت بعد قلبها ألفا، وعبارة التسهيل أحسن وأرشد ولا أدري لأي شيء عدل عن أن يقول: فإن كانت متلوة بواو ساكنة أو ياء كذلك قلبت ثم حذفت، وكانت هذه العبارة أخصر مما قاله. ثم إن هذا الكلام ينتظم مع ما قبله؛ لأنه يكون قد قابل قوله: غير متلوة، بقوله: متلوة. وبعد فالأمر في ذلك قريب ثم إنك قد عرفت أن المصنف مثل لذلك في إيجاز التعريف بقوله: جاءني الأعلون ورأيت الأعلين، وتقدم التمثيل منا لذلك أيضا بنحو: اخشوا واخشون واخشي، واخشين، ومثّل الشيخ لذلك بنحو فتى [6/ 182] وعصا مسمى بهما. قال: فيقول: قام فتون، ورأيت فتين، وقام عصون ورأيت عصين (¬2). وأما قوله: ولا تصحح لكون ما هي فيه واحدا خلافا لبعضهم، هو إشارة إلى المسألة التي تقدم نقلها عنه من إيجاز التعريف وهي قوله بعد ذكر الأعلون والأعلين: وكذلك ما أشبه هذا الجمع في كون لامه ياء أو واوا غير مفتوحة بعد فتحة وقبل واو ساكنة كبناء مثل: عنكبوت من رمي، فإن أصله: رمييوت مثل أعليون، فتقلب الياء الثانية ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم تحذف لملاقاة الواو بعدها فتصير: رميوتا إلى آخر كلامه، ولكنه لم يتعرض هناك إلى ذكر خلاف في المسألة، وقد قال هنا: خلافا لبعضهم. ¬

_ (¬1) كذا في (ب) وفي (جـ): «أن اللام تحذف ابتداء من غير التعريف». (¬2) التذييل (6/ 173 ب) والمساعد (4/ 162).

[إبدال الواو والياء ألفا وهما عينان]

[إبدال الواو والياء ألفا وهما عينان] قال ابن مالك: (وتعلّ العين بعد الفتحة بالإعلال المذكور إن لم يسكّن ما بعدها، أو يعلّ أو تكن هي بدلا من حرف لا يعلّ أو يكن ما هي فيه فعلا واويّا على افتعل بمعنى تفاعل أو فعل بمعنى افعلّ مطلقا أو متصرّفا منهما، أو اسما ختم بزيادة تخرجه عن صورة فعل خال من علامة تثنية أو موصول بها وقد يعلّ فعل المذكور). قال ناظر الجيش: تقدم لنا أن العين إذا كانت واوا أو ياء تستحق هذا الإعلال أعني الإبدال ألفا، وأن ذلك مشروط بأمور خمسة: حركة كل من الواو والياء وفتح ما قبلهما في كلمتيهما، وكون الفتحة أصلية لا عارضة، وكون الحرف المفتوح قبلهما في كلمتيهما، وأن لا يسكن ما بعدهما، وتقدم أيضا أن هذه الأمور المشروطة قد توجد ويتخلف الحكم الذي هو الإبدال لمانع، وأن الموانع خمسة: أن تكون الكلمة قد استحق فيها إعلال اللام كما استحق إعلال العين، والقاعدة أن اللام التي تعل إذ ذاك، وأن تكون الياء أو الواو عينا لفعل الذي الوصف منه على أفعل، وأن تكون الياء أو الواو عينا لمصدر هذا الفعل، وأن تكون الواو عينا من افتعل الدال على معنى التفاعل وأن تكون الياء أو الواو عينا لكلمة في آخرها زيادة تخص الأسماء، فأما الأمور المشروطة فقد تضمن كلام المصنف ثلاثة منها، وهي فتح ما قبل الحرف الذي يقصد إبداله واتصال الفتحة بما يليها؛ لأن اللام في قوله: بعد الفتحة للعهد، والفتحة المعهود إليها مقيدة بكونها متصلة، فصار الاتصال مذكورا - أيضا - وأما الأمر الثالث فأشار إليه بقوله: إن لم يسكن ما بعدها. والأمران الآخران لم يذكرهما وهما تحرك حرف العلة المستحق للإبدال، ولا بد منه لأن مثل: سيف وجوف لا يعل وكون الحركة التي تحرك بها الحرف المذكور أصلية لا عارضة ولا بد من ذلك؛ لأن مثل: جيل وتوم مخففي جيأل (¬1) وتؤم - لا يعل. وأما الأمور المانعة فقد ذكرها خمسة لكنه نقص من الذي ذكرناه أمرا، وذكر هو - ¬

_ (¬1) قال في الممتع (2/ 637): «ألا ترى أن: جيلا لم يعلّ لأن الأصل: جيأل والتخفيف المؤدي إلى النقل عارض فلذلك لم يلحظ».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أمرا آخر لم نذكره نحن وسنبين ذلك عند شرح كلامه، رجعنا إلى ألفاظ الكتاب وتطبيقها تفصيلا على ما ذكرناه مجملا، قوله: وتعل العين ظاهر؛ لأن كلامه الذي قبل هذا إنما هو في إعلال اللام وكان الواجب أن يقول: المتحركة بحركة أصلية لما عرفت وقوله: بعد الفتحة أي: المتصلة بما يليها لما عرفت أن اللام فيها للعهد، والمتقدمة مقيدة بذلك. وقوله: بالإعلال المذكور أي: بإبدال الألف منها واوا كانت أو ياء. وقوله: إن لم يسكن ما بعدها قد عرفت أنه من جملة الأمور المشترطة لهذا الإعلال، ولا يخفى أمثلة ذلك مع أنه قد تقدم ذكرها، أعني ذكر ما اجتمعت فيه الأمور المشروطة؛ فاستحق الإعلال، وذكر ما لم يجتمع فيه؛ فاستحق التصحيح، ثم شرع في ذكر الموانع من قوله: أو يعل، ولكنه أتى بها معطوفة على قوله: إن لم يسكن ما بعدها وقد عرفت أن ذلك شرط، وحاصله: أنه جعل انتفاء الموانع مشروطا وهو الصحيح، ولكن الأولى إفراد الموانع عن الشروط وقد عرفت من كلامه الذي نقلناه عنه من إيجاز التعريف أنه أورد الشروط في فصل، وأورد الموانع في فصل، فكان ذلك أحسن من كلامه في التسهيل فقوله: أو يعل هذا المانع الأول ومعناه أو يعل ما بعدها أي: ما بعد العين وهو اللام، وقد تقدم أن إعلال العين واللام إذا استحق كل منهما وجب إعلال اللام وكان مانعا من إعلال العين وتقدم تمثيل ذلك بنحو: الهواء والحياء، وتقدم ذكر الموجب لإعلال اللام وتصحيح العين فلا حاجة إلى إعادته وقوله: أو تكن هي بدلا من حرف لا يعل هذا مانع ثان وهو المانع الذي قلنا: إنه ذكره في التسهيل، وذكره في شرح الكافية أيضا، ومثل لذلك بقولهم: شيرة في شجرة فلا تعلّ هذه الياء؛ لأنها بدل من حرف لا يعلّ (¬1)، وأنشدوا: 4315 - إذا لم يكن فيكنّ ظلّ ولا ندى ... فأبعدكنّ الله من شيرات (¬2) - ¬

_ (¬1) قال في الكافية: وقد يكفّ سبب الإعلال أن ... يناب عن حرف بتصحيح قمن كقولهم: قد أيسوا وشيره ... ناحين منحى: يئسوا وشجره وقال في شرحه: «وكذا قولهم: شيره بمعنى شجرة صحّح لوقوع يائه موقع الجيم» شرح الكافية (2134). (¬2) من الطويل قائله جعيثنة البكائي والشاهد في قوله: شيرات بدلا من شجرات فجاءت الياء وهي عين -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والظاهر أن الاحتراز عن ذلك غير محتاج إليه، فإن القصد إنما هو إلى إبدال الياء من الجيم لغرض ما، ولا بدّ من بقاء الحرف المبدل ليكون دليلا على الإبدال وعلى الحرف الذي أبدل منه، وإذا كان كذلك امتنع من ذلك أن تبدل للحرف المبدل حرفا آخر، لا سيما والبدل غير لازم في هذه الكلمة - أعني إبدال الياء من الجيم - فكأن الجيم موجودة، قوله: أو يكن ما هي فيه فعلا واويّا على افتعل بمعنى تفاعل، هذا المانع الثالث وقد تقدّم تمثيله باجتور القوم بمعنى: تجاوروا، وتقدم تعليله، واحترز بالواوي من اليائي، فإن اليائي العين يعل نحو: امتازوا وابتاعوا واستافوا، أي: تضاربوا بالسيوف، وإنما أعل ذلك؛ لأن الياء أشبه بالألف من الواو فناسب إعلالها دونها، ومثل: اجتوروا ازدوجوا (¬1) واعتونوا واعتوروا فإنها في معنى تزاوجوا وتعاونوا وتعاوروا، فلو لم يكن افتعل بمعنى تفاعل وهو من ذوات الواو نحو: اختان بمعنى خان، واختار بمعنى خار، وكذا اعتاد وارتاب، وقوله: أو فعل بمعنى افعل مطلقا هذا المانع الرابع، وقد تقدم الكلام عليه أيضا. وإنما قال: مطلقا؛ ليشمل الواوي نحو: عور وحول وسود، واليائي نحو: صيد وبيض، وصحت العين في هذه الأمثلة لصحتها في اعور واحول واسود واصيد وابيض، ولو لم يقل: مطلقا لتوهم أن المراد فعل الواوي؛ لأن المعطوف عليه مقيد بكونه واويّا، وقوله: أو متصرفا منهما، أراد به التصرف من افتعل وفعل المذكورين نحو: مجتور وعور ونحوهما (¬2)، وهذا ليس مانعا أصلا بنفسه بل هو فرع حكم له بحكم أصله، والحق أن ذلك لا يحتاج إليه؛ لأن القاعدة التصريفية أن المتصرف من الصحيح صحيح، ومن المعتل معتل، فقوله: أو متصرفا [6/ 183] منهما مستغنى عنه؛ لما قلناه وقد تقدم القول بأن المصنف نقص في هذا الكتاب مانعا من الموانع المذكورة هنا - ¬

_ - الكلمة بدلا من حرف لا يعل هو الجيم فلا تعل الياء مع أنها استوفت شروط الإعلال. وانظر: أمالي القالي (2/ 214) شرح شواهد شروح الألفية للعيني (4/ 589) والمزهر (ص 146) والتذييل (6/ 174 أ) والمساعد (4/ 164). (¬1) قال سيبويه (2/ 364) (بولاق): «وأما قولهم: اجتوروا واعتونوا، وازدوجوا واعتوروا، فزعم الخليل أنها إنما تثبت؛ لأن هذه الأحرف في معنى تفاعلوا. ألا ترى أنك تقول: تعاونوا، وتجاوروا، وتزاوجوا فالمعنى في هذا وتفاعلوا سواء». وانظر المقتضب (1/ 98) والممتع (2/ 473 - 474). (¬2) انظر: التذييل (6/ 174 ب) والمساعد (4/ 195).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فلم يذكره، وهو مصدر فعل بمعنى افعلّ الذي ذكر آنفا كعور وحول وهيف وعين، فالواجب أنه كان يقول: أو فعل بمعنى افعلّ أو مصدره، ويكون هو المانع الخامس على عده ما ذكره ثانيا مانعا وهو الرابع على ما عددناه نحن. وقوله: واسما ختم بزيادة تخرجه عن صورة فعل خال من علامة تثنية أو موصول بها، هذا والمانع الخامس، وقد تقدمت الإشارة إليه ونحن نعيد الكلام فيه فنقول: الأصل المعروف أن الكلمة إذا كان في آخرها زيادة تخص الأسماء وكانت عينها حرف علّة يلي فتحة فإن عينها لا تعل؛ لأن الكلمة بتلك الزيادة يبعد شبهها بما هو الأصل في الإعلال وهو الفعل، وحينئذ يجب التصحيح، وذلك نحو: جولان وهيمان وصورى وحيدى. قال المصنف في شرح الكافية: لما كان الإعلال فرعا، والفعل فرع، كان به أحق من الاسم، فلهذا إذا كان في آخر الاسم زيادة تختص بالاسم صحّحت فيه الواو والياء المتحركان المنفتح ما قبلهما كالجولان والهيمان؛ لأن هذه الزيادة مزيلة لشبه الاسم بالفعل فما جاء من هذا النوع معلّا عدّ شاذّا: كهامان وداران (¬1)، وأما الحوكة وشبهه فتصحيحه شاذّ باتفاق؛ لأن تاء التأنيث تلحق الفعل الماضي لفظا كما تلحق الاسم، فلا يثبت بلحاقها مباينة، ثم قال: وتصحيح واو: صوري عند المازني قياسيّ؛ لأن آخره ألف تأنيث، وهي مختصة بالأسماء، فلو بني مثلها من قول قيل على رأيه: قولى، والأخفش يرى أن تصحيحها شاذ (¬2)؛ لأن ألفها في اللفظ كألف فعلى إذا جعل علامة تثنية، فلو بني مثلها من: قول على رأيه لقيل: قالا جريا على القياس كما أن: قائلا لو حذي به في الجمع حذو حوكة وزنا لقيل: قالا باتفاق؛ لأن ما شذ لا يتبع في شذوذه (¬3)، وتقدم لنا أنه قال في إيجاز التعريف أيضا: ويمنع أيضا من الإعلال المذكور كون حرف اللين عين فعلان كالجولان والسيلان، أو عين فعلى كالصّورى والحيدى، وإنما صحح هذان المثالان؛ - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (2/ 371)، والممتع (2/ 492) وتوضيح المقاصد (6/ 53 - 54) والرضي (3/ 106) والمنصف (2/ 9) والأشموني (4/ 317). (¬2) المنصف (2/ 6) وتوضيح المقاصد (6/ 54) والأشموني (4/ 318) والتذييل (6/ 174 ب) والمساعد (4/ 166) وابن جماعة (2/ 285). (¬3) شرح الكافية (2132) وما بعدها بتصرف.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لأن حركة عينهما لا تكون غير فتحة إلا في الصحيح على قلة كظربان وسبعان، والفتحة لخفتها لا يعلّ ما هي فيه وليس بلازم إلا فيما يوازن مكسورا أو مضموما كفعل فإنه يوازن فعل وفعل فأعلّ حملا عليهما، وليس لنا في المعتل العين فعلان ولا فعلان، فيحمل عليه فعلان ولا لنا فعلى ولا فعلى فيحمل عليه فعلى فوجب تصحيحهما لذلك. وأيضا فإن آخر كل واحد منهما زيادة توجب مباينة أمثلة الفعل فصححا تنبيها على أصالة الفعل في الإعلال، وأن الاسم إذا باينه استوجب التصحيح، وإنما كان الفعل أصلا في الإعلال؛ لأنه فرع والإعلال حكم فرعي فهو به أحق إلى آخر ما ذكره مما تقدم لنا إيراده عنده وظهر من كلامه هذا أن التصحيح فيما ذكره يمكن أن يعلل بأحد الأمرين، وهي إما أن الفتحة لخفتها لا يعل ما هي فيه إلا إذا كان للكلمة موازن بكسر أو ضم بخلف الفتحة على عين الكلمة فإنهما يعلان، فيعل المفتوح العين حملا عليهما، ولم يوجد نحو الفعلان والفعلى مما هو معتل العين إلا وحركة عينه فتحة، والإعلال إنما يستحق لمثل ذلك بالحمل على نظيره وزنا مما حركة عينه كسرة أو ضمة، وليس ثم نظير فيحمل عليه، فلذلك وجب التصحيح، وهذا تعليل حسن لطيف بديع، وأما أن الاسم بهذه الزيادة باين الفعل فصحح تنبيها على أصالة الفعل في الإعلال، فإذا باينه الاسم استوجب التصحيح، وهذا هو التعليل المشهور عند أهل التحصيل إذا عرفت هذا، فقول المصنف: أو اسما ختم بزيادة تخرجه عن صورة فعل يدخل تحته نحو: الجولان والسيلان والصورى والحيدى، وأما قوله: قال: من علامة تثنية أو موصول بها - فلم يظهر لي المراد منه صريحا وأشكل عليّ فهم هذا الكلام، ووقع في ذهني أن يكون مراده بقوله: خال من علامة تثنية أن يعرفنا أن الفعل الذي يخرج الاسم بالزيادة عن صورته هو الفعل الخالي من علامة التأنيث؛ لأن الفعل إذا اتصلت به ألف اثنين نحو: يضربان لا يخرج الاسم بزيادة الألف والنون عن صورته، فلو لم يقيّد الفعل بقوله: خال من علامة تثنية لقيل: إن نحو الجولان والهيمان لم يخرجا بالزيادة عن صورة فعل، لكن يدفع كون هذا مراده قوله: أو موصول بها فإنه سوّى بين الخالي منها والموصول بها، وقال الشيخ في شرح هذا الموضع: قوله: أو اسما ختم بزيادة -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تخرجه عن صورة فعل خال من علامة تثنية أو موصول بها مثال ذلك: جولان وسيلان، فهذان قد ختما بزيادة وهي الألف والنون وأخرجتهما عن صورة فعل موصوف بما ذكر، ومثال ما ختم بزيادة ولم تخرجه عن صورة فعل إلى آخره: قالة وحاكة ونحوهما. فهذه ختمت بتاء التأنيث وهي زيادة لم يخرج بها الاسم عن صورة فعل خال من علامة تثنية؛ لأن تاء التأنيث لحقت الاسم كما لحقت الفعل في: باعت وقالت، والألف والنون لا تلحقان الفعل بحال فافترقا ومثال ما ختم بزيادة ولم تخرجه عن صورة فعل موصول بعلامة تثنية، أن تبني من القول والبيع اسما على وزن فعلى فتقول: قالى وباعى، فتعل ولا تصحح حملا على: صورى وحيدى؛ لأن هذا التصحيح عند المصنف شاذ، وإنما يجري على المقيس لا على الشاذ، وإنما أعل لأن الألف في آخره في اللفظ كألف: فعلا إذا جعلت الألف علامة تثنية، كما لو قيل: ابن من النوس اسما جمعا على مثل: حوكة وزنا لقلت: ناسة باتفاق، ولا تقول: نوسة؛ لأن: حوكة شاذ ولا يتبع في شذوذه (¬1). انتهى. وقوله: لأن الألف في آخره في اللفظ كألف فعلا إلى آخره هو كلام المصنف بعينه في شرح الكافية وقد ذكرناه قبل. وقد اضطرب عليّ كلام المصنف في هذا الموضع ولم يتضح لي من كلام الشيخ ما أعتمد عليه، وهذا إما لقصور مني عن إدراكه، وإما لخلل. فسبحان من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. ولا شك أن المسألة في نفسها واضحة وقد تقرر حكمها وتبين فيما تقدم. وقال سيبويه: هذه العين أقوى من اللام، ولذلك قد يعتل لاما ما لا يعتل عينا كالواو المشددة المخففة بعد الضمة، ولما كانت اللام تصح في: النزوان والعليان كانت العين أولى بالتصحيح (¬2). قال الشيخ: وزعم أبو العباس: أن القياس الإعلال، وعلى [6/ 184] الإعلال جاء داران وهامان، وزعم سيبويه أن الإعلال ليس بمطرد، ونقله المصنف عن المازني (¬3)، ومذهب سيبويه والمازني هو الصحيح؛ لأنه الأكثر في كلام العرب (¬4)، أعني صحة الواو والياء - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 174 ب). (¬2) الكتاب (2/ 371). (¬3) الكتاب (2/ 371) والمنصف (2/ 9). (¬4) انظر الأشموني (4/ 317) وتوضيح المقاصد (6/ 54) والرضي (3/ 107).

[حكم إعلال صورى وروح وحول]

[حكم إعلال صورى وروح وحول] قال ابن مالك: (وتصحيح نحو: صورى شاذّ لا يقاس عليه وفاقا لأبي الحسن، وشذّ نحو: روح وغيب وحول وهيؤ وعفوة وأوو كما شذّ إعلال ما ولي فتحة ممّا لا حظّ له في حركة كآية في أسهل الوجوه). ـــــــــــــــــــــــــــــ لا إعلالهما، ألا ترى أن مجيء ذلك في المصادر كثيرا، وذلك أن هذه الأسماء خرجت بالألف والنون عن بناء الفعل (¬1). انتهى. والذي نقله المصنف عن المازني إنما هو تصحيح ما ختم بألف التأنيث نحو: صورى لا ما ختم بالألف والنون، ومقتضى كلام الشيخ أن الذي نقله المصنف عن المازني، إنما هو تصحيح ما ختم بالألف والنون، وليس كذلك فإن المصنف صرح بقوله: وتصحيح واو صورى عن المازني قياسي. ثم إنه قابل قوله: يقول الأخفش: إنه يرى التصحيح شاذّا، والأخفش لا يرى التصحيح في نحو: الجولان والهيمان شاذّا إنما يراه في نحو: الصورى (¬2). وأما قول المصنف: وقد يعل فعل المذكور فإشارة منه إلى أن فعل بمعنى أفعل الذي قدم أن حكمه التصحيح أن يعل فيقال: عارت عينه تعار في عورت، وعلته قول الشاعر: 4316 - تسائل بابن أحمر من رآه ... أعارت عينه أم لم تعارا (¬3) ولو أتيت بأفعل من عار هذه لقلت: أعار الله عين زيد. قال ناظر الجيش: أما قوله: وتصحيح نحو: صورى شاذ لا يقاس عليه فهو - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 174 ب). (¬2) انظر: الأشموني (4/ 318). (¬3) البيت من الوافر وقائله عمرو بن أحمر الباهلي والشاهد فيه: قوله: عارت وهذه اللغة مع قياسيتها قليلة نادرة؛ وذلك لأن الأصل عور - بزنة فرح - والواو إذا تحركت وانفتح ما قبلها على هذه الصفة انقلبت ألفا ولكنهم التزموا في عور وبعض حروف أخرى التصحيح ولم يعلوهن وقوله: أم لم تعارا كان القياس أن يقول: أم لم تعر فيسكن الراء للجازم ويحذف الألف التي هي عين الفعل للتخلص من التقاء الساكنين لكنه فتح الراء وأبقى الألف وتوجيه ذلك على الفصيح أن يقدر الفعل مؤكدا بالنون الخفيفة وهذه يفتح ما قبلها أبدا ولا يلزم حذف العين الساكنة لها ولو كان الفعل مجزوم المحل، ثم إن هذه النون تقلب ألفا عند الوقف. وانظره في المنصف (1/ 260، 3/ 42) وأمالي ابن الشجري (2/ 203) وابن يعيش (10/ 74، 75) ويس على التصريح (2/ 387).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مخالف لما ذكره في إيجاز التعريف؛ لأنه هناك جزم بأن حكم الصورى والحيدى التصحيح كالجولان والهيمان، وقد ذكر في شرح الكافية كما عرفت أن الأخفش غالب في ذلك ولم يختر فيه شيئا (¬1) ولكنه هنا - أعني في التسهيل - اختار مذهب الأخفش، فحكم بأن التصحيح شاذ، وقد اعتل هو لمذهب الأخفش بما سبق نقله من شرح الكافية، وهو أن ألفها في اللفظ كألف فعلا إذا جعل علامة تثنية، وأما قوله: وشذ نحو: روح وغيب، فظاهر فيهما وجه الشذوذ؛ لأن شروط الإعلال موجودة، والموانع منتفية ومع ذلك صححا، ونظيرهما في شذوذ التصحيح: الخونة والحوكة (¬2) وقياسهما: الخانة والحاكة، كالشاذة والقادة (¬3)، وأما قوله: وحول، فهو أيضا شاذ لما ذكرنا والقياس فيه: حال، ونظيره في الشذوذ: شول في قولهم: رجل شول - وهو الخفيف في قضاء الحاجة - أجري حرف العلة المكسور كالمفتوح فصحح شذوذا كما صحح روحا، قال الشيخ: وقد جاء من ذلك أفعال على وزن فعل شذ تصحيحها، قالوا: صوف الكبش، و: سوقت المرأة و: خوف الرجل وفوق السهم، وأما قولهم: وهيوء فإشارة إلى أن التصحيح كما شذ في الأسماء التي ذكرها شذ في الفعل فهيوء، مثل: طال، أصله: طول بدليل قولهم: طويل، كما قالوا: قصر فهو قصير، فكان قياس: هيوء أن يقال فيه: هاء كما قالوا: طال، ولكنهم شذوا فيه فصححوا عينه (¬4)، وأما قوله: وعفوة وأوو فإشارة إلى أن التصحيح فيها شاذ، ولكن الواو التي صحت فيهما هي لام الكلمة لا عينها، فلو قدم ذكرهما على روح وما بعده لكان أولى؛ لأنه إنما بدأ في الفصل بذكر إعلال اللام، ثم ثني بإعلال العين فينبغي أن يذكر الشاذ منهما على ترتيبهما. والعفوة جمع عفو - وهو الجحش - وقد كان قياسه أن يقال: عفاة، كما قالوا: قناة - ¬

_ (¬1) انظر: ابن جماعة (1/ 285) وتوضيح المقاصد (6/ 54) وشرح الكافية (4/ 2133 - 1234) والأشموني (4/ 318). (¬2) قال سيبويه (2/ 369) (بولاق): «وربما جاء على الأصل كما يجيء معل من المضاعف على الأصل إذا كان اسما، وذلك قولهم: القود، والحوكة، والخونة، والجورة، فأما الأكثر فالإسكان والاعتلال» وانظر: ابن يعيش (10/ 83) والمنصف (2/ 333). (¬3) انظر: التذييل (6/ 175 أ) والمساعد (4/ 167). (¬4) التذييل (6/ 175 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأووة جمع أوّة (¬1) وهي الداهية وكان قياسه أوى كعرى في جمع: عروة، وأما قوله: كما شذ إعلال ما ولي فتحة مما لا حظّ له في حركة كآية فتنظير لما صحح وكان حقه أن يعل، بما أعل وكان حقه أن يصحح، وقوله: كآية يفيد أن لآية في الإعلال نظائر وهي: صامة وتابة، وقد تقدم البيت الذي أنشده ابن برهان كما ذكر المصنف في إيجاز التعريف: 4317 - تبت إليك فتقبّل تابتي ... وصمت ربّي فتقبّل صامتي (¬2) وقالوا أيضا في دويبّة: دوابّة (¬3) وأفاد المصنف بقوله: في أسهل الوجوه، أن في آية وجوها وحينئذ يتعين ذكرها ليتبين أن الذي ذكره أسهلها، والوجوه التي فيها أقوال للنحاة، والمشهور منها ثلاثة أقوال: قول الفراء، وقول الخليل، وقول الكسائي (¬4). فأما الفراء فيقول: وزنها فعلة بسكون العين، فقلبت الياء ألفا تخفيفا، قال: وإذا كانوا يفعلون ذلك بالياء وحدها في نحو: عيب وعاب وديم ودام، فالأحرى أن يفعلوا ذلك إذا انضاف إلى الياء ياء أخرى، وهذا الذي ذهب إليه الفراء هو الذي اختاره المصنف، وأشار إليه بأنه أسهل الوجوه، ومن ثم أورد آية في هذا الفصل من حيث إن عينها حرف علّة ساكن وقع بعد فتحة وأعل مع ذلك شذوذا، وكان القياس تصحيحه وإنما كان أسهل الوجوه؛ لأنه ليس فيه إلّا إبدال الألف من حرف علّة ساكن، وقد وجد ذلك في غير هذه الكلمة كما سيذكر. قال الشيخ: ويظهر أن هذا القول حسن، قال: وقد ذكر سيبويه هذا المذهب بعد ذكره مذهب الخليل، فقال: وقال غيره - يعني غير الخليل -: أصله: أيّة فعلة، فقلبت الياء ألفا كراهة التضعيف. وأما الخليل فيقول: إن وزنها فعلة بتحريك العين (¬5)، والأصل أيية فكل من العين واللام قد وجد فيه سبب الإعلال، والقاعدة فيما كان كذلك أن تعلّ اللام ولا تعل - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 2135). (¬2) تقدم. (¬3) شرح الكافية (4/ 2136). (¬4) انظر: الآراء وتفصيل هذه المسألة في: التصريح (2/ 388) والأشموني (4/ 417) والكتاب (2/ 388) والممتع (2/ 582 - 583) والرضي (3/ 118). (¬5) انظر: المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العين؛ فكان القياس في إعلالها أن يقال: أياة بصحة العين وإعلال اللام، فعكس العمل بأن أعلوا العين وصحّحوا اللام شذوذا (¬1)، ومن ثم تورد هذه الكلمة في هذا الفصل أيضا، لكن مع: غاية وطاية وثاية وراية من حيث إن العينات فيها أعلّت دون اللامات منها مع استحقاقها الإعلال، ورجح هذا القول - أعني قول الخليل - من جهة أن ليس فيه إلا تغيير مكان الإعلال مع أن الإعلال الذي حصل جاء على القياس. وأما الكسائي فيقول: إن وزنها فاعلة. وأصل الكلمة آيية فحذفت عين الكلمة استثقالا لليائين والكسرة في الأولى منهما، وقد حذفوها وحدها في: بالة وأصلها: بالية (¬2)، قلت: وعلى قول الكسائي: لا إيراد لهذه الكلمة في هذا الفصل، بل ولا في فصل من فصول الإبدال، إنما تورد في فصول الحذف، وكأن الكسائي رأي أنّ الحذف أسهل من الإبدال بغير سبب كما يقول الفراء، ومن القول بحصول إعلال في غير موضعه؛ لأنه غير مستحق كما يقول الخليل وقد ذكر الشيخ أن في آية ثلاثة أقوال أخر، فقيل: إن وزنها فعلة بضم العين على وزت سمرة، وأصلها: أيية، تحركت الياء الأولى وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وصحت الياء التي هي لام [6/ 185] لعدم الموجب لإعلالها. ورد هذا القول بأن كل اسم آخره ياء قبلها ضمة تقلب تلك الضمة كسرة نحو: تقصّ وترام، وقيل: إن وزنها: فعلة بكسر العين كنبقة تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا. ورد هذا القول بأن هذا إنما جاء فيه الإدغام والإظهار كالفعل نحو: رجل حيّ وحييّ، وغيّ وغييّ، وقيل: إن أصلها: أياة كحياة ونواة، فقلبت بأن جعلت اللام موضع العين، والقلب كثير في لسانهم (¬3). وهذه الأقوال الثلاثة إنما قيلت؛ فرارا من الذي يلزم على كل من الأقوال الثلاثة السابقة. وقد ردّ ابن عصفور قول الفراء بما لا يظهر، ونازعه ابن الضائع فيما ردّ به، وكذلك رد قول الكسائي أيضا ونازعه ابن الضائع أيضا، ذكر ابن عصفور ذلك في الممتع له، وجعل ابن الضائع معه ذكره الشيخ في شرحه (¬4). ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 175 أ، ب). (¬2) انظر: المنصف (2/ 236) واللسان «بلا». (¬3) التذييل (6/ 176 أ). (¬4) التذييل (6/ 175 ب) والممتع (2/ 582) وما بعدها.

[حكم إبدال الواو الساكنة والياء الساكنة بعد فتحة]

[حكم إبدال الواو الساكنة والياء الساكنة بعد فتحة] قال ابن مالك: (واطّرد ذلك في نحو: يوتعد وييتسر عند بعض الحجازيّين وفي نحو: أولاد من جمع ما فاؤه واو عند تميم، وفتح ما قبل الياء الكائنة لاما مكسورا ما قبلها وجعلها ألفا لغة طائيّة). قال ناظر الجيش: الإشارة بذلك إلى إبدال الواو الساكنة، والياء الساكنة بعد فتحة ألفا كما فعل في آية على مختاره فيها، وذكر أن ذلك يطرد عند بعض الحجازيين في موضع، ويطرد عند تميم في موضع، أما الذي يطرد عند بعض الحجازيين، فاعلم أن القاعدة أن فاء الافتعال وفروعه من الأفعال وأسماء الفاعلين والمفعولين إذا كانت واوا أو ياء تبدل تاء نحو: اتعد يتعد فهو متعد اتعادا، واتّسر يتّسر فهو متّسر اتسارا، هذا هو المشهور وعليه أكثر اللغات (¬1)، ومنهم من لا يبدل التاء منهما، ثم يعاملهما بما يستحقانه، فإن وليهما ضمة أقرت الواو بحالها وأبدلت الياء واوا نحو: موتعد وموتسر، وإن وليا كسرة أقرت بحالها وأبدلت الواو ياء نحو: ايتسر وايتعد، وإن وليا فتحة وجب قلبها ألفا نحو: ياتعد وياتسر (¬2)، وذلك كما أن فاء الكلمة تكون على حساب الضمة واوا، وعلى حسب الكسرة ياء، كذلك كانت على حسب الفتحة ألفا إجراء للفتحة مجرى الضمة والكسرة، ويقال: إن هذه لغة الشافعي رضي الله عنه (¬3)، وأما الذي يطّرد في لغة تميم فهو ما كان جمعا على أفعال مما فاؤه واو فيقولون في أولاد: آلاد، وفي أوثان: آثان، وفي أوقات: آقات، وفي، أوغاد: آغاد (¬4)، ثم ذكر المصنف مسألة ثالثة ختم بها الفصل، وهي أن ما كان لامه ياء مكسورا ما قبلها، فإن لغة طيئ تصيّر تلك الكسرة فتحة، ولا بد أن تكون الياء متحركة لأنها لام، ولام الكلمة لا بد من حركتها، ويلزم من ذلك - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 356، 357) والرضي (3/ 80، 81) وابن يعيش (10/ 37) وابن جماعة (1/ 272) والأشموني (4/ 330) والممتع (1/ 386). (¬2) انظر: الرضي (3/ 88) وابن جماعة (1/ 273). (¬3) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، أحد الأئمة الأربعة، ولد سنة (150 هـ) وتوفي (204 هـ). راجع طبقات الشافعية للسبكي (1/ 185). (¬4) التذييل (6/ 176 ب) والمساعد (4/ 169) وشرح الكافية (4/ 2136، 2137).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قلب الياء التي هي لام الكلمة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ويدخل تحت هذا الضابط صورتان: إحداهما: ما كان على وزن فاعلة نحو: جارية وناصية، فيقال فيهما: جاراة وناصاة (¬1)، وسواء أكانت اللام أصلها الياء، أم تكون واوا فانقلبت ياء لكسر ما قبلها، وسمع من كلامهم: أنا امرأة من أهل الباداة (¬2)، وقال الشاعر: 4318 - وما الدّنيا بباقاة لحيّ ... ولا حيّ على الدّنيا بباق (¬3) وقالوا في أودية جمع واد: الأوداة. وقال الشيخ: وهل يقاس عليه الأكسية والأرسية؟ فيه نظر (¬4). الصورة الثانية. الفعل الماضي يقولون في بقي: بقى، وفي فني: فنى، وفي رضي: رضا وفي زهي: زها. قال الشاعر: 4319 - أفي كلّ عام مأتم تبعثونه ... على محمر شوّبتموه وما رضا (¬5) وقال آخر: 4320 - زها الشّوق حتّى ظلّ إنسان عينه ... يفيض بمغمور من الماء متآق (¬6) وقال آخر: 4321 - نعى لي أبو المقدام فاسودّ منظري ... من الأرض واستكّت عليّ المسامع (¬7) - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (2/ 557) والتذييل (6/ 176 ب) والمساعد (4/ 169). (¬2) انظر: المرجعين السابقين. (¬3) من الوافر، لم أعرف قائله، والشاهد فيه: قوله: «بباقاة» أراد: بباقية فأبدل من الكسرة فتحة، فانقلبت الياء ألفا وهي لغة طيئ. ينظر الإنصاف (1/ 75) والتذييل (6/ 176 ب) والمساعد (4/ 169). (¬4) التذييل (6/ 176 ب). (¬5) من الطويل لزيد الخيل والشاهد فيه: قوله: «رضا» وأصلها: رضي فأراد الشاعر أن يقلب الياء ألفا فلم يتيسر له ذلك؛ لأن ما قبلها مكسور ففتح هذه الكسرة تخفيفا فصارت الياء متحركة مفتوحا ما قبلها فقلبها ألفا. راجع الكتاب (1/ 65)، (2/ 290) وابن يعيش (9/ 76) والتذييل (6/ 176 ب). (¬6) من الطويل والشاهد: في قوله: «زها» حيث قلب الكسرة فتحة والياء ألفا - انظر الشاهد السابق - وإنسان العين: المثال الذي يرى في السواد. انظره: في التذييل (6/ 176 ب). (¬7) من الطويل للنابغة الذبياني والشاهد فيه: قوله: نعى أي: نعي لي بفتح العين المكسورة قبل الياء وقلب الياء ألفا على لغة طيئ، والمعنى: أخبرت بموت أبي المقدام فاسودت الدنيا بوجهي وصمّت أذناي. وانظره في التذييل (6/ 176 ب) والمساعد (4/ 170) وديوانه (ص 52).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد نعي. وحكم هذه الألف في الماضي المبني للمفعول حكم الماضي المبني للفاعل في الحذف والعود إلى الأصل، قال الشاعر: 4322 - نستوقد النّبل بالحضيض ونص ... طاد نفوسا بنت على الكرم (¬1) وتقول المنزلان بنا. قال الشيخ: ولا يحفظ هذا من الأفعال إلا في الثلاثي المجرد، وطيئ لا يفعلون ذلك على سبيل الوجوب بل إنما يجوزون ذلك (وغيرهم من العرب) (¬2) لا يجيزه إلا فيما كان المجموع على مثال مفاعل، كقولك في جمع مدار: مداري؛ وذلك لثقل الكسرة قبل الياء وثقل البناء مع أمنهم اللبس إذا خففوا، تقلب الكسرة فتحة والياء ألفا؛ لأنه لا يكون شيء من المجموع التي هي على مثال مفاعل أصل بنائه فتح ما قبل آخره، وليس كذلك: رام وغاز؛ لأنهما إذا فعل ذلك بهما اشتبها في اللفظ برامى وغازى (¬3). واعلم أن المصنف أطلق هذه المسألة، ولم يقيد حركة الياء بأن تكون غير إعرابية؛ فيقتضي هذا أن لا فرق بينهما عنده، ويؤيد أن هذا مراده قوله في الكافية الشافية: بنحو راضى وبنت في راضي ... وبنيت لطيّئ تراضي (¬4) قال الشيخ بعد أن ذكر عنه هذا البيت: وذلك خطأ لا يوجد في كلام طيئ راضى في: راضي، ولا تغاضا في تغاض (¬5) واقتضى كلامه أن حركة الياء التي تقع قبلها كسرة بدلا أن تكون فتحة، وأن تكون الفتحة غير إعرابية، وعلى هذا فلا يتأتى هذا الحكم في نحو: لن يرمي ولن يستدني، ولا في نحو: رأيت القاضي والرامي، ولا شك أن هذا أمر موقوف على نقل لغة هؤلاء. وقد قال الشيخ: إن ذلك لا يوجد في كلامهم. ولا يبعد أن الأمر كما ذكره. ¬

_ (¬1) من المنسرح لم أعرف قائله والشاهد فيه: قوله: بنت وأصله: بنيت، قلبت كسرة النون فتحة فقلبت الياء ألفا فصارت: بنات فحذفت الألف لالتقاء الساكنين وهي لغة طائية. راجع: شرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 48)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي (ص 165) والتذييل (6/ 176 ب). (¬2) (ب) والعرب غيرهم. (¬3) التذييل (6/ 176 ب). (¬4) شرح الكافية (4/ 2137). (¬5) التذييل (6/ 177 أ).

[قلب الواو والياء ألفا إذا وقعتا عينين

[قلب الواو والياء ألفا إذا وقعتا عينين (¬1)] قال ابن مالك: (فصل: إن كانت الياء أو الواو عين فعل، لا لتعجّب ولا موافق لفعل الّذي بمعنى افعلّ ولا مصرّف منهما، أو عين اسم يوافق المضارع في وزنه الشّائع دون زيادته غير جار على فعل مصحّح أو يوافقه في زيادته، وعدد حروفه وحركاته دون وزنه أو عين مصدر على إفعال أو استفعال، ممّا اعتلّت عينه نقلت حركتها إلى السّاكن قبلها إن لم يكن حرف لين ولا همزة، ولم تعتلّ اللّام أو تضاعف، وأبدل من العين مجانس الحركة إن لم تجانسها وتحذف واو مفعول مما اعتلّت عينه، ويفعل بعينه ما ذكر، وإن كانت ياء وقيت الإبدال بجعل الضّمّة المنقولة كسرة، وتصحيحها لغة تميمية. وربّما صحّحت الواو كمصوون، ولا يقاس على ما حفظ منه خلافا للمبرّد). قال ناظر الجيش: اعلم أن مقصود هذا الفصل أن يذكر فيه نقل حركة الحرف المعتل الواقع عينا إلى ما قبله من ساكن وقد جعل المصنف ذلك حكما مستقلّا بنفسه؛ لذلك استأنف ذكره في فصل، وأما ابن الحاجب - رحمه الله تعالى - فإنّه وصل الكلام في ذلك بالكلام على أحكام الفصل الذي فرغ منه، وهو أنه قال: إن الواو والياء إذا كانتا عينين يقلبان ألفا إذا تحركتا ومفتوحا ما قبلهما، أو في حكمه في اسم ثلاثي أو فعل ثلاثي أو محمول عليه [6/ 186]، أو اسم محمول عليهما، فالاسم الثلاثي باب وناب والفعل الثلاثي: قام وبان (¬2). وقد فتح ما قبلهما، وما في حكم المفتوح ما قبله، أقام وأبان، والمحمول على الثلاثي: مقام، والمحمول على المحمول على الثلاثي: إقامة واستقامة، ولمّا سلك هذه الطريقة احتاج أن يعتذر عن نحو: تقوم وتبيع (¬3)، وكونهما لم يعلّا بقلب حرف العلة فيهما ألفا، وتكلف لذلك ولا شك أن فيما سلكه قلقا، والذي فعله المصنف أولى، وإنما جعل المصنف هذا الفصل من جملة فصول الإبدال؛ لأن الإبدال لا بد منه في شيء من صور مسائله، كما في: يقيم ويخاف ويهاب، كما سيبين - إن شاء الله تعالى - - ¬

_ (¬1) انظر المفصل (201، 202) وابن يعيش (10/ 16) والنزهة (ص 224) والممتع (2/ 438) والجاربردي (1/ 275). (¬2) الرضي (3/ 95). (¬3) انظر الممتع (2/ 485، 486).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وحاصل ما سيق هذا الفصل لأجله: أن عين الكلمة التي هي واو متحركة وياء متحركة تنقل حركتها إلى ما قبلها من ساكن إلا في الكلمات التي تستثنى، وإلا أن يمنع من النقل مانع، بأن يكون الساكن قبلها حرف لين أو همزة، أو تكون لام الكلمة قد أعلت أو تكون اللام مضاعفة، واعلم أنه إذا حصل النقل فتارة يبقى الحرف الذي نقلت حركته عنه بحاله، وتارة يبدل الحرف بحرف من جنس الحركة المنقولة. قال المصنف في إيجاز التعريف: من الإعلال الواجب تحريك الفاء الساكنة بحركة العين التي هي ياء أو واو، نحو: يبيع ويقول، أصلهما: يبيع ويقول، فإن جانست الحركة العين كما اتفق في يبيع ويقول، فلا يزاد على ما فعل بهما من تحريك ما كان ساكنا وإسكان ما كان متحركا، وهو المسمى نقلا، فإن لم تكن الحركة مجانسة نقلت ووليها مجانسها بدل العين نحو: يهاب ويخاف ويقيم، أصله: يهيب ويخوف ويقوم، ففعل بهن ما ذكر، فإن كانت الحركة ضمة والعين ياء في غير مفعول أبدلت الضمة كسرة وسلمت الياء في قول الأخفش. انتهى. والإشارة بقوله: فإن كانت الحركة ضمة والعين ياء في غير مفعول إلى نحو: مفعلة إذا بنيت مما عينه ياء كمبيعة، فإن القياس عند سيبويه: مبيعة، وعند الأخفش: مبوعة، ومن ثم كان مضوفة شاذّا عند سيبويه (¬1) قياسا عند الأخفش (¬2)، وقد تقدم الكلام على هذه المسألة في هذا الباب، فلا حاجة إلى إعادته. وقال في شرح الكافية الشافية: إذا كان عين فعل واوا أو ياء وقبلهما ساكن صحيح فانقل حركتها إليه، واجعلها تابعة للحركة، أي إن كانت الحركة فتحة فاقلب العين ألفا، وإن كانت كسرة والعين واو فاقلبها ياء، وإن كانت ضمة والعين واو أو كسرة والعين ياء فلا تغيرهما بأكثر من التسكين نحو: أقام وأبان و: يقيم ويبين (¬3). انتهى. وبقي من الأقسام أن تكون الحركة ضمة والعين ياء، وهو الذي ذكر في إيجاز التعريف أن فيه خلاف الأخفش مع سيبويه، وقد تقدم تمثيله؛ فإن قيل: الذي ذكره في شرح الكافية مقيّد بكونه غير فعل ولا يتصور في الفعل صيغة فعل بضم العين مما عينه ياء - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 364) وابن يعيش (10/ 82). (¬2) انظر: ابن يعيش (10/ 81) والجاربردي (1/ 291). (¬3) شرح الكافية (4/ 2138 - 2139).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيجيء له مضارع ساكن الفاء مضموم العين مع كونها ياء، والذي ذكره في إيجاز التعريف لم يقيده بفعل؛ فلهذا استوفى الأقسام كلها. فالجواب: أن ذلك يجيء في الأفعال أيضا، لكنه إنما جاء في كلمة واحدة، وذلك أنه قد أتى في الأفعال فعل فيما عينه ياء، وهو: هيؤ، قالوا: ولم يأت على هذه الصيغة فعل متصرف غير هذا الفعل (¬1)، وعلى هذا فإذا أتي بمضارع الفعل المذكور فالأصل فيه أن يقال: يهيؤ، فإما أن تبدل الضمة كسرة مع نقلها إلى الساكن قبلها، فتسلم الياء، فيقال: يهيي كيبيع، وإما أن تبقى الضمة وتبدل الياء واوا فيقال: يهيو كيقوم فقد تصور في الفعل والعين فيه ياء وحركتها ضمة، وإذ قد تقرر هذا فاعلم أن هذا العمل الذي هو نقل حركة المعتل إلى ما قبله من ساكن يكون في أربعة أشياء: فعل وثلاثة أسماء؛ وهي اسم يوافق المضارع في ما سيذكر، واسم هو مصدر، واسم على صيغة مفعول، وقد أورد المصنف ذلك في هذا الكتاب بهذا الترتيب، فأشار إلى الفعل بقوله: إن كانت الياء والواو عين فعل، وعطف عليه الاسم الموافق للمضارع، والاسم الذي هو مصدر، فقال: أو عين اسم يوافق المضارع ثم قال: أو عين مصدر الاسم على إفعال أو استفعال مما اعتلت عينه، ثم أتى بجواب الشرط، فقال: نقلت حركتها إلى الساكن قبلها، أي: إن كانت الياء والواو عينا نقلت حركتها إلى الساكن قبلها في الثلاثة المذكورة إذا انتفت الموانع التي ستذكر، ثم إنه شرع في ذكر الموانع، فذكر هنا مانعين: الأول: أن يكون الفعل فعل تعجب نحو: ما أطوله، وأطول به، وما أبينه، وأبين به. والعلّة في تصحيحه حمله على نظيره من الأسماء في الوزن والدلالة على المزية، وهو أفعل التفضيل، ولأنه لا يتصرف ولا مصدر له فأشبه بجموده الاسم. الثاني: أن يكون الفعل ما أشار إليه بقوله: ولا موافق لفعل الذي بمعنى افعلّ، ومثّل الشيخ لذلك بعور وصيد قال: لأنهما بمعنى - ¬

_ (¬1) قال ابن منظور في اللسان (هيأ): «وقد هيؤ بضم الياء، حكى ذلك ابن جني عن بعض الكوفيين، قال: ووجهه أنه خرج مخرج المبالغة فلحق بباب: قضو الرجل إذا جاد قضاؤه، ورمو إذا جاد رميه، فكما يبنى فعل مما لامه ياء كذلك خرج هذا على أصله في فعل مما عينه ياء، وعلتهما جميعا يعني هيؤ وقضو: أن هذا بناء لا يتصرف لمضارعته مما فيه من المبالغة لباب التعجب ونعم وبئس فلما لم يتصرف احتملوا فيه خروجه في هذا الموضع مخالفا للباب».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يصحح نحو: اعور واصيدّ (¬1)، والتمثيل مطابق لما تعطيه عبارة المصنف، لكنني لم يتضح لي كلامه، فإن العين من: عور وصيد لم يكن قبلهما ساكن فينقل حركتها إليه، ولم تكن هذه العبارة مطابقة لما سبق الكلام له من نقل حركة العين إذا كانت ياء أو واوا إلى ساكن قبلهما، والظاهر أن مراده أن يستثنى من نحو: أعوره ويعوره فإن نحو ذلك لا تقلّ فيه، ولكن هذا لا يعرف من العبارة التي ذكرها، وعلى ما قلناه كان ينبغي أن يقول: ولا المنقول بهمزة من فعل الذي بمعنى افعلّ، ويمثّل لذلك حينئذ بأعوره، فيطابق العبارة والتمثيل ما هو المقصود من هذا الفصل، وكلام المصنف في الكافية يرشد إلى ما قررته، فإنه لمّا ذكر الموانع التي تمنع هذا الإعلال الذي هو النقل قال: أو يك ممّا صححوه من فعل، وقال في شرح ذلك: فلو كان ما فيه سبب الإعلال المذكور من تصاريف فعل المستحق للتصحيح وجب تصحيحه أيضا كيعور وأعوره الله (¬2). هذا كلامه وهو مطابق للمقصود بخلاف عبارة التسهيل ولا يمكن أن يقال: إن أعور يوافق عور حتى يقول: إنه هو المراد من قوله: ولا موافق لفعل لأن أعور لا يوافق عور بحال، على أن لقائل أن يقول: لا حاجة بالمصنف إلى استثناء ذلك؛ لأن القاعدة التصريفية أن ما يصرف مما صح صحيح، ولا شك أن اعورّ متفرع من عور، وعور يجب تصحيحه لما مرّ، فاعور واجب التصحيح - أيضا - لتصحيح أصله، وحينئذ لا يستثنى من الأفعال من هذا الإعلال إلا فعل التعجب؛ لأنه كان يستحق [6/ 187] الإعلال لإعلال ما هو متفرع عنه، وقد صحح ذلك. أما اعورّ فغير مستحق لذلك لتصحيح أصله الذي هو: عور، وأما بقية الموانع - هذا الثقل - فقد ذكرها المصنف بعد أن أتى بجواب الشرط وهو قوله: نقلت حركتها إلى الساكن قبلها، وأوردها على سبيل الشروط وهي المشار إليها بقوله: إن لم يكن حرف لين ولا همزة ولم تعتل اللام أو تضاعف، وأنا أقدم الكلام عليها لتكون الموانع بجملتها قد نظمت في الذكر فأقول: الموانع التي ذكرها أربعة: الأول: أن يكون الساكن حرف لين، وذلك نحو: بايع وطاوع وقوّم وبيّن (¬3)، فعلم من هذا أن الساكن الذي ينقل إليه لا بد أن يكون صحيحا، - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 177 أ). (¬2) شرح الكافية (4/ 2139، 2140). (¬3) انظر: الرضي (3/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وإلى ذلك أشار بقوله: إن لم يكن حرف لين أي: نقلت حركتها إلى الساكن قبلها، إن لم يكن الساكن حرف لين، وإنما امتنع النقل في ذلك أما في نحو: بايع وطاوع فلتعذر قبول الألف الحركة، وأما في نحو: قوّم وبيّن، فلأنه لو نقلت الحركة فيه لقلبت الواو أو الياء ألفا فيلتقي ساكنان، فيلزم حذف أحدهما، وإذا حذف أدى ذلك إلى الإلباس. الثاني: أن يكون الساكن همزة. ومثل لذلك بقولهم: يأيس مضارع أيس (¬1)، وإلى ذلك أشار بقوله: ولا همزة. قال الشيخ: فهذا لا يجوز فيه النقل والحذف بل يصح حرف العلة فيه؛ لأن قبله همزة وهي معرضة للإعلال بأن تبدل ألفا فكأنها ألف، فكما لا يجوز إعلال مثل: بايع لا يجوز إعلال ذلك (¬2). انتهى. ولا يخفى ضعف هذا التعليل، ثم إن في المسألة من أصلها نظرا، وذلك أن: يأيس لا يستحق إعلالا؛ لأن المضارع تابع للماضي في الصحة والإعلال، وإذا كان الماضي الذي هو: صحيحا وجب كون المضارع صحيحا - أيضا - وعلى هذا فقد يقال: إن امتناع النقل في أيس ليس لأن الساكن الذي قبل حرف العلة همزة؛ لأن الفعل يستحق التصحيح من حيث إن الماضي قد صحح، وإذا كان كذلك لا يثبت كون الساكن همزة من جملة الموانع، ويدل على أن كون الساكن همزة لا يكون مانعا أن النقل قد حصل في يؤوب ويؤول مضارعي آب وآل. الثالث: أن تعتل لام الكلمة وذلك نحو: أعيا وأهوى واستحى واستغوى، فلا يجوز النقل في شيء من ذلك؛ لئلا يلزم توالي إعلالين، فعلم بهذا أن شرط إعلال عين الفعل هذا الإعلال الخاص أن تكون اللام صحيحة، وإلى ذلك أشار بقوله: ولم تعتل اللام، هكذا ذكر المصنف هذه المسألة في جميع كتبه والأمر كما قال غير أن لقائل أن يقول: إنما صحت هذه الأمثلة المذكورة لصحة الثلاثي منها، وإذا كان كذلك لم يحتج إلى أن يجعل إعلال اللام مانعا من إعلال العين؛ لأن الموجب لصحة العين إنما هو صحتها في الثلاثي. الرابع: أن يضاعف لام الكلمة، وذلك نحو: اسودّ وابيضّ، واسوادّ وابياضّ (¬3)، وسنذكر علّة ذلك، وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: - ¬

_ (¬1) انظر: الأشموني (4/ 320). (¬2) التذييل (6/ 178 ب) وانظر المساعد (4/ 173). (¬3) انظر: التذييل (6/ 178 ب) والمساعد (4/ 173).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو تضاعف عطفا على تعتل في قوله: ولم تعتل اللام. قال المصنف في إيجاز التعريف: ومن موانع هذا الإعلال اعتلال اللام وتضعيفها نحو: يقوى ويزورّ فلا بد من تصحيح هذين النوعين؛ لأن إعلال الأول يلزم منه توالي اعتلالين على الوجه الذي لا يغتفر ولا سبيل إليه وإعلال الثاني يلزم منه التباس مثال بمثال، فإنه لو نقلت حركة العين من: ازورّ إلى فائه لانقلبت هي ألفا، فاستغني عن همزة الوصل لتحرك الزاي فقيل: زارّ، فيتوهم أنه فاعل من الزّرّ فاجتنب لذلك. انتهى. والعلة التي ذكرها لامتناع إعلال: اسودّ وازورّ هي بعينها العلة في امتناع إعلال: اسوادّ وابياضّ؛ لأن النقل لو حصل لانقلب حرف العلة ألفا لانفتاح ما قبله، ويجتمع حينئذ ألفان فيجتمع حذف أحدهما فيؤول وزن الكلمة إلى: ساد وباض - أيضا - فيتوهم أنه فاعل (¬1) وقد أفاد كلام المصنف أولا وآخرا أن الموانع التي تمنع هذا الإعلال الذي هو النقل ستة، وفي بعضها البحث الذي تقدم ولا أعلم الموجب لتفرقة المصنف بينها في الذكر، وقد أوردها في الكافية الشافية منتظمة فقال: لساكن صحّ انقل التّحريك من ... زي لين آت عين فعل كأبن إن لم تضاعف لامه أو تعتلل ... أو تك ممّا صحّحوه من فعل أو ما تعجّبا أفاد نحو ما ... أجود كفّيه، وأجود بهما (¬2) وقال في الألفية: لساكن صحّ انقل التحريك من ... ذي لين آت عين فعل كأبن ما لم يكن فعل تعجّب ولا ... كابيضّ أو أهوى بلام علّلا (¬3) وأما قول المصنف: ولا مصرف منهما؛ فقال الشيخ: مثال ما صرف من فعل التعجب: أطول بزيد وأعجب به ومثال ما صرف من عور وصيد: يعور ويصيد وأعوره الله (¬4). انتهى ولا نرتضي من الشيخ هذا بل ولا من المصنف، فإن فعل التعجب لا يتصرف منه شيء ولا شك أن قوله: لا لتعجب شامل لصيغتي - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 178 ب) والمساعد (4/ 173) وشرح ابن الناظم (ص 859). (¬2) شرح الكافية الشافية (4/ 2138). (¬3) الألفية (ص 78). (¬4) التذييل (6/ 177 أ) وانظر المساعد (4/ 171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التعجب وهما: ما أفعله وأفعل به فكيف يقال: إن أفعل به مصرف مما أفعله؟ وأما قوله: إن أعوره مصرّف من عور فهو كلام مبني على كلامه الأول، وتمثيله بنحو: عور وصيد لقول المصنف: ولا موافق لفعل الذي بمعنى افعل، وقد عرفت ما فيه، والحق أن لا حاجة إلى قول المصنف: ولا موافق لفعل الذي بمعنى افعلّ ولا مصرف منهما هذا آخر الكلام على الفعل، وأما الأسماء التي تعل هذا الإعلال فثلاثة كما عرفت: الأول: الاسم الذي يوافق المضارع وقد أشار إلى ذلك بقوله: أو عين اسم يوافق المضارع في وزنه الشائع دون زيادته غير جار على فعل مصحح أو يوافقه في زيادته وعدد حروفه وحركاته دون وزنه، واعلم أن الأصل المقرر في هذا الموضع أن الاسم الذي يعلّ هذا الإعلال - أعني نقل حركة عينه المعتلة إلى فائه شرط إعلاله أن يوافق ذلك الاسم الفعل المضارع في شيء ويخالفه في شيء والشيئان اللذان يعتبر فيهما الموافقة والمخالفة، هما الوزن والزيادة، أعني وزن الفعل وزيادته، فإن كانت الموافقة في الوزن وجبت المخالفة في الزيادة، وإن كانت الموافقة في الزيادة وجبت المخالفة في الوزن الأول نحو: مقام أصله مقوم وهو كيعلم في الوزن، لكن الحرف المزيد جيم، وهو لا يزاد في المضارع، واليائي نحو: تبيع وهو مثال: تحلئ من البيع (¬1)، وافق الفعل المضارع في الزيادة التي هي التاء، وخالفه في الوزن الذي هو: تفعل بكسر الأول، أما إذا وافقه في الزيادة والوزن معا نحو: ابيضّ واسودّ، وخالف فيهما معا نحو: سواك ومخياط يجب التصحيح (¬2) وقبل الخوض في شرح ألفاظ الكتاب أورد [6/ 188] كلام المصنف في شرح إيجاز التعريف ليستعان على حل كلامه بكلامه. قال رحمه الله تعالى مشيرا إلى الإعلال الذي الكلام فيه الآن: ويستحق هذا الإعلال أيضا كل اسم غير جار على فعل مصحح إن وافق الفعل في وزنه وخالفه بزيادته أو بالعكس. فالأول نحو: مقام ومقيم ومقام أصلهن: مقوم، ومقوم، ومقوم، فهن على وزن يعلم ويعلم ويعلم، وإنما حصلت المخالفة بالمزيد قبل الفاء، وأما عكس ذلك وهو أن يوافقه في الزيادة ويخالفه في الوزن نحو أن تبني من - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 366) والمنصف (1/ 321) وشرح الكافية (4/ 2140) والأشموني (4/ 321) وشرح ابن الناظم (ص 860). (¬2) انظر: شرح الكافية (4/ 2141) والأشموني (4/ 322) وشرح ابن الناظم (ص 860).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بيع وقول مثال تحلئ، فيقال: تبيع وتقيل، وأصلهما: تبيع وتقول، ثم فعل بهما ما ذكر؛ لأنهما وافقا الفعل في الزيادة؛ لأن التاء زيادة مشتركة، وخالفاه في الوزن لأن تفعلا مفقود في الأفعال ولو بني من بيع مثال: تفعل لقيل على مذهب سيبويه: تبيع، وعلى مذهب الأخفش: تبوع (¬1) فلو كان الاسم موافقا للفعل في زيادته ووزنه معا وجب أن يصحح ليمتاز من الفعل، فإن اسودّ - مثال - لو أعل فقيل فيه: أساد، ظنّ أنه فعل، وذلك مأمون في نحو: مقام وتبيع فإنهما قد امتازا من الفعل بالزيادة التي لا تكون فيه وهي الميم، وبالوزن الذي لا يكون فيه وهو تفعل، فلا حاجة إلى الإخلال بالإعلال، فإن في استعماله إجراء النظائر على طريقة واحدة، فلا يعدل عنه إلا لمانع من خوف لبس أو غيره، فلو كان الاسم منقولا من فعل نحو: يزيد لم يغير عما كان عليه من الإعلال إذا كان فعلا. انتهى. وقد تضمن هذا الكلام شرح كلامه في التسهيل غير كلمة واحدة وهي الشائع في قوله: في وزنه الشائع يعني أن الوزن المشترط موافقة الاسم المضارع فيه شرطه أن يكون وزنا شائعا للمضارع، فإن كان ذلك الوزن غير شائع، فلا أثر لموافقة الاسم له فيه، وقد شرح الشيخ ذلك بأن قال: وقوله: في وزنه الشائع احتراز من أن يوافقه لكن لا في الوزن الشائع وذلك نحو: مغيل من أغيل، فقياس مضارع أفعل مما عينه ياء أو واو أن يعلّ، فلا يعل مغيل؛ لأنه لم يوافق وزن المضارع الشائع (¬2). هذا كلامه، وهو غير واضح؛ لأن معناه أن مغيلا إنما لم يعل؛ لأنه لم يوافق المضارع في وزنه الشائع وعنى بالوزن الشائع: ما يستحقه ذلك المضارع بالقياس وإن لم يعط ما يستحقه، فالذي يستحقه المضارع من الإعلال مثلا هو الوزن الشائع، والذي أعطيه من غير استحقاق من التصحيح هو غير الشائع، وهذا الذي ذكره عجيب بعيد عن أن يكون مراد المصنف، على أن فعيلا إنما صح لصحة الفعل الجاري هو عليه والمصنف قد شرط في إعلال الاسم أن يكون غير جار على فعل مصحح، فمغيل إنما صحّ لصحة: أغيل، وكذا يغيل إنما صح لصحة ماضيه، وإذا كان المضارع تابعا الماضي في الصحة فلا يقال: إن إعلاله هو الشائع؛ بل الشائع صحته، والذي يظهر لي أن - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 177 أ، ب) والجاربردي (1/ 291) والكتاب (2/ 364) وابن يعيش (10/ 81). (¬2) التذييل (6/ 177 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف احترز بقوله: الشائع من أن يدعي مدع في تبيع وتقيل وهما مثال: تحلئ من البيع والقول أنهما يصححان ولا يعلان؛ لأنهما يوافقان المضارع في الزيادة ولا يخالفانه في الوزن. وذلك أنهما يوافقان في الوزن: تحسب على لغة من يكسر حرف المضارعة فيقال: قد وافق الاسم المضارع في الزيادة والوزن والقاعدة أنه إذا وافق فيهما لا يعلّ، بل لا بد من المخالفة في أحدهما، فأخرج المصنف الموافقة لنحو: تحسب بكسر التاء بقوله: الشائع؛ لأن تفعل، وإن جاء المضارع عليه ليس وزنا شائعا له؛ لأن حرف المضارعة إنما يكسره بعض العرب بالشرط المقرر المعروف في موضعه (¬1)، ولكن يعكر على هذا الذي قررته شيء، وهو أن المصنف يعتذر من تصحيح نحو: مخيط، بأنه لما أشبه مخياطا لفظا ومعنى حمل عليه، ومقتضى هذا أن مخيطا عنده يستحق الإعلال، ولا شك أنه مخالف للفعل في الزيادة، وأما في الوزن فقال الإمام بدر الدين ولد المصنف: إنه يوافق تعلم في الوزن (¬2). فكان يستحق الإعلال لوجود المخالفة والموافقة، وهو إنما يوافق في الوزن غير الشائع، ومع هذا اعتبر، ولو غير المصنف اعتذر عن تصحيح مخيط بهذا الاعتذار لسهل الأمر؛ فإن غير المصنف وابنه لا يقول: إن مخيطا يستحق الإعلال بل يقول مخيط لا يستحق الإعلال كما لا يستحقه مخياط، وبعد فعلى الناظر أن يحقق ما قصد المصنف الاحتراز عنه بقوله: الشائع، وأما قوله: غير جار على فعل مصحح فهو احتراز من نحو: مقاول ومبايع، فإن حرف العلة لا يعل في هذا الاسم؛ لجريانه على: قاول وبايع (¬3)، وأما قوله: أو يوافقه في زيادته وعدد حروفه وحركاته دون وزنه فظاهر وهو قسيم لقوله: يوافق المضارع في وزنه الشائع دون زيادته، والمراد به الحركات نوع الحركات لا جنسها كما عرفت من بناء مثل: تحلئ من البيع والقول؛ فإنك لا بد أن تقابل كسرة التاء واللام من تحلئ بكسرتين من المثال الذي يبنيه، لكن قال الشيخ: إنهم يعنون بالموافقة في الحركات جنس الحركات لا خصوصية الحركة من ضمة أو فتحة أو كسرة، وفيه نظر. - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 256) وأوضح المسالك (4/ 403) والتصريح (2/ 394) والصبان (4/ 322). (¬2) شرح ابن الناظم (ص 860). (¬3) انظر: التذييل (6/ 177 ب) والمساعد (4/ 171).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وبعد تقرير كلام المصنف في هذه المسألة فلنورد كلام غيره فيها، قال الشيخ أبو عمرو ابن الحاجب رحمه الله تعالى (¬1): وشرط إعلال العين في الاسم غير الثلاثي والجاري على الفعل مما لم تذكر حركة الفعل موافقا وسكونا مع مخالفة بزيادة أبنية مخصوصين به فلذلك لو بنيت من البيع مثل مضرب وتحلئ قلت: مبيع وتبيع معتلّا، ومثل تضرب قلت تبيع مصححا. انتهى. واحترز بغير الثلاثي من نحو ناب وباب، فإنه يعل قطعا، وإن لم يكن مشتملا على الشرط المذكور، وكذا احترز بغير الجاري على الفعل من الجاري على الفعل فإنه يعل لجريانه على الفعل المعتل، وإن لم يكن مشتملا على الشرط المذكور أيضا. وبقية كلامه واضح موافق لما قاله غيره. وإنما احتاج ابن الحاجب إلى استثناء ناب وباب؛ لأنه لم يعتمد ما اعتمده المصنف من إفراد الكلام على هذه المسألة المتضمنة لنقل حركة العين المعتلة إلى ما قبلها من ساكن صحيح بل جعل القياس واحدا وهو أنه جعل الحكم الذي هو إبدال العين ألفا نحو: باع وقام - منسحبا على إبدالها في نحو: أباع وأقام، وجعل القاعدة في البابين واحدة وهي أن يكون ما قبل حرف العلة مفتوحا أو في حكمه أو محمولا على ما هو كذلك كما تقدم. وأما المصنف فقد عرفت كيف فعل، وما قصده من التمييز بين البابين، وقال ابن عصفور (¬2): وإن كان الاسم على أزيد من ثلاثة أحرف؛ فلا يخلو: إما أن يكون موافقا للفعل في وزنه، أو لا يكون؛ فإن كان موافقا للفعل في وزنه وأعني بذلك أن يكون عدد حروفه موافقا لعدد حروف الفعل، وحركاته كحركاته، وسكناته كسكناته؛ فلا يخلو من أن يكون موافقا للفعل في وزنه جنس الزيادة، أو تكون زيادته مخالفة لزيادة الفعل فإن كان موافقا للفعل في جنس الزيادة لم يعل؛ لئلا يلتبس الاسم بالفعل، وذلك نحو قولك: هذا أطول منك، ألا ترى أنك لو أعللت فقلت: أطال بلفظ الفعل، وكذا لو بنيت مثل تفعل أو تفعل من القول والبيع - ¬

_ (¬1) انظر الإيضاح في شرح المفصل لابن الحاجب (2/ 441) تحقيق/ موسى بناي العليلي. (¬2) الممتع في التصريف لابن عصفور (2/ 484) تحقيق/ فخر الدين قباوة (منشورات دار الآفاق بيروت).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لقلت: تقول وتبيع، وتقول وتبيع، وكذلك أيضا لو ألحقت التاء لم يعتد بها وصححت الاسم، فكنت تقول: يقولة ويبيعة، وتقولة وتبيعة وكذلك حكم ما هو على وزن الفعل وزيادته كزيادته. قال الشاعر: 4323 - جاؤوا بتدورة يضيء وجوهنا ... دسم السّليط على فتيل ذبال (¬1) فأما يزيد اسم رجل فإنما اعتل من قبل أنه كان فعلا فأعلّ لزوما، ثم نقل من الفعل فسمي به وإن كان مخالفا في جنس الزيادة، [6/ 189] فإنه يعل إعلال الفعل الذي يكون على وفقه في الحركات وعدد الحروف؛ لأنه قد أمن التباسه بالفعل، فتقول في مفعل من القول والقيام: مقال ومقام والأصل: مقول ومقوم، فأعللتهما كما أعللت: يخاف وكذلك: مفعلة من البيع تقول فيها: مبيعة، فتنقل الكسرة من حرف العلة إلى الساكن قبله، كما فعلت ذلك في نظيره من الفعل وهو يبيع، وكذلك تقول في مفعلة من البيع على مذهب سيبويه (¬2)؛ لأنك إذا نقلت الضمة من الياء إلى الساكن قبلها صارت الياء الساكنة بعد ضمة قريبة من الطرف، فعلى مذهب سيبويه تقلب الضمة كسرة، لتصح الياء وعلى مذهب الأخفش تقلب الياء واوا؛ لأنه مفرد ولا تقلب الضمة عنده كسرة لتصح الياء إلا في الجمع، فتقول على مذهبه: مبوعة (¬3)، وتقول في مفعلة من القول: مقولة فتعلها كما تعل: يقول، وكذا تفعل بما خالفت زيادته زيادة الفعل إلا مفعلا فإنك لا تعلّه وذلك نحو: مقول ومتيح؛ وذلك لأنه مقصور من مفعال، فلم يعل كما لم يعل مفعال نحو: مقوال، كما لم يعل عور؛ لأنه في معنى اعورّ، ومما يبين أن مفعلا يمكن أن يكون مقصورا من مفعال كونهما في معنى واحد من المبالغة، تقول: رجل مطعن ومطعان إذا وصفته بكثرة الطعن، وكونهما قد يتعاقبان على معنى واحد، نحو: مفتح ومفتاح، وقد شذت ألفاظ فجاءت صحيحة وبابها أن تعتل وهي: مزيد ومريم ومكوزة - ¬

_ (¬1) من الكامل قائله تميم بن مقبل والتدورة: مكان مستدير تحيط به جبال. يصف الشاعر أنه بان مع صاحبه في هذا المكان يستضيئان بالسليط المصبوب على الذبال، والسليط: الزيت، والذبال: جمع ذبالة، وهي الفتيلة التي تسرج، والشاهد: في قوله: تدورة؛ حيث صحت واوها لما كانت اسما فرق بينها وبين الفعل. راجع الكتاب (2/ 365) والمنصف (1/ 324)، (3/ 54) والممتع (2/ 486) وديوانه (ص 257). (¬2) الكتاب (2/ 364) بولاق. (¬3) انظر: ابن يعيش (10/ 81) والجاربردي (1/ 291) والمنصف (1/ 299).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومقورة، حكى أبو زيد: وقع الصيد في مصيدتنا، وشراب مبولة: يبال به، وهي مطيبة للنفس، وقرأ بعض القراء (¬1): (لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون) (¬2) وذهب أبو العباس (¬3) إلى أن نحو: مقام ومباع إنما اعتل؛ لأنه مصدر لفعل أو اسم مكان، لا لأنه على وزن الفعل، وجعل مزيد ومريم ومكوزة على القياس؛ لأنها ليس لها أفعال فتحمل في الإعلال عليها إنما هي أسماء أعلام. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأنه إن زعم أن الذي يعل ما هو جار على الفعل، أعني مشتقّا منه، بقياس مطرد فباطل؛ لأنهم قد أعلوا مثل معيشة وليس مفعلة مما عينه ياء مما يقال فيه باطراد، وإن زعم أن الذي يعلّ ما هو بالجملة مأخوذ من الفعل، فهذه الأسماء وإن كانت أعلاما فإنها منقولة في الأصل مما أخذ من الفعل؛ فمزيد في الأصل مصدر قد شذّ في تصحيحه وحينئذ سمي به، وكذلك مريم ومكوزة وهذا هو المذهب الصحيح في الأعلام، أعني أنها كلها منقولة سواء أعلم لها أصل نقلت منه أم لم يعلم؛ لأن الأعلام كلها يحفظ لها في النكرات أصول نقلت منها، وما لا يحفظ له أصل منها يحمل على الأكثر فيقضى بأن له أصلا، وإن لم يحفظ. قال أبو علي: ومما يبين أن الإعلال قد يكون في الاسم بمجرد كونه على وزن الفعل إعلالهم نحو: باب ودار ولا مناسبة بينه وبين الفعل أكثر من الوزن، فإذا تبين أن الوزن يوجب الإعلال وجب أن يحمل مزيد وأخواته على الشذوذ لكونها لم تعل وهي على وزن الفعل (¬4). انتهى كلام ابن عصفور. وكلامه مطابق في المعنى لكلام المصنف وكذا كلام ابن الحاجب - أيضا - ثم في كلامهم أمر ينبغي التنبيه عليه، وهو أن ابن عصفور استثنى مفعلا كما عرفت حيث قال: وكذلك يفعل بما خالفت زيادته زيادة الفعل إلا مفعلا، فإنك لا تعله، وذلك نحو: مقول؛ وذلك لأنه مقصور من مفعال؛ فلم يعل كما لم يعل مفعال كمقوال. وقال ابن الحاجب: وصحّ مقوال ومخياط للّبس، ومقول ومخيط محذوفان منهما أو بمعناهما (¬5). وقال المصنف في شرح الكافية: مفعال مستحق للتصحيح - ¬

_ (¬1) هذه قراءة قتادة وابن بريدة وأبي السمال. انظر المحتسب (1/ 103) وشواذ ابن خالويه (ص 8) والتبيان (1/ 101). (¬2) سورة البقرة: 103. (¬3) انظر: المقتضب (1/ 107). (¬4) الممتع (2/ 484 - 488) بتصرف. (¬5) الرضي (3/ 123).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كمسواك؛ لأنّه غير موازن للفعل لأجل الألف التي قبل لامه، ومفعل شبيه به لفظا ومعنى فصحّح حملا عليه (¬1). قلت: ولا شك أن مفعلا، وإن كان مخالفا للفعل في الزيادة؛ لم يوافقه في الوزن فإن أوّله مكسور، فهو مخالف للفعل في الأمرين، أعني الزيادة والوزن، وإذا كان مخالفا له فيهما استحق التصحيح، وإذا كان مستحقّا للتصحيح لم يحتج إلى أن يعتذر عن تصحيحه بأنه إنما صحّ؛ لأنه مقصور من مفعال؛ لأن مفعالا كما يستحق التصحيح لمخالفته الفعل في الزيادة والوزن يستحقه مفعل أيضا لذلك، لكن قال الإمام بدر الدين في شرح قول والده - رحمهما الله تعالى - في الألفية: ومفعل صحّح كالمفعال المفعال كمسواك ومخياط، ولا حظّ له في الإعلال لمخالفته الفعل في الوزن والزيادة، وحق مفعل أن يعل؛ لأنه على وزن: تعلم - يعني في لغة من يكسر حرف المضارعة - وزيادته خاصة بالأسماء، لكنه حمل على: مفعال لشبهه به لفظا ومعنى في التصحيح (¬2). انتهى. فبقول الإمام بدر الدين: لأنه على وزن تعلم، سهل الأمر، وافهم أن مخيطا لا يوافق الفعل في الوزن على الإطلاق، إنما يوافق وزنه في مكان خاص بقيد خاص، وأنه لو لم يتفق وجود هذه اللغة أعني لغة كسر أوله نحو: تعلم لم يكن نحو: مفعل مستحقّا للإعلال. وقد نوقش بدر الدين بأنه لو صحّ ما قاله للزم ألا يعل مثال: تحلئ؛ لأنه لا يكون مشبها لتحسب في وزنه وزيادته (¬3)، فإن صحت هذه المناقشة وثبت هذا الإلزام (اندفع) (¬4) التعليل الذي علل به، وهو قوله: وحق مفعل أن يعلّ؛ لأنه على وزن تعلم، وإذا اندفع التعليل الذي علل به تم البحث الذي تقدّم، وهو أن نحو: مخيط يستحق التصحيح لمخالفته - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 2141) بتصرف. (¬2) شرحه على الألفية (ص 860). (¬3) قال الأشموني (4/ 322): «وقال الناظم وابنه حق نحو: مخيط أن يعل لأن زيادته خاصة بالأسماء وهو مشبه لتعلم أي بكسر حرف المضارعة في لغة قوم، لكنه حمل على مخياط لشبهه به لفظا ومعنى. وقد يقال: لو صح ما قالا للزم أن لا يعل مثال: تحلئ؛ لأنه يكون مشبها لتحسب في وزنه وزيادته، ثم لو سلم أن الإعلال كان لازما لما ذكرا لم يلزم الجمع، بل من يكسر حرف المضارعة فقط» وانظر التصريح (2/ 394) والصبان (4/ 322). (¬4) كذا في (ب)، وفي (جـ) «فاندفع».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الفعل في الزيادة والوزن، ولا يحتاج إلى الاعتذار [6/ 190] عن تصحيحه؛ لأنه لم يكن مستحقّا للإعلال، وعلى هذا يتم ما قررناه قبل: أن الشائع في قول المصنف: أو عين اسم يوافق المضارع في وزنه الشائع، إنما يحترز به من الموافقة في الوزن غير الشائع كموافقة تحلئ لتحسب في لغة من يكسر حرف المضارعة، فإنه يعلّ مع أنه وافق الفعل في الزيادة والوزن، لكنه إنما وافق في الوزن غير الشائع، والموافقة إنما تعتبر إذا كانت في الوزن الشائع، فإذا لم يوافق في الشائع عدّ مخالفا، مع أنه موافق في الزيادة، فيكون تحلئ قد وافق في الزيادة وخالف في الوزن فاجتمع فيه الأمران، وحينئذ يستحق الإعلال كما هو مقرر في علم التصريف، هذا آخر الكلام على القسم الأول من الأسماء التي تعلّ هذا الإعلال. وأما الثاني، وهو الاسم الذي هو مصدر فإليه أشار بقوله - عطفا على ما تقدم -: أو عين مصدر على إفعال أو استفعال مما أعلّت عينه. قال المصنف في إيجاز التعريف بعد أن ذكر إعلال مفعول مما أعلت عينه: يجب الإعلال المذكور أيضا لما اعتلت عينه من مصدر على إفعال أو استفعال؛ حملا على فعله فتسكن العين حين تنقل حركتها، وتنقلب ألفا لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها فتلتقي مع الألف الزائدة قبل اللام فتعاملان معاملة الواوين من مفعول الذي عينه واو ولامه صحيحة، ويعوض من المحذوف هاء التأنيث كإقامة واستقامة، وهما في الأصل: إقوام واستقوام، ثم فعل بهما من النقل والقلب والحذف والتعويض ما ذكر. وإنما ترك التعويض في مفعول؛ لأنه صفة معرضة لأن يقصد بها مذكر ومؤنث، فلو لحقته الهاء تعويضا أوهمت قصد التأنيث عند إرادة التذكير، وذلك منتف من المصدرين المذكورين لانتفاء الوصف بهما، انتهى. واعلم أن المصدر يتبع في الصحة والإعلال فعله، ولا شك أن: إقامة واستقامة يتبعان في الإعلال أقام واستقام، فقد يقال: الاستغناء بذكر إعلال فعليهما عن ذكر إعلالهما حاصل فلأي معنى نص عليهما؟ والجواب: أن الفعل إنما يعل بالنقل والقلب خاصة، وأما المصدر فيعل بذلك، وتحذف الألف أيضا، فلما كان في إعلاله زيادة على إعلال فعله تعين ذكره ليعلم ذلك، وقد أخر المصنف الكلام على حذف الألف من هذين المصدرين والتعويض عنها، فذكره بعد ذكر اسم المفعول، واحترز بقوله: مما اعتلت عينه مما صحت عينه نحو: أغيال واستحواذ، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وهو ظاهر، وأما قول المصنف: نقلت حركتها إلى الساكن قبلها إلى قوله: إن لم تجانسها فهو جواب الشرط المذكور أول الفصل، وهو قوله: إن كانت الياء أو الواو عين فعل وقد تقدم الكلام على ذلك كله، فلا حاجة إلى إعادته. وأما الثالث وهو الاسم الذي على صيغة مفعول فإليه الإشارة بقوله: وتحذف واو مفعول ما اعتلت عينه ... إلى آخر كلامه، وحاصله: أن اسم المفعول من الفعل الذي اعتلت عينه يعلّ، وإعلاله بالنقل أي بنقل حركة عينه إلى فائه الساكنة، وتحذف الواو منه، كما أن إعلال: إفعال واستفعال بالنقل والحذف أيضا. فأشار إلى الحذف بقوله: وتحذف واو مفعول ما اعتلت عينه وأشار إلى النقل بقوله: ويفعل بعينه ما ذكر يعني من النقل الذي تضمنه قوله: نقلت حركتها إلى الساكن قبلها، ثم العين إما أن تكون واوا، فلا يكون ثمّ عمل آخر، كقولك: مقول ومصون ومعود. وعلم هذا من قوله: وإن كانت ياء؛ لأنه قسيم لما قبله، فإن كانت ياء كسرت الضمة المنقولة من العين إلى الفاء لتسلم الياء من إبدالها واوا، وهذا معنى قوله: وقيت الإبدال بجعل الضمة المنقولة كسرة أي: وقيت إبدالها واوا بجعل الضمة التي قبلها كسرة كمبيع، قال المصنف في إيجاز التعريف: يجب الإعلال المذكور أيضا لما اعتلت عينه من مفعول حملا على فعله فتسكن عينه، وبعده الواو ساكنة فتحذف هي في قول سيبويه؛ لزيادتها، وقربها من الطرف، وتحقق الاستثقال معها، ومذهب الأخفش (¬1) عكس ذلك؛ فإن كان مفعول من ذوات الواو فلا مزيد على ما ذكرته من النقل والحذف، وإن كان من ذوات الياء ضم إلى ذلك إبدال الضمة كسرة لتسلم الياء كمبيع. انتهى. ولما ذكر ابن الحاجب النقل والحذف في صيغة مفعول ومثل بمقول ومبيع، قال: والمحذوف عند سيبويه واو مفعول، وعند الأخفش العين وانقلبت واو مفعول عنده ياء للكسرة مخالفا أصليهما (¬2). وقال في شرح ذلك: إنه لما حصل نقل حركة العين إلى ما قبلها اجتمع ساكنان: العين وواو مفعول فسيبويه - ¬

_ (¬1) انظر المسألة في: الكتاب (2/ 363) والمنصف (1/ 287، 288) والأشموني (4/ 324) والتصريح (2/ 395) والممتع (2/ 454) والمقتضب (1/ 238) والتكملة (ص 255) والخصائص (2/ 66) وابن يعيش (10/ 78) والهمع (2/ 224). (¬2) الرضي (3/ 143، 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يحذف واو مفعول فيبقى: مقول على لفظه، وتقلب الضمة في مبيع كسرة لتصح العين التي هي ياء على أصله وعند الأخفش المحذوف منها العين، ويبقى: مقول على حاله وتكسر الفاء من ذوات الياء فتنقلب واو مفعول ياء للكسرة قبلها قصدا إلى الفرق بين ذوات الياء وذوات الواو وعلى هذا فإن خالفا - يعني سيبويه والأخفش - أصليهما، أما مخالفة سيبويه؛ فلأنه إذا اجتمع ساكنان، والأول منهما حرف لين حذف الأول، وخالف أصله هنا فحذف الثاني (¬1)، وأما مخالفة الأخفش أصله، فلأن الفاء إذا وقعت مضمومة وبعدها ياء أصلية باقية قبلها واو لانضمام ما قبلها، محافظة على الضمة. وقد تقلب الضمة - ها هنا - كسرة مراعاة للعين التي هي ياء مع حذفها، ومراعاتها موجودة أجدر وكأن كل واحد منهما حافظ على أصله من وجه آخر فراعى سيبويه أصله في أن الياء التي هي عين إذا انضم ما قبلها قلبت الضمة كسرة، فلما رأى الفاء في مبيع كسرت غلب على ظنه أن الكسرة لأجل الياء، فرأى أن المحذوف واو مفعول وراعى الأخفش أصله في أن الياء الأصلية لو بقيت لانقلبت واوا لانضمام ما قبلها على أصله، فرأى أن الكسر للفرق بين ذوات الواو وذوات الياء، ورأى أن حذف الياء الأصلية أولى؛ لأنه قياس لالتقاء الساكنين (¬2). انتهى. قال الإمام بدر الدين - فيما كتبه على تصريف ابن الحاجب -: اختلف في المحذوف من نحو: مقول ومبيع ما هو؟ فذهب سيبويه إلى أن المحذوف واو مفعول والباقي عين الكلمة. وذهب الأخفش إلى أن المحذوف هو العين، والباقي واو مفعول، ولكن قلبت في نحو: مبيع ياء؛ لأنهم لما نقلوا حركة العين [6/ 191] جاءت ساكنة بعد ضمة، فقلبت الضمة كسرة، ثم حذفت؛ لالتقاء الساكنين، فجاءت واو مفعول بعد كسرة فقلبت ياء، والصحيح من ذلك ما ذهب إليه سيبويه، والدليل عليه من وجوه: أحدها: أن دعوى حذف الزائد أسهل من دعوى حذف الأصل؛ لأنه أكثر، فالمصير إليه أقرب. الثاني: أن واو مفعول أقرب إلى الطرف فهي أولى بالحذف من العين؛ لأن الطرف محل التغيير غالبا، - ¬

_ (¬1) انظر: الجاربردي (1/ 296) والرضي (3/ 147). (¬2) انظر: الجاربردي (1/ 296) والرضي (3/ 147، 148).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فالأقرب إليه أشبه به. الثالث: أن الساكن (اللذين) (¬1) من نوع ما يصح تحريكه إذا اجتمعا في كلمة تحرك الثاني منهما دون الأول، فكذلك الساكنان إذا اجتمعا في كلمة ينبغي أن يحذف الثاني منهما دون الأول قياسا على التحريك. الرابع: أنهم قالوا من الشوب، وهو الخلط: مشوب ومشيب، ومن النول وهو الإعطاء منول ومنيل (¬2): فالمحذوف من مشيب ومنيل إن كان العين لزم عدم النظير في قلب الضمة كسرة، وقلب واو مفعول ياء؛ إذ لم يثبت مثل ذلك في واو مفعول إلا في باب نحو: مرمي ومعدي، وإن كان المحذوف واو مفعول لم يلزم عدم النظير في قلب الضمة كسرة وقلب العين ياء لثبوت مثله للإتباع في قوله: 4324 - عيناء حوراء من العين الحير (¬3) وما لا يلزم منه عدم النظير راجح على ما يلزم منه ذلك فإن قيل: حذف الزائد أسهل من حذف الأصل - وحذف الأقرب من الطرف أولى من حذف الأبعد منه، إن أردتم به أن حذف الزائد والأقرب إلى الطرف أولى من حذف الأصل، والأبعد من الطرف مطلقا فممنوع، وإن أردتم أنه أولى بشرط كون الزائد، والأقرب إلى الطرف غير مزيد لمعنى فمسلم، ولكن لماذا يلزم منه أن يكون المحذوف من مقول ومبيع واو مفعول فإنها زائدة لمعنى، فالمحافظة عليها وإن كانت أقرب إلى الطرف أولى من المحافظة على الأصل والأبعد من الطرف بدليل قولهم: تقي يتقي في اتّقى يتّقي، قال عبد الله بن همّام: 4325 - زيادتنا نعمان لا تنسينّها ... تق الله فينا والكتاب الّذي تتلو (¬4) - ¬

_ (¬1) في النسختين (الذين). (¬2) انظر: الرضي (3/ 148) والكتاب (2/ 363) (بولاق). (¬3) رجز لمنظور بن مرثد والشاهد فيه: قوله: الحير والأصل الحور؛ لأنه جمع حوراء - كحمر وحمراء وشقر وشقراء - كسرت حاؤه وقلبت واوه ياء، والأجود أن يكون حير لغة في حور. انظر: نوادر أبي زيد (236) والمخصص (1/ 199، 4/ 124) وأمالي ابن الشجري (1/ 209) وابن يعيش (4/ 114، 10/ 79) والمنصف (1/ 288). (¬4) من الطويل، وزيادتنا: منصوب بفعل محذوف يفسّره الفعل المؤكد بالنون والشاهد في البيت: قوله: تق وهو فعل أمر من يتقي بفتح التاء المخففة وماضيه تقي وأصلهما: اتقى يتقي بالتشديد على افتعل يفتعل من الوقاية، والأصل: اوتقى يوتقي فقلبت الواو في الأولى ياء لانكسار ما قبلها ثم أبدلت تاء -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحذفوا فاء العمل وأبقوا الزائد بعدها لدلالته على معنى وقولكم: إنه ينبغي أن تحذف ثاني الساكنين في كلمة إذا كانا من نوع ما يصح حذفه، قياسا على تحريك ثاني (الساكنين في كلمة) إذا كانا من نوع ما يصح تحريكه (فإذا ليس القياس على تحريك ثاني الساكنين في كلمة إذا كانا من نوع ما يصح تحريكه) بأولى من القياس على حذف أوّل الساكنين في كلمتين إذا كانا من نوع ما يصحّ حذفه. كقولهم ياهذوجل دون يا هذا جل (¬1)، بل هو أولى؛ لأن قياس الحذف على الحذف أولى من قياس الحذف على التحريك. وقولكم: إن كان المحذوف في نحو: مشيب ومنيل واو مفعول لم يلزم عدم النظير في قلب الضمة كسرة، وقلب العين ياء ممنوع؛ لأنه لم يجئ مثل ذلك إلا للإتباع كما ذكرتم، ولا إتباع في مشيب ومنيل ثم ما ذكرتم من الأدلة إن دلت على ما زعمتم فمعه ما يأباه من وجوه: أحدها: أن كون المعل بالحذف في نحو: مقول ومبيع العين أولى من كونه الزائد قياسا على إعلال العين في الماضي بقلبها ألفا، وفي المضارع بنقل حركتها، وفي الأمر بحذفها، وفي اسم الفاعل بقلبها همزة وبحذفها أيضا في نحو: هذا شاكي السلاح. والثاني: أن المحذوف لالتقاء الساكنين في كلمة من نحو: خف وبع، وقل، هو الأول، فكذلك ينبغي أن يكون في نحو: مقول ومبيع. الثالث: أن المحذوف من نحو: مبيع ولو كان واو مفعول لالتبس اسم الفاعل بالمصدر الذي على مفعل نحو: مقيل ومحيص. فالجواب: أما قوله: إن المحافظة على الزائد لمعنى وإن كان أقرب إلى الطرف أولى من المحافظة على الأصل، فلا يخلو: إما أن يريد المحافظة على ذلك أولى مطلقا، أو بشرط كون الزائد مستقلّا بالدلالة على معنى؛ لأن حذفه مفوّت للدلالة، والأول ممنوع والثاني مسلّم، ولكن لماذا يلزم عليه أن يكون المحذوف من نحو: مقول هو العين؟ فإن واو مفعول غير مستقلة بالدلالة على معنى؛ لأنها والميم - ¬

_ - وأدغمت وأبدلت في الثانية تاء وأدغمت ولم تحذف لعدم انكسار ما بعدها فلما كثر الاستعمال كذا حذفوا التاء الساكنة منها وهي فاء الفعل فصارا: تقي يتقي بتخفيف التاء المفتوحة وحذفت الهمزة من الماضي لعدم الحاجة إليها فصار: تقي بزنة تعل محذوف الفاء، فأخذ الأمر وهو تق من يتق بدون همزة وصل؛ لأن ما بعدها حرف مضارعة محرك. راجع نوادر أبي زيد (ص 4، 27) والخصائص (2/ 286، 3/ 89) والمحتسب (2/ 372) وشرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 496). (¬1) انظر: ابن جماعة (1/ 295).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مشتركان فيه، بل الميم أقعد بالدلالة عليه من الواو لاستبداد الميم به في الرباعي والمزيد فيه، وإذا كان كذلك لم يكن حذف الواو مفوّتا للدلالة؛ لأن في الميم إشعارا به، وليس كذلك تاء افتعل؛ لأنها مستقلة بالمعنى فحذفها مفوت للدلالة عليه، فلذلك حوفظ عليها في: تقي يتقي، وإن لم يحافظ على واو مفعول في: مقول ونحوه. وأما قوله: إن قياس الحذف على الحذف فيما ذكر أولى من قياس الحذف على التحريك فممنوع، بل ينبغي أن يكون الأمر بالعكس لاستلزام قياس الحذف على الحذف خلاف مقتضى الأصل من ثلاثة أوجه: أحدها: قياس الأبعد من الطرف على المتطرف. والثاني: حمل الالتقاء اللازم على الالتقاء العارض. والثالث: إجراء المتصل مجرى المنفصل. وقياس الحذف على التحريك فيما ذكرنا سالم من ذلك كله فوجب المصير إليه. وأما قوله: إن ما ذكرنا في نحو: مشيب ومنيل لازم لعدم النظير؛ لأنه لم يجئ مثله إلا للإتباع في نحو: العين الحير (¬1)، فإن أراد بذلك لازم لعدم النظير من كل الوجوه، فمسلم ولكن أي شيء يلزم، وإن أراد لازم لعدم النظير مطلقا فممنوع؛ لأن ما ذكرنا من نحو: مشيب ومنيل شبيه بما فعلوه في: الحير من جهة أن نحو: مشيب قلبت فيه الضمة كسرة والعين ياء، بمعنى مناسب وهو الإتباع للعين. وأما قوله: إن ما ذكرنا من الأدلة وإن دلت على أن المحذوف من نحو: مقول ومبيع فمعه ما يأباه من وجوه: فالجواب عن الأول منها: أن مقتضى قياس اسم المفعول على الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل في الإعلال أن لا تسلم عينه من الإعلال، وقد عمل به فأعلت عينه بالنقل كما أعلّ المضارع ولم تعل عينه بأمر آخر كما أعلت في الأمر واسم الفاعل؛ لانتفاء المقتضي له. وعن الثاني: أن قضية الدليل أنه متى احتيج إلى الحذف لالتقاء الساكنين أن يحذف الثاني منهما، لكن منع منه في باب: خف وبع أن الثاني حرف صحيح، والأول حرف معتل ولا يمكن حذف الصحيح وإبقاء المعتل؛ لأنه كالحركة، فالإقدام على حذفه أسهل، فتعين العكس وليس كذلك باب: مقول ومبيع. والجواب عن الثالث من وجهين: الأول: أن الالتباس قدر مشترك بين المذهبين فلا حجة فيه؛ [6/ 192] وهذا لأنه لا فرق في كون مبيع الذي هو اسم مفعول مفعلا، أو مقيلا؛ لأنه شبيه - ¬

_ (¬1) انظر: ابن جماعة (1/ 296) وابن يعيش (10/ 79).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ في اللفظ بمبيع الذي هو مصدر. الثاني: أن التباس اسم المفعول بالمصدر مغتفر فيما زاد على الثلاثة؛ تقول: أخوك المكرم، ومالك المستخرج، وعدلك المدحرج، وأكرمت زيدا مكرما، واستخرجت المال مستخرجا، ودحرجت العدل مدحرجا، فكما اغتفر الالتباس في مثل هذا؛ للاعتماد على القرائن، فليغتفر مثله في المعتل من الثلاثي. انتهى كلام الإمام بدر الدين، ولا يخفى ما تضمنه من المباحث الحسنة اللطيفة. وفي الممتع لابن عصفور (¬1) ما يتضمن الإشارة إلى بعضها؛ وإنما تركت إيراده خوف الإطالة. ثم قال الإمام بدر الدين: واعلم أن قول ابن الحاجب: مخالفا أصليهما في معرض استشكال كل من المذهبين ليس عندي بمرضي؛ لأنه يعني أن الأصل عند سيبويه في الساكنين إذا اجتمعا وأوّلهما حرف لين أن يحذف الأول منهما، وهو هنا قد حذف الثاني فخالف أصله، ولقائل أن يقول: يمنع الأصل سيبويه في الساكنين إذا اجتمعا وأوّلهما حرف لين، أن يحذف الأوّل منهما مطلقا، بل بشرط أن يكون الثاني صحيحا كما في خف وبع، أو من كلمة منفصلة كما في [يا هذوجل] (¬2)، أو حذفه مفوت للدلالة على معناه كما في: المصطفون، فإن لم يكن الثاني شيئا من ذلك؛ فأصل سيبويه أن يحذفه بدليل قوله به في باب: مقول ومبيع مع أنه لم يقل بخلافه في نظير هذا الباب كالإقامة والاستقامة (¬3)، وأما أن أصل الأخفش: أن الفاء إذا كانت مضمومة وبعدها ياء ساكنة، أن تقلبها واوا محافظة على بقاء الضمة فلا إشكال فيه، ولكن لا يستقيم معه أن يقال: إن الأخفش خالف أصله في نحو: مبيع لوجهين: أحدهما: أنه ليس له أن يسمع أن العرب قالوا: مبيع ومهيب ومعيب، فيخالفهم ويقول: مبوع ومهوب ومعوب؛ رعاية لأصله حتى يكون هو قد عدل عن الاستعمال على وفق أصله إلى الاستعمال على خلافه فلا ينبغي أن يقال: خالف الأخفش أصله في نحو: مبيع، بل جاء على خلاف أصل الأخفش (¬4). الثاني: قول ابن الحاجب: إن الأخفش خالف أصله ليس إلا في معرض الانتقاد عليه في أنه خالف سيبويه، وقال: المحذوف في نحو: - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (2/ 458) وما بعدها. (¬2) ما بين المعقوفين هكذا في المخطوط. (¬3) انظر: الكتاب (2/ 366) والمقتضب (1/ 243) والمنصف (1/ 291 - 292) وابن يعيش (6/ 58، 10/ 70) والممتع (2/ 490) والهمع (2/ 224) والجاربردي (1/ 292). (¬4) انظر: ابن جماعة (1/ 296).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مقول ومبيع هو العين، لا واو مفعول، وقد لزم عليه في ذلك مخالفته لأصله. وهذا كما ترى فاسد؛ لأن مبيع جاء على خلاف أصل الأخفش في ما فاؤه مضمومة وبعدها ياء ساكنة على تقدير مخالفته لسيبويه وعلى تقدير موافقته، فليس تحت ما قاله في ذلك طائل. انتهى. قال أبو الحسن بن عصفور: ومما يدل على صحة مذهب سيبويه والخليل، وفساد مذهب الأخفش أنك نقلت الضمة من العين الضمة من العين إلى الفاء من مفعول من ذوات الياء اجتمع لك ساكنان، واو مفعول والياء فتحذف واو مفعول فتجيء الياء ساكنة بعد ضمة قريبة من الطرف؛ فتقلب الضمة كسرة على مذهب سيبويه في الياء الساكنة بعد الضمة إذا كانت تلي الطرف، فإنه تقلب الضمة كسرة مفردا كان الاسم أو جمعا نحو: بيض جمع أبيض، وكذا لو بنيت من البياض اسما على فعل لقلت: بيض (¬1)، فالأصل في: مبيع على أصله مبيوع، ثم مبيوع ثم مبيع وأما أبو الحسن الأخفش فلزم على مذهبه أن يقول: مبوع، وذلك أن الأصل مبيوع، فإذا نقلت الضمة اجتمع له ساكنان فتحذف الياء، فيلزمه أن يقول: مبوع، فإن قال: لا أحذف إلا بعد قلب الضمة كسرة، فالجواب: أن يقال له: لم تقلب الضمة كسرة وأنت تزعم أن الياء إذا جاءت ساكنة بعد ضمة في مفرد فإن الياء هي التي تقلب واوا بشرط القرب من الطرف، فأما مع البعد فلا يجوز قلب الضمة كسرة في مذهب أحد من النحويين، فإن قلت: إنما قلبت الضمة كسرة لتصح الياء لأني لو لم أفعل ذلك وقلت: مبوع لالتبست ذوات الياء بذوات الواو. فالجواب: أن هذا القدر لو كان لازما لوجب أن يقول في موقن: ميقن؛ لئلا يلتبس بذوات الواو، فكما أن العرب لم تفعل وذلك في موقن، فكذلك لا تفعله في: مبيع وأمثاله (¬2). انتهى. واعلم أن ثمرة الخلاف بين سيبويه وأبي الحسن تظهر في تخفيف مسوء وأمثاله. قال ابن جني: سألني أبو علي عن تخفيف مسوء، فقلت: أما على قول أبي الحسن فأقول: رأيت مسوّا، كما أقول في مقروء: مقروّ؛ لأنها عنده واو مفعول. وأما على مذهب سيبويه فأقول: رأيت مسوا (¬3) كما أقول في خب: خب، فتحرك الواو؛ لأنها في مذهبه العين: فقال لي - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 363، 371) وابن يعيش (10/ 67، 81). (¬2) انظر: الممتع (2/ 459، 460). (¬3) انظر: الممتع (2/ 460) والأشموني (4/ 324).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبو علي: كذلك هو: ثم إنّ بني تميم يصححون مفعولا من ذوات الياء، فيقولون: مبيوع، قال بعضهم: 4326 - وكأنّها تفّاحة مطيوبة (¬1) قال آخر: 4327 - يوم رذاذ عليه الدّجن مغيوم (¬2) قال آخر: 4328 - قد كان قومك يحسبونك سيّدا ... وأخال أنّك سيّد معيون (¬3) وإلى ذلك أشار المصنف بقوله - بعد ذكر ما عينه ياء -: وتصحيحها لغة تميمية (¬4)، وأما تصحيح مفعول من ذوات الواو فقليل، ولا يجوز الإتمام فيه إلا ما سمع (¬5)، نحو - ¬

_ (¬1) جزء بيت أنشده أبو عمرو بن العلاء ولم يعزه لأحد وقيل: لرجل من بني تميم والشاهد فيه قوله: مطيوبة؛ حيث يستشهدون بمثله على إتمام من ذوات الياء، والقياس الإعلال في مطيبة. انظر المقتضب (1/ 101)، (1/ 286)، (3/ 47) وأمالي ابن الشجري (1/ 210) وابن يعيش (10/ 80)، والتصريح (2/ 395) والأشموني (4/ 324)، والممتع (2/ 460) واللسان «طيب». (¬2) عجز بيت من البسيط لعلقمة الفحل وصدره: حتّى تذكّر بيضات وهيّجه والشاهد: في قوله: مغيوم حيث جاء على أصله دون إعلال وقياسه مغيم من الغيم السحاب وجعل المبرد هذا التصحيح جائزا لضرورة الشعر أما سيبويه فقد قال: إنه لغة لبعض العرب قال في الكتاب (2/ 363): وبعض العرب يخرجه على الأصل فيقول: مخيوط ومبيوع، وبه قال المازني في المنصف (1/ 286) وأبو الفتح في الخصائص (1/ 260، 261) وانظر الأشموني (4/ 325) والمقتضب (1/ 101) وديوانه (ص 130). (¬3) من الكامل قائله العباس بن مرداس، والشاهد: في قوله: مغيون بالغين المعجمة من قولهم: غين على قلبه إذا غطي وروي بالعين المهملة أي: مصاب بالعين ورواية: مغيون هي الوجد والقياس فيه: مغين وخرج عن الأصل والكلام فيه كالكلام في الشاهد قبله. وانظر: المقتضب (1/ 102) والأغاني لأبي الفرج (4/ 89) والخصائص (1/ 261) ودرة الغواص (ص 36) وأمالي ابن الشجري (1/ 113، 210) وشرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 281) والتصريح (2/ 395) والأشموني (4/ 325) ومعاهد التنصيص (1/ 13) والممتع (2/ 460). (¬4) انظر: الكتاب (2/ 363) (بولاق) والممتع (2/ 460) والتصريح (2/ 495) والرضي (3/ 149). (¬5) انظر: الكتاب (2/ 363) والمقتضب (1/ 99، 100) والخصائص (1/ 98، 260، 261) -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهم: مسك مدووف، وقال الراجز: 4329 - والمسك في عنبره المدووف (¬1) والأشهر: مدوف. وقالوا: رجل مقوود، وفرس مقوود، وثوب مصووف، وقول مقوول، وإنما لم يجز الإتمام في مفعول من ذوات الواو إلا فيما شذ؛ لأن الواو أثقل من الياء، وإلى قلّة ذلك أشار المصنف بقوله: وربما صححت الواو كمصوون ثم قال: ولا يقاس على ما حفظ منه خلافا للمبرد (¬2). قال ابن عصفور: خالف المبرد كافة النحويين فأجاز الإتمام في ذوات الواو قياسا على ما ورد منه وقال: ليس بأثقل من سرت سوورا وغارت عينه غوورا؛ لأن في: سوور وغوور واوين وضمتين وليس في مصوون مع الواوين إلا ضمة واحدة، قال: وهذا الذي ذهب إليه باطل؛ لأن ما ورد من الإتمام في ذوات الواو من القلّة بحيث لا يقاس عليه، وأما احتجاجه بسوور وغوور فباطل؛ لأن مثل: سوور شاذ، ولو لم يسمع لما قيل، وأيضا، فإن الضرورة دعت إلى ذلك في مثل: صوور؛ لأنهم لو أعلوا فأسكنوا الواو الأولى وبعدها واو ساكنة لوجب حذف إحداها فيصير لفظ فعول واحدا فيقع اللبس، وكذلك أيضا لو أعلوا الواو في مثل: قوول فقلبوها ألفا لالتقى ساكنان، الألف والواو فيجب حذف أحد الساكنين، فيصير فعول وفعل في اللفظ واحدا فيقع اللبس، ولا يلزم شيء من ذلك في إعلال مفعول (¬3). انتهى. وقال سيبويه: ولا نعلمهم أتمّوا في الواو؛ لأنها أثقل (¬4)، وقال الفراء: لم يأت من الواو [6/ 193]- ¬

_ - والمنصف (1/ 283 - 287) والرضي (3/ 149). (¬1) رجز لم أعرف قائله، والشاهد فيه: قوله: مدووف (أي: مخلوط) وقد جاء اسم المفعول من الواوي بالتصحيح، والأشهر الإعلال. انظر الخصائص (1/ 266) والمنصف (1/ 285) والممتع (2/ 461) واللسان «دوف». (¬2) لم يجز المبرد تصحيح اسم المفعول من الأجوف الواوي العين الثلاثي إلا في ضرورة الشعر قال في المقتضب (1/ 100) فأما الواو فإن ذلك لا يجوز فيها كراهية للضمة بين الواوين وذلك أنه كان يلزمه أن يقول مقوول فلهذا لم يجز في الواو ما جاز في الياء، هذا قول البصريين أجمعين، ولست أراه ممتنعا عند الضرورة والذي أجاز ذلك هو الكسائي. انظر الرضي (3/ 149 - 150) والتذييل (6/ 180 ب) والمساعد (4/ 176). (¬3) الممتع (1/ 461، 462) بتصرف. (¬4) انظر: الكتاب (2/ 363).

[الحذف والتصحيح في الإفعال والاستفعال]

[الحذف والتصحيح في الإفعال والاستفعال] قال ابن مالك: (وتحذف ألف إفعال واستفعال، ويعوّض منها في غير ندور هاء التّأنيث، وربّما صحّح الإفعال والاستفعال وفروعهما ولا يقاس على ذلك مطلقا، خلافا لأبي زيد إذا أهمل الثّلاثي كاستنواق). ـــــــــــــــــــــــــــــ إلا حرفان: مسك مدووف، وثوب مصوون (¬1)، وكفى بكلام هذين الإمامين شاهدا بالقلة المقتضية لعدم القياس. قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى أن المصنف أخّر الكلام على حذف الألف من هذين المصدرين والتعويض عنها فها هو قد شرع في ذكر ذلك واستغنى المصنف هنا عن تقييد المصدرين بكونهما معتلّي العين؛ لأن كلامه إنما هو في إفعال واستفعال المتقدمي الذكر في هذا الفصل، وقد ذكر في إعلال العين منهما وعلم من كلام المصنف أن المحذوف الألف الزائدة التي تضمنها صيغة المصدر لا الألف التي هي بدل من عين الكلمة، والذي قاله المصنف هو مذهب الخليل وسيبويه، ومذهب الأخفش أن المحذوف الأصلية (¬2)، فالخلاف هنا كالخلاف في صيغة مفعول المعتل العين، وقد تقدم ترجيح مذهب سيبويه في كلام مفعول فيما رجح به مذهب سيبويه هناك ترجح به مذهبه هنا؛ إذ الأمر فيهما واحد، وأما تعويض هاء التأنيث عن المحذوف (¬3) فقد تقدمت الإشارة إليه أيضا، ثم إن هذه المسألة قد سبق للمصنف ذكرها في آخر باب مصادر غير الثلاثي (¬4) ومثال الحذف قوله تعالى: وَإِقامَ الصَّلاةِ (¬5). وأشار بقوله: وربما صحح الإفعال والاستفعال وفروعهما - ¬

_ (¬1) انظر: التذييل (6/ 180 ب) والمساعد (4/ 176). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 366)، والمقتضب (1/ 101)، والمنصف (1/ 291، 292)، وابن يعيش (6/ 58، 10/ 7)، والممتع (2/ 490) والهمع (2/ 244)، والجاربردي (ص 276). (¬3) أجاز سيبويه ترك التعويض بالتاء مطلقا قال (2/ 244): هذا الباب ما لحقته هاء التأنيث عوضا لما ذهب وذلك قولك: أقمته إقامة واستعنته استعانة وأريته إراءة، وإن شئت لم تعوض وتركت الحروف على الأصل، وجوّز الفراء التعويض في مصدر أفعل عند الإضافة ورجح هذا الرأي الرضي، وجعل ابن مالك ترك التعويض شاذّا يسمع ولا يقاس عليه، والغالب عنده لزوم هذه التاء للتعويض. انظر: الرضي (1/ 165)، والأشموني (2/ 307، 4/ 322، 323). (¬4) التسهيل (ص 207). (¬5) سورة الأنبياء: 73.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يعني الأفعال والصفات إلّا أنه قد ورد عن العرب أفعال من هذه المصادر غير معلّة وقد ذكروا من ذلك ألفاظا وهي (¬1): أجود إجوادا، وأعول إعوالا، وأغيمت السماء إغياما وأغيلت المرأة إغيالا وأطيب وأطول. قال: 4330 - صددت فأطولت الصّدود وقلّما ... وصال على طول الصّدود يدوم (¬2) وأخيلت، واستغيل الصبي، واستروح الريح، واستحوذ عليهم، أي: غلب، واستنوق استنواقا واستصوبت رأيه. واستتيست الشاة. قال ابن الضائع: وقد ذكر منها أغيل وأجود وأطول وأغيم وأغيا، وأخيل واستغيل واستروح واستحوذ، قال: جميعها شاذ، وقد جاء الإعلال في جميعها إلا استحوذ واستروح، ولم يحفظ سيبويه أغالت المرأة ورواها يعقوب وغيره (¬3). انتهى. وقال ابن عصفور: وأما أغيل فلا يحفظ جميع النحويين فيه إلا التصحيح، إلا أبا زيد فإنّه حكى فيه الإعلال أيضا (¬4)، وبعد فهذه الألفاظ الواردة غير معلّة شاذة عند الجمهور، فلا يقاس عليها، وسوغ أبو زيد القياس على ما سمع من ذلك. وحكى الجوهري: أن تصحيح هذه الأشياء لغة صحيحة والصحيح المنع من القياس لقلة الوارد من ذلك (¬5)، قال الشيخ: وقول المصنف: بل إذا أهمل الثلاثي كاستنوق قول بالتفصيل، وهو قول ثالث خارق لمقالة المتقدمين؛ لأن منهم من قاس وهو أبو زيد، ومنهم من قصر الأمر على السماع وهم سائر النحويين (¬6)، وحاصل ما قال المصنف: أن استفعال إذا لم يكن له ثلاثي يعني فعلا ثلاثيّا كاستنوق فإنه ليس كاستقام الذي له ثلاثي وهو - ¬

_ (¬1) انظر: ابن يعيش (10/ 76)، والمنصف (1/ 191)، والممتع (2/ 491)، والتذييل (6/ 181 أ) والمساعد (4/ 177). (¬2) من الطويل قائله عمر بن أبي ربيعة وقد نسب لغيره والشاهد فيه: قوله: فأطولت، قال الأعلم: وأجرى أطولت على الأصل ضرورة شبهه بما استعمل في الكلام على أصله نحو: استحوذ وأغيلت المرأة. انظر الكتاب (1/ 12، 459)، والمقتضب (1/ 84)، والمنصف (1/ 191)، (2/ 69)، والمحتسب (1/ 96)، وابن يعيش (4/ 43)، (7/ 116)، (8/ 132)، (10/ 76)، والتصريح (1/ 269)، والهمع (2/ 83، 224). (¬3) التذييل (6/ 181 أ). (¬4) الممتع (2/ 482)، وانظر الجاربردي (1/ 278)، والهمع (2/ 224). (¬5) انظر التذييل (6/ 181 أ). (¬6) التذييل (6/ 181 ب).

[مسألتان في فروع ما تقدم]

[مسألتان في فروع ما تقدم] قال ابن مالك: (وربّما أعلّ ما وافق المضارع في الزّيادة والوزن، ولا يشترط في إعلال نحو: مقام مناسبة الفعل في المعنى فيكون تصحيح مدين ونحوه مقيسا خلافا لبعضهم). ـــــــــــــــــــــــــــــ قام كان تصحيحه عنده مطردا كاستحوذ واستنوق واستتيس، لم يأت من ذلك فعل ثلاثي، فلم يقولوا: حاذ وناق وتاس، فتصحيح هذا عنده مقيس. قال الشيخ: وكون إعلال هذا منوطا بوجود فعل ثلاثيّ لا معنى له، وكان المصنف يقول: استقرأنا ما ورد من هذا مصححا فوجدناه ليس له فعل ثلاثي؛ فعرفنا أن ذلك علّة لتصحيحه فطرناده فيه (¬1). وقال المصنف في إيجاز التعريف: لمّا كان الباعث على إعلال ما أعل طلب التخفيف وكان الثقل الحاصل بترك هذا الإعلال أهون من غيره لسكون ما قبل حرف العلة ترك في كثير مما يستحقه تنبيها على ذلك، وأكثر ما ترك في الإفعال مصدرا والاستفعال وفروعهما كالإغيال والاستحواذ حتى رآه أبو زيد الأنصاري مقيسا (¬2)، وشذ العمل به مع وجود مانع كقولهم في جمع: فواق أفيقة، واللائق به: أفوقة حتى يصح كما صحت نظائره كأحوية وأسورة؛ لأنه موافق الفعل في وزنه وزيادته لكن السماع لا يرد (¬3). قال ناظر الجيش: هاتان مسألتان هما من فروع ما تقدّم في هذا الفصل: أما الأولى: فقد عرفت مما تقدم أن إعلال الاسم المشبه للمضارع شرطه أن يوافقه في الوزن ويخالفه في الزيادة أو يوافقه في الزيادة ويخالفه في الوزن، وأما أنه إذا وافقه في الأمرين لا يعل؛ فأشار هنا إلى أنه قد يعل ما وافق المضارع في الوزن والزيادة معا. ومثال ذلك قولهم في جمع فواق: أفيقة، فيكون شرح هذه المسألة - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) قال الرضي في شرحه للشافية (3/ 96، 97): «وشذ أعول، وأغيلت المرأة واستحوذ وأجود وأطول واستروح: أي شم الريح وأطيب، وأخيلت السماء، وأغيمت وأبو زيد جوز تصحيح باب الإفعال والاستفعال مطلقا قياسا إذا لم يكن لها فعل ثلاثي» قلت: وكذا حكاه ابن السكيت، ذكر ذلك ابن جني في المنصف (1/ 278) قال: «وحكى ابن السكيت: أغالت المرأة وأغيلت إذا سقت ولدها الغيل ولا يعرف أصحابنا الاعتلال». (¬3) التذييل (6/ 181 ب).

[إبدال التاء من فاء الافتعال وحروفه]

[إبدال التاء من فاء الافتعال وحروفه] قال ابن مالك: (فصل: تبدل في اللّغة الفصحى التّاء من فاء الافتعال وفروعه إن كانت واوا أو ياء غير مبدلة من همزة، وقد تبدل وهي بدل منها، وتبدل تاء الافتعال وفروعه ثاء بعد الثّاء أو تدغم فيها، ودالا بعد الدّال أو الذّال أو الزّاي، وطاء بعد الطّاء أو الظّاء أو الصّاد أو الضّاد. وتدغم [6/ 194] في بدلها الظّاء والذّال ويظهران. وقد تجعل مثل ما قبلها من ظاء أو ذال أو حرف صفير، وقد تبدل دالا بعد الجيم). ـــــــــــــــــــــــــــــ ما نقلناه عنه آنفا من إيجاز التعريف، وهو قوله مشيرا إلى هذا الإعلال الذي هو النقل والإبدال وشذ العمل به مع وجود مانع؛ كقولهم في جمع: فواق أفيقة، واللائق به: أفوقة حتى يصحّ كما صحت نظائره (¬1)، إلى آخر كلامه. أما المسألة الثانية: فقد تقدمت الإشارة إليها في كلام ابن عصفور الذي نقلناه (¬2) حيث قال: وذهب أبو العباس إلى أن نحو: مقام ومباع إنما أعل؛ لأنه مصدر لفعل أو اسم مكان، لا لأنه على وزن الفعل، وجعل مزيدا ومريم ومكوزة على القياس؛ لأنها ليس لها أفعال فتحمل في الإعلال عليها، إنما هي أسماء أعلام وتقدم من كلام ابن عصفور إفساد قوله وتقدّم استدلال أبي علي بأن الإعلال قد يكون في الاسم بمجرد كونه على وزن الفعل، بدليل إعلالهم نحو دار وناب ولا مناسبة بينه وبين الفعل أكثر من الوزن، فقول المصنف: ولا يشترط في إعلال نحو: مقام مناسبة الفعل في المعنى هو هذا الذي يدعيه المبرد بعينه، يعني أن مقاما إنما أعل؛ لأنه مصدر أو مكان فبينه وبين الفعل مناسبة بخلاف مدين ومكوزة ونحوهما؛ فإنهما ليستا مصدرا ولا مكانا، وبعضهم الذي نسب الخلاف إليه (¬3) هو المبرد. قال ناظر الجيش: لما أنهى الكلام على إبدال أربعة الأحرف - أعني الهمزة والياء والواو والألف، وهي التي يكثر إبدالها، ولهذا كان جل الكلام ومعظمه في الإبدال إنما هو فيها كما قدمنا - شرع في ذكر أربعة الأحرف الباقية التي هي أقل الأحرف - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) تقدم. (¬3) ينظر المقتضب (1/ 107)، والممتع (2/ 488).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ إبدالا، وهي التاء والطاء والدال والميم. وقد تقدم لنا أن المصنف ذكر الثلاثة الأول في فصل، وهذا هو الفصل الذي ذكرها فيه، وأما الميم فسيذكرها في الفصل الذي قلنا: إنه ذكرها ضمنه، وحاصل الأمر: أن التاء تبدل من فاء الافتعال (¬1) إذا كانت واوا أو ياء، وأن الدال والطاء تبدل كل منهما من تاء الافتعال، فالدال تبدل منها بعد الدال والذال والزاي، والطاء تبدل منها بعد الطاء والظاء والصاد والضاد. وقد ذكر أن الثاء تبدل منها أيضا بعد الثاء، وقد أورد المصنف هذه المسائل في إيجاز التعريف إيرادا حسنا مشتملا على فوائد وتعاليل، أعتقد أنها مستخرجة من خاطره - رحمه الله تعالى وجزاه أحسن الجزاء بمنّه وكرمه - فأنا أورد كلامه فيه أوّلا ثم أعود إلى ألفاظ الكتاب. قال - رحمه الله تعالى -: يجب في اللغة الفصيحة إبدال التاء من فاء الافتعال وفروعه إن كانت واوا نحو: اتّصل اتصالا فهو متّصل، أو ياء نحو: اتّسر اتّسارا فهو متّسر (¬2). أما إبدالها من الواو، فلأنهم استثقلوا الواو أولا دون تاء تليها لتعرضها؛ لأن تبدل همزة، كما فعل بأحد وإحدى، وأقتت مع استثقال الهمزة وبعدها منها مخرجا ووصفا، فحاولوا إبدال الواو حرفا صحيحا يقاربها وصفا ومخرجا، وذلك إما: من حروف الشفة، أو حروف الثنايا، فلم يكن ياء ولا فاء ولا تاء ولا دالا ولا ظاء؛ لأنهن لسن من حروف البدل المجموعة في قولي: وجدا من طيبه. ولم يكن ميما؛ لأنها تكثر زيادتها أولا فخيف توهما مزيدة غير مبدلة، ولم تكن طاء ولا دالا؛ لأن فيهما قلقلة يستثقلان بها، فتعينت التاء، فقالوا: تراث وتجاه وتكأة وتقوى وتوراة وتالله ولحمه وتولج وغير ذلك، فلما ثبت إبدال التاء من الواو في هذه المواضع وأشباهها مع انتفاء تعذر التصحيح وتطرق التغيير قبل الإبدال واجتماعها مع ما يضاد وصفه وصفها، واستلزام مخالفة بعض الفروع الأصل، تعين إبدالها منها في الافتعال الذي فاؤه واو لثبوت هذه الأمور كلها فيها، أما تعذر التصحيح فبين؛ لأن الواو ساكنة وقبلها كسرة. وأما تطرق التعيين فبين أيضا؛ لأن فعل أصل لافتعل، فلو لم يكن فيه تغيير إلا تسكين، فإنه يكفي في تطرق التغيير وأما اجتماع الواو مع - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 357)، والممتع (1/ 387)، والمقتضب (1/ 229، 230)، والتكملة (ص 248). (¬2) انظر: ابن الناظم على الألفية (ص 865)، والممتع (1/ 387)، والأشموني (4/ 329)، وتوضيح المقاصد (6/ 77)، وشرح الكافية (4/ 2154).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما يضاد وصفه وصفها فبين أيضا؛ لأن الواو مجهورة والتاء مهموسة. وأما استلزام مخالفة بعض الفروع الأصول فبين أيضا؛ لأن المصدر أصل للفعل، ولاسم الفاعل ولاسم المفعول، فلو لم تبدل فاء الاتصال تاء لقيل فيه: ايتصال بقلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، وكان يوافقه في ذلك الفعل الماضي والأمر؛ لوجدان الكسرة، فيقال: ايتصل وايتصل، ويخالفه المضارع واسم الفاعل والمفعول لعدم الكسرة، فيقال: يوتصل أو موتصل وموتصل إليه، فكرهوا المخالفة حين أمكن التخلص منها ولم يبالوا بها في نحو: أوجد إيجادا؛ إذ ليس بعد الواو هنا ما يضاد وصفه وصفها، ومع هذا فقد حملتهم النفرة عن هذه المخالفة على أن أبدلوا في: أثلجه وأتكأه بمعنى: أولجه وأوكأه (¬1). وأما إبدال التاء من الياء إذا كانت فاء في الافتعال وفروعه؛ فحمل على الافتعال الذي فاؤه واو، فإن كانت الواو والياء التي قبل تاء الافتعال بدلا من همزة لم يجز إبدالها تاء إلا على لغة رديئة نحو: اتّمن في أوتمن، واتّزر في: ايتزر (¬2)، هذا ما أورده في فصل، ثم افتتح الكلام في فصل يليه، فقال: الثاء حرف رخو والتاء حرف شديد وهما مشتركان في الهمس، ومخرجاهما متقاربان، فإذا اجتمعا في الافتعال وفروعه وتقدمت التاء ثقل تلاقيهما؛ لأنهما مثلان من وجه وضدان من وجه فخففا بجعل التاء ثاء والثاء تاء وإدغام أحدهما في الآخر كالاثّراد، والاتّراد وهو اتخاذ الثريد، وأصله: اثتراد، غلب جانب الثاء لأصالتها (¬3) وتقدمها. ومن قال: اتّراد غلب جانب التاء لشدتها ولكونها مزيدة لمعنى. فلو كان فاء الافتعال دالا كالافتعال من الذكر ثقل أيضا اجتماعهما سالمين؛ لأن الدال حرف مجهور، والذال حرف مهموس، فعدل أمرهما بأن أبدل من التاء شريكتها في المخرج وعدم الاستعلاء وهو الدال، فخف النطق لزوال بعض التنافي، ولكن بقي بعضه؛ لأن الذال رخوة والدال شديدة فكمل التخفيف بجعلهما ذالين إن روعيت الأصالة والسبق ودالين إن روعيت القوة - ¬

_ (¬1) انظر: الممتع (1/ 384)، وابن يعيش (10/ 37). (¬2) انظر: ابن الناظم على الألفية (ص 865)، والأشموني (4/ 330)، وشرح الكافية (4/ 2154)، وتوضيح المقاصد (6/ 78)، والمنصف (1/ 228). (¬3) انظر: التذييل (6/ 182 ب)، والمساعد (4/ 180).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والدلالة على معنى، فقيل: اذّكار وادّكار، ويجوز فك الذال من الدال فيقال: إذدكار. ولو كانت فاء الافتعال دالا كالافتعال من الدّلجة كان استقلال سلامة التاء أشد؛ لأن اجتماع متضادين في الوصف يهون عند تباعد المخرجين، ويصعب عند تقاربهما، ويكاد يعجز عند اتحاد المخرج؛ كالدال والتاء ويظهر ذلك بتكلف النطق بادّلاج على أصله، وهو الادتلاج، فوجب التخلص من هذا الثقل بإبدال التاء دالا وتعين الإدغام فقيل: ادّلاج. ولو كانت فاء الافتعال زايا كالافتعال من الزجر كان استقلال سلامة التاء أشدّ؛ لأن اجتماع متضادين في الوصف يهون عند تباعد المخرجين ويصعب عند تقاربهما أبدلت التاء - أيضا - دالا فقيل: ازدجار؛ لأن التّاء مهموسة والزّاي مجهورة والدّال مجهور واجتماع مجهورين أخفّ من اجتماع مجهور ومهموس، ويتبين ذلك بتكليف أصل ازدجار وهو ازتجار. فلو كانت فاء الافتعال جيما: كالاجتماع؛ فمن العرب من يستثقل سلامة التاء فيجعلها دالا كالاجدماع. وعلى ذلك قول الشاعر: 4331 - فقلت لصاحبي لا تحبسانا ... بنزع أصوله واجدزّ شيحا (¬1) أراد: واجتز، فلو كانت الفاء سينا لم تحتج إلى الإبدال لمساواتها التاء في الهمس وعدم الاستعلاء والإطباق، ولكن بينهما بعض منافاة، فإن السين رخوة والتاء شديدة، إلا أن في السين صفير يقاوم الشدة ويفضل عليها، ولذلك أدغمت التاء في السين، نحو: بت سالما، وجاز أن تبدل التاء سينا في استمع ونحوه مع التزام الإدغام [6/ 195] وامتنع العكس نحو: احتبس تلك؛ لأن الصفير يشبه المدّ فساواه في جعله مانعا من الإدغام إلا في صفيريّ (¬2)، فلو كانت فاء الافتعال طاء كالافتعال من الطلوع كانت سلامة التاء بعدها أشق من سلامتها بعد الدال؛ لاتحاد - ¬

_ (¬1) من الوافر قائله مضرس بن ربعي الفقعسي ونسبه ليزيد بن الطثرية، وهو هنا يخاطب الواحد بلفظ الاثنين يريد لا تحبسنا عن شيّ اللحم، بأن تقلع أصول الشجر، بل خذ ما تيسر من قضبانه وعيدانه، وأسرع لنا في الشيّ، والشاهد: قوله: اجدز فإن أصله اجتز من جززت الصوف، فقلبت التاء دالا. وشيحا مفعوله وهو نبت معروف - انظر أسرار البلاغة للجرجاني (ص 64)، وابن يعيش (10/ 49)، والمقرب (2/ 166)، وشرح شواهد الشافية للبغدادي (ص 481)، والأشموني (4/ 332)، واللسان «جزز». (¬2) انظر: التصريح (2/ 391).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المخرج وزيادة التضاد، وذلك أن الدال أن الدال إنما باينت التاء بالجهارة والطاء تباينها بها وبالاستعلاء والإطباق فإبدالها بعد الطاء أكثر، فقيل: اطلاع، وأصله: اطتلاع، وكذلك تفعل بها إذا كانت الفاء ظاء كالافتعال من الظلم، وإذا كانت الفاء ضادا كالافتعال من الضرب، لكن إذا أبدلت طاء بعد الظاء جاز الفك والإدغام على أن تجعل الطاء ظاء أو بالعكس، فيقال: اظّلام واطّلام واضطلام، وإذا أبدلت طاء بعد الضاد جاز الفك والإدغام على أن تجعل الطاء ضادا فيقال: اضطراب وشذّ العكس، فيقال في اضطجع: اطّجع، ولو كانت فاء الافتعال صادا استثقلت سلامة الفاء أيضا؛ لأن الصاد وإن ساوتها في الهمس، فإن الصاد تضادها بالإطباق والاستعلاء مع تقارب المخرجين، فالتزموا التخفيف بإبدال التاء طاء كالاصطبار، أو بجعل التاء صادا كالاصّلاح لغة في الاصطلاح، وامتنع إبدال الصاد تاء لأجل صفيرها وترجحها بالاستعلاء والإطباق. هذا آخر كلامه - رحمه الله تعالى - ولنرجع إلى لفظ الكتاب فنقول: قوله: في اللغة الفصحى احتراز من اللغة غير الفصحى، وهي الإقرار وعدم الإبدال، وتنسب هذه اللغة إلى بعض الحجازيين (¬1) فيقرون الياء والواو، ولكنهم يبدلونها حرفا من جنس حركة ما قبلها عند مخالفة الحرف لجنس الحركة التي قبله، فيقولون: ايتصل ياتصل فهو موتصل، وايتسر ياتسر، فهو موتسر، وقد تقدمت الإشارة إلى هذه اللغة عند الكلام على قول المصنف: واطرد ذلك في نحو: يوتعد وييتسر عند بعض الحجازيين. قوله: وفروعه أراد به فروع الافتعال، وهي الإفعال واسم الفاعل واسم المفعول؛ لأنها مشتقة من المصدر على الأصح، فهي فروع عنه وقوله: غير مبدلة من همزة احتراز من نحو: بناء افتعل من الأكل، فيقال: ايتكل من غير إبدال؛ لأن الياء بدل من همزة. وقوله: وقد تبدل وهي بدل منها. مثاله قولهم: اتّزر في: ايتزر إذا لبس إزارا، وقد تقدم قول المصنف: إنها لغة رديئة لكن قال في الإفصاح: والبغداديون يبدلونها من الهمزة، ويقولون: اتزر من الإزار، ومنه عندهم اتخذ من الأخذ (¬2)، وفي حديث عائشة - - ¬

_ (¬1) انظر: ابن يعيش (10/ 37)، والتصريح (2/ 391)، والأشموني (4/ 330)، وشرح ابن الناظم على الألفية (ص 865)، وتوضيح المقاصد (6/ 78). (¬2) التذييل (6/ 182 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رضي الله تعالى عنها - كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأمرني إذا حضت أن أتّزر (¬1) كذا بالإدغام، وحكوا: اتّمر من الأمر، واتّمنه من الأمانة، واتّهل الرجل من الأهل. قال أبو علي: وهذا على قياس أصحابنا خطأ، وعلل ذلك بأن الياء ليست بلازمة، قال: إن صحت رواية هذه الألفاظ، يعني: اتمر واتمن واتهل، فإنها سمعت من قوم غير فصحاء، لا ينبغي أن يؤخذ بلغتهم. وقال ابن طاهر (¬2): يجوز إجراء العارض مجرى اللازم، ويدل عليه أن بعض العرب في: رويا المخفف (¬3)، يقلب ويدغم، وقوله: وتبدل تاء الافتعال وفروعه. شروع في إبدال التاء ثاء أو دالا أو طاء، فذكر أنها مع الثاء تبدل ثاء، فيقال في افتعل من الثريد: اثّرد؛ لأن إبدال التاء ثاء توجب اجتماع المثلين والأول ساكن فيجب الإدغام، وأشار بقوله: أو تدغم فيها إلى أن الثاء تدغم في تاء الافتعال، وحينئذ تقلب الثاء تاء لتماثل ما بعدها، فيقال: اثرد، وهذان الوجهان هما اللذان ذكرهما في إيجاز التعريف كما عرفت، وقد ذكروا وجها ثالثا هو الإظهار فيقال: اثترد. قال سيبويه: والبيان عربي جيد (¬4). عنى بالبيان الإظهار، وقوله: ودالا بعد الدال أو الذال أو الزاي - واضح، وتقدم ذكر أمثلة ذلك، وقوله: وطاء بعد الطاء أو الظاء أو الصاد أو الضاد - واضح. وتقدم ذكر أمثلته. وقوله: وتدغم في بدلها الظاء والذال، ويظهران، وقد يجعل مثل ما قبلها من ظاء أو ذال أو (حرف) (¬5) صغير، وقد تقدم ما يستفاد منه شرح ذلك بأمثلته. قال الشيخ في شرحه: والذي تلخص من هذا كله: أن في مثل. اثترد ثلاثة أوجه: البيان والإدغام بوجهيه وفي مثل: ادّان الإدغام فقط؛ لاجتماع المثلين، وفي مثل: اذ ذكر ثلاثة أوجه: البيان والإدغام بوجهيه، وفي مثل: ازدجر وجهان: البيان والإدغام - ¬

_ (¬1) انظر: التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (1/ 34)، والنهاية في غريب الحديث والأثر (44). (¬2) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن طاهر ولد في أشبيلية، ورحل إلى مراكش فدرس في فاس كتاب سيبويه له طرر على الكتاب. انظر: البغية (1/ 28). (¬3) التذييل (6/ 182 أ). (¬4) الكتاب (2/ 421) وانظر التذييل (6/ 182 ب). (¬5) كذا في (ب) وفي (جـ) «حذف».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بقلب الثاني إلى الأول، ولا يجوز العكس، وفي مثل: اطّلع الإدغام فقط للمثلين وفي مثل: اظطلم ثلاثة أوجه: البيان والإدغام بوجهيه، وينشد بيت زهير وهو: 4332 - هو الجواد الّذي يعطيك نائله ... عفوا ويظلم أحيانا فيظّلم (¬1) بالأوجه، وفي مثل: اصطبر وجهان: البيان والإدغام، بقلب الثاني إلى الأول، وفي مثل: اضطرب ثلاثة أوجه: البيان والإدغام بوجهين. انتهى. وقد تقدم من كلام المصنف في إيجاز التعريف أن الإدغام في نحو: اضطرب إنما هو بجعل الطاء ضادا، فيقال: اضّراب في: اضطراب، وأن العكس شاذ. قالوا في اضطجع: اطّجع، وعلى هذا فوجها الإدغام في مثل اضطراب ليسا على السواء، بل الوجه الواحد وهو قلب الثاني إلى الأول هو المعول عليه والمعمول به. وأما الوجه الآخر فشاذ محكوم بمنعه، إلا فيما سمع ومن ثم قال ابن الحاجب لما ذكر اصطبر واضطراب، وأن الإدغام فيهما جائز: إنه يقال: اصّبر و: اضّرب، لامتناع: اطّبر و: اطّرب (¬2)، وقال ابن هشام الخضراوي: لا يقولون: اطرب، يعني في: اضطراب؛ لئلا تذهب الاستطالة التي في الضاد. ثم ذكر: اطجع، وقال: إنه شاذ، وكلام هذين الإمامين واضح (¬3)، موافق لكلام المصنف - رحمهم الله تعالى أجمعين - وأما قوله: وقد تبدل دالا بعد الجيم فمثاله قولهم: اجدمعوا في اجتمعوا وقولهم في اجتزّ: اجدزّ، وقد تقدم ذكر المسألة فيما نقلناه عنه من إيجاز التعريف. ¬

_ (¬1) من البسيط قائله زهير بن أبي سلمى. نائله: أي عطاءه، عفوا: أي سهلا بغير تعب، والشاهد في البيت: قوله: فيظلم وأصله: يظتلم، وهو يفتعل من الظلم قلبت الثاء طاء لمجاورتها الظاء فإذا أدغم فمنهم من يقلب الطاء ظاء ثم يدغم الظاء في الظاء فيصير: فيظلم ومنهم من يقلب الظاء طاء ثم يدغم الطاء في الطاء فيصير: فيطّلم وهو القياس ويروى البيت بهذين الوجهين، ووجه ثالث وهو الإظهار فيقال: فيظطلم، وانظر: الكتاب (2/ 421)، والمنصف (2/ 329)، وابن يعيش (10/ 47)، والتصريح (2/ 391)، وديوانه (ص 152). (¬2) الرضي (3/ 283)، والجاربردي (1/ 354). (¬3) قال المرادي في توضيح المقاصد (6/ 82): «وإذا أبدلت بعد الضاد فثلاثة أوجه: البيان والإدغام بوجهيه، فيقال: اضطجع واضجع واطّجع، وهذا الثالث، قال ابن هشام الخضراوي: هو نادر شاذ، وقد استثقل بعضهم اجتماع الضاد والطاء لما بينهما من التقارب، فقلب الضاد لاما، فقال: الطجع».

[الإعلال بالحذف]

[الإعلال بالحذف] قال ابن مالك: (فصل: من وجوه الإعلال الحذف، ويقلّ في غير لام وغير حرف لين أو همزة أو هاء أو حرف متّصل بمثله). قال ناظر الجيش: اعلم أن الحذف قسمان: إعلالي، وغير إعلالي. ثم إن من المصنفين من (أفرد) غير الإعلالي بباب وجعله قسيما لباب الإعلال، والمصنف لم يعتمد ذلك، بل جعل الحذف كله إعلالا فأدرجه في باب الإعلال، ومن ثم قال: من وجوه الإعلال [6/ 196] الحذف، وأشار إلى المقيس منه والشاذ، وبدأ بالمقيس فذكره في هذا الفصل، وأول الفصل الذي يليه، ثم ختم الفصل الثاني بالشاذ، ثم إنه قدّم على ذلك ما هو كالأصل فقال: إنه يقل الحذف في غير لام وأنه يقل في اللام إذا كانت غير حرف لين، وكذا يقل فيها - أيضا - حيث هي همزة أو هاء أو حرف متصل بمثله فقوله: أو همزة أو هاء أو حرف متصل بمثله معطوف على قوله: وغير حرف لين لا على المجرور بغير، قال الشيخ في تقرير هذا الموضع ما نصّه: لما قرر يعني المصنف أن الحذف يقل في غير لام، أشعر أن اللام يكثر فيها الحذف، ثم قرر أن الحذف أيضا يقل في اللام إذا كانت غير حرف لين، فأشعر أنه يكثر حذف حرف اللين إذا كان لاما، ثم عطفت، أو همزة على غير لا على حرف لين؛ لأنه لو كان معطوفا على ما بعد غير للزم أن يقلّ الحذف إذا كانت اللام غير همزة، وغير هاء وغير حرف متصل، وأشعر أنه يكثر الحذف إذا كانت اللام همزة أو هاء أو حرفا متصلا بمثله، ولا تساعد الأحكام على ذلك؛ لأن ذلك لم يكثر، وكان إذ ذاك يناقض قوله في آخر الفصل الذي يلي هذا الفصل: وشذ في الأسماء حذف اللام ... إلى آخره، وفيه وبقلة إن كان هاء أو همزة فلذلك يقال: إن هذه الثلاثة معطوفة على غير لا على ما أضيف إليه غير، فيصير التقسيم إلى معنى قولنا: حذف الفاء والعين قليل، وحذف اللام كثير، ثم اللام إن كانت حرف لين فهو فيها كثير، وإن كانت غيره فهو قليل، ثم عطف على هذا العام خاصّا وهو الهمزة والهاء والحرف المتصل بمثله ولو أسقط لفظة (أو) فكان يقول: في غير حرف لين همزة أو هاء، أو حرف متصل بمثله لكان أحسن؛ إذ كان لم يترك من المحذوف -

[حذف الواو من المثال في المضارع كيعد]

[حذف الواو من المثال في المضارع كيعد] قال ابن مالك: (فمن مطّرده حذف الواو، من مضارع ثلاثي فاؤه واو استثقالا ولوقوعها في فعل بين ياء مفتوحة وكسرة ظاهرة كيعد أو مقدرة كيقع ويسع، وحمل على ذي الياء أخواته والأمر والمصدر الكائن على فعل محرّك العين بحركة الفاء معوّضا منها هاء تأنيث وربّما فتحت عينه لفتحها في المضارع). ـــــــــــــــــــــــــــــ اللام غير حرف اللين شيئا من الحروف (إلا الحاء) (¬1). انتهى. ومثال حذف الفاء: ناس في أناس على أحد القولين فيه (¬2)، ومثال حذف العين سه في سته، وأما مثال اللام فكثير نحو: أب وأخ ودم، ومثال حذف غير حرف اللين: حرفي حرج (¬3)، وأما حذف الهمزة والهاء والحرف المتصل بمثله فسيأتي الكلام عليه في آخر الفصل الذي يلي هذا الفصل، حيث ذكره المصنف (¬4). قال ناظر الجيش: يشير بهذا الكلام إلى حذف الواو من نحو: يعد ويلد، وهو مضارع كل فعل ثلاثي فاؤه واو فاحترز بقوله: ثلاثي من مضارع رباعي نحو: يوعد من أوعد، فإن الواو لا تحذف لوجهين: أحدهما: أنها وليت حركة تجانسها. والثاني: أنها لم تقع بين ياء وكسرة؛ لأن الهمزة المحذوفة فاصلة بينهما؛ إذ الأصل يأوعد، وناقش الشيخ المصنف في قوله: فاؤه واو يعني أنه لا حاجة إلى ذلك؛ لأن قوله: قبل حذف الواو، مغن عنه (¬5)، واحترز بقوله: في فعل من وقوعها في اسم فإنها لا تحذف كما سنذكره؛ لأن الاستثقال الذي في الفعل ليس في الاسم، وقوله: بين ياء مفتوحة احتراز من أن تكون الياء مضمومة، ولو وجدت الكسرة بعد - ¬

_ (¬1) سقطت من (جـ)، وانظر التذييل (6/ 183 ب)، (184 أ). (¬2) جاء في هامش (ب) من الممتع (2/ 619) ما يلي: علق عليه أبو حيان في حاشيته (فـ) بما يلي: ذكر أبو جعفر الطوسي في تفسير التبيان (1/ 267) عن بعضهم أن الناس لغة غير أناس، وأنه سمع العرب تصغره: نويس ولو كان أصله: أناسا لقيل في التصغير: أيس فردّ إلى أصله واشتقاق الناس من: النوس وهي الحركة: ناس ينوس نوسا إذا تحرك، والنوس تذبدب الشيء في الهواء ومنه: نوس القرط في الأذن لكثر حركته، وانظر: التذييل (6/ 194 أ)، واللسان «أنس»، و «نوس». (¬3) التذييل (6/ 183 ب) والمساعد (4/ 183). (¬4) انظر التسهيل (ص 315). (¬5) التذييل (6/ 184 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو نحو: يوعد، وقد ذكرت العلة في ذلك، ومن أن تكون الياء مضمومة وبعد الواو فتحة نحو: يوعد (¬1) لانتفاء الأمرين معا، وهما فتحة الياء والكسرة بعد الواو، وكذا لو وجدت الياء المفتوحة قبل الواو لم توجد الكسرة بعدها بل وجدت ضمة، فإن الواو لا تحذف نحو: وسم يوسم، ووقح يوقح، ووضؤ يوضؤ، ووطؤ يوطؤ (¬2). وأما قولهم: وجد يجد بضم الجيم وحذف الواو فشاذ كما سينبه عليه المصنف (¬3)، ثم إن الكسرة إما ظاهرة كما مثلها المصنف بنحو: يعد، وإما مقدّرة كما في المثالين اللذين ذكرهما وهما يقع ويسع، وبيان أن الكسرة فيهما مقدرة: أما وقع، فقياسه أن يكون مضارعه على يفعل بكسر العين نحو: وعد، فعدل به عما اقتضاه القياس لعلة أخرى، وهي أن ما كانت لامه أو عينه حرف حلق فقياسه أن يكون مضارعه على يفعل بفتح العين، ففتح العين إنما جاء من جهة كون اللام حرف حلق، ولولا حرف الحلق لكانت العين مكسورة؛ لأن قياس كل مضارع للفعل المعتل الفاء بالواو أن يكون على يفعل بكسر العين، وإنما فتحت لأمر آخر فأجري المفتوح العين مجرى المكسور العين في حذف الواو، وأما يسع فإنه على القياس؛ لأن ماضيه فعل وقياس فعل أن يأتي مضارعه على يفعل نحو: وجل يوجل ووجل لكنهم شذوا في أفعال قليلة، فأتوا بمضارعها على يفعل بكسر العين نحو: ومق يمق ووثق يثق (¬4). ودلّ حذف الواو من يسع على أن وسع حكمه حكم ومق في أنهم أتوا بمضارعه على يفعل غير أنهم فتحوا العين لأجل حرف الحلق. فصار حكم الفتحة في يسع حكم الفتحة في يقع، فمن ثم حكم فيهما بأن الكسرة في العين مقدرة بمعنى أن العين تستحقها، أما في نحو: يقع فبحق الأصالة، وأما في يسع، فلأن حذف الواو منه دلّ على أنهم أجروه مجرى: يمق ويثق، وما أحسن قول ابن الحاجب عند ذكر حذف الواو من يعد ويلد: وحملت فتحة يسع ويضع على العروض ويوجل على الأصل وشبهتا بالتجاري والتجارب (¬5)، يعني أن أصل - ¬

_ (¬1) انظر: المنصف (1/ 210)، والممتع (2/ 429). (¬2) انظر: المنصف (1/ 209)، والممتع (2/ 428). (¬3) قال: «ولا ليفعل إلا ما شذ من يجد» التسهيل (ص 313). (¬4) انظر: الكتاب (2/ 228) (بولاق)، والممتع (1/ 176، 177)، والرضي (1/ 135). (¬5) الرضي (3/ 87، 88).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يسع ويوسع فتحت العين بحرف الحلق، وأما يوجل مضارع وجل فإن الفتحة فيه مثلها في يوجل على أصل البناء، والفتحة في يسع عارضة مجتلبة لحرف الحلق، وشبهت الفتحة في يسع بالكسر في التجاري حيث كانت عارضة؛ لأن أصله تجاري فقلبت الضمة كسرة؛ لأنها متطرفة وشبهت الفتحة في يوجل بالكسرة في التجاري حيث كانت الكسرة أصلية؛ لأنه جمع تجربة فقياس جمعه تفاعل بكسر العين وقول المصنف: وحمل على ذي الياء أخواته ظاهر، والمقتضي لذلك أن تجري الباب مجرى واحدا، ونظير هذا الحمل حملهم تكرم وتكرم ويكرم في حذف الهمزة على أكرم، وقوله: في الأمر والمصدر الكائن على فعل محرك العين بحركة الفاء ظاهر أيضا ومثال الأمر عد وزن وزد، مثال المصدر الكائن على فعل محرك العين [6/ 197] بحركة الفاء معوضا منها هاء التأنيث: عدة وزنة وهبة، وسيأتي بسط ذلك، وأما قوله: وربما فتحت العين لفتحها في المضارع، فأشار به إلى نحو: ضعة ودعة وسعة وزنة (¬1) والمضارع من هذه الكلمات: يضع ويدع ويسع ويزن، وأنا أورد الآن كلام المصنف الذي أورده في إيجاز التعريف فإنه يفيد شرح مسائل هذا الفصل، وفيه إشارة إلى تعليل الأحكام التي يذكرها. قال رحمه الله من وجوه الإعلال الحذف، وهو مطرد وغير مطرد؛ فالمطرد كحذف الواو الكائنة فاء في يصف ويعد ونحوهما؛ لاستثقالهما بين ياء مفتوحة وكسرة لازمة فلو كانت الياء مضمومة لثبتت الواو لتقويمها بأن وليت ما يجانسها من الحركات نحو: يوعد، فلو كان بدل الكسرة ضمة أو فتحة أيضا نحو: يوضؤ ويوجل؛ لأنها في يوضؤ من أجنبي ومجانس، وفي يوجل مستثقل، وبنو عامر رهط جميل بن معمر يقولون في مضارع وجد: يجد (¬2)، فلو وليتها فتحة في موضع كسرة حذفت الواو أيضا - ¬

_ (¬1) قال ابن جني في الخصائص (1/ 351): «ومن ذلك حذفهم الفاء - على القياس - من ضعة وقحة كما حذفت من عدة وزنة، ثم إنهم عدلوا بها عن فعلة إلى فعلة، فأقروا الحذف بحاله، وإن زالت الكسرة التي كانت موجبة له، فقالوا: الضّعة، والقحة، فتدرجوا بالضعة، والقحة، إلى الضّعة والقحة وهي عندنا فعلة، كقصعة، وجفنة، لا أن فتحت لأجل الحرف الحلقي فيما ذهب إليه محمد ابن يزيد». (¬2) قال الرضي في شرح الشافية (1/ 132): «قوله - أي ابن الحاجب -: ووجد يجد ضعيف. هي لغة لبني عامر، قال لبيد بن ربيعة العامري: -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نحو: يضع، وأصله يوضع (¬1) فحذفت الواو؛ ولا بد لحذفها من سبب؛ فإما أن تكون الياء وحدها أو مع الفتحة الموجودة أو مع ضمة منوية، أو مع كسرة منوية، منع من الأول والثاني ثبوت الواو في يوجل ونحوه، ومنع من الثالث ثبوتها مع الضمة الموجودة في يوضؤ ونحوه؛ لأن الموجود أقوى من المنوي، فتعين الرابع وهو أن يكون سبب حذف الواو والياء والكسرة المنوية، فكان وضع يضع في الأصل من باب: أضرب يضرب، ففتحت عين مضارعه لأجل حرف الحلق كما صنع بمضارع يقع وشبهه، وأما وسع يسع فكان في الأصل من باب: حسب يحسب، ففتحت عينه أيضا ونوي كسرها؛ فلذلك حذفت واوها، ولولا ذلك لقيل: يوسع كما قيل: يوجع، ثم افتتح فصلا ثانيا فقال: لما وجب حذف الواو المذكورة من المضارع في الياء حمل عليه ذو الهمزة وذو النون وذو التاء، فقيل: أعد ونعد وتعد كما قيل: يعد إجراء لبعضهن على حكم بعض، ولأن ذي الياء كالأصل لسائرها إذ يعبر به عما يعبر عنه بكل منهما نحو أن يقول: ما يفعل إلا أنا وإلا نحن وإلا أنت؛ فوجب أن تكون أخواته ملحقة به فيما وجب له. ولما كان مواقع ذي الياء الأمر نحو قولك: ليعد فلان فلانا، حمل عليه الموضوع للأمر لتوافقهما معنى ووزنا نحو قولك: عد فلانا، ولولا الحمل على المضارع لقيل: أيعد، ولما أعل المضارع والأمر بالإعلال المذكور حمل المصدر المكسور الفاء الساكن العين، فحذفت فاؤه وحركت العين بحركتها، ولزم آخره هاء للتأنيث عوضا من الفاء المحذوفة وذلك نحو: زنة وعدة وكانا في الأصل وزنا ووعدا، ثم فعل بهما ما ذكر؛ لأن المصدر يصح لصحة فعله ويعتل لاعتلاله، وربما فعل ذلك بالمفتوح الفاء نحو: سعة ودعة، وقد ألحق الياء بالواو في هذا الإعلال من قال في يئس: يئس (¬2) فلو توسطت الواو - ¬

_ - لو شئت قد تقع الفؤاد بشربة ... تدع الصّوادي لا يجدن غليلا وانظر: الأشموني (4/ 341)، والتصريح (2/ 396)، وتوضيح المقاصد (6/ 96). (¬1) قال ابن عصفور في الممتع (2/ 426): «فإن قيل: شيء حذفت الواو في: يضع مضارع وضع، ولم تقع بين ياء وكسرة؟ فالجواب: أنها في الأصل وقعت بين ياء وكسرة؛ لأن الأصل: يوضع لكن فتحت العين لأجل حرف الحلق، ولولا ذلك لم يجئ مضارع فعل على يفعل بفتح العين، فلما كان الفتح عارضا لم يعتد به، وحذفت الواو رعيا للأصل». (¬2) انظر: الأشموني (4/ 343)، والتصريح (2/ 396).

[حذف الواو المذكورة من الأسماء كلدة]

[حذف الواو المذكورة من الأسماء كلدة] قال ابن مالك: (وربّما فعل هذا بمصدر فعل، وشذّ في الصّلة صلة، وربّما أعلّ بذا الإعلال أسماء كرقة، وصفات كلدة، ولا حظّ للياء في الإعلال إلّا ما شذّ من قول بعضهم: يئس، ولا ليفعل إلّا ما شذّ من يجد ولا ليفعل إلّا ما شذّ من يذر ويدع في لغة، ولا لاسم تقع فيه الواو موقعها من: يعد، بل يقال في مثال يقطين من وعد: يوعيد). ـــــــــــــــــــــــــــــ المذكورة بين الياء والكسرة في اسم مرتجل لم يحذف؛ كيوعد وهو مثال يقطين من الوعد (¬1). انتهى. ولا يخفى أن كلامه هذا يستفاد منه شرح ما ذكره في التسهيل مع فوائد غير ذلك. قال ناظر الجيش: الإشارة بقوله هذا إلى الحكم الذي تقدم ذكره في نحو: عدة، من حذف الواو وكسر العين أعني عين الكلمة، والتعويض عن المحذوف بهاء التأنيث، ومثال ذلك قولهم: وضع الرجل ضعة ووقح قحة حكى ذلك أبو الحسن (¬2). وقوله: وشذ في الصلة صلة يعني بضم الصاد التي هي عين الكلمة، ولا شك أن ضم الصاد يدل على أن المصدر بني على فعلة بضم الفاء فكان القياس يقتضي أن يقال فيه: وصلة، لكنه لما كان قد حذف منه الواو حين بنوه على: فعلة فقالوا: صلة، أجروا فعلة مجرى فعلة شذوذا، وأشار بقوله: وربما أعل بذا الإعلال أسماء كرقة، وصفات كلدة إلى أن غير ما هو مصدر قد يعل هذا الإعلال، وهو إما اسم أو صفة فمن الأسماء: رقة وجهة (¬3)، أما رقة فكان القياس فيه أن لا يحذف الواو منها، وأن يقال: ورقة كما قالوا: وجهة إذا لم يجعلها مصدرا؛ لأن رقة ليس لها فعل حذف منه الواو؛ فالعلة الموجبة لحذف الواو في عدة مفقودة في رقة. ومثل رقة في الشذوذ من الأسماء جهة إذا قيل فيه: إنه ظرف بمعنى المكان المتوجه إليه. وأما الصفات فقد مثل لها المصنف بقوله: لدة. قال الشيخ: فلدة عنده صفة - ¬

_ (¬1) انظر: شرح الكافية (4/ 2165)، والتصريح (2/ 396). (¬2) الأخفش انظر: التذييل (6/ 186 أ)، والمساعد (4/ 186). (¬3) انظر: شرح الكافية (4/ 2164).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لا مصدر (¬1)، فكان قياسها ألا تحذف الواو فكان يقال: ولدة، والدليل على الوصفية منها أنك تقول: مررت برجل لدتك إذا كان قد ولد معك في زمان واحد، ويحتمل أن تكون لدة مصدرا في الأصل ووصف به، فلا يكون حذف الواو منه شاذّا كما زعم المصنف، ويقوّي هذا الاحتمال أن سيبويه نفى أن يكون شيء من الثلاثي الذي حذف منه حرف وأنث بالتاء صفة. قال سيبويه: وما لحقته الهاء من الحرفين أقل مما فيه الهاء من الثلاثة؛ لأن ما جاء على حرفين ليس بشيء مع ما جاء على ثلاثة، وذلك قلة وثبة ولثة وشية ورقة وعدة، وما أشبه ذلك، وما يبنى على حرفين صفة حيث قلّ في الاسم، وهو الأول الأمكن (¬2). انتهى. قال: فهذا نص على أن مثل لدة لا يكون صفة، وإذا لم يكن صفة فكيف يصح قول المصنف: وصفات كلدة، وقد قال سيبويه: وقالوا: لدة كما حذفوا عدة (¬3). وقال الشلوبين: وقالوا: لدة بحذف الواو على أن جعلوها مصدرا (¬4) مخبرا بها عن الاسم إرادة للمبالغة بمنزلة: سير في قولهم: ما أنت إلا سير، وأصله: ذو زمان لدة، فحذف الواو وأنيب زمان منابها. ثم حذف زمان، وأنيب لدة منابه فيكون حذف الواو منه على هذا القول غير شاذ، وعلى أن يكون اسما غير مصدر شاذ (¬5). انتهى. وأما قول المصنف [6/ 198]: ولا حظ للياء إلى قوله: إلا ما شذ من يجد، فقد تقدم ذكر ذلك فيما نقلناه عنه من إيجاز التعريف، وقوله: ولا ليفعل إلا ما شذ من يذر ويدع (¬6) في لغة، يريد به أن اللغة القياسية أن يقال: يوذر ويودع؛ لأن الواو لم تقع بين ياء وكسرة وقد وجه الشذوذ في هاتين الكلمتين؛ لأنهم لم يعتدوا - ¬

_ (¬1) قال المصنف في شرح الكافية (4/ 2164): «ولدة بمعنى: ترب ويقع على المذكر فيجمع بالواو والنون ويقع على الأنثى فيجمع بالألف والتاء»، وانظر: الأشموني (4/ 342). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 305) (بولاق). (¬3) الكتاب (2/ 358) (بولاق). (¬4) انظر: الأشموني (4/ 342)، والتصريح (2/ 396)، وتوضيح المقاصد (6/ 97). (¬5) التذييل (6/ 186 أ). (¬6) قال الشيخ خالد الأزهري في التصريح (2/ 396): «وشذ: يجد بضم الجيم في لغة عامرية ويدع ويذر مبنيين للمفعول في لغة من وجهين: ضم الياء وفتح العين، وشذ: يسع من وجهين: كون ماضيه مكسور العين وكون مضارعه مفتوحا»، وانظر: الأشموني (4/ 341)، وتوضيح المقاصد (6/ 95).

[حذف همزة أفعل من مضارعه واسمي فاعله ومفعوله]

[حذف همزة أفعل من مضارعه واسمي فاعله ومفعوله] قال ابن مالك: (فصل: ومما اطّرد حذف همزة أفعل من مضارعه واسمي فاعله ومفعوله، ولا تثبت إلّا في ضرورة أو كلمة مستندرة). ـــــــــــــــــــــــــــــ بالعارض، وهو كونه بني لما لم يسم فاعله، فحمل يذر ويدع على: يذر ويدع، قالوا: وحسن ذلك أيضا كون هذه الواو المحذوفة لم تظهر في شيء من تصاريف هذين الفعلين إلا على جهة الشذوذ، وذلك أنهما لم ينطق لهما بفعل ماض فتظهر فيهما الواو، وذلك أنهم استغنوا عنه: بترك، كما استغنوا عن اسم الفاعل بتارك، وعن اسم المفعول بمتروك، وعن المصدر بالترك، فلما لم يظهروا الواو في الكلمات المذكورة لفقدانها أجري المضارع المبني للمفعول مجراها في ترك الواو في هذه اللغة، واللغة الفصيحة القياسية أن يقال: يوذر ويودع بالواو لفقد العلة لحذفها. قال الشيخ: ويكون ذلك اعتدادا بالعارض (¬1). انتهى. وفي إطلاق العارض على مثل هذا نظر، فإن الضم الواقع قبل الواو، والفتح الواقع بعدها كل منهما لازم حين يقصد بناء الفعل لما لم يسم فاعله، فلا يصدق العروض عليه إنما يصدق العروض على شيء يمكن أن يؤتى به، وأن لا يؤتى به. وأما قوله: ولا لاسم تقع فيه الواو موقعها من يعد ... إلى آخره، فواضح وقد تقدم ذكر المسألة فيما نقل عنه من إيجاز التعريف، وإنما لم تحذف الواو من نحو: توعيد؛ لأن الحذف في الفعل إنما كان للاستثقال في ثقيل وهو الفعل. وأما الاسم فلا ثقل فيه. قال ناظر الجيش: قال المصنف في إيجاز التعريف: من الحذف المطرد حذف همزة أفعل من المضارع واسم الفاعل واسم المفعول كقولك: أكرم، يكرم، فهو مكرم، ومكرم، والأصل فيه أن يقال: يؤكرم ومؤكرم ومؤكرم لكن حذفت الهمزة من: أأكرم استثقالا لتوالي همزتين في صدر الكلمة، ثم حمل على ذي الهمزة أخواته والمفعل والمفعل، لتجري النظائر على سنن واحدة، ولم يستعمل الأصل إلا في الضرورة كقول الشاعر: 4333 - فإنّه أهل لأن يؤكرما (¬2) - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 186 ب). (¬2) من مشطور الرجز قائله أبو حيان الفقعسي، والشاهد: في قوله: يؤكرما، جاء به للضرورة على -

[حذف فاءات خذ وكل ومر]

[حذف فاءات خذ وكل ومر] قال ابن مالك: (ومن اللّازم حذف فاءات خذ وكل ومر، وإن ولي مر واوا أو فاء فالإثبات أجود، وخذ وكل بالعكس ولا يقاس على هذه الأمثلة غيرها إلّا في الضّرورة). ـــــــــــــــــــــــــــــ وشذ قولهم في السعة: أرض مؤرنبة أي: كثيرة الأرانب، وكذلك قولهم: كساء مؤرنب إذا خلط صوفه بوبر الأرنب (¬1)، فلو غيرت همزة أفعل بقلبها هاء أو عينا لم تحذف إلا من التقاء همزتين، ومن ذلك قولهم: هراق الماء يهريقه فهو مهريق، والماء مهراق (¬2) وعبهل الإبل يعبهلها فهو معبهل، والإبل معبهلة، أي: مهملة (¬3). انتهى. وإلى نحو: مؤرنبة الإشارة في التسهيل بقوله: أو كلمة مستندرة. قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى أن الحذف المقصود بالذكر في هذين الفصلين مقيس وشاذ وقد ذكر المقيس، وكأنه من هنا شرع في ذكر الشاذ، ثم الشاذ منه ما هو لازم مع كونه شاذّا وما هو غير لازم، وعلى هذا فالحذف: مطرد وهو المقيس، وغير مطرد وهو الشاذ، وغير المطرد: لازم وغير لازم، وهذا التقسيم هو الذي يقتضيه كلامه في إيجاز التعريف إذا عرف هذا، وقد قلنا: إنه شرع في ذكر الشاذ - فاعلم أنه قد ذكر اللازم منه على غير اللازم، وأشار إلى ذلك بقوله: ومن اللازم حذف فاءات خذ ... إلى آخره. قال في إيجاز التعريف: ومن الحذف اللازم غير المقيس عليه حذف فاءات: خذ وكل ومر، والأصل: اؤخذ واؤكل واؤمر (¬4)؛ لأنهن من الأخذ والأكل والأمر، ولكنها خففت لكثرة الاستعمال - ¬

_ - الأصل في مضارع الرباعي، والمستعمل: يكرما بحذف الهمزة. انظر المقتضب (2/ 98)، والمنصف (1/ 37، 2/ 184)، والخصائص (1/ 144)، والمخصص (16/ 108)، والإنصاف (1/ 11، 239، 375)، وخزانة الأدب للبغدادي (1/ 368)، والتصريح (2/ 396)، والهمع (2/ 218)، والأشموني (4/ 343)، وتوضيح المقاصد (6/ 98). (¬1) انظر: الأشموني (4/ 343)، والتذييل (6/ 187 أ)، والمساعد (4/ 190)، وتوضيح المقاصد (6/ 100)، والكتاب (2/ 331). (¬2) انظر: اللسان (هرق)، والتذييل (6/ 187 ب)، والمساعد (4/ 189). (¬3) انظر: اللسان (عبهل)، وانظر التذييل (6/ 187 ب). (¬4) انظر: شرح الكافية (4/ 2166)، والمقتضب (2/ 95).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولا يقاس عليها غيرها كالأمر من أجر الأجير وأسر الأسير؛ لانتفاء الاستعمال، وقد استعمل: مر، على الأصل دون أخويه لأنه أقلّ استعمالا منهما. قال الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ (¬1). انتهى. ولم يجعل سيبويه لهذا الحذف علة سوى السماع المحض (¬2)، وقد حكى أبو علي وابن جني: اؤخذ واؤكل على الأصل، إلا أن ذلك في غاية الشذوذ استعمالا (¬3). قال الشيخ: ونصّ سيبويه في باب عدة ما يكون عليه الكلم على أن بعض العرب يتم فيقول: أوكل. قال: كما أن بعضهم يقول في غد غدو (¬4)، وقال في باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف: ولا يحملهم إذ كانوا يثبتون، فيقولون في مر: أومر، أن يقولوا في خذ: أوخذ، وفي كل: أوكل (¬5)، يعني كثيرا فصيحا في لغتهم أجمعين. أو أكثرهم أو مساويا هو وخذ بخلاف مر، فإن الإظهار كثير فصيح (¬6). انتهى. وقد عرف من كلام المصنف أنّ: وأمر، أو: فأمر بالإثبات أجود من: ومر وفمر بالحذف، وأنّ: وخذ وكل، أو: فخذ فكل بالحذف أجود من وأخذ وأكل وفأخذ فأكل بالإثبات (¬7)، وأما قوله: ولا يقاس على هذه الأمثلة غيرها إلا في الضرورة، فالمراد به ما أراده في إيجاز التعريف بقوله: وقد شبه بعض العرب بخذ وبابه الأمر من أتى فقال: 4334 - ت لي آل زيد، واندهم لي جماعة ... وسل آل زيد أيّ شيء يضيرها (¬8) انتهى. والأصل: ائت، فحذفت فاء الكلمة، ثم انحذفت همزة الوصل للاستغناء - ¬

_ (¬1) سورة طه: 132. (¬2) قال سيبويه في الكتاب (1/ 135): «فليس كل حرف يحذف منه شيء ويثبت فيه، نحو: يك، ويكن ولم أبل وأبال، لم يحملهم ذاك على أن يفعلوه بمثله، ولا يحملهم إذا كانوا يثبتون فيقولون في مر: أمر، أن يقولوا في خذ: أوخذ، وفي كل: أوكل». (¬3) التذييل (6/ 187 ب). (¬4) الكتاب (2/ 306). (¬5) الكتاب (1/ 135). (¬6) التذييل (6/ 187 ب). (¬7) المرجع السابق، والمساعد (4/ 191). (¬8) من الطويل لم أعرف قائله، والشاهد: في قوله: ت لي، أي: ائت لي. حذف فاء الفعل أتى، وهمزة الوصل من أمره للضرورة، واندهم: أي: ائت ناديهم. انظر أمالي ابن الشجري (2/ 17)، والهمع (2/ 218)، والدرر اللوامع (2/ 139)، واللسان (أتى) وضرائر الشعر (ص 100) وروايته: آل عوف، بدل آل زيد.

[حذف عين فيعلولة]

[حذف عين فيعلولة] قال ابن مالك: (ومن اللّازم حذف عين فيعلولة كبيّنونة. وليس أصله فعلولة، ففتحت فاؤه لتسلم الياء خلافا للكوفيّين، ويحفظ هذا الحذف في عين فيعلان وفيعل وفيعلة، وفاعل وربّما حذف ألف فاعل مضاعفا، والرّدّ إلى أصلين أولى من ادّعاء شذوذ حذف أو إبدال). ـــــــــــــــــــــــــــــ عنها، ولا شك أن هذا مختص بالضرورة كما ذكر، ثم إن المصنف أردف كلامه في إيجاز التعريف على: خذ وكل ومر بأن قال: ومن هذا القبيل حذف همزة أفعل التفضيل في قولهم: هو خير من هذا أو شر من ذاك. والأصل: أخير وأشر (¬1)، وربما استعملا كذلك. وقال أيضا بعض العرب في التعجب: ما خير هذا! قال ناظر الجيش: يقتضي إيراد المصنف هذه المسألة أعني مسألة فيعلولة عقيب مسألة خذ وكل ومر - أن يكون الحذف من فيعلولة على غير قياس، وإن كان لازما، وربما يعطي ظاهر كلام ابن عصفور خلاف ذلك. ثم اعلم أن عين فيعلولة قد تكون ياء وقد تكون واوا، وعلى [6/ 199] التقديرين يلزم اجتماع يائين؛ لأنها إن كانت ياء أدغمت الياء الأولى فيها، وإن كانت واوا وجب قلبها ياء فيجيء الإدغام، وعند ذلك يحصل الثقل فتحذف الياء التي هي عين سواء أكانت أصلا بنفسها أم منقلبة عن واو، وهذا الحذف لازم في هذا الوزن. قال ابن عصفور: وإنما لزم الحذف فيما كان على هذا الوزن؛ لأن الكلمة بلغت الغاية في العدد إلا حرفا واحدا؛ لأنها على ستة أحرف. قال: ولما كان الحذف في فيعل نحو: سيد جائزا كان في هذا الذي ازداد ثقلا بالطول واجبا. ومن أمثلة ذلك بينونة وطيرورة، وكينونة وقيدودة. وقد استدل على أن أصل هذه الكلمات فيعلولة لا فعلولة بدليلين: أحدهما: أن كينونة وقيدودة في ذوات الواو، فلولا أن الأصل فيعلولة لقيل: كونونة وقودودة؛ إذ لا موجب لقلب الواو ياء. الثاني: أنه ليس في كلام العرب فعلولة. قال ابن عصفور: فإن قيل: فإنهما مصدران وليس في المصادر ما هو على وزن فيعلولة. فالجواب: أن فيعلولة قد تثبت في غير المصادر نحو: خيسفوجة، ولم - ¬

_ (¬1) انظر: الرضي على الكافية (2/ 212).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يثبت فعلولة في موضع من المواضع، فحمله على ما يثبت في بعض المواضع أحسن إن أمكن وإلا فقد يجيء المعتل على بناء لا يكون للصحيح وممّا يدل على أن الأصل في هذا الوزن فيعلولة مجيء كيّنونة على الأصل. أنشد المبرد (¬1): 4335 - قد فارقت قرينها القرينه ... وشحطت عن دارها الظّعينه يا ليت أنّا ضمّنا سفينه ... حتّى يعود الوصل كيّنونه (¬2) انتهى. وهذا قول البصريين وهو مذهب سيبويه (¬3) ثم أشار المصنف إلى القول الآخر في هذا الوزن بقوله: وليس أصله فعلولة، ففتحت فاؤه لتسلم الياء خلافا للكوفيين فنسب هذا القول إلى الكوفيين. لكن ابن عصفور لم يعزه إلا إلى الفراء خاصة، فقال بعد ذكر كينونة، وقيدودة: وزعم الفراء (¬4) أنها في الأصل: كونونة وقودودة بضم الفاء، وكذلك في صيرورة وطيرورة، مصدري: صار وطار، ثم قلبت الضمة فتحة في صيرورة وطيرورة لتصح الياء، ثم حملت ذوات الواو على ذوات الياء ففتحوا الفاء وقلبوا الواو ياء؛ لأن مجيء المصادر على فعلولة أكثر ما يكون في ذوات الياء، نحو: صيرورة وسيرورة وطيرورة وبينونة (¬5). قال ابن عصفور: وهذا - ¬

_ (¬1) انظر: المقتضب (1/ 125) ذكر كينونة، ولم ينشد الرجز بتمامه. (¬2) رجز نسب للنهشلي، وانظره في المنصف (2/ 15)، والإنصاف (2/ 797)، والممتع (2/ 505)، واللسان «كون». (¬3) قال سيبويه (2/ 372): «وكان الخليل يقول: سيّد فيعل، وإن لم يكن فيعلا في غير المعتل؛ لأنهم يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل، ألا تراهم قالوا: كينونة، والقيدود؛ لأنه الطويل في غير السماء، وإنما هو من قاد يقود. ألا ترى أنك تقول: جمل منقاد وأقود؛ فأصلها فيعلولة» وانظر الإنصاف (2/ 797). (¬4) قال ابن عصفور في الممتع (2/ 503): «وزعم - الفراء أنهما - أي كينونة وقيدودة - في الأصل: كونونة وقودودة بضم الفاء، وكذلك صيرورة وطار طيرورة، ثم قلبت الضمة فتحة في قيدودة وطيرورة لتصحح الياء ثم حملت ذوات الواو على ذوات الياء ففتحوا الفاء وقلبوا الواو ياء؛ لأن مجيء المصدر على: فعلولة أكثر ما يكون في ذوات الياء نحو: صيرورة وسيرورة ...»، وانظر المنصف (2/ 12)، والرضي (3/ 154). (¬5) الممتع (2/ 504).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الذي ذهب إليه فاسد من جهات: منها: أن ادعاءه قلب الضمة فتحة لتصحّ الياء مخالف لكلام العرب. بل الذي اطرد في كلامهم أنه إذا جاءت الياء ساكنة بعد ضمة قلبت واوا نحو قولهم: موقن وعوطط، وهما من اليقين والتعيّط. ومنها: أن الضمة إذا قلبت لتصح الياء فإنما تقلب كسرة كما فعلوا في بيض، لا فتحة. ومنها: أن حمله ذوات الواو على ذوات الياء ليس بقياس مطرد. ومنها: أن ما ادعاه من أن فعلولة من ذوات الياء قد كثر غير مسلّم. بل هذا الوزن في المصادر قليل في ذوات الياء (¬1). ثم أشار المصنف إلى أن هذا الحذف - أعني حذف العين إذا جاورها حرف علّة - يحفظ في أربع كلمات، وهي فيعلان وفيعل وفيعلة وفاعل، أما فيعلان فنحو: ريحان أصله: ريوحان؛ لأن أصله: روح (¬2)، فقلبت الواو ياء على القاعدة المعروفة. وقد حصل الإدغام فصار ريحان، ثم حذفت عين الكلمة، ووزن الكلمة بعد الحذف: فيلان (¬3)، وإنما جعل المصنف هذا من باب المحفوظ؛ لأنه لا يطرد فيه الحذف، ولهذا لم يحذف من: تيّحان (¬4) وهو الكثير الكلام العجول، ولا من هيّبان (¬5) وهو الجبان، وأما فيعل وفيعلة فنحو: سيّد وسيّدة وليّن وليّنة. الأصل سيود وسيودة، فحصل الإبدال والإدغام، ثم خفّفت الكلمة بحذف العين، وقد جعل المصنف الحذف في ذلك محفوظا، يعني أنه لا ينقاس. ويقتضي كلام ابن عصفور أن الحذف مقيس، وقد أطال الكلام في هذه المسألة، فأنا أذكر كلامه قال رحمه الله تعالى: فيعل نحو: سيّد وميّت. إن كان من ذوات الياء أدغمت الياء في الياء من غير تغيير، وإن كان من ذوات الواو قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء فمن ذوات الياء: لين، ومن ذوات الواو: سيّد وميّت وإن شئت حذفت الياء المتحركة تخفيفا، فقلت: سيد وميت ولين؛ لاستثقال يائين وكسرة، والفارسي لا يجيز التخفيف في ذوات الياء قياسا فلا يقول في بيّن: بين، قياسا على لين، ويقيس ذلك في ذوات الواو وحجته أن ذوات الواو قد كانت الواو فيها قد قلبت ياء فخففت بحذف إحدى اليائين منها؛ لأن التغيير يأنس بالتغيير، ألا ترى أنهم - ¬

_ (¬1) المرجع السابق (2/ 503 - 505). (¬2) اللسان «روح»، والمصباح (ص 243). (¬3) انظر: المساعد (4/ 193). (¬4) الكتاب (2/ 373) (بولاق). (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يقولون في النسب إلى فعيل: فعيلي فلا يحذفون الياء، ويقولون في النسب إلى فعيلة: فعلي، فيحذفون الياء لحذفهم التاء، وزعم البغداديون (¬1) أن سيّدا وميّتا وأمثالهما في الأصل على وزن فيعل بفتح العين، والأصل: سيد وميت ثم غير على غير قياس، كما قالوا في النسب إلى بصرة: بصري بكسر الباء والذي حملهم على ذلك أنه لم يوجد فيعل في الصحيح مكسور العين، بل يكون مفتوحها نحو: صيرف وصيقل. وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد؛ لأنه لا ينبغي أن يحمل على الشذوذ ما أمكن، وأيضا فإنّه لو كان كتغيير بصري لم يطرد اطراده في مثل سيّد وميّت وليّن وهيّن وهذا دليل على بطلان ما ذهبوا إليه، فأما مجيئه على فيعل مع أن الصحيح لم يجئ على ذلك؛ فليس بموجب لادعاء أنه في الأصل مفتوح العين؛ لأن المعتل قد ينفرد في كلامهم ببناء لا يوجد في الصحيح (¬2)، وذلك نحو: قرية، قالوا في جمعها: قرى ولا يجمع فعل من الصحيح على فعل أصلا، وكذلك نحو: قاض وغاز، قالوا في جمعهما: قضاة وغزاة، فجمعوها على: فعلة بضم الفاء ولا يجمع الصحيح اللام إلا بفتح الفاء نحو: ظالم وظلمة، وكافر وكفرة وذهب الفراء إلى أن الأصل في سيد: سويد على وزن فعيل ثم قلب، وكذلك ما كان نحوه، وحمله على ذلك عدم: فيعل بكسر العين في الصحيح. وهذا الذي ذهب إليه فاسد؛ لأن القلب ليس بقياس. وأيضا فإنه لم يجئ على الأصل في موضع، ولو كان الأمر كما ذكر لسمع سويد ومويت (¬3). انتهى كلام ابن عصفور غير ما حذفته منه فلم أذكره وأما فاعل فنحو: هار وشاك، أصلهما: هاير وشايك (¬4). قال المصنف في إيجاز التعريف في فصل ثالث من الفصول التي ذكر الحذف فيها: ومن الحذف ما لا يطرد ولا يلزم كحذف عين فاعل المعتل مثل قولهم في هاير وشايك: هار وشاك ويمكن أن يكون المحذوف [6/ 200] من هذين ونحوهما إنما هو الألف الزائدة كما حذفت في فاعل المضاعف. كقولهم في رابّ وبارّ وسارّ - ¬

_ (¬1) انظر: المنصف (2/ 16)، وابن يعيش (10/ 70)، والمزهر (2/ 56)، ويس على التصريح (2/ 307)، والكتاب (2/ 372)، والصبان (4/ 313). (¬2) انظر: الكتاب (2/ 371)، والمنصف (2/ 16، 17). (¬3) الممتع (2/ 498 - 501). (¬4) انظر: التذييل (6/ 188 ب)، والمساعد (4/ 193).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفارّ: ربّ وبرّ وسرّ وفرّ. وقد استعمل في فاعل المعتل العين التحويل كثيرا، فقالوا: هار وشاك، فجعلوا العين موضع اللام، واللام موضع العين ليكون الإعلال في الآخر؛ إذ هو به أولى، وقد يحملهم الاعتناء بظهور الإعراب على عكس هذا التحويل، كقولهم في تراق جمع ترقوة: ترائق (¬1). انتهى وهو كلام واضح، ينبغي أن يعلم أن العين في هار وشاك واو، فلما حولا صارت الكلمة: هارو وشاكو. فلما وقعت الواو طرفا وقبلها كسرة انقلبت ياء كما في غازي وراعي، فصارت الكلمة: هاري وشاكي، فعمل فيهما ما يعمل في قاض. ووزن هار: فالع، وكذا شاك لما عرفت من أن الزنة تقلب لقلب الموزون، وثبت أن في: هاير وشايك لغتين القلب والحذف ولكن الحذف أكثر. قال سيبويه: وأكثر العرب تقول: شاك ولاث (¬2)، يعني بحذف العين. قال الشيخ: ولو ذهب ذاهب في مثل: شاك ولاث وهار إذا أعرب إعراب غير المنقوص إلى أن الألف التي فيه ليست ألف فاعل، بل هي عين الكلمة وأنها منقلبة عن واو، وأصله: شوك وهور ثم قلبوا كما قلبوا في: رجل قال أي: قول، لكان وجها. ولكنّي لم أر أحدا ذهب إليه، وهو أسهل من ادعاء الحذف (¬3). انتهى. قلت: وكون الألف الموجودة في نحو: هار إذا لم تعرب إعراب المنقوص هي عين الكلمة، هو الذي ذكره المصنف حين قال: ويمكن أن يكون المحذوف من هذين ونحوهما، يعني: هارا أو شاكا، إنما هو الألف الزائدة كما حذفت في فاعل المضاعف، كقولهم في رابّ وبارّ: ربّ وبرّ (¬4)، لكن المصنف ذكر أن أصل الوزن: فاعل، وأن الألف الزائدة حذفت، وهذا هو الظاهر وأما الشيخ فإنه ذكر أن أصل الوزن: فعل دون ألف، ولا يخفى أن دعوى - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 188 ب). (¬2) جاء في الكتاب (2/ 379) (بولاق): «وأما الخليل فكان يزعم أن قولك: جاء وشاء، ونحوهما اللام فيهن مقلوبة. وقال: ألزموا ذلك هذا واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة وذلك نحو قولهم للعجاج: لاث بها الأشاء والعبريّ وقال لطريف بن تميم العنبري: فتعرّفوني أنّني أنا ذاكم ... شاك سلاحي في الحوادث معلم وأكثر العرب يقول: لاث وشاك سلاحه فهؤلاء حذفوا الهمزة، وهؤلاء كأنهم لم يقلبوا اللام في جئت، حين قالوا: فاعل». (¬3)، (¬4) التذييل (6/ 188 ب).

[حذف عين الفعل الماضي]

[حذف عين الفعل الماضي] قال ابن مالك: (ويجوز في لغة سليم حذف عين الفعل الماضي المضاعف المتّصل بتاء الضّمير أو نونه مجعولة حركتها على الفاء وجوبا إن سكنت، وجوازا إن تحرّكت، ولم تكن حركة العين فتحة، وربّما فعل ذلك بالأمر والمضارع). ـــــــــــــــــــــــــــــ المصنف تقتضي أن اسم الفاعل جاء على أصله، ثم حذفت منه الألف الزائدة، ودعوى الشيخ تقتضي أنه جاء على غير ما حقه أن يجيء عليه؛ لأن فعلا من أوزان الصفة المشبهة، لا من أوزان اسم الفاعل وقوله: وربما حذف ألف فاعل مضاعفا يشير به إلى نحو: ربّ وبرّ وسرّ وفرّ، في: رابّ وبارّ وسارّ وفارّ، وقد تقدم ذكر ذلك، وأما قوله: والرد إلى أصلين أولى من ادعاء شذوذ حذف أو إبدال فيشير به إلى نحو: دمث ودمثر، وإلى نحو: مدح ومده، فقال: إن الرد إلى أصلين أولى من ادعاء شذوذ حذف في الأول، ومن ادعاء شذوذ إبدال في الثاني أما دمث ودمثر فيحتمل كونهما أصلين، فيكون تركيب: دمث (د م ث)، وتركيب دمثر: (د م ث ر) (¬1)، ولا شك أن معنى: دمث ودمثر واحد فتكون إحدى الكلمتين مرادفة للأخرى. ويحتمل أن تكون دمثرا هو الأصل، وأن نحو: دمث حذفت منه الراء شذوذا. ولا شك أن الراء ليست من حروف الزيادة، فيكون حذفها شاذّا وحينئذ فادعاء، الأصالة في كل من الكلمتين. أولى من ادعاء أن الأصل واحد لما يلزم في ذلك من شذوذ الحذف، ونحو: دمث ودمثر وسبط وسبطر. قال الشيخ: وهندكي، وفيما قال نظر، وقد تقدم الكلام على هذه الكلمة بما فيه غنية، وأما: مدح ومده فيحتمل كونهما أصلين كما تقدم في دمث ودمثر، وأن يقال: إن الهاء بدل من الحاء لكن إبدال الحاء من الهاء لم يثبت. فالقول بالإبدال فيه شذوذ، وإن كان كذلك فالرد إلى أصلين أولى من ادعاء شذوذ الإبدال المذكور، والظاهر أن مراد المصنف بقوله: والرد إلى أصلين أولى - أن الرد إلى أصلين واجب إن أدى ترك القول به إلى دعوى حذف شاذ، أي: لا يعرف أو إبدال كذلك. قال ناظر الجيش: أما ما ذكره من حذف عين الفعل الماضي المقيد باتصاله بما ذكر، - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 189 أ)، والمساعد (4/ 194).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فيشير به إلى قولهم: مست وظلت وأحست (¬1) وأحبت في: مسست وظللت وأحسست وأحببت. والمراد منه: كل فعل ماض مضاعف العين مسند إلى تاء الضمير أو نونه. وحاصل الأمر فيما ذكره من ذلك منسوبا إلى لغة سليم: أن أصحاب هذه اللغة يجوز عندهم حذف عين الفعل الماضي المضاعف إذا أسند إلى تاء الضمير أو نونه كمست ومسن، وأحست وأحسن فقوله: الماضي يشمل الثلاثي نحو: ظل ومس، وما زاد على الثلاثة نحو: أحسّ وانحط، ثم الثلاثي إما أن توافق حركة عينه حركة فائه أو تخالفها، فإن وافقت اقتصر على الحذف؛ فيقال في هممت: همت، وفي هززت: هزت، وكذا إذا كان الفعل زائدا على الثلاثة، وفاؤه متحركة، كقولك: انحطن في: انحططن، وإن خالفت حركة عين الثلاثي حركة فائه ففيه على هذه اللغة استعمالان: أحدهما: هذا، وهو الاقتصار على حذف العين دون نقل حركتها إلى الفاء. والآخر: حذف العين مع نقل حركتها إلى الفاء فيقال في مس إذا أسند إلى التاء أو النون: مست ومسن بفتح الميم، و: مست ومسن بكسرها، هذا كله إذا كانت فاء الكلمة - أعني التي هي الفعل الماضي - متحركة، وذلك في الثلاثي وفيما زاد على الثلاثة إذا كانت فاؤه متحركة كما تقدم تمثيله. فإن كانت الفاء من الماضي ساكنة كان نقل حركة العين إليها عند حذف العين واجبا؛ فرارا من التقائها ساكنة مع اللام، وهي ساكنة أيضا؛ لكون الفعل مسندا إلى التاء والنون، وذلك نحو قولك: أحست وأحبت في: أحسست وأحببت، وهذا الذي أوردته هو معنى ما أورده المصنف وإن اختلفت العبارة، فقوله: ويجوز في لغة سليم إشارة إلى أن الحذف الذي ذكره مخصوص بلغة هؤلاء. قال الشيخ: وقوله: يجوز يدل على أن ذلك ليس على جهة الوجوب (¬2)، يعني: أن - ¬

_ (¬1) قال ابن عصفور في الممتع (2/ 660، 661): «فإن كان الثاني من المثلين ساكنا فالإظهار ولا يجوز الإدغام؛ لأن ذلك يؤدّي إلى اجتماع الساكنين، وقد شذ العرب في شيء من ذلك، فحذفوا أحد المثلين تخفيفا، لما تعذر التخفيف بالإدغام، والذي يحفظ من ذلك: أحست وظلت ومست، وسبب ذلك أنه لما كره اجتماع المثلين فيها حذف الأول منها تشبيها بالمعتل العين، وذلك أنك قد كنت تدغم قبل الإسناد للضمير فتقول: أحس ومس وظل، والإدغام ضرب من الاعتلال. ألا ترى أنك تغير العين من أجل الإدغام بالإسكان، كما تغيرها إذا كانت حرف علّة، فكما تحذف العين إذا كانت حرف علة في نحو: قمت وخفت وبعت كذلك حذفت في هذه الألفاظ تشبيها بذلك». (¬2) التذييل (6/ 189 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ذلك عندهم إنما هو على سبيل الجواز. قال: إلا أن قوله في باب التقاء الساكنين مشيرا إلى حكم هذه المسألة: إن ذلك لغة سليم - يحتمل وجهين: أحدهما: أنهم لا يجيزون غيره. والآخر: أنهم يجيزون معه غيره (¬1)، وقوله (¬2): عين الفعل الماضي يشمل الثلاثي نحو: ظلّ ومسّ وهمّ، وما زاد على الثلاثة نحو: أحسّ وأحبّ وانحط، وقوله: وجوبا إن سكنت؛ قد عرفت أن مثاله [6/ 201]: حست في أحسست. وقوله: وجوازا إن تحركت - يفهم منه أن نحو: مست، من مسست فيه الأمران؛ لأنه إذا كان جعل حركة العين على الفاء غير واجب، بل جائزا؛ علم منه جواز أن لا يجعل الحركة المذكورة على الفاء أيضا وقوله: ولم تكن فتحة قد عرفت أن حركة العين إذا كانت فتحة فيقتصر على الحذف دون نقل كما في: همت؛ إذ لا فائدة في النقل حينئذ؛ لأن ما قبل الفتحة المذكورة لا يكون إلا مفتوحا، وإذا تقرر ما قلناه علم أن في نحو: ظل إذا أسند إلى التاء أو النون ثلاثة أوجه. هي ظللت تامّا، وظلت بحذف العين دون نقل حركة العين إلى الفاء و (ظلت) (¬3) بالحذف مع النقل، وكذا إذا أسند إلى النون وأن في نحو كل من: هم وأحس إذا أسند إلى واحد من الضميرين المذكورين؛ وجهين وهما هممت وهممن، وأحسست وأحسسن بالتمام، وهمت وهمن، وأحست وأحسن بالحذف، وقد ذكروا العلة المقتضية لحذف العين فقالوا: إنما حذفت تشبيها لها بحرف العلّة فكما حذفت العين في أظلت وأظلن، وخفت وخفن و: انقدت وانقدن، حذفوا هنا، وذلك أن الإدغام إعلال للكلمة؛ لأن حركة العين أذهبها الإدغام كما ذهبت حركة حرف العلة لأجل القلب في: أطال وأخاف، فشبهت عين الكلمة في المضعف بعينها في المعتل، وكان ذلك في نوع من المضعف، وإن كان الحذف في المعتل لا يختص بنوع من الأفعال؛ إذ هو يكون في ماضيه وأمره - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) أي: المصنف. (¬3) من قوله تعالى: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ [طه: 97] قرأ ابن مسعود وقتادة والأعمش والمطوعي بكسر ظاء ظلت وقرأها أبي بلامين ظللت الأولى مكسورة والثانية ساكنة، وبها قرأ المطوعي فظللتم من قوله تعالى: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة: 65] وكذا الجحدري مع فتح اللام الأولى. انظر الإتحاف (307، 408) ومختصر في شواذ القرآن (89، 151) وذكر أبو البقاء في التبيان (2/ 903): «أن كسر الظاء في (ظلت) وفتحها لغتان».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ومضارعه، نحو: خفت وخفن ولا تخفن؛ لأن المشبه بالشيء لا يقوى قوته، وقد جاء الحذف قليلا في الأمر والمضارع؛ لأنهما جاريان على الماضي في الاعتلال والصحة فكأنه هو الأصل في ذلك، واسم الإشارة في قول المصنف: وربما فعل ذلك بالأمر والمضارع، مشار به إلى ما تقدم من حذف عين الكلمة ونقل حركتها إلى الفاء إذا أسند أحد الفعلين المذكورين إلى نون الإناث. وقد عرفت أن نقل الحركة المذكورة إلى الفاء إنما يكون عند المخالفة، أعني مخالفة حركة العين لحركة الفاء؛ فعلى هذا إنما يكون ذلك إذا كان المضارع على يفعل بكسر العين وحينئذ تكون العين مكسورة في الأمر - أيضا - من ذلك الفعل، وإذا أسند كل منهما إلى النون سكن آخره، فيقال في يقررن مضارع قر: يقرن، وفي الأمر منه: قرن، وأصله: اقررن، أما إذا كان المضارع على يفعل بفتح العين، فلا يخفف هذا التخفيف، إلا أنه قد قرأ نافع (¬1) وعاصم (¬2): وقرن فى بيوتكن (¬3) وأصله: اقررن من: قرّ بالمكان يقر بمعنى يقر ثم خفف بالحذف وهو قليل؛ لأن هذا التخفيف إنما هو للمكسور العين، قال المصنف في شرح الكافية - لما ذكر أنه يقال في يقررن واقررن: يقرن وقرن -: وإن كانت العين مفتوحة فالحذف قليل، حكاه الفراء ولا يقاس عليه ما ورد منه، ولا يحمل عليه إن وجد عنه مندوحة، وقد حمل بعض العلماء على ذلك قراءة نافع وعاصم: وقرن فى بيوتكن زاعما أنه يقال: قررت بالمكان، أقرّ به، كما يقال: قررت به أقر ذكر ذلك ابن القطاع (¬4)، وقيل: إنه من قار يقار على زنة خاف يخاف، ومعناه: الاجتماع، أي: اجتمعن في - ¬

_ (¬1) هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، المدني أحد القراء السبعة، ثقة صالح، أصله من أصبهان، اختلف في سنة وفاته فقيل: (170 أو 169 أو 167 أو 157 هـ)، انظر: غاية النهاية (2/ 330 - 334). (¬2) ابن أبي النجود الكوفي الأسدي أحد القراء السبعة تابعي لغوي نحوي توفي (127 هـ)، الأعلام (4/ 12)، وميزان الاعتدال (2/ 5). (¬3) سورة الأحزاب: 33، وانظر البحر (7/ 230)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 342)، وقرئ بكسر القاف وقرن قال أبو حيان: «وقرأ الجمهور وقرن بكسر القاف من وقر يقر أو قرن مثل: عدن من وعد ...» البحر المحيط (7/ 230) وانظر معاني القرآن (2/ 341). (¬4) قال ابن القطاع في الأفعال (3/ 44): «قرّ بالمكان يقرّ ويقرّ قرارا، والعين قرّة، وقرورا بردت سرورا، واليوم يقر ويقر قرّا: برد، وقرّ الإنسان قرّا: أصابه البرد والقرّ. وقررت الخبر في أذنه أقره: أودعته».

[حذوف أخرى مختلفة]

[حذوف أخرى مختلفة] قال ابن مالك: (وبعض العرب يحذف همزة يجيء ويسوء وإحدى ياءي يستحيي ويجريهنّ مجرى يفي ويستبي في الإعراب والبناء والإفراد وغيره). ـــــــــــــــــــــــــــــ بيوتكن، وكونه من المضاعف أولى (¬1). قال ناظر الجيش: اعلم أنه لا مقتضى لحذف لام يجيء ويسوء التي هي الهمزة؛ ولهذا أطبقت العرب على عدم الحذف إلا قليلا منهم؛ فإنهم قد يحذفون، ومن ثم نسب المصنف الحذف إلى بعضهم وكذا حذف الياء من (يستحيي) (¬2) وقول المصنف: وإحدى يائي يستحيي يفهم منه أن المحذوف يجوز أن يكون لام الكلمة، ويجوز أن يكون عينها، أما كونه اللام فوجهه أن المحذوف من يجيء ويسوء إنما هو اللام، ولا شك أن الأطراف محل التغيير، ثم بعد الحذف تنقل حركة الياء التي هي عين إلى الحاء التي هي فاء الكلمة، وتسكن الياء، وأما إذا كان المحذوف العين فالحركة التي عليها تنقل إلى الحاء التي هي فاء الكلمة، فيلتقي حينئذ ساكنان الياء التي هي عين، والياء التي هي لام فتحذف الأولى لالتقاء الساكنين، والنطق بالكلمة بعد الحذف واحد وهو يستحي، سواء أكان المحذوف اللام أم العين، لكنها وزنها على التقدير الأول: يستفع، وعلى التقدير الثاني: يستفل. قال الشيخ: ونصوص الأئمة على أن الذي حذف هو العين (¬3). انتهى. واعلم أن مقتضى ما ذكره المصنف أن الحذف من هذه الكلمة إنما حصل ابتداء في صيغة المضارع وهو - ¬

_ (¬1) شرح الكافية (4/ 2170) وما بعدها. (¬2) من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها [البقرة: 26] قال العكبري في التبيان (1/ 42، 43): «قوله تعالى: لا يَسْتَحْيِي وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين وليس معناه الاستدعاء، وعينه ولامه ياءات وأصله: الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء. وقرئ في الشاذ: (يستحي) بياء واحدة، والمحذوفة هي اللام كما تحذف في الجزم، ووزنه على هذا يستفع إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين، وسكنت وقيل: المحذوف هو العين، وهو بعيد». وقال ابن منظور في اللسان «حيا»: «للعرب في هذا الحذف لغتان: استحى الرجل يستحي بياء واحدة واستحيا فلان يستحيي بياءين والقرآن نزل بهذه اللغة الثانية». (¬3) التذييل (6/ 191 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يستحيي ولا شك أن ماضي: يستحيي إنما هو: استحيا وإذا كان كذلك، فلم يحذف في الماضي شيء، وإنما حذف في المضارع، ولكنهم قد ذكروا أن العرب قد يحذفون في صيغة الماضي شذوذا، فيقولون: استحى، والأصل: استحيا ولكنهم شذوا فيه فأجروه مجرى استبان فنقلوا حركة الياء التي هي عين إلى الساكن قبلها، ثم أدى الحال إلى حذف أحد الحرفين، أعني العين واللام، فحذف على خلاف ذكره ابن عصفور بين الخليل والمازني (¬1) حيث يزعم أحدهما وهو المازني أن الياء بعد نقل حركتها إلى ما قبلها قلبت ألفا ثم حذفت الألف تخفيفا، وزعم الخليل أن الألف حذفت لالتقاء الساكنين، وعلى كلا القولين آل: استحيا إلى استحى، وإذا كان كذلك فإذا ورد يستحي بياء واحدة يقال فيه: إنه مضارع استحى المحذوف منه لا مضارع استحيا، فيصير نظير قولنا: استبى يستبي. واشترى يشتري، ولا يدعى أن الحذف من المضارع، نعم إن سمع: يستحي بالحذف ممن يقول: استحيى اتجه كلامه المصنف حينئذ، وليعلم أن من حذف في المضارع وهو يستحي حذف في سائر التصرفات كاسم الفاعل واسم المفعول. نحو: مستح ومستحى منه (¬2)، ثم هؤلاء القوم من العرب الذين يقولون: يجيء ويسوء ويستحي بالحذف يجرون هذه الكلمات الثلاث مجرى: يفي ويستبي في الأمور التي ذكرها. أما الإعراب فنحو أن يقال: زيد يجي بسكون الياء رفعا، وأن يجي نصبا ولم يج جزما، وكذا: تسوء (¬3) ويستحي، كما يقال: يفي ويستبي رفعا، ولن يفي ويستبي نصبا، ولم يف ولم يستب جزما، وأما البناء فنعني به البناء الذي يعرض للمضارع باتصاله بنون توكيد نحو لا يجين ولا يسون ولا يستحين. أو نون إناث، نحو: يجين ويسون ويستحين. وأما الإفراد وغيره؛ فنعني بالإفراد: أن لا يلحقه ضمير [6/ 202] تثنية ولا جمع وبغير الإفراد أن يلحقه ضمير التثنية والجمع، فيقال: يجيان، ويجون، ويجين، كما يقال: يفيان ويفون ويفين ويستحيان ويستحون، ويستحين، كما - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 389)، والمنصف (2/ 204)، والممتع (2/ 586). (¬2) قال ابن عصفور في الممتع (2/ 586): «وجميع ما يجري على: استحى مثله في اعتلال عينه، من اسم فاعل، واسم مفعول ومضارع نحو: استحى يستحي فهو مستح ومستحى منه». (¬3) انظر: المرجع السابق (2/ 584).

[حذف ألف ما الاستفهامية]

[حذف ألف ما الاستفهامية] قال ابن مالك: (والتزم في غير ندور حذف ألف ما الاستفهاميّة المفردة المجرورة، وقد تسكّن ميمها اضطرارا إن جرّت بحرف، وزعم المبرّد أنّ حذف ألف ما الموصولة بشئت لغة). ـــــــــــــــــــــــــــــ يقال: يستبيان ويستبون ويستبين، وأما: يسو؛ فيقال فيه: يسوان ويسون كما يقال: يغزوان ويغزون فالنطق بنحو يغزون لا يختلف، سواء أكان لمذكر أم لمؤنث؛ إلا أن الضمير المسند إليه في الرجال يسون، وهو الواو، والنون علامة الرفع، والضمير في النساء: يسون النون، والواو عين الكلمة في الأصل التي هي الآن لام في الصورة، وهذا كله يؤخذ من قول المصنف: ويجريهن مجرى يفي ويستبي؛ إلا أنه قد يقال: إن يسو لم يجر مجرى يفي؛ لأنه لو أجراه مجراه لقيل فيه: يفين. قال الشيخ: وقد أفهم كلام المصنف أن بعض العرب هم الذين يقولون: يستحي والمنقول أن ذلك لغة بني تميم، يقولون: استحيت، وأما أهل الحجاز فيأتون به على الأصل، فيقولون: استحييت، وقد ذكر ابن عصفور في الممتع كلمة: استحيى وتقرير الخليل فيها، وأن المازني يخالفه في ذلك، وعلى الناظر تطلبه إن أراد الوقوف عليه (¬1). قال ناظر الجيش: اعلم أن المقصود من حذف ألف ما إنما هو التخفيف ولما كانت ما الموصولة لا استقلال لها لافتقارها في تمام معناها إلى الصلة، وكذا ما الشرطية لتعلقها بما بعدها لم تحذف الألف منها؛ إذ صارت ما الموصولة مع الصلة، وما الشرطية مع الشرط في حكم اسم واحد، وكان الحذف من ما الاستفهامية خاصة؛ لأن لها استقلالا واستبدادا بنفسها وإنما كان الحذف من المجرورة دون غيرها؛ لأن الثقل يحصل بانضمام ما جرّت به من حرف جر أو اسم إليها فناسب التخفيف بحذف الألف منها، والحذف المذكور متعين، وإليه الإشارة بقول المصنف: والتزم حذف ألف ما الاستفهامية المفردة المجرورة، ومثال ذلك قولك: مجيء م جئت، فهذا جر بالإضافة، ومثال الجر بالحرف قول الله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ (¬2)، - ¬

_ (¬1) الممتع (2/ 584 - 587). (¬2) سورة النبأ: 1. وانظر البحر المحيط (8/ 410).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وقوله تعالى: يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي (¬1)، وقوله تعالى: فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (¬2)، وقوله تعالى: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (¬3)، وقول الشاعر: 4336 - علام يقول الرّمح يثقل عاتقي ... إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرّت (¬4) وإنما قيدها المصنف بالمفردة؛ احترازا من أن تركب مع ذا فتلغى ذا وتصير ماذا بكماله استفهاما، كقولك: على ماذا يلومني؟ فإن ألف ما لا تحذف حينئذ وإن كانت استفهاما وقد جرت، قال الأخفش: فإن وصلت ذا بما أثبت الألف فعلم من هذا الذي قاله المصنف أننا لا نحذف إلا ألف ما الاستفهامية وأن لحذفها منها شرطين: أن تكون مجرورة وأن تكون مفردة، أي: غير مركبة واحترز بقوله: في غير ندور من ثبوت الألف إن ثبتت مع كون ما مجرورة، قال أبو الحسن (¬5): ومن العرب من يثبت الألف في الاستفهام أيضا، وذلك قبيح قليل، وفي بعض النسخ (¬6): واضطرار بعد قوله: في غير ندور واحترز بذلك من مثل قول الشاعر: 4337 - على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرّغ في رماد (¬7) وأشار المصنف بقوله: وقد تسكن ميمها اضطرارا إن جرّت بحرف إلى قول الشاعر: - ¬

_ (¬1) سورة الصف: 5. (¬2) سورة النمل: 35. (¬3) سورة النازعات: 43. (¬4) من الطويل لعمرو بن معديكرب الزبيدي، علام: كلمة مؤلفة من حرف واسم، فالحرف: على والاسم: ما الاستفهامية، وقد حذفت ألفها كما تحذف مع كل جار، يثقل عاتقي، يروى: يثقل كاهلي، يقول: بأي حجة أحمل السلاح إذا كنت لم أقاتل به عند كرّ الخيل، وكيف يثقل ساعدي بالرمح في وقت تركي الطعن به. يريد أنه إنما يتكلف مؤنة حمل السلاح ليضرب به أعداءه، وينال منهم، وانظره في: الحماسة البصرية (1/ 11)، وشرح الحماسة للتبريزي (1/ 158)، ومغني اللبيب (1/ 143)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (ص 418)، واللسان «قول»، والهمع (1/ 157). (¬5) نقل عنه الشيخ ذلك حيث قال في التذييل (6/ 191 ب): قال أبو الحسن في الأوسط: «ومن العرب ...». (¬6) انظر التسهيل (ص 314). (¬7) من الوافر لحسان بن ثابت يهجو بني عائذ بن سهم من مخزوم. انظره في: شرح أبيات المغني للبغدادي (5/ 221)، والأمالي الشجرية (2/ 233)، وضرائر الشعر (80)، ومعاني القرآن للفراء (2/ 292)، وشرح شواهد الشافية (ص 224)، وشرح شواهد المغني للسيوطي (ص 709)، والعيني (4/ 554)، واللسان «لؤم» والبحر المحيط (7/ 330).

[حذف اللام شذوذا]

[حذف اللام شذوذا] قال ابن مالك: (وشذّ في الأسماء حذف اللّام لفظا ونيّة بكثرة إن كانت واوا، وبقلّة إن كانت ياء أو هاء أو همزة أو نونا أو حاء أو مثل العين، وربّما حذفت العين وهي نون أو واو أو تاء أو همزة، والفاء وهي واو أو همزة. وكثر في أب بعد لا ويا، وندر بعد غيرهما، وشذّ في الفعل: لا أدر، ولا أبال، وعم صباحا، ونحو: خافوا ولو تر ما الصّبيان). ـــــــــــــــــــــــــــــ 4338 - يا أسديّ لم أكلته لمه ... لو خافك الله عليه حرّمه (¬1) وأفهم قوله: إن جرّت بحرف أنها إن كانت مجرورة بالإضافة لم يجز التسكين لا في الضرورة ولا في غيرها، وإنما امتنعوا عن حذف الحركة في السعة؛ لئلا ينهكها الحذف؛ لأن حذف الحركة بعد حذف الألف إجحاف بالكلمة، وأما قوله: وزعم المبرد إلى آخره فأشار به إلى أن كثيرا من العرب يقولون: سل عم شئت؛ ولهذا زعم المبرد أنه لغة، والذي سوغ الحذف منها إذا وصلت بشئت كأنه كثرة استعمال هذه الكلمة مقرونة بما بعدها (¬2). قال ناظر الجيش: الشاذ الذي ذكره هنا إما في الاسم، وإما في الفعل، والذي في الاسم منه ما هو بكثرة، ومنه ما هو بقلة؛ فالذي هو بكثرة هو حذف اللام منه إن كانت واوا، والذي هو بقلة هو حذف غير اللام من عين أو فاء وحذف اللام وهي غير واو، وقيد الحذف في الاسم بقوله: لفظا ونيّة؛ للاحتراز عن الحذف لفظا فقط نحو الحذف للتنوين، أو لالتقاء الساكنين نحو: فتى وعصى، وفتى القوم، وعصا الرجل؛ فإن الألف التي هي لام الاسم حذفت لالتقاء الساكنين في اللفظ، - ¬

_ (¬1) رجز نسبه في اللسان إلى سالم بن دارة وأنشده برواية: يا فقعسي ... والشاهد فيه: تسكين الميم من (لم) وأصلها (لما) وهي استفهامية دخل عليها حرف الجر فحذفت الألف ثم سكنت الميم للضرورة، وانظره في: الإنصاف (1/ 299)، والأشموني (4/ 217)، والمخصص (3/ 4)، والعيني (4/ 555، 556). (¬2) قال الشيخ في التذييل (6/ 192 أ): «وقوله - أي ابن مالك -: وزعم المبرد ... إلى آخره هذا الذي ذهب إليه أبو العباس قد نقله أبو زيد، قال الأخفش في الأوسط: وزعم أبو زيد أن كثيرا من العرب يقولون: سل عم شئت، كأنهم حذفوا لكثرة استعمالهم إياه»، وانظر المساعد (4/ 204).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وأما في النية فهو كالملفوظ بها؛ والدليل على ذلك تقدير الإعراب فيها فهي مع كونها محذوفة مرادة وإلا لزم من ذلك أن لا يكون في الاسم إعراب، وهذا بخلاف ما حذف لفظا ونية؛ فإن الإعراب ينتقل إلى الحرف الذي يليه الحرف المحذوف نحو: أخ وأب. إذا عرف هذا فمثال الاسم الذي حذفت لامه وهي واو أب وأخ وحم وهن، وكذا ذو مال على مذهب الخليل (¬1)، ومن ذلك ابن واسم على مذهب البصريين (¬2) وعدة وكرة وقلة؛ لقولهم: كروت بالكرة، و: قلوت بالقلة، وكذا عزة؛ لقولهم: عزوت، وعضة؛ قال الله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (¬3) أي: أجزاء متفرقة، فهو من العضو، وكذا ثبة وهي اسم الجماعة، وظبة وهي طرف السيف، وبره، وكذا سنة في لغة من يقول: سنوات، وأما حذف اللام من الاسم وهي غير واو فإليه الإشارة بقوله: وبقلّة إن كانت ياء أو هاء أو همزة أو نونا أو حاء أو مثل العين أي: وشذ في الأسماء حذف اللام لفظا ونيّة بقلّة إن كانت ياء إلى آخره فمثال الياء يد ومائة ودم على لغة من يقول فيه: دميان، ومثال الهاء شفة وعضة وفم وشاة وسنة؛ لقولهم: شفاه وعضاه وأفواه، وسانهت مسانهة. وكذا شاة لقولهم: شييهة [6/ 203] في التصغير و: أشياة في الجمع، ومثال الهمزة قولهم حكاه أبو زيد: سؤته سواية، الأصل فيه: سوائية كطواعية ورفاهية (¬4)، فحذفت الهمزة، وهي لام وحذفت أيضا من براء، والأصل: برأاء على وزن ظرفاء. قال زهير: 4339 - وإمّا أن يقول بنو مصاد ... إليكم إنّنا قوم براء (¬5) ومثال النون: دد وفل. قال الشيخ: هذا مثّل به بعض أصحابنا، فقال: وأصل دد على قوله: ددن وأصل فل: فلان (¬6). قال الشيخ: أما: دد فله أصول ثلاثة - ¬

_ (¬1) انظر الكتاب (2/ 83) (بولاق). (¬2) انظر المسألة الأولى من الإنصاف في حل مسائل الخلاف (1/ 4 - 10). (¬3) سورة الحجر: 91. (¬4) انظر التذييل (6/ 192 ب). (¬5) من الوافر لزهير بن أبي سلمى، وجاء في نسختي التحقيق برواية (فأما) وأثبت ما في الديوان، ويروى براء بفتح الباء وكسرها، ومن قال: براء بالضم، أراد: برآء. مثل: كريم وكرماء فترك الهمزة الأولى. ديوانه (ص 66). (¬6) التذييل والتكميل (6/ 193 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ددد، ددا - كعصا - ددن (¬1)، فإذا جاء محذوفا احتمل أن يكون المحذوف النون، وأن يكون المحذوف الدال، وأما فل، وقوله: إن أصله: فلان، ففل لفظ استعمل خاصّا بالنداء واستعمل في الشعر محذوفا من فلان، فأما الذي في النداء فذكروا أن أصله ثلاثي، وأن المحذوف منه ياء. قالوا ولذلك قالوا في المؤنث: يا فله، وحين صغروا قالوا: يا فلى، ولو كان مرخما من فلان كما ذهب إليه بعض الناس لم يقولوا إلا: يا فلا، ويا فلان، ويا فله، كما تقول: يا عل، ولكان معناه وليس كذلك بل معنى يا فل: يا رجل، ويا فلان كناية عن العلم؛ فقد اختلفا تركيبا ومدلولا. وأما الذي استعمل في الشعر محذوفا من فلان كما قال أبو النجم: 4340 - في لجّة أمسك فلانا عن فل (¬2) فذلك حذفت منه النون، ثم حذفت منه الألف ترخيما بعد ترخيم في غير النداء في ضرورة الشعر، وقد بين ذلك سيبويه - رحمه الله تعالى - في أبواب الترخيم وفي أبواب التصغير وبين اختلاف تركيبهما ومدلوليهما في أبواب ابن عصفور، في المقرب (¬3) ومثال الحاء: حر أصله حرح (¬4)، لقولهم في تصغيره: حريح، وفي التكسير: أحراح، قال الشيخ: وحذف الحاء قليل لا يحفظ منه غير هذا ومثال - ¬

_ (¬1) الددن والدد محذوف من الددن، والددا محول عن الددن، والديدن كله اللهو واللعب. انظر اللسان «ددن». (¬2) رجز استشهد به سيبويه (1/ 333) على استعمال (فل) مكان (فلان) في غير النداء ضرورة، واستشهد به في (2/ 122) على أن (فل) أصله فلان، فإذا صغر رد إلى أصله وقبله: تدافع الشّيّب ولم تقتّل تدافع: مصدر تشبيهي عامله محذوف أي: تدافعت تدافعا كتدافع الشيوخ، الشيّب: جمع أشيب وهو الشيخ، تقتّل أصله تقتتل فأسكن التاء الأولى للإدغام، وحرّك القاف لالتقاء الساكنين بالكسرة، ثم، أتبع أول الحرف ثانية، فصار تقتّل بثلاث كسرات. اللجة: اختلاط الأصوات في الحرب، وقوله: أمسك فلانا: هو على إضمار القول أي: في لجة يقال فيها: أمسك فلانا، شبّه تزاحمها ومدافعة بعضها بعضا بقوم شيوخ في لجّة وشرّ يدفع بعضهم بعضا، فيقال: أمسك فلانا عن فلان أي: احجز بينهم. وانظره في: الكتاب (1/ 233)، (2/ 122)، والمقتضب (4/ 238)، والتصريح (2/ 180)، والهمع (1/ 177)، والأشموني (3/ 161)، واللسان «لجج، فلن». (¬3) انظر: الكتاب (1/ 333)، (2/ 122)، والمقرب (1/ 182). (¬4) انظر: الكتاب (2/ 92)، والممتع (2/ 627).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ما هو مثل العين: بخ، والأصل: بخّ بالتشديد، فحذفوا، وبعد الحذف قالوا: بخ بخ بالتسكين، وبخ بخ بالكسر، وهي كلمة تقال عند استعظام الشيء، فأما من كسر؛ فلأنه لما حذف التقى ساكنان: الخاء الأولى والتنوين؛ فكسر الخاء لالتقاء الساكنين، وأما من سكن؛ فلأنه لما حذف لام الكلمة حذف معها التنوين فبقي على سكون الوسط، ولا أعرف لم عدل المصنف عن أن يقول: أو خاء عطفا على قوله: أو حاء إلى قوله: أو مثل العين، والظاهر أنه أراد أنّ اللام المحذوفة قد تماثل العين، وليس في ذلك كبير فائدة. ثم أشار المصنف إلى حذف العين، وأنه قليل بقوله: وربما حذفت العين وهي نون أو واو أو تاء أو همزة، فمثال النون: مذ في منذ، ومثال الواو: فم أصله: فوه، فحذفوا الهاء ثم حذفوا الواو وعوضوا منها الميم. ومثال التاء: سه بدليل أستاه، وفي الحديث: «العينان وكاء السّه» (¬1). ومثال الهمزة: يرى مضارع رأى في لغة غير تيم اللات ثم أشار إلى حذف التاء، وعطف ذلك على ما قبله ليندرج في حكم القلّة ومثال حذف الفاء وهي واو: رقة ولدة، والأصل: ورقة وولدة. ومثال حذفها وهي همزة الحذف من لفظ الجلالة المعظمة، فإن أصل التلفظ بالجلالة الشريفة: ألالاه، على أحد القولين (¬2) قالوا: حذفت الهمزة وصارت (أل) عوضا، ولهذا لزمت. والقول الآخر أنه لا حذف، وهو الذي اختاره المصنف كما تقدمت الإشارة إليه في باب المعرف بالأداة وعلى هذا فلا يوافق التمثيل به هنا للحذف؛ لأن المصنف يرى أنه لم يحذف منه شيء، وقد يمثل لحذف الفاء بلفظ ناس فإن أصله أناس، ولكن المصنف يرى أن كلّا منهما من مادة فهما أصلان إلا أن المصنف أراد أن الحذف في الجلالة المعظمة وناس يجيء على قول القائل بالحذف لا على قول الآخر. ثم أشار المصنف بقوله: وكثر في أب بعد «لا» و «يا» وندر بعد غيرهما إلى أن حذف فاء أب كثر في المكانين المذكورين، والمقتضي لذلك كثرة الاستعمال، وندر - ¬

_ (¬1) انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 222). (¬2) قال سيبويه (1/ 310): «وكأن الاسم والله أعلم (إله) فلما أدخل فيه الألف واللام حذفوا الألف وصارت الألف واللام خلفا منها فهذا أيضا مما يقويه - أن يكون بمنزلة ما هو من نفس الحرف». قلت: قال صاحب القاموس (4/ 282): «(أله) ... ومنه لفظ الجلالة واختلف فيه على عشرين قولا ذكرتها في المباسيط، وأصحّها أنه علم غير مشتق، وأصله آله كفعال بمعنى مألوه».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بعد غيرهما، فمثال الحذف بعد «لا» قول العرب: لا با لك يريدون: لا أبا لك (¬1)، ومثاله بعد «يا» قول الشاعر: 4341 - يا با المغيرة ربّ أمر معضل ... فرّجته بالمكر منّي والرّها (¬2) ومثال الحذف دون «لا» و «يا» قول الشاعر: 4342 - تعلّمت با جاد، وآل مرامر ... وسوّدت أثوابي ولست بكاتب (¬3) ولما أنهى الكلام على الحذف من الاسم شرع في الكلام على الحذف من الفعل فأشار إليه بقوله: وشذ في الفعل ... إلى آخره، وذكر خمس كلمات منها قولهم: لا أدر، ولا أبال، وإنما حذفت الياء منهما، لكثرة الاستعمال فقصدوا التخفيف على اللسان، ولكثرة ما حذفت الياء في: لا أبال إذا أدخلوا الجازم؛ توهموا أن اللام هي آخر الكلمة في الأصل فسكنوها للجزم، فلما سكنت حذفت الألف لالتقاء الساكنين. فقالوا: لم أبل والفصيح الجاري على القياس: لم أبال. ومنها قولهم: عم صباحا، والأصل: انعم صباحا، فحذفت النون التي هي فاء الكلمة، فحصل الاستغناء عن همزة الوصل، قال الشيخ: وهذه مناقضة من المصنف، فإنه يرى أن: عم صباحا لا تتصرف كما ذكره فيما تقدم وهنا جعل أصله: انعم، وانعم يتصرف (¬4). انتهى. وقد يجاب عن المصنف بأن انعم كان متصرفا قبل الحذف، ثم إنه بعد الحذف منع التصرف، ثم قال الشيخ: وقد تقدم لنا أن العرب تقول: وعم يعم بمعنى: نعم ينعم، فلا يكون على هذا عم صباحا مما حذفت منه النون، بل مما حذفت منه الواو نحو: عد وزن، وهو قياس مطرد (¬5). انتهى. ومنها قوله: ولو تر ما الصبيان، أصله: ترا بالألف، فحذفت الألف على - ¬

_ (¬1) انظر القول المذكور في المساعد لابن عقيل (4/ 208) محكيّا عن أبي زيد. (¬2) البيت من بحر الكامل وهو لأبي الأسود الدؤلي كما ذكرت مراجعه (ملحقات ديوانه ص 134). والشاهد فيه: قوله: يا با المغيرة بحذف همزة أب بعد يا، وانظر البيت في المساعد لابن عقيل (4/ 208). (¬3) البيت من بحر الطويل وهو لقائل مجهول. اللغة: با جاد: أصله أبا جاد، وهو موضع الشاهد؛ حيث حذفت الهمزة من أب ولم تسبقها يا أو لا وهو نادر، مرامر: اسم رجل قيل: إنه مع رجال من طيئ أول من وضعوا الخط وآل مرامر هم أولاد له ثمانية. (¬4) التذييل (6/ 194 أ). (¬5) المرجع السابق.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ جهة الشذوذ وما زائدة، وشبهت لو بأن، فحذفت ألف ترى، كما أنها لو وقعت بعد أن لحذفت ولا يقال: إن لو جزمت؛ لأن القول بأنها تجزم غير معول عليه. وأما قوله: ونحو خافوا فلم أدر ما أراد بما يحذف منه. والظاهر أنه يريد أن الواو التي هي ضمير الفاعل قد تحذف في نحو: خافوا وطابوا وجاؤوا اكتفاء بالضمة. وقد عرف من كلام المصنف هنا أن الحروف التي عرض لها الحذف ثمانية أحرف، وهي الواو والياء والهاء والهمزة والنون والحاء والخاء والتاء. وقد عرف أن هذا الحذف كله شاذ، وأنه مع شذوذه منه ما يكثر، ومنه ما يقل. وقال ابن عصفور: الحذف على غير قياس يكون في أحد عشر حرفا، وهي الهمزة والألف والواو والياء والهاء [6/ 204] والنون والباء والحاء والخاء والفاء والطاء. قال: فجاء الحذف في الهمزة في الله، وفي ناس، وفي خذ وكل ومر وفي أب، قالوا: يا با فلان، وأنشد البيت المتقدم (¬1)، وفي يرى وترى وأرى ونرى، في لغة من لا ينقل الهمزة في مثله وفي سواية والأصل: سوائية (¬2)، وفي براء والأصل برآء. وجاء في الألف واللام وفي أما قالوا: أم والله. والأصل: أما، وفي الوقف في الضرورة نحو قوله: رهط مرحوم ورهط ابن المعل، يريد المعلّى، وفي: لهفي نحو: 4343 - ولست براجع ما فات منّي ... بلهف، ولا بليت، ولا لو انّي (¬3) وجاء في الواو في غد وأب وأخ وهن، واسم وكرة وقلة، لقولهم: كروت بالكرة وقلوت بالقلة، وفي ثبة وظبة حملا لهما على الأكثر (¬4). وجاء في الياء في: يد ومائة وفي دم وجاء في الهاء في شفة؛ لقولهم: شفاه، وفي عضة؛ لقولهم: - ¬

_ (¬1) المقرب (2/ 199). (¬2) المرجع السابق، وانظر الممتع (2/ 621). (¬3) أنشده ابن منظور (لهف) ولم يعزه، والبيت من الوافر، وقوله: بلهف موضع الشاهد أي: بقولي: يا لهفا، وقوله: بليت أي: بقولي: يا ليتني، وقوله: ولا لو اني، أي: بقولي: لو أني فعلت كذا لكان كذا، وأصل الكلام يا لهفا على أن اللهف مضاف إلى ياء المتكلم ثم قلبت الكسرة التي قبل ياء المتكلم فتحة وقلبت الياء ألفا، ثم حذف هذه الألف المنقلبة عن ياء المتكلم مجتزئا بالفتحة التي قبلها؛ لأنها ترشد إليها وتدل عليها، انظره في الخصائص (3/ 135)، والمحتسب (1/ 277، 323)، وأمالي الشجري (2/ 74)، والإنصاف (390، 449، 456)، والمقرب (1/ 181)، والممتع (2/ 622)، والتصريح (2/ 177)، والأشموني (2/ 282، 3/ 155). (¬4) انظر الممتع (2/ 623)، والمقرب (2/ 200).

[الإعلال بالقلب]

[الإعلال بالقلب] قال ابن مالك: (فصل: من وجوه الإعلال القلب. وأكثر ما يكون في المعتلّ والمهموز. وذو الواو أمكن فيه من ذي الياء، وهو بتقديم الآخر على متلوّه أكثر منه بتقديم متلوّ الآخر على العين، أو بتقديم العين على الفاء، وربّما ورد بتقديم اللّام على الفاء وبتأخير الفاء عن العين واللّام، وكثر نحو: راء في: رأى، وآبار في: أبار وعلامة صحة القلب كون أحد التأليفين فائقا للآخر ببعض وجوه التّصريف، فإن لم يثبت ذلك فهما أصلان وليس جاء وخطايا مقلوبين خلافا للخليل). ـــــــــــــــــــــــــــــ عضيهة، وفي: فم لقولهم: أفواه، وجاء في النون من: مذ وفي: دد، الأصل: ددن. وفي: فل، والأصل: فلان، وجاء في الباء في: رب. وجاء في الحاء من: حر وفي الخاء من: بخ، والأصل: بخّ بالتشديد، وجاء في الفاء في أف؛ لأن الأصل أفّ بالتشديد، و: سو في: سوف، وجاء في الطاء في قطّ؛ لأنه من قططت، أي: قطعت تقول: ما فعلته قط، أي: فيما انقطع من عمري. هذا كلام ابن عصفور (¬1). قال ناظر الجيش: القلب عبارة عن جعل حرف من الكلمة مكان غيره منها، وجعل ذلك الغير مكان ذلك الحرف، فلا بد من تقديم وتأخير. والقلب المذكور واقع في كلام العرب كثيرا. وقد وضع بعض الأئمة فيه كتابا (¬2)، ولا يقاس عليه مع كثرته، بل هو موقوف على السماع. وقول المصنف: وأكثر ما يكون في المعتل والمهموز سيأتي أمثلة ذلك وهي الكلمات التي جرى فيها القلب. ومثاله في غير المعتل والمهموز قولهم في لعمري: رعملي (¬3). ولا شك أن القلب في غيرهما قليل. ولهذا ناقش الشيخ المصنف في قوله: وأكثر ما يكون في المعتل والمهموز وقال: فإنه يقتضي أنه قد جاء في غيرهما كثيرا وليس كذلك بل هو قليل (¬4). انتهى. وأما - ¬

_ (¬1) المقرب (2/ 199 - 201). (¬2) نشره وعلق عليه أوغست هفنر، وطبع بالمكتبة الكاثولكية سنة (1903 م)، ومعه كتاب الإبل عن الأصمعي ونشرا معا تحت عنوان (الكنز اللغوي). (¬3) قال ابن عصفور: «ونحو قولهم: رعملي لقد كان كذا، يريدون: لعمري»، الممتع (2/ 616). (¬4) التذييل (6/ 194 ب).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كون ذي الواو أمكن فيه من ذي الياء، فدليله الاستقراء؛ لأن أكثر ما جاء القلب في ذوات الواو، نحو: شاك، ولاث، وهار، وأينق، ثم إن القلب لما كان إنما يتصور بتقديم بعض الحروف وتأخير بعض، وكان ذلك متفاوتا كثرة وقلة، أشار المصنف إلى ما يكثر منه وما يقل بقوله: وهو بتقديم الآخر على متلوه، أكثر منه بتقديم متلو الآخر على العين، أو بتقديم العين على الفاء يعني أن تقديم الآخر على متلوه أكثر من الأمرين الآخرين، وهما: تقديم متلو الآخر على العين، وتقديم العين على الفاء. على أن قوله: أو بتقديم العين على الفاء معطوف على قوله: بتقديم متلو الآخر على العين والشيخ جعله معطوفا على قوله: بتقديم الآخر على (متلوه) (¬1) وهو غير ظاهر ولو كان هذا مراد المصنف لكان يقول: وهو بتقديم الآخر على متلوه، أو بتقديم العين على الفاء أكثر منه بتقديم متلو الآخر على العين. فمثال تقديم متلو الآخر على متلوه أي: على ما قبله قولهم: راء في رأى، وكذلك هار وشاك. الأصل: هاور وشاوك، وكذلك الأوالي في الأوائل. الأصل: أواول. قال: 4344 - تكاد أوليها تفرّى جلودها ... ويكتحل التّالي بمور وحاصب (¬2) وكذا شواع في شوائع. قال: 4345 - وكأنّ أولاها كعاب مقامر ... ضربت على شزن فهنّ شواعي (¬3) وكذلك: أيامى جمع: أيم. الأصل: أيايم على وزن فياعل، وقدمت لام الكلمة التي هي الميم على ما قبلها وهي الياء، فقالوا: أيامى. وكذلك قولهم: ترائق في جمع ترقوة. الأصل: التراقي فالقلب في هذه الكلمة حصل بتقديم الحرف الزائد - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 194 ب). (¬2) من الطويل لذي الرمة. انظر اللسان «وأل»، وضرائر الشعر (ص 190) والهمع (2/ 156)، والمنصف (2/ 57)، والاقتضاب (2/ 259)، وملحقات ديوانه (ص 742). يقول: تكاد أوالي الإبل أو الخيل تتشقق جلودها لما تلقى من لفح الهاجرة، أما التوالي فتكتحل بالمرو وهو الغبار الذي تثيره أرجل الأوالي. (¬3) من الكامل للأجدع بن مالك. كعاب المقامر: رؤوس العظام التي يلعب بها، الشزن: الغليظ من الأرض، والمعنى: كأن أولى الخيل المغيرة قداح مقامر ضرب بها على غليظ من الأرض فتناثرت. والشاهد: في قوله: شواعي، والأصل: شوايع، فقدمت اللام على العين. وانظر: المقتضب (1/ 140)، والمنصف (2/ 57)، والمقرب (2/ 197)، واللسان «شيع» و «شزن».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على لام الكلمة، وذلك داخل تحت قوله: تقديم الآخر على متلوه. قال الشاعر: 4346 - لقد زوّدتني يوم قوّ حزازة ... مكان الشّجا تجول حول التّرائق (¬1) ومثال تقديم متلو الآخر على العين، قولهم: الحوباء (¬2) وهي النفس. وزنها فلعاء؛ لأن الأصل: حبواء، فقدمت لام الكلمة التي هي الواو، وهي متلوة الآخر على الياء التي هي عين الكلمة. والدليل على أنه مقلوب أنهم قالوا: حابيت الرجل إذا أظهرت له خلاف ما في حوبائك. وكذلك أيضا: ميدان إذا جعلته مأخوذا من المدي (¬3)، يكون مقلوبا ويكون الأصل: مديان، فقلبت الكلمة بتقديم لامها وهو الياء وهو متلو الآخر على عين الكلمة التي هي الدال، وأما من جعله مأخوذا من ماد يميد، فلا يكون مقلوبا على قوله، ومثال تقديم العين على الفاء قولهم: أيس في يئس (¬4)، و: أينق في أنوق جمع ناقة، ففيه قلب وإبدال؛ إذ لو لم يبدلوا لقالوا: أونق. وآرام في أرآم جمع ريم، وكذلك جاه أصله: وجه، ووزنه عفل، وكذلك قاه وهي الطاعة أصله يقه فقلبت، والفعل منه أيقه أي: أطاع وأجاب. ومثال تقديم اللام على الفاء قولهم: أشياء في القول الأصح في وزن هذه الكلمة، ووزنها: لفعاء، والأصل شيئاء كطرفاء وحلفاء، فحصل القلب بتقديم اللام على الفاء. ومثال تأخير الفاء عن العين واللام: حادي في العدد أصله: واحد فأخرت الواو التي هي فاء الكلمة وجاءت بعد اللام، وقلبت ياء لانكسار ما قبلها ووزنه: عالف، وأشار المصنف بقوله: وكثر نحو: راء في رأى، وآبار في أبآر إلى أن القلب في نحو هذين الوزنين كثير فنحو راء: ناء ونحو آبار: آرام، ولا نريد بالكثرة الاطراد لما عرفت أن القلب موقوف على السماع، وإن كثر. ثم ذكر المصنف ما يستدل به على أن إحدى الكلمتين موقوفة على الأخرى فقال: وعلامة صحة ذلك القلب كون أحد التأليفين فائقا للآخر ببعض وجوه التصريف، ولم أعلم ما أراد ببعض وجوه التصريف. وقد قال ابن الحاجب: ويعرف - ¬

_ (¬1) من الطويل. والحزازة: وجع في القلب من غيظ ونحوه. انظره في المنصف (2/ 57)، والتذييل (6/ 195 أ). (¬2) ذكره ابن منظور في اللسان «حوب» وكذلك صاحب القاموس. (¬3) ذكر في اللسان والقاموس «ماد». (¬4) انظر الممتع (2/ 618).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ القلب بأصله كنأى ينأى مع النّأي، وبأمثلة اشتقاقه؛ كالجاه والحادي والقسي وبصحته كأيس، وبقلة كآرام، وبأداء تركه إلى اجتماع همزتين عند الخليل، أو إلى منع الصرف بغير علة. فقال عليه الإمام بدر الدين: قد أكثر مما يعرف به القلب من غير فائدة؛ لأن الاستدلال بأمثلة الاشتقاق راجع إلى الاستدلال بثبوت الأصل والاستدلال بالصحة وبقلة الاستعمال مستغنى عنه؛ لأن ما عرف قلبه بذلك يعرف قلبه بثبوت أصله ثم ذكر عبارة والده - رحمه الله تعالى - فقال: إن أصل ما يعرف به القلب كون أحد التأليفين فائقا للآخر ببعض وجوه التصريف. وذكر ابن عصفور في المقرب أن الذي يعرف به القلب أربعة أشياء (¬1): أن يكون أحد اللفظين أكثر استعمالا من الآخر فيكون الأصل، ويكون الآخر مقلوبا عنه نحو: رعملي فإنه قال: أقل استعمالا من لعمري. وأن يكون أحد اللفظين يكثر تصريف الكلمة عليه فيكون الأصل، ويكون الآخر مقلوبا عنه نحو: شوائع فإنه يقال فيه: شاع يشيع فهو شائع ولا يقال فيه: شعى يشعى فهو شاع، وأن يكون أحد اللفظين مجردا من الزوائد فيكون الأصل ويكون الآخر مقلوبا عنه نحو: اطمأنّ فإنه مقلوب من طأمن، وأن يكون لأحد الكلمتين من حكم هو للآخر في الأصل، فيدل وجوده فيه على أنه مقلوب مما ذلك الحكم له في الأصل، نحو: أيس فإنه مقلوب من يئس، ولذلك صحّ كما صحّ في يئس (¬2) انتهى. والذي ذكره قريب مما ذكره ابن الحاجب، ولا شك أن كلّا منهما فيه توضيح وإفصاح عن المقصود بخلاف كلام المصنف، وقوله: فإن لم يثبت ذلك فهما أصلان، يريد به فإن لم يثبت كون أحد التأليفين فائقا للآخر ببعض وجوه التصريف، والآخر مفوقا فكلا التأليفين أصل، ومثال ذلك: جذب وجبذ، فإن جميع تصاريفهما جاء عليهما كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول كجبذ وجذب وجابذ وجاذب ومجذوب ومجبوذ. أما قوله: وليس جاء وخطايا مقلوبين خلافا للخليل فأشار به إلى ما سأذكره. اعلم أن الخليل رحمه الله يدعي القلب في كل كلمة يؤدي العمل بمقتضى التصريف فيها إلى أن يجتمع فيها همزتان (¬3)، وقد تقدم أن من جملة ما يعرف به القلب أن يؤدي - ¬

_ (¬1) انظر المقرب لابن عصفور (2/ 197، 198). (¬2) المقرب (2/ 197، 198). (¬3) قال في الكتاب (2/ 379): «وأما الخليل فكان يزعم أن قولك: جاء وشاء ونحوهما اللام فيهن -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ترك القول به إلى اجتماع همزتين، وأن ذلك عند الخليل ومن وافقه، ولا شك أن نحو: جاء وخطايا، إذا لم يقل فيهما بالقلب يلزم اجتماع همزتين فيهما، والخليل لا يرى ذلك، فلزم أن يدعي القلب في نحو: هاتين الكلمتين، وبيانه: أن اسم الفاعل من كل فعل ثلاثي معتل العين يجب إبدال العين فيه همزة؛ لوقوع حرف العلة فيه بعد ألف زائدة، وقد أعل ذلك الحرف في الفعل كما تقرر في موضعه وذلك نحو: بائع وقائم، فإذا كان لام الكلمة همزة كما في نحو: جاء والأصل فيه جائي، فيقول الخليل: لا تقلب الياء في نحو هذا همزة؛ لأن ذلك يؤدي إلى اجتماع همزتين، وذلك غير جائز عنده، ويدعي رد الهمزة التي هي لام إلى موضع العين فتصير العين موضع اللام فيصير جائي، ثم يعل إعلال قاض فيصير: جاء، فصورة اللفظ عند من قلب ومن لم يقلب واحدة، ولكن وزنه عند من قلب: فالع، وعند [6/ 205] من لم يقلب فاعل. والمخالف للخليل يقول: إذا اجتمعت الهمزتان عمل فيهما ما تقتضيه، فيقال: إذا اجتمعت الهمزتان في نحو جائي قلبت الثانية ياء على قياس مثلها، ثم تعل إعلال قاض، وإذا ورد عليهم أن الياء المقلوبة عن الهمزة قياسها أن تصح. ألا ترى إلى مثل قولك: داري، ومستهزئون إذا خففت الهمزة أثبتت الياء على الأفصح ولم يعلوها إعلال قاض (¬1)؛ ولذلك يوقف عليها بالياء الثانية، وكذلك رئيا إذا خففت همزتها؛ فالأفصح ألا تدغم، فلو كان جائي كذلك لكانت الياء الآخرة مخففة عن همزة، فكان الأفصح أن يقال: جائي، ولما أجمع على جاء دل على أن أصلها ياء، ولا يكون ذلك إلا على مذهب الخليل. أجابوا بأن ذلك إنما يكون في الهمزة التي يجوز تخفيفها وإبقاؤها، وأما الهمزة التي يجب جعلها حرف لين فحكمها حكم حرف اللين، كأنهم جعلوا ذلك الذي لا يلزم كالعارض فلم يعتدوا به، وجعلوا اللازم كأنه أصل. وهذا فرق واضح، وقد أورد على هذا الجواب أن الذي وجب قلبه من الهمزات كغيره؛ بدليل - ¬

_ - مقلوبة، وقال: الزموا ذلك هذا، واطرد فيه، إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة» وقد رجح الفارسي رأي الخليل حيث قال في التكملة: «ويذهب الخليل إلى أن هذه الهمزة التي في: جاء ونحوه هي اللام قدمت فقلبت إذ كانوا قلبوا الهمزة الواحدة ألزموا القلب لاجتماع الهمزتين، وهذا القول أقيس من الأول؛ لأن الأول يلزم فيه توالي إعلالين، وليس يلزم ذلك الخليل». التكملة (ص 264). (¬1) انظر: الرضي (1/ 25، 26)، والجاربردي (1/ 24).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ قولهم: أئمة فإنهم قلبوا الهمزة ياء قلبا واجبا، وجعلوا لها حكم الهمزة؛ لأنها متحركة مفتوح ما قبلها، وبقيت صحيحة، فلو كان كما زعمتم لوجب أن يقال: أأمّة، والجواب عن هذا الإيراد: أن أصل أئمة: أأممة، فلما أدغموا وجب نقل حركة الحرف الأول إلى ما قبله فصارت الحركة عارضة، والحركة العارضة على مثلها لا يعتد بها، بدليل صحة: أخشى الله، ولو انهم. فإن قيل: فقد قال المخففون للهمز: خطيّة فأدغموا الياء في الياء المبدلة عن الهمزة، وليس إبدالها بلازم، ومقتضى ما ذكر أن يقال: خطيئة من غير إدغام؛ لأن قلبها عارض كما ذكر في: رئيا إذا خففت همزته. قيل في الجواب عن ذلك: ليس القياس أن تقلب الهمزة في نحو: خطيئة ومقروءة ياء، وواوا مقطوعة عن الإدغام، بل تخفيفها إنما هو بالقلب مع الإدغام، فهي إنما قلبت ياء أو واوا للإدغام فيها، بخلاف رئيا فإن تحققت همزته بالقلب خاصة؛ لأنها ساكنة بعد كسرة. وقياس الهمزة في نحو: خطيئة أن لا تقلب ياء إلا أن يكون ما قبلها ياء زائدة فتقلب للإدغام فإدغامها من جملة شروط تخفيف مثلها؛ إذ لا يجوز تخفيف مثلها من غير إدغام. قيل: وإنما فرّ الخليل إلى القول بالقلب في نحو: جاء من أجل كثرة العمل على قول سيبويه كما عرفت. قال: وقد جاء القلب فيما ليس آخره همزة نحو: شاك ولاث؛ إذ أصلهما شائك ولائث، فالتزموه في نحو: جاء وشاء؛ لثقل اجتماع الهمزتين. قال سيبويه رحمه الله: وكلا القولين حسن. يعني قوله وقول الخليل. وقد رجح الفارسي (¬1) قول الخليل بأنه يلزم من مذهب سيبويه توالي إعلالين على الكلمة من جهة واحدة، وهو قلب العين همزة، وقلب الهمزة التي هي لام ياء، ولا يوجد توالي إعلالين من جهة واحدة إلا نادرا أو ضرورة نحو قول القائل: 4347 - وإنّي لأستحيي من العين مستحى (¬2) - ¬

_ (¬1) التكملة (ص 264)، وقد استحسنه ابن عصفور حيث قال في الممتع (2/ 511): (وهذا الترجيح حسن إلا أن السماع يشهد للمذهب الأول). (¬2) صدر بيت الطويل لم أعرف قائله، وتمامه: إذا جاء باغي العرف أن أتنكّرا وهو من شواهد ابن عصفور في الممتع (2/ 510، 586).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فأعلوا اللام، ثم أعلوا العين. قال: ولا يلزم في مذهب الخليل إلا القلب، والقلب في كلامهم (أكثر) من هذا الإعلال وقد رد بعضهم كلام الفارسي بأن سيبويه قال: إذا بنينا فيعلا من حويت فإنا نقول: حيّا (¬1). قال: فقد توالى إعلالان على الكلمة من جهة واحدة، ألا ترى أن أصله حيوي؟ وقال أبو سعيد (¬2): الممنوع من جمع إعلالين هو أن تسكن اللام والعين جميعا من جهة واحدة في الإعلال مثل سوى إن سكنت اللام فلا تسكن العين، وإن سكنت العين فلا تسكن اللام كآية ونحوه. وأما إذا كانت العين تعتل اعتلالا مطردا، واللام تعتل اعتلالا ليس من جنس ذلك الإعلال فلا يمتنع ذلك. وأما نحو خطايا؛ فأنت قد عرفت فيما تقدم أن الأصل في خطايا: خطائئ ثم خطائي، ثم خطايا، وتقدم تقرير ذلك فقد اجتمع همزتان وعمل في أحدهما ما يقتضي قياس تخفيف الهمز. وهذا مذهب سيبويه وأكثر البصريين (¬3)، وذهب الخليل ومن وافقه إلى القول بالقلب فرارا من اجتماع همزتين كما تقدم في جاء ونحوه فهو لا يبدل المدة الواقعة بعد ألف الجمع همزة بل يقلب، فيقدم الهمزة التي هي لام الكلمة على الياء الواقعة قبلها، فيعود اللفظ إلى: خطائي كاللفظ فذلك بعد التخفيف عند من لا يقلب، لكن يكون وزن الكلمة عند الخليل: فعالي، وعند سيبويه: فعايل، ولا شك في أرجحية مذهب سيبويه على غيره. وقد أطال الناس الكلام في ترجيح مذهبه على غيره في هذه المسألة فتركته خوف الإطالة. واعلم أنه قد تقدم لنا عند الكلام على إبدال حرف اللين الواقع بعد ألف الجمع همزة، والكلام على مطايا وخطايا أن الشيخ قال: ولو ذهب ذاهب إلى أن هذا الوزن كله يعني به مطايا وهراوى وخطايا هو فعالى، وأن علاوى وبابه صحت الواو فيه لما صحت في مفرده، واعتلت في مطية، وأن خطايا جاء على تقدير إبدال همزة خطية وإدغام ياء المد فيها فصارت كخبية - لكان مذهبا حسنا بعيدا من التكلف، قال: وإنما دعا النحويين إلى ذلك التقديرات وحملهم جمع المعتل على الصحيح؛ فأجروا ذلك مجرى رسالة وصحيفة، وقد - ¬

_ (¬1) الكتاب (2/ 394). (¬2) السيرافي، وانظر شرحه الكتاب (6/ 341). (¬3) انظر: الكتاب (2/ 378)، والمقتضب (1/ 278)، والمنصف (2/ 56، 57)، وابن يعيش (10/ 113 - 114).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ تكون أحكام للمعتل لا تكون للصحيح وأحكام للصحيح ولا تكون للمعتل. هذا كلام الشيخ، وكنت ظننت أن هذا بحث مستخرج من عنده ولا يكثر عليه ذلك؛ لأنه الإمام المعتبر المشار إليه، لكنه لما ذكر هنا مسألة خطايا بالنسبة إلى كون الكلمة فيها قلب أو لا، وذكر المذهبين منها - ذكر مذهبا ثالثا. قال: وهو مذهب بعض الكوفيين ونسبه بعضهم إلى الفراء، وهو أنه جمع على وزن فعالى (¬1) ولو قلب فيه، ولا هو على وزن فعائل، وذلك أن خطيئة كثر ترك الهمزة فيها والإدغام فقالوا: خطية. فصارت بمنزلة فعيلة من ذوات الواو والياء، وكل فعيلة من ذوات الياء والواو يجمع على فعالى وذلك نحو: مطيّة ومطايا، وخبية وخبايا، وسرية وسرايا، وشبه ذلك كثير ولا يجمع على: فعائل؛ لأنه لو جمع على فعائل لنقصت الكلمة في الجمع وقلّت واختلت، ولذلك جمعته على فعالى دون فعائل، وتساوت فيها ذوات الواو وذوات الياء التي هي لام الكلمة. وقد انقلبت ياء في المفرد واعتلت، فأجري عليها في الجمع الاعتلال الذي حصل لها في المفرد [6/ 206]؛ فلذلك قالوا في ذوات الواو: مطايا، وإن كان أصلها الواو، ويدل على ذلك: مطوت، وكذلك حشايا يدل على ذلك حشوت، فلما كانت خطيئة تترك فيها الهمزة كثيرا جمعت على ترك الهمز فقالوا: خطايا، فوزنها فعالى من غير قلب ولا هي على فعائل. قال: وهذا مذهب سهل قليل التكليف (¬2). انتهى. وقد تقدم البحث معه رحمه الله في ذلك، وختم الشيخ الكلام على هذا الفصل بمسألة فقال: قالت العرب في جمع ناقة: أينق (¬3)، وناقة أصلها نوقة؛ فالألف منها منقلبة عن واو؛ ودليل ذلك قولهم: استنوق الجمل، وقولهم في جمع ناقة أيضا: نوق؛ إذ لو كان فعلا من ذوات الياء لقالوا فيه: نيق كما قالوا: بيض، واختلف النحويون في تخريج أينق على ثلاثة مذاهب: الأول: أن الياء فيه زائدة وأنها عوض من عين الكلمة المحذوفة وأن قياسه أن - ¬

_ (¬1) ذكر الأنباري هذا القول قال: «ومنهم من قال - أي بعض الكوفيين -: إنه على فعالى؛ لأن خطيئة جمعت على ترك الهمز». الإنصاف (ص 474 - 479). (¬2) التذييل (6/ 197 أ). (¬3) قال سيبويه: «وأما ما كان على فعلة فإنه كسر على فعال، قالوا: ناقة، نياق كما قالوا: رقبة ورقاب وقد كسروه على فعل، قالوا: ناقة، ونوق ... وقالوا: أينق، ونظيرها: أكمة وآكم». الكتاب (2/ 89).

[الإبدال من ثالث الأمثال]

[الإبدال من ثالث الأمثال] قال ابن مالك: (فصل: أبدلت الياء سماعا من ثالث الأمثال كتظنّيت، وثانيها كائتميت وأوّلها كأيما، ومن هاء كدهديت ومن نون كأناسي، ومن عين ضفادع، وباء أرانب، وسين سادس وثاء ثالث). ـــــــــــــــــــــــــــــ يكون: أنوقا فحذفت الواو وعوضت منها الياء؛ فعلى هذا وزنه: أيفل (¬1). الثاني: أنه فيه قلب وبدل، فأصله: أنوق، ثم قدمت العين على الفاء، فقالوا: أونق، ثم أبدلوا من الواو ياء فقالوا: أينق، ووزنه على هذا: أعفل (¬2). الثالث: أنه فيه قلب ثم إبدال ثم قلب، فأصله: أنوق ثم قلب بأن قدمت اللام على العين فقالوا: أينق، ثم عمل به ما عمل بأدلو من إبدال الواو ياء والضمة كسرة، فصار: الأنقي، ثم قدمت الياء التي كانت عينا وتأخرت عن اللام على فاء الكلمة، فقالوا: أينق. قال ناظر الجيش: اعلم أنه قد تقدم في أول فصول البدل أن حروف البدل في غير إدغام اثنان وعشرون حرفا يجمعها قولك: لجدّ صرف شكس آمن طيّ ثوب عزّته، وأن الضروري منه في التصريف ثمانية أحرف يجمعها هجاء، طويت دائما، وتقدم أن الهمزة إنما تبدل من أحرف العلة الثلاثة خاصة ولم تبدل من غيرها، وأن أحرف - ¬

_ (¬1) هذا أحد قولي سيبويه فقد قال: «وأما الذين قالوا: أهرقت فإنما جعلوها عوضا من حذفهم العين وإسكانهم إياها كما جعلوا ياء أينق وألف يمان عوضا». الكتاب (2/ 334)، وقال ابن جني في الخصائص (2/ 289): «وأما ما حذفت عينه وزيد هناك حرف عوضا منها؛ فأينق في أحد قولي سيبويه، وذلك أن أصلها أنوق، فأحد قوليه فيها: أن الواو التي هي عين حذفت وعوضت فيها ياء فصارت أينق، ومثالها في هذا القول على اللفظ: أيفل. والآخر: أن العين قدمت على الفاء فأبدلت ياء، ومثالها على هذا: أعفل». (¬2) وبهذا قال سيبويه - أيضا - قال: ومثل ذلك: أينق إنما هو أنوق في الأصل، فأبدلوا الياء مكان الواو وقلبوا». الكتاب (2/ 130)، وقال ابن جني في الخصائص (2/ 75): «وذهب سيبويه في قولهم: أينق مذهبين: أحدهما: أن تكون عين أنوق قلبت إلى ما قبل الفاء فصارت في التقدير: أونق ثم أبدلت الواو ياء؛ لأنها كما أعلت بالقلب كذلك أعلت - أيضا - بالإبدال على ما مضى، والآخر: أن تكون العين حذفت ثم عوضت الياء منها قبل الفاء فمثالها على هذا القول: أيفل، وعلى القول الأول: أعفل»، وانظر: الخصائص (1/ 265)، وجاء في المقتضب (1/ 28): «ومن المقلوب قولهم: أينق في جمع ناقة، وكان أصل هذه: أنوق، والعلة فيه كالعلة فيما وصفنا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ العلة كل منها يبدل من الهمزة ويبدل كل منها من الآخر، ولزم من هذا أن التكافؤ واقع بينها في الإبدال وأنه واقع بينها وبين الهمزة، وأن التاء إنما تبدل من الياء والواو وإذا وقعتا فائين في الافتعال وفروعه، وأن الطاء إنما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التاء بعد أحرف الإطباق، وأن التاء إنما تبدل من تاء الافتعال وفروعه إذا وقعت التاء بعد الدال أو الزاي أو الذال. وأن الميم إنما تبدل من: النون الساكنة الواقعة قبل ياء، وقد انقضى الكلام على هذا كله، ولم يبق منه سوى إبدال الميم من النون الساكنة الواقعة قبل ياء وقد ذكره الآن، أعني في هذا الفصل وقد كان ذكره مع ما تقدم أولى وأنسب؛ ليكون الكلام قد كمل في الإبدال الضروري في التصريف، يعني الإبدال اللازم، ثم لما انقضى الكلام على الإبدال الضروري وهو اللازم - شرع الآن في الإبدال الذي ليس بلازم، والكلام في ذلك انتظم ثلاثة أمور وهي: إبدال بعض أحرف العلة من حرف صحيح، وإبدال بعض الحروف الثمانية التي تقدمت من مثنى لم يتقدم له ذكر إبداله منه بإبدال ما بقي من الاثنين وعشرين حرفا من [6/ 207] غيرهما، والباقي منها أربعة عشر حرفا وهي: اللام، والجيم، والصاد، والضاد، والراء، والفاء، والشين، والكاف، والسين، والنون، والياء، والعين، والزاي، والتاء، والهاء، وقد تقدم لنا أيضا أن المصنفين يفرّقون في الذكر بين الإعلال والإبدال ويعقدون لكل منهما بابا، ولكنهم في باب الإبدال يتعرضون لذكر الإبدال الذي هو إعلال أيضا، فيتكرر في كلامهم ذكر الإبدال الذي هو إعلال. والمصنف استغنى عن ذكر الإعلال بالإبدال. وحاصل الأمر: أنه نظم الكلام كله في الإبدال، وجعل الكلام في الإبدال اللازم قسما برأسه، والكلام في الإبدال الجائز قسما برأسه. إذا تقرر هذا؛ فاعلم أن المصنف استفتح الفصل بذكر إبدال بعض أحرف العلة من حرف صحيح. فذكر أن الياء تبدل من أحرف وهي الهاء، والنون، والعين، والتاء، والسين، والباء. ومن أحد الأمثال وهو آخرها أو المثلين إما الثاني وإما الأول، لكن أحد المثلين أو الأمثال لا ينحصر في حرف، وإذا لم ينحصر في حرف فقد يكون نونا أو ميما أو ياء أو راء أو لاما أو صادا أو ضادا أو دالا، لكن المصنف تعرض إلى ذكر النون والميم والياء فبقي من هذه الثمانية خمسة وهي: الراء واللام والصاد والضاد والدال، وقد نصّ على: الهاء -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والنون والعين والباء والسين والتاء، وتضمّن تمثيله لأحد المثلين بأيما وأتميت الميم فصارت سبعة تضم إلى الخمسة فيكون مجموع الحروف التي تبدل منها الياء اثني عشر حرفا وهي: النون، والميم، والهاء، والعين، والباء، والسين، والتاء، والراء، واللام، والصاد، والضاد، والدال، وقد بقي مما ذكره غير ثلاثة أحرف تبدل الياء منها أيضا وهي: الكاف، والجيم، والتاء؛ فيكون الذي تبدل الياء منه على هذا خمسة عشر حرفا، فأما إبدالها من النون ففي مواضع، وهي: تظنيت وتسنى وأناسي وظرابي ودينار وإيسان. أما تظنيت (¬1): فالأصل فيها: تظننت، وهو تفعلت من الظن والموجب لذلك الفرار من اجتماع الأمثال، وأما: تسنّى، فالأصل فيه: تسنن، أي تغير ومن ذلك قوله تعالى: لَمْ يَتَسَنَّهْ (¬2) بحذف الألف المبدلة من الياء للجزم، والأصل يتسنن، فحصل الإبدال والموجب له الفرار من اجتماع الأمثال أيضا، وقد استدل على أن الأصل تسنن، لا تسنى بقوله تعالى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (¬3) أي متغير؛ فمسنون دلّ على أن الكلام فيه من قبيل المضعف، لا من قبيل المعتل، وأما أناسي: جمع إنسان، وظرابي: جمع ظربان؛ فالأصل: أناسين وظرابين؛ فأبدلت الياء من النون فيهما. قال ابن عصفور: فعاملوا النون معاملة همزة التأنيث لشبهها بها، فكما يبدلونها من همزة التأنيث ياء فيقولون في صحراء: صحاري كذلك فعلوا بنون إنسان وظربان في الجمع (¬4). وأما دينار: فالأصل فيه دنّار؛ فأبدلت الياء من النون الأولى لثقل التضعيف، ويدل على أن الأصل دنّار قولهم في التصغير: دنينير، وفي الجمع: دنانير (¬5). وأما إيسان فإن الياء فيه بدل من النون الأولى من إنسان. قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) قال سيبويه: «هذا باب ما شذ فأبدل مكان اللام الياء لكراهية التضعيف، وليس بمطرد، وذلك قولك: تسريت، وتظنيت، وتقصيت من القصة وأمليت»، وانظر الممتع (1/ 372). (¬2) سورة البقرة: 259، وقال أبو حيان في التذييل (6/ 199 ب): وأما قوله تعالى: لَمْ يَتَسَنَّهْ فقال أبو عمرو بن العلال: معناه لم يتغير من قوله تعالى: حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر: 26] فسأله أبو عبيدة فقال: وكيف ويتسن من ذوات الياء؟ فقال: هو مثل تظنيت يريد أن الياء بدل من النون؛ لأنه عنده تفعل من الظن ومن السن وهذه قراءة عامة أهل الكوفة. انظر البحر المحيط (2/ 285، 292). (¬3) سورة الحجر: 26. (¬4) الممتع (1/ 372). (¬5) المرجع السابق (1/ 371).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4348 - فياليتني بعد ما طاف أهلها ... هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان (¬1) وقالوا في الجمع: إياسي بالياء أيضا. بقي هاهنا التنبيه على شيء: وهو أن من البدل المذكور ما هو على جهة اللزوم، وهو البدل في تسنى وأناسي وظرابي ودينار صرح باللزوم فيه أبو الحسن ابن عصفور في الممتع (¬2)، فإن قلت: الكلام الآن إنما هو في البدل الجائز لا في البدل اللازم؛ لأنه قد تقدمت الإشارة إلى أن المصنف لما أنهى الكلام في البدل اللازم شرع في البدل غير اللازم. قلت: المراد بالبدل اللازم البدل الضروري الذي لا بد منه، وهو المطرد المقيس. وغير اللازم ما ليس بضروري، ولا شك أن البدل المذكور هنا غير مطرد وقد نصّ ابن جني على (¬3) أنه لا يقاس عليه لقلته. وإذا كان كذلك فلا يضر أن يكون بعض البدل الذي ليس بمقيس لازما بمعنى أنه شذ لخروجه عن القياس، ولزم مع شذوذه. فاللزوم الذي حصل في البدل الجائز غير اللزوم الذي حصل في البدل الواجب. وقد انتقد الشيخ على ابن عصفور دعوى لزوم البدل في: أناسي قال: لأن العرب قالوا فيه: أناسين (¬4) على الأصل وهو القياس، كما قالوا في سرحان: سراحين. قال الشاعر: 4349 - أهلا بأهل وبيتا مثل بيتكم ... وبالأناسين أبدال الأناسين (¬5) وأما: إيسان بإبدال الياء من النون الأولى، ففي غاية الشذوذ، وأنشدوا: فياليتني من بعد ما طاف أهلها ... هلكت ولم أسمع بها صوت إيسان (¬6) حتى إنهم قالوا في الجمع: إياسي أيضا. وأما إبدالها من الميم ففي مواضع أيضا وهي: ائتميت ويأتمي وتكمّوا وأيما وديماس (¬7). وأما ائتميت فأصله ائتممت؛ لأنه - ¬

_ (¬1) من الطويل لعامر بن جؤين، وانظره في اللسان أنس، والشاهد في البيت: قوله: إيسان، حيث أبدل الياء من النون على غير اللزوم، وانظره في المقرب (2/ 170)، والممتع (1/ 372)، والمحتسب (2/ 203)، وسر الصناعة (2/ 284) وضرائر الشعر (ص 228). (¬2) الممتع (1/ 371). (¬3) سر الصناعة (2/ 284). (¬4) انظر: الرضي (3/ 211). (¬5) التذييل (6/ 200 ب) والبيت من البسيط لعلقمة، والشاهد فيه: جمع إنسان على أناسين. وانظره في العيني (4/ 533)، وحاشيته شرح الشافية (1/ 275). (¬6) تقدم قريبا. (¬7) انظر: المقرب (2/ 170).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ من الإتمام، وأما يأتمي فأصله يأتم، قال الشاعر: 4350 - تزور امرءا أمّا الإله فيتقي ... وأمّا بفعل الصّالحين فيأتمي (¬1) أي: يأتم، وأما تكمّوا، فإنه تفعلوا من كممت الشيء إذا سترته فأصله تكمموا فأبدلوا من الميم الآخرة ياء فقالوا: تكميوا، استثقلت الضمة في الياء فحذفت فبقيت الياء ساكنة فحذفت لالتقائها مع واو الضمير الساكنة فصار تكموا، وأما أيما فالأصل فيه: أما، قال ابن أبي ربيعة: 4351 - رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت ... فيضحى، وأيما بالعشيّ فيخصر (¬2) وأما ديماس؛ فالأصل فيه: دماس؛ بدليل قولهم في الجمع: دماميس، والمقتضي للإبدال في هذه الكلمات الخمس الفرار من التضعيف، وأما إبدالها من الهاء ففي دهديت، وصهصيت، أما دهديت؛ فأصله: دهدهت، يقال: دهدهت الحجر أي: دحرجته، قالوا: والدليل على أن الأصل دهدهت قولهم: دهدوهة. وأما صهصيت؛ فأصله: صهصهت بالرجل (¬3) إذا قلت له: صه صه، وأما إبدالها من العين ففي ضفادي وتلعيت، أما ضفادي فلقول الشاعر - أنشده سيبويه -: 4352 - ومنهل ليس له حوازق ... ولضفادي جمّه نقانق (¬4) أي: ولضفادع، فكره الشاعر أن يسكن العين في موضع الحركة؛ فأبدل منها ما يكون ساكنا في حال الجر وهو الياء، وأما تلعيت: فهو من اللعاعة، والأصل فيه: تلععت (¬5) فأبدلت العين الآخرة ياء فرارا من اجتماع الأمثال، وأما إبدالها من الباء ففي: الثعالي والأراني جمع: ثعلب وأرنب وفي ديباج (¬6)، وأما الثعالي - ¬

_ (¬1) من الطويل لكثير عزة، والشاهد: في قوله: يأتمي وأصله يأتم، فأبدلت الياء من الميم، وانظره في المقرب (2/ 171)، والممتع (1 / 374)، وضرائر الشعر (ص 228)، وابن يعيش (10/ 24)، والتذييل (6/ 200 أ)، واللسان «أمم» وديوانه (ص 300). (¬2) من الطويل لعمر بن أبي ربيعة، وانظره في الممتع (1/ 375)، وديوانه (ص 64)، وسمط اللآلئ (2/ 373)، والتذييل (6/ 202 أ). (¬3) انظر المقرب (2/ 172). (¬4) رجز منسوب لخلف الأحمر أو لأمية بن أبي الصلت، وانظره في الكتاب (1/ 344)، والضرائر (ص 226)، والهمع (2/ 157)، وابن يعيش (10/ 24، 28)، والمقرب (2/ 171)، والممتع (1/ 376)، وشرح شواهد الشافية (ص 441) واللسان «حزق». (¬5) المقرب (2/ 171). (¬6) الممتع (1/ 369).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والأراني فقد أنشد سيبويه رحمه الله: 4353 - لها أشارير من لحم تتمّره ... من الثّعالي ووخز من أرانيها (¬1) أراد الثعالب وأرانب، فلم يمكنه أن يسكن الباء فأبدل منها الياء. وأما ديباج فأصله: دبّاج بدليل قولهم: في الجمع [6/ 208] دبابيج، فإنهم ردوا الباء لما فرقت ألف الجمع بين المثلين (¬2)، وأما إبدالها من السين ففي: سادي وخامي. الأصل سادس وخامس. قال الشاعر: 4354 - إذا ما عدّ أربعة فسال ... فزوجك خامس وحموك سادي (¬3) وقال آخر: 4355 - مضت ثلاث سنين منذ حلّ بها ... وعام جلّت وهذا التّابع الخامي (¬4) أي: الخامس. وقالوا: في قوله تعالى: دَسَّاها (¬5) الأصل: دسسها (¬6)، فأبدل من السين الثالثة ياء فرارا من اجتماع الأمثال، ثم انقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأما إبدالها من الثاء ففي الثالي أي الثالث. قال الشاعر: 4356 - يفديك يا زرع أبي وخالي ... قد مرّ يومان، وهذا الثالي وأنت بالهجران لا تبالي (¬7) - ¬

_ (¬1) من البسيط لأبي كاهل اليشكري، وانظره في: الكتاب (1/ 344)، والعيني (4/ 582)، والهمع (2/ 183)، والدرر (1/ 157)، والمحكم (7/ 438)، والمساعد (4/ 219)، والمقرب (2/ 169) والضرائر (ص 226)، والمقتضب (1/ 247). (¬2) الممتع (1/ 369، 370). (¬3) الوافر للنابغة الجعدي، وانظره في المخصص (17/ 112)، والرضي (3/ 213) وشواهده (ص 446)، وضرائر الشعر (ص 226)، وابن يعيش (10/ 24)، والممتع (1/ 368)، والهمع (2/ 153). (¬4) من البسيط للحادرة الذبياني، والشاهد فيه: قوله: الخامي وأصله: الخامس، فأبدلت الياء من السين، وانظره في شواهد الشافية (ص 447)، والتذييل (6/ 201 ب)، واللسان «خمس» (ضما)، والمقرب (1/ 315)، وضرائر الشعر (ص 227)، والممتع (1/ 369)، والمساعد (4/ 221). (¬5) سورة الشمس: 10. (¬6) اللسان «دسس». (¬7) رجز أنشده أبو الفتح في سر الصناعة (2/ 287)، وانظره في شرح شواهد الشافية (ص 448)، -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أي: وهذا الثالث. وأما إبدالها من الراء ففي: قيراط، وشيراز وتسريت، أما قيراط وشيراز فالأصل فيهما إقراط وشرّاز فأبدلوا الياء من الراء الأولى فرارا من التضعيف، والدليل على أن الأصل فيهما ذلك قولهم: قراريط وشراريز، وأما: تسرّيت فأصله: تسرّرت، لأنه تفعّلت من السّرّية، والسرية فعلية من السرور؛ لأن صاحبها يسرّ بها، أو من السر؛ لأن صاحبها يسرّ أمرها عن حرمه وربة منزله (¬1). قال ابن عصفور: ومن جعل سرّيّة فعّيلة من سراة الشيء وهو أعلاه كانت اللام من تسريت واوا أبدلت ياء لوقوعها خامسة؛ لأن السراة من الواو بدليل قولهم في جمعه: سروات. قال: والذي ينبغي أن يحمل عليه سرية أنه فعليّة من السّر أو من السرور (¬2)، انتهى. واعلم أن الإبدال المذكور في هاتين الكلمتين أعني نحو: قيراط وتسريت إبدال لازم، والأمر فيه كما تقدم في دينار، وأما إبدالها من اللام ففي: أمليت الكتاب (¬3)، الأصل: أمللت الكتاب، فأبدلت اللام الثانية ياء فرارا من التضعيف، وقد جاء القرآن العزيز باللغتين. قال تعالى: فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (¬4) وقال عزّ وجلّ: (وليملل الذى عليه الحق) (¬5) وإنما جعلت اللام هي الأصل لأن: أمللت أكثر من أمليت (¬6)، وأما إبدالها من الصاد ففي قصيت أظفاري، الأصل: قصصت أظفاري، فأبدلوا من الصاد الثانية ياء فرارا من اجتماع الأمثال (¬7). وأما إبدالها من الضاد فكما في قول العجاج: 4357 - تقضّى البازي إذا البازي كسر (¬8) - ¬

_ - وضرائر الشعر (ص 227)، والمساعد (4/ 221)، والهمع (2/ 157)، وابن يعيش (10/ 24، 28)، والممتع (1/ 378)، والمقرب (1/ 315)، واللسان «ثلث». (¬1) منقول من الممتع (1/ 370). (¬2) المرجع السابق. (¬3) انظر: الممتع (1/ 373)، والرضي (3/ 210). (¬4) سورة الفرقان: 5. (¬5) سورة البقرة: 282. (¬6) انظر: الممتع (1/ 373). (¬7) المرجع السابق (1/ 374). (¬8) رجز أنشده العجاج في مدح عمر بن معمر وقبله: إذا الكرام ابتدروا الباغ بدر والمراد بالباغ هنا: الشرف والكرم، وبدر: أسرع، والشاهد فيه قوله: تقضى البازي إذ أصله: تقضض البازي، فاجتمع فيه ثلاث ضادات فأبدلوا من إحداها ياء، كما قالوا في تظنى: من الظن، يقال: انقض الطائر: هوى في طيرانه، وانظره في أمالي القالي (2/ 171)، والخصائص (2/ 90)، والمحتسب -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الأصل: تقضض؛ لأنه تفعّل من الانقضاض. وأما إبدالها من الدال فكما في قوله تعالى: وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً (¬1) والتصدية: التصفيق والصوت، والأصل: تصددة؛ لأن الفعل منه: صددت أصد. ومنه قوله تعالى: إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (¬2) أي: يضحكون ويعجبون، فحولت إحدى الدّالين ياء فرارا من اجتماع المثلين، قالوا: وليس قوله من قال: إن الياء غير مبدلة من دال، جعله من الصّدى الذي هو الصوت بشيء؛ لأن الصدى لم يستعمل منه فعل، وأما إبدالها من الكاف ففي مكاكي، أصله: مكاكيك؛ لأن مفرده، مكّوك، فأبدلوا الياء من الكاف من أجل ثقل التضعيف، وأما إبدالها من الجيم ففي: الدياجي، أصله: الدياجيج؛ لأنه جمع: ديجوج، فأبدلت الجيم الآخرة ياء، وحذفت الياء قبلها تخفيفا. وأما إبدالها من التاء ففي: ايتصلت، قال الشاعر: 4358 - قامت بها تنشد كلّ منشد ... فايتصلت بمثل ضوء الفرقد (¬3) يريد: فاتّصلت، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهة التشديد. وأما إبدال الياء من الهمزة والألف والواو فهو من الإبدال المطرد المقيس كما عرفته فيما تقدم. وإذا ضممت هذه الثلاثة إلى ما تقدم ذكره من الحروف صار مجموع ما يبدل منه الياء ثمانية عشر حرفا. وإذ قد انتهى الكلام على الحروف التي أبدلت الياء منها، فيشير إلى أمور؛ منها: أن الياء قد تبدل من غير الحروف الخمسة عشر التي ذكرت كما أن ذلك الحرف قد يبدل منها وهو الموضع الذي تكافأ الحرفان فيه الإبدال، وسيذكر ذلك في الفصل الآتي (¬4). ومنها: أن قول المصنف: ثالث الأمثال قد شمل النون والراء والصاد والميم والعين والكاف والسين والدال. وقد مرت أمثلة ذلك، فهي عبارة حسنة جامعة. ومنها: أن قوله: وثانيها كأتميت، وأولها كأيما فيه تجوز ما. - ¬

_ - (1/ 157)، والمخصص (11/ 120، 13/ 289)، وابن يعيش (10/ 75)، والمقرب (2/ 170)، والهمع (2/ 157)، والأشموني (4/ 336)، وديوانه (ص 17)، والممتع (1/ 374). (¬1) سورة الأنفال: 35. (¬2) سورة الزخرف: 57. (¬3) رجز لم أعرف قائله والشاهد: قوله: فايتصلت، والأصل: فاتصلت فأبدل من التاء الأولى ياء كراهية التشديد، والشاهد في: ابن يعيش (10/ 24، 26)، والمقرب (2/ 172)، والأشموني (4/ 337) واللسان «وصل» والممتع (1/ 378). (¬4) التسهيل (ص 317).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ولو قال: وثانيهما وأولهما لكان أولى. ومنها: أن الشيخ لما ذكر أناسي قال: ولو ذهب إلى أن الياء في أناسي ليست بدلا، وأن أناسي جمع إنسي، وأناسين جمع إنسان؛ لكان قد ذهب إلى قول حسن، واستراح من دعوى البدل؛ إذ العرب تقول: إنسي في معنى إنسان. وأنشد البيت المشهور: 4359 - فلست لإنسيّ ولكن لملأك ... تنزّل من جوّ السّماء يصوب (¬1) قال: فكما قالوا: بختي وبخاتي، وقمري وقماري، كذلك قالوا: إنسي وأناسي، قال: وقد يحذفون الياء من أناسي فيعوضون منها التاء. قالوا: أناسية كما قالوا: زنادقة (¬2)، وما قاله الشيخ من أن أناسي يكون جمعا لإنسي غير مرض؛ لأن الياء في إنسي ياء نسب، وما فيه ياء النسب لا يجمع على فعالي، وهذا هو الذي أحوجهم إلى أن يجعلوا أناسي جمع إنسان وأن الأصل فيه: أناسين. وقد ذكر المصنف في باب جمع التكسير، وفعالي الثلاثي ساكن العين تزاد في آخره ياء مشددة، لا لتجديد نسبه. ومنها: أن الياء أبدلت من الهمزة دون اطراد في قرأت وتوضأت، فقالوا: قريت وتوضيت. وقال ابن عصفور بعد ذكر هذه المسألة: وقالوا في واجئ (¬3): واج، فأبدلوا الهمزة ياء، وأجراها مجرى الياء الأصلية؛ لأنه جعلها وصلا لحركة الجيم، ولو كانت الهمزة منوية عنده لم يجز ذلك، كما لا يجوز في الهمزة، ونحو من ذلك قول ابن هرمة: 4360 - إنّ السّباع لتهدى في مرابضها ... والنّاس ليس بهاد شرّهم أبدا (¬4) - ¬

_ (¬1) من الطويل لعلقمة يقول لممدوحه، وهو الحارث بن جبلة: لقد باينت الإنس في أخلاقك وأشبهت الملائكة في طهارتك وفضلك، فكأنك منسوب إلى ملك من الملائكة، ومعنى يصوب: ينزل، والشاهد فيه: قوله: إنسي حيث تقول العرب: إنسان وإنسي، وفيه شاهد آخر: وهو همزة ملأك وهو واحد الملائكة والاستدلال به على أن ملكا مخفف الهمزة محذوفها من ملأك. وانظره في الكتاب (2/ 379)، وشرح شواهد الشافية (ص 287)، وإصلاح المنطق (ص 82)، والمنصف (2/ 102)، وسر الصناعة (2/ 271)، والمحكم (7/ 68، 69). (¬2) التذييل (6/ 200 ب). (¬3) الواجئ: الضارب في أي موضع كان. اللسان «وجأ». (¬4) من البسيط، والشاهد فيه: إبدال الهمزة ياء من: هاد للضرورة، ويروى: عن فرائسها مكان: مرابضها، وانظره في: الممتع (1/ 382)، والخصائص (3/ 152)، واللسان «هدأ»، وضرائر الشعر (ص 229)، وسر الصناعة (2/ 277).

[إبدال حرف اللين بتضعيف ما قبله، وتاء الضمير طاء ودالا]

[إبدال حرف اللين بتضعيف ما قبله، وتاء الضمير طاء ودالا] قال ابن مالك: (وربّما أبدل من حرف اللّين تضعيف ما قبله، وقد تبدل تاء الضّمير طاء بعد الطّاء والصّاد، ودالا بعد الدّال والزّاي. وشذّ إبدال التّاء من واو كتراث، ومن ياء كأسنتوا، ومن سين كستّ، ومن صاد كلصت. وربّما أبدلت من هاء كما أبدلت الهاء منها). ـــــــــــــــــــــــــــــ فأبدل الهمزة من هاد ياء للضرورة، وجميع ذلك لا يقاس عليه إلا في ضرورة، وأبدلت أيضا من الهمزة في: أعصر اسم رجل، فقالوا: يعصر (¬1). انتهى. قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الكلام على ثلاث مسائل: الأولى: إبدال حرف نظير حرف قبله من حرف لين، وعن ذلك عبّر المصنف بقوله: تضعيف ما قبله يعني أن حرف اللين يبدل منه حرف نظير الحرف الذي قبله، وهو [6/ 209] الذي كان قبل حرف اللين. وقد مثل لذلك (¬2) في قولهم في: أب وأخ وحم ودم بالتشديد. والأصل: أبو وأخو ودمي، وفي التمثيل بذلك نظر، فإن لقائل أن يدعي أن التشديد في هذه الكلمات لغة فيها، والتضعيف أصل بنفسه، ولا إبدال أصلا. وكلام المصنف في أول هذا الكتاب يشعر إشعارا صريحا بأن: أبّا وأخّا وحمّا ودمّا بالتضعيف لغة (¬3)، وعلى هذا فلا إبدال. المسألة الثانية: إبدال الطاء والدال من تاء الضمير، وقد ذكر أن تاء الضمير تبدل طاء بعد الطاء والصاد، ودالا بعد الدال والزاي، أما الأول: فنحو قولهم: في خبطت وفحصت: خبطّ وفحصط. وأما الثاني: فنحو قولهم في جلدت وفزت: جلدّ وفزد. وتاء - ¬

_ (¬1) الممتع (1/ 381 - 382). (¬2) أي: الشيخ، انظر التذييل (6/ 202 أ). (¬3) حيث قال في التسهيل (ص 9): «والتزام نقص (هن) أعرف من إلحاقه بهن، وقد تشدد نونه، وخاء أخ، وباء أب، وقد يقال: أخو ...» وقال في شرح التسهيل (1/ 48): «ذكر الأزهري أن تشديد خاء أخ، وباء أب لغة، وأنه يقال: استأببت فلانا بباءين، أي: اتخذته أبا».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الضمير تشمل تاء المتكلم وتاء المخاطب. قال الشيخ: ولا فائدة في تخصيص هذين الحرفين؛ إذ الحكم كذلك بعد الظاء والضاد عند من يبدل بعد الظاء والضاد، فيقولون: حفظط و: حفضط في حفظت؛ لأن سبب هذا الإبدال هو تقريب الحرف مما قبله، والأربعة حروف إطباق، فهي سواء لاستعلائها واستعمال التاء؛ فأبدلت التاء طاء؛ لأنها أختها في المخرج؛ إذ لو لم تبدل لثقل النطق بالكلمة للتنافر، ومن الإبدال بيت علقمة: 4361 - وفي كلّ حيّ قد خبطّ بنعمة ... فحقّ لشأس من نداك ذنوب (¬1) ثم إن الشيخ ناقش المصنف في قوله: وقد تبدل تاء الضمير قال: لأنه يشعر بالقلة. قال: وكذا قال بعض أصحابنا (¬2)، وأبدل بغير اطراد من تاء الضمير بعد الطاء والصاد. قال: وليس ذلك بشيء؛ لأن الإبدال لغة قوم من بني تميم، فكيف يقال في ذلك: إنه إبدال بغير اطراد (¬3). انتهى. وما قاله لا يتوجه على المصنف؛ لأن كونه لغة قوم من بني تميم لا ينافي قلته؛ لأن لغة هؤلاء القوم قليلة بالنسبة إلى بقية اللغات. المسألة الثالثة: إبدال الياء شذوذا من خمسة أحرف، وهي: الواو والياء والسين والصاد والهاء. أما إبدالها من الواو؛ ففي كلمات وهي: تراث، وتجاه، وتقية، والتقوى، وتقاة، وتخمة، وتهمة، وتكأة، وتيقور وتكلة والتّليد والتالد والتلاد وتترى وأتلجه وأتكأه. أوردها ابن عصفور في الممتع، ونصّ أن ذلك على غير القياس، أما: تراث فإنه من ورث، وتجاه من الوجه، وتقيّة فعيلة من وقيت، والتّقوى فعلى منه، وتقاة - ¬

_ (¬1) من الطويل لعلقمة بن عبده، وهو من شواهد الكتاب (2/ 423)، وشرح شواهد الشافية (ص 494) والأمالي الشجرية (2/ 180 - 182)، وابن يعيش (5/ 48)، والممتع (1/ 361)، وخبط بنعمة أي: أنعمت وتفضلت، وأصل الخبط أن يضرب صاحب الماشية بعصاه الشجر فيسقط ورقها لترعاه الماشية ونداك: معروفك. وانظر التذييل (6/ 202 أ). (¬2) هو ابن عصفور في الممتع (1/ 361) قال: «وأبدلت بغير اطراد من تاء الضمير بعد الطاء والصاد فقالوا: فحصط وخبط، ويريدون: فحصت وخبطت، والأكثر التاء، والعلة في الإبدال كالعلة في افتعل من التباعد الذي ذكرنا بين التاء وبين الصاد والطاء فقربوا ليسهل النطق» وانظر المقرب (2/ 167). (¬3) التذييل (6/ 202 أ).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فعلة منه، وتخمة من الوخامة، وتهمة من الوهم. وتكأة من توكأت. وتيقور فيعول من الوقار (¬1)، أصله: ويقور (¬2)، وتقول: ورجل تكلة من وكل يكل، والتليد والتالد والتلاد من الولادة، وتترى فعلى من المواترة. وأصلها: وترى. وأتلجه أي: أولجه. وأتكأه من وكأت. وذكروا أيضا ثلاث كلمات أخر، وهي: توراة وتولج وتودم. ذكروا أن فيها خلافا؛ أما: توراة فهي عندنا فوعلة من: وري الزند يري. والأصل: ووراة، فأبدلوا الواو الأولى تاء؛ لأنهم لو لم يفعلوا ذلك لأبدلوا منها همزة هروبا من اجتماع الواوين في أول الكلمة (¬3). وقال في تولج: هو فوعل من الولوج، أصله: وولج وهو عند بعضهم تفعل والتاء زائدة. قال: وحمله على فوعل أولى؛ لقلة: تفعل في الكلام، وكثرة فوعل، وأما تودم، فذكر عن الخليل أن وزنه فوعل (¬4)، والتاء بدل من الواو، فالأصل: وودم، وغيره جعله من تركيب: ت د م هكذا ذكروا، ولا يخفى أن توراة لا نتكلم فيها إلا إن ثبت أنها عربية. وذكر ابن عصفور أنها أبدلت من واو القسم (¬5). والظاهر أن التاء حرف من حروف القسم أتي بها ابتداء فلا تكون بدلا من الواو. قال ابن عصفور: ومما أبدلت التاء فيه عن الواو وهي لام الكلمة أخت وبنت، وهنت، وكلتى؛ لأن أصلها كلوى، والألف بعد التاء للتأنيث (¬6)، يعني على مذهب سيبويه في كلتا، ودعوى أن التاء في أخت وبنت وهنت بدل من لام الكلمة فيه نظر، والظاهر أن اللام حذفت اعتباطا، كما حذفت في مذكرات هذه الكلمات، ثم لما قصد بالكلمة مؤنث ألحقت التاء لتدل على ذلك، وعلى هذا لا تكون التاء بدلا من الواو، وكيف بدلا من شيء لا يجوز النطق به. وأما إبدال التاء من الياء ففي كلمات أربع وهي: أسنتوا التي ذكرها المصنف، واثنتان وكيت وذيت، ذكرها ابن عصفور (¬7)، وأما: أسنتوا ومعناه: أنهم في سنة جدبة، فإن أصله قبل الإسناد إلى - ¬

_ (¬1) هذا ما ذهب إليه الخليل. انظر (2/ 357). (¬2) كذا في الممتع وسقطت من النسختين. (¬3) الممتع (1/ 383، 384) بتصرف. (¬4) قال في الكتاب (2/ 357): «وذلك قولهم: تولج، زعم الخليل أنها فوعل، فأبدلوا التاء مكان الواو، وجعل فوعلا أولى بها من تفعل؛ لأنك لا تكاد تجد في الكلام تفعلا اسما، وفوعل كثير». (¬5) الممتع (1/ 384). (¬6) المرجع السابق (ص 385). (¬7) الممتع (1/ 388).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الواو: أسنت وأصله: أسنى؛ فأبدلت التاء من الياء (¬1) وليست الياء أصلا، بل الياء منقلبة عن الياء، والياء تنقلب ياء إذا كانت رابعة كأغريت وأعطيت، فالتاء في أسنت بدل من الياء والياء بدل من الواو، ويقال: رجل مسنت أيضا، كما يقال: أسنت الرجل، قال الشاعر: 4362 - عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه ... ورجال مكّة مسنتون عجاف (¬2) وقد أجاز سيبويه في أسنت وجهين: أحدهما: هذا (¬3)، والثاني: أن تكون التاء بدلا من الواو (¬4) مقدرا الإبدال قبل قلبها ياء، وكأنه - رحمه الله تعالى - يقول: لما صارت رابعة وتعين قلبها ياء قلبت حينئذ تاء؛ لأنهم لما عزموا على إبدالها تاء كانوا في غنى عن أن يبدلوها أولا ياء، ثم يبدلوها ثانية ياء. وأما ثنتان فقال ابن عصفور: يدل على أن التاء بدل من الياء أنها من تثنيت؛ لأن الاثنين قد ثنى أحدهما صاحبه، وأصله: ثنى يدل على ذلك جمعهم إياه على: أثناء، بمنزلة أبناء؛ فنقلوه من فعل إلى فعل كما فعلوا في بنت (¬5). أعني: ذوات الواو. هذا كلامه، وفيه نظر؛ لأن التاء في ثنتين إنما جيء بها للتأنيث، والكلمة محذوفة اللام قبل مجيء التاء بدليل قولهم: اثنان. وهذا كلام ابن عصفور نظير ما تقدم له في تاء أخت وبنت وهنت - أنها بدل من لام الكلمة، والظاهر أن الأمر هناك وهنا بخلاف ذلك. وأما كيت وزيت فقال ابن عصفور: أصلها كيّة وذيّة ثم إنهم حذفوا الهاء وأبدلوا من الياء التي هي لام تاء (¬6). قال الشيخ: وقد نطقوا بالأصل فقالوا: كيّة وذيّة (¬7). انتهى. وهذا يدل على أن التاء ليست بدلا إلا أن يقال: إنهم جمعوا المبدل والمبدل منه شذوذا. وأما إبدال من السين ففي كلمات، وهي: ست - كما ذكر المصنف - والناس والأكياس وطسّ، وذكرها ابن عصفور (¬8)، أما ست فأصله: سدس بدليل قولهم في الجمع: أسداس وفي التصغير: سديس، - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 315). (¬2) هو من الكامل وقائله عبد الله بن الزبعرى وقد تقدم الحديث عن هذا الشاهد بالتفصيل. (¬3) انظر: الكتاب (2/ 402). (¬4) المرجع السابق (2/ 383). (¬5) الممتع (1/ 388). (¬6) المرجع السابق. (¬7) التذييل (6/ 203 أ). (¬8) الممتع (1/ 389).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فقلبوا السين تاء، ثم أدغموا (¬1)، وسيأتي الكلام عليه في الإدغام إن شاء الله تعالى، إلا أن الإبدال في الكلمة المذكورة إبدال على جهة اللزوم، وفي بقية [6/ 210] الكلمات على جهة الشذوذ، وشاهد الإبدال في الناس والأكياس ما أنشد أحمد ابن يحيى: 4363 - يا قاتل الله بني السّعلاة ... عمرو بن يربوع شرار النّات غير أعفّاء ولا أكيات (¬2) وأما: طسّ فقالوا فيه: طست، والدليل على أن التاء بدل من السين أن: طسّا أكثر استعمالا من: طست (¬3) وإنما أبدلت التاء من السين لموافقتها إياها في الهمس وتجاور المخرج، وأما إبدالها (من الصاد) (¬4) ففي ما ذكره المصنف: هو لصت. الأصل فيه: لصّ، وقالوا في الجمع: لصوت بالإبدال أيضا. والأصل: لصوص، وإنما جعل لص أصلا لكثرة استعماله وقلّة لصت (¬5)، ولم يمثلوا لإبدال التاء من الصاد بغير هذه الكلمة. وأما إبدال التاء من هاء، وإبدال الهاء منها فقال الشيخ في الأول: مثال ذلك ما تأوله بعضهم في قول الشاعر: 4364 - العاطفون تحين ما من عاطف (¬6) - ¬

_ (¬1) انظر: الكتاب (2/ 208، 328، 401) (بولاق). (¬2) رجز لعلباء بن أرقم اليشكري بن عوف: شاعر جاهلي كان معاصرا للنعمان بن المنذر، والمنادى في قوله: يا قاتل الله محذوف، والتقدير: يا قوم، أو أن الياء للتنبيه، والجملة دعاء عليهم بالهلاك لعدم عفتهم وعدم كياستهم، وروي: يا قبّح الله، والسّعلاة بالكسر: هي أنثى الغول، وقيل: ساحرة الجن. وانظره في: معجم الشعراء (ص 169)، وشرح شواهد الشافية (ص 469، 470)، والرضي (3/ 221)، وابن يعيش (10/ 36، 41)، والخصائص (2/ 53)، ونوادر أبي زيد (ص 104)، والتذييل (6/ 203 أ)، والممتع (1/ 389) واللسان «أنس» و «مرس». (¬3) الممتع (1/ 389، 390). (¬4) سقطت من النسختين والمعنى يقتضيها فأثبتها. (¬5) الممتع (1/ 390) والمقرب (2/ 175). (¬6) من الكامل قائله أبو وجزة السعدي وهو صدر بيت عجزه: والمطعمون زمان أين المطعم وقد أنشده ابن منظور في اللسان «ح ي ن» عن ابن سيده وعن الجوهري ونسبه في المرتين لأبي وجزة، وقد لفق كل واحد من هؤلاء الأئمة البيت من بيتين وصواب الإنشاد هكذا: العاطفون تحين ما من عاطف ... والمسبغون يدا إذا ما أنعموا -

[إبدال الميم من النون الساكنة قبل ياء وغيرها]

[إبدال الميم من النون الساكنة قبل ياء وغيرها] قال ابن مالك: (وأبدلت الميم من النّون السّاكنة قبل باء، وقد تبدل منها ساكنة ومتحرّكة دون باء، وقد تبدل هي من الميم). ـــــــــــــــــــــــــــــ أنه أراد العاطفونه بهاء السكت إجراء له مجرى الوقف، ثم أبدل منها تاء وحركها للضرورة. ومثل الثاني بإبدال تاء طلحة، وفاطمة هاء في الوقف. قال: وحكى محمد بن المستنير أن طيئا تبدل من تاء جمع المؤنث السالم هاء في الوقف، فيقولون: كيف الإخوه والأخواه؟ وكيف البنون والبناه (¬1)؟ هذا تمثيل الشيخ الأول والثاني. ولا أجد في النفس قبولا لذلك. واعلم أن ابن عصفور ذكر أن التاء تبدل من حرفين آخرين لم يذكرهما المصنف وهما الطاء والدال. أما الأول: فنحو قول بعضهم في فسطاط: فستاط، ويدل على أن الأصل الطاء قولهم: فساطيط. ولا يقولون: فساتيط. وقالوا أيضا في اسطاع: استاع، وفي المضارع: يستيع. والأصل: يسطيع. وأما الثاني: فنحو قولهم: ناقة تربوت، والأصل: دربوت، أي: مذللة؛ لأنه من الدربة (¬2). قال ناظر الجيش: أما إبدال الميم من النون الساكنة قبل باء فهو من الإبدال اللازم، وقد تقدم التنبيه عليه في أول الفصل المتضمن لذكر حروف الإبدال، والإعلام بأن المصنف ذكر هذه المسألة في أول فصل يتضمن الكلام على الإبدال غير اللازم، وتقدمت الإشارة إلى أن هذه المسألة لو ذكرت مع المسائل المتضمنة للإبدال اللازم لكان أولى، بل هو الواجب لكن هذا اتفق. وإطلاق المصنف يفيد أن النون الساكنة قبل باء تبدل ميما سواء أكان اجتماعهما في كلمة نحو: عنبر - ¬

_ - والمانعون من الهضيمة جارهم ... والحاصلون إذا العشيرة تعزم واللاحقون جنانهم قمع الذرى ... والمطعمون زمان أين المطعم والاستشهاد بالبيت: في قوله: «العاطفون تحين» وللعلماء في هذه العبارة رأيان: أحدهما - وهو الذي ذكره ابن الأنباري، وأصله لأبي زيد، وقال به الجوهري -: أن هذه التاء زائدة في أول كلمة حين. والرأي الثاني: أن هذه التاء زائدة في قوله: العاطفون وأصلها هاء الوقف، فأجرى الكلمة في حال الوصل مجراها في حال الوقف، ثم قلب الهاء تاء ... وعليه أبو حيان. انظر التذييل (6/ 203 أ). (¬1) قال ابن جني في سر الصناعة (2/ 205): «وحكى قطرب عن طيئ أنهم يقولون: كيف البنون والبناه وكيف الإخوه والأخواه ...». (¬2) الممتع (1/ 390).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وشنباء (¬1)، أم في كلمتين نحو: أن بورك. قال ابن عصفور: وذلك لأن النون أخت الميم، وقد أدغمت في الميم، فأرادوا إعلالها أيضا مع الباء كما أعلوها مع الميم بالإدغام. ثم أشار المصنف إلى الإبدال الجائز وإلى قلته بقوله: وقد تبدل منها ساكنة ومتحركة دون باء فمثال الإبدال في الساكنة قولهم في حنظل: حمظل. ومثال الإبدال من المتحركة قولهم في البنان: البنام. قال الشاعر: 4365 - يا هال ذات المنطق التّمتام ... وكفّك المخضّب البنام (¬2) أنشده في الممتع. وأما قوله: وقد تبدل هي من الميم فقد مثل له الشيخ بما نقله الأصمعي من قولهم للحيّة: أيم وأين. والأصل: أيّم فخفف نحو: هين في هيّن (¬3)، ولم يذكر ابن عصفور إبدال النون من الميم، ولكنه ذكر أن الميم تبدل من أحرف أخر غير النون وهي: الواو، والياء، واللام. فأما إبدالها من الواو ففي قولهم: فم. الأصل: فوه حذفت الهاء تخفيفا، ثم أبدلوا من الواو ميما لقرب الميم من الواو. وقد ذكر المصنف هذه المسألة في الفصل الذي بعد هذا كما سنقف عليه (¬4). وأما إبدالها من الباء ففي قولهم: بنات مخر في: بنات بخر، وهي سحائب يأتين قبل الصيف بيض منتصبات (¬5)، وإنما جعلت الباء أصلا؛ لأن البخر مشتق من البخار، والسحاب يقال: إنه ينشأ عن بخار البحر، وكذا قولهم - حكاه أبو عمرو الشيباني -: ما زال راتما في كذا، أي راتبا، ومعناه: مقيما، من الرتبة (¬6)، وكذا قولهم: رأيته من كثم، أي: من كثب، أي: من قرب (¬7). وقالوا في نغب جمع نغبة: نغما (¬8). وأما إبدالها من اللام فأراد بذلك لام التعريف، وفي ذلك نظر: فإنه قد ثبت أن إرادة التعريف عند المتكلمين بهذه اللغة هي الميم موصولة بهمزة - ¬

_ (¬1) امرأة شنباء: في أسنانها ماء ورقة وعذوبة أو نقط بيض فيها، ويقال فيها: شمباء. انظر: اللسان «شنب»، والممتع (1/ 392)، والرضي (3/ 216). (¬2) رجز قائله رؤبة وانظره في المقرب (2/ 176)، والممتع (1/ 392)، وسر الصناعة (2/ 142)، والرضي (3/ 216)، وشرح شواهد الشافية (ص 455)، وابن يعيش (10/ 33). (¬3) انظر: الممتع (2/ 513). (¬4) التسهيل (ص 318). (¬5) انظر: المقرب (2/ 176)، والممتع (1/ 392)، والرضي (3/ 217). (¬6) ذكره ابن عصفور في الممتع (1/ 393)، والرضي (3/ 217). (¬7) المرجع قبل السابق. (¬8) نفس المرجع.

[إبدال الصاد والسين من بعض الحروف]

[إبدال الصاد والسين من بعض الحروف] قال ابن مالك: (وتبدل الصّاد من السّين جوازا على لغة: إن وقع بعدها غين أو خاء أو قاف، أو طاء، وإن فصل حرف أو حرفان فالجواز باق، وإن سكنت السّين قبل دال، جاز إبدالها زايا، وإن تحرّكت قبل قاف فكذلك. وربّما أبدلت بعد جيم أو راء، ويحسّن مضارعة الزّاي ما سكّن قبل دال من صاد أو جيم أو شين، ولا يمتنع الإخلاص في الصّاد المذكورة، فإن تحرّكت قبل دال أو طاء جازت المضارعة، وشذّ الإبدال). ـــــــــــــــــــــــــــــ الوصل والميم بمنزلة اللام في لغة بقية العرب، وعلى هذا لا يقال: إن الميم أبدلت من اللام، وأما إبدال الميم من الواو فقد ذكره المصنف في الفصل الذي يلي هذا الفصل. وكذا إبدالها من الباء ذكره فيه أيضا، لأن التكافؤ في الإبدال وقع بينها وبين الباء فوجب أن يذكر ذلك عند التكافؤ (¬1). قال ناظر الجيش: هذا الكلام يشتمل على ذكر أحكام أربعة: الأول: أن الصاد تبدل من السين بشرط وهو أن يقع بعد السين أحد الأحرف الأربعة وهي: الغين، والخاء، والقاف، والطاء، سواء اتصلت هذه الأحرف بالسين أم انفصلت بحرف أو حرفين، ولكن هذا الإبدال لا يكون عند جميع العرب بل عند بعضهم؛ ولهذا قال: على لغة، وذكر سيبويه أنها لغة بني العنبر (¬2)، ويظهر من قول المصنف: جوازا على لغة أن أصحاب هذه اللغة لا يوجبون هذا الإبدال، وأنه عندهم جائز لا غير، وأفاد قوله: إن وقع بعدها أن شيئا من الأحرف الأربعة إذا وقع قبل السين لا تأثير له في إبدالها صادا. إذا تقرر هذا، فمثال ما بعد السين فيه غين: سغب، ومثال ما بعدها فيه خاء: سخر، ومثال ما بعدها فيه قاف: سقر، ومثال ما بعدها فيه طاء: سطع. فيجوز أن يقال في ذلك: صغب - ¬

_ (¬1) سيأتي الحديث عن التكافؤ في الإبدال بعد الحديث القادم مباشرة. (¬2) انظر الكتاب باب: ما تقلب فيه السين صادا (2/ 428)، حيث قال سيبويه: «وإنما يقولها من العرب بنو العنبر، وقالوا: صاطع في ساطع؛ لأنها في التصعد مثل القاف، وهي أولى بذا من القاف؛ لقرب المخرجين والإطباق».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وصخر وصقر وصطع، هذه أمثلة ما اتصلت فيه الأحرف المذكورة بالسين، ومثال ما انفصلت فيه بحرف: أسبغ، وبحرفين: سراط، فيجوز فيهما: أصبغ وصراط، ونقل الشيخ: أن الإبدال في صراط لغة الحجاز (¬1). وعلى هذا فلا يكون هذا الإبدال مخصوصا بلغة بني العنبر. ثم قال الشيخ: وكذا لو كان الفصل (¬2) بثلاثة أحرف، نحو: مساليخ فإنه يجوز أن يقال فيه: مصاليخ (¬3)، واعلم أن الأحرف [6/ 211] الأربعة المتقدمة الذكر من حروف الاستعلاء، وهذا هو المقتضي لإبدال السين قبلها صادا؛ لأن الصاد مستعلية - أيضا - فقصدوا بالإبدال: تجانس الحرفين ولو أقروا السين دون إبدال لكان في ذلك خروج من تسفل إلى تصعد، لأن السين حرف مستعل، أما إذا وقع أحد الأحرف المذكورة قبل السين فلا تبدل السين صادا؛ إذ التقدم لا تأثير له. وذلك حق نحو: قست، وطست؛ لأن الخروج من تصعد إلى تسفل أسهل من الخروج من تسفل إلى تصعد. الحكم الثاني: أن السين إذا سكنت قبل دال أو تحركت قبل قاف جاز إبدالها زايا، أما سكونها قبل دال فنحو: أسد يقال فيه: أزد، وأما تحركها قبل قاف فنحو: سفر يقال فيه: زفر. وأشار بقوله: وربما أبدلت بعد جيم أو راء إلى أن السين ربما أبدلت زايا بعد هذين الحرفين، فمثال إبدالها بعد الجيم: جست خلال الديار، يقال فيه: جزت خلال الديار (¬4)، وأما إبدالها بعد الراء فمثاله: رسب الشيء، يقال فيه: رزب الشيء. الحكم الثالث: أن ما سكن قبل دال من أحرف ثلاثة وهي: الصاد، والجيم والشين يجوز مضارعته الزاي، ومثال ذلك: يصدر وأجدر (¬5) وأشدق (¬6)، - ¬

_ (¬1) التذييل (6/ 204 ب). (¬2) قال سيبويه (2/ 428): «وربما ضارعوا بها وهي بعيدة، نحو: مصادر، والصراط؛ لأن الطاء كالدال، والمضارعة هنا وإن بعدت الدال بمنزلة قولهم: صويق، ومصاليق، فأبدلوا السين صادا). (¬3) قال في التذييل: إنها لغة كلب (6/ 204 ب). (¬4) المرجع السابق. (¬5) قال سيبويه (2/ 428): «والجيم - أيضا - قد قربت منها فجعلت بمنزلة الشين، من ذلك قولهم: في الأجدر: أشدر ...». (¬6) قال سيبويه (2/ 428): «وأما الحرف الذي ليس من موضعه فالشين؛ لأنها استطالت حتى -

[التكافؤ في الإبدال بين الطاء والدال والتاء]

[التكافؤ في الإبدال بين الطاء والدال والتاء] قال ابن مالك: (فصل: وقع التّكافؤ في الإبدال بين الطّاء والدّال والتّاء). ـــــــــــــــــــــــــــــ أما مضارعة الصاد الساكنة الواقعة قبل دال الزاي نحو: يصدر فظاهر، وأما مضارعة الجيم، والسين الزاي فلم أتحققه، والشيخ ذكر هذا الحكم ومثل بما تقدم مقتصرا على ذلك، ووعد بأن الكلام يأتي على هذه المسألة مبسوطا. وأما قوله: ولا يمتنع الإخلاص في الصاد المذكورة. فأراد به أنه لا يمتنع إخلاص الزاي في الصاد الساكنة قبل ذاك فيقال في اصدقني: ازدقني (¬1)، وفي يصدر: يزدر بالزاي الخالصة، وهذه لغة كلب (¬2)، قال سيبويه: وسمعنا العرب الفصحاء يجعلونها زايا خالصة، وذلك نحو قولهم في التصدير: التزدير، والقصد: القزد، وفي أصدرت: أزدرت (¬3)، والأفصح ألا تبدل الصاد زايا محضة؛ بل حرفا متوسطا بينهما. الحكم الرابع: أن الصاد إذا تحركت قبل دال أو طاء جازت المضارعة، أي: مضارعة الزاي في الصاد وهي أن تشاب الصاد بالزاي، قال سيبويه: وربما ضارعوا بها وهي بعيدة، نحو مصادر والصراط (¬4) وأما الإبدال فشاذ، وإليه الإشارة بقوله: وشذّ الإبدال أي إبدال الصاد زايا محضة، قال سيبويه: فإن تحركت الصاد لم تبدل - يعني زايا (¬5) - وحاصل الأمر: أنه لا يجوز الإبدال إلا فيما سمع. قال ناظر الجيش: استفتح الشيخ شرحه هذا الفصل بأن قال: عقد المصنف هذا الفصل للحرف الذي أبدل من حرف وأبدل ذلك الحرف منه، وقد تقدم من هذا الفصل مسألتان ذكرهما في الفصل الذي قبله؛ وكان ينبغي أن يكونا في هذا الفصل، إحداهما قوله: وربما أبدلت من هاء كما أبدلت الهاء منها. والثانية قوله: وقد تبدل منها ساكنة ومتحركة دون باء، وقد تبدل هي من الميم. انتهى. واعلم أنه - ¬

_ - خالطت أعلى الثنيتين، وهي في الهمس، والرخاوة كالصاد والسين، وإذا أجريت فيها الصوت وجدت ذلك بين طرف لسانك، وانفراج أعلى الشفتين، وذلك قولك: أشدق، فتضارع بها الزاي، والبيان أكثر وأعرف، وهذا عربي كثير». (¬1) الكتاب (2/ 427). (¬2) انظر: المقرب (2/ 181)، والممتع (1/ 412)، وسر الصناعة (1/ 208). (¬3) الكتاب (2/ 427). (¬4) المرجع السابق. (¬5) نفس المرجع.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لما حصل التكافؤ في الإبدال بين ثلاثة الأحرف المذكورة لزم أن تكون صور المسائل ستّا؛ لأن كل حرف يبدل من الآخر، فالطاء تبدل من الدال والتاء، والدال تبدل من الطاء، والتاء تبدل من الطاء والدال. فمثال إبدال الطاء من الدال قولهم: مط الحرف ومده بمعنى (¬1)، حكاه يعقوب عن الأصمعي، وحكى أبو عبيدة: الميطاء والميداء. قال: حولوا الدال طاء. ومثال إبدال الطاء من التاء إما باطراد مع أنه لازم، ففي افتعل إذا كانت الفاء ضادا أو صادا أو طاء أو ظاء كما عرفت، وإما بغير اطراد. فمن تاء الضمير بعد هذه الأحرف كما سبق ... ومثال إبدال الدال من الطاء قولهم: المريداء والمراداء في: المريطاء والمراطاء، وهو حيث يمرط الشعر حول السرة (¬2). ومثال إبدال الدال من الياء: إما باطراد مع أنه لازم ففي افتعل إذا كانت الفاء زايا أو دالا كما عرفت، وإما بغير اطراد إذا كانت الفاء جيما نحو: اجدمعوا في اجتمعوا (¬3)، وفي تولج قالوا: دولج، لا يقال: إن الدال بدل من الواو إذ أصله: وولج، بل هي بدل؛ لأنه لم يثبت إبدال الواو دالا، وثبت إبدال التاء دالا. ومثال إبدال التاء من الطاء قولهم: فستاط. والأصل: فسطاط بدليل قولهم: فساطيط ولا يقولون: فساتيط. وكذا قولهم: استاع في استطاع. قال الشيخ: ويحتمل أن يكون أصل استاع: استطاع فحذفوا فاء الكلمة فقط. قال: وعلى ما قالوه يكون في الكلمة حذف وإبدال، يعني أنهم حذفوا التاء ثم أبدلوا الطاء تاء، والحق أن الكلمة محتملة للأمرين، ووزن استاع على ما قالوه: اسفال، وعلى ما قال الشيخ: استال. ومثال التاء من الدال قولهم: ناقة تربوت، والأصل: دربوت، أي: مذللة؛ لأنه من الدربة. وعند سيبويه: أن تربوت التاء فيه أصل؛ لأنه من التراب عنده؛ لأنه الذلول، والذلة تناسب التراب (¬4). ¬

_ (¬1) قال في القلب والإبدال (ص 47): «مدّ الحرف ومطّه ... بمعنى». (¬2) ابن السكيت في القلب والإبدال (ص 49): «المريطاء والمريداء تصغير: مرطاء ومرداء». (¬3) الممتع (1/ 357). (¬4) قال في الكتاب (2/ 349): «وكذلك التربوت؛ لأنه من الذلول، يقال للذلول: مدرب، فأبدلوا التاء مكان الدال» وانظر الممتع (1/ 390).

[التكافؤ بين الحروف]

[التكافؤ بين الحروف] قال ابن مالك: (وبين الميم والباء، وبين الثّاء والفاء، وبين الكّاف والقاف، وبين الّلام والرّاء، وبين النّون واللّام، وبين العين والحاء). قال ناظر الجيش: المذكور هنا اثنا عشر حرفا بين كل اثنين منهما تكافؤ في الإبدال: الحرفان الأولان: الميم، والباء، فمثال إبدال الميم من الباء قولهم: ما زال راتما على كذا، أو راتبا أي: مقيما من الرتبة، وقولهم: بنات بخر، وهن سحائب يأتين قبل الصيف. وقد أجاز أبو الفتح أن يكون كل من الميم والباء أصلا، وجعل ميم المخر في قوله تعالى: وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ (¬1) وقولهم: رأيته من كثم، أي: من كثب، وقولهم: قيد في بيد، بمعنى غير. ومثال إبدال الباء من الميم قولهم: با اسمك؟ يريدون: ما اسمك؟ وهي لغة مازنية (¬2)، وقد خاطب بها الواثق المازني حين دخل عليه، وليس في قراءة أبي عمرو: مريم بهتنا (¬3) وبِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (¬4) ولِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً (¬5) إبدال وإدغام، بل ما ذكر عنه محمول على الإخفاء؛ لأن الميم من الحروف التي لا تدغم في مقاربها. والحرفان الثانيان: الثاء والفاء، فمثال إبدال الثاء من الفاء قولهم: في ثم التي هي حرف عطف: فم، وقالوا: حدف في حدث، وقالوا: فوم بمعنى ثوم، ومثال إبدال الثاء من الفاء قولهم في مغفور: مغثور (¬6)، ودليل على أن الفاء أصل أنهم قالوا: ذهبوا يتمغفرون بالميم، أي: يجنون المغفور، ولم يقولوا: يتمغثرون. الحرفان الثالثان: الكاف والقاف. وقد نص النضر بن شميل عن الخليل أن إبدال القاف من الكاف والفاء من الكاف قليل، فمثال إبدال الكاف من القاف قولهم: عربي كح، وعربية كحة، يريدون: قحّا وقحة، والقح: الخالص من اللوم. وقالوا: كاتحة في فاتحة [6/ 212]. والكتال في القتال، والكصير في القصير. ومثال إبدال القاف من الكاف قولهم: وقنة في وكنة، وهي مأوى الطائر من الجبل، حكاه الخليل، وهو أقل من العكس. والحرفان - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 14، وانظر الرضي (3/ 217)، وسر الصناعة (2/ 143، 144). (¬2) ذكر ذلك أبو الطيب الحلبي في كتاب الإبدال (1/ 42). (¬3) سورة النساء: 156. (¬4) سورة الأنعام: 53. (¬5) سورة النحل: 70. (¬6) انظر: القلب والإبدال (ص 35).

[التكافؤ في إبدال حروف أخرى]

[التكافؤ في إبدال حروف أخرى] قال ابن مالك: (وربّما وقع بين الغين والخاء، وبين الضّاد واللّام، وبين الذّال والثّاء، وبين الفاء والباء، وبين الجيم والياء). ـــــــــــــــــــــــــــــ الرابعان: اللام والراء، فمثال إبدال اللام من الراء قولهم: الشلح في الشرح، وهي النطفة يكون منها الولد. ومثال إبدال الراء من اللام قولهم في الدرع: نثره، والأصل: نثله. والدليل على أن اللام أصل قولهم في الفعل: نثلها دون نثرها، وكذا قولهم في لعل: رعلّ، وقولهم: رجل، وجر وأوجر (¬1) في وجل وأوجل، وامرأة وجرة في وجلة، وهي لغة قيس، قال الفراء: أنشد أبو الليث: 4366 - فإنّي بالجار الخفاجيّ واثق ... وقلبي من الجار العباديّ أوجر إذا ما عقيليان قاما بذمه ... شريكين فيها فالعبادي أعذر (¬2) الحرفان الخامسان: النون واللام، فمثال إبدال النون من اللام، قولهم في لعل: لعن (¬3)، وإنما جعل لعل الأصل؛ لأنه أكثر استعمالا، وقولهم: ناسيما في لا سيما (¬4). ومثال إبدال اللام من النون قولهم: في أصيلان تصغير أصلان: أصيلال، فاللام بدل من النون (¬5)، ولذلك إذا سميت به منعته من الصرف للعلمية، وزيادة الألف واللام التي هي قائمة مقام النون وبدل عنها. الحرفان السادسان: العين والحاء. فمثال إبدال العين من الحاء قولهم: ضبع بمعنى: ضبح (¬6)، ومثال إبدال الحاء من العين قولهم: ريح في ريع، وقولهم: سرح في سرع. قال ناظر الجيش: يشير إلى أن التكافؤ في الإبدال وقع قليلا بين ما ذكره، ودل - ¬

_ (¬1) راجع القلب والإبدال (ص 52)، واللسان «وجر». (¬2) من الطويل والبيت الأول في النكت الحسان نسبه أبو حيان للهيثم، والشاهد فيه: قوله: «أوجر» حيث أبدل اللام راء. (¬3) انظر: القلب والإبدال (ص 33)، وسر الصناعة (2/ 161)، وابن يعيش (8/ 78). (¬4) راجع القلب والإبدال (ص 5). (¬5) قال سيبويه في الكتاب (2/ 315): «وقد أبدلوا اللام من النون، وذلك قليل جدّا، قالوا: أصيلال، وإنما هو: أصيلان) وانظر القلب والإبدال (ص 5)، والرضي (2/ 226). (¬6) انظر: القلب والإبدال (ص 24).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا على ما ذكره قبل وقع كثيرا، ومثال إبدال الغين من الخاء قولهم: غطر بيديه يغطر، أي: خطر بيديه (¬1)، قال ابن جني: فالغين بدل من الخاء لكثرة الخاء. ومثال إبدال الخاء من الغين قولهم: الأخن يريدون الأغن (¬2) وهو: السمع الغنة، ومثال إبدال الضاد من اللام ما حكاه الجوهري من قولهم: رجل جضد أي: جلد، ومثال إبدال اللام من الضاد قولهم: الطجع في: اضطجع (¬3)، ولم يعد سيبويه اللام من حروف البدل لقلتها وشذوذها وإن كان قد ذكرها في قولهم: أصيلال (¬4)، ومثال إبدال الثاء من الذال قولهم: الجثوة من النار، يريدون: الجذوة. ومثال إبدال الذال من الثاء قولهم: تلعذم الرجل أي: تلعثم إذا أبطأ في الجواب (¬5). ومثال إبدال الباء من الفاء قولهم: البشكل في الفشكل، ومثال إبدال الجيم من الياء قولهم: لا أفعل ذلك جدا الدهر، أي: يد (¬6) الدهر أي: آخره، وعن أبي زيد يقول الكلابيون: هي الصهاريج، والواحد: صهريج (¬7)، وبنو تميم يقولون: صهاري وصهري، قال الأصمعي: كل ياء مشددة للنسبة وغيرها، فبعض العرب يبدلها جيما (¬8)، وزعم الفراء أنها لغة طيئ (¬9)، وعن أبي عمرو: وهم يقلبون الياء الخفيفة أيضا إلى الجيم، يقولون: هذا غلامج، وهذه دارج، يريدون: غلامي، وداري (¬10). وقد أنشدوا: 4367 - خالي عويف وأبو علجّ ... المطعمان اللّحم بالعشجّ وبالغداة قطع البرنجّ (¬11) - ¬

_ (¬1) جاء في الإبدال (1/ 339): «من يخطر بيديه خطرا أو يغطر بهما غطرا، يخرج صوته من خياشيمه». (¬2) جاء في اللسان «خنن»: «قال ابن سيده: والخنن، والخنة، والمخنة، كالغنة ... ويقال: امرأة خناء وغناء» وقال في القاموس (4/ 257): (ظبي أغن: يخرج صوته من خياشيمه). (¬3) انظر: الخصائص (3/ 163)، والمقرب (2/ 178)، والرضي (3/ 226) واللسان «طجع». (¬4) الكتاب (2/ 315). (¬5) راجع اللسان «لعثم»، والقلب والإبدال (ص 39). (¬6) انظر: القلب والإبدال (ص 29)، والنكت الحسان (ص 584). (¬7) جاء في اللسان «صهرج»: «الصهريج مصنعة يجتمع فيها الماء، وأصله فارسي». (¬8) انظر القلب والإبدال (ص 29)، والإبدال (1/ 257). (¬9) المرجع السابق. (¬10) راجع سر الصناعة (1/ 182). (¬11) رجز لم أعرف قائله، وهو من شواهد سيبويه. الكتاب (2/ 288)، ويروى: فلق مكان قطع، -

قال ابن مالك: (والأكثر كون الياء المبدل منها الجيم مشدّدة موقوفا عليها أو مسبوقة بعين وهي جعجعة قضاعة). ـــــــــــــــــــــــــــــ قال في الممتع: وأما الجيم فأبدلت من الياء لا غير مشددة ومخففة، فيبدلون من الياء المشددة (¬1) - فقد تقدم الاستشهاد عليها - وأما المخففة فشاهدها ما أنشده الفراء من قول الشاعر: 4368 - لا همّ إن كنت قبلت حجّتج ... فلا يزال شاحج يأتيك بج (¬2) ويشعر كلام ابن عصفور أن ذلك مطرد في المشددة، غير مطرد في المخففة، ومثال إبدال الياء من الجيم قولهم: في الدياجي جمع ديجوج: والأصل فيه: الدياجيج، وقد تقدم ذكر هذه المسألة في ذكر الحروف التي تتبدل الياء منها، وقالوا أيضا في شجرة: شيرة بكسر الشين (¬3)، ولم يجعل ابن جني ذلك إبدالا؛ لأنهم حين صغروا: شيرة أقروا الياء، ولو كان بدلا لردوا الجيم؛ ولأن البدل لا يغيّر شيئا من الكلمة، وهم قد كسروا الشين. على أنه أجاز أن يكون بدلا؛ لأن البدل قد يجيء بتغيير بعض الحركات. انتهى. ولقائل أن يدعي أنهم كسروا الشين فرارا من وقوع الياء متحركة بعد فتحة لما يلزم من قلبها ألفا. قال ناظر الجيش: فقال أبو عمرو بن العلاء (¬4): إنه قابل أعرابيّا من بني حنظلة، فقال له: ممن أنت؟ فقال: فقيمج. فقال: من أيّهم؟ فقال: مرج، أي: فقيمي، - ¬

_ - والغداة: الصحوة، والفلق: جمع فلقة وهي القطعة، والبرني: نوع من أجود التمر، والشاهد: في قوله: أبو علج يريد: أبو علي، وبالعشج يريد: العشي، والبرنج يريد: البرني. وانظره في: المقرب (2/ 29، 164)، وسر الصناعة (1/ 182)، والممتع (1/ 353)، والرضي (2/ 287)، وشرح شواهد الشافية (ص 212 - 215)، والعيني (4/ 585). (¬1) الممتع (1/ 353). (¬2) رجز لم أعرف قائله، والشاحج: البغل أو الحمار إذا صوت، والشاهد: إبدال الجيم من الياء الخفيفة في قوله: حجتج، وبج، والأصل: حجتي وبي، وانظره في: المحتسب (1/ 57)، وسر الصناعة (1/ 193)، والمقرب (2/ 165)، وضرائر الشعر (ص 231)، والممتع (1/ 354)، والرضي (2/ 287)، وشرح شواهد الشافية (ص 215 - 218)، وابن يعيش (10/ 50)، والعيني (4/ 570). (¬3) انظر: القلب والإبدال (ص 29). (¬4) انظر: الممتع (1/ 353).

[إبدال الميم والشين من بعض الحروف]

[إبدال الميم والشين من بعض الحروف] قال ابن مالك: (وربّما أبدلت الميم من الواو. وقد تبدل من الهاء الحاء بعد حاء أو عين إن أوثر الإدغام وربّما أبدلت الشّين من الجيم. وإذا سكّنت الجيم قبل دال جاز جعلها كشين). ـــــــــــــــــــــــــــــ مري، فهذا مثال المشدودة الموقوف عليها، ومثال المشدودة المسبوقة بعين: علج، والعشج كما هما في الرجز المتقدم إنشاده. وأما قوله: وهي جعجعة قضاعة، فقال الشيخ: ثبت في نسخة البهاء الرقي وغيره: وهي عجعجة قضاعة بتقديم العينين على الجيمين، قال الجوهري: العجعجة في قضاعة يحولون الياء جيما مع العين، يقولون: هذا راعج خرج معج، يريدون: هذا راع خرج معي. قال ناظر الجيش: أشار بهذا الكلام إلى أمور أربعة كلها قليل: الأول: أن الميم تبدل من الواو، ومثال ذلك قولهم: فم، الأصل: فوه حذفوا اللام أولا، ثم أبدلوا من الواو ميما لقربها منها في المخرج (¬1)، وموجب الإبدال المذكور أن الميم حرف صحيح تجري عليه حركات الإعراب دون الواو. الثاني: أن الحاء تبدل من الهاء بعد حاء أو عين. مثال الأول: امدح حلالا، ومثال الثاني: ذهب معحم، والأصل: امدح هلالا، وذهب معهم (¬2). وقيد الإبدال المذكور بقوله: إن أوثر الإدغام؛ لأنه إذا لم يدغم فلا إبدال؛ بل يقال: امدح هلالا، وذهب معهم دون إبدال. والظاهر أن هذه المسألة محل ذكرها باب الإدغام ولا محل في باب الإبدال؛ لأن إبدال الإدغام إبدال بعارض، وذلك أنه إذا قصد إلى الإدغام والحرفان متقاربان لا مثلان، وجب إبدال أحد الحرفين إلى مثل الآخر ليصح الإدغام، وإذا كان كذلك فليس الإبدال مقصورا لذاته بل لأمر آخر. - ¬

_ (¬1) قال صاحب القاموس (4/ 291): «فوه ... لأن فما أصله: فوه، حذفت الهاء كما حذفت من سنة، وبقيت الواو طرفا متحركة فوجب إبدالها ألفا لانفتاح ما قبلها فبقي فا، ولا يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين؛ فأبدل مكانها حرف جلد مشاكل لها وهو الميم لأنهما شفهيتان ...» وانظر اللسان (فوه). (¬2) قال سيبويه (2/ 414) (بولاق): «ومما قالت العرب تصديقا لهذا في الإدغام قول بني تميم: محم يريدون معهم».

[إبدالات أخرى مختلفة]

[إبدالات أخرى مختلفة] قال ابن مالك: (وأبدلت الهاء وقفا من ألف: أنا، وما، وهنا، وحيهلا، وفي ياء هذي وهنيّة وعوّضت هي والسّين من سلامة العين في أهراق وأسطاع). ـــــــــــــــــــــــــــــ وقد قال المصنف لما ذكر حروف الإبدال: يجمع حروف البدل الشائع في غير إدغام كذا وكذا، فأخرج الإبدال الذي لأجل الإدغام من هذا الباب. الأمر الثالث: إبدال الشين من الجيم، ومثال ذلك قولهم: مدمش في: مدمج (¬1). قال الشيخ: وأهمل المصنف إبدال الشين من الكاف للمؤنث، ومن السين، أما الأول: فنحو: أكرمتش، أي: أكرمتك [6/ 213] وأنشدوا هذا البيت: 4369 - فعيناش عيناها وجيدش جيدها ... ولكنّ عظم السّاق منشي رقيق (¬2) وأما الثاني فهو قولهم: جعشوش في: جعسوس، وهي القميء الذليل ويجمع بالسين فيقال: هم من جعاسيس الناس، ولا يقال في الجمع بالشين (¬3). الأمر الرابع: أن الجيم إذا سكنت قبل دال جاز جعلها كسين. مثال ذلك: زيد أجدر بهذا الأمر؛ فيجوز أن تشاب الجيم بالسين، فلا تكون جيما محضة، ولا سينا محضة. قال ناظر الجيش: اشتمل كلامه هذا على مسألتين: الأولى: أن الهاء تبدل من الألف ومن الياء. أما إبدالها من الألف: ففي أربع كلمات إذا وقف عليها، وهي: أنا، وما، وهنا، وحيهلا. ومثال أنا قول حاتم الطائي (¬4): - ¬

_ (¬1) راجع سر الصناعة (1/ 215)، واللسان «دمج»، والممتع (1/ 412). (¬2) من الطويل لمجنون ليلى قيس بن الملوح، والشاهد في: الممتع (1/ 411)، والمقرب (2/ 181)، وابن يعيش (8/ 19، 9/ 48، 10/ 80)، وسر الصناعة (1/ 216)، واللسان «سوق»، و «روع»، و «كشن». (¬3) راجع سر الصناعة (1/ 215)، والإبدال (2/ 160)، واللسان «جعس». (¬4) قاله حاتم الطائي لما وقع في أسر قوم فغزا رجالهم وبقي مع النسوة فأمرنه بالفصد فنحر، وقال هذا القول. انظر: مجمع الأمثال (2/ 357).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا فصدي أنه. ومثال ما وهنا قول الشاعر: 4370 - قد وردت من أمكنه ... من ها هنا ومن هنه إن لم أروّها فمه (¬1) أي: فما أصنع، وقالوا في حيهلا: حيهله، وقد جوزوا أن تكون الهاء في إنه وحيهله هاء السكت، وأما إبدالها من الياء ففي كلمتين: إحداهما: هذي، قالوا: هذه، والياء هي الأصل، بدليل تحقيرهم ذا: ذيّا، وذي تأنيث ذا، فكما لم توجد الهاء في المذكر تكون في المؤنث أصلا، والكلمة الثانية: هنيّة وهي تصغير هنة. وأصله: هنيوة بدليل: هنوان (¬2)، فاللام التي حذفت وهي واو ردت في التصغير، وانقلبت من أجل ياء التصغير ياء فقالوا: هنيّة، ثم إنهم أبدلوا من الياء المنقلبة هاء فقالوا: هنيهة. قال الشيخ: وقد تقدم في استنواء أن سيبويه أجاز أن تكون الياء بدلا من الواو ومن الياء، قال: فيمكن ذلك في هنيهة. المسألة الثانية: أن الهاء يؤتى بها عوضا عن عين الكلمة التي أتي بها فيها، نحو: أهراق، وأن السين يؤتى بها عوضا عن سلامة عين الكلمة التي أتي بها فيها أيضا نحو: اسطاع، فإنها والسين قد اشتركا في هذا الحكم وكذا قرب بينهما في الذكر. قال الشيخ: لما كانت عين أراق وأطاع إذا أسند الفعل إلى ما سكن له آخره انحذفت ولا يثبت؟ فيقال: أرقت وأطعت، وحين يسند لما لا يسكن آخر الفعل له يعتل بنقل حركتها إلى الساكن قبلها وانقلابها ألفا، نحو: أراق وأطاع؛ عوضوا عن أرق بدلا من سلامة العين الهاء، وفي أطاع السين، وهذا التعويض شذوذ لا يطرد في شيء من - ¬

_ (¬1) من مجزوء الرجز وهو من شواهد: سر الصناعة (2/ 290)، والمقرب (2/ 32)، والرضي (3/ 224)، وشرح شواهد الشافية (ص 479)، وابن يعيش (3/ 138)، (4/ 6)، (9/ 81)، والمساعد (4/ 237)، والمحتسب (1/ 277) والهمع (1/ 52) وروايته: قد أقبلت من أمكنه والورد: الوصول إلى الماء دون الدخول فيه، والمعنى: إن لم أرو هذه الإبل الواردة من هنا ومن هنا فما أصنع؟ أو إن لم أروها فمه؟: أي اكنف عني على جواز ابن جني الذي ذهب إليه. (¬2) الهنوات: الأشياء اليسيرة، والأشياء التي يستقبح ذكرها، اللسان «هنا»، وانظر: ابن يعيش (10/ 40، 44).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ نظائرها. قال: وقد سبق الكلام على هذه الهاء، وعلى هذه السين مشبعا في باب حروف الزيادة. واعلم أن الشيخ لما انتهى به الكلام على هذا الموضع قال: وقد انقضى الكلام على حروف البدل على ما رتبه المصنف ونحن نتكلم على كل حرف من حروف البدل التي ذكرها في أول فصول البدل؛ فنذكر الحرف، ومم أبدل مختصرا؛ ليكون ذلك محيطا بجميع أحكام البدل، وناظما لها في عقد الاختصار، فنقول: نظم المصنف حروف البدل في قوله: لجدّ صرف شكس آمن طيّ ثوب عزّته، فهذه اثنان وعشرون حرفا ثم ذكر في آخر فصول البدل: القاف، والحاء، والغين، والخاء، والضاد، والدال، فتحصل من هذا أن جميع حروف المعجم جميع حروف البدل؛ ولذلك قال ابن الضائع: قلما تجد فيه حرفا إلا قد جاء فيه البدل، ولو نادرا ونحن نسرد الكلام فيها على ما رتبه المصنف (¬1). انتهى. والشيخ تبع في ذلك - أعني في الكلام على حرف، ومم أبدل - أبا الحسن ابن عصفور، واقتدى به في معظم ما أورده، وأنا أورد كلامه - أعني كلام الشيخ - مراعيا كلام ابن عصفور - رحمهما الله تعالى - فأقول: اللام أبدلت من حرفين وهما النون والضاد. قالوا: أصيلال في: أصيلان، والطجع في: اضطجع، الجيم أبدلت من الياء لا غير مخففة ومشددة نسب وغيره. والدال أبدلت من التاء والذال. فأما من التاء فباطراد إن كانت الفاء زايا: كازدان وازدلف وازدجر وذلك في الافتعال وما تصرف منه، وبغير اطراد مع الجيم الساكنة قبلها، كاجدمعوا واجدرّ في: اجتمعوا واجترر، ولا يقاس على ذلك، ومع الدال في غير إدغام كاددكر، فأما ادّكر واذّكر فإبدال إدغام وليس الكلام فيه كما عرفت. وفي: فرد وجلد كما ذكر المصنف في تولج قالوا: دولج، فأبدلوا الدال من التاء المبدلة من الواو؛ لأن الأصل وولج؛ لأنه من الولوج، ولا تجعل الواو بدلا من الواو كما تقدم. وأما من الذال ففي: ذكر لا غير جمع ذكرة قالوا: دكر. قال ابن عصفور: وكأن الذي سهّل ذلك قلبهم لها في: ادّكر، ومدّكر فألف فيها القلب فقلبت دالا، وكان موجب القلب قد زال وهو الإدغام (¬2). الضاد أبدلت من السين بالشرط الذي ذكره المصنف كما عرفت، الراء أبدلت من اللام خاصة، قالوا في - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) الممتع (1/ 358 - 359).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لعل: رعلّ و: رجل وجر وأوجر في وجل وأوجل كما تقدم. الفاء أبدلت من التاء خاصة. قالوا: في ثم: فم (¬1)، وفي حدث: حدف، وفي ثوم: فوم كما تقدم. الشين أبدلت من الجيم كما ذكر المصنف، قالوا في مدمج: مدمش، وكذا من كاف المؤنث نحو: أكرمتش، ومن السين في جعسوس كما ذكر الشيخ، وقد تقدم. الكاف أبدلت من القاف كما ذكر المصنف. قالوا: عربي كح قح وقد تقدم، ومن الياء نحو قول القائل: 4371 - يا ابن الزّبير طالما عصيكا (¬2) أي: عصيت السين أبدلت من السين ومن الياء. أما السين فنحو قولهم في الشّده ومشدوه السّده ومسدوه، ذكره ابن عصفور في الممتع (¬3). وأما التاء فنحو: استخذ، زعم سيبويه أنهم كرهوا تضعيف التاء؛ فأبدلوا من الأولى سينا مكانها؛ كما أبدلوا من السين تاء في ست (¬4)، وزعم بعضهم أنها ليست ببدل، بل أصله: استنجد على وزن: استفعل من نجد، وأجاز سيبويه هذا الوجه. الهمزة أبدلت من خمسة أحرف وهي: الألف، والياء، والواو، والهاء، والعين. فأما إبدالها من الألف، والواو، والياء فمطرد وغير مطرد، والمطرد منه ما هو واجب نحو: رسائل، وعجائز، وصحائف، وبائع، وقائم وما شاكل ذلك كله مما تقدم ذكره في فصول الإبدال نحو: أقتت في وقتت، وأجوه في وجوه ونحو: إشاح في وشاح عند من يرى أنه مطرد، وقد تقدم الكلام على هذا القسم أعني المطرد بجملته، والكلام - ¬

_ (¬1) انظر: القلب والإبدال (4/ 447). (¬2) رجز، قال أبو زيد: لراجز من حمير، وبعده: وطالما عنّيكنا إليكا ... لنضربن بسيفنا قفيكا والشاهد: على أنه قد جاء بالكاف بدلا من التاء في عصيكا، والأصل: عصيت، قال ابن جني في سر الصناعة: أبدل الكاف من التاء؛ لأنها أختها في الهمس. وانظره في: نوادر أبي زيد (ص 105)، وسر الصناعة (1/ 281)، والممتع (1/ 414)، والرضي (3/ 202)، وشرح شواهد الشافية (ص 425). (¬3) الممتع (1/ 410). (¬4) قال في الكتاب (2/ 429): «وقال بعضهم: استخذ فلان أرضا، يريد اتخذ أرضا كأنهم أبدلوا السين مكان التاء في اتخذ، كما أبدلوا حيث كثر في كلامهم وكانتا تاءين فأبدلوا السين مكانها، كما أبدلت التاء مكانها في ست، وإنما فعل هذا كراهية التضعيف».

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الآن في غير المطرد. وفي إبدالها من العين، والهاء فنقول: أبدلت من الألف على غير قياس إذا كان بعدها ساكن فرارا من اجتماع الساكنين نحو: شأبة ودأبة وقرئ: (ولا الضآلين). وكذا قرئ: (فيومئذ لّا يسئل عن ذنبه إنس ولا جأن). وقد أبدلت من الألف أيضا إن لم يكن بعدها ساكن نحو: عألم، وخأتم، ولكن ذلك قليل جدّا، حتى يقال: إنه لا يقاس عليه في الضرورة، بخلاف: دأبه؛ فإنّه [6/ 214] يقاس عليه فيها خاصة، وأبدلت على غير قياس أيضا من الواو المفتوحة نحو: أجم في: وجم، و: امرأة أناة، وأصله: وناة من: الونى (¬1)، وهو الفتور، و: أحد في وحد، و: اسما في: وسما، وأبدلت من الهاء في: ماء، أصله: موه بدليل: أمواه، وقد قالوا: أمواء، فأبدلوا الهمزة من الهاء في آل. أصله: أهل، ثم أأل، ثم آل، هذا القول المختار فيه (¬2)، ويدل قولهم في التصغير: أهيل. وقالوا في هل فعلت؟ أل فعلت؟ فأبدلوا الهمزة من الهاء وحكي في هذا: آذا، وأبدلت من العين في كلمة واحدة وهي: أباب بخر، الأصل: عباب بخر (¬3)؛ لأنه أكثر استعمالا من أباب بخر. قال الشيخ: ومن غريب ما حكي إبدالها من الخاء ومن العين، قالوا في صرخ: صرأ، رواه الأخفش عن الخليل. و: رأته بمعنى: رعته. رواه النضر بن شميل عن الخليل. الألف أبدلت من أربعة أحرف وهي: الهمزة، والياء، والواو، والنون الخفيفة. أما إبدالها المطرد من الهمزة والياء فقد تقدم؛ وكذا إبدالها من نون المنصوب. وأما إبدالها غير المطرد: فأبدلت من الهمزة المتحركة المفتوح ما قبلها نحو قوله: 4372 - إذا ملا بطنه ألبانها حلبا ... باتت تغنيه وضرى ذات أجراس (¬4) ومن أبيات الكتاب: 4373 - راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعي فزارة لا هناك المرتع (¬5) - ¬

_ (¬1) راجع الكتاب (2/ 355). (¬2) انظر الجاربردي (1/ 317). (¬3) انظر الممتع (1/ 352). (¬4) من البسيط لم أعرف قائله، والوضرى: المرأة الوسخة، والشاهد: قوله: ملا، والأصل: ملأ فأبدل من الهمزة ألفا وانظره في: المحتسب (2/ 162)، واللسان «وضر». (¬5) من الكامل للفرزدق، والشاهد: قوله: لا هناك، والأصل: لا هنأك فأبدل الهمزة ألفا، وهو من -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يريد: لا هنأك، ومن أبيات الكتاب أيضا: 4374 - سالت هذيل رسول الله فاحشة ... ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب (¬1) يريد: سألت، وأما قولهم: المراة والكماة، في المرأة والكمأة، فإنه من باب نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، ثم بعد النقل لم يحذفوا الهمزة بل بقيت ساكنة بعد فتحة فحذفت الفاء، وهو شذوذ أيضا. الميم أبدلت من أربعة أحرف وهي: الباء، والنون، والواو، واللام، وقد تقدم الكلام على ذلك؛ المطرد منه وغير المطرد، اللازم والجائز. النون تقدم الكلام على إبدالها من اللام، وأنهم يقولون: لعنّ في لعل. وأبدلت من الهمزة أيضا في النسب إلى صنعاء وبهراء. قالوا: صنعاني وبهراني، الطاء إنما أبدلت من التاء لا غير؛ فأما الإبدال المطرد اللازم فقد ذكر في فصول الإبدال، وهو إبدالها من تاء الافتعال. وأما الإبدال غير المطرد: وهو إبدالها من تاء الضمير، وهو في حبط وفحصط (¬2)، فقد تقدم الكلام عليه في الفصل الذي فرغ منه الآن. الياء قد تقدم أن الذي تبدل منه الياء خمسة عشر حرفا وهي: النون، والميم، والهاء، والعين، والياء، والسين، والتاء، والراء، واللام، والصاد، والضاد، والدال، والكاف، والجيم، والثاء، وقد تقدم الكلام عليها حرفا حرفا، وذلك في الإبدال غير المطرد. وتبدل من الهمزة، والواو، والألف إبدالا مطردا كما عرفت في فصول الإبدال. فيكون مجموع ما تثبت منه الياء ثمانية عشر حرفا. الثاء أبدلت من الفاء، قالوا: معثور في معفور، وقد تقدم. وقد عرفت أن التكافؤ في الإبدال وقع بين الدال، والثاء؛ فتكون الثاء تبدل من الذال أيضا كقولهم: جذوة جثوة. فعلى هذا الثاء تبدل من الفاء والذال. الواو أبدلت من ثلاثة أحرف وهي: الهمزة والألف والباء وقد تقدم ذلك. الهاء أبدلت من الميم؛ كما أبدلت الميم منها نحو: با اسمك؟ أصله: ما اسمك؟ وقد تقدم. العين - ¬

_ - شواهد الكتاب (2/ 170)، والمقتضب (1/ 163)، والخصائص (3/ 152)، والمحتسب (2/ 173)، وابن يعيش (4/ 122، 9/ 111، 113)، وديوانه (ص 508). (¬1) من البسيط لحسان بن ثابت، وهو من شواهد الكتاب (2/ 131، 170)، والمقتضب (1/ 167) والمحتسب (1/ 90)، وابن يعيش (4/ 122، 9/ 111، 114)، وشرح شواهد الشافية (ص 339)، وقد أنشد حسان البيت عند ما أسلم أبو كبير الهذلي، ثم أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وسأله أن يحل له الزنى. (¬2) انظر: الكتاب (2/ 314)، والممتع (1/ 361).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أبدلت من الحاء كما أبدلت الحاء منها، وقد تقدم. الزاي أبدلت من حرفين: السين والصاد كما تقدم. التاء أبدلت من سبعة أحرف وهي: الواو، والياء، والسين، والصاد، والطاء، والذال، والهاء، ومنه ما هو لازم مطرد، ومنه ما هو غير مطرد وغير لازم، وقد تقدم الكلام في ذلك بما فيه غنية. الهاء أبدلت من خمسة أحرف وهي: الألف، والهمزة، والياء، والواو، والتاء؛ فأما إبدالها من الهمزة فنحو قولهم: هياك في: إياك، وطيئ يقولون في إن فعلت فعلت: هن فعلت فعلت، وقالوا: لهنك على اللزوم لما باشرت اللام أن، وقالوا: هما والله، يريدون: أما والله، وأبدلت من الهمزة أيضا من أثرت التراب، وأرحت الماشية، وأرقت الماء، وأردت الشيء، وفي ما تصرف منها. قالوا: هثرت، وهرحت، وهردت (¬1) وفعلوا ذلك في المضارع، واسم الفاعل من الكلمات المذكورة. وقالوا: هزيد منطلق؟ يريدون: أزيد منطلق؟ (¬2)، وأنشد الفراء: 4375 - وأتى صواحبها، فقلن هذا الّذي ... منح المودّة غيرنا وجفانا (¬3) أي: أذا الذي، وأما إبدالها من الياء فنحو: هذه في: هذي، والدليل على أن الياء هي الأصل قولهم في تصغير ذا: ذيّا، وذي إنما هو تأنيث ذا، فكما لا تجد الهاء في المذكر أصلا، لا يكون في المؤنث أصلا، وكذا أبدلت من الياء في: هنيهة، الأصل هنيوة؛ لقولهم في الجمع: هنوات، ثم: هنية، لأجل الإدغام، ثم أبدلوا من الياء الثانية هاء فقالوا: هنيهة. وأما إبدالها من الواو فنحو قولهم: هناه، والأصل: هناو، فأبدلت الواو هاء وهو من لفظ هن، ولا تجعل الهاء بعد الألف أصلا؛ لأنه لا يحفظ تركيب (هـ ن هـ). وقال أبو زيد: إن الهاء لحقت في الوقف لخفاء الألف كما لحقت في الندبة. قال ابن عصفور: والوجه عندي أنها زائدة للوقف (¬4)، وأما إبدالها من التاء فنحو قولهم في: طلحة وفاطمة إذا وقفوا عليها: طلحه - ¬

_ (¬1) راجع الممتع (1/ 399). (¬2) راجع المرجع السابق، والرضي (3/ 223، 224). (¬3) من الكامل، قيل: الجميل بن معمر، والشاهد فيه: قوله: هذا الذي يريد: أذا الذي فأبدل الهاء من الهمزة، والبيت من شواهد ابن يعيش (7/ 78، 10/ 43)، والمفصل (2/ 262)، والرضي (3/ 224)، وشرح شواهد الشافية (ص 447)، والمقرب (2/ 178)، والممتع (1/ 400). (¬4) الممتع (1/ 401 - 402).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وفاطمه (¬1)، القاف أبدلت من الكاف؛ كما أبدلت الكاف منها. وقد تقدم ذكر ذلك. الحاء أبدلت من العين كما أبدلت العين منها، وقد تقدم ذكر ذلك. الغين أبدلت من العين مثال قولهم: لغل في لعل. ومن الخاء في نحو: غطر يغطر في: خطر يخطر. الضاد أبدلت من اللام. قالوا: رجل جضد أي: جلد. كما أبدلوا اللام في الطجع. الدال أبدلت من الذال في قراءة من قرأ: (فشرّز) بالمعجمة، كما أبدلوا من الذال الدال في: دكر في معنى: ذكر جمع ذكرة، فهذه ثمانية وعشرون حرفا ولم يبق من الحروف غير الظاء؛ فإنها لم يذكر إبدالها حرف، وقد أفهم كلام الشيخ الذي ذكرناه عنه أولا أن الإبدال وقع في جميع الحروف وليس كذلك؛ لأن الظاء لم يتفق لها ذلك. ثم إننا الآن نشير إلى أمرين: الأول: أن سيبويه - رحمه الله تعالى - لم يذكر في حروف البدل شيئا من هذه السبعة وهي: السين، والصاد، والزاي، والعين، والكاف، والفاء، والشين. قال ابن عصفور - رحمه الله تعالى -: والسبب في أن سيبويه لم يذكر هذه السبعة في حروف البدل أنها تنقسم قسمين: قسم الإبدال فيه مراد به تقريب الحرف من غيره؛ فبابه أن يذكر في البدل الذي يكون بسبب [6/ 215] الإدغام؛ لأنه يشبهه، وهو إبدال الصاد من السين إذا كان بعدها طاء أو خاء أو غين أو قاف. وقسم الإبدال فيه قليل جدّا، أو في لغة بعض العرب فلم يعتبره، وهو ما بقي من سبعة الأحرف، فأما الكاف والسين والشين فإبدالها قليل جدّا، وأما العين فإبدالها من الهمزة قليل، ولا يفعل ذلك إلا بنو تميم، وكذلك إبدال الزاي من الصاد إنما تفعله كلب (¬2). الثاني (¬3): ذكروا أن البدل يعرف - أي: يستدل عليه - بأمور خمسة وهي: الاشتقاق، وقلّة الاستعمال، وكونه فرعا والحرف زائد، أو كونه فرعا والحرف أصل، ولزوم بناء مجهول. فالأول نحو: تراث وأجوه، والثاني: كالثعالي، والثالث: كضويرب، والرابع: كمويه تصغير ماء، والخامس: كهراق واصطبر وادّارك (¬4). ذكر ذلك أبو عمرو ابن الحاجب في تصريفه، وفي بعضه نظر. وأمر - ¬

_ (¬1) المرجع السابق. (¬2) الممتع (1/ 415). (¬3) أي: الأمر الثاني من الأمرين اللذين أشار إليهما الشارح. (¬4) الرضي (3/ 197).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ البدل لا يكاد يخفى على من له النظر إلا في الكلمات القليلة الاستعمال؛ فإن الأمر فيها يحتاج إلى نقل اللغة الأصلية في تلك الكلمة وهذا إنما يحتاج إليه أيضا في البدل الذي تكافأ فيه حرفان في البدل ولم يعلم الاشتقاق، أما ما لم يحصل فيه التكافؤ فغير محتاج إلى ذلك. * * *

الباب السابع والسبعون باب مخارج الحروف

الباب السابع والسبعون باب مخارج الحروف [بيان المخارج، والحروف الخاصة بكل مخرج] قال ابن مالك: (أقصى الحلق للهمزة والهاء والألف، ووسطه للعين والحاء، وأدناه للغين والخاء، وما يليه للقاف، وما يليه للكاف، وما يليه للجيم والشّين والياء، وأوّل حافّة اللّسان وما يليه من الأضراس للضّاد، وما دون حافّته إلى منتهى طرفه ومحاذي ذلك من الحنك الأعلى للّام، وما بين طرفه وفويق الثّنايا للنّون والرّاء وهي أدخل في ظهر اللّسان قليلا، وما بين طرفه وأصول الثّنايا للطّاء والدّال والتّاء، وما بينه وبين الثّنايا للزّاي والسّين والصّاد، وهي أحرف الصّفير، وما بينه وبين أطراف الثّنايا للظّاء والذّال والثّاء، وباطن الشّفة السّفلى وأطراف الثّنايا العليا للفاء، وما بين الشّفتين للباء والواو والميم). الشّرح: والمراد حروف الهجاء، وحروف التهجي، ويسميها الخليل وسيبويه حروف العربية، أي: اللغة العربية، ويقال لها أيضا: حروف المعجم؛ لأنها مقطعة لا تفهم إلّا بإضافة بعضها إلى بعض، وحروف أبي جاد. ومخرج الحرف: الموضع الذي ينشأ الحرف منه، وطريق معرفته أن تسكن الحرف وتدخل عليه همزة الوصل (¬1) وتنطق به، فما استقر فيه فهو مخرجه، وهذه الحروف تسعة وعشرون حرفا، وعدد مخارج الحروف عند الخليل (¬2) وسيبويه ستة عشر مخرجا، والأكثرون على ذلك، وقال الجرمي (¬3) والفراء وغيرهما: هي أربعة عشر مخرجا، فجعلوا مخرج اللام والنون والراء واحدا. أقصى الحلق للهمزة والهاء والألف وهي على رتبة واحدة عند الأكثرين. وقال الأخفش: الهمزة أول والهاء والألف في مرتبة واحدة، وقيل: هي على الترتيب المذكور. - ¬

_ (¬1) المساعد (4/ 240، 241). (¬2) الكتاب (4/ 433). (¬3) انظر: المصدر السابق (4/ 433)، والشافية (3/ 251).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ووسطه للعين والحاء وهذا كلام سيبويه، وبه صرح بعضهم، وبعضهم جعل العين بعد الحاء ولا توجد الحاء في غير كلام العرب، وانفرد الكلام بكثرة استعمالهم للعين، وغير العرب من لا ينطق بها. وأدناه للغين والخاء أي: أدناه إلى الفم، وهذه الحروف السبعة وهي حروف الحلق، وقيل: الألف هوائية لا مخرج لها، وحروف الحلق ستة. وما يليه للقاف أي: ما يلي أدنى الحلق إلى الفم، وهو أول أقصى اللسان. وما يليه للكاف وهو ثاني أقصى اللسان، فلأقصى اللسان حرفان: القاف من أول المخرج مما يلي الحلق من أقصى اللسان، وما فوقه من الحنك، والكاف من المخرج الثاني بعد القاف، وهو من أسفل مخرج القاف من اللسان قليلا، وما يليه من الحنك، ويسميها الخليل: لهويين؛ لأنهما يخرجان من اللهاة، وهي ما بين الفم والحلق. وما يليه للجيم والشين والياء وهي من وسط اللسان، بينه وبين وسط الحنك وهو الثالث من المخارج. وأول حافة اللسان، وما يليه من الأضراس للضاد وهذا هو الرابع من مخارج اللسان، والمراد بما يليها من الأضراس الأيمن، والأيسر، والضاد من الحروف التي انفردت العرب بكثرة استعمالها، وهي قليلة في لغة بعض العجم، ولا يخرج من مخرجها غيرها. وما دون حافته إلى منتهى طرفه ومحاذي ذلك من الحنك الأعلى للام، وهذا هو الخامس من المخارج، ويأتي إخراجها من حافتي اللسان اليمنى واليسرى، وهي من اليمنى أمكن، بخلاف الضاد فهي من اليسرى. وما بين طرفه وفويق الثنايا للنون والراء، وهذا هو السادس من مخارج اللسان، ولكن الراء أدخل في ظهر اللسان قليلا؛ لانحرافه إلى اللام. قال ابن مالك (¬1): وهي أدخل في ظهر اللسان قليلا، وهي عبارة سيبويه نقلها ابن مالك في التسهيل، وهذا هو السابع من مخارج اللسان، وذهب أن اللام والراء والنون من مخرج واحد وهو طرف اللسان. قال ابن أبي الأحوص (¬2): وقول سيبويه: إنها ثلاثة مخارج، - ¬

_ (¬1) التسهيل (ص 319). (¬2) المساعد (4/ 242).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ هو الصواب لتباين مخارجها، عند اختبار المخرج في النطق بإسكانها، وإدخال همزة الوصل عليها. وما بين طرفه وأصول الثنايا للطاء والدال والتاء، والمراد: الثنايا العليا، مصعدا إلى الحنك، وهذا هو الثامن من مخارج اللسان. وما بينه وبين الثنايا للزاي والسين والصاد؛ فتخرج من بين طرف اللسان، وفويق الثنايا، وهذا هو المخرج التاسع من مخارج اللسان. وهي أحرف الصفير وتسمى أسلية؛ لأنها من طرف اللسان، وهو أسلته، والعرب أكثرت من استعمال الصاد، وهي قليلة في لغة العجم، ومفقودة في لغة كثير منهم. وما بينه وبين أطراف الثنايا للظاء والذال والثاء، وهذا هو المخرج العاشر، وبه تمت، والظاء مما انفردت به العرب، والذال ليست في الفارسية، والثاء ليس فيها، ولا في الرومية. وباطن الشفة السفلى، وأطراف الثنايا العليا للفاء، وهذا هو المخرج الحادي عشر. وما بين الشفتين للباء والواو والميم (¬1)، وهذا هو المخرج الثاني عشر. فثلاثتها مما بين الشفتين، غير أن الشفتين تنطبقان في الباء والميم، ولا تنطبقان في الواو، وقد كملت المخارج المذكورة خمسة عشر، بالثلاثة التي بالحلق، ولكن سيبويه (¬2) يجعلها ستة عشر مخرجا: ثلاثة للحلق، ثم من أقصى اللسان: القاف، ومن أسفله: الكاف، ومن وسط اللسان: الجيم والشين والباء، ومن أول حافة اللسان الضاد، ومن أدنى حافة اللسان: النون، ومن مخرج النون: الراء، ومن طرف اللسان: الطاء والدال والتاء، مع أصول الثنايا، ومن طرف اللسان وفوق الثنايا: الزاي والسين والصاد، ومن طرف اللسان وأطراف الثنايا: الظاء والذال والثاء، ومن باطن الشفة السفلة، وأطراف الثنايا العليا: الفاء، ومن بين الشفتين: الباء والميم والواو. ¬

_ (¬1) انظر الشافية (3/ 251). (¬2) الكتاب (4/ 433).

[تفريع على حروف الهجاء]

[تفريع على حروف الهجاء] قال ابن مالك: (فصل: لهذه الحروف فروع تستحسن، وهي: الهمزة المسهّلة، والغنّة ومخرجها الخيشوم، وألفا الإمالة والتّفخيم، والشّين كالجيم، والصّاد كالزّاي، وفروع تستقبح وهي: كاف كجيم، وبالعكس، وجيم كشين، وصاد كسين، وطاء كتاء، وظاء كثاء، وياء كفاء، وضاد ضعيفة). الشّرح: يشير ابن مالك بما سبق إلى أن الهمزة من جملة حروف المعجم، خلافا للمبرد، ودليله أنّ أقل أصول الكلمة المعربة ثلاثة أحرف؛ فلو تكن حرفا لكان مثل أخذ، أجل على حرفين، ومعنى تستحسن: أي توجد في كلام الفصحاء، والهمزة المسهّلة فرع عن الهمزة المخففة، وهي حرف واحد عند سيبويه، وعند السيرافي (¬1) ثلاثة، ويقال لها: همزة بين بين، أي: بين الهمزة وحرف من حروف اللين. والغنة ومخرجها الخيشوم وهي فرع النون، ولا عمل للسان في الغنّة، والخيشوم، خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم، وليس بالمنخر (¬2). وألفا الإمالة، والتفخيم وأصلهما الألف المنتصبة، التي ليس فيها تفخيم ولا ترقيق، وألف الإمالة هي القريبة من الألف الأصلية، وذلك في الإمالة اليسيرة، وألف التفخيم هي التي بين الألف والواو، قال سيبويه (¬3): كقول أهل الحجاز: الصلوة والزكوة والحيوة، ولذلك كتبت بالواو. والشين كالجيم وهي فرع عن الجيم الخالصة، كقولهم في أشدق: أجدق بين الشين، والجيم. والصاد كالزاي وأصلها الزاي الخالصة، وهي التي يقل همسها قليلا، فيحدث فيها جهر ما مثل: قزد له أي قصد له، وقولك في مصدر: مزدر. وفروع تستقبح وهي كاف كجيم، وبالعكس، وجيم كشين، وصاد كسين، - ¬

_ (¬1) المساعد (4/ 243)، والشافية (3/ 256). (¬2) الشافية (3/ 255). (¬3) الكتاب (4/ 432).

[بيان الصفات المختلفة لكل حرف]

[بيان الصفات المختلفة لكل حرف] قال ابن مالك: (فصل: من الحروف مهموسة، يجمعها: «سكت فحثّه شخص»، وما عداها مجهورة، ومنها شديدة يجمعها: «أجدك تطبق»، ومتوسّطة يجمعها: «لم يروعنا؟» وما عداها رخوة. والصّاد والضّاد والطّاء والظّاء مطبقة، وما عداها منفتحة، والمطبقة مع الغين والخاء والقاف مستعلية، وما عداها منخفضة، وأحرف القلقلة: «قطب جد» والليّنة: «واي» والمعتلة هنّ والهمزة، والمنحرف اللّام، والمكرّر الرّاء، والهاوي الألف والمهتوت الهمزة، وأحرف الذّلاقة: «مر بنفل» والمصمتة ما عداها، وما سوى هذه من ألقاب الحروف نسب إلى مخارجها أو ما جاورها). ـــــــــــــــــــــــــــــ وطاء كتاء يريد ابن مالك بأنها لا توجد في لغة عربية جيدة، ولا تستحسن في قراءة ولا شعر فيقولون في مثل كمل: جمل، وهي لغة في اليمن وكثيرة في بغداد، وبالعكس جيم ككاف مثل: رجل في ر كل، وجيم كشين مثل قولهم في الأجدر: الأشدر (¬1)، وفي اجتمعوا: اشتمعوا، إذا سكنت وبعدها دال أو تاء. وصاد كسين مثل: سابر في صابر. وطاء كتاء مثل: تال في طال، وهي لغة تسمع من عجم أهل المشرق كثيرا. وظاء كثاء نحو: ثالم في ظالم. فقد أبدل الظاء ثاء. وباء كفاء مثل: بلخ وأصبهان، ينطقونها: فلخ وأصفهان. وضاد ضعيفة؛ وذلك إذا قلت: ضرب؛ ولم تشبع مخرجها، ولا اعتمدت عليه، ولكن يخفف ويختلس، فيضعف (¬2) إطباقها، وهذا قول الفارسي، أما ابن خروف فيرى أنها المنحرفة عن مخرجها. الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى صفات الحروف المختلفة فمنها: الحروف المهموسة، والهمس لغة: الصوت الخفي، والمهموس في الاصطلاح عند سيبويه: حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النّفس معه. وسماه بذلك لخفاء النطق - ¬

_ (¬1) الشافية (3/ 256). (¬2) شفاء العليل (3/ 1116).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ به، والحروف المهموسة عشرة أحرف، يجمعها قولك: «سكت فحثه شخص». وما عداها مجهورة، وعددها تسعة عشر حرفا، والمجهور كما قال سيبويه (¬1): حرف أشبع الاعتماد في موضعه، ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه، ويجري الصوت. ومنها شديدة يجمعها قولك: أجدك تطبق وذكر سيبويه أن معنى الشدة: هو امتناع الصوت أن يجري في الحرف، فلو رقق معه الصوت في القاف والجيم مثلا نحو: الحق والحج؛ لامتنع عليك؛ وذلك أنك لو قلت: ألحج ثم مددت صوتك لم يجز ذلك، ويجمعها قولك: «أجدك تطبق»، وجمعها من قبله: «أجدك قطبت». ومتوسطة يجمعها: لم يروعنا وهي التي بين الشدة والرخاوة، ويجمعها قولهم: «لم يروعنا؟» وجمعها بعضهم بقوله: «ولينا عمر» (¬2) وهو حسن، وعدد حروفها ثمانية. وما عداها رخوة، وهي ما عدا الحروف الشديدة، وحروف «لم يروعنا؟»، وعددها ثلاثة عشر حرفا وهي: الحاء، والهاء، والغين، والخاء، والشين، والصاد، والضاد، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال، والفاء، وذلك إذا قلت: والطسّ وانقض، وأشباه ذلك، أجريت فيه الصوت إن شئت، فالجاري في الهمس: النفس، والجاري في الرخاوة: الصوت. والصاد، والضاد، والطاء، والظاء مطبقة؛ وذلك لانطباق اللسان فيها على الحنك. وما عداها منفتحة؛ لأنها لا ينطبق اللسان بشيء منها على الحنك، والانفتاح ضد الانطباق، وهي كل ما سوى الحروف المطبقة السابقة (¬3). والمطبقة مع الغين، والقاف مستعلية؛ لأن اللسان يعلو بها إلى الحنك، ولا ينطبق ولذا تمنع من الإمالة، والمطبقة يعلو بها وينطبق. وما عداها منخفضة؛ وذلك لأن اللسان لا يستعلي بها، بل ينسفل بها إلى قاع الفم، وبعضهم يسميها: مستفلة. وأحرف القلقلة: قطب جد؛ وذلك لأنها لا تنضغط عن مواضعها، فلا نستطيع - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 434). (¬2) انظر: المساعد (4/ 245)، وما بعدها. (¬3) انظر: الشافية (3/ 259).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ الوقف عليها إلّا بصوت؛ نحو: الحق، وبعضهم عدّ التّاء من حروفها. واللينة: واي؛ لأنها تخرج في لين من غير كلفة على اللسان، وإذا كان ما قبل الياء والواو محركا بمجانس كانتا حرف مد كالألف. والمعتلة هنّ والهمزة أي الحروف المعتلة الثلاثة السابقة والهمزة معها؛ لأن الإعلال والانقلاب يكون فيها، ومن عدّ الهمزة فيها الفارسي ومكي، وقيل عنها: إنها حرف شبيه بحرف العلة (¬1)، وزاد بعضهم الهمزة؛ لأنها قد تقلب همزة. والمنحرف اللام، وسميت بذلك؛ لأنها شاركت أكثر الحروف في مخارجها. والمكرر الراء؛ لأنها تتكرر على اللسان؛ فكأنك نطقت بأكثر من حرف، قال سيبويه (¬2): والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة. والهاوي الألف، وسمي بذلك لاتساع هواء الصوت، ومخرجه أشد من اتساع مخرج الياء، والواو على ما قال سيبويه (¬3)، وقيل: لأنها تهوي في الفم، فلا يعتمد اللسان على شيء منها. والمهتوت الهمزة، وسميت بذلك الهمزة؛ لأنها معتصرة كالتهوع (¬4)، ولكثرة عروض الإبدال منها فتنكسر. وأحرف الذلاقة: مر بنفل؛ لأنها من طرف اللسان والفم، وطرف كل شيء ذلقه، وهذه الأحرف الستة الكثير كون الرباعي والخماسي مشتملا على بعضها نحو جعفر وقليل جدّا خلاف ذلك، نحو عسجد. والذلاقة: الفصاحة والخفة في الكلام، وهذه الحروف أخفها، ولا ينفك رباعي ولا خماسي من حرف منها. والمصمتة ما عداها أي ما عدا أحرف الذلاقة، وهذا يقتضي دخول الهمزة والألف والياء والواو فيها، وهذه طريق ابن مالك؛ ولكن الخليل أسقط هذه الأحرف (¬5) منها وسميت مصمتة؛ لأنها اجتمعت فلم تدخل في الأبنية كلها، ولم تنفرد المصمتة بكلمة خماسية أو رباعية إلا قليلا جدّا. - ¬

_ (¬1) المساعد (4/ 247). (¬2) الكتاب (4/ 435). (¬3) المساعد (4/ 248). (¬4) المصدر السابق، الصفحة نفسها، والشافية (3/ 289). (¬5) التّقيّؤ.

[بيان إدغام المتماثلين والمتقاربين]

[بيان إدغام المتماثلين والمتقاربين] قال ابن مالك: (فصل: في الإدغام (¬1): يدغم أوّل المثلين وجوبا إن سكن ولم يكن هاء سكت، ولا همزة منفصلة عن الفاء، ولا مدّة في آخر أو مبدلة من غيرها دون لزوم، ولا ممدودا، ما لم يكن جاريا بالتّجريد مجرى الحرف الصّحيح، وكذلك إن تحرّكا في كلمة لم تشذّ، ولم يضطرّ إلى فكّهما، ولم يصدّرا، ولم تلهما نون توكيد، ولم يسبقهما مزيد للإلحاق، ولا مدغم في أوّلهما، ولم يكن أحدهما ملحقا ولا عارضا تحريك ثانيهما، ولا موازنا ما هما فيه بجملته أو صدره «فعلا أو فعلا أو فعلا أو فعلا أو فعلا، وتنقل حركة المدغم إلى ما قبله إن سكن ولم يكن حرف مدّ أو ياء تصغير). - وما سوى هذه من ألقاب الحروف نسب إلى مخارجها أو ما جاورها، نحو: حرف حلقي، وحرف هوائي؛ فالحلقي منسوب إلى المخرج، والهوائي: منسوب إلى ما جاور المخرج. وأهمل ابن مالك في التسهيل ما ذكره العلماء من صفات الحروف من الصفير والاستطالة والتفشي، وقد نظمها أبو حيان وشرحها ونقلها تلميذه النجيب ابن عقيل، وذكرها في كتابه المساعد (¬2)، ونلخصها في الآتي: الهاوي: الألف، والمستطيل: الضاد: والأغن: حرفا الغنة: النون والميم، والشديدة: «أجدك تطبق»، والرخوة: ما سواها، والمهموسة: «سكت فحثه شخص»، والمجهورة: ما عداها، والمنخفضة: ما سوى المستعلية، والمستعلية: ما تقدم، والمنفتحة: غير المطبقة، والمطبقة: ما تقدم، وحروف الصفير: الصاد والسين والزاي، والقلقلة: ما تقدم؛ واللين تقدم أيضا، والتفشي: السين باتفاق، والصاد باختلاف، والمكرر: الراء واعترض أبو حيان على ابن مالك في ذكر المعتلة، وإسقاط ما يتعلق بالإدغام من الصفير والتفشي والاستطالة مع أن المصنف؛ إنما ذكر الفصل لما بعده من الإدغام. الشّرح: يشير ابن مالك بما سبق إلى الإدغام في الحروف، فإنه لا يكون إلا في - ¬

_ (¬1) في الكتاب: الادّغام بالتشديد، وعند الكوفيين إدغام على إفعال. (¬2) (4/ 249).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتماثلين، والمتقاربين؛ لأن الإدغام في المتقاربين، يرجع إلى المثلين؛ لأن المقارب يقلب من جنس الحرف الآخر، ويدغم أول المثلين وجوبا إن سكن نحو: اضرب بّكرا، بشرط ألا يكون هاء سكت؛ لأن الوقف عليها منوي، فمن وصل مالِيَهْ (¬1) من القراء لم يدغم الهاء في هَلَكَ، وجاء عن ورش: الإظهار والإدغام، وأيضا لا يكون المثلين همزة منفصلة عن فاء الكلمة التالية نحو قولك: أكلأ أحمد، وذلك لثقل الهمزة، فإذا انضم إليها أخرى ازداد الثقل، فوجب البدل بتسهيل الهمز، فزال اجتماع المثلين فلا يدغم، وفي لغة رديئة أدغمتا، فإن اتصلت الهمزة بالفاء وجب الإدغام نحو: سآّل ولآّل. وكذلك ولا مدة في آخر نحو: يعطي ياسر، ويغزو واقد؛ فلا يدغم، فإن كان حرف لين؛ وجب الإدغام نحو: اخشي ياسرا، واخشوا واقدا، وكذا إن كانت المدة ليست في آخر؛ فإنه يجب الإدغام نحو: مفزوّ، وكذا إن كانت المدة مبدلة من غيرها كأن تبني قاول للمفعول تقول: قوول (¬2)؛ فلا تدغم، ويجب الإظهار؛ لئلا يلتبس بفعل، وقوله تعالى: وَرِءْياً (¬3) إذا وقفت لحمزة تبدل الهمزة ياء، وهو بدل غير لازم، فيجوز فيه أن تدغم لعدم لزوم البدل، وأن تدغم لعدم اللبس، والمدة المبدلة لزوما يجب فيه الإدغام كأن تبني من الأوب اسما كأبلم تقول: أوّب، بالإدغام، كما يجب إدغام أول المثلين وجوبا؛ إن تحركا نحو ردّ أصله: ردد، ما لم تشذ الكلمة نحو: ضبب البلد، أي: كثرت ضبابه، أو يجب فكها للضرورة، كقول العجاج: 4376 - الحمد لله العليّ الأجلل (¬4) أو تصدر المثلان نحو: ددن اللهو واللعب، ما لم يكن تاء المضارعة، فقد تدغم بعد مدة نحو: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ (¬5)، أو حركة نحو: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ (¬6). وبشرط أن لا يسبقهما مزيد للإلحاق نحو: ألندد: شديد الخصومة؛ فلا يجوز - ¬

_ (¬1) من قوله تعالى: ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ [الحاقة: 28 - 29]. (¬2) المساعد (4/ 251). (¬3) سورة مريم: 74. (¬4) البيت من الرجز، وأظهر فيه التضعيف ضرورة. انظر المنصف (1/ 142)، والصبان (4/ 399). (¬5) سورة البقرة: 267. (¬6) سورة الملك: 8.

قال ابن مالك: (ويجوز كسره إن كان المدغم تاء الافتعال، فإن سكن ثانيهما لاتصاله بضمير مرفوع أو لكون ما هما فيه «أفعل» تعجبا تعيّن الفك). ـــــــــــــــــــــــــــــ الإدغام لئلا يزول الإلحاق بسفرجل. ولا مدغم في أولهما نحو: ردّد يردّد فهو مردّد، فلا يجوز إدغامه؛ لأن فيه إبطالا للإدغام الذي قبله، فيحصل الإخلال بالكلمة، ولا ملحقا نحو: قردد فهو ملحق بجعفر، أو اسحنكك ملحق باحرنجم، فلا يجوز الإدغام حتى لا يبطل الإلحاق (¬1) بتحريك ما سكن في الملحق به، وتسكين ما تحرك فيه. ولا عارضا تحريك ثانيهما نحو: لن يحيي ويحييه، واردد القوم. ولا موازنا ما هما فيه بجملته أو صدره: فعلا كطلل، أو فعلا كصفف، أو فعلا كذلل أو فعلا نحو: ردد، وهو مثال مصنوع، وذلك لخفة فعل واختصاص غيره بالأسماء. وتنقل حركة المدغم إلى ما قبله إن سكن نحو يردّ، ويقرّ، ويفرّ والأصل: يردد ويقرر، ويفرر، فنقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبله، ثم أدغمت، ونقلت ولم تحذف؛ لئلا يجتمع ساكنان على غير الحد، فإن ما قبل المدغم بقي على حركته، وبشرط ألا يكون حرف مد، وإلا ما نقلت إليه الحركة؛ لأن الألف لا تقبلها؛ وكذلك الواو المضموم ما قبلها، والياء المكسور ما قبلها، فهما يشبهان الألف، نحو: رادّ وأصله: رادد، وتموّد وأصله: تمودد (¬2). وكذلك إن كان ياء تصغير؛ فلا تنقل إليها الحركة؛ لأن وضعها على السكون وتحريكها مخرج لها عن هذا الوضع، فاجتنب نقل الحركة إليها، نحو: دويّبة وأصيّم تصغير دابّة وأصمّ؛ فإن كان حرف اللين غير ياء التصغير؛ نقلت إليه الحركة، نحو يودّ ومودّة. قال ناظر الجيش: يشير ابن مالك إلى أنك إن نقلت حركة التاء من اقتتل إلى القاف، ذهبت همزة الوصل، فنقول: قتّل بفتح القاف، ويجوز كسرها لالتقاء الساكنين: سكون التاء والقاف، وتقول في مضارع قتل: يقتل بكسر القاف والتاء، وتكسرهما في اسم الفاعل، نحو مقتّل، واسم المفعول مقتّل بكسر القاف وفتح التاء، فإن سكن ثانيهما لاتصاله بضمير مرفوع، أو أفعل في التعجب تعين - ¬

_ (¬1) انظر: شفاء العليل (3/ 1120). (¬2) انظر: الكتاب (4/ 438).

[حكم الإدغام قبل الضمير]

[حكم الإدغام قبل الضمير] قال ابن مالك: (والإدغام قبل الضّمير لغيّة، فإن سكن الثّاني جزما أو بناء في غير أفعل المذكور أو كان ياء لازما تحريكها أو ولي المثلان فاء «افتعال» أو «افعلال» أو كان أوّلهما بدل غير مدّة دون لزوم، جاز الفكّ والإدغام (¬1)، وقد يرد الإدغام في ياءين غير لازم تحريك ثانيهما فلا يقاس عليه). - الفك، نحو: رددت، رددن، وارددن؛ فلا يدغم هذا عند الجمهور، نحو: أحبب بزيد؛ وقال الشاعر: 4377 - وقال نبيّ المسلمين تقدّموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقدّما (¬2) وقال عليّ رضي الله عنه: أعزز عليّ أبا اليقظان (عمار بن ياسر) أن أراك صريعا مجدلا. وأجاز الكسائي الإدغام. الشّرح: يشير ابن مالك إلى حكم الإدغام قبل الضمير؛ بأنه لغة ضعيفة (¬3)؛ فيصغرها لقلتها وشذوذها، وهي لغة ناس من بكر بن وائل فيقولون: ردّن، وردّت، وحكى بعض الكوفيين ردنّ بزيادة نون ساكنة قبل نون الإناث مدغمة فيها، وحكي: ردّان في ردّن وهي شاذة. فإن سكن الثاني جزما، نحو: لم يردد، أو بناء نحو: اردد في غير أفعل في التعجب فيتعين فيها الفك نحو: أحبب بزيد، خلافا للكسائي. أو كان ياء لازما تحريكها، نحو: حيّ، فيجب فيها الفك، فإن عرض تحريكها وجب إظهارها، نحو: لن يحيي، وأجاز الفراء الإدغام، لن يحيّ، ويجب الفك أيضا إن ولي المثلان فاء افتعال أو افعلال مثل: احمرار واحوواء. أو كان أولهما بدل غير مدة، نحو: (أثاثا وريّا) (¬4) بإبدال الهمزة ياء في وقف حمزة. وقوله: دون لزوم احتراز من بدل غير المدة اللازم؛ كأن تبني من الأوب اسما على أبلم فإنك تدغم كما - ¬

_ (¬1) جواب قوله: (فإن سكن). (¬2) البيت من الطويل لعباس بن مرداس في الأشموني (3/ 19)، والهمع (2/ 90)، والتصريح (2/ 353)، والشاهد فيه: «وأحبب إلينا» حيث إنه صيغة تعجب، وتعين فيها الفك مثل: «أعزز عليّ» من كلام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه، حينما رأى عمارا مقتولا في صفين، والضمير في «أحبب» للمخاطب، وقيل: للحسن. (¬3) انظر: المساعد (4/ 258). (¬4) من قوله تعالى: هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً [مريم: 74].

[الإدغام في ثاني اللامين]

[الإدغام في ثاني اللامين] قال ابن مالك: (ويعلّ ثاني اللّامين في «افعلّ» و «افعالّ» من ذوات الياء، والواو، فلا يلتقي مثلان فيحتاج إلى الإدغام خلافا للكوفيّين في المثالين، وفي مثل سبعان من القوّة ثلاثة أوجه، أقيسها إبدال الضّمّة كسرة، وتاليتها ياء، والإدغام أسهل من الفكّ، ولا يجوز إدغام في مثل جحمرش من الرّمي، لعدم وزن الفعل خلافا لأبي الحسن). ـــــــــــــــــــــــــــــ سبق، أما سكون الثاني جزما فيجوز فيه: الفك، والإدغام، نحو: لم يردّ ولم يردد، وردّ واردد، ولغة الحجاز (¬1): الإظهار والفك، ولغة تميم، الإدغام وقرئ بهما في: ويحيى من حى عن بينة (¬2)، وتقول: اقتتلوا اقتتالا بالفك، وقتّالا بالإدغام، ومثلها: احوواء، وحوّاء عند الأخفش، وعند غيره حيّاء. وقد يرد - شذوذا - الإدغام في ياءين، غير لازم تحريك ثانيهما، نحو: يعيي فتدغم، وليس تحريك الثانية بلازم؛ لأنها تسكن في الرفع، وتحرك في النصب. كقوله: 4378 - وكأنها بين النّساء سبيكة ... تمشي بسدّة بيتها فتعييّ (¬3) وهذا البيت لا يقاس عليه، قال النحاس (¬4): أجاز الفراء الإدغام في المستقبل، واحتج بأن الياء قد تتحرك نحو: أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (¬5) ولا وجه لقوله عند البصريين؛ لأن التحريك عارض، وقيل: إنه طعن على قائله، وحكم عليه بالشذوذ. الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى حكم الإدغام في ثاني (¬6) اللامين المعلين في: - ¬

_ (¬1) انظر: الشافية (3/ 260)، والكتاب (4/ 439). (¬2) سورة الأنفال: 42. (¬3) البيت من الكامل، ولا يعرف قائله، وانظر الدرر (1/ 31)، والهمع (1/ 53)، والعيني (4/ 349)، وسدة البيت: بابه، والشاهد: قوله: فتعييّ، حيث جاء مدغما، وهو شاذ لا يقاس عليه؛ لأنه أدغم اعتدادا بالحركة العارضة. (¬4) انظر: المساعد (4/ 261). (¬5) سورة الأحقاف: 33. (¬6) انظر: شفاء العليل (3/ 112).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ افعلّ وافعالّ، مثل: إذا بنيت من الرمي افعلّ، تقول: ارميّا، وافعالّ تقول: ارمايّا، وأصل ارميّا: ارمييي تحركت الياء الثانية، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا؛ لأن اللام المعتلة إذا ضوعفت صحت اللام الأولى، وجرت في ذلك مجرى العين، وتعتل الثانية، وتقول في المضارع: يرميي. وأصل: ارمايّا: ارماييي، وتقول فيهما من ذوات الواو: اغزوي واغزاوي، خلافا للكوفيين في المثالين؛ فإنهم يدغمون فيهما يقولون: ارمييّ واغزوّ، وارمايّ واغزاوّ، والسماع يرد ما قالوه، قالوا: ارعوى، واقتوى بدون إدغام. وفي مثل سبعان من القوة ثلاثة (¬1) أوجه ... إلخ كلام المصنف، فتقول أولا فيها: قويان، وهذا قول أكثر أهل العلم، تشبيها للألف والنون بهاء التأنيث، قالوا: وقد نصّ سيبويه على القلب في فعلوه من الغزو، فيقول: غزويه، وهذا هو الرأي الأول. والثاني: مذهب سيبويه (¬2) أنك تقول: قووان، بتصحيح الواوين من غير إدغام ولا قلب؛ لأن ما فيه من زيادة الأسماء تصححه كالجولان. والثالث: الإدغام: وهو قول ابن جني؛ لأنهما مثلان متحركان في مثال يوجد في الأفعال، فالإدغام أسهل، والإظهار مستثقل، ولا نظير له. فتقول: قوّان، بالإدغام. ولا يجوز إدغام في مثل «جحمرش» من الرمي؛ لعدم وزن الفعل فإذا قلت: رمييي كجحمرش قلبت الياء المتوسطة واوا كراهة اجتماع الأمثال، فتقول: رميوي، ويصير من المنقوص، أو قلبتها ألفا؛ لأنها ياء تحركت وفتح ما قبلها، وتسلم الثالثة كما سلمت ياء «آي، زاي»، خلافا لأبي الحسن الأخفش (¬3) الذي ذهب إلى نقل حركة الياء الأولى إلى الساكن قبلها؛ وإدغامها في الياء، فتتطرف الياء الثالثة بعد ياء مكسورة مدغمة فيها أخرى، فتحذفها كما في أخيّ. ¬

_ (¬1) انظر: المساعد (4/ 262). (¬2) انظر: الكتاب (4/ 438). (¬3) انظر: المساعد (4/ 363).

[حكم المثلين المتحركين في كلمة]

[حكم المثلين المتحركين في كلمة] قال ابن مالك: (فصل: إذا تحرّك المثلان من كلمتين ولم يكونا همزتين جاز الإدغام، ما لم يليا ساكنا غير لين، ويبدل الحرف التالي متحرّكا أو ساكنا لينا بمثل مقاربه الّذي يليه، ويدغم جوازا ما لم يكن لينا، أو همزة، أو ضادا، أو شينا، أو فاء، أو ميما، أو صفيريّا قبل غير صفيريّ، أو يلتق الحرفان في كلمة يوهم الإدغام فيها التّضعيف. وإدغام الرّاء في اللّام جائز خلافا لأكثرهم. وربّما أدغم الفاء في الباء، والضّاد في الظّاء، والشّين في السّين، وتدغم في الفاء والميم الباء، وفي الحاء الهاء، وفي الشّين والتّاء الجيم، وفيها وفي الشّين، والضّاد الطّاء والظّاء وشركاؤهما في المخرج والأولى إطباق المطبق). الشّرح: ذكر المصنف هنا حكم إدغام المثلين المتحركين من كلمتين (¬1)، بعد أن سبق الحديث عن هذا الحكم في كلمة واحدة مثل ردد، ولبب وهنا يوضح حكم المثلين المتحركين في كلمتين، فيدغم بشروط لا بد من تحققها حتى يجوز إدغام الحرفين هنا، مثل فعل لبيد، ويد داود، فيجوز الإدغام والإظهار، لغة أهل الحجاز، بشرط ألا يكونا همزتين نحو: قرأ أبوك؛ فالإدغام في هذا رديء، وأيضا ألا يليا ساكنين، وإلا امتنع الإدغام عند البصريين، وقد قرأ أبو عمرو بالإدغام في قوله تعالى: الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا (¬2) والشَّمْسَ سِراجاً (¬3) وشَهْرُ رَمَضانَ (¬4) وغير ذلك، مما قبل المدغم فيه ساكن صحيح. وقد أجاز الفراء الإدغام (¬5) بعد الساكن الصحيح على وجهين: أحدهما: الجمع بين الساكنين. والثاني: إلقاء حركة الأول على الساكن قبله، وخرّج عليه قولهم: عبشمس وأصله: عبد شمس، فأدغموا الدال في الشين، ونقلوا حركتها إلى الباء، وهذا في - ¬

_ (¬1) المساعد (4/ 264). (¬2) سورة آل عمران: 151. (¬3) سورة نوح: 16. (¬4) سورة البقرة: 185. (¬5) المساعد (4/ 265).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ المتقاربين؛ ففي المثلين أجدر، ويمنع ذلك سيبويه والبصريون. وبشرط ألا يكون الساكن السابق غير لين، وإلا جاز الإدغام نحو: المال لك، وثوب بنت، وحبيب بكر، ما لم يكن حرف اللين قد أدغم، نحو: عدوّ واقد، ووليّ يزيد، فلا يدغم في أولهما. ويبدل الحرف التالي متحركا أو ساكنا لينا، بمثل (¬1) مقاربه الذي يليه، ويدغم جوازا، نحو: يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ (¬2)، وهذا سحاب مطر؛ وخرج الساكن الذي ليس بلين، نحو: ضرب مالك، وقد أدغم الفراء شيئا، نحو: والحرث ذلك؛ فإن كان الذي يقارب لينا لم يبدل، ولم يدغم نحو: فضو ياسر وحي واقد، أو همزة، نحو: قرأ هارون. أو ضادا، فلا تدغم الضاد في شيء؛ لأن فيها استطالة وإطباقا واستعلاء، وليس لها مقارب يشركها في ذلك، وشذ الإدغام. أو شينا فلا تدغم؛ لأن في إدغامها إخلالا لصفتها. أو فاء أو ميما، فلا تدغم في مقاربها وهو الفاء والباء والواو، أو صفيريّا قبل غير صفيري فلا يدغم صفيري فيما يقاربه، مما ليس صفيريّا؛ لأن في إدغامه إخلالا بالصفير. أو يلتق الحرفان في كلمة، يوهم الإدغام فيها التضعيف (¬3)، نحو: أنملة، فلا تدغم؛ لأنه لا يدرى إذا أدغمت أن الأصل: أنملة أو أمملة، ولذلك بينت العرب النون الساكنة إذا وقعت قبل الميم، نحو: زنماء - شيء يقطع من أذن البعير - ولم تخفها حتى تبعدها عن الإلباس؛ فإن كان لا يوهم التضعيف جاز: نحو انمحى وامّحى؛ لأن افّعل مفقود (¬4) في كلام العرب، وإدغام اللام في الراء جائز، خلافا لأكثرهم نحو: يَغْفِرْ لَكُمْ (¬5)، والبصريون لا يجيزون إدغام الراء في اللام ولا في النون، لأجل التكرر، وأجاز ذلك الكسائي (¬6) والفراء؛ لسماعهم ذلك، وكذلك الرؤاسي وبه قرأ أبو عمرو (يغفر لّكم) بإدغام الراء الساكنة في اللام. - ¬

_ (¬1) شفاء العليل (3/ 1121). (¬2) سورة المائدة: 40. (¬3) الشافية (3/ 255)، والكتاب (4/ 438). (¬4) المساعد (4/ 267). (¬5) سورة الأحقاف: 31. (¬6) المساعد (4/ 267).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وربما أدغم الفاء في الباء كقراءة القراء (إن نّشأ نخسف بّهم)، قيل: وإدغامها ضعيف في القياس؛ لما فيه من إذهاب التفشي. والضاد في الطاء، نحو: مضطجع، الأوجه البيان، وإن أدغم؛ قلب الثاني للأول، نحو: مضّجع، كمصّبر في مصطبر. قال سيبويه: وقد قال بعضهم: مطّجع (¬1) ومضجع أكثر، وروى اليزيدي عن أبي عمرو إدغام الضاد في الذال، نحو: (الأرض ذلولا)، وأدغمت أيضا في الشين، نحو: (لبعض شأنهم) والسين في الشين، نحو: (واشتعل الرّأس شيبا)، وروي عن أبي عمرو الإدغام والمنع، كما روي عنه الإدغام في عكسه نحو: (إلى ذي العرش سبيلا)، ويمنع البصريون ما سبق. وتدغم في الفاء والميم الباء، نحو: اضرب فاجرا، واصحب مطرا. وفي الحاء الهاء، نحو: اجبه حاتما، ويجوز إدغامه، والأحسن البيان، وقد تدغم الهاء في الحاء والعكس، نحو: امدح هلالا، ونص سيبويه على أن لا تدغم الحاء (¬2) في الهاء. وفي الشين والتاء الجيم، نحو: (أخرج شطأه) والإدغام والبيان حسنان، ولا تدغم الشين في الجيم؛ لأجل تفشي الشين، كرهوا إذهابه، وقد تدغم الشين في الجيم، نحو: أعطش جحدرا، قاله في اللباب (¬3)، وأدغم أبو عمرو الجيم في التاء في قوله تعالى: (مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ) ولم يذكر سيبويه إلا إدغام الجيم في الشين فقط. وفيها وفي الشين والضاد الطاء والظاء وشركاؤهما في المخرج يشير المصنف بذلك إلى أن الجيم، والشين، والضاد: الطاء، والظاء، وشركاء الطاء والظاء، فتشارك الطاء: الدال، والتاء، وتشارك الظاء: الذال، والثاء. فهذه الستة يدغم كل واحد فيها في الجيم، وفي الشين، وفي الضاد، فالطاء في الثلاثة: اضبط جعفرا أو سالما، - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 447). (¬2) الكتاب (4/ 448). (¬3) (2/ 476).

[إدغام التكافؤ وحروفه]

[إدغام التكافؤ وحروفه] قال ابن مالك: (وقع التّكافؤ في الإدغام بين الحاء والعين، وبين الخاء والغين، وبين القاف والكاف، وبين الصّفيريّة، وبين الطّاء والدّال، والثّاء والظّاء، والذّال والثّاء، وتدغم السّتّة في الصّفيريّة، وتدغم في التّسعة، وفي الشّين والضّاد والنّون والرّاء: واللّام وجوبا إن كانت للتّعريف أو شبيهتها وإلّا فجوازا بقوة في الرّاء، وبضعف في النّون، وبتوسّط فيما بقي). ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ضمزة، والدال في الثلاثة: أبعد جعفرا أو سالما أو ضمزة، والتاء في الثلاثة: أسكت مع الثلاثة، والظاء في الثلاثة: عظ مع الثلاثة، والذال فيها: خذ معها، والتاء فيها: ليت معها، ولم يحفظ سيبويه إدغام الستة في الجيم (¬1)، وذكره السيرافي وغيره. قال المصنف في التسهيل: والأولى إبقاء إطباق المطبق أي من هذه الستة، وهو الطاء، والظاء، فمن العرب من يبقي الإطباق، كالغنة في إدغام النون، وبعضهم يذهبه كما يذهب الغنة. وقال سيبويه: كلّ عربي (¬2)، أي: إبقاء الإطباق وتركه. الشّرح: يشير المصنف بذلك إلى أنّه قد أدغم هذا الحرف في ذاك، وذاك في هذا؛ وذلك لوقوع التكافؤ بينهما - بين الحاء والعين - مثل: (فمن زحزح عن النّار) بالإدغام كما جاء عن أبي عمرو، ومنع سيبويه ذلك؛ لأن الحاء أدخل في الفم، يرده السماع الصحيح، والعين في الحاء، نحو: اقطع حبلك، قال سيبويه (¬3): الإدغام والبيان حسنان. وبين الخاء والغين نحو: اسلخ غنمك، وادمغ خلفا، قيل: والإدغام والبيان فيهما حسنان، والذي نص عليه سيبويه أن إدغام الغين في الخاء أحسن من العكس. وبين القاف والكاف، نحو: الحق كندة، وأمسك قطبا، والإدغام والبيان - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 448). (¬2) المصدر السابق (4/ 466)، والتسهيل (ص 322). (¬3) الكتاب (4/ 464).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ حسنان، وقيل: الإدغام أحسن. وبين الصفيريّة فتدغم الصاد في السين والزاي، والسين في الصاد والزاي، والزاي في الصاد والسين، وذلك لتقاربهن في المخرج، واجتماعهن في الصفير، والإدغام فيهن أحسن من الإظهار فيه إذا كان متحركا، مثل: محص سالم أو زاهر، واحبس صابر أو زاهر، وأوجز صابر أو سالم (¬1). وبين الطاء والدال، والتاء والظاء، والذال والثاء فكل واحد من هذه الستة يجوز إدغامه في الخمسة الباقية، فالطاء نحو: اربط دارما، أو تميما، أو ظالّما، أو ذيبا أو ثابتا. والدال نحو: قد طوى، أو تلا، أو ظلم، أو ذرا، أو ثبت. والتاء: قالت طائفة، وجاءت دنيا، رأت ظالما، قتلت ذيبا، أخذت ثعلبا. والظاء: عظ تميما، أو داود، أو طالوت، أو ذا النون، أو ثابتا. والذال: إذ طال، أو تلا، أو ظلم، أو دنا، أو ثبت. والثاء: ابعث تميما، أو طاهرا، أو داود، أو ظافرا، أو ذا النون. وتدغم الستة في الصفيريّة، فتدغم الطاء والدال والتاء والظاء والذال، والثاء في الصاد والسين والزاي. وتدغم في التسعة، وفي الشين، والضاد، والنون، والراء: اللام وجوبا إن كانت للتعريف فالتسعة ما سبق من الطاء إلى الزاي، ولزم الإدغام لكثرة استعمال حرف التعريف هذا رأي البصريين (¬2)، والكسائي يرى الإظهار إلا عند اللام والراء والنون كالصامت. أو شبيهة لام التعريف، كالتي للمح الأصل أو الزائدة، نحو: النعمان واليزيد. وإلا كان جائزا في الراء نحو: هل رأيت؟، والإظهار لغة لأهل الحجاز، ولكون الإدغام أحسن، قرأ معظم القراء به، وقرأ حفص بَلْ رانَ (¬3) بالإظهار وبضعف في النون؛ ولهذا رجع السبعة غير الكسائي إلى الإظهار في هَلْ نَدُلُّكُمْ (¬4). ويتوسط فيما بقي، وهو أحد عشر حرفا: نحو: هل طلب، أو دنا، أو تكلم، أو ظلم، أو ذهب، أو ثأر، أو صبر، أو سمع، أو زال، أو شهد، أو ضرب؟ - ¬

_ (¬1) المساعد (4/ 270). (¬2) شفاء العليل (3/ 1123). (¬3) سورة المطففين: 14. (¬4) سورة سبأ: 7.

[بيان حكم إدغام النون الساكنة بغنة وبغيرها]

[بيان حكم إدغام النون الساكنة بغنّة وبغيرها] قال ابن مالك: (فصل: تدغم النّون السّاكنة دون غنّة في الرّاء واللّام، وبها في مثلها والميم والواو والياء وتظهر عند الحلقيّة، وتقلب ميما عند الباء، وتخفى مع البواقي، وكذا يفعل قاصد التّخفيف بكلّ حرف امتنع إدغامه لوصف فيه، أو لتقدّم ساكن صحيح، وقد يجري المنفصل مجرى المتّصل في نقل حركة المدغم إلى السّاكن). ـــــــــــــــــــــــــــــ والتوسط فيه متقارب. الشّرح: يشير المصنف بذلك إلى حكم إدغام النون الساكنة بغنّة أو بغيرها، فتدغم هذه النون بدون غنة في اللام والراء، نحو: مِنْ رَبِّهِمْ (¬1)، ومِنْ لَدُنْهُ (¬2)، والتنوين كالنون الساكنة، وهذا هو المشهور عند علماء الأداء. وقال سيبويه (¬3): إن شئت كان إدغامها بلا غنة، وإن شئت أدغمت بغنة. وبها في مثلها أي الإدغام بالغنّة في النون، نحو: من نامت، من إدغام المتماثلين. والميم نحو: من مالك، وهذه الغنة للميم التي أبدلا إليها يحق الإدغام، فالغنة للميم المبدلة، وهو إدغام تام، وذهب ابن كيسان (¬4)، وابن مجاهد في أحد قوليه، إلى أن الغنة للنون أو للتنوين، وهو إدغام غير مستكمل، والتشديد غير بالغ. والواو، وتدغم بغنة وبغير غنة، نحو: مِنْ والٍ (¬5). والياء نحو: مِنْ يَوْمِ (¬6) ويكون بغنة، أو بغيرها. والنون الساكنة تدغم في الميم، والواو، والياء، في الكلمتين، فأما في الكلمة، فالإظهار، نحو: زنماء، وصنوان، ودنيا؛ لئلا يلتبس بالمضاعف. - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 5. (¬2) سورة الكهف: 2. (¬3) الكتاب (4/ 443). (¬4) المساعد (4/ 274). (¬5) سورة الرعد: 11. (¬6) سورة الجمعة: 9.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ وتظهر عند الحلقية (¬1) من كلمة ومن كلمتين؛ ويجوز إخفاؤها عند الغين والخاء، وذكر ذلك سيبويه عن قوم من العرب، وروي عن قالون. وتقلب ميما عند الباء وسبق هذا عند قوله: وأبدلت الميم من النون الساكنة قبل ياء. وتخفى مع البواقي وهي خمسة عشر حرفا: التاء، والثاء، والجيم، والدال، والذال، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، والفاء، والقاف، والكاف. والإخفاء حال بين الإظهار والإدغام. وكذا يفعل قاصد التخفيف بكل حرف امتنع إدغامه لوصف فيه، كالضاد مع الشين، نحو: لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ (¬2) فيحمل ما روي من الإدغام على الإخفاء، وأخفى حركة الضاد، فيوهم الإدغام، هكذا قالوا، فإذا استثقل الحرف وأريد تخفيفه فيخفف بإخفاء الحركة اختلاسا، فلا تشبع الحركة، بل ينطق بها بسرعة فلا تمكن ولا إشباع، بل ينطق بها بينهما. أو لتقدم ساكن صحيح، نحو: الرُّعْبَ بِما (¬3) فالباء مما يدغم، لكن منعها ساكن صحيح، فالإدغام يؤدي إلى الجمع بين الساكنين على غير الحد، فيمنع، فإذا أريد التخفيف سلك الإخفاء، فلو كان الساكن غير صحيح نحو: ثوب بكر أو كان المتقدم متحركا، نحو: لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ (¬4) جاز ذلك. وقد يجري المنفصل مجرى المتصل في نقل حركة المدغم إلى الساكن أي يفعل في المنفصل ما يفعل في يرد، ونحوه من المتصل، نحو: يرد وأصله: يردد، ففعل فيه ما سبق، وعلى هذا النحو قولهم في عبد شمس: عبشمس، فنقلوا حركة الدال إلى الباء، وأدغموا الدال في الشين، على ما نقله الفراء (¬5)، وأيده الفارسي. ¬

_ (¬1) شفاء العليل (ص 1124). (¬2) سورة النور: 62. (¬3) سورة آل عمران: 151. (¬4) سورة البقرة: 20. (¬5) المساعد (4/ 277).

[حكم إدغام التاء في مثلها ومقاربها في باب افتعل وما تصرف منه]

[حكم إدغام التاء في مثلها ومقاربها في باب افتعل وما تصرف منه] قال ابن مالك: (فصل: تدغم تاء (تفعّل) وشبهه في مثلها، ومقاربها تالية لهمزة وصل في الماضي والأمر، وقد يحذف تخفيفا المتعذّر إدغامه لسكون الثّاني، كاستخذ في الأظهر، أو لاستثقاله بتصدّر المدغم كـ: تَنَزَّلُ (¬1)، وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ (¬2)، والمحذوفة هي الثّانية لا الأولى، خلافا لهشام). الشّرح: يشير المصنف بذلك إلى أن التاء قد تدغم في التاء، فتقول: اتّبع وشبه تفعّل: تفاعل، فتقول في تتابع: اتّابع، قال الشاعر: 4379 - تولي الضجيع إذا ما اشتاقها خفرا ... عذب المذاق، إذا ما اتّابع القبل (¬3) ومقاربها وهو أحد عشر حرفا: الثاء، والجيم، والدال، والذال، والزاي، والسين، والشين، والصاد، والضاد، والطاء، والظاء، نحو: اثَّاقَلْتُمْ (¬4) أصله: تثاقلتم، والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ (¬5) أصله: يتظاهرون. تالية لهمزة الوصل: أي في غير المضارع؛ بل في الماضي والأمر، نحو: اثَّاقَلْتُمْ، وفَادَّارَأْتُمْ (¬6)، ووَ ازَّيَّنَتْ (¬7)، فَاطَّهَّرُوا (¬8) وهمزة الوصل جيء بها، لتسكين التاء للإدغام، ولا يبتدأ بساكن، والمضارع يبدأ دائما بحرف متحرك؛ فلم يحتج إلى همزة الوصل، والمصدر يكون أيضا بالهمزة، نحو: اطّاهر اطّاهرا، وادّارأ ادّارؤا. وقد يحذف تخفيفا المتعذر إدغامه لسكون الثاني، نحو: أحست في أحسست، وظلت في ظللت، وهي لغة سليم (¬9). كاستخذ في الأظهر، والأصل: استتخذ على استفعل فحذفت التاء؛ لتعذر الإدغام بسبب السكون، وقيل: أصله: اتخذ على افتعل، والسين بدل من التاء. - ¬

_ (¬1) سورة القدر: 4. (¬2) سورة الفرقان: 25. (¬3) البيت من البسيط ولا يعرف قائله والشاهد فيه: اتابع وأصله تتابع. انظر: المساعد (4/ 277). (¬4) سورة التوبة: 38. (¬5) سورة المجادلة: 2. (¬6) سورة البقرة: 72. (¬7) سورة يونس: 24. (¬8) سورة المائدة: 6. (¬9) انظر: المساعد (4/ 278)، واستخذ: طلب الأخذ.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو لاستثقاله بتصدر الأول كتنزّل أصله: تتنزّل فاستثقل اجتماع مثلين، فخفف بحذف أحدهما؛ لتعذر الإدغام، فلو أدغموا لأتوا بهمزة الوصل، والمضارع لا تدخل عليه همزة الوصل، ولهذا جاز الإدغام كقراءة: (فلا تنّاجوا) بالإدغام لمكان المد، ووَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ (¬1) أصله: ننزّل الملائكة فكرهوا اجتماع المثلين؛ فحذفوا أو لاستثقاله بتصدر المدغم كتنزّل. والمحذوفة هي الثانية لا الأولى، خلافا لهشام، يريد تصدر الحرف الذي كان يدغم، وهذا رأي هشام، وغيره (¬2) من الكوفيين؛ فالمحذوف في ذلك حرف المضارعة، ومذهب سيبويه، وغيره من البصريين: أن المحذوف هو الثانية. قال سيبويه (¬3): وكانت الثانية أولى بالحذف؛ لأنها هي التي تسكن، وتدغم في، نحو: فَادَّارَأْتُمْ (¬4) ووَ ازَّيَّنَتْ (¬5) أي: فكما وقع إدغام التي لغير المضارعة، يكون الحذف لها أيضا؛ فكلاهما تخفيف (¬6). * * * ¬

_ (¬1) سورة الفرقان: 25. (¬2) المساعد (4/ 279). (¬3) الكتاب (4/ 476). (¬4) سورة البقرة: 72. (¬5) سورة يونس: 24. (¬6) شرح الكافية الشافية (4/ 2187).

الباب الثامن والسبعون باب الإمالة

الباب الثامن والسبعون باب الإمالة [الإمالة: معناها، وأسبابها، وموانعها] قال ابن مالك: (وهي أن ينحى جوازا في فعل أو اسم متمكّن بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء لتطرّفها وانقلابها عنها، أو مآلها إليها باتّفاق دون ممازجة زائد، أو لكونها مبدلة من عين ما يقال فيه: «فلت»، أو متقدّمة على ياء تليها، أو متأخّرة عنها متّصلة أو منفصلة بحرف أو حرفين ثانيهما هاء، أو لكونها متقدّمة على كسرة تليها، أو متأخّرة عنها منفصلة بحرف أو حرفين أوّلهما ساكن، فإن تأخّر عن الألف مستعل متّصل أو منفصل بحرف أو حرفين غلب - في غير شذوذ - الياء والكسرة الموجودتين لا المنويّتين، خلافا لمدّعي المنع مطلقا، وكذا إن تقدّم عليها المستعلي، لا مكسورا ولا ساكنا بعد مكسور، وربّما منع قبلها مطلقا). الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى معنى الإمالة، وأسبابها، وموانعها، فيقول: إن معنى الإمالة اصطلاحا: أن ينحى جوازا في فعل أو اسم متمكن بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء. ومعناها لغة: مصدر قولك: أملت الشيء أميله إمالة، إذا عدلت به إلى غير الجهة التي هو فيها، وجاء معدّى بالتضعيف أيضا، نحو: ميّله، والمصدر: التمييل، كما جاء ثلاثيّا، نحو: مال يميل ميلا. والغرض منها: قصد مناسبة صوت نطقك بالفتحة لصوت نطقك بالكسرة التي قبلها، نحو: عماد أو بعدها نحو: عالم، أو قصد مناسبة صوت نطقك بالألف؛ بصوت نطقك بأصل هذه الألف، أو لصوت ما يصير إليه الألف في بعض المواضع؛ أو قصد مناسبة فاصلة لفاصلة، أو قصد مناسبة إمالة لإمالة. والخلاصة: أن الغرض منها تناسب الأصوات، وتناسقها بتقارب نغماتها، وتحسين جرسها، وعدم تنافرها من علو يليه (¬1) تسفل، ومن تسفل يليه ارتفاع في الكلمة أو الكلام، والإمالة تجري قياسا في الأفعال المتصرفة، وفي الأسماء المتمكنة، - ¬

_ (¬1) انظر: الوافي في الصرف (ص 144).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أما الأسماء الجامدة والحروف؛ فلا يمالان إلا سماعا؛ وإنما كانت جوازا؛ لأنها في. لسان العرب غير واجبة؛ فتميم، وأسد، وقيس، وعامة نجد يميلون، وأهل الحجاز لا يميلون إلّا في مواضع قليلة سيأتي ذكرها. لتطرفها وانقلابها عنها وهذا مشروع في بيان (¬1) أسباب الإمالة، فالألف المتطرفة المنقلبة عن الياء تمال في الفعل، نحو: رمى، وفي الاسم، نحو: فتى وهي الياء الأصلية؛ وكذلك المنقلبة عن الواو: نحو: أعطى، وملهى؛ وبعض العرب لا يميل ما سبق، ويكرهون أن ينحوا نحو الياء. أو مآلها إليها، باتفاق، دون ممازجة زائد يشير بذلك إلى إمالة الألف، نحو الياء؛ لكونها في طرف، أو آيلة إليها، نحو: غزا، دعا؛ لأنها تصير ياء في أغزيت، ونحو: غزي، ودعي، ونحو: حبليان فهي تمال؛ لأنها تصير إلى الياء، نحو: حبليان، وحبليات، وخرج، نحو: قفا وعصا؛ فلا تمال ألفه هنا في الأسماء، وفي الفعل يجوز، خلافا لأهل الكوفة الذين يجوزون ذلك، والبصريون لا يرون ذلك، وكذلك تمال الألف المبدلة من عين باطراد (¬2) إن كانت في فعل يكسر فاؤه، حين يسند إلى تاء الضمير، يائيّا كان كـ: «بان»، أو واويّا كـ: «خاف»؛ فإنك تقول فيهما: بنت، وخفت؛ فيصيران في اللفظ على وزن فلت، والأصل: فعلت فحذفت العين، وحركت الفاء بحركتها؛ وخرج بذلك من أن يقال: فلت، نحو: قلت؛ فلا يمال؛ لأنه لا ياء فيه، ولا كسرة تعرض (¬3). قال سيبويه: ومما يميلون ألفه، كل شيء كان من بنات الياء والواو، مما هما فيه عين، إذا كان أول فعلت مكسورا، قال: وهي لغة لبعض أهل الحجاز. ومن أسباب إمالة الألف، تقدم الألف على ياء تليها، نحو: بايع، وراية، أو تأخرها عنها، متصلة مثل: بيّان، وكيّال، وبيّاع، أو منفصلة بحرف كـ: شيبان ضربت يداه، أو بحرفين أحدهما هاء، نحو: ببيتها، فلو لم يكن أحدهما هاء امتنعت الإمالة؛ لبعد الياء، واغتفر البعد مع الهاء لخفائها، وهو ما ذكره المصنف في قوله: متقدمة على ياء تليها أو متأخرة عنها، متصلة أو منفصلة بحرف، - ¬

_ (¬1) انظر: الكافية الشافية (4/ 1970)، والكتاب (4/ 118). (¬2) انظر: المساعد (4/ 286). (¬3) الكافية الشافية (4/ 1971).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو حرفين ثانيهما هاء. ومن أسباب الإمالة: كونها متقدمة على كسرة تليها، نحو: مساجد، أو متأخرة عنها بحرف، نحو: كتاب، أو بحرفين، أولهما ساكن كـ: شملال؛ فإن تحركا؛ فإن كان أحدهما هاء جازت الإمالة، ما لم تكن إحدى الحركتين ضمة فيمال، نحو: هو يضربها، فإن فصل ثلاثة؛ فلا إمالة، نحو: فتلت قنّبا، ضرب من الكتان، وتمنع الإمالة إن تأخر عن الألف مستعل وهو أحد حروف: ضغط خص قظ، متصل نحو: باض، أو منفصل بحرف نحو: ناهض، أو حرفين نحو: مناشيط. وغلب حروف الاستعلاء؛ فلا تمال الألف المذكورة (¬1) معه، فلم يمنع ذلك شذوذا، وهذا ما رآه سيبويه بشذوذ الإمالة مع حروف الاستعلاء، مثل مناشيط، ودوانيق، ويقول ابن مالك بعد ذلك: الياء والكسرة الموجودتين، لا المنويتين فالكسرة الموجودة مثل: مساجد، والياء الموجودة، نحو: عايط، والياء المنوية، نحو: قاض، والكسرة (¬2) المنوية، نحو: ماصّ، وأصله: ماصص، خلافا لمدّعي المنع مطلقا أي: خلافا لمدعي منع الإمالة مع الموجود، والمنوي من الكسرة والياء، ثم ذكر: وكذا إن تقدم عليها يريد المصنف: أي تقدم حرف الاستعلاء على الألف التي تمال، فكلامه يقتضي أن في التقدم، كالتأخر فشمل، نحو: غانم، وغنايم، وخزعال: ناقة عرجاء، ثم ذكر مفصلا ذلك بقوله: وكذا إن تقدم عليها المستعلي، لا مكسورا ولا ساكنا بعد مكسور، وربما منع قبلها مطلقا (¬3) فالمكسور، نحو: غلاف، والساكن نحو: مصباح؛ فلا يمنع حرف الاستعلاء فيما نحن فيه الإمالة، إلا إذا كان مكسورا أو ساكنا بعد مكسور. قال سيبويه (¬4): وبعض من يميل قباب، ينصب هذه، يعني، نحو: مصباح، قال: وكلاهما عربي - يعني الإمالة وتركها - والإمالة أرجح، وإلى هذا أشار المصنف (¬5) بقوله: وربما منع قبلها مطلقا. ¬

_ (¬1) شرح ابن الناظم (ص 580). (¬2) شفاء العليل (3/ 1125). (¬3) الكتاب (4/ 119). (¬4) انظر: الكتاب (4/ 123). (¬5) انظر: التسهيل (ص 325).

[ما يجوز فيه الإمالة وتركها]

[ما يجوز فيه الإمالة وتركها] قال ابن مالك: (فإن تقدّم ساكنا بعد كسرة فوجهان، وربّما غلب المتأخّر رابعا، وقد لا يعتدّ به تاليا من غير كلمتها، وتاليا من كلمتها وشذّ عدم الاعتداد به وبالحركة في قول بعضهم: رأيت عرقا وعنبا، وإن فتحت الرّاء متّصلة بالألف أو ضمّت فحكمها حكم المستعلي غالبا وإن كسرت كفّت المانع، وربّما أثّرت منفصلة تأثيرها متّصلة، ولا يؤثّر سبب الإمالة إلّا وهو بعض ما الألف بعضه، ويؤثّر مانعها مطلقا، وربّما أثرت الكسرة منويّة في مدغم أو موقوف عليه، أو زائدا تباعدها بالهاء لخفائها). الشّرح: يريد أنه إذا ذكر حرف الاستعلاء قبل الألف، وتقدمه ساكن بعد كسرة، نحو: مصباح، فيجوز فيه الوجهان: الإمالة، وتركها، والإمالة أرجح كما ذكر سيبويه (¬1) سابقا، أما مثل غلاب؛ فلم يذكر سيبويه فيه أنه يمنع الإمالة، ثم قال: وربما غلب المتأخر رابعا مثل: يريد أن يضربها بسوط، وهذا يقتضي أن حرف الاستعلاء لا يغلب في مثله، وبعض العرب لا ينظر إلى هذا التراخي، فلا يميل، والكثير الأول (¬2). وقد لا يمنع حرف الاستعلاء وهو تالي الألف إذا كان من غير كلمتها، نحو: أريد أن أضربها، وذلك لانفصاله بكونه في كلمة أخرى أو من كلمتها، مثل: باض ونحوه، ولكن سيبويه صرح (¬3) بأنه لا يميل هذه الألف إلا من لا يؤخذ بعربيته، وشذ عدم الاعتداد به، وبالحركة في قولهم: رأيت عرقا وعنبا. أما عذقا؛ فلأن حرف الاستعلاء فيه بمنزلته في غانم وهي لا تمال، وأما عنبا فلا تمال؛ لأنه توسط بين الكسرة والألف حرفان متحركان، وليس أحدهما هاء مثل: لن يضربها. فإن فتحت الراء متصلة بالألف، مثل: راشد، فراش، أو ضمت مثل: هذا حمارك، فيكون حكمها حكم المستعلي في منع الإمالة، ولأن الراء فيها تكرير، وقوله: غالبا أي: أن بعضهم لا يلتفت إلى صفة الراء؛ لأنها حرف واحد فيميل لوجود مقتضيها تحقيقا، ثم يقول: وإن كسرت كفت المانع (¬4)، نحو: قارب وغارب؛ لتنزل الراء المكسورة منزلة حرفين مكسورين مع تقدم حرف الاستعلاء؛ فإن تأخر لم تقلب الراء، مثل: بارق، وهذا عند ما تكون الراء المكسورة متصلة بالألف، أما المنفصلة عنها؛ فلا تقلب المانع مثل: أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ (¬5). - ¬

_ (¬1) في الكتاب (4/ 123). (¬2) المساعد (4/ 291). (¬3) الكتاب (4/ 125). (¬4) الكافية الشافية (4/ 1972). (¬5) سورة القيامة: 40.

[ما يمال لمجاورة الممال مع خلوه من سبب الإمالة وما يمال من غير المتمكن]

[ما يمال لمجاورة الممال مع خلوه من سبب الإمالة وما يمال من غير المتمكن] قال ابن مالك: (وقد يمال عار من سبب الإمالة لمجاورة الممال، أو لكونه آخر مجاور ما أميل آخره طلبا للتّناسب وأميل من غير المتمكّن «ذا» و «متى» و «أنّى» ومن الحروف «بلى» و «يا» و «لا» في «إمّا لا» ومن الفتحات ما تلته هاء تأنيث موقوفا عليها، أو راء مكسورة وهي لام متّصلة أو منفصلة بساكن، ما لم يكن المفتوح ياء أو قبل ياء مكسورة، ومن الضّمّات ضمّة «مذعور» و «سمر» ونحوهما ومستند الإمالة في غير ما ذكر النّقل؛ علما كان كالحجّاج، أو غير علم كالنّاس في غير الجرّ) (¬1). - وربما أثرت كما قال سيبويه (¬2): مثل هذا ماش بالإمالة، والكسرة تؤثر إعرابا أو بناء، ظاهرة أو مقدرة، ثم يقول: أو زائدا تباعدها بالهاء، فقد تؤثر الكسرة مثل: عندها؛ فلا يمنع الإمالة ومثلها: لن ينزعها، إلا إذا فصل بين الكسرة والألف ضمة، فلا إمالة، نحو: هو يضربها، وهذا شعبها، وشذ مثل هذا في نسخة الرّقي، وفي النسخة المحققة من التسهيل كلمة (لخفائها) بعد ذلك، ويشير بها المصنف (¬3) إلى خفاء الهاء، والمعنى: إنما أثرت الكسرة، وإن زاد تباعدها عن الألف بالهاء؛ لأن الهاء لخفائها كأنها مفقودة، فكان التباعد بحرفين متحركين أحدهما الهاء مع الساكن، نحو: عندها، كصورة التباعد بحرفين أحدهما ساكن (¬4)، نحو: شملال، ولها جاز إمالة: لن يضربها؛ لأن الهاء لخفائها كالعدم، فأشبه الفصل بحرف واحد متحرك كعماد. الشّرح: أشار المصنف إلى أن الكلمة، قد تمال لمجاورة الممال مع خلوها من سبب الإمالة، وقد عد ذلك ابن الباذش، قال سيبويه (¬5): قالوا: رأيت عمادا فأمالوا للإمالة، كما أمالوا للكسرة، وقالوا: مغزانا في قول من قال: عمادا؛ فأمالهما جميعا، وذا قياس. اه. ومن الإمالة للإمالة صاد النصارى وتاء اليتامى، أو لكونه آخر مجاور ما أميل آخره (¬6)، نحو: وَالضُّحى (¬7)؛ أميل لمجاورة الممال، وهو - ¬

_ (¬1) جاء ذلك عن الكسائي. (¬2) الكتاب (4/ 117). (¬3) التسهيل (ص 326). (¬4) الشافية (3/ 23). (¬5) الكتاب (4/ 123). (¬6) انظر: التسهيل (ص 327)، والكافية الشافية (4/ 1976). (¬7) سورة الضحى: 1.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ سَجى وما بعده؛ لأن الألف الثالثة المنقلبة عن واو ليست مقيسة، والفراء يرى أنها لا تمال إلا سماعا طلبا للتناسب. كما أميل من غير المتمكن أي: من الأسماء، نحو: يا فتى، ويا حبلى؛ فهما مبنيّان، وليسا من غير المتمكن، ونحو: ذا قائم؛ بالإمالة، وهنا ابتدأ المصنف يتحدث عن إمالة المبنيات وهي غير المتمكن وأميل؛ لأنهم صغروه ثم تصرفوا فيه بالإمالة، ومثل «متى» أمالوها في الشرط والاستفهام، و «أنى» كذلك مثلها، فتمال الأسماء غير المتمكنة سماعا، ويقتصر فيها على ذلك (¬1)، وكذلك يقتصر فيها على السماع أيضا الحروف، ثم ضرب المصنف أمثلة لذلك مثل: «بلى»، وأمليت لما نابت عن الجملة، صار له مزيّة؛ وألف «بلى» زائدة، وكذلك: «يا»، أمالوها في النداء، وكذلك: «لا» في «إمّا لا»، نحو: افعل ذلك إمّا لا؛ وأميلت لنيابتها مناب الفعل أي: إن كنت لا تفعل غيره. ومن الفتحات ما تليه هاء التأنيث موقوفا عليها تشبيها لهاء التأنيث بألفه، نحو: ضربت ضربة، وأخذت أخذة، وعلّامة، وتخرج هاء السكت، نحو مالِيَهْ (¬2)، وقيل: يجوز. أو راء مكسورة، نحو: بِشَرَرٍ (¬3)، وغَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (¬4) بشرط ألا يكون بعدها حرف استعلاء، نحو: من الشرق، أو الفتحة في ياء نحو: من الغير أو بساكن هو ياء، نحو: بغير، ثم قال المصنف: وهي لام متصلة أو منفصلة بساكن، ما لم يكن المفتوح ياء أو قبل ياء مثل: بِشَرَرٍ. قال سيبويه (¬5): رأيت خبط فرند، كما قالوا من الكافرين ... ومثل: من عمرو، وهي لام منفصلة بساكن، أو منفصلة بمكسور، نحو: ياسر، بشرط ألا يكون المفتوح ياء أو قبل ياء كما مثلنا. قال ابن مالك: ومن الضمّات ضمّة مذعور، وسمر ونحوهما، سيبويه يروم الكسرة مثل ركبوا، فهو يروم الكسرة والواو، أما الأخفش فيرى الروم في الكسرة قبل الواو إمالة، ومثلها: سمر. ومستند الإمالة في غير ما ذكر: النقل علما كالحجاج (¬6) في الجر؛ للكسرة، وفي الرفع والنصب؛ لكثرة الاستعمال، ومثل ذلك: العجاج، ومثل ذلك الناس كما سبق، ومما أميل شذوذا: قولهم: هذا باب، وهذا مال، وهذا غاب، وهذا ناب. وما عدا ذلك فيعتمد على: السماع والنقل. - ¬

_ (¬1) الشافية (3/ 27). (¬2) سورة الحاقة: 28. (¬3) سورة المرسلات: 32. (¬4) سورة النساء: 95. (¬5) الكتاب (4/ 123). (¬6) الكافية (2/ 320).

الباب التاسع والسبعون باب الوقف

الباب التاسع والسبعون باب الوقف (¬1) [بيان معنى الوقف لغة واصطلاحا وحكم الموقوف عليه] قال ابن مالك: (إن كان آخر الموقوف عليه ساكنا ثبت بحاله، إلّا أن يكون مهملا في الخطّ فيحذف، إلّا تنوين مفتوح غير مؤنّث بالهاء، فيبدل ألفا في لغة غير ربيعة، ويحذف تنوين المضموم والمكسور بلا بدل في لغة غير الأزد، وكالصّحيح في ذلك المقصور، خلافا للمازني، في إبدال الألف من تنوين مطلقا، ولأبي عمرو والكسائي في عدم الإبدال منه مطلقا). - الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى الوقف، وهو لغة: الحبس، فالفعل وقف يكون متعديا ومصدره: الوقف، ولازما ومصدره: الوقوف. وفي الاصطلاح: قطع النطق عند آخر الكلمة اختيارا، فهو قطع الموقوف عليه عن الاتصال للاستراحة، أو تمام المقصور، أو الترنم، أو استثباتا، وإنكارا، وتذكرا، ونحو ذلك. فإن كان آخر الموقوف عليه ساكنا ثبت بحاله (¬2) فيكون ساكنا في الوقف كالوصل، نحو: لم، الذي، ولم يقم، ولم يقوما. إلّا أن يكون مهملا في الخط فإن تلفظ بالساكن، ولم يثبت خطّا، مثل التنوين؛ فيحذف ذلك الساكن الذي أهمل خطّا كالتنوين، رفعا، وجرّا، نحو: قام زيد، ومررت بزيد؛ لأنه حال الوقف اختلف عنه حال الوصل. إلا تنوين مفتوح غير مؤنث بالهاء فيبدل ألفا؛ وذلك مثل: رأيت بكرا؛ معربا، أو مبنيّا، مثل: ويها وإيها، أما المؤنث بالهاء، نحو: قائمه فنقف بالهاء ولا نبدل من التنوين شيئا؛ فإن كان مختوما بالتاء وقفنا عليها بالتاء، تقول: رأيت بنتا، وأختا بالإبدال، وكذا يبدل على لغة من يقف على قائمة، ونحوها بالتاء فتقول: رأيت قائمتا في لغة غير ربيعة، وأما ربيعة؛ فلا يبدلون من التنوين في النصب ألفا، بل يحذفونه، ويقفون - ¬

_ (¬1) يراد به قطع اللفظ الموقوف عليه عن الاتصال، ويكون ترنما واستثباتا وإنكارا. (¬2) انظر: التسهيل (ص 328)، والمساعد (4/ 301)، والكافية الشافية (4/ 1979).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ بالسكون كالمرفوع والمجرور، وهذه اللغة حكاها الأخفش، ومن شواهد هذه اللغة، قول الشاعر: 4380 - ألا حبّذا غنم وحسن حديثها ... لقد تركت قلبي بها هائما دنفا (¬1) قال ابن عقيل (¬2): ويظهر أن هذا غير لازم عند ربيعة، بل يجوز ذلك، وفي أشعارهم كثير منصوب منوّن بالألف. ويحذف تنوين المضموم والمكسور، بلا بدل في لغة غير الأزد، فتقول: جاء زيد، ومررت بزيد، وأما الأزد فيبدلون من التنوين حرفا يناسب الحركة التي قبله، فيقولون: جاء زيدو، ومررت بزيدي، ورأيت زيدا، ذكر ذلك أبو الخطاب عن أزد السراة. وكالصحيح في ذلك المقصور خلافا للمازني في إبدال الألف من تنوينه مطلقا يريد أن المقصور كالصحيح المنون، في حذف التنوين من المضموم والمكسور، وإبداله ألفا من المفتوح المقصور المنون، تقول: قام فتى، ورأيت فتى، ومررت بفتى، خلافا للمازني في ذلك (¬3) فالألف عنده بدل من التنوين، رفعا، وجرّا، ونصبا، محتجّا بإجراء حالة الوقف مجرى حالة الدرج؛ فهو يبدل في الرفع والجر والنصب. ولأبي عمرو، والكسائي في عدم الإبدال منه مطلقا فعندهما أن الألف لام الكلمة؛ لأنها تمال حالة النصب كالجر والرفع، وقد أمال الفراء في الوقف قوله تعالى: أَوْ كانُوا غُزًّى (¬4)، ووَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (¬5)، وقالُوا سَمِعْنا فَتًى (¬6). وعزي هذا إلى الكوفيين، ونسبه بعضهم لسيبويه والخليل. ¬

_ (¬1) البيت من الطويل، ولا يعرف قائله، وانظر: المساعد (4/ 302)، والدرر (2/ 232)، واستشهد به على: أن لغة ربيعة حذف التنوين من المنصوب عند الوقف، والدنف: المحب الهائم. (¬2) المساعد (4/ 302). (¬3) انظر: الهمع (2/ 205). (¬4) سورة آل عمران: 156. (¬5) سورة البقرة: 125. (¬6) سورة الأنبياء: 60.

[الوقف على «إذن» وعلى المقصور والمنقوص]

[الوقف على «إذن» وعلى المقصور والمنقوص] قال ابن مالك: (وتبدل ألفا نون «إذن»، وربّما قلبت الألف الموقوف عليها ياء أو واوا أو همزة، وربّما وصلت بهاء السّكت ألفا «هنا» و «ألا» وقد تحذف ألف المقصور اضطّرارا، وألف ضمير الغائبة منقولا فتحة اختيارا. والمنقوص غير المنصوب إن كان منوّنا؛ فاستصحاب حذف يائه أجود إلّا أن تحذف فاؤه أو عينه فيتعيّن الإثبات، وإن لم يكن منوّنا فالإثبات أجود، إلّا أنّ حكم ياء المتكلّم السّاكنة وصلا، وحكم الياء والواو المتحرّكتين حكم الصّحيح، ولا حذف في نحو: يعصي وافعلي ويدعو وافعلوا غالبا إلّا في قافية أو فاصلة). الشّرح: يشير ابن مالك إلى حكم الوقف على «إذن» بأنّ نونها تبدل في الوقف ألفا، وقد أجمع القراء السبعة على الوقف على إذن بالألف، ورسمت في المصحف (¬1) الإمام بالألف، وفي غير القرآن يرى الجمهور الوقف عليها بالألف، وفريق آخر يرى بأنها بالنون، مثل: إن، لن. ثم قال: وربما قلبت الألف الموقوف عليها ياء، وهي لغة لفزارة، وناس من قيس، وهي قليلة، يقولون: هذه عصي، ورأيت عصي، ومررت بعصي، أو واوا، وهي لغة لبعض طيئ، يقولون: هذه أفعو، ورأيت أفعو (¬2)، ومررت بأفعو، أو همزة، وهي لغة لبعض طيئ أيضا، يقولون: هذا فتأ، ورأيت فتأ، ومررت بفتأ. قال سيبويه: وزعم الخليل (¬3) أن بعضهم يقول: رأيت رجلأ؛ فيهمز لأنها ألف في آخر الاسم. قال سيبويه: وسمعناهم يقولون: هو يضربهأ بالهمز، فيهمزون كل ألف في الوقف. ثم قال: وربما وصلت بهاء السكت ألفا «هنا»، و «ألا»؛ فتقول: هناه، وألاه، وهذاه، ولاه، وفي المندوب: وزيداه، وكل ذلك في المبني؛ وفي المعرب يمنع ذلك. وقد أبدلوا الألف في غير المتمكن هاء في الوقف شذوذا، قال الشاعر: - ¬

_ (¬1) انظر: التبيان (ص 336). (¬2) المساعد (4/ 306). (¬3) الكتاب (4/ 182).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ 4381 - الله نجّاك بكفّي مسلمه ... من بعد ما وبعد ما وبعدمه (¬1) وقد تحذف ألف المقصور اضطرارا، ولا خلاف في اختصاص ذلك بالضرورة، قال: 4382 - وقبيل من لكنز حاضر ... رهط ابن مرجوم ورهط ابن المعل (¬2) يريد المعلّى، ثم قال: وألف ضمير الغائبة منقولا فتحة اختيارا، مثل ما روي: «بالفضل ذو فضلكم الله به، وبالكرامة ذات أكرمكم الله به»، فحذف الألف، ونقل حركة (¬3) الهاء إلى الياء، مثل: منه وعنه في منها وعنها. والمنقوص غير المنصوب إن كان منونا، فاستصحاب حذف يائه أجود؛ فنقول: هذا قاض، ومررت بقاض. فتقف بحذف الياء، استصحابا للوصل، والوقف عارض، وإقرار الياء جيد؛ إلّا أن الحذف أكثر، زعم أبو الخطاب (¬4)، ويونس أن بعض من يوثق بعربيته يثبت الياء؛ فيقول: قاضي، عمي، وجاء الوقف بالياء عن ابن كثير وورش. إلا أن تحذف فاؤه أو عينه، فيتعين الإثبات؛ فمثال حذف الفاء، نحو: يفي مضارع، وفي مسمى به، فيصير بالعلمية كشج، فإذا وقفت عليها رددت الياء المحذوفة في الوصل لمعاقبها وهو التنوين، ومثال حذف اللّام كمر: اسم فاعل من أرى، وأصله: مرئى، فأعل إعلال قاض، وهمزته مستمرة الحذف، وردت الياء فيها وقفا؛ تفاديا من كثرة الإخلال. ثم قال: وإن لم يكن منونا فالإثبات أجود، وهذا يشمل: المنادى المبني، نحو: يا قاضي - علما، أو نكرة مقصودة - فيجوز الوقف عليها بالياء أو بدونها، والخليل يختار الإثبات، ويونس الحذف، والمحلّى بـ «أل»، نحو: القاضي؛ فإن كان - ¬

_ (¬1) البيت من الرجز لأبي النجم، واستشهد به على: أنه أبدل من الألف هاء، انظر الدرر (2/ 214)، والمساعد (4/ 306). (¬2) من الرمل للبيد في ديوانه (ص 199)، وانظر الكتاب (2/ 291)، والدرر (3/ 218)، والصبان (4/ 205)، والشاهد فيه: حذف من ابن المعلّى التشديد والألف في الوقف. (¬3) انظر: الشافية الكافية (4/ 1991). (¬4) انظر: المساعد (4/ 310)، وكذلك الكتاب (4/ 183).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مرفوعا، أو مجرورا ففيه لغتان: إثبات الياء، وحذفها. قال سيبويه (¬1): والإثبات أقيس وأكثر، وقال في الحذف: إنه عربي كثير ومنه الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (¬2) ويَوْمَ التَّنادِ (¬3)، وإن كان منصوبا؛ فالإثبات عند من يحرك الياء بالفتح، ومن أسكنها يجوز عنده الوقف بالوجهين، نحو: البغي والمري بالإثبات. ونحو: جواري الممنوع من الصرف؛ يوقف عليه بالإثبات، ونحو: قاضي مكة، قاضي المدينة، وهو ما حذف تنوينه للإضافة، ويجوز فيه الإثبات والحذف. إلا أن حكم ياء المتكلم الساكنة وصلا، وحكم الواو والياء المتحركتين، حكم الصحيح، هنا ذكر حكم ما آخره ياء المتكلم ساكنة ومتحركة، وحكم الواو والياء لمناسبته لما سبق، نحو: قام غلامي وزيد، فتبقى الياء على سكونها وقفا كما كانت؛ فإن كانت الياء متحركة، جاز التسكين، نحو: قام غلامي، ويجوز (¬4) لحاق الهاء مع التحريك كقام غلاميه، والمحذوفة تبقى كذلك عند الوقف، ويسكن ما قبلها، نحو: يا قوم اذهبوا؛ فإن كانتا متحركتين وقفت بحذف الحركة، نحو: لن يغزو ولن يرمي. أما ما آخره حرف صحيح فسيأتي حكمه. ثم قال: ولا حذف في، نحو: يقضي، وافعلي، ويدعو، وافعلوا غالبا؛ فتقف على ما سبق على الياء والواو، ويثبتان كالوصل، ويحذفان على قلة، نحو: ما أدر ولا أدر؛ حيث وقفوا على الراء، ويحتاج الحذف فيما ذكره إلى سماع. ثم قال مبينا موقع الحذف بأنه: في قافية أو فاصلة؛ فالحذف فيهما غالب، كقول زهير: 4383 - وأراك تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثمّ لا يفر (¬5) والفاصلة كـ: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (¬6)، ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ (¬7)؛ فإذا وقفت عليها كان حكمها كالصحيح، وقد حذف بعض القراء في غيرهما، نحو: - ¬

_ (¬1) المصدر السابق (ص 185). (¬2) سورة الرعد: 9. (¬3) سورة غافر: 32. (¬4) شفاء العليل (3/ 1130). (¬5) البيت من الكامل في ديوان زهير (ص: 94)، وانظر: المساعد (4/ 311)، والدرر (2/ 233)، واستشهد به على: أن الياء الساكنة لا تحذف إلا في فاصلة، أو قافية. خلقت: قدرت، وفريت: قطعت على جهة الإصلاح، وضرب مثلا لتقديره الأمور وتدبيره، ثم إمضائه بعزيمة قوية. (¬6) سورة الفجر: 4. (¬7) سورة الكهف: 64.

[حكم الوقف على المتحرك المنتهي بغير هاء التأنيث]

[حكم الوقف على المتحرك المنتهي بغير هاء التأنيث] قال ابن مالك: (فصل: إذا كان الموقوف عليه متحرّكا غير هاء تأنيث سكّن، وهو الأصل، أو ريمت حركته مطلقا أو أشير إليها دون صوت إن كانت ضمّة، وهو الإشمام، أو ضعّف الحرف إن لم يكن همزة ولا حرف لين ولا تالي ساكن أو نقلت الحركة إلى السّاكن قبله، ما لم يتعذّر تحريكه أو يوجب عدم النّظير أو تكن الحركة فتحة، فلا تنقل إلّا من همزة؛ خلافا للكوفيين. وعدم النّظير في النّقل منها مغتفر إلّا عند بعض تميم، فيفرّون منه إلى تحريك السّاكن بحركة الفاء إتباعا). ـــــــــــــــــــــــــــــ الدَّاعِ إِذا دَعانِ (¬1)؛ اتباعا لخط المصحف، وسيبويه يرى الحذف في الشعر فقط. الشّرح: أشار المصنف إلى حكم الوقف على الصحيح المتحرك، وليس آخره هاء تأنيث، مثل: بكر، زيد، فإذا وقفت على زيد، قلت: زيد بالتسكين، وكذا بنت، وأخت؛ تقف عليهما بسكون التاء، وهي للإلحاق. وهذا هو الأصل؛ لأن الوقف موضع استراحة. قال: إذا كان الموقوف عليه متحركا غير هاء تأنيث سكن، وهو الأصل أو ريمت حركته، والروم: إخفاء الصوت بالحركة، ومقصوده: الدلالة على حركة الحرف في الوصل، وقال غير المصنف: إنه تضعيف الصوت بالحركة (¬2)، في حال متوسطة للحرف بين الحركة والسكون، ويدرك الروم الأعمى والبصير، وعلامته في الكتابة خط بين يدي الحرف، وصورته (-)، ويكون في الحركات كلها، وقال ابن الباذش: زعم أبو حاتم أن الروم لا يكون في المنصوب لخفته، والناس على خلافه أي في المنصوب، وغيره، ويوقف عليه بالإسكان والروم. ثم قال: أو أشير إليها، دون صوت؛ إن كانت ضمة، وهو الإشمام، وهو أن تضم شفتيك إذا وقفت، وهو خاص بالضمة؛ ولا يدركه الأعمى، وعلامته في الخط (.) نقطة بين يدي الحرف. - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 186. (¬2) المساعد (4/ 317).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ أو ضعّف الحرف، والتضعيف؛ بأن يجاء بحرف ساكن من جنس الحرف الأخير، ويدغم في الأول، وعلامته (ش)، بشرط ألا يكون همزة، نحو: نبّأ؛ فلا إدغام فيها (¬1)؛ إلا إذا كانت عينا، نحو: «سأّل». ولا حرف لين: نحو: سرو، يفي فلا وقف عليهما بالتضعيف؛ ولا يلي ساكنا، نحو: عمرو، وبكر، ويوم ويوم، وسمع عن عاصم؛ أنه وقف على ساكن، نحو: (مستطرّ) بتشديد الراء. ثم قال: أو نقلت الحركة إلى الساكن قبله، فتقول في الوقف: هذا عمرو، ومررت ببكر؛ بنقل الضمة إلى الميم، والكسرة إلى الكاف، ومنه قول الشاعر: 4384 - عجبت والدّهر كثير عجبه ... من عنزيّ سبّني لم أضربه (¬2) وهي حركة الموقوف عليه، وروي النقل عن أبي عمرو، قرأ (وتواصوا بالصبر) وقرئ شاذّا (والعصر إن الإنسان). ثم قال: ما لم يتعذر تحريكه نحو: دار، وذلك إلى الساكن الصحيح؛ فإن غيره لا ينقل إليه كحروف المد أو يوجب عدم النظير؛ فلا يجوز النقل إذا أدى إلى عدم النظير، نحو: انتفعت بالبسر، لم تقف بالنقل حتى لا يؤدي إلى وزن فعل، وهو مفقود في الأسماء، ولا يكون الساكن أيضا مضعّفا، نحو: العدّ. ثم قال: أو تكن الحركة فتحة فلا تنقل إلا من همزة خلافا للكوفيين؛ فلا يقال: سمعت العلم بالنقل؛ بل يتبع الثاني للأول، فتقول: العلم؛ فإن كان همزة جاز، نحو: رأيت الرّدأ، والبطأ، والخبأ. والكوفيون يجيزون، فيقولون: رأيت البكر. وقف الكسائي بالتخفيف (¬3)، وجزم النون، قال: ويجوز منه في قوله تعالى: (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ)، ثم قال: وعدم النظير في النقل مغتفر مثل: مررت بالبطئ، وهذا الرّدؤ، مع عدم النظير، وبعض تميم يمنع ذلك، وتفر منه بالإتباع، فتقول: - ¬

_ (¬1) الكتاب (4/ 169). (¬2) الرجز لزياد الأعجم، والشاهد فيه: نقل حركة الهاء من قوله: لم أضربه ليكون أظهر في الوقف، وانظر: الكتاب (2/ 286). (¬3) شفاء العليل (3/ 1131).

[حكم الوقف على ما آخره همزة]

[حكم الوقف على ما آخره همزة] قال ابن مالك: (وإذا نقلت حركة الهمزة حذفها الحجازيّون واقفين على حامل حركتها، كما يوقف عليه مستبدّا بها، وأثبتها غيرهم ساكنة أو مبدلة بمجانس حركة ما قبلها ناقلا أو متبعا، وربّما أبدلت بمجانس حركتها بعد سكون باق، أو حركة غير منقولة، ولا يبدلها الحجازيّون بعد حركة إلّا بمجانستها، والوقف بالنّقل إلى المتحرّك لغة لخميّة). ـــــــــــــــــــــــــــــ هذا الرّدئ، ورأيت (¬1) الرّدئ، ومررت بالرّدئ، والبطؤ، والخبأ. الشّرح: يشير المصنف بذلك إلى حكم الوقف على ما آخره همزة عند الحجازيين، فيقولون: هذا الخب، ورأيت الخب، ومررت بالخب، وهذا البط، ورأيت البط، ومررت بالبط، وهذا الرّد، ورأيت الرّد، ومررت بالرّد، وقد يجعل الحرف السابق على الهمزة (¬2) موضع الوقف؛ كأنه الآخر من السكون، والروم، والإشمام، والتضعيف، وأثبتها غير الحجازيين ساكنة بعد النقل، نحو: هذا البطؤ، ورأيت البطأ، ومررت بالبطئ، وكذا الرّدء، والخبء. قال المصنف (¬3): أو مبدلة بمجانس حركة ما قبلها، ناقلا أو متبعا، فتقول في النقل: هذا الخبؤ، ورأيت الخبأ، ومررت بالخبئ، وكذا الردء، والبطء. وتقول في الإتباع: هذا الخبا، ورأيت الخبا، ومررت بالخبا، ورأيت البطو، ومررت بالبطو، وهذا الرّدي، ورأيت الرّدي، ومررت بالرّدي. ثم قال: وربما أبدلت بمجانس حركتها (¬4)، من سكون باق، فتكون واوا في الرفع، وياء في الخفض، نحو: هذا البطو، ومررت بالبطي، وهذا الرّدو، ومررت بالرّدي، وتكون في النصب ألفا، فيحرك الساكن بالفتح، نحو: رأيت الرّدا، والبطا، والخبا. أو حركة غير منقولة، فيقولون: هذا الكلو، ورأيت الكلا، ومررت بالكلي. ولا يبدلها الحجازيون بعد حركة إلا بمجانسها، يشير المصنف بذلك إلى أن - ¬

_ (¬1) انظر: الكافية الشافية (2/ 328). (¬2) انظر: المساعد (4/ 319). (¬3) التسهيل (ص 329). (¬4) الكتاب (4/ 177).

[حكم الوقف على ما آخره تاء التأنيث]

[حكم الوقف على ما آخره تاء التأنيث] قال ابن مالك: (فصل: إبدال الهاء من تاء التّأنيث الاسميّة المتحرّك ما قبلها لفظا أو تقديرا في آخر الاسم أعرف من سلامتها، وتاء جمع السّلامة والمحمول عليه بالعكس، وفي «هيهات» و «أولات» و «لات» و «ربّت» و «ثمّت» و «أبت» وجهان، وإن سمّي بها فهي كطلحة على لغة من أبدل، وكعرفات على لغة من لم يبدل). ـــــــــــــــــــــــــــــ الهمزة عند الوقف تسكن، فالهمزة ساكنة عندهم، نقلت إلى حركة ما قبلها، نحو: راس، وبير، وبوس (¬1)، فيقولون: هذا الكلا، واقرا، وهذه الأكمو، ويوضو، ويهنى. ثم قال: والوقف بالنقل إلى المتحرك لغة لخمية، يريد أن يقول: إن الوقف بالنقل إلى المتحرك لغة قبيلة لخم، وقد وضحها ابن مالك في الكافية الشافية (¬2)، فقال: ويجوز في لغة لخم الوقف، بنقل الحركة إلى المتحرك، كقول الشاعر: 4385 - من يأتمر للحزم فيما قصده ... تحمد مساعيه ويحمد رشده (¬3) والأصل: قصده بفتح الدال، فنقل حركة الهاء إلى الدال، فضمها، وكذا: رشده. ومن لغتهم الوقف على هاء الغائبة بحذف الألف، ونقل فتحة الهاء إلى المتحرك قبلها كقول الشاعر: 4386 - فإنّي قد رأيت بأرض قومي ... نوائب، كنت في لخم أخافه (¬4) الشّرح: أشار المصنف (¬5) بهذا إلى حكم الوقف على ما آخره تاء تأنيث؛ بأنها تبدل هاء عند الوقف، بشرط أن يتحرك ما قبلها لفظا، أو تقديرا، فلفظا مثل: فاطمة وطلحة، وتقديرا، مثل: الحياة والفتاة؛ فخرج بـ (التأنيث) من تاء - ¬

_ (¬1) شفاء العليل (3/ 1132). (¬2) (4/ 1990، 1991). (¬3) من الرجز بلا نسبة في: الدرر (6/ 304)، والهمع (2/ 208)، وهو شاهد على: نقل الحركة إلى المتحرك. (¬4) البيت من الوافر بلا نسبة في الإنصاف (2/ 568)، والكافية الشافية (4/ 1991). (¬5) في التسهيل (ص 330).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التابوت (¬1)؛ فإنها لغير التأنيث، ومن تاء التأنيث الاسمية: من التاء التي في الفعل (¬2)، نحو: قامت، ومن نحو: بنت وأخت، وب (آخر الاسم) من نحو: فاطمتين وطلحتين، وأراد بقوله: أعرف على إقرارها ساكنة بلفظها، كقول الراجز: 4387 - الله أنجاك بكفّي مسلمت ... من بعد ما وبعد ما وبعدمت صارت نفوس القوم عند الفصلمت ... وكادت الحرّة أن تدعى أمت (¬3) وقال بعضهم: يا أهل سورة البقرت، وإِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (¬4)، وأَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ (¬5)، وهذا عند بعضهم يجري مجرى سائر الحروف من جواز الإشمام والروم والتضعيف، وإبدال التنوين من المنصوب ألفا، ولا يكون فيها النقل، وأكثرهم يسكنها لا غير. فكل ما سبق يوقف عليه بالتاء فقط، وحكم تاء جمع المؤنث كهندات، والملحق به كأولات وذوات؛ يوقف عليها بالتاء على الأعرف والأكثر، كما وقف عليها بالهاء؛ ومن ذلك قول بعضهم (¬6): دفن البناه من المكرماه، وكيف الإخوه والأخواه؟ قيل: الوقف عليها بالهاء لغة طيئ، وقال الخضراوي: إنه شاذ، لا يقاس عليه. وفي هيهات وجهان: بإقرار التاء، أو إبدالها هاء، وقد قرئ في هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (¬7) بالوجهين عند السبعة، ويجوز في: ربّت، وثمت، لعلتا القياس على أولات من الوقف عليها بالوجهين: بالتاء، أو إبدالها هاء. ثم قال: وإن سمي بها - أي: بهيهات - فهي كطلحة على لغة من أبدل، فتمنع من الصرف للعلمية والتأنيث، ويدل على أن التاء (¬8) فيها للتأنيث فقط، أنها - ¬

_ (¬1) التاء فيها أصلية، ومن قال: التابوه؛ فعل ذلك في الوصل والوقف. (¬2) انظر: الكافية الشافية (4/ 1995). (¬3) وهو أبو النجم، والفصلمت: رأس الحلقوم، والشاهد هنا في: «مسلمت»؛ حيث وقف عليها بالتاء. (¬4) سورة الدخان: 43. (¬5) سورة الزخرف: 32. (¬6) المساعد (4/ 323). (¬7) سورة المؤمنون: 36. (¬8) انظر: الكتاب (4/ 166).

[بيان ما يوقف عليه بهاء السكت وحكمه]

[بيان ما يوقف عليه بهاء السكت وحكمه] قال ابن مالك: (فصل: يوقف بهاء السّكت على الفعل المعتلّ الآخر جزما أو وقفا، وعلى «ما» الاستفهاميّة المجرورة وجوبا فيهما، محذوف الفاء والعين، ومجرورة باسم، وإلّا فاختيارا، ويجوز اتّصالها بكلّ متحرّك حركة غير إعرابيّة، ولا شبيهة بها، فلا تتّصل باسم «لا» ولا بمنادى مضموم، ولا بمبنيّ لقطعه عن الإضافة، ولا بفعل ماض، وشذّ اتّصالها بـ: عل. وقد يوقف على حرف واحد كحرف المضارعة فيوصل بهمزة تليها ألف، وربّما اقتصر على الألف. ويجري الوصل مجرى الوقف اضطّرارا، وربّما أجري مجراه اختيارا، ومنه إبدال بعض الطّائيّين في الوصل ألف المقصور واوا). ـــــــــــــــــــــــــــــ تبدل في الوقف هاء، ويجوز أن تعامل هيهات كعرفات على لغة من لم يبدل فيجري فيها ما سبق من الأوجه السابقة، في باب إعراب الصحيح الآخر. الشّرح: يشير المصنف إلى حكم الوقف بهاء السكت، فقال: يوقف بهاء السكت على الفعل المعتل الآخر جزما، نحو: لا تغزه، أو وقفا نحو: اغزه، والأكثر لحاق هاء السكت مع الضم، وبعض العرب يكسر، فيقول: اغزه. قال سيبويه: وهي لغة رديئة. وعلى ما الاستفهامية المجرورة، نحو: لمه، وعمّه؟ (¬1) على سبيل الوجوب في الفعل المعتل، وما الاستفهامية المجرورة بحرف كـ: لمه أو اسم كمجيء به، واختيارا في غير ذلك، وكذا إن كان الفعل محذوف العين، نحو: لا تر زيدا، ور عمرا، نقول: لا تره، وره، أو الفاء، نحو: لا تق زيدا، وق عمرا، تقول: لا تقه، وقه، وفي غير ما سبق، جاز الوقف بالهاء، أو بدونه، مثل: لا تغز، ولا تغزه، واغز، واغزه. ومثل: هو، وهوه، وثمّ وثمّه، للمبني بناء لازما، وخرج ما كانت حركته للإتباع كالحمد لله بكسر الدال، والحكاية أو حركة التقاء الساكنين، وحركة - ¬

_ (¬1) انظر: المساعد (4/ 328، 329).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ النقل، أو شبيها بالحركة الإعرابية، كاسم لا كـ: لا رجل، أو منادى مضموم، نحو: يا زيد أو مبني قطع عن الإضافة، كقبل وبعد، أو فعل ماض، نحو: ضرب، وزاد في موضع آخر العدد المركب، فلا لحاق للهاء بما سبق. ثم قال: وشذ اتصالها بـ: عل، قال الشاعر: 4388 - يا ربّ يوم لي لا أظلّله ... أرمض من تحت وأضحى من عله (¬1) ثم قال: وقد يوقف على حرف واحد كحرف المضارعة، فيوصل بهمزة تليها ألف. وذلك كقوله: 4389 - إن شئت أسرفنا كلانا فدعا ... الله خيرا ربّه فأسمعا بالخير خيرات وإن شرّا فآ ... ولا أريد الشّرّ إلّا أنّ تآ (¬2) أي: إن شرّا فشر، فوقف على فاء الجواب، ملحقة بهمزة بعد ألف، ثم وقف على حرف المضارعة، أي: إلا أن تشاء وربما اقتصر على الألف مثل: إلا أن تآ. ثم قال: ويجري الوصل مجرى الوقف اضطرارا، كقول الشاعر: 4390 - أتوا ناري فقلت منون أنتم ... فقالوا الجنّ قلت عموا صباحا (¬3) ثم قال: وربما أجري مجراه اختيارا كقراءة من قرأ فبهداهم اقتده (¬4)، واقرؤا كتبيه (¬5) وأصل الهاء: أن تلحق في الوقف، ومنه إبدال بعض الطائيين في الوصل، ألف المقصور واوا، فقالوا: هذه حبلو يا هذا، وبالياء، نحو: يا حبلي يا هذا، وأصل إبدال هذه الألف واوا، أو ياء؛ إنما هو في الوقف؛ لكن أجرى هؤلاء (¬6) الوصل مجرى الوقف اختيارا. ¬

_ (¬1) الرجز لأبي ثروان، حيث دخلت هاء السكت مع أن حركته عارضة. انظر: الكافية الشافية (4/ 2000)، والمساعد (4/ 327). (¬2) الرجز لم يعرف قائله، والشاهد في: «إلا أن تآ»، كما في الشرح. (¬3) من الوافر لجذع بن سنان الغساني، وقيل: لغيره، والشاهد فيه: منون على جمعها في الوصل ضرورة؛ ولا تجمع إلا في الوقف، وانظر: الصبان (4/ 90، 220)، والمقتضب (2/ 306). (¬4) سورة الأنعام: 90. (¬5) سورة الحاقة: 19. (¬6) انظر: الكتاب (4/ 163، 164)، وشفاء العليل (3/ 1133)، والتبيان (ص 355)، والشافية (2/ 269)، والكافية الشافية (4/ 1999)، وما بعدها.

[حكم الوقف على الروي المتصل بمدة]

[حكم الوقف على الروي المتصل بمدة] قال ابن مالك: (فصل: وقف قوم بتسكين الرويّ الموصول بمدّة، وأثبتها الحجازيّون مطلقا، وإن ترنّم التّميميّون فكذلك، وإلّا عوّضوا فيها التنوين مطلقا). الشّرح: يشير المصنف في تسهيله (¬1) إلى أن قوما يقفون بسكون (¬2) الروي، الذي اتصل بمدة، فيقولون: «الكتاب» بسكون الباء، قال: وقف قوم بتسكين الرويّ الموصول بمدة، وهم ناس من بني تميم وغيرهم، يقولون: 4391 - أقلّي اللّوم، عاذل والعتاب ... وقولي إن أصبت لقد أصاب (¬3) بسكون الباء، فيقفون كما يقفون في الكلام؛ كأنها ليست قوافي شعر، ثم قال بأن الروي لكي يسكن، لا بد أن يكون موصولا بمدة، نحو: العقاب، والعذاب؛ فلا تحذف ألف يخشى ونحوه. قال سيبويه (¬4): ألحقت بألف التنوين في النصب؛ لأنها تثبت في الكلام، كما تثبت ألف التنوين، وكذلك ألف المقصور، لا تحذف أما الحجازيون فيثبتون المدة، ترنموا، أو لم يترنموا، نحو: 4392 - أقلّي اللّوم عاذل والعتابا ... وقولي إن أصبت لقد أصابا (¬5) أما التميميون؛ فإنهم يثبتون المدة إن ترنموا، كلغة الحجازيين. ثم قال: وإلّا عوّضوا منها التنوين مطلقا، بمعنى (¬6): وإن لم يترنموا، وليس هذا لغة تميم كلهم؛ بل هو لغة ناس كثير منهم، وناس منهم يسكنون، ويحذفون المدة على حسب ما تقدم، ويقفون على ما قبلها بالسكون؛ ولكن كثيرا منهم يجعلون - ¬

_ (¬1) انظر: التسهيل (ص 331). (¬2) انظر: الكافية الشافية (4/ 1999)، والشرح الكبير (ص 436)، والهمع (2/ 210). (¬3) البيت من الوافر، لجرير في ديوانه (ص 64)، والشاهد فيه: العتاب، أصاب بتسكين الرويّ، والأصل: العتابا أصابا، وذكره صاحب معجم الشواهد في ثلاثة مواضع: في الباء الساكنة، وفي الباء المفتوحة، وفي النون الساكنة. (¬4) انظر: الكتاب (4/ 166). (¬5) سبق الحديث عنه، والشاهد فيه هنا: أن الحجازيين يثبتون المدة مطلقا «العتابا، أصابا». (¬6) انظر: شفاء العليل (3/ 1135، 1136).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ التنوين عوضا عن المدة، وسواء عندهم الاسم وغيره. قال الشاعر: 4393 - من طلل كالأتحميّ أنهجن (¬1) وقال آخر: 4394 - أفد التّرحّل غير أنّ ركابنا ... لمّا تزل برحالنا، وكأن قدن (¬2) وقال الشاعر: 4395 - يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفن (¬3) * * * ¬

_ (¬1) الرجز للعجاج في ديوانه (ص 7)، والشاهد: أنهجن؛ بجعل التنوين عوض المدة، والأتحمي: ضرب من البرود، وأنهجن: أخذ الثوب في البلى. (¬2) البيت من الكامل للنابغة في ديوانه (ص 27)، والشاهد: «وكأن قدن» وهي لغة الكثير من تميم، فالتنوين دخل في الحرف. (¬3) من الرجز للعجاج في ملحقات ديوانه (ص 83)، والشاهد: الذرفن، والنون للتنوين، والذرف: الدموع، وانظر: الصبان (4/ 220)، والمساعد (4/ 333).

الباب الثمانون والأخير باب الهجاء

الباب الثمانون والأخير باب الهجاء [الأصل الأول: فصل الكلمة من الكلمة] قال ابن مالك: (وله في غير العروض (¬1) أصلان، ولا يعدل عنهما إلّا انقيادا لسبب جلىّ أو اقتداء بالرّسم السّلفيّ. الأصل الأوّل: فصل الكلمة من الكلمة إن لم يكونا كشيء واحد إمّا بتركيب كبعلبكّ، وإمّا لكون إحداهما لا يبتدأ بها أو لا يوقف عليها، وإمّا لكونها مع الأخرى كشيء واحد في حال، فاستصحب لها الاتّصال غالبا، ووصلت من بمن مطلقا، وبما الموصولة غالبا، وعن بمن كذلك، وفي بمن الاستفهاميّة مطلقا، وبما الموصولة غالبا، والثّلاثة بما الاستفهاميّة محذوفة الألف. وشذّ وصل «بئس» بما قبل اشْتَرَوْا بِهِ (¬2) وخَلَفْتُمُونِي (¬3)، ووصل إن بـ (لم يستجيبوا) (¬4) ووصل أن بلن في الكهف والقيامة، وبلا في بعض المواضع، وكذا وصل أم بمن، وكي بلا، وتحذف نون من، وعن، وإن، وأن، وميم أم عند وصلهنّ). الشّرح: يشير المصنف إلى باب الهجاء، والمراد به هنا: كتابة الألفاظ التي تركبت من حروف الهجاء، وهي حروف المعجم، فقال: وله في غير العروض أصلان، وأما العروضيون فيكتبون المسموع، فالمدغم بحرفين، والتنوين نونا، ويكتبون الحروف بحسب أجزاء التفعيل، والرسم السلفي (¬5): هو ما اصطلح عليه السلف من كتابة المصحف. أما الرسم في هذا الباب فيعتمد على أصلين - سيأتي ذكرهما - ولا يعدل عنهما إلا لسبب جليّ أو موافقة للرسم العثماني. وقال الرضي: حق كل لفظ أن يكتب بحروف الهجاء التي ركب ذلك اللفظ منها إن كان مركبا، وإلا فبحرف هجائه، ويعتمد هذا الخط على أصلين: الأول: فصل الكلمة من الكلمة، إن لم يكونا كشيء واحد؛ ذلك لأن كل كلمة تدل على معنى غير معنى الكلمة الأخرى، وكما تميز المعنيان تميز اللفظان، فليتميز الخط النائب عن اللفظ بالفصل، فإن كانا - ¬

_ (¬1) انظر: التسهيل (ص 332). (¬2) سورة البقرة: 90. (¬3) سورة الأعراف: 150. (¬4) سورة هود: 14. (¬5) انظر: الشافية (2/ 312).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ كشيء واحد فلا فصل، كأجزاء الكلمة الواحدة، وسيوضح المصنف ما يكون به الكلمتان كشيء واحد، وذلك إما بتركيب كبعلبك وهو التركيب المزجي (¬1)، وخرج المركب الإسنادي نحو: زيد قائم أو الإضافي كغلام زيد، وخرج المركب البنائي نحو: خمسة عشر، وصباح مساء، وبين بين؛ فهذه المركبات تكتب كلها مفصولة. وكذلك وإما لكون إحداهما لا يبتدأ بها نحو الضمائر البارزة المتصلة كضربت، ونون التوكيد، وعلامة التأنيث، وكذا التثنية والجمع في لغة «أكلوني البراغيث» فكما لا تفصل لفظا، لا تفصل خطّا، وتكتب متصلة. وذكر المصنف مما يكون كالشيء الواحد أو لا يوقف عليها نحو باء الجر، وفاء العطف، ولام التأكيد، وفاء الجزاء فكما امتزجت في اللفظ، امتزجت في الخط (¬2)، ثم قال: وإما لكونها مع الأخرى، كشيء واحد في حال، فاستصحب لها الاتصال غالبا مثل: بعلبك إذا أعرب إعراب متضايفين، ومع ذلك كتبت متصلة لما ثبت لها عند تركيب المزج، وإن كان النظر إلى الإعراب يقتضي فصلهما. كما يجب اتصالها كتابة إذا وصلت من بمن مطلقا سواء أكانت موصولة أم موصوفة نحو: أخذت ممن أخذت منه، أم استفهامية نحو: ممن أنت؟ أم شرطية نحو: ممن تأخذ درهما، فيجب وصلها خطّا، وكذلك بما الموصولة نحو: عجبت مما عجبت منه، فالغالب وصلها، ومن غير الغالب أن تفصل. وقال ابن عصفور: إنّ ما إذا كانت غير استفهامية فصلت، من عنها على قياس الكلمتين (¬3). ثم قال: وعن بمن كذلك فإذا أصبحت عن من الموصولة، فالغالب وصلها بها، نحو: رويت عمّن رويت عنه، ويجوز الفصل نحو: عن من رويت؟ فإن كانت من غير موصولة، فالقياس فصل عن، نحو: عن من تسأل؟ وعن من ترض أرض، وكذلك وفي بمن الاستفهامية مطلقا نحو: فيمن تفكر؟ وبما الموصولة غالبا نحو: فكرت فيما فكرت فيه. وما الموصولة المتصلة بمن وعن وفي فيها أقوال ثلاثة: الاتصال، الانفصال، جواز الأمرين، والوصل غالب. ثم قال: والثلاثة بما الاستفهامية يريد إذا دخلت من، وعن، وفي بما الاستفهامية وكذلك الزائدة؛ نحو: بم هذا الثوب؟ وعَمَّ يَتَساءَلُونَ (¬4)، وفِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (¬5)، - ¬

_ (¬1) انظر: الهمع (2/ 231). (¬2) شفاء العليل (3/ 1137). (¬3) انظر: المساعد (3/ 336). (¬4) سورة النبأ: 1. (¬5) سورة النازعات: 43.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ والزائدة مثل: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ (¬1)، وقالَ عَمَّا قَلِيلٍ (¬2) فتكتبان متصلة بهذه الحروف، وأما الشرطية والموصوفة، فالقياس يقتضي فصلهما. وتحذف ألف الاستفهامية مع حروف الجر فرقا بين الاستفهامية والموصولة؛ ولأن آخرها منته لفظا وتقديرا وكذلك تحذف ألفها إن جرت بالإضافة نحو مجيء م جئت؟ وأجاز فيها سيبويه إثبات الألف مع الإضافة. وقد أثبتوا ألف الاستفهامية مع حرف الجر في الشعر قال: 4396 - على ما قام يشتمني لئيم ... كخنزير تمرّغ في رماد (¬3) وشذ وصل بئس بما قبل: اشْتَرَوْا بِهِ (¬4) وخَلَفْتُمُونِي (¬5) وهذا مما خالف الأصل الانفصال، وتوصل إتباعا للرسم السلفي: بئسما بالاتصال، وحملت على نِعِمَّا (¬6) لأجل الإدغام اتصلت. كما شذ وصل إن بـ (لم يستجيبوا) في هود فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ (¬7) وفي القصص فصلت فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ (¬8) كما شذ وصل أن بلن في الكهف والقيامة يريد قوله تعالى: بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (¬9)، وفي القيامة أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (¬10). ثم قال المصنف: وبلا في بعض المواضع. قال ابن الأنباري وغيره: أن لا متصلة في القرآن في الخط إلّا عشرة مواضع في الأعراف: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ (¬11)، ومنها أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، (¬12) والتوبة وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ (¬13)، وهود وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (¬14)، وأَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (¬15)، - ¬

_ (¬1) سورة نوح: 25. (¬2) سورة المؤمنون: 40. (¬3) البيت من الوافر لحسان بن ثابت وقيل: لحسان بن المنذر، والشاهد فيه: «على ما قام» حيث أثبت ألف ما الاستفهامية المجرورة للضرورة الشعرية، وانظر: المساعد (4/ 339)، والعيني (4/ 216). (¬4) سورة البقرة: 90. (¬5) سورة الأعراف: 150. (¬6) سورة النساء: 58. (¬7) سورة هود: 14. (¬8) سورة القصص: 50. (¬9) سورة الكهف: 48. (¬10) سورة القيامة: 3. (¬11) سورة الأعراف: 105. (¬12) سورة الأعراف: 169. (¬13) سورة التوبة: 118. (¬14) سورة هود: 14. (¬15) سورة هود: 26.

[الأصل الثاني: مطابقة المكتوب المنطوق به]

[الأصل الثاني: مطابقة المكتوب المنطوق به] قال ابن مالك: (الأصل الثّاني: مطابقة المكتوب المنطوق به (¬1) في ذوات الحروف وعددها، ما لم يجب الاقتصار على أوّل الكلمة لكونها اسم حرف واردا ورود الأصوات (¬2)، أو يحذف الحرف لإدغامه فيما هو من كلمته. وشذّ: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (¬3). - والحج وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً (¬4)، ويس أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ (¬5)، والدخان وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ (¬6)، والممتحنة يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً (¬7)، والقلم أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (¬8). وقد تكتب موصولة ناصبة للمضارع، نحو: يعجبني ألا تقوم، وكتبت في المصحف مفصولة (أن لا). ثم قال: وكذا وصل أم بمن، وكي بلا فهما شاذان في الوصل، والأصل الفصل، ولكن الرسم لا يخالف، فكتبوا أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ (¬9) بالوصل، وكتبوا كي متصلة بلا في بعض مواضع من القرآن. ثم قال: وتحذف نون من، وعن، وإن، وأن، وميم أم عند وصلهنّ فتحذف النون خطّا، وفي اللفظ مدغمة فيما بعدها، نحو: إنما قام زيد، وليتما زيد قائم، وأما الموصولة فتفصل نحو: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ (¬10)، وهي الآية الوحيدة التي فصلت فيها إن عن ما، ومثال الوصل قوله تعالى: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ (¬11)، والشرطية نحو: أينما تكن أكن، وحيث في: حيثما تجلس أجلس، وكل في: كلما جئتني أحسنت إليك، وكل ما تفعل حسن، وأين ما اشتريت؟ فيجوز الفصل والوصل في كل، وأين. الشّرح: يشير ابن مالك (¬12) إلى الأصل الثاني في باب التهجي وأن حق كل - ¬

_ (¬1) في بعض النسخ: «للمنطوق به». (¬2) هذا شرح لبيان اسم الحرف كألف، وباء أما صورته وشكله أ، ب، وهكذا. (¬3) سورة القلم: 6. (¬4) سورة الحج: 26. (¬5) سورة يس: 60. (¬6) سورة الدخان: 19. (¬7) سورة الممتحنة: 12. (¬8) سورة القلم: 24. (¬9) سورة الزمر: 9. (¬10) سورة الأنعام: 134. (¬11) سورة طه: 69. (¬12) انظر: التسهيل (332، 333).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ لفظ أن يكتب بحروف هجائه، وأن الثاني منه يجب فيه مطابقة المكتوب للمنطوق به في ذوات الحروف وعددها كما في: زيد، وضرب، ومن. فيجب أن تكتب ما تنطقه اسما أو فعلا أو حرفا كما مثلنا. ثم قال مستثنيا مما سبق: ما لم يجب الاقتصار على أول الكلمة، لكونها اسم حرف، واردا ورود الأصوات فباء اسم لثاني حروف المعجم، وألف لأولها، وكذا الباقي، فإذا قيل: اكتب باء، لم تكتبه هكذا باء، وإنما تكتبه: ب؛ لأن الاسم لحرف، لم يقصد فيه إسناد ولا تقييد، وإنما أريد به ذلك اللفظ الذي يتركب منه الكلام، فأشبه باء وجيم ونحوهما، وغاق ونحوه من أسماء الأصوات؛ لأن المقصود به صوت فقط، فلم يكتب بصورة النطق به، بل كتب الشكل الذي هو مدلوله، فمفهوم غاق مثلا، ذلك الصوت الغرابي، ومفهوم جيم ذلك الصوت الذي يشكل بذلك الشكل الذي رسموه، فالشكل للحرف خلاف مدلوله؛ إذ مدلوله اسمه، وشكله صورته التي نكتبه بها (¬1). ثم قال المصنف بعد ذلك: أو يحذف الحرف لإدغامه فيما هو من كلمته نحو: مقرّ، واقشعرّ وادّارأ، واطّجع، فيحذف الحرف شكلا وصورة في الكلمة؛ لأجل الاختصار لاتحادهما في النطق والكلمة، فلو كان في غير كلمة لم يحذف، للانفصال نحو: خذ ذاك، وسيأتي بيان ذلك. وقد يكون مدغما في كلمة واحدة، ومع ذلك يكتب بياءين، مع أن القاعدة السابقة تنص على كتابته حرفا واحدا، والثاني المدغم يحذف للاختصار، ولكن احتراما للمصحف ولرسم السلف الكرام (¬2) الذين كتبوه بحرفين، فيجب أن يكتب بياءين، ونخالف القياس السابق، وذلك مثل قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (¬3) فكتب هنا بياءين اتباعا لرسم السلف، ولا يخالف ذلك. ثم أخذ بعد ذلك يشرح المطابقة بالأصل شرحا واسعا، وأنواع هذه المطابقة لنكتب حرفا واحدا، ويحذف الثاني منه. ¬

_ (¬1) انظر: المساعد (4/ 343، 344)، وشفاء العليل (3/ 1139). (¬2) همع الهوامع (2/ 234). (¬3) سورة القلم: 6.

[اعتبار الأصل في المطابقة]

[اعتبار الأصل في المطابقة] قال ابن مالك: (فصل: تعتبر المطابقة بالأصل إن كان الحرف مدغما فيما ليس من كلمته أو نونا ساكنة مخفاة، أو مبدلة ميما لمجاورة باء، أو حرف مدّ حذف لساكن يليه في الوصل وربّما حذف خطّا إن أمن اللّبس، ويجب ذلك مع نون التّوكيد والتّنوين، وتعتبر المطابقة بالمآل، إمّا في وقف لا مانع من اعتبار ما يعرض فيه، ولذا حذف تنوين غير المفتوح، ومدّة ضمير الغائب والغائبين، وكتب بألف «أنا» والمنوّن المفتوح، وإذا، ونحو لَنَسْفَعاً (¬1) إن أمن اللّبس، وبهاء، نحو: رحمه، وره ذاك، ومجيء مه جيت؟). الشّرح: يشير ابن مالك في ذلك إلى أن المعتبر في الكتابة أصل الحرف بقي لفظه أو انقلب إلى آخر، فتكتب من في: من كلامك، بالنون منفصلة، وخذ في: خذ ذاك، أيضا منفصلة؛ لأنه ليس في كلمة، فإن كان مدغما في كلمتين فينظر إلى غير أصل الحرف نحو: امّحى فتكتب بالميم لا بالنون، وإن كان انفعل من المحو. وكذلك تعتبر المطابقة بالأصل إن كانت نونا ساكنة مخفاة فتكتب نونا، كانت من كلمتها نحو: عنتر، أم من كلمتين: من كافر، وكذا: أنت (¬2). أو مبدلة ميما لمجاورة باء من كلمة نحو: عنبر، أو من كلمتين نحو: من بعد، وكذلك قال: أو حرف مدّ، حذف لساكن يليه فيكتب: اضربوا القوم، ويغزو الرجل بالواو على الأصل، ولا تكتب الواو من المحذوف لجازم نحو: لم يغز، أو لفاصلة نحو: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (¬3) فلا تكتب في هذا ونحوه خطّا. ثم قال ابن مالك: وربما حذف خطّا، إن أمن اللبس فكتبوا يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ (¬4)، وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ (¬5) بغير واو؛ لأنه لا يلتبس بجمع، بخلاف: لا تضربوا الرجل، - ¬

_ (¬1) سورة العلق: 15. (¬2) انظر: المساعد (4/ 348). (¬3) سورة الفجر: 4. (¬4) سورة القمر: 6. (¬5) سورة الشورى: 24.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ فحذف الواو فيه يلبس بالوحدة. ثم قال: ويجب ذلك مع نون التوكيد، والتنوين أي: يجب الحذف لفظا وخطّا مع نون التوكيد، نحو: يا زيدون لتركبنّ، ولتذهبنّ يا هند، بحذف نون الرفع، ثم الواو وكذلك لالتقاء الساكنين. وحذف التنوين نحو: هذا قاض، وهؤلاء جوار؛ حذفوا الياء رفعا وجرّا، وحذفوا الحركة، وحذفت الياء للساكنين لفظا ثم حذفت خطّا، ولا ينظر للغة من أثبت الياء وقفا؛ لقلتها (¬1). ثم قال: وتعتبر المطابقة بالمآل، إما في وقف لا مانع من اعتبار ما يعرض فيه يجب اعتبار المطابقة بما يؤول إليه اللفظ وقفا أو في غيره، بشرط عدم المانع كالوقف على ما صحبه نون التوكيد الخفيفة. فلا تكتب لتضربنّ ولتكتبن إلا بحذف حرف المد، وترده وقفا؛ ولذا حذف تنوين غير المفتوح نحو: قام زيد، ومررت بزيد، ومدة ضمير الغائب تقول: ضربه، ومرّ به بدون واو أو ياء، والغائبين نحو: ضربهم، ومرّ بهم في لغة من وصل ميم الجمع، وكذا حذفوا في ضربكم ومر بكم كذلك، ثم ذكر ما يكتب بالألف في ضمير المتكلم أنا وبالمفتوح المنوّن نحو: رأيت زيدا، «وإذا» فتكتب ألفا، وقيل: تكتب بالنون، ونحو: لَنَسْفَعاً (¬2) فالوقف على نون التوكيد الخفيفة بالألف لَنَسْفَعاً بشرط أمن اللبس، فلا يكتب: اضربن زيدا، بالألف حتى لا تلتبس بفعل الاثنين خطّا. ثم قال: وتقف بهاء نحو: رحمة فتقف بالهاء: رحمه، وما لحقته هاء السكت في الوقف مما بقي على حرف واحد من المعتل نحو: ره ذلك، قه، ولم يقه. ثم قال: ومجيء مه جيت، وهي هاء السكت الساقطة وصلا لثبوتها وقفا (¬3). ¬

_ (¬1) الهمع (2/ 234). (¬2) سورة العلق: 15، الشافية (2/ 315). (¬3) انظر: شفاء العليل (3/ 1140).

[ما خرج عن مطابقة الأصل شذوذا]

[ما خرج عن مطابقة الأصل شذوذا] قال ابن مالك: (وشذّ «كأيّن» ونحو بِنِعْمَتِ اللَّهِ (¬1) وإمّا في غير وقف، ولذا نابت الياء عن كلّ ألف مختوم بها فعل أو اسم متمكّن، ثالثة مبدلة من ياء، أو رابعة فصاعدا مطلقا، ما لم تل ياء في غير «يحيى» علما، ولا يقاس عليه علم مثله خلافا للمبرّد، وفي التزام هذه النّيابة خلاف، وكذا امتناعها عند مباشرة ضمير متّصل، واستعملت في «حتّى» وما زَكى (¬2) شذوذا، وفي «متى» و «بلى» لإمالتهما، وفي الضُّحى (¬3) ونحوه لمشاكلة المجاور، فإن وليت «ما» الاستفهاميّة «حتّى» أو «إلى» أو «على» كتبن بألف، وشذّت الألف في «كلتا» وتَتْرا (¬4) و «نخشا أن تصيبنا» والواو في الصّلوة والزّكوة والحيوة والنّجوة ومشكوة ومنوة والربوا). الشّرح: يشير ابن مالك إلى ما خرج عن المطابقة للأصل وأنه شاذ لذلك مثل قوله: (وشذّ كأيّن) لأنها مركبة من كاف التشبيه وأيّ، فرسمهم لها بالنون، إثبات لصورة التنوين خطّا في المجرور، وهو خلاف ما قرره الجمهور، فكان هذا شاذّا، ونحو: بِنِعْمَتِ اللَّهِ كتبوها بالتاء اتباعا للرسم السلفي في المصحف، والقياس الوقف عليها بالهاء. ثم ذكر القسم الثاني، وهو في غير الوقف فقال: ولذا نابت الياء عن كل ألف مختوم بها فعل أو اسم أي لاعتبار المطابقة بالمآل في غير الوقف وخرج بالفعل والاسم: الحرف نحو: ما، لا، والاسم غير المتمكن نحو: ما الاسمية وذا وتا فلا تكتب إلا بالألف، ثالثة أما الثانية كباع فلا تكتب إلا ألفا، مبدلة من ياء نحو: رمى ورحى، فتكتب ياء، أما المبدلة من واو نحو: غزا وعصا أو المجهولة نحو خسا «الفرد» فلا يكتبان إلا ألفا، ويعرف انقلاب الألف عن ياء باعتلال الوسط أو الأول بالواو نحو (¬5): ودى، هوى، وفى، وعى، وبالانقلاب ياء في التثنية نحو: - ¬

_ (¬1) سورة النحل: 72. (¬2) سورة النور: 21. (¬3) سورة الضحى: 1. (¬4) سورة المؤمنون: 44. (¬5) الهمع (2/ 243).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ رحيان، أو الجمع بالألف والتاء نحو: حصيات، وببناء فعل نحو: رقى، أو كانت رابعة نحو: أعطى، ملهى ويعطى فصاعدا نحو: اعترى، المستدعى مطلقا أصل هذه الألف فتقلب ياء في التثنية نحو: قبعثرى وبشرط ما لم تل ياء فإن وليتها كتبت ألفا نحو: الحيا، أحيا، الدنيا، المحيا، استحيا، وذلك في غير يحيى علما فيكتب بياء فرقا بينه وبين يحيا مضارعا، والاسم أخف من الفعل، فكان بالياء ولا يقاس عليه علم مثله، خلافا للمبرد فنحو: أعيا عند الجمهور يكتب بالألف، والمبرد عنده بالياء، فلا قياس عند الجمهور بل يقتصر على السماع على يحيى فقط، خلافا للمبرد أنه يقيس عليه أعيا ونحوه ويكتبه بالياء. ثم قال: وفي التزام هذه النيابة خلاف. وقال ابن عقيل (¬1): وحاصل النقل في المسألة ثلاثة مذاهب: أحدها: ما سبق من التفصيل. والثاني: التزام الألف نظرا إلى اللفظ. والثالث: يختار الياء ويجوز الألف وهو قليل، ويرى الزجاجي أنه إذا أشكل شيء مما آخره ألف يكتب بالألف، فالخط كاللفظ. ثم قال: وكذا امتناعها عند مباشرة ضمير متصل أي: ففي امتناع الياء الخلاف، فمنهم من يرى بقاء نيابة الياء عن الألف، ومنهم من لا يراه، فيكتب بالألف نحو: رماه، رحاي، فتاك، ملهاك، واستثنوا إحدى خاصة فكتبوا الضمير بالياء نحو: إحديها، وكتبت حتّى وما زَكى (¬2) بالياء شذوذا وحقها الألف، وكذلك حتى وبلى كتبت بالياء كذلك؛ لإمالة الجميع وحقها الألف، وفي الضُّحى (¬3) ونحوه لمشاكلة المجاور، وهو سَجى (¬4)، فرسموه بالياء وحقه الألف؛ لأنه واوي. ثم قال: فإن وليت ما الاستفهامية حتى، أو إلى، أو على كتبن بالألف لشدة الاتصال نحو حتّام، إلام، علام، وشذت الألف في كلتا؛ لأنها ألف تأنيث رابعة فحقها الياء، كحبلى وتَتْرا (¬5)؛ فألفه إذا لم ينون للتأنيث فحقه أن يكتب - ¬

_ (¬1) المساعد (4/ 353). (¬2) سورة النور: 21. (¬3) سورة الضحى: 1. (¬4) سورة الضحى: 2. (¬5) سورة المؤمنون: 44.

[اعتبار المطابقة بالمآل]

[اعتبار المطابقة بالمآل] قال ابن مالك: (فصل: من اعتبار المطابقة بالمآل تصوير الهمزة غير الكائنة أوّلا بالحرف الّذي تؤول إليه في التّخفيف إبدالا وتسهيلا، وإن كان تخفيفها بالنّقل حذفت، وقد تصوّر المتوسّطة الصّالحة للنّقل بمجانس حركتها، وغلب في الآخرة كتبها ألفا بعد فتحة، وحذفها بعد ألف، ما لم يلها ضمير متّصل، فتعطى ما للمتوسّطة. وتصوّر ألفا الكائنة أوّلا مطلقا، إلّا أنّها إن كانت همزة وصل حذفت بين الفاء أو الواو وبين همزة هي فاء، وبعد همزة الاستفهام مطلقا). ـــــــــــــــــــــــــــــ بالياء، وإذا نون فألفه للإلحاق وحقه الياء أيضا، كما أن نخشا، كتب بالألف وحقه الياء؛ لأن ألفه رابعة والواو في الصلوة ونحوها إلخ (¬1) رسمت بالواو للتفخيم، واتباعا للمصحف، وإذا اتصلت بضمير كتبت هذه الكلمات على القياس، والرّبوا بالواو والألف خاصة حيث جمعوا بين العوض والمعوض منه. الشّرح: يشير المصنف إلى كتابة الهمزة غير الواقعة في الأول بأن وقعت حشوا مثل فأس، أو طرفا مثل: جزء، ثم بالحرف الذي تؤول إليه في التخفيف إبدالا فإن أبدلت ألفا كتبت ألفا نحو رأس، ولن يقرأ، أو واوا فتكتب واوا نحو: بؤس، ويوضؤ، أو ياء فتكون ياء نحو: بئر، ولم يقرئ، وكذا المتحركة نحو مئر: والعدواة، وجؤر أي: غيث غزير، وتسهيلا فتكتب على حسب الحرف الذي يصير بين الحركة وبينه، فإن كانت حركة الهمزة كسرة، سهلت بينها وبين الياء، فتكتب ياء نحو: سايل، وإن كانت ضمة سهلت بينها وبين الواو فقلبت واوا نحو التساول أو كانت فتحة سهلت بينها وبين الألف إن كان ما قبلها مفتوحا، فتكون صورتها ألفا نحو: سال، فإن كان قبلها ألف نحو ساءل لم تثبت لها صورة أو بعدها ألف نحو سآل. (وإن كان تخفيفها بالنقل، حذفت) نحو: جيئل، وسموءل، وجوءب فتحذف الهمزة وتنقل حركتها إلى الساكن قبلها، ولا صورة للهمزة نحو جزء، خبء فلا تكتب للهمزة صورة في الخط مطلقا إلا المنصوب المنون فيكتب بألف واحدة. ثم قال: وقد تصوّر المتوسطة الصالحة للنقل بمجانس حركتها فتصوّر بالألف نحو: - ¬

_ (¬1) شفاء العليل (3/ 1140).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ يسأل، وبالواو نحو يلؤم ويشم بالياء وغلب في الآخرة كتبها ألفا بعد فتحة نحو: النبأ ويقرأ ولم يقرأ، وغلب على كتبهم قوله تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا (¬1)، وقُلْ ما يَعْبَؤُا (¬2)، يَبْدَؤُا الْخَلْقَ (¬3)، نَبَأُ الْخَصْمِ (¬4) بواو وألف ومِنْ نَبَإِ (¬5) بألف وياء. وحذفها بعد ألف نحو: ماء والماء فلا تثبت للهمزة صورة في الخط، باتفاق بين علماء الكوفة والبصرة، فإن نصبت نحو: شربت ماء، فالبصريون يكتبون بألفين: ماءا، والكوفيون (¬6) بألف واحدة قبل الهمزة فقط: ماء. ثم قال: ما لم يلها ضمير متصل فتعطى ما للمتوسطة نحو: ماؤك، ماءك، بمائه، نبؤك، نبأك، نبئه. واتصال الضمير بها صارت كغير المتطرفة، ولذا لا يوقف عليها. ثم قال: وتصور ألفا، الكائنة أولا مطلقا أي: بأي حركة كانت من فتحة كأحمر، أو ضمة كأكرم، أو كسرة كإثمد، وهذا الحكم ثابت لها ولو تقدمها شيء، إلا ما شذّ وهو لئن، لئلا، حينئذ. ثم قال: إلّا أنها إن كانت همزة وصل، حذفت بين الفاء أو الواو، وبين همزة هي فاء نحو: فأت وأت وعلى ذلك كتبوا إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ (¬7)، وتثبت في غير ما ذكر، فتثبت في نحو: ثم أتوا، ثم اضرب، أو كانت مبتدأ بها نحو ائْذَنْ لِي (¬8)، وكذا إن تقدما والهمزة ليست فاء نحو: فاضرب، واضرب. ثم قال: وبعد همزة الاستفهام مطلقا بأن كانت همزة الوصل مكسورة في: أسمك بكر أم خالد؟ أم مضمومة نحو: أختير علي؟ أم مفتوحة نحو: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ (¬9) فتكتب بألفين وتحذف همزة الوصل خطّا في هذا كله، وخالف المغاربة (¬10) في المفتوحة فقالوا: لا تحذف بل يكتب بألفين نحو: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ (¬11)، وآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ. ¬

_ (¬1) سورة الزخرف: 18. (¬2) سورة الفرقان: 77. (¬3) سورة يونس: 34. (¬4) سورة ص: 21. (¬5) سورة الأنعام: 34. (¬6) انظر في ذلك: شفاء العليل (3/ 1141)، والمساعد (4/ 358)، والهمع (2/ 245). (¬7) سورة النساء: 176. (¬8) سورة التوبة: 49. (¬9) سورة يونس: 59. (¬10) انظر: المساعد (4/ 360). (¬11) سورة الأنعام: 143.

[حكم همزة الوصل من حيث الإثبات والحذف]

[حكم همزة الوصل من حيث الإثبات والحذف] قال ناظر الجيش: (وفي نحو: جاء فلان بن فلان، وفلانة بنة فلان، ونحو: للدّار، وللدّار، وفي «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وتثبت ألفا فيما سوى ذلك، ويكتب ما ولي الثّانية بحسب حالها إذا ابتدئ بها، إلّا فاء «أفعل» من نحو: «يوجل» فإنّها تكتب واوا بعد الواو والفاء خاصّة، وتصوّر بعد همزة الاستفهام همزة القطع بمجانس حركتها، وقد تحذف المفتوحة، ويكتب غيرها ألفا، وألحقت بالمتوسّطة همزة «هؤلاء» و «ابنؤمّ» و «لئلّا» و «لئن»، و «يومئذ» و «حينئذ»). الشّرح: أشار المصنف بقوله: وفي نحو: جاء فلان بن فلان، وفلانة بنة فلان إلى حذف ألف ابن وابنه إذا وقعا بين علمين، وهما صفتان سواء أكانا علمين كخالد ابن علي، أم كنيتين نحو: أبي عبد الله بن أبي مجد، أم لقبين نحو: ببة بن بطه، أم مختلفين نحو: محمد بن أبي عبد الحكم، ثم قال: ونحو: للدار وللدار بأنهم لم يكتبوا لهمزة «أل» صورة؛ خوفا من الالتباس بلا النافية، إذا دخلت لام الابتداء، أو لام الجر على ما فيه «أل»، ومثل المصنف للمثالين بما ذكره للدّار، وللدّار (¬1). وكذلك تحذف همزة الوصل في (اسم) إذا ذكرت في البسملة كلها، وقال الفراء في قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها (¬2): إن شئت حذفت الألف أو أثبتها، وأجاز الكسائي حذفها في (¬3) بسم الرحمن وبسم القاهر، وقال ثعلب: إذا قلت: أبدأ باسم الله؛ أثبت الألف، وقد يجوز حذفها لكثرة الاستعمال، وإلا فحقها أن تثبت. ثم قال ابن مالك: وتثبت ألفا فيما سوى ذلك أي: كل موضع وجدت فيه همزة وصل - فيما عدا ما سبق - تثبت فيه بصورة الألف نحو: مررت بامرئ وامرأة، وهكذا الباقي. ثم: ويكتب ما ولي الثانية بحسب حالها إذا ابتدئ بها، أي: فما ولي الهمزة الثانية على حسب حركتها فتكتب واوا بعد ضمة نحو: اؤتمن، وياء بعد كسرة في نحو: ائذن لي يا زيد؛ لأن الثانية مبتدأ بها، إلّا فاء أفعل من نحو: يوجل، - ¬

_ (¬1) انظر: المساعد (4/ 364)، وشفاء العليل (3/ 1144). (¬2) سورة هود: 41. (¬3) انظر: المساعد (4/ 364).

[حكم الحروف اللينة إذا توالت في كلمة أو كلمتين]

[حكم الحروف اللينة إذا توالت في كلمة أو كلمتين] قال ابن مالك: (فصل (¬1): إن أدّى القياس في المهموز وغيره إلى توالي ليّنين متماثلين أو ثلاثة في كلمة أو كلمتين ككلمة حذف واحد إن لم تفتح الأولى كقرأا وقارئين، ولووا، وفي (آلله) (¬2) وجهان: أجودهما الحذف، وما سوى ما ذكر شاذّ لا يقاس عليه، أو مخالف للرّسم فلا يلتفت إليه). - فإنه يكتب واوا بعد الواو والفاء خاصة نحو: فاوجل واوجل فيكتبان هكذا بإثبات ألف الوصل، وبالواو بعدها، وأراد بقوله: خاصة على أن نحو: ثم ايجل (¬3)، وقلت لهم: ايجلوا؛ يكتب ياء على حسب الابتداء، للانفصال وإن كان اللفظ بالواو، فإن تقدمت كسرة، كانت ياء لفظا وخطّا، قلت لك: ايجلي يا هند. ثم ذكر حكم همزة القطع بعد همزة الاستفهام، فقال: وتصور بعد همزة الاستفهام، همزة القطع بمجانس حركتها وذلك إذا خففت بالبدل كانت المفتوحة ألفا نحو: أَأَسْجُدُ (¬4)، والمضمومة واوا أَأُنْزِلَ (¬5)، والمكسورة نحو: أَإِنَّكَ (¬6)، أو بالتسهيل فتكون بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها، وقد تحذف المفتوحة وهو رسم المصحف، والساقطة عنده الهمزة الثانية، نحو: أَآلِهَتُنا خَيْرٌ (¬7)، وقال الفراء وثعلب وابن كيسان: الباقي الاستفهام، ثم قال: ويكتب غيرها ألفا نحو: أانزل، أانك، والأكثر أن تكتب في الأولى واوا وفي الثاني ياء، وتصور متصلة بهمزة الاستفهام، ثم قال: وألحقت بالمتوسطة همزة: هؤلاء، وابنؤم، ولئلا، ولئن، ويومئذ، وحينئذ، فكتبوا الأولين بالواو؛ لأن هاء التنبيه منفصلة، وابن أيضا مع أم كذلك، وكتبوا الثالث والرابع بالياء؛ لأنهم جعلوها كالشيء الواحد، وكذلك كتبوا الأخيرين بالياء بجعل الكلمتين ككلمة واحدة، والقياس الفصل بينهما (¬8). الشّرح: يشير ابن مالك إلى حكم اجتماع الحروف اللينة اثنين أو ثلاثة في كلمة أو كلمتين، وجب حذف واحد منها نحو: طاوس، رؤس، ويستون، ويلون، - ¬

_ (¬1) انظر: التسهيل (ص 336). (¬2) سورة يونس: 59. (¬3) انظر: الشافية (3/ 331). (¬4) سورة الإسراء: 61. (¬5) سورة ص: 8. (¬6) سورة الصافات: 52. (¬7) سورة الزخرف: 58. (¬8) انظر: الهمع (2/ 236).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ آدم، آمن فيحذف أحد المثلين خطّا، كراهة اجتماع المثلين، والقياس أن المحذوف هو الساكن، ولقوة المتحرك بالحركة. قال ابن عصفور: وكتب بعضهم بواوين على الأصل (¬1)، ويستثنى ما يلبس بالحذف، فلا تحذف الواو من: قؤول، وصؤول، ونحوها؛ لئلا يلتبس بقول، وصول، ومثال الثلاثة في كلمة: النبيّين، ومسوؤون، وبراآت، ومساآت، وينبغي أن يكون المحذوف صورة الهمزة؛ لأنها المحذوفة في نبيء وسوء، وبراءة، ومساءة، وأما الثلاثة في كلمتين ككلمة نحو: يا آدَمُ (¬2)، ولِيَسُوؤُا (¬3)، ويسوؤن وتجيئين. ولذلك قال ابن مالك: إن أدّى القياس في المهموز وغيره إلى توالي لينين متماثلين أو ثلاثة في كلمة أو كلمتين ككلمة حذف واحد. ثم قال بعد ذلك: إن لم تفتح الأولى، كقرأا وقارئين فيكتبان بألفين وياءين؛ لئلا يلتبس فعل الاثنين بفعل الواحد، والتثنية بالجمع، وهذا ما اختاره المتأخرون. ولوّوا ومثلها اكتووا، واحتووا. كتبوا (¬4) الجميع بواوين خوفا من كثرة الحذف لو لم يثبتوا إحداهما، فحذفوا اللام، وكتبوا: يستون ويلون بواحدة. قال ثعلب: حذفوا مع اجتماع واوين وضمة وأثبتوا لما انفتح ما قبل الواو أي في لوّوا. وهذا حسن. ثم قال: وفي آللَّهُ وجهان أجودهما الحذف أي: إذا دخلت همزة الاستفهام على لفظ «الله» جاز أن تبقى صورة همزة الوصل، فتكتب هكذا: آللَّهُ (¬5) بألفين؛ لأن «أل» فيه لازمة عوضا فنزلت منزلة جزء من نفس الكلمة، والأجود الحذف؛ لأنها همزة وصل صحبت همزة الاستفهام نحو: آلذَّكَرَيْنِ (¬6). ثم قال بعد ذلك: وما سوى ما ذكر، شاذّ، لا يقاس عليه، أو مخالف للرسم، فلا يلتفت إليه ومثال الشاذ أن نكتب: اقرآ مسندا إلى اثنين بألف واحدة، وهذا يؤدي إلى الإلباس، والمخالف للرسم العثماني الذي عليه كتابة المصحف الشريف نحو كتب: رؤوس، وطاووس بواوين، والأولى أن يحذف منها أحد الواوين (¬7). ¬

_ (¬1) انظر: همع الهوامع (2/ 245، 246). (¬2) سورة البقرة: 33. (¬3) سورة الإسراء: 7. (¬4) انظر: شفاء العليل (3/ 1145). (¬5) سورة يونس: 59. (¬6) سورة الأنعام: 143. (¬7) انظر: المساعد (4/ 365) وما بعدها.

[حذف الألف من لفظ الجلالة وغيره]

[حذف الألف من لفظ الجلالة وغيره] قال ابن مالك: (فصل: حذفت الألف من «الله»، و «الرّحمن» و «الحرث» علما، ما لم تخل من الألف واللّام، ومن «السّلم عليكم» و «عبد السّلم» و «ذلك» و «أولئك» و «ثمانية» و «ثمني» ثابت الياء وفي «ثمانين» وجهان، وحذفت أيضا من «ثلث» و «ثلثين» ومن ياء متّصلة بهمزة ليست كهمزة آدم، ومن «ها» متّصلة بـ «ذا» وخالية من كاف، وبجميع فروعها إلّا «تا» و «تي»). الشّرح: يشير المصنف إلى حذف الألف من «الله» لكثرة الاستعمال، مع أمن اللبس، والقياس إثبات الألف، وكذلك لفظ «الرحمن» لما سبق، والحارث علما؛ فإن كان صفة لم يجز حذف الألف. فإن خلت الثلاثة: «الله، الرحمن، الحرث» لم تحذف الألف، نحو: لاه أبوك، أي: لله أبوك، ونحو: رحمان الدنيا والآخرة، كقوله: 4397 - وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا (¬1) وقوله: 4398 - يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك (¬2) وتحذف الألف أيضا «من السلم عليكم»؛ لكثرة الاستعمال، و «عبد السلم» لحذفها من «السلم عليكم»، ثم قال: وذلك، وأولئك، وثمانية وثمني ثابت الياء، فلو تجردا، أي: ذلك، وأولئك؛ ثبتت الألف، نحو: ذا، وأولاء، وكذا مع «ها»، نحو: هذا وهذاك وهؤلائك. وتكتب ثمنية رجال، وثمنية عشر بلا ألف، وكذا ثمني نساء وثمني عشرة؛ فإن حذفت الياء أثبتت الألف، نحو: ثمان عشرة، وعندي ثمان. ثم قال: وفي ثمانين وجهان حذف الألف: ثمنين، أو إقرار الألف: ثمانين. ثم قال: إن الألف حذفت من ثلث، ثلثين، تقول: عندي ثلث من البط، - ¬

_ (¬1) لم يعرف قائله، ولا تتمته، والشاهد: مجيء رحمان بالألف؛ لخلوه من «أل». (¬2) البيت من البسيط، لزهير في ديوانه (ص 180)، وجيء بحارث مرخما بالألف؛ لخلوه من «أل»، وانظر المساعد (4/ 368).

[حذف الألف من الأعلام الزائدة على ثلاثة أحرف]

[حذف الألف من الأعلام الزائدة على ثلاثة أحرف] قال ابن مالك: (وحذفت أيضا ممّا كثر استعماله من الأعلام الزّائدة على ثلاثة أحرف ما لم يحذف منها شيء «كإسرائل» و «داود» أو يخف التباسه كـ «عامر» وحذفت أيضا من، نحو: «مفاعل»، و «مفاعيل» غير ملتبسين بواحده؛ لكونه على غير صورته، أو في غير موضعه، ومن «ملئكة» و «سموات»، و «صالحات» و «صالحين» ونحوهما غير ملتبس ولا مضعّف، ولا معتلّ اللّام. ويكتب بلام واحدة «الّذي» وجمعه، و «الّتي» وفروعه، و «الّيلة» و «الّيل» في الأجود، وبلامين «لله» ونحوه ممّا فيه ثلاث لامات لفظا). ـــــــــــــــــــــــــــــ وثلث نساء، وثلث عشرة امرأة، وثلث وثلثون جارية، وكذا ثلثة (¬1)؛ فيحذف الألف مع الواو والياء. ثم قال: وتحذف الألف أيضا من «يا» ومن يا متصلة بهمزة ليست كهمزة آدم، نحو: يأمّ، يإسحاق، يإبراهيم، يابن زيد، يأبا بكر. فالمحذوف عند المصنف ألف «يا»، خلافا لثعلب الذي قال: إن المحذوف الألف الثانية، وأمّا يا آدم، ونحوه: فلا يحذفون ألف يا؛ لأنهم قد حذفوا من آدم ألفا؛ كأنهم جعلوا «يا» مع ما بعدها شيئا واحدا؛ لأن «يا» أقاموها مقام «أل». ثم قال: ومن ها متصلة بذا، خالية من كاف، نحو: هذا؛ فإن اتصلت الكاف؛ فالإثبات، نحو: هاذاك وحذفت الألف أيضا من «ها» في ثلاثة مواضع في القرآن: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (¬2)، يا أَيُّهَا السَّاحِرُ (¬3) أَيُّهَ الثَّقَلانِ (¬4). وبجميع فروعها، نحو: هذه، وهذي، وهذان، وهؤلاء. ثم قال بعد ذلك: إلا تا وتي، فلا تحذف ألف «ها» معها، نحو: هاتا وهاتي، وهاتان، وقالوا: هأنت، وهأنتم، وهأنا، وكتبوها بألف واحدة، ونقل عن الكسائي: أن المحذوف (¬5) ألف ها، وردّ بقولهم: ها نحن، نقول ذلك بإثبات ألفها، وقالوا: ها لله؛ فحذفوا ألفا، لجعلهم «ها» مع الاسم كشيء واحد. الشّرح: يشير ابن مالك بذلك إلى أن الألف قد حذفت من الأعلام الزائدة على - ¬

_ (¬1) انظر: شفاء العليل (3/ 1145)، والشافية (2/ 332). (¬2) سورة النور: 31. (¬3) سورة الزخرف: 49. (¬4) سورة الرحمن: 31. (¬5) انظر: المساعد (4/ 370).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ ثلاثة أحرف، إذا كثر استعمالها، نحو: مالك، وصالح، وخالد، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وهارون، فتحذف الألف مما سبق كتابة؛ فإنه لم يكثر استعمالها كحامد، وجابر، وحاتم، وطالوت، وجالوت، وياجوج، وماجوج، وقد حذفت في بعض المصاحف الألف من هاروت، وماروت، وهامان، وقارون؛ لقلة استعمالها، وخرج الصفات كرجل صالح، والزائدة كأوس بن لام (¬1)، فلا حذف للألف، ثم قال: ما لم يحذف منها شيء كإسرائل، وداود؛ فحذفوا من إسرائل الهمزة التي بعد الألف، وبعضهم يقول: الياء، وحذفوا من داود إحدى واويه، أو يخف التباسه كعامر، وكذا عباس؛ إذ لو حذف الألف لالتبس بعمر وعبس، كما حذفت الألف من نحو: مفاعل، ومفاعيل، نحو: خوتم، ودونيق بغير ألف، لعدم اللبس، فالمفرد خاتم ودانق، وتكتب مساكين ودراهم بألف، للبس، فالمفرد مسكين ودرهم. حيث قال: وحذفت أيضا من، نحو: مفاعيل، ومفاعل غير ملتبسين (¬2) بواحده؛ لكونه على غير صورته، أو في غير موضعه، فيكتب ثلثة درهم بلا ألف؛ لأن الموضع لا يصلح للمفرد، ومثلها درهم وجياد، ويجوز الإثبات والحذف، وشرط بعضهم للحذف أن لا يلتقي به مثلان، نحو: دنانير، دكاكين؛ وإلا امتنع حذف الألف. كما حذفت الألف من: ملائكة، ويجوز حذف ألفه تقول: ملئكة، وسموات، فهو كسابقه لفظ لا يلابسه لفظ مثله، ولكثرة الاستعمال، وفي المصحف: السَّماواتُ (¬3) بحذف الألفين معا في الكتابة، وكذلك صالحات وصالحين ونحوهما، فصالحات جمع مؤنث سالم فيه ألفان؛ فتحذف من هذا الجمع الألف الأولى، ونحو: صالحين جمع مذكر سالم من الصفات؛ فيحذف منه الألف، حملا على المؤنث، ثم قال بعد ذلك (¬4): غير ملتبس؛ فلا يحذف من طالحات؛ لئلا يلتبس بطلحات جمع طلحة؛ ولا من حاذرين، وفارحين؛ لئلا يلتبس بحذرين وفرحين، ولا مضعّف، نحو: شابّان، والْعادِّينَ (¬5) فلا تحذف الألف منهما، ورسموا في المصحف الضَّالِّينَ (¬6) والْعادِّينَ بالألف. (ولا معتل اللام)، نحو: الرامين؛ فلا تحذف لامه، بخلاف المهموز، نحو: - ¬

_ (¬1) الهمع (2/ 241). (¬2) انظر: الشافية (3/ 330). (¬3) سورة آل عمران: 133. (¬4) انظر: شفاء العليل (3/ 1145). (¬5) سورة المؤمنون: 113. (¬6) سورة الفاتحة: 7.

[مواضع تزاد فيها الألف والواو والياء]

[مواضع تزاد فيها الألف والواو والياء] قال ابن مالك: (فصل: زيدت ألف في «مائة» و «مائتين» وبعد واو الجمع المتطرّفة المتّصلة بفعل ماض أو أمر وربّما زيدت في نحو: يدعو، وهم ضاربو زيد، وشذّت زيادتها في الرِّبا (¬1)، وإِنِ امْرُؤٌ (¬2) وزيدت واو في أُولئِكَ (¬3)، وأُولُوا (¬4)، وأُولاتُ (¬5)، «يا أوخيّ»، و «عمرو» غير منصوب (¬6)، وزيدت ياء في بِأَيْدٍ (¬7)، ومِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (¬8) ووَ مَلَائِهِ (¬9)، ووَ مَلَائِهِمْ (¬10) وهذا مما ينقاد إليه ولا يقاس عليه) (¬11). - الخاسئين، حيث أثبتوا الألف فيه، ونحو: سفيان، وعثمان، ومروان مما فيه ألف ونون، وكثر استعماله، تحذف ألفه، والإثبات حسن، ثم قال: ويكتب بلام واحدة الذي للزومها؛ فهي غير منفصلة، وجمع الذي: الذين، وأما تثنيتهما فتكتب بلامين، نحو: اللذان، واللذين، والتي وفروعه نحو: اللتان واللتين، واللاتي واللائي. وقال ثعلب (¬12): كتبوا اللائي واللاتي: الّئي والّتي؛ فحذفوا لاما من أولهما، وألفا من آخرهما، قال: ولو كتب على لفظه كان أوفق، وفي حذف الألف منهما إلباس بالمفرد؛ فلا حذف. والّيل والّيلة بحذف إحدى اللامين، تبعا لخط المصحف، والقياس كتبهما بلامين. وبلامين: لله ونحوه مما فيه ثلاث لامات لفظا؛ لكراهة اجتماع ثلاث لامات، بخلاف لفظ «الله» (¬13) فقد حذفوا ألفه، فكرهوا كثرة الحذف؛ ولئلا يلتبس بإله، فألفه تحذف. الشّرح: يشير المصنف بهذا الفصل إلى مواضع زيادة الألف في الكلمات منها: - ¬

_ (¬1) سورة البقرة: 275. (¬2) سورة النساء: 176. (¬3) سورة البقرة: 5. (¬4) سورة الرعد: 19. (¬5) سورة الطلاق: 6. (¬6) للتفرقة بينه وبين «عمر». (¬7) سورة الذاريات: 47. (¬8) سورة الأنعام: 34. (¬9) سورة الأعراف: 103. (¬10) سورة يونس: 83، وهذا كله من رسم المصحف. (¬11) أي: لا يكتب هكذا إلا في رسم المصحف. (¬12) انظر: المساعد (4/ 372). (¬13) انظر: التسهيل (ص 336).

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ مائة؛ تفرقة بينها وبين منه، وبعضهم يحذف هذه الألف في الخط، وبعضهم يكتبها ماه بإسقاط الياء. وقال ابن كيسان: منهم من يكتب الهمزة ألفا. ومائتين بزيادة الألف، والرأي الآخر عدم زيادتها كما لا تزاد في الجمع مئتين. ثم قال: وبعد واو الجمع المتطرفة المتصلة بفعل ماض أو أمر، نحو: ضربوا، واضربوا، خرج بواو الجمع واو: يغزو ويدعو؛ فلا تلحقه الألف خلافا للكسائي والفراء، وبالمتطرفة من نحو: يضربون وضاربوهم وقاتلو زيد، وأجاز الكوفيون لحاقها، وترك الألف كان خط المصحف وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ (¬1). قال: وربما زيدت في، نحو: يدعو كما رأى الفراء والكسائي، وهم ضاربو زيد كما يرى الكوفيون، ثم قال: وشذت زيادتها في الرِّبا (¬2)، وإِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ (¬3) وكان حقها أن لا تثبت، بل يكتب الربا هكذا؛ لأن ألفه عن واو؛ ولكن زادوا الألف؛ إذ كتبوه بالواو، وحق امْرُؤٌ؛ أن لا يعتد بما عرض له من ضم عينه للإتباع، فاعتبر لعينه الفتح بالأصالة فكتب بالألف، نحو: يقرأ؛ لكن اعتدوا بما عرض فيه من الإتباع؛ فكتبوا على ذلك: هذا امرؤ؛ بالواو، ومررت بامرئ، بالياء، ورأيت امرأ؛ بالألف. قال بعد ذلك: وزيدت واو في أُولئِكَ (¬4)، وأُولُوا (¬5)، وأُولاتُ (¬6) ويا أوخيّ، وعمرو غير منصوب؛ فزيدت في أولئك فرقا بينها وبين إليك، والزيادة في «أولي» نصبا وجرّا، للفرق بينها وبين «إلى» الحرف، ثم حمل الرفع على النصب، والجر، والتأنيث على التذكير، وأوخيّ زيدت الواو؛ فرقا بينها وبين المكبّر، وأكثر أهل الخط لا يزيدونها، وفي «عمرو» للفرق بينها وبين عمر، ثم قال: وزيدت ياء في بِأَيْدٍ (¬7)، ومِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (¬8) ووَ مَلَائِهِ (¬9)، ووَ مَلَائِهِمْ (¬10)، وهذا كله من رسم المصحف، وهمزة بأيد تحقق وتسهل، فكتبت بالألف، وزادوا الياء نظرا إلى التسهيل، كما زيد الياء في نَبَإِ إشعارا بجواز إبدال الهمزة ياء في الوقف، فتكتب بالألف على التحقيق، وبالياء - ¬

_ (¬1) سورة المطففين: 3. (¬2) سورة البقرة: 275. (¬3) سورة النساء: 176. (¬4) سورة البقرة: 5. (¬5) سورة الرعد: 19. (¬6) سورة الطلاق: 6. (¬7) سورة الذاريات: 47. (¬8) سورة الأنعام: 34. (¬9) سورة الأعراف: 103. (¬10) سورة يونس: 83.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ـــــــــــــــــــــــــــــ على التخفيف لجواز القراءة بهما، وفي قراءة حمزة الوقف بالياء، والألف في ملإيه (¬1) وملإيهم (¬2) صورة التحقيق، والياء صورة تخفيف الهمزة؛ إذ تسهل بين الهمزة والحرف الذي حركتها من جنسه، وهي الياء. ثم قال مختتما هذا الباب، بقوله: وهذا مما ينقاد إليه، ولا قياس عليه، فالانقياد إليه في رسم المصحف، اتباعا للسّلف رضي الله عنهم، وهذا شرف كبير لمتابعة هذا النفر الكريم؛ ولا يصح فيه القياس؛ لأنه لا يتعدى موضعه، فإذا كتب ما سبق وأشبهها في غير المصحف لم تكتب بالياء، بل تكتب بأيد هكذا؛ كما تكتب بأصل، وتكتب من نبأ هكذا؛ ككتابة من أجأ، وكذا من ملأه وملأهم (¬3)؛ مثل: من خطأه وخطأهم بالألف، كما إذا لم تضف لضمير، وقيل: تكتب ياء، على حسب مناسب حركتها؛ أضيفت، نحو: من خطئه أم لم تضف نحو: من الكلى. * * * ¬

_ (¬1) سورة الأعراف: 103. (¬2) سورة يونس: 83. (¬3) انظر المساعد (4/ 375).

شكر وتقدير

شكر وتقدير نشكر مؤسسة دار السّلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، وعلى رأسها رئيس مجلس الإدارة على قيامه بطبع هذا السفر العظيم من كتب التراث في النحو العربي، وهو شرح التسهيل لناظر الجيش، وعلى صبره طوال خمس سنوات، وعلى بذله السخي؛ لإخراج هذا الكتاب إلى النور. كما نشكر قسم النشر بالدار، وعملهم في هذا الكتاب طوال تلك المدة الطويلة، ومراجعته، وإعداد فهارسه المختلفة. ونخص بالشكر رئيس القسم، والأعضاء المساعدين له، وكذلك قسم الجمع. وندعو الله أن يوفقهم لخدمة العلم وطلابه، ويعينهم على إخراج كتب التراث، وغيرها من متون العلم. وصدق الله - تعالى - إذ يقول: والّذين جهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين. محققو الكتاب نائب عنهم: أ. د. علي محمّد فاخر جمادى الآخرة 1427 هـ يوليو 2006 م

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع

أولا: المخطوطات

فهرس المصادر والمراجع أولا: المخطوطات: 1 - الإفصاح لابن الطراوة - مخطوط. 2 - التعليقات والنوادر لأبي علي الهجري - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (354) لغة. 3 - جامع المسانيد والألقاب لابن الجوزي - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (191) حديث. 4 - جمع الجوامع أو الجامع الكبير للسيوطي - نسخة مصورة عن مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (95) حديث. 5 - حاشية ابن الطيب الفاسي على القاموس - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (396) لغة. 6 - حاشية على إيضاح الفارسي - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (1006) نحو. 7 - حواشي المفصل للزمخشري - مخطوطة بمكتبة ليدن، هولندا. 8 - درة الأسلاك في دولة الأتراك لابن حبيب - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (6170) خ. 9 - الزاهر لابن الأنباري - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (588) لغة. 10 - شرح الإيضاح والتكملة لأبي البقاء العكبري - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (207) نحو. 11 - شرح جمل الزجاجي لابن العريف - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (464) نحو. 12 - شرح كتاب سيبويه للصفار - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (900) نحو.

ثانيا: الرسائل العلمية

13 - طبقات النحويين واللغويين لأحمد بن محمد بن عمر المعروف بابن قاضي شهبة - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (2146) تاريخ تيمور. 14 - عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان للعيني - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (1584) تاريخ. 15 - الغرة في شرح لمع ابن جني لابن الدهان - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (171) تيمور نحو. 16 - مختصر العين للزبيدي - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (386) لغة. 17 - المرشد في شرح كافية ابن الحاجب لمحمد بن أبي بكر محرز الخبيصي - مخطوط بدار الكتب برقم (1948) نحو. 18 - المرقاة في إعراب «لا إله إلا الله» لابن الصائغ - مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (145) مجاميع. ثانيا: الرسائل العلمية: 1 - الأجوبة المرضية للراعي تحقيق محمد رجب المزين - ماجستير بكلية اللغة العربية بالقاهرة. 2 - الأعلم الشنتمري وأثره في النحو مع تحقيق كتابه «شرح أبيات الجمل في النحو» - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة - برقم (173) إعداد د/ محمد محمود شعبان. 3 - الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني لأبي علي الفارسي - ماجستير بجامعة عين شمس برقم (415) - إعداد محمد حسن محمد إسماعيل. 4 - بدر الدين ابن أم قاسم المرادي في شرحه على التسهيل مع تحقيق الجزء الأول من الشرح المذكور - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة - إعداد د/ أحمد محمد عبد الله يوسف (1395 هـ/ 1975 م). 5 - تحفة الغريب في الكلام على مغني اللبيب للدماميني (جـ 1) تحقيق ودراسة - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة برقم (643) - إعداد د/ إبراهيم حسن إبراهيم.

6 - التذييل والتكميل شرح التسهيل لأبي حيان مجموعة رسائل بمكتبة كلية اللغة العربية بالقاهرة وقد طبع. فيه بعض الأجزاء بتحقيق د/ حسن هنداوي. 7 - تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد للدماميني مجموعة رسائل بكلية اللغة العربية بالقاهرة، وقد طبع منه بعض الأجزاء بتحقيق د/ محمد المقدسي. 8 - الجزولي ومؤلفاته النحوية مع تحقيق الدرة الجزولية؛ إعداد عبد الواحد حافظ سليم - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة برقم (908، 909) رسائل. 9 - الدرة المضية في شرح الألفية للأبناسي - مجموعة رسائل ماجستير بكلية اللغة العربية بأسيوط، تحقيق عمر حسن شهبة وآخرين. 10 - الزجاج وأثره في النحو والصرف مع تحقيق كتابه «سر النحو» - ماجستير بجامعة عين شمس، إعداد هدى محمود قراعة برقم (415) هم. رسائل. 11 - الزنجاني وأثره في علم النحو وتحقيق قسم النحو من كتابه «الكافي شرح الهادي» - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة، إعداد محمود فجال يوسف. 12 - شرح الألفية للشاطبي مجموعة رسائل دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة تحقيق: طاهر مسعود وآخرين. 13 - شرح ألفية ابن معط لابن الخباز - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة - برقم (1115) رسائل، إعداد: عبد الرحمن الكبشي. 14 - شرح الجمل لابن بابشاذ تحقيق مصطفى إمام - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة برقم (814) رسائل. 15 - شرح الدرة الألفية في علم العربية لابن القواس، تحقيق عبد الله الحسيني - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة. 16 - شرح فصول ابن معط للقاضي الخوي، تحقيق د/ أحمد مرسي الجمل - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة - الأزهر. 17 - شرح كتاب سيبويه لأبي سعيد السيرافي مجموعة رسائل بكلية اللغة العربية بالقاهرة، تحقيق د/ السيد سعيد شرف الدين وآخرين - طبع منه بعض

ثالثا: المطبوعات

الأجزاء بالهيئة العامة للكتاب لعدة محققين. 18 - شرح الكافية لابن القواس، تحقيق ريان أحمد الحاج إبراهيم - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة. جامعة الأزهر. 19 - العباب في شرح اللباب لنقرة كار، تحقيق سمير أحمد عبد الجواد - دكتوراه بكلية اللغة العربية بالقاهرة - الأزهر. 20 - الغيث الهامل في شرح العوامل للعجمي، تحقيق بسيوني سعد الدين - ماجستير بكلية اللغة العربية بالقاهرة - الأزهر. 21 - قواعد المطارحة لابن إياز النحوي البغدادي تحقيق علي الفضلي - ماجستير بجامعة القاهرة برقم (17) م رسائل. 22 - الكفاية في علم الإعراب لضياء الدين المكي تلميذ الزمخشري، تحقيق د/ جابر السيد مبارك - ماجستير بكلية اللغة العربية بالقاهرة - جامعة الأزهر. 23 - المتبع في شرح اللمع لأبي البقاء العكبري إعداد عبد الحميد أحمد حماد - دكتوراه بجامعة القاهرة. 24 - مذهب الجزولي النحوي مع تحقيق كتابه «القانون»، إعداد عبد الوهاب محمد - ماجستير بجامعة القاهرة برقم (1585) رسائل. 25 - النحاة والحديث النبوي، إعداد حسن موسى الشاعر - ماجستير بكلية اللغة العربية بالقاهرة - جامعة الأزهر برقم (1533). ثالثا: المطبوعات: 1 - إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر للأستاذ الشيخ أحمد بن محمد الدمياطي الشافعي الشهير «بالبنا» رواه وصححه وعلق عليه الشيخ علي محمد الضباع - مطبعة المشهد الحسيني بالقاهرة (1359 هـ) - طبعة أخرى - طبعة عبد الحميد أحمد حنفي. 2 - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي طبعة مصر (1306 هـ) - وطبعة الحلبي الثالثة (1951 م).

3 - إحياء النحو - إبراهيم مصطفى مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر (1937 م). 4 - أخبار أصبهان - ذكر أخبار أصبهان للحافظ الأصبهاني طبع ليدن (1931 م). 5 - أخبار النحويين البصريين للسيرافي - المطبعة الكاثوليكية، بيروت (1936 م) - وطبعة أخرى بتحقيق د/ طه الزيني، د/ محمد عبد المنعم خفاجي طبعة مصطفى البابي الحلبي (1374 هـ/ 1955 م). 6 - أخبار النحويين لأبي طاهر بن أبي هاشم المقرئ تحقيق د/ محمد البنا - دار الاعتصام طبعة أولى (1401 هـ/ 1981 م). 7 - أدب الكاتب لابن قتيبة تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد مطبعة السعادة (1382 هـ) - وطبعة أخرى طبعة دار صادر - بيروت (1387 هـ/ 1967 م). 8 - الإرشادات الجلية في القراءات السبع من طريق الشاطبية لمحمد محمد سالم محيسن مكتبة الكليات الأزهرية (1389 هـ/ 1969 م). 9 - الأزمنة والأمكنة للمرزوقي طبعة حيدرآباد (1318 هـ). 10 - الأزهية في علم الحروف للهروي تحقيق عبد المعين الملوحي - مجمع اللغة العربية بدمشق - مطبعة الترقي. 11 - أزهار الرياض في أخبار عياض للمقري طبع مصر (1361 هـ). 12 - أساس البلاغة للزمخشري طبعة دار الشعب، طبعة أخرى بدار الكتب 1341 هـ، وأخرى بتحقيق عبد الرحيم محمود دار المعرفة بيروت (1399 هـ/ 1979 م). 13 - الاستغناء في أحكام الاستثناء للقرافي، تحقيق طه محسن، طبعة بغداد (1402 هـ/ 1982 م). 14 - أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير، تحقيق د/ محمد إبراهيم البنا وزميليه، طبعة دار الشعب (1970 م) - والجمعية التعاونية للطباعة والنشر بمصر.

15 - أساس البلاغة للزمخشري، طبعة دار الكتب المصرية (1341 هـ/ 1922 م) - طبعة الشعب. 16 - أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني طبعة عيسى البابي الحلبي (1373 هـ) وأخرى بتحقيق عبد العزيز النجار مطبعة محمد علي صبيح (1397 هـ) - وأخرى بتحقيق خفاجي طبعة دار الطباعة المحمدية (1392 هـ/ 1972 م). 17 - أسرار العربية لابن الأنباري تحقيق محمد بهجة البيطار - دمشق (1957 م). 18 - أسرار النداء في لغة القرآن الكريم د/ إبراهيم حسن إبراهيم مطبعة الفجالة الجديدة (1978 م). 19 - الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، نشر مكتبة الكليات الأزهرية - شركة الطباعة الفنية المتحدة (1395 هـ/ 1975 م). 20 - الاشتقاق لابن دريد تحقيق عبد السّلام هارون طبعة السنة المحمدية (1378 هـ/ 1958 م). 21 - اشتقاق الأسماء للأصمعي، تحقيق الدكتورين/ رمضان عبد التواب وصلاح الدين الهادي، المطبعة العربية الحديثة - نشر مكتبة الخانجي (1400 هـ/ 1980 م). 22 - إصلاح المنطق لابن السكيت تحقيق شاكر وهارون، طبعة دار المعارف بمصر (1970 م). 23 - إصلاح الخلل الواقع في شرح الجمل للبطليوسي، تحقيق د/ حمزة النشرتي، الطبعة الأولى (1399 هـ). 24 - الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، تحقيق علي محمد البجاوي، مطبعة نهضة مصر، وطبعة أخرى للخانجي (1325 هـ/ 1907 م). 25 - الأصمعيات تحقيق شاكر وهارون، طبعة دار المعارف بمصر عدة طبعات مختلفة. 26 - أصول النحو لابن السراج، تحقيق عبد الحسين الفتلي طبعة سليمان الأعظمي بغداد - ومطبعة الرسالة.

27 - الأضداد لابن الأنباري، تحقيق أبو الفضل إبراهيم - الكويت (1960 م). 28 - الأضداد للسجستاني ضمن ثلاثة كتب - نشر أوغست هفنر - بيروت (1912 م). 29 - إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم لابن خالويه - دار الكتب المصرية (1941 م). 30 - إعراب الحديث النبوي للعكبري، تحقيق عبد الإله نبهان مطبعة - زيد ابن ثابت - دمشق (1397 هـ). 31 - إعراب القرآن المنسوب للزجاج، تحقيق إبراهيم الإبياري - دار الكتاب المصري - دار الكتب الإسلامية بالقاهرة - دار الكتاب اللبناني بيروت (1402 هـ/ 1982 م). 32 - الأعلام لخير الدين الزركلي - طبعة دار العلم للملايين - طبعة كوستاتسوماس. 33 - الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني - طبعة التقدم (1323 هـ). 34 - الإغراب في جدل الإعراب لابن الأنباري. 35 - الإفصاح في شرح أبيات مشكلة الإعراب لأبي نصر الفارقي، تحقيق/ سعيد الأفغاني - مؤسسة الرسالة بيروت (1400 هـ/ 1980 م). 36 - الاقتراح للسيوطي، تحقيق أحمد محمد قاسم - طبعة السعادة، طبعة أولى (1396 هـ/ 1976 م). 37 - الاقتضاب في شرح أدب الكتاب لابن السيد - طبعة بيروت (1901 م)، وأخرى بتحقيق مصطفى السقا وحامد عبد المجيد - طبعة الهيئة المصرية العامة (1981 م)، ودار الجيل بيروت لبنان. 38 - أمالي ابن الشجري - دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت، بتحقيق د/ محمود الطناحي - مكتبة الخانجي القاهرة. 39 - أمالي الزجاجي، تحقيق عبد السّلام هارون - المدني أولى (1382 هـ) وكذلك المؤسسة العربية الحديثة.

40 - أمالي السهيلي، تحقيق د/ محمد إبراهيم البنا - السعادة طبعة أولى (1390 هـ/ 1970 م). 41 - أمالي القالي - دار الكتب المصرية (1344 هـ/ 1926 م)، وكذلك دار الآفاق الجديدة. 42 - أمالي المرتضى للشريف الرضي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - طبعة الحلبي، طبعة أولى (1373 هـ/ 1954 م). 43 - إمتاع الأسماع للمقريزي - القاهرة (1941 م). 44 - الأمثال لأبي عكرمة الضبي، تحقيق د/ رمضان عبد التواب - مجمع اللغة العربية بدمشق (1394 هـ/ 1974 م). 45 - إملاء ما منّ به الرحمن للعكبري، تحقيق إبراهيم عطوة - مصطفى الحلبي (1389 هـ/ 1970 م). 46 - إنباه الرواه على أنباه النحاة للقفطي - أبو الفضل إبراهيم - طبعة دار الكتب (1371 هـ/ 1952 م). 47 - الانتصاف من الإنصاف بهامش الإنصاف - دار الفكر للطباعة والنشر. 48 - الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - دار الفكر للطباعة والنشر - وطبعة السعادة، مطبعة حجازي، الطبعة الثانية (1953 م). 49 - الأنموذج للزمخشري، تحقيق لجنة التراث العربي - دار الآفاق الجديدة بيروت - طبعة أولى (1401 هـ/ 1981 م). 50 - أوضح المسالك لابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - الطبعة الخامسة (1979 م)، وطبعة مصطفى محمد (1354 هـ). 51 - الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب، تحقيق د/ موسى نباي العليلي - مطبعة العاني بغداد. 52 - الإيضاح العضدي لأبي علي الفارسي، تحقيق حسن شاذلي فرهود - طبعة دار التأليف، الطبعة الأولى (1389 هـ/ 1969 م).

53 - الإيضاح في علل النحو للزجاجي، تحقيق د/ مازن المبارك - طبعة دار النفائس، بيروت - الطبعة الثانية والثالثة. 54 - إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون لإسماعيل باشا البغدادي - طبعة إستانبول (1364 هـ/ 1945 م). 55 - الأيام والليالي والشهور للفراء، تحقيق إبراهيم الإبياري - المطبعة الأميرية (1956 م). 56 - البحر المحيط لأبي حيان - طبعة السعادة (1328 هـ)، ودار الفكر بيروت (1978 م)، ومطابع النصر الحديثة بالرياض. 57 - البداية والنهاية لابن كثير - طبعة السعادة (1328 هـ). 58 - البدر الطالع المحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني - مطبعة السعادة، طبعة أولى (1348 هـ). 59 - البديع في مختصر شواذ القرآن لابن خالويه، نشر برجشتراسر - المطبعة الرحمانية (1934 م). 60 - بغية الملتمس للضبي - طبعة دار الكتاب العربي، بيروت (1967 م)، وطبع في مجريط (1884 م). 61 - بغية الوعاة في طبقات اللغويين، والنحاة للسيوطي تحقيق محمد أبو الفضل، طبعة عيسى الحلبي. 62 - البهجة المرضية للسيوطي - طبعة الشرق، مكتبة محمد أفندي إمبابي المنياوي. 63 - البيان في غريب إعراب القرآن للأنباري، تحقيق طه عبد الحميد طه، مراجعة مصطفى السقا - الهيئة المصرية العامة للكتاب (1400 هـ/ 1980 م). 64 - البيان والتبيين للجاحظ، تحقيق هارون - طبعة السعادة، ولجنة التأليف، بتحقيق فوزي عطوان - دار صعب، بيروت، ودار الفكر أيضا. 65 - تاج العروس للزبيدي المطبعة الخيرية - طبعة أولى (1306 هـ). 66 - تاج اللغة وصحاح العربية «الصحاح» للجوهري، تحقيق أحمد

عبد الغفور عطار - دار العلم للملايين - طبعات مختلفة. 67 - تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان نقله إلى العربية د/ رمضان عبد التواب - طبعة دار المعارف (1975 م). 68 - تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر - دار إحياء التراث (1393 هـ/ 1973 م). 69 - التبيان في تصريف الأسماء للشيخ أحمد كحيل - مطبعة السعادة الطبعة السادسة (1978 م). 70 - التبصرة والتذكرة للصيمري، تحقيق د/ فتحي علي الدين - مطبعة دار الفكر بدمشق (1402 هـ/ 1982 م). 71 - تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة لابن الجزري، تحقيق عبد الفتاح القاضي ومحمد الصادق قمحاوي - نشر دار الوعي بحلب (1392 هـ/ 1972 م). 72 - تحصيل عين الذهب من معدن جواهر الأدب في علم مجازات العرب ليوسف بن سليمان الشنتمري - مطبعة بولاق بهامش كتاب سيبويه، (1316 هـ). 73 - التذييل والتكميل في شرح التسهيل لأبي حيان، تحقيق د/ حسن هنداوي - دار القلم - دمشق (1420 هـ/ 2000 م) طبع منه أربعة أجزاء. 74 - تذكرة الحفاظ للذهبي - طبعة حيدر أباد (1334 هـ)، ودار إحياء التراث العربي - بيروت. 75 - تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك، تحقيق/ محمد كامل بركات - دار الكتاب العربي للطباعة والنشر (1387 هـ/ 1967 م) - وزارة الثقافة. 76 - التصحيف والتحريف للعسكري، تحقيق عبد العزيز أحمد - طبعة الحلبي (1383 هـ). 77 - التصريح بمضمون التوضيح للشيخ خالد الأزهري - طبعة عيسى الحلبي. 78 - التعازي والمراثي لأبي العباس المبرد، تحقيق محمد الديباجي - مجمع اللغة العربية بدمشق - مطبعة زيد بن ثابت (1396 هـ/ 1976 م).

79 - تفسير البيضاوي مع حاشية زاده - طبعة الحاج محرم (1300 هـ). 80 - تفسير الجلالين السيوطي والمحلي - المطبعة البهية (1355 هـ). 81 - تفسير ابن كثير - مكتبة دار التراث (1400 هـ/ 1980 م). 82 - تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف - ملتزم النشر محمد سلطان التمبكاني - المكتبة العلمية الجديدة بالمدينة المنورة. 83 - تقريب المقرب لأبي حيان، تحقيق عفيف عبد الرحمن - طبعة دار المسيرة - بيروت. 84 - التمام لابن جني، تحقيق د/ خديجة الحديثي وآخرين - طبعة العاني، بغداد (1381 هـ). 85 - التنبيهات لعلي بن حمزة تحقيق عبد العزيز الميمني - طبعة دار المعارف. 86 - تهذيب الأسماء واللغات للنووي المطبعة المنيرية بالقاهرة - نشر دار الكتب العلمية بيروت. 87 - تهذيب الألفاظ لابن السكيت - بيروت (1895 م). 88 - تهذيب اللغة للأزهري، تحقيق د/ عبد الله درويش، طبعة المؤسسة المصرية للتأليف (1387 هـ). 89 - تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني - طبعة أولى (1326 هـ) - طبعة دار الفكر. 90 - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك للمرادي المعروف بابن أم قاسم، تحقيق د/ عبد الرحمن علي سليمان - نشر مكتبة الكليات الأزهرية - الطبعة الأولى، وغيرها. 91 - التوطئة لأبي علي الشلوبين، تحقيق د/ يوسف أحمد المطوع - طبعة دار التراث العربي (1393 هـ - 1973 م). 92 - جامع البيان في تفسير القرآن للطبري - المطبعة الميمنية بمصر. 93 - الجامع الصغير من حديث النذير البشير للسيوطي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - مطبعة حجازي - الطبعة الأولى (1352 هـ)،

ومصطفى البابي الحلبي الطبعة الخامسة (1402 هـ/ 1982 م). 94 - الجامع الصغير لابن هشام، تحقيق د/ أحمد الهرميل - طبعة دار التأليف (1400 هـ/ 1980 م). 95 - الجامع الصحيح - سنن الترمذي لأبي عيسى محمد بن سودة، تصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف - مطبعة المدني (1384 هـ/ 1964 م). 96 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - طبعة دار الشعب. 97 - الجمل للزجاجي، تحقيق ابن أبي شنب - مطبعة ملنسكسيك بباريس (1376 هـ)، وبتحقيق علي توفيق الحمد - مؤسسة الرسالة، دار الأمل كلية الآداب جامعة اليرموك، الطبعة الأولى (1404 هـ/ 1984 م). 98 - الجمل للجرجاني، تحقيق علي حيدر طبعة دمشق (1392 هـ/ 1972 م). 99 - جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي، تحقيق علي محمد البجاوي - طبعة لجنة البيان العربي، الطبعة الأولى (1387 هـ/ 1967 م)، وطبعة بولاق (1308 هـ)، ودار نهضة مصر. 100 - جمهرة اللغة لابن دريد، الطبعة الأولى - دائرة المعارف الثمانية بالهند. حيدرأباد (1944 م) - نشر دار صادر، بيروت. 101 - جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، تحقيق الأستاذين/ محمد أبو الفضل إبراهيم، وعبد المجيد قطامش - الطبعة الأولى - نشر المؤسسة العربية للطبع (1384 هـ/ 1964 م). 102 - جمهرة أنساب العرب لابن حزم الأندلسي، تحقيق د/ عبد السّلام هارون - طبعة دار المعارف (1382 هـ). 103 - الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي، تحقيق فخر الدين قباوة وآخرين - المكتبة العربية بحلب (1393 هـ). 104 - حاشية الأمير على مغني اللبيب - طبعة الحلبي بهامش المغني. 105 - حاشية ابن جماعة على الجاربردي ضمن مجموعة الشافية - طبعة عالم الكتب، بيروت.

106 - حاشية الجمل على الجلالين والمسماة بالفتوحات الإلهية - طبعة دار الطباعة العامرية. 107 - حاشية الخضري على شرح ابن عقيل - طبعة الحلبي (1301 هـ)، وبدون تاريخ. 108 - حاشية الدسوقي على مغني اللبيب - مطبعة المشهد الحسيني، وبتحقيق د/ مازن المبارك. 109 - حاشية الدمنهوري على متن الكافي - طبعة الحلبي (1344 هـ). 110 - حاشية الصبان على شرح الأشموني على الألفية - طبعة الحلبي. 111 - حاشية الملوي على شرح المكودي بهامش المكودي. 112 - حاشية يس على التصريح - طبعة الحلبي بهامش التصريح. 113 - الحجة في القراءات السبع لأبي علي الفارسي، تحقيق بدر الدين قهوجي، وآخرين - دار المأمون للتراث - الطبعة الأولى (1404 هـ/ 1984 م)، وبتحقيق علي النجدي ناصف وآخرين - طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب (1403 هـ/ 1983 م). 114 - الحجة في القراءت السبع لابن خالويه، تحقيق عبد العال سالم مكرم - طبعة دار الشروق - الطبعة الثانية (1397 هـ/ 1977 م). 115 - حجة القراءات لابن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني - طبعة مؤسسة الرسالة بيروت (1979 م). 116 - حسن المحاضرة للسيوطي - القاهرة (1299 هـ)، وبتحقيق محمد أبو الفضل طبعة الحلبي. 117 - أبو الحسن ابن الطراوة وأثره في النحو، تأليف د/ محمد البنا - دار الاعتصام (1980 هـ). 118 - الحلل في شرح أبيات الجمل للبطليوسي، تحقيق مصطفى إمام - مطبعة الدار المصرية للطباعة والنشر - الطبعة الأولى (1979 م). 119 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني - طبع مصر (1351 هـ) -

ودار الكتاب العربي بيروت - الطبعة الثانية (1387 هـ). 120 - أبو حيان النحوي، تأليف الدكتورة خديجة الحديثي - مطابع دار التضامن - بغداد (1966 م). 121 - الحيوان للجاحظ، تحقيق عبد السّلام هارون - طبعة الحلبي (1357 هـ). 122 - خزانة الأدب ولب لباب العرب لعبد القادر البغدادي - طبعة بولاق (1299 هـ)، وطبعة دار صادر بيروت، والهيئة المصرية العامة للكتاب، والخانجي. 123 - الخصائص لابن جني، تحقيق محمد علي النجار - طبعة دار الهدى للطباعة والنشر، بيروت، ودار الكتب (1376 هـ). 124 - خطط المقريزي - مطابع شركة الإعلانات الشرقية بالقاهرة عن طبعة بولاق (1270 هـ). 125 - خلق الإنسان للأصمعي - المطبعة الكاثوليكية، بيروت (1903 م). 126 - دراسات لأسلوب القرآن الكريم للشيخ محمد عبد الخالق عضيمة - طبعة السعادة (1392 هـ/ 1972 م). 127 - دائرة المعارف الإسلامية - طبعة دار الشعب. 128 - درة الغواص في أوهام الخواص للقاسم بن علي الحريري، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم - نهضة مصر (1975 م). 129 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني - طبعة دار الجيل، بيروت، وبتحقيق محمد سيد جاد - مطبعة المدني، وطبعة دار الكتب الحديثة. 130 - الدرر اللوامع على همع الهوامع شرح جمع الجوامع لأحمد بن الأمين الشنقيطي - الطبعة الأولى بالمطبعة الجمالية بمصر (1328 هـ). 131 - الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة لحمزة بن حسن الأصبهاني، تحقيق عبد المجيد قطامش - طبعة دار المعارف بمصر (1971 م). 132 - دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر الجرجاني، تحقيق د/ محمد عبد المنعم خفاجي (1970 م)، وبتحقيق محمد رشيد رضا - طبعة محمد صبيح (1380 هـ/ 1960 م)،

دار إحياء الكتب العربية (1369 هـ). 133 - ديوان إبراهيم بن هرمة، تحقيق محمد نفاع وحسين عطوان - طبعة دار الحياة بدمشق (1389 هـ) - وبتحقيق محمد جبار المعيبد - طبعة الآداب بالنجف (1388 هـ). 134 - ديوان أبي النجم العجلي، تحقيق سجيع الجبيلي - دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى (1998 م). 135 - ديوان ابن المعتز - دار صادر، بيروت (1381 هـ/ 1961 م). 136 - ديوان أبي الأسود الدؤلي، تحقيق محمد حسن آل يس - طبعة دار المعارف، بغداد (1384 هـ)، وبتحقيق عبد الكريم الرجيلي - بغداد (1373 هـ/ 1954 م). 137 - ديوان الأحوص، تحقيق إبراهيم السامرائي - طبعة النعمان بالنجف (1388 هـ). 138 - ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي تحقيق محمد عبده عزام - طبعة دار المعارف، الطبعة الثالثة، وبشرح محيي الدين الخياط - طبع بيروت (1323 هـ). 139 - ديوان الأخطل، تحقيق أنطون صالحاني - بيروت (1891 م). 140 - ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس - طبعة دار صادر، بيروت (1966 م)، وبتحقيق محمد حسين المطبعة النموذجية، وبتحقيق رودلف جابر طبع فينا (1927 م). 141 - ديوان الأفوه الأودي - طبعة لجنة التأليف (1937 م). 142 - ديوان امرئ القيس - طبعة دار صادر، بيروت، وبتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم - طبعة دار المعارف بمصر (1958 م)، (1964 م)، وطبعة السندوبي أيضا. 143 - ديوان أمية بن أبي الصلت، تحقيق بشير يموت، بيروت (1353 هـ) الطبعة الأولى. 144 - ديوان أوس بن حجر، تحقيق محمد يوسف نجم - طبعة دار صادر،

بيروت (1380 هـ/ 1960 م)، وغيرها. 145 - ديوان البحتري - دار صادر، بيروت (1381 هـ/ 1962 م). 146 - ديوان بشر بن أبي حازم، تحقيق عزة حسن - دمشق وزارة الثقافة (1960 هـ)، ومعهد الدراسات (1381 هـ/ 1962 م). 147 - ديوان تميم بن مقيل، تحقيق عزة حسن - دمشق (1381 هـ). 148 - ديوان توبة بن الحمير، تحقيق خليل إبراهيم، طبعة الإرشاد - بغداد (1968 م). 149 - ديوان جران العود النميري برواية أبي سعيد السكري - دار الكتب المصرية (1350 هـ). 150 - ديوان جرير، تحقيق كرم البستاني - دار صادر، بيروت (1384 هـ) وبشرح إليا الحاوي - دار الكتاب اللبناني - ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب، تحقيق نعمان محمد أمين طه - دار المعارف بمصر (1971 م). 151 - ديوان جميل بثينة، تحقيق حسين نصار - دار مصر (1382 هـ)، وبتحقيق بطرس البستاني - دار صادر، بيروت (1380 هـ/ 1960 م). 152 - ديوان حاتم الطائي - مطبعة حسنين محمد الزيداني، ومن مجموعة خمسة دواوين - طبعة الوهبية وبعناية فردريك سولزيس (1897 م). 153 - ديوان حسان بن ثابت بشرح البرقوقي - طبعة الرحمانية (1347 هـ)، ومنشورات دار إحياء التراث العربي، بيروت. 154 - ديوان الحطيئة بشرح ابن السكيت، والسكري، والسجستاني، تحقيق نعمان أمين طه - طبعة الحلبي الأولى (1378 هـ) والمؤسسة العربية للطباعة والنشر، بيروت. 155 - ديوان الحماسة لأبي تمام بشرح الخطيب التبريزي تصحيح أمين عبد العزيز - مطبعة محمد علي صبيح - الطبعة الثانية (1335 هـ). 156 - ديوان الحماسة للبحتري رواية أبي العباس الأحول - ضبط الأب لويس شيخو اليسوعي - نشر دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان (1387 هـ/ 1967 م).

157 - ديوان حميد بن ثور الهلالي، تحقيق عبد العزيز الميمني - طبعة دار الكتب (1369 هـ). 158 - ديوان الخنساء - طبع دار صادر، بيروت. 159 - ديوان دعبل الخزاعي، تحقيق عبد الصاحب الدجيلي - طبعة الآداب بالنجف (1382 هـ). 160 - ديوان ذي الرمة بشرح أبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي رواية ثعلب تحقيق عبد القدوس أبو صالح مطبعة طربين دمشق (1392 هـ) - وبتحقيق كارليل هنري كمبردج (1919 م). 161 - ديوان ذي الإصبع العدواني، جمع وتحقيق عبد الوهاب محمد العدواني وغيره - مطبعة الجمهور الموصل (1393 هـ/ 1973 م). 162 - ديوان الراعي، جمع ناصر الحاني - طبعة المجمع العلمي بدمشق (1383 هـ). 163 - ديوان رؤبة، جمع وليم بن الورد - طبع ليبسك (1903 م). 164 - ديوان زهير بن أبي سلمى صنعة ثعلب - نشر الدار القومية للطباعة والنشر بالقاهرة، وطبع دار الكتب (1363 هـ)، وبتحقيق كرم البستاني - طبعة دار صادر، بيروت (1379 هـ) وبشرح الأعلم الشنتمري - المكتبة التجارية. 165 - ديوان السموأل بن عادياء مع ديوان عروة بن الورد - طبع دار صادر بيروت (1384 هـ/ 1964 م). 166 - ديوان الشماخ بن ضرار بشرح الشنقيطي - طبعة السعادة (1327 هـ). 167 - ديوان الشنفرى الأزدي (ضمن مجموعة الطرائف الأدبية) تصحيح عبد العزيز الميمني - طبعة دار الكتب العلمية، بيروت (1353 هـ). 168 - ديوان أبي طالب جمع أبي هفان بن عبد الله المهرجي العبد النجفي - المطبعة الحيدرية النجف العراق (1356 هـ). 169 - ديوان طرفة بن العبد - دار صادر، بيروت بدون تاريخ. 170 - ديوان الطرماح بن حكيم، تحقيق عزة حسن - وزارة الثقافة بدمشق (1968 م)، وبتحقيق كرنكو - طبعة (1927 م).

171 - ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري، تحقيق مصطفى السقا وآخرين - طبعة الحلبي (1391 هـ/ 1977 م). 172 - ديوان عامر بن الطفيل، تحقيق شارل ليل لندن (1913 م). 173 - ديوان العباس بن مرداس السلمي، جمع وتحقيق يحيى الجبوري - المؤسسة العامة للصحافة والطباعة - دار الجمهورية بغداد (1388 هـ/ 1954 م). 174 - ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، تحقيق محمد نجم - بيروت (1378 هـ). 175 - ديوان عبيد بن الأبرص، تحقيق شارل ليل - لندن (1913 م)، ودار صادر بيروت. 176 - ديوان عبد الله بن رواحة الأنصاري، جمع وتحقيق حسن باجودة - مطبعة السنة المحمدية (1392 هـ/ 1972 م). 177 - ديوان العجاج برواية الأصمعي، تحقيق عزة حسن - مكتبة دار الشروق، بيروت (1971 م) وبتحقيق عبد الحفيظ السطلي - مكتبة أطلس دمشق. 178 - ديوان العرجي برواية ابن جني، تحقيق خضر الطائي ورشيد العبيدي - طبعة بغداد (1375 هـ/ 1956 م). 179 - ديوان علي بن أبي طالب - المكتبة الملوكية (1330 هـ). 180 - ديوان عمر بن أبي ربيعة - طبعة الهيئة المصرية (1978 م)، وبتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - طبعة السعادة (1371 هـ). 181 - ديوان عنترة بن شداد - طبعة بيروت، المكتبة الثقافية. 182 - ديوان الفرزدق، نشر الصاوي (1354 هـ) - دار صادر، بيروت. 183 - ديوان القتال الكلابي، تحقيق د/ إحسان عباس - بيروت (1381 هـ). 184 - ديوان القطامي، تحقيق د/ إبراهيم السامرائي وزميله - طبعة دار الثقافة، بيروت (1960 م). 185 - ديوان قيس بن الخطيم، تحقيق د/ إبراهيم السامرائي وزميله - طبعة العاني، بغداد (1381 هـ).

186 - ديوان كثير عزة، شرح د/ إحسان عباس - طبعة دار الثقافة، بيروت، وبعناية هنري بيرس، الجزائر (1928 م). 187 - ديوان كعب بن زهير - دار الكتب المصرية (1369 هـ/ 1950 م). 188 - ديوان كعب بن مالك، تحقيق سامي مكي العاني - دار المعارف بغداد (1386 هـ). 189 - ديوان الكميت بن زيد الأسدي، تقديم داود سلوم - طبعة النعمان، بغداد (1969 م). 190 - ديوان لبيد بن ربيعة العامري، تحقيق د/ إحسان عباس - الكويت (1962 م). 191 - ديوان ليلى الأخيلية، تحقيق خليل إبراهيم العطية وزميله - دار الجمهورية بغداد (1969 م). 192 - ديوان المتلمس - تحقيق حسن كامل الصيرفي - الشركة المصرية للطباعة (1970 م). 193 - ديوان مجنون ليلى، تحقيق عبد الستار فراج - دار مصر (1383 هـ)، وجمع وترتيب أبي بكر الوالبي، وتحقيق جلال الدين الحلبي - طبعة الحلبي (1358 هـ/ 1939 م). 194 - ديوان النابغة الذبياني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم - طبعة دار المعارف، مصر (1977 م)، وطبع بيروت المؤسسة العربية، وبتحقيق كرم البستاني - دار صادر، بيروت. 195 - ديوان أبي نواس الحسن بن هانئ، تحقيق أحمد عبد المجيد الغزالي - نشر دار الكتاب العربي، بيروت (1372 هـ/ 1953 م). 196 - ديوان النابغة الجعدي، تحقيق عبد العزيز رباح - نشر المكتب الإسلامي بدمشق (1384 هـ). 197 - ديوان النمر بن تولب تحقيق نوري حمودي القيس - طبعة المعارف بغداد (1969 م).

198 - ديوان الهذليين - طبعة دار الكتب المصرية (1367 - 1369 هـ) - ووزارة الثقافة والإرشاد القومي (1965 م). 199 - الرد على النحاة لابن مضاء القرطبي، تحقيق د/ محمد البنا - دار الاعتصام (1399 هـ). 200 - رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، تصحيح إبراهيم اليازجي - مطبعة هندية بالقاهرة - الطبعة الأولى (1321 هـ/ 1903 م). 201 - روح المعاني للآلوسي - طبعة دار الطباعة المنيرية - دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 202 - الروض الأنف للسهيلي - مطبعة الجمالية بمصر (1322 هـ/ 1914 م). 203 - السبعة في القراءات لابن مجاهد، تحقيق د/ شوقي ضيف - دار المعارف، الطبعة الثالثة. 204 - سر صناعة الإعراب لابن جني، تحقيق مصطفى السقا وآخرين - طبعة الحلبي، طبعة أولى (1374 هـ). 205 - سمط اللآلئ لعبد العزيز اليمني الراجوتي - لجنة التأليف (1354 هـ). 206 - سنن أبي داود، تعليق أحمد سعد علي - طبعة الحلبي (1371 هـ)، وبحاشية عون المعبود - طبعة بيروت - نشر الحاج حسن إيراثي. 207 - سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - طبعة إحياء الكتب العربية (1954 م) الحلبي. 208 - سنن الترمذي، تحقيق إبراهيم عطوة عوض - مطبعة الحلبي. 209 - سنن النسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي - طبعة دار الفكر بيروت، الطبعة الأولى (1348 هـ/ 1975 م)، وطبع الحلبي الطبعة الأولى (1964 م). 210 - سير أعلام النبلاء للذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين - طبعة مؤسسة الرسالة، بيروت. 211 - سيرة ابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وآخرين - طبعة الحلبي - طبعة ثانية (1375 هـ).

212 - شجرة النور الذكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد مخلوف - المطبعة السلفية (1349 هـ). 213 - شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي - طبعة المكتب التجاري، بيروت، والقاهرة (1351 هـ) ونشر مكتبة القدس (1350 هـ). 214 - شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي، تحقيق محمد علي الريح هاشم - طبعة مكتبة الكليات الأزهرية، ودار الفكر للطباعة والنشر (1395 هـ/ 1975 م). 215 - شرح أبيات مغني اللبيب، تحقيق عبد العزيز رباح، وزميله - طبعة زيد ابن ثابت بدمشق. 216 - شرح ابن عقيل، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار مصر للطباعة - نشر وتوزيع دار التراث. 217 - شرح أشعار الهذليين للسكري، تحقيق عبد الستار أحمد فراج، مراجعة أحمد محمد شاكر - طبعة المدني، ونشر مكتبة خيام، بيروت. 218 - شرح الأشموني على الألفية - طبعة الحلبي. 219 - شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم، بتحقيق محمد باسل عيون السود - دار الكتب، بيروت، ومنشورات ناصر خسرو، بيروت، لبنان. 220 - شرح التسهيل لابن مالك، تحقيق عبد الرحمن السيد والمختون - مكتبة الأنجلو المصرية، ومطابع سجل العرب (1394 هـ) - ودار هجر - الطبعة الأولى (1410 هـ/ 1990 م). 221 - شرح الجرجاني على شرح الرضي للكافية بهامش شرح الرضي - طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 222 - شرح جمل الزجاجي لابن عصفور، تحقيق صاحب أبو جناح - بغداد. 223 - شرح الرضي على كافية ابن الحاجب - طبعة دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان. 224 - شرح شافية ابن الحاجب للرضي، تحقيق الزفزاف وزميليه - دار الكتب العلمية، بيروت.

225 - شرح شذور الذهب لابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة التقدم (1398 هـ) ودار الثقافة. 226 - شرح شواهد الشافية للبغدادي - تحقيق الزفزاف وزميليه - دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ومطبعة حجازي القاهرة. 227 - شرح شواهد ابن عقيل على ألفية ابن مالك، للشيخ عبد المنعم الجرجاوي - طبعة الحلبي. 228 - شرح شواهد شروح الألفية للعيني، بهامش خزانة الأدب - طبع بولاق (1299 هـ). 229 - شرح طيبة النشر في القراءات العشر لابن الجزري، تحقيق علي محمد الضباع - طبعة الحلبي. 230 - شرح عمدة الحافظ، وعدة اللافظ لابن مالك، تحقيق عبد المنعم هريدي - مطبعة الأمانة - دار الفكر العربي (1975 م)، وجامعة أم القرى (1982 م)، وبتحقيق علي محمد معوض وعادل عبد الموجود - بيروت، الطبعة الأولى (2000 م). 231 - شرح المفصل لابن يعيش - طبعة عالم الكتب، بيروت، وطبعة المتنبي، القاهرة. 232 - شرح المقدمة الجزولية الكبير لأبي علي الشلوبين، تحقيق تركي بن سهو الغنيبى. مؤسسة الرسالة - الطبعة الثانية (1414 هـ/ 1994 م). 233 - شرح المقدمة النحوية لابن بابشاذ، تحقيق محمد أبو الفتوح شريف - طبعة الجهاز المركزي للكتب الجامعية، والمدرسية (1978 م). 234 - شرح المقرب في النحو لابن عصفور للدكتور علي محمد فاخر، صدر منه أربعة أجزاء؛ المرفوعات (1990 م) والمنصوبات (1994 م). 235 - الشعر والشعراء لابن قتيبة، تحقيق أحمد شاكر - طبعة الحلبي. 236 - شفاء العليل في إيضاح التسهيل للسلسيلي، تحقيق د/ شريف اليركاني - طبعة بيروت الأولى (1986 م).

237 - شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح لابن مالك، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - الطبعة الثالثة - عالم الكتب، بيروت (1403 هـ)، ودار العروبة (1957 م). 238 - شرح كتاب سيبويه للسيرافي، تحقيق د/ رمضان عبد التواب وآخرين، طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب، طبع منه أربعة أجزاء. 239 - صحيح البخاري بحاشية السندي - مطبعة الحلبي (1345 هـ) والمطبعة الأميرية (1314 هـ). 240 - صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - طبعة الحلبي - الطبعة الأولى (1375 هـ) - وبتحقيق عبد الله أحمد أبو زينة - طبعة الشعب. 241 - ضرائر الشعر لابن عصفور، تحقيق السيد إبراهيم محمد - دار الأندلس، الطبعة الثانية (1402 هـ). 242 - طبقات الشافعية الكبرى للسبكي، تحقيق محمود الطناحي وزميليه، طبعة الحلبي (1965 م). 243 - الطبقات الكبرى لابن سعد - طبعة دار صادر، بيروت (1377 هـ) - وطبع التحرير، وليدن. 244 - طبقات المفسرين للسيوطي - طبع ليدن (1839 م). 245 - طبقات النحويين واللغويين للزبيدي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم - طبعة دار المعارف (1973 م). 246 - العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق عبد الله درويش - طبعة العاني، بغداد (1386 هـ/ 1967 م). 247 - غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري - طبعة السعادة (1333 هـ). 248 - الفائق في غريب الحديث والأثر للزمخشري، تحقيق علي محمد البجاوي، ومحمد أبي الفضل إبراهيم - طبعة الحلبي - الطبعة الثانية. 249 - الفاخر في الأمثال للمفضل بن سلمة، تحقيق الطحاوي وزميله - طبعة دار إحياء الكتب العربية (1380 هـ)، والهيئة العامة للكتاب (1974 م).

250 - فرحة الأديب في الرد على ابن السيرافي في شرح أبيات سيبويه للغندجاني - تحقيق د/ محمد علي سلطان - دار قتيبة للطباعة والنشر بدمشق (1401 هـ/ 1981 م). 251 - الفهرست لابن النديم - طبعة الرحمانية بمصر (1348 هـ) - والاستقامة أيضا، ودار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت، لبنان (1398 هـ). 252 - فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - طبعة السعادة، وطبع نهضة مصر (1951 م). 253 - القاموس المحيط للفيروزأبادي - طبعة الحلبي، والهيئة المصرية العامة للكتاب والمطبعة الأميرية. 254 - الكامل في اللغة للمبرد - مكتبة المعارف، بيروت، وبتحقيق وليم رايت طبع ليسك (1864 م) - وبتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم وزميله طبع نهضة مصر. 255 - الكتاب لسيبويه - طبع بولاق (1318 هـ) - وبتحقيق هارون - الهيئة العامة للكتاب، القاهرة. 256 - كتاب الأفعال لابن القطاع - حيدرأباد (1360 هـ). 257 - كتاب الأفعال لابن القوطية، تحقيق علي فودة - طبع مصر (1952 م). 258 - الكشاف للزمخشري - طبعة الاستقامة (1373 هـ/ 1953 م)، ودار المعرفة، بيروت، وبتحقيق محمد الصادق قحماوي - طبعة الحلبي (1392 هـ/ 1972 م). 259 - الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق محيي الدين رمضان - مجمع اللغة العربية بدمشق (1394 هـ/ 1974 م). 260 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة - المثنى، بيروت، بغداد، ووكالة المعارف إستانبول، ومطبعة العالم طأولى (1310 هـ). 261 - لسان العرب لابن منظور - طبعة دار المعارف دار صادر، بيروت - وبولاق.

262 - اللباب في تهذيب الأنساب للسمعاني - مكتبة القدسي (1356 هـ). 263 - اللمع لابن جني، تحقيق حسين محمد محمد شرف - طبعة أولى (1398 هـ/ 1978 م). 264 - لمع الأدلة في أصول النحو للأنباري، تحقيق سيد الأفغاني - طبع الجامعة السورية (1955 م). 265 - المؤتلف والمختلف للآمدي، تحقيق عبد الستار أحمد فراج - طبعة إحياء الكتب العربية وبتعليق فـ كرنكو - القدس (1354 هـ). 266 - ما تلحن فيه العامة للكسائي، تحقيق رمضان عبد التواب - المدني - الطبعة الأولى (1403 هـ). 267 - ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج، تحقيق هدى محمود قراعة - مطابع الأهرام التجارية - نشر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (1391 هـ/ 1971 م). 268 - مجاز القرآن لأبي عبيدة، تحقيق محمد فؤاد سركيس - طبعة السعادة. 269 - مجمع الأمثال للميداني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - السنة المحمدية (1374 هـ)، وبتحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم - طبعة الحلبي، والمطبعة البهية المصرية. 270 - المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات، والإيضاح عنها لابن جني، تحقيق علي النجدي ناصف - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (1389 هـ). 271 - المحكم لابن سيده، تحقيق مصطفى السقا، وحسين نصار - طبعة الحلبي (1377 هـ). 272 - المخصص لابن سيده - طبعة المكتب التجاري بيروت، وبتحقيق الشنقيطي وزميله - طبع بولاق (1318 هـ). 273 - مختصر في شواذ القرآن لابن خالويه - نشر برجستراسر ألمانيا، وطبع عالم الكتب، بيروت، والمطبعة الرحمانية (1934 م). 274 - المذكر والمؤنث لابن الأنباري، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (1401 هـ/ 1981 م).

275 - المذكر والمؤنث للفراء، تحقيق رمضان عبد التواب - مطبعة قاصد خير - دار التراث (1975 م). 276 - مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم - دار نهضة مصر (1394 م). 277 - المرتجل لابن الخشاب، تحقيق علي حيدر - طبع دمشق (1392 هـ/ 1972 م). 278 - المسائل العسكرية لأبي علي الفارسي، تحقيق محمد الشاطر - طبعة المدني، طبعة أولى (1403 هـ/ 1982 م). 279 - المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل، تحقيق محمد كامل بركات - جامعة أم القرى السعودية. 280 - المستقصى في أمثال العرب للزمخشري - طبعة دار الكتب العلمية - بيروت (1397 هـ)، وطبع مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدرأباد - الهند. 281 - مسند الإمام أحمد بن حنبل - دار صادر للطباعة والنشر - بيروت (1313 هـ) - وطبع المطبعة اليمنية بمصر الحلبي (1313 هـ). 282 - مسند ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي - طبع عيسى الحلبي (1972 م). 283 - المصباح المنير للفيومي، تحقيق عبد العظيم الشناوي - طبعة دار المعارف (1977 م). 284 - معاني الحروف للرماني، تحقيق عبد الفتاح إسماعيل شلبي - دار نهضة مصر - دار العالم العربي. 285 - معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق عبد الجليل شلبي - المكتبة العصرية صيدا - بيروت. 286 - معاني القرآن للفراء، تحقيق أحمد نجاتي ورفاقه - طبعة دار الكتب (1374 هـ). 287 - معاني القرآن للأخفش الأوسط، تحقيق د/ فائز فارس - الكويت، طبعة أولى (1400 هـ).

288 - معاهد التنصيص لعبد الرحيم العباسي، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، طبعة السعادة. 289 - معجم الأدباء لياقوت الحموي - طبعة عيسى الحلبي، ودار المأمون (1323 هـ). 290 - معجم البلدان لياقوت الحموي - طبعة السعادة (1323 هـ)، دار صادر، بيروت. 291 - معجم شواهد العربية لعبد السّلام هارون - نشر الخانجي - طبعة أولى (1392 هـ/ 1972 م). 292 - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث لمحمد فؤاد عبد الباقي وآخرين - يربل (1969 م/ 1954 م). 293 - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي - دار الفكر، بيروت. 294 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، بدون تاريخ - وبحاشية الأمير - دار إحياء الكتب العربية. 295 - المفصل في علم العربية للزمخشري - دار الجيل، بيروت، لبنان. 296 - مقاييس اللغة لابن فارس، تحقيق عبد السّلام هارون - طبعة الحلبي طبعة ثانية، والخانجي طبعة ثالثة (1402 هـ). 297 - المقتضب للمبرد، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة - طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. 298 - مقدمة ابن خلدون - طبعة مصطفى محمد، وطبعة دار الشعب، والتقدم. 299 - المقدمة الجزولية في النحو لأبي موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي، تحقيق د/ شعبان عبد الوهاب محمد وآخرين. 300 - المقرب لابن عصفور، تحقيق الجواري والجيوري - طبعة العاني - بغداد. 301 - الممتع لابن عصفور تحقيق فخر الدين قباوة - طبعة دار الآفاق الجديدة - بيروت.

302 - المنصف لابن جني، تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين - طبعة الحلبي. 303 - الموطأ للإمام مالك بن أنس تعليق محمد فؤاد عبد الباقي - طبعة دار إحياء الكتب العربية الحلبي. 304 - موقف النحاة من الحديث الشريف، د/ خديجة الحديثي - منشورات وزارة الثقافة والإعلام - العراق (1981 م)، وطبع بيروت كذلك. 305 - نتائج الفكر للسهيلي، تحقيق د/ محمد البنا - منشورات جامعة قاريونس. 306 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لابن تغري بردي - طبعة دار الكتب المصرية - طبعة أولى. 307 - نزهة الألباني في طبقات الأدباء لابن الأنباري، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم - طبعة دار نهضة مصر - جمعية إحياء مآثر علماء العرب. 308 - نشأة النحو للشيخ محمد الطنطاوي - طبعة دار المعارف، وبتعليق عبد العظيم الشناوي وزميله - الطبعة الثانية (1389 هـ). 309 - النشر في القراءات العشر، لابن الجزري تصحيح علي محمد الضباع - طبعة دار الكتب العلمية بيروت، وبتحقيق محمد سالم محيسن - نشر مكتبة القاهرة بميدان الأزهر. 310 - نفح الطيب من غصن الأندلس الطيب للمقري - طبعة عيسى الحلبي، والمطبعة الأزهرية المصرية. 311 - النقائض بين جرير والفرزدق - طبعة مكتبة المثنى بغداد، وبتحقيق بيفان - ليدن (1905 م). 312 - النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير - نسخة قديمة، وبهامشه الدر النثير للسيوطي - المطبعة العثمانية بمصر (1311 هـ)، وبتحقيق الزاوي والطناحي - دار إحياء الكتب العربية (1383 هـ). 313 - نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب - اختيار الشريف الرضي، بتحقيق الإمام محمد عبده ورفاقه - طبعة الشعب.

314 - النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري، تحقيق محمد عبد القادر أحمد - دار الشروق - بيروت (1401 هـ/ 1981 م)، وبتحقيق سعيد الخوري - بيروت (1894 م). 315 - هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي - طبعة إستانبول (1951 م)، وبيروت (1955 م). 316 - همع الهوامع للسيوطي - طبعة السعادة (1327 هـ)، ودار المعرفة، بيروت، لبنان. 317 - الوافي بالوفيات لصلاح الدين الصفدي - طبع إستانبول (1931 م)، والطبعة الألمانية. 318 - الوافي في التصغير والنسب وغيرهما للشيخ أحمد عمارة - الطبعة الثالثة (1956 م). 319 - وفيات الأعيان لابن خلكان، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد - طبعة السعادة، القاهرة (1931 م)، (1948 م)، والمطبعة الميمنية، ودار صادر، بيروت. 320 - يتيمة الدهر للثعالبي - طبعة دار الكتب العلمية، بيروت (1399 هـ/ 1979 م). * * *

السير الذاتية للمحققين

السير الذاتية للمحققين أ. د. علي محمّد فاخر كلّيّةاللّغة العرّبيّة بالمنصورة جامعة الأزهر / أ. د. جابر محمّد البراجة كلّيّة اللّغة العربيّة بالزّقازيق جامعة الأزهر / أ. د. إبراهيم جمعة العاجيمى كلّيّة اللّغة العربيّة بإيتاي البارود جامعة الأزهر أ. د. جابر السيّد مبارك كلّية الدّاراسات الإسلاميّة والعربيّة بالمنصورة جامعة الأزهر / أ. د. علي السنوسي محمّد كلّيّة العربيّة بأسيوط جامعة الأزهر / أ. د. محمّد راغب نزّال كلّيّة اللّغة العربيّة والعلوم الاجتماعيّة جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلامية

1 - أ. د. علي محمد فاخر

1 - أ. د. علي محمد فاخر * ولد بقرية ميت غزال، مركز السنطة، محافظة الغربية سنة 1947 م. * والتحق بكتاب القرية، وحفظ القرآن الكريم، ودخل الأزهر الشريف فحصل على الإعدادية سنة 1965 م، والثانوية سنة 1970 م. * ثم التحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة، وحصل على الليسانس سنة 1974 م بتقدير جيد جدّا مع مرتبة الشرف، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه سنة 1985 م بمرتبة الشرف الأولى. * عيّن معيدا بكلية اللغة العربية بأسيوط، ثم انتقل إلى المنصورة وترقى إلى أن وصل إلى درجة أستاذ في النحو والصرف، وعمل بكلية اللغة العربية بالرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مدة عشر سنوات. * أشرف على عدة رسائل ماجستير ودكتوراه، كما ناقش عدة رسائل أخرى في كليات اللغة العربية بفروع جامعة الأزهر. * له مؤلفات كثيرة، أهمها: 1 - شرح المقرب لابن عصفور (عدة أجزاء). 2 - التوجيهات النحوية والصرفية للقراءات الثلاثة بعد السبعة (جزآن). 3 - دراسات نحوية وصرفية في شعر ذي الرمة (جزء واحد). 4 - تحقيق المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية للعيني (عدة أجزاء). 5 - أخطاء المتنبي النحوية والصرفية (رسالة الماجستير). 6 - ديوان شعر كبير (تحت الطبع). 7 - أوزان الشعر وقوافيه من مسرحيات شوقي (جزآن). 8 - تغيير النحويين للشواهد. * * *

2 - أ. د. جابر محمد محمود البراجة

2 - أ. د. جابر محمد محمود البراجة * ولد في قرية إبيار، مركز كفر الزيات، محافظة الغربية. * تاريخ الميلاد: 16/ 4 / 1947 م. * تخرّج في كلية اللغة العربية بالقاهرة - جامعة الأزهر عام 1973 م، وحصل على الإجازة العالية «الليسانس» بتقدير جيد جدّا. * وعمل مدرسا للغة العربية في وزارة التربية والتعليم، ثم حصل على درجة التخصص الماجستير من الكلية نفسها بتقدير جيد جدّا عام 1980 م، وكان موضوع الرسالة «مع النحو والنحاة في سورة الأعراف»، وعيّن بعد ذلك مدرسا مساعدا في قسم اللغويات بكلية اللغة العربية بالزقازيق عام 1981 م. * وفي عام 1983 م حصل على درجة العالمية «الدكتوراه» في اللغويات من كلية اللغة العربية بالقاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وكان موضوع الرسالة «تحقيق ودراسة الجزء الثاني من: تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد لناظر الجيش». * وقد عيّن مدرسا في قسم اللغويات بكلية اللغة العربية بالزقازيق عام 1984 م، ثم حصل على درجة أستاذ مساعد في القسم نفسه عام 1988 م، وفي العام نفسه أعير إلى كلية الآداب للبنات بالدمام في المملكة العربية السعودية، وعمل بها أستاذا مشاركا للنحو والصرف في قسم اللغة العربية وآدابها. * وحصل على درجة أستاذ في اللغويات عام 1994 م، وبعدها عيّن رئيسا لقسم اللغويات في كلية اللغة العربية بالزقازيق، ثم أعير مرة أخرى إلى كلية اللغة العربية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض بالمملكة العربية السعودية عام 1999 م، وعمل بها أستاذا للنحو والصرف حتى عام 2002 م، وفي خلال هذه الفترة أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه، ثم عاد إلى كلية اللغة العربية بالزقازيق ليعمل أستاذا ورئيسا لقسم اللغويات فيها. * وله من المؤلفات: 1 - من المسائل الخلافية بين الأخفش وسيبويه. 2 - الشواهد النحوية واللغوية في شعر رؤبة بن العجاج.

3 - ظاهرة التقديم بين النحويين والبلاغيين. 4 - مخالفة الأصل في النحو والصرف. 5 - الاتجاهات البصرية عند الكسائي. 6 - الوقف عند الصرفيين والقراء. 7 - المقتضب من كلام العرب «لابن جني» دراسة وتحقيق. 8 - المحتسب في التصغير والنسب. 9 - دراسات لغوية في بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. 10 - من التعليلات النحوية عند سيبويه. 11 - الواو العاطفة بين الجمع والترتيب. 12 - الوسيط في تصريف الأفعال. 13 - محاضرات في النحو والصرف. 14 - ديوان شعر تحت الطبع سيصدر قريبا - إن شاء الله -. * هذا وقد أشرف المؤلف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في قسم اللغويات بجامعة الأزهر وما زال عطاؤه - والحمد لله - مستمرّا، والله الموفق. * * *

3 - أ. د. إبراهيم جمعة إبراهيم العجمي

3 - أ. د. إبراهيم جمعة إبراهيم العجمي * الموطن الأصلي: نشأ في إحدى قرى محافظة الدقهلية بجمهورية مصر العربية. * حفظ القرآن الكريم في إحدى القرى المجاورة لقريته. * التحق بالمعاهد الأزهرية، وأتم الدراسة بمراحلها المختلفة. * التحق بكلية اللغة العربية - جامعة الأزهر بالقاهرة، وتخرج فيها، وحصل على درجة الإجازة العالية «الليسانس» في اللغة العربية وآدابها. * ثم حصل على درجة الماجستير في الأدب والنقد، والماجستير في اللغويات «النحو والصرف». * ثم حصل على درجة العالمية «الدكتوراه» في اللغويات مع مرتبة الشرف الأولى. * عمل بالمدارس النموذجية الإعدادية والثانوية، ثم انتقل إلى العمل بالتدريس في كلية اللغة العربية - جامعة الأزهر. * له نشاط لغوي وأدبي بالتدريس في المدارس. * * *

4 - أ. د. جابر السيد مبارك

4 - أ. د. جابر السيد مبارك * من مواليد الدقهلية، دميرة، مركز طلخا. * حفظ القرآن الكريم، وأتمه حفظا وتجويدا في الثانية عشرة من عمره. * التحق بمعهد المنصورة الديني عام 1964 م ومنه: * حصل على الإعدادية الأزهرية (نظام أربع سنوات) عام 1968 م. * ثم حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية (نظام أربع سنوات أيضا) عام 1972 م بترتيب رفيع. * أحب اللغة العربية فالتحق بكلية اللغة العربية بالقاهرة - جامعة الأزهر عام 1972 م/ 1973 م، وفيها حصل على الليسانس في اللغة العربية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1976 م، وكان الأول على الكلية. * عيّن معيدا في قسم اللغويات بكلية اللغة العربية بالقاهرة في يناير 1977 م. * أنهى الدراسات التمهيدية للماجستير بتقدير «ممتاز» والأول على زملائه عام 1979 م. * حصل على الماجستير في اللغويات عن رسالته «الكفاية في علم الإعراب» بتفوق أيضا، وعيّن مدرسا مساعدا في الكلية عام 1981 م. * ثم حصل على الدكتوراه في اللغويات من الكلية نفسها عام 1984 م - بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، وعيّن مدرسا في قسم اللغويات بالكلية عام 1984 م. * قدّم أبحاثا علمية عديدة، ورقّي بها إلى «أستاذ مساعد» بالقسم عام 1990 م - كلية اللغة العربية بالقاهرة. * وقدّم أبحاثا علمية أخرى جديدة، ورقّي بها إلى درجة «أستاذ» في اللغويات عام 1997 م. * سافر وعمل أستاذا زائرا، ومعارا من جامعة الأزهر بالقاهرة إلى أكثر من دولة وبخاصة: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية اللغة العربية بالرياض - بالسعودية.

من مؤلفاته وأعماله العلمية في التأليف والتحقيق

* حصل على شهادات تقدير وعرفان وتميز من جهات كثيرة. * انتقل بعد ذلك من القاهرة إلى المنصورة - كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات - جامعة الأزهر. * عمل أستاذا ورئيسا لقسم اللغويات في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة - جامعة الأزهر. * وهو الآن: [عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة]. * من مؤلفاته وأعماله العلمية في التأليف والتحقيق: 1 - أيّ المشددة في القرآن الكريم استعمالاتها وأحكامها النحوية. 2 - تحفة الطالبين في إعراب قوله تعالى: إنّ رحمت الله قريب مّن المحسنين لابن طولون الدمشقي - دراسة وتحقيق. 3 - التعويض في لغة العرب. 4 - الشواهد النحوية والصرفية في شعر حسان بن ثابت - جمع ودراسة وتقويم. 5 - فتح الرءوف الرحمن بشرح ما جاء على مفعل ونحوه من المصدر واسم الزمان والمكان للسجاعي - دراسة وتحقيق. 6 - الكلام على قوله تعالى: إن هذن لسحران لابن تيمية - دراسة وتحقيق. 7 - ما فيه إعرابان أو أكثر من كلام العرب. 8 - المباحث المرضية المتعلقة بمن الشرطية وغيرها من أدوات الشرط لابن هشام - دراسة وتحقيق. 9 - من قضايا النحو والتصريف. * * *

5 - أ. د. علي السنوسي محمد حسين

5 - أ. د. علي السنوسي محمد حسين * تاريخ الميلاد: 24/ 3 / 1952 م. * محل الميلاد: مدينة جرجا، محافظة سوهاج. * الدراسة والشهادات العلمية: * أتم حفظ القرآن الكريم بحمد الله دون العاشرة من عمره بجمعية تحفيظ وتجويد القرآن الكريم، التي كان يعمل ناظرا لها فضيلة الشيخ المرحوم/ محمد أبو العلا إبراهيم، ووكيلا لها فضيلة الشيخ المرحوم/ عارف أحمد إبراهيم. * لم يتعلم بمدارس التربية والتعليم. * التحق بمعهد جرجا الديني التابع للأزهر الشريف سنة 1963 م. * حصل على الإعدادية الأزهرية سنة 1967 م. * حصل على الثانوية الأزهرية سنة 1970 م، وكان ترتيبه الأول على طلاب معهد جرجا الديني الثانوي. * التحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة سنة 1970/ 1971 م. * حصل على ليسانس اللغة العربية من كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بالقاهرة سنة 1975 م. * التحق بقسم الدراسات العليا بكلية اللغة العربية بالقاهرة «قسم اللغويات» سنة 1976 م. * حصل على درجة التخصص «الماجستير» في اللغويات من كلية اللغة العربية بالقاهرة سنة 1981 م. * حصل على درجة العالمية «الدكتوراه» من كلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر بأسيوط، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى سنة 1985 م. * التدرج الوظيفي: * عيّن معيدا في قسم «اللغويات» في كلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر بأسيوط سنة 1976 م.

الانتدابات والإعارات للخارج

* عيّن مدرسا مساعدا في قسم «اللغويات» في كلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر بأسيوط سنة 1981 م. * عيّن مدرسا في قسم «اللغويات» في كلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر بأسيوط سنة 1985 م (تحديدا في 4/ 12 / 1985 م). * عيّن أستاذا مساعدا في كلية اللغة العربية فرع جامعة الأزهر بأسيوط سنة 1996 م. * الانتدابات والإعارات للخارج: * انتدب للعمل في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بسوهاج. * انتدب للعمل بقسم الدراسات العليا في كلية البنات الإسلامية بأسيوط. * انتدب للعمل بمعهد إعداد الدعاة التابع للأزهر الشريف بسوهاج. * أعير للعمل بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية (من سنة 1989 م حتى سنة 1992 م). * أعير للعمل بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها بالمملكة العربية السعودية (من سنة 1993 م حتى سنة 1994 م). * أعير للعمل بكلية الدعوة فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية سنة 2002 م. * أعير للعمل بجامعة طيبة بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وما زال يعمل بها «أستاذا مشاركا» بقسم اللغة العربية في كلية التربية والعلوم الإنسانية (من سنة 2005 م حتى تاريخه). * يشارك في إعداد وتقديم برامج دينية في إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية. * * *

6 - أ. د. محمد راغب يوسف نزال

6 - أ. د. محمد راغب يوسف نزال * تاريخ الميلاد: 15/ 7 / 1946 م. * العنوان الدائم: جمهورية مصر العربية، القاهرة، مدينة نصر، الحي الثامن ش 14 أحمد الزمر. * الجنسية: فلسطيني. * المؤهلات العلمية: * (1971 م) إجازة التدريس «البكالوريوس»، جامعة الأزهر. * (1981 م) شهادة التخصص «الماجستير»، جامعة الأزهر. * (1986 م) شهادة العالمية «الدكتوراه»، جامعة الأزهر. * الخبرات العملية: * (1971 م - 1974 م) مدرس في مدارس المملكة العربية السعودية «وزارة المعارف». * (1974 م - 1978 م) مدرس في مدارس الجماهيرية الليبية. * (1978 م - 1981 م) تفرغ للحصول على درجة التخصص. * (1983 م - 1985 م) محاضر في كلية إعداد المعلمين بالرس، القصيم، المملكة العربية السعودية. * (1985 م - 1986 م) تفرغ للحصول على درجة العالمية. * (1987 م - 2002 م) أستاذ مساعد في قسم النحو والصرف بفرع جامعة الإمام بالقصيم. * * *

عزيزي القارئ الكريم: نشكرك على اقتنائك كتابنا هذا، الذي بذلنا فيه جهدا نحسبه ممتازا، كي نخرجه على الصورة التي نرضاها لكتبنا، فدائما نحاول جهدنا في إخراج كتبنا بنهج دقيق متقن، وفي مراجعة الكتاب مراجعة دقيقة على ثلاث مراجعات قبل دفعه للطباعة، ويشاء العلي القدير الكامل أن يثبت للإنسان عجزه وضعفه أمام قدرته مهما أوتي الإنسان من العلم والخبرة والدقة تصديقا لقوله تعالى: يريد الله أن يخفّف عنكم وخلق الإنسن ضعيفا (النساء: 28) فأخي العزيز إن ظهر لك خطأ طباعي أثناء قراءتك للكتاب فلا تتوان في أن تسجله في هذا النموذج وترسله لنا فنتداركه في الطبعات اللاحقة، وبهذا تكون قد شاركت معناه بجهد مشكور يتضافر مع جهدنا جميعا في سيرنا نحو الأفضل. شاكرين لكم حسن تعاونكم .. ،

§1/1